الأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ فَأَعْطَاهُ إياه ثم نَاوَلَهُ شِقَّهُ الأَيْسَرَ وَقَالَ: "احْلِقْ" وَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ فَقَسَمَهُ بَيْنَ النَّاسِ1.
وَرَوَاهُ ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ فَأَرْسَلَهُ.
قَالَ أَنَسٌ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالمَدِيْنَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ إِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءُ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ للهِ أَرْجُوْ بِرَّهَا وَذُخْرَهَا فَضَعْهَا يَا رَسُوْلَ اللهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللهُ فَقَالَ: "بَخٍ! ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِيْنَ" 2.
حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يُفْطِرُ إلَّا فِي سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ3.
قَتَادَةُ وَحُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَأْكُلُ البَرَدَ وَهُوَ صَائِمٌ وَيَقُوْلُ لَيْسَ بِطَعَامٍ وَلاَ بِشَرَابٍ وَإِنَّمَا هُوَ بَرَكَةٌ. تَفَرَّدَ بِهِ فَيْهِ عَلِيُّ بنُ جُدْعَانَ، عَنْ أَنَسٍ فَأَخْبَرْتُ رَسُوْلَ اللهِ فَقَالَ: "خُذْ عَنْ عَمِّكَ" 4.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثابت وعلي بن زيد، عن أنس: أن أَبَا طَلْحَةَ قَرَأَ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التَّوْبَةُ: 41] . فَقَالَ اسْتَنْفَرَنَا اللهُ وَأَمَرَنَا شُيُوْخَنَا وَشَبَابَنَا جَهِّزُوْنِي فَقَالَ بَنُوْهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ! إِنَّكَ قَدْ غَزَوْتَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَنَحْنُ نَغْزُو عَنْكَ الآنَ.
قَالَ: فَغَزَا البَحْرَ فَمَاتَ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ جَزِيْرَةً يَدْفِنُوْنَهُ فِيْهَا إلَّا بَعْدَ سَبْعَةِ أيام فلم يتغير5.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "1305" "326" من طريق سفيان سمعت هشام بن حسان عن ابن سيرين، به.
2 صحيح: أخرجه مالك "2/ 595-596"، وأحمد "3/ 141"، والبخاري "1461" و"2318" و2752" و"2769" و"4554" و"5611"، ومسلم "998"، والبيهقي "6/ 164-165 و275"، والبغوي "1683" كلهم عن مالك، عَنْ إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ، به.
3 صحيح: أخرجه ابن سعد "3/ 506" من طريق يزيد بن هارون، عن حميد، عن أنس، به.
4 ضعيف: في إسناده علي بن زيد بن جدعان، لكن قد صح عن أبي طلحة ذلك وقد خرجته بإسهاب قريبا في ترجمة أبي طلحة رقم "750"
5 صحيح: أخرجه ابن سعد "3/ 507" من طريق عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، به.(3/360)
مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ وَحْدَهُ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ.
قَالَ لَنَا الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ: حَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شِقَّ رَأْسِهِ فَوَزَّعَهُ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ حَلَقَ شِقَّهُ الآخَرَ فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ1.
قَالَ: وَكَانَ جَلْداً صَيِّتاً آدَمَ مَرْبُوْعاً لاَ يُغَيِّرُ شَيْبَهُ.
صَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ.
رَوَى، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ حَدِيْثاً مِنْهَا فِي الصَّحِيْحَيْنِ حديثان وتفرد البخاري بحديث ومسلم بحديث.
__________
1 صحيح: سبق تخريجنا له قريبا بتعليق رقم "1306" "326" وقد مر تخريجنا له قريبا.(3/361)
102- أبو بردة بن نيار 1 "ع":
ابن عمرو بن عبيد بن عَمْرِو بنِ كِلاَبِ بنِ دُهْمَانَ البَلَوِيُّ القُضَاعِيُّ الأنصاري من حلفاء الأوس.
واسمه: هانيء وَهُوَ خَالُ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ.
شَهِدَ العَقَبَةَ وَبَدْراً وَالمَشَاهِدَ النَّبَوِيَّةَ وَبَقِيَ إِلَى دَوْلَةِ مُعَاوِيَةَ. وَحَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ أُخْتِهِ البَرَاءُ وَجَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ وَبَشِيْرُ بن يسار غيرهم.
وَكَانَ أَحَدَ الرُّمَاةِ المَوْصُوْفِيْنَ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثنتين وأربعين.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 451"، وتاريخ خليفة "205"، والتاريخ الكبير "4/ ق2/ 227"، والجرح والتعديل "4/ ق2/ 99-100"، وتهذيب التهذيب "12/ 19"، والإصابة "3 ترجمة 8926".(3/361)
103- جبر بن عتيك 1:
ابن قيس بن هيشة بن الحارث بن أُمَيَّةَ بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ مَالِكِ بنِ عَوْفِ بنِ عَمْرِو بنِ عَوْفٍ الأَنْصَارِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ.
بَدْرِيٌّ كَبِيْرٌ: وَقِيْلَ: اسْمُهُ جَابِرٌ.
وَلَهُ أَوْلاَدٌ عَتِيْكٌ وَعَبْدُ اللهِ وَأُمُّ ثَابِتٍ.
آخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَبَّابِ بنِ الأَرَتِّ.
شَهِدَ بَدْراً وَالمَشَاهِدَ وَكَانَتْ إِلَيْهِ رَايَةُ بَنِي مُعَاوِيَةَ بنِ مَالِكٍ يَوْمَ الفَتْحِ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ وَابْنُ سَعْدٍ وَخَلِيْفَةُ وَابْنُ زَبْرٍ وَابْنُ مَنْدَةَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ.
قِيْلَ: عَاشَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. وَفِي المُوَطَّأِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جَابِرِ بنِ عَتِيْكٍ، عَنْ جَدِّهِ لأُمِّهِ عَتِيْكِ بنِ الحَارِثِ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بنُ عَتِيْكٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاء يعود عَبْدَ اللهِ بنَ ثَابِتٍ فَوَجَدَهُ قَدْ غُلِبَ فَاسْتَرْجَعَ وَقَالَ: غُلِبْنَا عَلَيْكَ2.
قُلْتُ: الصَّحِيْحُ أَنَّ جَابِرَ بنَ عَتِيْكٍ هُوَ صَاحِبُ هَذَا الخَبَرِ. وَصَاحِبُ تَارِيْخِ الوَفَاةِ وَأَنَّ جَبْراً قَدِيْمُ الوَفَاةِ وَأَنَّ جَابِراً مِنْ بَنِي غَنَمِ بنِ سَلِمَةَ وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَعَمُّهُمَا الحَارِثُ بنُ قَيْسِ بنِ هَيْشَةَ الأَوْسِيُّ. بَدْرِيٌّ جَلِيْلٌ عَدَّهُ الوَاقِدِيُّ وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَارَةَ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ عُقْبَةَ وَلاَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَلاَ أَبُو مَعْشَرٍ. بَلْ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَأَبُو مَعْشَرٍ: جَبْرُ بنُ عَتِيْكِ بنِ الحَارِثِ بنِ قَيْسِ بن هيشة.
__________
1 ترجمته: في طبقات ابن سعد "3/ 469"، والجرح والتعديل "1/ ق1/ 532"، والإصابة "1/ ترجمة 1066"، وتهذيب التهذيب "2/ 59-60".
2 صحيح لغيره: أخرجه مالك "1/ 233-234"، وأحمد "5/ 446"، وأبو داود "3111"، والنسائي "4/ 13"، والحاكم "1/ 351-352"، والبيهقي "4/ 69-70"، والطبراني في "الكبير" "1779"، والبغوي "1532" من طريق مالك، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جَابِرِ بن عتيك به.
قلت: إسناده ضعيف، لجهالة عتيك بن الحارث، قال الحافظ في "التقريب": مقبول وله شاهد عند عبد الرزاق "6695" من حديث أبي عبيدة بن الجراح، به.(3/362)
104- الأشعث بن قيس 1 "ع":
ابن معدي كرب بن مُعَاوِيَةَ بنِ جَبَلَةَ بنِ عَدِيِّ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ مُعَاوِيَةَ الأَكْرَمِيْنَ بنِ الحَارِثِ بنِ مُعَاوِيَةَ بن ثور بن مرتع بن كندة.
وَاسْمُ كِنْدَةَ: ثَوْرُ بنُ عُفَيْرِ بنِ عَدِيِّ بنِ الحَارِثِ بنِ مُرَّةَ بنِ أُدَدَ بنِ زَيْدِ بنِ يَشْجُبَ بنِ عَرِيْبِ بنِ زَيْدِ بنِ كَهْلاَنَ بنِ سَبَأَ بنِ يَشْجُبَ بنِ يَعْرُبَ بنِ قحطان.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 22"، والإصابة "1/ ترجمة 205"، وتهذيب التهذيب "1/ 359".(3/362)
سَاقَهُ ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: وَقِيْلَ لَهُ كِنْدَةُ لأَنَّهُ كَنَدَ أَبَاهُ النِّعْمَةَ أَيْ: كَفَرَهُ.
وَكَانَ اسم الأشعث: معديكرب وَكَانَ أَبَداً أَشْعَثَ الرَّأْسِ فَغَلَبَ عَلَيْهِ.
لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ.
حَدَّثَ عَنْهُ الشَّعْبِيُّ وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ وَأَبُو وَائِلٍ. وَأَرْسَلَ عَنْهُ إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعَيُّ.
وَأُصِيْبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ وَكَانَ أَكْبَرَ أُمَرَاءِ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّيْنَ.
مَنْصُوْرٌ وَالأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ لَنَا الأَشْعَثُ: فِيَّ نَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آلُ عِمْرَانَ: 77] . خَاصَمْتُ رَجُلاً إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "أَلَكَ بَيِّنَةٌ"؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: "فَيَحْلِفُ"؟ قُلْتُ: إِذاً يَحْلِفُ، فَقَالَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِيْنٍ فَاجِرَةٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالاً لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ" 1.
قَالَ ابْنُ الكَلْبِيِّ: وَفَدَ الأَشْعَثُ فِي سَبْعِيْنَ مِنْ كِنْدَةَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الأَشْعَثِ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي وَفْدِ كِنْدَةَ فَقَالَ لِي: هَلْ لَكَ مِنْ وَلَدٍ قُلْتُ صَغِيْرٌ وُلِدَ مَخْرَجِي إِلَيْكَ،.... الحَدِيْثَ2.
وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيَّ قَالَ: ارْتَدَّ الأَشْعَثُ فِي نَاسٍ مِنْ كِنْدَةَ فَحُوْصِرَ وَأُخِذَ بِالأَمَانِ فَأَخَذَ الأَمَانَ لِسَبْعِيْنَ. وَلَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ فَأُتِيَ بِهِ الصِّدِّيْقَ فَقَالَ: إِنَّا قَاتِلُوْكَ لاَ أَمَانَ لَكَ فَقَالَ: تَمُنُّ عَلَيَّ وَأُسْلِمُ? قَالَ فَفَعَلَ. وَزَوَّجَهُ أُخْتَهُ.
زَادَ غَيْرُهُ: فَقَالَ لأَبِي بَكْرٍ: زَوِّجْنِي أُخْتَكَ فَزَوَّجَهُ فَرْوَةَ بِنْتَ أَبِي قُحَافَةَ.
رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الأَمْوَالِ فَلَعَلَّ أَبَاهَا فَوَّضَ النِّكَاحَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ.
ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: لَمَّا قُدِمَ بِالأَشْعَثِ بنِ قَيْسٍ أَسِيْراً عَلَى أَبِي بَكْرٍ: أَطْلَقَ وَثَاقَهُ وَزَوَّجَهُ أُخْتَهُ. فَاخْتَرَطَ سَيْفَهُ وَدَخَلَ سُوْقَ الإِبِلِ فَجَعَلَ لاَ يَرَى نَاقَةً وَلاَ جَمَلاً إلَّا عَرْقَبَهُ. وَصَاحَ النَّاسُ كَفَرَ الأَشْعَثُ ثُمَّ طَرَحَ سَيْفَهُ وَقَالَ: وَاللهِ مَا كَفَرْتُ وَلَكِنَّ هذا
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4549" و"4550"، ومسلم "138" من طريق الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، به.
وأخرجه أحمد "5/ 212 و212-213"، وأبو داود "3244"، والطبراني "637" والبيهقي "10/ 180"، وابن الجارود "1005" من طريق عن الحارث بن سليمان، عن كردوس التغلبي، عن الأشعث بن قيس قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: فذكره.
2 ضعيف: فيه مجالد، وهو ابن سعيد، وهو ضعيف.(3/363)
الرَّجُلَ زَوَّجَنِي أُخْتَهُ وَلَو كُنَّا فِي بِلاَدِنَا لَكَانَتْ لَنَا وَلِيْمَةٌ غَيْرُ هَذِهِ. يَا أَهْلَ المَدِيْنَةِ انْحَرُوا وَكُلُوا! وَيَا أَهْلَ الإِبِلِ تَعَالَوْا خذوا شرواها.
رَوَاهُ عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ السَّلاَمِ بنِ حَرْبٍ عَنْهُ.
إِسْمَاعِيْلُ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: شَهِدْتُ جَنَازَةً فِيْهَا الأَشْعَثُ وَجَرِيْرٌ فَقَدَّمَ الأَشْعَثُ جَرِيْراً وَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَمْ يَرْتَدَّ وَإِنِّي ارْتَدَدْتُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَانَ عَلَى مَيْمَنَةِ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّيْنَ الأَشْعَثُ.
مَسْلَمَةُ بنُ مُحَارِبٍ، عَنْ حَرْبِ بنِ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَصَلَ مُعَاوِيَةُ فِي تِسْعِيْنَ أَلْفاً فَسَبَقَ فَنَزَلَ الفُرَاتَ وَجَاءَ عَلِيٌّ فَمَنَعَهُمْ مُعَاوِيَةُ المَاءَ فَبَعَثَ عَلِيٌّ الأَشْعَثَ فِي أَلْفَيْنِ وَعَلَى المَاءِ لِمُعَاوِيَةَ أَبُو الأَعْوَرِ فِي خَمْسَةِ آلاَفٍ فَاقْتَتَلُوا قِتَالاً شَدِيْداً وَغَلَبَ الأَشْعَثُ عَلَى المَاءِ.
الأَعْمَشُ، عَنْ حَيَّانَ أَبِي سَعِيْدٍ التَّيْمِيِّ قَالَ: حَذَّرَ الأَشْعَثُ مِنَ الفِتَنِ فَقِيْلَ لَهُ خَرَجْتَ مَعَ عَلِيٍّ! فَقَالَ: وَمَنْ لَكَ إِمَامٌ مِثْلُ عَلِيٍّ.
وَعَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: دَخَلَ الأَشْعَثُ عَلَى عَلِيٍّ فِي شَيْءٍ فَتَهَدَّدَهُ بِالمَوْتِ فَقَالَ عَلِيٌّ: بِالمَوْتِ تُهَدِّدُنِي مَا أباليه هاتوا لي جامعة وَقَيْداً ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَى أَصْحَابِهِ قَالَ: فَطَلَبُوا إِلَيْهِ فِيْهِ فَتَرَكَهُ.
أَبُو المُغِيْرَةِ الخَوْلاَنِيُّ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنِي أَبُو الصَّلْتِ الحَضْرَمِيُّ قَالَ: حُلْنَا بَيْنَ أَهْلِ العِرَاقِ وَبَيْنَ المَاءِ فَأَتَانَا فَارِسٌ ثُمَّ حَسَرَ فَإِذَا هُوَ الأَشْعَثُ بنُ قَيْسٍ فَقَالَ: اللهَ اللهَ يَا مُعَاوِيَةُ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-! هَبُوْا أَنَّكُمْ قَتَلْتُم أَهْلَ العِرَاقِ فَمَنْ لِلْبُعُوْثِ وَالذَّرَارِي? أَمْ هَبُوْا أَنَّا قَتَلْنَاكُم فَمَنْ لِلْبُعُوْثِ وَالذَّرَارِي? إِنَّ اللهَ يَقُوْلُ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحُجُرَاتُ: 9] . قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَمَا تُرِيْدُ? قَالَ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ المَاءِ. فَقَالَ لأَبِي الأَعْوَرِ: خَلِّ بَيْنَ إِخْوَانِنَا وَبَيْنَ المَاءِ.
رَوَى الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ قَيْسِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الأَشْعَثِ: أَنَّ الأَشْعَثَ كَانَ عَامِلاً لِعُثْمَانَ عَلَى أَذْرَبِيْجَانَ فَحَلَفَ مَرَّةً عَلَى شَيْءٍ فَكَفَّرَ، عَنْ يَمِيْنِهِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفاً.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ الأَشْعَثُ حَلَفَ عَلَى يَمِيْنٍ ثُمَّ قَالَ: قَبَّحَكَ اللهُ مِنْ مَالٍ أَمَا وَاللهِ مَا حَلَفْتُ إلَّا عَلَى حَقٍّ وَلَكِنَّهُ رَدٌّ عَلَى صَاحِبِهِ وَكَانَ ثلاثين ألفًا.(3/364)
شَرِيْكٌ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: صَلَّيْتُ الفَجْرَ بِمَسْجِدِ الأَشْعَثِ فَلَمَّا سَلَّمَ الإِمَامُ إِذَا بَيْنَ يَدَيَّ كِيْسٌ وَنَعْلٌ فَنَظَرْتُ فَإِذَا بَيْنَ يَدَيْ كُلِّ رَجُلٍ كِيْسٌ وَنَعْلٌ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا? قالوا: قدم الأشعث الليلة فقال: انظروا فَكُلُّ مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي مَسْجِدِنَا فَاجْعَلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ كِيْساً وَحِذَاءً.
رَوَاهُ أَبُوْ إِسْرَائِيْلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: حُلَّةً وَنَعْلَيْنِ.
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا أَبُو المُهَاجِرِ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ مَشَتْ مَعَهُ الرِّجَالُ وَهُوَ رَاكِبٌ: الأَشْعَثُ بنُ قَيْسٍ. رَوَى نَحْوَهُ أَبُو المَلِيْحِ، عَنْ مَيْمُوْنٍ.
قَالَ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ حَكِيْمِ بنِ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ الأَشْعَثُ بنُ قَيْسٍ أَتَاهُمُ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُوَضِّئُوْهُ بِالكَافُوْرِ وَضُوْءاً. وَكَانَتْ بِنْتُهُ تَحْتَ الحَسَنِ.
قَالُوا: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَزَادَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِأَرْبَعِيْنَ لَيْلَةً وَدُفِنَ فِي دَارِهِ. وَقِيْلَ: عَاشَ ثَلاَثاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: مَاتَ بِالكُوْفَةِ وَالحَسَنُ بِهَا حِيْنَ صَالَحَ مُعَاوِيَةَ. وَهُوَ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ.
قُلْتُ: وَكَانَ ابْنُهُ مُحَمَّدُ بنُ الأَشْعَثِ بَعْدَهُ مِنْ كِبَارِ الأمراء وأشرافهم وَهُوَ وَالِدُ الأَمِيْرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الأَشْعَثِ الَّذِي خَرَجَ مَعَهُ النَّاسُ وَعَمِلَ مَعَ الحَجَّاجِ تِلْكَ الحُرُوْبَ المَشْهُوْرَةَ الَّتِي لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا. بِحَيْثُ يُقَالُ: إِنَّهُ عَمِلَ مَعَهُ أَحَداً وَثَمَانِيْنَ مَصَافّاً مُعْظَمُهَا عَلَى الحَجَّاجِ. ثُمَّ فِي الآخِرِ خُذِلَ ابْنُ الأَشْعَثِ وَانْهَزَمَ ثُمَّ ظَفِرُوا بِهِ وَهَلَكَ.(3/365)
105- حَاطِبُ بنُ أَبِي بَلْتَعَةَ 1:
عَمْرِو بنِ عُمَيْرِ بنِ سَلَمَةَ اللَّخْمِيُّ المَكِّيُّ حَلِيْفُ بَنِي أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ قُصَيٍّ.
مِنْ مَشَاهِيْرِ المهاجرين شهد بدرًا والمشاهد.
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إِلَى المُقَوْقسِ صَاحِبِ مِصْرَ.
وَكَانَ تَاجِراً فِي الطَّعَامِ لَهُ عَبِيْدٌ وَكَانَ مِنَ الرُّمَاةِ المَوْصُوْفِيْنَ.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 114"، وتاريخ خليفة "166"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 1352"، وتهذيب التهذيب "3/ 168"، والإصابة "1/ ترجمة رقم 1538".(3/365)
ذَكَرَهُ الحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ" فَقَالَ: كَانَ حَسَنَ الجِسْمِ خَفِيْفَ اللِّحْيَةِ أَجْنَى1 إِلَى القِصَرِ مَا هو شئن الأَصَابِعِ2 قَالَهُ الوَاقِدِيُّ.
رَوَى هَارُوْنُ بنُ يَحْيَى الحَاطِبِيُّ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبُو رَبِيْعَةَ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَنَسٍ سَمِعَ حَاطِباً يَقُوْلُ: إِنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأُحُدٍ قَالَ: وَفِي يَدِ عَلِيٍّ التُّرْسُ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَغْسِلُ وَجْهَهُ مِنَ المَاءِ فَقَالَ حَاطِبٌ: مَنْ فَعَلَ هَذَا? قَالَ: عُتْبَةُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ هَشَمَ وَجْهِي وَدَقَّ رَبَاعِيَتِي بِحَجَرٍ فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ صَائِحاً عَلَى الجَبَلِ قُتِلَ مُحَمَّدٌ فَأَتَيْتُ إِلَيْكَ وَكَأَنْ قَدْ ذَهَبَتْ رُوْحِي فَأَيْنَ تَوَجَّهَ عُتْبَةُ فَأَشَارَ إِلَى حَيْثُ تَوَجَّهَ. فَمَضَيْتُ حَتَّى ظَفِرْتُ بِهِ فَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ فَطَرَحْتُ رَأْسَهُ فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتُ رَأْسَهُ وَسَلَبَهُ وَفَرَسَهُ وَجِئْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمَ ذَلِكَ إِلَيَّ وَدَعَا لِي. فَقَالَ: رَضِيَ اللهُ عَنْكَ مَرَّتَيْنِ. إِسْنَادٌ مُظْلِمٌ3.
اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ عَبْداً لِحَاطِبٍ شَكَا حَاطِباً فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ لَيَدْخُلَنَّ النَّارَ! قَالَ: كَذَبْتَ لاَ يَدْخُلُهَا أَبَداً وَقَدْ شَهِدَ بَدْراً وَالحُدَيْبِيَةَ صَحِيْحٌ4.
إِسْحَاقُ بن راشد، عن الزهري، عن عروة، عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَاطِبٍ: أَنَّ أَبَاهُ كَتَبَ إِلَى كُفَّارِ قُرَيْشٍ كِتَاباً فَدَعَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيّاً وَالزُّبَيْرَ فَقَالَ: "انْطَلِقَا حَتَّى تُدْرِكَا امْرَأَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَائْتِيَانِي بِهِ". فَلَقِيَاهَا وَطَلَبَا الكِتَابَ وَأَخْبَرَاهَا أَنَّهُمَا غَيْرُ مُنْصَرِفَيْنِ حَتَّى يَنْزِعَا كُلَّ ثَوْبٍ عَلَيْهَا. قَالَتْ: أَلَسْتُمَا مُسْلِمَيْنِ قَالاَ: بَلَى وَلَكِنَّ رَسُوْلَ اللهِ، حدثنا أن معك كِتَاباً. فَحَلَّتْهُ مِنْ رَأْسِهَا قَالَ: فَدَعَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَاطِباً حَتَّى قُرِئَ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَاعْتَرَفَ. فَقَالَ: "مَا حَمَلَكَ"؟ قَالَ: كَانَ بِمَكَّةَ قَرَابَتِي وَوَلَدِي وَكُنْتُ غَرِيْباً فِيْكُمْ مَعْشَرَ قُرَيْشٍ.
فَقَالَ عُمَرُ: ائْذَنْ لِي يَا رَسُوْلَ اللهِ فِي قَتْلِهِ. قَالَ: "لاَ، إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْراً وَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي لعل الله قد اطلع عل أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فَإِنِّي غافر لكم".
__________
1 رجل أجنى: إذا كان في كاهله انحناء على صدره.
2 شثن الأصابع: أي غليظها.
3 ضعيف: أخرجه الحاكم "3/ 300-301" وفي إسناده علتان: الأولى: هارون بن يحيى الحاطبي، قال العقيلي في "الضعفاء الكبير" "4/ 361": لا يتابع على حديثه. الثانية: جهالة أبي ربيعة الحراني.
4 صحيح على شرط مسلم: أخرجه أحمد "3/ 349"، وابن أبي شيبة "12/ 155" ومسلم "2195"، والترمذي "3864"، والنسائي في "فضائل الصحابة "191"، والحاكم. "3/ 301"، والطبراني في "الكبير" "3064" من طرق عن الليث، عن أبي الزبير، به والحديبية: بتخفيف الباء: اسم بئر سمي المكان بها، وهي قرية قريبة من مكة أكثرها في الحرم، وهي على تسعة أميال من مكة.(3/366)
إِسْنَادُهُ صَالِحٌ وَأَصْلُهُ فِي "الصَّحِيْحَيْنِ"1.
وَقَدْ أَتَى بَعْضُ مَوَالِيْهِ إِلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ يَشْكُوْنَ مِنْهُ مِنْ أَجْلِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ فَلاَمَهُ فِي ذَلِكَ.
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَلَدُهُ مِمَّنْ وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَهُ رُؤْيَةٌ.
يَرْوِي عَنْهُ وَلَدُهُ الفَقِيْهُ يَحْيَى وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ وَغَيْرُهُمَا تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ.
ومات حاطب سنة ثلاثين.
__________
1 صحيح: أخرجه الحميدي "49"، وأحمد "1/ 79"، والبخاري "3007" و"4274" و"4980"، ومسلم "2494"، وأبو داود "2650"، والترمذي "3305"، وأبو يعلى "394" و"398"، وابن جرير في "جامع البيان" "28/ 58"، والبيهقي في "السنن" "9/ 146" وفي "دلائل النبوة" "5/ 17" من طرق عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار أخبرني حسن بن محمد قال: أخبرني عبيد الله بن أبي رافع عن علي، به مرفوعا.(3/367)
106- أبو ذر 1 "ع":
جندب بن جنادة الغفاري، وَقِيْلَ: جُنْدُبُ بنُ سَكَنٍ، وَقِيْلَ: بُرَيْرُ بنُ جُنَادَةَ، وَقِيْلَ: بُرَيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ.
وَنَبَّأَنِّي الدِّمْيَاطِيُّ: أَنَّهُ جُنْدُبُ بنُ جُنَادَةَ بنِ سُفْيَانَ بنِ عُبَيْدِ بنِ حَرَامِ بنِ غِفَارَ أَخِي ثَعْلَبَةَ ابْنَيْ مُلَيْلِ بنِ ضَمْرَةَ أَخِي لَيْثٍ وَالدِّيْلِ أَوْلاَدِ بَكْرٍ أَخِي مُرَّةَ وَالِدِ مُدْلِجِ بنِ مُرَّةَ ابْنَيْ عَبْدِ مَنَاةَ بنِ كِنَانَةَ.
قُلْتُ: أَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ مِنْ نُجَبَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قِيْلَ: كَانَ خَامِسَ خَمْسَةٍ فِي الإِسْلاَمِ. ثُمَّ إِنَّهُ رُدَّ إِلَى بِلاَدِ قَوْمِهِ فَأَقَامَ بِهَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ بِذَلِكَ فَلَمَّا أَنْ هَاجَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَاجَرَ إِلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَلاَزَمَهُ وَجَاهَدَ مَعَهُ. وَكَانَ يُفْتِي فِي خِلاَفَةِ أبي بكر عمر وَعُثْمَانَ.
رَوَى عَنْهُ: حُذَيْفَةُ بنُ أَسِيْدٍ الغِفَارِيُّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ وَابْنُ عُمَرَ وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ وَأَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيُّ وَزَيْدُ بنُ وَهْبٍ وَأَبُو الأَسْوَدِ الدُّئِلِيِّ وَرِبْعِيُّ بنُ حراش،
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 219-237"، وتاريخ خليفة "166" والتاريخ الكبير "1/ ق2/ 221" وحلية الأولياء "1/ 156-170"، والإصابة "1/ ترجمة 384".(3/367)
وَالمَعْرُوْرُ بنُ سُوَيْدٍ وَزِرُّ بنُ حُبَيْشٍ وَأَبُو سالم الجيشاني سفيان بن هانيء وعبد الرحمن بن غنم وَالأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ وَقَيْسُ بنُ عُبَادٍ وَعَبْدُ اللهِ بنُ الصَّامِتِ وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَسُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ وَأَبُو مُرَاوِحٍ وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ وَخَرَشَةُ بنُ الحُرِّ وَزَيْدُ ين ظَبْيَانَ وَصَعْصَعَةُ بنُ مُعَاوِيَةَ وَأَبُو السَّلِيْلِ ضُرَيْبُ بنُ نُفَيْرٍ وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَقِيْقٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ وَغُضَيْفُ بنُ الحَارِثِ وَعَاصِمُ بنُ سُفْيَانَ وَعُبَيْدُ بنُ الخَشْخَاشِ وَأَبُو مُسْلِمٍ الجَذْمِيُّ وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ المُحَارِبِيُّ ومورق العجلي ويزيد بن شريك التيمي وأبو الأَحْوَصِ المَدَنِيُّ شَيْخٌ لِلزُّهْرِيِّ وَأَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ وَأَبُو بَصْرَةَ الغِفَارِيُّ وَأَبُو العَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ وَابْنُ الحَوْتِكيَّةِ وَجَسْرَةُ بِنْتُ دَجَاجَةَ.
فَاتَتْهُ بَدْرٌ، قَالَهُ: أَبُو دَاوُدَ.
وَقِيْلَ: كَانَ آدَمَ ضَخْماً جَسِيْماً كَثَّ اللِّحْيَةِ.
وَكَانَ رَأْساً فِي الزُّهْدِ وَالصِّدْقِ وَالعِلْمِ وَالعَمَلِ قَوَّالاً بِالحَقِّ لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ عَلَى حِدَّةٍ فِيْهِ.
وَقَدْ شَهِدَ فَتْحَ بَيْتِ المَقْدِسِ مَعَ عُمَرَ.
أَخْبَرَنَا الخَضِرُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَزْدِيُّ1 وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ قَالاَ: أَخْبَرَنَا زَيْنُ الأُمَنَاءِ حَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحُسَيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ سُلْوَانَ، أَخْبَرَنَا الفَضْلُ بنُ جَعْفَرٍ التَّمِيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ الهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي بن إدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ، عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن جِبْرِيْلَ، عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: $"يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُم مُحَرَّماً فَلاَ تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي إنكم الذين تخطؤون بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا الَّذِي أَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَلاَ أُبَالِي فَاسْتَغْفِرُوْنِي أَغْفِرْ لَكُم. يَا عِبَادِي كُلُّكُم جَائِعٌ إلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُوْنِي أُطْعِمْكُم يَا عِبَادِي كُلُّكُم عارٍ إلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُوْنِي أَكْسُكُم. يَا عِبَادِي لَو أنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ منكم لم ينقص ذلك من ملكي
__________
1 ترجمته في "معجم الشيوخ" المعجم الكبير للحافظ الذهبي رقم "235" وهو الخضر بن عبد الرحمن بن الخضر، المعمر شمس الدين أبو القاسم الأزدي الدمشقي الكاتب. ولد في ربيع الأول سنة "617 هـ" ومات في ذي الحجة سنة "700 هـ".(3/368)
شَيْئاً يَا عِبَادِي لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُم لَمْ يَزِدْ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم كَانُوا فِي صَعِيْدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُوْنِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُم مَا سَأَلَ لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً إلَّا كَمَا ينقص البحر أن يغمس المحيط غَمْسَةً وَاحِدَةً. يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُم أَحْفَظُهَا عَلَيْكُم فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُوْمَنَّ إلَّا نَفْسَهُ".
قَالَ سَعِيْدٌ: كَانَ أَبُو إِدْرِيْسَ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الحَدِيْثِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ. أَخْرَجَهُ مسلم1.
نَقَلَ الوَاقِدِيُّ، عَنْ خَالِدِ بنِ حَيَّانَ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ فِي مِظَلَّتَيْنِ مِنْ شَعْرٍ بِدَمَشْقَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ: أَبُو ذَرٍّ اسْمُهُ: يَزِيْدُ بنُ جُنَادَةَ. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: اسْمُهُ بُرَيْرٌ.
قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ، عَنْ رَجُلٍ عَامِرِيٍّ قَالَ: كُنْتُ أَعْزُبُ، عَنِ المَاءِ وَمَعِي أَهْلِي فَتُصِيْبُنِي الجَنَابَةُ فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي نَفْسِي فَنُعِتَ لِي أَبُو ذَرٍّ فَحَجَجْتُ فَدَخَلْتُ مَسْجِدَ مِنَى فَعَرَفْتُهُ فَإِذَا شيخ معروق آدم عليه حلة قطري.
__________
1 صحيح على شرط مسلم: أخرجه مسلم "2577"، والبخاري في "الأدب المفرد" "490"، وأبو نعيم في "الحلية" "5/ 125-126" والحاكم "4/ 241" من طرق عن أبي مسهر، قال: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ الخولاني، عن أبي ذر عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الله -تبارك وتعالى. قال: فذكره.
وقد سبق لنا تخريج هذا الحديث في عدة مواضع من كتاب "منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية" لشيخ الإسلام ابن تيمية. ط. دار الحديث في الجزء الأول بتعليق "116" و"120" و"200". وفي الجزء الخامس بتعليق رقم "73" فراجع تخريجنا ثم إن شئت. واحرض أخي المسلم -بارك الله فيك- على اقتناء نسخة من هذا الكتاب العظيم "منهاج النسة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية" لابن تيمية بتخريجنا وتعليقنا، فقد خرجت أحاديث هذا الكتاب تخريجا علميا دقيقا، وقد صدرت كل حديث أو أثر بالحكم عليه، ليفاد منه العلماء وطلاب العلم المتخصصين وغير المتخصصين في مجال علم الحديث نسأل الله -عز وجل- أن يجعله في ميزان حسناتي، وفي ميزان من طبعه ونشره إنه سميع مجيب كريم جواد.(3/369)
وَقَالَ حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ:، حَدَّثَنِي الأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ قَالَ: قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ فَدَخَلْتُ مَسْجِدَهَا فَبَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ طُوَالٌ آدَمُ أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ مَحْلُوْقٌ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضاً. فَاتَّبَعْتُهُ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا قَالُوا: أَبُو ذَرٍّ.
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ وَابْنُ عَوْنٍ، عَنْ حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصامت قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارَ وَكَانُوا يُحِلُّوْنَ الشَّهْرَ الحَرَامَ فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا فَنَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا فَأَكْرَمَنَا وَأَحَسَنَ. فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ فَقَالُوا: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ، عَنْ أَهْلِكَ يُخَالِفُكَ إِلَيْهِم أُنَيْسٌ فَجَاءَ خَالُنَا فَذَكَرَ لَنَا مَا قِيْلَ لَهُ. فَقُلْتُ أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوْفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ ولا جِمَاعَ لَكَ فِيْمَا بَعْدُ فَقَدَّمْنَا صِرْمَتَنَا1 فَاحْتَمَلَنَا عَلَيْهَا وَجَعَلَ خَالُنَا يَبْكِي فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ فَنَافَرَ2 أُنَيْسٌ، عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا فَأَتَيَا الكَاهِنَ فَخَيَّرَ أُنَيْساً فَأَتَانَا أُنَيْسٌ بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا.
قَالَ: وَقَدْ صَلَّيْتُ يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَلاَثِ سِنِيْنَ. قُلْتُ: لِمَنْ قَالَ: للهِ. قُلْتُ: أَيْنَ تَوَجَّهَ? قَالَ: حَيْثُ وَجَّهَنِي اللهُ أُصَلِّي عِشَاءً حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أُلْقِيْتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ حتى تعلوني الشمس.
فَقَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ فَاكْفِنِي. فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ فَرَاثَ عَلَيَّ3 ثُمَّ جَاءَ. فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ قَالَ: لَقِيْتُ رَجُلاً بِمَكَّةَ عَلَى دِيْنِكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ. قُلْتُ: فَمَا يَقُوْلُ النَّاسُ? قَالَ: يَقُوْلُوْنَ: شَاعِرٌ كَاهِنٌ سَاحِرٌ. قَالَ: وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الكَهَنَةِ وَمَا هُوَ بِقَوْلِهِم وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْوَالِ الشُّعَرَاءِ فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ أَنَّهُ شِعْرٌ وَاللهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ وَإِنَّهُم لَكَاذِبُوْنَ! قُلْتُ: فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ.
فَأَتَيْتُ مَكَّةَ فَتَضَعَّفْتُ رَجُلاً مِنْهُم فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي تَدْعُوْنَهُ الصَّابِئَ? فَأَشَارَ إِلَيَّ فَقَالَ: الصَّابِئُ. قَالَ: فَمَالَ عليَّ أَهْلُ الوَادِي بِكُلِّ مَدَرَةٍ وَعَظْمٍ حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيّاً عليَّ فَارْتَفَعْتُ حِيْنَ ارْتَفَعْتُ كَأَنِّي نُصُبٌ4 أَحْمَرُ فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ فَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ وَشَرِبْتُ من مائها.
__________
1 الصرمة: القطعة من الإبل.
2 نافر: حاكم، يقال تنافر الرجلان إذا حكما بينهما واحدا.
3 فراث عليَّ: أي أبطأ عليَّ.
4 النصب: بضم الصاد وسكونها: حجر كانوا ينصبونه في الجاهلية، ويتخذونه صنما فيعبدونه، والجمع: أنصاب، وقيل: هو حجر كانوا ينصبونه ويذبحون عليه فيحمر بالدم.(3/370)
وقد لبثت يابن أَخِي ثَلاَثِيْنَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ مَا لِي طَعَامٌ إلَّا مَاءُ زَمْزَمَ. فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنِي وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سَخْفَةَ1 جُوْعٍ.
فَبَيْنَا أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانَ2 جاءت امرأتان تطوفان وَتَدْعُوَانِ إِسَافاً وَنَائِلَةَ3 فَأَتَتَا عَلَيَّ فِي طَوَافِهِمَا. فَقُلْتُ: أَنْكِحَا أَحَدَهُمَا الآخَرَ فَمَا تَنَاهَتَا، عَنْ قَوْلِهِمَا فَأَتَتَا عَلَيَّ. فَقُلْتُ: هَنٌ4مِثْلُ الخَشَبَةِ غَيْرَ أَنِّي لاَ أَكْنِي. فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلاَنِ تَقُوْلاَنِ: لو كان ههنا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُوْلُ اللهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا هَابِطَتَانِ فَقَالَ: "مَا لَكُمَا"؟ قَالَتَا: الصَّابِئُ بَيْنَ الكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا. قَالَ: "فَمَا قَالَ لَكُمَا"؟ قَالَتَا: إِنَّهُ قَالَ كَلِمَةً تَمْلأُ الفَمَ.
قَالَ: وَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ حَتَّى اسْتَلَمَ الحَجَرَ ثُمَّ طَافَ بِالبَيْتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ ثُمَّ صَلَّى. وَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الإِسْلاَمِ. قَالَ: "عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ مِنْ أَيْنَ أَنْتَ"؟ قُلْتُ: مِنْ غِفَارَ فَأَهْوَى بِيَدِهِ وَوَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ.
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِّي انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارَ فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ فَدَفَعَنِي صَاحِبُهُ وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي.
قَالَ: ثُمَّ رَفَعَ رأسه فقال: "متى كنت ههنا"؟ قُلْتُ: مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ مِنْ بَيْنِ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ قَالَ: "فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ"؟ قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إلَّا مَاءُ زَمْزَمَ فَسَمِنْتُ وَمَا أَجِدُ عَلَى بَطْنِي سَخْفَةَ جُوْعٍ. قَالَ: "إِنَّهَا مباركة إنها طعام طعم"5.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُوْلَ اللهِ ائْذَنْ لِي فِي طَعَامِهِ اللَّيْلَةَ فَانْطَلَقْنَا فَفَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَاباً فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيْبِ الطَّائِفِ. فَكَانَ أَوَّلَ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا.
وَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِي أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ لاَ أُرَاهَا إلَّا يَثْرِبَ فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ ويأجرك فيهم"؟.
__________
1 سخفة جوع: يعني رقته وهزاله. والسخف بالفتح: رقة العيش، وبالضم رقة العقل. وقيل هي الخفة التي تعتري الإنسان إذا جاع من السخف وهي الخفة في العقل وغيره.
2 في ليلة إضحيان: أي مضيئة مقمرة. يقال ليلة إضحيان واضحيانة والألف والنون زائدتان..
3 إساف ونائلة: صنمان تزعم العرب أنهما كانا رجلا وامرأة زنيا في الكعبة فمسخا.
4 هن: اسم الذكر وقوله: غير أني لا أكني: أي أفصح باسمه ويصرح به.
5 طعام طعم: أي تشبع شاربها كما يشبعه الطعام.(3/371)
قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَلَقِيْتُ أُنَيْساً فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. قَالَ: مَا بِي رَغْبَةٌ، عَنْ دِيْنِكَ فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. فَأَسْلَمَتْ أُمُّنَا فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارَ فَأَسْلَمَ نِصْفُهُم وَكَانَ يَؤُمُّهُم إِيْمَاءُ بنُ رخصه وَكَانَ سَيِّدَهُم. وَقَالَ نِصْفُهُم: إِذَا قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ المَدِيْنَةَ أَسْلَمْنَا. فَقَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمُ البَاقِي.
وَجَاءتْ أَسْلَمُ فَقَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ إِخْوَانُنَا نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ فَأَسْلَمُوا.
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ".
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1.
قَالَ أَبُو جَمْرَةَ: قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ: إلَّا أُخْبِرُكُم بِإِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ قُلْنَا: بَلَى قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً بِمَكَّةَ قَدْ خَرَجَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَأَرْسَلْتُ أَخِي لِيُكَلِّمَهُ فَقُلْتُ: انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَكَلِّمْهُ. فَانْطَلَقَ فَلَقِيَهُ ثُمَّ رَجَعَ فَقُلْتُ: مَا عِنْدَكَ قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَأْمُرُ بِالخَيْرِ وَيَنْهَى، عَنِ الشَّرِّ. قُلْتُ: لَمْ تشفني. فأخذت جرابًا وعصًا ثم أَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ فَجَعَلْتُ لاَ أَعْرِفُهُ وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ وَأَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَأَكُوْنُ فِي المَسْجِدِ فَمَرَّ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ غَرِيْبٌ قُلتُ: نَعَمْ. قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى المَنْزِلِ. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ لاَ أَسْأَلُهُ، عَنْ شَيْءٍ وَلاَ يُخْبِرُنِي!
فَلَمَّا أَصْبَحَ الغَدُ جِئْتُ إِلَى المَسْجِدِ لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ وَلَيْسَ أَحَدٌ يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَيْءٍ فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ فَقَالَ: أَمَا آنَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعُوْدَ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: مَا أَمْرُكَ وَمَا أَقْدَمَكَ قُلْتُ: إِنْ كَتَمْتَ عَلَيَّ أَخْبَرْتُكَ قَالَ: أَفْعَلُ. قُلْتُ: قَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ نَبِيٌّ. قَالَ: أَمَا قَدْ رَشَدْتَ هَذَا وَجْهِي إِلَيْهِ فَاتَّبِعْنِي وَادْخُلْ حَيْثُ أَدْخُلُ فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ أَحَداً أَخَافُهُ عَلَيْكَ قُمْتُ إِلَى الحَائِطِ كَأَنِّي أُصْلِحُ نَعْلِي وَامْضِ أَنْتَ.
فَمَضَى وَمَضَيْتُ مَعَهُ فَدَخَلْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ اعْرِضْ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ. فَعَرَضَ عَلَيَّ فَأَسْلَمْتُ مَكَانِي فَقَالَ لِي: "يَا أَبَا ذَرٍّ اكْتُمْ هَذَا الأَمْرَ وَارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهُوْرُنَا فَأَقْبِلْ". فَقُلْتُ: وَالَّذِي بعثك بالحق لأصرخن بها بين أظهرهم.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم بتمام "2473" حدثنا هداب بن خالد الأزدي، حدثنا سليمان بن المغيرة، به.(3/372)
فَجَاءَ إِلَى المَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ فِيْهِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلَّا الله وأن محمد عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ. فَقَالُوا: قُوْمُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئ فَقَامُوا فَضُرِبْتُ لأَمُوْتَ فَأَدْرَكَنِي العَبَّاسُ فَأَكَبَّ عليَّ وَقَالَ: وَيْلَكُم تَقْتَلُوْنَ رَجُلاً مِنْ غِفَارَ وَمَتْجَرُكُم وَمَمَرُّكُم عَلَى غِفَارَ فَأَطْلَقُوا عَنِّي. فَلَمَّا أَصْبَحْتُ رَجَعْتُ فَقُلْتُ مِثْلَ مَا قُلْتُ بِالأَمْسِ. فَقَالُوا: قوموا إلى هذا الصابىء فَصُنِعَ بِي كَذَلِكَ وَأَدْرَكَنِي العَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيَّ.
فَهَذَا أَوَّلُ إِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ.
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيْقِ المُثَنَّى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ1.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ شِبْلٍ، عَنْ خُفَافِ بنِ إِيْمَاءَ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَجُلاً يُصِيْبُ وَكَانَ شُجَاعاً يَنْفَرِدُ وَحْدَهُ يَقْطَعُ الطَّرِيْقَ وَيُغِيْرُ عَلَى الصِّرَمِ فِي عَمَايَةِ الصُّبْحِ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ أَوْ قَدَمَيْهِ كَأَنَّهُ السَّبُعُ فَيَطْرُقُ الحَيَّ وَيَأْخُذُ مَا أَخَذَ ثُمَّ إِنَّ اللهَ قَذَفَ فِي قَلْبِهِ الإِسْلاَمَ وَسَمِعَ مَقَالَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ يَدْعُو مُخْتَفِياً فَأَقْبَلَ يَسْأَلُ عَنْهُ2.
وَعَنْ أَبِي مَعْشَرٍ السِّنْدِيِّ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَتَأَلَّهُ فِي الجَاهِلِيَّةِ وَيُوَحِّدُ وَلاَ يَعْبُدُ الأَصْنَامَ3.
النَّضْرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بنُ عمار: أخبرنا أبو زميل، عن مالك ابن مَرْثَدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: كُنْتُ رَابِعَ الإِسْلاَمِ أَسْلَمَ قَبْلِي ثَلاَثَةٌ فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللهِ فَقُلْتُ: سَلاَمٌ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللهِ. وَأَسْلَمْتُ فَرَأَيْتُ الاسْتِبْشَارَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ: "مَنْ أَنْتَ"؟ قُلْتُ: جُنْدُبٌ رَجُلٌ مِنْ غِفَارَ.
قَالَ: فَرَأَيْتُهَا فِي وَجْهِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ فِيْهِم مَنْ يَسْرُقُ الحاج.
وَعَنْ مَحْفُوظِ بنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَائِذٍ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ وَعَمْرُو بنُ عَبَسَةَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَقُوْلُ: أَنَا ربع الإسلام4.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3861"، ومسلم "2474" من طريق عبد الرحمن بن مهدي حدثنا المثني بن سعيد، عن أبي جمرة، عن ابن عباس، به.
2 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "4/ 222" وفيه محمد بن عمر، وابن أبي سبرة متروكان.
3 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "4/ 222" من طريق الواقدي: وهو متروك وفيه علية الإعضال. وقوله يتأله: أي يتنسك ويتعبد.
4 ضعيف: أخرجه الطبراني "1618"، والحاكم "3/ 341-342" من طريق صدقة بن عبد الله، عن نصر بن علقمة، عن محفوظ بن علقمة، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه صدقة بن عبد الله السمين أجمعوا على ضعفه.(3/373)
قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ حَامِلَ رَايَةِ غِفَارَ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَبُو ذَرٍّ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: أَبْطَأْتُ فِي غَزْوَةِ تَبُوْكٍ مِنْ عَجَفِ1 بَعِيْرِي.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ قَالَ: لَمَّا سَارَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى تَبُوْكٍ جَعَلَ لاَ يَزَالُ يَتَخَلَّفُ الرَّجُلُ فَيَقُوْلُوْنَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ تَخَلَّفَ فُلاَنٌ فَيَقُوْلُ: "دَعُوْهُ إِنْ يَكُنْ فِيْهِ خَيْرٌ فَسَيَلْحَقُكُم وَإِنْ يَكُنْ غَيْرُ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمُ اللهُ مِنْهُ". حَتَّى قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ تَخَلَّفَ أَبُو ذَرٍّ وَأَبْطَأَ بِهِ بَعِيْرُهُ.
قَالَ: وَتَلَوَّمَ2 بَعِيْرُ أَبِي ذَرٍّ فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ أَخَذَ مَتَاعَهُ فَجَعَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ وَخَرَجَ يَتْبَعُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَنَظَرَ نَاظِرٌ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَرَجُلٌ يَمْشِي عَلَى الطَّرِيْقِ فَقَالَ رسول الله: "كُنْ أَبَا ذَرٍّ". فَلَمَّا تَأَمَّلَهُ القَوْمُ قَالُوا: هُوَ وَاللهِ أَبُو ذَرٍّ فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَحِمَ اللهُ أَبَا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده".
فَضَرَبَ الدَّهْرُ مِنْ ضَرْبِهِ وَسُيِّرَ أَبُو ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ. فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ أَوْصَى امْرَأَتَهُ وَغُلاَمَهُ فَقَالَ: إِذَا مِتُّ فَاغْسِلاَنِي وَكَفِّنَانِي وَضَعَانِي عَلَى الطَّرِيْقِ فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّوْنَ بِكُمْ فَقُوْلاَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ.
فَلَمَّا مَاتَ فَعَلاَ بِهِ ذَلِكَ. فَاطَّلَعَ رَكْبٌ فَمَا عَلِمُوا بِهِ حَتَّى كَادَتْ رَكَائِبُهُم تَوَطَّأُ السَّرِيْرَ. فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ فَقَالَ: مَا هَذَا قِيْلَ: جِنَازَةُ أَبِي ذَرٍّ. فَاسْتَهَلَّ ابْنُ مَسْعُوْدٍ يَبْكِي وَقَالَ: صَدَقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَرْحَمُ اللهُ أَبَا ذَرٍّ يَمْشِي وَحْدَهُ وَيَمُوْتُ وَحْدَهُ وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ".
فَنَزَلَ فَوَلِيَهُ بِنَفْسِهِ حَتَّى أَجَنَّهُ3.
شَرِيْكٌ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ كُلَيْبِ بنِ شِهَابٍ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُوْلُ: مَا تُؤْيِسُنِي رِقَّةُ عَظْمِي وَلاَ بَيَاضُ شَعْرِي أَنْ أَلْقَى عِيْسَى ابْنَ مَرْيَمَ.
وَعَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: سَأَلْتُ ابْنَ أُخْتٍ لأَبِي ذَرٍّ: مَا تَرَكَ أَبُو ذَرٍّ? قَالَ: تَرَكَ أَتَانَيْنِ وَحِمَاراً وَأَعْنُزاً وَرَكَائِبَ.
__________
1 عجف: أي هزال.
2 تلوم: أي تمكث وتلبث. والتلوم: الانتظار والتلبث. وتلوم في الأمر. تمكث وانتظر.
3 ضعيف: بريدة بن سفيان، قال البخاري: فيه نظر. وقال الدارقطني: متروك.(3/374)
يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا الحَارِثُ بنُ يَزِيْدَ الحَضْرَمِيُّ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَ رَسُوْلَ اللهِ الإِمْرَةَ فَقَالَ: "إِنَّكَ ضَعِيْفٌ وَإِنَّهَا خِزْيٌ وندامة إلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيْهَا" 1.
أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ، عَنْ غُضَيْفِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْتَدِئُ أَبَا ذَرٍّ إِذَا حَضَرَ وَيَتَفَقَّدُهُ إِذَا غَابَ2.
فُضَيْلُ بنُ مَرْزُوقٍ حدثنني جَبَلَةُ بِنْتُ مُصَفَّحٍ، عَنْ حَاطِبٍ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: مَا تَرَكَ رَسُوْلُ اللهِ شَيْئاً مِمَّا صَبَّهُ جِبْرِيْلُ وَمِيْكَائِيْلُ فِي صَدْرِهِ إلَّا قَدْ صَبَّهُ فِي صَدْرِي وَلاَ تَرَكْتُ شَيْئاً مِمَّا صَبَّهُ فِي صَدْرِي إلَّا قَدْ صَبَبْتُهُ فِي صدر مالك ابن ضَمْرَةَ3. هَذَا مُنْكَرٌ.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الرِّجَالِ:، أَخْبَرَنَا عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ، عَنِ ابْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَوْصَانِي بِخَمْسٍ: أَرْحَمُ المَسَاِكِيْنَ وَأُجَالِسُهُم وَأَنْظُرُ إِلَى مَنْ تَحْتِي وَلاَ أَنْظُرُ إِلَى مَنْ فَوْقِي وَأَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ وَأَنْ أَقُوْلَ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرّاً وَأَنْ أَقُوْلَ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلَّا بالله" 4.
__________
1 صحيح: وهذا إسناد ضعيف، أخرجه ابن سعد "4/ 231" من طريق سليمان بن بلال قال حدثني يحيى بن سعيد، به، وفي الإسناد انقطاع، الحارث بن يزيد الحضرمي لم يسمع من أبي ذر.
لكن الحديث رواه مسلم موصولا "1852" من طريق الليث بن سعد، حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن بكر بن عمرو، عن الحارث بن يزيد الحضرمي، عن ابن حجيرة الأكبر، عن أبي ذر، به.
2 ضعيف: أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي مريم، ضعيف كما قال الحافظ في "التقريب".
3 ضعيف: في إسناده جبلة بنت مصفح، مجهولة، لذا قال الحافظ في "التقريب" مقبولة" أي عند المتابعة. وقد أخرجه الطبراني "في "الكبير" "2/ 1624" من طريق القاسم بن الحكم العرني، حدثنا فضيل بن مرزوق، به.
وقد أورده الحافظ الهيثمي في "المجمع" "9/ 231" وقال: "وفيه من لم أعرفهم".
قلت: وكذا القاسم بن الحكم العرني، قال الحافظ في "التقريب" صدوق فيه لين فهذه علة أخرى في الإسناد.
4 صحيح لغيره: وهذا إسناد ضعيف، أخرجه أحمد "5/ 173" حدثنا الحكم بن موسى، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال المدني، به. وفيه عمر مولى غفرة، وهو عمر بن عبد الله المدني، ضعفه ابن معين والنسائي وابن حبان، وأخرجه أحمد "5/ 159"، والطبراني في "الصغير" "ص268" والبيهقي في "السنن" "10/ 91" من طريق سلام أبي المنذر المقرئ البصري، عن محمد بن واسع، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذر، بنحوه.=(3/375)
الأَعْمَشُ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي حَرْبٍ بنِ أَبِي الأَسْوَدِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "مَا أَقَلَّتِ الغَبْرَاءُ وَلاَ أَظَلَّتِ الخَضْرَاءُ مِنْ رَجُلٍ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أبي ذر" 1.
__________
= قلت: وهذا إسناد حسن، فيه سلام بن سليمان المزني، أبو المنذر القاري النحوي البصري، صدوق يهم. وأخرجه البيهقي "10/ 91" أيضا من طريق هشام بن حسان والحسن بن دينار عن محمد بن واسع به.
وأخرجه البزار "3309" والطبراني في "الكبير" "1648" وأبو نعيم في "الحلية" "1/ 159-160" من طريق محمد بن حرب النشائي الواسطي، عن يحيى بن أبي زكريا الغساني أبي مروان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن بديل بن ميسرة، عن عبد الله بن الصامت، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته يحيى بن أبي زكريا الغساني، أبو مروان الواسطي ضعيف كما قال الحافظ في "التقريب" ولم يرو البخاري له إلا حديثا واحدا متابعة، وأخرجه ابن أبي شيبة "12/ 232"، والطبراني في "الكبير" "1649" من طريق محمد بن بشر عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر الشعبي -وربما قال إسماعيل بعض أصحابنا- عن أبي ذر رضي الله عنه- قال: فذكره.
وأورده الهيثمي في "المجمع" "3/ 93": رجاله ثقات إلا أن الشعبي لم أجد له سماعا من أبي ذر".
قلت: فالإسناد ضعيف لهذا الانقطاع بين الشعبي وأبي ذر، لكن الحديث يرتقي بمجموع طرقه إلى الصحة والله -تعالى- أعلى وأعلم.
1 حديث صحيح بطرقه: أخرجه الترمذي "3802"، والحاكم "3/ 342" من طريق العباس بن عبد العظيم العنبري، حدثنا النضر بن محمد اليمامي، حدثنا عكرمة بن عمار، عن أبي زميل، عن مالك بن مرثد، عن أبيه، عن أبي ذر مرفوعا.
قلت: إسناده ضعيف، مرثد بن عبد الله الزماني، مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول -أي عند المتابعة.
وورد من حديث عبد الله بن عمرو: أخرجه أحمد "2/ 163 و175 و223"، وابن سعد "4/ 228"، وابن أبي شيبة "12/ 124"، والترمذي "3801" وابن ماجه "156"، والحاكم "3/ 342" من طريق الأعمش، عن عثمان بن عمير، عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي، عن ابن عمرو مرفوعا.
قلت: إسناده ضعيف، عثمان بن عمير، ويقال ابن قيس: ضعيف.
وورد من حديث أبي الدرداء: أخرجه أحمد "6/ 442" وابن سعد "4/ 228"، وابن أبي شيبة "12/ 125"، والبزار "2713" والحاكم "3/ 342" من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن بلال بن أبي الدرداء عن أبي الدرداء. وإسناده ضعيف، علي بن زيد، هو ابن جدعان، ضعيف.
وأخرجه أحمد "5/ 197" من طريق شهر بن حوشب، عن عبد الله بن غنم، عن أبي الدرداء، وشهر بن حوشب، فيه ضعف.
وورد عن أبي هريرة: أخرجه ابن سعد "4/ 228" عن يزيد بن هارون، عن أبي أمية بن يعلى، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. وأبو أمية. فيه ضعف.
وورد عن علي: أخرجه أبو نعيم في "الحلية" "4/ 172" من طريق بشر بن مهران عن شريك، عن الأعمش، عن زيد "وهو ابن وهب" قال: قال علي: فذكره مرفوعا.
قلت: إسناده ضعيف جدا، فيه بشر بن مهران، ترك حديثه أبو حاتم. فالحديث بمجموع طرقه صحيح، وقد خرجت الحديث بنحو هذا في كتاب "منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية" لشيخ الإسلام ابن تيمية ط دار الحديث في الجزء الرابع بتعليقنا رقم "134" وفي الجزء السادس بتعليقنا رقم "275" فراجعه ثم إن شئت.(3/376)
حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عَنْ بِلاَلِ بنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مِثْلُهُ: وَجَاءَ نَحْوُهُ لِجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ1.
أَبُو أُمَيَّةَ بنُ يَعْلَى وَهُوَ وَاهٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى تَوَاضُعِ عِيْسَى ابْنِ مَرْيَمَ فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ"2.
سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ:، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَيُّكُمْ يَلْقَانِي عَلَى الحَالِ الَّذِي أُفَارِقُهُ عَلَيْهِ". فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: أَنَا. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أَظَلَّتِ الخَضْرَاءُ وَلاَ أَقَلَّتِ الغَبْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى زُهْدِ عِيْسَى فلينظر إلى أبي ذر"3.
حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو حَرْبٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيْهِ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَرَجُلٌ، عَنْ زَاذَانَ قَالاَ: سُئِلَ عَلِيٌّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ فَقَالَ: وَعَى عِلْماً عَجِزَ عَنْهُ وَكَانَ شَحِيْحاً عَلَى دِيْنِهِ حَرِيْصاً عَلَى العِلْمِ يُكْثِرُ السُّؤَالَ وَعَجِزَ، عَنْ كَشْفِ مَا عِنْدَهُ مِنَ العِلْمِ.
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، أَخْبَرَنَا عبد الله بن الصامت قال: دخلت مع أَبِي ذَرٍّ فِي رَهْطٍ مِنْ غِفَارَ عَلَى عُثْمَانَ مِنْ بَابٍ لاَ يُدْخَلُ عَلَيْهِ مِنْهُ قَالَ: وَتَخَوَّفَنَا عُثْمَانُ عَلَيْهِ فَانْتَهَى إِلَيْهِ فَسَلَّمَ ثُمَّ مَا بَدَأَهُ بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ قَالَ: أَحَسِبْتَنِي مِنْهُم يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ وَاللهِ مَا أَنَا مِنْهُم وَلاَ أُدْرِكُهُمْ. ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ إِلَى الربذة.
__________
1 صحيح بطرقه: راجع تخريجنا السابق فقد أوردته عن أبي الدرداء، وعن أبي هريرة.
2 ضعيف: أخرجه ابن سعد "4/ 228" أخبرنا يزيد بن هارون، قال أخبرنا أبو أمية بن يعلى، عن أبي الزناد، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته أبو أمية بن يعلى، ضعفه الدارقطني. وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه إلا للخواص.
3 ضعيف: أخرجه ابن سعد "4/ 228"، وهو مرسل، مالك بن دينار البصري، الزاهد، أبو يحيى، من الطبقة الخامسة، وهي الطبقة الصغرى من التابعين فالحديث معضل.(3/377)
يَحْيَى بنُ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ، عَنِ المُسَيَّبِ بنِ نَجَبَةَ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قِيْلَ لَهُ: حَدِّثْنَا عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِّثْنَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: عَلِمَ العِلْمَ ثُمَّ أَوْكَى فَرَبَطَ عَلَيْهِ رِبَاطاً شَدِيْداً?1 أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئ بنِ هَانِئ، سَمِعَ عَلِيّاً يَقُوْلُ: أَبُو ذَرٍّ وِعَاءٌ مُلِئَ عِلْماً أَوْكَى عَلَيْهِ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى قُبِضَ.
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ مُرْسَلاً: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي ذَرٍّ وَتُبْ عَلَيْهِ".
وَيُرْوَى، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إلَّا وَقَدْ أُعْطِيَ سَبْعَةَ رفقاء وَوُزَرَاءَ وَإِنِّي أُعْطِيْتُ أَربَعَةَ عَشَرَ". فَسَمَّى فِيْهِم أَبَا ذَرٍّ2.
شَرِيْكٌ، عَنْ أَبِي رَبِيْعَةَ الإِيَادِيِّ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْتُ بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ وَأَخْبَرَنِي اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ". قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا رَسُوْلَ اللهِ قَالَ: "عَلِيٌّ وَأَبُو ذَرٍّ وَسَلْمَانُ وَالمِقْدَادُ بنُ الأَسْوَدِ"3.
قَالَ شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ: حَدَّثَتْنِي أَسْمَاءُ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا فَرَغَ مِنْ خِدْمَتِهِ أَوَى إِلَى المَسْجِدِ وَكَانَ هُوَ بَيْتَهُ. فَدَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدَهُ مُنْجَدِلاً فِي المَسْجِدِ. فَنَكَتَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرِجْلِهِ حَتَّى اسْتَوَى جَالِساً فَقَالَ: "أَلاَ أَرَاكَ نَائِماً?" قَالَ: فَأَيْنَ أَنَامُ هَلْ لِي مِنْ بَيْتٍ غَيْرِهِ? فَجَلَسَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنْهُ?" قَالَ: أَلْحَقُ بِالشَّامِ فَإِنَّ الشَّامَ أَرْضُ الهِجْرَةِ وَأَرْضُ المَحْشَرِ وَأَرْضُ الأَنْبِيَاءِ فَأَكُوْنُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِهَا. قَالَ لَهُ: "كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنَ الشَّامِ?" قَالَ: أَرْجِعُ إِلَيْهِ فَيَكُوْنُ بَيْتِي وَمَنْزِلِي. قَالَ: "فَكَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنْهُ الثَّانِيَةَ?" قَالَ: آخذ إذًا سيفي فأقاتل حتى أموت.
__________
1 ضعيف جدا: في إسناده يحيى بن سلمة بن كهيل قال أبو حاتم وغيره: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك: وقال يحيى ليس بشيء لا يُكتب حديثه.
قوله: "ثم أوكى" أي شده بالوكاء، والمراد أنه حافظ على علمه بمدارسته وتعليمه فالعلم يزكو بالإنفاق.
2 ضعيف: أخرجه الطبراني في "الكبير" "6/ 6049" من طريق فطر بن خليفة عن كثير بياع النوى قال سمعت عبد الله بن مليل يقول سمعت عليا -رضي الله عنه- يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فذكره. وأخرجه الترمذي "3785" من طريق سفيان، عن كثير النواء، عن أبي إدريس، عن المسيب بن نجية قال: قال علي بن أبي طالب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: إسناده ضعيف، آفته كثير بياع النوى، وهو كثير بن إسماعيل النواء أبو إسماعيل: ضعفه أبو حاتم، والنسائي. وقال ابن عدي مفرط في التشيع. وقال السعدي: زائغ.
3 ضعيف: أخرجه أحمد "5/ 351"، وفي إسناده أبو ربيعة الإيادي عمر بن ربيعة ضعيف.(3/378)
قَالَ: فَكَشَّرَ إِلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: "أَدُلُّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ?" قَالَ: بَلَى بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُوْلَ اللهِ. قَالَ: "تَنْقَادُ لَهُمْ حَيْثُ قَادُوْكَ حَتَّى تلقاني وأنت على ذلك".
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"1.
وَفِي المُسْنَدِ، أَخْبَرَنَا أَبُو المُغِيْرَةِ، أَخْبَرَنَا صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي اليَمَانِ وَأَبِي المُثَنَّى أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ: بَايَعَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمْساً وَوَاثَقَنِي سَبْعاً وَأَشْهَدَ اللهَ عَلَيَّ سَبْعاً إلَّا أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ.
أَبُو اليَمَانِ هُوَ الهَوْزَنِيُّ.
الدَّغُوْلِيُّ:، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الصَّائِغُ بِمَكَّةَ، أَخْبَرَنَا المُقْرِي:، أَخْبَرَنَا المَسْعُوْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ الشَّامِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ الخَشْخَاشِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَسْجِدِ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: "أَصَلَّيْتَ?" قُلْتُ: لاَ قَالَ: "قُمْ فَصَلِّ" فَقُمْتُ فَصَلَّيْتُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ اسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ شَيَاطِيْنِ الإِنْسِ وَالجِنِّ" قُلْتُ: وَهَلْ لِلإِنْسِ مِنْ شَيَاطِيْنَ قَالَ: "نَعَمْ" ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ إلَّا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوْزِ الجَنَّةِ? قُلْ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ". قُلْتُ: فَمَا الصَّلاَةُ? قَالَ: "خَيْرُ مَوْضُوْعٍ فَمَنْ شَاءَ أَكْثَرَ وَمَنْ شَاءَ أَقَلَّ". قُلْتُ: فَمَا الصِّيَامُ قَالَ: "فَرْضٌ مُجْزِئٌ" قُلْتُ: فَمَا الصَّدَقَةُ قَالَ: "أَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ وَعِنْدَ اللهِ مَزِيْدٌ". قُلْتُ: فَأَيُّهَا أَفْضَلُ قَالَ: "جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ أَوْ سِرٌّ إِلَى فَقِيْرٍ" قُلْتُ: فَأَيُّ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ أَعْظَمُ قَالَ: "اللهُ لاَ إِلَهَ إلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّوْمُ" قُلْتُ: فَأَيُّ الأَنْبِيَاءِ كَانَ أَوَّلَ قَالَ: "آدَمُ: قلت نبيًا كان? قَالَ: "نَعَمْ مُكَلَّمٌ" قُلْتُ: فَكَمِ المُرْسَلُوْنَ يَا رَسُوْلَ اللهِ قَالَ: ثَلاَثُ مائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ جَمّاً غَفِيْراً"2.
هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأَبِي ذَرٍّ: "إِذَا بَلَغَ البِنَاءُ سَلْعاً فَاخْرُجْ مِنْهَا -وَنَحَا بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ- وَلاَ أَرَى أُمَرَاءكَ يَدَعُوْنَكَ". قَالَ: أَوَلاَ أُقَاتِلُ مَنْ يَحُوْلُ بَيْنِي وَبَيْنَ أَمْرِكَ قَالَ: "لاَ" قَالَ: فَمَا تَأْمُرُنِي قَالَ: "اسْمَعْ وَأَطِعْ وَلَوْ لِعَبْدٍ حَبَشِيٍّ".
__________
1 ضعيف: أخرجه أحمد "6/ 457" وفي إسناده شهر بن حوشب، وهو ضعيف.
2 ضعيف جدا: أخرجه أحمد "5/ 179" وفيه عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي. ضعيف لاختلاطه.
والعلة الثانية: أبو عمر الدمشقي، متروك كما قال الدارقطني.
والعلة الثالثة: عبيد بن الخشخاش، لين.(3/379)
فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِنَّهُ قَدْ أَفْسَدَ الشَّامَ. فَطَلَبَهُ عُثْمَانُ ثُمَّ بَعَثُوا أَهْلَهُ مِنْ بَعْدِهِ فَوَجَدُوا عِنْدَهُمْ كِيْساً أَوْ شَيْئاً فَظَنُّوْهُ دَرَاهِمَ فَقَالُوا: مَا شَاءَ اللهُ فَإِذَا هِيَ فُلُوْسٌ.
فَقَالَ عُثْمَانُ: كُنْ عِنْدِي قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي دُنْيَاكُمْ ائْذَنْ لِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى الرَّبَذَةِ فَأَذِنَ لَهُ فَخَرَجَ إِلَيْهَا وَعَلَيْهَا عَبْدٌ حَبَشِيٌّ لِعُثْمَانَ فَتَأَخَّرَ وَقْتَ الصَّلاَةِ لَمَّا رَأَى أَبَا ذَرٍّ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: تَقَدَّمْ فَصَلِّ1.
سُفْيَانُ بنُ حُسَيْنٍ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حمار وعليه برذعة أو قطيفة2.
عَفَّانُ: أَخْبَرَنَا سَلاَمٌ أَبُو المُنْذِرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بن واسع، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، عَنِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيْلِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبْعٍ: أَمَرَنِي بِحُبِّ المَسَاكِيْنِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُوْنِي وَأَنْ لاَ أَسْأَلَ أَحَداً شَيْئاً وَأَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ وَأَنْ أَقُوْلَ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرّاً وَأَلاَّ أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ وَأَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ العَرْشِ3.
الأَوْزَاعِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ذَرٍّ وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ الجَمْرَةِ الوُسْطَى وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَسْتَفْتُوْنَهُ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَلَمْ يَنْهَكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، عَنِ الفُتْيَا فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: أَرَقِيْبٌ أَنْتَ عَلَيَّ لو وضعتم الصمصامة على هذه
__________
1 ضعيف: رواه بهذا السياق ابن سعد "4/ 226-227" قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، به مرسلا.
قلت: وهو ضعيف لإرساله. ولكن لقوله: "اسمع وأطع، ولو لعبد حبشي" إسناد آخر عند أحمد "5/ 144"، وفيه شهر بن حوشب، وهو ضعيف، وقد ورد عن أبي ذر قال: "إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع، وإن كان عبدا مجدع الأطراف" أخرجه الطيالسي "452"، ومسلم "1873"، وابن ماجه "2862" والبيهقي "3/ 88" و"8/ 155" من طرق عن شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، عن أبي ذر، به.
2 صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 227-228" قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا سفيان بن حسين عن الحكم بن عتيبة، به.
قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات، وقد وقع في "طبقات ابن سعد" الحكم بن عيينة، وهو تصحيف، والصواب الحكم بن عتيبة وهو ما أثبتناه.
3 صحيح: تقدم تخريجنا له بتعليق رقم "802".(3/380)
وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ أَنْ تُجِيْزُوا عَلَيَّ لأَنْفَذْتُهَا.
اسْمُ أَبِي كَثِيْرٍ: مَرْثَدٌ.
وَعَنْ ثَعْلَبَةَ بنِ الحَكَمِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ لاَ يُبَالِي فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ غَيْرَ أَبِي ذَرٍّ وَلاَ نَفْسِي. ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِهِ.
الجُرَيْرِيُّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ الشخير، عن الأحنف قال: قدمت المَدِيْنَةَ فَبَيْنَا أَنَا فِي حَلْقَةٍ فِيْهَا مَلأٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ أَخْشَنُ الثِّيَابِ أَخْشَنُ الجَسَدِ أَخْشَنُ الوَجْهِ فَقَامَ عَلَيْهِم فَقَالَ: بَشِّرِ الكَنَّازِيْنَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُوْضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ وَيُوْضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ يَتَجَلْجَلُ.
قال: فوضع القوم رءوسهم فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنْهُم رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْئاً.
فَأَدْبَرَ فَتَبِعْتُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ هَؤُلاَءِ إلَّا كَرِهُوا مَا قُلْتَ لَهُمْ. قَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ لاَ يَعْقِلُوْنَ شَيْئاً إِنَّ خَلِيْلِي أَبَا القَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَانِي فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ فَأَجَبْتُهُ فَقَالَ: "تَرَى أُحُداً"؟ فَنَظَرْتُ مَا عَلَيَّ مِنَ الشَّمْسِ وَأَنَا أَظُنُّهُ يَبْعَثُنِي فِي حَاجَةٍ فَقُلْتُ: أَرَاهُ فَقَالَ: "مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي مِثْلَهُ ذَهَباً أُنْفِقُهُ كُلُّهُ إلَّا ثَلاَثَةَ دَنَانِيْرَ". ثُمَّ هَؤُلاَءِ يَجْمَعُوْنَ الدُّنْيَا لاَ يَعْقِلُوْنَ شَيْئاً.
فَقُلْتُ: مالك وَلإِخْوَانِكَ مِنْ قُرَيْشٍ لاَ تَعْتَرِيْهِمْ وَلاَ تُصِيْبُ مِنْهُمْ? قَالَ: لاَ وَرَبِّكَ مَا أَسْأَلُهْمُ دُنْيَا وَلاَ أَسْتَفْتِيْهِمْ، عَنْ دِيْنٍ حَتَّى أَلْحَقَ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ1.
الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ الشِّخِّيْرِ، عَنْ أَخِيْهِ مُطَرِّفٍ، عَنِ أَبِي ذَرٍّ فذكر بعضه2.
مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَوْسِ بنِ الحَدَثَانِ قَالَ: قَدِمَ أَبُو ذَرٍّ مِنَ الشَّامِ فَدَخَلَ المَسْجِدَ وَأَنَا جَالَسٌ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَأَتَى سَارِيَةً فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيْهِمَا ثُمَّ قَرَأَ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التَّكَاثُرُ: 1] . وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَقَالُوا: حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ: سَمِعْتُ حَبِيْبِي رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "فِي الإِبِلِ صَدَقَتُهَا وفي البقر صدقتها
__________
1 و2 صحيح: أخرجه البخاري "1407" و"1408"، ومسلم "992" من طريق الجريرى، عن أبي العلاء، عن الأحنف بن قيس، به.(3/381)
وَفِي البُرِّ صَدَقَتُهُ، مَنْ جَمَعَ دِيْنَاراً أَوْ تِبْراً أَوْ فِضَّةً لاَ يُعِدُّهُ لِغَرِيْمٍ وَلاَ يُنْفِقُهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ كُوِيَ بِهِ".
قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ انْظُرْ مَا تُخْبِرُ، عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإن هَذِهِ الأَمْوَالَ قَدْ فَشَتْ. قَالَ: مَنْ أَنْتَ ابْنَ أَخِي فَانْتَسَبْتُ لَهُ.
فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُ نَسَبَكَ الأَكْبَرَ مَا تَقْرَأُ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التَّوْبَةُ: 35] .
مُوْسَى ضُعِّفَ رَوَاهُ عَنْهُ الثِّقَاتُ.
ابْنُ لَهِيْعَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَبِيْلٍ: سَمِعْتُ مَالِكَ بنَ عَبْدِ اللهِ الزِّيَادِيَّ يُحَدَّثُ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَى عُثْمَانَ فَأَذِنَ لَهُ وَبِيَدِهِ عَصَا. فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا كَعْبُ إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ مَالاً فَمَا تَرَى قَالَ: إن كَانَ فَضَلَ فِيْهِ حَقُّ اللهِ فَلاَ بَأْسَ عَلَيْهِ. فَرَفَعَ أَبُو ذَرٍّ عَصَاهُ وَضَرَبَ كَعْباً وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي هَذَا الجَبَلَ ذَهَباً أُنْفِقُهُ وَيُتَقَبَّلُ مِنِّي أَذَرُ خَلْفِي مِنْهُ سِتَّةَ أَوَاقٍ". أَنْشُدُكَ اللهَ يَا عُثْمَانُ: أَسَمِعْتَهُ قَالَ مِرَاراً قَالَ: نَعَمْ1.
قُلْتُ: هَذَا دَالٌّ عَلَى فَضْلِ إِنْفَاقِهِ وَكَرَاهِيَةِ جَمْعِهِ لاَ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيْمٍ.
حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصامت قال: دخلت مع أَبِي ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ فَلَمَّا دَخَلَ حَسَرَ، عَنْ رَأْسِهِ وَقَالَ: وَاللهِ مَا أَنَا مِنْهُمْ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يُرِيْدُ الخَوَارِجَ. قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: سِيْمَاهُمُ الحَلْقُ قَالَ لَهُ عُثْمَانُ: صَدَقْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْكَ لِتُجَاوِرَنَا بِالمَدِيْنَةِ. قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ ائْذَنْ لِي إِلَى الرَّبَذَةِ. قَالَ: نَعَمْ وَنَأْمُرُ لَكَ بِنَعَمٍ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ تَغْدُو عَلَيْكَ وَتَرُوْحُ قَالَ لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ يَكْفِي أَبَا ذَرٍّ صُرَيْمَتُهُ2.
فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ: دُوْنَكُمْ مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ دُنْيَاكُمْ فَاعْذِمُوْهَا3 وَدَعُوْنَا وَرَبَّنَا.
قَالَ: وَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقْسِمُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعِنْدَهُ كَعْبٌ فَأَقْبَلَ
__________
1 ضعيف: أخرجه أحمد "1/ 63" حدثنا حسن بن موسى، حدثنا عبد الله بن لهيعة، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه عبد الله بن لهيعة، ضعيف. وفيه جهالة مالك بن عبد الله الزيادي.
2 الصريمة: تصغير الصرمة، وهي القطيع من الابل والغنم.
3 قوله: "اعذموها" أي خذوها.
وأصل العذم: العض.(3/382)
عُثْمَانُ عَلَى كَعْبٍ فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ ما تقول فيمن جمع هَذَا المَالَ فَكَانَ يَتَصَدَّقُ مِنْهُ وَيَصِلُ الرَّحِمَ قَالَ كَعْبٌ: إِنِّي لأَرْجُو لَهُ. فَغَضِبَ وَرَفَعَ عَلَيْهِ العَصَا وَقَالَ وَمَا تَدْرِيْ يَا ابْنَ اليَهُوْدِيَّةِ لَيَوَدَّنَّ صَاحِبُ هَذَا المَالِ لَوْ كَانَ عَقَارِبَ فِي الدُّنْيَا تَلْسَعُ السُّوَيْدَاءَ مِنْ قَلْبَهِ1.
السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا غَزْوَانُ أَبُو حَاتِمٍ قَالَ: بَيْنَا أَبُو ذَرٍّ عِنْدَ بَابِ عُثْمَانَ لِيُؤْذَنَ لَهُ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ مَا يُجْلِسُكَ ههنا قَالَ: يَأْبَى هَؤُلاَءِ أَنْ يَأْذَنُوا لَنَا فَدَخَلَ الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ مَا بَالُ أَبِي ذَرٍّ عَلَى البَابِ.
فَأَذِنَ لَهُ فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ نَاحِيَةً وَمِيْرَاثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُقْسَمُ فَقَالَ عُثْمَانُ لِكَعْبٍ: أَرَأَيْتَ المَالَ إِذَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ هَلْ يُخْشَى عَلَى صَاحِبِهِ فِيْهِ تَبِعَةً قَالَ: لاَ. فَقَامَ أَبُو ذَرٍّ فَضَرَبَهُ بِعَصَا بَيْنَ أُذُنَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا ابْنَ اليَهُوْدِيّةِ تَزْعُمُ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ حَقٌّ فِي مَالِهِ إِذَا آتَى زَكَاتَهُ وَاللهُ يَقُوْلُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِم} [الْحَشْر: 9] الآيَةَ، وَيَقُوْلُ: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّه} [الإنسان: 8] .
فَجَعَلَ يَذْكُرُ نَحْوَ هَذَا مِنَ القُرْآنِ. فَقَالَ عُثْمَانُ لِلقُرَشِيِّ: إِنَّمَا نَكْرَهُ أَنْ نَأْذَنَ لأَبِي ذَرٍّ مِنْ أَجْلِ مَا تَرَى.
وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَخْتَلِفُ مِنَ الرَّبَذَةِ إِلَى المَدِيْنَةِ مَخَافَةَ الأَعْرَابِيَّةِ فَكَانَ يُحِبُّ الوَحْدَةَ فَدَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ وَعِنْدَهُ كَعْبٌ.... الحديث.
وَفِيْهِ: فَشَجَّ كَعْباً فَاسْتَوْهَبَهُ عُثْمَانُ فَوَهَبَهُ لَهُ وَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ اتَّقِ اللهَ وَاكْفُفْ يَدَكَ وَلِسَانَكَ.
مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ نُفَيْعٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ فَتَغَافَلُوا عَنْهُ سَاعَةً. فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ هَذَا أَبُو ذَرٍّ بِالبَابِ قَالَ: ائْذَنْ لَهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤْذِيَنَا وَتُبَرِّحَ بِنَا. فَأَذِنْتُ لَهُ فَجَلَسَ عَلَى سَرِيْرٍ مَرْمُوْلٍ2 فَرَجَفَ بِهِ السَّرِيْرُ وَكَانَ عَظِيْماً طَوِيْلاً فَقَالَ عُثْمَانُ: أَمَا إِنَّكَ الزَّاعِمُ أَنَّكَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ قَالَ: مَا قُلْتُ. قَالَ: إِنِّي أَنْزِعُ عَلَيْكَ بِالبَيِّنَةِ قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِيْ مَا بَيِّنَتُكَ وَمَا تَأْتِي بِهِ?! وَقَدْ عَلِمْتُ مَا قُلْتُ. قَالَ: فَكَيْفَ إِذاً قُلْتَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مني الذي
__________
1 صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 232" من طريق سليمان بن المغيرة، وأبو نعيم في "الحلية" "1/ 160" من طريق مطرف كلاهما عن حميد بن هلال قال: حدثنا عبد الله بن الصامت قال: فذكره.
قلت: إسناده صحيح رجاله ثقات.
2 سرير مرمول: سرير نسج وجهه بالسعف.(3/383)
يَلْحَقُ بِي عَلَى العَهْدِ الَّذِي عَاهَدْتُهُ عَلَيْهِ". وَكُلُّكُمْ قَدْ أَصَابَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَنَا عَلَى مَا عَاهَدْتُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى اللهِ تَمَامُ النِّعْمَةِ.
وَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي يَعْلَمُهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْتَحِلَ إِلَى الشَّامِ فَيَلْحَقَ بِمُعَاوِيَةَ. فَكَانَ يُحَدِّثُ بِالشَّامِ فَاسْتَهْوَى قُلُوْبَ الرِّجَالِ. فَكَانَ مُعَاوِيَةُ يُنْكِرُ بَعْضَ شَأْنِ رَعِيَّتِهِ وَكَانَ يَقُوْلُ: لاَ يَبِيْتَنَّ عِنْدَ أَحَدِكُمْ دِيْنَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ وَلاَ تِبْرٌ وَلاَ فِضَّةٌ إلَّا شَيْءٌ يُنْفِقُهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ أَوْ يُعِدُّهُ لِغَرِيْمٍ.
وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بَعَثَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ فِي جُنْحِ اللِّيْلِ فأنفقها.
فَلَمَّا صَلَّى مُعَاوِيَةُ الصُّبْحَ، دَعَا رَسُوْلَهُ فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ فَقُلْ: أَنْقِذْ جَسَدِي مِنْ عَذَابِ مُعَاوِيَةَ فَإِنِّي أَخْطَأْتُ قَالَ: يَا بُنَيَّ قُلْ لَهُ: يَقُوْلُ لَكَ أَبُو ذَرٍّ وَاللهِ مَا أَصْبَحَ عِنْدَنَا مِنْهُ دِيْنَارٌ وَلَكِنْ أَنْظِرْنَا ثَلاَثاً حَتَّى نَجْمَعَ لَكَ دَنَاِنْيَرَكَ.
فَلَمَّا رَأَى مُعَاوِيَةُ أَنَّ قَوْلَهُ صَدَّقَ فِعْلَهُ كَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنْ كَانَ لَكَ بِالشَّامِ حَاجَةٌ أَوْ بِأَهْلِهِ فَابْعَثْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ فَإِنَّهُ قَدْ وَغَّلَ صُدُوْرَ النَّاسِ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ: اقْدَمْ عَلَيَّ فَقَدِمَ1.
ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ المُغِيْرَةِ، عَنْ يَعْلَى بنِ شَدَّادٍ قَالَ: قَالَ شَدَّادُ بنُ أَوْسٍ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَسْمَعُ الحَدِيْثَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ فِيْهِ الشِّدَّةُ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى قَوْمِهِ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِم ثُمَّ إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ يُرَخِّصُ فِيْهِ بَعْدُ فَلَمْ يَسْمَعْهُ أَبُو ذَرٍّ فَتَعَلَّقَ أَبُو ذَرٍّ بِالأَمْرِ الشَّدِيْدِ2.
عَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِي الجُوَيْرِيَةِ، عَنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ إِذْ جَاءَ أَبُو ذَرٍّ فَلَمَّا رَآهُ عُثْمَانُ قَالَ: مَرْحَباً وَأَهْلاً بِأَخِي فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: مَرْحَباً وَأَهْلاً بِأَخِي لَقَدْ أَغْلَظْتَ عَلَيْنَا فِي العَزِيْمَةِ وَاللهِ لَوْ عَزَمْتَ عَلَيَّ أَنْ أَحْبُوَ لَحَبَوْتُ مَا اسْتَطَعْتُ. إِنِّي خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَ حَائِطِ بَنِي فُلاَنٍ فَقَالَ لِي: "وَيْحَكَ بَعْدِي" فَبَكَيْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ وَإِنِّي لَبَاقٍ بَعْدَكَ قَالَ: "نَعَمْ فَإِذَا رَأَيْتَ البِنَاءَ عَلَى سَلْعٍ فَالْحَقْ بِالمَغْرِبِ أَرْضِ قضاعة".
قَالَ عُثْمَانُ: أَحْبَبْتُ أَنْ أَجْعَلَكَ مَع أَصْحَابِكَ وَخِفْتُ عَلَيْكَ جُهَّالَ النَّاسِ.
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ: قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "اسمع وأطع لمن كان عليك".
__________
1 ضعيف: فيه موسى بن عبيدة، وهو الربذي، ضعيف.
2 ضعيف: في إسناده ابن لهيعة، وهو ضعيف. وقد أخرجه أحمد "4/ 125".(3/384)
جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، عَنْ ثَابِتِ بنِ الحَجَّاجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سِيْدَانَ السُّلَمَيِّ قَالَ: تَنَاجَى أَبُو ذَرٍّ وَعُثْمَانُ حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا ثم انصرف أبو ذر متبسمًا فقالوا: مالك وَلأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ? قَالَ: سَامِعٌ مُطِيْعٌ وَلَو أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ صَنْعَاءَ أَوْ عَدَنٍ ثُمَّ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَفْعَلَ لَفَعَلْتُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الرَّبَذَةِ.
مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سِيدَانَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: لَوْ أَمَرَنِي عُثْمَانُ أَنْ أَمْشِيَ عَلَى رَأْسِي لَمَشَيْتُ.
وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ افْتَحِ البَابَ لاَ تَحْسَبُنِي مِنْ قَوْمٍ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّيْنِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ.
يَزِيْدُ، أَخْبَرَنَا العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنْ شَيْخَيْنِ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ قَالاَ: نَزَلْنَا الرَّبَذَةَ فَمَرَّ بِنَا شَيْخٌ أَشْعَثُ أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَقَالُوا: هَذَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. فَاسْتَأْذَنَّاهُ بِأَنْ نَغْسِلَ رَأْسَهُ. فَأَذِنَ لَنَا وَاسْتَأْنَسَ بِنَا. فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُ نَفَرٌ من أهل العراق حسبته قَالَ: مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ فَقَالُوا: يَا أَبَا ذَرٍّ فَعَلَ بِكَ هَذَا الرَّجُلُ وَفَعَلَ فَهَلْ أَنْتَ نَاصِبٌ لَكَ رَايَةً فَنُكَمِّلَكَ بِرِجَاَلٍ مَا شِئْتَ? فَقَالَ: يَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ لاَ تَعْرِضُوا عَلَيَّ ذَاكُم وَلاَ تُذِلُّوا السُّلْطَانَ فَإِنَّهُ مَنْ أَذَلَّ السُّلْطَانَ فَلاَ تَوْبَةَ لَهُ وَاللهِ لَو صَلَبَنِي عَلَى أَطْوَلِ خَشَبَةٍ أَوْ حَبْلٍ لَسَمِعْتُ وَصَبَرْتُ وَرَأَيْتُ أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لِي1.
حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصامت قَالَتْ أُمُّ ذَرٍّ: وَاللهِ مَا سَيَّرَ عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ تَعْنِي إِلَى الرَّبَذَةِ وَلَكِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إذا بَلَغَ البِنَاءُ سَلْعاً فَاخْرُجْ مِنْهَا".
قَالَ غَالِبٌ القَطَّانُ لِلحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ أَكَانَ عُثْمَانُ أَخْرَجَ أَبَا ذَرٍّ? قَالَ: مَعَاذَ اللهِ.
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ عِرَاكِ بنِ مَالِكٍ قَالَ أَبُو ذَرٍّ: إِنِّي لأَقْرَبُكُم مَجْلِساً مِنْ رَسُوْلِ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: "إِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِساً مَنْ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا كَهَيئَتِهِ بِمَا تَرَكْتُهُ عَلَيْهِ". وَإِنَّهُ -وَاللهِ- مَا منكم إلَّا من تشبث منها بشيء2.
__________
1 ضعيف: أخرجه ابن سعد "4/ 227" قال أخبرنا يزيد بن هارون، به. وإسناده ضعيف فيه علتان: الأولى: جهالة الرجل، والثانية: جهالة الشيخين من بني ثعلبة.
2 ضعيف: أخرجه أحمد "5/ 165"، وابن سعد "4/ 228-229" والطبراني في "الكبير"2/ 1627" من طريق محمد بن عمرو، به، وأورده الهيثمي في "المجمع" "9/ 327" وقال: "ورجاله ثقات إلا أن عراك بن مالك لم يسمع من أبي ذر أحسب".
قلت: إسناده ضعيف، لهذا الانقطاع، وقد خرجت نحو هذا الحديث بتعليقنا رقم "812" فراجعه ثم.(3/385)
قَالَ المَعْرُوْرُ بنُ سُوَيْدٍ: نَزَلْنَا الرَّبَذَةَ، فَإِذَا بِرَجُلٍ عَلَيْهِ بُرْدٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ مِثْلُهُ، فَقُلْنَا: لَو عَمِلْتَهُمَا حُلَّةً لَكَ، وَاشْتَرَيْتَ لِغُلاَمِكَ غَيْرَهُ! فَقَالَ: سَأُحَدِّثُكُم: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَاحِبٍ لِي كلام، وكانت أمه أعجمية، فنلت مِنْهَا، فَقَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَابَبْتَ فُلاَناً"؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "ذكرت أمه" قلت: من ساب الرجال ذكره أَبُوْهُ وَأُمُّهُ. فَقَالَ: "إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيْهِ جَاهِلِيَّةٌ" ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ. إِلَى أَنْ قَالَ: "إِخْوَانُكُم، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيْكُم، فَمَنْ كَانَ أَخُوْهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِنْ طِعَامِهِ، وَلْيُلْبِسْهُ مِنْ لِبَاسِهِ، وَلاَ يُكَلِّفْهُ مَا يَغْلِبُهُ" 1.
قَتَادَةُ: عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ لَهُ سُوَدَاءُ مُشَعَّثَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا أَثَرُ المَجَاسِدِ وَالخَلُوْقِ. فَقَالَ: أَلاَ تَنْظُرُوْنَ مَا تَأْمُرُنِي بِهِ؟ تَأْمُرُنِي أَنْ آتِيَ العِرَاقَ، فَإِذَا أَتَيْتُهَا مَالُوا عَلَيَّ بِدُنْيَاهُمْ، وَإِنَّ خَلِيْلِي عَهِدَ إليَّ: "إِنَّ دُوْنَ جِسْرِ جَهَنَّمَ طَرِيْقاً ذَا دَحْضٍ وَمَزَلَّةٍ"، وَإِنَّا أَنْ نَأْتِيَ عَلَيْهِ وَفِي أَحْمَالِنَا اقْتِدَارٌ أَحْرَى أَنْ ننجو، من أن نأتي عليه نحن مَوَاقِيْرُ2.
أَبُو هِلاَلٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي الحَسَنِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ عَطَاؤُهُ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ فَكَانَ إِذَا أَخَذَ عَطَاءهُ دَعَا خَادِمَهُ فَسَأَلَهُ عَمَّا يَكْفِيْهِ لِلسَّنَةِ فَاشْتَرَاهُ ثُمَّ اشْتَرَى فُلُوْساً بِمَا بَقِيَ. وَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ وِعَاءٍ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ يُوْكَى عليه إلَّا وهو يتلظى على صاحبه.
قَالَ يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ: كَانَ لأَبِي ذَرٍّ ثَلاَثُوْنَ فَرَساً يَحْمِلُ عَلَيْهَا فَكَانَ يَحْمِلُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْهَا يَغْزُو عَلَيْهَا وَيُصْلِحُ آلَةَ بَقِيَّتِهَا فَإِذَا رَجَعَتْ أَخَذَهَا فَأَصْلَحَ آلَتَهَا وَحَمَلَ عَلَى الأُخْرَى.
قَالَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: بَنَى أَبُو الدَّرْدَاءِ مَسْكَناً فَمَرَّ عَلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ فَقَالَ: مَا هَذَا تُعَمِّرُ دَاراً أَذِنَ اللهُ بِخَرَابِهَا لأَنْ تَكُوْنَ رَأَيْتُكَ تَتَمَرَّغُ فِي عَذِرَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُوْنَ رَأَيْتُكَ فِيْمَا رَأَيْتُكَ فِيْهِ.
حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو مُوْسَى لَقِيَ أَبَا ذَرٍّ فَجَعَلَ أَبُو مُوْسَى يُكْرِمُهُ وَكَانَ أَبُو مُوْسَى قَصِيْراً خَفِيْفَ اللَّحْمِ وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ رجلًا أسود كث الشعر فيقول
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "30" و"2545"، ومسلم "1661" "40" من طريق شعبة، عن واصل الأحدب، عن المعرور، به.
وأخرجه البخاري "6050"، ومسلم "1661" "38" من طريق الأعمش، عن المعرور بن سويد، به.
2 صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 236"، وأحمد "5/ 195" من طريق عفان بن مسلم، عن همام بن يحيى، عن قتادة، به.(3/386)
أَبُو ذَرٍّ: إِلَيْكَ عَنِّي وَيَقُوْلُ أَبُو مُوْسَى: مَرْحَباً بِأَخِي فَيَقُوْلُ: لَسْتُ بِأَخِيْكَ إِنَّمَا كُنْتُ أَخَاكَ قَبْلَ أَنْ تَلِيَ.
وَعَنْ أُمِّ طَلْقٍ قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ فَرَأَيْتُهُ شَعِثاً شَاحِباً بِيَدِهِ صُوْفٌ قَدْ جَعَلَ عُوْدَيْنِ وَهُوَ يَغْزِلُ بِهِمَا فَلَمْ أَرَ فِي بَيْتِهِ شَيْئاً فَنَاوَلْتُهُ شَيْئاً مِنْ دَقِيْقٍ وَسَوِيْقٍ فَقَالَ لِي: أَمَّا ثَوَابُكَ فَعَلَى اللهِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا ذَرٍّ خَلَّفَ بِنْتاً لَهُ فَضَمَّهَا عُثْمَانُ إِلَى عِيَالِهِ.
قَالَ الفَلاَّسُ وَالهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ وَغَيْرُهُمَا: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ. وَيُقَالُ مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ.
وَيُقَالُ: إِنَّ ابْنَ مَسْعُوْدٍ الَّذِي دَفَنَهُ عَاشَ بَعْدَهُ نَحْواً مِنْ عَشْرَةِ أَيَّامٍ -رضي الله عنهما.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأُبَيِّ ذَرٍّ مَعَ قُوَّةِ أَبِي ذَرٍّ فِي بَدَنِهِ وَشَجَاعَتِهِ: "يَا أَبَا ذَرٍّ إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيْفاً وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي لاَ تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ وَلاَ تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيْمٍ" 1.
فَهَذَا مَحْمُوْلٌ عَلَى ضَعْفِ الرَّأْيِ فَإِنَّهُ لَو وَلِيَ مَالَ يَتِيْمٍ لأَنْفَقَهُ كُلَّهُ فِي سَبِيْلِ الخَيْرِ وَلَتَرَكَ اليَتِيْمَ فَقِيْراً. فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ لاَ يَسْتَجِيْزُ ادِّخَارَ النَّقْدَيْنِ. وَالَّذِي يَتَأَمَّرُ عَلَى النَّاسِ يُرِيْدُ أَنْ يَكُوْنَ فِيْهِ حِلْمٌ وَمُدَارَاةٌ وَأَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَانَتْ فِيْهِ حِدَّةٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَنَصَحَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَلَهُ مائَتَا حَدِيْثٍ وَأَحَدٌ وَثَمَانُوْنَ حَدِيْثاً، اتَّفَقَا مِنْهَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ حَدِيْثاً وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثَيْنِ. وَمُسْلِمٌ بِتِسْعَةَ عَشَرَ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، أَخْبَرَنَا وُهَيْبٌ، أخبرنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن مُجَاهِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الأَشْتَرِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ حَضَرَهُ المَوْتُ بِالرَّبَذَةِ فَبَكَتِ امْرَأَتُهُ فَقَالَ: وَمَا يُبْكِيْكِ قَالَتْ: أَبْكِي أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ تَغْيِيْبِكَ. وَلَيْسَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُكَ كَفَناً.
قَالَ: لاَ تَبْكِي فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ وَأَنَا عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ يَقُوْلُ: "لَيَمُوْتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلاَةٍ تَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ". فَكُلُّهُمْ مَاتَ في جماعة وقرية فلم يبق
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "1826"، وأحمد "5/ 180"، وابن سعد "4/ 231" من طريق عبد الله بن يزيد، عن سعيد بن أيوب، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن سالم بن أبي سالم الجيشاني، عن أبيه، عن أبي ذر، به مرفوعا.(3/387)
غَيْرِي وَقَدْ أَصْبَحْتُ بِالفَلاَةِ أَمُوْتُ فَرَاقِبِي الطَّرِيْقَ فَإِنَّكِ سَوْفَ تَرَيْنَ مَا أَقُوْلُ مَا كَذَبْتُ وَلاَ كُذِبْتُ. قَالَتْ: وَأَنَّى ذَلِكَ وَقَدِ انْقَطَعَ الحَاجُّ؟!
قَالَ: رَاقِبِي الطَّرِيْقَ فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ إِذْ هِيَ بِالقَوْمِ تَخُبُّ بِهِمْ رَوَاحِلُهُمْ كَأَنَّهُمُ الرخم1 فأقبلوا حتى وقفوا عليها قالوا: مالك قَالَتْ: رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ تُكَفِّنُوْنَهُ وَتُؤْجَرُوْنَ فِيْهِ قَالُوا: وَمَنْ هُوَ قَالَتْ: أَبُو ذَرٍّ. فَفَدَوْهُ بِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَوَضَعُوا سِيَاطَهُمْ فِي نُحُوْرِهَا يَبْتَدِرُوْنَهُ.
فَقَالَ: أَبْشِرُوا أَنْتُمُ النَّفَرُ الَّذِيْنَ قَالَ فِيْكُمْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا قال. سمعته يقول: "ما من امرئين مِنَ المُسْلِمِيْنَ هَلَكَ بَيْنَهُمَا وَلَدَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ فَاحْتَسَبَا وَصَبَرَا فَيَرَيَانِ النَّارَ أَبَداً".
ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أَصْبَحْتُ اليَوْمَ حَيْثُ تَرَوْنَ وَلَو أَنَّ ثَوْباً مِنْ ثِيَابِي يَسَعُنِي لَمْ أُكَفَّنْ إلَّا فِيْهِ. أَنْشُدُكُمُ اللهَ: أَنْ لاَ يُكَفِّنَنِي رَجُلٌ مِنْكُم كَانَ أَمِيْراً أَوْ عَرِيْفاً أَوْ بَرِيْداً.
فَكُلُّ القَوْمِ كَانَ نَالَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً إلَّا فَتَىً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ أَنَا صَاحِبُكَ ثَوْبَانِ فِي عَيْبَتِي2 مِنْ غَزْلِ أُمِّي وَأَحَدُ ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَيَّ.
قَالَ: أَنْتَ صَاحِبِي فَكَفِّنِّي3.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الأَشْتَرِ، عَنْ أَبِيْهِ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَ أَبَا ذَرٍّ المَوْتُ بَكَتِ امْرَأَتُهُ فَذَكَرَهُ وَزَادَ فَكَفَّنَهُ الأَنْصَارِيُّ فِي النَّفَرِ الَّذِيْنَ شَهِدُوْهُ مِنْهُم: حُجْرُ بنُ الأَدْبَرِ وَمَالِكُ بنُ الأَشْتَرِ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا بُرَيْدَةُ بنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ قَالَ: لَمَّا نَفَى عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ وَأَصَابَهُ بِهَا قَدَرُهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا امْرَأَتُهُ وَغُلاَمُهُ فَأَوْصَاهُمَا: أَنِ اغْسِلاَنِي وَكَفِّنَانِي وَضَعَانِي عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيْقِ فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّ بِكُمْ قُوْلُوا: هَذَا أَبُو ذَرٍّ فَأَعِيْنُوْنَا عَلَيْهِ.
فَوَضَعَاهُ وَأَقْبَلَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ فِي رَهْطٍ مِنَ العِرَاقِ عمارًا فلم
__________
1 تخب: تسرع. والرخم، جمع رخمة. وهو نوع من الطيور، معروف، واحدته رخمة. وهو موصوف بالغدر والموق. وقيل بالقذر. وهو أبقع على شكل النسر خلقة إلا زنة مبقع بسواد وبياض يقال الأنوق.
2 العيبة: وعاء من أدم، يكون فيها المتاع والثياب والجمع عياب وعيب.
3 أخرجه ابن سعد "4/ 232"، وأحمد "5/ 166".(3/388)
يَرُعْهُمْ إلَّا بِهِ قَدْ كَادَتِ الإِبِلُ أَنْ تَطَأَهُ فَقَامَ الغُلاَمُ فَقَالَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَاسْتَهَلَّ عَبْدُ اللهِ يَبْكِي وَيَقُوْلُ: صَدَقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تمشي وَحْدَكَ، وَتَمُوْتُ وَحْدَكَ، وَتُبْعَثُ وَحْدَكَ".
ثُمَّ نَزَلُوا فَوَارَوْهُ ثُمَّ حَدَّثَهُمْ عَبْدُ اللهِ حَدِيْثَهُ وَمَا قَالَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَسِيْرِهِ وَحْدَهُ إِلَى تَبُوْكٍ1.
وَعَنْ عِيْسَى بنِ عُمَيْلَةَ: أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى أَبَا ذَرٍّ يَحْلُبُ غُنَيْمَةً لَهُ فَيَبْدَأُ بِجِيْرَانِهِ وَأَضْيَافِهِ قبل نفسه.
عاصم الأحول: عن أبي عصمان النَّهْدِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ يَمِيْدُ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ مَطْلِعَ الشَّمْسِ فَظَنَنْتُهُ نَائِماً فَدَنَوْتُ وَقُلْتُ: أَنَائِمٌ أَنْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ? قال: لا بل كنت أصلي.
__________
1 ضعيف: وتقدم كلامنا عليه بتعليق رقم "798".(3/389)
107- العَبَّاسُ عَمُّ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1 "ع":
قِيْلَ: إِنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ الهِجْرَةِ وَكَتَمَ إِسْلاَمَهُ وَخَرَجَ مَعَ قَوْمِهِ إِلَى بَدْرٍ فَأُسِرَ يَوْمَئِذٍ فَادَّعَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ. فَاللهُ أَعْلَمُ.
وَلَيْسَ هُوَ فِي عِدَادِ الطُّلَقَاءِ فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ قَدِمَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ الفَتْحِ إلَّا تَرَاهُ أَجَارَ أَبَا سُفْيَانَ بنَ حَرْبٍ.
وَلَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ مِنْهَا خَمْسَةٌ وَثَلاَثُوْنَ فِي مُسْنَدِ بَقِيٍّ وَفِي "البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ" حَدِيْثٌ وَفِي "البُخَارِيِّ" حَدِيْثٌ وَفِي "مُسْلِمٍ" ثَلاَثَةُ أَحَادِيْثَ.
رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ: عَبْدُ اللهِ وَكَثِيْرٌ وَالأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ وَعَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ وَجَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ وَأُمُّ كُلْثُوْمٍ بِنْتُ العَبَّاسِ وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَمِيْرَةَ وَعَامِرُ بنُ سَعْدٍ وَإِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نَوْفَلٍ وَمَالِكُ بنُ أَوْسِ بنِ الحَدَثَانِ وَنَافِعُ بنُ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ وَابْنُهُ عبيد الله بن العباس وآخرون.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 5-33"، وتاريخ خليفة "168"، والتاريخ الكبير "4/ ق1/ 2"، والجرح والتعديل "3/ ق1/ 210"، والإصابة "2/ ترجمة 4507".(3/389)
وَقَدِمَ الشَّامَ مَعَ عُمَرَ.
فَعَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ لَمَّا دَنَا مِنَ الشَّامِ تَنَحَّى وَمَعَهُ غُلاَمُهُ فَعَمَدَ إِلَى مَرْكَبِ غُلاَمِهِ فَرَكِبَهُ وَعَلَيْهِ فَرْوٌ مَقْلُوْبٌ وَحَوَّلَ غُلاَمَهُ عَلَى رَحْلِ نَفْسِهِ.
وَإِنَّ العَبَّاسَ لَبَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى فَرَسٍ عَتِيْقٍ وَكَانَ رَجُلاً جَمِيْلاً فَجَعَلتِ البَطَارِقَةُ يُسَلِّمُوْنَ عَلَيْهِ فَيُشِيْرُ لَسْتُ بِهِ وَإِنَّهُ ذَاكَ.
قَالَ الكَلْبِيُّ: كَانَ العَبَّاسُ شَرِيْفاً مَهِيْباً عَاقِلاً جَمِيْلاً أَبْيَضَ بَضّاً لَهُ ضَفِيْرَتَانِ مُعْتَدِلَ القَامَةِ.
وُلِدَ قَبْلَ عَامِ الفِيْلِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ.
قُلْتُ: بَلْ كَانَ مِنْ أَطْوَلِ الرِّجَالِ وَأَحْسَنِهِمْ صُوْرَةً وأبهاهم وَأَجْهَرِهِمْ صَوْتاً مَعَ الحِلْمِ الوَافِرِ وَالسُّؤْدُدِ.
رَوَى مُغِيْرَةُ، عَنْ أَبِي رَزِيْنٍ قَالَ: قِيْلَ لِلعَبَّاسِ: أَنْتَ أَكْبَرُ أَوِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: هُوَ أَكْبَرُ وَأَنَا وُلِدْتُ قَبْلَهُ.
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ لِلعَبَّاسِ ثَوْبٌ لِعَارِي بَنِي هَاشِمٍ وَجَفْنَةٌ لِجَائِعِهِمْ وَمَنْظَرَةٌ1 لِجَاهِلِهِمْ. وَكَانَ يَمْنَعُ الجَارَ وَيَبْذُلُ المَالَ وَيُعْطِي فِي النَّوَائِبِ.
وَنَدِيْمُهُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَبُو سُفْيَانَ بنُ حَرْبٍ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيْبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بنِ الحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ العَبَّاسُ قَدْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة.
إِسْنَادُهُ وَاهٍ. عَنْ عُمَارَةَ بنِ عَمَّارِ بنِ أَبِي اليَسَرِ السَّلَمِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: نَظَرْتُ إِلَى العَبَّاسِ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ وَاقِفٌ كَأَنَّهُ صَنَمٌ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ.
فَقُلْتُ: جَزَاكَ اللهُ مِنْ ذِي رَحِمٍ شَرّاً أَتُقَاتِلُ ابْنَ أخيك مع عدوه?
__________
1 المنظرة: المرقبة كما قال الجوهري.(3/390)
قَالَ: مَا فَعَلَ، أَقُتِلَ؟ قُلْتُ: اللهُ أَعَزُّ لَهُ وَأَنْصَرُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: مَا تُرِيْدُ إِلَيَّ? قُلْتُ: الأَسْرُ فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى، عَنْ قَتْلِكَ قَالَ: لَيْسَتْ بِأَوَّلِ صِلَتِهِ فَأَسَرْتُهُ ثُمَّ جِئْتُ بِهِ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِالعَبَّاسِ قَدْ أَسَرَهُ فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا أَسَرَنِي فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَقَدْ آزَرَكَ اللهُ بِمَلَكٍ كَرِيْمٍ".
ابْنُ إِسْحَاقَ عَمَّنْ سَمِعَ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَسَرَ العَبَّاسَ أَبُو اليَسَرِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَيْفَ أَسَرْتَهُ"؟ قَالَ: لَقَدْ أَعَانَنِي عَلَيْهِ رَجُلٌ مَا رَأَيْتُهُ قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ هَيْئَتُهُ كَذَا. قَالَ: "لَقَدْ أَعَانَكَ عَلَيْهِ مَلَكٌ كَرِيْمٌ".
ثُمَّ قَالَ لِلعَبَّاسِ: افْدِ نَفْسَكَ وَابْنَ أَخِيْكَ عَقِيْلاً وَنَوْفَلَ بنَ الحَارِثِ وَحَلِيْفَكَ عُتْبَةَ بنَ جَحْدَمٍ. فَأَبَى وَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ مُسْلِماً قَبْلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا اسْتَكْرَهُوْنِي. قَالَ: "اللهُ أَعْلَمُ بِشَأْنِكَ إِنْ يَكُ مَا تَدَّعِي حَقّاً فَاللهُ يَجْزِيْكَ بِذَلِكَ وَأَمَّا ظَاهِرُ أَمْرِكَ فَقَدْ كَانَ عَلَيْنَا فَافْدِ نَفْسَكَ".
وَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ عَرَفَ أَنَّ العَبَّاسَ أَخَذَ مَعَهُ عِشْرِيْنَ أُوْقِيَّةً ذَهَباً فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ احْسُبْهَا لِي مِنْ فِدَائِي. قَالَ: "لاَ، ذَاكَ شَيْءٌ أَعْطَانَا اللهُ مِنْكَ" قَالَ: فَإِنَّهُ لَيْسَ لِي مَالٌ قَالَ: "فَأَيْنَ المَالُ الَّذِي وَضَعْتَهُ بِمَكَّةَ عِنْدَ أُمِّ الفَضْلِ وَلَيْسَ مَعَكُمَا أَحَدٌ غَيْرَكُمَا فَقُلْتَ: إِنْ أُصِبْتُ فِي سَفَرِي فَلِلْفَضْلِ كَذَا لِقُثَمَ كَذَا وَلعَبْدِ اللهِ كَذَا".
قَالَ: فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا عَلِمَ بِهَذَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ غَيَرَهَا وَإِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ.
يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عبيد الله ابن العَبَّاسِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَعَثَتْ قُرَيْشٌ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ. فَفَدَى كُلُّ قَوْمٍ أَسِيْرَهُمْ بِمَا تَرَاضَوْا. وَقَالَ العَبَّاسُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ إِنِّي كُنْتُ مُسْلِماً.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَأُنزِلَتْ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُم} 1 [الأنفال: 70] .
__________
1 الأساري هي قراءة أبي عمرو. وقد كان أهل الشام يقرءون بهذه القراءة في عصر الحافظ الذهبي -رحمه الله- مؤلف "السير".(3/391)
قَالَ: فَأَعْطَانِي اللهُ مَكَانَ العِشْرِيْنَ أُوْقِيَّةً فِي الإسلام عشرين عبدا كُلُّهُمْ فِي يَدِهِ مَالٌ يَضْرِبُ بِهِ مَعَ مَا أَرْجُو مِنْ مَغْفِرَةِ اللهِ تَعَالَى.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ أَكْثَرُ الأُسَارَى فِدَاءً يَوْمَ بدر العباس افتدى نفسه بمئة أُوْقِيَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمْسَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالأُسَارَى فِي الوَثَاقِ فَبَاتَ سَاهِراً أَوَّلَ اللَّيْلِ فقيل: يا رسول الله مالك لاَ تَنَامُ قَالَ: "سَمِعْتُ أَنِيْنَ عَمِّي فِي وَثَاقِهِ". فَأَطْلَقُوهُ فَسَكَتَ فَنَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أَسَرَ العَبَّاسَ رَجُلٌ وَوَعَدُوْهُ أَنْ يقتلوه فقال رسول الله: "إِنِّي لَمْ أَنَمِ اللَّيْلَةَ مِنْ أَجْلِ العَبَّاسِ زَعَمَتِ الأَنْصَارُ أَنَّهُمْ قَاتِلُوْهُ". فَقَالَ عُمَرُ: أَآتِيْهِمْ يَا رَسُوْلَ اللهِ? فَأَتَى الأَنْصَارَ فَقَالَ: أَرْسِلُوا العباس قالوا: إن كان لرسول الله رضا فَخُذْهُ.
سِمَاكٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْ بَدْرٍ عَلَيْكَ بِالْعِيْرِ لَيْسَ دُوْنَهَا شَيْءٌ. فَقَالَ العَبَّاسُ وَهُوَ فِي وَثَاقِهِ: لاَ يَصْلُحُ. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لِمَ"؟ قَالَ: لأَنَّ اللهَ وَعَدَكَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ فَقَدْ أَعْطَاكَ مَا وَعَدَكَ.
هَكَذَا رَوَاهُ إِسْرَائِيْلُ. وَرَوَاهُ عَمْرُو بنُ ثَابِتٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عكرمة مرسلًا.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ بَدْرٍ اسْتَأْذَنَهُ العَبَّاسُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى يُهَاجِرَ مِنْهَا. فَقَالَ: "اطْمَئِنَّ يَا عَمُّ فَإِنَّكَ خاتم المهاجرين كما أنا خاتم النبيين"1.
__________
1 منكر: أخرجه الطبراني في "الكبير" "6/ 5828"، وأبو يعلى "5/ 2646" وابن عدي في "الكامل" "1/ 103"، وابن حبان في "المجروحين" "1/ 128" من طريق إِسْمَاعِيْلُ بنُ قَيْسِ بنِ سَعْدِ بنِ زَيْدِ بنِ ثابت، به، وقال ابن عدي في إثره: "وهذا الحديث في فضل العباس ليس يرويه عن أبي حازم غير إسماعيل بن قيس هذا"، وذكره الهيثمي في "المجمع" "9/ 268-269" وقال: "وفيه أبو مصعب إسماعيل بن قيس، وهو متروك".
قلت: إسناده ضعيف جدا، فيه إِسْمَاعِيْلُ بنُ قَيْسِ بنِ سَعْدِ بنِ زَيْدِ بنِ ثابت، قال فيه البخاري والدارقطني: منكر الحديث. وأبو حازم هو سلمة بن دينار الأعرج المدني، ثقة عابد، من الخامسة، روى له الجماعة، وقد ذكرت الحديث في كتابنا "الأرائك المصنوعة في الأحاديث الضعيفة والموضوعة" ط. مكتبة الدعوة بالأزهر "حديث رقم 62" فراجعه ثم تفد خيرا وعلما جما ذلك من فضل الله علينا نتحدث به إلا من باب المفاخرة ولكن من باب التحدث بالنعم لشكرها كما قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] ، فالحمد لله على نعمة العلم التي من الله بها علينا حمدا كثيرا طيبا ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء من شيء بعد.(3/392)
إِسْنَادُهُ وَاهٍ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالشَّاشِيُّ1 فِي "مُسْنَدَيْهِمَا". وَيُرْوَى نَحْوُهُ مِنْ مَرَاسِيْلِ الزُّهْرِيِّ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: الطَّبَقَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَشْهَدْ بَدْراً: فَبَدَأَ بِالعَبَّاسِ قَالَ: وَأُمُّهُ نُتَيْلَةُ بِنْتُ جَنَابِ بنِ كُلَيْبٍ. وَسَرَدَ نَسَبَهَا إِلَى رَبِيْعَةَ بنِ نِزَارِ بنِ مَعَدٍّ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وُلِدَ أَبِي قَبْلَ أَصْحَابِ الفِيْلِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ.
وَبَنُوْهُ: الفَضْلُ وَهُوَ أَكْبَرُهُمْ وَعَبْدُ اللهِ البَحْرُ وَعُبَيْدُ اللهِ وَقُثَمُ وَلَمْ يُعْقِبْ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ تُوُفِّيَ بِالشَّامِ وَلَمْ يُعْقِبْ وَمَعَبْدٌ اسْتُشْهِدَ بِإِفْرِيْقِيَةَ وَأَمُّ حَبِيْبٍ وَأُمُّهُمْ أُمُّ الفَضْلِ لُبَابَةُ الهِلاَلِيَّةُ وَفِيْهَا يَقُوْلُ ابْنُ يَزِيْدَ الهلالي:
مَا وَلَدَتْ نَجِيْبَةٌ مِنْ فَحْلِ ... بِجَبَلٍ نَعْلَمُهُ أَوْ سَهْلِ
كَسِتَّةٍ مِنْ بَطْنِ أُمِّ الفَضْلِ ... أَكْرِمْ بِهَا مِنْ كَهْلَةٍ وَكَهْلِ
قَالَ الكَلْبِيُّ: مَا رَأَيْنَا وَلَدَ أُمٍّ قَطُّ أَبْعَدَ قُبُوْراً مِنْ بَنِي العَبَّاسِ.
وَمِنْ أَوْلاَدِ العَبَّاسِ: كَثِيْرٌ وَكَانَ فَقِيْهاً وَتَمَّامٌ وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ قُرَيْشٍ وَأُمَيْمَةُ وَأُمُّهُمْ أُمُّ وَلَدٍ وَالحَارِثُ بنُ العَبَّاسِ وَأُمُّهُ حُجَيْلَةُ بِنْتُ جُنْدَبٍ التَّمِيْمِيَّةُ.
فَعِدَّتُهُمْ عَشْرَةٌ.
الوَاقِدِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ الهُذَلِيُّ، عَنْ أَبِي البَدَّاحِ بنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُوَيْمِ بنِ سَاعِدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقِيْلَ هُوَ فِي مَنْزِلِ العَبَّاسِ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَسَلَّمْنَا وَقُلْنَا: مَتَى نَلْتَقِي فَقَالَ العَبَّاسُ: إِنَّ مَعَكُمْ مِنْ قَوْمِكُمْ مَنْ هُوَ مُخَالِفٌ لَكُمْ فَأَخْفُوا أَمْرَكُمْ حَتَّى يَنْصَدِعَ هَذَا الحَاجُّ وَنَلْتَقِيَ نَحْنُ وَأَنْتُمْ فَنُوْضِحُ لَكُمُ الأَمْرَ فَتَدْخُلُوْنَ عَلَى أَمْرٍ بَيِّنٍ. فَوَعَدَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ النَّفْرِ الآخِرِ بِأَسْفَلِ العَقَبَةِ وَأَمَرَهُمْ إلَّا ينبهوا نائمًا ولا ينتظروا غائبًا.
__________
1 سبق تعريفنا به، وهو الهيثم بن كليب بن شريح الشاشي، مؤلف "المسند الكبير".(3/393)
وَعَنْ مُعَاذِ بنِ رِفَاعَةَ، قَالَ: فَخَرَجُوْا بَعْدَ هَدْأَةٍ يَتَسَلَّلُوْنَ وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى ذَلِكَ المَكَانِ مَعَهُ عَمُّهُ العَبَّاسُ وَحْدَهُ.
قَالَ: فَأَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ هُوَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الخَزْرَجِ قَدْ دَعَوْتُمْ مُحَمَّداً إِلَى مَا دَعَوْتُمُوْهُ وَهُوَ مِنْ أَعَزِّ النَّاسِ فِي عَشِيْرَتِهِ يَمْنَعُهُ وَاللهِ مَنْ كان منا على قَوْلِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ وَقَدْ أَبَى مُحَمَّداً النَّاسُ كُلُّهُمْ غَيْرَكُمْ فَإِنْ كُنْتُمْ أَهْلَ قُوَّةٍ وَجَلَدٍ وَبَصَرٍ بِالحَرْبِ وَاسْتِقْلاَلٍ بِعَدَاوَةِ العَرَبِ قَاطِبَةً فإنها سترميكم، عن قوس واحدة فارتئوا رَأْيَكُمْ وَائْتَمِرُوا أَمْرَكُمْ فَإِنَّ أَحْسَنَ الحَدِيْثِ أَصْدَقُهُ فَأُسْكِتُوا. وَتَكَلَّمَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ حَرَامٍ فَقَالَ: نَحْنُ أَهْلُ الحَرْبِ وَرِثْنَاهَا كَابِراً، عَنْ كَابِرٍ. نَرْمِي بِالنَّبْلِ حَتَّى تَفْنَى ثُمَّ نُطَاعِنُ بِالرِّمَاحِ حَتَّى تَكَسَّرَ ثُمَّ نَمْشِي بِالسُّيُوْفِ حَتَّى يَمُوْتَ الأَعْجَلُ مِنَّا.
قَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابُ حَرْبٍ هَلْ فِيْكُمْ دُرُوْعٌ قَالُوا: نَعَمْ شَامِلَةٌ.
وَقَالَ البَرَاءُ بنُ مَعْرُوْرٍ: قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلْتَ إِنَّا وَاللهِ لَوْ كَانَ فِي أَنْفُسِنَا غَيْرُ مَا نَقُوْلُ لَقُلْنَا وَلَكِنَّا نُرِيْدُ الوَفَاءَ وَالصِّدْقَ وَبَذْلَ المُهَجِ دُوْنَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَبَايَعَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالعَبَّاسُ آخِذٌ بِيَدِهِ يُؤَكِّدُ لَهُ البَيْعَةَ.
زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالعَبَّاسِ وَكَانَ العَبَّاسُ ذَا رَأْيٍ فَقَالَ العَبَّاسُ لِلسَّبْعِيْنَ: لِيَتَكَلَّمْ مُتَكَلِّمُكُم وَلاَ يُطِلِ الخُطْبَةَ فَإِنَّ عَلَيْكُم عَيْناً.
فَقَالَ أَسْعَدُ بنُ زُرَارَةَ: سَلْ لِرَبِّكَ مَا شِئْتَ وَسَلْ لِنَفْسِكَ وَلأَصْحَابِكَ ثُمَّ، أَخْبِرْنَا بِمَا لَنَا عَلَى اللهِ وَعَلَيْكُم.
قَالَ: "أَسْأَلُكُم لِرَبِّي أَنْ تَعْبُدُوْهُ لاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَأَسْأَلُكُم لِنَفْسِي وَأَصْحَابِي أَنْ تُؤْوُوْنَا وَتَنْصُرُوْنَا وَتَمْنَعُوْنَا مِمَّا تَمْنَعُوْنَ منه أنفسكم".
قالوا: فمالنا إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ قَالَ: "الجَنَّةُ". قَالَ: فَلَكَ ذَلِكَ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو رَافِعٍ: كُنْتُ غُلاَماً لِلعَبَّاسِ وَكَانَ الإِسْلاَمُ قَدْ دَخَلَنَا فَأَسْلَمَ العَبَّاسُ وَكَانَ يَهَابُ قَوْمَهُ فَكَانَ يَكْتُمُ إِسْلاَمَهُ فَخَرَجَ إِلَى بَدْرٍ وَهُوَ كَذَلِكَ.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَعَبْدِ بنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جَدَّهُ عَبَّاساً قَدِمَ هُوَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فَقَسَمَ لَهُمَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي خَيْبَرَ.(3/394)
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: فَقَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ: هَذَا وَهْمٌ بَلْ كَانَ العَبَّاسُ بِمَكَّةَ إِذْ قَدِمَ الحَجَّاجُ بنُ عِلاَطٍ فَأَخْبَرَ قُرِيشاً، عَنْ نَبِيِّ اللهِ بِمَا أَحَبُّوا وَسَاءَ العَبَّاسَ حَتَّى أَتَاهُ الحَجَّاجُ فَأَخْبَرَهُ بِفَتْحِ خَيْبَرَ فَفَرِحَ. ثُمَّ خَرَجَ العَبَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فأطعمه بخيبر مئتي وَسْقٍ كُلَّ سَنَةٍ ثُمَّ خَرَجَ مَعَهُ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ.
يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ، عَنِ المُطَّلِبِ بنِ رَبِيْعَةَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا بَالُ رِجَالٍ يُؤْذُوْنَنِي فِي العَبَّاسِ وَإِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيْهِ مَنْ آذى العباس فقد آذاني" 1.
وَرَوَاهُ خَالِدٌ الطَّحَّانُ، عَنْ يَزِيْدَ فَأَسْقَطَ المُطَّلِبَ.
__________
1 حسن: أخرجه الترمذي "3758" من طريق أبي عوانة، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن الحارث، حدثني المطلب بنِ رَبِيْعَةَ بنِ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ أن العباس بن عبد المطلب دَخَلَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مغضبا وأنا عنده فقال: ما أغضبك؟ قال: يا رسول الله ما لنا ولقريش إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة وإذا لقونا لقونا بغير ذلك، قال: فَغَضبَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى احمر وجهه ثم قال: "والذي نفسي بيده لاَ يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الإِيْمَانُ حَتَّى يُحِبَّكُمْ لله ورسوله". ثم قال: "يا أيها الناس، من آذي عمي فقد آذاني، فإنما عم الرجل صنو أبيه".
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه أحمد "4/ 165" من طريق يزيد يعني ابن عطاء، عن يزيد يعني ابن أبي زياد، به مرفوعا. وأخرجه أحمد "1/ 208"، والحاكم "3/ 333" من طريق جرير بن عبد الحميد أبي عبد الله، عن يزيد بن زياد، به مرفوعا. لكن هذا إسناد ضعيف لأجل يزيد بن أبي زياد هذا قال الحافظ في "التقريب" ضعيف كبر فتغير صار يتلقن.
وللحديث شاهد أخرجه ابن ماجه "140" في المقدمة من طريق محمد بن طريف، حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا الأعمش، عن أبي سبرة النخعي، عن محمد بن كعب القرظي، عن العباس بن عبد المطلب قال: كنا نلقى النفر من قريش، وهم يتحدثون فيقطعون حديثهم فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بال أقوم يتحدثون فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم، والله لا يدخل قلب رجل الإيمان حتي يحبهم لله ولقرابتهم مني".
قلت: وهذا إسناد ضعيف، محمد بن كعب القرظي روايته عن العباس بن عبد المطلب قيل إنها مرسلة، وعلى فرض أنه قد سمع منه، فإن في هذا الإسناد أبا سبرة النخعي قال الحافظ في "التقريب" مقبول -أي عند المتابعة- فالحديث حسن بهذا الشاهد وقد تكلمت على هذا الحديث بإسهاب في تخريجنا وتعليقنا على كتاب "مكان رأس الحسين" لشيخ الإسلام ابن تيمية ط. دار الجبل - بيروت "ص21-22" فراجعه ثم إن شئت.(3/395)
وَثَبَتَ أَنَّ العَبَّاسَ كَانَ يَوْمَ حُنِيْنٍ وَقْتَ الهَزِيْمَةِ آخِذاً بِلِجَامِ بَغْلَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَثَبَتَ مَعَهُ حَتَّى نَزَلَ النَّصْرُ1.
الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سَبْرَةَ النَّخَعِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنِ العَبَّاسِ قَالَ: كُنَّا نَلْقَى النَّفَرَ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُمْ يَتَحَدَّثُوْنَ فَيَقْطَعُوْنَ حَدِيْثَهُمْ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "وَاللهِ لاَ يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الإِيْمَانُ حَتَّى يُحِبَّكُمْ للهِ وَلِقَرَابَتِي" 2.
إِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ.
إِسْرَائِيْلُ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ وَقَعَ فِي أَبٍ لِلْعَبَّاسِ كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ فَلَطَمَهُ العَبَّاسُ فَجَاءَ قَوْمُهُ فَقَالُوا: وَاللهِ لَنَلْطِمَنَّهُ كَمَا لَطَمَهُ فَلَبِسُوا السِّلاَحَ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَعِدَ المِنْبَرَ فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ أَهْلِ الأَرْضِ أَكْرَمُ عَلَى اللهِ? قَالُوا: أَنْتَ. قَالَ: "فَإِنَّ العَبَّاسَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ لاَ تَسُبُّوا أَمْوَاتَنَا فَتُؤْذُوا أَحْيَاءنَا".
فَجَاءَ القَوْمُ فَقَالُوا: نَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ غَضَبِكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"3.
ثَوْرٌ، عَنْ مَكْحُوْلٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَعَلَ عَلَى العَبَّاسِ وولده
__________
1 صحيح: أخرجه عبد الرزاق "9741"، وابن سعد "4/ 18-19"، وأحمد "1/ 207"، ومسلم "1775" والنسائي في "الكبرى" "8647" و"8653"، والحاكم "3/ 327-328"، وأبو يعلى "6708"، وابن جرير "10/ 101-102"، والبيهقي في "دلائل النبوة" "5/ 137-139" من طرق عن الزهري، أخبرني كثير بن عباس بن عبد المطلب، عن أبيه العباس، به في حديث طويل.
2 حسن لغيره: أخرجه ابن ماجه "140" من طريق الأعمش به.
قلت: إسناده ضعيف للانقطاع بين محمد بن كعب القرظي والعباس بن عبد المطلب. وفيه أبو سبرة النخعي مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول.
وقد خرجت الحديث بإسهاب في تعليقنا وتخريجنا قبل السابق فراجعه.
3 ضعيف: أخرجه أحمد "1/ 300"، وابن سعد "4/ 23-24 و24"، ويعقوب بن سفيان الفسوي في "المعرفة والتاريخ" "1/ 499-500"، والترمذي "3759"، والنسائي "8/ 33"، وفي "الكبرى" "8173"، والحاكم "3/ 325 و329" من طرق عن إسرائيل، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته عبد الأعلى، وهو ابن عامر الثعلبي، ضعيف بالاتفاق.(3/396)
كِسَاءً ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْعَبَّاسِ وَوَلَدِهِ مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنبا اللهم اخْلُفْهُ فِي وَلَدِهِ"1.
إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ قَيْسِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي القَيْظِ فَقَامَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَامَ العَبَّاسُ يَسْتُرُهُ بِكِسَاءٍ مِنْ صُوْفٍ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اسْتُرِ العَبَّاسَ وَوَلَدَهُ مِنَ النَّارِ". لَهُ طُرُقٌ وَإِسْمَاعِيْلُ ضُعِّفَ2.
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ قَالَ: بَعَثَ ابْنُ الحَضْرَمِيِّ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَالٍ ثَمَانِيْنَ أَلْفاً مِنَ البَحْرَيْنِ فَنُثِرَتْ عَلَى حَصِيْرٍ فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَقَفَ وَجَاءَ النَّاسُ فَمَا كَانَ يَوْمَئِذٍ عَدَدٌ وَلاَ وَزْنٌ مَا كَانَ إلَّا قَبْضاً.
فَجَاءَ العَبَّاسُ بِخَمِيْصَةٍ عَلَيْهِ فَأَخَذَ فَذَهَبَ يَقُوْمُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: ارْفَعْ عَلَيَّ فَتَبَسَّمَ رَسُوْلُ اللهِ حَتَّى خَرَجَ ضَاحِكُهُ أَوْ نَابُهُ فَقَالَ: "أَعِدْ فِي المَالِ طَائِفَةً وَقُمْ بِمَا تُطِيْقُ". فَفَعَلَ.
قَالَ: فَجَعَلَ العَبَّاسُ يَقُوْلُ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ أما إحدى اللتين وعدنا الله فَقَدْ أَنْجَزَهَا يَعْنِي قَوْلَهُ: {قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُم} [الأَنْفَالُ: 70] . فَهَذَا خَيْرٌ مِمَّا أُخِذَ مِنِّي. وَلاَ أَدْرِي مَا يُصْنَعُ فِي الآخِرَةِ.
__________
1 ضعيف: أخرجه الترمذي "3762" من طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن ثور بن يزيد، به.
وقال الترمذي: في إثره: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه".
قلت: إسناده ضعيف، فيه عبد الوهاب بن عطاء الخفاف البصري، مدلس يدلس عن ثور الحمص وأقوام مناكير، وقد عنعنه. وقد قال الحافظ في "التقريب" صدوق ربما أخطأ، أنكروا عليه حديث في فضل العباس يقال دلسه عن ثور. وقد أخطأ الشيخ الألباني -رحمه الله- في تجويد إسناده في "مشكاة المصابيح" "3/ 6149" وفي العلة المذكورة، ونوه بها الحافظ في "التقريب".
وقد وقفت له على شاهد عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لعمه العباس أنا خاتم النبيين ثم رفع يديه وقال:
"اللهم اغفر للعباس وأبناء العباس وأبناء أبناء العباس".
وأورده الحافظ الهيثمي في "المجمع" "9/ 269" وقال: رواه الطبراني عن شيخه عبد الرحمن بن حاتم المرادي، وهو متروك.
2 منكر: أخرجه الحاكم "3/ 326" من طريق إبراهيم بن حمزة الزبيري، حدثنا إِسْمَاعِيْلُ بنُ قَيْسِ بنِ سَعْدِ بنِ زَيْدِ بنِ ثابت، به.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد "! " ورده الحافظ الذهبي في "التلخيص" بقوله: "قلت: إسماعيل ضعفوه".
قلت: إسناده واه، إِسْمَاعِيْلُ بنُ قَيْسِ بنِ سَعْدِ بنِ زَيْدِ بنِ ثابت، قال البخاري والدارقطني: منكر الحديث. وقال النسائي وغيره: ضعيف.(3/397)
أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ سَاعِياً فَمُنِعَ ابْنُ جميل وخالد والعباس. فقال رسول الله: "مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيْلٍ إلَّا أَنْ كَانَ فَقِيْراً فَأَغْنَاهُ اللهُ وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُوْنَ خَالِداً إِنَّهُ قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ وَأَمَّا العَبَّاسُ فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا".
ثُمَّ قَالَ: "أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيْهِ".
الأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ: أَمَا تَذْكُرُ إِذْ شَكَوْتَ العَبَّاسَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيْهِ" 1.
حُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ ضُمَيْرَةَ، عَنْ أبيه، عَنْ جدِّه، عَنْ عَلِيّ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ قَالَ: "اسْتَوْصُوا بِالعَبَّاسِ خَيْراً فَإِنَّهُ عَمِّي وَصِنْوُ أَبِي". إِسْنَادُهُ وَاهٍ2.
مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ التَّيْمِيُّ: عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ بنِ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ سَعْدٍ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي نَقِيْعِ الخَيْلِ3 فَأَقْبَلَ العَبَّاسُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَذَا العَبَّاسُ عَمُّ نَبِيِّكُم أَجْوَدُ قُرَيْشٍ كَفّاً وَأَوْصَلُهَا". رَوَاهُ عِدَّةٌ عَنْهُ.
وَثَبَتَ مِنْ حَدِيْثِ أَنَسٍ: أَنَّ عُمَرَ اسْتَسْقَى فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا إِذَا قَحَطْنَا عَلَى عَهْدِ نَبِيِّكَ تَوَسَّلْنَا بِهِ وَإِنَا نَسْتَسْقِي إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّكَ العباس4.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "1468" من طريق شعيب، ومسلم "983" من طريق ورقاء كلاهما عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هريرة به مرفوعا.
وقوله: " أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيْهِ" في مسلم دون البخاري.
وقوله: "صنو": أي مثل ونظير يعني أنهما من أصل واحد.
2 موضوع: فيه الحسين بن عبد الله بن ضميرة بن أبي ضميرة سعيد الحميري. كذبه مالك. وقال أبو حاتم: متروك الحديث كذاب. وقال أحمد: لا يساوي شيئا.
وقال ابن معين: ليس بثقة ولا مأمون. وقال البخاري: منكر الحديث ضعيف.
3 هو: على عشرين فرسخا من المدينة.
4 صحيح: أخرجه البخاري "1010" من طريق ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس، به.(3/398)
الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنَا سَاعِدَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ دَاوُدَ بنِ عَطَاءٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: اسْتَسْقَى عُمَرُ عَامَ الرَّمَادَةِ بِالعَبَّاسِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَذَا عَمُّ نَبِيِّكَ نَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِهِ فَاسْقِنَا. فَمَا بَرِحُوا حَتَّى سَقَاهُمُ اللهُ. فَخَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ فَقَالَ:
إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَرَى لِلْعَبَّاسِ مَا يَرَى الوَلَدُ لِوَالِدِهِ فَيُعَظِّمُهُ وَيُفَخِّمُهُ وَيَبَرُّ قَسَمَهُ فَاقْتَدُوا أَيَّهَا النَّاسِ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي عَمِّهِ العَبَّاسِ وَاتَّخِذُوْهُ وَسِيْلَةً إِلَى اللهِ فِيْمَا نَزَلَ بِكُم.
وَقَعَ لَنَا عَالِياً فِي "جُزْءِ البَانِيَاسِيِّ". وَدَاوُدُ ضَعِيْفٌ.
ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يجل أحد مَا يُجِلُّ العَبَّاسَ أَوْ يُكْرِمُ العَبَّاسَ. إِسْنَادُهُ صَالِحٌ.
وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله اتَّخَذَنِي خَلِيْلاً كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيْمَ خَلِيْلاً فَمَنْزِلِي وَمَنْزِلُ إِبْرَاهِيْمَ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي الجَنَّةِ تُجَاهَيْنِ وَالعَبَّاسُ بَيْنَنَا مُؤْمِنٌ بَيْنَ خَلِيْلَيْنِ".
أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَةَ وَهُوَ مَوْضُوْعٌ وَفِي إِسْنَادِهِ: عَبْدُ الوَهَّابِ العُرْضِيُّ الكَذَّابُ.
ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَامِرِيُّ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِلْعَبَّاسِ: "فِيْكُمُ النُّبُوَّةُ وَالمَمْلَكَةُ".
هَذَا فِي جُزْءِ ابْنِ دِيْزِيْلَ وَهُوَ مُنْكَرٌ.
ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ الثِّقَةِ قَالَ: كَانَ العَبَّاسُ إِذَا مَرَّ بِعُمَرَ أَوْ بِعُثْمَانَ وَهُمَا رَاكِبَانِ نَزَلاَ حَتَّى يُجَاوِزَهُمَا إِجْلاَلاً لِعَمِّ رَسُوْلِ اللهِ.
وَرَوَى ثُمَامَةُ، عَنْ أَنَسٍ: قَالَ عُمَرُ اللَّهُمَّ إِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاسقنا. صحيح1.
وَفِي ذَلِكَ يَقُوْلُ عَبَّاسُ بنُ عُتْبَةَ بنِ أَبِي لَهَبٍ:
بِعَمِّي سَقَى اللهُ الحِجَازَ وَأَهْلَهُ ... عَشِيَّةَ يَسْتَسْقِي بِشَيْبَتِهِ عُمُرْ
تَوَجَّهَ بِالعَبَّاسِ فِي الجَدْبِ رَاغِباً ... إِلَيْهِ فَمَا إِنْ رَامَ حَتَّى أَتَى المَطَرْ
وَمِنَّا رَسُوْلُ اللهِ فِيْنَا تُرَاثُهُ ... فهل فوق هذا للمفاخر مفتخر
__________
1 صحيح: راجع تخريجنا السابق.(3/399)
أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ وَعَنْ عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ نُفَيْعٍ. قَالُوا: لَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ وَفُتِحَ عَلَيْهِ الفُتُوْحُ جَاءهُ مَالٌ فَفَضَّلَ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارَ فَفَرَضَ لِمَنْ شَهِدَ بَدْراً خَمْسَةَ آلاَفٍ خَمْسَةَ آلاَفٍ وَلِمَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا وَلَهُ سَابِقَةٌ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ وَفَرَضَ لِلْعَبَّاسِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً.
سُفْيَانُ بنُ حَبِيْبٍ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانَ، عَنْ صُهَيْبٍ مَوْلَى العَبَّاسِ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيّاً يُقَبِّلُ يَدَ العَبَّاسِ وَرِجْلَهُ وَيَقُوْلُ: يَا عَمّ ارْضَ عَنِّي.
إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَصُهَيْبٌ لاَ أَعْرِفُهُ.
عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ مكحول، عن سعيد بن المسيب أنه قَالَ: العَبَّاسُ خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ وَارِثُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَمُّهُ.
سَمِعَهُ مِنْهُ: يَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ. وَهُوَ قَوْلٌ مُنْكَرٌ.
قَالَ الضَّحَّاكُ بنُ عُثْمَانَ الحِزَامِيُّ: كَانَ يَكُوْنُ لِلْعَبَّاسِ الحَاجَةُ إِلَى غِلْمَانِهِ وَهُمْ بِالغَابَةِ فَيَقِفُ عَلَى سَلْعٍ وَذَلِكَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ فَيُنَادِيْهِم فَيُسْمِعُهُم. وَالغَابَةُ نَحْوٌ مِنْ تِسْعَةِ أَمْيَالٍ.
قُلْتُ: كَانَ تَامَّ الشَّكْلِ جَهْوَرِيَّ الصَّوْتِ جِدّاً وَهُوَ الذي أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أَن يَهْتِفَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: يَا أَصْحَابَ الشَّجَرَةِ.
قَالَ القَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ زَبْرٍ: حَدَّثَنَا إسماعيل القاضي، أخبرنا نصر ابن عَلِيٍّ:، أَخْبَرَنَا الأَصْمَعِيُّ قَالَ: كَانَ لِلْعَبَّاسِ رَاعٍ يَرْعَى لَهُ عَلَى مَسِيْرَةِ ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ فَإِذَا أَرَادَ مِنْهُ شَيْئاً صَاحَ بِهِ فَأَسْمَعَهُ حَاجَتَهُ.
لَيْثٌ: حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ، عَنْ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَعْتَقَ العَبَّاسُ عِنْدَ مَوْتِهِ سَبْعِيْنَ مَمْلُوْكاً.
عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ قَالَ: وَبَقِيَ فِي بَيْتِ المَالِ بَقِيَّةٌ فَقَالَ العَبَّاسُ لِعُمَرَ وَلِلنَّاسِ: أَرَأَيْتُم لَوْ كَانَ فِيْكُم عَمُّ موسى أكنتم تكرمونه وَتَعْرِفُوْنَ حَقَّهُ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَأَنَا عَمُّ نَبِيِّكُم أَحَقُّ أَنْ تُكْرِمُوْنِي. فَكَلَّمَ عُمَرُ النَّاسُ فَأَعْطَوْهُ.
قُلْتُ: لَمْ يَزَلِ العَبَّاسُ مُشْفِقاً عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحِبّاً لَهُ صَابِراً عَلَى الأَذَى وَلَمَّا يُسْلِمْ بَعْدُ بِحَيْثُ أَنَّهُ لَيْلَةَ العَقَبَةِ عُرِفَ وَقَامَ مَعَ ابْنِ أَخِيْهِ فِي اللَّيْلِ وَتَوَثَّقَ لَهُ مِنَ السَّبْعِيْنَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى بَدْرٍ مَعَ قَوْمِهِ مُكْرَهاً فَأُسِرَ فَأَبْدَى لَهُم أَنَّهُ كَانَ أَسْلَمَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ. فَمَا أَدْرِي لِمَاذَا أَقَامَ بها؟!(3/400)
ثُمَّ لاَ ذِكْرَ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَلاَ يَوْمَ الخَنْدَقِ وَلاَ خَرَجَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ وَلاَ قَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ فِي ذَلِكَ شَيْئاً فِيْمَا عَلِمْتُ. ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُهَاجِراً قُبَيْلَ فَتْحِ مَكَّةَ فَلَمْ يَتَحَرَّرْ لَنَا قُدُوْمُهُ.
وَقَدْ كَانَ عُمَرُ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ دَاراً بِالثَّمَنِ لِيُدْخِلَهَا فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَامْتَنَعَ حَتَّى تَحَاكَمَا إِلَى أُبِيِّ بنِ كَعْبٍ وَالقِصَّةُ مَشْهُوْرَةٌ ثُمَّ بَذَلَهَا بِلاَ ثَمَنٍ.
وَوَرَدَ أَنَّ عُمَرَ عَمَدَ إِلَى مِيْزَابٍ لِلْعَبَّاسِ عَلَى مَمَرِّ النَّاسِ فَقَلَعَهُ. فَقَالَ لَهُ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الَّذِي وَضَعَهُ فِي مَكَانِهِ. فَأَقْسَمَ عُمَرُ: لَتَصْعَدَنَّ عَلَى ظَهْرِي وَلَتَضَعَنَّهُ مَوْضِعَهُ.
وَيُرْوَى فِي خَبَرٍ مُنْكَرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نظر إلى الثريا ثم قال: "يا عَمّ ليملكنَّ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ عَدَدُ نُجُوْمِهَا".
وَقَدْ عمل الحافظ أبو القاسم بن عَسَاكِرَ تَرْجَمَةَ العَبَّاسِ فِي بِضْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَرَقَةً.
وَقَدْ عَاشَ ثَمَانِياً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً وَمَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ فَصَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ وَدُفِنَ بِالبَقِيْعِ. وَعلَى قَبْرِهِ اليَوْمَ قُبَّةٌ عَظِيْمَةٌ مِنْ بِنَاءِ خُلَفَاءِ آلِ العَبَّاسِ.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ وَغَيْرُهُ: بَلْ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَقَالَ المَدَائِنِيُّ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ.
أَخْبَرَنَا المِقْدَادُ بنُ أَبِي القَاسِمِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ الأَخْضَرِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ البَرْمَكِيُّ حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مَاسِي، أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، أَخْبَرَنَا الأَنْصَارِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي وَخَرَجَ العَبَّاسُ مَعَهُ يَسْتَسْقِي وَيَقُوْلُ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا إِذَا قَحَطْنَا عَلَى عَهْدِ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَوسَّلْنَا إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللَّهُمَّ إِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّكَ1.
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: سُئِلَ العَبَّاسُ أَنْتَ أَكْبَرُ أَمْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هُوَ أَكْبَرُ مِنِّي وَأَنَا أَسَنُّ مِنْهُ مَوْلِدُهُ بَعْدَ عَقْلِي أُتِيَ إِلَى أُمِي فَقِيْلَ لَهَا: وَلَدَتْ آمِنَةُ غُلاَماً فَخَرَجَتْ بِي حِيْنَ أَصْبَحَتْ آخِذَةً بِيَدِي حَتَّى دَخَلْنَا عَلَيْهَا فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَمْصَعُ بِرِجْلَيْهِ فِي عَرَصَتِهِ وجعل النساء يجبذنني عَلَيْهِ وَيَقُلْنَ: قَبِّلْ أَخَاكَ. كَذَا ذَكَرَهُ بِلاَ إِسْنَادٍ.
أَنْبَأَنَا طَائِفَةٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ طَبَرْزَدْ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بِشْرِ بنِ مَطَرٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ سَمِعْتُ العَبَّاسَ يَقُوْلُ: الَّذِي أُمِرَ بِذَبْحِهِ إِبْرَاهِيْمُ: هُوَ إسحاق.
__________
1 صحيح: راجع تخريجنا السابق، وهو في البخاري "1010".(3/401)
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ حُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَسْلَمَ العَبَّاسُ بِمَكَّةَ قَبْلَ بَدْرٍ وَأَسْلَمَتْ أُمُّ الفَضْلِ مَعَهُ حِيْنَئِذٍ وَكَانَ مُقَامُهُ بِمَكَّةَ. إِنَّهُ كَانَ لاَ يَغْبَى عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمكة خَبَرٌ يَكُوْنُ إلَّا كَتَبَ بِهِ إِلَيْهِ. وَكَانَ مَنْ هُنَاكَ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ يَتَقَوَّوْنَ بِهِ وَيَصِيْرُوْنَ إِلَيْهِ وَكَانَ لَهُم عَوْناً عَلَى إِسْلاَمِهِم وَلَقَدْ كَانَ يَطْلُبُ أَن يَقْدَمَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُوْلُ الله: إِنَّ مَقَامَكَ مُجَاهِدٌ حَسَنٌ فَأَقَامَ بِأَمْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1.
إسناده ضعيف. وَلو جَرَى هَذَا لَمَا طَلَبَ مِنَ العَبَّاسِ فِدَاءً يَوْم بَدْرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ إِسْلاَمَهُ كَانَ بَعْدَ بَدْرٍ.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ قَيْسِ بنِ سَعْدِ بنِ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ العَبَّاسُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الهِجْرَةِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: "يَا عَمُّ أَقِمْ مَكَانَكَ فَإِنَّ اللهَ يَخْتِمُ بِكَ الهِجْرَةَ كَمَا خَتَمَ بِيَ النُّبُوَّةَ"2.
إِسْمَاعِيْلُ وَاهٍ.
وَرَوَى عَبْدُ الأَعْلَى الثَّعْلَبِيُّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "العَبَّاسُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ" إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ3.
وَقَدِ اعْتَنَى الحُفَّاظُ بِجَمْعِ فَضَائِلِ العَبَّاسِ رِعَايَةً لِلْخُلَفَاءِ.
وَبِكُلِّ حَالٍ لَوْ كَانَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّنْ يُوْرَثُ لَمَا وَرِثَهُ أَحَدٌ بَعْدَ بِنْتِهِ وَزَوْجَاتِهِ إلَّا العَبَّاسُ.
وَقَدْ صَارَ المُلْكُ فِي ذُرِّيَّةِ العَبَّاسِ وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ وتداوله تسعة وثلاثون خليفة إلى وقتنا هذا وذلك ست مئة عَامٍ أَوَّلُهُمُ السَّفَاحُ وَخَلِيْفَةُ زَمَانِنَا المُسْتَكْفِي لَهُ الاسْمُ المِنْبَرِيُّ وَالعَقْدُ وَالحَلُّ بِيَدِ السُّلْطَانِ المَلِكِ النَّاصِرِ أَيَّدَهُمَا اللهُ.
وَإِذَا اقْتَصَرْنَا مِنْ مَنَاقِبِ عَمِّ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى هذه النبذة فلنذكر وفاته:
__________
1 موضوع: إسناده ظلمات بعضها فوق بعض فيه ثلاث علل متتالية: الأولى: الواقدي، وهو متروك.
الثانية: ابن أبي سبرة، وهو أَبُو بَكْرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي سَبْرَةَ رُمي بالوضع.
الثالثة: حسين بن عبد الله، ضعيف.
2 منكر: فيه إسماعيل بن قيس، وهو منكر الحديث كما قال البخاري والدارقطني وهذا الحديث من جملة منكراته وقد بينا ذلك قريبا، فقد مر الحديث بنحوه برقم "836".
3 ضعيف: مر تخريجنا له قريبا برقم "841" وفيه عبد الأعلى الثعلبي وهو ضعيف بالاتفاق.(3/402)
كَانَتْ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ مِنَ الهِجْرَةِ وَلَهُ سِتٌّ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً وَلَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ هَذِهِ السِّنَّ مِنْ أَوْلاَدِهِ وَلاَ أَوْلاَدِهِمْ وَلاَ ذُرِّيَّتِهِ الخُلَفَاءِ وَلَهُ قُبَّةٌ عَظِيْمَةٌ شَاهِقَةٌ عَلَى قَبْرِهِ بِالبَقِيْعِ.
وَسَنَذْكُرُ وَلَدَهُ عَبْدَ اللهِ بنَ العَبَّاسِ الفَقِيْهَ مُفْرَداً.
جِنَازَةُ العَبَّاسِ:
عَنْ نَمْلَةَ بنِ أَبِي نَمْلَةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ:
لَمَّا مَاتَ العَبَّاسُ بَعَثَتْ بَنُوْ هَاشِمٍ مَن يُؤْذِنُ أَهْلَ العَوَالِي: رَحِمَ اللهُ مَنْ شَهِدَ العَبَّاسَ بنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ. فَحَشَدَ النَّاسُ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَارِيَةَ قَالَ: جَاءَ مُؤْذِنٌ بِمَوْتِ العَبَّاسِ بِقُبَاءَ عَلَى حِمَارٍ ثُمَّ جَاءنَا آخَرُ عَلَى حِمَارٍ فَاسْتَقْبَلَ قُرَى الأَنْصَارِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى السَّافِلَةِ فَحَشَدَ النَّاسُ.
فَلَمَّا أُتِيَ بِهِ إِلَى مَوْضِعِ الجَنَائِزِ تَضَايَقَ فَقَدَّمُوا بِهِ إِلَى البَقِيْعِ. فَمَا رَأَيْتُ مِثْلَ ذَلِكَ الخُرُوْجِ قَطُّ وَمَا يَقْدِرُ أَحَدٌ يَدْنُو إِلَى سَرِيْرِهِ. وَازْدَحَمُوا عند اللَّحْدِ فَبَعَثَ عُثْمَانُ الشُّرَطَةَ يَضْرِبُوْنَ النَّاسَ، عَنْ بَنِي هَاشِمٍ حَتَّى خَلَصَ بَنُوْ هَاشِمٍ فَنَزَلُوا فِي حُفْرَتِهِ.
وَرَأَيْتُ عَلَى سَرِيْرِهِ بُرْدَ حِبَرَةٍ قَدْ تَقَطَّعَ مِنْ زِحَامِهِمْ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَتْنِي عُبَيْدَةُ بِنْتُ نَابِلٍ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ قَالَتْ: جَاءنَا رَسُوْلُ عُثْمَانَ وَنَحْنُ بِقَصْرِنَا عَلَى عَشْرَةِ أَمْيَالٍ مِنَ المَدِيْنَةِ أَنَّ العَبَّاسَ قَدْ تُوُفِّيَ فَنَزَلَ أَبِي وَسَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ وَنَزَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنَ السَّمُرَةِ فَجَاءنَا أَبِي بَعْدَ يَوْمٍ فَقَالَ: مَا قَدَرْنَا أَنْ نَدْنُوَ مِنْ سَرِيْرِهِ مِنْ كَثْرَةِ النَّاسِ غُلِبْنَا عَلَيْهِ وَلَقَدْ كُنْتُ أُحِبُّ حَمْلَهُ.
وَعَنْ عَبَّاسِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَعْبَدٍ قَالَ: حَضَرَ غَسْلَهُ عُثْمَانُ وَغَسَّلَهُ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَخَوَاهُ: قُثَمُ وَعُبَيْدُ اللهِ. وَحَدَّتْ نِسَاءُ بَنِي هَاشِمٍ سَنَةً.
زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَلِيِّ بن عبد الله ابن عَبَّاسٍ أَنَّ العَبَّاسَ أَعْتَقَ سَبْعِيْنَ مَمْلُوْكاً عِنْدَ مَوْتِهِ.
وَفِي "مُسْتَدْرَكِ" الحَاكِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجل العباس إجلال الوالد.(3/403)
وَلِعَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوْعاً: "العَبَّاسُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ"1 عَبْدُ الأَعْلَى الثَّعْلَبِيُّ لَيِّنٌ.
يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بنُ أَبِي قُرَّةَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي قَبِيْلٍ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ مَوْلَى العَبَّاسِ سَمِعَ العَبَّاسَ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: انْظُرْ فِي السَّمَاءِ فَنَظَرْتُ. فَقَالَ: "مَا تَرَى"? قُلْتُ: الثُّرَيَّا. فَقَالَ: "أَمَا إِنَّهُ يَمْلِكُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِعَدَدِهَا مِنْ صُلْبِكَ"2. رَوَاهُ الحَاكِمُ. وَعُبَيْدٌ غَيْرُ ثِقَةٍ.
وَرَوَى الحَاكِمُ: أَنَّ زَحْرَ بنَ حِصْنٍ، عَنْ جَدِّهِ: حُمَيْدِ بنِ مُنْهِبٍ: سَمِعَ جَدَّهُ: خُرَيْمَ بنَ أَوْسٍ يَقُوْلُ: هَاجَرْتُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنْصَرَفَهُ مِنْ تَبُوْكٍ فَسَمِعْتُ العَبَّاسَ يَقُوْلُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ إِنِّي أُرِيْدُ أَنْ أَمْتَدِحَكَ قَالَ: "قُلْ لاَ يَفْضُضِ اللهُ فَاكَ" قَالَ:
مِنْ قَبْلِهَا طِبْتَ فِي الظلال وفي ... مستودع حيث يخصف3 الورق
ثُمَّ هَبَطْتَ البِلاَدَ لاَ بَشَرٌ ... أَنْتَ وَلاَ مُضْغَةٌ وَلاَ عَلَقُ
بَلْ نُطْفَةٌ تَرْكَبُ السَّفِيْنَ وَقَدْ ... أَلْجَمَ نَسْراً وَأَهْلَهُ الغَرَقُ
تُنْقَلُ مِنْ صَالِبٍ إِلَى رَحِمٍ ... إِذَا مَضَى عَالَمٌ بَدَا طَبَقُ
حَتَّى احْتَوَى بَيْتُكَ المُهَيْمِنُ مِنْ ... خِنْدِفَ عَلْيَاءَ تَحْتَهَا النُّطُقُ
وَأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ الْ ... أَرْضُ وَضَاءتْ بِنُورِكَ الأُفُقُ
فَنَحْنُ فِي ذَلِكَ الضِّيَاءِ وَفِي ... النُّوْرِ وَسُبُلُ الرَّشَادِ نَخْتَرِقُ
قَالَ الحَاكِمُ: رُوَاتُهُ أَعْرَابٌ وَمِثْلُهُمْ لاَ يُضَعَّفُوْنَ. قلت: ولكنهم لا يعرفون.
__________
1 ضعيف: راجع تعليقنا السابق وتعليقنا رقم "841".
2 باطل: "أخرجه أحمد "1/ 209"، والخطيب في "تاريخ بغداد"، والحاكم "3/ 326"، والبيهقي في "دلائل النبوة" "6/ 518"، وابن عدي في "الكامل" "5/ 350" من طريق عبيد بن أبي قرة، به.
قلت: إسناده واه، عبيد بن أبي قرة آفته، قال البخاري: لا يتابع في حديثه في قصة العباس. وذكر الحديث الحافظ الذهبي في ترجمته في "الميزان" وقال في إثره: رواه أحمد بن حنبل في "مسنده"، عنه. هذا باطل.
3 يخصف: يجمع ويضم.(3/404)
108- عُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ الأَنْصَارِيُّ الأَوْسِيُّ الزَّاهِدُ 1:
نَسيجُ وحده. له حديث واحد.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو طَلْحَةَ الخَوْلاَنِيُّ وَرَاشِدُ بنُ سَعْدٍ وَحَبِيْبُ بنُ عُبَيْدٍ.
شَهِدَ فَتْحَ الشَّامِ وَوَلِيَ دِمَشْقَ وَحِمْصَ لِعُمَرَ.
جَمَاعَةٌ، عَنْ حَمَّادِ بن سلمة، عن أبي سنان، عن أبي طَلْحَةَ قَالَ: أَتَيْنَا عُمَيْرَ بنَ سَعْدٍ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: نَسِيْجُ وَحْدِهِ فَقَعَدْنَا فِي دَارِهِ فَقَالَ: يَا غُلاَمُ أَوْرِدِ الخَيْلَ فَأَوْرَدَهَا فَقَالَ: أَيْنَ الفُلاَنَةُ قَالَ: جَرِبَةٌ تَقْطُرُ دَماً. قَالَ: أَوْرِدْهَا سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "لا عدوى ولا طيرة ولا هَامَةَ" 2.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ القَدَّاحُ: صَحِبَ عُمَيْرُ بنُ سَعْدِ بنِ شُهَيْدٍ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَشْهَدْ شَيْئاً مِنَ المَشَاهِدِ.
وَهُوَ الَّذِي رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَلاَمَ الجُلاَسِ بنِ سويد وكان يتيمًا في حجره.
استعمله عُمَرُ عَلَى حِمْصَ وَكَانَ مِنَ الزُّهَّادِ.
وَقَالَ عبد الصمد بن سعيد: كانت ولايته حمص بَعْدَ ابْنِ حِذْيَمٍ.
ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: تُوُفِّيَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ وَقَامَ مَكَانَهُ عُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ فَكَانَ عَلَى الشَّامِ هُوَ وَمُعَاوِيَةُ حَتَّى قُتِلَ عُمَرُ.
وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: ثُمَّ جَمَعَ عُثْمَانُ الشَّامَ لِمُعَاوِيَةَ وَنَزَعَ عُمَيْراً.
وَرَوَى عَاصِمُ بنُ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُمَيْرِ بن سعد: قال لي ابن عمر: ما كَانَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَفْضَلَ مِنْ أَبِيْكَ3.
وَرَوَى هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ مِنْ عُجْبِهِ بِعُمَيْرِ بنِ سَعْدٍ يُسَمِّيْهِ نَسِيْجَ وَحْدِهِ وَبَعَثَهُ مَرَّةً عَلَى جَيْشٍ.
قَالَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: زُهَّادُ الأَنْصَارِ ثَلاَثَةٌ: أَبُو الدَّرْدَاءِ وَشَدَّادُ بنُ أَوْسٍ وَعُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ. اسْتَوْفَى ابْنُ عَسَاكِرَ أَخْبَارَهُ -رضي الله عنه.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 375-376"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة رقم 3225"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة رقم 2079"، والإصابة "3/ ترجمة 6036".
2 صحيح: وهذا إسناد ضعيف، فيه أبو سنان، وهو عيسى بن سنان الحنفي القسملي، ضعيف بالاتفاق، لكن الحديث ورد عن سعد بن أبي وقاص: أخرجه أحمد "1/ 180"، وابن أبي عاصم في "السنة" "266"، وأبو يعلى "798"، وابن جرير في "تهذيب الآثار" في مسند علي "17" و"48" و"49"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار "4/ 313" من طرق عن هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني الحضرمي بن لاحق، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ سَعْدِ بنِ أبي وقاص، به مرفوعا.
3 ضعيف: في إسناده عبد الرحمن بن عمير بن سعد، مجهول، لذا فقد أورده ابن أبي حاتم في "الجرح"
والتعديل" "5/ ترجمة 1290"، وأورده البخاري في "التاريخ الكبير" "3/ ق1/ 328" ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.(3/405)
109- أَبُو سُفْيَانَ 1:
صَخْرُ بنُ حَرْبِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ. رَأْسُ قُرَيْشٍ وَقَائِدُهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ وَيَوْمَ الخَنْدَقِ. وَلَهُ هَنَاتٌ وَأُمُوْرٌ صَعْبَةٌ لَكِنْ تَدَارَكَهُ اللهُ بِالإِسْلاَمِ يَوْمَ الفَتْحِ فَأَسْلَمَ شِبْهَ مُكْرَهٍ خَائِفٍ. ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ صَلُحَ إِسْلاَمُهُ.
وَكَانَ مِنْ دُهَاةِ العَرَبِ وَمِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالشَّرَفِ فِيْهِمْ فَشَهِدَ حُنَيْناً وَأَعْطَاهُ صِهْرُهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الغَنَائِمِ مائَةً مِنَ الإِبِلِ وَأَرْبَعِيْنَ أُوْقِيَّةً مِنَ الدَّرَاهِمِ يَتَأَلَّفُهُ بِذَلِكَ فَفَرَغَ، عَنْ عِبَادَةِ هُبَلَ وَمَالَ إِلَى الإِسْلاَمِ.
وَشَهِدَ قِتَالَ الطَّائِفِ فَقُلِعَتْ عَيْنُهُ حِيْنَئِذٍ ثُمَّ قُلِعَتِ الأُخْرَى يَوْمَ اليَرْمُوْكِ. وَكَانَ يَوْمَئِذٍ قَدْ حَسُنَ إِنْ شَاءَ اللهُ إِيْمَانُهُ فَإِنَّهُ كان يومئذ يحرض على الجهاد وكان تمت رَايَةِ وَلَدِهِ يَزِيْدَ فَكَانَ يَصِيْحُ: يَا نَصْرَ اللهِ اقْتَرِبْ. وَكَانَ يَقِفُ عَلَى الكَرَادِيْسِ2 يُذَكِّرُ وَيَقُوْلُ: اللهَ اللهَ إِنَّكُمْ أَنْصَارُ الإِسْلاَمِ وَدَارَةُ العَرَبِ وَهَؤُلاَءِ أَنْصَارُ الشِّرْكِ وَدَارَةُ الرُّوْمِ اللَّهُمَّ هَذَا يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِكَ اللَّهُمَّ أَنْزِلْ نَصْرَكَ.
