1218- أيوب بن جابر 1: "د، ت"
السُّحَيمي، اليمامي، الفَقِيْهُ، المُحَدِّثُ، أَبُو سُلَيْمَانَ.
أَخَذَ عَنِ الكُوْفِيِّيْنَ: آدَمَ بنِ عَلِيٍّ، وَحَمَّادٍ الفَقِيْهِ، وسِماك بنِ حرب، وجماعة.
حَدَّثَ عَنْهُ: خَالِدُ بنُ مِرْدَاسٍ، وَسَعِيْدُ بنُ يَعْقُوْبَ الطَّالْقاني، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، ولُوَين، وَعَلِيُّ بنُ حُجر، وَآخَرُوْنَ. وَهُوَ سَيِّئُ الحِفْظِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدِيْثهُ يُشْبِهُ حَدِيْثَ أَهْلِ الصِّدْقِ.
وَقَالَ الفَلاَّسُ: صَالِحٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيْفٌ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ هُوَ أَيُّوْبُ بنُ جَابِرِ بنِ سَيَّارِ بنِ طَلْقٍ الحَنَفِيُّ، يَرْوِي عَنْ: بِلاَلِ بنِ المُنْذِرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُصم، يُخطِئُ حَتَّى خَرَجَ عَنْ حَدِّ الاحْتِجَاجِ بِهِ؛ لِكَثْرَةِ وَهْمِهِ.
قلت بقِيَ إلى نحو الثمانين ومائة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 1309"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 260"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 862"، تهذيب التهذيب "1/ 399"، تقريب التهذيب "1/ 89".(7/268)
1219- أيوب بن عُتْبة 1: "ق"
الفَقِيْهُ، قَاضِي اليَمَامَةِ، أَبُو يَحْيَى.
حَدَّثَ عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَقَيْسِ بنِ طَلْق، وَأَبِي بَكْرٍ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، وَإِيَاسِ بنِ سَلَمَةَ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ.
وَعَنْهُ: الأَسْوَدُ شَاذَانُ، وَحَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، وَسَعْدَوَيْه، وَعَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ، وَآدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ، وَمَحْمُودُ بنُ محمد الظفري شيخ ابن صاعد، وآخرون.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ضَعِيْفٌ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ: لَيِّنُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ بَعْضُهُم: هُوَ مُكْثِرٌ عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَكِتَابُهُ عَنْهُ صَحِيْحٌ.
وَرَوَى عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى قَالَ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: فِيْهِ لِيْنٌ، حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ، فَغَلِطَ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يُخطِئُ كَثِيْراً، فَمِنْ ذَلِكَ:
عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ حَبَشِيٌّ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: فُضِّلْتُم عَلَيْنَا بِالأَلوَانِ، وَالصُّوَرِ، وَالنُّبُوَّةِ، أَفَرَأَيتَ إِنْ آمَنتُ وَعَمِلْتُ بِمَا عَمِلتَ إِنِّيْ لَكَائِنٌ مَعَكَ فِي الجَنَّةِ? قَالَ: "نَعَمْ، إِنَّهُ لَيُرَى بَيَاضُ الأَسْوَدِ مِنْ مَسِيْرَةِ أَلْفِ سَنَةٍ ... "، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ2. رَوَاهُ عَنْهُ: عَفِيْفُ بنُ سَالِمٍ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: بَاطِلٌ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ أَيُّوْبُ بنُ عُتْبَةَ صَحِيْحَ الكتاب.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 1347"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 171"، الجرح والتعديل "2/ ترجمة 907"، والمجروحين لابن حبان "1/ 169-170"، ميزان الاعتدال "1/ ترجمة 1090"، تهذيب التهذيب "1/ 408"، وتقريب التهذيب "1/ ترجمة 703".
2 ذكره ابن حبان في "المجروحين" "1/ 169-170".(7/269)
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَمَّا كُتُبُهُ فَصَحِيْحَةٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مُضْطَرِبُ الحَدِيْثِ.
قُلْتُ: وَلَهُ عَنْ قَيْسِ بنِ طَلْقٍ، عَنْ أَبِيْهِ، مَرْفُوْعاً: "لاَ تَمْنَعِ المرأة نفسها، ولو على قتب" 1.
قيل: مات في سنة سبعين ومائة.
__________
1 صحيح لغيره: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "1/ 352" من طريق سعيد بن سليمان، عن أيوب بن عتبة، عن قيس بن طلق بن علي، عن أبيه، به مرفوعا.
قلت: إسناده ضعيف، آفته أيوب بن عتبة، فإنه ضعيف كما ذكر المؤلف، وأخرجه البزار في "مسنده": حدثنا محمد بن ثعلبة بن محمد بن سواء، حدثنا محمد بن سواء، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن القاسم الشيباني، عن زيد بن أرقم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا دعا الرجل امرأته فلتجب، وإن كانت على هر قتب".
قلت: إسناده حسن، محمد بن ثعلبة، صدوق كما قال الحافظ في "التقريب"، وقد تابعه بشر بن عبد الملك، أخبرنا محمد بن سواء، به بلفظ: "لا تمنع المرأة زوجها نفسها، وإن كانت على قتب". أخرجه الطبراني في "الأوسط" عن محمد بن يزيد الأسفاطي، حدثنا أبو يزيد الكوفي بشر بن عبد الملك، أخبرنا محمد بن سواء، به. فالحديث صحيح بمجموع هذه الطرق والله أعلم.(7/270)
1220- محمد بن جابر 1: "د، ق"
ابن سيار السحيمي، اليمامي، أَخُو أَيُّوْبَ.
حَدَّثَ عَنْ: حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَقَيْسِ بنِ طَلْقٍ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَابْنُ عَوْنٍ -وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ- ومُسَدَّد، ولُوَين، وَإِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، وَآخَرُوْنَ.
ضَعَّفَهُ يَحْيَى، وَالنَّسَائِيُّ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَاءَ حِفْظُهُ، وَذَهَبتْ كُتُبُهُ.
قُلْتُ: مَا هُوَ بِحُجَّةٍ، وَلَهُ مَنَاكِيْرُ عِدَّةٌ كَابْنِ لَهِيْعَةَ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ بضع وسبعين ومائة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 111"، والكنى للدولابي "2/ 59"، والضعفاء الكبير "4/ ترجمة 1589"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 121" و"3/ 260"، الجرح والتعديل "7/ 219"، والمجروحين لابن حبان "2/ 270"، وابن عدي في "الكامل" "6/ ترجمة رقم 1646"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 7301"، وتهذيب التهذيب "9/ 89"، وتقريب التهذيب "2/ 150"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6104".(7/270)
1221- جعفر بن سليمان 1:
ابن علي بن حبر الأمة عبد الله بن عباس، الأَمِيْرُ، سَيِّدُ بَنِي هَاشِمٍ، أَبُو القَاسِمِ العَبَّاسِيُّ، ابْنُ عَمِّ المَنْصُوْرِ.
رَوَى عَنْ أَبِيْهِ.
وَعَنْهُ: ابْنَاهُ؛ قَاسِمٌ وَيَعْقُوْبُ، وَعُمَرُ بنُ عَامِرٍ، وَالأَصْمَعِيُّ.
وَكَانَ مِنْ نُبَلاَءِ المُلُوْكِ جُوداً وَبَذْلاً، وَشَجَاعَةً وَعِلماً، وَجَلاَلَةً، وَسُؤْدُداً، وَلِيَ المَدِيْنَةَ، ثُمَّ مَكَّةَ مَعَهَا، ثُمَّ عُزِلَ، فَوَلِيَ البَصْرَةَ لِلرَّشِيْدِ.
قَالَ عَبْدُ السَّمِيْعِ بنُ عَلِيٍّ: لاَ نَعْرِفُ فِي بَنِي هَاشِمٍ أَغبَطَ مِنْهُ، حَصَلَ لَهُ الشَّرَفُ وَالإِمْرَةُ وَالمَالُ الجَمُّ، وَالأَوْلاَدُ الزُّهْر، وَالعَبِيْدُ.
مَاتَ عن ثمانين ولدًا لصلبه، منهم ثلاث وَأَرْبَعُوْنَ ذَكَراً.
وَوَلِيَ ابْنُهُ أَيُّوْبُ اليَمَنَ فِي حَيَاتِه.
وَلَهُ مَآثِرُ كَثِيْرَةٌ وَوَقْفٌ عَلَى المُنْقَطِعِيْنَ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَكرَمَ أَخْلاَقاً، وَلاَ أَشْرَفَ أَفْعَالاً مِنْهُ.
وَفِيْهِ يَقُوْلُ حَبِيْبُ بنُ شَوْذَبٍ:
يَا أَيُّهَا السَّائِلُ عَنْ هَاشِمٍ ... هَلْ لَكَ فِي سَيِّدِهَا جَعْفَرِ
هَلْ لَكَ فِي أَشْبَهِهِمْ غُرَّةً ... إِذَا بَدَا بِالقَمَرِ الأَزْهَرِ
وَلِي المَدِيْنَةَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، بَعْدَ عَبْدِ الله بن الربيع الحارثي.
وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: رَكِبَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ فِي زِيٍّ عَجِيْبٍ مِنَ التَّجَمُّلِ، وَكَانَ بِالبَصْرَةِ فَقِيْهٌ صَالِحٌ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ، فَخَرَجَ إِلَى طَرِيْقِ جَعْفَرٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا جَعْفَرُ! اُنْظُرْ أَيَّ رَجُلٍ تَكُوْنُ إِذَا خَرَجتَ مِنْ قَبْرِكَ، وَحُمِلْتَ عَلَى الصِّرَاطِ، وَهَذَا الجَمعُ وَالزِّيُّ لاَ يُسَاوِي غدًا حبة، ولا
__________
1 ترجمته في المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 131"، وعيون الأخبار لابن قتيبة "1/ 222" و"2/ 253" و"3/ 24 و199".(7/271)
يُغْنُوْنَ عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً، إِنَّكَ تَمُوتُ وَحدَكَ، وَتَدْخُلُ قَبْرَكَ وَحْدَكَ، وَتَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَحدَكَ، وَتُحَاسَبُ وَحدَكَ، فَانظُرْ لِنَفسِكَ، فَقَدْ نَصَحتُكَ.
ذَكَرَ ابْنُ الفُوطي1، جَعْفَراً، فَلَقَّبَهُ: بِسَيِّدِ بَنِي هَاشِمٍ، وَقَالَ: كَانَ لَهُ بِالبَصْرَةِ كُلَّ يَوْمٍ غَلَّةُ ثَمَانِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: غَسلت جَعْفَرَ بنَ سُلَيْمَانَ، وَزَرَرْتُ عَلَيْهِ قَمِيْصَه حِيْنَ أَلبَستُهُ الكَفَنَ، ثُمَّ جَاءَ عَمُّهُ عَبْدُ الصَّمَدِ بِتِسْعَةِ أَثْوَابٍ لِيُكَفِّنَه فِيْهَا، فَمَا كُفِّنَ إِلاَّ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ عَمَلاً بِالسُّنَّةِ.
وَقَدِ امْتَدَحَه جَمَاعَةٌ، وَأَخَذُوا جَوَائِزَه.
تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: سَنَةَ خَمْسٍ.
__________
1 ابن الفوطي، هو العالم البارع المتفنن المحدث المفيد مؤرخ الآفات مفخر أهل العراق كمال الدين أبو الفضائل عبد الرزاق بن أحمد بن محمد بن أبي المعالي الشيباني ابن الفوطي نسبة إلى جد أبيه لأمه، ويعرف أيضا بابن الصابوني ينتسب إلى الأمير معين بن زائدة وأصله مروزي، له كتاب في خمسين مجلدا سماه "مجمع الآداب في معجم الأسماء على معجم الألقاب" وألف كتاب "درر الأصداف في غرر الأوصاف" وهو كبير جدا ذكر أنه جمعه من ألف كتاب مصنف من التواريخ والدواوين والأنساب والمجاميع عشرون مجلدا بيض منها خمسة. وكتاب "المؤتلف والمختلف"، وله كتاب "التواريخ على الحوادث"، وكتاب "حوادث المائة السابعة"، وكتاب "الدرر الناصعة في شعراء المائة السابعة"، في عدة مجلدات. مات في المحرم سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة ببغداد عن إحدى وثمانين سنة. ترجمته في "تذكرة الحفاظ" "4/ ترجمة 1173". ولسان الميزان "4/ ترجمة 23".(7/272)
1222- أخوه محمد بن سليمان 1:
ولي البصرة أيضًا، وكان فارس بن هاشم، قتل إبراهيم بن عبد الله الخَارِجَ عَلَى المَنْصُوْرِ.
وَوَلِيَ أَيْضاً مَمْلَكَةَ فَارِسٍ، وَكَانَ جَوَاداً، مُمَدحًا.
قِيْلَ: إِنَّ الرَّشِيْدَ احْتَاطَ عَلَى تَرِكَته، فَكَانَتْ خَمْسِيْنَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ عَظِيْمَ قَوْمِهِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ قَالَ عِنْدَ المَوْتِ: يَا لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْنِي، وَيَا لَيْتَنِي كُنْتُ حمَّالا. وَكَانَ رَقِيْقَ القلب.
توفي سنة ثلاث وسبعين ومائة.
__________
1 ترجمته في تاريخ بغداد "5/ 291"، الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "3/ 121"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 47 و70 و73".(7/272)
1223- رابعة العدوية 1:
البَصْرِيَّةُ، الزَّاهِدَةُ، العَابِدَةُ، الخَاشعَةُ، أُمُّ عَمْرٍو رَابِعَةُ بِنْتُ إِسْمَاعِيْلَ، وَلاَؤُهَا لِلْعَتَكِيِّينَ. وَلَهَا سِيْرَةٌ فِي "جُزْءٍ" لابْنِ الجَوْزِيِّ.
قَالَ خَالِدُ بنُ خِدَاشٍ: سَمِعَتْ رَابِعَةُ صَالِحاً المُرِّيَّ يَذْكُرُ الدُّنْيَا فِي قَصَصِهِ، فَنَادَتْهُ: يَا صَالِحُ، مَنْ أَحَبَّ شَيْئاً، أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ البُرجُلاني: حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ صَالِحٍ العَتَكِيُّ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ نَاسٌ عَلَى رَابِعَةَ وَمَعَهُم سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فتذاكروا عندها سَاعَةً، وَذَكَرُوا شَيْئاً مِنَ الدُّنْيَا، فَلَمَّا قَامُوا، قَالَتْ لِخَادِمَتِهَا: إِذَا جَاءَ هَذَا الشَّيْخُ وَأَصْحَابُهُ، فَلاَ تَأْذَنِي لَهُم، فَإِنِّي رَأَيتُهُم يُحِبُّونَ الدُّنْيَا.
وَعَنْ أَبِي يَسَارٍ مِسْمَعٍ، قَالَ: أَتَيْتُ رَابِعَةَ، فَقَالَتْ: جِئْتَنِي وَأَنَا أَطبُخُ أَرْزاً، فَآثَرتُ حَدِيْثَكَ عَلَى طَبِيْخِ الأَرْزِ، فَرَجَعتْ إِلَى القِدْرِ وَقَدْ طُبِخَتْ.
ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي عُبَيْسُ بنُ مَيْمُوْنٍ العَطَّارُ، حَدَّثَتْنِي عبدة بن أَبِي شَوَّالٍ -وَكَانَتْ تَخْدُمُ رَابِعَةَ العَدَوِيَّةَ- قَالَتْ: كَانَتْ رَابِعَةُ تُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ، فَإِذَا طَلَعَ الفَجْرُ، هَجَعَتْ هَجْعَةً حَتَّى يُسْفِرَ الفَجْرُ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهَا تَقُوْلُ: يَا نَفْسُ كَمْ تَنَامِيْنَ، وَإِلَى كَمْ تَقُوْمِيْنَ، يُوْشِكُ أَنْ تَنَامِي نَوْمَةً لاَ تَقُوْمِيْنَ مِنْهَا إِلاَّ لِيَوْمِ النُّشُورِ.
قَالَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: دخلتُ مَعَ الثوريِّ عَلَى رَابِعَةَ، فَقَالَ سُفْيَانُ: وَاحُزْنَاهُ! فَقَالَتْ: لاَ تَكْذِبْ، قُلْ: وَاقِلَّةَ حُزْنَاهُ!
وَعَنْ حَمَّادٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَسَلاَّمُ بنُ أَبِي مُطِيْعٍ عَلَى رَابِعَةَ، فَأَخَذَ سَلاَّمٌ فِي ذِكْرِ الدُّنْيَا، فَقَالَتْ: إِنَّمَا يُذكَرُ شَيْءٌ هُوَ شَيْءٌ، أَمَّا شَيْءٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ، فَلاَ.
شَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ: حَدَّثَنَا رِيَاحٌ القَيْسِيُّ، قَالَ: كُنْتُ اخْتَلَفتُ إِلَى شُمَيْطٍ أَنَا وَرَابِعَةُ، فَقَالَتْ مَرَّةً: تَعَالَ يَا غُلاَمُ. وَأَخَذَتْ بِيَدِي، وَدَعَتِ اللهَ، فَإِذَا جَرَّةٌ خَضْرَاءُ مَمْلُوْءةٌ عَسَلاً أَبْيَضَ، فَقَالَتْ: كُلْ، فَهَذَا -وَاللهِ- لَمْ تَحْوِهِ بطون النحل. ففرغت مِنْ ذَلِكَ، وَقُمنَا، وَتَرَكْنَاهُ.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ: أَمَّا رَابِعَةُ، فَقَدْ حَمَلَ النَّاسُ عَنْهَا حِكْمَةً كَثِيْرَةً، وَحَكَى عَنْهَا: سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، وَغَيْرُهُمَا مَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلاَنِ مَا قِيْلَ عنها، وقد تمثلته بهذا:
__________
1 ترجمتها في الإحياء للغزالي "2/ 267"، وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 231"، والعبر "1/ 278"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 193"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "1/ 330".(7/273)
وَلَقَدْ جَعَلْتُكَ فِي الفُؤَادِ مُحَدِّثِي ... وَأَبَحْتُ جِسْمِيَ من أراد جلوسي
فنسبها بعضهم إلى الحلو بِنِصْفِ البَيْتِ، وَإِلَى الإِبَاحَةِ بِتَمَامِهِ.
قُلْتُ: فَهَذَا غُلُوٌّ وَجَهْلٌ، وَلَعَلَّ مَنْ نَسَبَهَا إِلَى ذَلِكَ مُبَاحِيٌّ حُلُوْلِيٌّ، لِيَحْتَجَّ بِهَا عَلَى كُفْرِهِ، كَاحْتِجَاجِهِم بِخَبَرِ: "كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ" 1.
قِيْلَ: عَاشَتْ ثَمَانِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَتْ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
__________
1 صحيح: وهو جزء من حديث رواه البخاري "6502" عن أبي هريرة مرفوعا، وتمامه: "إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لاعيذنه, وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته".(7/274)
1224- أَمَّا رَابِعَةُ الشَّامِيَّةُ 2:
العَابِدَةُ، فَأُخْرَى مَشْهُوْرَةٌ، أَصْغَرُ مِنَ العَدَوِيَّةِ، وَقَدْ تَدْخُلُ حِكَايَاتُ هَذِهِ فِي حِكَايَاتِ هَذِهِ، وَالثَّانِيَةُ هِيَ القَائِلَةُ مَا رَوَى أحمد بن أبي الحواري، عن عَبَّاسِ بنِ الوَلِيْدِ، أَنَّهَا قَالَتْ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ قِلِّةِ صِدْقِي فِي قَوْلِي: أَسْتَغْفِرُ اللهَ.
__________
1 ترجمتها في صفوة الصفوة لابن الجوزي "4/ 300"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 110".(7/274)
مُلُوْكُ الأَنْدَلُسِ:
1225- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ بنِ هِشَامٍ 1:
ابْنِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ بنِ أَبِي العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ، أَمِيْرُ الأَنْدَلُسِ وَسُلْطَانُهَا، أَبُو المُطَرِّفِ الأُمَوِيُّ، المَرْوَانِيُّ، المَشْهُوْرُ: بِالدَّاخِلِ؛ لأَنَّهُ حِيْنَ انْقَرَضَتْ خِلاَفَةُ بَنِي أُمَيَّةَ مِنَ الدُّنْيَا، وَقُتِلَ مَرْوَانُ الحِمَارُ، وَقَامَتْ دَوْلَةُ بَنِي العَبَّاسِ، هَرَبَ هَذَا، فَنَجَا، وَدَخَلَ إِلَى الأَنْدَلُسِ، فَتَمَلَّكَهَا.
وَذَلِكَ أَنَّهُ فَرَّ مِنْ مِصْرَ، فِي آخِرِ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ، إِلَى أَرْضِ بَرْقَةَ، فَبَقِيَ بِهَا خَمْسَ سِنِيْنَ، ثُمَّ دَخَلَ المَغْرِبَ، فَنَفَّذَ مَوْلاَهُ بَدْراً يَتَجَسَّسُ لَهُ، فَقَالَ لِلْمُضَرِيَّةِ: لَوْ وجدتم رجلا من
__________
1 ترجمتها في فوات الوفيات لمحمد بن شاكر الكتبي "2/ 302-303"، ونفخ الطيب للمقري "1/ 327".(7/274)
بَيْتِ الخِلاَفَةِ، أَكُنْتُم تُبَايِعُوْنَهُ? قَالُوا: وَكَيْفَ لَنَا بِذَلِكَ? فَقَالَ: هَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ. فَأَتَوْهُ، فَبَايَعُوْهُ، فَتَمَلَّكَ الأَنْدَلُسَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَبَقِيَ المُلْكُ فِي عَقِبِهِ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ مائَةٍ. وَلَمْ يَتَلَقَّبْ بِالخِلاَفَةِ، لاَ هُوَ وَلاَ أَكْثَرُ ذُرِّيَتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يُقَالُ: الأَمِيْرُ فُلاَنُ.
وَأَوَّلُ مَنْ تَلَقَّبَ بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ مِنْهُم: النَّاصِرُ لدين الله، في حدود العشرين وثلاثمائة، عِنْدَمَا بَلَغَهُ ضَعْفُ خُلَفَاءِ العَصْرِ، فَقَالَ: أَنَا أولى بإمرة المؤمنين.
دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ الأَنْدَلُسَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ.
وَمَوْلِدُهُ بِأَرْضِ تَدْمُرَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، فِي خِلاَفَةِ جَدِّهِ.
وَأَمَّا أَبُو القَاسِمِ بنُ بَشْكُوَالَ الحَافِظُ، فَقَالَ: فَرَّ مِنَ المَشْرِقِ عِنْد انْقِرَاضِ مُلْكِهِم، هُوَ وَأَخَوَانِ أَصْغَرَ مِنْهُ، وَغُلاَمٌ لَهُم، فَلَمْ يَزَالُوا يُخفُوْنَ أَنْفُسَهُم، وَالجَعَائِلُ قَدْ جُعِلتْ عَلَيْهِم، وَالمَرَاصِدُ، فَسَلَكُوا حَتَّى وَصَلُوا وَادِي بِجَايَةَ، فَبَعَثَوا الغُلاَمَ يَشْتَرِي لَهُم خُبْزاً، فَأُنكِرَتِ الدَّرَاهِمُ، وَقُبِضَ عَلَى الغُلاَمِ، وَضُرِبَ، فَأَقَرَّ فَأَركَبُوا خَيْلاً، فَرَأَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ الفُرْسَانَ، فَتَهَيَّأَ لِلسِّبَاحَةِ، وَقَالَ لأَخَوَيْهِ: اسْبَحَا مَعِي. فَنجَا هُوَ، وَقَصَّرَا، فَأَشَارُوا إِلَيْهِمَا بِالأَمَانِ، فَلَمَّا حَصَلاَ فِي أَيْدِيهِم، ذَبَحُوْهُمَا، وَأَخُوْهُمَا يَنْظُرُ مِنْ هُنَاكَ، ثُمَّ آوَاهُ شَيْخٌ كَرِيْمُ العَهْدِ، وَقَالَ: لأَسْتُرَنَّكَ جَهدِي. فَوَقَعَ عَلَيْهِ التَّفَتِيشُ بِبِجَايَةَ، إِلَى أَنْ جَاءَ الطَّالِبُ إِلَى دَارِ الشَّيْخِ، وَكَانَ لَهُ امْرَأَةٌ ضَخْمَةٌ، فَأَجْلَسَهَا تَتَسَرَّحُ، وَأَخْفَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ تَحْتَ ثِيَابِهَا، وَصَيَّحَ الشَّيْخ: يَا سُبْحَانَ اللهِ! الحُرَمُ. فَقَالُوا: غطَّ أَهْلَكَ. وَخَرَجُوا، وَسَتَرَهُ اللهُ مُدَّةً، ثُمَّ دَخَلَ الأَنْدَلُسَ فِي قَارِبِ سَمَّاكٍ، فَحَصَلَ بِمَدِيْنَةِ المنُكَّب.
وَكَانَ قُوَّادُ الأَنْدَلُسِ وَجُنْدُهَا مَوَالِي بَنِي أُمَيَّةَ، فَبَعَثَ إِلَى قَائِدٍ، فَأَعْلَمَهُ بِشَأْنِهِ، فَقَبَّلَ يَدَيْهِ، وَفَرِحَ بِهِ، وَجَعَلَهُ عِنْدَهُ، ثُمَّ قَالَ: جَاءَ الَّذِي كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ إِذَا انْقَرَضَ مُلْكُ بَنِي أُمَيَّةَ بِالمَشْرِقِ، نَبَغَ مِنْهُم عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِالمَغْرِبِ. ثُمَّ كَتَبَ إِلَى المَوَالِي، وَعَرَّفَهُم، فَفَرِحُوا، وَأَصْفَقُوا عَلَى بَيْعَتِهِ، واستوثقوا من أُمَرَاءِ العَرَبِ، وَشُيُوْخِ البَرْبَرِ. فَلَمَّا اسْتَحكَمَ الأَمْرُ، أَظْهَرُوا بَيْعَتَه بَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ، وَذَلِكَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، فَقَصَدَ قُرْطُبَةَ، وَمُتَوَلِّي الأَنْدَلُسِ يَوْمَئِذٍ: يُوْسُفُ الفِهْرِيُّ، فَاسْتَعَدَّ جَهدَهُ، فَالْتَقَوْا، فَانْهَزَمَ يُوْسُفُ، وَدَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ الدَّاخِلُ قصرَ قُرْطُبَةَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، يَوْمَ الأَضْحَى مِنَ العَامِ. ثُمَّ حَارَبَه يُوْسُفُ ثَانِياً وَدَخَلَ قُرْطُبَةَ، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَكَرَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ، فَهَرَبَ يُوْسُفُ، وَالْتَجَأَ إِلَى غَرْنَاطَةَ، فَامْتَنَعَ بِإِلْبِيْرَةَ. فَنَازَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَضَيَّقَ عَلَيْهِ، وَرَأَى يُوْسُفُ اجْتِمَاعَ الأَمْرِ لِلدَّاخِلِ، فَنَزَلَ بِالأَمَانِ بِمَحْضَرٍ مِنْ قَاضِي الأَنْدَلُسِ يَحْيَى بنِ يَزِيْدَ التُّجيبي، وَكَانَ رَجُلاً(7/275)
صَالِحاً، اسْتَعْمَلَهُ عَلَى القَضَاءِ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَزَادَهُ الدَّاخِلُ إِجْلاَلاً وَإِكْرَاماً، فَبَقِيَ عَلَى قَضَائِهِ إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، فَاسْتَعْمَلَ عَلَى القَضَاءِ مُعَاوِيَةَ بنَ صَالِحٍ. فَلَمَّا أَرَادَ مُعَاوِيَةُ هَذَا، الحَجَّ، وَجَّهَهُ الدَّاخِلُ إِلَى أُخْتَيْهِ بِالشَّامِ، وَعَمَّتِهِ رَمْلَةَ بِنْتِ هِشَامٍ، لِيَعمَلَ الحِيْلَةَ فِي إِدْخَالِهِنَّ إِلَى عِنْدِهِ، وَأَنْشَدَ عِنْدَ ذَلِكَ:
أَيُّهَا الرَّكْبُ المُيَمِّمُ أَرْضِي ... أَقْرِ مِنْ بَعْضِي السَّلاَمَ لِبَعْضِي
إِنَّ جِسْمِي كَمَا عَلِمْتَ بِأَرْضٍ ... وَفُؤَادِي وَمَالِكِيْهِ بِأَرْضِ
قُدِّرَ البَيْنُ بَيْنَنَا فَافْتَرَقْنَا ... فَطَوَى البَيْنُ عَنْ جُفُوْنِي غَمْضِي
وَقَضَى اللهُ بِالفِرَاقِ عَلَيْنَا ... فَعَسَى بِاجْتِمَاعِنَا سَوْفَ يَقْضِي
فَلَمَّا وَصلَ إِلَيْهنَّ، قُلْنَ: السَّفَرُ، لاَ نَأْمَنُ غوَائِلَهُ عَلَى القُربِ، فَكَيْفَ وَقَدْ حَالَتْ بَيْننَا بِحَارٌ وَمَفَاوِزُ، وَنَحْنُ حُرَمٌ، وَقَدْ آمَنَنَا هؤلاء القوم على معرفتهم بِمَكَانِنَا مِنْهُ، فَحَسْبُنَا أَنْ نَتَمَلَّى المَسَرَّةَ بِعِزَّةٍ وَعَافِيَةٍ.
فَانْصَرَف بِكِتَابِهِمَا، وَبَعَثَا إِلَيْهِ بِأَعلاَقٍ نَفِيْسَةٍ مِنْ ذَخَائِرِ الخِلاَفَةِ، فَسُرَّ بِهَا الأَمِيْرُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَقَضَى لِرَأْيِهِمَا بِالرَّجَاحَةِ، ثُمَّ بَعْدُ وَصَلَ آخَرُ مِنَ الشَّامِ بِكِتَابٍ مِنْهُنَّ، وَبِهَدَايَا وَتُحَفٍ مِنْهَا: رُمَّان مِنْ رُصَافَةِ جَدِّهِم هِشَامٍ، فَسُرَّ بِهِ الدَّاخِلُ، وَكَانَ بِحَضْرتِهِ سَفَرُ بنُ عُبَيْدٍ الكَلاعي مِنْ أَهْلِ الأُرْدُنِّ، فَأَخَذَ مِنَ الرُّمَّانِ، وَزَرَعَ مِنْ عَجَمه بِقَرْيَتِهِ حَتَّى صَارَ شَجَراً، وَزَادَ حُسْناً، وَجَاءَ بِثَمَرِهِ إِلَى الأَمِيْرِ، وَكَثُرَ هُنَاكَ، وَيُعْرَفُ بالسَّفَري، وَغَرَسَ مِنْهُ بِمُنْيَةِ الرُّصافة.
ورأى الداخل نخلة مفردة بالرصافة، فهاجمت شَجَنَهُ، وَتذَكَّرَ وَطَنَهُ، فَقَالَ:
تَبَدَّتْ لَنَا وَسْطَ الرُّصَافَةِ نَخْلَةٌ ... تَنَاءتْ بِأَرْضِ الغَرْبِ عَنْ بَلَدِ النَّخْلِ
فَقُلْتُ شَبِيْهِي فِي التَّغَرُّبِ وَالنَّوَى ... وَطُوْلِ انْثِنَائِي عَنْ بَنِيَّ وَعَنْ أَهْلِي
نَشَأْتِ بِأَرْضٍ أَنْتِ فِيْهَا غَرِيْبَةٌ ... فَمِثْلُكَ فِي الإِقْصَاءِ وَالمُنْتَأَى مِثْلِي
سَقَتْكِ عَوَادِي المُزْنِ مِنْ صَوْبِهَا الَّذِي ... يسح وتستمري السماكين بالوبل
قَالَ ابْنُ حَيَّانَ: وَحِيْنَ افْتَتَحَ المُسْلِمُوْنَ قُرْطُبَةَ، شَاطَرُوا أَهْلَهَا كَنِيْسَتَهُمُ العُظْمَى، كَمَا فَعَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَخَالِدٌ بِأَعَاجِمِ دِمَشْقَ، فَابْتَنَوْا فِيْهِ مَسْجِداً، وَبَقِيَ الشَّطْرُ بِأَيْدِي الرُّوْمِ إِلَى أَنْ كَثُرَتْ عِمَارَةُ قُرْطُبَةَ، وَتَدَاوَلَتْهَا بُعُوْثُ العَرَبِ، فَضَاقَ المَسْجِدُ، وعُلق مِنْهُ سَقَائِفُ، وَصَارَ النَّاسُ يَنَالُوْنَ مَشَقَّةً لِقِصَرِ السَّقَائِفِ إِلَى أَنْ أَذْخَرَ اللهُ فِيْهِ الأَجْرَ لِصَحِيْفَةِ الدَّاخِلِ، وَابْتَاعَ الشَّطْرَ الثَّانِي مِنَ النَّصَارَى بِمائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَقَبَضُوهَا عَلَى مَلأٍ مِنَ النَّاسِ، وَرَضُوا بَعْدَ تَمَنُّعٍ، وَعَمِلَ هَذَا(7/276)
الجَامِعَ الَّذِي هُوَ فَخْرُ الأَرْضِ وَشَرَفُهَا مِنْ مَالِ الأَخْمَاسِ، وَكَمُلَ عَلَى مُرَادِهِ، وَكَانَ تَأْسِيسُهُ فِي سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، فَتَمَّتْ أَسْوَارُهُ فِي عَامٍ. وَبَلَغَ الإِنفَاقُ فِيْهِ إِلَى ثَمَانِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، فَقَالَ دِحْيَةُ البَلَوِيُّ:
وَأَبْرَزَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَوَجْهِهِ ... ثَمَانِيْنَ أَلْفاً مِنْ لُجَيْنٍ وَعَسْجَدِ
وَأَنْفَقَهَا فِي مَسْجِدٍ أُسُّهُ التُّقَى ... وَمِنْحَتُهُ دِيْنُ النَّبِيِّ مُحَمَّدِ
تَرَى الذَّهَبَ النَّارِيَّ بَيْنَ سَمُوكِهِ ... يَلُوحُ كَلَمْعِ البَارِقِ المُتَوَقِّدِ
وَقَالَ أَيْضاً:
بَنَيْتَ لأَهْلِ الدِّيْنِ بِالغَرْبِ مَسْجِداً ... لِيُرْكَعَ لِلرَّحْمَنِ فِيْهِ وَيُسْجَدَا
جَمَعْتَ لَهُ الأَكْفَاءَ مِنْ كُلِّ صَانِعٍ ... فَقَامَ بِمَنِّ اللهِ بَيْتاً مُمَجَّدَا
فَمَا لَبَّثُوْهُ غَيْرَ حَوْلٍ وَمَا خَلاَ ... إِلَى أَنْ أَقَامُوْهُ منيعًا مشيدا
وَزُخْرِفَ بِالأَصْبَاغِ مِنْهُ سُقُوْفُهُ ... كَمَا تَمَّمَ الوَشَّاءُ بُرْداً مُقَصَّدَا
وَبِالذَّهَبِ الرُّوْمِيِّ مُوِّهَ وَجْهُهُ ... فَبُوْرِكَ مِنْ بَانٍ لِذِي العَرْشِ مَسْجِدَا
وَكَمُلَتْ أَبْهَاءُ الجَامِعِ سَبْعَةَ أَبْهَاءٍ، ثُمَّ زَادَ مِنْ بَعْدِهِ حَفِيْدُهُ الحَكَمُ الرَّبَضي بَهْوَيْنِ، ثُمَّ زَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَكَمِ بَهْوَيْنِ، فَصَارَتْ أَحَدَ عَشَرَ بَهْواً، ثُمَّ زَادَ المَنْصُوْرُ بنُ أَبِي عَامِرٍ ثَمَانِيَةَ أَبْهَاءٍ، وَعَمِلَ جَامِعَ إِشْبِيْلِيَةَ وَسُوْرَهَا بَعْدَ المائَتَيْنِ.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَالَ: كَانَ عَدَدُ القَومَةِ لِجَامِعِ قُرْطُبَةَ فِي مُدَّةِ المَنْصُوْرِ وَقَبْلَهَا ثَلاَثَ مائَةِ رَجُلٍ.
وَقَالَ ابْنُ مُزْيَنٍ: فِي قِبْلَتِهِ انْحِرَافٌ. وَقَدْ رَكِبَ الحَكَمُ المُسْتَنْصِرُ بِاللهِ مَعَ الوُزَرَاءِ وَالقَاضِي مُنْذِرٍ البَلُّوْطِيِّ، وَقَدْ هَمَّ بِتَحْرِيْفِ القِبْلَةِ، فَقَالُوا: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، قَدْ صَلَّى بِهَذِهِ القِبْلَةِ خِيَارُ الأَئِمَّةِ وَالتَّابِعُوْنَ، وَإِنَّمَا فُضِّل مَنْ فُضِّل بِالاتِّبَاعِ، وَأَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أَوْلَى مَنِ اتَّبَعَ، فَتَرَكَ القِبْلَةَ بِحَالِهَا.
قَالَ ابْنُ حَيَّان: بَلَغَ الإِنفَاقُ فِي المِنْبَرِ الحَكَمِيِّ إِلَى خَمْسَةٍ وثلاثين ألف دينار وسبعمائة دِيْنَارٍ وَنَيِّفٍ، وَقَامَ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلاَثِيْنَ أَلْفَ وَصْلَةٍ مِنَ الأَبْنُوْسِ، وَالصَّنْدَلِ، والعُنَّاب، والبَقَّم فِي مُدَّةِ أَرْبَعِ سِنِيْنَ، وَأَوَّلُ مَنْ خَطَبَ عَلَيْهِ مُنْذِرُ بنُ سَعِيْدٍ البلُّوطي، وَبَلَغَتْ أَعمِدَةُ جَامِعِ قرطبة إلى ألف وأربعمائة سَارِيَةٍ وَتِسْعِ سَوَارِيَ، وَعَمِلَ النَّاصِرُ صَوْمَعَةً ارْتِفَاعُهَا مِنَ الأَرْضِ إِلَى مَوْقِفِ المُؤَذِّنِ أَرْبَعَةٌ وَخَمْسُوْنَ ذِرَاعاً، وَعَرضُهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ذِرَاعاً، وَبَأَعْلَى ذِرْوَتِهَا سفُّود طَوِيْلٌ فِيْهِ ثَلاَثُ رُمَّانَاتٍ: إِحْدَاهُمَا فِضَّةٌ، وَالأُخْرَى ذَهَبُ إِبرِيْزَ، وَفَوْقَهَا سَوْسَنَةٌ ذَهَبٌ(7/277)
مسدسة، فهذه المنارة إحدى عجائب الدُّنْيَا، وَذَرْعُ المِحْرَابِ إِلَى دَاخِلَ ثَمَانِيَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ، وَمِنَ الشَّرقِ إِلَى الغَرْبِ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ، وَارْتِفَاعُ قَبْوِهِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ ذِرَاعاً وَنِصْفٌ، وذراع المَقْصُوْرَةِ مِنَ الشَّرقِ إِلَى الغَرْبِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُوْنَ ذِرَاعاً، وَعَرضُهَا مِنْ جِدَارِ الخَشَبِ إِلَى القِبْلَةِ اثنان وعشرون ذراعًا، وطول الجامع ثلاثمائة وَثَلاَثُوْنَ ذِرَاعاً، وَمِنَ الشَّرقِ إِلَى الغَرْبِ مائَتَانِ وَخَمْسُوْنَ ذِرَاعاً.
وَأَمَّا الإِسْلاَمُ فَكَانَ عَزِيْزاً مَنِيْعاً بِالأَنْدَلُسِ فِي دَوْلَةِ الدَّاخِلِ، فَانْظُرْ إِلَى هَذَا الأَمَانِ الَّذِي كَتَبَ عَنْهُ لِلنَّصَارَى:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ: كِتَابُ أَمَانٍ وَرَحْمَةٍ، وَحَقْنِ دِمَاءٍ وَعِصْمَةٍ، عَقَدَهُ الأَمِيْرُ الأَكْرَمُ المَلِكُ المُعَظَّمُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ، ذُو الشَّرَفِ الصَّمِيْمِ، وَالخَيْرِ العَمِيْمِ، لِلْبَطَارِقَةِ وَالرُّهْبَانِ، وَمَنْ تَبِعَهُم مِنْ سَائِرِ البُلْدَانِ، أَهْلِ قَشْتَالَةَ وَأَعْمَالِهَا، مَا دَامُوا عَلَى الطَّاعَةِ فِي أَدَاءِ مَا تَحَمَّلُوْهُ، فَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ عَهْدَهُ لاَ يُنسَخُ مَا أَقَامُوا عَلَى تَأْدِيَةِ عَشْرَةِ آلاَفِ أُوْقِيَّةٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَعَشْرَةِ آلاَفِ رَطْلٍ مِنَ الفِضَّةِ، وَعَشْرَةِ آلاَفِ رَأْسٍ مِنْ خِيَارِ الخَيْلِ، وَمِثْلِهَا مِنَ البِغَالِ، مَعَ ذَلِكَ أَلْفُ دِرْعٍ وَأَلْفُ بَيْضَةٍ، وَمِنَ الرِّمَاحِ الدَّرْدَارِ مِثْلُهَا فِي كُلِّ عَامٍ، وَمَتَى ثَبتَ عَلَيْهِمُ النَّكْثُ بَأَسِيْرٍ يَأْسِرُوْنَهُ، أَوْ مُسْلِمٍ يَغْدِرُوْنَه، انْتَكَثَ مَا عُوْهِدُوا عَلَيْهِ، وَكُتِبَ لَهُم هَذَا الأَمَانُ بِأَيْدِيهِم إِلَى خَمْسِ سِنِيْنَ، أَوَّلُهَا صَفَرٌ عَامَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ بِإِسْنَادٍ لَهُ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَمَّا عَدَّى إِلَى الجَزِيْرَةِ، فَنَزَلَهَا، اتَّبَعَهُ أَهْلُهَا، ثُمَّ مَضَى إِلَى إِشْبِيْلِيَةَ، فَاتَّبَعَهُ أَهْلُهَا، ثُمَّ مَضَى إلى قُرْطُبَةَ، فَاتَّبَعَهُ مَنْ فِيْهَا، فَلَمَّا رَأَى يُوْسُفُ الفِهْرِيُّ العَسَاكِرَ قَدْ أَظَلَّتْه، هَرَبَ إِلَى دَارِ الشِّركِ، فَتَحَصَّنَ هُنَاكَ، وَغَزَاهُ عَبْد الرَّحْمَنِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَوَقَعَتْ نُفْرَةٌ فِي عَسْكَرِه، فَانْهَزَمَ، وَرُدَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِلاَ حَرْبٍ، وَجَعَلَ لِمَنْ أَتَاهُ بِرَأسِ يُوْسُفَ جُعلا، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ يُوْسُفَ بِرَأسِهِ.
وَقَالَ الحُمَيْدِيُّ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الأندلس، فقامت معه اليمانية، وحارب يوسف عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفِهْرِيَّ مُتَوَلِّي الأَنْدَلُسَ، فَهَزَمَه، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ عَلَى سِيْرَةٍ جَمِيْلَةٍ مِنَ العَدْلِ.
وَقَالَ أَبُو المُظَفَّرِ الأبيْوَرْدي فِي "أَخْبَارِ بَنِي أُمَيَّةَ": كَانَ النَّاسُ يَقُوْلُوْنَ: مَلَكَ الأَرْضَ ابْنَا بربريَّتين -يَعْنِي: عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَالمَنْصُوْرَ.
وَكَانَ المَنْصُوْرُ يَقُوْلُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُعَاوِيَةَ: ذَاكَ صَقْرُ قُرَيْشٍ، دَخَلَ المَغْرِبَ وَقَدْ قُتِلَ قَوْمُهُ، فَلَمْ يَزَلْ يَضرِبُ العَدْنَانِيَّةَ بِالقَحْطَانِيَّةِ حَتَّى مَلَكَ.(7/278)
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عُثْمَانَ اللُّغَوِيُّ المُتَوَفَّى سَنَةَ أَرْبَعِ مائَةٍ: كَانَتْ بِقُرْطُبَةَ جَنَّةٌ اتَّخَذَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ، كَانَ فِيْهَا نَخْلَةٌ أدركتُها.
وَفِي ذَلِكَ يَقُوْلُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ:
يَا نَخْلَ أَنْتِ غَرِيْبَةٌ مِثْلِي ... فِي الغَرْبِ نَائِيَةٌ عَنِ الأَهْلِ
فَابْكِي وَهَلْ تَبْكِي مُلَمَّسَةٌ ... عَجْمَاءُ لَمْ تُطْبَعْ عَلَى خَبْلِ
لَوْ أَنَّهَا تَبْكِي إِذَنْ لَبَكَتْ ... مَاءَ الفُرَاتِ وَمَنْبِتَ النَّخْلِ
لَكِنَّهَا ذَهَلَتْ وَأَذْهَلَنِي ... بُغْضِي بَنِي العَبَّاسِ عَنْ أَهْلِي
وَقَدْ وَلِيَ عَلَى الأَنْدَلُسِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ الغَافِقِيُّ فِي أَيَّامِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَبَنَى تِلْكَ القَنَاطِرَ بِقُرْطُبَةَ بِقِبْلِيِّ القَصْرِ وَالجَامِعِ، وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قَوْساً، طولها ثمانمائة بَاعٍ، وَعَرضُهَا سِوَى سَتَائِرِهَا عِشْرُوْنَ بَاعاً، وَارتِفَاعُهَا سِتُّوْنَ ذِرَاعاً، وَهِيَ مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا.
وَلَمَّا انْقَرَضَتْ دَوْلَةُ بَنِي أُمَيَّةَ، اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى تَقْدِيْمِ يُوْسُفَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ عُقْبَةَ بنِ نَافِعٍ الفِهْرِيِّ، فَعَمُرتِ البِلاَدُ فِي أَيَّامِهِ، وَاتَّسَعَتْ، فَلَمَّا أَرَادَ اللهُ ظُهُوْرَ مُلكِ بَنِي أُمَيَّةَ بِالأَنْدَلُسِ، ذلَّتْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ قَبَائِلُ العَرَبِ، وَسُلِّمَ لَهُ الأَمْرُ، وَقُتِلَ يُوْسُفُ الفِهْرِيُّ بِوَادِي الزَّيْتُوْنِ، وَخُطِبَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بجميع الأمصار بها، وشيد قرطبة وعزا عِدَّةَ غَزَوَاتٍ.
مِنْ ذَلِكَ: غَزْوَةُ قَشْتَالَةَ، جَازَ إِلَيْهَا مِنْ نَهْرِ طُلَيْطِلَةَ، وَفَرَّتِ الرُّوْمُ أَمَامَهُ، وَتَعلَّقَتْ بِالحِبَالِ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى وَصَلَ مَدِيْنَة بَرْنِيْقَةَ، مِنْ مَمْلَكَةِ قَشْتَالَةَ، فَنَزَلَ عَلَيْهَا، وَأَمَرَ بِرَفْعِ الخِيَامِ، وَشَرَعَ فِي البِنَاءِ، وَأَخَذَ النَّاسُ يبنون، فسلموا إليه الأمان عِنْد إِيَاسِهِم مِنَ النَّجْدَةِ، وَخَرَجُوا بِثِيَابِهِم فَقَطْ، وَمَا يُزَوِّدُهُم، ثُمَّ كَتَبَ لأَهْلِ قَشْتَالَةَ ذَلِكَ الأَمَانَ الَّذِي تَقَدَّمَ، وَهُوَ بِخَطِّ الوَزِيْرِ بِشْرِ بنِ سَعِيْدٍ الغَافِقِيِّ.
وَلَمَّا صَفَا الأَمْرُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ بنِ حَمْزَةَ، مِنْ ولد عمر ابن الخَطَّابِ، وَذَلِكَ بَعْدَ سَبْعَةِ أَعْوَامٍ مِنْ تَمَنُّعِهِ بِطُلَيْطِلَةَ، عَظُمَ سُلْطَانُه، وَامْتَدَّتْ أَيَّامُهُ، وَعَاشَ سِتِّيْنَ سَنَةً، ثُمَّ تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَأَيِسَتْ بَنُو العَبَّاسِ مِنْ مَمْلَكَةِ الأَنْدَلُسِ لِبُعْدِ الشقة.(7/279)
1226- هشام بن عبد الرحمن بن معاوية 1:
الأَمِيْرُ أَبُو الوَلِيْدِ المَرْوَانِيُّ، بُوْيِعَ بِالمُلْكِ بِالأَنْدَلُسِ عِنْدَ مَوْتِ وَالِدِهِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ، وَعُمُرُهُ إِذْ ذَاكَ ثَلاَثُوْنَ سَنَةً، فَإِنَّهُ وُلِدَ بِالأَنْدَلُسِ. وَكَانَ دَيِّناً، وَرِعاً يَشهَدُ الجَنَائِزَ، وَيَعُوْدُ المَرْضَى، وَيَعدِلُ فِي الرَّعِيَّةِ، وَيُكْثِرُ الصَّدَقَاتِ، وَيَتَعَاهَدُ المَسَاكِيْنَ. وَأُمُّهُ: أُمُّ وَلَدٍ، اسْمُهَا حَوْرَاءُ.
وَلَمَّا احْتُضِرَ عَهِدَ، بِالأَمْرِ إِلَى وَلَدِهِ الحَكَمِ.
وَمَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانِيْنَ، وَمائَةٍ وَلَهُ سَبْعٌ وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ.
وَلْنَذْكُرْ بَاقِي المَرْوَانِيَّةِ عَلَى نسق واحد.
__________
1 ترجمته في العقد الفريد لابن عبد ربه "4/ 490"، ونفح الطيب للمقري "1/ 334".(7/280)
1227- الحَكَمِ بنِ هِشَامِ 1:
ابنِ الدَّاخِلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن مُعَاوِيَةَ بنِ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مروان ابن الحَكَمِ الأُمَوِيُّ، المَرْوَانِيُّ، أَبُو العَاصِ، أَمِيْرُ الأَنْدَلُسِ، وَابْنُ أَمِيْرِهَا، وَحَفِيْدُ أَمِيْرِهَا. وَيُلَقَّبُ: بِالمُرْتَضَى، وَيُعْرَفُ: بالربضي؛ لما فعل بأهل الرَّبَضِ. بُوْيِعَ بِالمُلْكِ عِنْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ، فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَكَانَ مِنْ جَبَابِرَةِ المُلُوْكِ، وَفُسَّاقِهِم، وَمُتَمَرِّدِيْهِم، وَكَانَ فَارِساً، شُجَاعاً، فَاتِكاً، ذَا دَهَاءٍ، وَحَزمٍ، وَعُتُوٍّ، وَظُلْمٍ، تَملَّكَ سَبْعاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
وَكَانَ فِي أَوَّلِ أَمرِهِ عَلَى سِيْرَةٍ حَمِيْدَةٍ، تَلاَ فِيْهَا أَبَاهُ، ثُمَّ تَغَيَّرَ، وَتَجَاهَرَ بِالمَعَاصِي.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ: كَانَ مِنَ المُجَاهِرِيْنَ بِالمَعَاصِي، سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ، كَانَ يَأْخذُ أَوْلاَدَ النَّاسِ المِلاَحَ، فَيَخْصِيْهِم وَيُمْسِكُهُم، لِنَفْسِهِ. وَلَهُ شِعْرٌ جَيِّدٌ.
قَالَ اليَسَعُ بنُ حَزْمٍ: هَمَّتِ الرُّوْمُ بِمَا لَمْ يَنَالُوا مِنْ طَلَبِ الثُّغُورِ، فَنَكَثُوا العَهْدَ، فَتَجَهَّزَ الحَكَمُ إِلَيْهِم حَتَّى جَازَ جَبَلَ السَّارَةِ -شِمَالِيَّ طُلَيْطِلَةَ- فَفَرَّتِ الرُّوْمُ أَمَامَهُ حَتَّى تَجَمَّعُوا بِسَمُّوْرَةَ، فَلَمَّا الْتَقَى الجَمْعَانِ، نَزَلَ النَّصْرُ، وَانْهَزَمَ الكُفْرُ، وَتَحَصَّنُوا بِمَدِيْنَةِ سَمُّوْرَةَ، وَهِيَ كَبِيْرَةٌ جِدّاً، فَحَصَرَهَا المُسْلِمُوْنَ بِالمَجَانِيْقِ، حَتَّى افْتَتَحُوهَا عَنْوَةً، وَمَلَكُوا أَكْثَرَ شَوَارِعِهَا، وَاشْتَغَلَ الجُنْدُ بِالغَنَائِمِ، وَانْضَمَّتِ الرُّوْمُ إِلَى جِهَةٍ مِنَ البَلَدِ، وخرجوا على حمية، فقتلوا خلقًا
__________
1 ترجمته في العقد الفريد "4/ 490"، فوات الوفيات لمحمد بن شاكر الكتبي "1/ 393".(7/280)
فِي خُرُوْجِهِم، فَكَانَتْ غَزْوَتُه مِنْ أَعْظَمِ المَغَازِي، لَوْلاَ مَا طَرَأَ فِيْهَا مِنْ تَضْيِيعِ الحَزْمِ، وَرَامَتِ الرُّوْمُ السَّلْمَ، فَأَبَى عَلَيْهِمُ الحَكَمُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بِلاَدِهِم خَوْفاً مِنَ الثُّلُوْجِ، فَلَمَّا كان العام الآتي، استعد أعظم استعداد، وَقَصَدَ سَمُّوْرَةَ، فَقَتَلَ، وَسَبَى، كُلَّ مَا مَرَّ بِهِ، ثُمَّ نَازَلَهَا شَهْرَيْنِ، ثُمَّ دَخَلُوْهَا بَعْد جَهْدٍ، وَبَذَلُوا فِيْهَا السَّيْفَ إِلَى المَسَاءِ، ثُمَّ انْحَازَ المُسْلِمُوْنَ، فَبَاتُوا عَلَى أَسْوَارِهَا، ثُمَّ صَبَّحُوهَا مِنَ الغَدِ، لاَ يُبقُونَ عَلَى مُحْتَلِمٍ.
قَالَ الرَّازِيُّ فِي "مَغَازِي الأَنْدَلُسِ": الَّذِي أُحصِيَ مِمَّنْ قُتِلَ فِي سَمُّوْرَةَ ثَلاَثُ مائَةِ أَلْفِ نَفْسٍ، فَلَمَّا بَلَغَ الخَبَرُ مَلِكَ رُوْمِيَّةَ، كَتَبَ إِلَى الحكم يرغب في الأمان، فوضع عَلَى الرُّوْمِ مَا كَانَ جَدُّهُ وَضَعَ عَلَيْهِم، وَزَادَ عَلَيْهِم أَنْ يَجْلِبُوا مِنْ تُرَابِ مَدِيْنَةِ رُوْمِيَّةَ نَفْسِهَا مَا يُصنَعُ بِهِ أَكوَامٌ بِشَرْقِيِّ قُرْطُبَةَ صَغَاراً لَهُم، وَإِعلاَءً لِمَنَارِ الإِسْلاَمِ، فَهُمَا كَوْمَانِ مِنَ التُّرَابِ الأَحْمَرِ فِي بَسِيْطِ مدرَتِهَا السَّوْدَاءُ.
قُلْتُ: وَكَثُرَتِ العُلَمَاءُ بِالأَنْدَلُسِ فِي دَوْلَتِهِ، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ بِقُرْطُبَةَ أَرْبَعَةُ آلاَفِ مُتَقَلِّسٍ مُتَزَيِّيْنَ بِزِيِّ العُلَمَاءِ، فَلَمَّا أَرَادَ اللهُ فَنَاءهُم، عَزَّ عَلَيْهِمُ انْتِهَاكُ الحَكَمِ لِلْحُرُمَاتِ، وَائْتَمَرُوا لِيَخْلَعُوْهُ، ثُمَّ جَيَّشُوا لِقِتَالِهِ، وَجَرَتْ بِالأَنْدَلُسِ فِتْنَةٌ عَظِيْمَةٌ عَلَى الإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ، فَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، فَذَكَرَ ابْنُ مُزْيَنٍ فِي "تَارِيْخِهِ": طَالُوْتَ بنَ عَبْدِ الجَبَّارِ المَعَافِرِيَّ، وَأَنَّهُ أَحَدُ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ الشُهَدَاءِ الَّذِيْنَ هَمُّوا بِخَلْعِ الحَكَمِ، وَقَالُوا: إِنَّهُ غَيْرُ عَدْلٍ، وَنَكَثُوْهُ فِي نُفُوْسِ العَوَامِّ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ المَكْثُ وَلاَ الصَّبْرُ عَلَى هَذِهِ السِّيْرَةِ الذَّمِيْمَةِ، وَعَوَّلُوا عَلَى تَقْدِيْمِ أَحَدِ أَهْلِ الشُّوْرَى بِقُرْطُبَةَ، وَهُوَ أَبُو الشَّمَاسِ أحمد بن المنذر بن الدَّاخِلِ الأُمَوِيِّ ابْنُ عَمِّ الحَكَمِ، لِمَا عَرَفُوا مِنْ صَلاَحِهِ، وَعَقْلِهِ، وَدِيْنِهِ، فَقَصَدُوْهُ، وَعَرَّفُوهُ بِالأَمْرِ، فَأَبْدَى المَيْلَ إِلَيْهِم وَالبُشْرَى بِهِم، وَقَالَ لَهُم: أَنْتُمْ أَضْيَافِيَ اللَّيْلَةَ، فَإِنَّ اللَّيْلَ أَسْتَرُ. وَنَامُوا، وَقَامَ هُوَ إِلَى ابْنِ عَمِّهِ بِجَهْلٍ، فَأَخْبَرَهُ بِشَأْنِهِم، فَاغْتَاظَ لِذَلِكَ، وَقَالَ: جِئْتَ لِسَفْكِ دَمِي أَوْ دِمَائِهِم، وَهُمْ أَعْلاَمٌ، فَمِنْ أَيْنَ نَتَوَصَّلُ إِلَى مَا ذَكَرْتَ? فَقَالَ: أَرْسِلْ مَعِيَ مَنْ تَثِقُ بِهِ لِيَتَحَقَّقَ. فَوَجَّهَ مَنْ أَحَبَّ، فَأَدْخَلَهُم أَحْمَدُ فِي بَيْتِهِ تَحْتَ سِتْرٍ، وَدَخَلَ اللَّيْلُ، وَجَاءَ القَوْمُ، فَقَالَ: خَبِّرُوْنِي مَنْ مَعَكُم? فَقَالُوا: فُلاَنٌ الفَقِيْهُ، وَفُلاَنٌ الوَزِيْرُ. وَعَدُّوا كِبَاراً، وَالكَاتِبُ يَكْتُبُ حَتَّى امْتَلأَ الرَّقُّ، فَمَدَّ أَحَدُهُم يَدَهُ وَرَاءَ السِّتْرِ، فَرَأَى القَوْمَ، فَقَامَ وَقَامُوا، وَقَالُوا: فَعَلْتَهَا يَا عَدُوَّ اللهِ. فَمَنْ فَرَّ لِحِيْنِهِ، نَجَا، وَمَنْ لاَ، قُبِضَ عَلَيْهِ، فَكَانَ مِمَّنْ فَرَّ: عِيْسَى بنُ دِيْنَارٍ الفَقِيْهُ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى الفَقِيْهُ صَاحِبُ مَالِكٍ، وَقَرَعُوْسُ بنُ العَبَّاسِ الثقفي.
وَقُبِضَ عَلَى نَاسٍ كَأَبِي كَعْبٍ، وَأَخِيْهِ، وَمَالِكِ بنِ يَزِيْدَ القَاضِي، وَمُوْسَى بنِ سَالِمٍ(7/281)
الخَوْلاَنِيِّ، وَيَحْيَى بنِ مُضَرَ الفَقِيْهِ، وَأَمْثَالِهِم مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالدِّيْنِ، فِي سَبْعَةٍ وَسَبْعِيْنَ رَجُلاً، فَضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُم، وَصُلِبُوا.
وَأَضَافَ إِلَيْهِم عَمَّيْهِ؛ كُلَيباً وَأُمَيَّةَ، فَصُلِبَا، وَأَحْرَقَ القُلُوْبَ عَلَيْهِم، وَسَارَ بِأَمْرِهِمُ الرِّفَاقُ، وَعَلِمَ الحَكَمُ أَنَّهُ مَحْقُوْدٌ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِم، فَأَخَذَ فِي جَمْعِ الجُنُوْدِ وَالحَشَمِ، وَتَهَيَّأَ، وَأَخَذَتِ العَامَّةُ فِي الهَيْجِ، وَاسْتَأْسَدَ النَّاسُ، وَتَنَمَّرُوا، وَتَأَهَّبُوا. فَاتَّفَقَ أَنَّ مَمْلُوْكاً خَرَجَ مِنَ القَصْرِ بِسَيْفٍ دَفَعَهُ إِلَى الصَّيْقَلِ، فَمَاطَلَهُ، فَسَبَّهُ، فَجَاوَبَهُ الصَّيْقَلُ، فَتَضَارَبَا، وَنَال مِنْهُ المَمْلُوْكُ حَتَّى كَادَ أَنْ يُتلِفَه، فَلَمَّا تَرَكَهَ، أَخَذَ الصَّيْقَلُ السَّيْفَ، فَقَتَلَ بِهِ المَمْلُوْكَ، فَتَأَلَّبَ إِلَى المَقْتُوْلِ جَمَاعَةٌ، وَإِلَى القَاتِلِ جَمَاعَةٌ أُخْرَى، وَاسْتَفحَلَ الشَّرُّ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمَائَتَيْنِ، وَتَدَاعَى أَهْلُ قُرْطُبَةَ مِنْ أَرْبَاضِهِم، وَتَأَلَّبُوا بِالسِّلاَحِ، وَقَصَدُوا القَصْرَ، فَرَكِبَ الجَيْشُ وَالإِمَامُ الحَكَمُ، فَهَزَمُوا العَامَّةَ، وَجَاءهُم عَسْكَرٌ مِنْ خَلْفِهِم، فَوَضَعُوا فِيْهِمُ السَّيْفَ، وَكَانَتْ وَقْعَةً هَائِلَةً شَنِيعَةً، مَضَى فِيْهَا عَدَدٌ كَثِيْرٌ زُهَاءَ عَنِ أَرْبَعِيْنَ أَلْفاً مِنْ أَهْلِ الرَّبَضِ، وَعَايَنُوا البَلاَءَ مِنْ قُدَّامِهِم وَمِنْ خَلْفِهِم، فَتَدَاعَوْا بِالطَّاعَةِ، وَأَذْعَنُوا وَلاَذُوا بِالعَفْوِ، فَعَفَا عَنْهُم عَلَى أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ قُرْطُبَةَ، فَفَعَلُوا، وَهُدِمَتْ دِيَارُهُم وَمَسَاجِدُهُم، وَنَزَلَ مِنْهُم أُلُوْفٌ بِطُلَيْطِلَةَ، وَخَلْقٌ فِي الثُّغُوْرِ، وَجَازَ آخَرُوْنَ البَحْرَ، وَنَزَلُوا بِلاَدَ البَرْبَرِ، وَثَبَتَ جَمْعٌ بِفَاسَ، وَابْتَنَوْا عَلَى سَاحِلِهَا مَدِيْنَةً غَلَبَ عَلَى اسْمِهَا مَدِيْنَةُ الأَنْدَلُسِ، وَسَارَ جَمعٌ منهم زهاء خمسة عشر ألفًا، وَفِيْهِم عُمَرُ بنُ شُعَيْبٍ الغَلِيْظُ، فَاحْتَلُّوا بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَاتَّفَقَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ رَجُلاً مِنْهُم اشْتَرَى لَحْماً مِنْ جَزَّارٍ، فَتَضَاجَرَ مَعَهُ، وَرَمَاهُ الجَزَّارُ بِكِرْشٍ فِي وَجْهِهِ، فَرَجَعَ بِتِلْكَ الحَالَةِ إِلَى قومه، فجاءوا فَقَتَلُوا اللَّحَّامَ، فَقَامَ عَلَيْهِم أَهْلُ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَاقْتَتَلُوا، وَأَخْرَجَ الأَنْدَلُسِيُّوْنَ أَهْلَهَا هَاربِيْنَ، وَتَمَلَّكُوا الإِسْكَنْدَرِيَّةَ. فَاتَّصَلَ الخَبَرُ بِالمَأْمُوْنِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِم، وَابْتَاعَ المَدِيْنَةَ مِنْهُم، عَلَى أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا، وَيَنْزِلُوا جَزِيْرَةَ إِقْرِيْطشَ1، فَخَرَجُوا، وَنَزَلُوْهَا، وَافْتَتَحُوهَا، فَلَمْ يَزَالُوا فِيْهَا إِلَى أَنْ غَلَبَ عَلَيْهَا أَرْمَانُوسُ بنُ قُسْطَنْطِيْنَ سَنَةَ خمس وثلاثمائة.
وَأَمَّا الحَكَمُ فَإِنَّهُ اطْمَأَنَّ، وَكَتَبَ إِلَى القَائِدِ مُحَمَّدِ بنِ رُسْتُمَ كِتَاباً فِيْهِ: وَأَنَّهُ تَدَاعَى فَسَقَةٌ مِنْ أَهْلِ قُرْطُبَةَ إِلَى الثَّوْرَةِ، وَشَهَرُوا السِّلاَحَ، فَأَنْهَضْنَا لَهُمُ الرِّجَالَ، فَقَتَلْنَا فِيْهِم قَتلاً ذَرِيْعاً، وَأَعَانَ اللهُ عَلَيْهِم، فَأَمسَكْنَا عَنْ أَمْوَالِهِم وَحُرَمِهِم.
ثُمَّ كَتَبَ الحَكَمُ كِتَابَ أَمَانٍ عَامٍّ، وَكَانَ طَالُوْتُ2 اخْتَفَى سَنَةً عِنْدَ يَهُوْدِيٍّ، ثُمَّ خرج،
__________
1 جزيرة إقريطش: جزيرة في البحر المتوسط. وتعرف اليوم بـ"كريت".
2 هو: طالوت بن عبد الجبار المعافري الأندلسي، دخل مصر، وحج، ولقي مالك بن أنس، وعاد إلى قرطبة كما في "نفح الطيب" للمقري "2/ 639".(7/282)
وَقَصَدَ الوَزِيْرَ أَبَا البَسَّامِ لِيَختَفِيَ عِنْدَهُ، فَأَسلَمَهُ إِلَى الحَكَمِ فَقَالَ: مَا رَأْيُ الأَمِيْرِ فِي كَبْشٍ سَمِيْنٍ، وَقَفَ عَلَى مِذْوَدِهِ عَاماً؟ فَقَالَ الحَكَمُ: لَحْمٌ ثَقِيْلٌ، مَا الخَبَرُ? قَالَ: طَالُوْتُ عندي. فأمره بإحضاره، فَأُحضِرَ، فَقَالَ: يَا طَالُوْتُ! أَخْبِرْنِي لَوْ أَنَّ أَبَاكَ أَوِ ابْنَكَ مَلَكَ هَذِهِ الدَّارَ، أَكُنْتَ فِيْهَا فِي الإِكرَامِ وَالبِرِّ عَلَى مَا كُنْتُ أَفْعَلُ مَعَكَ? أَلَمْ أَفْعَلْ كَذَا؟ أَلَمْ أَمْشِ فِي جَنَازَةِ امْرَأَتِكَ، وَرَجَعتُ مَعَكَ إِلَى دَارِكَ? أَفَمَا رَضِيْتَ إِلاَّ بِسَفكِ دمِي? فَقَالَ الفَقِيْهُ فِي نَفْسِهِ: لاَ أَجِدُ أَنْفعَ مِنَ الصِّدْقِ، فَقَالَ: إِنِّيْ كُنْتُ أُبغِضُكَ للهِ، فَلَمْ يَمْنَعْكَ مَا صَنَعْتَ مَعِيَ لِغَيْرِ اللهِ، وَإِنِّيْ لَمُعْتَرِفٌ بِذَلِكَ -أَصْلَحَكَ اللهُ- فَوَجَمَ الخَلِيْفَةُ، وَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي أَبْغَضْتَنِي لَهُ قَدْ صَرَفَنِي عَنْكَ، فَانْصَرِفْ فِي حِفْظِ اللهِ، وَلَسْتُ بِتَارِكٍ بِرَّكَ، وَلَيْتَ الَّذِي كَانَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنْ أَيْنَ ظَفِرَ بِكَ أَبُو البَسَّامِ -لاَ كَانَ؟ فَقَالَ: أَنَا أَظْفَرْتُهُ بِنَفْسِي، وَقَصَدْتُهُ. قَالَ: فَأَيْنَ كُنْتَ فِي عَامِكَ? قَالَ: فِي دَارِ يَهُوْدِيٍّ، حَفِظَنِي للهِ. فَأَطْرَقَ الخَلِيْفَةُ مَلِيّاً، وَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى أَبِي البَسَّامِ، وَقَالَ: حَفِظَه يَهُوْدِيٌّ، وَسَتَرَ عَلَيْهِ لِمَكَانِه مِنَ العِلْمِ وَالدِّيْنِ، وَغَدَرْتَ بِهِ إِذْ قَصَدَكَ، وَخَفَرْتَ ذِمَّتهُ، لاَ أَرَانَا اللهُ فِي القِيَامَةِ وَجْهَهُ إِنْ رَأَيْنَا لَكَ وَجْهاً. وَطَرَدَهُ، وَكَتَبَ لِلْيَهُودِيِّ كِتَاباً بِالجِزْيَةِ فِيْمَا مَلَكَ، وَزَادَ فِي إِحْسَانِهِ فَلَمَّا رَأَى اليَهُوْدِيُّ ذَلِكَ، أَسْلَمَ مَكَانَهُ.
قَالَ ابْنُ مُزْيَنٍ: وَكَانَ أَهْلُ طُلَيْطِلَةَ لَهُم نُفُوْسٌ أَبِيَّةٌ، وَكَانُوا لاَ يَصْبِرُوْنَ عَلَى ظُلْمِ بَنِي أُمَيَّةَ، فَإِنَّ وُلاَتَهُم كَانَ فِيْهِم ظُلْمٌ وَتَعَدٍّ، فَكَانُوا يَثِبُوْنَ عَلَى الوَالِي وَيُخْرِجُونَه، فَوَلَّى عَلَيْهِمُ الحَكَمُ عَمْرُوْساً، رَجُلاً مِنْهُم. وَكَانَ عمروس داهية، فداخل الحكم، وعمل على رءوس أهل طليطلة حتى قتل جماعة منهم.
قَالَ ابْنُ مُزْيَنٍ: فَأَشَارَ أَوَّلاً عَلَى الأَعْيَانِ بِبِنَاءِ قَلْعَةٍ تَحمِيهِم، فَفَعَلُوا، فَبَعَثَ إِلَى الخَلِيْفَةِ كتبًا بِمُعَامِلَةٍ مِنْهُ، فِيْهِ شَتْمُهُ وَسَبُّهُ، فَقَامَ لَهُ، وَقَعَدَ، وَسَبَّ وَأَفْحَشَ، وَبَعَثَ لِلْخَلِيْفَةِ وَلَدَهُ لِلْغَزْوِ، فَاحْتَالَ عَمْرُوْسُ1 عَلَى الأَكَابِرِ حَتَّى خَرَجُوا، وَتَلَقَّوْهُ، وَرَغَّبُوهُ فِي الدُّخُولِ إِلَى قَلْعَتِهِم، وَمَدَّ سِمَاطاً، وَاسْتَدْعَاهُم، فَكَانَ الدَّاخِلُ يُدْخَلُ عَلَى بَابٍ، وَيُخْرَجُ مِنْ بَابٍ آخَرَ، فَتُضْرَبُ عُنُقُهُ حَتَّى كَمُلَ كَذَلِكَ نَحْوُ الخَمْسَةِ آلاَفٍ، حَتَّى غَلاَ بُخَارُ الدِّمَاءِ، وَظَهَرَتِ الرَّائِحَةُ، ثُمَّ بَعَثَ الحَكَمُ أَمَاناً لِيَحْيَى بنِ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ.
مَاتَ الحَكَمُ سَنَةَ سِتٍّ وَمَائَتَيْنِ، فِي آخِرِهَا، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً. وَوَلِيَ الأَنْدَلُسَ بَعْدَهُ: ابْنُهُ أَبُو المُطَرِّفِ عبد الرحمن، فلنذكره.
__________
1 هو: عمروس بن يوسف، والي الحكم على الثغر. اشتهر بذبحه للمنشقين عنه في فناء قصره كما ذكره المؤلف فيما يأتي.(7/283)
1228- عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ بنِ هِشَامِ 1:
ابْنِ الدَّاخِلِ, أَمِيْرُ الأَنْدَلُسِ، أَبُو المُطَرِّفِ المَرْوَانِيُّ. بُوْيِعَ بَعْدَ وَالِدهِ، فِي آخِرِ سَنَةِ سِتٍّ وَمَائَتَيْنِ فَامْتَدَّتْ أَيَّامُهُ، وَكَانَ وَادِعاً، حَسَنَ السِّيْرَةِ، لَيِّنَ الجَانِبِ، قَلِيْلَ الغَزْوِ، غَلَبَتِ المُشْرِكُوْنُ فِي دَوْلَتِه عَلَى إِشْبِيْلِيَةَ، وَلَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ.
كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيْبٍ الفَقِيْهُ يُحَرِّضُهُ عَلَى بِنَاءِ سُورِ إِشْبِيْلِيَةَ، يَقُوْلُ لَهُ: حَقْنُ دِمَاءِ المُسْلِمِيْنَ -أَيَّدَكَ الله، وَأَعْلَى يَدَكَ بِابْتِنَاءِ السُّورِ- أَحَقُّ وَأَوْلَى. فَأَخَذَ بِرَأْيِهِ، وَجَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زِيَادَةِ جَامِعِ قُرْطُبَةَ، وَابْتَنَى أَيْضاً جَامِعَ إِشْبِيْلِيَةَ عَلَى يَدِ قَاضِيْهَا عَمْرِو بنِ عَدَبَّسَ، وَكَانَتْ إشبيلية من ناحية الوادي بلا سور.
فَلَمَّا كَانَتْ سَنَةُ ثَلاَثِيْنَ وَمَائَتَيْنِ، طَرَقَ المَجُوْسُ الأَرْدَمَانِيُّوْنَ إِشْبِيْلِيَةَ فِي ثَمَانِيْنَ مَرْكَباً فِي الوَادِي، فَصَادَفُوا أَهْلَهَا عَلَى غِرَارَةٍ بِمُطَاولَةِ أَمَدِ الأَمَانِ لَهُم مَعَ قِلَّةِ خِبْرَتِهِم بِحَرْبِهِم، فَطَلَعُوا مِنَ المَرَاكِبِ، وَقَدْ لاَحَ لَهُم خَوَرٌ مِنْ أَهْلِهَا، فَقَاتَلُوْهُم، وَقَوَوْا عَلَى المُسْلِمِيْنَ، وَوَضَعُوا السَّيْفَ فِيْهِم، وَمَلَكُوا إِشْبِيْلِيَةَ بَعْدَ القَتْلِ الذَّرِيْعِ فِي أَهْلِهَا حَتَّى فِي النِّسَاءِ وَالبَهَائِمِ، وَأَقَامُوا بِهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ، فَوَرَدَ الخَبَرُ عَلَى الخَلِيْفَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ، فَاسْتَنْفَرَ جَيْشَهُ، وَبَعَثَ بِهِم إِلَى إِشْبِيْلِيَةَ، فَحَلُّوا بِالشَّرْقِ، وَوَقَعَ القِتَالُ وَاشْتَدَّ الخَطْبُ، وَانْتَصَرَ المُسْلِمُوْنَ، وَاسْتَحَرَّ القَتْلُ بِالمَلاَعِيْنِ حَتَّى فَنِيَ جَمْعُ الكَفَرَةِ -لَعَنَهُمُ اللهُ- وَحَرَقَ المُسْلِمُوْنَ ثَلاَثِيْنَ مَرْكَباً مِنْ مَرَاكِبِهِم، فَكَانَ بَيْنَ دُخُوْلِهِم إِلَى إِشْبِيْلِيَةَ وَهُرُوْبِهِم عَنْهَا ثَلاَثَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ يَوْماً. وَهَذَا كَانَ السَّبَبُ فِي بِنَاءِ سُورِ وَادِيْهَا.
وَفِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ: جَاءَ سَيْلٌ مَهُول حَتَّى احْتَمَلَ رَبَضَ قَنْطَرَةِ قُرْطُبَةَ، وَاحْتَمَلَ سِتَّ عَشْرَةَ قَرْيَةً إِلَى البَحْرِ بِمَا فِيْهَا مِنَ النَّاسِ وَالمَوَاشِي، وَهَلَكَ مَا لاَ يُعَدُّ وَلاَ يُحْصَى، فَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ.
وَكَانَ مَوْلِدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ: بِطُلَيْطِلَةَ، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَمَاتَ فِي ثَالِثِ رَبِيْعٍ الآخر، سنة ثمان وثلاثين ومائتين.
__________
1 ترجمته في العقد الفريد لابن عبد ربه "4/ 493"، ونفح الطيب للمقري "1/ 344".(7/284)
1229- محمد بن عبد الرحمن بن الحكم 1:
صَاحِبُ الأَنْدَلُس، أَبُو عَبْدِ اللهِ الأُمَوِيُّ، المَرْوَانِيُّ.
كَانَ مُحِبّاً لِلْعِلْمِ، مُؤْثِراً لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ، مُكْرِماً لَهُم، حَسَنَ السِّيْرَةِ، وَهُوَ الَّذِي نَصَر بَقِيَّ بنَ مَخْلَدٍ الحَافِظَ عَلَى أَهْلِ الرَّأْيِ.
قَالَ بَقِيٌّ: مَا كَلَّمتُ أَحَداً مِنَ المُلُوْكِ أَكْمَلَ عَقْلاً، وَلاَ أَبلَغَ لَفْظاً مِنَ الأَمِيْرِ مُحَمَّدٍ، وَلَقَدْ دَخَلْتُ عَلَيْهِ يَوْماً فِي مَجْلِسِ خِلاَفَتِهِ، فَافْتَتَحَ الكَلاَمَ بِحَمْدِ اللهِ، وَالصَّلاَةِ عَلَى نَبِيِّهِ، ثُمَّ ذَكَرَ الخُلَفَاءَ، فَحَلَّى كُلَّ وَاحِدٍ بِحِلْيَتِهِ وَصِفَتِهِ، وَذَكَرَ مَآثِرَهُ بِأَفْصَحِ لِسَانٍ حَتَّى انْتَهَى إلى نفسه، فحمد الله على قَدَّرَهُ، ثُمَّ سَكَتَ.
قُلْتُ: رَأَى مُصَنَّفَ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، إِذْ نَازَعَ أَهْلُ الرَّأْيِ بَقِيَّ بنَ مَخْلَدٍ، فَأَمَرَ بِنَسْخِهِ، وَقَالَ: لا تستغني خزانتنا عن هذا.
وَكَانَ ذَا رَأْيٍ، وَحَزْمٍ، وَشَجَاعَةٍ، وَإِقدَامٍ.
بُوْيِعَ عِنْدَ مَوْتِ وَالِدِه فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ، وَلَهُ إِحْدَى وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً، وَذَلِكَ بِعَهْدٍ مِنْ وَالِدِهِ وَأُمُّهُ: أُمُّ وَلَدٍ.
وَامْتَدَّتْ دَوْلَتُهُ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ يَتَوَغَّلُ فِي بِلاَدِ الرُّوْمِ، وَيَبْقَى فِي الغَزْوِ السَّنَةَ وَأَكْثَرَ.
قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ بنُ الجَوْزِيِّ: هُوَ صَاحِبُ وَقْعَةِ سَليط. وَهِي مَلْحَمَةٌ مَشْهُوْرَةٌ لَمْ يُعْهَدْ قَبْلَهَا بِالأَنْدَلُسِ مِثْلُهَا. يقال: قتل فيها ثلاثمائة أَلْفِ كَافِرٍ. وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ نَسْمَعْ بِمِثْلِهِ. قَالَ: وَللشُّعَرَاءِ فِيْهِ مَدَائِحُ كَثِيْرَةٌ.
قَالَ اليَسَعُ بنُ حَزْمٍ: كَانَ مُحَمَّدٌ يُسَمَّى: بِالأَمِيْنِ.
قُلْتُ: مَاتَ فِي آخِرِ صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَمَائَتَيْنِ، عَنْ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ.
__________
1 ترجمته في العقد الفريد "4/ 493"، الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "3/ 224"، ونفح الطيب للمقري "1/ 350".(7/285)
1230- المُنْذِرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ 1:
بو الحَكَمِ المَرْوَانِيُّ، صَاحِبُ الأَنْدَلُسِ، تَمَلَّكَ بَعْدَ وَالِدِهِ، فَكَانَتْ دَوْلَتُهُ سَنَتَيْنِ، فَمَاتَ وَهُوَ يُحَاصِرُ عُمَرَ بن حفصون، رأس الخوراج بِالأَنْدَلُسِ. وَكَانَ هَذَا بَدَوِيّاً، يَجلِبُ السَّمَكَ بِالأَنْدَلُسِ، فَآلَ بِهِ الأَمْرُ إِلَى أَنْ كَثُرَ جَمْعُهُ، وَاسْتَوْلَى عَلَى جَمَاعَةِ حُصُوْنٍ.
مَاتَ المُنْذِرُ فِي نِصْفِ صَفَرٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَمَائَتَيْنِ، وَلَهُ ست وأربعون سنة.
__________
1 ترجمته في العقد الفريد لابن عبد ربه "4/ 496"، ونفح الطيب للمقري "1/ 352".(7/286)
1231- عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ بنِ عبد الرحمن 1:
الأَمِيْرُ أَبُو مُحَمَّدٍ المَرْوَانِيُّ، أَخُو المُنْذِرِ.
تَمَلَّكَ الأَنْدَلُسَ بَعْدَ أَخِيْهِ، وَامْتَدَّتْ أَيَّامُهُ. وَكَانَ أَسَنَّ مِنْ أَخِيْهِ بِعَامٍ، وَكَانَ لَيِّناً، وَادِعاً، يُحِبُّ العَافِيَةَ، فَقَامَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ قُطرٍ مِنَ الأَنْدَلُس مُتَغَلِّبٌ، وَتَنَاقَضَ أَمْرُ المَرْوَانِيَّةِ فِي دَوْلَتِهِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْد رَبِّهِ: كَانَ الأَمِيْرُ عَبْدُ اللهِ مِنْ أَفَاضِلِ أُمَرَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ، بِنَى السَّاباط، وَوَاظَبَ الخُرُوْجَ عَلَيْهِ إِلَى الجَامِعِ، وَالتَزَمَ الصَّلاَةَ إِلَى جَانبِ المِنْبَرِ طُوْلَ مُدَّتِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ: كَانَ عَبْدُ اللهِ الأَمِيْرُ مِنَ الصَّالِحِيْنَ، المُتَّقِيْنَ، العَالِمِيْنَ، رَوَى العِلْمَ كَثِيْراً، وَطَالَعَ الرَّأْيَ، وَأَبصَرَ الحَدِيْثَ، وَحَفِظَ القُرْآنَ، وَتَفَقَّهَ، وَأَكْثَرَ الصَّوْمَ، وَكَانَ يَلْتَزِمُ الصَّلَوَاتِ فِي الجَامِعِ، فَيَمُرُّ بِالصَّفِّ، فَيَقُومُ النَّاسُ لَهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَعِيْدُ بنُ حُمَيْرٍ: أَيُّهَا الإِمَامُ أَنْتَ مِنَ المُتَّقِيْنَ، وَإِنَّمَا يَقُوْمُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالِمِيْنَ، فَلاَ تَرْضَ مِنْ رَعِيَّتِكَ بِغَيْرِ الصَّوَابِ، فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيْعاً. فَأَمَرَ العَامَّةَ بِتَرْكِ ذَلِكَ فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَحِيْنَئِذٍ ابْتَنَى السَّابَاطَ طريقًا مشهورًا من قصره إلى المقصورة.
قَالَ اليَسَعُ بنُ حَزْمٍ: اسْتُضعِفَتْ دَوْلَةُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَقَامَ ابْنُ حَفْصُوْنَ، وَكَانَ نَصْرَانِيَّ الأَصْلِ، فَأَسْلَمَ، وَتَنَصَّحَ، وَأَلَّبَ، وَحَشَدَ، وَصَارَتِ الأَنْدَلُسُ شُعلَةً تُضْرَمُ، وَلَمْ يَبْقَ لِبَنِي أُمَيَّةَ مِنْبَرٌ يُخطَبُ فِيْهِ إِلاَّ مِنْبَرُ قُرْطُبَةَ، وَالغَارَاتُ تُشَنُّ عَلَيْهَا حَتَّى قَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ النَّاصِرُ، فَتَرَاجَعَ الأَمْرُ.
مَاتَ عَبْدُ اللهِ فِي أَوَّلِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سنة ثلاثمائة، وله اثنتان وسبعون سنة.
__________
1 ترجمته في العقد الفريد "4/ 497", ونفح الطيب للمقري "1/ 352".(7/286)
1232- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ 1:
بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ بن هشام بن الدَّاخِلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سُلْطَانُ الأَنْدَلُسِ، المَدْعُوُّ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، النَّاصِرُ لِدِيْنِ اللهِ، أَبُو المُطَرِّفِ الأُمَوِيُّ، المَرْوَانِيُّ.
كَانَ أَبُوْهُ مُحَمَّدٌ وَلِيَّ عَهْدِ وَالِدِه عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ، فَقَتَلَهُ أَخُوْهُ أَبُو القَاسِمِ المُطَرِّفُ، فَقَتَلَهُ أَبُوْهُمَا بِهِ.
فَفِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمَائَتَيْنِ قُتِلَ مُحَمَّدٌ، وَلَهُ سَبْعٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً، وَتَأَخَّرَ قَتْلُ المُطَرِّفِ إِلَى رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمَائَتَيْنِ. وَلَمَّا قُتِلَ مُحَمَّدٌ، كَانَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا عِشْرُوْنَ يَوْماً. وَوَلِيَ الخِلاَفَةَ بعد جده.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: كَانَتْ خِلاَفَتُهُ مِنَ المُسْتَطْرَفِ؛ لأَنَّهُ كَانَ شَابّاً، وَبَالحَضْرَةِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْمَامِهِ، وَأَعْمَامِ أَبِيْهِ، فَلَمْ يَعْتَرِضْ مُعْتَرِضٌ عَلَيْهِ. وَاسْتَمَرَّ لَهُ الأَمْرُ وَكَانَ شَهْماً صَارِماً.
وَكُلُّ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ آبَائِهِ لَمْ يَتَسَمَّ أَحَدٌ مِنْهُم بِإِمْرَةِ المُؤْمِنِيْنَ، وَإِنَّمَا كَانُوا يُخَاطَبُوْنَ بِالإِمَارَةِ فَقَطْ، وَفَعَلَ مِثْلَهُم عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِلَى السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ وِلاَيَتِهِ، فَلَمَّا بَلَغَه ضَعْفُ الخِلاَفَةِ بِالعِرَاقِ، وَظُهُوْرُ الشِّيْعَةِ العُبَيْدِيَّةِ بِالقَيْرَوَانِ، رَأَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِإِمْرَةِ المُؤْمِنِيْنَ، وَلَمْ يَزَلْ مُنْذُ وَلِيَ الأَنْدَلُسَ يَسْتَنْزِلُ المُتَغَلِّبِيْنَ حَتَّى صَارَتِ المَمْلَكَةُ كُلُّهَا فِي طَاعتِهِ، وَأَكْثَرُ بِلاَدِ العُدْوَةِ، وَأَخَافَ مُلُوْكَ الطَّوَائِفِ حَوْلَهُ.
وَابْتَدَأَ بِبِنَاءِ مَدِيْنَةِ الزَّهْرَاءِ فِي أول سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، فَكَانَ يُقَسِّمُ دَخْلَ مَمْلَكَتِهِ أَثْلاَثاً: فَثُلُثٌ يَرصُدُهُ لِلْجُندِ، وَثُلُثٌ يَدَّخِرُهُ فِي بَيْتِ المَالِ، وَثُلُثٌ ينفقه في الزهراء.
وكان دخل الأندلس خمسة آلاف ألف دينار وأربعمائة ألف وثمانين ألفًا، ومن السوق والمستخلص سبعمائة أَلْفِ دِيْنَارٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّوْنَ أَلْفاً.
ذَكَرَ ابْنُ أَبِي الفَيَّاضِ فِي "تَارِيْخِهِ"، قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ وُجِدَ فِي تَارِيْخِ النَّاصِرِ أَيَّامُ السُّرُوْرِ الَّتِي صَفَتْ لَهُ، فَعُدَّتْ، فَكَانَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْماً، وَقَدْ مَلَكَ خَمْسِيْنَ سَنَةً وَنِصْفاً.
قَالَ اليَسَعُ بنُ حَزْمٍ: نَظَرَ أَهْلُ الحَلِّ وَالعَقْدِ، مَنْ يقوم بأمر الإسلام، فَمَا وَجَدُوا فِي شَبَابِ بَنِي أُمَيَّةَ مَنْ يَصلُحُ لِلأَمْرِ إِلاَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدٍ، فبايعوه، وطلب منهم المال فلم
__________
1 ترجمته في العقد الفريد "4/ 498"، ونفح الطيب "1/ 353-371".(7/287)
يَجِدْهُ، وَطَلَبَ العُدَد فَلَمْ يَجِدْهَا، فَلَمْ يَزَلِ السَّعْدُ يَخدِمُهُ إِلَى أَنْ سَارَ بِنَفْسِهِ لابْنِ حفصون، فوجده مجتازًا لوادي التفاح، ومع أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِيْنَ أَلْفَ فَارِسٍ -كَذَا نَقَلَ: اليَسَعُ، وَمَا أَحْسِبُ أَنَّ ابْنَ حَفْصُوْنَ بَقِيَ إِلَى هَذَا التَّارِيْخِ- قَالَ: فَهَزَمَه، وَأُفلِتَ ابْنُ حَفْصُونَ فِي نَفَرٍ يَسِيْرٍ، فَتَحَصَّنَ بِحِصْنِ مُبشّر.
وَلَمْ يَزَلْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَغْزُو حَتَّى أَقَامَ العِوَجَ، وَمَهَّدَ البِلاَدَ، وَوَضَعَ العَدْلَ، وَكَثُرَ الأَمْنُ، ثُمَّ بَعَثَ جَيْشاً إِلَى المَغْرِبِ، فَغزَا برْغوَاطَة بِنَاحِيَةِ سَلاَ، وَلَمْ تَزَلْ كَلِمَتُهُ نَافَذَةً، وَسِجِلْمَاسَةَ، وَجَمِيْعَ بِلاَدِ القِبْلَةِ، وَقُتِلَ ابْنُ حَفْصُوْنَ. وَصَارَتِ الأَنْدَلُسُ أَقْوَى مَا كَانَتْ وَأَحْسَنَهَا حَالاً، وَصَفَا وَجْهُهُ لِلرُّوْمِ، وَشَنَّ الغَارَاتِ عَلَى العَدُوِّ، وَغَزَا بِنَفْسِهِ بِلاَدَ الرُّوْمِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَدَوَّخَهُم، وَوَضَعَ عَلَيْهِم الخِرَاجَ، وَدَانَتْ لَهُ مُلُوْكُهَا، فَكَانَ فِيْمَا شَرَطَ عَلَيْهِم اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ رَجُلٍ يَصْنَعُوْنَ فِي بِنَاءِ الزَّهْرَاءِ الَّتِي أَقَامَهَا لِسُكْنَاهُ عَلَى فَرْسَخٍ مِنْ قُرْطُبَةَ.
وَسَاق إِلَيْهَا أَنْهَاراً، وَنَقَبَ لَهَا الجَبَلَ، وَأَنْشَأَهَا مُدَوَّرَةً، وَعِدَّةُ أَبْرَاجِهَا ثلاثمائة بُرْجٍ، وَشُرُفَاتُهَا مِنْ حَجَرٍ وَاحِدٍ، وَقَسَّمَهَا أَثْلاَثاً: فَالثُلُثُ المُسْنَدُ إِلَى الجَبَلِ: قُصُوْرُهُ، وَالثُلُثُ الثَّانِي: دُوْرُ المَمَالِيْكِ وَالخَدَمِ، وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً بِمَنَاطقِ الذَّهَبِ، يَرْكَبُوْنَ لِرُكُوْبِه، وَالثُّلُثُ الثَّالِثُ: بَسَاتِيْنُ تَحْتَ القُصُوْرِ. وَعَمِلَ مَجْلِساً مُشْرِفاً عَلَى البَسَاتِيْنِ، صَفَّحَ عُمُدَهُ بِالذَّهَبِ، وَرَصَّعَهُ بِاليَاقُوْتِ وَالزُّمُرُّدِ، وَاللُؤْلُؤِ، وَفَرَشَهُ بِمَنْقُوْشِ الرُّخَامِ، وَصَنَعَ قُدَّامَهُ بَحْرَةً مُسْتَدِيرَةً ملأها زئبقًا، فكانت النُّوْرُ يَنْعَكِسُ مِنْهُ إِلَى المَجْلِسِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ قَاضِيْهِ مُنْذِرُ بنُ سَعِيْدٍ البَلُّوْطِيُّ، فَوَقَفَ، وَقَرَأَ: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ} [الزخرف: 33، 34] الآيتين، فَقَالَ: وَعَظتُ أَبَا الحَكَمِ. ثُمَّ قَامَ عَنِ المَجْلِسِ، وَأَمَرَ بِنَزْعِ الذَّهَبِ وَالجَوَاهِرِ.
وَقَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ المَرَّاكُشِيُّ فِي "تَارِيْخِهِ": اتَّسَعَتْ مَمْلَكَةُ النَّاصِرِ، وَحَكَمَ عَلَى أَقْطَارِ الأَنْدَلُسِ، وَمَلَكَ طَنْجَةَ وَسَبْتَةَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ بِلاَدِ العُدْوَةِ، وَكَانَتْ أَيَّامُهُ كُلُّهَا حُرُوْباً. وَعَاشَ المُسْلِمُوْنَ فِي آثَارِهِ الحَمِيْدَةِ آمِنِيْنَ بُرْهَةً.
وَيُقَالُ: إِنَّ بِنَاءَ الزَّهْرَاءِ أُكمِلَ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، بِأَلْفِ بَنَّاءٍ فِي اليَوْمِ، مَعَ البَنَّاءِ اثْنَا عَشَرَ فَاعِلاً.
حكَى أَبُو الحَسَنِ الصَّفَّارُ: أَنَّ يُوْسُفَ بنَ تَاشفِيْنَ مَلَكَ المَغْرِبَ لَمَّا دَخَلَ الزَّهْرَاءَ، وَقَدْ خَرِبَتْ بِالنِّيْرَانِ وَالهَدْمِ، مِنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً قَبلَ دُخُوْلِهِ إِلَيْهَا، وَقَدْ نُقِلَ أَكْثَرُ مَا فِيْهَا إِلَى قُرْطُبَةَ وَإِشْبِيْلِيَةَ، وَنَظَرَ آثَاراً تَشْهَدُ عَلَى مَحَاسِنِهَا، فَقَالَ: الَّذِي بَنَى هَذِهِ كَانَ سَفِيْهاً. فَقَالَ أَبُو مَرْوَانَ بنُ سِرَاجٍ: كَيْفَ يَكُوْنُ سَفِيْهاً وَإِحْدَى كَرَائِمِه أَخْرَجَتْ مَالاً فِي فِدَاءِ أُسَارَى فِي أَيَّامِهِ، فَلَمْ يُوجَدْ بِبِلاَدِ الأَنْدَلُسِ أَسِيْرٌ يُفْدَى.
تُوُفِّيَ النَّاصِرُ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ. وَسَتُعَادُ تَرْجَمَتُهُ مُخْتَصَرَةً بِزِيَادَاتٍ مُهِمَّةٍ، وَأَنَّهُ افْتَتَحَ سَبْعِيْنَ حِصْناً -رَحِمَهُ اللهُ.(7/288)
1233- الحكم بن عبد الرحمن بن محمد 1:
ير المُؤْمِنِيْنَ بِالأَنْدَلُسِ، أَبُو العَاصِ، المُسْتَنْصِرُ بِاللهِ بنُ النَّاصِرِ الأُمَوِيُّ، المَرْوَانِيُّ.
بُوْيِع بَعْدَ أَبِيْهِ، فِي رمضان، سنة خمسين وثلاثمائة.
وَكَانَ حَسَنَ السِّيْرَةِ، جَامِعاً لِلْعِلْمِ، مُكْرِماً لِلأَفَاضِلِ، كَبِيْرَ القَدْرِ، ذَا نَهْمَةٍ مُفْرِطَةٍ فِي العِلْمِ وَالفَضَائِلِ، عَاكِفاً عَلَى المُطَالَعَةِ.
جَمَعَ مِنَ الكُتُبِ مَا لَمْ يَجْمَعْه أَحَدٌ مِنَ المُلُوْكِ، لاَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ، وَتَطَلَّبَهَا، وَبَذَلَ فِي أَثْمَانِهَا الأَمْوَالَ، وَاشْتُرِيَتْ لَهُ مِنَ البِلاَدِ البَعِيْدَةِ بِأَغْلَى الأَثْمَانِ، مَعَ صَفَاءِ السَّرِيْرَةِ وَالعَقلِ وَالكَرَمِ، وَتَقَرِيْبِ العُلَمَاءِ.
أَكْثَرَ عَنْ: زَكَرِيَّا بنِ الخَطَّابِ، وَأَجَازَ لَهُ: قَاسِمُ بنُ ثَابِتٍ كِتَابَ: "الدَّلاَئِلِ فِي غَرِيْبِ الحَدِيْثِ". وَكَتَبَ عَنْ خَلْقٍ كَثِيْرٍ، مِنْهُم: قَاسِمُ بنُ أَصْبَغَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الخُشَنِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ دُحَيْمٍ.
وَلَقَدْ ضَاقَتْ خَزَائِنُهُ بِالكُتُبِ إِلَى أَنْ صَارَتْ إِلَيْهِ، وآثرها على لذات المُلُوْكِ، فَغَزُرَ عِلمُهُ، وَدَقَّ نَظَرُهُ، وَكَانَ لَهُ يَدٌ بَيْضَاءُ فِي مَعْرِفَةِ الرِّجَالِ، وَالأَنْسَابِ، وَالأَخْبَارِ، وَقَلَّمَا تَجِدُ لَهُ كِتَاباً إِلاَّ وَلَهُ فِيْهِ قِرَاءةٌ أَوْ نَظَرٌ، مِنْ أَيِّ فَنٍّ كَانَ، وَيَكتُبُ فِيْهِ نَسَبَ المُؤلِّفِ، وَمَوْلِدَه وَوَفَاتَه، وَيَأْتِي مِنْ ذَلِكَ بِغَرَائِبَ لاَ تَكَادُ تُوجَدُ.
وَمِن مَحَاسِنِه: أَنَّهُ شَدَّدَ فِي مَمْلَكَتِهِ فِي إِبْطَالِ الخُمُوْرِ تَشْدِيْداً عَظِيْماً.
وَكَانَ أَخُوْهُ الأَمِيْرُ عَبْدُ اللهِ المَعْرُوْفُ بِالوَلَدِ، عَلَى أَنْمُوْذَجِهِ فِي مَحَبَّةِ العِلْمِ، فَقُتِلَ فِي أَيَّامِ أَبِيْهِ.
__________
1 ترجمته في نفح الطيب "1/ 382".(7/289)
وَكَانَ المُسْتَنْصِرُ مُوَثَّقاً فِيْمَا يَنْقُلُهُ. ذَكَرَهُ: ابْنُ الأَبَّارِ فِي "تَارِيْخِهِ"، وَقَالَ: عَجَباً لابْنِ الفَرَضِيِّ، وَابْنِ بَشْكُوَالٍ، كَيْفَ لَمْ يَذْكُرَاهُ؟!
مَوْلِدُهُ فِي سنة اثنتين وثلاثمائة.
وقال اليَسَعُ بنُ حَزْمٍ: كَانَ الحَكَمُ عَالِماً، رَاوِيَةً لِلْحَدِيْثِ، فَطِناً، وَرِعاً.
وَفَدَ عَلَيْهِ أَبُو عَلِيٍّ القَالِي، وَأَبُو عَلِيٍّ الزُّبيدي، وَغَيْرُهُمَا.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ القَاضِي مُنْذِرُ بنُ سَعِيْدٍ، اسْتَعْمَلَ عَلَى القَضَاءِ الفَقِيْهَ ابْنَ بَشِيْرٍ، فَشَرَطَ عَلَيْهِ نُفُوذَ الحَقِّ وَالعَدْلِ؛ فَرَفَعَ إِلَيْهِ تَاجِرٌ: أَنَّهُ ضَاعتْ لَهُ جَارِيَةٌ صَغِيْرَةٌ، وَأَنَّهَا فِي القَصْرِ، فَانْتَهَى الأَمْرُ إِلَى الحَكَمِ. فَقَالَ الحَكَمُ: نُرْضِي هَذَا التَّاجِرَ بِكُلِّ مَا عَسَى أَنْ يَرْضَى بِهِ. فَقَالَ ابْنُ بَشِيْرٍ: لاَ يَكمُلُ عَدْلُكَ حَتَّى تُنْصِفَ مِنْ نَفْسِك، وَهَذَا قَدِ ادَّعَى أَمراً، فَلاَ بُدَّ مِنْ إِحْضَارِهَا، وَشَهَادَةِ الشُّهُودِ عَلَى عَيْنِهَا. فَأَحضَرَهَا الحَكَمُ، وَأَنْصَفَ التَّاجِرَ.
وَفِي دَوْلَةِ الحَكَمِ هَمَّتِ الرُّوْمُ بِأَخْذِ مَوَاضِعَ مِنَ الثُّغُورِ، فَقَوَّاهَا بِالمَالِ وَالجُيُوْشِ، وَغَزَا بِنَفْسِهِ، وَزَادَ فِي القَطِيْعَةِ عَلَى الرُّوْمِ، وَأَذلَّهُم.
وَكَانَ مَوْتُهُ بِالفَالِجِ، فِي صفر، سنة ست وستين وثلاثمائة. وَخَلَّفَ وَلَداً، وَهُوَ هِشَامٌ، فَأُقِيْمَ فِي الخِلاَفَةِ بِتَدبِيْرِ الوَزِيْرِ ابْنِ أَبِي عَامِرٍ القَحْطَانِيِّ.(7/290)
1234- هشام بن الحكم 1:
بن عبد الرحمن الخَلِيْفَةُ، المُؤَيَّدُ بِاللهِ بنُ المُسْتَنْصِرِ بِاللهِ بنِ النَّاصِرِ الأُمَوِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ أَبُو الوَلِيْدِ. وَلِيَ الأَمْرَ بَعْدَ وَالِدِهِ، وَطَالَتْ أَيَّامُهُ.
مَوْلِدُه بِمَدِيْنَة الزَّهْرَاءِ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَبُوْيِعَ وَلَهُ اثْنَا عَشَرَ عَاماً بِإِشَارَةِ الدَّوْلَةِ، وَقَامَ بِتَدبِيْرِ الخِلاَفَةِ المَنْصُوْرُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَامِرٍ، وَاسْتَبَدَّ بِالأُمُوْرِ، فَقَبَضَ أَوَّلَ شَيْءٍ عَلَى عَمِّهِ المُغِيْرَةِ بنِ النَّاصِرِ.
وَكَانَ هِشَامٌ العَاشِرَ مِنْ مُلُوْكِ بَنِي أُمَيَّةَ بِالأَنْدَلُسِ، وَكَانَ ضَعِيْفَ الرَّأْيِ، أَخرَقَ، مَحْجُوراً عَلَيْهِ، فَكَانَ صُوْرَةً، وَكَانَ المَنْصُوْرُ هُوَ الكُلَّ، فَسَاسَ المَمْلَكَةَ أَتَمَّ سِيَاسَةٍ، وَغَزَا عدة غزوات ضخام.
وسيأتي في حدود الأربعمائة خبر المؤيد، وهذا المنصور.
__________
1 ترجمته في نفح الطيب "1/ 187".(7/290)
1235- يَعْلَى بن الأشدق 1:
لعقيلي، البدوي، المعمر.
حَدَّثَ عَنْ: عَمِّهِ؛ عَبْدِ اللهِ بنِ جَرَادٍ، وَرُقَادِ بنِ رَبِيْعَةَ، وَكُلَيْبِ بنِ جُرَيٍّ الأَعْرَابِ -وَزَعَمَ أَنَّ لَهُم صُحْبَةً- وَعَنِ النَّابِغَةِ الجَعْدِيِّ.
وَعَنْهُ: عُمَرُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُجَالِدٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ قَاضِي دِمَشْقَ، وَدَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ، وَأَبُو وَهْبٍ الوَلِيْدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، وَهَاشِمُ بنُ قَاسِمٍ الحرَّانيان، وَأَيُّوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ الوَزَّانُ، وَآخَرُوْنَ.
كُنْيَتُهُ أَبُو الهَيْثَمِ، وَكَانَ تَالِفاً يَدُورُ النَّوَاحِي، وَيَشحَذُ.
قَالَ أَحْمَدُ الأبَّار: سَأَلْتُ الوَزَّانَ عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ، كَتبَ عَنْهُ أَهْلُ حَرَّانَ، رَأَيْتُ لَهُ ابْناً كَأَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَبِنتاً كَأَنَّهَا أُمُّهُ، فَظَنَنتُ أَنَّهَا أُمَّهُ. فَقَالَ: هَذِهِ بِنْتِي وُلِدَتْ بَعْدَ المائَةِ.
وَقَالَ أَبُو وَهْبٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لِي مائَةٌ وَسِتٌّ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً وَنِصْفٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ قَدِمَ يَعْلَى دِمَشْقَ، وَكَانَ أَعْرَابِيّاً، فَحَدَّثَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ جَرَادٍ سَبْعَةَ أَحَادِيْثَ. فَقُلْنَا: لَعَلَّهُ حَقٌّ، ثُمَّ جَعَلَهَا عَشْرَةً، ثُمَّ عِشْرِيْنَ، ثُمَّ جَعَلَهَا أَرْبَعِيْنَ.
وَكَانَ سَائِلاً يَسْأَلُ النَّاسَ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: لاَ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لاَ يُصَدَّقُ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: بَلَغَنِي عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِيَعْلَى: مَا سَمِعَ عَمُّكَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ? قَالَ: "جَامِعَ الثَّوْرِيِّ"، وَ"مُوَطَّأَ مَالِكٍ"، وَشَيْئاً مِنَ الفَوَائِدِ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ وَضَعُوا لَهُ أَحَادِيْثَ، فَحَدَّثَ بِهَا، وَلَمْ يَدْرِ.
قُلْتُ: بَقِيَ إِلَى مَا بعد ثمانين ومائة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 3554"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 257"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 1305"، المجروحين لابن حبان "3/ 141"، والكامل لابن عدي "7/ ترجمة 2186"، وميزان الاعتدال "4/ 456".(7/291)
1236- العَطَّاف 1: "ت، س"
ابن خالد بن عبد الله بن العَاصِ بنِ وَابِصَةَ بنِ خَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمٍ، الإِمَامُ، أَبُو صَفْوَانَ المَخْزُوْمِيُّ، المَدَنِيُّ، أَحَدُ المَشَايِخِ الثِّقَاتِ.
حَدَّثَ عَنْ: نَافِعٍ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَأَبِي حَازِمٍ المَدِيْنِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: أَبُو اليَمَانِ، وَسَعِيْدُ بنُ أبي مريم، وآدم بن إِيَاسٍ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَقُتَيْبَةُ، وَأَبُو مُصْعَبٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: لَمْ يَحْمَدْهُ مَالِكٌ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ فِي "الكُنَى": لَيْسَ بِالمَتِيْنِ عِنْدَهُم، غَمَزَهُ مَالِكٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِذَاكَ.
قُلْتُ: تَفَرَّدَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَقَادَ مِنْ خِدْش. وَهَذَا مُنْكَرٌ، لَكِنْ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ: مَخْلَدُ بنُ مَالِكٍ.
وَلِلْعَطَّافِ نَحْوٌ مِنْ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَهُوَ نَحْوُ فليح، وابن أبي حازم في القوة.
وَسَمِعَهُ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ يَقُوْلُ: أَنَا أَسَنُّ مِنْ مَالِكٍ، وُلِدتُ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ.
قُلْتُ: موته قريب من وفاة مالك.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 412"، المعرفة والتارخي ليعقوب الفسوي "1/ 241 و626" و"2/ 300"، والضعفاء الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 1466"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 175"، والمجروحين لابن حبان "2/ 193"، والكامل لابن عدي "5/ ترجمة 1543"، والكاشف "2/ ترجمة 3873"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 5636"، وتهذيب التهذيب "7/ 221"، وتقريب التهذيب "2/ 24"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5649".(7/292)
1237- إبراهيم بن صالح 1:
ابن عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ العَبَّاسِيُّ، أَمِيْرُ الشَّامِ لِلْمَهْدِيِّ، ثُمَّ أَمِيْرُ مِصْرَ لِلرَّشِيْدِ، وَزَوَّجَهُ بِأُخْتِهِ، وَهُوَ أَخُو عَبْدِ المَلِكِ.
قِيْلَ: مَرِضَ إِبْرَاهِيْمُ، فَقَالَ الرَّشِيْدُ لِجِبْرِيْلَ الطَّبِيْبِ: مَا أَبْطَأَكَ? قَالَ: تَشَاغَلْتُ بِإِبْرَاهِيْمَ، لأَنَّهُ يَمُوْتُ. فَبَكَى وَجَزِعَ، وَلَمْ يَأْكُلْ. فَقَالَ جَعْفَرٌ: هَذَا أَعْلَمُ بِطِبِّ الرُّوْمِ، وَابْنُ بَهْلَةَ أَعْلَمُ بِطِبِّ الهِنْدِ، فَبَعَثَ بِابْنِ بَهْلَةَ، فَرَجَعَ، وَقَالَ: إِنَّهُ لاَ يَمُوْتُ فِي عِلَّتِهِ. فَأَكَلَ الرَّشِيْدُ، وَسَكَنَ. فَلَمَّا أَمْسَوْا جَاءهُ المَوْتُ، فَبَكَى الرَّشِيْدُ، فَأَتَاهُ ابْنُ بَهْلَةَ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ. فَدَخَلَ الرَّشِيْدُ مَعَهُ. قَالَ: فَنَخَسَهُ بِمِسَلَّةٍ تَحْتَ ظُفُرِهِ، فَحَرَّكَ يَدَه شَيْئاً، ثُمَّ أَمَرَ بِنَزْعِ الكَفَنِ عَنْهُ، وَدَعَا بِمِنْفَاخٍ وَكُنْدُسٍ، فَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ، فَعَطَسَ، وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ، فَرَأَى الرَّشِيْدَ، فَأَخَذَ يَدَه، فَقَبَّلَهَا، فَقَالَ: كَيْفَ حَالُكَ? قَالَ: كُنْتُ فِي أَلَذِّ نَوْمَةٍ، فَعَضَّ شَيْءٌ أُصبُعِي، فَآلَمَنِي، وَعُوْفِيَ. ثُمَّ زَوَّجَهُ بِأُخْتِهِ عَبَّاسَةَ، وَوَلاَّهُ مِصْرَ، وَبِهَا مَاتَ، فَكَانَ يُقَالُ: رَجُلٌ مَاتَ بِبَغْدَادَ، وَمَاتَ وَدُفِنَ بمصر.
مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، فِي شَعْبَانَ.
وَلَهُ عِدَّةُ إِخْوَةٍ أُمَرَاءَ، سَادَةٍ، قَادَةٍ، قَلَّ أَنْ يَتَّفِقَ إِخْوَةٌ مِثْلُهُم فِي الجَلاَلَةِ وَالسُّؤْدُدِ، وَهُم: إِسْمَاعِيْلُ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ، وَعَبْدُ اللهِ، وَعَبْدُ الملك، والفضل.
__________
1 ترجمته في المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي (1/ 156 و682".(7/292)
1238- الفيض 1:
ابن أَبِي صَالِحٍ شِيْرَوَيْه، الوزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو جَعْفَرٍ الفَارِسِيُّ. أَسْلَمَ، وَكَانَ نَصْرَانِيّاً، فَوَزَرَ لِلْمَهْدِيِّ فِي أَوَاخِرِ دَوْلَتِهِ.
وَكَانَ سَخِيّاً، جَوَاداً، يُضْرَبُ بِكَرَمِهِ المَثَلُ، وَفِيْهِ تِيْهٌ مُفْرِطٌ، أَنْسَى النَّاسَ تِيْهَ الوَزِيْرِ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: لَمْ يَزَلْ وَزِيْراً حَتَّى مَاتَ المَهْدِيُّ، ثُمَّ وَلِيَ الفَيْضُ دِيْوَانَ الجَيْشِ إِلَى أَنْ مَاتَ فِي سنة ثلاث وسبعين ومائة.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "7/ 26".(7/293)
1239- عُمَارة بنُ حَمْزَةَ 1:
الهَاشِمِيُّ، مَوْلاَهُم، الكَاتِبُ الأَدِيْب، أَحَدُ بُلغَاء زَمَانِهِ، وَرَئِيْسُ وَقْتِه، مِنْ أَوْلاَدِ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ. قال: وكان كاتب المنصور، وكان أعور.
وَكَانَ المَنْصُوْرُ وَالمَهْدِيُّ يُقدِّمَانِهِ لبَلاَغتِهِ، وَيَحتمِلاَنِ أَخلاَقَهُ، وَلَهُ رَسَائِلُ مَجْمُوْعَةٌ.
كَانَ فَصِيْحاً، مُفَوَّهاً، جَوَاداً، مُمَدَّحاً، صَلِفاً، تَيَّاهاً، يُضْرَبُ بكِبْرِهِ المَثَلُ.
وَلِي أَعْمَالاً جلِيْلَةً.
صُوْدِرَ يَحْيَى بنُ خَالِدٍ البَرْمَكِيُّ مرَّةً، فَبعثَ وَلَدَهُ إِلَى عُمَارَةَ لِيقرضَهُ مائَتَي أَلْفِ دِيْنَارٍ، فَأَعْطَاهُ، فَلَمَّا عَادَ أَمْرُهُ، وَنفَذَ إِلَيْهِ بِالمَالِ، عبَّسَ وَقَالَ: أَكُنْتَ صَيْرفِيّاً لَهُ? ثُمَّ قَالَ لِوَلَدِهِ الفَضْلِ بنِ يَحْيَى: خُذْهَا لَكَ.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَيُّوْبَ قال: وصل عمارة أبي بثلاثمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ.
وَقِيْلَ إِنَّ جَمَاعَةً أَتَوْهُ لِيشفعُوا فِي برِّ قَوْمٍ، فَأَمرَ لَهُم بِمائَةِ أَلْفِ درهم، وكان كثير الأموال والنعم.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 164".(7/293)
1240- عُبَيْس بن ميمون 1: "ق"
الإمام، المحدث، أبو عبيدة التميمي، الرَّقَاشِيُّ، البَصْرِيُّ، الخَزَّازُ.
رَوَى عَنْ: بَكْرٍ المُزَنِيِّ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، وَثَابِتٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ -إِنْ كَانَ لَحِقَهُ- وعون بن أبي شداد، وعدة.
وَعَنْهُ: الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَمُسْلِمٌ، وَيَحْيَى بنُ غيلان، وسعيد ابن مَنْصُوْرٍ، وَخَلَفُ بنُ هِشَامٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ، وَقُتَيْبَةُ، وَدَاهِرُ بنُ نُوْحٍ، وَخلقٌ.
قَالَ أَحْمَدُ: لَهُ أَحَادِيْثُ مِنْكرَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: مَتْرُوكٌ. وَقَالَ أَيْضاً: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: تُرك.
قُلْتُ: لَهُ فِي ابْنِ مَاجَه حَدِيْثٌ وَاحِدٌ.
وَتُوُفِّيَ فِي حدود الثمانين ومائة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 359"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 183"، والمجروحين لابن حبان "2/ 186"، والكاشف "2/ ترجمة 3705"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 5463"، وتهذيب التهذيب "7/ 88"، وتقريب التهذيب "1/ 548"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4683".(7/294)
1241- خالد بن عبد الله 1: "ع"
ابن عبد الرحمن بن يزيد الحَافِظُ، الإِمَامُ، الثَّبْتُ، أَبُو الهَيْثَمِ. وَيُقَالُ: أَبُو مُحَمَّدٍ المُزَنِيُّ مَوْلاَهُم، الوَاسِطِيُّ، الطَّحَّانُ. وَيُقَالُ: وَلاَؤُه لِلنُّعْمَانِ بنِ مُقَرِّن.
حَدَّثَ عَنْ: حُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَبَيَانِ بنِ بِشْرٍ، وَأَبِي طُوالة، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَعَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَمُغِيْرَةَ بنِ مِقْسَم، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وأبي بِشرٍ جَعْفَرِ بنِ أَبِي وَحشِيَّةِ، وَالجُرَيْرِيِّ، وَعَمْرِو بنِ يَحْيَى بنِ عُمَارَةَ المَازِنِيِّ، وَمُطَرِّفِ بنِ طَرِيْفٍ، وَوَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَأَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَأَبِي حُصَيْنٍ، وَمَا أَظنُّه سَمِعَ منَ الأَعْمَشِ.
وَعَنْهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَوَكِيْعٌ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَمُسَدَّدٌ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَأَبُو عُمَرَ الحَوْضِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ يَعْقُوْبَ الطَّالْقَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ الدُّوْلاَبِيُّ، وَعَمْرُو بنُ عَوْنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُقَاتِلٍ المَرْوَزِيُّ، وَمُعَلَّى بنُ مَنْصُوْرٍ، وَوَهْبُ بنُ بَقِيَّةَ، وَقُتَيْبَةُ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَيَانٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ شَاهِيْنَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: قَالَ أَبِي: كَانَ خَالِدٌ الطَّحَّانُ ثِقَةً، صَالِحاً فِي دِيْنِهِ، بَلَغَنِي أَنَّهُ اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنَ اللهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ هُشَيْمٍ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ أَيْضاً: قَالَ أَبِي: كَانَ خَالِدٌ مِنْ أَفَاضِلِ المُسْلِمِيْنَ، اشْتَرَى نَفْسَه مِنَ اللهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَتصدَّقَ بوزنِ نَفْسِهِ فِضَّةً أَرْبَعَ مَرَّاتٍ.
وَقَالَ ابْنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: ثِقَةٌ، حَافِظٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ أَيْضاً: صَحِيْحُ الحَدِيْثِ.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 313"، والتاريخ الكبير "3/ ترجمة 550"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 171 و341 و478" و"2/ 536 و459" و"3/ 80"، والكنى للدولابي "2/ 95"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 1536"، وتاريخ بغداد "8/ 295"، والأنساب للسمعاني "8/ 214"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 246"، والعبر "1/ 273 و407"، والكاشف "1/ ترجمة 1342"، وجامع التحصيل للعلائي "ترجمة 163"، تهذيب التهذيب "3/ 100"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1773"، وشذرات الذهب لابن العماد "1/ 292".(7/295)
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ: مَا أَدْرَكتُ أَفْضَلَ مِنْ خَالِدٍ الطَّحَّانِ. قِيْلَ: قَدْ رَأَيْتَ سُفْيَانَ? قَالَ: كَانَ سُفْيَانُ رَجُلَ نَفْسِهِ، وَكَانَ خَالِدٌ رَجُلَ عَامَّةٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ.
وَأَمَّا عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، فَكَانَ يُقدِّمُ جَرِيْراً عَلَى خَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ.
قَالَ عَمْرُو بنُ عَوْنٍ: مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبْدِ اللهِ إِلاَّ سَمِعْتُ قَطْرَ دُمُوْعِهِ عَلَى البَارِيَّةِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُبشِّرٍ الوَاسِطِيُّ: وُلِدَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَيَانٍ: مَاتَ خَالِدٌ الطَّحَّانُ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَكَانَ لاَ يَخْضِبُ، وَفِيْهَا أَرَّخَهُ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ، وَابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَكْمَلُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ زُنْبُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ شَاهِيْنٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ حَكِيْمِ بنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "في الجَنَّةِ بَحرُ المَاءِ، وَبحرُ اللَّبَنِ، وَبحرُ الخَمْرِ، وبحر العسل، ثم تنفجر الأَنْهَارُ بَعْدُ". تَابعَهُ بَهْز بنُ حَكِيْمٍ، عَنِ أَبِيْهِ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيْثِ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، عَنْ بَهْزٍ، وَصحَّحَهُ، وَانْفَرَدَ بِإِخرَاجِهِ عَنْ باقي الأئمة.(7/296)
1242- موسى بن أعْيَن 1: "خَ، م، د، س، ق"
الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو سَعِيْدٍ الحَرَّانِيُّ.
رَوَى عَنْ: عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَلَيْثٍ، وَعَبْدِ الكَرِيْمِ الجَزَرِيِّ، وَالأَعْمَشِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَمُطَرِّفِ بنِ طَرِيْفٍ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَمَعْمَرٍ، وَخَلْقٍ.
وَعَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَمَاعَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي شُعَيْبٍ، وَعَبْدُ الغَفَّارِ بنُ دَاوُدَ، وَسَعِيْدُ بنُ حَفْصٍ النُّفَيْلِيُّ، وَقَرَابَتُهُ أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ ومائة.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 483"، والتاريخ الكبير "7/ ترجمة 1190"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 616"، والعبر "1/ 271"، والكاشف "3/ ترجمة 5777"، وتهذيب التهذيب "10/ 335"، وتقريب التهذيب "2/ 281"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7245"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 288".(7/296)
1243- أما المُفَضَّل بن فَضَالة 1: "د، ت، ق"
ابن أبي أمية، أَبُو مَالِكٍ، القُرَشِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ، أَخُو مُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، فَأَقدمُ قَلِيْلاً مِنْ صَاحِبِ التَّرْجَمَةِ.
رَوَى عَنْ: بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ، وَثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَحَبِيْبِ بنِ الشَّهِيْدِ، وَعَاصِمِ بنِ أبى النجود، وجماعة.
وَعَنْهُ: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَيُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ.
قُلْتُ: لَهُ فِي الكِتَابِ حديث واحد.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1774"، والضعفاء الكبير للعقيلي "4/ ترجمة 1835"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1460"، والكامل لابن عدي "6/ ترجمة 1891"، والكاشف "3/ ترجمة رقم 5707"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8732"، وتهذيب التهذيب "10/ 273"، وتقريب التهذيب "2/ 271"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7173".(7/297)
1244- أبو الأحوص 1: "ع"
الإِمَامُ، الثِّقَةُ، الحَافِظُ، سَلاَّمُ بنُ سُلَيْمٍ الحَنَفِيُّ مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: زِيَادِ بنِ عِلاقة، وَالأَسْوَدِ بنِ قَيْسٍ، وَآدَمَ بنِ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، وَسَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ، وَسِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجِرٍ، وَأَبِي بِشْرٍ بَيَانِ بنِ بِشْرٍ، وَأَشْعَثَ بنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، وَشَبِيْبِ بنِ غَرْقَدة، وَأَبِي حُصين، ومنصور، وعاصم بن كليب، وعبد الكريم الجزري، وخلق سواهم.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 379"، والتاريخ الكبير "4/ ترجمة 2231"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 170" و"2/ 641" و"3/ 127 و162"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 1121"، والعبر "1/ 274"، وتهذيب التهذيب "4/ 282"، وتقريب التهذيب "1/ 342"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2840"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 292".(7/297)
وَعَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَوَكِيْعٌ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَخَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ، وَالحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ البُورَانِيُّ، وَأَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيْعُ بنُ نَافِعٍ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَعَاصِمُ بنُ يُوْسُفَ، وَقُتَيْبَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخُوْهُ عُثْمَانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ المُحَارِبِيُّ، وَهَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ أَبَانٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حوَّاسٍ الحَنَفِيُّ، وَخَلَفُ بنُ هِشَامٍ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ شَرِيْكٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لِيَحْيَى: أَبُو الأَحْوَصِ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَوْ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ? قَالَ: مَا أَقْرَبَهُمَا.
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: كَانَ ثِقَةً، صَاحِبَ سُنَّةٍ وَاتِّبَاعٍ، وَكَانَ إِذَا مُلِئَتْ دَارُهُ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، قَالَ لابْنِهِ أَحْوَصَ: يَا بُنَيَّ! قُمْ فَمَنْ رَأْيْتَهُ فِي دَارِي يَشتمُ أَحَداً مِنَ الصَّحَابَةِ، فَأَخْرِجْهُ، مَا يَجِيْءُ بكُم إِلِيَنَا?!
وَكَانَ حَدِيْثُهُ نَحْوَ أَرْبَعَةِ آلاَفِ حَدِيْثٍ.
وَهُوَ خَالُ المُقْرِئِ سُلَيمٍ1، صَاحِبِ حَمْزَةَ، وَقَرَأَ أبو الأحوص أيضًا القرآن على حمزة.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، هُوَ دُوْنَ زَائِدَةَ وَزُهَيْرٍ فِي الإِتقَانِ، شَرِيْكٌ وَأَبُو عَوَانَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ.
وَسُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، فَقَالَ: لاَ تُبالِ بِأَيِّهِمَا بِدَأْتَ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ أَبُو الأَحْوَصِ وَمَالِكٌ وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ التَّمِيْمِيُّ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ مُوْسَى بنِ
__________
1 هو: سُليم بن عيسى بن سليم بن عامر الحنفي مولاهم الكوفي المقرئ، عرض القرآن على حمزة بن حبيب الزيات، وهو من القراء السبعة، وهو أخص أصحابه وألصقهم به وهو أضبطهم.(7/298)
طَلْحَةَ، عَنِ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا صَلَّى أحدُكم فَلْيَجْعَلْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ آخِرَةِ الرَّحْلِ ثُمَّ يُصَلِّي، وَلاَ يُبَالِي مَنْ مَرَّ وَرَاءَ ذَلِكَ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1، عَنْ أَبِي بَكْرٍ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، أَخْبَرَنَا مُوْسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا لُوَين، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ بُرَيْدِ بنِ أَبِي مريم، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَأَلَ اللهَ الجَنَّةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، قَالَتِ الجَنَّةُ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وَمَنِ اسْتَجَارَ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، قَالَتِ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنَ النَّارِ" 2. أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ ماجه مِنْ طَرِيْقِ أَبِي الأَحْوَصِ، وَهُوَ حَدِيْثٌ حسنٌ.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "499".
2 صحيح: أخرجه الترمذي "2572"، والنسائي "8/ 279" وفي "عمل اليوم والليلة" "110" وابن ماجه "4340" من طريق هناد بن السري، عن أبي الأحوص، به.
وأخرجه أحمد "3/ 117"، والحاكم "1/ 535" من طريق أبي إسحاق، به، وأخرجه أحمد "3/ 141 و155 و262"، والبغوي في "شرح السنة" "1365" من طرق عن يونس بن أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ بُريد بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَنَسِ بن مالك، به مرفوعا.(7/299)
1245- شِهاب بن خِراش 1: "د"
ابن حَوْشَب بن يَزِيْدَ بنِ الحَارِثِ بنِ يَزِيْدَ بنِ رُوَيْمِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعْدِ بنِ مُرَّةَ بنِ ذُهْلِ بنِ شَيْبَانَ بنِ ثَعْلَبَةَ. الإِمَامُ، القُدْوَةُ، العَالِمُ، أَبُو الصَّلْتِ الشَّيْبَانِيُّ، ثُمَّ الحَوْشَبِيُّ، الوساطي، أَخُو عَبْدِ اللهِ، وَابْنُ أَخِي العَوَّامِ بنِ حَوْشَبٍ.
أَصلُهُ كُوْفِيٌّ، تَحوَّلَ إِلَى الرَّملة.
وَحَدَّثَ عَنْ: عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، وَأَبَانِ بنِ أَبِي عَيَّاشٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَعَبْدِ الكَرِيْمِ الجَزَرِيِّ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَمُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ القُرَشِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَعَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، وَعَمِّهِ العوَّامِ، وَحَمَّادِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَشُعَيْبِ بنِ رُزَيْقٍ الطَّائِفِيِّ، وَالقَاسِمِ بنِ غَزْوَانَ. وَيَنْزِلُ إِلَى: الثَّوْرِيِّ، والربيع بن صبيح، وعدة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "4/ ترجمة 2642"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 325"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 1586"، والمجروحين لابن حبان "1/ 362"، والكامل لابن عدي "4/ ترجمة 894"، والإكمال لابن ماكولا "3/ 105"، والكاشف "2/ ترجمة 2333"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 3750"، تهذيب التهذيب "4/ ترجمة 366"، وتقريب التهذيب "1/ 355" وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2979".(7/299)
وَعَنْهُ: ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَيْمُوْنٍ القدَّاحُ، وَابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، وَالهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ، وآدم بن إِيَاسٍ، وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيْدِ بنِ كَثِيْرٍ الحِمْصِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَالحَكَمُ بنُ مُوْسَى، وَقُتَيْبَةُ، وعلي بن حُجْرٍ، وَيَزِيْدُ بنُ مَوْهِبٍ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَثَّقَهُ ابْنُ المُبَارَكِ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَابْنُ عَمَّارٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، نَزَلَ الرَّمْلَةَ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ، صَاحِبُ سُنَّةٍ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَهُ أَحَادِيْثُ لَيْسَتْ كَثِيْرَةً، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ مَا يُنكَرُ عَلَيْهِ، وَلاَ أَعْرِفُ لِلْمُتَقَدِّمِيْنَ فِيْهِ كَلاَماً فَأَذْكُرَهُ.
قُلْتُ: وَذَلِكَ لانزِوَائِهِ بفِلَسْطِيْنَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: لَمْ أَرَ أَحَداً أَجْمَعَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، وَلَمْ أَرَ أَحَداً أُقدِّمُهُ عَلَى بِشْرِ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَلَمْ أَرَ أَحَداً أَحْسَنَ وَصْفاً لِلسُّنَّةِ مِنْ شِهَابِ بنِ خِرَاشٍ، وَلَمْ أَرَ أَحَداً أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ مِنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَلِسُفْيَانَ عِلْمُهُ وَزُهْدُهُ.
بُهْلُولُ بنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا شِهَابُ بن خراش قال: أدركت مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ صَدَرَةِ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَهُم يقولون: اذكرُوا مَجْلِسَ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا تَأْتَلِفُ عَلَيْهِ القُلُوْبُ، وَلاَ تَذْكُرُوا الَّذِي شَجَرَ بَيْنهُم، فَتُحرِّشُوا عَلَيْهِم النَّاسَ.
مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ الخُرَيمِيُّ، عَنْ هِشَامِ بنِ عَمَّارٍ: سَمِعْتُ شِهَابَ بنَ خِرَاشٍ يَقُوْلُ: إِنَّ القَدَرِيَّةَ أَرَادُوا أَنْ يَصِفُوا اللهَ بعَدْلِهِ، فَأَخْرَجُوْهُ مِنْ فَضْلِهِ.
قَالَ هِشَامٌ: لقِيْتُ شِهَاباً وَأَنَا شَابٌّ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، فَقَالَ لِي: إِنْ لَمْ تَكُنْ قَدَرِيّاً وَلاَ مُرْجِئاً، حدَّثْتُكَ، وَإِلاَّ لَمْ أُحَدِّثْكَ. فَقُلْتُ: مَا فيَّ مِنْ هَذَيْنِ شَيْءٌ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُهْزَاد، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! الحَدِيْثُ الَّذِي جَاءَ: "إِنَّ مِنَ البِرِّ بَعْدَ البِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ لأَبَوَيْكَ مَعَ صَلاَتِكَ، وَتَصومَ لَهُمَا مَعَ صَوْمِكَ". فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، عَمَّنْ هَذَا? قُلْتُ: هَذَا مِنْ حَدِيْثِ شهاب بن خراش. قال: ثقة، عمن? قلت: عن(7/300)
الحَجَّاجِ بنِ دِيْنَارٍ. قَالَ: ثِقَةٌ، عَمَّنْ? قُلْتُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: إِنَّ بَيْنَ الحَجَّاجِ وَبَيْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عليه وسلم- مفاوز تنقطع فيها أعناق المَطِيِّ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الصَّدَقَةِ اخْتِلاَفٌ1.
خرَّج أَبُو دَاوُدَ لِشِهَابٍ فِي سُنَنِهِ حَدِيْثَيْنِ.
وَمَاتَ قَبْلَ سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، فَقَدْ لَحِقَهُ عَلِيُّ بنُ حُجْر.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ زَيْنَبَ الشَّعْرِيَّةِ، أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ زعبلٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْروِ بنُ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا شِهَابُ بنُ خِرَاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللهَ لعنَ المُرجِئَةَ وَالقدرِيَّةَ عَلَى لِسَانِ سبعين نبيًّا"2.
أَخْبَرَنَا الحَافِظُ، أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ صَبَّاحٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ القَاضِي، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ البَزَّازُ سَنَةَ ثلاث عشرة وأربعمائة، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ العَامِرِيُّ، حدثنا سلمان بنُ شُعَيْبٍ الكَيْسَانِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيْدٌ الآدَمُ، حَدَّثَنَا شِهَابُ بنُ خِرَاشٍ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَخَوْفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي، تَصْدِيقٌ بِالنُّجُوْمِ، وَتَكذِيبٌ بِالقَدَرِ، وَلاَ يؤمن عبد الله حَتَّى يُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ"، وَأَخَذَ رَسُوْلُ اللهِ بِلحِيتِهِ، وَقَالَ: "آمَنتُ بِالقَدَرِ كُلِّهِ، خَيْرِهِ وَشرِّهِ، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ"، وَأَخَذَ أَنَسٌ بلحيته، وقال: آمنت بالقدر كله، خيره وشره، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ، وَأَخَذَ يَزِيْدُ الرَّقَاشِيُّ بلِحْيَتِهِ، وَقَالَ: آمنت بالقدر كله، خيره وشره، حلوه ومره. وَتَسَلْسَلَ إِلَى هَذَا الكَلاَمِ، وَهُوَ كَلاَمٌ صَحِيْحٌ، لكن الحديث واه، لمكان الرقاشي.
__________
1 ضعيف: أخرجه مسلم في "مقدمة صحيحه" "1/ 16"، وهو ضعيف لإرساله، الحجاج بن دينار الذي أرسله من طبقة كبار أتباع التابعين فالإسناد ضعيف.
2 ضعيف: فيه سويد بن سعيد، قال النسائي: ضعيف. وقال البخاري: ضعيف جدا. وقال أبو حاتم: صدوق كثير التدليس.(7/301)
1246- هُشَيْم 1: "ع"
ابن بشير بن أبي خازم. وَاسْمُ أَبِي خَازِمٍ قَاسِمُ بنُ دِيْنَارٍ، الإِمَامُ، شيخ الإِسْلاَمِ، مُحَدِّثُ بَغْدَادَ، وَحَافِظُهَا، أَبُو مُعَاوِيَةَ السَّلَمِيُّ مَوْلاَهُم، الوَاسِطِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَةٍ.
وَأَخَذَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ بِمَكَّةَ، وَلَمْ يُكثِرْ عَنْهُمَا، وَهُمَا أَكْبَرُ شُيُوْخِهِ.
وَرَوَى عَنْ: مَنْصُوْرِ بنِ زَاذَانَ، وَحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِي بِشْرٍ، وَأَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَمُغِيْرَةَ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ صُهَيْبٍ، وَعَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَيَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَالأَعْمَشِ، وَخَلْقٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ إِسْحَاقَ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَهُم مِنْ أَشْيَاخِهِ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَقرَانِهِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَعَفَّانُ، وَقُتَيْبَةُ، وَأَحْمَدُ، وَعَمْرُو بنُ عَوْنٍ، وَمُسَدَّدٌ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَابْنَا أَبِي شَيْبَةَ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ الطُّوْسِيُّ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ الصَّبَّاحِ الدُّوْلاَبِيُّ، وَالجَرْجَرَائِيُّ، وَشُجَاعُ بنُ مَخْلَدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الهَرَوِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَأَبُو مَعْمَرٍ القَطِيْعِيُّ، وخلف بن سالم، وأبو خيثمة، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَهَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُجَشِّر، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
سَكَنَ بَغْدَادَ، وَنَشرَ بِهَا العِلْمَ، وَصنَّفَ التَّصَانِيْفَ.
قَالَ يَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ: كَانَ عِنْدَ هُشَيْمٍ عِشْرُوْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ.
قُلْتُ: كَانَ رَأْساً فِي الحِفْظِ، إِلاَّ أَنَّهُ صَاحِبُ تَدْلِيسٍ كَثِيْرٍ، قَدْ عُرِفَ بِذَلِكَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَمْ يَسَمَعْ هُشَيْمٌ مَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَلاَ مِنَ الحَسَنِ بن عبيد الله،
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 313"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 6867"؛ والجرح والتعديل "9/ ترجمة 486"، وتاريخ بغداد "14/ 85"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 235"، والكاشف "3/ ترجمة 6080"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9250"، وجامع التحصيل للعلائي "ترجمة رقم 849"، وتهذيب التهذيب "11/ 59"، وتقريب التهذيب "2/ 320"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7766"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 303".(7/302)
وَلاَ مِنْ أَبِي خَالِدٍ، وَلاَ مِنْ سيَّار، وَلاَ مِنْ مُوْسَى الجُهَنِيِّ، وَلاَ مِنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ، ثُمَّ سمَّى جَمَاعَةً كَثِيْرَةً، يَعْنِي فَرِوَايتُهُ عَنْهُم مُدَلَّسَةٌ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: كَانَ وَالِدُ هُشَيْمٍ صَاحِبَ صحْنَاء وكَامَخ، فَكَانَ يَمْنَعُ هُشِيْماً مِنَ الطَّلبِ، فَكَتَبَ العِلْمَ حَتَّى نَاظرَ أَبَا شَيبَةَ القَاضِي، وَجَالَسَهُ فِي الفِقْهِ. قَالَ: فَمَرِضَ هُشَيْمٌ، فَجَاءَ أَبُو شَيْبَةَ يَعُوْدُهُ، فَمَضَى رَجُلٌ إِلَى بشِيْرٍ، فَقَالَ: الْحَقِ ابْنَكَ، فَقَدْ جَاءَ القَاضِي يَعُوْدُهُ. فَجَاءَ فَوَجَدَ القَاضِي فِي دَارِهِ فَقَالَ: مَتَى أَمَّلتُ أَنَا هَذَا، قَدْ كُنْتُ يَا بُنَيَّ أَمنعُكَ، أَمَّا اليَوْمَ فَلاَ بَقِيْتُ أَمنعُكَ.
قَالَ وَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ: قُلْنَا لِشُعْبَةَ: نَكْتُبُ عَنْ هُشَيْمٍ? قَالَ: نعم، ولو حَدَّثَكُم عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَصدِّقُوهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لزمتُ هُشَيْماً أَرْبَعَ سِنِيْنَ، أَوْ خَمْساً، مَا سَأَلتُهُ عَنْ شَيْءٍ، إِلاَّ مَرَّتَيْنِ، هَيْبَةً لَهُ، وَكَانَ كَثِيْرَ التَّسبِيْحِ بَيْنَ الحَدِيْثِ، يَقُوْلُ بَيْنَ ذَلِكَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، يَمدُّ بِهَا صَوْتَهُ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: كَانَ هُشَيْمٌ أَحْفَظَ لِلْحَدِيْثِ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.
وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْفَظَ لِلْحَدِيْثِ مِنْ هُشَيْمٍ، إِلاَّ سُفْيَانَ. إِنْ شَاءَ اللهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجلي: هُشَيْمٌ ثِقَةٌ، يُعدُّ مِنَ الحُفَّاظِ، وَكَانَ يُدَلِّسُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَمْرَو بنَ عَوْنٍ يَقُوْلُ: مَكَثَ هُشَيْمٌ يُصَلِّي الفَجْرَ بِوُضُوْءِ العشَاءِ قَبْلَ أَنْ يَمُوْتَ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ عَمْرُو بنُ عَوْنٍ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ فِي المُحَدِّثِيْنَ أَنبلَ مِنْ هُشَيْمٍ.
وَسُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ عَنْ هُشَيْمٍ، فَقَالَ: لاَ يُسْأَلُ عَنْهُ فِي صِدْقِهِ، وَأَمَانتِهِ، وَصلاَحِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ: مَنْ غَيَّرَ الدَّهْرُ حَفِظَهُ، فَلَمْ يُغَيِّرْ حِفْظَ هُشَيْمٍ.
قَالَ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ العَابِدُ: سَمِعْتُ نَصْرَ بنَ بسَّامٍ وَغَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، قَالُوا: أَتَيْنَا مَعْرُوْفاً الكَرْخِيَّ فَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَنَامِ، وَهُوَ يَقُوْلُ لهُشَيْمٍ: "جَزَاكَ اللهُ عَنْ أُمَّتِي خَيْراً". فَقُلْتُ لمَعْرُوْفٍ: أَنْتَ رَأَيْتَ? قَالَ: نَعَمْ، هُشَيْمٌ خَيْرٌ مِمَّا نَظنُّ.
أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي شَيْخٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ الحِمْيَرِيُّ، عَنْ هُشَيْمٍ قَالَ: قَدِمَ الزُّبَيْرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الكُوْفَةَ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ، وَعَلَى الكُوْفَةِ سَعِيْدُ بنُ العَاصِ، فبعث إليه بسبعمائة أَلفٍ، وَقَالَ: لَوْ كَانَ فِي بَيْتِ المَالِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا لبعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ، فَقَبِلَهَا(7/303)
الزُّبَيْرُ. قَالَ أَحْمَدُ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: مَا كَانَ الَّذِي بَعَثَ إِلَيْهِ عِنْدنَا إِلاَّ الوَلِيْدُ بنُ عُقْبَةَ، وَكُنَّا نَشْكُرُهَا لَهُم، وَهُشَيْمٌ أَعْلَمُ.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: سَأَلْتُ هُشَيْماً عَنِ التَّفسِيْرِ، كَيْفَ صَارَ فِيْهِ الاَختلاَفُ? قَالَ: قَالُوا بِرَأْيِهِم، فَاخْتلفُوا.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بن عبد الله الهروي: سمع هشيمًا وَابْنُ عُيَيْنَةَ مِنَ الزُّهْرِيِّ، فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ، فِي ذِي الحِجَّةِ، فَقَالَ سُفْيَانُ: أَقَامَ عِنْدنَا إِلَى عُمْرَةِ المُحَرَّمِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الجِعْرَانَةِ، فَاعْتمرَ مِنْهَا، ثُمَّ نَفَرَ، وَمَاتَ مِنْ سَنَتِهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الهَرَوِيُّ حَدِيْثاً، فَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْهُ هُشَيْمٌ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَلَمْ يَروِ عَنْهُ سِوَى أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ سَمَاعاً، مِنْهَا: "حَدِيْثُ السَّقِيْفَةِ"1، وَحَدِيْثُ " المضَامِيْنَ وَالملاَقِيحَ"2، وحديث "ما استيسر من الهدي"، وحديث: "اعتكف فأتته صفية"3.
__________
1 صحيح: أخرجه أبو داود "4418" من طريق هشيم، عَنِ الزُهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، عن عبد الله بن عباس، به مختصرا، وأخرجه البخاري "6830" من حديث طويل من طريق إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، به.
2 حسن لغيره: أخرجه البزار "1268" كشف الأستار والطبراني في "الكبير" "11/ 11581" من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن أَبِي حَبِيْبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بنِ الحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن بيع المضامين والملاقيح وحبل الحبلة".
قلت: إسناده ضعيف، فيه إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، قال البُخَارِيُّ: عِنْدَهُ مَنَاكِيْرُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيْفٌ. وَقَالَ الدارقطني: ليس بالقوي. والعلة الثانية: داود بن الحصين، ضعيف في عكرمة، لذا قال الحافظ في "التقريب": ثقة إلا في عكرمة، وأخرجه البزار "1267" من طريق سعيد بن سفيان عن صالح بن أبي الأخضر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الملاقيح والمضامين".
قلت: إسناده ضعيف، فيه صالح بن أبي الأخضر، ضعيف كما قال الحافظ في "التقريب". لكن الحديث يرتقي لمرتبة الحسن لغيره بشاهد أبي هريرة والله أعلم.
الملاقيح: جمع ملقوح، وهو ما في بطن الناقة. والمضامين: جمع مضمون وهو ما في صلب الفحل.
3 صحيح: أخرجه البخاري "2035"، ومسلم "2175" من طريق الزهري، عن علي بن حسين، عن صفية بنت حيي قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- معتكفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدثته، ثم قمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي -صلى الله عليه وسلم- أسرعا. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "على رسلكما، إنها صفية بنت حيي". فقالا: سبحان الله يا رسول الله! قال: "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا -أو قال: شيئا". واللفظ لمسلم. أما رواية هشيم عن الزهري، فقد عزاها الحافظ في "الفتح" "13/ 142" إلى سعيد بن منصور.(7/304)
قُلْتُ: قَدْ ذَكَرْنَا فِي تَرْجَمَةِ شُعْبَةَ أَنَّهُ اخْتطفَ صَحِيْفَةَ الزُّهْرِيِّ مَنْ يَدِ هُشَيْمٍ، فَقَطَعَهَا لِكونِهِ أَخفَى شَأْنَ الزُّهْرِيَّ عَلَى شُعْبَةَ لَمَّا رَآهُ جَالِساً مَعَهُ، وَسَأَلَهُ مَنْ ذَا الشَّيْخُ? فَقَالَ: شُرَطِيٌّ لبَنِي أُمَيَّةَ، فَمَا عَرَفَهُ شُعْبَةُ، وَلاَ سَمِعَ مِنْهُ، وَهَذِهِ هَفْوَةٌ كَانَتْ مِنَ الاثْنَيْنَ فِي حَالِ الشَّبِيْبَةِ، ثُمَّ إِنَّ هُشَيْماً كَانَ يَحفظُ مِنْ تِلْكَ الصَّحِيْفَةِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ، فَكَانَ يَرويهَا.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَيْسَ أَحَدٌ أَصَحُّ حَدِيْثاً مِنْ هُشَيْمٍ، عَنْ حُصَيْنٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: حِفظُ هُشَيْمٍ عِنْدِي أَثْبَتُ مِنْ حِفْظِ أَبِي عَوَانَةَ، وَكِتَابُ أَبِي عَوَانَةَ أَثْبَتُ.
رَوَى عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: الَّذِيْنَ رَأَيْتهُم لاَ يَختضبُوْنَ: هُشَيْمٌ، مُعْتَمِرٌ، يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، ابْنُ إِدْرِيْسَ، ابْنُ مَهْدِيٍّ، إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَبُو مُعَاوِيَةَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ.
إِلَى السَّوَادِ: جَرِيْرُ بنُ نُمَيْرٍ، غُنْدَرُ بنُ فُضَيْلٍ البرسَانِيُّ، عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَبَّادُ بنُ عَبَّادِ بنِ أَبِي زَائِدَةَ، الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ.
خضَاباً خَفِيْفاً: مَرْحُوْمٌ العَطَّارُ، حَجَّاجٌ، سَعْدٌ، وَيَعْقُوْبُ ابْنَا إِبْرَاهِيْمُ، أَبُو دَاوُدَ، أَبُو النَّضْرِ، أَبُو نُعَيْمٍ. خضَاباً خَفِيْفاً: مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، أَخُوْهُ يَعْلَى، أَخُوْهُمَا عُمَر. خضَاباً خَفِيْفاً: أَبُو قَطَنٍ، أَبُو المُغِيْرَةِ، عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ، أَبُو اليَمَانِ، عِصَامُ بنُ خَالِدٍ، بِشْرُ بنُ شُعَيْبٍ، يَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ، غنَّامُ بنُ عَلِيٍّ، مَرْوَانُ بنُ شُجَاعٍ، شُجَاعُ بنُ الوَلِيْدِ، حَمِيْدٌ الرُّؤَاسِيُّ، إِبْرَاهِيْمُ بنُ خَالِدٍ. رَأَيْتُ هَؤُلاَءِ يَخضبُوْنَ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البنَّاء، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ البُسْري، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المخلِّصِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ مُحَمَّدُ بنُ حِبَّانَ البَغَوِيُّ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَسُرَيْجُ بنُ يُوْنُسَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شافع يوم القيامة ولا فخر" 1.
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَه، بِأَطولَ مِنْ هَذَا مِنْ حَدِيْثِ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ
زَيْدٍ بنِ جُدْعَانَ، وَهُوَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، لَكِنْ لَهُ مَا يُنكَرُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: فِي هَذَا الحَدِيْثِ حُسْنٌ، وَفِيْهِ تَصرِيْحُ الإِخبَارِ عَنْ عَلِيٍّ كَمَا تَرَى، وَقَدْ مَرَّ قَوْلُ أحمد بن حنبل. فالله أعلم.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 2"، وابن ماجه "4308" من طريق هشيم، وأخرجه الترمذي "3615" من طريق سفيان كلاهما عن علي بن زيد بن جدعان، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته علي بن زيد بن جدعان، فإنه ضعيف. ولكن للحديث شاهدا عن واثلة بن الأسقع: أخرجه أحمد "4/ 107"، ومسلم "2276"، والترمذي "3605" و"3606" والطبراني في "الكبير" "22/ 161" من طرق عن الأوزاعي قال: حدثني شداد أبو عمار، عن واثلة، به.(7/305)
1247- أما هشيم بن أبي ساسان هشام 1:
فَكُوْفِيٌّ، مُقلٌّ. يُكْنَى: أَبَا عَلِيٍّ.
يَرْوِي عَنْ: أمَيّ الصَّيْرَفِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ.
وَعَنْهُ: قُتَيْبَةُ، وَإِبْرَاهِيْمُ الفَرَّاءُ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وغيره: صالح الحديث.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2868"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 488".(7/306)
1248- عبَّاد بن عبَّاد 1: "ع"
ابن حَبِيْبٍ، ابْنِ الأَمِيْرِ المُهَلَّبِ بنِ أَبِي صُفْرَةَ الأَزْدِيُّ، العَتكي، المُهَلَّبِيُّ، البَصْرِيُّ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُعَاوِيَةَ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعي، وَعَاصِمِ بنِ سليمان، وهشام بن عروة، وجماعة.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُسدَّد، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَخَلَفُ بنُ هِشَامٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَكَانَ سَرِيّاً نَبِيْلاً حُجَّةً مِنْ عُقَلاَءِ الأَشْرَافِ، وَعُلَمَائِهِم.
تعنَّتَ أَبُو حَاتِمٍ كَعَادتِهِ، وَقَالَ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: لم يكن بالقوي في الحديث.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 290 و327"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 1626"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 99 و197 و248"، تاريخ بغداد "11/ 101"، والكاشف "2/ ترجمة 2592"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 247"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة رقم 4123"، وتهذيب التهذيب "5/ 95"، وتقريب التهذيب "1/ 392"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3308"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 295".(7/306)
قُلْتُ: قَدِ احْتَجَّ أَربَابُ الصِّحَاحِ بِهِ.
وَقَالَ فِيْهِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، وَقَالَ: هُوَ أَوْثَقُ وَأَكْثَرُ حَدِيْثاً مِنْ عَبَّادِ بنِ العَوَّامِ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ أَيْضاً: ثِقَةٌ، رُبَّمَا غَلِطَ. مَاتَ بِبَغْدَادَ.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَلَعَلَّهُ كَمَّلَ السَّبْعِيْنَ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ: مَاتَ قَبْلَ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ.
أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي الخَيْرِ وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ كُلَيْبٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَتْ عليَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَرَأتْ فِرَاشِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبَاءةً مَثْنِيَّةً، فَانْطَلَقَتْ، فَبعثَتْ إليَّ بفِرَاشٍ حَشْوُهُ صُوْفٌ، فَدَخَلَ عليَّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "مَا هَذَا"? فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: "رُدِّيهِ". فَلَمْ أَرُدَّهُ، وَأَعْجَبَنِي أَنْ يَكُوْنَ فِي بَيْتِي حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثاً. فَقَالَ: "رُدِّيهِ، فَوَاللهِ لَوْ شِئْتُ لأَجْرَى اللهُ مَعِيَ جِبَالَ الذَّهَبِ والفضة"1.
__________
1 ضعيف: أخرجه أحمد في "الزهد" "76"، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم" "ص156"، وفي إسناده مجالد، وهو ابن سعيد، وهو ضعيف.(7/307)
1249- يزيد بن زُرَيع 1: "ع"
الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، مُحَدِّثُ البَصْرَةِ مَعَ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ الوَارِثِ، ومُعْتَمر، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زِيَادٍ، وَجَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَوُهَيْبِ بنِ خَالِدٍ، وَخَالِدِ بنِ الحَارِثِ، وَبِشْرِ بنِ المُفَضَّلِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عُلَيَّةَ. فَهَؤُلاَءِ العَشْرَةُ كَانُوا فِي زَمَانِهم أَئِمَّةَ الحَدِيْثِ بِالبَصْرَةِ.
يُكْنَى يَزِيْدُ أَبَا مُعَاوِيَةَ العَيْشِيُّ، البَصْرِيُّ.
رَوَى عَنْ: أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَحَبِيْبٍ المُعَلِّمِ، وَحَبِيْبِ بنِ الشَّهِيْدِ، وَحَجَّاجِ بنِ حَجَّاجٍ، وَحَجَّاجِ بنِ أَبِي عُثْمَانَ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَعَوْفٍ، وعُمارة بنِ أبي
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 289"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 3223"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 139"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 1113"، والأنساب للسمعاني "8/ 310"، والكاشف "3/ ترجمة 6413"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 242"، والعبر "1/ 284"، وتهذيب التهذيب "11/ 325"، وتقريب التهذيب "2/ 250"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 298".(7/307)
حَفْصَةَ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيِّ، وَسَعِيْدٍ الجُرَيْرِيِّ، وَرَوْحِ بنِ القَاسِمِ، وَطَائِفَةٍ. وَلاَ رِحْلَةَ لَهُ.
رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَمُسَدَّدٌ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وأمية بن بسطام، والقواريري، وَمُحَمَّدُ بنُ المِنْهَالِ الضَّرِيْرُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مِنْهَالٍ أَخُو حَجَّاجٍ، وَأَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ رَيْحَانَةَ البَصْرَةِ، مَا أَتقَنَهُ وَمَا أَحْفَظَهُ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: ثِقَةٌ، إِمَامٌ.
وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ الوَضَّاحُ: صَحِبتُ يَزِيْدَ بنَ زُرَيْعٍ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، يَزدَادُ فِي كُلِّ سَنَةٍ خَيْراً. وَقَالَ بِشْرٌ الحَافِي: كَانَ يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ مُتْقِناً، حَافِظاً، مَا أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُ مِثْلَهُ وَمِثْلَ صحَّةِ حَدِيْثِهِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ سعيد القطان: لم يكن ههنا أَحَدٌ أَثبتَ مِنْهُ.
قُلْتُ: وَكَانَ صَاحِبَ سُنَّةٍ وَاتِّبَاعٍ، كَانَ يَقُوْلُ: مَنْ أَتَى مَجْلِسَ عَبْدِ الوَارِثِ، فَلاَ يقربَنِّي.
قَالَ نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ: رَأَيْتُ يَزِيْدَ بنَ زُرَيْعٍ فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ? قَالَ: أُدْخِلْتُ الجَنَّةَ. قُلْتُ: بِمَاذَا? قَالَ: بِكَثْرَةِ الصَّلاَةِ.
قُلْتُ: كَانَ أَبُوْهُ وَالِياً عَلَى الأبُلَّة.
مَوْلِدُهُ: فِي سنة إحدى ومائة. ومات: في سنة اثنتين وثمانين ومائة.
قَالَ صَالِحُ بنُ حَاتِمٍ بنِ وَرْدَانَ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ زُرَيْعٍ يَقُوْلُ: لِكُلِّ دِيْنٍ فُرْسَانٌ، وَفُرْسَانُ هَذَا الدِّيْنِ أَصْحَابُ الأَسَانِيْدِ.
وَفِي "التَّهْذِيْبِ" مِنَ الرُّوَاةِ عَنْهُ أَيْضاً: أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ السَّلِيْمِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مَسْعُوْدٍ، وَبِشْرُ بنُ مُعَاذٍ، وَبِشْرُ بنُ هِلاَلٍ، وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَبَكْرُ بنُ خَلَفٍ، وَبَهْزُ بنُ أَسَدٍ، وَحَبَّانُ بنُ هِلاَلٍ، وَالحَسَنُ بنُ عُمَرَ بنِ شَقِيْقٍ، وَحَمَّادُ بنُ مَسْعَدَةَ، وَرَوْحُ بنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ، وَزَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيُّ، وَسَهْلُ بنُ عُثْمَانَ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَصَالِحُ بنُ حَاتِمٍ، وَالصَّلْتُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَارَكِيُّ، وَالعَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ النَّرْسِيُّ، وَالعَبَّاسُ بنُ يَزِيْدَ البَحْرَانِيُّ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَعَبْدَانُ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ، وَالفَلاَّسُ، وَقُتَيْبَةُ، وَبُنْدَارٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بنُ النَّضْرِ بنُ مُسَاوِرٍ، وَيَحْيَى بنُ حَبِيْبٍ، وَيَحْيَى بنُ يحيى.(7/308)
وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الأَسَدِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ قَالَ: إِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي التَّثَبُّتِ بِالبَصْرَةِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ شَيْء رَوَاهُ: عَنْ أَبِي عَرُوْبَةَ، فَلاَ تُبالِ أَنْ لاَ تَسْمَعَهُ مِنْ أَحَدٍ، سَمَاعُهُ مِنْ سَعِيْدٍ قَدِيْمٌ، وَكَانَ يَأْخذُ الحَدِيْثَ بنِيَّةٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ مَنْصُوْرٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ.
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: هُوَ أَثْبَتُ شُيُوْخِ البَصْرِيِّينَ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، حجة، كثير الحديث، توفي: سنة اثنتين وثمانين ومائة.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثلاث وثمانين، في ثامن شوال.
وكان أَورعِ أَهْلِ زَمَانِهِ. مَاتَ أَبُوْهُ، وَكَانَ وَالِياً على الأبُلَّة، فخلف خمسمائة أَلْفٍ، فَمَا أَخَذَ مِنْهَا حبَّةً -رَحِمَهُ اللهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأبَرْقُوهي، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ الحَاسِبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ إِملاَءً، قَالَ: قُرئ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ نَيْرُوْزٍ، وَأَنَا أَسْمَعُ، قِيْلَ لَهُ: حَدَّثَكُم عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً فِي جدَارِهِ، مَا لِي أَرَاكُم عَنْهَا معرضِين، وَاللهِ لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُم" 1.
هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ من الأفراد العوالي.
__________
1 صحيح: أخرجه مالك "2/ 745"، ومن طريقه أخرجه أحمد "4/ 463"، والبخاري "2463"، ومسلم "1609"، والبيهقي "6/ 68 و157"، والبغوي في "شرح السنة" "2174"، عن ابن شهاب، به.(7/309)
1250- يعقوب القُمِّي 1: "4"
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُفَسِّرُ، أَبُو الحَسَنِ يَعْقُوْبُ بن عبد الله بن سعد بنِ مَالِكِ بنِ هَانِئ الأَشْعَرِيُّ، العَجَمِيُّ، القُمِّيُّ.
رَوَى عَنْ: زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَابْنِ عَقيل، وَجَعْفَرِ بنِ أَبِي المُغِيْرَةِ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى الحِمَّانِيُّ، وَابْنُ حُمَيْدٍ، وَعَمْرُو بنُ رَافِعٍ، وَأَبُو الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيُّ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ بالقوي.
توفي سنة أربع وسبعين ومائة.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 382"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 3443"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 874"، وأخبار أصبهان لأبي نعيم الأصبهاني "2/ 351"، الإكمال لابن ماكولا "7/ 153"، والأنساب للسمعاني "10/ 229"، والكاشف "3/ ترجمة 6508"، والعبر "1/ 265"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9815"، وتهذيب التهذيب "11/ 390"، وتقريب التهذيب "2/ 376"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 284".(7/309)
1251- عبد الوارث بن سعيد 1: "ع"
ابن ذكوان، الإِمَامُ، الثَّبْتُ، الحَافِظُ، أَبُو عُبَيْدَةَ العَنْبَرِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ، التَّنَّوري، المُقْرِئُ.
حَدَّثَ عَنْ: يَزِيْدَ الرِّشْك، وَأَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَأَيُّوْبَ بنِ مُوْسَى، وَشُعَيْبِ بنِ الحَبْحَابِ، وَالجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، وَعَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَالجُرَيْرِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ صُهَيْبٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي نَجِيْحٍ، وَعَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، القهرمَانِ، وسليمان التيمي، وَأَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَعِدَّةٍ.
وَقَرَأَ القُرْآنَ عَرضاً عَلَى أَبِي عَمْرٍو، وَأَقرَأَهُ، وَقَرَأَ أَيْضاً عَلَى حُمَيْدِ بنِ قَيْسٍ المَكِّيِّ.
وَجلسَ إِلَى عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ بِمَكَّةَ، وَمَا أَظنُّهُ رَوَى عَنْهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: قعدْتُ إِلَيْهِ فَلَمْ أَفهَمْ كَلاَمَهُ. فَلَمَّا بَلَغَ هَذَا القَوْلُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ قَالَ: صدَقَ، أَدْركنَا عَمْراً وَقَدْ سقطَتْ أَسْنَانُهُ، وَبَقِيَ لَهُ نَابٌ وَاحِدٌ، فَلَوْلاَ أَنَّا أَطلنَا مُجَالَسَتَهُ، مَا فَهمنَا عَنْهُ. هَذِهِ حِكَايَةٌ صَحِيْحَةُ الإِسْنَادِ.
وَكَانَ مَوْلِدُ عَبْدِ الوَارِثِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَمائَةٍ.
تَلاَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَصَبِي، وَأَبُو مَعْمَرٍ المُقْعَدُ، وَعِمْرَانُ بنُ مُوْسَى القَزَّازُ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ عَبْدُ الصَّمَدِ، وَأَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو المُقْعَد -وهو راوية كتبه-
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 289"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 1891"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 171 و285 و530" و"2/ 130 و242 و263" و"3/ 124 و363 و365"، والضعفاء الكبير "3/ ترجمة 1073"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 386"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 5307"، وتهذيب التهذيب "6/ 441"، وتقريب التهذيب "1/ 527"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4500"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 293".(7/310)
وَمُسَدَّدُ بنُ مُسَرْهَد، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَبِشْرُ بنُ هِلاَلٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ القَوَارِيْرِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَكَانَ عَالِماً مُجَوِّداً، مِنْ فُصَحَاءِ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَمِنْ أَهْلِ الدِّيْنِ وَالوَرَعِ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدَرِيٌّ مُبْتَدِعٌ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ هِلاَلٍ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ هِلاَلٍ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لُعِنَ عَبْدُ الدِّيْنَارِ، لُعِنَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ". هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَسْمَعِ الحَسَنُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ عَنِ الصَّوَّافِ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ الجَرْمي: مَا رَأَيْتُ فَقِيْهاً أَفصَحَ مِنْ عَبْدِ الوَارِثِ إِلاَّ حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ.
وَقَالَ مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ: قِيْلَ لأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ: لِمَ لاَ تُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الوَارِثِ? فَقَالَ: أَأُحدِّثُكَ عَنْ رَجُلٍ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ يَوْماً مِنْ عَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ أَكْبَرُ مِنْ عُمْرِ أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَيُوْنُسَ، وَابْنِ عَوْنٍ?!
قَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوي: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ قَالَ: كُنَّا نَسْمَعُ مِنْ عَبْدِ الوَارِثِ فَإِذَا أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ ذَهَبنَا، فَلَمْ نُصَلِّ خَلْفَهُ.
قَالَ: وَقِيْلَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ: كَيْفَ رَوَيْتَ عَنْ عَبْدِ الوَارِثِ، وَتركْتَ عَمْرَو بنَ عُبَيْدٍ? قَالَ: إِنَّ عَمْراً كَانَ دَاعِياً. وَقَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ، وَذَكَرَ لَهُ أَنَّ عَبْدَ الوَارِثِ قَالَ: سَأَلْتُ شُعْبَةَ عَنِ الخُرُوْجِ مَعَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ، فَأَمرنِي بِهِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ يَحْيَى، وَقَالَ: كَانَ شُعْبَةُ لاَ يَرَاهُ فِي يَوْمِ صِفِّيْنَ، وَلاَ يَرَى الخُرُوْجَ مَعَ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَيَرَى الخُرُوْجَ مَعَ إِبْرَاهِيْمَ? أَنَا سَمِعْتُ شعبة يقول: ما أدري أخطئوا أَمْ أَصَابُوا.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ: لَمْ يَكْتُبْ أَبِي عَنْ أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ حرفاً حَتَّى مَاتَ. هَكَذَا هَذِهِ الرِّوَايَةُ، وَهِيَ وَهْمٌ. قَدْ حَدَّثَ عَنْ: أَيُّوْبَ.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ: مَا رَأَيْتُ يَحْيَى القَطَّانَ رَوَى عَنْ أَحَدٍ مِنْ مَشَايِخِنَا قَبْلَ مَوْتِهِ إلا عَبْدِ الوَارِثِ.
وَوَرَدَ عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ: أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنِ الأَخْذِ عَنْ عَبْدِ الوَارِثِ لِمَكَانِ القَدرِ.
وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ زُرَيع: مَنْ أَتَى مَجْلِسَ عَبْدِ الوَارِثِ، فَلاَ يقربَنِّي.(7/311)
قُلْتُ: وَمَعَ هَذَا، فَحَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ.
وَعَاشَ بَعْدَ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ أَشْهُراً قَلِيْلَةً، مَاتَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: سَأَلْتُ أَنَا وَيَحْيَى القطانُ شعبةَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي التَّيَّاحِ، فَقَالَ: مَا يَمْنَعُكُم مِنْ ذَاكَ البَابِ? يَعْنِي: عَبْدَ الوَارِثِ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْفَظَ لِحَدِيْثِ أَبِي التَّيَّاحِ مِنْهُ. فَقُمْنَا فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ، فَسَأَلْنَاهُ، فجعل يمر كأنها مكتوبة في قلبه.
وَعَنْ شُعْبَةَ -وَنَظَرَ إِلَى عَبْدِ الوَارِثِ مُوَلِّياً- فَقَالَ: تَعْرِفُ الإِتْقَانَ فِي قَفَاهُ.
وَرَوَى حَرْبٌ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ: كَانَ عَبْدُ الوَارِثِ أَصَحَّهُم حَدِيْثاً عَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ.
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: مَنْ أَثْبَتُ شُيُوْخِ البَصْرِيِّينَ? قَالَ: عَبْدُ الوَارِثِ، وَسَمَّى جَمَاعَةً.
عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ قَالَ: هُوَ مِثْلُ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ فِي أَيُّوْبَ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ: إِنَّهُ لمَكْذُوْبٌ عَلَى أَبِي، وَمَا سَمِعْتُهُ مِنْهُ قَطُّ، يَعْنِي: القَدرَ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، حُجَّةٌ.
مَاتَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.(7/312)
1252- إبراهيم بن سعد 1: "ع"
ابن إبراهيم بنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عبد الرحمن بن عوف، الإمام، الحَافِظُ، الكَبِيْرُ، أَبُو إِسْحَاقَ القُرَشِيُّ، الزُّهْرِيُّ، العَوْفِيُّ، المَدَنِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ قَاضِي المَدِيْنَةِ، وَعَنْ: قَرَابَتِهِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ الهَادِ، وَالوَلِيْدِ بنِ كَثِيْرٍ، وَصَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، وَصَالِحِ بنِ كَيْسَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنِ الرَّبِيْعِ بنِ سَبْرَةَ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عِكْرِمَةَ المَخْزُوْمِيِّ، وَعِدَّةٍ.
رَوَى عَنْهُ: وَلَدَاهُ؛ يَعْقُوْبُ وَسَعْدٌ، وَشُعْبَةُ، وَاللَّيْثُ -وَهُمَا أَكْبَرُ مِنْهُ- وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ الدُّوْلاَبِيُّ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، ولُوَين، وَمَنْصُوْرُ بنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، وَيَسَرَةُ بنُ صَفْوَانَ، وَيَحْيَى بنُ قَزَعَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ حَمْزَةَ، وَسُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الهَاشِمِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ ابْنُ ابْنَةِ السُّدِّيِّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ حُمَيْدِ بنِ كَاسِبٍ، وَيَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ. وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، آخِرُهُم مَوْتاً: عَبْدُ اللهِ بنُ عِمْرَانَ العَابِدِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ سَيَّارٍ الحَرَّانِيُّ.
وَكَانَ ثِقَةً صَدُوقاً، صَاحِبَ حَدِيْثٍ. وَثَّقَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: كَانَ وَكِيْعٌ كَفَّ عَنِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، ثُمَّ حَدَّثَ عَنْهُ.
وَرَوَى أَحْمَدُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ قَالَ: ثِقَةٌ، حَجَّةٌ.
وَرَوَى عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ حبَّان، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: هُوَ أَثْبَتُ مِنَ الوَلِيْدِ بنِ كَثِيْرٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَقَالَ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فِي الزُّهْرِيِّ. ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ لَمْ يَصحِّحْ عَنِ الزُّهْرِيِّ شَيْئاً.
وَقَالَ عَبَّاسٌ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ فِي الزُّهْرِيِّ، أَوْ لَيْثُ بنُ سَعْدٍ? فَقَالَ: كِلاَهُمَا ثِقَتَانِ. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: مَدَنِيٌّ, ثِقَةٌ. يُقَالَ: إِنَّهُ كَانَ أَسْوَدَ.
قَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ لِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ حَمْزَةَ: كَانَ عِنْدَ إِبْرَاهِيْمَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ نَحَوٌ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلفَ حَدِيْثٍ فِي الأَحكَامِ سِوَى المَغَازِي. وَإِبْرَاهِيْمُ مِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ حَدِيْثاً فِي زَمَانِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ: سَمَاعُهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ لَيْسَ بِذَاكَ، لأَنَّهُ كَانَ صَغِيْراً.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ بَعْضُ وَلَدِهِ.
قُلْتُ: هُوَ أَصْغَرُ مِنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِسَنَةٍ، وَسَمِعَ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ حَدَثٌ بَاعتنَاءِ وَالِدِهِ بِهِ.