فَإِنْ صَحَّ هَذَا عَنْهُ فَإِنَّهُ يُغْبَطُ بِذَلِكَ. وَلاَ رَيْبَ أَنَّ حَدِيْثَهُ، عَنْ هِرَقْلَ3 وَكِتَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدُلُّ عَلَى إيمانه ولله الحمد.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "4/ ترجمة 2942"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 1869"، والإصابة "2/ ترجمة 4046"، وتهذيب التهذيب "4/ 411"، وتقريب التهذيب "3658".
2 الكراديس: واحدها كردوس، وهي كتائب الخيل.
3 صحيح: أخرجه البخاري "7" حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع، قال: أخبرنا شعيب، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ عتبة بن مسعود أن عبد الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش ... " الحديث وهو طويل. وفيه أن أبا سفيان قال لأصحابه: "لقد أمرَ أمرُ ابن أبي كبشة، إنه يخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله عليَّ الإسلام".(3/406)
وَكَانَ أَسَنُّ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَشْرِ سِنِيْنَ وَعَاشَ بَعْدَهُ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
وَكَانَ عُمَرُ يَحْتَرِمُهُ وَذَلِكَ لأَنَّهُ كَانَ كَبِيْرَ بَنِي أُمَيَّةَ.
وَكَانَ حَمْوَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَا مَاتَ حَتَّى رَأَى وَلَدَيْهِ: يَزِيْدَ ثُمَّ مُعَاوِيَةَ أَمِيْرَيْنِ عَلَى دِمَشْقَ. وَكَانَ يُحِبُّ الرِّيَاسَةَ وَالذِّكْرَ وَكَانَ لَهُ سُوْرَةٌ1 كَبِيْرَةٌ فِي خِلاَفَةِ ابْنِ عَمِّهِ عُثْمَانَ.
تُوُفِّيَ بِالمَدِيْنَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَلَهُ نحو التسعين.
__________
1 السورة: المنزلة.(3/407)
110- الحكم بن أبي العاص 1:
ابن أمية الأموي ابْنُ عَمِّ أَبِي سُفْيَانَ. يُكْنَى أَبَا مَرْوَانَ. مِنْ مُسْلِمَةِ الفَتْحِ. وَلَهُ أَدْنَى نَصِيْبٍ مِنَ الصحبة. قِيْلَ: نَفَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الطَّائِفِ لِكَوْنِهِ حَكَاهُ فِي مِشْيَتِهِ وَفِي بَعْضِ حَرَكَاتِهِ فَسَبَّهُ وَطَرَدَهُ. فَنَزَلَ بِوَادِي وَجٍّ2. وَنَقَمَ جَمَاعَةٌ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عُثْمَانَ كَوْنَهُ عَطَفَ عَلَى عَمِّهِ الحَكَمِ وَآوَاهُ وَأَقْدَمَهُ المَدِيْنَةَ ووصله بمئة أَلْفٍ.
وَيُرْوَى فِي سَبِّهِ أَحَادِيْثُ لَمْ تَصِحَّ.
وَعَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا لِي أُرِيْتُ بَنِي الحَكَمِ يَنْزُوْنَ عَلَى مِنْبَرِي نَزْوَ القِرَدَةِ".
رَوَاهُ العَلاَءُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَفِي البَابِ أَحَادِيْثُ.
قَالَ الشَّعْبِيُّ: سَمِعتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يقول: ورب هذه الكعبة إن الحكم ابن أَبِي العَاصِ وَوُلْدَهُ مَلْعُوْنُوْنَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ كَانَ لِلْحَكَمِ عِشْرُوْنَ ابْناً وَثَمَانِيَةُ بَنَاتٍ.
وَقِيْلَ: كَانَ يُفْشِي سِرَّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأبعده لذلك.
مات سنة إحدى وثلاثين.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 447 و509"، والتاريخ الكبير "2/ ترجمة 2651" والجرح والتعديل "3/ ترجمة 555"، الإصابة "1/ ترجمة 1781".
2 هو: وادي الطائف.(3/407)
111- كسرى 1:
آخِرُ الأَكَاسِرَةِ مُطْلَقاً. وَاسْمُهُ: يَزْدَجِرْدُ بنُ شَهْرِيَارَ بنِ بَرْوِيْزَ المَجْوُسِيُّ الفَارِسِيُّ.
انْهَزَمَ مِنْ جَيْشِ عُمَرَ فَاسْتَوْلَوْا عَلَى العِرَاقِ وَانْهَزَمَ هُوَ إِلَى مَرْوَ وَوَلَّتْ أَيَّامُهُ ثُمَّ ثَارَ عَلَيْهِ أُمَرَاءُ دَوْلَتِهِ وَقَتَلُوْهُ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ. وَقِيْلَ بَلْ بَيَّتَهُ التُّرْكُ وَقَتَلُوا خَوَاصَّهُ وَهَرَبَ هُوَ وَاخْتَفَى فِي بَيْتٍ فَغَدَرَ بِهِ صَاحِبُ البَيْتِ فَقَتَلَهُ ثُمَّ قتلوه به.
__________
1 ترجمته في "المعرفة والتاريخ" ليعقوب بن سفيان الفسوي "3/ 301-304".(3/408)
112- خديجة أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ 1:
وَسَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ فِي زَمَانِهَا. أُمُّ القَاسِمِ ابْنَةُ خُوَيْلِدِ بنِ أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ القُرَشِيَّةُ الأَسَدِيَّةُ. أُمُّ أَوْلاَدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ وَثَبَّتَتْ جَأْشَهُ وَمَضَتْ بِهِ إلى ابن عمها ورقة2.
وَمَنَاقِبُهَا جَمَّةٌ. وَهِيَ مِمَّنْ كَمُلَ مِنَ النِّسَاءِ. كَانَتْ عَاقِلَةً جَلِيْلَةً دَيِّنَةً مَصُوْنَةً كَرِيْمَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُثْنِي عَلَيْهَا وَيُفَضِّلُهَا عَلَى سَائِرِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ وَيُبَالِغُ فِي تَعْظِيْمِهَا بِحَيْثُ إِنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُوْلُ: مَا غِرْتُ مِنِ امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ مِنْ خَدِيْجَةَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لها3.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 52"، والإصابة "4/ ترجمة 335".
2 صحيح: أخرجه البخاري "3" عن عائشة أم المؤمنين، وفيه: "فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدم. وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزي -ابن عم خديجة- وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية، مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخاً كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة: يابن عم اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أومخرجي هم"؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي".
3 صحيح: أخرجه البخاري "3816" و"3817" و"3818"، ومسلم "2435" من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، هلكت قبل أن يتزوجني، لما كنت أسمعه يذكرها، وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب، وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن".(3/408)
وَمِنْ كَرَامَتِهَا عَلَيْهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا لَمْ يَتَزَوَّجِ امْرَأَةً قَبْلَهَا وَجَاءهُ مِنْهَا عِدَّةُ أَوْلاَدٍ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا قَطُّ وَلاَ تَسَرَّى إِلَى أَنْ قَضَتْ نَحْبَهَا فَوَجَدَ لِفَقْدِهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ نِعْمَ القَرِيْنِ. وَكَانَتْ تُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا وَيَتَّجِرُ هُوَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهَا.
وَقَدْ أَمَرَهُ اللهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيْهِ وَلاَ نَصَبَ1.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَبِيْبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بنِ الحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ وَرُوِيَ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ أَنَّ عَمَّ خَدِيْجَةَ عَمْرَو بنَ أَسَدٍ زَوَّجَهَا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَّ أَبَاهَا مَاتَ قبل الفِجَارِ2. ثُمَّ قَالَ الوَاقِدِيُّ هَذَا المُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لَيْسَ بَيْنَهُمُ اخْتِلاَفٌ. الكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَهَا بِنْتَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً3. قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَتْ خَدِيْجَةُ تُدْعَى فِي الجَاهِلِيَّةِ الطَّاهِرَةَ وَأُمُّهَا هِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ زَائِدَةَ العَامِرِيَّةُ.
كَانَت خَدِيْجَةُ أَوُّلاً تَحْتَ أَبِي هَالَةَ بنِ زُرَارَةَ التَّمِيْمِيِّ ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا بَعْدَهُ عَتِيْقُ بنُ عَابِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمٍ ثُمَّ بَعْدَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَنَى بِهَا وَلَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً. وَكَانَتْ أَسَنَّ منه بخمس عشرة سنة.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3819"، ومسلم "2433" من طريق إسماعيل قال: قلت لعبد اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشر خديجة ببيت في الجنة؟ قال: نعم. بشرها بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ. لاَ صَخَبَ فيه ولا نصب.
قوله: "من قصب": قال جمهور العلماء: المراد به قصب اللؤلؤ المجوف كالقصر المنيف -وقيل قصر من ذهب منظوم بالجوهر. قال أهل اللغة: القصب من الجوهر ما استطال منه في تجويف. قالوا: ويقال لكل مجوف قصب. قوله "صخب": الصوت المختلط المرتفع.
قوله "نصب": النصب المشقة والتعب. ويقال فيه نُصب ونَصب لغتان حكاهما القاضي وغيره. كالحُزن والحَزن. والفتح أشهر وأفصح وبه جاء القرآن. وقد نصب الرجل ينصب، إذا أعيا.
2 الفجار: يوم حرب من أيامهم في الجاهلية كانت بين قريش ومن معها من كنانة، وبين قيس عيلان والفجار بمعنى المفاجرة كالقتال والمقاتلة. سميت بذلك لأنها كانت في الأشهر الحرام. وقد وقعت بعد الفيل بعشرين سنة كما في "طبقات ابن سعد".
3 ضعيف جدا: الكلبي، وهو محمد بن السائب الكلبي، متروك. وأبو صالح باذام ضعيف. والصواب أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج خديجة ولها أربعون سنة كما رواه ابن سعد. ونص عليه الزرقاني.(3/409)
عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ خَدِيْجَةَ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تفرض الصلاة وقيل: توفيت فِي رَمَضَانَ وَدُفِنَتْ بِالحَجُوْنِ1، عَنْ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ وَائِلِ بنِ دَاوُدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ البَهِيِّ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا ذَكَرَ خَدِيْجَةَ لَمْ يَكَدْ يَسْأَمُ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهَا وَاسْتِغْفَارٍ لَهَا فَذَكَرَهَا يَوْماً فَحَمَلَتْنِي الغَيْرَةُ فَقُلْتُ: لَقَدْ عَوَّضَكَ اللهُ مِنْ كَبِيْرَةِ السِّنِّ قَالَ: فَرَأَيْتُهُ غَضِبَ غَضَباً أُسْقِطْتُ فِي خَلَدَي2 وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: اللَّهُمَّ إِنْ أَذْهَبْتَ غَضَبَ رَسُوْلِكَ عَنِّي لَمْ أَعُدْ أَذْكُرُهَا بِسُوْءٍ. فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا لَقِيْتُ قَالَ: "كَيْفَ قُلْتِ? وَاللهِ لَقَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَآوَتْنِي إِذْ رَفَضَنَي النَّاسُ وَرُزِقْتُ مِنْهَا الوَلَدَ وَحُرِمْتُمُوْهُ مِنِّي" قَالَتْ: فَغَدَا وَرَاحَ عَلَيَّ بِهَا شَهْراً3.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: خَرَجُوا مِنْ شِعْبِ بَنِي هَاشِمٍ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ فَتُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ وَقَبْلَهُ خَدِيْجَةُ بِشَهْرٍ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ. وَقَالَ الحَاكِمُ: مَاتَتْ بَعْدَ أَبِي طَالِبٍ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ.
هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيْجَةَ مِمَّا كُنْتُ أَسْمَعُ مِنْ ذِكْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهَا وَمَا تَزَوَّجَنِي إلَّا بَعْدَ مَوْتِهَا بِثَلاَثِ سِنِيْنَ. وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ من قصب4.
__________
1 الحجون: الجبل المشرف مما يلي شعب الجزارين بمكة. وقيل: هو موضوع بمكة فيه اعوجاج. والمشهور الأول. وهو بفتح الحاء.
2 الخلد، بالتحريك: البال والقلب والنفس، وجمعه أخلاد، يقال: وقع ذلك في خلدي أي في روعي وقلبي.
وقال أبو زيد من أسماء النفس الروع والخلد.
3 حسن: وهذا إسناد ضعيف، عبد الله البهي لم يسمع من عائشة -رضي الله عنها- فقد سئل أحمد بن حنبل هل سمع من عائشة -رضي الله عنها؟ قال: ما أرى في هذا شيئا، إنما يروى عن عروة.
وقد رواه أحمد "6/ 117-118" بنحوه من طريق علي بن إسحاق، أخبرنا عبد الله، قال أخبرنا مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، به نحوه.
قلت: إسناده ضعيف، آفته مجالد، وهو ابن سعيد، وهو ضعيف بالاتفاق، لكن الحديث يرتقي للحسن بمجموع الطريقين.
4 صحيح: تقدم تخريجنا له برقم "868"، وهو عند البخاري "3816" و"3817" و"3818" ومسلم "2435" عن عائشة، به.(3/410)
أَبُو يَعْلَى فِي "مُسْنَدِهِ" سَمَاعُنَا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ زِيَادٍ ثِقَةٌ:، حَدَّثَنِي الأَزْرَقُ بنُ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ نَوْفَلٍ أَوِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ خَدِيْجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ أَطْفَالِي مِنْكَ? قَالَ: "فِي الجَنَّةِ" قَالَتْ: فَأَيْنَ أَطْفَالِي مِنْ أَزْوَاجِي مِنَ المُشْرِكِيْنَ? قَالَ: "فِي النَّارِ". فَقُلْتُ: بِغَيْرِ عَمَلٍ قَالَ: "اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِيْنَ" فِيْهِ انْقِطَاعٌ.
مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ: عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: أَتَى جِبْرِيْلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَذِهِ خَدِيْجَةُ أَتَتْكَ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيْهِ إدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيْهِ وَلاَ نَصَبَ. مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ1.
عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ عَلِيّاً: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "خَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَخَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ" 2.
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالاَ: لَمَّا هَلَكَتْ خَدِيْجَةُ جَاءتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيْمٍ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بنِ مَظْعُوْنٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُوْلَ الله إلَّا تزوج? قال: "وَمَنْ" قَالَتْ: سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ قَدْ آمَنَتْ بِكَ وَاتَّبَعَتْكَ ... ، الحَدِيْثَ بِطُوْلِهِ وَهُوَ مُرْسَلٌ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: تَتَابَعَتْ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَصَائِبُ بِهَلاَكِ أَبِي طَالِبٍ وَخَدِيْجَةَ. وَكَانَتْ خَدِيْجَةُ وَزِيْرَةَ صِدْقٍ. وَهِيَ أَقْرَبُ إِلَى قُصَيٍّ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرَجُلٍ. وَكَانَتْ مُتَمَوِّلَةً فَعَرَضَتْ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَخْرُجَ فِي مَالِهَا إِلَى الشَّامِ فَخَرَجَ مَعَ مَوْلاَهَا مَيْسَرَةَ. فَلَمَّا قَدِمَ بَاعَتْ خَدِيْجَةُ مَا جَاءَ بِهِ فَأَضْعَفَ فَرَغِبَتْ فِيْهِ فَعَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ فَتَزَوَّجَهَا وَأَصْدَقَهَا عِشْرِيْنَ بَكْرَةً.
فَأَوْلاَدُهَا مِنْهُ: القَاسِمُ وَالطَّيِّبُ وَالطَّاهِرُ مَاتُوا رُضَّعاً وَرُقَيَّةُ وَزَيْنَبُ وَأُمُّ كُلْثُوْمٍ وفاطمة.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3820"، ومسلم "2432".
2 صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة "12/ 134"، وعبد الرزاق "14006"، وأحمد "1/ 84 و116 و132 و143"، والبخاري "3432" و"3815"، ومسلم "2430"، والترمذي "3877"، وأبو يعلى "522"، والبزار "467" و"468"، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" "348"، والبغوي في "شرح السنة" 2954 من طرق عَنْ هِشَامٍ، عَنِ أَبِيْه، عَنْ عَبْدِ اللهِ بن جعفر، به.(3/411)
قالت عائشة: أول ما بدى به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ...... إِلَى أَنْ قَالَتْ: فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] قَالَتْ: فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ1، حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيْجَةَ فَقَالَ: "زَمِّلُوْنِي".... فَزَمَّلُوْهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ فَقَالَ: "مَا لِي يَا خَدِيْجَةُ"؟. وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ وَقَالَ: "قَدْ خَشِيْتُ عَلَى نَفْسِي". فَقَالَتْ لَهُ: كَلاَّ أَبْشِرْ فَوَاللهِ لاَ يُخْزِيْكَ الله أَبَداً إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الحَدِيْثَ وَتَحْمِلُ الكَلَّ وَتُعِيْنُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ. وَانْطَلَقَتْ بِهِ إِلَى ابْنِ عَمِّهَا وَرقَةَ بنِ نَوْفَلِ بنِ أَسَدٍ وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الخَطَّ العَرَبِيَّ وَكَتَبَ بِالعَرَبِيَّةِ مِنَ الإِنْجِيْلِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخاً قَدْ عَمِيَ. فَقَالَتْ: اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيْكَ ما يقول. فقال: يابن أَخِي مَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوْسَى..... الحَدِيْثَ2.
قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّيْنِ بنُ الأَثِيْرِ: خَدِيْجَةُ أَوَّلُ خَلْقِ الله أسلم لإجماع المُسْلِمِيْنَ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ وابن إسحاق والواقدي وسعيد ين يَحْيَى: أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ خَدِيْجَةُ وأبو بكر وعلي -رضي الله عنهم.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي حَكِيْمٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، عَنْ خَدِيْجَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يابن
__________
1 بوادره: جمع بادرة، وهي لحمة بين المنكب والعنق.
2 صحيح: أخرجه عبد الرزاق "9719"، والطيالسي "1467"، وأحمد "6/ 232-233" والبخاري "3" و"3392" و"3953" و"4955" و"4956" و"4957" و"6982"، ومسلم "160" "253" و"254"، وابن جرير الطبري في "تفسيره" "30/ 161 و162"، وأبو عوانة "1/ 110 و113" والبيهقي في "دلائل النبوة" "2/ 135-136"، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" "1/ 275-277"، والآجرى في "الشريعة" "ص439-440"، والبغوي في "شرح السنة " "3735" من طرق عن الزهري، أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة، به وتمامه: " ... فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أومخرجي هم" قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي".
وحقيق بالذكر أن بالحديث زيادة لا تصح؛ لأنها من بلاغات الزهري، ومعلوم أن بلاغات الزهري واهية، ونص هذه الزيادة: "وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا، غدا منه مرارا كي يتردى من رءوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه، تبدى له جبريل، فقال: يا محمد، إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي، غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل، تبدى له جبريل، فقال له مثل ذلك".(3/412)
عَمِّ، أَتَسْتَطِيْعُ أَنْ تُخْبِرَنِي بِصَاحِبِكَ إِذَا جَاءكَ فَلَمَّا جَاءهُ قَالَ: يَا خَدِيْجَةُ هَذَا جِبْرِيْلُ فَقَالَتْ: اقْعُدْ عَلَى فَخِذِي فَفَعَلَ فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ قَالَ: نَعَمْ قَالَتْ: فَتَحَوَّلْ إِلَى الفَخِذِ اليُسْرَى فَفَعَلَ: قَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ قَالَ: نَعَمْ فَأَلْقَتْ خِمَارَهَا وَحَسَرَتْ، عَنْ صَدْرِهَا. فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ قَالَ: لاَ قَالَتْ: أَبْشِرْ فَإِنَّهُ وَاللهِ مَلَكٌ وَلَيْسَ بِشَيْطَانٍ1.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: رُوِيَ مِنْ وُجُوْهٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَا خَدِيْجَةُ جِبْرِيْلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ" وَفِي بَعْضِهَا: يَا مُحَمَّدُ اقْرَأْ عَلَى خَدِيْجَةَ مِنْ رَبِّهَا السَّلاَمَ2.
عَنْ حُذَيْفَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خديجة سَابِقَةُ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ إِلَى الإِيْمَانِ بِاللهِ وَبِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". فِي إِسْنَادِهِ لِيْنٌ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ قَالَ: وَجَدَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خديجة حَتَّى خُشِيَ عَلَيْهِ حَتَّى تَزَوَّجَ عَائِشَةَ3.
مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ. وَأَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ ثَابِتٍ واللفظ لقتادة، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعاً: "حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ أَرْبَعٌ" 4.
وَقَالَ ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: "خَيْرُ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ مَرْيَمُ وَآسِيَةُ وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ" 5.
__________
1 ضعيف: إسماعيل بن أبي حكيم من الطبقة السادسة، وهي الطبقة الصغرى من التابعين، ولم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة الكرام، فالإسناد ضعيف لانقطاعه.
2 صحيح: سبق تخريجنا له قريبا برقم "868"، وهو عند البخاري "3816" و"3817" و"3818"، ومسلم "2435".
3 ضعيف: أخرجه ابن سعد "4/ 272"، وهو مرسل.
4 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه عبد الرزاق "11/ 20919"، ومن طريقه أحمد "3/ 135" وفي "فضائل الصحابة" له "1325" و"1327"، والترمذي "3878"، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" "2960"، وأبو يعلى "3039"، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" "147"، والطبراني في "الكبير" "22/ 1003" و"23/ 3"، وأبو نعيم في "الحلية" "2/ 344"، والحاكم "3/ 157"، والبغوي في "شرح السنة" "3955" كلهم من طريق عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: "حسبك من نساء العالمين مريم بنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنة محمد، وآسية آمرأة فرعون".
5 صحيح: أخرجه ابن حبان "2222" موارد من طريق عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ أنس بن مالك، به.(3/413)
الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ بَعْدَ مَرِيْمَ فَاطِمَةُ وَخَدِيْجَةُ وَامْرَأَةُ فِرْعَوْنَ آسِيَةُ" 1.
مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ذَكَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَدِيْجَةَ فَتَنَاوَلْتُهَا فَقُلْتُ: عَجُوْزٌ كَذَا وَكَذَا قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهَا خَيْراً مِنْهَا. قَالَ: "مَا أَبْدَلَنِي اللهُ خَيْراً مِنْهَا لَقَدْ آمَنَتْ بِي حِيْنَ كَفَرَ النَّاسُ وَأَشْرَكَتْنِي فِي مَالِهَا حِيْنَ حَرَمَنِي النَّاسُ وَرَزَقَنِي اللهُ وَلَدَهَا وَحَرَمَنِي وَلَدَ غَيْرِهَا". قُلْتُ: وَاللهِ لاَ أُعَاتِبُكَ فِيْهَا بَعْدَ اليَوْمِ2.
وَرَوَى عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تُوُفِّيَتْ خَدِيْجَةُ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلاَةُ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَتْ فِي رَمَضَانَ وَدُفِنَتْ بِالحَجُوْنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: مَاتَتْ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ وَكَذَا قال عروة.
__________
1 صحيح: أخرجه الطبراني في "الكبير" "11/ 12179" من طريق إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: فذكره.
وأخرجه الطبراني في "الكبير" "23/ 2" من طريق مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، به. وله شاهد عن عائشة قالت لفاطمة بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِلاَّ أبشرك إني سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "سيدات نساء أهل الجنة أربع........" الحديث.
أخرجه الحاكم "3/ 185" وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
2 حسن: أخرجه أحمد "6/ 117-118" من طريق علي بن إسحاق، أخبرنا عبد الله قال أخبرنا مجالد، به. وإسناده ضعيف لأجل مجالد بن سعيد، فإنه ضعيف.
وله طريق آخر عن عائشة ضعيف ذكرته في تخريجنا السابق برقم "874" فيرتقي الحديث للحسن بمجموع الطريقين.(3/414)
113- فاطمة بنت أسد 1:
ابن هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ الهَاشِمِيَّةُ وَالِدَةُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ. هِيَ حَمَاةُ فَاطِمَةَ.
كَانَتْ مِنَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ. وَهِيَ أَوَّلُ هَاشِمِيَّةٍ وَلَدَتْ هَاشِمِيّاً. قَالَهُ الزُّبَيْرُ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: رَوَى سَعْدَانُ بنُ الوَلِيْدِ السَّابَرِيُّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَتْ فَاطِمَةُ أُمُّ عَلِيٍّ أَلْبَسَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَمِيْصَهُ وَاضْطَجَعَ مَعَهَا فِي قَبْرِهَا فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَاكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ صَنَعْتَ هَذَا فَقَالَ: "إِنَّه لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بَعْدَ أَبِي طَالِبٍ أَبَرَّ بِي مِنْهَا إِنَّمَا أَلْبَسْتُهَا قَمِيْصِي لِتُكْسَى مِنْ حُلَلِ الجَنَّةِ وَاضْطَجَعْتُ معها ليهون عليها". هذا غريب.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 222"، والإصابة "4/ ترجمة رقم 731".(3/414)
114- فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1 "ع":
سَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ فِي زَمَانِهَا البضعة النبوية والجهة المصطفوية أُمُّ أَبِيْهَا بِنْتُ سَيِّدِ الخَلْقِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي القَاسِمِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ القُرَشِيَّةُ الهَاشِمِيَّةُ وَأُمُّ الحَسَنَيْنِ.
مَوْلِدُهَا قَبْلَ المَبْعَثِ بِقَلِيْلٍ وَتَزَوَّجَهَا الإِمَامُ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ فِي ذِي القَعْدَةِ أَوْ قُبَيْلَهُ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: دَخَلَ بِهَا بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ فَوَلَدَتْ لَهُ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ وَمُحْسِناً وَأُمَّ كُلْثُوْمٍ وَزَيْنَبَ.
وَرَوَتْ عَنْ أَبِيْهَا.
وَرَوَى عَنْهَا ابْنُهَا الحُسَيْنُ وَعَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُم وَرِوَايَتُهَا فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ.
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّهَا وَيُكْرِمُهَا وَيُسِرُّ إِلَيْهَا. وَمَنَاقِبُهَا غَزِيْرَةٌ. وَكَانَتْ صَابِرَةً دَيِّنَةً خَيِّرَةً صَيِّنَةً قَانِعَةً شَاكِرَةً للهِ وَقَدْ غَضِبَ لَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا الحَسَنِ هَمَّ بِمَا رَآهُ سَائِغاً مِنْ خِطْبَةِ بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ فَقَالَ: "وَاللهِ لاَ تَجْتَمِعُ بِنْتُ نَبِيِّ اللهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللهِ وَإِنَّمَا فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي يَرِيْبُنِي مَا رَابَهَا وَيُؤْذِيْنِي مَا آذَاهَا" 2 فَتَرَكَ عَلِيٌّ الخِطْبَةَ رِعَايَةً لَهَا. فَمَا تزوج عليها ولا تَسَرَّى. فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ تَزَوَّجَ وَتَسَرَّى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَزِنَتْ عَلَيْهِ وَبَكَتْهُ وَقَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ! إِلَى جِبْرِيْلَ نَنْعَاهُ! يَا أَبتَاهُ أَجَابَ رَبّاً دعاه! يا أبتاه جنة الفردوس مأواه!
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 19-30" حلية الأولياء "2/ 39-43"، والإصابة "4/ ترجمة 830"، تهذيب الكمال "35/ ترجمة رقم 7899"، وتهذيب التهذيب "12/ 440-442".
2 صحيح: أخرجه البخاري "3110"، ومسلم "2449" "95"، وأبو داود "2069" من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ كَثِيْرٍ، حَدَّثَنِي محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ عَلِيَّ بنَ الحسين حدثه، عن المسور بن مخرمة، به مرفوعا.(3/415)
وَقَالَتْ بَعْدَ دَفْنِهِ: يَا أَنَسُ كَيْفَ طَابَتْ أَنفُسُكُم أَنْ تَحْثَوُا التُّرَابَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1.
وَقَدْ قَالَ لَهَا فِي مَرَضِهِ: إِنِّي مَقْبُوْضٌ فِي مَرَضِي هَذَا. فَبَكَتْ. وَأَخْبَرَهَا أَنَّهَا أَوَّلُ أَهْلِهِ لُحُوْقاً بِهِ وَأَنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ فَضَحِكَتْ وَكَتَمَتْ ذَلِكَ فَلَمَّا تُوُفِّيَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سألتها عائشة. فحدثتها بما أسر إليها2.
قالت عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: جَاءتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي مَا تُخْطِئُ مِشْيَتُهَا مِشْيَةَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَامَ إِلَيْهَا وَقَالَ: "مَرْحَباً يا بنتي".
وَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُوْهَا تَعَلَّقَتْ آمَالُهَا بِمِيْرَاثِهِ وَجَاءتْ تَطْلُبُ ذَلِكَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ فَحَدَّثَهَا أَنَّهُ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "لاَ نورث ما تركنا صَدَقَةٌ" 3. فَوَجَدَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ تَعَلَّلَتْ4.
رَوَى إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا مرضت فاطمة أتى أبو بكر،
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4462" من طريق حماد، عن ثابت، عن أنس قال: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه، فقالت فاطمة - عليها السلام: واكرب أباه، فقال لها: "ليس على أبيك كرب بعد اليوم"، فلما مات قالت: يَا أَبتَاهُ أَجَابَ رَبّاً دَعَاهُ، يَا أَبتَاهُ من جنة الفردوس مأواه. يا أبتاه إلى جبريل ننعاه. فلما دفن قالت فاطمة -عليها السلام: يا أنس أطابت نفوسكم أن تحثو عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التراب؟ "
2 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 77 و240 و282" وفي "الفضائل" له "1322"، والبخاري "3625" و"3626"، و"3715"، و"3716"، و"4433"، ومسلم "2450" "97"، والنسائي في "الفضائل" "262"، والطبراني "22/ 1037"، والبغوي "3959" من طرق عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة -عليها السلام- في شكواه الذي قبض فيه، فسارها بشيء فبكت، ثم دعاها فسارها بشيء فضحكت، فسألنا عن ذلك فقالت: سارني النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت، ثم سارني فأخبرني أني أول أهله يتبعه فضحكت".
3 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه عبد الرزاق "9772"، والحميدي "22"، وابن سعد "2/ 314"، وأحمد "1/ 25 و48 و162 و164 و179، 191"، والبخاري "4033" و5357" و"5358" و"6728" و"7305"، ومسلم "1757" "50" وأبو داود "2963" و"2964"، والترمذي "1610" والبزار "255"، وأبو بكر المروزي في "مسند أبي بكر" "1 و2 و3"، وابن جرير في "تفسيره" "28/ 38-39"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" "2/ 5"، وأبو يعلى "2" و"3"، والبيهقي "6/ 297 و298 و298-299" والبغوي "2738" من طرق عن الزهري، أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان، به.
4 تعللت بالأمر واعتلت: تشاغلت.(3/416)
فَاسْتَأْذَنَ فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا فَاطِمَةُ هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكِ. فَقَالَتْ: أَتُحِبُّ أَنْ آذَنَ لَهُ. قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: عَمِلَتِ السُّنَّةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- فَلَمْ تَأْذَنْ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا إلَّا بِأَمْرِهِ.
قَالَ: فَأَذِنَتْ لَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَتَرَضَّاهَا وَقَالَ: وَاللهِ مَا تَرَكْتُ الدَّارَ وَالمَالَ وَالأَهْلَ وَالعَشِيْرَةَ إلَّا ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَرَسُوْلِهِ وَمَرْضَاتِكُم أَهْلَ البَيْتِ. قَالَ: ثُمَّ تَرَضَّاهَا حَتَّى رَضِيَتْ.
تُوُفِّيَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ أَوْ نَحْوِهَا. وَعَاشَتْ أَرْبَعاً أَوْ خَمْساً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. وَأَكْثَرُ مَا قِيْلَ: إنها عاشت تسعًا وعشرين سنة. والأول أَصَحُّ. وَكَانَتْ أَصْغَرَ مِنْ زَيْنَبَ زَوْجَةِ أَبِي العَاصِ بنِ الرَّبِيْعِ وَمِنْ رُقَيَّةَ زَوْجَةِ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ. وَقَدِ انْقْطَعَ نَسَبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَّا مِنْ قِبَلِ فَاطِمَةَ لأَنَّ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْمِلُهَا فِي صَلاَتِهِ1 تزوجت بعلي ابن أَبِي طَالِبٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ بِالمُغِيْرَةِ بنُ نَوْفَلِ بنِ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيِّ وَلَهُ رُؤْيَةٌ فَجَاءهَا مِنْهُ أَوْلاَدٌ.
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: انْقَرَضَ عَقِبُ زَيْنَبَ.
وَصَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَلَّلَ فَاطِمَةَ وَزَوْجَهَا وَابْنَيْهِمَا بِكِسَاءٍ وَقَالَ: $"اللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِي اللَّهُمَّ فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُم تَطْهِيْراً"2.
__________
1 صحيح: أخرجه مالك "1/ 170"، ومن طريق البخاري "516"، ومسلم "543" "41" من طريق عَامِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بنِ سُلَيْم الزُّرَقِي، عَنْ أَبِي قَتَادَة الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَاملٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَب بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها".
وأخرجه البخاري "5996" من طريق الليث، حدثنا سعيد المقبري، حدثنا عمرو بن سليم، به.
2 ورد بهذا اللفظ، عن أم سلمة أخرجه الترمذي "3205" و"3787" حدثنا قتيبة، حدثنا محمد بن سليمان الأصبهاني، عن يحيى بن عبيد، عن عطاء بن أبي رباح، عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم، عن أمه في قصة.
قلت: إن كان يحيى بن عبيد هو المكي، مولى بني مخزوم، فهو ثقة، والإسناد حسن، وإلا فهو مجهول، ويضعف الإسناد به، وهذا الراوي لم يتبين للحافظ المزي، وللحافظ ابن حجر العسقلاني لم يتبين لهما من هو فقالا: يحتمل أن يكون يحيى بن عبيد المكي وإلا فهو مجهول. وإن كنت أرجح أن الحديث ضعيف بهذا اللفظ لجهالة الرجل لماذا؟ لأن الترمذي قال في إثر الحديث: هذا حديث غريب من حديث عطاء عن عمر بن أبي سلمة، يقول محمد أيمن الشبراوي: اصطلاح الترمذي هذا: "هذا حديث غريب"2=(3/417)
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا تَلِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الجَحَّافِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: نَظَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ فَقَالَ: "أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُم سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُم"1.
رَوَاهُ الحَاكِمُ فِي المُسْتَدْرَكِ. وَفِيْهِ مِنْ طَرِيْقِ أَبَانَ بنِ تَغْلِبٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ يُبْغِضُنَا أَهْلَ البَيْتِ أَحَدٌ إلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ النَّارَ" 2.
إِسْرَائِيْلُ، عَنْ مَيْسَرَةَ بنِ حَبِيْبٍ، عَنِ المِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ زِرٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ: قَالَ:
__________
= معروف عند الأكابر بله الأصاغر من طلاب علم الحديث أن الحديث ضعيف عنده، فيحيى بن عبيد ليس المكي، وإنما هو رجل مجهول والله -تعالى- أعلم.
لكن قد ورد الحديث عن عائشة قالت: خرج النبي صلى الله غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله. ثم جاء الحسين فأدخله معه. ثم جاءت فاطمة فأدخلها. ثم جاء علي فأدخله ثُمَّ قَالَ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] ، أخرجه مسلم "2424" بإسناده عن صفية بنت شيبة، عن عائشة، به.
وقد خرجت هذا الحديث بنحو هذا في كتاب "منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية" لابن تيمية ط. دار الحديث "الجزء الرابع تعليق رقم 1 و4" ط. دار الحديث فراجعه ثم أنى شئت.
1 ضعيف: أخرجه أحمد "2/ 442"، والحاكم "3/ 149"، والطبراني في "الكبير" "2621"، وابن عدي في "الكامل" "2/ 86-87"، والخطيب في "تاريخ بغداد" "7/ 136-137"، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" "431" من طرق عن تليد بن سليمان، قال حدثنا أبو الجحاف، به.
قلت: إسناده ضعيف جدا، من طرق عن تليد سليمان الكوفي الأعرج، قال أحمد: شيعي لم نر به بأسًا. وقال ابن معين: كذاب يشتم عثمان. وقال أبو داود: رافضي يشتم أبا بكر وعمر. وأبو حازم هو سلمان الأشجعي الكوفي، ثقة، وأبو الجحاف، هو داود بن أبي عوف سويد التميمي، صدوق شيعي ربما أخطأ، وله شاهد عن زيد بن أرقم أخرجه الترمذي "3870"، وإسناده ضعيف، فيه علتان: الأولى: أسباط بن نصر الهمداني، ضعيف لسوء حفظه. والثانية: جهالة صبيح مولى أم سلمة، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول.
2 حسن: أخرجه الحاكم "3/ 150" من طريق محمد بن بكير الحضرمي، حدثنا محمد بن فضيل الضبي، حدثنا أبان بن جعفر بن تغلب، عن جعفر بن إياس، عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري، به وقال الحاكم في إثره: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.
قلت: كلا، فإن الحديث حسن، محمد بن بكير الحضرمي، ومحمد بن فضل الضبي، كلاهما صدوق وليس على شرط مسلم، أبان بن تغلب لم يرو له مسلم، ولكن روى له أصحاب السنن حسب.(3/418)
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نَزَلَ مَلَكٌ فَبَشَّرَنِي أَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ" وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ المِنْهَالِ رَوَاهُمَا الحَاكِمُ1.
يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلاَّمٍ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: دَخَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى فَاطِمَةَ وَأَنَا مَعَهُ وَقَدْ أَخَذَتْ مِنْ عُنُقِهَا سِلْسِلَةً مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَتْ: هَذِهِ أَهْدَاهَا لِي أَبُو حَسَنٍ. فَقَالَ: "يَا فَاطِمَةُ أَيَسُرُّكِ أَنْ يَقُوْلَ النَّاسُ: هَذِهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَفِي يَدِهَا سِلْسِلَةٌ مِنْ نَارٍ"! ثُمَّ خَرَجَ. فَاشْتَرَتْ بِالسِّلْسِلَةِ غُلاَماً فَأَعْتَقَتْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الحَمْدُ للهِ الَّذِي نَجَّى فاطمة من النار" رواه أبو داود2.
دَاوُدُ بنُ أَبِي الفُرَاتِ، عَنْ عِلْبَاءَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوْعاً: "أَفْضَلُ نِسَاءِ أهل الجنة خديجة وفاطمة" 3.
__________
1 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه البخاري "3623" و"6285" و"6286" ومسلم "2450"، وابن ماجه "1621"، والبغوي "3960" من طرق عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، به.
فراس هو ابن يحيى الهمذاني الكوفي، صاحب الشعبي، وثقة أحمد، ويحيى بن معين، والنسائي، والعجلي، وابن عمار، وآخرون.
2 صحيح: أخرجه أبو داود الطيالسي "990"، والنسائي "2/ 285"، والحاكم "3/ 152 و153" من طريق هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلاَّمٍ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: جاءت فاطمة بنت هبيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يدها فتخ من ذهب "خواتيم ضخام" فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يضرب يدها، فأتت فاطمة تشكو إليها، قال ثوبان: فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على فاطمة وأنا معه وقد أخذت من عنقها سلسلة من ذهب فقالت: هذا أهدى لي أبو حسن وفي يدها السلسلة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان: الأولى: الانقطاع بين يحيى بن أبي كثير وأبي سلام واسمه ممطور الأسود الحبشي الثانية: يحيى بن أبي كثير، مدلس، وقد عنعنه: وقد رواه أحمد "5/ 278" من طريق همام، والنسائي "8/ 158" من طريق هشام الدستواني كلاهما عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني زيد، عن أبي سلام، عن أبي أسماء الرحبي أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه قال: جاءت بنت هبيرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث.
قلت: إسناده صحيح موصول، زيد هو ابن سلام بن أبي سلام ممطور الحبشي، ثقة. وأبو أسماء هو عمرو بن مرثد الرحبي الدمشقي، ثقة. وهشام هو ابن أبي عبد الله سنبر، أبو بكر الدستوائي، ثقة ثبت.
3 صحيح: أخرجه أحمد "1/ 293"، وعبد بن حميد "597"، والطحاوي في "مشكل الآثار" "148"، وأبو يعلى "2722"، والحاكم "3/ 185"، والطبراني "11928" من طرق عن داود بن أبي الفرات، عن علياء، به.
علياء هو ابن أحمد اليشكري، بصري صدوق، من القراء، روى له مسلم، والترمذي، والنسائي وابن ماجه.(3/419)
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ سُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ قَالَ: خَطَبَ عَلِيٌّ بِنْتَ أَبِي جهل إلى عمها الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ فَاسْتَشَارَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "أَعَنْ حَسَبِهَا تَسْأَلُنِي"? قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ أَعْلَمُ مَا حَسَبُهَا وَلَكِنْ أَتَأْمُرُنِي بِهَا? فَقَالَ: "لاَ فَاطِمَةُ مُضْغَةٌ مِنِّي وَلاَ أَحْسَبُ إلَّا أَنَّهَا تَحْزَنُ أَوْ تَجْزَعُ" قَالَ: لاَ آتِي شَيْئاً تَكْرَهُهُ1.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ مِنْ حَدِيْثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قِيْلَ لَهَا أَيُّ النَّاسِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: فَاطِمَةُ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ وَمِنَ الرِّجَالِ زَوْجُهَا وَإِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُ صَوَّاماً قَوَّاماً2.
قُلْتُ: لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ.
وَفِي الجَامِعِ لِزَيْدِ بنِ أَرْقَمَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لهما ولا بينهما: "أَنَا سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمْتُم وَحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبْتُم"3.
__________
1 ضعيف: أخرجه الحاكم "3/ 158" من طريق أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي زائدة، به. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ورد الذهبي في "التلخيص" بقوله "مرسل قوي".
قلت: لكن قد ورد عند أحمد "4/ 326" وفي "الفضائل" له "1335"، والبخاري "3110"، ومسلم "2449" "95" وأبي داود "2069"، والنسائي في "الفضائل" "267"، والطبراني "20/ 20" من طرق عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ كَثِيْرٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ حَلْحَلَةَ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ حَدَّثَهُ، عن المسور بن مخرمة قال إِنَّ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ ابْنَةَ أبي جهل على فاطمة -عليها السلام- فَسَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ عَلَى مِنْبَرِهِ هَذَا وأنا يومئذ المحتلم فقال: "إن فاطمة مني، وأنا أتخوف أن تفتتن في دينها"، ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه قال: "حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي، وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله أبدا".
2 منكر: أخرجه الترمذي "3874"، والحاكم "3/ 157" من طريق عبد السلام بن حرب على أبي الجحاف، عن جميع بن عمير التميمي قال: دخلت مع عمتي على عائشة فسئلت أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.... الحديث.
وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب، وأبو الجحاف اسمه داود بن أبي عوف".
قلت: إسناده واه بمرة، آفته جميع بن عمير، قال البخاري والدارقطني وغيرهما: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث.
3 ضعيف: سبق تخريجنا له بتعليقنا رقم "896" وهو عند أحمد "2/ 442"، والحاكم "3/ 149". وغيرهم.(3/420)
وَكَانَ لَهَا مِنَ البَنَاتِ: أُمُّ كُلْثُوْمٍ زَوْجَةُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ وَزَيْنَبُ زَوْجَةُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ.
الأَعْمَشُ، عَنْ عمرو بن مرة، عن أبي البَخْتَرِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ لأُمِّهِ: اكْفِي فَاطِمَةَ الخِدْمَةَ خَارِجاً وَتَكْفِيْكِ هِيَ العَمَلَ فِي البَيْتِ وَالعَجْنَ وَالخَبْزَ وَالطَّحْنَ.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فاطمة سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ" 1.
عَلِيُّ بنُ هَاشِمِ بنِ البَرِيْدِ، عَنْ كَثِيْرٍ النَّوَّاءِ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَادَ فَاطِمَةَ وَهِيَ مَرِيْضَةٌ فَقَالَ لَهَا: "كَيْفَ تَجِدِيْنَكِ" قَالَتْ: إِنِّي وَجِعَةٌ وَإِنَّهُ لَيَزِيْدُنِي مالي طَعَامٌ آكُلُهُ. قَالَ: "يَا بُنَيَّةُ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُوْنِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ" قَالَتْ: فَأَيْنَ مَرْيَمُ قَالَ: "تِلْكَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِهَا وَأَنْتِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِكِ أَمَا وَاللهِ لَقَدْ زَوَّجْتُكِ سَيِّداً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ"2.
رَوَاهُ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ عَلِيٍّ. وَكَثِيْرٌ وَاهٍ. وَسَقَطَ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِمْرَانَ.
عِلْبَاءُ بنُ أَحْمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ خَدِيْجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَمَرْيَمُ وَآسِيَةُ" 3.
وَرَوَى أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ وَلَفْظُهُ: "خَيْرُ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ أَرْبَعٌ".
مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعاً: "حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ العالمين أربع" ... الحديث
__________
1 صحيح على شرط الشيخين: سبق تخريجنا له قريبا بتعليقنا رقم "898" وهو عند البخاري "3623" و"6285" و"6286"، ومسلم "2450" وغيرهما.
2 ضعيف: آفته كثير بن إسماعيل النواء، أبو إسماعيل، ضعفه أبو حاتم، والنسائي. وقال ابن عدي: مفرط في التشيع. وقال السعدي: زائغ.
3 صحيح: تقدم تخريجنا له قريبا برقم تعليق "900".
وهو عند أحمد "1/ 293"، وعبد بن حميد "597" والطحاوي في "مشكل الآثار" "148"، وأبو يعلى "2722"، والحاكم "3/ 185" وغيرهم.(3/421)
وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا وَهُوَ: "حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ مَرْيَمُ وَخَدِيْجَةُ وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ وَفَاطِمَةُ بنت محمد -صلى الله عليه وسلم" 1.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَرْوَانَ الذُّهَلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إِنَّ مَلَكاً اسْتَأذَنَ اللهَ فِي زِيَارَتِي فَبَشَّرَنِي أَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أُمَّتِي وَأَنَّ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ" 2.
غَرِيْبٌ جِدّاً وَالذُّهْلِيُّ مُقِلٌّ وَيُرْوَى نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضاً.
مَيْسَرَةُ بنُ حَبِيْبٍ، عَنِ المِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً كَانَ أَشْبَهَ كَلاَماً وَحَدِيْثاً بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ فَاطِمَةَ وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَرَحَّبَ بِهَا وَكَذَلِكَ كَانَتْ هِيَ تَصْنَعُ بِهِ3. مَيْسَرَةُ: صَدُوْقٌ.
الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: عَاشَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَدُفِنَتْ لَيْلاً.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: هَذَا أَثْبَتُ الأَقَاوِيْلِ عِنْدَنَا. قَالَ: وَصَلَّى عَلَيْهَا العَبَّاسُ وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهَا هُوَ وَعَلِيٌّ وَالفَضْلُ.
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ: مَاتَتْ لَيْلَةَ الثُّلاَثَاءِ لِثَلاَثٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ. وَهِيَ بِنْتُ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً أَوْ نحوها ودفنت ليلًا.
__________
1 صحيح على شرط الشيخين: سبق تخريجنا له بتعليق رقم "883" من حديث أنس. وهو عند عبد الرزاق "11/ 20919"، وأحمد "3/ 135"، وفي "فضائل الصحابة" له "1325" و"137" وغيرهم.
2 حسن: وهذا إسناد ضعيف، آفته محمد بن مروان الذهلي، لا يكاد يعرف كما قال الذهبي في "الميزان".
وله شاهد من حديث حذيفة موفرعا بلفظ: "إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم عليَّ ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة".
أخرجه الترمذي "3781" من طريق مَيْسَرَةُ بنُ حَبِيْبٍ، عَنِ المِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو، عن زر بن حبيش عن حذيفة، به. وإسناده حسن، ميسره بن حبيب، والمنهال بن عمرو كلاهما صدوق.
3 حسن: أخرجه أبو داود "5217"، والترمذي "3872"، والحاكم "3/ 154" من طريق ميسرة بن حبيب، به.
قلت: إسناده حسن، ميسرة بن حبيب، والمنهال كلاهما صدوق.(3/422)
وَرَوَى يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ قَالَ: مَكَثَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَهِيَ تَذُوْبُ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ: مَاتَتْ بَعْدَ أَبِيْهَا بِثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ.
وَعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ بَيْنَ فَاطِمَةَ وَبَيْنَ أَبِيْهَا شَهْرَانِ.
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ: أَنَّهَا تُوُفِّيَتْ بِنْتَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. وُلِدَتْ وَقُرَيْشٌ تَبْنِي الكَعْبَةَ.
قَالَ: وَغَسَّلَهَا عَلِيٌّ.
وَذَكَرَ المُسَبِّحِيُّ: أَنَّ فَاطِمَةَ تَزَوَّجَ بِهَا عَلِيٌّ بَعْدَ عُرْسِ عَائِشَةَ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَنِصْفٍ وَلِفَاطِمَةَ يَوْمَئِذٍ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَخَمْسَةُ أَشْهُرٍ وَنِصْفٌ.
قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى، عَنْ عَوْنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ جَعْفَرٍ وَعَنْ عُمَارَةَ بنِ مُهَاجِرٍ، عَنِ أُمِّ جَعْفَرٍ: أَنَّ فَاطِمَةَ قَالَتْ لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ: إِنِّي أَسْتَقْبِحُ مَا يُصْنَعُ بِالنِّسَاءِ يُطْرَحُ عَلَى المَرْأَةِ الثَّوْبُ فَيَصِفُهَا.
قَالَتْ: يَا ابْنَةَ رَسُوْلِ اللهِ إلَّا أُرِيْكِ شَيْئاً رَأَيْتُهُ بِالحَبَشَةِ فَدَعَتْ بِجَرَائِدَ رَطْبَةٍ فَحَنَتْهَا ثُمَّ طَرَحَتْ عَلَيْهَا ثوبا.
فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَجْمَلَهُ إِذَا مِتُّ فَغَسِّلِيْنِي أَنْتِ وَعَلِيٌّ وَلاَ يَدْخُلَنَّ أَحَدٌ عَلَيَّ.
فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ جَاءتْ عَائِشَةُ لِتَدْخُلَ فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: لاَ تَدْخُلِي. فَشَكَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ. فَجَاءَ فَوَقَفَ عَلَى البَابِ فَكَلَّمَ أَسْمَاءَ. فَقَالَتْ: هِيَ أَمَرَتْنِي. قَالَ: فَاصْنَعِي مَا أَمَرَتْكِ ثُمَّ انْصَرَفَ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: هِيَ أَوَّلُ مِنْ غُطِّيَ نَعْشُهَا فِي الإِسْلاَمِ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى فَاطِمَةَ حِيْنَ مَرِضَتْ فَاسْتَأْذَنَ. فَأَذِنَتْ لَهُ. فَاعْتَذَرَ إِلَيْهَا وَكَلَّمَهَا. فَرَضِيَتْ عَنْهُ.
رَوَى إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ فُلاَنِ بنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ سَلْمَى قَالَتْ: مَرِضَتْ فَاطِمَةُ..... إِلَى أَنْ قَالَتْ: اضْطَجَعَتْ عَلَى فِرَاشِهَا وَاسْتَقْبَلَتِ القِبْلَةَ ثُمَّ قَالَتْ: وَاللهِ إِنِّي مَقْبُوْضَةٌ السَّاعَةَ وَقَدِ اغْتَسَلْتُ فَلاَ يَكْشِفَنَّ لِي أَحَدٌ كَنَفاً فَمَاتَتْ وَجَاءَ عَلِيٌّ فَأَخْبَرْتُهُ فَدَفَنَهَا بغسلها ذلك.
هذا منكر.(3/423)
أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوْقٍ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ قَالَتْ: كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اجْتَمَعْنَا عِنْدَهُ لَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً. فَجَاءتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي مَا تُخْطِئُ مِشْيَتُهَا مِشْيَةَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ بِهَا قَالَ: "مَرْحَباً بِابْنَتِي" ثُمَّ أَقْعَدَهَا، عَنْ يَمِيْنِهِ أَوْ، عَنْ يَسَارِهِ. ثُمَّ سَارَّهَا فَبَكَتْ ثُمَّ سَارَّهَا الثَّانِيَةَ فَضَحِكَتْ. فَلَمَّا قَامَ قُلْتُ لَهَا: خَصَّكِ رَسُوْلُ اللهِ بِالسِرِّ وَأَنْتَ تَبْكِيْنَ عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَالِي عَلَيْكِ مِنْ حَقٍّ لَمَا أَخْبَرْتِنِي مِمَّ ضَحِكْتِ وَمِمَّ بَكَيْتِ? قَالَتْ: مَا كُنْتُ لأُفْشِي سِرَّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا توفي قلت لها: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَالِي عَلَيْكِ مِنْ حَقٍّ لَمَا أَخْبَرْتِنِي. قَالَتْ: أَمَّا الآنَ فَنَعَمْ فِي المَرَّةِ الأُوْلَى، حَدَّثَنِي "أَنَّ جِبْرِيْلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَأَنَّهُ عَارَضَنِي العَامَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ وَأَنِّي لاَ أَحْسِبُ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ اقْتِرَابِ أَجَلِي فَاتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي فَنِعْمَ السَّلَفُ لَكِ أَنَا". فَبَكَيْتُ فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي قَالَ: "أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُوْنِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ". قَالَتْ: فَضَحِكْتُ أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ فِرَاسٍ1 وَهُوَ فَرْدٌ غَرِيْبٌ.
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِوٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِفَاطِمَةَ: أَرَأَيْتِ حِيْنَ أَكْبَبْتِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَكَيْتِ ثُمَّ أَكْبَبْتِ عَلَيْهِ فَضَحِكْتِ? قَالَتْ: أَخْبَرَنِي أَنَّهُ مَيِّتٌ مِنْ وَجَعِهِ فَبَكَيْتُ ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنَّنِي أَسْرَعُ أَهْلِهِ بِهِ لُحُوْقاً وَقَالَ: "أَنْتِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ إلَّا مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ". فَضَحِكْتُ.
ابْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بنِ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً كَانَ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ فَاطِمَةَ إلَّا أَنْ يَكُوْنَ الَّذِي وَلَدَهَا.
جَعْفَرٌ الأَحْمَرُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: كَانَ أَحَبَّ النِّسَاءِ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاطِمَةُ وَمِنَ الرِّجَالِ عَلِيٌّ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَا فَاطِمَةَ فَسَارَّهَا فَبَكَتْ ثُمَّ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ فَقُلْتُ لَهَا فَقَالَتْ: أَخْبَرَنِي بِمَوْتِهِ فَبَكَيْتُ ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنِّي أول من يتبعه من أهله فضحكت.
__________
1 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه البخاري "3623" و"6285" و"6286" ومسلم "2450"، وابن ماجه "1621"، والبغوي من طرق عن فراس، به.
وقد مر تخريجنا له قريبا بتعليقنا رقم "898".(3/424)
وَرَوَى كَهْمَسٌ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: كَمَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِيْهَا سَبْعِيْنَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. فَقَالَتْ لأَسْمَاءَ: إِنِّي لأَسْتَحْيِي أَنْ أَخْرُجَ غَداً على الرِّجَالِ مِنْ خِلاَلِهِ جِسْمِي. قَالَتْ: أَوَلاَ نَصْنَعُ لَكِ شَيْئاً رَأَيْتُهُ بِالحَبَشَةِ? فَصَنَعَتِ النَّعْشَ. فَقَالَتْ: سَتَرَكِ اللهُ كَمَا سَتَرْتِنِي.
هِلاَلُ بنُ خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نزلت {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح} [النصر: 1] دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاطِمَةَ فَقَالَ لَهَا: إِنَّهُ قَدْ نُعِيَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ. فَبَكَتْ. فَقَالَ: "لاَ تَبْكِيْنَ فَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لاَحِقاً بِي". فَضَحِكَتْ.
إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الفَرْوِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنِ المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا فَاطِمَةُ شُجْنَةٌ مِنِّي يَبْسُطُنِي مَا يبسطها ويقبضني ما يقبضها".
غَرِيْبٌ: وَرَوَاهُ عَبْدُ العَزِيْزِ الأُوَيْسِيُّ فَخَالَفَ الفَرْوِيُّ. وَرَوَى الحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَمُحَمَّدُ بنُ زُهَيْرٍ النَّسَوِيُّ هَذَا، عَنْ أَبِي سَهْلٍ بنِ زِيَادٍ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي.
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ أَنَّ المِسْوَر أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ فَلَمَّا سَمِعَتْ فَاطِمَةُ أَتَتْ فَقَالَتْ: إِنَّ قَوْمَكَ يَتَحَدَّثُوْنَ أَنَّكَ لاَ تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ وَهَذَا عَلِيٌّ نَاكِحٌ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ. فَقَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَمِعْتُهُ حِيْنَ تَشَهَّدَ فَقَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَنْكَحْتُ أَبَا العَاصِ بنَ الرَّبِيْعِ فَحَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي وَإِنَّ فَاطِمَةَ بِضْعَةٌ مِنِّي وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ يَفْتِنُوْهَا وَإِنَّهَا وَاللهِ لاَ تَجْتَمِعُ ابْنَةُ رَسُوْلِ اللهِ وَابْنَةُ عَدُوِّ اللهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ". فَتَرَكَ عَلِيٌّ الخِطْبَةَ.
وَرَوَاهُ الوَلِيْدُ بنُ كَثِيْرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ حَلْحَلَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِنَحْوِهِ. وَفِيْهِ: "وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِيْنِهَا".
ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ? قَالَ: "فَاطِمَةُ".
وَيُرْوَى، عَنْ أُسَامَةَ بِإِسْنَادٍ آخَرَ ولفظه: أي أهل بيتك أحب إليك?
حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَمُرُّ بِبَيْتِ فَاطِمَةَ(3/425)
سِتَّةَ أَشْهُرٍ إِذَا خَرَجَ لِصَلاَةِ الفَجْرِ يَقُوْلُ: "الصَّلاَةَ يَا أَهْلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأَحْزَابُ: 33] 1.
يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَمَنْصُوْرُ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ وَهَذَا لَفْظُهُ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ سَمِعتُ أَبَا الحَمْرَاءِ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْتِي بَابَ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَيَقُوْلُ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ} [الأحزاب: 33] الآية.
وَمِمَّا يُنْسَبُ إِلَى فَاطِمَةَ وَلاَ يَصِحُّ:
مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدٍ ... أَلاَ يَشَمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا
صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبٌ لَوْ أَنَّهَا ... صُبَّتْ عَلَى الأَيَّامِ عُدْنَ لَيَالِيَا
وَلَهَا فِي "مُسْنَدِ بَقِيٍّ" ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً مِنْهَا حديث واحد متفق عليه.
__________
1 ضعيف: أخرجه أحمد "3/ 259". وآفته علي بن زيد، وهو ابن جدعان، ضعيف.(3/426)
115- عائشة أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ "ع"1:
بِنْتُ الإِمَامِ الصِّدِّيْقِ الأَكْبَرِ خَلِيْفَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قُحَافَةَ عُثْمَانَ بنِ عَامِرِ بنِ عَمْرِو بنِ كَعْبِ بنِ سَعْدِ بنِ تَيْمِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ القُرَشِيَّةُ التَّيْمِيَّةُ المَكِّيَّةُ النَّبَوِيَّةُ أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ زَوجَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفْقَهُ نِسَاءِ الأُمَّةِ عَلَى الإِطْلاَقِ.
وَأُمُّهَا هِيَ أُمُّ رُوْمَانَ بِنْتُ عَامِرِ بنِ عُوَيْمِرِ بن عبد شمس بن عتاب ابن أُذَيْنَةَ الكِنَانِيَّةُ.
هَاجَرَ بِعَائِشَةَ أَبَوَاهَا وَتَزَوَّجَهَا نَبِيُّ اللهِ قَبْلَ مُهَاجَرِهِ بَعْدَ وَفَاةِ الصِّدِّيْقَةِ خَدِيْجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ وَذَلِكَ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِبِضْعَةَ عَشَرَ شَهْراً وَقِيْلَ: بِعَامَيْنِ وَدَخَلَ بِهَا فِي شَوَّالٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مُنَصَرَفَهُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعٍ.
فَرَوَتْ عَنْهُ: عِلْماً كَثِيْراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيْهِ. وَعَنْ أَبِيْهَا وَعَنْ عُمَرَ وَفَاطِمَةَ وَسَعْدٍ وَحَمْزَةَ بنِ عَمْرٍو الأسلمي وجدامة بنت وهب.
حَدَّثَ عَنْهَا: إِبْرَاهِيْمُ بنُ يَزِيْدَ النَّخَعِيُّ مُرْسَلاً وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ يَزِيْدَ التَّيْمِيُّ كَذَلِكَ وَإِسْحَاقُ بنُ طَلْحَةَ وَإِسْحَاقُ بنُ عُمَرَ وَالأَسْوَدُ بنُ يَزِيْدَ وَأَيْمَنُ المَكِّيُّ وَثُمَامَةُ بنُ حَزْنٍ وَجُبَيْرُ بنُ
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 58-81"، حلية الأولياء "2/ 43"، الإصابة "4/ ترجمة 704"، وتهذيب الكمال "35/ ترجمة 7885"، تهذيب التهذيب "12/ ترجمة 2841".(3/426)
نُفَيْرٍ وَجُمَيْعُ بنُ عُمَيْرٍ. وَالحَارِثُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَبِيْعَةَ المَخْزُوْمِيُّ وَالحَارِثُ بنُ نَوْفَلٍ وَالحَسَنُ وَحَمْزَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ وَخَالِدُ بنُ سَعْدٍ وَخَالِدُ بنُ مَعْدَانَ وَقِيْلَ: لَمْ يَسَمَعْ مِنْهَا وَخَبَّابٌ صَاحِبُ المَقْصُوْرَةِ وَخُبَيْبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ وَخِلاَسٌ الهَجَرِيُّ وَخِيَارُ بنُ سَلَمَةَ وَخَيْثَمَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَذَكْوَانُ السَّمَّانُ وَمَولاَهَا ذَكْوَانُ وَرَبِيْعَةُ الجُرَشِيُّ وَلَهُ صُحْبَةٌ وَزَاذَانُ أَبُو عُمَرَ الكِنْدِيُّ وَزُرَارَةُ بنُ أَوْفَى وَزِرُّ بنُ حُبَيْشٍ وَزَيْدُ بنُ أَسْلَمَ وَسَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ وَلَمْ يَسَمَعَا مِنْهَا وَزَيْدُ بنُ خَالِدٍ الجُهَنِيُّ وَسَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ وَسَالِمُ سَبَلاَنَ وَالسَّائِبُ بنُ يَزِيْدَ وَسَعْدُ بنُ هِشَامٍ وَسَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ وَسَعِيْدُ بنُ العَاصِ وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ وَسُلَيْمَانُ بنُ بُرَيْدَةَ وَشُرَيْحُ بنُ أَرْطَاةَ وَشُرَيْحُ بن هاني وَشَرِيْقٌ الهَوْزَنِيُّ وَشَقِيْقٌ أَبُو وَائِلٍ وَشَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ وَصَالِحُ بنُ رَبِيْعَةَ بنِ الهَدِيْرِ وَصَعْصَعَةُ عم الأحنف وطاوس وَطَلْحَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ التَّيْمِيُّ وَعَابِسُ بنُ رَبِيْعَةَ وَعَاصِمُ بنُ حُمَيْدٍ السَّكُوْنِيُّ وَعَامِرُ بنُ سَعْدٍ وَالشَّعْبِيُّ وَعبَّادُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ وَعُبَادَةُ بنُ الوَلِيْدِ وَعَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ وَأَبُو الوَلِيْدِ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ البَصْرِيُّ وَابْنُ الزُّبَيْرِ ابْنُ أُخْتِهَا وَأَخُوْهُ عُرْوَةُ وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَدَّادٍ اللَّيْثِيُّ وَعَبْدُ اللهِ بن شقيق وعبد الله بن شِهَابٍ الخَوْلاَنِيُّ وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللهِ بنُ فَرُّوْخٍ وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي مُلَيْكَةَ وعبد الله بن عبيد ابن عُمَيْرٍ وَأَبُوْهُ وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُكَيْمٍ وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي قَيْسٍ وَابْنَا أَخِيْهَا عَبْدُ اللهِ وَالقَاسِمُ ابْنَا مُحَمَّدٍ وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي عَتِيْقٍ مُحَمَّدٍ ابْنُ أَخِيْهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ اللهِ بنُ وَاقِدٍ العُمَرِيُّ وَرَضِيْعُهَا عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ وَعَبْدُ اللهِ البَهِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الأَسْوَدِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَعِيْدِ بنِ وَهْبٍ الهَمْدَانِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ شُمَاسَةَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَابِطٍ الجُمَحِيُّ وَعَبْدُ العَزِيْزِ وَالِدُ ابْنِ جُرَيْجٍ وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عِيَاضٍ وَعِرَاكٌ وَلَمْ يَلْقَهَا وَعُرْوَةُ المُزَنِيُّ وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ وَعِكْرِمَةُ وَعَلْقَمَةُ وَعَلْقَمَةُ بنُ وَقَّاصٍ وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ وَعَمْرُو بنُ سَعِيْدٍ الأَشْدَقُ وَعَمْرُو بنُ شُرَحْبِيْلَ وَعَمْرُو بنُ غَالِبٍ وَعَمْرُو بنُ مَيْمُوْنٍ وَعِمْرَانُ بنُ حِطَّانَ وَعَوْفُ بنُ الحَارِثِ رَضِيْعُهَا وَعِيَاضُ بنُ عُرْوَةَ وَعِيْسَى بنُ طَلْحَةَ وَغُضَيْفُ بنُ الحَارِثِ وَفَرْوَةُ بنُ نَوْفَلٍ وَالقَعْقَاعُ بنُ حَكِيْمٍ وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ وَكَثِيْرُ بنُ عُبَيْدٍ الكُوْفِيُّ رَضِيْعُهَا وَكُرَيْبٌ وَمَالِكُ بنُ أَبِي عَامِرٍ وَمُجَاهِدٌ وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ إِنْ كَانَ لَقِيَهَا وَمُحَمَّدُ بنُ الأَشْعَثِ وَمُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الجُمَحِيُّ وَابْنُ سِيْرِيْنَ وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ وَلَمْ يَلْقَهَا وَمُحَمَّدُ بنُ قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْتَشِرِ وَمُحَمَّدُ بنُ(3/427)
المُنْكَدِرِ وَكَأَنَّهُ مُرْسَلٌ وَمَرْوَانُ العُقَيْلِيُّ أَبُو لُبَابَةَ وَمَسْرُوْقٌ وَمِصْدَعٌ أَبُو يَحْيَى وَمُطَرِّفُ بنُ الشِّخِّيْرِ وَمِقْسَمٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَالمُطَّلِبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَنْطَبٍ وَمَكْحُوْلٌ وَلَمْ يَلْحَقْهَا وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ وَمَيْمُوْنُ بنُ أَبِي شَبِيْبٍ وَمَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ وَنَافِعُ بنُ جُبَيْرٍ وَنَافِعُ بنُ عَطَاءٍ وَنَافِعٌ العُمَرِيُّ وَالنُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ وَهَمَّامُ بن الحارث وهلال ابن يِسَافٍ وَيَحْيَى بنُ الجَزَّارِ وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَاطِبٍ وَيَحْيَى بنُ يَعْمَرَ وَيَزِيْدُ بنُ بَابَنُوْسَ وَيَزِيْدُ بنُ الشِّخِّيْرِ وَيَعْلَى بنُ عُقْبَةَ وَيُوْسُفُ بنُ مَاهَكَ وَأَبُو أُمَامَةَ بنُ سَهْلٍ وَأَبُو بُرْدَةَ بنُ أَبِي مُوْسَى وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ وَأَبُو الجوزاء الربعي وَأَبُو حُذَيْفَةَ الأَرْحَبِيُّ وَأَبُو حَفْصَةَ مَوْلاَهَا وَأَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ وَكَأَنَّهُ مُرْسل وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ المُحَارِبِيُّ وَأَبُو الصِّدِّيْقِ النَّاجِي وَأَبُو ظَبْيَانَ الجَنْبِيُّ وَأَبُو العَالِيَةِ رُفَيْعٌ الرِّيَاحِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الجَدَلِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَأَبُو عَطِيَّةَ الوَادِعِيُّ وَأَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ وَلَمْ يَلْقَهَا وَأَبُو المَلِيْحِ الهُذَلِيُّ وَأَبُو مُوْسَى وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو نَوْفَلٍ بنُ أَبِي عَقْرَبٍ وَأَبُو يُوْنُسَ مَوْلاَهَا وَبُهَيَّةُ مَوْلاَةُ الصِّدِّيْقِ وَجَسْرَةُ بِنْتُ دَجَاجَةَ وَحَفْصَةُ بِنْتُ أَخِيْهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَيْرَةُ وَالِدَةُ الحَسَنِ البَصْرِيِّ وَذِفْرَةُ بِنْتُ غَالِبٍ وَزَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ وَزَيْنَبُ بِنْتُ نَصْرٍ وَزَيْنَبُ السَّهْمِيَّةُ وَسُمَيَّةُ البَصْرِيَّةُ وَشُمَيْسَةُ العَتْكِيَّةُ وَصَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ وَصَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَعَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ وَعَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَرْجَانَةُ وَالِدَةُ عَلْقَمَةَ بنِ أَبِي عَلْقَمَةَ وَمُعَاذَةُ العَدَوِيَّةُ وَأُمُّ كُلْثُوْمٍ التَّيْمِيَّةُ أُخْتُهَا وَأُمُّ مُحَمَّدٍ امْرَأَةُ والد علي بن زيد ين جُدْعَانَ وَطَائِفَةٌ سِوَى هَؤُلاَءِ.
"مُسْنَدُ عَائِشَةَ": يَبْلُغُ ألفين ومئتين وَعَشْرَةِ أَحَادِيْثَ. اتَّفَقَ لَهَا البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى مئة وَأَرْبَعَةٍ وَسَبْعِيْنَ حَدِيْثاً وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِأَرْبَعَةٍ وَخَمْسِيْنَ وَانْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّيْنَ.
وَعَائِشَةُ مِمَّنْ وُلِدَ فِي الإِسْلاَمِ وَهِيَ أَصْغَرُ مِنْ فَاطِمَةَ بِثَمَانِي سِنِيْنَ. وَكَانَتْ تَقُوْلُ لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إلَّا وَهُمَا يَدِيْنَانِ الدِّيْنَ.
وَذَكَرَتْ أَنَّهَا لَحِقَتْ بِمَكَّةَ سائس الفيل شيخًا أعمى يستعطي.
وَكَانَتِ امْرَأَةً بَيْضَاءَ جَمِيْلَةً. وَمِنْ ثَمَّ يُقَالُ لَهَا: الحُمَيْرَاءُ وَلَمْ يَتَزَوَّجِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِكْراً غَيْرَهَا وَلاَ أَحَبَّ امْرَأَةً حُبَّهَا. وَلاَ أَعْلَمُ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَلْ وَلاَ فِي النِّسَاءِ مُطْلَقاً امْرَأَةً أَعْلَمَ مِنْهَا. وَذَهَبَ بَعْضُ العُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ أَبِيْهَا. وَهَذَا مَرْدُوْدٌ وَقَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً بَلْ نَشْهَدُ أَنَّهَا زَوْجَةُ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الدُّنْيَا وَالآخرَةِ فَهَلْ فَوْقَ ذَلِكَ مَفْخَرٌ وَإِنْ كَانَ لِلصِّدِّيْقَةِ خَدِيْجَةَ شَأْوٌ لاَ يُلْحَقُ وَأَنَا وَاقِفٌ فِي أَيَّتِهِمَا أَفْضَلُ. نَعَمْ جَزَمْتُ بِأَفْضَلِيَّةِ خَدِيْجَةَ عَلَيْهَا لأُمُوْرٍ لَيْسَ هَذَا موضعها.(3/428)
هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُرِيْتُكِ فِي المَنَامِ ثَلاَثَ لَيَالٍ جَاءَ بِكِ المَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيْرٍ فَيَقُوْلُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَأَكْشِفُ، عَنْ وَجْهِكِ فَإِذَا أَنْتِ فِيْهِ. فَأَقُوْلُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ" 1.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ المَكِّيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عن عائشة: أن جبريل جاء بصورتها فِي خِرْقَةِ حَرِيْرٍ خَضْرَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "هَذِهِ زَوْجَتُكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ"2.
حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: لاَ نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِي عَنْهُ مُرْسَلاً.
بِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ القَاضِي: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ بنِ جُدْعَانَ، عَنْ جَدَّتِهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَقَدْ أُعْطِيْتُ تِسْعاً مَا أُعْطِيَتْهَا امْرَأَةٌ بَعْدَ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ: لَقَدْ نَزَلَ جِبْرِيْلُ بِصُوْرَتِي فِي رَاحَتِهِ حَتَّى أَمَرَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَتَزَوَّجَنِي وَلَقَدْ تَزَوَّجَنِي بِكْراً وَمَا تَزَوَّجَ بِكْراً غَيْرِي وَلَقَدْ قُبِضَ وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِي وَلَقَدْ قَبَرْتُهُ فِي بَيْتِي وَلَقَدْ حَفَّتِ الملاَئكَةُ بِبَيْتِي وَإِنْ كَانَ الوَحْيُ لَيَنْزِلُ عَلَيْهِ وَإِنِّي لَمَعَهُ فِي لِحَافِهِ وَإِنِّي لابْنَةُ خَلِيْفَتِهِ وَصِدِّيْقِهِ وَلَقَدْ نَزَلَ عُذْرِي مِنَ السَّمَاءِ وَلَقَدْ خُلِقْتُ طَيِّبَةً عِنْدَ طَيِّبٍ وَلَقَدْ وُعِدْتُ مَغْفِرَةً وَرِزْقاً كَرِيْماً3.
رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الآجُرِّيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ يَحْيَى الحُلْوَانِيِّ عَنْهُ. وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَلَهُ طَرِيْقٌ آخَرُ سَيَأْتِي.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 41 و128 و161" والبخاري "3895" و"5078" و"5125" و"1011" ومسلم "2438" من طريق هشام، عن أبيه، عن عائشة، به.
ووقع عند بعضهم "مرتين" بدل "ثلال ليال".
2 صحيح: أخرجه الترمذي "3880" حدثنا عبد بن حميد، أخبرنا عبد الرزاق، عن عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ المَكِّيِّ، به.
وقال الترمذي: هذا حديث حَسَنٌ غَرِيْبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ بن عمرو بن علقمة.
قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات، وابن أبي حسين، هو عمر بن سعيد بن أبي حسين الكوفي المكي، ثقة روى له البخاري، ومسلم. وابن أبي مليكة، هو عبد الله بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أبي مليكة، ثقة فقيه روى له الجماعة.
3 ضعيف: فيه علتان: علي بن زيد بن جدعان، ضعيف.
والثانية: جدة علي بن زيد مجهولة لا تعرف.(3/429)
وَكَانَ تَزْوِيْجُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَا إِثْرَ وَفَاةِ خَدِيْجَةَ فَتَزَوَّجَ بِهَا وَبِسَوْدَةَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ثُمَّ دَخَلَ بِسَوْدَةَ فَتَفَرَّدَ بِهَا ثَلاَثَةَ أَعْوَامٍ حَتَّى بَنَى بِعَائِشَةَ فِي شَوَّالٍ بعد وَقْعَةِ بَدْرٍ. فَمَا تَزَوَّجَ بِكْراً سِوَاهَا وَأَحَبَّهَا حُبّاً شَدِيْداً كَانَ يَتَظَاهَرُ بِهِ بِحَيْثُ إِنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ وَهُوَ مِمَّنْ أَسْلَمَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الهِجْرَةِ سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ: قَالَ: "عَائِشَةُ" قَالَ: فَمِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: "أَبُوْهَا" 1.
وَهَذَا خَبَرٌ ثَابِتٌ عَلَى رَغْمِ أُنُوْفِ الرَّوَافِضِ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِيُحِبَّ إلَّا طَيِّباً. وَقَدْ قَالَ: "لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً خَلِيْلاً مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيْلاً وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ" 2. فَأَحَبَّ أَفْضَلَ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِهِ وَأَفْضَلَ امْرَأَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ فَمَنْ أَبْغَضَ حَبِيْبَيْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ حَرِيٌّ أَنْ يَكُوْنَ بَغِيْضاً إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ.
وَحُبُّهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِعَائِشَةَ كَانَ أَمْراً مُسْتَفِيْضاً إلَّا تَرَاهُمْ كَيْفَ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَهَا تَقَرُّباً إِلَى مَرْضَاتِهِ.
قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ. قَالَتْ: فَاجْتَمَعْنَ صَوَاحِبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقُلْنَ لَهَا: إِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنُ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ وَإِنَّا نُرِيْدُ الخَيْرَ كَمَا تُرِيْدُهُ عَائِشَةُ فَقُوْلِي لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرِ النَّاسَ أَنْ يُهْدُوا لَهُ أَيْنَمَا كَانَ. فَذَكَرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لَهُ ذَلِكَ. فَسَكَتَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهَا. فَعَادَتِ الثَّانِيَةَ. فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهَا. فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ قَالَ: "يَا أُمَّ سَلَمَةَ لاَ تُؤْذِيْنِي فِي عَائِشَةَ فَإِنَّهُ وَاللهِ مَا نَزَلَ عَلَيَّ الوَحْيُ وَأَنَا في لحاف امرأة منكن غيرها" 3. متفق على صحته.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "4/ 203"، والبخاري "3662"، والترمذي "3885"، والنسائي في "فضائل الصحابة" "16"، والبغوي "3869" من طريق عبد العزيز بن المختار، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، حدثني عمرو بن العاص قال: قلت يَا رَسُوْلَ اللهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قال: "عائشة ... " الحديث.
وأخرجه البخاري "4358"، ومسلم "2384"، والبيهقي "10/ 233" من طريق خالد بن عبد الله الطحان الواسطي، عن خالد الحذاء، به.
وخالد الحذاء، هو خالد بن مهران الحذاء. وأبو عثمان النهدي، هو عبد الرحمن بن مل.
2 صحيح: تقدم تخريجنا له.
3 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 293"، والحاكم "4/ 9"، والطبراني في "الكبير" "23/ 850" من طريق عن هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَوْفِ بنِ الحَارِثِ بن الطفيل، عن رميثة أم عبد الله بن محمد بن أبي عتيق، عن أم سلمة، به.
وقد ورد الحديث عن عائشة: أخرجه البخاري "2580" و"2581" و"3775"، والترمذي "3879"، والنسائي "7/ 68" من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عنها، به.(3/430)
وَهَذَا الجَوَابُ مِنْهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى سَائِرِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ بِأَمْرٍ إِلَهِيٍّ وَرَاءَ حُبِّهِ لَهَا وَأَنَّ ذَلِكَ الأَمْرَ مِنْ أَسْبَابِ حُبِّهِ لَهَا.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا أَخِي أَبُو بَكْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ نساء رسول الله -صلى الله عليه وَسَلَّمَ- كُنَّ حِزْبَيْنِ فَحِزْبٌ فِيْهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَصَفِيَّةُ وَسَوْدَةُ وَالحِزْبُ الآخَرُ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ أزواجه. وكانوا المُسْلِمُوْنَ قَدْ عَلِمُوا حُبَّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَائِشَةَ فَإِذَا كَانَتْ عِنْدَ أَحَدِهِمْ هَدِيَّةٌ يُرِيْدُ أَنْ يُهْدِيَهَا إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَّرَهَا حَتَّى إِذَا كَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ بَعَثَ بِهَا إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِ عَائِشَةَ. فَتَكَلَّمَ حِزْبُ أُمِّ سَلَمَةَ فَقُلْنَ لَهَا: كَلِّمِي رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكَلِّمُ النَّاسَ فَيَقُوْلُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ هَدِيَّةً فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ نِسَائِهِ. فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِمَا قُلْنَ. فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئاً. فَسَأَلْنَهَا. فَقَالَتْ: مَا قَالَ لِي شَيْئاً. فَقُلْنَ: كَلِّمِيْهِ. قَالَتْ: فَكَلَّمَتْهُ حِيْنَ دَارَ إِلَيْهَا. فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئاً. فَسَأَلْنَهَا. فَقَالَتْ: مَا قَالَ لِي شَيْئاً. فَقُلْنَ لَهَا: كَلِّمِيْهِ. فَدَارَ إِلَيْهَا فَكَلَّمَتْهُ. فَقَالَ لَهَا: "لاَ تُؤْذِيْنِي فِي عَائِشَةَ. فَإِنَّ الوَحْيَ لَمْ يَأْتِنِي وَأَنَا فِي ثَوْبِ امْرَأَةٍ إلَّا عَائِشَةَ". فَقَالَتْ: أَتُوْبُ إِلَى اللهِ مِنْ أَذَاكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ. ثُمَّ إِنَّهُنَّ دَعَوْنَ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَقُوْلُ: إِنَّ نِسَاءكَ يَنْشُدْنَكَ العَدْلَ فِي بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ. فَكَلَّمَتْهُ فَقَالَ: "يَا بُنَيَّةُ إلَّا تُحِبِّيْنَ مَا أُحِبُّ" قَالَتْ: بَلَى. فَرَجَعَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَخْبَرَتْهُنَّ. فَقُلْنَ: ارْجِعِي إِلَيْهِ فَأَبَتْ أَنْ تَرْجِعَ. فَأَرْسَلْنَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ. فَأَتَتْهُ فَأَغْلَظَتْ وَقَالَتْ: إِنَّ نِسَاءكَ يَنْشُدْنَكَ اللهَ العَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ. فَرَفَعَتْ صَوْتَهَا حَتَّى تَنَاوَلَتْ عَائِشَةَ وَهِيَ قَاعِدَةٌ فَسَبَّتْهَا حَتَّى أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيَنْظُرُ إِلَى عَائِشَةَ هَلْ تَتَكَلَّمُ. قَالَ: فَتَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ تَرُدُّ عَلَى زَيْنَبَ حَتَّى أَسْكَتَتْهَا. فَنَظَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عَائِشَةَ وَقَالَ: "إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ" 1.
فَضِيْلَةٌ:
إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ:، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعَ أَنَساً يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: $"فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النساء كفضل الثريد على سائر الطعام"2.
__________
1 صحيح: راجع تخريجنا السابق.
2، 3 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه أحمد "3/ 156 و264"، والبخاري "3770" و"5419" و"5428، ومسلم "2446"، والترمذي "3887"، وابن ماجه "3281"، وأبو يعلى "3670"=(3/431)
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي طُوَالَةَ.
شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيْرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيْدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ" 1.
فَضِيْلَةٌ أُخْرَى:
رَوَى الحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طَرِيْقِ يُوْسُفَ بنِ المَاجِشُوْنِ قَالَ:، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ، عن عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُوْلَ اللهِ مَنْ مِنْ أَزْوَاجِكَ فِي الجَنَّةِ? قَالَ: "أَمَا إِنَّكِ مِنْهُنَّ" قَالَتْ: فَخُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّ ذَاكَ لأَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْراً غَيْرِي2.
مُوْسَى وَهُوَ الجُهَنِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَفْصٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا جَاءتْ هِيَ وَأَبَوَاهَا فَقَالاَ: إِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَدْعُوَ لِعَائِشَةَ بِدَعْوَةٍ وَنَحْنُ نَسْمَعُ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ مَغْفِرَةً وَاجِبَةً ظَاهِرَةً بَاطِنَةً". فَعَجِبَ أَبَوَاهَا. فَقَالَ: "أَتَعْجَبَانِ هَذِهِ دَعْوَتِي لِمَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُوْلُ الله"3.
__________
= والطبراني في "الكبير" "23/ 109 و110 و111 و112"، وفي "الصغير" "260" من طرق عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن أنس، به.
وورد عن أبي موسى الأشعري: أخرجه أحمد "4/ 394 و409"، وفي "فضائل الصحابة" له" "1632"، وابن أبي شيبة "12/ 128"، والبخاري "3411" و"3433" و"3769" و"5418" ومسلم "2431"، والطبراني "23/ 106"، والبغوي "3962" من طرق عن شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ الهمداني، عن أبي موسى الأشعري، به مرفوعا ولفظه:
"كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيْرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النساء غير مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وإن فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيْدِ عَلَى سائر الطعام".
وابن أبي طوالة، هو عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري، راوي الحديث عن أنس، رضي الله عنه.
1 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه أحمد 3/ 156 و264"، والبخاري "3770" و"5419" و"5428، ومسلم "2446"، والترمذي "3887"، وابن ماجه "3281"، وأبو يعلى "3670" والطبراني في "الكبير" "23/ 109 و110 و111 و112"، وفي "الصغير" "260" من طرق عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن أنس، به.
وورد عن أبي موسى الأشعري: أخرجه أحمد "4/ 394 و409"، وفي "فضائل الصحابة" له" "1632"، وابن أبي شيبة "12/ 128"، والبخاري "3411" و"3433" و"3769" و"5418" ومسلم "2431"، والطبراني "23/ 106"، والبغوي "3962" من طرق عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن مرة الهمداني، عن أبي موسى الأشعري، به مرفوعا ولفظه:
"كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام".
وابن أبي طوالة، هو عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري، راوي الحديث عن أنس. رضي الله عنه.
2 صحيح: أخرجه الحاكم "4/ 13" من طريق يوسف بن الماجشون، به.
3 منكر: أخرجه الحاكم "4/ 11-12" من طريق سفيان بن عيينة، عن موسى الجهني، به وقال الحافظ في "التلخيص": قلت: منكر على جودة إسناده.
وأبو بكر بن حفص، هو عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري، ثقة، من الطبقة الخامسة وهي طبقة صغار التابعين، فأنى له لقيا عائشة -رضي الله عنها- فالإسناد منقطع.(3/432)
أَخْرَجَهُ الحَاكمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طَرِيْقِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُوْسَى وَهُوَ غَرِيْبٌ جِدّاً.
فَضِيْلَةٌ أُخْرَى:
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ:، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَائِشُ هَذَا جِبْرِيْلُ وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلاَمَ" قَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ تَرَى مَا لاَ نَرَى يَا رَسُوْلَ اللهِ1.
زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا: "إِنَّ جِبْرِيْلَ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ". فَقَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ2.
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيْقِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَ الأَوَّلِ3.
وَفِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ"، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَأَيْتُكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ وَأَنْتَ قَائِمٌ تُكَلِّمُ دِحْيَةَ الكَلْبِيَّ. فَقَالَ: "وَقَدْ رَأَيْتِهِ" قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: "فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ وَهُوَ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ" قَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ جَزَاهُ اللهُ مِنْ زَائِرٍ وَدَخِيْلٍ فَنِعْمَ الصَّاحِبُ وَنِعْمَ الدَّخِيْلُ4.
قَالَ: وَالِدَّخِيْلُ: الضَّيْفُ. مُجَالِدٌ لَيْسَ بِقَوِيٍّ.
كَثِيْرُ بنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا الحَكَمُ بنُ هِشَامٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ لِنِسَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فُضِّلْتُ عَلَيْكُنَّ بِعَشْرٍ وَلاَ فَخْرٍ: كُنْتُ أَحَبُّ نِسَائِهِ إِلَيْهِ وَكَانَ أَبِي أَحَبَّ رِجَالِهِ إِلَيْهِ وَابْتَكَرَنِي وَلَمْ يَبْتَكِرْ غَيْرِي وَتَزَوَّجَنِي لِسَبْعٍ وَبَنَى بِي لِتِسْعٍ وَنَزَلَ عُذْرِي مِنَ
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3768"، ومسلم "2447" "91" من طريق الزهري، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، به.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2447" "90"، وأبو داود "5232" من طريق زكريا بن أبي زائدة، عن عامر الشعبي، به.
3 صحيح: أخرجه النسائي "7/ 69" من طريق عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، به.
4 ضعيف: أخرجه أحمد "6/ 74-75 و146"، وابن سعد "8/ 67-68" من طريق مجالد بن سعيد به.
قلت: إسناده ضعيف، مجالد بن سعيد، ضعيف.(3/433)
السَّمَاءِ وَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءهُ فِي مَرَضِهِ فَقَالَ: "إِنَّهُ لَيَشُقُّ عَلَيَّ الاخْتِلاَفُ بَيْنَكُنَّ فَائْذَنَّ لِي أَنْ أَكُوْنَ عِنْدَ بَعْضِكُنَّ". فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: قَدْ عَرَفْنَا مَنْ تُرِيْدُ تُرِيْدُ عَائِشَةَ. قَدْ أَذِنَّا لَكَ وَكَانَ آخِرُ زَادِهِ مِنَ الدُّنْيَا رِيْقِي أُتِيَ بِسِوَاكٍ فَقَالَ: "انْكُثِيْهِ يَا عَائِشَةُ" فَنَكَثْتُهُ وَقُبِضَ بَيْنَ حَجْرِي وَنَحْرِي وَدُفِنَ فِي بَيْتِي.
هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ وَلَكِنْ فِيْهِ انْقِطَاعٌ.
فَضِيْلَةٌ بَاهِرَةٌ لَهَا:
خَالِدٌ الحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ عَمْرِو بنِ العَاصِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَعْمَلَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاسِلِ قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ? قَالَ: "عَائِشَةُ" قَالَ: مِنَ الرِّجَالِ قَالَ: "أَبُوْهَا" 1.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هذا حديث حسن.
قُلْتُ: قَدْ أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
ابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ بن أبي حازم، عَنْ عَمْرِو بنِ العَاصِ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ? قَالَ: "عَائِشَةُ" قَالَ: مِنَ الرِّجَالِ? قَالَ: "أَبُوْهَا" 2.
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَغَرَّبَهُ.
التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ، حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ? قَالَ: "عَائِشَةُ" قِيْلَ مِنَ الرِّجَالِ قَالَ: "أَبُوْهَا" 3.
قَالَ: هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ غَرِيْبٌ.
تَزْوِيْجُهَا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
رَوَى هِشَامٌ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- متوفى خديجة وأنا
__________
1 صحيح: مر تخريجنا له قريبا بتعليق رقم "916".
2 صحيح: راجع تخريجنا السابق رقم "916".
3 انظر السابق.(3/434)
ابْنَةُ سِتٍّ وَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ وَأَنَا ابْنَةُ تِسْعٍ جَاءنِي نِسْوَةٌ وَأَنَا أَلْعَبُ عَلَى أُرْجُوْحَةٍ وَأَنَا مُجَمَّمَةٌ فَهَيَّأْنَنِي وَصَنَعْنَنِي ثُمَّ أَتَيْنَ بِي إِلَيْهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1.
قَالَ عُرْوَةُ: فَمَكَثَتْ عنده تسع سنين.
وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ: أَنَّ خَدِيْجَةَ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ فَلَبِثَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَنَتَيْنِ أَوْ قَرِيْباً مِنْ ذَلِكَ وَنَكَحَ عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِيْنَ2.
ابْنُ إِدْرِيْسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَاطِبٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَمَّا مَاتَتْ خَدِيْجَةُ جَاءتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيْمٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ إلَّا تَزَوَّجُ? قَالَ: "وَمَنْ"؟ قَالَتْ: إِنْ شِئْتَ بِكْراً وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّباً? قَالَ: "مَنِ البِكْرُ وَمَنِ الثَّيِّبُ"؟ قَالَتْ: أَمَّا البِكْرُ فَعَائِشَةُ ابْنَةُ أَحَبِّ خَلْقِ اللهِ إِلَيْكَ وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ قَدْ آمَنَتْ بِكَ وَاتَّبَعَتْكَ. قَالَ: "اذْكُرِيْهِمَا عَلَيَّ". قَالَتْ: فَأَتَيْتُ أُمَّ رُوْمَانَ فَقُلْتُ: يَا أُمَّ رُوْمَانَ مَاذَا أَدْخَلَ اللهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ قَالَتْ: مَاذَا? قَالَتْ: رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ عَائِشَةَ. قَالَتْ: انْتَظِرِي فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ آتٍ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: أَوَ تَصْلُحُ لَهُ وَهِيَ ابْنَةُ أَخِيْهِ فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا أَخُوْهُ وَهُوَ أَخِي وَابْنَتُهُ تَصْلُحُ لِي". فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ: فَقَالَتْ لِي أُمُّ رُوْمَانَ: إِنَّ المُطْعِمَ بنَ عَدِيٍّ كَانَ قَدْ ذَكَرَهَا عَلَى ابْنِهِ وَوَاللهِ مَا أُخْلِفُ وَعْداً قَطُّ. قَالَتْ: فَأَتَى أَبُو بَكْرٍ المُطْعِمَ. فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي أَمْرِ هَذِهِ الجَارِيَةِ? قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: مَا تَقُوْلِيْنَ? فَأَقْبَلَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ: لَعَلَّنَا إِنْ أَنْكَحْنَا هَذَا الفَتَى إِلَيْكَ تُدْخِلُهُ فِي دِيْنِكَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ أَنْتَ? قَالَ: إِنَّهَا لَتَقُوْلُ مَا تَسْمَعُ. فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ وَلَيْسَ فِي نَفْسِهِ مِنَ المَوْعِدِ شَيْءٌ فَقَالَ لَهَا: قُوْلِي لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلْيَأْتِ. فَجَاءَ فَمَلَكَهَا. قَالَتْ: ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى سَوْدَةَ وَأَبُوْهَا شيخ كبير ... وذكرت الحديث3.
__________
1 صحيح: أخرجه الطيالسي "1454" وابن سعد "8/ 59"، والبخاري "3894" و"3896" و"5133" و"5134" و"5156" و"5158" و"5160" ومسلم "1422" "70" و"71" وأبو داود "2121" و"4933" و"4934" و"4935" و"4936"، والنسائي "6/ 82"، وابن ماجه "1876"، وأبو يعلى "4600" , 4897"، والطبراني "23/ 41 و44 و45 و46 و47 و48 و49 و50"، والبيهقي "7/ 148-149" من طرق عن هشام بن عروة، به.
قوله: مجممة: أي جمة، وهو الشعر النازل إلى المنكبين. وإذا وصل الشعر إلى الأذنين، فهو وفرة.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3896" حدثنا عبيد بن إسماعيل، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: توفيت خديجة قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنين ... الحديث.
3 حسن: فيه مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ بنِ وَقَّاصٍ الليثي المدني، صدوق. والحديث أورده الهيثمي في "المجمع" "9/ 225" وقال: "رواه الطبراني، ورجاله رجال صحيح غير محمد بن عمرو بن علقمة، وهو حسن الحديث".(3/435)
هِشَامٌ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُدْخِلْتُ عَلَى نَبِيِّ اللهِ وَأَنَا بِنْتُ تِسْعٍ جَاءنِي نِسْوَةٌ وَأَنَا أَلْعَبُ عَلَى أُرْجُوْحَةٍ وَأَنَا مُجَمَّمَةٌ فَهَيَّأْنَنِي وَصَنَعْنَنِي ثُمَّ أَتَيْنَ بِي إِلَيْهِ1.
هِشَامٌ، عَنْ أَبِيْهِ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالبَنَاتِ تَعْنِي اللُّعَبَ فَيَجِيْءُ صَوَاحِبِي فَيَنْقَمِعْنَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَخْرُجُ رَسُوْلُ اللهِ فَيَدْخُلْنَ عَلَيَّ وَكَانَ يُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي.
وَفِي لَفْظٍ: فَكُنَّ جَوَارٍ يَأْتِيْنَ يَلْعَبْنَ مَعِي بِهَا فَإِذَا رَأَيْنَ رَسُوْلَ اللهِ تَقَمَّعْنَ فَكَانَ يُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ2.
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ وَأَنَا أَلْعَبُ بِالبَنَاتِ فقال: "مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ"؟ قُلْتُ: خَيْلُ سُلَيْمَانَ وَلَهَا أَجْنِحَةٌ. فَضَحِكَ3.
الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْمُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي وَالحَبَشَةُ يَلْعَبُوْنَ بِالحِرَابِ فِي المَسْجِدِ وَإِنَّهُ لَيَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى لَعِبِهِمْ ثُمَّ يَقِفُ مِنْ أَجْلِي حَتَّى أَكُوْنَ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ. فَاقْدُرُوا قَدْرَ الجَارِيَةِ الحَدِيْثَةِ السِّنِّ الحَرِيْصَةِ عَلَى اللَّهْوِ.
وَفِي لَفْظِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: فَمَا زِلْتُ أَنْظُرُ حَتَّى كُنْتُ أَنَا أَنْصَرِفُ فَاقْدُرُوا قَدْرَ الجَارِيَةِ الحَدِيْثَةِ السِّنِّ الَّتِي تَسْمَعُ اللَّهْوَ.
__________
1 صحيح: تقدم تخريجنا له قريبا في الصفحة السابقة بتعليق رقم "931".
2 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه عبد الرزاق "19722"، والحميدي "260، وأحمد "6/ 166 و233 و234"، وابن سعد "8/ 58-59 و61 و65"، والبخاري "6130"، ومسلم "2440" وأبو داود "4931"، والنسائي "6/ 131"، وابن ماجه "1982"، والطبراني "23/ 275 و277 و278"، البيهقي "10/ 219" من طرق عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، به.
قوله: "ينقمعن" أي يتغيبن ويستترن.
قوله: "يسربهن" أي يرسلهن ويدفعهن إليَّ.
3 صحيح: أخرجه أبو داود "4932"، والبيهقي "10/ 219" من طريق سَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى بنِ أيوب، عن عمارة بن غزية، عن محمد بن إبراهيم، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عائشة، به.(3/436)
وَلَفْظُ الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الحَدِيْثِ قَالَتْ: قَدِمَ وَفْدُ الحَبَشَةِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامُوا يَلْعَبُوْنَ فِي المَسْجِدِ فَرَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِم حَتَّى أكون أنا التي أسام1.
وَفِي حَدِيْثِ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ عُمَرَ وَجَدَهُمْ يَلْعَبُوْنَ فَزَجَرَهُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دَعْهُم فَإِنَّهُمْ بَنُو أَرْفِدَةَ" 2.
الوَاقِدِيُّ قَالَ:، حَدَّثَنِي مُوْسَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ رِيْطَةَ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا هَاجَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى المَدِيْنَةِ خَلَّفَنَا وَخَلَّفَ بَنَاتِهِ فَلَمَّا قَدِمَ المَدِيْنَةَ بَعَثَ إِلَيْنَا زَيْدَ بنَ حَارِثَةَ وَأَبَا رَافِعٍ وَأَعْطَاهُمَا بعيرين وخمس مئة دِرْهَمٍ أَخَذَهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ يَشْتَرِيَانِ بِهَا مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الظَّهْرِ. وَبَعَثَ أَبُو بَكْرٍ مَعَهُمَا عَبْدَ اللهِ بنَ أُرَيْقِطٍ اللَّيْثِيَّ بِبَعِيْرَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ وَكَتَبَ إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللهِ يَأْمُرُهُ أَنْ يَحْمِلَ أَهْلَهُ أُمَّ رُوْمَانَ وَأَنَا وَأُخْتِي أَسْمَاءَ. فَخَرَجُوا فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى قُدَيْدٍ اشْتَرَى زَيْدٌ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ ثَلاَثَةَ أَبْعِرَةٍ ثُمَّ دَخَلُوا مَكَّةَ وَصَادَفُوا طَلْحَةَ يُرِيْدُ الهِجْرَةَ بِآلِ أَبِي بَكْرٍ. فَخَرَجْنَا جَمِيْعاً وَخَرَجَ زَيْدٌ وَأَبُو رَافِعٍ بِفَاطِمَةَ وَأُمِّ كُلْثُوْمٍ وَسَوْدَةَ وَأُمِّ أَيْمَنَ وَأُسَامَةَ فَاصْطَحَبَنَا جَمِيْعاً حَتَّى إِذَا كُنَّا بالبيض3 نفر بعيري وقدامي محفة فيها أُمِّي فَجَعَلَتْ أُمِّي تَقُوْلُ وَابِنْتَاهُ وَاعَرُوْسَاهُ حَتَّى أُدْرِكَ بَعِيْرُنَا. فَقَدِمْنَا وَالمَسْجِدُ يُبْنَى ... وَذَكَرَ الحَدِيْثَ4.
__________
1 صحيح: أخرجه عبد الرزاق "19721"، والبخاري "454" و"5190" و"5229" ومسلم "892" "18"، والنسائي "3/ 195-196"، والبيهقي "7/ 92" من طريق الزهري، به.
2 صحيح: أخرجه النسائي "3/ 196" من طريق الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني الزُهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أُبَيِّ هريرة، به.
قلت: إسناده صحيح رجاله ثقات، وقد صرح الوليد بن مسلم بالتحديث فأمنا شر تدليسه. وقد أخرجه البخاري "2901" ومسلم "893" دون قوله: "فإنهم بنو أرفدة".
قوله: "بنو أرفدة" بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الفاء وقد تفتح قيل هو لقب للحبشة وقيل هم اسم جنس لهم وقيل اسم جدهم الأكبر.
3 البيض: منزل من منازل بني كنانة بالحجاز.
4 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 62"، وفيه الواقدي، وهو متروك. وفيه ريطة وهي بنت حريث، مجهولة، لذا قال الحافظ في "التقريب": لا تُعرف.(3/437)
شَأْنُ الإِفْكِ:
كَانَ فِي غَزْوَةِ المُرَيْسِيْعِ1 سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الهِجْرَةِ وَعُمُرُهَا -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- يَوْمَئِذٍ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً.
فَرَوَى حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ مَعْمَرٍ وَالنُّعْمَانِ بنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا أَرَادَ سَفَراً أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ. فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةِ المُرَيْسِيْعِ. فَخَرَجَ سَهْمِي. فَهَلَكَ فيَّ مَنْ هَلَكَ2.
وَكَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَالوَاقِدِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ الإِفْكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ المُرَيْسِيْعِ.
يُوْنُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ وَابْنُ المُسَيِّبِ وَعَلْقَمَةُ بنُ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حَدِيْثِ عَائِشَةَ حِيْنَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا فَبَرَّأَهَا اللهُ تَعَالَى. وَكُلٌّ، حَدَّثَنِي بِطَائِفَةٍ مِنْ حَدِيْثِهَا وَبَعْضُ حَدِيْثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضاً وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ قَالَتْ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَرَادَ سَفَراً أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بها مَعَهُ. فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ سهمي فخرجت معه بعدما نَزَلَ الحِجَابُ وَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجٍ وَأُنْزَلُ فِيْهِ فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرغَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنَ المَدِيْنَةِ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيْلِ. فَقُمْتُ حِيْنَئِذٍ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الجَيْشَ فَلَمَّا قَضَيْتُ حَاجَتِي أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارٍ3 قَدِ انْقَطَعَ فَالْتَمَسْتُهُ وَحَبَسَنِي الْتِمَاسُهُ وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِيْنَ كَانُوا يَرْحَلُوْنَ بِي فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي4 فَرَحَلُوْهُ عَلَى بَعِيْرِي وَهُمْ يَحْسَبُوْنَ أَنِّي فِيْهِ وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خفافا لم يثقلهن اللحم إنما يأكلن
__________
1 غزوة المريسيع: هو ماء لبني خزاعة بينه وبين الفرع "موضع من ناحية المدينة" مسيرة يوم، وتسمى غزوة بني المصطلق، وهو لقب لجذيمة بن سعد بن عمرو بن بطن من بني خزاعة، وكانت هذه الغزوة في شعبان سنة خمس، وسببها: أنه لما بلغه صلى الله عليه وسلم أن الحارث بن أبي ضرار سيد بن المصطلق سار في قومه ومن قدر عليه من العرب، يريدون حرب رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ بريدة بن الحصيب الأسلمي يعلم له ذلك فأتاهم، ولقي الحارث بن أبي ضرار، وكلمه، ورجع إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره خبرهم، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فأسرعوا في الخروج وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع، وهو مكان الماء، وكانت النصرة للمسلمين على المشركين.
2 صحيح: انظر تعليقنا السابق.
3 الجزع بالفتح: الخرز اليماني، الواحدة جزعة. وظفار: مدينة باليمن، وقيل جبل، وقيل سميت به المدينة وهي في أقصى اليمن إلى جهة الهند.
4 الهودج: بفتح الهاء والدال بينهما واو ساكنة وآخره جيم: محمل له قبه تستر بالثياب ونحوه. يوضع على ظهر البعير يركب عليه النساء ليكون أستر لهن.(3/438)
العُلْقَةَ1 مِنَ الطَّعَامِ. فَلَمْ يَسْتَنْكِرُوا خِفَّةَ المَحْمِلِ حِيْنَ رَفَعُوْهُ وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيْثَةَ السِّنِّ فَبَعَثُوا الجَمَلَ وَسَارُوا فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الجَيْشُ. فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلاَ مُجِيْبٌ. فَأَمَّمْتُ2 مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ فِيْهِ وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُوْنِي فَيَرْجِعُوْنَ إِلَيَّ فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ.
وَكَانَ صَفْوَانُ بنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ، ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الجَيْشِ فَأَدْلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فأتاني فعرفني حين رَآنِي وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الحِجَابِ فَاسْتَرْجَعَ فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِيْنَ عَرَفْتُ فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي وَاللهِ مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً وَلاَ سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غير استرجاعه فأناخ راحلته فوطىء عَلَى يَدَيْهَا فَرَكِبْتُهَا. فَاْنَطَلَق يَقُوْدُ بِيَ الرَّاحِلَةَ حتى أتينا الجيش بعدما نَزَلُوا مُوْغِرِيْنَ فِي نَحْرِ الظَّهِيْرَةِ3 فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِيَّ وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَ الإِفْكِ عَبْدُ اللهِ بنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُوْلٍ.
فَقَدِمْنَا المَدِيْنَةَ فَاشْتَكَيْتُ شَهْراً وَالنَّاسُ يُفِيْضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ وَلاَ أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَيُرِيْبُنِي4 فِي وَجَعِي أَنِّي لاَ أَعْرِفُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِيْنَ أَشْتَكِي إِنَّمَا يَدْخُلُ عليَّ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُوْلُ: "كَيْفَ تِيْكُمْ" ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَذَلِكَ الَّذِي يُرِيْبُنِي وَلاَ أَشْعُرُ بالشر حتى خرجت بعدما نَقِهْتُ فَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ المَنَاصِعِ5 وَهُوَ مُتَبَرَّزُنَا وَكُنَّا لاَ نَخْرُجُ إلَّا لَيْلاً إِلَى لَيْلٍ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُتَّخَذَ الكُنُفُ قَرِيْباً مِنْ بُيُوْتِنَا وَأَمْرُنَا أَمْرُ العَرَبِ الأَوَّلِ مِنَ التَّبَرُّزِ قِبَلَ الغَائِطِ وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوْتِنَا فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ بِنْتُ أَبِي رُهْمٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَأُمُّهَا ابْنَةُ صَخْرِ بنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ وَابْنُهَا مِسْطَحُ بنُ أُثَاثَةَ بنِ المُطَّلِبِ. فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَهِيَ قِبَلَ بَيْتِي قَدْ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مرطها فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ! فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ أَتَسُبِّيْنَ رَجُلاً شَهِدَ بَدْراً? قَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهُ6 أَوَ لَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ? قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ فَأَخْبَرَتْنِي الخَبَرَ فَازْدَدْتُ مَرَضاً عَلَى مرضي.
__________
1 العلقة بضم العين: أي البلغة من الطعام.
2 أممت: قصدت.
3 موغرين في نحر الظهيرة: أي في وقت الهاجرة، وقت توسط الشمس السماء
4 يريبني: يسوءني ويزعجني.
5 المناصع: المواضع التي يتخلى فيها لقضاء الحاجة، واحدها: منصع؛ لأنه يبرز إليها ويظهر. قال الأزهري: آراها مواضع مخصوصة خارج المدينة.
6 يا هنتاه: يا بلهاء، كأنها نسبت إلى قلة المعرفة بمكايد الناس وشرورهم.(3/439)
فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي، وَدَخَلَ عليَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: "كَيْفَ تِيْكُمْ"؟ فَقُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ? وَأَنَا حِيْنَئِذٍ أُرِيْدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الخبر من قبلها فَأَذِنَ لِي. فَجِئْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ: يَا أُمَّتَاهُ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ? قَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عليكِ فَوَاللهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ وَضِيْئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا. فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ وَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا?! فَبَكَيْتُ اللَّيْلَةَ حَتَّى لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ. ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي. فَدَعَا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ حِيْنَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ يَسْتَأْمِرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ. فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءةِ أَهْلِهِ وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ مِنَ الوُدِّ فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ أَهْلُكَ وَلاَ نَعْلَمُ إلَّا خَيْراً. وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ: لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيْرٌ وَاسْأَلِ الجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ. فَدَعَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَرِيْرَةَ فَقَالَ: "أَيْ بَرِيْرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيْبُكِ"؟ قَالَتْ: لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْراً أَغْمِصُهُ1 عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيْثَةُ السِّنِّ تَنَامُ، عَنْ عَجِيْنِ أَهْلِهَا فَيَأْتِي الداجن فيأكله.
فَقَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُوْلٍ فَقَالَ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ: "يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِيْنَ مَنْ يَعْذِرُنِي 2 مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إلَّا خَيْراً وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلاً مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إلَّا خَيْراً وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إلَّا مَعِي". فَقَامَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ إِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ. فَقَامَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الخَزْرَجِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلاً صَالِحاً وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ3 الحمية فقال لسعد: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ لاَ تَقْتُلُهُ وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ. فَقَامَ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ، عَنِ المُنَافِقِيْنَ. فَتَثَاوَرَ4 الحَيَّانِ: الأَوْسُ وَالخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمٌ عَلَى المِنْبَرِ: فَلَمْ يَزَلْ يَخْفِضُهُمْ حتى سكتوا وسكت.
__________
1 أغمصه: أي أعيبه.
2 من يعذرني: أي من يقوم بعذري إن كافأته على سوء صنيعه فلا يلومني. ويعذرني أي ينصرني ويعينني. وأصل التعذير: المنع والرد، فكأن من نصرته قد رددت عنه أعداءه ومنعتهم من أذاه.
3 احتملته الحمية: أي أغضبته. ووقع في رواية معمر عند مسلم وكذا يحيى بن سعيد عند الطبراني "اجتهلته" بجيم ثم مثناه ثم هاء، أي حملته على الجهل.
4 فتثاور: بمثناة ثم مثلثة، أي نهض بعضهم إلى بعض من الغضب. ووقع في حديث ابن عمر "وقام سعد بن معاذ فسل سيفه".(3/440)
قَالَتْ: فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ وَلَيْلَتِي لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ فَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْماً لاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ وَلاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي اسْتَأْذَنَتْ عليَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي فَبَيْنَمَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسلم ثم جَلَسَ وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيْلَ لِي مَا قِيْلَ وَلَقَدْ لَبِثَ شَهْراً لاَ يُوْحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي شَيْءٌ. قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيْئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وَتُوْبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ". فَلَمَّا قَضَى مَقَالَتْهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً فَقُلْتُ لأَبِي: أَجِبْ رَسُوْلَ اللهِ فِيْمَا قَالَ قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُوْلُ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ لأُمِّي: أَجِيْبِي رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: مَا أَدْرِي مَا أَقُوْلُ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ وَأَنَا يَوْمئذٍ حَدِيْثَةُ السِّنِّ لاَ أَقْرَأُ كَثِيْراً مِنَ القُرْآنِ: إِنِّي وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الحَدِيْثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيْئَةٌ والله يعلم أني برئية لاَ تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيْئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي". وَاللهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلاً إلَّا قَوْلَ أَبِي يُوْسَفَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يُوْسُفُ: 18] ، ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي وَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيْئَةٌ وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى يُبَرِّئُنِي بِبَرَاءتِي وَلَكِنْ وَاللهِ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ اللهَ يُنْزِلُ فِي شَأْنِي وَحْياً يُتْلَى وَلَشَأْنِي كَانَ فِي نَفْسِي أَحْقَرُ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ بِهَا قَالَتْ: فَوَاللهِ مَا قَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أهل البيت حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الجُمَانِ مِنَ العَرَقِ وَهُوَ فِي يَوْمٍ شاتٍ مِنْ ثِقَلِ القَوْلِ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ1 وَهُوَ يَضْحَكُ كَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: "يَا عَائِشَةُ أَمَا وَاللهِ لَقَدْ بَرَّأَكِ اللهُ". فَقَالَتْ أُمِّي: قُوْمِي إِلَيْهِ. فَقُلْتُ: وَاللهِ لاَ أَقُوْمُ إِلَيْهِ وَلاَ أَحْمَدُ إلَّا اللهَ. وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} [النُّوْرُ: 11] . العَشْرُ الآيَاتُ كُلُّهَا.
فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ هَذَا فِي بَرَاءتِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ -وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ وَفَقْرِهِ: وَاللهِ لاَ أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئاً أَبَداً بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ. فَأُنْزِلَتْ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ
__________
1 فلما سرى: أي كشف.(3/441)
أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النُّوْرُ: 22] . قَالَ: بَلَى وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي. فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَقَالَ: وَاللهِ لاَ أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَداً. قَالَتْ: وَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْأَلُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، عَنِ أَمْرِي. فَقَالَتْ: أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي مَا عَلِمْتُ إلَّا خَيْراً وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِيْنِي1 مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَصَمَهَا اللهُ بِالوَرَعِ2 وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا3 فَهَلَكَتْ فيمن هلك من أصحاب الإفك4.
وَهَذَا الحَدِيْثُ لَهُ طُرُقٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَرَوَاهُ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ.
قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ السِّنْدِيُّ5: حَدَّثَنِي أَفْلَحُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ المُغِيْرَةِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ فَذَكَرَ حَدِيْثَ الإِفْكِ بِطُوْلِهِ وَفِيْهِ: أَنَّ ذَاكَ فِي غَزْوَةِ بَنِي المُصْطَلِقِ وَأَنَّ سَهْمَهَا وَسَهْمَ أُمِّ سَلَمَةَ خَرَجَ.
وَرَوَى مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الوَلِيْدِ فَقَالَ: الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عليٌّ فَقُلْتُ: لاَ، حَدَّثَنِي سَعِيْدٌ وَعُرْوَةُ وَعَلْقَمَةُ وَعُبَيْدُ اللهِ كُلُّهُمْ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُوْلُ: إِنَّ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ. فَقَالَ لِي: فَمَا كَانَ جُرْمُهُ قُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ، حَدَّثَنِي مِنْ قَوْمِكَ أَبُو سَلَمَةَ وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا سَمِعَا عَائِشَةَ تَقُوْلُ: كَانَ مُسِيْئاً فِي أَمْرِي.
يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ:، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، عن
__________
1 وهي التي كانت تساميني: أي تعاليني من السمو وهو العلو والارتفاع. أي تطلب من العلو والرفعة والحظوة عند النبي صلى الله عليه وسلم ما أطلب، أو تعتقد أن الذي لها عنده مثل الذي لي عنده. وذهل بعض الشراح فقال إنه من سوم الخسف، وهو حمل الإنسان على ما يكرهه. والمعنى تغايظني. وهذا لا يصح، فإنه لا يقال في مثله سام ولكن ساوم.
2 فعصمها الله بالورع: أي حفظها ومنعها بالمحافظة على دينها ومجانبة ما تخشى سوء عاقبته.
3 تحارب لها: تجادل لها وتتعصب وتحكي ما قال أهل الافك لتنخفض منزلة عائشة وتعلو مرتبة أختها زينب.
4 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه أحمد "6/ 194-197"، والبخاري "2661" و"4141" و"4750"، ومسلم "2770" وأبو يعلى "4927" و"4933" و"4935"، والطبراني "23/ 134 و135 و139 و140 و141 و142 و143 و144 و145 و146 و147 و148" والبيهقي "7/ 302" من طرق عن الزهري، به.
5 أبو معشر السندي: هو نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني، وهو مولى بني هاشم ضعيف، أسن واختلط.(3/442)
عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا تَلاَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القِصَّةَ الَّتِي نزل بِهَا عُذْرِي عَلَى النَّاسِ نَزَلَ فَأَمَرَ بِرَجُلَيْنِ وَامْرَأَةٍ مِمَّنْ كَانَ تَكَلَّمَ بِالفَاحِشَةِ فِي عَائِشَةَ فُجُلِدُوا الحَدَّ1.
قَالَ: وَكَانَ رَمَاهَا ابْنُ أُبَيٍّ وَمِسْطَحٌ وَحَسَّانٌ وَحَمْنَةُ.
الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوْقٍ قَالَ: دَخَلَ حَسَّانُ بنُ ثَابِتٍ عَلَى عَائِشَةَ يُشَبِّبُ بِأَبْيَاتٍ2 لَهُ فِيْهَا فَقَالَ:
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيْبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُوْمِ الغَوَافِلِ3
قَالَتْ: لَسْتُ كَذَاكَ. فَقُلْتُ: تَدَعِيْنَ مِثْلَ هَذَا يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيم} [النُّوْرُ: 11] . قَالَتْ: وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ العَمَى. ثُمَّ قَالَتْ: كَانَ يَرُدُّ، عَنِ النبي -صلى الله عليه وسلم4.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ قَالَ: كَانَ صَفْوَانُ بنُ المُعَطَّلِ قَدْ كَثَّرَ عَلَيْهِ حَسَّانٌ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ وَقَالَ يعرِّض بِهِ:
أَمْسَى الجَلاَبِيْبُ5 قَدْ عَزُّوا وَقَدْ كَثُرُوا ... وابن الفريعة أمسى بيضة البلد
__________
1 صحيح: أخرجه عبد الرزاق "5/ 9749" من طريق ابن أبي يحيى. وأخرجه أبو داود "4474"، والترمذي "3181"، وابن ماجه "2576" من طريق ابن أبي عدي كلاهما عن محمد بن إسحاق به.
قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات، وقد صرح محمد بن إسحاق بالتحديث كما في رواية يونس بن بكير، فأمنا شر تدليسه. وابن أبي عدي، هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، أبو عمرو البصري، ثقة، روى له الجماعة.
وابن أبي يحيى، هو محمد بن أبي يحيى الأسلمي المدني، صدوق، روى له أبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه.
2 يشبب: يزهيه ويحسنه.
3 حصان: من الإحصان، وهو المنع. والمراد أنها محصنة بالإسلام، وبالعفاف، والحرية وبالتزويج. تزن: أي ترمى. وقوله: "غرثى": أي خميصة البطن والمراد أنها لا تغتاب أحدا. والغوافل: العفيفة الغافلة عن الإثم والشر.
4 صحيح على شرطهما: أخرجه البخاري "4146"، ومسلم "4146"، حدثنا بشر بن خالد، أخبرنا محمد بن جعفر، عن شبعة، عن سليمان، عن أبي الضحي عن مسروق به.
5 الجلابيب: المراد بهم هنا سفلة الناس. وابن الفريعة هو حسان بن ثابت. والفريعة هي أمه. وبيضة البلد مثل يضرب في العزة والذلة.
قال الأزهري في "تهذيب اللغة" "2/ 85" معنى قول حسان: إن سفلة الناس عزوا بعد ذلتهم وكثروا بعد قلتهم، وابن الفريعة الذي كان ذا ثروة وثراء، فقد أخر عن كريم شرفه وسؤدده، واستبد بالأمر دونه، فهو بمنزلة بيضة البلد التي
تبيضها النعامة، ثم تتركها بالفلاة فلا تحضنها فتبقى تريكة الصلاة.(3/443)
فَاعْتَرَضَهُ صَفْوَانُ لَيْلَةً وَهُوَ آتٍ مِنْ عِنْدِ أَخْوَالِهِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ فَاسْتَعْدَوْا عَلَيْهِ ثَابِتَ بنَ قَيْسٍ فَجَمَعَ يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ وَقَادَهُ إِلَى دَارِ بَنِي حَارِثَةَ فَلَقِيَهُ ابْنُ رَوَاحَةَ فَقَالَ: مَا هَذَا? فَقَالَ: مَا أَعْجَبَكَ إِنَّهُ عَدَا عَلَى حَسَّانٍ بِالسَّيْفِ فَوَاللهِ مَا أُرَاهُ إلَّا قَدْ قَتَلَهُ فَقَالَ هَلْ عَلِمَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا صَنَعْتَ بِهِ? فَقَالَ: لاَ. فقال: والله لقد اجترأت خل سبيله. فسنغدوا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنُعْلِمَهُ أَمْرَهُ فَخَلَّى سَبِيْلَهُ فَلَمَّا أَصْبَحُوا غَدَوْا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ: "أَينَ ابْنُ المُعَطَّلِ"؟ فَقَامَ إليه فقال: ها أناذا يَا رَسُوْلَ اللهِ فَقَالَ: " مَا دَعَاكَ إِلَى مَا صَنَعْتَ"؟ قَالَ: آذَانِي يَا رَسُوْلَ اللهِ وكثَّر عليَّ وَلَمْ يَرْضَ حَتَّى عرَّض بِي في الهجاء فاحتملني الغضب وها أناذا فَمَا كَانَ عليَّ مِنْ حَقٍّ فَخُذْنِي بِهِ. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ادْعُوا لِي حَسَّانَ بنَ ثَابِتٍ" فَأُتِيَ بِهِ. فقال: "يا حَسَّانُ أَتَشَوَّهْتَ عَلَى قَوْمِي أَنْ هَدَاهُمُ اللهُ لِلإِسْلاَمِ يَقُوْلُ: تَنَفَّسْتَ عَلَيْهِم يَا حَسَّانُ أَحْسِنْ فِيْمَا أَصَابَكَ". قَالَ: هِيَ لَكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ. فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِيْرِيْنَ القُبْطِيَّةَ. فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَأَعْطَاهُ أَرْضاً كَانَتْ لأَبِي طَلْحَةَ تَصَدَّقَ بِهَا أَبُو طَلْحَةَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَالَ حَسَّانُ فِي عَائِشَةَ:
رَأَيْتُكِ وَلْيَغْفِرْ لَكِ اللهُ حُرَّةً ... مِنَ المُحْصَنَاتِ غَيْرِ ذَاتِ غَوَائِلِ
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيْبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُوْمِ الغَوَافِلِ
وَإِنَّ الَّذِي قَدْ قِيْلَ لَيْسَ بِلائِقٍ ... بِكِ الدهر بل قيل امرىء مُتَمَاحِلِ1
فَإِنْ كُنْتُ أَهْجُوْكُمْ كَمَا بَلَّغُوْكُمُ ... فَلاَ رَفَعَتْ سَوطِي إِلَيَّ أَنَامِلِي
وَكَيْفَ وُوُدِّي مَا حَيِيْتُ وُنُصْرَتِي ... لآلِ رَسُوْلِ اللهِ زَيْنِ المَحَافِلِ
وَإِنَّ لَهُمْ عِزّاً يُرَى النَّاسُ دُوْنَهُ ... قِصَاراً وَطَالَ العِزُّ كُلَّ التَّطَاوُلِ
عَقِيْلَةُ حَيٍّ مِنْ لؤي بن غلب ... كِرَامِ المَسَاعِي مَجْدُهُمْ غَيْرُ زَائِلِ
مُهَذَّبَةٌ قَدْ طَيَّبَ اللهُ خِيْمَهَا ... وَطَهَّرَهَا مِنْ كُلِّ سُوْءٍ وباطل
__________
1 متماحل: متماكر، والمماحل: الماكر.(3/444)
ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ:، حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ أرأيت لو أنك نَزَلْتَ وَادِياً فِيْهِ شَجَرَةٌ قَدْ أُكِلَ مِنْهَا وَوَجَدْتَ شَجَرَةً لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا فَأَيُّهُمَا كُنْتَ تُرْتِعُ بَعِيْرَكَ? قَالَ: "الشَّجَرَةَ الَّتِي لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا" قَالَتْ: فَأَنَا هِيَ تَعْنِي. أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْراً غَيْرَهَا1.
سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: مَا تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَتَاهُ جِبْرِيْلُ بِصُوْرَتِي وَقَالَ: هَذِهِ زَوْجَتُكَ. فَتَزَوَّجَنِي وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ عَلَيَّ حَوْفٌ. وَلَمَّا تَزَوَّجَنِي وَقَعَ عَلَيَّ الحَيَاءُ وَإِنِّي لَصَغِيْرَةٌ2.
تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو سَعْدٍ وَهُوَ سَعِيْدُ بنُ المَرْزُبَانِ البَقَّالُ لَيِّنُ الحَدِيْثِ. وَالحَوْفُ: شَيْءٌ يُشَدُّ فِي وَسَطِ الصَّبِيِّ مِنْ سُيُوْرٍ.
يَحْيَى بنُ يَمَانٍ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَوَّالٍ وَأَعْرَسَ بِي فِي شَوَّالٍ. فأي نسائه كان أحظى عنده مني؟ 3.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "5077" حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال حدثني أخي، به.
2 ضعيف جدا: أخرجه الحاكم "4/ 9" من طريق سفيان بن عيينة، به. وقال الحاكم: صحيح الإسناد "! " ووافقه الذهبي في "التخليص" "! " "! ".
قلت: بل إسناده ضعيف جدا، آفته أبو سعد البقال الأعور، واسمه سعيد بن المرزبان، مولى حذيفة بن اليمان، تركه الفلاس. وقال ابن معين: لا يكتب حديثه. وقال أبو زرعة: صدوق مدلس. وقال البخاري: منكر الحديث.
وذكر الذهبي -رحمه الله- أقوال هؤلاء العلماء في "ميزان الاعتدال"، وذهل عنه هنا فوافق الحاكم على تصحيح إسناده، وهو واه. وقد ذكرت كثيرا من الأمثلة على ذهوله هذا وتساهله وتساهل الحاكم في تصحيح أحاديث واهية أو ضعيفة في كتابنا "الأرائك المصنوعة في الأحاديث الضعيفة والموضوعة"، وقد طبع المجلد الاول منها في مكتبة الدعوة بالأزهر، يسر الله طبع بقية مجلداته الثلاثة، وجعله في ميزان حسناتي بكرمه ومنه إنه سميع مجيب.
3 صحيح: وهذا إسناد ضعيف، آفته يحيى بن يمان، فإنه كان سيئ الحفظ كثير الخطأ لكن قد رواه مسلم في "صحيحه" "1423" وابن ماجه "1990" من طريق وكيع، حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أمية، عن عبد الله بن عروة، عن عروة، عن عائشة، به. وهذه متابعة تامة ليحيى بن اليمان من وكيع بن الجراح.
وأخرجه الدارمي "2/ 145" من طريق عبيد الله بن موسى، عن سفيان، به.
وقوله: "أحظى": أي أكثر حظا.(3/445)
وَكَانَتِ العَرَبُ تَسْتَحِبُّ لِنِسَائِهَا أَنْ يُدْخَلْنَ عَلَى أزواجهن في شوال.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيْجَةَ مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُهَا1.
قُلْتُ: وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ شَيْءٍ أَنْ تَغَارَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- مِنِ امْرَأَةٍ عَجُوْزٍ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ تَزَوُّجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَائِشَةَ بِمُدَيْدَةٍ ثُمَّ يَحْمِيْهَا اللهُ مِنَ الغَيْرَةِ مِنْ عِدَّةِ نِسْوَةٍ يُشَارِكْنَهَا فِي النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهَذَا مِنْ أَلْطَافِ اللهِ بِهَا وَبِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِئَلاَّ يَتَكَدَّرَ عَيْشُهُمَا. وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا خَفَّفَ أَمْرَ الغَيْرَةِ عَلَيْهَا حُبُّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- لها وميله إليها ف-رضي اللهُ عَنْهَا- وَأَرْضَاهَا.
مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: دَخَلَتِ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا. قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ أَقْبَلْتَ عَلَى هَذِهِ السَّوْدَاءِ هَذَا الإِقْبَالَ فَقَالَ: "إِنَّهَا كَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى خَدِيْجَةَ وَإِنَّ حُسْنَ العَهْدِ مِنَ الإيمان"2.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفِدَاءِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ المَقْدِسِيُّ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الدَّقَّاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ زِكْرِيٍّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّهَا قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3816"، ومسلم "2435" "74" من طريق هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، به.
قوله: "ما غرت على امرأة ما غرت": الغيرة هي الحمية والأنفة. يقال رجل غيور وامرأة غيور، بلا هاء؛ لأن فعولا يشترك فيه الذكر والأنثى. وما الأولى نافية. والثانية مصدرية أو موصلة والمعنى: أي ما غرت مثل غيرتي أو مثل التي غرتها على خذيجة.
2 ضعيف: أخرجه الحاكم "1/ 15-16" من طريق صالح بن رستم، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكَة، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندي فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أنت؟ قالت: أنا جثامة المزنية فقال: بل أنت حسانة المزنية كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟ قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله فلما خرجت قلت يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ فقال: إنها كانت تأتينا زمن خديجة وإن حسن العهد من الإيمان. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين "! " ووافقه الذهبي في "التلخيص" "! ".
قلت: بل إسناده ضعيف، آفته صالح بن رستم، فإنه ضعيف لسوء حفظه، فقد كان كثير الخطأ، وقد ضعفه أبو حاتم، وابن المديني.(3/446)
مُحَمَّداً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ الفِرْيَةَ عَلَى اللهِ تَعَالَى وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيْلَ مَرَّتَيْنِ فِي صُوْرَتِهِ وَخَلْقِهِ سَادّاً ما بين الأفق1.
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحُ الإِسْنَادِ.
وَلَمْ يَأْتِنَا نَصٌّ جَلِيٌّ بِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى اللهَ تَعَالَى بِعَيْنَيْهِ. وَهَذِهِ المَسْأَلَةُ مِمَّا يَسَعُ المَرْءَ المُسْلِمَ فِي دِيْنِهِ السُّكُوتُ عَنْهَا فَأَمَّا رُؤْيَةُ المَنَامِ فَجَاءتْ مِنْ وُجُوْهٍ مُتَعَدِّدَةٍ مُسْتَفِيْضَةٍ وَأَمَّا رُؤْيَةُ اللهِ عِيَاناً فِي الآخِرَةِ فَأَمْرٌ مُتَيَقَّنٌ تَوَاتَرَتْ بِهِ النُّصُوْصُ. جَمَعَ أَحَادِيْثَهَا الدارقطني والبيهقي وغيرهما.
وأبو الحَسَنِ المَدَائِنِيُّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: دَخَلَ عُيَيْنَةُ بنُ حِصْنٍ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ عَائِشَةُ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الحِجَابُ فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ الحُمَيْرَاءُ يَا رَسُوْلَ اللهِ? قَالَ: "هَذِهِ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ" قَالَ: أَفَلاَ أَنْزِلُ لَكَ، عَنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ? قَالَ: "لاَ" فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: مَنْ هَذَا يَا رَسُوْلَ اللهِ قَالَ: "هَذَا الأَحْمَقُ المُطَاعُ فِي قَوْمِهِ".
هَذَا حَدِيْثٌ مُرْسَلٌ وَيَزِيْدُ مَتْرُوكٌ وَمَا أَسْلَمَ عُيَيْنَةُ إلَّا بَعْدَ نُزُولِ الحِجَابِ.
وَقَدْ قِيْلَ: إِنَّ كُلَّ حَدِيْثٍ فِيْهِ: يَا حُمَيْرَاءُ لَمْ يَصِحَّ. وَأَوْهَى ذلك تَشْمِيْسُ المَاءِ وَقَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهَا: "لَا تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاءُ فَإِنَّهُ يُوْرِثُ البَرَصَ". فَإِنَّهُ خَبَرٌ مَوْضُوْعٌ2. وَالحَمْرَاءُ فِي خِطَابِ أَهْلِ الحِجَازِ: هِيَ البَيْضَاءُ بِشُقْرَةٍ وَهَذَا نَادِرٌ فِيْهِم وَمِنْهُ فِي الحَدِيْثِ: " رَجُلٌ أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مِنَ المَوَالِي" يُرِيْدُ القَائِلُ أَنَّهُ فِي لَوْنِ المَوَالِي الَّذِيْنَ سُبُوا مِنْ نَصَارَى الشَّامِ والروم والعجم.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3234" حدثنا محمد بن عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، عَنِ ابْنِ عون، به.
وأخرجه البخاري "4855"، ومسلم "177"، والترمذي "3278" من طرق عن عامر الشعبي، عن مسروق، عن عائشة بنحوه.
2 موضوع: أخرجه الدارقطني "1/ 38"، والبيهقي "1/ 6" من طريق سعدان بن نضر حدثنا خالد بن إسماعيل، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قالت: أسخنت ماء في الشمس فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تفعلي يا حميراء فإنه يورث البرص، وقال الدارقطني في إثره: "غريب جدا، خالد بن إسماعيل متروك"، وقال البيهقي في إثره: وهذا لا يصح.
قلت: إسناده موضوع، آفته خالد بن إسماعيل المخزومي المدني، أبو الوليد، قال ابن عدي: كان يضع الحديث على الثقات. وقال الدارقطني: متروك. وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به بحال.(3/447)
ثُمَّ إِنَّ العَرَبَ إِذَا قَالَتْ: فُلاَنٌ أَبْيَضُ فَإِنَّهُمْ يُرِيْدُوْنَ الحِنْطِيَّ اللَّوْنِ بِحِلْيَةٍ سَوْدَاءَ فَإِنْ كَانَ فِي لَوْنِ أَهْلِ الهِنْدِ قَالُوا: أَسْمَرُ وَآدَمُ وَإِنْ كَانَ فِي سَوَادِ التِّكْرُوْرِ قَالُوا: أَسْوَدُ وَكَذَا كُلُّ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ السَّوَادُ قَالُوا: أَسْوَدُ أَوْ شَدِيْدُ الأُدْمَةِ. وَمِنْ ذَلِكَ قُوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بُعِثْتُ إِلَى الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ" 1.
فَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ بَنِي آدَمَ لا ينفكون، عن أحد الأمرين. وكل لَوْنٍ بِهَذَا الاعْتِبَارِ يَدُوْرُ بَيْنَ السَّوَادِ وَالبَيَاضِ الَّذِي هُوَ الحُمْرَةُ.
أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُوْلُ لَهَا: "إِنِّي أَعْرِفُ غَضَبَكِ إِذَا غَضِبْتِ وَرِضَاكِ إِذَا رَضِيْتِ" قَالَتْ: وَكَيْفَ تَعْرِفُ? قَالَ: "إِذَا غَضِبْتِ قُلْتِ: يَا مُحَمَّدُ وَإِذَا رَضِيْتِ قُلْتِ: يَا رَسُوْلَ اللهِ".
هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ وَالمَحْفُوظُ مَا أَخْرَجَا فِي الصَّحِيْحَيْنِ لأَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ بِلَفْظِ: "إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى". قَالَتْ: وَكَيْفَ يَا رَسُوْلَ اللهِ? قَالَ: "إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً قُلْتِ: لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قُلْتِ: لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيْمَ". قُلْتُ: أَجَلْ وَاللهِ مَا أَهْجُرُ إلَّا اسْمَكَ2.
تَابَعَهُ عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ حَدِيْثَ عَلِيٍّ.
هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ قِلاَدَةً فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَانْسَلَّتْ مِنْهَا. وَكَانَ ذَلِكَ المَكَانُ يُقَالُ لَهُ: الصُّلْصُلُ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَطَلَبُوْهَا حَتَّى وَجَدُوْهَا وحضرت الصلاة ولم يَكُنْ مَعَهُمْ مَاءٌ فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوْءٍ. فَأَنْزَلَ الله آية التيمم. فقال لها أسيد ابن الحُضَيْرِ: جَزَاكِ اللهُ خَيْراً فَوَاللهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ تَكْرَهِيْنَهُ إلَّا جَعَلَ اللهُ لَكِ فيه خيرًا3.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "521" من حديث جابر بن عبد الله الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا، فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر، وأعطيت الشفاعة".
2 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 61 و313"، والبخاري "5228" و"6078"، ومسلم "2439"، والطبراني "23/ 119 و120 و121 و122"، والبيهقي "10/ 27"، والبغوي "2338" من طرق عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، به.
3 صحيح: أخرجه البخاري "334"، ومسلم "367" من طريق مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيْهِ، عن عائشة.(3/448)
رَوَاهُ ابْنُ نُمَيْرٍ وَعَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ عَنْهُ1.
مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدِي فَأَقَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْتِمَاسِهِ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ. فَأَتَى النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. فَقَالُوا: مَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُوْلِ اللهِ وَبِالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاء قَالَتْ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ مَا شَاءَ اللهُ أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرني فَلاَ يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إلَّا مَكَانُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى فَخِذِي. فَنَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ. فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا. فَقَالَ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ: مَا هَذَا بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: فَبَعَثْنَا البَعِيْرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا العِقْدَ تَحْتَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2.
وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيْقِ مُحَمَّدِ بنِ إسحاق:، حدثنا يحيى بن عباد ابن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عَائِشَةَ: قَالَتْ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى إِذَا كُنَّا بِتُرْبَانَ بَلَدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَدِيْنَةِ بَرِيْدٌ وَأَمْيَالٌ وَهُوَ بَلَدٌ لاَ مَاءَ بِهِ وَذَلِكَ مِنَ السَّحَرِ انْسَلَّتْ قِلاَدَةٌ مِنْ عُنُقِي فَوَقَعَتْ فَحُبِسَ عَلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَلْتِمَاسِهَا حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ وَلَيْسَ مَعَ القَوْمِ مَاءٌ. فَلَقِيْتُ مِنْ أَبِي مَا اللهُ بِهِ عَلِيْمٌ مِنَ التَّعْنِيْفِ وَالتَّأْفِيْفِ. وَقَالَ فِي كُلِّ سَفَرٍ لِلمُسْلِمِيْنَ مِنْكِ عَنَاءٌ وَبَلاَءٌ. فَأَنْزَلَ اللهُ الرُّخْصَةَ فِي التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمَ القَوْمُ وَصَلَّوْا.
قَالَتْ: يَقُوْلُ أَبِي حِيْنَ جَاءَ مِنَ اللهِ مِنَ الرُّخْصَةِ لِلمُسْلِمِيْنَ: وَاللهِ مَا عَلِمْتُ يَا بُنَيَّةُ إِنَّكِ لَمُبَارَكَةٌ مَاذَا جَعَلَ اللهُ لِلمُسْلِمِيْنَ فِي حَبْسِكِ إِيَّاهُمْ مِنَ البَرَكَةِ وَاليُسْرِ3.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ العَيْزَارِ بنِ حُرَيْثٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا عَائِشَةُ تَرْفَعُ صَوْتَهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا بِنْتَ فُلاَنَةٍ تَرْفَعِيْنَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا. ثُمَّ خَرَجَ أَبُو بكر فجعل
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "336" من طريق عبد الله بن نمير قال: حدثنا هشام بن عروة، به.
أما رواية علي بن مسهر في هذا الحديث عن هشام قال: "وكان ذلك المكان يقال له الصلصل" رواه جعفر الفريابي في كتاب الطهارة له وابن عبد البر من طريقه، والصلصل بمهملتين مضمومتين ولامين الأولى ساكنة بين الصادين قال البكري: هو جبل عند ذي الحليفة.
2 صحيح: انظر تعليقنا قبل السابق.
3 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 272-273"، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث فأمنا شر تدليسه.(3/449)
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَرَضَّاهَا وَقَالَ: "أَلَمْ تَرَيْنِي حُلْتُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَكِ". ثُمَّ اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ مَرَّةً أُخْرَى فَسَمِعَ تَضَاحُكَهُمَا فَقَالَ: أَشْرِكَانِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَشْرَكْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ1 مِنْ طَرِيْقِ حجاج بن محمد، عن يونس نَحْوَهُ. لَكِنَّهُ قَالَ:، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ2، عَنِ العَيْزَارِ، عَنِ النُّعْمَانِ.
وَرَوَاهُ عَمْرٌو العَنْقَزِيُّ3، عَنْ يُوْنُسَ، عَنْ أَبِيْهِ فَأَسْقَطَ العَيْزَارَ.
وَرَوَى نَحْوَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، عَنْ وَكِيْعٍ، عَنْ إِسْرَائِيْلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ العَيْزَارِ بنِ حُرَيْثٍ، عَنِ النُّعْمَانِ4.
مُوْسَى بنُ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: أَخْبَرَنِي أَبُو قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرٍو قَالَ: بَعَثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ: سَلْهَا أَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقبل وَهُوَ صَائِمٌ? فَإِنْ قَالَتْ: لاَ. فَقُلْ: إِنَّ عَائِشَةَ تُخْبِرُ النَّاسَ أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ. فَقَالَتْ: لَعَلَّهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَتَمَالَكُ عَنْهَا حُبّاً أَمَّا إِيَّايَ فَلاَ5.
أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ الأَيْلِيُّ:، حَدَّثَنَا أَبُو شَدَّادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: كُنْتُ صَاحِبَةَ عَائِشَةَ الَّتِي هَيَّأْتُهَا وَأَدْخَلْتُهَا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعِي نِسْوَةٌ فَمَا وَجَدْنَا عِنْدَهُ قِرَىً إلَّا قَدَحاً مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ عَائِشَةَ. فَاسْتَحْيَتِ الجَارِيَةُ فَقُلْنَا: لاَ تَرُدِّي يَدَ رَسُوْلِ اللهِ خُذِي مِنْهُ. فَأَخَذَتْ مِنْهُ عَلَى حَيَاءٍ فَشَرِبَتْ. ثُمَّ قَالَ: "نَاوِلِي صَوَاحِبَكِ" فَقُلْنَا: لاَ نَشْتَهِيْهِ. فَقَالَ: "لاَ تجمعن جوعًا
__________
1 ضعيف: أخرجه أبو داود "4999"، وإسناده ضعيف فيه أبو إسحاق، وهو ضعيف.
2 وقع في الإسناد "يونس، عن أبيه، عن أبي إسحاق"، وهو خطأ والصواب كما في سنن أبي داود "يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه أبي إسحاق".
3 هو عمرو بن محمد العنقزي، بفتح المهملة والقاف بينهما نون ساكنة، وبالزاي أبو سعيد، الكوفي ثقة، من الطبقة التاسعة، وهي الطبقة الصغرى من أتباع التابعين. والعنقزي: ينسب إلى العنقز: وهو: المرزنجوشي، وقيل: الريحان، كان يبيعه أو يزرعة، كما في "اللباب". مات ست سنة تسع وتسعين ومائة استشهد به البخاري، وروى له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ عَنْ أبيه: ثقة، وعن يحيى بن معين: ليس به بأس. وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات" "8/ 482".
4 ضعيف: أخرجه أحمد "4/ 271-272" حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، به. وإسناده ضعيف، أبو إسحاق هو السبيعي، مدلس، وقد عنعنه.
5 حسن: أخرجه أحمد "6/ 296 و317" من طريق موسى بن علي بن رباح، به.
قلت: إسناده حسن، موسى بن علي بن رباح، صدوق كما قال الحافظ في "التقريب".(3/450)
وَكَذِباً". فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ إِنْ قَالَتْ إحدانا لشيء تشتهيه: لاَ تَشْتَهِيْهِ أَيُعَدُّ كَذِباً قَالَ: "إِنَّ الكَذِبَ يُكْتَبُ حَتَّى تُكْتَبُ الكُذَيْبَةُ كُذَيْبَةً".
هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ لاَ نَعْرفُهُ إلَّا مِنْ طَرِيْقِ أَبِي شَدَّادٍ وَلَيْسَ بِالمَشْهُوْرِ. قَدْ رَوَى عَنْهُ ابْنُ جريح أَيْضاً. ثُمَّ هُوَ خَطَأٌ فَإِنَّ أَسْمَاءَ كَانَتْ وَقْتَ عُرْسِ عَائِشَةَ بِالحَبَشَةِ مَعَ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ وَلاَ نَعْلَمُ لِمُجَاهِدٍ سَمَاعاً، عَنْ أَسْمَاءَ أَوْ لَعَلَّهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيْدَ فَإِنَّهَا رَوَتْ عَجُزَ هَذَا الحَدِيْثِ.
زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ خَالِدِ بنِ سَلَمَةَ، عَنِ البَهِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا عَلِمْتُ حَتَّى دَخَلَتْ عَلَيَّ زَيْنَبُ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَهِيَ غَضْبَى ثُمَّ قَالَتْ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحْسَبُكَ إِذَا قَلَبَتْ لَكَ بُنَيَّةُ أَبِي بَكْرٍ ذُرَيْعَتَيْهَا?1 ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيَّ فَأَعْرَضْتُ عَنْهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دونك فَانْتَصِرِي" فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهَا حَتَّى رَأَيْتُ قَدْ يَبِسَ رِيْقُهَا فِي فَمِهَا فَمَا تَرُدُّ عَلَيَّ شَيْئاً فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ.
أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ النَّرْسِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى الخَوَّاصُ، حَدَّثَنَا مُحَاضِرٌ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَتَانِي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غَيْرِ يَوْمِي يَطْلُبُ مِنِّي ضَجْعاً. فَدَقَّ فَسَمِعْتُ الدَّقَّ ثُمَّ خَرَجْتُ فَفَتَحْتُ لَهُ. فَقَالَ: "مَا كُنْتِ تَسْمَعِيْنَ الدَّقَّ"؟!. قُلْتُ: بَلَى وَلَكِنَّنِي أَحْبَبْتُ أَنْ يَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنَّكَ أَتَيْتَنِي فِي غَيْرِ يَوْمِي.
هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَابَقَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَبَقْتُهُ مَا شَاءَ حَتَّى إِذَا رَهِقَنِي اللَّحْمُ سَابَقَنِي فَسَبَقَنِي. فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ هَذِهِ بتلك" 2.
وَرَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، عَنْ هِشَامٍ فَقَالَ:، عَنْ أَبِيْهِ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهَا. أَخْرَجَهُ هَكَذَا أَبُو دَاوُدَ.
أَبُو سَعْدٍ البَقَّالُ3: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيْهِ: قَالَتْ عَائِشَةُ: تَزَوَّجَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِيْنَ أَتَاهُ جِبْرِيْلَ بِصُوْرَتِي وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ عَلَيَّ حوفٌ. فَلَمَّا تَزَوَّجَنِي أَلْقَى اللهُ عَلَيَّ حياء وأنا صغيرة.
__________
1 ذريعتيها: تصغير ذراع والهاء فيها لأنها مؤنثة. والمقصود هنا ساعداها.
2 صحيح: أخرجه أحمد "6 / 39"، والحميدي "261"، وأبو داود "2578"، وابن ماجه "1979"، والطحاوي في "مشكل الآثار" "2/ 360" من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، به.
3 أبو سعد البقال، هو سعيد بن المرزبان الأعور، مولى حذيفة بن اليمان، كوفي مشهور، تركه الفلاس. وقال ابن معين: لا يكتب حديثه. وقال أبو زرعة: صدوق مدلس. وقال البخاري: منكر الحديث. وقد تقدم كلامنا على أبي سعد هذا وتقدم كلامنا على الحديث.(3/451)
الحَوْفُ: سُيُوْرٌ فِي الوَسَطِ.
مِسْعَرٌ، عَنِ المِقْدَامِ بنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- يُعْطِيْنِي العَظْمَ فَأَتَعَرَّقُهُ ثُمَّ يَأْخُذُهُ فَيُدِيْرُهُ حَتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فَمِي.
رَوَاهُ شُعْبَةُ وَالنَّاسُ، عَنِ المِقْدَامِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ وَعَلِيُّ بنُ بَقَاءٍ وَأَهْلُهُ فَاطِمَةُ الآمِدِيَّةُ وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدباغ وعبد الدائم الوزان وعبد الصمد الزَّاهِدُ وَمُحَمَّدُ بنُ هَاشِمٍ العَبَّاسِيُّ وَنَصْرُ بنُ أَبِي الضَّوْءِ وَزَيْنَبُ بِنْتُ سُلَيْمَانَ وَعِدَّةٌ قَالُوا: أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ ابن عِيْسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَيْمَنَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إِذَا خَرَجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَطَارَتِ القُرْعَةُ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَكَانَ إِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ سَارَ مَعَ عَائِشَةَ يَتَحَدَّثُ. فَقَالَتْ حَفْصَةُ: إلَّا تَرْكَبِيْنَ اللَّيْلَةَ بَعِيْرِي وَأَرْكَبُ بَعِيْرَكِ تَنْظُرِيْنَ وَأَنْظُرُ. فَقَالَتْ: بَلَى. فَرَكِبَتْ فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى جَمَلِ عَائِشَةَ وَعَلَيْهِ حَفْصَةُ فَسَلَّمَ عَلَيْهَا ثُمَّ سَارَ حَتَّى نَزَلُوا وَافْتَقَدَتْهُ عَائِشَةُ. فَلَمَّا نَزَلُوا جَعَلَتْ رِجْلَيْهَا بَيْنَ الإِذْخِرِ وَتَقُوْلُ: يَا رَبِّ سَلِّطْ عَلَيَّ عَقْرَباً أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي رَسُوْلُكَ وَلاَ أَسْتَطِيْعُ أَنْ أَقُوْلَ لَهُ شَيْئاً2.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً عَالِياً.
زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بنُ سَلاَّمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سوقة، عن عَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ: قَالَ: انْتَهَيْنَا إِلَى عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَذَكَرَ عَائِشَةَ فَقَالَ: خَلِيْلَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ. وَمُصْعَبٌ فَصَالِحٌ لاَ بَأْسَ بِهِ. وَهَذَا يَقُوْلُهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي حَقِّ عَائِشَةَ مَعْ مَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا فَرَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. وَلاَ رَيْبَ أَنَّ عَائِشَةَ نَدِمَتْ نَدَامَةً كُلِّيَّةً عَلَى مَسِيْرِهَا إِلَى البَصْرَةِ وَحُضُورِهَا يَوْمَ الجَمَلِ وَمَا ظَنَّتْ أَنَّ الأَمْرَ يَبْلُغُ مَا بَلَغَ. فَعَنْ عُمَارَةَ بنِ عُمَيْرٍ عَمَّنْ سَمِعَ عَائِشَةَ: إِذَا قَرَأَتْ {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُن} [الأحزاب: 33] . بكت حتى تبل خمارها3.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "300".
2 صحيح: أخرجه البخاري "5211"، ومسلم "2445" من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين، عن عبد الواحد بن أيمن، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، به.
3 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 18" من طريق الواقدي، وهو متروك كما ذكرنا مرارا.(3/452)
قَالَ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ": حَدَّثَنَا يَحْيَى القَطَّانُ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ فَلَمَّا بَلَغَتْ مِيَاهَ بَنِي عَامِرٍ لَيْلاً نَبَحَتِ الكِلاَبُ فَقَالَتْ: أَيُّ مَاءٍ هَذَا? قَالُوا: مَاءُ الحَوْأَبِ. قَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي إلَّا أَنَّنِي رَاجِعَةٌ. قَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهَا: بَلْ تَقْدَمِيْنَ فَيَرَاكِ المُسْلِمُوْنَ فَيُصْلِحُ اللهُ ذَاتَ بَيْنِهِمْ. قَالَتْ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: "كَيْفَ بِإِحْدَاكُنَّ تَنْبُحُ عليها كلاب الحوأب" 1.
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحُ الإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجُوْهُ.
عَنْ صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ وَغَيْرِهِ: أَنَّ عَائِشَةَ جَعَلَتْ تَقُوْلُ: إِنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُوْماً وَأَنَا أَدْعُوْكُمْ إِلَى الطَّلَبِ بِدَمِهِ وَإِعَادَةِ الأَمْرِ شُوْرَى.
هِلاَلُ بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس أَنَّهُ قَالَ لِلزُّبَيْرِ يَوْمَ الجَمَلِ: هَذِهِ عَائِشَةُ تملك الملك لقرابتها طلحة فأنت غلام تُقَاتِلُ قَرِيْبَكَ عَلِيّاً فَرَجَعَ الزُّبَيْرُ فَلَقِيَهُ ابْنُ جُرْمُوْزٍ فَقَتَلَهُ.
قُلْتُ: قَدْ سُقْتُ وَقْعَةَ الجَمَلِ مُلَخَّصَةً فِي مَنَاقِبِ عَلِيٍّ وَإِنَّ عَلِيّاً وَقَفَ عَلَى خِبَاءِ عَائِشَةَ يَلُوْمُهَا عَلَى مَسِيْرِهَا. فَقَالَتْ: يابن أَبِي طَالِبٍ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ2. فَجَهَّزَهَا إِلَى المَدِيْنَةِ وأعطاها اثني عشر ألفًا ف-رضي اللهُ عَنْهُ- وَعَنْهَا.
وَفِي صَحِيْحِ البُخَارِيِّ مِنْ طَرِيْقِ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ عَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ سَمِعَهُ عَلَى المِنْبَرِ يَقُوْلُ: إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. يَعْنِي عَائِشَةَ3.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 52 و97"، وابن حبان "1831" موارد، وابن عدي في "الكامل" "4/ 320"، والحاكم "3/ 120" من طرق عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ بن أبي حازم قال: لما أقبلت عائشة ... ، فذكره.
قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات، وقيس بن أبي حازم، ثقة، وثقه ابن معين وقد صحح الحديث ابن حبان، والحاكم، والحافظ ابن كثير فقال في "البداية" بعد أن عزاه كالذهبي لأحمد في "المسند": وهذا إسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقال الحافظ في "الفتح" بعد أن عزاه لأحمد وأبي يعلى والبزار: وصححه ابن حبان والحاكم وسنده على شرط الصحيح.
2 ملكت فأسجع: أي قدرت فسهل وأحسن العفو، وهو مثل سائر قاله ابن الأثير في "النهاية" "2/ 242".
3 صحيح: أخرجه البخاري "7100"، والترمذي "3889" من طريق أبي بكر بن عياش حدثنا أبو حصين، به.(3/453)
وَفِي لَفْظِ ثَابِتٍ: أَشْهَدُ بِاللهِ إِنَّهَا لَزَوْجَتُهُ.
شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ: سَمِعَ عَمَّاراً يَقُوْلُ حِيْنَ بَعَثَهُ عَلِيٌّ إِلَى الكُوْفَةِ لِيَسْتَنْفِرَ النَّاسَ: إِنَّا لَنَعْلَمُ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة وَلَكِنَّ اللهَ ابْتَلاَكُمْ بِهَا لِتَتَّبِعُوْهُ أَوْ إِيَّاهَا1.
أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، عَنْ عَمْرِو بنِ غَالِبٍ: أَنَّ رَجُلاً نَالَ مِنْ عَائِشَةَ عِنْدَ عَمَّارٍ فَقَالَ: اغْرُبْ مَقْبُوْحاً أَتُؤْذِي حَبِيْبَةَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! 2.
صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بنُ الرَّبِيْعِ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ سَلَمَةَ المَخْزُوْمِيُّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى قَالَ: مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيْثٌ قَطُّ فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ إلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْماً3.
هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ غَرِيْبٌ.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ المُبَارَكِ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بنُ الرَّبِيْعِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ أَبِي سَلَمَةَ المَخْزُوْمِيُّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا.... فَذَكَرَهُ.
فَأَمَّا زِيَادٌ فَثِقَةٌ. وَخَالِدٌ صَوَابُهُ: ابْنُ سَلَمَةَ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ.
بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، عَنِ ابْنِ أبي مليكة أن ذكوان: أبا
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3772" حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن الحكم، به.
2 ضعيف: أخرجه الترمذي "3888"، وابن سعد "8/ 65"، وابو نعيم في "الحلية" "2/ 44" من طريق أبي إسحاق السبيعي، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان الأولى: أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، عَمْرُو بنُ عَبْدِ اللهِ الهمذاني مدلس، وقد عنعنه. الثانية: جهالة عمرو بن غالب الهمداني الكوفي، لذا فقد قال الحافظ في "التقريب": "مقبول" أي عند المتابعة، وليس ثم من تابعه.
3 ضعيف: أخرجه الترمذي "3883" حدثنا حميد بن مسعدة، به.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
قلت: بل إسناده ضعيف، ابن أبي بردة، هو سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري الكوفي، قال أبو حاتم: لم يسمع من جده شيئا. فالإسناد منقطع.
تنبيه: وقع في المطبوع: "عن أبي بردة، عن أبي موسى"، وهو خطأ، والصواب "عن ابن أبي بردة، عن أبي موسى"، كما في "سنن الترمذي"، وهو ما أثبتناه.(3/454)
عَمْرٍو حَدَّثَهُ قَالَ: جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَسْتَأْذِنُ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ فِي المَوْتِ. قَالَ: فَجِئْتُ وَعِنْدَ رَأْسِهَا عَبْدُ اللهِ ابن أَخِيْهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقُلْتُ: هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْتَأْذِنُ. قَالَتْ: دَعْنِي مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ حَاجَةَ لِي بِهِ وَلاَ بِتَزْكِيَتِهِ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: يَا أُمَّه إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ صَالِحِي بَنِيْكِ يُوَدِّعُكِ وَيُسَلِّمُ عَلَيْكِ.
قَالَتْ: فَائْذَنْ لَهُ إِنْ شِئْتَ. قَالَ: فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَمَّا قَعَدَ قَالَ: أَبْشِرِي فَوَاللهِ مَا بَيْنَكِ وَبَيْنَ أَنْ تُفَارِقِي كُلَّ نَصَبٍ وَتَلْقَيْ مُحَمَّداً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالأَحِبَّةَ إلَّا أَنْ تفارق روحك جسدك.
قالت: إيهًا يابن عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتِ أَحَبَّ نِسَاءِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْنِي إِلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ يُحِبُّ إلَّا طَيِّباً سَقَطَتْ قِلاَدَتُكِ لَيْلَةَ الأَبْوَاءِ وَأَصْبَحَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَلْقُطَهَا فَأَصْبَحَ النَّاسُ لَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَأَنْزَلَ اللهُ: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النِّسَاءُ: 42] . فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ سَبَبِكِ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَذِهِ الأُمَّةِ مِنَ الرُّخْصَةِ. ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى بَرَاءتَكِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ فَأَصْبَحَ لَيْسَ مَسْجِدٌ مِنْ مَسَاجِدَ يُذْكَرُ فِيْهَا اللهُ إلَّا بَرَاءتُكِ تُتْلَى فِيْهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. قَالَتْ: دعني عنك يابن عَبَّاسٍ فَوَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً1.
يَحْيَى القَطَّانُ، عَنْ عُمَرَ بنِ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ اسْتَأْذنَ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ مَغْلُوْبَةٌ فَقَالَتْ: أَخْشَى أَنْ يُثْنِي عَلَيَّ. فَقِيْلَ: ابْنُ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْ وُجُوْهِ المُسْلِمِيْنَ. قَالَتْ: ائْذَنُوا لَهُ. فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدِيْنَكِ؟ فَقَالَتْ: بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ. قَالَ: فَأَنْتِ بِخَيْرٍ إِنْ شاء الله، زَوْجَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْراً غَيْرَكِ وَنَزَلَ عُذْرُكِ مِنَ السَّمَاءِ.
فَلَمَّا جَاءَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَالَتْ لَهُ: جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَثْنَى عَلَيَّ وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً.
وَقَالَ القِاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: اشْتَكَتْ عَائِشَةُ فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ تَقْدَمِيْنَ عَلَى فَرَطِ صِدْقٍ، عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ2.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عُلْوَانَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ قُدَامَةَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ البَطِّيِّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "1/ 276 و349"، وفي "فضائل الصحابة" له "1636" وابن سعد "8/ 74" والحاكم "4/ 8-9" وأبو نعيم في "الحلية" "2/ 45" من طريق عبد الله بن أبي مليكة، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3771" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بن عبد المجيد، حدثنا ابن عون، عن القاسم بن محمد، به.(3/455)
الفَضْلِ بنُ خُزَيْمَةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي العَوَّامِ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُوْدٍ الجَرَّارُ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الأَقْمَرِ قَالَ: كَانَ مَسْرُوْقٌ إِذَا حَدَّثَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي الصِّدِّيْقَةُ بِنْتُ الصِّدِّيْقِ حَبِيْبَةُ حَبِيْبِ اللهِ المُبَرَّأَةُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ فَلَمْ أَكْذِبْهَا.
الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوْقٍ قَالَ: قلنا له: هل كانت عَائِشَةُ تُحْسِنُ الفَرَائِضَ. قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأَكَابِرَ يَسْأَلُوْنَهَا، عَنِ الفَرَائِضِ.
أَنْبَأَنَا ابْنُ قُدَامَةَ وَابْنُ عِلاَّنَ قَالاَ: أَخْبَرَنَا حَنْبَلٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ المُذْهَبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُعَاوِيَةَ الزُّبَيْرِيُّ قَدِمَ عَلَيْنَا مَكَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ قَالَ كَانَ عُرْوَةُ يَقُوْلُ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّتَاهُ لاَ أَعْجَبُ مِنْ فِقْهِكِ أَقُوْلُ: زَوْجَةُ نَبِيِّ اللهِ وَابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ. وَلاَ أَعْجَبُ مِنْ عِلْمِكِ بِالشِّعْرِ وَأَيَّامِ النَّاسِ أَقُوْلُ: ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ وَلَكِنْ أَعْجَبُ مِنْ عِلْمِكِ بِالطِّبِّ كَيْفَ هُوَ وَمِنْ أَيْنَ هُوَ أَوْ مَا هُوَ؟!
قَالَ: فَضَرَبَتْ عَلَى مَنْكِبِهِ وَقَالَتْ: أَيْ عُرَيَّةُ إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَسْقَمُ عِنْدَ آخِرِ عُمُرِهِ أَوْ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَكَانَتْ تَقْدَمُ عَلَيْهِ وُفُودُ العَرَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَنْعَتُ لَهُ الأَنْعَاتَ وَكُنْتُ أُعَالِجُهَا لَهُ فَمِنْ ثَمَّ1.
قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ قَايْمَازَ، أَخْبَرَكُمْ مُحَمَّدُ بنُ قِوَامٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الرَّارَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أخبرنا عبد الله بن جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِالطِّبِّ مِنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا. فَقُلْتُ: يَا خَالَةُ مِمَّنْ تَعَلَّمْتِ الطِّبَّ قَالَتْ: كُنْتُ أَسْمَعُ النَّاسَ يَنْعَتُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَأَحْفَظُهُ.
سَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: لَقَدْ صَحِبْتُ عَائِشَةَ فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ كَانَ أَعْلَمَ بِآيَةٍ أُنْزِلَتْ وَلاَ بِفَرِيْضَةٍ وَلاَ بِسُنَّةٍ وَلاَ بِشِعْرٍ وَلاَ أَرْوَى لَهُ وَلاَ بِيَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ العَرَبِ وَلاَ بِنَسَبٍ وَلاَ بِكَذَا وَلاَ بِكَذَا وَلاَ بِقَضَاءٍ وَلاَ طِبٍّ مِنْهَا. فَقُلْتُ لَهَا: يَا خَالَةُ الطِّبُّ مِنْ أَيْنَ عُلِّمْتِهِ? فَقَالَتْ: كُنْتُ أَمْرَضُ فَيُنْعَتُ لِيَ الشَّيْءُ وَيَمْرَضُ المَرِيْضُ فَيُنْعَتُ لَهُ وَأَسْمَعُ الناس ينعت بعضهم لبعض فأحفظه.
__________
1 ضعيف جدا: أخرجه أحمد "6/ 67"، وأبو نعيم في "الحلية" "2/ 50" من طريق أبي معاوية عبد الله بن معاوية الزبيري، به.
قلت: إسناده واه بمرة، آفته عبد الله بن معاوية هذا، قال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: ضعيف. وذكر له الذهبي في "الميزان" حديثا موضوعا.(3/456)
قَالَ عُرْوَةُ: فَلَقَدْ ذَهَبَ عَامَّةُ عِلْمِهَا لَمْ أَسْأَلْ عَنْهُ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَكَلَّمَهَا. قَالَ: فَلمَّا قَامَ مُعَاوِيَةُ اتَّكَأَ عَلَى يَدِ مَوْلاَهَا ذَكْوَانَ فَقَالَ: وَاللهِ مَا سَمِعْتُ قَطُّ أَبْلَغَ مِنْ عَائِشَةَ لَيْسَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عُمَرُ بنُ عُثْمَانَ التَّيْمِيُّ: لَيْسَ بِالثَّبْتِ.
الزُّهْرِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَالأَوْزَاعِيِّ عَنْهُ وَهَذَا لَفْظُ الأَوْزَاعِيِّ عَنْهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَوْفُ بنُ الطُّفَيْلِ بنِ الحَارِثِ الأزدي وهو ابن أخي عائشة لامها: أن عائشة بَلَغَهَا أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ الزُّبَيْرِ كَانَ فِي دَارٍ لَهَا بَاعَتْهَا فَتَسَخَّطَ عَبْدُ اللهِ بَيْعَ تِلْكَ الدَّارِ فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ، عَنْ بَيْعِ رِبَاعِهَا أَوْ لأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا.
قَالَتْ عَائِشَةُ: أَوَ قَالَ ذَلِكَ قَالُوا: قَدْ كَانَ ذَلِكَ. قَالَتْ: للهِ عَلَيَّ إلَّا أُكَلِّمَهُ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ المَوْتُ.
فَطَالَتْ هِجْرَتُهَا إِيَّاهُ فَنَقَصَهُ اللهُ بِذَلِكَ فِي أَمْرِهِ كُلِّهِ. فَاسْتَشْفَعَ بِكُلِّ أَحَدٍ يَرَى أَنَّهُ يَثْقُلُ عَلَيْهَا فَأَبَتْ أَنْ تُكَلِّمَهُ.
فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ كَلَّمَ المسور بن مخرمة عبد الرَّحْمَنِ بنَ الأَسْوَدِ بنِ عَبْدِ يَغُوْثَ أَنْ يَشْمَلاَهُ بِأَرْدِيَتِهِمَا ثُمَّ يَسْتَأْذِنَا فَإِذَا أَذِنَتْ لَهُمَا قَالاَ: كُلُّنَا حَتَّى يُدْخِلاَهُ عَلَى عَائِشَةَ فَفَعَلاَ ذَلِكَ. فَقَالَتْ: نَعَمْ كُلُّكُمْ فَلْيَدْخُلْ. وَلاَ تَشْعُرُ. فَدَخَلَ مَعَهُمَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَكشَفَ السِّتْرَ فَاعْتَنَقَهَا وَبَكَى وَبَكَتْ عَائِشَةُ بُكَاءً كَثِيْراً وَنَاشَدَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ اللهَ وَالرَّحِمَ وَنَشَدَهَا مِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بِاللهِ وَالرَّحِمِ وَذَكَرَا لَهَا قَوْلَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ". فَلَمَّا أَكْثَرُوا عليها كلمته بعدما خَشِيَ إلَّا تُكَلِّمَهُ. ثُمَّ بَعَثَتْ إِلَى اليَمَنِ بِمَالٍ فَابْتِيْعَ لَهَا أَرْبَعُوْنَ رَقَبَةً فَأَعْتَقَتْهَا.
قَالَ عَوْفٌ: ثُمَّ سَمِعْتُهَا بَعْدُ تَذْكُرُ نَذْرَهَا ذَلِكَ فتبكي حتى تبل خمارها.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: كَذَا قَالَ: وَالصَّوَابُ عِنْدِي: عَوْفُ بنُ الحَارِثِ بنِ الطُّفَيْلِ بنِ سَخْبَرَةَ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَتَابَعَهُ مَعْمَرٌ.
قَالَ عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ: كَانَتْ عَائِشَةُ أَفْقَهَ النَّاسِ وَأَحْسَنَ النَّاسِ رَأْياً فِي العَامَّةِ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَوْ جُمِعَ عِلْمُ عَائِشَةَ إِلَى عِلْمِ جَمِيْعِ النِّسَاءِ لَكَانَ عِلْمُ عَائِشَةَ أَفْضَلَ.
قَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَ مَسْرُوْقٌ: لَوْلاَ بَعْضُ الأَمْرِ لأَقَمْتُ المَنَاحَةَ عَلَى أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ -يَعْنِي عَائِشَةَ.(3/457)
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ قال: أما إنه لا يحزن عليها إلَّا مَنْ كَانَتْ أُمَّهُ.
القَاسِمُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَيْمَنَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ جَدِّهِ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: فَخَرْتُ بِمَالِ أَبِي فِي الجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ ألف أَلْفِ أُوْقِيَّةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَائِشَةُ كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ" 1.
هكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: أَلْفَ أَلْفِ أُوْقِيَّةٍ. وَإِسْنَادُهَا فِيْهِ لِيْنٌ. وَأَعْتَقِدُ لَفْظَةَ: "أَلْفَ" الوَاحِدَةَ بَاطِلَةٌ فَإِنَّهُ يَكُوْنُ: أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَفِي ذَلِكَ مَفْخَرٌ لِرَجُلٍ تَاجِرٍ وَقَدْ أَنْفَقَ مَالَهُ فِي ذَاتِ اللهِ.
وَلَمَّا هَاجَرَ كَانَ قَدْ بَقِي مَعَهُ سِتَّةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ فَأَخَذَهَا صُحْبَتَهُ أَمَّا أَلْفُ أَلْفِ أُوْقِيَّةٍ فَلاَ تَجْتَمِعُ إلَّا لِسُلْطَانٍ كَبِيْرٍ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: عَنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ إِنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا حَجَّ قَدِمَ فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَلَمْ يَشْهَدْ كَلاَمَهَا إلَّا ذَكْوَانُ مَوْلَى عَائِشَةَ. فَقَالَتْ لِمُعَاوِيَةَ: أَمِنْتَ أَنْ أَخْبَأَ لَكَ رَجُلاً يَقْتُلُكَ بِأَخِي مُحَمَّدٍ قَالَ: صَدَقْتِ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: قَالَ لَهَا: مَا كُنْتِ لِتَفْعَلِي ثُمَّ إِنَّهَا وَعَظَتْهُ وَحَضَّتْهُ عَلَى الاتِّبَاعِ.
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ التَّنُوْخِيُّ: قَضَى مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَائِشَةَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِيْنَارٍ هَذِهِ رِوَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ. وَالصَّحِيْحُ رِوَايَةُ عروة بن الزبير: أن معاوية بعث مرة إلى عائشة بمئة أَلْفِ دِرْهَمٍ فَوَاللهِ مَا أَمْسَتْ حَتَّى فَرَّقَتْهَا. فَقَالَتْ لَهَا مَوْلاَتُهَا: لَوْ اشْتَرَيْتِ لَنَا مِنْهَا بِدِرْهَمٍ لَحْماً? فَقَالَتْ: إلَّا قُلْتِ لِي.
يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطَاءٍ: أن معاوية بعث إلى عائشة بقلادة بمئة أَلْفٍ فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ.
الأَعْمَشُ، عَنْ تَمِيْمِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا تَصَدَّقَتْ بِسَبْعِيْنَ أَلْفاً وَإِنَّهَا لَتَرْقَعُ جَانِبَ درعها -رضي الله عنها.
__________
1 صحيح: وهذا إسناد ضعيف، آفته القاسم بن عبد الواحد بن أيمن المكي، مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب" "مقبول" -أي عند المتابعة.
وأخرجه البخاري "5189"، ومسلم "2448"، والترمذي في "الشمائل" "251"، والبغوي "2340" وأبو يعلى "4701"، والطبراني "23/ 266" من طرق عن عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عن عبد الله بن عروة، عن عروة، عن عائشة، به في حديث طويل.(3/458)
أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ أُمِّ ذَرَّةَ قَالَتْ: بَعَثَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَى عَائِشَةَ بِمَالٍ فِي غِرَارَتَيْنِ يَكُوْنُ مائَةَ أَلْفٍ فَدَعَتْ بِطَبَقٍ فَجَعَلَتْ تَقْسِمُ فِي النَّاسِ فَلَمَّا أَمْسَتْ قَالَتْ: هَاتِي يَا جَارِيَةُ فُطُوْرِي. فَقَالَتْ أُمُّ ذَرَّةَ: يَا أُمَّ المؤمنين أما استطعت أم تَشْتَرِي لَنَا لَحْماً بِدِرْهَمٍ? قَالَتْ: لاَ تُعَنِّفِيْنِي لَوْ أَذْكَرْتِيْنِي لَفَعَلْتُ.
مُطَرِّفُ بنُ طَرِيْفٍ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ قَالَ: فَرَضَ عُمَرُ لأُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ عَشْرَةَ آلاَفٍ عَشْرَةَ آلاَفٍ وَزَادَ عَائِشَةَ أَلْفَيْنِ وَقَالَ: إِنَّهَا حَبِيْبَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. شُعْبَةُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيْهِ: أن عائشة كانت تصوم الدهر.
ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كُنْتُ آتِي عَائِشَةَ أَنَا وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ وَهِيَ مُجَاوِرَةٌ فِي جَوْفِ ثَبِيْرٍ فِي قُبَّةٍ لَهَا تُرْكِيَّةٍ عَلَيْهَا غِشَاؤُهَا وَقَدْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا وَأَنَا صَبِيٌّ دِرْعاً مُعَصْفَراً.
وَرَوَى سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ أَبِي عَمْرٍو: سَمِعَ القَاسِمَ يَقُوْلُ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَلْبَسُ الأَحْمَرَيْنِ الذَّهَبَ وَالمُعَصْفَرَ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: رَأَيْتُ عَلَيْهَا دِرْعاً مُضَرَّجاً.
وَقَالَ مُعَلَّى بنُ أَسَدٍ: حَدَّثَنَا المُعَلَّى بنُ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَتْنَا بَكْرَةُ بِنْتُ عُقْبَةَ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ جَالِسَةٌ فِي مُعَصْفَرَةٍ فَسَأَلَتْهَا، عَنِ الحِنَّاءِ؟
فَقَالَتْ: شَجَرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُوْرٌ وَسَأَلَتْهَا، عَنِ الحِفَافِ فَقَالَتْ لَهَا: إِنْ كَانَ لَكِ زَوْجٌ فَاسْتَطَعْتِ أَنْ تَنْزِعِي مُقْلَتَيْكِ فَتَصْنَعِيْنَهُمَا أَحْسَنَ مِمَّا هُمَا فَافْعَلِي.
المُعَلَّيَانِ ثِقَتَانِ.
وَعَنْ مُعَاذَةَ العَدَوِيَّةِ قَالَتْ: رَأَيْتُ عَلَى عَائِشَةَ مِلْحَفَةً صَفْرَاءَ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: رُبَّمَا رَوَتْ عَائِشَةُ القَصِيْدَةَ سِتِّيْنَ بَيْتاً وَأَكْثَرَ.
مِسْعَرٌ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ وَرَقَةً مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ.
ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وَلَيْلَتِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي. وَدَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ رَطْبٌ فَنَظَرَ إِلَيْهِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ يُرِيْدُهُ فَأَخَذْتُهُ فَمَضَغْتُهُ وَنَفَضْتُهُ وَطَيَّبْتُهُ ثُمَّ(3/459)
دَفَعْتُهُ إِلَيْهِ فَاسْتَنَّ بِهِ كَأَحْسَن مَا رَأَيْتُهُ مُسْتَنّاً قَطُّ ثُمَّ ذَهَبَ يَرْفَعُهُ إِلَيَّ فَسَقَطَتْ يَدُهُ فَأَخَذْتُ أَدْعُو لَهُ بِدُعَاءٍ كَانَ يَدْعُو بِهِ لَهُ جِبْرِيْلُ وَكَانَ هُوَ يَدْعُو بِهِ إِذَا مَرِضَ فَلَمْ يَدْعُ بِهِ فِي مَرَضِهِ ذَاكَ فَرَفَعَ بَصَرهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: "الرَّفِيْقَ الأَعْلَى" وَفَاضَتْ نَفْسُهُ. فَالحَمْدُ للهِ الَّذِي جَمَعَ بَيْنَ رِيْقِي وَرِيْقِهِ فِي آخرِ يَوْمٍ مِنَ الدنيا1.
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ.
عُمَرُ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو ذَكْوَانُ مَوْلَى عَائِشَةَ قَالَ: قَدِمَ دُرْجٌ مِنَ العِرَاقِ فِيْهِ جَوْهَرٌ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: تَدْرُوْنَ مَا ثَمَنُهُ? قَالُوا: لاَ. وَلَمْ يَدْرُوا كَيْفَ يَقْسِمُوْنَهُ فَقَالَ: أَتَأْذَنُوْنَ أَنْ أُرْسِلَ بِهِ إِلَى عَائِشَةَ. لِحُبِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِيَّاهَا قَالُوا: نَعَمْ. فَبَعَثَ بِهِ إِلَيْهَا. فَقَالَتْ: مَاذَا فُتِحَ عَلَى ابْنِ الخَطَّابِ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ? اللَّهُمَّ لاَ تُبْقِنِي لِعَطِيَّتِهِ لِقَابِلٍ2.
هَذَا مُرْسَلٌ.
وَأَخْرَجَ الحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طَرِيْقِ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأُمَوِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو العَنْبَسِ سَعِيْدُ بنُ كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: حَدَّثَتْنَا عَائِشَةُ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ فَاطِمَةَ. قَالَتْ: فَتَكَلَّمْتُ أَنَا فَقَالَ: "أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُوْنِي زَوْجَتِي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ". قُلْتُ: بَلَى وَاللهِ قَالَ: "فَأَنْتِ زَوْجَتِي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ"3.
__________
1 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه أحمد "6/ 48" والحاكم "4/ 7" من طريق ابن علية به.
وأخرجه ابن أبي شيبة "12/ 131-132"، والبخاري "3100" و"4451"، والحاكم "4/ 6"، والطبراني من طرق عن ابن أبي مليكة، به.
وأخرج أحمد "6/ 121-122 و200" والبخاري "890" و"1389" و"3774" و"4450" و"5217" ومسلم "2443"، والطبراني "23/ 81" من طرق عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، به مطولا ومختصرا.
وأخرجه البخاري "4438" والطبراني "3/ 79" من طريق القاسم بن محمد، عن عائشة، به.
2 ضعيف: أخرجه الحاكم "4/ 8" من طريق زيد بن الحباب، أنبأنا عمر بن سعيد بن أبي حسين المكي، به.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين إذا صح سماع ذكوان أبي عمرو. وتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: فيه إرسال". قلت: وهو كذلك.
3 صحيح لغيره: وهذا إسناد ضعيف، آفته كثير بن عبيد التيمي، رضيع عائشة، ووالد سعيد، فإنه مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول -أي عند المتابعة.
وأخرجه الترمذي "3880" من طريق عبد بن حميد، أخبرنا عبد الرزاق، عن عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ المَكِّيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مليكة، عن عائشة أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "إِنَّ هذه زوجتك في الدنيا والآخرة".
قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات، ابن أبي حسين هو عمر بن سعيد بن أبي حسين الكوفي المكي، وهو ثقة روى له البخاري ومسلم وغيرهما.(3/460)
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ:، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن الضحاك: أن عبد الله ابن صَفْوَانَ أَتَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: لِي خِلاَلٌ تِسْعٌ لَمْ تَكُنْ لأَحَدٍ إلَّا مَا آتَى اللهُ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ. وَاللهِ مَا أَقُوْلُ هَذَا فخرًا على صواحباتي.
فَقَالَ ابْنُ صَفْوَانَ: وَمَا هُنَّ? قَالَتْ: جَاءَ المَلَكُ بِصُوْرَتِي إِلَى رَسُوْلِ اللهِ فَتَزَوَّجَنِي وَتَزَّوَجَنِي بِكْراً وَكَانَ يَأْتِيْهِ الوَحْيُ وَأَنَا وَهُوَ فِي لِحَافٍ وَكُنْتُ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيْهِ وَنَزَلَ فِيَّ آيَاتٌ كَادَتِ الأُمَّةُ تَهْلِكُ فِيْهَا وَرَأَيْتُ جِبْرِيْلَ وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنْ نِسَائِهِ غَيْرِي وَقُبِضَ فِي بَيْتِي لَمْ يَلِهِ أَحَدٌ غَيْرُ المَلَكِ إلَّا أَنَا. صَحَّحَهُ الحَاكِمُ.
العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات} [النور: 23] الآية. قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَائِشَةَ خَاصَّةً.
عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ وَفِيْهِ لِيْنٌ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الحَذَّاءُ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنِ الأَحْنَفِ قَالَ: سَمِعْتُ خُطبَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالخُلَفَاءِ بَعْدَهُمْ فَمَا سَمِعْتُ الكَلاَمَ مِنْ فَمِ مَخْلُوْقٍ أَفْخَمَ وَلاَ أَحْسَنَ مِنْهُ مِنْ فِيِّ عَائِشَةَ.
وَقَالَ مُوْسَى بنُ طَلْحَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْصَحَ مِنْ عَائِشَةَ.
وَفِي "المُسْتَدْرَكِ" بِإِسْنَادٍ صَالِحٍ، عَنِ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّهَا لَمَّا سَمِعَتِ الصَّرْخَةَ عَلَى عَائِشَةَ قَالَتْ: وَاللهِ لَقَدْ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَّا أباها.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ أَبِي عَتِيْقٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: رَأَيْتُ لَيْلَةَ مَاتَتْ عَائِشَةُ حُمِلَ مَعَهَا جَرِيْدٌ بِالخِرَقِ وَالزَّيْتِ وَأُوْقِدَ وَرَأَيْتُ النِّسَاءَ بِالبَقِيْعِ كَأَنَّهُ عِيْدٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ صَلَّى عَلَى عَائِشَةَ بِالبَقِيْعِ وَكَانَ خَلِيْفَةَ مَرْوَانَ عَلَى المَدِيْنَةِ وَقَدِ اعْتَمَرَ تِلْكَ الأَيَّامَ.
قَالَ عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ: دُفِنَتْ عَائِشَةُ لَيْلاً.(3/461)
قَالَ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَشَبَابٌ وَغَيْرُهُمْ: تُوُفِّيَتْ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بنُ المُثَنَّى وَالوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُمَا: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مُوْسَى بنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ سَالِمِ سَبَلاَنَ: أَنَّهَا مَاتَتْ فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ بَعْدَ الوِتْرِ. فَأَمَرَتْ أَنْ تُدْفَنَ مِنْ لَيْلَتِهَا فَاجْتَمَعَ الأَنْصَارُ وَحَضَرُوا فلم ير ليلة أكثر نَاساً مِنْهَا. نَزَلَ أَهْلُ العَوَالِي فَدُفِنَتْ بِالبَقِيْعِ.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ وَكَانَتْ تُحَدِّثُ نَفْسَهَا أَنْ تُدْفَنَ فِي بَيْتِهَا فَقَالَتْ: إِنِّي أَحْدَثْتُ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدَثاً ادْفِنُوْنِي مَعَ أَزْوَاجِهِ فَدُفِنَتْ بِالبَقِيْعِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
قُلْتُ: تَعْنِي بِالحَدَثِ مَسِيْرَهَا يَوْمَ الجَمَلِ فَإِنَّهَا نَدِمَتْ نَدَامَةً كُلِّيَّةً وَتَابَتْ مِنْ ذَلِكَ: عَلَى أَنَّهَا مَا فَعَلَتْ ذَلِكَ إلَّا مُتَأَوِّلَةً قَاصِدَةً لِلْخَيْرِ كَمَا اجْتَهَدَ طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ وَالزُّبَيْرُ بنُ العَوَّامِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الكِبَارِ رَضِيَ اللهُ، عَنِ الجَمِيْعِ.
رَوَى إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بنِ العَلاَءِ المَازِنِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَتِيْقٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: إِذَا مَرَّ ابْنُ عُمَرَ فَأَرُوْنِيْهِ. فَلَمَّا مَرَّ بِهَا قِيْلَ لَهَا: هَذَا ابْنُ عُمَرَ. فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَنْهَانِي، عَنْ مَسِيْرِي? قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلاً قَدْ غَلَبَ عَلَيْكِ يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ.
وَقَدْ قِيْلَ: إِنَّهَا مَدْفُوْنَةٌ بِغَرْبِيِّ جَامِعِ دِمَشْقَ. وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ لَمْ تَقْدَمْ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- إِلَى دِمَشْقَ أَصْلاً وَإِنَّمَا هِيَ مَدْفُوْنَةٌ بِالبَقِيْعِ.
وَمُدَّةُ عُمُرِهَا: ثَلاَثٌ وَسِتُّوْنَ سَنَةً وَأَشْهُرٌ.
ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ عَالِي حَدِيْثِهَا:
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الأَبَرْقُوْهِيُّ غير مرة، أخبرنا مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ أَبِي حَامِدٍ الدِّيْنَوَرِيُّ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا عَمِّي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَامِدٍ: سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ العَاصِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُوْسَى مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا جَاءَ إِلَى مَكَّةَ دَخَلَهَا من أعلاها وخرج من أسفلها1.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "1579"، ومسلم "1258"، وأبو داود "1868".(3/462)
أَخْرَجَهُ الأَئِمَةُ السِّتَّةُ سِوَى ابْنِ مَاجَه، عَنِ ابْنِ مُثَنَّى: فَوَافَقْنَاهُمْ بِعُلُوٍّ وَللهِ الحَمْدُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هبَةِ اللهِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعْدٍ الجُرْجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: $"يَا عَائِشَةُ لَوْ شِئْتُ لَسَارَتْ مَعِي جِبَالُ الذَّهَبِ جَاءنِي مَلَكٌ إِنَّ حُجْزَتَهُ1 لَتُسَاوِي الكعبة فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَيَقُوْلُ لَكَ: إِنْ شِئْتَ نَبِيّاً عَبْداً وَإِنْ شِئْتَ نَبِيّاً مَلِكاً فَنَظَرْتُ إِلَى جِبْرِيْلَ فَأَشَارَ إِلَيَّ: أَنْ ضَعْ نَفْسَكَ. فَقُلْتُ: نَبِيّاً عَبْداً" فَكَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يَأْكُلُ مُتَّكِئاً يَقُوْلُ: "آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ العَبْدُ وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ العَبْدُ".
هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ غَرِيْبٌ. وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ لَنَا حَدِيْثُ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ أَقْرَبَ إِسْنَاداً مِنْ هَذَا.
قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ عَسَاكِرَ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ: أَخْبَرَنَا تَمِيْمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ هَاشِمٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ بَكْرِ بنِ وَائِلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امْرَأَةً قَطُّ وَلاَ ضَرَبَ خَادِماً لَهُ قَطُّ وَلاَ ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئاً إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيْلِ اللهِ وَمَا نِيْلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَانْتَقَمَهُ مِنْ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللهِ فَيَنْتَقِمَ2.
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ القَاضِي، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ. فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً عَالِياً.
يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ: حَدَّثَنَا أَبُو يُوْنُسَ حَاتِمُ بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّهَا قَتَلَتْ جَانّاً فَأُتِيَتْ فِي مَنَامِهَا: وَاللهِ لَقَدْ قَتَلْتِ مُسْلِماً. قَالَتْ: لَوْ كَانَ مُسْلِماً لَمْ يَدْخُلْ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فقيل: أو كان يدخل عليك إلَّا وعليك ثيابك؟
__________
1 الحجرة: معقد السراويل، وقيل حيث يثنى طرف الازار.
2 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 31 و32 و229 و81"، ومسلم "2327" و"2328"، والترمذي في "الشمائل" "341"، والدارمي "2/ 147"، والبيهقي "10/ 192" من طرق عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ.
وأخرجه مالك "3/ 95 و96"، ومن طريقه أحمد "6/ 115 و116 و181 و182 و262"، والبخاري "3560" و"6126"، وفي "الأدب المفرد" "274"، وأبو داود "4785"، والبيهقي في "السنن" "7/ 41"، والبغوي في "شرح السنة" "3703" عن الزهري، عن عروة، به.(3/463)
فَأَصْبَحَتْ فَزِعَةً، فَأَمَرَتْ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَجَعَلَتْهَا فِي سَبِيْلِ اللهِ.
عَفِيْفُ بنُ سَالِمٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ المُؤَمَّلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ قَالَتْ: كَانَ جَانٌّ يَطْلُعُ عَلَى عَائِشَةَ فحرجت عليه مَرَّةٍ بَعْدَ مَرَّةٍ. فَأَبَى إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فَعَدَتْ عَلَيْهِ بِحَدِيْدَةٍ فَقَتَلَتْهُ. فَأُتِيَتْ فِي مَنَامِهَا فَقِيْلَ لَهَا: أَقَتَلْتِ فُلاَناً وَقَدْ شَهِدَ بَدْراً وَكَانَ لاَ يَطْلُعُ عَلَيْكِ لاَ حَاسِراً وَلاَ مُتَجَرِّدَةً إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَخَذَهَا مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لأَبِيْهَا فَقَالَ: تصدقي باثني عشر ألفًا ديته.
رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنْ عَفِيْفٍ وَهُوَ ثِقَةٌ. وَابْنُ المُؤَمَّلِ فِيْهِ ضَعْفٌ وَالإِسْنَادُ الأَوَّلُ أَصَحُّ. وَمَا أَعْلَمُ أَحَداً اليَوْمَ يَقُوْلُ بِوُجُوْبِ دِيَةٍ فِي مِثْلِ هَذَا.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ قَالَ: فَرَضَ عُمَرُ لأُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ عَشْرَةَ آلاَفٍ وَزَادَ عَائِشَةَ أَلْفَيْنِ وَقَالَ: إِنَّهَا حَبِيْبَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَوَيْتُ لِلَبِيْدٍ نَحْواً مِنْ أَلْفِ بَيْتٍ وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَذْكُرُهَا فَيَتَعَجَّبُ مِنْ فِقْهِهَا وَعِلْمِهَا. ثُمَّ يَقُوْلُ مَا ظَنُّكُمْ بِأَدَبِ النُّبُوَةِ.
وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قِيْلَ لِعَائِشَةَ يَا أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ هَذَا القُرْآنُ تَلَقَّيْتِهِ، عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَذَلِكَ الحَلاَلُ وَالحَرَامُ وَهَذَا الشِّعْرُ وَالنَّسَبُ وَالأَخْبَارُ سَمِعْتِهَا مِنْ أَبِيْكِ وَغَيْرِهِ فَمَا بِالُ الطِّبِّ? قَالَتْ: كَانَتِ الوُفُوْدُ تَأْتِي رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلاَ يَزَالُ الرَّجُلُ يَشْكُو عِلَّةً فَيَسْأَلُهُ، عَنْ دَوَائِهَا. فَيُخْبِرُهُ بِذَلِكَ. فَحَفِظْتُ مَا كَانَ يَصِفُهُ لَهُم، وَفَهِمْتُهُ.
هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهَا أَنْشَدَتْ بَيْتَ لَبِيْدٍ:
ذَهَبَ الَّذِيْنَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ ... وَبَقِيْتُ فِي خَلْفٍ كَجِلْدِ الأجرب
فَقَالَتْ: رَحِمَ اللهُ لَبِيْداً، فَكَيْفَ لَوْ رَأَى زَمَانَنَا هَذَا!
قَالَ عُرْوَةُ: رَحِمَ اللهُ أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ فَكَيْفَ لَوْ أَدْرَكَتْ زَمَانَنَا هَذَا.
قَالَ هِشَامٌ: رَحِمَ اللهُ أَبِي فَكَيْفَ لَوْ رَأَى زَمَانَنَا هَذَا!
قَالَ كَاتِبُهُ: سَمِعْنَاهُ مُسَلْسَلاً بِهَذَا القَوْلِ بِإِسْنَادٍ مُقَارِبٍ.
مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، عَنْ عِصَامِ بنِ قُدَامَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيَّتُكُنَّ صَاحِبَةُ الجَمَلِ الأَدْبَبِ يُقْتَلُ حَوْلَهَا قَتْلَى كَثِيْرٌ وَتَنْجُو بَعْدَ مَا كادت".(3/464)
قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: هَذَا الحَدِيْثُ مِنْ أَعْلاَمِ النُّبُوَّةِ وَعِصَامٌ ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ العَبَادَانِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ قَالَ: بَاعَتْ عَائِشَةُ دَاراً لَهَا بمئة أَلْفٍ ثُم قَسَمَتِ الثَّمَنَ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ الزبير? فقال: قسمت مئة أَلْفٍ وَاللهِ لَتَنْتَهِيَنَّ، عَنْ بَيْعِ رِبَاعِهَا أَوْ لأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا. فَقَالَتْ: أَهُوَ يَحْجُرُ عَلَيَّ? للهِ عَلَيَّ نَذْرٌ إِنْ كَلَّمْتُهُ أَبَداً.
فَضَاقَتْ بِهِ الدُّنْيَا حَتَّى كَلَّمَتْهُ فَأَعْتَقَتْ مائَةَ رَقَبَةٍ1.
قُلْتُ: كَانَتْ أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ مِنْ أَكْرَمِ أَهْلِ زَمَانِهَا وَلَهَا فِي السَّخَاءِ أَخْبَارٌ وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بخلاف ذلك.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَوْفِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ رُمَيْثَةَ، عَنِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَلَّمَنِي صَوَاحِبِي أَنْ أُكَلِّمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ فَيُهْدُوْنَ لَهُ حَيْثُ كَانَ فَإِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ وَإِنَا نُحِبُّ الخَيْرَ.
فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ إِنَّ صَوَاحِبِي كَلَّمْنَنِي وَذَكَرَتُ لَهُ فَسَكَتَ فَلَمْ يُرَاجِعْنِي. فَكَلَّمْتُهُ فِيْمَا بَعْدُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً كُلُّ ذَلِكَ يَسْكُتُ ثُمَّ قَالَ: "لاَ تُؤْذِيْنِي فِي عَائِشَةَ فَإِنِّي وَاللهِ مَا نَزَلَ الوَحْيُ عَلَيَّ وَأَنَا فِي ثَوْبِ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِي غَيْرِ عَائِشَةَ". قُلْتُ: أَعُوْذُ بِاللهِ أَنْ أَسُوْءكَ فِي عَائِشَةَ.
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ2.
يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو العَنْبَسِ سَعِيْدُ بنُ كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: حَدَّثَتْنَا عَائِشَةُ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ فَاطِمَةَ. فَتَكَلَّمْتُ أَنَا: فَقَالَ: "أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُوْنِي زَوْجَتِي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ". قُلْتُ: بَلَى وَاللهِ3.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَوْ جُمِعَ عِلْمُ النَّاسِ كُلِّهِمْ وَأُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ لكانت عائشة أوسعهم علمًا.
__________
1 ضعيف: فيه أبو عاصم العباداني، وعلي بن زيد وهما ضعيفان.
2 ضعيف: أخرجه النسائي "7/ 68-69" من طريق عبدة، عن هشام، عن عوف بن الحارث، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته عوف بن الحارث بن الطفيل، مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب" مقبول.
3 صحيح: أخرجه الحاكم "4/ 10" من طريق يحيى بن سعيد الأموي، به.
وقال الحاكم: صحيح. ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا.(3/465)
ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُوْسَى الجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَفْصٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَوَيْهَا قَالاَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَدْعُوَ لِعَائِشَةَ وَنَحْنُ نَسْمَعُ. فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ مَغْفِرَةً وَاجِبَةً ظَاهِرَةً بَاطِنَةً". فعجب أبواها لحسن دعائه لَهَا فَقَالَ: "أَتَعْجَبَانِ? هَذِهِ دَعْوَتِي لِمَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إلَّا اللهَ وَأَنِّي رَسُوْلُ اللهِ".
أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ1.
الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوْقٍ: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ: رَأَيْتُنِي عَلَى تَلٍّ وَحَوْلِي بَقَرٌ تُنْحَرُ. قُلْتُ: لَئِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكِ لَتَكُوْنَنَّ حَوْلَكِ مَلْحَمَةٌ قَالَتْ: أَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّكَ بِئْسَ مَا قُلْتَ. فَقُلْتُ لَهَا: فَلَعَلَّهُ إِنْ كَانَ أَمْرٌ. قَالَتْ: لأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ ذُكِرَ عِنْدَهَا: أَنَّ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَتَلَ ذَا الثُّدَيَّةِ. فَقَالَتْ لِي: إِذَا أَنْتَ قَدِمْتَ الكُوْفَةَ فَاكْتُبْ لِي نَاساً مِمَّنْ شَهِدَ ذَلِكَ. فَقَدِمْتُ فَوَجَدْتُ النَّاسَ أَشْيَاعاً فَكَتَبتُ لَهَا مِنْ كُلِّ شِيْعَةٍ عَشْرَةً فَأَتَيْتُهَا بِشَهَادَتِهِمْ فَقَالَتْ: لَعَنَ اللهُ عَمْراً فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِمِصْرَ.
قَالَ الحَاكِمُ: هَذَا عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ.
رَوَى مُغِيْرَةُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ أَفْقَهَ النَّاسِ وَأَعْلَمَهُمْ وَأَحَسَنَ النَّاسِ رَأْياً فِي العَامَّةِ.
قَالَ البُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، حَدَّثَنِي مَسْرُوْقٌ حَدَّثَتْنِي أُمُّ رُوْمَانَ: قَالَتْ: بَيْنَمَا أَنَا قَاعِدَةٌ وَلَجَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأنصار فقالت: فعل الله بفلان وفعل.
فَقَالَتْ أُمُّ رُوْمَانَ: وَمَا ذَاكَ? قَالَتْ: ابْنِي فِيْمَنْ حَدَّثَ الحَدِيْثَ. قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ قَالَتْ: كَذَا وَكَذَا. قَالَتْ عَائِشَةُ: سَمِعَ رَسُوْلُ اللهِ? قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَتْ: وَأَبُو بَكْرٍ? قَالَتْ: نَعَمْ فَخَرَّتْ مَغْشِيّاً عَلَيْهَا فَمَا أَفَاقَتْ إلَّا وَعَلَيْهَا حُمَّى بِنَافِضٍ فَطَرَحْتُ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا. فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "مَا شَأْنُ هَذِهِ"؟. قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ أَخَذَتْهَا الحُمَّى بِنَافِضٍ. قَالَ: "فَلَعَلَّ فِي حَدِيْثٍ تُحُدِّثَ بِهِ"؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَعَدَتْ فَقَالَتْ: وَاللهِ لَئِنْ حَلَفْتُ لاَ تُصَدِّقُوْنِي وَلَئِنْ قُلْتُ لاَ تَعْذِرُوْنِي مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَيَعْقُوْبَ وَبَنِيْهِ: وَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُوْنَ.
قَالَتْ: وَانْصَرَفَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً فَأَنْزَلَ اللهُ عُذْرَهَا. قَالَتْ: بِحَمْدِ اللهِ لاَ بِحَمْدِ أحد ولا بحمدك2.
صحيح غريب.
__________
1 منكر: أخرجه الحاكم "4/ 11-12" مِنْ طَرِيْقِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُوْسَى الجهني، به. وقال الذهبي في "التلخيص": "قلت: منكر على جودة إسناده".
2 صحيح: أخرجه البخاري "4143" من طريق موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، به.(3/466)
116- أم سلمة أم المؤمنين 1: "ع"
السَّيِّدَةُ المُحَجَّبَةُ الطَّاهِرَةُ هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أمية بن المغيرة بن عبد الله ابن عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمِ بنِ يَقَظَةَ بنِ مُرَّةَ المَخْزُوْمِيَّةُ بِنْتُ عَمِّ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ سَيْفِ اللهِ وَبِنْتُ عَمِّ أَبِي جَهْلٍ بنِ هِشَامٍ.
مِنْ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ. كَانَتْ قَبْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ أَخِيْهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ: أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الأَسَدِ المَخْزُوْمِيِّ الرَّجُلِ الصَّالِحِ.
دَخَلَ بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ مِنَ الهِجْرَةِ وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ وَأَشْرَفِهِنَّ نَسَباً.
وَكَانَتْ آخِرَ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ. عُمِّرَتْ حَتَّى بَلَغَهَا مَقْتَلُ الحُسَيْنِ الشَّهِيْدِ فَوَجَمَتْ لِذَلِكَ وَغُشِيَ عَلَيْهَا وَحَزِنَتْ عَلَيْهِ كَثِيْراً لَمْ تَلْبَثْ بَعْدَهُ إلَّا يَسِيْراً وَانْتَقَلَتْ إِلَى اللهِ.
وَلَهَا أَوْلاَدٌ صَحَابِيُّوْنَ: عُمَرُ وَسَلَمَةُ وَزَيْنَبُ وَلَهَا جُمْلَةُ أَحَادِيْثَ.
رَوَى عَنْهَا: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ وَشَقِيْقُ بنُ سَلَمَةَ وَالأَسْوَدُ بنُ يَزِيْدَ وَالشَّعْبِيُّ وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ وَمُجَاهِدٌ وَنَافِعُ بنُ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ وَنَافِعٌ مَوْلاَهَا وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ وَعَطَاءُ بن أبي رباح وشهر ابن حَوْشَبٍ وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
عَاشَتْ نَحْواً مِنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَأَبُوْهَا: هُوَ زَادُ الرَّاكِبِ أَحَدُ الأَجْوَادِ قِيْلَ اسْمُهُ حُذَيْفَةُ.
وَقَدْ وَهِمَ مَنْ سَمَّاهَا: رَمْلَةُ تِلْكَ أُمُّ حَبِيْبَةَ.
وكانت تعد من فقهاء الصحابيات.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 86-96"، الجرح والتعديل "9/ ترجمة رقم 2375"، والإصابة "4/ ترجمة رقم 1309"، تهذيب الكمال "35/ ترجمة 7941"، تهذيب التهذيب "12/ ترجمة رقم 2905".(3/467)
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُبَيْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ يَرْبُوْعٍ، عَنْ عُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي إِلَى أَبِي قَطَنٍ فِي المُحَرَّمِ سنَةَ أَرْبَعٍ، فَغَابَ تِسْعاً وَعِشْرِيْنَ لَيْلَةً، ثُمَّ رَجَعَ فِي صَفَرٍ، وَجُرْحُهُ الَّذِي أَصَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ مُنْتَقِضٌ، فَمَاتَ مِنْهُ لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، وَحَلَّتْ أُمِّي فِي شَوَّالٍ وَتَزَوَّجَهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَتُوُفِّيَتْ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ فِي ذِي القَعْدَةِ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ زِيَادِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لأَبِي سَلَمَةَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَيْسَ امْرَأَةٌ يَمُوْتُ زَوْجُهَا وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ ثُمَّ لَمْ تَزَوَّجْ إلَّا جَمَعَ اللهُ بَيْنَهُمَا فِي الجَنَّةِ. فَتَعَالَ أُعَاهِدْكَ إلَّا تَزَوَّجَ بَعْدِي ولاَ أَتَزَوَّجُ بَعْدَكِ. قَالَ: أَتُطِيْعِيْنَنِي? قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: إِذَا مِتُّ تَزَوَّجِي. اللَّهُمَّ ارْزُقْ أُمَّ سَلَمَةَ بَعْدِي رَجُلاً خَيْراً مِنِّي، لاَ يُحْزِنُهَا وَلاَ يُؤْذِيْهَا. فَلَمَّا مَاتَ قُلْتُ: مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ فَمَا لَبِثْتُ وَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ عَلَى البَابِ فَذَكَرَ الخِطْبَةَ إِلَى ابْنِ أَخِيْهَا أَوِ ابْنِهَا. فَقَالَتْ: أَرُدُّ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ أَوْ أَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ بِعِيَالِي. ثُمَّ جَاءَ الغَدُ فَخَطَبَ1.
عَفَّانُ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، حَدَّثَنِي ابْنُ عمر بن أبي سلمة، عَنْ أَبِيْهِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا خَطَبَهَا أَبُو بَكْرٍ فَرَدَّتْهُ ثُمَّ عُمَرُ فَرَدَّتْهُ فَبَعَثَ إِلَيْهَا رَسُوْلُ اللهِ فَقَالَتْ: مَرْحَباً أَخْبِرْ رَسُوْلَ اللهِ أَنِّي غَيْرَى، وَأَنِّي مُصْبِيَةٌ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي شَاهِداً.
فَبَعَثَ إِلَيْهَا: "أَمَّا قَوْلُكِ: إِنِّي مُصْبِيَةٌ 2 فَإِنَّ اللهَ سَيَكْفِيْكِ صِبْيَانَكِ. وَأَمَّا قَوْلُكِ: إِنِّي غَيْرَى فَسَأَدْعُو اللهَ أَنْ يُذْهِبَ غَيْرَتَكِ، وَأَمَّا الأَوْلِيَاءُ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُم إلَّا سَيَرْضَى بِي".
قَالَتْ: يَا عُمَرُ قُمْ فَزَوِّجْ رَسُوْلَ اللهِ.
وَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ: "أَمَا إِنِّي لاَ أَنْقُصُكِ مِمَّا أَعْطَيْتُ فُلاَنَةَ....". الحديث3.
__________
1 ضعيف: أخرجه ابْنُ سَعْدٍ "8/ 88" أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيُّ، به.
قلت: إسناده ضعيف للانقطاع بين زياد بن أبي مريم الجزري وأم سلمة، زياد هذا من الطبقة السادسة، وهي طبقة عاصرت الخامسة، ولم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة.
2 غيرى: أي: شديدة الغيرة. ومصبية: أي: ذات صبية وأولاد صغار.
3 ضعيف: أخرجه ابن سعد "8/ 89" وأحمد "6/ 313-314"، والنسائي "6/ 81-82" من طريق حماد بن سلمة، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته ابن عمر بن أبي سلمة، مجهول؛ لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول.(3/468)
عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ التيمي، عن حبيب بن أبي ثابت قال: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: أَتَانِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَلَّمَنِي وَبَيْنَنَا حِجَابٌ فَخَطَبَنِي فَقُلْتُ: وَمَا تُرِيْدُ إِلَيَّ? مَا أَقُوْلُ هَذَا إلَّا رغبة لك، عن نفسي إني امْرَأَةٌ قَدْ أَدْبَرَ مِنْ سِنِّي وَإِنِّي أُمُّ أَيْتَامٍ وَأَنَا شَدِيْدَةُ الغَيْرَةِ وَأَنْتَ يَا رَسُوْلَ اللهِ تَجْمَعُ النِّسَاءَ.
قَالَ: "أَمَّا الغَيْرَةُ فَيُذْهِبُهَا اللهُ. وَأَمَّا السِّنُّ فَأَنَا أَكْبَرُ مِنْكِ. وَأَمَّا أَيْتَامُكِ فَعَلَى اللهِ وَعَلَى رَسُوْلِهِ". فَأَذِنْتُ فَتَزَوَّجَنِي1.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَيْمَنَ، حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطَبَ أُمَّ سَلَمَةَ. فَقَالَتْ: فِيَّ خِصَالٌ ثَلاَثٌ: كَبِيْرَةٌ وَمُطْفِلٌ وَغَيُوْرٌ ... ، الحَدِيْثَ2.
وَعَنِ المُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَنْطَبٍ قَالَ: دَخَلَتْ أَيِّمُ العَرَبِ عَلَى سَيِّدِ المُسْلِمِيْنَ أَوَّلَ العِشَاءِ عَرُوْساً وَقَامَتْ آخِرَ اللَّيْلِ تَطْحَنُ يَعْنِي: أُمَّ سَلَمَةَ3.
مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: لَمَّا بنى رسول الله بِأُمِّ سَلَمَةَ قَالَ: "لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ -يَعْنِي نِسَاءهُ- وَإِنْ شِئْتِ ثَلاَثاً وَدُرْتُ"؟.
قَالَتْ: ثَلاَثاً4.
رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي حَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، أَنَّ عَبْدَ الحَمِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ وَالقَاسِمَ بنَ مُحَمَّدٍ حدثاه: أنهما سمعا أبا بكر بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُخْبِرُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا لَمَّا قَدِمَتِ المَدِيْنَةَ أَخْبَرَتْهُمْ: أَنَّهَا بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ فَكَذَّبُوْهَا حَتَّى أَنْشَأَ نَاسٌ مِنْهُم الحَجَّ فَقَالُوا: أَتَكْتُبِيْنَ إِلَى أَهْلِكِ فَكَتَبَتْ معهم فرجعوا فصدقوها وازدادت عليهم كرامة.
__________
1 ضعيف: أخرجه ابن سعد "8/ 90"، وهو ضعيف لإرساله، أرسله حبيب بن أبي ثابت كثير الإرسال والتدليس.
2 ضعيف: أخرجه ابن سعد "8/ 91"، وهو ضعيف لإرسالة.
3 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد من طريق الواقدي، وهو متروك كما ذكرنا مرارا، والمطلب بن عبد الله بن حنطب كثير التدليس والإرسال، وهذا من مراسيله.
4 صحيح: أخرجه مالك "2/ 529" مرسلا. وأخرجه موصولا مسلم "1460"، وأبو داود "2122" من طريق يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن محمد بنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بنِ هشام، عن أبيه، عن أم سلمة، به. فوصله بإثبات أم سلمة فصح الحديث.(3/469)
قَالَتْ: فَلَمَّا وَضَعْتُ زَيْنَبَ جَاءنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَطَبَنِي فَقُلْتُ: مَا مِثْلِي يُنْكَحُ!
قَالَ: فَتَزَوَّجَهَا فَجَعَلَ يَأْتِيْهَا فَيَقُوْلُ: "أَيْنَ زُنَابُ" حَتَّى جَاءَ عَمَّارٌ فَاخْتَلَجَهَا1 وَقَالَ: هَذِهِ تَمْنَعُ رَسُوْلَ اللهِ. وَكَانَتْ تُرْضِعُهَا.
فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "أَينَ زُنَابُ" فَقِيْلَ: أَخَذَهَا عَمَّارٌ. فَقَالَ: "إِنِّي آتِيْكُمُ اللَّيْلَةَ".
قَالَتْ: فَوَضَعْتُ ثِفَالِي2 وَأَخْرَجْتُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيْرٍ كَانَتْ فِي جَرَّتِي وَأَخْرَجْتُ شَحْماً فَعَصَدْتُهُ لَهُ ثُمَّ بَاتَ ثُمَّ أَصْبَحَ فَقَالَ: "إِنَّ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ كَرَامَةً إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ? وَإِنْ أُسَبِّعْ لَكِ أُسَبِّعْ لِنِسَائِي" 3.
قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: هِيَ أَوَّلُ ظَعِيْنَةٍ دَخَلَتِ المَدِيْنَةَ مُهَاجِرَةً فَشَهِدَ أَبُو سَلَمَةَ بَدْراً وَوَلَدَتْ لَهُ عُمَرَ وَسَلمَةَ وَزَيْنَبَ وَدُرَّةَ.
أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيْقٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: كَيْفَ أَقُوْلُ? قَالَ: "قولي اللهم اغفر لنا ذنوبنا وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى صَالِحَةً". فَقُلْتُهَا فَأَعْقَبَنِي اللهُ مُحَمَّداً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4.
وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي "صَحِيْحِهِ"5. أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ صَفْوَانَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فِي خِلاَفَةِ يَزِيْدَ.
وَرَوَى إِسْمَاعِيْلُ بنُ نَشِيْطٍ، عَنْ شَهْرٍ قَالَ: أَتَيْتُ أُمَّ سَلَمَةَ أُعَزِّيْهَا بِالحُسَيْنِ.
وَمِنْ فَضْلِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُن} إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ
__________
1 اختلجها: اجتذبها وانتزعها.
2 الثقال: بالكسر جلدة تبسط تحت رحا اليد ليقع عليها الدقيق، ويسمى الحجر الأسفل ثقالا بها.
3 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 93-94"، وأحمد "6/ 307" من طريق عبد الرزاق أخبرنا ابن جريح، به.
4 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 291 و306"، ومسلم "919"، وأبو داود "3115" والترمذي "977"، والنسائي "4/ 4-5"، وابن ماجة "1447" من طرق عن الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، به.
5 صحيح: أخرجه مسلم "2882".(3/470)
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا، وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 32-34] .
فَهَذِهِ آيَاتٌ شَرِيْفَةٌ فِي زَوْجَاتِ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيْدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْت} . قَالَ: نَزَلَتْ فِي نِسَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَالَ عِكْرِمَةُ: مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ1 أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي نِسَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاصَّةً.
إِسْحَاقُ السَّلُوْلِيُّ: حَدَّثَنَا عِيْسَى بن عبد الرحمن السلمي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ: أَنَّهُ قَالَ لامْرَأَتِهِ: إِنْ سَرَّكِ أَنْ تَكُوْنِي زَوْجَتِي فِي الجَنَّةِ فَلاَ تَزَوَّجِي بَعْدِي فَإِنَّ المَرْأَةَ فِي الجَنَّةِ لآخِرِ أَزْوَاجِهَا فِي الدُّنْيَا فَلِذَلِكَ حُرِّمَ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُنْكَحْنَ بَعْدَهُ لأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الجَنَّةِ.
رَوَى عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ: أن أم سلمة أوصت أن يصلي عليها سَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ أَحَدُ العَشَرَةِ.
وَهَذَا مُنْقَطِعٌ. وَقَدْ كَانَ سَعِيْدٌ تُوُفِّيَ قَبْلَهَا بِأَعْوَامٍ فَلَعَلَّهَا أوصت في وقت ثم عوفيت وتقدمها وهو.
وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ صَلَّى عَلَيْهَا وَلَمْ يثبت وقد مات قبلها. وَدُفِنَتْ بِالبَقِيْعِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَّ سَلَمَةَ حَزِنْتُ حُزْناً شَدِيْداً لِمَا ذَكَرُوا لَنَا مِنْ جَمَالِهَا فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى رَأَيْتُهَا فَرَأَيْتُهَا وَاللهِ أَضْعَافَ مَا وُصِفَتْ لِي فِي الحُسْنِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِحَفْصَةَ وَكَانَتَا يَداً وَاحِدَةً فَقَالَتْ: لاَ وَاللهِ إِنْ هَذِهِ إلَّا الغَيْرَةُ مَا هِيَ كَمَا تَقُوْلِيْنَ وَإِنَّهَا لَجَمِيْلَةٌ فَرَأَيْتُهَا بَعْدُ فَكَانَتْ كَمَا قَالَتْ حَفْصَةُ وَلَكِنِّي كُنْتُ غَيْرَى2.
مُسْلِمٌ الزَّنْجِيُّ، عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنِ أُمِّ كُلْثُوْمٍ قَالَتْ: لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
__________
1 المباهلة الملاعنة، وهو أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا لعنة الله على الظالم منا. وهذا الحديث حسن، فيه زيد بن الحباب، وهو صدوق. ويزيد النحوي، هو يزيد بن أبي سعيد النحوي، وهو ثقة.
2 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 94"، وفي إسناده محمد بن عمر الواقدي، وهو متروك كما ذكرنا مرارا.(3/471)
أُمَّ سَلَمَةَ قَالَ لَهَا: "إِنِّي قَدْ أَهْدَيْتُ إِلَى النَّجَاشِيِّ أَوَاقِيَّ مِنْ مِسْكٍ وَحُلَّةً وَإِنِّي أَرَاهُ قَدْ مَاتَ وَلاَ أَرَى الهَدِيَّةَ إلَّا سَتُرَدُّ فَإِنْ رُدَّتْ فَهِيَ لَكِ. قَالَتْ: فَكَانَ كَمَا قَالَ فَأَعْطَى كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ أُوْقِيَّةٍ وَأَعْطَى سَائِرَهُ أُمَّ سَلَمَةَ وَالحُلَّةَ"1.
القَعْنَبِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ هشام به عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ أَمَرَ أُمَّ سَلَمَةَ أَنْ تُصَلِّيَ الصُّبْحَ بِمَكَّةَ يَوْمَ النحر وكان يومها فأحب أن توافيه.
الوَاقِدِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: صَلَّى أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ.
قُلْتُ: الوَاقِدِيُّ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ وَاللهُ أَعْلَمُ وَلاَ سِيَّمَا وَقَدْ خُوْلِفَ.
وَفِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ: أَنَّ عَبْدَ الله بن صفوان دخل على أم سلمة فِي خِلاَفَةِ يَزِيْدَ2.
وَبَعْضُهُم أَرَّخَ مَوْتَهَا فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ فَوَهِمَ أَيْضاً وَالظَّاهِرُ وَفَاتُهَا فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
وَقَدْ تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِيْنَ حَلَّتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ.
وَيَبْلُغُ مُسْنَدُهَا ثَلاَثَ مائَةٍ وَثَمَانِيَةً وَسَبْعِيْنَ حَدِيْثاً.
وَاتَّفَقَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ لَهَا عَلَى ثَلاَثَةَ عَشَرَ. وَانْفَرَدَ البخاري بثلاثة ومسلم بثلاثة عشر.
__________
1 ضعيف: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "8/ 94"، وفي إسناده مسلم بن خالد المخزومي مولاهم، المكي، المعروف بالزنجي، كثير الأوهام سيئ الحفظ. وأم موسى ابن عقبة، وما إخالها أم موسى سرية علي بن أبي طالب، وإن كانت هي فهي مجهولة لذا قال الحافظ في "التقريب" مقبولة أي عند المتابعة كما هو معروف معلوم عند عامة أهل الحديث.
2 صحيح: تقدم تخريجنا له قريبا برقم "1023"، وهو عند مسلم "2882".(3/472)
17- زينب أم المؤمنين بنت جحش 1 "ع":
بنت جحش بن رياب وَابْنَةُ عَمَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أُمُّهَا: أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمٍ وَهِيَ أُخْتُ حَمْنَةَ وَأَبِي أَحْمَدَ. مِنَ المهاجرات الأول.
وكانت عِنْدَ زَيْدٍ مَوْلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهِيَ الَّتِي يَقُوْلُ اللهُ فِيْهَا: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأَحْزَابُ: 37] .
فَزَوَّجَهَا اللهُ تَعَالَى بِنَبِيِّهِ بِنَصِّ كِتَابِهِ بِلاَ وَلِيٍّ وَلاَ شَاهِدٍ. فَكَانَتْ تَفْخَرُ بِذَلِكَ عَلَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ وَتَقُوْلُ: زَوَّجَكُنَّ أهاليكن وزوجني الله من فوق عرشه.
وَفِي رِوَايَةِ البُخَارِيِّ: كَانَتْ تَقُوْلُ: إِنَّ اللهَ أَنْكَحَنِي فِي السَّمَاءِ1.
وَكَانَتْ مِنْ سَادَةِ النِّسَاءِ دِيْناً وَوَرَعاً وَجُوْداً وَمَعْرُوْفاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
وَحَدِيْثُهَا فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ.
رَوَى عَنْهَا: ابْنُ أَخِيْهَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَحْشٍ وأم المؤمنين أم حبيبة وزينب أَبِي سَلَمَةَ وَأَرْسَلَ عَنْهَا القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ.
تُوُفِّيَتْ فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَصَلَّى عَلَيْهَا عُمَرُ.
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ خَصِيْفَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ رَافِعٍ، عَنْ بَرْزَةَ بِنْتِ رَافِعٍ قَالَتْ: أَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى زَيْنَبَ بِعَطَائِهَا فَقَالَتْ: غَفَرَ اللهُ لِعُمَرَ غَيْرِي كَانَ أَقْوَى عَلَى قَسْمِ هَذَا. قَالُوا: كُلُّهُ لَكِ. قَالَتْ: سُبْحَانَ اللهِ وَاسْتَتَرَتْ مِنْهُ بِثَوْبٍ وَقَالَتْ: صُبُّوْهُ وَاطْرَحُوا عَلَيْهِ ثَوْباً وَأَخَذَتْ تُفَرِّقُهُ فِي رَحِمِهَا وَأَيْتَامِهَا وَأَعْطَتْنِي مَا بَقِيَ فَوَجَدنَاهُ خَمْسَةً وَثَمَانِيْنَ دِرْهَماً ثُمَّ رَفَعَتْ يَدَهَا إِلَى السِّمَاءِ فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لاَ يُدْرِكْنِي عَطَاءُ عُمَرَ بَعْدَ عَامِي هَذَا.
أَيُّوْبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: لَمَّا مَاتَتْ بِنْتُ جَحْشٍ أَمَرَ عُمَرُ مُنَادِياً إلَّا يَخْرُجَ مَعَهَا إلَّا ذُوْ مَحْرَمٍ. فَقَالَتْ بِنْتُ عُمَيْسٍ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ إلَّا أُرِيْكَ شَيْئاً رَأَيْتُ الحَبَشَةَ تَصْنَعُهُ بِنِسَائِهِم فَجَعَلَتْ نَعْشاً وَغَشَّتْهُ ثَوْباً. فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَسْتَرَهُ.
فَأَمَرَ مُنَادِياً فَنَادَى: أَنِ اخْرُجُوا عَلَى أُمِّكُم.
رَوَاهُ عَارِمٌ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ2.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 101-115"، تهذيب الكمال "35/ ترجمة رقم 7846" تهذيب التهذيب "12/ ترجمة رقم 2801"، والإصابة "4/ ترجمة رقم 470".
2 صحيح: أخرجه البخاري "7420".
3 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 111" من طريق عارم بن الفضل حدثنا حماد بن يزيد، حدثنا أيوب به، وسقط من إسناده ابن عمر فليسجل إخواني العلماء وطلبة العلم "ابن عمر" في نسختهم لأنها سقطت من الطبقات.(3/473)
وَهِيَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "أَسْرَعُكُنَّ لُحُوْقاً بِي أَطْوَلُكُنَّ يَداً". وَإِنَّمَا عَنَى طُوْلَ يَدِهَا بِالمَعْرُوْفِ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَداً. وَكَانَتْ زَيْنَبُ تَعْمَلُ وَتَتَصَدَّقُ وَالحَدِيْثُ مُخَرَّجٌ فِي مُسْلِمٍ1.
وَرُوِيَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ تُسَامِيْنِي فِي المَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً خَيْراً في الدين من زينب أتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم وأعظم صدقة -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا2.
وَعَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ قَسَمَ لأُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ فِي العَامِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ إلَّا جُوَيْرِيَةَ وَصَفِيَّةَ فَقَرَّرَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفَ ذَلِكَ. قَالَهُ الزُّهْرِيُّ.
ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ سَمِعَ عُبَيْدَ بنَ عُمَيْرٍ يَقُوْلُ: سَمِعتُ عَائِشَةَ تَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلاً فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا مَا دَخَلَ عَلَيْهَا فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيْحَ مَغَافِيْرَ أَكَلْتَ مَغَافِيْرَ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ. قَالَ: بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ وَلَنْ أَعُوْدَ لَهُ. فَنَزَلَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك} [التَّحْرِيْمُ: 1] . إِلَى قَوْلِهِ: {إِنْ تَتُوبَا} يَعْنِي: حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِي} [التحريم: 1-4] قوله: بل شربت عسلًا3.
وَعَنِ الأَعْرَجِ قَالَ: أَطْعَمَ رَسُوْلُ اللهِ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ بِخَيْبَرَ مائَةَ وَسَقٍ.
وَيُرْوَى، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: يَرْحَمُ اللهُ زَيْنَبَ لَقَدْ نَالَتْ فِي الدُّنْيَا الشَّرَفَ الَّذِي لاَ يَبْلُغُهُ شَرَفٌ إِنَّ اللهَ زَوَّجَهَا وَنَطَقَ بِهِ القُرْآنُ وَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ قَالَ لَنَا: "أَسْرَعُكُنَّ بِي لُحُوْقاً أَطْوَلُكُنَّ بَاعاً". فَبَشَّرَهَا بِسُرْعَةِ لُحُوْقِهَا بِهِ وَهِيَ زَوْجَتُهُ فِي الجَنَّةِ.
قُلْتُ: وَأُخْتُهَا هِيَ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ الَّتِي نَالَتْ مِنْ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الإِفْكِ فَطَفِقَتْ تُحَامِي، عَنْ أُخْتِهَا زَيْنَبَ. وَأَمَّا زَيْنَبُ فَعَصَمَهَا اللهُ بِوَرَعِهَا.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2452" من طريق عائشة بن طلحة، عن عائشة أم المؤمنين قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا" قالت فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا، قال: فكانت أطولنا يدا زينب؛ لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2442" في حديث طويل من طريق الزهري أخبرني محمد بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ، عن عائشة، به.
3 صحيح: أخرجه البخاري "6691"، ومسلم "1474".(3/474)
وَكَانَتْ حَمْنَةُ زَوْجَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ ولها هجرة.
وَقِيْلَ: بَلْ كَانَتْ تَحْتَ مُصْعَبِ بنِ عُمَيْرٍ فَقُتِلَ عَنْهَا فَتَزَوَّجَهَا طَلْحَةُ فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّداً وَعِمْرَانَ.
وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسْتَحَاضُ وَكَانَتْ أُخْتُهَا أُمُّ حَبِيْبَةَ تُسْتَحَاضُ أَيْضاً1.
وَأُمُّهُنَّ عَمَّةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُمَيْمَةُ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِيْهَا: أُمُّ حَبِيْبٍ وَالأَوَّلُ أَكْثَرُ وَقَالَ شَيْخُنَا الدِّمْيَاطِيُّ أُمُّ حَبِيْبٍ وَاسْمُهَا حَبِيْبَةُ.
وَأَمَّا ابْنُ عَسَاكِرَ فَعِنْدَهُ: أَنَّ أُمَّ حَبِيْبَةَ هِيَ حَمْنَةُ المُسْتَحَاضَةُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: بَنَاتُ جَحْشٍ: زَيْنَبُ وَحَمْنَةُ وَأُمُّ حَبِيْبَةَ كُنَّ يَسْتَحِضْنَ.
وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: كَانَتْ حَمْنَةُ تَحْتَ مُصْعَبٍ وَكَانَتْ أُمُّ حَبِيْبٍ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ. وَفِي المُوَطَّأ وَهْمٌ وَهُوَ أَنَّ زَيْنَبَ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقِيْلَ: هُمَا زَيْنَبَانِ.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَزْوَاجِهِ: "يَتْبَعُنِي أَطْوَلُكُنَّ يَداً" فَكُنَّا إِذَا اجْتَمَعْنَا بَعْدَهُ نَمُدُّ أَيْدِيَنَا فِي الجِدَارِ نَتَطَاوَلُ فَلَمْ نَزَلْ نَفْعَلُهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ زَيْنَبُ وَكَانَتِ امْرَأَةً قَصِيْرَةً لَمْ تَكُنْ رَحِمَهَا اللهُ أَطْوَلَنَا فَعَرَفْنَا أَنَّمَا أَرَادَ الصدقة.
وَكَانَتْ صَنَاعَ اليَدِ فَكَانَتْ تَدْبُغُ وَتَخْرُزُ وَتَصَدَّقُ2.
الوَاقِدِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنِ القَاسِمِ: قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ حِيْنَ حَضَرَتْهَا الوَفَاةُ: إِنِّي قَدْ أَعْدَدْتُ كَفَنِي فَإِنْ بَعَثَ لِي عُمَرُ بِكَفَنٍ فَتَصَدَّقُوا بِأَحَدِهِمَا وَإِنِ اسْتَطَعْتُم إِذْ أَدْلَيْتُمُوْنِي أَنْ تصدقوا بحقوتي فافعلوا3.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "334".
2 أخرجه "ابن سعد "8/ 108"، والحاكم "4/ 25"، من طريق يحيى بن سعيد، عن عمرة، به. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
قلت: فيه إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ بن مالك بن أبي عامر الاصبحي، صدوق وأبوه لم أقف له على ترجمة، وعمرة هي بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية، ثقة، روى لها الجماعة، والإسناد حسن إن كان عبد الله بن أبي أويس ثقة أو صدوق وإلا فالإسناد ضعيف والله تعالى أعلى وأعلم.
3 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 109"، وفي إسناده الواقدي، وهو متروك، وقد ذكرنا ذلك مرارا.(3/475)
وَقِيْلَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَ بِزَيْنَبَ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ بِنْتُ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. وَكَانَتْ صَالِحَةً صَوَّامَةً قَوَّامَةً بَارَّةً وَيُقَالُ لَهَا: أُمُّ المَسَاكِيْنِ.
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ قَالَ لِزَيْدٍ: "اذْكُرْهَا عَلَيَّ" قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَقُلْتُ لَهَا: يَا زَيْنَبُ أَبْشِرِيْ فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ أَرْسَلَ يَذْكُرُكِ. قَالَتْ: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئاً حَتَّى أُؤَامِرَ رَبِّي. فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا وَنَزَلَ القُرْآنُ وَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ1.
عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَهْرَامَ، عَنْ شَهْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بن شداد أن رسول الله قَالَ لِعُمَرَ: "إِنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ أَوَّاهَةٌ". قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ مَا الأَوَّاهَةُ? قَالَ: "الخَاشِعَةُ المُتَضَرِّعَةُ". وَ {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} 2 [هود: 75] .
وَلِزَيْنَبَ أَحَدَ عَشَرَ حَدِيْثاً اتَّفَقَا لَهَا عَلَى حَدِيْثَيْنِ.
وَعَنْ عُثْمَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ الجَحْشِيِّ قَالَ: بَاعُوا مَنْزِلَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ مِنَ الوَلِيْدِ بِخَمْسِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ حِيْنَ هَدَمَ المَسْجِدَ.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "1428"، والنسائي "6/ 79"، وأحمد "3/ 195".
2 ضعيف: في إسناده شهر بن حوشب، وهو ضعيف. وعبد الله بن شداد هو ابن الهاد الليثي، أبو الوليد، من كبار التابعين. قال أحمد: لَمْ يَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم شيئا. فالحديث مرسل، فهي علة أخرى في إسناده تزيده وهنا على وهن.(3/476)
118- زينب أم المؤمنين بنت خزيمة 1:
بِنْتُ خُزَيْمَةَ بنِ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ اللهِ الهِلاَلِيَّةُ.
فَتُدْعَى أَيْضاً: أُمَّ المَسَاكِيْنِ لِكَثْرَةِ مَعْرُوْفِهَا أَيْضاً.
قُتِلَ زَوْجُهَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَحْشٍ يَوْمَ أُحُدٍ فَتَزَوَّجَهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَكِنْ لَمْ تَمْكُثْ عِنْدَهُ إلَّا شَهْرَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَتُوُفِّيَتْ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
وَقِيْلَ: كَانَتْ أَوَّلاً عِنْدَ الطُّفَيْلِ بنِ الحَارِثِ وَمَا رَوَتْ شَيْئاً.
وَقَالَ النَّسَّابَةُ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الجُرْجَانِيُّ: كَانَتْ عِنْدَ الطُّفَيْلِ ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا أَخُوْهُ الشَّهِيْدُ: عُبَيْدَةُ بنُ الحَارِثِ المُطَّلِبِيُّ.
وَهِيَ أُخْتُ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ مَيْمُوْنَةَ لأُمِّهَا.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 115-116"، والإصابة "4/ ترجمة رقم 479".(3/476)
119- أم حبيبة أم المؤمنين 1 "ع":
السَّيِّدَةُ المُحَجَّبَةُ: رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ صخر بن حرب بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ.
مُسْنَدُهَا خَمْسَةٌ وَسِتُّوْنَ حَدِيْثاً. وَاتَّفَقَ لَهَا البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى حَدِيْثَيْنِ وَتَفَرَّدَ مُسْلِمٌ بِحَدِيْثَيْنِ.
وَهِيَ مِنْ بَنَاتِ عَمِّ الرَّسُوْلِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْسَ فِي أَزْوَاجِهِ مَنْ هِيَ أَقْرَبُ نَسَباً إِلَيْهِ مِنْهَا وَلاَ فِي نِسَائِهِ مَنْ هِيَ أَكْثَرُ صَدَاقاً مِنْهَا ولا من تزوج بها وهي نائبه الدَّارِ أَبْعَدُ مِنْهَا.
عُقِدَ لَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالحَبَشَةِ وَأَصْدَقَهَا عَنْهُ صَاحِبُ الحَبَشَةِ أَرْبَعَ مائَةِ دِيْنَارٍ وَجَهَّزَهَا بِأَشْيَاءَ.
رَوَتْ عِدَّةَ أَحَادِيْثَ.
حَدَّثَ عَنْهَا أَخَوَاهَا: الخَلِيْفَةُ مُعَاوِيَةُ وَعَنْبَسَةُ وابن أخيها عبد الله ابن عُتْبَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ وَصَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ وَزَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ وَشُتَيْرُ بنُ شَكَلٍ وَأَبُو المليح عامر الهذلي. وآخرون.
وَقَدِمَتْ دِمَشْقَ زَائِرَةً أَخَاهَا.
وَيُقَالُ: قَبْرُهَا بِدِمَشْقَ وَهَذَا لاَ شَيْءَ بَلْ قَبْرُهَا بِالمَدِيْنَةِ. وَإِنَّمَا الَّتِي بِمَقْبَرَةِ بَابِ الصَّغِيْرِ: أُمُّ سَلَمَةَ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيْدَ الأَنْصَارِيَّةُ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَلَدَ أَبُو سُفْيَانَ: حَنْظَلَةَ المَقْتُوْلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَأُمَّ حَبِيْبَةَ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا الَّذِي هَاجَرَ بِهَا إِلَى الحَبَشَةِ: عُبَيْدُ اللهِ بنُ جَحْشِ بنِ رِيَابٍ الأَسَدِيُّ مُرْتَدّاً مُتَنَصِّراً.
عُقِدَ عَلَيْهَا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالحَبَشَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَكَانَ الوَلِيُّ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ. كَذَا قَالَ.
وَعَنْ عُثْمَانَ الأَخْنَسِيِّ: أَنَّ أُمَّ حَبِيْبَةَ وَلَدَتْ حبيبة بمكة قبل هجرة الحبشة2.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 96-100"، الجرح والتعديل "9/ ترجمة رقم 2366" وتهذيب الكمال "35/ ترجمة رقم 7841"، وتهذيب التهذيب "12/ ترجمة رقم 2794"، والإصابة "4 ترجمة رقم 434".
2 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 97" من طريق الواقدي، وهو متروك.(3/477)
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَمْرَو بنَ أُمَيَّةَ إِلَى النَّجَاشِيِّ يَخْطُبُ عَلَيْهِ أُمَّ حَبِيْبَةَ فَأَصْدَقَهَا مِنْ عِنْدِهِ أَرْبَعَ مائَةِ دِيْنَارٍ1.
وَعَنْ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ وَآخَرَ قَالاَ: كَانَ الَّذِي زَوَّجَهَا وَخَطَبَ إِلَيْهِ النَّجَاشِيُّ: خَالِدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ. فَكَانَ لَهَا يَوْمَ قَدِمَ بِهَا المَدِيْنَةَ بِضْعٌ وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً2.
مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيْبَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ اللهِ وَأَنَّ رَسُوْلَ اللهِ تَزَوَّجَهَا بِالحَبَشَةِ زَوَّجَهَا إِيَّاهُ النَّجَاشِيُّ وَمَهَرَهَا أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَبَعَثَ بِهَا مَعَ شُرَحْبِيْلَ بنِ حَسَنَةَ وَجَهَازُهَا كُلُّهُ مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ3.
ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: أَنْكَحَهُ إِيَّاهَا بِالحَبَشَةِ عُثْمَانُ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا الوَاقِدِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ زُهَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَمْرِو بنِ سَعِيْدٍ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ حَبِيْبَةَ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ عُبَيْدَ اللهِ زَوْجِي بِأَسَوَأِ صُوْرَةٍ وَأَشْوَهِهَا فَفَزِعْتُ وَقُلْتُ: تَغِيَّرَتْ وَاللهِ حَالُهُ فَإِذَا هُوَ يَقُوْلُ حَيْثُ أَصْبَحَ: إِنِّي نَظَرْتُ فِي الدِّيْنِ فَلَمْ أَرَ دِيْناً خَيْراً مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ وَكُنْتُ قَدْ دِنْتُ بِهَا ثُمَّ دَخَلْتُ فِي دِيْنِ مُحَمَّدٍ وَقَدْ رَجَعْتُ فَأَخْبَرَتْهُ بِالرُّؤْيَا فَلَمْ يَحْفَلْ بِهَا وَأَكَبَّ عَلَى الخَمْرِ قَالَتْ: فَأُرِيْتُ قَائِلاً يَقُوْلُ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ فَفَزِعْتُ فَأَوَّلْتُهَا أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَزَوَّجُنِي. وَذَكَرَتِ القِصَّةَ بِطُوْلِهَا وَهِيَ مُنْكَرَةٌ4.
حُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ: عَنْ يَزِيْدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب: 33] . قال: نَزَلَتْ فِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاصَّةً5.
إِسْنَادُهُ صَالِحٌ وَسِيَاقُ الآيَاتِ دَالٌّ عليه.
__________
1 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 98-99" والحاكم "4/ 22" من طريق الواقدي وهو متروك.
2 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 99" من طريق الواقدي، وهو متروك.
3 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 427"، وأبو داود "2107"، والنسائي "6/ 119".
4 منكر: أخرجه ابن سعد "8 / 97"، والحاكم "4/ 20-22"، وفيه الواقدي، وهو متروك.
5 حسن: في إسناده زيد بن الحباب، وهو صدوق، ويزيد النحوي هو يزيد بن أبي سعيد النحوي، أبو الحسن، القرشي مولاهم، المروزي ثقة عابد. وقد مر تخريجنا له بتعليقنا رقم "1024".(3/478)
وَقِيْلَ: إِنَّ أُمَّ حَبِيْبَةَ لَمَّا جَاءَ أَبُوْهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُؤَكِّدَ عَقْدَ الهُدْنَةِ دَخَلَ عَلَيْهَا فَمَنَعَتْهُ أَنْ يَجلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمَكَانِ الشِّرْكِ1.
وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ طَلَبِ أَبِي سُفْيَانَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُزَوِّجَهُ بِأُمِّ حَبِيْبَةَ فَمَا صَحَّ. وَلَكِنَّ الحَدِيْثَ فِي مُسْلِمٍ2. وَحَمَلَهُ الشَّارِحُوْنَ عَلَى الْتِمَاسِ تَجْدِيْدِ العَقْدِ.
وَقِيْلَ: بَلْ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِابْنَتِهِ الأُخْرَى وَاسْمُهَا عَزَّةُ فَوَهِمَ رَاوِي الحَدِيْثِ وَقَالَ: أُمَّ حَبِيْبَةَ.
وَقَدْ كَانَ لأُمِّ حَبِيْبَةَ حُرْمَةٌ وَجَلاَلَةٌ وَلاَ سِيَّمَا فِي دَوْلَةِ أَخِيْهَا وَلِمَكَانِهِ مِنْهَا قِيْلَ لَهُ: خَالُ المُؤْمِنِيْنَ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالفَسَوِيُّ: مَاتَتْ أُمُّ حَبِيْبَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَقَالَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَشَذَّ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ. فَقَالَ: تُوُفِّيَتْ قَبْلَ مُعَاوِيَةَ بِسَنَةٍ.
الوَاقِدِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَبِي عَوْنٍ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ أَبَا سُفْيَانَ نِكَاحُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْنَتَهُ قَالَ: ذَاكَ الفَحْلُ لاَ يقرع أنفه3.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ المَدِيْنَةَ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرِيْدُ غَزْوَ مَكَّةَ فَكَلَّمَهُ فِي أَنْ يَزِيْدَ فِي الهُدْنَةِ. فَلَمْ يُقْبِلْ عَلَيْهِ. فَقَامَ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمِّ حَبِيْبَةَ فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَوَتْهُ دُوْنَهُ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ أَرَغِبْتِ بِهَذَا الفِرَاشِ عَنِّي أَمْ بِي عَنْهُ? قَالَتْ: بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُوْلِ اللهِ وَأَنْتَ امْرُؤٌ نَجِسٌ مُشْرِكٌ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ لَقَدْ أَصَابَكِ بَعْدِي شَرٌّ4.
قَالَ عَطَاءٌ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شَوَّالٍ أَنَّ أُمَّ حَبِيْبَةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ أَمَرَهَا أَنْ تَنْفُرَ من جمع بليل5.
__________
1 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 99-100" من طريق الواقدي، عن محمد بن عبد الله، عن الزهري، والواقدي، متروك.
2 أخرجه مسلم "2501".
3 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 99"، وفيه الواقدي، وهو متروك.
4 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 99-100" وفيه الواقدي، وهو متروك.
5 صحيح أخرجه مسلم "1292"، وابن سعد "8/ 100".(3/479)
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ المَجِيْدِ بنِ سُهَيْلٍ، عَنْ عَوْفِ بنِ الحَارِثِ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُوْلُ: دَعَتْنِي أُمُّ حَبِيْبَةَ عِنْدَ مَوْتِهَا فَقَالَتْ: قَدْ كَانَ يَكُوْنُ بَيْنَنَا مَا يَكُوْنُ بَيْنَ الضَّرَائِرِ فَغَفَرَ اللهُ لِي وَلَكِ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ. فَقُلْتُ: غَفَرَ اللهُ لَكِ ذَلِكَ كُلَّهُ وَحَلَّلَكِ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ: سَرَرْتِنِي سَرَّكِ اللهُ وَأَرْسَلَتْ إِلَى أم سلمة فقالت لها مثل ذلك1.
__________
1 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 100" وفيه الواقدي، متروك.(3/480)
120- أم أيمن 1 "ق":
الحبشية مَوْلاَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحاضنته. ورثها من أبيه ثم أعتقها عِنْدَمَا تَزَوَّجَ بِخَدِيْجَةَ.
وَكَانَتْ مِنَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ.
اسْمُهَا: بَرَكَةٌ. وَقَدْ تَزَوَّجَهَا عُبَيْدُ بنُ الحَارِثِ الخَزْرَجِيُّ فَوَلَدَتْ لَهُ: أَيْمَنَ وَلأَيْمَنَ هِجْرَةٌ وَجِهَادٌ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ. ثُمَّ تَزَوَّجَهَا زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ لَيَالِيَ بُعِثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَلَدَتْ لَهُ أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ حِبُّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رُوِيَ بِإِسْنَادٍ وَاهٍ مُرْسَلٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُوْلُ لأُمِّ أَيْمَنَ: "يَا أُمَّه" وَيَقُوْلُ: "هَذِهِ بَقِيَّةُ أَهْلِ بَيْتِي".
جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ القَاسِمِ قَالَ: لَمَّا هَاجَرَتْ أُمُّ أَيْمَنَ أَمْسَتْ بِالمُنْصَرَفِ دُوْنَ الرَّوْحَاءِ فَعَطِشَتْ وَلَيْسَ مَعَهَا مَاءٌ وَهِيَ صَائِمَةٌ وَجَهِدَتْ فَدُلِّيَ عَلَيْهَا مِنَ السِّمَاءِ دَلْوٌ مِنْ مَاءٍ بِرِشَاءٍ أَبْيَضَ فَشَرِبَتْ وَكَانَتْ تَقُوْلُ: مَا أَصَابَنِي بَعْدَ ذَلِكَ عَطَشٌ وَلَقَدْ تَعَرَّضْتُ لِلْعَطَشِ بِالصَّوْمِ فِي الهَوَاجِرِ فَمَا عَطِشْتُ.
قَالَ فُضَيْلُ بنُ مَرْزُوْقٍ، عَنْ سُفْيَانَ بنِ عُقْبَةَ قَالَ: كَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ تُلْطِفُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَقُوْمُ عَلَيْهِ. فَقَالَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَلْيَتَزَوَّجْ أم أيمن"2.
قال: فتزوجها زيد.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 223-226"، الجرح والتعديل "9/ ترجمة 2363" تهذيب الكمال "35/ ترجمة 7950"، وتهذيب التهذيب "12/ ترجمة 2914"، والإصابة "4/ ترجمة 1145".
2 ضعيف: أخرجه ابن سعد "8/ 224"، وهو منقطع سفيان بن عقبة من الطبقة التاسعة، وهي طبقة أتباع التابعين الطبقة الصغرى منهم، فالحديث معضل وليس بمنقطع.(3/480)
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ قَيْسٍ: جَاءتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَقَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ احْمِلْنِي قَالَ: "أَحْمِلُكِ عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ". قَالَتْ: إِنَّهُ لاَ يُطِيْقُنِي وَلاَ أُرِيْدُهُ قَالَ: "لاَ أَحْمِلُكِ إلَّا عَلَيْهِ". يَعْنِي: يُمَازِحُهَا1.
الوَاقِدِيُّ، عَنْ عَائِذِ بنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي الحُوَيْرِثِ: أَنَّ أُمَّ أَيْمَنَ قَالَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ: سَبَّتَ اللهُ أَقْدَامَكُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْكُتِي فَإِنَّكِ عَسْرَاءُ اللِّسَانِ"2.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ: دَخَلَتْ أُمُّ أَيْمَنَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: سَلاَمَ لاّ عَلَيْكُمْ. فَرَخَّصَ لَهَا أَنْ تَقُوْلَ: السَّلاَمُ.
مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيْهِ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ: إِنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَالِهِ النَّخْلاَتِ حَتَّى فُتِحَتْ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيْرُ فَجَعَلَ يَرُدُّ. وَإِنَّ أَهْلِي أَمَرَتْنِي أَنْ أَسْأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي كَانَ أَهْلُهُ أَعْطَوْهُ. أَوْ بَعْضُهُ وَكَانَ النَّبِيُّ أَعْطَى ذَاكَ أُمَّ أَيْمَنَ فَسَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِيْهِنَّ. فَجَاءتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَجَعَلَتِ الثَّوْبَ فِي عُنُقِي وَجَعَلَتْ تَقُوْلُ: كَلاَّ وَاللهِ لاَ يُعْطِيْكَهُنَّ وَقَدْ أعطانيهن. فقال النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَكِ كَذَا" وَتَقُوْلُ: كَلاَّ وَاللهِ ... وَذَكَرَ الحَدِيْثَ3.
الوَلِيْدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَمِرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ مَوْلَى أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ: أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ جَالِسٌ مَعَ ابْنِ عُمَرَ إِذْ دَخَلَ الحَجَّاجُ بنُ أَيْمَنَ فَصَلَّى صَلاَةً لَمْ يُتِمَّ رُكُوْعَهَا وَلاَ سُجُوْدَهَا فَدَعَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَقَالَ: أَتَحْسِبُ أَنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ? إِنَّك لَمْ تُصَلِّ فَعُدْ لِصَلاَتِكَ فَلَمَّا وَلَّى قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ هَذَا فَقُلْتُ: الحَجَّاجُ بنُ أَيْمَنَ بنِ أُمِّ أَيْمَنَ. فَقَالَ: لَوْ رَآهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَحَبَّهُ4.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أُمَّ أَيْمَنَ بَكَتْ حِيْنَ مَاتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قِيْلَ لَهَا: أَتَبْكِيْنَ قَالَتْ: وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ سَيَمُوْتُ وَلَكِنِّي إِنَّمَا أَبْكِي عَلَى الوَحْيِ إِذِ انْقَطَعَ عَنَّا مِنَ السِّمَاءِ5.
__________
1 ضعيف: أخرجه ابن سعد "8/ 224"، وفيه أبو معشر، وهو نجيح بن عبد الرحمن السندي، ضعيف، والعلة الثانية: الإرسال فبين محمد بن قيس، والرسول صلى الله عليه وسلم مفاوز تنقطع دونها أعناق المطي.
2 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 225"، وفيه الواقدي، وهو متروك.
3 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 225"، وأخرجه البخاري "4120" ومسلم "1771" "71" من طريق المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أنس -رضي الله عنه- به.
4 حسن: أخرجه ابن سعد "8/ 225"، حرملة، مولى أسامة بن زيد، صدوق.
5 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 226"، وأخرج مسلم "2454"، وابن ماجه "1635"، وأبو نعيم في "الحلية" "2/ 68" من طريق سليمان بن المغيرة بن ثابت، عن أنس، به.(3/481)
وَرَوَى: قَيْسُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقٍ قَالَ: لما قتل عمر بكت أم أيمن وَقَالَتْ: اليَوْمَ وَهَى الإِسْلاَمُ. وَبَكَتْ حِيْنَ قُبِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: مَاتَتْ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ.
وَلَهَا فِي "مُسندِ بقي": خمسة أحاديث.
__________
1 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 226".(3/482)
121- حفصة أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ 1"ع":
السِّتْرُ الرَّفِيْعُ بِنْتُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ. تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْ خُنَيْسِ بنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ أَحَدِ المُهَاجِرِيْنَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ مِنَ الهِجْرَةِ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: هِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِيْنِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرُوِيَ أَنَّ مَوْلِدَهَا كَانَ قَبْلَ المَبْعَثِ بِخَمْسِ سِنِيْنَ. فَعَلَى هَذَا يَكُوْنُ دُخُوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَا وَلَهَا نَحْوٌ مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
رَوَتْ عَنْهُ عِدَّةَ أَحَادِيْثَ.
رَوَى عَنْهَا: أَخُوْهَا ابْنُ عُمَرَ وَهِيَ أَسَنُّ مِنْهُ بِسِتِّ سِنِيْنَ وحارثة بن وَهْبٍ وَشُتَيْرُ بنُ شَكَلٍ2 وَالمُطَّلِبُ بنُ أَبِي وَدَاعَةَ وَعَبْدُ اللهِ بنُ صَفْوَانَ الجُمَحِيُّ وَطَائِفَةٌ.
وَكَانَتْ لَمَّا تَأَيَّمَتْ عَرَضَهَا أَبُوْهَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ وَعَرَضَهَا عَلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: بَدَا لِي إلَّا أَتَزَوَّجَ اليَوْمَ. فَوَجَدَ عَلَيْهِمَا وَانْكَسَرَ وَشَكَا حَالَهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: "يَتَزَوَّجُ حَفْصَةَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْ عُثْمَانَ وَيَتَزَوَّجُ عُثْمَانُ مَنْ هِيَ خَيْرٌ مِنْ حَفْصَةَ". ثُمَّ خَطَبَهَا فَزَوَّجَهُ عُمَرُ3.
وَزَوَّجَ رَسُوْلُ اللهِ عُثْمَانَ بِابْنَتِهِ رُقَيَّةَ بعد وفاة أختها.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 81-86"، تهذيب الكمال "35/ ترجمة 7817"، تهذيب التهذيب "12/ ترجمة 2764"، الإصابة "4/ ترجمة 296.
2 هو شُتير، مصغرا، ابن شكل العبسي، الكوفي، يقال إنه أدرك الجاهلية ثقة من الطبقة الثالثة، روى له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، وأصحاب السنن.
3 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 82"، وفيه الواقدي، وهو متروك. وأخرجه البخاري "5122"، والنسائي "6/ 83".(3/482)
وَلَمَّا أَنْ زَوَّجَهَا عُمَرُ لَقِيَهُ أَبُو بَكْرٍ فَاعْتَذَرَ وَقَالَ: لاَ تَجِدْ عَلَيَّ فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ قَدْ ذَكَرَ حَفْصَةَ فَلَمْ أَكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّهُ وَلَوْ تَرَكَهَا لَتَزَوَّجْتُهَا1.
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَلَّقَ حَفْصَةَ تَطْلِيْقَةً ثُمَّ رَاجَعَهَا بِأَمْرِ جِبْرِيْلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَهُ بِذَلِكَ وَقَالَ: "إِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ وَهِيَ زَوْجَتُكَ فِي الجَنَّةِ" 2.
إِسْنَادُهُ صَالِحٌ. يَرْوِيْهِ مُوْسَى بنُ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عن عقبة ابن عَامِرٍ الجُهَنِيِّ.
وَحَفْصَةُ وَعَائِشَةُ هُمَا اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَنْزَلَ اللهُ فِيْهِمَا: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ} [التحريم: 4] الآية3.
مُوْسَى بنُ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عُقْبَةَ قَالَ: طَلَّقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَفْصَةَ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَحَثَا عَلَى رَأْسِهِ التُّرَابَ وَقَالَ: مَا يَعْبَأُ اللهُ بِعُمَرَ وَابْنَتِهِ فَنَزَلَ جِبْرِيْلُ مِنَ الغَدِ وَقَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُرَاجِعَ حَفْصَةَ رَحْمَةً لِعُمَرَ4 -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
تُوُفِّيَتْ حَفْصَةُ: سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ عَامَ الجَمَاعَةِ.
وَقِيْلَ: تُوُفِّيَتْ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ بِالمَدِيْنَةِ وَصَلَّى عَلَيْهَا وَالِي المَدِيْنَةِ مَرْوَانُ. قَالَهُ الوَاقِدِيُّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سالم.
وَمُسْنَدُهَا فِي كِتَابِ بَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ سِتُّوْنَ حَدِيْثاً.
اتَّفَقَ لَهَا الشَّيْخَانِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحَادِيْثَ وانفرد مسلم بستة أحاديث.
__________
1 صحيح: راجع تخريجنا السابق، فهو جزء من الحديث السابق.
2 صحيح: أخرجه أبو داود "2283"، وابن ماجه "2016" عن عمر. وأخرجه النسائي "6/ 213" من حديث ابن عمر. وإسناده صحيح وأخرجه الحاكم "4/ 15" عن قيس بن زيد مرسلا. وفي إسناده الحسن بن أبي جعفر الجفري البصري، ضعيف الحديث مع عبادته وفضله.
3 صحيح: أخرجه البخاري "4912"، ومسلم "1474" "20" من طريق ابن جريج، أخبرني عطاء عن عبيد بن عمير، عن عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلا. قالت: فتواطيت أَنَا وَحَفْصَةُ: أَنَّ أَيَّتَنَا مَا دَخَلَ عَلَيْهَا النبي صلى الله عليه وسلم فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيْحَ مَغَافِيْرَ. أَكَلْتَ مغافير؟ فدخل على إحداهما فقالت ذلك له: فقال: "بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له". فنزل: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إلى قوله: {إِنْ تَتُوبَا} [التحريم: 1-4] ، "لعائشة وحفصة". {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} لقوله: "بل شربت عسلا" [التحريم: 3] ، واللفظ المسلم.
4 راجع تخريجنا قبل السابق.(3/483)
وَيُرْوَى، عَنْ عُمَرَ أَنَّ حَفْصَةَ وُلِدَتْ إِذْ قُرَيْشٌ تَبْنِي البَيْتَ1.
وَقِيْلَ: بَنَى بِهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلاَثٍ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ: رَأَيْتُ مَرْوَانَ فِيْمَنْ حَمَلَ سَرِيْرَ حَفْصَةَ وَحَمَلَهَا أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ دَارِ المُغِيْرَةِ إِلَى قَبْرِهَا2.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ، عَنْ قَيْسِ بنِ زَيْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- طلق حَفْصَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا خَالاَهَا: قُدَامَةُ وَعُثْمَانُ فَبَكَتْ وقالت: والله ما طلقني، عن شبع. وجاء النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "قَالَ لِي جِبْرِيْلُ: رَاجِعْ حَفْصَةَ فَإَنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ وَإِنَّهَا زَوْجَتُكَ فِي الجَنَّةِ" 3.
وَرَوَى نَحْوَهُ مِنْ كَلاَمِ جِبْرِيْلَ الحَسَنُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ ثابت، عن أنس مرفوعًا4.
__________
1 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 81"، وفي الواقدي، متروك.
2 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 86"، وفيه الواقدي، متروك.
3 صحيح بشواهده: أخرجه الحاكم "4/ 15"، وابن سعد "8/ 84" عن قيس بن زيد مرسلا. قيس بن زيد تابعي صغير، وهو مجهول، وقد ذكرنا تخريجه في تعليقنا السابق رقم "1065".
4 صحيح بشواهده: أخرجه الحاكم "4/ 15"، وفيه الحسن بن أبي جعفر الجفري، وهو ضعيف، وهو صحيح بشواهده، راجع تعليقنا السابق رقم "1065".(3/484)
122- صفية أم المؤمنين 1"ع":
بنت حيي بن أخطب بن سعية مِنْ سِبْطِ اللاَّوِي بنِ نَبِيِّ اللهِ إِسْرَائِيْلَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ. ثُمَّ مِنْ ذُرِّيَّةِ رَسُوْلِ اللهِ هَارُوْنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
تَزَوَّجَهَا قَبْلَ إِسْلاَمِهَا: سَلاَمُ بنُ أَبِي الحُقَيْقِ ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا كِنَانَةُ بن أَبِي الحُقَيْقِ وَكَانَا مِنْ شُعَرَاءِ اليَهُوْدِ فَقُتِلَ كِنَانَةُ يَوْم خَيْبَرَ عَنْهَا وَسُبِيَتْ وَصَارَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ الكَلْبِيِّ فَقِيْلَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندها وأنها لا ينبغي أن تَكُوْنَ إلَّا لَكَ فَأَخَذَهَا مِنْ دِحْيَةَ وَعَوَّضَهُ عنها سبعة أرؤس2.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 120-129"، تهذيب الكمال "35/ ترجمة 7873" وتهذيب التهذيب "12/ ترجمة 2829"، والإصابة "4/ ترجمة 650".
2 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 23 و246"، ومسلم "1365" "87" وأبو داود "2997" من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، به.(3/484)
ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا طَهُرَتْ تَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا1.
حَدَّثَ عَنْهَا: عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ وَإِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ وَكِنَانَةُ مَوْلاَهَا وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَتْ شَرِيْفَةً عَاقِلَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ وَدِيْنٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
قَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ: رَوَيْنَا أَنَّ جَارِيَةً لِصَفِيَّةَ أَتَتْ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ فَقَالَتْ: إِنَّ صَفِيَّةَ تُحِبُّ السَّبْتَ وَتَصِلُ اليَهُوْدَ. فَبَعَثَ عُمَرُ يَسْأَلُهَا. فَقَالَتْ: أَمَّا السَّبْتُ فَلَمْ أُحِبَّهُ مُنْذُ أَبْدَلَنِي اللهُ بِهِ الجُمُعَةَ وَأَمَّا اليَهُوْدُ فَإِنَّ لِي فِيْهِمْ رَحِماً فَأَنَا أَصِلُهَا ثُمَّ قَالَتْ لِلْجَارِيَةِ: مَا حَمَلَكِ على مَا صَنَعْتِ? قَالَتِ: الشَّيْطَانُ قَالَتْ: فَاذْهَبِي فَأَنْتِ حُرَّةٌ.
وَقَدْ مَرَّ فِي المَغَازِي: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ بِهَا وَصَنَعَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ وَرَكَّبَهَا وَرَاءهُ عَلَى البَعِيْرِ وَحَجَبَهَا وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا وَأَنَّ البَعِيْرَ تَعَسَ بِهِمَا فَوَقَعَا وَسَلَّمَهُمَا اللهُ تَعَالَى2.
وَفِي "جَامِعِ أَبِي عِيْسَى": مِنْ طَرِيْقِ هَاشِمِ بنِ سَعِيْدٍ الكُوْفِيِّ: حَدَّثَنَا كِنَانَةُ: حَدَّثَتْنَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ بَلَغَنِي، عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ كَلاَمٌ فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: "أَلاَ قُلْتِ: وَكَيْفَ تَكُوْنَانِ خَيْراً مِنِّي وَزَوْجِي مُحَمَّدٌ وَأَبِي هَارُوْنُ وَعَمِّي مُوْسَى". وَكَانَ بَلَغَهَا أَنَّهُمَا قَالَتَا: نَحْنُ أَكْرَمُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منها نحن أزواجه وبنات عمه3.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4201"، ومسلم "1365" "85" من طريق عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ الله عنه- قال: سبى النبي -صلى الله عليه وسلم- صفية فأعتقها وتزوجها، فقال ثابت لأنس: ما أصدقها؟ قال: أصدقها نفسها فأعتقها. وأخرجه البخاري "5086"، ومسلم "1365" "85" حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حماد "يعني ابن زيد" عن ثابت، وشعيب بن حبحاب عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعتق صفية، وجعل عتقها صداقها.
2 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 122-123"، ومسلم "1365" "87" من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك به في حديث طويل ولفظ مسلم: " ... فعثرت الناقة العضباء، وندر رسول الله صلى الله عليه وسلم وندرت فقام فسترها وقد أشرفت النساء فقلن: أبعد الله اليهودية".
3 صحيح لغيره: أخرجه الترمذي "3892"، والحاكم "4/ 29" من طريق هاشم بن سعيد الكوفي، به.
قلت: إسناده ضعيف، هاشم بن سعيد الكوفي البصري، ضعيف كما قال الحافظ في "التقريب" لكن للحديث شاهد عند أحمد "3/ 135-136"، والترمذي "3894" من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن ثابت، عن أنس قال: بلغ صفية أن حفصة قالت: بنت يهودي فبكت، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال: "ما يبكيك"؟ فقالت: قالت لي حفصة: إني بنت يهودي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك لابنة نبي، وإن عمك لنبي، وإنك لتحت نبي، ففيم تفخر عليك"؟ ثم قال: "اتقي الله يا حفصة".
وقال الترمذي: هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ غَرِيْبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
قلت: إسناد صحيح، رجاله ثقات.(3/485)
قَالَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: حَدَّثَتْنِي سُمَيَّةُ أَوْ شُمَيْسَةُ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَجَّ بِنِسَائِهِ فَبَرَكَ بِصَفِيَّةَ جَمَلُهَا فَبَكَتْ وَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا أَخْبَرُوْهُ فَجَعَلَ يَمْسَحُ دُمُوْعَهَا بيده وهي تبكي وهو ينهاها فَنَزَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّاسِ فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الرَّوَاحِ قَالَ لِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ: "أَفْقِرِي أُخْتَكِ جَمَلاً". وَكَانَتْ مِنْ أَكْثَرِهِنَّ ظَهْراً فَقَالَتْ أَنَا أُفْقِرُ يَهُوْدِيَّتَكَ!.
فَغَضِبَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يُكَلِّمْهَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى المَدِيْنَةِ وَمُحَرَّمَ وَصَفَرَ فَلَمْ يَأْتِهَا وَلَمْ يَقْسِمْ لَهَا وَيَئِسَتْ مِنْهُ.
فَلَمَّا كَانَ رَبِيْعٌ الأَوَّلُ دَخَلَ عَلَيْهَا فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ مَا أَصْنَعُ قَالَ: وَكَانَتْ لَهَا جَارِيَةٌ تَخْبَؤُهَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ فَقَالَتْ: هِيَ لَكَ. قَالَ: فَمَشَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى سَرِيْرِهَا وَكَانَ قَدْ رُفِعَ فَوَضَعَهُ بِيَدِهِ وَرَضِيَ، عَنْ أَهْلِهِ1.
الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مَالِكِ بنِ مَالِكٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ لَيْسَ مِنْ نِسَائِكَ أَحَدٌ إلَّا وَلَهَا عَشِيْرَةٌ فَإِنْ حَدَثَ بِكَ حَدَثٌ فَإِلَى مَنْ أَلْجَأُ? قَالَ: "إِلَى عَلِيٍّ"2 -رضي الله عنه.
هذا غريب.
قِيْلَ: تُوُفِّيَتْ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَقِيْلَ تُوُفِّيَتْ سنة خمسين.
__________
1 ضعيف: أخرجه أحمد "6/ 337-338"، وابن سعد "8/ 126-127" من طريق ثابت البناني، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته شُميسة بالتصغير، وهي بنت عزيز العتكية البصرية، مجهولة، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبولة -أي عند المتابعة- وليس ثم من تابعها.
2 منكر: في إسناده علتان: الأولى: الحسين بن الحسن الاشقر الكوفي، قال البخاري: فيه نظر. وقال أبو زرعة: منكر الحديث. وقال أبو حاتم والنسائي والدارقطني: ليس بالقوي وقال أبو معمر الهذلي: كذاب. وذكره ابن حبان في "الثقات" على عادته في توثيق المجاهيل والمجروحين. العلة الثانية: مالك بن مالك، قال البخاري: لا يُتابع على حديثه.(3/486)
وَكَانَتْ صَفِيَّةُ ذَاتَ حِلْمٍ وَوَقَارٍ.
مَعْنٌ، عَنْ هِشَامُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ: أَنَّ نَبِيَّ اللهِ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيْهِ قَالَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ: وَاللهِ يَا نَبِيَّ اللهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ الَّذِي بِكَ بِي فَغَمَزَهَا أَزْوَاجُهُ فَأَبْصَرَهُنَّ فَقَالَ: "مَضْمِضْنَ" قُلْنَ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ? قَالَ: "مِنْ تَغَامُزِكُنَّ بِهَا وَاللهِ إِنَّهَا لَصَادِقَةٌ"1.
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ قَالَ: قَالَتْ صَفِيَّةُ رَأَيْتُ كَأَنِّي وَهَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَهُ وَمَلَكٌ يَسْتُرُنَا بِجَنَاحَيْهِ. قَالَ: فَرَدُّوا عَلَيْهَا رُؤْيَاهَا وَقَالُوا لَهَا فِي ذَلِكَ قَوْلاً شَدِيْداً2.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَفِيَّةَ مِنْ دِحْيَةَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ وَدَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ حَتَّى تُهَيِّئَهَا وَتَصْنَعَهَا وَتَعْتَدَّ عِنْدهَا فَكَانَتْ وَلِيْمَتُهُ: السَّمْنَ وَالأَقِطَ وَالتَّمْرَ وَفُحِصَتِ الأَرْضُ أَفَاحِيْصَ فَجُعِلَ فيها الأنطاع ثم جعل ذلك فيها3.
عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ المُخْتَارِ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ لِي أَنَس: أَقْبَلْنَا مَعَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنا وَأَبُو طَلْحَةَ وَصَفِيَّةُ رَدِيْفَتُهُ فَعَثَرَتِ النَّاقَةُ فَصُرِعَ وَصُرِعَتْ فَاقْتَحَمَ أَبُو طَلْحَةَ، عَنْ رَاحِلَتِهِ فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ هَلْ ضَرَّكَ شَيْءٌ? قَالَ: "لاَ عَلَيْكَ بِالمَرْأَةِ". فَأَلْقَى أَبُو طَلْحَةَ ثَوْبَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَقَصَدَ نَحْوَهَا فَنَبَذَ الثَّوْبَ عَلَيْهَا فَقَامَتْ فَشَدَّهَا عَلَى رَاحِلَتِهِ فَرَكِبَتْ وَرَكِبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4.
ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ زِيَادِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ عَتِيْقٍ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ صَفِيَّةَ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فُسْطَاطَهُ حَضَرْنَا فَقَالَ: "قوموا، عن أمكم" فلما كان العشي
__________
1 ضعيف: أخرجه ابن سعد "8/ 128". وهو ضعيف لإرساله زيد بن أسلم العدوي، مولى عمر، أبو عيد الله، ثقة عالم كان يرسل، وهو من الطبقة الثالثة، الطبقة الوسطى من التابعين.
2 ضعيف: أخرجه ابن سعد "8/ 122" وهو ضعيف لإرساله، حميد بن هلال العدوي، أبو نصر البصري من الطبقة الثالثة الوسطى من التابعين.
3 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 23 و246"، ومسلم "1365" "85"، وقد سبق تخريجنا له قريبا برقم "1073".
4 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 124" أخبرنا المعلى بن أسد، حدثنا عبد العزيز بن المختار به. وأخرجه مسلم "1365" "88" في كتاب النكاح من طريق سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، به.(3/487)
حَضَرْنَا وَنَحْنُ نَرَى أَن ثَمَّ قَسْماً. فَخَرَجَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي طَرَفِ رِدَائِهِ نَحْوٌ مِنْ مُدٍّ وَنِصْفٍ مِنْ تَمَرِ عَجْوَةٍ فَقَالَ: "كُلُوا مِنْ وَلِيْمَةِ أُمِّكُم" 1.
زِيَادٌ ضَعِيْفٌ.
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الرِّجَالِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا اجْتَلَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَفِيَّةَ رَأَى عَائِشَةَ مُتَنَقِّبَةً فِي وَسْطِ النِّسَاءِ فَعَرَفَهَا فَأَدْرَكَهَا فَأَخَذَ بِثَوْبِهَا فقال: "يا شقيراء كيف رَأَيْتِ"? قَالَتْ: رَأَيْتُ يَهُوْدِيَّةً بَيْنَ يَهُوْدِيَّاتٍ2.
وَعَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ مِنْ خَيْبَرَ وَمَعَهُ صَفِيَّةُ أَنْزَلَهَا. فَسَمِعَ بِجَمَالِهَا نِسَاءُ الأَنْصَارِ فَجِئْنَ يَنْظُرْنَ إِلَيْهَا وَكَانَتْ عَائِشَةُ مُتَنَقِّبَةً حَتَّى دَخَلَتْ فَعَرَفَهَا فَلَمَّا خَرَجَتْ خَرَجَ فَقَالَ: "كَيْفَ رَأَيْتِ؟ " قَالَتْ: رَأَيْتُ يَهُوْدِيَّةً قَالَ: "لاَ تَقُوْلِي هَذَا فَقَدْ أَسْلَمَتْ"3.
مَخْرَمَةُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ قَالَ: قَدِمَتْ صَفِيَّةُ وَفِي أُذَنَيْهَا خِرْصَةٌ مِنْ ذَهَبٍ فَوَهَبَتْ لِفَاطِمَةَ مِنْهُ وَلِنِسَاءٍ مَعَهَا.
الحَسَنُ بنُ مُوْسَى الأَشْيَبُ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا كِنَانَةُ قَالَ: كُنْتُ أَقُوْدُ بِصَفِيَّةَ لِتَرُدَّ، عَنْ عُثْمَانَ فَلَقِيَهَا الأَشْتَرُ فَضَرَبَ وَجْهَ بَغْلَتِهَا حَتَّى مَالَتْ فَقَالَتْ: ذَرُوْنِي لاَ يَفْضَحْنِي هَذَا ثُمَّ وَضَعَتْ خَشَباً مِنْ مَنْزِلِهَا إِلَى مَنْزِلِ عُثْمَانَ تَنْقُلُ عَلَيْهِ المَاءَ وَالطَّعَامَ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى، عَنْ عُمَارَةَ بنِ المُهَاجِرِ، عَنْ آمِنَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الغِفَارِيَّةِ قَالَتْ: أَنَا إِحْدَى النِّسَاءِ اللاَّئِي زَفَفْنَ صَفِيَّةَ يَوْمَ دَخَلَتْ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَمِعْتُهَا تَقُوْلُ: مَا بَلَغْتُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً يَوْمَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَبْرُهَا بِالبَقِيْعِ.
وَقَدْ أَوْصَتْ بِثُلُثِهَا لأَخٍ لَهَا يَهُوْدِيٍّ وَكَانَ ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً.
وَرَدَ لَهَا مِنَ الحَدِيْثِ عَشْرَةُ أَحَادِيْثَ مِنْهَا وَاحِدٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
__________
1 ضعيف: أخرجه ابن سعد "8/ 124" وأحمد "3/ 333" وأبو يعلى "2251" من طريق ابن جريج، أخبرني زياد بن إسماعيل، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته زياد بن إسماعيل المخزومي، فإنه سيئ الحفظ كما قال الحافظ في "التقريب". وقد صرح ابن جريج بالتحديث عند أحمد فأمنا شر تدليسه، وتبقى علة زياد هذا ليظل الحديث يرزح تحت أسر الضعف ولا فكاك له.
2 ضعيف: أخرجه ابن سعد "8/ 125-126"، وفي إسناده انقطاع بين عبد الرحمن بن أبي الرِّجَالِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حارثة، وبين ابن عمر، فإن عبد الرحمن هذا من الطبقة الثامنة، وهي الطبقة الوسطى من كبار أتباع التابعين، فبينه وبين ابن عمر مفاوز وقفارات تنقطع دونها أعناق المطي.
3 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 126" وفيه الواقدي، وهو متروك. وهو مرسل.(3/488)
123- ميمونة أم المؤمنين 1 "ع":
بنت الحارث بن حزن بن بُجَيْرِ بنِ الهُزْمِ بنِ رُوَيْبَةَ بنِ عَبْدِ الله بن هلال ابن عَامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ الهِلاَلِيَّةُ.
زَوْجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُخْتُ أُمِّ الفَضْلِ زَوْجَةِ العباس وخالة خالد بن الوليد وخالة أن عباس.
تَزَوَّجَهَا أَوَّلاً: مَسْعُوْدُ بنُ عَمْرٍو الثَّقَفِيُّ قُبَيْلَ الإِسْلاَمِ فَفَارَقَهَا وَتزَوَّجَهَا أَبُو رُهْمٍ بنُ عَبْدِ العُزَّى فَمَاتَ. فَتَزَوَّجَ بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي وَقْتِ فَرَاغِهِ مِنْ عُمْرَةِ القَضَاءِ سَنَةَ سَبْعٍ فِي ذِي القَعْدَةِ. وَبَنَى بِهَا بِسَرِفٍ أَظُنُّهُ المَكَانَ المَعْرُوْفَ بِأَبِي عُرْوَةَ.
وَكَانَتْ مِنْ سَادَاتِ النِّسَاءِ. رَوَتْ عِدَّةَ أَحَادِيْثَ.
حَدَّثَ عَنْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ أُخْتِهَا الآخَرُ: عَبْدُ اللهِ بنُ شَدَّادِ بنِ الهَادِ وَعُبَيْدُ بنُ السَّبَّاقِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ السَّائِبِ الهِلاَلِيُّ وَابْنُ أُخْتهَا الرَّابِعُ يَزِيْدُ بنُ الأَصَمِّ وَكُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَوْلاَهَا سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ وَأَخُوْهُ عَطَاءُ بنُ يَسَارٍ وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى، عَنِ الفُضَيْلِ بنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخُرُوْجَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ القَضِيَّةِ بَعَثَ أَوْسَ بنَ خَوْلِيٍّ وَأَبَا رَافِعٍ إِلَى العَبَّاسِ فَزَوَّجَهُ بِمَيْمُوْنَةَ فَأَضَلاَّ بَعِيْرَيْهِمَا فَأَقَامَا أَيَّاماً بِبَطْنِ رَابِغٍ حَتَّى أَدْرَكَهُمَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقُدَيْدٍ وَقَدْ ضَمَّا بَعِيْرَيْهِمَا فَسَارَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ. فَأَرْسَلَ إِلَى العَبَّاسِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَجَعَلَتْ مَيْمُوْنَةُ أَمْرَهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَذَا قَالَ. وَصَوَابُهُ: إِلَى العَبَّاسِ فَخَطَبَهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فزوجها إياه.
وَرُوِيَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهَا جَعَلَتْ أَمْرَهَا لَمَّا خَطَبَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- إلى العباس فزوجها.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 132-140"، تهذيب الكمال "35/ ترجمة 7936" تهذيب التهذيب "12/ ترجمة 2899"، والإصابة "4/ ترجمة 1026".(3/489)
مَالِكٌ، عَنْ رَبِيْعَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ وَرَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ فَزَوَّجَاهُ مَيْمُوْنَةَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ المَدِيْنَةِ1.
قَالَ عَبْدُ الكَرِيْمِ الجَزَرِيُّ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ: دَخَلْتُ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَجُوْزٍ كَبِيْرَةٍ فَسَأَلْتُهَا: أَتَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَيْمُوْنَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَالَتْ: لاَ وَاللهِ لَقَدْ تَزَوَّجَهَا وَإِنَّهُمَا لَحَلاَلاَنِ.
أَيُّوْبُ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ قَالَ: خَطَبَهَا وَهُوَ حَلاَلٌ وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلاَلٌ2.
جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو فَزَارَةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ تَزَوَّجَ مَيْمُوْنَةَ حَلاَلاً وَبَنَى بها حلالًا بسرف3.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ مَطَرٍ الوَرَّاقِ، عَنْ رَبِيْعَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَ مَيْمُوْنَةَ حَلاَلاً وَكُنْتُ الرَّسُوْلَ بَيْنَهُمَا4.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ حَلاَلٌ.
هَذَا مُنْكَرٌ. وَالوَاقِدِيُّ مَتْرُوْك.
وَالثَّابِتُ، عَنِ ابْنِ عباس خلافه.
__________
1 ضعيف: أخرجه مالك "1/ 348"، وابن سعد "8/ 133"، وهو مرسل.
2 صحيح: أخرجه مسلم "1411"، وابن ماجه "1964"، والبيهقي "5/ 66" من طريق يزيد بن الأصم، حدثتني ميمونة بنت الحارث أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوجها وهو حلال. قال: وكانت خالتي وخالة ابن عباس.
3 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 133"، والحاكم "4/ 31" من طريق جرير بن حازم، قال سمعت أبا فزارة يحدث، عن يزيد بن الأصم، عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، به.
وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.
قلت: إسناده صحيح. وأبو فزارة، هو راشد بن كيسان العبسي الكوفي، ثقة.
4 ضعيف: أخرجه أحمد "6/ 392-393"، وابن سعد "8/ 134"، والترمذي "841" والدارمي "2/ 38"، وابن حبان "1272" موارد، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" "2/ 270"، والبيهقي "5/ 66" و"7/ 211" والبغوي "1982" من طرق عن حماد بن زيد، به.
قلت: إسناده ضعيف، رجاله ثقات رجال الشيخين خلا مطر بن طهمان الوراق، أجمعوا على ضعفه. وقد أخرج له مسلم في المتابعات.(3/490)
فَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ1.
وَقَالَ أَيُّوْبُ وَهِشَامٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ كَذَلِكَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ مِثْلَهُ.
وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْهُ نحوه.
فهذا متواتر عنه.
وَالأَنْصَارِيُّ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ الشَّهِيْدِ سَمِعَ مَيْمُوْنَ بنَ مِهْرَانَ عَنْهُ مِثْلَهُ.
وَرَوَى زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَ مَيْمُوْنَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ.
جَرِيْرٌ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ -مُرْسَلاً- مِثْلَهُ.
رَبَاحُ بنُ أَبِي مَعْرُوْفٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوْعاً مِثْلَهُ وَفِيْهِ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ لاَ يرى بذلك بأسًا2.
__________
1 أخرجه البخاري "1873"، والنسائي "5/ 192"، والبيهقي "7/ 212"، والبغوي "1981" من طريق الأوزاعي، عن عطاء، عن ابن عباس، به.
وأخرجه ابن سعد "8/ 135"، والطحاوي "2/ 369" من طريق رَبَاحُ بنُ أَبِي مَعْرُوْفٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابن عباس، به، وأخرجه ابن سعد "8/ 135" من طريق ليث وابن جريج عن ابن عباس، به.
وأخرجه أحمد "1/ 221 و228"، والبخاري "5114"، ومسلم "1410" "46" و"47" والترمذي "844"، والنسائي "5/ 191"، وابن ماجه "1965"، والدارمي "2/ 37"، والبيهقي "7/ 210"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" "2/ 269"، وابن سعد "8/ 136" من طرق عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس، به.
قال الحافظ في الفتح" "4/ 52": "قد اختلف في تزويج ميمونة، فالمشهور عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم تزوجها وهو محرم، وصح نحوه عن عائشة وأبي هريرة، وجاء عن ميمونة نفسها أنه كان حلالا، وعن أبي رافع مثله وأنه كان الرسول إليها، واختلف العلماء في هذه المسألة، فالجمهور على المنع لحديث عثمان "لا ينكح المحرم ولا ينكح" أخرجه مسلم. وأجابوا عن حديث ميمونة بأنه اختلف في الواقعة كيف كانت ولا تقوم بها الحجة، ولأنها تحتمل الخصوصية، فكان الحديث في النهي عن ذلك أولى بأن يُؤخذ به. وقال عطاء وعكرمة وأهل الكوفة: يجوز للمحرم أن يتزوج كما يجوز له أن يشتري الجارية للوطء، وتعقب بأنه قياس في معارضة السنة فلا يعتبر به. وأما تأويلهم حديث عثمان بأن المراد به الوطء فمتعقب بالتصريح فيه بقوله "ولا يُنكح" بضم أوله، وبقوله فيه "ولا يخطب".
2 انظر تخريجنا وتعليقنا السابق.(3/491)
وَبَعْضُ مَنْ رَأَى صِحَّةَ خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَدَّ الجَوَازَ خَاصّاً بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَجَوَّدَ هَذَا البَابَ ابْنُ سَعْدٍ ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُوْنٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ عَطَاءٍ فَجَاءهُ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ يَتَزَوَّجُ المُحْرِمُ قَالَ: مَا حَرَّمَ اللهُ النِّكَاحَ مُنْذُ أَحَلَّهُ. فَقُلْتُ: إِنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ كَتَبَ إِلَيَّ وَمَيْمُوْنٌ يَوْمَئِذٍ عَلَى الجَزِيْرَةِ: أَنْ سَلْ يَزِيْدَ بنَ الأَصَمِّ أَكَانَ تَزَوَّجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ تَزَوَّجَ مَيْمُوْنَةَ حَلاَلاً أَوْ حَرَاماً.
فَقَالَ يَزِيْدُ: تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلاَلٌ.
وَكَانَتْ مَيْمُوْنَةُ خَالَةَ يَزِيْدَ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ أن ميمونة وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1.
قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ فَسَمَّاهَا رَسُوْلُ اللهِ مَيْمُوْنَةَ2.
وَرَوَى بُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ الخَوْلاَنِيِّ: أَنَّهُ رَأَى مَيْمُوْنَةَ تُصَلِّي فِي دِرْعٍ سَابِغٍ لاَ إِزَارَ عَلَيْهَا3.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي فَزَارَةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ: أَنَّ مَيْمُوْنَةَ حَلَقَتْ رَأْسَهَا فِي إحرامها فماتت ورأسها محمم4.
__________
1 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 137" وفيه الواقدي، وهو متروك.
2 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 137" من طريق سفيان، عن منصور، عن مجاهد مرسلا.
قلت: رجاله ثقات لكنه ضعيف لإرساله، وأخرجه الحاكم "4/ 30" من طريق إسرائيل، عن محمد بن عبد الرحمن، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ اسم خالتي ميمونة برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة، وقال الحاكم: صحيح. ووافقه الذهبي.
قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات، إسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي وهو ثقة. ومحمد بن عبد الرحمن هو ابن عبيد القرشي، مولى آل طلحة بن عبيد الله، ثقة.
3 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 138" من طريق ليث بن سعد، عن بكير الأشج، به.
4 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 138" أخبرنا عارم بن الفضل، حدثنا حماد بن زيد، به.
وأخرجه أحمد "6/ 333"، والترمذي "845"، والطحاوي "2/ 270"، وابن سعد "8/ 133"، والدارقطني "3/ 261-262"، البيهقي "7/ 211" من طرق عن وهب بن جرير قال: حدثني أبي، قال: سمعت أبا فزارة، يحدث عن يزيد بن الأصم، به.
قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات وأبو فزارة: هو راشد بن كيسان العبسي الكوفي.(3/492)
كَثِيْرُ بنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ الأَصَمِّ قَالَ: تَلَقَّيْتُ عَائِشَةَ وَهِيَ مُقْبِلَةٌ مِنْ مَكَّةَ أَنَا وَابْنُ أُخْتِهَا وَلَدٌ لِطَلْحَةَ وَقَدْ كُنَّا وَقَعْنَا فِي حَائِطٍ بِالمَدِيْنَةِ فَأَصَبْنَا مِنْهُ فَبَلَغَهَا ذَلِكَ فَأَقْبَلَتْ عَلَى ابْنِ أُخْتِهَا تَلُوْمُهُ ثُمَّ وَعَظَتْنِي مَوْعِظَةً بَلِيْغَةً ثُمَّ قَالَتْ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللهَ سَاقَكَ حَتَّى جَعَلَكَ فِي بَيْتِ نَبِيِّهِ ذَهَبَتْ وَاللهِ مَيْمُوْنَةُ وَرُمِيَ بِحَبْلِكَ عَلَى غَارِبِكَ أَمَا إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ أَتْقَانَا للهِ وَأَوْصَلِنَا لِلرَّحِمِ1!
وَبِهِ، أَنْبَأَنَا يَزِيْدُ: أَنَّ ذَا قَرَابَةٍ لِمَيْمُوْنَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَوَجَدَتْ مِنْهُ رِيْحَ شَرَابٍ فَقَالَتْ: لَئِنْ لَمْ تَخْرُجْ إِلَى المُسْلِمِيْنَ فَيَجْلِدُوْكَ لاَ تَدْخُلْ عَلَيَّ أَبَداً2.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ: بَعَثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَقُوْدُ بَعِيْرَ مَيْمُوْنَةَ فَلَمْ أَزَلْ أَسْمَعُهَا تُهِلُّ حَتَّى رَمَتِ الجَمْرَةَ3.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا يَزِيْدُ بنُ الأصم: رأيت ميمونة تحلق رأسها.
جرير بن حازم، عن أبي فزارة، عن يَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ قَالَ: دَفَنَّا مَيْمُوْنَةَ بِسَرِفٍ فِي الظُلَّةِ الَّتِي بَنَى بِهَا فِيْهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ كَانَتْ حَلَقَتْ فِي الحَجِّ. نَزَلْتُ فِي قَبْرِهَا أَنَا وَابْنُ عَبَّاسٍ4.
وَعَنْ عَطَاءٍ: تُوُفِّيَتْ مَيْمُوْنَةُ بِسَرِفٍ فَخَرَجْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَيْهَا فَقَالَ: إِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلاَ تُزَلْزِلُوْهَا وَلاَ تُزَعْزِعُوْهَا.
وَقِيْلَ: تُوُفِّيَتْ بِمَكَّةَ فَحُمِلَتْ عَلَى الأَعْنَاقِ بِأَمْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى سَرِفٍ وَقَالَ: ارْفُقُوا بِهَا فَإِنَّهَا أُمُّكُمْ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: مَاتَتْ فِي خِلاَفِةِ يَزِيْدَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَلَهَا ثَمَانُوْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: لَمْ تَبْقَ إِلَى هَذَا الوَقْتِ فَقَدْ مَاتَتْ قَبْلَ عَائِشَةَ. وَقَدْ مَرَّ قَوْلُ عَائِشَةَ: ذَهَبَتْ مَيْمُوْنَةُ ...
وَقَالَ خَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَتْ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
رُوِيَ لَهَا سَبْعَةُ أَحَادِيْثَ فِي الصَّحِيْحَيْنِ وَانْفَرَدَ لَهَا البُخَارِيُّ بِحَدِيْثٍ وَمُسْلِمٌ بِخَمْسَةٍ. وَجَمِيْعُ مَا رَوَتْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً.
__________
1 حسن: أخرجه ابن سعد "8/ 138"، والحاكم "4/ 32". وفيه جعفر بن برقان صدوق.
2 حسن: أخرجه ابن سعد "8/ 139".
3 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 139".
4 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 333"، والترمذي "845" والطحاوي "2/ 270" وابن سعد "8/ 133 و139-140"، والدارقطني "3/ 261-262"، والبيهقي "7/ 211" والحاكم "4/ 31" من طريق جرير بن حازم، به.(3/493)
124- زينب بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1:
وَأَكْبَرُ أَخَوَاتِهَا مِنَ المُهَاجِرَاتِ السَّيِّدَاتِ.
تَزَوَّجَهَا فِي حَيَاةِ أُمِّهَا ابْنُ خَالَتِهَا أَبُو العَاصِ فَوَلَدَتْ لَهُ أُمَامَةَ الَّتِي تَزَوَّجَ بِهَا عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ بَعْدَ فَاطِمَةَ وَوَلَدَتْ لَهُ عَلِيَّ بنَ أَبِي العَاصِ الَّذِي يُقَالُ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْدَفَهُ وَرَاءهُ يَوْمَ الفَتْحِ وَأَظُنُّهُ مَاتَ صَبِيّاً.
وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ: أَنَّ أَبَا العَاصِ تَزَوَّجَ بِزَيْنَبَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَهَذَا بَعِيْدٌ.
أَسْلَمَتْ زَيْنَبُ وَهَاجَرَتْ قَبْلَ إِسْلاَمِ زَوْجِهَا بِسِتِّ سِنِيْنَ.
فَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ بإِسْنَادٍ وَاهٍ أَنَّ أَبَا العَاصِ شَهِدَ بَدْراً مُشْرِكاً فَأَسَرَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ جُبَيْرٍ الأَنْصَارِيُّ فَلَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أُسَارَاهُمْ جَاءَ فِي فِدَاءِ أَبِي العَاصِ أَخُوْهُ عَمْرٌو وَبَعَثَتْ مَعَهُ زَيْنَبُ بِقِلاَدَةٍ لَهَا مِنْ جَزْعِ ظَفَارٍ -أَدْخَلَتْهَا بِهَا خَدِيْجَةُ- فِي فِدَاءِ زَوْجِهَا فَلَمَّا رَأَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القِلاَدَةَ عَرَفَهَا وَرَقَّ لَهَا وَقَالَ: "إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيْرَهَا فَعَلْتُمْ". قَالُوا: نَعَمْ فَأَخَذَ عَلَيْهِ العَهْدَ أَنْ يُخَلِّيَ سبيلها إليه ففعل2.
وَقِيْلَ: هَاجَرَتْ مَعَ أَبِيْهَا وَلَمْ يَصِحَّ.
البَزَّارُ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ بَحْرٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، أَخْبَرَنَا بُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سرية،
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 30-36"، والإصابة "4/ ترجمة 466".
2 حسن: أخرجه ابْنُ سَعْدٍ "8/ 31" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي المنذر بن سعد مولى لبني أسد بن عبد العزى، عن عيسى بن معمر، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن عائشة، به.
قلت: إسناده واه، آفته محمد بن عمر الواقدي، متروك. لكن أخرجه الحاكم "4/ 44-45" من طريق يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة به. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.
قلت: إسناده حسن، يونس بن بكير، صدوق. ومحمد بن إسحاق صرح بالتحديث فأمنا شر تدليسه.(3/494)
وَكُنْتُ فِيْهِم فَقَالَ: "إِنْ لَقِيْتُمْ هَبَّارَ بنَ الأَسْوَدِ وَنَافِعَ بنَ عَبْدِ عَمْرٍو فَأَحْرِقُوْهُمَا". وَكَانَا نَخَسَا بِزَيْنَبَ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ حِيْنَ خَرَجَتْ فَلَمْ تَزَلْ ضَبِنَةً1 حَتَّى مَاتَتْ.
ثُمَّ قَالَ: "إِنْ لَقِيْتُمُوْهُمَا فَاقْتُلُوْهُمَا فَإِنَّهُ لاَ يَنْبِغِي لأَحَدٍ أن يعذب بعذاب الله" 2.
ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ رُوْمَانَ قَالَ: صَلَّى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّاسِ الصُّبْحَ فَلَمَّا قَامَ فِي الصَّلاَةِ نَادَتْ زَيْنَبُ: إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ أَبَا العَاصِ بنَ الرَّبِيْعِ فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا عَلِمْتُ بِهَذَا وَإِنَّهُ يُجِيْرُ عَلَى النَّاسِ أَدْنَاهُمْ".
قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَسْلَمَتْ زَيْنَبُ وَهَاجَرَتْ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ وَقَالَ: ثُمَّ أُنْزِلَتْ بَرَاءةٌ بَعْدُ. فَإِذَا أَسْلَمَتِ امْرَأَةٌ قَبْلَ زَوْجِهَا فَلاَ سَبِيْلَ لَهُ عَلَيْهَا إلَّا بِخِطْبَةٍ.
وَرَوَى حَجَّاجٌ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَدَّ ابْنَتَهُ عَلَى أَبِي العَاصِ بِنِكَاحٍ جديد ومهر جديد3.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ دَاوُدَ بنِ الحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَدَّ ابْنَتَهُ إِلَى أَبِي العَاصِ بَعْدَ سِنِيْنَ بِنِكَاحِهَا الأَوَّلِ وَلَمْ يُحْدِثْ صَدَاقاً4.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ قَالَ: خَرَجَ أَبُو العَاصِ إِلَى الشَّامِ فِي عِيْرٍ لِقُرَيْشٍ فَانْتُدِبَ لَهَا زَيْدٌ فِي سَبْعِيْنَ وَمائَةِ رَاكِبٍ فَلَقَوُا العِيْرَ فِي سَنَةِ ست فأخذوها وأسروا أناسًا،
__________
1 الضبنة: الزمانة. وهي المرض الدائم.
2 حسن: عبد الله بن لهيعة، صدوق، وقد حدث عنه ابن المبارك قبل احتراق كتبه.
3 منكر: أخرجه الترمذي "1142"، وابن ماجه "2010"، والبيهقي "7/ 188"، وابن سعد "8/ 32" من طريق حجاج بن أرطاة، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته الحجاج بن أرطاة، فإنه مدلس، وقد عنعنه، وقد خالف به الصحيح الثابت فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ردها بنكاحها الأول، وليس بنكاح جديد فهذا الحديث منكر لمخالفته ما ثبت، وانظر الحديث الآتي.
4 حسن: أخرجه أحمد "1/ 217"، وعبد الرزاق "12644"، وأبو داود "2240" والترمذي "1143"، والحاكم "3/ 237 و238-239"، والبيهقي "7/ 187"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" "3/ 256"، والدارقطني "3/ 254"، والطبراني "11575" من طرق عن محمد بن إسحاق، به.
قلت: إسناده حسن، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عند الترمذي والحاكم.(3/495)
مِنْهُم أَبُو العَاصِ فَدَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ سَحَراً فَأَجَارَتْهُ ثُمَّ سَأَلَتْ أَبَاهَا أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مَتَاعَهُ. فَفَعَلَ وَأَمَرَهَا إلَّا يَقْرَبَهَا مَا دَامَ مُشْرِكاً. فَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ فَأَدَّى إِلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ثُمَّ رَجَعَ مُسْلِماً مُهَاجِراً فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ فَرَدَّ عَلَيْهِ زَيْنَبَ بذاك النكاح الأول1.
الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَنَسٍ: رَأَيْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ بُرْدَ سِيَرَاءَ مِنْ حَرِيْرٍ2.
تُوُفِّيَتْ فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ.
عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنِ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: لَمَّا مَاتَتْ زينب بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "اغْسِلْنَهَا وِتْراً ثَلاَثاً أَوْ خَمْساً وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُوْراً أَوْ شَيْئاً مِنْ كَافُوْرٍ فَإِذَا غَسَلْتُنَّهَا فَأَعْلِمْنَنِي". فَلَمَّا غَسَّلْنَاهَا أَعْطَانَا حقوه فقال: "أشعرنها إياه" 3.
__________
1 أخرجه ابْنُ سَعْدٍ "8/ 33" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبيه، به.
قلت: إسناده ضعيف جدا، آفته محمد بن عمر الواقدي، متروك كما ذكرنا مرارا. وانظر الحديث السابق.
2 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 33-34" من طريق عبد الله بن المبارك، والنسائي "8/ 197"، والحاكم "4/ 45-46" من طريق عيسى بن يونس كلاهما عن معمر، عن الزهري به.
وأخرجه الحاكم "4/ 45-46" من طريق الأوزاعي، عن الزهري به.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.
قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات، وقد رواه ثلاثة من الثقات عن الزهري بإثبات زينب في الحديث.
وسيرد الحديث في ترجمة "أم كلثوم" بإثبات "أم كلثوم" بدل "زينب" من طريق الزهري، عن أنس. ولا تعارض بينهما، فلا مانع من تكرر رؤية أنس لزينب وأم كلثوم وهما ترتديان برد سيراء. وكلاهما صحيح ثابت.
3 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 34"، ومسلم "939" "40" والطبراني "25/ 165" من طريق أبي معاوية الضرير الكوفي محمد بن خازم، حدثنا أبو عاصم الأحول، به.
وأخرجه أبو داود "314" و"3145"، وابن ماجه "1459"، والبيهقي "3/ 388-389" والطبراني "25/ 94 و154-161 و166" من طرق عن حفصة بن سيرين، عن أم عطية، به.
وأخرجه البخاري "1258" و"1259"، ومسلم "939" "38"، وأبو داود "3142"، والنسائي "4/ 31" والبيهقي "3/ 389" والطبراني "25/ 90" من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أم عطية، به.
وأخرجه مالك "1/ 222"، ومن طريقه البخاري "1253"، ومسلم "939" "36"، وأبو داود "3142"، والنسائي "4/ 28"، والطبراني "25/ 88 و89"، والبيهقي "3/ 389" عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أم عطية، به.
قوله: "حقوه" بفتح الحاء وكسرها، لغتان: يعني إزاره. وأصل الحقو معقد الإزار. وجمعه أحق وحقي. وسمي به الإزار مجازا لأنه يشد فيه.
قوله: "أشعرنها إياه" أي اجعلنه شعارا لها. وهو الثوب الذي يلي الجسد، سُمي شعارا لأنه يلي شعر الجسد. والحكمة في إشعارها به تبريكها به.
وأما الدثار: فهو الثوب الذي يكون فوق الشعار. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الأنصار -رضي الله عنهم: "أنتم الشعار والناس الدثار".
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: كان إذا نزل عليه الوحي يقول: "دثروني دثروني" أي غطوني بما أدفأ به.(3/496)
125- رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُوْلِ اللهِ 1:
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأمها خديجة.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تَزَوَّجَهَا عُتْبَةُ بنُ أَبِي لَهَبٍ قَبْلَ النُّبُوَّةِ.
كَذَا قَالَ وَصَوَابُهُ: قَبْلَ الهِجْرَةِ.
فَلمَّا أُنْزِلَتْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] قَالَ أَبُوْهُ: رَأْسِي مِنْ رَأْسِكَ حَرَامٌ إِن لَمْ تُطَلِّقْ بِنْتَهُ. فَفَارَقَهَا قَبْلَ الدُّخُوْلِ.
وَأَسْلَمَتْ مَعَ أُمِّهَا وَأَخَوَاتِهَا. ثُمَّ تَزَوَّجَهَا عُثْمَانُ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هَاجَرَتْ مَعَهُ إِلَى الحَبَشَةِ الهِجْرَتَيْنِ جَمِيْعاً.
قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: "إِنَّهُمَا لأَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إِلَى اللهِ بَعْدَ لُوْطٍ".
وَوَلَدَتْ مِنْ عُثْمَانَ عَبْدَ اللهِ وَبِهِ كَانَ يُكْنَى وَبَلَغَ سِتَّ سِنِيْنَ فَنَقَرَهُ دِيْكٌ فِي وَجْهِهِ فَطَمِرَ وَجْهُهُ فَمَاتَ.
ثُمَّ هَاجَرَتْ إِلَى المَدِيْنَةِ بَعْدَ عُثْمَانَ وَمَرِضَتْ قُبَيْلَ بَدْرٍ فَخَلَّفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهَا عُثْمَانَ فَتُوُفِّيَتْ وَالمُسْلِمُوْنَ بِبَدْرٍ.
فَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ، عَنْ يُوْسُفَ بنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَتْ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُوْلِ اللهِ قَالَ: "الْحَقِي بِسَلَفِنَا عُثْمَانَ بنِ مَظْعُوْنٍ" فَبَكَتِ النِّسَاءُ عَلَيْهَا فَجَعَلَ عُمَرُ يَضْرِبُهُنَّ بِسَوْطِهِ. فَأَخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ وَقَالَ: "دَعْهُنَّ يبكين" ثم قَالَ: "ابْكِيْنَ وَإِيَّاكُنَّ وَنَعِيْقَ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ مَهْمَا يكن من القلب العين فَمِنَ اللهِ وَالرَّحْمَةِ وَمَهْمَا يَكُنْ مِنَ اليَدِ وَاللِّسَانِ فَمِنَ الشَّيْطَانِ" فَقَعَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى شَفِيْرِ القَبْرِ إِلَى جَنْبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَعَلَتْ تَبْكِي فَجَعَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْسَحُ الدَّمْعَ، عَنْ عَيْنِهَا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ.
قُلْتُ: هَذَا مُنْكَرٌ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ذَكَرْتُهُ لِمُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ فَقَالَ: الثَّبْتُ عِنْدَنَا مِنْ جَمِيْعِ الرِّوَايَةِ: أَنَّ رُقَيَّةَ تُوُفِّيَتْ وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِبَدْرٍ. فَلَعَلَّ هَذَا فِي غَيْرِ رُقَيَّةَ أَوْ لعله أتى قبرها بعد بدر زائرًا.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 36-37"، والإصابة "4/ ترجمة رقم 430".(3/497)
126- أم كلثوم بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ 1:
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البَضْعَةُ الرَّابعَةُ النَّبَوِيَّةُ.
يُقَالُ تَزَوَّجَهَا عُتَيْبَةُ بنُ أَبِي لَهَبٍ ثُمَّ فَارَقَهَا.
وَأَسْلَمَتْ وَهَاجَرَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ أُخْتُهَا رُقَيَّةُ تَزَوَّجَ بِهَا عُثْمَانُ وَهِيَ بِكْرٌ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ ثَلاَثٍ فلم تلد له.
وَتُوُفِّيَتْ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ كُنَّ عَشْراً لزوجتهن عثمان" حكاه ابن سعد2.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 37-39"، والإصابة "4/ ترجمة رقم 1470".
2 ذكره ابن سعد في "الطبقات" "8/ 38" بدون إسناد. لكن أخرج ابن أبي عاصم في "السنة" "1291" حدثنا محمد بن عثمان بن خالد، حدثنا أبي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الاعرج، عن أبي هريرة قال: وَقَفَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابنته الثانية التي كانت عند عثمان فقال: ألا أبا أيم، ألا أخا أيم يُزوجها عثمان فلو كن عشرا. لزوجته، وما زوجته إلا بوحي من السماء.
قلت: إسناده واه بمرة، آفته عثمان بن خالد بن عمر الأموي متروك الحديث، كما قال الحافظ في "التقريب" وأبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان. والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز.
وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" "1301" حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه عن جده، عن محمد بن أبي بكر، عن عثمان بنحوه في قصة.
قلت: إسناده موضوع، آفته عبد الملك بن هارون بن عنترة، قال يحيى: كذاب. وقال أبو حاتم: متروك، ذاهب الحديث. وقال ابن حبان: يضع الحديث، وقال السعدي: عبد الملك بن هارون دجال كذاب.
وقال الذهبي في "الميزان": اتهم بوضع حديث: "من صام يوما من أيام البيض عدل عشرة آلاف سنة". وأبوه هارون بن عنترة، وثقه يحيى بن معين وأحمد. لكن ابن حبان قال: لا يجوز أن يحتج به. وهو الذي يقال له: هارون بن أبي وكيع منكر الحديث جدا.(3/498)
وَرَوَى صَالِحُ بنُ أَبِي الأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ رَأَى عَلَى أُمِّ كُلْثُوْمٍ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُلَّةً سِيَرَاءَ1.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلاَلِ بنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِساً عَلَى قَبْرِهَا يَعْنِي أُمَّ كُلْثُوْمٍ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ فَقَالَ: "فِيْكُم أَحَدٌ لم يقارف الليلة"؟. فقال أبو طلحة: أنا قَالَ: "انْزِلْ" 2.
زَوْجَاتُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
قَالَ الزُّهْرِيُّ: تَزَوَّجَ نَبِيُّ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- ثنتي عشرة عربية محصنات.
وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: تَزَوَّجَ خَمْسَ عَشْرَةَ امْرَأَةً: سِتٌّ مِنْ قُرَيْشٍ وَوَاحِدَةٌ مِنْ حُلَفَاءِ قُرَيْشٍ وَسَبْعَةٌ مِنْ نِسَاءِ العَرَبِ. وَوَاحِدَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثَبَتَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَ ثَمَانِي عَشْرَةَ امْرَأَةً: سَبْعٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَوَاحِدَةٌ مِنْ حُلَفَائِهِم. وَتِسْعٌ مِنْ سَائِرِ العَرَبِ. وَوَاحِدَةٌ مِنْ نِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيْلَ.
فَأَوَّلُهُنَّ: خَدِيْجَةُ ثُمَّ سَوْدَةُ ثُمَّ عَائِشَةُ ثُمَّ أُمُّ سَلَمَةَ ثُمَّ حَفْصَةُ ثُمَّ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ ثُمَّ جُوَيْرِيَةُ ثُمَّ أُمُّ حَبِيْبَةَ ثُمَّ صَفِيَّةُ ثُمَّ مَيْمُوْنَةُ ثُمَّ فَاطِمَةُ بِنْتُ شُرَيْحٍ. ثُمَّ تَزَوَّجَ:
زَيْنَبَ بِنْتَ خُزَيْمَةَ، ثُمَّ هِنْدَ بِنْتَ يَزِيْدَ، ثُمَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ النُّعْمَانِ، ثُمَّ قُتَيْلَةَ أُخْتَ الأَشْعَثِ، ثُمَّ سنا بنت أسماء السلمية.
__________
1 صحيح: وهذا إسناد ضعيف أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "8/ 38" أخبرنا وكيع بن الجراح، عن صالح بن أبي الأخضر، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته صالح بن أبي الأخضر البصري، ضعفه يحيى بن معين، والنسائي، والبخاري، وأبو زرعة. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيِّنُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ ابْنُ حبان: لا يحتج به. وأخرجه البخاري "5842"، وأبو داود "2058"، والنسائي "8/ 197"، وابن ماجه "3598"، والحاكم "4/ 49"، وابن سعد "8/ 38" من طرق عن الزهري، عن أنس، به.
وقد مر بتخريجنا السابق رقم "1108" هذا الحديث ولكن بإثبات "زينب" بدل "أم كلثوم" من طريق الزهري عن أنس. ولا تعارض بينهما، فلا مانع من تكرار رؤية أنس لأم كلثوم ولزينب وهما ترتديان برد سيراء، وكلاهما صحيح ثابت راجع تخريجنا السابق رقم "1108" قوله: "حلة سيراء" حلة من حرير محض، وقد تكون غير محض.
2 حسن: أخرجه الطيالسي "2116"، وأحمد "3/ 126 و228" والبخاري "1285" و"1342"، وابن سعد "8/ 38"، والترمذي في "الشمائل" "327"، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار "2514"، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 3/ 163"، والبيهقي "4/ 53" من طرق عن فليح بن سليمان، عن هلال بن علي بن أسامة، به.
قلت: إسناده حسن، فليح بن سليمان، صدوق.(3/499)
127- العالية 1:
قَالَ الزُّهْرِيُّ: تَزَوَّجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امْرَأَةً مِنْ بَنِي بَكْرِ بنِ كِلاَبٍ.
وَلأَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ جَمِيْلِ بنِ زَيْدٍ وَاهٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العَالِيَةَ مِنْ بَنِي غِفَارَ فَأُدْخِلَتْ فَرَأَى بِكَشْحِهَا بَيَاضاً فَقَالَ: "الْبَسِي ثِيَابَكِ وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ" وأمر لها بالصداق2.
__________
1 ترجمتها في "الإصابة" "4/ ترجمة رقم 703".
2 ضعيف: أخرجه أحمد "3/ 493"، والبيهقي "7/ 256-257" من طريق جميل بن زيد الطائي، عن زيد بن كعب بن عجرة قال: فذكره.
وأخرجه البخاري في "التاريخ" "7/ 223" من طريق محمد بن فضيل، عن جميل بن زيد، عن عبد الله بن كعب قال: فذكره.
قلت: إسناده ضعيف، آفته جميل بن زيد الطائي، قال ابن معين، ليس بثقة. وقال ابن حبان: واهي الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف. وقال البخاري: لم يصح حديثه.(3/500)
128- أسماء 1:
قِيْلَ: هِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ كَعْبٍ الجَوْنِيَّةُ. كَذَا سَمَّاهَا ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَالَ: لَمْ يَدْخُلْ بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى طَلَّقَهَا.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: تَزَوَّجَ أُخْتَ بَنِي الجَوْنِ الكِنْدِيِّ فَاسْتَعَاذَتْ مِنْهُ. فَقَالَ: "لَقَدْ عُذْتِ مُعَاذاً الْحَقِي بِأَهْلِكِ" 2.
وَقِيْلَ: بَلْ هِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ النُّعْمَانِ الغِفَارِيَّةُ.
وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: وَتَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ: أَسْمَاءَ بِنْتَ النُّعْمَانِ الغِفَارِيَّةَ فَلَمَّا دَخَلَ بِهَا دَعَاهَا. فَقَالَتْ: تَعَالَ أَنْتَ فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ أُمَّ شَرِيْكٍ.
__________
1 ترجمتها في الإصابة "4/ ترجمة رقم 57".
2 صحيح: أخرجه البخاري "5254" من طريق الاوزاعي قال سألت الزهري أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم استعاذت منه قال: أخبرني عروة، عن عائشة -رضي الله عنها- أن ابنة الجون لما أدخلت عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودنا منها قالت: أعوذ بالله منك، فقال لها: "لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك".
وأخرجه أحمد "3/ 498"، والبخاري "5257"، وابن الجارود "758"، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" "641"، والطبراني في "الكبير" "19/ 583" من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين، عن عبد الرحمن بن الغسيل، عن حمزة بن أبي أسيد، عن أبيه، به.
وأخرجه ابن ماجه "2037" من طريق عبيد بن القاسم، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عائشة، به نحوه.
قلت: إسناده موضوع، عبيد بن القاسم، قال فيه ابن معين: كان كذابا خبيثا. وقال صالح بن محمد: كذاب كان يضع الحديث. وقال ابن حبان: ممن يروي الموضوعات.(3/500)
129- أم شريك 1:
امرأة أنصارية، النجارية.
عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنِّي أُحِبُّ أَن أَتَزَوَّجَ فِي الأَنْصَارِ ثُمَّ إِنِّي أَكْرَهُ غَيْرَتَهُنَّ". قَالَ: فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا.
نَعَمْ وَرَوَى عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ أُمِّ شَرِيْكٍ: أَنَّهَا كَانَتْ فِيْمَنْ وَهَبَتْ نفسها للنبي -صلى الله عليه وسلم.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 154-157"، الجرح والتعديل "9/ ترجمة رقم 2377"، تهذيب الكمال "35/ ترجمة رقم 7985"، تهذيب التهذيب "12/ ترجمة رقم 2956". والإصابة "4/ ترجمة 1347".(3/501)
130- سناء 1:
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ: وَزَعَمَ حَفْصُ بنُ النَّضْرِ السُّلَمِيُّ وَعَبْدُ القَاهِرِ بنُ السَّرِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَ سَنَاءَ بِنْتَ أَسْمَاءَ بنِ الصَّلْتِ السُّلَمِيَّةَ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا.
وَقِيْلَ: سَنَاءُ بنت سفيان الكلابية.
__________
1 ترجمتها في الإصابة "4/ ترجمة رقم 587".(3/501)
131- الكلابية 1:
قَالَ الوَاقِدِيُّ: قَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ الضَّحَّاكِ بنِ سُفْيَانَ.
وَقِيْلَ: عَمْرَةُ بِنْتُ زَيْدٍ.
وقيل: هي العالية بنت ظبيان.
وقيل: سناء بنت سفيان.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 220-221"، الإصابة "4/ ترجمة 843".(3/501)
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ كِلاَبِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنَّمَا اخْتُلِفَ فِي اسْمِهَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ كُنَّ جَمَاعَةً.
نَقَلَ ذَلِكَ الحَاكَمُ فِي أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ مِنْ "مُسْتَدْرَكِهِ".
ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تَزَوَّجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكِلاَبِيَّةَ فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَدَنَا مِنْهَا قَالَتْ: إِنِّي أَعُوْذُ بِاللهِ مِنْكَ. قَالَ: "لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيْمٍ الْحَقِي بِأَهْلِكِ" 1.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: تَزَوَّجَ عَمْرَةَ بِنْتَ زَيْدٍ الكِلاَبِيَّةَ وَمَا دَخَلَ بِهَا.
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: طَلَّقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العَالِيَةَ بِنْتَ ظَبْيَانَ فَنَكَحَهَا ابْنُ عَمٍّ لَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ.
وَقِيْلَ: الكِلاَبِيَّةُ: عَمْرَةُ بِنْتُ حَزْنٍ التي تعوذت.
__________
1 صحيح: أخرجه الحاكم "4/ 35" من طريق محمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي ابن شهاب، عن عمه، عن عروة، عن عائشة، به.
قلت: إسناده صحيح رجاله ثقات.(3/502)
132- الكِنْدِيَّةُ:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ: نَكَحَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ كِنْدَةَ، وَهِيَ الشَّقِيَّةُ الَّتِي سَأَلَتْهُ أَنْ يُفَارِقَهَا، وَيَرُدَّهَا إِلَى قَوْمِهَا، فَفَعَلَ.
رَوَاهُ عَنْهُ: عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو.
وَرَوَى الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَبِي عَوْنٍ: أَنَّ النُّعْمَانَ بنَ أَبِي الجَوْنِ الكِنْدِيَّ قَدِمَ مُسْلِماً، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَلاَ أُزَوِّجُكَ أَجْمَلَ أَيِّمٍ فِي العَرَبِ، وَقَدْ رَغِبَتْ فِيْكَ? فَتَزَوَّجَهَا عَلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوْقِيَّةً وَنَشٍّ1. فَقَالَ: لاَ تَقْصُرْ بِهَا فِي المَهْرِ. قَالَ: "مَا أَصْدَقْتُ أَحَداً فَوْقَ هَذَا"2.
فَبَعَثَ مَعَهُ أَبَا أُسَيْدٍ. فَلَمَّا قَدِمَا عَلَيْهَا جَلَسَتْ وَأَذِنَتْ لَهُ فَقَالَ أبو أسيد: إن نساء رسول
__________
1 الأوقية: أربعون درهما. والنش: نصف الأوقية، وهو عشرون درهما. وقيل: النش يطلق على النصف من كل شيء.
2 إسناده ضعيف جدا، آفته الواقدي، وهو متروك كما ذكرنا مرارا.(3/502)
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَرَاهُنَّ الرِّجَالُ فَتَحَمَّلْتُ مَعَ الظَّعِيْنَةِ1 عَلَى جَمَلٍ فِي مِحَفَّةٍ2 فَأَقْبَلْتُ بِهَا حَتَّى أَنْزَلْتُهَا فِي بَنِي سَاعِدَةَ. فَدَخَلَ عَلَيْهَا النِّسَاءُ فَرَحَّبْنَ بِهَا ثُمَّ خَرَجْنَ فَذَكَرْنَ جَمَالَهَا وَشَاعَ ذَلِكَ. فَدَخَلَ عَلَيْهَا دَاخِلٌ مِنَ النِّسَاءِ فَقِيْلَ لَهَا: إِنَّكِ مَلِكَةٌ فَإِنْ كُنْتِ تُرِيْدِيْنَ أَنْ تَحْظَيْ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُوْلِي: أَعُوْذُ بِاللهِ مِنْكَ فَإِنَّهُ يَرْغَبُ فِيْكِ3.
وَعَنِ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ قَالَ: فَتَزَوَّجَ الكِنْدِيَّةَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ أَنَّ الوَلِيْدَ كَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ: هَلْ تَزَوَّجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخت الأشعث? فقال: ما تَزَوَّجَهَا قَطُّ وَلاَ تَزَوَّجَ كِنْدِيَّةً إلَّا بِنْتَ الجَوْنِ فَمَلَكَهَا. فَلَمَّا أُتِيَ بِهَا نَظَرَ إِلَيْهَا فَطَلَّقَهَا وَلَمْ يَبْنِ بِهَا.
عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسْمَاءَ بِنْتَ النُّعْمَانِ الجَوْنِيَّةَ فَأَرْسَلَنِي فَجِئْتُ بِهَا. فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: اخْضِبِيْهَا أَنْتِ وَأَنَا أَمْشُطَهَا. فَفَعَلَتَا ثُمَّ قَالَتْ لَهَا إِحْدَاهُمَا: إِنَّهُ يُعْجِبُهُ أَنْ تَقُوْلَ المَرْأَةُ: أَعُوْذُ بِاللهِ مِنْكَ فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَأَرْخَى السِّتْرَ مَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا. فَقَالَتْ: أَعُوْذُ بِاللهِ مِنْكَ فَقَالَ بِكُمِّهِ عَلَى وَجْهِهِ فَاسْتَتَرَ. وَقَالَ: "عُذْتِ بِمُعَاذٍ" وَخَرَجَ فَقَالَ: "يَا أَبَا أُسَيْدٍ أَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا وَمَتِّعْهَا بِرَازِقِيَّيْنِ". يَعْنِي: كِرْبَاسَيْنِ.
فَكَانَتْ تَقُوْلُ: ادْعُوْنِي الشقية.
إسناده واه. وقد ذكره الحاكم في "مستدركه"4.
__________
1 الظعينة: أصل الظعينة: الراحلة التي يُرحل ويُظعن عليها: أي يسار وقيل للمرأة ظعينة؛ لأنها تظعن مع الزوج حيثما ظعن، أو لأنها تحمل على الراحلة إذا ظعنت. وقيل الظعينة: المرأة في الهودج، ثم قيل الهودج بلا امرأة، وللمرأة بلا هودج ظعينة. وجمع الظعينة. ظُعْن وظُعُن وظعائن وأظعان. وظعن يظعن وظعنا وظعنا بالتحريك إذا سار.
2 المحفة: رحل يحف بثوب ثم تركب فيه المرأة، وقيل: المحفة: مركب الهودج إلا أن الهودج يقبب والمحفة لا تقبب قال ابن دريد: سميت بها لأن الخشب يحف بالقاعد فيها أي يحيط به من جميع جوانبه، وقيل: المحفة مركب من مراكب النساء.
3 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 143-144"، والحاكم "4/ 36" من طريق الواقدي، وهو متروك.
4 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 145-146"، والحاكم "4/ 37" من طريق هشام بن محمد، عن ابن الغسيل، عن حمزة بن أبي أسيد، عن أبيه، به.
وقال الحاكم: "قال ابن عمر: قال هشام بن محمد فحدثني زهير بن معاوية الجعفي أنها ماتت كمدا".
وقال الذهبي: "قلت: سنده واه ويروى عن زهير بن معاوية أنها ماتت كمدا".
قلت: آفة إسناده هشام بن محمد هو ابن السائب الكلبي، أبو المنذر الأخباري، متروك.(3/503)
وَعَنْ زُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ: قَالَ فَمَاتَتْ كَمَداً1.
وَعَنِ الكَلْبِيِّ قَالَ: خَلَفَ عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ النُّعْمَانِ المُهَاجِرُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ فَهَمَّ عُمَرُ أَنْ يُعَاقِبَهَا. فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا ضَرَبَ عَلَيَّ حِجَاباً وَلاَ سُمِّيْتُ بِأُمِّ المُؤْمِنِيْنَ فَكَفَّ عَنْهَا2.
__________
1 انظر تخريجنا السابق.
2 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 147"، والحاكم "4/ 37" من طريق هشام بن محمد بن السائب، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: فذكره.
قلت: إسناده واه بمرة، فيه هشام بن محمد بن السائب الكلبي، وأبوه، وهما متروكان.(3/504)
133- قتيلة 1:
يُقَالُ: هِيَ أُخْتُ الأَشْعَثِ بنِ قَيْسٍ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِيْنَ قَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ كِنْدَةَ سَنَةَ عَشْرٍ فَتُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ.
وَيُقَالُ: إنها ارتدت2 فالله أعلم.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "1478".
2 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 147" من طريق هشام بن محمد بن السائب، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس، به.
قلت: إسناده واه بمرة، فيه هشام بن محمد بن السائب الكلبي، وأبوه وهما متروكان.(3/504)
134- خولة 1:
عُمَارَةُ بنُ رَاشِدٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيْمٍ.
وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَهَا فأرجأها فيمن أرجأ من نسائه.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 158"، تهذيب الكمال "35/ ترجمة رقم 7829" تهذيب التهذيب "12/ 415"، والإصابة "4/ ترجمة رقم 362".(3/504)
135- جويرية أم المؤمنين 1"ع":
بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقية.
سُبِيَتْ يَوْمَ غَزْوَةِ المُرَيْسِيْعِ فِي السَّنَةِ الخَامِسَةِ وَكَانَ اسْمُهَا: بَرَّةَ فَغُيِّرَ2
وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النساء.
أتت النبي تَطْلُبُ مِنْهُ إِعَانَةً فِي فَكَاكِ نَفْسِهَا فَقَالَ: "أوخير مِنْ ذَلِكَ? أَتَزَوَّجُكِ". فَأَسْلَمَتْ وَتَزَوَّجَ بِهَا وَأَطْلَقَ لَهَا الأُسَارَى مِنْ قَوْمِهَا3.
وَكَانَ أَبُوْهَا سَيِّداً مُطَاعاً.
حَدَّثَ عَنْهَا: ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُبَيْدُ بنُ السَّبَّاقِ وَكُرَيْبٌ وَمُجَاهِدٌ. وَأَبُو أَيُّوْبَ يَحْيَى بنُ مالك الأزدي وآخرون.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ جُوَيْرِيَةُ امْرَأَةً حُلْوَةً4 ملاحة لا يراها أحد إلَّا أخذت بنفسه الحَدِيْثَ بِطُوْلِهِ5.
زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَعْتَقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- جويرية واستنكحها،
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 116-120"، تهذيب الكمال "35/ ترجمة رقم "7808". تهذيب التهذيب "12/ ترجمة رقم 2755"، والإصابة "4/ ترجمة رقم 251".
2 أخرجه مسلم "2140" بإسناده عن ابن عباس قال: كانت جويرية اسمها برة. فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها جويرية. وكان يكره أن يقال: خرج من عند برة.
3 صحيح: يأتي تخريجه قريبا في التعليق بعد الآتي.
4 ملاحه: أي شديدة الملاحة، وهو من أبنية المبالغة. وفي كتاب الزمخشري وكانت امرأة ملاحة أي ذات ملاحة، وفعال مبالغة في فعيل مثل كريم وكرام وكبير وكبار، وفعال مشددا أبلغ منه.
5 حسن: أخرجه أبو داود "3931" وأحمد "6/ 277"، وابن جرير الطبري في "تاريخ الملوك" "1/ 111"، وابن هشام في "السيرة" "2/ 497"، من طريق محمد بن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها، قالت عائشة: فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها، وعرفت أنه سيرى منها صلى الله عليه وسلم ما رأيت، فدخلت عليه، فقالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس، أو لابن عم له، فكاتبته على نفسي، فجئتك أستعينك على كتابتي، قال: "فهل لك في خير من ذلك"؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: "أقضي عنك كتابتك وأتزوجك"؟ قالت: نعم يا رسول الله، قال: "قد فعلت" قالت: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج جويرية بنة الحارث عن أبي ضرار، فقال الناس: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرسلوا ما بأيديهم، قالت: فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها.
قلت: إسناده حسن، محمد بن إسحاق بن يسار، صدوق، وقد صرح بالتحديث فأمنا شر تدليسه.(3/505)
وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ كُلِّ مَمْلُوْكٍ مِنْ بَنِي المُصْطَلِقِ وَكَانَتْ مِنْ مِلْكِ اليَمِيْنِ فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا1.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ: بَنُو المُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ. وَكَانَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ ابْنُ عمها مسافع بن صفوان ابن أبي الشفر.
وَقَدْ قَدِمَ أَبُوْهَا الحَارِثُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَسْلَمَ.
وَعَنْ جُوَيْرِيَةَ قَالَتْ: تزوجني رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا بِنْتُ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَتْ أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ جُوَيْرِيَةُ فِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ. وَقِيْلَ تُوُفِّيَتْ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
جَاءَ لَهَا سَبْعَةُ أَحَادِيْثَ: مِنْهَا عِنْدَ البُخَارِيِّ حَدِيْثٌ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ حَدِيْثَانِ.
أَيُّوْبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: أَتَى وَالِدُ جُوَيْرِيَةَ فَقَالَ: إِنَّ بِنْتِي لاَ يُسْبَى مِثْلُهَا فَأَنَا أَكْرَمُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرَأَيْتَ إِنْ خَيَّرْنَاهَا". فَأَتَاهَا أَبُوْهَا فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ خَيَّرَكِ فَلاَ تَفْضَحِيْنَا فَقَالَتْ: فَإِنِّي قَدِ اخْتَرْتُهُ قَالَ: قَدْ وَاللهِ فَضَحْتِنَا2.
زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَعْتَقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جُوَيْرِيَةَ وَاسْتَنْكَحَهَا وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ كُلِّ مَمْلُوْكٍ مِنْ بَنِي المُصْطَلِقِ3.
هَمَّامٌ وَغَيْرُهُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوْبَ الهَجَرِيِّ، عَنْ جويرية بنت الحَارِثِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ لَهَا: "أَصُمْتِ أَمْسِ" قَالَتْ: لاَ قَالَ: "أَتُرِيْدِيْنَ أَنْ تَصُوْمِي غَداً". قَالَتْ: لاَ قَالَ: "فَأَفْطِرِي" 4.
__________
1 منكر: أخرجه ابن سعد "8/ 117" من طريق الواقدي. وهو متروك كما أن الحديث مرسل. وهو يخالف الحديث السابق الثابت فليس صداقها عتق بني المصطلق.
2 ضعيف: أبو قلابة، هو عبد الله بن زيد الجرمي البصري، ثقة فاضل، كثير الإرسال وهو من الطبقة الثالثة، وهي الطبقة الوسطى من كبار التابعين، فأنى له لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينه، وبين سيد البشر صلى الله عليه وسلم مفاوز تنقطع دونها أعناق المطي.
3 منكر: أخرجه عبد الرزاق "13118"، وابن سعد "8/ 118"، وهو مرسل وهو مخالف للثابت أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث قال صلى الله عليه وسلم لها: $"أقضي عنك كتابتك وأتزوجك؟ " قالت: نعم يا رسول الله، قال: $"قد فعلت" ولم يكن صداقها عتق بني المصطلق، إنما أعتقهم الصحابة لما سمعوا أنهم أصهار سيد البشر صلى الله عليه وسلم.
4 صحيح: أخرجه البخاري "1986"، وأبو داود "2422"، وأحمد "6/ 430"، وابن سعد "8/ 119".(3/506)
رَوَاهُ شُعْبَةُ وَلَهُ عِلَّةٌ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ رَوَاهُ سَعِيْدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو.
شُعْبَةُ وَجَمَاعَةٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ: سَمِعْتُ كُرَيْباً، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ قَالَتْ: أَتَى عَلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَدْوَةً وَأَنَا أُسَبِّحُ ثُمَّ انْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ قَرِيْباً مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ فَقَالَ: "أَمَا زِلْتِ قَاعِدَةً". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "أَلاَ أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ لَو عُدِلْنَ بِهِنَّ عَدَلَتْهُنَّ أَوْ وُزِنَّ بِهِنَّ وَزَنَتْهُنَّ -يَعْنِي جَمِيْعَ مَا سَبَّحْتِ- سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ سُبْحَانَ اللهِ رِضَا نَفْسِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ -ثَلاَثَ مَرَّاتٍ- " 1.
يُوْنُسُ، عَنِ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ الزُّبَيْرِ، عن عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا قَسَّمَ رَسُوْلُ الله -صلى الله عليه وسلم- سبايا بني المُصْطَلِقِ وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ فِي سَهْمِ رَجُلٍ فَكَاتَبَتْهُ وَكَانَتْ حُلْوَةً مُلاَّحَةً لاَ يَرَاهَا أَحَدٌ إلَّا أخذت بنفسه. فأتت رسول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَسْتَعِيْنُهُ فَكَرِهْتُهَا يَعْنِي لِحُسْنِهَا. فَقَالَتْ: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ وَقَدْ كَاتَبْتُ فَأَعِنِّي.
فَقَالَ: "أوخير مِنْ ذَلِكَ: أُؤَدِّي عَنْكِ وَأَتَزَوَّجُكِ". فَقَالَتْ: نَعَمْ. فَفَعَلَ فَبَلَغَ النَّاسَ فَقَالُوا: أَصْهَارُ رَسُوْلِ اللهِ فَأَرْسَلُوا مَا كَانَ فِي أَيْدِيْهِمْ مِنْ بَنِي المصطلق فلقد أعتق بها مئة أَهْلِ بَيْتٍ. فَمَا أَعْلَمُ امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ بركة على قومها منها2.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2726"، وابن سعد "1/ 119"، وأحمد "6/ 324 و327 و429 و430".
2 حسن: راجع تخريجنا السابق رقم "1138".(3/507)
136- سودة أم المؤمنين 1 "خ، د، س":
بنت زمعة بن قيس القُرَشِيَّةُ العَامِرِيَّةُ.
وَهِيَ أَوَّلُ مَنْ تَزَوَّجَ بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ خَدِيْجَةَ وَانْفَرَدَتْ بِهِ نَحْواً مِنْ ثَلاَثِ سِنِيْنَ أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى دَخَلَ بِعَائِشَةَ.
وَكَانَتْ سَيِّدَةً جَلِيْلَةً نَبِيْلَةً ضَخْمَةً وَكَانَتْ أَوَّلاً عِنْدَ السَّكْرَانِ بنِ عمرو أخي سهيل بن عمرو العامري.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 52-57" تهذيب الكمال "35/ ترجمة 7864"، وتهذيب التهذيب "12/ ترجمة 2820"، الإصابة "4/ ترجمة رقم 606".(3/507)
وَهِيَ الَّتِي وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ رِعَايَةً لِقَلْبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَتْ قَدْ فَرِكَتْ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
لَهَا أَحَادِيْثُ: وَخَرَّجَ لَهَا البُخَارِيُّ.
حَدَّثَ عَنْهَا: ابْنُ عَبَّاسٍ وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ.
تُوُفِّيَتْ فِي آخِرِ خِلاَفَةِ عُمَرَ بِالمَدِيْنَةِ.
هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُوْنَ فِي مِسْلاخِهَا مِنْ سَوْدَةَ مِنِ امْرَأَةٍ فِيْهَا حِدَّةٌ فَلَمَّا كَبِرَتْ جَعَلَتْ يَوْمَهَا مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- لعائشة1.
وَرَوَى الوَاقِدِيُّ، عَنِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَوْدَةَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ النُّبُوَّةِ وَهَاجَرَ بِهَا وَمَاتَتْ بِالمَدِيْنَةِ فِي شَوَّال سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ2.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: وَهَذَا الثَّبْتُ عِنْدَنَا.
وَرَوَى عَمْرُو بنُ الحَارِثِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِلاَلٍ أَنَّ سَوْدَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- تُوُفِّيَتْ زَمَنَ عُمَر.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَسْلَمَتْ سَوْدَةُ وَزَوْجُهَا فَهَاجرَا إِلَى الحَبَشَةِ.
وَعَنْ بُكَيْرِ بنِ الأَشَجِّ: أَنَّ السَّكْرَانَ قَدِمَ مِنَ الحَبَشَةِ بِسَوْدَةَ فَتُوُفِّيَ عَنْهَا. فَخَطَبَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: أَمْرِي إِلَيْكَ قَالَ: "مُرِي رَجُلاً مِنْ قَوْمِكِ يُزَوِّجُكِ" فَأَمَرَتْ حَاطِبَ بنَ عَمْرٍو العَامِرِيَّ فَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُهَاجِرِيٌّ بدري3.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "5212" من طريق زهير، ومسلم "1436" من طريق جرير، كلاهما عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قالت: ما رأيت أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُوْنَ فِي مِسْلاخِهَا مِنْ سودة بنت زمعة من امراة فيها حدة. قالت: فلما كبرت جعلت يومها مِنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة. قالت: يا رسول الله قد جعلت يومي منك لعائشة. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومين: يومها ويوم سودة.