رَوَى أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ حَفِيْدُهُ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، سَأَلتُ شُعْبَةَ عَنْ حَدِيْثٍ لسَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، فَقَالَ لِي: فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ أَبِيْهِ? قُلْتُ: وَأَيْنَ هُوَ? قَالَ: نَازلٌ عَلَى عُمارة بنِ حَمْزَةَ، فأتيته، فحدثني.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 928"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 174"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 283"، وتاريخ بغداد "6/ 81"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 239"، وميزان الاعتدال "1/ 33"، والعبر "1/ 288"، وتهذيب التهذيب "1/ 121"، وتقريب التهذيب "1/ 35".(7/313)
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَلِيَ إِبْرَاهِيْمُ بَيْتَ المَالِ بِبَغْدَادَ.
قُلْتُ: كَانَ مِمَّنْ يَتَرَخَّصُ فِي الغِنَاءِ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، وَكَأَنَّهُ لِيمَ فِي ذَلِكَ، فَانْزَعَجَ عَلَى المُحَدِّثِيْنَ، وَحَلَفَ أَنَّهُ لاَ يُحَدِّثَ حَتَّى يُغَنِّي قَبْلَهُ -فِيْمَا قِيْلَ.
وَكَانَ هُوَ وَهُشَيْمٌ شَيْخَي الحَدِيْثِ فِي عصرِهِمَا بِبَغْدَادَ.
وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ. وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ عَلَى أَقْوَالٍ: فَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَخَلِيْفَةُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبَّادٍ المَكِّيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَغَيْرُهُم: إِنَّهُ تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، فَهَذَا هُوَ الصَّحِيْحُ. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، وَأَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
زَادَ ابْنُ عُفَيْرٍ: أَنَّهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ قَدِمَ العِرَاقَ.
وَشَذَّ أَبُو مَرْوَانَ العُثْمَانِيُّ، بَلْ غَلِطَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ فِي "السَّابِقِ وَاللاَّحِقِ": حَدَّثَ عَنْهُ: يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الهَادِ -يَعْنِي: شَيْخَهُ- وَالحُسَيْنُ بنُ سيَّار، وَبَيْنَ وَفَاتَيْهِمَا مائَةٌ وَاثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً.
مَاتَ ابْنُ سَيَّارٍ بَعْدَ الخَمْسِيْنَ وَمَائَتَيْنِ.
وَقَدْ حَدَّثَ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ بن سعد، عن رجل عنه.
فَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلَ بنِ الفَرَّاءِ، وَأَحْمَدَ بنِ العِمَادِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا الإِمَامُ، أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامة، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ النَّقور، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَمَّامي، حَدَّثَنَا دَعْلج بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوشَنْجي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بكير، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ الهَادِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابن شهاب، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيْبٍ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ نَزَعَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ ذَنُوباً أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف وليغفر الله لَهُ، ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْباً، فَأَخَذَ ابْنُ الخَطَّابِ، فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزعه حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بعَطَنٍ". هَذَا حَدِيْثٌ مَحْفُوْظُ المتن. اتفق عليه البخاري، ومسلم1 من
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3664" و"7021" و"7475"، ومسلم "2392" "17" والنسائي في "فضائل الصحابة" "15"، والبيهقي في "دلائل النبوة" "6/ 344"، والبغوي "3881" من طرق عن الزهري, به. =(7/314)
طَرِيْقِ يُوْنُسَ، وَعَقِيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَرِوَايَتُنَا هَذِهِ غَرِيْبَةٌ معلَّلَةٌ، فَإِنَّ البُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ: عَنْ يَسَرَةَ بنِ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ نَفْسِهِ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الثِّقَةِ، عَنْ يَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ صَالِحٍ، كرِوَايَتنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ البُسْري، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عِمْرَانَ العَابِدِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ ابْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ لأَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُم بِضَالَّتِهِ يَجِدُهَا بِأَرْضِ مَهْلَكَةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ" 1. وَهَذَا حَدِيْثٌ جَيِّدُ الإِسْنَادِ وَمتنُهُ فِي الصَّحِيْحِ مِنْ وَجْهٍ آخرَ.
وَقَدْ رَوَى اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ الهَادِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ نَحْواً مِنْ عَشْرَةِ أَحَادِيْثَ.
وَكَانَ إِبْرَاهِيْمُ يُجِيْدُ صِنَاعَةَ الغِنَاءِ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "كَامِلِهِ"، وَسَاقَ لَهُ عِدَّةَ أَحَادِيْثَ اسْتنْكَرَهَا لَهُ. فَمِنْ أَنْكَرِ ذَلِكَ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يُسْأَلُ عَنْ حَدِيْثِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَنَسٌ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ" 2. فَقَالَ: لَيْسَ ذَا فِي كُتُبِ إِبْرَاهِيْمَ، لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ لَهُ أَصلٌ.
قُلْتُ: رَوَاهُ: غير واحد، عن إبراهيم بن سعد.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: ذُكِرَ عِنْدَ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ عُقَيْلٌ وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، فَجَعَلَ كَأَنَّهُ يُضَعِّفَهُمَا، ثُمَّ قَالَ أَبِي: أَيش يَنْفَعُ هَذَا، هؤلاء ثقات لم يَخْبُرْهما يحيى.
__________
= وأخرجه أحمد "2/ 368 و450"، وابن أبي شيبة "12/ 21"، والبخاري "7022"، ومسلم "2392" "17" و"18"، والبيهقي "6/ 345"، والبغوي "3882" و"3883" من طرق عن أبي هريرة وقوله: "حتى ضرب الناس بعطن": معناه رووا ورووا إبلهم، فأبركوها وضربوا لها عطنا ضرب مثلا لاتساع الناس في زمن عمر، وما فتح الله عليهم من الأمصار.
1 صحيح: أخرجه عبد الرزاق "20587"، وأحمد "2/ 316 و500 و534"، ومسلم "2675" "1" و"2"، والترمذي "3538"، وابن ماجه "4247"، والبغوي في "شرح السنة" "1300" من طرق عن أبي هريرة، به.
2 صحيح بطرقه وشواهده: أخرجه ابن أبي شيبة "12/ 169-170"، وأحمد "3/ 129"، وابن أبي عاصم في "السنة" "1120"، والبخاري في "التاريخ الكبير" "2/ 113" و"4/ 99-100"، وأبو يعلى "4033"، والبيهقي "8/ 143-144"، وأبو عمرو الداني في "الفتن وغوائلها" "201" والضياء في "المختار" "1576" من طرق عن الأعمش، عن سهل بن أبي الأسد، عن بكير الجزري، عن أنس قال: كنا في بيت رجل من الأنصار، فَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى وقف، فأخذ بعضادتي الباب، فقال: "الأئمة من قريش، ولهم عليكم حق، ولكم مثل ذلك، ما إذا استُرحموا رحموا، وإذا حكموا عدلوا، وإذا عاهدوا وَفَّوا، فمن لم يفعل ذلك منهم، فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين". =(7/315)
1253- عبيد الله بن عمرو 1: "ع"
ابن أبي الوليد الأسدي، مولاهم الرَّقِّي، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، أَبُو وَهْبٍ.
حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمير، وَزَيْدِ بنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَعَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ مَالِكٍ، وَعَبْدِ اللهِ
__________
= قلت: إسناده ضعيف لجهالة بكير الجزري. وأبو الأسد، قال الأزدي: ليس بالقوي. وذكره ابن حبان في "الثقات". وقد ورد عند البخاري في "التاريخ الكبير" "2/ 113"، وأبو يعلى "4032"، وأبو عمرو الداني في "الفتن" "200" من طريق جرير، عن الأعمش، عن بُكير، عن سهل بن الأسد، عن أنس.
وأخرجه الطبراني في "الدعاء" "2121" من طريق مسعر بن كدام، عن سهل بن الأسد، عن بكير الجزري، عن أنس، به، وأخرجه الطبراني في "الأوسط" "6606"، وفي "الدعاء" "2120" من طريق الفضيل بن عياض عن الأعمش، عن أبي صالح الحنفي، عن بكير الجزري، به، وأخرجه بنحوه الطيالسي "2133"، والبخاري في "التاريخ الكبير" تعليقا "2/ 112"، والبزار "1578" كشف الأستار، وأبو يعلى "3644"، وأبو نعيم في "الحلية" "3/ 171"، والبيهقي "8/ 144" من طريق إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن أنس.
قلت: ورجاله ثقات. وقال البزار: لا نعلم أسند سعد عن أنس إلا هذا، وأخرجه الحاكم "4/ 504"، والبيهقي "8/ 144" من طرق عن الصَّعق بن الحزن، عن علي بن الحكم، عن أنس.
قلت: وإسناده حسن، وأخرجه بنحوه البزار "1580" من طريق أبي العلاء الخفاف، والطبراني في "الكبير" "725" من طريق ابن جريج كلاهما عن حبيب بن أبي ثابت، عن أنس. ورواية البزار مختصرة وأخرجه البزار "1579" من طريق سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس. وإسناده ضعيف.
وقد خرجت الحديث بإسهاب وبأوسع من هذا الموضع في كتاب "منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية" "7/ تعليق 25" ط. دار الحديث فراجعه ثمت تفد علما كثيرا، وذلك من فضل الله علي نتحدث به من باب الشكر لله على نعمائه وفضله كما قال سبحانه في كتابه العزيز: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] .
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 484"، والتاريخ الكبير "5/ ترجمة 1262"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 171"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 1551"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 228"، والعبر "1/ 276"، والكاشف "2/ ترجمة 3630"، وتهذيب التهذيب "7/ 42"، وتقريب التهذيب "1/ 537"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4584".(7/316)
ابن مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَأَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي فَرْوَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَالأَعْمَشِ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى مَعْمَرٍ، وَالثَّوْرِيِّ.
كَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، صَاحِبَ حَدِيْثٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَالهَيْثَمُ بنُ جَمِيْلٍ، وَزَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، وَأَخُوْهُ؛ يُوْسُفُ بنُ عَدِيٍّ، وَجَنْدَلُ بنُ وَاثِقٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الحَرَّانِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، وَالعَلاَءُ بنُ هِلاَلٍ، وَعَمْرُو بنُ قُسَيْطٍ، وَعَلِيُّ بنُ مَعْبَدِ بنِ شَدَّادٍ، وَحَكِيْمُ بنُ سَيْفٍ، وَعَلِيُّ بنُ الزَّعْزَاعِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّقَّيون، وَأَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيْعُ بنُ نَافِعٍ، وَعُبَيْدُ بنُ هِشَامٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ ابْنُ أَخِي الإمام، الحلبيون، وعلي بن حُجْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنٌ، وَعَبْدُ الجَبَّارِ بنُ عَاصِمٍ، وَعَمْرُو بنُ عُثْمَانَ الكِلاَبِيُّ، وَعِيْسَى بنُ سَالِمٍ الشَّاشِيُّ، وَالوَلِيْدُ بنُ صَالِحٍ النَّحَّاسُ، وَيَحْيَى بنُ يُوْسُفَ الزِّمِّيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ، لاَ أَعْرِفُ لَهُ حَدِيْثاً مُنْكَراً، وَهُوَ أحبُّ إليَّ مِنْ زُهَيْرِ بنِ مُحَمَّدٍ.
وَرَوَى أَبُو حَاتِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ مَعْبَدٍ الرَّقِّيِّ، قَالَ: قِيْلَ لِعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: بَلَغَنِي أَنَّ عِنْدَكَ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عَقِيْلٍ كَثِيْراً، لَمْ تُحدِّثْ عَنْهُ، ثُمَّ أَلقَيْتَهُ. قَالَ: لأنْ أُلْقِيْهِ أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ يُلقيني اللهُ -تَعَالَى. قَالَ: وَزَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ ذَلِكَ الكِتَابِ مَعَ رَجُلٍ لَمْ يَثقْ بِهِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ عُبَيْدُ اللهِ ثِقَةً صَدُوقاً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، وَرُبَّمَا أَخطَأَ، وَكَانَ أَحْفَظَ مَنْ رَوَى: عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ الجَزَرِيِّ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَنَازِعُهُ فِي الفَتْوَى فِي دَهْرِهِ. وَمَاتَ: بِالرَّقَّةِ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَمائَةٍ.
حَدِيْثُهُ فِي البخاري في تفسير حم.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البُنْدَارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ: أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الَّذِي آتَي فِيْهِ أَهْلِي? قَالَ: "نَعَمْ، إِلاَّ أَنْ تَرَى فِيْهِ شَيْئاً فَتغسله". هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ مِنَ العَوَالِي لأمثَالِنَا. أَخْرَجَهُ: ابْنُ مَاجَه1 وَحْدَه، عَنْ شَيْخٍ لَهُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بن عمرو الرقي.
__________
1 صحيح: أخرجه ابن ماجه "542" من طريق عُبيد الله بن عمرو الرقي، به، وأخرجه أحمد "6/ 325 و427"، وأبو داود "366"، والنسائي "1/ 155"، وابن ماجه "540"، والطبراني "23/ 405 و406 و408"، والبيهقي "2/ 410" من طرق عن يزيد بن أبي حبيب، عَنْ سُويد بنِ قَيْسٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ حُديج، عن معاوية بن أبي سفيان، عن أخته أم حبيبة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سألها: هل كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي الثوب الذي يجامعها فيه؟ فقالت: نعم إذا لم ير فيه أذى".(7/317)
1254- إسماعيل بن عياش 1: "د، ت، س، ق"
ابن سليم، الحَافِظُ، الإِمَامُ، مُحَدِّثُ الشَّامِ، بَقِيَّةُ الأَعْلاَمِ، أَبُو عتبة الحِمْصي، العَنْسي مَوْلاَهُم.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: شُرَحْبِيْلِ بنِ مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الأَلْهَانِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ البَهْرَانِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ -إِنْ صَحَّ ذَلِكَ، وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ- وَضَمْضَمِ بنِ زُرْعَةَ، وَتَمِيْمِ بنِ عَطِيَّةَ العَنْسِيِّ، وَأَسِيدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الخَثْعمي، وَبَحِيْرِ بنِ سَعْدٍ، وَالزُّبَيْدِيِّ، وَحَبِيْبِ بنِ صَالِحٍ الطَّائِيِّ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَعَاصِمِ بنِ رَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ الحَضْرَمِيِّ، وَصَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو، وَثَابِتِ بنِ عَجْلاَنَ، وَسُلَيْمَانَ بنِ سُلَيْمٍ الكِناني، وَخلقٍ مِنَ الشَّامِيّينَ. إِلَى أَنْ يَنْزِلَ فَيَرْوِي عَنْ: ضَمْرَةَ بنِ رَبِيْعَةَ.
وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَأَبِي طُوَالَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيم، وَعُمَارَةَ بنِ غَزِيَّة، وَمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَخلقٍ مِنَ الحِجَازِيِّينَ وَالعِرَاقِيِّينَ.
وَهُوَ فِيْهِم كَثِيْرُ الغَلَطِ بِخلاَفِ أَهْلِ بَلَدِهِ، فَإِنَّهُ يَحفظُ حَدِيْثَهُم، وَيَكَادُ أَنْ يُتْقِنَهُ. إن شاء الله.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 1169"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 172"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 650"، والضعفاء الكبير للعقيلي "1/ ترجمة 102"، والمجروحين لابن حبان "1/ 124"، والكامل لابن عدي "1/ ترجمة 127"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 240"، وميزان الاعتدال "1/ ترجمة 923"، والعبر "1/ 227 و278"، وتهذيب التهذيب "1/ 321"، وتقريب التهذيب "1/ 73"، وشذرات الذهب لابن العماد "1/ 294".(7/318)
وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، صَادِقَ اللَّهجَةِ، متِيْنَ الديانة، صاحب سنة وَاتِّبَاعٍ، وَجَلاَلَةٍ وَوقَارٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ إِسْحَاقَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالأَعْمَشُ، وَهُم مِنْ شُيُوْخِهِ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَأَبْيَضُ بنُ الأَغَرِّ المِنْقَرِيُّ، وَمُوْسَى بنُ أَعْيَنَ، وَجَمَاعَةٌ مَاتُوا قَبْلَهُ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَفَرَجُ بنُ فَضَالَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَحَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَحَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ، وَأَبُو اليَمَانِ، وَسَعِيْدُ بن منصور، وأبو الجماهر الكَفْرَسُوسِيُّ، وَمَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَالهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ، وَالحَكَمُ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو مُسْهِرٍ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخُوْهُ أَبُو بَكْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ البيكَنْدي، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وهنَّاد بنُ السَّري، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ المُحَارِبِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَعَمْرُو بنُ عُثْمَانَ بنِ سَعِيْدٍ الحِمْصِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم.
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ مولى عَنْس.
وقال أبو خيثمة: كَانَ أَحْوَلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المُقَدَّمي: كَانَ أَزْرَقَ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ: قَدِمَ بَغْدَادَ عَلَى المَنْصُوْرِ فَوَلاَّهُ خزَانَةَ الكِسوة، وَرَوَى: بِبَغْدَادَ كَثِيْراً.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُهَاجِرٍ: قَالَ لِي أَخِي عَمْرٌو: لَيْسَ تُحْسِنُ تَسْأَلُ، لِمَ لاَ تَسْأَلنِي مَسْأَلَةَ هَذَا الأَزْرَقِ؟! مَا سَأَلنِي أَحَدٌ أَحْسَنَ مَسْأَلَةً مِنْهُ. قُلْتُ: كَيْفَ أَكُوْنُ مِثْلَهُ وَهُوَ فَقِيْهٌ -يَعْنِي: إِسْمَاعِيْلَ?
وَفِي رِوَايَةٍ لأَبِي مُسْهِر عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخِي: لِمَ لاَ تَسْأَلنِي مَسْأَلَةَ هَذَا الأَحْمَرِ الحِمْصِيِّ?
وَقَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ نَجْدَةَ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ عَيَّاشٍ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ المَكِّيُّ يُدنِيْنِي، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ: نَرَاكَ تُقدِّمُ هَذَا الغُلاَمَ الشَّامِيَّ، وَتُؤْثِرُهُ عَلَيْنَا! فَقَالَ: إِنِّيْ أَؤمِّلُهُ، فَسَأَلُوْهُ يَوْماً عَنْ حَدِيْثٍ يُحَدِّثُ بِهِ شَهْرٌ، إِذَا جَمَعَ الطَّعَامُ أَرْبَعاً فَقَدْ كَمُلَ، فَذَكَرَ ثَلاَثَةً، وَنسِيَ الرَّابِعَةَ، فَسَأَلنِي عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ حدَّثتكُم? قُلْتُ: حدَّثتنَا عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا جَمَعَ الطَّعَامُ أَرْبَعاً فَقَدْ كَمُلَ: إِذَا كَانَ أَوَّلُهُ حَلاَلاً، وَسُمِّيَ اللهُ عَلَيْهِ حِيْنَ يُوْضَعُ، وَكَثُرَتْ عَلَيْهِ الأَيْدِي، وَحُمِدَ اللهُ حِيْنَ يُرْفَعُ، فَأَقْبَلَ عَلَى القَوْمِ، وَقَالَ: كَيْفَ تَرَوْنَ?
سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ الوَاسِطِيُّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ قَالَ: رَأَيْتُ شُعْبَةَ عِنْدَ فَرَجِ بنِ فَضَالَةَ يَسْأَلُهُ عَنْ حَدِيْثِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ.(7/319)
مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ عَنْ أَبِي اليَمَانِ قَالَ: كَانَ مَنْزِلُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى جَانبِ مَنْزِلِي، فَكَانَ يُحِيِي اللَّيْلَ، وَكَانَ رُبَّمَا قَرَأَ، ثُمَّ يَقْطَعُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَرَأَ مِنَ المَوْضعِ الَّذِي قَطَعَ مِنْهُ، فَلقِيْتُهُ يَوْماً فَقُلْتُ: يَا عمّ! قَدْ رَأَيْتُ مِنْكَ فِي القِرَاءةِ كَيْتَ وَكَيْتَ. قَالَ: يَا بُنَيَّ! وَمَا سُؤَالُكَ? قُلْتُ: أُرِيْدُ أَنْ أَعْلَمَ. قَالَ: يَا بُنَيَّ! إِنِّيْ أُصلِّي، فَأَقرَأُ، فَأَذْكُرُ الحَدِيْثَ فِي البَابِ مِنَ الأَبْوَابِ الَّتِي أَخْرَجتُهَا، فَأَقطعُ الصَّلاَةَ، فَأَكْتُبُهُ فِيْهِ، ثُمَّ أَرجعُ إِلَى صَلاَتِي، فَأَبتدِئ مِنَ المَوْضعِ الَّذِي قطعْتُ مِنْهُ.
قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، عَنْ يَحْيَى الوُحَاظِيِّ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً كَانَ أَكْبَرَ نَفْساً مِنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، كُنَّا إِذَا أَتَيْنَاهُ إِلَى مزرعَتِهِ لاَ يَرْضَى لَنَا إِلاَّ بِالخَرُوفِ وَالخبِيصِ. سَمِعْتهُ يَقُوْلُ: وَرثتُ مِنْ أَبِي أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَأَنفقتُهَا فِي طَلَبِ العِلْمِ.
جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّسْعَني، عَنْ عُثْمَانَ بنِ صالح قال: كان أهل مصر ينتقصون عثمان، حَتَّى نَشَأَ فِيْهِمُ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، فَحَدَّثَهُم بِفَضَائِلِ عُثْمَانَ، فَكفُّوا عَنْ ذَلِكَ. وَكَانَ أَهْلُ حمص ينتقصون عليا، حتى نشأ فيهم إسماعيل بن عياش، فحدثهم بفضائل علي، فكفوا عن ذَلِكَ.
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: قَالَ أَبِي لِدَاوُدَ بنِ عَمْرٍو، وَأَنَا أَسْمَعُ: يَا أَبَا سُلَيْمَانَ! كَانَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ يُحَدِّثُكُم هَذِهِ الأَحَادِيْثَ حَفِظاً? قَالَ: نَعَمْ، مَا رَأَيْتُ مَعَهُ كِتَاباً قَطُّ. فَقَالَ: لَقَدْ كَانَ حَافِظاً، كَمْ كَانَ يَحفظُ? قَالَ: شَيْئاً كَثِيْراً. قَالَ لَهُ: كَانَ يَحْفَظُ عَشْرَةَ آلاَفٍ? قَالَ: عَشْرَةُ آلاَفٍ، وَعَشْرَةُ آلاَفٍ، وَعَشْرَةُ آلاَفٍ. قَالَ أَبِي: هَذَا كَانَ مِثْلَ وَكِيْعٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَلِيِّ ابن المَدِيْنِيِّ: قَالَ: رَجُلاَنِ هُمَا صَاحِبَا حَدِيْثِ بَلَدِهِمَا، إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ.
وَرَوَى الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ أَحْمَدَ قَالَ: لَيْسَ أَحَدٌ أَرْوَى لِحَدِيْثِ الشَّامِيّينَ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: كُنْتُ أَسْمَعُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: عِلْمُ الشَّامِ عِنْدَ إِسْمَاعِيْلَ وَالوَلِيْدِ، فَسَمِعْتُ أَبَا اليَمَانِ يَقُوْلُ: كَانَ أَصْحَابُنَا لَهُم رغبَةٌ فِي العِلْمِ، وَطلبٌ شَدِيْدٌ بِالشَّامِ، وَالمَدِيْنَةِ، وَمَكَّةَ، وَكَانُوا يَقُوْلُوْنَ: نَجْهَدُ فِي الطَّلَبِ، وَنُتْعِبُ أَبَدَاننَا، وَنَغِيبُ، فَإِذَا جِئْنَا وَجَدْنَا كُلَّ مَا كتبنَا عِنْدَ إِسْمَاعِيْلَ.
ثُمَّ قَالَ الفَسَوِيُّ: وتكلَّم قَوْمٌ فِي إِسْمَاعِيْلَ، وَإِسْمَاعِيْلُ ثِقَةٌ، عَدْلٌ، أعلم الناس بحديث الشاميين، ولا يدفعه دافع، وأكثر ما تكلموا قالوا: يُغْرِبُ عَنْ ثِقَاتِ المَدَنِيّينَ وَالمكِّيّينَ.(7/320)
وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، مَا أَدْرِي مَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ?
قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ الوَاسِطِيُّ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ شَامِيّاً وَلاَ عِرَاقِيّاً أَحْفَظَ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَدِمَ إِسْمَاعِيْلُ العِرَاقَ قَدْمَتَيْنِ، قَدِمَ هُوَ وحَريز بنُ عُثْمَانَ الكُوْفَةَ فِي مسَاحَةِ أَرْضِ حِمْصَ، سَمِعَ مِنْهُ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ فِي القَدْمَةِ الأُوْلَى.
وَرَوَى عَبَّاسٌ الدُّوري عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ ثِقَةٌ، كَانَ أَحَبَّ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ مِنْ بَقِيَّةَ، وَقَدْ سَمِعَ إِسْمَاعِيْلُ مِنْ شُرَحبيل، وَإِسْمَاعِيْلُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ فَرَجِ بنِ فَضَالة، مضَيْتُ إِلَيْهِ، فَرَأْيْتُهُ عِنْدَ دَارِ الجَوْهَرِيِّ، قَاعِداً عَلَى غُرفَةٍ، وَمَعَهُ رَجُلاَنِ يَنْظُرَانِ فِي كتاب، فيحدثهم خمسمائة فِي اليَوْمِ، أَقلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَهُم أَسْفَلُ، وَهُوَ فَوْقُ، فَيَأْخذُوْنَ كِتَابَهُ، فَيَنسخُونَ مِنْ غَدْوَةٍ إِلَى اللَّيْلِ، فَرَجَعتُ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئاً.
وَقَالَ أَيْضاً: شَهِدتُهُ يُمْلِي إِمْلاَءً، فَكَتَبتُ عَنْهُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، فَقَالَ: إِذَا حَدَّثَ عَنِ الشُّيُوْخِ الثِّقَاتِ، مِثْلِ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، وَشُرَحْبِيْلِ بنِ مُسْلِمٍ. قُلْتُ: فَكَتَبتَ عَنْهُ? قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ مِنْهُ شَيْئاً.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سُئِلَ ابْنُ مَعِيْنٍ، عَنْ إسماعيل بن عياش فَقَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ فِي أَهْلِ الشَّامِ، وَالعِرَاقِيُّوْنَ يَكرهُوْنَ حَدِيْثَهُ.
قِيْلَ لِيَحْيَى: أَيُّمَا أَثْبَتُ، هُوَ أَوْ بَقِيَّةُ? قَالَ: كِلاَهُمَا صَالِحَانِ.
وَرَوَى عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: أَرْجُو أَنْ لاَ يَكُوْنَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: هُوَ ثِقَةٌ فِيْمَا رَوَى عَنِ: الشَّامِيّينَ، وَأَمَّا رِوَايَتُهُ عَنْ أَهْلِ الحِجَازِ، فَإِنَّ كِتَابَهُ ضَاعَ، فَخلَطَ فِي حَفِظِهِ عَنْهُم.
وَقَالَ مُضَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَحْيَى: إِذَا حَدَّثَ عَنِ الشَّامِيّينَ، وَذَكَرَ الخَبَرَ، فَحَدِيْثُهُ مُسْتقِيْمٌ، وَإِذَا حَدَّثَ عَنِ الحِجَازِيّينَ وَالعِرَاقِيّينَ، خلَّط مَا شِئْتَ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذي: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ فَحَسَّنَ، رِوَايَتَهُ عَنِ الشَّامِيّينَ، وَقَالَ: هُوَ أَحْسَنُ حَالاً فِيْهِم مِمَّا رَوَى عَنِ: المدنيين وغيرهم.(7/321)
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا حَدَّثَ عَنْ مَشَايِخِهِم، فَأَمَّا مَا حدَّثَ عَنْ غَيْرِهِم، فَعِنْدَهُ مَنَاكِيْرُ عَنِ الثِّقَاتِ.
وَقَالَ أحمد بن الحسين التِّرْمِذِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ أَصلحُ من بقية، لبقية مناكير.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: نَظَرْتُ فِي كِتَابِ إِسْمَاعِيْلَ عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ أَحَادِيْثَ صحَاحٍ، وَأَحَادِيْثَ مُضْطَرِبَةٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ: يُوَثَّقُ فِيْمَا رَوَى عَنْ أَصْحَابِهِ أَهْلِ الشَّامِ، فَأَمَّا مَا رَوَى عَنْ غَيْرِهِم، فَفِيْهِ ضَعْفٌ.
وَرَوَى عثمان الدرامي، عَنْ دُحَيْمٍ قَالَ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ فِي الشَّامِيّينَ غَايَةٌ، وَخلَّطَ عَنِ المَدَنِيّينَ.
وَقَالَ الفَلاَّسُ: إِذَا حَدَّثَ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ فَصَحِيْحٌ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ فِي المَدَنِيّينَ، كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لاَ يُحَدِّثُ عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: ضَرَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى حَدِيْثِهِ، وَعَلَى حَدِيْثِ المُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، فَضَعَّفَهُ فِيْمَا رَوَى عَنْ أَهْلِ الشَّامِ وَغَيْرِهِم، وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَا أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْهُ بِحَدِيْثِ أَهْلِ الشَّامِ لَوْ ثَبَتَ عَلَى حَدِيْثِ أَهْلِ الشَّامِ، وَلَكِنَّهُ خلَّطَ فِي حَدِيْثِهِ عَنْ أَهْلِ العِرَاقِ، وَحَدَّثَنَا عَنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ ضرب على حديثه.
وقال يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: إِسْمَاعِيْلُ ثِقَةٌ عِنْدَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَأَصْحَابنَا فِيْمَا رَوَى عَنِ الشَّامِيّينَ خَاصَّةً، وَفِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَهْلِ العِرَاقِ وَأَهْلِ المَدِيْنَةِ اضْطِرَابٌ كَثِيْرٌ، وَكَانَ عَالِماً بِنَاحِيتِهِ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: إِذَا حَدَّثَ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ فَصَحِيْحٌ، وَإِذَا حَدَّثَ عَنْ غَيْرِهِم فَفِيْهِ نَظَرَ.
وَقَالَ مرَّةً: مَا رَوَى عَنِ الشَّامِيّينَ فَهُوَ أَصَحُّ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو بِشْرٍ الدُّوْلاَبِيُّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: قَدِمَ عَلَيْنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، فَأَخَذَ مِنِّي أَطرَافاً لإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، فَرَأْيْتُهُ يُخلِّطُ فِي أَخَذِهِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجُوزجاني: سَأَلْتُ أَبَا مُسْهِرٍ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ وَبَقِيَّةَ، فَقَالَ: كُلٌّ كَانَ يَأْخذُ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ، فَإِذَا أَخَذتَ حَدِيْثَهُم عَنِ الثِّقَاتِ، فَهُوَ ثِقَةٌ.(7/322)
قَالَ الجُوْزَجَانِيُّ: قُلْتُ لأَبِي اليَمَانِ: مَا أُشَبِّهُ حَدِيْثَ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ إِلاَّ بثِيَابِ سَابُوْر، يَرْقُمُ عَلَى الثَّوْبِ المائَة، وَأَقلُّ شرَائِهِ دُوْنَ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ. قَالَ: كَانَ مِنْ أَرْوَى النَّاسِ عَنِ الكَذَّابِيْنَ، وَهُوَ فِي حَدِيْثِ الثِّقَاتِ عَنِ الشَّامِيّينَ أَحْمَدُ مِنْهُ فِي حَدِيْثِ غَيْرِهِم.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيْثِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، فَقَالَ: هُوَ لَيِّنٌ يُكتَبُ حَدِيْثُهُ، لاَ أَعْلَمُ أَحَداً كَفَّ عَنْهُ، إِلاَّ أَبَا إِسْحَاقَ الفَزَارِيَّ.
قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ: اكْتبْ عَنْ بَقِيَّةَ مَا رَوَى عَنِ المَعْرُوْفِيْنَ، وَلاَ تَكتبْ عَنْهُ مَا رَوَى عَنْ غَيْر المَعْرُوْفِيْنَ، وَلاَ تَكتبْ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ مَا رَوَى عَنِ المَعْرُوْفِيْنَ وَلاَ غَيْرِهِم.
وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ الفَرَّاءُ: قُلْتُ لأَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ: أكتب عن إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ? قَالَ: لاَ، ذَاكَ رَجُلٌ لاَ يَدْرِي مَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِهِ.
قَالَ أَبُو صَالِحٍ: كَانَ الفَزَارِيُّ قَدْ رَوَى عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ، ثُمَّ تَرَكَهُ، وَذَاكَ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ ذُكِرْتَ عِنْدَ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، فَقَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ لَوْلاَ أَنَّهُ شَكِّيٌّ. قُلْتُ: هَذَا يَدلُّ عَلَى أَنَّ إِسْمَاعِيْلَ كَانَ لاَ يَرَى الاسْتثنَاءَ فِي الإِيْمَانِ، فَلَعَلَّهُ مِنَ المُرْجِئَةِ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: إِذَا رَوَى إِسْمَاعِيْلُ عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الحِجَازِ، كَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَعُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ الوَصَّافِيِّ، فَلاَ يَخلُو مِنْ غَلَطٍ فَيغلط، إِمَّا يَكُوْنُ حَدِيْثاً بِرَأْسِهِ، أَوْ مُرْسَلاً يُوْصِلُهُ، أَوْ مَوْقُوَفاً يَرْفَعُهُ، وَحَدِيْثُهُ عَنِ الشَّامِيّينَ إِذَا رَوَى عَنْهُ ثِقَةٌ فَهُوَ مُسْتقِيْمٌ، وَفِي الجُمْلَةِ هُوَ مِمَّنْ يُكتَبُ حَدِيْثُهُ، وَيُحْتَجُّ بِهِ مِنْ حَدِيْثِ الشَّامِيّينَ خَاصَّةً.
قُلْتُ: حَدِيْثُ إِسْمَاعِيْلَ عَنِ الحِجَازِيّينَ وَالعِرَاقِيّينَ، لاَ يُحْتَجُّ بِهِ، وَحَدِيْثُهُ عَنِ الشَّامِيّينَ صَالِحٌ مِنْ قبِيْلِ الحَسَنِ، وَيُحْتَجُّ بِهِ إِنْ لَمْ يَعَارضْهُ أَقوَى منه.
وَقَدْ قَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَثِيْرُ الخطَأِ فِي حَدِيْثِهِ، فَخَرَجَ عَنْ حدِّ الاحْتِجَاجِ بِهِ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: عرضْتُ عَلَى أَبِي حَدِيْثاً حَدَّثَنَاهُ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ الطَّسْتِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: قَالَ(7/323)
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ تَقْرَأُ الحَائِضُ وَلاَ الجُنُبُ شَيْئاً مِنَ القُرْآنِ"1. فَقَالَ أَبِي: هَذَا بَاطِلٌ، يَعْنِي أَنَّ إِسْمَاعِيْلَ وَهِم.
قُلْتُ: أَخْبَرَنَاهُ أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَغَيْرُهُ كتابة، عن عبد المنعم بن كُلَيْبٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ، فَذَكَرَهُ. أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ، عَنِ ابْنِ عَرَفَةَ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَسَعِيْدِ بنِ يُوْسُفَ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُم العبث في الصلاة، وَالرَّفثَ فِي الصِّيَامِ، وَالضَّحِكَ عِنْدَ المقَابرِ"2. رَوَاهُ: ابْنُ المُبَارَكِ عَنْهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ ابن قَفَرْجَلَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مَهْدِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ المحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي بَحِيْرٌ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ: ابْنَ آدَمَ! ارْكعْ لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، أَكفِكَ آخرَهُ" 3. هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ، متَّصلُ الإِسْنَادِ، شَامِيٌّ.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عن ابن أبي ملكية، عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوْعاً: "مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ، فَأَحَدثَ فِي صَلاَتِهِ، فَلْيَذْهَبْ، فَلْيتوضَّأْ، ثُمَّ لْيَبْنِ عَلَى صَلاَتِهِ"4. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: الصَّوَابُ مرسل.
__________
1 منكر: أخرجه الترمذي "131"، وابن ماجه "595" و"596" من طريق إسماعيل بن عياش, به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته إسماعيل بن عياش، فإنه ضعيف في روايته عن غير الشاميين.
2 ضعيف: فهو مرسل، يحيى بن أبي كثير، من صغار التابعين، وقد رواه ابن المبارك في "الزهد" "1557".
3 صحيح: أخرجه الترمذي "475" حدثنا أبو جعفر السِّمناني، حدثنا أبو مسهر، به.
وقد حدث إسماعيل بن عياش، عن شامي مثله. وللحديث شاهد عن نعيم بن همار قَالَ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "يقول الله -عز وجل: يا ابن آدم، لا تعجزني من أربع ركعات في أول نهارك أكفك آخره". أخرجه أبو داود "1289" واللفظ له، وأحمد "5/ 286-287" من طريق الوليد بن مسلم، حدثنا سعيد يعني ابن عبد العزيز، حدثنا مكحول، عن نعيم بن همار الغطفاني، به مرفوعا. وإسناده صحيح.
4 ضعيف: أخرجه ابن ماجه "1221" من طريق إسماعيل بن عياش، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان: الأولى: إسماعيل بن عياش، ضعيف في روايته عن غير الشاميين. والعلة الثانية: ابن جريج، مدلس، مشهور بالتدليس، وقد عنعنه.(7/324)
يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ، عَنْ شُرَحْبِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوْعاً، قَالَ: "الزعيم غارم" 1. هذا إسناد قوي.
مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ النَّشَائي: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ فَرَجِ بنِ فَضَالة، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ حَبِيْبٍ، عَنْ عُبَيْدٍ، عَنْ عَوْفِ بنُ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ ... "، الحَدِيْثَ2. ثُمَّ قَالَ يَزِيْدُ: وَقَدِمَ عَلَيْنَا إِسْمَاعِيْلُ بَعْدُ، فَحَدَّثَنَاهُ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: لَمْ يَكُنْ بِالشَّامِ بَعْدَ الأَوْزَاعِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، أَحْفَظُ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَعَافُوا الحُدُوْدَ بَيْنَكُم، فما بلغني من حد فقد وجب" 3.
__________
1 صحيح لغيره: أخرجه أحمد "5/ 267"، وعبد الرزاق "14796" و"16308" والطيالسي "1128"، وأبو داود "3565"، والترمذي "1265" و"2120"، وابن ماجه "2398"، والطبراني "7615" و"7621"، والبيهقي "6/ 88"، والبغوي "2162" من طرق عن إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ، عن أبي أمامة مرفوعا بلفظ: "العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم". وشرحبيل بن مسلم ضعفه ابن معين ووثقه أحمد لكن للحديث شاهد عند أحمد "5/ 293" من طريق ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، عن سعيد بن أبي سعيد، عن سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: فذكره، وهذا إسناد صحيح. وقوله "الزعيم": هو الكفيل، والغارم: الضامن.
2 صحيح: تمام الحديث عن عوف بن مالك قال: صلى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى جنازة، فحفظت من دعائه وهو يقول: "اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر -أو من عذاب النار " قال: حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت. أخرجه أحمد "6/ 23"، ومسلم "963"، والنسائي "4/ 73"، والبيهقي "4/ 40"، والطبراني "8/ 78" من طرق عن معاوية بن صالح، عن حبيب بن عُبيد، عن جُبير بن نُفير، به.
3 حسن: أخرجه أبو داود "4376"، والنسائي "8/ 70" من طريق ابن وهب قال: سمعت ابن جريج يحدث عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فذكره.
قلت: عمرو بن شعيب، صدوق، وكذا شعيب كما قال الحافظ في "التقريب"، وابن جريج قد صرح بالتحديث فأمنا شر تدليسه، فالإسناد حسن والله تعالى أعلى وأعلم.(7/325)
مُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرٍ الحِمْصِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِوٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعاً، قَالَ: "إِذَا كَتَبَ أَحَدُكُم كِتَاباً، فَلْيُتْرِبْهُ، فَإِنَّهُ أَنْجَحُ لِلْحَاجَةِ"1.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدٍ: عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ يَرْفَعُهُ، قَالَ: "يَكُوْنُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ رَجُلٌ، يُقَالُ لَهُ: الوَلِيْدُ، هُوَ أَشَدُّ عَلَى أُمَّتِي مِنْ فِرْعَوْنَ عَلَى قَوْمِهِ"2. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ بنُ حبان: هذا بَاطِلٌ. هَكَذَا قَالَ، وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ، بَلْ إسناده نظيف.
__________
1 منكر: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "1/ 298" من طريق سليمان بن عبد الحميد، عن ابن عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِوٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. فذكره.
قلت: إسناده ضعيف إسماعيل بن عياش ضعيف، روايته ضعيفة عن غير الشاميين. وأخرجه الترمذي "2713"، والعقيلي في "الضعفاء" "1/ 291"، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" "2/ 238" من طريق حمزة بن ميمون، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "تربوا الكتاب فإنه أعظم للبركة، وأنجح للحاجة".
قلت: إسناده واه بمرة، فيه علتان: فهاكموهما: الأولى: حمزة بن ميمون، وهو حمزة بن أبي حمزة النصيبي، قال ابن عدي في "الكامل" "2/ 378": كل ما يرويه أو عامته مناكير موضوعة، والبلاء منه". وقال ابن حبان في "المجروحين" "1/ 270": ينفرد عن الثقات بالأشياء الموضوعات كأنه كان المعتمد لها، لا تحل الرواية عنه. والعلة الثانية: أبو الزبير، وهو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، مدلس مشهور بالتدليس، وقد عنعنه.
2 موضوع: أخرجه أحمد "1/ 18"، وابن حبان في "المجروحين" "1/ 125"، وابن الجوزي في "الموضوعات" "2/ 46" من طريق إسماعيل بن عياش، به.
وقال ابن حبان في إثره: هذا خبر باطل ما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا، ولا عمر رواه، ولا سعيد حدث به، ولا الزهري رواه، ولا هو عن حديث الأوزاعي بهذا الإسناد".
قلت: إسناده ضعيف، لانقطاعه بين سعيد بن المسيب، وعمر بن الخطاب وقال ابن الجوزي بعد أن نقل كلام ابن حبان فيه: فلعل هذا قد أدخل على إسماعيل بن عياش في كبره، وقد رواه وهو مختلط، قال أحمد بن حنبل: كان إسماعيل بن عياش يروي عن كل ضرب، وهذا الحديث هو أحد الأحاديث الموضوعة في "مسند أحمد بن حنبل" والتي ذكرها الحافظ العراقي وأخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" "6/ 505" من طريق بشر بن بكر والوليد بن مسلم كلاهما عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب مرسلا، ولم يذكر فيه عمر، وقال البيهقي في إثره: هذا مرسل حسن "! " "! ".
وأخرجه الحاكم "4/ 494" من طريق نعيم بن حماد، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري عن ابن المسيب، عن أبي هريرة قال: "ولد لأخي أم سلمة ... " فذكره. =(7/326)
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ ضَمْضَمِ بنِ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي رَاشِدٍ الحُبْرَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ شِبْلٍ، قَالَ: "نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَكْلِ الضَّبِّ"1. هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ، وَأَرَاهُ مُرْسَلاً.
ابْنُ عَيَّاشٍ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وابن جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ: عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوْعاً: "لَيْسَ لِقَاتِلٍ مِنَ المِيْرَاثِ شَيْءٌ" 2. لاَ يَصحُّ هَذَا، فَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ عُمَرَ، مِنْ قَوْلِهِ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ مَوْقُوْفٌ.
أَبُو اليَمَانِ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، مَرْفُوْعاً: "خَيْرُ نِسَائِكُمُ العفيفة الغلمة"3. هذا حديث منكر.
__________
= وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الذهبي "! " "! " وقال السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" "1/ 110": رواية نعيم بن حماد عن الوليد بذكر أبي هريرة فيه شاذة. قلنا: نعيم بن حماد كثير الخطأ، والوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية، فالخبر باطل.
1 حسن: أخرجه أبو داود "3796" حدثنا محمد بن عوف الطائي أن الحكم بن نافع حدثهم حدثنا ابن عياش، به.
قلت: إسناده حسن، ضمضم بن زرعة بن ثوب الحضرمي الحمصي، صدوق كما قال الحافظ في "التقريب". وأبو راشد الحبراني، بضم المهملة وسكون الموحدة، الشامي، قيل اسمه أخضر، وقيل النعمان، ثقة.
2 حسن: أخرجه أبو داود "4564"، وابن ماجة "2646" من طريق عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، به.
3 ضعيف: أخرجه ابن حبان في "المجروحين" "1/ 125-126" أخبرنا عمر بن سعيد, حدثنا محمد بن عون، حدثنا أبو اليمان، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم. فذكره، وأخرجه ابن حبان "1/ 125-126" أخبرنا محمد بن المسيب، حدثنا عيسى بن خالد بن أخي أبي اليمان، حدثنا أبو اليمان، حدثنا إسماعيل، به.
قلت: إسناده ضعيف، إسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن غير الشاميين. ومحمد بن عوف هو ابن سفيان الطائي الحمصي، ثقة حافظ. وأبو اليمان هو الحكم بن نافع البهراني الحمصي ثقة ثبت، روى له الجماعة. وقد توبع إسماعيل بن عياش: فأخرجه ابن عدي في "الكامل" "3/ 203" من طريق هشام بن عمار، حدثنا عبد الملك بن محمد الصنعاني، حدثنا زيد بن جبيرة، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أنس بن مالك، به.
قلت: إسناده ضعيف جدا، فيه زيد بن جبيرة، متروك كما قال الحافظ في "التقريب" وعبد الملك بن محمد الصنعاني، لين الحديث، فالحديث ضعيف، ولا يصلح طريق هشام بن عمار في مجال المتابعات لضعفه الشديد.(7/327)
وَقَدْ صحَّحَ التِّرْمِذِيُّ لإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ غَيْرَ مَا حَدِيْثٍ مِنْ رِوَايَتِه عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ، مِنْهَا حَدِيْثُ: "لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ" 1، وَحَدِيْثُ: "بِحسْبِ ابن آدم أكلات يقمن صلبه" 2.
اخْتَلَفُوا فِي مَوْلِدِ ابْنِ عَيَّاشٍ وَوَفَاتِهِ: فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَبْد رَبِّهِ: مَوْلِدُهُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَةٍ.
وَرَوَى سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو السَّكُوْنِيُّ، عَنْ بَقِيَّةَ: أَنَّ إِسْمَاعِيْلَ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ، وَوُلِدْتُ سَنَةَ عَشْرٍ.
وَرَوَى أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ رَبِّهِ: وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَمائَةٍ. قُلْتُ: هَذَا أَصَحُّ كَانَ كَذَلِكَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: وَرَوَى عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ الحِمْصِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَوْلِدُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ قَبْلِي، سَنَةَ سِتٍّ، وَمَوْلِدِي سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ. قُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! أنت بكرت -يعني: بالطلب.
__________
1 صحيح: ورد عن جمع من الصحابة، منهم أبو أمامة الباهلي، وعمرو بن خارجة وعبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ الله، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم -رضي الله عنهم.
فأما حديث أبي أمامة -رضي الله عنه: فأخرجه سعيد بن منصور في "سننه" "427"، وأبو داود "3565"، والترمذي "2120"، وابن ماجه "2713"، والبيهقي "6/ 264"، وأحمد "5/ 267"، والطيالسي "1127" من طريق إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا شُرَحْبِيْلُ بنُ مُسْلِمٍ الخولاني، قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- يقول في خطبته عام حجة الوداع: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث". وإسناده حسن، وأما حديث عمرو بن خارجة -رضي الله عنه: فأخرجه سعيد بن منصور "428"، والترمذي "2121"، والنسائي "6/ 247"، وابن ماجة "2712"، والدارمي "2/ 419"، وأحمد "4/ 186 و187 و238 و238-239"، والطيالسي "1217" من طريق قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم عن عمرو بن خارجة، به.
وأما حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه: فهو عند ابن ماجه "2714"، والدارقطني "4/ 70" وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما: فهو عند الدارقطني، وابن عدي في الكامل أجتزئ بما ذكرت خشية الإطالة، ولولا ضيق المقام لأوعبنا عليه الكلام.
2 صحيح: أخرجه ابن المبارك في "الزهد" "603"، وأحمد "4/ 132"، والترمذي "2380"، والطبراني في "الكبير" "20/ 644"، والبغوي في "شرح السنة" "4048"، والقضاعي في "مسند الشهاب" "1340" و"1341" من طريق أبي سلمة الحمصي سليمان بن سليم وحبيب بن صالح عن يحيى بن جابر، عن المقدام بن معدى كرى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما ملأ آدمي وعاء شراء من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه".(7/328)
وَرَوَى أَبُو التَّقِيِّ اليَزَنِيُّ، عَنْ بَقِيَّةَ، قَالَ: وُلِدَ إِسْمَاعِيْلُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ، وَمَوْلِدِي: سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ.
وَأَمَّا وَفَاةُ إِسْمَاعِيْلَ: فَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَهُ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهِ، وَحَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ مُصَفَّى، وَعِدَّةٌ. فَزَادَ ابْنُ مُصَفَّى: يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ، لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ. وَقَالَ الحَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَوْلاَنِيُّ: يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ، لِسِتٍّ مَضَتْ مِنْ جُمَادَى. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَخَلِيْفَةُ، وَأَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الوَاقِدِيُّ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ.
وَمَا خَرَّجَا لَهُ فِي "الصَّحِيْحَيْنِ" شيئًا.
وَمِنْ غَرَائِبِهِ: مَا يَرْوِيْهِ عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُطْعِمُ بنُ المِقْدَامِ، عَنِ ابْنِ غُنَيْمٍ الكَلاَعِيِّ، عَنْ نَصِيْحٍ العَنْسِيِّ، عَنْ رَكْبٍ المِصْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "طُوْبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ مِنْ غَيْرِ مَنْقَصَةٍ ... "1، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ.
وَلَيْسَ فِي "الأَرْبَعِيْنَ الوَدْعَانِيَّةِ"2 مَتنٌ أَمثَلُ مِنْهُ، لَكِنَّهُ سَاقَهُ ابْنُ وَدْعَانَ بِسَنَدٍ موضوع.
__________
1 ضعيف: أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" "2/ ق1/ 338"، والطبراني في "الكبير" "5/ 4616"، والبيهقي "4/ 182"، والبغوي، والقضاعي في "مسند الشهاب" "615" من طريق إسماعيل بن عياش، عن المطعم بن المقدام، وعنبسة بن سعيد بن غُنَيْمٍ الكَلاَعِيِّ، عَنْ نَصِيْحٍ العَنْسِيِّ، عَنْ رَكْبٍ المصري قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. فذكره.
وقال الهيثمي في "المجمع" "10/ 229": رواه الطبراني من طريق نصيح العنسي عن ركب ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
قلت: إسناده ضعيف، نصيح، ضعيف. وقال ابن منده: ركب لا يعرف له صحبة. وقال البغوي: لا أدري أسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم- أم لا؟
2 الأربعين الودعانية جمعها محمد بن علي بن ودعان القاضي، أبو نصر الموصلي، وكلها موضوعة. ذمه أبو طاهر السلفي، وأدركه، وسمع منه، وقال: هالك متهم بالكذب. وقد توفى ابن ودعان سنة أربع وتسعين وأربعمائة في المحرم بالموصل عقيب رجوعه من بغداد عن ثنتين وتسعين سنة. وقد سئل المزي عن الأربعين الودعانية فأجاب بما ملخصه: لا يصح منها على هذا النسق بهذه الأسانيد شيء، وإنما يصح منها ألفاظ يسيرة بأسانيد معروفة يحتاج في تتبعها إلى فراغ، وهي مع ذلك مسروقة، سرقها ابن ودعان من زيد بن رفاعة وقيل زيد بن عبد الله بن مسعود بن رفاعة الهاشمي، وهو الذي وضع رسائل أحوال الضعفاء فيما يقال، وكان جاهلا بالحديث، وسرقها منه ابن ودعان، فركب بها أسانيد، فتارة يروي عن رجل عن شيخ ابن رفاعة، وتارة يدخل اثنين، وعامتهم مجهولون، ومنهم من يشك في وجوده؛ والحاصل أنها فضيحة مفتعلة وكذبه مؤتفكة.(7/329)
1255- ابن السَّمَّاك 1:
الزَّاهِدُ، القُدْوَةُ، سَيِّدُ الوعَّاظ، أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بن صَبيح العِجْلِيُّ مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ، ابْنُ السَّمَّاكِ.
رَوَى عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَطَائِفَةٍ، وَلَمْ يُكثِرْ.
رَوَى عَنْهُ: يَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ العَابِدُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَآخَرُوْنَ
قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: صَدُوْقٌ.
قُلْتُ: مَا وَقَعَ لَهُ شَيْءٌ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ، وَهُوَ القَائِلُ: كَمْ مِنْ شَيْءٍ إِذَا لَمْ يَنْفَعْ لَمْ يَضُرَّ، لَكِنَّ العِلْمَ إِذَا لَمْ يَنْفَعْ، ضَرَّ.
قِيْلَ: وَعَظَ مَرَّةً فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ لَكَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ مُقَاماً، وَإِنَّهُ لَكَ مِنْ مُقَامِك مُنصَرَفاً، فَانْظُرْ إِلَى أَيْنَ تَكُوْنُ. فَبَكَى الرَّشِيْدُ كَثِيْراً.
قِيْلَ: دَخَلَ ابْنُ السَّمَّاك عَلَى رَئِيْسٍ فِي شَفَاعَةٍ لِفَقِيْرٍ، فَقَالَ: إِنِّيْ أَتَيْتُكَ فِي حَاجَةٍ، وَالطَّالبُ وَالمُعْطِي عَزِيْزَانِ إِنْ قُضِيَتِ الحَاجَةُ، ذَلِيْلاَنِ إِنْ لَمْ تُقْضَ، فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ عِزَّ البَذْلِ عَنْ ذُلِّ المَنَعِ، وَعِزَّ النُّجح عَلَى ذُلِّ الرَّدِّ.
وَعَنْهُ قَالَ: هِمَّةُ العَاقِلِ فِي النَّجَاةِ وَالهَرَبِ، وَهِمَّةُ الأَحْمَقِ فِي اللَّهْوِ وَالطَّرَبِ، عَجَباً لِعَيْنٍ تَلَذُّ بِالرُّقَادِ، وَمَلَكُ المَوْتِ مَعَهَا عَلَى الوِسَادِ، حَتَّى مَتَى يُبَلِّغُنَا الوُعَّاظُ أَعْلاَمَ الآخِرَة، حَتَّى كَأَنَّ النُّفُوْسَ عَلَيْهَا وَاقِفَةٌ، وَالعُيُونَ نَاظرَةٌ، أَفَلاَ مُنْتَبِهٌ مِنْ نَوْمَتِهِ، أَوْ مُسْتِيْقظٌ مِنْ غَفْلَتِهِ، وَمُفِيْقٌ مِنْ سَكْرَتِهِ، وَخَائِفٌ مِنْ صَرْعَتِهِ، كَدْحاً لِلدُّنْيَا كَدْحاً، أَمَا تَجْعَلُ لِلآخِرَةِ مِنْكَ حظّاً، أُقسِمُ بِاللهِ، لَوْ رَأَيْتَ القِيَامَةَ تَخفِقُ بِأَهْوَالِهَا، وَالنَّارَ مُشرِفَةً عَلَى آلِهَا، وَقَدْ وُضِعَ الكِتَابُ، وَجِيْءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهدَاءِ، لَسَرَّكَ أَنْ يَكُوْنَ لَكَ فِي ذَلِكَ الجَمعِ مَنْزِلَةٌ، أَبَعْدَ الدُّنْيَا دَارُ مُعْتَمَلٍ، أَمْ إِلَى غَيْرِ الآخِرَةِ مُنْتَقَلٌ? هَيْهَاتَ، وَلَكِنْ صُمَّتِ الآذَانُ عَنِ المَوَاعِظِ، وَذَهلَتِ القُلُوْبُ عَنِ المنَافِعِ، فَلاَ الوَاعِظُ يَنْتَفِعُ وَلاَ السَّامِعُ يَنْتَفِعُ.
وَعَنْهُ: هَبِ الدُّنْيَا فِي يَدَيْكَ، وَمِثْلُهَا ضُمَّ إِلَيْكَ، وَهَبِ المَشْرِقَ وَالمَغْرِبَ يَجِيْءُ إِلَيْكَ، فَإِذَا
جَاءكَ المَوْتُ، فَمَاذَا فِي يَدَيْكَ?! أَلاَ مَنِ امْتَطَى الصَّبْرَ قَوِيَ عَلَى العِبَادَةِ، وَمَنْ أَجْمَعَ النَّاسَ اسْتَغْنَى عَنِ النَّاسِ، وَمَنْ أَهَمَّتْهُ نَفْسُهُ لَمْ يُوْلِ مرمَّتها غَيْرَه، وَمَنْ أَحَبَّ الخَيْرَ وُفِّقَ لَهُ، وَمَنْ كَرِهَ الشَّرَّ جُنِّبَهُ، أَلاَ مُتَأَهِّبٌ فِيْمَا يُوصَفُ أَمَامَهُ، أَلاَ مُسْتَعِدٌّ لِيَوْمِ فَقْرِه، أَلاَ مُبَادِرٌ فَنَاءَ أَجَلِهِ، مَا يَنْتَظِرُ مَنِ ابْيَضَّتْ شَعْرَتُهُ بَعْدَ سَوَادِهَا، وَتَكَرَّشَ وَجْهُه بَعْد انبِسَاطِه، وَتَقَوَّسَ ظَهْرُهُ بَعْدَ انْتِصَابِهِ، وَكَلَّ بَصَرُه، وَضَعُفَ رُكنُهُ، وَقَلَّ نَوْمُهُ، وَبَلِيَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ شَيْءٍ فِي حَيَاتِهِ، فَرَحِمَ اللهَ امْرَأً عَقَلَ الأَمْرَ، وَأَحْسَنَ النَّظَرَ، وَاغتَنَمَ أَيَّامَهُ.
وَعَنْهُ: الدُّنْيَا كُلُّهَا قَلِيْلٌ، وَالَّذِي بَقِيَ مِنْهَا قَلِيْلٌ، وَالَّذِي لَكَ مِنَ البَاقِي قَلِيْلٌ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ قَلِيْلِكَ إِلاَّ قَلِيْلٌ، وَقَدْ أَصْبَحتَ فِي دَارِ العَزَاءِ، وَغَداً تَصِيْرُ إِلَى دَارِ الجَزَاءِ، فَاشْتَرِ نَفْسَكَ، لَعَلَّكَ تَنجُو.
تُوُفِّيَ ابْنُ السَّمَّاكِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَقَدْ أسن.
__________
1 ترجمته في المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 671"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 1573"، حلية الأولياء لأبي نعيم "8/ ترجمة 399"، وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 629"، والعبر "1/ 287"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 7696"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 303".(7/330)
1256- مرحوم 1: "ع"
ابن عبد العزيز بن مهران، الإمام، المحدث، الثقة، أبو محمد -وقيل: أَبُو عَبْدِ اللهِ- الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ، العَطَّارُ، مِنْ مَوَالِي آلِ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ وَالِدُ عُبَيْس، وَجَدُّ بِشْرِ بنِ عُبَيْسٍ.
حَدَّثَ عَنْ: ثَابِتٍ البُناني، وَأَبِي عِمْرَانَ الجَوني، وَأَبِي نَعَامة السَّعْدِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ زَيْدٍ العَمِّيِّ، وَأَبِيْهِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَأَبِي سُمَيْرٍ حَكِيْمِ بنِ خِذَامٍ، وَسَهْلِ بنِ عَطِيَّةَ، وَعَمِّهِ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ مِهْرَانَ، وَعِسْلِ بنِ سُفْيَانَ. وَيَنْزِلُ إِلَى أَنْ يَرْوِيَ عَنْ: دَاوُدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَطَّارِ، وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ.
رَوَى عَنْهُ: الثَّوْرِيُّ -أَحَدُ مَشَايِخِه- وَالخُرَيْبِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَزَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، وَمُسَدَّدٌ، وَعَبْدَانُ بنُ عُثْمَانَ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، وسوَّار بنُ عَبْدِ اللهِ العَنْبَرِيُّ، وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وبُنْدار، وَابْنُ مُثَنَّى، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ خَلاَّدٍ الباهلي، وأحمد بن إبراهيم الدرومي، وَبَكْرُ بنُ خَلَفٍ، وَالحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ المَرْوَزِيُّ، وَيَحْيَى بنُ حَبِيْبٍ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 2145"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 230" و"3/ 137"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1991"، والإكمال لابن ماكولا "7/ 236"، والكاشف "3/ ترجمة 5451"، وتهذيب التهذيب "10/ 85"، وتقريب التهذيب "2/ 237"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7383".(7/331)
وَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ.
وَقَالَ الخُرَيْبِيُّ: مَا رَأَيتُ بِالبَصْرَةِ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَمِنْ سُلَيْمَانَ بنِ المُغِيْرَةِ.
قَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ بِشْرُ بنُ عُبَيْسٍ: مَاتَ جَدِّي سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَكَانَ لَهُ يَوْمَ مَوْتِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ سَبْعُ سنين.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنُ بِطِّيْخٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ أَحْمَدَ، قَالُوا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَجْمٍ، أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ الكَاتِبَةُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلْحَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا مَرْحُوْمُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ العَطَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو نَعَامَةَ السَّعْدِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- فِي غَزَاةٍ، فَقَالَ: "يَا عَبْدَ اللهِ بنَ قَيْسٍ! أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَنْزاً مِنْ كُنُوْزِ الجَنَّةِ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ" 1. رَوَاهُ: سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ، وآخرون عن النهدي، نحوه.
__________
1 صحيح: أخرجه الترمذي "3374" من طريق مرحوم بن عبد العزيز، به.
وأخرجه البخاري "6409"، ومسلم "2704"، وأبو داود "1526"، وابن ماجة "3824" من طريق أبي عثمان النهدي، به.(7/332)
1257- المطلب بن زياد 1: "بخ، س، ق"
ابن أبي زهير الثقفي. وقيل: القرشي مولاهم. وقيل: مولى جابر ابن سَمُرَةَ السُّوَائِيِّ، وَكَانَ جَابِرٌ مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي زُهْرَةَ، فَمِنْ ثَمَّ قِيْلَ لَهُ: القُرَشِيُّ.
مِنْ كِبَارِ المُحَدِّثِيْنَ بِالكُوْفَةِ، وُلِدَ قَبْلَ المائَةِ.
وَرَوَى عَنْ: زِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ السُّدِّيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَإِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَزَيْدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَطَائِفَةٍ.
وَمَا هُوَ بِالمُكْثِرِ، وَلاَ بِالحَافِظِ، لَكِنَّهُ صدوق، صاحب حديث ومعرفة.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 387"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 1945"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1647"، والكاشف "3/ ترجمة 5580"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 859"، وتهذيب التهذيب "10/ 177"، وتقريب التهذيب "2/ 254"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7038".(7/332)
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَيُوْسُفُ بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعُثْمَانُ أَخُوْهُ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَشُرَيْحُ بنُ يُوْنُسَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ، وَسُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ، وَعَلِيُّ بنُ الحَسَنِ التَّمِيْمِيُّ الرَّازِيُّ كُرَاعٌ، وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، وَهَارُوْنُ بنُ إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيُّ، وَخَلْقٌ.
قَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: لَمْ نُدْرِكْ بِالكُوْفَةِ أَكْبَرَ مِنْهُ، وَمِنْ عُمَرَ بنِ عُبَيْدٍ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو داود: هو عندي صالح.
وَقَالَ عِيْسَى بنُ شَاذَانَ: عِنْدَهُ مَنَاكِيْرُ.
قُلْتُ: رَوَى لَهُ البُخَارِيُّ فِي "الأَدَبِ" لَهُ، وَابْنُ مَاجَه، وَالنَّسَائِيُّ فِي الخَصَائِصِ مِنْ "سُنَنِهِ".
قَالَ مُطَيَّنٌ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الأَسَدِيُّ، وَابْنُ عَمِّهِ؛ أَيُّوْبُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُمَيْرَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَبِيْبَرْسُ المَجْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الوَاسِطِيِّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ المُفَسِّرُ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَعَالِي، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الجَبَّارِ، وَسَعِيْدُ بنُ يَاسِيْنَ، وَعُمَرُ بنُ بَرَكَةَ، وَأَنْجَبُ بنُ أَبِي السَّعَادَاتِ "ح"، وَأَخْبَرَنَا سُنْقُرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، وَأَنْجَبُ الحَمَّامِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ أَبِي الفَخَّارِ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ السَّبَّاكِ، قَالُوا جَمِيْعاً: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي. وَزَادَ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ، فَقَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّوْسِيُّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مالك بن أحمد الفراء، أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى الصَّلْتِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا المُطَّلِبُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ جَابِرٍ فِي بَيْتِهِ، وَعَلِيُّ بنُ الحسين، ومحمد بن الحَنَفِيَّةِ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ إِلاَّ حَدَّثْتَنِي مَا رَأَيْتَ وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: كُنَّا بِالجُحْفَةِ بِغَدِيْرِ خُمِّ، وَثَمَّ نَاسٌ كَثِيْرٌ مِنْ جُهينة ومُزينة وغِفار، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ خِبَاءٍ أَوْ فُسْطَاطٍ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ ثَلاَثاً، فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ: "مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ، فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ" 1. هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ، عَالٍ جِدّاً، وَمَتنُهُ فَمُتَوَاتِرٌ.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "5/ 350 و358 و361"، وابن أبي شيبة "12/ 57"، وابن أبي عاصم "1354"، والبزار "2535"، والحاكم "2/ 129-130" من طريق الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. فذكره.(7/333)
1258- عبد السلام 1: "خ، 4"
ابن حرب الملائي البصري، ثُمَّ الكُوْفِيُّ، شَرِيْكُ أَبِي نُعَيْمٍ.
كَانَ صَاحِبَ حَدِيْثٍ وَحِفظٍ، وَعُمِّرَ دَهْراً.
حَدَّثَ عَنْ: أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَإِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي فَرْوَةَ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَهَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَالحَسَنُ بنُ عرفة، وآخرون.
وَرَوَى عَنْهُ مِنْ شُيُوْخِهِ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، وَقَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: ثِقَةٌ، حَافِظٌ.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: ثِقَةٌ، وَفِي حَدِيْثِهِ لين، وكان عسيرًا فِي الحَدِيْثِ. سَمِعْتُ ابْنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: كَانَ يَجْلِسُ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً مَجْلِساً لِلْعَامَّةِ، فَقِيْلَ لِعَلِيٍّ: أَكْثَرْتَ عَنْهُ? قَالَ: نَعَمْ، حَضَرتُ لَهُ مَجْلِسَ العَامَّةِ، وَقَدْ كُنْتُ أَسْتَنكِرُ بَعْضَ حَدِيْثِه، حَتَّى نَظَرْتُ فِي حَدِيْثِ مَنْ يُكثِرُ عَنْهُ، فَإِذَا حَدِيْثُه مُقَاربٌ عَنْ مُغِيْرَةَ وَالنَّاسِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَسِرًا، فَكَانُوا يُجَمِّعُوْنَ غَرَائِبَه فِي مَكَانٍ، فَكُنْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا مَجْمُوْعَةً، فَاسْتَنْكَرْتُهَا.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، وَالكُوْفِيُّوْنَ يُوَثِّقُونَهُ.
وَقَالَ القَوَارِيْرِيُّ: أَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي، فَإِنِّي غَرِيْبٌ مِنَ البَصْرَةِ. فَقَالَ: كَأَنَّكَ تَقُوْلُ: جِئْتُ مِنَ السَّمَاءِ. فَلَمْ يُحَدِّثْنِي.
قِيْلَ: وُلِدَ فِي حَيَاةِ أَنَسٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ، وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: لَعَلَّهُ مَا طَلَبَ إِلاَّ وقد تكهَّل.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 386"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 1729"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 219"، والضعفاء الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 1035"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 246"، والكامل لابن عدي "5/ ترجمة 1485"، والكاشف "2/ ترجمة 3413"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 5046"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 256"، والعبر "1/ 297"، وتهذيب التهذيب "6/ 316"، وتقريب التهذيب "1/ 505"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4318"، وشذرات الذهب "1/ 316".(7/334)
1259- عمر بن عُبيد 1: "ع"
ابن أبي أمية الكوفي الطَّنافسي، الحَافِظُ، أَخُو الحَافِظِيْنَ: يَعْلَى، وَمُحَمَّدٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ، وَإِبْرَاهِيْمُ فهو أسنهم.
حَدَّثَ عُمَرُ عَنْ: آدَمَ بنِ عَلِيٍّ، وسِماك بنُ حَرْبٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ، وَجَمَاعَةٌ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَخَوَاهُ: يَعْلَى، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مِنَ الثِّقَاتِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ.
قلت: توفي سنة خمس وثمانين ومائة.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 387"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 2088"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 180"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 668"، والأنساب للسمعاني "8/ 252"، والكاشف "2/ ترجمة 4157"، والعبر "1/ 291"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 6165" وتهذيب التهذيب "7/ 480"، وتقريب التهذيب "2/ 60"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5207".(7/335)
1260- أَمَّا عُمَرُ بنُ عُبيد 1:
البَصْرِيُّ، الخَزَّازُ، بَيَّاعُ الخُمُرِ، أَبُو حَفْصٍ، فَجَاوَرَ بِمَكَّةَ.
وَحَدَّثَ عَنْ: سهيل بن أبي صالح.
روى عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، وَأَبُو بَكْرٍ الحُمَيْدِيُّ، وَغَيْرُهُمَا.
ضعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ.
ذَكَرْتُهُ للتمييز.
__________
1 ترجمته في الجرح والتعديل "6/ ترجمة 669"، والضعفاء الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 1176"، والكامل لابن عدي "5/ ترجمة 1240"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 6164".(7/335)
1261- يحيى بن زكريا 1: "ع"
ابن أبي زائدة، الحافظ، العلم، الحجة، أبو سعيد الهمداني، الوَادعِيُّ، وَاسْمُ جَدِّهِ مَيْمُوْنُ بنُ فَيْرُوْزٍ، مَوْلَى امْرَأةٍ وادعيَّة. وَقِيْلَ: بَلْ مَوْلَى مُحَمَّدِ بنِ المُنتشِر الهَمْدَانِيِّ. مَوْلِدُهُ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ تَقَرِيْباً، أَوْ فِيْهَا.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَالأَعْمَشِ، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَأَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَمُجَالِدٍ، وَالعَلاَءِ بنِ المُسَيَّبِ، وَهَاشِمِ بنِ هَاشِمٍ الزُّهْرِيِّ، وَمُوْسَى الجُهَنِيِّ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَصَالِحِ بن صَالِحِ بنِ حَيٍّ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ حُمَيْدِ بنِ أَبِي غَنِيَّةَ، ومِسْعَر، وَحَجَّاجِ بنِ أَرْطَأَةَ، وَشُعْبَةَ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَيَنْزِل إِلَى: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَمَالِكٍ.
وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ الحَفَريُّ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، ومُعَلَّى بنُ مَنْصُوْرٍ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَابْنَا أَبِي شَيْبَةَ، وَهَارُوْنُ بنُ مَعْرُوْفٍ، وَأَبُو كُرَيب، وهنَّاد، وَعَمْرُو بنُ رَافِعٍ القَزْوِيْنِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ الطُّوْسِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنيع، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَابْنُ زُرَارة عَمْرٌو، لاَ عُمَرُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ المُحَارِبِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الدُّورقي، وَأُمَمٌ سِوَاهُم.
قَالَ أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ: كَانَ جَيِّدَ الأَخْذِ.
وَعَنِ الحَسَنِ بنِ ثَابِتٍ، قَالَ: نَزَلتُ بِأَفْقَهِ أَهْلِ الكُوْفَةِ -يَعْنِي: يَحْيَى بنَ أَبِي زَائِدَةَ.
وَرَوَى عَمْرٌو النَّاقِدُ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: مَا قدم علينا أحد من أصحابنا يشبه هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: عَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنَ أَبِي زَائِدَةَ.
وَرَوَى الحَارِثُ بنُ سُرَيج، عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ، قَالَ: مَا خَالَفَنِي أَحَدٌ بِالكُوْفَةِ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ.
وقال أحمد، ويحيى بن معين: ثقة.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 393"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 2974"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 609"، وتاريخ بغداد "14/ 114"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 252"، والكاشف "3/ ترجمة 6278"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9505"، والعبر "1/ 212"، وتهذيب التهذيب "11/ 208"، تقريب التهذيب "2/ 347"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 298".(7/336)
وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: هُوَ مِنَ الثِّقَاتِ. وَقَالَ مَرَّةً: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بِالكُوْفَةِ بَعْد الثَّوْرِيِّ أَثْبَتُ مِنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ. وَقَالَ أَيْضاً: انْتَهَى العِلْمُ إِلَى الشَّعْبِيِّ فِي زَمَانِهِ، ثُمَّ إِلَى الثَّوْرِيِّ فِي زَمَانِهِ، ثُمَّ إِلَى يَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ فِي زَمَانِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: كَانَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ فِي الإِتْقَانِ أَكْبَرَ مِنِ ابْنِ إِدْرِيْسَ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مُسْتَقِيْمُ الحَدِيْثِ، ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، جُمِعَ لَهُ الفِقْهُ وَالحَدِيْثُ، وَيُعَدُّ مِنْ حُفَّاظِ الكُوْفِيِّيْنَ، مُفْتِياً، ثَبْتاً، صَاحِبَ سُنَّة، وَكَانَ عَلَى قَضَاءِ المَدَائِنِ. وَوَكِيْعٌ، إِنَّمَا صَنَّفَ كُتُبَهُ عَلَى كُتُبِ يَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ صنَّفَ الكُتُبَ بِالكُوْفَةِ.
وَرَوَى حُسَيْنُ بنُ عَمْرٍو العَنْقَزِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ حَمَّادِ بنِ أَبِي حَنِيْفَةَ، قَالَ: يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ فِي الحَدِيْثِ مِثْلُ العَرُوْسِ العَطِرَةِ.
وَرَوَى عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: كَانَ يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ كَيِّساً، لاَ أَعْلَمُه أَخْطَأَ إِلاَّ فِي حَدِيْثٍ وَاحِدٍ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. وَقَالَ الغَلاَبِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حَصِيْنٍ، ثُمَّ اتَّفَقَا عَنْ قَبِيْصَةَ بنِ بُرْمَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: مَا أُحِبُّ أَنْ يَكُوْنَ عَبِيْدُكُم مُؤَذِّنِيْكُم. وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ قَبِيْصَةَ.
قَالَ زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ: وَلِيَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَضَاءَ المَدَائِنِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ مَاتَ، وَكَانَ يُحَدِّثُ حِفْظاً.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: تُوُفِّيَ بِالمَدَائِنِ، وَهُوَ قَاضٍ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ هَارُوْنَ، كَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَعَاشَ ثَلاَثاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً. وَكَانَ ثِقَةً، حَسَنَ الحَدِيْثِ، وَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ الكُتُبَ بِالكُوْفَةِ، وَكَانَ يُعَدُّ مِنْ فُقَهَاءِ المُحَدِّثِيْنَ بِالكُوْفَةِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي جُمَادَى الأُوْلَى.
وَقَالَ هَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَمُطَيَّنٌ، وَغَيْرُهُم: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ, وَقَالَ خَلِيْفَةُ: سَنَةَ ثَلاَثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ. وَقَالَ مَسْرُوْقُ بنُ المَرْزُبَانِ، وَابْنُ قَانِعٍ: سَنَةَ أَرْبَعٍ.
قَالَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: رَأَيْتُ زَكَرِيَّا بنَ أَبِي زَائِدَةَ يَجِيْءُ إِلَى مُجَالِدٍ، فَيَقُوْلُ لِيَحْيَى -يَعْنِي: ابْنَهُ: يَا بُنَيَّ! احْفَظْ.(7/337)
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ قُدَامَةَ، وَالمُسْلِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا حَنْبَلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ المُذْهَبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا وَقَعَتْ رَمِيَّتُكَ فِي المَاءِ، فَغَرِقَ، فَلاَ تَأْكُلْ" 1. هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، غَرِيْبٌ. أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، عَنْ أحمد، فوقع بدلا بعلو درجتين.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ صَرْما، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُجَالِدٍ، قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي الوَدَّاكِ أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى أَبِي سَعِيْدٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ لَيَرَوْنَ أَهْلَ عِلِّيِّيْنَ كَمَا تَرَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمِنْهُم، وَأَنْعَمَا"2. فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيْلُ وَهُوَ جَالِسٌ مَعَ مُجَالِدٍ عَلَى الطِّنْفِسَةِ: وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى عَطِيَّةَ أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى أَبِي سَعِيْدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم- يَقُوْلُ ذَلِكَ.
حَدِيْثُ عَطِيَّةَ هُوَ المَشْهُوْرُ، رَوَاهُ أَئِمَّةٌ عَنْهُ. وَأَمَّا حَدِيْثُ أَبِي الوَدَّاكِ: فَفَرْدٌ، غريب. حَسَّن الترمذي خبر عطية.
__________
1 صحيح: أخرجه أبو داود "2850" حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، به. وإسناده صحيح رجاله ثقات، وأخرجه البخاري "5484"، ومسلم "1929" "6" من طريق عاصم، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إذا أرسلت كلبك وسمَّيت فأمسكَ وقتلَ فكل وإن أكل فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه، وإذا خالط كلابًا لم يُذكر اسم الله عليها فأمسكن فقتلن فلا تأكل، فإنك لا تدري أيها قتل، وإن رميتَ الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكُل، وإن وقع في الماء فلا تأكل".
2 ضعيف بهذا اللفظ: أخرجه أحمد "3/ 26"، وأبو يعلى "1278" من طريق مجالد، به.
قلت: إسناده ضعيف، لضعف مجالد، وهو ابن سعيد الهمداني. وأبو الوداك، هو جبر بن نوف الهمداني، ثقة من رجال مسلم.
لكن قد ورد عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم". قالوا: يا رسول الله! تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: "بلى، والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين". أخرجه البخاري "3256"، ومسلم "2831"، والبيهقي في "البعث والنشور" "274" من طريق مالك بن أنس، عَنْ صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يسار، عن أبي سعيد الخدري، به مرفوعا. وأخرجه البخاري "6556" من طريق أبي حازم سلمة بن دينار، عن النُّعْمَان بنَ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخدري، به بلفظ: "إن أهل الجنة ليتراءون الغرف في الجنة كما تتراءون الكوكب الغارب في الأفق الشرقي والغربي".(7/338)
1262- خلف بن خليفة 1: "4، م تبعًا"
ابن صاعد، الإِمَامُ، المُعَمَّر، أَبُو أَحْمَدَ الأَشْجَعِيُّ مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ، نَزِيلُ وَاسِطَ، ثُمَّ تَحوَّلَ إِلَى بَغْدَادَ، وَبَعْضُهُم يَعُدُّه مِنْ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ؛ لِكَوْنِهِ ذَكَرَ أَنَّهُ رَأَى عَمْرَو بنَ حُرَيْثٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَمُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، وَأَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بنِ إِيَاسٍ، وَحَفْصِ ابْنِ أَخِي أَنَسٍ، وَأَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: قُتَيْبَةُ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْر، وَشُرَيْحُ بنُ يُوْنُسَ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ.
وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ مِنَ الكِبَارِ: هُشيم.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تَغَيَّرَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَاخْتُلِطَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: رَأْيْتُهُ وَوَضَعَهُ رَجُلٌ، فَصَاحَ، فَسُئِلَ عَنْ حَدِيْثٍ، فَلَمْ أَفْهَمْ كَلاَمَهُ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
قَالَ خَلْفٌ: فَرَضَ لِي عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِ سِنِيْنَ.
قُلْتُ: هَذَا يَنفِي رُؤْيَتَه عمرو بن حريث.
مات: سنة 181.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 313"، والتاريخ الكبير "3/ ترجمة 658"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 74 و565 و798" و"3/ 245"، والكنى للدولابي "1/ 11"، والضعفاء الكبير للعقيلي "2/ ترجمة 441"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 1681"، والكامل لابن عدي "2/ ترجمة 612"، وتاريخ بغداد "8/ 318"، والعبر "1/ 280"، والكاشف "1/ ترجمة 1410"، وميزان الاعتدال "1/ ترجمة 2537"، وتهذيب التهذيب "3/ 150"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة رقم 1853"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 295".(7/339)
1263- علي بن هاشم 1: "م، 4"
ابن البريد، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّدُوقُ، أَبُو الحَسَنِ العَائِذِيُّ، القُرَشِيُّ مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ، الشِّيْعِيُّ، الخَزَّازُ، مَوْلَى امْرَأَةٍ قُرَشِيَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَيَحْيَى بنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَأَبِي الجَحَّافِ دَاوُدَ بنِ أَبِي عَوْفٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَطَلْحَةَ بنِ يَحْيَى، وَكَثِيْرٍ النَّوَّاءِ، وَأَبِي الجَارُوْدِ زِيَادِ بنِ المُنْذِرِ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالعَلاَءِ بنِ صَالِحٍ، وَفِطْرِ بنِ خَلِيْفَةَ، وَأَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.
وَعَنْهُ: يُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ، وَعَمْرُو بنُ حمَّاد القنَّاد، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعُثْمَانُ أَخُوْهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ المُحَارِبِيُّ، وَأَبُو مَعمر إِسْمَاعِيْلُ القَطيعي، وَالحَسَنُ بنُ حَمَّادٍ سَجَّادَةُ، وَدَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ أَبَانٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُقَاتِلٍ المَرْوَزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُعَاوِيَةَ بنِ مَالِجٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَيَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَطَائِفَةٌ: ثِقَةٌ. وَعَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ رِوَايَةٌ أُخْرَى: صَدُوْقٌ، يَتَشَيَّعُ.
وَقَالَ الجُوزَجاني: كَانَ هُوَ وَأَبُوْهُ غَالِيَيْنِ فِي مَذْهَبِهِمَا.
وَقَالَ أَبُو زُرعة: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ يَتَشَيَّعُ، يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ.
وَعَنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، قَالَ: هُمْ أهل بيت تشيع، وليس ثم كذب.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ": كَانَ غَالِياً فِي التَّشَيُّعِ، وَرَوَى المَنَاكِيْرَ عَنِ المَشَاهِيْرِ. هَكَذَا يَقُوْلُ: ابْنُ حِبَّانَ.
أَنْبَأَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ الدَّرْجِيِّ -فِيْمَا قُرِئَ عَلَيْهِ- أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيُّ، وغيره إذنًا،
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 392"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 2465"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 1137"، والمجروحين لابن حبان "2/ 110"، وتاريخ بغداد "12/ 116" والأنساب للسمعاني "8/ 330"، والعبر "1/ 281"، والكاشف "2/ ترجمة 4039"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 5960"، وتهذيب التهذيب "7/ 392"، وتقريب التهذيب "2/ 45"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5060"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 297".(7/340)
قَالُوا: أَخبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ رَيْذَةَ، أَخْبَرَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ السَّقَطِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ أَبِيْهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نهى عن قتل حيات البيوت، فَقَالَ: "إِذَا رَأَيْتُم مِنْهُنَّ شَيْئاً فِي مَسَاكِنِكُم، فَقُوْلُوا: نَشَدْنَاكُمُ العَهْدَ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُم نُوْحٌ، وَنَشَدْنَاكُمُ العَهْدَ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُم سُلَيْمَانُ، فَإِنَّ عُدْنَ، فَاقْتُلُوْهُنَّ"1.
غَرِيْبٌ، وَحَسَّنَهُ: التِّرْمِذِيُّ، عَنْ هَنَّادٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ مِنْ عَلِيِّ بنِ هَاشِمٍ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ مَجْلِساً، ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ المَجْلِسَ الآخَرَ وَقَدْ مَاتَ، وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِي مَاتَ فِيْهَا مَالِكٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَمُطَيَّنٌ: مات سنة إحدى وثمانين.
قَالَ مُطَيَّنٌ: فِي رَجَبٍ. وَيُقَالُ: فِي شَعْبَانَ.
قَالَ يَعْقُوْبُ: مَاتَ بِالكُوْفَةِ.
قُلْتُ: إِنَّمَا سَمِعَ مِنْهُ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى بِبَغْدَادَ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ غَيْرَ مَرَّةٍ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ هَاشِمٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ بَكْرِ بنِ وَائِلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: "مَا ضَرَبَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امْرَأَةً قَطُّ، وَلاَ ضَرَبَ خَادِماً لَهُ قَطُّ، وَلاَ ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئاً قَطُّ، إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيْلِ اللهِ، وَمَا نِيْلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَانْتَقَمَهُ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللهِ، فَيَنْتَقِمُ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ2.
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ المرْوَزي، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُؤَيَّدِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ صَرْما، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ النَّقُّوْرِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ هَاشِمٍ، وَوَكِيْعٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا مَاتَ صَاحِبُكُم فَدَعُوْهُ" 3.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ أَحَدِهِمَا.
__________
1 ضعيف: أخرجه أبو داود "5260"، والترمذي "1485" من طريق ابن أبي ليلى، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ضعيف لسوء حفظه.
2 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 31-32 و229 و281"، ومسلم "2327" و"2328"، والدارمي "2/ 147"، والبيهقي في "السنن" "10/ 192" من طرق عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، به وأخرجه مالك "3/ 95-96"، وأحمد "6/ 115-116 و181-182 و262"، والبخاري "3560" و"6126" وفي "الأدب المفرد" "274"، وأبو داود "4785"، والبيهقي في "السنن" "7/ 41"، والبغوي في "شرح السنة" "3703" عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، به.
3 صحيح: أخرجه أبو داود "4899" حدثنا زهير بن حرب، حدثنا وكيع، به مرفوعا بلفظ: "إذا مات صاحبكم فدعوه لا تقعوا فيه".(7/341)
1264- يعقوب 1:
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، الزَّاهِدُ، الخَاشِعُ، أَبُو يَعْقُوْبَ بنُ دَاوُدَ بنِ طَهْمَانَ الفَارِسِيُّ، الكَاتِبُ.
كَانَ وَالِدُهُ كَاتِباً لِلأَمِيْرِ نَصْرِ بنِ سيَّار، مُتَوَلِّي خُرَاسَانَ، فَلَمَّا خَرَجَ هُنَاكَ يَحْيَى بنُ زَيْدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بَعْد مَصْرَعِ أَبِيْهِ زَيْدٍ، كَانَ دَاوُدُ يُنَاصِحُ يَحْيَى سِرّاً، ثُمَّ قُتِلَ يَحْيَى، وَظَهَرَ أَبُو مُسْلِمٍ صَاحِبُ الدَّعْوَةِ، وَطَلَبَ بِدَمِ يَحْيَى، وَتَتَبَّعَ قَتَلَتَهُ فَجَاءهُ دَاوُدُ مُطْمَئِنّاً إِلَيْهِ، فَطَالَبَهُ بِمَالٍ، ثُمَّ أَمَّنَهُ، وَتَخَرَّجَ أَوْلاَدُه فِي الآدَابِ، وَهَلَكَ أَبُوْهُم، ثُمَّ أَظهَرُوا مَقَالَةَ الزَّيْدِيَّةِ، وَانضَمُّوا إِلَى آلِ حَسَنٍ، وَنَزَحُوا ظُهُوْرَهُم. وَجَالَ يَعْقُوْبُ بنُ دَاوُدَ فِي البِلاَدِ، ثُمَّ صَارَ أَخُوْهُ عَلِيُّ بنُ دَاوُدَ كَاتِباً لإِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ الثَّائِرِ بِالبَصْرَةِ، فَلَمَّا قُتِلَ إِبْرَاهِيْمُ، اخْتَفَوْا مُدَّةً، ثُمَّ ظَفِرَ المَنْصُوْرُ بِهَذَيْنِ، فَسَجَنَهُمَا، ثُمَّ اسْتُخْلِفَ المَهْدِيُّ، فَمَنَّ عَلَيْهِمَا، وَكَانَ مَعَهُمَا فِي المُطْبِقِ إِسْحَاقُ بنُ الفَضْلِ الهَاشِمِيُّ، فَلَزِمَاهُ، وَبَقِيَ المَهْدِيُّ يَتَطلَّبُ عِيْسَى بنَ زَيْدِ بنِ عَلِيٍّ، وَالحَسَنَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ، فَأُخبِرَ بِأَنَّ يَعْقُوْبَ يَدْرِي، فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ يَعْقُوْبُ فِي عَبَاءةٍ وَعِمَامَةِ قُطْنٍ، فَفَاتَحَهُ، فَوَجَدَه مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ، فَسَأَلَهُ عَنْ عِيْسَى، فَقِيْلَ: وَعَدَهُ بِأَنْ يَدْخُلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَه. فَعَظَّمَهُ المَهْدِيُّ، وَمَلأَ عَيْنَهُ، وَاخْتَصَّ بِهِ، وَلَمْ يَزَلْ فِي ارْتقَاءٍ وَتَقَدُّمٍ حَتَّى وَزَرَ لَهُ، فَفَوَّضَ إِلَيْهِ أَزِمَّةَ الأَمُورِ، وَتَمَكَّنَ، فَولَّى الزَّيْدِيَّةَ المَنَاصِبَ، حَتَّى قَالَ بَشَّارُ بنُ بُرْدٍ:
بَنِي أُمَيَّةَ هُبُّوا طَالَ نَوْمُكُمُ ... إِنَّ الخَلِيْفَةَ يَعْقُوْبُ بن داود
ضَاعَتْ خِلاَفَتُنَا يَا قَوْمُ فَاطَّلِبُوا ... خَلِيْفَةَ اللهِ بين الدن والعود
__________
1 ترجمته في تاريخ بغداد "14/ 262"، وفيات الأعيان لابن خلكان "7/ ترجمة 830"، والعبر "1/ 247".(7/342)
ثُمَّ إِنَّ الخَوَاصَّ حَسَدُوا يَعْقُوْبَ، وَسَعَوْا فِيْهِ عِنْدَ المَهْدِيِّ.
وَمِمَّا عَظُمَ بِهِ يَعْقُوْبُ عِنْدَ المَهْدِيِّ، أَنَّهُ أُحضِرَ لَهُ الحَسَنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ، فَجَمَعَ بَيْنهُمَا بِمَكَّةَ، وَبَايَعَهُ، فَتَأَلَّمَ بَنُو حَسَنٍ مِنْ صَنِيْعِ يَعْقُوْبَ، وَعَرَفَ هُوَ أَنَّهُم إِنْ مَلَكُوا أَهْلَكُوهُ، وَكَثُرَتِ السُّعَاةُ، فَمَالَ إِلَى إِسْحَاقَ بنِ الفَضْلِ، وَسَعَوْا إِلَى المَهْدِيِّ، وَقَالُوا: المَمَالِكُ فِي قَبضَةِ يَعْقُوْبَ وَأَصْحَابِهِ، وَلَو كَتَبَ إِلَيْهِم، لَثَارُوا فِي وَقْتٍ عَلَى مِيْعَادٍ، فَيَمْلِكُوا الأَرْضَ، وَيُستَخْلَفُ إِسْحَاقُ. فَمَلأَ هَذَا الكَلاَمُ مَسَامِعَ المَهْدِيِّ، وَقَفَّ شَعْرُهُ.
فَعَنْ بَعْضِ خَدَمِ المَهْدِيِّ: أَنَّهُ كَانَ قَائِماً عَلَى رَأْسِ المَهْدِيِّ، إِذْ دَخَلَ يَعْقُوْبُ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! قَدْ عَرَفْتَ اضْطِرَابَ أَمرِ مِصْرَ، وَأَمَرْتَنِي أَنْ أَلتَمِسَ لَهَا رَجُلاً، وَقَدْ وَجَدْتُهُ. قَالَ: وَمَنْ? قَالَ: ابْنُ عَمِّكَ؛ إِسْحَاقُ بنُ الفَضْلِ. فَتَغَيَّرَ المَهْدِيُّ، وَفَطِنَ يَعْقُوْبُ، فَخَرَجَ، فَقَالَ المَهْدِيُّ: قَتَلَنِي اللهُ إِنْ لَمْ أَقْتُلْكَ. ثُمَّ نَظَرَ إليَّ، وَقَالَ: وَيْلَكَ! اكْتُمْ هَذَا.
وَقِيْلَ: كَانَ يَعْقُوْبُ قَدْ عَرَفَ أَخْلاَقَ المَهْدِيِّ، وَنَهْمَتَه فِي النِّسَاءِ، فَكَانَ يُبَاسِطُه. فَرَوَى: عَلِيُّ بنُ يَعْقُوْبَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ المَهْدِيُّ، فَدَخَلْتُ، فَإِذَا هُوَ فِي مَجْلِسٍ مَفْرُوْشٍ، وَبُستَانٍ فِيْهِ مِنْ أَنْوَاعِ الزَّهْرِ، وَعِنْدَهُ جَارِيَةٌ لَمْ أَرَ مِثْلهَا، فَقَالَ: كَيْفَ تَرَى? قُلْتُ: مَتَّعَ اللهُ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، لَمْ أَرَ كَاليَوْمِ. فَقَالَ: هُوَ لَكَ بِمَا حَوَى وَالجَارِيَةَ، وَلِي حَاجَةٌ. قُلْتُ: الأَمْرُ لَكَ فَحَلَّفَنِي بِاللهِ، فَحَلَفتُ، وَقَالَ: ضَعْ يَدَكَ عَلَى رَأْسِي وَاحْلِفْ. ثُمَّ قَالَ: هَذَا فُلاَنٌ مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ، أَرِحْنِي مِنْهُ، وَأَسرِعْ. قُلْتُ: نَعَمْ. فَأَخَذْتُهُ، وَذَهَبتُ بِالجَارِيَةِ وَالمَفَارِشِ، وَأَمَرَ لي بمائة أَلفٍ، فَمَضَيْتُ بِالجَمِيْعِ، فَلِشِدَّةِ سرُوْرِي بِالجَارِيَةِ تَرَكْتُهَا مَعِي، وَكَلَّمتُ العَلَوِيَّ، فَقَالَ: وَيْحَك! تَلْقَى اللهَ غَداً بِدَمِي، وَأَنَا ابْنُ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقُلْتُ: هَلْ فِيْكَ خَيْرٌ? قَالَ: نَعَمْ، وَلَكَ عِنْدِي دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ. فَأَعْطَيْتُهُ مَالاً، وَهَيَّأْتُ مَعَهُ مَنْ يُوْصِلُهُ فِي اللَّيْلِ، فَإِذَا الجَارِيَةُ قَدْ حَفِظَتْ عَلَيَّ قَوْلِي، فَبَعَثَتْ بِهِ إِلَى المَهْدِيِّ، فسخَّر الطُّرُقَ بِرِجَالٍ، فجاءوه بِالعَلَوِيِّ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا، دَخَلْتُ عَلَى المَهْدِيِّ، فَإِذَا العَلَوِيُّ، فبُهتُّ. فَقَالَ: حَلَّ دَمُكَ. ثُمَّ حَبَسَنِي دَهْراً فِي المُطْبِقِ، وَأُصِيْبَ بَصَرِي، وَطَالَ شَعْرِي. قَالَ: فَإِنِّي لَكَذَلِكَ، إِذْ دُعِيَ بِهِ، فَمَضَوْا بِي، فَقِيْلَ لِي: سَلِّمْ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. وَقَدْ عَمِيْتُ فَسَلَّمْتُ. فَقَالَ: مَنْ أَنَا? قُلْتُ: المَهْدِيُّ. قَالَ: رَحِمَ اللهُ المَهْدِيَّ. قُلْتُ: فَالهَادِي قَالَ: رَحِمَ اللهُ الهَادِيَ. قُلْتُ: فَالرَّشِيْدُ. قَالَ: نَعَمْ. سَلْ حَاجَتَكَ. قُلْتُ: المُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ. قَالَ: نَفْعَلُ, فَهَلْ غَيْرُ هَذَا? قُلْتُ: مَا بَقِيَ فِيَّ مُسْتَمْتَعٌ. قَالَ: فَرَاشِداً. فَخَرَجتُ إِلَى مَكَّةَ. قَالَ ابْنُهُ: فَلَمْ يُطَوِّلْ.
قُلْتُ: مَاتَ بِهَا، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.(7/343)
وَعَنْ يَعْقُوْبَ الوَزِيْرِ قَالَ: كَانَ المَهْدِيُّ لاَ يُحِبُّ النَّبِيْذَ، لَكِنَّهُ يَتَفَرَّجُ عَلَى غِلْمَانِهِ فِيْهِ، فَأَلُوْمُهُ، وَأَقُوْلُ: عَلَى مَاذَا اسْتَوْزَرْتَنِي? أَبَعدَ الصَّلَوَاتِ فِي الجَامِعِ يُشرَبُ النَّبِيذُ عِنْدَكَ، وَتَسْمَعُ السَّمَاعَ?! فَيَقُوْلُ: قَدْ سَمِعَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ. فَأَقُوْلُ: لَيْسَ ذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ يَعْقُوْبَ: ألحَّ أَبِي عَلَى المَهْدِيِّ فِي السَّمَاعِ، وَضَجِرَ مِنَ الوَزَارَةِ، وَنَوَى التَّرْكَ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: لَخَمْرٌ أَشرَبُهُ وَأَتُوبُ مِنْهُ، أَحَبُّ إلي من الوزارة، وإني لأَركَبُ إِلَيْكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فَأَتَمَنَّى يَداً خَاطِئَةً تُصِيْبُنِي، فَأَعْفِنِي، وَوَلِّ مَنْ شِئْتَ، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُسلِّمَ عَلَيْكَ أَنَا وَوَلدِي، فَمَا أَتَفَرَّغُ، وَلَّيْتَنِي أُمُوْرَ النَّاسِ، وَإِعْطَاءَ الجُنْدِ، وَلَيْسَ دُنْيَاكَ عِوَضاً مِنْ دِيْنِي. فَيَقُوْلُ: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ قَلْبَهُ.
وَقَالَ شَاعِرٌ:
فَدَعْ عَنْكَ يَعْقُوْبَ بنَ دَاوُدَ جَانِباً ... وَأَقبِلْ عَلَى صَهْبَاءَ طَيِّبَةِ النَّشْرِ
وَلَمَّا عَزَلَهُ المَهْدِيُّ، عَزَلَ أَصْحَابَه، وَسَجَنَ عِدَّةً من آله وغلمانه وأعوانه.(7/344)
1265- عبد الرحمن 1: "ت، ق"
ابن زيد بن أسلم العُمَري، المَدَنِيُّ، أَخُو أُسَامَةَ، وَعَبْدِ اللهِ، وَفِيْهِم لِيْنٌ.
وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَاحِبَ قُرْآنٍ وَتَفْسِيْرٍ، جَمَعَ تَفْسِيْراً فِي مُجَلَّدٍ، وَكِتَاباً فِي النَّاسِخِ وَالمَنْسُوْخِ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَابْنِ المُنْكَدِرِ.
رَوَى عَنْهُ: أَصْبَغُ بنُ الفَرَج، وَقُتَيْبَةُ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وآخرون.
توفي سنة اثنتين وثمانين ومائة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "5/ ترجمة 922"، والمعرفة والتاريخ الكبير ليعقوب الفسوي "1/ 236 و429" و"3/ 43 و171"، والضعفاء والمتروكين للنسائي "ترجمة 360"، والضعفاء الكبير للعقيلي "2/ ترجمة 926"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 1107"، والمجروحين لابن حبان "2/ 57"، والكامل لابن عدي "4/ ترجمة 1105"، والكاشف "2/ ترجمة 3237"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 4868"، والعبر "1/ 282"، وتهذيب التهذيب "6/ 177"، وتقريب التهذيب "1/ 480"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4094"، وشذرات الذهب "1/ 297".(7/344)
1266- سفيان بن حبيب 1: "4"
الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو مُحَمَّدٍ البَصْرِيُّ، البَزَّازُ.
حَدَّثَ عَنْ: عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَحَجَّاجِ بنِ أَبِي عُثْمَانَ، فِي آخَرِيْنَ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَالحَسَنُ بنُ قَزَعة، وَحُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو يَحْيَى صَاعِقَةُ: سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِمَّنْ تَطلَّبَ الحَدِيْثَ وَعُنِيَ بِهِ، وَحَفِظَه، وَأَقَامَ عَلَيْهِ، لَمْ يَزَلْ فِيْهِ، إِلاَّ ثَلاَثَةٌ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَسُفْيَانُ بنُ حَبِيْبٍ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ. هَؤُلاَءِ لَمْ يَدَعُوْهُ، وَلَمْ يَشتَغِلُوا عَنْهُ إِلَى أَنْ حَدَّثُوا.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: سُفْيَانُ بنُ حَبِيْبٍ: ثِقَةٌ، أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَدِيْثِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي عَروبة.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثلاثٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: سَنَةَ سِتٍّ وثمانين.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 291"، والتاريخ الكبير "4/ ترجمة 2068"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 514" و"2/ 134 و139" و"3/ 32"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 979"، والكاشف "1/ ترجمة 2008"، والعبر "1/ 293"، وتهذيب التهذيب "4/ 107"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2576"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 309".(7/345)
1267- سفيان بن موسى 1: "م"
البصري.
يَرْوِي عَنْ: أَيُّوْبَ السَّختياني، وسيَّار أَبِي الحَكَمِ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: الصَّلْتُ بنُ مَسْعُوْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ مُشْكُدانة، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَعِدَّةٌ.
أَوْرَدَهُ ابْنُ حِبَّان فِي "الثِّقَاتِ". وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ حَدِيْثاً.
وَسُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ عَنْهُ، فقال: مجهول -يعني: مجهول الحال عنده.
__________
1 ترجمته في الجرح والتعديل "4/ ترجمة 981"، والكاشف "1/ ترجمة 2022"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 3331"، وتهذيب التهذيب "4/ 122"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2592".(7/345)
1268- سيبويه 1:
إِمَامُ النَّحْوِ، حُجَّةُ العَرَبِ، أَبُو بِشْرٍ عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ بنِ قَنْبَرٍ الفَارِسِيُّ، ثُمَّ البَصْرِيُّ.
وَقَدْ طَلَبَ الفِقْهَ وَالحَدِيْثَ مُدَّةً، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى العَرَبِيَّةِ، فَبَرَعَ وَسَادَ أَهْلَ العَصْرِ، وَأَلَّفَ فيها كتابه الكبير الذي لاَ يُدْرَك شَأْوُهُ فِيْهِ.
اسْتَمْلَى عَلَى حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَأَخَذَ النَّحْوَ عَنْ: عِيْسَى بنِ عُمَرَ، وَيُوْنُسَ بنِ حَبِيْبٍ، وَالخَلِيْلِ، وَأَبِي الخَطَّابِ الأَخْفَشِ الكَبِيْرِ.
وَقَدْ جَمَعَ يَحْيَى البَرْمَكِيُّ بِبَغْدَادَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الكَسَائِيِّ لِلْمُنَاظَرَةِ، بِحُضُوْرِ سَعِيْدٍ الأَخْفَشِ، وَالفَرَّاءِ، وَجَرَتْ مَسْأَلَةُ الزُّنْبُورِ، وَهِيَ كَذِبٌ: أَظُنُّ الزُّنْبُورَ أَشَدَّ لَسْعاً مِنَ النَّحْلَةِ، فَإِذَا هُوَ إِيَّاهَا. فَقَالَ سِيْبَوَيْه: لَيْسَ المَثَلُ كَذَا، بَلْ: فَإِذَا هُوَ هِيَ. وَتَشَاجَرَا طَوِيْلاً، وَتَعَصَّبُوا لِلْكَسَائِيِّ دُوْنَه، ثُمَّ وَصَلَه يَحْيَى بِعَشْرَةِ آلاَفٍ، فَسَارَ إِلَى بِلاَدِ فَارِسٍ، فَاتَّفَقَ مَوْتُهُ بِشِيْرَازَ، فِيْمَا قِيْلَ.
وَكَانَ قَدْ قَصَدَ الأَمِيْرَ طَلْحَةَ بنَ طَاهِرٍ الخُزَاعِيَّ.
وَقِيْلَ: كَانَ فِيْهِ مَعَ فَرْطِ ذَكَائِهِ حُبْسَةٌ فِي عِبَارَتِه، وَانطِلاَقٌ فِي قَلَمِه.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سُمِّيَ سِيْبَوَيْه؛ لأَنَّ وَجْنَتَيْهِ كَانَتَا كَالتُّفَاحَتَيْنِ، بَدِيعَ الحُسْنِ.
قَالَ أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ: كَانَ سِيْبَوَيْه يَأْتِي مَجْلِسِي، وَلَهُ ذُؤَابَتَانِ، فَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، فَإِنَّمَا يَعْنِيْنِي.
وَقَالَ العَيْشِيُّ: كُنَّا نَجلِسُ مَعَ سِيْبَوَيْه فِي المَسْجِدِ، وَكَانَ شَابّاً جَمِيْلاً، نَظِيْفاً، قَدْ تَعلَّقَ مِنْ كُلِّ عِلْمٍ بِسَبَبٍ، وَضَرَبَ بِسَهْمٍ فِي كُلِّ أَدَبٍ مَعَ حَدَاثَةِ سِنِّهِ.
وَقِيْلَ: عَاشَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً. وَقِيْلَ: نَحْوَ الأَرْبَعِيْنَ. قِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَهُوَ أَصَحُّ. وقيل: سنة ثمانٍ وثمانين ومائة.
__________
1 ترجمته في تاريخ بغداد "12/ 195"، وفيات الأعيان "1/ 504"، والعبر "1/ 278 و350" النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 99"، نفح الطيب للمقري "2/ 387"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 252".(7/346)
1269- الهيثم بن حُميد 1: "4"
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، فَقِيْهُ دِمَشْق، أَبُو أَحْمَدَ، وَأَبُو الحَارِثِ الغَسَّانِيُّ مَوْلاَهُم، الدِّمَشْقِيُّ.
حَدَّثَ عَنِ: العَلاَءِ بنِ الحَارِثِ، وَتَمِيْمِ بنِ عَطِيَّةَ، وَيَحْيَى الذِّماري، وَأَبِي وَهْبٍ الكَلاَعِيِّ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَالمُطْعِمِ بنِ المِقْدَامِ، وَزَيْدِ بنِ وَاقِدٍ، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ -رَفِيْقُهُ- وَعَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَائِذٍ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثِقَةٌ، قَدَرِيٌّ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ دُحَيم: كَانَ أَعْلَمَ الأَوَّلِيْنَ وَالآخِرِيْنَ بِقَوْلِ مَكْحُوْلٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا عَلِمْتُ إِلاَّ خَيْراً. وَجَاءَ عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ تَوْثِيْقُهُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ حُجر: يُكْنَى أَبَا الحَارِثِ. وَكَنَّاهُ النَّسَائِيُّ: أَبَا أَحْمَدَ.
وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: كَانَ ضَعِيْفاً قَدَرِيّاً.
قُلْتُ: مَا ذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ لَهُ وَفَاةً. وَقَدْ عَاشَ إِلَى قَرِيْبٍ من سنة تسعين ومائة.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا الأُرْمَوِيُّ، وَالطَّرَائِفِيُّ، وَابْنُ الدَّايَةِ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَائِذٍ، حَدَّثَنَا الهَيثم بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا الوَضِيْنُ بنُ عَطَاءٍ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ مَرْثَدٍ، قَالَ: ذُكِرَ الدَّجَّالُ فِي مَجْلِسٍ فِيْهِ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ نَوْفٌ البِكَالِيُّ: لِغَيْرِ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ مِنِّي مِنَ الدَّجَّالِ. فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: وَمَا هُوَ? قَالَ: أَخَافُ أَنْ أُسْلَبَ إِيْمَانِي وَأَنَا لاَ أَشْعُرُ. فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ الكِندية، وَهَلْ فِي الأَرْضِ مائَةٌ يتخوفون ما تتخوف، وذكر الحديث2.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2765"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 13 و261"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 334"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 264"، والكاشف "3/ ترجمة 6122"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9298"، وتهذيب التهذيب "11/ 92"، ولسان الميزان "7/ 422".
2 ضعيف: فيه علتان الوضين بن عطاء، ضعيف لسوء حفظه. والثانية: نوف البطالي، مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب": شامي مستور، وهو ابن امرأة كعب وإنما كذب ابن عباس ما رواه عن أهل الكتاب.(7/347)
1270- يحيى بن حمزة 1: "ع"
ابن واقد، الإِمَامُ الكَبِيْرُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَضْرَمِيُّ مولاهم، البَتَلْهي، الدمشقي، قاضي دمشق.
وُلِدَ سَنَةَ ثلاثٍ وَمائَةٍ، فِيْمَا نَقَلَهُ أَبُو مُسْهِر. وَقَالَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ.
قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: يَحْيَى الذِّمَارِيِّ.
وَحَدَّثَ عَنْ: عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، وَعُرْوَةَ بنِ رُوَيْمٍ، وَعَمْرِو بنِ مُهَاجِرٍ، وَأَبِي وَهْبٍ الكَلاَعِيِّ عُبَيْدِ اللهِ، وَمُحَمَّدِ بنِ الوَلِيْدِ الزُّبَيْدِيِّ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَالأَوْزَاعِيِّ.
وَعَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَابْنُ مَهْدي، وَأَبُو مُسْهِر، وَمُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ، وَالحَكَمُ بنُ مُوْسَى، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَوَلدُهُ مُحَمَّدٌ، وَخَلْقٌ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، صَالِحَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ دُحَيْمٌ: ثِقَةٌ عَالِمٌ عَالِمٌ.
وَقَالَ يَحْيَى: ثِقَةٌ، قَدَرِيٌّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ مَرْوَانُ الطَّاطَرِيُّ: اسْتَعْمَلَ المَنْصُوْرُ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ لَمَّا قَدِمَ دِمَشْقَ عَلَى القَضَاءِ يَحْيَى بنَ حَمْزَةَ، وَقَالَ: يَا شَابُّ، أَرَى أَهْلَ بَلَدِكَ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَيْكَ، فَإِيَّاكَ وَالهَدِيَّةَ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: أَعْلَمُهُم بقول محكوم هُوَ وَالهَيْثَمُ بنُ حُمَيْدٍ.
قَالَ دُحَيْمٌ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: دَامَ عَلَى القَضَاءِ ثَلاَثِيْنَ عَاماً، وَكَانَ ثَبْتاً فِي الحَدِيْثِ، وَإِنْ كَانَ يَمِيْلُ إِلَى القَدَرِ فَلَمْ يكن داعية.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 469"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 2956"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 459"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 580"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 266"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9486"، وتهذيب التهذيب "11/ 200"، وتقريب التهذيب "2/ 346"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 305".(7/348)
1271- يحيى بن يمان 1: "ع"
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّادِقُ، العَابِدُ، المُقْرِئُ، أَبُو زَكَرِيَّا العِجْلِيُّ، الكُوْفِيُّ.
رَوَى عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالمِنْهَالِ بنِ خَلِيْفَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَجَمَاعَةٍ.
وَتَلاَ عَلَى حَمْزَةَ الزيَّات2.
وَصَحِبَ الثَّوْرِيَّ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلدُهُ؛ دَاوُدُ الحَافِظُ، وَبِشْرُ بنُ الحَارِثِ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَسُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: صَدُوْقٌ، فُلِجَ، فَتَغَيَّرَ حِفظُهُ.
وَعَنْ وَكِيْعٍ، قَالَ: مَا كَانَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَحْفَظَ لِلْحَدِيْثِ مِنْ يَحْيَى بنِ يَمَانٍ، كَانَ يَحفَظُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ خَمْسَ مائَةِ حَدِيْثٍ، ثُمَّ نَسِيَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: كَانَ سَرِيْعَ الحِفْظِ، سَرِيْعَ النِّسْيَانِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ.
قُلْتُ: قَدْ رَضِيَهُ مُسْلِمٌ.
وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ صَدُوقاً. وَقَالَ مَرَّةً: ضعيف. وقال مرة: ليس به بأس.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
قُلْتُ: حَدِيْثُه مِنْ قَبِيْلِ الحَسَنِ.
قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: يُعَدُّ مَعَ الأَشْجَعِيِّ فِي الكَثْرَةِ عَنْ سُفْيَانَ، أنكروا عليه كثرة الغلط.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 391"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 3142"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 681 و721" و"2/ 225"، والضعفاء الكبير للعقيلي "4/ ترجمة 2065"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 830"، والكامل لابن عدي "7/ ترجمة 2137"، وتاريخ بغداد "14/ 120"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 265"، والكاشف "3/ ترجمة 6386"، والعبر "1/ 304"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9661"، وتهذيب التهذيب "11/ 306"، وتقريب التهذيب "2/ 361"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 325".
2 حمزة الزيات الكوفي، أحد القراء السبعة، توفي سنة "156هـ". كان إماما للناس بعد عاصم والأعمش.(7/349)
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، فَقَالَ: ذَاكَ رَاهِبٌ.
وَمَاتَ وَلدُهُ دَاوُد بنُ يَحْيَى: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَمَائَتَيْنِ، قَبْلَ مَحَلِّ الرِّوَايَةِ.
رَوَى عَنْ أَبِيْهِ شَيْئاً يَسِيْراً.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ يَمَانٍ، عَنْ شَرِيْكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "من طَافَ بِالبَيْتِ خَمْسِيْنَ مَرَّةً، يَخْرُجُ مِنْ ذُنُوْبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"1. أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ، عَنِ ابْنِ وكيع.
__________
1 ضعيف: أخرجه الترمذي "866"، وإسناه ضعيف لضعف سفيان بن وكيع. وقال الترمذي: حديث ابن عباس حديث غريب سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث؟ فقال: إنما يروي هذا عن ابن عباس قوله.(7/350)
1272- عبد الرحيم 1: "ع"
ابن سليمان، الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُصنِّفُ، أَبُو عَلِيٍّ الرَّازِيُّ، نَزِيْلُ الكوفة.
يَرْوِي عَنْ: عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَأَشْعَثَ بنِ سَوَّارٍ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخُوْهُ وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَهَنَّادٌ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
وَكَانَ رَفِيْقاً لِحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ فِي طَلَبِ العِلْمِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ، صَنَّفَ الكُتُبَ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي آخِرِ سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَيُقَالُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ، فَاللهُ أَعْلَمُ.
فَأَمَّا المَيِّتُ فِي سَنَةِ أربع فـ:
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "6/ ترجمة 1838"، والمعرفة والتاريخ "1/ 123" و"2/ 306" و"3/ 123"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 1602"، والكاشف "2/ ترجمة 3404"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 271"، والعبر "1/ 296"، وتهذيب التهذيب "6/ 306"، وتقريب التهذيب "1/ 504" وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4307".(7/350)
1273- عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ زَيْدِ بنِ الحَوَاري 1:
العَمِّيُّ البَصْرِيُّ، أَحَدُ المَتْرُوكِيْنَ، وَهُوَ مِنْ طَبَقَةِ الرَّازِيِّ.
يَرْوِي عَنْ: مَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ، وَعَنْ وَالِدِهِ.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "5/ ترجمة 1844"، والضعفاء والمتروكين للنسائي "ترجمة 368" والضعفاء الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 1045"، والمجروحين لابن حبان "2/ 161"، والكامل لابن عدي "5/ ترجمة 1420"، وتاريخ بغداد "11/ 83"، والكاشف "2/ ترجمة 3403"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 5030"، وتهذيب التهذيب "6/ 305"، وتقريب التهذيب "1/ 504"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4306"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 25".(7/351)
1274- إسماعيل بن صالح 1:
ابن عَلِيٍّ، الهَاشِمِيُّ العَبَّاسِيُّ، نَائِبُ مِصْرَ، ثُمَّ حَلَبَ.
روى عن: أبيه.
وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ الأَمِيْرُ طَاهِرٌ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ.
وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ بِحَلَبَ. وَكَانَ يَصْلُحُ لِلْخِلاَفَةِ.
قَالَ سَعِيْدُ بنُ عُفَير: مَا رَأَيْتُ أَخطَبَ مِنْهُ عَلَى هَذِهِ الأَعْوَادِ. كَانَ جَامِعاً لِكُلِّ سُؤْدُدٍ، ويعرف الفلسفة، وضرب العود، والنجوم.
قلت: عِلْمُهُ هَذَا، الجَهْلُ خَيْرٌ مِنْهُ.
وَكَانَ مَلِيْحَ النَّظْمِ، وَكَانَ الرَّشِيْدُ يَحتَرِمُه، وتحيَّل عَلَيْهِ حَتَّى ضَرَبَ لَهُ بِالعُوْدِ، فَوَصَلَهُ بِجَوْهَرٍ ثَمَنُهُ ثَلاَثُوْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، وَوَلاَّهُ مِصْرَ، وَعَقَدَ لَهُ اللِّوَاءَ بِيَدِهِ، فَوَلِيَهَا سِتَّ سِنِيْنَ.
وَعَاشَ إِلَى حُدُوْدِ سَنَةِ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ بِحَلَبَ، وَبِهَا وُلِدَ، وَلَهُ عِدَّةُ إِخْوَةٍ أُمَرَاءَ، وَكلُّهُم بَنُو عَمِّ المَنْصُوْرِ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 105".(7/351)
1275- بشر بن منصور 1: "م، د، س"
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الرَّبَّانِيُّ، القُدْوَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ، السَّلِيْمِيُّ، البَصْرِيُّ، الزَّاهِدُ.
رَوَى عَنْ: أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَشُعَيْبِ بنِ الحَبْحَابِ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَسَعِيْدٍ الجُرَيْرِيِّ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ إِسْمَاعِيْلُ، وَبِشْرٌ الحَافِي، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ، وَعَبْدُ الرحمن بن مهدي.
وَحَدَّثَ عَنْهُ مَنْ أَقرَانِهِ: الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أُقَدِّمُهُ عَلَيْهِ فِي الوَرَعِ وَالرِّقَّةِ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: مَا رَأَيْتُ أَخَوْفَ للهِ مِنْهُ، كَانَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مائَةِ رَكْعَةٍ. وَقَالَ القَوَارِيْرِيُّ: هُوَ أَفْضَلُ مَنْ رَأَيْتُ مِنَ المَشَايِخِ.
وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: هُوَ ثِقَةٌ وَزِيَادَةٌ.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: حَفَرَ قَبْرَهُ، وَخَتَمَ فِيْهِ القُرْآنَ، وَكَانَ وِرْدُهُ ثُلُثَ القُرْآنِ.
وَكَانَ ضَيْغَمُ صَدِيْقاً لَهُ، فَتُوُفِّيَا فِي يَوْمٍ.
قَالَ غَسَّانُ الغَلاَبِيُّ: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ وَجْهَ بِشْرِ بنِ مَنْصُوْرٍ ذَكَرتُ الآخِرَةَ، رَجُلٌ مُنْبَسِطٌ، لَيْسَ بِمُتَمَاوِتٍ، فَقِيْهٌ, ذَكِيٌّ.
وَقَالَ عَبَّاسٌ النَّرْسِيُّ: رُبَّمَا قَبَضَ بِشْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ عَلَى لِحْيَتِه، وَقَالَ: أَطْلُبُ الرِّيَاسَةَ بعد سبعين سنة?
وعن بشر -وقيل لَهُ: أَتُحِبُّ أَنَّ لَكَ مائَةَ أَلْفٍ- قَالَ: لأَنْ تَنْدُرَ عَيْنَايَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ غَسَّانُ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي بِشْرٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ عَمِّي فَاتَتْهُ التَّكْبِيْرَةُ الأُوْلَى، وَأَوْصَانِي فِي كُتُبِه أَنْ أَغسِلَهَا، أَوْ أَدفِنَهَا. قَالَ غَسَّانُ: وَكُنْت أَرَاهُ إِذَا زَارَهُ الرَّجُلُ مِنْ إِخْوَانِهِ، قَامَ مَعَهُ حَتَّى يَأْخُذَ بِرِكَابِه، وَفَعَلَ بِي ذَلِكَ كَثِيْراً. رَوَاهَا أَحْمَدُ الدَّورقي، عَنْهُ.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "2/ ترجمة 1770"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 1408"، وميزان الاعتدال "1/ 325"، والعبر "1/ 275"، حلية الأولياء لأبي نعيم "6/ ترجمة 368"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 293".(7/352)
قال علي ابن المَدِيْنِيِّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَخَوْفَ للهِ مِنْ بِشْرِ بنِ مَنْصُوْرٍ، كَانَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ خمسمائة رَكْعَةٍ.
الدَّوْرَقِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الخَالِقِ أَبُو هَمَّامٍ، قَالَ: قَالَ بِشْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ: أقِلَّ مِنْ مَعْرِفَةِ النَّاسِ، فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا يَكُوْنُ، فَإِنْ كَانَ -يَعْنِي: فَضِيْحَةً- غَداً، كَانَ مَنْ يَعْرِفُكَ قَلِيْلاً.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ مَنْصُوْرٍ، قَالَ: كَانَ بِشْرٌ يُصَلِّي فَيُطوِّلُ، وَرَجُلٌ وَرَاءهُ يَنْظُرُ، فَفَطِنَ لَهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: لاَ يُعجِبُكَ مَا رَأَيْتَ مِنِّي، فَإِنَّ إِبْلِيْسَ قَدْ عَبْدَ اللهَ دَهْراً مَعَ المَلاَئِكَةِ.
وَعَنْ بِشْرِ بنِ مَنْصُوْرٍ، قَالَ: مَا جَلَسْتُ إِلَى أَحَدٍ فَتَفَرَّقْنَا، إِلاَّ عَلِمتُ أَنِّي لَوْ لَمْ أَقْعُدْ مَعَهُ، كَانَ خَيْراً لِي.
سيَّار بنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، قَالَ: رَأَيْتُ بِشْرَ بنَ مَنْصُوْرٍ فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: مَا صَنَعَ اللهُ بِكَ? قَالَ: وَجَدْتُ الأَمْرَ أَهوَنَ مِمَّا كُنْتُ أَحْمِلُ عَلَى نَفْسِي.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ هَذَا الإِمَامُ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ- فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
وَكَانَ فِي عَصرِهِ: بِشْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ الحنَّاط، كُوْفِيٌّ، قَلِيْلُ الرِّوَايَةِ.
أَخَذَ عَنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ. وَالحَنَّاطُ: بِمُهْمَلَةٍ، ثُمَّ نُوْنٍ.
وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ البَصْرِيُّ، الحَافِظُ، وَبِشْرُ بنُ السري الواعظ الأفوه، بصري أيضًا.
وَبِشْرُ بنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ، بَصْرِيٌّ، حَافِظٌ بَعْدَ المائَتَيْنِ.
وَبِشْرُ بنُ بَكْرٍ التِّنِّيسي، أَحَدُ الثِّقَاتِ.
وَبِشْرُ بنُ آدَمَ الضَّرِيْرُ، بَغْدَادِيٌّ، ثِقَةٌ.
ثُمَّ بِشْرُ بنُ شُعيب، مُحَدِّثُ حِمْصَ.
وَبِشْرُ بنُ الحَارِثِ، الحَافِي، الزَّاهِدُ.
وَبِشْرُ بنُ الحَكَمِ العَبْدِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ.
وَبِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، السِّخْتِيَانِيُّ، شَيْخٌ لِلبُخَارِيِّ.
وَبِشْرُ بنُ مُعَاذٍ العَقَدِيُّ، الضَّرِيْرُ.
وَبِشْرُ بن هلال، وعدة.
ومن رءوس المُبْتَدِعَةِ: بِشْرُ بنُ غِيَاثٍ المَرِيْسِيُّ.
وَبِشْرُ بنُ المعتمر.(7/353)
1276- عبد العزيز 1: "ع"
ابن أبي حازم سلمة بن دينار، الإِمَامُ الفَقِيْهُ، أَبُو تَمَّامٍ المَدَنِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَالعَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَيَزِيْدَ بنِ الهَادِ، وَمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَخَلْقٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحُمَيْدِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَأَبُو مُصْعَبٍ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَكْثَمَ، وبشرٌ كثيرٌ.
وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ العِلْمِ بِالمَدِيْنَةِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: قِيْلَ لمُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيِّ: ابْنُ أَبِي حَازِمٍ ضَعِيْفٌ فِي حَدِيْثِ أَبِيْهِ. فَقَالَ: أَوَ قَدْ قَالُوْهَا? أَمَّا هُوَ، فَسَمِعَ مَعَ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَانُ، أَوْصَى إِلَيْهِ بِكتبِهِ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ، فَقَدْ بَالَ عَلَيْهَا الفَأْرُ، فَذَهَبَ بَعْضُهَا، فَكَانَ يَقْرَأُ مَا اسْتبَانَ لَهُ، وَيَدَعُ مَا لاَ يَعْرِفُ، مِنْهَا أَمَّا حَدِيْثُ أَبِيْهِ، فَكَانَ يَحفظُهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَمْ يَكُنْ بِالمَدِيْنَةِ بَعْدَ مَالِكٍ أَفْقَهُ مِنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هُوَ أَفْقَهُ مِنْ عَبْدِ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: ابْنُ أَبِي حَازِمٍ لَيْسَ بِثِقَةٍ فِي حَدِيْثِ أَبِيْهِ، كَذَا جَاءَ هَذَا. بَلْ هُوَ حُجَّةٌ فِي أَبِيْهِ، وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَمْ يَكُنْ بِالمَدِيْنَةِ فِي وَقْتِهِ أَفْقَهُ مِنْهُ، يَرَوْنَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِيْهِ. وَأَمَّا هَذِهِ الكُتُبُ، فَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّ كُتُبَ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ صَارَت إِلَيْهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ مرَّةً: لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ بِطَلبِ الحَدِيْثِ إِلاَّ كتبَ أَبِيْهِ، فَيَقُوْلُوْنَ: سَمِعَهَا.
قُلْتُ: حَدِيْثُهُ فِي الصِّحَاحِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ سَاجِدٌ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ القّوَّاس، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ الحَرَستاني حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ طَلاَّبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُمَيْعٍ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ بيع الغَرَر.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 424"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 1571"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 428 و685" و"2/ 294"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 1787"، والكاشف "2/ ترجمة 3428"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 253"، والعبر "1/ 289"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 5093"، وتهذيب التهذيب "6/ 333"، تقريب التهذيب "1/ 508"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4340"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 306".(7/354)
1277- صَرِيع الغَواني 1:
هُوَ مُسْلِمُ بنُ الوَلِيْدِ الأَنْصَارِيُّ مَوْلاَهُم، البَغْدَادِيُّ، حَامِلُ لِوَاءِ الشِّعْرِ. وَقِيْلَ: بَلْ هُوَ كُوْفِيٌّ، نَزَلَ بَغْدَادَ.
كَانَ شَاعِراً، مَدَّاحًا، مُحْسِنًا، مُفوَّهًا، وَهُوَ القَائِلُ فِي جَعْفَرٍ البَرْمَكِيِّ:
كَأَنَّهُ قمرٌ أَوْ ضَيْغَمٌ هَصِرٌ ... أَوْ حَيَّةٌ ذَكَرٌ أَوْ عَارِضٌ هَطِلُ
لاَ يَضْحَكُ الدَّهْرَ إِلاَّ حِيْنَ تَسْأَلُهُ ... وَلاَ يُعَبِّسُ إِلاَّ حِيْنَ لاَ يُسَلُ
وَهُوَ القَائِلُ فِي يَزِيْدَ بنِ مَزْيَدَ:
يَكْسُو السُّيوفَ نُفُوْسَ النَّاكِثِينَ بِهِ ... وَيَجْعَلُ الهَامَ تِيْجَانَ القَنَا الذُّبَلِ
إِذَا انْتَضَى سَيْفَهُ كَانَتْ مَسَالِكُهُ ... مَسَالِكَ المَوْتِ فِي الأَبْدَانِ وَالقُلَلِ
مَاتَ فِي أواخر دولة الرشيد، وديوانه مشهور.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "6/ ترجمة 1571"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 1832"، وتاريخ بغداد "13/ 96".(7/355)
1278- عبد العزيز بن محمد 1: "م، 4، خ مقرونا"
ابن عبيد، الإِمَامُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الجُهَنِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ الدَّرَاوَرْدِيُّ. قِيْلَ: أَصلُهُ مِنْ دَرَاوَرْد: قَرْيَةٌ بِخُرَاسَانَ.
وَرَوَى سُلَيْمَانُ الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ رِشْدِيْنَ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ، قَالَ: الدَّرَاوَرْدِيُّ مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ، نَزَلَ المَدِيْنَةَ.
وَكَانَ يَقُوْلُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ: أَنْدَرُوْنَ2, فَلَقَّبُوْهُ: الدَّرَاوَرْدِيَّ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْ: صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، وَأَبِي طُوالة عَبْدِ اللهِ، وَيَزِيْدَ بنِ الهَادِ، وَأَبِي حَازِمٍ الأَعْرَجِ، وَثَوْرِ بنِ زَيْدٍ، وَالعَلاَءِ بن عبد الرحمن، وعمرو ابن أَبِي عَمْرٍو، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَشَرِيْكِ بنِ أَبِي نَمِرٍ، وَجَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَهُمَا أَكْبَرُ مِنْهُ، وَإِسْحَاقُ بن راهويه، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ خَشْرَمَ، وَأَبُو حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ مَعْنُ بنُ عِيْسَى: يَصْلُحُ أَنْ يَكُوْنَ الدَّرَاوَرْدِيُّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ فُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: سَيِّئُ الحِفْظِ.
وَقَالَ الفَلاَّسُ: حَدَّثَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْهُ بِحَدِيْثٍ وَاحِدٍ.
قَالَ الأَثْرَمُ: قِيْلَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: إِنَّ الدَّرَاوَرْدِيَّ يَرْوِي عَنْ: عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه كَانَ يُرْخِي عِمَامَتَهُ مِنْ خَلْفِهِ3. فَتبسَّمَ، وَأَنْكَرَهُ، وقال: إنما هذا موقوف.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 424"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 1569"، والضعفاء الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 977"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 1833"، والأنساب للسمعاني "5/ 295"، والكاشف "2/ ترجمة 3454"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 5125"، والعبر "1/ 297 و403 و410 و418"، وجامع التحصيل للعلائي "ترجمة 463"، وتهذيب التهذيب "6/ 353"، وتقريب التهذيب "1/ 512"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4371"، وشذرات الذهب "1/ 316".
2 أندرون: كلمة فارسية تعني: داخل، باطن أو بيت داخلي تابع للمنزل.
3 صحيح لغيره: أخرجه الترمذي في "السنن" "1736"، وفي "الشمائل" "110"، والعقيلي في "الضعفاء" "3/ 21" من طريق يحيى بن محمد الجاري، عن عبد العزيز بن محمد، عن عبيد اللهِ بنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اعتم سدل عمامته بين كتفيه" قال نافع، وكان ابن عمر يسدل =(7/356)
وَعَنْ أَحْمَدَ قَالَ: كَانَ الدَّرَاوَرْدِيُّ إِذَا حَدَّثَ مِنْ حَفِظِهِ يَهِمُ، لَيْسَ هُوَ بِشَيْءٍ، وَإِذَا حَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ فَنَعَمْ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.
قُلْتُ: حديثه في دواوين الإِسْلاَمِ السِّتَّةِ، لَكِنَّ البُخَارِيَّ رَوَى لَهُ: مَقْرُوْناً بِشَيْخٍ آخرَ، وَبِكُلِّ حَالٍ فَحَدِيْثُهُ وَحَدِيْثُ ابْن أَبِي حَازِمٍ لاَ يَنحطُّ عَنْ مرتبَةِ الحَسَنِ.
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مَالِكٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الطُّوْسِيُّ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنِي العَبَّاسُ بنُ المُغِيْرَةِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: جَاءَ عَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ فِي جَمَاعَةٍ إِلَى أَبِي، لِيعرضُوا عَلَيْهِ كِتَاباً، فَقَرَأَهُ لَهُم الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَكَانَ رَدِيْءَ اللِّسَانِ، يَلْحَنُ لحناً قبِيْحاً، فَقَالَ أَبِي: وَيْحَكَ يَا درَاوردِيّ، أَنْتَ كُنْتَ إِلَى إِصلاَحِ لِسَانِكَ قَبْلَ النَّظَرِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أحوج منك إلى غير ذلك.
__________
= عمامته بين كتفيه". قال عبيد الله: ورأيت القاسم وسالما يفعلان ذلك.
وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.
قلت: إسناده ضعيف، يحيى بن محمد الجاري، قال البخاري: يتكلمون فيه.
وأخرجه الخطيب "11/ 293" من طريق عثمان بن نصر البغدادي، حدثنا الوليد بن شجاع، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، به.
وهذه متابعة للجاري من الوليد بن شجاع، وهو ثقة من رجال مسلم. لكن قال الخطيب في عثمان بن نصر: وقع حديثه إلى الغرباء، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وله طريق آخر، ذكره الهيثمي في "المجمع" "5/ 120": "عن أبي عبد السلام قال: قلت لابن عمر: كَيْفَ كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- يعتم؟ قال: كان يدور كور عمامته على رأسه، ويغرزها من ورائه ويرسلها بين كتفيه. رواه الطبراني في الأوسط". ورجاله رجال الصحيح خلا أبا عبد السلام وهو ثقة.
وقال: "وعن ثوبان مولى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا اعتم أرخى عمامته بين يديه، ومن خلفه. رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه الحجاج بن رشدين وهو ضعيف". فالحديث صحيح بهذه الطرق، وله شاهد عن عمرو بن حريث قال: "كأني أنظر إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المنبر، وعليه عمامة سوداء، قد أرخى طرفيها -وفي رواية طرفها- بين كتفيه". أخرجه مسلم، وأبو داود "4077"، وابن ماجه "3587".
وشاهد آخر عن عائشة -رضي الله عنها: أن جبريل -عليه السلام- أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- على برذون وعليه عمامة، طرفها بين كتفيه، فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم؟ فقال: رأيته؟ ذاك جبريل عليه السلام. أخرجه أحمد "6/ 148 و152"، والحاكم "4/ 193-194" وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.
قلت: بل إسناده ضعيف، آفته عبد الله بن عمر العمري، ضعيف كما قال الحافظ في "التقريب".(7/357)
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدٍ الوبرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الزُّهْرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَامِدٍ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَدَنِيُّ، حَدَّثَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنِ العَلاَءُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: مَنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدعُوُ لَهُ" 1. أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ نَازِلاً عَنْ ثِقَةٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ سليمان بن بلال، عن العلاء بنحوه.
تُوُفِّيَ الدَّرَاوَرْدِيُّ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِي وَمائَةٍ بِالمَدِيْنَةِ.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 278"، والبخاري في "الأدب المفرد" "38"، والترمذي "1376" والنسائي "6/ 251"، والطحاوي في "مشكل الآثار" "246"، والبيهقي "6/ 278"، والبغوي "139" من طرق عن إسماعيل بنُ جَعْفَرٍ، عَنِ العَلاَءِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعًا.(7/358)
1279- عبد العزيز بن عبد الصمد 1: "ع"
المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِّيُّ، البَصْرِيُّ.
وُلِدَ بَعْدَ المائَةِ.
وَرَوَى عَنْ: أَبِي عِمران الجَوْنِيِّ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَطَرٍ الوَرَّاقِ، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَعَمْرٌو الفَلاَّسُ، وَبُنْدَارٌ، وَابْنُ المُثَنَّى، وَزِيَادُ بنُ يَحْيَى الحسَّانِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ القَوَارِيْرِيُّ: كَانَ حَافِظاً.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ: كَانَ ثِقَةً.
وَقَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ يَوْمَ مَاتَ عَبْدُ العَزِيْزِ العمِّيُّ: مَا مَاتَ لَكُم شَيْخٌ مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً مِثْلَهُ.
قُلْتُ: يَقعُ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ فِي كِتَابِ البَعْثِ.
وَكَانَ مَوْتُهُ فِي سَنَةِ سبع وثمانين ومائة.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَكملُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن عمر الوراق، أخبرنا بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَشَّارٍ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ العمِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيتُهُمَا وَمَا فِيْهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيتُهُمَا وَمَا فِيْهِمَا، وَمَا بِيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِم إِلاَّ رِدَاءُ الكبرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عدْنٍ" 2.
أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ عَنْهُمَا، وَرَوَاهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَه، عَنِ ابن بشار.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "6/ ترجمة 1574"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 1809"، والكاشف "2/ ترجمة 3447"، والعبر "1/ 297"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 255"، وتهذيب التهذيب "6/ 346".
2 صحيح: أخرجه البخاري "4878"، ومسلم "180"، من حديث أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قَيْسٍ، به.(7/358)
1280- الهِقْل 1: "م، 4"
ابن زياد، الإِمَامُ، المُفْتِي، أَبُو عَبْدِ اللهِ الدِّمَشْقِيُّ، كَاتِبُ الأَوْزَاعِيِّ، وَتِلْمِيْذُهُ.
حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَالمُثَنَّى بنِ الصَّبَّاحِ، وَطَلْحَةَ بنِ عَمْرٍو المَكِّيِّ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَأَبُو صالح كاتب الليث، وَأَبُو مُسْهِرٍ الغَسَّانِيُّ، وَالحَكَمُ بنُ مُوْسَى، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مَا كَانَ بِالشَّامِ أَوْثَقُ مِنَ الهِقْل.
وَقَالَ مَرْوَانُ الطَّاطَرِيُّ: كَانَ الهِقْلُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالأَوْزَاعِيِّ، وَبمَجْلِسِهِ وَفُتْيَاهُ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: الهِقْلُ أَبُو عَبْدِ اللهِ السَّكْسَكِيُّ، اسْمُهُ: مُحَمَّدٌ. وَقِيْلَ: عَبْدُ اللهِ، وَلَقَبُهُ: الهِقْلُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لاَ يُكْتَبُ حَدِيْثُ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ أَحَدٍ أَوْثَقُ مِنَ الهِقْلِ.
وَقَالَ الفَسَوِيُّ: هُوَ أَعْلَى أَصْحَابِ الأَوْزَاعِيِّ.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: قَدِمَ الهِقْل مِصْرَ، وَكَتَبَ عَنْهُ أَهْلُهَا، وَتُوُفِّيَ بِبَيْرُوْتٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ فِي تَارِيْخِ مَوْتِهِ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا مولده، ولكنه مات قبيل الشيخوخة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2891"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 144" و"2/ 408 و460 و474"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 520"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 263"، والكاشف "3/ ترجمة 6087"، والعبر "1/ 227 و274"، وتهذيب التهذيب "11/ 64"، وتقريب التهذيب "2/ 321"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7768"، وشذرات الذهب "1/ 292".(7/359)
1281- يوسف بن يعقوب 1: "خ، م، ت، س، ق"
ابن أبي سلمة الماجشون، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، أَبُو سَلَمَةَ التَّيْمِيُّ، المُنْكَدِرِيُّ، مولاهم المدني.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَصَالِحِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ العَوْفِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو مُصْعَبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حنبل، ومحمد ابن أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ، وَسُرَيْجُ بنُ يُوْنُسَ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ الطُّوْسِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
وَثَّقَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو دَاوُدَ.
قَالَ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ المقَابرِيُّ: سَمِعْتُ يُوْسُفَ بنَ المَاجَشُوْنِ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ عَلَى عَهْدِ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، فَفرضَ لِي فِي المُقَاتلَةِ، فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ مَرَّ بِي بِاسْمِي، وَكَانَ بِنَا عَارِفاً، فَقَالَ: مَا أَعْرَفَنِي بِمَوْلِدِ هَذَا الغُلاَمِ، فَنَحَّانِي مِنَ المُقَاتلَةِ، وَردَّنِي عَيِّلاً.
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كُنَّا نَأتِي يُوْسُفَ بنَ المَاجَشُوْنِ يُحَدِّثُنَا، وَجَوَارِيْهِ فِي بَيْتٍ آخرَ يَضرِبْنَ بِالمعزفَةِ.
قُلْتُ: أَهْلُ المَدِيْنَةِ يَترخَّصُونَ فِي الغِنَاءِ، هُم مَعْرُوْفُوْنَ بِالتَّسَمُّحِ فِيْهِ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهُوَ" 2.
تُوُفِّيَ يُوْسُفُ بنُ المَاجَشُوْنِ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
عَاشَ ثَمَانِياً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
قَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا يُوْسُفُ المَاجَشُوْن، قَالَ لِي ابْنُ شهاب، ولأخي، وَلابْنِ عمٍّ لِي -وَنَحْنُ فِتْيَانٌ أَحَدَاثٌ نَسْأَلُهُ: لاَ تَحْقِرُوا أَنْفسَكُم لِحدَاثَةِ أَسْنَانِكُم، فَإِنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ كَانَ إِذَا نَزَلَ بِهِ أَمْرٌ دَعَا الشَّبَابَ، فَاسْتشَارَهُم، يَبتغِي حِدَّةَ عُقُوْلِهِم.
قُلْتُ: أَخُوْهُ: هُوَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ يَعْقُوْبَ، صَدُوْقٌ.
يَرْوِي عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، وَعَنْ أَبِيْهِ، وَالزُّهْرِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ هَاشِمٍ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَأَمَّا ابْنُ عَمِّهِمَا، فَهُوَ مُفْتِي المَدِيْنَةِ مَعَ مَالِكٍ، عَبْدُ العَزِيْزِ بن عبد الله، قد ذكر.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 415"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 3399"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 984"، والكاشف "3/ ترجمة 6576"، والعبر "1/ 292"، وتهذيب التهذيب "11/ 430"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 309".
2 صحيح: أخرجه البخاري "5162" من طريق هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال نبي اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَائِشَةُ، ما كان معكم لهو، فإن الانصار يعجبهم اللهو".(7/360)
1282- العُمَري 1:
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ اللهِ ابْنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، القُرَشِيُّ، العَدَوِيُّ، العُمَرِيُّ، المَدَنِيُّ.
رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَنْ أَبِي طُوَالة.
وَعَنْهُ: ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عِمران العَائِذِيُّ، وَغَيْرُهُم.
وَهُوَ قَلِيْلُ الرِّوَايَةِ، مُشْتَغِلٌ بِنَفْسِهِ، قوَّالٌ بِالحَقِّ، أَمَّارٌ بِالعُرْفِ، لاَ تَأْخذُهُ فِي اللهِ لُوْمَةَ لاَئِمٍ، كَانَ يُنْكِرُ عَلَى مَالِكٍ الإِمَامِ اجْتِمَاعَهُ بِالدَّولَةِ.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِيْمَا رَوَاهُ عَنْهُ: نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، عَنْ أبي الزبير، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكبَادَ الإِبِلِ فَلاَ يَجِدُوْنَ عَالِماً أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ المَدِيْنَةِ"2.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي العُمَرِيِّ هَذَا: هُوَ عَالِمُ المَدِيْنَةِ الَّذِي فِيْهِ الحَدِيْثُ.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "5/ ترجمة 421"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 477"، وحلية الأولياء "8/ ترجمة 410"، والعبر "1/ 289"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 4430"، وتهذيب التهذيب "302"، وتقريب التهذيب "1/ 430"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3630"، وشذرات الذهب لابن العماد "1/ 306".
2 ضعيف: فيه أبو الزبير المكي محمد بن مسلم بن تدرس، مدلس، وقد عنعنه. وقد تقدم تخريجنا له.(7/361)
عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَضَى الرَّشِيْدُ عَلَى حِمَارٍ، وَمَعَهُ غُلاَمٌ إِلَى العُمَرِيِّ، فَوَعَظَهُ، فَبَكَى، وَغُشِيَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: كَتَبَ العُمَرِيُّ إِلَى مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَغَيْرِهِمَا بكُتُبٍ أَغلظَ لَهُم فِيْهَا، وَقَالَ: أَنْتُم عُلَمَاءٌ تَمِيْلُوْنَ إِلَى الدُّنْيَا، وَتلبسُوْنَ اللَّيِّنَ، وَتَدَعُوْنَ التَّقَشُّفَ. فَجَاوبَهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ بِكِتَابٍ أَغلظَ لَهُ، وَجَاوبَهُ مَالِكٌ جَوَابَ فَقِيْهٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّ العُمَرِيَّ، وَعَظَ الرَّشِيْدَ مَرَّةً، فَكَانَ يَتلقَّى قَوْلَهُ بِنَعَم يَا عمّ! فَلَمَّا ذَهَبَ، أَتْبَعَهُ الأمين والمأمون بكيسين فيهما ألفا دينار، فردها، وَقَالَ: هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ يَفرِّقُهَا عَلَيْهِ، وَأَخَذَ دينارًا واحدًا، وشخص عليه بغداد، فكره مجِيئَهُ، وَجَمَعَ العُمَرِيّينَ، وَقَالَ: مَالِي وَلابْنِ عمِّكُم، احْتملتُهُ بِالحِجَازِ، فَأَتَى إِلَى دَارِ مُلْكِي، يُرِيْدُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيَّ أَوْلِيَائِي، ردُّوْهُ عَنِّي. قَالُوا: لاَ يَقْبَلُ مِنَّا. فَكَتَبَ إِلَى الأَمِيْرِ مُوْسَى بنِ عِيْسَى: أَنْ تَرَفَّقْ بِهِ حَتَّى تَردَّهُ.
قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: كَانَ العُمَرِيُّ أَصْفَرَ، جسِيْماً، لَمْ يَكُنْ يَقْبَلُ مِنَ السُّلْطَانِ وَلاَ غَيْرِهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَقَارِبِهِ وَمَعَارِفِهِ لاَ يُكَلِّمُهُ، وَوَلِيَ أَخُوْهُ عُمَرُ المَدِيْنَةَ وَكرمَانَ، فَهَجَرَهُ، مَا أَدْرَكتُ بِالمَدِيْنَةِ رَجُلاً أَهْيَبَ مِنْهُ، وَكَانَ يَقْبَلُ صِلَةَ ابْنِ المُبَارَكِ. وَقَدِمَ الكُوْفَةَ لِيُخَوِّفَ الرَّشِيْدَ بِاللهِ، فَرجفَ لمجِيئِهِ الدَّولَةَ، حَتَّى لَوْ كَانَ نَزَلَ بِهِم مِنَ العدوِّ مائَةَ أَلْفٍ، مَا زَادَ مِنْ هَيْبَتِهِ، فَرُدَّ مِنَ الكُوْفَةِ، وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ المَقْبُرَةَ كَثِيْراً، مَعَهُ كِتَابٌ يُطَالعُهُ، وَيَقُوْلُ: لاَ أَوعَظَ مِنْ قَبْرٍ، وَلاَ آنَسَ مِنْ كِتَابٍ، وَلاَ أَسلمَ مِنْ وَحْدَةٍ.
عُمَرُ بنُ شَبَّةَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الزُّهْرِيُّ، قَالَ العُمَرِيُّ عِنْدَ مَوْتِهِ: بِنعمَةِ رَبِّي أُحَدِّثُ: لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا تَحْتَ قَدَمِي، مَا يَمْنَعنِي مِنْ أَخذِهَا إِلاَّ أَنْ أُزِيلَ قَدَمِي، مَا أَزلتُهَا، مَعِي سَبْعَةُ دَرَاهِمَ مِنْ لِحَاءِ شَجَرَةٍ فتلتُه بِيَدِي.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: دَخَلْتُ عَلَى العُمَرِيِّ الصَّالِحِ، فَقَالَ: مَا أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنكَ، وَفِيْكَ عَيْبٌ. قُلْتُ: مَا هُوَ? قَالَ: حُبُّ الحَدِيْثِ، أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ زَادِ المَوْتِ، أَوْ قَالَ: مِنْ أَبزَارِ المَوْتِ.
قَالَ أَبُو المُنْذِرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ العُمَرِيَّ الزَّاهِدَ يَقُوْلُ: إِنَّ مِنْ غَفْلَتِكَ عَنْ نَفْسِكَ، إِعرَاضَكَ عَنِ اللهِ بِأَنْ تَرَى مَا يُسْخِطُهُ فَتجَاوزَهُ، وَلاَ تَأْمُرْ وَلاَ تَنهَى، خَوْفاً(7/362)
مِنَ المَخْلُوْقِ، مَنْ تَرَكَ الأَمْرَ بِالمَعْرُوْفِ خَوْفَ المَخْلُوْقِيْنَ، نُزِعَتْ مِنْهُ الهَيْبَةُ، فَلَو أَمرَ وَلدَهُ لاَسْتَخَفَّ بِهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ المَكِّيُّ: قَدِمَ العُمَرِيُّ، فَاجْتَمَعنَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى القُصُوْرِ المُحْدِقَةِ بِالكَعْبَةِ، صَاحَ: يَا أَصْحَابَ القُصُوْرِ المُشَيَّدَةِ، اذكرُوا ظُلْمَةَ القُبُوْرِ المُوْحِشَةِ، يَا أَهْلَ التَّنَعُّمِ وَالتَّلذُّذِ، اذكرُوا الدُّودَ وَالصَّدِيْدَ، وَبلاَءَ الأَجسَامِ فِي التُّرَابِ، ثُمَّ غَلَبَتْهُ عَيْنُهُ، فَقَامَ.
أُنْبِئتُ عَنِ الكَاغَدِيِّ، أَخْبَرَنَا الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُوْسَى بنُ عِيْسَى: يُنهَى إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَنَّكَ تَشْتِمُهُ، وَتَدعُو عَلَيْهِ، فَبِمَ استجزت هذا? قلت: ما أشتمه، فَوَاللهِ هُوَ أَكرمُ عَلَيَّ مِنْ نَفْسِي لِقَرَابتِه مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَّا الدُّعَاءُ، عَلَيْهِ فَوَاللهِ مَا قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ أَصْبَحَ عِبْئاً ثقِيْلاً عَلَى أَكتَافِنَا، فَلاَ تُطِيْقُهُ أَبَدَاننَا وَقَذَىً فِي جُفُوْنِنَا، لاَ تَطْرَفُ عَلَيْهِ جُفُوْننَا، وَشجَى فِي أَفْوَاهِنَا، لاَ تُسِيغُهُ حلوقُنَا، فَاكفِنَا مُؤنتَهُ، وَفرِّقْ بَيْننَا وَبَيْنَهُ، وَلَكِن قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ تَسَمَّى بِالرَّشِيْدِ لِيَرشُدَ، فَأَرْشِدْهُ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَرَاجِعْ بِهِ، اللَّهُمَّ إِنَّ لَهُ فِي الإِسْلاَمِ بِالعَبَّاسِ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ كفّاً، وَلَهُ بنَبِيِّكَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَابَةٌ وَرحمٌ، فَقرِّبْهُ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَبَاعِدْهُ مِنْ كُلِّ سوءٍ، وَأَسعِدْنَا بِهِ، وَأَصلِحْهُ لِنَفْسِهِ وَلَنَا. فَقَالَ مُوْسَى: رَحِمَكَ اللهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَذَاكَ لَعَمْرِي الظَّنُّ بِكَ.
قَالَ المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: سَمِعْتُ الزَّاهِدَ العُمَرِيَّ بِمَسْجِدِ مِنَى يَقُوْلُ:
للهِ دَرُّ ذَوِي العُقُوْلِ ... والحرص في طلب الفضول
سلاب أكيسة الأرامل ... واليتامى والكهول
وَالجَامِعِيْنَ المُكثرِيْنَ ... مِنَ الجِنَايَةِ وَالغُلُولِ
وضعُوا عُقُوْلَهُمُ مِنَ ... الدُّنْيَا بِمَدْرَجَةِ السُّيولِ
وَلَهَوا بِأَطرَافِ الفُرُوْعِ ... وَأَغْفلُوا عِلْمَ الأُصُوْلِ
وَتَتَبَّعُوا جمْعَ الحُطَامِ ... وَفَارقُوا أَثَرَ الرَّسُوْلِ
وَلَقَدْ رَأَوا غِيْلاَنَ رَيْبِ ... الدَّهْرِ غُولاً بَعْدَ غُولِ
وَفِي تَارِيْخِ ابْنِ جَرِيْرٍ بِإِسْنَادٍ: أَنَّ الرَّشِيْدَ قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا آمرُ فِي هَذَا العُمَرِيِّ، أَكرَهُ أَنْ أَقدَمَ عَلَيْهِ، وَلَهُ سلَفٌ وَإِنِّيْ أُحِبُّ أَنْ أَعْرِفَ رَأْيَهُ فِيْنَا. فَقَالَ عُمَرُ بنُ بَزِيعٍ، والفضل ابن(7/363)
الرَّبِيْعِ: نَحْنُ لَهُ. فَخَرَجَا مِنَ العَرْجِ إِلَى مَوْضِعٍ لَهُ بِالبَادِيَةِ فِي مَسْجِدِهِ، فَأَنَاخَا وَأَتِيَاهُ عَلَى زِيِّ المُلُوْكِ فِي حِشْمَةٍ، فَجَلَسَا إِلَيْهِ، فَقَالاَ: نَحْنُ رُسُلُ مَنْ وَرَاءنَا مِنَ المَشْرِقِ، يَقُوْلُوْنَ لَكَ: اتَّقِ اللهَ، إِنْ شِئْتَ فَانهضْ. فَقَالَ: وَيْحَكمَا فِيْمَنْ، وَلِمَنْ? قَالاَ: أَنْتَ. قَالَ: وَاللهِ مَا أُحبُّ أَنِّي لقِيْتُ اللهَ بِمِحْجَمَةِ دَمِ مُسْلِمٍ، وَإِنَّ لِي مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ. فَلَمَّا أَيِسَا مِنْهُ، قَالاَ: إِنَّ مَعَنَا عِشْرِيْنَ أَلْفاً تَسْتعِيْنُ بِهَا. قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي بِهَا. قَالاَ: أَعْطِهَا مَنْ رَأَيْتَ. قَالَ: أَعْطِيَاهَا أَنْتُمَا. فَلَمَّا أَيِسَا مِنْهُ، ذَهَبَا، وَلَحِقَا بِالرَّشِيْدِ، فَحدَّثَاهُ. فَقَالَ: مَا أُبَالِي مَا صَنَعَ بَعْدَ هَذَا. فَبَيْنَا العُمَرِيُّ فِي المسعَى، إِذَا بِالرَّشِيْدِ يَسْعَى عَلَى دَابَّةٍ، فَعرضَ لَهُ العُمَرِيُّ، فَأَخَذَ بلجَامِهِ، فَأَهْوَوا إِلَيْهِ، فَكفَّهُمُ الرَّشِيْدُ، وَكلَّمَهُ فَرَأَيْتُ دُمُوْعَ الرَّشِيْدِ تَسِيْلُ.
قَالَ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ العَابِدُ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابنَا، قَالَ: كَتَبَ مالك إِلَى العُمَرِيِّ: إِنَّكَ بَدَوْتَ، فَلَو كُنْتَ عِنْدَ مَسجدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَكَتَبَ: إِنِّيْ أَكرَهُ مُجَاوَرَةَ مِثْلِكَ، إِنَّ اللهَ لَمْ يَركَ متغَيِّرَ الوَجْهِ فِيْهِ سَاعَةً قَطُّ.
قُلْتُ: هَذَا عَلَى سَبِيْلِ المُبَالَغَةِ فِي الوَعْظِ، وَإِلاَّ فَمَالِكٌ مِنْ أَقْوَلِ العُلَمَاءِ بِالحَقِّ، وَمِنْ أَشدِّهِم تَغَيُّراً فِي رُؤْيَةِ المُنْكرِ.
وَأَمَّا العُمَرِيُّ: فَمَا عَلِمتُ بِهِ بَأْساً، وَقَدْ وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ كِتَابَةً، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَخْبَرْنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ كَثِيْرٍ السِّرِّينِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ الجُدِّيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ العُمَرِيُّ، عَنْ أَبِي طُوَالَةَ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الزَّبَانِيَةُ أَسْرَعُ إِلَى فَسَقَةِ القُرْآنِ مِنْهُم إِلَى عَبَدَةِ الأَوْثَانِ، فَيَقُوْلُوْنَ: يُبْدَأُ بِنَا قَبْلَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ? فَيُقَالُ: لَيْسَ مَنْ عَلِمَ كَمَنْ لاَ يَعْلَم"1.
غَرِيْبٌ مُنكرٌ، وَلاَ أَعْرِفُ مُوْسَى هَذَا.
قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: مَاتَ العُمَرِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَهُ ستٌّ وَسِتُّوْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ تعالى.
__________
1 منكر: أخرجه أبو نعيم في "الحلية" "8/ 286"، وآفته موسى بن محمد بن كثير السريني، ذكره الذهبي في "الميزان" واتهمه بهذا الخبر وقال: منكر.(7/364)
1283- عَبد الله بن المُبارك 1: "ع"
ابن واضح، الإِمَامُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ عَالِمُ زَمَانِهِ، وَأَمِيْرُ الأَتْقِيَاءِ في وقته، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَنْظَلِيُّ، مَوْلاَهُم التُّرْكِيُّ، ثُمَّ المَرْوَزِيُّ، الحَافِظُ، الغَازِي، أَحَدُ الأَعْلاَمِ وَكَانَتْ أُمُّهُ خُوَارِزْميَّةٌ.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
فَطَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
فَأَقْدَمُ شَيْخٍ لَقِيَهُ: هُوَ الرَّبِيْعُ بنُ أَنَسٍ الخُرَاسَانِيُّ، تَحَيَّلَ وَدَخَلَ إِلَيْهِ إِلَى السِّجنِ، فَسمِعَ مِنْهُ نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً، ثُمَّ ارْتَحَلَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَأَخَذَ عَنْ بقَايَا التَّابِعِيْنَ، وَأَكْثَرَ مِنَ التَّرْحَالِ وَالتَّطْوَافِ، وَإِلَى أَنْ مَاتَ فِي طَلَبِ العِلْمِ، وَفِي الغَزْوِ، وَفِي التِّجَارَةِ وَالإِنفَاقِ عَلَى الإِخْوَانِ فِي اللهِ، وَتَجهِيزِهِم مَعَهُ إِلَى الحَجِّ.
سَمِعَ مِنْ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالجُرَيْرِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَالأَعْمَشِ، وَبُرَيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ، وَمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَأَجْلَحَ الكِنْدِيِّ، وَحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَحَنْظَلَةَ السَّدُوْسِيِّ، وَحَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ المِصْرِيِّ، وَكَهْمَسٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَيُوْنُسَ الأيلي، والحمادين، ومالك، والليث، وابن لهيعة، وَهُشَيْمٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَبَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَصنَّفَ التَّصَانِيْفَ النَّافِعَةَ الكَثِيْرَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مَعْمَرٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَطَائِفَةٌ مِنْ شُيُوْخِه، وَبَقِيَّةُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَقرَانِهِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ، وَالقَطَّانُ، وَعَفَّانُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَحِبَّانُ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَأَبُو أُسَامَةَ,
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 372 و520"، والتاريخ الكبير "5/ ترجمة 679"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 153"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 838"، وتاريخ بغدد "10/ 152"، وحلية الأولياء "8/ ترجمة 397"، والإكمال لابن ماكولا "7/ 313"، والأنساب للسمعاني "4/ 251"، وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 322"، والعبر "1/ 280"، والكاشف "2/ ترجمة 2978"، تهذيب التهذيب "5/ 382"، وتقريب التهذيب "1/ 445"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3767"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 295".(7/365)
وَأَبُو سَلَمَةَ المِنْقَرِيُّ، وَمُسْلِمٌ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَبْدَانُ، وَالحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ البُوْرَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَالحَسَنُ بنُ عِيْسَى بنِ مَاسَرْجِسَ، وَالحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ المَرْوَزِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُجَشِّرٍ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَأُمَمٌ يَتَعَذَّرُ إِحصَاؤُهُم، وَيَشُقُّ اسْتِقصَاؤُهُم.
وَحَدِيْثُهُ حُجَّةٌ بِالإِجْمَاعِ، وَهُوَ فِي المَسَانِيْدِ وَالأُصُوْلِ.
وَيقعُ لَنَا حَدِيْثُهُ عَالِياً، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ بِالإِجَازَةِ العَالِيَةِ سِتَّةُ أَنْفُسٍ.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَعِدَّةٌ، عَنْ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ كُلَيْبٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ الأَيْلِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، قَالَ: إِنَّمَا كَانَتِ الفُتْيَا فِي "المَاءُ مِنَ المَاءِ" رُخصَةً فِي أَوَّلِ الإِسْلاَمِ، ثُمَّ نُهِيَ عَنْهَا.
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ منيع، عن ابن المبارك، ورواته ثِقَاتٌ، لَكِنْ لَهُ عِلَّةٌ، لَمْ يَسْمَعْهُ ابْنُ شِهَابٍ مِنْ سَهْلٍ.
ارْتَحَلَ ابْنُ المُبَارَكِ إِلَى: الحَرَمَيْنِ، وَالشَّامِ، وَمِصْرَ، وَالعِرَاقَ، وَالجَزِيْرَةِ، وَخُرَاسَانَ، وَحَدَّثَ بِأَمَاكِنَ.
قَالَ قَعْنَبُ بنُ المُحَرِّرِ: ابْنُ المُبَارَكِ مَوْلَى بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، مِنْ تَمِيْمٍ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: وَلاَؤُهُ لِبَنِي حَنْظَلَةَ.
وَقَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ فِي "تَارِيْخِ مَرْوَ": كَانَتْ أُمُّ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ خُوَارِزمِيَّةً، وَأَبُوْهُ تُرْكِيٌّ، وَكَانَ عَبداً لِرَجُلٍ تَاجِرٍ مِنْ هَمَذَانَ، مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ، فَكَانَ عَبْدُ اللهِ إِذَا قَدِمَ هَمَذَانَ، يَخضَعُ لِوَالِدَيْهِ وَيُعَظِّمُهُم.
أَخْبَرَنَا أَبُو الغَنَائِمِ المُسْلِمُ بنُ مُحَمَّدٍ القَيْسِيُّ، وَغَيْرُهُ كِتَابَةً، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ السِّيْبِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمَّادِ بنِ سُفْيَانَ بِالكُوْفَةِ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رِزْمَةَ، سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: نَظَرَ أَبُو حَنِيْفَةَ إِلَى أَبِي، فَقَالَ: أَدَّتْ أمه إِلَيْكَ الأَمَانَةَ، وَكَانَ أَشْبَهَ النَّاسِ بعَبْدِ اللهِ.
قَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: وُلِدَ ابْنُ المُبَارَكِ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.(7/366)
وَأَمَّا الحَاكِمُ، فَرَوَى عَنْ: أَبِي أَحْمَدَ الحَمَّادِيِّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُوْسَى البَاشَانِيَّ، سَمِعْتُ عَبْدَانَ بنَ عُثْمَانَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: ذَاكَرَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ السُّننَ، فَقُلْتُ: إِنَّ العَجَمَ لاَ يَكَادُوْنَ يَحفَظُوْنَ ذَلِكَ، لَكِنِّي أَذْكُرُ أَنِّي لَبِستُ السَّوَادَ وَأَنَا صَغِيْرٌ، عِنْدَمَا خَرَجَ أَبُو مُسْلِمٍ، وَكَانَ أَخَذَ النَّاسَ كُلَّهُم بِلبسِ السَّوَادِ، الصِّغَارَ وَالكِبَارَ.
نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يُكثِرُ الجُلُوْسَ فِي بَيْتِهِ، فَقِيْلَ لَهُ: أَلاَ تَسْتَوحِشُ? فَقَالَ: كَيْفَ أَسْتَوحِشُ وَأَنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ?!
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ أَتَى حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَأَعْجَبَهُ سَمْتُهُ، فَقَالَ: مَنْ أَيْنَ أَنْتَ? قَالَ: مَنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ، مِنْ مَرْوَ. قَالَ: تَعْرِفُ رَجُلاً يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ? قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَا فَعَلَ? قَالَ: هُوَ الَّذِي يُخَاطِبُكَ. قَالَ: فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَرَحَّبَ بِهِ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ الخُطَبِيُّ: بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ: أَنَّهُ حضَرَ عند حماد ابن زَيْدٍ، فَقَالَ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ لِحَمَّادٍ: سَلْ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنْ يُحَدِّثَنَا. فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! تُحِدِّثُهُم، فَإِنَّهُم قَدْ سَأَلُوْنِي? قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! يَا أَبَا إِسْمَاعِيْلَ، أُحَدِّثُ وَأَنْتَ حَاضِرٌ. فَقَالَ: أَقسَمتُ عَلَيْكَ لَتَفْعَلَنَّ. فَقَالَ: خُذُوا، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، فَمَا حَدَّثَ بِحَرْفٍ إِلاَّ عَنْ حَمَّادٍ.
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ مَسْرُوْقٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ المُبَارَكِ: أَيش يَقُوْلُ الرَّجُلُ إِذَا عَطَسَ? قَالَ: الحَمْدُ للهِ. فَقَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ.
قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ابْنُ المُبَارَكِ ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، رَجُلٌ صَالِحٌ، يَقُوْلُ الشِّعْرَ، وَكَانَ جَامِعاً لِلْعِلْمِ.
قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: جَمَعَ عَبْدُ اللهِ الحَدِيْثَ، وَالفِقْهَ، وَالعَرَبِيَّةَ، وَأَيَّامَ النَّاسِ، وَالشَّجَاعَةَ، وَالسَّخَاءَ، وَالتِّجَارَةَ، وَالمَحَبَّةَ عِنْدَ الفَرْقِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ: مَا أَخْرَجَتْ خُرَاسَانُ مِثْلَ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَالنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى.
عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ آدَمَ يَقُوْلُ: كُنْتُ إِذَا طَلَبتُ دَقِيْقَ المَسَائِلِ، فَلَمْ أَجِدْهُ فِي كُتُبِ ابْنِ المُبَارَكِ، أَيِسْتُ منه.(7/367)
عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ الفَرَائِضِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ صَدَقَةَ، سَمِعْتُ شُعَيْبَ بنَ حَرْبٍ، قَالَ: مَا لَقِيَ ابْنُ المُبَارَكِ رَجُلاً إِلاَّ وَابْنُ المُبَارَكِ أفضل منه. وقال: وَسَمِعْتُ أَبَا أُسَامَةَ يَقُوْلُ: ابْنُ المُبَارَكِ فِي المُحَدِّثِيْنَ مِثْلُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ فِي النَّاسِ.
عُمَرُ بنُ مُدرك: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بنُ شُعْبَةَ المصِّيصي، قَالَ: قَدِمَ الرَّشِيْدُ الرَّقة، فَانْجَفَلَ النَّاسُ خَلْفَ ابْنِ المُبَارَكِ، وَتَقَطَّعَتِ النِّعَالُ، وَارتَفَعَتِ الغَبَرَةُ، فَأَشرَفَتْ أُمُّ وَلَدٍ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ مِنْ بُرْجٍ مِنْ قَصْرِ الخَشَبِ، فَقَالَتْ: مَا هَذَا? قَالُوا: عَالِمٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ قَدِمَ. قَالَتْ: هَذَا -وَاللهِ- المُلْكُ، لاَ مُلْكَ هَارُوْنَ الَّذِي لاَ يَجْمَعُ النَّاسَ إِلاَّ بِشُرَط وَأَعْوَانٍ.
قَالَ عُثْمَانُ بنُ خُرَّزاذ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حيَّان، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زَيْدٍ الجَهْضَمِيُّ، قَالَ: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: رَأَيْتَ ابْنَ المُبَارَكِ? قُلْتُ: لاَ. قَالَ: لَوْ رَأْيْتَهُ لَقَرَّتْ عَيْنُكَ.
وَقَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رِزْمَةَ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ نَاحِيتِكُم مِثْلُ ابْنِ المُبَارَكِ.
الدَّغُولي: حَدَّثَنَا عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بنُ زَمْعَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ خَالِدٍ، قَالَ: تَعَرَّفْتُ إِلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ بِعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، فَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ: مَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِثْلُ ابْنِ المُبَارَكِ، وَلاَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ خَلَقَ خصلة من خصال الخبر، إِلاَّ وَقَدْ جَعَلَهَا فِي عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ.
وَلَقَدْ حَدَّثَنِي أَصْحَابِي أَنَّهُم صَحِبُوهُ مِنْ مصر إلى مكة، فكان يطعمهم الخَبِيْصَ، وَهُوَ الدَّهْرَ صَائِمٌ.
قَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بنُ سَعِيْدٍ الطَّائِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ الصُّوْفِيُّ بِمَنْبِجَ، قَالَ: خَرَجَ ابْنُ المُبَارَكِ مِنْ بَغْدَادَ يُرِيْدُ المَصِّيْصَةَ، فَصَحِبَهُ الصُّوفِيَّةُ، فَقَالَ لَهُم: أَنْتُم لكَم أَنْفُسٌ تَحْتَشِمُوْنَ أَنْ يُنفَقَ عَلَيْكُم، يَا غُلاَمُ! هَاتِ الطَّسْتَ. فَأَلْقَى عَلَيْهِ مِنْدِيلاً، ثُمَّ قَالَ: يُلقِي كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُم تَحْتَ المِندِيلِ مَا مَعَهُ. فَجَعَلَ الرَّجُلُ يُلقِي عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، وَالرَّجُلُ يُلقِي عِشْرِيْنَ، فَأَنفَقَ عَلَيْهِم إِلَى المَصِّيْصَةِ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ بِلاَدُ نَفِيرٍ، فَنَقْسِمُ مَا بَقِيَ، فَجَعَلَ يُعطِي الرَّجُلَ عِشْرِيْنَ دِيْنَاراً، فَيَقُوْلُ: يَا أَبَا عبد الرحمن! إنما أعطيت دِرْهَماً. فَيَقُوْلُ: وَمَا تُنْكِرُ أَنْ يُبَارِكَ اللهُ لِلْغَازِي فِي نَفَقَتِهِ.
قَالَ الخَطِيْبُ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الخَلاَّلُ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الكَاتِبُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ المُقْرِئُ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ إِذَا(7/368)
كَانَ وَقْتُ الحجِّ، اجْتَمَعَ إِلَيْهِ إِخْوَانُهُ مِنْ أَهْلِ مَرْوَ، فَيَقُوْلُوْنَ: نَصْحَبُكَ. فَيَقُوْلُ: هَاتُوا نَفَقَاتِكُم. فَيَأْخُذُ نَفَقَاتِهِم، فَيَجْعَلُهَا فِي صُنْدُوْقٍ، ويُقْفِل عَلَيْهَا، ثُمَّ يَكتَرِي لَهُم، وَيُخْرِجُهُم مِنْ مَرْوَ إِلَى بغداد، فلا يزال ينفق عليهم، يطعمهم أَطْيَبَ الطَّعَامِ، وَأَطْيَبَ الحَلوَى، ثُمَّ يُخْرِجُهُم مِنْ بَغْدَادَ بِأَحْسَنِ زِيٍّ، وَأَكمَلِ مُرُوءةٍ، حَتَّى يَصِلُوا إِلَى مَدِيْنَةِ الرَّسُوْلِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَقُوْلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ: مَا أَمَرَكَ عِيَالُكَ أَنْ تَشتَرِيَ لَهُم مِنَ المَدِيْنَةِ مِنْ طُرَفِهَا? فَيَقُوْلُ: كذا وكذا. ثم يُخْرِجُهُم إِلَى مَكَّةَ فَإِذَا قَضَوْا حَجَّهُم، قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم: مَا أَمَرَكَ عِيَالُكَ أَنْ تَشتَرِيَ لَهُم مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ? فَيَقُوْلُ: كَذَا وَكَذَا. فَيَشْتَرِي لَهُم، ثُمَّ يُخْرِجهُم مِنْ مَكَّةَ، فَلاَ يَزَالُ يُنْفِقُ عَلَيْهِم إِلَى أَنْ يَصِيْرُوا إِلَى مَرْوَ، فَيُجَصِّصُ بُيُوْتَهُم وَأَبْوَابَهُم، فَإِذَا كَانَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، عَمِلَ لَهُم وَلِيمَةً وَكَسَاهُم، فَإِذَا أَكَلُوا وَسُرُّوا، دَعَا بِالصُّنْدُوقِ، فَفَتَحَهُ، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُم صُرَّتَهُ عَلَيْهَا اسْمُهُ.
قَالَ أَبِي: أَخْبَرَنِي خَادمُهُ أَنَّهُ عَملَ آخرَ سَفْرة سَافَرَهَا دَعْوَةً، فَقَدَّمَ إِلَى النَّاسِ خَمْسَةً وَعِشْرِيْنَ خِوَاناً فَالُوْذَجَ، فَبَلَغَنَا أَنَّهُ قَالَ لِلْفُضَيْلِ: لَوْلاَكَ وَأَصْحَابَكَ مَا اتَّجَرْتُ. وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى الفُقَرَاءِ، فِي كُلِّ سَنَةٍ مائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
عَلِيُّ بنُ خَشْرَم: حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ المُبَارَكِ، فَسَأَلَهُ أَنْ يَقضِيَ دَيْناً عَلَيْهِ، فَكَتَبَ لَهُ. إِلَى وَكِيلٍ لَهُ فَلَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ الكِتَابُ، قَالَ لَهُ الوَكِيلُ: كَمِ الدَّيْنُ الَّذِي سَأَلتَهُ قَضَاءهُ? قَالَ: سَبْعُ مائَةِ دِرْهَمٍ. وَإِذَا عَبْدُ اللهِ قَدْ كَتَبَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ سَبْعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَرَاجَعَهُ الوَكِيلُ، وَقَالَ: إِنَّ الغَلاَّتِ قَدْ فَنِيَتْ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ: إِنْ كَانَتِ الغَلاَّتُ قَدْ فَنِيَتْ، فَإِنَّ العُمْرَ أَيْضاً قَدْ فَنِيَ، فَأَجِزْ لَهُ مَا سَبَقَ بِهِ قَلمِي.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ: حَدَّثَنِي يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى، قَالَ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ كَثِيْرَ الاختِلاَفِ إِلَى طَرَسُوس، وَكَانَ يَنْزِلُ الرَّقَّةَ فِي خَانٍ، فَكَانَ شَابٌّ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ، وَيَقُوْمُ بِحَوَائِجِهِ، وَيَسْمَعُ مِنْهُ الحَدِيْثَ، فَقَدِمَ عَبْدُ اللهِ مَرَّةً، فَلَمْ يَرَهُ، فَخَرَجَ فِي النفير مستعجلا، فلما رَجَعَ سَأَلَ عَنِ الشَّابِّ، فَقَالَ: مَحْبُوْسٌ عَلَى عَشْرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ. فَاسْتَدَلَّ عَلَى الغَرِيْمِ، وَوَزَنَ لَهُ عَشْرَةَ آلاَفٍ، وَحَلَّفَهُ أَلاَّ يُخْبِرَ أَحَداً مَا عَاشَ، فَأُخْرِجَ الرَّجُلُ، وَسَرَى ابْنُ المُبَارَكِ، فَلَحِقَهُ الفَتَى عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنَ الرَّقَّةِ، فَقَالَ لِي: يَا فَتَى أَيْنَ كُنْتَ؟! لَمْ أَرَكَ? قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! كُنْتُ مَحْبُوْساً بِدَيْنٍ. قَالَ: وَكَيْفَ خَلصتَ? قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَضَى دَيْنِي، وَلَمْ أَدرِ. قَالَ: فَاحْمَدِ اللهَ، وَلَمْ يَعْلَمِ الرَّجُلُ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عَبْدِ اللهِ.
أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ بَشَّارٍ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ الفُضَيْلِ، سَمِعْتُ أَبِي(7/369)
يَقُوْلُ لابْنِ المُبَارَكِ: أَنْتَ تَأْمُرُنَا بِالزُّهْدِ وَالتَّقَلُّلِ وَالبُلْغَةِ، وَنَرَاكَ تَأْتِي بِالبَضَائِعِ، كَيْفَ ذَا? قَالَ: يَا أَبَا عَلِيٍّ، إِنَّمَا أَفْعَلُ ذَا لأَصُوْنَ وَجْهِي، وَأُكرِمَ عِرضِي، وَأَسْتَعِيْنَ بِهِ عَلَى طَاعَةِ رَبِّي. قَالَ: يَا ابْنَ المُبَارَكِ مَا أَحْسَنَ ذَا إِنْ تَمَّ ذَا.
الفَتْحُ بنُ سُخْرُفٍ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بنُ يَزِيْدَ، حَدَّثَنَا حِبَّانُ بنُ مُوْسَى، قَالَ: عُوتِبَ ابْنُ المُبَارَكِ فِيْمَا يُفَرِّقُ مِنَ المَالِ فِي البُلْدَانِ دُوْنَ بَلَدِهِ، قَالَ: إِنِّيْ أَعْرِفُ مَكَانَ قَوْمٍ لَهُم فَضْلٌ وَصِدْقٌ، طَلَبُوا الحَدِيْثَ، فَأَحْسَنُوا طَلَبَهُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِم، احْتَاجُوا، فَإِنْ تَرَكْنَاهُم، ضَاعَ عِلْمُهُم، وَإِنْ أَعَنَّاهُم، بَثُّوا العِلْمَ لأُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ أَعْلَمُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ أَفْضَلَ مِنْ بَثِّ العِلْمِ.
عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُحَدِّث للهِ إِلاَّ سِتَّةُ نَفَرٍ، مِنْهُم: ابْنُ المُبَارَكِ.
أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا بن الطبَّاع، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: الأَئِمَّةُ أَرْبَعَةٌ: سُفْيَانُ، وَمَالِكٌ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: مَا رَأَيتُ رَجُلاً أَعْلَمَ بِالحَدِيْثِ مِنْ سُفْيَانَ، وَلاَ أَحْسَنَ عَقْلاً مِنْ مَالِكٍ، وَلاَ أَقشَفَ مِنْ شُعْبَةَ، وَلاَ أَنصَحَ لِلأُمَّةِ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَ أَرْبَعَةٍ: مَا رَأَيتُ أَحْفَظَ لِلْحَدِيْثِ مِنَ الثَّوْرِيِّ، وَلاَ أَشدَّ تَقَشُّفاً مِنْ شُعْبَةَ، وَلاَ أَعقَلَ مِنْ مَالِكٍ، وَلاَ أَنصَحَ لِلأُمَّةِ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ.
أَبُو نَشِيْطٍ: سَمِعْتُ نُعَيم بنَ حَمَّادٍ: قُلْتُ لابْنِ مَهْدِيٍّ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ، ابْنُ المُبَارَكِ أَوْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ? فَقَالَ: ابْنُ المُبَارَكِ. قُلْتُ: إِنَّ النَّاسَ يُخَالِفُوْنَكَ. قَالَ: إِنَّهُم لَمْ يُجَرِّبُوا، مَا رَأَيْتُ مِثْلَ ابْنِ المُبَارَكِ.
نُوْحُ بنُ حَبِيْبٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، وَكَانَ نَسِيْجَ وَحْدِهِ.
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ بنِ مُحْرِزٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: ابْنُ المُبَارَكِ أَعْلَمُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أعْيَن: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَقَالُوا لَهُ: جَالَسْتَ الثَّوْرِيَّ، وَسَمِعْتَ مِنْهُ، وَمِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، فَأَيُّهُمَا أَرْجَحُ? قَالَ: لَوْ أَنَّ سُفْيَانَ جَهِدَ عَلَى أَنْ يَكُوْنَ يَوْماً مِثْلَ عَبْدِ اللهِ، لَمْ يَقْدِرْ.(7/370)
ابْنُ أَبِي العَوَّامِ: حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ شُعَيْبَ بنَ حَرْبٍ يَقُوْلُ: قَالَ سُفْيَانُ: إِنِّيْ لأَشتَهِي مِنْ عُمُرِي كُلِّهِ أَنْ أَكُوْنَ سَنَةً مِثْلَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَمَا أَقْدِرُ أَنْ أَكُوْنَ وَلاَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.
مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَحْرٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ مُوْسَى الطَّرَسُوسي، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ سُفْيَانَ، فَقَالَ: مَنْ أَيْنَ أَنْتَ? قَالَ: مَنْ أَهْلِ المَشْرِقِ. قَالَ: أو ليس عِنْدَكُم أَعْلَمُ أَهْلِ المَشْرِقِ? قَالَ: وَمَنْ هُوَ? قَالَ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ. قَالَ: وَهُوَ أَعْلَمُ أَهْلِ المَشْرِقِ?! قَالَ: نَعَمْ، وَأَهْلِ المَغْرِبِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ القُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ قَالَ: كَانَ فُضَيْلٌ وَسُفْيَانُ وَمَشْيَخَةٌ جُلُوْساً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، فَطَلَعَ ابْنُ المُبَارَكِ مِنَ الثَّنِيَّةِ، فَقَالَ سُفْيَانُ: هَذَا رَجُلُ أَهْلِ المَشْرِقِ. فَقَالَ فُضَيْلٌ: رَجُلُ أَهْلِ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي جَمِيْلٍ، قَالَ: كُنَّا حَوْلَ ابْنِ المُبَارَكِ بِمَكَّةَ، فَقُلْنَا لَهُ: يَا عَالِمَ الشَّرقِ، حَدِّثْنَا -وَسُفْيَانُ قَرِيْبٌ مِنَّا يَسْمَعُ- فَقَالَ: وَيْحَكُمْ! عَالِمَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُهْزَاذ: سَمِعْتُ أَبَا الوَزِيْرِ يَقُوْلُ: قَدِمْتُ عَلَى سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالُوا لَهُ: هَذَا وَصِيُّ عَبْدِ اللهِ. فَقَالَ: رَحِمَ اللهُ عَبْدَ اللهِ، مَا خَلَّفَ بخراسان مثله.
أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَاري: حَدَّثَنَا أَبُو عِصْمَةَ قَالَ: شَهِدتُ سُفْيَانَ وَفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، قَالَ سُفْيَانُ لِفُضَيْلٍ: يَا أَبَا عَلِيٍّ! أَيُّ رَجُلٍ ذَهَبَ! يَعْنِي: ابْنَ المُبَارَكِ. قَالَ: يَا أَبَا محمد! وبقي بعد ابن المبارك من يُسْتَحيا مِنْهُ?!
مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ حُمَيْدٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ بنَ عَبْدِ الحَكَمِ يَقُوْلُ: لَمَّا مَاتَ ابْنُ المُبَارَكِ، بَلَغَنِي أَنَّ هَارُوْنَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَالَ: مَاتَ سَيِّدُ العُلَمَاءِ.
المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الفَزَاري يَقُوْلُ: ابْنُ المُبَارَكِ إِمَامُ المُسْلِمِيْنَ أَجْمَعِيْنَ. قُلْتُ: هَذَا الإِطلاَقُ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ مَعْنِيٌّ بِمُسْلِمِي زَمَانِهِ.
قَالَ المُسَيَّبُ: وَرَأَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ بَيْنَ يَدَيِ ابْنِ المُبَارَكِ قَاعِداً يَسْأَلُهُ.
قَالَ أَبُو وَهْبٍ أَحْمَدُ بنُ رَافِعٍ -ورَّاق سُوَيْدِ بن نصر: سمعت علي ابن إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: نَظَرْتُ فِي أَمرِ الصَّحَابَةِ وَأَمرِ عَبْدِ اللهِ، فَمَا رَأَيْتُ لَهُم عَلَيْهِ فَضْلاً، إِلاَّ بِصُحْبَتِهِمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَغَزْوِهِم مَعَهُ.(7/371)
مَحْمُودُ بنُ وَالاَن، قَالَ: سَمِعْتُ عمَّار بنَ الحسن يمدح ابن المبارك، ويقول:
إِذَا سَارَ عَبْدُ اللهِ مِنْ مَرْوَ لَيْلَةَ ... فَقَدْ سَارَ مِنْهَا نُوْرُهَا وَجَمَالُهَا
إِذَا ذُكِرَ الأَحْبَارُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ ... فَهُم أَنْجُمٌ فِيْهَا وأنت هلالها
سهاشم بنُ مَرْثَد: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ طَالُوْتَ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ، يَقُوْلُ: انْتَهَى العِلْمُ إِلَى رَجُلَيْنِ: إِلَى ابْنِ المُبَارَكِ، ثُمَّ إِلَى ابْنِ مَعِيْنٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ الجَارُوْدِ: قال علي ابن المَدِيْنِيِّ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ أَوسَعُ عِلْماً مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ.
قَالَ أَبُو سَلَمة التَّبُوذكي: سَمِعْتُ سَلاَّمَ بنَ أَبِي مُطِيْعٍ يَقُوْلُ: مَا خَلَّفَ ابْنُ المُبَارَكِ بِالمَشْرِقِ مِثْلَهُ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنيد: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَذَكَرُوا عَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَافِظاً. فَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ عَبْدُ اللهِ -رَحِمَهُ اللهُ- كَيِّساً، مُسْتَثْبِتاً، ثِقَةً، وَكَانَ عَالِماً، صَحِيْحَ الحَدِيْثِ، وَكَانَتْ كُتُبُهُ الَّتِي يُحَدِّثُ بِهَا عِشْرِيْنَ أَلْفاً أَوْ وَاحِداً وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً.
قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ حَمْدَوَيْه بنُ الخَطَّابِ البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ نَصْرَ بنَ المُغِيْرَةِ البُخَارِيَّ، سَمِعْتُ إبراهيم بن شمَّاس يقول: رأيت أفقه الناس ابْنَ المُبَارَكِ، وَأَورَعَ النَّاسِ الفُضَيْلَ، وَأَحْفَظَ النَّاسِ وكيع بن الجراح.
أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمة: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ -وَذَكَرَ أَصْحَابَ سُفْيَانَ- فَقَالَ: خَمْسَةٌ: ابْنُ المُبَارَكِ -فَبَدَأَ بِهِ- وَوَكِيْعٌ، وَيَحْيَى، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ.
قَالَ جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: اخْتَلَفَ القَطَّانُ، وَوَكِيْعٌ? قَالَ: القَوْلُ قَوْلُ يَحْيَى. قَالَ: فَإِذَا اخْتَلَفَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى? قَالَ: يَحتَاجُ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا. قُلْتُ: فَأَبُو نُعَيْمٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ? قَالَ: يَحتَاجُ مَنْ يَفصِلُ بَيْنَهُمَا. قُلْتُ: الأَشْجَعِيُّ? قَالَ: مَاتَ الأَشْجَعِيُّ، وَمَاتَ حَدِيْثُهُ مَعَهُ. قُلْتُ: ابْنُ المُبَارَكِ? قَالَ: ذَاكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ.
مَحْمُودُ بنُ وَالان: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُوْسَى، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُوْسَى يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، فَجَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَنْ أَثْبَتُ فِي مَعْمَرٍ، ابْنُ المُبَارَكِ أَوْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ? وَكَانَ يَحْيَى مُتَّكِئاً، فَجَلَسَ، وَقَالَ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ خَيْراً مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَمِنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ، كَانَ عَبْدُ اللهِ سَيِّداً مِنْ سادات المسلمين.(7/372)
وَسُئِلَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: إِذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَعْمَرٍ? قَالَ: القَوْلُ قَوْلُ ابْنِ المُبَارَكِ.
الدَّغُولي: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ النَّضْرِ بنِ مُسَاوِرٍ، قَالَ: قَالَ أَبِي: قُلْتُ لابْنِ المُبَارَكِ: هَلْ تَتَحَفَّظُ الحَدِيْثَ? فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَقَالَ: مَا تَحَفَّظْتُ حَدِيْثاً قَطُّ، إِنَّمَا آخُذُ الكِتَابَ، فأنظر فيه، فما اشتهيته، علق بقلبي.
قَالَ الحَسَنُ بنُ عِيْسَى: أَخْبَرَنِي صَخْرٌ -صَدِيْقُ ابْنِ المُبَارَكِ- قَالَ: كُنَّا غِلْمَاناً فِي الكُتَّابِ، فَمَرَرْتُ أَنَا وَابْنُ المُبَارَكِ، وَرَجُلٌ يَخطُبُ، فَخَطَبَ خُطْبَةً طَوِيْلَةً، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ لِي ابْنُ المُبَارَكِ: قَدْ حَفِظتُهَا. فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، فَقَالَ: هَاتِهَا. فَأَعَادهَا وَقَدْ حَفِظَهَا.
نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ، قَالَ: قَالَ لِي أَبِي: لَئِنْ وَجَدْتُ كُتُبَكَ، لأُحَرِقَنَّهَا. قُلْتُ: وَمَا عَلَيَّ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ فِي صَدْرِي.
وَقَالَ أَبُو وَهْبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُزَاحم: العَجَبُ مِمَّنْ يَسْمَعُ الحَدِيْثَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ رَجُلٍ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الرَّجُلَ حَتَّى يُحَدِّثُه بِهِ.
قَالَ ابْنُ خِراش: ابْنُ المُبَارَكِ مَرْوَزِي، ثِقَةٌ.
قَالَ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبَّادٍ: سَمِعْتُ سُوَيْدَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ بِمَكَّةَ أَتَى زَمْزَمَ، فَاسْتَقَى شُربَةً، ثُمَّ اسْتَقبَلَ القِبْلَةَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ ابْنَ أَبِي المَوَّالِ حَدَّثَنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- أنه قَالَ: "مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ" 1 وَهَذَا أشربه لعطش القيامة ثم شربه.
كَذَا قَالَ: ابْنُ أَبِي المَوَّالِ، وَصَوَابُهُ: ابْنُ المُؤَمَّل عَبْدُ اللهِ المَكِّيُّ، وَالحَدِيْثُ بِهِ يُعْرَفُ، وهو
__________
1 صحيح: أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" "10/ 116"، والبيهقي في "شعب الإيمان" من طريق سويد بن سعيد قال: رأيت عبد الله بن المبارك بمكة أتى زمزم، فاستقى منه شربة، ثم استقبل الكعبة ثم قال: اللَّهُمَّ إِنَّ ابْنَ أَبِي المَوَّالِ، حَدَّثَنَا عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ" وَهَذَا أشربه لعطش القيامة، ثم شربه" وقال البيهقي: غريب تفرد به سويد.
قلت: سويد بن سعيد، صدوق في نفسه، إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه، وأفحش فيه ابن معين القول. كما ذكره الحافظ في "التقريب"، وأخرجه أحمد "3/ 357 و372"، وابن ماجه "3062"، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" "2/ 303"، والبيهقي "5/ 148"، والخطيب في "تاريخ بغداد" "3/ 179"، والأزرقي في "أخبار مكة" "291" من طرق عن عبد الله بن المؤمل، عن أبي الزبير، عن جابر، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان: الأولى: عبد الله بن المؤمل، ضعيف الحديث. والثانية: أبو الزبير، هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وقد عنعنه.(7/373)
مِنَ الضُّعَفَاءِ، لَكِنْ يَرْوِيْهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، فَعَلَى كُلِّ حَالٍ خَبَرُ ابْنِ المُبَارَكِ فَرْدٌ مُنْكَرٌ، مَا أَتَى بِهِ سِوَى سُوَيْدٍ، رَوَاهُ: المَيَانَجِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّادٍ.
أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ: سَمِعْتُ الخَلِيْلَ أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، قَالَ:
بُغْضُ الحَيَاةِ وَخَوْفُ اللهِ أَخْرَجَنِي ... وَبَيْعُ نَفْسِي بِمَا لَيْسَتْ لَهُ ثَمَنَا
إِنِّيْ وَزَنْتُ الَّذِي يَبْقَى لِيَعْدِلَهُ ... مَا لَيْسَ يَبْقَى فَلاَ وَاللهِ مَا اتَّزَنَا
قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ إِذَا قَرَأَ كِتَابَ "الرِّقَاقِ"، يَصِيْرُ كَأَنَّهُ ثَوْرٌ مَنْحُوْرٌ، أَوْ بَقَرَةٌ مَنْحُوْرَةٌ مِنَ البُكَاءِ، لاَ يَجْتَرِئُ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَسْأَلَه عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ دَفَعَهُ.
أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ المَرْوَزِيُّ، قَالَ: كُنَّا سَرِيَّةً مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ فِي بِلاَدِ الرُّوْمِ، فَصَادَفْنَا العَدُوَّ، فَلَمَّا التَقَى الصَّفَّانِ، خَرَجَ رَجُلٌ مِنَ العَدُوِّ، فَدَعَا إِلَى البِرَازِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ آخَرُ، فَقَتَلَهُ ثُمَّ آخَرُ فَقَتَلَهُ ثم دعا إلى البزاز، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَطَارَدَهُ سَاعَةً، فَطَعَنَهُ، فَقَتَلَهُ، فَازدَحَمَ إِلَيْهِ النَّاسُ، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَإِذَا هُوَ يَكْتُمُ وَجْهَهُ بِكُمِّهِ، فَأَخَذْتُ بِطَرَفِ كُمِّهِ، فَمَدَدْتُهُ، فَإِذَا هُوَ هو، فقال: وأنت يَا أَبَا عَمْرٍو مِمَّنْ يُشَنِّعُ عَلَيْنَا!!
قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَهْبٍ يَقُوْلُ: مَرَّ ابْنُ المُبَارَكِ بِرَجُلٍ أَعْمَى، فَقَالَ لَهُ: أَسْأَلُكَ أَنْ تَدعُوَ لِي أَنْ يَرُدَّ اللهَ عَلَيَّ بَصَرِي. فَدَعَا اللهَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ بَصَرَهُ وَأَنَا أَنْظُرُ.
وَقَالَ أَبُو حَسَّانٍ عِيْسَى بنُ عَبْدِ اللهِ البَصْرِيُّ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ عَرَفَةَ يَقُوْلُ: قَالَ لِي ابْنُ المُبَارَكِ: اسْتَعَرتُ قَلَماً بِأَرْضِ الشَّامِ، فَذَهَبتُ عَلَى أَنْ أَرُدَّهُ، فَلَمَّا قَدِمْتُ مَرْوَ، نَظَرْتُ، فَإِذَا هُوَ مَعِي، فَرَجَعتُ إِلَى الشَّامِ حَتَّى رَدَدْتُهُ عَلَى صَاحِبِهِ.
قَالَ أَسْوَدُ بنُ سَالِمٍ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ إِمَاماً يُقْتَدَى بِهِ، كَانَ مِنْ أَثبَتِ النَّاسِ فِي السُّنَّةِ، إِذَا رَأَيْتَ رَجُلاً يَغمِزُ ابْنَ المُبَارَكِ، فَاتَّهِمْهُ عَلَى الإِسْلاَمِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدٍ المِصْرِيُّ بِهَا، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَاتِبُ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، وَأَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الدَّايَةِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ "ح". وَأَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ كِتَابَةً، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ(7/374)
المُقْرِئُ، وَأَنْبَأَنَا يَحْيَى، أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ عَلِيِّ بنِ الطَّرَّاحِ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَأَبُو غَالِبٍ بنُ البَنَّاء "ح". وَأَخْبَرَنَا أَبُو المُرْهفِ المِقْدَادُ بنُ أَبِي القاسم القيسي، أخبرنا بن محمد الرزاز "ح". وَأَخْبَرَنَا المُسَلَّم بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلاَّنَ فِي كِتَابِهِ، وَغَيْرُهُ، أَنَّ دَاوُدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الوَكِيْلَ أَخْبَرَهُم، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الأُرْمَوِيُّ، وَكَتَبَ إِلَيْنَا الفَخْرُ عَلِيُّ بنُ البُخَارِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَتْنَا نِعْمَةُ بِنْتُ عَلِيِّ بنِ يَحْيَى بنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي، قَالَ سبعتهٌم: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المُعَدِّلُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرْيابي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ البَلْخي بِسَمَرْقَنْدَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمَائَتَيْنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو المُصْعَبِ مشْرَح بنِ هَاعَانَ عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ الجُهَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَكْثَرُ مُنَافِقِي أُمَّتِي قُرَّاؤُهَا" 1.
وَبِهِ إِلَى الفِرْيَابِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ مِشْرَح،.... فَذَكَرَهُ.
وَبِهِ إِلَى الفِرْيَابِيِّ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ سَعِيْدُ بنُ يَعْقُوْبَ الطَّالْقاني، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ هَارُوْنَ بنِ رِئَابٍ: أَنَّ عَبْدَ الله بن عمر لما حضرته الوفاة، قال:
__________
1 صحيح: ورد من حديث عبد الله بن عمرو، وعقبة بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وعصمة بن مالك -رضي الله عنهم: أما حديث عبد الله بن عمرو: فأخرجه عبد الله بن المبارك في "الزهد" "451"، وأحمد "2/ 175"، والبخاري في "التاريخ الكبير" "1/ 1/ 257" حدثنا عبد الرحمن بن شريح المعافري، حدثني شراحيل بن يزيد، عن محمد بن هدية الصدفي، عنه، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه محمد بن هدية، ذكره البخاري في "التاريخ" "1/ 1/ 257"، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" "4/ 1/ 115"، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، فهو مجهول.
وأما حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه: فأخرجه أحمد "4/ 151 و154-155"، وابن عدي في "الكامل" "4/ 148"، والخطيب في "تاريخ بغداد" "1/ 357"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" "10/ 19/ 1" من طرق عن ابن لهيعة، حدثنا مشرح بن هاعان، عنه، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه ابن لهيعة. ومشرح صدوق لينه ابن حبان. وقال ابن معين: ثقة. وقال ابن حبان: يروى عن عقبة مناكير لا يُتابع عليها، وأما حديث ابن عباس -رضي الله عنهما: فأخرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير" "1/ 274" من طريق حفص بن عمر العدني قال: حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عنه، به، وقال العقيلي في إثره: "لا يُتابع حفص عليه، وقد روي هذا عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بإسناده صالح"، وأما حديث عصمة بن مالك -رضي الله عنه: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "6/ 15" من طريق الفضل بن المختار، عند عبد الله بن موهب، عنه، به، وقال ابن عدي في إثره: "عامة حديث الفضل بن المختار، لا يُتابع عليه"، وقال أبو حاتم: أحاديثه منكرة وكذا قال الأزدي.(7/375)
انْظُرُوا فُلاَناً لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَإِنِّي كُنْتُ قُلْتُ لَهُ فِي ابْنَتِي قَوْلاً كَشَبِيْهِ العِدَةِ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَلْقَى الله -تَعَالَى- بِثُلُثِ النِّفَاقِ، وَأُشْهِدُكُم أَنِّي قَدْ زَوَّجْتُهُ.
هَارُوْنُ ثِقَةٌ، لَكِنَّهُ لَمْ يَلْحَقْ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي زَمَانِ ابْنِ المُبَارَكِ أَطْلَبَ لِلْعِلْمِ مِنْهُ.
وَعَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا أَحَدٌ مِثْلُ ابْنِ المُبَارَكِ.
وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَطْلَبَ لِلْعِلْمِ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَهُوَ فِي المُحَدِّثِيْنَ مِثْلُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ فِي النَّاسِ.
قَالَ الحَسَنُ بنُ عِيْسَى بنِ ماسَرْجس مَوْلَى ابْنِ المُبَارَكِ: اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِثْلُ الفَضْلِ بنِ مُوْسَى، ومَخْلَد بنِ الحُسَيْنِ، فَقَالُوا: تَعَالَوْا نَعُدُّ خِصَالَ ابْنِ المُبَارَكِ مِنْ أَبْوَابِ الخَيْرِ، فَقَالُوا: العِلْمُ، وَالفِقْهُ، وَالأَدَبُ، وَالنَّحْوُ، وَاللُّغَةُ، وَالزُّهْدُ، وَالفَصَاحَةُ، وَالشِّعْرُ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ، وَالعِبَادَةُ، وَالحَجُّ، وَالغَزْوُ، وَالشَّجَاعَةُ، وَالفُرُوْسِيَّةُ، وَالقُوَّةُ، وَتَرْكُ الكَلاَمِ فِيْمَا لاَ يَعْنِيْهِ، وَالإِنصَافُ، وَقِلَّةُ الخِلاَفِ عَلَى أَصْحَابِهِ.
قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: قَالَ رَجُلٌ لابْنِ المُبَارَكِ: قَرَأْتُ البَارِحَةَ القُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ. فَقَالَ: لَكِنِّي أَعْرِفُ رَجُلاً لَمْ يَزَلِ البَارِحَةَ يُكَرِّرُ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التَّكَاثُرُ: 1] ، إِلَى الصُّبْحِ، مَا قَدِرَ أَنْ يَتَجَاوَزَهَا -يَعْنِي: نَفْسَهُ.
قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ إِسْحَاقَ البُنَانِيِّ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: حَمَلتُ العِلْمَ عَنْ أَرْبَعَةِ آلاَفِ شَيْخٍ، فَرَويتُ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ. ثُمَّ قَالَ العَبَّاسُ: فَتَتَبَّعْتُهُم حَتَّى وَقَعَ لِي ثَمَانُ مائَةِ شَيْخٍ لَهُ.
قَالَ حَبِيْبٌ الجَلاَّبُ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ: مَا خَيْرُ مَا أعطيَ الإِنْسَانُ? قَالَ: غَرِيْزَةُ عَقْلٍ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ? قَالَ: حُسْنُ أَدَبٍ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ? قَالَ: أَخٌ شَفِيْقٌ يَسْتَشِيْرُهُ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ? قَالَ: صَمْتٌ طَوِيْلٌ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ? قَالَ: مَوْتٌ عَاجِلٌ.
وَرَوَى عَبْدَانُ بنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: إِذَا غَلَبَتْ مَحَاسِنُ الرَّجُلِ عَلَى مَسَاوِئِهِ، لَمْ تُذْكَرِ المَسَاوِئُ، وَإِذَا غَلَبَتِ المَسَاوِئُ عَنِ المَحَاسِنِ، لَمْ تُذْكَرِ المَحَاسِنُ.
قَالَ نُعَيم: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: عَجِبتُ لِمَنْ لَمْ يَطلُبِ العِلْمَ، كَيْفَ تَدعُوْهُ نَفْسُهُ إِلَى مكرمة؟!(7/376)
قَالَ عُبَيْدُ بنُ جَنَّادٍ: قَالَ لِي عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ: رَأَيْتَ ابْنَ المُبَارَكِ? قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: مَا رَأَيْتَ وَلاَ تَرَى مِثْلَهُ.
قَالَ عُبَيْدُ بنُ جَنَّادٍ: وَسَمِعْتُ العُمَرِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ فِي دَهْرِنَا هَذَا مَنْ يَصلُحُ لِهَذَا الأَمْرِ -يَعْنِي: الإِمَامَةَ- إِلاَّ ابْنَ المُبَارَكِ.
قَالَ مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ ابْنِ المُبَارَكِ، تُصِيْبُ عِنْدَهُ الشَّيءَ الَّذِي لاَ تُصِيْبُهُ عِنْدَ أَحَدٍ.
قَالَ شَقِيْقٌ البَلْخي: قِيْلَ لابْنِ المُبَارَكِ: إِذَا أَنْتَ صَلَّيْتَ لِمَ لاَ تَجْلِسُ مَعَنَا? قَالَ: أَجلِسُ مَعَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ، أَنْظُرُ فِي كُتُبِهِم وَآثَارِهِم، فَمَا أَصْنَعُ مَعَكُم? أَنْتُم تَغْتَابُوْنَ النَّاسَ.
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: لِيَكُنْ عُمْدَتُكُم الأَثَرُ، وَخُذُوا مِنَ الرَّأْيِ مَا يُفَسِّرُ لَكُمُ الحَدِيْثَ.
مَحْبُوبُ بنُ الحَسَنِ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: مَنْ بَخِلَ بِالعِلْمِ، ابْتُلِي بِثَلاَثٍ: إِمَّا مَوْتٌ يُذْهِبُ عِلْمَهُ، وَإِمَّا يَنْسَى، وَإِمَّا يَلْزَمُ السُّلْطَانَ، فَيَذْهَبُ عِلْمُهُ.
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْفَعَةِ العِلْمِ أَنْ يُفيد بعضُهم بَعْضاً.
المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ وقيل لَهُ: الرَّجُلُ يَطلُبُ الحَدِيْثَ للهِ، يَشتَدُّ فِي سَنَدِهِ. قَالَ: إِذَا كَانَ للهِ، فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يَشتَدَّ فِي سَنَدِهِ.
وَعَنْهُ، قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا فِي القَلْبِ، وَالذُّنُوْبُ فَقَدِ احْتَوَشَتْهُ، فَمَتَى يَصِلُ الخَيْرُ إِلَيْهِ?
وَعَنْهُ قَالَ: لَوِ اتَّقَى الرَّجُلُ مائَةَ شَيْءٍ، وَلَمْ يَتَّقِ شَيْئاً وَاحِداً، لَمْ يَكُ مِنَ المُتَّقِيْنَ، وَلَو تَوَرَّعَ عَنْ مائَةِ شَيْءٍ، سِوَى وَاحِدٍ، لَمْ يَكُنْ وَرِعاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيْهِ خُلَّةٌ مِنَ الجَهْلِ، كَانَ مِنَ الجَاهِلِيْنَ، أَمَا سَمِعْتَ اللهَ يَقُوْلُ لِنُوْحٍ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- مِنْ أَجْلِ ابْنِهِ: {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هُوْدُ: 46] .
إِسْنَادُهَا لاَ يَصِحُّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ خِلاَفُ هَذَا، وَأَنَّ الاعْتِبَارَ بِالكَثْرَةِ، وَمُرَادُهُ بِالخُلَّةِ مِنَ الجَهْلِ: الإِصرَارُ عَلَيْهَا.
وَجَاءَ أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ سُئِلَ: مَنِ النَّاسُ? فَقَالَ: العُلَمَاءُ. قِيْلَ: فَمَنِ المُلُوْكُ? قَالَ: الزُّهَّادُ. قِيْلَ: فَمَنِ الغَوْغَاءُ? قَالَ: خُزَيْمَةُ وَأَصْحَابُهُ -يَعْنِي: مِنْ أُمَرَاءِ الظَّلَمَةِ. قِيْلَ: من السَّفِلَةُ? قَالَ: الَّذِيْنَ يَعِيْشُوْنَ بِدِيْنِهِم.
وَعَنْهُ، قَالَ: لِيَكُنْ مَجْلِسُكَ مَعَ المَسَاكِيْنِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَجلِسَ مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ.(7/377)
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: إِذَا عَرَفَ الرَّجُلُ قَدْرَ نَفْسِهِ، يَصِيْرُ عِنْدَ نَفْسِهِ أَذَلَّ مِنْ كَلْبٍ.
وَعَنْهُ، قَالَ: لاَ يَقَعُ مَوقِعَ الكَسْبِ عَلَى العِيَالِ شَيْءٌ، وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيْلِ اللهِ.
وَقَالَ: رُبَّ عَمَلٍ صَغِيْرٍ تُكَثِّرُهُ النِّيَّةُ، وَرُبَّ عَمَلٍ كَثِيْرٍ تُصَغِّرُهُ النِّيَّةُ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ إِجَازَةً، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَاغِدِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحافظ، حدثنا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالْقَاني، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي عَنْ أَبَوَيهِ، فَقَالَ: مَنْ يَرْوِيْهِ? قُلْتُ: شِهاب بن خراش. قال: ثقة، عمن? قلت: عن الحَجَّاجِ بنِ دِيْنَارٍ. قَالَ: ثِقَةٌ عَمَّنْ? قُلْتُ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَفَاوِزُ تَنْقَطِعُ فِيْهَا أَعْنَاقُ الإِبِلِ1.
أَخْبَرَنَا بِيْبَرْسُ بنُ عَبْدِ اللهِ المَجْدِيُّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الدَّوَامِيُّ، أَخْبَرَتْنَا تَجَنِّي مَوْلاَةُ ابْنِ وَهْبَانَ، وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْدَاوِيُّ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الخَطِيْبُ، وَتَجَنِّي الوَهْبَانِيَّةُ، وَفَخْرُ النِّسَاءِ شُهْدة "ح". وَأَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ تَاجِ الأُمَنَاءِ، قالا: أخبرنا محمد ابن إِبْرَاهِيْمَ "ح". وَأَخْبَرَتْنَا سِتُّ الأَهْلِ بِنْتُ النَّاصِحِ، أَخْبَرَنَا البَهَاءُ عَبْد الرَّحْمَنِ، قَالاَ: أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا طِرَادُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ "ح". وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الأَغْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُخْتَارٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا هِلاَلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ الحفَّار، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى القَطَّانُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُجَشَّر، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، عَنْ سفيان، عن عَاصِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَمَرَرْتُ مَعَهُ بِبُقْعَةٍ. فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "رُبَّ يَمِيْنٍ لاَ تَصْعَدُ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي هَذِهِ البُقْعَةِ"2.
قَالَ أَبُو هريرة: فرأيت فيها النخاسين3.
__________
1 أخرجه مسلم "1/ 16".
2 ضعيف: أخرجه أحمد "2/ 303" قال: حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن عاصم، به.
قلت: إسناده ضعيف لضعف عاصم، وهو ابن عبيد الله بن عاصم، وعبيد مولى أبي رهم مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول. وسفيان هو الثوري.
3 النَّخَّاس: بيَّاع الدَّوابِّ والرقيق.(7/378)
وَبِهِ, إِلَى ابْنِ المُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَكُلُّ مُسْكرٍ خَمْرٌ" 1.
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ الأَسَدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرحيم بن محمد الكاغدي، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَخْبَرْنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي رِزْمة، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ، يَقُوْلُ: إِنَّا لَنَحكِي كَلاَمَ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارِى، وَلاَ نَستَطِيْعُ أَنْ نَحكِيَ كَلاَمَ الجَهْمِيَّةِ2.
وَبِهِ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ السَّرَّاج: سَمِعْتُ أَبَا يحيى يقول: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ يَقُوْلُ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ: كَيْفَ يُعْرَفُ رَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ? قَالَ: فِي السَّمَاءِ عَلَى العَرْشِ. قُلْتُ لَهُ: إِنَّ الجَهْمِيَّةَ تَقُوْلُ هَذَا. قَالَ: لاَ نَقُوْلُ كَمَا قَالَتِ الجَهْمِيَّةُ، هُوَ معنا هاهنا.
قُلْتُ: الجَهْمِيَّةُ يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ البَارِي تَعَالَى فِي كُلِّ مَكَانٍ وَالسَّلَفُ يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ عِلْمَ البَارِي فِي كُلِّ مَكَانٍ وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحَدِيْدُ: 4] ، يَعْنِي: بِالعِلْمِ، وَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ عَلَى عَرْشِهِ اسْتَوَى، كَمَا نَطَقَ بِهِ القُرْآنُ وَالسُّنَّةُ.
وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَهُوَ إِمَام وَقْتِهِ: كُنَّا -وَالتَّابِعُوْنَ مُتَوَافِرُوْنَ- نَقُوْلُ: إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- فَوْقَ عَرْشِه، وَنُؤمِنُ بِمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ صِفَاتِهِ، وَمَعْلُوْمٌ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ الطَّوَائِفِ أَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ إِمرَارُ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيْثِهَا كَمَا جَاءتْ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَلاَ تَحرِيْفٍ، وَلاَ
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "2/ 16 و29 و134"، وفي "الأشربة" "75" و"189" و"195"، وابن أبي شيبة "8/ 101"، ومسلم "2003" "74" و"75"، وابن الجارود "857"، والطبراني في "الصغير" "143" و"546" و"922"، والدارقطني "4/ 248-249 و250"، والبيهقي "8/ 294 و296" من طرق عن نافع، عن ابن عمر، به.
2 الجهمية: هم أتباع جَهم بن صفوان، الذي قال بالإجبار والاضطرار إلى الأعمال، وأنكر الاستطاعات كلها، وزعم أن الجنة والنار تبيدان وتفنيان، وزعم أيضا أن الإيمان هو المعرفة بالله تعالى فقط، وأن الكفر هو الجهل به فقط، وقال: لا فعل ولا عمل لأحد غير الله تعالى، وإنما تنسب الأعمال إلى المخلوقين على المجاز، وزعم أيضًا أن علم الله تعالى حادث، وامتنع من وصف الله تعالى بأنه شيء أوحى أو عالم أو مريد، وقال: لا أصفه بوصف يجوز إطلاقه على غيره، كشيء وموجود وحي وعالم ومريد ونحو ذلك، ووصفه بأنه قادر وموجد وفاعل وخالق ومحيي ومميت، لأن هذه الأوصاف مختصة به وحده، وقال بحدوث كلام الله تعالى كما قالته القدرية، ولم يسم الله تعالى متكلما به.
وأكفره أهل السنة والجماعة، وأكفرته القدرية في قوله بأن الله تعالى خالق أعمال العباد، فاتفق أصناف الأمة على تكفيره.(7/379)
تشيبه وَلاَ تَكْيِيفٍ، فَإِنَّ الكَلاَمَ فِي الصِّفَاتِ فَرْعٌ عَلَى الكَلاَمِ فِي الذَّاتِ المُقَدَّسَةِ. وَقَدْ عَلِمَ المسلمون أن ذات الباري موجودة حقيقية، لاَ مِثْلَ لَهَا، وَكَذَلِكَ صِفَاتُهُ -تَعَالَى- مَوْجُوْدَةٌ، لاَ مِثْلَ لَهَا.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الفَقِيْهُ إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا عَبْدُ القَادِرِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي نَصْرٍ بِأَصْبَهَانَ، أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ شَبِيْبٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ اللُّبْنَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فِي كِتَابِ "الرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ"1 لَهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أحمد بن إبراهيم الدَّورقي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ: كَيْفَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَعْرِفَ رَبَّنَا? قَالَ: عَلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى عَرْشِه، وَلاَ نَقُوْلُ كَمَا تَقُوْلُ الجَهْمِيَّةُ: إنه ههنا فِي الأَرْضِ.
وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ فِي هَذَا الكِتَاب بِإِسْنَادِهِ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَدْ خِفْتُ اللهَ -تَعَالَى- مِنْ كَثْرَةِ مَا أَدْعُو عَلَى الجَهْمِيَّةِ. قَالَ: لاَ تَخَفْ، فَإِنَّهُم يَزْعُمُوْنَ أَنَّ إِلَهَكَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ لَيْسَ بِشَيْءٍ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: كُلُّ حَدِيْثٍ لاَ يَعْرِفُهُ ابْنُ المُبَارَكِ، فَنَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ.
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ قَالَ: فِي صَحِيْحِ الحَدِيْثِ شُغْلٌ عَنْ سَقِيْمِهِ.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَحْمَدَ الجُذامي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمَادٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ رِفَاعَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الخِلعِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الحَاجِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثنَا العَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ الأَسْفَاطِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ قَرَأَ شَيْئاً مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا مَخْلُوْقٌ، فَقَدْ كفر بالله العظيم.
قَالَ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ: قُمْتُ لأخرج من ابْنِ المُبَارَكِ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَذَاكَرَنِي عِنْد البَابِ بِحَدِيْثٍ -أَوْ ذَاكَرْتُهُ- فَمَا زِلْنَا نَتَذَاكَرُ حَتَّى جَاءَ المُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ.
وَقَالَ فَضَالَةُ النَّسَائِيُّ: كُنْتُ أُجَالِسُهُم بِالكُوْفَةِ، فَإِذَا تَشَاجَرُوا فِي حَدِيْثٍ، قَالُوا: مُرُّوا بِنَا إِلَى هَذَا الطبيب حتى نسأله -يعنون ابن المبارك.
__________
1 هذا الكتاب ليس بثابت نسبته إلى الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- فقد رواه عن عبد الله بن الامام أحمد الخضر بن المثنى، وهو مجهول. وهناك كتب ثابتة صحيحة نسبتها إلى مؤلفيها في هذا الباب: مثل كتاب: "الرد على الجهمية" لعثمان بن سعيد الدارمي المتوفى سنة "280هـ"، وكتاب: "الرد على الجهمية" لابن منده المتوفى "395هـ" وقد حققه الدكتور علي بن محمد بن ناصر الفقيهي، وطبع بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.(7/380)
قَالَ وَهْبُ بنُ زَمْعة المَرْوَزِي: حدَّثَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ بِحَدِيْثٍ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الحَمِيْدِ! تُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ، وَقَدْ لَقِيْتَ مَنْصُوْرَ بنَ المُعْتَمِرِ? فَغَضِبَ، وَقَالَ: أَنَا مِثْلُ عَبْدِ اللهِ، أَحْمِلُ عِلْمَ أَهْلِ خُرَاسَانَ، وَعِلمَ أَهْلِ العِرَاقِ، وَأَهْلِ الحِجَازِ، وَأَهْلِ اليَمَنِ، وَأَهْلِ الشَّامِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَاري: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بني هاشم إلى عبد الله ابن المُبَارَكِ لِيَسْمَعَ مِنْهُ، فَأَبَى أَنْ يُحَدِّثَهُ. فَقَالَ الشَّرِيْفُ لِغُلاَمِهِ: قُمْ، فَإِنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لاَ يَرَى أَنْ يُحَدِّثَنَا. فَلَمَّا قَامَ لِيَركَبَ، جَاءَ ابْنُ المُبَارَكِ لِيُمْسِكَ بِرِكَابِه، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، تَفْعَلُ هَذَا، وَلاَ تَرَى أَنْ تُحَدِّثَنِي؟ فَقَالَ: أَذِلُّ لَكَ بَدَنِي، وَلاَ أَذِلُّ لَكَ الحَدِيْثَ.
رَوَى المسيَّب بنُ وَاضِحٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ المُبَارَكِ -وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَمَّنْ يَأْخُذُ- فَقَالَ: قَدْ يَلقَى الرَّجُلُ ثِقَةً، وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ، وَقَدْ يَلْقَى الرَّجُلُ غَيْرَ ثِقَةٍ يُحَدِّثُ عَنْ ثِقَةٍ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ: ثِقَةٌ عَنْ ثِقَةٍ.
عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ قَطُّ: "حَدَّثَنَا"، كَانَ يَرَى "أَخْبَرَنَا" أَوْسَعَ، وَكَانَ لاَ يَرُدُّ عَلَى أَحَدٍ حَرفاً إِذَا قَرَأَ.
وَقَالَ نُعَيْمٌ: مَا رَأَيْتُ أَعقَلَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَلاَ أَكْثَرَ اجْتِهَاداً فِي العِبَادَةِ.
الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ: قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ فِي حَدِيْثِ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْتَقِيْمُوا لِقُرَيْشٍ مَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ"1: يُفَسِّرُهُ حَدِيْثُ أُمِّ سَلَمَةَ: "لاَ تَقْتُلُوْهُمْ مَا صَلَّوا" 2.
وَاحْتَجَّ ابْنُ المُبَارَكِ فِي مَسْأَلَةِ الإِرْجَاءِ، وَأَنَّ الإِيْمَانَ يَتَفَاوَتُ، بِمَا رَوَى عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيل، عَنْ هُزَيل بنِ شُرحبيل، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَوْ وُزِنَ إِيْمَانُ أَبِي بَكْرٍ بِإِيْمَانِ أَهْلِ الأَرْضِ، لَرَجَحَ.
قُلْتُ: مُرَادُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَهْلُ أَرْضِ زَمَانِهِ.
نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: السَّيْفُ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِتْنَةٌ، وَلاَ أَقُوْلُ لأَحَدٍ منهم هو مفتون.
__________
1 ضعيف: سبق تخريجنا له في هذا الجزء بتعليقنا رقم "338" فراجعه ثمَّت.
2 صحيح: أخرجه مسلم "1854"، وأبو داود "4760"، والترمذي "2266"، وأحمد "6/ 295 و302 و305 و321" من حديث أم سلمة؛ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ستكونُ أمراءُ، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سَلمَ، ولكن من رضي وتابع". قالوا: أفلا نُقاتلهم؟ قال: "لا. ما صَلَّوا". واللفظ لمسلم.(7/381)
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَسُئِلَ: مَنِ السِّفْلَةُ? قَالَ: الَّذِي يَدُورُ عَلَى القُضَاةِ يَطلُبُ الشَّهَادَاتِ.
وَعَنْهُ قَالَ: إِنَّ البُصرَاءَ لاَ يَأْمنُوْنَ مِنْ أَرْبَعٍ: ذَنْبٍ قَدْ مَضَى لاَ يُدْرَى مَا يَصْنَعُ فِيْهِ الرَّبُّ -عَزَّ وَجَلَّ- وَعُمُرٍ قَدْ بَقِيَ لاَ يُدْرَى مَا فِيْهِ مِنَ الهَلَكَةِ، وَفَضْلٍ قَدْ أُعْطِيَ العَبْدُ لَعَلَّهُ مَكْرٌ وَاسْتِدْرَاجٌ، وَضَلاَلَةٌ قَدْ زُيِّنَتْ، يَرَاهَا هُدَىً، وَزَيْغِ قَلْبٍ سَاعَةً فَقَدْ يُسلَب المرءُ دِيْنَهُ وَلاَ يَشعُرُ.
قَالَ مَنْصُوْرُ بنُ دِيْنَارٍ؛ صاحبُ ابْنِ المُبَارَكِ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ كَانَ يَتَصَدَّقُ لِمُقَامِهِ بِبَغْدَادَ كُلَّ يَوْمٍ بِدِيْنَارٍ.
وَعَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ السُّكَّرِيِّ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ يُعجِبُه إِذَا خَتَمَ القُرْآنَ أَنْ يَكُوْنَ دُعَاؤُهُ فِي السُّجُودِ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ نُوْحٍ المَوْصِلِيُّ: قَدِمَ الرَّشِيْدُ عَيْنَ زَرْبَةَ، فَأَمَرَ أَبَا سُلَيْمٍ أَنْ يَأْتِيَهُ بَابْنِ المُبَارَكِ. قَالَ: فَقُلْتُ: لاَ آمَنُ أَنْ يُجِيْبَ ابْنُ المُبَارَكِ بِمَا يَكرَهُ، فَيَقتُلُهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! هُوَ رَجُلٌ غَلِيْظُ الطِّبَاعِ، جِلْفٌ. فَأَمسَكَ الرَّشِيْدُ.
الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْراني: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلاً يَسْأَلُ ابْنَ المُبَارَكِ عَنِ الرَّجُلِ يَصُوْمُ يَوْماً وَيُفطِرُ يَوْماً. قَالَ: هَذَا رَجُل يُضِيعُ نِصْفَ عُمُرِهِ، وَهُوَ لاَ يَدْرِي. يَعْنِي: لِمَ لاَ يَصُوْمُهَا.
قُلْتُ: أَحسِبُ ابْنَ المُبَارَكِ لَمْ يَذْكُرْ حِيْنَئِذٍ حَدِيْثَ: "أفضل الصَّوْمِ صَوْمُ دَاوُدَ" 1، وَلاَ حَدِيْثَ: النَّهْيِ عَنْ صوم الدهر2.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "1159" "192"، وابن خزيمة "2106" من طريق شعبة، عن زياد بن فياض قال: سمعت أبا عياض عن عبد الله بن عمرو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له: "صم يوما, ولك أجر ما بقي". قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: "صم يومين, ولك أجر ما بقي". قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: "صم ثلاثة أيام, ولك أجر ما بقي". قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: "صم أربعة أيام, ولك أجر ما بقي". قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: "فصم أفضل الصيام عند الله صوم داود عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر يوما". وأخرجه مسلم "1159"، "189"، من طريق عمرو بنِ أَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "إن أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود -عليه السلام- كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يوما ويفطر يوما".
2 صحيح: أخرجه مسلم "1159" "186" في حديث طويل من طريق ابن جريج قال: سمعت عطاء يزعم أن العباس أخبره أنه سمع عبد الله بن العاص يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في آخر الحديث الطويل: "لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد, لا صام من صام الأبد".(7/382)
قَالَ أَبُو وَهْبٍ المَرْوَزي: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ: مَا الكبْر? قَالَ: أَنْ تَزْدَرِيَ النَّاسَ. فَسَأَلْتُهُ عَنِ العُجْبِ? قَالَ: أَنْ تَرَى أَنَّ عِنْدَكَ شَيْئاً لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِك، لاَ أَعْلَمُ فِي المُصَلِّيْنَ شَيْئاً شَرّاً مِنَ العُجْبِ.
قَالَ حَاتِمُ بنُ الجَرَّاحِ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ قُرْحة خَرَجتْ فِي رُكبَتِهِ مُنْذُ سَبْعِ سِنِيْنَ، وَقَدْ عَالَجتُهَا بِأَنْوَاعِ العِلاَجِ، وَسَأَلْتُ الأَطِبَّاءَ، فَلَمْ أَنْتَفِعْ بِهِ. فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَاحفِرْ بِئْراً فِي مَكَانِ حَاجَةٍ إِلَى المَاءِ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَنبُعَ هُنَاكَ عَيْنٌ، وَيُمْسِكَ عَنْكَ الدَّمَ. فَفَعَلَ الرَّجُلُ، فَبَرَأَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يُحَدِّثُ مِنَ الكِتَابِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ سَقطٌ كَثِيْرٌ، وَكَانَ وَكِيْعٌ يُحَدِّثُ من حفظه، فكان يكون له سقط، كم يَكُوْنُ حَفِظُ الرَّجُلِ!
وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ قِيْلَ لَهُ: إِلَى مَتَى تَكتُبُ العِلْمَ? قَالَ: لَعَلَّ الكَلِمَةَ الَّتِي أَنْتَفِعُ بِهَا لَمْ أَكتُبْهَا بَعْدُ.
قَالَ عَمْرٌو النَّاقِدُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا أَحَدٌ يُشْبِهُ ابْنَ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنَ أَبِي زَائِدَةَ.
وَقَالَ مَخْلَدُ بنُ الحُسَيْنِ: جَالَسْتُ أَيُّوْبَ، وَابْنَ عَوْنٍ، فَلَمْ أَجِدْ فِيْهِم مَنْ أُفَضِّلُهُ عَلَى ابْنِ المُبَارَكِ.
قَالَ عَبْدَانُ: قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ -وَذَكَرَ التَّدْلِيسَ- فَقَالَ فِيْهِ قَوْلاً شَدِيْداً، ثُمَّ أَنْشَدَ:
دَلَّسَ لِلنَّاسِ أَحَادِيْثَهُ ... وَاللهُ لاَ يَقْبَلُ تَدْلِيْسَا
عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: مَنِ اسْتَخَفَّ بِالعُلَمَاءِ، ذَهَبتْ آخِرَتُهُ، وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالأُمَرَاءِ، ذَهَبتْ دُنْيَاهُ، وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالإِخْوَانِ، ذَهَبتْ مُرُوءتُهُ.
قَدْ أسفلنا لِعَبْدِ اللهِ مَا يَدلُّ عَلَى فُرُوْسِيَّتِه.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سِنَانٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ بِطَرَسوس، فَصَاحَ النَّاسُ: النَّفِيرُ. فَخَرَجَ ابْنُ المُبَارَكِ، وَالنَّاسُ، فَلَمَّا اصطَفَّ الجَمْعَانِ، خَرَجَ رُوْمِيٌّ، فَطَلَبَ البِرَازَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَشَدَّ العِلْجُ عَلَيْهِ، فَقَتَلَهُ، حَتَّى قَتَلَ سِتَّةً مِنَ المُسْلِمِيْنَ، وَجَعَلَ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يَطلُبُ المُبَارَزَةَ، وَلاَ يَخْرُجُ إِلَيْهِ أَحَدٌ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ ابْنُ المُبَارَكِ فَقَالَ: يَا فُلاَنُ! إِنْ قُتلتُ، فَافعَلْ كَذَا وَكَذَا. ثُمَّ حَرَّكَ دَابَّتَه، وَبَرَزَ لِلْعِلْجِ، فَعَالَجَ مَعَهُ سَاعَةً، فَقَتَلَ العِلْجَ، وَطَلَبَ المُبَارَزَةَ، فَبَرَزَ لَهُ عِلْجٌ آخَرُ، فَقَتَلَهُ، حَتَّى قَتَلَ ستة علوج،(7/383)
وطلب البراز، فكأنهم كاعوا1 عنه، فَضَرَبَ دَابَّتَه، وَطَرَدَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، ثُمَّ غَابَ، فَلَمْ نَشْعُرْ بِشَيْءٍ، وَإِذَا أَنَا بِهِ فِي المَوْضِعِ الَّذِي كَانَ، فَقَالَ لِي: يَا عَبْدَ اللهِ! لَئِنْ حَدَّثتَ بِهَذَا أَحَداً، وَأَنَا حَيٌّ، فَذَكَرَ كَلِمَةً.
قَالَ أَبُو صَالِحٍ الفَرَّاءُ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ عَنْ كِتَابَةِ العِلْمِ، فَقَالَ: لَوْلاَ الكِتَابُ مَا حَفِظْنَا.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: الحِبْرُ فِي الثَّوْبِ خَلُوْقُ العُلَمَاءِ.
وَقَالَ: تَوَاطُؤُ الجِيْرَانِ عَلَى شَيْءٍ، أَحَبُّ إليَّ مِنْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ ابْنَ المُبَارَكِ مَرَّ بِرَاهِبٍ عِنْدَ مَقْبُرَةٍ وَمَزْبَلَةٍ، فَقَالَ: يَا رَاهِبُ، عِنْدَكَ كَنْزُ الرِّجَالِ، وَكَنْزُ الأَمْوَالِ، وَفِيْهِمَا مُعْتَبَرٌ.
وَقَدْ تَفَقَّه ابْنُ المُبَارَكِ بِأَبِي حَنِيْفَةَ، وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِي تَلاَمِذَتِهِ.
وَكَانَ عَبْدُ اللهِ غَنِيّاً شَاكِراً، رَأْسُ مَالِهِ نَحْوُ الأَرْبَعِ مائَةِ أَلْفٍ.
قَالَ حِبَّانُ بنُ مُوْسَى: رَأَيْتُ سُفْرة ابْنِ المُبَارَكِ حُمِلَتْ عَلَى عَجَلة.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ: رَأَيْتُ بَعِيْرَيْنِ مُحَمَّلَيْنِ دَجَاجاً مَشْوِياً لِسُفْرَةِ ابْنِ المُبَارَكِ.
وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَهْمٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَكَانَ يَأْكُلُ كُلَّ يَوْمٍ، فَيُشْوَى لَهُ جَدْيٌ، وَيُتَّخَذُ لَهُ فَالُوذَقُ، فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّيْ دَفَعتُ إِلَى وَكِيلِي أَلْفَ دِيْنَارٍ، وَأَمَرتُهُ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْنَا.
قَالَ الحَسَنُ بنُ حَمَّادٍ: دَخَلَ أَبُو أُسَامَةَ على ابن المبارك، فوجد في وَجْهِه عبدُ اللهِ أَثَرَ الضُّرِّ، فَلَمَّا خَرَجَ، بَعَثَ إِلَيْهِ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ:
وَفَتَىً خَلاَ مِنْ مَالِهِ ... وَمِنَ المُرُوءةِ غَيْرُ حال
أَعْطَاكَ قَبْلَ سُؤَالِهِ ... وَكَفَاكَ مَكْرُوهَ السُّؤَالِ
وَقَالَ المسيَّب بنُ وَاضِحٍ: أَرْسَلَ ابْنُ المُبَارَكِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: سُدَّ بِهَا فِتْنَةَ القَوْمِ عَنْكَ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَم: قُلْتُ لِعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ: كَيْفَ فَضَلَكُمُ ابْنُ المُبَارَكِ، وَلَمْ يَكُنْ بِأَسَنَّ مِنْكُم? قَالَ: كَانَ يَقْدَمُ، وَمَعَهُ الغِلْمة الخُرَاسَانِيَّةُ، وَالبِزَّةُ الحَسَنَةُ، فَيَصِلُ العُلَمَاءَ، وَيُعْطِيْهِم، وَكُنَّا لاَ نقدر على هذا.
__________
1 كاعوا عنه: جبنوا عنه وانهزموا.(7/384)
قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: قَدِمَ ابْنُ المُبَارَكِ أَيْلَةَ عَلَى يُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ، وَمَعَهُ غُلاَمٌ مُفَرَّغ العمل الفَالُوذَجِ، يَتَّخِذُهُ لِلْمُحَدِّثِيْنَ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي الخَيْرِ فِي كِتَابِهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن المبارك، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاء، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "البَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ" 1. فَقُلْتُ لِلْوَلِيْدِ: أَيْنَ سَمِعْتَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ? قَالَ: فِي الغزو.
عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ قَالَ: لِيَكُنْ مَجْلِسُكَ مَعَ المَسَاكِيْنِ، وَاحْذَرْ أَنْ تَجلِسَ مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ.
قَالَ الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ: لَمَّا احْتُضِرَ ابْنُ المُبَارَكِ فِي السَّفَرِ، قَالَ: أَشْتَهِي سَوِيْقاً. فَلَمْ نَجِدْه إِلاَّ عِنْدَ رَجُلٍ كَانَ يَعْمَلُ لِلسُّلْطَانِ، وَكَانَ مَعَنَا فِي السَّفِيْنَةِ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِعَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: دَعُوْهُ. فَمَاتَ وَلَمْ يَشْرَبْهُ.
قَالَ العَلاَءُ بنُ الأَسْوَدِ: ذُكِرَ جَهْمٌ عِنْدَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَقَالَ:
عَجِبتُ لِشَيْطَانٍ أَتَى النَّاسَ دَاعِياً ... إِلَى النَّارِ وَانشَقَّ اسْمُهُ مِنْ جَهَنَّمِ
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نَزَلَ بِأَهْلِهِ الضِّيْقُ، أَمَرَهُمْ بِالصَّلاَةِ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه: 132] . هَذَا مُرْسَلٌ، قَدِ انْقَطَع فِيْهِ مَا بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَجَدِّ أَبِيْهِ عَبْدِ اللهِ.
وَقَدْ كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ -رَحِمَهُ اللهُ- شَاعِراً مُحْسِناً، قَوَّالاً بِالحَقِّ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ جَمِيْلٍ المَرْوَزِيُّ: قِيْلَ لابْنِ المُبَارَكِ: إِنَّ إِسْمَاعِيْلَ بنَ عُلَيَّة قَدْ ولي القضاء، فكتب إليه:
__________
1 صحيح: أخرجه الحاكم "1/ 62"، وأبو نعيم في "الحلية" "8/ 171-172"، والخطيب في "تاريخ بغداد" "11/ 165"، والقضاعي في "مسند الشهاب" "36" و"37" من طريق ابن المبارك، به وقال الحاكم: صحيح. ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا.(7/385)
يَا جَاعِلَ العِلْمِ لَهُ بَازِياً ... يَصْطَادُ أَمْوَالَ المَسَاكِيْنِ
احْتَلْتَ لِلدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا ... بِحِيْلَةٍ تَذْهَبُ بِالدِّيْنِ
فصرت مجنونًا بها بعدما ... كُنْتَ دَوَاءً لِلمَجَانِيْنِ
أَيْنَ رِوَايَاتُكَ فِي سَرْدِهَا ... عَنِ ابْنِ عَوْنٍ وَابْنِ سِيْرِيْنِ
أَيْنَ رِوَايَاتُكَ فِيْمَا مَضَى ... فِي تَرْكِ أَبْوَابِ السَّلاَطِيْنِ
إِنْ قُلْتَ أُكْرِهْتُ فَمَاذَا كَذَا ... زَلَّ حِمَارُ العِلْمِ فِي الطِّيْنِ
وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ قَاضِي نَصِيْبِيْنَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي سُكَيْنَةَ، قَالَ: أَمْلَى عليَّ ابْنُ المُبَارَكِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَأَنفَذَهَا مَعِي إلى الفضل بنِ عِيَاضٍ مِنْ طَرَسُوْسَ:
يَا عَابِدَ الحَرَمِيْنِ لَوْ أَبْصَرْتَنَا ... لَعَلِمْتَ أَنَّكَ فِي العِبَادَةِ تَلْعَبُ
مَنْ كَانَ يَخْضِبُ جِيْدَهُ بِدُمُوْعِهِ ... فَنُحُوْرُنَا بِدِمَائِنَا تَتَخَضَّبُ
أَوْ كَانَ يُتْعِبُ خَيْلَهُ فِي بَاطِلٍ ... فَخُيُوْلُنَا يَوْمَ الصَّبِيْحَةِ تَتْعَبُ
رِيْحُ العَبِيْرِ لَكُمْ وَنَحْنُ عَبِيْرُنَا ... رَهَجُ السَّنَابِكِ1 وَالغُبَارُ الأَطْيَبُ
وَلَقَدْ أَتَانَا مِنْ مَقَالِ نَبِيِّنَا ... قَوْلٌ صَحِيْحٌ صَادِقٌ لاَ يُكْذَبُ
لاَ يَسْتَوِي وَغُبَارُ خَيْلِ اللهِ فِي ... أَنْفِ امْرِئٍ وَدُخَانُ نَارٍ تَلهبُ
هَذَا كِتَابُ اللهِ يَنْطِقُ بَيْنَنَا ... لَيْسَ الشَّهِيْدُ بِمَيِّتٍ لا يكذب
فَلَقِيْتُ الفُضَيْلَ بِكِتَابِهِ فِي الحَرَمِ، فَقَرَأَهُ، وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَنَصَحَ.
قَالَ ابْنُ سَهْمٍ الأَنْطَاكِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يُنْشِدُ:
فَكَيْفَ قَرَّتْ لأَهْلِ العِلْمِ أَعْيُنُهُم ... أَوِ اسْتَلَذُّوا لَذِيذَ النَّوْمِ أَوْ هَجَعُوا
وَالنَّارُ ضَاحِيَةٌ لابد مَوْرِدُهَا ... وَلَيْسَ يَدْرُوْنَ مَنْ يَنْجُو وَمَنْ يَقَعُ
وَطَارَتِ الصُّحْفُ فِي الأَيْدِي مُنَشَّرَةً ... فِيْهَا السَّرَائِرُ والجبار مطلع
__________
1 الرهج: الغبار. والسنابك: طرف حوافر الخيل.(7/386)
إِمَّا نَعِيْمٌ وَعَيْشٌ لاَ انْقِضَاءَ لَهُ ... أَوِ الجَحِيمُ فَلاَ تُبْقِي وَلاَ تَدَعُ
تَهْوِي بِسَاكِنِهَا طَوْراً وَتَرْفَعُهُ ... إِذَا رَجَوْا مَخْرَجاً مِنْ غَمِّهَا قُمِعُوا
لِيَنْفَعِ العِلْمُ قَبْلَ المَوْتِ عَالِمَهُ ... قَدْ سَالَ قَوْمٌ بِهَا الرُّجْعَى فَمَا رَجَعُوا
وَرَوَى إِسْحَاقُ بنُ سُنَيْنٍ لابْنِ المُبَارَكِ:
إِنِّيْ امْرُؤٌ لَيْسَ فِي دِيْنِي لِغَامِزِه ... لِيْنٌ وَلَسْتُ عَلَى الإِسْلاَمِ طَعَّانَا
فَلاَ أَسُبُّ أَبَا بَكْرٍ وَلاَ عُمَراً ... وَلَنْ أَسُبَّ مَعَاذَ اللهِ عُثْمَانَا
وَلاَ ابْنَ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ أَشْتِمُهُ ... حَتَّى أُلَبَّسَ تَحْتَ التُّربِ أَكْفَانَا
وَلاَ الزُّبَيْرَ حَوَارِيَّ الرَّسُوْلِ وَلاَ ... أُهْدِي لِطَلْحَةَ شَتْماً عَزَّ أَوْ هَانَا
وَلاَ أَقُوْلُ عَلِيٌّ فِي السَّحَابِ إِذاً ... قَدْ قُلْتُ وَاللهِ ظُلْماً ثُمَّ عُدْوَانَا
وَلاَ أَقُوْلُ بِقَوْلِ الجَهْمِ إِنَّ لَهُ ... قَوْلاً يُضَارِعُ أَهْلَ الشِّركِ أَحْيَانَا
وَلاَ أَقُوْلُ تَخَلَّى مِنْ خَلِيقَتِهِ ... رَبُّ العِبَادِ وَوَلَّى الأَمْرَ شَيْطَانَا
مَا قَالَ فِرْعَوْنُ هَذَا فِي تَمَرُّدِهِ ... فِرْعَوْنُ مُوْسَى وَلاَ هَامَانُ طُغْيَانَا
اللهُ يَدْفَعُ بِالسُّلْطَانِ مُعْضِلَةً ... عَنْ دِيْنِنَا رَحْمَةً مِنْهُ وَرِضْوَانَا
لَوْلاَ الأَئِمَّةُ لَمْ تَأْمَنْ لَنَا سُبُلٌ ... وَكَانَ أَضْعَفُنَا نَهْباً لأَقْوَانَا
فَيُقَالُ: إِنَّ الرَّشِيْدَ أَعْجَبَهُ هَذَا، فَلَمَّا أَن بَلَغَهُ مَوْتُ ابْنِ المُبَارَكِ بِهِيْتَ، قَالَ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ، يَا فَضْلُ! إِيْذَنْ لِلنَّاسِ يُعَزُّونَا فِي ابْنِ المُبَارَكِ. وَقَالَ: أَمَا هو القائل:
الله يدفع بالسطان مُعْضِلَةً
فَمَنِ الَّذِي يَسْمَعُ هَذَا مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَلاَ يَعْرِفُ حَقَّنَا?
قَالَ الكُدَيمي: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ فضيل ابن عِيَاضٍ وَعِنْدَهُ ابْنُ المُبَارَكِ، فَقَالَ قَائِلٌ: إِنَّ أَهْلَكَ وَعِيَالَكَ قَدِ احْتَاجُوا مَجْهُوْدِيْنَ مُحْتَاجِينَ إِلَى هَذَا المَالِ، فَاتَّقِ اللهَ، وَخُذْ مِنْ هَؤُلاَءِ القَوْمِ. فَزَجَرَهُ ابْنُ المُبَارَكِ، وَأَنْشَأَ يَقُوْلُ:
خُذْ مِنَ الجَارُوْشِ وَالـ ... ـآرُزِّ وَالخُبْزِ الشَّعِيْرِ
وَاجْعَلَنْ ذَاكَ حَلاَلاً ... تَنْجُ مِنْ حَرِّ السَّعِيْرِ
وَانْأَ مَا اسْطَعْتَ هَدَا ... كَ اللهُ عَنْ دَارِ الأمير(7/387)
لاَ تَزُرْهَا وَاجْتَنِبْهَا ... إِنَّهَا شَرُّ مَزُورِ
تُوهِنُ الدِّيْنَ وَتُدْ ... نِيْكَ مِنَ الحُوبِ الكَبِيْرِ
قَبْلَ أَنْ تَسْقُطَ يَا ... مَغْرُوْرُ فِي حُفْرَةِ بِيْرِ
وَارْضَ يَا وَيْحَكَ مِنْ ... دُنْيَاكَ بِالقُوتِ اليَسِيْرِ
إِنَّهَا دَارُ بَلاَءٍ ... وَزَوَالٍ وَغُرُوْرِ
مَا تَرَى قَدْ صَرَعَتْ ... قَبْلَكَ أَصْحَابَ القُصُوْرِ
كَمْ بِبَطْنِ الأَرْضِ مِنْ ... ثَاوٍ شَرِيْفٍ وَوَزِيْرِ
وَصَغِيْرِ الشَّأْنِ عَبْدٍ ... خَامِلِ الذِّكرِ حَقِيْرِ
لَوْ تَصَفَّحتَ وُجُو ... هَ القَوْمِ فِي يَوْمٍ نَضِيْرِ
لَمْ تُمَيِّزْهُم وَلَم ... تَعْرِفْ غَنِيّاً مِنْ فَقِيْرِ
خَمَدُوا فَالقَوْمُ صَرْعَى ... تَحْتَ أَشقَاقِ الصُّخُورِ
وَاسْتَوَوْا عِنْدَ مَلِيكٍ ... بِمَسَاوِيهِم خَبِيْرِ
احْذَرِ الصَّرْعَةَ يَا ... مِسْكِيْنُ مِنْ دَهْرٍ عَثُورِ
أَيْنَ فِرْعَوْنُ وَهَا ... مَانُ وَنُمْرُودُ النُّسُورِ
أَوَ مَا تَخْشَاهُ أَنْ ... يَرْمِيكَ بِالمَوْتِ المُبِيْرِ
أَوَ مَا تَحْذَرُ مِنْ ... يَوْمٍ عَبُوْسٍ قَمْطَرِيْرِ
اقْمَطرَّ الشَّرُّ فِيْهِ ... بِعَذَابِ الزَّمْهرِيْرِ
قَالَ: فَغُشِيَ عَلَى الفُضَيْلِ، فَردَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْخُذْه.
ولابن المبارك:
جربت نفسي فما وجدتها لَهَا ... مِنْ بَعْدِ تَقْوَى الإِلَهِ كَالأَدَبِ
فِي كُلِّ حَالاَتِهَا وَإِنْ كَرِهَتْ ... أَفْضَلَ مِنْ صَمْتِهَا عَنِ الكَذِبِ
أَوْ غِيْبَةِ النَّاسِ إِنَّ غِيْبَتَهُم ... حرمها ذو الجلال في الكتب
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: أَنْشَدَنِي يَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ لابْنِ المُبَارَكِ:(7/388)
أَبِإِذْنٍ نَزَلْتَ بِي يَا مَشِيْبُ ... أَيُّ عَيْشٍ وَقَدْ نَزَلْتَ يَطِيْبُ
وَكَفَى الشَّيْبُ وَاعِظاً غَيْرَ أني ... آمل العيش والممات قريب
وكم أُنَادِي الشَّبَابَ إِذْ بَانَ مِنِّي ... وَنِدَائِي مُوَلِّياً مَا يُجِيْبُ
وَبِهِ:
يَا عَائِبَ الفَقْرِ أَلاَ تَزْدَجِرْ ... عَيْبُ الغِنَى أَكْثَرُ لَوْ تَعْتَبِرْ
مِنْ شَرَفِ الفَقْرِ وَمِنْ فَضْلِهِ ... عَلَى الغِنَى لَوْ صَحَّ مِنْكَ النَّظَرْ
أَنَّكَ تَعْصِي لِتَنَالَ الغِنَى ... وَلَيْسَ تَعْصِي اللهَ كِي تَفْتَقِرْ
قَالَ حِبَّانُ بنُ مُوْسَى: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يُنشِدُ:
كَيْفَ القَرَارُ وَكَيْفَ يَهْدَأُ مُسْلِمٌ ... وَالمُسْلِمَاتُ مَعَ العَدُوِّ المُعْتَدِي
الضَّارِبَاتُ خُدُوْدَهُنَّ بِرَنَّةٍ ... الدَّاعِيَاتُ نَبِيَّهُنَّ مُحَمَّدِ
القَائِلاَتُ إِذَا خَشِيْنَ فَضِيحَةً ... جَهدَ المَقَالَةِ لَيْتَنَا لَمْ نُولَدِ
مَا تَسْتَطِيْعُ وَمَا لَهَا مِنْ حِيْلَةٍ ... إِلاَّ التَّسَتُّرُ مِنْ أَخِيْهَا بِاليَدِ
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَانْهَدَّ القَهَنْدَزُ، فَأَتَى بِسِنَّيْنِ، فَوُجِدَ وَزْنُ أَحَدِهِمَا مَنَوَانِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ:
أَتَيْتُ بِسِنَّيْنِ قَدْ رُمَّتَا ... مِنَ الحِصْنِ لَمَّا أَثَارُوا الدَّفِيْنَا
عَلَى وَزْنِ مَنَوَيْنِ إِحْدَاهُمَا ... تُقِلُّ بِهِ الكَفُّ شَيْئاً رَزِيْنَا
ثَلاَثُوْنَ سِنّاً عَلَى قَدْرِهَا ... تَبَارَكْتَ يَا أَحسَنَ الخَالِقِيْنَا
فَمَاذَا يَقُوْمُ لأَفْوَاهِهَا ... وَمَا كَانَ يَمْلأُ تِلْكَ البُطُونَا
إِذَا مَا تَذَكَّرْتُ أَجسَامَهُم ... تَصَاغَرَتِ النَّفْسُ حَتَّى تَهُوْنَا
وَكُلٌّ عَلَى ذَاكَ ذَاقَ الرَّدَى ... فَبَادُوا جَمِيْعاً فَهُم هَامِدُوْنَا
وَجَاءَ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ -وَيُقَالُ: بَلْ هِيَ لِحَمِيْدٍ النَّحْوِيِّ:
اغْتَنِمْ رَكْعَتَيْنِ زُلفَى إِلَى اللهِ ... إِذَا كُنْتَ فَارِغاً مُسْتَرِيْحَا
وَإِذَا مَا هَمَمْتَ بِالنُّطْقِ بِالبَاطِلِ ... فَاجْعلْ مَكَانَهُ تَسْبِيْحَا
فَاغْتِنَامُ السُّكُوتِ أَفْضَلُ مِنْ ... خَوْضٍ وَإِنْ كُنْتَ بِالكَلاَمِ فصيحا(7/389)
وَسَمِعَ بَعْضُهُم ابْنَ المُبَارَكِ وَهُوَ يُنْشِدُ عَلَى سُوْرِ طَرَسُوْسَ:
وَمِنَ البَلاَءِ وَلِلْبَلاَءِ عَلاَمَةٌ ... أَنْ لاَ يُرَى لَكَ عَنْ هَوَاكَ نُزُوعُ
العَبْدُ عَبْدُ النَّفْسِ فِي شَهَوَاتِهَا ... وَالحُرُّ يَشْبَعُ مَرَّةً وَيَجُوْعُ
قَالَ أَبُو أُمَيَّةَ الأَسْوَدُ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: أُحِبُّ الصَّالِحِيْنَ وَلَسْتُ مِنْهُم، وَأُبْغِضُ الطَّالِحِيْنَ وَأَنَا شَرٌّ مِنْهُم، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُوْلُ:
الصَّمْتُ أَزْيَنُ بِالفَتَى ... مِنْ مَنْطِقٍ فِي غَيْرِ حِيْنِهِ
وَالصِّدْقُ أَجْمَلُ بِالفَتَى ... فِي القَوْلِ عِنْدِي مِنْ يَمِيْنِهِ
وَعَلَى الفَتَى بِوَقَارِهِ ... سِمَةٌ تَلُوحُ عَلَى جَبِيْنِهِ
فَمَنِ الَّذِي يَخفَى عَلَيـ ... ـكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى قَرِيْنِهِ
رُبَّ امْرِئٍ مُتَيَقِّنٍ ... غَلَبَ الشَّقَاءُ عَلَى يَقِيْنِهِ
فَأَزَالَهُ عَنْ رَأْيِهِ ... فَابْتَاعَ دُنْيَاهُ بِدِيْنِهِ
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ ابْنُ المُبَارَكِ، جَعَلَ رَجُلٌ يُلَقِّنُهُ، قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. فَأَكْثَرَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: لَسْتَ تُحْسِنُ، وَأَخَافُ أَنْ تُؤْذِيَ مُسْلِماً بَعْدِي، إِذَا لَقَّنْتَنِي، فَقُلْتُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، ثُمَّ لَمْ أُحْدِثْ كَلاَماً بَعْدَهَا، فَدَعْنِي، فَإِذَا أَحْدَثْتُ كَلاَماً، فَلَقِّنِّي حَتَّى تَكُوْنَ آخِرَ كَلاَمِي.
يُقَالُ: إِنَّ الرَّشِيْدَ لَمَّا بَلَغَهُ مَوْتُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: مَاتَ اليَوْمَ سَيِّدُ العُلَمَاءِ.
قَالَ عَبْدَانُ بنُ عُثْمَانَ: مَاتَ ابْنُ المُبَارَكِ بِهِيْتَ وَعَانَاتَ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ حَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ: قَالَ لِي ابْنُ المُبَارَكِ قَبْلَ أَنْ يَمُوْتَ: أَنَا ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ذَهَبْتُ لأَسْمَعَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، فَلَمْ أُدْرِكْهُ، وَكَانَ قَدْ قَدِمَ بَغْدَادَ، فَخَرَجَ إِلَى الثَّغْرِ، ولم أره.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الفُضَيل بنِ عِيَاضٍ: رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ فِي النَّومِ، فَقُلْتُ: أَيُّ العَمْلِ أَفْضَلُ? قَالَ: الأَمْرُ الَّذِي كنتُ فِيْهِ. قُلْتُ: الرِّبَاطُ وَالجِهَادُ? قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَمَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ? قَالَ: غَفَرَ لِي مَغْفِرَةً مَا بَعْدَهَا مَغْفِرَةٌ. رَوَاهَا رَجُلاَنِ عَنْ مُحَمَّدٍ.(7/390)
وَقَالَ العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّسَفي: سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ وَاقِفاً عَلَى بَابِ الجَنَّةِ، بِيَدِهِ مِفْتَاحٌ، فَقُلْتُ: مَا يوقفك هاهنا? قَالَ: هَذَا مِفْتَاحُ الجَنَّةِ، دَفَعَهُ إِلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: حَتَّى أَزُورَ الرَّبَّ، فَكُنْ أَمِيْنِي فِي السَّمَاءِ، كَمَا كُنْتَ أَمِيْنِي فِي الأَرْضِ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المصِّيصي: رَأَيْتُ الحَارِثَ بنَ عَطِيَّةَ فِي النَّومِ، فَسَأَلتُهُ، فَقَالَ: غَفَر لِي. قُلْتُ: فَابْنُ المُبَارَكِ? قَالَ: بَخٍ بَخٍ، ذَاكَ فِي عِلِّيِّينَ، مِمَّنْ يَلِجُ عَلَى اللهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ.
وَعَنْ نَوْفَلٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ? قَالَ: غَفَر لِي بِرِحْلَتِي فِي الحَدِيْثِ، عَلَيْكَ بِالقُرْآنِ، عَلَيْكَ بِالقُرْآنِ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ السَّوَّاق: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ المبارك فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ? قَالَ: غَفَر لِي بِرِحْلَتِي.
قَالَ النَّسَائِيُّ: أَثْبَتُ النَّاسِ فِي الأَوْزَاعِيِّ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ.
قَالَ الفَسَوِيُّ فِي "تَارِيْخِهِ": سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الرَّبِيْعِ يَقُوْلُ: شَهِدْتُ مَوْتَ ابْنِ المُبَارَكِ، مَاتَ لِعَشْرٍ مَضَى مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَمَاتَ سَحَراً، وَدَفَنَّاهُ بِهِيْتَ.
وَلبَعْضِ الفُضَلاَءِ:
مَرَرْتُ بِقَبْرِ ابْنِ المُبَارَكِ غَدْوَةً ... فَأَوْسَعَنِي وَعْظاً وَلَيْسَ بِنَاطِقِ
وَقَدْ كُنْتُ بِالعِلْمِ الَّذِي فِي جَوَانِحِي ... غَنِيّاً وَبِالشَّيْبِ الَّذِي فِي مَفَارِقِي
وَلَكِنْ أَرَى الذِّكْرَى تُنَبِّهُ عَاقِلاً ... إِذَا هِيَ جَاءتْ مِنْ رِجَالِ الحَقَائِقِ
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ الطَّائِيِّ، أَخْبَرَكُمُ القَاضِي أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ مُميلٍ الشَّافِعِيُّ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ بِمَنْزِلِهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيٍّ الخَرَقِيُّ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ السُّوسي، أَخْبَرَنَا سَهْلُ بنُ بِشْرٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُنِيْرٍ الخَلال، حَدَّثَنِي خَالِي أَحْمَدُ بنُ عَتِيْقٍ الخَشَّابُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الأَصْبَغِ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بنُ مَرْثَدٍ، سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ الفَرَّاءَ، سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:
المَرْءُ مِثْلُ هِلاَلٍ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ ... يَبدُو ضَئِيْلاً تَرَاهُ ثُمَّ يَتَّسق
حَتَّى إِذَا مَا تَرَاهُ ثُمَّ أَعقَبَهُ ... كَرُّ الجَدِيْدَيْنِ نَقْصاً ثُمَّ يَمَّحق
مِنْ تَارِيْخِ أَبِي عُمَرَ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ الصَّدَفِيِّ: مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ، فَاسْتُؤْذِنَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ بِالدُّخُولِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَرَأَيْنَا مَالِكاً(7/391)
تَزَحزَحَ لَهُ فِي مَجْلِسِهِ، ثُمَّ أَقعَدَهُ بِلصْقِهِ، وَمَا رَأَيْتُ مَالِكاً تَزَحزَحَ لأَحَدٍ فِي مَجْلِسِهِ غَيْرِه، فَكَانَ القَارِئُ يَقْرَأُ عَلَى مَالِكٍ، فَرُبَّمَا مَرَّ بِشَيْءٍ، فَيَسْأَلُهُ مَالِكٌ: مَا مَذْهَبُكُم فِي هَذَا? أَوْ مَا عِنْدَكُم فِي هَذَا? فَرَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يُجَاوِبُه، ثُمَّ قَامَ، فَخَرَجَ، فأعْجِبَ مالكٌ بأدبِه، ثُمَّ قَالَ لَنَا مَالِكٌ: هَذَا ابْنُ المُبَارَكِ فَقِيْهُ خُرَاسَانَ.
عَنِ المُسَيَّبِ بنِ وَاضِحٍ، قَالَ: أَرْسَلَ ابنُ المُبَارَكِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: سُدَّ بهذهِ فتنةَ القومِ عَنْكَ.
وَسُئِلَ ابْنُ المُبَارَكِ بِحُضُوْرِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: إِنَّا نُهِيْنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ عِنْد أَكَابِرِنَا.
قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يُحَدِّثُ مِنْ كِتَابٍ، وَمَنْ حَدَّثَ مِنْ كِتَابٍ، لاَ يَكَادُ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ سَقطٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ وَكِيْعٌ يحدث من حفظه. فكان يكون له سقط كم يكون حفظ الرجل?(7/392)
1284- ضَيْغم 1:
ابن مالك، الزَّاهِدُ، القُدْوَةُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو بَكْرٍ الرَّاسِبي، البَصْرِيُّ.
أَخَذَ عَنِ: التَّابِعِيْنَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ مَالِكٍ، وسيَّار بنُ حَاتِمٍ، وَأَبُو أَيُّوْبَ مَوْلَى ضَيْغم.
قال عبد الرحمن بن مهدي: ما رأيتُ مثلَ ضيغمٍ فِي الصَّلاَحِ وَالفَضْلِ.
قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: كَانَ وِرْدُهُ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَرْبَعَ مائَةِ رَكْعَةٍ، وَصَلَّى حَتَّى انْحَنَى، وَكَانَ مِنَ الخائفين البكَّائين.
وقال علي ابن المَدِيْنِيِّ: دَفَنَ ضَيْغَمٌ كُتُبَهُ.
وَكَانَ يَنَامُ ثُلُثَ اللَّيْلِ، وَيَتَعَبَّدُ ثُلُثَيْهِ.
تُوُفِّيَ ضَيْغَمٌ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، هُوَ وَصَاحِبُهُ بُسْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ العَابِدُ فِي يَوْمٍ.
وَعَنْهُ، قَالَ: قَوُوا عَلَى الاجْتِهَادِ بما يدخل قلوبهم من حلاوة العبادة.
__________
1 ترجمته في الجرح والتعديل "4/ ترجمة 2068".(7/392)
1285- الفُضَيل بن عِيَاض 1: "خ، م، د، س، ت"
ابن مسعود بن بشر، الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الثَّبْتُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عَلِيٍّ التَّمِيْمِيُّ، اليَرْبُوْعِيُّ، الخُرَاسَانِيُّ، المُجَاوِرُ بِحَرَمِ اللهِ.
وُلِدَ بِسَمَرْقَنْدَ، وَنَشَأَ بِأَبِيْوَرْدَ، وَارْتَحَلَ فِي طَلَبِ العِلْمِ.
فَكَتَبَ بِالكُوْفَةِ عَنْ: مَنْصُوْرٍ، وَالأَعْمَشِ، وَبَيَانِ بنِ بِشْرٍ، وَحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلَيْثٍ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَصَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيع، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَمُجَالِدٍ، وَأَشْعَثَ بنِ سَوَّارٍ، وَجَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم مِنَ الكُوْفِيِّيْنَ، وَالحِجَازِيِّينَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَالأَصْمَعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيِّ بنِ هِلاَلٍ -شَيْخٌ وَاسطِيٌّ- وَحُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، وَأَسَدُ السُّنَّةِ2، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَمُسَدَّدٌ، وَقُتَيْبَةُ، وَبِشْرٌ الحَافِي، وَالسَّرِيُّ بنُ مُغَلِّسٍ السَّقَطِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ، وَعُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ زُنْبُوْرٍ المَكِّيُّ، وَلُوَيْنُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى العَدَنِيُّ، وَالحُمَيْدِيُّ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بن يزيد مروديه، وَعَبْدَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ المَرْوَزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أبي السري العسقلاني، ومحمد بن قدامة المَصِّيْصِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ المَقَابِرِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. آخِرُهُم مَوْتاً، الحُسَيْنُ بنُ دَاوُدَ البَلْخِيُّ.
وَرَوَى عَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَجلُّ شُيُوْخِه، وَبَيْنَهُمَا فِي المَوْتِ مائَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ عَاماً.
قَالَ أَبُو عَمَّارٍ الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، عَنِ الفَضْلِ بنِ مُوْسَى، قَالَ: كَانَ الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ شَاطِراً يَقْطَعُ الطَّرِيْقَ بَيْنَ أَبِيْوَرْدَ وَسَرْخَسَ، وَكَانَ سَبَبُ تَوْبَتِهِ أَنَّهُ عَشِقَ جَارِيَةً، فَبَيْنَا هُوَ يَرْتَقِي الجُدْرَانَ إِلَيْهَا، إِذْ سَمِعَ تَالِياً يَتْلُو {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} [الحَدِيْدُ: 16] ، فَلَمَّا
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 500"، والتاريخ الكبير "7/ ترجمة 550"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 179"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 416"، وحلية الأولياء "8/ ترجمة رقم 397"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 232"، والكاشف "2/ ترجمة 4558"، والعبر "1/ 195"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 6768"، وتهذيب التهذيب "7/ 294"، وتقريب التهذيب "2/ 113"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5739"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 316".
2 أسد السنة: هو أسد بن موسى بن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن داود الأموي، صدوق يُغرب، وفيه نصب، من صغار أتباع التابعين، روى له البخاري تعليقا، وأبو داود، والنسائي.(7/393)
سَمِعَهَا قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، قَدْ آنَ فَرَجَعَ، فَآوَاهُ اللَّيْلُ إِلَى خَرِبَةٍ، فَإِذَا فِيْهَا سَابِلَةٌ، فَقَالَ بَعْضُهُم: نَرحَلُ. وَقَالَ بَعْضُهُم: حَتَّى نُصْبِحَ، فَإِنَّ فُضَيْلاً عَلَى الطَّرِيْقِ يَقْطَعُ عَلَيْنَا.
قَالَ: فَفَكَّرْتُ، وَقُلْتُ: أَنَا أَسْعَى بِاللَّيْلِ فِي المعاصي، وقوم من المسلمين ههنا يَخَافُونِي، وَمَا أَرَى اللهَ سَاقَنِي إِلَيْهِم إِلاَّ لأَرْتَدِعَ، اللَّهُمَّ إِنِّيْ قَدْ تُبْتُ إِلَيْكَ، وَجَعَلْتُ تَوْبَتِي مُجَاوَرَةَ البَيْتِ الحَرَامِ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: فُضَيْلٌ ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: فُضَيْلٌ: رَجُلٌ صَالِحٌ، وَلَمْ يَكُنْ بِحَافِظٍ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ: كُوْفِيٌّ، ثِقَةٌ، مُتَعَبِّدٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ، سَكَنَ مَكَّةَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عمَّار: لَيْتَ فُضَيْلاً كَانَ يُحَدِّثُكَ بِمَا يَعْرِفُ، قِيْلَ لابْنِ عَمَّار: تَرَى حَدِيْثَهُ حُجَّةً? قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ!
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: وُلِدَ بِخُرَاسَانَ، بِكُوْرَةِ أَبِيْوَرْدَ، وَقَدِمَ الكُوْفَةَ وَهُوَ كَبِيْرٌ، فَسَمِعَ مِنْ مَنْصُوْرٍ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ تَعَبَّدَ، وَانْتَقَلَ إِلَى مَكَّةَ، وَنَزَلَهَا، إِلَى أَنْ مَاتَ بِهَا فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، فِي خِلاَفَةِ هَارُوْنَ، وَكَانَ ثِقَةً، نَبِيْلاً، فَاضِلاً، عَابِداً، وَرِعاً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ أَبُو وَهْب مُحَمَّدُ بنُ مُزَاحم: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَعَبْدَ النَّاسِ عَبْدَ العَزِيْز بنَ أَبِي رَوَّادٍ، وَأَورَعَ النَّاسِ الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، وَأَعْلَمَ النَّاسِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَأَفْقَهَ النَّاسِ أَبَا حَنِيْفَةَ، مَا رَأَيْتُ فِي الفِقْهِ مِثْلَهُ.
وَرَوَى إِبْرَاهِيْمُ بنُ شَمَّاس، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ قَالَ: مَا بَقِيَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنَ الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ.
قَالَ نَصْرُ بنُ المُغِيْرَةِ البُخَارِيُّ: سمعت إبراهيم بن شماس يقول: رأيت أفقه النَّاسِ، وَأَورَعَ النَّاسِ، وَأَحْفَظَ النَّاسِ، وَكِيْعاً، وَالفُضَيْلَ، وابن المبارك.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ: أَفْضَلُ مَنْ رَأَيْتُ مِنَ المَشَايِخِ: بِشْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، وَعَوْنُ بنُ مَعْمَرٍ، وَحَمْزَةُ بنُ نَجِيْحٍ.
قُلْتُ: عَوْنٌ وَحَمْزَةُ لاَ يَكَادَانِ يُعرَفَانِ، وَكَانَا عابدين.(7/394)
قال النصر بنُ شُمَيل: سَمِعْتُ الرَّشِيْدَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ فِي العُلَمَاءِ أَهْيَبَ مِنْ مَالِكٍ، وَلاَ أَورَعَ مِنَ الفُضَيْلِ.
وَرَوَى أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، عَنِ الهَيْثَمِ بنِ جَمِيْلٍ، سَمِعْتُ شَرِيْكاً يَقُوْلُ: لَمْ يَزَلْ لِكُلِّ قَوْمٍ حُجَّةٌ فِي أَهْلِ زَمَانِهِم، وَإِنَّ فُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ حُجَّةٌ لأَهْلِ زَمَانِه. فَقَامَ فَتَىً مِنْ مَجْلِسِ الهَيْثَمِ، فَلَمَّا تَوَارَى، قَالَ الهَيْثَمُ: إِنْ عَاشَ هَذَا الفَتَى، يَكُوْنُ حُجَّةً لأَهْلِ زَمَانِه. قِيْلَ: مَنْ كَانَ الفتى? قال: أحمد ابن حَنْبَلٍ.
قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ مَرْدَوَيْه الصَّائِغُ: قَالَ لِي ابْنُ المُبَارَكِ: إِنَّ الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ صَدَقَ اللهَ، فَأَجْرَى الحِكْمَةَ عَلَى لِسَانِهِ، فَالفُضَيْلُ مِمَّنْ نَفَعَهُ عِلْمُهُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَفَّانَ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ لأَبِي مَرْيَمَ القَاضِي: مَا بَقِيَ فِي الحِجَازِ أَحَدٌ مِنَ الأَبْدَالِ إِلاَّ فُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، وَابْنُهُ عليٌّ، وَعَلِيٌّ مُقدَّم فِي الخَوْفِ، وَمَا بَقِيَ أَحَدٌ فِي بِلاَدِ الشَّامِ إِلاَّ يُوْسُفُ ابن أَسْبَاطٍ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ الأَسْوَدُ، وَمَا بَقِيَ أَحَدٌ بِخُرَاسَانَ إِلاَّ شَيْخٌ حَائِكٌ، يُقَالُ لَهُ: مَعْدان.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَقَارِيْضِيُّ المذكَّر: سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ الحَارِثِ يَقُوْلُ: عَشْرَةٌ مِمَّنْ كَانُوا يَأْكلُوْنَ الحَلاَلَ، لاَ يُدخِلُوْنَ بُطُوْنَهُم إِلاَّ حَلاَلاً، وَلَوِ اسْتَفُّوا التُّرَابَ وَالرَّمَادَ. قُلْتُ: مَنْ هُم يَا أَبَا نَصْرٍ? قَالَ: سُفْيَانُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ، والفُضيل بنُ عِيَاضٍ، وَابْنُهُ، وَسُلَيْمَانُ الخَوَّاصُ، وَيُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ نَجِيْحٌ الخَادِمُ، وَحُذَيْفَةُ المَرْعَشِيُّ، وَدَاوُدُ الطَّائِيُّ، وَوُهَيْبُ بنُ الوَرْدِ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْعَثِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً كَانَ اللهُ فِي صَدْرِهِ أَعْظَمَ مِنَ الفُضَيْلِ، كَانَ إِذَا ذَكَرَ اللهَ، أَوْ ذُكِرَ عِنْدَهُ أَوْ سَمِعَ القُرْآنَ، ظَهَرَ بِهِ مِنَ الخَوْفِ وَالحُزْنِ، وَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَبَكَى، حَتَّى يَرْحَمَهُ مَنْ يَحضُرُهُ، وَكَانَ دَائِمَ الحُزْنِ، شَدِيْدَ الفِكرَةِ، مَا رَأَيْتُ رَجُلاً يُرِيْدُ اللهَ بِعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ، وَأَخْذِهِ وَعَطَائِهِ، وَمَنْعِهِ وَبَذْلِهِ، وَبُغْضِهِ وَحُبِّهِ، وَخِصَالِهِ كُلِّهَا غَيْرَهُ، كُنَّا إِذَا خَرَجْنَا مَعَهُ فِي جَنَازَةٍ لاَ يَزَالُ يَعِظُ وَيُذَكِّرُ وَيَبْكِي، كَأَنَّهُ مُوَدِّعٌ أَصْحَابَه، ذاهب إلى الآخرة، حَتَّى يَبْلُغَ المَقَابِرَ، فَيَجْلِسُ مَكَانَهُ بَيْنَ المَوْتَى مِنَ الحُزْنِ وَالبُكَاءِ، حَتَّى يَقُوْمَ وَكَأَنَّهُ رَجَعَ مِنَ الآخِرَةِ، يُخْبِرُ عَنْهَا.
وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ مَرْدَوَيْه: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: لَمْ يَتَزَيَّنِ النَّاسُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنَ الصِّدْقِ، وَطَلَبِ الحَلاَلِ. فَقَالَ ابْنُهُ عَلِيٌّ: يَا أَبَةِ! إِنَّ الحَلاَلَ عَزِيْزٌ. قَالَ: يَا بُنَيَّ، وَإِنَّ قَلِيْلَهُ عِنْدَ اللهِ كَثِيْرٌ.(7/395)
قَالَ سَرِي بنُ المغَلِّس: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: مَنْ خَافَ اللهَ، لَمْ يَضُرَّهُ أَحَدٌ، وَمَنْ خَافَ غَيْرَ اللهِ، لَمْ يَنْفَعْهُ أَحَدٌ.
وَقَالَ فَيْضُ بنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ وسأله عبد الله ابن مَالِكٍ: يَا أَبَا عَلِيٍّ! مَا الخَلاَصُ مِمَّا نَحْنُ فِيْهِ? قَالَ: أَخْبِرْنِي، مَنْ أَطَاعَ اللهَ هَلْ تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ أَحَدٍ? قَالَ: لاَ. قَالَ: فَمَنْ يَعصِي اللهَ هَلْ تَنفَعُهُ طَاعَةُ أَحَدٍ? قَالَ: لاَ. قَالَ: هُوَ الخَلاَصُ، إِنْ أَرَدْتَ الخَلاَصَ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْعَثِ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: رَهْبَةُ العَبْدِ مِنَ اللهِ عَلَى قَدْرِ عِلْمِهِ بِاللهِ، وَزَهَادَتُهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى قَدْرِ رَغْبَتِهِ فِي الآخِرَةِ، مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ، اسْتَغنَى عَمَّا لاَ يَعْلَمُ، وَمَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ، وَفَّقَهُ اللهُ لِمَا لاَ يَعْلَمُ، وَمَنْ سَاءَ خُلُقَهُ شَانَ دِيْنَهُ، وَحَسَبَهُ، وَمُرُوءتَهُ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَكذَبُ النَّاسِ العَائِدُ فِي ذَنْبِهِ، وَأَجهَلُ النَّاسِ المُدِلُّ بِحَسَنَاتِه، وَأَعْلَمُ النَّاسِ بِاللهِ أَخْوَفُهُم مِنْهُ، لَنْ يَكْمُلَ عَبْدٌ حَتَّى يُؤثِرَ دِيْنَهُ عَلَى شَهْوَتِهِ، وَلَنْ يَهْلِكَ عَبدٌ حَتَّى يُؤثِرَ شَهْوَتَه عَلَى دِيْنِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدَوَيْه: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: تَرْكُ العَمْلِ مِنْ أَجلِ النَّاسِ رِيَاءٌ، وَالعَمْلُ مِنْ أَجلِ النَّاسِ شِرْكٌ، والإخلاص أن يعاقبك اللهُ عَنْهُمَا.
قَالَ سَلْمَ بنُ عَبْدِ اللهِ الخُرَاسَانِيُّ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: إِنَّمَا أَمْس مَثَلٌ، وَاليَوْمَ عَمَلٌ، وَغداً أَمَلٌ.
وَقَالَ فَيْضُ بنُ إِسْحَاقَ: قَالَ الفُضَيْلُ: وَاللهِ مَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تُؤْذِيَ كَلْباً وَلاَ خِنْزِيْراً بِغَيْرِ حَقٍّ، فَكَيْفَ تُؤْذِي مُسْلِماً؟!
وَعَنْ فُضَيْلٍ: لاَ يَكُوْنُ العَبْدُ مِنَ المُتَّقِيْنَ حَتَّى يَأْمَنَهُ عَدُوُّهُ.
وَعَنْهُ: بِقَدْرِ مَا يَصْغُرُ الذَّنْبُ عِنْدَكَ، يَعظُمُ عِنْدَ اللهِ، وَبِقَدْرِ مَا يَعْظُمُ عِنْدَكَ، يَصغُرُ عِنْدَ الله.
قال مُخرِز بنُ عَوْنٍ: أَتَيْتُ الفُضَيْلَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ لِي: يَا مُحْرِزُ، وَأَنْتَ أَيْضاً مَعَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، مَا فَعَلَ القُرْآنُ? وَاللهِ لَوْ نَزَلَ حَرْفٌ بِاليَمَنِ، لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ نَذْهَبَ حَتَّى نَسْمَعَهُ، وَاللهِ لأَنْ تَكُوْنَ رَاعِيَ الحُمُرِ وَأَنْتَ مُقِيْمٌ عَلَى مَا يُحِبُّ اللهُ، خَيْرٌ لَكَ مِنَ الطَّوَافِ وَأَنْتَ مُقِيْمٌ عَلَى مَا يَكرَهُ اللهُ.
المُفَضَّلُ الجَنَدِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَخَوْفَ عَلَى نَفْسِهِ، وَلاَ أَرْجَى لِلنَّاسِ مِنَ الفُضَيْلِ، كَانَتْ قِرَاءتُهُ حَزِيْنَةً، شَهِيَّةً، بَطِيئَةً، مُتَرسِّلَةً، كَأَنَّهُ(7/396)
يُخَاطِبُ إِنْسَاناً، وَكَانَ إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيْهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ، يُرَدِّدُ فِيْهَا، وَسَأَلَ، وَكَانَتْ صَلاَتُهُ بِاللَّيْلِ أَكْثَرُ ذَلِكَ قَاعِداً، يُلْقَى لَهُ الحَصِيْرُ فِي مَسْجِدِهِ، فَيُصَلِّي فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ سَاعَةً، ثم تغلبه عينيه، فَيُلْقِي نَفْسَهُ عَلَى الحَصِيْرِ، فَيَنَامُ قَلِيْلاً، ثُمَّ يَقُوْمُ، فَإِذَا غَلَبَهُ النَّوْمُ نَامُ، ثُمَّ يَقُوْمُ هَكَذَا حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ دَأْبُهُ إِذَا نَعِسَ أَنْ يَنَامَ، وَيُقَالُ: أَشَدُّ العِبَادَةِ مَا كَانَ هَكَذَا.
وَكَانَ صَحِيْحَ الحَدِيْثِ، صَدُوْقَ اللِّسَانِ، شَدِيْدَ الهَيْبَةِ لِلْحَدِيْثِ إِذَا حَدَّثَ، وَكَانَ يَثقُلُ عَلَيْهِ الحَدِيْثُ جِدّاً، وَرُبَّمَا قَالَ لِي: لَوْ أَنَّكَ طَلَبتَ مِنِّي الدَّنَانِيرَ، كَانَ أَيسَرَ عَلَيَّ مِنْ أَنْ تَطلُبَ مِنِّي الحَدِيْثَ. فَقُلْتُ: لَوْ حَدَّثْتَنِي بِأَحَادِيْثَ فَوَائِدَ لَيْسَتْ عِنْدِي، كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَهَبَ لِي عَدَدَهَا دَنَانِيْرَ. قَالَ: إِنَّكَ مَفْتُوْنٌ، أَمَا وَاللهِ لَوْ عَمِلتَ بِمَا سَمِعْتَ، لَكَانَ لَكَ فِي ذَلِكَ شُغُلٌ عَمَّا لَمْ تَسْمَعْ، سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بنَ مِهْرَانَ يَقُوْلُ: إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْكَ طَعَامٌ تَأْكُلُه، فَتَأْخُذُ اللُّقمَةَ، فَتَرمِي بِهَا خَلْفَ ظَهرِكَ، مَتَى تَشبَعُ?
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَبِي المَكَارِمِ التَّيْمِيِّ، أَخْبَرَنَا الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ زَكَرِيَّا الغَلاَبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الجَرْمِيُّ النَّحْوِيُّ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ الرَّبِيْعِ، قَالَ: حَجَّ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ -يَعْنِي: هَارُوْنَ- فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ! قَدْ حَكَّ فِي نَفْسِي شيء، فانظر لي رجلا أسأله. فقلت: ههنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ. فَقَالَ: امضِ بِنَا إِلَيْهِ. فَأَتَيْنَاهُ، فَقَرَعتُ بَابَه، فَقَالَ: مَنْ ذَا? فَقُلْتُ: أَجِبْ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. فَخَرَجَ مُسْرِعاً، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! لَوْ أَرْسَلتَ إليَّ، أَتَيْتُكَ. فَقَالَ: خُذْ لِمَا جِئْتُكَ لَهُ. فَحَدَّثَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ لَهُ: عَلَيْكَ دَينٌ? قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ لِي: اقْضِ دَيْنَهُ. فَلَمَّا خَرَجْنَا، قَالَ: مَا أغنى عني صاحبك شيئًا. قلت: ههنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. قَالَ: امضِ بِنَا إِلَيْهِ. فَأَتَيْنَاهُ، فَقَرَعتُ البَابَ، فَخَرَجَ، وَحَادَثَه سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: عَلَيْكَ دَينٌ? قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَبَا عَبَّاسٍ! اقْضِ دَيْنَهُ. فَلَمَّا خَرَجْنَا، قَالَ: مَا أَغْنَى عَنِّي صَاحِبُك شَيْئاً، انْظُرْ لِي رَجُلاً أَسْأَلْهُ. قلت: ههنا الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ. قَالَ: امْضِ بِنَا إِلَيْهِ. فَأَتَيْنَاهُ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَتْلُو آيَةً يُرَدِّدُهَا، فَقَالَ: اقْرَعِ البَابَ. فَقَرَعتُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا? قُلْتُ: أَجِبْ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: مَا لِي وَلأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ? قُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ! أَمَا عَلَيْكَ طَاعَةٌ؟ فَنَزَلَ، فَفَتَحَ البَابَ، ثُمَّ ارْتَقَى إِلَى الغُرفَةِ، فَأَطْفَأَ السِّرَاجَ، ثُمَّ الْتَجَأَ إِلَى زَاوِيَةٍ، فَدَخَلْنَا، فَجَعَلْنَا نَجُولُ عَلَيْهِ بِأَيْدِيْنَا، فَسَبَقَتْ كَفُّ هَارُوْنَ قَبْلِي إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا لَهَا مِنْ كَفٍّ مَا أَلْيَنَهَا إِنْ نَجَتْ غَداً مِنْ عَذَابِ اللهِ! فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَيُكَلِّمَنَّهُ اللَّيْلَةَ بِكَلاَمٍ نَقِيٍّ مِنْ قَلْبٍ تَقِيٍّ. فَقَالَ لَهُ: خُذْ لِمَا جِئنَاكَ لَهُ -رَحِمَكَ اللهُ- فَقَالَ: إِنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ لَمَّا وَلِيَ الخِلاَفَةَ، دَعَا سَالِمَ بنَ عَبْدِ اللهِ، وَمُحَمَّدَ بنَ كَعْبٍ، وَرَجَاءَ بنَ حَيْوَةَ، فَقَالَ لَهُم: إِنِّيْ قَدِ ابْتُلِيتُ بِهَذَا البَلاَءِ، فَأَشِيْرُوا عَلَيَّ. فَعَدَّ الخِلاَفَةَ بَلاَءً، وَعَدَدْتَهَا أَنْتَ وَأَصْحَابَك نِعمَةً. فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ: إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ(7/397)
فَصُمِ الدُّنْيَا، وَلْيَكُنْ إِفْطَارُكَ مِنْهَا المَوْتَ. وَقَالَ لَهُ ابْنُ كَعْبٍ: إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ مِنْ عَذَابِ اللهِ، فَلْيَكُنْ كَبِيْرُ المُسْلِمِيْنَ عِنْدَك أَباً، وَأَوْسَطُهُم أَخاً، وَأَصْغَرُهُم وَلداً، فَوَقِّرْ أَبَاكَ، وَأَكْرِمْ أَخَاكَ، وَتَحَنَّنْ عَلَى وَلَدِكَ.
وَقَالَ لَهُ رَجَاءٌ: إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ مِنْ عَذَابِ اللهِ، فَأَحِبَّ لِلْمُسْلِمِيْنَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُم مَا تَكرَهُ لِنَفْسِكَ، ثُمَّ مُتْ إِذَا شِئْتَ، وَإِنِّيْ أَقُوْلُ لَكَ هَذَا، وَإِنِّيْ أَخَافُ عَلَيْكَ أَشَدَّ الخَوْفِ يَوْماً تَزِلُّ فِيْهِ الأَقْدَامُ، فَهَلْ مَعَكَ -رحمك الله- من يُشِيْرُ عَلَيْكَ بِمِثْلِ هَذَا؟ فَبَكَى بُكَاءً شَدِيْداً، حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ. فَقُلْتُ لَهُ: ارْفُقْ بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. فَقَالَ: يَا ابْنَ أُمِّ الرَّبِيْعِ، تَقْتُلُهُ أَنْتَ وَأَصْحَابُك، وَأَرْفُقُ بِهِ أَنَا. ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ لَهُ: زِدْنِي -رَحِمَكَ اللهُ. قُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّ عَامِلاً لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ شُكِيَ إِلَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: يَا أَخِي! أُذَكِّرُكَ طُوْلَ سَهِرِ أَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ، مَعَ خُلُوْدِ الأَبَدِ، وَإِيَّاكَ أَنْ يُنْصَرَفَ بِكَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، فَيَكُوْنُ آخِرَ العَهدِ، وَانقِطَاعَ الرَّجَاءِ. فَلَمَّا قَرَأَ الكِتَابَ، طَوَى البِلاَدَ، حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا أَقْدَمَكَ? قَالَ: خَلَعتَ قَلْبِي بِكِتَابِكَ، لاَ أَعُوْدُ إِلَى وِلاَيَةٍ حَتَّى أَلْقَى اللهَ. فَبَكَى هَارُوْنُ بُكَاءً شَدِيْداً. فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ العَبَّاسِ عَمِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أمِّرني فَقَالَ لَهُ: "إِنَّ الإِمَارَةَ حَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ تَكُوْنَ أَمِيْراً، فَافْعَلْ" 1. فَبَكَى هَارُوْنُ، وَقَالَ: زِدْنِي. قَالَ: يَا حَسَنَ الوَجْهِ، أَنْتَ الَّذِي يَسْأَلُكَ اللهُ عَنْ هَذَا الخَلْقِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقِيَ هَذَا الوَجْهَ مِنَ النَّارِ، فَافْعَلْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمسِيَ وَفِي قَلْبِكَ غِشٌّ لأَحَدٍ مِنْ رَعِيَّتِك، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ أَصْبَحَ لَهُم غَاشّاً، لَمْ يَرُحْ رائحة الجنة" 2. فبكى هارون، وقال له: عَلَيْكَ دَينٌ? قَالَ: نَعَمْ، دَينٌ لِرَبِّي، لَمْ يُحَاسِبْنِي عَلَيْهِ، فَالوَيْلُ لِي إِنْ سَاءلَنِي، وَالوَيلُ لي إن ناقشني،
__________
1 لم يرد بهذا اللفظ في شيء من كتب ودواوين السنة المشرفة، لكن ورد في عظم أمر الإمارة ما أخرجه مسلم "1825" من طريق الحارث بن يزيد الحضرمي، عن ابن حجيرة الأكبر، عن أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي. ثم قال: "يا با ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيْهَا". وأخرج البخاري "7148" من طريق ابن أبي ذئب، عن سعيد المَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إنكم ستحرصون على الامارة وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة".
وأخرج البخاري "7147" عن عبد الرحمن بن سمرة قَالَ: قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الامارة، فإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك".
1 أخرجه البخاري "7151"، ومسلم "142" من حديث معقل بن يسار مرفوعا بلفظ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيْهِ اللهُ رَعِيَّةً يَمُوْتُ يَوْمَ يَمُوْتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلاَّ حَرَّمَ الله عليه الجنة".(7/398)
وَالوَيلُ لِي إِنْ لَمْ أُلْهَم حُجَّتِي. قَالَ: إِنَّمَا أَعْنِي مِنْ دَينِ العِبَادِ. قَالَ: إِنَّ رَبِّي لَمْ يَأْمُرْنِي بِهَذَا، أَمَرَنِي أَنْ أَصْدُقَ وَعْدَهُ، وَأُطِيْعَ أَمْرَهُ، فَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذَّارِيَاتُ: 56] ، الآيَاتِ. فَقَالَ: هَذِهِ أَلفُ دِيْنَارٍ، خُذْهَا، فَأَنْفِقْهَا عَلَى عِيَالِكَ، وتقوَّ بِهَا عَلَى عِبَادَةِ رَبِّكَ. فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! أَنَا أَدُلُّكَ عَلَى طَرِيْقِ النَّجَاةِ، وَأَنْتَ تُكَافِئُنِي بِمِثلِ هَذَا، سَلَّمَكَ اللهُ، وَوَفَّقَكَ. ثُمَّ صَمَتَ، فَلَمْ يُكَلِّمْنَا. فَخَرَجْنَا، فَقَالَ هَارُوْنُ: أَبَا عَبَّاسٍ! إِذَا دَلَلْتَنِي، فَدُلَّنِي عَلَى مِثْلِ هَذَا، هَذَا سَيِّدُ المُسْلِمِيْنَ. فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ، فَقَالَتْ: قَدْ تَرَى مَا نَحْنُ فِيْهِ مِنَ الضِّيقِ، فَلَو قَبِلْتَ هَذَا المَالَ. قَالَ: إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُم، كَمَثَلِ قَوْمٍ لَهُم بَعِيْرٌ يَأْكلُوْنَ مِنْ كَسْبِهِ، فَلَمَّا كَبِرَ نَحَرُوهُ، فَأَكَلُوا لَحْمَهُ، فَلَمَّا سَمِعَ هَارُوْنُ هَذَا الكَلاَمَ، قَالَ: نَدْخُلُ، فَعَسَى أَنْ يَقْبَلَ المَالَ. فَلَمَّا عَلِمَ الفُضَيْلُ، خَرَجَ، فَجَلَسَ فِي السَّطحِ عَلَى بَابِ الغُرفَةِ، فَجَاءَ هَارُوْنُ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ، فَلاَ يُجِيْبُهُ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذْ خَرَجَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: يَا هَذَا! قَدْ آذَيْتَ الشَّيْخَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ، فَانْصَرِفْ، فَانْصَرَفْنَا.
حِكَايَةٌ عَجِيْبَةٌ، وَالغَلاَبِيُّ غَيْرُ ثِقَةٍ. وَقَدْ رَوَاهَا: غَيْرُهُ.
أَخْبَرَتْنَا عَائِشَةُ بِنْتُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ رَاجِحٍ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا العَلاَّفُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الحَمَّامِيُّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَجَّاجِ بِالمَوْصِلِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعْدَانَ الحَرَّانِيُّ، حدثنا أبو عمر النحوي -هو الجَرْمِيُّ- عَنِ الفَضْلِ بنِ الرَّبِيْعِ، بِهَا.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ شَقِيْقٍ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ: قَالَ الفُضَيْلُ: لَوْ خُيِّرتُ بَيْنَ أَنْ أَعِيْشَ كَلْباً، وَأَمُوْتَ كَلباً وَلاَ أَرَى يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَخْتَرْتُ ذَلِكَ.
وَقَالَ فَيْضُ بنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: وَاللهِ لأَنْ أَكُوْنَ تُرَاباً، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُوْنَ فِي مِسلاَخِ أَفْضَلِ أَهْلِ الأَرْضِ، وَمَا يَسُرُّنِي أَنْ أَعْرِفَ الأَمْرَ حَقَّ مَعْرِفَتِه، إِذاً لَطَاشَ عَقْلِي.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الطَّبَرِيُّ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: لَوْ قُلْتُ: إِنَّكَ تَخَافُ المَوْتَ، مَا قَبْلِتُ مِنْكَ، لَوْ خِفتَ المَوْتَ، مَا نَفَعَكَ طَعَامٌ وَلاَ شَرَابٌ، وَلاَ شَيْءٌ، مَا يَسُرُّنِي أَنْ أعرف الأمر حق معرفته، إذا لطاش عقلي، وَلَمْ أَنْتَفِعْ بِشَيْءٍ.
عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: لاَ تَجْعَلِ الرِّجَالَ أَوْصِيَاءكَ، كَيْفَ تَلُوْمُهُم أَنْ يُضِيعُوا وَصِيَّتَكَ، وَأَنْتَ قَدْ ضَيَّعْتَهَا فِي حَيَاتِكَ.(7/399)
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْداً، أَكْثَرَ غمه وإذا بغض عَبداً، وَسَّعَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْعَثِ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُذْكَرَ لَمْ يُذْكَرْ، وَمَنْ كَرِهَ أَنْ يُذْكَرَ ذُكِرَ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وَعِزَّتِهِ، لَوْ أَدْخَلَنِي النَّارَ مَا أَيِسْتُ.
وَسَمِعتُهُ -وَقَدْ أَفَضْنَا مِنْ عَرَفَاتَ- يَقُوْلُ: وَاسَوْأَتَاهُ -وَاللهِ مِنْكَ- وَإِنْ عَفَوْتَ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: الخَوْفُ أَفْضَلُ مِنَ الرَّجَاءِ مَا دَامَ الرَّجُلُ صَحِيْحاً، فَإِذَا نَزَلَ بِهِ المَوْتُ، فَالرَّجَاءُ أَفْضَلُ.
قُلْتُ: وَذَلِكَ لِقَوْلِه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ يَمُوْتَنَّ أَحَدُكُم إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ" 1.
رَوَى أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّورقي، عَنْ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ، قَالَ: بَلَغَ الفُضَيْلَ أَنَّ حَرِيْزاً يُرِيْدُ أَنْ يَأْتِيَهُ، فَأَقفَلَ البَابَ مِنْ خَارِجٍ، فَجَاءَ، فَرَأَى البَابَ مُقْفَلاً، فَرَجَعَ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: حَرِيْزٌ. قَالَ: مَا يَصْنَعُ بِي، يُظْهِرُ لِي مَحَاسِنَ كَلاَمِهِ، وَأُظهِرُ لَهُ مَحَاسِنَ كَلاَمِي، فَلاَ يَتَزَيَّنُ لِي، وَلاَ أَتَزَيَّنُ لَهُ خَيْرٌ لَهُ.
ثُمَّ قَالَ عليٌّ: مَا رَأَيْتُ أَنصَحَ لِلْمُسْلِمِيْنَ، وَلاَ أَخَوْفَ مِنْهُ، وَلَقَدْ رَأْيْتُهُ فِي المَنَامِ قَائِماً عَلَى صُنْدُوْقٍ يُعطِي المَصَاحِفَ، وَالنَّاسُ حَوْلَهُ، فِيْهِم سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَهَارُوْنُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، فَمَا رَأْيْتُهُ يُوَدِّعُ أَحَداً، فَيَقدِرُ أَنْ يُتِمَّ وَدَاعَه.
قَالَ فَيْضُ بنُ وَثِيْقٍ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ تَكُوْنَ مُحَدِّثاً، وَلاَ قَارِئاً، وَلاَ مُتَكَلِّماً، إِنْ كُنْتَ بَلِيْغاً، قَالُوا: مَا أَبْلَغَهُ، وَأَحْسَنَ حَدِيْثَه، وَأَحْسَنَ صَوْتَه! فَيُعجِبُكَ ذَلِكَ، فَتَنْتَفِخَ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَلِيْغاً، وَلاَ حَسَنَ الصَّوتِ، قَالُوا: لَيْسَ يُحْسِنُ يُحَدِّثُ، وَلَيْسَ صَوْتُهُ بِحَسَنٍ، أَحزَنَكَ ذَلِكَ، وَشقَّ عَلَيْك، فَتكُوْنَ مُرَائِياً. وَإِذَا جَلَسْتَ، فَتَكَلَّمْتَ، فَلَمْ تُبَالِ مَنْ ذَمَّكَ، وَمَنْ مَدَحَكَ فَتَكَلَّمْ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ زُنْبور: قَالَ الفُضَيْلُ: لاَ يَسْلَمُ لَكَ قَلْبُكَ حَتَّى لاَ تُبَالِي من أكل الدنيا.
وقيل لَهُ: مَا الزُّهْدُ? قَالَ: القُنُوعُ. قِيْلَ: مَا الوَرَعُ? قَالَ: اجْتنَابُ المَحَارِمِ. قِيْلَ: مَا العِبَادَةُ? قَالَ: أَدَاءُ الفَرَائِضِ. قِيْلَ: مَا التَّوَاضُعُ? قَالَ: أَنْ تَخضَعَ لِلْحقِّ. وَقَالَ: أَشدُّ الوَرَعِ فِي اللسان.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2877" من حديث جابر بن عبد الله، به مرفوعا.(7/400)
قُلْتُ: هَكَذَا هُوَ، فَقَدْ تَرَى الرَّجُلَ وَرِعاً فِي مَأْكَلِهِ، وَمَلْبَسِه، وَمُعَامَلَتِه، وَإِذَا تَحدَّثَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ الدَّاخِلُ مِنْ حَدِيْثِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَتَحَرَّى الصِّدْقَ، فَلاَ يَكمُلُ الصِّدْقُ، وَإِمَّا أَنْ يَصْدُقَ، فَيُنَمِّقَ حَدِيْثَه لِيُمدَحَ عَلَى الفَصَاحَةِ، وَإِمَّا أَنْ يُظهِرَ أَحْسَنَ مَا عِنْدَهُ لِيُعَظَّمَ، وَإِمَّا أَنْ يَسكُتَ فِي مَوْضِعِ الكَلاَمِ لِيُثْنَى عَلَيْهِ، وَدَوَاءُ ذَلِكَ كُلِّه الانْقِطَاعُ عَنِ النَّاس، إِلاَّ مِنَ الجَمَاعَةِ.
قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: لَوْ أَنَّ لِي دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً، مَا جَعَلْتُهَا إِلاَّ فِي إِمَامٍ، فَصَلاَحُ الإِمَامِ صَلاَحُ البِلاَدِ وَالعِبَادِ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: إِنَّمَا هُمَا عَالِمَانِ، فَعَالِمُ الدُّنْيَا: عِلْمُهُ مَنْشُوْرٌ، وَعَالِمُ الآخِرَةِ: عِلْمُهُ مَسْتُورٌ، احْذَرُوا عَالِمَ الدُّنْيَا، لاَ يَضُرُّكُم بِسُكْرِهِ، العُلَمَاءُ كَثِيْرٌ، وَالحُكمَاءُ قَلِيْلٌ.
وَعَنْهُ: لاَ يَبلُغُ العَبْدُ حَقِيْقَةَ الإِيْمَانِ، حَتَّى يَعُدَّ البَلاَءَ نِعمَةً، وَالرَّخَاءَ مُصِيْبَةً، وَحَتَّى لاَ يُحِبَّ أَنْ يُحْمَدَ عَلَى عِبَادَةِ اللهِ.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ زِيَادٍ المَرْوَزي: سَمِعْتُ فُضَيْلاً يَقُوْلُ: لَوْ حَلَفْتُ أَنِّي مُرَاءٍ، كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أحلف أن لَسَتُ بِمُرَاءٍ، وَلَو رَأَيْتُ رَجُلاً اجْتَمَعَ النَّاسُ حَوْلَهُ، لَقُلْتُ: هَذَا مَجْنُوْنٌ، مَنِ الَّذِي اجْتَمَعَ النَّاسُ حَوْلَهُ، لاَ يُحِبُّ أَنْ يُجَوِّدَ كَلاَمَهُ لَهُم?
فَيْضُ بنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ فُضَيْلاً يَقُوْلُ: لَيْسَتِ الدُّنْيَا دَارَ إِقَامَةٍ، وَإِنَّمَا آدَمُ أُهْبِطَ إِلَيْهَا عُقُوْبَةً، أَلاَ تَرَى كَيْفَ يَزْوِيْهَا عَنْهُ، وَيُمَرِّرُهَا عَلَيْهِ بِالجُوْعِ، بِالعُرِيِّ، بِالحَاجَةِ، كَمَا تَصْنَعُ الوَالِدَةُ الشَّفِيْقَةُ بِوَلَدِهَا، تَسقِيْهِ مَرَّةً حُضَضاً، وَمَرَّةً صبرًا، وإنما بِذَلِكَ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ.
وَعَنِ الفُضَيْلِ: حَرَامٌ عَلَى قُلُوْبِكُم أَنْ تُصِيْبَ حَلاَوَةَ الإِيْمَانِ، حَتَّى تَزْهَدُوا فِي الدُّنْيَا.
وَعَنْهُ: إِذَا لَمْ تَقدِرْ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ، وَصِيَامِ النَّهَارِ، فَاعْلَمْ أَنَّكَ مَحْرُوْمٌ، كَبَّلَتْكَ خَطِيئَتُكَ.
وَعَنْ فُضَيْلٍ -وَرَأَى قَوْماً مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ يَمرَحُوْنَ وَيَضْحَكُوْنَ- فَنَادَاهُم: مَهْلاً يَا وَرثَةَ الأَنْبِيَاءِ -مَهْلاً ثَلاَثاً- إِنَّكُم أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِكُم.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ يَقُوْلُ: يُغْفَرُ لِلْجَاهِلِ سَبْعُوْنَ ذَنْباً مَا لاَ يُغْفَرُ لِلْعَالِمِ ذَنْبٌ وَاحِدٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الحَذَّاءُ، سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: أَخَذْتُ بِيَدِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ فِي هَذَا الوَادِي، فَقُلْتُ: إِنْ كُنْتَ تَظُنُّ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ شَرٌّ مِنِّي وَمِنْكَ، فَبِئْسَ مَا تَظُنُّ.(7/401)
قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ مَرْدَوَيْه: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: مَنْ أَحَبَّ صَاحِبَ بِدْعَةٍ، أَحبَطَ اللهُ عَمَلَهُ، وَأَخْرَجَ نُوْرَ الإِسْلاَمِ مِنْ قَلْبِهِ، لاَ يَرْتَفِعُ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ إِلَى اللهِ عَمَلٌ، نَظَرُ المُؤْمِنِ إِلَى المُؤْمِنِ يَجلُو القَلْبَ، وَنَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى صَاحِبِ بِدْعَةٍ يُورِثُ العَمَى، مَنْ جَلَسَ مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ لَمْ يُعْطَ الحِكْمَةَ.
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ يُوْسُفَ الزَّمِّيُّ، عَنْ فُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ علي هارون أمير المُؤْمِنِيْنَ، قُلْتُ: يَا حَسَنَ الوَجْهِ! لَقَدْ كُلِّفْتَ أَمْراً عَظِيْماً، أَمَا إِنِّيْ مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْسَنَ وَجْهاً مِنْكَ، فَإِنْ قَدِرْتَ أَنْ لاَ تُسَوِّدَ هَذَا الوَجْهَ بِلَفْحَةٍ مِنَ النَّارِ، فَافْعَلْ. قَالَ: عِظْنِي. قُلْتُ: بِمَاذَا أَعِظُكَ? هَذَا كِتَابُ اللهِ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ، انْظُرْ مَاذَا عَمِلَ بِمَنْ أَطَاعَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ بِمَنْ عَصَاهُ، إِنِّيْ رَأَيْتُ النَّاسَ يَغُوصُونَ عَلَى النَّارِ غَوْصاً شَدِيْداً، وَيَطلُبُوْنَهَا طَلَباً حَثِيثاً، أَمَا وَاللهِ، لَوْ طَلَبُوا الجَنَّةَ بِمِثْلِهَا، أَوْ أَيسَرَ، لَنَالُوْهَا. وَقَالَ: عُدْ إِلَيَّ فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَبْعَثْ إِلَيَّ. لَمْ آتِكَ، وَإِنِ انْتَفعتَ بِمَا سَمِعْتَ، عُدْتُ إِلَيْكَ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْعَثِ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ فِي مَرَضِهِ: ارْحَمْنِي بِحُبِّي إِيَّاكَ، فَلَيْسَ شَيْءٌ إِلَيَّ مِنْكَ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ وَهُوَ يَشتَكِي: مَسَّنِيَ الضُّرُّ، وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِيْنَ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَنِ اسْتَوْحَشَ مِنَ الوَحْدَةِ، وَاسْتَأَنَس بِالنَّاسِ، لَمْ يَسْلَمْ مِنَ الرِّيَاءِ، لاَ حَجَّ وَلاَ جِهَادَ أَشدُّ مِنْ حَبْسِ اللِّسَانِ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَشَدَّ غَمّاً مِمَّنْ سَجَنَ لِسَانَهُ.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ زِيَادٍ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ كَثِيْراً يَقُوْلُ: أِحْفَظْ لِسَانَكَ، وَأَقْبِلْ عَلَى شَأنِكَ، وَاعْرفْ زَمَانَكَ، وَأَخْفِ مَكَانَكَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ: حَدَّثَنَا الفَيْضُ بنُ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنَّهُ طَارَ فِي النَّاسِ أَنِّي مُتُّ حَتَّى لاَ أُذْكَرَ، إِنِّيْ لأَسْمَعُ صَوْتَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَيَأْخُذُنِي البَوْلُ فَرَقاً مِنْهُم.
وَقَالَ الدَّوْرَقِيُّ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ زِيَادٍ، سَمِعْتُ فُضَيْلاً يَقُوْلُ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ: لِمَ تُكْرِهُوْنِي عَلَى أَمرٍ تَعْلَمُوْنَ أَنِّي كَارِهٌ لَهُ -يَعْنِي: الرِّوَايَةَ? لَوْ كُنْتُ عَبْداً لَكُم فَكَرِهْتُكُم، كَانَ نَولي أَنْ تَبِيْعُوْنِي، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِذَا دَفَعتُ رِدَائِي هَذَا إِلَيْكُم، ذَهَبْتُم عَنِّي، لَفَعَلتُ.
الدَّورقي: وَسَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يُخَاطِبُ نَفْسَهُ: مَا أَرَاهُ(7/402)
أَخْرَجَكِ مِنَ الحِلِّ، فَدَسَّك فِي الحَرَمِ إِلاَّ لِيُضْعِفَ عَلَيْكِ الذَّنْبَ. أَمَا تَسْتَحِي تَذْكُرُ الدِّيْنَارَ وَالدِّرْهَمَ وَأَنْتَ حَوْلَ البَيْت، إِنَّمَا كَانَ يَأْتِيْهِ التَّائِبُ وَالمُسْتَجِيْرُ.
وَعَنِ الفُضَيْلِ، قَالَ: المُؤْمِنُ يَغْبِطُ، وَلاَ يَحْسُدُ، الغِبْطَةُ مِنَ الإِيْمَانِ، وَالحَسَدُ مِنَ النِّفَاقِ.
قُلْتُ: هَذَا يُفَسِّرُ لَكَ قَوْلَهُ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالتَّسْلِيمُ: "لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٍ آتَاهُ اللهُ مَالاً يُنْفِقُهُ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٍ آتَاهُ اللهُ القُرْآنَ، فَهُوَ يَقُوْمُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَأَطرَافَ النَّهَارِ" 1. فَالحَسَدُ هُنَا، مَعْنَاهُ: الغِبطَةُ، أَنْ تَحْسُدَ أَخَاكَ عَلَى مَا آتَاهُ الله، لاَ أَنَّكَ تَحْسُدُهُ بِمَعْنَى: أَنَّك تَوَدُّ زوَالَ ذَلِكَ عَنْهُ، فَهَذَا بَغْيٌ وَخُبْثٌ.
وَعَنِ الفُضَيْلِ، قَالَ: مِنْ أَخلاَقِ الأَنْبِيَاءِ: الحِلْمُ، وَالأَنَاةُ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَبْدِ اللهِ العَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي أَبِي زُرْعة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ، عَنِ الفَضْلِ بنِ مُوْسَى، قَالَ: كَانَ الفُضَيْلُ شَاطِراً يَقْطَعُ الطريق، فذكر الحكاية، وقد مضت.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ اللَّيْثِ: حَدَّثَنَا المُحَدِّث عَلِيُّ بنُ خَشْرَم، قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ جِيْرَانِ الفُضَيْلِ مِنْ أَبِيْوَرْدَ، قَالَ: كَانَ الفُضَيْلُ يَقْطَعُ الطَّرِيْق وَحْدَهُ، فَبَيْنَا هُوَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَقَدِ انْتَهَتْ إِلَيْهِ القَافِلَةُ، فَقَالَ بَعْضُهُم: اعْدِلُوا بِنَا إِلَى هَذِهِ القَرْيَةِ، فَإِنَّ الفُضَيْلَ يَقْطَعُ الطَّرِيْقَ. فَسَمِعَ ذَلِكَ، فَأُرْعِدَ، فَقَالَ: يَا قَوْمُ جُوْزُوا، وَاللهِ لأَجْتَهِدنَّ أَنْ لاَ أَعْصِيَ اللهَ.
وَرُوِيَ نَحْوُهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، لَكِنَّهُ فِي الإِسْنَادِ ابْنُ جَهْضَم، وَهُوَ هَالِكٌ.
وَبِكُلِّ حَالٍ: فَالشِّرْكُ أَعْظَمُ مِنْ قَطعِ الطَّرِيْقِ، وَقَدْ تَابَ مِنَ الشِّركِ خَلقٌ، صَارُوا أَفْضَلَ الأُمَّةِ، فَنَوَاصِي العِبَادِ بِيَدِ اللهِ -تَعَالَى- وَهُوَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيَهدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ: قَالَ لِي المَأْمُوْنُ: قَالَ لِي الرَّشِيْدُ: مَا رَأتْ عَيْنَايَ مِثْلَ فُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، دَخَلْتُ عَلَيْهِ. فَقَالَ لِي: فَرِّغْ قَلْبَكَ لِلْحُزنِ وَلِلْخَوْفِ حَتَّى يَسْكُنَاهُ، فَيَقْطَعَاكَ عَنِ المَعَاصِي، ويباعداك من النار.
__________
1 صحيح: أخرجه الحميدي "617"، وابن أبي شيبة "10/ 557"، والبخاري "7529"، وفي "خلق أفعال العباد" "ص124"، ومسلم "815"، والنسائي في "فضائل القرآن" "97"، وابن ماجه "4209"، والبيهقي في "السنن" "4/ 188"، والبغوي "3537" من طرق عن سفيان بن عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ مرفوعا بلفظ: "لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٍ آتَاهُ اللهُ القُرْآنَ، فَهُوَ يَقُوْمُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وآناء النهار، ورجل أتاه الله مالا، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار".(7/403)
وَعَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ بَعْدَ الفُضَيْلِ أَعبَدَ مِنْ وَكِيْعٍ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْعَثِ: رَأَيْتُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ يُقَبِّلُ يَدَ الفُضَيْلِ مَرَّتَيْنِ.
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: إِذَا نَظَرْتُ إِلَى الفُضَيْلِ جَدَّدَ لِيَ الحُزْنَ، وَمَقَتُّ نَفْسِي، ثُمَّ بَكَى.
قَالَ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ: دَخَلْتُ مَعَ زَافِرِ بنِ سُلَيْمَانَ عَلَى الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، فَإِذَا مَعَهُ شَيْخٌ، فَدَخَلَ زَافِرٌ، وَأَقعَدَنِي عَلَى البَابِ. قَالَ زَافِرٌ: فَجَعَلَ الفُضَيْلُ يَنْظُرُ إِلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: هَؤُلاَءِ المُحَدِّثُونَ يُعْجِبُهُم قُرْبُ الإِسْنَادِ، أَلاَ أُخْبِرُكَ بِإِسْنَادٍ لاَ شَكَّ فِيْهِ: رَسُوْلُ اللهِ، عَنْ جِبْرِيْلَ، عَنِ اللهِ: {نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ} [التَّحْرِيْمُ: 6] ، فَأَنَا وَأَنْتَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ غُشِيَ عَلَيْهِ وَعَلَى الشَّيْخِ، وَجَعَلَ زَافِرٌ يَنْظُرُ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ خَرَجَ الفُضَيْلُ، وَقُمْنَا، وَالشَّيْخُ مَغْشِيٌّ عَلَيْهِ.
قَالَ سَهْل بنُ رَاهويه: قُلْتُ لابْنِ عُيَيْنَةَ: أَلاَ تَرَى إِلَى الفُضَيْلِ، لاَ تَكَادُ تَجِفُّ لَهُ دَمْعَةٌ؟ قَالَ: إِذَا قَرِحَ القَلْبُ، نَدِيَتِ العَيْنَانِ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: نَظرَ الفُضَيْلُ إِلَى رَجُلٍ يَشْكُو إِلَى رَجُلٍ، فَقَالَ: يَا هَذَا تَشْكُو مَنْ يَرْحَمُكَ إِلَى مَنْ لاَ يَرْحَمُكَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَنْطَاكِيُّ، قال: اجتمع الفضيل والثوري، فتذاكروا فَرَقَّ سُفْيَانُ، وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ هَذَا المَجْلِسُ عَلَيْنَا رَحْمَةً وَبَرَكَةً. فَقَالَ لَهُ الفُضَيْلُ: لَكِنِّي يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَخَافُ أَنْ لاَ يَكُوْنَ أَضَرَّ عَلَيْنَا مِنْهُ، أَلَسْتَ تَخَلَّصْتَ إِلَى أَحْسَنِ حَدِيْثِكَ، وَتَخَلَّصْتُ أَنَا إِلَى أَحْسَنِ حَدِيْثِي، فَتَزَيَّنْتَ لِي، وَتَزَيَّنْتُ لَكَ? فَبَكَى سُفْيَانُ، وَقَالَ: أَحْيَيْتَنِي، أَحْيَاكَ اللهُ.
وَقَالَ الفَيْضُ: قَالَ لِي الفُضَيْلُ: لَوْ قِيْلَ لَكَ: يَا مُرائي، غَضِبْتَ، وَشَقَّ عَلَيْكَ، وَعَسَى مَا قِيْلَ لَكَ حَقٌّ، تَزَيَّنْتَ لِلدُّنْيَا، وَتَصَنَّعتَ، وَقَصَّرْتَ ثِيَابَكَ، وَحَسَّنْتَ سَمْتَكَ، وَكَفَفْتَ أَذَاكَ، حَتَّى يُقَالَ: أَبُو فُلاَنٍ عَابِدٌ، مَا أَحْسَنَ سَمْتَهُ، فَيُكْرِمُوْنَكَ، وَيَنْظُرُونَكَ، وَيَقْصِدُونَكَ، وَيَهْدُوْنَ إِلَيْكَ، مِثْل الدِّرْهَمِ السُّتُّوق1، لاَ يَعْرِفُه كُلُّ أَحَدٍ، فَإِذَا قُشِرَ، قُشِرَ عَنْ نُحَاسٍ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْعَثِ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يقول: بلغني أن العلماء -فيما مضى. كَانُوا إِذَا تَعَلَّمُوا عَمِلُوا، وَإِذَا عَمِلُوا شُغِلُوا، وَإِذَا شُغِلُوا فُقِدُوا، وَإِذَا فُقِدُوا طُلِبُوا، فَإِذَا طلبوا هربوا.
__________
1 السُّتُّوق: هو الردي الذي لا خير فيه، والزيف.(7/404)
وَعَنْهُ قَالَ: كَفَى بِاللهِ مُحَبّاً، وَبَالقُرْآنِ مُؤنِساً، وَبَالمَوْتِ وَاعِظاً، وَبِخَشْيَةِ اللهِ عِلْماً، وَبَالاغْتِرَارِ جَهْلاً.
وَعَنْهُ: خَصْلتَانِ تقسِّيان القَلْبَ: كَثْرَةُ الكَلاَمِ، وَكَثْرَةُ الأَكلِ.
وَعَنْهُ: كَيْفَ تَرَى حَالَ مَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ، وَضَعُفَ عِلْمُهُ، وَفَنِيَ عُمُرُهُ، وَلَمْ يَتَزَوَّدْ لِمَعَادِهِ؟
وَعَنْهُ: يَا مِسْكِيْنُ! أَنْتَ مُسِيءٌ، وَتَرَى أَنَّكَ مُحْسِنٌ، وَأَنْتَ جَاهِلٌ، وَتَرَى أَنَّكَ عَالِمٌ، وَتَبْخَلُ، وَترَى أَنَّكَ كَرِيْمٌ، وَأَحْمَقُ، وَتَرَى أَنَّك عَاقِلٌ، أَجَلُكَ قَصِيْرٌ، وَأَمَلُكَ طَوِيْلٌ.
قُلْتُ: إِي وَاللهِ، صَدَقَ، وَأَنْتَ ظَالِمٌ وَترَى أَنَّك مَظْلُوْمٌ، وَآكِلٌ لِلْحَرَامِ وَترَى أَنَّك مُتَوَرِّعٌ، وَفَاسِقٌ وَتَعتَقِدُ أَنَّكَ عَدْلٌ، وَطَالِبُ العِلْم لِلدُّنْيَا وَتَرَى أَنَّك تَطْلُبُهُ للهِ.
عَبَّاسٌ الدُّوري: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْبَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ فُضَيْلاً يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ هَارُوْنُ الرَّشِيْدِ إِلَى مَكَّةَ، قَعَدَ في الحجر هو وولده وقوم من الهَاشِمِيِّينَ، وَأَحضَرُوا المَشَايِخَ، فَبَعَثَوا إِلَيَّ، فَأَرَدْتُ أَنْ لاَ أَذهَبَ، فَاسْتَشَرْتُ جَارِي، فَقَالَ: اذْهبْ، لَعَلَّهُ يُرِيْدُ أَنْ تَعِظَه. فَدَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى الحِجْرِ، قُلْتُ لأَدْنَاهُم: أَيُّكُم أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ? فَأَشَارَ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. فَرَدَّ عَلَيَّ، وَقَالَ: اقعُدْ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا دَعَونَاكَ لِتُحَدِّثنَا بِشَيْءٍ، وَتَعِظَنَا. فَأَقْبَلتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا حَسَنَ الوَجْهِ، حِسَابُ الخَلْقِ كُلِّهُم عَلَيْكَ. فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَشهَقُ، فَرَدَّدْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْكِي، حَتَّى جَاءَ الخَادِمُ، فَحَمَلُوْنِي وَأَخْرَجُونِي، وَقَالَ: اذْهَبْ بِسَلاَمٍ.
وَقَالَ مُحْرِزُ بنُ عَوْنٍ: كُنْتُ عِنْدَ الفُضَيْلِ، فَأَتَى هَارُوْنُ وَمَعَهُ يَحْيَى بنُ خَالِدٍ، وَوَلَدُهُ جَعْفَرٌ، فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: يَا أَبَا عَلِيٍّ، هَذَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يُسَلِّمُ عَلَيْكَ. قَالَ: أَيُّكُم هُوَ? قَالُوا: هَذَا فَقَالَ: يَا حَسَنَ الوَجْهِ، لَقَدْ طُوِّقْتَ أَمْراً عَظِيْماً، وَكَرَّرَهَا. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدٌ المُكْتِبُ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البَقَرَةُ: 166] ، قَالَ: الأَوْصَالُ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَيْهِم.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ خُبيق: قَالَ الفُضَيْلُ: تَبَاعَدْ مِنَ القُرَّاءِ، فَإِنَّهُم إِنْ أَحَبُّوكَ، مَدَحُوكَ بِمَا لَيْسَ فِيْكَ، وإن غضبوا، شهدوا عليك، وقبل منهم.
قَالَ قُطْبة بنُ العَلاَءِ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: آفَةُ القُرَّاءِ العُجْبُ.
وَلِلْفُضَيْلِ -رَحِمَهُ اللهُ- مَوَاعِظُ، وَقَدَمٌ فِي التَّقْوَى رَاسِخٌ، وَلَهُ تَرْجَمَة فِي كِتَابِ "الحِلْيَة"، وَفِي "تَارِيْخِ أَبِي القَاسِمِ ابْنِ عَسَاكِرَ".
وَكَانَ يَعِيْشُ مِنْ صِلَةِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَنَحْوِهُ مِنْ أَهْلِ الخَيْرِ، وَيَمتَنِعُ مِنْ جَوَائِزِ المُلُوْكِ.
قَالَ بَعْضُهُم: كُنَّا جُلُوْساً عِنْد الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، فَقُلْنَا لَهُ: كَمْ سِنُّكَ? فَقَالَ:
بَلَغتُ الثَّمَانِيْنَ أَوْ جُزتُهَا ... فَمَاذَا أُؤَمِّلُ أَوْ أنتظر
علتني السنون فأبليتني ... فَدَقَّ العِظَامُ وَكَلَّ البَصَرْ
قُلْتُ: هُوَ مِنْ أَقرَانِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ فِي المَوْلِدِ، وَلَكِنَّهُ مات قبله بسنوات.(7/405)
1286- وكان ابنه علي 1:
مِنْ كِبَارِ الأَوْلِيَاءِ، وَمَاتَ قَبْلَ وَالِدِهِ.
رَوَى عَنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ، وَعَبَّادِ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَأَبُوْهُ وَمُوْسَى بنُ أَعْيَنَ، وَجَمَاعَةٌ حِكَايَاتٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْنُسَ اليَرْبُوْعِيُّ. فَرَأْيْتُهُ وَلَهُ حَدِيْثٌ فِي "سُنَنِ النَّسَائِيِّ"، رَوَاهُ: لَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَبِي الفَضَائِلِ الكَاغِدِيِّ، وَمَسْعُوْدٍ الحمَّال، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ، أَخْبَرْنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَمْزَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حُبيش، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَأَى رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِيْمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّهُ قِيْلَ لَهُ: بِأَيِّ شَيْءٍ يَأْمُرُكُم نَبِيُّكُم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ? قَالَ: أَمَرَنَا أَنْ نُسَبِّحَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِيْنَ، وَنَحمدَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِيْنَ، وَنُكَبِّرَ أَرْبَعاً وَثَلاَثِيْنَ، فَذَلِكَ مائَةٌ. قَالَ: فَسبِّحُوا خَمْساً وَعِشْرِيْنَ، وَاحمِدُوا خَمْساً وَعِشْرِيْنَ، وَكبِّرُوا خَمْساً وَعِشْرِيْنَ، وَهَلِّلُوا خَمْساً وَعِشْرِيْنَ، فَتلكَ مائَةٌ. فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ، ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "افعلُوا كَمَا قَالَ الأَنْصَارِيُّ" 2.
غَرِيْبٌ مِنَ الأَفرَادِ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَحْمَدَ، فَوَافَقْنَاهُ فِي شَيْخِ شَيْخِهِ وَعَلِيٌّ: صَدُوْقٌ، قَدْ قَالَ فِيْهِ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ.
قُلْتُ: خَرَجَ هُوَ وَأَبُوْهُ مِنَ الضَّعْفِ الغَالِبِ عَلَى الزُّهَّادِ وَالصُّوفِيَّةِ، وعدا في الثقات إجماعًا.
__________
1 علي بن الفضيل بن عياض ترجمته في حلية الأولياء "8/ ترجمة 419"، والكاشف "2/ ترجمة 4015" وتهذيب التهذيب "7/ 373"، وتقريب التهذيب "2/ 42"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5034".
2 حسن: أخرجه النسائي "3/ 76" من طريق أحمد بن يونس، به.(7/406)
وَكَانَ عَلِيٌّ قَانِتاً للهِ، خَاشِعاً، وَجِلاً، رَبَّانِيّاً، كَبِيْرَ الشَّأْنِ.
قَالَ الخَطِيْبُ: مَاتَ قَبْلَ أَبِيْهِ بِمُدَّةٍ مِنْ آيَةٍ سَمِعَهَا تُقْرَأُ، فَغُشِيَ عَلَيْهِ، وَتُوُفِّيَ فِي الحَالِ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَارِثِ العُبَادِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَفَّانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ فُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ المَغْرِبَ، وَابْنُهُ عَلِيٌّ إِلَى جَانبِي، فَقَرَأَ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} ، فَلَمَّا قَالَ: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} سقط عَلِيٌّ عَلَى وَجْهِهِ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، وَبَقِيَ فُضَيْلٌ عِنْدَ الآيَةِ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَيْحَكَ أَمَّا عِنْدَكَ مِنَ الخَوْفِ مَا عِنْدَ الفُضَيْلِ وَعَلِيٍّ، فَلَمْ أَزَلْ أَنْتَظِرْ عَلِيّاً، فَمَا أَفَاقَ إِلَى ثلثٍ مِنَ اللَّيْلِ بَقِيَ. رَوَاهَا: ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَفَّانَ، وَزَادَ: وَبَقِيَ فُضَيْلٌ لاَ يُجَاوِزُ الآيَةَ، ثُمَّ صَلَّى بِنَا صَلاَةَ خَائِفٍ، وَقَالَ: فَمَا أَفَاقَ إِلَى نِصْفٍ مِنَ اللَّيْلِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ، عَنْ فُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، قَالَ: بَكَى عَلِيٌّ ابْنِي فَقُلْتُ: يَا بُنَيَّ! مَا يُبْكِيْكَ? قَالَ: أَخَافُ أَلاَّ تَجمَعَنَا القِيَامَةُ.
وَقَالَ لِي ابْنُ المُبَارَكِ: يَا أَبَا عَلِيٍّ! مَا أَحْسَنَ حَالَ مَنِ انْقَطَعَ إِلَى اللهِ. فَسَمِعَ ذَلِكَ عَلِيٌّ ابْنِي، فَسَقَطَ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ.
مُسَدَّدُ بنُ قَطَنٍ: حَدَّثَنَا الدَّورقي، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ نُوْحٍ المَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ نَاجِيَةَ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ الفُضَيْلِ، فَقَرَأَ: {الْحَاقَّةُ} فِي الصُّبْحِ، فَلَمَّا بَلَغَ إِلَى قَوْلِهِ: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} غَلَبَهُ البُكَاءُ، فَسَقَطَ ابْنُهُ عَلِيٌّ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الحِكَايَةَ.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَخْبَرْنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ، سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: أَشْرَفْتُ لَيْلَةً عَلَى عَلِيٍّ، وَهُوَ فِي صحنِ الدَّارِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: النَّارُ، وَمتَى الخَلاَصُ مِنَ النَّارِ? وَقَالَ لِي: يَا أَبَةِ! سَلِ الَّذِي وَهَبَنِي لَكَ فِي الدُّنْيَا، أَنْ يَهبَنِي لَكَ فِي الآخِرَةِ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَزَلْ مُنْكَسِرَ القَلْبِ حَزِيْناً. ثُمَّ بَكَى الفُضَيْلُ، ثُمَّ قَالَ: كَانَ يَسَاعِدُنِي عَلَى الحُزنِ وَالبُكَاءِ، يَا ثمَرَةَ قَلْبِي، شَكَرَ اللهُ لَكَ مَا قَدْ عَلِمَهُ فِيْكَ.
قَالَ الدَّورقي: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ شُجَاعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عُيَيْنَةَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَخَوْفَ مِنَ الفُضَيْلِ وَابْنِهِ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ شِهَابِ بنِ عَبَّاد قَالَ: كَانُوا يَعُوْدُوْن عليَّ بنَ الفُضَيْلِ وَهُوَ يَمْشِي، فَقَالَ: لَوْ ظَنَنْتُ أَنِّي أَبقَى إِلَى الظُّهرِ، لَشَقَّ عَلَيَّ.(7/407)
وَعَنِ الفُضَيْلِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّيْ اجْتَهَدْتُ أَنْ أَؤدِّبَ عَلِيّاً، فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى تَأَدِيْبِهِ، فَأَدِّبْهُ أَنْتَ لِي.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: كَانَ عَلِيُّ بنُ الفُضَيْلِ لاَ يَسْتَطِيْعُ أَنْ يَقْرَأَ {الْقَارِعَةُ} ، وَلاَ تُقرَأ عَلَيْهِ.
الحَسَنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الجَرَوي: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بنُ الفُضَيْلِ عِنْدَ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، فَحدَّثَ بِحَدِيْثٍ فِيْهِ ذِكْرُ النَّارِ، فَشَهقَ عليٌّ شهقَةً، وَوَقَعَ، فَالْتَفَتَ سُفْيَانُ، فَقَالَ: لو علمت أنك هاهنا، مَا حدَّثتُ بِهِ، فَمَا أَفَاقَ إِلاَّ بَعْدَ مَا شَاءَ اللهُ.
وَبِهِ قَالَ الفُضَيْلُ لابْنِهِ: لَوْ أَعَنْتَنَا عَلَى دَهْرِنَا، فَأَخَذَ قُفَّةً وَمَضَى إِلَى السُّوْقِ لِيحملَ، فَأَتَانِي رَجُلٌ، فَأَعْلَمَنِي، فَمضَيْتُ فَرَدَدْتُهُ، وَقُلْتُ: يَا بُنَيَّ! لَسْتُ أُرِيْدُ هَذَا، أو لم أرد هذا كلَّه.
وَبَالإِسْنَادِ عَنْ فُضَيْلٍ: أَنَّهُم اشْتَرَوا شعِيْراً بِدِيْنَارٍ، وَكَانَ الغلاَءُ، فَقَالَتْ أَمُّ عَلِيٍّ لِلْفُضَيْلِ: قَوَّرْتُهُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ قُرْصَينِ، فَكَانَ عَلِيٌّ يَأْخذُ وَاحِداً، وَيَتَصَدَّقُ بِالآخَرِ، حَتَّى كَادَ أَنْ يُصِيْبَهُ الخَوَاء.
وَبِهِ، أَنَّ عَلِيّاً كَانَ يَحْمِلُ عَلَى أَبَاعِرَ لأَبِيْهِ، فَنقصَ الطَّعَامُ الَّذِي حملَهُ، فَحُبِسَ عَنْهُ الكِرَاءُ، فَأَتَى الفُضَيْلُ إِلَيْهِم، فَقَالَ: أَتفعلُوْنَ هَذَا بِعَلِيٍّ، فَقَدْ كَانَتْ لَنَا شَاةٌ بِالكُوْفَةِ أَكَلَتْ شَيْئاً يَسِيْراً مِنْ علفِ أَمِيْرٍ، فَمَا شرِبَ لَهَا لَبَناً بَعْدُ. قَالُوا: لَمْ نَعْلَمْ يَا أَبَا عَلِيٍّ أَنَّهُ ابْنُكَ.
حمَّاد بنُ الحَسَنِ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ بِشْرٍ المَكِّيُّ، عَنِ الفُضَيْلِ، قَالَ: أَهدَى لَنَا ابْنُ المُبَارَكِ شَاةً، فَكَانَ ابْنِي لاَ يَشْرَبُ مِنْهَا، فَقُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّهَا قَدْ رَعَتْ بِالعِرَاقِ.
أَنْبَأَنِي المقداد القيسي، أخبرنا بن الدَّبِيقِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ بِشْرَانَ، أخبرنا علي ابن مُحَمَّدٍ المِصْرِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ الخرَّازَ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ بَشَّارٍ يَقُوْلُ: الآيَةُ الَّتِي مَاتَ فِيْهَا عَلِيُّ بنُ الفُضَيْلِ فِي الأَنْعَامِ: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ} [الأَنْعَامُ: 27] . مَعَ هَذَا المَوْضِعِ مَاتَ، وَكُنْتُ فِيْمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ -رَحِمَهُ اللهُ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاء، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلَّص، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ زُنْبُورٍ المكي، حَدَّثنَا فُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ(7/408)
أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أُمِّ مُبَشِّر، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا فِي نَخلٍ لِي. فَقَالَ: "مَنْ غَرَسَ هَذَا النَّخْلَ، أَمُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ "؟. فَقُلْتُ: مُسْلِمٌ. قَالَ: "إِنَّهُ لاَ يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْساً، أَوْ يَزرعُ زَرْعاً، فَيَأْكلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ، وَلاَ سَبُعٌ، وَلاَ طَائِرٌ، إِلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1.
قَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَميرة المُعَدِّلِ، أَخْبَرَكُم أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ سَنَةَ عَشْرَةٍ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا خَطِيْبُ المَوْصِلِ، وَتَجنِّي وَشُهدَةُ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا طِرَادُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَقَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ الكَاتِبِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُخْتَارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفي، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا هلال بن محمد الحفار، أخبرنا الحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى القَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ المقْدَام العِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الحَسَنِ: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النِّسَاءُ: 56] ، قَالَ: تَأَكُلُهُمُ النَّارُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِيْنَ أَلْفَ مَرَّةٍ، فَلَمَّا أَكَلَتْهُم قِيْلَ لَهُم: عُوْدُوا، فَيَعُوْدُوْن كَمَا كَانُوا.
وَبِهِ: حَدَّثَنَا الفُضَيْلُ، حَدَّثَنَا عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 7] ، قَالَ: يَعْلَمُ مَا تُسِرُّ فِي نَفْسِكَ، وَيَعْلَمُ مَا تَعْمَلُ غَداً.
قَالَ مُجَاهِدُ بنُ مُوْسَى: مَاتَ الفُضَيْلُ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ ومائة.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَالبُخَارِيُّ، وَآخَرُوْنَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ بِمَكَّةَ. زَادَ بَعْضهُم: فِي أَوَّلِ المُحَرَّمِ.
وَقَالَ هِشَامُ بنُ عَمَّار: يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنْهَا.
قُلْتُ: وَلَهُ نَيِّفٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَهُوَ حُجَّةٌ كَبِيْرُ القَدْرِ، وَلاَ عِبْرَةَ بِمَا نَقَلَهُ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، سَمِعْتُ قُطْبة بنَ العَلاَءِ يَقُوْلُ: تَرَكْتُ حَدِيْثَ فُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، لأَنَّهُ رَوَى أَحَادِيْثَ أَزرَى عَلَى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ.
قُلْتُ: فَلاَ نَسْمَعُ قَوْلَ قُطْبَةَ، لِيتَهُ اشْتغَلَ بِحَالِهِ، فَقَدْ قَالَ البُخَارِيُّ: فِيْهِ نَظَرٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: ضَعِيْفٌ. وَأَيْضاً، فَالرَّجُلُ صَاحِبُ سُنَّةٍ وَاتِّبَاعٍ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ الصَّائِغُ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ الفُضَيْلِ -وَأَنَا أَسْمَعُ- الصَّحَابَةُ، فَقَالَ: اتَّبعُوا فَقَدْ كُفِيْتُم: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.
قُلْتُ: إِذَا كَانَ مِثْلُ كُبَرَاءِ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ قَدْ تَكَلَّمَ فِيْهِمُ الرَّوَافِضُ وَالخَوَارِجُ، وَمِثْلُ الفُضَيْلِ يُتكلَّمُ فِيْهِ، فَمَنِ الَّذِي يَسْلَمُ مِنْ أَلْسِنَةِ النَّاسِ، لَكِنْ إِذَا ثبتَتْ إِمَامَةُ الرَّجُلِ وَفَضْلُهُ، لَمْ يَضُرَّهُ مَا قِيْلَ فِيْهِ، وَإِنَّمَا الكَلاَمُ فِي العُلَمَاءِ مُفتَقِرٌ إِلَى وَزنٍ بِالعَدْلِ وَالوَرَعِ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنُ مَهْدِيٍّ: لَمْ يَكُنْ بِالحَافِظِ، فَمَعْنَاهُ: لَمْ يَكُنْ فِي عِلْمِ الحَدِيْثِ كهَؤُلاَءِ الحُفَّاظِ البُحُوْرِ، كشُعْبَةَ، وَمَالِكٍ، وَسُفْيَانَ، وَحَمَّادٍ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَنظرَائِهِم، لَكِنَّهُ ثَبْتٌ قَيِّمٌ بِمَا نَقَلَ، مَا أُخِذَ عَلَيْهِ فِي حَدِيْثٍ فِيْمَا عَلِمتُ.
وَهَلْ يُرَادُ مِنَ العِلْمِ إِلاَّ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ الفُضَيْلُ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ?
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "1552" "8".(7/409)
فضيل بن عياض الخولاني، فضيل بن عياض الصدفي، النعمان:
1287- فُضَيل بنُ عِياض الخَوْلاني 1:
رَوَى عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي الحث على العمل، لاَ يُعْرَفُ مَنْ ذَا. رَوَاهُ: الحَارِثُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَارِثِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عن عبد الكريم ابن مَالِكٍ الجَزَرِيِّ، عَنْهُ.
1288- فُضَيل بنُ عِيَاضٍ الصَّدفي 2:
شَيْخٌ مِصْرِيٌّ. رَوَى حَدِيْثاً عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَعَنْهُ: حَيْوة بنُ شُريح، وَمُوْسَى بنُ أَيُّوْبَ الغَافِقِيُّ.
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: مَاتَ قَبْلَ سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. ذَكَرْتُهُمَا تَمْيِيزاً.
1289- النعمان 3:
ابن عبد السلام بن حبيب الإِمَامُ، مُفْتِي أَصْبَهَانَ، أَبُو المُنْذِرِ التَّيْمِيُّ -تَيْمُ اللهِ بنُ ثَعْلَبَةَ- الأَصْبَهَانِيُّ، الفَقِيْهُ، الزَّاهِدُ. لَهُ مُصَنَّفَاتٌ.
حَدَّثَ عَنْ: ابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَمِسْعَرٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُهُ مُحَمَّدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَعَفَّانُ، وَسُلَيْمَانُ الشَّاذَكُوْنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المِنْهَالِ، وَعَامِرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَصَالِحُ بنُ مِهْرَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُغِيْرَةِ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ: كَانَ أَحَدَ العُبَّادِ الزُّهَّادِ، زَهِدَ فِي ضِيَاعٍ لِمُلاَبَسَتِهِ لِلسُّلْطَانِ، وَكَانَ عَلَى مَذْهَبِ الثَّوْرِيِّ، وَجَالَسَ أَبَا حَنِيْفَةَ، إِلَى أَنْ قَالَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وثمانين ومائة، رحمه الله.
__________
1 ترجمته في ميزان الاعتدال "3/ ترجمة 6769"، تهذيب التهذيب "8/ 297"، وتقريب التهذيب "2/ 113"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5740".
2 ترجمته في ميزان الاعتدال "3/ ترجمة 677"، وتهذيب التهذيب "8/ 297"، وتقريب التهذيب "2/ 113"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5741".
3 ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2251"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 2061"، وحلية الأولياء "10/ ترجمة 661"، وأخبار أصبهان "2/ 328"، والكاشف "3/ ترجمة رقم 5953"، والعبر "1/ 287"، وتهذيب التهذيب "10/ 454"، وتقريب التهذيب "2/ 304"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7531"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 305".(7/410)
1290- إبراهيم بن أبي يحيى 1: "ق"
هُوَ الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ المَشَاهِيْرِ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي يَحْيَى الأَسْلَمِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ.
وُلِدَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ مائَةٍ، أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ.
وَحَدَّثَ عَنْ: صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأمة، وَابْنِ شِهَابٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَمُوْسَى بنِ وَرْدَانَ، وَصَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَصَنَّفَ "المُوَطَّأَ"، وَهُوَ كَبِيْرٌ أَضعَافَ "مُوَطَّأِ الإِمَامِ مَالِكٍ".
حَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ قَلِيْلَةٌ، مِنْهُم: الشَّافِعِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفرَّاء، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ. وَقَدْ كَانَ الشَّافِعِيُّ -مَعَ حُسْنِ رَأْيهِ فِيْهِ- إذا روى عَنْهُ، رُبَّمَا دَلَّسَهُ، وَيَقُوْلُ: أَخْبَرَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ، فَتَجِدُ الشَّافِعِيَّ لاَ يُوَثِّقُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِمُتَّهَمٍ بِالكَذِبِ، وَقَدِ اعْتَرَفَ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ كَانَ قَدَرِيّاً، وَنَهَى ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الكِتَابَةِ عَنْهُ.
وَقَالَ أَبُو هَمَّامٍ السَّكُوني: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي يَحْيَى يَشْتِمُ بَعْضَ السَّلَفِ.
وَقَالَ بِشْر بنُ عُمَرَ: نَهَانِي مَالِكٌ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى، فَقُلْتُ: مِنْ أَجْلِ القَدَرِ تَنْهَانِي? فَقَالَ: لَيْسَ هُوَ فِي حَدِيْثِهِ بِذَاكَ.
وَقَالَ القَاضِي هَارُوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، قَالَ: كُنَّا نُسَمِّي إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي يَحْيَى -وَنَحْنُ نَطلُبُ الحديث- خرافة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 1013"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 23 و55"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 390"، المجروحين لابن حبان "1/ 105"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 233"، ميزان الاعتدال "1/ ترجمة 189"، العبر "1/ 288"، وتهذيب التهذيب "1/ 158"، تقريب التهذيب "1/ 42".(7/411)
وَقَالَ سُفْيَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ: لِمَ تَرَكْتَ حَدِيْثَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى? قَالَ: كَانَ مُجَاهِراً بِالقَدَرِ، وَكَانَ صَاحِبَ تَدْلِيْسٍ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ: سَأَلْتُ مَالِكاً عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى: أَثِقَةٌ فِي الحَدِيْثِ? قَالَ: لاَ، وَلاَ فِي دِيْنِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَنِ المُعَيطي، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: كُنَّا نَتَّهِمُهُ بِالكَذِبِ -يَعْنِي: ابْنَ أَبِي يَحْيَى- ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: قَدَرِيٌّ جَهْمِيٌّ، كُلُّ بَلاَءٍ فِيْهِ، تَرَكُوا حَدِيْثَهُ، وَأَبُوْهُ ثِقَةٌ.
وَرَوَى عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: هُوَ رَافِضِيٌّ، قَدَرِيٌّ. وَقَالَ مَرَّةً: كَذَّابٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ نَحْوَ ذَلِكَ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: قَدَرِيٌّ، جَهْمِيٌّ، تَرَكَهُ ابْنُ المُبَارَكِ وَالنَّاسُ.
وَقَالَ مُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ: أَشْهَدُ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى أَنَّهُ يَكْذِبُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ البَرْقي: كَانَ يَرَى، أَوْ قَالَ: يُرْمَى بِالقَدَرِ، وَالتَّشَيُّعِ، وَالكَذِبِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَتْرُوكُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ العُقَيلي: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَفَّانَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: أَلاَ فَاحْذَرُوا ابْنَ أَبِي رَوَّادٍ المُرْجِئَ، لاَ تُجَالِسوهُ، وَاحْذَرُوا إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي يَحْيَى، لاَ تُجَالِسُوهُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يُكَذِّبُ زِيَادَ بنَ مَيْمُوْنٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي يَحْيَى، وَخَالِدَ بنَ مَحْدُوْجٍ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: اسْمُ جَدِّهِ أَبِي يَحْيَى: سَمْعَانُ. كَانَ مَالِكٌ وَابْنُ المُبَارَكِ يَنهَيَانِ عَنْهُ، وَتَرَكَهُ القَطَّانُ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، إِلَى أَنْ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَكَانَ يَكْذِبُ فِي الحَدِيْثِ.
حَجَّاجٌ الأَعْوَرُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي عَطَاءٍ، عَنْ مُوْسَى بنِ وَرْدَان، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ مَاتَ مَرِيْضاً، مَاتَ شَهِيْداً، وَوُقِيَ فَتَّانَ القَبْرِ، وَغُدِيَ عَلَيْهِ وَرِيْحَ برزقه من الجنة"1.