قوله: "مسلاخها" المسلاخ هو الجلد. ومعناه أنها تمنت أن تكون في مثل هديها وطريقتها.
2 ضعيف جدا: "أخرجه ابن سعد "8/ 53"، وفي إسناده الواقدي، وهو متروك وهو مرسل.
3 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 53" من طريق الواقدي، وهو متروك.(3/508)
هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ أَبِي بَزَّةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ إِلَى سَوْدَةَ بِطَلاقِهَا. فَجَلَسَتْ عَلَى طَرِيْقِهِ فَقَالَتْ: أنشدك بالذي أنزل عليك كِتَابَهُ لِمَ طَلَّقْتَنِي? أَلِمَوْجِدَةٍ? قَالَ: "لاَ" قَالَتْ: فَأَنْشُدُكَ اللهَ لَمَا رَاجَعْتَنِي فَلاَ حَاجَةَ لِي فِي الرِّجَالِ وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُبْعَثَ فِي نِسَائِكَ. فَرَاجَعَهَا قَالَتْ: فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِي لِعَائِشَةَ1.
الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ قَالَتْ سَوْدَةُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ صَلَّيْتُ خَلْفَكَ البَارِحَةَ فَرَكَعْتَ بِي حَتَّى أَمْسَكْتُ بِأَنْفِي مَخَافَةَ أَنْ يَقْطُرَ الدَّمُ فَضَحِكَ. وَكَانَتْ تُضْحِكُهُ الأَحْيَانَ بِالشَّيْءِ.
صَالِحٌ مَوْلَى التوءمة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ: "هَذِهِ ثُمَّ ظُهُوْرَ الحُصْرِ".
قَالَ صَالِحٌ: فَكَانَتْ سَوْدَةُ تَقُوْلُ: لاَ أَحُجُّ بَعْدَهَا.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ لَيْلَةَ المُزْدَلِفَةِ أَنْ تَدْفَعَ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ وَكَانَتْ امْرَأَةٌ ثَبِطَةٌ أَيْ ثَقِيْلَةٌ فَأَذِنَ لها2.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ إِلَى سَوْدَةَ بِغِرَارَةِ دَرَاهِمٍ. فَقَالَتْ: مَا هَذِهِ قَالُوا: دَرَاهِم قَالَتْ: فِي الغِرَارَةِ مِثْلَ التَّمْرِ يَا جَارِيَةُ: بَلِّغِيْنِي القُنْعَ فَفَرَّقَتْهَا3.
يُرْوَى لِسَوْدَةَ خَمْسَةُ أَحَادِيْثَ: مِنْهَا فِي الصَّحِيْحَيْنِ حَدِيْثٌ وَاحِدٌ، عَنِ البُخَارِيِّ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ رِيْطَةَ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ بَعَثَ زَيْداً وَبَعَثَ مَعَهُ أَبَا رَافِعٍ مَوْلاَهُ وَأَعْطَاهُمَا بَعِيْرَيْنِ وَخَمْسَ مائَةِ دِرَهْمٍ فَخَرَجْنَا جَمِيْعاً وَخَرَجَ زَيْدٌ وَأَبُو رَافِعٍ بِفَاطِمَةَ وَبِأُمِّ كُلْثُوْمٍ وَبِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ وَبِأُمِّ أَيْمَن وَأُسَامَةَ ابنه4.
__________
1 القاسم بن أبي بزة، مولى بني مخزوم، القارئ ثقة من الطبقة الخامسة، وهي الطبقة الصغرى من التابعين، فالحديث مرسل. وقد أخرجه ابن سعد "8/ 54".
2 صحيح: أخرجه مسلم "1290". وحطمة الناس: أي زحمة الناس.
3 ضعيف: أخرجه ابن سعد "8/ 56"، وإسناده منقطع بين ابن سيرين وعمر.
4 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "1/ 237-238" وفيه الواقدي، متروك.(3/509)
137- صفية عَمَّةَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1:
بنت عبد المطلب الهاشمية. وَهِيَ شَقِيْقَةُ حَمْزَةَ. وَأُمُّ حَوَارِيِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الزُّبَيْرِ. وَأُمُّهَا مِنْ بَنِي زهرة.
تَزَوَّجَهَا الحَارِثُ أَخُو أَبِي سُفْيَانَ بنِ حَرْبٍ فَتُوُفِّيَ عَنْهَا.
وَتَزَّوَجَهَا العَوَّامُ أَخُو سَيِّدَةِ النِّسَاءِ خَدِيْجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ فَوَلَدَتْ لَهُ الزُّبَيْرَ وَالسَّائِبَ وَعَبْدَ الكَعْبَةِ.
وَالصَّحِيْحُ أَنَّهُ مَا أَسْلَمَ مِنْ عَمَّاتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِوَاهَا.
وَلَقَدْ وَجَدَتْ عَلَى مَصْرَعِ أَخِيْهَا حَمْزَةَ وَصَبَرَتْ وَاحْتَسَبَتْ.
وَهِيَ مِنَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ وَمَا أَعْلَمُ هَلْ أَسْلَمَتْ مَعَ حَمْزَةَ أَخِيْهَا أَوْ مَعَ الزُّبَيْرِ وَلَدِهَا.
وَقَدْ كَانَتْ يَوْمَ الخَنْدَقِ فِي حِصْنِ حَسَّانِ بنِ ثَابِتٍ قَالَتْ وَكَانَ حَسَّانٌ مَعَنَا فِي الذُّرِّيَّةِ. فَمَرَّ بِالحِصْنِ يَهُوْدِيٌّ فَجَعَلَ يُطِيْفُ بِالحِصْنِ وَالمُسْلِمُوْنَ فِي نُحُورِ عَدُوِّهِمْ.
ثُمَّ سَاقَتِ الحَدِيْثَ وَأَنَّهَا نَزَلَتْ وَقَتَلَتِ اليَهُوْدِيَّ بِعَمُوْدٍ.
فَرَوَى هِشَامٌ، عَنْ أَبِيْهِ عَنْهَا قَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ امْرَأَةٍ قَتَلَتْ رَجُلاً: كَانَ حَسَّانٌ مَعَنَا فَمَرَّ بِنَا يَهُوْدِيٌّ فَجَعَلَ يُطِيْفُ بِالحِصْنِ فَقُلْتُ لِحَسَّانٍ: إِنَّ هَذَا لاَ آمَنُهُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى عَوْرَتِنَا فَقُمْ فَاقْتُلْهُ.
قَالَ: يَغْفِرُ اللهُ لَكِ لَقَدْ عَرَفْتِ مَا أَنَا بِصَاحِبِ هَذَا. فاحتجزت وَأَخَذَتْ عَمُوداً وَنَزَلَتْ فَضَرَبَتْهُ حَتَّى قَتَلَتْهُ.
تُوُفِّيَتْ صَفِيَّةُ فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَدُفِنَتْ بِالبَقِيْعِ. وَلَهَا بِضْعُ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
وَكِيْعٌ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين} [الشُّعرَاء: 214] . قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "يَا فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ يَا صَفِيَّةَ بِنْتَ عَبْدِ المُطَّلِبِ يَا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً سَلُوْنِي مِنْ مَالِي مَا شئتم" 2.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 41"، والإصابة "4/ ترجمة رقم 654".
2 صحيح: أخرجه مسلم "205".(3/510)
ذِكْرُ أَوْلاَدِ صَفِيَّةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا:
وَلَدَتْ صَفِيَّةُ: الزُّبَيْرَ وَالسَّائِبَ وَعَبْدَ الكَعْبَةِ بَنِي العَوَّامِ.
وَهِيَ القَائِلَةُ تَنْدُبُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
عَيْنُ جُوْدِي بِدَمْعَةٍ وَسُهُوْدِ ... وَانْدُبِي خَيْرَ هَالِكٍ مَفْقُودِ
وَانْدُبِي المُصْطَفَى بِحُزْنٍ شَدِيْدٍ ... خَالَطَ القَلْبَ فَهُوَ كَالمَعْمُوْدِ
كِدْتُ أَقْضِي الحَيَاةَ لَمَّا أَتَاهُ ... قَدَرٌ خُطَّ فِي كِتَابٍ مَجِيْدِ
فَلَقَدْ كَانَ بِالعِبَادِ رَؤُوْفاً ... وَلَهُمْ رَحْمَةً وَخَيْرَ رَشِيْدِ
-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حَيّاً وَمَيْتاً ... وَجَزَاهُ الجِنَانَ يَوْمَ الخُلُوْدِ#
فَهَذَا مِمَّا أُوْرِدَ لِصَفِيَّةَ. فالله أعلم بصحته.
أختها:(3/511)
138- أَرْوَى عَمَّةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1:
تَزَوَّجَهَا عُمَيْرُ بنُ وَهْبٍ فَوَلَدَتْ لَهُ طُلَيْباً ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا أَرْطَاةُ فَوَلَدَتْ لَهُ فَاطِمَةَ. ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَرْوَى وَهَاجَرَتْ. وَأَسْلَمَ وَلَدُهَا طُلَيْبٌ فِي دَارِ الأَرْقَمِ.
رَوَى هَذَا ابْنُ سَعْدٍ. وَلَمْ يُسْمَعْ لَهَا بِذِكْرٍ بَعْدُ وَلاَ وجدنا لها رواية.
وأختها:
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 42-43"، الإصابة "4/ ترجمة رقم 33".(3/511)
139- عاتكة عَمَّةَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1:
بنت عبد المطلب. أَسْلَمَتْ وَهَاجَرَتْ.
وَهِيَ صَاحِبَةُ تِلْكَ الرُّؤْيَا فِي مَهْلِكِ أَهْلِ بَدْرٍ. وَتِلْكَ الرُّؤْيَا ثَبَّطَتْ أَخَاهَا أَبَا لَهَبٍ، عَنْ شُهُودِ بَدْرٍ.
وَلَمْ نَسْمَعْ لها بذكر في غير الرؤيا.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 43-45"، والإصابة "4/ ترجمة رقم 198".(3/511)
140- البيضاء عَمَّةَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1:
أَمْ حكيم بنت عبد المطلب مَا أَظُنُّهَا أَدْرَكَتْ نُبُوَّةَ المُصْطَفَى.
تَزَوَّجَهَا كُرَيزُ بنُ رَبِيْعَةَ العَبْشَمِيُّ فَوَلَدَتْ لَهُ عَامِراً وَالِدَ الأَمِيْرِ عَبْدِ اللهِ وَأَرْوَى وَالِدَةَ الشَّهِيْدِ عُثْمَانَ.
ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا: عُقْبَةُ بنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَوَلَدَتْ لَهُ الوَلِيْدَ وَخَالِداً وَأُمَّ كُلْثُوْمٍ وَلِلثَّلاَثَةِ صحبة.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 45".(3/512)
141- بَرَّةُ عَمَّةَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم 1:
بنت عبد المطلب، وَالِدَةُ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الأَسَدِ المَخْزُوْمِيِّ البَدْرِيِّ.
ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا أَبُو رُهْمٍ بنِ عَبْدِ العُزَّى العَامِرِيُّ فَوَلَدَتَ لَهُ: أَبَا سَبْرَةَ أَحَدُ البَدْرِيِّيْنَ.
لَمْ تُدْرِكِ المَبْعَثَ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهَا استطرادًا.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 45".(3/512)
142- أميمة عَمَّةَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1:
بنت عبد المطلب وَالِدَةُ عَبْدِ اللهِ وَأُمِّ المُؤْمِنِيْنَ زَيْنَبَ، وَعُبَيْدِ الله، وَأَبِي أَحْمَدَ عَبْدٍ وَحَمْنَةَ أَوْلاَدِ جَحْشِ بنِ رِيَابٍ الأَسَدِيِّ حَلِيْفِ قُرَيْشٍ.
أَسْلَمَتْ وَهَاجَرَتْ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَطْعَمَهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعِيْنَ وَسْقاً مِنْ تَمْرِ خَيْبَرَ.
وَقِيْلَ: إِنَّهَا أُمَيْمَةُ بِنْتُ رَبِيْعَةَ ابْنِ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيَّةُ أَعْنِي الَّتِي أَسْلَمَتْ وَأُطْعِمَتْ مِنْ تَمْرِ خَيْبَرَ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ أُمَيْمَةَ الكُبْرَى العَمَّةَ مَا هَاجَرَتْ وَلاَ أَدْرَكَتِ الإِسْلاَمَ. فَاللهُ أَعْلَمُ.
لَمْ يَهْتَمَّ بِذِكْرِ إِسْلاَمِهَا إلَّا الوَاقِدِيُّ وَرَوَى فِي ذَلِكَ قِصَّةً. فَاللهُ أَعْلَمُ.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 45-46"، والإصابة "4/ ترجمة 106".(3/512)
143- ضباعة 1 "د، س، ق":
بِنْتُ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الزُّبَيْرِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ الهَاشِمِيَّةُ.
مِنَ المُهَاجِرَاتِ.
وَكَانَتْ تَحْتَ المِقْدَادِ بنِ الأَسْوَدِ فولدت له عبد الله وكريمة.
لَهَا أَحَادِيْثُ يَسِيْرَةٌ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رَوَى عَنْهَا: ابْنَتُهَا كَرِيْمَةُ وَسَعِيْدُ بن المسيب وعروة بن الزبير عبد الرَّحْمَنِ الأَعْرَجُ وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ.
وَحَدَّثَ عَنْهَا مِنَ القُدَمَاءِ: ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ.
وَقُتِلَ وَلَدُهَا عَبْدُ اللهِ بنُ المِقْدَادِ يَوْمَ الجَمَلِ مَعَ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةَ.
مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَتْ: إِنِّي أُرِيْدُ الحَجَّ وَأَنَا شَاكِيَةٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي" 2.
بَقِيَتْ ضُبَاعَةُ إِلَى بَعْدِ عَامِ أَرْبَعِيْنَ فِيْمَا أَرَى -رَضِيَ اللهُ عنها.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 46"، تهذيب الكمال "35/ ترجمة رقم 7881"، تهذيب التهذيب "12/ ترجمة رقم 2837"، الإصابة "4/ ترجمة 672".
2 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 164"، ومسلم "1207" والنسائي "5/ 68" والدارقطني "2/ 234-235"، وابن الجارود "420"، والطبراني في "الكبير" "24 / 833"، والبيهقي "5/ 221" من طرق عن عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ به.
وأخرجه أحمد "6/ 202"، والبخاري "5089"، ومسلم "1207"، والنسائي "5/ 168"، والطبراني "24/ 834 و835"، والبغوي "2000" من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، به.(3/513)
144- درة 1:
بِنْتُ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي لَهَبٍ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيَّةُ.
من المهاجرات.
لَهَا حَدِيْثٌ وَاحِدٌ فِي "المُسْنَدِ" مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ ابْنِ عَمِّهَا الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ.
وَقِيْلَ: تزوج بها دحية الكلبي.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 50"، الإصابة "4/ ترجمة رقم 397".(3/513)
145- أم كلثوم 1 "خ، م، د، ت، س":
بنت عقبة بن أَبِي مُعَيْطٍ: أَبَانِ بنِ ذَكْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ الأُمَوِيِّ.
مِنَ المُهَاجِرَاتِ.
أَسْلَمَتْ بِمَكَّةَ وَبَايَعَتْ. وَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهَا هِجْرَةٌ إِلَى سَنَةِ سَبْعٍ. وَكَانَ خُرُوْجُهَا زَمَنَ صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ فَخَرَجَ فِي إِثْرِهَا أَخَوَاهَا: الوَلِيْدُ وَعُمَارَةُ. فَمَا زَالاَ حَتَّى قَدِمَا المَدِيْنَةَ فَقَالاَ: يَا مُحَمَّدُ فِ لَنَا بِشَرْطِنَا. فَقَالَتْ: أَتَرُدُّنِي يَا رَسُوْلَ اللهِ إِلَى الكُفَّارِ يَفْتِنُوْنِي، عَنْ دِيْنِي وَلاَ صَبْرَ لِي وَحَالُ النِّسَاءِ فِي الضَّعْفِ مَا قَدْ عَلِمْتَ? فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} الآيَتَيْنِ [المُمْتَحَنَةُ: 10] .
فَكَانَ يَقُوْلُ: "آللهُ مَا أَخْرَجَكُنَّ إلَّا حُبُّ اللهِ وَرَسُوْلِهِ وَالإِسْلاَمُ مَا خَرَجْتُنَّ لِزَوْجٍ وَلاَ مَالٍ". فَإِذَا قُلْنَ ذَلِكَ لَمْ يُرْجِعْهُنَّ إِلَى الكُفَّارِ.
وَلَمْ يَكُنْ لأُمِّ كُلْثُوْمٍ بِمَكَّةَ زَوْجٌ فَتَزَوَّجَهَا زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ فَوَلَدَت لَهُ: إِبْرَاهِيْمَ وَحُمَيْداً فَلَمَّا تُوُفِّيَ عَنْهَا تَزَوَّجَهَا عَمْرُو بنُ العَاصِ فَتُوُفِّيَتْ عِنْدَهُ.
رَوَتْ عَشْرَةَ أَحَادِيْثَ فِي مُسْنَدِ بَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ.
لَهَا فِي الصَّحِيْحَيْنِ حَدِيْثٌ وَاحِدٌ.
رَوَى عَنْهَا ابْنَاهَا: حُمَيْدٌ وَإِبْرَاهِيْمُ وَبُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ.
تُوُفِّيَتْ فِي خِلاَفَةِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
رَوَى لَهَا الجَمَاعَةُ سِوَى ابْن مَاجَه. وَسَاقَ أَخْبَارَهَا ابن سعد وغيره.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 230-232"، تهذيب الكمال "35/ ترجمة رقم 8004" تهذيب التهذيب "12/ ترجمة رقم 3980"، الإصابة "4/ ترجمة 1475".(3/514)
146- أم عمارة 1 "ع":
نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عَوْفِ بنِ مَبْذُوْلٍ.
الفَاضِلَةُ المُجَاهِدَةُ الأَنْصَارِيَّةُ الخَزْرَجِيَّةُ النَّجَّارِيَّةُ المَازِنِيَّةُ المَدَنِيَّةُ.
كَانَ أَخُوْهَا عَبْدُ اللهِ بنُ كَعْبٍ المَازِنِيُّ مِنَ البَدْرِيِّيْنَ. وَكَانَ أَخُوْهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنَ البَكَّائِيْنَ.
شَهِدَتْ أُمُّ عُمَارَةَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ وَشَهِدَتْ أُحُداً وَالحُدَيْبِيَةَ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ وَيَوْمَ اليَمَامَةِ. وَجَاهَدَتْ وَفَعَلَتِ الأَفَاعِيْلَ.
رُوِيَ لَهَا أَحَادِيْثُ. وَقُطِعَتْ يَدُهَا فِي الجِهَادِ.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: شَهِدَتْ أُحُداً مَعَ زَوْجِهَا غَزِيَّةَ بنِ عَمْرٍو وَمَعَ وَلَدَيْهَا.
خَرَجَتْ تَسْقِي وَمَعَهَا شَنٌّ وَقَاتَلَتْ وَأَبْلَتْ بَلاَءً حَسَناً وَجُرِحَتِ اثْنَيْ عَشَرَ جُرْحاً.
وَكَانَ ضَمْرَةُ بنُ سَعِيْدٍ المَازِنِيُّ يُحَدِّثُ، عَنْ جَدَّتِهِ وَكَانَتْ قَدْ شَهِدَتْ أُحُداً قَالَتْ: سَمِعْتُ رسول الله صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ: "لَمُقَامُ نَسِيْبَةَ بِنْتِ كَعْبٍ اليوم خَيْرٌ مِنْ مُقَامِ فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ".
وَكَانَتْ تَرَاهَا يَوْمَئِذٍ تُقَاتِلُ أَشَدَّ القِتَالِ وَإِنَّهَا لَحَاجِزَةٌ ثَوْبَهَا عَلَى وَسَطِهَا حَتَّى جُرِحَتْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ جُرْحاً وَكَانَتْ تَقُوْلُ: إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى ابْنِ قَمِئَةَ وَهُوَ يَضْرِبُهَا عَلَى عَاتِقِهَا. وَكَانَ أَعْظَمَ جِرَاحِهَا فَدَاوَتْهُ سَنَةً. ثُمَّ نَادَى مُنَادِي رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إِلَى حَمْرَاءِ الأَسَدِ2. فَشَدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا فَمَا اسْتَطَاعَتْ مِنْ نَزْفِ الدَّمِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَرَحِمَهَا.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ عُمَارَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بنِ غَزِيَّةَ قَالَ: قالت أم عمارة: رأيتني انكشف الناس، عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَا بَقِيَ إلَّا فِي نُفَيْرٍ مَا يُتِمُّونَ عَشَرَةً وَأَنَا وَابْنَايَ وَزَوْجِي بَيْنَ يَدَيْهِ نَذُبُّ عَنْهُ وَالنَّاسُ يَمُرُّوْنَ بِهِ مُنْهَزِمِيْنَ وَرَآنِي وَلاَ تُرْسَ مَعِي فَرَأَى رَجُلاً مُوَلِّياً وَمَعَهُ تُرْسٌ فَقَالَ: "أَلْقِ تُرْسَكَ إِلَى مَنْ يُقَاتِلُ" فَأَلْقَاهُ فَأَخَذْتُهُ فَجَعَلْتُ أُتَرِّسُ بِهِ، عَنْ رَسُوْلِ اللهِ. وَإِنَّمَا فَعَلَ بِنَا الأَفَاِعْيَلَ أَصْحَابُ الخَيْلِ لَو كَانُوا رَجَّالَةً مِثْلَنَا أَصَبْنَاهُمْ إِنْ شَاءَ الله.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 412-416"، تهذيب الكمال "35/ ترجمة 7993"، تهذيب التهذيب "12/ ترجمة 2966"، الإصابة "4/ ترجمة 1426".
2 حمراء الأسد: موضع على ثمانية أميال من المدينة عن يسار الطريق إذا أردت ذا الحليفة.(3/515)
فَيُقْبِلُ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ فَيَضْرِبُنِي وَتَرَّسْتُ لَهُ فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئاً وَوَلَّى فَأَضْرِبُ عُرْقُوبَ فَرَسِهِ فَوَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ. فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- يصيح: "يابن أُمِّ عُمَارَةَ أُمَّكَ أُمَّكَ" قَالَتْ: فَعَاوَنَنِي عَلَيْهِ حتى أوردته شعوب1.
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ يَحْيَى، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ زَيْدٍ قَالَ: جُرِحْتُ يَوْمَئِذٍ جُرْحاً وَجَعَلَ الدَّمُ لاَ يَرْقَأُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اعْصِبْ جُرْحَكَ".
فَتُقْبِلُ أُمِّي إِلَيَّ وَمَعَهَا عَصَائِبُ فِي حَقْوِهَا2 فَرَبَطَتْ جُرْحِي وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاقِفٌ فَقَالَ: "انْهَضْ بُنَيَّ فَضَارِبِ القَوْمَ" وَجَعَلَ يَقُوْلُ: "مَنْ يُطِيْقُ مَا تُطِيْقِيْنَ يَا أُمَّ عُمَارَةَ"؟!.
فَأَقْبَلَ الَّذِي ضَرَبَ ابْنِي فَقَالَ رسول الله: "هَذَا ضَارِبُ ابْنِكِ". قَالَتْ: فَأَعْتَرِضُ لَهُ فَأَضْرِبُ سَاقَهُ فَبَرَكَ.
فَرَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْتَسِمُ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ وَقَالَ: "اسْتَقَدْتِ 3 يَا أُمَّ عُمَارَةَ"!
ثُمَّ أَقْبَلْنَا نَعُلُّهُ4 بِالسِّلاحِ حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الحَمْدُ للهِ الَّذِي ظَفَّرَكِ".
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنِ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ زَيْدِ بنِ عَاصِمٍ يَقُوْلُ: شَهِدْتُ أُحُداً فَلَمَّا تَفَرَّقُوا، عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَنَوْتُ مِنْهُ أَنَا وَأُمِّي نَذُبُّ عَنْهُ. فَقَالَ: "ابْنَ أُمِّ عُمَارَةَ"؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: "ارْمِ" فَرَمَيْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلاً بِحَجَرٍ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ فَأَصَبْتُ عَيْنَ الفَرَسِ فَاضْطَرَبَ الفَرَسُ. فَوَقَعَ هُوَ وَصَاحِبُهُ وَجَعَلْتُ أَعْلُوْهُ بِالحِجَارَةِ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى الله عليه وسلم- يبتسم.
وَنَظَرَ إِلَى جُرْحِ أُمِّي عَلَى عَاتِقِهَا فَقَالَ: "أُمَّكَ أُمَّكَ! اعْصِبْ جُرْحَهَا! اللَّهُمَّ اجْعَلْهُم رُفَقَائِي في الجنة".
__________
1 شعوب: من أسماء المنيه غير مصروف، وسميت شعوب لأنها تفرق.
2 الحقو: معقد الإزار، وجمعه أحق وأحقاء، ثم سُمي به الإزار للمجاورة.
3 استقدت: اقتصصت من القود وهو القصاص.
4 نعله: نتابع ضربه.(3/516)
قُلْتُ: مَا أُبَالِي مَا أَصَابَنِي مِنَ الدُّنْيَا.
وَعَنْ مُوْسَى بنِ ضَمْرَةَ بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ بِمُرُوْطٍ فِيْهَا مِرْطٌ جَيِّدٌ فَبَعَثَ بِهِ إِلَى أُمِّ عُمَارَةَ.
شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ امْرَأَةٍ، عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ قَالَتْ: أَتَانَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرَّبْنَا إِلَيْهِ طَعَاماً وَكَانَ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ صَائِماً فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا أُكِلَ عِنْدَ الصَّائِمِ الطَّعَامُ صَلَّتْ عَلَيْهِ المَلائِكَةُ".
وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَبَّانَ قَالَ: جُرِحَتْ أُمُّ عُمَارَةَ بِأُحُدٍ اثْنَيْ عَشَرَ جُرْحاً وَقُطِعَتْ يَدُهَا يَوْمَ اليَمَامَةِ وَجُرِحَتْ يَوْمَ اليَمَامَةِ سوَى يَدِهَا أَحَدَ عَشَرَ جُرْحاً. فَقَدِمَتِ المَدِيْنَةَ وبها الجراحة فلقد رئي أبي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَهُوَ خَلِيْفَةٌ يَأْتِيهَا يَسْأَلُ عَنْهَا.
وَابْنُهَا حَبِيْبُ بنُ زَيْدِ بنِ عاصم هو الذي قطعه مسيلمة.
وَابْنُهَا الآخَرُ عَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدٍ المَازِنِيُّ الَّذِي حَكَى وُضُوْءَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُتِلَ يَوْمَ الحَرَّةِ1 وَهُوَ الَّذِي قَتَلَ مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابَ بِسَيْفِهِ.
انْفَرَدَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ وَابْنُ مَنْدَةَ بِأَنَّهُ شَهِدَ بَدْراً.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: بَلْ شَهِدَ أُحُداً.
قُلْتُ: نَعَمْ الصَّحِيْحُ أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ بَدْراً. وَاللهُ أعلم.
__________
1 الحرة: كل أرض ذات حجارة سود.(3/517)
147- أسماء بنت عميس 1 "ع":
ابن معبد بن الحارث الخثعمية. أم عبد الله.
مِنَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ.
قِيْلَ: أَسْلَمَتْ قَبْلَ دُخُوْلِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَارَ الأَرْقَمِ وَهَاجَرَ بِهَا زَوْجُهَا جَعْفَرٌ الطَّيَّارُ إِلَى الحَبَشَةِ فَوَلَدَتْ لَهُ هُنَاكَ: عَبْدَ اللهِ وَمُحَمَّداً وَعَوْناً.
فَلَمَّا هَاجَرَتْ مَعَهُ إِلَى المَدِيْنَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ مُؤْتَةَ تَزَوَّجَ بِهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّداً وَقْتَ الإِحْرَامِ فَحَجَّتْ حَجَّةَ الوَدَاعِ ثُمَّ تُوُفِّيَ الصِّدِّيْقُ فَغَسَّلَتْهُ.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 280-285" تهذيب الكمال "35/ ترجمة 7783"، تهذيب التهذيب "12/ ترجمة 2726"، الإصابة "4/ ترجمة رقم 51".(3/517)
وَتَزَوَّجَ بِهَا عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ.
سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَدِمَتْ أَسْمَاءُ مِنَ الحَبَشَةِ فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: يَا حَبَشِيَّةُ سَبَقْنَاكُمْ بِالهِجْرَةِ.
فَقَالَتْ: لَعَمْرِي لَقَدْ صَدَقْتَ كُنْتُمْ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ وُيُعَلِّمُ جَاهِلَكُم وَكُنَّا البُعَدَاءُ الطُّرَدَاءُ. أَمَا وَاللهِ لأَذْكُرَنَّ ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ. فَأَتَتْهُ. فَقَالَ: "لِلنَّاسِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَكُمْ هجرتان" 1.
عَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الأَجْلَحِ، عَنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ: يَا رَسُوْلَ اللهِ إِنَّ هَؤُلاَءِ يَزْعُمُوْنَ أَنَّا لَسْنَا مِنَ المُهَاجِرِيْنَ. قَالَ: "كَذَبَ مَنْ يَقُوْلُ ذَلِكَ لَكُمُ الهِجْرَةُ مَرَّتَيْنِ، هَاجَرْتُمْ إِلَى النَّجَاشِيِّ وَهَاجَرْتُمْ إِلَيَّ".
قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَوَّلُ مَنْ أَشَارَ بِنَعْشِ المَرْأَةِ يَعْنِي المُكَبَّةُ أَسْمَاءُ رَأَتِ النَّصَارَى يَصْنَعُوْنَهُ بِالحَبَشَةِ.
الحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَدَّادٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: لَمَّا أُصِيْبَ جَعْفَرٌ قَالَ: تَسَلَّبِي ثَلاَثاً ثُمَّ اصنعي ما شئت.
قَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: نُفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدٍ بِذِي الحُلَيْفَةِ وَهُمْ يُرِيْدُوْنَ حَجَّةَ الوَدَاعِ فَأَمَرَهَا أَبُو بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ ثُمَّ تُهِلَّ بِالحَجِّ2.
الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ قَالَ: نُفِسَتْ بِذِي الحُلَيْفَةِ فَهَمَّ أَبُو بَكْرٍ بِرَدِّهَا فَسَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "مُرْهَا فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَ تُهِلَّ بِالحَجِّ".
وَرَوَى القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَسْمَاءَ نَحْواً مِنْهُ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا يَزِيْدُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَكَانَ أَبْيَضَ خَفِيْفَ اللَّحْمِ فَرَأَيْتُ يَدَيْ أَسْمَاءَ مَوْشُوْمَةً.
__________
1 صحيح: وهذا إسناد ضعيف لإرساله، أخرجه ابن سعد "8/ 281". وأخرجه البخاري "4230"، ومسلم "2502" و"2503" حدثنا محمد بن العلاء الهمداني قال: حدثنا أبو أسامة، حدثني بُرَيْدٌ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى، به في حديث طويل.
2 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 282" من طريق سفيان الثوري، عن عبد الكريم، به. وأخرجه أحمد "6/ 369" ومسلم "1218" في حديث طويل، عن جابر بن عبد الله.(3/518)
زَادَ خَالِدٌ الطَّحَّانُ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ قَيْسٍ: تذب عن أبي بكر.
قَالَ سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ قَاضِي المَدِيْنَةِ: أَوْصَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ تُغَسِّلَهُ أَسْمَاءُ.
قَالَ قَتَادَةُ: فَغَسَّلَتْهُ بِنْتُ عُمَيْسٍ امْرَأَتُهُ.
وَقِيْلَ: عَزَمَ عَلَيْهَا لَمَّا أَفْطَرَتْ وَقَالَ: هُوَ أَقْوَى لَكِ. فَذَكَرَتْ يَمِيْنَهُ فِي آخِرِ النَّهَارِ فَدَعَتْ بِمَاءٍ فَشَرِبَتْ وَقَالَتْ: وَاللهِ لاَ أُتْبِعُهُ اليَوْمَ حِنْثاً.
مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ أَسْمَاءَ غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ فَسَأَلَتْ مَنْ حَضَرَ مِنَ المُهَاجِرِيْنَ وَقَالَتْ: إِنِّي صَائِمَةٌ وَهَذَا يَوْمٌ شَدِيْدُ البَرْدِ فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ غُسْلٍ? فَقَالُوا: لاَ.
رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ: أَنَّ عُمَرَ فَرَضَ الأُعْطِيَةَ فَفَرَضَ لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: ثُمَّ تَزَوَّجَتْ عَلِيّاً فَوَلَدَتْ لَهُ يَحْيَى وَعَوْناً.
زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ: سَمِعْتُ عَامِراً يَقُوْلُ: تَزَوَّجَ عَلِيٌّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ فَتَفَاخَرَ ابْنَاهَا: مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: أَنَا أَكْرَمُ مِنْكَ وَأَبِي خَيْرٌ مِنْ أَبِيْكَ.
قَالَ: فَقَالَ لَهَا عَلِيٌّ: اقْضِي بَيْنَهُمَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ شَابّاً مِنَ العَرَبِ خَيْراً مِنْ جَعْفَرٍ وَلاَ رَأَيْتُ كَهْلاً خَيْراً مِنْ أَبِي بَكْرٍ.
فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا تَرَكْتِ لَنَا شَيْئاً وَلَوْ قُلْتِ غَيْرَ الَّذِي قُلْتِ لَمَقَتُّكِ.
قَالَتْ: إِنَّ ثَلاَثَةً أَنْتَ أَخَسُّهُمْ خِيَارٌ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَذَّبَتْكُم مِنَ النِّسَاءِ الحَارِقَةُ1 فَمَا ثَبَتَتْ مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ إلَّا أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ.
قُلْتُ: لأَسْمَاءَ حَدِيْثٌ فِي "سُنَنِ الأَرْبَعَةِ".
حَدَّثَ عَنْهَا: ابْنُهَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ وَابْنُ أُخْتِهَا عَبْدُ اللهِ بنُ شَدَّادٍ. وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَالقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ. وَآخَرُوْنَ.
عاشت بعد علي.
__________
1 الحارقة والحاروق من النساء: الضيقة الفرج. قال ابن الأعرابي: وامرأة حارقة ضيقة الملاقي، وقيل: هي التي تغلبها الشهوة حتى تحرق أنيابها بعضها على بعض أي تحكها.(3/519)
148- أسماء بنت أبي بكر 1 "ع":
عبد الله بن أبي قحافة عثمان.
أُمُّ عَبْدِ اللهِ القُرَشِيَّةُ، التَّيْمِيَّةُ، المَكِّيَّةُ، ثُمَّ المدنية.
وَالِدَةُ الخَلِيْفَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَأُخْتُ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةَ، وَآخِرُ المُهَاجِرَاتِ وَفَاةً.
رَوَتْ عِدَّةَ أَحَادِيْثَ. وَعُمِّرَتْ دَهْراً وَتُعْرَفُ بِذَاتِ النِّطَاقَيْنِ.
وَأُمُّهَا: هِيَ قُتَيْلَةُ بِنْتُ عَبْدِ العُزَّى العَامِرِيَّةُ.
حَدَّثَ عَنْهَا ابْنَاهَا: عَبْدُ اللهِ وَعُرْوَةُ وَحَفِيْدُهَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُرْوَةَ وَحَفِيْدُهُ عَبَّادُ بنُ عَبْدِ اللهِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ وَصَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ وَوَهْبُ بنُ كَيْسَانَ وَأَبُو نَوْفَلٍ مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي عَقْرَبٍ وَالمُطَّلِبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَنْطَبٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ المُنْذِرِ بنِ الزُّبَيْرِ وَمَوْلاَهَا عَبْدُ اللهِ بنُ كَيْسَانَ وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ وَنَافِلَتُهَا2 عَبَّادُ بنُ حَمْزَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ وَعِدَّةٌ.
وَكَانَتْ أَسَنَّ مِنْ عَائِشَةَ بِبِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، هَاجَرَتْ حَامِلاً بِعَبْدِ اللهِ، وَقِيْلَ: لَمْ يَسْقُطْ لَهَا سِنٌّ، وَشَهِدَتِ اليَرْمُوْكَ مَعَ زَوْجِهَا الزُّبَيْرِ، وَهِيَ وَأَبُوْهَا وَجَدُّهَا وَابْنُهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ أَرْبَعَتُهُمْ صَحَابِيُّوْنَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا المُؤَيَّدُ الطُّوْسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الفَرَاوِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَافِرِ الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَمْرَوَيْه، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا نَافِعُ بن عمر، عن ابن أبي مليكة، قال: قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إني عَلَى الحَوْضِ أَنْظُرُ مَنْ يَرِدُ عليَّ مِنْكُم" 3.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 249-255"، تهذيب الكمال "35/ ترجمة 7780"، تهذيب التهذيب "12/ ترجمة 2721"، الإصابة "4 ترجمة 46".
2 النافلة: ولد الولد؛ لأن الأصل كان الولد فصار ولد الولد زيادة على الأصل، قال الله - عز وجل- في قضية إبراهيم، على نبينا وعليه الصلاة والسلام: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء: 72] ، كأنه قال وهبنا لإبراهيم إسحاق فكان كالفرض له، ثم قال: ويعقوب نافلة، فالنافلة ليعقوب خاصة لأنه ولد الولد أي وهبنا له زيادة على الفرض له، وذلك أن إسحاق وهب له بدعائه وزيد يعقوب تفضلا.
3 صحيح: أخرجه مسلم "2293" حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بنُ عُمَرَ الجُمَحِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، به.
وأخرجه البخاري "6593" حدثنا سعيد بن أبي مريم، عن نافع بن عمر، به.(3/520)
شُعْبَةُ، عَنْ مُسْلِمٍ القُرِّيِّ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَإِذَا هِيَ امْرَأَةٌ ضَخْمَةٌ عَمْيَاءُ نَسْأَلُهَا، عَنْ مُتْعَةِ الحَجِّ. فَقَالَتْ: قَدْ رَخَّصَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْهَا1.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الزِّنَادِ: كَانَتْ أَسْمَاءُ أَكْبَرَ مِنْ عَائِشَةَ بِعَشْرٍ.
هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ وَفَاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِر، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: صَنَعْتُ سُفْرَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِ أَبِي حِيْنَ أَرَادَ أَنْ يُهَاجِرَ فَلَمْ أَجِدْ لِسُفْرَتِهِ وَلاَ لِسِقَائِهِ مَا أَرْبِطُهُمَا فَقُلْتُ لأَبِي: مَا أَجِدُ إلَّا نِطَاقِي قَالَ: شُقِّيْهِ بِاثْنَيْنِ فَارْبِطِي بِهِمَا قَالَ: فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ2.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أسماء قالت: لَمَّا تَوَجَّهَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَكَّةَ حَمَلَ أَبُو بَكْرٍ مَعَهُ جَمِيْعَ مَالِهِ خَمْسَةَ آلاَفٍ أَوْ سِتَّةَ آلاَفٍ فَأَتَانِي جَدِّي أَبُو قُحَافَةَ وَقَدْ عَمِيَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا قَدْ فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ. فَقُلْتُ: كَلاَّ قَدْ تَرَكَ لَنَا خَيْراً كَثِيْراً.
فَعَمَدْتُ إِلَى أَحْجَارٍ فَجَعَلْتُهُنَّ فِي كُوَّةِ البَيْتِ وَغَطَّيْتُ عَلَيْهَا بِثَوْبٍ ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ وَوَضَعْتُهَا عَلَى الثَّوْبِ فَقُلْتُ: هَذَا تَرَكَهُ لَنَا فَقَالَ: أَمَا إِذْ تَرَكَ لَكُم هَذَا فَنَعَمْ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حُدِّثْتُ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: أَتَى أَبُو جَهْلٍ فِي نَفَرٍ فَخَرَجتُ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا: أَيْنَ أَبُوْكِ? قُلْتُ: لاَ أَدْرِي وَاللهِ أَيْنَ هُوَ.
فَرَفَعَ أَبُو جَهْلٍ يَدَهُ وَلَطَمَ خَدِّي لَطْمَةً خَرَّ مِنْهَا قُرْطِي. ثُمَّ انْصرفُوا. فَمَضَتْ ثَلاَثٌ لاَ نَدْرِي أَيْنَ تَوَجَّهَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الجِنِّ يَسْمَعُوْنَ صَوْتَهُ بِأَعْلَى مَكَّةَ يَقُوْلُ:
جَزَى اللهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ ... رَفِيْقَيْنِ قَالاَ خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعَبْدِ
قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: كَانَتْ أَسْمَاءُ تَصْدَعُ فَتَضَعُ يَدَهَا عَلَى رَأْسِهَا وَتَقُوْلُ: بِذَنْبِي وَمَا يَغْفِرُهُ اللهُ أَكْثَرُ.
وَرَوَى عُرْوَةُ عَنْهَا قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ وَمَا لَهُ شَيْءٌ غَيْرُ فرسه فكنت أسوسه وأعلفه وأدق لناضجه النوى3 وأستقي وأعجن وكنت أنقل النوى من أرض الزبير
__________
1 حسن: أخرجه أحمد "6/ 348" من طريق روح وهو ابن عبادة عن شعبة، به.
قلت: إسناده حسن، مسلم القرى، هو مسلم بن مخراق، العبد القري، أبو الأسود، صدوق.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3907"، وابن سعد "8/ 250" من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة، حدثنا هشام بن عروة، به.
3 الناضح: هو البعير التي يُستقى عليها. والنوى: عجم التمر والزبيب وغيرهما.(3/521)
الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رَأْسِي وَهِيَ عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ فَجِئْتُ يَوْماً وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي فَلَقِيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ نَفَرٌ فَدَعَانِي فَقَالَ: "إِخّ إِخّ" لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ فَاسْتَحْيَيْتُ وَذَكَرْتُ الزُّبَيْرَ وَغَيْرَتَهُ.
قَالَتْ: فَمَضَى.
فَلَمَّا أَتَيْتُ أَخْبَرْتُ الزُّبَيْرَ فَقَالَ: وَاللهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ رُكُوْبِكِ مَعَهُ قَالَتْ: حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدُ بِخَادِمٍ فَكَفَتْنِي سِيَاسَةَ الفَرَسِ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي1.
وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي أَسْمَاءَ وَكَانَتْ أُمُّهَا يُقَالُ لَهَا: قُتَيْلَةُ جَاءتْهَا بِهَدَايَا فَلَمْ تَقْبَلْهَا حَتَّى سَأَلَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَزَلَتْ: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [المُمْتَحَنَةُ: 8] .
وَفِي الصَّحِيْحِ: قَالَتْ أَسْمَاءُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ إِنَّ أُمِي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُهَا? قَالَ: "نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ" 2.
عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ عُرْوَةَ، عَنْ هِشَامٍ أَنَّ عُرْوَةَ قَالَ: ضَرَبَ الزُّبَيْرُ أَسْمَاءَ فَصَاحَتْ بِعَبْدِ اللهِ ابْنِهَا فَأَقْبَلَ. فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: أُمُّكَ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتَ. فَقَالَ: أَتَجْعَلُ أَمِّي عُرْضَةً لِيَمِيْنِكَ فَاقْتَحَمَ وَخَلَّصَهَا. قَالَ: فَبَانَتْ مِنْهُ3.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ: أَنَّ الزُّبَيْرَ طَلَّقَ أَسْمَاءَ فَأَخَذَ عُرْوَةَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ صَغِيْرٌ4.
أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ قَالَ: كَانَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ سَخِيَّةَ النَّفْسِ.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2182".
2 صحيح: أخرجه البخاري "5979" من طريق الليث، ومسلم "1003" من طريق عبد الله بن إدريس، كلاهما عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أسماء، به.
3 موضوع: آفته عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ عُرْوَةَ بن الزبير المدني، قال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات. وقال أبو حاتم الرازي: متروك الحديث. وساق له ابن عدي له أحاديث، ثم قال: عامتها مما لا يتابعه عليه الثقات، والحديث ذكره الذهبي في ترجمته في "الميزان"، وعده من بلاياه.
4 ضعيف: أخرجه ابن سعد "8/ 253" أخبرنا عَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، به.
قلت: إسناده ضعيف، إسناده منقطع بين هشام بن عروة، والزبير بن العوام.(3/522)
هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ: سَمِعتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً قَطُّ أَجْوَدَ مِنْ عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ وَجُوْدُهُمَا مُخْتَلِفٌ: أَمَّا عَائِشَةُ فَكَانَتْ تَجْمَعُ الشَّيْءَ إِلَى الشَّيْءِ حَتَّى إِذَا اجْتَمَعَ عِنْدَهَا وَضَعَتْهُ مَوَاضِعَهَ وَأَمَّا أَسْمَاءُ فَكَانَتْ لاَ تَدَّخِرُ شَيْئاً لِغَدٍ.
قَالَ مُصْعَبُ بنُ سَعْدٍ: فَرَضَ عُمَرُ لِلْمُهَاجِرَاتِ أَلْفاً أَلْفاً مِنْهُنَّ أُمُّ عَبْدٍ وَأَسْمَاءُ.
هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ: أَنَّ أَسْمَاءَ كَانَتْ تَمْرَضُ المَرْضَةَ فَتَعْتِقُ كُلَّ مَمْلُوْكٍ لَهَا.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ مِنْ أَعْبَرِ النَّاسِ لِلْرُّؤْيَا أَخَذَ ذَلِكَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَأَخَذَتْ، عَنْ أَبِيْهَا.
مَعْنُ بنُ عِيْسَى: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بنُ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: قَالَتْ أَسْمَاءُ لابْنِهَا: يَا بُنَيَّ عِشْ كَرِيْماً وَمُتْ كَرِيْماً لاَ يَأْخُذْكَ القَوْمُ أَسِيْراً.
قَالَ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: كَثُرَ اللُّصُوْصُ بِالمَدِيْنَةِ فَاتَّخَذَتْ أَسْمَاءُ خِنْجَراً زَمَنَ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ: كَانَتْ تَجْعَلُهُ تَحْتَ رَأْسِهَا.
قَالَ عُرْوَةُ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَخِي قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ عَلَى أُمِّنَا بِعَشْرِ لَيَالٍ وَهِيَ وَجِعَةٌ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: كَيْفَ تَجِدِيْنَكِ? قَالَتْ: وَجِعَةٌ. قَالَ: إِنَّ فِي المَوْتِ لَعَافِيَةً. قَالَتْ: لَعَلَّكَ تَشْتَهِي مَوْتِي فَلاَ تَفْعَلْ وَضَحِكَتْ وَقَالَتْ: وَاللهِ مَا أَشْتَهِي أَنْ أَمُوْتَ حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى أَحَدِ طَرَفَيْكَ: إِمَّا أَنْ تُقْتَلَ فَأَحْتَسِبُكَ وَإِمَّا أَنْ تَظْفَرَ فَتَقَرَّ عَيْنِي. إِيَّاكَ أَنْ تُعْرَضَ عَلَى خُطَّةٍ فَلاَ تُوَافِقَ فَتَقْبَلُهَا كَرَاهِيَةَ المَوْتِ.
قَالَ: وَإِنَّمَا عَنَى أَخِي أَنْ يُقْتَلَ فَيَحْزُنُهَا ذَلِكَ.
وَكَانَتْ بِنْتَ مائة سنة.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو المُحَيَّاةِ، عَنْ أُمِّهِ قَالَ: لَمَّا قَتَلَ الحَجَّاجُ ابْنَ الزُّبَيْرِ دَخَلَ عَلَى أَسْمَاءَ وَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّه إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ وَصَّانِي بِكِ فَهَلْ لَكِ مِنْ حَاجَةٍ? قَالَتْ: لَسْتُ لَكَ بِأُمٍّ وَلَكِنِّي أُمُّ المَصْلُوْبِ عَلَى رَأْسِ الثَّنِيَّةِ وَمَا لِي مِنْ حَاجَةٍ وَلَكِنْ أُحَدِّثُكَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "يخرج في ثفيف كَذَّابٌ وَمُبِيْرٌ". فَأَمَّا الكَذَّابُ فَقَدْ رَأَيْنَاهُ -تَعْنِي المختار- وأما المبير فأنت1.
__________
1 حسن: أخرجه مسلم "2545" من حديث ابن عمر عن أسماء مرفوعا بلفظ: "أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدثنا "أن في ثقيف كذابا ومبيرا" فأما الكذاب فرأيناه. وأما المبير لا إخالك إلا إياه، قال: فقام عنها ولم يراجعها -أي الحجاج بن يوسف- قوله: "مبيرا": أي مهلكا.
قوله "إخالك": بفتح الهمزة وكسرها، والكسر أشهر: أي أظنك.(3/523)
فَقَالَ لَهَا: مُبِيْرُ المُنَافِقِيْنَ.
أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: حَدَّثَنَا أَبُو المُحَيَّاةِ يَحْيَى بنُ يَعْلَى التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: دَخَلْتُ مَكَّةَ بَعْدَ قَتْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِثَلاَثٍ وَهُوَ مَصلُوْبٌ فَجَاءتْ أُمُّهُ عَجُوْزٌ طَوِيْلَةٌ عَمْيَاءُ فَقَالَتْ لِلحَجَّاجِ: أَمَا آنَ لِلرَّاكِبِ أَنْ يَنْزِلَ فَقَالَ: المُنَافِقُ? قَالَتْ: وَاللهِ مَا كَانَ مُنَافِقاً كَانَ صَوَّاماً قَوَّاماً بَرّاً قَالَ: انْصَرِفِي يَا عَجُوْزُ فَقَدْ خَرِفْتِ. قَالَتْ: لاَ وَاللهِ مَا خَرِفْتُ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ يَقُوْلُ: "فِي ثَقِيْفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيْرٌ....." الحَدِيْثَ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَنْصُوْرِ بنِ صَفِيَّةَ، عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ: قِيْلَ لابْنِ عُمَرَ: إِنَّ أَسْمَاءَ فِي نَاحِيَةِ المَسْجِدِ وَذَلِكَ حِيْنَ صُلِبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَمَالَ إِلَيْهَا فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الجُثَثَ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا الأَرْوَاحُ عِنْدَ اللهِ فَاتَّقِي الله واصبري.
فَقَالَتْ: وَمَا يَمْنَعُنِي وَقَدْ أُهْدِيَ رَأْسُ يَحْيَى بنِ زَكَرِيَّا إِلَى بَغِيٍّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيْلَ.
أَيُّوْبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَسْمَاءَ بَعْدَ مَا أُصِيْبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَتْ: بَلَغَنِي أَنَّ هَذَا صَلَبَ عَبْدَ اللهِ اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْنِي حَتَّى أُوتَى بِهِ فَأُحَنِّطَهُ وَأُكَفِّنَهُ.
فَأُتِيَتْ بِهِ بَعْدُ فَجَعَلَتْ تُحَنِّطُهُ بِيَدِهَا وَتُكَفِّنُهُ بَعْدَ مَا ذَهَبَ بَصَرُهَا.
وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَصَلَّتْ عَلَيْهِ وَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ جُمُعَةٌ إلَّا مَاتَتْ.
شَرِيْكٌ، عَنِ الرُّكَيْنِ بنِ الرَّبِيْعِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَقَدْ كَبِرَتْ وَهِيَ تُصَلِّي وَامْرَأَةٌ تَقُوْلُ لَهَا: قُوْمِي اقْعُدِي افْعَلِي مِنَ الكِبَرِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَتْ بَعْدَ ابْنِهَا بِلَيَالٍ. وَكَانَ قَتْلُهُ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ.
قُلْتُ: كَانَتْ خَاتِمَةُ المُهَاجِرِيْنَ وَالمُهَاجِرَاتِ.
إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، عَنْ عَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيْقِ النَّاجِي: أَنَّ الحَجَّاجَ دَخَلَ عَلَى أَسْمَاءَ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَكِ أَلْحَدَ فِي هَذَا البَيْتِ وَإِنَّ اللهَ أَذَاقَهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيْمٍ. قَالَتْ: كَذَبْتَ، كَانَ بَرّاً بِوَالِدَتِهِ صَوَّاماً قَوَّاماً وَلَكِنْ قَدْ أَخْبَرَنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ ثَقِيْفٍ كَذَّابَانِ: الآخَرُ مِنْهُمَا شَرٌّ مِنَ الأَوَّلِ وَهُوَ مُبِيْرٌ" 1.
مُسْنَدُهَا: ثَمَانِيَةٌ وَخَمْسُوْنَ حَدِيْثاً.
اتَّفَقَ لَهَا البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى ثَلاَثَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً. وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِخَمْسَةِ أَحَادِيْثَ وَمُسْلِمٌ بأربعة.
__________
1 حسن: راجع تخريجنا السابق.(3/524)
149- أسماء بنت يزيد بن السكن 1:
أم عامر وَأُمُّ سَلَمَةَ. الأَنْصَارِيَّةُ الأَشْهَلِيَّةُ، بِنْتُ عَمَّةِ مُعَاذِ بن جبل.
مِنَ المُبَايِعَاتِ المُجَاهِدَاتِ.
رَوَتْ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جُمْلَةَ أَحَادِيْثَ.
وَقَتَلَتْ بِعَمُوْدِ خِبَائِهَا يَوْمَ اليَرْمُوْكِ تِسْعَةً مِنَ الرُّوْمِ.
سَكَنَتْ دِمَشْقَ وَقَبْرُ أُمِّ سَلَمَةَ الَّذِي بِمَقْبَرَةِ البَابِ الصَّغِيْرِ هُوَ قَبْرُهَا إِنْ شَاءَ اللهُ.
حَدَّثَ عَنْهَا: مَوْلاَهَا مُهَاجِرٌ وَشَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ وُمُجَاهِدٌ وإسحاق ابن رَاشِدٍ وَابْنُ أُخْتِهَا مَحْمُوْدُ بنُ عَمْرٍو وَآخَرُوْنَ.
قَالَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ: أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيْدَ هِيَ أُمُّ سَلَمَةَ الأَنْصَارِيَّةُ.
قُلْتُ: وَقِيْلَ: إِنَّهَا حَضَرَتْ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ وَبَايَعَتْ يَوْمَئِذٍ.
رَوَى مُحَمَّدُ بنُ مُهَاجِرٍ وَأَخُوْهُ عَمْرٌو، عَنْ أَبِيْهِمَا، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيْدَ بِنْتِ عَمِّ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ كَذَا قَالَ وَلاَ يَسْتَقِيْمُ ذَلِكَ لأَنَّ أَسْمَاءَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ وَمُعَاذاً مِنْ بَنِي سَلِمَةَ قَالَتْ: قَتَلْتُ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ تِسْعَةً.
قُلْتُ: عَاشَتْ إِلَى دَوْلَةِ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ.
__________
1 ترجمتها في تهذيب الكمال "35/ ترجمة 7785"، تهذيب التهذيب "12/ ترجمة 2727"، الإصابة "4/ ترجمة رقم 58".(3/525)
2- بَرِيْرَةُ مَوْلاَةُ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةَ 1 "س":
لَهَا حديث عند النسائي.
رَوَى عَنْهَا: عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ وَغَيْرُهُ.
قَدْ تَكَلَّمَ عَلَى حَدِيْثِهَا ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ بِفَوَائِدَ جَمَّةٍ.
رَوَى عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَيْمَنَ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ إِنِّي كُنْتُ لِعُتْبَةَ بنِ أَبِي لَهَبٍ وَإِنَّ بَنِيْهِ وَامْرَأَتَهُ بَاعُوْنِي وَاشْتَرَطُوا الوَلاَءَ فَمَوْلَى مَنْ أَنَا? فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ دَخَلَتْ عَلَيَّ بَرِيْرَةُ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فَقَالَتْ: اشْتَرِيْنِي قُلْتُ: نَعَمْ فَقَالَتْ: إِنَّهُمْ لاَ يَبِيْعُوْنَنِي حَتَّى يَشْتَرِطُوا وَلاَئِي فَقُلْتُ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيْكِ.
فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ بَلَغَهُ فَقَالَ: "مَا بَالُ بَرِيْرَةَ"؟ فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: "اشْتَرِيْهَا فَأَعْتِقِيْهَا وَدَعِيْهِمْ فَيَشْتَرِطُونَ مَا شاءوا". فَاشْتَرَيْتُهَا فَأَعْتَقْتُهَا فَقَالَ: "الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلَو اشْتَرَطُوا مائَةَ مَرَّةٍ" 2.
مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَأْنِ بَرِيْرَةَ حِيْنَ أَعْتَقَهَا وَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا الوَلاَءَ فَقَالَ: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُوْنَ شُرُوْطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطاً لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنِ اشْتَرَطَ مائَةَ مَرَّةٍ فَشَرْطُ اللهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ" 3.
وَرَوَى نَحْوَهُ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ وَالأَسْوَدُ بنُ يَزِيْدَ وَعَمْرَةُ وَمُجَاهِدٌ، عن عائشة4.
وَيَرْوِيْهِ نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ5.
عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءتْنِي بَرِيْرَةُ تَسْتَعِيْنُ فِي كِتَابَتِهَا وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ شَيْئاً. فَقُلْتُ: ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ ويكون ولاؤك لي فعلت
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 256-261"، وتهذيب الكمال "35/ ترجمة 7769"، تهذيب التهذيب "12 / ترجمة 2741"، الإصابة "4/ ترجمة 177".
2 صحيح: أخرجه البخاري "2565"، وابن سعد "8/ 256-257" من طريق عبد الواحد بن أيمن، به.
3 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 257".
4 صحيح: أخرجه مالك "2/ 562"، ومن طريقه أخرجه البخاري "5097" و"5279" ومسلم "1075" "173" و"1504" "14"، والنسائي "6/ 162"، والبيهقي "6/ 161"، والبغوي "1611" عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ القاسم، عن عائشة، به.
وأخرجه البخاري "6754"، والبيهقي "7/ 223" من طريق أبي عوانة، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة، به.
5 صحيح: أخرجه مالك "2/ 781"، ومن طريق مالك رواه البخاري "2169" و"2562" و"2752" و"6757"، ومسلم "1504"، وأبو داود "2915"، والنسائي "7/ 300"، والبيهقي "10/ 337"، والبغوي "2113" عن نافع، عن ابن عمر، به.(3/526)
فَذَكَرَتْ بَرِيْرَةُ ذَلِكَ لَهُم. فَأَبَوْا وَقَالُوا: إِنْ شَاءتْ أَنْ تَحْتَسِبَ فَلْتَفْعَلْ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: "ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي فَإِنَّمَا الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: "مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُوْنَ شُرُوْطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ! مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطاً لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ شَرَطَ مئة شَرْطٍ شَرْطُ اللهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ" 1.
وَفِي لَفْظٍ فِي "الصَّحِيْحِ". قَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أواقٍ كُلُّ عَامٍ أُوْقِيَّةٌ فَأَعِيْنِيْنِي.
وَفِي لَفْظٍ: "قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ" وفيه: "قضاء الله أحق وشرط الله وأوثق وَإِنَّمَا الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ".
وَفِي لَفْظٍ: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُوْلُ أَحَدُهُمْ: أَعْتِقْ يَا فُلاَنُ وَلِيَ الوَلاَءُ".
وَفِي رِوَايَةٍ: دَخَلَتْ وَعَلَيْهَا خَمْسُ أواق في خمس سنين فقالت لها عَائِشَةُ وَنَفِسَتْ فِيْهَا: أَرَأَيْتِ إِنْ عَدَدْتُ لَهُم عِدَّةً وَاحِدَةً أَيَبِيْعُكِ أَهْلُكِ فَأُعْتِقَكِ? وَفِي لَفْظٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: "لاَ يَمْنَعُكِ ذَلِكَ" وَفِيْهِ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ".
وَفِي رِوَايَةٍ: عَتَقَتْ وَهِيَ عِنْدَ مُغِيْثِ بنِ جَحْشٍ فَخَيَّرَهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: "إِنْ قَرُبَكِ فَلاَ خِيَارَ لَكِ".
وَفِي رِوَايَةٍ: جَعَلَ عِدَّتَهَا عِدَّةَ المُطَلَّقَةِ الحُرَّةِ.
وَفِي لَفْظٍ: جَاءتْنِي وَرَسُوْلُ اللهِ جَالِسٌ فَقَالَتْ لِي مَا رَدَّ أَهْلُهَا. فَقُلْتُ: لاهَا اللهِ وَرَفَعْتُ صَوْتِي. فَقَالَ: "خُذِيْهَا وَاشْتَرِطِي".
وَفِي لَفْظٍ: "إِذَا أُعْتِقْتِ فَأَنْتَ أَوْلَى بِأَمْرِكِ مَا لَمْ يَطَأْكِ وَمَا أُحِبُّ أَنْ تَفْعَلِي" قَالَتْ: لاَ حَاجَةَ لِي بِهِ.
وَفِي حَدِيْثِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ: كَانَ فِي بَرِيْرَةَ ثَلاَثُ سُنَنٍ: عَتَقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِهَا وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالبُرْمَةُ عَلَى النَّارِ تَفُوْرُ بِلَحْمٍ فَقُرِّبَ إِلَيْهِ مِنْ أَدَمِ البَيْتِ فَقَالَ: "أَلَمْ أَرَ البُرْمَةَ"؟ قَالُوا: بَلَى ذَلِكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيْرَةَ وَأَنْتَ لاَ تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ. قَالَ: "هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ ولنا هدية".
__________
1 صحيح: أخرجه مالك "2/ 780"، ومن طريقه أخرجه الشافعي "2/ 70 و70-71 و71-72"، والبخاري "2168" و"2729"، ومسلم "1504"، وأبو يعلى "4335"، والبيهقي "10/ 336"، والبغوي "2214" عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، به.(3/527)
وَفِي رِوَايَةٍ: وَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِهَا وَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ: لاَ أَدْرِي1.
وَفِي لَفْظٍ: كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ. فَقَالَ: "أَنْتِ أَمْلَكُ لِنَفْسِكِ إِنْ شئت أقمت معه".
حَدِيْثُ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيْرَةَ لِلْعِتْقِ: وَفِيْهِ: فَخَيَّرَهَا مِنْ زَوْجِهَا. فَقَالَتْ: لَو أَعْطَانِي كَذَا وَكَذَا مَا ثَبَتُّ عِنْدَهُ. فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا.
وَفِي لَفْظِ الحَكَمِ: وَكَانَ حُرّاً2.
فَقَالَ البُخَارِيُّ: قَوْلُ الأَسْوَدِ مُنْقَطِعٌ3.
وَفِي رِوَايَةٍ: بِلَحْمِ بَقَرٍ. قُلْنَا: تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيْرَةَ.
حَدِيْثُ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: إِنَّ بَرِيْرَةَ جَاءتْ تَسْتَعِيْنُ فَقَالَتْ لَهَا: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَصُبَّ لَهُم ثَمَنَكِ صَبَّةً وَاحِدَةً فَأُعْتِقَكِ
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "1504" "14" من طريق مالك بن أنس، عن ربيعة بن عبد الرحمن، عن القاسم بن محمد عن عائشة، به.
2 أخرجه البخاري "6751" وأحمد "6/ 175"، والدارمي "2/ 169"، والنسائي "5/ 107-108" من طريق شعبة، عن الحكم عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة به، ثم قال الحكم: "وكان زوجها حرا".
وقال البخاري في إثره: وقول الحكم مرسل، وقال ابن عباس: رأيته عبدا. قال الحافظ في "الفتح" "12/ 40": وقول الحكم مرسل: أي ليس بمسند إلى عائشة رواية الخبر فيكون في حكم المتصل المرفوع. وقوله "وقال ابن عباس رأيته عبدا" زاد في الباب الذي يليه حديث رقم "6754": وقول الأسود منقطع أي لم يصله بذكر عائشة فيه وقول ابن عباس أصح لأنه ذكر أنه رآه، وقد صح أنه حضر القصة وشاهدها فيترجح قوله على قول من لم يشهدها، فإن الأسود لم يدخل المدينة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما الحكم فولد بعد ذلك بدهر طويل. ويستفاد من تعبير البخاري قول الأسود منقطع جواز إطلاق المنقطع في موضع المرسل خلافا لما اشتهر في الاستعمال من تخصيص المنقطع بما يسقط من أثناء السند واحد إلا في صورة سقوط الصحابي بين التابعي والنبي صلى الله عليه وسلم فإن ذلك يسمى عندهم المرسل، ومنهم من خصه بالتابعي الكبير فيستفاد من قول البخاري أيضا، وقول الحكم مرسل: أنه يستعمل في التابعي الصغير أيضا لأن الحكم من صغار التابعين، واستدل به لأحدى الروايتين عن أحمد أن من أعتق من غيره فالولاء للمعتق والأجر للمعتق عنه.
3 أخرجه البخاري "6754". وقال البخاري في إثره: قول الأسود منقطع وقول ابن عباس رأيته عبدا أصح. راجع تعليقنا السابق.(3/528)
حَدِيْثُ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عَائِشَةَ سَاوَمَتْ بَرِيْرَةَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ إِلَى الصَّلاَةِ فَلَمَّا جَاءَ قَالَتْ: إِنَّهُمْ لاَ يَبِيْعُوْنَهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطُوا الوَلاَءَ. قَالَ: "إِنَّمَا الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ" 1.
هَمَّامٌ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ زَوْجَ بَرِيْرَةَ كَانَ عَبْداً أَسْوَدَ يُسَمَّى: مُغِيثاً فَقَضَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْهَا أَرْبَعَ قَضِيَّاتٍ: أَنَّ مَوَالِيْهَا اشْتَرَطُوا الوَلاَءَ فَقَضَى أَنَّ الوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَخُيِّرَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَأَمَرَ النَّبِيُّ أَنْ تَعْتَدَّ. فَكُنْتُ أَرَاهُ يَتْبَعُهَا فِي سِكَكِ المَدِيْنَةِ يَعْصِرُ عَيْنَيه عَلَيْهَا.
قَالَ: وَتُصُدِّقَ عَلَيْهَا بِصَدَقَةٍ فَأَهْدَتْ مِنْهَا إِلَى عَائِشَةَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ" 2.
رَوَى نَحْواً مِنْهُ: رَبِيْعَةُ الرَّأْيِ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ3.
دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِبَرِيْرَةَ: "قَدْ أُعْتِقَ بَضْعُكِ مَعَكِ فَاخْتَارِي".
أَيُّوْبُ السَّخْتِيَانِيُّ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ خَيَّرَ بَرِيْرَةَ. فَكَلَّمَهَا فِيْهِ. فَقَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ أَشَيْءٌ وَاجِبٌ? قَالَ: "لاَ، إنما أشفع له".
شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أُتِيَ رَسُوْلُ اللهِ بِلَحْمٍ فَقِيْلَ: تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيْرَةَ قَالَ: "هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَهُوَ لَنَا هَدِيَّةٌ" 4.
أَيُّوْبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: ذُكِرَ زَوْجُ بَرِيْرَةَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: ذَاكَ مُغِيْثٌ عَبْدُ بَنِي فُلاَنٍ قَدْ رَأَيْتُهُ يَبْكِي خَلْفَهَا يتبعها في الطريق5.
__________
1 سبق تخريجنا له قريبا برقم "1192".
2 صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة "10/ 182"، وأحمد "1/ 281 و361"، والطحاوي "3/ 82"، والطبراني "11826"، والبيهقي "7/ 221-222" من طريق همام، قال: أخبرنا قتادة، عن عكرمة به.
3 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه مالك "2/ 562، ومن طريق مالك أخرجه البخاري "5097" و"5279"، ومسلم "1075" "173" و"1504" "14" والنسائي "6/ 162"، والبيهقي "6/ 161"، والبغوي "1611" عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ القاسم، عن عائشة، به.
4 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 259-260" من طريق شعبة، به.
5 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 260" أخبرنا الفضل بن دكين، عن ابن عيينة عن أيوب، عن عكرمة، به.(3/529)
وَرَوَى حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوْبَ قَالَ: لاَ أَعْلَمُ أَهْلَ المَدِيْنَةِ وَمَكَّةَ يَخْتَلِفُوْنَ أَنَّهُ عَبْدٌ.
ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ زَوْجُ بَرِيْرَةَ يَوْمَ خُيِّرَتْ حُرّاً.
عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ: أَنَّ زَوْجَ بَرِيْرَةَ كَانَ عَبْداً.
قُلْتُ: بَرِيْرَةُ لَمَّا أَعْتَقَتْهَا عَائِشَةُ وَقْتَ باعوها وكان ذَلِكَ وَابْنُ عَبَّاسٍ بِالمَدِيْنَةِ وَإِنَّمَا قَدِمَهَا بَعْدَ عَامِ الفَتْحِ.
فَأَمَّا الجَارِيَةُ الَّتِي فِي حَدِيْثِ الإِفْكِ الَّتِي سُئِلَتْ عَمَّا تَعْلَمُ مِنْ عَائِشَةَ فَأُخْرَى غَيْرُ بَرِيْرَةَ.
وَجَاءَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ لِلعَبَّاسِ: "يَا عم ألا تعجب من بغض بَرِيْرَةَ مُغِيْثاً وَحُبِّهِ لَهَا".(3/530)
151- أم سليم الغميصاء 1 "خَ، م، د، ت، س":
وَيُقَالُ: الرُّمَيْصَاءُ. وَيُقَالُ: سَهْلَةُ، وَيُقَالُ: أُنَيْفَةُ، وَيُقَالُ: رُمَيْثَةُ.
بِنْتُ مِلْحَانَ بنِ خَالِدِ بنِ زَيْدِ بنِ حَرَامِ بنِ جُنْدَبِ بنِ عَامِرِ بنِ غَنْمِ بنِ عَدِيِّ بنِ النَّجَّارِ الأَنْصَارِيَّةُ الخَزْرَجِيَّةُ.
أُمُّ خَادِمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ.
فَمَاتَ زَوْجُهَا مَالِكُ بنُ النَّضْرِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بنُ سَهْلٍ الأَنْصَارِيُّ فَوَلَدَتْ لَهُ: أَبَا عُمَيْرٍ وَعَبْدَ اللهِ.
شَهِدَتْ: حُنَيْناً وَأُحُداً مِنْ أَفَاضِلِ النِّسَاءِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ: كَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ وَمَعَهَا خِنْجَرٌ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ اتَّخَذَتْ خِنْجَراً يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ هَذِهِ أُمُّ سُلَيْمٍ مَعَهَا خِنْجَرٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ إِنْ دَنَا مِنِّي مُشْرِكٌ بَقَرْتُ به بطنه2.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 424"، الجرح والتعديل "9/ ترجمة 2376"، تهذيب الكمال "/ 35 ترجمة 7983"، تهذيب التهذيب "12/ ترجمة رقم 2954"، الإصابة "4/ ترجمة رقم 1321"،
2 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 425".(3/530)
هَمَّامُ بنُ يَحْيَى، عَنْ إِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ سُلَيْمٍ: أَنَّهَا آمَنَتْ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: فَجَاءَ أَبُو أَنَسٍ وَكَانَ غَائِباً فَقَالَ: أَصَبَوْتِ فَقَالَتْ: مَا صَبَوْتُ وَلَكِنِّي آمَنْتُ! وَجَعَلَتْ تُلَقِّنُ أَنَساً: قُلْ لاَ إِلَهَ إلَّا اللهُ قُلْ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلَ اللهِ فَفَعَلَ. فَيَقُوْلُ لَهَا أَبُوْهُ: لاَ تُفْسِدِي عَلَيَّ ابْنِي. فَتَقُوْلُ: إِنِّي لاَ أُفْسِدُهُ! فَخَرَجَ مَالِكٌ فَلَقِيَهُ عَدُوٌّ لَهُ فَقَتَلَهُ: فَقَالَتْ: لاَ جَرَمَ لاَ أَفْطِمُ أَنَساً حَتَّى يَدَعَ الثَّدْيَ وَلاَ أَتَزَوَّجُ حَتَّى يَأْمُرُنِي أَنَسٌ.
فَخَطَبَهَا أَبُو طَلْحَةَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ فَأَبَتْ.
خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن موسى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ آمَنْتُ فَإِنْ تَابَعْتَنِي تَزَوَّجْتُكَ قَالَ: فَأَنَا عَلَى مِثْلِ مَا أَنْتِ عَلَيْهِ. فَتَزَوَّجَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ وَكَانَ صَدَاقَهَا الإِسْلاَمُ.
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أم سُلَيْمٍ فَقَالَتْ: إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ أَتَزَوَّجَ مُشْرِكاً أَمَا تَعْلَمُ يَا أَبَا طَلْحَةَ أَنَّ آلِهَتَكُمْ يَنْحَتُهَا عَبْدُ آلِ فُلاَنٍ وَأَنَّكُمْ لَو أَشْعَلْتُم فِيْهَا نَاراً لاحْتَرَقَتْ قَالَ: فَانْصَرَفَ وَفِي قَلْبِهِ ذَلِكَ ثُمَّ أَتَاهَا وَقَالَ: الَّذِي عَرَضْتِ عَلَيَّ قَدْ قَبِلْتُ. قَالَ: فَمَا كَانَ لَهَا مَهْرٌ إلَّا الإِسْلاَمُ1.
مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ:، أَخْبَرَنَا رِبْعِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجَارُوْدِ الهُذَلِيُّ:، حَدَّثَنِي الجَارُودُ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بنُ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَزُوْرُ أُمَّ سُلَيْمٍ فَتُتْحِفُهُ بِالشَّيءِ تَصْنَعُهُ لَهُ وَأَخٌ لِي أَصْغَرُ مِنِّي يُكْنَى أَبَا عُمَيْرٍ فَزَارَنَا يَوْماً فَقَالَ: "مَا لِي أَرَى أَبَا عُمَيْرٍ خَاثِرَ النَّفْسِ"؟ قَالَتْ: مَاتَتْ صَعْوَةٌ لَهُ كَانَ يَلْعَبُ بِهَا فَجَعَلَ النَّبِيُّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ وَيَقُوْلُ: "يا أبا عمير ما فعل النغير"؟ 2.
__________
1 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 426-427" أخبرنا عفان بن مسلم، حدثنا سليمان بن المغيرة، به.
2 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 427" أخبرنا مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا رِبْعِيُّ بنُ عَبْدِ الله بن الجارود الهذلي، به.
قلت: وإسناده حسن، ربعي بن عبد الله، وجده الجارود كلاهما صدوق. وأخرجه أحمد "3/ 119 و171 و190 و212"، والبخاري "6203"، ومسلم "659" و"2150"، والبيهقي "5/ 203" من طريق أبي التياح قال: سمعت أنس بن مالك يَقُوْلُ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير: "يا أبا عمير ما فعل النغير"؟ ونضح بساط لنا، فصلى عليه.(3/531)
هَمَّامٌ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْخُلُ بَيْتاً غَيْرَ بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ. فَقِيْلَ لَهُ. فَقَالَ: "إِنِّي أَرْحَمُهَا قتل أَخُوْهَا مَعِي" 1.
قُلْتُ: أَخُوْهَا هُوَ حَرَامُ بنُ مِلْحَانَ الشَّهِيْدُ الَّذِي قَالَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُوْنَةَ: فُزْتُ وَرَبِّ الكَعْبَةِ لَمَّا طُعِنَ مِنْ وَرَائِهِ فَطَلَعَتِ الحَرْبَةُ مِنْ صَدْرِهِ. -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
أَيُّوْبُ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنِ أُمِّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقِيْلُ فِي بَيْتِي وَكُنْتُ أَبْسُطُ لَهُ نِطْعاً فَيَقِيْلُ عَلَيْهِ فَيَعْرَقُ فَكُنْتُ آخُذُ سُكّاً فَأَعْجِنُهُ بِعَرَقِهِ.
قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: فَاسْتَوْهَبْتُ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ مِنْ ذَلِكَ السُّكِّ فَوَهَبَتْ لِي مِنْهُ.
قَالَ أَيُّوْبُ: فَاسْتَوْهَبْتُ مِنْ مُحَمَّدٍ مِنَ ذَلِكَ السُّكِّ فَوَهَبَ لِي مِنْهُ فَإِنَّهُ عِنْدِي الآنَ.
قَالَ: وَلَمَّا مَاتَ مُحَمَّدٌ حُنِّطَ بِذَلِكَ السك2.
رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ الرَّقِّيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو عَنْهُ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ، عَنِ البَرَاءِ بنِ زَيْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ عَلَى نِطْعٍ فَعَرِقَ فَاسْتَيْقَظَ وَهِيَ تَمْسَحُ العَرَقَ فَقَالَ: "مَا تَصْنَعِيْنَ"؟ قَالَتْ: آخُذُ هَذِهِ البَرَكَةَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْكَ.
ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عبد الكريم بن مالك: أخبرني البراء بن بِنْتِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ وَقِرْبَةٌ مُعَلَّقَةٌ فَشَرِبَ مِنْهَا قَائِماً فَقَامَتْ إِلَى في السقاء فقطعته.
__________
1 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 428"، والبخاري "2844"، ومسلم "2455" من طريق همام، عن إسحاق بن عبد الله، عن أنس، به.
2 صحيح: أخرجه ابْنُ سَعْدٍ "8/ 428" أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَيُّوْبَ، عن محمد بن سيرين، به.
وأخرجه البخاري "6281" من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدثني أبي، عن ثمامة، عن أنس، عن أم سليم، به.
وأخرجه أحمد "3/ 136"، ومسلم "2331" "83" من طريق سليمان التيمي، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال فذكره.
وأخرجه مسلم "2331" "84" من طريق إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ بن مالك، به وأخرجه مسلم "2332" من طريق عفان بن مسلم، حدثنا وهب، حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، عن أم سليم، به.(3/532)
رَوَاهُ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو فَزَادَ: وَأَمْسَكَتْهُ عِنْدَهَا.
عَفَّانُ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ:، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ بِمِنَى أَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ شِقَّ شَعْرِهِ فَجَاءَ بِهِ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَكَانَتْ تَجْعَلُهُ فِي سُكِّهَا.
قَالَتْ: وكان يقبل عِنْدِي عَلَى نِطْعٍ وَكَانَ مِعْرَاقاً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَعَلْتُ أَسْلِتُ العَرَقَ فِي قَارُوْرَةٍ فاستيقظ فقال: "ما تجعلين"؟ فلت: أريد أن أدوف بِعَرَقِكَ طِيْبِي1.
حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- دخل على أُمِّ سُلَيْمٍ فَأَتَتْهُ بِسَمْنٍ وَتَمْرٍ. فَقَالَ: "إِنِّي صَائِمٌ" ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَدَعَا لأُمِّ سُلَيْمٍ وَلأَهْلِ بَيْتِهَا فَقَالَتْ: إِنَّ لِي خُوَيْصَّةٌ قَالَ: "مَا هِيَ"؟ قَالَتْ: خَادِمُكَ أَنَسٌ فَمَا تَرَكَ خَيْرَ آخِرَةٍ وَلاَ دُنْيَا إلَّا دَعَا لِي بِهِ وَبَعَثَتْ مَعِي بِمِكْتَلٍ مِنْ رُطَبٍ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2.
وروى ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دَخَلْتُ الجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْفَةً بَيْنَ يَدَيَّ فَإِذَا أَنَا بِالغُمَيْصَاءِ بِنْتِ مِلْحَانَ" 3.
وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: وَلَدَتْ أُمِّي فَبَعَثَتْ بِالوَلَدِ مَعِي إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: هَذَا أَخِي فَأَخَذَهُ فَمَضَغَ لَهُ تَمْرَةً فَحَنَّكَهُ بِهَا4.
قَالَ حُمَيْدٌ: قَالَ أَنَسٌ: ثَقُلَ ابْنٌ لأُمِّ سُلَيْمٍ فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى المَسْجِدِ فَتُوُفِّيَ الغُلاَمُ. فَهَيَّأَتْ أُمُّ سُلَّيْمٍ أَمْرَهُ وَقَالَتْ: لاَ تُخْبِرُوْهُ فَرَجَعَ وَقَدْ سَيَّرَتْ لَهُ عَشَاءهُ فَتَعَشَّى ثُمَّ أَصَابَ مِنْ أَهْلِهِ. فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ أَلَمْ تَرَ إِلَى آلِ أبي فلان استعاروا
__________
1 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 428-429"، وأحمد "3/ 287".
2 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 429" من طريق محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري، حدثنا حميد، عن أنس، به.
وأخرجه أحمد "3/ 108" من طريق ابن أبي عدي، و"3/ 188" من طريق عبيدة بن حميد، والبخاري "1982" من طريق خالد بن الحارث ثلاثتهم عن حميد، عن أنس، به.
3 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 430"، والبخاري "3679"، ومسلم "2456" و"2457" من طريق عبد العزيز بن الماجشون، حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فذكره.
قوله خشفة: أي صوتا ليس بالشديد.
4 صحيح أخرجه ابن سعد "8/ 431"، ومسلم "2144".(3/533)
عَارِيَّةً فَمَنَعُوْهَا وَطُلِبَتْ مِنْهُم فَشَقَّ عَلَيْهِم. فَقَالَ: مَا أَنْصَفُوا قَالَتْ: فَإِنَّ ابْنَكَ كَانَ عَارِيَّةً مِنَ اللهِ فَقَبَضَهُ فَاسْتَرْجَعَ وَحَمِدَ اللهَ.
فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: "بَارَكَ اللهُ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا".
فَحَمَلَتْ بِعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ فَوَلَدَتْ لَيْلاً فَأَرْسَلَتْ بِهِ مَعِي وَأَخَذْتُ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ فَانْتَهَيْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَهْنَأُ أَبَاعِرَ لَهُ وَيَسِمُهَا فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ وَلَدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ اللَّيْلَةَ.
فَمَضَغَ بَعْضَ التَّمَرَاتِ بِرِيْقِهِ فأوجره إياه فتلمظ الصبي فقال: "حِبُّ الأَنْصَارِ التَّمْرُ" فَقُلْتُ: سَمِّهِ يَا رَسُوْلَ اللهِ. قَالَ: " هُوَ عَبْدُ اللهِ" 1
سَمِعَهُ الأَنْصَارِيُّ وَعَبْدُ اللهِ بنِ بَكْرٍ مِنْهُ.
وَرَوَى سَعِيْدُ بنُ مَسْرُوْقٍ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبَايَةَ بنِ رِفَاعَةَ قَالَ: كَانَتْ أُمُّ أَنَسٍ تَحْتَ أَبِي طَلْحَةَ ... ، فذكر نحوه. وفيه فقال رسول الله: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا فِي لَيْلَتِهِمَا" 2.
قَالَ عَبَايَةُ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ لِذَلِكَ الغُلاَمِ سَبْعَ بَنِيْنَ كُلُّهُمْ قَدْ خَتَمَ القُرْآنَ. رَوَاهُ أَبُو الأَحْوَصِ عَنْهُ.
رَوَتْ: أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً اتَّفَقَا لَهَا عَلَى حديث وانفرد البخاري بحديث ومسلم بحديثين.
__________
1 صحيح: أخرجه ابْنُ سَعْدٍ "8/ 431-432" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأنصاري، وعبد الله بن بكر السهمي قالا: حدثنا حميد قال: قال أنس: فذكره في حديث طويل.
وأخرجه البخاري "5470" حدثني مطر بن الفضل، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا عبد الله بن عون عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك، به في حديث طويل.
وأخرجه مسلم "2144" من طريق بهز، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنس، به.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2144" "32" من طريق يزيد بن هارون، أخبرنا ابن عون، عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك قال: كان ابن لأبي طلحة يشتكي، فخرج أبو طلحة، فقبض الصبي، فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني؟ قالت أم سليم: هو أسكن مما كان. فقربته إليه العشاء فتعشى. ثم أصاب منها. فلما فرغ قالت: واروا الصبي. فلما أصبح أبو طلحة أُتِيَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فقال: "أعرستم الليلة"؟ قال: نعم. قال: "اللهم بارك لهما". فولدت غلاما فقال لي أبو طلحة: احمله حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم وبعثت معه بتمرات فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أمعه شيء"؟ قالوا: نعم. تمرات فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فمضغها ثم أخذها من فيه فجعلها في الصبي، ثم حنكه، وسماه عبد الله.(3/534)
152- أم هانئ 1:
السَّيِّدَةُ الفَاضِلَةُ أُمُّ هَانِئ بِنْتُ عَمِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي طَالِبٍ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمٍ الهَاشِمِيَّةُ المَكِّيَّةُ.
أُخْتُ: عَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ.
اسْمُهَا: فَاخِتَةُ وَقِيْلَ: هِنْدٌ تَأَخَّرَ إِسْلاَمُهَا.
دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى مَنْزِلِهَا يَوْمَ الفَتْحِ فَصَلَّى عِنْدَهَا ثَمَانِ رَكَعَاتٍ ضُحَىً2.
رَوَتْ أَحَادِيْثَ.
حَدَّثَ عَنْهَا: حَفِيْدُهَا جَعْدَةُ وَمَوْلاَهَا أَبُو صَالِحٍ بَاذَامُ وَكُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى وَمُجَاهِدُ بنُ جَبْرٍ وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ وَآخَرُوْنَ.
كَانَتْ تَحْتَ هُبَيْرَةَ بنِ عَمْرِو بنِ عَائِذٍ المَخْزُوْمِيِّ فَهَرَبَ يَوْمَ الفَتْحِ إِلَى نَجْرَانَ. أَوْلَدَهَا: عَمْرَو بنَ هُبَيْرَةَ وَجَعْدَةَ وَهَانِئاً وَيُوْسُفَ.
وَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الفَتْحِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا بَلَغَ هُبَيْرَةَ إِسْلاَمُهَا قَالَ أبياتًا منها:
وَعَاذِلَةٍ هَبَّتْ بِلَيْلٍ تَلُوْمُنِي ... وَتَعْذُلُنِي بِاللَّيْلِ ضَلَّ ضَلاَلُهَا
وَتَزْعُمُ أَنِّي إِنْ أَطَعْتُ عَشِيْرَتِي ... سَأُوْذَى وَهَلْ يُؤْذِيْنِي إلَّا زَوَالُهَا
فَإِنْ كُنْتِ قَدْ تَابَعْتِ دِيْنَ مُحَمَّدٍ ... وَقُطِّعَتِ الأَرْحَامُ مِنْكِ حِبَالُهَا
فَكُوْنِي عَلَى أَعْلَى سَحِيْقٍ بِهَضْبَةٍ ... مُلَمْلَمَةٍ غَبْرَاءَ يَبْسٍ بِلاَلُهَا#
قُلْتُ: لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ أَنَّ هُبَيْرَةَ أَسْلَمَ.
عَاشَتْ أُمُّ هَانِئ إِلَى بَعْدِ سنة خمسين.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 47"، الجرح والتعديل "9/ ترجمة 2383"، تهذيب الكمال "35/ ترجمة 8017"، تهذيب التهذيب "12/ ترجمة 2995"، الإصابة "4/ ترجمة 1533".
2 صحيح: أخرجه البخاري "1176"، ومسلم "336".(3/535)
القَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ: أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مولى أم هانىء أخبره: أنه سمع أم هانىء تَقُوْلُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ فَسَلَّمْتُ فَقَالَ: "مَنْ هَذِهِ"؟ قُلْتُ: أنا أم هانىء بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ: "مَرْحَباً بِأُمِّ هَانِئ".
فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفاً فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي تَعْنِي عَلِيّاً أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً قَدْ أَجَرْتُهُ. فُلاَنٌ ابْنُ هُبَيْرَةَ. فَقَالَ: "قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أم هانئ" وذلك ضحى1.
قَالَ الدَّغُوْلِيُّ: كَانَ ابْنُهَا جَعْدَةُ بنُ هُبَيْرَةَ قَدْ وَلاَّهُ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ خُرَاسَانَ وَهُوَ ابْنُ أُخْتِهِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ أُمَّ هَانِئ لَمَّا بَانَتْ، عَنْ هُبَيْرَةَ بِإِسْلاَمِهَا خَطَبَهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ مُصْبِيَةٌ. فَسَكَتَ عَنْهَا.
بَلَغَ مُسْنَدَهَا: سِتَّةً وَأَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً لَهَا مِنْ ذَلِكَ حَدِيْثٌ وَاحِدٌ أخرجاه.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3171"، ومسلم "336".(3/536)
153- أم الفضل 1 "ع":
بِنْتُ الحَارِثِ بنِ حَزْنِ بنِ بُجَيْرٍ الهِلاَلِيَّةُ الحُرَّةُ الجَلِيْلَةُ. زَوْجَةُ العَبَّاسِ عَمِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُمُّ أَوْلاَدِهِ الرِّجَالِ السِّتَّةِ النُّجَبَاءِ.
اسْمُهَا: لُبَابَةُ. وَهِيَ أُخْتُ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ مَيْمُوْنَةَ وَخَالَةُ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ وَأُخْتُ أَسْمَاءَ بنت عميس لأمها.
قَدِيْمَةُ الإِسْلاَمِ فَكَانَ ابْنُهَا عَبْدُ اللهِ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ المُسْتَضْعَفِيْنَ مِنَ النِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ. أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.
فَهَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّهُمَا أَسْلَمَا قَبْلَ العَبَّاسِ وَعَجِزَا، عَنِ الهِجْرَةِ.
وَكَانَتْ أُمُّ الفَضْلِ مِنْ عِلْيَةِ النِّسَاءِ تَحَوَّلَ بِهَا العَبَّاسُ بَعْدَ الفَتْحِ إِلَى المَدِيْنَةِ.
وَرَوَتْ أَحَادِيْثَ.
حَدَّثَ عَنْهَا: وَلَدَاهَا عَبْدُ اللهِ وَتَمَّامٌ وَأَنَسُ بنُ مالك وعبد الله ابن الحَارِثِ وَغَيْرُهُمْ.
خَرَّجُوا لَهَا فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ.
أَحْسَبُهَا تُوُفِّيَتْ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ.
وَلَهَا فِي "مُسْنَدِ بَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ": ثَلاَثُونَ حَدِيْثاً. أَعْنَي بِالمُكَرَّرِ وَاتَّفَقَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٍ لَهَا عَلَى حَدِيْثٍ وَاحِدٍ وَآخَرُ عِنْدَ البُخَارِيِّ وَثَالِثٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ.
وَقِيْلَ: لَمْ يُسْلِمْ مِنَ النِّسَاءِ أَحَدٌ قَبْلَهَا -يعني: بعد خديجة.
__________
1 ترجمتها في تهذيب الكمال "35 / ترجمة رقم 7923"، "تهذيب التهذيب "12/ ترجمة 2886"، الإصابة "4/ ترجمة 1448".(3/536)
154- أم حرام 1 "خ، م، د، س، ق":
بِنْتُ مِلْحَانَ بنِ خَالِدِ بنِ زَيْدِ بنِ حَرَامِ بنِ جُنْدَبِ بنِ عَامِرِ بنِ غَنْمِ بنِ عَدِيِّ بنِ النَّجَّارِ الأَنْصَارِيَّةُ النَّجَّارِيَّةُ المَدَنِيَّةُ.
أُخْتُ أُمِّ سُلَيْمٍ. وَخَالَةُ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ. وَزَوْجَةُ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ.
حَدِيْثُهَا فِي جَمِيْعِ الدَّوَاوِيْنِ سِوَى جَامِعِ أَبِي عِيْسَى. كَانَتْ مِنْ عِلْيَةِ النِّسَاءِ.
حَدَّثَ عَنْهَا: أَنَسُ بنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ.
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا هُوَ إلَّا أَنَا وَأُمِّي وَخَالَتِي أُمُّ حَرَامٍ فَقَالَ: "قُوْمُوا فَلأُصَلِّ بِكُمْ". فَصَلَّى بِنَا فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاَةِ2.
يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَبَّانَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَرَامٍ بِنْتُ مِلْحَانَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي بَيْتِهَا يَوْماً فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ: مَا أَضْحَكَكَ? قَالَ: "عُرِضَ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُوْنَ ظَهْرَ هَذَا البَحْرِ كَالمُلُوْكِ عَلَى الأَسِرَّةِ" قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ ادْعُ الله أن يجعلني منهم. قال: "أنت من الأولين".
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 434-436"، الجرح والتعديل "9/ ترجمة 2367"، تهذيب الكمال "35 / ترجمة رقم 7962"، تهذيب التهذيب "12/ ترجمة رقم 2928"، الإصابة "4/ ترجمة 1215".
2 صحيح: أخرجه البخاري "6203" ومسلم "660".(3/537)
فَتَزَوَّجَهَا عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ فَغَزَا بِهَا فِي البَحْرِ فَحَمَلَهَا مَعَهُ. فَلَمَّا رَجَعُوا قُرِّبَتْ لَهَا بَغْلَةٌ لِتَرْكَبَهَا فَصَرَعَتْهَا فَدُقَّتْ عُنُقُهَا فَمَاتَتْ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا1.
قُلْتُ: يُقَالُ هَذِهِ غَزْوَةُ قُبْرُسَ2 فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ.
وَحَدِيْثُهَا لَهُ طُرُقٌ فِي الصحيحين.
وبلغني أن قبرها تزوره الفرنج.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 361 و423"، والبخاري "2799" و"2894"، ومسلم "1912" "161"، وأبو داود "2490"، والنسائي "6/ 41"، وابن ماجه "2776"، والطبراني "25/ 321"، والبيهقي "9/ 166" من طريق يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن أنس بن مالك، به.
2 هي الجزيرة المعروفة اليوم باسم "قبرص"، وكان أمير جيش المسلمين معاوية بن أبي سفيان.(3/538)
155- أم عطية الأنصارية 1 "ع":
اسْمُهَا: نَسِيْبَةُ بِنْتُ الحَارِثِ وَقِيْلَ: نَسِيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ.
مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ لَهَا عِدَّةُ أَحَادِيْث.
وَهِيَ الَّتِي غَسَّلَتْ بِنْتَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْنَبَ2.
حَدَّثَ عَنْهَا: مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ وَأُخْتُهُ حَفْصَةُ بِنْتُ سِيْرِيْنَ وَأُمُّ شَرَاحِيْلَ وَعَلِيُّ بنُ الأَقْمَرِ وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعِدَّةٌ. عَاشَتْ إِلَى حُدُوْدِ سَنَةِ سَبْعِيْنَ.
وَهِيَ القَائِلَةُ: نُهِيْنَا، عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَازَةِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا3.
حَدِيْثُهَا مخرج في الكتب الستة.
__________
1 ترجمتها في الجرح والتعديل "9/ ترجمة 2379"، تهذيب الكمال "35/ ترجمة رقم 7940"، تهذيب التهذيب "12/ ترجمة رقم 2904"، الإصابة "4/ ترجمة رقم 1415".
2 صحيح: تقدم تخريجنا له برقم تعليق "1109"، وهو عند ابن سعد "8/ 34" ومسلم "939" "40". وهو أيضا عند البخاري "1258" و"1259"، ومسلم "939" "38" فراجع تخريجنا له ثمت.
3 صحيح: أخرجه البخاري "1278"، ومسلم "938".(3/538)
156- فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ الفِهْرِيَّةُ 1 "ع":
إِحْدَى المُهَاجِرَاتِ، وَأُخْتُ الضَّحَّاكِ.
كَانَتْ تَحْتَ أَبِي عَمْرٍو بنِ حَفْصِ بنِ المُغِيْرَةِ المَخْزُوْمِيِّ فَطَلَّقَهَا فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبُو جَهْمٍ فَنَصَحَهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَشَارَ عَلَيْهَا بِأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ فَتَزَوَّجَتْ بِهِ2.
وَهِيَ الَّتِي رَوَتْ حَدِيْثَ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ لِلمُطَلَّقَةِ بَتَّةً3.
وَهِيَ الَّتِي رَوَتْ قِصَّةَ الجَسَّاسَةِ4.
حَدَّثَ عَنْهَا: الشَّعْبِيُّ وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بنِ هشام وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَتْ فِي خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ. وَحَدِيْثُهَا فِي الدواوين كلها.
تم الجزء الثالث ويليه: الجزء الرابع
وأوله: فصل: في بقية كبراء الصحابة
__________
1 صحيح: ترجمتها في تهذيب الكمال "35/ ترجمة رقم 7904"، تهذيب التهذيب "12/ ترجمة رقم 2866"، الإصابة "4/ ترجمة 851".
2 صحيح: أخرجه مسلم "1480"، وأبو داود "2284"، والترمذي "1135".
3 صحيح: راجع تخريجنا السابق.
4 صحيح: أخرجه مسلم "2942".(3/539)
الفهرس:
فهرس الموضوعات الجزء الثالث:
الصفحة الموضوع
5 6- أبو عبيدة بن الجراح.
18 7- طلحة بن عبيد الله.
31 8- الزبير بن العوام.
49 9- عبد الرحمن بن عوف.
66 10- سعد بن أبي وقاص.
84 11- سعيد بن زيد.
95 السابقون الأولون.
96 12- مصعب بن عمير.
98 ومن شهداء يوم أحد.
99 13- أبو سلمة.
100 14 عثمان بن مظعون.
105 15- قدامة بن مظعون.
106 16- عبد الله بن مظعون الجمحي.
106 17- السائب بن عثمان.
107 18- أبو حذيفة.
108 19- سالم مولى أبي حذيفة.
110 شهداء بدر.
110 وقتل من المشركين.
111 20- حمزة بن عبد المطلب.
119 21- عاقل بن البكير.
119 23- إياس بن أبي البكير.
120 24- عامر بن أبي البكير.
120 25- مسطح بن أثاثة.
120 26- أبو عبس.
121 27- ابن التيهان.
122 28- أبو جندل.
123 29- عبد الله بن سهيل.
124 30- سهيل بن عمرو.
124 31- البراء بن مالك.
126 32 - نوفل بن الحارث.
127 33 - الحارث بن نوفل.(3/543)
الصفحة الموضوع
127 34 عبد الله بن الحارث بن نوفل.
128 35 عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ.
128 36 سعيد بن الحارث.
128 37- أبو سفيان بن الحارث.
130 38- جعفر بن أبي سفيان.
130 39- جعفر بن أبي طالب.
139 40- عقيل بن أبي طالب.
140 41- زيد بن حارثة.
145 42- عبد الله بن رواحة.
150 شهداء يوم الرجيع.
150 شهداء بئر معونة.
151 43- كلثوم بن الهدم.
151 44- أبو دجانة الأنصاري.
153 45 - خبيب بن عدي
154- 46- معاذ بن عمرو بن الجموح.
156 47 - معوذ بن عمرو.
156 48 - خلاد بن عمرو.
156 49- عمرو بن الجموح.
158 50- عبيدة بن الحارث.
159 أعيان البدريين.
159 51- ربيعة بن الحارث.
160 52- عَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ
160 53 - خالد بن سعيد.
161 54- أبان بن سعيد.
162 55- عمرو بن سعيد.
162 56- العلاء بن الحضرمي.
164 57- سعد بن خيثمة.
165 58- البراء بن معرور.
166 60- سعد بن عبادة.
171 61- سعد بن معاذ.
184 62- زيد بن الخطاب.
185 من شهداء اليمامة.
185 63- أسعد بن زرارة.
188 64- عتبة بن غزوان.
189 65- عكاشة بن محصن.
190 66- ثابت بن قيس.
192 شهداء أجنادين واليرموك.
194 67- طليحة بن خويلد.
194 68- سعد بن الربيع.
195 69- معن بن عدي.
196 70- عبد الله بن عبد الله بن أبي.
197 71- عكرمة بن أبي جهل.
197 72- عبد الله بن عمرو بن حرام.
199 73- يزيد بن أبي سفيان.(3/544)
الصفحة الموضوع
200 74- أبو العاص بن الربيع.
203 75- زينب بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
203 76- أمامة بنت أبي العاص.
203 77- أبو زيد.
204 78- عباد بن بشر.
206 79- أسيد بن الحضير.
208 80- الطفيل بن عمرو الدوسي.
210 81- بلال بن رباح.
219 82- ابن أم مكتوم.
223 83- خالد بن الوليد.
234 84- صفوان بن بيضاء
234 85- سهيل بن بيضاء.
235 86- المقداد بن عمرو
236 87- أبي بن كعب.
243- 88- النعمان بن مقرن.
245 89- عمار بن ياسر.
260 90- أخبار النجاشي.
269 91- معاذ بن جبل.
280 92- عبد الله بن مسعود.
307 93- عتبة بن مسعود الهذلي.
307 94- خبيب بن يساف.
308 95- عويم بن ساعدة.
309 96- قصة سلمان الفارسي.
341 97- عباد بن الصامت.
345 98- عبد الله بن حذافة.
348 99- أبو رافع.
349 100- صهيب بن سنان.
356 101- أبو طلحة الأنصاري.
361 102- أبو بردة بن نيار.
361 103- جبر بن عتيك.
362 104- الأشعث بن قيس.
365 105- حاطب بن أبي بلتعة.
367 106- أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري.
389 107- العَبَّاسُ "عَمُّ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
405 108- عمير بن سعد الأنصاري الأوسي الزاهد.
406 109- أبو سفيان.
407 110- الحكم بن أبي العاص.
408 111- كسرى.
408 112- خديجة أم المؤمنين.
414 113- فاطمة بنت أسد.
415 114- فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
426 115- عائشة أم المؤمنين.
467 116- أم سلمة أم المؤمنين.
472 117- زينب أم المؤمنين بنت جحش.
476 118- زينب أم المؤمنين بنت خزيمة.(3/545)
الصفحة الموضوع
477 119- أم حبيبة أم المؤمنين
480 120- أم أيمن
482 121- حفصة أم المؤمنين.
484 122- صفية أم المؤمنين.
489 123- ميمونة أم المؤمنين.
494 124- زينب بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
497 125- رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
498 126- أَمْ كلثوم بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
500 127- العالية
500 128- أسماء الكندية.
501 129- أم شريك.
501 130- سناء.
501 131- الكلابية
502 132- الكندية.
504 133- قتيلة.
504 134- خولة بنت حكيم.
504 135- جويرية أم المؤمنين.
507 136- سودة أم المؤمنين.
510 137- صفية عَمَّةَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
511 139- عاتكة عَمَّةَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
512 140- البيضاء عَمَّةَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
512 141- بَرَّةُ عَمَّةَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
512 142- أميمة عَمَّةَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
513 143- ضباعة بِنْتُ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
513 144- درة بِنْتُ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
514 145- أَمْ كلثوم.
515 146- أم عمارة.
517 147- أسماء بنت عميس.
520 148- أسماء بنت أبي بكر.
525 149- أسماء بنت يزيد بن السكن
525 150- بريرة مولاة أم المؤمنين.
530 151- أم سليم الغميصاء.
535 152- أم هانئ.
536 153- أم الفضل.
537 154- أم حرام.
538 155- أم عطية الأنصارية.
539 156- فاطمة بنت قيس الفهرية.
541 فهرس الموضوعات.
547 فهرس التراجم.(3/546)
فهرس التراجم على حروف المعجم الجزء الثالث:
الصفحة التراجم
161 54- أبان بن سعيد.
236 87- أبي بن كعب.
511 138- أروى بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم
185 63- أسعد بن زرارة.
520 148- أسماء بنت أبي بكر.
517 147- أسماء بنت عميس.
500 128- أسماء بنت كعب أو بنت النعمان.
525 149- أسماء بنت يزيد بن السكن.
206 79- أسيد بن الحضير.
362 104- الأشعث بن قيس.
260 90- أصحمة= النجاشي.
203 76- أمامة بنت أبي العاص.
512 142- أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم.
119 23- إياس بن أبي البكير.
480 120- أم أيمن.
361- 102- أبو بردة بن نيار.
124 31- البراء بن مالك.
165 58- البراء بن معرور
512 141- برة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم
525 150- بريرة مولاة عائشة.
166 59- بشر بن البراء.
210 81- بلال بن رباح.
512 140- البيضاء بن عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم.
121 27- ابن التيهان.
ثابت بن زيد= أبو زيد.
190 66- ثابت بن قيس.
361 103- جبر بن عتيك.
130 38- جعفر بن أبي طالب.
122 28- أبو جندل.
504 135- جويرية أم المؤمنين.
127 33- الحارث بن نوفل.
365 105- حاطب بن أبي بلتعة.(3/549)
الصفحة التراجم
477 119- أم حبيبة أم المؤمنين.
107 18- أبو حذيفة.
537 154- أم حرام بنت ملحان.
482 121- حفصة أم المؤمنين.
407 110- الحكم بن أبي العاص
111 20- حمزة بن عبد المطلب.
119 22- خالد بن البكير.
160 53- خالد بن سعيد.
223 83- خالد بن الوليد.
153 45- خبيب بن عدي.
307 94- خبيب بن يساف.
408 112- خديجة أم المؤمنين.
156 48- خلاد بن عمرو.
504 134- خولة بنت حكيم.
151 44- أبو دجانة الأنصاري.
513 144- درة بنت أبي لهب بِنْتُ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
367 106- أبو ذر الغفاري.
348 99- أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
159 51- رَبِيْعَةَ بن الحارث.
497 125- رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
31 8- الزُّبَيْر بن العوام.
203 77- أبو زيد.
140 41- زيد بن حارثة.
184 62- زيد بن الخطاب.
472 117- زينب -أم المؤمنين- بنت جحش بن رئاب.
476 118- زينب -أم المؤمنين- بنت خزيمة العامرية.
203 57- زينب بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
494 124- زينب بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
106 17- السائب بن عثمان.
108 19- سالم مولى أبي حذيفة= سالم بن معقل.
164 57- سعد بن خيثمة.
66 10- سعد بن أبي وقاص.
194 68- سعد بن الربيع.
166 60- سعد بن عبادة.
171 61- سعد بن معاذ.
128 36- سعيد بن الحارث.
84 11- سعيد بن زيد.
128 37- أبو سفيان بن الحارث.
406 109- أبو سفيان بن حرب.
309 96- سلمان الفارسي.
99 13- أبو سلمة.
467 116- أم سلمة -أم المؤمنين.
530 151- أم سليم بنت ملحان.
سماك بن خرشة= أبو دجانة الأنصاري.
501 130 - سناء بنت أسماء بن الصلت.(3/550)
234 85- سهيل ابن بيضاء.
124 30- سهيل بن عمرو.
507 136- سودة أم المؤمنين.
501 129 - أم شريك.
406 109- صخر بن حرب بن أمية= أبو سفيان.
234 84- صفوان ابن بيضاء.
484 122- صفية أم المؤمنين.
510 137- صفية بنت عبد المطلب عمة صلى الله عليه وسلم.
349 100- صهيب بن سنان.
513 143- ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب.
208 80- الطفيل بن عمرو الدوسي.
356 101- أبو طلحة الأنصاري.
18 7- طلحة بن عبيد الله.
194 67- طليحة بن خويلد.
426 115- عائشة أم المؤمنين.
511 139- عاتكة بنت عبد المطلب.
200 74- أبو العاص بن الربيع.
العاص بن سهيل بن عمرو= أبو جندل.
119 21- عاقل بن البكير.
500 127- العالية بنت ظبيان بن عمرو.
120 24- عامر بن أبي البكير.
5 6- عامر بن عبد الله بن الجراح= أبو عبيدة بن الجراح.
204 78- عباد بن بشر.
341 97- عبادة بن الصامت.
389 107- العَبَّاسِ عَمِّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
120 26- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنِ جبر= أبو عبس.
49 9- عبد الرحمن بن عوف.
160 52- عَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ.
127 34- عبد الله بن الحارث بن نوفل.
345 98- عبد الله بن حذافة.
145 42- عبد الله بن رواحة.
123 29- عبد الله بن سهيل بن عمرو.
196 70- عبد الله بن عبد الله بن أبي.
128 35- عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ.
197 72- عبد الله بن عمرو بن حرام.
عبد الله بن قيس بن زائدة= ابن أم مكتوم
280 92- عبد الله بن مسعود.
106 16- عبد الله بن مظعون الجمحي.
120 26 - أبو عبس= عبد الرحمن بن جبر
5 6- أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ= عَامِرُ بنُ عَبْدِ الله بن الجراح(3/551)
158 50- عبيدة بن الحارث.
188 64- عتبة بن غزوان.
307 93- عتبة بن مسعود الهذلي.
100 14- عثمان بن مظعون.
538 155- أم عطية الأنصارية.
139 40- عقيل بن أبي طالب.
189 65- عكاشة بن محصن.
197 71- عكرمة بن أبي جهل.
162 56- العلاء بن الحضرمي.
245 89- عمار بن ياسر.
515 146- أم عمارة المازنية.
156 49- عمرو بن الجموح.
162 55- عمرو بن سعيد.
عمرو بن قيس بن زائدة= ابن أم مكتوم.
308 95- عويم بن ساعدة.
414 113- فاطمة بنت أسد.
415 114- فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
539 156- فاطمة بنت قيس الفهرية.
536 153- أم الفضل.
504 133- قتيلة بنت قيس.
105 15- قدامة بن مظعون.
408 111- كسرى.
501 131- الكلابية.
498 126- أم كلثوم بنت رسول الله.
514 145- أم كلثوم بنت عقبة بن أبان.
151 43- كلثوم بن الهدم.
502 132- الكندية.
121 27- مالك بن التيهان= ابن التيهان.
120 25- مسطح بن أثاثة.
96 12- مصعب بن عمير.
269 91- معاذ بن جبل.
154 46- معاذ بن عمرو بن الجموح.
195 69- معن بن عدي.
156 47- معوذ بن عمرو.
128 37- المغيرة بن الحارث= أبو سفيان بن الحارث.
235 86- المقداد بن عمرو.
219 82- ابن أم مكتوم.
489 123- ميمونة أم المؤمنين.
260- 90- النجاشي.
538 155- نسيبة بنت الحارث= أم عطية الأنصارية.
515 146- نسيبة بنت كعب بن عمرو= أم عمارة المازنية.
243 88- النعمان بن مقرن.
126 32- نوفل بن الحارث
535 152- أم هانئ.
199 73- يزيد بن أبي سفيان.(3/552)
المجلد الرابع
تابع: شهداء أجنادين واليرموك
بسم الله الرحمن الرحيم
فَصْلٌ: فِي بَقِيَّةِ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ
157- عُثْمَانُ بنُ حنيف1: "ت، س، ق"
ابن واهب بن عُكَيْمِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ الحَارِثِ بنِ مَجْدَعَةَ بنِ عَمْرِو بنِ حَنَشِ بنِ عَوْفِ بنِ عَمْرِو بنِ عَوْفٍ الأَنْصَارِيُّ الأَوْسِيُّ القُبَائِيُّ.
أَخُو سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ، وَوَالِدُ عَبْدِ اللهِ, وَحَارِثَةَ, وَالبَرَاءِ، وَمُحَمَّدٍ، وَعَبْدِ اللهِ.
وَأُمُّ سَهْلٍ مِنْ جُلَّة الأَنْصَارِ.
ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: أنَّ عُمَرَ وجَّه عُثْمَانَ بنَ حُنَيْفٍ عَلَى خَرَاجِ السَّوَادِ, وَرَزَقَهُ كُلَّ يَوْمٍ رُبْعَ شَاةٍ وَخَمْسَةَ دَرَاهِمَ, وَأَمَرَهُ أَنْ يَمْسَحَ السَّوَادَ عَامِرَهُ وَغَامِرَهُ2، وَلاَ يَمْسَحَ سَبْخَةً وَلاَ تَلاًّ وَلاَ أَجَمَةً، وَلاَ مُسْتَنْقَعَ مَاءٍ.
فَمَسَحَ كُلَّ شَيْءٍ دُوْنَ جَبَلِ حُلْوَانَ، إِلَى أَرْضِ العَرَبِ, وَهُوَ أَسْفَلُ الفُرَاتِ, وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ: إِنِّي وَجَدْتُ كُلَّ شَيْءٍ بَلَغَهُ المَاءَ غامرًا وعامرًا سِتَّةً وَثَلاَثِيْنَ أَلْفَ جَرِيْبٍ3، وَكَانَ ذِرَاعُ عُمَرَ الَّذِي ذَرَعَ بِهِ السَّوَادَ ذِرَاعاً وَقَبْضَةً, وَالإِبْهَامَ مُضْجَعَةً.
وَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَنِ افْرِضِ الخَرَاجَ عَلَى كُلِّ جَرِيْبٍ عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ دِرْهَماً وَقَفِيْزاً4، وَافْرِضْ عَلَى الكَرْمِ عَلَى كُلِّ جَرِيْبٍ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ, وَأَطْعِمْهُمُ النَّخْلَ وَالشَّجَرَ, وَقَالَ: هَذَا قُوَّةٌ لهم على عمارة بلادهم.
__________
1 ترجمته في الجرح والتعديل "6/ ترجمة 797"، تهذيب الكمال "19/ ترجمة 3805"، وتاريخ الخطيب "1/ 179"، وأسد الغابة "3/ 371"، تهذيب التهذيب "7/ ترجمة رقم 241"، الإصابة "2/ ترجمة 5435"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة رقم 4724".
2 الغامر من الأرض: ما كان في الأرض من خضرة قليلة, إمَّا ريحةً وإمَّا نباتًا. وقيل: هو الأخضر الذي غمره اليبيس.
3 الجريب من الأرض: مقدار معلوم الذراع والمساحة، وهو عشرة آلاف ذراع.
4 القفيز: مكيال كانوا يكتالون به.(4/5)
وَفَرَضَ عَلَى الموسِر ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِيْنَ دِرْهَماً، وَعَلَى مَنْ دُوْنَ ذَلِكَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِيْنَ دِرْهَماً, وَعَلَى مَنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئاً اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَماً, وَرَفَعَ عَنْهُم الرِّقَّ بِالخَرَاجِ الَّذِي وَضَعَهُ فِي رِقَابِهِمْ.
فَحُمِلَ مِنْ خَرَاجِ سَوَادِ الكُوْفَةِ إِلَى عُمَرَ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ ثَمَانُوْنَ أَلْفَ أَلْفِ درهم، ثم حمل من قابل مئة وَعِشْرُوْنَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ, فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ.
حُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ, عَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ قَالَ: جِئْتُ فَإِذَا عُمَرُ وَاقِفٌ عَلَى حُذَيْفَةَ وَعُثْمَانَ بنِ حُنَيْفٍ, وَهُوَ يَقُوْلُ: تَخَافَانِ أَنْ تَكُوْنَا حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لاَ تُطِيْقُ. قَالَ عُثْمَانُ: لَو شِئْتُ لأَضْعَفْتُ عَلَى أَرْضِي. وَقَالَ حُذَيْفَةُ: لَقَدْ حَمَّلْتُ الأَرْضَ شَيْئاً هِيَ لَهُ مُطِيْقَةٌ. فَجَعَلَ يَقُوْلُ: انْظُرَا مَا لَدَيْكُمَا, وَاللهِ لَئِنْ سَلَّمَنِي اللهُ لأدعنَّ أَرَامِلَ العِرَاقِ لاَ يَحْتَجْنَ. فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ رَابِعَةٌ حَتَّى أُصِيْبَ1.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قُتِلَ عُثْمَانُ وَفَارَقَ ابْنُ كُرَيْزٍ2 البَصْرَةَ, فَبَعَثَ عليٌّ عَلَيْهَا عُثْمَانَ بنَ حُنَيْفٍ وَالِياً, فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ, فَقَاتَلَهُمَا وَمَعَهُ حُكَيْمُ بنُ جَبَلَةَ العَبْدِيُّ, ثُمَّ تَوَادَعُوا حَتَّى يَقْدَمَ عَلِيٌّ.
ثُمَّ كَانَتْ لَيْلَةٌ ذَاتُ رِيْحٍ وَظُلْمَةٍ، فَأَقْبَلَ أَصْحَابُ طَلْحَةَ, فَقَتَلُوا حَرَسَ عُثْمَانَ بنَ حُنَيْفٍ، وَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَنَتَفُوا لِحْيَتَهُ وَجُفُوْنَ عَيْنَيْهِ, وَقَالُوا: لَوْلاَ العَهْدُ لَقَتَلْنَاكَ. فَقَالَ: إِنَّ أَخِي والٍ لعليٍّ عَلَى المَدِيْنَةِ, وَلَو قَتَلْتُمُوْنِي لقتلَ مَنْ بِالمَدِيْنَةِ مِنْ أَقَارِبِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ.
ثُمَّ سُجِنَ. وَأَخَذُوا بَيْتَ المَالِ.
وَكَانَ يكنَّى أَبَا عَبْدِ اللهِ, تُوُفِّيَ فِي خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ, وَلَهُ عَقِبٌ.
وَلِعُثْمَانَ حَدِيْثٌ ليِّن فِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ".
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3700".
2 هو: عبد الله بن عامر بن كريز, ابن خال أمير المؤمنين عثمان بن عفان. تأتي ترجمته برقم "228".(4/6)
158- خباب بن الأرت 1: "ع"
ابن جندلة بن سعد بن خُزَيْمَةَ بنِ كَعْبِ بنِ سَعْدِ بنِ زَيْدِ مَنَاةَ, مِنْ تَمِيْمٍ، أَبُو يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ.
مِنْ نُجَبَاءِ السَّابِقِيْنَ. لَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ. وَقِيْلَ: كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ. شَهِدَ بَدْراً وَالمَشَاهِدَ.
حدَّث عَنْهُ: مَسْرُوْقٌ, وَأَبُو وَائِلٍ, وَأَبُو مَعْمَرٍ, وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَعَلْقَمَةُ بنُ قَيْسٍ، وَعِدَّةٌ.
قِيْلَ: مَاتَ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ, وَصَلَّى عَلَيْهِ عُمَرُ, وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ, بَلْ مَاتَ بِالكُوْفَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ, وَصَلَّى عَلَيْهِ عَلِيٌّ.
وَقِيْلَ: عاش ثلاثًا وسبعين سنة.
نَعَمْ، الَّذِي مَاتَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ, وصلَّى عَلَيْهِ عُمَرُ, هُوَ: خَبَّابٌ مَوْلَى عُتْبَةَ بنِ غَزْوَانَ, صَحَابِيٌّ مُهَاجِرِيٌّ أَيْضاً.
قَالَ مَنْصُوْرٌ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلاَمَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَأَبُو بَكْرٍ, وَخَبَّابٌ, وَبِلاَلٌ, وَصُهَيْبٌ, وعمَّار.
وَأَمَّا ابْنُ إِسْحَاقَ فَذَكَرَ إِسْلاَمَ خبَّاب بَعْدَ تِسْعَةَ عَشَرَ إِنْسَاناً، وَأَنَّهُ كمَّل العِشْرِيْنَ.
الثَّوْرِيُّ, عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ, عَنْ أَبِي لَيْلَى الكِنْدِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لخبَّاب: ادْنُه, فَمَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا المَجْلِسِ مِنْكَ إلَّا عَمَّارٌ. قَالَ: فَجَعَلَ يُرِيْهِ بِظَهْرِهِ شَيْئاً -يَعْنِي: مِنْ آثَارِ تَعْذِيْبِ قُرَيْشٍ لَهُ2.
أَبُو الضُّحَى, عَنْ مَسْرُوْقٍ, عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: كُنْتُ قَيْناً بِمَكَّةَ، فَعَمِلْتُ لِلعَاصِ بنِ وَائِلٍ سَيْفاً, فَجِئْتُ أَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: لاَ أُعْطِيَكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. فَقُلْتُ: لاَ أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى تَمُوْتَ ثُمَّ تُبْعَثَ, فَقَالَ: إِذَا بُعِثْتُ كَانَ لِي مَالٌ, فَسَوْفَ أَقْضِيْكَ. فَقُلْتُ ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَأُنْزِلَتْ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا} [مَرْيَمُ: 78] 3.
لِخَبَّابٍ -بِالمُكَرَّرِ: اثْنَانِ وَثَلاَثُوْنَ حَدِيْثاً, وَمِنْهَا: ثَلاَثَةٌ في "الصَّحِيْحَيْنِ", وَانْفَرَدَ لَهُ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثَيْنِ, وَمُسْلِمٌ بِحَدِيْثٍ.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 164"، التاريخ الكبير "3/ ترجمة رقم 730"، الجرح والتعديل "3/ ترجمة 1817"، أسد الغابة "2/ 114"، تهذيب الكمال "8/ ترجمة رقم 1674"، الحلية لأبي نعيم "1/ 143"، تهذيب التهذيب "3/ ترجمة 254"، الإصابة "1/ ترجمة 2210".
2 حسن لغيره: أخرجه ابن ماجه "153"، وابن سعد "3/ 165" من طريق وكيع بن الجراح, حدَّثنا سفيان، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي لَيْلَى الكِنْدِيِّ، به.
قلت: إسناده ضعيف، أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السبيعي، ثقة، لكنَّه مدلس، وقد عنعنه. لكن يشهد للحديث ما رواه أبو نعيم في "الحلية"، "1/ 144" من طريق جرير بن بيان، عن الشعبي قال: سأل عمر بلالًا عمَّا لقي من المشركين ... " فذكره.
قلت: إسناده ضعيف، آفته الانقطاع بين الشعبي وعمر، فإنه لم يدركه -كما قال الدارقطني، وأبو حاتم، وأبو زرعة. وهو حسن بمجموع الطريقين.
3 صحيح: أخرجه البخاري "2091" من طريق شعبة، وابن سعد "3/ 164" من طريق الأعمش, كلاهما عن أبي الضحى، عن مسروق، به.(4/7)
159- سهل بن حنيف 1: "ع"
أبو ثابت الأنصاري الأوسي العَوْفِيُّ.
وَالِدُ أَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ, وَأَخُو عُثْمَانَ بنِ حُنَيْفٍ, شَهِدَ بَدَراً وَالمَشَاهِدَ.
حدَّث عَنْهُ ابْنَاهُ؛ أَبُو أُمَامَةَ وَعَبْدُ اللهِ, وَعُبَيْدُ بنُ السَّبَّاقِ, وَأَبُو وَائِلٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى, وَيُسَيْرُ بنُ عَمْرٍو, وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مِنْ أُمَرَاءِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
مَاتَ بِالكُوْفَةِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ, وَصَلَّى عَلَيْهِ عليّ.
وحديثه في الكتب الستة.
الحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"، مِنْ طَرِيْقِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زِيَادٍ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ حَكِيْمٍ, حَدَّثَتْنَا الرَّبَابُ جَدَّتِي, عَنْ سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ: اغْتَسَلْتُ فِي سَيْلٍ, فَخَرَجْتُ مَحْمُوْماً, فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مُرُوا أَبَا ثَابِتٍ فَلْيَتَصَدَّقْ" 2.
مَالِكٌ, عَنِ ابْنِ شِهَابٍ, عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ قَالَ: رَأَى عَامِرُ بنُ رَبِيْعَةَ سَهْلَ بنَ حُنَيْفٍ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ وَلاَ جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ! فَلُبِطَ بِسَهْلٍ، فَأُتِيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! هَلْ لَكَ فِي سَهْلٍ, وَاللهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ, قَالَ: "هَلْ تَتَّهِمُوْنَ بِهِ أَحَداً" ? قَالُوا: نَتَّهِمُ عَامِرَ بنَ رَبِيْعَةَ, فَدَعَاهُ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ, وَقَالَ: "عَلاَمَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أخاه, ألا برَّكت؟ اغتسل له".
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 471" و"6/ 15"، وتاريخ البخاري الكبير "4/ ترجمة 2090", والجرح والتعديل "4/ ترجمة 840"، أسد الغابة "2/ 470"، تهذيب الكمال "12/ ترجمة رقم 2610"، تهذيب التهذيب "4/ ترجمة 428"، الإصابة "2/ ترجمة 3527"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2793".
2 ضعيف: أخرجه الحاكم "3/ 408-409" و"4/ 413"، وأبو داود "3888"، وأحمد "3/ 486" من طريق عبد الواحد بن زياد، به.
قلت: إسناده ضعيف، الرباب جدَّة عثمان بن حكيم بن عباد مجهولة، لذا قال الحافظ في "التقريب": "مقبولة" أي: عند المتابعة, وليس ثَمَّ من تابعه.(4/8)
فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ صبَّ عَلَيْهِ, فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ مَا بِهِ بَأْسٌ1.
أَبُو صَالِحٍ: حَدَّثَنِي أَبُو شُرَيْحٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بنَ أَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: أنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لاَ تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُم, فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُم بتشديدهم على أنفسهم، وستجدون بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارَاتِ" 2.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ, عَنْ عَامِرٍ, عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَعْقِلٍ قَالَ: صَلَّى عَلِيٌّ عَلَى سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ, فَكَبَّرَ سِتّاً3.
رَوَاهُ الأَعْمَشُ، عَنْ يَزِيْدَ، عَنِ ابْنِ مَعْقِلٍ، فَقَالَ: كبَّر خَمْساً, ثُمَّ التفت إلينا، فقال: إنه بدريّ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: سَهْلُ بنُ حُنَيْفِ بنِ وَاهِبِ بنِ عُكَيْمِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ بنِ مَجْدَعَةَ بنِ عَمْرِو بنِ حَنَشِ بنِ عَوْفِ بنِ عَمْرِو بنِ عَوْفٍ، أَبُو سَعْدٍ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ.
وَلَهُ مِنَ الوَلَدِ: أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ، وَعُثْمَانُ، وَسَعْدٌ، وَعَقِبُهُ اليَوْمَ بِالمَدِيْنَةِ وَبِبَغْدَادَ.
قَالَ: وَقَالُوا: آخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ سَهْلٍ وَبَيْنَ عَلِيٍّ.
شَهِدَ بَدْراً, وَثَبَتَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَبَايَعَ عَلَى المَوْتِ, وَجَعَلَ يَنْضَحُ بِالنَّبْلِ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ رَسُوْلُ الله: "نبلوا سهلًا فإنه سهل".
__________
1 صحيح: أخرجه مالك "2/ 938"، والطبراني "5880" عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه "أبا أمامة" يقول: فذكره.
وأخرجه عبد الرزاق "19766"، ومالك "2/ 393"، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" "208"، والطبراني "5574-5577 و5579"، والبيهقي "9/ 351-352 و352", والبغوي "3425" من طرق عن الزهري، حدَّثني أبو أمامة بن سهل بن حنيف، به.
2 ضعيف: في إسناده أبو صالح، عبد الله بن صالح، كاتب الليث، ضعيف لسوء حفظه. وأخرجه أبو داود "4904" من طريق أحمد بن صالح، عن عبد الله بن وهب, قال: أخبرني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء, أنَّ سهل بن أبي أمامة حدَّثه: فذكره.
قلت: إسناده ضعيف، آفتة سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء، مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول.
3 صحيح: أخرجه ابن سعد "3/ 472"، وعبد الرزاق "6403"، والطحاوي "1/ 287"، والحاكم "3/ 409"، والبيهقي "4/ 36" من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر الشعبي، عن عبد الله بن معقل، به.(4/9)
قَالَ الزُّهْرِيُّ: لَمْ يُعْطِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيْرِ أَحَداً مِنَ الأَنْصَارِ إلَّا سَهْلَ بنَ حُنَيْفٍ، وَأَبَا دُجَانَةَ, كَانَا فَقِيْرَيْنِ.
الأَعْمَشُ, عَنْ يَزِيْدَ بنِ زِيَادٍ -مَدَنِيٌّ, عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَعْقِلٍ قَالَ: كبَّر عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي سُلْطَانِهِ كُلِّهِ أَرْبَعاً أَرْبَعاً عَلَى الجَنَازَةِ, إلَّا عَلَى سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ، فَإِنَّهُ كبَّر عَلَيْهِ خَمْساً، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنَّهُ بدريّ.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو جَنَابٍ، سَمِعْتُ عُمَيْرَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: صَلَّى عَلِيٌّ عَلَى سهلٍ فكبَّر خَمْساً, فَقَالُوا: مَا هَذَا? فَقَالَ: لأَهْلِ بَدْرٍ فضلٌ عَلَى غَيْرِهِمْ, فَأَرَدْتُ أَنْ أُعْلِمَكُمْ فَضْلَهُ.
عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ, عَنْ عِكْرِمَةَ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَخَلَ عَلِيٌّ بِسَيْفِهِ عَلَى فَاطِمَةَ وَهِيَ تَغْسِلُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: خُذِيْهِ, فَلَقَدْ أَحْسَنْتُ بِهِ القِتَالَ! فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنْ كُنْتَ أَحْسَنْتَ، فَلَقَدْ أَحْسَنَ سَهْلُ بنُ حُنَيْفٍ".
وَرُوِيَ نَحْوُهُ مُرْسَلاً.(4/10)
160- خَوَّات بن جبير 1: "بخ"
ابن النعمان بن أمية بن البرك, وَهُوَ امْرُؤُ القَيْسِ بنُ ثَعْلَبَةَ بنِ عَمْرِو بن عوف الأنصاري الأوسي.
أَخُو عَبْدِ اللهِ بنِ جُبَيْرٍ العَقَبِيُّ البَدْرِيُّ، الَّذِي كَانَ أَمِيْرَ الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ.
ويكنَّى خوَّات: أَبَا صَالِحٍ.
قَالَ قَيْسُ بنُ أَبِي حُذَيْفَةَ: كُنْيَتُهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالُوا: وَكَانَ خوَّات بنُ جُبَيْرٍ صَاحِبَ ذَاتِ النِّحْيَيْنِ2 فِي الجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إسلامه.
__________
1 ترجمة في طبقات ابن سعد "3/ 477"، تاريخ البخاري الكبير "3/ ترجمة 736"، أسد الغابة "2/ 148"، تهذيب الكمال "8/ ترجمة 1734"، تهذيب التهذيب "3/ ترجمة 323", الإصابة "1/ ترجمة رقم 2298"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1901".
2 النحى: الزق فيه السمن, وذات النحيين: هي امرأة من تيم الله بن ثعلبة، وكانت تبيع السمن في الجاهلية، فأتى خوات بن جبير الأنصاري يبتاع منها سمنًا فساومها، فحَلّت نحيًا مملوءًا، فقال: أمسكيه حتى أنظر غيره، ثم حلَّ آخر, وقال لها: أمسكيه، فلمَّا شغل يديها ساورها حتى قضى ما أراد وهرب. قاله ابن منظور في "اللسان" مادة "نحى".(4/10)
الوَاقِدِيُّ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ خَوَّاتِ بنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِيْهِ. وَأَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنِ المسْوَر بنِ رِفَاعَةَ, عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مِكْنَفٍ, أنَّ خوَّات بنَ جُبَيْرٍ خَرَجَ إِلَى بَدْرٍ, فلمَّا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ أَصَابَهُ نَصِيْلُ1 حَجَرٍ، فَكُسِرَ, فردَّه رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى المَدِيْنَةِ، وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، فَكَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا.
قَالُوا: مَاتَ خوَّات بِالمَدِيْنَةِ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ يَخْضِبُ، وَكَانَ ربعة2ً من الرجال.
أخوه:
__________
1 النصيل: قال ابن شميل: النصيل حجر طويل رقيق كهيئة الصفيحة المحددة, وجمعه: النُّصُل.
2 الربعة: هو المربوع الخلق، لا بالطويل ولا بالقصير.(4/11)
161- عبد الله بن جبير 1:
شَهِدَ العَقَبَةَ مَعَ السَّبْعِيْنَ, وَبَدْراً، وَأُحُداً.
وَاسْتَعْمَلَهُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَئِذٍ عَلَى الرُّمَاةِ, وَهُمْ خَمْسُوْنَ رَجُلاً، وَأَمَرَهُم فَوَقَفُوا عَلَى عَيْنَيْنِ, فَاسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ ومُثِّلَ بِهِ. قَتَلَهُ عكرمة بن أبي جهل.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 475"، الجرح والتعديل "3/ ترجمة 118"، أسد الغابة "3/ 194"، الإصابة "2/ ترجمة 4582".(4/11)
162- قتادة بن النعمان 1: "ع"
ابن زيد بن عامر الأَمِيْرُ، المُجَاهِدُ، أَبُو عُمَرَ الأَنْصَارِيُّ، الظَّفَرِيُّ، البَدْرِيُّ.
مِنْ نُجَبَاءِ الصَّحَابَةِ, وَهُوَ أَخُو أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ لأُمِّهِ.
وَهُوَ الَّذِي وَقَعَتْ عَيْنُهُ عَلَى خَدِّهِ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَتَى بِهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَغَمَزَهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ الشَّرِيْفَةِ، فردَّها، فكانت أصحَّ عينيه2.
له أحاديث.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 452"، التاريخ الكبير "7/ ترجمة 823"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 753"، أسد الغابة "4/ 195"، الإصابة "3/ ترجمة 7076"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5836".
2 انظر تعليقنا الآتي.(4/11)
رَوَى عَنْهُ: أَخُوْهُ؛ أَبُو سَعِيْدٍ، وَابْنُهُ؛ عُمَرُ، وَمَحْمُوْدُ بنُ لَبِيْدٍ، وَغَيْرُهُم.
وَكَانَ عَلَى مُقَدِّمَةِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ لَمَّا سَارَ إلى الشام، وكان من الرماة المعدودين.
عَاشَ خَمْساً وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ بِالمَدِيْنَةِ، وَنَزَلَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ فِي قَبْرِهِ.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الغَسِيْلِ: حدَّثنا عَاصِمُ بن عمر بن قتادة, عن أبيه، عن جَدِّهِ: أَنَّهُ أُصِيْبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ بَدْرٍ, فَسَالَتْ حَدَقَتُهُ عَلَى وَجْنَتِهِ, فَأَرَادَ القَوْمُ أَنْ يَقْطَعُوْهَا, فَقَالُوا: نَأْتِي نَبِيَّ اللهِ نَسْتَشِيْرُهُ, فَجَاءَ فَأَخْبَرَهُ الخَبَرَ, فَأَدْنَاهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُ, فَرَفَعَ حَدَقَتَهُ حَتَّى وَضَعَهَا مَوْضِعَهَا, ثُمَّ غَمَزَهَا بِرَاحَتِهِ وَقَالَ: "اللَّهُمَّ اكْسُهُ جَمَالاً". فَمَاتَ وَمَا يَدْرِي مَنْ لَقِيَهُ أَيَّ عَيْنَيْهِ أُصِيْبَتْ؟! 1.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: بَنُو ظَفَرٍ مِنَ الأَوْسِ. وَقِيْلَ يكنَّى: أَبَا عَبْدِ اللهِ.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: شَهِدَ العَقَبَةَ مَعَ السَّبْعِيْنَ. وَكَذَا قَالَ: ابْنُ عُقْبَةَ، وَأَبُو مَعْشَرٍ.
وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِيْمَنْ شَهِدَ العَقَبَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
__________
1 حسن لغيره: في إسناده عمر بن قتادة بن النعمان الأنصاري، مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول.
وأخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" -كما ذكره ابن كثير "2/ 447"- من طريق يحيى بن عبد الحميد الحماني، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل، عن عاصم بن عمر بن قتادة، به.
قلت: إسناده موضوع، فيه علتان, الأولى: يحيى بن عبد الحميد الحماني الكوفي الحافظ، وثَّقه يحيى بن معين وغيره، وأمَّا أحمد فقال: كان يكذب جهارًا. وقال النسائي: ضعيف. العلة الثانية: عمر بن قتادة، مجهول -كما ذكرنا في التعليق السابق.
وأخرجه الدارقطني وابن شاهين من طريق عبد الرحمن بن يحيى العذري، عن مالك، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن قتادة بن النعمان، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه عبد الرحمن بن يحيى العذري، قال العقيلي: مجهول, لا يقيم الحديث من جهته, والخلاصة: فإنَّ الحديث حسن بمجموع الطريق الأخير والطريق الأوّل, والله تعالى أعلى وأعلم.(4/12)
163- عامر بن ربيعة 1: "ع"
ابن كَعْبِ بنِ مَالِكٍ، أَبُو عَبْدِ اللهِ العَنْزِيُّ, عَنْزُ بنُ وَائِلٍ. مِنْ حُلَفَاءِ آلِ عُمَرَ بن الخطاب؛ العدوي.
مِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ, أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ, وَهَاجَرَ الهِجْرَتَيْنِ, وَشَهِدَ بَدْراً.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ المَدِيْنَةَ مُهَاجِراً أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الأَسَدِ، وَبَعْدَهُ: عَامِرُ بنُ رَبِيْعَةَ. لَهُ أَحَادِيْثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.
حدَّث عَنْهُ: وَلَدُهُ عَبْدُ اللهِ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو أُمَامَةَ بنُ سَهْلٍ, وَغَيْرُهُمْ.
وَكَانَ الخَطَّابُ قَدْ تبنَّاه. وَكَانَ مَعَهُ لِوَاءُ عُمَرَ لَمَّا قَدِم الجَابِيَةَ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ مَوْتُ عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ بِأَيَّامٍ, وَكَانَ لَزِمَ بَيْتَهُ، فَلَمْ يَشْعُرِ النَّاسُ إلَّا بِجَنَازَتِهِ قَدْ أُخْرِجَتْ.
رَوَى يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ: أنَّ أَبَاهُ رُئِيَ فِي المَنَامِ حِيْنَ طَعَنُوا عَلَى عُثْمَانَ، فَقِيْلَ لَهُ: قُمْ فَسَلِ اللهَ أَنْ يعيذك من الفتنة.
توفي عامر: سنة خمس وَثَلاَثِيْنَ قَبْلَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ بِيَسِيْرٍ.
جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ, عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ, قَالَ: لَمَّا طَعَنُوا عَلَى عُثْمَانَ, صَلَّى أَبِي فِي اللَّيْلِ وَدَعَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ قِنِي مِنَ الفِتْنَةِ بِمَا وَقَيْتَ بِهِ الصَّالِحِيْنَ مِنْ عِبَادِكَ, فَمَا أُخْرِجَ وَلاَ أَصْبَحَ إلَّا بِجَنَازَتِهِ.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 386"، تاريخ البخاري الكبير "6/ ترجمة 2943"، وتاريخه الصغير "1/ 64"، الجرح والتعديل "6/ ترجمة 1790"، أسد الغابة "3/ 121"، تهذيب التهذيب "5/ 62"، الإصابة "2/ ترجمة 438"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3258".(4/13)
164- أبو الدرداء 1: "ع"
الإِمَامُ القُدْوَةُ, قَاضِي دِمَشْقَ، وَصَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَبُو الدَّرْدَاءِ, عُوَيْمِرُ بنُ زَيْدِ بنِ قَيْسٍ, وَيُقَالُ: عُوَيْمِرُ بنُ عَامِرٍ, وَيُقَالُ: ابْنُ عَبْدِ اللهِ, وَقِيْلَ: ابْنُ ثَعْلَبَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ الخَزْرَجِيُّ.
حَكِيْمُ هَذِهِ الأُمَّةِ, وَسَيِّدُ القُرَّاءِ بِدِمَشْقَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: هُوَ عُوَيْمِرُ بنُ قَيْسِ بنِ زَيْدِ بنِ قَيْسِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَامِرِ بنِ عَدِيِّ بنِ كَعْبِ بنِ الخَزْرَجِ.
قَالَ: وَيُقَالُ: اسْمُهُ عَامِرُ بنُ مَالِكٍ.
رَوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِدَّةَ أحاديث.
وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِيْمَنْ تَلاَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَبَداً أنَّه أَقْرَأَ عَلَى غَيْرِهِ.
وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِيْمَنْ جَمَعَ القُرْآنَ فِي حَيَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وتصدَّر لِلإِقْرَاءِ بِدِمَشْقَ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ, وَقَبْلَ ذَلِكَ.
رَوَى عَنْهُ: أَنَسُ بنُ مَالِكٍ, وَفَضَالَةُ بنُ عُبَيْدٍ, وَابْنُ عَبَّاسٍ, وَأَبُو أُمَامَةَ, وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ العَاصِ, وغيرهم من جلة الصحابة، وجبير ابن نُفَيْرٍ, وَزَيْدُ بنُ وَهْبٍ, وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ, وَعَلْقَمَةُ بنُ قَيْسٍ, وَقَبِيْصَةُ بنُ ذُؤَيْبٍ, وَزَوْجَتُهُ أُمُّ الدَّرْدَاءِ العَالِمَةُ، وَابْنُهُ بِلاَلُ بنُ أَبِي الدرداء, وسعيد ين المُسَيِّبِ, وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ, وَمَعْدَانُ بنُ أَبِي طَلْحَةَ, وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ, وَخَالِدُ بنُ مَعْدَانَ, وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَامِرٍ اليَحْصُبِيُّ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ القُرْآنَ وَلَحِقَهُ, فَإِنْ صحَّ فَلَعَلَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ بَعْضَ القُرْآنِ وَهُوَ صَبِيٌّ.
وَقَرَأَ عَلَيْهِ عَطِيَّةُ بنُ قَيْسٍ, وَأُمُّ الدَّرْدَاءِ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِي: عَرَضَ عَلَيْهِ القُرْآنَ: خُلَيْدُ بنُ سَعْدٍ, وَرَاشِدُ بنُ سَعْدٍ, وَخَالِدُ بنُ مَعْدَانَ, وَابْنُ عَامِرٍ. كَذَا قَالَ الدَّانِي. وَوَلِيَ القَضَاءَ بِدِمَشْقَ فِي دَوْلَةِ عُثْمَانَ, فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ ذُكِرَ لَنَا مِنْ قُضَاتِهَا. وَدَارُهُ بِبَابِ البَرِيْدِ, ثُمَّ صَارَتْ فِي دَوْلَةِ السُّلْطَانِ صلاح الدين تعرف بدار الغَزِّي.
ويروى له مئة وَتِسْعَةٌ وَسَبْعُوْنَ حَدِيْثاً.
وَاتَّفَقَا لَهُ عَلَى حَدِيْثَيْنِ, وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِثَلاَثَةٍ، وَمُسْلِمٌ بِثَمَانِيَةٍ.
رَوَى سَعِيْدُ بن عبد العزى، عَنْ مُغِيْثِ بنِ سُمَيٍّ: أنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ عُوَيْمِرَ بنَ عَامِرٍ مِنْ بَنِي الحَارِثِ بنِ الخَزْرَجِ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ مَرَّةً: هُوَ عُوَيْمِرُ بنُ ثَعْلَبَةَ.
مَاتَ قَبْلَ عُثْمَانَ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 391"، وتاريخ البخاري الكبير "7/ ترجمة 348"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة 146"، أسد الغابة "4/ 158"، تهذيب التهذيب "8/ 175-177" الإصابة "3/ ترجمة 6117"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4500".(4/14)
وَقَالَ البُخَارِيُّ: سَأَلْتُ رَجُلاً مِنْ وَلَدِ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَقَالَ: اسْمُهُ عَامِرُ بنُ مَالِكٍ, وَلَقَبُهُ: عُوَيْمِرٌ.
وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: هُوَ عُوَيْمِرُ بنُ ثَعْلَبَةَ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعِدَّةٌ: عُوَيْمِرُ بنُ عَامِرٍ.
وَآخِرُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ رَأَى أَبَا الدَّرْدَاءِ شيخٌ عَاشَ إِلَى دَوْلَةِ الرَّشِيْدِ, فَقَالَ أَبُو إِبْرَاهِيْمَ التُّرْجُمَانِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَبُو الحَارِثِ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ أَقْنَى أَشْهَلَ يَخْضِبُ بِالصُّفْرَةِ.
رَوَى الأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ, قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: كُنْتُ تَاجِراً قَبْلَ المَبْعَثِ, فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلاَمُ جَمَعْتُ التِّجَارَةَ وَالعِبَادَةَ, فَلَمْ يجتمعا, فَتَرَكْتُ التِّجَارَةَ وَلَزِمْتُ العِبَادَةَ.
قُلْتُ: الأَفْضَلُ جَمْعُ الأَمْرَيْنِ مَعَ الجِهَادِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ طَرِيْقُ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَالصُّوْفِيَّةِ, وَلاَ رَيْبَ أَنَّ أَمْزِجَةَ النَّاسِ تَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ، فَبَعْضُهُمْ يَقْوَى عَلَى الجَمْعِ؛ كالصدِّيق وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَكَمَا كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ, وَبَعْضُهُمْ يَعْجزُ وَيَقْتَصِرُ عَلَى العِبَادَةِ، وَبَعْضُهُمْ يَقْوَى فِي بِدَايَتِهِ، ثُمَّ يَعْجِزُ, وَبِالعَكْسِ, وَكُلٌّ سَائِغٌ, وَلَكِنْ لاَ بُدَّ مِنَ النَّهْضَةِ بِحُقُوْقِ الزَّوْجَةِ وَالعِيَالِ.
قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: أَسْلَمَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ, ثُمَّ شَهِدَ أُحُداً, وَأَمَرَهُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَئِذٍ أَنْ يَرُدَّ مَنْ عَلَى الجَبَلِ, فردَّهم وَحْدَهُ، وَكَانَ قَدْ تأخَّر إِسْلاَمُهُ قَلِيْلاً.
قَالَ شُرَيْحُ بنُ عُبَيْدٍ الحِمْصِيُّ: لَمَّا هُزِمَ أَصْحَابُ رَسُوْلِ اللهِ يَوْمَ أُحُدٍ, كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَوْمَئِذٍ فِيْمَنْ فَاءَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ فِي النَّاسِ، فلمَّا أَظَلَّهُمُ المُشْرِكُوْنَ مِنْ فَوْقِهِمْ، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَعْلُوْنَا" فَثَابَ إِلَيْهِ نَاسٌ وَانْتَدَبُوا, وَفِيْهِم عُوَيْمِرُ أَبُو الدَّرْدَاءِ, حَتَّى أَدْحَضُوْهُمْ عَنْ مَكَانِهِمْ, وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَوْمَئِذٍ حَسَنَ البَلاَءِ, فَقَالَ رسول الله: "نعم الفارس عويمر"1.
وَقَالَ: "حَكِيْمُ أُمَّتِي عُوَيْمِرٌ".
هَذَا رَوَاهُ يَحْيَى البَابْلُتِّيُّ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ شُرَيْحٍ2.
__________
1 ضعيف: شريح بن عبيد بن شريح الحضرمي الحمصي، ثقة، لكنَّه لم يدرك أبا الدرداء، فقد كان يرسل كثيرًا.
2 ضعيف: مرسل كسابقه.(4/15)
ثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَثُمَامَةُ، عَنْ أَنَسٍ: مَاتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَجْمَعِ القُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ: أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَمُعَاذٌ، وَزَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ1.
وَقَالَ زَكَرِيَّا وَابْنُ أَبِي خَالِدٍ, عَنِ الشَّعْبِيِّ: جَمَعَ القُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ سِتَّةٌ، وَهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: مُعَاذٌ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَزَيْدٌ، وَأَبُو زَيْدٍ، وأُبَيّ, وَسَعْدُ بنُ عُبَيْدٍ2.
وَكَانَ بَقِيَ عَلَى مجمَّع بنِ جَارِيَةَ سُوْرَةٌ أَوْ سُوْرَتَانِ حِيْنَ تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إِسْمَاعِيْلُ, عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ قَدْ أَخَذَ بِضْعاً وَسَبْعِيْنَ سُورَةً -يَعْنِي مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَتَعَلَّمَ بَقِيَّتَهُ مِنْ مجمَّع, وَلَمْ يَجْمَعْ أَحَدٌ مِنَ الخُلَفَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ القُرْآنَ غَيْرُ عُثْمَانَ3.
قَالَ أَبُو الزَّاهِرِيَّةِ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِنْ آخِرِ الأَنْصَارِ إِسْلاَماً، وَكَانَ يَعْبُدُ صَنَماً، فَدَخَلَ ابْنُ رَوَاحَةَ وَمُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ بَيْتَهُ، فَكَسَرَا صَنَمَهُ, فَرَجَعَ فَجَعَلَ يَجْمَعُ الصَّنَمَ وَيَقُوْلُ: وَيْحَكَ! هَلاَّ امْتَنَعْتَ، ألَا دَفَعْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ فَقَالَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ: لَو كَانَ يَنْفَعُ أَوْ يَدْفَعُ عَنْ أَحَدٍ دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَنَفَعَهَا.
فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: أَعِدِّي لِي مَاءً فِي المُغْتَسَلِ, فَاغْتَسَلَ وَلَبِسَ حُلَّتَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ رَوَاحَةَ مُقْبِلاً, فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ, هَذَا أَبُو الدَّرْدَاءِ, وَمَا أُرَاهُ إلَّا جَاءَ فِي طَلَبِنَا, فَقَالَ: "إِنَّمَا جَاءَ لِيُسْلِمَ, إِنَّ رَبِّي وَعَدَنِي بِأَبِي الدَّرْدَاءِ أَنْ يُسْلِمَ"4.
رَوَى مِنْ قَوْلِهِ: "وَكَانَ يَعَبْدُ..... إِلَى آخِرِهِ" مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ, عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ.
وَرَوَى مِنْهُ: أَبُو صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي الزاهرية، عن جبير، عن أَبِي الدَّرْدَاءِ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ وَعَدَنِي إِسْلاَمَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فأسلم"5.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "5004", حدَّثنا معلَّى بن أسد، حدثنا عبد الله بن المثنَّى، حدثني ثبت البناني، وثمامة، عن أنس قال: فذكره.
2 ضعيف لإرساله، الشعبي، عامر بن شراحيل من الطبقة الثالثة، وهي الطبقة الوسطى من التابعين.
3 ضعيف: أرسله الشعبي عن ابن مسعود، وقد نصَّ على ذلك الأئمة، حسبك ما أورده الحافظ العلائي في كتابه الفذ "جامع التحصيل في أحكام المراسيل".
4 ضعيف: أبو الزاهرية، هو حُدَير بن كريب الحضرمي الحمصي، لم يدرك أبا الدرداء، فروايته عنه مرسلة كما قال أبو حاتم, ونقله الحافظ العلائي.
5 ضعيف: في إسناده أبو صالح، هُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، كَاتِبُ اللَّيْثِ، ضعيف لسوء حفظه. ومعاوية هو ابن صالح الحضرمي الحمصى، قاضي الأندلس، صدوق.(4/16)
وَرَوَى أَبُو مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ أَسْلَمَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَشَهِدَ أُحُداً، وَفَرَضَ لَهُ عُمَرُ فِي أَرْبَعِ مائَةٍ -يَعْنِي فِي الشَّهْرِ- أَلْحَقَهُ فِي البَدْرِيِّيْنَ.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: قِيْلَ: لَمْ يَشْهَدْ أُحُداً.
سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ مَكْحُوْلٍ: كَانَتِ الصَّحَابَةُ يَقُوْلُوْنَ: أَرْحَمُنَا بِنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَنْطَقُنَا بِالحَقِّ عُمَرُ، وَأَمِيْنُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَعْلَمُنَا بِالحَرَامِ وَالحَلاَلِ معاذ, وأقرأنا أُبَيّ, وَرَجُلٌ عِنْدَهُ عِلْمٌ ابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَتَبِعَهُم عُوَيْمِرُ أَبُو الدَّرْدَاءِ بِالعَقْلِ1.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ الصَّحَابَةُ يَقُوْلُوْنَ: أَتْبَعُنَا لِلعِلْمِ وَالعَمَلِ أَبُو الدَّرْدَاءِ2.
وَرَوَى عَوْنُ بنُ أَبِي جُحَيْفَةَ, عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ آخَى بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَجَاءهُ سَلْمَانُ يَزُوْرُهُ، فَإِذَا أُمُّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةٌ. فَقَالَ: مَا شَأْنُكِ? قَالَتْ: إِنَّ أَخَاكَ لاَ حَاجَةَ لَهُ فِي الدُّنْيَا، يَقُوْمُ اللَّيْلَ، وَيَصُومُ النَّهَارَ. فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فرحَّب بِهِ وقرَّب إِلَيْهِ طَعَاماً, فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: كُلْ. قَالَ: إِنِّي صَائِمٌ. قَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لتفطرنَّ, فَأَكَلَ مَعَهُ, ثُمَّ بَاتَ عِنْدَهُ, فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيْلِ أَرَادَ أَبُو الدَّرْدَاءِ أَنْ يقوم, فمنعه سلمان، وقال: إِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً, وَلِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقّاً, وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، صُمْ وَأَفْطِرْ وَصَلِّ وَائْتِ أَهْلَكَ, وَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.
فَلَمَّا كَانَ وَجْهُ الصُّبْحِ قَالَ: قُمِ الآنَ إِنْ شئت, فقاما فتوضآ, ثُمَّ رَكَعَا, ثُمَّ خَرَجَا إِلَى الصَّلاَةِ, فَدَنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ لِيُخْبِرَ رَسُوْلَ اللهِ بِالَّذِي أَمَرَهُ سَلْمَانُ, فَقَالَ لَهُ: "يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ, إِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً مِثْلَ مَا قَالَ لَكَ سلمان" 3.
__________
1 ضعيف: لإرساله، مكحول الشامي كثير الإرسال جدًّا, وهو من الطبقة الخامسة، وهي الطبقة الصغرى من التابعين الذين رأوا الواحد والاثنين من الصحابة، ولم يثبت لبعضهم السماع منهم. ومكحول منهم, فلم يدرك أُبَيّ بن كعب، وروى عن أنس وثوبان مرسل، وأرسل عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي عبيد وسعد بن أبي وقاص، وأبي ذر، وعائشة, وأبي هريرة، وطائفة آخرين.
2 ضعيف: أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"، "4/ 1/ 77" من طريق عمرو بن خالد, أخبرنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن مكحول قال: كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يقولون: أتبعنا للعلم والعمل أبو الدرداء، وأعلمنا بالحلال والحرام معاذ".
قلت: إسناده ضعيف، فقد أرسله مكحول، فقد كان كثير الإرسال جدًّا، وهو من الطبقة الخامسة, الطبقة الصغرى من التابعين. ومحمد بن إسحاق مدلّس، وقد عنعنه.
3 صحيح: أخرجه البخاري (1968) من طريق جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو العُمَيْسِ، عَنِ عَوْنِ بنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، به.(4/17)
البابلتِّي: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بنُ عَطِيَّةَ قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لَو أُنْسِيْتُ آيَةً لَمْ أَجِدْ أَحَداً يُذَكِّرُنِيْهَا إلَّا رَجُلاً بِبَرْكِ الغَمَادِ، رَحَلْتُ إِلَيْهِ.
الأَعْمَشُ, عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَلُوْنِي، فَوَاللهِ لَئِنْ فَقَدْتُمُوْنِي لَتَفْقِدُنَّ رَجُلاً عَظِيْماً مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رَبِيْعَةُ القَصِيْرُ, عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ, عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَمِيْرَةَ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ مُعَاذاً الوَفَاةُ قَالُوا: أَوْصِنَا, فَقَالَ: العِلْمُ وَالإِيْمَانُ مَكَانُهُمَا، مَنِ ابْتَغَاهُمَا وَجَدَهُمَا -قَالَهَا ثَلاَثاً, فَالْتَمِسُوا العِلْمَ عِنْدَ أَرْبَعَةٍ: عند عويمر أَبِي الدَّرْدَاءِ, وَسَلْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ, الَّذِي كَانَ يَهُودِيّاً فَأَسْلَمَ.
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ: عُلَمَاءُ النَّاسِ ثَلاَثَةٌ: وَاحِدٌ بِالعِرَاقِ وَآخَرُ بِالشَّامِ -يَعْنِي: أَبَا الدَّرْدَاءِ, وَهُوَ يَحْتَاجُ إِلَى الَّذِي بِالعِرَاقِ -يَعْنِي نَفْسَهُ, وَهُمَا يَحْتَاجَانِ إِلَى الَّذِي بِالمَدِيْنَةِ -يَعْنِي: عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
إِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ.
ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ, عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَجْرِيِّ, قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ لأَبِي الدَّرْدَاءِ: مَا حَمَلَتْ وَرْقَاءُ، وَلاَ أَظَلَّتْ خَضْرَاءُ, أَعْلَمَ مِنْكَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ.
مَنْصُوْرٌ, عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، قَالَ: وَجَدْتُ عِلْمَ الصَّحَابَةِ انْتَهَى إِلَى سِتَّةٍ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ وأُبَيّ, وَزَيْدٍ, وَأَبِي الدَّرْدَاءِ, وَابْنِ مَسْعُوْدٍ, ثُمَّ انْتَهَى عِلْمُهُمْ إِلَى عليٍّ وَعَبْدِ اللهِ.
وَقَالَ خَالِدُ بنُ مَعْدَانَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُوْلُ: حَدِّثُوْنَا عَنِ العَاقِلَيْنِ, فَيُقَالُ: من العاقلان? فيقول: معاذ وأبو الدرداء.
وَرَوَى سَعْدُ بنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ قَالَ: جَمَعَ القُرْآنَ خَمْسَةٌ: مُعَاذٌ، وَعُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وأُبَيّ، وَأَبُو أَيُّوْبَ، فلمَّا كَانَ زَمَنُ عُمَرَ، كَتَبَ إِلَيْهِ يَزِيْدُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ: إنَّ أَهْلَ الشَّامِ قَدْ كثروا وملئوا المَدَائِنَ, وَاحْتَاجُوا إِلَى مَنْ يُعَلِّمُهُمُ القُرْآنَ وَيُفَقِّهُهُمْ, فأعنِّي بِرِجَالٍ يُعَلِّمُوْنَهُمْ, فَدَعَا عُمَرُ الخَمْسَةَ فَقَالَ: إِنَّ إِخْوَانَكُم قَدِ اسْتَعَانُوْنِي مَنْ يُعَلِّمُهُمُ القُرْآنَ وَيُفَقِّهُهُمْ فِي الدِّيْنِ, فَأَعِيْنُوْنِي يَرْحَمْكُمُ اللهُ بِثَلاَثَةٍ مِنْكُمْ إِنْ أَحْبَبْتُمْ, وَإِنِ انْتُدِبَ ثَلاَثَةٌ مِنْكُمْ فَلْيَخْرُجُوا.
فَقَالُوا: مَا كُنَّا لِنَتَسَاهَمَ، هَذَا شَيْخٌ كَبِيْرٌ -لأَبِي أَيُّوْبَ, وَأَمَّا هَذَا فَسَقِيْمٌ -لأُبَيّ, فَخَرَجَ مُعَاذٌ، وَعُبَادَةُ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ.(4/18)
فقال عمر: ابدءوا بِحِمْصَ, فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُوْنَ النَّاسَ عَلَى وُجُوْهٍ مُخْتَلِفَةٍ، مِنْهُمْ مَنْ يَلْقَنُ, فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَوَجِّهُوا إِلَيْهِ طَائِفَةً مِنَ النَّاسِ, فَإِذَا رَضِيْتُمْ مِنْهُمْ فَلْيَقُمْ بِهَا وَاحِدٌ, وَلْيَخْرُجْ وَاحِدٌ إِلَى دِمَشْقَ, وَالآخَرُ إِلَى فِلَسْطِينَ. قَالَ: فَقَدِمُوا حِمْصَ, فَكَانُوا بِهَا حَتَّى إِذَا رَضُوا مِنَ النَّاسِ أَقَامَ بِهَا عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ, وَخَرَجَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِلَى دِمَشْقَ, وَمُعَاذٌ إِلَى فِلَسْطِيْنَ, فَمَاتَ فِي طَاعُوْنِ عَمَوَاسَ1, ثُمَّ صَارَ عُبَادَةُ بَعْدُ إِلَى فِلَسْطِيْنَ وَبِهَا مَاتَ, وَلَمْ يَزَلْ أَبُو الدَّرْدَاءِ بدمشق حتى مات.
الأَحْوَصُ بنُ حَكِيْمٍ, عَنْ رَاشِدِ بنِ سَعْدٍ, قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ أنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ ابْتَنَى كَنِيْفاً بِحِمْصَ, فَكَتَبَ إِلَيْهِ: يَا عُوَيْمِرُ, أَمَا كَانَتْ لَكَ كِفَايَةٌ فِيْمَا بَنَتِ الرُّوْمُ عَنْ تَزْيِيْنِ الدُّنْيَا, وَقَدْ أَذِنَ اللهُ بِخَرَابِهَا, فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي فَانْتَقِلْ إِلَى دِمَشْقَ.
مَالِكٌ, عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ, قَالَ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِذَا قَضَى بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ أَدْبَرَا عَنْهُ نَظَرَ إِلَيْهِمَا, فَقَالَ: ارْجِعَا إِلَيَّ, أَعِيْدَا عَلَيَّ قَضِيَّتَكُمَا.
مَعْمَرٌ, عَنِ الأَعْمَشِ, عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ, عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: كَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِلَى مَسْلَمَةَ بنِ مُخَلَّدٍ: سَلاَمٌ عَلَيْكَ, أمَّا بَعْدُ, فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا عَمِلَ بِمَعْصِيَةِ اللهِ أَبْغَضَهُ اللهُ, فَإِذَا أَبْغَضَهُ اللهُ بغَّضه إِلَى عِبَادِهِ.
وَقَالَ أَبُو وَائِلٍ, عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: إِنِّي لآمُرُكُمْ بِالأَمْرِ وَمَا أَفْعَلُهُ, وَلَكِنْ لعلَّ اللهَ يَأْجُرُنِي فِيْهِ.
شُعْبَةُ, عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ, عَنْ أَبِيْهِ: أنَّ عُمَرَ قَالَ لابْنِ مَسْعُوْدٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ: مَا هَذَا الحَدِيْثُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَأَحْسِبُهُ حَبَسَهُمْ بِالمَدِيْنَةِ حَتَّى أصيب.
سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ, عَنْ مُسْلِمِ بنِ مِشْكَمٍ: قَالَ لِي أَبُو الدَّرْدَاءِ: اعْدُدْ مَنْ في مجلسنا. قال: فجاءوا ألفًا وست مائة ونيفًا, فكانوا يقرءون وَيَتَسَابَقُوْنَ عَشْرَةً عَشْرَةً, فَإِذَا صَلَّى الصُّبْحَ انْفَتَلَ وَقَرَأَ جُزْءاً, فَيُحْدِقُونَ بِهِ يَسْمَعُوْنَ أَلْفَاظَهُ, وَكَانَ ابْنُ عَامِرٍ مقدَّمًا فِيْهِم.
وَقَالَ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يُصَلِّي ثُمَّ يُقْرِئُ وَيَقْرَأُ, حَتَّى إِذَا أَرَادَ القِيَامَ قَالَ لأَصْحَابِهِ: هَلْ مِنْ وَلِيْمَةٍ أَوْ عَقِيْقَةٍ نَشْهَدُهَا? فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ, وَإِلاَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي صَائِمٌ. وَهُوَ الَّذِي سنَّ هَذِهِ الحلق للقراءة.
__________
1 عمواس: قرية على بعد ستة أيام من الرملة على طريق بيت المقدس, وطاعون عمواس كان في "سنة 18هـ" استشهد فيه أبو عبيدة، ومعاذ بن جبل، وغيرهما.(4/19)
قَالَ القَاسِمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِنَ الَّذِيْنَ أُوْتُوا العِلْمَ.
أَبُو الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوْقٍ، قَالَ: شَامَمْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَوَجَدْتُ عِلْمَهُمُ انْتَهَى إِلَى عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللهِ، وَمُعَاذٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ1.
وَعَنْ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: إِنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ مِنَ العُلَمَاءِ وَالفُقَهَاءِ الذين يشفون من الداء.
وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ آخَرَ: رَأَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ دَخَلَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ مِنَ الأَتْبَاعِ مِثْلُ السُّلْطَانِ, فَمِنْ سَائِلٍ عَنْ فَرِيْضَةٍ, وَمِنْ سَائِلٍ عَنْ حِسَابٍ, وَسَائِلٍ عَنْ حَدِيْثٍ, وَسَائِلٍ عَنْ مُعْضِلَةٍ, وَسَائِلٍ عَنْ شِعْرٍ.
قَالَ رَبِيْعَةُ بنُ يَزِيْدَ القَصِيْرُ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِذَا حدَّث عَنْ رَسُوْلِ اللهِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ لاَ هَكَذَا وَإِلاَّ فَكَشَكْلِهِ.
مَنْصُوْرٌ, عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ, قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مَا لِي أَرَى عُلَمَاءكُم يَذْهَبُوْنَ, وَجُهَّالَكُمْ لاَ يَتَعَلَّمُوْنَ, تَعَلَّمُوا فَإِنَّ العَالِمَ والمتعلِّم شَرِيْكَانِ فِي الأَجْرِ.
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مِنْ وَجْهٍ مُرْسَلٍ: لَنْ تَكُوْنَ عَالِماً حَتَّى تَكُوْنَ مُتَعَلِّماً, وَلاَ تُكُوْنُ مُتَعَلِّماً حَتَّى تَكُوْنَ بِمَا عَلِمْتَ عَامِلاً, إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ إِذَا وَقَفْتُ لِلحِسَابِ أَنْ يُقَالَ لِي: مَا عَمِلْتَ فِيْمَا عَلِمْتَ?.
جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ, قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: وَيْلٌ لِلَّذِي لاَ يَعْلَمُ مَرَّةً، وَوَيْلٌ لِلَّذِي يعلم ولا يعمل سبع مرات.
ابْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ عَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ: قُلْتُ لأُمِّ الدَّرْدَاءِ: أَيُّ عِبَادَةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ كَانَتْ أَكْثَرَ? قَالَتْ: التَّفَكُّرُ وَالاعْتِبَارُ.
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ.
عَمْرُو بنُ وَاقِدٍ عَنِ ابْنِ حَلْبَسٍ: قِيْلَ لأَبِي الدَّرْدَاءِ -وَكَانَ لاَ يَفْتُرُ مِنَ الذِّكْرِ: كَمْ تُسَبِّحُ فِي كُلِّ يَوْمٍ? قَالَ: مائَةَ أَلْفٍ, إلَّا أَنْ تُخْطِئَ الأَصَابِعُ.