__________
1 ضعيف جدا: أخرجه ابن حبان في "المجروحين" "1/ 106"، وابن ماجه "1615" وآفته إبراهيم بن أبي يحيى، فإنه متروك.(7/412)
وَقَالَ سُفْيَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ: لِمَ تَرَكْتَ حَدِيْثَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى? قَالَ: كَانَ مُجَاهِراً بِالقَدَرِ، وَكَانَ صَاحِبَ تَدْلِيْسٍ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ: سَأَلْتُ مَالِكاً عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى: أَثِقَةٌ فِي الحَدِيْثِ? قَالَ: لاَ، وَلاَ فِي دِيْنِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَنِ المُعَيطي، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: كُنَّا نَتَّهِمُهُ بِالكَذِبِ -يَعْنِي: ابْنَ أَبِي يَحْيَى- ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: قَدَرِيٌّ جَهْمِيٌّ، كُلُّ بَلاَءٍ فِيْهِ، تَرَكُوا حَدِيْثَهُ، وَأَبُوْهُ ثِقَةٌ.
وَرَوَى عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: هُوَ رَافِضِيٌّ، قَدَرِيٌّ. وَقَالَ مَرَّةً: كَذَّابٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ نَحْوَ ذَلِكَ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: قَدَرِيٌّ، جَهْمِيٌّ، تَرَكَهُ ابْنُ المُبَارَكِ وَالنَّاسُ.
وَقَالَ مُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ: أَشْهَدُ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى أَنَّهُ يَكْذِبُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ البَرْقي: كَانَ يَرَى، أَوْ قَالَ: يُرْمَى بِالقَدَرِ، وَالتَّشَيُّعِ، وَالكَذِبِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَتْرُوكُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ العُقَيلي: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَفَّانَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: أَلاَ فَاحْذَرُوا ابْنَ أَبِي رَوَّادٍ المُرْجِئَ، لاَ تُجَالِسوهُ، وَاحْذَرُوا إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي يَحْيَى، لاَ تُجَالِسُوهُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يُكَذِّبُ زِيَادَ بنَ مَيْمُوْنٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي يَحْيَى، وَخَالِدَ بنَ مَحْدُوْجٍ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: اسْمُ جَدِّهِ أَبِي يَحْيَى: سَمْعَانُ. كَانَ مَالِكٌ وَابْنُ المُبَارَكِ يَنهَيَانِ عَنْهُ، وَتَرَكَهُ القَطَّانُ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، إِلَى أَنْ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَكَانَ يَكْذِبُ فِي الحَدِيْثِ.
حَجَّاجٌ الأَعْوَرُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي عَطَاءٍ، عَنْ مُوْسَى بنِ وَرْدَان، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ مَاتَ مَرِيْضاً، مَاتَ شَهِيْداً، وَوُقِيَ فَتَّانَ القَبْرِ، وَغُدِيَ عَلَيْهِ وَرِيْحَ برزقه من الجنة"1.
__________
1 ضعيف جدا: أخرجه ابن حبان في "المجروحين" "1/ 106"، وابن ماجه "1615" وآفته إبراهيم بن أبي يحيى، فإنه متروك.(7/413)
1291- سفيان بن عيينة 1: "ع"
ابن أبي عمران ميمون مَوْلَى مُحَمَّدِ بنِ مُزَاحِمٍ، أَخِي الضَّحَّاكِ بنِ مُزَاحِمٍ، الإِمَامُ الكَبِيْرُ، حَافِظُ العَصْرِ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أبو محمد الهلالي، الكوفي، ثم المكي.
مَوْلِدُهُ: بِالكُوْفَةِ، فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَمائَةٍ.
وَطَلَبَ الحَدِيْثَ وَهُوَ حَدَثٌ، بَلْ غُلاَمٌ، وَلَقِيَ الكِبَارَ، وَحَمَلَ عَنْهُم عِلْماً جَمّاً، وَأَتقَنَ، وَجَوَّدَ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ، وَعُمِّرَ دَهْراً، وَازدَحَمَ الخَلْقُ عَلَيْهِ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوُّ الإِسْنَادِ، وَرُحِلَ إِلَيْهِ مِنَ البِلاَدِ، وَأَلْحَقَ الأَحْفَادَ بِالأَجدَادِ.
سَمِعَ فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، وَسَنَةَ عِشْرِيْنَ، وَبَعدَ ذَلِكَ، فَسَمِعَ مِنْ: عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ -وَأَكْثَرَ عَنْهُ- وَمِنْ: زِيَادِ بنِ عِلاقة، وَالأَسْوَدِ بنِ قَيْسٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ، وَابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، وَعَاصِمِ بنِ أَبِي النَّجُوْدِ، وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ، وعبد الله بن دينار، وزيد بن أسلم، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمير، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، وَشَبِيْبِ بنِ غَرْقدة، وَعَبْدَةَ بنِ أَبِي لُبَابَةَ، وَعَلِيِّ بنِ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ، وَعَبْدِ الكَرِيْمِ الجَزَرِيِّ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَأَيُّوْبَ السَّختياني، وَالعَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَاسِمٍ الرِّجَالِ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَمَنْصُوْرِ بنِ صَفِيَّةَ الحَجَبِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي يَعْفور العَبْدِيِّ، وَابْنِ عَجْلاَنَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي نَجِيح، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، وَأُمَيَّةَ بنِ صَفْوَانَ الجُمَحي، وَجَامِعِ بنِ أَبِي رَاشِدٍ، وَحَكِيْمِ بنِ جُبَيْرٍ، وَسَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ قَاضِي المَدِيْنَةِ، وَصَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ -وَقَالَ: سَمِعْتُ مِنْهُ وَلُعَابُهُ يَسِيْلُ- وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَأَبِي الزِّنَادِ عَبْدِ اللهِ بنِ ذَكْوَانَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَعْدٍ، وَأَيُّوْبَ بنِ مُوْسَى، وبُرْد بنِ سِنَانٍ، وَبَكْرِ بنِ وَائِلٍ، وَبَيَانِ بنِ بِشْرٍ، وَسَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ، وَأَبِي حَازِمٍ الأَعْرَجِ، وسُمَّي مَوْلَى أَبِي صَالِحٍ، وَصَدَقَةَ بنِ يَسَارٍ، وصفوان بن سليم، وعاصم بن
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 497"، والتاريخ الكبير "4/ ترجمة 2082"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 185"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 973"، وحلية الأولياء "7/ ترجمة رقم 390"، وتاريخ بغداد "9/ 174"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 267"، والكاشف "1/ ترجمة 2021"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 249"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 3327"، جامع التحصيل للعلائي "ترجمة 250"، وتهذيب التهذيب "4/ 117"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2590".(7/414)
كُلَيْبٍ الجَرْمي، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، وعبد الله بن طاوس، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ خُثَيم، وَمُحَمَّدِ بنِ جُحَادَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ السَّائِبِ بنِ بَرَكَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ الدِّمَشْقِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَسُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، وَزِيَادِ بنِ سَعْدٍ، وَزَائِدَةَ بنِ قُدامة، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَتَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْ خَلْقٍ مِنَ الكِبَارِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الأَعْمَشُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَشُعْبَةُ -وَهَؤُلاَءِ مِنْ شُيُوْخِهِ- وَهَمَّامُ بنُ يَحْيَى، وَالحَسَنُ بنُ حَيٍّ، وَزُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدُ الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالحُمَيْدِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ بَشَّار الرَّمَادِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَأَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيلي، وَأَبُو كَرَيب، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ الفَلاَّسُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ أَبِي عُمَرَ العَدَني، وَعَمْرُو بنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ مَنْصُوْرٍ الكَوْسَج، وَزُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، والحسن بن الصباح البزار، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ بِشْرِ بنِ الحَكَمِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَسَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، وَزَكَرِيَّا بن يحيى المروزي، وبشر بن مطر الزبير بنُ بَكَّارٍ، وَأَحْمَدُ بنُ شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ حِبَّانَ المَدَائِنِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم، خَاتِمُهُم فِي الدُّنْيَا: شَيْخٌ مَكِّيٌّ، يُقَالُ لَهُ: أَبُو نَصْرٍ الْيَسَعُ بنُ زَيْدٍ الزَّيْنَبِيُّ، عَاشَ إِلَى سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمَائَتَيْنِ، وَمَا هُوَ بِالقَوِيِّ.
وَلَقَدْ كَانَ خَلْقٌ مِنْ طَلَبَةِ الحَدِيْثِ يَتَكَلَّفُوْنَ الحَجَّ، وَمَا المُحَرِّكُ لَهُم سِوَى لُقِيِّ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ؛ لإِمَامتِهِ وَعُلُوِّ إِسْنَادِهِ.
وَجَاوَرَ عِنْدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الحُفَّاظِ.
وَمِنْ كِبَارِ أَصْحَابِهِ المُكْثِرِيْنَ عَنْهُ: الحُمَيْدِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَحْمَدُ، وَإِبْرَاهِيْمُ الرَّمادي.
قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: لَوْلاَ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، لَذَهَبَ عِلْمُ الحِجَازِ.
وَعَنْهُ قَالَ: وَجَدْتُ أَحَادِيْثَ الأَحكَامِ كُلَّهَا عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ، سِوَى سِتَّةِ أَحَادِيْثَ، وَوَجَدتُهَا كُلَّهَا عِنْدَ مَالِكٍ سِوَى ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً.
فَهَذَا يُوَضِّحُ لَكَ سَعَةَ دَائِرَةِ سُفْيَانَ فِي العِلْمِ، وَذَلِكَ لأَنَّهُ ضَمَّ أَحَادِيْثَ العِرَاقِيِّينَ إِلَى أَحَادِيْثِ الحِجَازِيِّينَ.(7/415)
وَارْتَحَلَ، وَلَقِيَ خَلْقاً كَثِيْراً مَا لَقِيَهُم مَالِكٌ، وَهُمَا نَظِيْرَانِ فِي الإِتْقَانِ، وَلَكِنَّ مَالِكاً أَجَلُّ وَأَعْلَى، فَعِنْدَهُ نَافِعٌ، وَسَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: كَانَ ابْنُ عُيينَةَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِحَدِيْثِ الحِجَازِ.
وَقَالَ أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّداً -يَعْنِي: البُخَارِيَّ- يَقُوْلُ: ابْنُ عُيَيْنَةَ أَحْفَظُ مِنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ.
قَالَ حَرْملَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً فِيْهِ مِنْ آلَةِ العِلْمِ مَا فِي سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَمَا رَأَيْتُ أَكَفَّ عَنِ الفُتْيَا مِنْهُ، قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْسَنَ تَفْسِيْراً لِلْحَدِيْثِ مِنْهُ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ: لاَ أَعْلَمُ أَحَداً أَعْلَمَ بِتَفْسِيْرِ القُرْآنِ مِنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَقَالَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَعْلَمُ بِالسُّنَنِ مِنْ سُفْيَانَ.
قَالَ وَكِيْعٌ: كَتَبْنَا عَنِ ابن عيينة أيام الأعمش.
قال علي ابن المَدِيْنِيِّ: مَا فِي أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ أَحَدٌ أَتقَنُ مِنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَجَّ بِي أَبِي، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ حَيٌّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجلي: كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ثَبْتاً فِي الحَدِيْثِ، وَكَانَ حَدِيْثُهُ نَحْواً مِنْ سَبْعَةِ آلاَفٍ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ كُتُبٌ.
قَالَ بَهْز بنُ أَسَدٍ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ. فَقِيْلَ لَهُ: وَلاَ شُعْبَةُ? قَالَ: وَلاَ شُعْبَةُ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: هُوَ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِالقُرْآنِ وَتَفْسِيْرِ الحَدِيْثِ، مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ الطُّوْسِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ السُّلَمي، سَمِعْتُ البُوَيْطِيَّ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: أُصُوْلُ الأحكام نيف وخمسمائة حَدِيْثٍ، كُلُّهَا عِنْدَ مَالِكٍ، إِلاَّ ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً، وَكُلُّهَا عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ، إِلاَّ سِتَّةَ أَحَادِيْثَ.
رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
القَاضِي أَبُو العَلاَءِ الوَاسِطِيُّ: مِمَّا سَمِعْتُهُ مِنْهُ، الخَطِيْبُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ موسى(7/416)
السُّلاَمِيُّ، سَمِعْتُ عَمَّارَ بنَ عَلِيٍّ اللُّوْرِيَّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ النَّضْرِ الهِلاَلِيَّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، فَنَظَرَ إِلَى صَبِيٍّ، فَكَأَنَّ أَهْلَ المَسْجِدِ تَهَاوَنُوا بِهِ لِصِغَرِهِ، فَقَالَ سُفْيَانُ: {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [النِّسَاءُ: 94] ، ثُمَّ قَالَ: يَا نَضْرُ، لَوْ رَأَيْتَنِي وَلِي عَشْرُ سِنِيْنَ، طُوْلِي خَمْسَةُ أَشْبَارٍ، وَوَجْهِي كَالدِّيْنَارِ، وَأَنَا كشُعْلَةِ نَارٍ، ثِيَابِي صِغَارٌ، وَأَكمَامِي قِصَارٌ، وَذَيْلِي بِمِقْدَارٍ، وَنَعلِي كآذَانِ الفَارِ، أَخْتَلِفُ إِلَى عُلَمَاءِ الأَمصَارِ، كَالزُّهْرِيِّ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، أَجلِسُ بَيْنهُم كَالمِسْمَارِ، مِحْبَرتِي كَالجَوْزَةِ، وَمَقْلَمَتِي كَالمَوْزَةِ، وَقَلَمِي كَاللَّوزَةِ، فَإِذَا أَتَيْتُ، قَالُوا: أَوْسِعُوا لِلشَّيْخِ الصَّغِيْرِ، ثُمَّ ضَحِكَ.
فِي صحَّةِ هَذَا نَظَرٌ، وَإِنَّمَا سَمِعَ مِنَ المَذْكُوْرِيْنَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: دَخَلَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عَلَى مَعْنِ بنِ زَائِدَةَ -يَعْنِي: أَمِيْرَ اليَمَنِ- وَلَمْ يَكُنْ سُفْيَانُ تَلَطَّخَ بَعْدُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمرِ السُّلْطَانِ، فَجَعَلَ يَعِظُهُ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: أُحِبُّ أَنْ تَكُوْنَ لِي جَارِيَةٌ فِي غُنْج سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ إِذَا حَدَّثَ.
قَالَ رَبَاحُ بنُ خَالِدٍ الكُوْفِيُّ: سَأَلْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّ أَبَا مُعَاوِيَةَ يُحَدِّثُ عَنْكَ بِشَيْءٍ لَيْسَ تَحفَظُهُ اليَوْمَ، وَكَذَلِكَ وَكِيْعٌ. فَقَالَ: صَدِّقْهُم، فَإِنِّي كُنْتُ قَبْلَ اليَوْمِ أَحْفَظَ مِنِّي اليَوْمَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى العَنَزي: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ ذَلِكَ لِرَبَاحٍ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ حَامِدُ بنُ يَحْيَى البَلْخِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ كَأَنَّ أَسْنَانِي سَقَطَتْ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلزُّهْرِيِّ، فَقَالَ: تَموتُ أَسْنَانُكَ، وَتَبْقَى أَنْتَ. قَالَ: فَمَاتَ أَسْنَانِي وَبَقِيْتُ أَنَا، فَجَعَلَ اللهُ كُلَّ عَدُوٍّ لِي مُحَدِّثاً.
قُلْتُ: قَالَ هَذَا مِنْ شِدَّةِ مَا كَانَ يَلقَى مِنِ ازْدِحَامِ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ عَلَيْهِ حَتَّى يُبْرِمُوْهُ.
قَالَ غِيَاثُ بنُ جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: أَوَّلُ مَنْ أَسْنَدَنِي إِلَى الأُسْطُوَانَةِ: مِسْعَر بنُ كِدَامٍ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّيْ حَدَثٌ. قَالَ: إِنَّ عِنْدَكَ الزُّهْرِيَّ, وَعَمْرَو بنَ دِيْنَارٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الرامَهرمزي: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا زِيَادُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خُزاعي، سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: كَانَ أَبِي صَيْرَفِيّاً بِالكُوْفَةِ، فَرَكِبَهُ دَيْنٌ، فَحَمَلَنَا إِلَى مَكَّةَ، فَصِرْتُ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، فَحَدَّثَنِي بِثَمَانِيَةِ أَحَادِيْثَ، فَأَمْسَكْتُ لَهُ حِمَارَهُ حَتَّى صَلَّى وَخَرَجَ، فَعَرَضْتُ الأَحَادِيْثَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: بَارَكَ اللهُ فِيْكَ.(7/417)
وَرَوَى أَبُو مُسْلِمٍ المُسْتَمْلِي: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ مِنْ عَمْرٍو مَا لَبِثَ نُوْحٌ فِي قومه -يعني: تسعمائة وخمسين سنة.
قَالَ مُجَاهِدُ بنُ مُوْسَى: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: مَا كَتَبتُ شَيْئاً إِلاَّ حَفِظتَهُ قَبْلَ أَنْ أَكْتُبَهُ.
قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: سُئِلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: ذَاكَ أَحَدُ الأَحَدَيْنِ، مَا أَغْرَبَهُ.
وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: قَالَ لِي يَحْيَى القَطَّانُ: مَا بَقِيَ مِنْ مُعَلِّمِيَّ أَحَدٌ غَيْرُ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَهُوَ إِمَامٌ مُنْذُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ المُفَضَّلِ يَقُوْلُ: مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَحَدٌ يُشْبِهُ ابْنَ عُيَيْنَةَ.
وَحَكَى حَرْمَلَةُ بنُ يَحْيَى أَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ قَالَ لَهُ -وَأَرَاهُ خُبْزَ شَعِيْرٍ: هَذَا طَعَامِي مُنْذُ سِتِّيْنَ سَنَةً.
الحُمَيْدِيُّ سَمِعَ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: لاَ تَدْخُلُ هَذِهِ المَحَابِرُ بَيْتَ رَجُلٍ، إِلاَّ أَشْقَى أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ.
وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً لِرَجُلٍ: مَا حِرْفَتُكَ? قَالَ: طَلَبُ الحَدِيْثِ. قَالَ: بَشِّرْ أَهْلَكَ بِالإِفْلاَسِ.
وَرَوَى عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: مَن زِيْدَ فِي عَقْلِهِ، نَقَصَ مِنْ رِزْقِهِ.
وَنَقَلَ سُنَيْد بنُ دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: مَنْ كَانَتْ مَعْصِيَتُهُ فِي الشَّهْوَةِ، فَارْجُ لَهُ، وَمَنْ كَانَتْ مَعْصِيَتُهُ فِي الكِبْرِ، فَاخْشَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ آدَمَ عَصَى مُشْتَهِياً، فغفر له، وإبليس متكبرًا، فلعن.
وَمِنْ كَلاَم ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: الزُّهْدُ: الصَّبْرُ، وَارْتِقَابُ المَوْتِ.
وَقَالَ: العِلْمُ إِذَا لَمْ يَنْفَعْكَ، ضَرَّكَ.
قَالَ عُثْمَانُ بنُ زَائِدَةَ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: مِمَّنْ نَسْمَعُ? قَالَ: عَلَيْكَ بِابْنِ عُيَيْنَةَ، وَزَائِدَةَ.
قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَجْمَعَ لِمُتَفَرِّقٍ مِنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ.
وقال علي بن نصير الجَهْضَمي: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ غُلاَماً، مَعَهُ أَلوَاحٌ طَوِيْلَةٌ عِنْدَ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَفِي أُذُنِهِ قُرْطٌ، أَوْ قال: شَنْف1.
__________
1 الشَّنْفُ: من حُلي الأذن، وجمعه شُنوف، وقيل هو ما يُعلَّق في أعلاها.(7/418)
وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: جَالَسْتُ عَبْدَ الكَرِيْمِ الجَزَرِيَّ سَنَتَيْنِ، وَكَانَ يَقُوْلُ لأَهْلِ بَلَدِهِ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الغُلاَمِ يَسْأَلُنِي وَأَنْتُم لاَ تَسْأَلُوْنِي.
قَالَ ذُؤَيْبُ بنُ عِمَامَةَ السَّهْمِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مِنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ -يَعْنِي: كَثْرَةً- سَمِعْتُ مِنْهُ وَلُعَابُهُ يَسِيْلُ. فَقَالَ عبد الرحمن بن حَاتِمٍ: فَلاَ نَعْلَمُهُ رَوَى عَنْهُ شَيْئاً، كَانَ مُنْتَقِداً لِلرُّوَاةِ.
قَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ أَكْبَرُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، سَمِعَ من جابر، وما سمع الزهري منه.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ مَطَرٍ، قَالَ: كُنَّا عَلَى بَابِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، فَاسْتَأْذَنَّا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَنَا. فَقُلْنَا: ادْخُلُوا حَتَّى نَهْجُمَ عَلَيْهِ. قَالَ: فَكَسَرْنَا بَابَهُ، وَدَخَلْنَا وَهُوَ جَالِسٌ، فَنَظَرَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! دَخَلْتُم دَارِي بِغَيْرِ إِذْنِي، وَقَدْ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ: أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ فِي جُحْرٍ مِنْ بَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عليه وسلم- مِدْرَى به يحك رَأْسَهُ، فَقَالَ: "لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَنْظُرُنِي، لَطَعَنْتُ بِهَا فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ النَّظَرِ" 1.
قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: نَدِمْنَا يَا أَبَا مُحَمَّدٍ. فَقَالَ: نَدِمْتُم? حَدَّثَنَا عَبْدُ الكَرِيْمِ الجَزَرِيُّ، عَنْ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَعْقِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "النَّدَمُ توبة" 2، اخرجوا، فقد أخدتم رَأْسَ مَالِ ابْنِ عُيَيْنَةَ.
سُلَيْمَانُ هَذَا: هُوَ أَخُو قَتَادَةَ بنِ مَطَرٍ، صَدُوْقٌ -إِنْ شَاءَ اللهُ. وَزِيَادٌ المَذْكُوْرُ فِي الحَدِيْثِ: هُوَ ابْنُ أبي مريم.
قال محمد بن سوف الفِرْيَابِيُّ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ، مَا يُزَهِّدُنِي فِيْكَ إِلاَّ طَلَبُ الحَدِيْثِ. قُلْتُ: فَأَنْتَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَيَّ شَيْءٍ كُنْتَ تَعْمَلُ إِلاَّ طَلَبَ الحَدِيْثِ? فَقَالَ: كُنْتُ إِذْ ذَاكَ صَبِيّاً لاَ أَعقِلُ.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "6901"، ومسلم "2156"، والحميدي "924" من طريق سفيان، عن الزهري، به.
2 صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة "9/ 361"، والحميدي "105"، وأحمد "1/ 376 و433" والبخاري في "التاريخ الكبير" "2/ 1/ 374"، وابن ماجه "4252"، والحاكم "4/ 243"، والبيهقي في "شعب الإيمان" "7029"، والخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق" "1/ 248-249" من طريق عن سفيان بن عيينة، عن عبد الكريم الجزري، به.(7/419)
قُلْتُ: إِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا الإِمَامِ يَقُوْلُ هذه المقالة في زمن التَّابِعِيْنَ، أَوْ بَعْدَهُم بِيَسِيْرٍ، وَطَلَبُ الحَدِيْثِ مَضْبُوْطٌ بِالاتِّفَاقِ، وَالأَخْذُ عَنِ الأَثْبَاتِ الأَئِمَّةِ، فَكَيْفَ لَوْ رَأَى سُفْيَانُ -رَحِمَهُ اللهُ- طَلَبَةَ الحَدِيْثِ فِي وَقْتِنَا، وَمَا هُم عَلَيْهِ مِنَ الهَنَاتِ وَالتَّخْبِيْطِ، وَالأَخْذِ عَنْ جَهَلَةِ بَنِي آدَمَ، وَتَسْمِيْعِ ابْنِ شَهْرٍ.
أَمَّا الخِيَامُ فَإِنَّهَا كَخِيَامِهِمْ ... وَأَرَى نِسَاءَ الحَيِّ غَيْرَ نِسَائِهَا
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يُوْنُسَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ جَالَسْتُ عَبْدُ الكَرِيْمِ أَبُو أُمَيَّةَ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ: وَقَرَأْتُ القُرْآنَ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
قَالَ يَحْيَى بنُ آدَمَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً يَخْتَبِرُ الحَدِيْثَ إِلاَّ وَيُخْطِئُ، إِلاَّ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ حَمَّادٍ الحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ حَمَّادُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ -وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ: إِذَا قَالَ لامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ, أَنْتِ طَالِقٌ, بَانَتْ بِالأُوْلَى، وَبَطَلَتِ الثِّنْتَانِ.
قَالَ سُفْيَانُ: رَأَيْتُ حمَّادًا قَدْ جَاءَ إِلَى طَبِيْبٍ عَلَى فَرَسٍ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، إِمَامٌ، ثِقَةٌ، كَانَ أَعْلَمَ بِحَدِيْثِ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ مِنْ شُعْبَةَ. قَالَ: وَأَثْبَتُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ هُوَ وَمَالِكٌ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: مَا رَأَيْتُ بَعْدَ ابْنِ جُرَيْجٍ مِثْلَ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي حُسْنِ المَنْطِقِ.
وَرَوَى إِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ.
وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: الوَرَعُ طَلَبُ العِلْمِ الَّذِي بِهِ يُعْرَفُ الوَرَعُ.
رَوَى سُلَيْمَانُ بنُ أَيُّوْبَ سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: شَهِدْتُ ثَمَانِيْنَ مَوْقِفاً.
وَيُرْوَى أَنَّ سُفْيَانَ كَانَ يَقُوْلُ فِي كُلِّ مَوْقِفٍ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْهُ آخِرَ العَهدِ مِنْكَ، فَلَمَّا كَانَ العَامُ الَّذِي مَاتَ فِيْهِ، لَمْ يَقُلْ شَيْئاً، وَقَالَ: قَدِ اسْتَحْيَيتُ مِنَ اللهِ -تَعَالَى.
وَقَدْ كَانَ لِسُفْيَانَ عِدَّةُ إِخْوَةٍ، مِنْهُم: عِمْرَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَآدَمُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُيَيْنَةَ، فَهَؤُلاَءِ قَدْ رَوَوُا الحَدِيْثَ.
وَقَدْ كَانَ سُفْيَانُ مَشْهُوْراً بِالتَّدْلِيسِ، عَمَدَ إِلَى أَحَادِيْثَ رُفِعَتْ إِلَيْهِ مِنْ حَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ، فَيَحذِفُ اسْمَ مَنْ حَدَّثَهُ وَيُدَلِّسُهَا، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يُدَلِّسُ إِلاَّ عَنْ ثِقَةٍ عِنْدَهُ.
فَأَمَّا مَا بَلَغَنَا عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ، أَنَّهُ قَالَ: اشْهَدُوا أَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ اخْتُلِطَ سَنَةَ سَبْعٍ(7/420)
وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، فَهَذَا مُنْكَرٌ مِنَ القَوْلِ، وَلاَ يَصِحُّ، وَلاَ هُوَ بِمُسْتقِيْمٍ، فَإِنَّ يَحْيَى القَطَّانَ مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ، مَعَ قُدُوْمِ الوَفْدِ مِنَ الحَجِّ، فَمَنِ الَّذِي أَخْبَرَهُ باخْتِلاَطِ سُفْيَانَ، وَمتَى لَحِقَ أَنْ يَقُوْلَ هَذَا القَوْلَ، وَقَدْ بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ?
وَسُفْيَانُ حُجَّةٌ مُطْلَقاً، وحديثه في جميع دواوين الإِسْلاَمِ، وَوَقَعَ لِي كَثِيْرٌ مِنْ عَوَالِيْهِ، بَلْ وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِبْطِ الحَافِظِ السِّلَفِيِّ مِنْ عَوَالِيْهِ جُمْلَةٌ صَالِحَةٌ، مِنْهَا "جُزءُ ابْنِ عُيَيْنَةَ"، رواية المروزي عنه، وفي "جزء علي ابن حَرْبٍ"، رِوَايَةَ العَبَّادَانِ، وَجُزْآنِ لِعَلِيِّ بنِ حَرْبٍ، رِوَايَةَ نَافِلَتِهِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ عُمَرَ الطَّائِيِّ، وَفِي "الثَّقَفِيَّاتِ"، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ جَمَعَ عَوَالِي ابْنِ عُيَيْنَةَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَةَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ، وَبَعْدَهُمَا أَبُو إِسْحَاقَ الحَبَّالُ.
وَكَانَ سُفْيَانُ -رَحِمَهُ اللهُ- صَاحِبَ سُنَّةٍ وَاتِّبَاعٍ.
قَالَ الحَافِظُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ مُوْسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الجَوَّازُ، قَالَ: رأيت سفيان بن عينة سَأَلَهُ رَجُلٌ: مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ? قَالَ: كَلاَمُ اللهِ، مِنْهُ خَرَجَ، وَإِلَيْهِ يَعُوْدُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ: حَدَّثَنَا لُوَين، قَالَ: قِيْلَ لابْنِ عُيَيْنَةَ: هَذِهِ الأَحَادِيْثُ الَّتِي تُرْوَى فِي الرُّؤْيَةِ? قَالَ: حَقٌّ عَلَى مَا سَمِعْنَاهَا مِمَّنْ نَثِقُ بِهِ وَنَرْضَاهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّورقي: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، وَجَعَلتُ أُلِحُّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: دَعْنِي أَتَنَفَّسُ. فَقُلْتُ: كَيْفَ حَدِيْثُ عَبْدِ اللهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الله يحمل السماوات على إصبع" 1.
وَحَدِيْثُ: "إِنَّ قُلُوْبَ العِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أصابع الرحمن" 2.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4811"، ومسلم "2786"، والترمذي "3238"، من طريق عبيدة السلماني، عبد الله بن مسعود قال: جاء حبر إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا محمد أويا أبا القاسم إن الله تعالى يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع، والارضين على إصبع، والجبال والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يهزهن: فيقول أنا الملك أنا الملك فَضَحِكَ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم- تعجبا مما قال الحبر تصديقا له. ثم قرأ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67] ، واللفظ لمسلم.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2254" من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا وتمامه: "إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد، يصرفها حيث شاء" ثم قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك".(7/421)
وَحَدِيْثُ: "إِنَّ اللهَ يَعْجَبُ -أَوْ يَضْحَكُ- مِمَّنْ يَذْكُرُهُ فِي الأَسْوَاقِ"1. فَقَالَ سُفْيَانُ: هِيَ كَمَا جَاءتْ، نُقِرُّ بِهَا، وَنُحَدِّثُ بِهَا بِلاَ كَيْفٍ2.
أَبُو عُمَرَ بنُ حَيُّوْيَه: حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بنُ جنَّادٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، وَسَأَلُوْهُ أَنْ يُحَدِّثَ، فَقَالَ: مَا أَرَاكُم لِلْحَدِيْثِ مَوْضِعاً، وَلاَ أُرَانِي أَنْ يُؤْخَذَ عَنِّي أَهْلاً، وَمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُم إِلاَّ مَا قَالَ الأُوَلُ: افْتَضَحُوا، فَاصْطَلَحُوا.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْعَثِ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يقول: من عمل بما يَعْلَمُ، كُفِيَ مَا لَمْ يَعْلَمْ.
وَعَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: مَنْ رَأَى أَنَّهُ خُيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ، فَقَدِ اسْتَكْبَرَ، ثُمَّ ذَكَرَ إِبْلِيْسَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ: مَا الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا? قَالَ: إِذَا أُنْعِمَ عَلَيْهِ، فَشَكَرَ، وَإِذَا ابْتُلِيَ، بِبَلِيَّةٍ فصبر، فذلك الزهد.
قال علي ابن المَدِيْنِيِّ: كَانَ سُفْيَانُ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ، يَقُوْلُ: لاَ أُحْسِنُ. فَنَقُوْل: مَنْ نَسْأَلُ? فَيَقُوْلُ: سَلِ العُلَمَاءَ، وَسَلِ اللهَ التَّوفِيْقَ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص.
__________
1 لم يرد بهذا اللفظ في شيء من كتب السنة المشرفة ودواوينها، لكن قد ورد في صفة التعجب عن علي بن أبي طالب مرفوعا بلفظ: "إن ربك ليعجب من عبده إذا قال: رب اغفر لي ذنوبي، قال: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري". أخرجه أحمد "1/ 97 و115 و128"، والطيالسي "132"، وأبو داود "2602"، والترمذي "3446"، والحاكم "2/ 99"، والبيهقي في "الأسماء والصفات" "ص471" من طريق أبي إسحاق عن علي بن ربيعة، عن علي بن أبي طالب، به مرفوعا.
وفي صفه الضحك ورد عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: "يضحك الله إلى رجلين، يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة". فقالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: "يقاتل هذا في سبيل الله -عز وجل- فيستشهد ثم يتوب الله على القاتل فيسلم. فيقاتل في سبيل الله -عز وجل- فيستشهد".
أخرجه أحمد "2/ 464"، ومسلم "1890"، واللفظ له، وابن ماجه "191"، وابن خزيمة في "التوحيد" "ص234"، والآجري في "الشريعة" "ص278" من طريق سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هريرة، به.
2 مذهب السلف الصالح الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه، ووصفه به رسوله من غير تحريف أو تأويل، أو تمثيل وتكييف.(7/422)
الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ: قيل لسفيان ابن عُيَيْنَةَ: إِنَّ بِشْراً المَرِيْسِيَّ يَقُوْلُ: إِنَّ اللهَ لاَ يُرَى يَوْمَ القِيَامَةِ. فَقَالَ: قَاتَلَ اللهُ الدُّوَيْبَّةَ، أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المُطَفِّفِيْنَ: 15] ، فَإِذَا احْتَجَبَ عَنِ الأَوْلِيَاءِ وَالأَعْدَاءِ، فَأَيُّ فَضْلٍ لِلأَوْلِيَاءِ عَلَى الأَعْدَاءِ.
وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ فِي "تَارِيْخِهِ": حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَفَّانَ، سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ فِي السَّنَةِ الَّتِي أَخَذُوا فِيْهَا بِشْراً المَرِيْسِيَّ بِمِنَىً، فَقَامَ سُفْيَانُ فِي المَجْلِسِ مُغْضَباً، فَقَالَ: لَقَدْ تَكَلَّمُوا فِي القَدَرِ وَالاعْتِزَالِ، وَأُمِرْنَا بِاجْتِنَابِ القَوْمِ، رَأَيْنَا عُلَمَاءنَا، هَذَا عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَهَذَا مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ -حَتَّى ذَكَرَ أَيُّوْبَ بنَ مُوْسَى وَالأَعْمَشَ وَمِسْعَراً- مَا يَعْرِفُوْنَهُ إِلاَّ كَلاَمَ اللهِ، وَلاَ نَعْرِفُهُ إِلاَ كَلاَمَ اللهِ، فَمَنْ قَالَ غَيْرَ ذَا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ مَرَّتَيْنِ، فَمَا أَشْبَهَ هَذَا بِكَلاَمِ النَّصَارَى، فَلاَ تُجَالِسُوهُم.
قَالَ المسيَّب بنُ وَاضِحٍ: سُئِلَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْدِ، قَالَ: الزُّهْدُ فِيْمَا حَرَّمَ اللهُ، فَأَمَّا مَا أَحَلَّ اللهُ، فَقَدْ أَبَاحَكَهُ اللهُ، فَإِنَّ النَّبِيِّيْنَ قَدْ نَكَحُوا، وَرَكِبُوا، وَلَبِسُوا، وَأَكَلُوا، لَكِنَّ اللهَ نَهَاهُم عَنْ شَيْءٍ، فَانْتَهَوْا عَنْهُ، وَكَانُوا بِهِ زُهَّاداً.
وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: إِنَّمَا كَانَ عِيْسَى ابْنُ مَرْيَمَ لاَ يُرِيْدُ النِّسَاءَ، لأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقُ مِنْ نُطْفَةٍ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِيْمَا نَعْلَمُ، أَشَدَّ تَشَبُّهاً بِعِيْسَى ابْنِ مَرْيَمَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ.
وَرَوَى عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النِّسَاءُ: 69] ، قَالَ: الصَّالِحُوْنَ: هُم أَصْحَابُ الحَدِيْثِ.
وَرَوَى أَحْمَدُ بنُ زَيْدِ بنِ هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ، سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: أَنَا أَحقُّ بِالبُكَاءِ مِنَ الحُطَيْئَةِ، هُوَ يَبْكِي عَلَى الشِّعْرِ، وَأَنَا أَبْكِي عَلَى الحَدِيْثِ.
قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ عَقِيْبَ هَذَا: أُرَاهُ قَالَ هَذَا حِيْنَ حُصِرَ فِي البَيْتِ عَنِ الحَدِيْثِ، لأَنَّهُ اخْتُلِطَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ.
قُلْتُ: هَذَا لاَ نُسَلِّمُهُ، فَأَيْنَ إِسْنَادُكَ بِهِ?
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ الحَدَّادُ فِي كِتَابِهِ، أَنْبَأَنَا مَسْعُوْدٌ الجَمَّالُ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ يَقُوْلُ: عَاصِمٌ، عَنْ زِرٍّ، قَالَ: أَتَيْتُ(7/423)
صَفْوَانَ بنَ عَسَّالٍ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ? قُلْتُ: جِئْتُ ابْتِغَاءَ العِلْمِ، قَالَ: فَإِنَّ المَلاَئِكَةَ تضع أجنحتها لطالب العلم، رضى لما يَطْلُبُ. قُلْتُ: حَكَّ فِي نَفْسِي -أَوْ صَدْرِي- مَسْحٌ عَلَى الخُفَّينِ بَعْدَ الغَائِطِ وَالبَوْلِ، فَهَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ذَلِكَ شَيْئاً? قَالَ: نَعَمْ، كَانَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَراً، أَوْ مُسَافِرِيْنَ، أَنْ ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جَنَابَةٍ، لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، أَوْ نَوْمٍ.
قُلْتُ: هَلْ سَمِعْتَهُ يَذْكُرُ الهَوَى? قَالَ: نَعَمْ، بَيْنَا نَحْنُ مَعَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَسِيْرٍ، إِذْ نَادَاهُ أَعْرَابِيٌّ بصَوْتٍ لَهُ جَهْوَرِيٍّ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! فَأَجَابَهُ عَلَى نَحْوٍ مِنْ كَلاَمِهِ: هَاؤُم. قَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلاً أَحَبَّ قَوْماً، وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِم? قَالَ: "المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ". ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا: أَنَّ مِنْ قِبَلِ المَغْرِبِ بَاباً يَفْتَحُ اللهُ لِلتَّوْبَةِ مَسِيْرَةَ عَرْضِهِ أَرْبَعُوْنَ سَنَةً، فَلاَ يَزَالُ مَفْتُوحاً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ قِبَلِهِ، وَذَلِكَ قَوْلَهُ تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام: 158] الآية1.
وَبِهِ، قَالَ ابْنُ عَاصِمٍ: سَمِعْتُ مِنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَنَا مَحْرَمٌ لِبَعْضِ النِّسَاءِ، وَمَنْ حَجَّ بَعْدِي لَمْ يَرَهُ، مَاتَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ ومائة.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بِمِصْرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّيْنَوَرِيُّ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وثلاثين وخمسمائة، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو مُوْسَى مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا جَاءَ إِلَى مَكَّةَ، دَخَلَهَا مِنْ أَعْلاَهَا، وَخَرَجَ مِنْ أَسْفَلِهَا2. أَخْرَجَهُ: الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ المِصْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ السُّكَّرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ الصُّوْفِيُّ سنة ثلاث وثلاثمائة، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ عَتِيْقٍ، عن جابر بن عبد
__________
1 حسن: أخرجه الترمذي "3536" من طريق حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ بن حبيش، عن صفوان بن عسال المرادي، به في حديث طويل. وقال الترمذي: حسن صحيح.
قلت: إسناده حسن، عاصم، هو ابن أبي النجود، صدوق كما قال الحافظ في "التقريب".
2 صحيح: أخرجه البخاري "1577"، ومسلم "1258"، وأبو داود "1868" و"1869"، والترمذي "853".(7/424)
اللهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِوَضْعِ الجَوَائِحِ وَنَهَى عَنْ بَيْعِ السِّنِيْنَ1. أخرجه: أبو داود، عن يحيى.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ سنة ثماني عشرة وستمائة، أخبرنا سعيد بن أحمد بنُ البَنَّاء، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البُنْدار، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَخَّصَ فِي العَرَايَا2.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ بِنَابُلُسَ، أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ المَقْدِسِيُّ فِي سنة خمس عشرة وستمائة، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، وَكَتَبَ إليَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، وَجَمَاعَةٌ: أَنَّ القَاضِي أَبَا القَاسِمِ عَبْدَ الصَّمَدِ بنَ مُحَمَّدٍ الأنصاري، أخبرهم في سنة عشر وستمائة قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مُسْلِمٍ الفَرَضِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ الكَاتِبُ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مَطَرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عن
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 309"، ومسلم "1554" "17"، وأبو داود "3374"، والنسائي "7/ 265"، وابن الجارود "640"، والدارقطني "3/ 31"، والحاكم "2/ 40-41"، والبيهقي "5/ 306"، والبغوي "2083" من طرق عن سفيان بن عيينة، عن حميد الأعرج، به.
وقوله: "الجوائح": هي الآفات التي تصيب الثمار فتهلكها، يقال جاحهم الدهر يجوحهم وأجاحهم الزمان: إذا أصابهم بمكروه عظيم.
2 صحيح: أخرجه مالك "2/ 619-620"، والشافعي في "المسند" "2/ 150"، وعبد الرزاق "14486"، وأحمد "5/ 182 و186-187 و188 و190"، والبخاري "2188" و"2380" ومسلم "1539"، والنسائي "7/ 267"، وابن ماجه "2269"، والطحاوي "4/ 29"، والطبراني في "الكبير" "4764" و"4765" و"4766" و"4777" و"4769-4773"، والبيهقي "5/ 309 و310" من طرق عن نافع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، به.
وقوله: "العرايا": واحدتها عرية، وهي النخلة يُعريها صاحبها رجلا محتاجا، والإعراء أن يجعل له ثمرة عامها، يقول: فرخص لرب النخل أن يبتاع من المُعْرَى تلك النخلة بتمر لموضع حاجته.
وقال البغوي في "شرح السنة" "8/ 87": العرية: أن يبيع ثمر نخلات معلومة بعد بُدُوِّ الصلاح فيها خرصًا بالتمر الموضوع على وجه الأرض كيلا استثناها الشرع من المزابنة بالجواز كما استثنى السلم بالجواز على بيع ما ليس عنده، سميت عرية، لأنها عريت من جملة التحريم، أي خرجت، "فعيلة" بمعنى "فاعلة"، وقيل: لأنها عريت من جملة الحائط بالخرص والبيع، فعريت عنها، أي: خرجت، وقيل غير ذلك.(7/425)
ابْنِ أَبِي نَجيح، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النِّسَاءُ: 148] ، قَالَ: ذَلِكَ فِي الضِّيَافَة، إِذَا أَتيتَ رَجُلاً، فَلَمْ يُضِفْكَ، فَقَدْ رُخِّصَ لَكَ أَنْ تَقُوْلَ.
قَالَ ابْنُ دَاوُدَ فِي كِتَابِ "الشَّرِيْعَةِ": حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي بَزَّةَ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: لَوْ صَلَّيْتَ خَلْفَ مَنْ يَقْرَأُ بقِرَاءةِ حَمْزَةَ، لأَعَدْتُ. وَثَبَتَ مِثْلُ هَذَا عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، وَعَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ نَحْوَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحُوَيْطِبِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ يَقُوْلُ: قِرَاءةُ حَمْزَةَ بِدْعَةٌ.
قُلْتُ: مُرَادُهُم بِذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ قبيل الأداء، كالسكت، والإضجاع فِي نَحْوِ: شَاءَ، وَجَاءَ، وَتَغْيِيرِ الهَمزِ، لاَ مَا فِي قِرَاءتِهِ مِنَ الحُرُوْفِ، هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ لِي، فَإِنَّ الرَّجُلَ حُجَّةٌ، ثِقَةٌ فِيْمَا يُنْقَلُ.
قَالَ مَحْمُوْدُ بنُ وَالاَنَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ بِشْرٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: غَضَبُ اللهِ الدَّاءُ الَّذِي لاَ دوَاءَ لَهُ، وَمَنِ اسْتَغْنَى بِاللهِ، أَحْوَجَ اللهُ إِلَيْهِ النَّاسَ.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ القبَّاني: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ عَشِيَّةَ السَّبْتِ، نِصْفَ شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ يَقُوْلُ: كَمُلَ لِي فِي هَذَا اليَوْمِ تِسْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، وُلِدْتُ لِلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: عَاشَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
فِي "فَاصِلِ" الرامَهرمزي، قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاح الجَرْدَانِيُّ: قَالَ الخُطَيم فِي ابْنِ عُيَيْنَةَ:
سِيْرِي نَجَاءً وَقَاكِ اللهُ مِنْ عَطَبٍ ... حَتَّى تُلاَقِي بَعْدَ البَيْتِ سُفْيَانَا
شَيْخُ الأَنَامِ وَمَنْ حَلَّتْ مَنَاقِبُهُ ... لاَقَى الرِّجَالَ وَحَازَ العِلْمَ أَزْمَانَا
حَوَى بَيَاناً وَفَهْماً عَالِياً عَجَباً ... إِذَا يَنُصُّ حَدِيْثاً نَصَّ بُرْهَانَا
تَرَى الكُهُولَ جَمِيْعاً عِنْدَ مَشْهَدِهِ ... مُسْتَنْصِتِيْنَ وَشِيخَاناً وَشُبَّانَا
يَضُمُّ عَمْراً إِلَى الزُّهْرِيِّ يُسْنِدُهُ ... وَبَعْدَ عَمْرٍو إِلَى الزُّهْرِيِّ صَفْوَانَا
وَعَبْدَةً وَعُبَيْدَ اللهِ ضَمَّهُمَا ... وَابْنَ السَّبِيْعِيِّ أَيْضاً وَابْنَ جُدْعَانَا
فَعَنْهُمُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ يُوْسِعُنَا ... عِلْماً وَحُكْماً وَتَأْوِيلاً وَتِبْيَانَا
وَقَالَ الرِّيَاشِيُّ: قَالَ الأَصْمَعِيُّ يَرْثِي ابْنَ عُيَيْنَةَ:(7/426)
لِيَبْكِ سُفْيَانَ بَاغِي سُنَّةٍ دَرَسَتْ ... وَمُسْتبِيْنُ أَثَارَاتٍ وَآثَارِ
وَمُبْتَغِي قُرْبَ إِسْنَادٍ وَمَوْعِظَةٍ ... وَوَاقِفِيُّوْنَ مِنْ طَارٍ وَمِنْ سَارِي
أَمْسَتْ مَنَازِلُهُ وَحْشاً مُعَطَّلَةً ... مِنْ قَاطِنِيْنَ وَحُجَّاجٍ وَعُمَّارِ
مِنَ الحَدِيْثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ يُسْنِدُهُ ... وَلِلأَحَادِيْثِ عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارِ
مَا قَامَ مِنْ بَعْدِهِ مَنْ قَالَ حَدَّثَنَا ... الزهري في أهل بدو أو بإحضار
وَقَدْ أَرَاهُ قَرِيْباً مِنْ ثَلاَثِ مِنَىً ... قَدْ خَفَّ مَجْلِسَهُ مِنْ كُلِّ أَقْطَارِ
بَنُو المَحَابِرِ والأقلام مرهفة ... وسماسمات فراها كل نجار(7/427)
1292- إِبْرَاهِيْم بنُ عُيَيْنَةَ 1:
أَبُو إِسْحَاقَ، مُحَدِّثٌ، إِمَامُ خَيْرٍ. وُلِدَ: نَحْو سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا حَيَّانَ التَّيْمِيَّ، وَطَلْحَةَ بنَ يَحْيَى، وَصَالِحَ بنَ حَسَّانٍ، وَمِسْعَراً، وَلَيْسَ بِالمُكْثِرِ وَلاَ المُجَوِّدِ.
رَوَى عَنْهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالفَلاَّسُ، وَالعَدَنِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، وَطَائِفَةٌ، آخِرُهُم مَوْتاً: الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ.
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ مُسْلِماً، صَدُوقاً، لَمْ يَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
قِيْلَ: توفي سنة تسع وتسعين ومائة.
__________
1 ترجمته في الجرح والتعديل "2/ ترجمة 362"، ميزان الاعتدال "1/ ترجمة 164"، وتهذيب التهذيب "1/ 149"، وتقريب التهذيب "1/ 41".(7/427)
1293- الخُلْقاني 1: "ع"
إسماعيل بن زكريا، المحدث، الحافظ، أبو زياد الكوفي، الخُلْقاني.
مولده سنة ثمان ومائة.
__________
1 ترجمته في المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 170"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 570"، والضعفاء الكبير للعقيلي "1/ ترجمة 84"، وميزان الاعتدال "1/ 228"، وتهذيب التهذيب "1/ 297".(7/427)
وَسَمِعَ -وَقَدْ كَبِرَ- مِنْ: عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَالعَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَبُرَيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وإسماعيل بن أبي خالد، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَحَجَّاجِ بنِ دِيْنَارٍ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ الدُّوْلاَبِيُّ، وَأَبُو الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنُ، وَجَمَاعَةٌ.
اخْتَلَفَ قَوْلُ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، فَمَرَّةً يَقُوْلُ: ثِقَةٌ، وَمَرَّةً ضَعَّفَهُ، وَمَرَّةً يَقُوْلُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ مُقَاربُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ المَيْمُوْنِيُّ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: كَيْفَ هُوَ? قَالَ: أَمَّا الأَحَادِيْثُ المَشْهُوْرَةُ الَّتِي يَروِيهَا، فَهُوَ فِيْهَا مُقَاربُ الحَدِيْثِ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ يَنْشَرِحُ الصَّدْرُ لَهُ، هُوَ شَيْخٌ لَيْسَ يُعْرَفُ بِالطَّلَبِ.
قَالَ الخَطِيْبُ فِي "تَارِيْخِهِ": إِسْمَاعِيْلُ بنُ زَكَرِيَّا بنِ مُرَّةَ، أَبُو زِيَادٍ الخُلْقَانِيُّ، مَوْلَى بَنِي أَسَدِ بنِ خُزَيْمَةَ، كُوْفِيٌّ، يُلَقَّبُ: شقُوصَا، نَزَلَ بَغْدَادَ.
قَالَ العُقَيلي: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ الجُنَيْدِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ أَبَانٍ، حَدَّثَنِي خَالِي إِبْرَاهِيْمُ، سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ الخُلْقَانِيَّ شقُوصَا يَقُوْلُ: الَّذِي نَادَى مِنْ جَانِبِ الطُّورِ عَبْدَهُ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، عَلِيٌّ. إِسْنَادُهَا مُظْلِمٌ، فَلَعَلَّ إِسْمَاعِيْلَ هَذَا آخِرُ زِنْدِيقٍ، غَيْرُ الخُلْقَانِيِّ.
تُوُفِّيَ الخُلْقَانِيُّ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ. وَعَاشَ: خَمْساً وَسِتِّيْنَ سنة.(7/428)
1294- معتمر 1: "ع"
ابن سليمان بن طَرْخان، الإمام، الحافظ، القدوة، أبو محمد بن الإِمَامِ أَبِي المُعْتَمِرِ التَّيْمِيُّ، البَصْرِيُّ، وَهُوَ مِنْ مَوَالِي بَنِي مُرَّةَ، وَنُسِبَ إِلَى تَيْمٍ؛ لِنُزُولِهِ فِيْهِم هُوَ وَأَبُوْهُ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَأَيُّوْبَ، وَحُمَيْدٍ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ البَصْرِيِّ القَهْرَمَانِ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وفُضيل بن مسيرة، وَإِسْحَاقَ بنِ سُوَيْدٍ، وَأَشْعَثَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَحَبِيْبِ بنِ أَبِي مُحَمَّدٍ العَجَمِيِّ، وبَهْز بنِ حَكِيْمٍ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَعْلى الطَّائِفِيِّ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى أَنْ يَرْوِيَ عَنْ صَاحِبِهِ: عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
كَانَ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، والقَعْنبِي، وَالأَصْمَعِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَمُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَمُسَدَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وإسحاقَ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأُمَيَّةُ بنُ بِسْطَامَ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَعَمْرٌو الفَلاَّسُ، وَزِيَادٌ الحَسَّانِيُّ، وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَالحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ المَرْوَزِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ، وَهَارُوْنُ بنُ إِسْحَاقَ، وَيَحْيَى بنُ حَبِيْبِ بنِ عَرَبِيٍّ، وَيَعْقُوْبُ الدَّورقي، وَأَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ، وَخَلْقٌ عَظِيْمٌ.
قَالَ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ.
وَقَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: سَمِعْتُ قُرَّةَ بنَ خَالِدٍ يَقُوْلُ: مَا مُعْتَمِرٌ عِنْدَنَا بِدُوْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَمائَةٍ، وَمَاتَ بِالبَصْرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مَحْبُوْبٍ: مَاتَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سَبْعٍ.
وَقَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ: مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سَبْعٍ، وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عِيْسَى الكُرَيْزِي: مَاتَ مُعْتَمِرٌ يَوْم قُتِلَ زبَّان الطَّليقي بِالبَصْرَةِ، فَكَانَ النَّاسُ يَقُوْلُوْنَ: مَاتَ اليَوْمَ أَعْبَدُ النَّاسِ، وَقُتِلَ أَشْطَرُ النَّاسِ.
وَفِي كِتَابِ "السَّابِقِ وَاللاَّحِقِ" لِلْخَطِيْبِ: أَنَّ مُعْتَمِراً رَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَبَيْنَهُمَا فِي المَوْتِ سِتٌّ وَتِسعُوْنَ سَنَةً، فَإِنَّ الثَّوْرِيَّ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
وَأَعْلَى مَا يُرْوَى اليَوْمَ حَدِيْثُ مُعْتَمِرٍ، فِي "جُزْءِ ابْنِ عَرَفَةَ".
فَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَغَيْرُهُ إِجَازَةً، عَنْ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ كُليب، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بن بيان،
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 290"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 211"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1845"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 251"، والكاشف "3/ ترجمة 5645" والعبر "1/ 195" و"2/ 4"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8648"، وتهذيب التهذيب "10/ 227-228"، وتقريب التهذيب "2/ 263"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7421"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 316".(7/429)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ, أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ، سَمِعْتُ عَاصِماً الأَحْوَلَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي شُرَحْبِيْلُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبَا سَعِيْدٍ، وَابْنَ عُمَرَ، يُحَدِّثُونَ: أَنَّ نَبِيَّ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَزْناً بِوَزْنٍ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، مَنْ زَادَ، أَوِ ازْدَادَ، فَقَدْ أَرْبَى". إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُهُ مِنْهُم، فَأَدخَلَنِي اللهُ النَّارَ. هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ، عَالٍ. وشرحبيل بن سعد: مدني، ليس بقوي1.
__________
1 ضعفه ابن معين، ومالك، والنسائي، وأبو زرعة، والدارقطني، وابن عدي كما ذكر الحافظ في "ميزان الاعتدال"، لكن للحديث شاهد عن عبادة بن الصامت عند مسلم "1587"، وأبي داود "3349"، والترمذي "1240"، والنسائي "7/ 276"، وابن ماجه "2254".(7/430)
1295- مروان بن أبي حفصة 1:
رَأْسُ الشُّعَرَاءِ، أَبُو السَّمْطِ -وَقِيْلَ: أَبُو الهِنْدَامِ- مروان بن سليمان بن يحيى بن أبي حَفْصَةَ يَزِيْدَ، مَوْلَى مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ الأُمَوِيِّ.
أَعْتَقَهُ مَرْوَانُ يَوْمَ الدَّارِ2، لِكَوْنِهِ بيَّن يَوْمَئِذٍ.
وَقِيْلَ: بَلْ كَانَ أَبُو حَفْصَةَ طَبِيْباً يَهُوْدِياً، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدِ عُثْمَانَ، أَوْ يَدِ مَرْوَانَ. وَيُقَالُ: إِنَّ أَبَا حَفْصَةَ مِنْ سَبْيِ اصْطَخْرَ.
وَكَانَ مَرْوَانُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ مِنْ أَهْلِ اليمامة، فقدم بغداد، ومدح المهدي، والرشيد.
قَالَ ابْنُ المُعْتَزِّ: أَجْوَدُ مَا لَهُ "اللاَّمِيَّةُ" الَّتِي فُضِّلَ بِهَا عَلَى شُعَرَاءِ زَمَانِهِ فِي مَعْنِ بنِ زَائِدَةَ، فَأَجَازَهُ عَلَيْهَا بِمَالٍ عَظِيْمٍ. قَالَ: وَأَخَذَ مِنْ خَلِيْفَةٍ عَلَى بَيْتٍ وَاحِدٍ ثلاثمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ.
قُلْتُ: فَمِنَ اللاَّمِيَّةِ:
بَنُو مَطَرٍ يَوْمَ اللِّقَاءِ كَأَنَّهُمْ ... أُسُودٌ لَهَا فِي بَطْنِ خَفَّانَ أَشْبُلُ
هُمُ يَمْنَعُوْنَ الجَارَ حَتَّى كَأَنَّمَا ... لِجَارِهِم بَيْنَ السِّماكين مَنْزِلُ
تَجَنَّبَ لاَ فِي القَوْلِ حَتَّى كَأَنَّهُ ... حَرَامٌ عَلَيْهِ قَوْلُ لاَ حِيْنَ يُسْأَلُ
تَشَابَهُ يَوْمَاهُ عَلَيْنَا فَأَشْكلاَ ... فَلاَ نحن ندري أي يوميه أفضل
__________
1 ترجمته في "المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي" "1/ 173"، والأغاني لأبي الفرج الأصبهاني "10/ 71"، وتاريخ بغداد "13/ 145"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ 189".
2 أي: دار عثمان بن عفان يوم أن وقعت الفتنة، ولزم عثمان داره، واستشهد فيها لذا سمى يوم الدار.(7/430)
أَيَوْمُ نَدَاهُ العُمرُ أَمْ يَوْمُ بَأْسِهِ ... وَمَا مِنْهُمَا إِلاَّ أَغَرُّ مُحَجَّلُ
بَهَالِيْلُ فِي الإِسْلاَمِ سَادُوا وَلَمْ يَكُنْ ... كَأَوَّلِهِم فِي الجَاهِلِيَّةِ أَوَّلُ
هُمُ القَوْمُ إِنْ قَالُوا أَصَابُوا وَإِنْ دُعُوا ... أَجَابُوا وَإِنْ أَعْطَوْا أَطَابُوا وَأَجْزَلُوا
فَمَا يَسْتَطِيْعُ الفَاعِلُوْنَ فِعَالَهُم ... وَإِنْ أَحْسَنُوا فِي النَّائِبَاتِ وَأَجْمَلُوا
وَيُرْوَى أَنَّ وَلداً لِمَرْوَانَ بنِ أَبِي حَفْصَةَ دَخَلَ عَلَى الأَمِيْرِ شَرَاحِيْلَ بنِ مَعْنٍ، فَأَنشَدَهُ:
أَيَا شَرَاحِيْلَ بنَ مَعْنِ بنِ زَائِدَةَ ... يَا أَكرَمَ النَّاسِ مِنْ عُجْمٍ وَمِنْ عَرَبِ
أَعْطَى أَبُوْكَ أَبِي مَالاً فَعَاشَ بِهِ ... فَأَعْطِنِي مِثْلَ مَا أَعْطَى أَبُوْكَ أَبِي
مَا حَلَّ قَطُّ أَبِي أَرْضاً أَبُوْكَ بِهَا ... إِلاَّ وَأَعْطَاهُ قِنْطَاراً من الذهب
فَأَعْطَاهُ شَرَاحِيْلُ قِنْطَاراً مِنَ الذَّهَبِ.
مَاتَ مَرْوَانُ سنة اثنتين وثمانين ومائة.(7/431)
1296- حفيده 1:
هو مَرْوَانُ بنُ أَبِي الجَنُوْبِ بنِ مَرْوَانَ بنِ أَبِي حَفْصَةَ، مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ فِي زَمَانِهِ، ويقال له: مروان الأصغر.
__________
1 ترجمته في الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني "23/ 206"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ص193".(7/431)
1297- مُبَارك 1: "د، ت"
ابن سعيد بن مسروق، الفَقِيْهُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الثَّوْرِيُّ، الكُوْفِيُّ، الضَّرِيْرُ، نَزِيلُ بَغْدَادَ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَاصِمِ بنِ أَبِي النَّجُوْدِ، وَغَيْرِهِمَا.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ -مَعَ تَقَدُّمِهِ- وَأَبُو النَّضْرِ، وَيَحْيَى بنُ يحيى، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَآخَرُوْنَ.
يَقعُ حَدِيْثَهُ عَالِياً فِي "جُزْءِ ابْنِ عَرَفَةَ"، وَهُوَ ثِقَةٌ، صَالِحُ الحَدِيْثِ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ ومائة.
وهو أخو سفيان الثوري.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 385"، والتاريخ الكبير "7/ 1868"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 42"، والضعفاء الكبير للعقيلي "4/ ترجمة 1818"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1558"، وتاريخ بغداد "13/ 216"، والعبر "1/ 277"، والكاشف "3/ ترجمة 5370"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 7044"، وتهذيب التهذيب "10/ 28"، وتقريب التهذيب "2/ 227"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 6837"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 294".(7/431)
1298- معاذ بن مُسْلِم 1:
شَيْخُ النَّحْوِ، أَبُو مُسْلِمٍ الكُوْفِيُّ، النَّحْوِيُّ، الهَرَّاءُ، مَوْلَى مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ.
رَوَى عَنْ: عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَغَيْرِهِ. وَمَا هُوَ بِمُعْتَمَدٍ فِي الحَدِيْثِ.
وَقَدْ نُقِلَتْ عَنْهُ حُرُوْفٌ فِي القِرَاءاتِ.
أَخَذَ عَنْهُ: الكَسَائِيُّ.
وَيُقَالُ: إِنَّهُ صَنَّفَ فِي العَرَبِيَّةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ.
وَكَانَ شِيْعِيّاً، معمَّرًا.
مَاتَ أَوْلاَدُهُ وَأَحْفَادُهُ وَهُوَ بَاقٍ، وَكَانَ يُصَغِّرُ نَفْسَهُ.
قَالَ عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: رأيته يشد أسنانه بالذهب.
وَفِيْهِ يَقُوْلُ سَهْلُ بنُ أَبِي غَالِبٍ الخَزْرَجِيُّ:
إِنَّ مُعَاذَ بنَ مُسْلِمٍ رَجُلٌ ... لَيْسَ لِمِيْقَاتِ عُمْرِهِ أَمَدُ
قَدْ شَابَ رَأْسُ الزَّمَانِ وَاكْتَهَلَ الدْ ... دَهر وَأَثْوَابُ عُمْرِهِ جُدُدُ
قُلْ لِمُعَاذٍ إِذَا مَرَرْتَ بِهِ ... قَدْ ضَجَّ مِنْ طُوْلِ عُمْرِكَ الأَبَدُ
يَا بِكْرَ حَوَّاءَ كَمْ تَعِيْشُ وَكمْ ... تَسْحَبُ ذَيْلَ البَقَاءِ يَا لُبَدُ
قَدْ أَصْبَحَتْ دَارُ آدَمٍ خَرِبَتْ ... وَأَنْتَ فِيْهَا كَأَنَّكَ الوَتِدُ
تَسْأَلُ غِرْبَانُهَا إِذَا نَعَبَتْ ... كَيْفَ يَكُوْنُ الصُّدَاعُ وَالرَّمَدُ
مُصَححاً كَالظَّلِيمِ تَرْفُلُ فِي ... بُرْدَيْكَ مِثْلَ السَّعِيْرِ تَتَّقِدُ
صَاحَبْتَ نُوحاً وَرُضْتَ بَغْلَةَ ذي الـ ... ـقرنين شيخًا لولدك الولد
فَارْحَلْ وَدَعْنَا فَإِنَّ غَايَتَكَ الـ ... ـمَوْتُ وَإِنْ شَدَّ رُكْنَكَ الجَلَدُ
وَلُبَدُ: هُوَ آخِرُ نُسُورِ لُقْمَانَ الَّذِي عُمِّرَ.
وَكَانَ مُعَاذٌ صَدِيْقاً لِلْكُمَيْتِ الشَّاعِرِ.
يُقَالَ: عَاشَ تِسْعِيْنَ عَاماً. وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَلَهُ شِعْرٌ قَلِيْلٌ.
والهرَّاء: هُوَ الَّذِي يَبِيْعُ الثِّيَابَ الهَرَوِيَّةَ، وَلَوْلاَ هَذِهِ الكَلِمَةُ السَّائِرَةُ، لَمَا عَرَفنَا هَذَا الرَّجُلَ، وَقَلَّ ما روى.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 725"، والعبر "1/ 298".(7/432)
1299- علي بن مسهر 1: "ع"
العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، أَبُو الحَسَنِ القُرَشِيُّ، الكُوْفِيُّ، قَاضِي المَوْصِلِ، أَخُو قَاضِي جَبُّلَ2؛ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُسْهِرٍ، ذَاكَ المُغَفَّلُ الَّذِي بَلَغَهُ أَنَّ المَأْمُوْنَ قَادِمٌ عَلَى نَاحِيَةِ جَبُّلَ، فَكَلَّمَ أَهْلَ جَبُّلَ لِيُثْنُوا عَلَيْهِ عِنْدَ المَأْمُوْنِ، فَوَجَدَ مِنْهُم فُتُوراً، وَأَخْلَفُوهُ المَوْعِدَ، فَلَبِسَ ثِيَابَهُ، وَسَرَّحَ لِحْيَتَه، وَوَقَفَ عَلَى جَانِبِ دِجْلَةَ، فَلَمَّا حَاذَاهُ المَأْمُوْنُ، سَلَّمَ بِالخِلاَفَةِ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! نَحْنُ فِي عَافِيَةٍ وَعَدْلٍ بِقَاضِينَا ابْنِ مُسْهِرٍ. فَغَلَبَ الضحك عَلَى يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ، فَعَجِبَ مِنْهُ المَأْمُوْنُ، وَقَالَ: مَا بِكَ? قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ الَّذِي يُبَالِغُ فِي الثَّنَاءِ عَلَى قَاضِي جَبُّلَ هُوَ القَاضِي. فَضَحِكَ المَأْمُوْنُ كَثِيْراً، ثُمَّ قَالَ لِيَحْيَى: اعْزِلْ هَذَا، فَإِنَّهُ أَحْمَقُ.
فَأَمَّا عَلِيٌّ هَذَا، فَكَانَ مِنْ مَشَايِخِ الإِسْلاَمِ.
وُلِدَ فِي حُدُوْدِ العِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
سَمِعَ: يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيَّ، وَمُطَرِّفَ بنَ طَرِيْفٍ، وَهِشَامَ بنَ عُرْوَةَ، وَعَاصِماً الأَحْوَلَ، وَالمُخْتَارَ بنَ فُلْفُلٍ، وَالأَعْمَشَ، وَأَبَا إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيَّ، وَأَبَا حَيَّانَ التَّيْمِيَّ، وَدَاوُدَ بنَ أَبِي هِنْدٍ، وَأَجْلَحَ بنَ عَبْدِ اللهِ، وَأَشْعَثَ بنَ سَوَّارٍ، وَبُرَيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وإسماعيل بن أبي خالد، وَزَكَرِيَّا بنَ أَبِي زَائِدَةَ، وَسَعْدَ بنَ طَرِيْفٍ الإِسْكَافَ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ، وَمُوْسَى الجُهَنِيَّ، وَيَزِيْدَ بنَ أَبِي زِيَادٍ، وَأَبَا مَالِكٍ الأَشْجَعِيَّ، وخلقًا كثيرًا.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 388"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 2456"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 495" و"2/ 554 و561"، والضعفاء الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 1250"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 1119"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 270"، والكاشف "2/ ترجمة 4029"، والعبر "1/ 303"، وتهذيب التهذيب "7/ 383-384"، وتقريب التهذيب "2/ 44"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5051"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 325".
2 جبل: نسبة إلى بليدة بين النعمانية وواسط في الجانب الشرقي. وينسب إليها جماعة من أهل العلم.(7/433)
حَدَّثَ عَنْهُ: خَالِدُ بنُ مَخْلَد، وَزَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، ومُعَلَّى بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّازِيُّ، وَفَرْوَةُ بنُ أَبِي المَغْرَاءِ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبَانٍ الوَرَّاقُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ الخَلِيْلِ، وَبِشْرُ بنُ آدَمَ الضَّرِيْرُ، وَالسَّرِيُّ السَّقَطِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَسَهْلُ بنُ عُثْمَانَ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَامِرِ بنِ زُرَارَةَ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وعثمان بن أبي شيبة، وعلي ابن حَكِيْمٍ الأَوْدِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ سَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ، ومُحْرِز بنُ عَوْنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ المُحَارِبِيُّ، ومِنْجَاب بنُ الحَارِثِ، وَأَبُو هَمَّامٍ السَّكوني، وَهَنَّادٌ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ فِي الحَدِيْثِ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَوْ أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ? فَقَالَ: عليٌّ أحبُّ إليَّ. قُلْتُ: فعليٌّ وَيَحْيَى بنُ أَبِي زائدةَ? فَقَالَ: كِلاَهُمَا ثِقَتَانِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ: كَانَ عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ يَجِيئُنِي، فَيَسْأَلُنِي: كَيْفَ حَدِيْثُ كَذَا? وَكَانَ قَدْ دَفَنَ كُتُبَهُ.
قَالَ يَحْيَى: عليٌّ أَثْبَتُ مِنِ ابْنِ نُمَيْرٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجلي: عَلِيُّ بنُ مُسْهِر قُرَشي مِنْ أَنْفُسِهِم، كَانَ مِمَّنْ جَمَعَ الحَدِيْثَ وَالفِقْهَ، ثِقَةٌ.
وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ: هُوَ مِنْ خُزَيْمَةَ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ، وَهُم عَائِذَةُ قُرَيْشٍ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: صَدُوْقٌ، ثِقَةٌ.
وَعَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: وَلِيَ قَضَاءَ إِرْمِيْنِيَةَ، فَلَمَّا سَارَ إِلَيْهَا، اشْتَكَى عَيْنَهُ، فَجَعَلَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ مُتَطَبِّبٌ، فَقَالَ القَاضِي الَّذِي كَانَ بِإِرْمِيْنِيَةَ: أَكْحِلْهُ بِشَيْءٍ يُذْهِبُ عَيْنَهُ حَتَّى أُعْطِيَكَ كَذَا وَكَذَا، فَكَحَّلَهُ بِشَيْءٍ، فَذَهَبتْ عَيْنُهُ، فَرَجَعَ إِلَى الكُوْفَةِ أَعْمَى.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ مَنْجَوَيْه: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا موسى بن الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ الجِيْلِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البُنْدَارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ قَاضِي المَوْصِلِ، عَنْ سَعْدِ بنِ طَارِقٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "إِنَّ حَوْضِي لأَبْعَدُ مِنْ أَيْلَةَ وَعَدَنٍ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدِدِ النُّجُوْمِ، وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّيْ لأَذُوْدُ عَنْهُ الرِّجَالَ، كَمَا يَذُوْدُ الرَّجُلُ الغَرِيْبَةَ مِنَ الإِبِلِ عَنْ حَوْضِهِ". قَالَ: قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! وَهَلْ تَعْرِفُنَا يَوْمَئِذٍ? قَالَ: "نَعَمْ، تَرِدُوْنَ عَلَيَّ غُرّاً مُحَجَّلِيْنَ مِنْ آثَارِ الوُضُوْءِ، لَيْسَتْ لأَحَدٍ غَيْرِكُم". هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1، وَابْنُ مَاجَه، عَنْ عُثْمَانَ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "248" "38"، وابن ماجه "4302" من طريق عثمان عن علي بن مسهر، به.(7/434)
1300- غُنْجَار 1: "خت، ق"
مُحَدِّثُ بُخَارَى، الشَّيْخُ، أَبُو أَحْمَدَ عِيْسَى بنُ مُوْسَى البُخَارِيُّ، الأَزْرَقُ، غُنْجَارُ. لَهُ رِحلَةٌ، وَمَعْرِفَةٌ.
حَدَّثَ عَنْ: سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَعِيْسَى بنِ عُبَيْدٍ الكِنْدِيِّ، وَوَرْقَاءَ بنِ عُمَرَ، وَأَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيِّ، وَخَلْقٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: بَحِيْرُ بنُ النَّضْرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ حَمْزَةَ البُخَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أُمَيَّةَ السَّاوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الحَاكِمُ: هُوَ إِمَامُ عَصرِه، طَلَبَ الحَدِيْثَ عَلَى كِبَرِ السِّنِّ، وَرَحَلَ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ صَدُوْقٌ، تَتَبَّعْتُ رِوَايَاتِهِ عَنِ الثِّقَاتِ، فَوَجَدْتُهَا مُسْتقِيْمَةً، يَرْوِي عَنْ أَكْثَرَ مِنْ مائَةِ شَيْخٍ مِنَ المَجْهُوْلِيْنَ.
قُلْتُ: لَهُ حَدِيْثٌ مُعَلَّقٌ فِي "صَحِيْحِ البُخَارِيِّ"، وَهُوَ: رَوَى عِيْسَى، عَنْ رَقَبَةَ، عَنْ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ فِي: بَدْءِ الخَلْقِ2، وَقَدْ سَقطَ رَجُلٌ بَيْنَ عِيْسَى وَرَقَبَةَ، وَهُوَ أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، وَمَا أَدْرَكَ غنجار رقبة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "6/ ترجمة 2751"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 1856"، والأنساب للسمعاني "9/ 176"، والكاشف "2/ ترجمة 4470"، والعبر "1/ 293"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 9614"، وتهذيب التهذيب "8/ 232"، وتقريب التهذيب "2/ 102"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5604".
2 رواه البخاري "3192" معلقا فقال: وروى عيسى "غنجار" عن رقبة، عن قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بنِ شِهَابٍ قال: سمعت عمر -رضي الله عنه- يقول: قام فينا النبي -صلى الله عليه وسلم- مقاما، فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه.
قال الحافظ في "الفتح" "6/ 290": قوله "وروى عيسى -غنجار- عن رقبة" كذا للأكثر وسقط منه رجل فقال ابن الفلكي: ينبغي أن يكون بين عيسى ورقبة أبو حمزة، وبذلك جزم أبو مسعود، وقال الطرقي: سقط أبو حمزة من كتاب الفربري وثبت في رواية حماد بن شاكر فعنده عن البخاري وروى عيسى بن =(7/435)
تُوُفِّيَ غُنْجَارُ فِي آخِرِ سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: غُنْجَارُ لاَ شَيْءٌ.
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ عَلِيٍّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ المُزَكِّي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ حَمْدُوْنَ بنِ رُسْتُمَ، قَالَ: قُلْتُ بِبَلْخَ لِمُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ البُخَارِيِّ: حَدَّثَكُم عِيْسَى بنُ مُوْسَى غُنْجَارُ، حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "لاَ يَقُوْلَنَّ أَحَدُكُم لِلْعِنَبِ الكَرْمَ، فَإِنَّمَا الكَرْمُ قَلْبُ ابْنِ آدَمَ" 1. فَأَقَرَّ بِهِ، وَقَالَ: نَعَمْ، غَرِيْبٌ، مَا رَوَاهُ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَيُّوْبَ، غَيْرُ أَبِي حَمْزَةَ، وَلاَ عَنْهُ سِوَى غُنْجَارُ. وَقَعَ لَنَا عَالِياً.
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الرَّازِيِّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا غُنْجَارُ.
__________
= أبي حمزة عن رقبة، وكذا قال ابن رميح عن الفربري، قلت: وبذلك جزم أبو نعيم في "المستخرج" وهو يروي الصحيح عن الجرجاني عن الفربري، فالاختلاف فيه حينئذ عن الفربري، ثم رأيته سقط أيضا من رواية النسفي، لكن جعل بين عيسى ورقبة ضبة، ويغلب على الظن أن أبا حمزة ألحق لي رواية الجرجاني، وقد وصفوه بقلة الإتقان، وعيسى المذكور هو ابن موسى البخاري ولقبه غنجار بمعجمة مضمومة ثم نون ساكنة ثم جيم، وليس له في البخاري إلا هذا الموضع، وقد وصل الحديث المذكور من طريق عيسى المذكور عن أبي حمزة وهو محمد بن ميمون السكري عن رقبة الطبراني في مسند رقبة المذكور، وهو بفتح الراء والقاف والموحدة الخفيفة ابن مصقلة بفتح الميم وسكون الصاد المهملة وقد تبدل سينا بعدها قاف، ولم ينفرد به عيسى فقد أخرجه أبو نعيم من طريق علي بن الحسن شقيق عن أبي حمزة نحوه، لكن بإسناد ضعيف.
1 صحيح: أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" "1/ 77" وقد تحرف فيه "عيسى بن موسى" إلى "أبو عيسى". وأخرجه البخاري "6183"، ومسلم "2247" من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: "لا تقولوا: كرم؛ فإن الكرم قلب المؤمن" وفي لفظ عند مسلم: "لاَ تُسَمُّوا العِنَبَ الكَرْمَ فَإِنَّ الكَرْمَ الرَّجُلُ المسلم". وفي لفظ عند مسلم أيضا "2247" "10" من حديث أبي هريرة مرفوعا: "لا يقولن أحدكم للعنب الكرم، إنما الكرم الرجل المسلم".
ووقع عند مسلم "2247" "12" من حديث علقمة بن وائل، عن أبيه مرفوعا بلفظ: لا تقولوا: الكرم، ولكن قولوا: العنب والحبلة". والحبلة: هي شجر العنب.(7/436)
1301- عيسى بن يونس 1: "ع"
ابن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله، الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَمْرٍو، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الهَمْدَانِيُّ، السَّبِيْعِيُّ، الكُوْفِيُّ، المُرَابِطُ بِثَغْرِ الحَدَثِ2، أَخُو الحَافِظِ إِسْرَائِيْلَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ غَدِيْرٍ الطَّائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلِّمِ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ العُمَرِيُّ بِالمَوْصِلِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ أَبِي خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، عَنْ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِوٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَضَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الجَنِيْنِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ، أَوْ فَرَسٍ، أَوْ بغل3. هذا حديث غريب جدًا.
قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمٌ المُؤَدِّبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن جباب، حَدَّثَنِي عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "غَيِّرُوا الشَّيْبَ وَلاَ تَشَبَّهُوا بِاليَهُوْدِ" 4. أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ خُرَّزَاذَ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ جناب.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 488"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 2798"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 261" و"2/ 295" و"3/ 194 و229"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة رقم 1618"، وتاريخ بغداد "11/ 152"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 261"، والكاشف "2/ ترجمة 4478"، والعبر "1/ 203 و300 و449"، وتهذيب التهذيب "8/ 237"، وتقريب التهذيب "2/ 103"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5615"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 320".
2 ثغر الحدث: قلعة حصينة بين ملطية وسميساط ومرعش من الثغور الشامية، ويقال لها الحمراء، وقلعتها على جبل يقال له: الأحيدب.
3 ليس في شيء من دواوين السنة بهذا اللفظ، لكن ورد عن أبي هريرة أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى، فطرحت جنينها، فقضى فِيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بغُرة: عبد أو وليدة". أخرجه مالك "2/ 855"، ومن طريقه أخرجه أحمد "2/ 236"، والبخاري "5759" و"6904" ومسلم "1618" "34" والنسائي "8/ 48-49"، والطحاوي "3/ 205"، والبيهقي "8/ 112-113"، والبغوي "2544" عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أبي هريرة، به.
4 صحيح لغيره أخرجه أحمد "2/ 261 و499"، والترمذي "1752"، والنسائي "8/ 137" من حديث ابن عمر، به.
وورد عن أبي هريرة: عند أحمد "2/ 240 و401"، وابن أبي شيبة "8/ 431"، والبخاري "3462" و"5899"، ومسلم "2103"، وأبو داود "4203"، والنسائي "8/ 137"، والبيهقي "7/ 309".(7/437)
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَخِيْهِ، وَلَمْ يُدْرِكِ السَّمَاعَ مِنْ جَدِّهِ، كَانَ صَبِيّاً فِي زَمَانِهِ. وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَأَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، وَالجُرَيْرِيِّ، وَزَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَطَلْحَةَ بنِ يَحْيَى، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي زِيَادٍ القَدَّاحِ، وَعُمَرَ بنِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَعَوْفٍ، وَمُجَالِدٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَعُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ، وَحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَمَعْمَرٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَمِسْعَرٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَكَانَ وَاسِعَ العِلْمِ، كَثِيْرَ الرِّحلَةِ، وَافِرَ الجَلاَلَةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: بَقِيَّةُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاشٍ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَقْرَانِهِ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ -أَحَدُ شُيُوْخِهِ- وَالحَكَمُ بنُ مُوْسَى، وبشر الحافي، وسليمان بن بِنْتِ شُرَحْبِيْلَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ، وَمُسَدَّدٌ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مِهْرَانَ الجَمَّالُ، وَمُؤَمَّلُ بنُ الفَضْلِ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَيَزِيْدُ بنُ مَوْهِبٍ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ الحَلَبِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ جَنَابٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ يَحْيَى الأُمَوِيُّ، وَسُفْيَانُ، وَوَكِيْعٌ، وَالنُّفَيْلِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم.
وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ أَبُوْهُ؛ يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَمَاتَ أَبُوْهُ قَبْلَ ابْنِ عَرَفَةَ بِأَكْثَرَ مِنْ مائَةِ عَامٍ.
وَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ خِرَاشٍ، وَطَائِفَةٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ أَصَحُّ حَدِيْثاً مِنْ أَبِيْهِ. قِيْلَ لَهُ: فَإِسْرَائِيْلُ? قَالَ: مَا أَقْرَبَهُمَا! وَقَالَ المَرْوَذِيُّ: عَنْ أَحْمَدَ: ثَبْتٌ، وَكُنَّا نُخَبَّرُ أَنَّهُ سَنَةً فِي الغَزْوِ، وَسَنَةً فِي الحَجِّ، وَقَدْ قَدِمَ بَغْدَادَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الحُصُوْنِ، فَأُمِرَ لَهُ بِمَالٍ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ.
الأَثْرَمُ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: كَانَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ يُسْنِدُ حَدِيْثَ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ، وَيُثِيْبُ عَلَيْهَا1. وَالنَّاسُ يرسلونه. وكذا قال: ابن معين.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "2585"، وأبو داود "3536"، والترمذي "1953" من طرق عن عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: فذكرته.(7/438)
قَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، قُلْتُ: فَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَوْ أَبُو مُعَاوِيَةَ? فَقَالَ: ثِقَةٌ، وَثِقَةٌ. وَقَالَ حرب بن إسماعيل: سئل علي ابن المَدِيْنِيِّ عَنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، فَقَالَ: بَخٍ بَخٍ، ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ إِسْرَائِيْلَ، عِيْسَى حُجَّةٌ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، يَسْكُنُ الثَّغْرَ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ زَارَ ابْنَ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: مَرْحَباً بِالفَقِيْهِ ابْنِ الفَقِيْهِ ابْنِ الفَقِيْهِ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ حَافِظاً.
وَقَالَ أَبُو هَمَّامٍ السَّكُوْنِيُّ: حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ الثِّقَةُ الرِّضَى.
وَقَالَ ابْنُ رَاهْوَيْه: قُلْتُ لِوَكِيْعٍ: إِنِّيْ أُرِيْدُ أَنْ أَذهَبَ إِلَى عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ. قَالَ: تَأَتِي رَجُلاً قَدْ قَهَرَ العِلْمَ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ هَاشِمٍ البَغَوِيُّ: سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ الحَارِثِ يَقُوْلُ: كَانَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ يُعْجِبُهُ خَطِّي، فَكَانَ يَأْخُذُ القِرْطَاسَ، فَيَقْرَؤُهُ عَلَيَّ. قَالَ: كَتَبتُ مِنْ نُسْخَةِ قَوْمٍ شَيْئاً لَيْسَ مِنْ حَدِيْثِهِ. قَالَ: كَأَنَّهُم لَمَّا رَأَوْا إِكْرَامَهُ لِي، أَدْخَلُوا عَلَيْهِ فِي حَدِيْثِهِ. قَالَ: فَجَعَلَ يَقْرَأُ عَلَيَّ، وَيَضرِبُ عَلَى تِلْكَ الأَحَادِيْثِ، فَغَمَّنِي ذَلِكَ، فَقَالَ: لاَ يَغُمُّكَ، لَوْ كَانَ وَاواً، مَا قَدِرُوا أَنْ يُدْخِلُوْهُ عَلَيَّ، أَوْ قَالَ: لَوْ كَانَ وَاواً لَعَرَفْتُهُ.
وَرَوَى حَنْبَلٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ: أَنَّهُ فَضَّلَ عِيْسَى بنَ يُوْنُسَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ يُوْسُفَ السَّبِيْعِيِّ، وَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْ إِبْرَاهِيْمُ مِنْ أَبِيْهِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ دَاوُدَ الحُدَّاني: سَمِعْتُ عِيْسَى بنَ يُوْنُسَ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ مِنْ أَسْنَانِي -أَوْ قَالَ: مَنْ أَتْرَابِي- أَبصَرُ بِالنَّحْوِ مِنِّي، فَدَخَلَنِي مِنْهُ نَخْوَةٌ، فَتَرَكْتُهُ.
قَالَ: وَرَأَيْتُ فَرَجًا خَادِمَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ جَاءَ إِلَى عِيْسَى وَهُوَ قَاعِدٌ بِدَرْبِ الحَدَثِ عَلَى بَابِهِ، فَكَلَّمَه، فَمَا رَفَعَ بِهِ رَأْساً، وَلاَ نَظَرَ إِلَيْهِ، فَانْصَرَفَ ذَلِيْلاً.
أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ أَبِي الرُّطَيْلِ، عَنْ أَبِي بِلاَلٍ الأَشْعَرِيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ البَرْمَكِيِّ، قَالَ: مَا رَأَيْنَا فِي القُرَّاءِ مِثْلَ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، أَرْسَلَنَا إِلَيْهِ، فَأَتَانَا بِالرَّقَّةِ، فَاعْتَلَّ قَبَلَ أَنْ يَرْجِعَ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَمْرٍو! قَدْ أَمَرْنَا لَكَ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ. فَقَالَ: هِيه. قُلْتُ: خَمْسُوْنَ أَلْفاً. قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيْهَا. فَقُلْتُ: وَلِمَ؟ وَاللهِ، لأُهَنِّيَنَّكَهَا، هِيَ -وَاللهِ- مائَةُ أَلْفٍ. قَالَ:(7/439)
لاَ وَاللهِ، لاَ يَتَحَدَّثُ أَهْلُ العِلْمِ أَنِّي أَكَلْتُ لِلسُّنَّةِ ثَمَناً، أَلاَ كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَيَّ، فَأَمَّا عَلَى الحَدِيْثِ، فَلاَ، وَلاَ شُربَةَ مَاءٍ، وَلاَ إِهْلِيْلَجَةً1.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ دَاوُدَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيَّ يَقُوْلُ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ: أَلاَ تَكُوْنُوْنَ مِثْلَ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، كَانَ إِذَا أَقْبَلَ إِلَى الأَعْمَشِ، وَمَعَهُ الشَّبَابُ وَالشُّيُوْخُ، يَنْظُرُوْنَ إِلَيْهِ، وَإِلَى هَدْيِهِ وَسَمْتِهِ.
وَرَوَى مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، عَنْ مُحَمَّدِ بن عبيد، قال: رأيت أصحاب الأَعْمَشِ الَّذِيْنَ لاَ يُفَارِقُونَهُ: عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ.
الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ، سَمِعْتُ عِيْسَى بنَ يُوْنُسَ يَقُوْلُ: أَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً حَدَّثَنَا بِهَا الأَعْمَشُ، فِيْهَا ضَرْبُ الرِّقَابِ، لَمْ يَشْرَكْنِي فِيْهَا غَيْرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، وَرُبَّمَا قَالَ لَهُ الأَعْمَشُ: مَنْ مَعَكَ? فَيَقُوْلُ: عِيْسَى. فَيَقُوْلُ: ادْخُلاَ، وَأَجِيْفَا البَابَ. وَكَانَ يَسْأَلُهُ عَنْ حَدِيْثِ الفِتَنِ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: مَا أُبَالِي مَنْ خَالَفَنِي فِي الأَوْزَاعِيِّ، مَا خَلاَ عِيْسَى بنَ يُوْنُسَ، فَإِنِّي رَأَيْتُ أَخْذَهُ أَخْذاً مُحْكَماً.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ جَناب: غَزَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ خَمْساً وَأَرْبَعِيْنَ غَزْوَةً، وَحجَّ كَذَلِكَ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: رَأَيْتُ عِيْسَى بنَ يُوْنُسَ عَلَيْهِ قِبَاءٌ مَحْشُوٌّ، وَخُفَّانِ أَحْمَرَانِ -يَعْنِي: كَانَ بِزِيِّ الأَجْنَادِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ الكِنْدِيُّ: جَاءَ المَأْمُوْنُ إِلَى عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، فَسَمِعَ مِنْهُ، فَأَعْطَاهُ عَشْرَةَ آلاَفٍ، فَرَدَّهَا.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ جَنَابٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ عَمْرٍو، وَعَلِيُّ بنُ بَحْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَالدَّانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ.
زَادَ ابن مصفى: في نصف شعبان.
__________
1 الإهليلج: عقير من الأدوية معروف، وهو معرب.(7/440)
1302- أبو بكر بن عياش 1: "خ، 4"
ابن سالم الأسدي، الكُوْفِيُّ، الحَنَّاطُ -بِالنُّوْنَ- المُقْرِئُ، الفَقِيْهُ، المُحَدِّثُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، وَبَقِيَّةُ الأَعْلاَمِ، مَوْلَى وَاصِلٍ الأَحْدَبِ.
وَفِي اسْمِهِ أَقْوَالٌ: أَشهَرُهَا شُعْبَةُ، فَإِنَّ أَبَا هَاشِمٍ الرِّفَاعِيَّ، وَحُسَيْنَ بنَ عَبْدِ الأَوَّلِ، سَأَلاَهُ عَنِ اسْمِهِ. فَقَالَ شُعْبَةُ: وَسَأَلَه يَحْيَى بنُ آدَمَ، وَغَيْرُهُ عَنِ اسْمِهِ، فَقَالَ: اسْمِي كُنْيَتِي. وَأَمَّا النَّسَائِيُّ، فَقَالَ: اسْمُهُ مُحَمَّدٌ. وَقِيْلَ: اسْمُهُ مُطَرِّفٌ. وَقِيْلَ: رُؤْبَةُ. وَقِيْلَ: عَتِيْقٌ. وَقِيْلَ: سَالِمٌ. وَقِيْلَ: أَحْمَدُ، وَعَنْتَرَةُ، وَقَاسِمٌ، وَحُسَيْنٌ، وَعَطَاءٌ، وَحَمَّادٌ، وَعَبْدُ اللهِ.
قَالَ هَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ.
قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ القُرْآنَ، وَجَوَّدَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ عَلَى: عَاصِم بنِ أَبِي النَّجُوْدِ. وَعَرَضَه أَيْضاً -فِيْمَا بَلَغَنَا- عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَأَسْلَمَ المِنْقري.
وَحَدَّثَ عَنْ: عَاصِمٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ السُّدِّيِّ، وَصَالِحٍ مَوْلَى عَمْرِو بنِ حريث حدثه، عن أَبِي هُرَيْرَةَ، وَحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِي حُصَيْنٍ عُثْمَانَ بنِ عَاصِمٍ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَالأَعْمَشِ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَمُغِيْرَةَ بنِ مِقْسَمٍ، وَمُطَرِّفِ بنِ طَرِيْفٍ، وَيَحْيَى بنِ هَانِئٍ المُرَادِيِّ، وَدَهْثَمَ بنِ قُرَّانَ، وَسُفْيَانَ التَّمَّارِ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ -وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوْخِه- وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَالكَسَائِيُّ، وَوَكِيْعٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شيبة، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، وَيَحْيَى الحِمَّانِيُّ، وَهَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، آخِرُهُم مَوْتاً: أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ العُطاردي.
وَتَلاَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: أَبُو الحَسَنِ الكَسَائِيُّ -وَمَاتَ قَبْلَه- وَيَحْيَى العُلَيْمِيُّ، وَأَبُو يُوْسُفَ الأَعْشَى، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ صَالِحٍ البُرْجُمِيُّ، وَعُرْوَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَمَّادٍ. وَأَخَذَ عَنْهُ الحروف تحريرًا وإتقانًا: يحيى بن آدم.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "9/ ترجمة 100"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 150 و182" و"2/ 172"، وحلية الأولياء "8/ ترجمة 421"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 250"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 10016"، وتهذيب التهذيب "12/ 34"، وشذرات الذهب لابن العماد "1/ 334".(7/441)
ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، رُبَّمَا غَلِطَ، صَاحِبُ قُرْآنٍ وَخَيْرٍ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ صَالِحٍ الأَنْمَاطِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، أَلْقَاهُ إِلَى جِبْرِيْلَ، وَأَلْقَاهُ جِبْرِيْلُ إِلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُ بَدَأَ، وَإِلَيْهِ يَعُوْدُ.
وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَسرَعَ إِلَى السُّنَّةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: إِنَّهُ صَدُوْقٌ وَلَهُ أَوهَامٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ لاَ يَعْبَأُ بِأَبِي بَكْرٍ، وَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ، كَلَحَ وَجْهُهُ.
وَرَوَى مُهَنَّا بنُ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: أَبُو بَكْرٍ كَثِيْرُ الغَلَطِ جِدّاً، وكتبه ليس فيها خطأ.
قال علي بن المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ: لَوْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ بَيْنَ يَدِيَّ، مَا سَأَلتُهُ عَنْ شَيْءٍ، ثُمَّ قَالَ: إِسْرَائِيْلُ فَوْقَهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: أَبُو بَكْرٍ ضَعِيْفٌ فِي الأَعْمَشِ، وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: أَبُو بَكْرٍ، وَأَخُوْهُ حَسَنٌ: لَيْسَا بِذَاكَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي الأَحْوَصِ، فَقَالَ: مَا أَقْرَبَهُمَا، لاَ أُبَالِي بِأَيِّهِمَا بَدَأْتُ. وَقَالَ أَبِي: أَبُو بَكْرٍ وَشَرِيْكٌ فِي الحِفظِ سَوَاءٌ، غَيْرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَصَحُّ كِتَاباً.
وَقَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَقُوْلُ: سَخَاءُ الحَدِيْثِ كَسَخَاءِ المَالِ.
قُلْتُ: فَأَمَّا حَالُهُ فِي القِرَاءةِ، فَقَيِّمٌ بِحَرفِ عَاصِمٍ، وَقَدْ خَالَفَه حَفْصٌ فِي أَزْيَدَ مِنْ خَمْسِ مائَةِ حَرْفٍ، وَحَفْصٌ أَيْضاً حُجَّةٌ فِي القِرَاءةً، لَيِّنٌ فِي الحَدِيْثِ.
وَقَدْ وَقَعَ لِي حَدِيْثُ أَبِي بَكْرٍ عَالِياً، فَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَالخَضِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَمُّوَيْه، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي عَصْرُوْنَ، عَنْ أَبِي الفَرَجِ بنِ كُلَيْبٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُه، فَأَحْرَمْنَا بِالحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ، قَالَ: "اجْعَلُوا حَجَّكُمْ عُمْرَةً". فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! فَكَيْفَ نَجْعَلُهَا عُمْرَةً، وَقَدْ أَحْرَمْنَا بِالحَجِّ? قَالَ: "انْظُرُوا الَّذِي آمُرُكُمْ بِهِ، فَافْعَلُوا". فَرَدُّوا عَلَيْهِ القَوْلَ، فَغَضِبَ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ غَضْبَانَ، فَرَأَتِ الغَضَبَ فِي وَجْهِه،(7/442)
فَقَالَتْ: مَنْ أَغْضَبَكَ؟ أَغْضَبهُ اللهُ. قَالَ: "وَمَا لِيَ لاَ أَغْضَبُ، وَأَنَا آمُرُ بِالأَمْرِ، فَلاَ أُتَّبَعُ". هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ مِنَ العَوَالِي، يَرْوِيْهِ: عدة في وقتنا، عن النحيب، وَابْنِ عَبْد الدَّائِمِ، بِسَمَاعِهِمَا مِنِ ابْنِ كُلَيْبٍ. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَه1، عَنِ الثِّقَةِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ.
قَالَ عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: أَحْضَرَ هَارُوْنُ الرَّشِيْدُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ مِنَ الكُوْفَةِ، فَجَاءَ وَمَعَهُ وَكِيْعٌ، فَدَخَلَ وَوَكِيْعٌ يَقُودُهُ، فَأَدنَاهُ الرَّشِيْدُ، وَقَالَ لَهُ: قَدْ أَدْرَكتَ أَيَّامَ بَنِي أُمَيَّةَ وَأَيَّامَنَا، فَأَيُّنَا خَيْرٌ? قَالَ: أَنْتُم أَقْوَمُ بِالصَّلاَةِ، وَأُوْلَئِكَ كَانُوا أَنْفَعَ لِلنَّاسِ. قَالَ: فَأَجَازَهُ الرَّشِيْدُ بِسِتَّةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ، وَصَرَفَهُ، وَأَجَازَ وَكِيْعاً بِثَلاَثَةِ آلاَفِ. رَوَاهَا مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ، عن أبيه.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بنُ سَعِيْدٍ المَرْوَزِيُّ -وَكَانَ ثِقَةً- قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ، فَقُلْتُ: قَدْ بَلَغَكَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ ابْنِ عُلَيَّةَ فِي القُرْآنِ. قَالَ: وَيْلَكَ! مَنْ زَعَمَ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ عِنْدَنَا كَافِرٌ زِنْدِيقٌ، عَدُوُّ اللهِ، لاَ نُجَالِسُهُ، وَلاَ نُكَلِّمُهُ.
رَوَى يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ النَّخَعِيِّ، قَالَ: لَمْ يُفْرَشْ لأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ فِرَاشٌ خَمْسِيْنَ سَنَةً.
ابْنُ أَبِي شَيْخٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، قَالَ: زَامَلْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ إِلَى مَكَّةَ، فَمَا رَأَيْتُ أَوْرَعَ مِنْهُ، لَقَدْ أَهْدَى لَهُ رَجُلٌ رُطَباً، فَبَلَغَهُ أَنَّهُ مِنْ بُستَانٍ أُخِذَ مِنْ خَالِدِ بنِ سَلَمَةَ المَخْزُوْمِيِّ، فَأَتَى آلَ خَالِدٍ، فَاسْتَحَلَّهُم، وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ المُعَيْطِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ بِمَكَّةَ، جَاءهُ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، فَبَرَكَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ سُفْيَانَ عَنْ حَدِيْثٍ، فَقَالَ: لاَ تَسْأَلْنِي عَنْ حَدِيْثٍ مَا دَامَ هَذَا الشَّيْخُ قَاعِداً. رَوَاهَا: يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، عَنِ المُعَيْطِيِّ، وَقَالَ: فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَقُوْلُ: يَا سُفْيَانُ! كَيْفَ أَنْتَ، وَكَيْفَ عَائِلَةُ أَبِيْكَ?
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَقُوْلُ: قَالَ لِي عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ: حَدِّثْنِي. وَكُنْتُ أُحَدِّثُ أَبَا إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيَّ، فَيَستَمِعُ إليَّ، وَكُنْتُ أُحَدِّثُ الأَعْمَشَ، فَيَستَعِيْدُنِي.
قَالَ أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَقُوْلُ: أنا أكبر من سفيان الثوري بسنتين.
وَقَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: أَبُو بَكْرٍ أَكْبَرُ مني بعشر سنين.
__________
1 ضعيف: أخرجه أحمد "4/ 286"، وابن ماجه "2982" من طريق أبي بكر بن عياش، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، اختلط بآخره كما أنه مشهور بالتدليس، وقد عنعنه.(7/443)
وَقَالَ الأَخْنَسِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَقُوْلُ: وَاللهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَداً يَطْلُبُ الحَدِيْثَ بِمَكَانَ كَذَا وَكَذَا، لأَتَيْتُ مَنْزِلَهُ حَتَّى أُحَدِّثُه.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ، قَالَ: شَهِدَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ عِنْد شَرِيْكٍ، فَكَأَنَّهُ رَأَى مِنْ شَرِيْكٍ اسْتِخْفَافاً، فَقَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُوْنَ جَبَّاراً. قَالَ: فَقَالَ شَرِيْكٌ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ هَذَا الحَنَّاطَ هَكَذَا أَحْمَقُ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ: كُنْتُ عِنْدَ الثَّوْرِيِّ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ غَائِباً، فَجَاءهُ أَخُوْهُ الحَسَنُ بنُ عَيَّاشٍ، فَقَالَ سُفْيَانُ: أَيْش حَالُ شُعْبَةَ، قَدِمَ بَعْدُ? يَعْنِي أَخَاهُ.
وَقَالَ بِشْرٌ الحَافِي: قَالَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: سَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ عَنِ الحَدِيْثِ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُحَدِّثَ، فَلَسْتَ بِأَهْلٍ أَنْ تُؤْتَى، وَإِنْ كُنْتَ تَكرَهُ أَنْ تُؤْتَى، فَبِالحَرِيِّ أَنْ تَنْجُوَ.
قَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ يُوْنُسَ -وَذَكَرُوا لَهُ حَدِيْثاً أَنْكَرُوهُ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ- فَقَالَ: كَانَ الأَعْمَشُ يَضرِبُ هَؤُلاَءِ وَيَشْتِمُهُم وَيَطْرُدُهُم، وَكَانَ يأخذ بيد أن أَبِي بَكْرٍ، فَيَجْلِسُ مَعَهُ فِي زَاوِيَةٍ لِحَالِ القُرْآنِ.
وَقَالَ أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ لِلْحَسَنِ بنِ الحَسَنِ بِالمَدِيْنَةِ: مَا أَبقَتِ الفِتْنَةُ مِنْكَ? فَقَالَ: وَأَيُّ فِتْنَةٍ رَأَيْتَنِي فِيْهَا? قَالَ: رَأَيْتُهُم يُقَبِّلُوْنَ يَدَكَ وَلاَ تَمنَعُهُم.
أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ يَقُوْلُ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ خَلِيْفَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نَصِّ القُرْآنِ، لأَنَّ اللهَ -تَعَالَى- يَقُوْلُ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحَشْرُ: 8] . قَالَ: فَمَنْ سَمَّاهُ اللهُ صَادِقاً، فَلَيْسَ يَكْذِبُ، هُم قَالُوا: يَا خَلِيْفَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ الحَافِظُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعْرُوْفاً بِالصَّلاَحِ البَارِعِ، وَكَانَ لَهُ فِقْهٌ، وَعِلْمُ الأَخْبَارِ، وَفِي حَدِيْثِهِ اضْطِرَابٌ.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الفَضْلُ بنُ دُكَيْنٍ: لَمْ يَكُنْ فِي شُيُوْخِنَا أَحَدٌ أَكْثَرُ غَلَطاً مِنْ أَبِي بَكْرٍ.
وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ بن عياش فَاضِلاً، لَمْ يَضَعْ جَنْبَهُ عَلَى الأَرْضِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ الحِمَّانِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: جِئْتُ لَيْلَةً إِلَى زَمْزَمَ، فَاسْتَقَيْتُ مِنْهُ دَلْواً لَبَناً وعسلا.(7/444)
قَالَ أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَقُوْلُ: الخَلْقُ أَرْبَعَةٌ: مَعْذُورٌ، وَمَخْبُورٌ، وَمَجْبُورٌ، وَمَثْبُورٌ، فالمعذور: البهائم، وَالمَخْبُورُ: ابْنُ آدَمَ، وَالمَجْبُورُ: المَلِكُ، وَالمَثْبُورُ: الجِنُّ.
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: أَدْنَى نفع السُّكُوتِ السَّلاَمَةُ، وَكَفَى بِهِ عَافِيَةً، وَأَدْنَى ضَرَرِ المَنْطِقِ الشُّهرَةُ، وَكَفَى بِهَا بَلِيَّةً.
رَوَى عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: الحَسَنُ بنُ عَيَّاشٍ، وَأَخُوْهُ أَبُو بَكْرٍ: ثِقَتَانِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ يَزِيْدَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُوْلُ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ إِذَا حَدَّثَ بِثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ: قَدْ جَاءكُمُ السَّيْلُ، وَأَنَا اليَوْمَ مِثْلُ الأَعْمَشِ.
فَقُلْتُ: مَنْ فَوَائِدِ أَبِي عَمْرٍو أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو تُرَابٍ مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الكُوْفِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ فِي سِكَّةِ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ كَلْبٌ، إِذَا رَأَى صَاحِبَ مِحْبَرَةٍ، حَمَلَ عَلَيْهِ، فَأَطْعَمَهُ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ شَيْئاً، فَقَتَلُوْهُ. فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا رَآهُ مَيْتاً، قَالَ: إِنَّا للهِ، ذَهَبَ الَّذِي كَانَ يَأْمُرُ بِالمَعْرُوْفِ، وَيَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ آدَمَ: قَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ: تَعَلَّمْتُ مِنْ عَاصِمٍ القُرْآنَ، كَمَا يَتَعَلَّمُ الصَّبِيُّ مِنَ المُعَلِّمِ، فَلَقِيَ مِنِّي شِدَّةً، فَمَا أُحْسِنُ غَيْرَ قِرَاءتِهِ، وَهَذَا الَّذِي أُحَدِّثُكَ بِهِ مِنَ القِرَاءاتِ إِنَّمَا تَعَلَّمْتُهُ مِنْ عَاصِمٍ تَعَلُّماً.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: أَتَيْتُ عَاصِماً وَأَنَا حَدَثٌ.
وَقَالَ هَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ: سَمِعْتُ رَجُلاً أَنَّهُ سَأَل أَبَا بَكْرٍ: أَقَرَأْتَ عَلَى أَحَدٍ غَيْرِ عَاصِمٍ? قَالَ: نَعَمْ، عَلَى: عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَأَسْلَمَ المِنْقَرِيِّ.
هَذَا إِسْنَادٌ لَمْ يَصِحَّ.
قَالَ يَحْيَى بنُ آدَمَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: تَعَلَّمْتُ القُرْآنَ مِنْ عَاصِمٍ خَمْساً خَمْساً، وَلَمْ أَتَعَلَّمْ مِنْ غَيْرِهِ، وَلاَ قَرَأْتُ عَلَى غَيْرِهِ.
يَحْيَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: اخْتَلَفْتُ إِلَى عَاصِمٍ نَحْواً مِنْ ثَلاَثِ سِنِيْنَ، فِي الحَرِّ وَالشِّتَاءِ وَالمَطَرِ، حَتَّى رُبَّمَا اسْتَحْيَيْتُ مِنْ أَهْلِ مَسْجِدِ بَنِي كَاهِلٍ.
وَقَالَ لِي عَاصِمٌ: احْمَدِ اللهَ -تَعَالَى- فَإِنَّكَ جِئْتَ وَمَا تُحْسِنُ شَيْئاً. فَقُلْتُ: إِنَّمَا خَرَجْتُ مِنَ المَكْتَبِ، ثُمَّ جِئْتُ إليك.(7/445)
قَالَ: فَلَقَدْ فَارَقتُ عَاصِماً وَمَا أُسقِطَ مِنَ القُرْآنِ حَرفاً.
قَالَ عُبَيْدُ بنُ يَعِيْشَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَقرَأَ مِنْ عَاصِمٍ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْقَهَ مِنَ المُغِيْرَةِ1، فَلَزِمْتُهُ.
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: الدُّخُولُ فِي العِلْمِ سَهْلٌ، لَكِنَّ الخُرُوْجَ مِنْهُ إِلَى اللهِ شَدِيْدٌ.
وَعَنْ بِشْرِ بنِ الحَارِثِ سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ يَقُوْلُ: يَا مَلَكَيَّ ادْعُوَا اللهَ لِي، فَإِنَّكُمَا أَطْوَعُ للهِ مِنِّي.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وُجُوْهٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ مَكَثَ نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً يَخْتِمُ القُرْآنَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَرَّةً.
وَهَذِهِ عِبَادَةٌ يُخْضَعُ لَهَا، وَلَكِنْ مُتَابَعَةُ السُّنَّةِ أَوْلَى، فَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو أَنْ يَقْرَأَ القُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ2، وَقَالَ -عَلَيْهِ السلام: "لم يفقه مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ فِي أَقلَّ مِنْ ثَلاَثٍ" 3.
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ مَسْرُوْقٍ: حدثنا يحيى الحمَّاني، قال: لما حَضَرَتْ أَبَا بَكْرٍ الوَفَاةُ، بَكَتْ أُخْتُهُ، فَقَالَ لَهَا: مَا يُبْكِيْكِ? انْظُرِي إِلَى تِلكَ الزَّاوِيَةِ، فَقَدْ خَتَمَ أَخُوْكِ فِيْهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ ختمة.
__________
1 هو: المُغِيْرَةِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بنِ هشام بن المغيرة المخزومي، أبو هاشم، ويقال أبو هشام المدني، ذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَة مِنْ أهل المدينة، كان ثقة قليل الحديث.
2 صحيح: أخرجه أحمد "2/ 158"، والبخاري "5052"، ومسلم "1159" "182"، والنسائي "4/ 210"، والبيهقي في "السنن" "2/ 396" من طرق عن عبد الله بن عمرو في حديث طويل مرفوعا، وفيه: "واقرأ القرآن في كل شهر". قال: قلت: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك. قال: "فاقرأه في كل عشرين". قال: قلت: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك. قال: "فاقرأه في كل عشر". قال قلت: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك. قال: "فاقرأه في كل سبع، ولا تزد على ذلك، فإن لزوجك عليك حقا ولزورك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا". قال: فشددت فشدد علي.
قال: وقال لي النبي -صلى الله عليه وسلم: "إنك لا تدري لعلك يطول بك عمر". واللفظ لمسلم. وأخرجه مسلم "1159" "184" عن عبد الله بن عمرو مثله.
3 صحيح: على شرطهما: أخرجه أحمد "2/ 164 و189 و195"، وأبو داود "1390"، والترمذي "2949"، وابن ماجة "1347" من طريق قتادة، عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله، عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. فذكره.(7/446)
قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: رَأَيْتُ الدُّنْيَا فِي النَّوْمِ عَجُوْزاً مُشَوَّهَةً.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ القُرَشِيِّ -وَهُوَ وَالِدُهُ، إِنْ شَاءَ اللهُ- قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: وَدِدْتُ أَنَّهُ صُفِحَ لِي عَمَّا كَانَ مِنِّي فِي الشَّبَابِ، وَأَنَّ يَدَيَّ قُطِعَتَا.
سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنِ القُرْآنِ، فَقَالَ: هُوَ كَلاَمُ اللهِ، غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: إِمَامُنَا1 يَهْمِزُ "مُؤْصَدَةً"، فَأَشْتَهِي أَنْ أَسُدَّ أُذُنَيَّ إِذَا هَمَزَهَا.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: قُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ: لِي جَارٌ رَافِضِيٌّ قَدْ مَرِضَ. قَالَ: عُدْهُ مِثْلَ مَا تَعُوْدُ اليَهُوْدِيَّ، وَالنَّصْرَانِيَّ، لاَ تَنْوِي فِيْهِ الأَجْرَ.
قَالَ يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ الصفَّار: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ، وَأَخَذْتُ رِزْقَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَمَكَثْتُ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، مَا شَرِبتُ مَاءً، مَا أَشْرَبُ إِلاَّ النَّبِيْذَ.
قُلْتُ: النَّبِيْذُ الَّذِي هُوَ نَقِيْعُ التَّمْرِ، وَنَقِيْعُ الزبيب، ونحو ذلك، وَالفُقَاعُ، حَلاَلٌ شُرْبُهُ، وَأَمَّا نَبِيْذَ الكُوْفِيِّيْنَ الَّذِي يُسْكِرُ كَثِيْرُهُ، فَحَرَامٌ الإِكْثَارُ مِنْهُ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ، وسائر العلماء، وكذلك يحرم يسيره عنه الجُمْهُوْرِ، وَيَتَرَخَّصُ فِيْهِ الكُوْفِيُّوْنَ، وَفِي تَحْرِيْمِهِ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ.
وَكَانَ الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ قَدْ قَطَعَ الإِقْرَاءَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِنَحْوٍ مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً، ثُمَّ كَانَ يَرْوِي الحُرُوْفَ، فَقَيَّدَهَا عَنْهُ يَحْيَى بنُ آدَمَ عَالِمُ الكُوْفَةِ، وَاشْتُهِرَتْ قِرَاءةُ عَاصِمٍ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَتَلَقَّتْهَا الأُمَّةُ بِالقَبُولِ، وَتَلَقَّاهَا أَهْلُ العِرَاقِ.
وَأَمَّا الحَدِيْثُ: فَيَأْتِي أَبُو بَكْرٍ فِيْهِ بِغَرَائِبَ وَمَنَاكِيْرَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: ذَكَرتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ: حَدِيْثَ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لاَ تُقْطَعُ الخَمْسُ إِلاَّ فِي خَمْسٍ. وَحَدِيْثَ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ: لاَ يرث قاتل خطاء وَلاَ عَمْداً، حَدَّثَ بِهِمَا أَبُو بَكْرٍ، فَأَيُّهُمَا أَنْكَرُ عِنْدَكَ? -وَكَانَ حَدِيْثُ مُطَرِّفٍ عِنْدِي أَنْكَرُ- فَقَالَ: حَدِيْثُ مَنْصُوْرٍ. ثُمَّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَدْ سَمِعْتُهُمَا مِنْهُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْنُسَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر، عن هشام، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ أَهْلَهُ، فَرَأَى مَا بِهِم مِنَ الخَصَاصَةِ، فَخَرَجَ إِلَى البَرِّيَّةِ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَا يُعْتَجَنُ وَيُخْتَبَزُ. قَالَ: فَإِذَا الجَفْنَةُ مَلأَى عَجِيْناً، وإذا الرحى تطحن، وإذا التنور
__________
1 هو: عاصم بن بهدلة، وهو ابن أبي النجود، أحد القراء السبعة. وهو إمامه في القراءة.(7/447)
مَلأَى جنُوبَ شِوَاءٍ. فَجَاءَ زَوجُهَا، فَقَالَ: عِنْدَكُم شَيْءٌ? قَالَتْ: نَعَمْ، رِزْقُ اللهِ. فَجَاءَ، فَكَنَسَ مَا حَوْلَ الرَّحَى، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "لَوْ تَرَكَهَا لَدَارَتْ -أَوْ: لَطَحَنَتْ- إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ"1. فَهَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يُنْكِرُ: حَدِيْثَ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ. قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ ابْنِ مَسْعُوْدٍ امْرَأَةٌ، فَقَالُوا: إِنَّهَا تَغْتَسِلُ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ. فَقَالَ: أَمَّا إِنَّهَا لَوْ كَانَتْ عِنْدِي لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ. قَالَ أَحْمَدُ: نَرَاهُ وَهِمَ أَبُو بَكْرٍ، وَإِنَّمَا هَذَا يَرْوِيْهِ الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ.
الحَسَنُ بنُ عُلَيْلٍ العَنَزِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ القُرَشِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: قَالَ لِي الرَّشِيْدُ: كَيْفَ اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ? قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! سَكَتَ اللهُ، وَسَكَتَ رَسُوْلُهُ، وَسَكَتَ المُؤْمِنُوْنَ. فَقَالَ: وَاللهِ مَا زِدْتَنِي إِلاَّ عَمَىً. قُلْتُ: مَرِضَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ بِلاَلٌ فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ". فَصَلَّى بِالنَّاسِ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ وَالوَحْيُ يَنْزِلُ، فَسَكَتَ رَسُوْلُ اللهِ لِسُكُوتِ اللهِ، وَسَكَتَ المُؤْمِنُوْنَ لِسُكُوتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ: بَارَكَ اللهُ فِيْكَ.
زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي بَكْرٍ بن عياش، قال: طلب الرشيد أبي، فَمَضَى إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ أَبَا مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنِي بِحَدِيْثٍ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَكُوْنُ قَوْمٌ بَعْدِي يُنْبَزُوْنَ بِالرَّافِضَّةِ، فَاقْتُلُوْهُم، فَإِنَّهُم مُشْرِكُوْنَ"، فَوَاللهِ لَئِنْ كَانَ الحَدِيْثُ حَقّاً، لأَقْتُلَنَّهُم. فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ، خِفْتُ، وَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! لَئِنْ كَانَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُم لَيُحِبُّونَكُم أَشَدَّ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، وَهُمْ إِلَيْكُم أَمْيَلُ. قَالَ: فَسُرِّيَ عَنْهُ، وَأَمَرَ لِي بِأَرْبَعِ بِدَرٍ، فَأَخَذْتُهَا.
قُلْتُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ: مَجْهُوْلٌ.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: قَدِمَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، فَأُخْلِيَ لَهُ مَجْلِسُ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ لأُخْرِجَنَّ غَداً مِنْ رِجَالِي رَجُلَينِ، لاَ يَبْقَى عِنْدَ جَرِيْرٍ أَحَدٌ. قَالَ: فَأَخْرَجَ أَبَا إِسْحَاقَ السبيعي، وأبا حصين.
__________
1 منكر: أخرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير" "2/ 189" من طريق العباس بن الفضل الأسفاطي، قال حدثنا أحمد بن يونس، به.
وقال العقيلي في إثره: يروي أبو بكر عن البصريين عن حميد وهشام غير حديث منكر.
وذكر الحديث الحافظ الذهبي في ترجمة أبي بكر بن عياش "4/ 500" وعدَّهُ من جملة منكراته.(7/448)
الأَحْمَسِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْسَنَ صَلاَةً مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ.
قَالَ نُعيم بنُ حَمَّاد: كَانَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ يَبْزُقُ فِي وُجُوْهِ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ.
وَقَدِ اعْتَنَى أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ بِأَمرِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ: لَمْ أَرَ لَهُ حَدِيْثاً مُنْكَراً مِنْ رِوَايَةِ ثِقَةٍ عَنْهُ.
قَالَ يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ الصَّفَّارُ، وَغَيْرُهُ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَاتَ أَبُو بَكْرٍ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: عَاشَ سِتّاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
أَخْبَرَنَا ابْنُ قَوَامٍ، وَجَمَاعَةٌ قَالُوا: أَخْبَرَنَا، ابْنُ الزُّبَيْدِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، أخبرنا الداودي، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَمُّوَيْه، أَخْبَرَنَا الفِرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عبد الله، حدثنا أبو بَكْرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، سَمِعَهُ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ، شَفِعْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ! أَدْخِلِ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ خَرْدَلَةٌ، فَيَدْخُلُوْنَ، ثُمَّ أَقُوْلُ: يَا رَبِّ! أَدْخِلِ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى شَيْءٍ" 1. فَقَالَ أَنَسٌ: كَأَنِّيْ أَنْظُرُ إِلَى أَصَابعِ رَسُوْلِ اللهِ.
هَذَا مِنْ أَغْرِبِ مَا فِي الصَّحِيْحِ. وَيُوْسُفُ: هُوَ القَطَّانُ، نَسَبَهُ إِلَى جَدِّه. وَأَحْمَدُ: هو اليربوعي.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "7509".(7/449)
1303- عَبيدة بن حُميد 1: "خ، 4"
ابن صهيب، العَلاَّمَةُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكُوْفِيُّ، الحَذَّاءُ. يُقَالُ: وَلاَؤُهُ لِبَنِي تَيْمٍ. وَقِيْلَ: لِبَنِي لَيْثٍ. وَقِيْلَ: لِضَبَّةَ، وَلَمْ يَكُنْ حَذَّاءً.
حَدَّثَ عَنِ: الأَسْوَدِ بنِ قَيْسٍ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَالرُّكَيْنِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَالأَعْمَشِ، وَمَنْصُوْرٍ، وَيُوْسُفَ بنِ صُهَيْبٍ، وَمُوْسَى بن أبي عائشة، وعبد العزيز
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 329"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 1788"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 171"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 479"، وتاريخ بغداد "11/ 120"، والكاشف "2/ ترجمة 3697"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 5458"، والعبر "1/ 306"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 288"، وتهذيب التهذيب "7/ 81"، وتقريب التهذيب "1/ 547"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4673"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 326".(7/449)
ابن رُفَيْعٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، ومُطَرَّف بنِ طَرِيْفٍ، وَأَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَقَابُوْسِ بنِ أَبِي ظَبيان، وَخَلْقٍ سواهم.
وَعَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ -وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ- وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَفَرْوَةُ بنُ أَبِي المَغْرَاءِ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخُوْهُ عُثْمَانُ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَهَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، وَوَهْبُ بنُ بَيَانٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُجَشِّرٍ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سُئِلَ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ أَحَبُّ إليَّ مِنْ زِيَادٍ البَكَّائِيِّ، وَأَصلَحُ حَدِيْثاً.
وَرَوَى الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: مَا أَحْسَنَ حَدِيْثَهُ! هُوَ أحبُّ إليَّ مِنْ زِيَادِ بنِ عَبْدِ اللهِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ: أَحْسَنَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الثَّنَاءَ عَلَى عَبِيْدَةَ بنِ حُمَيْدٍ جِدّاً، وَرَفَعَ أَمْرَهُ، وَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا لِلنَّاسِ وَلَهُ? ثُمَّ ذَكَرَ صِحَّةَ حَدِيْثِهِ، فَقَالَ: كَانَ قليل السقط، وأما التصحيف، فليس تجده عنده.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَوَّلُ مَا كَتَبتُ عَنْهُ فِي مَسْجِدِ عَفَّانَ، ثُمَّ كَتَبتُ عَنْهُ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ، وَسَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ، فِي مَدِيْنَةِ الوَضاح.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
وَرَوَى عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: مَا بِهِ المِسْكِيْنُ مِنْ بَأْسٍ، لَيْسَ لَهُ بَخْتٌ.
وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ الطَّيالسي: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، كَانَ يَنْزِلُ فِي دَرْبِ المُفَضَّلِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى قَصْرِ وَضَاحٍ، فَعَابُوْهُ أَنَّهُ يَقعُدُ عِنْدَ أَصْحَابِ الكُتُبِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: أَحَادِيْثُه صِحَاحٌ، وَمَا رَوَيتُ عَنْهُ شَيْئاً. وَضَعَّفَهُ، وَقَالَ مَرَّةً: مَا رَأَيْتُ أَصَحَّ حَدِيْثاً مِنْ عَبِيْدَةَ الحَذَّاءِ، وَلاَ أَصَحَّ رِجَالاً.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: لَمْ يَكُنْ مِنَ الحُفَّاظِ المُتْقِنِيْنَ.
ذَكَرَهُ سَعْدَوَيْه يَوْماً، فَقَالَ: كَانَ صَاحِبَ كِتَابٍ، وَكَانَ مُؤَدِّباً لِلأَمِيْنِ، وَكَانَ حَذَّاءً.
وَقَالَ ابْنُ عمَّار: ثِقَةٌ.
وَقَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ، هُوَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ، كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: هُوَ قَلِيْلُ السَّقَطِ، وَأَمَّا التَّصحِيْفُ، فَلَيْسَ تَجِدُه عِنْدَهُ، وَرَفَعَ أَمرَهُ جِدّاً.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَعَنِ ابْنِ نُمير، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ القُرْآنَ مُنْذُ خَمْسِيْنَ سَنَةً، وَكَتَبتُ عَنْهُ صَحِيْفَةً عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، وَكَانَ شَرِيْكٌ يَسْتَعِيْنُ بِهِ فِي المَسَائِلِ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، صَالِحُ الحَدِيْثِ، صَاحِبُ نَحْوٍ، وَعَرَبِيَّةٍ، وَقِرَاءةٍ، قَدِمَ مِنَ الكُوْفَةِ أَيَّامَ هَارُوْنَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَصَيَّرَهُ مَعَ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ، فَلَمْ يَزَلْ مَعَهُ حَتَّى مَاتَ.
قَالَ هَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ: سَأَلْتُ عَبِيْدَةَ بنَ حُمَيْدٍ: مَتَى وُلِدْتَ? قَالَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ. قَالَ: وَمَاتَ سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ مُطيَّن: مات سنة تسعين.(7/450)
1304- عَبدة بن سُليمان 1: "ع"
الحَافِظُ، الحُجَّةُ، القُدْوَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الكِلابي، الكُوْفِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَالأَعْمَشِ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: أَحْمَدُ، وَابْنُ رَاهْوَيْه، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ ثِقَةٌ ثِقَةٌ وَزِيَادَةٌ، مَعَ صَلاَحٍ وَشِدَّةِ فَقرٍ، عَلَيْهِ فَرْوَةٌ خَلِقَةٌ، لاَ تُسَاوِي كَبِيْرَ شَيْءٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجلي: ثِقَةٌ، صَالِحٌ، صَاحِبُ قُرْآنٍ، كَانَ يُقرئ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي ثَالِثِ رَجَبٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، بِالكُوْفَةِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ قَرَابَتُهُ المُحَدِّثُ مُحَمَّدُ بنُ ربيعة الكلابي.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 390"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 1879"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 167"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 457"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 290"، والعبر "1/ 299"، والكاشف "2/ ترجمة 3574"، وتهذيب التهذيب "6/ 458"، وتقريب التهذيب "1/ 530"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4518"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 320".(7/451)
1305- عبَّاد بن العَّوام 1: "ع"
ابن عمر بن عبد الله بن المنذر، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو سَهْلٍ الكِلابي، الوَاسِطِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي نَجِيْحٍ المَكِّيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَسَعِيْدٍ الجُريري، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ الطُّوْسِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَثَّقَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ فِي كُلِّ أَمْرِهِ. قَالَ: وَكَانَ يَتَشَيَّعُ، فَحَبَسَهُ الرَّشِيْدُ زَمَاناً، ثُمَّ خَلَّى عَنْهُ، فَأَقَامَ بِبَغْدَادَ.
قُلْتُ: أَظُنُّه خَرَجَ مَعَ إِبْرَاهِيْمَ، فَلِذَلِكَ سَجَنَهُ.
قَالَ الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ: سَأَلَنِي وَكِيْعٌ عَنْ عَبَّادِ بنِ العَوَّام، ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ عِنْدَكُم أَحَدٌ يُشْبِهُهُ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ، أَخْبَرَنَا مُوْسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي سَمِيْنَةَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ: "أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُوْتِرُ بِثَلاَثٍ: يَقْرَأُ فِي الأُوْلَى: بِـ "سَبِّحِ"، وَفِي الثَّانِيَةِ: بِـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وَفِي الثَّالِثَةِ: بِـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 2.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 330"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 427" و"2/ 271"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 425"، وتاريخ بغداد "11/ 104"، والكاشف "2/ ترجمة 2596"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 248"، والعبر "1/ 203 و293"، وتهذيب التهذيب "5/ 99"، وتقريب التهذيب "1/ 393"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3316"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 310".
2 صحيح: أخرجه النسائي "3/ 247"، من طريق شبابة، عَنْ شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بنِ أَوْفَى، عَنْ عمران، به.
وأخرجه النسائي "3/ 235" من طريق علي بن ميمون، عن مخلد بن يزيد الحرَّاني، حدثنا سفيان الثوري، عن زُبيد اليامي، عن سعيد بن عبد الرحمن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب، به ورواه الطبراني "12679"، وابن عدي في "الكامل" "5/ 367-368"، وأبو نعيم في "الحلية" "5/ 62" والبيهقي "3/ 41" من طرق عن عطاء بن مسلم الخفاف، حدثنا العلاء بن المسيب، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنِ ابْنِ عباس، به.
قلت: إسناده ضعيف، عطاء بن مسلم الخفاف، ليس بالقوي. وحبيب بن أبي ثابت، مدلس، وقد عنعنه.(7/452)
1306- عمر بن علي 1: "ع"
ابن عطاء بن مُقَدِّم، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، المُدَلِّسُ، أَبُو حَفْصٍ الثَّقَفِيُّ مَوْلاَهُم، المُقَدَّمِيُّ، البَصْرِيُّ، وَالِدُ مُحَمَّدٍ وَعَاصِمٍ، وَعمُّ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيِّ.
يَرْوِي عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَأَبِي حَازِمٍ الأَعْرَجِ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَالأَعْمَشِ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَأَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ، وَحَفْصُ بنُ عَمْرٍو الرَّبَالِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَثَّقَهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: مَا بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، كَانَ يُدَلِّسُ تَدْلِيساً شَدِيْداً، يَقُوْلُ: سَمِعْتُ وَحَدَّثَنَا، ثُمَّ يَسكُتُ سَاعَةً، ثُمَّ يَقُوْلُ: هِشَامُ بن عروة، سليمان الأعمش.
قُلْتُ: قَدِ احْتَمَلَ أَهْلُ الصِّحَاحِ تَدْلِيْسَهُ، وَرَضُوا بِهِ.
تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ العَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ القَطِيْعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ الزَّاغُوْنِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ
دَاوُدَ المُنْكَدِرِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ المُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ أَبَا سَعْدٍ الخَطْمِيَّ، قَالَ ابْنُ صَاعِدٍ -وَهُوَ شُرَحْبِيْلُ بنُ سَعْدٍ- قَالَ: سَمِعْتُ جَابِراً يَقُوْلُ: صَلَّى بي رسول الله صلى الله وبجبار بن صخر، فأقامنا خلفه. غريب.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 291"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 2098"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 169 و595 و613" و"2/ 95"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 678"، والكامل لابن عدي "5/ ترجمة 1213"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 272"، والكاشف "2/ ترجمة 4164"، والعبر "1/ 306" وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 6172"، وتهذيب التهذيب "1/ 485"، وتقريب التهذيب "2/ 61"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5215"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 326".(7/453)
1307- الأشجعي 1: "خ، م، ت، س، ق"
عبيد الله بن عبيد الرحمن -وَقِيْلَ: ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَشْجَعِيُّ، الكُوْفِيُّ نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبْجَرَ، وَمُجَمِّعِ بنِ يَحْيَى الأَنْصَارِيِّ، وَهَارُوْنَ بنِ عَنْتَرَةَ، وَمُسَاوِرٍ الوَرَّاقِ، وَمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَسُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَأَبُو النَّضْرِ هَاشِمٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَزْوَانَ قُرَادٌ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ يَمَانِ بنِ مَعِيْنٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ حُمَيْدٍ الكُوْفِيُّ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبوَ هَمَّامٍ السَّكُوْنِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَخَلْقٌ، وَابْنَاهُ: أَبُو عُبَيْدَةَ، وَعَبَّادٌ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ النَّضْرِ: سَمِعْتُ الأَشْجَعِيَّ: سَمِعْتُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: كَانَ عِنْدَ الأَشْجَعِيِّ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ، عَنْ سُفْيَانَ: ثَلاَثُوْنَ أَلْفاً.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: رَوَى الأَشْجَعِيُّ كُتُبَ الثَّوْرِيِّ عَلَى وَجْهِهَا، وَرَوَى عَنْهُ "الجَامِعَ".
وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ، فَلَمْ يَزَلْ بِبَغْدَادَ حَتَّى مَاتَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ: سَمِعْتُ قَبِيْصَةَ يَقُوْلُ: لَمَّا مَاتَ سُفْيَانُ، أَرَادُوا الأَشْجَعِيَّ عَلَى أَنْ يَقعُدَ -يَعْنِي: مَكَانَ سُفْيَانَ- فَأَبَى، حَتَّى كَلَّمُوا زَائِدَةَ، فَقَعَدَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ أَصْحَابِ سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَوَكِيْعٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ الأشجعي.
__________
1 ترجمته في المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 716"، وتاريخ بغداد "10/ 311" وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 289"، والعبر "1/ 282"، وتهذيب التهذيب "7/ ترجمة 64".(7/454)
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: كَانَ الأَشْجَعِيُّ يَكْتُبُ فِي المَجْلِسِ، فَمِنْ ذَاكَ، صَحَّ حَدِيْثُه.
وَرَوَى عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: لَيْسَ أَحَدٌ فِي حَدِيْثِ الثَّوْرِيِّ يُشبِهُ هَؤُلاَءِ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَوَكِيْعٌ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، فَقِيْلَ لَهُ: وَالأَشْجَعِيُّ? قَالَ: الأَشْجَعِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، وَلَكِنْ هَاتُوا مَنْ يَرْوِي عَنْهُ.
قُلْتُ: صَدَقَ، فَإِنَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُ عَزِيْزَةٌ؛ لِتَقَدُّمِ مَوْتِهِ، وَقِلَّةِ مَا خَرَجَ عَنْهُ.
ثُمَّ قَالَ: وَبَعدَ هَؤُلاَءِ فِي سُفْيَانَ: يَحْيَى بنُ آدَمَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ، وَقَبِيْصَةُ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ هِشَامٍ، وَالفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ.
وَرَوَى عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، صَالِحٌ.
وَرَوَى أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحْرِزٍ، عَنْ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: مَا كَانَ بِالكُوْفَةِ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِسُفْيَانَ مِنَ الأَشْجَعِيِّ، كَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، وَمِنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ ... ، وَسَمَّى جَمَاعَةً.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، عَنْ مِهرَانَ بنِ أَبِي عُمَرَ، وَالأَشْجَعِيِّ، فِي سُفْيَانَ، فَقَالَ: الأَشْجَعِيُّ -كَأَنَّهُ قَدَّمَهُ- وَمِهْرَانُ كَانَتْ فِيْهِ عُجْمَةٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: عُبَيْدُ الرَّحْمَنِ أَخُو مُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، عَنْ بَكْرٍ المُزَنِيِّ، يَرْوِي عَنْهُ مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: وَلَيْسَ فِي المُحَدِّثِيْنَ عُبَيْدُ الرَّحْمَنِ سِوَاهُ، وَوَالِدُ الأَشْجَعِيِّ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: فِي أَوَّلِ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ مَاتَ الأَشْجَعِيُّ.
وَقَالَ الأَشْجَعِيُّ: كَتَبْتُ عَنْ سُفْيَانَ ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الفَتْحِ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا الأَشْجَعِيُّ، عَنْ مُوْسَى، فَرَوَى عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: إِنَّ أَزْهَدَ النَّاسِ فِي العَالِمِ جِيْرَانُهُ، وَشَرَّ النَّاسِ لِمَيِّتٍ أَهْلُهُ، يَبْكُوْنَ عَلَيْهِ، وَلاَ يَقْضُوْنَ دَيْنَهُ.(7/455)
1308- عبد الله بن مصعب 1:
ابن ثَابِتِ، ابْنِ الخَلِيْفَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ، الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو بَكْرٍ الأَسَدِيُّ، الزُّبَيْرِيُّ، وَالِدُ مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيِّ.
رَوَى عَنْ: مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَأَبِي حَازِمٍ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ.
وَعَنْهُ: ابنه، وهشام بن يوسف، وآخرون.
وكان جَمِيْلاً، سَرِيّاً، مُحْتَشِماً، فَصِيْحاً، مُفَوَّهاً، وَافِرَ الجَلاَلَةِ، مَحْمُوْدَ الوِلاَيَةِ، كَانَ يُحِبُّه المَهْدِيُّ، وَيَحتَرِمُهُ.
جَمَعَ لَهُ الرَّشِيْدُ مَعَ اليَمَنِ إِمْرَةَ المَدِيْنَةِ.
بَعَثَ إِلَيْهِ الوَزِيْرُ أَبُو عُبَيْدِ اللهِ بِأَلْفَيْ دِيْنَارٍ، فَأَبَى، وَقَالَ: لاَ أَقْبَلُ إِلاَّ مِنْ خَلِيْفَةٍ.
وَقَدْ لَيَّنَهُ ابْنُ مَعِيْنٍ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ مِنْ بَابَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الزِّنَادِ.
قُلْتُ: عَاشَ سَبْعِيْنَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أربع وثمانين ومائة.
__________
1 ترجمته في تاريخ بغداد "10/ 173".(7/456)
1309- حاتم بن إسماعيل 1: "ع"
المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الكُوْفِيُّ، ثُمَّ المَدَنِيُّ، مَوْلَى بَنِي عَبْدِ المَدَانِ.
حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَجَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وخُثَيم بنِ عِرَاكٍ، والجُعَيد بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي مُزَرِّد، وَعِمْرَانَ القَصِيْرِ.
وَعَنْهُ: القَعْنَبِيُّ، وَقُتَيْبَةُ، وَإِسْحَاقُ، وَهَنَّادٌ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُريب، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ أَحَبُّ إلي من الدراوردي.
ووثقه جَمَاعَةٌ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، فِي تَاسِعِهِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
__________
1 ترجمته في الجرح والتعديل "3/ ترجمة 1154"، وميزان الاعتدال "1/ ترجمة 1595"، والعبر "1/ 292"، وتهذيب التهذيب "2/ 128"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 309".(7/456)
1310- بقية بن الوليد 1: "خت، م، 4"
ابن صائد بن كعب بن حَريز، الحافظ، العالم، محدِّث حمص، أَبُو يُحْمِدَ الحِمْيَرِيُّ، الكَلاَعِيُّ، ثُمَّ المَيْتَمِيُّ، الحِمْصِيُّ، أَحَدُ المَشَاهِيْرِ الأَعْلاَمِ.
وُلِدَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ، سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ: يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهِ الجُرْجُسي.
وَرَوَى عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الأَلْهَانِيِّ، وَصَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو السَّكْسكي، وَبَحِيْرِ بنِ سَعْدٍ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَبِشْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ يَسَارٍ، وَحَبِيْبِ بنِ صَالِحٍ الطَّائِيِّ، وَحُصَيْنِ بنِ مَالِكٍ الفَزَارِيِّ، وَالسَّرِيِّ بنِ يَنْعُمَ الجُبْلاني، وضُبَارة بنِ مَالِكٍ، وَعُثْمَانَ بنِ زُفَرَ، وَعُتْبَةَ بنِ أَبِي حَكِيْمٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عِرْق اليَحْصُبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ الوَلِيْدِ الزُّبَيْدِيِّ، وَمُسْلِمِ بنِ زِيَادٍ، وَيُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ الأَيْلِيِّ، وَالوَضِيْنِ بنِ عَطَاءٍ، وَيَزِيْدَ بنِ عَوْفٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَأُمَمٍ سِوَاهُم، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَمَالِكٍ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَيَنْزِل إِلَى: يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَأَقْرَانِه. وَقَدْ رَوَى عَنْ: تِلْمِيْذِه؛ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه.
وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، لَكِنَّهُ كَدَّرَ ذَلِكَ بِالإِكثَارِ عَنِ الضُّعَفَاءِ، وَالعَوَّامِ وَالحَمْلِ عَمَّنْ دَبَّ وَدَرَجَ.
وَرَوَى عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَالحَمَّادَانِ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ -وَهُم مِنْ شُيُوْخِهِ- وَابْنُ المُبَارَكِ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَوَكِيْعٌ -وَهُم مِنْ أَقرَانِهِ- وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ -وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ- وحَيوة بنُ شُريح، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهِ، وَأَسَدُ بنُ مُوْسَى، وَدَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ بن راهويه، وعلي بن جحر، وَنُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَعَمْرُو بنُ عُثْمَانَ بنِ سَعِيْدٍ، وَأَخُوْهُ؛ يَحْيَى، وَأَبُو التَّقِيِّ هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصفى، وَعِيْسَى بنُ أَحْمَدَ العَسْقَلاَنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ حَنَانٍ، وَمُهَنَّا بنُ يَحْيَى، وَهِشَامُ بنُ خَالِدٍ الأَزْرَقُ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَعَبْدَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ المَرْوَزِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، خَاتِمَتُهُم: أَبُو عُتْبَةَ أَحْمَدُ بنُ الفَرَجِ الحِجَازِيُّ.
رَوَى رَبَاحُ بنُ زَيْدٍ الكُوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: إِذَا اجْتَمَعَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوليد، فبقية أحب إلي.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "2/ ترجمة 2012"، والضعفاء الكبير للعقيلي "1/ ترجمة 203"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 1728"، والمجروحين لابن حبان "1/ 200"، والكامل لابن عدي "2/ ترجمة 302"، وتاريخ بغداد "7/ 123"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 269"، وميزان الاعتدال "1/ ترجمة 1250"، وتهذيب التهذيب "1/ 473"، وتقريب التهذيب "1/ 105".(7/457)
وَرَوَى سُفْيَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: بَقِيَّةُ كَانَ صَدُوقاً، لَكِنَّهُ يَكْتُبُ عَمَّنْ أَقْبَلَ وَأَدبَرَ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ المُغِيْرَةِ الرَّازِيُّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: لاَ تَسْمَعُوا مِنْ بَقِيَّةَ مَا كَانَ فِي سُنَّةٍ، وَاسْمَعُوا مِنْهُ مَا كَانَ فِي ثَوَابٍ وَغَيْرِه.
قُلْتُ: لِهَذَا أَكْثَرَ الأَئِمَّةُ عَلَى التَّشَدِيْدِ فِي أَحَادِيْثِ الأَحكَامِ، والترخيص قليلا، لا كل الترخيص فِي الفَضَائِلِ وَالرَّقَائِقِ، فَيَقْبَلُوْنَ فِي ذَلِكَ مَا ضَعُفَ إِسْنَادُهُ، لاَ مَا اتُّهِم رُوَاتُهُ، فَإِنَّ الأَحَادِيْثَ المَوْضُوْعَةَ، وَالأَحَادِيْثَ الشَّدِيْدَةَ الوَهنِ، لاَ يَلْتَفِتُوْنَ إِلَيْهَا، بَلْ يَرْوُونَهَا لِلتَّحذِيرِ مِنْهَا، وَالهَتْكِ لِحَالِهَا، فَمَنْ دَلَّسَهَا، أَوْ غَطَّى تِبْيَانَهَا، فَهُوَ جَانٍ عَلَى السُّنَّةِ، خَائِنٌ للهِ وَرَسُوْلِه، فَإِنْ كَانَ يجهل ذلك، فقد يعذر بالجهل، ولكن سلو أَهْلَ الذِّكرِ إِنْ كُنْتُم لاَ تَعْلَمُوْنَ1.
قال أَبُو مُعِيْنٍ الرَّازِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: كَانَ شُعْبَةُ مُبَجِّلاً لِبَقِيَّةَ حَيْثُ قَدِمَ بَغْدَادَ.
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: سُئِلَ أَبِي عَنْ بَقِيَّةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ: بَقِيَّةُ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَإِذَا حَدَّثَ عَنْ قَوْمٍ لَيْسُوا بِمَعْرُوْفِيْنَ، فَلاَ تَقبَلُوْهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: سُئِلَ ابْنُ مَعِيْنٍ، عَنْ بَقِيَّةَ، فَقَالَ: إِذَا حَدَّثَ عَنِ الثِّقَاتِ مِثْلِ صَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو، وَغَيْرِه، وَأَمَّا إِذَا حَدَّثَ عَنْ أُوْلَئِكَ المَجْهُوْلِيْنَ، فَلاَ، وَإِذَا كَنَّى الرَّجُلَ أَوْ لَمْ يسم اسمه، فليس يساوي شيئًا.
__________
1 يقول محمد أيمن الشبراوي -عفا الله عنه: حقيق بالذكر أن الأحاديث الضعيفة لا يجوز العمل بها في مجال العقائد والأحكام باتفاق العلماء. أما العمل بالأحاديث الضعيفة في مجال فضائل الأعمال فقد اشترط العلماء للعمل بها ثلاثة شروط: الأول: أن يشهد لهذا الحديث الضعيف أصل من أصول الدين أو قاعدة كلية. الشرط الثاني: أن لا يكون الحديث ضعيفا شديد الضعف فلا يجوز العمل بخبر انفرد به كذاب أو متهم بالكذب. الشرط الثالث: أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط.
أما الأحاديث الشديدة الضعف فلا يجوز العمل بها في العقائد أو الأحكام أو الفضائل باتفاق العلماء.
وقد أنكر جمهرة من العلماء العمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال مثل البخاري، ومسلم، وداود الظاهري، وابن حزم، وغيرهم من العلماء. وقالوا بأن أحاديث فضائل الأعمال أعمال لها أحكام، ولا تخرج عن الأحكام الخمسة: الواجب, والمندوب، والحرام، والمكروه، والمباح. ففي الصحيح غنية عن الاستدلال بالضعيف من الأحاديث. أما رواية الأحاديث الموضوعة والشديدة الضعف فلا يجوز روايتها إلا على سبيل التحذير منها وهتك أستار كل من رواها من الوضاعين والمتهمين. وقد أجمع علماء السلف والخلف قاطبة على عدم جواز العمل بهاتيك الأحاديث الموضوعة أو الشديدة الضعف لا في مجال العقائد أو الأحكام أو فضائل الأعمال.(7/458)
وَسُئِلَ: أَيُّمَا أَثْبَتُ هُوَ أَوْ إِسْمَاعِيْلُ? قَالَ: كِلاَهُمَا صَالِحَانِ.
يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ عَنْ أَحْمَدَ بنِ العَبَّاسِ، سَمِعَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: بَقِيَّةُ يُحَدِّثُ عَمَّنْ هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ، وَعِنْدَهُ أَلْفَا حَدِيْثٍ عَنْ شُعْبَةَ صِحَاحٌ، كَانَ يُذَاكِرُ شُعْبَةَ بِالفِقْهِ. وَلَقَدْ قَالَ لِي أَبُو نُعَيْمٍ: كَانَ بَقِيَّةُ يَضِنُّ بِحَدِيْثِهِ عَنِ الثِّقَاتِ، طَلَبْتُ مِنْهُ كِتَابَ صَفْوَانَ، قَالَ: كِتَابُ صَفْوَانَ? ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ يُحَدِّثُ عَنِ الضُّعَفَاءِ بِمائَةِ حَدِيْثٍ قَبْلَ أَنْ يُحَدِّثَ عَنِ الثِّقَةِ بحديث.
قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: بَقِيَّةُ: ثِقَةٌ، حَسَنُ الحَدِيْث إِذَا حَدَّثَ عَنِ المَعْرُوْفِيْنَ، وَيُحَدِّثُ عَنْ قَوْمٍ مَتْرُوْكِي الحَدِيْثِ، وَضُعَفَاءَ، وَيَحِيْدُ عَنْ أَسْمَائِهِم إِلَى كُنَاهُم، وَعَنْ كُنَاهُم إِلَى أَسْمَائِهِم، وَيُحَدِّثُ عَمَّنْ هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ.
حَدَّثَ عَنْ سُوَيْدِ بنِ سَعِيْدٍ الحَدَثَانِيِّ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ بَقِيَّةُ ثِقَةً فِي الرِّوَايَةِ عَنِ الثِّقَاتِ، ضَعِيْفاً فِي رِوَايَتِهِ عَنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ.
قُلْتُ: وَهُوَ أَيْضاً ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ إِذَا قَالَ: عَنْ، فَإِنَّهُ مُدَلِّسٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ عَنِ المَعْرُوْفِيْنَ، فَإِذَا رَوَى عَنْ مَجْهُوْلٍ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: بَقِيَّةُ عَجَبٌ، إِذَا رَوَى عَنِ الثِّقَاتِ، فَهُوَ ثِقَةٌ، وَيُحَدِّث عَنْ قَوْمٍ لاَ يُعرَفُوْنَ، وَلاَ يَضبِطُوْنَ. وَقَالَ: مَا لَهُ عَيبٌ، إِلاَّ كَثْرَةُ رِوَايَتِهِ عَنِ المَجْهُوْلِيْنَ، فَأَمَّا الصِّدْقُ، فَلاَ يُؤْتَى مِنَ الصِّدْقِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ: إِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا، فَهُوَ ثِقَةٌ، وَإِذَا قَالَ: عَنْ فُلاَنٍ، فَلاَ يُؤْخَذُ عَنْهُ؛ لأَنَّهُ لاَ يُدْرَى عَمَّنْ أَخَذَه.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: يُخَالِفُ فِي بعض روايته الثقات، وإذا رَوَى عَنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَإِنَّهُ ثَبتٌ، وَإِذَا رَوَى عَنْ غَيْرِهِم، خَلَّطَ، وَإِذَا رَوَى عَنِ المَجْهُوْلِيْنَ، فَالعُهدَةُ مِنْهُم، لاَ مِنْهُ، وَهُوَ صَاحِبُ حَدِيْثٍ، يَرْوِي عَنِ الصِّغَارِ وَالكِبَارِ، وَيَرْوِي عَنْهُ الكِبَارُ مِنَ النَّاسِ، وَهَذِهِ صِفَةُ بَقِيَّةَ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: سَمِعَ بَقِيَّةُ مِنْ شُعْبَةَ، وَمَالِكٍ، وَغَيْرِهِمَا أَحَادِيْثَ مُسْتقِيْمَةً، ثُمَّ سَمِعَ مِنْ أَقْوَامٍ كَذَّابِيْنَ عَنْ شُعْبَةَ، وَمَالِكٍ، فَرَوَى عَنِ الثِّقَاتِ بِالتَّدْلِيسِ مَا أَخَذَ عَنِ الضُّعَفَاءِ.
قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ الغَسَّانِيُّ: أَحَادِيْثُ بَقِيَّةَ لَيْسَتْ نَقِيَّةً، فَكُنْ مِنْهَا عَلَى تَقِيَّةٍ.(7/459)
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجُوْزَجَانِيُّ: رَحِمَ اللهُ بَقِيَّةَ، مَا كَانَ يُبالِي إِذَا وَجَدَ خُرَافَةً عَمَّنْ يَأْخُذُه، فَإِنْ حَدَّثَ عَنِ الثِّقَاتِ، فَلاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنِ ضَمْرَةَ، وَبَقِيَّةَ، فَقَالَ: ضَمْرَةُ أَحَبُّ إِلَيْنَا، ضَمْرَةُ ثِقَةٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: بَقِيَّةُ أَحْسَنُ حَالاً مِنَ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَ النَّاسِ كَذَا.
قَالَ حَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ: سُئِلَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عَنْ حَدِيْثٍ مِنْ هَذِهِ المُلَحِ، فَقَالَ: أَبُو العَجَبِ أَخْبَرَنَا، بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ أَخْبَرَنَا.
قَالَ إِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ: لاَ أَحْتَجُّ بِبَقِيَّةَ. ثم قال: حدثنا أحمد ابن الحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: تَوَهَّمتُ أَنَّ بَقِيَّةَ لاَ يُحَدِّثُ المَنَاكِيْرَ إِلاَّ عَنِ المَجَاهِيلِ، فَإِذَا هُوَ يُحَدِّثُ المَنَاكِيْرَ عَنِ المَشَاهِيْرِ، فَعَلِمتُ مِنْ أَيْنَ أُتِيَ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: دَخَلْتُ حِمْصَ، وَأَكْبَرُ هَمِّي شَأْنُ بَقِيَّةَ، فَتَتَبَّعتُ حَدِيْثَه، وَكَتَبتُ النُّسَخَ عَلَى الوَجْهِ، وَتَتَبَّعتُ مَا لَمْ أَجِدْ بِعُلُوٍّ مِنْ رِوَايَةِ القُدَمَاءِ عَنْهُ، فَرَأْيْتُهُ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، وَلَكِنَّهُ كَانَ مُدَلِّساً، يُدَلِّسُ عَلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَشُعْبَةَ، وَمَالِكٍ، مَا أَخَذَه عَنْ مِثْلِ مُجَاشِعِ بنِ عَمْرٍو، وَالسَّرِيِّ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَعُمَرَ بنِ مُوْسَى المَيْتَمي، وَأَشبَاهِهِم، فَرَوَى عَنْ أُوْلَئِكَ الثِّقَاتِ الَّذِيْنَ رَآهُم بِالتَّدْلِيسِ مَا سَمِعَ مِنْ هَؤُلاَءِ الضُّعَفَاءِ عَنْهُم، فَكَانَ يَقُوْلُ: قَالَ عُبَيْدُ اللهِ، وَقَالَ مَالِكٌ، فَحَمَلُوا عَنْ بَقِيَّةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، وَعَنْ بَقِيَّةَ بنِ مَالِكٍ، وَسَقَطَ الوَاهِي بَيْنَهُمَا، فَالتَزَقَ المَوْضُوْعُ بِبَقِيَّةَ، وَتَخَلَّصَ الوَاضِعُ مِنَ الوَسطِ.
وَكَانَ ابْنُ مَعِيْنٍ يُوَثِّقُه.
وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ الخُزَاعِيُّ بِدِمَشْقَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِنْ أَدْمَنَ على حاجبه بالمشط، عوفي من الوباء"1.
__________
1 باطل: أخرجه ابن حبان في "المجروحين" "1/ 201-202" حدثنا سُلَيْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ الخُزَاعِيُّ، بِدِمَشْقَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بن خالد الأزرق، حدثنا بقية، به.
وقال ابن حبان في إثره: "موضوع، يشبه أن يكون بقية سمعه من إنسان ضعيف عن ابن جريج فدلس عليه فالتزق كل ذلك به".(7/460)
وَبِهِ: إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا جَامَعَ أَحَدُكُمْ زَوْجَتَهُ، فَلاَ يَنْظُرْ إِلَى فَرْجِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُوْرِثُ العَمَى"1.
وَبِهِ: قَالَ -عليه الصلاة السلام: "تَرِّبُوا الكِتَابَ وَسُحُّوْهُ مِنْ أَسْفَلِهِ، فَإِنَّهُ أَنْجَحُ للحاجة"2.
وَبِهِ: "مَنْ أُصِيْبَ بِمُصِيْبَةٍ، فَاحْتَسَبَ وَلَمْ يَشْكُ إِلَى النَّاسِ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يغفر له"3.
__________
1 موضوع: أخرجه ابن حبان في "المجروحين" "1/ 200"، وابن عدي في "الكامل" "2/ 75"، وابن الجوزي في "الموضوعات" من طريق هِشَامُ بنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عباس، به مرفوعا.
وقال ابن حبان: "كان بقية يروي عن كذابين ويدلس، وكان له أصحاب يسقطون الضعفاء من حديثه ويسوونه، فيشبه أن يكون هذا من بعض الضعفاء عن ابن جريج ثم دلس عنه، وهذا موضوع".
وقال ابن أبي حاتم "2/ 295" بعد أن ذكر هذا الحديث وحديثين آخرين معه: "وقال أبي: هذه الثلاثة الأحاديث موضوعة لا أصل لها، وكان بقية يدلس، فظن هؤلاء أنه يقول في كل حديث: "حدثنا" ولم يفتقدوا الخبر منه". وأقره الذهبي في "الميزان" وجعله أصل قوله في ترجمة هشام: "يروى عن ثقات الدماشقة، لكن يروج عنه".
2 منكر: أخرجه ابن حبان في "المجروحين" "1/ 202"، وابن عدي في "الكامل" "2/ 75" من طريق هشام بن خالد الأزرق حدثنا بقية، حدثني ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، به.
وقال ابن حبان بعد أن ذكر أحاديث بهذا الإسناد: كلها موضوعة.
وقد تقدم تخريجنا لهذا الحديث من طريق جابر في تعليقنا السابق رقم "426" في هذا الجزء فراجعه ثمت فإنك ستقف على شواهد منكرة له لا يزيد الحديث بها إلا وهنا على وهن فراجعه ثمت تفد علما ثرا وهذا من فضل الله علي لقوله للتحدث بنعمة الله علينا كما قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] ، فالحمد لله على نعمائه حمدا كثيرا طيبا ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء من شيء بعد.
3 موضوع: أخرجه الطبراني في "الكبير" "11/ 11438" من طريق هشام بن خالد، حدثنا بقية، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعا.
وأورده الهيثمي في "المجمع" "2/ 331" وقال: رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه بقية مدلس".
قلت: ومن طريقه رواه ابن أبي حاتم في "العلل" "2/ 126/ 1871" وقال في إثره: "قال أبي هذا حديث موضوع لا أصل له، وكان بقية يدلس فظنوا هؤلاء أنه يقول في كل حديث حدثنا ولا يعتقدون الخبر منه".(7/461)
وَحَدِيْثُ: "لاَ تَأْكُلُوا بِالخَمْسِ، فَإِنَّهَا أَكْلَةُ الأَعْرَابِ، وَلاَ بِالمُشِيْرَةِ وَالإِبْهَامِ، وَلَكِنْ بِثَلاَثٍ، فَإِنَّهَا سُنَّةٌ"1.
وَهَذِهِ بَوَاطِيْلُ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ فِي حَدِيْثِ: يُورِثُ العَمَى، وَحَدِيْثِ: المُصِيْبَةِ، وَحَدِيْثِ: الأَكْلِ بِالخَمْسِ: هَذِهِ مَوْضُوْعَاتٌ لاَ أَصلَ لَهَا2.
أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ الحِمْصِيُّ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ بقية، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "رَخَّصَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي دَمِ الحُبُون"3.
عُمَرُ بنُ سِنَانٍ المَنْبِجِيُّ، وَعَبْدَانُ: حَدَّثَنَا أَبُو التَّقِيِّ هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنِي مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ الهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ الأَذَانَ وَالإِقَامَةَ، فَقَالَ: "إِنَّ اللهَ يُجَاوِزُ عَنْ أُمَّتِي السَّهْوَ فِي الصَّلاَةِ"4. ثُمَّ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ عَقِيْبَهُ: عَبْدُ الكَرِيْمِ: هُوَ الجَزَرِيُّ، وَأَبُو حَمْزَةَ: هُوَ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَاهُ عَبْدَانُ وَابْنُ سِنَانٍ.
__________
1 موضوع: أخرجه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"، وهو من مظان الأحاديث الضعيفة والموضوعة وما لا أصل له، ومتن الحديث تمجه الأفهام المستقيمة، والعقول المستنيرة بضياء السنة المشرفة الصحيحة، لذا قال ابن أبي حاتم في "العلل" "2/ 295/ 2394" بعد أن ذكر هذا الحديث والحديثين الذين ذكرناهما قبل: "قال أبي هذه الثلاثة الأحاديث موضوعة لا أصل لها وكان بقية يدلس فظن هؤلاء أنه يقول في كل حديث حدثنا ولم يفتقدوا الخبر منه".
2 قاله ابن أبي حاتم في "العلل" "2/ 295/ 2394"، فقد ذكر هذه الأحاديث ثمت وأردفها بالقول السابق الذين ذكرناه في التعليق السابق".
3 موضوع: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "2/ 75" من طريق محمد بن عوف، حدثنا أحمد بن يونس الحمصي، به، وذكر الذهبي الحديث في ترجمة "بقية بن الوليد" "1/ 333" مع الأحاديث السابقة، وعد جميعها من الموضوعات.
4 باطل: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "2/ 75" حدثنا عمر بن سنان وعبدان قالا حدثنا هشام بن عبد الملك، حدثنا بقية، به.
وقال ابن عدي في إثره: وهذا الحديث باطل لا يرويه عن مالك غير بقية، وعبد الكريم الهمداني، هو عبد الكريم الجزري، وأبو حمزة، إنما يريد به أنس بن مالك، وإنما نبت عبدان الأهوازي على هذا الحديث حتى أدخله في مسند أنس بن مالك، وقد روى بقية هذا الحديث بإسناد آخر والعتبة على عبدان، فقال أخبرنا هشام بن عبد الملك، عن بقية وهو مرسل فقلت له: إنما هو أبو حمزة يعني به أنس، فقال: ما علمت، ودعا بمسند أنس فكتبه فيه، وعند بقية لهذا الحديث إسناد آخر عن مجهول.(7/462)
قُلْتُ: هَذَا الحَدِيْثُ لاَ يُحتَمَلُ، وَقَدْ رَوَاهُ الوَلِيْدُ بنُ عُتْبَةَ المُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! الرَّجُلُ يَنْسَى الأَذَانَ وَالإِقَامَةَ؟ فَهَذَا أَشْبَهُ، مَعَ أَنَّ عُبَيْداً لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ، فَهُوَ آفَتُهُ1.
مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَاغَنْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ سَلَمَةَ الخبَائِرِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -عليه الصلاة السلام: "انْتِظَارُ الفَرَجِ عِبَادَةٌ"2. وَهَذَا بَاطِلٌ، مَا رَوَاهُ مَالِكٌ، بَلْ وَلاَ بَقِيَّةُ، بَلِ المُتَّهَمُ بِهِ سُلَيْمَانُ.
وَكَذَلِكَ الآفَةُ فِي حَدِيْثِ الخَضِرِ: بَيْنَمَا هُوَ يَمْشِي فِي سُوْقِ بَنِي إِسْرَائِيْلَ، بِطُوْلِهِ. رَوَاهُ: عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ الضَّحَّاكِ -ذَاكَ العُرْضي المُتَّهَمُ- وَسُلَيْمَانُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الرَّقِّيُّ -الَّذِي قَالَ فِيْهِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ- كِلاَهُمَا عَنْ بَقِيَّةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ، مَرْفُوْعاً.
وَلِبَقِيَّةَ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَرْفُوْعاً: "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الجُمُعَةِ وَتَكْبِيْرَتَهَا فَقَطْ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ".
فَهَذَا مُنْكَرٌ، وَإِنَّمَا يَرْوِي الثِّقَاتُ عَنِ الزُّهْرِيِّ بَعْضَ هَذَا بدون ذكر الجُمُعَةِ، وَدُوْنَ قَوْلِه: "وَتَكْبِيْرَتَهَا فَقَطْ".
وَلِبَقِيَّةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بنِ الخِرِّيْتِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مَرْفُوْعاً: "نَهَى عَنْ طَعَامِ المُتَبَارِيَيْنِ"3. وَهَذَا الصواب مرسل.
__________
1 ذكره ابن عدي في "الكامل" "2/ 76".
2 موضوع: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "2/ 76"، والخطيب في "تاريخه" "2/ 155" من طريق سليمان بن سلمة، به، وقال ابن عدي في إثره: وهذا حديث باطل عن مالك بهذا الإسناد لا يروى عنه غير بقية.
قلت: بقية مشهور بالتدليس، ولا يغتر بتصريحه بالتحديث فإن الراوي عنه سليمان بن سلمة الخبائري، وهو كذاب كما قال الذهبي في ترجمته، وذكر هذا الحديث.
3 صحيح لغيره: أخرجه أبو داود "3754"، وابن عدي في "الكامل" "2/ 77" من طريق جرير بن حازم، عن الزبير بن خريت، به.
قلت: هو مرسل صحيح الإسناد، وللحديث شاهد عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ "المتباريان لا يجابان ولا يؤكل طعامهما". أخرجه ابن السماك في جزئه "ورقة 64/ 1" حدثنا سعيد بن عثمان الأهوازي، أخبرنا معاذ بن أسد، نا علي بن الحسن الضرير، عن أبي حمزة السكري، عن الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، به.
قلت: إسناده صحيح رجاله ثقات.(7/463)
عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، عَنْ يَزِيْدَ الجُرْجُسِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، رَفَعَهُ: أَنَّهُ سَلَّمَ تَسْلِيمَةً1.
فَحَاصِلُ الأَمْرِ: أَنَّ لِبَقِيَّةَ عَنِ الثِّقَاتِ أَيْضاً مَا يُنْكَرُ، وما لا يتابع عليه.
مُهَنَّا بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنْ سَعِيْدِ بن عبد العزيز، عن مكحول، عن أبي هريرة، مرفوعًا: "يحشر الحكارون، وقتلة النفس إِلَى جَهَنَّمَ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ"2. تَفَرَّدَ بِهِ: مُهَنَّا، وَهُوَ صَدُوْقٌ. وَفِي سَنَدِهِ انْقِطَاعٌ.
بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ: قَالَ شَرِيْكٌ، عَنْ كُلَيْبِ بنِ وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَرْفُوْعاً: "لاَ تُسَاكِنُوا الأَنْبَاطَ فِي بِلاَدِهِم، وَلاَ تُنَاكِحُوا الخُوْزَ، فَإِنَّ لَهُم أُصُوْلاً تَدْعُوْهُم إِلَى غَيْرِ الوَفَاءِ"3. وَهَذَا مُنْكَرٌ جِدّاً، قَدْ أَسقَطَ بَقِيَّةُ مَنْ حَدَّثَهُ بِهِ عَنْ شَرِيْكٍ.
قَالَ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَكَمِ، عَنْ وَكِيْعٍ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ أَحَداً أَجرَأَ عَلَى أَنْ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ بَقِيَّةَ.
قَالَ عَبْدُ الحَقِّ فِي "الأَحْكَامِ" لَهُ فِي مَوَاضِعَ: بَقِيَّةُ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَرَوَى أَيْضاً لَهُ أَحَادِيْثَ سَاكِتاً عَنْ تَلْيِينِهَا.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو الحَسَنِ بنُ القَطَّانِ: بَقِيَّةُ يُدَلِّسُ عَنِ الضُّعَفَاءِ، وَيَسْتبِيْحُ ذلك، وهذا إن صح، مفسد لعدالته.
__________
1 أخرجه ابن عدي في "الكامل" "2/ 77" من طريق سلميان بن سلمة، حدثنا بقية، عن الزبيدي، به.
قلت: إسناده موضوع، فيه بقية، وهو مدلس يدلس تدليس التسوية، والراوي عنه سليمان بن سلمة الخبائري كذاب كما قال الذهبي. لكن أحاديث الاقتصار على التسليمة الواحدة وردت عن عدد من الصحابة، عن عائشة، وعن أنس، وسعد بن أبي وقاص، ومن حديث سهل بن سعد الساعدي، وسلمة ابن الأكوع، وهي صحيحة بمجموعها.
2 منكر: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "2/ 78" من طريق مهنأ بن يحيى الشامي، به.
قلت: إسناده واه، فيه بقية بن الوليد، مدلس، يدلس تدليس التسوية. وفيه مهنأ بن يحيى الشامي، قال الأزدي: منكر الحديث. وقال الدارقطني: ثقة نبيل.
والحديث ذكره السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" "2/ 146" وقال في إثره: "لا يصح بقية مدلس عن الضعفاء والمتروكين".
3 منكر: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "2/ 78"، وهو منكر ظاهر النكارة وكذا قال ابن عدي في إثره: "وهذا حديث منكر لا أعلم يرويه غير بقية".(7/464)
قُلْتُ: نَعَمْ، تَيَقَنَّا أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُه، وَكَذَلِكَ رَفِيْقُهُ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَلَكِنَّهُم مَا يُظَنُّ بِهِم أَنَّهُمُ اتَّهَمُوا مَنْ حَدَّثَهُم بالوضع لذلك، فَاللهُ أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ بِبَعْلَبَكَّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُوْسُ بنُ عَبْدِ اللهِ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطُّوْسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَةَ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنِي أَزْهَرُ بنِ عَبْدِ اللهِ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ بُسْرٍ صَاحِبَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: كُنَّا نَسْمَعُ أَنَّهُ يُقَالُ: إِذَا اجْتَمَعَ عِشْرُوْنَ رَجُلاً أَوْ أَكْثَرُ، أَوْ أَقَلُّ فَلَمْ يَكُنْ فِيْهِم مَنْ يُهَابُ فِي اللهِ، فَقَدْ حَضَرَ الأَمْرُ.
كَثِيْرُ بنُ عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، مَرْفُوْعاً: "مَنْ تكفل لي أن لا يسأل امرأ شَيْئاً، أَتَكَفَّلُ لَهُ بِالجَنَّةِ" 1. غَرِيْبٌ جِدّاً.
مُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَآخَرُ، قَالاَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنِ الأوزاعي، عَنِ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، مرفوعًا: "مجوس هذه الأمة القدرية" 2.
__________
1 صحيح: أخرجه أبو داود "1643" من طريق عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن شعبة، عن عاصم، عن أبي العالية، عن ثوبان قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا أتكفل لَهُ بِالجَنَّةِ، فَقَالَ ثَوْبَانُ: أَنَا، فَكَانَ لاَ يسأل أحدا شيئا".
قلت: إسناده حسن، عاصم، هو ابن بهدلة، صدوق. وأخرجه أحمد "5/ 276" من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة، به، وأخرجه النسائي "5/ 96" من طريق يحيى، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن قيس، عن عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية، عن ثوبان مرفوعا بلفظ: "من يضمن لي واحدة وله الجنة"، قال يحيى: هاهنا كلمة معناها: أن لا يسأل الناس شيئا.
2 حسن لغيره: أخرجه ابن ماجه "92"، والطبراني في "الصغير" "ص127"، وابن أبي عاصم في "السنة" "328"، والآجري في "الشريعة" "ص190" من طريق محمد بن مصفى، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه أبو الزبير المكي محمد بن مسلم بن تدرس، وهو مدلس وقد عنعنه. وفيه ابن جريج مدلس أيضا، وقد عنعنه. وقد صرح بقية بن الوليد بالتحديث في سند ابن أبي عاصم في "السنة" فأمنا شر تدليسه.
وللحديث شاهد عن حذيفة مرفوعا: "إن لكل أمة مجوسا وإن مجوس هذه الأمة الذين يزعمون أن لا قدر فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم هم شيعة الدجال".
أخرجه أبو داود، وأحمد "5/ 406، 407" من طريق سفيان عن عمر مولى غفرة، عن رجل، عن حذيفة به مرفوعا. =(7/465)
عَطِيَّةُ بنُ بَقِيَّةَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "السُّبَّاقُ أَرْبَعَةٌ: أَنَا سَابِقُ العَرَبِ، وَبِلاَلٌ سَابِقُ الحَبَشَةِ، وَصُهَيْبٌ سَابِقُ الرُّوْمِ، وَسَلْمَانُ سَابِقُ الفُرْسِ" 1. وَهَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ، فَرْدٌ، وَالأَظهَرُ أَنَّ بِلاَلاً لَيْسَ بِحَبَشِيٍّ، وَأَمَّا صُهَيْبٌ، فَعَرَبِيٌّ مِنَ النَّمِرِ بنِ قَاسِطٍ.
صَحَّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: بَقِيَّةُ أَحَبُّ إليَّ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ2، عَنِ ابْنِ رَاهْوَيْه، عَمَّنْ حَدَّثَهُ: أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ قَالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ بَقِيَّةُ، لَوْلاَ أَنَّهُ يُكْنِي الأَسْمَاءَ، وَيُسَمِّي الكُنَى، كَانَ دَهْراً يُحَدِّثنَا عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الوُحَاظِيِّ، فَنَظَرْنَا، فَإِذَا هُوَ عَبْدُ القُدُّوْسِ.
أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، قَالَ: رَوَى بَقِيَّةُ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ مَنَاكِيْرَ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لِيَحْيَى: أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ: بَقِيَّةُ أَوْ محمد ابن حرب? فقال: ثقة، وثقة.
قُلْتُ: وَكَانَ بَقِيَّةُ شَيْخاً حِمْصِيّاً مَزَّاحاً.
قَالَ أَبُو التَّقِيِّ اليَزَنِيُّ: سَمِعْتُ بَقِيَّةَ يَقُوْلُ: مَا أرحمني ليوم الثلاثاء، ما يصومه أحد.
__________
= قلت: إسناده ضعيف لجهالة الرجل الذي لم يسم، وعمر مولى غفرة ضعيف، وفيه اضطراب في إسناده فأخرجه أحمد "2/ 86" حدثنا أنس بن عياض، حدثنا عمر بن عبد الله مولى غفرة، عن عبد الله بن عمر مرفوعا به. وأخرجه أحمد "2/ 125" من طريق عبد الرحمن بن صالح بن محمد الأنصاري، عن عمر بن عبد الله مولى غفرة، عن نافع عن ابن عمر، به. وتابعه زكريا بن منظور، حدثنا أبو حازم، عن نافع، به دون قوله: "هم شيعة الدجال" أخرجه الآجري "ص190". وزكريا بن منظور ضعيف، فيتقوى أحدهما بالآخر فيما اتفقا عليه. لا سيما ويشهد له الحديث قبله. وقد رواه من طريق زكريا الطبرانيُّ في "الأوسط" كما في "مجمع الزوائد" للهيثمي "7/ 205" وقال: وثقه أحمد بن صالح وغيره، وضعفه جماعة.
1 حسن لغيره: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "2/ 75" من طريق عطية، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه بقية، وهو مدلس، يدلس تدليس التسوية. وله شاهد عن أنس: أخرجه الحاكم "3/ 285" من طريق مُحَمَّدُ بنُ غَالِب، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، حَدَّثَنَا عمرة بن زادان، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- به قلت: وإسناده ضعيف عمارة بن زادان البصري، ضعيف، ضعفه الدارقطني، وأبو داود.
2 ذكره مسلم في "مقدمة صحيحه" "ص26" قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، قال سمعت بعض أصحاب عبد الله قال: قال ابن المبارك: نعم الرجل بقية ... " فذكره.(7/466)
ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ بَرَكَةَ بنَ مُحَمَّدٍ الحَلَبِيَّ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ بَقِيَّةَ فِي غُرْفَةٍ، فَسَمِعَ النَّاسَ يَقُوْلُوْنَ: لاَ، لاَ. فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّوْزَنَةِ، وَجَعَلَ يَصِيْحُ مَعَهُم: لاَ، لاَ. فَقُلْنَا: يَا أَبَا يُحْمِدَ، سُبْحَانَ اللهِ! أَنْتَ إِمَامٌ يُقْتَدَى بِكَ! قَالَ: اسْكُتْ، هَذِهِ سُنَّةُ بَلَدِنَا. بَرَكَةُ وَاهٍ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ الحَافِظُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ البَرْدَعِيُّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بنُ بَقِيَّةَ، قَالَ: قَالَ أَبِي: دَخَلْتُ عَلَى هَارُوْنَ الرَّشِيْدِ، فَقَالَ لِي: يَا بَقِيَّةُ! إِنِّيْ أُحِبُّكَ. فَقُلْتُ: وَلأَهْلِ بَلَدِي يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ? قَالَ: إِنَّهُم جُنْدُ سُوءٍ، لَهُم كَذَا كَذَا غَدْرَةً. ثُمَّ قَالَ: حَدِّثْنِي؟ فَقُلْتُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "أَنَا سَابِقُ العَرَبِ ... "، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ. فَقَالَ: زِدنِي. فَقُلْتُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِيْنَ أَلْفاً، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعِيْنَ أَلْفاً، وَثَلاَثَ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي" 1. قَالَ: فَامْتَلأَ مِنْ ذَلِكَ فَرَحاً، وَقَالَ: يَا غلام! الدواة. وكان القيم بأمره الفضل بنُ الرَّبِيْعِ، وَمَرْتَبَتُهُ بُعَيْدَهُ، فَنَادَانِي: يَا بَقِيَّةُ! نَاوِلْ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ الدَّوَاةَ بِجَنبِكَ. قُلْتُ: نَاوِلْهُ أَنْتَ يَا هَامَانُ. فَقَالَ: أَسْمَعتَ مَا قَالَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ? قَالَ: اسْكُتْ، فَمَا كُنْتَ عِنْدَهُ هَامَانَ حَتَّى أَكُوْنَ أَنَا عِنْدَهُ فِرْعَوْنَ.
مُحَمَّدُ بنُ مُصفَّى: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، قَالَ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: بَحِّرْ لَنَا، بَحِّرْ لَنَا، أَي: حَدِّثْنَا عَنْ بَحِيْرِ بنِ سَعْدٍ. وَقَالَ حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، قَالَ لِي شُعْبَةُ: أَهْدِ لِي حَدِيْثَ بَحِيْرٍ. فَبَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ، يَعْنِي: صَحِيْفَة بَحِيْرٍ فَمَاتَ شُعْبَةُ، وَلَمْ تَصِلْ إِلَيْهِ.
عُمَرُ بنُ سِنَانٍ المَنْبِجِي: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بن الضحاك، قال لي بقية: فقال لِي شُعْبَةُ: يَا أَبَا يُحْمِدَ! نَحْنُ أَبصَرُ بِالحَدِيْثِ وَأَعْلَمُ بِهِ مِنْكُم. قُلْتُ: أَتَقُوْلُ ذَا يَا أَبَا بِسْطَامَ? قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَمَا تَقُوْلُ فِي رَجُلٍ ضُرِبَ عَلَى أَنفِهِ، فَذَهَبَ شَمُّهُ? فَتَفَكَّرَ فِيْهَا، وَجَعَلَ يَنْظُرُ، وَقَالَ: أَيْش تَقُوْلُ يَا أَبَا يُحْمِدَ? فَقُلْتُ: حَدَّثَنَا ابْنُ ذِيْ حَمَايَةَ، قَالَ: كَانَ مَشْيَخَتُنَا يَقُوْلُوْنَ: يُجعَلُ فِي أَنْفِهِ الخَرْدَلُ، فَإِنْ حَرَّكَهُ، عَلِمنَا أَنَّهُ كَاذِبٌ، وَإِنْ لَمْ يُحَرِّكْهُ، فَقَدْ صَدَقَ.
ابْنُ أَبِي السَّرِيِّ العَسْقَلاَنِيُّ: عَنْ بَقِيَّةَ، قَالَ لِي شُعْبَةُ: مَا أَحسَنَ حَدِيْثَكَ! وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَرْكَانٌ. فَقُلْتُ: حَدِيْثُكُم أَنْتُم لَيْسَ لَهُ أَرْكَانٌ تجيئني بغالب القطان، وحميد الأعرج، وأبي
__________
1 حسن: أخرجه أحمد "5/ 268"، والترمذي "2437"، وابن ماجه "4286"، وابن أبي عاصم في "السنة" "589" من طرق عن إسماعيل بن عياش، عن محمد بن زياد الألهاني، به.
قلت: إسناده حسن، إسماعيل بن عياش، صدوق في روايته عن أهل بلده، وقد روى عن الألهاني، وهو حمصي شامي مثله.(7/467)
التَّيَّاحِ، وَأَجِيئُكَ بِمُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الأَلْهَانِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي مَرْيَمَ الغَسَّانِيِّ، وَصَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو السَّكْسَكِيِّ، يَا أَبَا بِسْطَامَ! أَيش تَقُوْلُ لَوْ ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلاً، فَذَهَبَ شَمُّهُ? قَالَ: مَا عِنْدِي فِيْهَا شَيْءٌ ... ، الحَدِيْثَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ أَبِي سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الفُرَاوِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ حَسَنٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو السَّكُوْنِيُّ، وَعَطِيَّةُ بنُ بَقِيَّةَ، وَأَبُو عُتْبَةَ الحِمْصِيُّونَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "مَنْ دُعِيَ إِلَى عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَلْيُجِبْ" 1.
وَبِهِ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا دَعَا أَحَدُكُم أَخَاهُ، فَلْيُجِبْ، عُرْساً، كَانَ أَوْ غَيْرَهُ" 2.
وَبِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ غَنْجٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا دَعَا أَحَدُكُم أَخَاهُ، فَلْيَأْتِهِ، عُرْساً، أَوْ نَحْوَهُ". وَهَذَا صَحِيْحٌ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ مُسْلِمٌ. وَأَخْرَجَ الأَوَّلَ عَنِ ابْنِ رَاهْوَيْه، عَنْ عِيْسَى بنِ المُنْذِرِ، عَنْ بَقِيَّةَ، وَلَيْسَ لِبَقِيَّةَ فِي الصَّحِيْحِ سِوَاهُ.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ: كُنْيَةُ بَقِيَّةَ: أَبُو يُحْمِدَ، وَأَهْلُ الحَدِيْثِ تَقُوْلُه لِفَتْحِ اليَاءِ.
قَالَ حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ: سَمِعْتُ بَقِيَّةَ يَقُوْلُ: لَمَّا قَرَأْتُ عَلَى شُعْبَةَ أَحَادِيْثَ بَحِيْرِ بنِ سَعْدٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا يُحْمِدَ! لَوْ لَمْ أَسْمَعْهَا مِنْكَ، لَطِرتُ.
أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن القاسم، حدثنا مسهر، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي رَاشِدٍ، قَالَ: أَخَذَ بِيَدِي أَبُو أُمَامَةَ وَقَالَ: أَخَذَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِي، ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا أُمَامَةَ، إِنَّ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ مَنْ يَلِيْنُ لَهُ قَلْبِي"3.
قَالَ أَبُو التَّقِيِّ اليَزَنِيُّ: مَنْ قَالَ: إِنَّ بَقِيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا، فَقَدْ كَذَبَ، مَا قَالَ قَطُّ إِلاَّ: حَدَّثَنِي فُلاَنٌ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَمُطَيَّنٌ، وَطَائِفَةٌ: مَاتَ بَقِيَّةُ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: وَفِيْهَا مَاتَ حَافِظُ العِرَاقِ وَكِيْعٌ، وَحَافِظُ مِصْرَ ابْنُ وَهْبٍ، وَهِشَامُ بنُ يُوْسُفَ قَاضِي اليَمَنِ، وَشُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ بِالمَدَائِنِ، وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ وَرْشٌ مُقْرِئُ مِصْرَ.
وَعَاشَ بَقِيَّةُ: سبعًا وثمانين سنة -رحمه الله.
__________
1 صحيح: وقد صرح بقية بالتحديث فأمنا شر تدليسه، فالإسناد صحيح.
2 صحيح: أخرجه عبد الرزاق "19667"، ومن طريق مسلم "1429" "100"، وأبو داود "3738" عن معمر، به.
3 ضعيف: في إسناده بقية بن الوليد، وهو مدلس، مشهور بتدليس التسوية، وقد عنعنه. وهو عند ابن عدي في "الكامل" "2/ 72 و76" من طريق بقية، عن محمد بن زياد الألهاني، به. وقال ابن عدي في إثره: وهذا الحديث لا أعرفه إلا ببقية.(7/468)
1311- العباس 1:
ابن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عباس، الأَمِيْرُ، نَائِبُ الشَّامِ، أَبُو الفَضْلِ العَبَّاسِيُّ.
وَلِي الشَّامَ لأَخِيْهِ المَنْصُوْرِ، وَوَلِيَ الجَزِيْرَةَ لِلرَّشِيْدِ، وَحَجَّ بِالنَّاسِ مَرَّاتٍ، وَغَزَا الرُّوْمَ مَرَّةً فِي سِتِّيْنَ أَلْفاً.
قَالَ شَبَابٌ: دَخَلَ الرُّوْمَ، وَبَثَّ سَرَايَاهُ، فغنم، ونصر في سنة تسع وخمسين.
وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ العَبَّاس هَذَا، كَانَ مِنْ رِجَالاَتِ بَنِي هَاشِمٍ جُوْداً، وَرَأْياً، وَشَجَاعَةً، وَكَانَ الرَّشِيْدُ يَهَابُه وَيُجِلُّه.
قَالَ شَبَابٌ: وُلِدَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَكَانَ أَنبَلَ بَنِي العَبَّاسِ فِي وَقْتِه.
__________
1 ترجمته في تاريخ بغداد "1/ 95" و"12/ 124"، والعبر "1/ 192"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 120"، وتهذيب تاريخ دمشق "7/ 253".(7/469)
1312- القاضي أبو يوسف 1:
هُوَ الإِمَامُ، المُجْتَهِدُ، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، قَاضِي القُضَاةِ، أَبُو يُوْسُفَ يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ حَبِيْبِ بنِ حُبَيْشِ بنِ سَعْدِ بنِ بُجَيْرِ بنِ معاوية الأنصاري، الكوفي.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 3463"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 133" و"3/ 4"، وتاريخ بغداد "14/ 242"، وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ 378"، وتاريخ جرجان للسهمي "444"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 273"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9794"، والعبر "1/ 284"، ومرآة الجنان لليافعي "1/ 382"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 107"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 298".(7/469)
وَسَعْدُ بنُ بُجَير لَهُ صُحْبَةٌ، وَهُوَ سَعْدُ ابن حَبْتَة؛ وهي أمه، وهو بَجَلي، من حلفاؤء الأَنْصَارِ، شَهِدَ الخَنْدَقَ، وَغَيْرَهَا.
مَوْلِدُ أَبِي يُوْسُفَ فِي سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَالأَعْمَشِ، وَحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَلَزِمَه، وَتَفَقَّهَ بِهِ، وَهُوَ أَنبَلُ تَلاَمِذَتِه، وَأَعْلَمُهُم، تَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّةٌ: كَمُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، وَمُعَلَّى بنِ مَنْصُوْرٍ، وَهِلاَلٍ الرَّأْيِ، وَابْنِ سَمَاعَةَ، وَعِدَّةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَأَسَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ الطُّوْسِيُّ، وَعَمْرُو بنُ أَبِي عَمْرٍو الحَرَّانِيُّ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
وَكَانَ أَبُوْهُ فَقِيْراً، لَهُ حَانُوتٌ ضَعِيْفٌ، فَكَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ يَتَعَاهَدُ أَبَا يُوْسُفَ بِالدَّرَاهِمِ، مائَةً بَعْدَ مائَةٍ.
فَرَوَى عَلِيُّ بنُ حَرْملَةَ التَّيْمِيُّ، عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَطْلُبُ العِلْمَ وَأَنَا مُقِلٌّ، فَجَاءَ أَبِي، فَقَالَ: يَا بُنِيَّ! لاَ تمدَّنَّ رِجْلَكَ مَعَ أَبِي حَنِيْفَةَ، فَأَنْتَ مُحْتَاجٌ. فَآثَرتُ طَاعَةَ أَبِي، فَأَعْطَانِي أَبُو حَنِيْفَةَ مائَةَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: الْزَمِ الحَلْقَةَ، فَإِذَا نَفَذَتْ هَذِهِ، فَأَعْلِمْنِي. ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ أَعْطَانِي مائَةً.
وَيُقَالُ: إِنَّهُ رُبِّيَ يَتِيْماً، فَأَسلَمَتْه أُمُّهُ قَصَّاراً.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، قَالَ: مَرِضَ أَبُو يُوْسُفَ، فَعَادَهُ أَبُو حَنِيْفَةَ، فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: إِنْ يَمُتْ هَذَا الفَتَى، فَهُوَ أَعْلَمُ مَنْ عَلَيْهَا.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أَوَّلُ مَا كَتَبتُ الحَدِيْثَ، اخْتَلَفتُ إِلَى أَبِي يُوْسُفَ، وَكَانَ أَمْيَلَ إِلَى المُحَدِّثِيْنَ مِنْ أَبِي حَنِيْفَةَ وَمُحَمَّدٍ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي دَاوُدَ البُرُلُسي: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ فِي أَصْحَابِ الرَّأْيِ أَثبَتَ فِي الحَدِيْثِ، وَلاَ أَحْفَظَ، وَلاَ أَصَحَّ رِوَايَةً مِنْ أَبِي يُوْسُفَ.
وَرَوَى عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: أَبُو يُوْسُفَ صَاحِبُ حَدِيْثٍ، صَاحِبُ سنة.
وعن يحي البَرْمَكِيِّ، قَالَ: قَدِمَ أَبُو يُوْسُفَ، وَأَقَلُّ مَا فِيْهِ الفِقْهُ، وَقَدْ مَلأَ بِفِقْهِهِ الخَافِقَيْنِ.
قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ أَبُو يُوْسُفَ مُنصِفاً فِي الحَدِيْثِ.(7/470)
وَعَنْ أَبِي يُوْسُفَ، قَالَ: صَحِبتُ أَبَا حَنِيْفَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَعَنْ هِلاَلٍ الرَّأْيِ، قَالَ: كَانَ أَبُو يُوْسُفَ يَحفَظُ التَّفْسِيْرَ، وَيَحفَظُ المَغَازِي، وَأَيَّامَ العَرَبِ، كَانَ أَحَدَ عُلُوْمِهِ الفِقْهُ.
وَعَنِ ابْنِ سَمَاعَةَ، قَالَ: كَانَ وِرْدُ أَبِي يُوْسُفَ فِي اليَوْمِ مائَتَيْ رَكْعَةٍ.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: مَا أُخِذَ عَلَى أَبِي يُوْسُفَ إِلاَّ حَدِيْثُهُ فِي الحجْرِ، وَكَانَ صَدُوقاً.
قَالَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا يُوْسُفَ عِنْد وَفَاتِهِ يَقُوْلُ: كُلُّ مَا أَفْتَيْتُ بِهِ، فَقَدْ رَجَعتُ عَنْهُ، إِلاَّ مَا وَافَقَ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ. وَفِي لَفْظٍ: إِلاَّ مَا فِي القُرْآنِ، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ المُسْلِمُوْنَ.
قَالَ بِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ: سَمِعْتُ أَبَا يُوْسُفَ: مَن طَلَبَ المَالَ بِالكِيْمِيَاءِ، أَفلَسَ، وَمَنْ طَلَبَ الدِّيْنَ بِالكَلاَمِ، تَزَندَقَ، وَمَنْ تَتَبَّعَ غَرِيْبَ الحَدِيْثِ، كُذِّبَ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي "طَبَقَاتِ الحَنَفِيَّةِ": وَأَبُو يُوْسُفَ ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكتب حَدِيْثُهُ.
بَكَّارُ بنُ قُتَيْبَةَ: سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو يُوْسُفَ البَصْرَةَ مَعَ الرَّشِيْدِ، اجْتَمَعَ الفُقَهَاءُ وَالمُحَدِّثُونَ عَلَى بَابِهِ، فَأَشرَفَ عَلَيْهِم، وَقَالَ: أَنَا مِنَ الفَرِيْقَيْنِ جَمِيْعاً، وَلاَ أُقدِّمُ فِرقَةً. عَلَى فِرقَةٍ قَالَ: وَكَانَ قَاضِيَ الآفَاقِ، وَوَزِيْرَ الرَّشِيْدِ، وَزَمِيْلَهُ فِي حَجِّه.
مُحَمَّدُ بنُ شُجَاعٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ أَبِي مَالِكٍ، سَمِعْتُ أَبَا يُوْسُفَ يَقُوْلُ: لاَ نُصَلِّي خَلْفَ مَنْ قَالَ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ. وَلاَ يُفْلِحُ مَنِ اسْتَحلَى شَيْئاً مِنَ الكَلاَمِ.
قُلْتُ: بَلَغَ أَبُو يُوْسُفَ مِنْ رِئَاسَةِ العِلْمِ مَا لاَ مَزِيْدَ عَلَيْهِ، وَكَانَ الرَّشِيْدُ يُبَالِغُ فِي إِجْلاَلِه.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدَانَ: حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ الجُوْزَجَانِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا يُوْسُفَ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى الرَّشِيْدِ وَفِي يده دُرَّتان يقبلهما، فَقَالَ: هَلْ رَأَيْتَ أَحْسَنَ مِنْهُمَا? قُلْتُ: نَعَمْ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: وَمَا هُوَ? قُلْتُ: الوِعَاءُ الَّذِي هُمَا فِيْهِ. فَرَمَى بِهِمَا إِلَيَّ، وَقَالَ: شَأْنُكَ بِهِمَا.
قَالَ بِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ: تُوُفِّيَ أَبُو يُوْسُفَ يَوْمَ الخَمِيْسِ، خَامِسَ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: مَاتَ فِي غُرَّةِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، وَعَاشَ تِسْعاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً. وَقَدْ أَفرَدتُ لَهُ تَرْجَمَةً فِي كراس.
وَمَا أَنبَلَ قَوْلَه الَّذِي رَوَاهُ جَمَاعَةٌ، عَنْ بِشْرِ بنِ الوَلِيْدِ، سَمِعْتُ أَبَا يُوْسُفَ يَقُوْلُ: العِلْمُ بِالخُصُوْمَةِ وَالكَلاَمِ جَهلٌ، وَالجَهْلُ بِالخُصُوْمَةِ وَالكَلاَمِ عِلْمٌ.
قُلْتُ: مِثَالُهُ شُبَهٌ وَإِشْكَالاَتٌ مِنْ نَتَائِجِ أَفَكَارِ أَهْلِ الكَلاَمِ، تُورَدُ فِي الجِدَالِ عَلَى آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيْثِهَا، فَيُكَفِّرُ هَذَا هَذَا، وَيَنْشَأُ الاعْتِزَالُ، وَالتَّجَهُّمُ، وَالتَّجسِيْمُ، وَكُلُّ بَلاَءٍ. نَسْأَلُ اللهَ العافية.(7/471)
1313- أبو إسحاق الفزاري 1: "ع"
الإِمَامُ، الكَبِيْرُ، الحَافِظُ، المُجَاهِدُ، إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ بنِ أَسْمَاءَ بنُ خَارِجَةَ بنِ حِصْنِ بنِ حُذَيْفَةَ بنِ بَدْرِ بنِ عَمْرِو بنِ جُوَيَّةَ بنِ لَوْذَان بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عَدِيِّ بنِ فَزَارَةَ بنِ ذُبيان بنِ بَغيض بنِ رَيْث بنِ غَطَفَانَ بنِ سَعْدِ بنِ قَيْسِ عَيْلاَنَ بنِ مُضَرَ بنِ نِزَارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدْنَانَ الفَزَارِيُّ، الشَّامِيُّ.
وَلِجَدِّهِم خَارِجَةُ صُحْبَةٌ، وَهُوَ أَخُو عُيَيْنَةَ بنِ حِصْنٍ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ، وَكُلَيْبِ بنِ وَائِلٍ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَأَسْلَمَ المِنْقَرِيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَعَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَالعَلاَءِ بن المسيب، وَالثَّوْرِيِّ، وَزَائِدَةَ، وَابْنِ شَوْذَبٍ، وَشُعَيْبِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ، وَمَالِكٍ، وَخَلْقٍ.
وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ -وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ- وَابْنُ المُبَارَكِ، وَبَقِيَّةُ، وَابْنُ عَمِّهِ؛ مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ الفَزَارِيُّ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَزَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، وَعَاصِمُ بنُ يُوْسُفَ اليَرْبُوْعِيُّ، وَأَبُو تَوْبَةَ الحَلَبِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ الخَرَّازُ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيْبٍ المَصِّيْصِيُّ -شَيْخٌ لأَبِي دَاوُدَ- وَمَحْبُوْبُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ، وَمُوْسَى بنُ أَيُّوْبَ النَّصِيْبِيُّ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ عَمْرٍو الأَزْدِيُّ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَهْمٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ الحلبي، وخلق كثير.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 1005"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 177"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 259"، والعبر "1/ 290"، وتهذيب التهذيب "1/ 151".(7/472)
ذَكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ، فَقَالَ: الثِّقَةُ، المَأْمُوْنُ الإِمَامُ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، أَحَدُ الأَئِمَّةِ.
قَالَ الخَلِيْلِيُّ: قَالَ الحُميدي: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: لَمْ يُصَنِّفْ أَحَدٌ فِي السِّيَرِ مِثْلَ كِتَابِ أَبِي إِسْحَاقَ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: اتَّفَقَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الفَزَارِيَّ إِمَامٌ يُقْتَدَى بِهِ، بِلاَ مُدَافَعَةٍ.
قَالَ: وَقَالَ الحُمَيْدِيُّ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْكَ بِكَذَا. فَقَالَ: وَيْحَكَ! إِذَا سَمِعْتَ أَبَا إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنِّي، فَلاَ يَضُرُّكَ أَنْ لاَ تَسْمَعَهُ مِنِّي.
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: كَانَ ثِقَةً، صَاحِبَ سُنَّةٍ، صَالِحاً، هُوَ الَّذِي أَدَّبَ أَهْلَ الثَّغْرِ، وَعَلَّمَهُم السُّنَّةَ، وَكَانَ يَأمُرُ وَيَنْهَى، وَإِذَا دَخَلَ الثَّغْرَ رَجُلٌ مُبْتَدِعٌ، أَخْرَجَهُ، وَكَانَ كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، وَكَانَ لَهُ فِقْهٌ.
أَمَرَ سُلْطَاناً وَنَهَاهُ، فَضَرَبَهُ مائَتَيْ سَوْطٍ، فَغَضِبَ لَهُ الأَوْزَاعِيُّ، وَتَكَلَّمَ فِي أَمرِهِ.
قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ إِمَاماً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الأَصْبَهَانِيُّ البَنَّاءُ: حَدَّثَ الأَوْزَاعِيُّ بِحَدِيْثٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي الصَّادِقُ المَصْدُوقُ أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ.
وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ الفَرَّاءُ: لَقِيْتُ الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، فَعَزَّانِي بِأَبِي إِسْحَاقَ، وَقَالَ: رُبَّمَا اشْتَقْتُ إِلَى المَصِّيْصَةِ، مَا بِي فَضْلُ الرِّبَاطِ، إِلاَّ أَنْ أَرَى أَبَا إِسْحَاقَ -رَحِمَهُ اللهُ.
قُلْتُ: آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ وَفَاةً: عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ المَصِّيْصِيُّ الصَّغَيْرُ، وَبَقِيَ إِلَى نَحْوِ سَنَةِ سِتِّيْنَ وَمَائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا إِسْحَاقَ رَوَى حَدِيْثاً عَنْ أَبِي طُوَالَةَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالصَّوَابُ أَنَّ بَيْنَهُمَا زَائِدَةُ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَأَمَّا مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، فَوَهِمَ، وَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: مَنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ هُوَ، أَوْ جَاوَزَهَا بِقَلِيْلٍ.
قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: قَدِمَ أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ دِمَشْقَ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ لِيَسْمَعُوا مِنْهُ، فَقَالَ:(7/473)
اخْرُجْ إِلَى النَّاسِ، فَقُلْ لَهُم: مَنْ كَانَ يَرَى القَدَرَ، فَلاَ يَحْضُرْ مَجْلِسَنَا، وَمَنْ كَانَ يَرَى رَأْيَ فُلاَنٍ، فَلاَ يَحضُرْ مَجْلِسَنَا. فَخَرَجْتُ، فَأَخْبَرْتُهُم.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، عَظِيْمُ الغَنَاءِ فِي الإِسْلاَمِ.
وَيُرْوَى أَنَّ هَارُوْنَ الرَّشِيْدَ أَخَذَ زِنْدِيقاً لِيَقْتُلَهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَيْنَ أَنْتَ مِنْ أَلْفِ حَدِيْثٍ وَضَعْتُهَا? قَالَ: فَأَيْنَ أَنْتَ يَا عَدُوَّ اللهِ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، وَابْنِ المُبَارَكِ يَتَخَلَّلاَنِهَا، فَيُخْرِجَانِهَا حَرفاً حَرفاً.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: تُوُفِّيَ أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْهُ.
وَعَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: وَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَحَداً أُقَدِّمُهُ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ.
وَقَالَ عَطَاءٌ الخَفَّافُ: كُنْتُ عِنْدَ الأَوْزَاعِيِّ، فَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، فَقَالَ لِكَاتِبِهِ: ابْدَأْ بِهِ، فَإِنَّهُ -وَاللهِ- خَيْرٌ مِنِّي.
قَالَ عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ الزَّاهِدُ: رَأَيْتُ ابْنَ عَوْنٍ فَمَنْ بَعْدَهُ، مَا رَأَيْتُ فِيْهِم أَفْقَهَ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: إِذَا رَأَيْتَ شَامِيّاً يُحِبُّ الأَوْزَاعِيَّ، وَأَبَا إِسْحَاقَ، فَاطْمَئِنَّ إِلَيْهِ.
قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: دَخَلْتُ عَلَى هَارُوْنَ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! إِنَّكَ فِي مَوْضِعٍ وَفِي شَرَفٍ قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! ذَاكَ لاَ يُغْنِي عَنِّي فِي الآخِرَةِ شَيْئاً.
وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، وَإِلَى جَنْبِهِ فُرْجَةٌ فَذَهَبْتُ لأَجْلِسَ، فَقَالَ: هَذَا مَجْلِسُ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ القَرَافِيُّ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ أَبِي الجُوْدِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي غَالِبٍ العَابِدُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَدْخَلَ عَلَى مُؤْمِنٍ سُرُوْراً، فَقَدْ سَرَّنِي، وَمَنْ سَرَّنِي، فَقَدِ اتَّخَذَ عِنْدَ اللهِ عَهْداً، وَمَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ اللهِ عَهْداً، فَلَنْ تَمَسَّهُ النَّارُ أَبَداً". هَذَا حَدِيْثٌ شِبْهُ مَوْضُوْعٍ، مَعَ لَطَافَةِ إِسْنَادِهِ، وَزَيْدٌ هَذَا: لَمْ أَجِدْ لَهُ ذِكراً فِي دَوَاوِيْنِ الضُّعَفَاءِ، وَالآفَةُ منه.(7/474)
إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ: فُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، أَوْ أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ? فَقَالَ: كَانَ فُضَيْلٌ رَجُلَ نَفْسِهِ، وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ رَجُلَ عَامَّةٍ.
وَقَالَ عُبَيْدُ بنُ جَنَّاد: قَالَ عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ: قُلْتُ لأَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ: أَلاَ تَسُبُّ مَنْ ضَرَبَكَ? قَالَ: إِذاً أُحِبُّهُ.
فَلَمَّا مَاتَ أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ عَطَاءٌ: مَا دَخَلَ عَلَى الأُمَّةِ مِنْ مَوْتِ أَحَدٍ، مَا دَخَلَ عَلَيْهِم مِنْ مَوْتِ أَبِي إِسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ وَالفَزَارِيُّ إِمَامَينِ فِي السُّنَّةِ.
وَرَوَى مُعَاوِيَةُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ الأَوْزَاعِيُّ فِي الرَّجُلِ يُسْأَلُ: أَمُؤْمِنٌ أَنْتَ حَقّاً? قَالَ: إِنَّ المَسْأَلَةَ عَنْ ذَلِكَ بِدْعَةٌ، وَالشَّهَادَةَ عَلَيْهِ تَعَمُّقٌ لَمْ نُكَلَّفْهُ فِي دِيْنِنَا، وَلَمْ يَشْرَعْه نَبِيُّنَا القَوْلُ فِيْهِ جَدَلٌ، وَالمُنَازَعَةُ فِيْهِ حَدَثٌ، وَذَكَرَ فَصْلا نافعًا.(7/475)
1314- البَكَّائي 1: "خَ، م، ت، ق"
الشَّيْخُ، الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، أَبُو مُحَمَّدٍ زِيَادُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الطُّفَيْلِ العَامِرِيُّ، البكَّائي، الكُوْفِيُّ، رَاوِي السِّيْرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ.
حَدَّثَ عَنْ: حُصين بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: عَبْدُ المَلِكِ بنُ هِشَامٍ النَّحْوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ الفَلاَّسُ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَزَكَرِيَّا زَحْمَوَيْه، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ: ليس به بأس.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: مَا أَحَدٌ فِي ابْنِ إِسْحَاقَ أَثْبَتُ مِنْ زِيَادٍ البَكَّائِيِّ؛ لأنه أملى عليه مرتين.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 396"، والتاريخ الكبير "3/ ترجمة 1218"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 444" و"3/ 276"، والضعفاء الكبير للعقيلي "2/ ترجمة 529"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 2425"، والمجروحين لابن حبان "1/ 306"، والكامل لابن عدي "3/ ترجمة 691"، وتاريخ بغداد "8/ 476"، والأنساب للسمعاني "1/ 270"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 248" والعبر "1/ 287"، والكاشف "1/ ترجمة 1712"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 2949"، وتهذيب التهذيب "3/ 375"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2208".(7/475)
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ فِي ابْنِ إِسْحَاقَ.
وَرَوَى عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، قَدْ كَتَبتُ عَنْهُ المَغَازِي.
وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: لاَ أَرْوِي عَنْهُ شَيْئاً.
وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: هو في نَفْسُهُ ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ، لَكِنَّهُ مِنْ أَثبَتِ النَّاسِ فِي المَغَازِي، بَاعَ دَارَهُ، وَخَرَجَ يَدُورُ مَعَ ابْنِ إِسْحَاقَ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: كَثِيْرُ المَنَاكِيْرِ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا زحمويه، حدثنا زِيَادٌ، عَنْ إِدْرِيْسَ الأَوْدِيِّ، عَنْ عَوْنِ بنِ أبي جُحَفية، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَذَّنَ بِلاَلٌ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَثْنَى مَثْنَى، وَأَقَامَ مِثْلَ ذَلِكَ1.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هَذَا بَاطِلٌ، قَدْ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، وَالنَّاسُ، عَنْ عَوْنٍ، وَلَمْ يَذْكُرُوا تَثْنِيَةَ الإِقَامَةِ.
تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثلاث وثمانين ومائة.
__________
1 صحيح لغيره: أخرجه ابن حبان في "المجروحين" "1/ 303"، والدارقطني "1/ 242" من طريق زكريا بن يحيى زحمويه حدثنا زياد بن عبد الله بن الطفيل، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته زياد بن عبد الله بن الطفيل، قال أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحتج بِهِ. وَقَالَ ابْنُ المديني والنسائي، وابن سعد، ضعيف. والحديث ذكره الذهبي في ترجمته في "الميزان" وعده من مناكيره. وقال ابن حبان في إثر هذا الحديث: "هذا خبر باطل ما أَذَّنَ بِلاَلٌ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- مثنى "مثنى" و"ما" أقام مثل ذلك إنما كان أذانه مثنى "مثنى" وإقامته فرادى وهذا الخبر رواه الثوري والناس عن عون بن أبي جحيفة بطوله ولم يذكروا فيه تثنية الأذان و"لا" الإقامة وإنما قالوا: خرج بلال فأذن فقط". ثم قال: "قال ابن عدي: زياد بن عبد الله قد روى عنه الثقات من الناس وما أرى في روايته بأسا".
يقول محمد أيمن الشبراوي: لكن الحديث قد رواه عبد الله بن زيد: عند ابن أبي شيبة في "مسنده" "136"، والطحاوي "79-80"، وابن خزيمة "380"، والبيهقي "1/ 240" من طريق وكيع، عن الأعمش عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، حدثنا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- أن عبد الله بن زيد الأنصاري ...
قلت: وإسناده صحيح. وصححه ابن خزيمة فقال: "أما ما رواهُ العراقيون عن عبد الله بن زيد فقد ثبت من جهة النقل"، ورواه أبو محذورة: عند أبي داود "502"، والترمذي "192"، والنسائي "1/ 103"، وابن ماجه "709"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" "1/ 130 و135"، وابن أبي شيبة "1/ 203"، وأحمد "3/ 409". فإفراد الإقامة وتثنيتها صحيح، وكلاهما وارد صحيح، والعمل بأيهما جائز.(7/476)
1315- عبد الواحد 1: "ع"
ابن زياد، الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو بِشْرٍ -وَقِيْلَ: أَبُو عُبيدة- العَبْدِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: كُلَيْبِ بنِ وَائِلٍ، وَحَبِيْبِ بنِ أَبِي عَمْرَةَ، وَالمُخْتَارِ بنِ فُلْفُلٍ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَعُمَارَةَ بنِ القَعْقَاعِ، وَطَبَقَتِهِم.
وَعَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَعَفَّانُ، وَمُسَدَّدٌ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَعُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَلَيَّنَهُ يَحْيَى القَطَّانُ، وَقَالَ: قَلَّمَا رَأَيْتُهُ يَطلُبُ العِلْمَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: عَمَدَ عَبْدُ الوَاحِدِ إِلَى أَحَادِيْثَ كَانَ الأَعْمَشُ يُرْسِلُهَا، فَوَصَلَهَا كُلَّهَا.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ القَطَّانَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ عَبْدَ الوَاحِدِ يَطلُبُ حَدِيْثاً قَطُّ بِالبَصْرَةِ، وَلاَ الكُوْفَةِ، فَكُنَّا نَجلِسُ عَلَى بَابِهِ يَوْمَ الجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَأُذَاكِرُهُ حَدِيْثَ الأَعْمَشِ، لاَ يَعْرِفُ مِنْهُ حَرفاً.
قُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ، وَحَدِيْثُهُ مُخَرَّجٌ فِي الصِّحَاحِ، وَلَكِنَّ عَبْدَ الوَارِثِ أَحْفَظُ مِنْهُ وَأَتقَنُ.
قَالَ الفَلاَّسُ، وَغَيْرُهُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 289"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 1706"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 168 و344" و"3/ 122"، والضعفاء الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 1015"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 108"، والكامل لابن عدي "5/ ترجمة 1443"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 244"، والكاشف "2/ ترجمة 3549"، والعبر "1/ 269"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 5287"، وتهذيب التهذيب "6/ 434"، وتقريب التهذيب "1/ 526"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4490".(7/477)
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمٌ المُؤَدِّبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الأَدِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، وَهُوَ ابْنُ سَرْجِسَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَكَلتُ مَعَهُ خُبْزاً وَلَحْماً -أَوْ قَالَ: ثَرِيْداً- فَقُلْتُ: غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ. قَالَ: "وَلَكَ". قُلْتُ لَهُ: أَسْتَغْفَرَ لَكَ رَسُوْلُ اللهِ? قَالَ: نَعَمْ، وَلَكَ، وَتَلاَ: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19] 1.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2346"، وأحمد "5/ 82" من طريق عاصم الأحول، به.(7/478)
1316- جرير بن عبد الحميد 1: "ع"
ابن يزيد، الإِمَامُ، الحَافِظُ، القَاضِي، أَبُو عَبْدِ اللهِ الضَّبِّيُّ، الكُوْفِيُّ.
نَزَلَ الرَّيَّ، وَنَشَرَ بِهَا العِلْمَ. وَيُقَالُ: مَوْلِدُهُ بِأَعْمَالِ أَصْبَهَانَ. وَنَشَأَ بِالكُوْفَةِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ حُميد، عَنْ جَرِيْرٍ: وُلِدْتُ سَنَةَ مَاتَ الحسن، سنة عشر3.
حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَبَيَانِ بنِ بِشْرٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، وَمُغِيْرَةَ بنِ مِقْسَمٍ، وَمُطَرِّفِ بنِ طَرِيْفٍ، وَالعَلاَءِ بنِ المُسَيَّبِ، وَثَعْلَبَةَ بنِ سُهَيْلٍ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المُنْتَشِرِ، وَرَقَبَةَ بنِ مَصْقَلَةَ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَأَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَمُوْسَى بنِ أَبِي عَائِشَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَقَابُوْسِ بنِ أَبِي ظِبْيَانَ، وَالمُخْتَارِ بنِ فُلْفُل، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَيَنْزِلُ إِلَى ابْنِ إِسْحَاقَ، وَمَالِكٍ، وَكَانَ مِنْ مَشَايِخِ الإِسْلاَمِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ الطبَّاع، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةُ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وإسحاق بن
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 381"، والتاريخ الكبير "2/ ترجمة 2235"، والضعفاء الكبير للعقيلي "1/ ترجمة 244"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 2080"، وتاريخ بغداد "7/ 253"، وميزان الاعتدال "1/ ترجمة 1466"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 257"، والكاشف "1/ ترجمة 780"، وتهذيب التهذيب "2/ 75"، وتقريب التهذيب "1/ 127"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 127".
3 أي: عشر ومائة.(7/478)
رَاهَوَيْه، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى الخَطْمِيُّ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَذْرَمِيُّ1، وَسُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو زُنَيج، وَمُحَمَّدُ بنُ قُدَامَةَ بنِ أَعْيَنَ، وَيَحْيَى بنُ أَكْثَمَ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَيُوْسُفُ بنُ مُوْسَى، وَعَمْرُو بنُ رَافِعٍ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ قُدَامَةَ الطُّوْسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ قُدَامَةَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ السُّلَمِيُّ البُخَارِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَقَدْ نَسَبَهُ عِيْسَى بنُ سُلَيْمَانَ الوَرَّاقُ، عَنْ يُوْسُفَ بن موسى، فَقَالَ: جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ جَرِيْرِ بنِ قُرْطِ بنِ هِلاَلِ بنِ أَبِي قَيْسٍ بنِ وَحْفِ بنِ عَبْدِ بنِ غَنْمِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ بَكْرِ بنِ سَعْدِ بنِ ضَبَّةَ بنِ أُدٍّ؟ قَالَ: وَعَاشَ سَبْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ ابنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ العِلْمِ، يُرحَلُ إِلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَمَّار: هُوَ حُجَّةٌ، كَانَتْ كُتُبُهُ صِحَاحاً، وَمَا كَانَ زِيُّه زِيَّ مُحَدِّثٍ، فَإِذَا حَدَّثَ ... أَيْ: كَانَ يُشْبِهُ العُلَمَاءَ.
وَقَالَ زُنَيج2: سَمِعْتُ جَرِيْراً يَقُوْلُ: رَأَيتُ ابْنَ أَبِي نَجيح، وَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ شَيْئاً، وَرَأَيتُ جَابِراً الجُعْفِيَّ، فَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ شَيْئاً، وَرَأَيتُ ابْنَ جُرَيْجٍ، وَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: ضَيَّعتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ. قَالَ: لاَ، أَمَّا جَابِرٌ، فَكَانَ يُؤْمِنُ بِالرَّجعَةِ، وَأَمَّا ابْنُ أَبِي نَجِيْحٍ، فَكَانَ يَرَى القَدَرَ، وَأَمَّا ابْنُ جُرَيْجٍ، فَإِنَّهُ أَوْصَى بَنِيْهِ بِسِتِّيْنَ امْرَأَةً، وَقَالَ: لاَ تَزَوَّجُوا بِهِنَّ، فَإِنَّهُنَّ أُمَّهَاتُكُم -كَانَ يَرَى المُتعَةَ.
قُلْتُ: أَمَّا امْتنَاعُهُ مِنَ الجعفي، فمعذور؛ لأنه كان مبتدعًا، ولم يَكُنْ بِالثِّقَةِ، وَأَمَّا الآخَرَانِ، فَفَرَّطَ فِيْهِمَا، وَهُمَا مِنْ أَئِمَّةِ العِلْمِ، وَإِنْ غَلِطَا فِي اجْتِهَادِهِمَا.
قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ: كَانَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَأَبُو عَوَانَةَ يَتَشَابَهَانِ فِي رَأْيِ العَيْنِ، مَا كَانَا يَصْلُحَانِ إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَا رَاعِيَيْ غَنَمٍ. وَقَدْ كَتَبتُ عَنْ جَرِيْرٍ بِمَكَّةَ.
يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيَّ، قَالَ قَدِمْتُ الرَّيَّ بِعَقِبِ مَوْتِ شُعْبَةَ، وَمَعِيَ أَبُو دَاوُدَ، وَحَمَلْتُ مَعِي أَصلَ كِتَابِي عَنْ شُعْبَةَ. قَالَ: فَكَانَ جَرِيْرٌ يُجَالِسُنَا عِنْدَ تَاجِرٍ، فَسَمِعَنَا نَذْكُرُ الحَدِيْثَ، قَالَ: فَيُعْجَبُ بِالحَدِيْثِ إِعجَابَ رجل سمع العلم وليس له حفظ،
__________
1 نسبة إلى أذرمة، وهي قرية عند نصيبين من الجزيرة كما ذكر ابن الأثير في "اللباب".
2 زُنَيج: هو محمد بن عمرو بن بكر الرازي، أبو غسان، ثقة، وهو من الطبقة العاشرة وهم كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ممن لم يلق التابعين. روى له مسلم، وأبو داود، وابن ماجه.(7/479)
فَسَمِعَنِي أَذْكُرُ: عَنْ شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلِمَةَ، حَدِيْثَ صَفْوَانَ بنِ عَسَّالٍ1، أَوْ حَدِيْثَ: "إِنَّكُمَا عِلْجَانِ، فعالجا عن دِيْنِكُمَا"2. فَقَالَ: اكْتُبْهُ لِي. فَكَتَبْتُهُ لَهُ، وَحَدَّثتُهُ بِهِ. قَالَ: وَتَحَدَّثتُ بِحَدِيْثِ فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ: حديث القلادة3، قال: فاستحسنه، وقال: اكْتُبْه لِي، فَكَتبْتُهُ لَهُ، وَحَدَّثتُهُ بِهِ عَنْ لَيْثِ بنِ سَعْدٍ. فَقَالَ لِي: قَدْ كَتَبتُ عن
__________
1 ضعيف: أخرجه أحمد "4/ 239 و240"، والترمذي "2733" و"3144" وقال حسن صحيح، والنسائي "7/ 111"، وابن ماجه "3705"، والبيهقي في "دلائل النبوة" "6/ 286" والعقيلي في "الضعفاء" "2/ 261" من طرق عن شعبة، به ولفظه عن صفوان بن عسال قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي فقال صاحبه: لا تقل نبي، إنه لو سمعك كان له أربعة أعين، فأتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألاه عن تسع آيات بينات، فقال لهم: "لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرفوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تولوا الفرار يوم الزحف، وعلكيم خاصة اليهود أن لا تعتدوا في السبت، قال: فقبلوا يده ورجله"، فقال: نشهد أنك نبي. قال: "فما يمنعكم أن تتبعوني؟ ". قالوا: إن داود دعا ربه أن لا يزال في ذريته نبي، وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا اليهود".
قلت: إسناده ضعيف، عبد الله بن سلمة المرادي، تغيَّر حفظه كما قال الحافظ في "التقريب" وقال البخاري: لا يتابع في حديثه. وقال أبو حاتم: تعرفُ وتُنْكرُ.
وقال شعبة: روى عبد الله بن سلمة هذا الحديث بعد ما كبر -أي بعد تغير حفظه.
2 ضعيف: أخرجه أحمد "1/ 107"، والطيالسي "101"، وأبو داود "229"، وابن ماجه "594"، والحاكم "1/ 152"، والبزار "708"، وأبو يعلى "406" و"408"، وابن خزيمة "208"، والبيهقي "1/ 88-89" من طرق عن شعبة، به. ولفظه عن عبد الله بن سلمة قال: دخلت على عليٍّ -رضي الله عنه- أنا ورجلان رجل منا ورجل من بني أسد أحسب، فبعثهما عليٌّ -رضي الله عنه- وجها -أي إلى جهة يتوجهان إليها- وقال: إنكم علجان فعالجا عن دينكما، ثم قال فدخل المخرج، ثم خرج فدعا بماء فأخذ منه حفنة فتمسح بها ثم جعل يقرأ القرآن، فأنكروا ذلك، فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجبه -أو قل يحجزه- عن القرآن شيء ليس الجنابة".
قلت: وإسناده ضعيف، لأجل عبد الله بن سلمة المرادي، وقد علمت أقوال الأئمة فيه في الحديث السابق، فراجعه ثمَّت.
3 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 21"، ومسلم "1591" "90"، وأبو داود "3352"، والترمذي "1255"، والنسائي "7/ 279" من طريق قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث، عن أبي شجاع سعيد بن يزيد، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش الصنعاني، عن فَضالة بن عُبيد قال: اشتريتُ يوم خيبر قلادةً باثني عشر دينارا فيها ذهب وخرز ففصَّلتها. فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارا فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "لا تباع حتى تُفصَّل".
قوله: بقلادة: القلادة من حلي النساء. تعلقها المرأة في عنقها.
ففصلتها: أي ميزت ذهبها وخرزها.(7/480)
مَنْصُوْرٍ، وَمُغِيْرَةَ ... ، وَجَعَلَ يَذْكُرُ الشُّيُوْخَ. فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْنَا. فَقَالَ: لَسْتُ أَحْفَظُ، كُتُبِي غَائِبَةٌ عَنِّي، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ أُوْتَى بِهَا، قَدْ كَتَبتُ فِي ذَلِكَ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذْ ذَكَرَ يَوْماً شَيْئاً مِنَ الحَدِيْثِ. فَقُلْتُ: أَحْسِبُ أَنَّ كُتُبَكَ قَدْ جَاءتْ. قَالَ: أَجَلْ. فَقُلْتُ لأَبِي دَاوُدَ: جَلِيسُنَا جَاءتْهُ كُتُبُهُ مِنَ الكُوْفَةِ، اذْهَبْ بِنَا نَنْظُرْ فِيْهَا. قَالَ: فَأَتَيْنَاهُ، فَنَظَرْنَا فِي كُتُبِهِ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ هَاشِمٍ: مَا قَالَ لَنَا جَرِيْرٌ قَطُّ بِبَغْدَادَ: حَدَّثَنَا، وَلاَ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ. فَقُلْتُ: تُرَاهُ لاَ يَغلَطُ مَرَّةً، فَكَانَ رُبَّمَا نَعَسَ، فَنَامَ، ثُمَّ يَنْتَبِهُ، فَيَقرَأُ مِنَ المَوْضِعِ الَّذِي انْتَهَى إِلَيْهِ.
وَنَزَلَ بِبَغْدَادَ عَلَى ابْنِ المُسَيَّبِ، فَلَمَّا عَبَرَ إِلَى الجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، جَاءَ المَدُّ، فَقُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: تَعْبُرُ? فَقَالَ: أُمِّي لاَ تَدَعُنِي. فَعَبَرْتُ أَنَا، فَلَزِمْتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ السِّنْدِيُّ يَدَعُ أَحَداً يَعبُرُ -يَعْنِي: لِكَثْرَةِ المَدِّ- فَلَبِثتُ عِنْدَهُ عِشْرِيْنَ يَوْماً، فكتبت عنه ألفًا وخمسمائة حَدِيْثٍ، وَكَتَبتُ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى مَكَّةَ حَدِيْثاً بِالسَّفِيْنَتَيْنِ عَلَى دَابَّتِهِ.
يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: كَانَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ صَاحِبَ لَيْلٍ وَكَانَ لَهُ رَسَنٌ، يَقُوْلُوْنَ: إِذَا أَعْيَى، تَعَلَّقَ بِهِ -يُرِيْدُ أنه كان يصلي.
ثُمَّ قَالَ يَعْقُوْبُ: ذُكِرَ لأَبِي خَيْثَمَةَ إِرسَالُ جَرِيْرٍ لِلْحَدِيْثِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا، وقيل لَهُ: تُرَاهُ كَانَ يُدَلِّسُ? فَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ: لَمْ يَكُنْ يُدَلِّسُ؛ لأَنَّا كُنَّا إِذَا أَتَيْنَاهُ وَهُوَ فِي حَدِيْثِ الأَعْمَشِ، أَوْ مَنْصُوْرٍ، أَوْ مُغِيْرَةَ، ابْتَدَأَ، فَأَخَذَ الكِتَابَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ، ثُمَّ يُحَدِّثُ عَنْهُ مِنْهُم فِي حَدِيْثٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُوْلُ بَعْدُ: مَنْصُوْرٌ مَنْصُوْرٌ، أَوِ الأَعْمَشُ الأَعْمَشُ، لاَ يَقُوْلُ فِي كُلِّ حَدِيْثٍ: حَدَّثَنَا حَتَّى يَفْرُغَ المَجْلِسُ.
قَالَ يَعْقُوْبُ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ الشَّاذَكُوْنِيَّ يَقُوْلُ: قَدِمْتُ عَلَى جَرِيْرٍ، فَأُعجِبَ بِحِفْظِي، وَكَانَ لِي مُكْرِماً. قَالَ: فَقَدِمَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالبَغْدَادِيُّوْنَ الَّذِيْنَ مَعَهُ، وَأَنَا ثَمَّ، فَرَأَوْا مَوْضِعِي مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُم: إِنَّ هَذَا إِنَّمَا بَعَثَهُ يَحْيَى القَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، لِيُفْسِدَ حَدِيْثَكَ عَلَيْكَ، وَيَتْبَعَ عَلَيْكَ الأَحَادِيْثَ، وَكَانَ قَدْ حَدَّثَنَا عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا عِنْد ابْنِ أَخِيْهِ يَوْماً، إِذْ رَأَيتُ عَلَى ظَهرِ كِتَابٍ لابْنِ أَخِيْهِ: عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ قَالَ: فَقُلْتُ لابْنِ أَخِيْهِ، عَمُّكَ هَذَا مَرَّةً يُحَدِّثُ بِهَذَا عَنْ مُغِيْرَةَ، وَمَرَّةً عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُغِيْرَةَ، وَمَرَّةً عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُغِيْرَةَ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَسْأَلَهُ مِمَّنْ سَمِعَهُ -وَكَانَ هَذَا الحَدِيْثُ مَوْضُوْعاً. قَالَ: فَوَقَفْتُ جَرِيْراً عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: حَدِيْثُ طَلاَقِ الأَخرَسِ مِمَّنْ سَمِعْتَه؟ قَالَ: حَدَّثَنِيْهُ رَجُلٌ مِنْ خُرَاسَانَ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ. قُلْتُ: فَقَدْ رَوَيْتَه مَرَّةً: عَنْ مُغِيْرَةَ، ومرة عن سفيان عن مغيرة، ومرة عن رَجُلٍ عَنِ ابْنِ(7/481)
المُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُغِيْرَةَ، وَلَسْتُ أُرَاكَ تَقِفُ عَلَى شَيْءٍ، فَمَنِ الرَّجُلُ? قَالَ: رَجُلٌ من أصحاب الحديث جَاءنَا. قَالَ: فَوَثَبُوا بِي، وَقَالُوا: أَلَمْ نَقُلْ لَكَ: إِنَّمَا جَاءَ لِيُفْسِدَ عَلَيْكَ حَدِيْثَكَ؟ قَالَ: فَوَثَبَ بِي البَغْدَادِيُّوْنَ، وَتَعَصَّبَ لِي قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الرَّيِّ، حَتَّى كَانَ بَيْنَهُم شَرٌّ شَدِيْدٌ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ: فَقُلْتُ لِعُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَدِيْثُ طَلاَقِ الأَخرَسِ عَمَّنْ هُوَ عِنْدَكَ? قَالَ: عَنْ جَرِيْرٍ، عَنْ مُغِيْرَةَ قَوْله.
"وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ": وَكَانَ عُثْمَانُ يَقُوْلُ لأَصْحَابِنَا: إِنَّمَا كَتَبْنَا عَنْ جَرِيْرٍ مِنْ كُتُبِهِ. فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الحَسَنِ! كَتَبْتُم عَنْ جَرِيْرٍ مِنْ كُتُبِهِ? قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ؟! وَجَعَلَ يَرُوْغُ. قُلْتُ لَهُ: مَنْ أُصُوْلِهِ، أَوْ مِنْ نُسَخٍ? فَجَعَلَ يَحِيْدُ، وَيَقُوْلُ مِنْ كُتُبٍ. فَقُلْتُ: نَعَمْ، كَتَبْتُم عَلَى الأَمَانَةِ مِنَ النُّسَخِ؟ فَقَالَ: كَانَ أَمْرُهُ عَلَى الصِّدْقِ، وَإِنَّمَا حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ جَرِيْراً قَالَ لَهُم حِيْنَ قَدِمُوا -عَلَيْهِ وَكَانَتْ كُتُبُهُ تَلِفَتْ: هَذِهِ نُسْخَةٌ أُحَدِّثُ بِهَا عَلَى الأَمَانَةِ، وَلَسْتُ أَدْرِي، لَعَلَّ لَفْظاً يُخَالِفُ لَفظاً، وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الأَمَانَةِ.
عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى، سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: قَالَ لِي ابْنُ شُبْرُمَةَ: عَجَباً لِهَذَا الرَّازِيِّ! عَرَضتُ عَلَيْهِ أَنْ أُجْرِيَ عَلَيْهِ مائَةَ دِرْهَمٍ فِي الشَّهرِ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: يَأْخُذُ المُسْلِمُوْنَ كُلُّهُم مِثْلَ هَذَا? قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَلاَ حَاجَةَ لِي فِيْهَا. ثُمَّ قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ جَرِيْراً يَقُوْلُ: عُرِضَتْ عَلَيَّ بِالكُوْفَةِ أَلْفَا دِرْهَمٍ يُعطُونِي مَعَ القُرَّاءِ، فَأَبَيْتُ، ثُمَّ جِئْتُ اليَوْمَ أَطْلُبُ مَا عِنْدَهُم، أَوْ مَا فِي أَيْدِيْهِم!
قُلْتُ: يُزْرِي بذلك على نفسه.
الحُمَيدي عَنْ سُفْيَانَ: رَأَيْتُ جَرِيْراً يَقُودُ مُغِيْرَةَ، فَقُلْتُ لِعُمَرَ بنِ سَعِيْدٍ: مَنْ هَذَا الشَّابُّ? قَالَ لِي عُمَرُ: هَذَا شَابٌّ لاَ بَأْسَ بِهِ.
قَالَ حَنْبَلٌ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: مَنْ أَحَبُّ إِلَيْكَ: شَرِيْكٌ أَوْ جَرِيْرٌ? فَقَالَ: جَرِيْرٌ أَقَلُّ سَقْطاً، شَرِيْكٌ كَانَ يُخْطِئُ.
عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لِيَحْيَى: جَرِيْرٌ أَحَبُّ إِلَيْك فِي مَنْصُوْرٍ، أَوْ شَرِيْكٌ? قَالَ: جَرِيْرٌ أَعْلَمُ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: جَرِيْرٌ: كُوْفِيٌّ، ثِقَةٌ، نَزَلَ الرَّيَّ، وَكَانَ رَبَاحٌ إِذَا أَتَاهُ الرَّجُلُ يَقُوْلُ: أُرِيْدُ أَنْ أَكْتُبَ حَدِيْثَ الكُوْفَةِ، قَالَ: عَلَيْكَ بِجَرِيْرٍ، فَإِنْ أَخطَأَكَ، فَعَلَيْكَ بِمُحَمَّدِ بنِ فُضَيْلٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ الأَحْوَصِ وَجَرِيْرٍ فِي حَدِيْثِ حُصَيْنٍ، فَقَالَ: كان(7/482)
جَرِيْرٌ أَكْيَسَ الرَّجُلَيْنِ، جَرِيْرٌ أَحَبُّ إليَّ. قُلْتُ: يُحتَجُّ بِحَدِيْثِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، جَرِيْرٌ ثِقَةٌ، وَهُوَ أَحَبُّ إليَّ فِي هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ مَنْ يُوْنُسَ بنِ بُكَير.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ خِراش: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ أَبُو القَاسِمِ اللاَّلْكَائِيُّ: مُجْمَعٌ عَلَى ثِقَتِهِ.
قَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ قَالَ: وُلِدْتُ سَنَةَ عَشْرٍ. وَأَمَّا حَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ وُلِدَ جَرِيْرٌ سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ وُلِدَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، لَكِنْ سُفْيَانُ بكَّر قَبْلَ جَرِيْرٍ بِالطَّلَبِ، فَلَقِيَ زِيَادَ بنَ عِلاقة، وَعَمْرَو بنَ دِيْنَارٍ، وَالكِبَارَ بِالكُوْفَةِ وَالحَرَمَيْنِ.
وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ مُوْسَى القَطَّانُ: مَاتَ جَرِيْرٌ عَشِيَّةَ الأَرْبعَاءِ، لِيَوْمٍ خَلاَ مِنْ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ: وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً إِلَى التِّسْعِ وَالسَّبْعِيْنَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ.
قُلْتُ: وَفِيْهَا أَرَّخَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ -وَأَنَا فِي الرَّابِعَةِ- أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلاَّبٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ جُمَيْعٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الحكم البزار بكفربَيَّا1، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ قُدَامَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، عَنِ المُخْتَارِ بنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَشْفَعُ فِي الجَنَّةِ، وَأَنَا أَكْثَرُ الأَنْبِيَاءِ تَبَعاً".
تَابَعَهُ زَائِدَةُ بنُ قُدَامَةَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 من طريقهما، فوقع لنا عاليًا.
__________
1 بكفربَيَّا: مدينة بإزاء المصيصة على شاطئ جيحان -معجم البلدان لياقوت الحموي.
2 صحيح: أخرجه مسلم "196" "330" و"332".(7/483)
1317- سويد 1: "ت، ق"
ابن عبد العزيز قَاضِي بَعْلَبَكَّ، أَبُو مُحَمَّدٍ السُّلَمي مَوْلاَهُمْ، الدِّمَشْقِيُّ، الفقيه المقرئ.
تَلاَ عَلَى يَحْيَى الذِّماري، وَغَيْرِهِ.
أَخَذَ القِرَاءةَ عَنْهُ: أَبُو مُسْهِر، وَالرَّبِيْعُ بنُ ثَعْلَبٍ، وَهِشَامٌ.وَحَدَّثَ عَنْ: أَيُّوْبَ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَحُصَيْن، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: دُحَيم، وَابْنُ عَائِذٍ، وَابْنُ ذَكوان، وَدَاوُدُ بنُ رُشَيد، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي السَّري.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ.
وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: هُوَ وَاسِطِيٌّ، سَكَنَ دِمَشْقَ، لَيْسَ حَدِيْثُهُ بِشَيْءٍ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يُعْتَبَرُ به.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 407"، والتاريخ الكبير "4/ ترجمة 2282"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 183" و"2/ 307 و316 و399"، والضعفاء والمتروكين للنسائي "ترجمة 259"، والضعفاء الكبير للعقيلي "2/ 157"، والمجروحين لابن حبان "1/ 350"، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم "4/ ترجمة 1020"، والكامل لابن عدي "3/ 424"، والعبر "1/ 314"، وميزان الاعتدال "2/ 249"، والكاشف "1/ ترجمة 2216"، وتهذيب التهذيب "4/ 276"، وتقريب التهذيب "1/ 340"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2829"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 341".(7/484)
1318- أبو خالد الأحمر 1: "ع"
الإِمَامُ، الحَافِظُ سُلَيْمَانُ بنُ حَيَّان الأَزْدِيُّ، الكُوْفِيُّ.
كَانَ مَوْلِدُهُ بِجُرْجَان فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عشرة ومائة.
حَدَّثَ عَنْ: حُميد الطَّوِيْلِ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَأَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن نُمَيْر، وأبو بكر أبن أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَيُوْسُفُ بنُ مُوْسَى، وَهَنَّادٌ، وَالحَسَنُ بنُ حَمَّادٍ سَجَّادَةٌ، وَالحَسَنُ بنُ حَمَّادٍ الضَّبِّيُّ، وَالحَسَنُ بنُ حَمَّادٍ المُرَادِيُّ، وَخَلْقٌ.
قَالَ العِجلي: ثِقَةٌ، يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ مِنَ التُّجَّارِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، وَوَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: صَدُوْقٌ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَتَابَعَهُ عَلَى هَذَا ابْنُ عَدِيٍّ.
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: هُوَ ثِقَةٌ، وَلَيْسَ بِثَبْتٍ.
قُلْتُ: كَانَ مَوْصُوْفاً بِالخَيْرِ وَالدِّيْنِ، وَلَهُ هَفْوَةٌ، وَهِيَ خُرُوْجُهُ مَعَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ، وَحَدِيْثُهُ محتجٌّ بِهِ فِي سَائِرِ الأُصُوْلِ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُثَنَّى السِّمْسَار: قَالَ بِشْرٌ الحَافِي: سَمِعْتُ أَبَا خَالِدٍ الأَحْمَرَ يَقُوْلُ: يَأْتِي زَمَانٌ تُعَطَّلُ فِيْهِ المَصَاحِفُ، يَطْلبُوْنَ الحَدِيْثَ وَالرَّأْيَ، فَإِيَّاكُم وَذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُصَفِّقُ الوَجْهَ، وَيَشْغَلُ القَلْبَ، وَيُكْثِرُ الكَلاَمَ.
وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِي أَبِي خَالِدٍ فِي "المَحَامِلِيَّاتِ"2، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ، منافرًا للكلام والرأي والجدال.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 391"، والتاريخ الكبير "4/ ترجمة 1780"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 276 و727" و"2/ 187" و"3/ 142 و219"، والكنى للدولابي "1/ 162" والضعفاء الكبير "2/ 124"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 477"، والكامل لابن عدي "3/ ترجمة 750"، وحلية الأولياء "10/ ترجمة 500"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 3443"، والكاشف "1/ ترجمة 2100"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 258"، وتهذيب التهذيب "4/ 181"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2681"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 325".
2 المحامليات للقاضي الإمام العلامة الحافظ شيخ بغداد ومحدثها أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمد الضبي البغدادي، كان نظير ابن صاعد في العلو والثقة، والمحاملي نسبة إلى المحامل التي يحمل فيها الناس في السفر، كتابه هذا ستة عشر جزءا حديثيا. توفي سنة ثلاثين وثلاثمائة. وآخر من روى حديثه عاليا أبو القاسم سبط السلفي.(7/485)
الطبقَةُ التاسِعَةُ:
1319- حَفْص بن غِيَاث 1: "ع"
ابن طلق بن معاوية بن مَالِكِ بنِ الحَارِثِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ عَامِرِ بنِ جُشَم بنِ وهبيل بن سعد بن مالك بن النخع.
الإِمَامُ، الحَافِظُ العَلاَّمَةُ القَاضِي، أَبُو عُمَرَ النَّخَعِيُّ الكوفي، قاضي الكوفة، ومحدثها، وولي القضاة بِبَغْدَادَ أَيْضاً.
مَوْلِدُهُ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي عٌبَيْدٍ، وَالعَلاَءِ بنِ المُسَيَّبِ، وَالأَعْمَشِ، وَمُحَمَّدِ بنِ زَيْدِ بنِ المُهَاجِرِ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَأَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَحَبِيْبِ بنِ أَبِي عَمْرَةَ، وَبُرَيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَالعَلاَءِ بن خالد، وجده طلق، وخلق سواهم.
وَعَنْهُ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ رَفِيْقُهُ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَابْنُ عَمِّهِ طَلْقُ بنُ غَنَّام، وَابْنُهُ عُمَرُ بنُ حَفْصٍ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَيَحْيَى، وَعَلِيٌّ، وَابْنَا أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ، وَسُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ، وسَلْم بنُ جُنَادة، وَسَهْلُ بنُ زَنجَلة، وَصَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَعَلِيُّ بنُ خَشْرَم، وَعَمْروٌ النَّاقِدُ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَهَارُوْنُ بنُ إِسْحَاقَ، وهنَّاد، وَأَبُو كُرَيب، وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم، آخرُهُم: أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ العُطَاردي.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ: وَلَّى الرَّشِيْدُ قَضَاءَ الشَّرْقِيَّةِ بِبَغْدَادَ حَفْصاً، ثُمَّ نَقَلَهُ إِلَى قَضَاءِ الكُوْفَةِ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الجَمَّالُ: آخِرُ القُضَاةِ بِالكُوْفَةِ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ -يَعْنِي: الأَكَابِرَ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ معين، وغيره: ثقة.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 389"، والتاريخ الكبير "2/ ترجمة 2804"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 9 و85"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 803"، وتاريخ بغداد "8/ 188"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 202"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 279"، وميزان الاعتدال "1/ ترجمة 2160"، والكاشف "1/ ترجمة 1174"، وتهذيب التهذيب "2/ 415"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1529"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 340".(7/486)
قَالَ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ مَنْصُوْرٍ: سُئِلَ يَحْيَى: أَيُّهُمَا أَحْفَظُ: ابْنُ إِدْرِيْسَ أَوْ حَفْصٌ? فَقَالَ: ابْنُ إِدْرِيْسَ1 كَانَ حَافِظاً، وَكَانَ حَفْصٌ صَاحِبَ حَدِيْثٍ، لَهُ مَعْرِفَةٌ. قِيْلَ: فَابْنُ فُضَيْلٍ? قَالَ: كَانَ ابْنُ إِدْرِيْسَ أَحْفَظَ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ فَقِيْهٌ. كَانَ وَكِيْعٌ رُبَّمَا يُسْأَلُ عَنِ الشَّيْءِ، فَيَقُوْلُ: اذْهَبُوا إِلَى قَاضِيْنَا، فَاسْأَلُوْهُ وَكَانَ شيخًا عفيفًا مسلمًا.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: حَفْصٌ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إِذَا حدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ، ويُتَّقَى بَعْضُ حَفِظِهِ.
وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ قَالَ: حَفْصٌ أَوْثَقُ أَصْحَابِ الأَعْمَشِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: حَفْصٌ أَعْلَمُ بِالحَدِيْثِ مِنِ ابْنِ إِدْرِيْسَ.
أَبُو حَاتِمٍ عَنْ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الحَوَارِيِّ، قَالَ: حَدّثتُ وَكِيْعاً بِحَدِيْثٍ، فَعجبَ، فَقَالَ: مَنْ جَاءَ بِهِ? قُلْتُ: حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ. قَالَ: إِذَا جَاءَ بِهِ أَبُو عُمَرَ، فَأَيَّ شَيْءٍ نَقُوْلُ نَحْنُ?
وَقَالَ أَبُو زُرْعة: سَاءَ حفظه بعدما اسْتُقضِيَ، فَمَنْ كتبَ عَنْهُ مِنْ كِتَابِهِ، فَهُوَ صَالِحٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ أَتْقَنُ وَأَحْفَظُ مِنْ أَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ.
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَةٌ، عَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ قَالَ: كَانَ يَحْيَى يَقُوْلُ: حَفْصٌ ثَبْتٌ. قُلْتُ: إِنَّهُ يَهِمُ? فَقَالَ: كِتَابُهُ صَحِيْحٌ.
قَالَ يَحْيَى: لَمْ أَرَ بالكوفة مثل هؤلاء الثلاثة: حِزَام، وحفص، وَابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، كَانَ هَؤُلاَءِ أَصْحَابَ حَدِيْثٍ. قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمَّا أَخْرَجَ حَفْصٌ كُتُبَهُ، كَانَ كَمَا قَالَ: يَحْيَى، إِذَا فِيْهَا أَخْبَارٌ وَأَلْفَاظٌ.
عَبَّاسٌ عَنْ يَحْيَى، قَالَ: حَفْصٌ أَثْبَتُ مِنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زِيَادٍ، وَأَثْبَتُ مِنِ ابْنِ إِدْرِيْسَ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: جَمِيْعُ مَا حَدَّثَ بِهِ حَفْصٌ بِبَغْدَادَ وَالكُوْفَةِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ حِفْظِهِ، وَلَمْ يُخْرِجْ كِتَاباً، كَتَبُوا عَنْهُ ثَلاَثَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ أَوْ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ مِنْ حِفْظِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ لاَ يُقدِّمُ بَعْدَ الكِبَارِ مِنْ أَصْحَابِ الأَعْمَشِ غَيْرَ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَكَانَ عِيْسَى بنُ شَاذَانَ يُقَدِّمُ حفصًا، وبعض الحفاظ قدم أبا معاوية.
__________
1 هو: عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي، بسكون الواو، أبو محمد الكوفي، ثقة فقيه عابد، من الطبقة الوسطى من أتباع التابعين، وهي الطبقة الثامنة، روى له الجماعة.(7/487)
وَقَالَ دَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ: حَفْصٌ كَثِيْرُ الغَلَطِ.
وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: كَانَ حَفْصٌ لاَ يَردُّ عَلَى أَحَدٍ حَرْفاً، يَقُوْلُ: لَوْ كَانَ قَلْبُكَ فِيْهِ، لَفَهِمْتَهُ. وَكَانَ عَسِراً فِي الحَدِيْثِ جِدّاً، لَقَدِ اسْتفهمَهُ إِنْسَانٌ حَرْفاً فِي الحَدِيْثِ، فَقَالَ: وَاللهِ لاَ سَمِعتَهَا مِنِّي، وَأَنَا أَعرِفُكَ. وَقُلْتُ لَهُ: مَا لَكُمْ! حَدِيْثُكُم عَنِ الأَعْمَشِ إِنَّمَا هُوَ عَنْ فُلاَنٍ عَنْ فُلاَن، لَيْسَ فِيْهِ: حَدَّثَنَا وَلاَ سَمِعْتُ? قَالَ: فَقَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمَّارٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ يَقُوْلُ: "ليأتين أقوام يقرءون القُرْآنَ، يُقِيْمُوْنَهُ إِقَامَةَ القِدْحِ، لاَ يَدَعُوْنَ مِنْهُ أَلِفاً وَلاَ وَاواً، وَلاَ يُجَاوِزُ إِيْمَانُهُم حَنَاجِرَهُم". قَالَ: وَذَكَرَ حَدِيْثاً آخَرَ مِثْلَهُ، قَالَ: وَكَانَ عَامَّةُ حَدِيْثِ الأَعْمَشِ عِنْدَ حَفْصٍ عَلَى الخَبَرِ وَالسَّمَاعِ.
قَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: وَكَانَ بِشْرٌ الحَافِي إِذَا جَاءَ إِلَى حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَإِلَى أَبِي مُعَاوِيَةَ، اعْتزلَ نَاحِيَةً وَلاَ يَسْمَعُ مِنْهُمَا، فَقُلْتُ لَهُ? فَقَالَ: حَفْصٌ هُوَ قَاضٍ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ مُرْجِئٌ يَدعُو إِلَيْهِ، وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُم عَملٌ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَهْدِيٍّ: سَمِعْتُ حَفْصَ بنَ غِيَاثٍ، وَهُوَ قَاضٍ بِالشَّرْقِيَّةِ يَقُوْلُ لِرَجُلٍ يَسْأَلُ عَنْ مَسَائِلِ القَضَاءِ: لَعَلَّك تُرِيْدُ أَنْ تَكُوْنَ قَاضِياً? لأَنْ يُدْخِلَ الرَّجُلُ أُصْبُعَهُ فِي عَيْنِهِ، فَيَقتَلِعَهَا، فَيرمِي بِهَا، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُوْنَ قَاضِياً.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: سَمِعْتُ حَفْصَ بنَ غِيَاثٍ يَقُوْلُ: وَاللهِ مَا وَلِيتُ القَضَاءَ حَتَّى حلَّتْ لِي المِيتَةُ.
وَمَاتَ يَوْمَ مَاتَ وَلَمْ يُخَلِّفْ دِرْهَماً، وخلف عليه تسعمائة دِرْهَمٍ دَيْناً.
قَالَ سَجَّادة1: كَانَ يُقَالُ: خُتِمَ القضاء بحفص بن غياث.
قَالَ سَعِيْدُ بنُ سَعِيْدٍ الحَارِثِيُّ، عَنْ طَلْقِ بنِ غَنَّام قَالَ: خَرَجَ حَفْصٌ يُرِيْدُ الصَّلاَةَ، وَأَنَا خلفَهُ فِي الزُّقَاقِ، فَقَامَتِ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ، فَقَالَتْ: أَصْلَحَ اللهُ القَاضِي، زَوِّجْنِي، فَإِنَّ إِخْوَتِي يَضُرُّوْنَ بِي، فَالتفتَ إليَّ، وَقَالَ: يَا طَلْقُ! اذْهبْ، فَزَوِّجْهَا إِنْ كَانَ الَّذِي يَخطُبُهَا كفؤاً، فَإِنْ كَانَ يَشْرَبُ النَّبِيذَ حَتَّى يَسكرَ، فَلاَ تُزَوِّجْهُ، وَإِنْ كَانَ رَافِضِيّاً، فَلاَ تَزَوْجْهُ. فَقُلْتُ: لِمَ قُلْتَ هَذَا? قَالَ: إِنْ كَانَ رَافِضِيّاً فَإِنَّ الثَّلاَثَ عِنْدَهُ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَ يَشْربُ النَّبِيذَ حَتَّى يَسْكَرَ، فَهُوَ يُطَلِّقُ وَلاَ يَدْرِي.
__________
1 سَجَّادة: هو لقب الحسن بن حماد بن كُسَيب الحضرمي أبي علي البغدادي، صدوق من الطبقة العاشرة، وهي طبقة كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ممن لم يلق التابعين روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه.(7/488)
وَعَنْ وَكِيْعٍ قَالَ: أَهْلُ الكُوْفَةِ اليَوْمَ بِخَيْرٍ، أَمِيْرُهُم دَاوُدُ بنُ عِيْسَى، وَقَاضِيْهِم حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَمُحْتَسِبُهُم حَفْصٌ الدَّوْرَقي.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي صَفْوَانَ الثَّقَفِيُّ: سَمِعْتُ مُعَاذَ بنَ مُعَاذٍ يَقُوْلُ: مَا كَانَ أَحَدٌ مِنَ القُضَاةِ يَأْتِيْنِي كِتَابُهُ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كِتَابِ حَفْصٍ، وَكَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَيَّ، كتبَ: أَمَّا بَعْدُ، أَصْلَحَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ بِمَا أَصلحَ بِهِ عبَادَهُ الصَّالِحِيْنَ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي أَصلَحَهُم. فَكَانَ ذَلِكَ يُعْجِبُنِي مِنْ كِتَابِهِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا بنِ حَيَّوَيْه: قَدَّمَ إِلَيْنَا مُحَمَّدُ بنُ طَرِيْفٍ البَجَلِيُّ رُطَباً، فَسَأَلَنَا أَنْ نَأْكُلَ، فَأَبِيْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ حَفْصَ بنَ غِيَاثٍ يَقُوْلُ: مَنْ لَمْ يَأْكُلْ طَعَامَنَا لَمْ نُحَدِّثْهُ.
قَالَ عُمَرُ بنُ حَفْصٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ مَرَرْتُ بِطَاقِ اللَّحَّامِيْنَ، فَإِذَا بِعُلَيَّانَ جَالِسٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَنْ أَرَادَ سرور الدنيا وحزن الآخرة، فَلْيَتَمَنَّ مَا هَذَا فِيْهِ، فَوَاللهِ لَقَدْ تَمنِيتُ أَنِّي كُنْتُ متُّ قَبْلَ أَنْ أَلِيَ القَضَاءَ.
وَقَالَ بِشْرٌ الحَافِي: قَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: لَوْ رَأَيْتُ أَنِّي أُسَرُّ بِمَا أَنَا فِيْهِ، لَهَلَكْتُ.
أَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا القَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَابْنُ رَوْحٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا المُعَافَى بنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ بنُ عِلاَّنَ إِمْلاَءً سَنَةَ 266، حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ اللَّيْثِ، قَالَ: بَاعَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ جِمَالاً بِثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ مَرْزُبان المَجُوْسِيِّ، وَكِيلِ أُمِّ جَعْفَرٍ، فَمطَلَهُ بِثمَنِهَا، وَحَبَسَهُ، فَطَالَ ذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ، فَأَتَى بَعْضُ أَصْحَابِ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، فَشَاوَرَهُ. فَقَالَ: اذْهبْ إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ: أَعْطنِي أَلفَ دِرْهَمٍ، وَأُحِيْلُ عَلَيْكَ بِالمَالِ البَاقِي، وَأَخْرُجُ إِلَى خُرَاسَانَ، فَإِذَا فَعلَ هَذَا فَالْقَنِي حَتَّى أُشِيْرَ عَلَيْكَ. فَفَعَلَ الرَّجُلُ، وَأَعْطَاهُ مَرْزُبَانُ أَلفَ دِرْهَمٍ. قَالَ: فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ: عُدْ إِلَيْهِ، فَقُلْ: إِذَا ركبتَ غَداً، فَطَرِيْقُكَ عَلَى القَاضِي، تَحضُرُ، وَأُوكِلُ رَجُلاً يَقبِضُ المَالَ، وَأَخرُجُ، فَإِذَا جَلَسَ إِلَى القَاضِي فَادَّعِ عَلَيْهِ بِمَالِكَ، فَإِذَا أَقرَّ، حبسَهُ حَفْصٌ، وَأَخَذْتَ مَالَكَ. فَرَجَعَ إِلَى مَرْزُبَانَ، وَسَأَلَهُ، فَقَالَ: انْتظِرْنِي بِبَابِ القَاضِي. فَلَمَّا ركبَ مِنَ الغَدِ، وَثَبَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ، فَقَالَ: إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَنزِلَ إِلَى القَاضِي حَتَّى أُوكِلَ بِقبضِ المَالِ، وَأَخْرَجَ. فَنَزَلَ مَرْزُبَانُ، فَتَقَدَّمَا إِلَى حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ. فَقَالَ الرَّجُلُ: أَصْلَحَ اللهُ القَاضِي، لِي عَلَى هَذَا الرَّجُلِ تِسْعَةٌ وَعِشْرُوْنَ أَلفَ دِرْهَمٍ. فَقَالَ حَفْصٌ: مَا تَقُوْلُ يَا مَجُوْسِيُّ? قَالَ: صدقَ، أَصْلَحَ اللهُ القَاضِي. قَالَ: مَا تَقُوْلُ يَا رَجُلُ، فَقَدْ أَقَرَّ لَكَ? قَالَ: يُعطِيْنِي مَالِي. فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ؟ قَالَ: هَذَا المَالُ عَلَى السَّيِّدَةِ. قَالَ: أَنْتَ أَحْمَق تُقِرُّ ثُمَّ تَقُوْلُ: هُوَ عَلَى السَّيِّدَةِ! مَا(7/489)
تَقُوْلُ يَا رَجُل? قَالَ: أَصْلَحَ اللهُ القَاضِي، إِنْ أَعْطَانِي مَالِي، وَإِلاَّ حَبَسْتَهُ. قَالَ: مَا تَقُوْلُ يَا مَجُوْسِيُّ? قَالَ: المَالُ عَلَى السَّيِّدَةِ. قَالَ القَاضِي: خُذُوا بِيَدِهِ إِلَى الحَبْسِ. فَلَمَّا حُبِسَ، بَلغَ الخَبَرُ أُمَّ جَعْفَرٍ، فَغَضِبتْ، وَبعثَتْ إِلَى السِّنْدِيِّ: وَجِّهْ إِلَى مَرْزُبَانَ -وَكَانَتِ القُضَاةُ تَحبِسُ الغُرَمَاءَ فِي الحَبْسِ- فَعجَّلَ السِّنْدِيُّ، فَأَخْرَجَهُ، وَبلغ حَفْصاً الخَبَرُ، فَقَالَ: أَحبِسُ أَنَا؛ وَيُخرِجُ السِّنْدِيُّ!! لاَ جلَسْتُ أَوْ يُرَدُّ مَرْزُبَانُ الحَبْسَ. فَجَاءَ السِّنْدِيُّ إِلَى أُمِّ جَعْفَرٍ، فَقَالَ: الله الله فِيَّ، إِنَّهُ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَأَخَافُ مِنْ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَنْ يَقُوْلُ لِي: بِأَمْرِ مَنْ أَخْرَجتَ? رُدِّيه إِلَى الحَبْسِ، وَأَنَا أُكلِّمُ حَفْصاً فِي أَمرِهِ. فَأَجَابَتْهُ، فَرَجَعَ مَرْزُبَانُ إِلَى الحَبْسِ، فَقَالَتْ أُمُّ جَعْفَرٍ لِهَارُوْنَ: قَاضِيكَ هَذَا أَحْمَقُ، حَبَسَ وَكِيلِي، وَاسْتَخَفَّ بِهِ، فَمُرْهُ لاَ يَنْظُر فِي الحُكْمِ، وَتُوَلِّي أَمرَهُ إِلَى أَبِي يُوْسُفَ، فَأَمَر لَهَا بِالكِتَابِ، وَبلغَ حَفْصاً الخبَرُ. فَقَالَ لِلرَّجُلِ: أَحضِرْنِي شُهُوْداً حَتَّى أُسجِّلَ لَكَ عَلَى المَجُوْسِيِّ بِالمَالِ، فَجَلَسَ حَفْصٌ، فَسجَّلَ عَلَى المَجُوْسِيِّ بِالمَالِ، وَوَرَدَ كِتَابُ هَارُوْنَ مَعَ خَادمٍ لَهُ، فَقَالَ: هَذَا كِتَاب أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: مَكَانَكَ، نَحْنُ فِي شَيْءٍ حَتَّى نَفرُغَ مِنْهُ. فَقَالَ: كِتَابُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: انظُرْ مَا يُقَالُ لَكَ. فَلَمَّا فَرَغَ حَفْصٌ مِنَ السِّجِلِّ، أَخَذَ الكِتَابَ مِنَ الخَادِمِ، فَقَرَأَهُ، فَقَالَ: اقْرَأْ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ السَّلاَمَ، وَأَخْبِرْهُ أَنَّ كِتَابَهُ وَرَدَ، وَقَدْ أَنْفَذتُ الحُكْمَ. فَقَالَ الخَادِمُ: قَدْ -وَاللهِ- عرفْتُ مَا صنعْتَ؛ أَبَيْتَ أَنْ تَأْخُذَ كِتَابَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ حَتَّى تَفْرُغَ مِمَّا تُرِيْدُ، وَاللهِ لأُخْبِرَنَّهُ بِمَا فَعَلتَ. قَالَ لَهُ: قُلْ لَهُ مَا أَحْبَبْتَ. فَجَاءَ الخَادِمُ فَأَخْبَرَ هَارُوْنَ، فَضَحِكَ، وَقَالَ لِلْحَاجِبِ: مُرْ لِحفصٍ بِثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِرْهَم، فَرَكِبَ يَحْيَى بنُ خَالِدٍ، فَاسْتقبلَ حَفْصاً مُنْصَرِفاً مِنْ مَجْلِس القَضَاءِ. فَقَالَ: أَيُّهَا القَاضِي، قَدْ سَرَرْتَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ اليَوْمَ، وَأَمرَ لَكَ بِمَالٍ، فَمَا كَانَ السَّبَبُ فِي هَذَا? قَالَ: تَمَّمَ اللهُ سرُوْرَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَأَحسَنَ حِفْظَهُ وَكلاَءتَه، مَا زدتُ عَلَى مَا أَفْعَلُ كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: عَلَى ذَلِكَ? قَالَ مَا أَعْلَمُ إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ سجَّلتُ عَلَى مَرْزُبَانَ المَجُوْسِيِّ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ. قَالَ: فَمِنْ هَذَا سُرَّ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ. فَقَالَ حَفْصٌ: الحَمْدُ للهِ كَثِيْراً. فَقَالَتْ أُمُّ جَعْفَرٍ لِهَارُوْنَ: لاَ أَنَا وَلاَ أَنْتَ إِلاَّ أَنْ تَعْزِلَ حَفْصاً، فَأَبَى عَلَيْهَا، ثُمَّ أَلَحَّتْ عَلَيْهِ فَعَزَلَهُ عَنِ الشَّرْقِيَّةِ، وَوَلاَّهُ قَضَاءَ الكُوْفَةِ، فَمَكَثَ عَلَيْهَا ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو يُوْسُفَ لَمَّا وُلِّي حَفْصٌ، قَالَ لأَصْحَابِهِ: تَعَالَوْا نَكْتُبْ نوَادِرَ حَفْصٍ، فَلَمَّا وَردتْ أَحْكَامُهُ وَقَضَايَاهُ عَلَى أَبَي يُوْسُفَ، قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: أَيْنَ النَّوَادِرُ الَّتِي زعمتَ تَكْتُبُهَا? قَالَ: وَيْحَكُم، إِنَّ حَفْصاً أَرَادَ اللهَ، فَوَفَّقَهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: رَأَيْتُ مُقَدَّمَ فَمِ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ مُضَبَّبَةٌ أَسْنَانُهُ بِالذَّهبِ.(7/490)
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ فِي حَدِيْثِ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَمِّرُوا وُجُوْهَ مَوْتَاكُم، وَلاَ تَشَبَّهُوا بِاليَهُوْدِ"1. فَأَنْكَرهُ أَبِي، وَقَالَ: أَخْطَأَ، قَدْ حَدَّثَنَاهُ حَجَّاجٌ، عن ابن جريج، عن عطاء مرسلا.
وَسُئِلَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ عَنْ حَدِيْثٍ لِحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، عَنْ عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: "كُنَّا نَأْكُلُ وَنَحْنُ مَعَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نَمْشِي"2. فَقَالَ: لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ إِلاَّ حَفْصٌ، كَأَنَّهُ وَهِمَ فِيْهِ، سَمِعَ حَدِيْثَ عِمْرَانَ بنِ حُدَيْرٍ، فَغَلِطَ بِهَذَا.
وَيُرْوَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ حَفْصٌ يُخَلِّطُ فِي حَدِيْثِهِ.
قُلْتُ: احْتجَّ بِهَذِهِ الكَلِمَةِ بَعْضُ قُضَاتِنَا عَلَى أَنَّ حَفْصاً لاَ يُحْتَجُّ بِهِ فِي تَفَرُّدِهِ عَنْ رِفَاقِهِ بِخَبَرٍ: "فَيُنَادَى بِصَوْتٍ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَبْعَثَ بَعْثاً إِلَى النَّارِ" 3 فَهَذِهِ اللَّفْظَةُ ثابتة في "صحيح البخاري"، وحفص فحجة، والزيادة من الثقة فمقبولة، والله أعلم.
__________
1 ضعيف: أخرجه الطبراني في "الكبير" "11/ 11436"، والدارقطني "2/ 297"، والبيهقي "3/ 394"، من طرق عن عبد الرحمن بن صالح الأزدي، حدثنا حفص بن غياث، به.
قلت إسناده ضعيف، فيه ابن جريج، مدلس، مشهور بالتدليس، وقد عنعنه. وقال ابن التركماني في "الجوهر النقي" "3/ 394" بعد أن ذكره مرسلا كما أورده المؤلف قال: "هو مرسل كما بينه البيهقي فيما بعد ثم هو مع إرساله منكر لا يجوز أن يقوله -عليه السلام- لأنه لا يقول إلا الحق واليهود لا تكشف وجوه موتاها ثم على تقدير صحته لا يشهد لرواية ابن أبي حرة لأنها في المحرم وهذا الحديث يعم كل الموتى".
2 صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة "8/ 205"، ومن طريقه أخرجه عبد بن حميد "785"، وأحمد "2/ 108"، والترمذي "1880"، وابن ماجه "3301" والدارمي "2/ 120"، والطحاوي مختصرا "4/ 273" والخطيب في "تاريخه" "8/ 195-196 و196" من طريق عن حفص بن غياث، به.
وقال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب مِنْ حَدِيْثِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عمر.
وأخرجه الطيالسي "1904"، وأحمد، والدارمي "2/ 120"، وابن الجارود "867"، والدولابي في "الكنى" "1/ 127"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" "4/ 273 و274"، والبيهقي في "السنن" "7/ 283"، وفي "شعب الإيمان" "5988" و"5989" من طرق عن عمران بن حدير، عن يزيد بن عطارد السدوسي أبي البَزَري قال: سألت ابن عمر عن الشرب قائما؟ فقال: قد كنَّا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نشرب قياما، ونأكل ونحن نسعى.
3 صحيح: أخرجه البخاري "4741" من طريق عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا أبو صالح، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم: فذكره في حديث طويل: وأوله: "يقول الله -عز وجل- يوم القيامة: يا آدم، فيقول: لبيك ربنا وسعديك، فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار ... ". الحديث.(7/491)
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ الدَّقَّاقُ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، وَقرَأْتُ عَلَى أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ الزَّاهِدُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَقَالَ مُسْلِماً عَثْرَتَهُ، أَقَالَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- يَوْمَ القِيَامَةِ" 1.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ يَحْيَى، فَوَقَعَ مُوَافقَةً عَالِيَةً، وَرَوَاهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ "المُسْنَدِ" عَنْ يَحْيَى، وَهُوَ يُعَدُّ فِي أَفْرَادِ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ.
أنبأني الخَضِرُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الجُوَيْنِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ إِجَازَةً، عَنْ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَقرَأْتُ عَلَى مَحْمُوْدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ اللُّغَوِيِّ، أَخْبَرَنَا النَّجِيْبُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ الصَّيْقَل، أَخْبَرْنَا ابْنُ كُلَيْبٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الرَّزَّازُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حدثني حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنْ حَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الرَّاسِبِيِّ، عَنْ مَوْلَىً لأَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "ذَنْبَانِ يُعَجَّلاَنِ، وَلاَ يُغْفَرَانِ: البَغْيُ وَقَطِيْعَةُ الرَّحِمِ" 2.
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا سَالِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ اللهِ القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ بنُ خُشَيْش، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ السَّمَّاكِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُنَادِي، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا الحَجَّاجُ، عَنْ مَعْرُوْفٍ قَالَ: خَرَجْنَا بِأَكْلُبٍ لَنَا، فَاسْتقبلَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، فَقَالَ: إِذَا أَرْسَلْتُمُوْهَا، فَقُوْلُوا: بِسْمِ اللهِ، اللهم اهد صدورها3.
__________
1 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه أحمد "2/ 252"، وأبو داود "3460"، وابن ماجه "2199" والحاكم "2/ 45"، والبيهقي "6/ 27"، والخطيب في "تاريخ بغداد" "8/ 196" من طريق الأعمش، به.
2 صحيح: أخرجه الطيالسي "880"، وأحمد "5/ 36 و38"، والبخاري في "الأدب المفرد" "67"، وأبو داود "4902"، والترمذي "2511"، وابن ماجه "4211"، والحاكم "2/ 162" و"4/ 163" والبيهقي "10/ 234" من طرق عن عيينة بن عبد الرحمن الغطفاني، عن أبيه، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخر له في الآخرة، من البغي وقطيعة الرحم". وصححه الترمذي، والحاكم، ووافقه الذهبي، وهو كما قالوا.
3 في إسناده الحجاج، وهو ابن أرطاة، الفقيه الكوفي، المشهور، وهو مدلس، وقد عنعنه.(7/492)
قَالَ هَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ: سَمِعْتُ حَفْصَ بنَ غِيَاثٍ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
قَالَ هَارُوْنُ: وَفُلِجَ حَفْصٌ حِيْنَ مَاتَ ابْنُ إِدْرِيْسَ، فَمَكَثَ فِي البَيْتِ إِلَى أَنْ مَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ فِي العشرِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ الفَضْلُ بنُ العَبَّاسِ أَمِيْرُ الكُوْفَةِ يَوْمَئِذٍ.
وَفِيْهَا أَرَّخَ مَوْتَهُ خَلِيْفَةُ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو سعيد الأشج، والعطاردي.
وَأَمَّا سَلْمُ بنُ جُنَادَةَ، فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى وَأَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ، وَالصَّحِيْحُ الأول.(7/493)
1320- مروان بن شجاع 1: "خَ، د، ت، ق"
العَالِمُ المُحَدِّثُ، أَبُو عَمْرٍو الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُمْ، الجَزَرِيُّ، الحَرَّانِيُّ.
حَدَّثَ بِبَغْدَادَ عَنْ خُصَيْفٍ، وَهُوَ مُكْثِرٌ عَنْهُ، وَعَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ مَالِكٍ الجَزَرِيِّ، وَسَالِمٍ الأَفْطَسِ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وسُرَيج بنُ يُوْنُسَ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنيع، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَيَعْقُوْبُ الدَّورقي، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَحْمَدُ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي المَقْلُوْبَاتِ عَنِ الثِّقَاتِ.
قُلْتُ: حَدِيْثُهُ فِي دَرَجَةِ الحَسَنِ. تُوُفِّيَ: سنة أربع وثمانين ومائة.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 485"، والتاريخ الكبير "7/ ترجمة 1597"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 452"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1249"، والمجروحين لابن حبان "3/ 13-14"، وتاريخ بغداد "13/ 147"، والكاشف "3/ ترجمة 5464"، والمغني "2/ ترجمة 6166"، والعبر "1/ 289"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8428"، وتهذيب التهذيب "10/ 94"، وتقريب التهذيب "2/ 239"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 6927"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 306".(7/493)
1321- أما مَرْوَانُ بنُ سَالِمٍ الجَزَري 1: "ق"
فَأَصْلُهُ شَامِيٌّ.
حَدَّثَ عَنْ: صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ.
رَوَى عَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، ونُعيم بنُ حمَّاد، وَأَبُو هَمَّامٍ الوَلِيْدُ بنُ شُجَاعٍ، وَآخَرُوْنَ.
أجَمَعُوا عَلَى ضعفِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَيْسَ بِثِقَةٍ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ.
قُلْتُ: كِلاَهُمَا مَذْكُوْرٌ فِي "مِيْزَانِ الاَعْتِدَالِ"، وَهُمَا مُتَعَاصِرَانِ. ذُكِر هَذَا الثَّانِي لِلتَّمْيِيْزِ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيْهِ لاَ يُتَابِعُهُ عَلَيْهِ الثِّقَاتُ.
قُلْتُ: وَتَفَرَّدَ بِهَذَا عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَرَأَيْتَ الرجل يذبح وينسى أن يُسَمِّيَ? فَقَالَ: "اسْمُ اللهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ "2.
وَلَهُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوْعاً: "أَوَّلُ مَا يُجَازَى بِهِ المُؤْمِنُ أَنْ يُغْفَرَ لِجَمِيْعِ من شيع جنازته"3.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1602"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 42"، والضعفاء الكبير للعقيلي "4/ ترجمة 1787"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1255"، والمجروحين لابن حبان "3/ 13"، والكامل لابن عدي "6/ ترجمة 1870"، والكاشف "3/ ترجمة 5463"، والمغني "2/ ترجمة 6164"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8425"، وتهذيب التهذيب "10/ 93-94" وتقريب التهذيب "2/ 239"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 6925".
2 منكر: أخرجه الدارقطني "4/ 295"، والطبراني في "الأوسط"، وفيه مروان بن سالم الجزري، قال: البُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوْكُ الحديث.
3 منكر: آفته مروان بن سالم الجزري، وهو منكر الحديث كما ذكره في الحديث السابق.(7/494)
1322- بِشْر بن المُفَضَّل 1: "ع"
ابن لاحق، الإِمَامُ، الحَافِظُ المُجَوِّدُ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الرَّقاشي مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَعَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَخَالِدِ بنِ ذَكْوَانَ، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَحَاتِمِ بنِ أَبِي صَغِيْرَةَ، وَسَعِيْدٍ الجُرَيري، وَسَعِيْدِ بنِ يَزِيْدَ أَبِي مَسْلَمَةَ، وَابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَأَبِي رَيْحَانَةَ عَبْدِ اللهِ بنِ مَطر، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بنِ زَيْدِ بنِ المُهَاجِرِ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيِّ، وَابْنِ جُدعان، وعُمارة بن غَزِية، وخلق.
وَعَنْهُ: أَبُو الوَلِيْدِ، ومُسَدَّد، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَبِشْرُ بنُ مُعَاذٍ العَقَدي، وَزِيَادُ بنُ يَحْيَى الحَسَّانِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَعَمْرٌو الفَلاس، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَالقَوَارِيْرِيُّ، وَوَهْبُ بنُ بَقِيَّةَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
رَوَى أَبُو بَكْرٍ الأَسَدِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: إِلَى بِشْرٍ المُنْتَهَى فِي التَّثَبُّتِ بِالبَصْرَةِ.
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: مَنْ أَثْبَتُ شُيُوْخِ البَصْرَةِ? قَالَ: بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، مَعَ جَمَاعَةٍ سَمَّاهُم.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: لَيْسَ مِنَ العُلَمَاءِ أَحَدٌ إِلاَّ وَقَدْ أَخْطَأَ فِي حَدِيْثِهِ إِلاَّ بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، وَابْنُ عُلَية.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، عَنْ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: كَانَ بشر يصلي كل يوم أربعمائة رَكْعَةٍ، وَيَصُوْمُ يَوْماً، وَيُفْطِرُ يَوْماً، وَذُكِرَ عِنْدَهُ إِنْسَانٌ مِنَ الجَهْمِيَّةِ، فَقَالَ: لاَ تَذْكُرُوا ذَاكَ الكَافِرَ.
قَالَ أَبُو زُرْعة، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، وَكَانَ عُثْمَانِيّاً توفي: سنة ست وثمانين ومائة.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 290"، والتاريخ الكبير "2/ ترجمة 1769"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 1410"، والعبر "1/ 296"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 286"، والكاشف "1/ ترجمة 601" وتهذيب التهذيب "1/ 458"، وتقريب التهذيب "1/ 101".(7/495)
وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: دَخَلْتُ البَصْرَةَ أَوَّلَ دَخْلَةٍ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ، واعتُقِلَ لِسَانُ بِشْرِ بنِ المُفَضَّلِ قَبْلَ أَنْ يَخرُجَ، وَمَاتَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثمانين. وقع لي من عواليه:
قرأت على إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُعَدَّل، أَخبرَكُم الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ فِي سنة ست عشرة وستمائة، أَخْبَرَنَا خَطِيْبُ المَوْصِلِ أَبُو الفَضْلِ بنُ الطُّوْسِيِّ، وشُهْدَة الكَاتِبَةُ، وتَجَنِّي الوَهْبَانِيَّةُ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا طِرَاد بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، وَقَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ السَّعْدِيُّ، أَخبرُكُم عَلِيُّ بنُ مُخْتَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ، قالا: أخبرنا هلال بن محمد الحفَّار، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى بنِ عيَّاش، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْعَثِ أَحْمَدُ بنُ المِقْدَام العِجْلِيُّ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَبَلَة بنِ سُحَيم، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِنْ مَخِيْلَةٍ، فَإِنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ" 1.
وَبِهِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثار: سَمِعْتُ ابْنِ عُمَرَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِنْ مَخِيْلَةٍ، فَإِنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ" 2.
وَبِهِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُسْلِمِ بنِ يَنَّاق: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي دَارِ خَالِدٍ، فَرَأَى رَجُلاً يَجرُّ إِزَارَهُ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ? فَقَالَ: مَنْ بَنِي لَيْثٍ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأُذُنَيَّ هَاتَيْنِ يَقُوْلُ: "مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ، لاَ يُرِيْدُ بِذَلِكَ إِلاَّ المَخِيْلَةَ، لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ" 3.
بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، عَنْ بَشِيْرِ بنِ مَيْمُوْنٍ الشَّقَري، عَنْ عَمِّهِ أُسَامَةَ بنِ أَخْدَرِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِرَجُلٍ: "مَا اسْمُكَ "؟. قَالَ: أَصْرَمُ. فَقَالَ: "أَنْتَ زُرْعة" 4.
هَذَا صَحِيْحٌ غَرِيْبٌ مَعْدُوْدٌ فِي أَفْرَادِ بِشْرِ. خرجه أبو داود.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "2/ 81"، ومسلم "2085" "43" من طريق شعبة، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "5791"، ومسلم "2085"، والنسائي "8/ 206"، وأحمد "2/ 42 و46".
3 صحيح: أخرجه مسلم "2085" "45"، وأحمد "2/ 45" من طريق مسلم بن يَنَّاق عن ابن عمر، به.
4 صحيح: أخرجه أبو داود "4954" من طريق مسدد، عن بشر بن المفضل، به.(7/496)
1323- أبو سفيان المَعْمَري 1: "م، س، ق"
الحَافِظُ الحُجَّةُ، أَبُو سُفْيَانَ محمد بن حُميد البصري، المَعْمَرِيُّ. اشْتُهِرَ بِذَلِكَ لارْتِحَالِهِ إِلَى مَعْمَرٍ بِالِيَمَنِ. وَكَانَ مِنَ الصُّلَحَاءِ العُبَّادِ وَالمُتْقِنِيْنَ المُتَّقِيْنَ.
حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَمَعْمَرٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَغَيْرِهِم.
وَعَنْهُ: سُريج بنُ يُوْنُسَ، وَأَبُو خَيثمة، وَالنُّفَيْلِيُّ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَحُمَيْدُ بنُ الرَّبِيْعِ، وَسُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو دَاوُدَ.
وَهَذَا لَمْ يَرْوِ لَهُ البُخَارِيُّ، وَرَوَى: لأَبِي سُفْيَانَ الحِمْيَرِيِّ الوَاسِطِيِّ، وَفِيْهِ شَيْءٌ.
قَالَ الخَطِيْبُ: مُحَمَّدُ بنُ حُميد اليَشْكُرِيُّ المَعْمَرِيُّ مَذْكُوْرٌ بِالصَّلاَحِ وَالعِبَادَةِ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: عَبْدُ الرَّزَّاقِ أحبُّ إليَّ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ قَانِعٍ: مَاتَ المعمري سنة اثنتين وثمانين ومائة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 166"، والضعفاء الكبير للعقيلي "4/ ترجمة 1611"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 1272"، وتاريخ بغداد "2/ 257"، والعبر "1/ 283"، والكاشف "3/ ترجمة 4884"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 7452"، وتهذيب التهذيب "9/ 131-132"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6167".(7/497)
1324- حسان بن إبراهيم 1: "خَ، م، د"
الإِمَامُ الفَقِيْهُ المُحَدِّثُ، قَاضِي كرمان؛ أبو هشام الكوفي ثم الكرماني.
حَدَّثَ عَنْ: سَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ، الثَّوْرِيِّ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَيُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ الأَيْلِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: الأَزْرَقُ بنُ عَلِيٍّ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضَّبَّي، وَعَلِيُّ بنُ حُجر، وَإِسْحَاقُ بن شاهين، وآخرون كثيرون.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "3/ ترجمة 148"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 320"، والضعفاء الكبير للعقيلي "1/ ترجمة 309"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 1056"، والكامل لابن عدي "2/ ترجمة 501"، وتاريخ بغداد "8/ 260"، والعبر "1/ 293"، والكاشف "1/ ترجمة 1003"، وميزان الاعتدال "1/ 477"، والمغني "1/ ترجمة 1368"، وتهذيب التهذيب "2/ 245"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1298"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 309".(7/497)
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
وَاسْتَنْكَرَ لَهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَحَادِيْثَ.
مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثْتُ أَبِي بِحَدِيْثٍ لِحَسَّانِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، رَوَاهُ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ، عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الحُسَيْنِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا دَخَلَ المَسْجَدَ قَالَ: "السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتكَ". فَقَالَ أَبِي: مَا هَذَا مِنْ حَدِيْثِ عَاصِمٍ، هَذَا مِنْ حَدِيْثِ لَيْثِ بن أبي سليم1. فذكرت لأبي عن حَسَّانٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ الكُوْفِيِّ، سَمِعْتُ العَلاَءَ، سَمِعَ مَكْحُوْلاً، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَوَاثِلَةَ: "كَانَ نَبِيُّ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَامَ فِي الصَّلاَةِ، لَمْ يَلْتَفِتْ وَرَمَى بِبَصَرِهِ إِلَى مَوْضِعِ سُجُوْدِهِ". فَأَنْكَرَهُ أَبِي، وَقَالَ: اضربْ عليه2.
__________
1 صحيح لغيره: أخرجه العقيلي في "القضاء" "1/ 255" بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي "314"، وأحمد "6/ 282"، وإسماعيل القاضي في "فضل الصَّلاَة عَلَى النَّبِيِّ -صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّم" "84" من طريق ليث بن أبي سليم، عن عبد الله بن الحسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن جدتها فاطمة الكبرى، به. وفيه ليث بن أبي سليم، ضعيف، وفيه الانقطاع بين فاطمة بنت الحسين، وجدتها فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنها لم تدركها لأن فاطمة الكبرى ماتت بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشهور وكانت أول آل بيته لحاقا به -صلى الله عليه وسلم. لكن للحديث شاهد عند مسلم "713"، وأبي داود "465"، وابن ماجة "772" من حديث أبي حميد أو أبي أسيد مرفوعا بلفظ: "إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك".
2 أخرجه العقيلي في "الضعفاء" "1/ 255" في ترجمة "حسان بن إبراهيم الكرماني" ومن طريقة عن عبد الملك الكوفي، به.(7/498)
1325- عبد الله بن إدريس 1: "ع"
ابن يزيد بن عبد الرحمن، الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُقْرِئُ، القُدوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو مُحَمَّدٍ، الأَوْدِيُّ، الكُوْفِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَمِسْعَرٍ، وَسُفْيَانَ، وَالحَسَنِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَأَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَالمُخْتَارِ بنِ فُلْفُلٍ، وَيَزِيْدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَعَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَابْنِ عَجْلاَنَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَخَلْقٍ.
وَتَلاَ عَلَى نَافِع، وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّيْنِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مَالِكٌ -وَهُوَ مِنْ مَشَايِخِهِ- وَابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُثْمَانُ ابْنَا أَبِي شَيْبَةَ، وَهَنَّادٌ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ العُطَارِدِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَقَدْ أَقْدَمَهُ الرَّشِيْدُ بَغْدَادَ لِيُوَلِّيَهُ قَضَاءَ الكُوْفَةِ، فَامْتَنَعَ.
قَالَ بِشْرُ بنُ الحَارِثِ: مَا شَرِبَ أَحَدٌ مَاءَ الفرات فسلم، إلا عبد الله ابن إِدْرِيْسَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ ابْنُ إدريس نسيج وحده.
قال يعقوب ابن شَيْبَةَ: كَانَ عَابِداً، فَاضِلاً، كَانَ يَسْلُكُ فِي كَثِيْرٍ مِنْ فُتْيَاهُ وَمَذَاهِبِهِ مسَالكَ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، يُخَالِفُ الكُوْفِيِّيْنَ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكٍ صدَاقَةٌ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ قِيْلَ: إِنَّ جَمِيْعَ مَا يرويه مالك في "المُوَطَّأِ"، فَيَقُوْلُ: بَلَغَنِي عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ إِدْرِيْسَ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ حُجَّةٌ، إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ.
وَقِيْلَ: لَمْ يَكُنْ بِالكُوْفَةِ أَحَدٌ أَعبدَ للهِ مِنِ ابْنِ إِدْرِيْسَ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ أَرَ بِالكُوْفَةِ أَفْضَلَ مِنْهُ.
أَبُو دَاوُدَ: عَنْ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنِ الكِسَائِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي هَارُوْنُ الرَّشِيْدُ: مَنْ أَقرَأُ النَّاسِ? فَقُلْتُ: عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ? قُلْتُ: ثُمَّ حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ? قُلْتُ: رَجُلٌ آخرُ.
وَعَنْ حُسَيْنٍ العَنْقَزِي، قَالَ: لَمَّا نَزَلَ بِابْنِ إِدْرِيْسَ المَوْتُ، بَكَتْ بِنْتُهُ. فَقَالَ: لاَ تَبْكِي يَا بُنَيَّة، فَقَدْ خَتَمْتُ القُرْآنَ فِي هَذَا البَيْتِ أَرْبَعَةَ آلاَفِ ختمة.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 389"، والتاريخ الكبير "5/ ترجمة 97"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 44"، وتاريخ بغداد "9/ 415"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 262"، والكاشف "2/ ترجمة 2650"، والعبر "1/ 308"، وجامع التحصيل للعلائي "ترجمة 337"، وتهذيب التهذيب "5/ 144" وتقريب التهذيب "1/ 401"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3380"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 330".(7/499)
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: كَانَ ابْنُ إِدْرِيْسَ إِذَا لَحَنَ أَحَدٌ فِي كَلاَمِهِ، لَمْ يُحَدِّثْهُ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: سمعت ابن إدريس يقول: عندي قوصرة ملكَايَةٌ، وَرَاويَةٌ مِنْ حَوْضِ الرَّبَابِيْنَ، وَدَبَّةُ زَيْتٍ، مَا أَحَدٌ أَغْنَى مِنِّي.
وَكَانَ ابْنُ إِدْرِيْسَ يُحَرِّمُ النَّبِيذَ، وَقَالَ: قُلْتُ لِحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ: اتركِ الجُلُوْسَ فِي المَسْجَدِ. فَقَالَ: أَنْتَ قَدْ تَرَكتَ ذَلِكَ وَلَمْ تَتركْ؟ قُلْتُ: لأَنْ يَأْتِيَنِي البَلاَءُ وَأَنَا فَارٌّ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْتِيَنِي وَأَنَا مُتَعَرِّضٌ لَهُ.
قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ إِدْرِيْسَ يَقُوْلُ:
كُلُّ شرَابٍ مُسْكِرٍ كَثِيْرُهُ ... فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ يَسِيْرُهُ
إِنِّيْ لَكُم مِنْ شَرِّهِ نَذِيرُهُ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ إِدْرِيْسَ يَقُوْلُ: كَتَبتُ حَدِيْثَ أَبِي الحورَاءِ، فَكَتَبتُ تَحْتَهُ: "حورٌ عِيْنٌ".
قُلْتُ: لَمْ يَكُنْ لَهُم فِي ذَلِكَ الوَقْتِ شَكْلٌ بَعْدُ.
قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بنُ نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ البُورَانِيُّ، قَالَ: قُرِئَ كِتَابُ الخَلِيْفَةِ إِلَى ابْنِ إِدْرِيْسَ وأنا حَاضِرٌ: مِنْ عَبْدِ اللهِ هَارُوْنَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ. قَالَ: فَشَهقَ ابْنُ إِدْرِيْسَ شَهْقَةً، وَسقطَ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَقُمْنَا إِلَى العَصْرِ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ، وَانتبَهَ قُبِيْلَ المَغْرِبِ، وَقَدْ صَبَبْنَا عَلَيْهِ المَاءَ، فَلاَ شَيْءَ. قَالَ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ، صَارَ يَعْرِفُنِي حَتَّى يَكْتُبَ إِلَيَّ، أَيُّ ذَنْبٍ بَلَغَ بِي هَذَا?!
قُلْتُ: قَدْ وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِراش، وَالنَّاسُ.
وَقِيْلَ بَلْ كَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، وَمَاتَ بِالكُوْفَةِ، فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ ابْنُ عمَّار المَوْصِلِيُّ كَانَ ابْنُ إِدْرِيْسَ مِنْ عِبَادِ الله الصَّالِحِيْنَ، مِنَ الزُّهَادِ، وَكَانَ ابْنُهُ أَعبدَ مِنْهُ، وَلَمْ أَرَ بِالكُوْفَةِ أَحَداً أَفْضَل مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ، وَعَبْدَةَ بنِ سُلَيْمَانَ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ جَوَّاسٍ: سَمِعْتُ ابْنَ إِدْرِيْسَ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَجَمَاعَةٌ فِي مَوْلِدِهِ، وهو المحفوظ.(7/500)
وَرَوَى العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ الخَلاَّلُ، عَنْ عَرَفَةَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، عَنِ ابْنِ إِدْرِيْسَ، قَالَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: مَاتَ حَمَّادُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ إِدْرِيْسَ: وفيها مولدي، فهذا قول شاذ.
وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 92، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مُثَنَّى، وَالأَشَجُّ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَزَادَ فِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، وَقَدْ غلطَ بَعْضُ القُرَّاءِ، وَزَعَمَ أَنَّ ابْنَ إِدْرِيْسَ تَلاَ عَلَى ابْنِ كَثِيْرٍ، مَا لَحِقَهُ، وَلاَ قَاربَ.
ورُويَ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ وَكِيْعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ إِدْرِيْسَ امْتنعَ مِنَ القَضَاءِ، وَقَالَ لِلرَّشِيْدِ: لاَ أَصلُحُ. فَقَالَ الرَّشِيْدُ: وَدِدْتُ أَنِّيْ لَمْ أَكنْ رَأَيتُكَ. فَقَالَ: وَأَنَا وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ رَأَيتُك، فَخَرَجَ، ثُمَّ ولى حفص ابن غِيَاثٍ، وَبَعَثَ الرَّشِيْدُ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ إِلَى ابْنِ إِدْرِيْسَ، فَقَالَ لِلرَّسولِ -وَصَاحَ بِهِ: مُرَّ مِنْ هُنَا. فَبَعَثَ إِلَيْهِ الرَّشِيْدُ: لَمْ تَلِ لَنَا، وَلَمْ تَقْبَلْ صِلَتَنَا، فَإِذَا جَاءكَ ابْنِي المَأْمُوْنُ، فَحَدِّثْه. فَقَالَ: إِنْ جَاءَ مَعَ الجَمَاعَةِ حَدَّثْنَاهُ، وَحَلَفَ أَلاَ يُكَلِّمَ حَفْصَ بنَ غِيَاثٍ حَتَّى يَمُوْتَ.
أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيْسَ، قال لي الأعمش: والله لأحدثتك شَهْراً. فَقُلْتُ: وَاللهِ لاَ أَتَيْتُكَ سَنَةً. قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ سَنَةٍ. فَقَالَ: ابْنُ إِدْرِيْسَ? قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أُحِبُّ أَنْ يَكُوْنَ لِلْعربِيِّ مَرَارَةٌ.
قَالَ حُسَيْنُ بنُ عَمْرٍو العَنْقَزِي: لَمَّا نَزَلَ بعَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ المَوْتُ: بَكتْ بِنتُهُ. فَقَالَ: لاَ تَبْكِي، قَدْ خَتَمْتُ فِي هَذَا البَيْت أَرْبَعَةَ آلاَفِ ختمَةٍ.
قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ، وَجَعَلَ يذم قراءة حَمْزَةَ، وَقَالَ: إِنَّمَا نَزَلَ القُرْآنُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ، وَهِيَ التَّفخِيمُ، فَقَالَ لَهُ: بِشْرُ بنُ مُوْسَى: حَدَّثَنَا نَوْفَلُ. فَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: نَوْفَلٌ ثِقَةٌ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ إِدْرِيْسَ يَقُوْلُ لحَمْزَةَ: اتَّقِ اللهَ، فَإِنَّكَ رَجُلٌ تَتَأَلَّهُ، وَهَذِهِ القِرَاءةُ لَيْسَتْ قِرَاءةَ عَبْدِ اللهِ، وَلاَ قِرَاءةَ غَيْرِهِ. فَقَالَ حَمْزَةُ: أَمَّا إِنِّيْ أَتَحَرَّجُ أَنْ أَقرَأَ بِهَا فِي المِحْرَابِ. قُلْتُ: لِمَ? قَالَ: لأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ قِرَاءةُ القَوْمِ. قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهَا إِذاً? قَالَ: إِنْ رَجَعتُ مِنْ سَفَرِي، لأَتْرُكَنَّهَا. ثُمَّ قَالَ ابْنُ إِدْرِيْسَ: مَا أَسْتجِيْزُ أَنْ أَقُوْلَ لِمَنْ يَقرَأُ لِحَمْزَةَ: إِنَّهُ صَاحِبَ سُنَّةٍ.
قُلْتُ: اشْتُهِرَ تَحذِيرُ ابْنِ إِدْرِيْسَ مِنْ ذَلِكَ، وَاللهُ يَغفرُ لَهُ، وَقَدْ تَلَقَّى المُسْلِمُوْنَ حُرُوْفَهُ بِالقَبُوْلِ، وَأَجْمَعُوا اليَوْمَ عَلَيْهَا. وَأَعْلَى مَا يَقَعُ حَدِيْثُ ابْنِ إِدْرِيْسَ فِي جُزْءِ ابْنِ عَرَفَةَ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ، وَجَرِيْرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ فِي اللَّيْلِ سَاعَةً لاَ يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِم يَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- فِيْهَا خَيْراً مِنْ أَمرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ".
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ عثمان، عن جرير وحده.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "757".(7/501)
1326- محمد بن سَلَمَة 1: "م، 4"
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُفْتِي، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَرَّاني.
حَدَّثَ عَنْ: خُصَيف الجَزَرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَجْلاَنَ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، وَخَالِهِ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيْمِ خَالِدِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيلي، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاح الجَرْجَرَائِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي شُعَيْبٍ الحَرَّانِيُّ، وَعَمْرُو بنُ هِشَامٍ أَبُو أُمَيَّةَ، وَأَبُو يُوْسُفَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الصَّيْدَلاَنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَهْبِ بنِ أَبِي كَرِيْمَةَ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، فَاضِلاً، تُوُفِّيَ فِي آخِرِ سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيلي: مَاتَ فِي أَوَّلِ سنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: حَدِيْثُهُ فِي الكتب سوى صحيح البخاري.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 485"، والتاريخ الكبير "1/ ترجمة 302"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 387 و506 و511" و"3/ 162"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 1494"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 296"، والكاشف "3/ ترجمة 4957"، والعبر "1/ 307"، وتهذيب التهذيب "9/ 193" وتقريب التهذيب "2/ 166"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6265"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 529".(7/502)
1327- الأبْرَش 1: "د، ت"
سلمه بن الفضل الرازي الأَبْرَشُ، الإِمَامُ، قَاضِي الرَّيِّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ
حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ إِسْحَاقَ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، وَعَمْرِو بنِ أَبِي قَيْسٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: عَبْدُ اللهِ المُسْندِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ حُمَيد، وَيُوْسُفُ بنُ مُوْسَى القَطَّانُ، وَعِدَّةٌ.
وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِيْنٍ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: عِنْدَهُ مَنَاكِيْرُ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيْفٌ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعة: أَهْلُ الرَّيِّ لاَ يَرغَبُوْنَ فِيْهِ؛ لِظُلمٍ فِيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ يَتَشَيَّعُ، وَكَانَ مُعَلِّمَ كُتَّابٍ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ. يُقَالَ: إِنَّهُ مِنْ أَخشَعِ النَّاسِ فِي صَلاَتِهِ.
قُلْتُ: كَانَ قَوِيّاً فِي المَغَازِي.
تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وقد سمع منه ابن المديني، وتركه.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 381"، والتاريخ الكبير "4/ ترجمة 2044"، والضعفاء والمتروكين للنسائي "ترجمة 241"، والضعفاء الكبير للعقيلي "2/ ترجمة 650"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 739"، والمجروحين لابن حبان "1/ 337"، والكامل لابن عدي "3/ ترجمة 790"، والعبر "1/ 307"، والكاشف "1/ ترجمة 2063"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 3410"، وتهذيب التهذيب "4/ 153"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2642"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 328".(7/503)
1328- مروان بن معاوية 1: "ع"
ابن الحَارِثِ، بنِ عُثْمَانَ بنِ أَسْمَاءَ بنِ خَارِجَةَ بنِ حِصْنِ بنِ حُذَيْفَةَ بنِ بَدْرٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الفَزَارِيُّ، الكُوْفِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الفَتْحِ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ الطَّائِيُّ، عَنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الأرْمَوي، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ الزَّاهِدُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ السُّكَّرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بن عبد الجبار، حدثنا
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 329"، والتاريخ الكبير "7/ ترجمة 1598"، والضعفاء الكبير للعقيلي "4/ ترجمة 1785"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1246"، وتاريخ بغداد "13/ 149"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 275"، والعبر "1/ 311"، والكاشف "3/ ترجمة 5467"، وتهذيب التهذيب "10/ 96"، وتقريب التهذيب "2/ 239"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 6930"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 333".(7/503)
يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِلاَلُ بنُ سُوَيْدٍ الأَحْمَرِيُّ: سَمِعْتُ أَنَساً يَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُهدِيَ لَهُ ثَلاَثُ طَوَائِرَ، فَأَطْعَمَ خَادِمَهُ طَيْراً، فَلَمَّا كَانَ الغَدَاةُ، أَتَاهُ بِهِ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَمْ أَنْهَكَ أَنْ تَخْبَأَ شَيْئاً لِغَدٍ؟ فَإِنَّ اللهَ -تَعَالَى- يَأْتِي بِرِزْقِ كُلِّ غَدٍ"1.
حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ. وَهِلاَلٌ وَاهٍ، وَيُقَالُ: هُوَ أَبُو ظِلاَلٍ.
مَرْوَانُ هُوَ ابْنُ عَمِّ الإِمَامِ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُلْصَقَ به؛ لأنه في طبقته.
وُلِدَ فِي خِلاَفَةِ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ.
وَحَدَّثَ عَنْ: حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَأَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَعَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، وَسَعْدِ بنِ عُبَيْدٍ، وَالحَسَنِ بنِ عَمْرٍو الفُقَيمي، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَهَاشِمِ بنِ هَاشِمِ بنِ عُتْبَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ كَيْسَانَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَالأَعْمَشِ، وَبَهْزِ بنِ حَكِيْمٍ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَرِشْدِيْنَ بنِ كُرَيب، وَطَلْحَةَ بنِ يَحْيَى، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَصَمِّ، وَعَطَاءِ بنِ عَجْلاَنَ، وَمُحَمَّدِ بنِ سُوْقَةَ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَهِلاَلِ بنِ عَامِرٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
كَانَ جَوَّالاً فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحُمَيْدِيُّ، وَزَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَابْنُ رَاهَوَيْه، وَأَبُو خَيْثَمة، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، ودُحَيم، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَأَبُو كُرَيب، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى العَدَنِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الدَّورقي، وَمُحَمَّدُ بنُ هِشَامِ بنِ مَلاَسٍ، وَأَبُو عَمَّارٍ الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَسُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَعَمْرُو بنُ رَافِعٍ القَزْوِيْنِيُّ، وَعَمْرُو بنُ عُثْمَانَ، وَكَثِيْرُ بنُ عُبَيْدٍ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم.
وَحَدِيْثُهُ يُرْوَى اليَوْمَ بِعُلُوٍّ فِي "جُزْءِ ابْنِ عَرَفَةَ".
رَوَى أَبُو بَكْرٍ الأَسَدِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: ثَبْتٌ، حَافِظٌ. وَرَوَى: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: مَا كَانَ أَحْفَظَه! كَانَ يَحفَظُ حَدِيْثَهُ.
وروى عثمان الدارمي، عن يحيى: ثقة
__________
1 ضعيف جدا: أخرجه أحمد "3/ 198"، وفي "الزهد" له "37"، وفيه هلال بن سويد، وهو واه كما قال الذهبي في "الميزان".(7/504)
وَكَذَا وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: ثِقَةٌ فِيْمَا رَوَى عَنِ المَعْرُوْفِيْنَ، وَضَعَّفَهُ فِيْمَا رَوَى عَنِ المَجْهُوْلِيْنَ.
قُلْتُ: إِنَّمَا الضَّعفُ مِنْ قِبَلِهِم، كَانَ يَرْوِي عَنْ كُلِّ ضَرْبٍ، وَقَدْ كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ مَع جَلاَلَتِه يَفْعَلُ كَذَلِكَ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ الجُنيد: قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: كَانَ مَرْوَانُ يَلتَقِطُ الشُّيُوْخَ مِنَ السِّكَكِ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، مَا حَدَّثَ عَنِ المَعْرُوْفِيْنَ، وَمَا حَدَّثَ عَنِ المَجْهُوْلِيْنَ فَفِيْهِ مَا فِيْهِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، لاَ يُدْفَعُ عَنْ صِدْقٍ، وَتَكثُرُ رِوَايَتُهُ عَنِ الشُّيُوْخِ المَجْهُوْلِيْنَ.
وَقَالَ عَبَّاسٌ الدُّوري: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْ حَدِيْثِ مَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي الوَلِيْدِ، فَقَالَ: هَذَا هُوَ عَلِيُّ بنُ غُراب، وَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَحْيَلَ لِلتَّدْلِيسِ مِنْهُ.
قَالَ دُحَيم، وَغَيْرُهُ: مَاتَ فَجْأَةً، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ ومائة، قبل التروية بيوم.(7/505)
1329- معاذ بن معاذ 1: "ع"
ابن نصر بن حسان بن الحُرِّ بنِ مَالِكِ بنِ الخَشْخاش التَّمِيْمِيُّ، القَاضِي، الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو المُثَنَّى العَنْبَرِيُّ، البَصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَأَشْعَثَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَعَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، وَأَبِي كَعْبٍ صَاحِبِ الحَرِيْرِ، وكَهْمَس، وقُرَّة بنِ خَالِدٍ، والنَّهَّاس بنِ قَهْم، وَابْنِ عَوْنٍ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَحَاتِمِ بنِ أَبِي صَغِيْرَةَ، وَعِمْرَانَ بنِ حُدَير، وَشُعْبَةَ، وَعَاصِمِ بنِ مُحَمَّدٍ العُمَرِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَخَلْقٍ.
وَعَنْهُ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَيَحْيَى، وَعَلِيٌّ، وبُندار، وَمُحَمَّدُ بنُ مُثَنَّى، وَإِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى الخَطْمِي، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَاتِمٍ السَّمِيْنُ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ الحَكَمِ الوَرَّاقُ، وَأَبُو خَيثمة، وَعَمْرٌو الفَلاَّسُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القطان، وأحمد بن سنان
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 293"، والتاريخ الكبير "7/ ترجمة 1571"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1132"، وتاريخ بغداد "13/ 131"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 306"، والكاشف "3/ ترجمة 5606"، والعبر "1/ 320"، وتهذيب التهذيب "10/ 194"، وتقريب التهذيب "2/ 257"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7063"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 345".(7/505)
القَطَّانُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ الطُّوْسِيُّ، وَابْنَاهُ؛ المُثَنَّى وَعُبَيْدُ اللهِ، وَسَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَقَدْ رَوَى أَيْضاً عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الزِّنَادِ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، إِلَيْهِ المنتهى في التثبت بِالبَصْرَةِ، وَقَالَ: هُوَ قُرَّةُ عَيْنٍ فِي الحَدِيْثِ. رَوَاهَا: المَرُّوذِي، عَنْهُ.
وَرَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ حُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ عَامِرٍ، وَلاَ رَأَيْتُ أَعقَلَ مِنْ مُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ، كَأَنَّهُ صَخْرَةٌ.
وَقَالَ الكَوْسَج عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَزْهَرُ السَّمَّانُ فِي ابْنِ عَوْنٍ، أَوْ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ? قَالَ: ثِقَتَانِ. قُلْتُ: فَمُعَاذٌ أَثْبَتُ فِي شُعْبَةَ، أَوْ غُنْدَرٌ? قَالَ: ثِقَةٌ، وَثِقَةٌ.
وَقَالَ النَّسائي: مُعَاذٌ ثِقَةٌ، ثَبْتٌ.
قَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: طَلَبتُ الحَدِيْثَ مَعَ رَجُلَينِ مِنَ العَرَبِ: خَالِدِ بنِ الحَارِثِ الهُجَيْمِيِّ، وَمُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ العَنْبَري، وَأَنَا مَوْلَىً لِقُرَيْشٍ، لِتَيْمٍ، فَوَاللهِ مَا سَبَقَانِي إِلَى مُحَدِّث قَطُّ، فَكَتَبَا شَيْئاً حَتَّى أَحضُرَ، وَإِذَا تَابَعَانِي، لاَ أُبَالِي مَنْ خَالَفَنِي مِنَ النَّاسِ. وَسَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: مَا بِالكُوْفَةِ، وَلاَ البَصْرَةِ، وَلاَ الحِجَازِ أَثْبَتُ مِنْ مُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ، وَمَا أُبَالِي إِذَا تَابعنِي مَنْ خَالَفَنِي، وَقَدْ كَانَ شُعْبَةُ يَحْلِفُ: لاَ يُحَدِّثُ، فَيَستَثنِي مُعَاذاً وَخَالِداً.
وَوَرَدَ أَنَّ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ قَالَ فِي سُجُوْدِهِ مَرَّةً: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِخَالِدِ بنِ الحَارِثِ، وَمُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِنِّيْ لأَسْتَغْفِرُ لِسَبْعِيْنَ مِنْ إِخْوَانِي فِي سُجُوْدِي، أُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَاءِ آبَائِهِم.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ: مَا عَلِمتُ أَحَداً قَدِمَ بَغْدَادَ إِلاَّ وَقَدْ تُعُلِّقَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الحَدِيْثِ، إِلاَّ مُعَاذاً العَنْبَرِيَّ، مَا قَدِرُوا أَنْ يَتَعَلَّقُوا عَلَيْهِ بِحَدِيْثٍ، مَعَ شُغْلِهِ بِالقَضَاءِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ بنو العباس، بدءوا بِالصَّلاَةِ قَبْلَ الخُطْبَةِ، فَانْصَرَفَ النَّاسُ وَهُم يَقُوْلُوْنَ: بُدِّلَتِ السُّنَّةُ، بُدِّلَتِ السُّنَّةُ يَوْمَ العِيْدِ.
قَالَ الفَلاَّسُ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، فِي أَوَّلِهَا، وَوُلِدَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، فِي آخِرِهَا، كَانَ أَكْبَرَ مِنِّي بِشَهْرَيْنِ.(7/506)
وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُعَاذٍ: مَاتَ أَبِي سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، وَلِيَ قَضَاءَ البَصْرَةِ لِهَارُوْنَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، ثُمَّ عُزِل، وَتُوُفِّيَ بِالبَصْرَةِ، فِي ربِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ صَبَّاح، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الخِلَعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ العَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِنَهْرٍ يَجْرِي، حَافَتَاهُ خِيَامُ اللُؤْلُؤِ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي إِلَى مَا يَجْرِي فِيْهِ المَاءُ، فَإِذَا مِسْكٌ أَذْفَرُ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيْلُ? قَالَ: هَذَا الكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللهُ -عزّ وجلّ " 1.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 103 و115-116"، والبخاري "4964"، وأبو داود "4748"، والترمذي "3375"، والنسائي "2/ 132 و134" عن أنس، به.(7/507)
1330- محمد بن حرب 1: "ع"
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الفَقِيْهُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الخَوْلاَنِيُّ، الحِمْصِيُّ، الأبْرَش، كَاتِبُ الزُّبَيْدِيِّ.
حَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الأَلْهَانِيِّ، وَبَحِيْرِ بنِ سَعْدٍ، وَعُمَرَ بنِ رُؤبة، وَمُحَمَّدِ بنِ الوَلِيْدِ الزُّبَيْدِيِّ، وَصَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مُسْهِرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَهْبِ بنِ عَطِيَّةَ، وإسحاق بن رَاهَوَيْه، وَكَثِيْرُ بنُ عُبَيْدٍ، وَأَبُو التَّقِيِّ اليَزَنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَأَبُو عُتْبَةَ الحِجَازِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ: أَنَّهُ وَلِيَ قَضَاءَ دِمَشْقَ.
وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ، وَكَانَ مُجَوِّداً لِحَدِيْثِ الشَّامِيّينَ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ: ثِقَةٌ.
قَالَ الكَلاَبَاذِيُّ: حَدِيْثُهُ فِي العِلْمِ2، وَالطِّبِّ3، وَصَلاَةِ الخَوْفِ4. يَعْنِي: مِنْ صَحِيْحِ البُخَارِيِّ.
قَالَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهِ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ دَاوُدَ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا وَجِيهُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الأَزْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَمْدُوْنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ، أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً، فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ، فَقَالَ: "اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ5، عَنْ مُحَمَّدٍ الذُّهْلِيِّ.
وَيقعُ لِي حَدِيْثُ مُحَمَّدِ بنِ حرب عاليًا في صفة المنافق.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 470"، والتاريخ الكبير "1/ ترجمة 161"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 385" و"2/ 316" و"3/ 4-5"، والكنى للدولابي "2/ 59"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 1299"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 287"، والكاشف "3/ ترجمة 4859"، والعبر "1/ 315"، وتهذيب التهذيب "9/ 109"، وتقريب التهذيب "2/ 153"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6135"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 341".
2 صحيح: أخرجه البخاري في "كتاب العلم" حديث رقم "77" قال البخاري -رحمه الله- حدثني محمد بن يوسف، قال حدثنا أبو مسهر، قال حدثني محمد بن حرب، حدثني الزبيدي، عن الزهري عن محمود بن الربيع، قال: عقلت من النبي -صلى الله عليه وسلم- مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو.
3 صحيح: أخرجه البخاري "5739" في "كتاب الطب" حدثنا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ وَهْبٍ بن عطية الدمشقي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الوليد الزبيدي، أخبرنا الزهري، عن عروة بن الزبير، عن زينب ابنة أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ فَقَالَ: "استرقوا لها فإن بها النظرة".
4 صحيح: أخرجه البخاري "944" في "كتاب الخوف" حدثنا حيوة بن شريح، قال حدثنا محمد بن حرب، عن الزبيدي، عَنِ الزُهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قام النبي -صلى الله عليه وسلم- وقام الناس معه فكبر وكبروا معه، وركع وركع ناس منهم، ثم سجد وسجدوا معه، ثم قام للثانية فقام الذين سجدوا وحرسوا إخوانهم، وأتت الطائفة الأخرى فركعوا وسجدوا معه، والناس كلهم في صلاة ولكن يحرس بعضُهم بعضًا.
5 صحيح: أخرجه البخاري "5739"، ومسلم "2197" من طريق محمد بن حرب، به.(7/508)
1331- البَرْمَكي 1:
الوزير الملك أبو الفضل جعفر، ابْنُ الوزِيْرِ الكَبِيْرِ أَبِي عَلِيٍّ يَحْيَى ابْنِ الوَزِيْرِ خَالِدِ بنِ بَرْمَكٍ الفَارِسِيُّ.
كَانَ خَالِدٌ مِنْ رِجَالِ العَالَمِ، تَوَصَّلَ إِلَى أَعْلَى المَرَاتِبِ فِي دَوْلَةِ أَبِي جَعْفَرٍ، ثُمَّ كَانَ ابْنُهُ يَحْيَى كَامِلَ السُّؤْدُدِ، جَلِيْلَ المِقْدَارِ، بِحَيْثُ إِنَّ المَهْدِيَّ ضَمَّ إِلَيْهِ وَلَدَهُ الرَّشِيْدَ، فَأَحْسَنَ تَرْبِيَتَهُ، وأدبه، فلما أفضت الخلافة إِلَى الرَّشِيْدِ، رَدَّ إِلَى يَحْيَى مَقَالِيْدَ الأُمُوْرِ، وَرَفَعَ مَحَلَّهُ، وَكَانَ يُخَاطِبُهُ: يَا أَبِي، فَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الوُزَرَاءِ، وَنَشَأَ لَهُ أَوْلاَدٌ صَارُوا مُلوَكاً، وَلاَ سِيَّمَا جَعْفَرٌ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا جَعْفَرٌ? لَهُ نَبَأٌ عَجِيْبٌ، وَشَأْنٌ غَرِيْبٌ، بَقِيَ فِي الارتِقَاءِ فِي رُتْبَةٍ، شَرَكَ الخَلِيْفَةَ فِي أَمْوَالِهِ، وَلَذَّاتِهِ، وَتَصَرُّفِهِ فِي المَمَالِكِ، ثُمَّ انْقَلْبَ الدَّسْتُ فِي يَوْمٍ، فَقُتِلَ، وَسُجِنَ أَبُوْهُ وَإِخوَتُهُ إِلَى المَمَاتِ، فَمَا أَجهَلَ مَنْ يَغتَرُّ بِالدُّنْيَا!
وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ خَالِدٍ يَقُوْلُ: الدُّنْيَا دُوَلٌ، وَالمَالُ عَارِيَّةٌ، وَلَنَا بِمَنْ قَبْلَنَا أُسْوَةٌ، وَفِيْنَا لِمَنْ بَعْدَنَا عِبْرَةٌ.
قَالَ إِسْحَاقُ المَوْصِلِيُّ: كَانَتْ صِلَةُ يَحْيَى إِذَا رَكِبَ لِمَنْ سَأَلَهُ مائَتَيْ دِرْهَمٍ، أَتَيْتُهُ وَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ ضِيْقاً، فَقَالَ: مَا أَصْنَعُ بِكَ؟ مَا عِنْدِي شَيْءٌ، وَلَكِنِّي قَدْ جَاءنِي خَلِيْفَةُ صَاحِبِ مِصْرَ، يَسْأَلُ أَنْ أَسْتَهْدِي صَاحِبَهُ شَيْئاً، فَأَبَيْتُ، فَأَلَحَّ وَبَلَغَنِي أَنَّ لَكَ جَارِيَةً بِثَلاَثَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فهو ذا أَسْتَهدِيهِ إِيَّاهَا، فَلاَ تَنْقُصْهَا مِنْ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ شَيْئاً. قَالَ: فَمَا شَعَرتُ إِلاَّ وَالرَّجُلُ قَدْ أَتَى، فَسَاوَمَنِي بِالجَارِيَةِ، فَبَذَلَ عِشْرِيْنَ أَلْفاً، فَلِنْتُ، فَبِعتُهَا، فَلَمَّا أَتَيْتُ يَحْيَى، عَنَّفَنِي، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا خَلِيْفَةُ صَاحِبِ فَارِسَ، قَدْ جَاءنِي فِي نَحْوِ هَذَا، فَخُذْ جَارِيَتَكَ مِنِّي، فَإِذَا ساومك، لا تنقصها من خمسين ألف دينار. قَالَ: فَأَتَانِي، فَبِعتُهَا بِثَلاَثِيْنَ أَلْفاً فَلَمَّا، صِرْتُ إِلَى يَحْيَى، قَالَ: أَلَمْ نُؤَدِّبْكَ? خُذْ جَارِيَتَكَ. قُلْتُ: قَدْ أَفَدتُ بِهَا خَمْسِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، ثُمَّ تَعُوْدُ إِلَيَّ، هِيَ حُرَّةٌ، وَإِنِّيْ قَدْ تَزَوَّجْتُهَا.
قِيْلَ: إِنَّ وَلداً لِيَحْيَى، قَالَ لَهُ وَهُمْ فِي القُيُوْدِ: يَا أَبَةِ، بَعْدَ الأَمْرِ والنهي وَالأَمْوَالِ صِرْنَا إِلَى هَذَا?! قَالَ: يَا بُنَيَّ! دعوة مظلوم غفلنا عنها، لم يغفل الله عَنْهَا.
مَاتَ يَحْيَى مَسجوناً، بِالرَّقَّةِ، سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، عَنْ سَبْعِيْنَ سَنَةً.
فَأَمَّا جَعْفَرٌ، فَكَانَ مِنْ مِلاَحِ زَمَانِهِ، كَانَ وَسِيْماً، أَبْيَضَ، جَمِيْلاً، فَصِيْحاً، مُفَوَّهاً، أَدِيْباً، عَذْبَ العِبَارَةِ، حَاتِمِيَّ السَّخَاءِ، وَكَانَ لَعَّاباً، غَارِقاً فِي لَذَّاتِ دُنْيَاهُ، وَلِيَ نِيَابَةَ دِمَشْقَ، فَقَدِمَهَا فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، فَكَانَ يَسْتَخلِفُ عَلَيْهَا، وَيُلاَزِمُ هَارُوْنَ، وَكَانَ يَقُوْلُ: إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَيْكَ، فَأَعْطِ، فَإِنَّهَا لاَ تَفْنَى، وَإِذَا أَدبَرَتْ، فَأَعْطِ، فَإِنَّهَا لاَ تَبقَى.
قَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ: هَاجَتِ العَصَبِيَّةُ بِالشَّامِ، وَتَفَاقَمَ الأَمْرُ، فَاغْتَمَّ الرَّشِيْدُ، فَعَقَدَ لِجَعْفَرٍ، وَقَالَ: إِمَّا أَنْ تَخْرُجَ أَوْ أَخْرَجَ. فَسَارَ، فَقَتَلَ فِيْهِم، وَهَذَّبَهُم، وَلَمْ يَدَعْ لَهُم رُمْحاً، وَلاَ قَوْساً، فَهَجَمَ الأَمْرُ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى دِمَشْقَ عِيْسَى بنَ المعلى، ورد.
__________
1 ترجمته في تاريخ بغداد "7/ 152"، ووفيات الأعيان "1/ 328 و346"، والعبر "1/ 298"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 123"، وشذرات الذهب "1/ 311".(7/509)
قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ جَعْفَرٌ عِنْدَ الرَّشِيْدِ بِحَالَةٍ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيْهَا أَحَدٌ، وَجُوْدُهُ أَشهَرُ مِنْ أَنْ يُذكَرَ، وَكَانَ مِنْ ذَوِي اللَّسَن وَالبَلاَغَةِ. يُقَالَ: إِنَّهُ وَقَّعَ لَيْلَةً بِحَضرَةِ الرَّشِيْدِ زِيَادَةً عَلَى أَلْفِ تَوقِيْعٍ، وَنَظَرَ فِي جَمِيْعِهَا، فَلَمْ يُخْرِجْ شَيْئاً مِنْهَا عَنْ مُوْجِبِ الفِقْهِ، كَانَ أبوه قد ضمه إلى القاضي أبي يُوْسُفَ حَتَّى فَقُهَ.
وَعَنْ ثُمَامَةَ بنِ أَشْرَسَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَبْلَغَ مِنْ جَعْفَرٍ البَرْمَكِيِّ، وَالمَأْمُوْنِ.
قِيْلَ: اعْتَذَرَ إِلَى جَعْفَرٍ رَجُلٌ، فَقَالَ: قَدْ أَغنَاكَ اللهُ بِالعُذْرِ مِنَّا عَنِ الاَعتِذَارِ إِلَيْنَا، وَأَغنَانَا بِالمَوَدَّةِ لَكَ عَنْ سُوءِ الظَّنِّ بِكَ.
قَالَ جَحْظَةُ: حَدَّثَنَا مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ، حَدَّثَنِي الرَّشِيْدِيُّ، حَدَّثَنِي مُهَذَّب حَاجِبُ العَبَّاسِ بنِ مُحَمَّدٍ -يَعْنِي: أَخَا المَنْصُوْرِ: أَنَّ العَبَّاسَ نَالَتْهُ إِضَاقَةٌ، فَأَخْرَجَ سَفَطاً فِيْهِ جَوْهَرٌ بِأَلْفِ أَلْفٍ، فحمله إلى جعفر، وقال أريد عليه خمسمائة أَلْفٍ. قَالَ: نَعَمْ، وَأَخَذَ السَّفَطَ. فَلَمَّا رَجَعَ العَبَّاسُ إِلَى دَارِهِ، وَجَدَ السَّفَطَ قَدْ سَبَقَهُ، وَمَعَهُ أَلفُ أَلفٍ، وَدَخَلَ جَعْفَرٌ عَلَى الرَّشِيْدِ، فخاطبه في العباس، فأمر له بثلاثمائة أَلْفِ دِيْنَارٍ.
وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ المَوْصِلِيِّ، قَالَ: حَجَّ الرَّشِيْدُ وَجَعْفَرٌ وَأَنَا مَعَهُم، فَقَالَ لِي جَعْفَرٌ: انْظُرْ لِي جَارِيَةً لاَ مِثْلَ لَهَا فِي الغِنَاءِ وَالظَّرَفِ. قَالَ: فَأُرْشِدْتُ إِلَى جَارِيَةٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهَا، وَغَنَّتْ، فَأَجَادَتْ، فَقَالَ مَوْلاَهَا: لاَ أَبِيْعُهَا بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. قُلْتُ: قَدْ أَخَذْتُهَا. فَأُعْجِبَ بِهَا جَعْفَرٌ فَقَالَتِ الجَارِيَةُ: يَا مَوْلاَيَ، فِي أَيِّ شَيْءٍ أَنْتَ? قَالَ: قَدْ عَرَفْتِ مَا كُنَّا فِيْهِ مِنَ النِّعْمَةِ، فَأَرَدْتُ أَنْ تَصِيْرِي إِلَى هَذَا المَلِكِ، فَتَسْعَدِي. قَالَتْ: لَوْ مَلَكْتُ مِنْكَ مَا مَلَكْتَ مِنِّي، مَا بِعتُكَ بِالدُّنْيَا، فَاذْكُرِ العَهْدَ -وَقَدْ كَانَ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكلَ لَهَا ثمناً- فَتَغَرْغَرَتْ عَيْنَاهُ، وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: اشَهَدُوا أَنَّهَا حُرَّةٌ، وَأَنِّي قد تَزَوَّجْتُهَا، وَأَمْهَرْتُهَا دَارِي، فَقَالَ جَعْفَرٌ: انْهضْ بِنَا. فَدَعَوْتُ الحَمَّالِيْنَ لنقلِ الذَّهبِ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: وَاللهِ لاَ صَحِبْنَا مِنْهُ دِرْهَمٌ، وَقَالَ لمَوْلاَهَا: أَنْفِقْهُ عَلَيْكُمَا.
قِيْلَ: كَانَ فِي خَزَائِنِ جَعْفَرٍ دَنَانِيْرَ، زِنَةُ الوَاحِدِ مائَةُ مِثْقَالٍ، كَانَ يَرمِي بِهَا إِلَى أَصطحَةِ النَّاسِ سِكَّتَهُ.
وَأَصْفَرَ مِنْ ضَرْبِ دَارِ المُلُوْكِ ... يَلُوحُ عَلَى وَجْهِهِ جَعْفَرُ
يَزِيْدُ عَلَى مائَةٍ وَاحِداً ... مَتَى يُعْطَه مُعْسِرٌ يُوْسِرُ
وَقِيْلَ: بَلِ الشِّعْر لأَبِي العتَاهِيَةِ، وَكَانَ عَلَى الدِّيْنَارِ صُوْرَةُ جَعْفَرٍ.
قَالَ صَاحِبُ "الأَغَانِي": أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الرَّبِيْعِ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ إسماعيل، عن(7/510)
مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ قَالَ: شَهِدتُ أَبِي يُحَدِّثُ جَدِّي وَأَنَا صَغِيْر، قَالَ: أَخذَ بِيَدِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، فَأَقْبَلَ يَخترقُ الحُجَرَ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى حُجْرَةٍ، فَفَتَحَهَا، وَدَخَلْنَا، فَأَغْلَقَهَا، وَقَعَدْنَا عَلَى بَابٍ وَنَقَرَهُ، فَسَمِعْتُ صَوْتَ عُوْدٍ، فَغَنَّتِ امْرَأَةٌ، فَأَجَادَت، فَطربتُ وَاللهِ، ثُمَّ غَنَّتْ، فَرَقَصْنَا مَعاً، وَخرجنَا، فَقَالَ لِي: أَتعرِفُ هَذِهِ? قُلْتُ: لاَ. قَالَ: عُلَيَّةُ أُخْتِي، وَاللهِ لَئِنْ لفَظْتَ بِهِ لأَقتلَنَّكَ. فَقَالَ لَهُ جَدِّي: فَقَدْ لفظْتَ بِهِ، وَاللهِ لَيَقتُلَنَّكَ.
وَقِيْلَ: إِنَّ امْرَأَةً كِلاَبِيَّةً أَنشدَتْ جَعْفَراً:
إِنِّيْ مَرَرْتُ عَلَى العقِيْقِ وَأَهْلُهُ ... يَشكُوْنَ مِنْ مطر الربيع نزورا
مَا ضَرَّهُم إِذْ مَرَّ فِيْهِم جَعْفَرٌ ... أَنْ لاَ يَكُوْنَ رَبِيْعَهُم مَمْطُورَا
قَدِ اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ مَصْرَعِ جَعْفَرٍ عَلَى أَقْوَالٍ: فَقِيْلَ: إِنَّ جِبْرِيْلَ بنَ بختيَشوعَ الطَّبِيْبَ قَالَ: إِنِّيْ لَقَاعِدٌ عِنْدَ الرَّشِيْدِ، فَدَخَلَ يَحْيَى بنُ خَالِدٍ، وَكَانَ يَدْخُلُ بِلاَ إِذنٍ، فَسَلَّمَ، فَردَّ الرَّشِيْدُ ردّاً ضَعِيْفاً، فَوَجَمَ يَحْيَى. فَقَالَ هَارُوْنُ: يَا جِبْرِيْلَ! يَدْخُلُ عَلَيْكَ أَحَدٌ بِلاَ إِذنٍ? قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَمَا بَالُنَا? فَوَثَبَ يَحْيَى، وَقَالَ: قَدَّمَنِي اللهُ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قِبَلَكَ، وَاللهِ مَا هُوَ إِلاَّ شَيْءٌ خَصَصْتَنِي بِهِ، وَالآنَ فَتُبْتُ، فَاسْتَحْيَى الرَّشِيْدُ، وَقَالَ: مَا أَرَدْتُ مَا تَكرَهُ، وَلَكِنَّ النَّاسَ يَقُوْلُوْنَ.
وَقِيْلَ: إِنَّ ثُمَامَةَ قَالَ: أَوَّلُ مَا أَنْكَرَ يَحْيَى بنُ خَالِدٍ مِنْ أَمرِهِ، أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ اللَّيْثِ رَفَعَ رِسَالَةً إِلَى الرَّشِيْدِ، يَعِظُهُ، وَفِيْهَا: إِنَّ يَحْيَى لاَ يُغنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً، فَأَوْقَفَ الرَّشِيْدُ يَحْيَى عَلَى الرِّسَالَةِ، وَقَالَ: أَتعرفُ مُحَمَّدَ بنَ الليث? قال: نعم، هو منهم عَلَى الإِسْلاَمِ. فَسَجَنَهُ، فَلَمَّا نُكِبَتِ البَرَامِكَةُ، أَحضرَهُ، وَقَالَ: أَتُحِبُّنِي? قَالَ: لاَ وَاللهِ. قَالَ: أَتَقُوْلُ هَذَا قَالَ: نَعَمْ، وَضَعتَ فِي رِجلَيَّ القَيدَ، وَحُلْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ عِيَالِي بِلاَ ذَنْبٍ، سِوَى قَوْلِ حَاسدٍ يَكِيدُ الإِسْلاَمَ وَأَهْلَهُ، وَيُحبُّ الإِلْحَادَ وَأَهْلَهُ. فَأَطلَقَهُ، وَقَالَ: أَتُحِبُّنِي? قَالَ: لاَ، وَلاَ أُبْغِضُكَ. فَأَمَرَ لَهُ بِمائَةِ أَلفٍ، وَقَالَ: أَتُحِبُّنِي? قال: نَعَمْ. قَالَ: انْتقمَ اللهُ مِمَّنْ ظلمَكَ. فَقَالَ النَّاسُ فِي البَرَامِكَةِ وَكَثَّرُوا.
وَقِيْلَ: إِنَّ يَحْيَى دَخَلَ بَعْدُ عَلَى الرَّشِيْدِ، فَقَالَ لِلْغِلْمَانِ: لاَ تَقُوْمُوا لَهُ، فَارْبَدَّ لَوْنُ يَحْيَى.
وَقِيْلَ: بَلْ سَبَبُ قتلِ جَعْفَرٍ، أَنَّ الرَّشِيْدَ سَلَّمَ لَهُ يَحْيَى بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ العلوِيَّ، فَرَقَّ لَهُ، وَأَطلقَهُ سِرّاً، فَجَاءَ رَجُلٌ يَنْعتُهُ إِلَى الرَّشِيْدِ، وَأَنَّهُ رَآهُ بِحُلوَانَ، فَأَعْطَى الرَّجُلَ مَالاً.
وَقِيْلَ: بَلْ أَنشَأَ جَعْفَرٌ دَاراً، أَنْفَقَ عَلَيْهَا عِشْرِيْنَ أَلْفَ أَلفِ دِرْهَمٍ، فَأَسرفَ.(7/511)
وَقِيْلَ: اعْتمرَ يَحْيَى بنُ خَالِدٍ، فَتَعَلَّقَ بِالأَسْتَارِ، وَقَالَ: رَبِّ ذُنُوبِي عَظِيْمَةٌ، فَإِنْ كُنْتَ مُعَاقِبِي، فَاجْعلْ عقُوبَتِي فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ أَحَاطَ ذَلِكَ بِسَمْعِي، وَبَصْرِي، وَمَالِي، وَوَلدِي، حَتَّى أَبلغَ رضَاكَ، فَقدحَ الأَمِيْرُ ابْنُ مَاهَانَ عِنْدَ الرَّشِيْدِ فِي مُوْسَى بنِ يَحْيَى بنِ خَالِدٍ، وَأَعْلَمَهُ طَاعَةَ أَهْلِ خُرَاسَانَ لَهُ، وَأَنَّهُ يُكَاتِبُهُم، فَاسْتوحشَ الرَّشِيْدُ مِنْهُ، وَركِبَهُ دَيْنٌ، فَاخْتفَى مِنَ الغُرَمَاءِ، فَتَوَهَّمَ الرَّشِيْدُ أَنَّهُ سَارَ إِلَى خُرَاسَانَ، ثُمَّ ظهرَ، فَسَجَنَهُ، فَهَذَا أَوَّلُ نَكْبَتِهِم، فَأَتَتْ أُمُّهُ تُلاَطفُ الرَّشِيْدَ، فَقَالَ: يَضمنُهُ أَبُوْهُ، فَضمِنَهُ.
وَغَضِبَ الرَّشِيْدُ أَيْضاً عَلَى الفَضْلِ بنِ يَحْيَى، لِتَرْكِهِ الشُّربَ مَعَهُ، وَكَانَ الفَضْلُ يَقُوْلُ: لَوْ عَلِمتُ أَنَّ شرب الماء ينقص مروءتي، لتركته، وكان مَشْغُوَفاً بِالسَّمَاعِ، وَكَانَ جَعْفَرٌ يُنَادِمُ الرَّشِيْدَ، وَيَأْمرُهُ أَبُوْهُ بِالإِقلاَلِ مِنْ ذَلِكَ، فَلاَ يَسْمَعُ. وَقَالَ يَحْيَى: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! أَنَا أَكرهُ مدَاخِلَ جَعْفَرٍ مَعَكَ، فَلَو اقْتصرْتَ بِهِ عَلَى الإِمْرَةِ دُوْنَ العُشْرَةِ. قَالَ: يَا أَبتِ لَيْسَ ذَا بِكَ، بَلْ تُرِيْدُ أَنْ تُقَدِّمَ الفَضْلَ عَلَيْهِ.
ابْنُ جَرِيْرٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، أَظُنُّه عَنْ عَمِّهِ زَاهِرِ بنِ حَرْبٍ، أَنَّ سَبَبَ هَلاَكِ البَرَامِكَةِ، أَنَّ الرَّشِيْدَ كَانَ لاَ يَصبرُ عَنْ جَعْفَرٍ وَأُخْتِه عَبَّاسَةَ، وَكَانَ يُحْضِرُهُمَا مَجْلِسَ الشَّرَابِ، فَيَقومُ هُوَ، فَقَالَ: أُزَوِّجُكَهَا عَلَى أَنْ لاَ تَمَسَّهَا. قَالَ: فَكَانَا يَثملاَنِ، وَيَذْهَبُ الرَّشِيْدُ، وَيثبُ جَعْفَرٌ عَلَيْهَا، فَوَلَدَتْ مِنْهُ غُلاَماً، فَوَجَّهَتْهُ إِلَى مَكَّةَ، فَاخْتفَى الأَمْرُ، ثُمَّ ضَرَبَتْ جَارِيَةً لَهَا، فَوَشَتْ بِهَا، فَلَمَّا حَجَّ الرَّشِيْدُ، هَمَّ بِقتلِ الطِّفلِ، ثُمَّ تَأْثَّم مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا وَصلَ إِلَى الحِيْرَةِ، بَعَثَ إِلَى مَسْرُوْرٍ الخَادِمِ، وَمَعَهُ أَبُو عِصْمَةَ، وَأَجْنَادٌ، فَأَحَاطُوا بِجَعْفَرٍ لِيْلاً، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَسْرُوْرٌ وَهُوَ فِي مَجْلِسِ لهوٍ، فَأَخْرَجَهُ بِعُنْفٍ، وَقَيَّدَهُ بقِيدِ حِمَارٍ، وَأَتَى بِهِ، فَأَمرَ الرَّشِيْدُ بِقَتْلِهِ.
وَعَنْ مَسْرُوْرٍ قَالَ: وَقَعَ عَلَى رِجْلِي يُقَبِّلُهَا، وَقَالَ: دَعْنِي أَدخلُ فَأُوصِي. قُلْتُ: لاَ سَبِيْلَ إِلَى ذَا، فَأَوصِ بِمَا شِئْتَ فَأَوْصَى، وَأَعتقَ مَمَالِيْكَهُ، ثُمَّ ذَبَحْتُهُ بَعْدَ أَنْ رَاجعتُ فِيْهِ الرَّشِيْدَ، وَجِئْتُهُ بِرَأَسِهِ. وَوجَّهَ الرَّشِيْدُ جُنْداً إِلَى أَبِيْهِ، فَأَحَاطُوا بِهِ وَبأَوْلاَدِهِ وَمَوَالِيْه، وَأُخِذَتْ أَمْوَالُهُم وَأَملاَكُهُم، وَبُعِثَتْ جُثَّةُ جَعْفَرٍ إِلَى بَغْدَادَ، فَصُلِبَ، وَنُودِي: أَلاَ لاَ أَمَانَ لمن آوى بَرْمَكِيّاً، وَصَلَبَ الرَّشِيْدُ أَنَسَ بنَ أَبِي شَيْخٍ عَلَى الزَّنْدَقَةِ، وَكَانَ مُخْتَصّاً بِالبَرَامِكَةِ.
عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المَهْدِيِّ قَالَ: خَلاَ جَعْفَرٌ يَوْماً بِنُدَمَائِهِ وَأَنَا فِيْهِم، وَتضَمَّخَ بِالطِّيبِ، فَجَاءهُ عَبْدُ المَلِكِ بنُ صَالِحٍ، فَدَخَلَ فَاربَدَّ وَجْهُ جَعْفَرٍ، فَدَعَا عَبْدُ المَلِكِ غُلاَمَهُ، فَنَزَعَ سوَادَهُ، وَقَلنسُوتَهُ، وَأَتَى مَجْلِسَنَا، فَأَلبسُوهُ حَرِيْراً، وَأَطعمَ وَشَربَ. فَقَالَ: وَاللهِ مَا شَرِبتُهُ قَبْلَ اليَوْمِ، فَأَخفِ عليَّ، وَنَادَمَ أَحْسَنَ مُنَادِمَةٍ، وَسُرِّيَ عَنْ جَعْفَرٍ، وَقَالَ: اذكُرْ حَوَائِجَكَ، فَإِنِّي لاَ(7/512)
أَسْتَطِيْعُ مُقَابَلَةَ مَا كَانَ مِنْكَ. قَالَ: فِي قَلْبِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عَلَيَّ مَوْجِدَةٌ، فَتُخْرِجُهَا. قَالَ: قَدْ رَضِيَ عَنْكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: وَعَلَيَّ أَرْبَعَةُ آلاَفِ أَلفٍ. قَالَ: قُضِيَ دَينُكَ. قَالَ: وَابْنِي إِبْرَاهِيْمُ، أُحِبُّ أَنْ أُزَوِّجَهُ. قَالَ: قَدْ زَوَّجَهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ بِالعَالِيَةِ بِنْتِهِ. قَالَ: وَأُوثرُ أَنْ يُولَّى بَلَداً. قَالَ: قَدْ وَلاَّهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ مِصْرَ، فَخَرَجَ وَنَحْنُ مُتَعَجِّبُوْنَ مِنْ إِقدَامِ جَعْفَرٍ عَلَى هَذِهِ الأُمُوْرِ العَظِيْمَةِ، مِنْ غَيْرِ اسْتِئِذَانٍ، وَرَكِبَ إِلَى الرَّشِيْدِ، فَأَمْضَى لَهُ الجَمِيْعَ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: بَلَغَ مِنْ أَمْرِ جَعْفَرٍ أَنَّ الرَّشِيْدَ اتَّخَذَ لَهُ ثَوْباً لَهُ زِيقَانَ يَلبَسُهُ هُوَ وَهُوَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَنْهُ صَبْرٌ، وَكَانَتْ عَبَّاسَةُ أُخْتُ الرَّشِيْدِ أَعزَّ امْرَأَةٍ عَلَيْهِ، فَكَانَ مَتَى غَابَت أَوْ غَابَ جَعْفَرٌ تَنغَّصَ، وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: سَأُزَوِّجُكَهَا لِمُجَرَّدِ النَّظَرِ، فَاحْذَرْ أَنْ تَخْلُوَ بِهَا، فَزَوَّجَهُ. فَقِيْلَ: إِنَّهَا أَحَبَّتْهُ، وَرَاوَدَتْهُ، فَأَبَى، وَأَعْيَتْهَا الحِيْلَةُ، فَبَعَثَتْ إِلَى وَالِدَةِ جَعْفَرٍ: أَنِ ابْعثِينِي إِلَى ابْنِكِ كَأَنَّنِي جَارِيَةٌ لك، تتحفينه بها، فأبت. فقالت: لئن لَمْ تَفْعلِي، لأَقُوْلَنَّ عَنْكِ: إِنَّكِ دَعَوتِيْنِي إِلَى هَذَا، وَلَئِنْ وَلَدتُ مِنِ ابْنِكِ، لِيكُوْننَّ لَكُمُ الشرف، فأجابتها. قال: فافتضها، فَقَالَتْ: كَيْفَ رَأَيْتَ خدِيعَةَ بَنَاتِ الخُلَفَاءِ، فَأَنَا مَوْلاَتُكَ، فَطَارَ السُّكرُ مِنْ رَأْسِهِ، وَقَامَ، وَقَالَ لأُمِّهِ: بِعتِيْنِي -وَاللهِ- رَخِيْصاً، وَحَبِلَتْ مِنْهُ، فَلَمَّا وَلدَتْ، وَكَّلَتْ بِالوَلَدِ خَادِماً وَمُرْضِعاً، وَبَعَثتْهُم إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ وَشَتْ بِهَا زُبَيْدَةُ، فَحَجَّ، وَتَحَقَّقَ الأَمْرَ، فَأَضْمَرَ السُّوْءَ لِلبَرَامِكَةِ، وَأَشَارَ أَبُو نُوَاسٍ إِلَى ذَلِكَ، فَقَالَ:
أَلاَ قُل لأَمِيْنِ اللْـ ... ـلَه وَابْنِ القَادَةِ السَّاسَه
إِذَا مَا نَاكِثٌ سرْ ... رَك أَنْ تُعْدِمَهُ رَأْسَه
فَلاَ تَقْتُلْهُ بِالسَّيْفِ ... وَزَوِّجْهُ بِعَبَّاسَه
وَسُئِلَ سَعِيْدُ بنُ سَالِمٍ عَنْ ذَنْبِ البَرَامِكَةِ، فَقَالَ: مَا كَانَ مِنْهُم بَعْضُ مَا يُوجِبُ مَا فَعلَ الرَّشِيْدُ، لَكِن طَالَتْ أَيَّامُهُم، وكل طويل يُمَلُّ.
وقيل: رفعت القصة إِلَى الرَّشِيْدِ فِيْهَا:
قُلْ لأَمِيْنِ الله فِي أَرْضِهِ ... وَمَنْ إِلَيْهِ الحَلُّ وَالعَقْدُ
هَذَا ابْنُ يَحْيَى قَدْ غَدَا مَالِكاً ... مِثْلَكَ مَا بَيْنَكُمَا حَدُّ
أَمْرُكَ مَرْدُوْدٌ إِلَى أَمْرِهِ ... وَأَمْرُهُ مَا إِنْ لَهُ رَدُّ
وَقَدْ بَنَى الدَّارَ الَّتِي مَا بَنَى الـ ... ـفُرْسُ لَهَا مِثْلاً وَلاَ الهِنْدُ
الدُّرُّ وَاليَاقُوْتُ حَصْبَاؤُهَا ... وَتُرْبُهَا العَنْبَرُ وَالنَّدُّ
وَنَحْنُ نَخْشَى أَنَّهُ وَارِثٌ ... مُلْكَكَ إِنْ غَيَّبَكَ اللحد(7/513)
فقرأها، وأثرت فيه.
وَقِيْلَ: إِنَّ أُخْتَه قَالَتْ لَهُ: مَا رَأَيْتُ لَكَ سُرُوْراً مُنْذُ قتلتَ جَعْفَراً، فَلِمَ قَتَلْتَهُ? قَالَ: لَوْ عَلِمتُ أَنَّ قمِيْصِي يَعلَمُ السَّبَبَ لَمَزَّقْتُهُ.
عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الهَاشِمِيِّ خَطِيْبِ الكُوْفَةِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّي يَوْمَ الأَضْحَى، وَعِنْدَهَا عَجُوْزٌ فِي أَثْوَابٍ رَثَّةٍ، فَقَالَتْ: تَعرِفُ هَذِهِ? قُلْتُ: لاَ. قَالَتْ: هَذِهِ وَالِدَةُ جَعْفَرٍ البَرْمَكِيِّ، فَسلَّمْتُ عَلَيْهَا، وَرحَّبْتُ بِهَا، وَقُلْتُ: حدِّثِينَا بِبَعْضِ أَمرِكُم. قَالَتْ: لَقَدْ هجمَ عليَّ مثل هذا العيد، وعلى رأسي أربعمائة جَارِيَةٍ، وَأَنَا أَزعمُ أَنَّ ابْنِي عَاقٌّ لِي، وَقَدْ أَتَيْتُكُم يُقنِعُنِي جلدُ شَاتَيْنِ، أَجْعَلُ أَحَدَهُمَا فراشًا لي. قال: فأعطيتها خمسمائة دِرْهَمٍ، فَكَادَتْ تَموَتُ فَرَحاً.
لَمْ يَزَلْ يَحْيَى، وَآلُهُ مَحْبُوْسِينَ، وَحَالُهُم حَسَنَةٌ، إِلَى أَنْ سخطَ الرَّشِيْدُ عَلَى ابْنِ عَمِّهِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ صَالِحٍ، فَعَمَّهُم بِسُخْطِهِ، وَجَدَّدَ لَهُم التُّهمَةَ، وَضَيَّقَ عَلَيْهِم.
وَدَامتْ جُثَّةُ جَعْفَرٍ مُعَلَّقَةً مُدَّةً، وَعُلِّقتْ أَطْرَافُهُ بِأَمَاكِنَ، ثُمَّ أُحْرِقَتْ.
وَقِيْلَ: لَمْ يُحبسْ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى.