الأَعْمَشُ, عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ, عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ قَالَ: بَيْنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ يُوْقِدُ تَحْتَ قِدْرٍ لَهُ؛ إِذْ سَمِعْتُ فِي القِدْرِ صَوْتاً يَنْشُجُ كَهَيْئَةِ صَوْتِ الصَّبِيِّ, ثُمَّ انْكَفَأَتِ القِدْرُ, ثُمَّ رَجَعَتْ إلى
__________
1 صحيح: أخرجه ابن سعد "2/ 351".(4/20)
مَكَانِهَا، لَمْ يَنْصَبَّ مِنْهَا شَيْءٌ, فَجَعَلَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يُنَادِي: يَا سَلْمَانُ, انْظُرْ إِلَى مَا لَمْ تَنْظُرْ إِلَى مِثْلِهِ أَنْتَ وَلاَ أَبُوْكَ, فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: أَمَا إِنَّكَ لَو سَكَتَّ لَسَمِعْتَ مِنْ آيَاتِ رَبِّكَ الكُبْرَى.
الأَوْزَاعِيُّ, عَنْ بِلاَلِ بنِ سَعْدٍ: أنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ تَفْرِقَةِ القَلْبِ, قِيْلَ: وَمَا تَفْرِقَةُ القَلْبِ? قَالَ: أَنْ يُجْعَلَ لِي فِي كل وادٍ مال.
رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: لَوْلاَ ثَلاَثٌ مَا أَحْبَبْتُ البَقَاءَ: سَاعَةً ظَمَأُ الهَوَاجِرِ, وَالسُّجُوْدُ فِي اللَّيْلِ, وَمُجَالَسَةُ أَقْوَامٍ يَنْتَقُوْنَ جَيِّدَ الكَلاَمِ كَمَا يُنْتَقَى أَطَايِبُ الثَّمَرِ.
الأَعْمَشُ، عَنْ غَيْلاَنَ، عَنْ يَعْلَى بنِ الوَلِيْدِ قَالَ: لَقِيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَقُلْتُ: مَا تُحِبُّ لِمَنْ تُحِبُّ? قَالَ: المَوْتُ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَمُتْ? قَالَ: يَقِلُّ مَالُهُ وَوَلَدُهُ.
قَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: ثَلاَثَةٌ أُحِبُّهُنَّ وَيَكْرَهُهُنَّ النَّاسُ: الفَقْرُ، وَالمَرَضُ، وَالمَوْتُ. أُحِبُّ الفَقْرَ تَوَاضُعاً لِرَبِّي, وَالمَوْتَ اشْتِيَاقاً لِرَبِّي, وَالمَرَضَ تَكْفِيْراً لِخَطِيْئَتِي.
الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ أَوْجَعَتْ عَيْنُهُ حَتَّى ذَهَبَتْ, فَقِيْلَ لَهُ: لَو دَعَوْتَ اللهَ? فَقَالَ: مَا فَرَغْتُ بَعْدُ مِنْ دُعَائِهِ لِذُنُوْبِي, فَكَيْفَ أَدْعُو لِعَيْنِي?!
حَرِيْزُ بنُ عُثْمَانَ: حَدَّثَنَا رَاشِدُ بنُ سَعْدٍ قال: جاء رجل إلى أبي الدَّرْدَاءِ فَقَالَ: أَوْصِنِي. قَالَ: اذْكُرِ اللهَ فِي السَّرَّاءِ يَذْكُرْكَ فِي الضَّرَّاءِ، وَإِذَا ذَكَرْتَ المَوْتَى فَاجْعَلْ نَفْسَكَ كَأَحَدِهِمْ, وَإِذَا أَشْرَفَتْ نَفْسُكَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا فَانْظُرْ إِلَى مَا يَصِيْرُ.
إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ عَنْ هَمَّامِ بنِ الحَارِثِ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يُقْرِئُ رَجُلاً أَعْجَمِيّاً: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، طَعَامُ الْأَثِيمِ} [الدُّخَانُ 43-44] ، فَقَالَ: "طَعَامُ اليَتِيْمِ" فردَّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَقُوْلَهَا, فَقَالَ: قُلْ: طَعَامُ الفَاجِرِ فَأَقْرَأَهُ "طَعَامُ الفَاجِرِ".
مَنْصُوْرٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُرَّةَ: أنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: اعْبُدِ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، وَعُدَّ نَفْسَكَ فِي المَوْتَى, وَإِيَّاكَ وَدَعْوَةَ المَظْلُوْمِ، وَاعْلَمْ أَنَّ قَلِيْلاً يُغْنِيْكَ خَيْرٌ مِنْ كَثِيْرٍ يُلْهِيْكَ, وَأَنَّ البِرَّ لاَ يَبْلَى, وَأَنَّ الإِثْمَ لاَ يُنْسَى.
شَيْبَانُ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: إِيَّاكَ وَدَعَوَاتِ المَظْلُوْمِ، فَإِنَّهُنَّ يَصْعَدْنَ إِلَى اللهِ كَأَنَّهُنَّ شَرَارَاتٍ مِنْ نَارٍ.
وَرَوَى لُقْمَانُ بنُ عَامِرٍ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: أَهْلُ الأَمْوَالِ يَأْكُلُوْنَ وَنَأْكُلُ, وَيَشْرَبُوْنَ وَنَشْرَبُ, وَيَلْبَسُوْنَ وَنَلْبَسُ, وَيَرْكَبُوْنَ وَنَرْكَبُ, وَلَهُمْ فُضُوْلُ أَمْوَالٍ يَنْظُرُوْنَ إِلَيْهَا وَنَنْظُرُ إِلَيْهَا مَعَهُمْ, وَحِسَابُهُمْ عَلَيْهَا وَنَحْنُ مِنْهَا بُرَآءُ.(4/21)
وَعَنْهُ قَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ الأَغْنِيَاءَ يتمنون أنهم مثلنا عند المَوْتِ, وَلاَ نَتَمَنَّى أَنَّنَا مِثْلُهُمْ حِيْنَئِذٍ، مَا أَنْصَفَنَا إِخْوَانُنَا الأَغْنِيَاءُ، يُحِبُّوْنَنَا عَلَى الدِّيْنِ، وَيُعَادُوْنَنَا عَلَى الدُّنْيَا.
رَوَاهُ صَفْوُانُ بنُ عَمْرٍو الحِمْصِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرٍ.
وَرَوَى صَفْوَانُ, عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ, عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ قُبْرُسُ, مُرَّ بِالسَّبْيِ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فَبَكَى, فَقُلْتُ لَهُ: تَبْكِي فِي مِثْلِ هَذَا اليَوْمِ الَّذِي أعزَّ اللهُ فِيْهِ الإِسْلاَمَ وَأَهْلَهُ! قَالَ: يَا جُبَيْرُ, بَيْنَا هَذِهِ الأُمَّةُ قَاهِرَةٌ ظَاهِرَةٌ؛ إِذْ عَصَوُا اللهَ, فَلَقُوا مَا تَرَى، مَا أَهْوَنَ العِبَادَ عَلَى اللهِ إِذَا هُمْ عَصَوْهُ.
بَقِيَّةُ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الصَّمَدِ, عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، قَالَتْ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لاَ يحدِّث بِحَدِيْثٍ إلَّا تبسَّم فَقُلْتُ: إِنّي أَخَافُ أَنْ يُحَمِّقَكَ النَّاسُ, فَقَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يُحَدِّثُ بِحَدِيْثٍ إلَّا تبسَّم. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي المُسْنَدِ1.
عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي قُدَامَةَ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، قَالَتْ: كَانَ لأَبِي الدَّرْدَاءِ سِتُّوْنَ وَثَلاَثُ مائَةِ خَلِيْلٍ فِي اللهِ, يَدْعُو لَهُمْ فِي الصَّلاَةِ, فَقُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ رَجُلٌ يَدْعُو لأَخِيْهِ فِي الغَيْبِ إلَّا وَكَّلَ الله له مَلَكَيْنِ يَقُوْلاَنِ: وَلَكَ بِمِثْلٍ, أَفَلاَ أَرْغَبُ أَنْ تدعو لي الملائكة.
وَقَالَ أَبُو الزَّاهِرِيَّةِ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِنَّا لنكشِّر فِي وُجُوْهِ أَقْوَامٍ وَإِنَّ قُلُوْبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ.
قَالَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ: لَمَّا احْتُضِرَ أَبُو الدَّرْدَاءِ جَعَلَ يَقُوْلُ: مَنْ يَعْمَلُ لِمِثْلِ يَوْمِي هَذَا, مَنْ يَعْمَلُ لِمِثْلِ مَضْجَعِي هَذَا?
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ, أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ, أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي, وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ, وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِقِيُّ, قَالُوا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ المُسْلِمَةِ, أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ, أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ, حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَائِذٍ, حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بنُ حُمَيْدٍ, حَدَّثَنَا الوَضِيْنُ بنُ عَطَاءٍ, عَنْ يَزِيْدَ بنِ مَزْيَدٍ, قَالَ: ذُكِرَ الدَّجَّالُ فِي مَجْلِسٍ فِيْهِ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ نَوْفٌ البِكَالِيُّ: إِنِّي لِغَيْرِ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ مِنِّي مِنَ الدَّجَّالِ, فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: أَخَافُ أَنْ أستَلَب إِيْمَانِي وَأَنَا لاَ أَشْعُرُ. فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: ثكلتك
__________
1 ضعيف: أخرجه أحمد "5/ 199"، وآفته بقية وهو ابن الوليد، مدلس، يدلس تدليس التسوية، وقد عنعنه.(4/22)
أُمُّكَ يَا ابْنَ الكِنْدِيَّةِ، وَهَلْ فِي الأَرْضِ خَمْسُوْنَ يَتَخَوَّفُوْنَ مَا تَتَخَوَّفُ. ثُمَّ قَالَ: وَثَلاَثُوْنَ، وَعِشْرُوْنَ، وَعَشْرَةٌ, وَخَمْسَةٌ. ثُمَّ قَالَ: وَثَلاَثَةُ, كُلُّ ذَلِكَ يَقُوْلُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, مَا أَمِنَ عَبْدٌ عَلَى إِيْمَانِهِ إلَّا سُلِبَهُ أَوِ انْتُزِعَ مِنْهُ فَيَفْقِدُهُ, وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, مَا الإِيْمَانُ إلَّا كَالقَمِيْصِ يتقمَّصه مرَّة وَيَضَعُهُ أُخْرَى.
قَالَ الوَاقِدِيُّ وَأَبُو مُسْهِرٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ: مَاتَ أَبُو الدَّرْدَاءِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ.
وَعَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، قَالَ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ.
فَهَذَا خَطَأٌ؛ لأنَّ الثَّوْرِيَّ رَوَى عَنِ الأَعْمَشِ, عَنْ عُمَارَةَ بنِ عُمَيْرٍ, عَنْ حُرَيْثِ بنِ ظُهَيْرٍ, قَالَ: لَمَّا جَاءَ نَعْيٌ -يَعْنِي ابْنَ مَسْعُوْدٍ- إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ, قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَمْ يُخَلِّفْ بَعْدَهُ مِثْلَهُ, وَوَفَاةُ عَبْدِ اللهِ فِي سَنَةِ 32.
وَرَوَى إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: مَاتَ أَبُو الدَّرْدَاءِ قَبْلَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وَقِيْلَ: الَّذِيْنَ فِي حَلْقَةِ إِقْرَاءِ أَبِي الدَّرْدَاءِ كَانُوا أَزْيَدَ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ، وَلِكُلِّ عَشْرَةٍ مِنْهُم ملقِّن, وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَطُوْفُ عَلَيْهِم قَائِماً, فَإِذَا أَحْكَمَ الرَّجُلُ مِنْهُم تحوَّل إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ -يَعْنِي: يَعْرِضُ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: مَنْ أَكْثَرَ ذكر الموت قلَّ فرحه وقلَّ حسده.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 84"، أسد الغابة "4/ 327".(4/23)
165- عياض بن غنم 1:
ابن زُهَيْرِ بنِ أَبِي شَدَّادٍ, أَبُو سَعْدٍ الفِهْرِيُّ.
مِمَّنْ بَايَعَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَاسْتَخْلَفَهُ قَرَابَتُهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ لَمَّا احْتُضِرَ عَلَى الشَّامِ.
حدَّث عَنْهُ: جُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَغَيْرُهُ.
وَكَانَ خيِّرًا، صَالِحاً، زَاهِداً، سَخِيّاً، وَهُوَ الَّذِي افْتَتَحَ الجَزِيْرَةَ صُلْحاً. أَقَرَّهُ عُمَرُ عَلَى الشَّامِ, فَعَاشَ بَعْدُ نَحْواً مِنْ عَامَيْنِ.
وَقِيْلَ: عَاشَ سِتِّيْنَ سَنَةً, وَمَاتَ فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ بِالشَّامِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: شَهِدَ الحُدَيْبِيَةَ, وَكَانَ أَحَدَ الأُمَرَاءِ الخمسة يوم اليرموك.
رَوَى عَنْهُ: عِيَاضُ بنُ عَمْرٍو الأَشْعَرِيُّ.
قُلْتُ: فَأَمَّا عِيَاضُ بنُ زُهَيْرٍ الفِهْرِيُّ فَبَدْرِيٌّ كَبِيْرٌ, وَهُوَ عَمُّ عِيَاضِ بنِ غَنْمٍ، يكنَّى أَيْضاً: أَبَا سَعْدٍ، لاَ رِوَايَةَ لَهُ، تُوُفِّيَ زَمَنَ عُثْمَانَ فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 84"، أسد الغابة "4/ 327".(4/23)
166- سلمة بن سلامة 1:
ابن وقش بن زغبة بن زَعُوْرَاءَ بنِ عَبْدِ الأَشْهَلِ، أَبُو عَوْفٍ الأَشْهَلِيُّ, ابْنُ عَمَّةِ مُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ.
شَهِدَ العَقَبَتَيْنِ وَبَدْراً وَأُحُداً، وَالمَشَاهِدَ.
وَلَهُ حَدِيْثٌ فِي مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ مَحْمُوْدِ بنِ لَبِيْدٍ عنه.
قِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِيْنَ سَنَةً, وَدُفِنَ بِالمَدِيْنَةِ, وَقَدِ انْقَرَضَ عَقِبُهُ.
آخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي سَبْرَةَ بنِ أَبِي رُهْمٍ العَامِرِيِّ, وقيل: بينه وبين الزبير بن العوام.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ ترجمة 439"، التاريخ الكبير "4/ ترجمة 1986"، أسد الغابة "2/ 428"، الإصابة "2/ ترجمة 3381".(4/24)
167- النعمان بن مقرن 1:
أبو حكيم وَقِيْلَ: أَبُو عَمْرٍو المُزَنِيُّ الأَمِيْرُ, صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كَانَ إِلَيْهِ لِوَاءُ قَوْمِهِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ, ثُمَّ كَانَ أَمِيْرَ الجَيْشِ الَّذِيْنَ افْتَتَحُوا نَهَاوَنْدَ2، فاستُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ.
وَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ, فَنَعَاهُ عُمَرُ عَلَى المِنْبَرِ إِلَى المُسْلِمِيْنَ وَبَكَى.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ مُعَاوِيَةُ، وَمَعْقِلُ بنُ يَسَارٍ، وَمُسْلِمُ بنُ الهَيْضَمِ، وَجُبَيْرُ بنُ حَيَّةَ الثَّقَفِيُّ.
وَكَانَ مَقْتَلُهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ يَوْم جُمُعَةٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
زَائِدَةُ: حدَّثنا عَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ الجَرْمِيُّ: حدَّثني أَبِي أَنَّهُ أَبْطَأ عَلَى عُمَرَ خَبَرُ نَهَاوَنْدَ وَابْنِ مُقَرِّنٍ، وَأَنَّهُ كَانَ يَسْتَنْصِرُ، وَأَنَّ النَّاسَ كَانُوا مِمَّا يَرَوْنَ مِنِ اسْتِنْصَارِهِ لَيْسَ هَمُّهُمْ إلَّا نَهَاوَنْدَ وَابْنَ مُقَرِّنٍ, فَجَاءَ إِلَيْهِمْ أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِرٌ, فَلَمَّا بَلَغَ البَقِيْعَ قَالَ: مَا أَتَاكُمْ عَنْ نَهَاوَنْدَ? قَالُوا: وَمَا ذَاكَ? قَالَ: لاَ شَيْءَ, فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ فَأَتَاهُ فَقَالَ: أَقْبَلْتُ بِأَهْلِي مُهَاجِراً حَتَّى وَرَدْنَا مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فلمَّا صَدَرْنَا, إِذَا نَحْنُ بِرَاكِبٍ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ, فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللهِ, مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ? قَالَ: مِنَ العِرَاقِ, قُلْتُ: مَا خَبَرُ النَّاسِ؟ قَالَ: اقْتَتَلَ النَّاسُ بِنَهَاوَنْدَ، فَفَتَحَهَا اللهُ، وقُتِلَ ابْنُ مُقَرِّنٍ, وَاللهِ مَا أَدْرِي أَيُّ النَّاسِ هُوَ, وَلاَ مَا نَهَاوَنْدَ? فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيُّ يَوْمٍ ذَاكَ مِنَ الجُمُعَةِ؟ قَالَ: لاَ, قَالَ عُمَرُ: لَكِنِّي أَدْرِي, عُدَّ مَنَازِلَكَ. قَالَ: نَزَلْنَا مَكَانَ كَذَا, ثُمَّ ارْتَحَلْنَا فَنَزَلْنَا مَنْزِلَ كَذَا, حَتَّى عَدَّ. فَقَالَ عُمَرُ: ذَاكَ يَوْمُ كَذَا وَكَذَا مِنَ الجُمُعَةِ, لَعَلَّكَ تَكُوْنُ لَقِيْتَ بَرِيْداً مِنْ برد الجنّ, فإن لهم بردًا.
فَلَبِثَ مَا لَبِثَ ثُمَّ جَاءَ البَشِيْرُ بِأَنَّهُمُ التقوا ذلك اليوم.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 18"، التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2222"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 2035"، أسد الغابة "5/ 342"، تهذيب الكمال "29/ ترجمة 6448"، الكاشف "3/ ترجمة 5951", تجريد أسماء الصحابة "2/ ترجمة 1246", تهذيب التهذيب "10/ ترجمة 826"، الإصابة "3/ ترجمة 8759"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7535".
2 نهاوند: مدينة في قبلة همذان بينهما ثلاثة أيام, كان فتحها في خلافة عمر سنة "21"هـ.(4/25)
بنو عفراء:
168- معاذ بن الحارث 1:
ابن رفاعة بن الحَارِثِ بنِ سَوَادِ بنِ مَالِكِ بنِ غَنْمِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّجَّارِ الأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ.
أَخُو عَوْفٍ، وَرَافِعٍ، وَرِفَاعَةَ.
وَأُمُّهُمْ عَفْرَاءُ بِنْتُ عُبَيْدِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عُبَيْدِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ غَنْمِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّجَّارِ, كَانَ شَهِدَ بَدْراً.
وَلَهُ مِنَ الوَلَدِ: عُبَيْدُ اللهِ, وَالحَارِثُ, وَعَوْفٌ, وَسَلْمَى، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَعَائِشَةُ، وَسَارَةُ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: يُرْوَى أَنَّ مُعَاذاً هَذَا، وَرَافِعَ بنَ مَالِكٍ الزُّرَقِيَّ, أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الأَنْصَارِ بِمَكَّةَ, وَأَمْرُ السِّتَّةِ أَثْبَتُ.
وَشَهِدَ مُعَاذٌ العَقَبَتَيْنِ جَمِيْعاً, وَآخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْمَرِ بنِ الحَارِثِ الجُمَحِيِّ, أَحَدُ البدريين.
وَمَاتَ مُعَاذٌ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ, وَلَهُ عَقِبٌ.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 491"، التاريخ الكبير "7/ ترجمة 155"، ثقات ابن حبان "3/ 370"، أسد الغابة "4/ 378"، الإصابة "3/ ترجمة 8039"، تهذيب الكمال "28/ ترجمة 6021"، تهذيب التهذيب "10/ ترجمة 348"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7049".(4/25)
169- معوّذ بن الحارث 1:
ابن رفاعة ابْنُ عَفْرَاءَ، وَهُوَ وَالِدُ الرُّبَيِّع بِنْتِ مُعَوِّذٍ، وَأُخْتُهَا عُمَيْرَةُ.
شَهِدَ العَقَبَةَ مَعَ السَّبْعِيْنَ، عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ فَقَطْ.
وَهُوَ الَّذِي قِيْلَ: إِنَّهُ ضَرَبَ أَبَا جَهْلٍ هُوَ وَأَخُوْهُ عَوْفٌ حَتَّى أَثْخَنَاهُ, وَعَطَفَ هُوَ عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا، ثُمَّ وَقَعَ صَرِيْعاً، ثُمَّ ذفَّفَ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُوْدٍ.
وَكَانَ مُعَوِّذٌ وَعَوْفٌ قَدْ وَقَفَا يَوْمَئِذٍ فِي الصَّفِّ بِجَنْبِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ وَقَالاَ لَهُ: يَا عَمُّ, أَتَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ, فَإِنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّهُ يُؤْذِي رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم, فدلهما عليه، فشدا معًا عليه2.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 492"، أسد الغابة "5/ 240"، الإصابة "3/ ترجمة 8162".
2 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه أحمد "3/ 115 و129" وابن أبي شيبة "14/ 373" والبخاري "3962" و"3963" و"4020"، ومسلم "1800"، وأبو يعلى "4063" و"4074", وأبو عوانة "4/ 228 و228-229"، والبيهقي "9/ 29", وفي "الدلائل" "3/ 86" من طرق عن سليمان التيمي، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- يوم بدر: "من ينظر ما فعل أبو جهل"؟ انطق ابن مسعود، فوجد ابني عفراء قد ضرباه حتى برَدَ، فأخذ بلحيته فقال: أنت أبا جهل؟! فقال: وهل فوق رجل قتلتموه -أو قتله قومه؟(4/26)
170- عوف بن الحارث 1:
ابن رفاعة ابن عفراء.
شَهِدَ العَقَبَةَ, وَبَعْضُهُمْ عدَّه أَحَدَ السِّتَّةِ النَّفَرِ الَّذِيْنَ لَقَوْا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوَّلاً.
شَهِدَ بَدْراً، وَاسْتُشْهِدَ.
وَأَخُوْهُمُ الرَّابِعُ:
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 492"، أسد الغابة "4/ 311"، الإصابة "3/ ترجمة 6092".(4/26)
171- رفاعة 1:
بَدْرِيٌّ, تفرَّد بِذِكْرِهِ ابْنُ إِسْحَاقَ. فَقَالَ الوَاقِدِيُّ: لَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَنَا بِثَبْتٍ.
وَلِعَوْفٍ عَقِبٌ.
قَالَ جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سِيْرِيْنَ يَقُوْلُ فِي قَتْلِ أَبِي جَهْلٍ: أَقْعَصَهُ2 ابْنَا عَفْرَاءَ وذفَّفَ عَلَيْهِ3 ابْنُ مَسْعُوْدٍ.
وَفِي رِوَايَةِ صَالِحُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيْهِ, عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ اللَّذَيْنِ سَأَلاَهُ وَقَتَلاَ أَبَا جَهْلٍ: مُعَاذُ بنُ عَمْرِو بن الجموح, ومعاذ ابن عفراء4. وهو أصحّ.
__________
1 ترجمته في العبر "1/ 41".
2 أقعصه: قتله مكانه.
3 ذفَّفَ عليه: أجهز عليه.
4 صحيح: أخرجه البخاري "3964" من طريق يوسف بن الماجشون، عن صالح بن إبراهيم، به. وراجع تخريجنا السابق رقم "44".(4/27)
172- حذيفة بن اليمان 1: "ع"
مِنْ نُجَبَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَهُوَ صَاحِبُ السِّرِّ2.
وَاسْمُ اليَمَانِ: حِسل, وَيُقَالُ: حُسَيْلٌ ابْنُ جَابِرٍ العَبْسِيُّ، اليَمَانِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، حَلِيْفُ الأَنْصَارِ، مِنْ أَعْيَانِ المُهَاجِرِيْنَ.
حدَّث عَنْهُ: أَبُو وَائِلٍ؛ وَزِرُّ بنُ حُبَيْشٍ، وَزَيْدُ بنُ وَهْبٍ, وَرِبْعِيُّ بنُ حِرَاشٍ, وَصِلَةُ بنُ زُفَرَ, وَثَعْلَبَةُ بنُ زَهْدَمٍ، وَأَبُو العَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى, وَمُسْلِمُ بنُ نُذَيْرٍ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَقَيْسُ بنُ عُبَادٍ، وَأَبُو البَخْتَرِيِّ الطَّائِيُّ، وَنُعَيْمُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَهَمَّامُ بنُ الحَارِثِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ.
لَهُ فِي "الصَّحِيْحَيْنِ" اثْنَا عَشَرَ حَدِيْثاً، وَفِي البُخَارِيِّ ثَمَانِيَةٌ, وَفِي مُسْلِمٍ سَبْعَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 317"، التاريخ الكبير "3/ ترجمة 332"، الجرح والتعديل "3/ ترجمة 1140"، أسد الغابة "1/ 468"، الإصابة "1/ ترجمة 1647"، تهذيب الكمال "5/ ترجمة 1147"، تهذيب التهذيب "2/ ترجمة 405"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1267".
2 صحيح: أخرجه البخاري "3743".(4/27)
وَكَانَ وَالِدُهُ حِسْلٌ قَدْ أَصَابَ دَماً فِي قَوْمِهِ، فَهَرَبَ إِلَى المَدِيْنَةِ، وَحَالَفَ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، فسمَّاه قَوْمُهُ اليَمَانَ؛ لِحِلْفِهِ لِلْيَمَانِيَّةِ، وَهُمُ الأَنْصَارُ.
شَهِدَ هُوَ وَابْنُهُ حُذَيْفَةُ أُحُداً، فَاسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ، قَتَلَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ غَلَطاً, وَلَمْ يَعْرِفْهُ؛ لأَنَّ الجَيْشَ يَخْتَفُوْنَ فِي لأْمَةِ الحَرْبِ وَيَسْتُرُوْنَ وُجُوْهَهُمْ, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلاَمَةٌ بَيِّنَةٌ وَإِلاَّ رُبَّمَا قَتَلَ الأَخُ أَخَاهُ وَلاَ يَشْعُرُ.
وَلَمَّا شَدُّوْا عَلَى اليَمَانِ يَوْمَئِذٍ, بَقِيَ حُذَيْفَةُ يَصِيْحُ: أَبِي! أَبِي! يَا قَوْمُ! فَرَاحَ خَطَأً, فَتَصَدَّقَ حُذَيْفَةُ عَلَيْهِم بِدِيَتِهِ1.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: آخَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين حُذَيْفَةَ وعمَّار, وَكَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ.
إِسْرَائِيْلُ, عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ, عَنْ رَجُلٍ, عَنْ حُذَيْفَةَ: أنه أقبل هو وَأَبُوْهُ, فَلَقِيَهُمْ أَبُو جَهْلٍ قَالَ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالاَ: حَاجَةٌ لَنَا. قَالَ: مَا جِئْتُمْ إلَّا لِتُمِدُّوا مُحَمَّداً, فَأَخَذُوا عَلَيْهِمَا مَوْثِقاً ألَّا يُكَثِّرَا عَلَيْهِمْ, فَأَتَيَا رَسُوْلَ اللهِ، فَأَخْبَرَاهُ2.
ابْنُ جُرَيْجٍ, أَخْبَرَنِي أَبُو حَرْبٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ, قَالَ: وَعَنْ رَجُلٍ، عَنْ زَاذَانَ, أنَّ عَلِيّاً سُئِلَ عَنْ حُذَيْفَةَ فَقَالَ: عَلِمَ المُنَافِقِيْنَ, وَسَأَلَ عَنِ المُعْضِلاَتِ, فَإِنْ تَسْأَلُوْهُ تَجِدُوْهُ بِهَا عَالِماً.
أَبُو عَوَانَةَ, عَنْ سُلَيْمَانَ, عَنْ ثَابِتٍ أَبِي المِقْدَامِ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ حُذَيْفَةَ -وَأَنَا عِنْدَهُ- فَقَالَ: مَا النِّفَاقُ؟ قَالَ: أَنْ تَتَكَلَّمَ بِالإِسْلاَمِ وَلاَ تَعْمَلَ بِهِ.
سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ, أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ فِي عَهْدِ حُذَيْفَةَ عَلَى المَدَائِنِ: اسَمَعُوا لَهُ وَأَطِيْعُوا وَأَعْطُوْهُ مَا سَأَلَكُمْ, فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ عَلَى حِمَارٍ مُوْكَفٍ, تَحْتَهُ زَادُهُ, فلمَّا قَدِمَ اسْتَقْبَلَهُ الدَّهَاقِيْنُ وَبِيَدِهِ رغيف وعرق من لحم.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4065"، وابن سعد "2/ 45" من طريق أبي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قالت: "لما كان يوم أحد هزم المشركون, فصرخ إبليس لعنة الله عليه: أي عباد الله، أخراكم، فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم، فبَصُرَ حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان, فقال: أي عباد الله، أبي أبي. قال: قالت: فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه. فقال حذيفة: يغفر الله لكم. قال عروة. فوالله ما زالت في حذيفة بقية خير حتى لحق بالله".
2 ضعيف: فيه عنعنة أبي إسحاق، وهو السبيعي، فقد كان مدلسًا مشهورًا بالتدليس, وفيه إبهام الرجل الذي روى عنه أبو إسحاق السبيعي.(4/28)
وَلِيَ حُذَيْفَةُ إِمْرَةَ المَدَائِنِ لِعُمَرَ، فَبَقِيَ عَلَيْهَا إِلَى بَعْدِ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، وَتُوُفِّيَ بَعْدَ عُثْمَانَ بِأَرْبَعِيْنَ لَيْلَةً.
قَالَ حُذَيْفَةُ: مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْراً إلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي، فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا: إِنَّكم تُرِيْدُوْنَ مُحَمَّداً! فَقُلْنَا: مَا نُرِيْدُ إلَّا المَدِيْنَةَ. فَأَخَذُوا العَهْدَ عَلَيْنَا: لننصرفنَّ إِلَى المَدِيْنَةِ، وَلاَ نُقَاتِلُ مَعَهُ. فَأَخْبَرْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: "نَفِيْ بِعَهْدِهِمْ, وَنَسْتَعِيْنُ اللهَ عَلَيْهِم" 1.
وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أسرَّ إِلَى حُذَيْفَةَ أَسْمَاءَ المُنَافِقِيْنَ, وَضَبَطَ عَنْهُ الفِتَنَ الكَائِنَةَ فِي الأُمَّةِ2.
وَقَدْ نَاشَدَهُ عُمَرُ: أَأَنَا مِنَ المُنَافِقِيْنَ? فَقَالَ: لاَ، وَلاَ أُزَكِّي أَحَداً بَعْدَكَ.
وَحُذَيْفَةُ هُوَ الَّذِي نَدَبَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ الأَحْزَابِ لِيَجُسَّ لَهُ خَبَرَ العَدُوِّ3, وَعلَى يَدِهِ فُتِحَ الدِّيْنَوَرُ عَنْوَةً, وَمَنَاقِبُهُ تَطُوْلُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
أَبُو إِسْحَاقَ, عَنْ مُسْلِمِ بنِ نُذَيْرٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بعضلة ساقي، فقال: "الائتزار ههنا، فإن أبيت فأسفل، فإن أبيت، فلاحق للإزار فيما أسفل من الكعبين".
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "1787" من طريق أبي أسامة، عن الوليد بن جُميع، حدثنا أبو الطفيل، حدثنا حذيفة بن اليمان, فذكره.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3606" و"7084"، ومسلم "1847", "51"، والبيهقي في السنن "8/ 190"، وفي الدلائل "6/ 490"، والبغوي "4222" من طرق عن الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ, حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي بسر بن عبيد الله الحضرمي, أنه سمع أبا إدريس الخولاني, أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيَّرَ الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله, إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: "نعم". قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم, وبه دخن". قلت: وما دخنه؟ قال: "قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر"، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها". قلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: "هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا". قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم"، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك".
3 صحيح: أخرجه مسلم "1788" من طريق الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، به في حديث طويل.(4/29)
وفي لفظ: "فلاحق لِلإِزَارِ فِي الكَعْبَيْنِ" 1.
عَقِيْلٌ، وَيُوْنُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيْسَ، سَمِعَ حُذَيْفَةَ يَقُوْلُ: "وَاللهِ, إِنِّي لأَعْلَمُ النَّاسِ بِكُلِّ فِتْنَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ السَّاعَةِ"2.
قَالَ حُذَيْفَةُ: كَانَ الناس يسألون رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الخير, وكنت أسأله عن الشر مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي3.
الأَعْمَشُ, عَنْ أَبِي وَائِلٍ, عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَامَ فِيْنَا رَسُوْلُ اللهِ مَقَاماً, فَحَدَّثَنَا بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ, فَحَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ, وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ4.
قُلْتُ: قَدْ كَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرَتِّلُ كَلاَمَهُ وَيُفَسِّرُهُ, فَلَعَلَّهُ قَالَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ مَا يُكْتَبُ فِي جُزْءٍ؛ فَذَكَرَ أَكْبَرَ الكَوَائِنِ، وَلَوْ ذَكَرَ أَكْثَرَ مَا هُوَ كَائِنٌ فِي الوُجُوْدِ لَمَا تَهَيَّأَ أَنْ يَقُوْلَهُ فِي سَنَةٍ، بَلْ وَلاَ فِي أَعْوَامٍ, فَفَكِّرْ فِي هَذَا.
مَاتَ حُذَيْفَةُ بِالمَدَائِنِ, سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ، وَقَدْ شَاخَ.
قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: بَعَثَ عُمَرُ حُذَيْفَةَ عَلَى المَدَائِنِ، فَقَرَأَ عَهْدَهُ عَلَيْهِم. فَقَالُوا: سَلْ مَا شِئْتَ. قَالَ: طَعَاماً آكُلُهُ، وَعَلَفَ حِمَارِي هَذَا -مَا دُمْتُ فِيْكُمْ- مِنْ تِبْنٍ.
فَأَقَام فِيْهِم مَا شَاءَ اللهُ؛ ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: اقْدُمْ.
فَلَمَّا بَلَغَ عُمَرَ قُدُوْمُهُ, كَمَنَ لَهُ عَلَى الطَّرِيْقِ؛ فلمَّا رَآهُ عَلَى الحَالِ الَّتِي خَرَجَ عَلَيْهَا, أَتَاهُ فَالْتَزَمَهُ، وَقَالَ: أنت أخي، وأنا أخوك.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 140 و249 و256"، والبيهقي في "شعب الإيمان" من طرق عن حميد، عن أنس مرفوعًا.
قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وللحديث شواهد منها: ما رواه ابن حبان "1447"، وأحمد "5/ 382 و396 و398 و400"، والحميدي "445" عن مسلم بن نذير، عن حذيفة.
وتابعه عند ابن حبان "1448" الأغر أبو مسلم عن حذيفة.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2891"، وأحمد "5/ 388 و407" من طرق عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ أَبَا إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيَّ كان يقول: قال حذيفة بن اليمان: فذكره.
3 صحيح: سبق تخريجنا له قريبا بتعليق رقم "55"، وهو عند البخاري "3606" و"7084" ومسلم "1847" "51"، وغيرهما فراجعه ثَمَّتَ.
4 صحيح: أخرجه البخاري "6604"، ومسلم "2891".(4/30)
مَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ, عَنْ طَلْحَةَ: قَدِمَ حُذَيْفَةُ المَدَائِنَ عَلَى حِمَارٍ، سَادِلاً رِجْلَيْهِ، وَبِيَدِهِ عَرْقٌ وَرَغِيْفٌ.
سَعِيْدُ بنُ مَسْرُوْقٍ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ: هُوَ رَكُوْبُ الأَنْبِيَاءِ، يَسْدِلُ رِجْلَيْهِ مِنْ جَانِبٍ.
أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: سَمِعتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَقُوْلُ: كَانَ حُذَيْفَةُ يَجِيْءُ كُلَّ جُمُعَةٍ مِنَ المَدَائِنِ إِلَى الكُوْفَةِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَقُلْتُ لَهُ: يُمْكِنُ هَذَا؟ قَالَ: كَانَتْ لَهُ بَغْلَةٌ فَارِهَةٌ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله الأسدي, حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ العَبَّاسِ, عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الغَطَفَانِيِّ، قَالَ: كَانَ حُذَيْفَةُ لاَ يَزَالُ يُحَدِّثُ الحَدِيْثَ يَسْتَفْظِعُوْنَهُ, فَقِيْلَ لَهُ: يُوْشِكُ أَنْ تُحَدِّثَنَا أَنَّهُ يَكُوْنُ فِيْنَا مَسْخٌ! قَالَ: نَعَمْ, ليكوننَّ فِيْكُمْ مَسْخٌ قِرَدَةٌ وَخَنَازِيْرُ.
أَبُو وَائِلٍ, عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اكْتُبُوا لِي مَنْ تلفَّظ بِالإِسْلاَمِ مِنَ النَّاسِ" فَكَتَبْنَا لَهُ أَلْفاً وَخَمْسَ مائَةٍ1.
سُفْيَانُ, عَنِ الأَعْمَشِ, عَنْ مُوْسَى بن عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ, عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ: كَانَ فِي خَاتَمِ حُذَيْفَةَ كُرْكِيَّانِ بَيْنَهُمَا: الحَمْدُ للهِ.
عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ, عَنِ الأَعْمَشِ, عَنْ مُوْسَى, عَنْ أُمِّهِ, قَالَتْ: كَانَ خَاتَمُ حُذَيْفَةَ مِنْ ذَهَبٍ, فِيْهِ فَصُّ يَاقُوْتٍ أَسْمَانْجُوْنَه, فِيْهِ كُرْكِيَّانِ مُتَقَابِلاَنِ, بَيْنَهُمَا: الحَمْدُ للهِ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ, أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ, عَنِ الحَسَنِ, عن جندب: أن حُذَيْفَةَ قَالَ: مَا كَلاَمٌ أَتَكَلَّمُ بِهِ يَرُدُّ عَنِّي عِشْرِيْنَ سَوْطاً إلَّا كُنْتُ مُتَكَلِّماً بِهِ.
خَالِدٌ, عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ, عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: إِنِّي لأَشْتَرِي دِيْنِي بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، مَخَافَةَ أَنْ يَذْهَبَ كُلُّهُ.
أَبُو نُعَيْمٍ, حَدَّثَنَا سَعْدُ بنُ أَوْسٍ، عَنْ بِلاَلِ بنِ يَحْيَى قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ حُذَيْفَةَ كَانَ يَقُوْلُ: مَا أَدْرَكَ هَذَا الأَمْرَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ إلَّا قَدِ اشْتَرَى بَعْضَ دِيْنِهِ بِبَعْضٍ. قَالُوا: وَأَنْتَ؟ قَالَ: وَأَنَا, وَاللهِ إِنِّي لأَدْخُلُ عَلَى أَحَدِهِمْ -وَلَيْسَ أَحَدٌ إلَّا فِيْهِ مَحَاسِنُ وَمَسَاوِئُ- فَأَذْكُرُ مِنْ مَحَاسِنِهِ, وَأُعْرِضُ عمَّا سِوَى ذَلِكَ, وَرُبَّمَا دَعَانِي أَحَدُهُمْ إِلَى الغَدَاءِ فَأَقُوْلُ: إِنِّي صَائِمٌ وَلَسْتُ بِصَائِمٍ.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "149"، وابن ماجه "4029"، وأحمد "5/ 384" من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة قال: فذكره.(4/31)
جَمَاعَةٌ, عَنِ الحَسَنِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَ حُذَيْفَةَ المَوْتُ قَالَ: حَبِيْبٌ جَاءَ عَلَى فَاقَةٍ؛ لاَ أَفْلَحَ مَنْ نَدِمَ! أَلَيْسَ بَعْدِي مَا أَعْلَمُ؟ الحَمْدُ للهِ الَّذِي سَبَقَ بِي الفِتْنَةَ, قَادَتَهَا وَعُلُوْجَهَا.
شُعْبَةُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَيْسَرَةَ, عَنِ النَزَّالِ بنِ سَبْرَةَ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي مَسْعُوْدٍ الأَنْصَارِيِّ, مَاذَا قَالَ حُذَيْفَةُ عِنْدَ مَوْتِهِ؟ قَالَ: لَمَّا كَانَ عِنْدَ السَّحَرِ، قَالَ: أَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ صَبَاحٍ إِلَى النَّارِ -ثَلاَثاً, ثُمَّ قَالَ: اشْتَرُوا لِي ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ؛ فَإِنَّهُمَا لَنْ يُتْرَكَا عَلَيَّ إلَّا قَلِيْلاً حَتَّى أُبْدَلَ بِهِمَا خيرًا منهما، أو أسلبهما سلبًا قبيحًا.
شُعْبَةُ أَيْضاً, عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بنِ زُفَرَ, عَنْ حُذَيْفَةَ, قَالَ: ابْتَاعُوا لِي كفنًا, فجاءوا بِحُلَّةٍ ثَمَنُهَا ثَلاَثُ مائَةٍ, فَقَالَ: لاَ, اشْتَرُوا لِي ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ.
وَعَنْ جُزَى بنِ بُكَيْرٍ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ فَزِعْنَا إِلَى حُذَيْفَةَ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ حُذَيْفَةُ بِالمَدَائِنِ بَعْدَ عُثْمَانَ, وَلَهُ عَقِبٌ, وَقَدْ شَهِدَ أَخُوْهُ صَفْوَانُ بنُ اليَمَانِ أُحُداً.(4/32)
173- محمد بن مسلمة 1: "ع"
ابن سلمة بن خالد بن عَدِيِّ بنِ مَجْدَعَةَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ -وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو سَعِيْدٍ- الأَنْصَارِيُّ الأَوْسِيُّ, مِنْ نُجَبَاءِ الصَّحَابَةِ, شَهِدَ بَدْراً وَالمَشَاهِدَ.
وَقِيْلَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَخْلَفَهُ مَرَّةً عَلَى المَدِيْنَةِ, وَكَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مِمَّنِ اعْتَزَلَ الفِتْنَةَ, وَلاَ حَضَرَ الجَمَلَ وَلاَ صِفِّيْنَ، بَلِ اتَّخَذَ سَيْفاً مِنْ خَشَبٍ, وتحوَّل إلى الربذة فأقام بها مديدة.
رَوَى جَمَاعَةَ أَحَادِيْثَ.
رَوَى عَنْهُ: المِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ، وَسَهْلُ بنُ أَبِي حَثْمَةَ، وَقَبِيْصَةُ بنُ ذُؤَيْبٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجُ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو بُرْدَةَ بنُ أَبِي مُوْسَى، وَابْنُهُ مَحْمُوْدُ بنُ مُحَمَّدٍ.
وَهُوَ حَارِثيٌّ، مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ.
وَكَانَ رَجُلاً طُوَالاً، أَسْمَرَ، مُعْتَدِلاً, أصلع، وقورًا.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 443-445"، التاريخ الكبير "1/ ترجمة 1", والجرح والتعديل "8/ ترجمة 316"، وأسد الغابة "5/ 112"، الإصابة "3/ ترجمة 7806"، تهذيب الكمال "26/ ترجمة 5610"، تهذيب التهذيب "9/ ترجمة 737"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6658".(4/32)
وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ عَلَى زَكَاةِ جُهَيْنَةَ, وَقَدْ كَانَ عُمَرُ إِذَا شُكِيَ إِلَيْهِ عَامِلٌ نَفَّذَ مُحَمَّداً إِلَيْهِم لِيَكْشِفَ أَمْرَهُ.
خَلَّفَ مِنَ الوَلَدِ: عَشْرَةَ بَنِيْنَ؛ وَسِتَّ بَنَاتٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَقِيْلَ: اسْمُ جَدِّهِ خَالِدُ بنُ عَدِيِّ بنِ مَجْدَعَةَ.
وَقَدِمَ لِلْجَابِيَةَ، فَكَانَ عَلَى مُقَدِّمَةِ جَيْشِ عُمَرَ.
عَبَّادُ بنُ مُوْسَى السَّعْدِيُّ, حَدَّثَنَا يُوْنُسُ, عَنِ الحَسَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ، قَالَ: مَرَرْتُ، فَإِذَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الصَّفَا وَاضِعاً يَدَهُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ, فَذَهَبْتُ, فَقَالَ: "مَا مَنَعَكَ أَنْ تسلِّمَ" ? قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ, فَعَلْتَ بِهَذَا الرَّجُلِ شَيْئاً مَا فَعَلْتَهُ بِأَحَدٍ, فَكَرِهْتُ أَنْ أَقْطَعَ عَلَيْكَ حَدِيْثَكَ، مَنْ كَانَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: "جِبْرِيْلُ, وَقَالَ لِي: هَذَا مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ لَمْ يُسَلِّمْ, أَمَا إِنَّهُ لَوْ سلَّمَ رَدَدْنَا عَلَيْهِ السَّلاَمَ". قُلْتُ: فَمَا قَالَ لَكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: "مَا زَالَ يُوصِيْنِي بالجار حتى ظننت أنه يأمرني فأورثه" 1.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَسْلَمَ مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ عَلَى يَدِ مُصْعَبِ بنِ عُمَيْرٍ، قَبْلَ إِسْلاَمِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ, قَالَ: وَآخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَاسْتَخْلَفَهُ عَلَى المَدِيْنَةِ عَامَ تَبُوْكٍ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ, عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ, عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: مَرَرْنَا بِالرَّبَذَةِ, فَإِذَا فُسْطَاطُ مُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ, فَقُلْتُ: لَوْ خَرَجْتَ إِلَى النَّاسِ فَأَمَرْتَ وَنَهَيْتَ, فَقَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا مُحَمَّدُ, سَتُكُوْنُ فُرْقَةٌ وَفِتْنَةٌ وَاخْتِلاَفٌ, فَاكْسِرْ سَيْفَكَ, وَاقْطَعْ وَتَرَكَ, وَاجْلِسْ في بيتك". ففعلت ما أمرني2.
__________
1 صحيح: ورد من حديث أبي هريرة, أخرجه ابن أبي شيبة "8/ 546-547", وأحمد "2/ 514 و259"، والبزار "1898"، والبغوي في شرح السنة "3488" من طريق شعبة، عن داود بن فراهيج، عن أبي هريرة به.
وورد من حديث عائشة: أخرجه ابن أبي شيبة "6/ 238" و"8/ 545", وأحمد "6/ 238"، والبخاري "6014"، وفي الأدب المفرد "101 و106", ومسلم "2624"، وأبو داود "5151"، والترمذي "1942"، وابن ماجه "3673"، والبيهقي "7/ 27" من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أبي بَكْرٍ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ, عَنْ عَائِشَةَ، به.
2 ضعيف: أخرجه أحمد "3/ 493"، حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي بردة، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته علي بن زيد بن جدعان، ضعيف.(4/33)
شُعْبَةُ عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ ضُبَيْعَةَ, قَالَ حُذَيْفَةُ: إِنِّي لأَعْرِفُ رَجُلاً لاَ تَضُرُّهُ الفِتْنَةُ, قَالَ: فَإِذَا فُسْطَاطٌ لَمَّا أَتَيْنَا المَدِيْنَةَ, وَإِذَا مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ1.
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: شَهِدَ مُحَمَّدٌ فَتَحَ مِصْرَ، وَكَانَ فِيْمَنْ طَلَعَ الحِصْنَ مَعَ الزُّبَيْرِ, قَالَ عَبَايَةُ بنُ رِفَاعَةَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ أَسْوَدَ طَوِيْلاً عظيمًا.
وَفِي الصِّحَاحِ مِنْ حَدِيْثِ جَابِرٍ: مَقْتَلُ كَعْبِ بنِ الأَشْرَفِ عَلَى يَدِ مُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ2.
ابْنُ المُبَارَكِ, أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ, عَنْ مُوْسَى بنِ أَبِي عِيْسَى قَالَ: أَتَى عُمَرُ مَشْرَبَةَ3 بَنِي حَارِثَةَ, فَوَجَدَ مُحَمَّدَ بنَ مَسْلَمَةَ, فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ, كَيْفَ تَرَانِي؟ قَالَ: أَرَاكَ كَمَا أُحِبُّ, وَكَمَا يُحِبُّ مَنْ يُحِبُّ لَكَ الخَيْرَ, قَوِيّاً عَلَى جَمْعِ المَالِ, عَفِيْفاً عَنْهُ, عَدْلاً فِي قَسْمِهِ, وَلَوْ مِلْتَ عَدَّلْنَاكَ كَمَا يُعَدَّلُ السَّهْمُ فِي الثِّقَافِ. قَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَنِي فِي قَوْمٍ إِذَا مِلْتُ عَدَّلُوْنِي4.
ابْنُ عُيَيْنَةَ, عَنْ عَمْرِو بن سَعِيْدٍ, عَنْ أَبِيْهِ, عَنْ عَبَايَةَ بنِ رِفَاعَةَ, قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ سَعْداً اتَّخَذَ قَصْراً, وَقَالَ: انْقْطَعَ الصُّوَيْتُ, فَأَرْسَلَ عُمَرُ مُحَمَّدَ بنَ مَسْلَمَةَ -وَكَانَ عُمَرُ إِذَا أَحَبَّ أَنْ يُؤْتَى بِالأَمْرِ كَمَا يُرِيْدُ بَعَثَهُ- فَأَتَى الكُوْفَةِ، فَقَدَحَ, وَأَحْرَقَ البَابَ عَلَى سَعْدٍ, فَجَاءَ سَعْداً فَقَالَ: إِنَّهُ بَلَغَ عُمَرَ أَنَّكَ قُلْتَ: انْقَطَعَ الصُّوَيْتُ, فَحَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يقله.
__________
1 ضعيف: أخرجه أبو داود "4664", والحاكم "3/ 433-434" من طريق شعبة، وأخرجه أبو داود "4665"، وابن سعد "3/ 444-445" من طريق أبي عوانة, كلاهما عن الأشعث بن سليم، عن أبي بردة, عن ثعلبة بن ضبيعة, قال: دخلنا على حذيفة فقال: إني لأعرف رجلًا لا تضره الفتن شيئًا ... ".
قلت: إسناده ضعيف، ضبيعة -بالتصغير- ابن حصين الثعلبي، ويقال: ثعلبة بن ضبيعة، مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول -أي عند المتابعة, وليس ثَمَّ من تابعه. وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات" "4/ 390" على عادته في توثيق المجاهيل والمجروحين.
2 صحيح: أخرجه البخاري "4037"، ومسلم "1801" من طريق سفيان، عن عمرو, سمعت جابرا يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من لكعب بن الأشرف؟ فإنه قد آذى الله ورسوله". فقال محمد بن مسلمة: يا رسول الله, أتحب أن أقتله؟ قال: "نعم.... " الحديث.
3 المشربة -بفتح الراء من غير ضم: الموضع الذي يشرب منه.
4 ضعيف: لانقطاعه بين موسى بن أبي عيسى، وهو الحناط, وعمر بن الخطاب, فإنه لم يدركه، فهو من الطبقة السادسة، وهي طبقة أصاغر التابعين التي لم يثبت لها لقاء أحد من الصحابة.(4/34)
هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَأَنَا أَخَافُ عَلَيْهِ الفِتْنَةَ, إلَّا مَا كَانَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ، فَإِنِّي سَمِعتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "لا تضره الفتنة"1.
الفَسَوِيُّ فِي "تَارِيْخِهِ": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى, حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ مُوْسَى بنِ وَرْدَانَ, عَنْ أَبِيْهِ, عَنْ جَابِرٍ, قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ وَمَعَهُ أَهْلُ الشَّامِ, فَبَلَغَ رَجُلاً شَقِيّاً مِنْ أَهْلِ الأُرْدُنِّ صنيعَ مُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ -جُلُوْسُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ, فَاقْتَحَمَ عَلَيْهِ المَنْزِلَ فَقَتَلَهُ, فَأَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ إِلَى كَعْبِ بنِ مَالِكٍ: مَا تَقُوْلُ فِي مُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ?.
قَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ, وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَشَبَابٌ وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنِ الحَسَنِ, أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَى مُحَمَّدَ بنَ مَسْلَمَةَ سَيْفاً فَقَالَ: "قَاتِلْ بِهِ المُشْرِكِيْنَ, فَإِذَا رَأَيْتَ المُسْلِمِيْنَ قَدْ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَاضْرِبْ بِهِ أُحُداً حَتَّى تَقْطَعَهُ, ثُمَّ اجْلِسْ فِي بَيْتِكَ حَتَّى تَأْتَيَكَ يَدٌ خَاطِئَةٌ أَوْ مَنِيَّةٌ قَاضِيَةٌ"2.
وَرُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ مَرَاسِيْلِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ.
عَاشَ ابْنُ مَسْلَمَةَ سَبْعاً وَسَبْعِيْنَ سنة.
__________
1 ضعيف: أخرجه أبو داود "4663" من طريق هشام -وهو ابن حسان، عن محمد قال: قال حذيفة: ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلّا أنا أخافها عليه, إلا مُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ, فَإِنِّي سَمِعتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "لا تضرك الفتنة".
قلت: إسناده ضعيف؛ لانقطاعه بين محمد بن سيرين وحذيفة الذي مات في أوّل خلافة عليّ -رضي الله عنه, لذا فإنه لم يدركه.
2 ضعيف: أخرجه أحمد "4/ 225" من طريق زيد بن الحباب، عن سهل بن أبي الصلت, عن الحسن به. وإسناده منطقع بين الحسن وهو البصري، وبين محمد بن مسلمة, فإنه لم يدركه.(4/35)
174- عثمان بن أبي العاص 1: "م، 4"
الأَمِيْرُ، الفَاضِلُ، المؤتَمَن, أَبُو عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيُّ، الطَّائِفِيُّ.
قَدِمَ فِي وَفْدِ ثَقِيْفٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سنة تِسْعٍ, فَأَسْلَمُوا, وأمَّره عَلَيْهِم لِمَا رَأَى مِنْ عَقْلِهِ وَحِرْصِهِ عَلَى الخَيْرِ وَالِدِّيْنِ, وَكَانَ أَصْغَرَ الوَفْدِ سِنّاً2.
ثُمَّ أقرَّه أَبُو بَكْرٍ عَلَى الطَّائِفِ, ثُمَّ عُمَرُ, ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ عَلَى عَمَّانَ وَالبَحْرَيْنِ, ثُمَّ قدَّمه عَلَى جَيْشٍ فَافْتَتَحَ توج ومصرها, وسكن البصرة.
ذَكَرَهُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْضَلَ مِنْهُ.
قُلْتُ: لَهُ أَحَادِيْثُ فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ، وَفِي السُّنَنِ.
وَكَانَتْ أُمُّهُ قَدْ شَهِدَتْ وِلادَةَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حدَّث عَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ وَنَافِعُ بنُ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، وَيَزِيْدُ وَمُطَرِّفٌ ابْنَا عَبْدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيْرِ، وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ, وَآخَرُوْنَ.
سَالِمُ بنُ نُوحٍ، عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي العَلاَءِ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ أَبِي العَاصِ, أَنَّهُ بعث غلمانًا له تجارًا, فلما جاءوا قَالَ: مَا جِئْتُمْ بِهِ؟ قَالُوا: جِئْنَا بِتِجَارَةٍ يَرْبَحُ الدِّرْهَمُ عَشَرَةً. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالُوا: خَمْرٌ, قَالَ: خَمْرٌ وَقَدْ نُهِيْنَا عَنْ شُرْبِهَا وَبَيْعِهَا؟! فَجَعَلَ يَفْتَحُ أَفْوَاهَ الزِّقَاقِ وَيَصُبُّهَا.
يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ أبي العاص, فذكر نَحْوَهُ.
تُوُفِّيَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- سَنَةَ إِحْدَى وخمسين.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 508"، والتاريخ الكبير "6/ ترجمة 2195"، أسد الغابة "3/ 579"، تهذيب الكمال "19/ ترجمة 3829"، وتهذيب التهذيب "7/ ترجمة 270"، الإصابة "2/ ترجمة 5441"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4752".
2 صحيح: أخرجه أحمد "4/ 217"، وأبو داود "531"، والنسائي "2/ 23" من طرق عن حماد بن سلمة، عن سعيد الجريري، عن أبي العلاء، عن مطرف بن عبد الله، عن عثمان بن أبي العاص, قال: قلت: يا رسول الله, اجعلني إمام قومي، قال: "أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرًا".
وأخرجه مسلم "468" من طريق عمرو بن عثمان، حدثنا موسى بن طلحة، حدثني عثمان بن أبي العاص الثقفي؛ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ له: "أمَّ قومك" , قال: قلت: يا رسول الله, إني أجد في نفسي شيئًا. قال: "أدنه" فجَلَّسَني بين يديه, ثم وضع كفَّه في صدري بين ثديي, ثم قال: "تحوّل" فوضعها في ظهري بين كتفي, ثم قال: "أمَّ قومك, فمن أمَّ قوما فليخفف, فإن فيهم الكبير, وإن فيهم المريض, وإن فيهم الضعيف, وإن فيهم ذا الحاجة, وإذا صلى أحدكم وحده فليصلّ كيف شاء".(4/36)
175- عبد الله بن زيد 1: "4"
ابن عَبْدِ رَبِّهِ بنِ ثَعْلَبَةَ الأَنْصَارِيُّ الخَزْرَجِيُّ، المَدَنِيُّ، البدري، من سادة الصَّحَابَةِ, شَهِدَ العَقَبَةَ وَبَدْراً, وَهُوَ الَّذِي أُرِيَ الأَذَانَ2، وَكَانَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الأُوْلَى منَ الهِجْرَةِ. لَهُ أَحَادِيْثُ يَسِيْرَةٌ, وَحَدِيْثُهُ فِي السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ. وَقِيْلَ: إِنَّ ذِكْرَ ثَعْلَبَةَ فِي نَسَبِهِ خَطَأٌ.
حدَّث عَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ, وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى وَلَمْ يَلْقَهُ, وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ وَلَدُهُ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ.
إِسْحَاقُ الفَرْوِيُّ, حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ العُمَرِيُّ، عَنْ بِشْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ زَيْدٍ, قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! أَنَا ابْنُ صَاحِبِ العَقَبَةِ وَبَدْرٍ, وَابْنُ الَّذِي أُرِيَ النِّدَاءَ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا أَهْلَ الشَّامِ:
هَذِي المَكَارِمُ لاَ قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ ... شيبا بماء, فعادا بعد أبوالا3
الأَعْمَشُ, عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ, عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ زَيْدٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يا رسول الله! إِنِّي رَأَيْتُ فِي المَنَامِ كأنَّ رَجُلاً قَامَ عَلَى جِذْمِ حَائِطٍ، فأذَّن مَثْنَى, وَأَقَامَ مَثْنَى, وقعد قعدة, وعليه بردان أخضران4.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 536-537"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 19"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 265"، والكاشف "2/ ترجمة 2758"، والعبر "1/ 33"، تهذيب الكمال "14/ ترجمة 3282"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 386"، الإصابة "2/ ترجمة رقم 4686"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3510".
2 صحيح: أخرجه أحمد "4/ 43"، وأبو داود "499", والترمذي "189", والدارمي "1/ 268-269", وابن حبان "281", وابن ماجه "706"، والدارقطني "1/ 341"، وابن الجارود "158"، والبيهقي "1/ 390-391، 415" من طريق ابن إسحاق, قال: حدثنا محمد بن إبراهيم التيمي، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، قال: حدثني أبي عبد الله بن زيد قال: فذكر رؤية الأذان في حديث طويل.
وأخرجه أحمد "4/ 42"، والبيهقي "1/ 414-415" من طريق الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عبد الله بن زيد، به، وأخرجه عبد الرزاق "1788"، وابن أبي شيبة "1/ 203"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" "1/ 131-132 و134"، والبيهقي "1/ 420" مِنْ طرِيقِ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرحمن ابن أبي ليلى, قال: حدَّثنا أصحاب رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ عبد الله بن زيد قال: فذكره.
3 هذا البيت من قصيدة لأبي الصلت، والد أمية بن أبي الصلت، ويمدح فيها سيف بن ذي يزن، ومطلع القصيدة:
ليطلب الوتر أمثال ابن ذي يزن ... ريم في البحر للأعداء أحوالا
4 صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة "1/ 23"، والبيهقي "1/ 391" من طريق عمرو بن مرة، به. قوله: "على جذم حائط", الجذم: الأصل، أراد: بقية حائط, أو قطعة من حائط.(4/37)
فأمَّا:
176- عبد الله بن زيد المازني النجاري 1: "ع":
صَاحِبُ حَدِيْثِ الوُضُوْءِ2، فَمِنْ فُضَلاَءِ الصَّحَابَةِ. يُعْرَفُ بِابْنِ أُمِّ عُمَارَةَ، وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدِ بنِ عَاصِمِ بنِ كَعْبٍ، أَحَدُ بَنِي مازن بن النجار. ذَكَرَ ابْنُ مَنْدَةَ فَقَطْ أَنَّهُ بَدْرِيٌّ3.
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ وَغَيْرُهُ: بَلْ هُوَ أحُديّ, وَهُوَ الَّذِي قَتَلَ مُسَيْلِمَةَ بِالسَّيْفِ مَعَ رَمْيَةِ وَحْشِيٍّ لَهُ بِحَرْبَتِهِ, وَهُوَ عَمُّ عَبَّادِ بنِ تَمِيْمٍ.
قِيْلَ: إِنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ الحرة, سنة ثلاث وستين.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 531"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 20"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 266"، أسد الغابة "3/ 250"، تهذيب الكمال "14/ ترجمة 3381"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 385"، الإصابة "2/ ترجمة 4688"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3509".
2 صحيح: أخرجه البخاري "185"، ومسلم "235" من طريق عمرو بن يحيى المازن، عن أبيه, أنَّ رجلًا قال لعبد الله بن زيد -وهو جد عمرو بن يحيى: أتستطيع أن تريني كيف كأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد: نعم, فدعا بماء, فأفرغ على يديه فغسل مرتين، ثم مضمض واستنثر ثلاثًا، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر, بدأ بمقدَّم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردَّهما إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه".
3 قال الحافظ الذهبي في "تلخيص المستدرك" معلقًا على هذا فقال: هذا خطأ.(4/38)
177- حارثة بن النعمان 1:
ابن نفع بن زيد بنِ عُبَيْدِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ غَنْمِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّجَّارِ الخَزْرَجِيُّ، النَّجَّارِيُّ. وَيُقَالُ: ابْنُ رَاِفعٍ بَدَلَ: ابْنِ نَفْعٍ.
وَلَهُ مِنَ الوَلَدِ: عَبْدُ اللهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ, وَسَوْدَةُ, وَعَمْرَةُ, وَأُمُّ كُلْثُوْمٍ, يكنَّى أَبَا عَبْدِ اللهِ.
شَهِدَ بَدْراً وَالمَشَاهِدَ، وَلاَ نَعْلَمُ لَهُ رِوَايَةً، وَكَانَ دَيِّناً، خيِّرًا، بَرّاً بِأُمِّهِ.
وَعَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ جِبْرِيْلَ من الدهر مرتين: يوم الصورين2 حين خَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ, مَرَّ بِنَا فِي صُوْرَةِ دِحْيَةَ, فَأَمَرَنَا بِلُبْسِ السِّلاَحِ، وَيَوْمَ مَوْضِعِ الجَنَائِزِ حِيْنَ رَجَعْنَا مِنْ حُنَيْنٍ، مَرَرْتُ وَهُوَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ أُسَلِّمْ, فَقَالَ جِبْرِيْلُ: مَنْ هَذَا يَا مُحَمَّدُ? قَالَ: حَارِثَةُ بنُ النُّعْمَانِ, فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ مِنَ المائَةِ الصَّابِرَةِ يَوْمَ حُنَيْنٍ, الَّذِيْنَ تكفَّل اللهُ بِأَرْزَاقِهِمْ فِي الجَنَّةِ, وَلَو سلَّم لَرَدَدْنَا عَلَيْهِ.
وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٌ: أَنَّ حَارِثَةَ كُفَّ, فَجَعَلَ خَيْطاً مِنْ مُصَلاَّهُ إِلَى حُجْرَتِهِ، وَوَضَعَ عِنْدَهُ مِكْتَلاً فِيْهِ تَمْرٌ وَغَيْرُهُ, فَكَانَ إِذَا سلَّم مِسْكِيْنٌ أَعْطَاهُ مِنْهُ, ثُمَّ أَخَذَ عَلَى الخَيْطِ حَتَّى يَأْتِيَ إِلَى بَابِ الحُجْرَةِ فَيُنَاوِلَ المِسْكِيْنَ. فَيَقُوْلُ أَهْلُهُ: نَحْنُ نَكْفِيْكَ, فَيَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "مُنَاوَلَةُ المِسْكِيْنِ تَقِي مِيْتَةَ السُّوْءِ"3.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَتْ لَهُ مَنَازِلُ قُرْبَ مَنَازِلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَكَانَ كُلَّمَا أَحْدَثَ رَسُوْلُ اللهِ أَهْلاً، تَحَوَّلَ لَهُ حَارِثَةُ عَنْ مَنْزِلٍ, حَتَّى قَالَ: "لَقَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ حَارِثَةَ مِمَّا يَتَحَوَّلُ لَنَا عَنْ مَنَازِلِهِ".
وَبَقِيَ إِلَى خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ.
وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ: المحدِّث أَبُو الرِّجَالِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَارِثَةَ بنِ النُّعْمَانِ الأَنْصَارِيُّ، وَلَدُ عَمْرَةَ الفَقِيْهَةِ.
وَهُوَ -أَعْنِي: حَارِثَةَ- الَّذِي يَقُوْلُ فِيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دَخَلْتُ الجَنَّةَ فَسَمِعْتُ قِرَاءةً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا? قِيْلَ: حَارِثَةُ, فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَذَاكُمُ البِرُّ" وَكَانَ بَرّاً بِأُمِّهِ -رَضِيَ الله عنه4.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 487"، التاريخ الكبير "3/ ترجمة 323"، أسد الغابة "1/ 429"، الإصابة "1/ ترجمة 1532".
2 الصوران: موضع بالمدينة.
3 ضعيف: أخرجه ابن سعد "3/ 488"، والطبراني في "الكبير" "3228" و"3233"، والبيهقي في "الشعب" "3/ 3463" من طرق, عن إسماعيل بن أبي فديك، عن محمد بن عثمان، عن أبيه قال: كان حارثة بن النعمان قد ذهب بصره، فاتخذ خيطًا في مصلاه إلى باب حُجْرَتِهِ، وَوَضَعَ عِنْدَهُ مِكْتَلاً فِيْهِ تَمْرٌ وَغَيْرُهُ، فكان إذا جاء المسكين فسلَّم، أخذ من ذلك المكتل، ثم أخذ بطرف الخيط حتى يناوله، وكان أهله يقولون: نحن نكفيك، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "مُنَاوَلَةُ المِسْكِيْنِ تَقِي مِيْتَةَ السُّوْءِ".
وأورده الهيثمي في "المجمع" "3/ 112", وقال: "رواه الطبراني في الكبير، وفيه من لم أعرفه".
قلت: في إسناده محمد بن عثمان، ذكر البخاري في "التاريخ" "1/ 1/ 180" -وذكر الحديث في ترجمته- كما ذكر الحديث ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" "4/ 1/ 24" في ترجمته، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.
أما عثمان والد محمد بن عثمان, فذكره ابن أبي حاتم في ترجمة حارثة بن النعمان "1/ 2/ 253-254" فيمن روى عن حارثة، ولم يذكر اسم أبيه، ولم أعرفه، وقد ذكرت الحديث وشواهد له في كتابنا "الأرائك المصنوعة في الأحاديث الضعيفة والموضوعة" حديث رقم "317" الطبعة الثانية.
4 صحيح: أخرجه عبد الرزاق "20119"، وأحمد "6/ 151-152 و166-167"، والحميدي "285" عن عمرة، عن عائشة، به.(4/39)
178- أبو مُوْسَى الأَشْعَرِيُّ 1: "ع"
عَبْدُ اللهِ بنُ قَيْسِ بن سُلَيْمِ بنِ حَضَّارِ بنِ حَرْبٍ, الإِمَامُ الكَبِيْرُ، صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَبُو مُوْسَى الأَشْعَرِيُّ التَّمِيْمِيُّ الفَقِيْهُ المُقْرِئُ.
حدَّث عَنْهُ: بُرَيْدَةُ بنُ الحَصِيْبِ, وَأَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَطَارِقُ بنُ شِهَابٍ, وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَالأَسْوَدُ بنُ يَزِيْدَ, وَأَبُو وَائِلٍ شَقِيْقُ بنُ سَلَمَةَ، وَزَيْدُ بنُ وَهْبٍ, وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّهْدِيُّ، وَمُرَّةُ الطَّيِّبُ، وَرِبْعِيُّ بنُ حِرَاشٍ، وَزَهْدَمُ بنُ مُضَرِّبٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ.
وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِيْمَنْ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَقْرَأَ أَهْلَ البَصْرَةِ وفقَّهَهم فِي الدِّيْنِ, قَرَأَ عَلَيْهِ حِطَّانُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِيُّ، وَأَبُو رَجَاءٍ العُطَارِدِيُّ.
فَفِي "الصَّحِيْحَيْنِ": عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بنِ أَبِي مُوْسَى عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللهِ بنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ, وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُدْخَلاً كَرِيْماً" 2.
وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمُعَاذاً عَلَى زبيد وعدن3, وولي إمرة الكوفة لِعُمَرَ, وَإِمْرَةَ البَصْرَةِ, وَقَدِمَ لَيَالِيَ فَتْحِ خَيْبَرَ، وَغَزَا وَجَاهَدَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم, وحمل عنه علمًا كثيرًا.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "2/ 344-345" و"4/ 105" و"6/ 16"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 35"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 642"، حلية الأولياء "1/ 256-264"، أسد الغابة "3/ 367"، الكاشف "2/ ترجمة 2951"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 3487" وتذكرة الحفاظ "1/ 23"، تهذيب الكمال "15/ ترجمة 3491"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة رقم 625"، الإصابة "2/ ترجمة 4898"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3739".
2 صحيح: أخرجه البخاري "4323"، ومسلم "2498" حدثنا محمد بن العلاء، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى -رضي الله عنه- به, مرفوعًا في حديث طويل.
3 صحيح: أخرجه البخاري "3038"، ومسلم "1733" من طريق وكيع، عن شُعْبَةُ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جدِّه, أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ معاذا وأبا موسى إلى اليمن, قال: "يسِّرَا ولا تعسِّرا، وبشِّرَا ولا تنفِّرَا، وتطاوعا ولا تختلفا".(4/40)
قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: حَدَّثَنِي أَبُو يُوْسُفَ حَاجِبُ مُعَاوِيَةَ: أَنَّ أَبَا مُوْسَى الأَشْعَرِيَّ قَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَنَزَلَ فِي بَعْضِ الدُّوْرِ بِدِمَشْقَ، فَخَرَجَ مُعَاوِيَةُ مِنَ اللَّيْلِ لِيَسْتَمِعَ قِرَاءتَهُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أُمُّ أَبِي مُوْسَى هِيَ: ظَبْيَةُ بِنْتُ وَهْبٍ، كَانَتْ أَسْلَمَتْ وَمَاتَتْ بِالمَدِيْنَةِ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ قَالَ: أَسْلَمَ أَبُو مُوْسَى بِمَكَّةَ, وَهَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ, وَأَوَّلُ مَشَاهِدِهِ خَيْبَرُ، وَمَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: أَسْلَمَ بِمَكَّةَ ثُمَّ قَدِمَ مَعَ أَهْلِ السَّفِيْنَتَيْنِ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ بِثَلاَثٍ، فَقَسَمَ لَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَلِيَ البَصْرَةَ لِعُمَرَ وَعُثْمَانَ, وَوَلِيَ الكوفة وبها مات.
وَقَالَ ابْنُ مَنْدَةَ: افْتَتَحَ أَصْبَهَانَ زَمَنَ عُمَرَ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ: بَعَثَهُ عُمَرُ أَمِيْراً عَلَى البَصْرَةِ, فَأَقْرَأَهُمْ وَفَقَّهَهُمْ, وَهُوَ فَتَحَ تُستَر, وَلَمْ يَكُنْ فِي الصَّحَابَةِ أَحَدٌ أَحْسَنَ صَوْتاً مِنْهُ.
قَالَ حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ: سَمِعْتُ ابْنَ بُرَيْدَةَ يَقُوْلُ: كَانَ الأَشْعَرِيُّ قَصِيْراً، أَثَطَّ1، خَفِيْفَ الجِسْمِ.
وَأَمَّا الوَاقِدِيُّ فَقَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ إِلْيَاسَ, عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي جَهْمٍ قَالَ: لَيْسَ أَبُو مُوْسَى مِنْ مُهَاجِرَةِ الحَبَشَةِ، وَلاَ حِلْفَ لَهُ فِي قُرَيْشٍ، وَقَدْ كَانَ أَسْلَمَ بِمَكَّةَ, وَرَجَعَ إِلَى أَرْضِهِ حَتَّى قَدِمَ هُوَ وَأُنَاسٌ مِنَ الأَشْعَرِيِّيْنَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَذَكَرَهُ مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ فِيْمَنْ هَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ.
وَرَوَى أَبُو بُرْدَةَ, عَنْ أَبِي مُوْسَى قَالَ: خَرَجْنَا مِنَ اليَمَنِ فِي بضْعٍ وَخَمْسِيْنَ مِنْ قَوْمِي، وَنَحْنُ ثَلاَثَةُ إِخْوَةٍ: أَنَا وَأَبُو رُهْمٍ وَأَبُو عَامِرٍ, فَأَخْرَجَتْنَا سَفِيْنَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ، وَعِنْدَهُ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ، فَأَقْبَلْنَا حِيْنَ افْتُتِحَتْ خَيْبَرُ, فَقَالَ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَكُمُ الهِجْرَةُ مَرَّتَيْنِ, هَاجَرْتُمْ إِلَى النَّجَاشِيِّ, وَهَاجَرْتُمْ إليَّ" 2.
وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَا وَأَخَوَايَ أَبُو رُهْمٍ وَأَبُو بُرْدَةَ، أَنَا أَصْغَرُهُمْ.
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ إِسْحَاقَ, حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، عن حميد، عن أنس، قال:
__________
1 أثطّ: أي: قليل شعر اللحية.
2 صحيح: تقدم تخريجنا له في الجزء الأول في ترجمة أسماء بنت عميس, بتخريجنا رقم "1172".(4/41)
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ غَداً قَوْمٌ هُمْ أَرَقُّ قُلُوْباً لِلإِسْلاَمِ مِنْكُمْ" , فَقَدِمَ الأَشْعَرِيُّوْنَ, فَلَمَّا دَنَوْا جَعَلُوا يَرْتَجِزُوْنَ:
غَداً نَلْقَى الأَحِبَّهْ ... مُحَمَّداً وَحِزْبَهْ
فلمَّا أَنْ قَدِمُوا تَصَافَحُوا، فَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَ المُصَافَحَةَ1.
شُعْبَةُ, عَنْ سِمَاكٍ, عَنْ عِيَاضٍ الأَشْعَرِيِّ, قَالَ: لَمَا نَزَلَتْ: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المَائِدَةُ: 54] ؛ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هُمْ قَوْمُكَ يَا أَبَا مُوْسَى, وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ" 2.
صحَّحه الحَاكِمُ, وَالأَظْهَرُ: أنَّ لِعِيَاضِ بنِ عَمْرٍو صُحْبَةٌ, وَلَكِنْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ شُعْبَةَ أَيْضاً "ح". وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ، عَنْ أَبِيْهِ, كِلاَهُمَا عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِيَاضٍ, عَنْ أَبِي مُوْسَى.
بُرَيْد, عَنْ أَبِي بُرْدَةَ, عَنْ أَبِي مُوْسَى قَالَ: لَمَّا فَرَغَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حُنَيْن, بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ الأَشْعَرِيَّ عَلَى جَيْشِ أوطاس, فلقي دريد بن الصِّمَّةِ, فَقُتِلَ دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللهُ أَصْحَابَهُ, فَرَمَى رَجُلٌ أَبَا عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ بِسَهْمٍ فَأَثْبَتَهُ, فَقُلْتُ: يَا عَمّ! مَنْ رَمَاكَ؟ فَأَشَارَ إِلَيْهِ, فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ, فَلَمَّا رَآنِي ولَّى ذَاهِباً, فجعلت أقول له: ألا تستحي؟ أَلَسْتَ عَرَبٍيّاً؟ أَلاَ تَثْبُتُ؟ قَالَ: فكفَّ, فَالْتَقَيْتُ أَنَا وَهُوَ فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ فَقَتَلْتُهُ, ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي عَامِرٍ, فَقُلْتُ: قَدْ قَتَلَ اللهُ صَاحِبَكَ, قَالَ: فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ, فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ المَاءُ, فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي, انْطَلِقْ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فأقرأه منِّي السَّلاَمَ, وَقُلْ لَهُ: يَسْتَغْفِرْ لِي, وَاسْتَخْلَفَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ, فَمَكَثَ يَسِيْراً ثُمَّ مَاتَ, فلمَّا قَدِمْنَا، وَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَوَضَّأَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ" حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبِطَيْهِ, ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يوم
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 105 و155 و182 و223 و251 و262"، وابن سعد "4/ 106" من طرق عن حميد، عن أنس، به.
2 صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 107"، والحاكم "2/ 313" من طرق عن شعبة، عن سماك بن حرب، به.
وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي في "تلخيص المستدرك".
قلت: عياض بن عمرو الأشعري، مختلف في صحبته، قال أبو حاتم: تابعي أرسل, وجزم ابن عبد البر بصحبته.(4/42)
القِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيْرٍ مِنْ خَلْقِكَ" , فَقُلْتُ: وَلِي يَا رَسُوْلَ اللهِ, فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللهِ بنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُدْخَلاً كَرِيْماً" 1.
وَبِهِ, عَنْ أَبِي مُوْسَى، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالجِعْرَانَةِ2، فَأَتَى أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: ألَا تُنْجِزُ لِي مَا وَعَدْتَنِي, قَالَ: "أَبْشِرْ" قَالَ: قَدْ أَكْثَرْتَ منَ البُشْرَى, فَأَقْبَلَ رَسُوْلُ اللهِ عليَّ وَعلَى بِلاَلٍ, فَقَالَ: "إِنَّ هَذَا قَدْ ردَّ البُشْرَى فَاقْبَلاَ أَنْتُمَا" فَقَالاَ: قَبِلْنَا يَا رَسُوْلَ الله, فدعا بقدح فغسل يديه وَوَجْهَهُ فِيْهِ, ومجَّ فِيْهِ ثُمَّ قَالَ: "اشْرَبَا منه وأفرغا على رءوسكما وَنُحُوْرِكُمَا" , فَفَعَلاَ, فَنَادَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ وَرَاءِ السَّتْرِ: أَنَّ فَضِّلاَ لأمِّكما, فَأَفْضَلاَ لَهَا مِنْهُ3.
مَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ, وَغَيْرُهُ, عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ, عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنَ المَسْجِدِ، فَإِذَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ بَابِ المَسْجِدِ قَائِمٌ, وَإِذَا رَجُلٌ يُصَلِّي, فَقَالَ لِي: "يَا بُرَيْدَةَ, أَتَرَاهُ يُرَائِي"؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُوْلُهُ أَعْلَمُ, قَالَ: "بَلْ هُوَ مُؤْمِنٌ مُنِيْبٌ, لَقَدْ أُعْطِيَ مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيْرِ آلِ دَاوُدَ" , فأتيته فإذا هو أبو موسى فأخبرته4.
أنبئونا عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ اللَّبَّانِ وَغَيْرِهِ: أنَّ أَبَا عَلِيٍّ الحَدَّادَ أَخْبَرَهُمْ, أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ فَارِسٍ, حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ, حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ الحُبَابِ, عَنْ مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ, حَدَّثَنَا ابْنُ بُرَيْدَةَ, عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: جَاءَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى المَسْجِدِ وَأَنَا عَلَى بَابِ المَسْجِدِ, فَأَخَذَ بِيَدِيْ فَأَدْخَلَنِي المَسْجِدَ، فَإِذَا رَجُلٌ يُصَلِّي يَدْعُو يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ الله لا إله إلَّا أنت الأحد الصمد, الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُوْلَدْ, وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.
قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, لَقَدْ سَأَلَ اللهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا سئل به أعطى, وإذا دعي به أجاب". وَإِذَا رَجُلٌ يَقْرَأُ فَقَالَ: "لَقَدْ أُعْطِيَ هَذَا مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيْرِ آلِ دَاوُدَ" , قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ, أُخْبِرُهُ? قَالَ: "نَعَمْ" فَأَخْبَرْتُهُ, فَقَالَ لِي: لاَ تَزَالُ لِي صَدِيْقاً, وَإِذَا هُوَ أبو موسى5.
__________
1 صحيح: سبق تخريجنا له بتعليقنا رقم "85"، وهو عند البخاري "4323"، ومسلم "2498" فراجعه ثَمَّ.
2 الجعرانة: بين مكة والطائف، وهي إلى مكة أقرب.
3 صحيح: أخرجه البخاري "4328"، ومسلم "2497" من طريق أبي أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أبي بردة، عَنْ أَبِي مُوْسَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: فذكره.
4 صحيح: أخرجه أحمد "5/ 349", ومسلم "793" من طريق مالك بن مغول، عن عبد الله بن بريدة به.
5 صحيح: أخرجه أبو داود "1494"، والترمذي "2475" من طريق زيد بن الحباب, حدثنا مالك بن مغول، به، وأخرجه أحمد "5/ 349" من طريق عثمان بن عمر، عن مالك، به.(4/43)
رَوَاهُ حُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ مُخْتَصَراً.
وَرَوَى أَبُو سَلَمَةَ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَقَدْ أُعْطِيَ أَبُو مُوْسَى مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيْرِ آلِ دَاوُدَ" 1.
خَالِدُ بنُ نَافِعٍ: حَدَّثَنَا سَعِيْدِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ, عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي مُوْسَى: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَائِشَةَ مرَّا بِهِ وَهُوَ يَقْرَأُ فِي بَيْتِهِ, فَاسْتَمَعَا لِقِرَاءتِهِ, فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْبَرَهُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: لَوْ أَعْلَمُ بمكانك لحبَّرته لك تحبيرًا2.
خالد: ضُعِّفَ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ, عَنْ أَنَسٍ, أَنَّ أَبَا مُوْسَى قَرَأَ لَيْلَةً, فَقُمْنَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَمِعْنَ لِقِرَاءتِهِ, فَلَمَّا أَصْبَحَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ, فَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ لحبَّرت تَحْبِيْراً, وَلَشَوَّقْتُ تَشْوِيْقاً3.
الأَعْمَشُ, عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ, عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ قَالَ: أَتَيْنَا عَلِيّاً فَسَأَلْنَاهُ عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: عَنْ أَيِّهِمْ تَسْأَلُوْنِي? قُلْنَا: عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ, قَالَ: عَلِمَ القُرْآنَ وَالسُّنَّةَ, ثُمَّ انْتَهَى وَكَفَى بِهِ عِلْماً, قُلْنَا: أَبُو مُوْسَى قَالَ: صُبِغَ فِي العِلْمِ صِبْغَةً ثُمَّ خرج منه, قلنا:
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "2/ 396" من طريق محمد بن أبي حفصة، والنسائي "2/ 180" من طريق عمرو بن الحارث, كلاهما عن ابن شهاب، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أبي هريرة، به. وأخرجه أحمد "2/ 450"، وابن سعد "4/ 107"، وابن أبي شيبة "10/ 463"، والدارمي "2/ 473"، وابن ماجه "1341"، والبغوي "1219" من طريق يزيد بن هارون، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، به.
2 ضعيف بهذا اللفظ: أخرجه الحاكم "3/ 466" من طريق خالد بن نافع الأشعري، عن سعيد بن أبي بردة، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته خالد بن نافع الأشعري، ضعَّفه أبو زرعة والنسائي, وقال أبو حاتم: ليس بقويّ, وقال أبو داود: متروك الحديث, وردَّه الذهبي في "الميزان", فقال: هذا تجاوز في الحد، فإن الرجل قد حدَّث عنه أحمد بن حنبل ومسدد، فلا يستحق الترك.
وقد رواه مختصرًا البخاري "5048"، والترمذي "3855" من طريق أبي يحيى الحماني، حدثنا بُرَيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، عن جده أبي بردة، عن أبي موسى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ له: "يا أبا موسى، لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود".
وقوله: "حبَّرته لك تحبيرًا" يريد: تحسين الصوت وتحزينه, يقال: حَبَّرت الشيء تحبيرًا إذا حسَّنته.
3 صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 108" من طريق يزيد بن هارون، وعفان بن مسلم, كلاهما عن حماد بن سلمة، به.(4/44)
حُذَيْفَةُ؟ قَالَ: أَعْلَمُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ بِالمُنَافِقِيْنَ. قَالُوا: سَلْمَانُ؟ قَالَ: أَدْرَكَ العِلْمَ الأَوَّلَ وَالعِلْمَ الآخِرَ؛ بَحْرٌ لاَ يُدْرَكُ قَعْرُهُ، وَهُوَ منَّا أَهْلَ البَيْتِ. قَالُوا: أَبُو ذَرٍّ؟ قَالَ: وَعَى عِلْماً عَجِزَ عَنْهُ فَسُئِلَ عَنْ نَفْسِهِ, قَالَ: كُنْتُ إِذَا سَأَلْتُ أُعْطِيْتُ, وَإِذَا سَكَتُّ ابْتُدِيْتُ.
أَبُو إِسْحَاقَ, سَمِعَ الأَسْوَدَ بنَ يَزِيْدَ قَالَ: لَمْ أَرَ بِالكُوْفَةِ أَعْلَمَ مِنْ عَلِيٍّ وَأَبِي مُوْسَى.
وَقَالَ مَسْرُوْقٌ: كَانَ القَضَاءُ فِي الصَّحَابَةِ إِلَى سِتَّةٍ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَأُبَيٍّ وَزِيْدٍ، وأبي موسى.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: يُؤْخَذُ العِلْمُ عَنْ سِتَّةٍ: عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ، وَزَيْدٍ، يُشْبِهُ عِلْمُهُمْ بَعْضُهُ بَعْضاً, وَكَانَ عَلِيٌّ وأُبَيّ وَأَبُو مُوْسَى يُشْبِهُ عِلْمُهُمْ بَعْضُهُ بَعْضاً، يَقْتَبِسُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ.
وَقَالَ دَاوُدُ عَنِ الشَّعْبِيِّ: قُضَاةُ الأُمَّةِ: عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَزَيْدٌ, وَأَبُو مُوْسَى.
أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ, عَنْ صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ يُفْتِي فِي المَسْجِدِ زَمَنَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرُ هَؤُلاَءِ: عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَمُعَاذٍ وَأَبِي مُوْسَى.
قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: قَالَ: إِنِّي تَعَلَّمْتُ المُعْجَمَ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَكَانَتْ كِتَابَتِي مِثْلَ العَقَارِبِ.
أَيُّوْبُ, عَنْ مُحَمَّدٍ, قَالَ عُمَرُ: بِالشَّامِ أَرْبَعُوْنَ رَجُلاً, مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ كَانَ يَلِي أَمْرَ الأُمَّةَ إلَّا أَجْزَأَهُ, فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ, فَجَاءَ رَهْطٌ فِيْهِم أَبُو مُوْسَى, فَقَالَ: إِنِّي أُرْسِلُكَ إِلَى قومٍ عَسْكَرَ الشَّيْطَانُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ, قَالَ: فَلاَ تُرْسِلْنِي. قَالَ: إِنَّ بِهَا جِهَاداً وَرِبَاطاً, فَأَرْسَلَهُ إِلَى البَصْرَةِ.
قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: مَا قَدِمَهَا رَاكِبٌ خَيْرٌ لأَهْلِهَا مِنْ أَبِي مُوْسَى.
قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: كَانَ أَبُو مُوْسَى إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ اسْتَقْبَلَ الصُّفُوْفَ رَجُلاً رَجُلاً يُقْرِئُهُمْ، وَدَخَلَ البَصْرَةَ على جمل أورق، وعليه خرج لما عُزِلَ.
قَتَادَةُ, عَنْ أَنَسٍ: بَعَثَنِي الأَشْعَرِيُّ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ تَرَكْتَ الأَشْعَرِيَّ؟ قُلْتُ: تَرَكْتُهُ يُعَلِّمُ النَّاسَ القُرْآنَ, فَقَالَ أَمَا إِنَّهُ كَيِّسٌ, وَلاَ تُسْمِعْهَا إِيَّاهُ.
قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: كَتَبْتُ عَنْ أَبِي أَحَادِيْثَ, فَفَطِنَ بِي, فَمَحَاهَا, وَقَالَ: خُذْ كَمَا أَخَذْنَا.
أَبُو هِلاَلٍ, عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: بَلَغَ أَبَا مُوْسَى أَنَّ نَاساً يَمْنَعُهُمْ مِنَ الجُمُعَةِ أَنْ لَيْسَ لَهُم ثِيَابٌ، فَخَرَجَ عَلَى النَّاسِ فِي عَبَاءةٍ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ فَنَزَعَ أَبَا مُوْسَى عَنِ البَصْرَةِ، وأمَّر عَلَيْهَا عَبْدَ اللهِ بنَ عَامِرِ بنِ كريز.(4/45)
قَالَ خَلِيْفَةُ: وَلِيَ أَبُو مُوْسَى البَصْرَةَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ بَعْدَ المُغِيْرَةِ, فَلَمَّا افْتَتَحَ الأَهْوَازَ اسْتَخْلَفَ عِمْرَانَ بنَ حُصَيْنٍ بِالبَصْرَةِ -وَيُقَالُ: افْتَتَحَهَا صلحًا, فوظف عليها عشرة آلاف ألف وأربع مائة ألف.
وَقِيْلَ: فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ افْتَتَحَ أَبُو مُوْسَى الرُّهَا وسُمَيْسَاط, وَمَا وَالاَهَا عَنْوَةً.
زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ, حَدَّثَنَا أَنَسٌ, أَنَّ الهُرْمُزَانَ نَزَلَ عَلَى حُكْمِ عُمَرَ مِنْ تُستَر، فَبَعَثَ بِهِ أَبُو مُوْسَى مَعِي إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ, فَقَدِمْتُ بِهِ, فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: تَكَلَّمْ لاَ بَأْسَ عَلَيْكَ, فَاسْتَحْيَاهُ, ثُمَّ أَسْلَمَ وَفَرَضَ لَهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: سَارَ أَبُو مُوْسَى مِنْ نَهَاوَنْدَ, فَفَتَحَ أَصْبَهَانَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ.
مُجَالِدٌ, عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ فِي وَصِيَّتِهِ: ألَّا يَقِرَّ لِي عَامِلٌ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ, وَأَقِرُّوا الأَشْعَرِيَّ أَرْبَعَ سِنِيْنَ.
حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ, عَنْ أَبِي بُرْدَةَ: سَمِعتُ أَبِي يُقْسِمُ مَا خَرَجَ حِيْنَ نُزعَ عَنِ البَصْرَةِ, إلَّا بِسِتِّ مائَةِ دِرْهَمٍ.
الزُّهْرِيُّ, عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: كَانَ عُمَرُ إِذَا جَلَسَ عِنْدَهُ أَبُو مُوْسَى، رُبَّمَا قَالَ لَهُ: ذَكِّرْنَا يَا أَبَا مُوْسَى, فيقرأ.
وَفِي رِوَايَةٍ تفرَّد بِهَا رِشْدِيْنُ بنُ سَعْدٍ: فَيَقْرَأُ وَيَتَلاَحَنُ1.
وَقَالَ ثَابِتٌ, عَنْ أَنَسٍ: قَدِمْنَا البَصْرَةَ مَعَ أَبِي مُوْسَى, فَقَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قِيْلَ لَهُ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ! لَوْ رَأَيْتَ إِلَى نِسْوَتِكَ وَقَرَابَتِكَ وَهُمْ يَسْتَمِعُوْنَ لِقِرَاءتِكَ, فَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ لزيِّنت كِتَابَ اللهِ بِصَوْتِي, ولحبَّرته تَحْبِيْراً2.
قَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ: مَا سَمِعْتُ مِزْمَاراً وَلاَ طُنْبُوْراً وَلاَ صَنْجاً أَحْسَنَ مِنْ صَوْتِ أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ؛ إِنْ كَانَ لَيُصَلِّي بِنَا فنَوَدّ أَنَّه قَرَأَ البَقَرَةَ مِنْ حُسْنِ صَوْتِهِ.
هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ, عَنْ وَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، عَنْ لَقِيْطٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ, عَنْ أَبِي مُوْسَى، قَالَ: غَزَوْنَا فِي البَحْرِ، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي لُجَّةِ البَحْرِ سَمِعنَا مُنَادِياً يُنَادِيْ: يَا أهل
__________
1 التَّلاحُن: هو التطريب وترجيع الصوت، وتحسين القراءة.
2 صحيح أخرجه ابن سعد "2/ 344-335" من طريق عفان بن مسلم، أخبرنا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، به.(4/46)
السَّفِيْنَةِ، قِفُوْا أُخْبِرْكُمْ, فَقُمْتُ فَنَظَرْتُ يَمِيْناً وَشِمَالاً فَلَمْ أَرَ شَيْئاً، حَتَّى نَادَى سَبْعَ مِرَارٍ, فَقُلْتُ: أَلاَ تَرَى فِي أَيِّ مَكَانٍ نَحْنُ؟ إِنَّا لاَ نَسْتَطِيْعُ أَنْ نَقِفَ, فَقَالَ: ألَا أُخْبِرُكَ بِقَضَاءٍ قَضَى اللهُ عَلَى نَفْسِهِ: إِنَّهُ مَنْ عَطَّشَ نَفْسَهُ للهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يَرْوِيَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ. قَالَ: وَكَانَ أَبُو مُوْسَى لاَ تَكَادُ تلقاه في يوم حار إلَّا صَائِماً.
وَرَوَاهُ ابْنُ المُبَارَكِ فِي "الزُّهْدِ", حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ, عَنْ وَاصِلٍ.
الأَعْمَشُ, عَنْ أَبِي الضُّحَى, عَنْ مَسْرُوْقٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ أَبِي مُوْسَى فِي غَزَاةٍ، فَجَنَّنَا اللَّيْلُ فِي بُسْتَانٍ خَرِبٍ, فَقَامَ أَبُو مُوْسَى يُصَلِّي وَقَرَأَ قِرَاءةً حَسَنَةً, وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ المُؤْمِنُ تُحِبُّ المُؤْمِنَ, وَأَنْتَ المُهَيْمِنُ تُحِبُّ المُهَيْمِنَ, وَأَنْتَ السَّلاَمُ تُحِبُّ السَّلاَمَ.
وَرَوَى صَالِحُ بنُ مُوْسَى الطَّلْحِيُّ, عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: اجْتَهَدَ الأَشْعَرِيُّ قَبْلَ مَوْتِهِ اجْتِهَاداً شَدِيْداً, فَقِيْلَ لَهُ: لَوْ أَمْسَكْتَ وَرَفَقْتَ بِنَفْسِكَ, قَالَ: إِنَّ الخَيْلَ إِذَا أُرْسِلَتْ فَقَارَبَتْ رَأْسَ مَجْرَاهَا, أَخْرَجَتْ جَمِيْعَ مَا عِنْدَهَا, وَالَّذِي بَقِيَ مِنْ أَجَلِي أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ, عَنْ ثَابِتٍ, عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا مُوْسَى كَانَ لَهُ سَرَاوِيْلُ يَلْبَسُهُ مَخَافَةَ أَنْ يَتَكَشَّفَ.
الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيْقٍ، قَالَ: كُنَّا مع حذيفة جلوسًا, فدخل عبد الله وَأَبُو مُوْسَى المَسْجِدَ، فَقَالَ: أَحَدُهُمَا مُنَافِقٌ, ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ هَدْياً وَدَلاًّ وَسَمْتاً بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدُ اللهِ.
قُلْتُ: مَا أَدْرِي مَا وَجْهُ هَذَا القَوْلِ، سَمِعَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ مِنْهُ, ثُمَّ يَقُوْلُ الأَعْمَشُ: حَدَّثْنَاهُمْ بِغَضَبِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم, فاتخذه دِيْناً.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: كَانَ الأَعْمَشُ بِهِ دِيَانَةٌ مِنْ خَشْيَتِهِ.
قُلْتُ: رُمِيَ الأَعْمَشُ بِيَسِيْرِ تَشَيُّعٍ, فَمَا أَدْرِي.
وَلاَ رَيْبَ أَنَّ غُلاَةَ الشِّيْعَةِ يُبْغِضُوْنَ أَبَا مُوْسَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ لِكَوْنِهِ مَا قَاتَلَ مَعَ عَلِيٍّ، ثُمَّ لَمَّا حَكَّمَهُ عَلِيٌّ عَلَى نَفْسِهِ عَزَلَهُ، وَعَزَلَ مُعَاوِيَةَ، وَأَشَارَ بِابْنِ عُمَرَ, فَمَا انْتَظَمَ مِنْ ذَلِكَ حَالٌ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلْقَمَةَ, عن داود بن الحصين، عن عكرمة, عن ابن عباس: قلت لعلي يوم الحَكَمَيْنِ: لاَ تُحَكِّمِ الأَشْعَرِيَّ؛ فَإِنَّ مَعَهُ رَجُلاً(4/47)
حَذِراً مَرِساً قَارِحاً1، فلُزَّنِي2 إِلَى جَنْبِهِ, فَلاَ يَحُلُّ عُقْدَةً إلَّا عَقَدْتُهَا, وَلاَ يَعْقِدُ عُقْدَةً إلَّا حَلَلْتُهَا. قَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ, مَا أَصْنَعُ؟ إِنَّمَا أوتَى مِنْ أَصْحَابِي قَدْ ضَعُفَتْ نيتهم وكلوا, هذا الأشعث يقول: لا يكون فِيْهَا مُضَرِيَّانِ أَبَداً حَتَّى يَكُوْنَ أَحَدُهُمَا يَمَانٍ, قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَعَذَرْتُهُ وَعَرَفْتُ أَنَّهُ مُضْطَهَدٌ3.
وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: حكَّم مُعَاوِيَةُ عَمْراً, فَقَالَ الأَحْنَفُ لِعَلِيٍّ: حَكِّمِ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ مُجَرَّبٌ, قَالَ: أَفْعَلُ. فَأَبَت اليَمَانِيَّةُ, وَقَالُوا: حَتَّى يَكُوْنَ مِنَّا رَجُلٌ, فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: عَلاَمَ تُحَكِّمُ أَبَا مُوْسَى, لَقَدْ عَرَفْتَ رَأْيَهُ فِيْنَا, فَوَاللهِ مَا نَصَرَنَا, وَهُوَ يَرْجُو مَا نَحْنُ فِيْهِ, فَتُدْخِلُهُ الآنَ فِي مَعَاقِدِ أَمْرِنَا, مَعَ أَنَّه لَيْسَ بِصَاحِبِ ذَلِكَ, فَإِذَا أَبَيْتَ أَنْ تَجْعَلَنِي مَعَ عَمْرٍو فَاجْعَلِ الأَحْنَفَ بنَ قَيْسٍ؛ فَإِنَّهُ مُجَرَّبٌ مِنَ العَرَبِ، وَهُوَ قِرْنٌ لِعَمْرٍو, فَقَالَ: نَعَمْ, فَأَبَتِ اليَمَانِيَةُ أَيْضاً, فَلَمَّا غُلِبَ جَعَلَ أَبَا مُوْسَى4.
قَالَ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ: قَالَ عَلِيٌّ: يَا أَبَا موسى، احكم ولو على حز عُنُقِي.
زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ البَكْرِيُّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى: أنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَيْهِ: أمَّا بَعْدُ, فَإِنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ قَدْ بَايَعَنِي عَلَى مَا أُرِيْدُ, وَأُقْسِمُ بِاللهِ لَئِنْ بَايَعْتَنِي عَلَى الَّذِي بَايَعَنِي لأستعملنَّ أَحَدَ ابْنَيْكَ عَلَى الكُوْفَةِ, وَالآخَرَ عَلَى البَصْرَةِ؛ وَلاَ يُغْلَقُ دُوْنَكَ بَابٌ، وَلاَ تُقْضَى دُوْنَكَ حَاجَةٌ، وَقَدْ كَتَبْتُ إِلَيْكَ بِخَطِّي, فَاكْتُبْ إِلَيَّ بِخَطِّ يَدِكَ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أمَّا بَعْدُ, فَإِنَّكَ كَتَبْتَ إليَّ فِي جَسِيْمِ أَمْرِ الأُمَّةِ, فَمَاذَا أَقُوْلُ لِرَبِّي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْهِ, لَيْسَ لِي فِيْمَا عَرَضْتَ مِنْ حَاجَةٍ, وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ.
قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: فَلَمَّا وَلِيَ مُعَاوِيَةُ أَتَيْتُهُ, فَمَا أَغْلَقَ دُوْنِي بَاباً، وَلاَ كانت لي حاجة إلَّا قُضِيَت.
__________
1 المرس: بكسر الراء- هو الشديد الذي مارس الأمور وجرَّبها.
والقارح من الخيل: هو الذي دخل في السنة الخامسة, وجمعه قُرَّح, وقد شبه الرجل المجرب بالفرس.
2 لُزَّنِي إلى جنبه: أي: الزمني إياه. لزبه الشيء: لزق به، كأنه يلتزق بالمطلوب لسرعته.
3 ضعيف جدًّا: في إسناده علتان, الأولى: محمد بن عمر، وهو الواقدي، متروك -كما قد ذكرنا مرارًا.
الثانية: داود بن الحصين، قال علي بن المديني: ما رواه عن عكرمة فمنكر, وكذا قال أَبُو دَاوُدَ: أَحَادِيْثُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ مَنَاكِيْرُ, وَقَالَ أبو زرعة: لين.
4 ضعيف جدًّا: في إسناده الواقدي، وهو متروك.(4/48)
قُلْتُ: قَدْ كَانَ أَبُو مُوْسَى صوَّامًا قَوَّاماً، رَبَّانِيّاً، زَاهِداً، عَابِداً، مِمَّنْ جَمَعَ العِلْمَ وَالعَمَلَ وَالجِهَادَ وَسَلاَمَةَ الصَّدْرِ، لَمْ تُغَيِّرْهُ الإِمَارَةُ، وَلاَ اغترَّ بِالدُّنْيَا.
وَمِنْ عَوَالِيْهِ:
أَخْبَرَنَا الفَقِيْهَانِ: يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ كِتَابَهُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ, أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ, أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ, أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ, حدثنا إبراهيم بن عبد اللهِ البَصْرِيُّ, حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ, حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ "ح". وَبِهِ إِلَى الشَّافِعِيِّ, حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ -وَاللَّفْظُ لَهُ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ, حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ, عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ, عَنْ أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ, قَالَ:
كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ, وَكَانَ القَوْمُ يَصْعَدُوْنَ ثَنِيَّةً أَوْ عَقَبَةً, فَإِذَا صَعِدَ الرَّجُلُ قَالَ: لاَ إِلَهَ إلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ -أَحْسِبُهُ قَالَ: بِأَعْلَى صَوْتِهِ, وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى بَغْلَتِهِ يَعْتَرِضُهَا فِي الجَبَلِ, فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ, إِنَّكُمْ لاَ تُنَادُوْنَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِباً" , ثُمَّ قَالَ: "يَا عَبْدَ اللهِ بنَ قَيْسٍ, أَوْ يَا أَبَا مُوْسَى, ألَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كُنُوْزِ الجَنَّةِ" , قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُوْلَ اللهِ, قَالَ: "قُلْ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ" 1.
قَدْ مَرَّ أَنَّ أَبَا مُوْسَى تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ, وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَقَعْنَبُ بنُ المُحَرَّرِ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَأَمَّا الوَاقِدِيُّ فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ, وَقَالَ المَدَائِنِيُّ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ بعد المغيرة.
وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي "طَبَقَاتِ القُرَّاءِ": تُوُفِّيَ أَبُو مُوْسَى فِي ذِيْ الحَجَّةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ عَلَى الصَّحِيْحِ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا يَزِيْدُ وَعَفَّانُ، قَالاَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ, عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ, أَنَّ أبا موسى
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "4/ 402 و403"، والبخاري "4205" و"6384" و"7386", ومسلم "2704"، وأبو داود "1527" و"1528"، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" "537" و"538"، ابن ماجه "3824" من طرق عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي مُوْسَى, به.(4/49)
كَانَ حُلْوَ الصَّوْتِ, فَقَامَ لَيْلَةً يُصَلِّي، فَسَمِعَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقُمْنَ يَسْتَمِعْنَ, فَلَمَّا أَصْبَحَ قِيْلَ لَهُ: إِنَّ النِّسَاءَ سَمِعْنَكَ, قَالَ: لَوْ عَلِمْتُ لحبرتكنَّ تَحْبِيْراً, وَلَشَوَّقْتُكُنَّ تَشْوِيْقاً1.
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: كَانَ عُمَرُ إِذَا رَأَى أَبَا مُوْسَى، قَالَ: ذَكِّرْنَا يَا أَبَا مُوْسَى, فَيَقْرَأُ عِنْدَهُ.
شُعْبَةُ, عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ, عَنْ أَبِي نَضْرَةَ, قَالَ عُمَرُ لأَبِي مُوْسَى: شَوِّقْنَا إِلَى رَبِّنَا, فَقَرَأَ, فقالوا: الصلاة، فقال: أولسنا فِي صَلاَةٍ! 2.
رَوَى حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمِّي قَالَتْ: خَرَجَ أَبُو مُوْسَى حِيْنَ نُزِعَ عَنِ البَصْرَةِ, مَا مَعَهُ إلَّا سِتُّ مائَةِ دِرْهَمٍ عَطَاءً لِعِيَالِهِ.
رَوَى الزُّبَيْرُ بنُ الخِرِّيْتِ، عَنْ أَبِي لَبِيْدٍ قَالَ: مَا كُنَّا نُشَبِّهُ كَلاَمَ أَبِي مُوْسَى إلَّا بالجزار الذي ما يخطى المفصل3.
عَنْ بَعْضِهِمْ, أنَّ أَبَا مُوْسَى أَتَى مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ بِالنُّخَيْلَةِ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، وَجُبَّةٌ سَوْدَاءُ, وَمَعَهُ عَصَا سَوْدَاءُ.
ثَابِتٌ, عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كان أبو موسى إذا نام لبس ثبانًا مَخَافَةَ أَنْ تَنْكَشِفَ عَوْرَتُهُ.
مَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو مُوْسَى: لأَنْ يَمْتَلِئَ مَنْخِرِيْ مِنْ رِيْحِ جِيْفَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ مِنْ رِيْحِ امْرَأَةٍ.
ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ مَوْلَى أُمِّ بُرْثُنٍ، قَالَ: قَدِمَ أَبُو مُوْسَى الأَشْعَرِيُّ وَزِيَادٌ عَلَى عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, فَرَأَى فِي يَدِ زِيَادٍ خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ, فَقَالَ: اتَّخَذْتُمْ حِلَقَ الذَّهَبِ, فَقَالَ أَبُو مُوْسَى: أمَّا أَنَا فَخَاتَمِي مِنْ حَدِيْدٍ, فَقَالَ عُمَرُ: ذَاكَ أَنْتَنُ أَوْ أَخْبَثُ, مَنْ كَانَ مُتَخَتِّماً فَلْيَتَخَتَّمْ بِخَاتَمٍ مِنْ فِضَّةٍ.
قَالَ ابْنُ بُرَيْدَةَ: كَانَ أَبُو مُوْسَى أَثَطَّ قَصِيْراً خَفِيْفَ اللَّحْمِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَلَهُ فِي "مُسْنَدِ بَقِيٍّ" ثَلاَثُ مائَةٍ وستون حديثًا.
__________
1 صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 108" من طريق يزيد بن هارون, وعفان بن مسلم، به.
2 صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 109" من طريق عمرو بن الهيثم أبي قطن، قال: حدثنا شعبة, عن أبي مسلمة، به.
3 صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 111" من طرق, عن حماد بن زيد, عن الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد، به.(4/50)
وَقَعَ لَهُ فِي "الصَّحِيْحَيْنِ" تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً, وتفرد البخاري بأربعة أَحَادِيْثَ، وَمُسْلِمٌ بِخَمْسَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً, وَكَانَ إِمَاماً رَبَّانِيّاً.
جَوَّدَ تَرْجَمَتَهُ ابْنُ سَعْدٍ وَابْنُ عَسَاكِرَ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ: قَدِمَ أَبُو مُوْسَى مَكَّةَ، وَحَالَفَ أَبَا أُحَيْحَةَ الأُمَوِيَّ، وَأَسْلَمَ بِمَكَّةَ، وَهَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ, عَنْ أَبِي بُرْدَةَ, عَنْ أَبِيْهِ: أَمَرَنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَنْطَلِقَ مَعَ جَعْفَرٍ إِلَى أَرْضِ النَّجَاشِيِّ، فبعث قُرَيْشٌ عَمْراً وَعُمَارَةَ بنَ الوَلِيْدِ، وَجَمَعُوا لَهُ هَدِيَّةً.
وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ عُقْبَةَ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَأَبُو مَعْشَرٍ فِيْمَنْ هَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ.
قَتَادَةُ, عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ, قَالَ لِي أَبِي: لَوْ رَأَيْتَنَا وَنَحْنُ نَخْرُجُ مع نبينا -صلى الله عليه وسلم؛ إذ أَصَابَتْنَا السَّمَاءُ, لَوَجَدْتَ مِنَّا رِيْحَ الضَّأْنِ مِنْ لِبَاسِنَا الصُّوْفِ1.
قَالَ حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمِّي قَالَتْ: خَرَجَ أَبُوْكَ حِيْنَ نُزِعَ عَنِ البَصْرَةِ، وَمَا مَعَهُ إلَّا ست مائة درهم عطاء عياله.
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ حِيْنَ أَصَابَتْهُ قَرْحَتُهُ, فَقَالَ: هلمَّ يَا ابْنَ أَخِي, فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ قَدْ سُبِرَتْ2 -يَعْنِي: قَرْحَتُهُ- فَقُلْتُ: لَيْسَ عَلَيْكَ بَأْسٌ؛ إِذْ دَخَلَ ابْنُهُ يَزِيْدُ, فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: إِنْ وُلِّيْتَ فَاسْتَوْصِ بِهَذَا, فَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ أَخاً لِي أَوْ خَلِيْلاً، غَيْرَ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ فِي القِتَالِ مَا لَمْ يَرَ.
وَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ: قَالَ أَبِي: ائْتِنِي بِكُلِّ شَيْءٍ كَتَبْتَهُ, فَمَحَاهُ، ثُمَّ قَالَ: احْفَظْ كَمَا حَفِظْتُ.
ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: كَانَ الحَكَمَانِ أَبَا مُوْسَى وَعَمْراً؛ وَكَانَ أَحَدُهُمَا يَبْتَغِي الدُّنْيَا, وَالآخَرُ يَبْتَغِي الآخِرَةَ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ, عَنْ قَتَادَةَ, عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: أنَّ أَبَا مُوْسَى قَالَ: إِنِّي لأَغْتَسِلُ فِي البَيْتِ المُظْلِمِ, فَأَحْنِي ظَهْرِي حَيَاءً من ربي.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "4/ 419"، وابن سعد "4/ 108"، وأبو داود "4033"، والترمذي "2479"، وابن ماجه "3562" من طرق, عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، به.
2 السَّبْر: مصدر سبر الجرح يسبُرُه, ويسبِرُهُ سبرا: نظر مقداره وقاسه؛ ليعرف غوره.(4/51)
زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا مُوْسَى دَاخِلاً مِنْ هذا الباب وعليه مقطع ومطرف حيريّ1.
عَاصِمُ بنُ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ, عَنْ أَبِي مُوْسَى: أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ عُبَيْداً أَبَا عَامِرٍ فَوْقَ أَكْثَرِ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ" , فَقُتِلَ يَوْمَ أَوْطَاسٍ, فَقَتَلَ أَبُو مُوْسَى قَاتِلَهُ.
الجُرَيْرِيُّ, عَنْ قَسَامَةَ بنِ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي مُوْسَى قَالَ: أعمقوا لي قبري.
__________
1 مطرف حِيري: رداء من خز له أعلام، من الحيرة.(4/52)
179- أبو أيوب الأنصاري 1: "ع"
الخَزْرَجِيُّ، النَّجَّارِيُّ، البَدْرِيُّ، السَّيِّدُ الكَبِيْرُ، الَّذِي خَصَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنُّزُوْلِ عَلَيْهِ فِي بَنِي النَّجَّارِ, إِلَى أَنْ بُنِيَتْ لَهُ حُجْرَةُ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ سَوْدَةَ، وبُنِيَ المَسْجِدَ الشَّرِيْفَ.
اسْمُهُ: خَالِدُ بنُ زَيْدِ بنِ كُلَيْبِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عَبْدِ عَمْرٍو بنِ عَوْفِ بنِ غَنْمِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّجَّارِ بنِ ثعلبة بن الخزرج.
حدَّث عَنْهُ: جَابِرُ بنُ سَمُرَةَ, وَالبَرَاءُ بنُ عَازِبٍ، وَالمِقْدَامُ بنُ مَعْدِ يْكَرِبَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ الخَطْمِيُّ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ, وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ, وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ, وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ, وَعَطَاءُ بنُ يَزِيْدَ اللَّيْثِيُّ, وَأَفْلَحُ مَوْلاَهُ, وَأَبُو رُهْمٍ السَّمَاعِيُّ2، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرحمن, وعبد الرحمن ابن أَبِي لَيْلَى، وَقَرْثَعٌ الضَّبِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ، وَالقَاسِمُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ, وَآخَرُوْنَ.
وَلَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ فَفِي "مُسْنَدِ بَقِيٍّ" لَهُ مائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَخَمْسُوْنَ حَدِيْثاً؛ فَمِنْهَا فِي "البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ" سَبْعَةٌ. وَفِي "البُخَارِيِّ" حَدِيْثٌ, وَفِي "مُسْلِمٍ" خَمْسَةُ أَحَادِيْثَ.
حَرْمَلَةُ: حدَّثنا ابْنُ وَهْبٍ, أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ, أَخْبَرَنَا الوَلِيْدُ بنُ أَبِي الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ بنُ خالد بن أبي أيوب الأنصاري، عن أبيه عن جده:
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 484-485"، والتاريخ الكبير "3/ ترجمة 462", والجرح والتعديل "3/ ترجمة 1484"، والحلية لأبي نعيم "1/ 361"، وتاريخ الخطيب "1/ 153"، وأسد الغابة "2/ 94"، والإصابة "1/ ترجمة 2163"، تهذيب التهذيب "3/ ترجمة رقم 174" وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1760".
2 هو أبو رهم السَّمَعي، أحزاب بن أسيد، مختلف في صحبته، والصحيح أنه مخضرم، وهو ثقة، روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.(4/52)
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ: "اكْتُمِ الخِطْبَةَ, ثُمَّ تَوَضَّأْ, ثُمَّ صَلِّ مَا كَتَبَ اللهُ لَكَ, ثُمَّ احْمَدْ ربَّكَ ومجِّده, ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ, وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ, وَأَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوْبِ, فَإِنْ رَأَيْتَ لِي فِي فُلاَنَةٍ -تُسَمِّيْهَا- خَيْراً فِي دِيْنِي وَدُنْيَايَ وَآخِرَتِي فَاقْدُرْهَا لِي, وَإِنْ كَانَ غَيْرُهَا خَيْراً لِي مِنْهَا فَأَمْضِ لِي -أو قال: اقدرها لي"1.
وَفِي سِيْرَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ أَمِيْراً عَلَى البَصْرَةِ لِعَلِيٍّ، وأنَّ أَبَا أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيَّ وَفَدَ عَلَيْهِ, فَبَالغَ فِي إِكْرَامِهِ، وَقَالَ: لأجزينَّك عَلَى إِنْزَالِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَكَ, فَوَصَلَهُ بِكُلِّ مَا فِي المَنْزِلِ, فَبَلَغَ ذَلِكَ أَرْبَعِيْنَ أَلْفاً.
الأَعْمَشُ, عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَشْيَاخِهِ, عَنْ أَبِي أَيُّوْبَ أَنَّهُ قَالَ: ادْفِنُوْنِي تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ, سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ الجَنَّةَ" 2.
ابْنُ عُلَيَّةَ, عَنْ أَيُّوْبَ, عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: شَهِدَ أَبُو أَيُّوْبَ بَدْراً, ثُمَّ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ غَزَاةٍ إلَّا عَاماً اسْتُعْمِلَ عَلَى الجَيْشِ شَابٌّ, فَقَعَدَ, ثُمَّ جَعَلَ يَتَلَهَّفُ وَيَقُوْلُ: مَا عَلَيَّ مَنِ استعمل
__________
1 ضعيف: أخرجه أحمد "5/ 423"، والحاكم "1/ 314"، والطبراني "4/ 390"، والبيهقي "7/ 147" من طرق عن ابن وهب قال: أخبرني حيوة، به.
قلت: إسناده ضعيف, آفته جهالة خالد بن أبي أيوب الأنصاري، ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"، "3/ ترجمة 1443", ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ولم يرو عنه إلّا أيوب بن خالد حسب. ولم يوثقه غير ابن حبان في كتابه "الثقات"، "4/ 198", وذلك على عادته في توثيق المجاهيل والمجروحين.
2 صحيح لغيره: أخرجه أحمد "5/ 419 و423" من طريق الأعمش، عن أبي ظبيان قال: غزا أبو أيوب مع يزيد بن معاوية قال: إذا أنا مت فأدخلوني أرض العدو, فادفنوني تحت أقدامكم حيث تلقون العدو, قال: ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ الجنة".
قلت: إسناده ضعيف، ذكره بدون ذكر الأشياخ لأبي ظبيان، وهو حصين بن ندب بن الحارث الجنبي الكوفي، مات سنة "90"، وهو من الطبقة الثانية, ما إخاله أدرك أبا أيوب, إنما روى عنه بواسطة الأشياخ وهم مجهولون، فإن كان أدركه وروى عنه فالإسناد صحيح, فقد ما أبو أيوب سنة "50", لذا فقد قال الحافظ المزي في ترجمته: "روى عن أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري، وقيل: عن أشياخ لهم, عن أبي أيوب", فقد تشكك الحافظ في ثبوت روايته عنه, وأخرجه أحمد "5/ 413-414"، والنسائي "7/ 88"، والطبراني "3885" في الكبير من طرق عن بقية بن الوليد, حدثني بحير بن سعيد، عن خالد بن معدان، حدثني أبو رهم السمعي, عن أبي أيوب الأنصاري, أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من جاء يعبد الله ولا يشرك به شيئًا، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويجتنب الكبائر، كان له الجنة".
وأخرجه الحاكم "1/ 23" من طريق أحمد بن النضر بن عبد الوهاب، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا فضيل بن سليمان، حدثنا موسى بن عقبة، سمع عبيد الله بن سلمان، عن أبيه، عن أبي أيوب الأنصاري، به.(4/53)
عليَّ, فَمَرِضَ وَعلَى الجَيْشِ يَزِيْدُ بنُ مُعَاوِيَةَ، فَأَتَاهُ يَعُوْدُهُ، فَقَالَ: حَاجَتُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا أَنَا مِتُّ فَارْكَبْ بِي, ثُمَّ تَبَيَّغْ بِي فِي أَرْضِ العَدُوِّ مَا وَجَدْتَ مَسَاغاً, فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغاً فادفنِّي ثُمَّ ارْجِعْ.
فلمَّا مات ركب بهو ثُمَّ سَارَ بِهِ, ثُمَّ دَفَنَهُ, وَكَانَ يَقُوْلُ: قال الله: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التَّوْبَةُ: 41] ، لاَ أَجِدُنِي إلَّا خَفِيْفاً أَوْ ثَقِيْلاً.
وَرَوَى هَمَّامٌ، عَنْ عَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ رَجُلٍ: أنَّ أَبَا أَيُّوْبَ قَالَ لِيَزِيْدَ: أَقْرِئِ النَّاسَ مِنِّي السَّلاَمَ؛ وَلْيَنْطَلِقُوا بِي, وَلَيُبْعِدُوا مَا اسْتَطَاعُوا, قَالَ: فَفَعَلُوا.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَ عَامَ غَزَا يَزِيْدُ فِي خِلاَفَةِ أَبِيْهِ القُسْطَنْطِيْنِيَّةَ, فَلَقَدْ بَلَغَنِي أنَّ الرُّوْمَ يَتَعَاهَدُوْنَ قَبْرَهُ وَيَرُمُّوْنَهُ وَيَسْتَسْقُوْنَ بِهِ, وَذَكَرَهُ عُرْوَةُ وَالجَمَاعَةُ فِي البَدْرِيِّيْنَ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: شَهِدَ العَقَبَةَ الثَّانِيَةَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ: النَّجَّارُ, سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لأَنَّهُ اخْتَتَنَ بِقَدُوْمٍ.
وَعنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخَى بَيْن أَبِي أَيُّوْبَ وَمُصْعَبِ بنِ عُمَيْرٍ.
شَهِدَ أبو أيوب المشاهد كلها.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ: جَاءَ لَهُ نَحْوٌ مِنْ خَمْسِيْنَ حَدِيْثاً.
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: قَدِمَ مِصْرَ فِي البَحْرِ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ: قَدِمَ دِمَشْقَ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ: شَهِدَ حَرْبَ الخَوَارِجِ مَعَ عَلِيٍّ.
جَعْفَرُ بنُ جِسْرِ بنِ فَرْقَدٍ: أَخْبَرَنَا أَبِي, حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ أَهْلُ المَدِيْنَةِ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْخُلِ المَدِيْنَةَ رَاشِداً مَهْدِيّاً, فَدَخَلَهَا وَخَرَجَ النَّاسُ يَنْظُرُوْنَ إِلَيْهِ, كُلَّمَا مَرَّ عَلَى قَوْمٍ قالوا: يا رسول الله, ههنا, فَقَالَ: "دَعُوْهَا فَإِنَّهَا مَأُمُوْرَةٌ" -يَعْنِي النَّاقَةَ, حَتَّى بركت على باب أبي أيوب1.
__________
1 حسن لغيره: أخرجه ابن عدي في "الكامل "2/ 170" من طريق جعفر بن جسر بن فرقد، به. وإسناده ضعيف، آفته جعفر بن جسر بن فرقد، قال العقيلي: في حفظه اضطراب شديد, وأبوه جسر بن فرقد القصَّاب، قال ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ, وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيْفٌ, وقال البخاري: ليس بذاك عندهم وأخرجه البيهقي في "الدلائل", وإسناده واهٍ بمرة، آفته إبراهيم بن صِرْمَة الأنصاري، ضعَّفه الدارقطني وغيره، وقال ابن عدي: عامَّة أحاديثه منكرة السند والمتن. وقال ابن معين: كذّاب خبيث.
وله طريق آخر عند ابن سعد "1/ 335-236 و237"، وطريق ثالث عند البيهقي في "الدلائل" يرتقي به الحديث إلى الحسن لغيره على أقلّ الأحوال، ولولا ضيق المقام لفصّلت الكلام على طرقه تفصيلًا يروي ظمأ عشّاق الحديث، فالله المستعان.(4/54)
يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ أَبِي رُهْمٍ, أَنَّ أَبَا أَيُّوْبَ حَدَّثَهُ: أنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَزَلَ فِي بَيْتِنَا الأَسْفَلِ, وَكُنْتُ فِي الغُرْفَةِ, فَأُهْرِيْقَ مَاءٌ فِي الغُرْفَةِ, فَقُمْتُ أَنَا وَأُمُّ أَيُّوْبَ بِقَطِيْفَةٍ لَنَا نَتَتَبَّعُ المَاءَ, وَنَزَلْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ, لاَ يَنْبِغِي أَنْ نَكُوْنَ فَوْقَكَ, انْتَقِلْ إِلَى الغُرْفَةِ, فَأَمَرَ بِمَتَاعِهِ فَنُقِلَ وَمَتَاعُهُ قَلِيْلٌ, قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ, كُنْتَ تُرْسِلُ بِالطَّعَامِ, فَأَنْظُرُ, فَإِذَا رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعَكَ وضعت فيه يدي1.
بَحِيْرُ بنُ سَعْدٍ, عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ, عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوْبَ قَالَ: أَقْرَعَتِ الأَنْصَارُ أيُّهم يُؤْوِي رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَرَعَهُمْ أَبُو أَيُّوْبَ, فَكَانَ إِذَا أُهْدِيَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَعَامٌ أُهْدِيَ لأَبِي أَيُّوْبَ, فَدَخَلَ أَبُو أَيُّوْبَ يَوْماً, فَإِذَا قَصْعَةٌ فِيْهَا بَصَلٌ, فَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا, وَقَالَ: "إِنَّهُ يَغْشَانِي مَا لاَ يَغْشَاكُمْ"2.
الصَّنْعَانِيُّ, حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَابِقٍ, حَدَّثَنَا حَشْرَجُ بنُ نُبَاتَةَ, عَنْ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ, سَمِعَ أَبَا قِلاَبَةَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الصُّنَابِحِيُّ, أَنَّ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ حدَّثه قَالَ: خَلَوْتُ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: أَيُّ أَصْحَابِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ, قَالَ: "اكْتُمْ عَلَيَّ حَيَاتِي" قُلْتُ: نَعَمْ, قَالَ: "أَبُو بَكْرٍ, ثُمَّ عُمَرُ, ثُمَّ عَلِيٌّ", ثُمَّ سَكَتَ فَقُلْتُ: ثُمَّ مَن, قَالَ: "مَنْ عَسَى أَنْ يَكُوْنَ بَعْدَ هَؤُلاَءِ إلَّا الزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ وَسَعْدٌ وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَمُعَاذٌ، وَأَبُو طَلْحَةَ، وَأَبُو أَيُّوْبَ، وَأَنْتَ, وأُبَيّ بنُ كَعْبٍ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَابْنُ عَفَّانَ, وَابْنُ عَوْفٍ, ثُمَّ هَؤُلاَءِ الرَّهْطُ مِنَ المَوَالِي: سَلْمَانُ وَصُهَيْبٌ وَبِلاَلٌ وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ, هَؤُلاَءِ خاصَّتي". هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ, رَوَاهُ الهَيْثَمُ الشاشي في "مسنده".
__________
1 صحيح لغيره: أخرجه أحمد "5/ 420" من طريق يونس، حدثنا ليث، عن يزيد بن أبي حبيب، به.
قلت: سماع أبي رهم، وهو أحزاب بن أسيد, من أبي أيوب في القلب منه شيء، فإن سمع منه, فالإسناد صحيح، وإلا فهو ضعيف. وأبو الخير هو مرثد بن عبد الله اليزني، ثقة.
وأخرجه مسلم "2053" "171" من طريق أبي النعمان، حدثنا ثابت، حدثنا عاصم بن عبد الله بن الحارث، عن أفلح مولى أبي أيوب، عن أبي أيوب، به نحوه.
2 ضعيف: أخرجه "5/ 414", حدثنا زكريا بن عديّ، أخبرنا بقية، به.
قلت: إسناده ضعيف, آفته بقية، وهو مدلِّس، وقد عنعنه.(4/55)
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا كَثِيْرُ بنُ زَيْدٍ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ رَبَاحٍ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِصَفِيَّةَ, بَاتَ أَبُو أَيُّوْبَ عَلَى بَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَلَمَّا أَصْبَحَ فَرَأَى رَسُوْلَ اللهِ كَبَّر, وَمَعَ أَبِي أَيُّوْبَ السَّيْفُ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ, كَانَتْ جَارِيَةً حَدِيْثَةَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، وَكُنْتَ قَتَلْتَ أَبَاهَا وَأَخَاهَا وَزَوْجَهَا, فَلَمْ آمَنْهَا عَلَيْكَ, فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ لَهُ خَيْراً.
غَرِيْبٌ جِدّاً, وله شويهد من حديث عيسى بن المحتار، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, فَذَكَرَ قَرِيْباً مِنْهُ.
وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ, عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرٍ، بِنَحْوِهِ.
وَابْنُ لَهِيْعَةَ, عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ, عَنْ عُرْوَةَ، نَحْوَهُ.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِسْحَاقَ, عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ قَالَ: أَعْرَسْتُ, فَدَعَا أَبِي النَّاسَ فِيْهِم أَبُو أَيُّوْبَ، وَقَدْ سَتَرُوا بَيْتِي بِجُنَادِيٍّ أَخْضَرَ, فَجَاءَ أَبُو أَيُّوْبَ فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ, فَنَظَرَ فَإِذَا البَيْتُ مُسَتَّرٌ, فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ, تَسْتُرُوْنَ الجُدُرَ, فَقَالَ أَبِي وَاسْتَحْيَى: غَلَبَنَا النِّسَاءُ يَا أَبَا أَيُّوْبَ, فَقَالَ: مَنْ خَشِيْتُ أن تَغْلِبَهُ النِّسَاءُ, فَلَمْ أَخْشَ أَنْ يَغْلِبْنَكَ, لاَ أَدْخُلُ لَكُمْ بَيْتاً، وَلاَ آكُلُ لَكُمْ طَعَاماً!
غَرِيْبٌ, رَوَاهُ النُّفَيْلِيُّ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ, عَنْهُ.
ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: عَنْ عَبْدِ العَزِيْز بنِ عَبَّاسٍ, عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ قَالَ: كَانَ أَبُو أَيُّوْبَ يُخَالِفُ مَرْوَانَ فَقَالَ: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ، فَإِنْ وَافَقْتَهُ وَافَقْنَاكَ، وَإِنْ خَالَفْتَهُ خَالَفْنَاكَ.
مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زِيَادِ بنِ أَنْعُمَ, عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: انضمَّ مَرْكَبُنَا إِلَى مَرْكَبِ أَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ فِي البَحْرِ، وَكَانَ مَعَنَا رَجُلٌ مَزَّاحٌ, فَكَانَ يَقُوْلُ لِصَاحِبِ طَعَامِنَا: جَزَاكَ اللهُ خَيْراً وَبِرّاً, فَيَغْضَبُ, فَقُلْنَا لأَبِي أَيُّوْبَ: هُنَا مَنْ إِذَا قُلْنَا لَهُ: جَزَاكَ اللهُ خَيْراً يَغْضَبُ, فَقَالَ: اقْلِبُوْهُ لَهُ. فكنَّا نَتَحَدَّثُ: إنَّ مَنْ لَمْ يُصْلِحْهُ الخَيْرُ أَصْلَحَهُ الشَّرُّ.
فَقَالَ لَهُ المَزَّاحُ: جَزَاكَ اللهُ شَرّاً وعرًا, فضحك وقال: ما تدع مزاحك! 1.
ذَكَرَ خَلِيْفَةُ أَنَّ عَلِيّاً اسْتَعْمَلَ أَبَا أَيُّوْبَ على المدينة.
__________
1 ضعيف: آفته عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زِيَادِ بنِ أَنْعُمَ الإِفْرِيْقِيُّ، ضعيف في حفظه, قوله "العُرّ": الأمر القبيح المكروه والأذى.(4/56)
وَقَالَ الحَاكِمُ: لَمْ يَشْهَدْ أَبُو أَيُّوْبَ مَعَ عليٍّ صِفِّيْنَ.
الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ: أنَّ أَبَا أَيُّوْب غَزَا زَمَنَ مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا احْتُضِرَ قَالَ: إِذَا صَافَفْتُمُ العَدُوَّ فَادْفِنُونِي تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ.
ابْنُ فُضَيْلٍ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ الهجَري, عَنْ أَبِي صَادِقٍ قَالَ: قَدِمَ أَبُو أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيُّ العِرَاقَ, فَأَهْدَتْ لَهُ الأَزْدُ جُزُراً مَعِي, فَسَلَّمْتُ وَقُلْتُ: يَا أَبَا أَيُّوْبَ, قَدْ أَكْرَمَكَ اللهُ بِصُحْبَةِ نبيه، وبنزوله عليك, فمالي أَرَاكَ تَسْتَقْبِلُ النَّاسَ تُقَاتِلُهُمْ بِسَيْفِكَ؟ قَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ عَهِدَ إِلَيْنَا أَنْ نُقَاتِلَ مَعَ عليٍّ النَّاكِثِيْنَ، فَقَدْ قَاتَلْنَاهُمْ, وَالقَاسِطِيْنَ, فَهَذَا وَجْهُنَا إِلَيْهِمْ, -يَعْنِي: مُعَاوِيَةَ وَالمَارِقِيْنَ- فَلَمْ أَرَهُمْ بَعْدُ. هَذَا خَبَرٌ واهٍ1.
إِسْحَاقُ بنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو سِنَانٍ, عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ: أنَّ أَبَا أَيُّوْبَ قَدِمَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ البَصْرَةَ، فَفَرَّغَ لَهُ بَيْتَهُ, وَقَالَ: لأصنعنَّ بك كما صنعت برسول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, كَمْ عَلَيْكَ? قَالَ: عِشْرُوْنَ أَلْفاً, فَأَعْطَاهُ أَرْبَعِيْنَ أَلْفاً, وَعِشْرِيْنَ مَمْلُوْكاً, وَمَتَاعَ البَيْتِ.
ابْنُ عَوْنٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ, وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ كَثِيْرِ بنِ أَفْلَحَ, وَهَذَا حَدِيْثُهُ قَالَ: قَدِمَ أَبُو أَيُّوْبَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى السَّرِيْرِ, وَحَادَثَهُ وَقَالَ: يَا أَبَا أَيُّوْبَ, مَنْ قَتَلَ صَاحِبَ الفَرَسِ البَلْقَاءِ الَّتِي جَعَلَتْ تَجُوْلُ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا? قَالَ: أَنَا؛ إِذْ أَنْتَ وَأَبُوْكَ عَلَى الجَمَلِ الأَحْمَرِ, مَعَكُمَا لِوَاءُ الكُفْرِ, فَنَكَّسَ مُعَاوِيَةُ, وَتَنَمَّرَ أَهْلُ الشَّامِ وَتَكَلَّمُوا, فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَهْ, وَقَالَ: مَا نَحْنُ عَنْ هَذَا سَأَلْنَاكَ.
أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ, عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ كَثِيْرٍ: سَمِعْتُ عُمَارَةَ بنَ غَزِيَّةَ قَالَ: دَخَلَ أَبُو أَيُّوْبَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: صَدَقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ, إِنَّكُم سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا" 2. فَبَلَغَتْ مُعَاوِيَةَ فصدَّقه فَقَالَ: مَا أَجْرَأَهُ, لا أكلمه أبدًا, ولا يئويني وَإِيَّاهُ سَقْفٌ. وَخَرَجَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى الغَزْوِ, فمرض فعاده يزيد بن معاوية،
__________
1 ضعيف: آفته إبراهيم بن مسلم الهجريّ، ضعَّفه ابن معين، والنسائي, وقال أبو حاتم: ليس بقوي.
2 صحيح لغيره: إسناده ضعيف لانقطاعه، عمارة بن غزية هو ابن الحارث الأنصاري، من الطبقة السادسة، وهي طبقة لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة.
وأخرجه البخاري "3792"، ومسلم "1845", حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، قال: سمعت قتادة، عن أنس بن مالك، عن أسيد بن حضير -رضي الله عنهم, أن رجلا من الانصار قال: يا رسول الله، ألا تستعملني كما استعملت فلانا؟ قال: "ستلقون بعدي أثرة, فاصبروا حتى تلقوني على الحوض".(4/57)
وَهُوَ عَلَى الجَيْشِ, فَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ? قَالَ: مَا ازْدَدْتُ عَنْكَ وَعَنْ أَبِيْكَ إلَّا غِنَىً, إِنْ شِئْتَ أَنْ تَجْعَلَ قَبْرِي مِمَّا يَلِي العَدُوَّ ... الحَدِيْثَ. الأَعْمَشُ, عَنْ أَبِي ظبيان قال: غزا أَبُو أَيُّوْبَ, فَمَرِضَ فَقَالَ: إِذَا مِتُّ فَاحْمِلُوْنِي، فَإِذَا صَافَفْتُمُ العَدُوَّ فَارْمُوْنِي تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ, أَمَا إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيْثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: "مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ الجَنَّةَ" 1. إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ.
جَرِيْرٌ, عَنْ قَابُوْسِ بنِ أَبِي ظِبْيَانَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: أَتَيْتُ مِصْرَ, فَرَأَيْتُ النَّاسَ قَدْ قَفَلُوا مِنْ غَزْوِهِمْ, فَأَخْبَرُوْنِي أَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا عِنْدَ انْقَضَاءِ مَغْزَاهُمْ؛ حَيْثُ يَرَاهُمُ العَدُوُّ, حَضَرَ أَبَا أَيُّوْبَ المَوْتُ, فَدَعَا الصَّحَابَةَ وَالنَّاسَ فَقَالَ: إِذَا قُبِضْتُ فَلْتُرْكَبِ الخَيْلُ ثُمَّ سِيْرُوا حَتَّى تَلْقَوُا العَدُوَّ فَيَرُدُّوْكُمْ, فَاحْفِرُوا لِي وَادْفِنُوْنِي, ثُمَّ سَوُّوْهُ, فَلْتَطَأِ الخَيْلُ وَالرِّجَالُ عَلَيْهِ حَتَّى لاَ يُعْرَفَ، فَإِذَا رَجَعْتُمْ فَأَخْبِرُوا النَّاسَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَنِي: "أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ يَقُوْلُ: لاَ إِلَهَ إلَّا اللهُ" 2.
قَالَ الوَلِيْدُ, عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: أَغْزَى مُعَاوِيَةُ ابْنَهُ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ حتى أجاز بهم الخليج وقاتلوا أهل القسطنطينية عَلَى بَابِهَا، ثُمَّ قَفَلَ.
وَعَنِ الأَصْمَعِيِّ عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ أَبَا أَيُّوْبَ قُبِرَ مَعَ سُوْرِ القُسْطِنْطِيْنِيَّةِ، وَبُنِي عَلَيْهِ فَلَمَّا أَصْبَحُوا، قَالَتِ الرُّوْمُ: يَا مَعْشَرَ العَرَبِ، قَدْ كَانَ لَكُمُ اللَّيْلَةَ شَأْنٌ. قَالُوا: مَاتَ رَجُلٌ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ نَبِيِّنَا وَاللهِ لَئِنْ نُبِشَ لاَ ضُرِبَ بِنَاقُوْسٍ فِي بِلاَدِ العَرَبِ. فَكَانُوا إِذَا قَحَطُوا، كَشَفُوا عَنْ قَبْرِهِ فَأُمْطِرُوا.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: مَاتَ أَبُو أَيُّوْبَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ يَزِيْدُ وَدُفِنَ بِأَصْلِ حِصْنِ القُسْطِنْطِيْنِيَّةِ. فَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الروم يتعاهدون قبره وَيَسْتَسْقُوْنَ بِهِ3.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ.
__________
1 صحيح لغيره: تقدم تخريجنا له برقم تعليق "115".
2 صحيح لغيره: في إسناده قابوس بن أبي ظبيان، قال أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ليس بالقوى. قال أحمد: ليس بذلك.
لكن الحديث يشهد له ما قبله.
3 ضعيف جدًّا: آفته محمد بن عمر الواقدي، وهو متروك كما ذكرنا مرارًا.(4/58)
180- عبد الله بن سلام 1: "ع"
ابن الحارث, الإِمَامُ الحَبْرُ, المَشْهُوْدُ لَهُ بِالجَنَّةِ, أَبُو الحَارِثِ الإِسْرَائِيْلِيُّ، حَلِيْفُ الأَنْصَارِ, مِنْ خواصِّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حدَّث عَنْهُ: أَبُو هُرَيْرَةَ, وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ, وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَعْقِلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ حَنْظَلَةَ بنِ الغَسِيْلِ، وَابْنَاهُ: يُوْسُفُ وَمُحَمَّدٌ، وَبِشْرُ بنُ شَغَافٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ المُقْرِئُ, وَأَبُو بُرْدَةَ بنُ أَبِي مُوْسَى, وَقَيْسُ بنُ عَبَّادٍ, وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ, وَعطَاءُ بنُ يَسَارٍ, وَزُرَارَةُ بنُ أَوْفَى, وآخرون.
وَكَانَ فِيْمَا بَلَغَنَا مِمَّنْ شَهِدَ فَتْحَ بَيْتِ المَقْدِسِ. نَقَلَهُ الوَاقِدِيُّ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: اسْمُهُ الحُصَيْنُ, فغيِّره النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَبْدِ اللهِ.
وَرَوَى قَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ -وَهُوَ ضَعِيْفٌ- عَنْ عَاصِمٍ, عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ قَبْلَ وَفَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَامَيْنِ. فَهَذَا قَوْلٌ شَاذٌّ مَرْدُوْدٌ بِمَا فِي "الصَّحِيْحِ" مِنْ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَقْتَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقُدُوْمِهِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هُوَ مِنْ وَلَدِ يُوْسُفَ بنِ يَعْقُوْبَ -عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ, وَهُوَ حَلِيْفُ القَوَاقِلَةِ.
قَالَ: وَلَهُ إِسْلاَمٌ قَدِيْمٌ بَعْدَ أَنْ قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ, وَهُوَ مِنْ أَحْبَارِ اليَهُوْدِ.
قَالَ عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ: حدَّثنا زُرَارَةُ بنُ أَوْفَى, عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ، انْجَفَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ, وَكُنْتُ فِيْمَنِ انْجَفَلَ, فلمَّا رَأَيْتُهُ عَرَفْتُ أنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ. فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ, أَفْشُوْا السَّلاَمَ, وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ, وصِلُوا الأَرْحَامَ, وصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ, تَدْخُلُوا الجنَّة بِسَلاَمٍ" 2.
وَرَوَى حُمَيْدٌ, عَنْ أَنَسٍ: أنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ سَلاَمٍ أَتَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقدمه إِلَى المَدِيْنَةِ، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ لاَ يَعْلَمُهَا إلَّا نَبِيٌّ, مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ? وَمَا أَوَّلُ مَا يَأْكُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ? ومن أين يشبه الولد أباه وأمه?
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "2/ 352"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 29"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 288"، أسد الغابة "3/ 264"، الإصابة "2/ ترجمة 3557"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 437"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3557".
2 صحيح: أخرجه أحمد "5/ 451"، والترمذي "2487"، وابن ماجه "3251"، والدارمي "1/ 340" من طريق عوف بن أبي جميلة، عَنْ زُرَارَةُ بنُ أَوْفَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سلام.(4/59)
فَقَالَ: "أَخْبَرَنِي بهنَّ جِبْرِيْلُ آنفاً" قَالَ: ذَاكَ عَدُوُّ اليَهُوْدِ مِنَ المَلاَئِكَةِ. قَالَ: "أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَخْرُجُ مِنَ المَشْرِقِ, فَتَحْشُرُ النَّاسَ إِلَى المَغْرِبِ, وأمَّا أَوَّلُ مَا يَأكُلُهُ أَهْلُ الجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوْتٍ، وَأَمَّا الشَّبَهُ: فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ نَزَعَ إِلَيْهِ الوَلَدُ, وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ المَرْأَةِ نَزَعَ إِلَيْهَا" قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ.
وَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ, إِنَّ اليَهُوْدَ قَوْمٌ بُهْت, وَإِنَّهُم إِنْ يَعْلَمُوا بإِسْلاَمِي بَهَتُوْنِي، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ فَسَلْهُمْ عنِّي.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: "أَيُّ رَجُلٍ ابْنُ سَلاَمٍ فِيْكُمْ"؟ قَالُوا: حَبْرُنَا وَابْنُ حَبْرِنَا وَعَالِمُنَا وَابْنُ عَالِمِنَا. قَالَ: "أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ تُسْلِمُوْنَ"؟ قَالُوا: أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلَّا اللهَ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ, فَقَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شرِّنا؛ وَجَاهِلُنَا وَابْنُ جَاهِلِنَا, فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَلَمْ أُخْبِرْكَ أنَّهم قَوْمٌ بُهْتٌ1.
عَبْدُ الوَارِثِ: حدَّثنا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ صُهَيْبٍ, عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَقَالُوا: جَاءَ نَبِيُّ اللهِ. فَاسْتَشْرَفُوا يَنْظُرُوْنَ, وَسَمِعَ ابْنُ سَلاَمٍ -وَهُوَ فِي نَخْلٍ يَخْتَرِفُ- فَعَجَّلَ قَبْلَ أَنْ يَضَعَ الَّتِي يَخْتَرِفُ فِيْهَا, فَسَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ.
فَلَمَّا خَلاَ نَبِيُّ الله، جاء فقال: أشهد أَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ, وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ, وَلَقَدْ عَلِمَتِ اليَهُوْدُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ، وَابْنُ سَيِّدِهِمْ, وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ, فَسَلْهُمْ عنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ, فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ, فأرسل إليهم فجاءوا فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ اليَهُوْدِ، وَيْلَكُم! اتَّقُوا اللهَ, فَوَاللهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُوْنَ أنِّي رَسُوْلُ اللهِ حَقّاً, وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ فَأَسْلِمُوا". قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ. قَالَ: "فَأَيُّ رَجُلٍ فِيْكُمُ ابْنُ سَلاَمٍ"؟ قَالُوا: ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا, وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا, قَالَ: "أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ"؟ قَالُوا: حَاشَى للهِ, مَا كَانَ لِيُسْلِمَ, فَقَالَ: "اخْرُجْ عَلَيْهِمْ". فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: وَيْلَكُمْ, اتَّقُوا اللهَ, فَوَاللهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُوْنَ أَنَّهُ رَسُوْلُ اللهِ حَقّاً. قَالُوا: كَذَبْتَ, فَأَخْرَجَهُمْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2.
ابْنَ إِسْحَاقَ, عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ, عَنِ ابن
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 108"، والبخاري "3329" و"3938" و"4480"، والبيهقي في "الدلائل" "2/ 528-529"، والبغوي "3769" من طريق عن حميد، عن أنس بن مالك، به.
قوله: "بُهْت": البهت: الكذب والافتراء, والمراد أنهم كذَّابون مفترون.
2 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 211"، والبخاري "3911"، والبيهقي "2/ 526-528" من طريق عبد الوارث بن سعيد العنبري، عن عبد العزيز بن صهيب، به. قوله: "يخترف": أي يجتني.(4/60)
عَبَّاسٍ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي ابْنِ سَلاَمٍ، وَثَعْلَبَةَ بنِ سَعْيَةَ، وَأَسَدِ بنِ عُبَيْدٍ: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} 1 [آل عمران: 113-114] .
مَالِكٌ, عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ, عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ, عَنْ أَبِيْهِ: قَالَ: مَا سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ يَقُوْلُ لأَحَدٍ: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ إلَّا لِعَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ, وَفِيْهِ نَزَلَتْ: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأَحْقَافُ: 10] 2.
حَمَّادٌ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ بَهْدلَةَ, عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ, عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "يدخل من هذا الفج رجل من أهل الجَنَّةِ" , فَجَاءَ ابْنُ سَلاَمٍ3.
وَجَاءَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ: أَنَّهُ رَأَى رُؤْيَا, فقصَّها عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ لَهُ: "تَمُوْتُ وَأَنْتَ مُسْتَمْسِكٌ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى" 4 إِسْنَادُهَا قَوِيٌّ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بنُ عَمْرٍو, حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ رُفَيْعٍ, عَنْ مَعَبْدٍ الجُهَنِيِّ, عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَمِيْرَةَ, أَنَّهُ لَمَّا احْتُضِرَ معَاذٌ قَعَدَ يَزِيْدُ عِنْدَ رَأْسِهِ يَبْكِي, فَقَالَ: مَا يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: أَبْكِي لِمَا فَاتَنِي مِنَ العِلْمِ, قَالَ: إِنَّ العِلْمَ كَمَا هُوَ لَمْ يَذْهَبْ، فَاطْلُبْهُ عِنْدَ أَرْبَعَةٍ، فسمَّاهم, وَفِيْهِمْ: عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ، الَّذِي قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْهِ: "هُوَ عَاشِرُ عشرة في الجنة" 5.
__________
1 ضعيف: أخرجه ابن جرير في "تفسيره" "7644" و "7645" من طريق ابن إسحاق، به. وإسناده ضعيف, آفته ابن إسحاق، وهو مدلّس، وقد عنعنه.
2 صحيح: أخرجه أحمد "1/ 169"، والبخاري "3812"، ومسلم "2483" من طريق مالك, عن أبي النضر سالم، به.
3 حسن: أخرجه أحمد "1/ 169 و183"، والبزار "2712"، والحاكم "3/ 416"، من طرق, عن حمَّاد ابن سلمة، به.
قلت: إسناده حسن، عاصم بن بهدلة هو ابن أبي النجود الأسدي، صدوق، وحديثه في الصحيحين مقرون.
4 صحيح: أخرجه البخاري "7014" من طريق ابن عون، عن محمد بن سيرين، حدثنا قيس بن عبد، عن عبد الله بن سالم, قال: رأيت كأنِّي في روضة، ووسط الروضة عمود، في أعلى العمود عروة، فقيل لي: ارقه، قلت: لا أستطيع، فأتاني وصيف فرفع ثيابي فرقيت، فاستمسكت بالعروة، فانتبهت وأنا مستمسك بها، فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: "تلك الروضة روضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة العروة الوثقى, لا تزال مستمسكًا بالإسلام حتى تموت".
5 صحيح لغيره: وهذا إسناد ضعيف جدًّا، أخرجه ابن سعد "2/ 352-353", وآفته حمَّاد بن عمرو، وهو أبو إسماعيل النصيبي، قال أبو حاتم في "الجرح والتعديل" "3/ ترجمة 634" وقال: منكر الحديث، ضعيف الحديث جدًّا. لكن الحديث يصح بالطريق الآتي.(4/61)
البُخَارِيُّ فِي "تَارِيْخِهِ": حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ, عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَمِيْرَةَ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ المَوْتُ قِيْلَ لَهُ: أَوْصِنَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ, قَالَ: الْتَمِسُوْا العِلْمَ عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ, وَسَلْمَانَ, وَابْنِ مَسْعُوْدٍ, وَعَبْدِ اللهِ بن سَلاَمٍ, الَّذِي أَسْلَمَ, فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "إِنَّهُ عَاشِرُ عَشَرَةٍ فِي الجَنَّةِ" 1.
{وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43] قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي يَحْيَى: حَدَّثَنَا معَاذُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يُوْسُفَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ, عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: إني قد قرأت القُرْآنَ وَالتَّوْرَاةَ, فَقَالَ: "اقْرَأْ بِهَذَا لَيْلَةً, وَبِهَذَا لَيْلَةً". إِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ2.
فَإِنَّ صحَّ فَفِيْهِ رُخْصَةٌ فِي التَّكْرَارِ عَلَى التَّوْرَاةِ الَّتِي لَمْ تُبَدَّلْ، فأمَّا اليَوْمَ فَلاَ رُخْصَةَ فِي ذَلِكَ؛ لِجَوَازِ التَّبْدِيْلِ عَلَى جَمِيْعِ نُسَخِ التَّوْرَاةِ المَوْجُوْدَةِ, وَنَحْنُ نُعَظِّمُ التَّوْرَاةَ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللهُ عَلَى مُوْسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وَنُؤمِنُ بِهَا, فأمَّا هَذِهِ الصُّحُفُ الَّتِي بِأَيْدِي هَؤُلاَءِ الضُّلاَّلِ، فَمَا نَدْرِي مَا هِيَ أَصْلاً. وَنَقِفُ فَلاَ نُعَامِلُهَا بِتَعَظِيْمٍ وَلاَ بِإِهَانَةٍ، بَلْ نَقُوْلُ: آمنَّا بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسِلِهِ, وَيَكْفِيْنَا فِي ذَلِكَ الإِيْمَانُ المُجْمَلُ، وَللهِ الحَمْدُ.
عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ، قَالَ: زَعَمَ عَبْدُ اللهِ بنُ حَنْظَلَةَ أنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ سَلاَمٍ مَرَّ فِي السُّوْقِ عَلَيْهِ حُزْمَةٌ مِنْ حَطَبٍ، فَقِيْلَ لَهُ: أَلَيْسَ أَغْنَاكَ اللهُ? قَالَ: بَلَى, وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَقْمَعَ الكِبْرَ, سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ من كبر" 3.
اتَّفِقُوا عَلَى أَنَّ ابْنَ سَلاَمٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثلاث وأربعين.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "5/ 242-243", والبخاري في تاريخه الصغير "1/ 73", والترمذي "3804"، والنسائي في فضائل الصحابة "149"، والحاكم "3/ 270 و416"، والطبراني "8514" و"20/ 229" من طريق مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ، عن أبي إدريس الخولاني به.
قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات.
2 موضوع: آفته إبراهيم بن أبي يحيى، قال فيه ابن معين ويحيى القطان: كذَّاب, وقال أحمد بن حنبل: تركوا حديثه, وقال البخاري: تركه ابن المبارك والناس, وقال النسائي والدارقطني وغيرهما: متروك.
136 صحيح لغيره: أخرجه الحاكم "3/ 416" من طريق سالم بن إبراهيم صاحب المصاحف، عن عكرمة ابن عمار، به.
وقال الحاكم: صحيح. وتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: سالم واهٍ" والحديث صحيح دون القصة، فقد ورد عن عبد الله بن مسعود, أخرجه ابن أبي شيبة "9/ 89"، وأحمد "1/ 412 و416"، ومسلم "91" "148"، وأبو داود "4091"، والترمذي "1998", والطبراني "10000 و10001"، وأبو عوانة في "مسنده"، "1/ 17"، وابن منده "542" من طرق عَنِ الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود، به.(4/62)
وَقَدْ سَاقَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ تَرْجَمَتَهُ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ وَرَقَةً.
الوَاقِدِيُّ, عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، وَآخَرَ: أنَّ ابْنَ سَلاَمٍ كَانَ اسْمُهُ: الحُصَيْنُ، فغيِّره النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَبْدِ اللهِ.
يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ, وَجَمَاعَةٌ قَالُوا: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ, أنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ سَلاَمٍ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا قَدِمَ المَدِيْنَةَ.... الحَدِيْثَ, وَفِيْهِ قَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا......، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
قَالَ: يَقُوْلُ عَبْدُ اللهِ: يَا رَسُوْلَ اللهِ, هَذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ1.
حمَّاد بنُ سَلَمَةَ, عَنْ ثَابِتٍ وَحُمَيْدٍ, عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَأَتَاهُ ابْنُ سَلاَمٍ، فَقَالَ: سَائِلُكَ عَنْ أَشْيَاءَ لاَ يَعْلَمُهَا إلَّا نَبِيٌّ, فَإِنْ أَخْبَرْتَنِي بِهَا آمَنْتُ بِكَ ... الحَدِيْثَ2.
هَوْذَةُ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ, عَنِ الحَسَنِ قَالَ: عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ اليَهُوْدَ يَجِدُوْنَكَ عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ, ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ نَفَرٍ سمَّاهم, فَقَالَ: "مَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ فِيْكُمْ وَمَا أَبُوْهُ"؟ قَالُوا: سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا, وَعَالِمُنَا وَابْنُ عَالِمِنَا. قَالَ: "أَرَأَيْتُم إِنْ أَسْلَمَ أَتُسْلِمُوْنَ"؟. قَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُسْلِمُ, فَدَعَاهُ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ وتشهَّد, فَقَالُوا: يَا عَبْدَ اللهِ, مَا كنَّا نَخْشَاكَ عَلَى هَذَا, وَخَرَجُوا.
وَأَنْزَلَ اللهُ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} [الأَحْقَافُ: 10] .
إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ, عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ, عَنْ قَيْسِ بنِ عُبَادٍ قَالَ: كُنْتُ فِي مَسْجِدِ المَدِيْنَةِ, فَجَاءَ رَجُلٌ بِوَجْهِهِ أَثَرٌ مِنْ خُشُوْعٍ، فَقَالَ القَوْمُ: هَذَا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ, فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَوْجَزَ فِيْهِمَا, فَلَمَّا خَرَجَ اتَّبَعْتُهُ حَتَّى دَخَلَ مَنْزِلَهُ, فَدَخَلْتُ مَعَهُ, فحدثته، فلما
__________
1 صحيح: تقدَّم تخريجنا له برقم "127" و"128".
2 صحيح: سبق تخريجه له برقم "127".(4/63)
اسْتَأَنَسَ، قُلْتُ: إِنَّهُم قَالُوا لَمَّا دَخَلْتَ المَسْجِدَ: كَذَا، وَكَذَا. قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ, مَا يَنْبِغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُوْلَ مَا لاَ يَعْلَمُ, وَسَأُحَدِّثُكَ: إِنِّي رَأَيْتُ رُؤْيَا فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, رَأَيْتُ كأنِّي فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ, وَسَطُهَا عَمُوْدٌ حَدِيْدٌ, أَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ، وَأَعْلاَهُ فِي السِّمَاءِ, فِي أَعْلاَهُ عُرْوَةٌ, فَقِيْلَ لِي: اصْعَدْ عَلَيْهِ, فَصَعِدْتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِالعُرْوَةِ, فَقِيْلَ: اسْتمْسِكْ بِالعُرْوَةِ, فَاسْتَيْقَظْتُ وَإِنَّهَا لَفِي يَدِي, فلمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ, فَقَالَ: "أَمَّا الرَّوْضَةُ فَرَوْضَةُ الإِسْلاَمِ، وَأَمَّا العَمُوْدُ فَعَمُوْدُ الإِسْلاَمِ, وَأَمَّا العُرْوَةُ فَهِيَ العُرْوَةُ الوُثْقَى, أَنْتَ عَلَى الإِسْلاَمِ حَتَّى تَمُوْتَ". قَالَ: وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ1.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، عَنِ المُسَيَّبِ بنِ رَافِعٍ، عَنْ خَرَشَةَ بنِ الحُرِّ، قَالَ: قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ فَجَلَسْتُ إِلَى شِيَخَةٍ فِي المَسْجِدِ، فَجَاءَ شَيْخٌ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصاً لَهُ, فَقَالَ رَجُلٌ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ, فَقَامَ خَلْفَ سَارِيَةٍ فصلَّى رَكْعَتَيْنِ, فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: زَعَمَ هَؤُلاَءِ أَنَّكَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ, فَقَالَ: الجَنَّةُ للهِ يُدْخِلُهَا مَنْ يَشَاءُ, إِنِّي رَأَيْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ رُؤْيَا؛ رَأَيْتُ كأنَّ رَجُلاً أَتَانِي فَقَالَ: انْطَلِقْ, فَسَلَكَ بِي فِي مَنْهَجٍ عَظِيْمٍ, فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي؛ إِذْ عَرَضَ لِي طَرِيْقٌ عَنْ شِمَالِي, فَأَرَدْتُ أَنْ أَسْلُكَهَا, فَقَالَ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا, ثُمَّ عَرَضَتْ لِي طَرِيْقٌ عَنْ يَمِيْنِي, فَسَلَكْتُهَا حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى جَبَلٍ زَلَقٍ, فَأَخَذَ بِيَدِي, فَرَحَلَ بِي, فَإِذَا أَنَا عَلَى ذُرْوَتِهِ, فَلَمْ أَتَقَارَّ وَلَمْ أَتَمَاسَكْ, وَإِذَا عَمُوْدٌ مِنْ حَدِيْدٍ, فِي أَعْلاَهُ عُرْوَةٌ مِنْ ذَهَبٍ, فَأَخَذَ بِيَدِي, فَرَحَلَ بِي حَتَّى أَخَذْتُ بِالعُرْوَةِ, فَقَالَ لِي: اسْتَمْسِكْ بِالعُرْوَةِ. فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: "رَأَيْتَ خَيْراً، أَمَّا المَنْهَجُ العَظِيْمُ فَالمَحْشَرُ, وَأَمَّا الطَّرِيْقُ الَّتِي عَرَضَتْ عَنْ شِمَالِكَ فَطَرِيْقُ أَهْلِ النَّارِ, وَلَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا, وَأَمَّا الَّتِي عَنْ يَمِيْنِكَ فَطَرِيْقُ أَهْلِ الجَنَّةِ, وَأَمَّا الجَبَلُ الزَّلِقُ فَمَنْزِلُ الشُّهَدَاءِ, وَأَمَّا العُرْوَةُ فَعُرْوَةُ الإِسْلاَمِ, فَاسْتَمْسِكْ بِهَا حَتَّى تَمُوْتَ" وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ2.
جَرِيْرٌ, عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ مُسْهِرٍ، عَنْ خَرَشَةَ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً فِي حَلَقَةٍ فِيْهِمُ ابْنُ سَلاَمٍ يُحَدِّثُهُمْ؛ فلمَّا قَامَ قَالُوا: مَنْ سرَّه أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا, فَتَبِعْتُهُ فَسَأَلْتُهُ ... فَذَكَرَ الحديث بطوله3. وهو صحيح.
__________
1 صحيح: مَرَّ تخريجنا له برقم "132".
2 حسن: أخرجه أحمد "5/ 452-453"، وابن ماجه "3920" من طريق حمَّاد بن سلمة، به. وإسناده حسن، عاصم بن بهدلة هو ابن أبي النجود، صدوق. قوله: "أتقارّ" أي: استقر.
3 صحيح: أخرجه مسلم "2484" "150" من طريق جرير، عن الأعمش، به.(4/64)
وَرَوَى بِشْرُ بنُ شَغَافٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بن سلام: أنه شهد فتح نهاوند.
قَالَ أَيُّوْبُ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: نُبِّئتُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ سَلاَمٍ قَالَ: إِنْ أَدْرَكَنِي، وَليْسَ لِي رَكُوْبٌ فَاحْمِلُوْنِي، حَتَّى تَضَعُوْنِي بَيْنَ الصَّفَيْنِ -يَعْنِي: قُبَالَ الأَعْمَاقِ.
مُحَمَّدُ بنُ مُصْعَبٍ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ إِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ سلَّم عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَقَالَ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لَنَا أَبوَابَ رَحْمَتِكَ, وَإِذَا خَرَجَ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَعَوَّذَ مِنَ الشَّيْطَانِ1.
حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: عَنْ أَشْعَثَ, عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بن أَبِي مُوْسَى قَالَ: أَتَيْتُ المَدِيْنَةَ, فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ جَالِسٌ فِي حَلَقَةٍ مُتَخَشِّعاً, عَلَيْهِ سِيْمَاءُ الخَيْرِ, فَقَالَ: يَا أَخِي, جِئْتَ وَنَحْنُ نُرِيْدُ القِيَامَ, فَأَذِنْتُ لَهُ, أَوْ قُلْتُ: إِذَا شِئْتَ, فَقَامَ فَاتَّبَعْتُهُ, فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ? قُلْتُ: أَنَا ابْنُ أَخِيْكَ, أَنَا أبو بردة ابن أَبِي مُوْسَى, فرحَّب بِي وَسَأَلَنِي وَسَقَانِي سَوِيْقاً, ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ بِأَرْضِ الرِّيْفِ, وَإِنَّكُمْ تُسَالِفُوْنَ الدهاقين، فيهدون لكم حملان القت وَالدَّوَاخِلِ, فَلاَ تَقْرَبُوْهَا، فَإِنَّهَا نَارٌ.
قَدْ مَرَّ مَوْتُ عَبْدِ اللهِ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ بِالمَدِيْنَةِ, وأرَّخه جَمَاعَةٌ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ العُمَرِيُّ، وَجَمَاعَةٌ قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ, أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ, أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ, أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنِ حَمُّوْيَةَ, أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ, أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرحمن الدرامي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ, عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ, عَنْ أَبِي سَلَمَةَ, عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ قَالَ: قَعَدْنَا نفر مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَذَاكَرْنَا, فَقُلْنَا: لَو نَعْلَمُ أَيَّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ لَعَمِلْنَا, فَأَنْزَلَ اللهُ: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصَّفُّ: 1-2] . حَتَّى خَتَمَهَا, قَالَ: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى خَتَمَهَا, قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ, قَالَ يَحْيَى: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا أبو سلمة،
__________
1 ضعيف: آفته محمد بن مصعب القرقساني، قال صالح جزرة: عامَّة أحاديثه عن الاوزاعي مقلوبة, وقال أبو حاتم: ليس بالقوي, وقال النسائي: ضعيف.
والصحيح الثابت من حديث أبي حميد, أو عن أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجَدَ فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك".
أخرجه مسلم "713" واللفظ له، وأبو داود "465"، وابن ماجه "772" عن أبي حميد, أو عن أبي أسيد، به.(4/65)
فقرأها علينا يحيى، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا الأَوْزَاعِيُّ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا مُحَمَّدٌ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا الدَّارِمِيُّ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا عِيْسَى، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا ابن حموية, فقرأها علينا الداودي, فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا أَبُو الوَقْتِ, فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ.
قُلْتُ: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا شُيُوْخُنَا.
صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو الحِمْصِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَوْفِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: انْطَلَقَ نَبِيُّ اللهِ وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا كَنِيْسَةَ اليَهُوْدِ, فَقَالَ: "أَرُوْنِي يَا مَعْشَرَ يَهُودٍ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً يَشْهَدُوْنَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ, يَحُطُّ اللهُ عَنْكُمُ الغَضَبَ" فَأُسْكِتُوا, ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ.
قَالَ: "فَوَاللهِ, لأَنَا الحَاشِرُ, وَأَنَا العَاقِبُ 1، وَأَنَا المُصْطَفَى، آمَنْتُمْ أَوْ كذَّبتم" , فلمَّا كَادَ يَخْرُجُ، قَالَ رَجُلٌ: كَمَا أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ, أَيُّ رَجُلٍ تَعْلَمُوْنَنِي فِيْكُمْ? قَالُوا: مَا فِيْنَا أَعْلَمُ مِنْكَ, قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ بِاللهِ أَنَّهُ نَبِيُّ الله الَّذِي تَجِدُوْنَهُ فِي التَّوْرَاةِ, فَقَالُوا: كَذَبْتَ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَذَبْتُمْ".