وَفِي تَارِيْخِ ابْنِ خَلِّكَانَ: أَنَّ الرَّشِيْدَ دَعَا يَاسِراً غُلاَمَهُ، فَقَالَ: قَدِ انْتَخَبْتُكَ لأَمرٍ لَمْ أَرَ لَهُ الأَمِيْنَ وَلاَ المَأْمُوْنَ، فَحَقِّقْ ظَنِّي. قَالَ: لَوْ أَمَرْتَنِي بِقتلِ نَفْسِي لَفَعَلْتُ. قَالَ: ائِتِنِي بِرَأَسِ جَعْفَرٍ، فَوَجَمَ لَهَا. قَالَ: وَيْلَكَ مَا لَكَ? قَالَ: الأَمْرُ عظيم، ليتني مت قبل هذا. قال: امضِ وَيْلَكَ. فَمَضَى، فَأَتَى جَعْفَراً، فَقَالَ: يَا يَاسِرُ! سَرَرْتَنِي بِإِقبالِكَ، لَكِنْ سُؤْتَنِي بِدُخُوْلِكَ بِلاَ إِذنٍ. قَالَ: الأَمْرُ وَرَاءَ ذَلِكَ يَا جَعْفَرٌ، قَدْ أُمِرْتُ بِكَذَا. قَالَ المِسْكِيْنُ -وَأَقْبَلَ يُقَبِّلُ قَدَمَهُ- وَقَالَ: دَعْنِي أَدخلُ وَأُوصِي. قَالَ: لاَ سَبِيْلَ إِلَى ذَلِكَ، فَأَوصِ. فَقَالَ: لِي عَلَيْكَ حَقٌّ، فَارْجِعْ إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَقُلْ: قَتَلْتُهُ، فَإِنْ نَدِمَ كَانَتْ حَيَاتِي عَلَى يَدِكَ. قَالَ: لاَ أَقْدِرُ. قَالَ: فَآتِي مَعَكَ إِلَى مُخَيَّمِهِ، وَأَسْمَعُ كَلاَمَهُ، وَقَوْلَكَ لَهُ. قَالَ: أَمَّا هَذَا فَنَعَمْ، وَذَهَبَ بِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ يَاسِرٌ، قَالَ: مَا وَرَاءكَ? فَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ جَعْفَرٍ، فَشَتَمَهُ، وَقَالَ: لَئِنْ رَاجَعْتَنِي، لأُقَدِّمَنَّكَ قَبْلَهُ، فَخَرَجَ وَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَأَتَاهُ بِرَأْسِهِ. فَقَالَ: يَا يَاسِرُ جِئنِي بِفُلاَنٍ وَفُلاَنٍ فَلَمَّا أَتَاهُ بِهِمَا قَالَ: اضرِبَا عُنُقَهُ، فَإِنِّي لاَ أَقدرُ أَرَى قَاتَلَ جَعْفَرٍ.
وَقَالَ أَبُو العَتَاهِيَةِ:
قُوْلاَ لِمَنْ يَرْتَجِي الحَيَاةَ أَمَا ... فِي جَعْفَرٍ عِبْرَةٌ وَيَحْيَاهُ(7/514)
كَانَا وَزِيْرَيْ خَلِيْفَةِ اللهِ هَا ... رُوْنَ هُمَا مَا هُمَا وَزِيْرَاهُ
فَذَالِكُم جَعْفَرٌ بِرُمَّتِهِ ... فِي حَالِقٍ رَأْسُهُ وَنِصْفَاهُ
وَالشَّيْخُ يَحْيَى الوَزِيْرُ أَصْبَحَ قَدْ ... نَحَّاهُ عَنْ نَفْسِهِ وَأَقصَاهُ
شُتِّتَ بَعْدَ الجَمِيْعِ شَمْلُهُمُ ... فَأَصْبَحُوا فِي البِلاَدِ قَدْ تَاهُوا
كَذَاكَ مَنْ يُسْخِطُ الإِلَهَ بِمَا ... يُرْضِي بِهِ العَبْدَ يَجْزِهِ اللهُ
سُبْحَانَ مَنْ دَانَتِ المُلُوْكُ لَهُ ... نَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوْ
طُوْبَى لِمَنْ تَابَ قَبْلَ عَثْرَتِهِ ... فَتَابَ قَبْلَ الممات طوباه
قَالَ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ بنُ رَوْحٍ المَدَائِنِيُّ: وُلِدْتُ يَوْم قُتِلَ جَعْفَرُ بنُ يَحْيَى، وَهُوَ أَوَّلُ صَفَرٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، عَاشَ سَبْعاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَمَاتَ أَخُوْهُ الفَضْلُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَكَانَ أَخاً لِلرَّشِيْدِ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَأُمُّهُ بَرْبَرِيَّةٌ، وَكَانَ قَدْ وَلِيَ إِمْرَةَ خُرَاسَانَ، وَكَانَ مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ، وَكَانَ أَكرَمَ وَأَجْوَدَ مِنْ جَعْفَرٍ، لَكِنَّهُ كَانَ ذَا تِيْهٍ وَكِبْرٍ عَظِيْمٍ، وَصَلَ مَرَّةً عَمْرَو بنَ جَمِيْلٍ التَّمِيْمِيَّ بِأَلفِ أَلفِ دِرْهَمٍ، وَعَاشَ خَمْساً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَلَهُ عِدَّةُ إِخْوَةٍ.(7/515)
1332- يزيد بن مَزْيَد 1:
ابن زائدة، أَمِيْرُ العَرَبِ، أَبُو خَالِدٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَحَدُ الأَبْطَالِ وَالأَجْوَادِ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي الأَمِيْر مَعْنِ بنِ زَائِدَةَ. وَلِيَ اليَمِنَ، ثُمَّ وَلِيَ أَذْرَبِيْجَانَ وَأَرْمِيْنِيَةَ لِلرَّشِيْدِ، وَقَتَلَ رَأْسَ الخَوَارِجِ الوَلِيْدَ بنَ طَرِيْفٍ.
وَكَانَ يَزِيْدُ مَعَ فَرطِ شَجَاعَتِهِ وَكَرَمِهِ مِنْ دُهَاةِ العَرَبِ، وَتَمَّتْ لَهُ حُرُوْبٌ مَعَ الوَلِيْدِ، حَتَّى إِنَّهُ بَارَزَهُ بِنَفْسِهِ، فَتَصَاوَلاَ نَحْوَ سَاعَتَيْنِ، وَتَعَجَّبَ مِنْهُمَا الجَمْعَانِ، ثُمَّ ضَرَبَ رِجْلَ الوَلِيْدَ، فَسَقَطَ، وَكِلاَهُمَا مِنْ بَنِي شَيْبَانَ.
وَقِيْلَ: إِنَّ الرَّشِيْدَ قَالَ لَهُ: يَا يَزِيْدُ! مَا أَكْثَرَ أُمَرَاءَ المُؤْمِنِيْنَ فِي قَوْمِكَ! قَالَ: نَعَمْ، إِلاَ أن منابرهم الجذوع.
وَقِيْلَ: إِنَّ الرَّشِيْدَ أَعْطَاهُ لَمَّا بَعَثَهُ لِحَربِ الوَلِيْدِ ذُوْ الفَقَارِ، وَقَالَ: سَتُنْصَرُ بِهِ.
فَقَالَ مُسْلِمُ بنُ الوَلِيْدِ:
أَذَكَرْتَ سَيْفَ رَسُوْلِ اللهِ سُنَّتَه ... وَبَأْسَ أَوَّلِ مَنْ صَلَّى وَمَنْ صَامَا
يَعْنِي: عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: رَأَيْتُ الرَّشِيْدَ مُتَقَلِّداً سَيْفاً، فَقَالَ: أَلاَ أُرِيْكَ ذُو الفَقَارِ? قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: اسْتَلَّ سَيْفِي. فَاسْتَلَلْتُهُ فَرَأَيْتُ، فِيْهِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ فَقَارَةً.
وَلِمَنْصُوْرِ بنِ الوَلِيْدِ:
لَوْ لَمْ يَكُنْ لِبَنِي شَيْبَانَ مِنْ حَسَبٍ ... سِوَى يَزِيْدَ لَفَاتُوا النَّاسَ بِالحَسَبِ
قِيْلَ: نَظَرَ يَزِيْدُ إِلَى لِحْيَةٍ عَظِيْمَةٍ مَخضُوبَةٍ، فَقَالَ لِصَاحِبِهَا: أَنْتَ مِنْ لِحْيَتِكِ فِي مُؤنَةٍ. قَالَ: أَجَلْ، وَلِذَلِكَ أَقُوْلُ:
لَهَا دِرْهَمٌ لِلطِّيْبِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ... وَآخَرُ لِلْحِنَّاءِ يَبْتَدِرَانِ
وَلَوْلاَ نوال من يزيد من مزيد ... لصوت في حافاتها الجلمان
وَبَلَغَنَا أَنَّ يَزِيْدَ بنَ مَزْيَدٍ أُهْدِيَتْ لَهُ جارية، فافتضَّها، فَمَاتَ عَلَى صَدْرِهَا بِبَرْذَعَةَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَخَلَّفَ ابْنَيْهِ الأَمِيْرَيْنِ: خَالِداً، وَمُحَمَّداً.
وَلِمُسْلِمٍ فيه مدائح بديعة.
__________
1 ترجمته في تاريخ بغداد "14/ 334"، ووفيات الأعيان "4/ ترجمة 820"، وخزانة الأدب للبغدادي "3/ 54".(7/516)
1333- أبو معاوية 1: "ع"
محمد بن حازم مَوْلَى بَنِي سَعْدِ بنِ زَيْدِ مَنَاةَ بنِ تَمِيْمٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو مُعَاوِيَةَ السَّعْدِيُّ، الكُوْفِيُّ، الضَّرِيْرُ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ.
قَالَ أَحْمَدُ، وَجَمَاعَةٌ: وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
وَعَمِيَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِيْنَ، فَأَقَامُوا عَلَيْهِ مَأْتَماً. قَالَهُ: أَبُو دَاوُدَ. وَيُقَالُ: عَمِيَ ابْنَ ثَمَانِ سِنِيْنَ.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 392"، والتاريخ الكبير "1/ ترجمة 191"، والكنى للدولابي "2/ 117"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 1360"، وتاريخ بغداد "5/ 243"، والأنساب للسمعاني "8/ 152"، والكاشف "3/ ترجمة 4889"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 7466" و"4/ 10618" وجامع التحصيل للعلائي "ترجمة 678"، وتهذيب التهذيب "9/ 137"، وتقريب التهذيب "2/ 157" وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6174".(7/516)
حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَالأَعْمَشِ، وَسُهَيْلٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَبُرَيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَأَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وأبي إسحاق الشيباني، ومحمد بن سوقة، وَالكَلْبِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ طَرِيْفٍ الإِسْكَافِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ المَكِّيِّ، وَبَشَّارِ بنِ كِدَامٍ، وَجَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ، وَجُوَيْبِرِ بنِ سَعِيْدٍ، وَحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، وَالحَسَنِ بنِ عَمْرٍو الفُقَيْمِيِّ، وَخَالِدِ بنِ إِلْيَاسَ، وَسَعْدِ بنِ سَعِيْدٍ، وَعَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ بنِ مِهْرَانَ، وَأَبِي بُرْدَةَ عَمْرِو بنِ يَزِيْدَ، وَقَنَانِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُهُ إِبْرَاهِيْمُ، وَابْن جُرَيْجٍ شَيْخُهُ، وَالأَعْمَشُ شَيْخُه، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَعَمْرُو بنُ عَوْنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَابْنَا أَبِي شَيْبَةَ، وَعَلِيٌّ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَهَنَّادٌ، وَقُتَيْبَةُ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَأَخُوْهُ أَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَسَهْلُ بنُ زَنْجَلَةَ، وَصَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ، وَسَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّرَسُوْسِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ إِشْكَابٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الحَسَّانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الأَحْمَسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ طَرِيْفٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى العَنَزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ أَبِي عُمَرَ العَدَنِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، خَاتِمَتُهُم، أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ العُطَارِدِيُّ.
سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَجَرِيْرٍ فِي الأَعْمَشِ، فَقَدَّمَ أَبَا مُعَاوِيَةَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيْهِ: كَانَ أَبُو مُعَاوِيَةَ إِذَا سُئِلَ عَنْ أَحَادِيْثِ الأَعْمَشِ، يَقُوْلُ: قَدْ صَارَ حَدِيْثُ الأَعْمَشِ فِي فَمِي عَلْقَماً، أَوْ أَمَرَّ، لِكَثْرَةِ مَا تَرَدَّدَ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ أَبِي: أَبُو مُعَاوِيَةَ فِي غَيْر حَدِيْثِ الأَعْمَشِ مُضْطَرِبٌ، لاَ يَحفَظُهَا حِفْظاً جَيِّداً، وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَانَ -وَاللهِ- حَافِظاً لِلْقُرْآنِ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ جَرِيْرٍ فِي الأَعْمَشِ. قَالَ: وَرَوَى: أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ أَحَادِيْثَ مَنَاكِيْرَ، وَقَالَ: هُوَ أَثْبَتُ أَصْحَابِ الأَعْمَشِ بَعْدَ سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ.
أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ لَنَا وَكِيْعٌ: مَنْ تَلْزَمُوْنَ? قُلْنَا: نَلزَمُ أَبَا مُعَاوِيَةَ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُ كَانَ يَعُدُّ عَلَيْنَا فِي حَيَاةِ الأَعْمَشِ ألفًا وسبعمائة. فَقُلْتُ لأَبِي مُعَاوِيَةَ: إِنَّ وَكِيْعاً، قَالَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: صَدَقَ، وَلَكِنِّي مَرِضْتُ مَرْضَةً، فَأُنسِيتُ أربعمائة.(7/517)
عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَفِظتُ من الأعمش ألفًا وستمائة، فمرضت مرضة، فذهب عني منها أربعمائة. قَالَ يَحْيَى: كَانَ عِنْدَهُ أَلْفٌ وَمائَتَانِ، وَعِنْدَ وكيع عن الأعمش ثمانمائة. قُلْتُ لِيَحْيَى: كَانَ أَبُو مُعَاوِيَةَ أَحْسَنُهُم حَدِيْثاً عَنِ الأَعْمَشِ? قَالَ: كَانَتْ تِلْكَ الأَحَادِيْثُ الكِبَارُ العَالِيَةُ عِنْدَهُ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كَتَبْنَا عن أبي معاوية، عن الأعمش ألفًا وخمسمائة حَدِيْثٍ، وَكَانَ عِنْدَ جَرِيْرٍ أَلفٌ وَمائَتَانِ عَنِ الأَعْمَشِ، وَكَانَ عِنْدَ الأَعْمَش مَا لَمْ يَكُنْ عند أبي معاوية، أربعمائة وَنَيِّفٌ وَخَمْسُوْنَ حَدِيْثاً.
مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُوْلُ لأَبِي مُعَاوِيَةَ: أَمَّا أَنْتَ، فَقَدْ رَبَطْتَ رَأْسَ كِيسِكَ.
وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ: سَمِعْتُ شَبَابَةَ يَقُوْلُ: جَاءَ أَبُو معاوية إلى مَجْلِسِ شُعْبَةَ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُعَاوِيَةَ! سَمِعْتَ حَدِيْثَ كَذَا مِنَ الأَعْمَشِ? قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ شُعْبَةُ: هَذَا صَاحِبُ الأَعْمَش، فَاعْرِفُوهُ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ يَقُوْلُ: لَزِمَ أَبُو مُعَاوِيَةَ الأَعْمَشَ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ الوَكِيْعِيُّ: مَا أَدْرَكْنَا أَحَداً كَانَ أَعْلَمَ بِأَحَادِيْثِ الأَعْمَشِ مِنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ دَاوُدَ الحَرَّانِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاوِيَةَ يَقُوْلُ: البُصَرَاءُ، كَانُوا عِيَالاً عَلَيَّ عِنْدِ الأَعْمَشِ.
وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاوِيَةَ يَقُوْلُ: كُلُّ حَدِيْثٍ أَقُوْلُ فِيْهِ: "حَدَّثَنَا"، فَهُوَ مَا حَفِظتُهُ مِنْ فِيِّ المُحَدِّثِ، وَمَا قُلْتُ: ذَكَرَ فُلاَنٌ، فَهُوَ مَا لَمْ أَحْفَظْه مِنْ فِيْهِ، وَقُرِئَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابٍ، فَحَفِظتُهُ وَعَرَفتُهُ.
قَالَ العِجْلِيُّ: كُوْفِيٌّ، ثِقَةٌ، يَرَى الإِرْجَاءَ، وَكَانَ لَيِّنَ القَوْلِ فِيْهِ.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: ثِقَةٌ، رُبَّمَا دَلَّسَ، كَانَ يَرَى الإِرْجَاءَ، فَيُقَالُ: إِنَّ وَكِيْعاً لَمْ يَحضُرْ جِنَازَتَه لِذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ رَئِيْسَ المُرْجِئَةَ بِالكُوْفَةِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: صَدُوْقٌ، وَهُوَ فِي الأعمش ثقة، وفي غيره فيه اضطراب.(7/518)
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ حَافِظاً، مُتْقِناً، وَلَكِنَّهُ كَانَ مُرْجِئاً، خَبِيثاً.
وَقَالَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ: كُنَّا نَرْقَع الحَدِيْثَ عِنْد الأَعْمَشِ، ثُمَّ نَخرُجُ، فَلاَ يَكُوْنُ أَحَدٌ أَحْفَظَ مِنَّا لِحَدِيْثِهِ مِنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ.
وَكَانَ هَارُوْنَ الرَّشِيْد يُجِلُّ أَبَا مُعَاوِيَةَ، وَيَحْتَرِمُهُ، قِيْلَ: إِنَّهُ أَكَلَ عِنْدَهُ، فَغَسَلَ يَدَيْه، فَكَانَ الرَّشِيْدُ هُوَ الَّذِي صَبَّ عَلَى يَدِهِ، وَقَالَ: تَدْرِي يَا أَبَا مُعَاوِيَةَ مَنْ يَصُبُّ عَلَيْكَ، ثُمَّ وَصَلَهُ بِذَهَبٍ كَثِيْرٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: مَاتَ أَبُو مُعَاوِيَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ. وَزَادَ بَعْضُهُم: فِي صَفَرٍ -أَوْ أَوَّلِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الغَنَائِمِ بنُ مَحَاسِنَ، أَخْبَرَنَا جَدِّي عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي نَصْرٍ القَاضِي، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَعَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ تَمِيْمٍ الدَّارِيِّ: أَنَّهُ قَرَأَ القُرْآنَ فِي رَكْعَة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَلَفٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن عبد الله بنِ أَبِي السَّهْلِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ السَّبَّاكِ، وَعَلِيُّ بنُ سَالِمٍ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ بنُ شَاتِيْلَ، وَنَصْرُ اللهِ القَزَّازُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ الرَّبَعِيُّ، زَادَ ابْنُ شَاتِيْلَ، فَقَالَ: وَأَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرِيَّةً إِلَى خَثْعَمٍ، فَاعْتَصَمَ نَاسٌ بِالسُّجُوْدِ، فَأَسرَعَ فِيْهِمُ القَتْلُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَ لَهُم بِنِصْفِ العَقْلِ، وَقَالَ: "أَنَا بَرِيْءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيْمُ بَيْنَ ظَهْرَي المُشْرِكِيْنَ". قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! وَلِمَ? قَالَ: "لا تراءى ناراهما" 1.
__________
1 صحيح: أخرجه أبو داود "2645"، والترمذي "1604" من طريق هناد بن السري، عن أبي معاوية، به، وأخرجه الترمذي "1605" حدثنا هناد، حدثنا عبدة، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ بن أبي حازم مثل حديث أبي معاوية ولم يذكر فيه عن جرير وهذا أصح.
وقال أبو عيسى: وأكثر أصحاب إسماعيل، عن قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث سرية ولم يذكروا فيه عن جرير.
وأخرجه النسائي "8/ 36" من طريق أبي خالد، عن إسماعيل، به.
وأخرجه أحمد "4/ 365"، والنسائي "7/ 148"، والبيهقي "9/ 13" من طريق أبي وائل، عن أبي نخيلة البجلي قال: قال جرير: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يبايع فقلت: يا رسول الله ابسط يدك حتى أبايعك واشترط علي فأنت أعلم قال: "أبايعيك على أن تعبد الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتناصح المسلمين وتفارق المشركين".
وله شاهد عند أبي داود "2787" من حديث سمرة بن جندب مرفوعا بلفظ: "من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله".
وله شاهد آخر عند النسائي "5/ 83"، وابن ماجه "2536" من طريق بَهْزُ بنُ حَكِيْمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ مرفوعا بلفظ: "لا يقبل الله من مشرك بعدما أسلم عملا حتى يفارق المشركين إلى المسلمين". وإسناده حسن.(7/519)
1334- أَبُو مُعَاوِيَةَ الأَسْوَدُ 1:
مِنْ كِبَارِ أَوْلِيَاءِ اللهِ. صحب سفيان الثوري، وإبراهيم بن أدهم، وَغَيْرَهُمَا، وَكَانَ يُعَدُّ مِنَ الأَبْدَالِ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ ذَهَبَ بَصَرُه، فَكَانَ إِذَا أَرَادَ التِّلاَوَةَ فِي المُصْحَفِ، أَبصَرَ بِإِذْنِ اللهِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: جَاءَ إِلَى أَبِي مُعَاوِيَةَ الأَسْوَدِ جَمَاعَةٌ، ثُمَّ قَالُوا: ادْعُ اللهَ لَنَا. فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بِهِم، وَلاَ تَحْرِمْهُم بِي.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ فُضَيْلٍ العَكِّيُّ: غَزَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الأَسْوَدُ، فَحَضَرَ المُسْلِمُوْنَ حِصْناً فِيْهِ عِلْجٌ، لاَ يَرْمِي بِحَجَرٍ وَلاَ نُشَّابٍ إِلاَّ أَصَابَ، فَشَكَوْا إِلَى أَبِي مُعَاوِيَةَ، فَقَرَأَ: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأَنْفَالُ: 17] ، اسْتُرُوْنِي مِنْهُ. فَلَمَّا وَقفَ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيْدُوْنَ بِإِذنِ اللهِ? قَالُوا: المذَاكِيْرَ. فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، قَدْ سَمِعْتَ ما سألوني، فأعطي ذَلِكَ: بِسْمِ اللهِ، ثُمَّ رَمَى المذَاكِيْرَ، فَوَقَعَ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بنُ الفُضَيْلِ، حَجَّ أَبُو مُعَاوِيَةَ الأَسْوَدُ مِنْ طَرَسُوْس لِيُعَزِّيَ الفُضَيْلَ.
وَمِنْ كَلاَمِهِ: مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، طَالَ غَداً غَمُّهُ، وَمَنْ خَافَ مَا بَيْنَ يَدَيْه، ضَاقَ بِهِ ذَرْعُهُ، وَلَهُ مَوَاعِظُ وحكم.
__________
1 ترجمته في حلية الأولياء "8/ ترجمة 405".(7/520)
1335- إبراهيم المَوْصلي 1:
رَئِيْسُ المُطْرِبِيْنَ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَاهَانَ بن بهمن الفَارِسِيُّ الأَصْلِ، الأَرَّجَانِيُّ مَوْلَى بَنِي حَنْظَلَةَ. صَحِبَ بِالكُوْفَةِ فِتْيَاناً فِي طَلَبِ الغِنَاءِ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ أَخْوَالُهُ، فَهَرَبَ إِلَى المَوْصِلِ، وَكَانَ مَاهَانُ قَدِمَ مِنْ أَرَّجَانَ، وَهَذَا حَمَلٌ، فَوُلِدَ بِالكُوْفَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
فَبَرَعَ فِي الآدَابِ، وَالشِّعْرِ، وَالمُوْسِيْقَى، وَسَافَرَ فِي تَطلُّبِ ذَلِكَ، إِلَى أَنْ بَرَعَ وَاشْتُهِرَ، وَبَعُدَ صِيْتُهُ، وَاتَّصَلَ بِالخُلَفَاءِ وَالبَرَامِكَةِ، وحصل الأموال، وكان ندي الصوت جدًّا، ماهر بِالعُوْدِ، لَعَّاباً، مُتْرَفاً -سَامَحَهُ اللهُ- وَلَهُ أَخْبَارٌ فِي "الأَغَانِي".
وَهُوَ وَالِدُ العَلاَّمَةِ الأَدِيْبِ إِسْحَاقَ المَوْصِلِيِّ.
مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَهُ: عُمَرُ بنُ شَبَّةَ.
وَيُقَالُ عَاشَ إِلَى مَا بعد الثمانين.
__________
1 ترجمته في الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني "5/ 154"، وتاريخ بغداد "6/ 175"، ووفيات الأعيان "1/ ترجمة 10"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 126"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 318".(7/521)
1336- المُعَافَى 1: "خ، د، س"
المُعَافَى بنُ عِمْرَانَ بنِ نُفَيْلِ بنِ جَابِرِ بن جبلة، الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، يَاقُوتَةُ العُلَمَاءِ، أَبُو مَسْعُوْدٍ الأزدي، الموصلي، الحافظ.
وُلِدَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ، وَجَعْفَرَ بنَ بُرْقَانَ، وَحَنْظَلَةَ بنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَابْنَ جُرَيْجٍ، وَثَوْرَ بنَ يَزِيْدَ، وَسَيْفَ بنَ سُلَيْمَانَ المَكِّيَّ، وَأَفْلَحَ بنَ حُمَيْدٍ، وَمُوْسَى بنَ عُبَيْدَةَ، وَالأَوْزَاعِيَّ، وَابْنَ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَعُمَرَ بنَ ذَرٍّ، وَمُحِلَّ بنَ مُحْرِزٍ الضَّبِّيَّ، وَالثَّوْرِيَّ، وَمِسْعَرَ بنَ كِدَامٍ، وَعَبْدَ الحَمِيْدِ بنَ جَعْفَرٍ، وَيُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَمَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، وخلقًا من طبقتهم.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 487"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 2146"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 177" و"2/ 780"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1835"، وتاريخ بغداد "13/ 226"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 267"، والكاشف "3/ ترجمة 5611"، وتهذيب التهذيب "10/ 199"، وتقريب التهذيب "2/ 258"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7067"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 308".(7/521)
وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ العِلْمِ وَالعَمَلِ، قَلَّ أَنْ تَرَى العُيُوْنُ مِثْلَه.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُوْسَى بنُ أَعْيَنَ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَوَكِيْعُ بنُ الجَرَّاحِ -وَهُم مِنْ جِيْلِهِ- وَبِشْرُ بنُ الحَارِثِ، وَالحَسَنُ بنُ بِشْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الهَرَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الوَرْكَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ المَوْصِلِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي خِدَاشٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي سَمِيْنَةَ، وَمَسْعُوْدُ بنُ جُوَيْرِيَةَ، وَهِشَامُ بنُ بَهْرام المَدَائِنِيُّ، وَأَبُو هَاشِمٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ المَوْصِلِيُّ، وَوَلَدُهُ؛ أَحْمَدُ بنُ المُعَافَى، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ فُلَيْحٍ المَكِّيُّ، وَمُوْسَى بنُ مَرْوَانَ الرَّقِّي، وَعِدَّةٌ.
وَقَدْ سَاقَ الحَافِظُ يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ فِي "تَارِيْخِ المَوْصِلِ" لَهُ تَرْجَمَةَ المُعَافَى فِي عِشْرِيْنَ وَرَقَةً، فَمِنْ ذَلِكَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ الزَّيَّاتُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ دَاوُدَ الحُداني، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا الأَوْزَاعِيُّ، وَنَحْنُ بِبَيْرُوْتَ: أَنَا، وَالمُعَافَى بنُ عِمْرَانَ، وَمُوْسَى بنُ أَعْيَنَ، وَمَعَهُ كِتَابُ "السُّنَنِ" لأَبِي خَلَتْقَمُرّ، فَقَالَ: لَوْ كَانَ هَذَا الخَطَأَ فِي أُمَّةٍ، لأَوْسَعَهُم خطأ. قَالَ يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ: صَنَّفَ المُعَافَى فِي الزُّهدِ، وَالسُّنَنِ، وَالفِتَنِ، وَالأَدَبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُوْلُ: المُعَافَى بنُ عِمْرَانَ يَاقُوتَةُ العُلَمَاءِ.
وَقَالَ بِشْرُ بنُ الحَارِثِ: إِنِّيْ لأَذْكُرُ المُعَافَى اليَوْمَ، فَأَنْتَفِعُ بِذِكْرِهِ، وَأَذْكُرُ رُؤْيَتُهُ، فَأَنْتَفِعُ.
وَقَالَ وَكِيْعٌ: حَدَّثَنَا المُعَافَى وَكَانَ مِنَ الثِّقَاتِ.
وَعَنْ بِشْرٍ الحَافِي، قَالَ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي الرَّجُلُ الصَّالِحُ -يَعْنِي: المُعَافَى.
وَرَوَى أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْنُسَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: امْتَحِنُوا أَهْلَ المَوْصِلِ بِالمُعَافَى.
وَيُرْوَى عَنِ الأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لاَ أُقَدِّمُ عَلَى المُعَافَى المَوْصِلِيِّ أَحَداً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ المُعَافَى ثِقَةً، خَيِّراً، فَاضِلاً، صَاحِبَ سُنَّةٍ.
بِشْرُ بنُ الحَارِثِ: سَمِعْتُ المُعَافَى يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: إِذَا لَمْ يَكُنْ للهِ فِي العَبْدِ حَاجَةٌ، نَبَذَهُ إِلَى السُّلْطَانِ.
قَالَ بِشْرُ بنُ الحَارِثِ: كَانَ المُعَافَى يَحفَظُ الحَدِيْثَ وَالمَسَائِلَ، سَأَلتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَقُوْلُ لِلرَّجُلِ: اقعُدْ هُنَا وَلاَ تَبْرَحْ. قَالَ: يَجْلِسُ حَتَّى يَأْتِيَ وَقْتُ صَلاَةٍ، ثُمَّ يقوم.(7/522)
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَارَةَ: رَأَيْتُ المُعَافَى بنَ عِمْرَانَ -وَلَمْ أَرَ أَفْضَلَ منه- يسأل عن تجصيص القبور، فكرهه1.
عَلِيُّ بنُ مَضَاءٍ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ بَهْرَام، سَمِعْتُ المُعَافَى يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً آدَبَ مِنَ المُعَافَى بنِ عِمْرَانَ، وَبَلَغَنَا أَنَّ المُعَافَى كَانَ أَحَدَ الأَسخِيَاءِ المَوْصُوْفِيْنَ، أَفنَى مَالَهُ الجُودُ، كَانَ إِذَا جَاءهُ مَغَلُّه، أَرْسَلَ مِنْهُ إِلَى أَصْحَابِهِ مَا يَكفِيْهِم سَنَةً، وَكَانُوا أَرْبَعَةً وَثَلاَثِيْنَ رَجُلاً.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ وُجُوْهِ الأَزْدِ.
قَالَ بِشْرٌ الحَافِي: كَانَ المُعَافَى فِي الفَرَحِ وَالحُزْنِ وَاحِداً، قَتَلَتِ الخَوَارِجُ لَهُ وَلَدَيْنِ، فَمَا تَبَيَّنَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَجَمَعَ أَصْحَابَهُ، وَأَطعَمَهُم، ثُمَّ قَالَ لَهُم: آجَرَكُمُ اللهُ فِي فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ. رَوَاهَا: جَمَاعَةٌ، عَنْ بِشْرٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ كُنْتُ عِنْدَ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، فَقَالَ: أَسَمِعْتَ مِنَ المُعَافَى? قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: مَا أَحسِبُ أَحَداً رَأَى المُعَافَى، وَسَمِعَ مِنْ غَيْرِهِ، يُرِيْدُ بِعِلْمِهِ -اللهَ- تَعَالَى.
قَالَ بِشْرُ بنُ الحَارِثِ: سَمِعْتُ المُعَافَى يَقُوْلُ: أَجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ السُّكْنَى -يَعْنِي: بِبَغْدَادَ.
وَقِيْلَ لِبِشْرٍ: نَرَاكَ تَعشَقُ المُعَافَى؟ قَالَ: وَمَا لِيَ لاَ أَعشَقُهُ، وَقَدْ كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يُسَمِّيهِ اليَاقُوتَةَ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ: رَأَيْتُ المُعَافَى أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، عَلَيْهِ قَمِيْصٌ غَلِيْظٌ، وَكُمُّهُ يَبِيْنُ مِنْهُ أَطرَافُ أَصَابِعِه.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: المُعَافَى ثِقَةٌ.
قَالَ بِشْرٌ الحَافِي: كَانَ المُعَافَى صَاحِبَ دُنْيَا وَاسِعَةٍ، وَضِيَاعٍ كَثِيْرَةٍ، قَالَ مَرَّةً رَجُلٌ: مَا أَشَدَّ البَرْدَ اليَوْمَ، فَالتَفَتَ إِلَيْهِ المُعَافَى، وَقَالَ: أَسْتَدْفَأْتَ الآن? لو سكت، لكان خيرًا لك.
__________
1 وذلك لما أخرجه مسلم "970" بإسناده عن جابر بنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه".(7/523)
قُلْتُ: قَوْلُ مِثْلِ هَذَا جَائِزٌ، لَكِنَّهُم كَانُوا يَكْرَهُوْنَ فُضُولَ الكَلاَمِ، وَاخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي الكَلاَمِ المُبَاحِ، هَلْ يَكْتُبُهُ المَلَكَانِ، أَمْ لاَ يَكْتُبَانِ إِلاَّ المُسْتَحَبَّ الَّذِي فِيْهِ أَجْرٌ، وَالمَذْمُوْمَ الَّذِي فِيْهِ تَبِعَةٌ؟ وَالصَّحِيْحُ كِتَابَةُ الجَمِيْعِ، لِعُمُوْمِ النَّصِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] ، ثُمَّ لَيْسَ إِلَى المَلَكَيْنِ اطِّلاَعٌ عَلَى النِّيَّاتِ وَالإِخْلاَصِ، بَلْ يَكْتُبَانِ النُّطْقَ، وَأَمَّا السَّرَائِرُ البَاعِثَةُ لِلنُّطْقِ، فَاللهُ يَتَوَلاَّهَا.
وَقَدْ أَوْصَى المُعَافَى -رَحِمَهُ اللهُ- أَوْلاَدَهُ بِوَصِيَّةٍ نَافِعَةٍ، تَكُوْنُ نَحْواً مِنْ كُرَّاسٍ.
وَقَدْ وَقَعَ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ، وَلَهُ "مُسْنَدٌ" صَغِيْرٌ، سَمِعْنَاهُ.
أَخْبَرَنَا السَّيِّدُ الحَافِظُ تَاجُ الدِّيْنِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المُحْسِنِ العَلَوِيُّ الغَرَّافِيُّ، بِقِرَاءتِي عَلَيْهِ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فِي شَهْرِ رمضان، سنة خمس وتسعين وستمائة، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ بنِ خَلَفٍ القَطِيْعِيُّ قِرَاءةً عَلَيْهِ ببغداد، في سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، وَأَنَا فِي الخَامِسَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ نَصْرِ بنِ السَّرِيِّ، والمجلد "ح". وَأَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المُؤَيَّدِ الزَّاهِدُ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ شِهَابُ الدِّيْنِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ السُّهْرَوَرْدِيُّ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ القَصَّارُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ العَبَّاسِ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -يَعْنِي: ابْنَ أَبِي سَمِيْنَةَ- حَدَّثَنَا المُعَافَى بنُ عِمْرَانَ، عَنْ صَالِحِ بنِ أَبِي الأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: "كُنْتُ أَسْكُبُ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَضُوْءَهُ عَنْ جَمِيْعِ أَزْوَاجِهِ فِي اللَّيْلَةِ الوَاحِدَةِ".
هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنُ الإِسْنَادِ. أَخْرَجَهُ: ابْنُ مَاجَه1 مِنْ حَدِيْثِ وَكِيْعٍ، عَنْ صَالِحٍ.
تُوُفِّيَ المُعَافَى -فِيْمَا قَالَهُ سَلَمَةُ بنُ أَبِي نَافِعٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ، وَرَبَاحُ بنُ الجَرَّاحِ -شَيْخٌ لِحَاتِمِ بنِ اللَّيْثِ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَأَمَّا عَلِيُّ بنُ حُسَيْنٍ الخَوَّاصُ، فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَمِمَّا رَوَاهُ المُعَافَى بنُ عِمْرَانَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَجَّاجِ بنِ فُرَافِصَةَ، عَنْ بُدَيْلٍ، قَالَ: مَنْ عَرَفَ اللهَ -عَزَّ وجلّ- أحبه، ومن أبصر الدُّنْيَا، زَهِدَ فِيْهَا وَالمُؤْمِنُ لاَ يَلهُو حَتَّى يغفل، فإذا تذكر حزن.
__________
1 صحيح: أخرجه ابن ماجه "589"، وإسناده ضعيف، آفته صالح بن أبي الأخضر فإنه ضعيف، أجمعوا على ضعفه، وأخرجه مسلم "309" من طريق شعبة، عن هشام بن زيد، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يطوف على نسائه بغسل واحد.
وللحديث طرق أخرى كثيرة عن أنس: عند عبد الرزاق "1061"، والنسائي "1/ 143"، وابن ماجه "588"، وابن خزيمة "231".(7/524)
1337- المعافى بن عمران الحمصي 1:
أَمَّا المُعَافَى بنُ عِمْرَانَ الحِمْصِيُّ، فَهُوَ المُحَدِّثُ، أَبُو عِمْرَانَ الحِمْيَرِيُّ، الظِّهْرِيُّ.
يَرْوِي عَنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ لَهِيْعَةَ، وَشُعَيْبِ بنِ زُرَيْقٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: كَثِيْرُ بنُ عُبَيْدٍ، وَأَبُو التَّقِيِّ هِشَامٌ اليَزَنِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَسَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو السَّكُوْنِيُّ، وَمِزْدَادُ بنُ جَمِيْلٍ، وَأَبُو حُمَيْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ العَوْهِي، وَآخَرُوْنَ.
ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَهُوَ صَدُوْقٌ -إِنْ شَاءَ اللهُ- لاَ شَيْءَ لَهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. مَاتَ: بعد المائتين.
__________
1 ترجمته في الجرح والتعديل "8/ ترجمة 1836"، وتهذيب التهذيب "10/ 200"، وتقريب التهذيب "2/ 258"، وخلاصة الخزرجي "7068".(7/525)
1338- أبو ضمرة 1: "ع"
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، المُعَمَّرُ، بَقِيَّةُ المَشَايِخِ، أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بنُ عِيَاضٍ اللَّيْثِيُّ، المَدَنِيُّ. مَوْلِدُهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْ: صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، وَأَبِي حَازِمٍ الأَعْرَجِ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَرَبِيْعَةَ الرَّأْيِ، وَشَرِيْكِ بنِ أَبِي نَمِر، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَعِدَّةٍ.
وَعُمِّرَ دَهْراً، وَتَفَرَّدَ فِي زَمَانِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَرَوَى عَنْهُ مِنْ أَقْرَانِهِ: بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَالنَّسَائِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْسَنَ خُلُقاً مِنْ أَبِي ضَمْرَةَ -رَحِمَهُ اللهُ- وَلاَ أَسْمَحَ بِعِلْمِهِ مِنْهُ، قَالَ لَنَا: وَاللهِ لَوْ تَهَيَّأَ لِي أَنْ أُحَدِّثَكُم بِكُلِّ مَا عِنْدِي فِي مَجْلِسٍ، لَفَعَلْتُ.
قُلْتُ: عَاشَ سِتّاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، تُوُفِّيَ سَنَةَ مائَتَيْنِ.
وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ: أَخْبَرَتْنَا خَدِيْجَةُ بِنْتُ الرِّضَى، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَفَّارِ الشِّيرُويي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بنِ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: "وَاللهِ مَا تَرَكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركعتين عندي بعد العصر قط"2.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "2/ ترجمة 1591"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 190"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 1055"، والعبر "1/ 332"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 304"، والكاشف "1/ ترجمة 482"، وتهذيب التهذيب "1/ 375"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 358".
2 صحيح: أخرجه البخاري "591"، ومسلم "835" "299" من طريق هشام بن عروة، به.(7/525)
1339- حَكَّام بن سَلْم 1: "م، 4"
الإِمَامُ، الصَّادِقُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكِنَاني، الرَّازي.
سَمِعَ: حُمَيْداً الطَّوِيْلَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو زُنَيْجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيَّانِ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَمُوْسَى بنُ نَصْرٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مِنْ نُبَلاَءِ العُلَمَاءِ.
وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ.
مَاتَ سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، بِمَكَّةَ، وَكَانَ قَدْ قَدِمَ لِلْحَجِّ، وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ فِي السُّنِّيَّةِ، توفي قبل يوم عرفة.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 381"، والتاريخ الكبير "3/ ترجمة 455"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 83"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 1427"، وتاريخ بغداد "8/ 281"، والعبر "1/ 303"، والكاشف "1/ ترجمة 1180"، وتهذيب التهذيب "2/ 422"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1717"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 325".(7/526)
1340- ابن الإمام 1:
نائب دمشق، الأمير محمد بن الإِمَامِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ العباس الهاشمي.
وَلِيَ دِمَشْقَ لابْنِ عَمِّهِ المَهْدِيِّ، ثُمَّ لِلرَّشِيْدِ، وَوَلِيَ مَكَّةَ وَالمَوْسِمَ، وَكَانَ كَبِيْرَ الشَّأْنِ، يُذْكَرُ لِلْخِلاَفَةِ.
حَدَّثَ عَنْ: جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَعَنِ المَنْصُوْرِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ مُوْسَى، وَحَفِيْدُهُ؛ عَبْدُ الصَّمَدِ، وَغَيْرُهُمَا.
وَهُوَ رَاوِي حَدِيْثِ: "أَكْرِمُوا الشُّهُوْدَ"2. وَمَا عَلِمتُ أَحَداً تَجَاسَرَ عَلَى تَضْعِيْفِ هَؤُلاَءِ الأُمَرَاءِ لِمَكَانِ الدَّوْلَةِ.
عَاشَ ثَلاَثاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً. وَتُوُفِّيَ ببغداد، سنة خمس وثمانين ومائة.
__________
1 ترجمته في تاريخ بغدد "1/ 384"، والعبر "1/ 292"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 309".
2 منكر: أخرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير" "3/ 84"، والخطيب في "تاريخ بغداد" "5/ 94" و"6/ 138" من طريق عبد الصمد بن علي الهاشمي، قال حدثني عمي إبراهيم بن محمد، عن عبد الصمد بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "أكرموا الشهود، فإن الله يستخرج بهم الحقوق، ويرفع بهم الظلم"، وذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمة عبد الصمد بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ الهاشمي الأمير في "ميزان الاعتدال" "2/ 620": وقال: وهذا منكر، وما عبد الصمد بحجة، ولعل الحفاظ إنما سكتوا عنه مداراة للدولة. وذكر الشوكاني الحديث في "الفوائد المجموعة" "581" وقال: صرح الصغاني بأنه موضوع.(7/527)
1341- يحيى بن خالد 1:
ابن برمك الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو عَلِيٍّ الفَارِسِيُّ.
مِنْ رِجَالِ الدَّهْرِ حَزْماً، وَرَأْياً، وَسِيَاسَةً، وَعَقْلاً، وَحِذْقاً بِالتَّصَرُّفِ، ضَمَّهُ المَهْدِيُّ إِلَى ابْنِهِ الرَّشِيْدِ لِيُرَبِّيَهُ، وَيُثَقِّفَهُ، وَيُعَرِّفَهُ الأُمُوْرَ فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ، رَفَعَ قَدْرَهُ، وَنَوَّهَ بِاسْمِهِ، وَكَانَ يُخَاطِبُهُ: يَا أَبِي، وَرَدَّ إِلَيْهِ مقاليد الوزارة، وَصَيَّرَ أَوْلاَدَهُ مُلُوَكاً، وَبَالَغَ فِي تَعْظِيْمِهِم إِلَى الغَايَةِ
مُدَّةً إِلَى أَنْ قَتَلَ وَلَدَهُ جَعْفَرَ بنَ يَحْيَى، فَسَجَنَهُ، وَذَهَبَتْ دَوْلَةُ البَرَامِكَةِ -كَمَا ذَكَرنَا فِي تَرْجَمَةِ جَعْفَرٍ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: الدُّنْيَا دُوَلٌ وَالمَالُ عَارِيَّةٌ، وَلَنَا بِمَنْ قَبْلَنَا أُسْوَةٌ، وَفِيْنَا لِمَنْ بَعْدَنَا عِبْرَةٌ.
قَالَ إِسْحَاقُ المَوْصِلِيُّ: كَانَتْ صِلاَتُ يَحْيَى لِمَنْ تَعَرَّضَ لَهُ إِذَا رَكِبَ، مائَتَيْ دِرْهَمٍ. فَقَالَ لِي أَبِي: شَكَوْتُ إِلَى يَحْيَى ضِيْقاً، فَقَالَ: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ مَا عِنْدِي شَيْءٌ، لَكِنْ أَدُلُّكَ عَلَى أَمرٍ، فَكُنْ فِيْهِ رَجُلاً، جَاءنِي وَكِيلُ صَاحِبِ مِصْرَ، يَطلُبُ أَنْ أَسْتَهدِيَ مِنْهُ شَيْئاً، فَأَبَيْتُ، فَأَلَحَّ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ أُعْطِيْتَ فِي جَارِيَةٍ لَكَ ثَلاَثَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَهُوَ ذَا أَسْتَهدِيه إِيَّاهَا، وَأُخْبِرُهُ أَنَّهَا قَدْ أَعْجَبَتْنِي، فَلاَ تَنْقُصْهَا عَنْ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. قَالَ: فَوَاللهِ مَا شَعَرتُ إِلاَّ وَالرَّجُلُ يَسُومُنِي الجَارِيَةَ، فَبَذَلَ فِيْهَا عِشْرِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، فَضَعُفَ قَلْبِي عَنْ رَدِّهَا. فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى الوَزِيْرِ، قَالَ: إِنَّكَ لَكَذَا، كُنْتَ صَبْرتَ، وَهَذَا خَلِيْفَةُ صَاحِبِ فَارِسَ قَدْ جَاءنِي فِي مِثْلِ هَذَا، فَخُذْ جَارِيَتَكَ، فإذا ساومك، لا تنقصها من خمسين ألف دِيْنَارٍ. قَالَ: فَجَاءنِي، فَلِنْتُ، وَبِعتُهَا بِثَلاَثِيْنَ أَلْفاً. فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى الوزِيْرِ، قَالَ: أَلَمْ تُؤَدِّبْكَ الأُوْلَى عَنِ الثَّانِيَةِ، خُذْ جَارِيَتَكَ إِلَيْكَ. فَقُلْتُ: قَدْ أَفَدتُ بِهَا خَمْسِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، أُشْهِدُكَ أَنَّهَا حُرَّةٌ، وَأَنِّي قَدْ تَزَوَّجْتُهَا.
قِيْلَ: إِنَّ أَوْلاَدَ يَحْيَى قَالُوا لَهُ وَهُم فِي القُيُودِ مَسْجُوْنِيْنَ: يَا أَبَةِ! صِرْنَا بَعْدَ العِزِّ إِلَى هذا! قال: يا بني! دعوة مظلوم غفلنا عَنْهَا، لَمْ يَغْفُلِ اللهُ عَنْهَا.
مَاتَ يَحْيَى بن خَالِدٍ: فِي سِجْنِ الرَّقَّةِ، سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَهُ سَبْعُوْنَ سَنَةً.
وَكَانَ أَبُوْهُ أَحَدَ الأعيان المذكورين.
__________
1 ترجمته في تاريخ بغداد "14/ 128"، ووفيات الأعيان "6/ ترجمة 806"، والعبر "1/ 306"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 288".(7/528)
1342- الفضل بن يحيى 1:
وَكَانَ ابْنُهُ الفَضْلُ مِنْ رِجَالِ الكَمَالِ، وَلِيَ إِمْرَةَ خُرَاسَانَ، وَعَمِلَ الوِزَارَةَ، وَكَانَ فِيْهَا -قِيْلَ- أَسْخَى مِنْ جَعْفَرٍ، وَلَكِنَّهُ يُضْرَبُ بِكِبْرِهِ وَتِيْهِهِ المَثَلُ، وَصَلَ مَرَّةً لِعَمْرٍو التَّمِيْمِيِّ بِسِتِّيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، وَكَانَ أَخاً لِلرَّشِيْدِ مِنَ الرَّضَاعَةِ. مَاتَ: كَهْلاً، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ، مَسْجُوْناً، وَكَانَ قَدْ أَخْرَبَ بَيْتَ النَّارِ الَّذِي بِبَلْخَ، وَكَانَ جَدُّهُمْ بَرْمَكُ مُوبِدان2 بِهِ.
وَعَمِلَ الوِزَارَةَ مُدَّةً لِهَارُوْنَ، ثُمَّ حَوَّلَهَا مِنْهُ إِلَى جَعْفَرٍ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى المَشْرِقِ كُلِّهِ هَذَا، وَاسْتَعْمَلَ جَعْفَراً عَلَى المَغْرِبِ كُلِّهِ.
وَكَانَ الفَضْلُ غَارِقاً فِي اللَّذَاتِ المُرْدية، حَتَّى تَعَطَّلَتِ الأُمُوْرُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ النَّحِسُ أَبُوْهُ، بِأَنْ يَتَسَتَّرَ، وَيَقْنَعَ بِاللَّيْلِ، فَسَمِعَ مِنْهُ، وَكَانَ عَلَى هَنَاتِهِ شُجَاعاً، مَهِيْباً، كَثِيْرَ الغَزْوِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: تَعَلَّمْتُ الكَرَمَ وَالتِّيهَ مِنْ عُمَارَةَ بنِ حَمْزَةَ. أَتَيْتُهُ فِي جَائِحَةٍ لأَبِي، فَطُوْلِبَ بِأَمْوَالٍ، فَكَلَّمتُهُ، فَمَا بَشَّ بِي، وَطَلَبتُ مِنْهُ أَنْ يُقْرِضَنَا ثَلاَثَة آلاَفِ أَلفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: حتى ننظر. ورحت، فَوَجَدتُ المَالَ قَدْ بُعِثَ بِهِ إِلَى أَبِي، ثُمَّ عَادَ أَبِي إِلَى رُتْبَتِهِ، وَحَصَّلَ، ثُمَّ بَعَثَ مَعِي بِالوَفَاءِ، فَكَلَّمتُهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ! أَكُنْتَ صَيْرَفِيّاً لأَبِيْكَ? اخْرُجْ عَنِّي، وَخُذِ المَالَ لَكَ. فَرُدِدتُ بِالمَالِ إِلَى أَبِي، فَأَعْطَانِي مِنْهُ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
وَقِيْلَ: أَتَاهُ رَجُلٌ يَمُتُّ3 بِأَمرٍ، فَقَالَ: يَا هَذَا! مَا حَاجَتُكَ? قَالَ: رَثَاثَةُ مَلْبَسِي تُخْبِرُكَ. قَالَ: فَبِمَ تَمُتُّ? قَالَ: إِنِّيْ فِي سِنِّكَ، وَمِنْ جِيْرَانِكَ، وَاسْمِي كَاسْمِكَ. قَالَ: وَمَا عِلْمُكَ بِالوِلاَدَةِ؟ قَالَ: حَكَتْ لِي أُمِّي أَنَّهَا وَلَدَتْنِي صَبِيْحَةَ مَوْلِدِكَ، وَقِيْلَ لَهَا: وُلِدَ اللَّيْلَةَ لِيَحْيَى بنِ خَالِدٍ ابْنٌ سَمَّوْهُ الفَضْلَ. قَالَ: فَسَمَّتْنِي أُمِّي الفُضَيْلَ إِكْبَاراً لاسْمِكَ. فَتَبَسَّمَ الفَضْلُ، وَأَمَرَ لَهُ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ أَلفاً، وَمَرْكُوباً، ثُمَّ اسْتَعَمَلَه دِيْوَاناً.
ضُرِبَ الفَضْلُ مائَتَي سَوْطٍ فِي المُصَادَرَةِ، حَتَّى كَادَ يَتْلَفُ، ثُمَّ دَاوَاهُ الجرائحي مدة.
__________
1 ترجمته في العبر "1/ 309"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 330".
2 الموبد: صاحب معبد النار، والموبدان هو رئيسهم.
3 يمت: أي يتوسل أو يتقرب بمودة أو قرابة.(7/529)
1343- الأحمر 1:
شَيْخُ العَرَبِيَّةِ، عَلِيُّ بنُ المُبَارَكِ. وَقِيْلَ: عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ، تِلْمِيْذُ الكِسَائِيِّ، نَاظَرَ سِيْبَوَيْه مَرَّةً.
قَالَ ثَعْلَبٌ: كَانَ الأَحْمَرُ يَحفَظُ -سِوَى مَا يحفظ- أربعين ألف بيت شاهدًا فِي النَّحوِ.
وَقَالَ الأَحْمَرُ: وَصَلَنِي فِي يَوْمٍ ثلاثمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ.
وَكَانَ مُتَمَوِّلاً، مُتَجَمِّلاً، فَاخِرَ البِزَّةِ، كَأَنَّ دَارَهُ دَارُ مُلْكٍ بِالخَدَمِ وَالحَشَمِ.
أَخَذَ عَنْهُ: إِسْحَاقُ النَّدِيْمُ، وَسَلَمَةُ بنُ عَاصِمٍ، وَيُقَالُ: إِنَّ مُحَمَّدَ بنَ الجَهْمِ أَدْرَكَه.
وَقِيْلَ: كَانَ شَابّاً، مِنْ رَجَّالَةِ بَابِ الخِلاَفَةِ، وَكَانَ يَتَوَقَّدُ ذَكَاءً، فَرَأَى الكِسَائِيَّ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ، فَلَزِمَهُ إِلَى أَنْ بَرَعَ، فَنَدَبَهُ لِتَعْلِيْمِ أَوْلاَدِ الرَّشِيْدِ، نِيَابَةً عَنْ نَفْسِهِ.
تُوُفِّيَ الأَحْمَرُ: بِطَرِيْقِ مَكَّةَ، فَتَوَجَّعَ الفَرَّاءُ لِمَوتِهِ.
فَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ ومائة.
__________
1 ترجمته في تاريخ بغداد "12/ 104"، وبغية الوعاة للسيوطي "2/ 158".(7/529)
1344- منصور بن عَمَّار 1:
ابن كثير الوَاعِظُ، البَلِيْغُ، الصَّالِحُ، الرَّبَانِيُّ، أَبُو السَّرِيِّ السُّلَمِيُّ، الخُرَاسَانِيُّ -وَقِيْلَ: البَصْرِيُّ- كَانَ عَدِيْمَ النَّظِيْرِ فِي المَوْعِظَةِ وَالتَّذكِيْرِ.
رَوَى عَنِ: اللَّيْثِ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ، ومعروف الخياط، وهقل بن زياد، وَالمُنْكَدِرِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَبَشِيْرِ بنِ طَلْحَةَ، وَجَمَاعَةٍ. وَلَمْ يَكُنْ بِالمُتَضَلِّعِ مِنَ الحَدِيْثِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ سُلَيْمٌ، وَدَاوُدُ، وَزُهَيْرُ بنُ عَبَّادٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَعَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يُوْنُسَ الرَّقِّيُّ، وَمَنْصُوْرُ بنُ الحَارِثِ، وَغَيْرُهُم.
وَعَظَ بِالعِرَاقِ، وَالشَّامِ، وَمِصْرَ، وَبَعُدَ صِيْتُهُ، وَتَزَاحمَ عَلَيْهِ الخَلْقُ، وَكَانَ يَنطَوِي عَلَى زُهْدٍ، وَتَأَلُّهٍ، وَخَشْيَةٍ، وَلِوَعْظِهِ وَقْعٌ فِي النُّفُوْسِ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَاحِبُ مَوَاعِظَ، لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدِيْثُهُ مُنْكَرٌ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يَرْوِي عَنْ ضُعَفَاء أَحَادِيْثَ لاَ يُتَابَعُ عَلَيْهَا.
وَذَكَرَ ابْنُ يُوْنُسَ فِي "تَارِيْخِهِ": أَنَّ اللَّيْثَ بنَ سَعْدٍ حَضَرَ وَعْظَهُ، فَأَعْجَبَهُ، وَنَفَّذَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ. وَقِيْلَ: أَقْطَعَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَدَّاناً، وَإِنَّ ابْنَ لَهِيْعَةَ أَقطَعَهُ خَمْسَةَ فَدَادِيْنَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَسَأَلَهُ مَنْصُوْرُ بنُ عَمَّارٍ عَنِ القُرْآنِ، فَزَبَرَهُ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ بِعُكَّازِهِ. فَقِيْلَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّهُ عَابِدٌ. فَقَالَ: مَا أُرَاهُ إِلاَّ شَيْطَاناً.
وَعَنْ عَبْدَكَ العَابِدِ، قَالَ: قِيْلَ لِمَنْصُوْرٍ: تَتَكَلَّمُ بِهَذَا الكَلاَمِ، وَنَرَى مِنْكَ أَشْيَاءَ?! قَالَ: احْسِبُونِي دُرَّةً عَلَى كُنَاسَةٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُطَرِّفٍ يَقُوْلُ: رؤي منصور بن
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1509"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 777"، والكامل لابن عدي "6/ ترجمة 1881"، وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني "9/ ترجمة 455"، وتاريخ بغداد "13/ 71"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8790"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 244".(7/530)
عَمَّارٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَقِيْلَ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ? قَالَ: غَفَر لِي، وَقَالَ لِي: يَا مَنْصُوْرُ! غَفَرْتُ لَكَ عَلَى تَخْلِيْطٍ فِيْكَ كَثِيْرٍ، إِلاَّ أَنَّكَ كُنْتَ تَحُوشُ1 النَّاسَ إِلَى ذِكْرِي.
أَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ: حَدَّثَنَا مَنْصُوْرُ بنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ -أَوْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَكُوْنُ لأَصْحَابِي بَعْدِي زَلَّةٌ، يَغْفِرُهَا اللهُ لَهُمْ بِسَابِقَتِهِم، ثُمَّ يَعْمَلُ بِهَا قَوْمٌ بَعْدَهُم، يَكُبُّهُمُ اللهُ فِي النَّارِ"2.
مَنْصُوْرُ بنُ الحَارِثِ: حَدَّثَنَا مَنْصُوْرُ بنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ، مَرْفُوْعاً: "مُشَاشُ الطَّيْرِ يُوْرِثُ السِّلَّ"3.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يُوْنُسَ: حَدَّثَنَا مَنْصُوْرٌ، حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ عَقَدَ عَبَاءً بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَقَالَ: "إِنَّمَا لَبِسْتُ هَذَا، لأَقْمَعَ بِهِ الكِبْرَ"4.
وَسَاقَ ابْنُ عَدِيٍّ مَنَاكِيْرَ لِمَنْصُوْرٍ، تَقْضِي بِأَنَّهُ وَاهٍ جِدّاً.
أَبُو شُعَيْبٍ الحَرَّانِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ، قَالَ مَنْصُوْرُ بنُ عَمَّارٍ: لَمَّا قَدِمْتُ مِصْرَ، كَانُوا فِي قَحْطٍ، فَلَمَّا صَلَّوُا الجُمُعَةَ، ضَجُّوا بِالبُكَاءِ وَالدُّعَاءِ، فَحَضَرَتْنِي نِيَّةٌ، فَصِرْتُ إِلَى الصَّحْنِ، وقلت: يا قوم! تقربوا إلى اللهِ بِالصَّدَقَةِ، فَمَا تُقُرِّبَ بِمِثْلِهَا، ثُمَّ رَمَيْتُ بِكِسَائِي، فَقَالَ: هَذَا جُهْدِي، فَتَصَدَّقُوا، حَتَّى جَعَلَتِ المَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا، حَتَّى فَاضَ الكِسَاءُ، ثُمَّ هَطَلَتِ السَّمَاءُ، وَخَرَجُوا فِي الطِّيْنِ، فَدَفَعْتُ إِلَى اللَّيْثِ وَابْنِ لَهِيْعَةَ، فَنَظَرَا إِلَى كَثْرَةِ المَالِ، فوكلوا به الثقات،
__________
1 تحوش: تجمع وتسوق.
2 منكر: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "6/ 394" من طريق أَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، حَدَّثَنَا مَنْصُوْرُ بنُ عَمَّارٍ، به. وفي إسناده علتان: الأولى: منصور بن عمار، قال ابن عدي: منكر الحديث. والثانية: ابن لهيعة، ضعيف.
3 منكر: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "6/ 394، 395" من طريق منصور بن الحارث بن أبي منصور، حدثنا منصور بن عمار، به.
وقال ابن عدي: "مساس" بالسين المهملة. وذكر الذهبي الحديث في "ميزان الاعتدال" في ترجمة منصور ابن عمار وقال: "مشاش الطير" بالشين المعجمة. وعد الذهبي الحديث والحديث السابق من جملة منكراته. وفي الإسناد ابن لهيعة، وهو ضعيف لسوء حفظه.
4 منكر: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "6/ 395" من طريق عبد الرحمن بن يونس الرقي، حدثني منصور بن عمار، به.
قلت: إسناده واه، فيه العلتان السابقتان.(7/531)
وَرُحْتُ أَنَا إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَبَيْنَا أَنَا أَطُوْفُ على حصنها، إذا رجل يرمقني، قلت: مالك? قَالَ: أَنْتَ المُتَكَلِّمُ يَوْمَ الجُمُعَةِ? قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: صِرْتَ فِتْنَةً، قَالُوا: إِنَّكَ الخَضِرُ، دَعَا فَأُجِيْبَ. قُلْتُ: بَلْ أَنَا العَبْدُ الخَاطِئُ. فَقَدِمْتُ مِصْرَ، فَأَقْطَعَنِي اللَّيْثُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَدَّاناً.
أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ قَالَ: قَدِمْتُ مِصْرَ، وَبِهَا قَحْطٌ، فَتَكَلَّمْتُ، فَبَذَلُوا صَدَقَاتٍ كَثِيْرَةً، فَأَتَى بِيَ اللَّيْثُ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى الكَلاَمِ بِغَيْرِ أَمْرٍ؟ قُلْتُ أَصْلَحَكَ اللهُ، أَعْرِضُ عَلَيْكَ، فَإِنْ كَانَ مَكْرُوْهاً، نَهَيْتَنِي. قَالَ: تَكَلَّمْ، فَتَكَلَّمْتُ. قَالَ: قُمْ، لاَ يَحِلُّ أَنْ أَسْمَعَ هَذَا وَحْدِي. قَالَ: وَأَخْرَجَ لِيَ جَارِيَةً، تُعَدُّ قيمتها ثلاثة مائَةِ دِيْنَارٍ وَأَلْفَ دِيْنَارٍ، وَقَالَ: لاَ تُعْلِمْ بِهَا ابْنِي، فَتَهُوْنَ عَلَيْهِ.
أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: أَعْطَانِي اللَّيْثُ أَلفَ دِيْنَارٍ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ: سَمِعْتُ مَنْصُوْراً يَقُوْلُ: المُتَكَلِّمُوْنَ ثَلاَثَةٌ: الحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَعَوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ الرَّشِيْدَ لَمَّا سَمِعَ وَعْظَ مَنْصُوْرٍ، قَالَ: مَنْ أَيْنَ تَعَلَّمْتَ هَذَا? قَالَ: تَفِلَ فِي فِي رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، وَقَالَ لِي: يَا مَنْصُوْرُ! قُلْ.
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُوْسَى الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: قَالَ مَنْصُوْرُ بنُ عَمَّارٍ: حَجَجْتُ، فَبِتُّ بِالكُوْفَةِ، فَخَرَجْتُ فِي الظَّلمَاءِ، فَإِذَا بِصَارِخٍ يَقُوْلُ: إِلَهِي وَعِزَّتِكَ، مَا أَرَدْتُ بِمَعْصِيَتِي مُخَالَفَتَكَ، وَعَصَيْتُ وَمَا أَنَا بِنَكَالِكَ جَاهِلٌ، وَلَكِنْ خَطِيْئَةٌ أَعَانَنِي عَلَيْهَا شَقَائِي، وَغَرَّنِي سِتْرُكَ، فَالآنَ مَنْ يُنْقِذُنِي، فَتَلَوَتُ هَذِهِ الآيَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التَّحْرِيْمُ: 6] . قَالَ فَسَمِعْتُ دَكْدَكَةً، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، مَرَرْتُ هُنَاكَ، فَإِذَا بِجَنَازَةٍ وَعَجُوْزٌ تَقُوْلُ: مَرَّ البَارِحَةَ رَجُلٌ تَلاَ آيَةً، فَتَفَطَّرَتْ مَرَارَتُهُ، فَوَقَعَ مَيْتاً.
قَالَ سُليم بنُ مَنْصُوْرٍ: كَتَبَ بِشْرٌ المَرِيْسِيُّ إِلَى أَبِي: أَخْبِرْنِي عَنِ القُرْآنِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: عَافَانَا اللهُ وَإِيَّاكَ، نَحْنُ نَرَى أَنَّ الكَلاَمَ فِي القُرْآنِ بِدعَةٌ، تَشَارَكَ فِيْهَا السَّائِلُ وَالمُجِيْبُ، تَعَاطَى السَّائِلُ مَا لَيْسَ لَهُ، وَتَكَلَّفَ المُجِيْبُ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ، وَمَا أَعْرِفُ خَالِقاً إِلاَّ اللهَ، وَمَا دُوْنَهُ مَخْلُوْقٌ، وَالقُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، فَانْتَهِ بِنَفْسِكَ وَبَالمُخْتَلِفِيْنَ فِيْهِ مَعَكَ إِلَى أَسْمَائِهِ الَّتِي سَمَّاهُ اللهُ بِهَا، وَلاَ تُسَمِّ القُرْآنَ بَاسْمٍ مِنْ عِنْدِكَ، فَتَكُوْنَ مِنَ الضَّالِّينَ.
قَالَ الكَوْكَبِيُّ: حَدَّثَنَا حَرِيْزُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي دُؤَادَ، حَدَّثَنِي سَلْمَوَيْه بنُ عَاصِمٍ، قَالَ: كَتَبَ بِشْرٌ إِلَى مَنْصُوْرِ بنِ عَمَّارٍ يسأله عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]
كَيْفَ اسْتَوَى? فَكَتَبَ إِلَيْهِ: اسْتِوَاؤُهُ غَيْرُ مَحْدُوْدٍ، وَالجَوَابُ فِيْهِ تَكَلُّفٌ، وَمَسْأَلَتُكَ عَنْهُ بِدعَةٌ، وَالإِيْمَانُ بِجُمْلَةِ ذَلِكَ وَاجِبٌ.
لَمْ أَجِدْ وَفَاةً لِمَنْصُوْرٍ، وَكَأَنَّهَا فِي حدود المائتين.(7/532)
1345- العباس بن الأحنف 1:
ابن أَسْوَدَ بنِ طَلْحَةَ الحَنَفِيُّ اليَمَامِيُّ.
مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ، وَلَهُ غَزَلٌ فَائِقٌ.
وَهُوَ خَالُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ العَبَّاسِ الصُّوْلِيِّ الشَّاعِرِ.
تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ سِتِّيْنَ سَنَةً. وَمَاتَ أَبُوْهُ الأَحْنَفُ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، بالبصرة.
__________
1 ترجمته في الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني "8/ 352"، وتاريخ بغداد "12/ 127"، ووفيات الأعيان "3/ ترجمة 319"، والعبر "1/ 312"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 334".(7/533)
1346- غُنْدَر 1: "ع"
محمد بن جعفر، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، الثَّبْتُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الهُذَلِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، الكَرَابِيْسِيُّ، التَّاجُ، أَحَدُ المُتْقِنِيْنَ.
وُلِدَ سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
وَرَوَى عَنْ: حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَعَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، وَابْنٍ جُرَيْجٍ، وَجَعْفَرِ بنِ مَيْمُوْنٍ الأَنْمَاطِيِّ، وَمَعْمَرٍ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَشُعْبَةَ، فَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَجَوَّدَ وَحَرَّرَ.
رَوَى عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَابْنُ رَاهَوَيْه، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ البُسْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ، وَخَلِيْفَةُ بن خياط، وسليمان بن أيوب صاحب
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 296"، والتاريخ الكبير "1/ ترجمة 119"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 1223"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 281"، والكاشف "3/ ترجمة 4843"، والعبر "1/ 311"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 7324"، وتهذيب التهذيب "9/ 96"، وتقريب التهذيب "2/ 151"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6115"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 333".(7/533)
البَصْرِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَالعَبَّاسُ بنُ يَزِيْدَ البَحْرَانِيُّ، وَيَحْيَى بنُ حَكِيْمٍ المُقَوِّمُ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: كَانَ أَصَحَّ النَّاسِ كِتَاباً، وَأَرَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يُخَطِّئَ غُنْدَراً، فَلَمْ يَقْدِرْ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: قَالَ غُنْدَرٌ: لَزِمْتُ شُعْبَةَ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: مَا أَظُنُّه رَحَلَ فِي الحَدِيْثِ مِنَ البَصْرَةِ، وَابْنُ جُرَيْجٍ هُوَ الَّذِيْنَ سَمَّاهُ غُنْدَراً، وَذَلِكَ لأَنَّهُ تَعَنَّتَ ابْنَ جُرَيْجٍ فِي الأَخْذِ، وَشَغَبَ عَلَيْهِ أَهْلُ الحِجَازِ، فَقَالَ: مَا أَنْتَ إِلاَّ غُنْدَرٌ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: أَخْرَجَ غُنْدَرٌ إِلَيْنَا ذَاتَ يَوْمٍ جِرَاباً فِيْهِ كُتُبٌ، فَقَالَ: اجْهَدُوا أَنْ تُخْرِجُوا فِيْهَا خَطَأً. قَالَ: فَمَا وَجَدْنَا فِيْهِ شَيْئاً، وَكَانَ يَصُوْمُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً مُنْذُ خَمْسِيْنَ سَنَةً.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: كُنَّا نَسْتَفِيْدُ مِنْ كُتُبِ غُنْدَرٍ فِي حَيَاةِ شُعْبَةَ.
وَقِيْلَ: كَانَ غُنْدَرٌ يَتَّجِرُ فِي الطَّيَالِسَةِ1 وَفِي الكَرَابِيْسِ2 وَكَانَ مِنْ خِيَارِ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، وَمُجَوِّدِيهِم. وَقِيْلَ: كَانَ مُغَفَّلاً.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَثَّامٍ يَقُوْلُ: أَتَيْتُ غُنْدَراً -فَذَكَرَ مِنْ فَضْلِهِ وَعِلْمِهِ بِحَدِيْثِ شُعْبَةَ- فَقَالَ لِي: هَاتِ كِتَابَكَ. فَأَبَيْتُ إِلاَّ أَنْ يُخْرِجَ كِتَابَهُ، فَأَخْرَجَهُ، وَقَالَ: يَزْعُمُ النَّاسُ أَنِّي اشْتَرَيتُ سَمَكاً، فَأَكلُوْهُ، وَلَطَخُوا بِهِ يَدِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظتُ، طَلَبْتُهُ، فَقَالُوا لِي: أَكَلتَ فَشُمَّ يَدَكَ، أَفَمَا كَانَ يَدُلُّنِي بَطْنِي. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَثَّامٍ: وَكَانَ مُغَفَّلاً.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ فِي شُعْبَةَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ.
وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: غُنْدَرٌ فِي شُعْبَةَ، أَثْبَتُ مِنِّي.
وَرَوَى سَلَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ قَالَ: إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حَدِيْثِ شُعْبَةَ، فَكِتَابُ غُنْدَرٍ حَكَمٌ بَيْنَهُم.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: كَانَ غُنْدَرٌ صَدُوْقاً، مُؤَدِّياً، وَفِي حَدِيْثِ شُعْبَةَ ثِقَةً، وَأَمَّا فِي غَيْرِ شُعْبَةَ، فَيُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، وَلاَ يُحْتَجُّ به.
وَرَوَى عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ قَالَ: كَانَ غُنْدَرٌ يَجْلِسُ عَلَى رَأْسِ المَنَارَةِ، يُفَرِّقُ زكاته،
__________
1 الطيلسان: وشاح يلبس على الكتف.
2 الكرابيس: جمع كرباس، وهو الثوب الغليظ من القطن. وهو معرب.(7/534)
فَقِيْلَ لَهُ: لِمَ تَفْعَلُ هَذَا? قَالَ: أُرَغِّبُ النَّاسَ فِي إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ فَاشْتَرَى سَمَكاً وَقَالَ لأَهْلِهِ: أَصْلِحُوهُ وَنَام فَأَكَلَ عِيَالُهُ السَّمَكَ وَلَطَخُوا يَدَهُ فَلَمَّا انْتَبَهَ قَالَ: هَاتُوا السَّمَكَ قَالُوا: قَدْ أَكَلتَ فَقَالَ: لاَ قَالُوا: فَشُمَّ يَدَك فَفَعَلَ ثُمَّ قَالَ: صَدَقْتُم وَلَكِنْ مَا شَبِعْتُ.
ابْنُ المَرْزُبَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ بِشْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ أَيُّوْبَ صَاحِبِ البَصْرِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِغُنْدَرٍ: إِنَّهُم يُعَظِّمُوْنَ مَا فِيْكَ مِنَ السَّلاَمَةِ قَالَ: يَكْذِبُوْنَ عَلَيَّ قُلْتُ: فَحَدِّثْنِي بِشَيْءٍ يَصِحُّ مِنْهَا قَالَ: صُمْتُ يَوْماً فَأَكَلتُ فِيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ نَاسِياً ثُمَّ أَتْمَمْتُ صَوْمِي.
وَنَقَلَ ابْنُ مَرْوَانَ فِي "المُجَالَسَةِ" قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: دَخَلْنَا عَلَى غندر فقال: لا أحدثكم بشيء حتى تجيئوا مَعِيَ إِلَى السُّوْقِ وَتَمشُونَ فَيَرَاكُمُ النَّاسُ فَيُكْرِمُوْنِي قَالَ: فَمَشَيْنَا خَلْفَهُ إِلَى السُّوْقِ فَجَعَلَ النَّاسُ يَقُوْلُوْنَ لَهُ: مَنْ هَؤُلاَءِ يَا أَبَا عَبْدِ الله? فيقول: هؤلاء أصحاب الحديث جاءوني مِنْ بَغْدَادَ يَكتُبُوْنَ عَنِّي.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: وَالتَفَتَ غُنْدَرٌ يَوْماً إِلَيَّ فَقَالَ: اعْلَمْ أَنِّي مُنْذُ خَمْسِيْنَ سَنَةً أَصُوْمُ يَوْماً وَأُفْطِرُ يَوْماً قُلْتُ: اتَّفَقَ أَربَابُ الصِّحَاحِ عَلَى الاحْتِجَاجِ بِغُنْدَرٍ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ وَهُوَ فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ رَحِمَهُ اللهُ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ غَدِيْرٍ الطَّائِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ حُضُوْراً أَخْبَرَنَا علي بن المسلم أخبرنا الحسين بن محمد القرشي أخبرنا محمد ابن أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو رَوْقٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ بِالبَصْرَةِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ البُسْرِيُّ حدثنا غندر حدثنا شعبة عن ملك عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الفَضْلِ عَنْ نَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نفسها وإذنها صماتها" 1.
__________
1 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه مالك "2/ 424-525"، ومن طريقه أخرجه عبد الرزاق "10283"، وابن أبي شيبة "4/ 136"، والشافعي "2/ 12"، وسعيد بن منصور "556"، وأحمد "1/ 219 و241-242 و345 و362"، ومسلم "1421" "66"، وأبو داود "2098"، والترمذي "1108"، والنسائي "6/ 84"، وابن ماجه "1870"، والدارمي "2/ 138"، وابن الجارود "709"، والدارقطني "3/ 239-240 و241"، والطبراني في "الكبير" "10/ 10743 و10744 و10745"، والبيهقي "7/ 118 و122"، والبغوي "2254" عن عبد الله بن الفضل، به، وأخرجه عبد الرزاق "10282"، وابن أبي شيبة "4/ 136"، والطبراني "10/ 10746"، والبيهقي "7/ 118" من طرق عن عبد الله بن الفضل، به.(7/535)
وَرَوَاهُ صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، وَزِيَادُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ الفَضْلِ هَذَا. أَخْرَجَه: السِّتَّةُ، سِوَى البُخَارِيِّ، مِنْ حَدِيْثِ الثَّلاَثَةِ، عَنْهُ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وستمائة، وَجَمَاعَةٌ قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَجْمٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ، أَخْبَرَتْنَا شُهْدة الكَاتِبَةُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلْحَةَ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُؤَيَّدِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّيْنَوَرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَمِّي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بنُ مَهْدِيٍّ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ حُمْرَانَ بنِ أَبَانٍ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "من مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، دَخَلَ الجَنَّة" 1.
__________
1 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه أحمد "1/ 65 و69"، ومسلم "26"، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" "1113" و"1114"، وأبو عوانة "1/ 7"، وابن منده "32" من طرق عن خالد الحذاء، به.
وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" "1115" من طريق شعبة، عن بيان بن بشر، عن حمران، به.(7/536)
1347- شُعَيب 1: "ع، سوى ت"
ابن إسحاق بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ رَاشِدٍ، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، أَبُو شُعَيْبٍ القُرَشِيُّ مَوْلاَهُمْ، الدِّمَشْقِيُّ، الحَنَفِيُّ.
أَخَذَ الفِقْهَ عَنْ: أَبِي حَنِيْفَةَ، وَكَانَ مِنْ ثِقَاتِ أَهْلِ الرَّأْيِ، مُتْقِناً، مُجَوِّداً لِلْحَدِيْثِ.
حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَعِدَّةٍ.
رَوَى عَنْهُ: إِسْحَاقُ، ودُحَيم، وَابْنُ عَائِذٍ، وَدَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الجَوْبَرَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَلَمْ يَلْحَقْهُ وَلَدُه شُعَيْبُ بنُ شُعَيْبٍ.
تُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ، فِي رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وثمانين ومائة، وله اثنتان وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِي كِبَارِ الفُقَهَاءِ -رَحِمَهُ اللهُ. رَوَى لَهُ: الجَمَاعَةُ، سِوَى التِّرْمِذِيِّ.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 641"، والتاريخ الكبير "4/ ترجمة 2583"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 180" و"2/ 641"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 1498"، والكاشف "2/ ترجمة 2303"، وتهذيب التهذيب "4/ 347"، وتقريب التهذيب "1/ 351"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2954".(7/536)
1348- السِّيناني 1: "ع"
هُوَ الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو عَبْدِ الله الفضل بن موسى المَرْوَزِيُّ. وَسِيْنَانُ: قَرْيَةٌ مِنْ أَعْمَالِ مَرْوَ.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، فَهُوَ أَسَنُّ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَعَاشَ بَعْدَهُ مُدَّةً.
رَحَلَ وَسَمِعَ مِنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بن أبي خالد، وعبيد الله بن عمر، وَخُثَيْمِ بنِ عِرَاكٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، وَحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَمَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ حُجْر، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَيَحْيَى بنُ أَكْثَمَ، وَأَبُو عَمَّارٍ الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، وَعَلِيُّ بنُ خَشْرم، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَمَحْمُوْدُ بنُ آدَمَ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ المُلاَئِيُّ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ.
وَقَالَ وَكِيْعٌ: ثِقَةٌ، صَاحِبُ سُنَّةٍ أَعْرِفُه.
أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ خَشْرَم، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ مُوْسَى، قَالَ: كَانَ عَلَيْنَا عَامِلٌ بِمَرْوَ، وَكَانَ نَسَّاءً، فَقَالَ: اشْتَرُوا لِي غُلاَماً، وَسَمُّوْهُ بِحَضْرَتِي حَتَّى لاَ أَنسَى اسْمَه، ثُمَّ قَالَ: مَا سَمَّيْتُمُوْهُ? قَالُوا: وَاقِدٌ. قَالَ: فَهَلاَّ اسْماً لاَ أَنسَاهُ أَبَداً? -أَوْ قَالَ: فَهَذَا اسْمٌ مَا أَنسَاهُ أَبَداً. وَقَالَ: قُمْ يَا فَرْقَدُ.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ حريث: سمعت السيناني يقول: طلب الحديث حِرْفَةُ المَفَالِيْسِ، مَا رَأَيْتُ أَذَلَّ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه: كَتَبْتُ العِلْمَ، فَلَمْ أَكْتُبْ عَنْ أَحَدٍ أَوْثَقَ فِي نَفْسِي مِنْ هَذَيْنِ الرَّجُلِيْنِ: الفَضْلِ بنِ مُوْسَى، وَيَحْيَى بنِ يَحْيَى التَّمِيْمِيِّ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوَيْه المَرْوَزِيُّ: مَاتَ الفَضْلُ السِّيْنَانِيُّ لَيْلَةَ دَخَلَ هَرْثَمة بنُ أعيَن وَالِياً عَلَى خُرَاسَانَ، فِي حَادِي عَشَرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 372"، والتاريخ الكبير "7/ ترجمة 523"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 357 و518" و"2/ 18"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 390"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 278"، والكاشف "2/ ترجمة 4546"، والعبر "1/ 307"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 6754"، وتهذيب التهذيب "8/ 286"، وتقريب التهذيب "2/ 111"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5728"، وشذرات الذهب "1/ 329".(7/537)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ مُوْسَى السِّيْنَانِيُّ، أَخْبَرَنَا الجُعَيد، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ، قَالَتْ: سَمِعْتُ سَعْداً يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ يَكِيْدُ أَهْلَ المَدِيْنَةِ أَحَدٌ بِسُوْءٍ، إِلاَّ انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ المِلْحُ فِي المَاءِ" 1.
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، غَرِيْبٌ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَربَابِ الكُتُبِ السِّتَّةِ، سِوَى البُخَارِيِّ، فَرَوَاهُ عَنِ الثِّقَة، عَنِ السِّيْنَانِيِّ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً عاليًا.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "1/ 180"، والبخاري "1877"، ومسلم "1387"، وأبو يعلى "804"، والبيهقي "5/ 197"، والبغوي "2014" من حديث سعد بن أبي وقاص، به.
وأخرجه أحمد "2/ 279 و309 و357"، والحميدي "1167"، ومسلم "1386"، وابن ماجه "3114" وأبو نُعيم في "الحلية" "9/ 42" من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ $"من أراد أهل المدينة بسوء أَذَابَهُ اللهُ كَمَا يَذُوْبُ المِلْحُ فِي المَاءِ".(7/538)
1349- يَزِيْدُ بنُ سَمُرَة 1:
الرَّهَاوِيُّ، المَذْحِجِيُّ، أَبُو هِرَّانَ، الزَّاهِدُ، شَامِيٌّ.
عَنْ: عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، وَيَحْيَى السَّيْبَانِيِّ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالحَكَمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَعَنْهُ: ابْنُ وَهْبٍ، وَأَبُو مُسْهِر، وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَابْنُ عَائِذٍ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: كَانَ مِنْ أَهْلِ فَضْلٍ وَزُهْدٍ.
وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: لَمْ يَذْكُرُوْهُ بِجَرْحٍ. وَالرَّهَا: بطن من مذحج.
قلت: فأما.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 3229"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 1125".(7/538)
1350- يَزِيْدُ بنُ شَجَرَةَ 1:
أَبُو شَجَرَةَ الرَّهاوي، فَقَدِيْمٌ. يُقَالَ: لَهُ صُحْبَةٌ.
كَانَ أَمِيْرَ الجَيْشِ فِي غَزوِ الرُّوْمِ
أَرْسَلَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَوَى عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَاسْتَعْمَلَهُ مُعَاوِيَةُ.
قَالَ شَبَابٌ: اسْتُشْهِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قُتِلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي البحر، سنة ثمان.
قَالَ مَنْصُوْرٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ: كَانَ يَزِيْدُ بنُ شَجَرَةَ مِمَّا يُذَكِّرُنَا نَبْكِي، وَكَانَ يُصَدِّقُ بُكَاءَهُ بفعله -رضي الله عنه.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 446"، الجرح والتعديل "9/ ترجمة 1135".(7/539)
1351- ابن عُلَيَّة 1: "ع"
إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو بِشْرٍ الأَسَدِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ الكُوْفِيُّ، الأَصْلِ المَشْهُوْرُ: بِابْنِ عُلَيَّةَ؛ وَهِيَ أُمُّهُ.
وُلِدَ سَنَةَ مَاتَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ، سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: أَبُو بِشْرٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَهْمِ بنِ مِقْسَمٍ البَصْرِيُّ مَوْلَى بَنِي أَسَدِ بنِ خُزَيْمَةَ، وَأُمُّهُ عُلَيَّةُ مَوْلاَةٌ لِبَنِي أَسَدٍ. سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ المُنْكَدِرِ التَّيْمِيَّ، وَأَبَا بَكْرٍ أَيُّوْبَ بنَ أَبِي تَمِيْمَةَ، وَيُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ.
قُلْتُ: وَإِسْحَاقَ بنَ سُوَيْدٍ، وَعَلِيَّ بنَ زيد، وحميد الطَّوِيْلَ، وَعَطَاءَ بنَ السَّائِبِ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي نَجيح، وَسُهَيْلَ بنَ أَبِي صَالِحٍ، وَلَيْثَ بنَ أَبِي سُلَيْمٍ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ صُهَيْبٍ، وَأَبَا التَّيَّاحِ الضُّبَعي، وَسَعِيْداً الجُرَيري، وَحَبِيْبَ بنَ الشَّهِيْدِ، وَابْنَ جُرَيْجٍ، وَحَجَّاجَ بنَ أَبِي عُثْمَانَ الصَّوَّافَ، وَحَنْظَلَةَ السَّدوسي، وَخَالِداً الحَذَّاء، وَرَوْحَ بنَ القَاسِمِ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ، وَعَاصِمَ بنَ سُلَيْمَانَ، وَعَوْفَ بنَ أَبِي جَمِيْلَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ الزُّبَيْرِ الحَنْظَلِيَّ، ويرد بنَ سِنَانٍ الدِّمَشْقِيَّ نَزِيْلَ البَصْرَةِ، وَدَاوُدَ بنَ أَبِي هِنْدٍ، وَعَلِيَّ بنَ الحَكَمِ البُناني، وَمَنْصُوْرَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَشَلَّ، وَالوَلِيْدَ بنَ أَبِي هِشَامٍ، وَيَحْيَى بنَ عَتِيْقٍ، وَيَحْيَى بنَ مَيْمُوْنٍ العَطَّارَ، وَيَحْيَى بنَ يَزِيْدَ الهُنَائي، وَأَبَا رَيْحَانَةَ السَّعْدِيَّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَشُعْبَةُ -وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ- وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَيَحْيَى بنُ معين، وأبو حفص
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 325"، والتاريخ الكبير "1/ ترجمة 1078"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 513"، وتاريخ بغداد "6/ 229"، والعبر "1/ 310"، وميزان الاعتدال "1/ ترجمة 843"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 303"، والكاشف "1/ ترجمة 352"، وتهذيب التهذيب "1/ 275"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 144"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 333".(7/539)
الفَلاَّسُ، وَعَمْرُو بنُ رَافِعٍ القَزْوِيْنِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَمُؤَمَّلُ بنُ هِشَامٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُعَاذٍ، وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، خَاتِمَتُهُم: مُوْسَى بنُ سَهْلِ بنِ كَثِيْرٍ الوَشَّاءُ، البَاقِي إِلَى سنة ثمان وسبعين ومائتين.
وكان فقهيًا، إِمَاماً، مُفْتِياً، مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: مَنْ قَالَ: ابْنُ عُلَيَّةَ، فَقَدِ اغْتَابَنِي.
قُلْتُ: هَذَا سُوءُ خُلُقٍ -رَحِمَهُ اللهُ- شَيْءٌ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ، فَمَا الحِيْلَةُ?! قَدْ دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِأَسْمَائِهِم مُضَافاً إِلَى الأُمِّ، كَالزُّبَيْرِ ابْنِ صفية، وعمار بن سُمَيَّةَ.
قَالَ مُؤَمَّلُ بنُ هِشَامٍ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: لَقِيْتُ مُحَمَّدَ بنَ المُنْكَدِرِ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ. قُلْتُ: هُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ. قَالَ: فَقُلْتُ ذَا شَيْخٌ، فَلَمَّا قَدِمْتُ البَصْرَةَ، إِذَا أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ.
قَالَ غُنْدَرٌ: نَشَأْتُ فِي الحَدِيْثِ يَوْم نَشَأْتُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُقَدَّمُ فِي الحَدِيْثِ عَلَى ابْنِ عُلَيَّةَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: مَا أَحَدٌ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ إِلاَّ وَقَدْ أَخْطَأَ، إِلاَّ إسماعيل بن عُلَيَّةَ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: كَانَ ابْنُ عُلَيَّةَ ثِقَةً، تَقِيّاً، وَرِعاً.
وَقَالَ يُوْنُسُ بنُ بُكَير: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ عُلَيَّةَ سَيِّدُ المُحَدِّثِيْنَ.
وَقَالَ عَمْرُو بنُ زُرارة النَّيْسَابُوْرِيُّ: صَحِبْتُ ابْنَ عُلَيَّةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَمَا رَأَيْتُهُ تَبَسَّمَ فِيْهَا.
قُلْتُ: مَا فِي هَذَا مَدْحٌ وَلَكِنَّهُ، مُؤْذِنٌ بِخَشْيَةٍ وَحُزْنٍ.
قَالَ عَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ الحَارِثِ، قَالَ: كُنَّا نُشَبِّهُ ابْن عُلَيَّةَ بِيُوْنُسَ بنِ عُبيد.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الهَرَوي: سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ البَصْرَةَ وَمَا بِهَا خَلْقٌ يُفَضَّلُ عَلَى ابْنِ عُلَيَّةَ فِي الحَدِيْثِ.
وَقَالَ زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ: مَا رَأَيْتُ لإِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عُلَيَّةَ كِتَاباً قَطُّ. وَكَانَ يُقَالُ: ابْنُ عُلَيَّةَ يَعُدُّ الحُرُوْفَ.(7/540)
قَالَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: مَا كُنَّا نُشَبِّهُ شَمَائِلَ إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عُلَيَّةَ إِلاَّ بِشَمَائِلِ يُوْنُسَ، حَتَّى دَخَلَ فِيْمَا دَخَلَ فِيْهِ.
قُلْتُ: يُرِيْدُ وِلاَيَتَه الصَّدَقَةَ، وَكَانَ مَوْصُوْفاً بِالدِّيْنِ، وَالوَرَعِ، وَالتَأَلُّهِ، مَنْظُوْراً إِلَيْهِ فِي الفَضْلِ وَالعِلْمِ، وَبَدَتْ مِنْهُ هَفَوَاتٌ خَفِيْفَةٌ، لَمْ تُغَيِّرْ رُتْبَتَهُ إِنْ شَاءَ اللهُ.
وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْهِ ابْنُ المُبَارَكِ بِأَبْيَاتٍ حَسَنَةٍ يُعَنِّفُهُ فِيْهَا، وَهِيَ:
يَا جَاعِلَ العِلْمِ لَهُ بَازِياً ... يَصْطَادُ أَمْوَالَ المَسَاكِيْنِ
احْتَلْتَ لِلدُّنْيَا ولذاتها ... بحيلة تذهب بالدين
فصرت مجنونا بها بعدما ... كُنْتَ دَوَاءً لِلْمَجَانِيْنِ
أَيْنَ رِوَايَاتُكَ فِيْمَا مَضَى ... عَنِ ابْنِ عَوْنٍ وَابْنِ سِيْرِيْنِ
وَدَرْسُكَ العِلْمَ بِآثَارِهِ ... فِي تَرْكِ أَبْوَابِ السَّلاَطِيْنِ
تَقُوْلُ أُكْرِهْتُ فَمَاذَا كَذَا ... زَلَّ حِمَارُ العِلْمِ فِي الطِّيْنِ
لاَ تَبِعِ الدِّيْنَ بِالدُّنْيَا كَمَا ... يَفْعَلُ ضُلاَّلُ الرَّهَابِيْنِ
وَرَوَى الخَطِيْبُ فِي "تَارِيْخِهِ": أَنَّ الحَدِيْثَ الَّذِي أُخِذَ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِالكَلاَمِ في القرآن.
دَخَلَ عَلَى الأَمِيْنِ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ، فَشَتَمَهُ مُحَمَّدٌ، فَقَالَ: أَخْطَأْتَ، وَكَانَ حَدَّثَ بِهَذَا الحَدِيْثِ: "تَجِيْءُ البَقرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا" 1. فَقِيْلَ لابْنِ عُلَيَّةَ: أَلَهُمَا لِسَانٌ? قَالَ: نَعَمْ. فَقَالُوا: إِنَّهُ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، وإنما غلط.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "804"، وأحمد "5/ 249" من طريق أبي سلام عن أبي أمامة الباهلي قَالَ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "اقرءوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه. اقرءوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما. اقرءوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة". قال معاوية: بلغني أن البطلة السحرة.
قوله: "الزهراوين": سميتا الزهراوين لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما. "كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان": قال أهل اللغة: الغمامة والغياية كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه سحابة وغبرة وغيرهما. قال العلماء: المراد أن ثوابهما يأتي كغمامتين. "كأنهما فرقان من طير صواف": الفرقان هما قطيعان وجماعتان. "من طير صواف" أي جماعة صافة، وهي من الطيور ما يبسط أجنحتها في الهواء.
"تحاجان عن أصحابهما": أي تدافعان الجحيم والزبانية. وهو كناية عن المبالغة في الشفاعة.(7/541)
قَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ وُهَيْبٍ وَابْنِ عُلَيَّةَ: أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ إِذَا اخْتَلَفَا? فَقَالَ: وُهَيْبٌ، وَمَا زَالَ إِسْمَاعِيْلُ وَضِيعاً مِنَ الكَلاَمِ الَّذِي تَكَلَّمَ فِيْهِ، إِلَى أَنْ مَاتَ. قُلْتُ: أَلَيْسَ قَدْ رَجَعَ وتاب على رءوس النَّاسِ? قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ مَا زَالَ لأَهْلِ الحَدِيْثِ -بَعْدَ كَلاَمِهِ ذَلِكَ- مُبْغِضاً، وَكَانَ لاَ يُنْصِفُ فِي الحَدِيْثِ، كَانَ يُحَدِّثُ بِالشَفَاعَاتِ، وَكَانَ مَعَنَا رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، يَخْتَلِفُ إِلَى الشُّيُوْخِ، فَأَدخَلَنِي عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآنِي، غَضِبَ، وَقَالَ: مَنْ أَدْخَلَ هَذَا عليَّ?
قُلْتُ: مَعْذُوْرٌ الإِمَامُ أَحْمَدُ فيه.
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ أُدْخِلَ عَلَى الأَمِيْنِ، فَلَمَّا رَآهُ، زَحَفَ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ: يَا ابْنَ الفَاعِلَةِ! تَتَكَلَّمُ فِي القُرْآنِ. وَجَعَلَ إِسْمَاعِيْل يَقُوْلُ: جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ، زَلَّةٌ مِنْ عَالِمٍ. ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: إِنْ يَغْفِرِ اللهُ لَهُ -يَعْنِي: الأَمِيْنَ- فَبِهَا ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: وَإِسْمَاعِيْلُ ثَبْتٌ.
قَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! إِنَّ عَبْدَ الوَهَّابِ قَالَ: لاَ يُحِبُّ قَلْبِي إِسْمَاعِيْلَ أَبَداً، لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ وَجْهَهُ أَسْوَدُ. فَقَالَ أَحْمَدُ: عَافَى اللهُ عَبْدَ الوَهَّابِ، ثُمَّ قَالَ: لَزِمتُ إِسْمَاعِيْلَ عَشْرَ سِنِيْنَ إِلَى أَنْ أُعِيْبَ. ثُمَّ جَعَلَ يُحَرِّكُ رَأْسَهُ كَأَنَّهُ يَتَلَهَّفُ، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ لاَ يُنْصِفُ فِي التَّحَدُّثِ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ إِسْمَاعِيْلُ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، عَنْ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَحَدِيْثُهُ فِي كُتُبِ الإِسْلاَمِ كُلِّهَا.
وَلَهُ أَوْلاَدٌ مَشْهُوْرُوْنَ، مِنْهُم قَاضِي دِمَشْقَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عُلَيَّةَ، شَيْخٌ لِلنَّسَائِيِّ، ثِقَةٌ، حَافِظٌ، مَاتَ أَبُوْهُ وَهُوَ صَبِيٌّ، فَمَا لَحِقَ الأَخْذَ عَنْ أَبِيْهِ، وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ مَهْدِيٍّ، وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقِ، ويزيد بن هارون، يروي عن: مكحول البيروتي، وابن جَوْصَا، وطائفة، مات سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَلابْنِ عُلَيَّةَ ابْنٌ آخَرُ، جَهْمِي شَيْطَانٌ، اسْمُهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ يَقُوْلُ بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَيُنَاظِرُ.
وَابْنٌ آخَرُ، اسْمُهُ: حَمَّادُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، لَحِقَ أَبَاهُ، وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِ مُسْلِمٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ الكَاتِبُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مِقْسَمٍ، مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ قُطْبَةَ الأَسَدِيِّ؛ أَسَدِ خُزَيْمَةَ، كُوْفِيٌّ، كَانَ جَدُّهُ مِقْسَمٌ مِنْ سَبْيِ القِيْقَانِيَّةِ، وَهِيَ مَا بَيْنَ خُرَاسَانَ وَزَابُلِسَانَ، وَكَانَ إِبْرَاهِيْمُ ابن مِقْسَمٍ تَاجِراً مِنَ الكُوْفَةِ، كَانَ يَقْدَمُ البَصْرَةَ لِلتِّجَارَةِ، فَتَخَلَّفَ، وَتَزَوَّجَ عُلَيَّةَ بِنْتَ حَسَّانٍ؛ مَوْلاَةً لِبَنِي شَيْبَانَ، وَكَانَتْ نَبِيْلَةً عَاقِلَةً، لَهَا دَارٌ بالعوقة بالبصرة،(7/542)
تُعْرَفُ بِهَا، وَكَانَ صَالِحٌ المُرِّيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ وُجُوْهِ البَصْرَةِ وَفُقَهَائِهَا يَدْخُلُوْنَ عَلَيْهَا، فَتَبْرُزُ لَهُم، وَتُحَادِثُهُم، وَتُسَائِلُهُم، وَأَقَامَ ابْنُهَا إِسْمَاعِيْلُ بِالبَصْرَةِ.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: مَاتَ أَبُو بِشْرٍ بِبَغْدَادَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ.
وَرَوَى عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: ابْنُ عُلَيَّةَ رَيْحَانَةُ الفُقَهَاءِ.
وَرَوَى عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ، قَالَ: ابْنُ عُلَيَّةَ أَثْبَتُ مِنْ وُهَيْبٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ هُشَيْمٍ.
وَرَوَى عَفَّانُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، فَأَخْطَأَ فِي حَدِيْثٍ، وَكَانَ لاَ يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِ أَحَدٍ، فَقِيْلَ لَهُ: قَدْ خُوْلِفْتَ فِيْهِ. فَقَالَ: مَنْ? قَالُوا: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ. فَقِيْلَ: إِنَّ إِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ يُخَالِفُكَ. فَقَامَ، وَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ: القَوْلُ مَا قَالَ إِسْمَاعِيْلُ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيْهِ: إِلَيْهِ -يَعْنِي: إِسْمَاعِيْلَ- المُنْتَهَى فِي التَّثَبُّتِ بِالبَصْرَةِ.
وَعَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: فَاتَنِي مَالِكٌ، فَأَخْلَفَ اللهُ عَلَيَّ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَفَاتَنِي حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، فَأَخْلَفَ اللهُ عَلَيَّ إِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ، كَانَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ لاَ يَفْرَقُ مِنْ مُخَالفَةِ وُهَيْبٍ وَالثَّقَفِيِّ، وَيَفْرَقُ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ إِذَا خَالَفَه. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ: مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، قَالَ: نَشَأْتُ فِي الحَدِيْثِ يَوْمَ نَشَأْتُ، وَمَا أَحَدٌ يُقَدَّمُ فِي الحَدِيْثِ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عُلَيَّةَ.
وَرَوَى أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحْرِزٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: كَانَ إِسْمَاعِيْلُ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، صَدُوْقاً، مُسْلِماً، وَرِعاً، تَقِيّاً.
وَقَالَ قُتَيْبَةُ: كَانُوا يَقُوْلُوْنَ: الحُفَّاظُ أَرْبَعَةٌ: إِسْمَاعِيْلُ، وَوُهَيْبٌ، وَعَبْدُ الوَارِثِ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ.
وَرَوَى يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ، عَنِ الهَيْثَمِ بنِ خَالِدٍ، قَالَ: اجْتَمَعَ حُفَّاظُ البَصْرَةِ، فَقَالَ أَهْلُ الكُوْفَة لَهُم: نَحُّوا عَنَّا إِسْمَاعِيْلَ، وَهَاتُوا مَنْ شِئْتُمْ.
وَقَالَ زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ: مَا رَأَيْتُ لابْنِ عُلَيَّةَ كِتَاباً قَطُّ. وَكَانَ يُقَالُ: ابْنُ عُلَيَّةَ يَعُدُّ الحُرُوْفَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: مَا أَحَدٌ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ إِلاَّ وَقَدْ أَخْطَأَ، إِلاَّ إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ.(7/543)
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ابْنُ عُلَيَّةَ ثِقَةٌ، ثَبْتٌ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثَبْتاً، حُجَّةً، وَلِيَ صَدَقَاتِ البَصْرَةِ، وَوَلِيَ بِبَغْدَادَ المَظَالِمَ فِي آخِرِ خِلاَفَةِ هَارُوْنَ، فَنَزَلَ هُوَ وَوَلَدُهُ بَغْدَادَ، وَاشْتَرَى بِهَا دَاراً، وَتُوُفِّيَ بِهَا، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُه إِبْرَاهِيْمُ؛ أَحَدُ كِبَارِ الجَهْمِيَّةِ، وَمِمَّنْ نَاظَرَ الشَّافِعِيَّ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ، وَدُفِنَ فِي مَقَابِرِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَالِكٍ.
قَالَ الخَطِيْبُ: وَزَعَمَ عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ أَنَّ عُلَيَّةَ إِنَّمَا هِيَ جَدَّتُهُ لأُمِّهِ.
قَالَ العَيْشِيُّ: قَالَ لِي عَبْدُ الوَارِثِ بنُ سَعِيْدٍ: أَتَتْنِي عُلَيَّةُ بِابْنِهَا، فَقَالَتْ: هَذَا ابْنِي، يَكُوْنُ مَعَكَ، وَيَأْخُذُ بِأَخْلاَقِكَ. قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَجْمَلِ غُلاَمٍ بِالبَصْرَةِ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: مَا أَقُوْلُ: إِنَّ أَحَداً أَثْبَتُ فِي الحَدِيْثِ مِنْ إسماعيل.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَرْوَاهُم عَنِ الجُرَيْرِيِّ: إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ عُلَيَّةَ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: لاَ يُعْرَفُ لابْنِ عُلَيَّةَ غَلَطٌ، إِلاَّ فِي حَدِيْثِ جَابِرٍ فِي المُدَبَّرِ1، جَعَلَ اسْمَ الغُلاَمِ اسْمَ المَوْلَى، وَاسْمَ المَوْلَى اسْمَ الغُلاَمِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ: أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا: أَنَّ ابْنَ عُلَيَّةَ لَمْ يَضْحَكْ مُنْذُ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ ابْنِ عُلَيَّةَ، فَقَرَأَ ثُلُثَ القُرْآنِ، وَمَا رَأَيْتُهُ ضَحِكَ قَطُّ.
قَالَ عُبَيْدُ اللهِ العَيْشِيُّ: حَدَّثَنَا الحَمَّادَانِ: أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ كَانَ يَتَّجِرُ، وَيَقُوْلُ: لَوْلاَ خَمْسَةٌ مَا تَجِرْتُ: السُّفْيَانَانِ، وَفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، وَابْنُ السَّمَّاكِ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، فَيَصِلُهُم. فَقَدِمَ ابْنُ المُبَارَكِ سَنَةً، فَقِيْلَ لَهُ: قَدْ وَلِيَ ابْنُ عُلَيَّةَ القَضَاءَ، فَلَمْ يَأْتِهِ، وَلَمْ يَصِلْهُ، فَرَكِبَ إِلَيْهِ ابْنُ عُلَيَّةَ، فَلَمْ يَرْفَعْ بِهِ رَأْساً، فَانْصَرَفَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، كَتَبَ إِلَى عَبْدِ اللهِ رُقعَةً يَقُوْلُ: قَدْ كُنْتُ مُنْتَظِراً لِبِرِّكَ، وَجِئْتُكَ فَلَمْ تكلمني، فما رأيت مِنِّي? فَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: يَأْبَى هَذَا الرَّجُلُ إِلاَّ أَنْ نُقَشِّرَ لَهُ العَصَا. ثُمَّ كتب إليه:
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "997"، وأبو داود "3957"، والنسائي "7/ 304" من طرق عن إسماعيل -يعني: ابن علية- عن أيوب، عن أبي الزبير، عن جابر أن رجلا من الانصار "يقال له أبو مذكور" أعتق غلاما له عن دبر يقال له يعقوب عن دبر ولم يكن له مال غيره، فدعا بِهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "من يشتريه"؟. فاشتراه نعيم بن عبد الله بن النحام بثمانمائة درهم، فدفعها إليه، ثم قال: "إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه، فإن كان فيها فضل فعلى عياله، فإن كان فيها فضل فعلى ذي قرابته". أو قال: "على ذي رحمه، فإن كان فضلا فههنا وههنا".(7/544)
يَا جَاعِلَ العِلْمِ لَهُ بَازِياً ... يَصْطَادُ أَمْوَالَ المَسَاكِيْنِ
الأَبْيَاتُ المَذْكُوْرَةُ: فَلَمَّا قَرَأَهَا، قَامَ مِنْ مَجْلِسِ القَضَاءِ، فَوَطِئَ بِسَاطَ هَارُوْنَ الرَّشِيْدِ، وَقَالَ: الله الله، ارْحَمْ شَيْبَتِي، فَإِنِّي لاَ أَصْبِرُ عَلَى الخَطَأِ. فَقَالَ: لَعَلَّ هَذَا المَجْنُوْنَ أَغرَى عَلَيْكَ. ثُمَّ أَعفَاهُ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ ابْنُ المُبَارَكِ بِالصُّرَّةِ.
هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْكَرَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ العَيْشِيَّ يَروِيهَا عَنِ الحَمَّادَيْنِ، وَقَدْ مَاتَا قَبْلَ هَذِهِ القِصَّةِ بِمُدَّةٍ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَدْرَجَه العَيْشِيُّ.
قَالَ سَهْلُ بنُ شَاذَوَيْهِ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ خَشْرَمٍ يَقُوْلُ: قُلْتُ لِوَكِيْعٍ: رَأَيْتُ إِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ يَشْرَبُ النَّبِيذَ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَى الحِمَارِ، يَحْتَاجُ مَنْ يَرُدُّه إِلَى مَنْزِلِهِ فَقَالَ وَكِيْعٌ: إِذَا رَأَيْتَ البَصْرِيَّ يَشْرَبُ، فَاتَّهِمْه. قُلْتُ: وَكَيْفَ? قَالَ: إِنَّ الكُوْفِيَّ يَشْرَبُهُ تَدَيُّناً، وَالبَصرِيُّ يَترُكُهُ تَدَيُّناً.
وَهَذِهِ حِكَايَةٌ غَرِيْبَةٌ، مَا عَلِمْنَا أَحَداً غمز إسماعيل يشرب المُسْكِرِ قَطُّ، وَقَدِ انحَرَفَ بَعْضُ الحُفَّاظِ عَنْهُ بِلاَ حُجَّةٍ، حَتَّى إِنَّ مَنْصُوْرَ بنَ سَلَمَةَ الخُزَاعِيَّ تَحَدَّثَ مَرَّةً، فَسَبَقَهُ لِسَانُهُ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ عُلَيَّةَ ... ، ثُمَّ قَالَ: لاَ، وَلاَ كَرَامَةَ، بَلْ أَرَدْتُ زُهَيْراً. وَقَالَ: لَيْسَ مَنْ قارف الذنب كمن لم يفارقه، أنا -والله- استتبته.
قُلْتُ: يُشِيْرُ إِلَى تِلْكَ الهَفْوَةِ الصَّغَيْرَةِ، وَهَذَا مِنَ الجَرحِ المَرْدُوْدِ، وَقَدِ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الأُمَّةِ عَلَى الاحْتِجَاجِ بِإِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ العَدْلِ المَأْمُوْنِ. وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ مَرْدَوَيْه: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
وَقَدْ كَانَ بَيْنَ ابْنِ طَبَرْزَدَ وَبَيْنَ ابْنِ عُلَيَّةَ أَرْبَعَةُ أَنْفُسٍ فِي حَدِيْثَيْنِ مَشْهُوْرَيْنِ مِنَ "الغَيْلاَنِيَّاتِ"، وَهَذَا غَايَةٌ فِي العُلُوِّ، رَوَاهُمَا عَنِ ابْنِ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ، بنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ العَدُوِّ1.
أَخْبَرْنَاهُ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَجَمَاعَةٌ كتابة، بسماعهم من عمر بن طبرزد.
__________
1 صحيح: أخرجه مالك "2/ 446"، وعبد الرزاق "9410"، والطيالسي "1855"، والحميدي "699"، وأحمد "2/ 6 و7 و10 و63"، والبخاري "2990"، ومسلم "1869" "92" و"93" و"94"، وأبو داود "2610"، وابن ماجه "2880"، وابن أبي داود في "المصاحف" "ص205 و206 و207 و208 و209"، وابن الجارود "1064"، والبيهقي "9/ 108"، والبغوي "1233" من طرق عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو.(7/545)
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ الغَرَّافِيِّ، أَخْبَرَكُم مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا المُؤَمَّلُ بنُ هِشَامٍ اليَشْكُري، ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدثنا إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا أَيُّوْبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: مَكَثتُ عِشْرِيْنَ سَنَةً يُحَدِّثُنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَه ثَلاَثاً وَهِيَ حَائِضٌ، فَأُمِرَ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَجَعَلْتُ لاَ أَتَّهِمُهُم، وَلاَ أَعْرِفُ الحَدِيْثَ، حَتَّى لَقِيْتُ أَبَا غَلاَّبٍ يُوْنُسَ بنَ جُبَيْرٍ البَاهِلِيَّ -وَكَانَ ذَا ثَبْتٍ1 فَحَدَّثَنِي: أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ، فَحَدَّثَهُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَهِيَ حَائِضٌ، فَأُمِرَ أَنْ يُرَاجِعَهَا. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: أَفَحُسِبَتْ عَلَيْهِ? قَالَ: فَمَهْ، أَوَ إِنْ عَجَزَ2.
قَالَ أَحْمَدُ، وَالفَلاَّسُ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَمَحْمُوْدُ بنُ خِدَاشٍ، وَطَائِفَةٌ: مَاتَ ابْنُ عُلَيَّةَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: ابْنُ عُلَيَّةَ: ثَبْتٌ جدًّا، توفي يوم الثلاثاء، لِثَلاَثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ سُفْيَانَ الحَافِظُ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ فُضَيْلٍ، قَالَ: كُنَّا بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، فَقَدِمَ عَلَيْنَا رَاشِدٌ الخَفَّافُ، فَقَالَ: دَفَنَّا إِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ يَوْمَ الخَمِيْسِ، لِخَمْسٍ -أَوْ سِتٍّ- بَقِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ. وَقَالَ: سِرْنَا تِسْعَةَ أَيَّامٍ -يُرِيْدُ: سَارَ مِنْ بَغْدَادَ إِلَى مَكَّةَ فِي هَذِهِ المُدَّةِ اليَسِيْرَةِ، وَهَذَا سَيْرٌ سَرِيْعٌ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مَاتَ سنة أربع وتسعين، فقد غلط.
__________
1 أي: متثبتا.
2 صحيح: أخرجه مسلم "1471" "7" حدثني علي بن حجر السعدي، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، به. وأخرجه البخاري "5258"، ومسلم "1471" "10" من طريق قتادة، عن أبي غلاب يونس بن جبير قال: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حائض, فقال: تعرفُ ابن عمر؟ إن ابن عمر طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فأمره أن يراجعها فإذا طهرت فأراد أن يطلقها فليطقها. قلت: فهل عد ذلك طلاقا؟ قال: أرأيتَ إن عجز واستحمق.(7/546)
1352- عبد الرحمن بن القاسم 1: "خَ، س"
عَالِمُ الدِّيَّار المِصْرِيَّة، وَمُفْتِيْهَا، أَبُو عبد لله العُتَقِيُّ مَوْلاَهُمْ، المِصْرِيُّ، صَاحِبُ مَالِكٍ الإِمَامِ.
رَوَى عَنْ: مَالِكٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ شُرَيْحٍ، وَنَافِعِ بنِ أَبِي نُعَيْمٍ المُقْرِئِ، وَبَكْرِ بنِ مُضَرَ، وَطَائِفَةٍ قَلِيْلَةٍ.
وَعَنْهُ: أَصْبَغُ، وَالحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ، وسُحْنُون، وَعِيْسَى بنُ مَثْرود، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وآخرون.
وَكَانَ ذَا مَالٍ وَدُنْيَا، فَأَنْفَقَهَا فِي العِلْمِ. وَقِيْلَ: كَانَ يَمْتَنِعُ مِنْ جَوَائِزِ السُّلْطَانِ، وَلَهُ قَدَمٌ فِي الوَرَعِ وَالتَّأَلُّهِ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ.
وَقَالَ الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ امْنَعِ الدُّنْيَا مِنِّي، وَامْنَعْنِي مِنْهَا.
وَعَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ ابْنُ القَاسِم، فَقَالَ: عَافَاهُ اللهُ، مَثَلُهُ كَمَثَلِ جِرَابٍ مَمْلُوءٍ مِسْكاً.
وَقِيْلَ: إِنَّ مَالِكاً سُئِلَ عَنْهُ، وَعَنِ ابْنِ وَهْبٍ، فَقَالَ: ابْنُ وَهْبٍ رَجُلٌ عَالِمٌ، وَابْنُ القَاسِمِ فَقِيْهٌ.
وَعَنْ أَسَدِ بنِ الفُرَاتِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ القَاسِمِ يَخْتِمُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَتْمَتَيْنِ. قَالَ: فَنَزَلَ بِي حِيْنَ جِئْتُ إِلَيْهِ عَنْ خَتْمَةٍ، رَغْبَةً فِي إِحْيَاءِ العِلْمِ.
وَبَلَغَنَا عَنِ ابْنِ القَاسِمِ، قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى الحِجَازِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً، أَنْفَقْتُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَلْفَ دِيْنَارٍ.
وَعَنِ ابْنِ القَاسِمِ، قَالَ: لَيْسَ فِي قُرْبِ الوُلاَةِ، وَلاَ فِي الدُّنُوِّ مِنْهُم خَيْرٌ.
أَحْمَدُ ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا عَمِّي، قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَابْنُ القَاسِمِ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً إِلَى مَالِكٍ، فَسَنَةً أَسْأَلُ أَنَا مَالِكاً، وَسَنَةً يَسْأَلُهُ ابْنُ القَاسِمِ.
وَرَوَى الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: كَانَ ابْنُ القَاسِمِ وَهُوَ حَدَثٌ فِي العِبَادَةِ، أَشَهْرَ مِنْهُ فِي العِلْمِ. ثُمَّ قَالَ الحَارِثُ: كَانَ فِي ابْنِ القَاسِم العِبَادَةُ، وَالسَّخَاءُ، وَالشَّجَاعَةُ، وَالعِلْمُ، وَالوَرَعُ، وَالزُّهْدُ.
مُحَمَّدُ بنُ وضَّاح: أَخْبَرَنِي ثِقَةٌ ثِقَةٌ، عَنْ عَلِيِّ بنِ مَعْبَدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ القَاسِمِ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ وَجَدتَ المَسَائِلَ? فَقَالَ: أُفٍّ أُفٍّ. قُلْتُ: فَمَا أَحْسَنُ مَا وَجَدْتَ? قَالَ: الرِّبَاطُ بِالثَّغْرِ. قَالَ: وَرَأَيْتُ ابْنَ وَهْبٍ أَحْسَنَ حَالاً مِنْهُ.
وَقَالَ سُحْنُون: رَأَيْتُهُ فِي النَّوْمِ، فقلتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ? قال: وجدت عنده ما أحببت.
__________
1 ترجمته في الجرح والتعديل "5/ ترجمة 1325"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ 129"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 346"، والكاشف "2/ ترجمة 3330"، وتهذيب التهذيب "6/ 252"، وتقريب التهذيب "1/ 495"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4218"، وشذرات الذهب "1/ 329".(7/547)
قُلْتُ: فَأَيَّ عَمَلٍ وَجَدتَ? قَالَ: تِلاَوَةُ القُرْآنِ. قُلْتُ: فَالمَسَائِلُ? فَأَشَارَ يُلَشِّيها. وَسَأَلتُهُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، فَقَالَ: فِي عِلِّيِّيْنَ.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ القَاسِمِ، قَالَ: مَا أَعْلَمُ فِي فُلاَنٍ عَيْباً إِلاَّ دُخُوْلَهُ إِلَى الحُكَّامِ، أَلاَ اشْتَغَلَ بِنَفْسِهِ?!
قَالَ سَعِيْدُ بنُ الحَدَّادِ: سَمِعْتُ سُحْنُون يَقُوْلُ: كُنْتُ إِذَا سَأَلْتُ ابْنَ القَاسِمِ عَنِ المَسَائِلِ، يَقُوْلُ لِي: يَا سُحْنُوْنُ! أَنْتَ فَارِغٌ، إِنِّيْ لأُحِسُّ فِي رَأْسِي دَوِيّاً كَدَوِيِّ الرَّحَا -يَعْنِي: مَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ. قَالَ: وَكَانَ قَلَّما يَعْرِضُ لَنَا إِلاَّ وَهُوَ يَقُوْلُ: اتَّقُوا اللهَ، فَإِنَّ قَلِيْلَ هَذَا الأَمْرِ مَعَ تَقْوَى اللهِ كَثِيْرٌ، وَكَثِيْرُهُ مَعَ غَيْرِ تَقْوَى اللهِ قَلِيْلٌ.
وَعَنْ سُحْنُون قَالَ: لَمَّا حَجَجْنَا، كُنْتُ أُزَامِلُ ابْنَ وَهْبٍ، وَكَانَ أَشْهَبُ يُزَامِلُهُ يَتِيْمُهُ، وَكَانَ ابْنُ القَاسِمِ يُزَامِلُهُ ابْنُهُ مُوْسَى، فَكُنْتُ إذا نَزَلْتُ، ذَهَبْتُ إِلَى ابْنِ القَاسِمِ أُسَائِلُهُ مِنَ الكُتُبِ، وَأَقرَأُ عَلَيْهِ إِلَى قُرْبِ الرَّحِيْلِ، فَقَالَ لِي ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ: لَوْ كَلَّمْتَ صَاحِبَكَ يُفْطِرُ عِنْدنَا. فَكَلَّمتُهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيَثْقُلُ عَلَيَّ ذَلِكَ. قُلْتُ: فَبِمَ يَعْلَمُ القَوْمُ مَكَانِي مِنْكَ? فَقَالَ: إِذَا عَزَمتَ عَلَى ذَلِكَ، فَأَنَا أَفْعَلُ. فَأَتَيْتُ، فَأَعْلَمْتُهُمَا، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ التَّعرِيْسِ، قَامَ مَعِي، فَأَصَبتُ أَشْهَبَ وَقَدْ فَرَشَ أَنْطَاعَهُ، وَأَتَى مِنَ الأَطعِمَةِ بِأَمرٍ عَظِيْمٍ، وَصَنَعَ ابْنُ وَهْبٍ دُوْنَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَتَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ، سَلَّمَ، وَقَعَدَ، ثُمَّ أَدَارَ عَيْنَهُ فِي الطَّعَامِ، فَإِذَا سُكُرُّجَةٌ فِيْهَا دُقَّةٌ، فَأَخَذَهَا بِيَدِهِ، فَحَرَّكَ الأَبزَارَ حَتَّى صَارَتْ نَاحِيَةً، وَلَعَقَ مِنَ المِلْحِ ثَلاَثَ لَعَقَاتٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ أَصْلَ مِلْحِ مِصْرَ طَيِّبٌ، ثُمَّ قَامَ، وَقَالَ: بَارَكَ اللهُ لَكُم، وَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَقُومَ. قَالَ: فَتَكَلَّمَ أَشْهَبُ، وَعَظُمَ عَلَيْهِ مَا فَعَلَ. قَالَ لَهُ ابْنُ وَهْبٍ: دَعْهُ دَعْهُ، وَكُنَّا نَمْشِي بِالنَّهَارِ، وَنُلْقِي المَسَائِلَ، فَإِذَا كَانَ فِي اللَّيْلِ، قَامَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى حِزْبِهِ مِنَ الصَّلاَةِ. فَيَقُوْلُ ابْنُ وَهْبٍ لأَصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ إِلَى هَذَا المَغْرِبِيِّ يُلْقِي المَسَائِلَ بِالنَّهَارِ، وَهُوَ لاَ يَدْرُسُ بِاللَّيْلِ? فَيَقُوْلُ لَهُ ابْنُ القَاسِمِ: هُوَ نُوْرٌ يَجْعَلُهُ اللهُ فِي القُلُوْبِ.
قَالَ: وَنَزَلْنَا بِمَسْجدٍ، بِبَعْضِ مَدَائِنِ الحِجَازِ، فَنِمْنَا، فَانْتَبَهَ ابْنُ القَاسِمِ مَذْعُوْراً، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا سَعِيْدٍ! رَأَيْتُ السَّاعَةَ كَأَنَّ رَجُلاً دَخَلَ عَلَيْنَا مِنْ بَابِ هَذَا المَسْجَدِ، وَمَعَهُ طَبَقٌ مُغَطَّى، وَفِيْهِ رَأْسُ خِنْزِيْرٍ، أَسْأَلُ اللهَ خَيْرَهَا. فَمَا لَبِثْنَا حَتَّى أَقْبَلَ رَجُلٌ مَعَهُ طَبَقٌ مُغَطَّى بِمِنْدِيلٍ، وَفِيْهِ رُطَبٌ مِنْ تَمْرِ تِلْكَ القَرْيَةِ، فَجَعَلَهُ بَيْنَ يَدَيِ ابْنِ القاسم، وقال: كل قَالَ: مَا إِلَى ذَلِكَ مِنْ سَبِيْلٍ. قَالَ: فَأَعْطِهِ أَصْحَابَكَ. قَالَ: أَنَا لاَ آكُلُهُ، أُعْطِيْه غَيْرِي! فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَقَالَ لِي ابْنُ القَاسِمِ: هَذَا تَأْوِيلُ الرُّؤْيَا. وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّ تِلْكَ القَرْيَةَ، أَكْثَرُهَا وَقْفٌ غُصِبَتْ.(7/548)
قَالَ الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ: كَانَ ابْنُ القَاسِمِ فِي الوَرَعِ وَالزُّهدِ شَيْئاً عَجِيْباً.
أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَبِي نَصْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ قَوَّامٍ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الدَّاوُوْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَمَّويه، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ تَلِيد، حَدَّثَنَا ابْنُ القَاسِمِ، عَنْ بَكْرُ بنُ مُضَرَ، عَنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مِثْلَ مَا لَبِثَ يُوْسُفُ، ثُمَّ جَاءنِي الدَّاعِي، لأَجَبْتُهُ" 1 ... الحَدِيْثَ.
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُنِيْرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ شِبْلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَقِّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ الفَقِيْهُ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَجْدَابِيُّ، حَدَّثَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَبِي عُقْبَةَ التَّمِيْمِيُّ، حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بنُ حمود الصدفي، حدثنا سُحْنُوْنُ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "قَالَ اللهُ: إِذَا أَحَبَّ عَبْدِي لِقَائِي، أَحْبَبْتُ لِقَاءهُ، وَإِذَا كَرِهَ لِقَائِي، كَرِهْتُ لِقَاءهُ" 2.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ غَسَّانَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ النَّسِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ السُّمَيْسَاطي، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ جَوْصَا، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ مَثْرَود، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوْتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، حَتَّى يَأْتِيَهِ المُؤَذِّنُ، فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيْفَتَيْنِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ3 وَحْدَهُ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى التَّمِيْمِيِّ، عَنْ مَالِكٍ.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: وُلِدَ ابْنُ القَاسِمِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ- عَاشَ تِسْعاً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3372" و"4537"، ومسلم "151" "238"، وابن ماجه "4026"، وابن جرير الطبري في "جامع البيان" "5974" و"19400"، والبغوي في "شرح السنة" "63" والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" "326" من طرق عن ابن وهب قال أخبرني يونس، عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] ، ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لثبت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي". وأخرجه البخاري "4694"، وابن جرير "5973" و"19399"، والطحاوي "327"، والبيهقي في "الأسماء والصفات" "ص507"، وابن منده في "الإيمان" "369" من طريق سعيد بن عيسى بن تليد، عن عبد الرحمن بن القَاسِمِ، عَنْ بَكْرُ بنُ مُضَر، عَنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، به.
2 صحيح: أخرجه مالك "1/ 240"، ومن طريقه أخرجه البخاري "7504"، والنسائي "4/ 10" عن أبي الزناد، به، وأخرجه أحمد "2/ 418"، والنسائي "4/ 10" عن قتيبة بن سعيد، عن المغيرة بن عبد الرحمن القرشي، عن أبي الزناد، به.
3 صحيح: أخرجه مسلم "736".(7/549)
1353- محمد بن يوسف 1:
ابن معدان، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، القُدْوَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَصْبَهَانِيُّ، عروس الزهاد.
لَهُ حَدِيْثٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ مُنْكَرٌ2.
وَرَوَى عَنْ: يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَالأَعْمَشِ، وَأَبَانٍ، وَالحَمَّادَيْنِ آثَاراً.
وَعَنْهُ: ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَالقَطَّانُ، وَابْنُ المُبَارَكِ، والشَّاذَكُوني، وَزُهَيْرُ بنُ عَبَّادٍ، وَصَالِحُ بنُ مِهران، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يَأْتِيْهِ، وَيُحِبُّهُ، وَهُوَ مِنْ أَجْدَادِ أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظِ لأَبِيْهِ.
قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: مَا رَأَيْتُ خَيْراً مِنْهُ، فَذُكِرَ لَهُ الثَّوْرِيُّ، فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ، وَهَذَا شَيْءٌ.
وَكَانَ لاَ يَضَعُ جَنْبَهُ، وَقَدْ رَابَطَ وَزَارَ قَبْرَ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، وَكَانَ يَأْتِيْهِ فِي العَامِ مِنْ أَصْبَهَانَ سَبْعُوْنَ دِيْنَاراً، فَيَحُجُّ، وَيَرْجِعُ إِلَى الثغر -رحمه الله.
__________
1 ترجمته في الجرح والتعديل "8/ ترجمة 540"، وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني "8/ ترجمة 400"، وتاريخ أصبهان "2/ 171"، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 117".
2 موضوع: أخرجه أبو نعيم في "الحلية" "8/ 237"، وفي "تاريخ أصبهان" "2/ 172" من طريق محمد بن يوسف، عن عمر بن صبح، عن أبان، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "يحول الله تعالى يوم القيامة ثلاث قرى من زبرجدة خضراء تزف إلى أزواجهن: عسقلان، والإسكندرية، وقزوين". وفيه علتان: الأولى: عمر بن صبح، ليس بثقة ولا مأمون.
قال ابن حبان: كان ممن يضع الحديث. وقال الدارقطني وغيره: متروك. وقال الأزدي: كذاب والعلة الثانية: أبان بن أبي عياش، قال يحيى بن معين والنسائي: متروك. وقال أبو إسحاق السعدي الجوزجاني: ساقط. وساق ابن عدي لأبان جملة أحاديث منكرة.(7/550)
1354- خالد بن الحارث 1: "ع"
ابن عبيد بن سليمان بن عبيد بن سفيان، ويقال: خالد بن الحَارِثِ بنِ سُلَيْمِ بنِ عُبَيْدِ بنِ سُفْيَانَ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، الإِمَامُ، أَبُو عُثْمَانَ الهُجَيمي، البَصْرِيُّ. وَبَنُو الهُجَيم مِنْ بَنِي العَنْبَرِ، مِنْ تَمِيْمٍ.
رَوَى عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وحُميد الطَّوِيْلِ، وَأَيُّوْبَ، وَأَشْعَثَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الحُمْرَانِيِّ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَعَوْفٍ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَبِشْرِ بنِ صُحَارٍ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ، وَابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَشُعْبَةَ، وَابْنِ عَجْلاَنَ، وَحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَكَانَ مِنْ أَوعِيَةِ العِلْمِ، كَثِيْرَ التَّحَرِّي، مَليح الإِتْقَانِ، مَتِيْنَ الدِّيَانَةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ -وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِهِ- ومُسَدَّد، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَحُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ، وَالحَسَنُ بنُ قَزَعة، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ.
رَوَى مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ، أَنَّ يَحْيَى القَطَّانَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً خَيْراً مِنْ سُفْيَانَ، وَخَالِدِ بنِ الحَارِثِ.
وَرَوَى الأَثْرَمُ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: إليه المنتهى في التَّثَبُّتِ بِالبَصْرَةِ -يَعْنِي: خَالِداً.
وَرَوَى المَرُّوْذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: كَانَ خَالِدُ بنُ الحَارِثِ يَجِيْءُ بِالحَدِيْثِ كَمَا يَسْمَعُ، وَكَانَ ابْنُ مَهْدِيٍّ يَجِيْءُ بالحديث كما يسمع، وَكَانَ وَكِيْعٌ يَجْهَدُ أَنْ يَجِيْءَ بِالحَدِيْثِ كَمَا يَسْمَعُ، وَكَانَ رُبَّمَا قَالَ فِي الحَرفِ أَوِ الشَّيْءِ: يَعْنِي كَذَا.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ يُقَالُ لَهُ: خَالِدٌ الصَّدُوْقُ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، إِمَامٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ.
وَقَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ: وُلِدَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، وَمَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، فَرَأَيْتُ مُعْتَمِراً، وَبِشْرَ بنَ المُفَضَّلِ فِي جِنَازَتِهِ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ بِالبَصْرَةِ، سَنَةَ سِتٍّ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ سَلاَمَةَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الحَنْبَلِيُّ فِي كِتَابِهِ، عَنْ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ كُلَيْبٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ الحَارِثِ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ، عَنْ نَصْرِ بنِ عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ الحُوَيْرِث: أَنَّهُ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي صَلاَتِهِ إِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوْعِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا فُرُوْعَ أُذُنَيْهِ"2.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيْثِ سَعِيْدٍ، وشعبة، عن قتادة.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 291"، والتاريخ الكبير "3/ ترجمة 490"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 178 و218" و"2/ 44 و138 و145" و"3/ 16"، والكنى للدولابي "2/ 27"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 1460"، والعبر "1/ 293"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة رقم 285"، والكاشف "1/ ترجمة 1317"، وتهذيب التهذيب "3/ 82"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1742"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 309".
2 صحيح: أخرجه مسلم "391"، والنسائي "2/ 182".(7/551)
1355- إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَغْلَبِ 1:
التَّمِيْمِيُّ، أَمِيْرُ المَغْرِبِ، دَخَلَ إلى القيروان، فبايعوه، وانضم إِلَيْهِ خَلْقٌ، فَأَقْبَلَ يُلاَطِفُ نَائِبَ القَيْرَوَانِ هَرْثَمَةَ بنَ أَعْيَنَ، فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى نَاحِيَةِ الزَّابِ، فَضَبَطَهَا. وَآخِرُ أَمرِهِ اسْتَعَمَلَه عَلَى المَغْرِبِ الرَّشِيْدُ، وَعَظُمَ، وَأَحَبَّهُ أَهْلُ المَغْرِبِ.
وَكَانَ فَصِيْحاً، خَطِيْباً، شَاعِراً، ذَا دِيْنٍ، وَفِقهٍ، وَحَزْمٍ، وَشَجَاعَةٍ، وَسُؤْدُدٍ.
أَخَذَ عَنِ: اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَغَيْرِهِ.
بَنَى مَدِيْنَةً سَمَّاهَا: العَبَّاسِيَّةَ، وَمَهَّدَ المَغْرِبَ، وَعَاشَ سِتّاً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.
مَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ ومائة، فقام بعده ابنه عبد الله.
__________
1 ترجمته في الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "5/ 327".(7/552)
1356- عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَلِيِّ 1:
ابْنِ حَبْرِ الأُمَّةِ عَبْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، عَمُّ السَّفَاحِ وَالمَنْصُوْرِ.
وُلِدَ بِالبَلْقَاءِ، سَنَةَ نَيِّفٍ وَمائَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ.
رَوَى عَنْهُ: المهدي، وغيره.
قِيْلَ مَاتَ بِأَسْنَانِ اللَّبَنِ، وَكَانَتْ مُلْتَصِقَةً.
وَكَانَ عَظِيْمَ الخِلْقَةِ، ضَخْماً، وَقَدْ خَرَجَ عِنْد مَوْتِ السَّفَاحِ مَعَ أَخِيْهِ عَبْد اللهِ عَلَى المَنْصُوْرِ، وَحَارَبَهُمَا أَبُو مُسْلِمٍ الخُرَاسَانِيُّ، وَتَقَلَّبَتْ بِهِ الأَيَّامُ، وَعَاشَ إِلَى الآنَ2، وَكَانَ الرَّشِيْدُ يُجِلُّهُ وَيَحتَرِمُه، وَلِيَ إِمْرَةَ دِمَشْقَ، وَإِمْرَةَ البَصْرَةِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَيَرْوِي عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ -ابْنُهُ- وَعَبْدُ الوَاحِدِ وَيَعْقُوْبُ ابْنَا جَعْفَرٍ ابْنِ أَخِيْهِ سُلَيْمَانَ بنِ عَلِيٍّ.
وَلَهُ حَدِيْثٌ سَمِعْنَاهُ فِي "جُزْءِ البَانْيَاسِيِّ" فِي إِكرَامِ الشُّهُودِ3، وَهُوَ مُنْكَرٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ مُوْسَى الهَاشِمِيِّ؛ أَمِيْرِ الحَجِّ، عَنْ عَمِّهِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْهُ عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ.
وَكَانَ فِي تَعَدُّدِ النَّسَبِ نَظِيْرَ يَزِيْدَ الخَلِيْفَةِ، وَسَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ أَحَدِ العَشْرَةِ، وَقَدْ أَضَرَّ بِأَخَرَةٍ كَأَبِيْهِ وَجَدِّهِ.
وَأُمُّهُ هِيَ كَثِيْرَةُ، الَّتِي شَبَّبَ بِهَا ابْنُ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ، حَيْثُ يَقُوْلُ:
عَادَ لَهُ مِنْ كثيرة الطرب ... فعينه بالدموع تنسكب
مَاتَ عَبْدُ الصَّمَدِ: بِالبَصْرَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ ومائة، وعمره ثمانون سنة.
__________
1 ترجمته في الضعفاء الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 1053"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 266"، وتاريخ بغداد "11/ 37"، ووفيات الأعيان "3/ ترجمة 388"، والعبر "1/ 290"، وميزان الاعتدال "2/ 620"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 307".
2 أي: عاش إلى زمن هارون الرشيد.
3 منكر: تقدم تخريجنا له قريبا في هذا الجزء برقم تعليق "655"، وهو عند العقيلي في "الضعفاء الكبير" "3/ 84"، والخطيب في "تاريخ بغداد" "5/ 94" و"6/ 138" ولفظه "أكرموا الشهود، فإن الله يستخرج بهم الحقوق، ويرفع بهم الظلم" فراجع تخريجنا له ثمَّت.(7/553)
1357- الكسائي 1:
الإِمَامُ، شَيْخُ القِرَاءةِ وَالعَرَبِيَّةِ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ حَمْزَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ بَهْمَنَ بنِ فَيْرُوْزٍ الأَسَدِيُّ مَوْلاَهُمْ الكُوْفِيُّ، المُلَقَّبُ: بِالكِسَائِيِّ؛ لِكِسَاءٍ أَحرَمَ فِيْهِ.
تَلاَ عَلَى: ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَرْضاً، وَعَلَى حَمْزَةَ2.
وَحَدَّثَ عَنْ: جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَالأَعْمَشِ، وَسُلَيْمَانَ بنِ أَرْقَمَ، وَجَمَاعَةٍ.
وَتَلاَ أيضا على: عيسى بن عمر المقرئ.
وَاخْتَارَ قِرَاءةً اشْتُهِرَتْ، وَصَارَتْ إِحْدَى السَّبْعِ.
وَجَالَسَ فِي النَّحوِ الخَلِيْلَ، وَسَافَرَ فِي بَادِيَةِ الحِجَازِ مُدَّةً لِلْعَرَبِيَّةِ، فَقِيْلَ: قَدِمَ وَقَدْ كَتَبَ بِخَمْسَ عَشْرَةَ قِنِّيْنَةَ حِبْرٍ. وَأَخَذَ عَنْ: يُوْنُسَ3.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَبَحَّرَ فِي النَّحوِ، فَهُوَ عِيَالٌ عَلَى الكِسَائِيِّ.
قَالَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ: اجْتَمَعَ فِيْهِ أَنَّهُ كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالنَّحوِ، وَوَاحِدَهُم فِي الغَرِيْبِ، وَأَوحَدَ فِي عِلْمِ القُرْآنِ، كَانُوا يُكْثِرُوْنَ عَلَيْهِ، حَتَّى لاَ يَضبِطَ عَلَيْهِم، فَكَانَ يَجمَعُهُم، وَيَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيٍّ، وَيَتْلُو، وَهُم يَضبِطُوْنَ عَنْهُ، حَتَّى الوُقُوفِ.
قَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: سَمِعْتُ الكِسَائِيَّ يَقرَأُ القُرْآنَ عَلَى النَّاسِ مَرَّتَيْنِ.
وَعَنْ خَلَفٍ، قَالَ: كُنْتُ أَحضُرُ بَيْنَ يَدَيِ الكِسَائِيِّ وَهُوَ يَتْلُو، وَيُنَقِّطُونَ عَلَى قِرَاءتِهِ مَصَاحِفَهُم.
تَلاَ عَلَيْهِ: أَبُو عُمَرَ الدُّوْرِيُّ، وَأَبُو الحَارِثِ اللَّيْثُ، وَنُصَيْرُ بنُ يُوْسُفَ الرَّازِيُّ، وَقُتَيْبَةُ بن مِهْرَانَ الأَصْبَهَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي سُرَيْجٍ، وَأَحْمَدُ بنُ جُبَيْرٍ الأَنْطَاكِيُّ، وَأَبُو حَمْدُوْنَ الطَّيِّبُ، وعيسى بن سليمان الشيزري، وعدة.
وَمِنَ النَّقَلَةِ عَنْهُ: يَحْيَى الفَرَّاءُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَخَلَفٌ البَزَّارُ.
وَلَهُ عِدَّةُ تَصَانِيْفٍ، مِنْهَا: "مَعَانِي القرآن"، وكتاب في القراءات، وَكِتَابُ "النَّوَادِرِ الكَبِيْرِ"، وَمُخْتَصَرٌ فِي النَّحْوِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
وَقِيْلَ: كَانَ أَيَّامَ تِلاَوَتِهِ عَلَى حَمْزَةَ يَلْتَفُّ فِي كِسَاءٍ، فَقَالُوا: الكِسَائِيَّ.
ابْنُ مَسْرُوْقٍ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ الكِسَائِيُّ: صَلَّيْتُ بِالرَّشِيْدِ، فَأَخْطَأْتُ فِي آيَةٍ، مَا أَخْطَأَ فِيْهَا صَبِيٌّ، قُلْتُ: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعِيْنَ، فَوَاللهِ مَا اجْتَرَأَ الرَّشِيْدُ أَنْ يَقُوْلُ: أَخْطَأْتَ، لَكِنْ قَالَ: أَيُّ لغة هذه? قلت: يا أمير المؤمنين! قد يعثر الجواد. قال: أما هذا فنعم.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "6/ ترجمة 2368"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 1000"، وتاريخ بغداد "11/ 403"، ووفيات الأعيان لابن خَلَّكان "3/ ترجمة 433"، والعبر "1/ 302"، وتهذيب التهذيب "7/ 313"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 130"، وبغية الوعاة للسيوطي "2/ 162"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 321".
2 هو: حمزة بن حبيب الزيات الكوفي، أحد القراء السبعة، المتوفى سنة "156هـ".
3 هو: يونس بن حبيب الضبي، إمام النحاة بالبصرة في عصره. توفي سنة "182هـ".(7/554)
وَعَنْ سَلَمَةَ، عَنِ الفَرَّاءِ: سَمِعْتُ الكِسَائِيَّ يَقُوْلُ: رُبَّمَا سَبَقَنِي لِسَانِي بِاللَّحْنِ.
وَعَنْ خَلَفِ بنِ هِشَامٍ: أَنَّ الكِسَائِيَّ قَرَأَ عَلَى المِنْبَرِ: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا} [الكهف: 34] ، بِالنَّصْبِ، فَسَأَلُوْهُ عَنِ العِلَّةِ، فَثُرْتُ فِي وُجُوْهِهِم، فَمَحَوْهُ، فَقَالَ لِي: يَا خَلَفُ! مَنْ يَسْلَمُ مِنَ اللَّحْنِ?
وَعَنِ الفَرَّاء، قَالَ: إِنَّمَا تَعَلَّمَ الكسائي النحو علي كبر، ولزم مُعَاذاً الهَرَّاءَ مُدَّةً، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الخَلِيْلِ.
قُلْتُ: كَانَ الكِسَائِيُّ ذَا مَنْزِلَةٍ رَفِيْعَةٍ عِنْدِ الرَّشِيْدِ، وَأَدَّبَ وَلَدَهُ الأَمِيْنَ، وَنَالَ جَاهاً وَأَمْوَالاً، وَقَدْ تَرجَمتُهُ فِي أَمَاكِنَ.
سَارَ مَعَ الرَّشِيْدِ، فَمَاتَ بِالرَّيِّ، بِقَرْيَة أرَنْبُوية، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، عَنْ سَبْعِيْنَ سَنَةً. وَفِي تَارِيْخِ مَوْتِه أقوال. فهذا أصحها.(7/555)
1358- محمد بن الحسن 1:
ابن فَرْقَد، العَلاَّمَةُ، فَقِيْهُ العِرَاقِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّيْبَانِيُّ، الكُوْفِيُّ، صَاحِبُ أَبِي حَنِيْفَةَ.
وُلِدَ بِوَاسِطَ، وَنَشَأَ بِالكُوْفَةِ.
وَأَخَذَ عَنْ أَبِي حَنِيْفَةَ بَعْضَ الفِقْهِ، وتمم الفقه على القاضي أبو يُوْسُفَ.
وَرَوَى عَنْ: أَبِي حَنِيْفَةَ، ومِسْعَر، وَمَالِكِ بن مِغْوَل، والأوزاعي، ومالك بن أنس.
أَخَذَ عَنْهُ: الشَّافِعِيُّ -فَأَكْثَرَ جِدّاً- وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَهِشَامُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَأَحْمَدُ بنُ حَفْصٍ فَقِيْهُ بُخَارَى، وَعَمْرُو بنُ أَبِي عَمْرٍو الحَرَّاني، وَعَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ الطُّوْسِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَقَدْ سُقْتُ أَخْبَارَهُ فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَصلُهُ جَزَري، سَكَنَ أَبُوْهُ الشَّامَ، ثُمَّ وُلِدَ لَهُ مُحَمَّدٌ سَنَة اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. غَلَبَ عَلَيْهِ الرَّأْيُ، وَسَكَنَ بَغْدَادَ.
قُلْتُ: وَلِيَ القَضَاءَ لِلرَّشِيْدِ بَعْدَ القَاضِي أَبِي يُوْسُفَ، وَكَانَ مَعَ تَبَحُّرِهِ فِي الفِقْهِ، يُضْرَب بِذَكَائِهِ المَثَلُ.
كَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْهُ وَقْرَ بُخْتِيّ2، وَمَا نَاظَرتُ سَمِيْناً أَذكَى مِنْهُ، وَلَوْ أَشَاءُ أَنْ أَقُوْلَ: نَزَلَ القُرْآنُ بِلُغَةِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، لقُلْتُ؛ لِفِصَاحَتِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الحسن: أقمت عند مالك ثلاث سنين وكسرا، وسمعت من لفظه سبع مائة حديث.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَتَبْتُ عَنْهُ "الجَامِعَ الصَّغَيْرَ".
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: قُلْتُ لِلإِمَامِ أَحْمَدَ: مَنْ أَيْنَ لَكَ هَذِهِ المَسَائِلُ الدِّقَاقُ? قَالَ: مَنْ كُتُبِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ.
قِيْلَ: إِنَّ مُحَمَّداً لَمَّا احْتُضِرَ، قِيْلَ لَهُ: أَتَبكِي مَعَ العِلْمِ? قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَوْقَفَنِيَ اللهُ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! مَا أَقْدَمَكَ الرَّيَّ، الجِهَادُ فِي سَبِيْلِي، أَمِ ابْتِغَاءُ مَرضَاتِي? مَاذَا أَقُوْلُ?
قُلْتُ: تُوُفِّيَ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، بالري.
__________
1 ترجمته في الضعفاء الكبير للعقيلي "4/ ترجمة 1606"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 1253"، والمجروحين لابن حبان "2/ 275"، وتاريخ بغداد "2/ 172"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 567"، والعبر "1/ 302"، وميزان الاعتدال "3/ 513"، ولسان الميزان "5/ 121"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 321".
2 البُّختي: واحد البُّخت، وهي الإبل.(7/555)
1359- المحاربي 1: "ع"
الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الكُوْفِيُّ.
وُلِدَ فِي دَوْلَةِ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ.
وَحَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُليم، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَالأَعْمَشِ، وَفُضَيْلِ بنِ غَزْوَانَ، وَجُوَيْبِرِ بنِ سَعِيْدٍ، وَجِبْرِيْلَ بنِ أَحْمَرَ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقمة، ومُطَّرِح بنِ يَزِيْدَ، وَعَمَّارِ بنِ سَيْفٍ، وَعُمَرَ بنِ ثَابِتٍ الرَّازِيِّ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وخلق.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 392"، والتاريخ الكبير "5/ ترجمة 1102"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 328" و"2/ 711"، والضعفاء الكبير للعقيلي "2/ ترجمة 948"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 1342"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 291"، والكاشف "2/ ترجمة 3347"، والعبر "1/ 319"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 4952"، وجامع التحصيل للعلائي "ترجمة 453"، وتهذيب التهذيب "6/ 295"، تقريب التهذيب "1/ 497"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4239"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 343".(7/556)
رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَهَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَابْنَا أَبِي شَيْبَةَ، وَخَلْقٌ.
قَالَ وَكِيْعٌ: مَا كَانَ أَحْفَظَهُ لِلطِّوَالِ!
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ.
وذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ، فَقَالَ: ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ المُحَارِبِيِّ أَحْفَظُ مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: كُنَّا نَكُوْنُ عِنْدَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، فَإِذَا مَرَّ حَدِيْثٌ مِنْ أَحَادِيْثِ الزُّهدِ، قَالَ: ابْنَ المُحَارِبِيِّ! خُذْ إِلَيْكَ هَذَا مِنْ بَابَتِكَ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَهُ أَحَادِيْثُ مَنَاكِيْرُ عَنِ المَجْهُوْلِيْنَ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ أَيْضاً: يَرْوِي عَنِ المَجْهُوْلِيْنَ أَحَادِيْثَ مُنْكَرَةً، فَيُفْسِدُ حَدِيْثَهُ بِذَلِكَ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ العُقَيلي: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ المُحَارِبِيَّ كَانَ يُدَلِّسُ، وَلاَ نَعْلَمُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ مَعْمَرٍ شَيْئاً، وَأَنْكَرَ أَبِي رِوَايَتَهُ عَنْ مَعْمَرٍ، فَقِيْلَ لأَبِي: إِنَّ المُحَارِبِيَّ يَرْوِي عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ جَرير البَجَلي حَدِيْثَ: "تُبْنَى مَدِيْنَةٌ بَيْنَ دِجْلَةَ وَدُجَيْلٍ"1. فَقَالَ أَبِي: كَانَ المُحَارِبِيُّ جَلِيساً لِسَيفِ بنِ مُحَمَّدٍ؛ ابْنِ أُخْتِ الثَّوْرِيِّ، وَكَانَ سَيْفٌ كَذَّاباً، وَأَظُنُّ المُحَارِبِيَّ سَمِعَ هَذَا مِنْهُ.
قُلْتُ: لَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ اللهِ مَنْ حَدَّثَهُ بِهَذَا عَنِ المُحَارِبِيِّ، فَهُوَ -إن صَحَّ أَنَّ المُحَارِبِيَّ حَدَّثَ بِهِ- قَوِيُّ الإِسْنَادِ عَلَى نَكَارَتِهِ.
مَاتَ المُحَارِبِيُّ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَازِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ فَضْلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ السُّلَمِيُّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ هِبَةِ اللهِ التَّغْلِبِيُّ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ الحسن الأسدي
__________
1 كذب: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "3/ 432"، والضعفاء في الكبير للعقيلي "2/ 348"، والخطيب في "تاريخ بغداد" من طريق المحاربي، عن عاصم، به.
وقال ابن عدي والعقيلي في إثره: كَانَ المُحَارِبِيُّ جَلِيساً لِسَيفِ بنِ مُحَمَّدٍ ابْنِ أخت سفيان وكان سيف كذابا وأظن المحابي سمعه منه. قيل له إن عبد العزيز بن أبان رواه عن سفيان، فقال: كل من حدث به عن سفيان فهو كذاب. وذكر الذهبي في "ميزان الاعتدال" "3/ 165" في ترجمة عمار بن سيف هذا الحديث، وقال حديث منكر جدا، وذكره.(7/557)
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ ابْنَا الحُسَيْنِ بنِ سَهْلِ بنِ الصَّيَّاحِ بِبَلَدٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَحْمَدَ الإِمَامُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا المُحَارِبِيُّ، عَنْ لَيْثِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لأَنْ أَمْشِيَ عَلَى جَمْرَةٍ أَوْ سَيْفٍ، أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أَمْشِيَ عَلَى قَبْرِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، وَمَا أُبَالِي وَسَطَ القُبُوْرِ قَضَيْتُ حَاجَتِي أَمْ وسط السوق" 1. إسناده صالح.
__________
1 صحيح: أخرجه ابن ماجه "1567" من طريق محمد بن إسماعيل بن سمرة، عن المحاربي، به. وقد توبع محمد بن إسماعيل هذا؛ فرواه أبو يعلى من طريق حفص بن عبد الله أبي عمر الحلواني، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، به.
وللحديث شاهد عن أبي مرثد الغنوي: عند مسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي.(7/558)
1360- يحيى بن سعيد 1: "ع"
ابن أبان بن سعيد بن العَاصِ بنِ أَبِي أُحَيْحَةَ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ.
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، النَّبِيْلُ، أَبُو أَيُّوْبَ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، الكُوْفِيُّ، وَلَهُ عِدَّةُ إِخْوَةٍ.
وَهُوَ وَالِدُ سَعِيْد بنِ يَحْيَى الأُمَوِيِّ؛ صَاحِبِ "المَغَازِي".
مَوْلِدُهُ سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
رَوَى عَنْ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَحَمَلَ المَغَازِي عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَسُرَيْجُ بنُ يُوْنُسَ، وَوَلَدُهُ؛ سَعِيْدُ بنُ يَحْيَى، وَحُمَيْدُ بنُ الرَّبِيْعِ، وَخَلْقٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عِنْدَهُ عَنِ الأَعْمَشِ غَرَائِبُ، وَلَيْسَ به بأس.
وَرَوَى أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
قُلْتُ: سَكَنَ بَغْدَادَ، وَيُلَقَّبُ بِالجَمَلِ، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَمَاتَ قَبْلَهُ بِسَنَةٍ: أَخُوْهُ مُحَمَّدٌ.
وَأَخُوْهُمَا عُبيد: يَرْوِي عَنْ إِسْرَائِيْلَ، وَجَمَاعَةٍ.
وَأَخُوْهُم عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ: لُغَوِيٌّ، شَاعِرٌ.
وَأَخُوْهُم الخَامِسُ عَنْبَسَةُ: يَرْوِي عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَطَائِفَةٍ، وَهُوَ أَصْغَرُهُم.
وَأَخُوْهُم السَّادِسُ: اسْمُهُ ... رَوَى عن: زهير بن معاوية.
ذكرهم الدارقطني.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 398" و"7/ 339"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 2984"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 133"، والكنى للدولابي "1/ 102"، والضعفاء الكبير للعقيلي "4/ 403"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 625"، وتاريخ بغداد "14/ 132"، والكاشف "3/ ترجمة 6284"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 308"، والعبر "1/ 315"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9524"، وتهذيب التهذيب "11/ 213"، وتقريب التهذيب "2/ 348"، وشذرات الذهب لابن العماد "1/ 341".(7/558)
1361- وكيع 1: "ع"
ابن الجراح بن مَليح بن عدي بن فرس بن جمجمة بن سُفْيَانَ بنِ الحَارِثِ بنِ عَمْرِو بنِ عُبَيْدِ بنِ رُؤَاسٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ العِرَاقِ، أَبُو سُفْيَانَ الرُّؤَاسِيُّ، الكُوْفِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ، وَهَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ: وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ، وَاشْتَغَلَ فِي الصِّغَرِ.
وَسَمِعَ مِنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَدَاوُدَ الأَوْدِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَسْوَدَ بنِ شَيْبَانَ، وَهِشَامِ بنِ الغَازِ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَجَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ، وَزَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَطَلْحَةَ بنِ عَمْرٍو المَكِّيِّ، وَفُضَيْلِ بنِ غَزْوَانَ، وَأَبِي جَنَابٍ الكَلْبِيِّ، وَحَنْظَلَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَبَانِ بنِ صَمْعَةَ، وَأَبَانِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ، وَأَبَانِ بنِ يَزِيْدَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ الفَضْلِ المَخْزُوْمِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بن يزيد الخُوزي، وإدريس
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 394"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 2618"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 168"، وحلية الأولياء "8/ ترجمة 437"، وتاريخ بغداد "13/ 466"، والأنساب للسمعاني "6/ 174"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 284"، والكاشف "3/ ترجمة 6164"، والعبر "1/ 324"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9356"، وتهذيب التهذيب "11/ 123"، وتقريب التهذيب "2/ 331"، وشذرات الذهب لابن العماد "1/ 349"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 153".(7/559)
ابن يَزِيْدَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ رَافِعٍ المَدَنِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ سُلَيْمَانَ الأَزْرَقِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي الصُّفَيْرَا، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ العَبْدِيِّ، وَأَفْلَحَ بنِ حُمَيْدٍ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَبَدْرِ بنِ عُثْمَانَ، وَبَشِيْرِ بنِ المُهَاجِرِ، وَحُرَيْثِ بنِ أَبِي مَطَرٍ، وَأَبِي خَلْدَةَ خَالِدِ بنِ دِيْنَارٍ، وَخَالِدِ بنِ طَهْمَانَ، وَدَلْهَمِ بنِ صَالِحٍ، وَسَعْدِ بنِ أَوْسٍ، وَسَعْدَانَ الجُهَنِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ السَّائِبِ، وَسَعِيْدِ بنِ عُبَيْدٍ الطَّائِيِّ، وَسَلَمَةَ بنِ نُبَيْطٍ، وَطَلْحَةَ بنِ يَحْيَى، وَعَبَّادِ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَعُثْمَانَ الشَّحَامِ، وَعُمَرَ بنِ ذَرٍّ، وعيسى بن طهمان، وعيينة بن عبد الرَّحْمَنِ بنِ جَوْشَنٍ، وَكَهْمَسٍ، وَالمُثَنَّى بنِ سَعِيْدٍ الضُّبَعِيِّ، وَالمُثَنَّى بنِ سَعِيْدٍ الطَّائِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَمِسْعَرِ بنِ حَبِيْبٍ، وَمِسْعَرِ بنِ كِدَام، وَمُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، وَمُصْعَبِ بنِ سُلَيْمٍ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَسُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَشَرِيْكٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، وَأَئِمَّةِ الحِفْظِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ -أَحَدُ شُيُوْخِهِ- وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَالفَضْلُ بنُ مُوْسَى السِّيْنَانِيُّ -وَهُمَا أَكْبَرُ مِنْهُ- وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَالحُمَيْدِيُّ، وَمُسَدَّدٌ، وَعَلِيٌّ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَإِسْحَاقُ، وَبَنُو أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ الطُّوْسِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ العُطَارِدِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ العَبْسِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم.
وَكَانَ وَالِدُهُ نَاظِراً عَلَى بَيْتِ المَالِ بِالكُوْفَةِ، وَلَهُ هَيْبَةٌ وَجَلاَلَةٌ.
وَرَوَى عَنْ: يَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ المَقَابِرِيِّ. قَالَ: وَرِثَ وَكِيْعٌ مِنْ أُمِّهِ مائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
قَالَ يَحْيَى بنُ يَمَانٍ: لَمَّا مَاتَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، جَلَسَ وَكِيْعٌ مَوْضِعَهُ.
قَالَ القَعْنَبي: كُنَّا عِنْدَ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، فَلَمَّا خَرَجَ وَكِيْعٌ، قَالُوا: هَذَا رَاويَةُ سُفْيَانَ. قَالَ حَمَّادٌ: إِنْ شِئْتُمْ قُلْتُ: أَرْجَحُ مِنْ سُفْيَانَ.
الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّعراني: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ أَكْثَمَ يَقُوْلُ: صَحِبْتُ وَكِيْعاً فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَكَانَ يَصُوْمُ الدَّهْرَ، وَيَخْتِمُ القُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ.
قُلْتُ: هَذِهِ عِبَادَةٌ يُخضَعُ لَهَا، وَلَكِنَّهَا مِنْ مِثْلِ إِمَامٍ مِنَ الأَئِمَّةِ الأَثَرِيَّةِ مَفضُولَةٌ، فَقَدْ صَحَّ نهيه -عليه الصلاة السلام- عَنْ صَومِ الدَّهْرِ، وَصَحَّ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقْرَأَ القُرْآنُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ، وَالدِّيْنُ يُسْرٌ، وَمُتَابَعَةُ السُّنَّةِ أَوْلَى، فَرَضِيَ اللهُ عَنْ وَكِيْعٍ، وَأَيْنَ مِثْلُ وَكِيْعٍ؟! وَمَعَ هَذَا فَكَانَ مُلاَزِماً لِشُرْبِ نَبِيذِ الكُوْفَةِ الَّذِي يُسكِرُ الإِكثَارُ مِنْهُ، فَكَانَ مُتَأَوِّلاً فِي شُرْبِهِ، وَلَوْ تَرَكَهُ(7/560)
تَوَرُّعاً، لَكَانَ أَوْلَى بِهِ، فَإِنَّ مَنْ تَوَقَّى الشُّبَهَاتِ، فَقَدِ اسْتَبرَأَ لِدِيْنِه وَعِرْضِهِ، وَقَدْ صَحَّ النهي والتحريم للنبيذ المذكور، وليس هذا مَوْضِعَ هَذِهِ الأُمُوْرِ، وَكُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ، فَلاَ قُدْوَةَ فِي خَطَأِ العَالِمِ، نَعَمْ، وَلاَ يُوَبَّخُ بِمَا فَعلَهُ بِاجْتِهَادٍ، نَسْأَلُ اللهَ المُسَامَحَةَ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: وَكِيْعٌ فِي زَمَانِهِ كَالأَوْزَاعِيِّ فِي زَمَانِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَوعَى لِلْعِلمِ وَلاَ أَحْفَظَ مِنْ وَكِيْعٍ.
قُلْتُ: كَانَ أَحْمَدُ يُعَظِّمُ وَكِيْعاً، وَيُفَخِّمُهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَامِرٍ المَصِّيْصِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ: وَكِيْعٌ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوْ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ? فَقَالَ: وَكِيْعٌ. قُلْتُ: كَيْفَ فَضَّلتَه عَلَى يَحْيَى، وَيَحْيَى وَمَكَانُه مِنَ العِلْمِ وَالحِفْظِ وَالإِتْقَانِ مَا قَدْ عَلِمْتَ? قَالَ: وَكِيْعٌ كَانَ صَدِيْقاً لِحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، فَلَمَّا وَلِيَ القَضَاءَ، هَجَرَهُ، وَإِنَّ يَحْيَى كَانَ صَدِيْقاً لِمُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ، فَلَمَّا وَلِيَ القَضَاءَ، لَمْ يَهْجُرْه يَحْيَى.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الوَرَّاقُ: عُرِضَ القَضَاءُ عَلَى وَكِيْعٍ، فَامْتَنَعَ.
مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيُّ: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: مَنْ طَلَبَ الحَدِيْثَ كَمَا جَاءَ، فَهُوَ صَاحِبُ سُنَّةٍ، وَمَنْ طَلَبَهُ لِيُقَوِّيَ بِهِ رَأْيَهُ، فَهُوَ صَاحِبُ بِدْعَةٍ.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: قَدْ حَدَّثَ وَكِيْعٌ بِدِمَشْقَ، فَأَخَذَ عَنْهُ: هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَابْنُ ذَكْوَانَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حدثنا محمد بن يزيد، حدثني حسين أَخُو زَيْدَانَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ وَكِيْعٍ، فَأَقْبَلْنَا جَمِيْعاً مِنَ المَصِّيْصَةِ -أَوْ طَرَسُوْسَ- فَأَتَيْنَا الشَّامَ، فَمَا أَتَيْنَا بَلَداً إِلاَّ اسْتَقبَلَنَا وَالِيْهَا، وَشَهِدْنَا الجُمُعَةَ بِدِمَشْقَ، فَلَمَّا سَلَّمَ الإِمَامُ، أَطَافُوا بِوَكِيْعٍ، فَمَا انْصَرَفَ إِلَى أَهْلِهِ -يَعْنِي: إِلَى اللَّيْلِ- قَالَ: فَحَدَّثَ بِهِ مَلِيْحاً ابْنَهُ، فَقَالَ: رَأَيْتُ فِي جَسَدِ أَبِي آثَارَ خُضْرَةٍ مِمَّا زُحِمَ ذَلِكَ اليَوْمَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: أَحْرَمَ وَكِيْعٌ مِنْ بَيْتِ المَقْدِسِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ وَكِيْعٌ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، عَالِياً، رَفِيْعاً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، حُجَّةً.
قَالَ مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ: قَالَ لِي وَكِيْعٌ: اخْتَلَفتُ إِلَى الأَعْمَشِ سِنِيْنَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ خَلَفٍ التَّيْمِيُّ: أَخْبَرَنَا وَكِيْعٌ، قَالَ: أَتَيْتُ الأَعْمَشَ، فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي. قَالَ: مَا اسْمُكَ? قُلْتُ: وَكِيْعٌ. قَالَ: اسْمُ نَبِيْلٍ، مَا أَحسِبُ إِلاَّ سَيَكُوْنُ لَكَ نَبَأٌ، أَيْنَ تَنْزِلُ مِنَ(7/561)
الكُوْفَةِ? قُلْتُ: فِي بَنِي رُؤَاسٍ. قَالَ: أَيْنَ مِنْ مَنْزِلِ الجَرَّاحِ بنِ مَلِيْحٍ? قُلْتُ: ذَاكَ أَبِي؟ وَكَانَ عَلَى بَيْتِ المَالِ. قَالَ لِي اذْهَبْ، فَجِئنِي بِعَطَائِي، وَتَعَالَ حَتَّى أُحَدِّثَك بِخَمْسَةِ أَحَادِيْثَ. فَجِئْتُ إِلَى أَبِي، فَأَخْبَرتُهُ، قَالَ: خُذْ نِصْفَ العَطَاءِ، وَاذْهَبْ، فَإِذَا حَدَّثَكَ بِالخَمْسَةِ، فَخُذِ النِّصْفَ الآخَرَ، حَتَّى تَكُوْنَ عَشْرَةٌ. فَأَتَيْتُهُ بِنِصْفِ عَطَائِهِ، فَوَضَعَهُ فِي كَفِّه، وَقَالَ: هَكَذَا. ثُمَّ سَكَتَ، فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي. فَأَملَى عَلَيَّ حَدِيْثَينِ، فَقُلْتُ: وَعَدْتَنِي بِخَمْسَةٍ. قَالَ: فَأَيْنَ الدَّرَاهِمُ كُلُّهَا? أَحسِبُ أن أباك أمرك بهذا، وَلَمْ يَدرِ أَنَّ الأَعْمَشَ مُدَرَّبٌ، قَدْ شَهِدَ الوَقَائِعَ، اذْهَبْ، فَجِئْنِي بِتَمَامِه، فَجِئْتُهُ، فَحَدَّثَنِي بِخَمْسَةٍ، فَكَانَ إِذَا كَانَ كُلُّ شَهْرٍ، جِئْتُهُ بِعَطَائِهِ، فَحَدَّثَنِي بِخَمْسَةِ أَحَادِيْثَ.
قَالَ قَاسِمُ بنُ يَزِيْدَ الجَرْمِيُّ: كَانَ الثَّوْرِيُّ يَدعُو وَكِيْعاً وَهُوَ غُلاَمٌ، فَيَقُوْلُ: يَا رُؤَاسِيُّ! تَعَالَ، أَيَّ شَيْءٍ سَمِعْتَ? فَيَقُوْلُ: حَدَّثَنِي فُلاَنٌ بِكَذَا، وَسُفْيَانُ يَتَبَسَّمُ، وَيَتَعَجَّبُ مِنْ حِفْظِهِ.
قَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: مَا كَانَ بِالكُوْفَةِ فِي زَمَانِ وَكِيْعٍ أَفْقَهُ وَلاَ أَعْلَمُ بِالحَدِيْثِ مِنْ وَكِيْعٍ، وَكَانَ جِهْبِذاً سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا نَظَرْتُ فِي كِتَابٍ مُنْذُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، إِلاَّ فِي صَحِيْفَةٍ يَوْماً. فَقُلْتُ لَهُ: عَدُّوا عَلَيْكَ بِالبَصْرَةِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ غَلِطْتَ فِيْهَا. قال: وحدثتهم بعبادان بنحو من ألف وخمسمائة، أربعة أحاديث ليست بكثيرة في ذلك.
وقال يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: مَا كَتَبتُ عَنِ الثَّوْرِيِّ قَطُّ، كُنْتُ أَتَحَفَّظُ، فَإِذَا رَجَعْتُ إِلَى المَنْزِلِ كَتَبْتُهَا.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ الأَخْنَسِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ يَمَانٍ يَقُوْلُ: نَظرَ سُفْيَانُ إِلَى عَيْنَيْ وَكِيْعٍ، فَقَالَ: لاَ يَمُوْتُ هَذَا الرُّؤَاسِيُّ حَتَّى يَكُوْنَ لَهُ شَأْنٌ. فَمَاتَ سُفْيَانُ، وَجَلَسَ وَكِيْعٌ مَكَانَه.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: قُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ: حَدِّثْنَا. قَالَ: قَدْ كَبِرْنَا وَنَسِينَا الحَدِيْثَ، اذْهَبْ إِلَى وَكِيْعٍ فِي بَنِي رُؤَاسٍ.
قَالَ الشَّاذَكُوْنِيُّ: قَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ يَوْماً: مَا دَامَ هَذَا التِّنِيْنُ حَيّاً -يَعْنِي: وَكِيْعاً- مَا يفلح أحدًا مَعَهُ.
قُلْتُ: كَانَ وَكِيْعٌ أَسْمَرَ، ضَخْماً، سَمِيْناً.
قال ابن عدي: حديث عَنْ نُوْحِ بنِ حَبِيْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ: رَأَيْتُ الثَّوْرِيَّ، وَابْنَ عُيَيْنَةَ، وَمَعْمَراً، وَمَالِكاً، وَرَأَيْتُ وَرَأَيْتُ، فَمَا رَأَتْ عَيْنَايَ قَطُّ مِثْلَ وكيع.(7/562)
قَالَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: كُنَّا بِعَبَّادَانَ، فَقَالَ لِي حَمَّادُ بنُ مَسْعدَةَ: أُحِبُّ أَنْ تَجِيْءَ مَعِي إِلَى وَكِيْعٍ. فَأَتَيْنَاهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَتَحَدَّثْنَا، ثُمَّ انْصَرَفنَا، فَقَالَ لِي حَمَّادٌ: يَا أَبَا مُعَاوِيَةَ! قَدْ رَأَيْتُ الثَّوْرِيَّ، فَمَا كَانَ مِثْلَ هَذَا.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَانَ وَكِيْعٌ حَافِظاً حَافِظاً، مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ.
وَقَالَ بِشْرُ بنُ مُوْسَى: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ قَطُّ مِثْلَ وَكِيْعٍ فِي العِلْمِ، وَالحِفْظِ، وَالإِسْنَادِ، وَالأَبْوَابِ، مَعَ خُشُوْعٍ وَوَرَعٍ.
قُلْتُ: يَقُوْلُ هَذَا أَحْمَدُ مَعَ تَحَرِّيه وَوَرَعِهِ، وَقَدْ شَاهَدَ الكِبَارَ، مِثْلَ هُشَيمٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى القَطَّانِ، وَأَبِي يُوْسُفَ القَاضِي، وَأَمْثَالِهِم.
وَكَذَا رَوَى عَنْ أَحْمَدَ: إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، قَالَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَوَّارٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الصَّمَدِ بنَ سُلَيْمَانَ البَلْخِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ ابن حَنْبَلٍ عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَوَكِيْعٍ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ وَكِيْعٍ، وَكَفَاكَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ مَعْرِفَةً وَإِتْقَاناً، وَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَوزَنَ بِقَوْمٍ مِنْ غَيْرِ مُحَابَاةٍ، وَلاَ أَشَدَّ تَثَبُّتاً فِي أُمُوْرِ الرِّجَالِ مَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ أَقَلُّ الأَرْبَعَةِ خَطَأً، وَهُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ، مَوْضِعُ الحُجَّةِ فِي الحَدِيْثِ.
وَقَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: قُلْتُ لأَبِي: أَيُّمَا أَثْبَتُ عِنْدَكَ، وَكِيْعٌ أَوْ يَزِيْدُ? فَقَالَ: مَا مِنْهُمَا -بِحَمْدِ الله- إِلاَّ ثَبْتٌ، وَمَا رَأَيْتُ أَوعَى لِلْعِلْمِ مِنْ وَكِيْعٍ، وَلاَ أَشْبَهَ مِنْ أَهْلِ النُّسُكِ مِنْهُ، وَلَمْ يَختَلِطْ بِالسُّلْطَانِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ الحَسَنِ: سُئِلَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَنْ وَكِيْعٍ وَابْنِ مَهْدِيٍّ، فَقَالَ: وَكِيْعٌ أَكْبَرُ فِي القَلْبِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ إِمَامٌ.
وَقَالَ زَاهِدُ دِمَشْقَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَاري: مَا رَأَيْتُ فِيْمَنْ لَقِيْتُ أَخشَعَ مِنْ وَكِيْعٍ.
عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ حِبَّانَ: عَنْ أَبِيْهِ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ وَكِيْعٍ. قِيْلَ: وَلاَ ابْنُ المُبَارَكِ? قَالَ: قَدْ كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ لَهُ فَضْلٌ، وَلَكِنْ مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ وَكِيْعٍ، كَانَ يَسْتَقبِلُ القِبْلَةَ، وَيَحْفَظُ حَدِيْثَهُ، وَيَقُوْمُ اللَّيْلَ، وَيسرُدُ الصَّوْمَ، وَيُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي حَنِيْفَةَ -رَحِمَهُ اللهُ- وَكَانَ قَدْ سَمِعَ مِنْهُ كَثِيْراً.
قَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرة: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْفَظَ مِنْ وَكِيْعٍ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَلاَ هُشَيْمٌ? فَقَالَ: وَأَيْنَ يَقَعُ حَدِيْثُ هُشَيْمٍ مِنْ حَدِيْثِ وَكِيْعٍ?! قال(7/563)
الرَّجُلُ: إِنِّيْ سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْفَظَ مَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ. فَقَالَ: كَانَ يَزِيْدُ يَتَحَفَّظُ، كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ تُحَفِّظُه مِنْ كِتَابٍ.
قَالَ قُتَيْبَةُ: سَمِعْتُ جَرِيْراً يَقُوْلُ: جَاءنِي ابْنُ المُبَارَكِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! مَنْ رَجُلُ الكُوْفَةِ اليَوْمَ? فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: رَجُلُ المِصْرَيْنِ وَكِيْعٌ.
تَمْتَامٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ وَكِيْعٍ الَّذِيْنَ كَانُوا يَلْزَمُوْنَهُ: أَنَّ وَكِيْعاً كَانَ لاَ يَنَامُ حَتَّى يَقرَأَ جُزْءهُ مِنْ كُلِّ لَيْلَةٍ ثُلُثَ القُرْآنَ، ثُمَّ يَقُوْمُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، فَيَقرَأُ المُفَصَّلَ، ثُمَّ يَجْلِسُ، فَيَأْخُذُ فِي الاسْتِغْفَارِ حَتَّى يَطلُعَ الفَجْرُ.
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ وَكِيْعٍ، قَالَ: كَانَ أَبِي يُصَلِّي، فَلاَ يَبْقَى فِي دَارِنَا أَحَدٌ إِلاَّ صَلَّى، حَتَّى جَارِيَةٌ لَنَا سَوْدَاءُ.
عَبَّاسٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ كَثِيْراً: وَأَيُّ يَوْمٍ لَنَا مِنَ المَوْتِ? وَرَأَيْتُهُ أَخَذَ فِي كِتَابِ "الزُّهْدِ" يَقْرَؤُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ حَدِيْثاً مِنْهُ، تَرَكَ الكِتَابَ، ثُمَّ قَامَ، فَلَمْ يُحَدِّثْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، وَأَخَذَ فِيْهِ، بَلَغَ ذَلِكَ المَكَانَ، قَامَ أَيْضاً وَلَمْ يُحَدِّثْ، حَتَّى صَنَعَ ذَلِكَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. قُلْتُ لِيَحْيَى: وَأَيُّ حَدِيْثٍ هُوَ? قَالَ: حَدِيْثُ "كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سَبِيْلٍ".
قَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: كَانَ وَكِيْعٌ يَصُوْمُ الدَّهْرَ، وَيُفْطِرُ يَوْمَ الشَّكِّ وَالعِيْدِ، وَأُخْبِرْتُ أَنَّهُ كَانَ يَشتَكِي إِذَا أَفطَرَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ.
وَعَنْ سُفْيَانَ بنِ وَكِيْعٍ، قَالَ: كَانَ أَبِي يَجْلِسُ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ مِنْ بُكْرَةٍ إِلَى ارْتِفَاعِ النَّهَارِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقِيْلُ، ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ، وَيَقْصِدُ الطَّرِيْقَ إِلَى المَشْرَعَةِ الَّتِي يَصعَدُ مِنْهَا أصحاب الروايا، فَيُرِيْحُوْنَ نَوَاضِحَهُم، فَيُعَلِّمُهُم مِنَ القُرْآنِ مَا يُؤَدُّونَ بِهِ الفَرضَ إِلَى حُدُوْدِ العَصْرِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَسْجِدِهِ، فَيُصَلِّي العَصْرَ، ثُمَّ يَجْلِسُ يَدْرُسُ القُرْآنَ، وَيَذكُرُ الله إِلَى آخِرِ النَّهَارِ، ثُمَّ يَدْخُلُ مَنْزِلَهُ، فَيُقَدَّمُ إِلَيْهِ إِفْطَارُهُ، وَكَانَ يُفْطِرُ عَلَى نَحْوِ عَشْرَةِ أَرطَالٍ مِنَ الطَّعَامِ، ثُمَّ تُقَدَّمُ إِلَيْهِ قُرَابَةٌ، فِيْهَا نَحْوٌ مِنْ عَشْرَةِ أَرطَالٍ مِنْ نَبِيذٍ، فَيَشرَبُ مِنْهَا مَا طَابَ لَهُ عَلَى طَعَامِهِ، ثُمَّ يَجعَلُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَقُوْمُ، فَيُصَلِّي وِرْدَهُ مِنَ اللَّيْلِ، كُلَّمَا صَلَّى شَيْئاً، شَرِبَ مِنْهَا، حَتَّى يُنْفِدَهَا، ثُمَّ يَنَامُ.
رَوَى هَذِهِ الحِكَايَةَ الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنِ القَاضِي ابْنِ أُمِّ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سُفْيَانَ بنِ وَكِيْعٍ، عَنْ أَبِيْهِ.
قَالَ إِسْحَاقُ بنُ بُهْلُولٍ: قَدِمَ عَلَيْنَا وَكِيْعٌ، فَنَزَلَ فِي مَسْجِدِ الفُرَاتِ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ، فطلب(7/564)
مِنِّي نَبِيْذاً، فَجِئْتُهُ بِهِ، وَأَقْبَلتُ أَقرَأُ عَلَيْهِ الحَدِيْثَ وَهُوَ يَشْرَبُ، فَلَمَّا نَفِدَ مَا جِئْتُهُ بِهِ، أَطفَأَ السِّرَاجَ. قُلْتُ: مَا هَذَا? قَالَ: لَوْ زِدْتَنَا، زِدْنَاكَ.
قَالَ جَعْفَرٌ الطَّيَالِسِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَجُلاً يَسْأَلُ وَكِيْعاً، فَقَالَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ! شَرِبْتُ البَارِحَةَ نَبِيْذاً، فَرَأَيْتُ فِيْمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّ رَجُلاً يَقُوْلُ: شَرِبتَ خَمراً. فَقَالَ وَكِيْعٌ: ذَلِكَ الشَّيْطَانُ.
وَقَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: تَعَشَّينَا عِنْدَ وَكِيْعٍ -أَوْ قَالَ: تَغَدَّينَا- فَقَالَ: أَيَّ شَيْءٍ تُرِيْدُوْنَ أَجِيئُكُم مِنْهُ: نَبِيذُ الشُّيُوْخِ، أَوْ نَبِيذُ الفِتْيَانِ? فقلت: تَتَكَلَّمُ بِهَذَا? قَالَ: هُوَ عِنْدِي أَحَلُّ مِنْ مَاءِ الفُرَاتِ. قُلْتُ لَهُ: مَاءُ الفُرَاتِ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي حِلِّهِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا.
قُلْتُ: الرَّجُلُ -سَامَحَهُ الله- لَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ إِبَاحَتَه، لَمَا قَالَ هَذَا.
عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ شَمَّاسٍ، قَالَ: لَوْ تَمَنَّيْتُ، كُنْتُ أَتَمَنَّى عَقْلَ ابْنِ المُبَارَكِ وَوَرَعَهُ، وَزُهْدَ ابْنِ فُضَيْلٍ وَرِقَّتَه، وَعِبَادَةَ وَكِيْعٍ وَحِفْظَهُ، وَخُشُوْعَ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَصَبْرَ حُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ، صَبَرَ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمرِ الدُّنْيَا.
وَرَوَى بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ وَكِيْعٍ، قَالَ: قَالَ لِي الرَّشِيْدُ إِنَّ أَهْلَ بَلَدِكَ طَلَبُوا مِنِّي قَاضِياً، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أُشْرِكَكَ فِي أَمَانَتِي وَصَالِحِ عَمَلِي، فَخُذْ عَهدَكَ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! أَنَا شَيْخٌ كَبِيْرٌ، وَإِحْدَى عَيْنَيَّ ذَاهِبَةٌ، وَالأُخْرَى ضَعِيْفَةٌ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَم: مَا رَأَيْتُ بِيَدِ وَكِيْعٍ كِتَاباً قَطُّ، إِنَّمَا هُوَ حِفْظٌ، فَسَأَلتُهُ عَنْ أَدوِيَةِ الحِفْظِ، فَقَالَ: إِنْ عَلَّمْتُكَ الدَّوَاءَ، اسْتَعْمَلتَه? قُلْتُ: إِيْ وَاللهِ. قَالَ: تَرْكُ المَعَاصِي، مَا جَرَّبْتُ مِثْلَهُ لِلْحِفْظِ.
وَقَالَ طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيُّ: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: لَوْ علمت أَنَّ الصَّلاَةَ أَفْضَلُ مِنَ الحَدِيْثِ، مَا حَدَّثْتُكُم.
قَالَ سُفْيَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ صَاحِبُ ابْنِ المُبَارَكِ: كَانَ وَكِيْعٌ أَحْفَظَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: وَكِيْعٌ: كُوْفِيٌّ، ثِقَةٌ، عَابِدٌ، صَالِحٌ، أَدِيْبٌ، مِنْ حُفَّاظِ الحَدِيْثِ، وَكَانَ مُفْتِياً.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سُئِلَ أَبُو دَاوُدَ: أَيُّمَا أَحْفَظُ: وَكِيْعٌ أَوْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ? قَالَ: وَكِيْعٌ أَحْفَظُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ أَتْقَنُ، وَقَدِ التَقَيَا بَعْدَ العِشَاءِ فِي المَسْجَدِ الحَرَامِ، فَتَوَاقَفَا، حَتَّى سَمِعَا أَذَانَ الصُّبْحِ.(7/565)
عَبَّاسٌ، وَابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعَا يَحْيَى يَقُوْلُ: مَنْ فَضَّلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ عَلَى وَكِيْعٍ، فَعَلَيهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِيْنَ.
قُلْتُ: هَذَا كَلاَمٌ رَدِيءٌ، فَغَفَرَ اللهُ لِيَحْيَى، فَالَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَا أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَعْلَمُ الرَّجُلَيْنِ، وَأَفْضَلُ، وَأَتْقَنُ، وَبِكُلِّ حَالٍ هُمَا إِمَامَانِ نَظِيْرَانِ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: مَا رُئِيَ لِوَكِيْعٍ كِتَابٌ قَطُّ، وَلاَ لِهُشَيْمٍ، وَلاَ لِحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَلاَ لِمَعْمَرٍ.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: أَوْثَقُ أَصْحَابِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَالقَطَّانُ، وَوَكِيْعٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَشْهَدُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حنبل قال: الثبت عندنا بِالعِرَاقِ: وَكِيْعٌ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ.
رَوَاهَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ أَيْضاً، ثُمَّ قَالَ: فَذَكَرْتُهُ لِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، فَقَالَ: الثَّبْتُ عِنْدنَا بِالعِرَاقِ وَكِيْعٌ.
السَّاجِيُّ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ وَكِيْعٍ.
قَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ -وَبَلَغَهُ قَوْلُ يَحْيَى: مَنْ فَضَّلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَلَى وَكِيْعٍ، فَعَلَيْهِ اللَّعْنَةَ: كَانَ غَيْرُ هَذَا أَشْبَهَ بِكَلاَمِ أَهْلِ العِلْمِ، وَمَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ، لَمْ يَقلْ مِثْلَ هَذَا، وَكِيْع خَيِّرٌ، فَاضِلٌ، حَافِظٌ.
وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِذَا اخْتَلَفَ وَكِيْعٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، بِقَوْلِ مَنْ نَأْخُذُ? فَقَالَ: نُوَافِقُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَكْثَرَ، وَخَاصَّةً فِي سُفْيَانَ، كَانَ مَعْنِيّاً بِحَدِيْثِهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يَسْلَمُ مِنْهُ السَّلَفُ، وَيَجتَنِبُ شُرْبَ المُسْكِرِ، وَكَانَ لاَ يَرَى أَنْ يُزْرَع فِي أَرْضِ الفُرَاتِ.
قُلْتُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَهُ جَلاَلَةٌ عَجِيْبَةٌ، وَكَانَ يُغْشَى عَلَيْهِ إِذَا سَمِعَ القُرْآنَ. نَقَلَهُ: صَاحِبُ "شرِيْعَةِ المَقَارِئِ".
عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: قُلْتُ لِيَحْيَى: حَدِيْثُ الأَعْمَشِ إِذَا اخْتَلَفَ وَكِيْعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ? قَالَ: يُوَقَّفُ حَتَّى يَجِيْءَ مَنْ يُتَابِعُ أَحَدَهُمَا. ثُمَّ قَالَ: كَانَتِ الرِّحلَةُ إِلَى وَكِيْع فِي زَمَانِهِ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: وَكِيْعٌ أحفظ من ابن المبارك.
قَالَ حَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يقول: رأيت عند مروان ابن مُعَاوِيَةَ لَوْحاً فِيْهِ أَسْمَاءُ شُيُوْخٍ: فُلاَنٌ رَافِضِيٌّ، وَفُلاَنٌ كَذَا، وَوَكِيْعٌ رَافِضِيٌّ، فَقُلْتُ لِمَرْوَانَ: وَكِيْع خير منك.(7/566)
قَالَ: مِنِّي? قُلْتُ: نَعَمْ. فَسَكَتَ، وَلَوْ قَالَ لِي شَيْئاً، لَوَثَبَ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ عَلَيْهِ. قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ وَكِيْعاً، فَقَالَ: يَحْيَى صَاحِبُنَا، وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَعْرِفُ لِي، وَيُرَحِّبُ.
قُلْتُ: مَرَّ قَوْلُ أَحْمَدَ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَسْلَمُ مِنْهُ السَّلَفُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَكِيْعاً فِيْهِ تَشَيُّعٌ يَسِيْرٌ، لاَ يَضُرُّ -إِنْ شَاءَ اللهُ- فَإِنَّهُ كُوْفِيٌّ فِي الجُمْلَةِ، وَقَدْ صَنَّفَ كِتَابَ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، سَمِعْنَاهُ قَدَّمَ فِيْهِ بَابَ مَنَاقِبِ عَلِيٍّ عَلَى مَنَاقِبِ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُفَيْرٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ لاَ يُتَحَدَّثُ فِي مَجْلِسِهِ، وَلاَ يَقُوْمُ أَحَدٌ ولا يبرى فيه قلم، ولا يبتسم أَحَدٌ، وَكَانَ وَكِيْعٌ يَكُوْنُوْنَ فِي مَجْلِسِهِ كَأَنَّهُم فِي صَلاَةٍ، فَإِنْ أَنْكَرَ مِنْ أَمرِهِم شَيْئاً، انْتَعَلَ، وَدَخَلَ، وَكَانَ ابْنُ نُمَيْرٍ يَغْضَبُ وَيَصِيْحُ، وَإِنْ رَأَى مَنْ يَبرِي قَلَماً، تَغَيَّرَ وَجْهُهُ غَضَباً.
قَالَ تَمِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: عَلَيْكُم بِمُصَنَّفَاتِ وَكِيْعٍ.
مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَسْعُوْدٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، سَمِعْتُ أبي يقول: أخطأ وكيع في خمسمائة حَدِيْثٍ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كَانَ وَكِيْعٌ يلحن، ولو حدثت عنه بِأَلْفَاظِهِ، لَكَانَتْ عَجَباً، كَانَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا مِسْعَر، عَنْ "عِيْشَةَ".
نَقَلَهَا: يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، عَنْهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ وَكِيْعٌ أَحْفَظَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِكَثِيْرٍ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: عَنْ أَبِيْهِ: ابْنُ مَهْدِيٍّ أَكْثَرُ تَصْحِيْفاً مِنْ وَكِيْعٍ، لَكِنَّهُ أَقَلُّ خَطَأً.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَ وَكِيْعٍ قَطُّ، يَحْفَظُ الحَدِيْثَ جَيِّداً، وَيُذَاكِرُ بِالفِقْهِ، فَيُحْسِنُ مَعَ وَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ، وَلاَ يَتَكَلَّمُ فِي أَحَدٍ.
قَالَ الحَافِظُ أَحْمَدُ بنُ سَهْلٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ: دَخَلْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ بَعْدَ المِحْنَةِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كَانَ وَكِيْعٌ إِمَامَ المُسْلِمِيْنَ فِي زَمَانِهِ.
قَالَ سَلْمُ بنُ جُنَادَةَ: جَالَسْتُ وَكِيْعاً سَبْعَ سِنِيْنَ، فَمَا رَأَيْتُهُ بَزَقَ، وَلاَ مَسَّ حَصَاةً، وَلاَ جَلَسَ مِجْلِساً فَتَحَرَّكَ، وَمَا رَأَيْتُهُ إِلاَّ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، وَمَا رَأَيْتُهُ يَحلِفُ بِاللهِ.
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: كُنْتُ عِنْدَ وَكِيْعٍ، فَجَاءهُ رَجُلٌ يَدعُوْهُ إِلَى عُرْسٍ، فَقَالَ أَثَمَّ نَبِيْذٌ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: لاَ نَحْضُرُ عُرْساً لَيْسَ فِيْهِ نَبِيْذٌ. قَالَ: فَإِنِّي آتِيْكُم بِهِ، فَقَامَ.(7/567)
وَرُوِيَ عَنْ وَكِيْعٍ: أَنَّ رَجُلاً أَغلَظَ لَهُ، فَدَخَلَ بَيْتاً، فَعَفَّرَ وَجْهَه، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الرَّجُلِ، فَقَالَ: زِدْ وَكِيْعاً بِذَنْبِهِ، فَلَولاَهُ، مَا سُلِّطْتَ عَلَيْهِ.
نَصْرُ بنُ المُغِيْرَةِ البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ إبراهيم بن شماس يقول: رأيت أفقه الناس وَكِيْعاً، وَأَحْفَظَ النَّاسِ ابْنَ المُبَارَكِ، وَأَورَعَ النَّاسِ الفُضَيْلَ.
قَالَ مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيُّ: مَا رَأَيْتُ فِيْمَنْ رَأَيْتُ أَخشَعَ مِنْ وَكِيْعٍ، وَمَا وُصِفَ لِي أَحَدٌ قَطُّ إِلاَّ رَأَيْتُهُ دُوْنَ الصِّفَةِ، إِلاَّ وَكِيْعاً، رَأَيْتُهُ فَوْقَ مَا وُصِفَ لِي.
قَالَ سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ: قَدِمَ وَكِيْعٌ مَكَّةَ، وَكَانَ سَمِيْناً، فَقَالَ لَهُ الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ: مَا هَذَا السِّمَنُ وَأَنْتَ رَاهِبُ العِرَاقِ?! قَالَ: هَذَا مِنْ فَرَحِي بِالإِسْلاَمِ، فَأَفَحَمَهُ.
أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: الجَهرُ بِالبَسْمِلَةِ بدعة.
قَالَ الفَضْلُ بنُ عَنْبَسَةَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ وَكِيْعٍ مِنْ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه: حِفْظِي وَحِفظُ ابْن المُبَارَكِ تَكَلُّفٌ، وَحِفْظُ وَكِيْعٍ أَصْلِيٌّ، قَامَ وَكِيْعٌ، فَاسْتَنَدَ، وَحَدَّثَ بِسَبْعِ مائَةِ حَدِيْثٍ حِفْظاً.
وَقَالَ مَحْمُوْدُ بنُ آدَمَ: تَذَاكَرَ بِشْرُ بنُ السَّرِيِّ وَوَكِيْعٌ لَيْلَةً -وَأَنَا أَرَاهُمَا- مِنَ العِشَاءِ إِلَى الصُّبْحِ، فَقُلْتُ لِبِشْرٍ: كَيْفَ رَأَيْتَهُ? قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْهُ.
وَقَالَ سَهْلُ بنُ عُثْمَانَ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ وَكِيْعٍ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ وَكِيْعٌ مَطْبُوْعَ الحِفظِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: كَانُوا إِذَا رَأَوْا وَكِيْعاً، سَكَتُوا -يَعْنِي: فِي الحِفْظِ وَالإِجْلاَلِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ يَحْيَى وَابْنِ مَهْدِيٍّ وَوَكِيْعٍ، فَقَالَ: وَكِيْعٌ أَسْرَدُهُم.
أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الجَمَّالَ يَقُوْلُ: أَتَيْنَا وَكِيْعاً، فَخَرَجَ بَعْدَ سَاعَةٍ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ مَغْسُوْلَةٌ، فَلَمَّا بَصُرْنَا بِهِ، فَزِعْنَا مِنَ النُّوْرِ الَّذِي رَأَينَاهُ يَتَلأْلأُ مِنْ وَجْهِهِ. فَقَالَ رَجُلٌ بِجَنْبِي: أَهَذَا مَلَكٌ? فَتَعَجَّبْنَا مِنْ ذَلِكَ النُّوْرِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: رَأَيْتُ وَكِيْعاً إِذَا قَامَ فِي الصَّلاَةِ، لَيْسَ يَتَحَرَّكُ مِنْهُ شَيْءٌ، لاَ يَزُوْلُ وَلاَ يَمِيْلُ عَلَى رِجْلٍ دُوْنَ الأُخْرَى.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: مَا نَعِيْشُ إِلاَّ فِي سُتْرَةٍ، وَلَوْ كُشِفَ الغِطَاءُ، لَكُشِفَ عَنْ أَمرٍ عَظِيْمٍ، الصِّدْقَ النِّيَّةَ.(7/568)
قَالَ الفَلاَّسُ: مَا سَمِعْتُ وَكِيْعاً ذَاكِراً أَحَداً بِسُوءٍ قَطُّ.
قُلْتُ: مَعَ إِمَامَتِهِ، كَلاَمُهُ نَزْرٌ جِدّاً فِي الرِّجَالِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، عَنْ وَكِيْعٍ: مَا أَخَذْتُ حَدِيْثاً قَطُّ عَرْضاً. فَذَكَرْتُ هَذَا لابْنِ مَعِيْنٍ، فَقَالَ: وَكِيْعٌ عِنْدنَا ثَبْتٌ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَكَمِ بنِ بَشِيْرٍ: وَكِيْعٌ عَنِ الثَّوْرِيِّ غَايَةُ الإِسْنَادِ، لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، مَا أَعْدِلُ بِوَكِيْعٍ أَحَداً. فَقِيْلَ لَهُ: فَأَبُو مُعَاوِيَةَ? فَنَفَرَ مِنْ ذَلِكَ.
قُلْتُ: أَصَحُّ إِسْنَادٍ بِالعِرَاقِ وَغَيْرِهَا: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، عَنْ وَكِيْعٍ، عَنْ سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِي "المُسْنَدِ" بِهَذَا السَّنَدِ عِدَّةُ مُتُوْنٍ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ: خَرَجَ عَلَيْنَا وَكِيْعٌ يَوْماً، فَقَالَ: أَيُّ الإِسْنَادَينِ أَحَبُّ إِلَيْكُم: الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، أَوْ: سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ? فَقُلْنَا: الأَعْمَشُ، فَإِنَّهُ أَعْلَى. فَقَالَ: بَلِ الثَّانِي، فَإِنَّهُ فَقِيْهٌ، عَنْ فَقِيْهٍ، عَنْ فَقِيْهٍ، عَنْ فَقِيْهٍ، وَالآخَرُ شَيْخٌ، عَنْ شَيْخٍ، وَحَدِيْثٌ يَتَدَاوَلُهُ الفقهاء، خير من حديث يتداوله الشيوخ.
نُوْحُ بنُ حَبِيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَضَرْتُ مَوْتَ سُفْيَانَ، فَكَانَ عَامَّةُ كَلاَمِهِ: مَا أَشَدَّ المَوْتَ! قَالَ نُوْحٌ: فَأَتَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَقُلْتُ لَهُ: حَدَّثَنَا عَنْكَ وَكِيْعٌ، فَكَانَ مُتَّكِئاً، فَقَعَدَ، وَقَالَ: أَنَا حَدَّثْتُ أَبَا سُفْيَانَ، جَزَاهُ اللهُ خَيْراً وَمَنْ مِثْلُ أَبِي سُفْيَانَ?! وَمَا يُقَالُ لمِثْلِ أَبِي سُفْيَانَ?!
وَقِيْلَ: إِنَّ وَكِيْعاً وَصَلَ إِنْسَاناً مَرَّةً بِصُرَّةِ دَنَانِيْرَ؛ لِكَوْنِهِ كَتَبَ مِنْ مِحْبَرَةِ ذَلِكَ الإِنْسَانِ، وَقَالَ: اعذِرْ، فَلاَ أَمْلِكُ غَيْرَهَا.
عَلِيُّ بنُ خَشْرَم: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: لاَ يَكْمُلُ الرَّجُلُ حَتَّى يَكْتُبَ عَمَّنْ هُوَ فَوْقَهُ، وَعَمَّنْ هُوَ مِثْلَهُ، وَعَمَّنْ هُوَ دُوْنَهُ.
وَعَنْ مَلِيْحِ بنِ وَكِيْعٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَ بِأَبِي المَوْتُ، أَخْرَجَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ! تَرَى يَدَيَّ مَا ضَرَبْتُ بِهِمَا شَيْئاً قَطُّ. قَالَ مَلِيْحٌ: فَحَدَّثتُ بِهَذَا دَاوُدَ بنَ يَحْيَى بنِ يَمَانٍ، فقال: رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّومِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَنِ الأَبْدَالُ? قَالَ: الَّذِيْنَ لاَ يَضْرِبُوْن بِأَيْدِيهِم شَيْئاً، وَإِنَّ وَكِيْعاً مِنْهُم.
قُلْتُ: بَلِ الَّذِي يَضْرِبُ بِيَدِهِ فِي سَبِيْلِ اللهِ أَشْرَفُ وَأَفْضَلُ.(7/569)
مِحْنَةُ وَكِيْعٍ -وَهِيَ غَرِيْبَةٌ- تَوَرَّطَ فِيْهَا، وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ خَيْراً، وَلَكِنْ فَاتَتْهُ سَكْتَةٌ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَفَى بِالمَرْءِ إِثْماً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ، فَلْيَتَّقِ عَبْدٌ رَبَّهُ، وَلاَ يَخَافَنَّ إِلاَّ ذَنْبَهُ".
قَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَم: حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ البَهِيِّ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيْقَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ، فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: بِأَبِي وَأُمِّي، مَا أَطْيَبَ حَيَاتَكَ وَمِيْتَتَكَ. ثُمَّ قَالَ البَهِيُّ: وَكَانَ تُرِكَ يَوْماً وَلَيْلَةً، حَتَّى رَبَا بَطْنُهُ، وَانْثَنَتْ خِنْصِرَاهُ. قَالَ ابْنُ خَشْرَمٍ: فَلَمَّا حَدَّثَ وَكِيْعٌ بِهَذَا بِمَكَّةَ، اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ، وَأَرَادُوا صَلْبَ وَكِيْعٍ، وَنَصَبُوا خَشَبَةً لِصَلْبِهِ، فَجَاءَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ لَهُم: اللهَ اللهَ، هَذَا فَقِيْهُ أَهْلِ العِرَاقِ، وَابْنُ فَقِيْهِهِ، وَهَذَا حَدِيْثٌ مَعْرُوْفٌ. قَالَ سُفْيَانُ: وَلَمْ أَكنْ سَمِعْتُهُ، إِلاَّ أَنِّي أَرَدْتُ تَخلِيصَ وَكِيْعٍ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ: سَمِعْتُ الحديث من وكيع بعدما أَرَادُوا صَلبَهُ، فَتَعَجَّبْتُ مِنْ جَسَارَتِهِ. وَأُخْبِرْتُ أَنَّ وَكِيْعاً احْتجَّ، فَقَالَ: إِنَّ عِدَّةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُمُ عُمَرُ، قَالُوا: لَمْ يَمُتْ رَسُوْلُ اللهِ، فَأَرَادَ اللهُ أَنْ يُرِيَهِم آيَةَ المَوْتِ.
رَوَاهَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ رَزِيْنٍ البَاشَانِيُّ، قال: حدثنا علي ابن خَشْرَمٍ. وَرَوَى الحَدِيْثَ عَنْ وَكِيْعٍ: قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ.
فَهَذِهِ زَلَّةُ عَالِمٍ، فَمَا لِوَكِيْعٍ، وَلِرِوَايَةِ هَذَا الخَبَرِ المُنْكَرِ، المُنْقَطِعِ الإِسْنَادِ! كَادَتْ نَفْسُهُ أَنْ تَذْهَبَ غَلَطاً، وَالقَائِمُوْنَ عَلَيْهِ مَعْذُوْرُوْنَ، بَلْ مَأْجُورُوْنَ، فَإِنَّهُم تَخَيَّلُوا مِنْ إِشَاعَةِ هَذَا الخَبَرِ المَرْدُوْدِ، غَضّاً مَا لِمَنْصِبِ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ يُوْهِمُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ إِذَا تَأَمَّلتَه، فَلاَ بَأْسَ -إِنْ شَاءَ اللهُ- بِذَلِكَ، فَإِنَّ الحَيَّ قَدْ يَرْبُو جَوْفُهُ، وَتَستَرخِي مَفَاصِلُهُ، وَذَلِكَ تَفَرُّعٌ مِنَ الأَمرَاضِ "وَأَشَدُّ النَّاسِ بَلاَءً الأَنْبِيَاءُ". وإنما المحذور أن تُجَوِّزَ عَلَيْهِ تَغَيُّرَ سَائِرِ مَوْتَى الآدَمِيِّينَ وَرَائِحَتِهِم، وَأَكْلَ الأَرْضِ لأَجْسَادِهِم، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمُفَارِقٌ لِسَائِرِ أُمَّتِهِ فِي ذَلِكَ، فَلاَ يَبْلَى، وَلاَ تَأْكلُ الأَرْضُ جَسَدَهُ، وَلاَ يَتَغَيَّرُ رِيْحُهُ، بَلْ هُوَ الآنَ -وَمَا زَالَ- أَطْيَبُ رِيْحاً مِنَ المِسْكِ، وَهُوَ حَيٌّ فِي لَحْدِهِ، حَيَاةَ مِثْلِهِ فِي البَرزَخِ الَّتِي هِيَ أَكمَلُ مِنْ حَيَاةِ سَائِرِ النَّبِيِّينَ، وَحَيَاتُهُم بِلاَ رَيْبٍ أَتَمُّ وَأَشرَفُ مِنْ حَيَاةِ الشُّهدَاءِ الَّذِيْنَ هُم بِنَصِّ الكِتَابِ: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آلُ عِمْرَانَ: 169] ، وَهَؤُلاَءِ حَيَاتُهُم الآنَ الَّتِي فِي عَالِمِ البَرْزَخِ حَقٌّ، وَلَكِنْ لَيْسَتْ هِيَ حَيَاةَ الدُّنْيَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلاَ حَيَاةَ أَهْلِ الجَنَّةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَهُم شِبْهٌ بِحَيَاةِ أَهْلِ الكَهْفِ. وَمِنْ ذَلِكَ اجْتِمَاعُ آدَمَ وَمُوْسَى لَمَّا احْتَجَّ عَلَيْهِ مُوْسَى، وَحَجَّهُ آدَمُ بِالعِلْمِ السَّابِقِ، كَانَ اجْتِمَاعُهُمَا حَقّاً، وَهُمَا فِي عَالِمِ البَرْزَخِ، وَكَذَلِكَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخبَرَ أَنَّهُ رَأَى فِي السَّمَاوَاتِ آدَمَ، وَمُوْسَى،(7/570)
وَإِبْرَاهِيْمَ، وَإِدْرِيْسَ، وَعِيْسَى، وَسَلَّمَ عَلَيْهِم، وَطَالَتْ مُحَاوَرَتُهُ مع مُوْسَى، هَذَا كُلُّه حَقٌّ، وَالَّذِي مِنْهُم لَمْ يَذُقِ المَوْتَ بَعْدُ، هُوَ عِيْسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فَقَدْ تَبَرْهَنَ لَكَ أَنَّ نَبِيَّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا زَالَ طَيِّباً مُطَيَّباً، وَإِنَّ الأَرْضَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهَا أَكلُ أَجْسَادِ الأَنْبِيَاءِ، وَهَذَا شَيْءٌ سَبِيْلُهُ التَّوقِيْفُ، وَمَا عَنَّفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّحَابَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- لَمَّا قَالُوا لَهُ بِلاَ عِلْمٍ: وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيْك وَقَدْ أَرَمْتَ?! يَعْنِي: قَدْ بَلِيتَ. فَقَالَ: "إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ".
وَهَذَا بَحْثٌ مُعتَرِضٌ فِي الاعتِذَارِ عَنْ إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، وَقَدْ قَامَ فِي الدَّفعِ عَنْهُ مِثْلُ إِمَامِ الحِجَازِ؛ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَلَوْلاَ أَنَّ هَذِهِ الوَاقِعَةَ فِي عِدَّةِ كُتُبٍ، وَفِي مِثْلِ "تَارِيْخِ الحَافِظِ ابْنِ عَسَاكِرَ"، وَفِي "كَامِلِ الحَافِظِ ابْنِ عَدِيٍّ"، لأَعرَضْتُ عَنْهَا جُمْلَةً، فَفِيْهَا عِبْرَةٌ. حَتَّى قَالَ الحَافِظُ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ فِي "تَارِيْخِهِ": وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ حَدَّثَ وَكِيْعٌ بِمَكَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ البَهِيِّ ... ، فَذَكَرَ الحَدِيْثَ. ثُمَّ قَالَ: فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى العُثْمَانِيِّ، فَحَبَسَهُ، وَعَزَمَ عَلَى قَتْلِهِ، وَنُصِبَتْ خَشَبَةٌ خَارِجَ الحَرَمِ، وَبَلَغَ وَكِيْعاً، وَهُوَ مَحْبُوسٌ. قَالَ الحَارِثُ بنُ صِدِّيْقٍ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ لَمَّا بَلَغَنِي، وَقَدْ سَبَقَ إِلَيْهِ الخَبَرُ. قَالَ: وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ عُيَيْنَةَ يَوْمَئِذٍ مُتَبَاعَدٌ، فَقَالَ لِي: مَا أُرَانَا إِلاَّ قَدِ اضطُرِرنَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، وَاحْتَجْنَا إِلَيْهِ. فَقُلْتُ: دَعْ هَذَا عَنْكَ، فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْكَ، قُتِلْتَ. فَأَرَسَلَ إِلَى سُفْيَانَ، وَفَزِعَ إِلَيْهِ، فَدَخَلَ سُفْيَانُ عَلَى العُثْمَانِيِّ -يَعْنِي: مُتَوَلِّي مَكَّةَ- فَكَلَّمَهُ فِيْهِ، وَالعُثْمَانِيُّ يَأْبَى عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ: إِنِّيْ لَكَ نَاصِحٌ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، وله عشيرة، وولده بباب أمير المؤمنين، فشخص لِمُنَاظَرَتِهِم. قَالَ: فَعَمِلَ فِيْهِ كَلاَمُ سُفْيَانَ، فَأَمَرَ بِإِطلاَقِهِ. فَرَجَعتُ إِلَى وَكِيْعٍ، فَأَخْبَرتُهُ، فَرَكِبَ حِمَاراً، وَحَمَلْنَا مَتَاعَه، وَسَافَرَ، فَدَخَلْتُ عَلَى العُثْمَانِيِّ مِنَ الغَدِ، فَقُلْتُ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ تُبْتَلَ بِهَذَا الرَّجُلِ، وَسَلَّمَكَ اللهُ. قَالَ: يَا حَارِثُ، مَا نَدِمتُ عَلَى شَيْءٍ نَدَامَتِي عَلَى تَخلِيَتِهِ، خَطَرَ بِبَالِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ حَدِيْثُ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَوَّلتُ أَبِي وَالشُّهَدَاءَ بَعْدَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، فَوَجَدنَاهُم رِطَاباً يُثْنَوْنَ، لَمْ يَتغَيَّرْ مِنْهُم شَيْءٌ. ثُمَّ قَالَ الفَسَوِيُّ: فَسَمِعْتُ سَعِيْدَ بن منصور يقول: كُنَّا بِالمَدِيْنَةِ، فَكَتَبَ أَهْلُ مَكَّةَ إِلَى أَهْلِ المَدِيْنَةِ بِالَّذِي كَانَ مِنْ وَكِيْعٍ، وَقَالُوا: إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُم، فَلاَ تَتَّكِلُوا عَلَى الوَالِي، وَارْجُمُوْهُ حَتَّى تَقْتُلُوْهُ. قَالَ: فَعَرَضُوا عَلَيَّ ذَلِكَ، وَبَلَغَنَا الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ، فَبَعَثْنَا بَرِيْداً إِلَى وَكِيْعٍ أَنْ لاَ يَأْتِيَ المَدِيْنَةَ، وَيَمضِيَ مِنْ طَرِيْقِ الربذة، وكان قد جاوز مفرق الطريقتين، فَلَمَّا أَتَاهُ البَرِيْدُ، رَدَّ، وَمَضَى إِلَى الكُوْفَةِ.
وَنَقَلَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَفْتَى بِمَكَّةَ بِقَتلِ وَكِيْعٍ.(7/571)
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى المَرْوَزِيُّ -فِيْمَا كَتَبَ إِلَيَّ- قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عِيْسَى بنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، فَسَاقَ الحَدِيْثَ. ثُمَّ قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَ وَكِيْعٌ بِمَكَّةَ بِهَذَا سَنَةَ حَجَّ الرَّشِيْدُ، فَقَدَّمُوْهُ إِلَيْهِ، فَدَعَا الرَّشِيْدُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدَ المَجِيْدِ بنَ أَبِي رَوَّادٍ، فَأَمَّا عَبْدُ المَجِيْدِ، فَإِنَّهُ قَالَ: يَجِبُ أَنْ يُقْتَلَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرْوِ هَذَا إِلاَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ غِشٌّ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ سُفْيَانُ: لاَ قَتْلَ عَلَيْهِ، رَجُلٌ سَمِعَ حَدِيْثاً، فَأَرْوَاهُ، وَالمَدِيْنَةُ شَدِيْدَةُ الحَرِّ، تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتُرِكَ لَيْلَتَيْنِ؛ لأَنَّ القَوْمَ فِي إِصْلاَحِ أَمرِ الأُمَّةِ، وَاخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ، فَمِنْ ذَلِكَ تَغَيَّرَ. قَالَ قُتَيْبَةُ: فَكَانَ وَكِيْعٌ إِذَا ذَكَرَ فِعلَ عَبْدِ المَجِيْدِ، قَالَ: ذَاكَ جَاهِلٌ، سَمِعَ حَدِيْثاً لَمْ يَعْرِفْ وَجْهَهُ، فَتَكَلَّمَ بِمَا تَكَلَّمَ.
قُلْتُ: فَرَضنَا أَنَّهُ مَا فهم توجيه الحديث على ما تزعم، أفمالك عَقلٌ وَوَرَعٌ? أَمَّا سَمِعْتَ قَوْلَ الإِمَامِ عَلِيٍّ: حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُوْنَ، وَدَعُوا مَا يُنْكِرُوْنَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُوْلهُ؟ أَمَا سَمِعْتَ فِي الحَدِيْثِ: "مَا أَنْتَ مُحَدِّثٌ قَوْماً حَدِيْثاً لاَ تَبْلُغُهُ عُقُوْلُهُم، إِلاَّ كَانَ فِتْنَةً لِبَعْضِهِم"؟ ثُمَّ إِنَّ وَكِيْعاً بَعْدَهَا تَجَاسَرَ وَحَجَّ، وَأَدْرَكَه الأَجَلُ بِفَيْدَ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ بِحَدِيْثٍ فِي الكُرْسِيِّ، قَالَ: فَاقشَعَرَّ رَجُلٌ عِنْد وَكِيْعٍ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: أَدْرَكْنَا الأَعْمَشَ وَالثَّوْرِيَّ يُحَدِّثُونَ بِهَذِهِ الأَحَادِيْثِ، وَلاَ يُنْكِرُوْنَهَا.
قَالَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: مَنْ شَكَّ أَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ -يَعْنِي: غَيْرَ مَخْلُوْقٍ- فَهُوَ كَافِرٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: نُسَلِّمُ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ كَمَا جَاءتْ، وَلاَ نَقُوْلُ: كَيْفَ كَذَا? وَلاَ لِمَ كَذَا? يَعْنِي: مِثْلَ حَدِيْثِ: "يَحْمِلُ السَّمَاوَاتِ على إصبع".
قَالَ أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ مُحْدَثٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ القُرْآنَ مُحْدَثٌ، فَقَدْ كَفَرَ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ عَثَّامٍ: مَرِضَ وَكِيْعٌ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ سُفْيَانَ أَتَانِي، فَبَشَّرَنِي بِجِوَارِهِ، فَأَنَا مُبَادِرٌ إِلَيْهِ.
قَالَ أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ: مَاتَ وَكِيْعٌ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ، فَدُفِنَ بِفَيْدَ. يَعْنِي: رَاجِعاً مِنَ الحَجِّ(7/572)
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَجَّ وَكِيْع سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ، وَمَاتَ بِفَيْدَ.
قُلْتُ: عَاشَ ثَمَانِياً وَسِتِّيْنَ سَنَةً، سِوَى شَهْرٍ، أَوْ شَهْرَيْنِ.
قَالَ قَيْسُ بنُ أُنَيْفٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ جَعْفَرٍ البيكَنْدي: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُوْلُ: يَا أَهْلَ خُرَاسَانَ؛ إِنَّهُ نُعِيَ لِي إِمَامُ خُرَاسَانَ -يَعْنِي: وَكِيْعاً قَالَ: فَاهتَمَمنَا لِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: بُعْداً لَكُم يَا مَعْشَرَ الكِلاَبِ، إِذَا سَمِعْتُم مِنْ أَحَدٍ شَيْئاً، اشْتَهَيْتُم مَوْتَهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المُؤَيَّدِ بن علي الهمذاني الزَّاهِدُ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَكُمْ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الفَتْحِ الدَّقَّاقُ، وَأَبُو الفَرَجِ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ الطَّائِيُّ، عَنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي. وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ الزَّاهِدُ "ح". وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، عَنْ عَبْدِ الجَلِيْلِ بنِ مَنْدَوَيْه، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ مُظَفَّرٍ، قَالُوا ثَلاَثَتُهُم: أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النَّقُّور، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ هاشم، ووكيع، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا مَاتَ صَاحِبُكُم، فَدَعُوْهُ".
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المخلِّص، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، قَالَ: تَسَحَّرْنَا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ قُمْنَا إِلَى الصَّلاَةِ. قُلْنَا: كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا? قَالَ: خَمْسُوْنَ آيَةً.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَلَى المُوَافَقَةِ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ القَاضِي -وَأَنَا حَاضِرٌ- أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّم، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ محمد القُرَشِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحسن البَغْدَادِيُّ بِالرَّمْلَةِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَسَّانٍ الأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نِعْمَ الإِدَامُ الخَلُّ" 1.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2051" و"2052".(7/573)
1362- الجراح بن مليح 1: "بَخ، م، د، ت، ق"
وَقَدْ كَانَ وَالِدُ وَكِيْعٍ عَلَى بَيْتِ المَالِ فِي دَوْلَةِ الرَّشِيْدِ، وَكَانَ عَلَى دَارِ الضَّرْبِ بِالرَّيِّ. وَيُقَالُ: مَحْتِدُهُ مِنْ نوَاحِي الرَّيِّ، مِنْ بُليدة أُسْتُوَا.
حَدَّثَ عَنْ: زِيَادِ بنِ عِلاقة، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَسِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَعِدَّةٍ.
رَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَقَبِيْصَةُ، وَمُسَدَّدٌ، وَيَحْيَى الحِمَّانِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَآخَرُوْنَ.
رَوَى حَنَشُ بنُ حَرْبٍ، عَنْ وَكِيْعٍ، قَالَ: وُلِدَ أَبِي بالسُّغْد، وَوُلِدَ شَرِيْكٌ بِبُخَارَى.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَلِيَ الجَرَّاحُ بنُ مليح بيت المال بمدينة السَّلاَمِ، وَكَانَ ضَعِيْفاً فِي الحَدِيْثِ، عَسِراً فِي الحَدِيْثِ، مُمْتَنِعاً بِهِ.
وَرَوَى جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: مَا كَتَبْتُ عَنْ وَكِيْعٍ، عَنْ أَبِيْهِ، وَلاَ مِنْ حَدِيْثِ قَيْسٍ شَيْئاً قَطُّ.
وَرَوَى عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: الجَرَّاحُ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَرَوَى عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ.
وَرَوَى أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ يَحْيَى: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ، وَهُوَ أَمْثَلُ مِنْ أَبِي يَحْيَى الحِمَّاني.
وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: ضَعِيْفٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدِيْثُهُ لاَ بَأْسَ بِهِ، وَهُوَ صَدُوْقٌ، لَمْ أَجِدْ فِي حَدِيْثِهِ مُنْكَراً فَأَذْكُرَهُ.
وَقَالَ البُرْقَانِيُّ: سَأَلْتُ الدَّارَقُطْنِيَّ عَنْ وَالِدِ وَكِيْعٍ، قَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَهُوَ كَبِيْرُ الوَهْمِ. قُلْتُ: يُعْتَبَرُ بِهِ? قَالَ: لاَ.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ ابْنُ قَانِعٍ: سَنَةَ ست.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 380"، والتاريخ الكبير "2/ ترجمة 2286"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 445" و"3/ 131"، والمجروحين لابن حبان "1/ 219"، وتاريخ بغداد "7/ 252" وميزان الاعتدال "1/ 389"، والكاشف "1/ ترجمة 774"، وتهذيب التهذيب "2/ 66".(7/574)
1363- يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ 1:
الزَّاهِدُ، مِنْ سَادَاتِ المَشَايِخِ، له مواعظ وحكم.
رَوَى عَنْ: مُحِلِّ بنِ خَلِيْفَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَزَائِدَةَ بنِ قُدَامَةَ.
وَعَنْهُ: المسيَّب بنُ وَاضِحٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ خُبَيق، وَغَيْرُهُمَا.
نَزَلَ الثُّغُوْرَ مُرَابِطاً.
قَالَ المسيَّب: سَأَلتُهُ عَنِ الزُّهْدِ، فَقَالَ: أَنْ تَزْهَدَ فِي الحَلاَلِ، فَأَمَّا الحَرَامُ، فَإِنِ ارْتَكَبْتَهُ، عَذَّبَكَ.
وَسُئِلَ يُوْسُفُ: مَا غَايَةُ التَّوَاضُعِ? قَالَ: أَنْ لاَ تَلقَى أَحَداً إِلاَّ رَأَيْتَ لَهُ الفَضْلَ عَلَيْكَ.
وَعَنْهُ قَالَ: لِلصَّادِقِ ثَلاَثُ خِصَالٍ: الحَلاَوَةُ، وَالمَلاَحَةُ، وَالمَهَابَةُ.
وَعَنْهُ: خُلِقَتِ القُلُوْبُ مَسَاكِنَ لِلذِّكْرِ، فَصَارَتْ مَسَاكِنَ لِلشَّهَوَاتِ، لاَ يَمحُو الشَّهوَاتِ إِلاَّ خَوْفٌ مُزْعِجٌ، أَوْ شَوْقٌ مُقْلِقٌ، الزُّهْدُ فِي الرِّئَاسَةِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا.
قَالَ ابْنُ خُبَيق: قُلْتُ لابْنِ أَسْبَاطٍ: لِمَ لاَ تَأْذَنُ لابْنِ المُبَارَكِ يُسَلِّمُ عَلَيْكَ? قَالَ: خَشِيْتُ أَنْ لاَ أَقُومَ بِحَقِّهِ، وَأَنَا أُحِبُّهُ.
وَعَنْ يُوْسُفَ: إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ قَدْ أشِرَ وَبطِرَ، فَلاَ تَعِظْهُ، فَلَيْسَ لِلْعِظَةِ فِيْهِ مَوْضِعٌ، لِي أَرْبَعُوْنَ سَنَةً، مَا حَكَّ فِي صَدْرِي شَيْءٌ، إِلاَّ تَرَكتُه.
قَالَ شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ: مَا أقدم على يوسف بن أسباط أحدًا.
وَعَنْ يُوْسُفَ، قَالَ: يُجْزِئُ قَلِيْلُ الوَرَعِ وَالتَّوَاضُعِ مِنْ كَثِيْرِ الاجْتِهَادِ فِي العَمَلِ.
وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِيْنٍ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: دَفَنَ كُتُبَهُ، فَكَانَ حَدِيْثُهُ لاَ يجيء كما ينبغي.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 3414"، والضعفاء الكبير للعقيلي "4/ ترجمة 2084"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 910"، وحلية الأولياء "8/ ترجمة 401"، وميزان الاعتدال "4/ 462".(7/575)
1364- إسحاق الأزرق 1: "ع"
هُوَ الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْحَاقُ بنُ يُوْسُفَ بن مِرْدَاسٍ القُرَشِيُّ، الوَاسِطِيُّ، الأَزْرَقُ.
مَوْلِدُهُ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
حَدَّثَ عَنِ: الأَعْمَشِ، وَابْنِ عَوْنٍ، وفُضَيل بنِ غَزْوان، ومِسْعَر بنِ كِدَام، وَسُفْيَانَ، وَشَرِيْكٍ، وَعِدَّةٍ.
وَكَانَ مِنْ جِلَّةِ المُقْرِئِيْنَ، تَلاَ عَلَى: حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ. وَأَخَذَ الحُرُوْفَ عَنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَغَيْرِهِ، وَلَهُ اخْتِيَارٌ مَعْرُوْفٌ. حَمَلَهُ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ ابن هُوْدٍ الوَاسِطِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ هَانِئ، وَغَيْرُهُمَا.
وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ، رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَسَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، وأبو جَعْفَرٍ بنُ المُنَادِي، وَخَلْقٌ.
وَكَانَ حُجَّةً وِفَاقاً، لَهُ قَدَمٌ رَاسِخٌ فِي التَّقوَى. قِيْلَ: إِنَّهُ مَكَثَ عِشْرِيْنَ سَنَةً لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ- وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِشَرِيْكٍ.
قَالُوا: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
رَوَى عَنْ شَرِيْكٍ سِتَّةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ للهِ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ هِلاَلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ سنة أربع وثمانين وأربعمائة، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ الأَزْرَقِ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ نَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لاَ حِلْفَ فِي الإِسْلاَمِ، وَأَيُّمَا حِلْفٌ كَانَ في الجاهلية، لم يزده الإسلام إلا شدة" 2.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 315"، والتاريخ الكبير "1/ ترجمة 1300"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 841"، والعبر "1/ 318"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 299"، والكاشف "1/ ترجمة 332"، وتهذيب التهذيب "1/ 257"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 343".
2 صحيح: أخرجه مسلم "2530".(7/576)
1365- محمد بن فُضَيل 1: "ع"
ابن غزوان، الإِمَامُ، الصَّدُوْقُ، الحَافِظُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الضَّبِّيُّ مولاهم، الكوفي، مصنف كتاب "الدعاء"، وكتاب "الزاهد"، وَكِتَابِ "الصِّيَامِ"، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وحصين بن عبد الرحمن، وعاصم الأحوال، وَعُمَارَةَ بنِ القَعْقَاعِ، وَبَيَانِ بنِ بِشْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ الهَجَرِيِّ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَابْنِ أَبِي خَالِدٍ، وَزَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَمِسْعَرٍ، وَحَبِيْبِ بنِ أَبِي عَمْرَةَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ بُدَيْلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، وَبَنُو أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ، وَعَلِيُّ بنُ المُنْذِرِ الطَّرِيْقِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ العُطَارِدِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ، وَجَمٌّ غَفِيرٌ، عَلَى تَشَيُّعٍ كَانَ فِيْهِ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ، وَالكَمَالُ عَزِيْزٌ.
وَثَّقَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ حَسَنُ الحَدِيْثِ، شِيْعِيٌّ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: كَانَ شِيْعِيّاً، مُتَحَرِّقاً.
قُلْتُ: تَحَرُّقُهُ عَلَى مَنْ حَارَبَ أَوْ نَازَعَ الأَمْرَ عَلَيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَهُوَ مُعَظِّمٌ لِلشَّيْخَيْنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. وَكَانَ مِمَّنْ قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ. وَقَدْ أَدْرَكَ مَنْصُوْرَ بنَ المُعْتَمِرِ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَوَجَدَهُ مَرِيْضاً، وَهَذَا أَوَانُ أَوَّلِ سَمَاعِهِ لِلْعِلْمِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: بَعْضُهُم لاَ يَحْتَجُّ بِهِ.
وَكَانَ أَبُو الأَحْوَصِ يَقُوْلُ: أَنْشُدُ اللهَ رَجُلاً يُجَالِسُ ابْنَ فُضَيْلٍ، وَعَمْرَو بنَ ثَابِتٍ، أَنْ يُجَالِسَنَا.
قَالَ يَحْيَى الحِمَّانِيُّ: سَمِعْتُ فُضَيْلاً -أَوْ حُدِّثْتُ عَنْهُ- قَالَ: ضَرَبتُ ابْنِي البَارِحَةَ إِلَى الصَّبَاحِ أَنْ يَتَرَحَّمَ عَلَى عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فأبى علي.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 389"، والتاريخ الكبير "1/ ترجمة 652"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 173" و"3/ 112"، والكنى للدولابي "2/ 64"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 263"، والإكمال لابن ماكولا "7/ 16"، والأنساب للسمعاني "8/ 145"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 294"، والكاشف "3/ ترجمة 5194"، والعبر "1/ 319"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 8062"، وتهذيب التهذيب "9/ 405"، وتقريب التهذيب "2/ 200"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 659"، وشذرات الذهب "1/ 344".(7/577)
وَقَالَ الحَسَنُ بنُ عِيْسَى بنِ مَاسَرْجِسَ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ عَنْ أَسْبَاطٍ، وَابْنِ فُضَيْلٍ فَسَكَتَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، قَالَ: يَا حَسَنُ! صَاحِبَاكَ لاَ أَرَى أَصْحَابنَا يَرْضَوْنَهُمَا.
قُلْتُ: مَاتَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: سنة أربع.
وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ أَربَابُ الصِّحَاحِ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الطَّبِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْروِ بنُ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَلاَّدٍ البَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السُّحُوْرِ بَرَكَةً" 1.
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ زَكَرِيَّا خَيَّاطِ السُّنَّةِ2، عَنِ البَاهِلِيِّ، فَوَقَعَ بَدَلاً عَالِياً بِدَرَجَتَيْنِ، وَحَدِيْثُهُ أَعْلَى مِنْ هَذَا فِي "جُزْءِ ابْنِ عَرَفَةَ".
__________
1 صحيح: أخرجه الطيالسي "2006"، وأحمد "3/ 229 و243"، ومسلم "1095"، والترمذي "708"، والنسائي "4/ 141"، وأبو يعلى "2848"، والبيهقي "4/ 236"، والبغوي "1727" و"1728" من طرق عن أبي عوانة، عن قتادة، عن أنس، به، وأخرجه عبد الرزاق "7598"، وابن أبي شيبة "3/ 8"، وأحمد "3/ 99 و229 و258 و281"، والبخاري "1923"، ومسلم "1095"، والترمذي "708"، وابن ماجه "1692"، وابن خزيمة "1937"، وابن الجارود "383"، والبيهقي "4/ 236"، والبغوي "1728" من طرق عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، به.
2 هو: زكريا بن يحبى بن إياس بن سلمة السجزي، أبو عبد الرحمن المعروف بخياط السنة، سمي بذلك لأنه كان يخيط أكفان أهل السنة، روى له النسائي وهو من أقرانه، قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أحد الثقات. وقال عبد الغني بن سعيد: حافظ ثقة.(7/578)
1366- يحيى القطان 1: "ع"
يحيى بن سعيد بن فروخ، الإِمَامُ الكَبِيْرُ، أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ، أَبُو سَعِيْدٍ التَّمِيْمِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، الأَحْوَلُ، القَطَّانُ، الحَافِظُ.
وُلِدَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
سَمِعَ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ، وَهِشَامَ بنَ عُرْوَةَ، وَعَطَاءَ بنَ السَّائِبِ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشَ، وَحُسَيْناً المُعَلِّمَ، وَحُمَيداً الطَّوِيْلَ، وَخُثَيْمَ بنَ عِرَاكٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي خَالِدٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيَّ، وَابْنَ عَوْنٍ، وَابْنَ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَشُعْبَةَ، وَالثَّوْرِيَّ، وَأَخْضَرَ بنَ عَجْلاَنَ، وَإِسْرَائِيْلَ بنَ مُوْسَى -نَزِيْلَ الهِنْدِ- وَأَشْعَثُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الحُمْرَانِيُّ، وَأَشْعَثُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحُدَّانِيَّ، وَبَهْزَ بنَ حَكِيْمٍ، وَجَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ، وَحَاتِمَ بنَ أَبِي صَغِيْرَةَ، وَحَبِيْبَ بنَ الشَّهِيْدِ، وَحَجَّاجَ بنَ أَبِي عُثْمَانَ الصَّوَّافَ، وَزَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ حَرْمَلَةَ الأَسْلَمِيَّ، وَعَبْدَ المَلِكِ بنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَعُثْمَانَ بنَ الأَسْوَدِ المَكِّيَّ، وَفُضَيْلَ بنَ غَزْوَانَ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَجْلاَنَ، وَخَلْقاً كَثِيْراً.
وَعُنِيَ بِهَذَا الشَّأْنِ أَتَمَّ عِنَايَةٍ، وَرَحَلَ فِيْهِ، وَسَادَ الأَقْرَانَ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ الحِفْظُ، وَتَكَلَّمَ فِي العِلَلِ وَالرِّجَالِ، وَتَخَرَّجَ بِهِ الحُفَّاظُ: كَمُسَدَّدٍ، وَعَلِيٍّ، وَالفَلاَّسِ، وَكَانَ فِي الفُرُوْعِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيْفَةَ -فِيْمَا بَلَغَنَا- إِذَا لَمْ يَجِدِ النَّصَّ.
رَوَى عَنْهُ: سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، وَمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ -وَهُم مِنْ شُيُوْخِهِ- وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَعَفَّانُ، وَمُسَدَّدٌ، وَابْنُه؛ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَعُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَلِيٌّ، وَيَحْيَى، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، وَبُنْدَارُ، وَابْنُ مُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بنُ حَاتِمٍ السَّمِيْنُ، وَسُلَيْمَانُ الشَّاذَكُوْنِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ السَّرَخْسِيُّ، وَيَحْيَى بنُ حَكِيْمٍ المُقَوِّمُ، وَعُمَرُ بنُ شَبَّةَ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَزَيْدُ بنُ أَخْزَمَ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، خَاتِمَتُهُم: مُحَمَّدُ بنُ شَدَّادٍ المِسْمَعِيُّ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: لَزِمْتُ شُعْبَةَ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: رَوَى ابْنُ مَهْدِيٍّ فِي تَصَانِيْفِهِ أَلْفَيْ حَدِيْثٍ عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ، فَحَدَّثَ بِهَا وَيَحْيَى حَيٌّ.
وَثَبَتَ أَنَّ أَحْمَد بنَ حَنْبَلٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ بِعَيْنِي مِثْلَ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: قَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لاَ تَرَى بِعَيْنَيْكَ مِثْلَ يَحْيَى القَطَّانِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِالرِّجَالِ مَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ.
وَقَالَ بُنْدَارُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سعيد إمام أهل زمانه.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 293"، والتاريخ الكبير "8/ 2983"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 716" و"2/ 140 و202"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 624"، وحلية الأولياء "8/ ترجمة 438"، وتاريخ بغداد "14/ 135"، والأنساب للسمعاني "10/ 184"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 280"، والكاشف "3/ ترجمة 6285"، والعبر "1/ 327"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9522"، وتهذيب التهذيب "11/ 216"، وتقريب التهذيب "2/ 348"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 355".(7/579)
وَقَالَ أَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ مَوْلَى بَنِي تَمِيْمٍ -زَعَمُوا- وَكَانَ يُوَقَّرُ وَهُوَ شَابٌّ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: قَالَ لِي يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: لَيْسَ لأَحَدٍ عَلَيَّ عَقدٌ وَلاَ وَلاَءٌ.
قَالَ العَبَّاسُ بنُ عَبْدِ العَظِيْمِ: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ الثَّوْرِيُّ البَصْرَةَ، قَالَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! جِئنِي بِإِنْسَانٍ أُذَاكِرُهُ. فَأَتَيْتُهُ بِيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، فَذَاكَرَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: قُلْتُ لَكَ: جِئنِي بِإِنْسَانٍ، جِئْتَنِي بِشَيْطَانٍ -يَعْنِي: بَهَرَهُ حِفْظُهُ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ خَاقَانَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ عَلِيٍّ يَقُوْلُ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ يَخْتِمُ القُرْآنَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، يَدعُو لأَلفِ إِنْسَانٍ، ثُمَّ يَخْرُجُ بَعْدَ العَصْرِ، فَيُحَدِّثُ النَّاسَ.
قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: سَمِعْتُ بُنْدَاراً يَقُوْلُ: اخْتَلَفتُ إِلَى يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً، مَا أَظُنُّهُ عَصَى اللهَ قَطُّ، لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا فِي شَيْءٍ.
عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: قَالَ لِي يَحْيَى القَطَّانُ: لَوْ لَمْ أَرْوِ إِلاَّ عَمَّنْ أَرْضَى، لَمْ أَرْوِ إِلاَّ عَنْ خَمْسَةٍ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ بِشْرٍ الطَّالَقَانِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ أَثْبَتُ النَّاسِ.
وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ أَبَانٍ الحَافِظُ: سَأَلْتُ أَبَا الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيَّ عَنْ خَالِدِ بنِ الحَارِثِ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ، فَقَالَ: يَحْيَى أَكْثَرُ مِنْهُ بِكَثِيْرٍ، وَأَمَّا خَالِدٌ فَثِقَةٌ، صَاحِبُ كِتَابٍ. فَقَالَ رَجُلٌ: مَا كَانَ بِالبَصْرَةِ مِثْلُ خَالِدٍ بَعْدَ شُعْبَةَ. فَقَالَ: وَكَانَ شُعْبَةُ يُحْسِنُ مَا يُحْسِنُ يَحْيَى? فَقُلْتُ: فَمَنْ كَانَ أَكْثَرَ عِنْدَكَ: يَحْيَى، أَوْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ? فَإِنَّ قَوْماً يُقَدِّمُوْنَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ. قَالَ: مَا يُنْصِفُوْنَ، هُوَ أَكْبَرُ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَعَنْ أَبِي عَوَانَةَ، قَالَ: إِنْ كُنْتُم تُرِيْدُوْنَ الحَدِيْثَ، فَعَلَيْكُم بِيَحْيَى القَطَّانِ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: فَأَيْنَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ? قَالَ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ مُعَلِّمُنَا.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حنبل يقول: ما كتبت الحَدِيْثَ عَنْ مِثْلِ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ.
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: رَوَى يَحْيَى القَطَّانُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ حَدِيْثاً وَاحِداً.
قَالَ أَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: كُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنَ الأَئِمَّةِ كَانُوا(7/580)
يَقُوْلُوْنَ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيْدُ وَيَنْقُصُ، وَيُكَفِّرُوْنَ الجَهْمِيَّةَ، وَيُقَدِّمُوْنَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي الفَضِيلَةِ وَالخِلاَفَةِ.
مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى، قَالَ: مَا حَمَلتُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ شَيْئاً، إِلاَّ مَا قَالَ: حَدَّثَنِي، وَحَدَّثَنَا سِوَى حَدِيْثَينِ مِنْ قَوْلِ إِبْرَاهِيْمَ وَعِكْرِمَةَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّغَانِيُّ: قَالَ لِي ابْنُ مَعِيْنٍ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ فَوْقَ يَزِيْدَ ابن زُرَيْعٍ، وَخَالِدِ بنِ الحَارِثِ، وَمُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ.
قَالَ يَحْيَى: رُبَّمَا أَتَيْتُ التَّيْمِيَّ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ، وَكَانَ إِذَا حَدَّثَ فِي بنِي مُرَّةَ، إِنَّمَا يَكُوْنُ عِنْدَهُ خَمْسَةٌ أَوْ سِتَّةٌ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَمَّارٍ: كُنْتَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى يَحْيَى القَطَّانِ، ظَنَنْتَ أَنَّهُ لاَ يُحْسِنُ شَيْئاً بِزِيِّ التُّجَّارِ، فَإِذَا تَكَلَّمَ، أَنْصَتَ لَهُ الفُقَهَاءُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى القَطَّانُ: لَمْ يَكُنْ جَدِّي يَمْزَحُ، وَلاَ يَضْحَكُ إِلاَّ تَبَسُّماً، وَلاَ دَخَلَ حَمَّاماً، وَكَانَ يَخْضِبُ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: أَقَامَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ عِشْرِيْنَ سَنَةً يَخْتِمُ القُرْآنَ كل ليلة.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كُنَّا عِنْدَ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، فَقَرَأَ رَجُلٌ سُوْرَةَ الدُّخَانِ، فَصَعِقَ يَحْيَى، وَغُشِيَ عَلَيْهِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَوْ قَدِرَ أَحَدٌ أَنْ يَدْفَعَ هَذَا عَنْ نَفْسِهِ، لَدَفَعَهُ يَحْيَى -يَعْنِي: الصَّعْقَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ: مَا أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُ جَدِّي قَهْقَهَ قَطُّ، وَلاَ دَخَلَ حَمَّاماً قَطُّ، وَلاَ اكْتَحَلَ، وَلاَ ادَّهَنَ.
عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ إِذَا قُرِئ عِنْدَهُ القُرْآنُ، سَقَطَ حَتَّى يُصِيْبَ وَجْهُهُ الأَرْضَ. وَقَالَ: مَا دَخَلْتُ كَنِيْفاً قَطُّ، إِلاَّ وَمَعِيَ امْرَأَةٌ -يَعْنِي: مَنْ ضَعْفِ قَلْبِهِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: جَعَلَ جَارٌ لَهُ يَشتِمُهُ، وَيَقَعُ فِيْهِ، وَيَقُوْلُ: هَذَا الخُوْزِيُّ، وَنَحْنُ فِي المَسْجَدِ. قَالَ: فَجَعَلَ يَبْكِي، وَيَقُوْلُ: صَدَقَ، وَمَنْ أَنَا? وَمَا أَنَا?
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: وَكَانَ يَحْيَى يَجِيْءُ مَعَهُ بِمِسْبَاحٍ، فَيُدْخِلُ يَدَهُ فِي ثِيَابِهِ، فَيُسَبِّحُ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: اخْتَلَفُوا يَوْماً عِنْد شُعْبَةَ، فَقَالُوا لَهُ: اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ حَكَماً. قَالَ قَدْ رَضِيْتُ بِالأَحْوَلِ -يَعْنِي: القَطَّانَ. فَجَاءَ، فَقضَى عَلَى شُعْبَةَ. فَقَالَ شُعْبَةُ: وَمَنْ يُطِيْقُ نَقْدَكَ يا أحول؟!(7/581)
قَالَ ابْنُ سَعِيْدٍ: كَانَ يَحْيَى ثِقَةً، مَأْمُوْناً، رفيعًا، حجة.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: أُمَنَاءُ اللهِ عَلَى حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شُعْبَةُ، وَمَالِكٌ، وَيَحْيَى القَطَّانُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ بُنْدَارَ الجُرْجَانِيُّ: قُلْتُ لابْنِ المَدِيْنِيِّ: مَنْ أَنْفَعُ مَنْ رَأَيْتَ لِلإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ? قَالَ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِلَى يَحْيَى القَطَّانِ المُنْتَهَى فِي التَّثَبُّتِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي صَفْوَانَ: كَانَ لِيَحْيَى القَطَّانِ نَفَقَةٌ مِنْ غَلَّتِهِ، إِنْ دَخَلَ مِنْ غَلَّتِهِ حِنطَةٌ، أَكَلَ حِنطَةً، وَإِنْ دَخَلَ شَعِيْرٌ، أَكَلَ شعِيْراً، وَإِنْ دَخَلَ تَمرٌ، أَكَلَ تَمراً.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: إِنَّ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ لَمْ يَفُتْهُ الزَّوَالُ فِي المَسْجَدِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ عَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ: رَأَى رَجُلٌ لِيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ قَبْلَ مَوْتِهِ أَنْ بَشِّرْ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ بِأَمَانٍ مِنَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ.
قَالَ أَحْمَدُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَقَلَّ خَطَأً مِنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَلَقَدْ أَخْطَأَ فِي أَحَادِيْثَ. ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ يَعرَى مِنَ الخَطَأِ وَالتَّصْحِيْفِ?!
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ نَقِيَّ الحَدِيْثِ، لاَ يُحَدِّثُ إِلاَّ عَنْ ثِقَةٍ.
قَالَ أَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: أَخَافُ أَنْ يُضَيَّقَ عَلَى النَّاسِ تَتَبُّعُ الأَلْفَاظِ؛ لأَنَّ القُرْآنَ أَعْظَمُ حُرمَةً، وَوُسِّعَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَى وُجُوْهٍ إِذَا كَانَ المعنى واحدًا.
قَالَ شَاذُّ بنُ يَحْيَى: قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: مَنْ قَالَ: إِنَّ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ زِنْدِيْقٌ، وَاللهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ.
قَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: كَانَ هِجِّيْرَى يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ إِذَا سَكَتَ ثُمَّ تَكَلَّمَ يَقُوْلُ: يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ المَصِيْرُ. وَقُلْتُ لَهُ فِي مَرَضِهِ: يُعَافِيْكَ اللهُ -إِنْ شَاءَ اللهُ. فَقَالَ: أَحَبُّهُ إِلَيَّ، أَحَبُّهُ إِلَى اللهِ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: إِذَا اخْتَلَفَ ابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ فِي حَدِيْثٍ، آخذ بقول يحيى.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَأَلْتُ يَحْيَى عَنْ أَحَادِيْثِ عِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، فَقَالَ: لَيْسَتْ بِصِحَاحٍ.(7/582)
الفَلاَّسُ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: كُنْتُ أَنَا، وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَمُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، وَمَا تَقَدَّمَانِي فِي شَيْءٍ قَطُّ -يَعْنِي مِنَ العِلْمِ- كُنْتُ أَذهَبُ مَعَهُمَا إِلَى ابْنِ عَوْنٍ، فَيَقْعُدَانِ وَيَكْتُبَانِ، وَأَجِيْءُ أَنَا، فَأَكْتُبُهَا فِي البَيْتِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ: قَالَ أَبِي: كُنْتُ أَخْرُجُ مِنَ البَيْتِ، أَطْلُبُ الحَدِيْثَ، فَلاَ أَرْجِعُ إِلاَّ بَعْدَ العَتَمَةِ.
قُلْتُ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ مُتَعَنِّتاً فِي نَقدِ الرِّجَالِ، فَإِذَا رَأَيْتَهُ قَدْ وَثَّقَ شَيْخاً، فَاعْتمِدْ عَلَيْهِ، أَمَّا إِذَا لَيَّنَ أَحَداً، فَتَأَنَّ فِي أَمرِهِ حَتَّى تَرَى قَوْلَ غَيْرِهِ فِيْهِ، فَقَدْ لَيَّنَ مِثْلَ: إِسْرَائِيْلَ وَهَمَّامٍ، وَجَمَاعَةٍ. احْتَجَّ بِهِمُ الشَّيْخَانِ، وَلَهُ كِتَابٌ فِي الضُّعفَاءِ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، يَنْقُلُ مِنْهُ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ، وَيَقعُ كَلاَمُهُ فِي سُؤَالاَتِ عَلِيٍّ، وَأَبِي حَفْصٍ الصَّيْرَفِيِّ، وَابْنِ مَعِيْنٍ لَهُ.
قال عبد الرحمن بن عمر رستة: سمعت عَلِيَّ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ كُنَّا عِنْدَ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ المَسْجَدِ، خَرَجْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا صَارَ بِبَابِ دَارِهِ وَقَفَ، ووقفنا معه، فانتهى إليه الروبي، فَقَالَ يَحْيَى لَمَّا رَآهُ: ادْخُلُوا. فَدَخَلْنَا، فَقَالَ لِلرُّوْبِيِّ: اقْرَأْ. فَلَمَّا أَخَذَ فِي القِرَاءةِ، نَظَرْتُ إِلَى يَحْيَى يَتَغَيَّرُ، حَتَّى بَلَغَ: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} [الدُّخَانُ: 40] ، صَعِقَ يَحْيَى، وَغُشِيَ عَلَيْهِ، وَارتَفَعَ صَوْتُهُ، وَكَانَ بَابٌ قَرِيْبٌ مِنْهُ، فَانقَلْبَ، فَأَصَابَ البَابُ فَقَارَ ظَهْرِهِ، وَسَالَ الدَّمُ، فَصَرَخَ النِّسَاءُ، وَخَرَجْنَا، فَوَقَفْنَا بِالبَابِ، حَتَّى أَفَاقَ بَعْدَ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِهِ وَهُوَ يَقُوْلُ: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} ، فَمَا زَالتْ فِيْهِ تِلْكَ القَرْحَةُ حَتَّى مَاتَ -رَحِمَهُ اللهُ.
وَرَوَى أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَنْبَرِيُّ، عَنْ زُهَيْرٍ البَابِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ يَحْيَى القَطَّانَ فِي النَّومِ، عَلَيْهِ قمِيْصٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، مَكْتُوْبٌ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ كِتَابٌ مِنَ اللهِ العَزِيْزِ العَلِيْمِ، بَرَاءةٌ لِيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ مِنَ النَّارِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ البَاهِلِيُّ: عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا أَخطَأْتُ، قَالَ لِي سُفْيَانُ: أَخطَأْتَ يَا يَحْيَى، فَحَدَّثَ يَوْماً عَنْ عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ". فَقُلْتُ: أَخطَأْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ. قَالَ: وَكَيْفَ هُوَ? قُلْتُ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نافع، عن زيد بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1. قَالَ:
__________
1 صحيح: أخرجه مالك "2/ 924-925"، ومن طريقه أخرجه البخاري "5634"، ومسلم "2065"، والطبراني "23/ 927"، والبيهقي "1/ 27"، والبغوي "3030"، عن نافع، به.(7/583)
صدقت يا يحيى، اعرض علي كُتُبَكَ. قُلْتُ: تُرِيْدُ أَنْ أَلْقَى مِنْكَ مَا لَقِيَ زَائِدَةُ? قَالَ: وَمَا لَقِيَ، أَصلَحتُ لَهُ كُتُبَهُ وَذَكَّرْتُهُ حَدِيْثَهُ.
قُلْتُ: أَقْرَبُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ فِي هَذَا الحَدِيْثِ الوَاحِدِ:
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ شدَّادٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ، عَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيْرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ" 1.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ زَيْدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ قَفَرْجَلَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنِي يَزِيْدُ بنُ حَيَّانَ، سَمِعْتُ زَيْدَ بنَ أَرْقَمَ، قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ عُبَيْدُ اللهِ بنُ زِيَادٍ: مَا أَحَادِيْثُ بَلَغَنِي تُحَدِّثُهَا وَتَروِيهَا عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَذْكُرُ أَنَّ لَهُ حَوْضاً فِي الجَنَّةِ? قَالَ: حَدَّثَنَا ذَاكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوَعَدَنَاهُ. قَالَ: كَذَبتَ، وَلَكِنَّكَ شَيْخٌ قَدْ خَرِفْتَ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُوْلُ: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"، مَا كَذَبتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2.
__________
1 صحيح: أخرجه الترمذي "1922" من طريق محمد بن بشار، عن يحيى بن سعيد، به، وأخرجه البخاري "7376"، ومسلم "2319" عن جابر بن عبد الله، به، وأخرجه البخاري "5997"، ومسلم "2318"، وأبو داود "5218" من حديث أبي هريرة، به، وأخرجه أحمد "4/ 366" من حديث جرير، به.
2 صحيح: ورد من حديث أنس بن مالك، وعقبة بن عامر، وابن عمرو وغيرهم -رضي الله عنهم: أما حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه: فأخرجه أحمد "3/ 223"، وابن ماجه "32" من طريق الليث بن سعد، عن الزهري، عنه، به.
وأخرجه ابن أبي شيبة "8/ 763"، وأحمد "3/ 116 و176"، وابنه في "زوائد المسند" "3/ 278" والدارمي "1/ 77" من طرق عن سليمان التيمي، عن أنس، به، وأخرجه أحمد "3/ 203 و209"، وابنه في "زوائد المسند" "3/ 278"، والدارمي "1/ 77" من طرق عن حماد بن أبي سليمان، عنه، به.
وأخرجه أحمد "3/ 98"، ومسلم "2" في "المقدمة" من طرق عن عبد العزيز بن صهيب، عنه، به.
وأما حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه: عند أحمد "4/ 159"، والطبراني في "الكبير" "17/ 843" من طريق ابن لهيعة، عن أبي عشانة، عنه، به.
وأما حديث ابن عمرو -رضي الله عنها: أخرجه أحمد "2/ 159"، وأبو خيثمة في "العلم" "45" والخطيب في "تاريخه" "13/ 157" من طريق الوليد بن مسلم قال: حدقنا الأوزاعي، قال: حدثني حسان بن عطية، عن أبي كبشة السلولي، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".(7/584)
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ العَلَوِيِّ بِالثَّغْرِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ القَطِيْعِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ الزَّاغُوْنِيِّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُخَلِّصِ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ بنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو جَمْرَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَهُم بِالإِيْمَانِ بِاللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- قَالَ: "تَدرُوْنَ مَا الإِيْمَانُ بِاللهِ "؟. قَالُوا: اللهُ وَرَسُوْلُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "شَهَادَةَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ وَإِيْتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا الخُمُسَ مِنَ المَغْنَمِ" 1.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عُبَيْدَةَ العُصْفُرِيُّ: سمعت علي بن المديني قال: رأيت خالدا بنَ الحَارِثِ فِي النَّومِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ? قَالَ غَفَر لِي، عَلَى أَنَّ الأَمْرَ شَدِيْدٌ. قُلْتُ: فَمَا فَعلَ يَحْيَى القَطَّانُ? قَالَ: نَرَاهُ كَمَا يُرَى الكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ.
قَالُوا: تُوُفِّيَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، قَبْلَ مَوْتِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ -رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ التِّرْمِذِيِّ، قَالَ: قَدِمْتُ البَصْرَةَ أَكْتُبُ الحَدِيْثَ، وَكَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ يَجْلِسُ عَلَى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ، وَيَمُرُّ بِهِ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ وَاحِداً وَاحِداً، يُحَدِّثُ كُلَّ إِنْسَانٍ بِحَدِيْثٍ، فَمَرَرْتُ بِهِ لأَسْأَلَهُ، فَقَالَ لِي: اصعَدْ، وَاقرَأْ حَدْراً، وَاقرَأْ مِنْ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ. فَقَرَأْتُ: {إِذَا زُلْزِلَتِ} ، فَسَقَطَ مغشيًا عليه، فأصابه خشبة جزار.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ أَبِي عَنْ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: فَمَا رَأَينَا إِلاَّ جِنَازَتَهُ. قَالَ أَبِي: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ: وَقَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، فَأَصَابَهُ نَحْوُ ذَلِكَ.
قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ -يَعْنِي: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ- يَقُوْلُ: انْتَهَى العِلْمُ إِلَى أَرْبَعَةٍ: إِلَى ابْنِ المُبَارَكِ، وَوَكِيْعٍ، وَيَحْيَى القَطَّانِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَأَمَّا ابْنُ المُبَارَكِ، فَأَجْمَعُهُم، وَأَمَّا وَكِيْعٌ فَأَسرَدُهُم، وَأَمَّا يَحْيَى فَأَتقَنُهُم، وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَجِهْبِذٌ. ثُمَّ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ وَلاَ أَوعَى لِلْعِلْمِ مِنْ وَكِيْعٍ، وَلاَ أَشْبَهَ بِأَهْلِ النُّسُكِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: لاَ تَنْظُرُوا إِلَى الحَدِيْثِ، وَلَكِنِ انْظُرُوا إِلَى الإِسْنَادِ، فَإِنْ صَحَّ الإِسْنَادُ، وَإِلاَّ فَلاَ تَغْتَرُّوا بِالحَدِيْثِ إِذَا لَمْ يصح الإسناد.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "1/ 228"، والبخاري "53"، ومسلم "17" "24"، وأبو داود "4677"، والنسائي "8/ 322" من طريق شعبة، به، وأخرجه مسلم "17" "23"، وأبو داود "3692" من طريق عباد بن عباد، عن أبي جمرة، به. وأبو جمرة: هو نصر بن عمران بن عصام الضبعي البصري، نزيل خراسان، ثقة ثبت.(7/585)
1367- شُعَيب بن حرب 1: "خَ، د، س"
الإِمَامُ، القُدوَةُ، العَابِدُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو صَالِحٍ المَدَائِنِيُّ، المُجَاوِرُ بِمَكَّةَ مِنْ أَبْنَاءِ الخُرَاسَانِيَّةِ.
رَوَى عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ العَبْدِيِّ، وَعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَمِسْعَرِ بنِ كِدَامٍ، وَشُعْبَةَ، وَأَبَانِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ، وَصَخْرِ بنِ جُوَيْرِيَةَ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَالحَسَنِ بنِ عمارة، وسفيان، وإسرائيل، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ، وَمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَكَامِلٍ أَبِي العَلاَءِ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.
وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ المَقَابِرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي سُرَيْجٍ الرَّازِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ بَحْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي رَجَاءٍ، وَأَيُّوْبُ بنُ مَنْصُوْرٍ الكُوْفِيُّ، وَحَسَنُ بنُ الجُنَيْدِ البَغْدَادِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ الصَّبَّاحِ البزَّارُ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، وَمَحْبُوْبُ بنُ مُوْسَى، وَعَبْدُ اللهِ بنُ السَّرِيِّ الزَّاهِدُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ خُبَيْقٍ الأَنْطَاكِيُّوْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الطُّوْسِيُّ، وَنُصَيْرُ بنُ الفَرَجِ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ حَيَّانَ المَدَائِنِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
رَوَى عَبَّاسٌ عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 320"، والتاريخ الكبير "4/ ترجمة 2578"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 444 و722"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 1504"، وتاريخ بغداد "9/ 239"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 293"، والكاشف "2/ ترجمة 2307"، والعبر "1/ 263 و281" وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 2713"، وتهذيب التهذيب "4/ 350"، وتقريب التهذيب "1/ 352"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2958"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 349".(7/586)
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ خُرَاسَانَ، مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ، فَتَحَوَّلَ إِلَى المَدَائِنِ، وَاعْتَزَلَ بِهَا، وَكَانَ لَهُ فَضْلٌ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، فَنَزَلَهَا إِلَى أَنْ مَاتَ بِهَا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ: سَمِعْتُ شُعَيْبَ بنَ حَرْبٍ يَقُوْلُ: رُبَّمَا دَرَسَ بَعْضُ الإِسْنَادِ، أَكَادُ أُحَمُّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: جِئْنَا إِلَى شُعَيْبٍ أَنَا، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَكَانَ يَنْزِلُ مَدِيْنَةَ أَبِي جَعْفَرٍ، عَلَى قَرَابَةٍ لَهُ، فَقُلْتُ لأَبِي خَيْثَمَةَ: سَلْهُ. فَدَنَا إِلَيْهِ، فَسَأَلَهُ، فَرَأَى كُمَّهُ طَوِيْلاً، فَقَالَ: مَنْ يَكْتُبُ الحَدِيْثَ يَكُوْنُ كُمُّهُ طَوِيْلاً?! يَا غُلاَمُ! هَاتِ الشَّفْرَةَ. قَالَ: فَقُمنَا، وَلَمْ يُحَدِّثْنَا بِشَيْءٍ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ إِسْحَاقَ الصُّوْفِيُّ: سَمِعْتُ سَرِيّاً السَّقَطِيَّ يَقُوْلُ: أَرْبَعَةٌ كَانُوا فِي الدُّنْيَا، أَعمَلُوا أَنْفُسَهُم فِي طَلَبِ الحَلاَلِ، وَلَمْ يُدْخِلُوا أَجْوَافَهُم إِلاَّ الحَلاَلَ: وُهَيْبُ بنُ الوَرْدِ، وَشُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ، وَيُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ، وَسُلَيْمَانُ الخَوَّاصُ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ خُبَيْقٍ: سَمِعْتُ شُعَيْبَ بنَ حَرْبٍ: أَكَلتُ فِي عَشْرَةِ أَيَّامٍ أَكْلَةً، وَشَرِبْتُ شَرْبَةً.
أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ الصُّوْفِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا حَمْدُوْنَ الطَّيِّبَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: ذَهَبنَا إِلَى المَدَائِنِ إِلَى شُعَيْبِ بنِ حَرْبٍ، وَكَانَ قَاعِداً عَلَى شَطِّ دِجْلَةَ، قَدْ بَنَى لَهُ كُوْخاً، وَخُبْزٌ لَهُ مُعَلَّقٌ فِي شَرِيطٍ، وَمَطْهَرَةٌ، يَأْخُذُ كُلَّ لَيْلَةٍ رَغِيْفاً، يَبُلُّهُ فِي المَطْهَرَةِ، وَيَأْكلُهُ، فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، إِنَّمَا كَانَ جِلْداً وَعَظْماً. فَقَالَ: أَرَى هُنَا بَعْدُ لَحْماً، وَاللهِ لأَعْمَلَنَّ فِي ذَوَبَانِهِ، حَتَّى أَدخُلَ إِلَى القَبْرِ وَأَنَا عِظَامٌ تَقَعْقَعُ، أُرِيْدُ السِّمَنَ لِلدُّودِ وَالحَيَّاتِ? فَبلغَ أَحْمَدَ قَوْلُهُ، فَقَالَ: شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ، حَمَلَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الوَرَعِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى المَدَائِنِيُّ: مَاتَ شُعَيْبٌ بِمَكَّةَ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَغَيْرُهُ: سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ -رَحْمَةُ اللهِ عليه.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ بنِ الخَطِيْبِ فَخْرِ الدِّيْنِ بنِ تَيْمِيَةَ بِمِصْرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ اللُّغَوِيُّ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ فَخْرُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي بنِ البَطِّيِّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ عَنْبَسُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ القَزَّازُ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، حَدَّثَنَا عَامِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بنِ رِبْعِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا دَخَلَ أحدكم المسجد، فليصل ركعتين قبل أن يقعد" 1.
وَبِهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ سَالِمٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا عَامِرٌ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ سُفْيَانَ. قَالَ ابْنُ مَخْلَدٍ: هَذَا هُوَ عِنْدِي الصَّوَابُ.
أَمَّا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ العَطَّارُ، فَفِي الطَّبَقَةِ الآتية.
__________
1 صحيح: أخرجه مالك "1/ 162"، وعبد الرزاق "1673"، وابن أبي شيبة "1/ 339"، والحميدي "421"، وأحمد "5/ 295 و296 و303 و305 و311"، والبخاري "444" و"1163"، ومسلم "714" "69"، وأبو داود "467" و"467"، والترمذي "316"، والنسائي "2/ 53"، وابن ماجة "1013"، وابن خزيمة "1825" و"1826" و"1827"، والبيهقي "3/ 53"، والبغوي "480"، وأبو عوانة "1/ 451" من طرق عَنْ عَامِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، به.
وأخرجه مسلم "714" "70"، وابن خزيمة "1829"، وأبو عوانة "1/ 415-416" من طريق عمرو بن سليم، به.(7/587)
1368- بَهْز بن أسد 1: "ع"
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو الأَسْوَدِ العَمِّيُّ، البَصْرِيُّ، أَخُو مُعَلَّى بنِ أَسَدٍ.
حَدَّثَ عَنْ: شُعْبَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التُّسْتَرِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ، وَعِدَّةٍ.
رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ الطُّوْسِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْرٍ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً خَيْراً مِنْ بَهْز.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سبع وتسعين ومائة.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 298"، والتاريخ الكبير "2/ ترجمة 1983"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 306" و"2/ 140 و202" و"3/ 156"، والكنى للدولابي "1/ 107"، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم "2/ ترجمة 1715"، والإكمال لابن ماكولا "1/ 380"، والكاشف "1/ ترجمة رقم 657"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 324"، وميزان الاعتدال "1/ 353"، وتهذيب التهذيب "1/ 497".(7/588)
1369- عبد الرحمن بن مهدي 1: "ع"
ابن حسان بن عبد الرحمن، الإمام، الناقد، المجود، سيد الحُفَّاظِ، أَبُو سَعِيْدٍ العَنْبَرِيُّ -وَقِيْلَ: الأَزْدِيُّ- مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، اللُّؤْلُؤِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
وَطَلَبَ هَذَا الشَّأْنَ وَهُوَ ابْنُ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
سَمِعَ أَيْمَنَ بنَ نَابِلٍ، وَعُمَرَ بنَ أَبِي زَائِدَةَ، وَمُعَاوِيَةَ بنَ صَالِحٍ الحَضْرَمِيَّ، وَهِشَامَ بنَ أَبِي عَبْدِ اللهِ الدَّسْتُوَائِيَّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ مُسْلِمٍ العَبْدِيَّ قَاضِي جَزِيْرَةَ قَيْسٍ، وَأَبَا خَلْدَةَ خَالِدَ بنَ دِيْنَارٍ، وَسُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، وَالمَسْعُوْدِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ بُدَيْلِ بنِ وَرْقَاءَ، وَأَبَا يَعْلَى عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الثَّقَفِيَّ، وَعَبْدَ الجَلِيْلِ بنَ عَطِيَّةَ البَصْرِيَّ، وَعِكْرِمَةَ بنَ عَمَّارٍ، وَعَلِيَّ بنَ مَسْعَدَةَ البَاهِلِيَّ، وَعِمْرَانَ القَطَّانَ، وَالمُثَنَّى بنَ سَعِيْدٍ الضُّبَعِيَّ، وَيُوْنُسَ بنَ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبَا حُرَّةَ وَاصِلَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَحَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، وَأَبَانَ بنَ يَزِيْدَ، وَمَالِكُ بنُ أَنَسٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ الماجِشون، وَأُمَماً سِوَاهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَابْنُ وَهْبٍ -وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ- وَعَلِيٌّ، وَيَحْيَى، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وبُنْدار، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، وَالقَوَارِيْرِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ رُسْتَةُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَهَارُوْنُ بنُ سُلَيْمَانَ الأَصْبَهَانِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَارِثِيُّ كُرْبُزَانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَاهَانَ زنبقة، وخلق يتعذر حصرهم.
وَكَانَ إِمَاماً، حُجَّةً، قُدوَةً فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ.
قَالَ الخَلِيْلِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ أَعْرِفُ لَهُ نَظِيْراً فِي هَذَا الشَّأْنِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَفْقَهُ مِنْ يَحْيَى القَطَّانِ. وَقَالَ: إِذَا اخْتَلَفَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَوَكِيْعٌ، فَعَبْدُ الرَّحْمَنِ أَثْبَتُ؛ لأَنَّهُ أَقْرَبُ عَهداً بِالكِتَابِ، وَاخْتَلَفَا فِي نَحْوٍ مِنْ خَمْسِيْنَ حَدِيْثاً لِلثَّوْرِيِّ. قَالَ: فَنَظَرْنَا، فَإِذَا عَامَّةُ الصَّوَابِ فِي يَدِ عَبْدِ الرحمن.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 297"، والتاريخ الكبير "5/ ترجمة 1123"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 1382"، وحلية الأولياء "9/ ترجمة 414"، وتاريخ بغداد "10/ 240"، والكاشف "2/ ترجمة 3368"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 313"، وتهذيب التهذيب "6/ 279"، وتقريب التهذيب "1/ 499"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4259"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 159"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 355".(7/589)
قَالَ أَيُّوْبُ بنُ المُتَوَكِّلِ: كُنَّا إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَنْظُرَ إِلَى الدِّيْنِ وَالدُّنْيَا، ذَهَبْنَا إِلَى دَارِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ.
إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي: سَمِعْتُ ابْنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: أَعْلَمُ النَّاسِ بِالحَدِيْثِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ. قُلْتُ لَهُ: قَدْ كَتَبتُ حَدِيْثَ الأَعْمَشِ، وَكُنْتُ عِنْدَ نَفْسِي أَنَّنِي قَدْ بَلَغتُ فِيْهَا، فَقُلْتُ: وَمَنْ يُفِيْدُنِي عَنِ الأَعْمَشِ. فَقَالَ لِي: مَنْ يُفِيْدُكَ عَنِ الأَعْمَشِ? قُلْتُ: نَعَمْ. فَأَطرَقَ، ثُمَّ ذَكَرَ ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً لَيْسَتْ عِنْدِي، يَتَّبِعُ أَحَادِيْثَ الشُّيُوْخِ الَّذِيْنَ لَمْ أَلْقَهُم أَنَا، وَلَمْ أَكْتُبْ حَدِيْثَهُم نَازِلاً. قَالَ إِسْمَاعِيْلُ: أَحْفَظُ مِنْ ذَلِكَ مَنْصُوْرُ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَتْقَنَ لِمَا سَمِعَ، وَلِمَا لَمْ يَسْمَعْ، وَلِحَدِيْثِ النَّاسِ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن مهدي، إمام، ثَبْتٌ، أَثْبَتُ مَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَأَتْقَنُ مِنْ وَكِيْعٍ، كَانَ عَرَضَ حَدِيْثَهُ عَلَى سُفْيَانَ.
قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ القَوَارِيْرِيُّ: أَمْلَى عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عِشْرِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ حِفْظاً.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: لاَ يَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ الرَّجُلُ إِمَاماً، حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَصِحُّ مِمَّا لاَ يَصِحُّ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كَانَ عِلْمُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي الحَدِيْثِ كَالسِّحرِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: مَا تَرَكتُ حَدِيْثَ رَجُلٍ إِلاَّ دعوَتُ اللهَ لَهُ، وَأُسَمِّيهِ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ زِيَادٍ سَبَلاَنُ: قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ: مَا تَقُوْلُ فِيْمَنْ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ? فَقَالَ: لَوْ كَانَ لِي سُلْطَانٌ، لَقُمْتُ عَلَى الجِسْرِ، فَلاَ يَمُرُّ بِي أَحَدٌ إِلاَّ سَأَلتُهُ، فَإِذَا قَالَ: مَخْلُوْقٌ، ضَرَبتُ عُنُقَهُ، وَأَلقَيْتُهُ فِي المَاءِ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجستاني: الْتَقَى وَكِيْعٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي الحَرَمِ بَعْدَ العِشَاءِ، فَتَوَاقَفَا، حَتَّى سَمِعَا أَذَانَ الصُّبْحِ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: لَوْلاَ أَنِّي أَكرَهُ أن يعصى الله، لتمنيت أن لا يبقى أحدًا فِي المِصْرِ إِلاَّ اغْتَابَنِي! أَيُّ شَيْءٍ أَهنَأُ مِنْ حَسَنَةٍ يَجِدُهَا الرَّجُلُ فِي صَحِيْفَتِهِ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا.
وَعَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ أَجلِسُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَإِذَا كَثُرَ النَّاسُ، فَرِحتُ، وَإِذَا قَلُّوا حَزِنْتُ، فَسَأَلْتُ بِشْرَ بنَ مَنْصُوْرٍ، فَقَالَ: هَذَا مَجْلِسُ سُوءٍ، فَلاَ تَعُدْ إِلَيْهِ فَمَا عُدْتُ إِلَيْهِ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رُسْتَه: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، أَنَّ أَبَاهُ قَامَ لَيْلَةً، وَكَانَ(7/590)
يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ. قَالَ: فَلَمَّا طَلَعَ الفَجْرُ، رَمَى بِنَفْسِهِ عَلَى الفِرَاشِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَلَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ، فَجَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لاَ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَرْضِ شَيْئاً شَهْرَيْنِ، فَقَرَّحَ فَخِذَاهُ جَمِيْعاً.
وَقَالَ رُسْتَه: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ لِفَتَىً مِنْ وَلَدِ الأَمِيْرِ جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَتَكَلَّمُ فِي الرَّبِّ وَتَصِفُهُ وَتُشَبِّهُهُ. قَالَ: نَعَمْ، نَظَرْنَا، فَلَمْ نَرَ مِنْ خَلْقِ اللهِ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنَ الإِنْسَانِ. فَأَخَذَ يَتَكَلَّمُ فِي الصِّفَةِ وَالقَامَةِ، فَقَالَ لَهُ: رُوَيْدَكَ يَا بُنَيَّ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوَّلَ شَيْءٍ فِي المَخْلُوْقِ، فَإِنْ عَجَزْنَا عَنْهُ، فَنَحْنُ عَنِ الخَالِقِ أَعْجَزُ، أَخْبِرْنِي عَمَّا حَدَّثَنِي شُعْبَةُ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النَّجْمُ: 18] . قَالَ: رَأَى جِبْرِيْلَ لَهُ سِتُّ مائَةِ جَنَاحٍ1، فَبَقِيَ الغُلاَمُ يَنْظُرُ، فَقَالَ: أَنَا أُهَوِّنُ عليك، صف لي خلقًا لَهُ ثَلاَثَةُ أَجْنِحَةٍ، وَرُكِّبَ الجَنَاحُ الثَّالِثُ مِنْهُ مَوْضِعاً حَتَّى أَعْلَمَ. قَالَ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ، عَجَزْنَا عَنْ صِفَةِ المَخْلُوْقِ، فَأُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ عَجَزْتُ وَرَجَعْتُ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: سُئِلَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَنْ يَحْيَى، وَابْنِ مَهْدِيٍّ، فَقَالَ: ابْنُ مَهْدِيٍّ أَكْثَرُ حَدِيْثاً.
قَالَ أَحْمَدُ العِجْلي: شَرِبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ البَلاَذرَ2، وَكَذَا الطَّيَالِسِيُّ، فَبَرِصَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَجُذِمَ الآخَرُ. قَالَ: وَقِيْلَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ: يَغْفِرُ لَكَ ذَنْباً، أَوْ تَحْفَظُ حَدِيْثاً? قَالَ: أَحْفَظُ حَدِيْثاً.
أَبُو الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيُّ: سَمِعْتُ جَرِيْراً الرَّازِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَوَصَفَ حِفْظَهُ وَبَصَرَهُ بِالحَدِيْثِ.
قَالَ نُعيم بن حماد: قلت لعبد الرحمن مَهْدِيٍّ: كَيْفَ تَعرِفُ الكَذَّابَ? قَالَ: كَمَا يَعْرِفُ الطَّبِيْبُ المَجْنُوْنَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي صَفْوَانَ: سمعت علي بن المديني يقول: لو أخذت، فحلفت بين
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3232"، ومسلم "174" من طرق عن سليمان الشيباني عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، به.
2 البلاذر: ثمرة شبيهة بنوى التمر، ولبه مثل لب الجوز، حلو لا مضرة فيه، وقشرة متخلخل متثقب، في تخلخله عسل لزج ذو رائحة، ومن الناس من يقضمه فلا يضره وخصوصا مع الجوز ذكره ابن سينا في كتابه "القانون" "1/ 267".(7/591)
الرُّكْنِ وَالمَقَامِ، لَحَلَفتُ بِاللهِ أَنِّي لَمْ أَرَ أَحَداً قَطُّ أَعْلَمَ بِالحَدِيْثِ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ. سَمِعَهُ: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ مِنْهُ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ قَيْمَازَ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ اللَّتِّيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ الجَرَّاحِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ مَحْبُوْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَمْرِو بنِ نَبْهَانَ بنِ صَفْوَانَ الثَّقَفِيَّ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: لَوْ حُلِّفتُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ، لَحَلَفْتُ أَنِّي لَمْ أَرَ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ.
وَبِهِ إِلَى التِّرْمِذِيِّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ، قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا رَأَيْتُ بِعَيْنَيَّ مِثْلَ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ إِمَامٌ.
وَقَالَ زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ الطُّوْسِيُّ: قُمْنَا مِنْ مَجْلِسِ هُشَيْمٍ، فَأَخَذَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَصْحَابُهُ بِيَدِ فَتَىً، فَأَدخَلُوْهُ مَسْجِداً، وَكَتَبْنَا عَنْهُ، فَإِذَا الفَتَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ.
مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى الطَّرَسُوْسِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ رُسْتَه يَقُوْلُ: كَانَتْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ جَارِيَةٌ، فَطَلَبَهَا مِنْهُ رَجُلٌ، فَكَانَ مِنْهُ شِبْهُ العِدَةِ، فَلَمَّا عَادَ إِلَيْهِ، قِيْلَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: هَذَا صَاحِبُ الخصومات. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تُخَاصِمُ فِي الدِّيْنِ. فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ! إِنَّا نَضَعُ عَلَيْهِم لِنُحَاجَّهُم بِهَا. فَقَالَ: أَتَدفَعُ البَاطِلَ بِالبَاطِلِ؟ إِنَّمَا تَدْفَعُ كَلاَماً بِكَلاَمٍ، قُمْ عَنِّي، وَاللهِ لاَ بِعْتُكَ جَارِيَتِي أَبَداً.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اترُكْ مَنْ كَانَ رَأْساً فِي بِدعَةٍ يَدْعُو إليهما.
وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: دَخَلْتُ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ -وَكُنْتُ أَزُورُهَا بَعْد مَوْتِهِ- فَرَأَيْتُ سَوَاداً فِي القِبْلَةِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا? قَالَتْ: مَوْضِعُ اسْتِرَاحَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ، فَإِذَا غَلَبَهُ النَّومُ، وَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ.
وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: مَنْ طَلَبَ العَرَبِيَّةَ، فَآخِرُهُ مُؤَدِّبٌ، وَمَنْ طَلَبَ الشِّعْرَ، فَآخِرُهُ شَاعِرٌ يَهْجُو أَوْ يَمْدَحُ بِالبَاطِلِ، وَمَنْ طَلَبَ الكَلاَمَ، فَآخِرُ أَمرِهِ الزَّنْدَقَةُ، وَمَنْ طَلَبَ الحَدِيْثَ، فَإِنْ قَامَ بِهِ، كَانَ إِمَاماً، وَإِنْ فَرَّطَ ثُمَّ أَنَابَ يَوْماً، يُرْجَعُ إِلَيْهِ، وَقَدْ عَتُقَتْ وَجَادَتْ.
قَالَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى: كُنْتُ أَسْأَلُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنِ المَشَايِخِ بِالبَصْرَةِ.
وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: إِنَّ الجَهْمِيَّةَ أَرَادُوا أَنْ يَنْفُوا أَنْ يَكُوْنَ اللهُ كَلَّمَ مُوْسَى، وَأَنْ يَكُوْنَ اسْتَوَى عَلَى العرش، أَرَى أَنْ يُسْتَتَابُوا، فَإِنْ تَابُوا، وَإِلاَّ ضُرِبَتْ أعناقهم.(7/592)
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: ثُمَّ كَانَ بَعْدَ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ يَذْهَبُ مَذْهَبَ تَابِعِي أَهْلِ المَدِيْنَةِ، وَيَقْتَدِي بِطَرِيْقَتِهِم.
وَقَالَ: نَظَرْتُ فَإِذَا الإِسْنَادُ يَدُورُ عَلَى سِتَّةٍ، ثُمَّ صَارَ عِلْمُهُم إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ نَفْساً، ثُمَّ صَارَ عِلْمُهُم إِلَى: يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَيَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَوَكِيْعٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَأَوْثَقُ أَصْحَابِ سُفْيَانَ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثِقَةٌ، خِيَارٌ، صَالِحٌ، مُسْلِمٌ، مِنْ مَعَادِنِ الصِّدْقِ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: كَانَ أَبُو الأَسْوَدِ يَتِيْمُ عُرْوَةَ، أَخاً لِهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ من الرَّضَاعَةِ. وَقَدْ قَالَ هِشَامٌ: حَدَّثَنَا أَخِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ نَوْفَلٍ، عَنْ أَبِي، قَالَ: لَمْ يَزَلْ أَمرُ بَنِي إِسْرَائِيْلَ مُعْتَدِلاً حَتَّى نَشَأَ فِيْهِم أَبْنَاءُ سَبَايَا الأُمَمِ، فَقَالُوا فِيْهِم بِالرَّأْيِ، فَضَلُّوا، وَأَضَلُّوا.
قَالَ أَيُّوْبُ بنُ المُتَوَكِّلِ: كَانَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ إِذَا نَظَرَ إلى عبد الرحمن ابن مَهْدِيٍّ فِي مَجْلِسِهِ، تَهَلَّلَ وَجْهُهُ.
وَقَالَ صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ المَرْوَزِيُّ الحَافِظُ: أَتَيْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ أَسْأَلُهُ، فَقَالَ لِي: الْزَمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ. وَأَفَادَنِي عَنْهُ أَحَادِيْثَ، فَسَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنْهَا فَحَدَّثَنِي بِهَا.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ: سَمِعْتُ مَهْدِيَّ بنَ حَسَّانٍ يَقُوْلُ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَكُوْنُ عِنْدَ سُفْيَانَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَإِذَا جَاءنَا سَاعَةً، جَاءَ رَسُوْلُ سُفْيَانَ فِي أَثَرِهِ يَطْلُبُهُ، فَيَدَعُنَا، وَيَذْهَبُ إِلَيْهِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: أَفْتَى سُفْيَانُ فِي مَسْأَلَةٍ، فَرَآنِي كَأَنِّيْ أَنْكَرتُ فُتْيَاهُ، فَقَالَ: أَنْتَ مَا تَقُوْلُ? قُلْتُ: كَذَا وَكَذَا، خِلاَفَ قَوْلِهِ، فَسَكَتَ.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ لِي سُفْيَانُ: لَوْ أَنَّ عِنْدِي كُتُبِي، لأَفَدْتُكَ عِلْماً.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: كَانَ لاَ يُتَحَدَّثُ فِي مَجْلِسِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلاَ يُبْرَى قَلَمٌ، وَلاَ يَتَبَسَّمُ أَحَدٌ، وَلاَ يقوم أحد قائمًا، كأن على رءوسهم الطير، أَوْ كَأَنَّهُم فِي صَلاَةٍ، فَإِذَا رَأَى أَحَداً مِنْهُم تَبَسَّمَ، أَوْ تَحَدَّثَ، لَبِسَ نَعْلَهُ، وَخَرَجَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: عِنْدِي عَنِ المُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ فِي المَسْحِ عَلَى الخُفَّينِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً -يَعْنِي: الطرق.(7/593)
قَالَ بُنْدَارُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: لَوِ اسْتَقبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، لَكَتَبْتُ تَفْسِيْرَ الحَدِيْثِ إِلَى جَنْبِهِ، وَلأَتَيْتُ المَدِيْنَةَ حَتَّى أَنْظُرَ فِي كُتُبِ قَوْمٍ سَمِعْتُ مِنْهُم.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَةُ: سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ -وَذَكَرَ الفُقَهَاءَ السَّبْعَةَ- فَقَالَ: كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِقَوْلِهِم وَحَدِيْثِهِم: ابْنُ شِهَابٍ، ثُمَّ بَعْدَهُ مَالِكٌ، تم بعده عبد الرحمن بن مهدي.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِذَا حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ رَجُلٍ، فَهُوَ ثِقَةٌ.
وَقَالَ عَلِيٌّ: كَانَ وِرْدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كُلَّ لَيْلَةٍ نِصْفَ القُرْآنِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: مَا رَأَيْتُ فِي يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ كِتَاباً قَطُّ -يَعْنِي: كَانَ يُحَدِّثُ حِفْظاً.
وَقَالَ رُسْتَه: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: كَانَ يُقَالُ: إِذَا لَقِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَوْقَهُ فِي العلمِ، فَهُوَ يَوْمُ غَنِيمَتِهِ، وَإِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ، دَارَسَهُ، وَتَعَلَّمَ مِنْهُ، وَإِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ دُوْنَهُ، تَوَاضَعَ لَهُ، وَعَلَّمَهُ، وَلاَ يَكُوْنُ إِمَاماً فِي العِلمِ مَنْ حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ، وَلاَ يَكُوْنُ إِمَاماً مَنْ حَدَّثَ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَلاَ مَنْ يُحَدِّثُ بِالشَّاذِّ وَالحِفْظُ لِلإِتْقَانِ.
وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: مَعْرِفَةُ الحَدِيْثِ إِلهَامٌ.
قَالَ يُوْسُفُ بنُ ضَحَّاكٍ: سَمِعْتُ القَوَارِيْرِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ مَهْدِيٍّ يَعْرِفُ حَدِيْثَهُ وَحَدِيْثَ غَيْرِهِ. وَكَانَ يَحْيَى القطان يعرف حديثه، فسمعت حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ يَقُوْلُ: لَئِنْ عَاشَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، لَنُخَرِّجَنَّ رَجُلَ أَهْلِ البَصْرَةِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ بِحَضرَةِ يَحْيَى القَطَّانِ -وَذَكَرَ الجَهْمِيَّةَ- فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأُنَاكِحَهُم، وَلاَ أُصَلِّيَ خَلْفَهُم.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ رُسْتَه: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: الجَهْمِيَّةُ يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَنفُوا الكَلاَمَ عَنِ اللهِ، وَأَنْ يَكُوْنَ القُرْآنُ كَلاَمَ اللهِ، وَأَنْ يَكُوْنَ كَلَّمَ مُوْسَى، وَقَدْ وَكَّدَهُ اللهُ -تَعَالَى- فَقَالَ: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النِّسَاءُ: 164] .
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رُسْتَه: سَأَلْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ عَنِ الرَّجُلِ يَبنِي بِأَهْلِهِ، أَيَترُكُ الجَمَاعَةَ أَيَّاماً? قَالَ: لاَ، وَلاَ صَلاَةً وَاحِدَةً. وَحَضَرْتُهُ صَبِيْحَةَ بُنِي عَلَى ابْنَتِهِ، فَخَرَجَ، فَأَذَّنَ، ثُمَّ مَشَى إِلَى بَابِهِمَا، فَقَالَ لِلْجَارِيَةِ: قُوْلِي لَهُمَا: يَخْرُجَانِ إِلَى الصَّلاَةِ. فَخَرَجَ النِّسَاءُ وَالجَوَارِي، فقلن:(7/594)
سُبْحَانَ اللهِ! أَيُّ شَيْءٍ هَذَا? فَقَالَ: لاَ أبرح حتى يخرجا إلى الصلاة. فخرجا بعدما صَلَّى، فَبَعَثَ بِهِمَا إِلَى مَسْجِدٍ خَارِجٍ مِنَ الدَّرْبِ.
قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ السَّلَفُ فِي الحِرْصِ عَلَى الخَيْرِ.
قَالَ رُسْتَه: وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَحُجُّ كُلَّ عَامٍ، فَمَاتَ أَخُوْهُ، وَأَوْصَى إِلَيْهِ، فَأَقَامَ عَلَى أَيْتَامِهِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: قَدِ ابْتُلِيْتُ بهؤلاء الأيتام، فاستقرضت من يحيى بن سعيد أربعمائة دِيْنَارٍ احْتَجتُ إِلَيْهَا فِي مَصْلَحَةِ أَرْضِهِم.
ذَكَرَ أَبُو نُعَيم الحَافِظُ لابْنِ مَهْدِيٍّ فِي "الحِلْيَةِ" تَرْجَمَةً طَوِيْلَةً جِدّاً، فَرَوَى فِيْهَا مِنْ حَدِيْثِهِ مائَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ حَدِيْثاً، وَقَدْ لَحِقَ صِغَارَ التَّابِعِيْنَ: كَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَصَالِحِ بنِ دِرْهَمٍ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ. وَكَانَ قَدِ ارْتَحَلَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ مِنَ البَصْرَةِ، فَحَدَّثَ بِأَصْبَهَانَ.
قَالَ بُنْدار: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: مَا نَعرِفُ كِتَاباً فِي الإِسْلاَمِ بَعْدَ كِتَابِ اللهِ أَصَحَّ مِنْ "مُوَطَّأِ مَالِكٍ".
وَقَالَ رُسْتَه: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: أَئِمَّةُ النَّاسِ فِي زَمَانِهِم: سُفْيَانُ بِالكُوْفَةِ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ بِالبَصْرَةِ، وَمَالِكٌ بِالحِجَازِ، وَالأَوْزَاعِيُّ بِالشَّامِ.
أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّان: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عَلِيٌّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَكَانَ ثِقَةً? فَقَالَ: كَانَ صَدُوْقاً، وَكَانَ خِيَاراً، وَكَانَ مَأْمُوْناً، الثِّقَةُ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ.
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: لَزِمتُ مَالِكاً حَتَّى مَلَّنِي. فَقُلْتُ يَوْماً: قَدْ غِبْتُ عَنْ أَهْلِي هَذِهِ الغَيْبَةَ الطَّوِيْلَةَ، وَلاَ أَعْلَمُ مَا حَدَثَ بِهِم بَعْدِي. قَالَ: يَا بُنَيَّ، وَأَنَا بِالقُربِ مِنْ أَهْلِي، وَلاَ أَدْرِي مَا حَدَثَ بِهِم منذ خرجت.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَدْرِ كِتَابِهِ فِي "الضُّعَفَاءِ": إِلاَّ أَنَّ مِنْ أَكْثَرِهِم تَنْقِيْراً عَنْ شَأْنِ المُحَدِّثِيْنَ، وَأَتْرَكِهِم لِلضُّعَفَاءِ وَالمَتْرُوْكِيْنَ، حَتَّى يَجْعَلَهُ لِهَذَا الشَّأْنِ صِنَاعَةً لَهُم لَمْ يَتَعَدَّوْهَا -مَعَ لُزُومِ الدِّيْنِ وَالوَرَعِ الشَّدِيْدِ، وَالتَّفَقُّهِ فِي السُّنَنِ- رَجُلَيْنِ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ.
قَالَ سَهْلُ بنُ صَالِحٍ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يَقُوْلُ: وَقَعتُ بَيْنَ أَسَدَيْنِ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى القَطَّانِ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ ابْنُ مَهْدِيٍّ بِالبَصْرَةِ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.(7/595)
وَعَاشَ أَبُوْهُ بَعْدَهُ، وَكَانَ شَيْخاً عَامِّيّاً، رُبَّمَا كَانَ يَمْزَحُ بِجَهْلٍ، وَيُشِيْرُ إِلَى الجَمَاعَةِ إِلَى ابْنِهِ، وَيُشِيْرُ إِلَى مَتَاعِهِ، فَيَقُوْلُ: هَذَا خَرَجَ مِنْ هَذَا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَلْمٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عُمَرَ، سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: فِتْنَةُ الحَدِيْثِ أَشَدُّ مِنْ فِتْنَةِ المَالِ وَالوَلَدِ.
قَالَ أَبُو قُدَامَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: لأَنْ أَعْرِفَ عِلَّةَ حَدِيْثٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَسْتَفِيْدَ عَشْرَةَ أَحَادِيْثَ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ أَخُو رُسْتَه: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: مُحَرَّمٌ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُفْتِيَ إِلاَّ فِي شَيْءٍ سَمِعَهُ مِنْ ثِقَةٍ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الجُلُوْسَ إِلَى ذِي هَوَىً، أَوْ ذِي رَأْيٍ.
وَقَالَ رُسْتَه: قَامَ ابْنُ مَهْدِيٍّ مِنَ المَجْلِسِ، وَتَبِعَهُ الناس، فقال: يا قوم! لا تطئون عقبي، ولا تمشون خَلْفِي، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ عِمْرَانُ: خَفْقُ النِّعَالِ خَلْفَ الأَحْمَقِ قَلَّ مَا يُبقِي مِنْ دِيْنِهِ.
قَالَ رُسْتَه: سَأَلْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ عَنِ الرَّجُلِ يَتَمَنَّى المَوْتَ مَخَافَةَ الفِتْنَةِ عَلَى دِيْنِهِ؟ قَالَ: مَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْساً، لَكِنْ لاَ يَتَمَنَّاهُ مَنْ ضُرٍّ بِهِ، أَوْ فَاقَةٍ، تَمَنَّى المَوْتَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَنْ دُوْنَهُمَا.
وَسَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دَعْ مَا يَرِيْبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيْبُكَ" 1. فَقُلْتُ: الآمِرُ رَجُلٌ. فَقَالَ: خُذْ بِمَا لاَ يَرِيْبُكَ حَتَّى لاَ يُصِيْبَكَ مَا يَرِيْبُكَ -يَعْنِي: الحِيَلَ.
وَبَلَغَنَا عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: مَا هُوَ -يَعْنِي: الغَرَامَ بِطَلَبِ الحَدِيْثِ- إِلاَّ مِثْلُ لَعِبِ الحَمَامِ، وَنِطَاحِ الكِبَاشِ.
قُلْتُ: صَدَقَ -وَاللهِ- إِلاَّ لِمَنْ أَرَادَ بِهِ اللهَ، وَقَلِيْلٌ مَا هُم.
أَخْبَرَنَا أبو حفص عمرو بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ2، أَخْبَرَنَا القَاضِي جَمَالُ الدِّيْنِ عبد الصمد بن
__________
1 صحيح: أخرجه عبد الرزاق "4984"، والطيالسي "1178"، والترمذي "2518"، والنسائي "8/ 327"، والدارمي "2/ 245"، والحاكم "2/ 13" و"4/ 99"، والطبراني في "الكبير" "2708" و"2711"، وأبو نعيم في "الحلية" "8/ 264"، والبغوي "2032" من طريق بريد بن أبي مريم، السعدي، عن الحسن بن علي، به.
2 هو: عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ اللهِ بن غدير، الثقة المعمر مسند وقته ناصر الدين، أبو القاسم وأبو حفص الطائي الدمشقي ابن القواس. ذكره الذهبي في "معجم الشيوخ" "2/ ترجمة 581".(7/596)
مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ بنُ طَلاَّبٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جُمَيْعٍ بِصَيْدَا، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَحْمَدَ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ عَمْرٍو الرَّبَالِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ إِسْرَائِيْلَ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ1.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّي: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: لَوْ كَانَ لِي عَلَيْهِ سُلْطَانٌ -عَلَى مَنْ يَقْرَأُ قِرَاءةَ حَمْزَةَ- لأَوْجَعْتُ ظَهْرَهُ وَبَطْنَهُ.
قُلْتُ: جَاءَ نَحْوُ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَائِدٌ إلى ما فيها من قَبِيْلِ الأَدَاءِ -وَاللهُ أَعْلَمُ- وَقَدِ اسْتَقَرَّ اليَوْمَ الإجماع على تلقى قراءة حمزة بالقبول.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "1/ 309"، والحميدي "525"، وابن أبي شيبة "8/ 217 و220 و221" وأبو داود "3728"، والترمذي "1888"، وابن ماجة "3429"، والدارمي "2134"، وأبو يعلى "2402"، والبيهقي في "السنن" "7/ 284"، وفي "الشعب" "6004"، والبغوي "3035" من طريق سفيان بن عيينة، عن عبد الكريم، به.
وعبد الكريم: هو ابن مالك الجزري الخضرمي.(7/597)
1370- مسكين 1: "ع"
ابن بكير، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَرَّانِيُّ، الحَذَّاءُ.
حَدَّثَ عَنْ: ثَابِتِ بنِ عَجلان، وَأَرْطَاةَ بنِ المُنْذِرِ، وَجَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَطَائِفَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي شُعَيْبٍ الحَرَّانِيُّ، وَابْنُهُ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَهْبِ بنِ أَبِي كَرِيْمَةَ، وَمُوْسَى بنُ أَيُّوْبَ النَّصِيْبِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ، صَالِحُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: صَدُوْقٌ.
وَقِيْلَ: لَهُ عَنْ شُعْبَةَ مَا يُنْكَرُ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: لَهُ مَنَاكِيْرُ كَثِيْرَةٌ.
قِيْلَ: تُوُفِّيَ مِسْكِيْنٌ في سنة ثمان وتسعين ومائة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 1927"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 185"، والضعفاء الكبير للعقيلي "4/ ترجمة 1812"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1521"، والكاشف "3/ ترجمة 5501"، والمغني "2/ ترجمة 6203"، والعبر "1/ 328"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8479"، وتهذيب التهذيب "10/ 120"، وتقريب التهذيب "2/ 244"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7400"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 355".(7/597)
1371- مُعَمَّر 1: "ت، س، ق"
ابن سليمان، الإِمَامُ، القُدْوَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ النَّخَعِيُّ، الرَّقِّيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: خُصَيف، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَزَيْدِ بنِ حِبَّانَ الرَّقِّيِّ، وَحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: أَبُو عُبَيْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْر، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَقَوْمٌ آخِرُهُم مَوْتاً: سَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ.
وَثَّقَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ.
وَذَكَرَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، فَذَكَرَ مِنْ فَضْلِهِ وَهَيْبَتِهِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ: كَانَ مِنْ خَيْرِ مَنْ رَأَيْتُ.
قُلْتُ: وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ. وَمَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ -رحمه الله.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2103"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1704"، والكاشف "3/ ترجمة 5672"، والعبر "1/ 308 و425"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8692"، وتهذيب التهذيب "10/ 249-250"، وتقريب التهذيب "2/ 266"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7132"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 329".(7/598)
1372- أبو تُمَيْلَة 1: "ع"
يحيى بن واضح المَرْوَزِي الحَافِظُ.
حَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، وَمُوْسَى بن عُبيدة، وحسين بن واقد المَرْوَزِيِّ، وَأَبِي طَيْبَةَ عَبْدِ اللهِ بنِ مُسْلِمٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَطَبَقَتِهِم.
وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ رَاهَوَيْه، وَسَعِيْدٌ الجَرْمي، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو زُنَيْج، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: كَتَبنَا عَنْهُ عَلَى بَابِ هُشَيْمٍ، لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ -إِنْ شَاءَ اللهُ.
وَوَهِمَ أَبُو حَاتِمٍ حَيْثُ حَكَى أَنَّ البُخَارِيَّ تَكَلَّمَ فِي أَبِي تُمَيْلَةَ، وَمَشَى عَلَى ذَلِكَ أَبُو الفَرَجِ بن الجَوْزِيِّ، وَلَمْ أَرَ ذِكْراً لأَبِي تُمَيْلَةَ فِي كِتَابِ "الضُّعَفَاءِ" لِلْبُخَارِيِّ، لاَ فِي الكَبِيْرِ وَلاَ الصَّغِيْرِ. ثُمَّ إِنَّ البُخَارِيَّ قَدِ احْتَجَّ بِأَبِي تُمَيْلَةَ، وَقَدْ كَانَ مُحَدِّثَ مَرْوَ مَعَ الفَضْلِ بنِ مُوْسَى السِّيناني.
مَاتَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَتِسْعِيْنَ ومائة.
تم الجزء السابع ويليه: الجزء الثامن، وأوله: الوليدُ بن مُسْلم.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 375"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 3124"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 810"، وتاريخ بغداد "14/ 126"، والكاشف "3/ ترجمة 6372"، والمغني "2/ ترجمة 7062"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9644"، وتهذيب التهذيب "11/ 293"، وتقريب التهذيب "2/ 359".(7/599)
الفهارس
فهرس الموضوعات:
الصفحة الموضوع
5 1092- سليمان بن كثير العبدي
6 1093- محمد بن مطرف بن داود
7 1094- همام بن يحيى بن ينار
10 1095- أبو مخنف -لوط بن يحيى
11 1096- سفيان بن حسين بن الحسن
11 1097- صالح بن أبي الأخضر
12 1098- سعيد بن بشير
13 1099- ثابت بن يزيد
13 1100- ثابت بن يزيد
14 1101- المقنع
14 1102- ابن علاثة
15 1103- الماجشون
18 1104- ابن ثوبان
19 1105- صدقة بن عبد الملك
21 1106- عبيد الله بن إياد
21 1107- جويرية بن أسماء
22 1108- معقل بن عبيد الله
22 1109- أيوب بن عتبة
24 1110- محمد بن جعفر
25 1111- الأخفش
25 1112- ابن الغسيل
27 1113- عثمان البري
28 1114- خارجة بن مصعب
29 1115- المَخْرَمِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ الرحمن
30 1116- عبد الله بن جعفر بن نجيح
30 1117- ابن أبي سبرة
32 1118- أبو بكر النهشلي
33 1119- عبد الله بن عياش
33 1120- عبد الحميد بن بهرام
34 1121- الربيع بن يونس
34 1122- نافع بن أبي نعيم
36 1123- محمد بن طلحة
37 1124- عبد الله بن عمر بن حفص(7/601)
39 1125- فضيل بن مرزوق
40 1126- محمد بن راشد
41 1127- هشام بن سعد
42 1128- أبو جعفر الرازي عيسى بن ماهان
44 1129- فتح الموصلي
44 1130- فتح بن سعيد الموصلي الصغير
44 1131- ابن زبر عبد الله بن العلاء
45 1132- عبد الله بن العلاء بن خالد
46 1133- فليح بن سليمان
48 1134- إسرائيل بن يونس
52 1135- الحسن بن صالح بن حي
59 1136- علي بن صالح بن حي
60 1137- صالح بن صالح بن حي
60 1138- صالح بن حيان
61 1139- أبو دلامة
62 1140- زائدة بن قدامة
64 1141- زائدة بن طهمان
68 1142- أبو حمزة السكري
70 1143- إبراهيم بن أدهم
75 1144- معاوية بن سلام
76 1145- أَبُو عُبَيْدِ اللهِ الوَزِيْرُ مُعَاوِيَةُ بنُ عُبَيْدِ الله
76 1146- عافية بن يزيد
77 1147- مفضل بن مهلهل
78 1148- المهدي - محمد بن المنصور
80 1149- النضر بن عربي
81 1150- صالح بن راشد
81 1151- شيبان بن عبد الرحمن
83 1152- عيسى بن علي
84 1153- صخر بن جويرية
85 1154- موسى بن علي بن رباح
86 1155- علي بن رباح
87 1156- سلام بن مسكين
88 1157- سليمان بن المغيرة
90 1158- ورقاء بن عمر
92 1159- داود الطائي
94 1160- سليمان بن بلال
96 1161- سلام بن أبي مطيع
97 1162- الخليل بن أحمد الفراهيدي
98 1163- أبان بن يزيد
99 1164- نافع بن عمر
100 1165- عيسى بن موسى
100 1166- أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن
104 1167- روح بن حاتم
104 1168- الهادي - موسى بن المهدي(7/602)
105 1169- حماد بن سلمة
113 170- حماد بن زيد
119 1171- يحيى بن أيوب "البصري"
123 1172- يحيى بن أيوب "الكوفي"
124 1173- مهدي بن ميمون
124 1174- عبد الله بن لهيعة
139 1175- سعيد بن عبد العزيز
144 1176- زفر بن الهذيل
146 1177- قيس بن الربيع
147 1178- السيد الحميري
149 1179- صالح المري
150 1180- مالك الإمام
203 1181- عبد القدوس
204 1182- الليث بن سعد
220 1183- محمد بن موسى الفطري
220 1184- ميسرة التراس
221 1185- المغيرة بن عبد الرحمن
222 1186- ابن أبي الزناد
224 1187- مفضل بن فضالة
225 1188- جحا
226 1189- رباح بن عمرو القيس
226 1190- محمد بن النضر
227 1191- محمد بن مسلم
228 1192- الزنجي
229 1193- سليمان الخواص
230 1194- سلم بن ميمون
231 1195- صالح بن موسى
231 1196- زهير بن معاوية
236 1197- زهير بن محمد
239 1198- القاسم بن معن
239 1199- يونس
240 1200- عبد العزيز بن مسلم
241 1201- المغيرة بن مسلم
241 1202- سلم الخاسر
241 1203- أبو المليح
242 1204- قزعة بن سويد
242 1205- بكر بن مضر
244 1206- جعفر بن سليمان
246 1207- شريك بن عبد الله
256 1208- غسان بن برزين
257 1209- أبو عوانة
261 1210- وهيب بن خالد بن عجلان
263 1211- أبو شهاب
264 1212- عبثر بن القاسم
264 1213- إسماعيل بن جعفر
266 1214- حفص بن ميسرة
266 1215- الوليد بن طريف
267 1216- يزيد بن حاتم(7/603)
268 1217- روح بن حاتم
268 1218- أيوب بن جابر
269 1219- أيوب بن عتبة
270 1220- محمد بن جابر
271 1221- جعفر بن سليمان
272 1222- محمد بن سليمان
273 1223- رابعة العدوية
274 1224- رابعة الشامية
274 1225- عبد الرحمن بن معاوية بن هشام
280 1226- هشام بن عبد الرحمن بن معاوية
280 1227- الحكم بن هشام
284 1228- عبد الرحمن بن الحكم بن هشام
285 1229- محمد بن عبد الرحمن بن الحكم
286 1230- المُنْذِرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ
286 1231- عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
287 1232- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ
289 1233- الحكم بن عبد الرحمن بن محمد
290 1234- هشام بن الحكم
291 1235- يعلى بن الأشدق
292 1236- العطاف بن خالد بن عبد الله
292 1237- إبراهيم بن صالح
293 1238- الفيض بن أبي صالح
293 1239- عمارة بن حمزة
294 1240- عبيس بن ميمون
295 1241- خالد بن عبد الله
296 1242- موسى بن أعين
297 1243- المفضل بن فضالة
298 1244- أبو الأحوص
299 1245- شهاب بن خداش
302 1246- هشيم بن بشر
306 1247- هشيم بن أبي ساسان
306 1248- عباد بن عباد
307 1249- يزيد بن زريع
309 1250- يعقوب القمي
310 1251- عبد الوارث بن سعيد
312 1252- إبراهيم بن سعد
316 1253- عبد الله بن عمرو
318 1254- إسماعيل بن عياش
330 1255- ابن السماك
331 1256- مرحوم بن عبد العزيز
332 1257- المطلب بن زياد
334 1258- عبد السلام بن حرب(7/604)
335 1259- عمر بن عبيد "الكوفي"
335 1260- عمر بن عبيد "البصري"
336 1261- يحيى بن زكريا
339 1262- خلف بن خليفة
340 1263- علي بن هاشم
342 1264- يعقوب
344 1265- عبد الرحمن بن زيد
345 1266- سفيان بن حبيب
345 1267- سفيان بن موسى
346 1268- سيبويه
347 1269- الهيثم بن حميد
348 1270- يحيى بن حمزة
349 1271- يحيى بن يمان
350 1272- عبد الرحيم بن سليمان
351 1273- عبد الرحيم بن زيد بن الحواري
351 1274- إسماعيل بن صالح
352 1275- بشر بن منصور
354 1276- عبد العزيز بن أبي حازم
355 1277- صريع الغواني
356 1278- عبد العزيز بن محمد
358 1279- عبد العزيز بن عبد الصمد
359 1280- الهقل بن زياد
360 1281- يوسف بن يعقوب
361 1282- العمري
365 1283- عبد الله بن المبارك
392 1284- ضيغم بن مالك
393 1285- الفضيل بن عياض
406 1286- علي بن الفضيل
410 1287- فضيل بن عياض الخولاني
410 1288- فضيل بن عياض الصدفي
410 1289- النعمان بن عبد السلام
411 1290- إبراهيم ين أبي يحيى
414 1291- سفيان بن عيينة
427 1292- إبراهيم بن عيينة
427 1293- الخلقاني
428 1294- معتمر بن سليمان بن طرخان
430 1295- مروان بن أبي حفصة
431 1296- مروان بن أبي الجنوب
431 1297- مبارك بن سعيد
432 1298- معاذ بن مسلم
433 1299- علي بن مسهر
435 1300- غنجار
437 1301- عيسى بن يونس
441 1302- أبو بكر بن عياش
449 1303- عبيدة بن حميد
451 1304- عبدة بن سليمان
452 1305- عباد بن العوام
453 1306- عمر بن علي(7/605)
454 1307- الأشجعي
456 1308- عبد الله بن مصعب
456 1309- حاتم بن إسماعيل
457 1310- بقية بن الوليد
469 1311- العباس
469 1312- القاضي أبو يوسف
472 1313- أبو إسحاق الفزاري
475 1314- البكائي محمد بن زياد
477 1315- عبد الواحد بن زياد
478 1316- جرير بن عبد الحميد
484 1317- سويد بن عبد العزيز
484 1318- أبو خالد الأحمر
486 1319- حفص بن غياث
493 1320- مروان بن شجاع
494 1321- مروان بن سالم الجزري
495 1322- بشر بن المفضل
497 1323- أبو سفيان المعمري
497 1324- حسان بن إبراهيم
498 1325- عبد الله بن إدريس
502 1326- محمد بن سلمة
502 1327- الأبرش، سلمة بن الفضل
503 1328- مروان بن معاوية
505 1329- معاذ بن معاذ
507 1330- محمد بن حرب
508 1331- البرمكي، جعفر بن يحيى
515 1332- يزيد بن مزيد
516 1333- أبو معاوية الضرير
520 1334- أبو معاوية الأسود
521 1335- إبراهيم الموصلي
521 1336- المعافى بن عمران الأزدي
525 1337- المعافى بن عمران الحمصي
525 1338- أبو ضمرة الليثي
526 1339- حكام بن سلم
527 1340- ابن الإمام، محمد بن إبراهيم
527 1341- يحيى بن خالد
528 1342- الفضل بن يحيى
529 1343- الأحمر، علي بن المبارك
530 1344- منصور بن عمار
533 1345- العباس بن الأحنف
533 1346- غندر، محمد بن جعفر
536 1347- شعيب بن إسحاق
537 1348- السيناني، الفضل بن موسى
538 1349- يزيد بن سمرة
538 1350- يزيد بن شجرة
539 1351- ابن علية، إسماعيل بن إبراهيم
546 1352- عبد الرحمن بن القاسم
550 1353- محمد بن يوسف
551 1354- خالد بن الحارث
552 1355- إبراهيم بن الأغلب(7/606)
552 356- عبد الصمد بن علي
553 1357- الكسائي، علي بن حمزة
555 1358- محمد بن الحسن
556 1359- المحاربي، عبد الرحمن بن محمد
558 1360- يحيى بن سعيد
559 1361- وكيع بن الجراح
574 1362- الجراح بن مليح
575 1363- يوسف بن أسباط
576 1364- إسحاق الأزرق
577 1365- محمد بن فضيل
578 1366- يحيى القطان
586 1367- شعيب بن حرب
588 1368- بهز بن أسد
589 1369- عبد الرحمن بن مهدي
597 1370- مسكين بن بكير
598 1371- معمر بن سليمان
598 1372- أبو تميلة
601 فهرس الموضوعات(7/607)
فهرس التراجم على حروف المعجم:
الجزء السابع
الصفحة التراجم
98 1163- أبان بن يزيد
70 1143- إبراهيم بن أدهم
552 1355- إبراهيم بن الأغلب
312 1252- إبراهيم بن سعد
292 1237- إبراهيم بن صالح
64 1141- إبراهيم طهمان
427 1292- إبراهيم بن عيينة
إبراهيم بن محمد بن الحارث = أبو إسحاق الغزاري
521 1335- إبراهيم الموصلي
411 1290- إبراهيم بن أبي يحيى
502 1327- الأبرش، سلمة بن الفضل
529 1343- الأحمر، على بن المبارك
297 1244- أبو الأحوص
25 1111- الأخفش عبد الحميد بن عبد المجيد
576 1364- إسحاق الأزرق
472 1313- أبو إسحاق الغزاري
48 1134- إسرائيل بن يونس
264 1213- إسماعيل بن جعفر
351 1274- إسماعيل بن صالح
318 1254- إسماعيل بن عياش
454 1307- الأشجعي = عبيد الله بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الأشجعي
527 1340- ابن الإمام محمد بن إبراهيم
268 1218- أيوب بن جابر
22 1109- أيوب بن عتبة
269 1219- أيوب بن عتبة
508 1331- البرمكي، جعفر بن يحيى
495 1322- بشر بن المفضل
352 1275- بشر بن منصور
457 1310- بقية بن الوليد
475 1314- البكائي أبو محمد بن زياد
441 1302- أبو بكر بن عياش
32 1118- أبو بكر النهشلي
242 1205- بكر بن مضر
588 1368- بهز بن أسد(7/609)
13 1099- ثَابِتُ بنُ يَزِيْدَ = أَبُو زَيْدٍ البَصْرِيُّ الأَحْوَلُ
13 1100- ثابت بن يزيد = أبو السري الأودي
18 1104- ابن ثوبان عبد الرحمن بن ثابت
225 1188- حجا = أبو الغصن دجين بن ثابت اليربوعي البصري
574 1362- الجراح بن مليح
478 1316- جرير بن عبد الحميد
42 1128- أبو جعفر الرازي عيسى بن ماهان
244 1206- جعفر بن سليمان أبو سليمان الضبعي البصري
271 1221- جعفر بن سليمان بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ
21 1107- جويرية بن أسماء
456 1309- حاتم بن إسماعيل
497 1324- حسان بن إبراهيم
52 1135- الحسن بن صالح بن حي
486 1319- حفص بن غياث
266 1214- حفص بن ميسرة
526 1339- حكام بن سلم
289 1233- الحكم بن عبد الرحمن بن محمد
280 1227- الحكم بن هشام
113 1170- حماد بن زيد
105 1169- حماد بن سلمة
68 1142- أبو حمزة السكري محمد بن ميمون
28 1114- خارجة بن مصعب
484 1318- أبو خالد الأحمر
551 1354- خالد بن الحارث
295 1241- خالد بن عبد الله
339 1262- خلف بن خليفة
427 1293- الخلقاني = إسماعيل بن زكريا أبو زياد الكوفي الخلقاني
97 1162- الخليل بن أحمد الفراهيدي
92 1159- داود الطائي
61 1139- أبو دُلامة - زَنْد بن الجَوْن
274 1224- رابعة الشامية
273 1223- رابعة العدوية
34 1121- الربيع بن يونس
104 1167- روح بن حاتم
268 1217- روح بن حاتم
226 1189- رياح بن عمرو القيس أبو المهاصر البصري
62 1140- زائدة بن قدامة
44 1131- ابن زَبْر عبد الله بن العلاء ابن زَبْر الربعي
144 1176- زفر بن الهذيل(7/610)
222 186- ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ = عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ الله بن ذكوان
228 1192- الزنجي = مسلم بن خالد الزنجي
236 1197- زهير بن محمد
231 1196- زهير بن معاوية
30 1117- ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الله بن محمد أبي سبرة بن أبي رهم
12 1098- سعيد بن بشير
139 1175- سعيد بن عبد العزيز
345 1266- سفيان بن حبيب
11 1096- سفيان بن حسين بن الحسن أبو محمد الواسطي
414 1291- سفيان بن عيينة
497 1323- أبو سفيان المعمري محمد بن حميد البصري المعمري
345 1267- سفيان بن موسى
87 1156- سلام بن مسكين
96 1161- سلام بن أبي مطيع
241 1202- سلم الخاسر
230 1194- سلم بن ميمون
سلمة بن الفضل = الأبرش
94 1160- سليمان بن بلال
229 1193- سليمان بن الخواص
5 1192- سليمان بن كثير
88 1157- سليمان بن المغيرة
330 1255- ابن السماك
484 1317- سويد بن عبد العزيز
346 1268- سيبويه
147 1178- السيد الحميري
537 1348- السيناني، الفضل بن موسى المروزي
246 1207- شريك بن عبد الله النخعي
536 1347- شعيب بن إسحاق
586 1367- شعيب بن حرب
263 1211- أبو شهاب الحفاط = عبد ربه بن نافع الكوفي المدائني
299 1245- شهاب بن خراش
81 1151- شيبان بن عبد الرحمن
11 1097- صالح بن أبي الأخضر
60 1138- صالح بن حيان
81 1150- صالح بن راشد
60 1137- صالح بن صالح بن حي
149 1179- صالح المري
231 1195- صالح بن موسى
84 1153- صخر بن جويرية
19 1105- صدقة بن عبد الله
355 1277- صريع الغواني
525 1338- أبو ضمرة الليثي
392 1284- ضيغم بن مالك
76 1146- عافية بن يزيد(7/611)
306 1248- عباد بن عباد
452 1305- عباد بن العوام
469 1311- العباس بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ العباس
533 1345- العباس بن الأحنف
264 1212- عبثر بن القاسم
33 1120- عبد الحميد بن بهرام
عبد الحميد بن عبد المجيد = الأحفش
284 1228- عبد الرحمن بن الحكم
344 1265- عبد الرحمن بن زيد
546 1352- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ
287 1232- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ
274 1225- عبد الرحمن بن معاوية بن هشام
589 1369- عبد الرحمن بن مهدي
350 1272- عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ سُلَيْمَانَ أَبُو عَلِيٍّ الرَّازِيُّ
351 1273- عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ زَيْدِ بنِ الحَوَارِيِّ العَمِّيُّ البصري
334 1258- عبد السلام بن حرب الملائي البصري
552 1356- عبد الصمد بن علي
354 1276- عبد العزيز بن أبي حازم
358 1279- عبد العزيز بن عبد الصمد
356 1278- عبد العزيز بن محمد
240 1200- عبد العزيز بن مسلم
203 1181- عَبْدُ القُدُّوْسِ بنُ حَبِيْبٍ أَبُو سَعِيْدٍ الكَلاَعِيُّ الوحاظي الشامي
498 1352- عبد الله بن إدريس
30 1116- عبد الله بن جعفر بن نجيح
45 1132- عبد الله بن العلاء بن خالد
37 1124- عبد الله بن عمر بن حفص
33 1119- عبد الله بن عياش
124 1174- عبد الله بن لهيعة
365 1283- عبد الله بن المبارك
286 1231- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
456 1308- عبد الله بن مصعب
477 1315- عبد الواحد بن زياد
310 1251- عبد الوارث بن سعيد
451 1304- عبدة بن سليمان
21 1106- عبيد الله بن إياد
316 1253- عبيد الله بن عمرو
76 1145- أَبُو عُبَيْدِ اللهِ الوَزِيْرُ مُعَاوِيَةُ بنُ عُبَيْدِ الله
449 1303- عبيدة بن حميد
294 1240- عبيس بن ميمون
27 1113- عثمان البري أبو سلمة عثمان بن مقسم
292 1236- العطاف بن خالد بن عبد الله بن العاص(7/612)
14 1102- ابن علاثة مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُلاَثَةَ العُقَيْلِيُّ الجزري
86 1155- علي بن رباح
59 1136- علي بن صالح بن حي
406 1286- علي بن الفضيل بن عياض
433 1299- علي بن مسهر
340 1263- علي بن هاشم
539 1351- ابن علية إسماعيل بن إبراهيم مقسم أبو بشر الأسدي
293 1239- عمارة بن حمزة
335 1260- عمر بن عبيد البصري
335 1259- عمر بن عبيد الكوفي
453 1306- عمر بن علي
361 1282- العمري أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عبد الله بن عمر
257 1209- أبو عوانة
83 1152- عيسى بن علي
عيسى بن ماهان = أبو جعفر الرازي
100 1165- عيسى بن موسى
437 1301- عيسى بن يونس
256 1208- غسان بن بزرين أبو المقدام الطهوي البصري
25 1112- ابن الغسيل عبد الرحمن بن سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَنْظَلَة
435 1300- غنجار
533 1346- غندر، محمد بن جعفر
44 1130- فتح بن سعيد الموصلي الصغير
44 1129- فتح الموصلي الكبير = فتح بن محمد وشاح الأزدي
528 1342- الفضل بن يحيى
410 1287- فضيل بن عياض الخولاني
410 1288- فضيل بن عياض الصدفي
393 1285- الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضِ = بنِ مَسْعُوْدِ بنِ بِشْرٍ
39 1125- فضيل بن مرزوق
46 1133- فليح بن سليمان
293 1238- الفيض بن أبي صالح شيرويه
239 1198- القاسم بن معن
469 1312- القاضي أبو يوسف
242 1204- قزعة بن سويد
146 1177- قيس بن الربيع أبو محمد الأسدي الكوفي
553 1357- الكسائي، علي بن حمزة بن عبد الله
204 1182- الليث بن سعد
15 1103- الماجشون عبد العزيز بن عبد الله
150 1180- مالك الإمام
431 1297- مبارك بن سعيد بن مسروق(7/613)
556 1359- المحاربي، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الكُوْفِيُّ
270 1220- محمد بن جابر
24 1110- محمد بن جعفر
507 1335- محمد بن حرب
555 1358- محمد بن الحسن
40 1126- محمد بن راشد
502 1326- محمد بن سلمة
272 1222- محمد بن سليمان
36 1123- محمد بن طلحة
285 1229- محمد بن عبد الرحمن بن الحكم
577 1365- محمد بن فضيل
227 1191- محمد بن مسلم
6 1093- محمد بن مطرف
220 1183- محمد بن موسى الفطري
226 1190- محمد بن النضر
550 1353- محمد بن يوسف
29 1115- المَخْرَمِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ الرحمن
10 1095- أبو مخنف لوط بن يحيى
331 1256- مرحوم بن عبد العزيز بن مهران
431 1296- مروان بن أبي الجنوب
430 1295- مروان بن أبي حفصة
494 1321- مروان بن سالم الجزري
493 1320- مروان بن شجاع
503 1328- مروان بن معاوية
597 1370- مسكين بن بكير
332 1257- المطلب بن زياد
432 1298- معاذ بن مسلم
505 1329- معاذ بن معاذ
521 1336- المعافى بن عمران الأزدي
525 1337- المعافى بن عمران الحمصي
520 1334- أبو معاوية الأسود
75 1144- معاوية بن سلام
516 1333- أبو معاوية الضرير
428 1294- معتمر بن سليمان بن طرخان
100 1196- أَبُو مَعْشَرٍ نَجِيْحُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السِّنْدِيُّ
22 1108- معقل بن عبيد الله
598 1371- معمر بن سليمان
221 1185- المُغِيْرَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ
241 1201- المغيرة بن مسلم القسملي
224 1187- مفضل بن فضالة بن عبيد
297 1243- المفضل بن فضالة بن أبي أمية
77 1147- مفضل بن مهلهل
14 1101- المقنع عطاء
241 1203- أبو المليح الحسن بن عمر الرقي(7/614)
286 1230- المنذر بن محمد بن عبد الرحمن
530 1344- منصور بن عمار أبو جعفر الخليفة
78 1148- المهدي - محمد المنصور
124 1173- مهدي بن ميمون
296 1242- موسى بن أعين
85 1154- موسى بن علي بن رباح
220 1184- ميسرة التراس ميسرة بن عبد ربه الفارسي
99 1164- نافع بن عمر
34 1122- نافع بن أبي نعيم
80 1149- النضر بن عربي
410 1289- النعمان بن عبد السلام بن حبيب
104 1168- الهادي - موسى بن المهدي
290 1234- هشام بن الحكم
41 1127- هشام بن سعد
280 1226- هشام بن عبد الرحمن بن معاوية
302 1246- هشيم بن بشير بن أبي خازم
306 1247- هشيم بن أبي ساسان هشام
359 1280- الهقل بن زياد
7 1094- همام بن يحيى
347 1269- الهيثم بن حميد
90 1158- ورقاء بن عمر
559 1361- وكيع بن الجراح
266 1215- الوليد بن طريف
261 1210- وهيب بن خالد بن عجلان
119 1171- يحيى بن أيوب المصري
123 1172- يحيى بن أيوب الكوفي
348 1270- يحيى بن حمزة
527 1341- يحيى بن خالد
336 1261- يحيى بن زكريا
558 1360- يحيى بن سعيد
578 1366- يحيى القطان
349 1271- يحيى بن يمان
267 1216- يزيد بن حاتم
307 1249- يزيد بن زريع
538 1349- يزيد بن سمرة
538 1350- يزيد بن شجرة
515 1332- يزيد بن مزيد
342 1264- يعقوب = أبو يعقوب بن داود بن طهمان
309 1250- يعقوب القمي = يعقوب بن عبد الله بن سعد الأشعري
291 1235- يعلى بن الأشدق
575 1363- يوسف بن أسباط
360 1281- يوسف بن يعقوب
239 1199- يونس بن حبيب الصنبي البصري(7/615)
المجلد الثامن
تابع الطبقة التاسعة
بسم الله الرحمن الرحيم
1373- الوليد بن مسلم 1: "ع"
الإِمَامُ عَالِمُ أَهْلِ الشَّامِ أَبُو العَبَّاسِ الدِّمَشْقِيُّ الحَافِظُ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ. قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: يَحْيَى بنِ الحَارِثِ الذِّمَارِيِّ وَعَلَى: سَعِيْدِ بن عبد العزيز.
وَحَدَّثَ عَنْهُمَا وَعَنِ: ابْنِ عَجْلاَنَ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَرْوَانَ بنِ جَنَاحٍ وَالأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي مَرْيَمَ الغَسَّانِيِّ، وَعُفَيْرِ بنِ مَعْدَانَ وَعُثْمَانَ بنِ أَبِي العَاتِكَةِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ تَمِيْمٍ وَعَبْدِ اللهِ بنِ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ وَسُلَيْمَانَ بنِ مُوْسَى، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ رَافِعٍ وَحَنْظَلَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ وَصَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو وَشَيْبَةَ بنِ الأَحْنَفِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَسَّانٍ الكِنَانِيِّ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ بنِ عُمَرَ الثَّقَفِيِّ وَمُعَانِ بنِ رِفَاعَةَ وَشَيْبَانَ النَّحْوِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَابْنِ لَهِيْعَةَ وَالمُثَنَّى بنِ الصَّبَّاحِ وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي مَرْيَمَ وَسَعِيْدِ بنِ بَشِيْرٍ وَعَدَدٍ كَثِيْرٍ.
وَارْتَحَلَ فِي هَذَا الشَّأْنِ وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ وَتَصَدَّى لِلإِمَامَةِ وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ.
وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ ثِقَةً حَافِظاً لَكِنْ رَدِيْءَ التَّدْلِيْسِ فَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا فَهُوَ حُجَّةٌ هُوَ فِي نَفْسِهِ أَوْثَقُ مِنْ بَقِيَّةَ، وَأَعْلَمُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ -وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ- وَعَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ، وَأَبُو مُسْهِرٍ وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَدُحَيْمٌ وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ وَنُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ وَمُحَمَّدُ بنُ عَائِذٍ، وَدَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ وَعَمْرُو بنُ عُثْمَانَ وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى وَأَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ، وَكَثِيْرُ بنُ عُبَيْدٍ وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَيْمُوْنٍ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ وَيَحْيَى بنُ مُوْسَى خَتٌّ، وَأَبُو عُمَيْرٍ بنُ النَّحَاسِ وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى وموسى بن عامر المري، ومحمود بن
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 470"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 2532"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 420"، والكنى للدولابي "2/ 71"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 70"، والأنساب للسمعاني "5/ 338"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 282"، والكاشف "3/ ترجمة 6202"، والمغني "2/ ترجمة 6887"، والعبر "1/ 319"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9405"، وتهذيب التهذيب "11/ 151"، وتقريب التهذيب "2/ 336"، وشذرات الذهب لابن العماد "1/ 344".(8/5)
غَيْلاَنَ وَأُمَمٌ سِوَاهُم آخِرُهُم وَفَاةً: حَجَّاجُ بنُ الرَّيَّانِ الدِّمَشْقِيُّ المُتَوَفَّى سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ الوَلِيْدُ ثِقَةً كَثِيْرَ الحَدِيْثِ وَالعِلْمِ حَجَّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ فَمَاتَ بِالطَّرِيْقِ.
قَالَ دُحَيْمٌ: كَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: قَرَأَ عَلَيْهِ القُرْآنَ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَالرَّبِيْعُ بنُ ثَعْلَبٍ.
قَالَ الفَسَوِيُّ: سَأَلْتُ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ عَنِ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، فَأَقْبَلَ يَصِفُ عِلْمَهُ، وَوَرَعَهُ وَتَوَاضُعَهُ، وَقَالَ: كَانَ أَبُوْهُ مِنْ رَقِيْقِ الإِمَارَةِ، وَتَفَرَّقُوا عَلَى أَنَّهُم أَحرَارٌ، وَكَانَ لِلْوَلِيْدِ أَخٌ جِلْفٌ مُتَكَبِّرٌ يَرْكَبُ الخَيْلَ، وَيَرْكَبُ مَعَهُ غِلمَانُ كَثِيْرٌ وَيَتَصَيَّدُ، وَقَدْ حَمَلَ الوَلِيْدُ دِيَةً، فَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى بَيْتِ المَالِ أَخْرَجَهُ عَنْ نَفْسِهِ، إِذِ اشْتبَهَ عَلَيْهِ أَمرُ أَبِيْهِ. قَالَ: فَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيْهِ فِي ذَلِكَ شَغَبٌ وَجَفَاءٌ، وَقطِيْعَةٌ، وَقَالَ: فَضَحْتَنَا، مَا كَانَ حَاجَتُكَ إِلَى مَا فَعَلتَ?!
قَالَ أَبُو التَّقِيِّ اليَزَنِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ مَسْلَمَةَ القُرَشِيُّ: أَنَا أَعتَقْتُ الوَلِيْدَ بنَ مُسْلِمٍ كَانَ عَبْدِي.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ: أَنَّ الوَلِيْدَ كَانَ مِنَ الأَخْمَاسِ فَصَارَ لآلِ مَسْلَمَةَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ فَلَمَّا قَدِمَ بَنُو العَبَّاسِ فِي دَوْلَتِهِم قَبَضُوا رَقِيْقَ الأَخْمَاسِ وَغَيْرَهُ فَصَارَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ وَأَهْلُ بَيْتِهِ لِلأَمِيْرِ صَالِحِ بنِ عَلِيٍّ فَوَهَبَهُم لابْنِهِ الفَضْلِ، ثُمَّ إِنَّ الوَلِيْدَ اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنْهُم فَأَخْبَرَنِي سَعْدُ بنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: جَاءنِي الوَلِيْدُ فَأَقَرَّ لِي بِالرِّقِّ فَأَعتَقْتُهُ وَكَانَ لَهُ أَخٌ اسمه جَبَلَةُ كَانَ لَهُ قَدْرٌ وَجَاهٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَيْسَ أَحَدٌ أَرْوَى لِحَدِيْثِ الشَّامِيِّيْنَ مِنَ: الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ: قَدِمْتُ البَصْرَةَ فَجَاءنِي عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ فَقَالَ: أَوَّلُ شَيْءٍ أَطْلُبُ أَنْ تُخْرِجَ إِلَيَّ حَدِيْثَ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ. فَقُلْتُ: يَا ابْنَ أُمِّ! سُبْحَانَ اللهِ! وَأَيْنَ سَمَاعِي مِنْ سَمَاعِكَ? فَجَعَلْتُ آبَى وَيُلِحُّ فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ إِلحَاحِكَ مَا هُوَ? قَالَ: أُخبِرُكَ: إِنَّ الوَلِيْدَ رَجُلُ أَهْلِ الشَّامِ، وَعِنْدَهُ عِلْمٌ كَثِيْرٌ وَلَمْ أَسْتَمكِنْ مِنْهُ وَقَدْ حَدَّثَكُم بِالمَدِيْنَةِ فِي المَوَاسِمِ وَتَقَعُ عِنْدَكُمُ الفَوَائِدُ؛ لأَنَّ الحُجَّاجَ يَجْتَمِعُوْنَ بِالمَدِيْنَةِ مِنَ الآفَاقِ فَيَكُوْنُ مَعَ هَذَا بَعْضُ فَوَائِدِهِ وَمَعَ هَذَا شَيْءٌ. قَالَ فَأَخْرَجْتُ إِلَيْهِ فَتَعَجَّبَ مِنْ كِتَابِهِ كَادَ أَنْ يَكتُبَهُ عَلَى الوَجْهِ. سَمِعَهَا يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، من إبراهيم.(8/6)
قَالَ أَبُو اليَمَانِ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ.
وَقِيْلَ لأَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ: الوَلِيْدُ أَفْقَهُ أَمْ وَكِيْعٌ? فَقَالَ: الوَلِيْدُ بِأَمرِ المَغَازِي، وَوَكِيْعٌ بِحَدِيْثِ العِرَاقِيِّينَ.
قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: كَانَ الوَلِيْدُ مِنْ حُفَّاظِ أَصْحَابِنَا.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: صَالِحُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: الثِّقَاتُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ مِثْلُ الوَلِيْدِ بن مسلم.
قَالَ ابْنُ جَوْصَا الحَافِظُ: لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ أَنَّهُ مَنْ كَتَبَ مُصَنَّفَاتِ الوَلِيْدِ، صَلُحَ أَنْ يَلِيَ القَضَاءَ، وَمُصَنَّفَاتُهُ سَبْعُوْنَ كِتَاباً.
قُلْتُ: كُتُبُهُ أَجزَاءٌ مَا أَظُنُّ فِيْهَا مَا يَبلُغُ مُجَلَّداً.
الفَسَوِيُّ: عَنِ الحُمَيْدِيِّ: قَالَ: خَرَجْتُ يَوْمَ الصَّدَرِ، وَالوَلِيْدُ فِي مَسْجِدِ مِنَىً وَعَلَيْهِ زِحَامٌ كَثِيْرٌ، وَجِئْتُ فِي آخِرِ النَّاسِ، فَوَقَفتُ بِالبُعْدِ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ بِجَنْبِهِ، فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ، وَيُحَدِّثُهُم وَأَنَا لاَ أَفْهُمُ فَجَمَعتُ جَمَاعَةً مِنَ المَكِّيِّينَ وَقُلْتُ لَهُم: جَلِّبُوا وَأَفْسِدُوا عَلَى مَنْ بِالقُرْبِ مِنْهُ. فَجَعَلُوا يَصِيْحُوْنَ، وَيَقُوْلُوْنَ: لاَ نَسْمَعُ وَجَعَلَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: اسْكُتُوا نُسْمِعْكُم قَالَ: فَاعْتَرَضْتُ وَصِحْتُ وَلَمْ أَكُنْ بَعْدُ حَلَقْتُ، فَنَظَرَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ إِلَيَّ وَلَمْ يُثبِتْنِي فَقَالَ: لَوْ كَانَ فِيْكَ خَيْرٌ، لَمْ يَكُنْ شَعرُكَ عَلَى مَا أَرَى. قَالَ: فَتَفَرَّقُوا وَلَمْ يُحَدِّثْهُم بِشَيْءٍ.
قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: كَانَ الوَلِيْدُ يَأْخُذُ مِنِ ابْنِ أَبِي السَّفَرِ حَدِيْثَ الأَوْزَاعِيِّ، وَكَانَ كَذَّاباً وَالوَلِيْدُ يَقُوْلُ فِيْهَا: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ.
قَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ: سَمِعْتُ الهَيْثَمَ بنَ خَارِجَةَ قَالَ: قُلْتُ لِلْوَلِيْدِ: قَدْ أَفسَدْتَ حَدِيْثَ الأَوْزَاعِيِّ! قَالَ: وَكَيْفَ? قُلْتُ: تَروِي عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ نَافِعٍ، وَعَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَعَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَغَيْرُكَ يُدْخِلُ بَيْنَ الأَوْزَاعِيِّ، وَبَيْنَ نَافِعٍ عَبْدَ اللهِ بنَ عَامِرٍ الأَسْلَمِيَّ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الزُّهْرِيِّ قُرَّةَ وَغَيْرَهُ، فَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى هَذَا? قَالَ: أُنَبِّلُ الأَوْزَاعِيَّ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ مِثْلِ هَؤُلاَءِ الضُّعَفَاءِ. قُلْتُ: فَإِذَا رَوَى الأوزاعي عَنْ هَؤُلاَءِ الضُّعَفَاءِ مَنَاكِيْرَ، فَأَسقَطْتَهُم أَنْتَ وَصَيَّرْتَها مِنْ رِوَايَةِ الأَوْزَاعِيِّ عنِ الثِّقَاتِ ضَعُفَ الأَوْزَاعِيُّ. قَالَ: فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى قَوْلِي.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا رَأَيْتُ فِي الشَّامِيِّينَ أَحَداً أَعقَلَ مِنَ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ.(8/7)
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: مَا رَأَيْتُ فِي الشَّامِيِّينَ مِثْلَ الوَلِيْدِ، وَقَدْ أَغرَبَ أَحَادِيْثَ صَحِيْحَةً لَمْ يَشْرَكْهُ فِيْهَا أَحَدٌ.
قَالَ صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ المَرْوَزِيُّ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَحْفَظُ لِلْحَدِيْثِ الطَّوِيْلِ، وَأَحَادِيْثِ المَلاَحِمِ مِنَ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَكَانَ يَحْفَظُ الأَبْوَابَ.
وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: رُبَّمَا دَلَّسَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ عَنْ كَذَّابِيْنَ.
قُلْتُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ قَدِ احْتَجَّا بِهِ، وَلَكِنَّهُمَا يَنْتَقِيَانِ حَدِيْثَهُ، وَيَتَجَنَّبَانِ مَا يُنكَرُ لَهُ، وَقَدْ كَانَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ ذَهَبَ إِلَى الرَّمْلَةِ، فَأَكْثَرَ عَنْهُ أَهْلُهَا.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الوَلِيْدُ يَرْوِي عَنِ الأَوْزَاعِيِّ أَحَادِيْثَ هِيَ عِنْدَ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ ضُعَفَاءَ، عن شيوخ أدركهم الأوزاعي: كنافع وعطاء، وَالزُّهْرِيِّ فَيُسقِطُ أَسْمَاءَ الضُّعَفَاءِ مِثْلَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرٍ الأَسْلَمِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ.
قُلْتُ: رَوَى جَمَاعَةٌ عَنِ الوَلِيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "اسْمَحْ، يُسْمَحْ لَكَ" 1. فَهَذَا شَنَّعَ بَعْضُ المُحَدِّثِيْنَ أَنَّ الوَلِيْدَ تَفَرَّدَ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ هُوَ عِنْدَ يُوْسُفَ بنِ مُوْسَى القَطَّانِ حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. وَرَوَاهُ الحَافِظُ سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ حَدَّثَهُم. وَقَدْ رَوَاهُ مِنْدَلُ بنُ عَلِيٍّ، وَخَارِجَةُ بنُ مُصْعَبٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فَأَرْسَلاَهُ.
قُلْتُ: أَنْكَرُ مَا لَهُ حَدِيْثٌ رَوَاهُ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ -وَاللَّفْظُ لَهُ- قَالاَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ جَاءهُ عَلِيٌّ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ، وَأُمِّي تَفَلَّتَ هَذَا القُرْآنُ مِنْ صَدْرِي فَمَا أَجِدُنِي أَقْدِرُ عَلَيْهِ فَقَالَ: "يَا أَبَا الحَسَنِ أَفَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِنَّ، وَيُثَّبِتُ مَا تَعَلَّمْتَ فِي صَدْرِكَ?". قَالَ: أَجَلْ يَا رَسُوْلَ اللهِ قَالَ: "إِذَا بِتَّ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقُوْمَ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَإِنَّهَا سَاعَةٌ مَشْهُوْدَةٌ وَالدُّعَاءُ فِيْهَا مُسْتَجَابٌ وَقَدْ قَالَ أَخِي يَعْقُوْبُ لِبَنِيْهِ: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} [يُوْسُفُ: 98] حَتَّى تَأْتِيَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فقم في وسطها فإن لم تستطع،
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "1/ 248"، والطبراني في "الصغير" "1169"، والقضاعي في "مسند الشهاب" "648"، والبيهقي في "شعب الإيمان" "11258" من طرق عن الوليد بن مسلم، به.
قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات، والوليد بن مسلم قد صرح بالتحديث عند الطبراني في "الصغير"، والبيهقي في "شعب الإيمان".(8/8)
"ففي أولها فَصَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَقْرَأُ فِي الأُوْلَى: بِالفَاتِحَةِ وَيس وَفِي الثَّانِيَةِ: بِالفَاتِحَةِ وَالدُّخَانِ وَفِي الثَّالِثَةِ: بـ آلم السَّجْدَةِ وَفِي الرَّابِعَةِ: تَبَارَكَ فَإِذَا فَرَغْتَ فَاحْمَدِ اللهَ، وَأَحْسِنِ الثَّنَاءَ، وَصَلِّ عَلَيَّ وَعَلَى سَائِرِ النَّبِيِّيْنَ وَاسْتَغْفرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ، وَقُلْ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بِتَرْكِ المَعَاصِي، وَارْحَمْنِي أَنْ أَتَكَلَّفَ مَا لاَ يَعْنِيْنِي، وَارْزُقْنِي حُسْنَ النَّظَرِ فِيْمَا يُرْضِيْكَ عَنِّي اللَّهُمَّ بَدِيْعَ السَّمَاوَاتِ، وَالأَرْضِ ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لاَ تُرَامُ أَسْأَلُكَ يَا اللهُ يَا رَحْمَنُ بِجَلاَلِكَ، وَنُوْرِ وَجْهِكَ، أَنْ تُلْزِمَ قَلْبِي حِفْظَ كِتَابِكَ ... " فِي دُعَاءٍ فِيْهِ طَوِيْلٍ إِلَى أَنْ قَالَ: "يَا أَبَا الحَسَنِ تَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ جُمَعٍ أَوْ خَمْساً أَوْ سَبْعاً، تُجَابُ بِإِذْنِ اللهِ". قَالَ: فَمَا لَبِثَ عَلِيٌّ إلَّا خَمْساً أَوْ سَبْعاً حَتَّى جَاءَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ المَجْلِسِ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ مَا لِي كُنْتُ فِيْمَا خَلاَ لاَ آخُذُ إلَّا أَرْبَعَ آيَاتٍ وَنَحْوَهُنَّ، وَأَنَا أَتَعَلَّمُ اليَوْمَ أَرْبَعِيْنَ آيَةً، وَلَقَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ الأَحَادِيْثَ فَإِذَا رَدَّدْتُهُ تَفَلَّتَ، وَأَنَا اليَوْمَ أَسْمَعُ الأَحَادِيْثَ، فَإِذَا حَدَّثْتُ لَمْ أُحَرِّفْ مِنْهَا حَرفاً؟ فَقَالَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ: "مُؤْمِنٌ -وَرَبِّ الكَعْبَةِ- أَبَا الحَسَنِ"1. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيْبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيْثِ الوَلِيْدِ.
قُلْتُ: هَذَا عِنْدِي مَوْضُوْعٌ، وَالسَّلاَمُ، وَلَعَلَّ الآفَةَ دَخَلَتْ عَلَى سُلَيْمَانَ ابْنِ بِنْتِ شُرَحْبِيْلَ فِيْهِ فَإِنَّهُ مُنْكَرُ الحَدِيْثِ، وَإِنْ كَانَ حَافِظاً فَلَو كَانَ قَالَ فِيْهِ: عَنِ ابْنِ جريج لراج ولكن صرح بالتحديث فقويت الرِّيْبَةُ، وَإِنَّمَا هَذَا الحَدِيْثُ يَرْوِيْهِ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ القُرَشِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُحَمَّدٌ هَذَا لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَشَيْخُهُ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ: أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ الكَاتِبُ أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أبي
__________
1 موضوع: أخرجه الترمذي "3570"، والحاكم "1/ 316-317" من طريق سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، به.
وقال الحاكم في إثره: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي في "التلخيص" بقوله: "قلت: هذا حديث منكر شاذ أخاف لا يكون موضوعا وقد حيرني والله جودة إسناده، فإن الحاكم قال فيه: حدثنا أبو النضر محمد الفقيه وأحمد بن محمد العنزي، قالا: حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي "ح" وحدثني أبو بكر بن محمد بن جعفر المركي حدثنا محمد بن إبراهيم العبدي قالا: حدثنا أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم فذكره مصرحا بقوله: حدثنا ابن جريج فقد حدث به سليمان قطعا وهو ثبت، فالله أعلم.
وقال في "الميزان: "3/ 213" في ترجمة سليمان بن عبد الرحمن راويه عن الوليد بن مسلم: وهو مع نظافة سنده حديث منكر جدا في نفسي منه شيء، وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" "2/ 213-214": طرق أسانيد هذا الحديث جيدة، ومتنه غريب جدا.(8/9)
شَرِيْكٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ الوَزِيْرُ قُرِئَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَأَنَا أَسْمَعُ قِيْلَ لَهُ: حَدَّثَكُم عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "ذَبَحَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَمَّنِ اعْتَمَرَ مَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ بَقَرَةً بَيْنَهُم"1.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ وَأَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ البُسْطِيُّ، وَسُنْقُرُ الزَّيْنِيُّ، وَعَبْدُ المُنْعِمِ بنُ زَيْنِ الأُمَنَاءِ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، وَجَمَاعَةٌ قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَنَّاءِ حُضُوْراً فِي الرَّابِعَةِ "ح". وَقَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ: أَخْبَرَكُم أَكْمَلُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ العَلَوِيُّ أَخْبَرْنَا ابْنُ البَنَّاءِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ وَزِيْرٍ، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ حَدَّثَنَا عُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يُؤْتَى بِالمَوْتِ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي صُوْرَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُذْبَحُ بَيْنَ الجَنَّةِ، وَالنَّارِ ثُمَّ يُقَالَ: يَا أهل الجنة! أَيْقِنُوا بِالخُلُوْدِ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ! أَيْقِنُوا بِالخُلُوْدِ". قَالَ: "فَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْناً، وَأَهْلُ الجَنَّةِ سُرُوْراً" 2.
قَالَ حَرْمَلَةُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الجُهَنِيُّ: نَزَلَ عَلَيَّ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ بِذِي المَرْوَةِ قَافِلاً مِنَ الحَجِّ، فَمَاتَ عِنْدِي بِذِي المَرْوَةِ3.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى الحِمْصِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ الوَلِيْدُ فِي شَهْرِ المُحَرَّمِ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ ومائة.
__________
1 صحيح: أخرجه أبو داود "1751" من طريق عمرو بن عثمان، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان الأولى: الوليد بن مسلم، والثانية يحيى بن أبي كثير، وهما مدلسان وقد عنعناه، وأخرجه ابن ماجة "3133" من طريق عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مسلم، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، به. فصرح الوليد بالتحديث وبقيت العلة الثانية في الإسناد.
ويشهد له ما أخرجه مسلم "1319" "357" من حديث جابر بن عبد الله قال: نَحَرَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ نسائه وفي حديث محمد بن بكر: عن عائشة، بقرة في حجته".