قَالَ: فَخَرَجْنَا وَنَحْنَ ثَلاَثَةٌ, وَأُنْزِلَتْ: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ} [الأحقاف: 10] .
وَفِي الصَّحِيْحِ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيْثِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ, وَهُوَ عَبْدُ اللهِ -يَعْنِي: ابْنَ سَلاَمٍ.
__________
1 الحاشر: أي الذي يحشر الناس خلفه, وعلى ملته دون ملة غيره. العاقب: هو آخر الأنبياء.(4/66)
181- زيد بن ثابت 1: "ع"
ابن الضحاك بن زيد بن لُوْذَانَ بنِ عَمْرِو بنِ عَبْدِ عَوْفٍ بنِ غَنْمِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّجَّارِ بنِ ثَعْلَبَةَ.
الإِمَامُ الكَبِيْرُ، شَيْخُ المُقْرِئِيْنَ وَالفَرَضِيِّيْنَ2، مُفْتِي المَدِيْنَةِ، أبو سَعِيْدٍ، وَأَبُو خَارِجَةَ الخَزْرَجِيُّ، النَّجَّارِيُّ الأَنْصَارِيُّ, كَاتِبُ الوَحْيِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
حدَّث عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَعَنْ صَاحِبَيْهِ, وَقَرَأَ عَلَيْهِ القُرْآنَ بَعْضَهُ أَوْ كُلَّهُ، وَمَنَاقِبُهُ جَمَّةٌ.
حدَّث عَنْهُ: أَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ -وَقَرَآ عَلَيْهِ, وَابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَسَهْلُ بنُ سَعْدٍ، وَأَبُو أُمَامَةَ بنُ سَهْلٍ, وَعَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ الخَطْمِيُّ، وَمَرْوَانُ بنُ الحَكَمِ, وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ, وَقَبِيْصَةُ بنُ ذُؤَيْبٍ, وَابْنَاهُ: الفَقِيْهُ خَارِجَةُ وَسُلَيْمَانُ, وَأَبَانُ بنُ عُثْمَانَ, وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ وَأَخُوْهُ سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ, وَعُبَيْدُ بنُ السَّبَّاقِ, وَالقَاسِمُ بنُ محمد, وعروة, وحجر المدري, وطاوس, وَبُسْرُ بنُ سَعِيْدٍ, وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَتَلاَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ, وَغَيْرُ وَاحِدٍ.
وَكَانَ مِنْ حَمَلَةِ الحُجَّةِ، وَكَانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ يَسْتَخْلِفُهُ -إِذَا حَجَّ- عَلَى المَدِيْنَةِ.
وَهُوَ الَّذِي تولَّى قِسْمَةَ الغَنَائِمِ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ, وَقَدْ قُتِلَ أَبُوْهُ قَبْلَ الهِجْرَةِ يَوْمَ بُعَاثٍ، فربِّيَ زَيْدٌ يَتِيْماً, وَكَانَ أَحَدَ الأَذْكِيَاءِ, فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسْلَمَ زَيْدٌ وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً, فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يتعلَّم خَطَّ اليَهُوْدِ لِيَقْرَأَ لَهُ كُتُبَهُمْ, قَالَ: "فَإِنِّي لاَ آمَنُهُمْ".
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَلَدَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ سَعِيْداً، وَبِهِ كَانَ يكنَّى، وَأُمُّهُ أُمُّ جَمِيْلٍ.
وَوُلِدَ لِزَيْدٍ: خَارِجَةُ، وَسُلَيْمَانُ، وَيَحْيَى، وَعُمَارَةُ، وَإِسْمَاعِيْلُ، وَأَسَعْدُ، وَعُبَادَةُ، وَإِسْحَاقُ، وَحَسَنَةُ، وَعَمْرَةُ، وَأُمُّ إِسْحَاقَ، وَأُمُّ كُلْثُوْمٍ، وأمَّ هَؤُلاَءِ أُمُّ سَعْدٍ ابْنَةُ سَعْدِ بنِ الرَّبِيْعِ أَحَدُ البَدْرِيِّيْنَ.
وَوُلِدَ لَهُ: إِبْرَاهِيْمُ، وَمُحَمَّدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ, وَأُمُّ حَسَنٍ, مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ مُعَاذِ بنِ أَنَسٍ, وَوُلِدَ لَهُ: زَيْدٌ, وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ, وَعُبَيْدُ اللهِ، وَأُمُّ كُلْثُوْمٍ, لأُمِّ وَلَدٍ. وَسَلِيْطٌ، وَعِمْرَانُ، وَالحَارِثُ، وَثَابِتٌ، وَصَفِيَّةُ، وَقَرِيْبَةُ، وَأُمُّ مُحَمَّدٍ لأُمِّ وَلَدٍ.
قَالَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ: زَيْدٌ يكنَّى أَبَا سَعِيْدٍ, وَيقَالُ: أَبُو خَارِجَةَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المُقَدَّمِيُّ: لَهُ كُنْيَتَانِ.
رَوَى خَارِجَةُ عَنْ أبيه، قال: قدم النبي -عليه الصلاة السلام- المَدِيْنَةَ وَأَنَا ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً, وَأَمَرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَتَعَلَّمَ كِتَابَةَ يَهُوْدٍ, قَالَ: وَكُنْتُ أَكْتُبُ فَأَقْرَأُ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ.
ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ خَارِجَةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: أُتِيَ بِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَقْدَمُهُ المَدِيْنَةَ, فَقَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ, هَذَا غُلاَمٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ, وَقَدْ قَرَأَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْكَ سَبْعَ عَشْرَةَ سُوْرَةً, فَقَرَأْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ, وَقَالَ: "يَا زَيْدُ, تَعَلَّمْ لِي كِتَابَ يَهُوْدٍ, فَإِنِّي والله ما آمنهم على كتابي".
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "2/ 358"، والتاريخ الكبير "3/ ترجمة 1278"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 2524"، وأسد الغابة "2/ 278"، الإصابة "1/ ترجمة 2880" تهذيب التهذيب "3/ ترجمة 731"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2245".
2 الفرضي: هو العالم بالفرائض والمواريث.(4/67)
قَالَ: فَتَعَلَّمْتُهُ، فَمَا مَضَى لِي نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى حَذَقْتُهُ, وَكُنْتُ أَكْتُبُ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا كَتَبَ إِلَيْهِمْ1.
الأَعْمَشُ, عَنْ ثَابِتِ بنِ عُبَيْدٍ, قَالَ زَيْدٌ: قَالَ لي رسول الله: "أَتُحْسِنُ السُّرْيَانِيَّةَ". قُلْتُ: لاَ, قَالَ: "فَتَعَلَّمْهَا" فَتَعَلَّمْتُهَا فِي سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْماً2.
الوَلِيْدُ بنُ أَبِي الوَلِيْدِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ خَارِجَةَ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ, عَنْ جَدِّهِ, قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ بَعَثَ إِلَيَّ فَكَتَبْتُهُ3.
يَرْوِيْهِ اللَّيْثُ، عَنْهُ.
أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ, قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ادْعُ لي زيدًا, وقل لَهُ يَجِيْءُ بِالكَتِفِ وَالدَّوَاةِ" قَالَ: فَقَالَ: "اكْتُبْ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النِّسَاءُ: 84] .....، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ4.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّعْرِيَّةِ, أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ, عَنْ زَيْنَبَ وَعَبْدِ المُعِزِّ الهَرَوِيِّ قَالاَ: أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ, أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ, أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ, حَدَّثَنَا عَلِيٌّ -هُوَ ابْنُ الجَعْدِ, أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ, عَنْ شُرَحْبِيْلَ -يَعْنِي: ابْنَ سَعْدٍ- قَالَ: كُنْتُ مَعَ زَيْدِ بنِ ثابت بالأسواف, فأخذ طَيْراً، فَدَخَلَ زَيْدٌ قَالَ: فَدَفَعُوا فِي يَدِيَّ وَفَرُّوا, فَأَخَذَ الطَّيْرَ فَأَرْسَلَهُ, ثُمَّ ضَرَبَ فِي قَفَايَ وَقَالَ: لاَ أمَّ لَكَ, أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حرَّم ما بين لابتيها5.
شرحبيل: فيه لين ما.
__________
1 حسن: أخرجه أحمد "5/ 186", وأبو داود "3645"، والترمذي "2716"، والطبراني "4856" و"4857" من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد، به.
قلت: إسناده حسن، عبد الرحمن بن أبي الزناد صدوق.
2 صحيح: أخرجه أحمد "5/ 182"، والحاكم "3/ 422"، والطبراني "4928" من طريق جرير, عن الأعمش، به.
3 ضعيف: أخرجه الطبراني "4882" من طريق عبد الله بن صالح، عن الليث، به. وإسناده ضعيف، آفته عبد الله بن صالح, وهو ابن محمد بن مسلم الجهني، أبو صالح المصري، كاتب الليث، سيئ الحفظ.
4 صحيح: أخرجه البخاري "4990", حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، به.
5 صحيح لغيره: أخرجه أحمد "5/ 181 و192"، والطبراني "4910"، والبيهقي "5/ 199", وآفته شرحبيل بن سعد، قال ابن معين: ضعيف, وقال مالك: ليس بثقة, لكن للحديث شاهد عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "ما بين لابتيها حرام" أخرجه مسلم "1372".(4/68)
وَقَالَ عُبَيْدُ بنُ السَّبَّاقِ: حَدَّثَنِي زَيْدٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لَهُ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لاَ نَتَّهِمُكَ, قَدْ كُنْتَ تَكْتُبَ الوَحْيَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ فَاجْمَعْهُ.
فَقُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلُوْنَ شَيْئاً لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!.
قَالَ: هُوَ -وَاللهِ- خَيْرٌ.
فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ, فَكُنْتُ أَتَتَبَّعُ القُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ وَالأَكْتَافِ وَالعُسُبِ وَصُدُوْرِ الرِّجَالِ1.
قَالَ أَنَسٌ: جَمعَ القُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيّ، وَمُعَاذٌ، وَزَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ2.
خَالِدٌ الحَذَّاءُ, عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ, عَنْ أَنَسٍ, عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْرَضُ أُمَّتِي زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ" 3.
وَجَاءَ نَحْوُهُ مِنْ حديث ابن عمر.
مَنْدَلُ بنُ عَلِيٍّ, عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ, عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أفرض أمتي زيد بن ثَابِتٍ".
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ, حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ, عَنْ دَاوُدَ العَطَّارِ, عَنْ مَعْمَرٍ, عَنْ قَتَادَةَ, عَنْ أَنَسٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ" , الحَدِيْثَ وَفِيْهِ: "وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ".
هَذَا غَرِيْبٌ, وَحَدِيْثُ الحذاء صحَّحه الترمذي4.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4986" من طريق ابن شهاب، عن عبيد السباق، عن زيد بن ثابت، به في حديث طويل.
2 صحيح: أخرجه البخاري "5003", حدثنا حفص بن عمر، حدثنا همام، حدثنا قتادة قال: سألت أنس ابن مالك -رضي الله عنه: من جمع القرآن عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: فذكره.
3 صحيح: أخرجه ابن سعد "2/ 359", أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا وهيب، أخبرنا خالد الحذاء، به.
4 صحيح: أخرجه الترمذي "3790" من طريق سفيان بن وكيع، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته سفان بن وكيع بن الجراح, قَالَ البُخَارِيُّ: يَتَكَلَّمُوْنَ فِيْهِ لأَشْيَاءَ لقَّنوه إِيَّاهَا. وقال أبو زرعة: يتهم بالكذب, قال أبو أحمد: له حديث كثير، وإنما بلاؤه أنه كان يتلقَّن ما لقّن.
ولكن قد أخرجه الترمذي "3791"، وابن ماجه "154" من طريق عبد الوهاب الثقفي، حدثنا خالد، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك، به، وأخرجه أحمد "3/ 184"، وابن ماجه "155"، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" "1/ 351"، وأبو نعيم في "الحلية" "3/ 122"، والبيهقي "6/ 210"، والبغوي "3930" من طريق سفيان الثوري، عن خالد الحذاء، به.(4/69)
قُلْتُ: بِتَقْدِيرِ صِحَّةِ: "أَفْرَضُهُمْ زَيْدٌ وَأَقْرَأُهُمْ أُبَيٌّ" لاَ يَدُلُّ عَلَى تَحَتُّمِ تَقْلِيْدِهِ فِي الفَرَائِضِ, كَمَا لاَ يَتَعَيَّنُ تَقْلِيْدُ أُبَيّ فِي قِرَاءتِهِ, وَمَا انْفَرَدَ بِهِ.
رَوَى عَاصِمٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: غَلَبَ زَيْدٌ النَّاسَ عَلَى اثْنَتَيْنِ: الفَرَائِضِ، وَالقُرْآنِ.
وَيُرْوَى عَنْ زَيْدٍ قَالَ: أَجَازَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الخَنْدَقِ، وكساني قبطية1.
وَعَنْهُ قَالَ: أُجِزْتُ فِي الخَنْدَقِ, وَكَانَتْ وَقْعَةُ بُعَاثٍ وَأَنَا ابْنُ سِتِّ سِنِيْنَ.
دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ: عَنْ أَبِي نَضْرَةَ, عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ قَامَ خُطَبَاءُ الأَنْصَارِ، فَتَكَلَّمُوا، وَقَالُوا: رَجُلٌ منَّا وَرَجُلٌ مِنْكُمْ, فَقَامَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ كَانَ منَ المُهَاجِرِيْنَ, وَنَحْنُ أَنْصَارُهُ, وَإِنَّمَا يَكُوْنُ الإِمَامُ مِنَ المُهَاجِرِيْنَ، وَنَحْنُ أَنْصَارُهُ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: جَزَاكُمُ اللهُ خَيْراً يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ, وَثَبَّتَ قَائِلَكُم, لَو قُلْتُمْ غَيْرَ هَذَا مَا صَالَحْنَاكُمْ.
هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيْحٌ. رَوَاهُ الطَّيَالِسِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ". عَنْ وُهَيْبٍ عَنْهُ.
رَوَى الشَّعْبِيُّ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ الفَتْوَى مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ وَزَيْدٌ، وأُبَيّ، وأبو موسى.
مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: القُضَاةُ أَرْبَعَةٌ: عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ.
وَعَنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ: كَانَ عُمَرُ يَسْتَخْلِفُ زَيْداً فِي كُلِّ سَفَرٍ.
وَعَنْ سَالِمٍ: كُنَّا مَعَ ابْنِ عُمَرَ يَوْمَ مَاتَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ, فَقُلْتُ: مَاتَ عَالِمُ النَّاسِ اليَوْمَ, فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَرْحَمُهُ اللهُ, فَقَدْ كَانَ عَالِمَ النَّاسِ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ وَحَبْرَهَا, فَرَّقَهُم عُمَرُ فِي البُلْدَانِ، وَنَهَاهُمْ أَنْ يُفْتُوا بِرَأْيِهِمْ, وَحَبَسَ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ بِالمَدِيْنَةِ يُفْتِي أَهْلَهَا.
وَعَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، قَالَ: مَا كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يُقَدِّمَانِ عَلَى زَيْدٍ أَحَداً فِي الفَرَائِضِ وَالفَتْوَى وَالقِرَاءةِ وَالقَضَاءِ.
__________
1 القبطية: الثوب من ثياب مصر رقيقة بيضاء، وكأنه منسوب إلى القبط، وهم أهم مصر. والحديث أخرجه الطبراني "4743, وهو ضعيف، آفته إِسْمَاعِيْلُ بنُ قَيْسِ بنِ سَعْدِ بنِ زَيْدِ، وهو ضعيف. قال البخاري: منكر الحديث. وضعَّفه النسائي وغيره.(4/70)
وَعَنْ يَعْقُوْبَ بنِ عُتْبَةَ: أنَّ عُمَرَ اسْتَخْلَفَ زَيْداً، وَكَتَبَ إِلَيْهِ مِنَ الشَّامِ: إِلَى زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ مِنْ عُمَرَ.
قَالَ خَارِجَةُ بنُ زَيْدٍ: كَانَ عُمَرُ يَسْتَخْلِفُ أَبِي، فقلَّمَا رَجَعَ إلَّا أقطعه حديقة من نخل.
الوَاقِدِيُّ: حدَّثنا الضَّحَّاكُ بنُ عُثْمَانَ, عَنِ الزُّهْرِيِّ قال: قال ثعلبة ابن أَبِي مَالِكٍ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَقُوْلُ: مَنْ يَعْذِرُنِي مِنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ؟ غَضِبَ إِذْ لَمْ أُوَلِّه نَسْخَ المَصَاحِفِ! هَلاَّ غَضِبَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؛ إِذْ عَزَلاَهُ عَنْ ذَلِكَ ووليَّا زَيْداً, فَاتَّبَعْتُ فِعْلَهُمَا1.
مُغِيْرَةُ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: تَنَازَعَ أُبَيٌّ وَعُمَرُ فِي جَدَادِ نَخْلٍ, فَبَكَى أُبَيٌّ ثُمَّ قَالَ: أَفِي سُلْطَانِكَ يَا عُمَرُ؟ قَالَ: اجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنكَ رَجُلاً, قَالَ أُبَيٌّ: زَيْدٌ. فَانْطَلَقَا حَتَّى دَخَلا عَلَيْهِ فَتَحَاكَمَا إِلَيْهِ, فَقَالَ: بَيِّنَتُكَ يَا أُبَيُّ, قَالَ: مَا لِي بَيِّنَةٌ, قَالَ: فَأَعْفِ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ مِنَ اليَمِيْنِ, فَقَالَ عُمَرُ: لاَ تُعْفِ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ مِنَ اليَمِيْنِ إِنْ رَأَيْتَهَا عَلَيْهِ.
وَتَابَعَهُ سَيَّارٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ.
عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ: حدَّثنا حَجَّاجٌ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: اسْتَعْمَلَ عُمَرُ زَيْداً عَلَى القَضَاءِ، وَفَرَضَ لَهُ رِزْقاً.
الوَاقِدِيُّ: حدَّثنا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ, عَنْ أَبِيْهِ، وَآخَرَ قَالاَ: لَمَّا حُصِرَ عُثْمَانُ, أَتَاهُ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ, فَدَخَلَ عَلَيْهِ الدَّارَ. فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: أَنْتَ خَارِجَ الدَّارِ أنفع لي منك ههنا, فذُبَّ عنِّي, فَخَرَجَ فَكَانَ يذُبُّ النَّاسَ وَيَقُوْلُ لَهُمْ فِيْهِ, حَتَّى رَجَعَ أُنَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ, وجعل يقول: يا للأنصار، كونوا أنصار للهِ مَرَّتَيْنِ، انْصُرُوْهُ، وَاللهِ إنَّ دَمَهُ لَحَرَامٌ.
فَجَاءَ أَبُو حَيَّةَ المَازِنِيُّ مَعَ نَاسٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: مَا يَصْلُحُ مَعَكَ أَمْرٌ, فَكَانَ بَيْنَهُمَا كَلاَمٌ وَأَخَذَ بِتَلْبِيْبِ زَيْدٍ هُوَ وَأُنَاسٌ مَعَهُ، فمرَّ بِهِ نَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فلمَّا رَأَوْهُمْ أَرْسَلُوْهُ, وَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُم لأَبِي حَيَّةَ: أَتَصْنَعُ هَذَا بِرَجُلٍ لَو مَاتَ اللَّيْلَةَ, مَا دَرَيْتَ مَا مِيْرَاثُكَ مِنْ أَبِيْكَ2.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: لَو هَلَكَ عُثْمَانُ وَزَيْدٌ فِي بَعْضِ الزَّمَانِ لَهَلَكَ عِلْمُ الفَرَائِضِ، لَقَدْ أَتَى عَلَى النَّاسِ زمان وما يعلمها غيرهما.
أخرجه الدارمي.
__________
1 ضعيف جدًّا: آفته الواقدي، وهو متروك كما ذكرنا مرارًا.
2 ضعيف جدًّا: آفته محمد بن عمر الواقدي، وهو متروك.(4/71)
وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُوْلُ: لَوْلاَ أَنَّ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ كَتَبَ الفَرَائِضَ؛ لَرَأَيْتُ أَنَّهَا سَتَذْهَبُ مِنَ النَّاسِ.
وَرَوَى سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كَانَ إِمَامَ النَّاسِ عِنْدَنَا بَعْدَ عُمَرَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ, وَكَانَ إِمَامَ النَّاسِ عِنْدَنَا بَعْدَ زَيْدٍ ابْنُ عُمَرَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: النَّاسُ عَلَى قِرَاءةِ زيد، وعلى فرض زيد.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَقَدْ عَلِمَ المَحْفُوْظُوْنَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ مِنَ الرَّاسِخِيْنَ فِي العِلْمِ.
الأَعْمَشُ, عَنْ مُسْلِمٍ, عَنْ مَسْرُوْقٍ, عَنْ عَبْدِ اللهِ, أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ فِي أَخَوَاتٍ لأَبٍ وُأُمٍّ, وَإِخْوَةٍ وَأَخَوَاتٍ لأَبٍ: لِلأَخَوَاتِ لِلأَبِ وَالأُمِّ الثُّلُثَانِ, فَمَا بَقِي فَلِلذُّكُورِ دُوْنَ الإِنَاثِ.
فقَدِمَ مَسْرُوْقٌ المَدِيْنَةَ، فَسَمِعَ قَوْلَ زَيْدٍ فِيْهَا فَأَعْجَبَهُ, فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: أَتَتْرُكُ قَوْلَ عَبْدِ اللهِ فَقَالَ: أَتَيْتُ المَدِيْنَةَ، فَوَجَدْتُ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ مِنَ الرَّاسِخِيْنَ فِي العِلْمِ -يَعْنِي: كَانَ زَيْدٌ يُشَرِّكُ بَيْنَ البَاقِيْنَ.
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو, عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَامَ إِلَى زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ, فَأَخَذَ لَهُ بِرِكَابِهِ فَقَالَ: تنحَّ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّا هكذا نفعل بعلمائنا وكبرائنا.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَمْ يَكُنْ مِنَ الصَّحَابَةِ أَحَدٌ لَهُ أَصْحَابٌ حَفِظُوا عَنْهُ وَقَامُوا بِقَوْلِهِ فِي الفِقْهِ إلَّا ثَلاَثَةٌ: زَيْدٌ وَعَبْدُ اللهِ وَابْنُ عَبَّاسٍ.
شُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ, عَنِ الزُّهْرِيِّ: بَلَغَنَا أنَّ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ كَانَ يَقُوْلُ إِذَا سُئِلَ عَنِ الأَمْرِ: أَكَانَ هَذَا؟ فَإِنْ قَالُوا نَعَمْ, حدَّث فِيْهِ بِالَّذِي يَعْلَمُ, وَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَكُنْ, قَالَ: فَذَرُوْهُ حَتَّى يَكُوْنَ.
مُوْسَى بنُ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: كَانَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ إِذَا سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ شَيْءٍ قَالَ: آللهِ كَانَ هَذَا؟ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ تكلَّم فِيْهِ, وَإِلاَّ لَمْ يَتَكَلَّمْ.
الثَّوْرِيُّ, عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ, أنَّ مَرْوَانَ دَعَا زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ وَأَجْلَسَ لَهُ قَوْماً خَلْفَ سِتْرٍ, فَأَخَذَ يَسْأَلُهُ وَهُمْ يَكْتُبُوْنَ، فَفَطِنَ زَيْدٌ فَقَالَ: يَا مَرْوَانُ! أَغَدْراً؟ إِنَّمَا أَقُوْلُ بِرَأْيِي.
رَوَاهُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ حُمَيْدٍ الرُّؤَاسِيُّ, عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ نَحْوَهُ, "وَزَادَ": فَمَحَوْهُ.(4/72)
هِشَامٌ, عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: حجَّ بِنَا أَبُو الوَلِيْدِ، وَنَحْنُ وَلَدُ سِيْرِيْنَ سَبْعَةٌ، فمرَّ بِنَا عَلَى المَدِيْنَةِ, فَأَدْخَلَنَا عَلَى زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، فَقَالَ: هَؤُلاَءِ بَنُو سِيْرِيْنَ, فَقَالَ زَيْدٌ: هَؤُلاَءِ لأُمٍّ, وَهَذَانِ لأُمٍّ, وَهَذَانِ لأُمٍّ, قَالَ: فما أَخْطَأَ, وَكَانَ مُحَمَّدٌ وَمَعَبْدٌ وَيَحْيَى لأُمٍّ.
وَرَوَى الأَعْمَشُ, عَنْ ثَابِتِ بنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: كَانَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ مِنْ أَفْكَهِ النَّاسِ فِي أَهْلِهِ, وَأَزْمَتِهِ عِنْدَ القَوْمِ.
هِشَامٌ, عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ قَالَ: خَرَجَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ يُرِيْدُ الجُمُعَةَ، فَاسْتَقْبَلَ النَّاسَ رَاجِعِيْنَ، فَدَخَلَ دَاراً فَقِيْلَ لَهُ: فَقَالَ: إِنَّهُ مَنْ لاَ يَسْتَحْيِي منَ النَّاسِ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ.
حمَّاد بنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ, قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَاتَ حَبْرُ الأُمَّةِ, وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يَجْعَلَ فِي ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْهُ خَلَفاً1.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ، قَالَ: لما مات زيد، جلسنا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ظلٍّ فَقَالَ: هَكَذَا ذَهَابُ العُلَمَاءِ, دُفِنَ اليَوْمَ عِلْمٌ كَثِيْرٌ.
الوَاقِدِيُّ, حدَّثنا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ, عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: لَمَّا مَاتَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ مَرْوَانُ, وَنَزَلَ نِسَاءُ العَوَالِي, وَجَاءَ نِسَاءُ الأَنْصَارِ، فَجَعَلَ خَارِجَةُ يذكرهنَّ اللهَ: لاَ تَبْكِيْنَ عَلَيْهِ, فَقُلْنَ: لاَ نَسْمَعُ مِنْكَ، ولنبكينَّ عَلَيْهِ ثَلاَثاً، وَغَلَبْنَهُ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: وَأَرْسَلَ مَرْوَانُ بِجُزُرٍ فَنُحِرَتْ، وَأَطْعَمُوا النَّاسَ.
وَفِيْهِ يَقُوْلُ حَسَّانُ بنُ ثَابِتٍ:
فَمَنْ لِلْقَوَافِي بَعْدَ حَسَّانَ وَابْنِهُ ... وَمَنْ لِلْمَثَانِي بَعْدَ زَيْدِ بنِ ثَابِتِ
وَقَالَ جَرِيْرُ بنُ حازم: حدَّثنا قيس به سعد, عن مكحول: أنَّ عبادة ابن الصَّامِتِ دَعَا نَبَطِيّاً يُمْسِكُ دَابَّتَهُ عِنْدَ بَيْتِ المَقْدِسِ فَأَبَى, فَضَرَبَهُ فشجَّه, فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ عُمَرَ, فَقَالَ: مَا دَعَاكَ إِلَى مَا صَنَعْتَ بِهَذَا, قَالَ: أَمَرْتُهُ فَأَبَى, وَأَنَا فِي حِدَّةٍ فَضَرَبْتُهُ, فَقَالَ: اجْلِسْ لِلْقِصَاصِ, فَقَالَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ: أَتُقِيْدُ لِعَبْدِكَ مِنْ أَخِيْكَ? فَتَرَكَ عُمَرُ القَوَدَ, وقضى عليه بالدية.
وَمِنْ جَلاَلَةِ زَيْدٍ أنَّ الصِّدِّيْقَ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي كِتَابَةِ القُرْآنِ العَظِيْمِ فِي صُحُفٍ، وَجَمْعِهِ من
__________
1 ضعيف: أخرجه ابن سعد "2/ 362"، من طريق عارم، عَنْ حمَّاد بنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، به. وإسناده ضعيف لانقطاعٍ بين يحيى بن سعيد، وأبي هريرة.(4/73)
أَفْوَاهِ الرِّجَالِ، وَمِنَ الأَكْتَافِ وَالرِّقَاعِ, وَاحْتَفَظُوا بِتِلْكَ الصُّحُفِ مُدَّةً, فَكَانَتْ عِنْدَ الصِّدِّيْقِ, ثُمَّ تسلَّمها الفَارُوْقُ، ثُمَّ كَانَتْ بَعْدُ عِنْدَ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ حَفْصَةَ، إِلَى أَنْ نَدَبَ عُثْمَانُ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ وَنَفَراً مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى كِتَابِ هَذَا المُصْحَفِ العُثْمَانِيِّ الَّذِي بِهِ الآنَ فِي الأَرْضِ أَزْيَدُ مِنْ أَلْفَيْ أَلْفِ نُسْخَةٍ، وَلَمْ يَبْقَ بِأَيْدِي الأُمَّةِ قُرْآنٌ سِوَاهُ، وَللهِ الحَمْدُ.
وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي وَفَاةِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَلَى أَقْوَالٍ: فَقَالَ الوَاقِدِيُّ -وَهُوَ إِمَامُ المُؤَرِّخِيْنَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ عَنْ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً, وَتَبِعَهُ عَلَى وَفَاتِهِ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ, وَشَبَابٌ, وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ, ثُمَّ قَالَ: وَسَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ أَثْبَتُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ, وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ.
وَقَالَ المَدَائِنِيُّ, وَالهَيْثَمُ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ -فَاللهُ أَعْلَمُ.
حَفْصٌ1، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: لَمْ أُخَالِفْ عَلِيّاً فِي شَيْءٍ مِنْ قِرَاءتِهِ, وَكُنْتُ أَجْمَعُ حُرُوفَ عَلِيٍّ فَأَلْقَى بِهَا زَيْداً فِي المَوَاسِمِ بِالمَدِيْنَةِ, فَمَا اخْتَلَفَا إلَّا فِي التَّابُوْتِ, كَانَ زَيْدٌ يَقْرَأُ بِالهَاءِ، وَعَلِيٌّ بِالتَاءِ.
__________
1 حفص: هو ابن سليمان، وهو حفص بن أبي داود، أبو عمر الأسدي، صاحب القراءة, وابن امرأة عاصم، روى عن شيخه في القراءة عاصم. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ: متروك الحديث. وقال أبو حاتم: متروك لا يصدق. وقال ابن خراش: كذّاب يضع الحديث. وقال ابن عدي: عامة أحاديثه غير محفوظة. وقال ابن جبان: يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل.(4/74)
182- تميم الداري 1: "م,4"
صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَبُو رُقَيَّةَ تَمِيْمُ بنُ أَوْسِ بنِ خَارِجَةَ بنِ سَوْدِ بنِ جَذِيْمَةَ اللَّخْمِيُّ، الفِلَسْطِيْنِيُّ.
وَالدَّارُ: بَطْنٌ مِنْ لَخْمٍ, وَلَخْمٌ فَخِذٌ مِنْ يَعْرُبَ بنِ قَحْطَانَ.
وَفَدَ تَمِيْمٌ الدَّارِيُّ سَنَةَ تِسْعٍ, فَأَسْلَمَ, فحدَّث عَنْهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى المِنْبَرِ بِقِصَّةِ الجَسَّاسَةِ فِي أَمْرِ الدَّجَّالِ1.
وَلِتَمِيْمٍ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ, وَكَانَ عَابِداً، تلَّاءً لكتاب الله.
حدَّث عَنْهُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ مَوْهَبٍ عَبْدُ الله، وأنس بن مالك، وكثير ابن مُرَّةَ، وَعَطَاءُ بنُ يَزِيْدَ اللَّيْثِيُّ، وَزُرَارَةُ بنُ أَوْفَى، وَشَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: لَمْ يَزَلْ بِالمَدِيْنَةِ حَتَّى تَحَوَّلَ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ إِلَى الشَّامِ.
قَالَ البُخَارِيُّ: هُوَ أَخُو أَبِي هِنْدٍ الدَّارِيِّ, قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ وَفْدُ الدَّارِيِّيْنَ عَشْرَةً، فِيْهِم تَمِيْمٌ.
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ عِكْرِمَةُ: لَمَّا أَسْلَمَ تَمِيْمٌ قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ, إِنَّ اللهَ مُظْهِرُكَ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا, فَهَبْ لِي قَرْيَتِي مِنْ بَيْتِ لَحْمٍ, قَالَ: "هِيَ لَكَ" وَكَتَبَ لَهُ بِهَا.
قَالَ: فَجَاءَ تَمِيْمٌ بِالكِتَابِ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: أَنَا شَاهِدُ ذَلِكَ فَأَمْضَاهُ، وَذَكَرَ اللَّيْثُ أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ: "لَيْسَ لَكَ أَنْ تَبِيْعَ".
قَالَ: فَهِيَ فِي أَيْدِي أَهْلِهِ إِلَى اليَوْمِ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: لَيْسَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَطِيْعَةٌ سوى: حبرى, وبيت عينون، أَقْطَعَهُمَا تَمِيْماً وَأَخَاهُ نُعَيْماً.
وَفِي "الصَّحِيْحِ" مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ سَهْمِيٌّ مَعَ تَمِيْمٍ الدَّارِيِّ، وَعَدِيِّ بنِ بَدَّاءَ, فَمَاتَ بِأَرْضِ كُفْرٍ, فَقَدِمَا بِتَرِكَتِهِ, فَفَقَدُوا جَامّاً مِنْ فِضَّةٍ, فَأَحْلَفَهُمَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ثُمَّ وَجَدُوا الجَامَّ بِمَكَّةَ, فَقِيْلَ: اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ تَمِيْمٍ وَعَدِيٍّ.
فَقَامَ رَجُلاَنِ مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِيِّ فَحَلَفَا: لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا, وأنَّ الجَامَّ لِصَاحِبِهِمْ, وَفِيْهِم نَزَلَتْ آيَةُ: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المَائِدَةُ: 110] 2.
قَالَ قَتَادَةُ: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرَّعْدُ: 45] قَالَ: سَلْمَانُ، وَابْنُ سلّام، وتميم الداري.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 408"، والتاريخ الكبير "2/ ترجمة 2016"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 1754"، أسد الغابة "1/ 256"، والإصابة "1/ ترجمة 837"، وتهذيب "1/ ترجمة 951".
2 صحيح: حديث الجسَّاسة أخرجه مسلم "2942" في حديث طويل.
3 صحيح: أخرجه البخاري "2780" من طريق يحيى بن آدم، حدثنا ابن أبي زائدة، عن محمد بن أبي القاسم، عن عبد الملك بنِ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابن عباس، به.(4/75)
وَرَوَى قُرَّةُ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ, قَالَ: جَمَعَ القُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ: أُبَيّ وَعُثْمَانُ وَزَيْدٌ وَتَمِيْمٌ الدَّارِيُّ.
وَرَوَى أَبُو قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي المُهَلَّبِ: كَانَ تَمِيْمٌ يَخْتِمُ القُرْآنَ فِي سَبْعٍ.
وَرَوَى عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: أَنْ تَمِيْماً الدَّارِيَّ كَانَ يَقْرَأُ القُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ.
وَرَوَى أَبُو الضُّحَى, عَنْ مَسْرُوْقٍ: قَالَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: هَذَا مُقَامُ أَخِيْكَ تَمِيْمٍ الدَّارِيِّ, صَلَّى لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ, أَوْ كَادَ يَقْرَأُ آيَةً يُرَدِّدُهَا وَيَبْكِي: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الجَاثِيَةُ: 20] .
أَبُو نُبَاتَةَ يُوْنُسُ بنُ يَحْيَى, عَنِ المُنْكَدِرِ بنِ مُحَمَّدٍ, عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ تَمِيْماً الدَّارِيَّ نَامَ لَيْلَةً لَمْ يَقُمْ يتهجَّد, فَقَامَ سَنَةً لَمْ يَنَمْ فِيْهَا عقوبة للذي صنع.
سَعِيْدٌ الجُرَيْرِيُّ, عَنْ أَبِي العَلاَءِ, عَنْ رَجُلٍ قَالَ: أَتَيْتُ تَمِيْماً الدَّارِيَّ فحدَّثنا, فَقُلْتُ: كَمْ جُزْؤُكَ؟ قَالَ: لَعَلَّكَ مِنَ الَّذِيْنَ يَقْرَأُ أَحَدُهُمُ القُرْآنَ ثُمَّ يُصْبِحُ فَيَقُوْلُ: قَدْ قَرَأْتُ القُرْآنَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, لأَنْ أُصَلِّيَ ثَلاَثَ رَكَعَاتٍ نَافِلَةً أحبَّ إليَّ مِنْ أَنْ أَقْرَأَ القُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ، ثُمَّ أُصْبِحَ فَأُخْبِرَ بِهِ, فَلَمَّا أَغْضَبَنِي، قُلْتُ: وَاللهِ إِنَّكُمْ -مَعَاشِرَ صَحَابَةِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, مَنْ بَقِيَ مِنْكُمْ- لَجَدِيْرٌ أَنْ تَسْكُتُوا فَلاَ تُعَلِّمُوا, وَأَنْ تُعَنِّفُوا مَنْ سَأَلَكُمْ.
فَلَمَّا رَآنِي قَدْ غَضِبْتُ لاَنَ وَقَالَ: ألَا أُحَدِّثُكَ يَا ابْنَ أَخِي? أَرَأَيْتَ إِنْ كُنْتُ أَنَا مُؤْمِناً قَوِيّاً وَأَنْتَ مُؤْمِنٌ ضَعِيْفٌ, فَتَحْمِلُ قُوَّتِي عَلَى ضَعْفِكَ, فَلاَ تَسْتَطِيْعُ, فَتَنْبَتُّ, أَوْ رَأَيْتَ إِنْ كُنْتَ أَنْتَ مُؤْمِناً قَوِيّاً، وَأَنَا مُؤْمِنٌ ضَعِيْفٌ، حِيْنَ أَحْمِلُ قُوَّتَكَ عَلَى ضَعْفِي، فَلاَ أَسْتَطِيْعُ, فَأَنْبَتُّ, وَلَكِنْ خُذْ مِنْ نَفْسِكَ لِدِيْنِكَ، وَمِنْ دِيْنِكَ لِنَفْسِكَ, حَتَّى يَسْتَقِيْمَ لَكَ الأَمْرُ عَلَى عِبَادَةٍ تُطِيْقُهَا.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنِ الجُرَيْرِيِّ, عَنْ أَبِي العَلاَءِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ حَرْمَلٍ، قَالَ: قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ, فَلَبِثْتُ فِي المَسْجِدِ ثَلاَثاً لاَ أَطْعَمُ, فَأَتَيْتُ عُمَرَ فَقُلْتُ: تَائِبٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرَ عَلَيْهِ, قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مُعَاوِيَةُ بنُ حَرْمَلٍ, قَالَ: اذْهَبْ إِلَى خَيْرِ المُؤْمِنِيْنَ فَانْزِلْ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَكَانَ تَمِيْمٌ الدَّارِيُّ إِذَا صلَّى ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى يَمِيْنِهِ وَشِمَالِهِ، فَذَهَبَ بِرَجُلَيْنِ, فَصَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِهِ, فَأَخَذَنِي, فَأُتِيْنَا بِطَعَامٍ, فَبَيْنَا نَحْنُ ذَاتَ لَيْلَةٍ؛ إِذْ خَرَجَتْ نَارٌ بِالحَرَّةِ, فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى تميم فقال: قم إلى هَذِهِ النَّارِ, فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! وَمَنْ أَنَا، وَمَا أَنَا.(4/76)
فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى قَامَ مَعَهُ، وَتَبِعْتُهَمَا, فَانْطَلَقَا إِلَى النَّارِ, فَجَعَلَ تَمِيْمٌ يَحُوْشُهَا بِيَدِهِ حَتَّى دَخَلَتِ الشِّعْبَ، وَدَخَلَ تَمِيْمٌ خَلْفَهَا, فَجَعَلَ عُمَرُ يَقُوْلُ: لَيْسَ مَنْ رَأَى كَمَنْ لَمْ يَرَ -قَالَهَا ثَلاَثاً.
سَمِعَهَا عَفَّانُ مِنْ حَمَّادٍ, وَابْنُ حَرْمَلٍ: لاَ يُعْرَفُ.
قَتَادَةُ عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ, وَقَتَادَةُ أَيْضاً عَنْ أَنَسٍ: أنَّ تَمِيْماً الدَّارِيَّ اشْتَرَى رِدَاءً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ, يَخْرُجُ فِيْهِ إِلَى الصَّلاَةِ.
وَرَوَى حَمَّادٌ, عَنْ ثَابِتٍ أنَّ تَمِيْماً أَخَذَ حُلَّة بِأَلْفٍ، يَلْبَسُهَا فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تُرْجَى فِيْهَا لَيْلَةُ القَدْرِ.
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ, عَنِ السَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قصَّ تَمِيْمٌ الدَّارِيُّ، اسْتَأْذَنَ عُمَرَ فَأَذِنَ لَهُ، فقصَّ قَائِماً.
أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ, عَنِ الزُّهْرِيِّ, عَنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إنَّ تَمِيْماً اسْتَأْذَنَ عُمَرَ فِي القَصَصِ سِنِيْنَ، وَيَأْبَى عَلَيْهِ, فلمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ قَالَ: مَا تَقُوْلُ؟ قَالَ: أَقْرَأُ عَلَيْهِمُ القُرْآنَ, وَآمُرُهُمْ بِالخَيْرِ, وَأَنْهَاهُمْ عَنِ الشَّرِّ. قَالَ عُمَرُ: ذَاكَ الرِّبْحُ. ثُمَّ قَالَ: عظ قبل أن أخرج للجمعة.
فَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ, فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ اسْتَزَادَهُ، فَزَادَهُ يَوْماً آخَرَ.
خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ بَيَانٍ, عَنْ وَبَرَةَ، قَالَ: رَأَى عُمَرُ تَمِيْماً الدَّارِيَّ يُصَلِّي بَعْدَ العَصْرِ، فَضَرَبَهُ بِدِرَّتِهِ عَلَى رَأْسِهِ, فَقَالَ لَهُ تَمِيْمٌ: يَا عُمَرَ, تَضْرِبُنِي عَلَى صَلاَةٍ صَلَّيْتُهَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: يَا تَمِيْمُ, لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَعْلَمُ مَا تَعْلَمُ1.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَه بِإِسْنَادٍ ضَعِيْفٍ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَسْرَجَ فِي المَسَاجِدِ تَمِيْمٌ الدَّارِيُّ2.
يُقَالُ: وُجِدَ عَلَى بَلاَطَةِ قَبْرِ تَمِيْمٍ الدَّارِيِّ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ, وَحَدِيْثُهُ يَبْلُغُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً. مِنْهَا فِي "صَحِيْحِ مُسْلِمٍ" حَدِيْثٌ واحد.
__________
1 صحيح: وهذا إسناد صحيح، خالد بن عبد الله هو الواسطي، وبيان هو ابن بشر الأحمسي, أبو بشر الكوفي, وأخرجه الطبراني في "الكبير" "1281" من طريق عبد الله بن صالح، حدَّثني الليث، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير، عن تميم الداري، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته عبد الله بن صالح، كاتب الليث، ضعَّفه أحمد وغيره.
2 ضعيف جدًّا: أخرجه ابن ماجة "760" من طريق أبي معاوية، عن خالد بن إياس، عَنْ يَحْيَى بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَاطِبٍ، عن أبي سعيد الخدري, قال: فذكره.
وأخرجه الطبراني في "الكبير" "2/ 1247" من طريق معاوية بن هشام، عن خالد بن إياس، عَنْ سَعِيْدٍ المقبرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: فذكره. وفي إسنادهما خالد بن إياس، قال أحمد والنسائي: متروك, وقال البخاري: ليس بشيء.(4/77)
183- أبو قتادة الأنصاري السلمي 1: "ع"
فَارِسَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, شَهِدَ أُحُداً وَالحُدَيْبِيَةَ، وَلَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ.
اسْمُهُ: الحَارِثُ بنُ رِبْعِيٍّ عَلَى الصَّحِيْحِ, وَقِيْلَ: اسْمُهُ النُّعْمَانُ. وَقِيْلَ: عَمْرٌو.
حدَّث عَنْهُ: أَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَعُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَبَاحٍ الأَنْصَارِيُّ, وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَعَبْدٍ الزِّمَّانِيُّ, وَعَمْرُو بنُ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيُّ, وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَعَبْدُ بنُ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ, وَابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي قَتَادَةَ, وَمَوْلاَهُ نَافِعٌ, وَآخَرُوْنَ.
رَوَى إِيَاسُ بنُ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيْهِ, عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "خَيْرُ فُرْسَانِنَا أَبُو قَتَادَةَ, وَخَيْرُ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ بنُ الأَكْوَعِ" 2.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قَتَادَةَ، عن أمه، عن أبيه, قال: قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: إِنِّي لأَغْسِلُ رَأْسِي، قَدْ غَسَلْتُ أَحَدَ شِقَّيْهِ؛ إِذْ سَمِعْتُ فَرَسِي جِرْوَةَ تَصْهُلُ وَتَبْحَثُ بِحَافِرِهَا, فَقُلْتُ: هَذِهِ حَرْبٌ قَدْ حَضَرَتْ.
فَقُمْتُ وَلَمْ أَغْسِلْ شِقَّ رَأْسِي الآخَرَ, فَرَكِبْتُ وعليَّ بُرْدَةٌ, فَإِذَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصِيْحُ: الفَزَعَ الفَزَعَ!
قَالَ: فَأُدْرِكُ المِقْدَادَ، فَسَايَرْتُهُ سَاعَةً، ثُمَّ تَقَدَّمَهُ فَرَسِي، وكان أجود من فرسه، وأخبرني
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 15"، والتاريخ الكبير "2/ ترجمة 2387"، الجرح والتعديل "3/ ترجمة 340"، أسد الغابة "6/ 250"، الإصابة "4/ ترجمة 921"، تهذيب التهذيب "12/ ترجمة 646".
2 صحيح: أخرجه الطبراني في "الكبير" "3/ 3270" من طريق أبي الوليد الطيالسي، حدَّثنا عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بنِ سلمة، به.
وأخرجه أحمد "4/ 52-53"، ومسلم "1807" من طرق, عن عكرمة بن عمار، به.(4/78)
المِقْدَادُ بِقَتْلِ مَسْعَدَةَ مُحْرِزاً -يَعْنِي: ابْنَ نَضْلَةَ- فَقُلْتُ لِلمِقْدَادِ: إِمَّا أَنْ أَمُوْتَ، أَوْ أَقْتُلَ قَاتِلَ مُحْرِزٍ.
فَضَرَبَ فَرَسَهُ فَلَحِقَهُ أَبُو قَتَادَةَ، فَوَقَفَ لَهُ مَسْعَدَةُ، فَنَزَلَ أَبُو قَتَادَةَ فَقَتَلَهُ، وَجَنَبَ فَرَسَهُ مَعَهُ.
قَالَ: فَلَمَّا مَرَّ النَّاسُ، تَلاحَقُوا وَنَظَرُوا إِلَى بُرْدِي فَعَرَفُوهَا, وَقَالُوا: أَبُو قَتَادَةَ قُتِلَ, فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ، وَلَكِنَّهُ قَتِيْلُ أَبِي قَتَادَةَ, عَلَيْهِ بُرْدُهُ, فَخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَلَبِهِ وَفَرَسِهِ".
قَالَ: فَلَمَّا أَدْرَكَنِي قَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِي شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ, أَفْلَحَ وَجْهُكَ, قَتَلْتَ مَسْعَدَةَ"؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: "فَمَا هَذَا الَّذِي بِوَجْهِكَ" قُلْتُ: سَهْمٌ رُمِيْتُ بِهِ, قَالَ: "فَادْنُ منِّي" فَبَصَقَ عَلَيْهِ, فَمَا ضَرَبَ عَلَيَّ قَطُّ, وَلاَ قَاحَ.
فَمَاتَ أَبُو قَتَادَةَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِيْنَ سَنَةً، وكأنَّه ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً.
قَالَ: وأعطاني فرس مسعدة وسلاحه.
مَالِكٌ, عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ عُمَرَ بنِ كَثِيْرٍ, عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ, عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ حُنَيْنٍ, فَلَمَّا الْتَقَيْنَا رَأَيْتُ رَجُلاً قَدْ عَلاَ المُسْلِمِيْنَ, فَاسْتَدَرْتُ لَهُ مِنْ وَرَائِهِ, فَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ ضَرْبَةً قَطَعْتُ مِنْهَا الدِّرْعَ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ وضمَّني ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيْحَ المَوْتِ, ثُمَّ أَرْسَلَنِي وَمَاتَ. إِلَى أَنْ قَالَ: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَتَلَ قَتِيْلاً لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ". فَقُمْتُ، فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي، وَقَصَصْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَجُلٌ: صَدَقَ يَا رَسُوْلَ اللهِ, وَسَلَبُ ذَلِكَ القَتِيْلِ عِنْدِي, فَأَرْضِهِ مِنْهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لاَ هَا اللهِ, إِذاً لاَ يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللهِ وَرَسُوْلِهِ فَيُعْطِيَكَ سَلَبَهُ! فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عليه وسلم: "صدق" , فأعطانيه, فبعث الدِّرْعَ وَابْتَعْتُ بِهِ مِخْرَفاً فِي بَنِي سَلِمَةَ, فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَمِ1.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَتْ سَرِيَّةُ أَبِي قَتَادَةَ إِلَى حِضْرَةَ، وَهِيَ بِنَجْدٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَكَانَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلاً, فَغَنِمُوا مَائَتَيْ بَعِيْرٍ، وَأَلْفَيْ شَاةٍ, وَسَبَوْا سَبْياً, ثُمَّ سَرِيَّةُ أَبِي قَتَادَةَ إلى بطن إضم بعد شهر.
__________
1 صحيح: أخرجه مالك "2/ 454-455"، ومن طريقه أخرجه البخاري "2100" و"3142" و"4321"، ومسلم "1751"، وأبو داود "2717"، والترمذي "1652"، وابن الجارود "1076"، والبيهقي "6/ 306"، والبغوي "2724" عن يحيى بن سعيد، به.(4/79)
الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ أَسِيْدِ بنِ أَبِي أَسِيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ: قُلْتُ لأَبِي قَتَادَةَ: مَالَكَ لاَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا يُحَدِّثُ عَنْهُ النَّاسِ? فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "مَنْ كَذَبَ عليَّ فَلْيُشَهِّدْ لِجَنْبِهِ مَضْجِعاً مِنَ النَّارِ" 1.
وَجَعَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ ذَلِكَ وَيَمْسَحُ الأَرْضَ بِيَدِهِ.
سَمِعَهُ قُتَيْبَةُ مِنْهُ.
شُعْبَةُ, عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ, أَخْبَرَنِي مَنْ هُوَ خَيْرٌ منِّي أَبُو قَتَادَةَ: أنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لعمَّار: "تَقْتُلُكَ الفِئَةُ البَاغِيَةُ" 2.
ابْنُ سَعْدٍ, حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيْدِ, حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ, حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ ابن عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ: أنَّ عُمَرَ بَعَثَ أَبَا قَتَادَةَ فَقَتَلَ مَلِكَ فَارِسٍ بِيَدِهِ وَعَلَيْهِ مِنْطَقَةٌ قِيْمَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفاً, فَنَفَلَهَا إِيَّاهُ عُمَرُ.
قَالَ خَلِيْفَةُ: اسْتَعْمَلَ عليٌّ عَلَى مَكَّةَ أَبَا قتادة الأنصاري، ثم عزله بقثم ابن العَبَّاسِ.
مَعْمَرٌ, عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ: أنَّ مُعَاوِيَةَ قَدِمَ المَدِيْنَةَ, فَلَقِيَهُ أَبُو قَتَادَةَ فَقَالَ: تَلَقَّانِي النَّاسُ كُلُّهُم غَيْرَكُمْ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، فَمَا مَنَعَكُمْ? قَالُوا: لَمْ يَكُنْ لَنَا دَوَابٌّ, قَالَ: فَأَيْنَ النَّوَاضِحُ? قَالَ أبو قَتَادَةَ: عَقَرْنَاهَا فِي طَلَبِ أَبِيْكَ يَوْمَ بَدْرٍ, أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال
__________
1 صحيح: ورد من حديث أنس بن مالك، وعقبة بن عامر, ابن عمرو, وغيرهم -رضي الله عنهم, أما حديث أنس بن مالك: أخرجه ابن أبي شيبة "8/ 763"، وأحمد "3/ 116 و166 و176"، وفي زوائد المسند "3/ 278"، والدارمي "1/ 77" من طرق عن سليمان التيمي، عن أنس، به.
وأخرجه أحمد "3/ 203 و209"، وفي زوائد المسند "3/ 278"، والدارمي "1/ 77" من طرق عن حماد ابن أبي سليمان، عن أنس، به. وأخرجه أحمد "3/ 98"، ومسلم "2" في "مقدمة صحيحه" من طرق عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، به.
وعن عقبة بن عامر: أخرجه أحمد "4/ 159"، والطبراني في "الكبير" "17/ 843" من طريق ابن لهيعة، عَنْ أَبِي عُشَّانَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، به. وأخرجه أحمد "4/ 156"، وأبو يعلى "1751"، والطحاوي "4/ 247"، والطبراني "1/ 904" من طرق عن ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ، عَنْ هشام بن أبي رقية، عن مسلمة بن مخلد، عن عقبة بن عامر، به.
وقد روى الحديث جمّ غفير من الصحابة، فهو حديث متواتر، نجتزئ بما ذكرنا لضيق المقام.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2915" من حديث أبي قتادة، به.
3 النواضح: جمع ناضح, وهي الإبل يُسْتَقى عليها.(4/80)
لَنَا: "إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً". قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَمَا أَمَرَكُمْ؟ قَالَ: أَمَرَنَا أَنْ نَصْبِرَ, قَالَ: فَاصْبِرُوا1.
وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيّاً كبَّر عَلَى أَبِي قَتَادَةَ سَبْعاً. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ: هَذَا غَلَطٌ، فَإِنَّ أَبَا قَتَادَةَ تأخَّر عَنْ عَلِيٍّ.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: لَمْ أَرَ بَيْنَ وَلَدِ أَبِي قَتَادَةَ وَأَهْلِ البَلَدِ عِنْدَنَا اخْتِلاَفٌ أَنَّهُ تُوُفِّيَ بِالمَدِيْنَةِ.
قَالَ: وَرَوَى أَهْلُ الكُوْفَةِ أَنَّهُ تُوُفِّيَ بِهَا، وَأَنَّ عَلِيّاً صَلَّى عَلَيْهِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قَتَادَةَ وَالمَدَائِنِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، وَابْنُ بُكَيْرٍ، وَشَبَابٌ، وَابْنُ نُمَيْرٍ: مَاتَ أَبُو قَتَادَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ.
مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- في بَعْضِ أَسْفَارِهِ؛ إِذْ تأخَّر عَنِ الرَّاحِلَةِ, فَدَعَمْتُهُ بِيَدِي حَتَّى اسْتَيْقَظَ, فَقَالَ: "اللَّهُمَّ احْفَظْ أَبَا قَتَادَةَ كَمَا حَفِظَنِي مُنْذُ اللَّيْلَةِ, مَا أُرَانَا إلَّا قَدْ شَقَقْنَا عَلَيْكَ" 2.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَبُو قَتَادَةَ بنُ رِبْعِيِّ بنِ بَلْدَمَةَ بنِ خُنَاسِ بنِ سِنَانِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عَدِيِّ بنِ غَنْمِ بنِ كَعْبِ بنِ سَلَمَةَ.
قَالَ: وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْنَا فِي اسْمِهِ, فَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: الحَارِثُ, وَقَالَ ابْنُ عُمَارَةَ وَالوَاقِدِيُّ: النُّعْمَانُ, وقيل: عمرو.
__________
1 صحيح لغيره: أخرجه عبد الرزاق "19909"، ومن طريقه أخرجه أحمد "5/ 304" وفي إسناده عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلِ بنِ أبي طالب الهاشمي، ضعَّفه ابن معين وأبو حاتم. وقال ابن حبان: رديء الحفظ. وقال ابن خزيمة: لا أحتجّ به.
وله شاهد من حديث أنس بن مالك: أخرجه البخاري "2377" تعليقًا و"3163" و"3794" وأحمد "3/ 111 و182-183"، والحميدي "1195"، وأبو يعلى "3649"، والبغوي "2192" من طرق عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أنس بن مالك قال: دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- الأنصار ليكتب لهم بالبحرين، فقالوا: لا والله, حتى تكتب لإخواننا من قريش بمثلها, فقال: ذاك لهم, ما شاء الله على ذلك, يقولون له. قال: "فإنكم سترون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض".
وأخرجه البخاري "2376"، والبيهقي "6/ 143-144" من طريق سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأنصاري، به.
2 صحيح: أخرجه الطبراني "3271" من طريق عبد الرزاق، عن معمر، به.
وأخرجه مسلم "861" في المساجد, باب قضاء الصلاة الفائتة, من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، به. وقوله "دعمته": أي أسندته.(4/81)
وَلَهُ أَوْلاَدٌ وَهُم: عَبْدُ اللهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَثَابِتٌ, وَعُبَيْدٌ, وَأُمُّ البَنِيْنَ، وَأُمُّ أَبَانَ.
شَهِدَ أُحُداً وَالخَنْدَقَ.
أَيُّوْبُ, عَنْ مُحَمَّدٍ, أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْسَلَ إِلَى أَبِي قَتَادَةَ, فَقِيْلَ: يَتَرَجَّلُ, ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقِيْلَ: يَتَرَجَّلُ, ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقِيْلَ: يَتَرَجَّلُ, فَقَالَ: "احْلِقُوا رَأْسَهُ".
فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ, دَعْنِي هَذِهِ المَرَّةَ، فَوَاللهِ لأعتبنَّك1، فَكَانَ أوَّل ما لقي قتل رأس المشركين مسعدة2.
مَعْنٌ القَزَّازُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو, عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ, أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى أَبَا قَتَادَةَ يُصَلِّي وَيَتَّقِي شَعْرَهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَجُزَّهُ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ, إِنْ تَرَكْتَهُ لأُرْضِيَنَّكَ, فَتَرَكَهُ, فَأَغَارَ مَسْعَدَةُ الفَزَارِيُّ عَلَى سَرْحِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ, فَرَكِبَ أَبُو قَتَادَةَ فَقَتَلَهُ وغشَّاه بِبُرْدَتِهِ3.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ, عَنْ أَنَسٍ, أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ قَتَلَ كَافِراً فَلَهُ سَلَبَهُ" , فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ, إِنِّي ضَرَبْتُ رَجُلاً عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، وَعَلَيْهِ دِرْعٌ لَهُ، فَأُجْهِضْتُ عَنْهُ, فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا أَخَذْتُهَا, فَأَرْضِهِ مِنْهَا وَأَعْطِنِيْهَا, وَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يُسْأَلُ شَيْئاً إلَّا أَعْطَاهُ, أَوْ سَكَتَ فَسَكَتَ. فَقَالَ عُمَرُ: لاَ يُفِيْئُهَا اللهُ عَلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِهِ وَيُعْطِيْكَهَا, فَضَحِكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: "صَدَقَ عُمَرُ" 4.
وَرَوَى مَالِكٌ, عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ, عَنْ عُمَرَ بنِ كَثِيْرِ بنِ أَفْلَحَ, عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ, أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ حُنَيْنٍ.... الحَدِيْثَ بِنَحْوٍ مِنْهُ. وَفِيْهِ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لاَ هَا اللهِ! إِذاً لاَ يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللهِ فَيُعْطِيَكَ سَلَبَهُ, فَأَعْطَانِي الدِّرْعَ فَبِعْتُهُ. قَالَ: فَابْتَعْتُ بِهِ مِخْرَفاً, فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ5.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ, عَنِ الأَعْرَجِ, عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ، قَتَلْتُ رَجُلاً, فَجَاءَ رجل فَنَزَعَ عَنْهُ دِرْعَهُ, فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَضَى لِي بِهَا, فَبِعْتُهَا بِسَبْعِ أَوَاقِيَّ مِنْ حَاطِبِ بنِ أَبِي بَلْتَعَةَ.
قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ أَبُو قَتَادَةَ يَلْبِسُ الخَزَّ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: لَمْ أَرَ بَيْنَ وَلَدِ أَبِي قَتَادَةَ وَأَهْلِ بَلَدِنَا اخْتِلافاً أنَّ أَبَا قَتَادَةَ تُوُفِّيَ بِالمَدِيْنَةِ.
ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بن أبي خالد, عن مُوْسَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ الخَطْمِيِّ، قَالَ: صَلَّى عليٌّ على أبي قتادة, فكبَّر عليه سبعًا.
__________
1 قوله: "لأعتبنَّك": أي لأسترضينَّك.
2 ضعيف لإرساله، محمد بن سرين من التابعين، بينه وَبَيْنَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مفاوز تتقطع دونها أعناق المطيّ.
3 ضعيف لإرساله كما سبق.
4 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 190 و279" من طريق حماد بن سلمة، به. قوله: "أجهضت عنه" أي: أزلته.
5 صحيح: تقدَّم تخريجنا برقم "167".(4/82)
184- عمرو بن عبسة 1: "م. 4"
ابن خالد بن حذيفة, الإِمَامُ الأَمِيْرُ, أَبُو نَجِيْحٍ السُّلَمِيُّ البَجَلِيُّ, أَحَدُ السَّابِقِيْنَ, وَمَنْ كَانَ يُقَالُ: هُوَ رُبُعُ الإِسْلاَمِ. روى أحاديث.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ, وَسَهْلُ بنُ سعد, وجبير بن نفير, وكثير ابن مُرَّةَ, وَضَمْرَةُ بنُ حَبِيْبٍ، وَالصُّنَابِحِيُّ، وَعَدِيُّ بنُ أَرْطَاةَ، وَحَبِيْبُ بنُ عُبَيْدٍ، وَعِدَّةٌ.
وَقِيْلَ: إنَّ ابْنَ مَسْعُوْدٍ رَوَى عَنْهُ.
وَكَانَ مِنْ أُمَرَاءِ الجَيْشِ يَوْمَ وَقْعَةِ اليَرْمُوْكِ.
قَالَ عَمْرُو بنُ أَبِي سَلَمَةَ التِّنِّيسي: حدَّثنا صَدَقَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ, عَنْ نَصْرِ بنِ عَلْقَمَةَ, عَنْ أَخِيْهِ, عن ابن عائذ, عن جبير بن نفير، قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ الغِفَارِيُّ, وَعَمْرُو بنُ عَبَسَةَ, كِلاَهُمَا يَقُوْلُ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي رُبُعَ الإِسْلاَمِ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ, لَمْ يُسْلِمْ قَبْلِي إلَّا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ، وَبِلاَلٌ, كِلاَهُمَا حَتَّى لاَ يُدْرَى مَتَى أَسْلَمَ الآخر2.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 214"، التاريخ الكبير "6/ 2474، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 1339"، حلية الأولياء "2/ 15-16"، أسد الغابة "4/ 251"، الإصابة "3/ ترجمة 5903"، تهذيب التهذيب "8/ ترجمة 107"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5336".
2 ضعيف: أخرجه الحاكم "3/ 341-342" وصححه "! ", ووافقه الذهبي "! ", وفي إسناده صدقة بن عبد الله السمين، أبو معاوية الدمشقي، ضعَّفه أحمد والبخاري والنسائي والدارقطني, ونقل هذه الأقوال الحافظ الذهبي في "الميزان"، وذهب عنه هنا, فوافق الحاكم على تصحيح إسناده، وهذا من تساهله, وقد ذكرت كثيرًا نماذج من هذا التساهل في كتابنا "الأرائك المصنوعة في الأحاديث الضعيفة والموضوعة" وقد طبع المجلد الأول منه في مكتبة الدعوة بالأزهر الشريف، يسَّر الله طبع بقية مجلداته، وجعله وسائر أعمالي في ميزان حسناتي يوم القيامة.(4/83)
نَزَلَ عَمْرٌو حِمْصَ بِاتِّفَاقٍ, وَيُقَالُ: شَهِدَ بَدْراً, وَمَا تَابَعَ أَحَدٌ عَبْدَ الصَّمَدِ بنَ سَعِيْدٍ، وَأَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى عَلَى ذَا.
وبنو بجيلة: رهط من سليم.
عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا شَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ -وَقَدْ لَقِيَ شَدَّادٌ أَبَا أُمَامَةَ- قَالَ: قَالَ عَمْرُو بنُ عَبَسَةَ: قَدِمْتُ مَكَّةَ, فَإِذَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِرَاءٌ عَلَيْهِ قَوْمُهُ, فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ, فَقُلْتُ: مَا أَنْتَ? قَالَ: "نَبِيٌّ" , قُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟ قَالَ: "أرسلني الله" , قلت: بِمَ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: "بِصِلَةِ الأَرْحَامِ, وَكَسْرِ الأَوْثَانِ, وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ". قُلْتُ: مَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: "حُرٌّ وَعَبْدٌ". قَالَ: وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٍ, فَقُلْتُ: إِنِّي مُتَّبِعُكَ, قَالَ: "إِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيْعُ ذَاكَ يَوْمَكَ هَذَا, ألَا تَرَى حَالِي, فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَائْتِنِي".
فَذَهَبْتُ إِلَى أَهْلِي, وَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الأَخْبَارَ, حَتَّى قَدِمَ عَلَى أَهْلِ يَثْرِبَ، فَقَدِمْتُ المَدِيْنَةَ فَأَتَيْتُهُ ... وَذَكَرَ الحديث1.
أَبُو صَالِحٍ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ, عَنْ سُلَيْمِ بنِ عَامِرٍ وَضَمْرَةَ بنِ حَبِيْبٍ وَآخَرَ: سَمِعُوا أَبَا أُمَامَةَ، سَمِعَ عَمْرَو بنَ عَبَسَةَ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ نَازِلٌ بِعُكَاظٍ, فَقُلْتُ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: "أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ" فَأَسْلَمْتُ, فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي رُبُعَ الإِسْلاَمِ.
لَمْ يُؤَرِّخُوا مَوْتَهُ.
حَرِيْزٌ: حَدَّثَنَا سليم بن عامر, عن عمرو بن عبسة قَالَ: أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعُكَاظٍ, فَقُلْتُ: مَنْ تَبِعَكَ؟ قَالَ: "حُرٌّ وَعَبْدٌ, انْطَلِقْ حَتَّى يُمَكِّنَ اللهُ لِرَسُوْلِهِ" 2.
مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ, عَنْ سُلَيْمِ بنِ عَامِرٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ عَبَسَةَ، قَالَ: أَسْلَمْتُ, فَقَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْحَقْ بِقَوْمِكَ" ثم أتيته قبل الفتح3.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ صَفْوَانَ, عَنِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنْ شَهْرٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ عَبَسَةَ، قَالَ: رَغِبْتُ عَنْ آلِهَةِ قَوْمِي، فَلَقِيْتُ يَهُوْدِيّاً مِنْ أَهْلِ تَيْمَاءَ, فَقُلْتُ: إِنِّي مِمَّنْ يَعْبُدُ الحِجَارَةَ, فَيَتْرُكُ الحَيَّ, فَيَنْزِلُ الرَّجُلُ فَيَأْتِي بِأَرْبَعَةِ حِجَارَةٍ فَيَنْصُبُ ثَلاَثَةً لقِدْرِه, وَيَجْعَلُ أَحْسَنَهَا إِلَهاً يَعْبُدُهُ.
فَقَالَ: يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ رَجُلٌ يَرْغَبُ عَنِ الأَصْنَامَ، فَإِذَا رَأَيْتَهُ فَاتَّبِعْهُ، فَإِنَّهُ يَأْتِي بِأَفْضَلِ دِيْنٍ.
إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَتَيْتُ مَكَّةَ فَوَجَدْتُهُ مُسْتَخْفِياً, وَوَجَدْتُ قُرَيْشاً عَلَيْهِ أَشِدَّاءَ ... وَذَكَرَ الحَدِيْثَ بِطُوْلِهِ.
لَعَلَّهُ مَاتَ بَعْدَ سَنَةِ ستين -فالله أعلم.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "832".
2 صحيح: أخرجه أحمد "4/ 385"، وابن سعد "4/ 215" من طريق حريز بن عثمان.
3 حسن: معاوية بن صالح، صدوق.(4/84)
185- شداد بن أوس 1: "ع"
ابن ثابت بن المنذر بن حرام، أَبُو يَعْلَى، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ، النَّجَّارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ, أَحَدُ بَنِي مَغَالَةَ، وَهُمْ بَنُو عَمْرِو بنِ مَالِكِ بنِ النَّجَّارِ.
وَشَدَّادٌ: هُوَ ابْنُ أَخِي حَسَّانِ بنِ ثَابِتٍ، شَاعِرِ رَسُوْلِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم.
مِنْ فُضَلاَءِ الصَّحَابَةِ وَعُلَمَائِهِمْ، نَزَلَ بَيْتَ المَقْدِسِ.
حدَّث عَنْهُ: ابْنُهُ يَعْلَى, وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَأَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ، وَأَبُو الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَنْمٍ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَكَثِيْرُ بنُ مُرَّةَ، وَبَشِيْرُ بنُ كَعْبٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَهْرَامَ، عَنْ شَهْرٍ: سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ غَنْمٍ يَقُوْلُ: لَمَّا دَخَلْنَا مَسْجِدَ الجَابِيَةِ2 أَنَا وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، لَقِيَنَا عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ, فَأَخَذَ بِشِمَالِهِ يَمِيْنِي, وَبِيَمِيْنِهِ شِمَالَ أَبِي الدَّرْدَاءِ, فَقَالَ: إِنْ طَالَ بِكُمَا عُمُرُ أَحَدِكُمَا أَوْ كِلاَكُمَا، فَيُوْشِكُ أَنْ تَرَيَا الرَّجُلَ مِنْ ثَبَجِ3 المُسْلِمِيْنَ قَدْ قَرَأَ القُرْآنَ أَعَادَهُ وَأَبْدَاهُ, وَأَحَلَّ حَلاَلَهُ, وحرَّم حَرَامَهُ, وَنَزَلَ عِنْدَ مَنَازِلِهِ, أَوْ قَرَأَ بِهِ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ لاَ يَحُوْرُ فِيْكُمْ إلَّا كَمَا يَحُوْرُ رَأْسُ الحِمَارِ المَيِّتِ4.
فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ؛ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا شَدَّادُ بنُ أَوْسٍ، وَعَوْفُ بنُ مَالِكٍ، فَجَلَسَا إِلَيْنَا، فَقَالَ شَدَّادٌ: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، لَمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, يقول في الشهوة
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 401"، التاريخ الكبير "4/ ترجمة 2951" الجرح والتعديل "4/ ترجمة 1434"، حلية الأولياء "1/ 264-270"، أسد الغابة "2/ 387"، الإصابة "2/ ترجمة 2847"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2915".
2 الجابية: قرية من أعمال دمشق.
3 الثبح: الوسط.
4 قال ابن الأثير في "النهاية" "1/ 458": اي لا يرجع فيكم بخير، ولا ينتفع بما حفظه من القرآن، كما لا ينتفع بالحمار الميت صاحبه.(4/85)
الخَفِيَّةِ وَالشِّرْكِ. فَقَالَ عُبَادَةُ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ: اللَّهُمَّ غُفْراً, أَوَ لَمْ يَكُنْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ حدَّثنا أنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي جَزِيْرَةِ العَرَبِ, فأمَّا الشَّهْوَةُ الخَفِيَّةُ فَقَدْ عَرَفْنَاهَا، فَهِيَ شَهَوَاتُ الدُّنْيَا مِنْ نِسَائِهَا وَشَهَوَاتِهَا، فَمَا هَذَا الشِّرْكُ الذي تخوفنا به يا شداد؟
قَالَ: أَرَأَيْتُكُمْ لَو رَأَيْتُمْ أَحَداً يُصَلِّي لِرَجُلٍ، أَوْ يَصُومُ لَهُ، أَوْ يَتَصَدَّقُ لَهُ, أَتَرَوْنَ أَنَّهُ قَدْ أَشْرَكَ? قَالُوا: نَعَمْ, قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "مَنْ صَلَّى يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ, وَمَنْ صَامَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ, وَمَنْ تصدَّق يُرَائِي فقد أشرك".
فقال عوف: أَوَلَا يَعْمَدُ اللهُ إِلَى مَا ابتُغِيَ فِيْهِ وَجْهُهُ مِنْ ذَلِكَ العَمَلِ كُلِّهِ، فَيَقْبَلُ مِنْهُ مَا خَلَصَ لَهُ، وَيَدَعُ مَا أُشْرِكَ بِهِ فِيْهِ؟ قَالَ شَدَّادٌ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ عَنِ اللهِ, قَالَ: "أَنَا خَيْرُ قَسِيْمٍ فَمَنْ أَشْرَكَ بِي شَيْئاً, فَإِنَّ جَسَدَهُ وَعَمَلَهُ, قَلِيْلَهُ وَكَثِيْرَهُ, لِشَرِيْكِهِ الَّذِي أَشْرَكَ بِهِ, أَنَا عَنْهُ غَنِيٌّ"1.
شَدَّادٌ, كنَّاه مُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ: أَبَا يَعْلَى.
ابْنُ جَوْصَاءَ2, حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ مُحَمَّدِ بنِ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ الأَنْصَارِيِّ, حَدَّثَنَا أَبِي, حَدَّثَنَا أَبِي, عَنْ أَبِيْهِ, عَنْ جَدِّهِ, قَالَ: كُنْيَةُ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ أَبُو يَعْلَى.
وَكَانَ لَهُ خَمْسَةُ أَوْلاَدٍ، مِنْهُمْ: بِنْتُهُ خَزْرَجٌ، وَتَزَوَّجَتْ فِي الأَزْدِ, وَكَانَ أَكْبَرُهُمْ يَعْلَى، ثُمَّ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ عَبْدُ الوَهَّابِ, وَالمُنْذِرُ.
فَمَاتَ شَدَّادٌ، وَخَلَّفَ عَبْدَ الوَهَّابِ، وَالمُنْذِرَ صغيرين، وأعقبوا سوى يعلى.
وَنَسَأَ لابْنَتِهِ نَسْلٌ إِلَى سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.
وَكَانَتِ الرَّجْفَةُ الَّتِي كَانَتْ بِالشَّامِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ, وَكَانَ أَشَدُّهَا بِبَيْتِ المَقْدِسِ، فَفَنِيَ كَثِيْرٌ مِمَّنْ كَانَ فِيْهَا مِنَ الأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ، وَوَقَعَ مَنْزِلُ شَدَّادٍ عَلَيْهِمْ, وَسَلِمَ مُحَمَّدٌ, وَقَدْ ذَهَبَتْ رجله تحت الردم.
__________
1 ضعيف: أخرجه أحمد "4/ 125-126"، وأبو نعيم في "الحلية" "1/ 268-269" وفي إسناده شهر ابن حوشب، سيئ الحفظ.
2 ابن جوصاء، هو الإِمَامُ الحَافِظُ الأَوْحَدُ، مُحَدِّثُ الشَّامِ، أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عُمَيْرِ بنِ يُوْسُفَ بنِ مُوْسَى بن جَوْصَا، مولى بني هاشم، وُلِدَ في حدود الثلاثين ومائتين. قال الطبراني: ابن جوصا ثقة. وقال الدارقطني: تفرَّد بأحاديث ولم يكن بالقوي. توفى فِي جُمَادَى الأُولَى سنَةَ عِشْرِيْنَ وَثَلاَث مائَة.(4/86)
وَكَانَتِ النَّعْلُ زَوْجاً، خَلَّفَهَا شَدَّادٌ عِنْدَ وَلَدِهِ، فَصَارَتْ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ شَدَّادٍ، فلمَّا أَنْ رَأَتْ أُخْتُهُ خَزْرَجٌ مَا نَزَلَ بِهِ وَبِأَهْلِهِ جَاءتْ، فَأَخَذَتْ فَرْدَ النَّعْلَيْنِ, وَقَالَتْ: يَا أَخِي، لَيْسَ لَكَ نَسْلٌ, وَقَدْ رُزِقْتُ وَلَداً, وَهَذِهِ مَكْرُمَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أُحِبُّ أَنْ تُشْرِكَ فِيْهَا وَلَدِي, فَأَخَذَتْهَا مِنْهُ.
وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ أَوَانِ الرَّجْفَةِ، فَمَكَثَتِ النَّعْلُ عِنْدَهَا حَتَّى أَدْرَكَ أَوْلاَدُهَا، فلمَّا جَاءَ المَهْدِيُّ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ، أَتَوْهُ بِهَا وعرَّفوه نَسَبَهَا مِنْ شَدَّادٍ, فَعَرَفَ ذَلِكَ وَقَبِلَهُ, وَأَجَازَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَلْفِ دِيْنَارٍ, وَأَمَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِضَيْعَةٍ, وَبَعَثَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ شَدَّادٍ فأُتِيَ بِهِ يُحْمَلُ لِزَمَانَتِهِ, فَسَأَلَهُ عَنْ خَبَرِ النَّعْلِ فَصَدَّقَ مَقَالَةَ الرَّجُلَيْنِ, فَقَالَ لَهُ المَهْدِيُّ: ائْتِنِي بِالأُخْرَى, فَبَكَى, وَنَاشَدَهُ اللهَ, فرَقَّ لَهُ, وَخَلاَّهَا عِنْدَهُ.
مُعَانُ بنُ رِفَاعَةَ، عَنْ أَبِي يَزِيْدَ الغَوْثِيِّ، عمَّن حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فَقِيْهاً, وَإِنَّ فَقِيْهَ هَذِهِ الأُمَّةِ شَدَّادُ بنُ أَوْسٍ. لَمْ يصح.
وَقَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِنَّ شَدَّادَ بنَ أَوْسٍ أُوْتِيَ عِلْماً وَحِلْماً.
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: فَضُلَ شَدَّادُ بنُ أَوْسٍ الأَنْصَارَ بِخَصْلَتَيْنِ: بِبَيَانٍ إِذَا نَطَقَ, وَبِكَظْمٍ إِذَا غَضِبَ.
عَنْ شَدَّادٍ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ, وَكَانَ بَدْرِيّاً,..... فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: شَدَّادٌ لَهُ صُحْبَةٌ, قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: شَهِدَ بَدْراً. وَلَمْ يَصِحَّ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: نَزَلَ فِلَسْطِيْنَ وَلَهُ عَقِبٌ. مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً, وَكَانَتْ لَهُ عِبَادَةٌ وَاجْتِهَادٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ: كَانَ أَبُوْهُ أَوْسُ بنُ ثَابِتٍ بَدْرِيّاً, وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ ثَوْرَ بنَ يَزِيْدَ, عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ قَالَ: لَمْ يَبْقَ بِالشَّامِ أَحَدٌ كَانَ أَوْثَقَ وَلاَ أَفْقَهَ وَلاَ أَرْضَى مِنْ عبادة بن الصامت وشداد بن أوس.
قَالَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: زهَّاد الأَنْصَارِ ثَلاَثَةٌ: أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَعُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ، وَشَدَّادُ بنُ أَوْسٍ.
__________
1 الزمانة: العاهة. ورجل زَمِنٌ, أي: مبتلى بَيِّنُ الزمانة.(4/87)
عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ رَجُلٍ, عَنْ مُطَرِّفِ بنِ الشِّخِّيْرِ، عَنْ رَجُلٍ -أَحْسِبُهُ مِنْ بَنِي مُجَاشِعٍ- قَالَ: انْطَلَقْنَا نَؤُمُّ البَيْتَ, فَإِذَا نَحْنُ بِأَخْبِيَةٍ بَيْنَهَا فُسْطَاطٌ, فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: عَلَيْكَ بِصَاحِبِ الفُسْطَاطِ فإنَّه سَيِّدُ القَوْمِ, فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى بَابِ الفُسْطَاطِ سلَّمنا فرَدَّ السَّلاَمَ, ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا شَيْخٌ, فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ هِبْنَاهُ مَهَابَةً لَمْ نَهَبْهَا وَالِداً قَطُّ وَلاَ سُلْطَاناً, فَقَالَ: مَا أَنْتُمَا؟ قُلْنَا: فِتْيَةٌ نَؤُمُّ البَيْتَ, قَالَ: وَأَنَا قَدْ حَدَّثَتْنِي نَفْسِي بِذَلِكَ, وَسَأَصْحَبُكُمْ, ثُمَّ نَادَى, فَخَرَجَ إِلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الأَخْبِيَةِ شَبَابٌ, فَجَمَعَهُمْ ثُمَّ خَطَبَهُمْ, وَقَالَ: إِنِّي ذَكَرْتُ بَيْتَ رَبِّي, وَلاَ أُرَانِي إلَّا زَائِرُهُ.
فَجَعَلُوا يَنْتَحِبُوْنَ عَلَيْهِ بُكَاءً, فَالْتَفَتُّ إِلَى شَابٍّ مِنْهُم, فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا الشَّيْخُ؟ قَالَ: شَدَّادُ بنُ أَوْسٍ، كَانَ أَمِيْراً، فلمَّا أَنْ قُتِلَ عُثْمَانُ اعْتَزَلَهُمْ.
قَالَ: ثُمَّ دَعَا لَنَا بِسَوِيْقٍ, فَجَعَلَ يَبُسُّ1 لَنَا وَيُطْعِمُنَا وَيَسْقِيْنَا.
ثُمَّ خَرَجْنَا مَعَهُ, فلمَّا عَلَوْنَا فِي الأَرْضِ، قَالَ لِغُلاَمٍ لَهُ: اصْنَعْ لَنَا طَعَاماً يَقْطَعْ عَنَّا الجُوْعَ -يُصَغِّرُهُ, كَلِمَةً قَالَهَا فَضَحِكْنَا, فَقَالَ: مَا أُرَانِي إلَّا مُفَارِقُكُمَا, قُلْنَا: رَحِمَكَ اللهُ, إِنَّكَ كُنْتَ لاَ تَكَادُ تَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ, فَلَمَّا تَكَلَّمْتَ لَمْ نَتَمَالَكْ أَنْ ضَحِكْنَا, فَقَالَ: أُزَوِّدُكُمَا حَدِيْثاً, كَانَ رَسُوْلُ اللهِ يُعِلِّمُنَا فِي السَّفَرِ وَالحَضَرِ, فَأَمْلَى عَلَيْنَا وَكَتَبْنَاهُ:
"اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، وَأَسْأَلُكَ عَزِيْمَةَ الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ, وَأَسْأَلُكَ يَقِيْناً صادقًا, وقلبًا سَلِيْماً, وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ, وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ, وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ, إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ"2.
وَرُوِيَ الدُّعَاءُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ.
قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا فَرَجُ بنُ فَضَالَةَ، عَنْ أَسَدِ بنِ وَدَاعَةَ، عَنْ شَدَّادِ بنِ أوس, أنه كان إذا دخل
__________
1 قوله "يَبُسُّ": بَسَّ السويق والدقيق وغيرهما يَبُسُّه بَسًّا: خلطه بسمن أو زيت، وهي البسيسة, قال اللحياني: هي التي تُلَتُّ بسمن أو زيت ولا تُبَلُّ.
2 ضعيف: في سنده مجهولان, أخرجه الطبراني "7178", وأخرجه أحمد "4/ 125"، والترمذي "3407"، والطبراني في "الكبير" "7175" و"7176" و"7177" من طرق عن سعيد الجريري، عن أبي العَلاَءِ يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيْرِ، عن الحنظلي, أو عن رجل من بني حنظلة، عن شداد بن أوس، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته جهالة الرجل من بين حنظلة.(4/88)
الفِرَاشَ يَتَقَلَّبُ عَلَى فِرَاشِهِ، لاَ يَأْتِيْهِ النَّوْمُ، فَيَقُوْلُ: اللَّهُمَّ إِنَّ النَّارَ أَذْهَبَتْ مِنِّي النَّوْمَ, فَيَقُوْمُ فَيُصَلِّي حَتَّى يُصْبِحَ1. رَوَاهُ جَمَاعَةٌ, عَنْ فَرَجٍ, عَنْ أَسَدٍ.
قَالَ سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أنَّ شَدَّادَ بنَ أَوْسٍ خَطَبَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ الدُّنْيَا أَجَلٌ حَاضِرٌ، يَأْكُلُ مِنْهَا البَرُّ وَالفَاجِرُ، وَإِنَّ الآخِرَةَ أَجَلٌ مُسْتَأْخَرٌ، يَحْكُمُ فِيْهَا مَلِكٌ قَادِرٌ, ألََا وَإِنَّ الخَيْرَ كُلَّهُ بِحَذَافِيْرِهِ فِي الجَنَّةِ، وَإِنَّ الشَّرَّ كُلَّهُ بِحَذَافِيْرِهِ فِي النَّارِ.
اتَّفَقُوا عَلَى مَوْتِهِ كَمَا قُلْنَا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، إلَّا ما يروى عن بعض أَهْلِ بَيْتِهِ, أَنَّهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ.
خَرَّجُوا لَهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ.
وَعَدَدُ أَحَادِيْثِهِ فِي "مُسْنَدِ بَقِيٍّ" خَمْسُوْنَ حَدِيْثاً، أَعْنِي: بِالمُكَرَّرِ.
__________
1 ضعيف: أخرجه أبو نعيم في "الحلية" "1/ 264", وفي إسناده فرج بن فضالة، قال أبو حاتم: لا يحتج به, وضعَّفه النسائي والدارقطني.(4/89)
186- عقبة بن عامر الجهني 1: "ع"
الإِمَامُ المُقْرِئُ, أَبُو عَبْسٍ -وَيُقَالُ: أَبُو حَمَّادٍ، وَيُقَالُ: أَبُو عَمْرٍو, وَيُقَالُ: أَبُو عَامِرٍ، وَيُقَالُ: أَبُو الأَسَدِ- المِصْرِيُّ، صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حدَّث عَنْهُ: أَبُو الخَيْرِ مَرْثَدٌ اليَزَنِيُّ, وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ, وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ, وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ, وَعُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ, وَأَبُو عِمْرَانَ أَسْلَمُ التُّجِيْبِيُّ, وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ شُمَاسَةَ, وَمِشْرَحُ بنُ هَاعَانَ, وَأَبُو عُشَّانَةَ حَيُّ بنُ يُؤْمِنَ, وَأَبُو قَبِيْلٍ المَعَافِرِيُّ, وَسَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ، وَبَعْجَةُ الجُهَنيّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ.
وَكَانَ عَالِماً مُقْرِئاً، فَصِيْحاً فَقِيْهاً، فَرَضِيّاً شَاعِراً، كَبِيْرَ الشَّأْنِ, وَهُوَ كَانَ البَرِيْدَ إِلَى عُمَرَ بِفَتْحِ دِمَشْقَ. وَلَهُ دار بخط باب توما2.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 343-344"، التاريخ الكبير "6/ ترجمة 2885"، الجرح والتعديل "6/ 1741"، أسد الغابة "4/ 53"، الإصابة "2/ ترجمة 5601"، تهذيب التهذيب "7/ ترجمة 439"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4897".
2 باب توما: أحد أبواب مدينة دمشق من الجانب الشرقي.(4/89)
عُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ، عَنْ عُقْبَةَ، قَالَ: خَرَجْتُ مِنَ الشَّامِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَدَخَلْتُ المَدِيْنَةَ يَوْمَ الجُمُعَةِ, فَقَالَ لِي عُمَرُ: هَلْ نَزَعْتَ خُفَيَّكَ؟ قلت: لا, قَالَ: أَصَبْتَ السُّنَّةَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: شَهِدَ صِفِّيْنَ مَعَ مُعَاوِيَةَ.
وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: شَهِدَ فَتحَ مِصْرَ وَاخْتَطَّ بِهَا, وَوَلِيَ الجُنْدَ بِمِصْرَ لِمُعَاويَةَ، ثُمَّ عَزَلَهُ بَعْدَ ثَلاَثِ سِنِيْنَ، وَأَغْزَاهُ البَحْرَ, وَكَانَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ.
وَقَبْرُهُ بِالمُقَطَّمِ, مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَعَنْ عُقْبَةَ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُوْلَ اللهِ عَلَى الهِجْرَةِ، وَأَقَمْتُ مَعَهُ.
وَقَالَ عُقْبَةُ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ1، وَكُنْتُ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّة, وَكَانَ عُقْبَةُ مِنَ الرُّمَاةِ المَذْكُوْرِيْنَ.
وَعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيِّ: أَنَّ عُقْبَةَ كَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتاً بِالقُرْآنِ, فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اعْرِضْ عَلَيَّ, فَقَرَأَ فَبَكَى عُمَرُ.
ابْنُ أَبِي خَالِدٍ, عَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ, عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ: وَكَانَ مِنْ رُفَعَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ.
قُلْتُ: وَلِيَ إِمْرَةَ مِصْرَ, وكان يخضب بالسواد.
مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ.
لَهُ فِي "مُسْنَدِ بقيّ" خمسة وخمسون حديثًا.
__________
1 الصُّفّة: هو الموضع الذي كان يأوي إليه فقراء المهاجرين في مسجد المدينة, ولم يكن لهم مكان يأويهم غيره.(4/90)
187- بريدة بن الحصيب 1: "ع"
ابن عبد الله بن الحَارِثِ بنِ الأَعْرَجِ بنِ سَعْدٍ, أَبُو عَبْدِ اللهِ -وَقِيْلَ: أَبُو سَهْلٍ, وَأَبُو سَاسَانَ, وَأَبُو الحُصَيْبِ- الأَسْلَمِيُّ.
قِيْلَ: إِنَّهُ أَسْلَمَ عَامَ الهِجْرَةِ؛ إِذْ مَرَّ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُهَاجِراً, وَشَهِدَ غَزْوَةَ خَيْبَرَ وَالفَتْحَ، وَكَانَ مَعَهُ اللِّوَاءُ, وَاسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى صَدَقَةِ قَوْمِهِ.
وَكَانَ يَحْمِلُ لِوَاءَ الأَمِيْرِ أُسَامَةَ حِيْنَ غَزَا أَرْضَ البَلْقَاءِ, إِثْرَ وَفَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
لَهُ جُمْلَةُ أَحَادِيْثَ، نَزَلَ مَرْوَ وَنَشَرَ العِلْمَ بِهَا.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ سُلَيْمَانُ وَعَبْدُ اللهِ، وَأَبُو نَضْرَةَ العَبْدِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَوَلَةَ، وَالشَّعْبِيُّ, وَأَبُو المَلِيْحِ الهُذَلِيُّ, وَطَائِفَةٌ.
وَسَكَنَ البَصْرَةَ مدَّة.
ثُمَّ غَزَا خُرَاسَانَ زَمَنَ عُثْمَانَ, فَحَكَى عَنْهُ مَنْ سَمِعَهُ يَقُوْلُ وَرَاءَ نَهْرِ جَيْحُوْنَ:
لَا عَيْشَ إلَّا طِرَادَ الخَيْلِ بِالخَيْلِ
قَالَ عَاصِمٌ الأَحْوَلُ: قَالَ مُوَرِّقٌ: أَوْصَى بُرَيْدَةُ أَنْ يُوْضَعَ فِي قَبْرِهِ جَرِيْدَتَانِ، وَكَانَ مَاتَ بِخُرَاسَانَ, فَلَمْ تُوْجَدَا إلَّا فِي جُوَالِقِ حِمَارٍ.
وَرَوَى مُقَاتِلُ بنُ حَيَّانَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ, عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: شَهِدْتُ خَيْبَرَ, وَكُنْتُ فِيْمَنْ صَعِدَ الثُّلْمَةَ, فَقَاتَلْتُ حَتَّى رُئِيَ مَكَانِي, وعليَّ ثَوْبٌ أَحْمَرُ, فَمَا أَعْلَمُ أَنِّي رَكِبْتُ فِي الإِسْلاَمِ ذَنْباً أَعْظَمَ عَلَيَّ مِنْهُ -أَيْ: الشُّهْرَةَ.
قُلْتُ: بَلَى, جُهَّالُ زَمَانِنَا يَعُدُّوْنَ اليَوْمَ مِثْلَ هَذَا الفِعْلِ مِنْ أَعْظَمِ الجِهَادِ, وَبِكُلِّ حَالٍ فَالأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ, وَلَعَلَّ بُرَيْدَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِإِزْرَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ يَصِيْرُ لَهُ عَمَلُهُ ذَلِكَ طَاعَةً وَجِهَاداً, وَكَذَلِكَ يَقَعُ فِي العَمَلِ الصَّالِحِ, رُبَّمَا افْتَخَرَ بِهِ الغِرُّ, وَنَوَّهَ بِهِ, فَيَتَحَوَّلُ إِلَى دِيْوَانِ الرِّيَاءِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفُرْقَانُ: 23] .
وَكَانَ بُرَيْدَةُ مِنْ أُمَرَاءِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ فِي نَوْبَةِ سَرْغٍ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ: مَاتَ بُرَيْدَةُ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ.
وَقَالَ آخَرُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ, وَهَذَا أقوى.
رُوِيَ لِبُرَيْدَةَ نَحْوٌ مِنْ مائَةٍ وَخَمْسِيْنَ حَدِيْثاً.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 241-243"، التاريخ الكبير "2/ ترجمة رقم 1977"، الجرح والتعديل "2/ ترجمة 1984"، أسد الغابة "1/ 209"، الإصابة "1/ ترجمة رقم 632".(4/91)
188- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ 1: "ع"
شَقِيْقُ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةَ.
حَضَرَ بَدْراً مَعَ المُشْرِكِيْنَ؛ ثُمَّ إِنَّهُ أَسْلَمَ وَهَاجَرَ قُبَيْلَ الفَتْحِ, وَأَمَّا جَدُّهُ أَبُو قُحَافَةَ فتأخَّر إِسْلاَمُهُ إِلَى يَوْمِ الفَتْحِ2.
وَكَانَ هَذَا أَسَنَّ أَوْلاَدِ الصِّدِّيْقِ, وَكَانَ مِنَ الرُّمَاةِ المَذْكُوْرِيْنَ، وَالشُّجْعَانِ, قَتَل يَوْمَ اليمامة سبعةً من كبارهم.
لَهُ أَحَادِيْثُ نَحْوُ الثَّمَانِيَةِ, اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى ثَلاَثَةٍ مِنْهَا.
رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ: عَبْدُ اللهِ وَحَفْصَةُ, وَابْنُ أَخِيْهِ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَعَمْرُو بنُ أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ, وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ, وَآخَرُوْنَ.
وَهُوَ الَّذِي أَمَّرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ أَنْ يُعْمِرَ أُخْتَهُ عَائِشَةَ مِنَ التَّنْعِيْمِ3.
لَهُ تَرْجَمَةٌ فِي "تَارِيخِ دِمَشْقَ".
تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ.
هكَذَا ورَّخوه، وَلاَ يَسْتَقِيْمُ؛ فَإِنَّ فِي "صَحِيْحِ مُسْلِمٍ" أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ يَوْمَ مَوْتِ سَعْدٍ فَتَوَضَّأَ, فَقَالَتْ لَهُ: أَسْبِغِ الوُضُوْءَ, سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "ويل للأعقاب من النار" 4.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "5/ ترجمة 795"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 1180"، أسد الغابة "3/ 466"، الإصابة "2/ ترجمة 5088 و5151"، تهذيب التهذيب "6/ ترجمة رقم 298"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4040".
2 صحيح: أخرجه عبد الرزاق "20179"، ومسلم "2102".
3 التنعيم: موضع بين مكة وسرف, على فرسخين من مكة. والحديث أخرجه مالك "1/ 361"، والبخاري "1556"، ومسلم "1211" من طريق ابن شهاب، عن عروة، عائشة.
4 صحيح: أخرجه مسلم "240" من طريق ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أبيه, عن سالم مولى شداد قال: دخلت على عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم توفي سعد بن أبي وقاص, فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر فتوضأ عندها, فقالت: يا عبد الرحمن, أسبغ الوضوء, فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ منَ النَّارِ" , وَقَدْ ورد الحديث عن أبي هريرة مرفوعًا عند ابن أبي شيبة "1/ 26"، وأحمد "4/ 430 و498"، والبخاري "165"، ومسلم "242" "29"، والنسائي "1/ 77"، والدرامي "1/ 179"، والطحاوي "1/ 38" من طرق عن شعبة, عن محمد بن زيادة، عن أبي هريرة مرفوعًا.(4/92)
وَقَدْ هَوِيَ ابْنَةَ الجُوْدِيِّ، وتغَزَّل فِيْهَا بِقَوْلِهِ:
تَذَكَّرْتُ لَيْلَى وَالسَّمَاوَةُ دُوْنَهَا ... فَمَا لابْنَةِ الجُوْدِيِّ ليلى وماليا
وأنَّى تُعَاطِي قَلْبَهُ حَارِثيَّةٌ ... تَدَمَّنُ بُصرى أَوْ تَحِلُّ الجَوَابِيَا
وأنَّى تُلاَقِيْهَا بَلَى وَلَعَلَّهَا ... إِنِ النَّاسُ حَجُّوا قَابِلاً أَنْ تُوَافِيَا
فَقَالَ عُمَرُ لأَمِيْرِ عَسْكَرِهِ: إِنْ ظَفِرْتَ بِهَذِهِ عَنْوَةً فَادْفَعْهَا إِلَى ابْنِ أَبِي بَكْرٍ, فَظَفِرَ بِهَا، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ, فَأُعْجِبَ بِهَا, وَآثَرَهَا عَلَى نِسَائِهِ حتَّى شَكَوْنَهُ إِلَى عَائِشَةَ, فَقَالَتْ لَهُ: لَقَدْ أَفْرَطْتَ, فَقَالَ: وَاللهِ إِنِّي لأَرْشُفُ مِنْ ثَنَايَاهَا حَبَّ الرُّمَّانِ, فَأَصَابَهَا وَجَعٌ فَسَقَطَتْ أَسْنَانُهَا, فَجَفَاهَا حَتَّى شَكَتْهُ إِلَى عَائِشَةَ, فَكَلَّمَتْهُ, قَالَ: فَجَهَّزَهَا إِلَى أَهْلِهَا, وَكَانَتْ مِنْ بَنَاتِ المُلُوْكِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِالصِّفَاحِ، وَحُمِلَ، فَدُفِنَ بِمَكَّةَ.
وَقَدْ صحَّ فِي "مُسْلِمٍ" فِي الوُضُوْءِ, أنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ خَرَجَ إِلَى جَنَازَةِ سَعْدِ ابْن أَبِي وَقَّاصٍ, فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أنه عاش بعد سعد.(4/93)
189- الحَكَمُ بنُ عَمْرٍو الغِفَارِيُّ 1: "خَ. 4"
الأَمِيْرُ, أَخُوْ رَافِعِ بنِ عَمْرٍو، وَهُمَا مِنْ بَنِي ثُعَيْلَةَ, وَثُعَيْلَةُ أَخُو غِفَارَ.
نَزَلَ الحَكَمُ البَصْرَةَ, وَلَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ، وَفَضْلٌ وَصَلاَحٌ، وَرَأْيٌ وَإِقْدَامٌ.
حدَّث عَنْهُ: أَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بنُ زَيْدٍ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَسَوَادَةُ بنُ عَاصِمٍ؛ وَآخَرُوْنَ.
رِوَايَتُهُ فِي الكُتُبِ سِوَى "صَحِيْحِ البُخَارِيِّ"2.
رَوَى هِشَامٌ, عَنِ الحَسَنِ, أنَّ زِيَادَ بنَ أبيه بعث الحكم بن عمرو على خُرَاسَانَ، فَغَنِمُوا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أمَّا بَعْدُ: فإنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ كَتَبَ إليَّ أَنْ أَصْطَفِيَ لَهُ الصفراء والبيضاء، لا تقسم
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 28"، التاريخ الكبير "2/ ترجمة 2646"، الجرح والتعديل "3/ ترجمة 551"، أسد الغابة "2/ 40"، الإصابة "1/ ترجمة 1784", تهذيب التهذيب "2/ ترجمة 759"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1557".
2 الصواب أن يقول: سوى مسلم؛ فإن المؤلف قد رمز إلى أنه قد روى له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة, ولم يرو له مسلم. وهذا ذهول من المؤلف -رحمه الله تعالى.(4/93)
بَيْنَ النَّاسِ ذَهَباً وَلاَ فِضَّةً, فَكَتَب إِلَيْهِ الحَكَمُ: أُقْسِمُ بِاللهِ، لَوْ كَانَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ رَتْقاً عَلَى عَبْدٍ، فَاتَّقَى اللهَ, يَجْعَلُ لَهُ مِنْ بَيْنِهِمَا مَخْرَجاً, وَالسَّلاَمُ. ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: اغْدُوا عَلَى فَيْئِكُمْ فَاقْسِمُوْهُ.
وَيُرْوَى أنَّ عُمَرَ نَظَرَ إِلَى الحَكَمِ بنِ عَمْرٍو وَقَدْ خضَّب بِصُفْرَةٍ, فَقَالَ: هَذَا خِضَابُ الإِيْمَانِ.
مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا أَبِي, عَنْ أَبِي حَاجِبٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الحَكَمِ الغِفَارِيِّ؛ إِذْ جَاءهُ رَسُوْلُ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَقُوْلُ: إِنَّكَ أَحَقُّ مَنْ أَعَانَنَا, قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ خَلِيْلِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "إِذَا كَانَ الأَمْرُ هَكَذَا اتَّخِذْ سَيْفاً مِنْ خَشَبٍ"1.
أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ, عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الحَسَنِ قَالَ: بَعَثَ زِيَادٌ الحَكَمَ, فَأَصَابُوا غَنَائِمَ كَثِيْرَةً, فَكَتَبَ زِيَادٌ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ أَمَرَ أَنْ تُصْطَفَى لَهُ الصَّفْرَاءُ وَالبَيْضَاءُ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنِّي وَجَدْتُ كِتَابَ اللهِ قَبْلَ كِتَابِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. وَأَمَرَ مُنَادِياً فَنَادَى: أَنِ اغْدُوا على فيئكم, فقسَمَه بينهم.
فوجَّه مُعَاوِيَةُ مَنْ قَيَّدَهُ وَحَبَسَهُ, فَمَاتَ فَدُفِنَ فِي قُيُوْدِهِ, وَقَالَ: إِنِّي مُخَاصِمٌ.
حمَّاد بنُ سَلَمَةَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ وَيُوْنُسُ، عَنِ الحَسَنِ أنَّ زِيَاداً اسْتَعْمَلَ الحَكَمَ بنَ عَمْرٍو، فَلَقِيَهُ عِمرَانُ بنُ حُصَيْنٍ، فَقَالَ: أَمَا تَذْكُرَ أنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, لَمَّا بَلَغَهُ الَّذِي قَالَ لَهُ أَمِيْرُهُ: قَعْ فِي النَّارِ, فَقَامَ لِيَقَعَ فِيْهَا, فَأَدْرَكَهُ فَأَمْسَكَهُ, فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ وَقَعَ فِيْهَا لَدَخَلَ النَّارَ, لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوْقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ".
قَالَ الحَكَمُ: بَلَى قَالَ: إِنَّمَا أَرَدْتُ أن أذكرك هذا الحديث2.
__________
1 ضعيف: أخرجه الحاكم "3/ 442" من طريق محمد بن أبي السَّري العسقلاني، حدثنا بن سليمان، به.
قلت: إسناده ضعيف، محمد بن أبي السريّ، وهو محمد بن المتوكل العسقلاني، قال أبو حاتم: لين الحديث, وقال ابن عدي: كثير الغلط.
2 صحيح: أخرجه الحاكم "3/ 433" وصححه, ووافقه الذهبي، وله شاهد من حديث علي بن أبي طالب, أخرجه أحمد "1/ 94"، والبخاري "7257"، ومسلم "1840"، وأبو داود "2625"، والنسائي "7/ 159" من طرق عن شعبة، عن زبيد، عن سَعْدُ بنُ عُبَيْدَةَ, عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السلمي، عن علي بن أبي طالب، به.(4/94)
جَمِيْلُ بنُ عُبَيْدٍ الطَّائِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو المُعَلَّى, عَنِ الحَسَنِ قَالَ: قَالَ الحَكَمُ بنُ عَمْرٍو: يَا طَاعُوْنُ خُذْنِي إِلَيْكَ, فَقِيْلَ لَهُ: لِمَ تَقُوْلُ هَذَا? وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ يتمنينَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ" قَالَ: أُبَادِرُ سِتّاً: بَيْعَ الحُكْمِ, وَكَثْرَةَ الشُّرَطِ, وَإِمَارَةَ الصِّبْيَانِ, وَسَفْكَ الدِّمَاءِ, وَقَطِيْعَةَ الرَّحِمِ, وَنَشْأً يَكُوْنُوْنَ في آخر الزمان يتخذون القرآن مزامير1.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ: كَانَ سَبَبُ مَوْتِ وَالِي خُرَاسَانَ الحَكَمِ، أنَّه دَعَا عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ بِمَرْوَ، لِكِتَابٍ وَرَدَ إِلَيْهِ مِنْ زِيَادٍ, وَمَاتَ قَبْلَهُ بُرَيْدَةُ الأَسْلَمِيُّ, فدفِنَا جَمِيْعاً.
قَالَ خَلِيْفَةُ: مَاتَ بِخُرَاسَانَ وَالياً سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
__________
1 حسن لغيره: أخرجه الحاكم "3/ 443"، والطبراني "3162" من طريق جميل بن عبيد الطائي، حدثنا المعلى، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته المعلى، فإنه مجهول لا يعرف.
وأخرجه أحمد "3/ 493" من حديث عابس، وإسناده ضعيف، فيه علتان:
الأولى: شريك بن عبد الله، وهو النخعي القاضي، سيئ الحفظ.
والعلة الثانية: عثمان بن عمير، أبو اليقظان، وهو ضعيف, اختلط وكان يدلس.
وأخرجه أحمد "6/ 22-23" من حديث عوف بن مالك, وفي سنده النَّهاس بن قهم، وهو ضعيف. فالحديث حسن بمجموع طرقه -والله أعلم.(4/95)
أخوه:
190- رافع بن عمرو الغفاري 1: "م، د، ت، ق"
الكناني: لَهُ صُحْبَةٌ وَحَدِيْثَانِ.
نَزَلَ البَصْرَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ الصَّامِتِ؛ وَغَيْرُهُ.
خرَّج لَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو عِيْسَى، وَابْنُ مَاجَه.
لَهُ حَدِيْثٌ فِي نَعْتِ الخَوَارِجِ.
وَقَالَ مُعْتَمرُ بنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الحَكَمِ، عَنْ عَمِّهِ رَافِع قَالَ: كُنْتُ أَرْمِي نَخْلاً لِلأَنْصَارِ وَأَنَا غُلاَمٌ, فَرَآنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "يَا غُلاَمُ, لِمَ تَرْمِي النَّخْلَ"؟ قُلْتُ: آكُلُ, قَالَ: "كُلْ مَا يَسْقُطُ" ثُمَّ مَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَشْبِعْ بَطْنَهُ"2.
وَيُرْوَى نَحْوُهُ عَنْ رَافِعٍ بإِسْنَادٍ آخَرَ, ذَكَرَهُ الحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ".
وَقَالَ خَلِيْفَةُ: مَاتَ بِالبَصْرَةِ سَنَةَ خمسين.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 29"، التاريخ الكبير "3/ ترجمة 1025"، الجرح والتعديل "3/ ترجمة 2151"، أسد الغابة "2/ 194"، الإصابة "1 ترجمة رقم 2539"، وتهذيب التهذيب "3/ ترجمة 445"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1999".
2 ضعيف: أخرجه أبو داود "2622"، وابن ماجه "2299"، والحاكم "3/ 444"، والطبراني "4459" من طرق عن المعتمر بن سليمان، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته جهالة ابن أبي الحكم الغفاري.(4/95)
191- رَافِعُ بنُ عَمْرٍو المُزَنِيُّ البَصْرِيُّ 1: "د، س"
أخو عائذ، فآخر، ولهما صحبة.
رَوَى لِهَذَا أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
يَرْوِي عَنْهُ: عمرو بن سليم المزني.
ذكرته للتمييز.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "3/ ترجمة 1026"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 2152"، وأسد الغابة "2/ 94"، الإصابة "1/ ترجمة 2540"، تهذيب التهذيب "3/ ترجمة 446" وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2000".(4/96)
192- الأرقم بن أبي الأرقم 1:
ابن أسد بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمٍ بنِ يَقَظَةَ المَخْزُوْمِيُّ.
صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, مِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ, اسْمُ أَبِيْهِ: عَبْدُ مَنَافٍ.
كَانَ الأَرْقَمُ أَحَدَ مَنْ شَهِدَ بَدْراً, وَقَدِ اسْتَخْفَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي دَارِهِ, وَهِيَ عِنْدَ الصَّفَا. وَكَانَ مِنْ عُقَلاَءِ قُرَيْشٍ، عَاشَ إِلَى دَوْلَةِ مُعَاوِيَةَ.
أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ: حدَّثنا يَحْيَى بنُ عِمْرَانَ بنِ عُثْمَانَ بنِ الأَرْقَمِ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ, عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الأَرْقَمِ, أنَّه تجهَّز يُرِيْدُ بَيْتَ المَقْدِسِ؛ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ جَهَازِهِ، جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُوَدِّعُهُ فَقَالَ: "مَا يُخْرِجُكَ؟ حَاجَةٌ أَوْ تِجَارَةٌ" قَالَ: لاَ وَاللهِ يَا نَبِيَّ اللهِ, وَلَكِنْ أَرَدْتُ الصَّلاَةَ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ, فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الصَّلاَةُ في مسجدي خير مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيْمَا سِوَاهُ إلَّا المَسْجِدَ الحَرَامِ" فَجَلَسَ الأَرْقَمُ، وَلَمْ يَخْرُجْ.
وَقَدْ أَعْطَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأَرْقَمَ يَوْمَ بَدْرٍ سَيْفاً2, وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الصَّدَقَةِ.
وَقَدْ وَهِمَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ أَبَاهُ أَبَا الأَرْقَمِ أَسْلَمَ.
وَغَلِطَ أَبُو حَاتِمٍ إِذْ قَالَ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ الأَرْقَمِ هُوَ ابْنُ هَذَا، ذَاكَ زُهْرِيٌّ، وَلِيَ بَيْتَ المَالِ لِعُثْمَانَ، وَهَذَا مَخْزُوْمِيٌّ.
قِيْلَ: الأَرْقَمُ عَاشَ بِضْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ بِالمَدِيْنَةِ, وَصَلَّى عَلَيْهِ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ بِوَصِيَّتِهِ إِلَيْهِ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ الأَرْقَمِ: تُوُفِّيَ أَبِي سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
لَهُ رِوَايَةٌ فِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ بنِ حنبل".
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 242"، التاريخ الكبير "2/ ترجمة 1636"، الجرح والتعديل:2/ ترحمة 1159"، أسد الغابة "1/ 74"، الإصابة "1/ ترجمة 73".
1 ضعيف: أخرجه الحاكم "3/ 504" من طريق أبي مصعب الزهري، عن يحيى بن عمران بن عثمان، عن جده، عن أبيه الأرقم, وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي, والإسناد ضعيف, يحيى بن عمران مجهول كما قال أبو حاتم, ونقله الحافظ الذهبي في "الميزان", وذهل عنه هنا فصحَّح إسناده موافقة للحاكم. وقد ذكرنا كثيرًا من تساهله هذا في كتابنا "الأرائك المصنوعة في الأحاديث الضعيفة والموضوعة" طبع المجلد الأول منه في مكتبة الدعوة بالأزهر الشريف، يسَّر الله طبع بقية المجلدات, وتقبله منا بكرمه ومَنّه وسعة فضله.(4/97)
193- أبو حميد الساعدي 1: "ع"
الأنصاري، المدني, قِيْلَ: اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ, وَقِيْلَ: المُنْذِرُ بنُ سَعْدٍ.
مِنْ فُقَهَاءِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رَوَى عَنْهُ: جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَعَمْرُو بنُ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيُّ، وَعَبَّاسُ بنُ سَهْلِ بن سَعْدٍ، وَخَارِجَةُ بنُ زَيْدٍ, وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَطَاءٍ, وَغَيْرُهُمْ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتِّيْنَ, وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ بِضْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَلَهُ حَدِيْثٌ فِي وَصْفِهِ هَيْئَةَ صَلاَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2.
وَقَع لَهُ فِي "مُسْنَدِ بَقِيٍّ" سِتَّةٌ وَعِشْرُوْنَ حديثًا.
__________
1 ترجمته في الجرح والتعديل "5/ ترجمة 1124"، وتهذيب التهذيب "6/ ترجمة 371" وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4405".
2 صحيح: أخرجه البخاري "828".(4/98)
194- عبد الله بن الأرقم 1: "4"
ابن عبد يغوث بن وَهْبِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ زُهْرَةَ القُرَشِيُّ الزُّهْرِيُّ، الكَاتِبُ.
مِنْ مُسْلِمَةِ الفَتْحِ, وَكَانَ مِمَّنْ حَسُنَ إِسْلاَمُهُ, وَكتَبَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ثُمَّ كَتَبَ لأَبِي بَكْرٍ، وَلِعُمَرَ.
وولَّاه عُمَرُ بَيْتَ المَالِ, وَوَلِيَ بَيْتَ المَالِ أَيْضاً لِعُثْمَانَ مُدَّةً, وَكَانَ مِنْ جِلَّةِ الصَّحَابَةِ وَصُلَحَائِهِمْ.
قَالَ مَالِكٌ: إِنَّهُ أَجَازَهُ عُثْمَانُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَهُوَ عَلَى بَيْتِ المَالِ بِثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا.
وَرُوِي عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ أَنَّهَا كَانَتْ ثَلاَثَ مائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ, فَلَمْ يَقْبَلْهَا, وَقَالَ: إِنَّمَا عَمِلْتُ للهِ تَعَالَى, وَإِنَّمَا أَجْرِي عَلَى اللهِ.
وَرُوِي عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ الأَرْقَمِ: لَوْ كانت لك سابقة ما قَدَّمْتُ عَلَيْكَ أَحَداً, وَكَانَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَخْشَى للهِ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الأَرْقَمِ.
وَرَوَى عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: وَاللهِ مَا رَأَيْتُ رَجُلاً قَطُّ كَانَ أَخْشَى للهِ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الأَرْقَمِ.
قُلْتُ: لَهُ حَدِيْثٌ فِي "السنن".
روى عنه عروة وغيره.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "5/ ترجمة 56"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة رقم 4"، أسد الغابة "3/ 172"، والإصابة "2/ ترجمة 4525"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 249", وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3381".(4/98)
195- عبد الله بن مغفل 1: "ئ"
ابن عبد نهم بن عفيف المزنيّ, صَحَابِيٌّ جَلِيْلٌ، مِنْ أَهْلِ بَيْعَة الرِّضْوَانِ2، تأخَّر.
وَكَانَ يَقُوْلُ: إِنِّي لممَّنْ رَفَعَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَغْصَانِ الشجرة يَوْمَئِذٍ3.
سَكَنَ المَدِيْنَةَ ثُمَّ البَصْرَةَ، وَلَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ.
حدَّث عَنْهُ: الحَسَنُ البَصْرِيُّ, وَمُطَرِّفُ بنُ الشِّخِّيْرِ، وَابْنُ بُرَيْدَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَمُعَاويَةُ بنُ قُرَّةَ، وَحُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ؛ وَغَيْرُهُمْ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ.
قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُغَفَّلٍ أَحَدَ العَشْرَةِ الَّذِيْنَ بَعَثَهُمْ إِلَيْنَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ يفقِّهون النَّاسَ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتِّيْنَ, وَكَانَ أَبُوْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، فتوفِّي عَامَ الفَتْحِ فِي الطَّرِيْقِ.
وَقِيْلَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ مِنَ البكَّائين.
قَالَ عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ, عَنْ خُزَاعِيِّ بنِ زِيَادٍ المُزَنِيِّ، قَالَ: أُرِيَ عبد الله بنُ مُغَفَّلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّ السَّاعَةَ قَدْ قَامَتْ, وَأَنَّ النَّاسَ حُشِرُوا, وثَمَّ مَكَانٌ مَنْ جَازَهُ فَقَدْ نَجَا, وَعَلَيْهِ عَارِضٌ, فَقَالَ لِي قَائِلٌ: أَترِيْدُ أَنْ تَنْجُوَ وَعِنْدَكَ مَا عِنْدَكَ؟ فَاسْتَيْقَظْتُ فَزِعاً.
قَالَ: فَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَعِنْدَهُ عَيْبَةٌ مَمْلُوْءةٌ دَنَانِيْرَ، فَفَرَّقَهَا كُلَّهَا.
كُنْيَتُهُ: أَبُو سعيد, وقيل: أبو زياد.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 13-14"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 36"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 687"، أسد الغابة "3/ 398"، الإصابة "2/ ترجمة 4972"، تهذيب التهذيب "6/ ترجمة رقم 74"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3840".
2 وهي في غزوة الحديبية: وهي قرية متوسطة ليست بالكبيرة، سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة التي بويع الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحتها، وهي على تسعة أميال من مكة, وكانت في سنة ست في ذي القعدة, وكان معه ألف وخمسمائة -هكذا في الصحيحين عن جابر. وقيل غير ذلك في العدد.
3 أخرجه أحمد "5/ 54" عن عبد الله بن مغفل: إني لآخذ بغصن من أغصان الشجرة أظلّ بها النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم يبايعونه, فقالوا: نبايعك على الموت؟ قال: لا، ولكن لا تفرّوا. قلت: إسناده ضعيف، آفته أبو جعفر الرازي، واسمه: عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان، سيئ الحفظ، لكن أخرجه أحمد "5/ 25"، ومسلم "1858" عن معقل بن يسار قال: لقد رأيتني يوم الشجرة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يبايع الناس، وأنا رافع غصنا من أغصانها عن رأسه، ونحن أربع عشرة مائة، لم نبايعه على الموت، ولكن بايعناه على ألّا نفر" واللفظ لمسلم, فروياه عن معقل بن يسار, وليس عن عبد الله بن مغفل، والراوية عنه وردت بإسناد ضعيف -كما علمت.(4/99)
196- خزيمة بن ثابت1: "م، 4"
ابن الفاكه بن ثَعْلَبَةَ بنِ سَاعِدَةَ الفَقِيْهُ، أَبُو عُمَارَةَ الأَنْصَارِيُّ الخَطْمِيُّ المَدَنِيُّ، ذُوْ الشَّهَادَتَيْنِ.
قِيْلَ: إِنَّهُ بَدْرِيٌّ، وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ شَهِدَ أُحُداً وَمَا بَعْدَهَا. وَلَهُ أَحَادِيْثُ.
وَكَانَ مِنْ كِبَارِ جَيْشِ عَلِيٍّ فاستُشْهِدَ مَعَهُ يَوْمَ صِفِّيْنَ.
حدَّث عَنْهُ: ابْنُهُ عُمَارَةُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الجَدَلِيُّ، وَعَمْرُو بنُ مَيْمُوْنٍ الأَوْدِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ؛ وَجَمَاعَةٌ.
قُتِلَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- سَنَةَ سَبْعِ وَثَلاَثِيْنَ، وَكَانَ حَامِلَ رَايَةِ بَنِي خَطْمَةَ, وَشَهِدَ مؤتة.
فَقَالَ الوَاقِدِيُّ: حدَّثنا بُكَيْرُ بنُ مِسْمَارٍ، عَنْ عُمَارَةَ بنِ خُزَيْمَةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: حَضَرْتُ مُؤْتَةَ، فَبَارَزْتُ رَجُلاً فَأَصَبْتُهُ، وَعَلَيْهِ بَيْضَةٌ فِيْهَا يَاقُوْتَةٌ, فَلَمْ يَكُنْ هَمِّي إلَّا اليَاقُوْتَةُ، فَأَخَذْتُهَا, فلمَّا انْكَشَفْنَا وَانْهَزَمْنَا رَجَعْتُ بِهَا إِلَى المَدِيْنَةِ, فَأَتَيْتُ بِهَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَفَلَنِيْهَا، فَبِعْتُهَا زَمَنَ عُمَرَ بِمائَةِ دِيْنَارٍ.
وَقَالَ خَارِجَةُ بنُ زَيْدٍ, عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا كَتَبْنَا المَصَاحِفَ فَقَدْتُ آيَةً كُنْتُ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَوَجَدْتُهَا عِنْدَ خُزَيْمَةَ بنِ ثَابِتٍ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] ، قَالَ: وَكَانَ خُزَيْمَةُ يُدْعَى: ذَا الشَّهَادَتَيْنِ, أَجَازَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهَادَتَهُ بشهادة رجلين2.
قَالَ قَتَادَةُ, عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: افْتَخَرَ الحَيَّانِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَتِ الأَوْسُ: مِنَّا غَسِيْلُ المَلاَئِكَةِ: حَنْظَلَةُ بنُ الرَّاهِبِ؛ ومنَّا مَنِ اهتزَّ لَهُ العَرْشُ: سَعْدٌ, ومنَّا مَنْ حَمَتْهُ الدَّبْرُ: عَاصِمُ بنُ أَبِي الأَقْلَحِ, وَمِنَّا مَنْ أُجِيْزَتْ شَهَادَتُهُ بِشَهَادَتَيْنِ: خُزَيْمَةُ بنُ ثَابِتٍ.
وَرَوَى أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عُمَارَةَ بنِ خُزَيْمَةَ، قَالَ: مَا زَالَ جَدِّي كَافّاً سِلاَحَهُ حَتَّى قُتِلَ عمَّار، فسَلَّ سيفه، وقاتل حتى قتل.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 378"، التاريخ الكبير "3/ ترجمة 704"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 1744"، وأسد الغابة "2/ 133"، الإصابة "1/ ترجمة 2251"، تهذيب التهذيب "3/ ترجمة 267"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1836".
2 صحيح: أخرجه البخاري "4784".(4/100)
197- عَوْفُ بنُ مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ الغَطَفَانِيُّ1: "ع"
مِمَّنْ شَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ, وَلَهُ جَمَاعَةُ أَحَادِيْثَ.
فِي كُنْيَتِهِ أَقْوَالٌ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَأَبُو حماد.
وكان من نبلاء الصحابة.
حدَّث عَنْهُ: أَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيُّ -وماتا قبله بمدة, وجبير ابن نُفَيْرٍ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَرَاشِدُ بنُ سَعْدٍ، وَيَزَيْدُ بنُ الأَصَمِّ, وَشُرَيْحُ بنُ عُبَيْدٍ, وَالشَّعْبِيُّ, وَسَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ, وَسُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ. وَشَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ.
وَشَهِدَ غَزْوَةَ مُؤْتَةَ, وَقَالَ: رَافَقَنِي مَدَدِيٌّ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ، لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُ سَيْفِهِ...., الحَدِيْثَ بِطُوْلِهِ, وَفِيْهِ قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ أَنْتُم تَارِكُوْ لِي أُمَرَائِي" 2.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 280"، التاريخ الكبير "7/ ترجمة 256"، الجرح والتعديل "7/ ترجمة 61"، الإصابة "3/ ترجمة 6101"، تهذيب التهذيب "8/ ترجمة رقم 303"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5488".
2 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 27-28"، ومن طريقه أخرجه أبو داود "2719" و"2720", حدَّثنا الوليد بن مسلم قال: حدثني صفوان عمرو، عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أبيه، عن عوف بن مالك الاشجعي قال: خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة من المسلمين في غزوة مؤتة, ووافقني مددي من اليمن, ليس معه غير سيفه، فنحر رجل من المسلمين جزورًا، فسأله المددي طائفة من جلده فأعطاه إياه, فاتخذه كهيئة الدرق, ومضَيْنَا فلقينا جمع الروم, وفيهم رجل على فرسٍ له أشقر, عليه سرج مذهب, فجعل الرومي يغري بالمسلمين, وقعد له المددي خلف صخرة, فمرَّ به الرومي, فعقرب فرسه, فخَرَّ فقتله, وحاز فرسه وسلاحه, فلما فتح الله للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد فأخذ منه السلب, قال عوف: فأتيته فقلت: يا خالد, أما علمت أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى بالسلب للقاتل, قال: بلى, ولكني استكثرته, قلت: لتردنَّه إليه أو لأعرفنكها عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم, وأبى أن يردَّ عليه, قال عوف: فاجتمعنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم, وقصصت عليه قصة المددي وما فعله خالد, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يا خالد, ما حملك على ما صنعت"؟ قال: يا رسول الله, استكثرته, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يا خالد, ردَّ عليه ما أخذت منه" , قال عوف: فقال: دونك يا خالد, لم أف لك, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "وما ذاك"؟ فأخبرته, فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: "يا خالد, لا ترده عليه، هل أنتم تاركو لي أمراء لي, لكم صفوة أمرهم, وعليهم كدره".
قلت: إسناده صحيح, رجاله ثقات، والوليد بن مسلم مدلس, يدلس تدليس التسوية، لكنه قد صرَّح بالتحديث, فأَمِنَّا شر تدليسه.(4/101)
وَقَالَ رَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ, عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ, عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي الحَبِيْبُ الأَمِيْنُ: "أَمَّا هُوَ إِلَيَّ فَحَبِيْبٌ, وَأَمَّا هُوَ عِنْدِي فَأَمِيْنٌ" عَوْفُ بنُ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا عِنْد رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبعة أو ثمانية أو تسعة فَقَالَ: "أَلاَ تُبَايِعُوْنَ" ? ... الحَدِيْثَ1.
قَالَ الوَاقِدِيُّ. كَانَتْ رَايَةُ أَشْجَعَ يَوْمَ الفَتْحِ مَعَ عَوْفِ بنِ مَالِكٍ.
بُسْرُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ, عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ, حَدَّثَنِي عَوْفٌ, أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي خَيْمَةٍ مِنْ أَدَمٍ, فَتَوَضَّأَ وُضُوْءاً مَكِيْثاً, قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ, أَدْخُلُ؟ قَالَ: "نَعَمْ" , قُلْتُ: كُلِّي قَالَ: "كُلَّكَ" ثُمَّ قَالَ: "يَا عَوْفُ, اعْدُدْ ستا بين يدي الساعة ... " وذكر الحديث2.
ابن أبي عروبة, عن قتادة, عن أبي المَلِيْحِ, عَنْ عَوْفٍ قَالَ: عرَّس بِنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فتوسَّد كُلُّ إِنْسَانٍ منَّا ذِرَاعَ رَاحِلَتِهِ, فَانْتَبَهْتُ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ, فَإِذَا أَنَا لاَ أَرَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ رَاحِلَتِهِ, فَأَفْزَعَنِي ذَلِكَ, فَانْطَلَقْتُ أَلْتَمِسُهُ, فَإِذَا مُعَاذٌ وَأَبُو مُوْسَى يَلْتَمِسَانِهِ, فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ؛ إِذْ سَمِعْنَا هَزِيْزاً بِأَعْلَى الوَادِي كَهَزِيْزِ الرَّحَى. قَالَ: فَأَخْبَرْنَاهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمرنَا. فَقَالَ: "أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي, فخيَّرني بَيْنَ الشَّفَاعَةِ وَبَيْنَ أَنْ يُدْخِلَ نِصْفَ أُمَّتِي الجَنَّةَ, فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ".
فَقُلْتُ: أَنْشُدُكَ اللهَ, وَالصُّحْبَةَ يَا نَبِيَّ اللهِ, لم جَعَلْتَنَا مِنْ أَهْلِ شَفَاعَتِكَ؟ قَالَ: "فَإِنَّكُم مِنْ أَهْلِ شَفَاعَتِي" 3.
جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ, حَدَّثَنَا ثَابِتُ بنُ الحَجَّاجِ الكِلاَبِيُّ قَالَ: شَتَوْنَا فِي حِصْنٍ دُوْنَ القُسْطَنْطِيْنِيَةِ, وَعَلَيْنَا عَوْفُ بنُ مَالِكٍ, فَأَدْرَكْنَا رَمَضَانَ, فَقَالَ عَوْفٌ: ... فَذَكَر حَدِيْثاً.
قَالَ الوَاقِدِيُّ وَخَلِيْفَةُ وَأَبُو عُبَيْدٍ: مَاتَ عَوْفٌ سَنَةَ ثَلاَثٍ وسبعين.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "1043" من طريق مروان بن محمد الدمشقي، عن سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3176" من طريق الحميدي، حدثنا الوَلِيْدُ بنُ مُسلمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ العلاء بن زبر، قال: سمعت بسر بن عبيد الله، أنه سمع أبا إدريس قال: سمعت عوف بن مالك قال: فذكره.
وذكر قصة الدخول أبو داود "5000"، وابن ماجه بتمامه "4042" من طريق الوليد بن مسلم، به.
3 صحيح: أخرجه الطيالسي "998"، وأحمد "6/ 28 و29"، والترمذي "2441", والطبراني "18/ 134"، وابن خزيمة في "التوحيد" "ص264-265"، وابن منده في "الإيمان" "925" من طرق عن قتادة، عن أبي المليح، عن عوف بن مالك قال: فذكره.
وأخرجه عبد الرزاق "20865"، والطبراني في "الكبير" "18/ 136 و137 و138" من طرق عن أبي قلابة، عن عوف بن مالك، به.
التعريس: هو نزول المسافر آخر الليل نزلةً للنوم والاستراحة. يقال منه: عرَّس يعرِّس تعريسًا, ويقال فيه: أَعْرَس، والمعرَّس: موضع التعريس.(4/102)
198- مُعَيْقِيْبُ بنُ أَبِي فَاطِمَةَ الدَّوْسِيُّ 1: "ع"
مِنَ المُهَاجِرِيْنَ, وَمِنْ حُلَفَاءِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ.
وَكَانَ أَمِيْناً عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الفَيْءِ, وَوَلِيَ بَيْتَ المَالِ لِعُمَرَ.
رَوَى حَدِيْثَيْنِ.
وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَةَ -وَحْدَهُ: أَنَّهُ شَهِدَ بَدْراً. وَلاَ يَصِحُّ هَذَا.
رَوَى عَنْهُ: حَفِيْدُهُ إِيَاسُ بنُ الحَارِثِ بنِ مُعَيْقِيْبٍ, وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَلَهُ هِجْرَةٌ إِلَى الحَبَشَةِ, وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَدِمَ مَعَ جَعْفَرٍ لَيَالِيَ خَيْبَرَ, وَكَانَ مُبْتلَىً بِالجُذَامِ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ, حَدَّثَنِي عَاصِمُ بنُ عُمَرَ، عَنْ محمود بن لبيد قَالَ: أمَّرني يَحْيَى بنُ الحَكَمِ عَلَى جُرَشَ فَقَدِمْتُهَا, فَحَدَّثُوْنِي أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ حدَّثهم أنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِصَاحِبِ هَذَا الوَجَعِ -الجُذَامَ: "اتَّقُوْهُ كَمَا يُتَّقَى السَّبُعُ إِذَا هَبَطَ وَادِياً فَاهْبِطُوا غيره".
فَقَدِمْتُ المَدِيْنَةَ, فَسَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ, فَقَالَ: كَذَبُوا, وَاللهِ مَا حدَّثتُهم هَذَا, وَلَقَدْ رَأَيْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ يُؤْتَى بِالإِنَاءِ فِيْهِ المَاءُ, فَيُعْطِيْهِ مُعَيْقِيْباً, وَكَانَ رَجُلاً قَدْ أَسْرَعَ فِيْهِ ذَاكَ الدَّاءُ, فَيَشْرَبُ مِنْهُ وَيُنَاوِلُهُ عُمَرَ, فَيَضَعُ فَمَهُ مَوْضِعَ فَمِهِ حَتَّى يَشْرَبَ مِنْهُ, فعرفت أنه يفعله فرارًا من العدوى.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 116"، التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2123"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1938"، أسد الغابة "5/ 240"، الإصابة "3/ ترجمة 8164", تهذيب التهذيب "10/ ترجمة 456"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7425".(4/103)
وَكَانَ يَطْلَبُ الطِّبَّ مِنْ كُلِّ مَنْ سُمِعَ لَهُ بِطِبٍّ، حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ رَجُلاَنِ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمَا مِنْ طِبٍّ لِهَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ؟ فَقَالاَ: أمَّا شَيْءٌ يُذْهِبُهُ فَلاَ نَقْدِرُ عَلَيْهِ, ولكنَّا سَنُدَاوِيْهِ دَوَاءً يُوْقِفُهُ فَلاَ يَزِيْدُ. فَقَالَ عُمَرُ: عَافِيَةٌ عَظِيْمَةٌ, فَقَالاَ: هَلْ تُنْبِتُ أَرْضُكَ الحَنْظَلَ, قَالَ: نَعَمْ. قَالاَ: فَاجْمَعْ لَنَا مِنْهُ, فَأَمَرَ فَجُمِعَ لَهُ مِلْءُ مِكْتَلَيْنِ عَظِيْمَيْنِ, فشَقَّا كُلَّ وَاحِدَةٍ نِصْفَيْنِ, ثُمَّ أَضْجَعَا مُعَيْقِيْباً, وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِرِجْلٍ, ثُمَّ جَعَلاَ يَدْلُكَانِ بُطُوْنَ قَدَمَيْهِ بِالحَنْظَلَةِ, حَتَّى إِذَا مُحِقَتْ أَخَذَا أُخْرَى, حَتَّى إِذَا رَأَيَا مُعَيْقِيْباً يَتَنَخَّمُهُ أَخْضَرَ مُرّاً أَرْسَلاَهُ.
ثُمَّ قَالاَ لِعُمَرَ: لاَ يَزِيْدُ وَجَعُهُ بَعْدَ هَذَا أَبَداً, قَالَ: فَوَاللهِ، مَا زَالَ مُعَيْقِيْبٌ مُتَمَاسِكاً، لاَ يَزِيْدُ وَجَعُهُ حَتَّى مَاتَ.
صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ: قَالَ أَبُو زِنَادٍ: حَدَّثَنِي خَارِجَةُ بنُ زَيْدٍ أنَّ عُمَرَ دَعَاهُمْ لِغَدَائِهِ فَهَابُوا, وَكَانَ فِيْهِمْ معيقيب -وكان به جذام- فأكل معيقيب مَعَهُم, فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: كُلْ مِمَّا يَلِيْكَ وَمِنْ شِقِّكَ, فَلَوْ كَانَ غَيْرُكَ مَا آكَلَنِي فِي صَحْفَةٍ, وَلَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ قَيْدُ رُمْحٍ.
وَرَوَى الوَاقِدِيُّ, عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ, عَنْ أَبِيْهِ, عَنْ خَارِجَةَ نَحْوَهُ.
عَاشَ مُعَيْقِيْبٌ إِلَى خِلاَفَةِ عُثْمَانَ.
وَقِيْلَ: عَاشَ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَالفِرَارُ منَ المَجْذُوْمِ وَتَرْكُ مُؤَاكَلِتِهِ جَائِزٌ, لَكِنْ لِيَكُنْ ذَلِكَ بِحَيْثُ لاَ يَكَادُ يَشْعُرُ المَجْذُوْمُ, فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ. وَمَنْ وَاكَلَهُ -ثِقَةً بِاللهِ وَتَوَكُّلاً عَلَيْهِ- فَهُوَ مُؤْمِنٌ1.
__________
1 يقول محمد أيمن الشبراوي: الصواب أنه مؤمن، ولكنه قد أثم بترك الالتزام بالثابت الصحيح المرفوع "فر من المجذوم فرارك من الأسد" وهو حديث صحيح, أمَّا ما ورد عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة، وقال: كل ثقة بالله وتوكلا عليه" فقد أخرجه أبو داود "3925"، والترمذي "1817"، وابن ماجه "3542" من طرق, عن يونس بن محمد، حدثنا مفضل بن فضالة، عن حبيب بن الشهيد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، به مرفوعًا.
قلت: إسناده ضعيف، آفته مفضل بن فضالة البصري لا المصري، قال النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بذلك.(4/104)
199- أبو مسعود البدري 1: "ع"
وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْراً عَلَى الصَّحِيْحِ، وَإِنَّمَا نَزَلَ مَاءً بِبَدْرٍ, فَشُهْرَ بِذَلِكَ.
وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَيْعَةَ العَقَبَةِ، وَكَانَ شَابّاً مِنْ أَقْرَانِ جَابِرٍ فِي السِّنِّ.
رَوَى أَحَادِيْثَ كَثِيْرَةً, وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِي عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ, نَزَلَ الكُوْفَةَ.
وَاسْمُهُ: عُقْبَةُ بنُ عَمْرِو بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ أُسَيْرَةَ بنِ عُسَيْرَةَ الأَنْصَارِيُّ.
وَقِيْلَ: يُسَيْرَةُ بنُ عُسَيْرَةَ -بِضَمِّهِمَا- بنِ عَطِيَّةَ بنِ خُدَارَةَ بنِ عَوْفٍ بنِ الحَارِثِ بنِ الخَزْرَجِ.
حدَّث عَنْهُ وَلَدُهُ بَشِيْرٌ, وَأَوْسُ بنُ ضَمْعَجٍ, وَعَلْقَمَةُ, وَأَبُو وَائِلٍ, وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ, وَربْعِيُّ بنُ حِرَاشٍ, وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ, وَعَمْرُو بنُ مَيْمُوْنٍ, وَالشَّعْبِيُّ, وَعِدَّةٌ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: شَهِدَ العَقَبَةَ وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْراً.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: جَدُّهُ نُسَيْرَةُ -بِنُوْنٍ- فَخُوْلِفَ.
وَقَالَ مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ: إِنَّمَا نَزَلَ بِمَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ: بَدْرٌ.
وَرَوَى شُعْبَةُ, عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ قَالَ: لَمْ يَكُنْ بَدْرِيّاً, وَقَالَ الحكم: كان بدريًّا.
وَرَوَى شُعَيْبٌ, عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ عمَّن لاَ يُتَّهَم, أنَّه سَمِعَ أَبَا مَسْعُوْدٍ الأَنْصَارِيَّ, وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْراً.
وَقَالَ حَبِيْبٌ, عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: قَالَ عُمَرُ لأَبِي مَسْعُوْدٍ: نُبِّئْتُ أَنَّكَ تُفْتِي النَّاسَ وَلَسْتَ بِأَمِيْرٍ! فَوَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا2. يَدَلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ عُمَرَ أَنْ يَمْنَعَ الإِمَامُ مَنْ أَفْتَى بِلاَ إِذْنٍ.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ: اسْتَعْمَلَ عَلِيٌّ -لَمَّا حَارَبَ مُعَاوِيَةَ- عَلَى الكُوْفَةِ أَبَا مَسْعُوْدٍ.
وَكَذَا نَقَلَ مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: فَكَانَ يَقُوْلُ: مَا أَوَدُّ أَنْ تَظْهَرَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الأُخْرَى, قِيْلَ: فَمَهْ قَالَ: يَكُوْنُ بَيْنَهُم صُلْحٌ.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 16"، التاريخ الكبير "6/ ترجمة 2884"، الجرح والتعديل "6/ ترجمة 1740"، أسد الغابة "4/ 57" و"6/ 286"، الإصابة "2/ ترجمة 5606", تهذيب التهذيب "7/ ترجمة 446"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4903".
2 ضعيف لانقطاعه بين محمد سيرين وعمر بن الخطاب, والمراد: ولّ شرها من تولّى خيرها.(4/105)
فَلَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ أُخْبِرَ بِقِوْلِهِ, فَقَالَ: اعْتَزِلْ عَمَلَنَا, قَالَ: وَمِمَّهْ, قَالَ: إِنَّا وَجَدْنَاكَ لاَ تَعْقِلُ عَقْلَهُ, قَالَ: أَمَّا أَنَا فَقَدْ بَقِيَ مِنْ عَقْلِي أنَّ الآخَرَ شَرٌّ.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ, عَنْ أَيُّوْبَ, عَنْ مُحَمَّدٍ, قَالَ أَبُو مَسْعُوْدٍ: كُنْتُ رَجُلاً عَزِيْزَ النَّفْسِ, حَمِيَّ الأَنْفِ, لاَ يَسْتَقِلُّ مِنِّي أَحَدٌ شَيْئاً سُلْطَانٌ وَلاَ غَيْرَهُ, فَأَصْبَحَ أُمَرَائِي يُخَيِّرُوْنَنِي بَيْنَ أَنْ أُقِيْمَ عَلَى مَا أَرْغَمَ أَنْفِي وَقَبَّحَ وَجْهِي, وَبَيْنَ أَنْ آخُذَ سَيْفِي فَأَضْرِبَ فَأَدْخُلَ النَّارَ.
وَقَالَ بَشِيْرُ بنُ عَمْرٍو: قُلْنَا لأَبِي مَسْعُوْدٍ: أَوْصِنَا, قال: عليكم بِالجَمَاعَة, فَإِنَّ اللهَ لَنْ يَجْمَعَ الأُمَّةَ عَلَى ضَلاَلَةٍ حَتَّى يَسْتَرِيْحَ بَرٌّ, أَوْ يُستراح مِنْ فَاجِرٍ.
قَالَ خَلِيْفَةُ: مَاتَ أَبُو مَسْعُوْدٍ قَبْلَ الأَرْبَعِيْنَ, وَقَالَ ابْنُ قَانِعٍ: سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ, وَقَالَ المَدَائِنِيُّ وَغَيْرُهُ: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ.
وَقِيْلَ: لَهُ وِفَادَةٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ.
وَعَنْ خَيْثَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ عَلِيٌّ اسْتَخْلَفَ أَبَا مَسْعُوْدٍ عَلَى الكُوْفَةِ, وَتَخَبَّأَ رِجَالٌ لَمْ يَخْرُجُوا مَعَ عَلِيٍّ, فَقَالَ أَبُو مَسْعُوْدٍ عَلَى المِنْبَرِ: أَيُّهَا النَّاسُ, مَنْ كَانَ تَخَبَّأَ فَلْيَظْهَرْ, فَلَعَمْرِي لَئِنْ كَانَ إِلَى الكَثْرَةِ إِنَّ أَصْحَابَنَا لَكَثِيْرٌ, وَمَا نَعُدُّهُ قُبْحاً أَنْ يَلْتَقِيَ هَذَانِ الجَبَلاَنِ غَداً مِنَ المُسْلِمِيْنَ, فَيَقْتُلَ هَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ؛ وَهَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ, حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا رِجْرِجَةٌ1 مِنْ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ؛ ظَهَرَتْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ, وَلَكِنْ نَعُدُّ قُبْحاً أَن يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ يَحْقِنُ بِهِ دِمَاءهُم وَيُصْلِحُ بِهِ ذَاتَ بَيْنِهِم.
قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: مَاتَ أَبُو مَسْعُوْدٍ أَيَّامَ قُتِلَ عَلِيٌّ بِالكُوْفَةِ.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: مَاتَ بالمدينة في خلافة معاوية.
__________
1 الرجرجة: بقية الماء في الحوض الكدرة المختلطة بالطين، والمراد هنا: أرذال الناس ورعاعهم.(4/106)
200- أسامة بن زيد 1: "ع"
ابن حارثة بن شراحيل بن عَبْدِ العُزَّى بنِ امْرِئِ القَيْسِ, المَوْلَى الأَمِيْرُ الكبير.
حب رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَوْلاَهُ، وَابْنُ مَوْلاَهُ.
أَبُو زَيْدٍ, وَيُقَالُ: أَبُو مُحَمَّدٍ, وَيُقَالُ: أَبُو حَارِثَةَ, وَقِيْلَ: أَبُو يَزِيْدَ.
اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى جيشٍ لِغَزْوِ الشَّامِ، وَفِي الجَيْشِ عُمَرُ وَالكِبَارُ, فَلَمْ يَسِرْ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَبَادَرَ الصِّدِّيْقُ بِبَعْثِهِمْ, فَأَغَارُوا عَلَى أُبْنَى مِنْ نَاحِيَةِ البَلْقَاءِ, وَقِيْلَ: إِنَّهُ شَهِدَ يَوْمَ مُؤْتَةَ مَعَ وَالِدِهِ, وَقَدْ سَكَنَ الِمزة مُدَّةً, ثُمَّ رَجَعَ إِلَى المَدِيْنَةِ فَمَاتَ بِهَا, وَقِيْلَ: مَاتَ بِوَادِي القُرَى.
حدَّث عَنْهُ: أَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو وَائِلٍ, وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ, وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ, وَأَبُو سَلَمَةَ, وَأَبُو سَعِيْدٍ المَقْبُرِيُّ, وَعَامِرُ بنُ سَعْدٍ, وَأَبُو ظَبْيَانَ, وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ, وَعِدَّةٌ, وَابْنَاهُ: حَسَنٌ وَمُحَمَّدٌ.
ثَبَتَ عَنْ أُسَامَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأخذني والحسن فيقول: "اللهم إني أحبهما فأحبهما" 2.
قُلْتُ: هُوَ كَانَ أَكْبَرَ مِنَ الحَسَنِ بِأَزْيَدَ مِنْ عَشْرِ سِنِيْنَ.
وَكَانَ شَدِيْدَ السَّوَادِ, خَفِيْفَ الرُّوْحِ, شَاطِراً شُجَاعاً, رَبَّاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَحَبَّهُ كَثِيْراً.
وَهُوَ ابْنُ حَاضِنَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِّ أَيْمَنَ, وَكَانَ أَبُوْهُ أَبْيَضَ, وَقَدْ فَرِحَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ بِقَوْلِ مُجَزِّزٍ المُدْلِجِيِّ: إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ3.
أَبُو عَوَانَةَ, عَنْ عُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ, عَنْ أَبِيْهِ, أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ, أنَّ عَلِيّاً قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ, أَيُّ أَهْلِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: "فَاطِمَةُ" قَالَ: إِنَّمَا أَسْأَلُكَ عَنِ الرِّجَالِ? قَالَ: "مَنْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتُ عَلَيْهِ, أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ", قَالَ: ثُمَّ مَنْ, قَالَ: "ثُمَّ أَنْتَ"4.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 61-72"، التاريخ الكبير "2/ ترجمة 1552"، الجرح والتعديل "2/ ترجمة 1020"، أسد الغابة "1/ 79"، الإصابة "1/ ترجمة 89"، تهذيب التهذيب "1/ ترجمة 391".
2 صحيح: أخرجه البخاري "3735" و"2747"، وابن سعد "4/ 62" من طريق مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان يأخذه والحسن ويقول: اللهم إني أحبهما فأحبهما".
3 صحيح: أخرجه البخاري "3731"، ومسلم "1459" من طريق ابن شهاب، عن عرو عن عائشة قالت: دخل علي قائف والنبي -صلى الله عليه وسلم- شاهد وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان فقال: إن هذه الاقدام بعضها من بعض، قال: فسر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- وأعجبه، فأخبر به عائشة".
4 ضعيف: أخرجه الترمذي "3819"، والحاكم "3/ 596"، والطبراني "369" وآفته عمر بن أبي سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، ضعفه شعبة، وابن مَعِيْنٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ في رواية: لا يحتج به.(4/107)
وَرَوَى مُغِيْرَةُ, عَنِ الشَّعْبِيِّ, أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يُبْغِضَ أُسَامَةَ بَعْدَ مَا سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "مَنْ كَانَ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فليحب أسامة"1.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ فِي شَأْنِ المَخْزُوْمِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا: مَنْ يَجْتَرِئُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ يُكَلِّمُهُ فِيْهَا إلَّا أُسَامَةُ حِبُّ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2.
مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ وَغَيْرُهُ, عَنْ سَالِمٍ, عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "أحب النَّاسِ إِلَيَّ أُسَامَةُ, مَا حَاشَا فَاطِمَةَ وَلاَ غَيْرَهَا" 3.
قَالَ زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ, عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: فَرَضَ عُمَرُ لأُسَامَةَ ثَلاَثَةَ آلاَفٍ وَخَمْسِ مائَةٍ, وَفَرَضَ لابْنِهِ عَبْدِ اللهِ ثَلاَثَةَ آلاَفٍ, فَقَالَ: لِمَ فَضَّلته عليَّ, فَوَاللهِ مَا سَبَقَنِي إِلَى مَشْهَدٍ? قَالَ: لأنَّ أَبَاهُ كَانَ أحبَّ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ مِنْ أَبِيْكَ, وَهُوَ أَحَبُّ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْكَ, فَآثَرْتُ حُبَّ رَسُوْلِ اللهِ عَلَى حُبِّي. حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ4.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أمَّر رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسَامَةَ, فَطَعَنُوا في إمارته فقال: "إن يطعنوا في
__________
1 ضعيف لانقطاعه بين عامر بن شراحيل الشعبي وعائشة, قال ابن معين: ما روى الشعبي عن عائشة فهو مرسل.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3475" و"6887" و"6788"، ومسلم "1988" "8"، وأبو داود "4373"، والترمذي "1430"، والنسائي "8/ 73-74"، وابن ماجة "2547"، وابن الجارود "805"، والبيهقي "8/ 253-254"، والبغوي "2603" من طرق عن الليث بن سعد، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، به.
3 صحيح: أخرجه الطبراني في "الكبير" "372", حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي هُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ, عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "أسامة أحبّ الناس إليّ" دون قوله: "ما حاشا فاطمة ولا غيرها"، وأخرجه البخاري "4469"، ومسلم "2426" من طريق عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- به. دون قوله: "ما حاشا فاطمة ولا غيرها".
4 ضعيف: أخرجه الترمذي "3813", حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، عن زيد بن أسلم، به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
قلت: إسناده ضعيف، آفته ابن جريج، فهو مدلس، وقد عنعنه. قال الدارقطني: سر التدليس تدليس ابن جريج، فإنه قبيح التدليس، لا يدلس إلّا فيما سمعه من مجروح.(4/108)
إِمَارَتِهِ, فَقَدْ طَعَنُوا فِي إِمَارَةِ أَبِيْهِ, وَايمُ اللهِ, إِنْ كَانَ لَخَلِيْقاً لِلإِمَارَةِ, وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إليَّ, وَإِنَّ ابْنَهُ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إليَّ بَعْدَهُ" 1.
قُلْتُ: لَمَّا أمَّره النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ذَلِكَ الجَيْشِ كَانَ عُمُرُهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً.
ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ, حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ, عَنْ هِشَامِ بنِ عروة, عَنْ أَبِيْهِ: أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخَرَّ الإِفَاضَةَ مِنْ عَرَفَةَ مِنْ أَجْلِ أُسَامَةَ يَنْتَظِرُهُ, فَجَاءَ غُلاَمٌ أَسْوَدُ أَفْطَسُ. فَقَالَ أَهْلُ اليَمَنِ: إِنَّمَا جَلَسْنَا لِهَذَا, فَلِذَلِكَ ارْتَدُّوا -يَعْنِي: أَيَّامَ الرِّدَّةِ2.
قَالَ وَكِيْعٌ: سَلِمَ مِنَ الفِتْنَةِ مِنَ المعروفين: سعد وابن عمر وأسامة ابن زَيْدٍ وَمُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ.
قُلْتُ: انْتَفَعَ أُسَامَةُ مِنْ يَوْمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إِذْ يَقُوْلُ لَهُ: "كَيْفَ بِلاَ إِلَهَ إلَّا اللهُ يَا أُسَامَةُ" فكفَّ يَدَهُ وَلَزِمَ مَنْزِلَهُ فَأَحْسَنَ3.
عَائِشَةُ قَالَتْ: أَرَادَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَمْسَحَ مُخَاطَ أُسَامَةَ, فَقُلْتُ: دَعْنِي حَتَّى أَكُوْنَ أَنَا الَّتِي أَفْعَلُ, فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ, أَحِبِّيْهِ فَإِنِّي أُحِبُّهُ" 4.
قُلْتُ: كَانَ سِنُّهُ فِي سِنِّهَا.
مُجَالِدٌ, عَنِ الشَّعْبِيِّ, عَنْ عَائِشَةَ: أَمَرَنِي رَسُوْلُ اللهِ أَنْ أَغْسِلَ وَجْهَ أُسَامَةَ وَهُوَ صَبِيٌّ, قَالَتْ: وَمَا وَلِدْتُ وَلاَ أَعْرِفُ كَيْفَ يُغْسَلُ الصِّبْيَانُ, فَآخُذُهُ, فَأَغْسِلُهُ غَسْلاً لَيْسَ بِذَاكَ, قَالَتْ: فَأَخَذَهُ فَجَعَلَ يَغْسِلُ وَجْهَهُ وَيَقُوْلُ: "لَقَدْ أَحْسَنَ بِنَا أُسَامَةُ؛ إِذْ لَمْ يَكُنْ جَارِيَةً, وَلو كُنْتَ جَارِيَةً لَحَلَّيْتُكَ وأعطيتك"5.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4469"، ومسلم "2426" من طريق عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- به.
2 ضعيف: أخرجه ابن سعد "4/ 63" لإرساله.
3 صحيح: أخرجه مسلم "97".
4 حسن: أخرجه الترمذي "3818" حدثنا الحسين بن حريث، حدثنا الفضل بن موسى، عَنْ طَلْحَةَ بنِ يَحْيَى, عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المؤمنين قالت: فذكرته.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
قلت: إسناده حسن، طلحة بنِ يَحْيَى بنِ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ القرشي، التيمي، المدني صدوق.
5 ضعيف: في إسناده مجالد، وهو ابن سعيد، ضعيف.(4/109)
وَفِي "المُسْنَدِ" عَنِ البَهِيِّ, عَنْ عَائِشَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ: "لَوْ كَانَ أُسَامَةُ جَارِيَةً لَكَسَوْتُهُ، وحلَّيته حَتَّى أُنْفِقَهُ"1.
وَمِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عُمَرَ, أنَّه لَمْ يَلْقَ أُسَامَةَ قَطُّ إلَّا قَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الأَمِيْرُ وَرَحْمَةُ اللهِ, تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنْتَ عليَّ أمير.
جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: حدَّثنا ابْنُ إِسْحَاقَ, عَنْ صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ, عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: رَأَيْتُ أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ مُضْطَجِعاً عِنْدَ بَابِ حُجْرَةِ عَائِشَةَ, رَافِعاً عَقِيْرَتُهُ يتغنَّى, وَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فمَرَّ بِهِ مَرْوَانُ, فَقَالَ: أَتُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ, وَقَالَ لَهُ قَوْلاً قَبِيْحاً, فَقَالَ: يَا مَرْوَانُ, إِنَّكَ فَاحِشٌ متفحِّش, وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ الفَاحِشَ المُتَفَحِّشَ" 2.
وَقَالَ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ حِيْنَ بَلَغَهُ أنَّ الرَّايَةَ صَارَتْ إِلَى خَالِدٍ قَالَ: "فَهَلاَّ إِلَى رَجُلٍ قُتِلَ أَبُوْهُ" ? يَعْنِي: أُسَامَةَ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ, عَنْ عُتْبَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ, عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي جَهْمٍ, قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَقَدْ طلَّقها زَوْجُهَا ... الحَدِيْثَ. فَلَمَّا حَلَّتْ, قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ ذَكَرَكِ أَحَدٌ"؟ قَالَتْ: نَعَمْ, مُعَاوِيَةُ وَأَبُو الجَهْمِ, فَقَالَ: "أمَّا أَبُو الجَهْمِ فَشَدِيْدُ الخُلُقِ, وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوْكٌ لاَ مَالَ لَهُ, وَلَكِنْ أُنْكِحُكِ أُسَامَةَ". فَقُلْتُ: أُسَامَةُ تَهَاوُناً بِأَمْرِ أُسَامَةَ, ثُمَّ قُلْتُ: سَمْعاً وَطَاعَةً للهِ ولرسوله, فزوجينه فَكَرَّمَنِي اللهُ بِأَبِي زَيْدٍ, وشرَّفني اللهُ وَرَفَعَنِي به3.
__________
1 ضعيف: أخرجه أحمد "6/ 139 و222"، وابن ماجه "1976"، وابن سعد "4/ 61-62" من طريق شريك القاضي، عن العباس بن ذريح، عن البهي، عن عائشة، به.
قلت: إسناده ضعيف, شريك هو ابن عبد الله النخعي القاضي، سيئ الحفظ, والبهي هو عبد الله بن يسار، لم يسمع من عائشة -كما قال أحمد بن حنبل.
2 حسن: أخرجه الطبراني في "الكبير" "405" من طريق وهب بن جرير قال: حدثنا أبي، قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث، عن صالح بن يسان، عن عبيد الله بن عبد الله، به.
قلت: إسناده حسن، محمد بن إسحاق صدوق، وقد صرَّح بالتحديث، فأَمِنَّا شر تدليسه.
وأخرجه الطبراني في "الكبير" "399" و"404"، وفي "الأوسط" "330"، والخطيب في "تاريخ بغداد" "13/ 188" من طريق عثمان بن حكيم، عن محمد بن أفلح مولى أبي أيوب، عن أسامة.
3 صحيح: أخرجه مسلم "1480" "49" من طريق أبي عاصم، حدَّثنا سفيان الثوري, حدثني أبو بكر بن أبي الجهم, قال: فذكره.(4/110)
وَرَوَى مَعْنَاهُ مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ يزيد, عن أبي سلمة عنها1.
قَالَ عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ, لأَنْ تَخْطَفَنِي الطَّيْرُ أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أَبْدَأَ بِشَيْءٍ قَبْلَ أَمْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَبَعَثَ أُسَامَةَ وَاسْتَأْذَنَهُ فِي عُمَرَ أَنْ يَتْرُكَهُ عِنْدَهُ.
قَالَ: فلمَّا بَلَغُوا الشَّامَ أَصَابَتْهُمْ ضَبَابَةٌ شَدِيْدَةٌ, فَسَتَرَتْهُمْ حَتَّى أَغَارُوا وَأَصَابُوا حَاجَتَهُمْ, فَقَدِمَ عَلَى هِرَقْلَ مَوْتُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَإغَارَةُ أُسَامَةَ عَلَى أَرْضِهِ فِي آنٍ وَاحِدٍ, فَقَالَتِ الرُّوْمُ: مَا بَالُ هَؤُلاَءِ يَمُوْتُ صَاحِبُهُمْ وَأَنْ أَغَارُوا عَلَى أَرْضِنَا!
ابْنُ إِسْحَاقَ, عَنْ سَعِيْدِ بنِ عُبَيْدِ بنِ السَّبَّاقِ, عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أُسَامَةَ, عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, هَبَطْتُ وَهَبَطَ النَّاسُ المَدِيْنَةَ, فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ, وَقَدْ أَصْمَتَ فَلاَ يَتَكَلَّمُ, فَجَعَلَ يَضَعُ يَدَيْهِ عليَّ ثُمَّ يَرْفَعُهُمَا, فَأَعْرِفُ أَنَّهُ يَدْعُو لِي2.
أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: حدَّثنا حَجَّاجٌ, أَخْبَرَنَا شَرِيْكٌ, عَنِ العَبَّاسِ بنِ ذَرِيْحٍ, عَنِ البَهِيِّ, عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أُسَامَةَ عَثَرَ بِأُسْكُفَةِ البَابِ فشجَّ فِي جَبْهَتِهِ, فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمُصُّهُ ثُمَّ يَمُجُّهُ, وَقَالَ: "لَوْ كَانَ أُسَامَةُ جَارِيَةً لَكَسَوْتُهُ وحلَّيته حتى أنفقه"3.
شَرِيْكٌ, عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ, عَنْ جَبَلَةَ قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- إِذَا لَمْ يَغْزُ أَعْطَى سِلاَحَهُ عَلِيّاً أَوْ أُسَامَةَ4.
الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ, حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ, عَنْ يَزِيْدَ بنِ عِيَاضٍ, قَالَ: أَهْدَى حَكِيْمُ بنُ حِزَامٍ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الهُدْنَةِ حُلَّةَ ذِي يَزَنٍ, اشْتَرَاهَا بِثَلاَثِ مائَةِ دِيْنَارٍ, فردَّها وَقَالَ: "لاَ أَقْبَلُ هَدِيَّةَ مُشْرِكٍ", فَبَاعَهَا حَكِيْمٌ, فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنِ اشْتَرَاهَا لَهُ, فَلَبِسَهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَلَمَّا رآه حكيم فيها، قال:
__________
1 صحيح: أخرجه مالك "2/ 580-581"، ومسلم "1480"، وأبو داود "2284" عن عبد الله بن يزيد، به.
2 حسن: أخرجه أحمد "5/ 201"، والترمذي "3817"، والطبراني "377" من طريق محمد بن إسحاق، به.
قلت: إسناده حسن، محمد بن إسحاق صدوق، وقد صرَّح بالتحديث عند أحمد، فأَمِنَّا شر تدليسه.
3 ضعيف: تقدَّم تخريجنا له بتعليق رقم "242", وهو عند أحمد "6/ 139 و222"، وابن ماجه "1976"، وابن سعد "4/ 61-62".
4 ضعيف: شريك هو ابن عبد الله النخعي القاضي، سيئ الحفظ.(4/111)
وَمِنْ بَقَايَا صِغَارِ الصَّحَابَةِ:
262- عَبْدُ اللهِ بنُ يزيد 1: "ع"
ابن زيد بن حصين الأَمِيْرُ العَالِمُ الأَكْمَلُ، أَبُو مُوْسَى الأَنْصَارِيُّ الأَوْسِيُّ، الخَطْمِيُّ المَدَنِيُّ، ثُمَّ الكُوْفِيُّ.
أَحَدُ مَنْ بَايَعَ بَيْعَةَ الرُّضْوَانِ، وَكَانَ عُمُرُهُ يَوْمَئِذٍ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
لَهُ أَحَادِيْثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَحُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ.
حدَّث عَنْهُ: سِبْطُهُ عَدِيُّ بنُ ثَابِتٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمُحَارِبُ بنُ دِثَارٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
مِسْعَرٌ, عَنْ ثَابِتِ بنِ عُبَيْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ خاتمًا من ذهب، وطليسانًا مُدَبَّجاً.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا جَحَّافُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَاصِمُ بنُ عُمَرَ، عَنْ مَحْمُوْدِ بنِ لَبِيْدٍ, أَنَّ الفِيْلَ لَمَّا بَرَكَ عَلَى أَبِي عبيد الثقفي يوم الجسر فَقَتَلَهُ, هَرَبَ النَّاسُ، فَسَبَقَهُمْ عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ الخَطْمِيُّ، فَقَطَعَ الجِسْرَ، وَقَالَ: قَاتِلُوا عَنْ أَمِيْرِكُم، ثُمَّ سَاقَ مُسْرِعاً، فَأَخْبَرَ عُمَرَ الخَبَرَ.
وقد كان والده مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ تُوُفُّوا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ شَهِدَ عَبْدُ اللهِ مَعَ الإِمَامِ عَلِيٍّ صِفِّيْنَ وَالنَّهْرَوَانَ، وَوَلِيَ إِمْرَةَ الكُوْفَةِ لابْنِ الزُّبَيْرِ، فَجَعَلَ الشَّعْبِيَّ كَاتِبَ سِرِّهِ، فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ، ثُمَّ عُزِلَ بِعَبْدِ اللهِ بنِ مُطِيْعٍ.
مَاتَ قَبْلَ السَّبْعِيْنَ، وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِيْنَ سَنَةً -رَضِيَ اللهُ عنه.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 18"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 916" أسد الغابة "3/ 274"، الإصابة "2/ ترجمة 5033"، تهذيب التهذيب "6/ ترجمة 155".(4/299)
263- الربيع بنت معوذ 1: "ع"
ابن عفراء الأنصارية, مِنْ بَنِي النَّجَّارِ, لَهَا صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ، وَقَدْ زَارَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَبِيْحَةَ عُرْسِهَا صِلَةً لِرَحِمِهَا, عمَّرت دَهْراً، وَرَوَتْ أَحَادِيْثَ.
حدَّث عَنْهَا: أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، وَعُبَادَةُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ عُبَادَةَ، وَعَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، وَخَالِدُ بنُ ذَكْوَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَأَبُوْهَا مِنْ كِبَارِ البَدْرِيِّيْنَ, قَتَل أَبَا جَهْلٍ.
تُوُفِّيَتْ فِي خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ، سَنَةَ بِضْعٍ وسبعين -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَحَدِيْثُهَا فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ.
الوَاقِدِيُّ, حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ، وَآخَرُ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ قَالَتْ: أَخَذْتُ طِيْباً مِنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ مُخَرِّبَةَ أُمِّ أَبِي جَهْلٍ، فَقَالَتْ: اكْتُبِي لِي عَلَيْكِ، فَقَلْتُ: نَعَمْ, أَكْتُبُ عَلَى رُبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، فَقَالَتْ: حَلْقَى، وَإِنَّكِ لابْنَةُ قَاتِلِ سَيِّدِهِ, قُلْتُ: بَلِ ابْنَةُ قَاتِلِ عَبْدِهِ, قَالَتْ: وَاللهِ لاَ أَبِيْعُكِ شَيْئاً أَبَداً2.
وَالرُّبَيِّعُ: هِيَ وَالِدَةُ مُحَمَّدِ بنِ إِيَاسِ بنِ البُكَيْرِ.
قَالَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ خَالِدِ بنِ ذَكْوَانَ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، فَقَالَتْ: دَخَلَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي يَوْمِ عُرْسِي، فَقَعَدَ عَلَى مَوْضِعِ فِرَاشِي هَذَا، وَعِنْدَنَا جَارِيَتَانِ تَضْرِبَانِ بِدُفٍّ، وَتَنْدُبَانِ آبَائِي الَّذِيْنَ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَالَتَا فِيْمَا تَقُوْلاَنِ:
وَفِيْنَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدِ
فقال: "أما هذا فلا تقولاه" 3.
ابْنُ سَعْدٍ, حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ عَمِّي كَلاَمٌ -وَهُوَ زَوْجُهَا، فَقُلْتُ لَهُ: لَكَ كُلُّ شَيْءٍ لِي، وَفَارِقْنِي قَالَ: قَدْ فَعَلتُ, قَالَتْ: فَأَخَذَ -وَاللهِ- كُلَّ شَيْءٍ لِي حَتَّى فِرَاشِي، فَجِئْتُ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، وَقَدْ حُصِرَ، فَقَالَ: الشَّرْطُ أَمْلَكُ, خُذْ كُلَّ شَيْءٍ لَهَا حَتَّى عِقَاصَ رَأْسِهَا إِنْ شِئْتَ.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 447"، أسد الغابة "5/ 451"، تهذيب التهذيب "12/ ترجمة 2790"، الإصابة "4/ ترجمة 415".