2 صحيح: أخرجه أحمد "2/ 130"، وعبد بن حميد في "المنتخب" "761"، والبخاري "6544"، ومسلم "2850" "42"، والبيهقي في "الشعب" "386"، وفي "البعث والنشور" "483" من طريق يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِح، حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر، به، وأخرجه أحمد "2/ 118"، والبخاري "6548"، ومسلم "2850" "43"، والطبراني في "الكبير" "13337"، وأبو نعيم في "الحلية" "8/ 183-184"، والبيهقي في "البعث والنشور" "642"، والبغوي في "شرح السنة" "4367" من طريق عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عن ابن عمر، به.
3 هي قرية بوادي القرى، وقيل: بين خشب ووادي القرى، ووادي القرى: هو واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة، وخشب: واد على مسيرة ليلة من المدينة ذكره ياقوت الحموي في كتابه "معجم البلدان".(8/10)
1374- محمد بن أبي عدي 1: "ع"
السلمي مولاهم البصري الحَافِظُ، أَبُو عُمَرَ، وَهُوَ: مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بن أَبِي عَدِيٍّ.
فَقِيْلَ: إِنَّ وَلَدَهُ إِبْرَاهِيْمَ هُوَ أَبُو عَدِيٍّ.
مَوْلِدُهُ فِي حُدُوْدِ العِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ: حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ وَدَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَعَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، وَابْنِ عَوْنٍ وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَعِدَّةٍ.
رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَالفَلاَّسُ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ وَغَيْرُهُ.
مَاتَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَفِيْهَا مَاتَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ القَاضِي، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ الحِمْصِيُّ الأَبْرَشُ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ، وَعُمَرُ بنُ هَارُوْنَ البَلْخِيُّ، وَسَلْمُ بنُ سَالِمٍ البَلْخِيُّ العَابِدُ وَشَقِيْقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البَلْخِيُّ الزَّاهِدُ، وَالقَاسِمُ بنُ يَزِيْدَ الجَرْمِيُّ، وَسُوَيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ قاضي بعلبك.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 292"، والتاريخ الكبير "1/ ترجمة 19"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 219"، "2/ 100، 102، 105"، والكنى للدولابي "2/ 29"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 1058"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 305"، والكاشف "3/ ترجمة 4770"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 7939"، تهذيب التهذيب "9/ 12-13"، وتقريب التهذيب "2/ 141"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6019"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 341".(8/11)
1375- عبد الملك بن صالح 1:
ابن عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ الأَمِيْرُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَبَّاسِيُّ. وَلِيَ المَدِيْنَةَ وَغَزْوَ الصَّوَائِفِ لِلرَّشِيْدِ ثُمَّ وَلِيَ الشَّامَ وَالجَزِيْرَةَ لِلأَمِيْنِ.
قِيْلَ: بَلَغَ الرَّشِيْدَ أَنَّ هَذَا فِي عَزْمِ الوُثُوبِ عَلَى الخِلاَفَةِ، فَقَلِقَ ثُمَّ حَبَسَهُ ثُمَّ لاَحَ لَهُ بَرَاءتُهُ فَأَنْعَمَ عَلَيْهِ. وَكَانَ فَصِيْحاً بَلِيْغاً شَرِيْفَ الأَخْلاَقِ، مَهِيْباً شُجَاعاً سَائِساً.
قِيْلَ: إِنَّ يَحْيَى البَرْمَكِيَّ قَالَ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ حَقُودٌ. قَالَ: إِنْ كَانَ الحِقدُ بَقَاءَ الخَيْرِ وَالشَّرِّ إِنَّهُمَا لَبَاقِيَانِ فِي قَلْبِي. فَقَالَ الرَّشِيْدُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً احْتَجَّ لِلْحقدِ بِأَحْسَنَ مِنْ هَذَا.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: كَانَ أَفصَحَ النَّاسِ وَأَخطَبَهُم لَمْ يَكُنْ فِي دَهْرِهِ مِثْلُهُ فِي فَصَاحْتِهِ، وَصِيَانَتِهِ، وَجَلاَلتِهِ وَلَهُ شِعرٌ.
وَقِيْلَ: إِنَّ عَبْدَ المَلِكِ أَرَادَ أَنْ يَغْتَالَ مَلِكَ الرُّوْمِ بِمَكِيدَةٍ، وَكَانَ مِنْ دُهَاةِ بَنِي هَاشِمٍ.
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ عَبْدُ المَلِكِ نَسِيجَ، وَحدِهِ أَدَباً وَلِسَاناً وُشِيَ بِهِ، وَتَتَابَعَتْ فِيْهِ الأَخْبَارُ وَكَثُرَ حَاسِدُوْهُ، وَبَلَغَ الرَّشِيْدَ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَى عَزْمِ الخُرُوْجِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ مَا حَبَسَهُ إلَّا لَمَّا رَآهُ لَهُ نَظِيْراً فِي السُّؤْدُدِ.
مَاتَ بِالرَّقَّةِ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَقَدْ مَرَّ مِنْ سِيْرَتِهِ فِي تَرْجَمَةِ البَرْمَكِيِّ.
وَهُوَ أَخُو الأَمِيْرِ أَبِي العَبَّاسِ الفَضْلِ بنِ صَالِحٍ نَائِبِ دِمَشْقَ ثُمَّ مِصْرَ لِلْمَهْدِيِّ، وَهُوَ الَّذِي عَمِلَ أَبْوَابَ جَامِعِ دِمَشْقَ وَقُبَّةَ المَالِ بِالجَامِعِ، فَكَانَ الأَكْبَرَ. مَاتَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ عَنْ خمسين سنة.
وَمَاتَ أَخُوْهُمَا نَائِبُ مِصْرَ، ثُمَّ نَائِبُ حَلَبَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ تِسْعِيْنَ وَهُوَ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ صَالِحٍ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ بِحَلبَ. وَكَانَ أَدِيْباً شَاعِراً مُتَفَلْسِفاً عَوَّاداً ذَا كَرَمٍ وَشَجَاعَةٍ.
وَأَخُوْهُم عَبْدُ الله، أمير الثغور.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ص30"، وفوات الوفيات لمحمد بن شاكر الكتبي "6/ 30"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 90".(8/12)
1376- عبد الله بن وهب 1: "ع"
ابن مسلم الإِمَامُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الفِهْرِيُّ مَوْلاَهُمْ المِصْرِيُّ الحَافِظُ.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. أَرَّخَهُ ابْنُ يُوْنُسَ وَقَالَ: قِيْلَ: وَلاَؤُهُ لِلأَنْصَارِ.
طَلَبَ العِلمَ وَلَهُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
رَوَى عَنِ: ابْنِ جُرَيْجٍ وَيُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ، وَحَنْظَلَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَحُيَيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ المَعَافِرِيِّ، وَحَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ، وَعَمْرِو بنِ الحَارِثِ وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، وَعُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ العُمَرِيِّ وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ، وَمُوْسَى بنِ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرٍ الأَسْلَمِيِّ، وَأَبِي صَخْرٍ حُمَيْدِ بنِ زِيَادٍ وَمُوْسَى بنِ أَيُّوْبَ الغَافِقِيِّ، وَأَفْلَحَ بنِ حُمَيْدٍ، وَعَبْدِ الله بن زياد بن سَمْعَانَ وَمَالِكٍ وَاللَّيْثِ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ، وَحَرْملَةَ بنِ عِمْرَانَ، وَسَلَمَةَ بنِ وَرْدَانَ المَدَنِيِّ، وَالضَّحَّاكِ بنِ عُثْمَانَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَيَّاشٍ القِتْبَانِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زِيَادٍ الإِفْرِيْقِيِّ وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
لَقِيَ بَعْضَ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ، وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ وَمِنْ كُنُوْزِ العَمَلِ.
ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي كِتَابِ العِلْمِ لَهُ: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: كَانَ أَوَّلُ أَمْرِي فِي العِبَادَةِ قَبْلَ طَلَبِ العِلْمِ فَوَلِعَ بِيَ الشَّيْطَانُ فِي ذِكْرِ عِيْسَى ابْنِ مَرْيَمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- كَيْفَ خَلَقَهُ اللهُ تَعَالَى? وَنَحْوِ هَذَا فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى شَيْخٍ فَقَالَ لِي: ابْنَ وَهْبٍ. قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: اطْلُبِ العِلْمَ. فَكَانَ سَبَبَ طَلَبِي العِلْمَ.
قُلْتُ: مَعَ أَنَّهُ طَلَبَ العِلمَ فِي الحَدَاثَةِ نَعَمْ، وَحَدَّثَ عَنْهُ خَلقٌ كَثِيْرٌ وَانتَشَرَ عِلْمُهُ، وَبَعُدَ صِيتُهُ.
رَوَى عَنْهُ: اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ شَيْخُه، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ وَأَصْبَغُ بنُ الفَرَجِ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ وَأَحْمَدُ بنُ عِيْسَى التُّسْتَرِيُّ، وَحَرْمَلَةُ بنُ يَحْيَى وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ وَالحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ، وَأَبُو الطَّاهِرِ بنُ السَّرْحِ، وَعَمْرُو بنُ سَوَّادٍ وَهَارُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ الأَيْلِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ المَقَابِرِيُّ وَسُحْنُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ عَالِمُ المَغْرِبِ، وَيَحْيَى بن يحيى الليث وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ رُمْحٍ، وَيُوْنُسُ بن عبد الأعلى، وبحر من نَصْرٍ الخَوْلاَنِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُنْقِذٍ الخَوْلاَنِيُّ وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَابْنُ أَخِيْهِ، أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَهْبِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ، وَعِيْسَى بنُ مَثْرُوْدٍ الغَافِقِيُّ، وَالرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ المُرَادِيُّ وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ شُعَيْبِ بنِ اللَّيْثِ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الهَمْدَانِيُّ وَغَيْرُهُم.
وَعَنِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: رَأَيْتُ عُبَيْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ قَدْ عَمِيَ، وَقَطَعَ الحَدِيْثَ، وَرَأَيْتُ هِشَامَ بنَ عُرْوَةَ جَالِساً فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: آخُذُ عَنِ ابْنِ سَمْعَانَ، ثُمَّ أَصِيْرُ إِلَى هِشَامٍ. فَلَمَّا فَرَغْتُ، قُمْتُ إِلَى مَنْزِلِ هِشَامٍ فَقَالُوا: قَدْ نَامَ فَقُلْتُ: أَحُجُّ وَأَرْجِعُ. فَرَجَعتُ فَوَجَدتُهُ قَدْ مَاتَ. كَذَا هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَإِنَّمَا مَاتَ هِشَامٌ ببغداد، فلعله سار إلى بغداد بعد.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 518"، والتاريخ الكبير "5/ ترجمة 710"، والجرح والتعديل "5/ ترجمته 879"، والمنتظم لابن الجوزي "5/ 77"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ 324"، والكاشف "2/ ترجمة 3086"، والمغني "1/ ترجمة 3416"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 4677"، والعبر "1/ 322"، "2/ 28"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 283"، وتهذيب التهذيب "6/ 71"، وتقريب التهذيب "1/ 460"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3897"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 347"، "2/ 352".(8/13)
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ القَاسِمِ يَقُوْلُ: لَوْ مَاتَ ابْنُ عُيَيْنَةَ لَضُرِبَتْ إِلَى ابْنِ وَهْبٍ أَكْبَادُ الإِبِلِ، مَا دَوَّنَ العِلْمَ أَحَدٌ تَدْوِينَهُ. وَرَوَى يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى عَنِ ابْنِ وِهْبٍ قَالَ: أَقْرَأَنِي نَافِعُ بنُ أَبِي نُعَيْمٍ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: نَظَرْتُ فِي نَحْوٍ مِنْ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ لابْنِ وَهْبٍ وَلاَ أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُ لَهُ حَدِيْثاً لاَ أَصْلَ لَهُ وَهُوَ ثِقَةٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ بُكَيْرٍ يَقُوْلُ: ابْنُ وَهْبٍ أَفْقَهُ مِنِ ابْنِ القَاسِمِ.
قُلْتُ: "مُوَطَّأُ ابْنِ وَهْبٍ" كَبِيْرٌ لَمْ أَرَهُ، وَلَهُ كِتَابُ الجَامِعِ، وَكِتَابُ "البَيْعَةِ"، وَكِتَابُ "المَنَاسِكِ"، وَكِتَابُ "المَغَازِي"، وَكِتَابُ "الرِّدَّةِ"، وَكِتَابُ "تَفْسِيْرِ غَرِيْبِ المُوَطَّأِ"، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ الحَافِظُ: حَدَّثَ ابْنُ وَهْبٍ بِمائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَكْثَرَ حَدِيْثاً مِنْهُ، وَقَعَ عِنْدَنَا سَبْعُوْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ عَنْهُ.
قُلْتُ: كَيْفَ لاَ يَكُوْنُ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، وقد ضم إلى علمه علم مَالِكٍ وَاللَّيْثِ، وَيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، وَعَمْرِو بنِ الحَارِثِ، وَغَيْرِهِم؟!
قَالَ عَلِيُّ بنُ الجُنَيْدِ الحَافِظُ: سَمِعْتُ أَبَا مُصْعَبٍ الزُّهْرِيَّ يُعَظِّمُ ابْنَ وَهْبٍ وَيَقُوْلُ: مَسَائِلُهُ عَنْ مَالِكٍ صَحِيْحَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هُوَ صَدُوْقٌ صَالِحُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ فِي كَامِلِهِ: هُوَ مِنَ الثِّقَاتِ لاَ أَعْلَمُ لَهُ حَدِيْثاً مُنْكَراً إِذَا حَدَّثَ عَنْهُ ثِقَةٌ.
وَرَوَى أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ قَالَ: ابْنُ وَهْبٍ يَفصِلُ السَّمَاعَ مِنَ العَرْضِ مَا أَصَحَّ حَدِيْثَهُ، وَأَثْبَتَه! وَقَدْ كَانَ يُسِيءُ الأَخْذَ لَكِنْ مَا رَوَاهُ أَوْ حَدَّثَ بِهِ، وَجَدتُهُ صَحِيْحاً.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
قَالَ خَالِدُ بنُ خِدَاشٍ: قُرِئَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ كِتَابُ "أَهْوَالِ يَوْمِ القِيَامَةِ" -تَأْلِيْفُهُ- فَخَرَّ مَغْشِيّاً عليه. قَالَ: فَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِكَلِمَةٍ حَتَّى مَاتَ بَعْدَ أَيَّامٍ. رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
وَعَنْ سُحْنُوْنَ الفَقِيْهِ قَالَ: كَانَ ابْنُ وَهْبٍ قَدْ قَسَمَ دَهْرَهُ أَثْلاَثاً ثُلُثاً فِي الرِّبَاطِ وَثُلُثاً يُعَلِّمُ النَّاسَ بِمِصْرَ، وَثُلُثاً فِي الحَجِّ وَذُكِرَ أَنَّهُ حَجَّ ستًا وثلاثين حجة.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ قَالَ: دَعَوْتُ يُوْنُسَ بنَ يَزِيْدَ إِلَى وَلِيمَةِ عُرْسِي.(8/14)
وَبَلَغَنَا أَنَّ مَالِكاً الإِمَامَ كَانَ يَكْتُبُ إِلَيْهِ: إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ مُفْتِي أَهْلِ مِصْرَ، وَلَمْ يَفْعَلْ هَذَا مَعَ غَيْرِهِ. وَقَدْ ذُكِرَ عِنْدَهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ القَاسِمِ، فَقَالَ مَالِكٌ: ابْنُ وَهْبٍ عَالِمٌ، وَابْنُ القَاسِمِ فَقِيْهٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الهَمَذَانِيُّ: دَخَلَ ابْنُ وَهْبٍ الحَمَّامَ فَسَمِعَ قَارِئاً يَقْرَأُ: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّار} [المُؤْمِنُ: 47] ، فَغُشِيَ عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو زَيْدٍ بنُ أَبِي الغَمْرِ: كُنَّا نُسَمِّي ابْنَ وَهْبٍ: دِيْوَانَ العِلْمِ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ: نَظَرْتُ لابْنِ وَهْبٍ فِي نَحْوِ ثَمَانِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ.
قُلْتُ: هَذِهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي زُرْعَةَ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ: جَدُّ عَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ هُوَ مُسْلِمٌ مَوْلَى رَيْحَانَةَ، مَوْلاَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ أُنَيْسٍ الفِهْرِيِّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: بَحْشَلٌ: طَلَبَ عَبَّادُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَمِيْرُ عَمِّيَ لِيُوَلِّيَهُ القَضَاءَ، فَتَغَيَّبَ عَمِّي فَهَدَمَ عَبَّادٌ بَعْضَ دَارِنَا فَقَالَ الصَّبَّاحِيُّ لِعَبَّادٍ: مَتَى طَمِعَ هَذَا الكَذَا وَكَذَا أَنْ يَلِيَ القَضَاءَ؟! فَبَلَغَ ذَلِكَ عَمِّي، فَدَعَا عَلَيْهِ بِالعَمَى. قَالَ: فَعَمِيَ الصَّبَّاحِيُّ بَعْدَ جمعة.
قَالَ حَجَّاجُ بنُ رِشْدِيْنَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ وَهْبٍ يَتَذَمَّرُ، وَيَصِيْحُ فَأَشرَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ غُرْفَتِي فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ? قَالَ: يَا أَبَا الحَسَنِ! بَيْنَمَا أَنَا أَرْجُو أَنْ أُحْشَرَ فِي زُمْرَةِ العُلَمَاءِ أُحشَرُ فِي زُمْرَةِ القُضَاةِ. قَالَ: فَتَغَيَّبَ فِي يَوْمِهِ فَطَلبُوْهُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ: سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ يَقُوْلُ: نَذَرتُ أَنِّي كُلَّمَا اغْتَبْتُ إِنْسَاناً أَنْ أَصُوْمَ يَوْماً فَأَجْهَدَنِي فَكُنْتُ أَغْتَابُ وَأَصُوْمُ، فَنَوَيْتُ أَنِّي كُلَمَّا اغْتَبتُ إِنْسَاناً أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ فَمِنْ حُبِّ الدَّرَاهِمِ تَرَكتُ الغِيْبَةَ.
قُلْتُ: هَكَذَا -وَاللهِ- كَانَ العُلَمَاءُ، وَهَذَا هُوَ ثَمَرَةُ العِلْمِ النَّافِعِ، وَعَبْدُ اللهِ حُجَّةٌ مُطْلَقاً، وَحَدِيْثُهُ كَثِيْرٌ فِي الصِّحَاحِ، وَفِي دَوَاوِيْنِ الإِسْلاَمِ، وَحَسْبُكَ بِالنَّسَائِيِّ، وَتَعَنُّتِهِ فِي النَّقْدِ حَيْثُ يَقُوْلُ: وَابْنُ وَهْبٍ ثِقَةٌ مَا أَعْلَمُهُ رَوَى عَنِ الثِّقَاتِ حَدِيْثاً مُنْكَراً.
قُلْتُ: أَكْثَرَ فِي تَوَالِيْفِهِ مِنَ المَقَاطِيْعِ وَالمُعْضَلاَتِ، وَأَكْثَرَ عَنِ ابْنِ سَمْعَانَ وَبَابتِهِ، وَقَدْ تَمَعْقَلَ بَعْضُ الأَئِمَّةِ عَلَى ابْنِ وَهْبٍ فِي أَخذِهِ لِلْحَدِيْثِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَتَرَخَّصُ فِي الأَخذِ، وَسَوَاءٌ تَرَخَّصَ(8/15)
وَرَأَى ذَلِكَ سَائِغاً أَوْ تَشَدَّدَ فَمَنْ يَرْوِي مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ، وَيَنْدُرُ المُنْكَرُ فِي سَعَةِ مَا رَوَى، فَإِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي الإِتْقَانِ.
قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ بنُ عَمْرٍو: جَاءنَا نَعْيُ ابْنِ وَهْبٍ، وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ فَقَالَ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ، أُصِيْبَ به المسلمون عامة، وأصبت به خاصةً.
قُلْتُ: قَدْ كَانَ ابْنُ وَهْبٍ لَهُ دُنْيَا وَثَرْوَةٌ، فَكَانَ يَصِلُ سُفْيَانَ، وَيَبَرُّهُ فَلِهَذَا يَقُوْلُ: أُصِبْتُ بِهِ خَاصَّةً.
قَالَ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: كَانُوا أَرَادُوا ابْنَ وَهْبٍ عَلَى القَضَاءِ، فَتَغَيَّبَ. قَالَ: وَمَاتَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سَبْعٍ، وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: عَاشَ اثْنَتَيْنِ، وَسَبْعِيْنَ سَنَةً وَقَدْ وَقعَ لَنَا جُمْلَةٌ مِنْ عَالِي حَدِيْثِهِ فِي "الخِلَعِيَّاتِ"1، وَفِي "الثَّقَفِيَّاتِ"2، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ لُبَابَةَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ العُتْبِيَّ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي سُحْنُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ: أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ القَاسِمِ فِي النَّومِ فَقَالَ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ? فَقَالَ: وَجَدتُ عِنْدَهُ مَا أُحِبُّ. قَالَ لَهُ: فَأَيَّ أَعْمَالِكَ وَجَدتَ أَفْضَلَ? قَالَ: تِلاَوَةُ القُرْآنِ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: فَالمَسَائِلُ? فَكَانَ يُشِيْرُ بِأُصْبُعِهِ يُلَشِّيها. قَالَ: فَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، فَيَقُوْلُ لِي: هُوَ فِي عِلِّيِّيْنَ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ البُسْرِيِّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُنْقِذٍ الخَوْلاَنِيُّ "ح". وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُؤَيَّدِ أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ إِملاَءً قَالَ: قُرِئَ على عَبْدِ اللهِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ الأَشْعَثِ، وَأَنَا أَسْمَعُ: حَدَّثَكُم أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ قَالاَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ -وَهَذَا لَفظُ أَحْمَدَ- أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيْهِ سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ سَيْفٍ عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ قَالَ: قَالَتْ عائشة: إن
__________
1 الخلعيات: لمسند مصر القاضي أبي الحسن علي بن الحسن الخلعي الشافعي، وهي في عشرين جزءًا، وقد عرف بالخلعي؛ لأنه كان يبيع الخلع لاولاد الملوك. توفي في سنة "492" بمصر عن ثمانية وثمانين سنة.
2 الثقفيات: لمسند أصبهان ورئيسها أَبِي عَبْدِ اللهِ القَاسِمِ بنِ الفَضْلِ الثَّقَفِيِّ، شيخ السلفي، وهي في عشرة أجزاء، توفي في سنة "489هـ" عن بضع وتسعين سنة.(8/16)
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا يَوْمٌ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيْهِ عَبِيْداً مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ". زَادَ فِيْهِ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُنْقِذٍ: "وَإِنَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ المَلاَئِكَةَ" 1.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ قَالاَ: أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ يَحْيَى المَخْزُوْمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الخِلَعِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ بنِ النَّحَّاسِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو المَدِيْنِيُّ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي أَفلح بنُ حُمَيْدٍ، عن أبي بكر بن حزم عن سلمان الأَغر عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا، كَأَلْفِ صَلاَةٍ فِيْمَا سِوَاهُ، إلَّا المَسْجَدَ الحَرَامَ وَصَلاَةُ الجَمَاعَةِ خَمْس وَعِشْرُوْنَ دَرَجَةً على صلاة الفذ" 2.
رَوَى عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ سَمِعَ ابْنَ وَهْبٍ يَقُوْلُ لِسُفْيَانَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! الَّذِي عَرَضَ عَلَيْكَ فُلاَنٌ أَمْسِ، أَجِزْهَا لِي. قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: هَذَا الفِعلُ مَذْهَبُ طَائِفَةٍ وَإِنَّ الرِّوَايَةَ سَائِغَةٌ بِهِ وَبِهِ يَقُوْلُ: الزُّهْرِيُّ وَابْنُ عُيَيْنَةَ.
وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ المَخْزُوْمِيُّ عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سُفْيَانَ وَعِنْدَهُ ابْنُ مَعِيْنٍ، فَجَاءهُ ابْنُ وَهْبٍ بِجُزْءٍ فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! أُحَدِّثُ بِمَا فِيْهِ عَنْكَ? فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَعِيْنٍ: يَا شَيْخُ! هَذَا وَالرِّيْحُ سَوَاءٌ، ادْفَعِ الجُزءَ إِلَيْهِ حَتَّى نَنظُرَ فِي حَدِيْثِهِ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ الدَّوْرَقِيِّ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: ابْنُ وَهْبٍ لَيْسَ بِذَاكَ فِي ابْنِ جُرَيْجٍ كَانَ يُسْتَصْغَرُ. وَقَدْ وَرَدَ: أَنَّ اللَّيْثَ بنَ سَعْدٍ سَمِعَ مِنِ ابْنِ وَهْبٍ أَحَادِيْثَ ابْنِ جُرَيْجٍ.
فَمِنْ غَرَائِبِهِ عَنِ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: "أن رجلا زَنَى، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "1348" "436"، والنسائي "5/ 251، 252"، وابن ماجة "3014" من طرق عن عبد الله بن وهب، به.
2 صحيح: أخرجه أحمد "2/ 485"، والدارمي "1418"، والطحاوي "3/ 126" من طرق عن أفلح بن حميد، به.
والشطر الأول منه: أخرجه أبو يعلى "6166"، والطحاوي "3/ 127" من طريق محمد بن عمرو، عن سلمان أبي عبد الله الاغر، عن أبي هريرة، به.
والشطر الثاني منه: أخرجه مسلم "649" "247"، وأبو عوانة "2/ 2-3"، والبيهقي "3/ 60" من طريق أفلح بن حميد، به.
والفذ: الفرد.(8/17)
فَجُلِدَ ثُمَّ أُخْبِرَ أَنَّهُ مُحْصَنٌ فَرَجَمَهُ"1. لَكِنَّ هَذَا تَابَعَهُ عَلَيْهِ أَبُو عَاصِمٍ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
قَالَ هَارُوْنُ بنُ مَعْرُوْفٍ: سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ يَقُوْلُ: قَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: اكْتُبْ لِي أَحَادِيْثَ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ فَكَتَبْتُ لَهُ مائَتَيْنِ وَحَدَّثْتُهُ بِهَا.
عَمْرُو بنُ سَوَّادٍ: قَالَ لِي ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مِنْ ثَلاَثِ مائَةٍ وَسَبْعِيْنَ شَيْخاً، فَمَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَتَحَفَّظُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلاَثَةَ أَحَادِيْثَ.
يُوْنُسُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: وُلِدْتُ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ وَطَلَبْتُ العِلْمَ، وَأَنَا ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ وَدَعَوْتُ يُوْنُسَ يَوْمَ عُرْسِي. قَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عن ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ صَدُوْقاً.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى حَدَّثَنَا ابْنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ عَنِ العُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرُ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَسْجُدْ يَوْمَ ذِي اليَدِيْنَ سجدتي السهو"2.
وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ قَالَ: صَنَّفَ ابْنُ وَهْبٍ مائَةَ أَلْفٍ وَعِشْرِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ كُلُّهُ سوى حديثين عند حرملة.
__________
1 ضعيف: أخرجه أبو داود "4438" من طريق ابن وهب، عن ابن جريج، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان: الأولى: ابن جريج، والثانية أبو الزبير المكي، وها مدلسان وقد عنعناه. وأخرجه أبو داود "4439" من طريق أبي عاصم، عن ابن جريج، به.
2 منكر: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "4/ 142/ 976" من طريق يحيى بن معين، حدثنا ابن أبي مريم، به.
قلت: إسناده ضعيف، عبد الله بن عمر بن حفص العمري، ضعفه ابن المديني، والنسائي، وابن حبان وقال ابن معين: ليس به بأس. وقال الذهبي في "الميزان": في حفظه شيء، وهو يخالف الحديث الصحيح الثابت الذي رواه مسلم "573" "99" بإسناده عن أبي هريرة قال: صلى لَنَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَةُ العصر، فسلم في ركعتين، فقام ذو اليدين فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله! أم نسيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل ذلك لم يكن". فقال: قد كان بعض ذلك يا رسول الله فأقبل رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الناس فقال: "أصدق ذو اليدين"؟ فقالوا: نعم يا رسول الله فأتم رسول الله ما بقي من الصلاة ثم سجد وهو جالس بعد التسليم".(8/18)
قُلْتُ: وَمَعَ هَذِهِ الكَثْرَةِ فَيَعْتَرِفُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَيَقُوْلُ: لاَ أَعْلَمُ لَهُ حَدِيْثاً مُنْكَراً مِنْ رِوَايَةِ ثِقَةٍ عَنْهُ.
وَرَوَى أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ قَالَ: مَا أَصَحَّ حَدِيْثَ ابْنِ وَهْبٍ وَأَثْبَتَه! يُفَصِّلُ السَّمَاعَ مِنَ العَرْضِ وَالحَدِيْثَ مِنَ الحَدِيْثِ. فَقِيْلَ لَهُ: أَلَيْسَ كَانَ سَيِّئَ الأَخْذِ? قَالَ: بَلَى وَلَكِنْ إِذَا نَظَرتَ فِي حَدِيْثِهِ، وَمَا رَوَى عَنْ مَشَايِخِه وَجَدتَه صَحِيْحاً مَرَّ هَذَا مُخْتَصَراً.
وَعَنِ الحَارِثِ بنِ مِسْكِيْنٍ قَالَ: شَهِدتُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَمَعَهُ ابْنُ وَهْبٍ فَسُئِلَ عَنْ شَيْءٍ فَسَأَلَ ابْنَ وَهْبٍ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا شَيْخُ أَهْلِ مِصْرَ يُخْبِرُ عَنْ مَالِكٍ بِكَذَا.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ: ابْنُ وَهْبٍ هُوَ الَّذِي عُنِيَ بِجمعِ مَا رَوَى أَهْلُ الحِجَازِ، وَأَهْلُ مِصْرَ، وَحَفِظَ عَلَيْهِم حَدِيْثَهُم، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَكَانَ مِنَ العُبَّادِ.
قَالَ يُوْنُسُ الصَّدَفِيُّ: عُرِضَ عَلَى ابْنِ وَهْبٍ القَضَاءُ فَجَنَّنَ نَفْسَهُ، وَلَزِمَ بَيْتَهُ.
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مَالِكٍ، فَسُئِلَ عَنْ تَخْلِيْلِ الأَصَابِعِ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ فَتَرَكْتُ حَتَّى خَفَّ المَجْلِسُ فَقُلْتُ: إِنَّ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ سُنَّةً حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ عَنْ أَبِي عُشَّانَةَ عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا تَوَضَّأْتَ خَلِّلْ أَصَابعَ رِجْلَيْكَ" 1. فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يُسْأَلُ عَنْهُ، فَيَأْمُرُ بِتَخْلِيْلِ الأَصَابِعِ، وَقَالَ لِي: مَا سَمِعْتُ بِهَذَا الحَدِيْثِ قَطُّ إِلَى الآنَ.
سَمِعنَاهُ فِي "إِرْشَادِ" الخَلِيْلِيِّ: حَدَّثَنِي جَدِّي، وَعَلِيُّ بنُ عُمَرَ الفَقِيْهُ وَالقَاسِمُ بنُ عَلْقَمَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَصَالِحُ بنُ عِيْسَى قَالُوا: حدثنا ابن أبي حاتم.
__________
1 صحيح بطرقة: ورد عن لقيط بن صبرة في حديث طويل مرفوعا بلفظ: "أسبغ الوضوء، وخلل بين أصابعك، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" أخرجه الشافعي في "مسنده" "1/ 30، 31"، وأبو داود "142"، والبيهقي "7/ 303"، والبغوي "213" من طق عن يحيى بن سليم، عن إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه، به.
وعن المستورد بن شداد: عند أحمد "4/ 229"، وأبي داود "148"، وابن ماجه "446"، والبيهقي "1/ 76". وعن ابن عباس مرفوعا بلفظ: "إذا توضأت فخلل بين أصابع يديك ورجليك". أخرجه الترمذي "39"، وابن ماجه "447".(8/19)
1377- محمد بن حمير 1: "خ، س، ق"
ابن أنيس، المُحَدِّثُ العَالِمُ، شَيْخُ حِمْصَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ الحَمِيْدِ القُضَاعِيُّ ثُمَّ السَّلِيْحِيُّ. وَسَلِيْحٌ: بَطْنٌ مِنْ قُضَاعَةَ. رَوَى عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الأَلْهَانِيِّ، وَثَابِتِ بنِ عَجلاَنَ وَمُحَمَّدِ بنِ الوَلِيْدِ الزُّبَيْدِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، وعمرو بن قيس السكوني وطبقتهم.
وَعَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى وَخَطَّابُ بنُ عُثْمَانَ وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ وَكَثِيْرُ بنُ عُبَيْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ الفَرَجِ الحِجَازِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَرَوَى عَنْهُ مِنْ شُيُوْخِهِ: ابْنُ لَهِيْعَةَ، وَمَاتَ ابْنُ لَهِيْعَةَ قَبْلَ الحِجَازِيِّ بِبِضْعٍ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَثَّقَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَدُحَيْمٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ، وَبَقِيَّةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
قُلْتُ: مَا هُوَ بِذَاكَ الحُجَّةِ حَدِيْثُهُ يُعَدُّ فِي الحِسَانِ وَقَدِ انْفَرَدَ بِأَحَادِيْثَ مِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيْحِهِ" لَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ قَرَأَ آيَةَ الكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوْبَةٍ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ إلَّا أَنْ يَمُوْتَ" 2.
تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ سنة مائتين.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 159"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 308، 309" والجرح والتعديل "7/ ترجمة 1315"، والكاشف "3/ ترجمة 4886"، والمغني "2/ ترجمة 5454"، والعبر "1/ 334"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 7459"، وتهذيب التهذيب "9/ 134"، وتقريب التهذيب "2/ 156"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6170"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 359".
2 حسن: أخرجه الطبراني في "الكبير" "8/ 7532" من طرق عن محمد بن حمير، حدثني محمد بن زياد الألهاني قال: سمعت أبا أمامة يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فذكره.
قلت: إسناد حسن، محمد بن حمير بن أنيس السلمي الحمصي، صدوق.(8/20)
1378- مخلد بن الحسين 1: "س"
الإِمَامُ، الكَبِيْرُ، شَيْخُ الثَّغْرِ أَبُو مُحَمَّدٍ الأزدي المهلبي البصري ثم المصيصي.
حدث عن: مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَهِشَامُ بنُ حَسَّانٍ وَيُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ وَالأَوْزَاعِيُّ، وَعِدَّةٌ.
وَعَنْهُ: حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَالحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ، وَأَبُو صَالِحٍ مَحْبُوْبٌ الفَرَّاءُ وَالمُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ، وَمُوْسَى بنُ أَيُّوْبَ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ رَجُلٌ صَالِحٌ عَاقِلٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ أَعقَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ.
رُوِيَ أَنَّ الرَّشِيْدَ قَالَ لَهُ: مَا قَرَابَةُ مَا بَيْنِكَ، وَبَيْنَ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ? قَالَ: هُوَ وَالِدُ إِخْوَتِي يَعْنِي: مَا قَالَ: زَوْجُ أُمِّي.
قَالَ سُنَيْدُ بنُ دَاوُدَ: سَمِعْتُ مَخْلَدَ بنَ الحُسَيْنِ يَقُوْلُ: مَا نَدَبَ اللهُ العِبَادَ إِلَى شَيْءٍ إلَّا اعْتَرَضَ فِيْهِ إِبْلِيْسُ بِأَمْرَيْنِ، مَا يُبَالِي بِأَيِّهِمَا ظَفِرَ: إِمَّا غُلُوٌّ فِيْهِ وَإِمَّا تَقَصِيْرٌ عَنْهُ.
قِيْلَ: تُوُفِّيَ مَخْلَدٌ سَنَةَ إِحْدَى، وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ، وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَلَهُ شَيْءٌ فِي مقدمة "صحيح مسلم".
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 489"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 181"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1592"، والحلية لأبي نعيم "8/ 266"، والكاشف "3/ ترجمة 5443"، وتهذيب التهذيب "10/ 72"، وتقريب التهذيب "2/ 235"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 6898".(8/21)
1379- مخلد بن يزيد 1: "خ، م، د، س، ق"
الحراني أَحَدُ الأَئِمَّةِ الثِّقَاتِ.
حَدَّثَ عَنْ: يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَجَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ وَحَنْظَلَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ وَالأَوْزَاعِيِّ.
وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَخُوْهُ عُثْمَانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ.
قُلْتُ: مُحتَجٌّ بِهِ فِي الصِّحَاحِ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثلاث، وتسعين ومائة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1913"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 459" والجرح والتعديل "8/ 1591"، والأنساب للسمعاني "4/ 96"، والعبر "1/ 311"، والكاشف "3/ ترجمة 5439"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8394"، وتهذيب التهذيب "10/ 77"، وتقريب التهذيب "2/ 235"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 6907".(8/21)
1380- عبد الوهاب الثَّقَفِيُّ 1: "ع"
هُوَ الإِمَامُ الأَنبَلُ، الحَافِظُ الحُجَّةُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَبْدِ المَجِيْدِ بنِ الصَّلْتِ بنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ صَاحِبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحَكَمِ بنِ أَبِي العَاصِ الثَّقَفِيُّ، البَصْرِيُّ، وَالحَكَمُ: هُوَ أَخُو الأَمِيْرِ عُثْمَانَ بنِ أَبِي العَاصِ -رَضِيَ اللهُ عنهما.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ قَالَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. أَوْ سَنَةَ عَشْرٍ قَالَهُ: الفَلاَّسُ.
حَدَّثَ عَنْ: أَيُّوْبَ وَحُمَيْدٍ وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَالحَذَّاءِ وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَإِسْحَاقَ بنِ سُوَيْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ وَأَبِي هَارُوْنَ العَبْدِيِّ وَجَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَمَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ، وَالجُرَيْرِيِّ، وَعَوْفٍ، وَخَلْقٍ.
وَعَنْهُ: أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَيَحْيَى وَعَلِيٌّ، وَالفَلاَّسُ وَبُنْدَارُ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ مُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى العَدَنِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ رُسْتَه، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الزِّمَّانِيُّ، وَيَحْيَى بنُ حَكِيْمٍ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ وَخَلْقٌ.
قَالَ الحَارِثُ النَّقَّالُ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ: أَرْبَعَةٌ أَمرُهُم فِي الحَدِيْثِ، وَاحِدٌ: جَرِيْرٌ وَمُعْتَمِرٌ وَعَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَعَبْدُ الأَعْلَى السَّامِيُّ كَانُوا يُحَدِّثُونَ مِنْ كُتُبِ النَّاسِ، وَيَحْفَظُونَ ذَلِكَ الحِفْظَ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، اخْتُلِطَ بِأَخَرَةٍ.
وَقَالَ عُقْبَةُ بنُ مُكْرَمٍ العَمِّيُّ: اخْتُلِطَ عَبْدُ الوَهَّابِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ، أَوْ أَرْبَعٍ.
وَقَالَ الفَسَوِيُّ: قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا كِتَابٌ عَنْ يَحْيَى أَصَحَّ مِنْ كِتَابِ عَبْدِ الوَهَّابِ، وَكُلُّ كِتَابٍ عَنْ يَحْيَى فَهُوَ عَلَيْهِ كَلٌّ يَعْنِي: كِتَابَ عبد الوهاب.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 289"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 1822"، والمعرفة والتاريخ "1/ 177، 518"، "104، 132"، والضعفاء الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 1040"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 369"، وتاريخ بغداد "11/ 18"، والكاشف "2/ ترجمة 3567"، والمغني "2/ ترجمة 3894"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 5321"، والعبر "1/ 314، 408"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 300"، وتهذيب التهذيب "6/ 449"، وتقريب التهذيب "1/ 528" وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4509"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 340".(8/22)
أَخْبَرَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ إِذْناً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ أَخْبَرَنَا القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ حَدَّثَنَا أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بنُ عَلِيٍّ الدَّسْكَرِيُّ بِحُلْوَانَ، سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدِ بنِ عِصْمَةَ البُخَارِيَّ، سَمِعْتُ الفَضْلَ بنَ العَبَّاسِ الهَرَوِيَّ، سَمِعْتُ عَاصِماً المَرْوَزِيَّ سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ عَلِيٍّ يَقُوْلُ: كَانَتْ غَلَّةُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ عَبْدِ المَجِيْدِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَا بَيْنَ أَرْبَعِيْنَ أَلفاً إِلَى خَمْسِيْنَ أَلْفاً، فَكَانَ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ السَّنَةَ، لَمْ يُبْقِ مِنْهَا شَيْئاً كَانَ يُنْفِقُهَا عَلَى أَصْحَابِ الحَدِيْثِ.
وَبِهِ إِلَى الخَطِيْبِ: أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ الصَّيْمَرِيُّ، حَدَّثَنَا المَرْزُبَانِيُّ أَخْبَرَنِي الصُّوْلِيُّ، حَدَّثَنَا يَمُوْتُ بنُ المُزَرَّعِ حَدَّثَنَا الجَاحِظُ، قَالَ: قَالَ النَّظَّامُ، وَذَكَرَ عَبْدَ الوَهَّابِ الثَّقَفِيَّ فَقَالَ: هُوَ وَاللهِ أَحلَى مِنْ أَمْنٍ بَعْدَ خَوْفٍ، وَبُرْءٍ بَعْدَ سُقْمٍ وَخِصْبٍ بَعْدَ جَدْبٍ، وَغِنَىً بَعْدَ فَقْرٍ وَمِنْ طَاعَةِ المَحْبُوْبِ وَفَرَجِ المَكْرُوْبِ، وَمِنَ الوِصَالِ الدَّائِمِ مَعَ الشَّبَابِ النَّاعِمِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً وَفِيْهِ ضَعْفٌ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ، وَمائَةٍ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: تَغَيَّرَ.
وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ.
قُلْتُ: لَكِنْ مَا ضَرَّهُ تَغَيُّرُهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْ زَمَنَ التَّغَيُّرِ بِشَيْءٍ.
وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ الذَّارِعُ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: تَغَيَّرَ جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، فَحُجِبَ النَّاسُ عَنْهُم.
وَمِنْ أَفرَادِ عَبْدِ الوَهَّابِ: حَدِيْثُهُ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، عَنْ أَبِيْهِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوْعاً: "قَضَى بِالِيمِيْنِ وَالشَّاهِدِ" 1. رَوَاهُ: مَالِكٌ وَالقَطَّانُ وَالنَّاسُ عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيْهِ مُرْسَلاً.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّيْنَوَرِيُّ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، "ح". وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ العِمَادِ وَمُحَمَّدُ بنُ بَطِّيْخٍ وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ أَحْمَدَ قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَجْمٍ "ح". وَأَخْبَرَتْنَا خَدِيْجَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ قَالاَ: أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ الكَاتِبَةُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ طَلْحَةَ قَالَ هُوَ، وَعَاصِمٌ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَهْدِيٍّ الفَارِسِيُّ حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الحَذَّاءُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَا عَبْدَ اللهِ! ألَّا أُعَلِّمُكَ كَلِمَةً مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ: لاَ حَوْلَ ولا قوة إلَّا بالله" 2.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 305"، والترمذي "1344"، وابن ماجه "2369" من طريق عبد الوهاب الثقفي، به، وأخرجه مالك "2/ 711" مرسلا.
وله شاهد عن ابن عباس: عند أحمد "1/ 315"، ومسلم "1712"، وأبو داود "3608". وشاهد آخر عن أبي هريرة: عند أبي داود "3610"، والترمذي "1343"، وابن ماجه "2368".
2 صحيح: أخرجه البخاري "6409"، ومسلم "2704"، وأبو داود "1526".(8/23)
1381- أحمد بن بشير 1: "خَ، ت"
المُحَدِّثُ العَالِمُ أَبُو بَكْرٍ الكُوْفِيُّ مَوْلَى عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ المَخْزُوْمِيِّ. وَيُقَالُ: مِنْ مَوَالِي هَمْدَانَ.
حَدَّثَ بِبَغْدَادَ عَنِ: الأَعْمَشِ وَابْنِ أَبِي خَالِدٍ وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَمُجَالدٍ، وَشَبِيْبِ بنِ بِشْرٍ، وَهَاشِمِ بنِ هَاشِمٍ وَمِسْعَرٍ، وَخَلْقٍ.
وَعَنْهُ: إِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَابْنُ عَرَفَةَ وَسَلْمُ بنُ جُنَادَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ يُقَيِّنُ وَلَيْسَ بِحَدِيْثِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ: مَوْصُوْفٌ بِالصِّدْقِ.
وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: كَانَ صَدُوْقاً حَسَنَ المَعْرِفَةِ بِأَيَّامِ الناس حسن الفَهْمِ، رَأْساً فِي الشُّعُوْبِيَّةِ2، يُخَاصمُ فِيْهَا فَاتَّضَعَ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِذَاكَ القوِيِّ.
وَلَيَّنَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ دَاوُدَ: ثِقَةٌ مُكْثرٌ.
قَالَ هَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ: تُوُفِّيَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 396"، والتاريخ الكبير "2/ ترجمة 1477"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 14"، وتاريخ بغداد "4/ 46"، وميزان الاعتدال "1/ 85"، والكاشف "1/ ترجمة 11"، وتهذيب التهذيب "1/ 18".
2 الشعوبية: هم الذين يصغرون شأن العرب، ولا يرون لهم فضلا على غيرهم.(8/24)
1382- عبد الأعلى 1: "ع".
ابن عبد الأعلى السامي الإِمَامُ، المُحَدِّثُ الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ البَصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ وَالجُرَيْرِيِّ وَدَاوُدَ بنَ أَبِي هِنْدٍ، وَيُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَطَبَقَتِهِم وَمَنْ بَعْدَهُم.
رَوَى عَنْهُ: إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الزِّمَّانِيُّ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ عَيَّاشُ بنُ الوَلِيْدِ الرَّقَّامُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى أَبُو مُحَمَّدٍ، وَأَبُو هَمَّامٍ يَعْنِي: أَنَّ لَهُ كُنْيَتَيْنِ.
وَأَمَّا ابْنُ سَعْدٍ فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالقَوِيِّ.
قُلْتُ: بَلْ هُوَ صَدُوْقٌ قَوِيُّ الحَدِيْثِ، لَكِنَّهُ رُمِيَ بِالقَدَرِ. فَاللهُ أَعْلَمُ.
تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ، وَمائَةٍ وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ سَبْعِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ بُنْدَارُ: وَاللهِ مَا كَانَ عَبْدُ الأَعْلَى بنُ عَبْدِ الأَعْلَى يَدْرِي أَيَّ طَرَفَيْهِ أَطوَلَ أَوْ أَيَّ رِجْلَيْهِ أَطوَلَ.
قُلْتُ: تَقَرَّرَ الحَالُ أَنَّ حَدِيْثَهُ مِنْ قِسْمِ الصَّحِيْحِ نَعَمْ مَا هُوَ فِي القُوَّةِ فِي رتبة يحيى القطان وغندر.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 290"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 1748"، والمعرفة والتاريخ "1/ 180، 243، 253"، "2/ 104، 119"، والضعفاء الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 1020"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 147"، والمغني "1/ ترجمة 3445"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 4728"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 277"، وتهذيب التهذيب "6/ 96"، وتقريب التهذيب "1/ 465"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3952"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 324".(8/25)
1383- عبد الله بن نمير 1: "ع"
الحَافِظُ الثِّقَةُ الإِمَامُ أَبُو هِشَامٍ الهَمْدَانِيُّ الخَارِفِيُّ مَوْلاَهُمْ الكُوْفِيُّ.
وُلِدَ فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
وَرَوَى عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ وَالأَعْمَشِ وَأَشْعَثَ بنِ سَوَّارٍ وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَزَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَيَزِيْدَ بنُ أَبِي زِيَادٍ وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ العُمَرِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ الفَضْلِ المَخْزُوْمِيِّ، وَخَلْقٍ مِنْ طَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَبَنُو أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ أَبِي السَّفَرِ وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.
وَثَّقَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ وَغَيْرُهُ.
وَمِمَّنْ يَرْوِي عَنْهُ ابْنُهُ الحَافِظُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ.
تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَعَ لِي جُمْلَةٌ مِنْ عواليه: أخبرنا أحمد بن عبد المنعم الطَّاوُوْسِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَأَبْرِدُوْهَا بالماء" 2.
متفق عليه.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 394"، والتاريخ الكبير "5/ ترجمة 700"، والكنى للدولابي "2/ 153"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 869"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 311"، والكاشف "2/ ترجمة 3062"، والعبر "1/ 330، 441"، "2/ 33، 44"، وتهذيب التهذيب "6/ 57"، وتقريب التهذيب "1/ 457"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3869"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 357".
2 صحيح: أخرجه البخاري "5725"، ومسلم "2210" من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، وأبي كريب عن عبد الله بن نمير، به.(8/26)
1384- يونس بن بُكَير 1: "خت، 4، م"
ابن واصل الإمام الحافظ الصدوق، صاحب المغازي، والسير. وَيُقَالُ لَهُ: أَبُو بُكَيْر يُكْنَى: أَبَا بَكْرٍ الكُوْفِيَّ الحَمَّالَ وَالِدُ بَكْرٍ وَعَبْدِ اللهِ.
حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَطَلْحَةَ بنِ يَحْيَى، وَزَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ فَأَكْثَرَ عَنْهُ وَعُمَرَ بنِ ذَرٍّ، وَكَهْمَسِ بنِ الحَسَنِ، وَمَطَرِ بنِ مَيْمُوْنٍ المُحَارِبِيِّ، وَالنَّضْرِ أَبِي عُمَرَ الخَزَّازِ، وَالسَّرِيِّ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَأَبِي خَلْدَةَ خَالِدِ بنِ دِيْنَارٍ، وَأَسْبَاطِ بنِ نَصْرٍ، وَعَلِيِّ بنِ الحَزَوَّرِ، وَيُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبِي كَعْبٍ صَاحِبِ الحَرِيْرِ وَحَجَّاجِ بنِ أَبِي زَيْنَبَ وَشُعْبَةَ، وَخَلْقٍ.
وَعَنْهُ: سَعْدُوَيْه، وَابْنُ نُمَيْرٍ وَإِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى الخَطْمِيُّ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَهَنَّادٌ وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُثَنَّى وَعُبَيْدُ بنُ يَعِيْشَ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ وَسُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ، وَعُقْبَةُ بنُ مُكْرَمٍ الضَّبِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ كَرَامَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى القَطَّانُ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ العُطَارِدِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
رَوَى عَبَّاسٌ عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: كَانَ صَدُوْقاً.
وَرَوَى مُضَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ مَرَّةً عَنْهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَرَوَى إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنَيْدِ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ قَالَ: كَانَ ثِقَةً، صَدُوْقاً إلَّا أَنَّهُ كَانَ مَعَ جَعْفَرِ بنِ يَحْيَى البَرْمَكِيِّ وَكَانَ مُوْسِراً، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّهُم يَرْمُوْنَهُ بِالزَّنْدَقَةِ لِكَذَا وكذا فقال: كذب. ثم قال يَحْيَى: رَأَيْتُ ابْنَيْ أَبِي شَيْبَةَ أَتَيَاهُ، فَأَقْصَاهُمَا وَسَأَلاَهُ كِتَاباً، فَلَمْ يُعْطِهِمَا فَذَهبَا يَتَكَلَّمَانِ فِيْهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: بَكْرُ بنُ يُوْنُسَ بنِ بُكَيْرٍ لاَ بَأْسَ بِهِ، كَانَ أَبُوْهُ عَلَى مَظَالِمِ جَعْفَرٍ، وَبَعْضُ النَّاسِ يضعفونهما.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 399"، والتاريخ الكبير "8/ ترجمة 3523"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 711"، "3/ 141، 249"، والضعفاء الكبير للعقيلي "4/ ترجمة 2093"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 995"، والكامل لابن عدي "7/ ترجمة 2084"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة رقم 310"، والكاشف "3/ ترجمة 6581"، والمغني "2/ ترجمة 7261"، والعبر "1/ 331، 441"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9900"، وتهذيب التهذيب "11/ 434"، وتقريب التهذيب "2/ 384"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 357".(8/27)
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ: أَيَّ شَيْءٍ تُنْكِرُ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: أَمَّا فِي الحَدِيْثِ فَلاَ أَعْلَمُهُ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّه الصِّدْقُ.
وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: لَيْسَ هُوَ عِنْدِي حُجَّةً يَأْخُذُ كَلاَمَ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَيُوصِلُهُ بِالأَحَادِيْثِ سَمِعَ مِنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِالرَّيِّ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ وَقَالَ مَرَّةً: ضَعِيْفٌ.
وَقَوَّاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ.
وَجَاءَ عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ أَيْضاً: ثِقَةٌ إلَّا أَنَّهُ مُرْجِئٌ يَتْبَعُ السُّلْطَانَ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجُوْزَجَانِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُتَثَبَّتَ فِي أَمْرِهِ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كَتَبْتُ عَنْهُ وَلَيْسَ أُحَدِّثُ عَنْهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ: قَالَ لِي يَحْيَى الحِمَّانِيُّ: لاَ أَسْتَحِلُّ الرواية عن يونس.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ وَعُبَيْدُ بنُ يَعِيْشَ: ثِقَةٌ.
وَقَدْ رَوَى لَهُ: مُسْلِمٌ فِي الشَّوَاهدِ، لاَ الأُصُوْلِ.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيْهِ عَنِ البَرَاءِ، عَنْ زَيْدِ بنِ حَارِثَةَ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! آخَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ حَمْزَةَ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ.
مَاتَ يُوْنُسُ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَقَدْ قَارَبَ الثَّمَانِيْنَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المُقَيَّرِ وَجَمَاعَةٌ قَالُوا: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ قُمَيْرَةَ أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ، أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبٍ البَاقِلاَّنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ الأَدَمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الهَاشِمِيُّ وَأَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ، وَعُثْمَانُ بنُ السَّمَّاكِ قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ أَخْبَرَنَا يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ أُمِّي تُعَالِجُنِي تُرِيْدُ أَنْ تُسَمِّنَنِي بَعْضَ السِّمَنِ، لِتُدْخِلَنِي عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَا اسْتَقَامَ لَهَا ذَلِكَ، حَتَّى أَكَلتُ التَّمْرَ بِالقِثَّاءِ، فسمنت أحسن ما يكون من السمن1.
__________
1 صحيح: أخرجه أبو داود "3903" من طريق محمد بن إسحاق، وابن ماجه "3324" من طريق يونس بن بكير كلاهما عن هشام بن عروة، به.(8/28)
1385- علي بن عاصم 1: "د، ت، ق"
ابن صهيب الإِمَامُ، العَالِمُ، شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ، مُسْنِدُ العِرَاقِ أَبُو الحَسَنِ القُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ مَوْلَى قَرِيْبَةَ، أُخْتِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ الوَاسِطِيِّ.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ فَهُوَ مِنْ أَسْنَانِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ.
وَرَوَى عَنْ: حُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَبَيَانِ بنِ بِشْرٍ وَيَحْيَى البَكَّاءِ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ وَمُحَمَّدِ بنِ سُوْقَةَ، وَمُطَرِّفِ بنِ طَرِيْفٍ، وَعَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ وَبَهْزِ بنِ حَكِيْمٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، وَالجُرَيْرِيِّ وَعُمَارَةَ بنِ أَبِي حَفْصَةَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَأَبِي هَارُوْنَ العَبْدِيِّ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.
وَعَنْهُ: يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ مَعَ تَقَدُّمِهِ وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ حرب النشائي وزياد بن أَيُّوْبَ وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَأَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ وَسَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى المَدَائِنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ المُنَادِي، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَيُّوْبَ المُخَرِّمِيُّ، وَيَحْيَى بنُ جَعْفَرٍ البِيْكَنْدِيُّ وَيَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَيُوْسُفُ بنُ عِيْسَى المَرْوَزِيُّ، وَعَمْرُو بنُ رَافِعٍ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ الطَّرَسُوْسِيُّ، وَهَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ، وَمُوْسَى بنُ سَهْلٍ الوَشَّاءُ وَالحَسَنُ بنُ مُكْرَمٍ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ عَلَى اخْتِلاَفِ أَصْحَابِنَا فِيْهِ، مِنْهُم مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ كَثْرَةَ الخَطَأِ وَالغَلَطِ، وَمِنْهُم مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ تَمَادِيهِ فِي ذَلِكَ، وَتَرْكَهُ الرُّجُوْعَ عَمَّا خَالفَ فِيْهِ النَّاسَ وَلَجَاجَتَهُ فِيْهِ، وَثَبَاتَهُ عَلَى الخَطَأِ وَمِنْهُم مَنْ تَكَلَّمَ فِي سُوءِ حِفْظِهِ، وَاشتِبَاهِ الأَمْرِ عَلَيْهِ
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 313"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمته 2435"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 640"، والضعفاء والمتروكين للنسائي "ترجمة 430"، والكنى للدولابي "1/ 147"، والضعفاء الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 1244"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 1092"، والمجروحين لابن حبان "2/ 113"، والكامل لابن عدي "5/ ترجمة 1348"، وتاريخ بغداد "11/ 446"، والأنساب للسمعاني "10/ 118"، والعبر "1/ 336"، "2/ 53"، والكاشف "2/ ترجمة 3994"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 5873"، وتهذيب التهذيب "7/ 344"، وتقريب التهذيب "2/ 39"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5006"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 2".(8/29)
فِي بَعْضِ مَا حَدَّثَ بِهِ مِنْ سُوءِ ضَبطِهِ، وَتَوَانِيْهِ عَنْ تَصَحِيْحِ مَا كَتَبَ الوَرَّاقُونَ لَهُ، وَمِنْهُم مَنْ قِصَّتُهُ عِنْدَهُ أَغلَظُ مِنْ هَذِهِ القَصَصِ، وَقَدْ كَانَ رَحِمَهُ اللهُ مِنْ أَهْلِ الدِّيْنِ، وَالصَّلاَحِ وَالخَيْرِ البَارِعِ شَدِيْدَ التَّوَقِّي، وَلِلْحَدِيْثِ آفَاتٌ تُفْسِدُهُ.
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا عَتَّابُ بنُ زِيَادٍ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ قَالَ: قُلْتُ لِعَبَّادِ بنِ العَوَّامِ: يَا أَبَا سَهْلٍ: مَا بَالُ صَاحِبِكُم? يَعْنِي: عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ قَالَ: لَيْسَ يُنكَرُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ وَلَكِنَّهُ كَانَ رَجُلاً مُوْسِراً، وَكَانَ الوَرَّاقُونَ يكتبون له، فنراه أتي من كتبه.
قَالَ يَعْقُوْبُ: وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ بنُ يَعِيْشَ قَالَ: رَجَعْنَا مَعَ وَكِيْعٍ عَشِيَّةَ جُمُعَةٍ، وَمَعَنَا ابْنُ حَنْبَلٍ وَخَلَفٌ، فَكَانَ وَكِيْعٌ يُحَدِّثُ خَلَفاً فَقَالَ لَهُ: مَنْ بَقِيَ عِنْدَكُم? فَذَكَرَ شُيُوخاً، وَقَالَ: عِنْدَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ فَقَالَ، وَكِيْعٌ: مَا زِلْنَا نَعرِفُهُ بِالخَيْرِ. قَالَ خَلَفٌ: إِنَّهُ يَغلَطُ فِي أَحَادِيْثَ. قَالَ: دَعُوا الغَلَطَ وَخُذُوا الصِّحَاحَ، فَإِنَّا مَا زِلْنَا نَعرِفُهُ بِالخَيْرِ.
قُلْتُ: كَانَ عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ أَكْبَرَ مِنْ وَكِيْعٍ بِنَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
قَالَ يَعْقُوْبُ: وَحَدَّثَنِي العَبَّاسُ بنُ صَالِحٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَسْوَدَ بنَ سَالِمٍ قُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّ وَكِيْعاً كَانَ يُقَدِّمُ عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ، وَيَرفَعُ أَمرَهُ. فَقَالَ لِي أَسْوَدُ بنُ سَالِمٍ: إِنَّمَا قَالَ وَكِيْعٌ وَذَكَرَهُ يَوْماً: لَوْ تُرِكَ مَا يَغلَطُ فِيْهِ وَأَخَذُوا غَيْرَهُ لَكَانَ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ حَدَّثَنِي عَفَّانُ قَالَ: قَدِمْتُ أَنَا وَبَهْزٌ وَاسِطَ فَدَخَلْنَا عَلَى عَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتُمَا? قُلْنَا: مَنْ أَهْلِ البَصْرَةِ فَقَالَ: مَنْ بَقِيَ? فَجَعَلْنَا نَذكُرُ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ وَالمَشَايِخَ فَلاَ نَذكُرُ لَهُ إِنْسَاناً إلَّا اسْتَصْغَرَهُ، فَلَمَّا خَرَجْنَا قَالَ بَهْزٌ: مَا أَرَى هَذَا يُفْلِحُ.
قَالَ الخَطِيْبُ: قَدْ كَانَ عَلِيٌّ مِنْ ذَوِي الأَمْوَالِ وَالاتِّسَاعِ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يَزَلْ يُنْفِقُ فِي طَلَبِ العِلْمِ، وَيُفْضِلُ عَلَى أَهْلِهِ قَدِيْماً وَحَدِيْثاً.
أَخْبَرْنَا ابْنُ عِلاَّنَ إِذْناً، أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ أَخْبَرَنَا القزاز أخبرنا الخَطِيْبُ، حَدَّثَنِي مَسْعُوْدُ بنُ نَاصِرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ المُزَكِّي، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ المَرْوَانِيُّ سَمِعْتُ زَنْجَوَيْه اللَّبَّادَ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ كَثِيْرٍ البَكْرِيَّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ أَعْيَنَ بِالمَصِّيْصَةِ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ يَقُوْلُ: دَفَعَ إِلَيَّ أَبِي مائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَالَ: اذْهَبْ، فَلاَ أَرَى لَكَ وَجْهاً إلَّا بِمائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ.
وَبِهِ إِلَى الخَطِيْبِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ فَضَالَةَ بِالرَّيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ(8/30)
ابن جَعْفَرٍ بِبَلْخَ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ حَرْبٍ النَّيْسَابُوْرِيَّ سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ يَقُوْلُ: أَعْطَانِي أَبِي مائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَتَيْتُهُ بِمائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ، وَكُنْتُ أُرْدِفُ هُشَيْماً خَلْفِي لِيَسْمَعَ مَعِيَ الشَّيْءَ بَعْدَ الشَّيْءِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ: حَدَّثَنَا، وَكِيْعٌ أَدْرَكتُ النَّاسَ وَالحَلْقَةُ لعَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ بِوَاسِطَ.
قِيْلَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ! إِنَّهُ يَغْلَطُ. قَالَ: دَعُوْهُ وَغَلَطَهُ.
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا أَبِي: قَالَ وَكِيْعٌ، وَذُكِرَ عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ فَقَالَ: خُذُوا حَدِيْثَهُ مَا صَحَّ وَدَعُوا مَا غَلِطَ أَوْ مَا أَخْطَأَ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: كَانَ أَبِي يَحْتَجُّ بِهَذَا، وَيَقُوْلُ: كَانَ يَغلَطُ وَيُخْطِئُ، وَكَانَ فِيْهِ لَجَاجٌ، وَلَمْ يَكُنْ مُتَّهَماً بِالكَذِبِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ أَحْمَدُ، وَذُكِرَ عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فأخذت عنه، وحدثنا عنه.
وقال سيد بنُ عَمْرٍو البَرْذَعِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى النَّيْسَابُوْرِيُّ قَالَ: قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فِي عَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ، وَذَكَرْتُ لَهُ خَطَأَه فَقَالَ: كَانَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ يُخْطِئُ، وَأَوْمَأَ أَحْمَدُ بِيَدِهِ خَطَأً كَثِيْراً، وَلَمْ نَرَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ بَأْساً.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: وَكَانَ يَسْتَصغِرُ النَّاسَ وَيَزْدَرِيهِم.
قَالَ الأَصَمُّ: حَدَّثَنَا الخَضِرُ بنُ أَبَانٍ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ يَقُوْلُ: خَرَجْتُ مِنْ وَاسِطَ أَنَا، وَهُشَيْمٌ إِلَى الكُوْفَةِ لِلُقِيِّ مَنْصُوْرٍ، فَلَمَّا خَرَجْتُ فَرَاسِخَ لَقِيَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ فَقُلْتُ: أَيْنَ تُرِيْدُ? قَالَ: أَسعَى فِي دَيْنٍ عَلَيَّ. فَقُلْتُ: ارْجِعْ مَعِي، فَإِنَّ عِنْدِي أَرْبَعَةَ آلاَفٍ أُعْطِيْكَ مِنْهَا أَلْفَيْنِ. فَرَجَعتُهُ فَأَعْطَيْتُهُ أَلفَينِ ثُمَّ خَرَجْتُ فَدَخَلَ هُشَيْمٌ الكُوْفَةَ غَدَاةً، وَدَخَلْتُهَا العَشِيَّ فَذَهَبَ فَسَمِعَ مِنْ مَنْصُوْرٍ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً، وَدَخَلْتُ أَنَا الحَمَّامَ، ثُمَّ أَصْبَحتُ فَأَتَيْتُ بَابَ مَنْصُوْرٍ فَإِذَا جِنَازَتَهُ فَقَعَدْتُ أَبْكِي، فَقَالَ شَيْخٌ هُنَاكَ: يَا فَتَى مَا يُبْكِيْكَ? قُلْتُ: قَدِمْتُ لأَسْمَعَ مِنْ هَذَا الشَّيْخِ فَمَاتَ. قَالَ: فَأَدُلُّكَ عَلَى مَنْ شَهِدَ عُرْسَ أُمِّ ذَا? قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: اكْتُبْ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَجَعَلتُ أَكتُبُ شَهْراً. فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ? قَالَ: أَنَا حُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا كَانَ بَيْنِي، وَبَيْنَ أَنْ أَلْقَى ابْنَ عَبَّاسٍ إلَّا تِسْعَةَ دَرَاهِمَ وَكَانَ عِكْرِمَةُ يَسْمَعُ مِنْهُ، ثُمَّ يَجِيْءُ فَيُحَدِّثُنِي.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: كَانَ عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ كَثِيْرَ الغَلَطِ وَإِذَا رُدَّ عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ وَكَانَ مَعْرُوْفاً فِي الحَدِيْثِ، وَيَرْوِي أَحَادِيْثَ مُنْكَرَةً وَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَهُ قَالَ لَهُ: هَبْ لِي مِنْ حَدِيْثِكَ عِشْرِيْنَ حَدِيْثاً، فأبى.(8/31)
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: آتَيتُهُ بوَاسِطَ فَنَظَرْتُ في أثلاث كثيرة فأخرجت منها مئتي طَرَفٍ، فَذَهَبتُ إِلَيْهِ، فَحَدَّثَ عَنْ مُغِيْرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ فِي التَّمَتُّعِ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّمَا هَذَا عَنْ مُغِيْرَةَ رَأْيُ حَمَّادٍ. قَالَ: مَنْ حَدَّثَكُم? قُلْتُ: جَرِيْرٌ. قَالَ: ذَاكَ الصَّبِيُّ لَقَدْ رَأَيْتُ ذَاكَ نَاعِساً مَا يَعْقِلُ مَا يُقَالُ لَهُ. قَالَ: وَمَرَّ شَيْءٌ آخَرُ فَقُلْتُ: يُخَالِفُوْنَكَ. قَالَ: مَنْ? قُلْتُ: أَبُو عَوَانَةَ.
فَصَاحَ وَقَالَ: ذَاكَ العَبْدُ. وَمَرَّ بِشَيْءٍ فَقُلْتُ: يُخَالفُوْنَكَ فَقَالَ: مَنْ? قُلْتُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ. قَالَ: وَمَنْ ذَا? قُلْتُ: ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ ذَاكَ يَطْلُبُ حَدِيْثاً قَطُّ، وَقَالَ لِشُعْبَةَ: ذَاكَ المِسْكِيْنُ كُنْتُ أُكَلِّمُ لَهُ خَالِداً الحَذَّاءَ، فَيُحَدِّثُه. رَوَاهَا: عَبْدُ اللهِ بنُ المَدِيْنِيِّ عَنْ أَبِيْهِ.
وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ لَيْسَ عِنْدِي مِمَّنْ يَكْذِبُ وَلَكِنْ يَهِمُ، هُوَ سَيِّئُ الحِفْظِ، كَثِيْرُ الوَهْمِ يَغلَطُ فِي أَحَادِيْثَ يَرْفَعُهَا وَيَقْلِبُهَا وَسَائِرُ حَدِيْثِهِ صَحِيْحٌ مُسْتقِيْمٌ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ شُعَيْبٍ: حَضَرْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ وَهُم يَسْأَلُونَهُ حَتَّى سَمِعْتُ مِنْ فُلاَنٍ، وَقَالُوا لَهُ: فَعَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ? وَقَالَ: سَمِعْتُ مِنْهُ قَالُوا لَهُ: كَانَ يُغْمَزُ بِشَيْءٍ أَوْ يُتَكَلَّمُ فِيْهِ إِذْ ذَاكَ بِشَيْءٍ? قَالَ: مَعَاذَ اللهِ كَانَتْ حَلْقَتُهُ بِحِيَالِ حَلْقَةِ هُشَيْمٍ، وَلَكِنَّهُ كَانَ لاَ يُجَالِسُهُم وَكَتَبَ وَلَمْ يُجَالِسْ، فَوَقَعَ فِي كُتُبِهِ الخَطَأُ.
مُحَمَّدُ بنُ المِنْهَالِ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ قَالَ: لَقِيْتُ عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ، فَأَفَادَنِي أَشْيَاءَ عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، فَأَتَيْتُ خَالِداً فَسَأَلتُهُ عَنْهَا فأنكرها كلها.
وَقَالَ الفَلاَّسُ: عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ فِيْهِ ضَعْفٌ، وَكَانَ إِنْ شَاءَ اللهُ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ عِنْدَهُم يَتَكَلَّمُوْنَ فِيْهِ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ وَجَمَاعَةٌ قَالُوا: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي السُّعُوْدِ أَخْبَرَتْنَا تَجَنِّي الوَهْبَانِيَّةُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلْحَةَ أَخْبَرْنَا ابْنُ رَزْقُوَيْه أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ سُوْقَةَ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "من عزى مصابًا، فله مثل أجره"1.
__________
1 ضعيف: أخرجه الترمذي "1073"، وابن ماجه "1602" والعقيلي في "الضعفاء" "3/ 247" والبيهقي "4/ 59"، والخطيب في "تاريخ بغداد" "4/ 25، 450-451" من طريق عن علي بن عاصم، حدثنا محمد بن سوقة، عن إبراهيم بن الأسود، عن عبد الله بن مسعود، به. =(8/32)
وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ إِسْرَائِيْلَ، وَقَيْسِ بنِ الربيع، عن ابن سوقة.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ هَاشِمٍ يَقُوْلُ: قَالَ رَجُلٌ لِسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ: إِنَّ عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ حَدَّثَ، عَنِ ابْنِ سوقة عَنْ إِبْرَاهِيْمَ عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ عَزَّى مُصَاباً فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ". فَلَمْ يُنكِرِ الحَدِيْثَ وَقَالَ: مُحَمَّدُ بنُ سُوْقَةَ لَمْ يَحْفَظْ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ شَيْئاً. ثُمَّ قَالَ يَعْقُوْبُ: وَهُوَ حَدِيْثٌ كُوْفِيُّ الإِسْنَادِ، مُنكَرٌ يَرَوْنَ أَنَّهُ لاَ أَصلَ لَهُ مُسْنَداً، وَلاَ مَوقُوَفاً لاَ نَعْلَمُ أَحَداً أَسنَدَهُ، وَلاَ وَقَفَهُ غَيْرَ عَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ. وَقَدْ رَوَاهُ: أَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلِيُّ، وَهُوَ صَدُوْقٌ، ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَلَمْ يُجَاوِزْه بِهِ بَلْ قَالَ: يَرْفَعُ الحَدِيْثَ1.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: قَدْ رَوَى حَدِيْثَ ابْنِ سُوْقَةَ: عَبْدُ الحَكِيْمِ بنُ مَنْصُوْرٍ كَرِوَايَةِ عَلِيٍّ وَرُوِيَ كَذَلِكَ عَنِ: الثَّوْرِيِّ وَشُعْبَةَ وَإِسْرَائِيْلَ وَمُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ بنِ عَطِيَّةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَالحَارِثِ بنِ عِمْرَانَ الجَعْفَرِيِّ، عَنِ ابْنِ سُوْقَةَ إِلَى أَنْ قَالَ: وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا ثَابِتاً.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ قُدَامَةَ، وَطَائِفَةٌ كِتَابَةً أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ سَهْلٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: خَرَجَ فِتْيَةٌ يَتَحَدَّثُوْنَ فَإِذَا هُمْ بِإِبِلٍ مُعَطَّلَةٍ فَقَالَ بَعَضُهُم: كَأَنَّ أَربَابَ هَؤُلاَءِ لَيْسُوا مَعَهَا. فَأَجَابَه بَعِيْرٌ مِنْهَا، فَقَالَ: إِنَّ أربابها حشروا ضحى.
__________
= وقال الترمذي: "حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث علي بن عاصم، وروى بعضهم عن محمد بن سوقة بهذا الإسناد مثله موقوفا ولم يعرفه، ويقال: أكثر ما ابتلي به علي بن عاصم بهذا الحديث نقموا عليه".
وقال البيهقي: "تفرد به علي بن عاصم، وهو أحد ما أنكر عليه، وقد روى عن غيره، والله أعلم". ورواه أبو نعيم في "الحلية" "5/ 99" من طريق حماد بن الوليد الكوفي، عن سفيالن الثوري، عن محمد بن سوقة، به.
قلت: إسناده واه بمرة، حماد بن الوليد الكوفي، قال ابن حبان: يسرق الحديث، ويلزق بالثقات ما ليس من أحاديثهم. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. وقال الحافظ في "التلخيص الحبير" وهو ضعيف جدا، وكل المتابعين لعلي بن عاصم أضعف منه بكثير"، وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" "5/ 9"، "7/ 164" من طريق نصر بن حماد، حدثنا شعبة، عن محمد بن سوقة، به.
قلت: إسناده واه بمرة، آفته نصر بن حماد، قال ابن معين: كذاب وقال النسائي: ليس بثقة.
1 ضعيف: أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" "11/ 451، 453"، وراجع تخريجنا السابق.(8/33)
أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: لاَ تكتبوا عنه يعني: علي بن عاصم.
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحْرِزٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ كَذَّابٌ، لَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: فَسَأَلتُهُ يَعْنِي: يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْ عَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ، فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ. قُلْتُ: مَا أَنْكَرْتَ مِنْهُ? قَالَ: الخَطَأَ وَالغَلَطَ لَيْسَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: كُنَّا عِنْدَ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ أَنَا وَأَخِي، فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا خَالِدٍ! عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ مَا حَالُهُ عِنْدَكَ? قَالَ: حَسْبُكُم مَا زِلْنَا نَعرِفُهُ بِالكَذِبِ.
قَالَ الخَطِيْبُ: وَكَذَلِكَ رَوَى أَيُّوْبُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ سَافِرِيٍّ عَنِ ابْنَيْ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَزِيْدَ، وَجَاءَ عَنْ يَزِيْدَ خِلاَفُ هَذَا.
قَالَ أَبُو نَصْرٍ اللَّيْثُ بنُ جَبْرَوَيه: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ جَعْفَرٍ البِيْكَنْدِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ يَجْتَمِعُ عِنْدَ عَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ أَكْثَرُ مِنْ ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، وَكَانَ يَجْلِسُ عَلَى سَطْحٍ وَكَانَ لَهُ ثَلاَثَةُ مُسْتَمْلِيْنَ.
الزَّعْفَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوْعاً: "لاَ تُمْسِكُوا عَلَيَّ شَيْئاً فَإِنِّي لاَ أُحِلُّ إلَّا مَا أَحَلَّ اللهُ، وَلاَ أُحَرِّمُ إلَّا مَا حَرَّمَ فِي كِتَابِهِ"1.
مَحْمُوْدُ بنُ خِدَاشٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! نَزَلَتْ قَاصِمَةُ الظَّهْرِ فَقَالَ: "رَحِمَك الله.. " 2 الحَدِيْثَ. وَمَعْنَاهُ: تجزون به ببلايا الدنيا.
__________
1 ضعيف: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "5/ 192" من طريق محمد بن الحسن بن الصباح، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سعيد، به. وهو ضعيف آفته علي بن عاصم.
2 صحيح لغيره: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "5/ 192" من طريق مَحْمُوْدُ بنُ خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، آفته علي بن عاصم، فقد علمت ضعفه كما ذكره المؤلف في ترجمته لكن يشهد له حديث أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه قال: يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] ، وكل شيء عملنا جزينا به؟ فقال: "غفر الله لك يا أبا بكر، ألست تمرض، ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأواء"؟ قال: قلت: بلى قال: هو ما تجزون به". أخرجه أحمد "1/ 11"، وابن جرير الطبري "10523-10527"، والمروزي في "مسند أبي بكر" "111"، "112"، وأبو يعلى"98-101"، والحاكم "3/ 74-75"، والبيهقي "3/ 373" من طرق عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي بكر بن أبي زهير الثقفي، عن أبي بكر الصديق، به.
قلت: إسناده ضعيف، لانقطاعه بين أبي بكر بن أبي زهير الثقفي، وهو من صغار التابعين، وبين أبي بكر الصديق، كما أنه مجهول لم يذكر بجرح ولا تعديل.
وللحديث شاهد آخر عن أبي هريرة قال: "لما نزلت: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِه} [النساء: 123] ، بلغت من المسلمين مبلغا شديدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة، حتى النكبة ينكبها أو الشوكة يشاكها". أخرجه مسلم "2574" من طريق محمد بن قيس بن مخرمة، عن أبي هريرة، به.(8/34)
عَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ خَالِدٍ، وَهِشَامٍ عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلاَةُ المَغْرِبِ وِتْرُ النَّهَارِ، فَأَوْتِرُوا صَلاَةَ اللَّيْلِ" 1.
سَاقَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ عَلِيٍّ عِدَّةَ أَحَادِيْثَ، إِلَى أَنْ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَالِمٍ البَاجُدَّائِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ القُدُّوْسِ بنُ عَبْدِ القَاهِرِ البَاجُدَّائِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- يقول: "مَنْ أَكَلَ مِنَ الطِّيْنِ وَقِيَّةً، فَقَدْ أَكَلَ مِنْ لَحْمِ الخِنْزِيْرِ وَقِيَّةً وَلاَ يُبَالِي اللهُ عَلَى مَا مَاتَ يَهُوْدِيّاً أَوْ نَصْرَانِياً". وَبِهِ: "مَنْ أَكَلَ الطِّيْنَ، وَاغْتَسَلَ بِهِ فَقَدْ أَكَلَ لَحْمَ أَبِيْهِ آدَمَ، وَاغْتَسَلَ بِدَمِهِ". ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَانِ بَاطِلاَنِ.
قُلْتُ: أَجْزِمُ بِأَنَّ عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ رَحِمَهُ اللهُ مَا حَدَّثَ بِهِمَا فَقَدْ تَنَاكَدَ ابْنُ عَدِيٍّ حَيْثُ أَوْرَدَهُمَا هُنَا، وَإِنَّمَا هُمَا مَوْضُوعَانِ مِنَ البَاجُدَّائِيِّ قَبَّحَهُ الله.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ يَس كُلَّ لَيْلَةٍ ابْتِغَاءَ وجه الله غفر له"2.
__________
1 صحيح: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "5/ 192" من طريق عاصم بن علي بن عاصم، به.
وأخرجه أحمد "2/ 30، 41"، وابن أبي شيبة "2/ 282" من طريق يزيد بن هارون، أخبرنا هشام عن محمد بن سيرين، عن ابن عمر، به، وأخرجه عبد الرزاق "3/ 4675"، والنسائي في "الكبرى"، "1382" من طريق هشام، به.
وأخرجه عبد الرزاق "3/ 4676"، والطبراني في "الأوسط" "965" من طرق عن ابن سيرين، به، وأخرجه ابن أبي شيبة "2/ 282"، والنسائي في "الكبرى" "1383" من طريق ابن سيرين، به.
2 باطل: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "5/ 193"، وفيه علتان: الأولى: العلاء بن مسلمة، وهو ابن عثمان الرواس، مولى بني تميم، متروك، ورماه ابن حبان بالوضع. الثانية: علي بن عاصم، ضعيف ما ذكرنا سابقًا.(8/35)
وَبِهِ: "خَلَقَ اللهُ الجَنَّةَ، وَغَرَسَ أَشْجَارَهَا بِيَدِهِ، وَقَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي قَالَتْ: قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُوْنَ"1.
قُلْتُ: وَهَذَانِ بَاطِلاَنِ ابْنُ عَاصِمٍ بَرِيْءٌ مِنْهُمَا، وَالعَلاَءُ مُتَّهَمٌ بِالكَذِبِ.
مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ النَّشَائِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ سَمِعَ أَنساً يَقُوْلُ: أَرَادَ أَبُو طَلْحَةَ أَنْ يُطَلِّقَ أُمَّ سُلَيْمٍ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ طَلاَقَ أُمِّ سُلَيْمٍ حُوْبٌ"، فَكَفَّ. فَهَذَا خَبَرٌ مُنْكَرٌ2، وَالنَّشَائِيُّ صَدُوْقٌ.
أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ الفَرَجِ الغَافِقِيُّ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ أَبَانٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزَّيَّاتُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ خَالِدٍ الخَيَّاطُ حَدَّثَنَا شعبة أخبرني عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ عَنِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتْ فِي النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دُعَابَةٌ3.
قُلْتُ: وَهَذَا مُنكَرٌ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ مُرْسَلاً.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَلِعَلِيٍّ قَدْرُ ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً، لاَ يَروِيهَا غَيْرُهُ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القادر، وعبد الله ابن زَيْدٍ قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الدَّاوُوْدِيُّ أَخْبَرْنَا ابْنُ حَمُّوَيْه، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ خُزَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، عَنْ يَحْيَى البَكَّاءِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ تُحْسَبُ بِمِثْلِهِنَّ فِي صَلاَةِ السَّحَرِ، وَلَيْسَ مِنْ شَيْءٍ إلَّا، وَهُوَ يُسَبِّحُ اللهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ". ثُمَّ قَرَأَ: {يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِل} الآيَةَ كُلَّهَا [النَّحْلُ: 48] .
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ4 عن عبد فوافقناه بعلو.
__________
1 باطل: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "5/ 193"، وفي العلتان السابقتان العلاء بن مسلمة، وعلي بن عاصم.
2 منكر: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "5/ 193".
3 منكر: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "5/ 193".
4 ضعيف: أخرجه الترمذي "3128"، وقال: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن عاصم".
قلت: وهذا تضعيف من الترمذي للحديث وذلك معروف من اصطلاحه: "حديث غريب". وآفته علي بن عاصم، فإنه ضعيف كما قد ذكرنا مرارا.(8/36)
قَالَ بَحْشَلٌ فِي تَارِيْخِهِ: حَدَّثَنَا تَمِيْمُ بنُ المُنْتَصِرِ قَالَ: وُلِدَ عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَةٍ وَمَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ إِحْدَى وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. زَادَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَشْهُرٍ بواسط.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ عَاصِمَ بنَ عَلِيٍّ يَقُوْلُ: أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُ صَامَ ثَمَانِيْنَ شَهْرَ رَمَضَانَ لَمْ يُفْطِرْ فِيْهَا يَوْماً قَالَ: وَمَاتَ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. وَشَذَّ: هَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ عَنْ مَوْلِدِهِ فَقَالَ: سَنَةَ خمس ومائة.(8/37)
1386- عاصم بن علي بن عاصم 1: "خَ، ت، ق"
حَافِظاً صَدُوْقاً مِنْ أَصْحَابِ شُعْبَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ فِي صَحِيْحِهِ، وَأَبُو دَاوُدَ.
وَمَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ لَقِيَ عِكْرِمَةَ بنَ عَمَّارٍ وَعِدَّةً.
حَدَّثَ عَنْ: عَاصِمِ بنِ مُحَمَّدٍ العُمَرِيِّ، وَعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَشُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ وَالقَاسِمِ بنِ الفَضْلِ الحُدَّانِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ المَسْعُوْدِيِّ، وَأَبِيْهِ وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ، وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ المُحَدِّثِيْنَ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَحَنْبَلُ بنُ إسحاق، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى المَرْوَزِيُّ، وَخَلْقٌ.
حَدَّثَ بِبَغْدَادَ مُدَّةً وَتَكَاثَرُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى وَاسِطَ، وَبِهَا تُوُفِّيَ.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 316"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 3081"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 368"، "2/ 475"، "3/ 280، 289"، والكنى للدولابي "1/ 149" والضعفاء الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 1361"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 1920"، والكامل لابن عدي "5/ ترجمة 1384"، وتاريخ بغداد "12/ 247"، والأنساب للسمعاني "1/ 128"، والكاشف "2/ ترجمة 2532"، والمغني "1/ ترجمة 2988"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 397"، والعبر "1/ 232"، "2/ 63، 93، 112"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 4058"، وتهذيب التهذيب "4/ 94"، وتقريب التهذيب "1/ 384"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3236"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 48".(8/37)
وَقَدْ جَرَحَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ صَدُوْقٌ كَمَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: صَحِيْحُ الحَدِيْثِ قَلِيْلُ الغَلَطِ.
وَقَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي: كَانَ مَجْلِسُهُ يُحزَرُ بِبَغْدَادَ بِأَكْثَرَ مِنْ مائَةِ أَلْفِ إِنْسَانٍ، وَكَانَ يَسْتَملِي عَلَيْهِ: هَارُوْنَ الدِّيْكَ وَهَارُوْنَ مُكْحُلَةَ.
قَالَ عُمَرُ بنُ حَفْصٍ السَّدُوْسِيُّ: سَمِعْنَا مِنْ عَاصِمِ بنِ عَلِيٍّ، فَوَجَّهَ المُعْتَصِمُ مَنْ يَحزِرُ مَجْلِسَهُ فِي رَحْبَةِ النَّخْلِ الَّتِي فِي جَامِعِ الرُّصَافَةِ، وَكَانَ يَجْلِسُ عَلَى سَطْحٍ وَيَنتَشِرُ النَّاسُ حَتَّى إِنِّيْ سَمِعتُهُ يَوْماً يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ وَيُسْتَعَادُ. فَأَعَادَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَرَّةً وَالنَّاسُ لاَ يَسْمَعُوْنَ، وَكَانَ هَارُوْنُ المُسْتَملِي يَرْكَبُ نَخْلَةً مُعْوَجَّةً يَسْتَملِي عَلَيْهَا فَبَلَغَ المُعْتَصِمَ كَثْرَةُ الخَلْقِ، فَأَمَرَ بِحَزْرِهِم فَوَجَّهَ بِقطَاعِي الغَنَمِ، فَحَزِرُوا المَجْلِسَ عِشْرِيْنَ وَمائَةَ أَلْفٍ.
وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ عِيْسَى، قَالَ: أَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي فَقَالَ لِي: عَلَيْكَ بِمَجْلِسِ عَاصِمِ بنِ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ غَيْظٌ لأَهْلِ الكُفْرِ.
قُلْتُ: كَانَ عَاصِمٌ رَحِمَهُ اللهُ مِمَّنْ ذَبَّ عَنِ الدين في المحنة، فروى الهَيْثَمُ بنُ خَلَفٍ الدُّوْرِيُّ أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ سُوَيْدٍ الطَّحَّانَ حَدَّثَهُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَاصِمِ بنِ عَلِيٍّ، وَمَعَنَا أَبُو عُبَيْدٍ وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي اللَّيْثِ وَجَمَاعَةٌ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يُضْرَبُ، فَجَعَلَ عَاصِمٌ يَقُوْلُ: إلَّا رَجُلٌ يَقُوْمُ مَعِي فَنَأْتِيَ هَذَا الرَّجُلَ، فَنُكَلِّمَهُ? قَالَ: فَمَا يُجِيْبُهُ أَحَدٌ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي اللَّيْثِ: أَنَا أَقُومُ مَعَكَ يَا أَبَا الحُسَيْنِ. فَقَالَ: يَا غُلاَمُ! خُفِّي. فَقَالَ ابْنُ أَبِي اللَّيْثِ: يَا أَبَا الحُسَيْنِ! أَبْلُغُ إِلَى بَنَاتِي فَأُوْصِيْهِم فَظَنَنَّا أَنَّهُ ذَهَبَ يَتَكَفَّنُ، وَيَتَحَنَّطُ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: إِنِّيْ ذَهَبْتُ إِلَيْهِنَّ فَبَكِيْنَ. قَالَ: وَجَاءَ كِتَابُ ابْنَتَيْ عَاصِمٍ مِنْ وَاسِطَ: يَا أَبَانَا! إِنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ أَخَذَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَضَرَبَهُ عَلَى أَنْ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ فَاتَّقِ اللهَ، وَلاَ تُجِبْهُ فَوَاللهِ لأَنْ يَأْتِيَنَا نَعِيُّكَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَنْ يَأْتِيَنَا أَنَّكَ أَجَبْتَ.
قُلْتُ: ذَكَرَ ابْنُ عَدِيٍّ لِعَاصِمِ بنِ عَلِيٍّ ثَلاَثَةَ أَحَادِيْثَ تَفَرَّدَ بِهَا عَنْ شُعْبَةَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لاَ أَعْلَمُ لَهُ شَيْئاً مُنكَراً سِوَاهَا وَلَمْ أَرَ بِحَدِيْثِهِ بَأْساً.
قَالُوا: تُوُفِّيَ عَاصِمٌ فِي رَجَبٍ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَسَمِعَ أَبُو دَاوُدَ مِنْهُ أَحَادِيْثَ يَسِيْرَةً، وَتُوُفِّيَ عَاصِمٌ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ، وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَبِي قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ(8/38)
البرقاني، حدثنا أبو بكر الإِسْمَاعِيْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الحَكَمِ، عَنْ ذَرٍّ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ: إِنِّيْ أَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدِ المَاءَ. فَقَالَ عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ: أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَجنَبتُ، وَأَنْتَ فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ، وَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيْكَ هَذَا". وَضَرَبَ بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ وَنَفَخَ فِيْهِمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَكَفَّيْهِ.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيْثِ غندر والقطان عن شعبة1.
__________
1 صحيح: أخرجه الطيالسي "1/ 63"، وأحمد "4/ 265، 320"، والبخاري "338-343" ومسلم "368" "112"، "113"، وأبو داود "326"، والنسائي "1/ 169، 170"، وابن ماجه "569" وأبو عوانة "1/ 306"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" "1/ 112"، والدارقطني "1/ 183"، وابن الجارود "125"، والبيهقي في "السنن" "1/ 209، 216"، والبغوي "308" من طرق عن شعبة، به.(8/39)
1387- محمد بن بشر 1: "ع"
ابن الفرافصة بن المختار بن رديح الحَافِظُ الإِمَامُ الثَّبْتُ أَبُو عَبْدِ اللهِ العَبْدِيُّ الكُوْفِيُّ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ المُعَدَّلِ الفَقِيْهُ: هُوَ ابْنُ عَمِّنَا نَجْتَمِعُ نَحْنُ، وَهُوَ فِي المُخْتَارِ.
قُلْتُ: وُلِدَ فِي خِلاَفَةِ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ.
وَحَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَأَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَزَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَمُجَمِّعِ بنِ يَحْيَى وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، وَسَلاَّمِ بنِ أَبِي عَمْرَةَ، وَحَجَّاجٍ الصَّوَّافِ، وَحَجَّاجِ بنِ دِيْنَارٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَهَانِئ بنِ هَانِئ الجُهَنِيِّ، وَابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ وَشُعْبَةَ وَسُفْيَانَ، وَمِسْعَرٍ وَخَلْقٍ، وَيَنْزِلُ إِلَى أَنْ يَرْوِيَ عَنْ: إِسْحَاقَ بنِ سُلَيْمَانَ الدَّارِمِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ رَفِيْقُهُ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَأَبُو بكر
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 394"، والتاريخ الكبير "1/ ترجمة 87"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 195، 494"، "2/ 188، 220، 660"، "3/ 132، 201"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 1167"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 302"، والكاشف "3/ ترجمة 4814"، والعبر "1/ 341"، وجامع التحصيل للعلائي "ترجمة 669"، وتهذيب التهذيب "9/ 73"، وتقريب التهذيب "2/ 147"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6080"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 7".(8/39)
ابن أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخُوْهُ عُثْمَانُ وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الصُّوْفِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سَأَلْتُ أَبَا دَاوُدَ عَنْ سَمَاعِ مُحَمَّدِ بنِ بِشْرٍ مِنِ ابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ فَقَالَ: هُوَ أَحْفَظُ مَنْ كَانَ بِالكُوْفَةِ.
الكُدَيْمِيُّ: عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ قَالَ: لَمَّا خَرَجْنَا فِي جِنَازَةِ مِسْعَرٍ جَعَلْتُ أَتَطَاوَلُ فِي المَشْيِ، فَقُلْتُ: يَجِيْئُوْنِي: فَيَسْأَلُوْنِي عَنْ حَدِيْثِ مِسْعَرٍ. فَذَاكَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ العَبْدِيُّ بِحَدِيْثِ مِسْعَرٍ، فَأَغرَبَ عَلَيَّ سَبْعِيْنَ حَدِيْثاً لَمْ يَكُنْ عِنْدِي مِنْهَا إلَّا حَدِيْثٌ وَاحِدٌ.
قَالَ البُخَارِيُّ، وغيره: مات سنة ثلاث ومائتين.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مَكْتُوْمٍ، وَعِيْسَى بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو العِزِّ بنُ عَسَاكِرَ قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ أَخْبَرَنَا الدَّاوُوْدِيُّ أَخْبَرْنَا ابْنُ حَمُّوَيْه أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ خُزَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قِيْلَ لِعُمَرَ: أَلاَ تَسْتَخْلِفُ? قَالَ: إِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي: رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي: أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ1. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حديث هشام.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "1/ 43"، وعبد بن حميد "32" من طريق محمد بن بشر، به، وأخرجه البخاري "7218"، ومسلم "1823" "11"، وأبو يعلى "206" من طرق عن هشام بن عروة، به.(8/40)
1388- عمر بن هارون 1: "ت، ق"
ابن يزيد بن جابر بن سلمة الإِمَامُ، عَالِمُ خُرَاسَانَ أَبُو حَفْصٍ الثَّقَفِيُّ مَوْلاَهُم، البَلْخِيُّ، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ.
وُلِدَ سَنَةَ بِضْعٍ وَعِشْرِيْنَ ومائة وارتحل وصنف وجمع.
وَحَدَّثَ عَنْ: سَلَمَةَ بنِ وَرْدَانَ، وَعِيْسَى بنِ أَبِي عِيْسَى الحَنَّاطِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ وَلاَزمَهُ سَنَوَاتٍ وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَجَعْفَرٍ الصَّادِقِ وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ رَافِعٍ المَدَنِيِّ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَصَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو وَعُثْمَانَ بنِ الأَسْوَدِ، وَمَعْرُوْفِ بنِ خَرَّبُوْذَ، وَقُرَّةَ بنِ خَالِدٍ وَيُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ الأَيْلِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَالأَوْزَاعِيِّ وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَحَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، وَتَلاَ عَلَيْهِ وَهَمَّامِ بنِ يَحْيَى، وَشُعْبَةَ وَالثَّوْرِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَعَنْهُ: هِشَامُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الرَّازِيُّ، وَعَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَجُمْعَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ البَلْخِيُّ، وَعَمْرُو بنُ رَافِعٍ القَزْوِيْنِيُّ وَمُحَمَّدُ بن أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ وَهَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ وَأَبُو طَاهِرٍ بنُ السَّرْحِ، وَسُرَيْجُ بنُ يُوْنُسَ وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ وَأَحْمَدُ بنُ نَاصِحٍ المَصِّيْصِيُّ، وَالجَارُوْدُ بنُ مُعَاذٍ البَلْخِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ المَصَاحِفِيُّ البَلْخِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ سَلْمٍ وَعَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الذُّهْلِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. إلَّا أَنَّهُ عَلَى سَعَةِ عِلْمِهِ سَيِّئُ الحِفْظِ، فَلَمْ يَرْوِهِ حُجَّةً وَلاَ عُمدَةً.
قَالَ البُخَارِيُّ: تَكَلَّمَ فِيْهِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَتَبَ النَّاسُ عَنْهُ كَثِيْراً، وَتَرَكُوا حَدِيْثَهُ.
رَوَى أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ زُنَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بنُ هَارُوْنَ: أَلْقَيْتُ مِنْ حَدِيْثِي سَبْعِيْنَ أَلْفاً: لأَبِي جُزْءٍ عِشْرِيْنَ أَلْفاً، وَلِعُثْمَانَ البُرِّيِّ كَذَا، وَكَذَا. فَقَالَ: يَا أَبَا غَسَّانَ! مَا كَانَ حَالُهُ? قَالَ: قَالَ بَهْزٌ: أرى يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ حَسَدَهُ فَقَالَ: أَكْثَرَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. مَنْ لَزِمَ رَجُلاً اثْنَيْ عَشَرَ سَنَةً، لاَ يُرِيْدُ أَنْ يُكْثِرَ عَنْهُ! قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ تُعِيْنُهُ عَلَى الكِتَابِ.
قُلْتُ: مَا أَعْتَقِدُ أَنَّهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ هَذَا إلَّا أَنْ يَكُوْنَ نَحْوَ سَنَةٍ.
قَالَ الخَطِيْبُ: وَذَكَرَ مُسْلِمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَلْخِيُّ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ تَزَوَّجَ أُمَّ عُمَرَ بنَ هَارُوْنَ فَمِنْ هُنَالِكَ أَكْثَرَ السَّمَاعَ مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُقَالُ: إِنَّهُ لَقِيَ ابْنَ جُرَيْجٍ، وَكَانَ حَسَنَ الوَجْهِ فَسَأَلَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَلَكَ أُخْتٌ? قَالَ: نَعَمْ فَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهِ فَقَالَ: لَعَلَّ هَذَا الحُسْنَ يَكُوْنُ فِي أُخْتِهِ كَمَا هُوَ فِي أَخِيْهَا.
فَتَفَرَّدَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَرَوَى عَنْهُ أَشْيَاءَ لَمْ يَرْوِهَا غَيْرُه.
قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ سَعِيْدِ بنِ زَنْجَلٍ: سَمِعْتُ صَاحِباً لَنَا يُقَالُ لَهُ: بُوْرُ بنُ الفَضْلِ: سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ ذَكَرَ عُمَرَ بنَ هَارُوْنَ، فَقَالَ: كَانَ عِنْدَنَا أَحْسَنَ أَخْذاً مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 374"، والضعفاء والمتروكين للنسائي "ترجمة 475" والضعفاء الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 1192"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 765"، والمجروحين لابن حبان "2/ 90"، والكامل لابن عدي "5/ ترجمة 1201"، وتاريخ بغداد "11/ 187"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 323"، والكاشف "2/ ترجمة 4184"، والمغني "2/ ترجمة 4568"، والعبر "1/ 316" وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 6237"، وتهذيب التهذيب "7/ 501"، وتقريب التهذيب "2/ 64"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5242".(8/41)
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ: كَانَ كَثِيْرَ السَّمَاعِ. رَوَى عَنْهُ: عَفَّانُ وَقُتَيْبَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ.
وَيُقَالُ: إِنَّ مُرْجِئَةَ بَلْخَ كَانُوا يَقَعُوْنَ فِيْهِ، وَكَانَ أَبُو رَجَاءٍ يَعْنِي: قُتَيْبَة يُطْرِيهِ، وَيُوَثِّقُهُ.
وَذُكِرَ عَنْ وَكِيْعٍ أَنَّهُ قَالَ: عُمَرُ بنُ هَارُوْنَ مر بنا، وبات عندنا وكان يُزَنُّ بِالحِفْظِ، وَسَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ يَقُوْلُ: كَانَ عُمَرُ بنُ هَارُوْنَ شَدِيْداً عَلَى المُرْجِئَةِ وَيَذكُرُ مَسَاوِئَهُم وَبَلاَيَاهُم، فَكَانَتْ بَيْنَهُم عَدَاوَةٌ لِذَلِكَ. قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالقِرَاءاتِ وَكَانَ القُرَّاءُ يَقْرَؤُونَ عَلَيْهِ وَيَخْتَلِفُوْنَ إِلَيْهِ فِي حُرُوْفِ القُرْآنِ، وَسَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ يَقُوْلُ: سَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ فَقُلْتُ: إِنَّ عُمَرَ بنَ هَارُوْنَ قَدْ أَكْثَرْنَا عَنْهُ، وَبَلَغَنَا أَنَّكَ تَذْكُرُهُ. قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مَا قُلْتُ فِيْهِ إلَّا خَيْراً. قُلْتُ: بَلَغَنَا أَنَّكَ قُلْتَ: رَوَى عَنْ فُلاَنٍ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ? قَالَ: يَا سُبْحَانَ اللهِ! مَا قُلْتُ أَنَا ذَا قَطُّ وَلَوْ رَوَى مَا كَانَ عِنْدَنَا بِمُتَّهَمٍ.
عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الهِسِنْجَانِيُّ: عَنْ يَحْيَى بنِ المُغِيْرَةِ الرَّازِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَغْمِزُ عُمَرَ بنَ هَارُوْنَ فِي سَمَاعِه مِنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ عُمَرُ يَرْوِي عَنْهُ نَحْوَ سِتِّيْنَ حَدِيْثاً.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْدِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: عُمَرُ بنُ هَارُوْنَ كَذَّابٌ، قَدِمَ مَكَّةَ وَقَدْ مَاتَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ فَحَدَّثَ عَنْهُ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: تَكَلَّمَ فِيْهِ ابْنُ المُبَارَكِ فَذَهَبَ حَدِيْثُهُ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: قُلْتُ لأَبِي: إِنَّ أَبَا سَعِيْدٍ الأَشَجَّ حَدَّثَنَا عَنْ عُمَرَ بنِ هَارُوْنَ، فَقَالَ: هُوَ ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ بَخَسَهُ ابْنُ المُبَارَكِ بَخْسَةً فَقَالَ: يَرْوِي عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ قَدِمْتُ قَبْلَ قُدُوْمِهِ، فَكَانَ جَعْفَرٌ قَدْ تُوُفِّيَ.
قُلْتُ: هَذَا مُنْقَطِعٌ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ وَلاَ يَصِحُّ فَقَدْ قَدِمَ ابْنُ المُبَارَكِ، وَحَجَّ قَبْلَ مَوْتِ جَعْفَرٍ بِسَنَوَاتٍ.
العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ زَكَرِيَّا البَلْخِيُّ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قُلْتُ لِجَرِيْرٍ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ هَارُوْنَ عَنِ القَاسِمِ بنِ مَبْرُوْرٍ قَالَ: نَزَلَ جِبْرِيْلُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "إِنَّ كَاتِبَكَ هَذَا أَمِيْنٌ"1. يَعْنِي: مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لِي جَرِيْرٌ: اذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: كَذَبْتَ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَنْ عُمَرَ بنِ هَارُوْنَ فَقَالَ: مَا أَقدِرُ أَنْ أَتَعَلَّقَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً كَثِيْراً. فَقِيْلَ لَهُ: قَدْ كَانَتْ لَهُ قِصَّةٌ مَعَ ابْنِ مَهْدِيٍّ. قَالَ: بلغني أنه كان
__________
1 باطل: أخرجه الطبراني في "الأوسط" وفي إسناده مجاهيل. وقال في "الميزان": باطل. وقال ابن عدي: باطل.(8/42)
يَحْمِلُ عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ مَنْ يَحكِي عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ: أَنَّهُ قَدِمَ عَلَيْهِم عُمَرُ بنُ هَارُوْنَ البَصْرَةَ، وَهُوَ شَابٌّ، فَذَاكَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَكَتَبَ عَنْهُ ثَلاَثَةَ أَحَادِيْثَ: مِنْهَا حَدِيْثٌ عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَمْرِو بنِ عَبْدِ اللهِ الحَضْرَمِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو فِي شُرْبِ العَصِيْرِ، وَمِنْهَا: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ فِي الحَفَّارِ يَنْسَى الفَأْسَ فِي القَبْرِ، وَحَدِيْثٌ آخَرُ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ زَمَانٍ، قَدِمَ فَأَتَى رَجُلٌ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: إِنَّكَ كَتَبْتَ عَنْ هَذَا أَشْيَاءَ فَأَعْطَاهُ الرُّقعَةَ فَذَهَبَ إِلَيْهِ، فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيْثِ يَحْيَى بنِ أَبِي عَمْرٍو، فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئاً إِنَّمَا كَانَ هَذَا في الحداثة. وسأله عن حديث عَبْدِ المَلِكِ فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ إِنَّمَا حَدَّثَنِيْهِ فُلاَنٌ، عَنْهُ فَأَتَى الرَّجُلُ ابْنَ مَهْدِيٍّ فَأَخْبَرَهُ فَنَالَ مِنْهُ، وَتَكَلَّمَ. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: كَانَ أَكْثَرُ مَا يُحَدِّثُنَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
وَرَوَى عَنِ: الأَوْزَاعِيِّ قِيْلَ لَهُ: فَتَرْوِي عَنْهُ? فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ رَوَيتُ عَنْهُ شَيْئاً.
وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: عُمَرُ بنُ هَارُوْنَ لاَ أَرْوِي عَنْهُ، وَقَدْ أَكْثَرتُ عَنْهُ، وَلَكِنْ كَانَ ابْنُ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيْمَةٌ عِنْدِي، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي بِأَحَادِيْثَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَرَّةً أُخْرَى، حَدَّثَنِي بِهَا عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أُوْلِئَكَ فَتَرَكْتُ حَدِيْثَهُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ حِبَّانَ: وَجَدتُ بِخَطِّ جَدِّي: قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا: عُمَرُ بنُ هَارُوْنَ البَلْخِيُّ: كَذَّابٌ خَبِيثٌ لَيْسَ حَدِيْثُهُ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبتُ عَنْهُ، وَبِتُّ عَلَى بَابِهِ بِبَابِ الكُوْفَةِ، وَذَهَبْنَا مَعَهُ إِلَى النَّهْرَوَانِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَنَا أَمرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَحَرَّقْتُ حَدِيْثَهُ كُلَّهُ مَا عِنْدِي عَنْهُ كَلِمَةٌ إلَّا أَحَادِيْثُ عَلَى ظَهْرِ دَفْتَرٍ خَرَّقْتُها كُلَّهَا. قُلْتُ لأَبِي زَكَرِيَّا: مَا تَبَيَّنَ لَكُم مِنْ أَمرِهِ? قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ وَلَمْ أَسْمَعْه مِنْهُ، وَلَكِنَّ هَذَا مَشْهُوْرٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا فَحَدَّثَنَا عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ فَنَظَرْنَا إِلَى مَوْلِدِهِ، وَإِلَى خُرُوْجِه إِلَى مَكَّةَ فَإِذَا جَعْفَرٌ قَدْ مَاتَ قَبْلَ خُرُوْجِهِ.
وَرَوَى عَبَّاسٌ وَأَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَرَوَى ابْنُ مُحْرِزٍ وَالغَلاَبِيُّ عن يحيى: ليس بثقة. وعن يحيى أَيْضاً: ضَعِيْفٌ. وَعَنْهُ: كَانَ يَكْذِبُ.
وَسُئِلَ عَنْهُ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ فَضَعَّفَهُ جِدّاً.
وَقَالَ أَبُو زرعة: سمعت إبراهيم بن موسى وقيل لَهُ: لِمَ لاَ تُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ بنِ هَارُوْنَ? فَقَالَ: النَّاسُ تَرَكُوا حَدِيْثَهُ.
وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى قَالَ: كَتَبتُ عَنْهُ حُزْمَةً، وَلاَ أُحَدِّثُ عَنْهُ بِشَيْءٍ.(8/43)
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ: لَمْ يَقنَعِ النَّاسُ بِحَدِيْثِهِ وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ وَالنَّسَائِيُّ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ وَقَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: فِيْهِ ضَعْفٌ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ: مَتْرُوْكٌ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيْفٌ وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: لاَ شَيْءَ حَدَّثَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَالأَوْزَاعِيِّ، وَشُعْبَةَ بِالمَنَاكِيْرِ.
وَقَالَ أَبُو عِيْسَى فِي جَامِعِهِ: سَمِعْتُ مُحَمَّداً يَقُوْلُ: مُقَارَبُ الحَدِيْثِ لاَ أَعْرِفُ لَهُ حَدِيْثاً لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ إلَّا هَذَا. رَوَاهُ: التِّرْمِذِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ عَنْ جَدِّهِ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ عَرْضِهَا وَمِنْ طُوْلِهَا1. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لاَ نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيْثِ عُمَرَ، وَرَأَيْتُ مُحَمَّداً حَسَنَ الرَّأْيِ فِيْهِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: كَانَ مِمَّنْ يَرْوِي عَنِ الثِّقَاتِ المُعْضِلاَتِ، وَيَدَّعِي شُيُوْخاً لَمْ يَرَهُم. قَالَ: وَكَانَ ابْنُ مَهْدِيٍّ حَسَنَ الرَّأْيِ فِيْهِ. قُلْتُ: هَذِهِ رِوَايَةُ قُتَيْبَةَ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْهُ أَنَّهُ اتَّهَمَهُ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو السَّوِيْقِيُّ: شَهِدتُ عُمَرَ بنَ هَارُوْنَ بِبَغْدَادَ، وَهُوَ يُحَدِّثُهُم فَسُئِلَ عَنْ حَدِيْثٍ لابْنِ جُرَيْجٍ رَوَاهُ عَنْهُ الثَّوْرِيُّ، لَمْ يُشَارَكْ فِيْهِ فَحَدَّثَهُم بِهِ فَرَأَيتُهُم مَزَّقُوا عَلَيْهِ الكُتُبَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ صَاحِبَ سُنَّةٍ وَفَضْلٍ وَسَخَاءٍ وَكَانَ أَهْلُ بَلَدِهِ يُبْغِضُونَهُ لِتَعَصُّبِهِ فِي السُّنَّةِ، وَذَبِّهِ عَنْهَا وَلَكِنْ كَانَ شَأْنُهُ فِي الحَدِيْثِ مَا وَصَفْتُ، وَالمَنَاكِيْرُ فِي حَدِيْثِهِ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ فِيْهِ. قَالَ: وَقَدْ حَسَّنَ القَوْلَ فِيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوْخِنَا، كَانَ يَصِلُهُم فِي كُلِّ سَنَةٍ بِصِلاَتٍ كَبِيْرَةٍ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالثِّيَابِ وَيَبْعَثُهَا إِلَيْهِم مِنْ بَلْخَ إِلَى بَغْدَادَ فِي كُلِّ سَنَةٍ. وَقَدْ رَوَى عَنِ: الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْتَادُ لِبَوْلِهِ كَمَا يَرْتَادُ أحدكم لصلاته2.
__________
1 موضوع: أخرجه الترمذي "2762"، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" "3/ 195" من طريق هناد بن السري قال: حدثنا عمر بن هارون، عن أسامة بن زيد، به.
قلت: إسناده موضوع، آفته عمر بن هارون، ترك الناس حديثه كما علمت من ترجمتة المؤلف له.
2 ضعيف: أخرجه ابن حبان في "المجروحين" "2/ 91" من طريق حامد بن يحيى البلخي، حدثنا عمر بن هارون، به.
قلت: إسناده تالف موضوع، آفته عمر بن هارون، وقد علمت حاله من هذه الترجمة. وقد ذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمته في "الميزان"، وعده من جملة منكراته.
وورد عن أبي موسى الأشعري مرفوعًا بلفظ: "إذا أراد أحدكم أن يبول فَلْيَرْتَدْ لبوله موضعا".
أخرجه أبو داود "3"، والبيهقي "1/ 92، 94"، وفيه الشيخ المبهم، فالإسناد ضعيف.(8/44)
قُلْتُ: مِمَّنْ قَوَّى أَمرَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، فَرَوَى له في المختصر حديثًا في البسملة1.
وقال عَلِيُّ بنُ الفَضْلِ بنِ طَاهِرٍ البَلْخِيُّ: مَاتَ عُمَرُ بِبَلْخَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، أَوَّلَ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَكَانَ يَخْضِبُ هَكَذَا أَخْبَرَنِي: مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ مُسْلِمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ. ثُمَّ قَالَ: وَرَأَيْتُ فِي كِتَابٍ أَنَّهُ عَاشَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً.
أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ الأَنْصَارِيُّ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ بَاسَوَيْه المُقْرِئُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُسْلِمٍ الزَّاهِدُ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الكَرْخِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مَسْعَدَةَ أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بنُ يُوْسُفَ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ حَدَّثَنَا بُهْلُوْلُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَاتِمٍ الطَّوِيْلُ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ هَارُوْنَ عَنْ ثور، عن يزيد بن شريح عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ عَنِ النَّوَّاسِ بنِ سَمْعَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَبُرَتْ خِيَانَةً أَنْ تُحَدِّثَ أَخَاكَ حَدِيْثاً هُوَ لَكَ مُصَدِّقٌ، وَأَنْتَ لَهُ كَاذِبٌ"2. يزيد: وثق.
__________
1 منكر: أخرجه ابن خزيمة "493"، والحاكم "1/ 232" من طريق خالد بن خداش أخبرنا عمر بن هارون، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم فعدها آية، والحمد لله رب العالمين، آيتين، وإياك نستعين، وجمع خمس أصابعه".
قلت: إسناده واه بمره، فإن عمر بن هارون ترك الناس حديثه كما علمت من ترجمة المؤلف له.
وهذا الحديث يخالف الحديث الصحيح الثابت الذي رواه مسلم "399" بإسناده عن أنس قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم".
يقول محمد أيمن الشبراوي: فعل هذا فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبا بكر، عمر، وعثمان كانوا يسرون بقراءة البسملة ولا يجهرون بها، فثبت بذلك نكارة حديث الجهر بالبسملة والله تعالى أعلى وأعلم.
2 ضعيف: أخرجه أحمد "4/ 183" من طريق عمر بن هارون، به. وهذا إسناد ضعيف جدا، آفته عمر بن هارون هذا. فإنه متروك.
وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" "393"، وأبو داود "4971" حدثنا حيوة بن شريح الحضرمي إمام مسجد حمص، حدثنا بقية بن الوليد، عن ضبارة بن مالك الحضرمي، عن أبيه، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عن أبيه، عن سفيان بن أسيد الحضرمي قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول فذكره.
قلت: إسناده ضعيف، فيه ثلاث علل: الأولى: بقية بن الوليد، مدلس، يدلس تدليس التسوية، وقد عنعنه. العلة الثانية: ضبارة بن عبد الله بن مالك بن أبي السليك الحضرمي أبو شريح الحمصي، مجهول كا قال الحافظ في "التقريب". العلة الثالثة: مالك بن أبي السليك الحضرمي، مجهول كما قال الحافظ في "التقريب".(8/45)
قَرَأْتُ عَلَى عِيْسَى بنِ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا مَنْصُوْرُ بنُ سَنَدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الحَافِظُ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الهَيْثَمِ الوَاعِظُ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعِ مائَةٍ حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا عَمَّارُ بنُ هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ هَارُوْنَ البَلْخِيُّ حَدَّثَنَا ثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ، عَنْ مَكْحُوْلٍ عَنِ النَّوَّاسِ بنِ سَمْعَانَ الكِلاَبِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُوْرِهَا" 1.
__________
1 صحيح بطرقة: وهذا إسناد ضعيف جدا، آفته عمر بن هارون فإنه متروك كما علمت. وقد ورد من طريق صخر الغامدي، وابن عمر، وأبي هريرة، وجابر، وابن عباس، وأبي بكرة -رضي الله عنهم أجمعين- أما حديث صخر الغامدي: فهو عند أحمد "3/ 147، 431"، "4/ 390"، وابن أبي شيبة "12/ 516"، وسعيد بن منصور "2382"، وأبي داود "2606"، والترمذي "1212"، وابن ماجه "2236"، وإسناده ضعيف، فيه عمارة بن حديد، فإنه مجهول قال أبو زرعة: لا يعرف. وقال أبو حاتم: مجهول. وأما حديث ابن عمر -رضي الله عنهما: فهو عند ابن ماجه "2238"، والطبراني "13390"، وإسنادهما ضعيف.
وأما حديث أبي هريرة -رضي الله عنهما-: فهو عند ابن ماجه "2237"، وهو ضعيف.
وأما حديث جابر -رضي الله عنه-: فأخرجه الطبراني في "الأوسط" "996".
وأما حديث ابن عباس -رضي الله عنهما: فهو عند الطبراني "12966".
وأما حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-: فهو عند الطبراني في "الأوسط" "2975".
كما روي عن كعب بن مالك: عند الطبراني في "الكبير" "19/ 156".
وعن ابن مسعود: عند الطبراني في "الكبير" "10490".(8/46)
1389- أبو أسامة:
2 "ع".
حماد بن أسامة بن زيد، الكوفي الحَافِظُ، الثَّبْتُ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَيُقَالُ: وَلاَؤُهُ لِزَيْدِ بنِ عَلِيٍّ. وَقِيْلَ: بَلْ مَوْلَى الحَسَنِ بن سعد مولى الحسن بن علي.
__________
1 صحيح بطرقة: وهذا إسناد ضعيف جدا، آفته عمر بن هارون فإنه متروك كما علمت. وقد ورد من طريق صخر الغامدي، وابن عمر، وأبي هريرة، وجابر، وابن عباس، وأبي بكرة -رضي الله عنهم أجمعين- أما حديث صخر الغامدي: فهو عند أحمد "3/ 147، 431"، "4/ 390"، وابن أبي شيبة "12/ 516"، وسعيد بن منصور "2382"، وأبي داود "2606"، والترمذي "1212"، وابن ماجه "2236"، وإسناده ضعيف، فيه عمارة بن حديد، فإنه مجهول قال أبو زرعة: لا يعرف. وقال أبو حاتم: مجهول. وأما حديث ابن عمر -رضي الله عنهما: فهو عند ابن ماجه "2238"، والطبراني "13390"، وإسنادهما ضعيف.
وأما حديث أبي هريرة -رضي الله عنهما-: فهو عند ابن ماجه "2237"، وهو ضعيف.
وأما حديث جابر -رضي الله عنه-: فأخرجه الطبراني في "الأوسط" "996".
وأما حديث ابن عباس -رضي الله عنهما: فهو عند الطبراني "12966".
وأما حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-: فهو عند الطبراني في "الأوسط" "2975".
كما روي عن كعب بن مالك: عند الطبراني في "الكبير" "19/ 156".
وعن ابن مسعود: عند الطبراني في "الكبير" "10490".
2 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 394"، والتاريخ الكبير "3/ ترجمة 113"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 63، 188، 220"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 600"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة رقم 301"، والعبر "1/ 335"،، وميزان الاعتدال "1/ ترجمة 2235"، والكاشف "1/ ترجمة 1221"، وتهذيب التهذيب "3/ 2"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1589"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 2".(8/46)
وُلِدَ فِي حُدُوْدِ العِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
وَحَدَّثَ "عَنْ": هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَابْنِ أَبِي خَالِدٍ، وَإِدْرِيْسَ بنِ يَزِيْدَ الأَوْدِيِّ، وَأَجْلَحَ الكِنْدِيِّ، وَأَحْوَصَ بنِ حَكِيْمٍ الشَّامِيِّ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، وَبُرَيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَبَهْزِ بنِ حَكِيْمٍ، وَحَاتِمِ بنِ أَبِي صَغِيْرَةَ، وَحَبِيْبِ بنِ الشَّهِيْدِ، وَالحَسَنِ بنِ الحَكَمِ النَّخَعِيِّ، وَسَعْدِ بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَحُسَيْنِ بنِ ذَكْوَانَ المُعَلِّمِ وَسَعِيْدٍ الجُرَيْرِيِّ، وَطَلْحَةَ بنِ يَحْيَى وَمُجَالدٍ وَعَوْفٍ وَهَاشِمِ بنِ هَاشِمٍ الزُّهْرِيِّ وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، وَفُضَيْلِ بنِ مَرْزُوْقٍ وَمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ وَابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَشُعْبَةَ وَسُفْيَانَ وَسُلَيْمَانَ بنِ المُغِيْرَةِ وَمُسَاوِرٍ الوَرَّاقِ وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ العِلْمِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ وَالشَّافِعِيُّ وَقُتَيْبَةُ وَالحُمَيْدِيُّ، وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو خيثمة وإبراهيم بن سعيد الجَوْهَرِيُّ، وَابْنَا الدَّوْرَقِيِّ وَابْنَا أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَالحَسَنُ الحُلْوَانِيُّ وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ وَدُحَيْمٌ، وَعُبَيْدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المَخْزُوْمِيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ كَرَامَةَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
رَوَى حَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ أَبُو أُسَامَةَ ثِقَةٌ، كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِأُمُوْرِ النَّاسِ وَأَخْبَارِ أَهْلِ الكُوْفَةِ، مَا كَانَ أَرْوَاهُ عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ.
وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: كَانَ ثَبْتاً مَا كَانَ أَثبتَهُ! لاَ يَكَادُ يُخْطِئُ، وَقَالَ أَيْضاً: سُئِلَ أَبِي عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، وَابْنِ أُسَامَةَ فَقَالَ: أَبُو أُسَامَةَ أَثْبَتُ مِنْ مائَةٍ مِثْلِ أَبِي عَاصِمٍ، كَانَ أَبُو أُسَامَةَ ضَابِطاً صَحِيْحَ الكِتَابِ كَيِّساً صَدُوْقاً.
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، وَعَبْدَةَ قَالَ: مَا مِنْهُمَا إلَّا ثِقَةٌ.
عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ أَبَانٍ: سَمِعْتُ أَبَا أُسَامَةَ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ بِأُصْبُعَيَّ هَاتَيْنِ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ، وَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ.
وَقَالَ ابْنُ الفُرَاتِ: كَانَ عِنْدَ أَبِي أُسَامَةَ سِتُّ مائَةِ حَدِيْثٍ عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ.
وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: كَانَ أَبُو أُسَامَةَ فِي زَمَانِ سُفْيَانَ يُعَدُّ مِنَ النُّسَّاكِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ يَحْيَى بنِ يَمَانٍ عَنْ أَبِيْهِ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: مَا(8/47)
بِالكُوْفَةِ شَابٌّ أَعقَلُ مِنْ أَبِي أُسَامَةَ. ثُمَّ قَالَ العِجْلِيُّ: مَاتَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ إِحْدَى وَمائَتَيْنِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَلِيٍّ العَبَّاسِيُّ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعاً.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيْنَ سَنَةً، فِيْمَا قِيْلَ.
قُلْتُ: حَدِيْثُهُ فِي جَمِيْعِ الصِّحَاحِ، وَالدَّوَاوِيْنِ، وَهُوَ مِنْ نُظَرَاءِ وَكِيْعٍ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ هِلاَلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ بِشْرَانَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَاكِرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْكُم مِنْ أَحَدٍ إلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حَاجِبٌ وَلاَ تَرْجُمَانُ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إلَّا النَّارَ فَاتَّقُوا النَّارَ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ".
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1 وَقَعَ لَنَا مُخْتَصَراً.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "6539"، ومسلم "1016" "67"، والترمذي "2415".(8/48)
1390- أبو نواس 1:
رَئِيْسُ الشُّعَرَاءِ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ هَانِئ الحكمي، وقيل: ابن وهب، وُلِدَ بِالأَهْوَازِ وَنَشَأَ بِالبَصْرَةِ، وَسَمِعَ مِنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ وَطَائِفَةٍ. وَتَلاَ عَلَى يَعْقُوْبَ وَأَخَذَ اللُّغَةَ عَنْ: أَبِي زِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ وَغَيْرِهِ.
وَمَدَحَ الخلفاء والوزراء، ونظمه في الذروة حتى قال فِيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ شَيْخُهُ: أَبُو نُوَاسٍ لِلْمُحْدَثِيْنَ، كَامْرِئِ القَيْسِ لِلْمُتَقَدِّمِيْنَ.
قِيْلَ: لُقِّبَ بِهَذَا، لِضَفِيْرَتَيْنِ كَانَتَا تَنُوْسَانِ عَلَى عَاتِقَيْهِ أَيْ: تَضْطَرِبُ، وَهُوَ مِنْ مَوَالِي الجَرَّاحِ الحِكَمِيِّ، أَمِيْرِ الغُزَاةِ وَهُوَ القَائِلُ:
سُبْحَانَ ذِي المَلِكُوتِ أَيَّةُ لَيْلَةٍ ... مَخَضَتْ صَبِيْحَتُهَا بِيَوْمِ المَوْقِفِ
لَوْ أَنَّ عَيْناً وَهَّمَتْهَا نَفْسُهَا ... مَا فِي المَعَادِ مُحَصَّلاً لَمْ تَطْرِفِ
__________
1 ترجمته في الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني "20/ 61"، وتاريخ بغداد "7/ 436"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 170"، والعبر "1/ 321"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 345"، وخزانة الأدب للبغدادي "1/ 168".(8/48)
وَلَهُ:
أَلاَ كُلُّ حَيٍّ هَالكٌ وَابْنُ هَالكٍ ... وَذُو نَسَبٍ فِي الهَالِكِيْنَ عَرِيقِ
إِذَا امْتَحَنَ الدُّنْيَا لَبِيْبٌ تَكَشَّفَتْ ... لَهُ عَنْ عَدُوٍّ فِي ثِيَابِ صَدِيْقِ
وَلأَبِي نُوَاس أَخْبَارٌ وَأَشعَارٌ رَائِقَةٌ فِي الغَزَلِ وَالخُمُوْرِ، وَحُظْوَةٌ فِي أَيَّامِ الرَّشِيْدِ، وَالأَمِيْنِ.
مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَقِيْلَ: مَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ عفا الله عنه وَلَهُ وَهُوَ حَدَثٌ:
حَامِلُ الهَوَى تَعِبُ ... يَسْتَخِفُّهُ الطَّرَبُ
إِنْ بَكَى يَحِقُّ لَهُ ... لَيْسَ مَا بِهِ لَعِبُ
تَضْحَكِيْنَ لاَهِيَةً ... وَالمُحِبُّ يَنْتَحِبُ
تَعْجَبِيْنَ مِنْ سَقَمِي ... صِحَّتِي هِيَ العَجَبُ
وَيُقَالُ: مَا رُؤِيَ أَحْفَظُ مِنْ أَبِي نُوَاسٍ مَعَ قِلَّةِ كُتُبِهِ، وَشِعرُهُ عَشْرَةُ أَنْوَاعٍ، وَقَدْ بَرَّزَ فِي العَشْرَةِ. اعْتَنَى الصُّوْلِيُّ، وَغَيْرُهُ بِجَمْعِ دِيْوَانِهِ، فَلِذَلِكَ يَخْتَلِفُ دِيْوَانُهُ.
وَقَدْ سَجَنَهُ الأَمِيْنُ لأَمرٍ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ:
وَحَيَاةِ رَأْسِكَ لاَ أَعُو ... دُ لِمِثْلِهَا مِنْ خَوْفِ بَاسِكْ
مَنْ ذَا يَكُوْنُ أَبَا نوا ... سك إن قتلت أبا نواسك(8/49)
1391- الجرمي 1: "س"
الشَّيْخُ الإِمَامُ القُدْوَةُ الرَّبَانِيُّ أَبُو يَزِيْدَ القاسم بن يزيد الجرمي الموصلي.
حَدَّثَ عَنْ: ثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَأَفْلَحَ بنِ حُمَيْدٍ، وَشِبْلِ بنِ عَبَّادٍ وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ نَافِعٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ، وَصَالِحٌ وَعَبْدُ اللهِ ابْنَا عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ أَبِي خِدَاشٍ، وَعَلِيِّ بنِ حَرْبٍ وَأَخُوْهُ أَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ المَوَاصِلَةُ.
وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ.
وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ فِي تَارِيْخِ المَوْصِلِ: كَانَ زَاهِداً وَرِعاً، مِنْ أَصْحَابِ سُفْيَانَ، رَحَلَ وَكَتَبَ عَمَّنْ لَحِقَ مِنَ الحِجَازِيِّينَ، وَالكُوْفِيِّيْنَ، وَالبَصْرِيِّينَ، وَالشَّامِيِّينَ، وَالمَوْصِلِيِّينَ، وَكَانَ حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ مُتَفَقِّهاً.
قَالَ بِشْرُ بنُ الحَارِثِ: كَانَ يُقَالُ: إِنَّ قَاسِماً الجَرْمِيَّ مِنَ الأَبْدَالِ كَانَ لاَ يُشْبِهُهُم يَعْنِي: رِفَاقَهُ فِي الزِّيِّ يَلْبَسُ دُوْنَ المُعَافَى، وَزَيْدِ بنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ: دَخَلْتُ مَنْزِلَ قَاسِمِ بنِ يَزِيْدَ فَرَأَيْتُ خُرْنُوباً فِي زَاوِيَةِ البَيْتِ، كَانَ يَتَقَوَّتُ مِنْهُ وَسَيْفاً وَمُصْحفاً. قَالَ: وَرُئِيَ قَاسِمٌ كَأَنَّ المَوْصِلَ عَلَى كَتِفِهِ، قَدْ أَخَذَهَا مِنْ كَتِفِ فَتْحٍ المَوْصِلِيِّ فَفَسَّرَهَا قَاسِمٌ عَلَى رَجُلٍ عَابرٍ فَقَالَ: المَوْصِلُ يَقُوْمُ بِفَتْحٍ فَيَمُوْتُ وَيَقُوْمُ بِكَ.
قَالَ بِشْرٌ الحَافِي: كَانَ قَاسِمٌ يَحْفَظُ المَسَائِلَ، وَالحَدِيْثَ قَالَ لَنَا المُعَافَى: اسْمَعُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ الأَمِيْنُ المَأْمُوْنُ.
وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ فِي تَارِيْخِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المُغِيْرَةِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ عَنْ بِشْرٍ الحَافِي: أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ أَصْحَابُ سُفْيَانَ فَأَجْمَعُوا عَلَى تَفْضِيْلِ المُعَافَى بنِ عِمْرَانَ. فَقَالَ بِشْرٌ: رُزِقَ المُعَافَى شُهرَةً، وَمَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَ قَاسِمٍ الجَرْمِيِّ رَحِمَهُ اللهُ.
قَالَ هِشَامُ بنُ بَهْرَامَ: سَمِعْتُ قَاسِماً الجَرْمِيَّ يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
قَالَ عَلِيٌّ الخَوَّاصُ: تُوُفِّيَ قَاسِمٌ الجَرْمِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَمْ أَشْهَدْ جِنَازَتَهُ.
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الخَلاَّلِ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الصَّوَّافُ، وَالمُبَارَكُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ العَبَّادَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ بِسَامَرَّاءَ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ يَزِيْدَ، عَنْ صَدَقَةَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيْهِ عَنْ عَائِشَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إذا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُجَامِعَ أَهْلَهُ، اتَّخَذَتْ أَهْلُهُ خِرْقَةً فَإِذَا فَرَغَ نَاوَلَتْهُ فَمَسَحَ عَنْهُ الأَذَى، ومسحت ثم صليا في ثوبهما ذاك"2.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 764"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 703"، وتاريخ بغداد "12/ 426"، والكاشف "2/ ترجمة 4609"، وتهذيب التهذيب "8/ 341"، وتقريب التهذيب "2/ 121"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5818"، وشذرات الذهب لابن العماد "1/ 341".
2 ضعيف: في إسناده صدقة، وهو ابن عبد الله السمين، أبو معاوية الدمشقي، أجمعوا على ضعفه. وقد ذكر ابن أبي حاتم في "العلل" "1/ 1245" وقال: قال أبي: إنما هو عن عائشة موقوف.(8/50)
1392- حُذَيْفَةُ بنُ قَتَادَةَ 1:
المَرْعَشِيُّ، أَحَدُ الأَوْلِيَاءِ.
صَحِبَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَرَوَى عَنْهُ.
قَالَ رَفِيْقُهُ يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَوْ أَصَبْتُ مَنْ يُبْغِضُنِي عَلَى الحقِيْقَةِ فِي اللهِ لأَوجَبتُ عَلَى نفسي حبه2.
وَقَالَ ابْنُ خُبَيْقٍ: قَالَ حُذَيْفَةُ: إِنْ لَمْ تَخْشَ أَنْ يُعَذِّبَكَ اللهُ عَلَى أَفْضَلِ عَمَلِكَ، فَأَنْتَ هَالِكٌ3.
وَعَنْهُ قَالَ: أَعْظَمُ المَصَائِبِ قَسَاوَةُ القَلْبِ.
وَعَنْهُ: جِمَاعُ الخَيْرِ فِي حَرْفَينِ: حِلُّ الكسرة وإخلاص العمل لله4.
__________
1 ترجمته في حلية الأولياء "8/ ترجمة 404".
2 ذكره أبو نعيم في: "الحلية" "8/ 268".
3 ذكره أبو نعيم في: "الحلية" "8/ 268".
4 ذكره أبو نعيم في: "الحلية" "8/ 270".(8/51)
1393- السُّفْيَانِيُّ 1:
الأَمِيْرُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ القُرَشِيُّ الأُمَوِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ وَيُعْرَفُ: بِأَبِي العَمَيْطَرِ.
كَانَ سَيِّدَ قَوْمِهِ وَشَيْخَهُم فِي زَمَانِهِ، بُوْيِعَ بِالخِلاَفَةِ بِدِمَشْقَ زَمَنَ الأَمِيْنِ، وَغَلَبَ عَلَى دِمَشْقَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ، وَدَارُهُ غَرْبِيِّ الرَّحْبَةِ كَانَتْ.
حَكَى عَنِ: المَهْدِيِّ، وَابْنِ عُلاَثَةَ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو مُسْهِرٍ.
قَالَ الهَيْثَمُ بنُ مَرْوَانَ: سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ شَيْخاً مِنْ قريش أثق به، يقول: سأل المهدي بن عُلاَثَةَ: لِمَ رَدَدْتَ شَهَادَةَ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: لأَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى جُمُعَةً وَلاَ جَمَاعَةً. فسألت أبا مسهر: مَنِ الشَّيْخُ? قَالَ: عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ.
__________
1 ترجمته في العبر "1/ 317"، وشذرات الذهب لابن العماد "1/ 342".(8/51)
وَقَالَ الزُّبَيْرُ: كَانَتْ أُمُّ أَبِي العَمَيْطَرِ هِيَ نَفِيْسَةُ بِنْتُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ. فَقِيْلَ: كَانَ يَفتَخِرُ. وَيَقُوْلُ: أَنَا ابْنُ شَيْخَيْ صِفِّيْنَ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ سَأَلَهُم مَرَّةً: مَا كُنْيَةُ الحِرْذَونِ1? قُلْنَا: لاَ نَدْرِي. قَالَ: أَبُو العَمَيْطَرِ. فَلَقَّبْنَاهُ بِهِ فَكَانَ يَغْضَبُ.
وَرَوَى أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: كَانَ أَبُو العَمَيْطَرِ يَفتَخِرُ يَقُوْلُ: أَنَا ابْنُ العِيْرِ، وَابْنُ النَّفِيْرِ، وَأَنَا ابْنُ شَيْخَيْ صِفِّينَ ثُمَّ يَنْتَسِبُ.
وَقِيْلَ: كَانَ يَسْكُنُ المِزَّةَ فَخَرَجَ بِهَا وَهُوَ ابْنُ تِسْعِيْنَ سَنَةً.
ابْنُ جَوْصَا: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ عَامِرٍ: سَمِعْتُ الوَلِيْدَ بن مسلم غير مرة يقول: لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ إلَّا يَوْمٌ لَخَرَجَ السُّفْيَانِيُّ. قَالَ مُوْسَى: فَخَرَجَ أَبُو العَمَيْطَرِ فِيْهَا.
وَرَوَى هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ نَحْوَهُ عَنِ الوَلِيْدِ.
قَالَ المَيْمُوْنِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ لِلْهَيْثَمِ بنِ خَارِجَةَ: كَيْفَ كَانَ مَخْرَجُ السُّفْيَانِيِّ بِدِمَشْقَ أَيَّامَ ابْنِ زُبَيْدَةَ بَعْدَ سُلَيْمَانَ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ؟ فَوَصَفَهُ بِهَيْئَةٍ جَمِيْلَةٍ، وَعُزْلَةٍ لِلشَّرِّ ثُمَّ ظُلْمٍ، وَأَرَادُوْهُ عَلَى الخُرُوْجِ مِرَاراً، فَأَبَى فَحَفَرَ لَهُ خَطَّابُ بنُ وَجْهِ الفُلْسِ سِرْباً ثُمَّ دَخَلُوْهُ فِي اللَّيْلِ، وَنَادَوْهُ: اخْرُجْ، فَقَدْ آنَ لَكَ. قَالَ: هَذَا شَيْطَانٌ ثُمَّ فِي ثَانِي لَيْلَةٍ وَقَعَ فِي نفسه، وخرج. فقال أحمد: أفسدوه.
وَقِيْلَ: وَلِيَ سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ دِمَشْقَ عَقِيْبَ فِتْنَةٍ، وَعَصَبِيَّةٍ بَيْنَ العَرَبِ، وَكَانُوا بَنُو أُمَيَّةَ يَرْوُوْنَ فِي أَبِي العَمَيْطَرِ الرِّوَايَاتِ، وَأَنَّ فِيْهِ العَلاَمَاتِ، وَأَنَّ كَلْباً أَنْصَارُهُ، فَمَالُوا إِلَيْهِ، وَتَوَدَّدَهُم وَخَافُوا مُحَمَّدَ بنَ صَالِحِ بنِ بَيْهَسٍ فَاندَسُّوا إِلَى سُلَيْمَانَ، وَكَثُرُوا عَلَى ابْنِ بَيْهَسٍ فَحَبَسَهُ فَتَمَكَّنُوا وَوَثبُوا، وَأَحَاطُوا بِسُلَيْمَانَ، وَهُوَ فِي قَصْرِ الحَجَّاجِ، فَبَعَثَ إِلَى ابْنِ بَيْهَسٍ وَهُوَ فِي حَبْسِهِ بِالقَصْرِ فَخَرَجَ بِهِ، وَهَرَبَا عَلَى البَرِّيَّةِ. وَلَمَّا خَرَجَ عَلِيٌّ فِي اليَمَانِيَّةِ تَتَبَّعُوا القَيْسِيَّةَ، وَحَرَّقُوا دُورَهُم وَقَتَلُوا فِي بَنِي سُلَيمٍ وَتَابَعَهُ أَهْلُ الغُوطَةِ وَحِمْصَ، وَحَلَبَ وَالسَّوَاحِلَ وَهَرَبَتْ قَيْسٌ وَكَانَ الحَرَسُ يُنَادُوْنَ عَلَى السُّورِ: يَا عَلِيُّ يَا مُخْتَارُ يَا مَنِ اخْتَارَهُ الجَبَّارُ عَلَى بَنِي العَبَّاسِ الأَشْرَارِ.
وَجَرَتْ لَهُ أُمُوْرٌ، ثم هرب، وخلع نفسه، واختفى، ومات.
__________
1 دويبة: شبيهة بالضب. وقيل: هو ذكر الضب.(8/52)
1394- الرشيد 1:
الخليفة أبو جعفر هارون بن المهدي مُحَمَّدُ بنُ المَنْصُوْرِ أَبِي جَعْفَرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ الهَاشِمِيُّ العَبَّاسِيُّ.
اسْتُخْلِفَ بِعَهْدٍ مَعْقُودٍ لَهُ بَعْدَ الهَادِي مِنْ أَبِيْهِمَا المَهْدِيِّ فِي سنة سبعين ومائة بعد الهادي.
رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَجَدِّهِ وَمُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ، المَأْمُوْنُ، وَغَيْرُهُ.
وَكَانَ مِنْ أَنبَلِ الخُلَفَاءِ وَأَحشَمِ المُلُوْكِ ذَا حَجٍّ وَجِهَادٍ وَغَزْوٍ وَشَجَاعَةٍ وَرَأْيٍ.
وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ اسْمُهَا: خَيْزُرَانُ.
وَكَانَ أَبْيَضَ، طَوِيْلاً، جَمِيْلاً وَسِيْماً إِلَى السِّمَنِ ذَا فَصَاحَةٍ وَعِلْمٍ وَبَصَرٍ بِأَعبَاءِ الخِلاَفَةِ، وَلَهُ نَظَرٌ جَيِّدٌ فِي الأَدَبِ وَالفِقْهِ قَدْ وَخَطَهُ الشَّيبُ.
أَغزَاهُ أَبُوْهُ بِلاَدَ الرُّوْمِ، وَهُوَ حَدَثٌ فِي خِلاَفَتِهِ.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ بِالرَّيِّ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
قِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي خِلاَفَتِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مائَةَ رَكْعَةٍ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَيَتَصَدَّقُ بِأَلفٍ، وَكَانَ يُحِبُّ العُلَمَاءَ، وَيُعَظِّمُ حُرُمَاتِ الدِّيْنِ وَيُبْغِضُ الجِدَالَ وَالكَلاَمَ، وَيَبْكِي عَلَى نَفْسِهِ وَلَهْوِهِ وَذُنُوبِهِ لاَ سِيَّمَا إِذَا وُعِظَ.
وَكَانَ يُحِبُّ المَدِيحَ وَيُجِيْزُ الشُّعَرَاءَ، وَيَقُوْلُ الشِّعْرَ.
وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ مَرَّةً ابْنُ السَّمَّاكِ الوَاعِظُ فَبَالغَ فِي إِجْلاَلِهِ فَقَالَ: تَوَاضُعُكَ فِي شَرَفِكَ، أَشْرَفُ مِنْ شَرَفِكَ، ثُمَّ وَعَظَهُ فَأَبكَاهُ.
وَوَعَظَهُ الفُضَيْلُ مَرَّةً حَتَّى شَهِقَ في بكائه.
وَلَمَّا بَلَغَهُ مَوْتُ ابْنِ المُبَارَكِ حَزِنَ عَلَيْهِ، وَجَلَسَ لِلْعَزَاءِ فَعَزَّاهُ الأَكَابِرُ.
وَكَانَ يَقْتَفِي آثَارَ جده إلَّا في الحرص.
__________
1 ترجمته في المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 161، 182"، وتاريخ بغداد "14/ 5"، والعبر "1/ 312"، وشذرات الذهب لابن العماد "1/ 334".(8/53)
قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرُ: مَا ذَكَرْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ يَدَيِ الرَّشِيْدِ إلَّا قَالَ: صَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِي. وَرَوَيْتُ لَهُ حَدِيْثَهُ: "وَدِدْتُ أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيْلِ اللهِ، فَأُقْتَلَ ثُمَّ أَحْيَى ثُمَّ أُقْتَلَ" 1. فَبَكَى حَتَّى انْتَحَبَ.
وَعَنْ خُرَّزاذ العَابِدِ قَالَ: حَدَّثَ أَبُو مُعَاوِيَةَ الرَّشِيْدَ بِحَدِيْثِ: "احْتَجَّ آدَمُ وَمُوْسَى" 2، فَقَالَ رَجُلٌ شَرِيْفٌ: فَأَيْنَ لَقِيَهُ? فَغَضِبَ الرَّشِيْدُ، وَقَالَ: النِّطْعَ وَالسَّيْفَ زِنْدِيقٌ يَطعَنُ فِي الحَدِيْثِ. فَمَا زَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ يُسَكِّنُهُ وَيَقُوْلُ: بَادِرَةٌ مِنْهُ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! حَتَّى سَكَنَ3.
وَعَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرِ قَالَ: صَبَّ عَلَى يَدَيَّ بَعْدَ الأَكْلِ شَخْصٌ لاَ أَعْرِفُهُ. فَقَالَ الرَّشِيْدُ: تَدْرِي مَنْ يَصُبُّ عَلَيْكَ? قُلْتُ: لاَ. قَالَ: أَنَا، إِجْلاَلاً لِلْعِلْمِ4.
وَعَنِ الأَصْمَعِيِّ: قَالَ لِي الرشيد، وأمر لي بخمسة آلاف دينار: وَقِّرْنَا فِي المَلأِ وَعَلِّمْنَا فِي الخَلاَءِ. سَمِعَهَا: أَبُو حَاتِمٍ مِنَ الأَصْمَعِيِّ. قَالَ الثَّعَالبِيُّ فِي اللَّطَائِفِ: قَالَ الصُّوْلِيُّ: خَلَّفَ الرَّشِيْدُ مائَةَ أَلْفِ أَلْفِ دِيْنَارٍ.
وَقَالَ المَسْعُوْدِيُّ فِي مُرُوْجِهِ: رَامَ الرَّشِيْدُ أَنْ يُوصِلَ مَا بَيْنَ بَحرِ الرُّوْمِ، وبحر القلزم مما
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "2797"، ومسلم "1876" "103"، "106"، والنسائي "6/ 23" وابن ماجه "2753"، وأحمد "2/ 231، 424".
2 صحيح: أخرجه الحميدي "1115"، وأحمد "2/ 248"، والبخاري "6614"، ومسلم "2652"، وأبو داود "4701"، وابن ماجه "80"، وابن أبي عاصم في "السنة" "145"، وابن خزيمة في "التوحيد" "ص56"، والآجري في "الشريعة" "ص181، 302، 324-325"، واللالكائي في "أصول الاعتقاد" "1030"، "1031"، "1032"، والبيهقي في "الاعتقاد" "ص138"، وفي"الأسماء والصفات "190" و"316"، والبغوي "68" من طرق عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن أبي هريرة مرفوعًا.
وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" "144"، والخطيب في "تاريخ بغداد" "5/ 103"، من طريق أبي الحباب خالد بن الحباب البصري، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي مُوْسَى مرفوعا. وأخرجه أبو داود "4702"، وعنه البيهقي في "الأسماء والصفات" "ص193"، وابن خزيمة في "التوحيد" "ص94" من طريق هِشَامُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عن أبيه أن عمر بن الخطاب قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
قلت: وإسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين خلا هشام بن سعد، فإنه صدوق له أوهام.
3 ذكره الخطيب في: "تاريخ بغداد" "14/ 7-8"، ويعقوب الفسوي في "المعرفة والتاريخ" "2/ 181".
4 ذكره الخطيب في: "تاريخ بغداد" "14/ 8".(8/54)
يَلِي الفَرَمَا فَقَالَ لَهُ يَحْيَى البَرْمَكِيُّ: كَانَ يَختَطِفُ الرُّوْمُ النَّاسَ مِنَ الحَرَمِ، وَتَدْخُلُ مَرَاكِبُهُم إِلَى الحِجَازِ.
وَعَنْ إِسْحَاقَ المَوْصِلِيِّ: أَنَّ الرَّشِيْدَ أَجَازَهُ مَرَّةً بِمَائَتَيْ أَلفِ دِرْهَمٍ.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: كُنْتُ مَعَ الفُضَيْلِ بِمَكَّةَ، فَمَرَّ هَارُوْنُ فَقَالَ الفُضَيْلُ: النَّاسُ يَكرَهُوْنَ هَذَا، وَمَا فِي الأَرْضِ أَعَزُّ عَلَيَّ مِنْهُ لَوْ مَاتَ لَرَأَيْتُ أُمُوْراً عِظَاماً.
يَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ: حَدَّثَنَا عَمَّارُ بنُ لَيْثٍ الوَاسِطِيُّ سَمِعْتُ الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ يَقُوْلُ: مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوْتُ أَشَدُّ عَلَيَّ مَوْتاً مِنْ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ هَارُوْنَ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّ اللهَ زَادَ مِنْ عُمُرِي فِي عُمُرِهِ. قَالَ: فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا مَاتَ هَارُوْنُ، وَظَهَرَتِ الفِتَنُ وَكَانَ مِنَ المَأْمُوْنِ مَا حَمَلَ النَّاسَ عَلَى خَلْقِ القُرْآنِ، قُلْنَا: الشَّيْخُ كَانَ أَعْلَمَ بِمَا تَكَلَّمَ.
قَالَ الجَاحِظُ اجْتَمَعَ لِلرَّشِيْدِ ما لم يجتمع لغيره، وزراؤه: البَرَامِكَةُ وَقَاضِيهِ: القَاضِي أَبُو يُوْسُفَ، وَشَاعِرُهُ مَرْوَانُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ وَنَدِيْمُهُ: العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ عَمُّ وَالِدِهِ، وَحَاجِبُهُ: الفَضْلُ بنُ الرَّبِيْعِ أَتْيَهُ النَّاسِ، وَمُغَنِّيهِ: إِبْرَاهِيْمُ المَوْصِلِيُّ، وَزَوْجَتُهُ: زُبَيْدَةُ.
قِيْلَ: إِنَّ هَارُوْنَ أَعْطَى ابْنَ عُيَيْنَةَ مائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَعْطَى مَرَّةً أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ سِتَّةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ.
وَمَحَاسِنُهُ كَثِيْرَةٌ، وَلَهُ أَخْبَارٌ شَائِعَةٌ فِي اللَّهوِ وَاللَّذَاتِ، وَالغِنَاءِ اللهُ يَسْمَحُ لَهُ.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: أُرَاهُ كَانَ يَشْرَبُ النَّبِيذَ المُخْتَلفَ فِيْهِ لاَ الخَمْرَ المُتَّفَقَ عَلَى حُرْمَتِهَا، قَالَ: ثُمَّ جَاهَرَ جِهَاراً قبِيْحاً.
قُلْتُ: حَجَّ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَهُ فُتُوحَاتٍ، وَمَوَاقِفُ مَشْهُوْدَةٌ، وَمِنْهَا فَتحُ مَدِيْنَةِ هِرَقْلَةَ، وَمَاتَ غَازِياً بِخُرَاسَانَ، وَقَبْرُهُ بِمَدِيْنَةِ طُوْسَ عَاشَ خَمْساً، وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً وَصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَدُهُ صَالِحٌ.
تُوُفِّيَ فِي ثَالِثِ جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَزَرَ لَهُ يَحْيَى بنُ خَالِدٍ مُدَّةً، وَأَحْسَنَ إِلَى العَلَوِيَّةِ، وَحَجَّ سَنَةَ 173 وَعَزَلَ عَنْ خُرَاسَانَ جَعْفَرَ بنَ أَشْعَثَ بِوَلَدِهِ العَبَّاسِ بنِ جَعْفَرٍ، وَحَجَّ أَيْضاً فِي العَامِ الآتِي، وَعَقَدَ بِوِلاَيَةِ العَهْدِ لِوَلَدِهِ الأَمِيْنِ صَغَيْراً، فَكَانَ أَقبَحُ، وَهْنٍ تَمَّ فِي الإِسْلاَمِ، وَأَرْضَى الأُمَرَاءَ بِأَمْوَالٍ عَظِيْمَةٍ وَتَحَرَّكَ عَلَيْهِ بِأَرْضِ الدَّيْلَمِ يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ الحُسَيْنِيُّ، وَعَظُمَ أَمرُهُ، وَبَادرَ إِلَيْهِ الرافضة، فتنكد عيش الرشيد، واغتنم وَجَهَّزَ لَهُ الفَضْلَ ابْنَ وَزِيْرِهِ فِي خَمْسِيْنَ أَلْفاً فَخَارَتْ قِوَى يَحْيَى، وَطَلَبَ الأَمَانَ فَأَجَابَه وَلاَطَفَهُ، ثُمَّ ظَفِرَ بِهِ وَحَبَسَهُ ثُمَّ تَعَلَّلَ وَمَاتَ.
وَيُقَالُ: نَالَهُ مِنَ الرَّشِيْدِ أَرْبَعُ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَثَارَ بِالشَّامِ أَبُو الهِنْدَامِ المُرِّيِّ(8/55)
وَاصطَدَمَتْ قَيْسٌ، وَيَمَنٌ، وَقُتِلَ خَلْقٌ فَولَّى مُوْسَى بنَ يَحْيَى البَرْمَكِيَّ فَجَاءَ وَأَصلَحَ بَيْنَهُم.
وَفِي سَنَةِ 175: وَلَّى خُرَاسَانَ الغِطْرِيْفَ بنَ عَطَاءٍ وَوَلَّى مِصْرَ جَعْفَراً البَرْمَكِيَّ، وَاشتَدَّ الحَرْبُ بَيْنَ القَيْسِيَّةِ، وَاليَمَانِيَّةِ بِالشَّامِ وَنَشَأَ بَيْنَهُم أَحقَادٌ وَإِحَنٌ إِلَى اليوم، وافتتح العكسر مَدِيْنَةَ دَبَسَةَ.
وَفِي سَنَةِ 77: عُزِلَ جَعْفَرٌ عَنْ مِصْرَ وَوُلِّيَ أَخُوْهُ الفَضْلُ خُرَاسَانَ مَعَ سِجِسْتَانَ، وَالرَّيِّ وَحَجَّ الرَّشِيْدُ.
وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ: هَاجَتِ الحَوْفُ بِمِصْرَ، فَحَاربَهُم نَائِبُ مِصْرَ إِسْحَاقُ، وَأَمَدَّهُ الرَّشِيْدُ بِهَرْثَمَةَ بنِ أَعْيَنَ، ثُمَّ وَلِيَهَا هَرْثَمَةُ ثُمَّ عُزِلَ بِعَبْدِ المَلِكِ بنِ صَالِحٍ العَبَّاسِيِّ.
وَهَاجَتِ المَغَارِبَةُ فَقَتَلُوا أَمِيْرَهُمُ الفَضْلَ بنَ رَوْحٍ المهلبي، فسار إِلَيْهِم هَرْثَمَةُ فَهَذَّبَهُم.
وَثَارَ بِالجَزِيْرَةِ الوَلِيْدُ بنُ طَرِيْفٍ الخَارِجِيُّ، وَعَظُمَ وَكَثُرَتْ جُيُوْشُهُ، وَقَتَلَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ خَازِمٍ الأَمِيْرَ، وَأَخَذَ إِرْمِيْنِيَةَ، وَعَدَلَ عَنِ الخَبْرِ.
وَغَزَا الفَضْلُ بِجَيْشٍ عَظِيْمٍ مَا وَرَاءَ النَّهرِ، وَمَهَّدَ المَمَالِكَ، وَكَانَ بَطَلاً، شُجَاعاً، جَوَاداً، رُبَّمَا وَصَلَ الوَاحِدَ بِأَلفِ أَلفٍ، وَوَلِيَ بَعْدَهُ خُرَاسَانَ مَنْصُوْرٌ الحِمْيَرِيُّ وَعَظُمَ الخَطبُ بِابْنِ طرِيْفٍ، ثُمَّ سَارَ لِحَرْبِهِ يَزِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ الشَّيْبَانِيُّ، وَتَحَيَّلَ عَلَيْهِ، حَتَّى بَيَّتَه وَقَتَلَهُ، وَمَزَّقَ جُمُوْعَهُ.
وَفِي سَنَةِ 79: اعْتَمَرَ الرَّشِيْدُ فِي رَمَضَانَ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى إِحرَامِهِ إِلَى أَنْ حَجَّ مَاشِياً مِنْ بَطْنِ مَكَّةَ.
وَتَفَاقَمَ الأَمْرُ بَيْنَ قَيْسٍ وَيَمَنٍ بِالشَّامِ وَسَالَتِ الدِّمَاءُ.
وَاسْتَوطَنَ الرَّشِيْدُ فِي سَنَةِ ثمانية الرَّقَّةَ، وَعَمَرَ بِهَا دَارَ الخِلاَفَةِ. وَجَاءتِ الزَّلْزَلَةُ الَّتِي رَمَتْ رَأْسَ مَنَارَةِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ.
وَخَرَجَتِ المُحَمِّرَةُ بِجُرْجَانَ.
وَغَزَا الرَّشِيْدُ، وَوَغَلَ فِي أَرْضِ الرُّوْمِ فَافْتَتَحَ الصَّفْصَافَ، وَبَلَغَ جَيْشُهُ أَنْقرَةَ.
وَاسْتَعفَى يَحْيَى وزيره، وجاور سنة ووثبت الروم، فسلموا مَلِكَهُم قُسْطَنْطِيْنَ وَمَلَّكُوا أُمَّهُ.
وَفِي 183: خَرَجتِ الخَزْرُ، وَكَانَتْ بِنْتُ مَلِكِهِم قَدْ تَزَوَّجَ بِهَا الفَضْلُ البرمكي، فماتت(8/56)
بِبَرْذَعَةَ. فَقِيْلَ: قُتِلَتْ غِيلَةً فَخَرَجَ الخَاقَانُ مِنْ بَابِ الأَبْوَابِ، وَأَوْقَعَ بِالأُمَّةِ، وَسَبَوْا أَزْيَدَ مِنْ مائَةِ أَلْفٍ، وَتَمَّ عَلَى الإِسْلاَمِ أَمْرٌ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، ثُمَّ سَارَتْ جُيُوْشُ هَارُوْنَ، فَدَفَعُوا الخَزْرَ وَأَغلَقُوا بَابَ أَرْمِيْنِيَةَ الَّذِي فِي الدَّرْبَنْدِ.
وَفِي سَنَةِ 185: ظَهَرَ بِعَبَّادَانَ أَحْمَدُ بنُ عِيْسَى بنِ زَيْدِ بنِ عَلِيٍّ العَلَوِيُّ، وَبِنَاحِيَةِ البَصْرَةِ، وَبُوْيِعَ ثُمَّ عَجَزَ وَهَرَبَ، وَطَالَ اخْتِفَاؤُه أَزْيَدَ مِنْ سِتِّيْنَ عَاماً.
وَثَارَ بِخُرَاسَانَ أَبُو الخَصِيْبِ، وَتَمَكَّنَ فَسَارَ لِحَرْبِهِ عَلِيُّ بنُ عِيْسَى بنِ مَاهَانَ، فَالتَقَوا بِنَسَا فَقُتِلَ أَبُو الخَصِيْبِ، وَتَمَزَّقتْ عَسَاكِرُهُ. وَحَجَّ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ الرَّشِيْدُ بِوَلَدَيْهِ: الأَمِيْنِ وَالمَأْمُوْنِ وَأَغْنَى أَهْلَ الحَرَمَيْنِ.
وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ: قَتَلَ الرَّشِيْدُ جَعْفَرَ بنَ يَحْيَى البَرْمَكِيَّ، وَسَجَنَ أَبَاهُ، وَأَقَاربَهُ بَعْدَ أَنْ كَانُوا قَدْ بَلَغُوا رُتْبَةً لاَ مَزِيْدَ عَلَيْهَا. وَفِيْهَا انْتَقَضَ الصُّلْحُ مَعَ الرُّوْمِ، وَمَلَّكُوا عَلَيْهِم نِقْفُوْرَ، فَيُقَالُ: إنه من ذرية جفنة الغَسَّانِيِّ، وَبَعَثَ يَتَهَدَّدُ الرَّشِيْدَ، فَاسْتَشَاطَ غَضَباً، وَسَارَ فِي جُيُوْشِهِ حَتَّى نَازلَهُ هِرَقْلَةَ وَذلَّتِ الرُّوْمُ، وَكَانَتْ غَزْوَةً مَشْهُوْدَةً.
وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ: كَانَتِ المَلْحَمَةُ العُظْمَى، وَقُتِلَ مِنَ الرُّوْمِ عَدَدٌ كَثِيْرٌ، وَجُرِحَ النِّقْفُوْرُ ثَلاَثَ جِرَاحَاتٍ، وَتَمَّ الفِدَاءُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِي أَيْدِي الرُّوْمِ أَسِيْرٌ.
وَفِي سَنَةِ تِسْعِيْنَ: خَلَعَ الطَّاعَةَ رَافِعُ بنُ اللَّيْثِ، وَغَلَبَ عَلَى سَمَرْقَنْدَ وَهَزَمَ عَسْكَرَ الرَّشِيْدِ. وَفِيْهَا غَزَا الرُّوْمَ فِي مائَةِ أَلْفِ فَارِسٍ وَافْتَتَحَ هِرَقْلَةَ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ نِقْفُوْرُ بِالجِزْيَةِ ثَلاَثَ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ.
وَفِي سَنَةِ 191: عَزَلَ وَالِي خُرَاسَانَ ابْنَ مَاهَانَ بِهَرْثَمَةَ بنِ أَعْيَنَ وَصَادَرَ الرَّشِيْدُ ابْنَ مَاهَانَ، فَأَدَّى ثَمَانِيْنَ أَلْفَ أَلفِ دِرْهَمٍ وَكَانَ عَاتِياً مُتَمَرِّداً عَسُوْفاً، وَفِيْهَا: أَوَّلُ ظُهُوْرِ الخُرَّمِيَّةِ بِأَذْرَبِيْجَانَ. وَسَارَ الرَّشِيْدُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ إِلَى جُرْجَانَ لِيُهَذِّبَ خُرَاسَانَ، فَنَزَلَ بِهِ المَوْتُ في سنة ثلاث.
وَخَلَّفَ عِدَّةَ أَوْلاَدٍ: فَمِنهُم تِسْعَةُ بَنِيْنَ اسْمُهُم: مُحَمَّدٌ أَجَلُّهُم الأَمِيْنُ. وَالمُعْتَصِمُ.
وَأَبُو عِيْسَى الَّذِي كَانَ مَلِيْحَ زَمَانِهِ بِبَغْدَادَ وَلَهُ نَظْمٌ حَسَنٌ، مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَتَيْنِ وَأَبُو أَيُّوْبَ وَلَهُ نَظْمٌ رَائِقٌ، وَأَبُو أَحْمَدَ كَانَ ظرِيْفاً نَدِيْماً شَاعِراً طَالَ عُمُرُهُ إِلَى أَنْ مَاتَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَأَبُو عَلِيٍّ تُوُفِّيَ سَنَةَ 231. وَأَبُو العَبَّاسِ وَكَانَ بَلِيْداً مُغَفَّلاً دَمَّنُوْهُ مُدَّةً فِي قَوْلِ: أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَكُم فَذَهَبَ لِيُعَزِّيَ، فَأُرْتِجَ عَلَيْهِ وَقَالَ: مَا فَعَلَ فُلاَنٌ? قَالُوا: مَاتَ قَالَ: جَيِّدٌ وَإِيش فَعَلْتُم بِهِ? قَالُوا: دَفَنَّاهُ قَالَ: جَيِّدٌ. وَأَبُو يَعْقُوْبَ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 223. وَتَاسِعُهُم: أَبُو سُلَيْمَانَ ذَكَرَهُ ابْنُ جرير الطبري.(8/57)
1395- ورش 1:
شَيْخُ الإِقْرَاءِ بِالدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ أَبُو سَعِيْدٍ، وَأَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو. وَقِيْلَ: اسْمُ جَدِّهِ عَدِيُّ بنُ غَزْوَانَ القِبْطِيُّ، الإِفْرِيْقِيُّ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ.
قِيْلَ: وُلِدَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ.
جَوَّدَ خَتَمَاتٍ عَلَى نَافِعٍ وَلَقَّبَهُ نَافِعٌ: بِوَرْشٍ لِشِدَّةِ بَيَاضِهِ، وَالوَرْشُ: لَبَنٌ يُصْنَعُ.
وَقِيْلَ: لَقَّبَهُ بِطَائِرٍ اسْمُهُ وَرْشَانُ، ثُمَّ خُفِّفَ فَكَانَ لاَ يَكرَهُهُ وَيَقُوْلُ: نَافِعٌ أستاذي سماني به.
وَكَانَ فِي شَبِيْبَتِهِ رَوَّاساً، وَكَانَ أَشْقَرَ أَزْرَقَ رَبْعَةً سَمِيْناً قَصِيْرَ الثِّيَابِ مَاهِراً بِالعَرَبِيَّةِ انْتَهَتْ إِلَيْهِ رِئَاسَةُ الإِقْرَاءِ.
تَلاَ عَلَيْهِ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ الحَافِظُ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي طَيْبَةَ وَيُوْسُفُ الأَزْرَقُ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
وَكَانَ ثِقَةً فِي الحُرُوْفِ حُجَّةً وَأَمَّا الحَدِيْثُ فَمَا رَأَينَا لَهُ شَيْئاً، وَقَدِ اسْتَوْفَيْتُ تَرْجَمَتَه فِي أَخْبَارِ القُرَّاءِ.
قَالَ يُوْنُسُ: كَانَ جَيِّدَ القِرَاءةِ حَسَنَ الصَّوتِ إِذَا قَرَأَ يَهْمِزُ، وَيَمُدُّ وَيُشَدِّدُ، وَيُبَيِّنُ الإِعْرَابَ لاَ يَمَلُّه سَامِعُهُ.
وَيُقَالُ: إِنَّهُ تَلاَ عَلَى نَافِعٍ أَرْبَعَ خَتَمَاتٍ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ.
مَاتَ بِمِصْرَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وتسعين ومائة.
__________
1 ترجمته في "معجم الأدباء" لياقوت الحموي "12/ 116"، والعبر "1/ 324"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 155"، وحسن المحاضرة للسيوطي "1/ 485".(8/58)
1396- أبو زكير 1: "ت، س، ق، م".
يحيى بن محمد بن قيس المُحَدِّثُ المُعَمَّرُ المَدَنِيُّ، ثُمَّ البَصْرِيُّ مُؤَدِّبُ أَوْلاَدِ أَمِيْرِ البَصْرَةِ جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ العَبَّاسِيِّ.
رَوَى عَنْ: زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ وَأَبِي حَازِمٍ الأَعْرَجِ، وَالعَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَصَالِحِ بنِ كَيْسَانَ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَبُنْدَارُ، وَحَفْصٌ الرَّبَالِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ رُسْتَه، وَبَكْرُ بنُ خَلَفٍ وَآخَرُوْنَ.
خَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ مُتَابَعَةً فِيْمَا أَظُنُّ لاَ فِي الأُصُوْلِ فَإِنَّهُ لَيِّنُ الحَالِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: أَحَادِيْثُه مُقَارَبَةٌ سِوَى حَدِيْثَيْنِ.
وَقَالَ الفَلاَّسُ: لَيْسَ بِمَتْرُوْكٍ.
وَقَالَ الكَوْسَجُ: عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: هُوَ ضَعِيْفٌ.
وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: لاَ يُتَابَعُ عَلَى حَدِيْثِهِ.
وَقَالَ ابن عدي: عامة أحاديث مُسْتقِيْمَةٌ إلَّا الأَحَادِيْثَ الَّتِي ذَكَرْتُهَا.
قُلْتُ: ذَكَرَ لَهُ مَا رَوَى الفَلاَّسُ، وَالنَّاسُ عَنْهُ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيْهِ: عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوْعاً: "كُلُوا البَلَحَ بِالتَّمْرِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَغْضَبُ، وَيَقُوْلُ: عَاشَ ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق"2.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 3095"، والضعفاء الكبير للعقيلي "4/ ترجمة 2055" والجرح والتعديل "9/ ترجمة 764"، والكامل لابن عدي "7/ ترجمة 214"، وميزان الاعتدال "4/ 45"، والكاشف "3/ ترجمة 6353"، وتهذيب التهذيب "11/ 274".
2 منكر: أخرجه ابن ماجه "3330" من طريق بكر بن خلف، حدثنا يحيى بن محمد بن قيس المدني حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فذكره.
قلت: إسناده ضعيف، آفته يحيى بن محمد بن قيس، أجمعوا على ضعفه. والحديث قال النسائي: إنه حديث منكر.
وقال الذهبي في "الميزان": هذا حديث منكر.(8/59)
بُكَيْرُ بنُ خَلَفٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُكَيْرٍ عَنْ عَمْرِو بنِ أَبِي عَمْرٍو: سَمِعْتُ أَنَساً يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَسْتُ مِنْ ددٍ وَلاَ الدَّدُ مِنِّي"1.
مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى الحَرَشِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ سُهَيلاً عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ قَالَ سَعْدٌ: شكى رَجُلٌ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عقربًا لدغته.. الحديث2.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ أَخْبَرَنَا الفَتْحُ أَخْبَرَنَا الأُرْمَوِيُّ وَالطَّرَائِفِيُّ، وَابْنُ الدَّايَةِ قَالُوا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُسْلِمَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ قَيْسٍ، حَدَّثَنَا العَلاَءُ عَنْ أَبِيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا أؤتمن خان" 3.
__________
1 ضعيف: أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"، "785"، وابن عدي في "الكامل"، "7/ 243" والبيهقي "10/ 217" من طريق يحيى بن محمد بن قيس، قال: سمعت عمرو بن أبي عمرو قال: سَمِعْتُ أَنَس بنَ مَالِك يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فذكره.
قلت: إسناده ضعيف، آفته يحيى بن محمد بن قيس، فهو مجمع على ضعفه كما علمت أخي القارئ من ترجمته. وقوله: "لست من دد ولا دد مني": أي لست من الباطل ولا الباطل مني.
2 صحيح: أخرجه ابن عدي في "الكامل"، "7/ 243" من طريق يحيى بن محمد بن قيس عن سعيد بن المسيب قال: قَالَ سَعْدٌ شَكَا رَجُلٌ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لدغته عقرب فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا إنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضرك". قال: قال: فقلت: هذه الكلمة ليلة من الليالي فلدغتني فلم يضرني.
قلت: إسناده ضعيف، لضعف يحيى بن محمد بن قيس. لكن الحديث قد ورد من طرق عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: "من قال إذا أمسى ثلاث مرات: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم تضره حُمَّة تلك الليلة". قال: فكان أهلنا قد تعلموها، فكانوا يقولونها، فلدغت جارية منهم، فلم تجدلها وجعا" أخرجه أحمد "2/ 290" والبخاري في "خلق أفعال العباد"، "446-449" وأبو داود "3898"، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"، "589-592"، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"، "17-23"، وابن حبان "1022"، "1036"، وأبو نعيم في "الحلية"، "7/ 143" من طرق عن سهيل بن أبي صالح، به، وقد توبع سهيل من القعقاع بن حكيم: أخرجه مسلم "2709"، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"، "587"، والطحاوي في "مشكل الآثار"، "30"، "31"، وابن خزيمة في "التوحيد"، "1/ 401" وابن حبان "1020"، والبيهقي في "الأسماء والصفات"، "ص185" من طريق يعقوب بن عبد الله الأشج عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، به.
3 صحيح: أخرجه البخاري "33"، "2682"، "2749"، "6095"، ومسلم "59"، "107"، من طريق إسماعيل بن جعفر، قال: حدثنا نافع بن مالك بن أبي عامر أبو سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.(8/60)