2 ضعيف جدًّا: فيه الواقدي، وهو متروك كما قد ذكرنا مرارًا.
3 صحيح: أخرجه البخاري "5147".(4/300)
264- زينب بنت أبي سلمة 1: "ع"
ابن عبد الأسد بن هلال المخزومية, رَبِيْبَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُخْتُ عُمَرَ، وَلَدَتْهُمَا أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ بِالحَبَشَةِ.
رَوَتْ أَحَادِيْثَ، وَلَهَا عَنْ عَائِشَةَ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَأُمِّ حَبِيْبَةَ، وَجَمَاعَةٍ.
حدَّث عَنْهَا: عُرْوَةُ، وَعَلِيُّ بنُ الحسين، والقاسم بن محمد، وأبو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ، وَكُلَيْبُ بنُ وَائِلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَطَاءٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَعِرَاكُ بنُ مَالِكٍ، وَابْنُهَا أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ زَمْعَةَ، وَآخَرُوْنَ.
ابْنُ لَهِيْعَةَ, عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ, حَدَّثَتْنِي زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ, أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ، فَجَعَلَ الحَسَنَ مِنْ شقٍّ، وَالحُسَيْنَ مِنْ شقٍّ، وَفَاطِمَةَ فِي حَجْرِهِ، فَقَالَ: "رَحْمَةُ اللهِ، وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُم أَهْلَ البَيْتِ"2.
تُوُفِّيَتْ قَرِيْباً من سنة أربع وسبعين.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 461"، أسد الغابة "5/ 468"، الإصابة "4/ ترجمة رقم 484"، تهذيب التهذيب "12/ ترجمة 2802".
2 ضعيف: آفته ابن لهيعة، وهو سيئ الحفظ, لكن قد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم "2424" عن عائشة قالت: خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- غداة, وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها, ثم جاء علي فأدخله ثُمَّ قَالَ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] .(4/301)
265- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبْزَى الخُزَاعِيُّ 1: "ع":
لَهُ صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةٌ، وَفِقْهٌ, وَعِلْمٌ.
وَهُوَ مَوْلَى نَافِعِ بنِ عَبْدِ الحَارِثِ، كَانَ نَافِعٌ مَوْلاَهُ, اسْتَنَابَهُ عَلَى مَكَّةَ حِيْنَ تَلَقَّى عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ إِلَى عُسْفَانَ، فَقَالَ لَهُ: مَنِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَى أَهْلِ الوَادِي? يَعْنِي: مَكَّةَ- قَالَ: ابْنَ أَبْزَى. قَالَ: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى? قَالَ: إِنَّهُ عَالِمٌ بِالفَرَائِضِ, قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ, قَالَ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ هذا القُرْآنَ يَرْفَعُ اللهُ بِهِ أَقْوَاماً، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِيْنَ" 2.
وحدَّث عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَيْضاً، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وأُبَيّ بنِ كَعْبٍ، وَعَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ عَبْدُ اللهِ وَسَعِيْدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
سَكَنَ الكُوْفَةَ، وَنَقَلَ ابْنُ الأَثِيْرِ فِي "تَارِيْخِهِ" أَنَّ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, اسْتَعْمَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبْزَى عَلَى خُرَاسَانَ.
وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: ابْنُ أَبْزَى مِمَّنْ رَفَعَهُ اللهُ بِالقُرْآنِ.
قُلْتُ: عَاشَ إِلَى سَنَةِ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ -فِيْمَا يَظْهَرُ لِي.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 462"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة رقم 800", الجرح والتعديل "5/ ترجمة 985", أسد الغابة "3/ 278"، تهذيب التهذيب "6/ ترجمة 275"، الإصابة "2/ ترجمة 5075".
2 صحيح: أخرجه مسلم "817".(4/302)
266- أبو جحيفة السُّوائي الكوفي 1: "ع"
صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْمُهُ: وَهْبُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَيُقَالُ لَهُ: وهب الخَيْرِ, مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ وَهْبٌ مُرَاهِقاً, هُوَ مِنْ أَسْنَانِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَكَانَ صَاحِبَ شُرطَةِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
حدَّث عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ عَلِيٍّ، وَالبَرَاءِ.
رَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بنُ الأَقْمَرِ، وَالحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ, وَسَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ، وَوَلَدُهُ عَوْنُ بنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَقِيْلَ: إِنَّ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ إِذَا خَطَبَ يَقُوْمُ أَبُو جُحَيْفَةَ تَحْتَ منبره.
اختلفوا قي مَوْتهِ، وَالأَصَحُّ مَوْتُهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَيُقَالُ: عَاشَ إِلَى مَا بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ, فَاللهُ أَعْلَمُ.
حَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ، وَآخِرُ مَنْ حدَّث عنه ابن أبي خالد.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 63"، الجرح والتعديل "9/ ترجمة 99"، تاريخ بغداد "1/ 199"، أسد الغاة "5/ 95 و157"، الإصابة "3/ ترجمة 9166".(4/302)
267- عبد الله بن عمر 1: "ع"
ابن الخطاب بن نفيل بن عَبْدِ العُزَّى بنِ رِيَاحِ بنِ قُرْطِ بنِ رزاح بن عَدِيِّ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ, الإِمَامُ القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ، العَدَوِيُّ المَكِّيُّ، ثُمَّ المَدَنِيُّ.
أَسْلَمَ وَهُوَ صَغِيْرٌ، ثُمَّ هَاجَرَ مَعَ أَبِيْهِ لَمْ يَحْتَلِمْ، وَاسْتُصْغِرَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَوَّلُ غَزَوَاتِهِ الخَنْدَقُ، وَهُوَ ممن بايع تحت الشجرة، وأمه و [أم] أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ حَفْصَةَ: زَيْنَبُ بِنْتُ مَظْعُوْنٍ؛ أُخْتُ عُثْمَانَ بنِ مَظْعُوْنٍ الجُمَحِيِّ.
رَوَى عِلْماً كَثِيْراً نَافِعاً عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ أَبِيْهِ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَبِلاَلٍ، وَصُهَيْبٍ، وَعَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ، وَزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَزَيْدٍ عَمِّهِ، وَسَعْدٍ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعُثْمَانَ بنِ طلحة، وأسلم, وحفصة أخته، وعائشة، وغيرهم.
ورى عَنْهُ: آدَمُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَسْلَمُ مَوْلَى أَبِيْهِ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي ذُؤَيْبٍ، وَأُمَيَّةُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأُمَوِيُّ، وَأَنَسُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَبُسْرُ بنُ سَعِيْدٍ، وَبِشْرُ بنُ حَرْبٍ، وَبِشْرُ بنُ عَائِذٍ، وَبِشْرُ بنُ المُحْتَفِزِ، وَبَكْرٌ المُزَنِيُّ، وَبِلاَلُ بنُ عَبْدِ اللهِ ابْنُهُ، وَتَمِيْمُ بنُ عِيَاضٍ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَثَابِتُ بنُ عُبَيْدٍ، وَثَابِتُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَثُوَيْرُ بنُ أَبِي فَاخِتَةَ، وَجَبَلَةُ بنُ سُحَيْمٍ، وَجُبَيْرُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَجُمَيْعُ بنُ عُمَيْرٍ، وَجُنَيْدٌ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَالحُرُّ بنُ الصَّيَّاحِ، وَحَرْمَلَةُ مَوْلَى أُسَامَةَ، وَحَرِيْزٌ أَوْ أَبُو حَرِيْزٍ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَالحَسَنُ بن سُهَيْلٍ، وَحُسَيْنُ بنُ الحَارِثِ الجَدَلِيُّ، وَابْنُ أَخِيْهِ حَفْصُ بنُ عَاصِمٍ، وَالحَكَمُ بنُ مِيْنَاءَ، وَحَكِيْمُ بنُ أَبِي حُرَّةَ، وَحُمْرَانُ مَوْلَى العَبَلاَتِ، وَابْنُهُ حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَحُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، وَحُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمْيَرِيُّ، وَخَالِدُ بنُ أَسْلَمَ، وَأَخُوْهُ زَيْدٌ، وَخَالِدُ بنُ دُرَيْكٍ -وَهَذَا لَمْ يَلْقَهُ، وَخَالِدُ بنُ أَبِي عِمْرَانَ الإِفْرِيْقِيُّ -وَلَمْ يَلْحَقْهُ، وَخَالِدُ بنُ كَيْسَانَ، وَدَاوُدُ بنُ سُلَيْكٍ، وَذَكْوَانُ السَّمَّانُ، وَرَزِيْنُ بنُ سُلَيْمَانَ الأَحْمَرِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ زَاذَانُ، وَالزُّبَيْرُ بنُ عَرَبِيٍّ، وَالزُّبَيْرُ بنُ الوَلِيْدِ شَامِيٌّ، وَأَبُو عَقِيْلٍ زُهْرَةُ بنُ مَعْبَدٍ، وَزِيَادُ بنُ جُبَيْرٍ الثَّقَفِيُّ، وَزِيَادُ بنُ صَبِيْحٍ الحَنَفِيُّ، وَأَبُو الخَصِيْبِ زِيَادٌ القرشي، وزيد بن جبير
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "2/ 373" و"4/ 142-188"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 4", الجرح والتعديل "5/ ترجمة 429"، تاريخ بغداد "1/ 171"، أسد الغابة "3/ 227"، الكاشف "2/ ترجمة 2901"، تذكرة الحفاظ "1/ 37"، تهذيب التهذيب "5/ ترجمة 565"، الإصابة "2/ ترجمة رقم 4834"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3678".(4/303)
الطَّائِيُّ، وَابْنُهُ زَيْدٌ، وَابْنُهُ سَالِمٌ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ، وَالسَّائِبُ وَالِدُ عَطَاءٍ، وَسَعْدُ بنُ عُبَيْدَةَ، وَسَعْدٌ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، وَسَعْدٌ مَوْلَى طَلْحَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَسَعِيْدُ بنُ الحَارِثِ الأَنْصَارِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ حَسَّانٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو الأَشْدَقُ، وَسَعِيْدُ بنُ مَرْجَانَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَسَعِيْدُ بنُ وَهْبٍ الهَمْدَانِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ يَسَارٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ أَبِي يَحْيَى، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، وَشَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ، وَصَدَقَةُ بن يسار، وصفوان بن محرز، وطاوس، وَالطُّفَيْلُ بنُ أُبَيٍّ، وَطَيْسَلَةُ بنُ عَلِيٍّ، وَطَيْسَلَةُ بنُ مَيَّاسٍ، وَعَامِرُ بنُ سَعْدٍ، وَعَبَّاسُ بنُ جُلَيْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بَدْرٍ اليَمَامِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ، وَأَبُو الوَلِيْدِ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ دِيْنَارٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي سَلَمَةَ المَاجَشُوْنُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَقِيْقٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَبْرٍ، وَابْنُهُ عَبْدُ اللهِ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُصْمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي قَيْسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ كَيْسَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَالِكٍ الهَمْدَانِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُرَّةَ الهمداني عبد اللهِ بنُ مَوْهِبٍ الفَلَسْطِيْنِيُّ، وَحَفِيْدُهُ عَبْدُ اللهِ بنُ وَاقِدٍ العُمَرِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ التَّيْلَمَانِيِّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَعْدٍ مَوْلاَهُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سُمَيْرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي نُعْم، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ هُنَيْدَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ الصَّنْعَانِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ قَيْسٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ نَافِعٍ، وَعَبَدَةُ بنُ أَبِي لُبَابَةَ، وَابْنُهُ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مِقْسَمٍ، وَعُبَيْدُ بنُ جُرَيْجٍ، وَعُبَيْدُ بنُ حُنَيْنٍ، وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ، وَعُثْمَانُ بنُ الحَارِثِ، وَعُثْمَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَوْهَبٍ، وَعِرَاكُ بنُ مَالِكٍ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَطِيَّةُ العَوْفِيُّ، وَعُقْبَةُ بنُ حُرَيْثٍ، وَعِكْرِمَةُ بنُ خَالِدٍ، وَعِكْرِمَةُ العَبَّاسِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ البَارِقِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَعَاوِيُّ، وَابْنُهُ عُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ إِنْ صحَّ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَعِمْرَانُ بنُ الحَارِثِ، وَعِمْرَانُ بن حطان، وعمران الأنصاري، وعمير بن هانىء، وَعَنْبَسَةُ بنُ عَمَّارٍ، وَعَوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَالعَلاَءُ بنُ عَرَارٍ، وَالعَلاَءُ بنُ اللجاج، وَعِلاَجُ بنُ عَمْرٍو، وَغُطَيْفٌ أَوْ أَبُو غُطَيْفٍ الهُذَلِيُّ، وَالقَاسِمُ بنُ رَبِيْعَةَ، وَالقَاسِمُ بنُ عَوْفٍ، وَالقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَقُدَامَةُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَقَزَعَةُ بنُ يَحْيَى، وَقَيْسُ بنُ عُبَادٍ، وَكَثِيْرُ بنُ جُمْهَانَ، وَكَثِيْرُ بنُ مُرَّةَ، وَكُلَيْبُ بنُ وَائِلٍ، وَمُجَاهِدُ بنُ جَبْرٍ، وَمُجَاهِدُ بنُ رِيَاحٍ، وَمُحَارِبُ بنُ دِثَارٍ، وَحَفِيْدُهُ مُحَمَّدُ بنُ زَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبَّادِ بنِ جَعْفَرٍ، وأبو جَعْفَرٍ البَاقِرِ، وَابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْتَشِرِ، وَمَرْوَانُ بنُ سَالِمٍ المُقَفَّعُ، وَمَرْوَانُ الأَصْفَرُ، وَمَسْرُوْقٌ، وَمُسْلِمُ بنُ جُنْدُبٍ، وَمُسْلِمُ بنُ المُثَنَّى، وَمُسْلِمُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَمُسْلِمُ بنُ يَنَّاقَ، وَمُصْعَبُ بنُ سَعْدٍ، وَالمُطَّلِبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَنْطَبٍ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ، وَمَغْرَاءُ العَبْدِيُّ، وَمُغِيْثُ بنُ سُمَيّ،(4/304)
وَمُغِيْثٌ الحِجَازِيُّ، وَالمُغِيْرَةُ بنُ سَلْمَانَ، وَمَكْحُوْلٌ الأَزْدِيُّ، وَمُنْقِذُ بنُ قَيْسٍ، وَمُهَاجَرٌ الشَّامِيُّ، وَمُوَرِّقٌ العِجْلِيُّ، وَمُوْسَى بنُ دِهْقَانَ، وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَمَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ، وَنَابِلٌ صَاحِبُ العَبَاءِ، وَنَافِعٌ مَوْلاَهُ، وَنُسَيْرُ بنُ ذُعْلُوْقٍ، وَنُعَيْمٌ المُجْمِرُ، وَنُمَيْلَةُ أَبُو عِيْسَى، وَوَاسِعُ بنُ حَبَّانَ، وَوَبَرَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالوَلِيْدُ الجُرَشِيُّ، وَأَبُو مِجْلَزٍ لاَحِقٌ، وَيُحَنَّسُ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ، وَيَحْيَى بنُ رَاشِدٍ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَاطِبٍ، وَيَحْيَى بنُ وَثَّابٍ، وَيَحْيَى بنُ يَعْمَرَ، وَيَحْيَى البَكَّاءُ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي سُمَيَّةَ، وَأَبُو البَزَرَى يَزِيْدُ بنُ عُطَارِدٍ، وَيَسَارٌ مَوْلاَهُ، وَيُوْسُفُ بنُ مَاهَكَ، وَيُوْنُسُ بنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو أُمَامَةَ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو البَخْتَرِيِّ الطَّائِيُّ، وَأَبُو بُرْدَةَ بنُ أَبِي مُوْسَى، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ حَفْصٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَحَفِيْدُهُ أَبُو بَكْرٍ بنُ عبد الله، وأبو تيمية الهُجَيْمِيُّ، وَأَبُو حَازِمٍ الأَعْرَجُ -وَلَمْ يَلْحَقْهُ، وَأَبُو حَيَّةَ الكَلْبِيُّ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ رَافِعٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو سَهْلٍ، وَأَبُو السَّوْدَاءِ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ المُحَارِبِيُّ، وَأَبُو شَيْخٍ الهُنَائِيُّ، وَأَبُو الصِّدِّيْقِ النَّاجِي، وَأَبُو طُعْمَةَ، وَأَبُو العَبَّاسِ الشَّاعِرُ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَأَبُو العَجْلاَنِ المُحَارِبِيُّ، وَأَبُو عُقْبَةَ، وَأَبُو غَالِبٍ، وَأَبُو الفَضْلِ، وَأَبُو المُخَارِقِ إِنْ كَانَ مَحْفُوْظاً، وَأَبُو المُنِيْبِ الجُرَشِيُّ، وَأَبُو نَجِيْحٍ المَكِّيُّ، وَأَبُو نَوْفَلٍ بن أَبِي عَقْرَبٍ، وَأَبُو الوَلِيْدِ البَصْرِيُّ، وَأَبُو يَعْفُوْرٍ العَبْدِيُّ، وَرُقَيَّةُ بِنْتُ عَمْرِو بنِ سَعِيْدٍ.
قَدِمَ الشَّامَ وَالعِرَاقَ وَالبَصْرَةَ وَفَارِسَ غَازِياً.
رَوَى حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، عَنْ نَافِعٍ, أَنَّ ابْنَ عُمَرَ بَارَزَ رَجُلاً فِي قِتَالِ أَهْلِ العِرَاقِ، فَقَتَلَهُ وَأَخَذَ سَلَبَهُ1.
وَرَوَى عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ, أنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يصفِّر لِحْيَتَهُ2.
سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ, عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ, أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يصفِّر حَتَّى يَمْلأَ ثِيَابَهُ مِنْهَا، فَقِيْلَ لَهُ: تَصْبِغُ بِالصُّفْرَةِ? فَقَالَ: إِنِّيْ رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْبِغُ بِهَا3.
شَرِيْكٌ, عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ: رَأَى ابْنَ عُمَرَ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالخَلُوْقِ وَالزَّعْفَرَانِ.
ابْنُ عَجْلاَنَ, عَنْ نَافِعٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْفِي لِحْيَتَهُ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ.
وَقَالَ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: رَأَيْتُ شَعْرَ ابْنِ عُمَرَ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ، وَأُتِيَ بِي إليه، فقبَّلني.
__________
1 ضعيف: آفته حجاج بن أرطاة، مدلّس وقد عنعنه, وهو عند ابن سعد "4/ 170".
2 صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 179".
3 صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 179".(4/305)
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ البَرْقِيِّ: كَانَ رَبْعَةً, يَخضِبُ بِالصُّفْرَةِ، تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ.
وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: شَهِدَ ابْنُ عُمَرَ فَتْحَ مِصْرَ وَاخْتَطَّ بِهَا، وَرَوَى عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِيْنَ نَفْساً مِنْ أَهْلِهَا.
اللَّيْثُ, عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ بنِ جَزْءٍ قَالَ: تُوُفِّيَ صَاحِبٌ لِي غَرِيْباً، فَكُنَّا عَلَى قَبْرِهِ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، وَكَانَتْ أَسَامِيْنَا ثَلاَثَتُنَا العَاصَ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "انْزِلُوا قَبْرَهُ، وَأَنْتُمْ عُبَيْدُ اللهِ"، فَقَبَرْنَا أَخَانَا وَصَعِدْنَا، وَقَدْ أُبْدِلَتْ أَسْمَاؤُنَا.
هَكَذَا رَوَاهُ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، عَنْهُ.
وَمَعَ صِحَّةِ إِسْنَادِهِ هُوَ مُنْكَرٌ مِنَ القَوْلِ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ اسمَ ابْنِ عُمَرَ مَا غُيِّرَ إِلَى مَا بَعْدَ سَنَةِ سَبْعٍ مِنَ الهِجْرَةِ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: إِنَّ حَفْصَةَ وَابْنَ عُمَرَ أَسْلَمَا قَبْلَ عُمَرَ، وَلَمَّا أَسْلَمَ أَبُوْهُمَا كَانَ عَبْدُ اللهِ ابْنَ نَحْوٍ مِنْ سَبْعِ سِنِيْنَ. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ آدَمَ جَسِيْماً, إِزَارُهُ إِلَى نِصْفِ السَّاقَيْنِ، يَطُوْفُ.
وَقَالَ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ لَهُ جُمَّةٌ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ جُدْعَانَ: عَنْ أَنَسٍ، وَابْنِ المُسَيِّبِ: شَهِدَ ابْنُ عُمَرَ بَدْراً1.
فَهَذَا خَطَأٌ وَغَلَطٌ, ثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ: عُرِضت عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَنَا ابْنُ أربع عشرة سنة، فلم يجزني2.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ, عَنِ البَرَاءِ قَالَ: عُرِضْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَاسْتَصْغَرَنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ3.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: شَهِدَ ابْنُ عُمَرَ الفَتْحَ، وَلَهُ عِشْرُوْنَ سَنَةً.
__________
1 ضعيف: آفته علي بن زيد بن جدعان، ضعيف.
2 صحيح: أخرجه البخاري "4097"، ومسلم "1868"، وأبو داود "4406".
2 صحيح: أخرجه البخاري "3955".(4/306)
وَرَوَى سَالِمٌ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْتُ غُلاَماً عَزَباً شَابّاً، فَكُنْتُ أَنَامُ فِي المَسْجَدِ، فَرَأَيْتُ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَتَيَانِي، فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْرِ، وَلَهَا قُرُوْنٌ كَقُرُوْنِ البِئْرِ، فَرَأَيْتُ فِيْهَا نَاساً قَدْ عَرَفْتُهُم، فَجَعَلتُ أَقُوْلُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، فَلَقِيَنَا مَلَكٌ فَقَالَ: لَنْ تُرَاعَ، فَذَكَرْتُهَا لِحَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ". قَالَ: فَكَانَ بَعْدُ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إلَّا القَلِيْلَ1.
وَرَوَى نَحْوَهُ نَافِعٌ، وَفِيْهِ: "إِنَّ عَبْدَ اللهِ رَجُلٌ صَالِحٌ".
سَعِيْدُ بنُ بَشِيْرٍ, عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ شَاهِدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي حَائِطِ نَخْلٍ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ائْذَنُوا لَهُ، وبشِّروه بِالجَنَّةِ"، ثُمَّ عُمَرُ كَذَلِكَ، ثُمَّ عُثْمَانُ، فَقَالَ: "بَشِّرُوْهُ بِالجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيْبُهُ"، فَدَخَلَ يَبْكِي وَيَضْحَكُ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: فَأَنَا يَا نَبِيَّ الله? قال: "أنت مع أبيك"2.
تفرَّد بِهِ مُحَمَّدُ بنُ بَكَّارِ بنِ بِلاَلٍ، عَنْهُ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ: قَالَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ: إِنَّ مِنْ أَمْلَكِ شَبَابِ قُرَيْشٍ لِنَفْسهِ عَنِ الدُّنْيَا عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ.
ابْنُ عَوْنٍ, عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَنَحْنُ مُتَوَافِرُوْنَ، وَمَا فِيْنَا شَابٌّ هُوَ أَمْلَكُ لِنَفْسِهِ مِنِ ابْنِ عُمَرَ.
أَبُو سَعْدٍ البَقَّالُ, عَنْ أَبِي حَصِيْنٍ، عَنْ شَقِيْقٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: مَا منَّا أَحَدٌ يُفَتَّشُ إلَّا يُفَتَّشُ عَنْ جَائِفَةٍ أَوْ مُنَقِّلَةٍ إلَّا عُمَرُ وَابْنُهُ.
وَرَوَى سَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ: مَا مِنَّا أَحَدٌ أَدْرَكَ الدُّنْيَا إلَّا وَقَدْ مَالَتْ بِهِ إلَّا ابْنُ عُمَرَ.
وَعَنْ عَائِشَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَلْزَمَ لِلأَمْرِ الأَوَّلِ مِنِ ابْنِ عُمَرَ.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ بنُ العلاء المازني، عن ابن أبي عتيق قال: قالت عائشة لابن عمر: ما
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "1121"، ومسلم "2478"، والترمذي "3825".
2 ضعيف: آفته سعيد بن بشير، ضعيف. لكن قد صحَّ الحديث فأخرجه مسلم "2403"، والترمذي "3711" من حديث أبي موسى الأشعري، به.(4/307)
مَنَعَكَ أَنْ تَنْهَانِي عَنْ مَسِيْرِي? قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلاً قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْكِ، وَظَنَنْتُ أَنَّكِ لَنْ تُخَالِفِيْهِ -يَعْنِي: ابْنَ الزُّبَيْرِ.
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَاتَ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ فِي الفَضْلِ مِثْلُ أَبِيْهِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ: كُنَّا نَأْتِي ابْنَ أَبِي لَيْلَى، وَكَانُوا يجتمعون إِلَيْهِ، فَجَاءهُ أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: أَعُمَرُ كَانَ أَفْضَلَ عِنْدَكُم أَمِ ابْنُهُ? قَالُوا: بَلْ عُمَرُ، فَقَالَ: إِنَّ عُمَرَ كَانَ فِي زَمَانٍ لَهُ فِيْهِ نُظَرَاءٌ، وإنَّ ابْنَ عُمَرَ بَقِيَ فِي زَمَانٍ لَيْسَ لَهُ فِيْهِ نَظِيْرٌ.
وَقَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: لَوْ شَهِدْتُ لأَحَدٍ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ لَشَهِدْتُ لابْنِ عُمَرَ.
رَوَاهُ ثِقَتَانِ عَنْهُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: سَمِعْتُ ابْنَ المُسَيِّبِ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمَ مَاتَ خير من بقي.
وعن طاوس: مَا رَأَيْتُ أَوْرَعَ مِنِ ابْنِ عُمَرَ.
وَكَذَا يُرْوَى عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ.
وَرَوَى جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ: رُبَّمَا لَبِسَ ابْنُ عُمَرَ المِطْرَفَ الخَزَّ, ثَمَنُهُ خَمْسُ مائَةِ دِرْهَمٍ.
وَبإِسْنَادٍ وَسَطٍ عَنِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ.
قَالَ عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا غَرَسْتُ غَرْساً مُنْذُ تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ مُوْسَى بنُ دِهْقَانَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَتَّزِرُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ.
العُمَرِيُّ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اعتمَّ وَأَرْخَاهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ.
وَكِيْعٌ, عَنِ النَّضْرِ أَبِي لُؤْلُؤةَ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى ابن عمر عمامة سوداء.
وَقَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ ابْنِ عُمَرَ: "عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ".
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا سَمِعَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيْثاً لاَ يَزِيْدُ وَلاَ يَنقصُ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ مِثْلَهُ.
أَبُو المَلِيْحِ الرَّقِّيُّ، عَنْ مَيْمُوْنٍ, قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَفَفْتُ يَدِي فَلَمْ أَندَمْ، وَالمُقَاتِلُ عَلَى الحَقِّ أَفْضَلُ.
قَالَ: وَلَقَدْ دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَقَوَّمْتُ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَيْتِهِ مِنْ أَثَاثٍ, مَا يَسْوَى مائة درهم.(4/308)
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ, عمَّن حدَّثَهُ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَّبعُ أَمرَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَآثَارَهُ وَحَالَهُ, وَيَهتمُّ بِهِ، حَتَّى كَانَ قَدْ خِيفَ عَلَى عَقلِهِ مِنِ اهتمَامِهِ بِذَلِكَ.
خَارِجَةُ بنُ مُصْعَبٍ، عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَوْ نَظرْتَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ إِذَا اتَّبعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقُلْتَ: هَذَا مَجنُوْنٌ.
عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَّبعُ آثَارَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, كلَّ مَكَانٍ صَلَّى فِيْهِ, حَتَّى إنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَزلَ تَحْتَ شَجرَةٍ، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَتعَاهدُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ، فَيَصبُّ فِي أَصلِهَا المَاءَ لِكَيْلاَ تَيْبَسَ.
وَقَالَ نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ تَرَكْنَا هَذَا البَابَ لِلنِّسَاءِ" قَالَ نَافِعٌ: فَلَمْ يَدخْلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حتى مات.
قَالَ الشَّعْبِيُّ: جَالَسْتُ ابْنَ عُمَرَ سَنَةً، فَمَا سَمِعتُهُ يُحدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَّا حَدِيْثاً وَاحِداً.
قَالَ مُجَاهِدٌ: صَحِبتُ ابْنَ عُمَرَ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَمَا سَمِعْتُهُ يحدِّث عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَّا حَدِيْثاً.
وَرَوَى عَاصِمُ بنُ مُحَمَّدٍ العُمَرِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: مَا سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ ذَكرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَّا بَكَى.
وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ مَاهَكَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ عِنْدَ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، وَعُبَيْدٌ يَقُصُّ، فَرَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ وَدُمُوعُهُ تُهرَاقُ.
عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ, أَنَّهُ تَلاَ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} [النِّسَاءُ: 40] . فَجَعَلَ ابْنُ عُمَرَ يَبْكِي حَتَّى لَثِقَتْ لِحيتُهُ وَجَيْبُهُ مِنْ دُموعِهِ، فَأَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَقُوْلَ لأَبِي: أَقْصِرْ، فَقَدْ آذَيْتَ الشَّيْخَ.
وَرَوَى عُثْمَانُ بنُ وَاقِدٍ، عَنْ نَافِعٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا قَرَأَ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحَدِيْدُ: 16] ، بَكَى حَتَّى يَغْلِبَهُ البكاء.
قَالَ حَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ: قِيْلَ لنَافِعٍ: مَا كَانَ يَصْنَعُ ابْنُ عُمَرَ فِي مَنْزِلِهِ? قَالَ: لاَ تُطِيْقُونَهُ, الوُضوءُ لِكُلِّ صَلاَةٍ، وَالمصحفُ فِيمَا بَيْنَهُمَا.
رَوَاهُ أَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ، عَنْ حَبِيْبٍ.
وَرَوَى عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا فَاتَتْهُ العشاء في جماعة أحيا بقية ليلته.(4/309)
ابْنُ المُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبِي, أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَهُ مِهْرَاسٌ فِيْهِ مَاءٌ، فَيُصَلِّي فِيْهِ مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ يَصِيْرُ إِلَى الفِرَاشِ، فَيُغْفِي إِغْفَاءةَ الطَّائِرِ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَوضَّأُ وَيُصَلِّي, يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي اللَّيْلِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَوْ خَمْسَةً.
قَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَصُومُ فِي السَّفَرِ، وَلاَ يَكَادُ يُفْطِرُ فِي الحَضَرِ.
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ: مَا لَعَنَ ابْنُ عُمَرَ خَادِماً لَهُ إلَّا مرَّةً، فَأَعتَقَهُ.
رَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ، عَنْ عَطَاءٍ مَوْلَى ابْنِ سِبَاعٍ، قَالَ: أَقْرضْتُ ابْنَ عُمَرَ أَلْفَيْ درهم، فوفانيها بزائد مائتي درهم.
أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ, أنَّ مَرْوَانَ قَالَ لابْنِ عُمَرَ -يَعْنِي بَعْدَ مَوْتِ يَزِيْدَ: هلمَّ يَدَكَ نُبايِعْكَ، فَإِنَّك سَيِّدُ العَربِ، وَابْنُ سَيِّدِهَا, قَالَ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِأَهْلِ المَشرقِ? قَالَ: نَضرِبُهُم حَتَّى يُبَايِعُوا. قَالَ: وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنَّهَا دَانَتْ لِي سبعِيْنَ سَنَةً، وَأَنَّهُ قُتلَ فِي سَيْفِي رَجُلٌ وَاحِدٌ.
قَالَ: يَقُوْلُ مروان:
إني أرى فتنة تغلي مراجلها ... والملك بَعْدَ أَبِي لَيْلَى لِمَنْ غَلَبَا
أَبُو لَيْلَى: مُعَاوِيَةُ بنُ يَزِيْدَ بَايَعَ لَهُ أَبُوْهُ النَّاسَ، فَعَاشَ أَيَّاماً.
أَبُو حَازِمٍ المَدِيْنِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ إِلَى مَكَّةَ فَعرَّسْنَا، فَانحدَرَ عَلَيْنَا رَاعٍ مِنْ جَبلٍ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَرَاعٍ? قَالَ: نَعَمْ, قَالَ: بِعْنِي شَاةً مِنَ الغَنَمِ. قَالَ: إِنِّيْ مَمْلُوْكٌ, قَالَ: قُلْ لِسَيِّدِكَ: أَكَلَهَا الذِّئْبُ, قَالَ: فَأَيْنَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ? قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَيْنَ اللهُ! ثُمَّ بَكَى، ثُمَّ اشْترَاهُ بَعْدُ، فَأَعتَقَهُ!
أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ, عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ.
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ: فَأَعتقَهُ، وَاشْتَرَى له الغنم.
عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: مَا أَعْجَبَ ابْنَ عُمَرَ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ إلَّا قَدَّمَهُ، بَيْنَا هُوَ يَسِيرُ عَلَى نَاقتِهِ إِذْ أَعْجَبَتْهُ، فَقَالَ: إِخ إِخ, فَأَنَاخَهَا، وَقَالَ: يَا نَافِعُ, حُطَّ عَنْهَا الرَّحْلَ, فَجَلَّلَهَا، وَقَلَّدَهَا، وَجَعَلَهَا فِي بُدْنِهِ.
عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَاتَبَ غُلاَماً لَهُ بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفاً، فَخَرَجَ إِلَى الكُوْفَةِ، فَكَانَ يَعملُ عَلَى حُمُرٍ لَهُ حَتَّى أدَّى خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفاً، فَجَاءهُ إِنْسَانٌ، فَقَالَ: أَمَجْنُوْنٌ أَنْتَ? أَنْت ههنا تُعذِّبُ نَفْسَكَ، وَابْنُ عُمَرَ يَشْتَرِي الرَّقِيقَ يَمِيْناً وَشِمَالاً، ثُمَّ يُعْتِقُهُم؛ ارجعْ(4/310)
إِلَيْهِ فَقُلْ: عَجِزْتُ. فَجَاءَ إِلَيْهِ بِصَحيفَةٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ, قَدْ عَجِزْتُ، وَهَذِهِ صَحيفَتِي فَامْحُهَا، فَقَالَ: لاَ، وَلَكِنِ امْحُهَا أَنْتَ إِنْ شِئْتَ، فَمحَاهَا فَفَاضَتْ عَيْنَا عَبْدِ اللهِ، وَقَالَ: اذهَبْ فَأنتَ حُرٌّ, قَالَ: أَصلَحَكَ اللهُ, أحسِن إِلَى ابْنَيَّ, قَالَ: هُمَا حُرَّانِ, قَالَ: أَصلَحَكَ اللهُ, أَحْسِنْ إِلَى أُمَّيْ وَلَدَيَّ, قَالَ: هُمَا حُرَّتَانِ. رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْهُ.
عَاصِمُ بنُ مُحَمَّدٍ العُمَرِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَعْطَى عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ ابنَ عُمَرَ بِنَافِعٍ عَشْرَةَ آلاَفٍ، فَدَخَلَ عَلَى صَفِيَّةَ امْرَأتِهِ، فَحدَّثَهَا, قَالَتْ: فَمَا تَنْتَظِرُ? قَالَ: فَهَلاَّ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ, هُوَ حُرٌّ لوجِهِ اللهِ. فكان يخيل إليَّ أَنَّهُ كَانَ يَنْوِي قَوْلَ اللهِ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آلُ عِمْرَان: 92] .
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ أَنْ يَلْعَنَ خَادِماً، فَقَالَ: اللَّهُمَّ الع، فَلَمْ يتمَّها، وَقَالَ: مَا أُحبُّ أَنْ أَقُوْلَ هَذِهِ الكَلِمَةَ.
جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ, عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، عَنْ نَافِعٍ: أُتِيَ ابْنُ عُمَرَ بِبِضْعَةٍ وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً، فَمَا قَامَ حَتَّى أَعْطَاهَا.
رَوَاهَا عِيْسَى بنُ كَثِيْرٍ، عَنْ مَيْمُوْنٍ، وَقَالَ: باثنَيْنِ وَعِشْرِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ.
وَقَالَ أَبُو هِلاَلٍ: حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ بنُ وَائِلٍ قَالَ: أُتِيَ ابْنُ عُمَرَ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ فَفرَّقهَا، وَأَصْبَحَ يَطلُبُ لرَاحِلَتِهِ عَلَفاً بِدِرْهَمٍ نَسِيْئَةً.
بُرْدُ بنُ سِنَانٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: إِنْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَيُفرِّقُ فِي المَجْلِسِ ثَلاَثينَ أَلْفاً، ثُمَّ يَأْتِي عَلَيْهِ شَهْرٌ مَا يَأْكُلُ مُزْعَةَ لَحْمٍ.
عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ العُمَرِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: مَا مَاتَ ابْنُ عُمَرَ حتى أعتق ألف إنسان، أو زاد.
إِسْنَادُهَا صَحِيْحٌ.
أَيُّوْبُ, عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: بَعثَ مُعَاوِيَةُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ بِمائَةِ أَلْفٍ، فَمَا حَالَ عَلَيْهِ الحَوْلُ وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ.
مَعْمَرُ, عن الزهري، عن حمزة بن عبد الله، قَالَ: لَوْ أنَّ طَعَاماً كَثِيْراً كَانَ عِنْدَ أَبِي، مَا شَبعَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ يَجِدَ لَهُ آكلاً، فَعَادَهُ ابْنُ مُطِيْعٍ، فَرَآهُ قَدْ نَحَلَ جِسْمُهُ، فَكَلَّمَهُ, فَقَالَ: إِنَّهُ لَيَأْتِي(4/311)
عليَّ ثَمَانُ سِنِيْنَ مَا أَشْبَعُ فِيْهَا شَبْعَةً وَاحِدَةً. أَو قَالَ: إلَّا شَبْعَةً، فَالآنَ تُرِيْدُ أَنْ أَشبَعَ حِيْنَ لَمْ يَبْقَ مِنْ عُمُرِي إلَّا ظِمْءُ حِمَارٍ.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: حَدَّثَنِي مُطْعِمُ بنُ المِقْدَامِ، قَالَ: كَتَبَ الحَجَّاجُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ: بَلغنِي أَنَّكَ طَلبتَ الخِلاَفَةَ، وَإِنَّهَا لاَ تَصْلُحُ لِعَييٍّ وَلاَ بَخِيلٍ وَلاَ غَيُورٍ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنَ الخِلاَفَةِ فَمَا طَلبتُهَا، وَمَا هِيَ مِنْ بِالِي، وأمَّا مَا ذكَرْتَ مِنَ العَيِّ، فَمَنْ جَمعَ كِتَابَ اللهِ فَلَيْسَ بِعَييٍّ، وَمَنْ أدَّى زَكَاتَهُ فَلَيْسَ بِبَخيلٍ، وَإِنَّ أَحقَّ مَا غِرْتُ فِيْهِ وَلَدِي أَنْ يَشْرَكَنِي فِيْهِ غَيْرِي.
هُشَيمٌ, عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ, قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: لأَنْ يَكُوْنَ نَافِعٌ يَحفَظُ حِفْظَكَ, أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ يَكُوْنَ لِي دِرْهَمُ زَيْفٍ، فقلت: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ, ألَا جَعلْتَهُ جَيِّداً!! قَالَ: هَكَذَا كَانَ فِي نَفْسِي.
الأَعْمَشُ وَغَيْرُهُ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: مَرِضَ ابْنُ عُمَرَ، فَاشْتَهَى عِنَباً أوَّل مَا جَاءَ، فَأَرْسَلَتِ امْرَأتُهُ بِدِرْهَمٍ، فَاشتَرَتْ بِهِ عُنْقُوْداً، فَاتَّبعَ الرَّسُوْلَ سَائِلٌ، فلمَّا دَخَلَ قَالَ: السَّائِلَ السَّائِلَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَعْطُوهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ بَعثَتْ بِدِرْهَمٍ آخرَ, قَالَ: فَاتَّبعَهُ السَّائِلُ، فلمَّا دَخَلَ, قَالَ: السَّائِلَ السَّائِلَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَعْطُوهُ إِيَّاهُ، فَأَعْطَوْهُ، وَأَرْسَلَتْ صَفِيَّةُ إِلَى السَّائِلِ تَقُوْلُ: وَاللهِ لَئِنْ عُدْتَ لاَ تُصِيْبُ مِنِّي خَيراً، ثُمَّ أَرْسَلَتْ بِدِرْهَمٍ آخرَ، فَاشْتَرَتْ بِهِ.
مَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: أُتِيَ ابْنُ عُمَرَ بِجوَارِشَ، فَكَرِهَهُ، وَقَالَ: مَا شَبعْتُ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ نَافِعٍ: أنَّ المُخْتَارَ بنَ أَبِي عُبَيْدٍ كَانَ يُرسِلُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ بِالمَالِ فَيَقْبَلُهُ، وَيَقُوْلُ: لاَ أَسْأَلُ أَحَداً شَيْئاً، وَلاَ أَرُدُّ مَا رَزقَنِي اللهُ.
الثَّوْرِيُّ, عَنْ أَبِي الوَازِعِ, قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ: لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيرٍ مَا أَبقَاكَ اللهُ لَهُم، فَغَضبَ وَقَالَ: إِنِّيْ لأَحْسِبُكَ عِرَاقِيّاً، وَمَا يُدْرِيْكَ مَا يُغلِقُ عَلَيْهِ ابْنُ أُمِّكَ بَابَهُ.
أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ, عَنْ حُصَيْنٍ, قَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنِّيْ لأَخرجُ وَمَا لِي حَاجَةٌ إلَّا أَنْ أُسلِّمَ عَلَى النَّاسِ، وَيُسلِّمُوْنَ عَلَيَّ.
وَرَوَى مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو النَّدَبِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ، فَمَا لَقِيَ صغِيراً وَلاَ كَبِيْراً إلَّا سلَّم عَلَيْهِ.
قَالَ عُثْمَانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحَاطِبِيُّ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يُحْفِي شَاربَهُ، حَتَّى ظنَنْتُ أَنَّهُ يَنْتِفُهُ، وَمَا(4/312)
رَأَيتُه إلَّا مُحَلَّلَ الأَزرَارِ، وَإِزَارُهُ إِلَى نِصْفِ سَاقِهِ، وَقِيْلَ: كَانَ يَتَّزِرُ عَلَى القَمِيْصِ فِي السَّفَرِ، وَيَخْتِمُ الشَيْءَ بِخَاتَمِهِ، وَلاَ يَكَادُ يَلْبَسُهُ، وَيَأْتِي السُّوقَ فَيقُولُ: كَيْفَ يُبَاعُ ذَا? وَيُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ, أنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْبِضُ عَلَى لحيتِهِ، وَيَأخُذُ مَا جَاوَزَ القَبْضَةَ.
قَالَ مَالِكٌ: كَانَ إِمَامَ النَّاسِ عِنْدَنَا بَعْدَ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عمر, مكث ستين سنة يفتي الناس.
مَالِكٌ, عَنْ نَافِعٍ, كَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ يَجلِسَانِ لِلنَّاسِ عِنْدَ مَقْدَمِ الحَاجِّ، فَكُنْتُ أَجلِسُ إِلَى هَذَا يَوْماً، وَإِلَى هَذَا يَوْماً، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُجِيبُ وَيُفْتِي فِي كُلِّ مَا سُئِلَ عَنْهُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَردُّ أَكْثَرَ مِمَّا يُفْتِي.
قَالَ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُ: كَتبَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ أَنِ اكتُبْ إليَّ بِالعِلمِ كُلِّهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ العِلمَ كَثِيْرٌ، وَلَكِنْ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلقَى اللهَ خَفِيفَ الظَّهْرِ مِنْ دِمَاءِ النَّاسِ, خَمِيْصَ البَطنِ مِنْ أَمْوَالِهِم, كَافَّ اللِّسَانِ عَنْ أَعْرَاضِهِم, لاَزماً لأَمرِ جَمَاعَتِهِم، فَافعَلْ.
مَنْصُوْرُ بنُ زَاذَانَ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لابْنِ عُمَرَ: أَعملُ لَكَ جوَارِشَ? قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: شَيْءٌ إِذَا كَظَّكَ الطَّعَامُ، فَأَصبْتَ مِنْهُ, سَهَّلَ. فَقَالَ: مَا شَبِعْتُ مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَشهرٍ، وَمَا ذَاكَ أَنْ لاَ أَكُوْنَ لَهُ وَاجداً، ولكن عَهِدْتُ قَوْماً يَشبَعُوْنَ مَرَّةً، وَيَجُوْعُوْنَ مَرَّةً.
وَرَوَى الحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ رَجُلٍ: بَعثَتْ أُمُّ وَلَدٍ لِعَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ إِلَى وَكِيلِهَا تَسْتَهدِيْهِ غُلاَماً، وَقَالَتْ: يَكُوْنُ عَالِماً بِالسُّنَّةِ, قَارِئاً لِكِتَابِ اللهِ، فَصِيحاً عَفِيفاً, كَثِيْرَ الحَيَاءِ, قَلِيْلَ المِرَاءِ, فَكَتَبَ إِلَيْهَا: قَدْ طَلبْتُ هَذَا الغُلاَمَ، فَلَمْ أَجِدْ غُلاَماً بِهَذِهِ الصِّفَةِ إلَّا عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ، وَقَدْ سَاومْتُ بِهِ أَهْلَهُ، فَأَبَوْا أَنْ يَبيعُوْهُ.
رَوَى بَقِيَّةُ، عَنِ ابْنِ حِذْيَمٍ، عَنْ وَهْبِ بنِ أَبَانَ القُرَشِيِّ, أنَّ ابْنَ عُمَرَ خَرَجَ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَسيرُ إِذَا أَسَدٌ عَلَى الطَّرِيْقِ قَدْ حَبسَ النَّاسَ، فاستخفَّ ابْنُ عُمَرَ رَاحِلتَهُ، وَنَزَلَ إِلَى الأَسَدِ، فَعَرَكَ أُذُنَهُ وَأَخَّرَهُ عَنِ الطَّرِيْقِ, وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: "لَوْ لَمْ يَخَفِ ابْنُ آدَمَ إلَّا اللهَ لم يسلط عليه غيره". لَمْ يَصحَّ هَذَا.
أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ, عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ وَاقِدٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عمر يصلي، فلو رَأَيتَهُ مُقْلَوْلِياً، وَرَأَيتُهُ يَفُتُّ المِسْكَ فِي الدُّهْنِ يَدَّهِنُ بِهِ.
عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي جَمِيْلَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَوْهَبٍ, أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لابْنِ عُمَرَ: اذهَبْ،(4/313)
فاقض بين الناس, قال: أَوَتعفيني مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَمَا تَكرَهُ مِنْ ذَلِكَ, وَقَدْ كَانَ أَبُوْكَ يَقضِي? قَالَ: إِنِّيْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "مَنْ كَانَ قَاضِياً فَقضَى بِالعَدْلِ، فَبِالحَرِيِّ أَنْ يَنْفلِتَ كَفَافاً" فَمَا أَرْجُو بَعْدَ ذَلِكَ?! 1.
السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى, عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلمَ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَقَدْ أُعْطِيْتُ مِنَ الجِمَاعِ شَيْئاً مَا أَعْلَمُ أَحَداً أُعْطِيَهُ إلَّا أَنْ يَكُوْنَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
تفرَّد بِهِ يَحْيَى بنُ عَبَّادٍ، عَنْهُ.
أَبُو أُسَامَةَ: حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَمْزَةَ, أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إِنِّيْ لأَظنُّ قُسِمَ لِي مِنْهُ مَا لَمْ يُقْسَمْ لأَحدٍ إلَّا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيْلَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفطِرُ أَوَّلَ شَيْءٍ عَلَى الوَطْءِ.
لَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ, عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ جَاءَ عَلِيٌّ إلى ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: إِنَّكَ مَحبُوبٌ إِلَى النَّاسِ، فسِرْ إِلَى الشَّامِ، فَقَالَ: بِقَرَابَتِي وَصُحْبَتِي وَالرَّحِمِ الَّتِي بَيْنَنَا, قَالَ: فَلَمْ يُعَاوِدْهُ2.
ابْنُ عُيَيْنَةَ, عَنْ عُمَرَ بنُ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَعثَ إليَّ عليٌّ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ, إِنَّكَ رَجُلٌ مُطَاعٌ فِي أَهْلِ الشَّامِ، فَسِرْ فَقَدْ أمَّرتك عَلَيْهِم، فَقُلْتُ: أُذَكِّرُكَ اللهَ وَقَرَابَتِي مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصُحْبَتِي إِيَّاهُ, إلَّا مَا أَعْفَيْتَنِي، فَأَبَى عَلِيٌّ، فَاسْتَعَنْتُ عَلَيْهِ بِحَفْصَةَ، فَأَبَى، فَخَرَجْتُ ليلاً إِلَى مَكَّةَ، فَقِيْلَ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ خَرجَ إِلَى الشَّامِ، فَبَعثَ فِي أَثَرِي، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْتِي المربدَ، فَيَخْطمُ بَعيرَهُ بِعِمَامَتِهِ لِيُدْرِكَنِي, قَالَ: فَأَرْسَلَتْ حَفْصَةُ: إِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ إِلَى الشَّامِ, إِنَّمَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، فَسَكَنَ.
الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ, عَنْ خَالِدِ بنِ سُمَيْرٍ قَالَ: هَربَ مُوْسَى بنُ طَلْحَةَ مِنَ المُخْتَارِ، فَقَالَ: رَحِمَ اللهُ ابْنَ عُمَرَ! إِنِّيْ لأَحسِبُهُ عَلَى العَهدِ الأَوَّلِ لَمْ يَتَغِيَّرْ، وَاللهِ مَا اسْتَفَزَّتْهُ قُرَيْشٌ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا يُزرِي عَلَى أَبِيْهِ فِي مَقْتلِهِ, وَكَانَ عَلِيٌّ غَدَا عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ: هَذِهِ كُتُبُنَا، فَاركَبْ بِهَا إِلَى الشَّامِ, قَالَ: أَنْشُدُكَ اللهَ وَالإِسْلاَمَ, قَالَ: وَاللهِ لَتَرْكَبَنَّ, قَالَ: أُذَكِّرُكَ اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ, قَالَ: لَتَرْكَبَنَّ، وَاللهِ طَائِعاً أَوْ كَارهاً, قَالَ: فَهَرَبَ إِلَى مَكَّةَ.
العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ, عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ يَوْمَ دُوْمَةَ جَنْدَلٍ: جَاءَ مُعَاوِيَةُ عَلَى بُخْتِيٍّ عَظِيْمٍ طَوِيْلٍ، فَقَالَ: وَمَنِ الَّذِي يَطْمَعُ فِي هَذَا الأَمْرِ وَيَمدُّ إِلَيْهِ عنقه? فما
__________
1 ضعيف: أخرجه الترمذي "1322"، وآفته عبد الملك بن أبي جميلة، مجهول.
2 ضعيف: فيه ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف.(4/314)
حدَّثت نَفْسِي بِالدُّنْيَا إلَّا يَوْمَئِذٍ، هَمَمْتُ أَنْ أَقُوْلَ: يَطْمَعُ فِيْهِ مَنْ ضَربَكَ وَأَبَاكَ عَلَيْهِ، ثم ذكرت الجنة ونعيمها، فأعرضت عَنْهُ.
حمَّاد بنُ زَيْدٍ, عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ نَافِعٍ, أنَّ مُعَاوِيَةَ بَعثَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ بِمائَةِ أَلْفٍ، فلمَّا أَرَادَ أَنْ يُبَايِعَ لِيَزِيْدَ قَالَ: أُرَى ذَاكَ, أَرَادَ: إِنَّ دِيْنِي عِنْدِي إِذاً لَرَخِيصٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ: بُوْيِعَ يَزِيْدُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لَمَّا بَلغَهُ: إِنْ كَانَ خَيراً رَضِيْنَا، وَإِنْ كَانَ بَلاَءً صَبَرْنَا.
ابْنُ عُلَيَّةَ, عَنْ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: حَلَفَ مُعَاوِيَةُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليقتلنَّ ابْنَ عُمَرَ, يَعْنِي: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ بِمكَّةَ، فَجَاءَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بنُ صَفْوَانَ، فَدَخَلاَ بَيْتاً وَكُنْتُ عَلَى البَابِ، فَجَعَلَ ابْنُ صَفْوَانَ يَقُوْلُ: أَفَتَتْرُكُهُ حَتَّى يَقْتُلَكَ?! وَاللهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أَنَا وَأَهْلُ بَيْتِي لَقَاتَلْتُهُ دُونَكَ، فَقَالَ: ألَا أَصِيْرُ فِي حَرَمِ اللهِ? وَسَمِعْتُ نَحِيبَهُ مَرَّتَيْنِ، فلمَّا دَنَا مُعَاوِيَةُ تلقَّاه ابْنُ صَفْوَانَ فَقَالَ: إِيهاً, جِئْتَ لِتقتُلَ ابْنَ عُمَرَ. قَالَ: وَاللهِ لاَ أَقْتُلُهُ.
مِسْعَرٌ, عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ, قَالَ مُعَاوِيَةُ: مَنْ أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ منَّا? وَابْنُ عُمَرَ شَاهِدٌ قَالَ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُوْلَ: أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ مَنْ ضَرَبَكَ عَلَيْهِ وَأَبَاكَ، فَخِفْتُ الفَسَادَ.
مَعْمَرٌ, عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، وابن طاوس، عَنْ عِكْرِمَةَ بنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قال: دخلت على حفصة ونوساتها تنطف، فَقُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنَ النَّاسِ مَا تَرَيْنَ، وَلَمْ يُجْعَلْ لِي مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ, قَالَتْ: فَالْحَقْ بِهِم، فَإِنَّهُم يَنتظِرُوْنَكَ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُوْنَ فِي احْتِبَاسِكَ عَنْهُم فُرْقَةً، فَلَمْ يَرُعْهُ حَتَّى ذَهَبَ, قَالَ: فلمَّا تَفرَّقَ الحَكمَانِ خَطَبَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيْدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الأَمْرِ فَلْيُطْلِعْ إليَّ قَرْنَهُ، فَنَحْنُ أَحقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ وَمِنْ أَبِيْهِ -يعرِّض بِابْنِ عُمَرَ.
قَالَ حَبِيْبُ بنُ مَسْلَمَةَ: فَهَلاَّ أَجَبْتَهُ -فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي? فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: حَلَلْتُ حَبْوَتِي، فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُوْلَ: أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْكَ مَنْ قَاتَلَكَ وَأَبَاكَ عَلَى الإِسْلاَمِ, فَخَشِيتُ أَنْ أَقُوْلَ كَلمَةً تُفرِّقُ الجَمْعَ، وَيُسْفَكُ فِيْهَا الدَّمُ، فَذَكَرتُ مَا أعدَّ اللهُ فِي الجنَانِ1.
وَقَالَ سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُوْلُ: لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ مَا كَانَ زَمَنَ الفِتْنَةِ, أَتَوْا ابْنَ عُمَرَ، فَقَالُوا: أَنْتَ سَيِّدُ النَّاسِ وَابْنُ سَيِّدِهِم، وَالنَّاسُ بِكَ رَاضُوْنَ, اخْرُجْ نُبَايِعْكَ، فَقَالَ: لاَ، وَاللهِ لاَ يُهْرَاقُ فِيَّ مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ, وَلاَ فِي سَببِي مَا كان في روح.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4108".(4/315)
جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ، عَنْ يَعْلَى، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ أَبُو مُوْسَى يَوْمَ التَّحْكِيمِ: لاَ أَرَى لِهَذَا الأَمْرِ غَيْرَ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ, فَقَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ لابْنِ عُمَرَ: إِنَّا نُرِيْدُ أَنْ نُبَايِعَكَ، فَهلْ لَكَ أَنْ تُعْطَى مالا عظيما على أن تدع هَذَا الأَمْرَ لِمَنْ هُوَ أَحْرَصُ عَلَيْهِ مِنْكَ? فَغَضِبَ وَقَامَ، فَأَخَذَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ, إِنَّمَا قَالَ: لتعطي مَالاً عَلَى أَنْ أُبَايِعَكَ، فَقَالَ: وَاللهِ لاَ أُعْطِي عَلَيْهَا وَلاَ أُعْطَى، وَلاَ أَقْبَلُهَا إلَّا عَنْ رِضَىً مِنَ المُسْلِمِيْنَ.
قُلْتُ: كَادَ أَنْ تَنْعقِدَ البَيْعَةُ لَهُ يَوْمَئِذٍ مَعَ وُجُوْدِ مِثْلِ الإِمَامِ عَلِيٍّ، وَسَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَلَوْ بُوْيِعَ لَمَا اخْتلفَ عَلَيْهِ اثْنَانِ، وَلَكِنَّ اللهَ حَمَاهُ وَخَارَ لَهُ.
مِسْعَرٌ, عَنْ عَلِيِّ بنِ الأَقْمَرِ قَالَ: قَالَ مَرْوَانُ لابْنِ عُمَرَ: ألَا تَخْرُجُ إِلَى الشَّامِ فَيُبَايعُوكَ? قَالَ: فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِأَهْلِ العِرَاقِ? قَالَ: تُقَاتِلُهُم بِأَهْلِ الشَّامِ. قَالَ: وَاللهِ مَا يَسُرُّنِي أَنْ يُبَايِعَنِي النَّاسُ كُلُّهم إلَّا أَهْلَ فَدَكٍ، وَأَنْ أُقَاتلَهُم، فَيُقتلَ مِنْهُم رَجُلٌ، فَقَالَ مَرْوَانُ:
إِنِّيْ أَرَى فِتْنَةً تَغْلِي مراجلها ... والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا
وَرَوَى عَاصِمُ بنُ أَبِي النَّجُوْدِ نَحْواً مِنْهَا.
وَهَذَا قَالَهُ وَقْتَ هَلاَكِ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ، فلمَّا اطمأنَّ مَرْوَانُ مِنْ جهَةِ ابْنِ عُمَرَ بَادرَ إِلَى الشَّامِ وَحَارَبَ، وَتَمَلَّكَ الشَّامَ ثُمَّ مِصْرَ.
أَبُو عَوَانَةَ, عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنْ فِطْرٍ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: مَا أَحَدٌ شَرٌّ لِلأُمَّةِ مِنْكَ, قَالَ: لِمَ? قَالَ: لَوْ شِئْتَ مَا اخْتلَفَ فِيكَ اثْنَانِ, قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنَّهَا -يَعْنِي: الخِلاَفَةَ- أَتَتْنِي، وَرَجُلٌ يقول لا، وآخر يقول بلى.
أَبُو المَلِيْحِ الرَّقِّيُّ, عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ قَالَ: دسَّ مُعَاوِيَةُ عَمْراً وَهُوَ يُرِيْدُ أَنْ يَعلَمَ مَا فِي نَفْسِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ تُبَايِعُكَ النَّاسُ, أَنْتَ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَابْنُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَأَنْتَ أَحقُّ النَّاسِ بِهَذَا الأَمْرِ، فَقَالَ: قَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ كُلُّهُم عَلَى مَا تَقُوْلُ? قَالَ: نَعَمْ, إلَّا نَفرٌ يَسيرٌ. قَالَ: لَوْ لَمْ يَبْقَ إلَّا ثَلاَثَةُ أَعْلاَجٍ بِهَجَرٍ لَمْ يَكُنْ لِي فِيْهَا حَاجَةٌ. قَالَ: فَعَلِمَ أَنَّهُ لاَ يُرِيْدُ القِتَالَ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ تُبَايِعَ مَنْ قَدْ كَادَ النَّاسُ أَنْ يَجتمعُوا عَلَيْهِ، وَيَكْتُبُ لَكَ مِنَ الأَرَضِينَ، وَالأَمْوَالِ? فَقَالَ: أفٍّ لَكَ? اخْرجْ مِنْ عِنْدِي, إِنَّ دِيْنِي لَيْسَ بِدِيْنَارِكُم وَلاَ دِرْهَمِكُم.
يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ, عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يسلِّم عَلَى الخَشَبيَّةِ وَالخَوَارِجِ وَهُم يَقْتَتِلُوْنَ، وَقَالَ: مَنْ قَالَ "حيَّ عَلَى الصَّلاَةِ" أَجبتُهُ، وَمَنْ قَالَ: "حَيَّ عَلَى قَتْلِ أَخِيْكَ المُسْلِمِ وَأَخْذِ مَالِهِ" فَلاَ.(4/316)
قَالَ نَافِعٌ: أَتَى رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ, مَا يَحْمِلُكَ عَلَى أَنْ تَحُجَّ عَاماً وَتَعتَمِرَ عَاماً، وَتَترُكَ الجِهَادَ، فَقَالَ: بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: إِيْمَانٍ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ، وَصَلاَةِ الخَمْسِ، وَصيَامِ رَمَضَانَ، وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البَيْتِ. فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ, ألَا تسَمَعُ قَوْلَهُ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحُجُرَاتُ: 8] . فَقَالَ: لأَنْ أَعْتَبِرَ بِهَذِهِ الآيَةِ، فَلاَ أُقَاتِلَ أحبَّ إِلَيَّ مِنْ أن أعتبر بالآية التي يقول فيها: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النِّسَاءُ: 92] . فَقَالَ: ألَا تَرَى أَنَّ اللهَ يَقُوْلُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البَقَرَةُ: 193] . قَالَ: قَدْ فَعلْنَا عَلَى عَهدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إِذْ كَانَ الإِسْلاَمُ قليلاً، وَكَانَ الرَّجُلُ يُفتَنُ فِي دِيْنِهِ؛ إمَّا أَنْ يَقْتُلُوْهُ، وإمَّا أَنْ يَسترِقُّوهُ, حَتَّى كَثُرَ الإِسْلاَمُ، فَلَمْ تَكنْ فِتْنَةٌ, قَالَ: فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يُوَافِقُهُ قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ? قَالَ: أمَّا عُثْمَانُ: فَكَانَ اللهُ عَفَا عَنْهُ، وَكرِهتُم أَنْ يَعفُوَ اللهُ عَنْهُ، وأمَّا عَلِيٌّ: فَابْنُ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَتَنُهُ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ- هَذَا بَيْتُهُ حَيْثُ تَرَوْنَ.
الزُّهْرِيُّ، عَنْ حَمْزَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَقْبَلَ ابْنُ عُمَرَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: مَا وَجَدْتُ فِي نَفْسِي شَيْئاً مِنْ أَمْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ مَا وَجَدْتُ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ أُقَاتِلَ هَذِهِ الفِئَةَ البَاغِيَةَ كَمَا أَمَرنِي اللهُ.
قُلْنَا: وَمَنْ تَرَى الفِئَةَ البَاغِيَةَ? قَالَ: ابْنُ الزُّبَيْرِ بَغَى عَلَى هَؤُلاَءِ القَوْمِ، فَأَخرَجَهُم مِنْ دِيَارِهِم، وَنَكَثَ عَهدَهُم.
أَيُّوْبُ, عَنْ نَافِعٍ قَالَ: أَصَابَتِ ابْنَ عُمَرَ عَارضَةُ مَحْمِلٍ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ عِنْدَ الجَمْرَةِ، فَمَرِضَ، فَدخَلَ عَلَيْهِ الحَجَّاجُ، فلمَّا رَآهُ ابْنُ عُمَرَ غَمَّضَ عَيْنَيْهِ، فَكَلَّمَهُ الحَجَّاجُ، فَلَمْ يُكَلِّمْهُ، فَغَضبَ وَقَالَ: إِنَّ هَذَا يَقُوْلُ إِنِّي عَلَى الضَّرْبِ الأَوَّلِ.
عَمْرُو بنُ يَحْيَى بنِ سَعِيْدِ بنِ عَمْرٍو, أَخْبَرَنَا جَدِّي, أنَّ ابْنَ عُمَرَ قَدِمَ حَاجّاً، فَدَخَلَ عَلَيْهِ الحَجَّاجُ وَقَدْ أَصَابَهُ زُجُّ رُمْحٍ، فَقَالَ: من أصابك? قَالَ: أَصَابَنِي مَنْ أَمَرْتُمُوْهُ بِحَملِ السِّلاَحِ فِي مَكَانٍ لاَ يَحِلُّ فِيْهِ حَمْلُهُ1.
أَحْمَدُ بنُ يَعْقُوْبَ المَسْعُوْدِيُّ, حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ سَعِيْدِ بنِ عَمْرٍو الأُمَوِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَامَ إِلَى الحجَّاج وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللهِ! استُحِلَّ حَرَمُ اللهِ، وخُرِّبَ بَيْتُ اللهِ، فَقَالَ: يَا شَيْخاً قَدْ خَرِفَ، فلمَّا صَدرَ النَّاسُ أَمَرَ الحَجَّاجُ بَعْضَ مسوَّدته، فأخذ
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "967".(4/317)
حَربَةً مَسمُومَةً، وَضَربَ بِهَا رِجْلَ ابْنِ عُمَرَ، فَمَرِضَ وَمَاتَ مِنْهَا، وَدَخَلَ عَلَيْهِ الحجَّاج عَائِداً، فَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، وَكَلَّمَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ.
هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ, أنَّ الحَجَّاجَ خَطبَ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ بدَّل كلاَمَ اللهِ، فَعَلِمَ ابْنُ عُمَرَ، فَقَالَ: كَذَبَ, لَمْ يَكُنِ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَسْتَطيعُ أَنْ يُبَدِّلَ كَلاَمَ اللهِ، وَلاَ أَنْتَ, قَالَ: إِنَّكَ شَيْخٌ قَدْ خَرِفْتَ الغَدَ, قَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ عُدْتَ عُدْتُ.
قَالَ الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ سُمَيْرٍ قَالَ: خَطَبَ الحَجَّاجُ، فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ حرَّف كِتَابَ اللهِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَذَبْتَ كَذَبْتَ, مَا يَستَطِيعُ ذَلِكَ، وَلاَ أَنْتَ مَعَهُ, قَالَ: اسْكُتْ، فَقَدْ خَرِفْتَ وَذَهبَ عَقلُكَ, يُوشِكُ شَيْخٌ أَنْ يُضرَبَ عُنُقُهُ فَيَخِرَّ, قَدِ انتفخت خصيتاه, يطوف به صبيان البقيع1.
الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ قَالَ: لَمَّا اجْتَمَعُوا عَلَى عَبْدِ المَلِكِ, كَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ: أَمَّا بَعْدُ, فَإِنِّي قَدْ بَايَعْتُ لِعَبْدِ اللهِ عَبْدِ المَلِكِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ عَلَى سُنَّةِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُوْلِهِ فِيمَا اسْتَطَعْتُ، وَإِنَّ بَنِيَّ قَدْ أَقَرُّوا بِذَلِكَ.
شُعْبَةُ, عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ, عَنْ نَافِعٍ, أنَّ ابْنَ عُمَرَ أَوْصَى رَجُلاً يغسِّله، فَجَعلَ يَدْلُكُهُ بِالمِسْكِ.
وَعَنْ سَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ: مَاتَ أَبِي بِمَكَّةَ، وَدُفِنَ بفَخٍّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ، وَأَوْصَانِي أَنْ أَدفِنَهُ خَارِجَ الحَرَمِ فَلَمْ نَقْدِرْ، فَدَفَنَّاهُ بِفَخٍّ فِي الحَرَمِ، فِي مَقْبَرَةِ المُهَاجِرِيْنَ.
حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ, عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا آسَى عَلَى شَيْءٍ إلَّا أَنِّي لَمْ أُقَاتِلِ الفِئَةَ البَاغِيَةَ. هَكَذَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، عَنْهُ, وَقَدْ تقدَّم نَحْوُهُ مُفسَّراً.
وَأَمَّا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ سِيَاهٍ فَرَوَاهُ عَنْهُ ثِقَتَانِ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ, أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: مَا آسَى عَلَى شَيْءٍ فَاتَنِي إلَّا أَنِّي لَمْ أُقَاتِلْ مَعَ عَلِيٍّ الفِئَةَ البَاغِيَةَ. فَهَذَا مُنْقَطِعٌ.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، عن أبيه, قال ابْنُ عُمَرَ حِيْنَ احْتُضِرَ: مَا أَجِدُ فِي نَفْسِي شَيْئاً إلَّا أَنِّي لَمْ أُقَاتِلِ الفِئَةَ الباغية مع عليّ بن أبي طالب.
__________
1 صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 184".(4/318)
وَرَوَى أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ, حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ العَبَّاسِ، عَنْ أَبِي العَنْبَسِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي الجَهْمِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.....، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَلابْنِ عُمَرَ أَقْوَالٌ وَفَتَاوَى يَطُولُ الكِتَابُ بِإِيرَادِهَا، وَلَهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ فِي الفِئَةِ البَاغِيَةِ.
فَقَالَ رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ: حَدَّثَنَا العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ، عَنْ عَيَّاشٍ العَامِرِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لَمَّا احتُضِرَ ابْنُ عُمَرَ قَالَ: مَا آسَى عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا إلَّا عَلَى ثَلاَثٍ: ظَمَأِ الهَوَاجِرِ، وَمُكَابَدَةِ اللَّيْلِ، وَأَنِّي لَمْ أُقَاتِلِ الفِئَةَ البَاغِيَةَ الَّتِي نَزَلَتْ بِنَا -يَعْنِي: الحَجَّاجَ.
قَالَ ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: مَاتَ ابْنُ عُمَرَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: بَلغَ ابْنُ عُمَرَ سَبْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَالهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو مُسْهِرٍ، وَعِدَّةٌ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ.
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، وَخَلِيْفَةُ، وَغَيْرُهُمَا: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي آخِرِ سَنَةِ ثَلاَثٍ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ البَرْقِيِّ: تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ، وَدُفِنَ بذِي طُوَىً. وَقِيْلَ: بِفَخٍّ مَقْبَرَةِ المُهَاجِرِيْنَ سَنَةَ أَرْبَعٍ.
قُلْتُ: هُوَ القَائِلُ كُنْتُ يَوْمَ أُحُدٍ ابْنَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً1، فعلى هذا يَكُوْنُ عُمُرُهُ خَمْساً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.
أَخْبَرَنَا أَيُّوْبُ بنُ طَارِقٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ بِقِرَاءتِي قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ رَوَاحَةَ, أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ, أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الطُّرَيْثِيْثِيُّ، وَأَبُو يَاسِرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَأَبُو القَاسِمِ الرَّبَعِيُّ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ الخَيَّاطُ, قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدٍ, أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَاكِهِيُّ بِمَكَّةَ 353، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي مَسَرَّةَ, حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ -وَهُوَ ابْنُ بِنْتِ حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ- قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي عُثْمَانَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ، وَرَأَيتُهُ يَنحَرُ البُدْنَ قِيَاماً يَجَأُ فِي لَبَّاتِهَا.
أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ, أَخْبَرَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ, أَخْبَرَنَا اللَّبَّانُ, أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ, أَخْبَرْنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ, حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ, أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ, حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ, حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ هِلاَلِ بنِ خَبَّابٍ، عَنْ قَزَعَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ ثِيَاباً خَشِنَةً -أو
__________
1 صحيح: تقدَّم تخريجنا له بتعليق رقم "615", وهو عند البخاري "4097"، ومسلم "1868".(4/319)
جَشِبَةً، فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّيْ قَدْ أَتَيتُكَ بِثَوْبٍ ليِّن مِمَّا يُصنعُ بِخُرَاسَانَ، وَتَقرُّ عَيْنَايَ أَنْ أَرَاهُ عَلَيْكَ. قَالَ: أَرِنِيهِ، فَلَمَسَهُ، وَقَالَ: أَحَرِيْرٌ هَذَا? قُلْتُ: لاَ, إِنَّهُ مِنْ قُطْنٍ. قَالَ: إِنِّيْ أَخَافُ أَنْ أَلْبَسَهُ, أَخَافُ أَكُوْنَ مُخْتَالاً فَخُوراً، وَاللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ.
قُلْتُ: كُلُّ لِبَاسٍ أَوْجَدَ فِي المَرْءِ خُيَلاَءَ وَفَخراً فَتَرْكُهُ مُتَعيِّنٌ، وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ ذَهَبٍ وَلاَ حَرِيرٍ، فَإِنَّا نَرَى الشَّابَّ يَلْبَسُ الفَرَجِيَّةَ الصُّوفَ بفروٍ مِنْ أَثَمَانِ أَرْبَعِ مائَةِ دِرْهَمٍ وَنَحْوِهَا، وَالكِبْرُ وَالخُيَلاَءُ عَلَى مِشْيَتِهِ ظَاهِرٌ، فَإِنْ نَصحْتَهُ وَلُمْتَهُ بِرِفقٍ كَابَرَ، وَقَالَ: مَا فِيَّ خُيَلاَءُ وَلاَ فَخْرٌ، وَهَذَا السَّيِّدُ ابْنُ عُمَرَ يَخَافُ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ, وَكَذَلِكَ تَرَى الفَقِيْهَ المُتْرفَ إِذَا لِيْمَ فِي تَفصيلِ فَرَجِيَّةٍ تحت كعبيه، وقيل لَهُ: قَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ" يَقُوْلُ: إِنَّمَا قَالَ هَذَا فِيْمَنْ جَرَّ إِزَارَهُ خُيَلاَءَ، وَأَنَا لاَ أَفعلُ خُيَلاَءَ. فَترَاهُ يُكَابِرُ وَيُبرِّئُ نَفْسَهُ الحمقَاءَ، وَيَعْمَدُ إِلَى نصٍّ مُستقِلٍّ عَامٍّ فَيَخُصُّهُ بِحَدِيْثٍ آخرَ مُسْتقلٍّ بِمَعْنَى الخُيَلاَءِ، ويترخَّص بِقَوْلِ الصِّدِّيْقِ: إِنَّهُ يَا رَسُوْلَ اللهِ, يَسْتَرخِي إِزَارِي، فَقَالَ: "لَسْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلاَءَ"، فَقُلْنَا: أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لَمْ يَكُنْ يَشُدُّ إِزَارَهُ مَسْدُوْلاً عَلَى كَعْبَيْهِ أَوَّلاً, بَلْ كَانَ يَشُدُّهُ فَوْقَ الكَعْبِ، ثُمَّ فِيمَا بَعْدُ يَسْتَرخِي، وقد قال -عليه السلام: "إِزْرَةُ المُؤْمِنِ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ, لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيْمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الكَعْبَيْنِ"، وَمِثْلُ هَذَا فِي النَّهْيِ لِمَنْ فصَّل سَرَاويلَ مُغَطِّياً لِكِعَابِهِ، وَمِنْه طُولُ الأَكمَامِ زَائِداً، وَتَطوِيْلُ العَذَبَةِ، وَكُلُّ هَذَا مِنْ خُيَلاَءَ كَامنٍ فِي النُّفُوْسِ، وَقَدْ يُعذَرُ الوَاحِدُ مِنْهُم بِالجَهْلِ، وَالعَالِمُ لاَ عُذْرَ لَهُ فِي تَرْكِهِ الإِنْكَارَ عَلَى الجَهَلَةِ، فَإِنْ خُلعَ عَلَى رَئِيْسٍ خِلعَةٌ سِيَرَاءُ مِنْ ذَهَبٍ وَحَرِيْرٍ وَقُنْدُسٍ, يُحرِّمُهُ مَا وَردَ فِي النَّهْيِ عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ, وَلُبْسِهَا الشَّخْصُ يَسحَبُهَا، وَيَختَالُ فِيْهَا، وَيَخْطُرُ بِيَدِهِ، وَيَغْضبُ مِمَّنْ لاَ يهنِّيه بِهَذِهِ المُحَرَّمَاتِ، وَلاَ سِيَّمَا إِنْ كَانَتْ خِلْعَةَ وَزَارَةٍ وَظُلْمٍ، وَنَظَرِ مَكْسٍ أَوْ وِلاَيَةِ شُرطَةٍ، فَلْيَتَهَيَّأْ لِلمَقْتِ وَلِلعَزْلِ وَالإِهَانَةِ وَالضَّرْبِ، وَفِي الآخِرَةِ أَشدُّ عَذَاباً وَتنكيلاً، فَرَضِيَ اللهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِيْهِ، وَأَيْنَ مِثْلُ ابْنِ عُمَرَ فِي دِيْنِهِ وَوَرَعِهِ وَعِلمِهِ وَتَأَلُّهِهِ، وَخَوْفِهِ مِنْ رَجُلٍ تُعرَضُ عَلَيْهِ الخِلاَفَةُ فَيَأبَاهَا، وَالقَضَاءُ مِنْ مِثْلِ عُثْمَانَ فَيردُّهُ، وَنِيَابَةُ الشَّامِ لِعَلِيٍّ فِيْهربُ مِنْهُ، فَاللهُ يَجْتبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ، وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ.
الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: عَنْ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَوْلاَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ لَسَرَّنِي أَنْ آتِيَ بَيْتَ المَقْدِسِ، فأهلُّ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ، وَلَكِنْ أَكرَهُ أَنْ آتِيَ الشَّامَ فَلاَ آتيْهِ، فَيَجِدُ عَلَيَّ أَوْ آتِيَهُ، فَيرَانِي تَعرَّضتُ لِمَا فِي يَدَيْهِ.
رَوَى عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ, أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذا فاتته العشاء في جماعة أحيا ليلته.(4/320)
الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ, حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ, أَنَّهُ كَانَ يُحيِي اللَّيْلَ صَلاَةً، ثُمَّ يَقُوْلُ: يَا نَافِعُ أَسْحَرْنَا? فَأَقُوْلُ: لاَ. فَيُعَاودُ الصَّلاَةَ إِلَى أَنْ أَقُوْلَ: نَعَمْ، فَيقعدُ وَيَسْتَغْفِرُ ويدعو حتى يصبح.
قال طاوس: مَا رَأَيْتُ مُصَلِّياً مِثْلَ ابْنِ عُمَرَ أَشدَّ اسْتقبالاً لِلْقِبْلَةِ بِوجهِهِ وَكَفَّيْهِ وَقَدَمَيْهِ.
وَرَوَى نَافِعٌ أنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُحْيِي بَيْنَ الظُّهْرِ إِلَى العَصْرِ.
هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ, عَنِ القَاسِمِ بن أَبِي بَزَّةَ, أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَرَأَ فَبَلَغَ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المُطَفِّفِيْنَ: 6] ، فَبَكَى حَتَّى خَرَّ، وَامْتنعَ مِنْ قِرَاءةِ مَا بَعْدَهَا.
مَعْمَرٌ, عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ نَافِعٍ أَوْ غَيْرِهِ, أَنَّ رَجُلاً قَالَ لابْنِ عُمَرَ: يَا خَيْرَ النَّاسِ -أَوِ ابْنَ خَيْرِ النَّاسِ, فَقَالَ: مَا أَنَا بِخيرِ النَّاسِ، وَلاَ ابْنِ خَيْرِ النَّاسِ، ولكنِّي عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللهِ, أَرْجُو اللهَ وَأَخَافُهُ، وَاللهِ لَنْ تَزَالُوا بِالرَّجُلِ حَتَّى تُهلكُوْهُ.
عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ, عَنْ نَافِعٍ, كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُزَاحِمُ عَلَى الرُّكْنِ حَتَّى يَرْعُفُ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَبِي المَكَارِمِ التَّيْمِيِّ, أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ, أَخْبَرْنَا أَبُو نُعَيْمٍ, حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ, حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى, حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ, حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ, حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ, سَمِعَ عُرْوَةَ يَقولُ: خَطبْتُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ ابْنتَهُ وَنَحْنُ فِي الطَّوَافِ، فَسَكَتَ وَلَمْ يُجِبْنِي بِكلمَةٍ، فَقُلْتُ: لَوْ رَضِيَ لأَجَابَنِي، وَاللهِ لاَ أُرَاجعُهُ بِكلمَةٍ، فَقُدِّرَ لَهُ أَنَّهُ صَدَرَ إِلَى المَدِيْنَةِ قَبْلِي، ثُمَّ قدِمْتُ، فَدَخَلْتُ مَسجِدَ الرَّسولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَأَدَّيْتُ إِلَيْهِ حَقَّهُ، فرحَّب بِي، وَقَالَ: مَتَى قَدِمْتَ? قُلْتُ: الآنَ. فَقَالَ: كُنْتَ ذَكرْتَ لِي سَوْدَةَ وَنَحْنُ فِي الطَّوَافِ نَتخَايلُ اللهَ بَيْنَ أَعيُنِنَا، وَكُنْتَ قَادِراً أَنْ تَلْقَانِي فِي غَيْرِ ذَلِكَ الموطِنِ, فَقُلْتُ: كَانَ أَمْراً قُدِّرَ, قَالَ: فَمَا رَأْيُكَ اليَوْمَ? قُلْتُ: أَحْرَصُ مَا كُنْتُ عَلَيْهِ قَطُّ، فَدَعَا ابنيه سالمًا وَعَبْدَ اللهِ، وَزَوَّجَنِي.
وَبِهِ إِلَى بِشْرٍ: حَدَّثَنَا خلَّاد بنُ يَحْيَى, حَدَّثَنَا هَارُوْنُ بنُ أَبِي إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنَّمَا مَثَلُنَا فِي هَذِهِ الفِتْنَةِ كَمَثَلِ قَوْمٍ يَسيرُوْنَ عَلَى جَادَّةٍ يَعرفُوْنَهَا، فَبيْنَا هُم كَذَلِكَ؛ إِذْ غَشِيتْهُم سَحَابَةٌ وَظُلمَةٌ، فَأَخَذَ بَعضُهُم يَمِيْناً وَشِمَالاً فَأَخْطَأَ الطَّرِيْقَ، وَأَقَمْنَا حَيْثُ أَدْرَكَنَا ذَلِكَ, حَتَّى جَلاَ اللهُ ذَلِكَ عنَّا، فَأَبْصَرْنَا طرِيقَنَا الأَوَّلَ, فَعَرفْنَاهُ فَأَخَذْنَا فِيْهِ, إِنَّمَا هَؤُلاَءِ فِتيَانُ قُرَيْشٍ يَقْتتِلُونَ عَلَى هَذَا السُّلْطَانِ، وَعَلَى هَذِهِ الدُّنْيَا, مَا أُبالِي أَنْ لاَ يَكُوْنَ لِي مَا يَقتلُ عَلَيْهِ بعضُهُم بعضاً بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ الَجرْدَاوَيْنِ.(4/321)
عَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عمَّن حَدَّثَهُ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا رَآهُ أَحَدٌ ظنَّ بِهِ شَيْئاً مِمَّا يَتَّبِعُ آثَارَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَكِيْعٌ, عَنْ أَبِي مَوْدُوْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ, أَنَّهُ كَانَ فِي طرِيقِ مَكَّةَ يَقُوْلُ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ يَثْنِيْهَا، وَيَقُوْلُ: لعلَّ خُفّاً يَقعُ عَلَى خفِّ -يَعْنِي: خُفَّ رَاحِلَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ "الإِحْكَامِ" فِي البَابِ الثَّامنِ وَالعِشْرِيْنَ: المُكثِرُوْنَ مِنَ الفُتْيَا مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ، وَابْنُه عَبْدُ اللهِ, علي, عائشة, ابن مَسْعُوْدٍ, ابْنُ عَبَّاسٍ, زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، فَهُمْ سَبْعَةٌ فَقَطْ يُمكنُ أَنْ يُجمعَ مِنْ فُتْيَا كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم سِفْرٌ ضَخْمٌ. وَقَدْ جَمعَ أبو بكر محمد بن موسى بن بعقوب بن أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ المَأْمُوْنِ، فُتْيَا ابْنِ عَبَّاسٍ فِي عِشْرِيْنَ كِتَاباً، وَأَبُو بَكْرٍ هَذَا أَحَدُ أَئِمَّةِ الإِسْلاَمِ.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ مُوْسَى، عَنْ نَافِعٍ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ تقلَّد سَيْفَ عُمَرَ يَوْمَ قُتِلَ عُثْمَانُ، وَكَانَ محلَّى, كَانَتْ حِليتُهُ أَرْبَعَ مائَةٍ.
أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ, عَنْ إِبْرَاهِيْمَ الصَّائِغِ، عَنْ نَافِعٍ, أنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَهُ كُتُبٌ يَنظُرُ فِيْهَا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى النَّاسِ. هَذَا غَرِيْبٌ.
وَلابْنِ عُمَرَ فِي "مُسنَدِ بَقِيٍّ" أَلْفَانِ وَسِتُّ مائَةٍ وَثَلاَثُوْنَ حَدِيْثاً بالمكرَّر، وَاتَّفَقَا لَهُ عَلَى مائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَسِتِّيْنَ حَدِيْثاً، وَانْفَرَدَ لَهُ البُخَارِيُّ بِأَحَدٍ وَثَمَانِيْنَ حَدِيْثاً، وَمُسْلِمٌ بِأَحَدٍ وَثَلاَثِيْنَ.
وَأَوْلاَدُهُ مِنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ بنِ مَسْعُوْدٍ الثَّقَفِيِّ: أَبُو بَكْرٍ، وَوَاقِدٌ، وَعَبْدُ اللهِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَعُمَرُ، وَحَفْصَةُ، وَسَوْدَةُ.
وَمِنْ أُمِّ عَلْقَمَةَ المُحَارِبِيَّةِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَبِهِ يكنَّى.
وَمِنْ سُرِّيَّةٍ لَهُ: سَالِمٌ، وَعُبَيْدُ اللهِ، وَحَمْزَةُ.
وَمِنْ سُرِّيَّةٍ أُخْرَى: زَيْدٌ، وَعَائِشَةُ.
وَمِنْ أُخْرَى: أَبُو سَلَمَةَ، وَقِلاَبَةُ.
وَمِنْ أُخْرَى: بِلاَلٌ, فَالجُمْلَةُ: سِتَّةَ عَشَرَ.
وَعَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إِلَيْكُم عَنِّي، فَإِنِّي كُنْتُ مَعَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي، وَلَوْ عَلمْتُ أَنِّي أَبقَى حَتَّى تَفْتَقِرُوا إِلَيَّ؛ لَتَعلَّمْتُ لَكُم.(4/322)
هِشَامُ بنُ سَعْدٍ, عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ القَارِئِ: خَرَجْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ مِنْ مَكَّةَ، وَكَانَ لَهُ جَفْنَةٌ مِنْ ثَرِيْدٍ, يَجْتَمِعُ عَلَيْهَا بَنُوْهُ وَأَصْحَابُهُ وَكُلُّ مَنْ جَاءَ, حَتَّى يَأْكُلَ بعضُهُم قَائِماً، وَمَعَهُ بَعيرٌ لَهُ عَلَيْهِ مَزَادتَانِ فِيْهمَا نَبِيْذٌ وَمَاءٌ، فَكَانَ لِكُلِّ رَجُلٍ قَدَحٌ مِنْ سَوِيْقٍ بِذَلِكَ النَّبِيذِ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّه كَانَ يَأْكُلُ الدَّجَاجَ وَالفِرَاخَ وَالخَبِيْصَ.
مَعْنٌ, عَنْ مَالِكٍ, بَلغَهُ أنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: لَوِ اجْتَمَعَتْ عليَّ الأُمَّةُ إلَّا رَجُلَيْنِ مَا قَاتَلْتُهُمَا.
سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ يُحدِّثُ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ, قَالُوا لابْنِ عُمَرَ: إِنَّكَ سَيِّدُ النَّاسِ وَابْنُ سَيِّدِهِم، فَاخرُجْ يُبَايِعْ لَكَ النَّاسُ، فَقَالَ: لَئِنْ اسْتَطَعْتُ لاَ يُهْرَاقَ فيَّ مِحْجَمَةٌ. قَالُوا: لَتَخْرُجَنَّ أَوْ لتقتلنَّ عَلَى فِرَاشِكَ، فأعاد قوله.
قال الحسن: أطمعوه وخوفوه فيما قَدِرُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ.
وَتَرْجَمَةُ هَذَا الإِمَامِ فِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ مُطَوَّلَةٌ فِي ثَمَانٍ وثلاثين ورقة.
يحول إلى نظرائه(4/323)
ومن صغار الصحابة:
268- الضحاك بن قيس 1: "س"
ابن خالد الأَمِيْرُ, أَبُو أُمَيَّةَ، وَقِيْلَ: أَبُو أُنَيْسٍ، وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقِيْلَ: أَبُو سَعِيْدٍ الفِهْرِيُّ القُرَشِيُّ.
عِدَادُهُ فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ، وَلَهُ أَحَادِيْثُ.
خرَّج لَهُ النَّسَائِيُّ، وَقَدْ رَوَى عَنْ حَبِيْبِ بنِ مَسْلَمَةَ أَيْضاً.
حدَّث عَنْهُ: مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ -وَوَصَفَهُ بِالعَدَالَةِ, وَسَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُوَيْدٍ الفِهْرِيُّ، وَعُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ، وَسِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: شَهِدَ فَتْحَ دِمَشْقَ وَسَكَنَهَا, وَكَانَ عَلَى عَسْكرِ دِمَشْقَ يَوْمَ صفين.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 410"، التاريخ الكبير "4/ ترجمة 3018", الجرح والتعديل "4/ ترجمة 2019"، أسد الغابة "3/ 37"، الكاشف "2/ ترجمة 2458"، تجريد أسماء الصحابة "1/ 2851"، تهذيب التهذيب "4/ ترجمة 781"، الإصابة "2/ ترجمة رقم 4169"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3144".(4/323)
حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ, حَدَّثَنِي محمد بن طلحة، عن مُعَاوِيَةَ, أَنَّهُ قَالَ عَلَى المِنْبَرِ: حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بنُ قَيْسٍ -وَهُوَ عَدْلٌ عَلَى نَفْسِهِ, أنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لاَ يَزَالُ والٍ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى النَّاسِ".
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ جُدْعَانَ: عَنِ الحَسَنِ, أنَّ الضَّحَّاكَ بنَ قَيْسٍ كَتَبَ إِلَى قَيْسِ بنِ الهَيْثَمِ -حِيْنَ مَاتَ يَزِيْدُ: أَمَّا بَعْدُ, فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ:"إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَناً كَقِطَعِ الدُّخَانِ, يَمُوْتُ فِيْهَا قَلْبُ الرَّجُلِ كَمَا يَمُوْتُ بَدَنُهُ"، وَإِنَّ يَزِيْدَ قَدْ مَاتَ، وَأَنْتُم إِخْوَانُنَا، فَلاَ تَسْبِقُونَا بِشَيْءٍ حَتَّى نَخْتَارَ لأَنْفُسِنَا1.
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ الضَّحَّاكُ بنُ قَيْسٍ مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَولاَّهُ الكُوْفَةَ، وَهُوَ الَّذِي صَلَّى عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَقَامَ بِخِلاَفَتِهِ حَتَّى قَدِمَ يَزِيْدُ، ثُمَّ بَعْدَهُ دَعَا إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَبَايعَ لَهُ، ثُمَّ دَعَا إِلَى نَفْسِهِ، وَفِي بَيْتِ أُخْتِهِ فَاطِمَةَ اجْتَمَعَ أَهْلُ الشُّوْرَى، وَكَانَتْ نَبيلَةً.
وذَكَرَهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ بَدْرِيٌّ، فَغَلِطَ.
وَقَالَ شَبَابٌ: مَاتَ زِيَادُ بنُ أَبِيْهِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ بِالكُوْفَةِ، فَوَلاَّهَا مُعَاوِيَةُ الضَّحَّاكَ، ثُمَّ صَرَفَهُ، وَوَلاَّهُ دِمَشْقَ، وولَّى الكُوْفَةَ ابْنَ أُمِّ الحَكَمِ، فَبَقيَ الضَّحَّاكُ عَلَى دِمَشْقَ حَتَّى هَلكَ يَزِيْدُ.
وَقِيْلَ: إِنَّ الضَّحَّاكَ خَطبَ بِالكُوْفَةِ قَاعِداً.
وَكَانَ جَوَاداً، لَبِسَ بُرْداً تُسَاوِي ثَلاَثَ مائَةِ دِيْنَارٍ، فَسَاومَهُ رَجُلٌ بِهِ، فَوَهَبَهُ لَهُ، وَقَالَ: شُحٌّ بِالمَرْءِ أن يبيع عطافه.
قَالَ اللَّيْثُ: أَظهرَ الضَّحَّاكُ بَيْعَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِدِمَشْقَ، وَدَعَا لَهُ، فَسَارَ عامَّة بَنِي أُمَيَّةَ وَحَشَمُهُم، فَلَحِقُوا بِالأُرْدُنِّ، وَسَارَ مَرْوَانُ وَبَنُو بَحْدَلٍ إِلَى الضَّحَّاكِ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا المَدَائِنِيُّ، عَنْ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِيْهِ، وَعَنْ مَسْلَمَةَ بنِ مُحَارِبٍ، عَنْ حَرْبِ بنِ خَالِدٍ، وَغَيْرِهِ, أَنَّ مُعَاوِيَةَ بنَ يَزِيْدَ لَمَّا مَاتَ دَعَا النُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ بِحِمْصَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَدَعَا زُفَرُ بنُ الحَارِثِ أَمِيْرُ قِنَّسْرِيْنَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَدَعَا إِلَيْهِ بِدِمَشْقَ الضَّحَّاكُ سِرّاً لِمَكَانِ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي كَلْبٍ. وَبلغَ حَسَّانَ بنَ بَحْدَلٍ وَهُوَ بِفِلَسْطِيْنَ، وَكَانَ هَوَاهُ فِي خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ، فَكَتَبَ إِلَى الضَّحَّاكِ يُعْظِمُ حَقَّ بَنِي أُمَيَّةَ، وَيَذُمُّ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَقَالَ للرسول: إن قرأ الكتاب،
__________
1ضعيف: أخرجه أحمد "3/ 453"، وابن سعد "7/ 410" وفيه: علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف.(4/324)
وَإِلاَّ فَاقْرَأْهُ عَلَى النَّاسِ. وَكَتَبَ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ, فَلَمْ يَقْرَأِ الضَّحَّاكُ كِتَابَهُ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ اخْتِلاَفٌ، فَسَكَّتَهُم خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ، وَدَخَلَ الضَّحَّاكُ دَارَهُ أَيَّاماً، ثُمَّ صَلَّى بِالنَّاسِ، وَذَكَرَ يَزِيْدَ فَشَتَمَهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ كَلْبٍ فَضَرَبَهُ بِعَصاً، فَاقتتلَ النَّاسُ بِالسُّيوفِ، وَدَخَلَ الضَّحَّاكُ دَارَ الإِمَارَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ، وتفرَّق النَّاسُ، فَفِرقَةٌ زُبَيْرِيَّةٌ، وَأُخْرَى بَحْدَلِيَّةٌ، وَفِرقَةٌ لاَ يُبالُوْنَ، ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يُبَايعُوا الوَلِيْدَ بنَ عُتْبَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ فَأَبَى، ثُمَّ توفِّي، وَطَلبَ الضَّحَّاكُ مَرْوَانَ، فَأَتَاهُ هُوَ وَعَمُّهُ وَالأَشْدَقُ، وَخَالِدُ بنُ يَزِيْدَ وَأَخُوْهُ، فَاعْتذَرَ إِلَيْهِم، وَقَالَ: اكتُبُوا إِلَى ابْنِ بَحْدَلٍ حَتَّى يَنْزِلَ الجَابِيَةَ وَنَسيرُ إِلَيْهِ، وَيَستخلِفُ أَحَدُكُم، فَقَدِمَ ابْنُ بَحْدَلٍ، وَسَارَ الضَّحَّاكُ وَبَنُو أُمَيَّةَ يُرِيْدُوْنَ الجَابِيَةَ, فَلَمَّا اسْتَقَلَّتِ الرَّايَاتُ موجَّهة قَالَ مَعْنُ بنُ ثَوْرٍ، وَالقَيْسِيَّةُ لِلضَّحَّاكِ: دَعَوْتَ إِلَى بَيْعَةِ رَجُلٍ أَحْزمِ النَّاسِ رَأْياً وَفَضلاً وبأسًا، فلمَّا أَجبنَاكَ سِرْتَ إِلَى هَذَا الأَعْرَابِيِّ تُبَايعُ لابْنِ أُخْتِهِ! قَالَ: فَمَا العَمَلُ? قَالُوا: تَصرِفُ الرَّايَاتِ وَتَنْزِلُ، فَتُظْهِرُ البَيْعَةَ لابْنِ الزُّبَيْرِ، فَفَعَلَ وَتَبِعَهُ النَّاسُ، فكَتَبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَيْهِ بِإِمْرَةِ الشَّامِ، وَطَرْدِ الأُمَوِيَّةِ مِنَ الحِجَازِ.
وَخَافَ مَرْوَانُ فَسَارَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ لِيُبَايِعَ، فَلَقِيَهُ بِأَذْرِعَاتٍ عُبَيْدُ اللهِ بنُ زِيَادٍ مُقْبِلاً مِنَ العِرَاقِ، فَقَالَ: أَنْتَ شَيْخُ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ, سُبْحَانَ اللهِ! أَرْضِيتَ أَنْ تُبَايِعَ أَبَا خُبَيْبٍ، وَلأَنْتَ أَوْلَى, قَالَ: فَمَا تَرَى? قَالَ ادْعُ إِلَى نَفْسِكَ، وَأَنَا أَكْفِيكَ قُرَيْشاً، وَمَوَالِيهَا، فَرَجَعَ وَنَزلَ بِبَابِ الفَرَادِيْسِ، وَبَقيَ يَرْكَبُ إِلَى الضَّحَّاكِ كُلَّ يَوْمٍ، فَيُسلِّمُ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَطَعَنَهُ رَجُلٌ بِحَربَةٍ فِي ظَهْرِهِ، وَعَلَيْهِ دِرْعٌ فَأَثْبَتَ الحَرْبَةَ، فردَّ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَعَادَهُ الضَّحَّاكُ، وَأَتَاهُ بِالرَّجُلِ فَعَفَا عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ لِلضَّحَّاكِ: يَا أَبَا أُنَيْسٍ! العَجبُ لَكَ، وَأَنْت شَيْخُ قُرَيْشٍ تَدعُو لابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَنْتَ أَرْضَى مِنْهُ! لأَنَّكَ لَمْ تَزلْ مُتَمَسِّكاً بِالطَّاعَةِ، وَهُوَ، فَفَارقَ الجَمَاعَةَ. فَأَصْغَى إِلَيْهِ، وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فقالوا: أخذت عهودنا وبيعتنا لرجل، ثم تدعوا إِلَى خَلْعِهِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ!، وَأَبَوْا، فَعَاودَ الدُّعَاءَ لابْنِ الزُّبَيْرِ، فَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ زِيَادٍ: مَنْ أَرَادَ مَا تُرِيْدُ لَمْ يَنْزِلِ المَدَائِنَ وَالحُصُونَ, بَلْ يَبرزُ وَيَجمعُ إِلَيْهِ الخَيلَ، فَاخْرُجْ وَضُمَّ الأَجْنَادَ، فَفَعَلَ وَنَزَلَ المَرجَ، فانضمَّ إِلَى مَرْوَانَ وَابْنِ زِيَادٍ جَمْعٌ. وَتَزوَّجَ مَرْوَانُ بوَالِدَةِ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ، وَهِيَ ابْنَةُ هَاشِمِ بنِ عُتْبَةَ بنِ رَبِيْعَةَ، وانضمَّ إِلَيْهِمْ عَبَّادُ بنُ زِيَادٍ فِي مَوَالِيْهِ، وانضمَّ إِلَى الضَّحَّاكِ زُفَرُ بنُ الحَارِثِ الكِلاَبِيُّ أَمِيْرُ قِنَّسْرِيْنَ، وَشُرَحْبِيْلُ بنُ ذِي الكَلاَعِ، فَصَارَ فِي ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، وَمَرْوَانُ فِي ثَلاَثَةَ عَشَرَ أَلْفاً, أَكْثَرُهُم رَجَّالَةٌ، وَقِيْلَ: لَمْ يَكُنْ مَعَ مَرْوَانَ سِوَى ثَمَانِيْنَ فَرَساً، فَالتَقَوْا بِالمَرجِ أَيَّاماً، فقال ابن زياد: لاَ تَنَالُ مِنْ هَذَا إلَّا بِمَكيدَةٍ، فَادْعُ إِلَى المُوَادعَةِ، فَإِذَا أَمِنَ فكُرْ عَلَيْهِم، فَرَاسَلَهُ، فَأَمْسَكُوا عَنِ الحَرْبِ، ثُمَّ شدَّ مَرْوَانُ بِجَمْعهِ عَلَى الضَّحَّاكِ، وَنَادَى النَّاسَ: يَا أَبَا أُنَيْسٍ! أَعَجْزاً بَعْدَ كَيْسٍ? فَقَالَ الضَّحَّاكُ: نَعَمْ لَعَمْرِي، وَالتحَمَ الحَرْبُ، وَقُتِلَ الضَّحَّاكُ، وَصَبرَتْ قَيْسٌ، ثُمَّ انهزَمُوا، فَنَادَى مُنَادِي مَرْوَانَ: لاَ تَتْبَعُوا مُوَلِّياً.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: قُتِلَتْ قَيْسٌ بِمَرْجِ رَاهِطٍ مَقْتَلَةً لَمْ تُقْتَلْهَا قَطُّ، فِي نِصْفِ ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ.
وَقِيْلَ: إِنَّ مَرْوَانَ لَمَّا أُتِيَ بِرَأْسِ الضَّحَّاكِ كَرِهَ قَتْلَهُ، وَقَالَ: الآنَ حِيْنَ كَبِرَتْ سِنِّي، وَاقْتربَ أَجَلِي, أَقْبَلْتُ بِالكَتَائِبِ أَضْرِبُ بَعضَهَا بِبَعْضٍ.(4/325)
269- الحسن بن علي بن أبي طالب 1: "ع"
ابْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ، الإمام السيد، رَيْحَانَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسِبْطُهُ، وَسَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ, أَبُو مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ الهَاشِمِيُّ المَدَنِيُّ، الشَّهِيْدُ.
مَوْلِدُهُ: فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلاَثٍ مِنَ الهِجْرَةِ, وَقِيْلَ: فِي نِصْفِ رَمَضَانِهَا، وعقَّ عَنْهُ جَدُّهُ بِكَبشٍ2.
وَحَفِظَ عَنْ جَدِّهِ أَحَادِيْثَ، وَعَنْ أَبِيْهِ وَأُمِّهِ.
حدَّث عَنْهُ: ابْنُه الحَسَنُ بنُ الحَسَنِ، وَسُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ، وَأَبُو الحَوْرَاءِ3 السَّعْدِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَهُبَيْرَةُ بنُ يَرِيْمَ، وَأَصْبَغُ بن نباتة، والمسيب بن نجبة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "2/ ترجمة 2491"، حلية الأولياء "2/ 35"، والاستيعاب "1/ 383"، تاريخ بغداد "1/ 138"، وأسد الغابة "2/ 9"، تهذيب الأسماء واللغات "1/ 158-160"، وفيات الأعيان "2/ 65-69"، تهذيب التهذيب "2/ ترجمة 528", الإصابة "1/ ترجمة 1719"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة "1361".
2 صحيح: ورد من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ أنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عقَّ عن الحسن والحسن كبشًا كبشًا". أخرجه أبو داود "2841"، والنسائي "7/ 166"، والطحاوي في "المشكل" "1/ 457"، والطبراني "11838"، وابن الجارود "911"، وورد من حديث أنس بن مالك قال: "عق رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ حسن وحسين بكبشين" أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" "1/ 456"، وأبو يعلى "2945"، والبزار "1235"، والبيهقي "9/ 299" من طرق عن ابن وهب، أخبرني جرير بن حازم، عن قتادة عن أنس بن مالك به، وورد من حديث عائشة قالت: عقَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن حسن وحسين يوم السابع، وسماهما، وأمر أن يماط عن رءوسهما الأذى". أخرجه الحاكم "4/ 237"، والبيهقي "9/ 299-300" من طريق ابن وهب, أخبرني محمد من عمرو اليافعي، عن جريج، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة به.
3 أبو الحوراء: هو ربيعة بن شيبان السعدي -بمهلتين- البصري، ثقة، من الطبعة الثالثة، روى له أصحاب السنن الأربعة.(4/326)
وَكَانَ يُشْبِهُ جَدَّهُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَهُ أَبُو جُحَيْفَةَ1.
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ, حَدَّثَنَا شُعْبَةُ, سَمِعْتُ بُرَيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ يُحدِّثُ عَنْ أَبِي الحَوْرَاءِ, قُلْتُ لِلْحَسَنِ: مَا تَذكُرُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَذْكُرُ أَنِّي أَخذْتُ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلتُهَا فِي فيَّ, فَنَزَعهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِلُعَابِهَا، فَجَعَلَهَا فِي التَّمْرِ، فَقِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! وَمَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ هَذِهِ التَّمْرَةِ لِهَذَا الصَّبيِّ? قَالَ: "إِنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لاَ تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ" , قَالَ: وَكَانَ يَقُوْلُ: "دَعْ مَا يَرِيْبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيْبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِيْنَةٌ، وَالكَذِبَ رِيْبَةٌ"، وَكَانَ يُعلِّمُنَا هَذَا الدُّعَاءَ: "اللهم اهدني فيمن هديت ... " الحديث2.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ, أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ بُرَيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي الحَوْرَاءِ، عَنِ الحَسَنِ قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَلمَاتٍ أَقُوْلُهُنَّ فِي القُنُوتِ: "اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيْمَنْ هديت" 3.
إسرائيل, عن أبي إسحاق، عن هانىء، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَمَّا وُلِدَ الحَسَنُ جَاءَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "أَرُوْنِي ابْنِي مَا سَمَّيْتُمُوْهُ"؟ قُلْتُ: حَرْبٌ, قَالَ: "بل هو حسن ... "، وذكر الحديث4.
__________
1 أبو جحيفة: هو وهب بن عبد الله السوائي، والحديث أخرجه البخاري "3543"، ومسلم "2243"، والترمذي "3802"، وأحمد "4/ 307".
2 صحيح: أخرجه بتمامه عبد الرزاق "4984"، والطبراني في "الكبير" "2708"، و"2711"، وأبو نعيم في "الحلية" "8/ 264" من طريق بُريد بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي الحَوْرَاءِ السعدي، به.
وقوله: "دَعْ مَا يَرِيْبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيْبُكَ, فإن الصدق طمأنينة، والشرّ ريبة" أخرجه الطيالسي "1178"، والترمذي "2518"، والحاكم "2/ 13" و"4/ 99" من طريق شعبة، حدثنا بُريد بن أبي مريم، به.
3 صحيح: أخرجه عبد الرزاق "4984، والطيالسي "1177" و"1179"، وأحمد "1/ 200"، والدارمي "1/ 373"، والطبراني "2711" من طريق بريد بن أبي مريم، به.
وأخرجه أبو داود "1425"، والترمذي "464"، والنسائي "3/ 248"، والدارمي "1/ 373", والطبراني "2705"، والبغوي "640" من طريق عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق السبيعي، عن بريد، به.
وأخرجه أحمد "1/ 199"، والطبراني "2712"، وابن الجارود "272"، وابن نصر "ص135" في "مختصر قيام الليل" من طريق وكيع، عن يونس بن أبي إسحاق، عن بريد، به.
4 حسن: أخرجه أحمد "1/ 98 و118"، والبخاري في "الأدب المفرد" "823"، والبزار "742"، والطبراني في "الكبير" "2773"، والحاكم "3/ 165 و180"، والبيهقي "6/ 166" من طرق عن إسرائيل، به. وأخرجه الطبراني "2774" و"2776"، والحاكم "3/ 168" من طريق أبي إسحاق، به.
قلت: إسناده حسن، هانئ بن هانئ الهمداني الكوفي, قال النسائي: ليس به بأس, وذكره ابن حبان في "الثقات".(4/327)
يَحْيَى بنُ عِيْسَى التَّمِيْمِيُّ: حدَّثنا الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ, قَالَ عَلِيٌّ: كُنْتُ رَجُلاً أُحبُّ الحَرْبَ، فَلَمَّا وُلِدَ الحَسَنُ هَمَمْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ حَرْباً، فسمَّاه رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحَسَنَ، فلمَّا وُلِدَ الحُسَيْنُ هَمَمْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ حَرْباً، فسمَّاه الحُسَيْنَ، وَقَالَ: "إنني سميت ابنيَّ هذين باسم ابني هارون شَبَّرَ وَشَبِيْرَ"1.
عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ, عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ, أَنَّهُ سمَّى ابْنَهُ الأَكْبَرَ حَمْزَةَ، وسمَّى حُسَيْناً بِعَمِّهِ جَعْفَرٍ، فَدَعَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "قَدْ غَيَّرْتُ اسْمَ ابنيَّ هَذَيْنِ" فسمَّى حسنًا وحسينًا2.
ابْنُ عُيَيْنَةَ, عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَمَّا وَلدَتْ فَاطِمَةُ حَسَناً, أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمَّاهُ حَسَناً، فَلَمَّا وَلَدَتِ الآخرَ سَمَّاهُ حُسَيْناً، وَقَالَ: "هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا" فشقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ.
ذَكَرَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: أَنَّهُ -أَعْنِي: الحَسَنَ- وُلِدَ فِي نِصْفِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلاَثٍ، وَفِي شَعْبَانَ أَصَحُّ.
السُّفْيَانَانِ, عَنْ عَاصِمِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيْهِ, أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- أذَّن فِي أُذُنِ الحَسَنِ بِالصَّلاَةِ حِيْنَ وُلِدَ3.
أَيُّوْبُ, عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عقَّ عَنِ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ كَبْشاً كَبْشاً4.
شَرِيْكٌ, عَنِ ابْنِ عَقِيْلٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قال: لما ولدت فاطمة
__________
1 ضعيف: أخرجه الطبراني في الكبير "2777" من طريق عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ أَبَانٍ، حَدَّثَنَا يحيى بن عيسى الرملي التميمي، به.
قلت: إسناده ضعيف؛ لانقطاعه بين سالم بن أبي الجعد وعليّ بن أبي طالب، فهو مشهور كثير الإرسال عن كبار الصحابة كعمر وعلي وعائشة وابن مسعود وغيرهم -رضي الله عنهم.
2 حسن: أخرجه أحمد "1/ 159"، والطبراني في الكبير "3/ 2780" من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل، به.
قلت: إسناده حسن، عبد الله بن محمد بن عقيل، صدوق، في حديثه لين.
3 حسن لغيره: أخرجه أحمد "6/ 9 و392"، وأبو داود "5105"، والترمذي "1514", والطبراني "2578"، والبيهقي "9/ 305"، وفيه عاصم بن عبيد الله، ضعيف، وله شاهد عند البيهقي في "الشعب" من حديث ابن عباس، به.
4 صحيح: تقدَّم تخريجنا له قريبًا بتعليقنا رقم "627"، وهو عند أبي داود "2841", والنسائي "7/ 166"، والطحاوي في "المشكل" "1/ 457"، والطبراني "11838" وغيرهم, فراجعه ثَمَّتَ.(4/328)
حَسَناً, قَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! ألَا أَعُقُّ عن ابني بدم? قال: "لا, لكن احْلِقِي رَأْسَهُ، وتصدَّقي بِوَزْنِ شَعْرِهِ فِضَّةً عَلَى المساكين" ففعلت1.
جَعْفَرٌ الصَّادِقُ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: وَزَنَتْ فَاطِمَةُ شَعْرَ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَأُمِّ كُلْثُوْمٍ، فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَتِهِ فِضَّةً.
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عُمَرَ بنِ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ الحَارِثِ قَالَ: صَلَّى بِنَا أَبُو بَكْرٍ العَصرَ، ثُمَّ قَامَ وَعَلِيٌّ يَمْشيَانِ، فَرَأَى الحَسَنَ يَلعبُ مَعَ الغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ أَبُو بَكْرٍ فَحَمَلَهُ عَلَى عُنُقِهِ، وَقَالَ:
بأَبِي شَبِيْهٌ النَّبِيّ ... لَيْسَ شَبِيْهٌ بِعَلِيّ
وَعَلِيٌّ يتبسَّم2.
عَلِيُّ بنُ عَابِسٍ, حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنِ البَهِيِّ قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: رَأَيْتُ الحَسَنَ يَأْتِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ سَاجِدٌ, يَرْكَبُ عَلَى ظَهْرِهِ، وَيَأْتِي وَهُوَ رَاكعٌ، فَيَفْرِجُ لَهُ بَيْنَ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الجَانبِ الآخَرِ3.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ أَنَسٌ: كان أشبههم بالنبي -عليه الصلاة السلام- الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ4.
إِسْرَائِيْلُ, عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عن هانىء، عن علي قال: الحسن أَشْبَهُ النَّاسِ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, مَا بَيْنَ الصَّدْرِ إِلَى الرَّأْسِ، وَالحُسَيْنُ أَشْبَهُ بِهِ مَا كَانَ أَسفلَ مِنْ ذَلِكَ5.
__________
1 حسن: أخرجه أحمد "6/ 390"، والطبراني في "الكبير" "1/ 917" و"3/ 2576" من طريق شريك، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته شريك، وهو ابن عبد الله النخعي القاضي، سيئ الحفظ, وابن عقيل: هو عبد الله بن محمد بن عقيل، صدوق, في حديثه لين. وتابع شريكًا زكريا بن عدي عند أحمد "6/ 392" قال: حدثنا زكريا بن عدي قال: أنا عبيد الله بن عمر, وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، عَنْ علي بن الحسين، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3542".
3 ضعيف: فيه علي بن عابس، ضعيف، أجمعوا على ضعفه, وفيه يزيد بن أبي زياد الهاشمي, مولاهم، الكوفي، ضعيف، كبر فتغيِّر، صار يتلقَّن.
4 صحيح: أخرجه عبد الرزاق "20984"، ومن طريقه البخاري "3752"، والترمذي "3778" والطبراني "2543" عن معمر، عن الزهري، عن أنس، به.
5 حسن: أخرجه أحمد "1/ 99 و108"، وفي "فضائل الصحابة له "1366"، والترمذي "3779" وابن حبَّان "2235" موارد من طريق إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئ بنِ هانئ، عن علي، به.
قلت: إسناده حسن، هانئ بن هانئ، قال النسائي: ليس به بأس. وذكره ابن حبان في "الثقات".(4/329)
عاصم بن كليب، عن أبيه، عن ابن عَبَّاسٍ, أَنَّهُ شبَّه الحَسَنَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ أُسَامَةُ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأخُذُنِي وَالحَسَنَ، وَيَقُوْلُ: "اللهمَّ إِنِّيْ أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا" 1.
وَفِي "الجَعْدِيَّاتِ" لِفُضَيْلِ بنِ مَرْزُوْقٍ, عَنْ عَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ، عَنِ البَرَاءِ, قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْحَسَنِ: "اللَّهُمَّ إِنِّيْ أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ" صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ2.
أَحْمَدُ, حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ، عَنْ نَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِلْحَسَنِ: "اللَّهُمَّ إِنِّيْ أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ" 3.
وَرَوَاهُ نُعَيْمٌ المُجْمِرُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَزَادَ: قَالَ: فما رأيت الحسن إلَّا دمعت عيني.
وَرَوَى نَحْوَهُ ابْنُ سِيْرِيْنَ عَنْهُ، وَفِي ذَلِكَ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ، فَهُوَ مُتَوَاتِرٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرَةَ: رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى المِنْبَرِ، وَالحَسَنُ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ" 4.
يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ, عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ مَرْفُوعاً: "الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ" 5. صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3747".
2 صحيح: أخرجه البخاري "3749"، ومسلم "2422" من طريق شعبة، عن عدي بن ثابت، عن البراء، به.
3 صحيح: أخرجه أحمد "2/ 249 و331".
4 صحيح: أخرجه أحمد "5/ 37-38 و49"، والبخاري "3704" و"3629" و"3746" و"7109"، وأبو داود "4662"، والترمذي "2953"، والنسائي "3/ 107", وفي "عمل اليوم والليلة" له "251"، وفي "فضائل الصحابة" "63"، والطبراني "2590" و"2592" من طريق الحسن، أخبرني أبي بكرة، به.
قلت: الإسناد صحيح متصل, فرواية الحسن البصري عن أبي بكرة في البخاري.
5 صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة "12/ 96"، وأحمد "3/ 3 و62 و64 و82"، وفي "فضائل الصحابة" له "1360" و"1368" و"1384"، والترمذي "3768"، وأبو يعلى "1169"، والحاكم "3/ 166-167"، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" "2/ 393"، والطبراني "2610" و"2611" و"2612" و"2613"، والخطيب في "تاريخه" "4/ 207" وأبو نعيم في "الحلية" "5/ 71" من طرق عن عبد الرحمن ابن أبي نعم، حدثني أبي سعيد الخدري، به.(4/330)
وحسَّن التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيْثِ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةً وَهُوَ مُشتمِلٌ عَلَى شَيْءٍ, قُلْتُ: مَا هَذَا? فَكَشَفَ, فَإِذَا حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ عَلَى وَرِكَيْهِ، فَقَالَ: "هَذَانِ ابْنَايَ، وَابْنَا بِنْتِي, اللَّهُمَّ إني أحبهما فأحبهما، وأحب من يحبهما" 1.
تفرَّد بِهِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ زَيْدِ بنِ المُهَاجَرِ المَدَنِيُّ، عَنْ مُسْلِمِ بنِ أَبِي سَهْلٍ النَّبَّالِ، عَنِ الحَسَنِ بنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، وَلَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ مُوْسَى بنِ يَعْقُوْبَ الزَّمْعِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، فَهَذَا مِمَّا يُنتقَدُ تَحسينُهُ عَلَى التِّرْمِذِيِّ.
وَحَسَّنَ أَيْضاً لِيُوْسُفَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ أَنَسٍ: سُئِلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ أَهْلِ بَيْتِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ? قَالَ: "الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ"، وَكَانَ يَشَمُّهُمَا وَيَضُمُّهُمَا إِلَيْهِ2.
مَيْسَرَةُ بنُ حَبِيْبٍ, عَنِ المِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ زِرٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ, سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "هَذَا مَلَكٌ لَمْ يَنْزِلْ قَبْلَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ, استأذن ربه أن يسلم عليَّ ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأن الحسن وَالحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ" 3. حسَّنه التِّرْمِذِيُّ.
وصحَّح لِلْبَرَاءِ أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبْصرَ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّيْ أحبهما، فأحبهما" 4.
قَالَ قَابُوْسِ بنِ أَبِي ظِبْيَانَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ, أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَي الحَسَنِ، وقبَّل زُبَيْبَهُ5.
وَقَدْ كَانَ هَذَا الإِمَامُ سَيِّداً وَسِيماً جَمِيْلاً، عَاقِلاً رَزِيناً، جَوَاداً مُمَدَّحاً، خَيِّراً دَيِّناً،
__________
1 صحيح: أخرجه الترمذي "3769".
2 ضعيف: أخرجه الترمذي "3772"، وفيه يوسف بن إبراهيم التميمي، أبو شيبة الجوهري الواسطي، ضعيف.
3 صحيح: أخرجه الترمذي "3781"، وفيه المنهال بن عمرو، صدوق.
وأخرجه أحمد "5/ 391"، والخطيب "6/ 372"، والحاكم "3/ 151".
4 صحيح: هو عند الترمذي "3782"، وتقدَّم تخريجنا له قريبًا بتعليقنا رقم "644".
5 ضعيف: أخرجه الطبراني "2658"، وفيه قابوس بن أبي ظبيان، قال أبو حاتم: لا يحتج به, وقال أحمد: ليس بذلك، لم يكن من النقد الجيد. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ ابْنُ حبَّان في "المجروحين" "2/ 216": "كان رديء الحفظ, ينفرد عن أبيه بما لا أصل له، ربما رفع المراسيل وأسند الموقوف".(4/331)
وَرِعاً مُحتشِماً، كَبِيرَ الشَّأْنِ، وَكَانَ مِنْكَاحاً مِطْلاَقاً، تزوَّج نَحْواً مِنْ سَبْعِيْنَ امْرَأَةً، وقلَّما كَانَ يُفَارِقُهُ أَرْبَعُ ضَرَائِرَ.
عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ أنَّ عَلِيّاً قَالَ: يَا أَهْلَ الكُوْفَةِ, لاَ تُزَوِّجُوا الحَسَنَ، فَإِنَّهُ مِطْلاَقٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: وَاللهِ لنزوجنَّه، فما رضي أمسك، وما كره طلق.
قا ل ابْنُ سِيْرِيْنَ: تزوَّج الحَسَنُ امْرَأَةً، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا بِمائَةِ جَارِيَةٍ, مَعَ كُلِّ جَارِيَةٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ.
وَكَانَ يُعطِي الرَّجُلَ الوَاحِدَ مائَةَ أَلْفٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ حجَّ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً، وحجَّ كَثِيْراً مِنْهَا مَاشياً مِنَ المَدِيْنَةِ إِلَى مَكَّةَ، وَنَجَائِبُهُ تُقَادُ مَعَهُ.
الحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ": مِنْ طرِيقِ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ زُهَيْرِ بنِ الأَقْمَرِ البَكْرِيِّ قَالَ: قَامَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ يَخْطُبُهُم، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَزْدِ شَنُوْءةَ فَقَالَ: أَشْهَدُ, لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاضِعَهُ فِي حَبْوَتِهِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: "مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّهُ، وليبلغ الشاهد الغائب".
وَفِي "جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ" مِنْ طرِيقِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ, أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخذَ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ، فَقَالَ: "مَنْ أَحَبَّ هَذَيْنِ وَأَبَاهُمَا وَأُمَّهُمَا, كَانَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ". إِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ، وَالمَتْنُ مُنْكَرٌ.
"المُسْنَدُ": حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ زُهَيْرِ بنِ الأَقْمَرِ قَالَ: بَيْنَمَا الحَسَنُ يَخطُبُ بَعْدَ مَا قُتِلَ عَلِيٌّ؛ إِذْ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَزْدِ, آدَمُ طُوَالٌ، فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاضِعَهُ فِي حَبْوَتِهِ يَقُوْلُ: "مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّهُ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ"، وَلَوْلاَ عِزمَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا حدَّثتكم1.
عَلِيُّ بنُ صَالِحٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ, عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ, قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَذَانِ ابْنَايَ, مَنْ أحبهما فقد أحبني".
__________
1 ضعيف: أخرجه أحمد "5/ 366"، وفيه زهير بن الأقمر، أبو كثير، مجهول، لذا قال الحافظ في التقريب: مقبول.(4/332)
جَمَاعَةٌ، عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ, أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- جَلَّلَ حَسَناً وَحُسَيْناً وَفَاطِمَةَ بِكسَاءٍ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِي وَخَاصَّتِي، اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا"1.
إِسْرَائِيْلُ, عَنِ ابْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ, قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا حُذَيْفَةُ, جَاءنِي جِبْرِيْلُ فَبَشَّرَنِي أَنَّ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ".
وَرُوِيَ نَحْوُهُ، عَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَزِرٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، عن سعيد بنِ رَاشِدٍ، عَنْ يَعْلَى بنِ مُرَّةَ قَالَ: جَاءَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ يَسعيَانِ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الآخَرِ، فَجَعَلَ يَدَهُ فِي رَقبتِهِ، ثُمَّ ضمَّه إِلَى إِبطِهِ، ثُمَّ قبَّل هَذَا، ثُمَّ قبَّل هَذَا، وَقَالَ: "إِنِّيْ أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا"، ثُمَّ قَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الوَلَدَ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ مَجْهَلَةٌ".
مَعْمَرٌ, عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الأسود بن خلف، عَنْ أَبِيْهِ, أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- أخذ حسنًا فقبَّله، ثم أقبل عليه فَقَالَ: "إِنَّ الوَلَدَ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ".
كَامِلٌ أَبُو العَلاَءِ, عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صلاة
__________
1 فيه شهر بن حوشب، ضعيف، سيئ الحفظ. وقد ورد بهذا اللفظ عن أم سلمة عند الترمذي "3205" و"3787" حدثنا قتيبة، حدثنا محمد بن سليمان الأصبهاني، عن يحيى بن عبيد، عن عطاء بن أبي رياح، عن عمر بن أبي سلمة, ربيب النبي -صلى الله عليه وسلم، عن أمَّه في قصة.
قلت: إن كان يحيى بن عبيد هو المكي، مولى بني مخزوم، فهو ثقة، والإسناد حسن، وإلّا فهو مجهول. ويضعف الإسناد به، وهذا الراوي لم يتبين للحافظ المزي، وللحافظ ابن حجر العسقلاني لم يتبين لهما من هو، فقال: يحتمل أن يكون يحيى بن عبيد المكي, وإلّا فهو مجهول، وإن كنت أرجّح أن الحديث ضعيف بهذا اللفظ لجهالة هذا الرجل, لماذا؟ لأنَّ الترمذي قال في إثر الحديث: "هذا حديث غريب من حديث عطاء, عن عمر بن أبي سلمة".
يقو ل محمد أيمن الشبراوي: اصطلاح الترمذي هذا: "هذا حديث غريب" معروف عند الأكابر بله أصاغر طلاب علم الحديث أنَّ الحديث ضعيف عنده، فيحيى بن عبيد ليس المكي، وإنما هو رجل مجهول والله -تعالى- أعلم.
لكن قد ورد الحديث عن عائشة قالت: خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليه مرط مرحل من شعر أسود, فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه, ثم جاءت فاطمة فأدخلها, ثم جاء علي فأدخله, ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] .
أخرجه مسلم "2424" بإسناد عن صفية بنت شيبة، عن عائشة، به.(4/333)
العِشَاءِ، فَكَانَ إِذَا سَجدَ رَكبَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا رَفعَ رَأْسَهُ رَفَعَهُمَا رَفْعاً رَفِيقاً، ثُمَّ إِذَا سَجدَ عَادَا، فلمَّا صَلَّى قُلْتُ: ألَا أَذْهبُ بِهِمَا إِلَى أُمِّهِمَا? قَالَ: فَبَرقَتْ بَرْقَةٌ، فَلَمْ يَزَالاَ فِي ضَوئهَا حَتَّى دَخَلاَ عَلَى أُمِّهِمَا.
رَوَاهُ أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَأَسْبَاطُ بنُ مُحَمَّدٍ عَنْهُ.
زَيْدُ بنُ الحُبَابِ, عَنْ حُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ: حدَّثني عَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخطُبُ، فَأَقْبَلَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيْصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثُرَانِ وَيَقُوْمَانِ، فَنَزَلَ فَأَخَذَهُمَا، فَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "صَدَقَ اللهُ: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التَّغَابُنُ: 15] . رَأَيْتُ هَذَيْنِ، فَلَمْ أَصْبِرْ" ثُمَّ أَخَذَ فِي خُطبتِهِ.
أَبُو شِهَابٍ, مَسْرُوْحٌ، عَنِ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ، وَعَلَى ظَهْرِهِ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ، وَهُوَ يَقُوْلُ: "نِعْمَ الجَمَلُ جَمَلُكُمَا، وَنِعْمَ العِدْلاَنِ أَنْتُمَا". مسروح ليِّن.
جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَعْقُوْبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَدَّادٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو حَامِلٌ حَسَناً أَوْ حُسَيْناً، فتقدَّم فَوَضَعَهُ، ثُمَّ كبَّر فِي الصَّلاَةِ، فَسَجَدَ سجدَةً أَطَالَهَا، فَرفعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِهِ، فَرَجعْتُ فِي سُجُودِي، فلمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ, إِنَّكَ أَطَلْتَ! قَالَ: "إِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعْجِلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ".
قُلْتُ: أَيْنَ الفَقِيْهُ المُتَنَطِّعُ عَنْ هَذَا الفِعْلِ?
عَنْ سَلَمَةَ بنِ وَهْرَامَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَامِلَ الحَسَنِ عَلَى عَاتِقِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا غُلاَمُ! نِعْمَ المَرْكَبُ رَكِبْتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَنِعْمَ الرَّاكِبُ هُوَ". رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى فِي "مُسْنَدِهِ".
أَحْمَدُ فِي "مُسْندِهِ": حَدَّثَنَا تَلِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ, حَدَّثَنَا أَبُو الجَحَّافِ, حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَظَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- إلى عَلِيٍّ وَابْنَيْهِ وَفَاطِمَةَ، فَقَالَ: "أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُم, سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُم".
الطَّيَالِسِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ": حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي فَاخِتَةَ, قَالَ عَلِيٌّ: زَارَنَا رَسُوْلُ(4/334)
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَاتَ عِنْدَنَا، وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ نَائِمَانِ، فَاسْتَسقَى الحَسَنُ، فَقَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى قُرْبَةٍ وَسَقَاهُ، فَتنَاوَلَ الحُسَيْنُ لِيَشْرَبَ, فَمَنَعَهُ وَبدَأَ بِالحَسَنِ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! كأنَّه أَحَبُّهُمَا إِلَيْكَ, قَالَ: "لاَ، وَلَكِنْ هَذَا اسْتَسقَى أَوَّلاً"، ثُمَّ قَالَ: "إِنِّيْ وَإِيَّاكِ وَهَذَيْنِ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ"، وَأَحسِبُهُ قَالَ: "وَعَلِيّاً".
بَقِيَّةُ, عَنْ بَحِيْرٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عَنِ المِقْدَامِ بنِ مَعْدِ يْكَرِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حَسَنٌ مِنِّي، وَالحُسَيْنُ مِنْ عَلِيٍّ".
رَوَاهُ ثَلاَثَةٌ عَنْهُ، وَإِسْنَادُهُ قويٌّ.
ابْنُ عَوْنٍ, عَنْ عُمَيْرِ بنِ إِسْحَاقَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ الحَسَنِ، فَلَقِيَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: أَرِنِي أُقَبِّلُ مِنْكَ حَيْثُ رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَبِّلُ، فَقَالَ بقميصه، فقبَّل سرته.
رَوَاهُ عِدَّةٌ عَنْهُ.
حَرِيزُ بنُ عُثْمَانَ, عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَوْفٍ الجُرَشِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمُصُّ لِسَانَهُ أَوْ شَفَتَهُ -يَعْنِي: الحَسَنَ, وَإِنَّهُ لَنْ يُعَذَّبَ لِسَانٌ أَوْ شَفَتَانِ مَصَّهُمَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ لِلْحَسَنِ: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ, يُصْلِحُ اللهُ بِهِ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ".
وَمِثْلُهُ مِنْ حَدِيْثِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ1.
رَوَاهُ يُوْنُسُ، وَمَنْصُوْرُ بنُ زَاذَانَ، وَإِسْرَائِيْلُ أَبُو مُوْسَى، وَهِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، وَأَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ، وَمُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، وَغَيْرُهُم, عَنْهُ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُوْسَى بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ, أَنَّ عُمَرَ لَمَّا دوَّن الدِّيْوَانَ, أَلْحقَ الحَسَنَ والحسين بفريضة أبيهما؛ لقرابتهما مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَضَ لكلٍّ مِنْهُمَا خمسة آلاف درهم.
أَبُو المَلِيحِ الرَّقِّيُّ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ الجُعْفِيُّ قَالَ: فَاخَرَ يَزِيْدُ بنُ مُعَاوِيَةَ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ،
__________
1 صحيح: تقدَّم تخريجنا له قريبًا بتعليقنا رقم "646".(4/335)
فَقَالَ لَهُ أَبُوْهُ: فَاخَرْتَ الحَسَنَ? قَالَ: نَعَمْ, قَالَ: لَعَلَّكَ تَظُنُّ أَنَّ أُمَّكَ مِثْلُ أُمِّهِ, أَوْ جدَّك كَجَدِّهِ، فأمَّا أَبُوْكَ وَأَبُوْهُ فَقَدْ تَحَاكَمَا إِلَى اللهِ، فَحَكَمَ لأَبِيْكَ عَلَى أَبِيْهِ.
زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ, قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا نَدِمْتُ عَلَى شَيْءٍ فَاتَنِي فِي شَبَابِي إلَّا أنِّي لَمْ أَحُجَّ مَاشياً، وَلَقَدْ حجَّ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ خَمْساً وَعِشْرِيْنَ حَجَّةً مَاشِياً، وَإِنَّ النَّجَائِبَ لَتُقَادُ مَعَهُ, وَلَقَدْ قَاسَمَ اللهَ مَالَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، حَتَّى إِنَّهُ يُعطِي الخُفَّ وَيُمْسِكُ النَّعْلَ.
رَوَى نَحْواً مِنْهُ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ, حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ, حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ, لَكنْ قَالَ: خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً.
رَوَى مُغِيْرَةُ بنُ مِقْسَمٍ، عَنْ أُمِّ مُوْسَى, كَانَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَرَأَ الكَهْفَ.
قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: سَمِعَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ رَجُلاً إِلَى جَنْبِهِ يَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرزُقَهُ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَانْصَرَفَ فَبَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ.
رَجَاءٌ, عَنِ الحَسَنِ, أنَّه كَانَ مُبَادراً إِلَى نُصْرَةِ عُثْمَانَ، كَثِيرَ الذَّبِّ عَنْهُ، بَقِيَ فِي الخِلاَفَةِ بَعْدَ أَبِيْهِ سَبْعَةَ أَشهُرٍ.
إِسْرَائِيْلُ, عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ، عَنْ عَلِيٍّ, أَنَّهُ خَطبَ وَقَالَ: إِنَّ الحَسَنَ قَدْ جَمَعَ مَالاً، وَهُوَ يُرِيْدُ أن يقسمه بينكم، فحضر النَّاسُ، فَقَامَ الحَسَنُ، فَقَالَ: إِنَّمَا جَمَعتُهُ لِلْفُقَرَاءِ، فَقَامَ نِصْفُ النَّاسِ.
القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ الحُدَّانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو هَارُوْنَ قَالَ: انْطَلَقْنَا حجَّاجًا، فَدَخَلْنَا المَدِيْنَةَ، فَدَخَلْنَا عَلَى الحَسَنِ، فَحَدَّثْنَاهُ بِمَسيْرِنَا وَحَالِنَا، فلمَّا خَرَجْنَا بَعثَ إِلَى كلِّ رَجُلٍ مِنَّا بِأَرْبَعِ مائَةٍ، فَرَجَعْنَا فَأَخْبَرْنَاهُ بِيَسَارِنَا، فَقَالَ: لاَ تَرُدُّوا عَلَيَّ مَعْرُوفِي، فَلَو كُنْتُ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الحَالِ كَانَ هَذَا لَكُم يَسِيْراً, أَمَا إِنِّيْ مُزوِّدُكُم: إِنَّ اللهَ يُبَاهِي مَلاَئِكَتَهُ بِعِبَادِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ.
قَالَ المَدَائِنِيُّ: أَحصَنَ الحَسَنُ تِسْعيْنَ امْرَأَةً.
الوَاقِدِيُّ: حدَّثنا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجْنَا إِلَى الجَمَلِ سِتَّ مائَةٍ، فَأَتَينَا الرَّبَذَةَ، فَقَامَ الحَسَنُ فَبَكَى، فَقَالَ عَلِيٌّ: تَكلَّمْ وَدَعْ عَنْكَ أَنْ تَحِنَّ حَنِينَ الجَارِيَةِ, قَالَ: إِنِّيْ كُنْتُ أَشَرْتُ عَلَيْكَ بِالمقَامِ، وَأَنَا أُشيْرُهُ الآنَ, إِنَّ لِلْعَرَبِ جَولَةً، وَلَوْ قَدْ رَجَعَتْ إِلَيْهَا عَوَازِبُ أَحلاَمِهَا قَدْ ضَرَبُوا إِلَيْكَ آبَاطَ الإِبِلِ حَتَّى(4/336)
يَسْتَخْرِجُوكَ، وَلَوْ كُنْتَ فِي مِثْلِ جُحْرِ ضَبٍّ. قال: أتراني -لا أبا لك- كُنْتُ مُنتَظراً كَمَا يَنتَظرُ الضَّبُعُ اللَّدْمَ؟.
إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هُبَيْرَةَ بنِ يَرِيْمَ، قَالَ: قِيْلَ لِعَلِيٍّ: هَذَا الحَسَنُ فِي المَسجدِ يُحدِّثُ النَّاسَ، فَقَالَ: طَحْنُ إِبلٍ لَمْ تعلَّم طحناً.
شُعْبَةُ, عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مَعْدِ يْكَرِبٍ, أَنَّ عَلِيّاً مَرَّ عَلَى قَوْمٍ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ، فَقَالَ: مَنْ ذَا? قَالُوا: الحَسَنُ, قَالَ: طَحنُ إِبلٍ لَمْ تَعَوَّدْ طَحناً, إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ صُدَّاداً، وَإِنَّ صُدَّادَنَا الحَسَنُ.
جعفر بن محمد، عن أبيه؛ قال علي: يا أهل الكوفة! لا تزوجوا الحسن، فإنه رَجُلٌ مِطْلاَقٌ، قَدْ خَشِيْتُ أَنْ يُورِثَنَا عَدَاوَةً فِي القبَائِلِ.
عَنْ سُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ، قَالَ: كَانَتِ الخَثْعَمِيَّةُ تَحْتَ الحَسَنِ، فلمَّا قُتلَ عَلِيٌّ وَبُوْيِعَ الحَسَنُ, دَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: لِتَهْنِكَ الخِلاَفَةُ، فَقَالَ: أَظْهَرتِ الشَّمَاتَةَ بِقَتْلِ عَلِيًّ, أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثاً، فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا أَردْتُ هَذَا، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهَا بِعِشْرِيْنَ أَلْفاً، فَقَالَتْ:
مَتَاعٌ قَلِيلٌ مِنْ حَبِيْبٍ مُفَارقِ
شَرِيْكٌ, عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أبي رزين قال: خطبنا الحسن بن علي يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَقَرَأَ سُورَةَ إِبْرَاهِيْمَ عَلَى المِنْبَرِ حَتَّى خَتَمهَا.
مَنْصُوْرُ بنُ زَاذَانَ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: كَانَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ لاَ يَدعُو أَحَداً إِلَى الطَّعَامِ، يَقُوْلُ: هُوَ أَهوَنُ مِنْ أَنْ يُدعَى إِلَيْهِ أَحَدٌ.
قَالَ المُبَرِّدُ: قِيْلَ لِلْحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ: إِنَّ أَبَا ذَرٍّ يَقُوْلُ: الفَقْرُ أَحبُّ إِلَيَّ مِنَ الغِنَى، وَالسُّقْمُ أَحبُّ إِلَيَّ مِنَ الصِّحَّةِ، فَقَالَ: رَحِمَ اللهُ أَبَا ذَرٍّ, أَمَّا أَنَا فَأَقُوْلُ: مَنِ اتَّكل عَلَى حُسْنِ اخْتيَارِ اللهِ لَهُ لَمْ يتمَّن شَيْئاً، وَهَذَا حَدُّ الوُقُوفِ عَلَى الرِّضَى بِمَا تصرف به القضاء.
عَنِ الحرْمَازِيِّ: خَطبَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ بِالكُوْفَةِ، فَقَالَ: إِنَّ الحِلْمَ زِينَةٌ، وَالوَقَارَ مُرُوءةٌ، وَالعَجَلَةَ سَفَهٌ، وَالسَّفَهَ ضَعْفٌ، وَمُجَالَسَةَ أَهْلِ الدَّنَاءةِ شَيْنٌ، وَمُخَالَطَةَ الفُسَّاقِ رِيْبَةٌ.
زُهَيْرٌ, عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بنِ الأَصَمِّ, قُلْتُ لِلْحَسَنِ: إِنَّ الشِّيْعَةَ تَزْعُمُ أَنَّ عَلِيّاً مَبْعُوْثٌ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ, قَالَ: كَذَبُوا، وَاللهِ مَا هَؤُلاَءِ بِالشِّيْعَةِ, لَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَبْعُوْثٌ مَا زوَّجنا نِسَاءهُ، وَلاَ اقْتسَمْنَا مَالَهُ.
قَالَ جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ: قُتِلَ عَلِيٌّ، فَبَايَعَ أَهْلُ الكُوْفَةِ الحَسَنَ، وَأَحبُّوهُ أَشَدَّ مِنْ حُبِّ أَبِيْهِ.(4/337)
وَقَالَ الكَلْبِيُّ: بُوْيِعَ الحَسَنُ، فَوَلِيَهَا سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَأَحَدَ عَشَرَ يَوْماً، ثُمَّ سَلَّمَ الأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ.
وَقَالَ عَوَانَةُ بنُ الحَكَمِ: سَارَ الحَسَنُ حَتَّى نَزَلَ المَدَائِنَ، وَبَعثَ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ عَلَى المُقَدَّمَاتِ، وَهُمُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً، فَوَقَعَ الصَّائِحُ: قُتِلَ قَيْسٌ، فَانْتَهَبَ النَّاسُ سُرَادِقَ الحَسَنِ، وَوَثَبَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الخَوَارِجِ فَطَعَنَهُ بِالخِنْجَرِ، فَوَثَبَ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ فَقَتَلُوْهُ, فَكَتبَ الحَسَنُ إِلَى مُعَاوِيَةَ فِي الصُّلْحِ.
ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَعَنْ يُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيْهِ: إنَّ أَهْلَ العِرَاقِ لَمَّا بَايَعُوا الحَسَنَ قَالُوا لَهُ: سِرْ إِلَى هَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ عَصَوُا اللهَ ورسوله، وارتكبوا العظائم، فسار إلى أهل الشَّامِ، وَأَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ حَتَّى نَزَلَ جِسرَ مَنْبِجٍ، فَبَيْنَا الحَسَنُ بِالمَدَائِنِ؛ إِذْ نَادَى منادٍ فِي عَسْكَرِهِ: ألَا إِنَّ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ قَدْ قُتِل، فشدَّ النَّاسُ عَلَى حُجْرَةِ الحَسَنِ، فَنَهَبُوْهَا حَتَّى انْتُهِبَتْ بُسطُهُ، وَأَخَذُوا رِدَاءهُ، وَطَعَنَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فِي ظَهرِهِ بِخِنْجَرٍ مَسْمُوْمٍ فِي أَلْيَتِهِ، فَتحوَّلَ وَنَزَلَ قَصرَ كِسْرَى الأَبْيَضَ، وَقَالَ: عَلَيْكُم لَعنَةُ اللهِ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ, قَدْ عَلِمْتُ أَنْ لاَ خَيرَ فِيْكُم, قَتلتُم أَبِي بِالأَمسِ، وَاليَوْمَ تَفْعَلُوْنَ بِي هَذَا، ثُمَّ كَاتَبَ مُعَاوِيَةَ فِي الصُّلْحِ عَلَى أَنْ يُسِلِّمَ لَهُ ثَلاَثَ خِصَالٍ: يُسلِّمَ لَهُ بَيْتَ المَالِ، فَيَقْضِي مِنْهُ دَيْنَهُ، وَمَوَاعِيدَهُ وَيَتحمَّلَ مِنْهُ هُوَ وَآلُهُ، وَلاَ يُسَبَّ عَلِيٌّ وَهُوَ يَسَمَعُ، وَأَنْ يُحملَ إِلَيْهِ خَرَاجُ، فَسَا وَدَرَابْجِرْدَ كُلَّ سَنَةٍ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَأَجَابَهُ مُعَاوِيَةُ، وَأَعْطَاهُ مَا سَأَلَ.
وَيُقَالُ: بَلْ أَرْسَلَ عَبْدَ اللهِ بنَ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ حَتَّى أَخذَ لَهُ مَا سَألَ، فَكَتبَ إِلَيْهِ الحَسَنُ: أَنْ أَقبِلْ، فَأَقْبَلَ مِنْ جِسْرِ مَنْبِجٍ إِلَى مَسْكَنَ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ، فَسَلَّمَ إِلَيْهِ الحَسَنُ الأَمْرَ، وَبَايَعَهُ حَتَّى قَدِمَا الكُوْفَةَ، ووفَّى مُعَاوِيَةُ لِلْحَسَنِ بِبَيْتِ المَالِ، وَكَانَ فِيْهِ يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ آلاَفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَاحتَمَلهَا الحَسَنُ، وَتَجَهَّزَ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ إِلَى المَدِيْنَةِ، وكفَّ مُعَاوِيَةُ عَنْ سَبِّ عَلِيٍّ وَالحَسَنُ يَسَمَعُ، وَأَجْرَى مُعَاوِيَةُ عَلَى الحَسَنِ كُلَّ سَنَةٍ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَعَاشَ الحَسَنُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ سِنِيْنَ.
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ, أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ يَعلَمُ أَنَّ الحَسَنَ أَكْرَهُ النَّاسِ لِلْفِتْنَةِ، فلمَّا تُوُفِّيَ عَلِيٌّ بَعثَ إِلَى الحَسَنِ، فَأَصْلَحَ مَا بَينَهُ وَبَينَهُ سِرّاً، وَأَعْطَاهُ مُعَاوِيَةُ عَهداً إِنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ، وَالحَسَنُ حَيٌّ لَيُسَمِّيَنَّهُ، وليجعلنَّ الأَمْرَ إِلَيْهِ، فلمَّا تَوثَّقَ مِنْهُ الحَسَنُ, قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ: وَاللهِ إِنِّيْ لَجَالِسٌ عِنْدَ الحَسَنِ؛ إِذْ أخذت لأقوم، فَجَذَبَ بِثَوْبِي، وَقَالَ: يَا هنَاهُ اجلِسْ! فَجلَسْتُ، فَقَالَ: إِنِّيْ قَدْ رَأَيْتُ رَأْياً، وَإِنِّي أُحبُّ أَنْ تُتَابِعَنِي عَلَيْهِ! قُلْتُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَعمَدَ إِلَى المَدِيْنَةِ فَأَنْزِلَهَا, وَأُخَلِّيَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ(4/338)
وَبَيْنَ هَذَا الحَدِيْثِ، فَقَدْ طَالتِ الفِتْنَةُ، وَسُفِكَتِ الدِّمَاءُ، وَقُطعَتِ الأَرْحَامُ وَالسُّبُلُ، وَعُطِّلَتِ الفُرُوْجُ.
قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ: جَزَاكَ اللهُ خَيراً عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، فَأَنَا مَعَكَ، فَقَالَ: ادْعُ لِي الحُسَيْنَ! فَأَتَاهُ فَقَالَ: أَيْ أَخِي! قَدْ رَأَيْتُ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَقَالَ: أُعِيذُكَ بِاللهِ أَنْ تُكذِّبَ عَلِيّاً، وَتُصَدِّقَ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ الحَسَنُ: وَاللهِ مَا أَردْتُ أَمراً قَطُّ إلَّا خَالَفْتَنِي، وَاللهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَقذِفَكَ فِي بَيْتٍ، فَأُطَيِّنَهُ عَلَيْكَ حَتَّى أَقْضِيَ أَمْرِي، فلمَّا رَأَى الحُسَيْنُ غَضَبَهُ قَالَ: أَنْتَ أَكْبَرُ وَلَدِ عَلِيٍّ، وَأَنْتَ خَلِيفَتُهُ، وَأَمْرُنَا لأَمْرِكَ تَبَعٌ، فَقَامَ الحَسَنُ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّيْ كُنْتُ أَكْرَهُ النَّاسِ لأَوِّلِ هَذَا الأَمْرِ، وَأَنَا أَصلَحْتُ آخِرَهُ, إِلَى أَنْ قَالَ: إِنَّ اللهَ قَدْ وَلاَّكَ يَا مُعَاوِيَةُ هَذَا الحَدِيْثَ لِخيرٍ يَعْلَمُهُ عِنْدَكَ, أَوْ لِشَرٍّ يَعْلَمُهُ فِيكَ {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [الأَنْبِيَاءُ: 111] . ثُمَّ نَزَلَ.
شَرِيْكٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عن أبي رزين قال: خطبنا الحسن بن عَلِيٍّ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَقَرَأَ إِبْرَاهِيْمَ عَلَى المِنْبَرِ حَتَّى خَتَمهَا.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ: كَانَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ لاَ يَرَيَانِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ, فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ رُؤْيَتَهُنَّ حَلاَلٌ لَهُمَا.
قُلْتُ: الحِلُّ مُتَيَقَّنٌ.
ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ, قَالَ الحَسَنُ: الطَّعَامُ أَدقُّ مِنْ أَنْ نُقْسِمَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ قُرَّةُ: أَكلْتُ فِي بَيْتِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، فلمَّا رفعت يدي قال: قال الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ: إِنَّ الطَّعَامَ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ يُقْسَمَ عَلَيْهِ.
رَوَى جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ كَانَا يَقْبَلاَنِ جَوَائِزَ مُعَاوِيَةَ.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مُسَافِرٌ الجَصَّاصُ، عَنْ رُزَيْقِ بنِ سَوَّارٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ الحسن ومروان كلام، فأغلظ مروان له، والحسن سَاكِتٌ، فَامْتَخَطَ مَرْوَانُ بِيَمِيْنِهِ، فَقَالَ الحَسَنُ: وَيْحَكَ, أَمَا عَلمْتَ أَنَّ اليَمِينَ لِلوَجْهِ، وَالشِّمَالَ لِلْفَرْجِ? أفٍّ لَكَ! فَسَكَتَ مَرْوَانُ.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ, أنَّ عُمَرَ أَلْحقَ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ بفَرِيضَةِ أَبِيهِمَا مَعَ أَهْلِ بَدْرٍ؛ لِقَرَابَتِهِمَا بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ حمَّاد بنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابن(4/339)
عَبَّاسٍ، قَالَ: اتَّحدَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يَقُوْلُ: "هَيَّ يَا حَسَنُ خُذْ يَا حَسَنُ"، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: تُعِيْنُ الكَبِيْرَ? قَالَ: "إِنَّ جِبْرِيْلَ يَقُوْلُ: خُذْ يَا حُسَيْنُ".
شَيْبَانُ, عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بنِ مُضَرِّبٍ, سَمِعَ الحَسَنَ يَقُوْلُ: وَاللهِ لاَ أُبَايعُكُم إلَّا عَلَى مَا أَقُوْلُ لَكُم.
قَالُوا: مَا هُوَ? قَالَ: تُسَالِمُوْنَ مَنْ سَالَمْتُ، وَتُحَارِبُوْنَ مَنْ حَارَبْتُ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المَدَائِنِيُّ: عَنْ خَلاَّدِ بنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ علي بن جُدْعَانَ قَالَ: حجَّ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ خَمْسَ عَشْرَةَ حَجَّةً مَاشياً، وَإِنَّ النَّجَائِبَ لَتُقَادُ مَعَهُ، وَخَرجَ مِنْ مَالهِ مَرَّتَيْنِ، وَقَاسَمَ اللهَ مَالَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ, قَالَ عَلِيٌّ: مَا زَالَ حَسَنٌ يَتَزوَّجُ وَيُطلِّقُ حَتَّى خَشِيْتُ أَنْ يَكُوْنَ يُورِثَنَا عَدَاوَةً فِي القَبَائِلِ, يَا أَهْلَ الكُوْفَةِ! لاَ تُزَوِّجُوهُ، فَإِنَّهُ مِطْلاَقٌ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ: وَاللهِ لنزوجنَّه، فَمَا رَضِيَ أَمْسَكَ، وَمَا كَرِهَ طَلَّقَ.
قَالَ المَدَائِنِيُّ: أَحصَنَ الحَسَنُ تِسْعِيْنَ امْرَأَةً.
شَرِيْكٌ: عَنْ عَاصِمٍ، عن أبي رزين، قال: خطبنا الحسن بن عَلِيٍّ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ سُودٌ، وَعِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.
زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا مُخَوَّلٌ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ, أَنَّ أَبَا رَافِعٍ أَتَى الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ وَهُوَ يُصَلِّي عَاقِصاً رَأْسَهُ، فَحَلَّهُ، فَأَرْسَلَهُ، فَقَالَ الحَسَنُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا? قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "لاَ يُصَلِّي الرَّجُلُ عَاقِصاً رَأْسَهُ".
وَرَوَى نَحْوَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ مُوْسَى, أَخْبَرَنِي سَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ, أَنَّ أَبَا رَافِعٍ مَرَّ بِحَسَنٍ وَقَدْ غَرزَ ضَفِيْرَتَهُ فِي قَفَاهُ، فَحَلَّهَا، فَالْتفَتَ مُغْضَباً. قَالَ: أَقْبِلْ عَلَى صَلاَتِكَ وَلاَ تَغضَبْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "ذَلِكَ كِفْلُ الشَّيْطَانِ". يَعْنِي: مَقْعَدَ الشَّيْطَانِ.
حَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ, أَنَّ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ كَانَا يتختَّمان فِي اليَسَارِ.
الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، عَنْ قَيْسٍ مَوْلَى خَبَّابٍ, رَأَيْتُ الحَسَنَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ.
حجَّاجُ بنُ نُصَيْرٍ: حَدَّثَنَا يَمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: رَأَيْتُ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ يَخْضِبُ بالسواد.(4/340)
أَبُو الرَّبِيْعِ السَّمَّانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ، قَالَ: رَأَيْتُ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ قد خضَّب بالسواد.
مجالد, عن الشعبي، وعن يونس بن أبي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيْهِ، وَعَنْ غَيْرِهِمَا قَالُوا: بَايعَ أَهْلُ العِرَاقِ الحَسَنَ، وَقَالُوا لَهُ: سِرْ إِلَى هَؤُلاَءِ، فَسَارَ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ، وَعَلَى مُقَدِّمَتِهُ قيس بن سعد، في اثني عشر ألفا.
وَقَالَ غَيْرُهُ: فَنَزَلَ المَدَائِنَ، وَأَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ؛ إِذْ نَادَى منادٍ فِي عَسْكَرِ الحَسَنِ: قُتِلَ قَيْسٌ، فشدَّ النَّاسُ عَلَى حُجْرَةِ الحَسَنِ، فَانْتَهَبُوْهَا حَتَّى انتهبوا جواريه، وسلبوا رِدَاءهُ، وَطَعَنهُ ابْنُ أُقَيْصِرٍ بِخِنْجَرٍ مَسْمُوْمٍ فِي أَلْيتِهِ، فَتَحوَّلَ، وَنَزَلَ قَصرَ كِسْرَى، وَقَالَ: عَليكُمُ اللَّعْنَةُ، فَلاَ خَيرَ فِيكُم.
ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ الحُبَابِ، عَنْ حُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ, حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ, أَنَّ الحَسَنَ دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: لأجيزنَّك بِجَائِزَةٍ لَمْ أُجِزْ بِهَا أَحَداً، فَأَجَازَهُ بِأَرْبَعِ مائَةِ أَلْفٍ, أَوْ أَرْبَعِ مائَةِ أَلْفِ أَلْفٍ، فَقَبِلَهَا.
وَفِي "مُجْتَنَى" ابْنِ دُرَيْدٍ: قَامَ الحَسَنُ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا ثَنَانَا عَنْ أَهْلِ الشَّامِ شَكٌّ وَلاَ نَدَمٌ، وَإِنَّمَا كُنَّا نُقَاتِلُهُم بِالسَّلاَمَةِ وَالصَّبرِ، فَشِيبَتِ السَّلاَمَةُ بِالعَدَاوَةِ، وَالصَّبرُ بِالجَزعِ، وَكُنْتُم فِي مُنتدَبِكُم إِلَى صِفِّيْنَ, دِيْنُكُم أَمَامَ دُنْيَاكُم، فَأَصْبَحْتُم وَدُنْيَاكُم أَمَامَ دِيْنِكُم, ألَا وَإِنَّا لَكُم كَمَا كُنَّا، وَلَسْتُم لَنَا كَمَا كُنْتُم, ألَا وَقَدْ أَصْبَحْتُم بَيْنَ قَتِيْلَيْنِ؛ قَتيلٍ بِصِفِّيْنَ تَبكُوْنَ عَلَيْهِ، وَقَتيلٍ بِالنَّهْرَوَانِ تَطلُبُوْنَ بِثَأْرِهِ، فأمَّا البَاقِي فَخَاذِلٌ، وَأَمَّا البَاكِي فَثَائِرٌ, ألَا وإنَّ مُعَاوِيَةَ دَعَانَا إِلَى أَمرٍ ليسَ فِيْهِ عز ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددنا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَردْتُمُ الحَيَاةَ قَبِلنَاهُ. قَالَ: فَنَادَاهُ القَوْمُ مِنْ كُلِّ جَانبٍ: التَّقِيَّةَ التَّقِيَّةَ، فلمَّا أَفْردُوْهُ أَمْضَى الصُّلْحَ.
يَزِيْدُ: أَخْبَرَنَا العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ، عَنْ هِلاَلِ بنِ يِسَافٍ, سَمِعْتُ الحَسَنَ يَخطُبُ وَيَقُوْلُ: يَا أَهْلَ الكُوْفَةِ! اتَّقُوا الله فِيْنَا، فَإِنَّا أُمَرَاؤُكُم، وَإِنَّا أَضْيَافُكُم، وَنَحْنُ أَهْلُ البَيْتِ الَّذِيْنَ قَالَ اللهُ فِيهِم: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب: 33] . قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ قَطُّ بَاكِياً أَكْثَرَ مِنْ يَوْمَئِذٍ.
أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنِ [بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ] ، عَنْ أَبِي جَمِيْلَةَ [مَيْسَرَةَ بنِ يَعْقُوْبَ] , أنَّ الحَسَنَ بَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي؛ إِذْ وَثَبَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَطَعَنَهُ بِخِنْجَرٍ, قَالَ حُصَيْنٌ: وعمِّي أَدْركَ ذَاكَ، فَيَزعُمُوْنَ أَنَّ الطَّعْنَةَ وَقَعَتْ فِي وَرِكِهِ، فَمَرِضَ مِنْهَا أَشهُراً، فَقَعَدَ عَلَى المِنْبَرِ فَقَالَ: اتَّقُوا اللهَ فِيْنَا، فَإِنَّا أُمَرَاؤُكُم وَأَضْيَافُكُمُ الَّذِي قَالَ اللهُ فِيْنَا. قَالَ: فَمَا أَرَى فِي المَسجدِ إلَّا مَنْ يَحِنُّ بُكَاءً.(4/341)
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي مُوْسَى, سَمِعَ الحَسَنَ يَقُوْلُ: اسْتَقبلَ وَاللهِ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ مِثْلِ الجِبَالِ، فَقَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ: إِنِّيْ لأَرَى كَتَائِبَ لاَ تُوَلِّي حَتَّى تَقتُلَ أَقرَانَهَا، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ -وَكَانَ وَاللهِ خَيْرَ رَجُلَيْنِ- أَيْ: عَمْرُو, إِنْ قَتَلَ هَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ، وَهَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ, مَنْ لِي بِأُمُوْرِ المُسْلِمِيْنَ, مَنْ لِي بِنِسَائِهِم, مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِم?! فَبعثَ إِلَيْهِم بِرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ؛ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَمُرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرِ بنِ كُرَيْزٍ، فَقَالَ: اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَاعْرِضَا عَلَيْهِ، وَقُوْلاَ لَهُ، وَاطْلُبَا إِلَيْهِ، فَأَتيَاهُ، فَقَالَ لَهُمَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ: إِنَّا بنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ قَدْ أَصَبنَا مِنْ هَذَا المَالِ، وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا, قَالاَ: فَإِنَّا نَعرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا، وَنَطلُبُ إِلَيْكَ، وَنَسْأَلُكَ, قَالَ: فَمَنْ لِي بهذا? قالا: نحن لَكَ بِهِ، فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئاً إلَّا قَالاَ: نَحْنُ لَكَ بِهِ، فَصَالَحَهُ, قَالَ الحَسَنُ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُوْلُ: رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ ... "، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ1.
ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ, عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ أَنَسِ بنِ سِيْرِيْنَ قَالَ: قَالَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ: مَا بَيْنَ جَابَرْسَ، وَجَابَلْقَ رَجُلٌ جَدُّهُ نَبِيٌّ, غَيرِي وَغَيرَ أَخِي، وَإِنّي رَأَيْتُ أَنْ أُصلِحَ بَيْنَ الأُمَّةِ, ألَا وَإِنَّا قَدْ بَايعنَا مُعَاوِيَةَ، وَلاَ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُم وَمَتَاعٌ إِلَى حِيْنَ.
قَالَ مَعْمَرٌ: جَابَلْقُ وَجَابَرْسُ: المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ.
هُشَيْمٌ, عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ, أَنَّ الحَسَنَ خَطبَ فَقَالَ: إِنَّ أَكْيَسَ الكَيْسِ التُّقَى، وَإِنَّ أَحْمَقَ الحُمْقِ الفُجُورُ, ألَا وإنَّ هَذِهِ الأُمُوْرَ الَّتِي اخْتَلفتُ فِيهَا أَنَا وَمُعَاوِيَةُ, تَركْتُ لِمُعَاوِيَةَ إِرَادَةَ إِصلاَحِ المُسْلِمِيْنَ، وَحَقْنِ دِمَائِهِم.
هَوْذَةُ, عَنْ عَوْفٍ عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: لَمَّا وَرَدَ مُعَاوِيَةُ الكُوْفَةَ، وَاجْتمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ, قَالَ لَهُ عَمْرُو بنُ العَاصِ: إِنَّ الحَسَنَ مُرتَفِعٌ فِي الأَنْفُسِ؛ لِقَرَابتِه مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّهُ حَدِيثُ السِّنِّ, عَيِيٌّ، فَمُرْهُ فَلْيَخْطُبْ، فَإِنَّهُ سَيَعْيَى، فَيسقُطُ مِنْ أَنْفُسِ النَّاسِ، فَأَبَى، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَمَرهُ، فَقَامَ عَلَى المِنْبَرِ دُوْنَ مُعَاوِيَةَ: فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: لو ابتغيتم بين جابلق وَجَابَرْسَ رَجُلاً جَدُّهُ نَبيٌّ غَيرِي وَغَيرَ أَخِي لَمْ تَجِدُوْهُ، وإنَّا قَدْ أَعْطَيْنَا مُعَاوِيَةَ بَيْعَتَنَا، ورأينا أن حقن الدماء خير: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [الأنبياء: 111] . وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فغَضِبَ مُعَاوِيَةُ، فَخَطَبَ بَعْدَهُ خُطبَةً عَيِيَّة فَاحِشَةً، ثُمَّ نَزَل، وَقَالَ: مَا أَردتَ بِقَوْلكَ: فِتْنَةٌ لَكُم، وَمَتَاعٌ? قَالَ: أردت بها ما أراد الله بها.
__________
1 صحيح: تقدَّم تخريجنا له قريبًا برقم "646" فراجعه ثَمَّ.(4/342)
القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ الحُدَّانِيُّ، عَنْ يُوْسُفَ بنِ مَازِنٍ قَالَ: عَرضَ لِلْحَسَنِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا مُسَوِّدَ وُجُوهِ المُؤْمِنِيْنَ! قَالَ: لاَ تَعْذُلْنِي، فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُرِيهِم يَثِبُوْنَ عَلَى مِنْبَرهِ رَجُلاً رَجُلاً، فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القَدْرِ: 1] . قَالَ: أَلْفُ شَهْرٍ يَملِكُونَهُ بَعْدِي -يَعْنِي: بَنِي أُمَيَّةَ.
سَمِعَهُ مِنْهُ أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ، وَفِيْهِ انْقطَاعٌ.
وَعَنْ فُضَيْلِ بنِ مَرْزُوْقٍ قَالَ: أَتَى مَالِكُ بنُ ضَمْرَةَ الحَسَنَ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مسخِّم وُجُوهِ المُؤْمِنِيْنَ، فَقَالَ: لاَ تَقُلْ هَذَا، وَذَكرَ كَلاَماً يَعتَذِرُ بِهِ -رضيَ اللهُ عَنْهُ، وَقَالَ لَهُ آخَرُ: يَا مُذِلَّ المُؤْمِنِيْنَ! فَقَالَ: لاَ، وَلَكِنْ كَرِهتُ أَنْ أَقتلَكُم عَلَى المُلْكِ.
عَاصِمُ بنُ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي رَزِيْنٍ، قَالَ: خَطَبنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، وَعَلَيْهِ ثياب سود, وعمامة سوداء.
مُحَمَّدُ بنُ رَبِيْعَةَ الكِلاَبِيُّ، عَنْ مُسْتَقِيْمِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، قَالَ: رَأَيْتُ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ شَابَا وَلَمْ يخضِّبا، وَرَأَيتُهُمَا يَرْكَبَانِ البَرَاذِيْنَ بِالسُّرُوجِ المُنَمَّرَةِ.
جعفر بن محمد، عن أبيه, أنَّ الحسن وَالحُسَيْنَ كَانَا يتختَّمان فِي يَسَارِهِمَا، وَفِي الخَاتَمِ ذِكْرُ اللهِ.
وَعَنْ قَيْسٍ مَوْلَى خَبَّابٍ، قَالَ: رَأَيْتُ الحَسَنَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ.
شُعْبَةُ, عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ العَيْزَارِ: إنَّ الحَسَنَ كَانَ يخضِّب بِالسَّوَادِ.
وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ: رَأَيْتُ الحَسَنَ خَضَبَ بِالسَّوَادِ.
ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ نَعُوْدُهُ، فَقَالَ لِصَاحِبِي: يَا فُلاَنُ, سَلْنِي، ثُمَّ قَامَ مِنْ عِنْدِنَا، فَدَخَلَ كَنِيْفاً، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ: إِنِّيْ وَاللهِ قَدْ لَفظْتُ طَائِفَةً مِنْ كَبِدِي قَلَبْتُهَا بِعُوْدٍ، وَإِنِّي قَدْ سُقِيْتُ السُّمَّ مِرَاراً، فَلَمْ أُسْقَ مِثْلَ هَذَا، فلمَّا كَانَ الغَدُ أَتيتُهُ وَهُوَ يَسُوْقُ، فَجَاءَ الحُسَيْنُ، فَقَالَ: أَيْ أَخِي! أَنْبِئنِي مَنْ سَقَاكَ? قَالَ: لِمَ! لِتَقْتُلَهُ? قَالَ: نَعَمْ, قَالَ: مَا أَنَا مُحدِّثُكَ شَيْئاً إِنْ يَكُنْ صَاحِبِي الَّذِي أَظُنُّ، فَاللهُ أَشَدُّ نِقْمَةً، وإلّا -فوالله- لا يقتل بي بريء.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ, قُلْتُ لِلْحَسَنِ: يَقُوْلُوْنَ: إِنَّك تُرِيْدُ الخِلاَفَةَ، فَقَالَ: كَانَتْ جَمَاجِمُ العَربِ فِي يَدِي, يُسَالِمُوْنَ مَنْ سَالَمْتُ، وَيُحَاربُوْنَ مَنْ حَاربْتُ، فَتركْتُهَا للهِ، ثُمَّ أَبْتَزُّهَا بِأَتْيَاسِ الحِجَازِ.(4/343)
رَوَاهُ الطَّيَالِسِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ خُمَيْرٍ، فَقَالَ مَرَّةً: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "العِلَلِ"، وَهَذَا أَصَحُّ.
قَالَ قَتَادَةُ: قَالَ الحَسَنُ لِلْحُسَيْنِ: قَدْ سُقِيْتُ السُّمَّ غَيرَ مَرَّةٍ، وَلَمْ أُسْقَ مِثْلَ هَذِهِ, إِنِّيْ لأَضعُ كَبِدِي. فَقَالَ مَنْ فَعَلَهُ? فَأَبَى أَنْ يُخْبِرَهُ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ قَالَ: كَانَ الحَسَنُ كَثِيْرَ النِّكَاحِ، وقلَّ مَنْ حَظِيَتْ عِنْدَهُ، وقلَّ مَنْ تَزَوَّجَهَا إلَّا أحبَّته، وَصَبَتْ بِهِ، فَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ سُقِيَ، ثُمَّ أُفْلِتَ، ثُمَّ سُقِيَ، فَأُفْلِتَ، ثُمَّ كَانَتِ الآخِرَةُ، وَحَضرَتْهُ الوَفَاةُ، فَقَالَ الطَّبِيْبُ: هَذَا رَجُلٌ قَدْ قطَّع السُّمُّ أَمْعَاءهُ، وَقَدْ سَمِعْتُ بَعضَ مَنْ يَقُوْلُ: كَانَ مُعَاوِيَةُ قَدْ تلطَّف لِبَعضِ خَدَمِهِ أَنْ يَسْقِيَهُ سُمّاً.
أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنْ أُمِّ مُوْسَى, أنَّ جَعْدَةَ بِنْتَ الأَشْعَثِ بنِ قَيْسٍ سَقَتِ الحَسَنَ السمَّ، فَاشْتَكَى، فَكَانَ تُوضَعُ تَحْتَهُ طِشْتٌ، وَتُرفَعُ أُخْرَى نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ يَوْماً.
ابْنُ عُيَيْنَةَ, عَنْ رَقَبَةَ بنِ مَصْقَلَةَ: لَمَّا احتُضِرَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَخْرِجُوا فِرَاشِي إِلَى الصَّحْنِ، فَأَخْرَجُوْهُ، فَقَالَ: اللهمَّ إِنِّيْ أَحتسِبُ نَفْسِي عِنْدَكَ، فَإِنَّهَا أَعزُّ الأَنْفُسِ عَلَيَّ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَضَرْتُ مَوْتَ الحَسَنِ، فَقُلْتُ لِلْحُسَيْنِ: اتَّقِ اللهَ وَلاَ تُثِرْ فِتْنَةً، وَلاَ تَسفِكِ الدِّمَاءَ, ادفُنْ أَخَاكَ إِلَى جَنْبِ أُمِّهِ، فَإِنَّهُ قَدْ عَهِدَ بِذَلِكَ إِلَيْكَ.
أَبُو عَوَانَةَ, عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: لَمَّا حُضِرَ الحَسَنُ قَالَ لِلْحُسَيْنِ: ادفِنِّي عِنْد أَبِي -يَعْنِي: النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, إلَّا أَنْ تَخَافُوا الدِّمَاءَ، فادفنِّي فِي مَقَابرِ المُسْلِمِيْنَ، فلمَّا قُبِضَ تَسَلَّحَ الحُسَيْنُ، وَجَمعَ مَوَالِيهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنْشُدُكَ اللهَ وَوَصِيَّةَ أَخِيْكَ، فَإِنَّ القَوْمَ لَنْ يَدَعُوْكَ حَتَّى يَكُوْنَ بَيْنَكُم دِمَاءٌ، فَدفَنَهُ بِالبَقِيْعِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَرَأَيْتُم لَوْ جِيْءَ بِابْنِ مُوْسَى لِيُدفَنَ مَعَ أَبِيْهِ، فَمُنِعَ, أَكَانُوا قَدْ ظَلمُوْهُ? فَقَالُوا: نَعَمْ, قَالَ: فَهَذَا ابْنُ نَبِيِّ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ جِيْءَ لِيُدْفَنَ مَعَ أَبِيْهِ.
وَعَنْ رَجُلٍ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَرَّةً يَوْمَ دُفِنَ الحَسَنُ: قَاتَلَ اللهُ مَرْوَانَ, قَالَ: وَاللهِ مَا كُنْتُ لأَدَعَ ابْنَ أَبِي تُرَابٍ يُدفَنُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ دُفنَ عُثْمَانُ بِالبَقِيْعِ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ مِرْدَاسٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عن الحسن بن محمد بن الحنفية، قال:(4/344)
جَعَلَ الحَسَنُ يُوعِزُ لِلْحُسَيْنِ: يَا أَخِي, إِيَّاكَ أَنْ تَسفِكَ دَماً، فَإِنَّ النَّاسَ سِرَاعٌ إِلَى الفِتْنَةِ، فلمَّا تُوُفِّيَ ارتجَّت المَدِيْنَةُ صيَاحاً، فَلاَ تَلْقَى إلَّا بَاكِياً. وَأَبردَ مَرْوَانُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِخَبرِهِ، وَأَنَّهُم يُرِيْدُوْنَ دَفْنَهُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ يَصِلُوْنَ إِلَى ذَلِكَ أَبَداً وَأَنَا حَيٌّ، فَانْتَهَى حُسَيْنٌ إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: احْفِرُوا، فَنكبَ عَنْهُ سَعِيْدُ بنُ العَاصِ -يَعْنِي: أَمِيْرَ المَدِيْنَةِ، فَاعْتزلَ، وَصَاحَ مَرْوَانُ فِي بَنِي أُمَيَّةَ، وَلَبِسُوا السِّلاَحَ، فَقَالَ لَهُ حُسَيْنٌ: يَا ابْنَ الزَّرْقَاءِ, مَا لَكَ وَلِهَذَا؟ أوالٍ أَنْتَ؟ فَقَالَ: لا تخلص لهذا وأنا حيّ، فصاح الحسين بِحلفِ الفُضُولِ، فَاجتمعتْ هَاشِمٌ وَتَيْمٌ وَزُهْرَةُ وَأَسدٌ فِي السِّلاَحِ، وَعَقَدَ مَرْوَانُ لِوَاءً، وَكَانَتْ بَيْنَهُم مُرَامَاةٌ، وَجَعلَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ يُلِحُّ عَلَى الحُسَيْنِ، وَيَقُوْلُ: يَا ابْنَ عَمِّ! أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى عَهدِ أَخِيْكَ? أُذَكِّرُكَ اللهَ أَنْ تَسفِكَ الدِّمَاءَ، وَهُوَ يَأبَى.
قَالَ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ: فَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: لَقَدْ رَأَيتُنِي يَوْمَئِذٍ، وَإِنِّي لأُرِيْدُ أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَ مَرْوَانَ, مَا حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ أَكُوْنَ أَرَاهُ مُسْتوجِباً لِذَلِكَ، ثُمَّ رَفقتُ بِأَخِي، وَذَكَّرْتُهُ وَصيَّةَ الحَسَنِ، فَأَطَاعنِي.
قَالَ جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ: لَمَّا أَخرجُوا جَنَازَةَ الحَسَنِ حَمَلَ مَرْوَانُ سَرِيرَهُ، فَقَالَ الحُسَيْنُ: تَحملُ سَرِيْرَهُ! أَمَا وَاللهِ لَقَدْ كُنْتَ تُجَرِّعُهُ الغَيْظَ, قَالَ: كُنْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ بِمَنْ يُوَازِنُ حِلْمُهُ الجِبَالَ.
وَيُرْوَى أنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لاَ يَكُوْنُ لَهُم رَابعٌ أَبَداً، وَإِنَّهُ لَبَيْتِي أَعْطَانِيْهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي حَيَاتِهِ. إِسْنَادهُ مُظْلِمٌ.
الثَّوْرِيُّ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ؛ سَمِعَ أَبَا حَازِمٍ يَقُوْلُ: إِنِّيْ لَشَاهِدٌ يَوْمَ مَاتَ الحَسَنُ، فَرَأَيْتُ الحُسَيْنَ يَقُوْلُ لِسَعِيْدِ بنِ العَاصِ، وَيَطْعَنُ فِي عُنُقِهِ: تقدَّم، فَلَوْلاَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مَا قُدِّمْتَ -يَعْنِي: فِي الصَّلاَةِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "مَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أبغضني" 1.
__________
1 حسن: أخرجه عبد الرزاق "6369"، وأحمد "2/ 531"، وفي "فضائل الصحابة" له "1378"، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" "3961"، والطبراني في "الكبير" "2646"، والحاكم "3/ 171"، والبيهقي "4/ 28-29" من طريق عن سفيان الثوري، به.
قلت: إسناده حسن، سالم بن أبي حفصة، صدوق.
وأخرجه أبو يعلى "6215" من طريق محمد بن فضيل، والطبراني في "الكبير" "2648" من إسرائيل بن يونس، كلاهما عن سالم بن أبي حفصة، به.(4/345)
ابْنُ إِسْحَاقَ: حدَّثني مُسَاوِرٌ السَّعْدِيُّ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَائِماً عَلَى مَسجدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ مَاتَ الحَسَنُ يَبْكِي، وَيُنَادِي بِأَعلَى صَوْتِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! مَاتَ اليَوْمَ حِبّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَابْكُوا.
قَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ: عَاشَ الحَسَنُ سَبْعاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: وَغَلِطَ مَنْ نَقَلَ عَنْ جَعْفَرٍ أنَّ عُمُرَهُ ثَمَانٍ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً غَلطاً بَيِّناً.
قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، وَخَلِيْفَةُ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ المَدَائِنِيُّ، وَالغَلاَبِيُّ، وَالزُّبَيْرُ، وَابْنُ الكَلْبِيِّ، وَغَيْرُهُم: مَاتَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ، وَزَادَ بَعْضُهُم: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ، وَغَلِطَ أَبُو نُعَيْمٍ المُلاَئِيُّ وَقَالَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ أنَّهم لَمَّا التَمَسُوا مِنْ عَائِشَةَ أَنْ يُدفنَ الحَسَنُ فِي الحُجْرَةِ، قَالَتْ: نَعَمْ، وَكَرَامَةٌ, فردَّهم مَرْوَانُ، وَلَبِسُوا السِّلاَحَ، فَدُفنَ عِنْدَ أُمِّهِ بِالبَقِيْعِ إِلَى جَانِبِهَا.
وَمِنَ "الاسْتِيْعَابِ" لأَبِي عُمَرَ، قَالَ: سَارَ الحَسَنُ إِلَى مُعَاوِيَةَ، وَسَارَ مُعَاوِيَةُ إِلَيْهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لاَ تَغْلِبُ طَائِفَةٌ الأُخْرَى حَتَّى تَذهبَ أَكْثَرُهَا، فَبَعَثَ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ يَصِيْرُ الأَمْرُ إِلَيْكَ بِشَرْطِ أَنْ لاَ تَطْلُبَ أَحَداً بِشَيْءٍ كَانَ فِي أَيَّامِ أبي، فَأَجَابَهُ، وَكَادَ يَطِيرُ فَرَحاً, إلَّا أَنَّهُ قَالَ: أَمَّا عَشْرَةُ أَنْفُسٍ فَلاَ, فَرَاجَعَهُ الحَسَنُ فِيْهِم، فكتب إليه: إني آلَيْتُ مَتَى ظَفِرْتُ بِقَيْسِ بنِ سَعْدٍ أَنْ أَقْطَعَ لِسَانَهُ وَيَدَهُ، فَقَالَ: لاَ أُبَايِعُكَ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ بِرَقٍّ أَبْيضَ، وَقَالَ: اكتُبْ مَا شِئْتَ فِيْهِ، وَأَنَا أَلتَزِمُهُ، فَاصْطَلَحَا عَلَى ذَلِكَ، وَاشْتَرطَ عَلَيْهِ الحَسَنُ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ الأَمْرُ مِنْ بَعْدِهِ، فَالْتَزمَ ذَلِكَ كُلَّهُ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ له عمرو: إنه قد انفَلَّ حَدُّهُم، وَانكسَرَتْ شَوْكتُهُم. قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ بَايَعَ عَلِيّاً أَرْبَعُوْنَ أَلْفاً عَلَى المَوْتِ، فَوَاللهِ لاَ يُقتَلُوْنَ حَتَّى يُقتَلَ أَعْدَادُهُم مِنَّا وَمَا وَاللهِ فِي العَيشِ خَيْرٌ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَسَلَّمَ فِي نِصْفِ جُمَادَى الأَوَّلِ الأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ, سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ, قَالَ: وَمَاتَ فِيْمَا قِيْلَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَقِيْلَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ خَمْسِيْنَ, وَقِيْلَ: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ.
قَالَ: وَرَوَيْنَا مِنْ وُجُوْهٍ أنَّ الحَسَنَ لَمَّا احتُضِرَ قَالَ لِلْحُسَيْنِ: يَا أَخِي, إِنَّ أَبَاكَ لَمَّا قُبِضَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَشْرَفَ لِهَذَا الأَمْرِ، فَصَرَفَهُ اللهُ عَنْهُ، فلمَّا احْتُضِرَ أَبُو بَكْرٍ تشرَّف أَيْضاً لَهَا, فَصُرِفَتْ عَنْهُ إِلَى عُمَرَ, فَلَمَّا احتُضِرَ عُمَرُ جَعَلَهَا شُوْرَى أَبِي أَحَدُهُم، فَلَمْ يَشُكَّ أَنَّهَا(4/346)
لاَ تَعْدُوْهُ، فَصُرِفَتْ عَنْهُ إِلَى عُثْمَانَ، فلمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ بُوْيِعَ ثُمَّ نُوزِعَ حَتَّى جَرَّدَ السَّيْفَ وَطَلَبَهَا، فَمَا صَفَا لَهُ شَيْءٌ مِنْهَا، وَإِنِّي -وَاللهِ- مَا أَرَى أَنْ يَجْمَعَ اللهُ فِيْنَا -أَهْلَ البَيْتِ- النُّبُوَّةَ وَالخِلاَفَةَ، فَلاَ أعرفنَّ مَا اسْتَخَفَّكَ سُفَهَاءُ أَهْلِ الكُوْفَةِ، فَأَخرَجُوكَ. وَقَدْ كُنْتُ طَلَبتُ إِلَى عَائِشَةَ أَنْ أُدفَنَ فِي حُجرَتِهَا، فَقَالَتْ: نَعَمْ، وَإِنِّي لاَ أَدْرِي لعلَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهَا حَيَاءً، فَإِذَا مَا مِتُّ فاطلب ذلك إِلَيْهَا، وَمَا أظنَّ القَوْمَ إلَّا سَيَمنعُوْنَكَ، فَإِنْ فَعَلُوا فادفنِّي فِي البَقِيْعِ، فلمَّا مَاتَ قَالَتْ عَائِشَةُ: نَعَمْ، وَكرَامَةٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مَرْوَانَ، فَقَالَ: كَذَبَ وَكَذَبَتْ، وَاللهِ لاَ يُدفَنُ هُنَاكَ أَبَداً, مَنَعُوا عُثْمَانَ مِنْ دَفْنهِ فِي المَقْبُرَةِ، وَيُرِيْدُوْنَ دَفْنَ حَسَنٍ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، فَلَبِسَ الحُسَيْنُ وَمَنْ مَعَهُ السِّلاَحَ، وَاسْتَلأمَ مَرْوَانُ أَيْضاً فِي الحَديدِ، ثُمَّ قَامَ فِي إِطفَاءِ الفِتْنَةِ أَبُو هُرَيْرَةَ.
أَعَاذنَا اللهُ مِنَ الفِتَنِ، وَرَضِيَ عَنْ جَمِيْعِ الصَّحَابَةِ، فَترضَّ عَنْهُم يَا شِيْعِيُّ تُفلحْ، وَلاَ تَدْخُلْ بَيْنَهُم، فَاللهُ حَكَمٌ عَدْلٌ، يَفعلُ فِيْهِم سَابقَ عِلْمِهِ، وَرَحْمتُهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَهُوَ القَائِلُ: "إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي" 1، وَ {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأَنْبِيَاءُ: 23] , فَنسَألُ اللهَ أَنْ يَعفُوَ عَنَّا، وَأَنْ يُثَبِّتَنَا بالقول الثابت، آمين.
فبنوا الحَسَنِ هُم: الحَسَنُ، وَزَيْدٌ، وَطَلْحَةُ، وَالقَاسِمُ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ -فَقُتِلُوا بِكَرْبَلاَءَ مَعَ عَمِّهِمُ الشَّهِيْدِ, وَعَمْرٌو، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَالحُسَيْنُ، وَمُحَمَّدٌ، وَيَعْقُوْبُ، وَإِسْمَاعِيْلُ، فَهَؤُلاَءِ الذُّكُورُ مِنْ أَوْلاَدِ السَّيِّدِ الحَسَنِ. وَلَمْ يُعْقِبْ مِنْهُم سِوَى الرَّجُلَيْنِ الأَوَّلَيْنِ: الحَسَنِ وَزَيْدٍ، فَلِحَسَنٍ خَمْسَةُ أَوْلاَدٍ أَعْقَبُوا، وَلزِيدٍ ابْنٌ، وَهُوَ الحَسَنُ بنُ زَيْدٍ، فَلاَ عَقِبَ لَهُ إلَّا مِنْهُ، وَلِي إِمْرَةَ المَدِيْنَةِ، وَهُوَ وَالِدُ السِّتِّ نَفِيْسَةَ، وَالقَاسِمِ، وَإِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدِ اللهِ، وَإِبْرَاهِيْمَ، وزيد، وإسحاق، وعلي -رضي الله عنهم.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "7453"، ومسلم "2751" "15"، والترمذي "3554"، وابن ماجة "4295" من حديث أبي هريرة، به.(4/347)
270- الحسين الشهيد 1: "ع"
الإِمَامُ الشَّرِيْفُ، الكَامِلُ، سِبْطُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَيْحَانتُهُ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَحبُوْبُهُ, أَبُو عَبْدِ اللهِ, الحُسَيْنُ ابْنُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ.
حدَّث عَنْ جَدِّه، وَأَبَوَيْهِ، وَصِهْرِهِ عُمَرَ، وَطَائِفَةٍ.
حدَّث عَنْهُ: وَلَدَاهُ؛ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ، وَعُبَيْدُ بنُ حُنَيْنٍ، وهمَّام الفَرَزْدَقُ، وَعِكْرِمَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَطَلْحَةُ العُقَيْلِيُّ، وَابْنُ أَخِيْهِ زَيْدُ بنُ الحَسَنِ، وَحَفِيْدُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ البَاقِرُ -وَلَمْ يُدْرِكْهُ, وَبِنْتُهُ سُكَيْنَةُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الزُّبَيْرُ: مَوْلِدُهُ فِي خَامِسِ شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الهِجْرَةِ.
قَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ: بَيْنَ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ فِي الحَمْلِ طُهْرٌ وَاحِدٌ.
قَدْ مَرَّت فِي تَرْجَمَةِ الحَسَنِ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالحُسَيْنِ.
روى هانىء بن هانىء، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: الحُسَيْنُ أَشبَهُ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ صَدْرِهِ إِلَى قَدَمَيْهِ2
وَقَالَ حمَّاد بنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عن محمد، عن أنس قال: شَهِدْتُ ابْنَ زِيَادٍ حَيْثُ أُتِيَ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ، فَجَعَلَ يَنكُتُ بِقَضِيْبٍ مَعَهُ، فَقُلْتُ: أَمَا إِنَّهُ كَانَ أَشْبَهَهُمَا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ3
وَرَوَاهُ جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ.
وَأَمَّا النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، فَرَوَاهُ عَنْ هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيْرِيْنَ، حَدَّثَنِي أَنَسٌ، وَقَالَ: يَنْكُتُ بِقَضِيْبٍ فِي أَنفِهِ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ، قَالَ: رَأَيْتُ الحُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ أَسودَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، إلَّا شَعرَاتٍ فِي مَقْدِم لِحْيَتِهِ.
ابْنُ جُرَيْجٍ, عَنْ عُمَرَ بنِ عَطَاءٍ, رَأَيْتُ الحُسَيْنَ يَصبغُ بالوسمة3، كان رأسه ولحيته شديدي السواد.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "2/ ترجمة 2846"، الجرح والتعديل "3/ ترجمة 249"، تاريخ بغداد "1/ 141"، أسد الغابة "2/ 18"، الوافي بالوفيات "4/ 202"، الإصابة "1/ ترجمة 1724", تهذيب التهذيب "2/ ترجمة 615".
2 حسن: سبق تخريجنا له قريبًا بتعليقنا رقم "642"، وهو عند أحمد "1/ 99 و108"، وفي "فضائل الصحابة" له "1366"، والترمذي "3779"، وابن حبان "2235" موارد فراجعه ثَمَّ.
3 صحيح: أخرجه القطيعي في زوائده على "فضائل الصحابة" "1395" من طريق حماد بن زيد، عن هشام بن حسان، به. وأخرجه القطيعي في "زوائده" على "فضائل الصحابة" "1394"، والترمذي "3778"، والطبراني "2879" من طرق النضر بن شميل، حدثنا هشام بن حسان، به.
وأخرجه أحمد "3/ 261"، والبخاري "3748"، وأبو يعلى "2841" من طريق حسن بن محمد، عن جرير بن حازم، عن محمد بن سيرين، به.
4الوسمة -بكسر السين أو بسكوها: نبت، وقيل: شجر باليمن, يخضب بورقه الشعر، أسود.(4/348)
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَعْقُوْبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ دَمِ البَعُوضِ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ? فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ. قَالَ: انظُرْ إِلَى هَذَا يَسْأَلُنِي عَنْ دَمِ البَعُوضِ، وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ سَمِعْتُ -رَسُوْلَ اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا" 1. رَوَاهُ جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَمَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ، عَنْهُ.
عَنْ أَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: دَخَلتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ يَلْعَبَانِ عَلَى صَدْرِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَتُحِبُّهُمَا?! قَالَ: "كَيْفَ لاَ أُحِبُّهُمَا وَهُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا". رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "المُعْجَمِ"2.
وَعَنِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، مَرْفُوعاً: "الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ" 3.
وَيُرْوَى عَنْ شُرَيْحٍ، عَنْ عَلِيٍّ، وَفِي البَابِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَمَالِكِ بنِ الحُوَيْرِثِ، وَأَبِي سَعِيْدٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَأَنَسٍ، وَجَابِرٍ مِنْ وُجُوهٍ يُقَوِّي بَعضُهَا بَعْضاً.
مُوْسَى بنُ عُثْمَانَ الحَضْرَمِيُّ -شِيْعِيٌّ واهٍ, عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ الحُسَيْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يُحبُّهُ حُبّاً شَدِيداً، فَقَالَ: "اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ"، فَقُلْتُ: أَذْهبُ مَعَهُ? فَقَالَ: "لاَ"، فَجَاءتْ بَرْقَةٌ، فَمَشَى فِي ضَوئِهَا حَتَّى بَلغَ إِلَى أُمِّهِ4.
وَكِيْعٌ: حَدَّثَنَا رَبِيْع بنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَابِطٍ، عَنْ جَابِرٍ, أَنَّهُ قال -وقد دخل
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "2/ 85 و93 و114 و153"، والقطيعي في "زوائد فضائل الصحابة" "1390"، والطيالسي "1927"، وابن أبي شيبة "12/ 100"، والبخاري "3753" و"5994"، وفي "الأدب المفرد" "85"، والترمذي "3770"، والنسائي في "خصائص علي" "145"، وأبو نعيم في "الحلية" "7/ 165"، والطبراني "2884"، والبغوي "3935" من طريق مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَعْقُوْبَ، به.
2 ضعيف: أخرجه الطبراني "3890"، وفيه الحسن بن عنبسة, قال الذهبي في "الميزان": لا أعرفه. وضعَّفه ابن قانع.
3 صحيح: وهذا إسناد ضعيف, آفته الحارث، وهو ابن عبد الله الاعور الهمداني, ضعيف. لكن الحديث صحيح, تقدَّم تخريجنا له بتعليقنا رقم "647" من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا.
4 ضعيف جدًّا: أورده الهيثمي في "المجمع" "9/ 186" وقال: رواه الطبراني, وفيه موسى بن عثمان، وهو متروك".(4/349)
الحُسَيْنُ المَسْجِدَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى سيد شباب أَهْلِ الجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا". سَمِعتُه مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1.
تَابَعَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ، عَنْ رَبِيْعٍ الجُعْفِيِّ, أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ".
وَقَالَ شَهْرٌ, عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- جَلَّلَ عَلِيّاً وَفَاطِمَةَ وَابْنَيْهِمَا بِكسَاءٍ، ثُمَّ قال: "اللهم هؤلاء أهل بيت بيتي وَحَامَتِي, اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيْراً"، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَنَا مِنْهُم? قَالَ: "إنك إلى خير" 2.
إسناد جَيِّدٌ, رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ عَنْ شَهْرٍ, وَفِي بَعضِهَا يَقُوْلُ: دَخَلتُ عَلَيْهَا أُعَزِّيْهَا عَلَى الحُسَيْنِ.
وَرَوَى نَحْوَهُ الأَعْمَشُ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَكِيْمِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.
وَرَوَى شَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ، عَنْ وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ قِصَّةَ الكِسَاءِ.
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ, حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ, حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ رَاشِدٍ، عَنْ يَعْلَى العَامِرِيِّ, قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الأَسْبَاطِ, مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ حُسَيْناً"، وَفِي لَفظٍ: "أَحَبَّ اللهُ من أحب حسينًا".
أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ, عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ, رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذ بيد
__________
1 ضعيف: أورده الهيثمي في "المجمع" "9/ 187" وقال: رواه أبو يعلى, ورجاله رجال الصحيح, غير الربيع بن سعد, وقيل: ابن سعيد, وهو ثقة".
قلت: هو ضعيف، وليس بثقة، وهو الربيع بن سعد الجعفي الكوفي، قال الذهبي في "الميزان": لا يكاد يعرف، وذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمته, وقال: حدثنا أبو يعلى، حدثنا ابن نمير، حدثنا أبي, حدثنا الربيع بن سعد الجعفي -كوفي, عن عبد الرحمن بن سابط، به.
2 راجع تخريجنا له الذي سبق قريبًا رقم "654".
وقوله: "حامتي" أي خاصتي.
3 حسن: أخرجه أحمد "4/ 172"، والترمذي "3775"، وابن ماجه "144"، والحاكم "3/ 177" من طرق عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، به.
وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وإنما نعرفه من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم.
وصحَّحه الحاكم, ووافقه الذهبي.
قلت: إسناده حسن، عبد الله بن عثمان بن خثيم، صدوق -كما قال الحافظ في "التقريب".(4/350)
الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، وَيَقُوْلُ: "هَذَانِ ابْنَايَ، فَمَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي" 1.
وَرَوَى مِثْلَهُ أَبُو الجَحَّافِ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ، وَغَيرُهُمَا، عَنْ أَبِي حَازِمٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِي هريرة مرفوعًا.
وفي الباب، عن أسامة، وسليمان الفَارِسِيِّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدِ بنِ أَرْقَمَ.
عَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي عَلِيٍّ اللَّهبي، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: قَعدَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَوْضِعَ الجَنَائِزِ، فَطَلَعَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ، فَاعْتَرَكَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِيْهاً حَسَنُ"، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أعلى حسين تواليه? فقال: "هذا حبريل يَقُوْلُ: إِيْهاً حُسَيْنُ"2.
وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعاً، نَحْوُهُ.
وَفِي مَرَاسِيْلِ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ, أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمِعَ حُسَيْناً يَبْكِي، فَقَالَ لأُمِّهِ: "أَلَمْ تَعْلَمِي أن بكاءه يؤذيني"3.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ حُنَيْنٍ، عَنِ الحُسَيْنِ قَالَ: صَعِدتُ المِنْبَرَ إِلَى عُمَرَ، فَقُلْتُ: انزِلْ عَنْ مِنْبَرِ أَبِي، وَاذْهَبْ إِلَى مِنْبَرِ أَبِيْكَ، فَقَالَ: إِنَّ أَبِي لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْبَرٌ!، فَأَقْعَدَنِي مَعَهُ، فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! مَنْ علَّمَكَ هَذَا? قُلْتُ: مَا عَلَّمَنِيْهِ أَحَدٌ, قال: أي بني، وهل أنبت على رءوسنا الشَّعْرَ إلَّا اللهُ، ثُمَّ أَنْتُم، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ, لَوْ جَعَلْتَ تَأْتِينَا وَتَغْشَانَا.
إِسْنَادُه صَحِيْحٌ.
رَوَى جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ, أنَّ عُمَرَ جَعلَ لِلْحُسَيْنِ مِثْلَ عَطَاءِ عَلِيٍّ خَمْسَةَ آلاَفٍ.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ, أنَّ عُمَرَ كَسَا أَبْنَاءَ الصَّحَابَةِ؛ وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَا يَصلُحُ لِلْحَسَنِ وَالحُسَيْنِ؛ فَبَعثَ إِلَى اليَمَنِ، فَأُتِي بِكِسْوَةٍ لَهُمَا، فَقَالَ: الآنَ طَابَتْ نَفْسِي.
__________
1 حسن: تقدَّم تخريجنا له بتعليق رقم "657"، وهو عند عبد الرزاق "6369"، وأحمد "2/ 531" وفي "فضائل الصحابة" له "1378"، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" "3961" وغيرهم، فراجعه ثَمَّت.
2 ضعيف جدًّا: فيه علتان؛ الأولى: علي بن أبي علي اللهبي، متروك, والعلة الثانية: الإرسال.
3 ضعيف: أخرجه الطبراني "2847" وهو مرسل، بل معضل.(4/351)
الواقدي: حدثنا مُوْسَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ, أنَّ عُمَرَ أَلحقَ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ بِفرِيضَةِ أَبِيهِمَا؛ لِقَرَابَتِهِمَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, لِكُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةُ آلاَفٍ.
يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ, عَنِ العَيْزَارِ بنِ حُرَيْثٍ قَالَ: بَيْنَا عَمْرُو بنُ العَاصِ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ؛ إِذْ رَأَى الحُسَيْنَ، فَقَالَ: هَذَا أَحبُّ أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم.
فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى عَمْرٍو، فَقَالَ: عَلَيَّ رَقَبَةٌ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيْلَ, فَقَالَ: مَا أَعْلَمُهَا إلَّا الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ.
قُلْتُ: مَا فَهِمْتُه.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَافِعٍ, عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَتَى ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: إِنَّ عليَّ رَقَبَةً مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيْلَ, قَالَ: عَلَيْكَ بِالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ.
هَوْذَةُ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الأَزْرَقِ بنِ قَيْسٍ قَالَ: قَدَِم عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسْقُفُ نَجْرَانَ وَالعَاقِبُ، فَعَرَضَ عَلَيْهِمَا الإِسْلاَمَ، فَقَالاَ: كنَّا مُسْلِمَينِ قَبْلكَ, قَالَ: "كَذَبْتُمَا! إِنَّهُ مَنَعَ الإِسْلاَمَ مِنْكُمَا ثَلاَثٌ؛ قَوْلُكُمَا: اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً، وَأَكْلُكُمَا الخِنْزِيْرَ، وَسُجُوْدُكُمَا لِلصَّنَمِ" , قَالاَ: فَمَنْ أَبُو عِيْسَى? فَمَا عَرَفَ حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} .....، إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} [آلُ عِمْرَانَ: 59-63] فَدَعَاهُمَا إِلَى المُلاَعَنَةِ، وَأَخَذَ بِيَدِ فَاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، وَقَالَ: "هَؤُلاَءِ بنيَّ" قَالَ: فَخَلاَ أَحَدُهُمَا بِالآخرِ، فَقَالَ: لاَ تُلاَعِنْهُ، فَإِنْ كَانَ نَبِيّاً فَلاَ بَقِيَّةَ، فَقَالاَ: لاَ حَاجَةَ لَنَا فِي الإِسْلاَمِ، وَلاَ فِي مُلاَعَنَتِكَ، فَهَلْ مِنْ ثَالِثَةٍ? قَالَ: نَعَمْ, الجِزْيَةُ، فأقرّا بها ورجعا.
مَعْمَرٌ, عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُبَاهِلَ أَهْلَ نَجْرَانَ, أَخذَ بِيَدِ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: اتْبَعِيْنَا، فلمَّا رَأَى ذَلِكَ أَعْدَاءُ الله رَجَعُوا1.
أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ، عَنِ المُسَيَّبِ بنِ نَجَبَةَ, سَمِعَ عَلِيّاً يَقُوْلُ: ألَا أُحدِّثُكُم عَنِّي وَعَنْ أَهْلِ بَيتِي? أمَّا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ فَصَاحِبُ لَهْوٍ، وَأَمَّا الحَسَنُ فَصَاحِبُ جَفْنَةٍ مِنْ فِتْيَانِ قُرَيْشٍ, لَوْ قَدِ الْتَقَتْ حَلَقتَا البِطَانِ لَمْ يُغْنِ فِي الحَرْبِ عَنْكُم، وأمَّا أَنَا وَحُسَيْنٌ، فَنَحْنُ مِنْكُم, وَأَنْتُم منَّا. إسناده قويّ.
__________
1 ضعيف: لإرساله، قتادة هو ابن دعامة السدوسي, رأس الطبقة الرابعة, والمباهلة هي الملاعنة.(4/352)
وَعَنْ سَعِيْدِ بنِ عَمْرٍو, أَنَّ الحَسَنَ قَالَ لِلْحُسَيْنِ: وَدِدْتُ أَنَّ لِي بَعضَ شِدَّةِ قَلْبِكَ, فَيَقُوْلُ الحُسَيْنُ: وَأَنَا وَدِدْتُ أَنَّ لِي بَعضَ مَا بُسِطَ مِنْ لِسَانِكَ.
عَنْ أَبِي المُهَزِّمِ قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ، فَأَقْبَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَنْفُضُ بِثَوْبِهِ التُّرَابَ عَنْ قَدَمِ الحُسَيْنِ.
وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: حجَّ الحُسَيْنُ خَمْساً وَعِشْرِيْنَ حَجَّةً ماشيًا.
وَكَذَا رَوَى عُبَيْدُ اللهِ الوَصَّافِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، وَزَادَ: وَنجَائِبُه تُقَادُ مَعَهُ, لَكنِ اخْتلَفتِ الرِّوَايَةُ عَنِ الوَصَّافِيِّ، فقال يعلى ابن عُبَيْدٍ عَنْهُ: الحَسَنُ، وَرَوَى عَنْهُ زُهَيْرٌ نَحوَهُ، فَقَالَ فِيْهِ: الحَسَنُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ المُثَنَّى: كَانَ عَلَى المَيْسَرَةِ يَوْمَ الجَمَلِ الحُسَيْنُ.
أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ": أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ, حَدَّثَنَا شُرَحْبِيْلُ بنُ مُدْرِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ نُجَيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ, أَنَّهُ سَارَ مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَ صَاحِبَ مَطهَرَتِه، فلمَّا حَاذَى نِيْنَوَى وَهُوَ سَائِرٌ إِلَى صِفِّيْنَ, نَادَاهُ عَلِيٌّ: اصْبِرْ أَبَا عَبْدِ اللهِ بِشَطِّ الفُرَاتِ, قُلْتُ، وَمَا ذَاكَ? قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ وَعَيْنَاهُ تَفِيضَانِ، فَقَالَ: "قَامَ مِنْ عِنْدِي جِبْرِيْلُ فحدَّثني أَنَّ الحُسَيْنَ يُقْتَلُ، وَقَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ أُشِمَّكَ مِنْ تُرْبتِه? قُلْتُ: نَعَم، فمدَّ يَدهُ، فَقَبضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ, قَالَ: فَأَعْطَانِيْهَا، فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنِي".
هَذَا غَرِيْبٌ، وَلَهُ شُوَيْهِدٌ.
يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ, عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ, أنَّ عَلِيّاً قَالَ وَهُوَ بِشَطِّ الفُرَاتِ: صَبْراً أَبَا عَبْدِ اللهِ.
عُمَارَةُ بنُ زَاذَانَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: استَأْذنَ مَلَكُ القَطْرِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أُمَّ سَلَمَةَ! احْفَظِي عَلَيْنَا البَابَ" , فَجَاءَ الحُسَيْنُ فَاقْتَحَمَ، وَجَعلَ يَتَوَثَّبُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُوْلُ اللهِ يُقَبِّلُهُ، فَقَالَ المَلَكُ: أَتُحِبُّهُ? قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ سَتَقْتلُه, إِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ المَكَانَ الَّذِي يُقتَلُ فِيْهِ, قَالَ: "نَعَم". فَجَاءهُ بِسَهْلَةٍ أَوْ تُرَابٍ أَحْمَرَ.
قَالَ ثَابِتٌ: كُنَّا نَقُوْلُ: إِنَّهَا كَرْبَلاَءُ.
عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ: حَدَّثَنَا أَبِي, حَدَّثَنَا أَبُو غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ, قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِنسَائِهِ: "لاَ تُبَكُّوا هَذَا" يَعْنِي -حُسَيْناً: فَكَانَ يَوْمُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيْلُ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ لأُمِّ سَلَمَةَ: "لاَ تَدَعِي أَحَداً يَدْخُلُ" فَجَاءَ حُسَيْنٌ, فَبَكَى؛ فَخَلَّتْهُ يَدْخُلُ، فدخل(4/353)
حَتَّى جَلَسَ فِي حَجْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ جِبْرِيْلُ: إِنَّ أُمَّتَكَ سَتَقْتلُهُ, قَالَ: "يَقْتُلُوْنَهُ، وَهُمْ مُؤْمِنُوْنَ"؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَرَاهُ تُرْبَتَهُ.
إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ يَعْقُوْبَ، عَنْ هَاشِمِ بنِ هَاشِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبِ بنِ زَمْعَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ, أنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اضْطَجَعَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَاسْتيقَظَ وَهُوَ خَاثِرٌ، ثُمَّ رَقَدَ، ثُمَّ اسْتيقَظَ خَاثِراً، ثُمَّ رَقَدَ، ثُمَّ اسْتيقَظَ وَفِي يَدِهِ تُربَةٌ حَمْرَاءُ، وَهُوَ يُقَلِّبُهَا.
قُلْتُ: مَا هَذِهِ? قَالَ: "أَخْبَرَنِي جِبْرِيْلُ أنَّ هَذَا يُقْتَلُ بِأَرْضِ العراق، للحسين، وهذه تربتها".
وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، عَنْ عَبَّادِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ هَاشِمٍ، وَلَمْ يَذكُرِ: اضْطَجَعَ.
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ, حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَوْ أُمِّ سَلَمَةَ, أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا: "لَقَدْ دَخَلَ عليَّ البَيْتَ مَلَكٌ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ قَبْلَهَا، فَقَالَ: إِنَّ حُسَيْناً مَقْتُوْلٌ، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ التُّرْبَةَ ... " الحَدِيْثَ.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ, أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: أُمُّ سَلَمَةَ وَلَمْ يَشُكَّ.
وَيُرْوَى عَنْ أَبِي وَائِلٍ، وَعَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.
وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ حَدِيْثِ عَائِشَةَ, وَلَهُ طُرُقٌ أُخَرُ.
وَعَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُمْهَانَ, أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَاهُ جِبْرِيْلُ بِتُرَابٍ مِنَ التُّرْبَةِ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا الحُسَيْنُ. وَقِيْلَ: اسْمُهَا كَرْبَلاَءُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَرْبٌ وَبَلاَءٌ"1.
إِسْرَائِيْلُ, عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هانىء بن هانىء، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَيُقْتَلَنَّ الحُسَيْنُ قَتْلاً، وَإِنِّي لأَعْرفُ تُرَابَ الأَرْضِ الَّتِي يُقتَلُ بِهَا2.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ العَبَّاسِ، عَنْ عمَّار الدهني, أن كَعْباً مَرَّ عَلَى عَلَيٍّ، فَقَالَ: يُقتَلُ مِنْ وَلَدِ هَذَا رَجُلٌ فِي عِصَابَةٍ, لاَ يَجِفُّ عَرَقُ خَيْلِهِم حَتَّى يَرِدُوا عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمَرَّ حَسَنٌ، فَقِيْلَ: هَذَا? قَالَ: لاَ. فمَرَّ حُسَيْنٌ، فَقِيْلَ: هَذَا? قَالَ: نعم.
__________
1 ضعيف: لإرساله.
2 ضعيف: فيه أبو إسحاق وهو السبيعي، مدلس، وقد عنعنه.(4/354)
حُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ, عَنِ العَلاَءِ بنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ رَأْسِ الجَالُوْتِ قَالَ: كُنَّا نَسْمَعُ أَنَّهُ يُقتَلُ بِكَرْبَلاَءَ ابْنُ نَبِيٍّ.
المُطَّلِبُ بنُ زِيَادٍ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: رَأَيْتُ الحُسَيْنَ وَلَهُ جمَّة خَارِجَةٌ مِنْ تَحْتِ عِمَامَتِهِ.
وَقَالَ العَيْزَارُ بنُ حُرَيْثٍ: رَأَيْتُ عَلَى الحُسَيْنِ مِطْرَفاً مِنْ خَزٍّ.
وَعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ الحُسَيْنَ يَتَخَتَّمُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ.
وَرَوَى جَمَاعَةٌ أنَّ الحُسَيْنَ كَانَ يخضِّب بِالوَسِمَةِ، وَأَنَّ خِضَابَهُ أَسْودُ.
بلَغَنَا أنَّ الحُسَيْنَ لَمْ يُعجِبْهُ مَا عَمِلَ أَخُوْهُ الحَسَنُ مِنْ تَسْلِيمِ الخِلاَفَةِ إِلَى مُعَاوِيَةَ، بَلْ كَانَ رَأْيُهُ القِتَالَ، وَلَكِنَّهُ كَظَمَ وَأَطَاعَ أَخَاهُ وَبَايَعَ، وَكَانَ يَقبَلُ جَوَائِزَ معاوية، ومعاوية يرى له ويحترمه ويجعله، فَلَمَّا أَنْ فَعلَ مُعَاوِيَةُ مَا فَعلَ بَعْدَ وَفَاةِ السَّيِّدِ الحَسَنِ مِنَ العَهْدِ بِالخِلاَفَةِ إِلَى ولده يزيد, تألم الحُسَيْنُ، وحقَّ لَهُ، وَامتنَعَ هُوَ وَابْنُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ مِنَ المُبَايعَةِ, حَتَّى قَهَرَهُم مُعَاوِيَةُ، وَأَخَذَ بَيْعتَهُم مُكْرَهِيْنَ، وَغُلِبُوا وَعَجَزُوا عَنْ سُلْطَانِ الوَقْتِ، فلمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ تسلَّم الخِلاَفَةَ يَزِيْدُ، وَبَايَعَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَلَمْ يُبَايِعْ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَلاَ الحُسَيْنُ، وَأَنِفُوا مِنْ ذَلِكَ، وَرَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الأَمْرَ لِنَفْسِهِ، وَسَارَا فِي اللَّيْلِ مِنَ المَدِيْنَةِ.
سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اسْتَشَارَنِي الحُسَيْنُ فِي الخُرُوْجِ. فَقُلْتُ: لَوْلاَ أَنْ يُزْرَى بِي وَبِكَ لَنَشَبْتُ يَدِي فِي رَأْسِكَ، فَقَالَ: لأَنْ أُقتَلَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا أَحبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أستحلَّ حُرمَتَهَا -يَعْنِي مَكَّةَ, وَكَانَ ذَلِكَ الَّذِي سلَّى نَفْسِي عَنْهُ.
يَحْيَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ البَجَلِيُّ: حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ قَدِمَ المَدِيْنَةَ، فَأُخبِرَ أنَّ الحُسَيْنَ قَدْ توجَّه إِلَى العِرَاقِ، فَلَحِقَهُ عَلَى مَسِيْرَةِ لَيْلَتَيْنِ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيْدُ? قَالَ: العِرَاقَ، وَمَعَهُ طَوَامِيْرُ وَكُتُبٍ، فَقَالَ: لاَ تَأْتِهِم. قَالَ: هَذِهِ كُتُبُهُم وَبَيْعتُهُم، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ خَيَّرَ نَبِيَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَاخْتَارَ الآخِرَةَ، وَإِنَّكُم بَضْعَةٌ مِنْهُ لاَ يَلِيهَا أَحَدٌ مِنْكُم أَبَداً، وَمَا صَرَفهَا اللهُ عَنْكُم إلَّا لِلَّذِي هُوَ خَيرٌ لَكُم، فَارْجِعُوا، فَأَبَى، فَاعْتَنَقَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَقَالَ: أَسْتَوْدِعُكَ اللهَ مِنْ قَتِيْلٍ.
زَادَ فِيْهِ الحَسَنُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يحيى بن إسماعيل، عن الشعبي: نَاشَدَهُ، وَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ العِرَاقِ قَوْمٌ مَنَاكِيْرُ, قَتَلُوا أَبَاكَ، وَضَرَبُوا أَخَاكَ، وَفَعَلُوا، وَفَعَلُوا.
ابْنُ المُبَارَكِ, عَنْ بِشْرِ بنِ غَالِبٍ, أنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ لِلْحُسَيْنِ: إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ؟ إِلَى قَوْمٍ قَتَلُوا أَبَاكَ، وَطَعَنُوا أَخَاكَ، فَقَالَ: لأَنْ أُقتلَ أَحبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تُسْتَحَلَّ -يَعْنِي: مَكَّةَ.(4/355)
أَبُو سَلَمَةَ المِنْقَرِيُّ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ، عَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ, حَدَّثَنِي الفَرَزْدَقُ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ الحُسَيْنُ لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو، فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا قَدْ خَرَجَ، فَمَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تَخْرُجَ مَعَهُ، فَإِنَّكَ إِنْ أَرَدْتَ دُنْيَا أَصَبْتَهَا، وَإِنْ أَرَدْتَ آخِرَةً أَصَبْتَهَا، فَرَحلْتُ نَحْوَهُ، فلمَّا كُنْتُ فِي بَعْضِ الطَّرِيْقِ بَلَغَنِي قَتْلُهُ، فَرَجَعْتُ إِلَى عَبْدِ اللهِ، وَقُلْتُ: أَيْنَ مَا ذَكَرتَ? قَالَ: كَانَ رَأْياً رَأَيْتُهُ.
قُلْتُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى تَصْوِيبِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو لِلْحُسَيْنِ فِي مَسِيْرِهِ، وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ شَهِدُوا الحَرَّةَ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا الوَاقِدِيُّ, حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ, حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَيْرٍ "ح" وَأَخْبَرْنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِي وَجْزَةَ "ح"، وَيُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيْهِ -وسمَّى طَائِفَةً- ثُمَّ قَالَ: فَكَتَبْتُ جَوَامِعَ حَدِيثِهِم فِي مَقْتَلِ الحُسَيْنِ, قَالَ: كَانَ أَهْلُ الكُوْفَةِ يَكتُبُوْنَ إِلَى الحُسَيْنِ يَدْعُوْنَهُ إِلَى الخُرُوجِ إِلَيْهِم زَمَنَ مُعَاوِيَةَ, كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَقَدِمَ منهم قوم إلى محمد بن الحَنَفِيَّةِ، وَطَلَبُوا إِلَيْهِ المَسِيْرَ مَعَهُم، فَأَبَى، وَجَاءَ إلى الحسين فأخبره، وَقَالَ: إِنَّ القَوْمَ يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَأكُلُوا بِنَا، وَيَشِيْطُوا دِمَاءنَا، فَأَقَامَ حُسَيْنٌ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ متردِّد العَزْمِ، فَجَاءهُ أَبُو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ, إِنِّيْ لَكَ نَاصِحٌ وَمُشْفِقٌ، وَقَدْ بَلَغَنِي أنَّه كَاتَبَكَ قَوْمٌ مِنْ شِيْعتِكَ، فَلاَ تَخْرُجْ إِلَيْهِم، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَاكَ يَقُوْلُ بِالكُوْفَةِ: وَاللهِ لَقَدْ مَلِلْتُهُم وَمَلُّونِي، وَأَبْغَضْتُهُم وَأَبْغَضُونِي، وَمَا بَلَوْتُ مِنْهُم وَفَاءً, وَلاَ لَهُم ثَبَاتٌ وَلاَ عَزْمٌ، وَلاَ صَبرٌ عَلَى السَّيْفِ.
قَالَ: وَقَدِمَ المُسَيَّبُ بنُ نَجَبَةَ وَعِدَّةٌ إِلَى الحُسَيْنِ بَعْدَ وَفَاةِ الحَسَنِ، فَدَعَوْهُ إِلَى خَلْعِ مُعَاوِيَةَ، وَقَالُوا: قَدْ عَلِمْنَا رَأْيَكَ وَرَأْيَ أَخِيْكَ، فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ يُعطِيَ اللهُ أَخِي عَلَى نِيَّتِهِ، وَأَنْ يُعطِيَنِي عَلَى نِيَّتِي فِي حُبِّي جِهَادَ الظَّالِمِيْنَ.
وَكَتَبَ مَرْوَانُ إِلَى مُعَاوِيَةَ: إِنِّيْ لَسْتُ آمَنُ أَنْ يَكُوْنَ الحُسَيْنُ مَرصَداً لِلْفِتْنَةِ، وَأَظُنُّ يَوْمَكُم مِنْهُ طَوِيْلاً.
فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الحُسَيْنِ: إِنَّ مَنْ أَعْطَى اللهَ صَفْقَةَ يَمِينِهِ وَعَهْدَهُ لَجَدِيرٌ أَنْ يَفِي، وَقَدْ أُنْبِئتُ بِأَنَّ قَوْماً مِنَ الكُوْفَةِ دَعَوْكَ إِلَى الشِّقَاقِ، وَهُمْ مَنْ قَدْ جرَّبت قَدْ أَفْسَدُوا عَلَى أَبِيْكَ وَأَخِيْكَ، فَاتَّقِ اللهَ، وَاذْكُرِ المِيْثَاقَ، فَإِنَّكَ مَتَى تَكِدْنِي أَكِدْكَ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ الحُسَيْنُ: أَتَانِي كِتَابُكَ، وَأَنَا بِغَيْرِ الَّذِي بَلَغَكَ جَدِيرٌ، وَمَا أَرَدْتُ لَكَ مُحَارَبَةً وَلاَ خِلاَفاً، وَمَا أَظُنُّ لِي عُذْراً عِنْدَ اللهِ فِي تَرْكِ جِهَادِكِ، وَمَا أَعْلَمُ فِتْنَةً أَعْظَمَ مِنْ وَلاَيَتِكَ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنْ أَثَرْنَا بِأَبِي عَبْدِ اللهِ إلَّا أسدًا.(4/356)
وَعَنْ جُوَيْرِيَةَ بنِ أَسْمَاءَ، عَنْ مُسَافِعِ بنِ شَيْبَةَ قَالَ: لَقِيَ الحُسَيْنُ مُعَاوِيَةَ بِمَكَّةَ عِنْدَ الرَّدْمِ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ رَاحِلتِهِ، فَأَنَاخَ بِهِ، ثُمَّ سَارَّهُ طَوِيْلاً، وَانْصَرَفَ، فَزَجَرَ مُعَاوِيَةُ الرَّاحِلَةَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ يَزِيْدُ: لاَ يَزَالُ رَجُلٌ قَدْ عَرَضَ لَكَ، فَأَنَاخَ بِكَ, قَالَ: دَعْهُ, لَعَلَّهُ يَطلُبُهَا مِنْ غَيرِي، فَلاَ يُسوِّغُهُ فَيَقتُلُهُ.
رَجَعَ الحَدِيْثُ إِلَى الأَوَّلِ:
قَالُوا: وَلَمَّا حُضِرَ مُعَاوِيَةُ دَعَا يَزِيْدَ فَأَوْصَاهُ، وَقَالَ: انظُرْ حُسَيْناً، فَإِنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى النَّاسِ، فَصِلْ رَحِمَهُ، وَارْفُقْ بِهِ، فَإِنْ يَكُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَسَيَكْفِيْكَ اللهُ بِمَنْ قَتَلَ أَبَاهُ وَخَذَلَ أَخَاهُ.
وَمَاتَ مُعَاوِيَةُ فِي نِصْفِ رَجَبٍ، وَبَايَعَ النَّاسُ يَزِيْدَ، فَكَتَبَ إِلَى وَالِي المَدِيْنَةِ؛ الوَلِيْدِ بنِ عُتْبَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ, أَنِ ادْعُ النَّاسَ وَبَايِعْهُم، وَابْدَأْ بِالوُجُوهِ، وَارْفُقْ بِالحُسَيْنِ، فَبَعثَ إِلَى الحُسَيْنِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ فِي اللَّيْلِ، وَدَعَاهُمَا إِلَى بَيْعَةِ يَزِيْدَ، فَقَالاَ: نُصبِحُ وَنَنْظُرُ فِيمَا يَعمَلُ النَّاسُ، وَوَثَبَا فَخَرَجَا، وَقَدْ كَانَ الوَلِيْدُ أَغْلَظَ لِلْحُسَيْنِ، فَشَتَمَهُ حُسَيْنٌ، وَأَخَذَ بِعِمَامَتِهِ فَنَزَعَهَا، فَقَالَ الوَلِيْدُ: إِنْ هِجْنَا بِهَذَا إلَّا أَسَداً، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ -أو غيره: اقتله, قال: إن ذلك لَدَمٌ مَصُونٌ.
وَخَرَجَ الحُسَيْنُ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ لِوَقْتِهِمَا إِلَى مَكَّةَ، وَنَزَلَ الحُسَيْنُ بِمَكَّةَ دَارَ العَبَّاسِ، وَلَزِمَ عَبْدُ اللهِ الحِجْرَ، وَلَبِسَ المَعَافِرِيَّ1، وَجَعَلَ يُحرِّضُ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ، وَكَانَ يَغْدُو وَيَرُوحُ إِلَى الحُسَيْنِ، وَيُشِيرُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْدَمَ العِرَاقَ، وَيَقُوْلُ: هُم شِيْعَتُكُم، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَنْهَاهُ.
وَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ مُطِيْعٍ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي, مَتِّعْنَا بِنَفْسِكَ وَلاَ تَسِرْ، فَوَاللهِ لَئِنْ قُتِلْتَ لَيَتَّخِذُوْنَا خَوَلاً وَعَبِيداً.
وَلَقِيَهُمَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَيَّاشٍ بنِ أَبِي رَبِيْعَةَ مُنْصَرِفَيْنِ مِنَ العُمْرَةِ، فَقَالَ لهما: أذكر كما اللهَ إلَّا رَجَعْتُمَا، فَدَخَلْتُمَا فِي صَالِحِ مَا يَدْخُلُ فِيْهِ النَّاسُ، وَتَنْظُرَانِ، فَإِنِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ لَمْ تَشُذَّا، وَإِنِ افْترَقَ عَلَيْهِ كَانَ الَّذِي تُرِيْدَانِ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لِلْحُسَيْنِ: لاَ تَخْرُجْ، فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خُيِّر بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَاختَارَ الآخِرَةَ، وَإِنَّكَ بَضْعَةٌ مِنْهُ، وَلاَ تَنَالُهَا، ثُمَّ اعْتَنَقَهُ وَبَكَى وودَّعه، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُوْلُ: غُلِبْنَا بِخُرُوجِهِ، وَلَعَمْرِي لَقَدْ رَأَى فِي أَبِيْهِ وَأَخِيْهِ عِبْرَةً، وَرَأَى مِنَ الفِتْنَةِ وَخُذْلاَنِ النَّاسِ لَهُم مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لاَ يَتَحَرَّكَ.
__________
1 المعافري: برود يمنيه منسوبة إلى قبيلة معافر.(4/357)
وَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْنَ تُرِيْدُ يَا ابْنَ فَاطِمَةَ? قَالَ: العِرَاقَ وَشِيْعَتِي, قَالَ: إِنِّيْ كَارِهٌ لِوَجهِكَ هَذَا, تَخْرُجُ إِلَى قَوْمٍ قَتَلُوا أَبَاكَ....
إِلَى أَنْ قَالَ: وَقَالَ لَهُ أَبُو سَعِيْدٍ: اتَّقِ اللهَ، وألزم بَيْتَكَ.
وَكَلَّمَهُ جَابِرٌ، وَأَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ, وَقَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: لَوْ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ لَكَانَ خَيراً لَهُ.
قَالَ: وَكَتَبَتْ إِلَيْهِ عَمْرَةُ تُعظِّمُ مَا يُرِيْدُ أَنْ يَصْنَعَ، وَتُخبِرُهُ أَنَّهُ إِنَّمَا يُسَاقُ إِلَى مَصْرَعِهِ، وَتَقُوْلُ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: $"يُقْتَلُ حُسَيْنٌ بِأَرْضِ بَابِلَ"، فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَهَا قَالَ: فَلاَ بُدَّ إِذاً مِنْ مَصْرعِي.
وَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ يُحَذِّرُهُ، وَيُنَاشِدُهُ اللهَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنِّيْ رَأَيْتُ رُؤْيَا؛ رَأَيْتُ فِيْهَا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَنِي بِأَمْرٍ أَنَا ماضٍ لَهُ.
وَأَبَى الحُسَيْنُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَشَارَ عَلَيْهِ إلَّا المَسِيْرَ إِلَى العِرَاقِ, وَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنِّيْ لأَظنُّكَ سَتُقتَلُ غَداً بَيْنَ نِسَائِكَ وَبَنَاتِكَ كَمَا قُتِلَ عُثْمَانُ، وَإِنِّي لأَخَافُ أَنْ تَكُوْنَ الَّذِي يُقَادُ بِهِ عُثْمَانُ، فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ.
قَالَ: أَبَا العَبَّاسِ! إِنَّكَ شَيْخٌ قَدْ كَبِرْتَ.
فَقَالَ: لَوْلاَ أَنْ يُزْرَى بِي وَبِكَ لَنَشَبْتُ يَدِي فِي رَأْسِكِ، وَلَوْ أَعلَمُ أَنَّكَ تُقِيمُ إِذاً لَفَعَلْتُ، ثُمَّ بَكَى وَقَالَ: أَقْرَرْتَ عيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدُ لابْنِ الزُّبَيْرِ: قَدْ أَتَى مَا أَحْبَبْتَ, أَبُو عَبْدِ اللهِ يَخْرُجُ إِلَى العِرَاقِ وَيَتْرُكُكَ وَالحِجَازَ:
يَا لَكِ مِنْ قُنْبَرَةٍ بِمَعْمَرِ ... خَلاَ لَكِ البَرُّ فَبِيْضِي وَاصْفِرِي
وَنَقِّرِيْ مَا شِئْتِ أَنْ تنقري
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: كَتَبَ الأَحْنَفُ إِلَى الحُسَيْنِ {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الرُّوْمُ: 60] .
عَوَانَةُ بنُ الحَكَمِ، عَنْ لَبَطَةَ بنِ الفَرَزْدَقِ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: لَقِيتُ الحُسَيْنَ، فَقُلْتُ: القُلُوبُ مَعَكَ، وَالسُّيوفُ مَعَ بَنِي أُمَيَّةَ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ, عَنْ لَبَطَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَقِيَنِي الحُسَيْنُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ مَكَّةَ فِي جَمَاعَةٍ عَلَيْهِم يَلاَمِقُ الدِّيبَاجِ، فَقَالَ: مَا وَرَاءكَ? قَالَ -وَكَانَ فِي لِسَانِهِ ثِقَلٌ مِنْ بِرْسَامٍ عَرَضَ لَهُ, وَقِيْلَ: كَانَ مَعَ الحُسَيْنِ وَجَمَاعَتِهِ اثْنَانِ وَثَلاَثُونَ فَرَساً.(4/358)
وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ بِأَسَانِيْدِهِ, قَالُوا: وَأَخَذَ الحُسَيْنُ طَرِيقَ العُذيب حَتَّى نَزَلَ قَصْرَ أَبِي مُقَاتِلٍ، فَخَفَقَ خَفْقَةً ثُمَّ اسْتَرْجَعَ، وَقَالَ: رَأَيْتُ كأنَّ فَارِساً يُسَايِرُنَا، وَيَقُوْلُ: القَوْمُ يَسِيْرُوْنَ، وَالمنَايَا تَسْرِي إِلَيْهِم، ثُمَّ نَزَلَ كَرْبَلاَءَ، فَسَارَ إِلَيْهِ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ كَالمُكْرَهِ ... , إِلَى أَنْ قَالَ: وَقُتلَ أَصْحَابُهُ حَوْلَهُ، وَكَانُوا خَمْسِيْنَ، وتحوَّل إِلَيْهِ مِنْ أُوْلَئِكَ عِشْرُوْنَ، وَبَقِيَ عَامَّةَ نَهَارِهِ لاَ يَقْدَمُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَأَحَاطَتْ بِهِ الرَّجَّالَةُ، وَكَانَ يَشُدُّ عَلَيْهِم فَيَهْزِمُهُم، وَهُم يَكرَهُوْنَ الإِقدَامَ عَلَيْهِ، فَصَرَخَ بِهِم شِمْرٌ: ثَكلتْكُم أُمَّهَاتُكُم, مَاذَا تَنْتَظرُونَ بِهِ? وَطَعَنَهُ سِنَانُ بنُ أَنَسٍ النَّخَعِيُّ فِي ترقُوتِهِ، ثُمَّ طَعَنَهُ فِي صَدْرِهِ فخَرَّ, واحتزَّ رَأْسَهُ خَوْلِيٌّ الأَصْبَحِيُّ -لاَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ بِأَسَانِيْدَ لَهُ, قَالُوا: قَدَّمَ الحُسَيْنُ مسلمًا، وأمره أن ينزل على هانىء بنِ عُرْوَةَ، وَيَكْتُبَ إِلَيْهِ بِخَبَرِ النَّاسِ، فَقَدِمَ الكُوْفَةَ مُسْتَخْفِياً، وَأَتَتْهُ الشِّيْعَةُ فَأَخَذَ بَيْعَتَهُم، وَكَتَبَ إِلَى الحُسَيْنِ: بَايَعَنِي إِلَى الآنَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفاً، فَعَجِّلْ، فَلَيْسَ دُوْنَ الكُوْفَةِ مَانِعٌ، فأغذَّ السَّيْرَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى زبَالَةَ، فَجَاءتْ رُسُلُ أَهْلِ الكُوْفَةِ إِلَيْهِ بِدِيوَانٍ فِيْهِ أَسْمَاءُ مائَةِ أَلْفٍ، وَكَانَ عَلَى الكُوْفَةِ النُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ، فَخَافَ يَزِيْدُ أَنْ لاَ يُقْدِمَ النُّعْمَانُ عَلَى الحُسَيْنِ، فَكَتَبَ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ وَهُوَ عَلَى البَصْرَةِ، فضَمَّ إِلَيْهِ الكُوْفَةَ، وَقَالَ لَهُ: إِنْ كَانَ لَكَ جَنَاحَانِ فَطِرْ إِلَى الكُوْفَةِ، فَبَادَرَ مُتَعَمِّماً مُتَنَكِّراً، ومرَّ فِي السُّوقِ، فلمَّا رَآهُ السَّفَلَةُ اشتَدُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ يَظُنُّونَهُ الحُسَيْنَ، وَصَاحُوا: يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ! الحمدُ للهِ الَّذِي أَرَانَاكَ، وقَبَّلوا يَدَهُ وَرِجْلَهُ، فَقَالَ: مَا أَشدَّ مَا فَسَدَ هَؤُلاَءِ، ثُمَّ دَخَلَ المسجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَصَعِدَ المِنْبَرَ، وَكَشَفَ لِثَامَهُ، وَظَفِرَ بِرَسُوْلِ الحُسَيْنِ -وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ بُقْطرٍ- فَقَتَلَهُ, وَقَدِمَ مَعَ عُبَيْدِ اللهِ؛ شَرِيْكُ بنُ الأَعْوَرِ -شيعي، فنزل على هانىء بنِ عُرْوَةَ، فَمَرِضَ، فَكَانَ عُبَيْدُ اللهِ يَعُوْدُهُ، فهيئوا لِعُبَيْدِ اللهِ ثَلاَثِيْنَ رَجُلاً لِيَغتَالُوْهُ، فَلَمْ يَتِمَّ ذَلِكَ، وَفَهِمَ عُبَيْدُ اللهِ، فَوَثَبَ وَخَرَجَ، فنَمَّ عليهم عبد لهانىء، فبعث إلى هانىء -وَهُوَ شَيْخٌ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تُجِيْرَ عَدُوِّي? قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي, جَاءَ حَقٌّ هُوَ أَحَقُّ مِنْ حَقِّكَ، فَوَثَبَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللهِ بِالعَنَزَةِ حَتَّى غَرزَ رَأْسَهُ بِالحَائِطِ.
وَبَلغَ الخبَرُ مُسلِماً، فَخَرَجَ فِي نَحْوِ الأَرْبَعِ مائَةِ، فَمَا وَصَلَ القَصْرَ إلَّا فِي نَحْوِ السِّتِّيْنَ، وَغَربَتِ الشَّمْسُ فَاقْتَتَلُوا، وَكَثُرَ عَلَيْهِم أَصْحَابُ عبيد اللهِ، وَجَاءَ اللَّيْلُ فَهَرَبَ مُسْلِمٌ، فَاسْتَجَارَ بِامْرَأَةٍ مِنْ كِنْدَةَ، ثُمَّ جِيْءَ بِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ: دَعْنِي أُوصِ. قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ لِعُمَرَ بنِ سَعْدٍ: يَا هَذَا! إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، وَلَيْسَ هُنَا قُرَشِيٌّ غَيرُكَ، وَهَذَا الحُسَيْنُ قَدْ أَظَلَّكَ، فَأَرسِلْ إِلَيْهِ لِيَنصَرِفْ، فَإِنَّ القَوْمَ قَدْ غَرُّوهُ وَكَذَّبُوْهُ، وعليَّ دَيْنٌ فَاقْضِهِ عَنِّي، وَوَارِ جُثَّتِي، فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَبَعَثَ رَجُلاً عَلَى نَاقَةٍ إِلَى الحُسَيْنِ، فَلَقِيَهُ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاحِلَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ عَلِيٌّ الأَكْبَرُ: ارْجِعْ يَا أَبَه، فَإِنَّهُم أَهْلُ العِرَاقِ وَغَدْرُهُم، وَقِلَّةُ وَفَائِهِم، فَقَالَتْ بَنُو عَقِيْلٍ: لَيْسَ(4/359)
بِحِينِ رُجُوْعٍ، وحرَّضوه، فَقَالَ حُسَيْنٌ لأَصْحَابِهِ: قَدْ تَرَوْنَ مَا أَتَانَا، وَمَا أَرَى القَوْمَ إلَّا سَيَخْذُلُوْنَنَا، فَمَنْ أحبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَلْيَرْجِعْ، فَانْصَرَفَ عَنْهُ قَوْمٌ.
وَأَمَّا عُبَيْدُ اللهِ فَجَمعَ المُقَاتِلَةَ، وَبَذَلَ لَهُمُ المَالَ، وجهَّز عُمَرَ بنَ سَعْدٍ فِي أَرْبَعَةِ آلاَفٍ، فَأَبَى وَكَرِهَ قِتَالَ الحُسَيْنِ، فَقَالَ: لَئِنْ لَمْ تَسِرْ إِلَيْهِ لأعزلنَّك، وَلأَهْدِمَنَّ دَارَكَ، وَأَضْرِبَ عُنُقَكَ, وَكَانَ الحُسَيْنُ فِي خَمْسِيْنَ رَجُلاً؛ مِنْهُم تِسْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَقَالَ الحُسَيْنُ: يَا هَؤُلاَءِ! دَعُوْنَا نَرجِعْ مِنْ حَيْثُ جِئْنَا, قَالُوا: لاَ. وَبَلَغَ ذَلِكَ عُبَيْدَ اللهِ، فهَمَّ أَنْ يُخَلِّيَ عَنْهُ، وَقَالَ: وَاللهِ مَا عَرَضَ لِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِي، وَمَا أَرَانِي إلَّا مُخْلٍ سَبِيلَهُ يَذْهَبُ حَيْثُ يَشَاءُ، فَقَالَ شِمْرٌ: إِنْ فَعَلْتَ وَفَاتَكَ الرَّجُلُ لاَ تَسْتَقِيلُهَا أَبَداً، فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ:
الآنَ حَيْثُ تَعَلَّقَتْهُ حِبَالُنَا ... يَرْجُو النَّجَاةَ وَلاَتَ حِيْنَ مَنَاصِ
فَنَاهَضَهُ، وَقَالَ لِشِمْرٍ: سِرْ، فَإِنْ قَاتَلَ عُمَرَ وَإِلاَّ فَاقْتُلْهُ، وَأَنْتَ عَلَى النَّاسِ، وَضَبَطَ عُبَيْدُ اللهِ الجِسْرَ، فَمَنَعَ مَنْ يَجُوزُهُ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ ناسًا يتسللون إلى الحسين.
قَالَ: فَرَكِبَ العَسْكَرُ وَحُسَيْنٌ جَالِسٌ، فَرَآهُم مُقَبِلِيْنَ، فَقَالَ لأَخِيْهِ عَبَّاسٍ: الْقَهُم، فَسَلْهُم مَا لَهُم? فَسَأَلَهُم, قَالُوا: أَتَانَا كِتَابُ الأَمِيْرِ يَأْمُرُنَا أَنْ نَعرِضَ عَلَيْكَ النُّزَولَ عَلَى حُكْمِهِ أَوْ نُنَاجِزُكَ, قَالَ: انْصَرِفُوا عنَّا العَشِيَّةَ حَتَّى نَنظُرَ اللَّيْلَةَ، فَانْصَرَفُوا.
وَجَمَعَ حُسَيْنٌ أَصْحَابَهُ لَيْلَةَ عَاشُورَاءَ، فَحَمِدَ اللهَ وَقَالَ: إِنِّيْ لاَ أَحْسِبُ القَوْمَ إلَّا مُقَاتِلِيكُم غَداً، وَقَدْ أَذِنتُ لَكُم جَمِيْعاً، فَأَنْتُم فِي حِلٍّ مِنِّي، وَهَذَا اللَّيْلُ قَدْ غَشِيَكُم، فَمَنْ كَانَتْ لَهُ قُوَّةٌ فليضمَّ إِلَيْهِ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، وَتَفَرَّقُوا فِي سَوَادِكُم، فَإِنَّهُم إِنَّمَا يَطْلبُوْنَنِي، فَإِذَا رَأَوْنِي لَهَوْا عَنْ طَلَبِكُم، فَقَالَ أَهْلُ بَيْتِهِ: لاَ أَبْقَانَا اللهُ بَعْدَكَ، وَاللهِ لاَ نُفَارِقُكَ، وَقَالَ أَصْحَابُهُ كَذَلِكَ.
الثَّوْرِيُّ, عَنْ أَبِي الجَحَّافِ، عَنْ أَبِيْهِ, أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلْحُسَيْنِ: إِنَّ عليَّ دَيْناً. قَالَ: لاَ يُقَاتِلْ مَعِيَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ.
رَجَعَ الحَدِيْثُ إِلَى الأَوَّلِ:
فَلَمَّا أَصْبَحُوا قَالَ الحُسَيْنُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي فِي كُلِّ كَرْبٍ، وَرَجَائِي فِي كُلِّ شِدَّةٍ، وَأَنْتَ فِيمَا نَزَلَ بِي ثِقَةٌ، وَأَنْت وَلِيُّ كُلِّ نِعْمَةٍ، وَصَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ، وَقَالَ لِعُمَرَ وَجُنْدِهِ: لاَ تَعْجَلُوا، وَاللهِ مَا أَتيتُكُم حَتَّى أَتَتْنِي كُتُبُ أَمَاثِلِكُم بِأَنَّ السُّنَّةَ قَدْ أُمِيتَتْ، وَالنِّفَاقَ قَدْ نَجَمَ، وَالحُدُوْدَ قَدْ عُطِّلَتْ، فَاقْدَمْ, لعلَّ اللهَ يُصلِحُ بِكَ الأُمَّةَ، فأتيت، فإذا كَرِهتُم ذَلِكَ فَأَنَا رَاجِعٌ، فَارْجِعُوا(4/360)
إِلَى أَنْفُسِكُم؛ هَلْ يَصلُحُ لَكُم قَتْلِي, أَوْ يَحِلُّ دَمِي? أَلَسْتُ ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكُم، وَابْنَ ابْنِ عَمِّهِ? أَوَلَيْسَ حَمْزَةُ وَالعَبَّاسُ وَجَعْفَرٌ عُمُوْمَتِي? ألم يبلغكم قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيَّ وَفِي أَخِي: "هَذَانِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ" ? فَقَالَ شِمْرٌ: هُوَ يَعَبْدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ إِنْ كَانَ يَدْرِي مَا يَقُوْلُ، فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ كَانَ أَمرُكَ إِلَيَّ لأَجَبْتُ، وَقَالَ الحُسَيْنُ: يَا عُمَرُ! ليكوننَّ لِمَا تَرَى يَوْمٌ يَسُوؤُكَ, اللهمَّ إِنَّ أَهْلَ العِرَاقِ غَرُّوْنِي وَخَدَعُوْنِي، وَصَنَعُوا بِأَخِي مَا صَنَعُوا, اللهمَّ شَتِّتْ عَلَيْهِم أَمْرَهُم، وَأَحْصِهِمْ عَدَداً.
فَكَانَ أوَّل مَنْ قَاتَلَ مَوْلَىً لِعُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ، فَبَرَزَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ تَمِيْمٍ الكَلْبِيُّ فَقَتَلَهُ، وَالحُسَيْنُ جَالِسٌ عَلَيْهِ جُبَّةُ خَزٍّ دَكْنَاءُ، وَالنَّبْلُ يَقعُ حَوْلَهُ، فَوَقَعَتْ نَبْلَةٌ فِي ولدٍ لَهُ ابْنُ ثَلاَثِ سِنِيْنَ، فَلَبِسَ لأْمَتَهُ وَقَاتَلَ, حَوْلَهُ أَصْحَابُهُ حَتَّى قُتِلُوا جَمِيْعاً، وَحَمَلَ وَلدُهُ عَلِيٌّ يَرْتَجِزُ:
أَنَا عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيّ ... نَحْنُ وَبَيْتِ اللهِ أَوْلَى بِالنَّبِيّ
فَجَاءتْهُ طَعنَةٌ، وَعَطِشَ حُسَيْنٌ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِمَاءٍ فَتَنَاوَلَهُ، فَرمَاهُ حُصَيْنُ ابن تَمِيْمٍ بِسَهْمٍ، فَوَقَعَ فِي فِيْهِ، فَجَعَلَ يتلقَّى الدَّمَ بِيَدِهِ، وَيَحْمَدُ اللهَ، وتوجَّه نَحْوَ المُسَنَّاةِ يُرِيْدُ الفُرَاتَ، فَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَاءِ، وَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ، فَأَثبتَهُ فِي حَنَكِهِ، وَبَقِيَ عامَّة يَوْمِهِ لاَ يَقْدَمُ عَلَيْهِ أَحَدٌ حَتَّى أَحَاطَتْ بِهِ الرَّجَّالَةُ، وَهُوَ رَابطُ الجَأْشِ, يُقَاتِلُ قِتَالَ الفَارِسِ الشُّجَاعِ, إِنْ كَانَ لَيَشُدُّ عَلَيْهِم فَيَنكَشِفُوْنَ عَنْهُ انكِشَافَ المِعْزَى شَدَّ فِيْهَا الأَسَدُ, حَتَّى صَاحَ بِهِم شِمْرٌ: ثَكلتْكُم أُمَّهَاتُكُم! مَاذَا تَنْتَظرُونَ بِهِ? فَانْتَهَى إِلَيْهِ زُرْعَةُ التَّمِيْمِيُّ فَضَرَبَ كَتِفَهُ، وَضرَبَهُ الحُسَيْنُ عَلَى عَاتقِهِ فَصَرَعَهُ، وَبرَزَ سِنَانٌ النَّخَعِيُّ فَطعَنَهُ فِي ترقُوتِهِ وَفِي صَدْرِهِ فخَرَّ، ثُمَّ نَزَلَ ليحتزَّ رَأْسَهُ، وَنَزَلَ خَوْلِيٌّ الأَصْبَحِيُّ، فَاحتَزَّ رَأْسَهُ، وَأَتَى بِهِ عُبَيْدَ اللهِ بنَ زِيَادٍ، فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئاً.
قَالَ: وَوُجِدَ بِالحُسَيْنِ ثلاث وثلاثون جراجة، وقتل من جيش عمر بن سَعْدٍ ثَمَانِيَةٌ وَثَمَانُوْنَ نَفْساً.
قَالَ: وَلَمْ يَفْلِتْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الحُسَيْنِ سِوَى وَلَدِهِ عَلِيٍّ الأَصْغَرِ -فَالحُسَيْنِيَّةِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ- كَانَ مَرِيضاً، وَحَسَنُ بنُ حَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ, وَأَخُوْهُ عَمْرٌو، وَلاَ عَقِبَ لَهُ، وَالقَاسِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلٍ، فَقَدِمَ بِهِم، وَبِزَيْنَبَ، وَفَاطِمَةَ بنتَيْ عَلِيٍّ، وَفَاطِمَةَ وَسُكَيْنَةَ بِنْتَيِ الحُسَيْنِ، وَزَوْجَتِهِ الرَّبَابِ الكَلْبِيَّةِ وَالِدَةِ سُكَيْنَةَ، وَأُمِّ مُحَمَّدٍ بِنْتِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ وَعَبِيدٍ، وَإِمَاءٍ لَهُم.
قَالَ: وَأُخِذَ ثَقَلُ الحُسَيْنِ، وَأَخَذَ رَجُلٌ حُلِيَّ فَاطِمَةَ بِنْتِ الحُسَيْنِ، وَبَكَى، فَقَالَتْ: لِمَ تَبْكِي? فَقَالَ: أَأَسْلُبُ بِنْتَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ أَبْكِي? قَالَتْ: فَدَعْهُ, قَالَ: أَخَافُ أَنْ يَأْخُذَهُ غَيْرِي.(4/361)
وَأَقْبَلَ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ فَقَالَ: مَا رَجَعَ رَجُلٌ إِلَى أَهْلِهِ بِشَرٍّ مِمَّا رَجَعْتُ بِهِ, أَطَعْتُ ابْنَ زِيَادٍ وَعَصَيْتُ اللهَ، وَقَطَعْتُ الرَّحِمَ، وَوَردَ البَشِيْرُ عَلَى يَزِيْدَ، فلمَّا أَخْبَرَهُ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَقَالَ: كُنْتُ أَرْضَى مِنْ طَاعَتِكُم بِدُوْنِ قَتْلِ الحُسَيْنِ. وَقَالَتْ سُكَيْنَةُ: يَا يَزِيْدُ, أَبَنَاتُ رَسُوْلِ اللهِ سَبَايَا? قَالَ: يَا بِنْتَ أَخِي, هُوَ وَاللهِ عَلَيَّ أَشدُّ مِنْهُ عَلَيْكِ, أَقْسَمْتُ لو أنَّ بَيْنَ ابْنِ زِيَادٍ وَبَيْنَ حُسَيْنٍ قَرَابَةٌ مَا أَقدَمَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ فَرَّقَتْ بَيْنَهُ وَبينَهُ سُمَيَّةُ، فَرَحِمَ اللهُ حُسَيْناً, عَجَّلَ عَلَيْهِ ابْنُ زِيَادٍ, أَمَا وَاللهِ لَوْ كُنْتُ صَاحِبَهُ، ثُمَّ لَمْ أَقْدِرْ عَلَى دَفْعِ القَتْلِ عَنْهُ إلَّا بِنَقْصِ بَعْضِ عُمُرِي لأَحْبَبْتُ أَنْ أَدْفعَهُ عَنْهُ، وَلَوَدِدْتُ أَنْ أُتِيتُ بِهِ سلماً.
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، فَقَالَ: أَبُوْكَ قَطَعَ رَحِمِي، وَنَازَعَنِي سُلطَانِي. فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ سِبَاءهُم لَنَا حَلاَلٌ, قَالَ عَلِيٌّ: كَذَبْتَ, إلَّا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مِلَّتِنَا، فَأَطْرَقَ يَزِيْدُ، وَأَمَرَ بالنساء فأدخلن على نسائه، وأمر نِسَاءَ آلِ أَبِي سُفْيَانَ فَأَقَمْنَ المَأْتَمَ عَلَى الحُسَيْنِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ...., إِلَى أَنْ قَالَ: وَبَكَتْ أُمُّ كُلْثُوْمٍ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرٍ، فَقَالَ يَزِيْدُ -وَهُوَ زَوْجُهَا: حُقَّ لَهَا أَنْ تُعْوِلَ عَلَى كَبِيْرِ قُرَيْشٍ وَسيِّدِهَا.
جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بنِ الخِرِّيْتِ, سَمِعَ الفَرَزْدَقَ يَقُوْلُ: لَقِيتُ الحُسَيْنَ بِذَاتِ عِرْقٍ، فَقَالَ: مَا تَرَى أَهْلَ الكُوْفَةِ صَانِعِيْنَ مَعِي? فإنَّ مَعِي حِمْلاً مِنْ كُتُبِهِم, قُلْتُ: يَخذُلُوْنَكَ، فَلاَ تَذْهَبْ.
وَكَتَبَ يَزِيْدُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَذكُرُ لَهُ خُروجَ الحُسَيْنِ، وَيَقُوْلُ: نَحسِبُ أَنَّهُ جَاءهُ رِجَالٌ مِنَ المَشْرِقِ، فَمَنَّوْهُ الخِلاَفَةَ، وَعِنْدَكَ مِنْهُم خَبَرُهُ، فَإِنْ فَعلَ فَقَدْ قَطَعَ القَرَابَةَ وَالرَّحِمَ، وَأَنْتَ كَبِيْرُ أَهْلِ بَيْتِكَ وَالمَنظُورُ إِلَيْهِ، فَاكْفُفْهُ عَنِ السَّعِيِ فِي الفُرْقَةِ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنِّيْ لأَرْجُو أَنْ لاَ يَكُوْنَ خُروجُهُ لأَمرٍ تَكرَهُ، وَلَسْتُ أدَّع النَّصيحَةَ لَهُ.
وَبَعَثَ حُسَيْنٌ إلى المدينة، فلحق به خَفَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَهُم تِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً وَنِسَاءٌ وَصِبيَانُ، وَتَبِعَهُم أَخُوْهُ مُحَمَّدٌ، فَأَدْرَكَهُ بِمَكَّةَ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ الخُرُوجَ يَوْمَهُ هَذَا لَيْسَ بِرَأْيٍ، فَأَبَى، فَمَنَعَ مُحَمَّدٌ وَلَدَهُ، فَوجَدَ عَلَيْهِ الحُسَيْنُ، وَقَالَ: تَرغَبُ بوَلَدِكَ عَنْ مَوْضِعٍ أُصَابُ فِيْهِ.
وَبَعَثَ أَهْلُ العِرَاقِ رُسُلاً وَكُتُباً إِلَيْهِ، فَسَارَ فِي آلِهِ وَفِي سِتِّيْنَ شَيْخاً مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ، فِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ.(4/362)
فَكَتَبَ مَرْوَانُ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادِ بنِ أَبِيْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الحُسَيْنَ قَدْ توجَّه إِلَيْكَ، وَتَاللهِ مَا أَحَدٌ يُسلِمهُ اللهُ أَحبُّ إِلَيْنَا مِنَ الحُسَيْنِ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَهِيْجَ عَلَى نَفْسِكَ مَا لاَ يَسُدُّه شَيْءٌ.
وَكَتَبَ إِلَيْهِ عَمْرُو بنُ سَعِيْدٍ الأَشْدَقُ: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ تَوجَّهَ إِلَيْك الحُسَيْنُ، وَفِي مِثْلِهَا تُعتَقُ أَوْ تُستَرَقُّ.
الزُّبَيْرُ, حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: خَرَجَ الحُسَيْنُ، فَكَتَبَ يَزِيْدُ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ نَائِبِهِ: إِنَّ حُسَيْناً صَائِرٌ إِلَى الكُوْفَةِ، وَقَدِ ابْتُلِيَ بِهِ زَمَانُكَ مِنْ بَيْنِ الأَزْمَانِ، وَبَلَدُكَ مِنْ بَيْنِ البُلدَانِ، وَأَنْتَ مِنْ بَيْنِ العُمَّالِ، وَعِنْدَهَا تُعتَقُ أَوْ تَعُوْدُ عَبْداً، فَقَتَلَهُ ابْنُ زِيَادٍ، وَبَعَثَ بِرَأْسِهِ إِلَيْهِ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنِي أَعْرَابِيٌّ يُقَالَ لَهُ: بُجَيْرٌ, مِنْ أَهْلِ الثَّعْلَبِيَّة, لَهُ مائَةٌ وَسِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً, قَالَ: مَرَّ الحُسَيْنُ وَأَنَا غُلاَمٌ، وَكَانَ فِي قِلَّةٍ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ أَخِي: يَا ابْنَ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ, أَرَاكَ فِي قِلَّةٍ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ: بِالسَّوْطِ -وَأَشَارَ إِلَى حَقِيبَةِ الرَّحْلِ: هَذِهِ خَلْفِي مَمْلُوْءةٌ كُتُباً.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا شِهَابُ بنُ خِرَاشٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالَ: كُنْتُ فِي الجَيْشِ الَّذِيْنَ جهَّزهم عُبَيْدُ اللهِ بنُ زِيَادٍ إِلَى الحُسَيْنِ، وَكَانُوا أَرْبَعَةَ آلاَفٍ, يُرِيْدُوْنَ الدَّيْلَمَ، فَصَرَفَهُم عُبَيْدُ اللهِ إِلَى الحُسَيْنِ، فَلَقِيْتُهُ، فَقُلْتُ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ, قَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ، وَكَانَتْ فِيْهِ غُنَّةٌ.
قَالَ شِهَابٌ: فَحَدَّثْتُ بِهِ زَيْدَ بنَ عَلِيٍّ، فَأَعْجَبَهُ؛ وَكَانَتْ فِيْهِ غُنَّةٌ.
جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ يَزِيْدَ الرِّشك، قَالَ: حدَّثَنِي مَنْ شَافَهَ الحُسَيْنَ قَالَ: رَأَيْتُ أَبْنِيَةً مَضْرُوْبَةً لِلْحُسَيْنِ، فَأَتَيْتُ، فَإِذَا شَيْخٌ يَقرَأُ القُرْآنَ وَالدُّمُوعُ تَسِيْلُ عَلَى خَدَّيْهِ، فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يا ابن رسول الله! ما أنزلك هَذِهِ البلاَدَ وَالفَلاَةَ؟ قَالَ: هَذِهِ كُتُبُ أَهْلِ الكُوْفَةِ إِلَيَّ، وَلاَ أَرَاهُم إلَّا قَاتلِيَّ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ لَمْ يَدَعُوا للهِ حُرمَةً إلَّا انْتَهَكُوهَا، فَيُسَلِّطُ اللهُ عَلَيْهِم مَنْ يُذِلُّهُم حَتَّى يَكُوْنُوا أَذلَّ مِنْ فَرَمِ الأَمَةِ -يَعْنِي: مَقنعَتهَا.
المَدَائِنِيُّ, عَنِ الحَسَنِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ قَالَ: قَالَ الحُسَيْنُ: وَاللهِ ليعتدينَّ عليَّ كَمَا اعْتَدَتْ بَنُو إِسْرَائِيْلَ فِي السَّبتِ.
أَحْمَدُ بنُ جَنَابٍ المَصِّيْصِيُّ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ القَسْرِيُّ, حَدَّثَنَا عَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ, قُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ: حَدِّثْنِي بِقَتْلِ الحُسَيْنِ, فَقَالَ: مَاتَ مُعَاوِيَةُ، فَأَرْسَلَ الوَلِيْدُ بنُ عُتْبَةَ وَالِي المَدِيْنَةِ إِلَى الحُسَيْنِ لِيُبَايِعَ، فَقَالَ: أخِّرني، وَرَفَقَ بِهِ فأخَّره، فَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، فَأَتَاهُ رُسُلُ أَهْلِ(4/363)
الكُوْفَةِ، وَعَلَيْهَا النُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ، فَبَعثَ الحُسَيْنُ ابْنَ عَمِّهِ مُسْلِمَ بنَ عَقِيْلٍ: أَنْ سِرْ فَانظُرْ مَا كَتَبُوا بِهِ، فَأَخَذَ مُسْلِمٌ دَليلَيْنِ، وَسَارَ، فَعطِشُوا فِي البَرِّيَّةِ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا، وَكَتَبَ مُسْلِمٌ إِلَى الحُسَيْنِ يَسْتَعْفِيهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: امْضِ إِلَى الكُوْفَةِ، وَلَمْ يُعْفِهِ، فَقَدِمَهَا، فَنَزَلَ عَلَى عَوْسَجَةٍ، فدبَّ إِلَيْهِ أَهْلُ الكُوْفَةِ، فَبَايَعَهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً، فَقَامَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُسْلِمٍ فَقَالَ لِلنُّعْمَانِ: إِنَّكَ لَضَعِيْفٌ! قَالَ: لأَنْ أَكُوْنَ ضَعيفاً أَحبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُوْنُ قَوِيّاً فِي مَعصِيَةِ اللهِ، وَمَا كُنْتُ لأَهْتِكَ سِتراً سَتَرَهُ اللهُ، وَكَتَبَ بِقَوْلِهِ إِلَى يَزِيْدَ، وَكَانَ يَزِيْدُ سَاخِطاً عَلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِرِضَاهُ عَنْهُ، وأنَّه وَلاَّهُ الكُوْفَةَ مُضَافاً إِلَى البَصْرَةِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَقتُلَ مُسْلِماً، فَأَسرعَ عُبَيْدُ اللهِ فِي وُجُوهِ أَهْلِ البَصْرَةِ إِلَى الكُوْفَةِ مُتَلَثِّماً، فَلاَ يَمرُّ بِمَجْلِسٍ فيسلِّم عليهم إلَّا قالوا: وعليك السلام يا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَظنُّونَهُ الحُسَيْنَ, فَنَزَلَ القَصْرَ، ثُمَّ دَعَا مَوْلَىً لَهُ، فَأَعْطَاهُ ثَلاَثَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: اذهَبْ حَتَّى تَسْأَلَ عَنِ الَّذِي يُبَايِعُ أَهْلَ الكُوْفَةِ، فَقُلْ: أَنَا غَرِيْبٌ جِئْتُ بِهَذَا المَالِ يتقوَّى بِهِ، فَخَرَجَ وتلطَّف حَتَّى دَخَلَ عَلَى شَيْخٍ يَلِي البَيْعَةَ، فَأَدخلَهُ عَلَى مُسْلِمٍ، وَأَعْطَاهُ الدَّرَاهِمَ، وَبَايَعَهُ وَرَجَعَ، فَأَخْبَرَ عُبَيْدَ اللهِ.
وَتَحوَّلَ مُسْلِمٌ إلى دار هانىء بنِ عُرْوَةَ المُرَادِيِّ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: مَا بال هانىء لَمْ يَأْتِنَا? فَخَرَجَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ الأَشْعَثِ وَغَيرُهُ، فَقَالُوا: إِنَّ الأَمِيْرَ قَدْ ذَكَرَكَ، فَرَكِبَ مَعَهُم وَأَتَاهُ، وَعِنْدَهُ شُرَيْحٌ القَاضِي، فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: "أَتَتْكَ بِحَائِنٍ رِجْلاَهُ"1، فَلَمَّا سلَّم، قَالَ: يا هانىء, أَيْنَ مُسْلِمٌ؟ قَالَ: مَا أَدْرِي، فَخَرَجَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الدَّرَاهمِ، فلمَّا رَآهُ قَطَعَ بِهِ، وَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ، وَاللهِ مَا دَعَوتُهُ إِلَى مَنْزلِي، وَلَكِنَّهُ جَاءَ فَرَمَى نَفْسَهُ عليَّ, قَالَ: ائْتِنِي بِهِ, قَالَ: وَاللهِ لَوْ كَانَ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَا رَفَعْتُهُمَا عَنْهُ، فَضَرَبَهُ بِعَصاً، فشجَّه، فَأَهْوَى هانىء إِلَى سَيْفِ شُرَطِيٍّ يَسْتَلُّهُ، فَمَنَعَهُ، وَقَالَ: قَدْ حَلَّ دَمُكَ، وَسَجَنَهُ، فطَارَ الخَبرُ إِلَى مَذْحِجٍ، فَإِذَا عَلَى بَابِ القَصْرِ جَلَبَةٌ، وَبلغَ مُسلِماً الخبرُ، فَنَادَى بِشعَارِهِ، فَاجتَمَعَ إِلَيْهِ أَرْبَعُوْنَ أَلْفاً، فَعَبَّأَهُم، وَقَصَدَ القَصْرَ، فَبَعَثَ عُبَيْدُ اللهِ إِلَى وُجُوهِ أَهْلِ الكُوْفَةِ، فَجَمَعَهُم عِنْدَهُ، وَأَمَرَهُم فَأَشْرَفُوا مِنَ القَصْرِ عَلَى عَشَائِرِهِم، فَجَعَلُوا يُكلِّمُونَهُم، فَجَعَلُوا يَتَسلَّلُوْنَ حَتَّى بَقِيَ مُسْلِمٌ فِي خَمْسِ مائَةٍ، وَقَدْ كَانَ كَتَبَ إِلَى الحُسَيْنِ لِيُسرِعَ، فلمَّا دَخَلَ اللَّيْلُ ذهبَ أُوْلَئِكَ حَتَّى بَقِيَ مُسْلِمٌ وَحدَهُ يَتردَّدُ فِي الطُّرُقِ، فَأَتَى بَيْتاً، فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ، فَقَالَ: اسْقِنِي، فَسَقَتْهُ، ثُمَّ دَخَلَتْ وَمَكَثَتْ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ خَرَجَتْ، فَإِذَا بِهِ عَلَى البَابِ، فَقَالَتْ: يَا هَذَا, إِنَّ مجلسك مجلس ريبة، فَقُمْ، فَقَالَ: أَنَا مُسْلِمُ بنُ عَقِيْلٍ، فَهَلْ مَأْوَىً؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَأَدَخَلَتْهُ، وَكَانَ ابْنُهَا مَوْلَىً لمحمد بن
__________
1 مثل يضرب للرجل يسعى إلى المكروه حتى يقع فيه. والحين هو الهلاك.(4/364)
الأَشْعَثِ، فَانْطَلقَ إِلَى مَوْلاَهُ، فَأَعلَمَهُ، فَبَعثَ عُبَيْدُ اللهِ الشُّرَطَ إِلَى مُسْلِمٍ، فَخَرَجَ وسلَّ سَيْفَهُ وَقَاتَلَ، فَأَعْطَاهُ ابْنُ الأَشْعَثِ أَمَاناً، فسلَّم نَفْسَهُ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ فَضَربَ عُنُقَهُ، وَأَلقَاهُ إِلَى النَّاسِ، وَقَتَلَ هَانِئاً، فَقَالَ الشَّاعِرُ:
فَإِنْ كُنْتِ لاَ تَدْرِينَ مَا المَوْتُ فانظري ... إلى هانىء فِي السُّوقِ وَابْنِ عَقِيْلِ
أَصَابَهُمَا أَمْرُ الأَمِيْرِ فَأَصْبَحَا ... أَحَادِيْثَ مَنْ يَسْعَى بِكُلِّ سَبِيلِ
أَيَرْكَبُ أَسْمَاءُ الهَمَالَيجَ آمِناً ... وَقَدْ طَلَبَتْهُ مَذْحِجٌ بِقَتِيْلِ
يَعنِي: أَسْمَاءَ بنَ خَارِجَةَ.
قَالَ: وَأَقبلَ حُسَيْنٌ عَلَى كِتَابِ مُسْلِمٍ, حَتَّى إِذَا كَانَ عَلَى سَاعَةٍ مِنَ القَادِسِيَّةِ لَقيَهُ رَجُلٌ؛ فَقَالَ لِلْحُسَيْنِ: ارْجِعْ, لَمْ أَدَعْ لَكَ وَرَائِي خَيْراً، فهَمَّ أَنْ يَرْجِعَ، فَقَالَ إِخوَةُ مُسْلِمٍ: وَاللهِ لاَ نَرجِعُ حَتَّى نَأْخُذَ بِالثَّأْرِ أَوْ نُقتَلَ، فَقَالَ: لاَ خَيْرَ فِي الحَيَاةِ بَعْدَكُم، وَسَارَ فَلَقِيَتْهُ خَيلُ عُبَيْدِ اللهِ، فَعَدَلَ إِلَى كَرْبَلاَءَ، وَأَسندَ ظَهْرَهُ إِلَى قُصَمْيَا حَتَّى لاَ يُقَاتَلَ إلَّا مِنْ وَجهٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ مَعَهُ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ فَارِساً، وَنَحْوٌ مِنْ مائَةِ رَاجِلٍ.
وَجَاءَ عُمَرُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ -وَقَدْ وَلاَّهُ عُبَيْدُ اللهِ بنُ زِيَادٍ عَلَى العَسْكَرِ, وَطلبَ مِنْ عُبَيْدِ اللهِ أَنْ يَعْفِيَهُ مِنْ ذَلِكَ فَأَبَى، فَقَالَ الحُسَيْنُ: اخْتَارُوا وَاحِدَةً مِنْ ثَلاَثٍ؛ إمَّا أَنْ تَدَعُوْنِي فَأَلْحَقَ بِالثُّغُوْرِ، وإمَّا أَنْ أَذهَبَ إِلَى يَزِيْدَ, أَوْ أُرَدَّ إِلَى المَدِيْنَةِ. فَقَبِلَ عُمَرُ ذَلِكَ، وَكَتَبَ بِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: لاَ، وَلاَ كرَامَةَ حَتَّى يَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِي. فَقَالَ الحُسَيْنُ: لاَ وَاللهِ، وَقَاتَلَ فَقُتِلَ أَصْحَابُهُ مِنْهُم بِضْعَةَ عَشَرَ شابًّا من أهل بيته.
قَالَ: وَيَجِيْءُ سَهْمٌ فَيَقَعُ بِابْنٍ لَهُ صَغِيْرٍ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْهُ، وَيَقُوْلُ: اللَّهُمَّ احْكُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا, دَعَوْنَا لِيَنْصُرُونَا ثُمَّ يَقْتُلُوْنَنَا، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِل, قَتَلَهُ رَجُلٌ مَذْحِجِيٌّ، وجزَّ رَأْسَهُ، وَمَضَى بِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ، فَقَالَ:
أَوْقِرْ رِكَابِي ذَهَبَا ... فَقَدْ قَتَلْتُ المَلِكَ المُحَجَّبَا
قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ أُمّاً وَأَبَا
فَوفَدَهُ إِلَى يَزِيْدَ وَمَعَهُ الرَّأْسُ، فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعِنْدَهُ أَبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ؛ فَجَعَلَ يَزِيْدُ يَنكُتُ بِالقَضِيْبِ على فيه، ويقول:
نفلِّق هامًا من الناس أَعِزَّةٍ ... عَلَيْنَا، وَهُم كَانُوا أعقَّ وَأَظْلَمَا(4/365)
كَذَا قَالَ أَبُو بَرْزَةَ, وَإِنَّمَا المَحْفُوظُ أنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ عُبَيْدِ اللهِ.
قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ: ارْفَعْ قَضِيبَكَ, لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاهُ عَلَى فِيْهِ.
قَالَ: وَسَرَّحَ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ بِحَرِيْمِهِ وَعِيَالِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ، وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْهُم إلَّا غُلاَمٌ كَانَ مَرِيضاً مَعَ النِّسَاءِ، فَأَمَرَ بِهِ عُبَيْدُ اللهِ لِيُقْتَلَ، فَطَرَحَتْ عَمَّتُهُ زَيْنَبُ نَفْسَهَا عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: لاَ يُقتَلُ حَتَّى تَقْتُلُوْنِي، فرقَّ لَهَا، وجهَّزهم إِلَى الشَّامِ، فلمَّا قَدِمُوا عَلَى يَزِيْدَ جَمَعَ مَنْ كَانَ بِحَضَرتِهِ، وهنئوه، فقام رجل أَحْمَرُ أَزرقُ، وَنَظَرَ إِلَى صَبِيَّةٍ مِنْهُم، فَقَالَ: هَبْهَا لِي يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فَقَالَتْ زَيْنَبُ: لاَ، وَلاَ كرَامَةَ لَكَ, إلَّا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ دِيْنِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ يَزِيْدُ: كُفَّ، ثُمَّ أَدخَلَهُم إِلَى عِيَالِهِ، فَجَهَّزَهُم وَحَمَلَهُم إِلَى المَدِيْنَةِ.
إِلَى هُنَا عَنْ أَحْمَدَ بنِ جَنَابٍ.
الزُّبَيْرُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَسَنٍ: لَمَّا نَزلَ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ بِالحُسَيْنِ خَطبَ أَصْحَابَهُ، وَقَالَ: قَدْ نَزلَ بِنَا مَا تَرَوْنَ، وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَغَيَّرَتْ وَتَنكَّرَتْ، وَأَدْبَرَ مَعْرُوفُهَا، وَاسْتُمْرِئَتْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلَّا كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ، وَإِلاَّ خَسِيسُ عَيْشٍ كَالمَرْعَى الوَبِيْلِ, ألَا تَرَوْنَ الحَقَّ لاَ يُعْمَلُ بِهِ، وَالبَاطِلَ لاَ يُتنَاهَى عَنْهُ? لِيَرْغَبَ المُؤْمِنُ فِي لِقَاءِ اللهِ. إنِّي لاَ أَرَى المَوْتَ إلَّا سَعَادَةً، وَالحيَاةَ مَعَ الظَّالِمِيَنَ إلَّا نَدَماً.
خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الجريجي، عَنْ رَجُلٍ, أنَّ الحُسَيْنَ لَمَّا أَرهَقَهُ السِّلاَحُ قَالَ: ألَا تَقْبَلُوْنَ مِنِّي مَا كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْبَلُ مِنَ المُشْرِكِيْنَ? كَانَ إِذَا جَنَحَ أَحَدُهُم قَبِلَ مِنْهُ, قَالُوا: لاَ, قَالَ: فَدَعُوْنِي أَرجِعُ, قَالُوا: لاَ, قَالَ: فَدَعُوْنِي آتِي أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فَأَخَذَ لَهُ رَجُلٌ السِّلاَحَ، فَقَالَ لَهُ: أَبْشِرْ بِالنَّارِ، فَقَالَ: بَلْ إِنْ شَاءَ اللهُ بِرَحْمَةِ رَبِّي وَشَفَاعَةِ نَبِيِّي، فَقُتِلَ وَجِيْءَ بِرَأْسِهِ، فَوُضِعَ فِي طَسْتٍ بَيْنَ يَدَيِ ابْنِ زِيَادٍ، فَنَكتَهُ بِقَضِيْبِهِ، وَقَالَ: لَقَدْ كَانَ غُلاَماً صَبِيْحاً، ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُم قاتله? فقام الرجل فقال: وَمَا قَالَ لَكَ?....، فَأَعَادَ الحَدِيْثَ ... قَالَ: فاسودَّ وَجهُهُ.
أَبُو مَعْشَرٍ, عَنْ رِجَالِهِ قَالَ: قَالَ الحُسَيْنُ حِيْنَ نَزَلُوا كَرْبَلاَءَ: مَا اسمُ هَذِهِ الأَرْضِ؟ قَالُوا: كَرْبَلاَءَ, قَالَ: كَرْبٌ وَبَلاَءٌ، وَبَعَثَ عُبَيْدُ اللهِ لِحَرْبِهِ عُمَرَ بنَ سَعْدٍ، فَقَالَ: يَا عُمَرُ! اخْتَرْ مِنِّي إِحْدَى ثَلاَثٍ, إمَّا أَنْ تَتْرُكَنِي أَرجِعُ, أَوْ فسيِّرني إِلَى يَزِيْدَ فَأَضَعَ يَدِي فِي يَدِهِ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَسَيِّرْنِي إلى الترك فأجاهد حتى الموت، فَبَعثَ بِذَلِكَ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ، فهمَّ أَنْ يُسَيِّرَهُ إِلَى يَزِيْدَ، فَقَالَ لَهُ شِمْرُ بنُ ذِي الجَوْشِنِ: لاَ، إلَّا أَنْ يَنْزِلَ عَلَى حُكمِكَ, فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، فَقَالَ(4/366)
الحُسَيْنُ: وَاللهِ لاَ أَفعَلُ، وَأَبطَأَ عُمَرُ عَنْ قِتَالِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللهِ شِمْرَ بنَ ذِي الجَوْشِنِ، فَقَالَ: إِنْ قَاتَلَ وَإِلاَّ فَاقْتُلْهُ، وَكُنْ مَكَانَهُ.
وَكَانَ مِنْ جُندِ عُمَرَ ثَلاَثُونَ مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ، فَقَالُوا: يَعرِضُ عَلَيْكُم ابْنُ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَ خِصَالٍ، فَلاَ تَقْبَلُوْنَ وَاحِدَةً!، وتحوَّلوا إِلَى الحُسَيْنِ فَقَاتَلُوا.
عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، عَنْ حُصَيْنٍ قَالَ: أَدْرَكْتُ مَقْتَلَ الحُسَيْنِ، فحَدَّثَنِي سَعْدُ بنُ عُبَيْدَةَ قَالَ: رَأَيْتُ الحُسَيْنَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ برُودٌ, رَمَاهُ رَجُلٌ يُقَالَ لَهُ: عَمْرُو بنُ خَالِدٍ الطُّهَوِيُّ بِسَهْمٍ، فَنَظَرْتُ إِلَى السَّهْمِ فِي جَنْبِهِ.
هِشَامُ بنُ الكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: رَمَى زُرْعَةُ الحُسَيْنَ بِسَهمٍ فَأَصَابَ حَنَكَهُ، فَجَعلَ يتلقَّى الدَّمَ، ثُمَّ يَقُوْلُ: هَكَذَا إِلَى السَّمَاءِ، وَدَعَا بِمَاءٍ لِيَشْرَبَ، فلمَّا رَمَاهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَاءِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ظمِّه, قَالَ: فحدَّثني مِنْ شَهِدَهُ وَهُوَ يَمُوتُ، وَهُوَ يَصِيحُ مِنَ الحَرِّ في بطنه، والبرد في ظهره، وبين يَدَيْهِ المَرَاوِحُ وَالثَّلجُ، وَهُوَ يَقُوْلُ: اسْقُونِي, أَهْلَكَنِي العَطَشُ، فانقدَّ بَطْنُهُ.
الكَلْبِيُّ رَافِضِيٌّ متَّهم.
قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: أَقْبَلَ مَعَ الحُسَيْنِ سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.
وَعَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: لَمْ تَبْكِ السَّمَاءُ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ يَحْيَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- إلَّا عَلَى الحُسَيْنِ.
عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ عِيْسَى بنِ الحَارِثِ الكِنْدِيِّ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الحُسَيْنُ مَكَثْنَا أَيَّاماً سَبْعَةً, إِذَا صَلَّينَا العَصرَ فَنَظَرْنَا إِلَى الشَّمْسِ عَلَى أَطرَافِ الحِيطَانِ كَأَنَّهَا المَلاَحِفُ المُعَصْفَرَةُ، وَنَظَرْنَا إِلَى الكَوَاكبِ يَضرِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً.
المَدَائِنِيُّ, عَنْ عَلِيِّ بنِ مُدْرِكٍ، عَنْ جَدِّهِ الأَسْوَدِ بنِ قَيْسٍ قَالَ: احمرَّت آفَاقُ السَّمَاءِ بَعْدَ قَتْلِ الحُسَيْنِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ تُرَى كَالدَّمِ.
هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: تَعْلَمُ هَذِهِ الحُمْرَةُ فِي الأُفُقِ مِمّ? هُوَ مِنْ يَوْمِ قَتْلِ الحُسَيْنِ.
الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ قَالَ: حَدَّثَتْنَا أُمُّ سُوْقٍ العَبْديَّةُ قَالَتْ: حدَّثَتْنِي نَضْرَةُ الأَزْدِيَّةُ قَالَتْ: لَمَّا أَنْ قُتِلَ الحُسَيْنُ مَطَرِتِ السَّمَاءُ مَاءً، فَأَصْبَحْتُ وَكُلُّ شَيْءٍ لَنَا مَلآنُ دَماً.
جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ: حَدَّثَتْنِي خَالتِي قَالَتْ: لَمَّا قُتلَ الحُسَيْنُ مطرنا مطرًا كالدم.
يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ قَالَ: قُتِلَ الحُسَيْنُ وَلِي أربع عشرة(4/367)
سَنَةً، وَصَارَ الوَرسُ الَّذِي كَانَ فِي عَسْكَرِهِم رَمَاداً، واحمرَّت آفَاقُ السَّمَاءِ، وَنَحَرُوا نَاقَةً فِي عَسكَرِهِم، فَكَانُوا يَرَوْنَ فِي لَحْمِهَا النِّيرَانَ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُ الوَرسَ عَادَ رَمَاداً، وَلَقَدْ رَأَيْتُ اللَّحمَ كأنَّ فِيْهِ النَّارَ حيَنَ قُتِلَ الحُسَيْنُ.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنِي جَمِيْلُ بنُ مُرَّةَ قَالَ: أَصَابُوا إِبِلاً فِي عَسكَرِ الحُسَيْنِ يَوْمَ قُتِلَ، فَطَبَخُوا مِنْهَا، فَصَارَتْ كَالعَلْقَمِ.
قُرَّةُ بنُ خَالِدٍ: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ العُطَارِدِيَّ قَالَ: كَانَ لَنَا جَارٌ مِنْ بَلْهُجَيْمٍ، فَقَدِمَ الكُوْفَةَ فَقَالَ: مَا تَرَوْنَ هَذَا الفَاسِقَ ابْنَ الفَاسِقِ قَتَلَهُ اللهُ -يَعْنِي الحُسَيْنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَرَمَاهُ اللهُ بِكَوْكَبَيْنِ مِنَ السَّمَاءِ، فَطُمِسَ بَصَرُهُ.
قَالَ عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ الحَلَبِيُّ: قَالَ السُّدِّيُّ: أَتيتُ كَرْبَلاَءَ تَاجِراً، فَعَمِلَ لَنَا شَيْخٌ مِنْ طَيٍّ طَعَاماً، فَتَعَشَّيْنَا عِنْدَهُ، فَذَكَرْنَا قَتْلَ الحُسَيْنَ، فَقُلْتُ: مَا شَارَكَ أَحَدٌ فِي قَتْلِهِ إلَّا مَاتَ مِيْتَةَ سُوءٍ، فَقَالَ: مَا أَكْذَبَكُم, أَنَا مِمَّنْ شَرَكَ فِي ذَلِكَ, فَلَمْ نَبْرحْ حَتَّى دَنَا مِنَ السِّرَاجِ وَهُوَ يتَّقد بِنَفْطٍ، فَذَهَبَ يُخرِجُ الفَتِيْلَةَ بِأُصبُعِهِ، فَأَخَذَتِ النَّارُ فِيْهَا، فَذَهَبَ يُطفِئُهَا بِرِيقِهِ، فَعَلِقَتِ النَّارُ فِي لِحْيتِهِ، فَعَدَا فَأَلقَى نَفْسَهُ فِي المَاءِ، فرأيته كأنه حُمَمَة.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: حدَّثَتْنِي جدَّتِي أُمُّ أَبِي قَالَتْ: أَدْرَكتُ رَجُلَيْنِ مِمَّنْ شَهِدَ قَتْلَ الحُسَيْنِ، فأمَّا أَحَدُهُمَا فَطَالَ ذَكَرُهُ حَتَّى كَانَ يَلُفُّهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَسْتَقبِلُ الرَّاوِيَةَ فَيَشْرَبُهَا كُلَّهَا.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا عُرِفَ الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي مَجْلِسِ الوَلِيْدِ، فَقَالَ الوَلِيْدُ: أَيُّكُم يَعْلَمُ مَا فَعَلَتْ أَحْجَارُ بَيْتِ المَقْدِسِ يَوْمَ قَتْلِ الحُسَيْنِ، فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمْ يُقْلَبْ حَجَرٌ إلَّا وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ عَبِيْطٌ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ, عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الحُسَيْنُ جِيْءَ بِرَأْسِهِ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِقَضِيْبٍ عَلَى ثَنَايَاهُ، وَقَالَ: إِنْ كَانَ لَحَسَنَ الثَّغْرِ، فَقُلْتُ: أَمَا -وَاللهِ- لأَسُوءنَّكَ, فَقُلْتُ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقبِّلُ مَوْضِعَ قَضِيبِكَ مِنْ فِيْهِ1.
الحَاكِمُ فِي "الكُنَى": حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ, حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ الحَنَفِيُّ, حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ يُوْنُسَ, حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الزُّهْرِيُّ, حَدَّثَنَا يَحْيَى بن أبي كثير،
__________
1 ضعيف: فيه علي بن زيد جدعان، ضعيف. وهو عند الطبراني "2878". وراجع تخريجنا رقم "661" حديث أنس، وهو عند أحمد "3/ 261", والبخاري "3748"، وأبو يعلى "2841"، وغيرهم.(4/368)
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرٍو, حدَّثني شَدَّادُ بنُ عَبْدِ اللهِ, سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بنَ الأَسْقَعِ، وَقَدْ جِيْءَ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ، فَلعَنَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَغضِبَ وَاثِلَةَ وَقَامَ، وَقَالَ: وَاللهِ لاَ أَزَالُ أُحِبُّ عَلِيّاً وَوَلَدَيْهِ, بَعْدَ أَنْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مَنْزِلِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَأَلْقَى عَلَى فَاطِمَةَ وَابْنَيْهَا وَزَوْجِهَا كِسَاءً خَيْبَرِيّاً، ثُمَّ قَالَ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأَحْزَابُ: 33] .
سُلَيْمَانُ: ضعَّفوه، وَالحَنَفِيُّ متَّهم.
وَيُرْوَى عَنْ أَبِي دَاوُدَ السَّبِيْعِيِّ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُبَيْدِ اللهِ، فأُتِيَ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ، فَأَخَذَ قَضِيباً فَجَعَلَ يَفْتَرُّ بِهِ عَنْ شَفَتَيْهِ، فَلَمْ أَرَ ثَغْراً كَانَ أَحْسَنَ مِنْهُ, كَأَنَّهُ الدُّرُّ، فَلَمْ أَمْلِكْ أَنْ رَفَعْتُ صَوْتِي بِالبُكَاءِ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيْكَ أَيُّهَا الشَّيْخُ؟ قُلْتُ: يُبكِيْنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, رَأَيْتُهُ يَمُصُّ مَوْضِعَ هَذَا القَضِيبِ وَيَلثُمُهُ، وَيَقُوْلُ: "اللَّهُمَّ إِنِّيْ أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ".
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في النوم نِصْفَ النَّهَارِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، وَبِيَدِهِ قَارُوْرَةٌ فِيْهَا دَمٌ, قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ, مَا هَذَا? قَالَ: "هَذَا دَمُ الحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ, لَمْ أَزَلْ منذ اليوم ألتقطه". فأحص ذَلِكَ اليَوْمُ، فَوَجَدُوْهُ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ.
ابْنُ سَعْدٍ، عَنِ الوَاقِدِيِّ، وَالمَدَائِنِيِّ، عَنْ رِجَالِهِمَا, أنَّ مُحفزَ بنَ ثَعْلَبَةَ العَائِذِيَّ قَدِمَ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ عَلَى يَزِيْدَ، فَقَالَ: أَتَيتُكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ بِرَأْسِ أَحْمَقِ النَّاسِ وَأَلأَمِهِم. فَقَالَ يَزِيْدُ: مَا وَلدَتْ أُمُّ مُحفزٍ أَحْمَقُ وَأَلأَمُ, لَكِنَّ الرَّجُلَ لَمْ يتدبَّر كَلاَمَ اللهِ: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} [آلُ عِمْرَانَ: 26] . ثُمَّ بَعَثَ يَزِيْدُ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ إِلَى مُتَوَلِّي المَدِيْنَةِ، فدُفِنَ بِالبَقِيْعِ عِنْدَ أُمِّهِ.
وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سَعِيْدٍ القَاضِي: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ البَهْرَائِيُّ, سَمِعْتُ أَبَا أُمَيَّةَ الكَلاَعِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا كَرِبٍ قَالَ: كُنْتُ فِيْمَنْ توثَّب عَلَى الوَلِيْدِ بنِ يَزِيْدَ بِدِمَشْقَ، فَأَخذْتُ سَفَطاً، وَقُلْتُ: فِيْهِ غَنَائِي، فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وَخَرَجتُ بِهِ مِنْ بَابِ تُوْمَا, قَالَ: فَفَتَحْتُهُ، فَإِذَا فِيْهِ رَأْسٌ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ: هَذَا رَأْسُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ، فَحَفَرْتُ لَهُ بِسَيْفِي، فَدَفَنْتُهُ.
أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ: حَدَّثَنَا رَزِيْنٌ, حدَّثَتْنِي سَلْمَى قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ تَبْكِي, قُلْتُ: مَا يُبْكِيْكِ? قَالَتْ: رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَنَامِ، وَعَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيتِهِ التُّرَابُ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ? قَالَ: "شَهِدْتُ قَتْلَ الحُسَيْنِ آنِفاً".(4/369)
رَزِيْنٌ هُوَ ابْنُ حَبِيْبٍ, وثَّقه ابْنُ مَعِيْنٍ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ عمَّار بنِ أَبِي عَمَّارٍ؛ سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُوْلُ: سَمِعْتُ الجِنَّ يبكين على الحسين، وَتَنُوحُ عَلَيْهِ.
سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ ثَابِتٍ, حَدَّثَنَا حَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ, أنَّ أُمَّ سَلَمَةَ سَمِعَتْ نَوْح الجِنِّ عَلَى الحُسَيْنِ.
عُبَيْدُ بنُ جَنَّادٍ: حَدَّثَنَا عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَنَابٍ الكَلْبِيِّ قَالَ: أَتيْتُ كَرْبَلاَءَ، فَقُلْتُ لِرَجُلٍ مِنْ أَشْرَافِ العَربِ: بَلَغَنِي أنَّكم تَسْمَعُوْنَ نَوْح الجِنِّ, قَالَ: مَا تَلْقَى حُرّاً وَلاَ عَبْداً إلَّا أَخبَرَكَ أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ. قُلْتُ: فَمَا سَمِعْتَ أَنْتَ? قَالَ: سَمِعتُهُم يقولون:
مَسَحَ الرَّسولُ جَبِينَهُ ... فَلَهُ بَرِيقٌ فِي الخُدُوْدِ
أَبَوَاهُ مِنْ عُلْيَا قُرَيْ ... شٍ، وَجَدُّهُ خَيرُ الجدود
محمد بن جرير: حدثث عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ, حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ حَبِيْبٍ قَالَ: لَمَّا قَتَلَ عُبَيْدُ اللهِ الحُسَيْنَ وَأَهْلَهُ, بعث برءوسهم إِلَى يَزِيْدَ، فسُرَّ بِقَتْلِهِم أَوَّلاً، ثُمَّ لَمْ يَلبَثْ حَتَّى نَدِمَ عَلَى قَتْلِهِم، فَكَانَ يَقُوْلُ: وَمَا عَلَيَّ لَوِ احتَمَلْتُ الأَذَى، وَأَنْزَلتُ الحُسَيْنَ مَعِي، وَحَكَّمْتُه فِيمَا يُرِيْدُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ وَهَنٌ, حِفْظاً لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرِعَايَةً لِحَقِّهِ, لَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجَانَةَ -يَعْنِي عُبَيْدَ اللهِ، فَإِنَّهُ أَحْرَجَهُ وَاضْطَرَّهُ، وَقَدْ كَانَ سَأَلَ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ حَيْثُ أَقبَلَ, أَوْ يَأْتِيَنِي فَيَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِي, أَوْ يَلحَقَ بِثَغْرٍ مِنَ الثُّغُورِ، فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ وَقَتلَهُ، فَأَبغَضَنِي بِقَتْلِهِ المُسْلِمُوْنَ، وَزَرَعَ لِي فِي قُلُوْبِهِمُ العَدَاوَةَ.
جَرِيرٌ, عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: تَغوَّطَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ عَلَى قَبْرِ الحُسَيْنِ، فَأَصَابَ أَهْلَ ذَلِكَ البَيْتِ خَبَلٌ، وَجُنُوْنٌ، وَبَرَصٌ، وَفَقْرٌ، وَجُذَامٌ.
قَالَ هِشَامُ بنُ الكَلْبِيِّ: لَمَّا أُجرِيَ المَاءُ عَلَى قَبْرِ الحُسَيْنِ انْمَحَى أَثَرُ القَبْرِ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَتَتَبَّعَهُ, حَتَّى وَقعَ عَلَى أَثَرِ القَبْرِ، فَبَكَى، وَقَالَ:
أَرَادُوا لِيُخْفُوا قَبْرَهُ عَنْ عَدُوِّهِ ... فَطِيْبُ تُرَابِ القَبْرِ دلَّ عَلَى القَبْرِ
سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أبيه قال: قتل علي وهو ابْنُ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ. وَمَاتَ لَهَا حَسَنٌ, وَقُتِلَ لَهَا حُسَيْنٌ.
قُلْتُ: قَوْلُهُ: مَاتَ لَهَا حَسَنٌ: خَطَأٌ, بَلْ عَاشَ سَبْعاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.(4/370)
قَالَ الجَمَاعَةُ: مَاتَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ, زَادَ بَعضُهُم يَوْمَ السَّبتِ، وَقِيْلَ: يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَقِيْلَ: يَوْمَ الاثْنَيْنِ.
وَمَوْلِدُهُ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الهِجْرَةِ.
عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَهْرَامَ، وَآخرُ ثِقَةٌ، عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَتَاهَا قَتْلُ الحُسَيْنِ، فَقَالَتْ: قَدْ فَعلُوْهَا?! مَلأَ اللهُ بُيُوتَهُم وَقُبُورَهُم نَاراً، وَوَقَعَتْ مَغْشِيَّةً عَلَيْهَا, فَقُمْنَا.
وَنَقَلَ الزُّبَيْرُ لِسُلَيْمَانَ بنِ قَتَّةَ يَرْثِي الحُسَيْنَ:
وَإِنَّ قَتِيْلَ الطَّفِّ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... أَذَلَّ رِقَاباً مِنْ قُرَيْشٍ فَذَلَّتِ
فَإِنْ يُتْبِعُوْهُ عَائِذَ البَيْتِ يُصْبِحُوا ... كَعَادٍ تعمَّت عَنْ هُدَاهَا فَضَلَّتِ
مَررْتُ عَلَى أَبْيَاتِ آلِ مُحَمَّدٍ ... فَأَلْفَيْتُهَا أَمْثَالَهَا حِيْنَ حلت
وَكَانُوا لَنَا غُنْماً فَعَادُوا رَزِيَّةً ... لَقَدْ عَظُمَتْ تِلْكَ الرَّزَايَا وجَلَّت
فَلاَ يُبْعِدِ اللهُ الدِّيَارَ وَأَهْلَهَا ... وَإِنْ أَصْبَحَتْ مِنْهُم بِرَغْمِي تخلَّت
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الأَرْضَ أَضْحَتْ مَرِيضَةً ... لِفَقْدِ حُسَيْنٍ وَالبلاَدُ اقْشَعَرَّتِ
قَوْلُهُ: أَذَلَّ رِقَاباً, أَي: لاَ يَرِعُوْنَ عَنْ قَتْلِ قُرَشِيٍّ بَعْدَهُ.
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي حَمْزَةُ بنُ يَزِيْدَ الحَضْرَمِيُّ قَالَ: رَأَيْتُ امْرَأَةً مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ وأعقلهنَّ, يُقَالُ لَهَا: رَيَّا؛ حَاضِنَةُ يَزِيْدَ, يُقَالَ: بلَغَتْ مائَةَ سَنَةٍ, قَالَتْ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى يَزِيْدَ، فَقَالَ: أَبْشِرْ، فَقَدْ أَمْكَنَكَ اللهُ مِنَ الحُسَيْنِ، وَجِيْءَ بِرَأْسِهِ, قَالَ: فَوُضِعَ فِي طِسْتٍ، فَأَمَرَ الغُلاَمَ فَكَشَفَ، فَحِيْنَ رَآهُ خَمَّرَ وَجْهَهُ كَأَنَّهُ شمَّ مِنْهُ، فَقُلْتُ لَهَا: أَقَرَعَ ثَنَايَاهُ بِقَضِيبٍ? قَالَتْ: إِيْ وَاللهِ.
ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: وَقَدْ حَدَّثَنِي بَعضُ أَهْلِنَا أَنَّهُ رَأَى رَأْسَ الحُسَيْنِ مَصْلُوْباً بِدِمَشْقَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.
وَحَدَّثَتْنِي رَيَّا أنَّ الرَّأْسَ مَكثَ فِي خَزَائِنِ السِّلاَحِ حَتَّى وَلِيَ سُلَيْمَانُ، فَبَعَثَ فَجِيْءَ بِهِ، وَقَدْ بَقِيَ عَظْماً أَبْيَضَ، فَجَعَلَهُ، فِي سَفَطٍ وَطَيَّبَهُ، وكفَّنه وَدفَنَهُ فِي مَقَابرِ المُسْلِمِيْنَ, فَلَمَّا دَخَلَتِ المسوَّدة سَأَلُوا عَنْ مَوْضِعِ الرَّأْسِ، فَنَبَشُوهُ وَأَخَذُوهُ، فَاللهُ أَعْلَمُ مَا صُنِعَ بِهِ.
وَذَكَرَ باقِي الحِكَايَةِ، وَهِيَ قَوِيَّةُ الإِسْنَادِ.(4/371)
يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: أَبَى الحُسَيْنُ أَنْ يَسْتَأسِرَ حَتَّى قُتلَ بِالطَّفِّ، وَانْطَلَقُوا بِبَنِيْهِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَسُكَيْنَةَ إِلَى يَزِيْدَ، فَجَعَلَ سُكَيْنَةَ خَلْفَ سَرِيْرِهِ لئلَّا تَرَى رَأْسَ أَبِيْهَا، وعليّ في غل، فضرب على ثنيتي الحُسَيْنِ، وتمثَّل بِذَاكَ البَيْتِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ} [الحَدِيْدُ: 22] ، الآيَةَ، فَثَقُلَ عَلَى يَزِيْدَ أَنْ تمثَّل بِبَيْتٍ، وَتَلاَ عليّ آية، فقال بل: {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُم} [الشُّوْرَى: 30] . فَقَالَ: أَمَا -وَاللهِ- لَوْ رَآنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأحبَّ أَنْ يُخَلِّيَنَا, قَالَ: صَدَقْتَ، فَخَلُّوهُم, قَالَ: وَلَوْ وَقَفْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ لأحبَّ أَنْ يُقَرِّبَنَا, قَالَ: صَدَقْتَ, قَرِّبُوْهُم، فَجَعَلَتْ سُكَيْنَةُ وَفَاطِمَةُ تَتَطَاوَلاَنِ لِتَرَيَا الرَّأْسَ، وَبَقِيَ يَزِيْدُ يَتَطَاوَلُ فِي مَجْلسِهِ لِيَستُرَهُ عَنْهُمَا، ثُمَّ أَمرَ لَهُم بِجَهَازٍ، وَأَصْلَحَ آلَتَهُم، وَخَرجُوا إِلَى المَدِيْنَةِ.
كَثِيْرُ بنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ قَالَ: لَمَّا أُتِيَ يَزِيْدُ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ جَعَلَ يَنكُتُ سِنَّهُ وَيَقُوْلُ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَبَا عَبْدِ اللهِ بَلغَ هَذَا السِّنَّ، وَإِذَا لِحْيَتُهُ وَرَأْسُهُ قَدْ نَصَلَ مِنَ الخِضَابِ.
وَمِمَّنْ قُتلَ مَعَ الحُسَيْنِ أُخُوَّته الأَرْبَعَةُ: جَعْفَرٌ، وَعَتِيْقٌ، وَمُحَمَّدٌ، وَالعَبَّاسُ الأَكْبَرُ، وَابْنُهُ الكَبِيْرُ عَلِيٌّ، وَابْنُهُ عَبْدُ اللهِ، وَكَانَ ابْنُهُ عَلِيٌّ زِينُ العَابِدِيْنَ مَرِيضاً فَسَلِمَ، وَكَانَ يَزِيْدُ يُكرِمُهُ وَيَرعَاهُ.
وَقُتِلَ مَعَ الحُسَيْنِ ابْنُ أَخِيْهِ القَاسِمُ بنُ الحَسَنِ، وَعَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنَا مُسْلِمِ بنِ عَقِيْلِ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمُحَمَّدٌ وَعَوْنٌ ابْنَا عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ.
المَدَائِنِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ, حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: قُتلَ الحُسَيْنُ، وَأُدخِلْنَا الكُوْفَةَ، فَلَقِيَنَا رَجُلٌ، فَأَدْخَلَنَا مَنْزِلَهُ، فَأَلْحَفَنَا، فَنِمْتُ، فَلَمْ أَسْتيقِظْ إلَّا بِحِسِّ الخَيلِ فِي الأَزِقَّةِ، فَحُمِلْنَا إِلَى يَزِيْدَ، فَدمعَتْ عَينُهُ حِيْنَ رَآنَا، وَأَعْطَانَا مَا شِئْنَا، وَقَالَ: إِنَّهُ سَيَكُوْنُ فِي قَوْمِكَ أُمُوْرٌ، فَلاَ تَدْخُلْ مَعَهُم، فلمَّا كَانَ يَوْمُ الحرة ما كان, كتب مَعَ مُسْلِمِ بنِ عُقْبَةَ بِأَمَانِي، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ القِتَالِ مُسْلِمٌ بَعثَ إِلَيَّ فَجِئْتُهُ، فَرَمَى إِلَيَّ بِالكِتَابِ، وَإِذَا فِيْهِ: اسْتوصِ بعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ خَيراً، وَإِنْ دَخَلَ مَعَهُم فِي أَمرِهِم، فأمَّنه وَاعْفُ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُم فَقَدْ أَصَابَ وَأَحْسَنَ.
فَأَولاَدُ الحُسَيْنِ هُمْ: عَلِيٌّ الأَكْبَرُ الَّذِي قُتِلَ مَعَ أَبِيْهِ، وَعَلِيٌّ زِينُ العَابِديْنَ، وَذُرِّيَتُهُ عَدَدٌ كَثِيْرٌ، وَجَعْفَرٌ، وَعَبْدُ اللهِ، وَلَمْ يُعْقِبَا.
فَوُلِدَ لِزَيْنِ العَابِدِيْنَ الحَسَنُ، وَالحُسَيْنُ -مَاتَا صَغِيْرَيْنِ، وَمُحَمَّدٌ البَاقِرُ، وَعَبْدُ اللهِ، وَزَيْدٌ، وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَمُحَمَّدٌ الأَوْسَطُ -وَلَمْ يُعْقِبْ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَحُسَيْنٌ الصَّغِيْرُ، وَالقَاسِمُ -وَلَمْ يُعْقِبْ.(4/372)
271- عبد الله بن حنظلة 1: "د"
الغسيل بن أَبِي عَامِرٍ الرَّاهبِ, عَبْدِ عَمْرٍو بنِ صَيفِيِّ بنِ النُّعْمَانِ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ، الأَوْسِيُّ، المَدَنِيُّ, مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ.
استُشْهِدَ أَبُوْهُ يَوْمَ أُحُدٍ، فغسَّلته الملاَئِكَةُ لِكَوْنِهِ جُنُباً2، فَلَو غُسِّلَ الشَّهِيْدُ الَّذِي يَكُوْنُ جُنُباً اسْتِدْلاَلاً بِهَذَا لَكَانَ حَسَناً.
حدَّث عَنْ عَبْدِ اللهِ: عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ الخَطْمِيُّ -رَفِيقُهُ, وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَضَمْضَمُ بنُ جَوْسٍ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ زَيْدٍ العَدَوِيَّةُ.
قد رَوَى أَيْضاً عَنْ عُمَرَ، وَعَنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ.
وَكَانَ رَأْسَ الثَّائِرِيْنَ عَلَى يَزِيْدَ نَوْبَةَ الحَرَّةِ3.
وَقَدْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَطُوْفُ بِالبَيْتِ عَلَى نَاقَةٍ. إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَهُوَ ابْنُ جَمِيْلَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللهِ بنِ أُبَيّ بن سلول.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 65"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 168"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 131"، الاستيعاب "3/ 892"، أسد الغابة "3/ 218"، الإصابة "2/ ترجمة رقم 4637"، تهذيب التهذيب "5/ 193"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3461".
2 حسن: أخرجه الحاكم "3/ 204-205" وعنه البيهقي "4/ 15" عن أبي الحسين بن يعقوب، عن محمد بن إسحاق, حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جده مرفوعًا بلفظ: "إن صاحبكم حنظلة تغسله الملائكة" , فسألوا صاحبته فقالت: إنه خرج لما سمع الهائعة وهوجنب, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لذلك غسلته الملائكة". وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
قلت: إسناده حسن، محمد بن إسحاق، مدلّس، ولكن قد صرَّح بالتحديث فأمِنَّا شر تدليسه.
وأخرجه ابن إسحاق في "السيرة" "ص312" عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد -رضي الله عنه- به. وله شاهد عند الطبراني "12094" من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حدثنا شريك، عن حجاج، عن الحكم, عن مقسم، عن ابن عباس قال: لما أصيب حمزة بن عبد المطلب وحنظلة بن الراهب وهما جنبان, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "رأيت الملائكة تغسلهما" وأورده الهيثمي في "المجمع" "3/ 23", رواه الطبراني في "الكبير" وإسناده حسن.
3 الحرة: أرض بظاهر المدينة بها حجارة سود كثيرة.(4/373)
وَفَدَ فِي بَنِيْهِ الثَّمَانِيَةِ عَلَى يَزِيْدَ، فَأَعْطَاهُم مائَتَيْ أَلْفٍ وَخِلَعاً، فلمَّا رَجَعَ قَالَ لَهُ كُبَرَاءُ المَدِيْنَةِ: مَا وَرَاءكَ? قَالَ: جِئْتُ مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ لَوْ لَمْ أَجِدْ إلَّا بَنِيَّ لَجَاهَدتُهُ بِهِم, قَالُوا: إِنَّهُ أَكْرَمَكَ وَأَعْطَاكَ, قَالَ: وَمَا قَبْلتُ إلَّا لأتقوَّى بِهِ عَلَيْهِ، وحضَّ النَّاسَ فَبَايَعُوْهُ، وأمَّر عَلَى الأَنْصَارِ، وأمَّر عَلَى قُرَيْشٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُطِيْعٍ العَدَوِيُّ، وَعَلَى بَاقِي المُهَاجِرِيْنَ مَعْقِلُ بنُ سِنَانٍ الأَشْجَعِيُّ، وَنَفَوْا بَنِي أُمَيَّةَ.
فَجَهَّزَ يَزِيْدُ لَهُم جَيْشاً، عَلَيْهِم مُسْلِمُ بنُ عُقْبَةَ -وَيُدْعَى مُسْرِفاً المُرِّيَّ- فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً، فَكلَّمَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ فِي أَهْلِ المَدِيْنَةِ, فَقَالَ: دَعْنِي أَشْتَفِي, لَكنِّي آمُرُ مُسْلِمَ بنَ عُقْبَةَ أَنْ يَتَّخذَ المَدِيْنَةَ طَرِيقَهُ إِلَى مَكَّةَ، فَإِنْ هُم لَمْ يُحَارِبُوهُ وَتَركُوهُ فَيَمْضِيَ لِحَرْبِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَإِنْ حَاربُوْهُ قَاتَلَهُم, فَإِنْ نُصِرَ قَتَلَ وَأَنْهَبَ المَدِيْنَةَ ثلاثًا، ثم يمضي إلى ابن الزبير.
وَكَتَبَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ إِلَيْهِم لِيَكُفُّوا، فَقَدِمَ مُسْلِمٌ فَحَارَبُوْهُ، وَنَالُوا مِنْ يَزِيْدَ، فَأَوقَعَ بِهِم وَأَنْهَبَهَا ثَلاَثاً، وَسَارَ، فَمَاتَ بِالشَّلَلِ، وَعَهِدَ إِلَى حُصَيْنِ بنِ نُمَيْرٍ فِي أَوَّلِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ، وذمَّهم ابْنُ عُمَرَ عَلَى شَقِّ العَصَا.
قَالَ زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ: دخلَ ابْنُ مُطِيْعٍ عَلَى ابْنِ عُمَرَ لَيَالِيَ الحَرَّةِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "مَنْ نَزَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُجَّةٌ يَوْمَ القِيَامَةِ" 1.
قَالَ المَدَائِنِيُّ: تَوجَّهَ إِلَيْهِم مُسْلِمُ بنُ عُقْبَةَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً، وَأَنفَقَ فِيْهم يَزِيْدُ، فِي الرَّجُلِ أَرْبَعِيْنَ دِيْنَاراً، فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ: وَجِّهْنِي أَكْفِكَ. قَالَ: لاَ. لَيْسَ لَهُم إلَّا هَذَا الغُشَمَةُ، وَاللهِ لاَ أُقِيلُهُم بَعْد إِحْسَانِي إِلَيْهِم، وَعَفْوِي عَنْهُم مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللهَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ فِي عَشيْرَتِكَ، وَأَنْصَارِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَلَّمَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، فَقَالَ: إِنْ رَجَعُوا فَلاَ سَبِيلَ عَلَيْهِم، فَادْعُهُم يَا مُسْلِمُ ثَلاَثاً، وَامضِ إِلَى المُلْحِدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ, قَالَ: وَاسْتَوصِ بِعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ خَيراً.
جَرِيرٌ, عَنِ الحَسَنِ قَالَ: وَاللهِ مَا كَادَ يَنجُو مِنْهُم أَحَدٌ, لَقَدْ قُتلَ وَلَدَا زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ.
قَالَ مُغِيْرَةُ بنُ مِقْسَمٍ: أَنْهبَ مُسْرِفُ بنُ عُقْبَةَ المَدِيْنَةَ ثَلاَثاً، وافتُضَّ بها ألف عذراء.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "2/ 70 و83 و123 و133 و154", ومسلم "1851" من حديث عبد الله بن عمر مرفوعًا بلفظ: "من خلع يدًا من طاعة، لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية" واللفظ لمسلم.(4/374)
قَالَ السَّائِبُ بنُ خَلاَّدٍ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "مَنْ أَخَافَ أهل المَدِيْنَةِ أَخَافَهُ اللهُ، وَعَلَيْهِ لَعنَةُ اللهِ" 1. رَوَاهُ مُسْلِمُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَجَمَاعَةٌ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْهُ.
وَرَوَى جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ، عَنْ أَشْيَاخِهِ قَالُوا: خَرَجَ أَهْلُ المَدِيْنَةِ يَوْمَ الحَرَّةِ بِجُمُوعٍ وَهَيْئَةٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا، فَلَمَّا رَآهُم عَسكَرُ الشَّامِ كَرِهُوا قِتَالَهُم، فَأَمَرَ مُسْرِفٌ بِسَرِيرِهِ فَوُضِعَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، وَنَادَى مُنَادِيْهِ: قَاتِلُوا عَنِّي أَوْ دَعُوا، فَشَدُّوا، فَسَمِعُوا التَّكَبِيْرَ خَلفَهُم مِنَ المَدِيْنَةِ، وَأَقَحَمَ عَلَيْهِم بَنُو حَارِثَةَ، فَانْهَزَمَ النَّاسُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الغَسِيْلِ مُتَسَانِدٌ إِلَى ابْنِهِ نَائِمٌ، فَنَبَّهَهُ، فلمَّا رَأَى مَا جَرَى أَمَرَ أَكْبَرَ بَنِيْهِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يقدِّمهم وَاحِداً وَاحِداً حَتَّى قُتِلُوا، وَكَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ، وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِل.
وَرَوَى الوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادٍ قَالَ: لَمَّا وَثَبَ أَهْلُ الحَرَّةَ، وَأَخْرَجُوا بَنِي أُمَيَّةَ مِنَ المَدِيْنَةِ, بَايَعُوا ابْنَ الغَسِيْلِ عَلَى المَوْتِ، فَقَالَ: يَا قَوْمُ، وَاللهِ مَا خَرَجْنَا حَتَّى خِفْنَا أَنْ نُرجَمَ مِنَ السَّمَاءِ, رَجُلٌ يَنْكِحُ أُمَّهَاتِ الأَولاَدِ وَالبَنَاتِ وَالأَخَوَاتِ, وَيَشرَبُ الخَمْرَ، وَيَدَعُ الصَّلاَةَ.
قَالَ: وَكَانَ يَبِيتُ تِلْكَ اللَّيَالِي فِي المَسْجَدِ، وَمَا يَزِيْدُ فِي إِفطَارِهِ عَلَى شَربَةِ سَوِيْقٍ، وَيَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ يَرفعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَخَطَبَ وحرَّض عَلَى القِتَالِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا بِكَ وَاثقُوْنَ، فَقَاتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ، وكبَّر أَهْلُ الشَّامِ، وَدُخِلَتِ المَدِيْنَةُ مِنَ النَّوَاحِي كُلِّهَا، وَقُتِلَ النَّاسُ، وَبَقِيَ لِوَاءُ ابْنِ الغَسِيْلِ مَا حَوْلَهُ خَمْسَةٌ، فلمَّا رَأَى ذَلِكَ رَمَى دِرْعَهُ، وَقَاتَلَهُم حَاسِراً حَتَّى قُتِلَ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ مَرْوَانُ وَهُوَ مَادٌّ إِصْبَعَهُ السَّبَّابَةَ، فقال: أما والله لئن نصبتها مَيِّتاً لَطَالَمَا نَصَبْتَهَا حَيّاً.
قَالَ أَبُو هَارُوْنَ العَبْدِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا سَعِيْدٍ الخُدْرِيَّ مُمَعَّطَ اللِّحْيَةِ، فَقَالَ: هَذَا مَا لَقِيتُ مِنْ ظَلَمَةِ أَهْلِ الشَّامِ, أَخَذُوا مَا فِي البَيْتِ، ثُمَّ دَخَلَتْ طَائِفَةٌ فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئاً، فَأَسِفُوا، وَأَضْجَعُوْنِي، فَجَعَلَ كل واحد منهم يأخد مِنْ لِحْيَتِي خُصْلَةً.
قَالَ خَلِيْفَةُ: أُصِيْبَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَالأَنْصَارِ يَوْمَئِذٍ ثَلاَثُ مائَةٍ وَسِتَّةُ رِجَالٍ، ثُمَّ سَمَّاهُم.
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ قَالَ: مَا خَرَجَ فِيْهَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ, لَزِمُوا بُيُوْتَهُم، وَسَأَلَ مُسْرِفٌ، عَنْ أَبِي، فجاءه ومعه ابنا محمد بن الحَنَفِيَّةِ، فرحَّب بِأَبِي، وَأَوْسَعَ لَهُ، وَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ أَوْصَانِي بِكَ.
كَانَتِ الوَقْعَةُ لِثَلاَثٍ بَقِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ، وَأُصِيْبَ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدِ بنِ عَاصِمٍ حَاكِي وُضُوءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعْقِلُ بنُ سِنَانٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أُبَيّ بنِ كَعْبٍ، وَعِدَّةٌ مِنْ أَوْلاَدِ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ، وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ صَبْراً.
وَعَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ قَالَ: قُتِلَ يَوْمَ الحَرَّةِ مِنْ حَمَلَةِ القُرْآنِ سَبْعُ مائَةٍ.
قُلْتُ: فَلَمَّا جَرَتْ هَذِهِ الكَائِنَةُ اشتدَّ بُغْضُ النَّاسِ لِيَزِيْدَ مَعَ فِعْلِهِ بِالحُسَيْنِ وَآلِهِ، وَمَعَ قِلَّةِ دِيْنِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ أَبُو بلال مرداس به أُدَيَّةَ الحَنْظَلِيُّ، وَخَرَجَ نَافِعُ بنُ الأَزْرَقِ، وَخَرَجَ طَوَّافٌ السَّدُوْسِيُّ، فَمَا أَمْهَلَهُ اللهُ، وَهَلَكَ بَعْدَ نيف وسبعين يومًا.
__________
1 صحيح: ورد في حديث السائب بن خلاد، عند أحمد "4/ 55 و 56"، والطبراني في "الكبير" "6631-6637"، وهو صحيح.
ورد في حديث جابر بن عبد الله عند أحمد "3/ 354 و393", وإسناده صحيح.(4/375)
272- سلمة بن الأكوع 1: "ع"
هُوَ سَلَمَةُ بنُ عَمْرِو بنِ الأَكْوَعِ، وَاسمُ الأَكْوَعِ: سِنَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ أَبُو عَامِرٍ، وَأَبُو مُسْلِمٍ، وَيُقَالُ: أَبُو إِيَاسٍ الأَسْلَمِيُّ الحِجَازِيُّ المَدَنِيُّ.
قِيْلَ: شَهِدَ مُؤْتَةَ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ.
رَوَى عِدَّةَ أَحَادِيْثَ.
حدَّث عَنْهُ: ابْنُهُ إِيَاسٌ، وَمَوْلاَهُ يَزِيْدُ بنُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ كَعْبٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالحَسَنُ بن محمد بن الحَنَفِيَّةِ، وَيَزِيْدُ بنُ خُصَيْفَةَ.
قَالَ مَوْلاَهُ يَزِيْدُ: رَأَيْتُ سَلَمَةَ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ, وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: بَايَعْتُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الموت، وغزوت معه سبع غزوات2.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 305"، التاريخ الكبير "4/ ترجمة 1987"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 729"، معجم البلدان "4/ 55"، الاستيعاب "2/ 639"، أسد الغابة "2/ 423"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 2404"، الكاشف "1/ ترجمة 2062"، الوافي بالوفيات "15/ 321"، تهذيب التهذيب "4/ 150"، الإصابة "2/ ترجمة 3389"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2640".
2 صحيح أخرجه البخاري "2960" و"4169", ومسلم "1860"، والترمذي "1952"، والنسائي (7/ 141" من طريق يزيد بن أبي عبيد قال: قلت لسلمة: على أي شيء بايعتم رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الحديبية؟ قال: على الموت. وأخرجه مسلم "1815" من طريق يزيد بن أبي عبيد قال: سمعت سلمة يقول: غزوت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات, وخرجت فيما يبعث من البعوث تسع عزوات, مرة علينا أبو بكر, ومرة علينا أسامة بن زيد.(4/376)
ابْنُ مَهْدِيٍّ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: بيَّتَنا هَوَازِنَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، فَقَتَلْتُ بِيَدي لَيْلَتَئِذٍ سَبْعَةَ أَهْلِ أَبيَاتٍ.
عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا إِيَاسٌ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَرَبَاحٌ غُلاَمُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِظَهْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَرَجْتُ بِفَرسٍ لِطَلْحَةَ، فَأَغَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُيَيْنَةَ عَلَى الإِبِلِ، فَقَتلَ رَاعِيْهَا، وَطَرَدَ الإِبِلَ هُوَ وَأَنَاسٌ مَعَهُ فِي خَيْلٍ، فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ! اقعُدْ عَلَى هَذَا الفَرَسِ، فَألْحِقْهُ بِطَلْحَةَ، وَأَعْلِمْ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَقُمْتُ عَلَى تلٍّ، ثُمَّ نَادَيْتُ ثَلاَثاً: يَا صَبَاحَاهُ! وَاتَّبَعْتُ القَوْمَ، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِم وَأَعْقِرُ بِهِم، وَذَلِكَ حِيْنَ يَكْثُرُ الشَّجَرُ، فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ قَعَدْتُ لَهُ فِي أَصلِ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَمَيْتُهُ، وَجَعَلْتُ أَرمِيْهِم، وَأَقُوْلُ:
أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ ... وَاليَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ
وَأَصَبتُ رَجُلاً بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَكُنْتُ إِذَا تَضَايَقَتِ الثَّنَايَا، علوتُ الجَبلَ، فَرَدَأْتُهُم بِالحِجَارَةِ، فَمَا زَالَ ذَلِكَ شَأْنِي وَشَأْنُهُم, حَتَّى مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ ظَهْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَّا خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي، وَاسْتَنْقَذْتُهُ، ثُمَّ لَمْ أَزَلْ أَرْمِيْهِم حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِيْنَ رُمْحاً، وَأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِيْنَ بُرْدَةً يَسْتَخِفُّونَ مِنْهَا، وَلاَ يُلْقُوْنَ شَيْئاً إلَّا جَعَلْتُ عَلَيْهِ حِجَارَةً، وَجَمَعتُهُ عَلَى طَرِيقِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, حَتَّى إِذَا امتدَّ الضُّحَى أَتَاهُم عُيَيْنَةُ بنُ بَدْرٍ مَدَداً لَهُم، وَهُم فِي ثَنِيَّةٍ ضَيِّقَةٍ، ثُمَّ عَلَوْتُ الجَبَلَ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: مَا هَذَا? قَالُوا: لَقِيْنَا مِنْ هذا البَرْح ما فارقنا بسحر إِلَى الآنَ، وَأَخَذَ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ فِي أيدينا، فقال عيينة: لولا أَنَّهُ يَرَى أَنَّ وَرَاءهُ طَلَباً, لَقَدْ تَرَكَكُمْ لِيَقُمْ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْكُم، فَصَعِدَ إِلَيَّ أَرْبَعَةٌ، فلمَّا أَسْمَعتُهُم الصَّوتَ قُلْتُ: أَتَعرِفُونِي? قَالُوا: وَمَنْ أَنْتَ? قُلْتُ: أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ، وَالَّذِي أَكَرَمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُم فَيُدْرِكَنِي، وَلاَ أَطْلُبُهُ فَيَفُوتَنِي، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُم: إِنِّيْ أَظُنُّ, فَمَا بَرِحْتُ ثَمَّ, حَتَّى نَظَرتُ إِلَى فَوَارِسِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَخَلَّلُوْنَ الشَّجَرَ، وَإِذَا أَوَّلُهُمُ الأَخْرَمُ الأَسَدِيُّ وَأَبُو قَتَادَةَ، وَالمِقْدَادُ، فولَّى المُشرِكُوْنَ، فَأَنْزِلُ فَأَخَذتُ بِعِنَانِ فَرَسِ الأَخْرَمِ لاَ آمَنُ أَنْ يَقتَطِعُوكَ، فَاتَّئِدْ حَتَّى يَلْحَقَكَ المُسْلِمُوْنَ، فَقَالَ: يَا سَلَمَةُ! إِنْ كُنْتَ تُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتَعلَمُ أنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ، فَلاَ تَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ، فَخَلَّيتُ عِنَانَ فَرَسِهِ، وَلَحِقَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُيَيْنَةَ، فَاخْتَلَفَا طَعْنَتَيْنِ، فَعَقَرَ الأَخْرَمُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فَرَسَهُ، ثُمَّ قَتلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وتحوَّل عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى فَرَسِ الأَخْرَمِ، فَيَلْحَقُ أَبُو قَتَادَةَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَاخْتَلَفَا طَعْنَتَيْنِ، [فَعَقَرَ بِأَبِي قَتَادَةَ] ، فَقَتَلَهُ أَبُو قَتَادَةَ، وَتَحوَّلَ عَلَى فَرسِهِ.
وَخَرَجْتُ أَعْدُو فِي أَثَرِ القَوْمِ حَتَّى مَا أَرَى مِنْ غُبَارِ أَصْحَابِنَا شَيْئاً، وَيَعرِضُونَ قُبَيْلَ المَغِيبِ(4/377)
إِلَى شِعْبٍ فِيْهِ مَاءٌ, يُقَالَ لَهُ: "ذُو قَرَدٍ"1، فَأَبْصرُوْنِي أَعْدُو وَرَاءهُم، فَعَطَفُوا عَنْهُ وَأَسْنَدُوا فِي الثَّنِيَّةِ، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَلْحَقُ رَجُلاً فَأَرمِيْهِ؛ فقلت:
خذها وأنا ابن الأكوع ... واليوم يَوْمُ الرضَّع
فَقَالَ: يَا ثُكْلَ أُمِّي, أَكْوَعِيٌّ بُكْرَة? قُلْتُ: نَعَمْ يَا عَدُوَّ نَفْسِهِ، وَكَانَ الَّذِي رَمَيتُهُ بُكْرة، فأتْبعتُه سَهْماً آخَرَ، فَعَلِقَ بِهِ سَهمَانِ. وَيُخَلِّفُوْنَ فَرَسَينِ، فَسُقْتُهُمَا إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو على المَاءِ الَّذِي حَلَّيْتُهُم عَنْهُ "ذُو قَرَدٍ"، وَهُوَ فِي خَمْسِ مائَةٍ، وَإِذَا بِلاَلٌ نَحَرَ جَزُوْراً مِمَّا خَلَّفْتُ، فَهُوَ يَشوِي لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ الله! خَلِّنِي، فأنتخبُ مِنْ أَصْحَابِكَ مائَةً، فآخُذَ عَلَيْهِم بِالعَشْوَةِ، فَلاَ يَبْقَى مِنْهُم مُخَبِّرٌ, قَالَ: "أَكُنْتَ فَاعِلاً يَا سَلَمَةُ"؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ فِي ضَوءِ النَّارِ, ثُمَّ قَالَ: "إِنَّهُم يُقْرَوْنَ الآنَ بِأَرْضِ غَطَفَانَ".
قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ فَأَخبرَ أَنَّهُم مَرُّوا عَلَى فُلاَنٍ الغَطَفَانِيِّ، فَنَحَرَ لَهُم جَزُوْراً، فلمَّا أَخَذُوا يَكْشِطُونَ جِلْدَهَا رَأَوْا غَبْرَةً، فَهَرَبُوا، فلمَّا أَصْبَحنَا, قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَيْرُ فُرْسَانِنَا أَبُو قَتَادَةَ، وَخَيْرُ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ"، وَأَعطَانِي سَهْمَ الرَّاجِلِ وَالفَارِسِ جَمِيْعاً، ثُمَّ أَرْدَفَنِي وَرَاءهُ عَلَى العَضْبَاءِ رَاجِعِيْنَ إِلَى المَدِيْنَةِ.
فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا قَرِيباً مِنْ ضَحْوَةٍ، وَفِي القَوْمِ رَجُلٌ كَانَ لاَ يُسبَقُ, جَعلَ يُنَادِي: ألَا رَجُلٌ يُسَابِقُ إِلَى المَدِيْنَةِ? فَأَعَادَ ذَلِكَ مِرَاراً. فَقُلْتُ: مَا تُكرِمُ كَرِيْماً، وَلاَ تَهَابُ شَرِيفاً? قَالَ: لاَ, إلَّا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ, بِأَبِي وَأُمِّي, خَلِّنِي أُسَابِقْهُ, قَالَ: إِنْ شِئْتَ، وَقُلْتُ: امْضِ، وَصَبَرْتُ عَلَيْهِ شَرفاً أَوْ شَرَفَيْنِ حَتَّى اسْتبْقَيْتُ نَفسِي، ثُمَّ إِنِّيْ عَدَوْتُ حَتَّى أَلحَقَهُ، فَأَصُكُّ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَقُلْتُ: سَبَقتُكَ وَاللهِ, أَوْ كَلمَةً نَحْوَهَا، فَضَحِكَ وَقَالَ: إِنْ أَظُنُّ حَتَّى قَدِمْنَا المدينة.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مطوَّلًا2.
العَطَّافُ بنُ خَالِدٍ, عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ رَزِيْنٍ قَالَ: أَتَينَا سَلَمَةَ بن الأَكْوَعِ بِالرَّبَذَةِ، فَأَخرَجَ إِلَيْنَا يَداً ضَخْمَةً كَأَنَّهَا خُفُّ البَعِيرِ، فَقَالَ: بَايَعتُ بِيَدِي هَذِهِ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: فَأَخَذْنَا يده، فقبَّلناها3.
__________
1 ذو قَرَد: ماء على ليلتين من المدينة بينها وبين خيبر.
2 صحيح: أخرجه مسلم "1807".
3 حسن: أخرجه ابن سعد "4/ 306"، وفيه العطاف بن خالد، صدوق, وكذا عبد الرحمن بن رزين، صدوق -كما قال الحافظ في "التقريب".(4/378)
الحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ يَزِيْدَ الأَسْلَمِيُّ, حَدَّثَنَا إِيَاسُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِرَاراً، وَمَسَحَ عَلَى وَجْهِي مِرَاراً، وَاسْتَغْفرَ لِي مِرَاراً, عَدَدَ مَا فِي يَدَيَّ مِنَ الأَصَابِعِ1.
قَالَ يَزِيْدُ بنُ أَبِي عُبَيْدٍ؛ عَنْ سَلَمَةَ: أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي البَدْوِ، فَأَذِنَ لَهُ2.
رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ حَمَّادِ بنِ مَسْعَدَةَ، عَنْهُ.
ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ, حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ زِيَادِ بنِ مِيْنَاءَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وجابر، ورافع بن خديج, وسلمة بن الأكوع, مع أشباهٍ لهم يفتون بالمدينة، وَيُحدِّثُونَ مِنْ لَدُنْ تُوُفِّيَ عُثْمَانُ إِلَى أَنْ تُوفُّوا.
وَعَنْ عُبَادَةَ بنِ الوَلِيْدِ, أنَّ الحَسَنَ بن محمد بن الحنفية قال: اذهب بنا إلى سلمة بن الأَكْوَعِ فَلْنَسْأَلْهُ، فَإِنَّهُ مِنْ صَالِحِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القُدْمِ، فَخَرَجْنَا نُرِيْدُهُ، فَلَقِيْنَاهُ يَقُودُهُ قَائِدُهُ، وَكَانَ قَدْ كُفَّ بَصَرُهُ.
وَعَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ خَرَجَ سَلَمَةُ إِلَى الرَّبَذَةِ، وَتَزَوَّجَ هُنَاكَ امْرَأَةً، فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلاَداً، وَقَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بليالٍ نَزَلَ إِلَى المَدِيْنَةِ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ, وَحَدِيْثُه مِنْ عَوَالِي "صَحِيْحِ البخاري".
__________
1 ضعيف: أخرجه الطبراني في "الكبير" "6267" من طريق الحميدي، به. وفيه علي بن يزيد بن أبي حكيمة، مجهول، لذا فقد ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" "3/ ق2/ 301"، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" "3/ ق1/ 209" ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.
2 صحيح: أخرجه البخاري "7087"، ومسلم "1862"، والنسائي "7/ 151-152", وأحمد "47 و54".(4/379)
273- عبد الله بن عباس البحر 1: "ع"
حَبْرُ الأُمَّةِ، وَفَقِيْهُ العَصْرِ، وَإِمَامُ التَّفْسِيْرِ, أبو العباس عَبْدِ اللهِ, ابْنُ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ شَيْبَةَ بنِ هَاشِمٍ، وَاسْمُهُ: عَمْرُو بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبِ بنِ فِهْرٍ, القُرَشِيُّ الهَاشِمِيُّ المَكِّيُّ, الأَمِيْرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
مَوْلِدُهُ بِشِعْبِ بَنِي هَاشِمٍ قَبْلَ عَامِ الهِجْرَةِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ.
صَحِبَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْواً مِنْ ثَلاَثينَ شَهْراً, وحدَّث عَنْهُ بِجُمْلَةٍ صَالِحَةٍ، وَعَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَمُعَاذٍ، وَوَالِدِهِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَأَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بنِ حَرْبٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وأُبَيّ بنِ كَعْبٍ، وَزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَخَلْقٍ.
وَقَرَأَ عَلَى أُبَيّ، وَزَيْدٍ.
قَرَأَ عَلَيْهِ: مُجَاهِدٌ، وَسَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَطَائِفَةٌ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُه عَلِيٌّ، وَابْنُ أَخِيْهِ عَبْدُ اللهِ بنُ مَعْبَدٍ، وَمَوَالِيهِ؛ عِكْرِمَةُ وَمِقْسَمٌ وَكُرَيْبٌ، وَأَبُو مَعْبَدٍ نَافِذٌ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَأَبُو الطُّفَيْلِ، وَأَبُو أُمَامَةَ بنُ سَهْلٍ، وَأَخُوْهُ كَثِيْرُ بنُ العَبَّاسِ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَعُبَيْدُ اللهِ بن عبد الله، وطاوس، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرٌ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَسَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدُ بنُ جَبْرٍ، وَالقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو صَالِحٍ السمَّان، وَأَبُو رَجَاءٍ العُطَارِدِيُّ، وَأَبُو العَالِيَةِ، وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُهُ عَبْدُ اللهِ، وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الله بن معبد، وأربدة التميمي صَاحِبُ التَّفْسِيْرِ، وَأَبُو صَالِحٍ بَاذَامُ، وَطَلِيْقُ بنُ قَيْسٍ الحَنَفِيُّ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالحَسَنُ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ، وَشَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي يَزِيْدَ، وأبو جمرة نصر بن عمران الضبعي، والضاحك بنُ مُزَاحِمٍ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ، وَبَكْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيُّ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي الحَسَنِ، وَإِسْمَاعِيْلُ السُّدِّيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَفِي "التَّهْذِيْبِ": مِنَ الرُّوَاةِ عَنْهُ مائَتَانِ سِوَى ثَلاَثَةِ أَنْفُسٍ.
وَأُمُّهُ: هِيَ أُمُّ الفَضْلِ لُبَابَةُ بِنْتُ الحَارِثِ بنِ حَزْنِ بنِ بُجَيْرٍ الهِلاَلِيَّةُ، مِنْ هِلاَلِ بنِ عَامِرٍ.
وَلَهُ جَمَاعَةُ أَوْلاَدٍ؛ أَكْبَرُهُمُ العَبَّاسُ -وَبهِ كَانَ يكنَّى, وَعَلِيٌّ أَبُو الخُلَفَاءِ، وَهُوَ أَصْغَرُهُم، وَالفَضْلُ، وَمُحَمَّدٌ، وَعُبَيْدُ اللهِ، وَلُبَابَةُ، وَأَسْمَاءُ.
وَكَانَ وَسِيماً جَمِيْلاً، مَدِيدَ القَامَةِ، مَهِيباً, كَامِلَ العَقْلِ, ذَكِيَّ النَّفْسِ, مِنْ رِجَالِ الكَمَالِ.
وَأَوْلاَدُهُ: الفَضْلُ وَمُحَمَّدٌ وَعُبَيْدُ اللهِ، مَاتُوا وَلاَ عَقِبَ لَهُم، وَلُبَابَةُ، وَلَهَا أَوْلاَدٌ،
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "2/ 365"، التاريخ الكبير "5/ ترجمة 5"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 527"، تاريخ بغداد "1/ 173"، والاستيعاب "3/ 933"، أسد الغابة "3/ 290"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 338"، الكاشف "2/ ترجمة 2829"، الإصابة "2/ ترجمة 4781"، تهذيب التهذيب "5/ 286-279"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3589".(4/380)
وَعَقِبٌ مِنْ زَوْجِهَا عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَبِنْتُهُ الأُخْرَى أَسْمَاءُ، وَكَانَتْ عِنْدَ ابْنِ عمِّها عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ، فَوَلَدَتْ لَهُ حَسَناً وَحُسَيْناً.
انتَقَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعَ أَبَويهِ إِلَى دَارِ الهِجْرَةِ سَنَةَ الفَتْحِ، وَقَدْ أَسْلَمَ قَبلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ صحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ المُسْتَضْعَفِيْنَ, أَنَا مِنَ الولدان، وأمي من النساء.
رَوَى خَالِدٌ الحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَسَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأْسِي، وَدَعَا لِي بِالحِكْمَةِ1.
شَبِيْبُ بنُ بِشْرٍ, عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَخَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَخْرَجَ وَخَرَجَ، فَإِذَا تَوْرٌ مُغَطَّى قَالَ: "مَنْ صَنَعَ هَذَا"؟، فَقُلْتُ: أَنَا. فَقَالَ: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ تَأْوِيْلَ القُرْآنِ" 2.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَقْبَلْتُ عَلَى أَتَانٍ، وَقَدْ نَاهَزتُ الاحْتِلاَمَ، وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى الله عليه وسلم- يصلي بالناس بمنى3.
وَرَوَى أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا ابْنُ عَشرٍ4. رَوَاهُ شعبة له، وغيره عنه.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "75"، ومسلم "2477"، والترمذي "3824"، وابن ماجه "166"، الطبراني "10588" من طريق خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ضمَّني رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: "اللهم علمه الكتاب".
2 حسن: أخرجه الحاكم "3/ 537" من طريق شبيب بن بشر، حدثنا عكرمة، عن ابن عباس، به. وقال الحاكم: صحيح الإسناد, وتعقبه الذهبي في "التلخيص" بقوله: قلت: "شبيب فيه لين، وأخرجه أحمد "1/ 266 و314 و328 و335"، وفي "فضائل الصحابة" "1856" و"1856" و"1858" و"1882", والطبراني "10587" من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وضع يده على كتفي أو على منكبي -شك سعيد, ثم قال: "اللهم فقهه في الدين وعلّمه التأويل".
قلت: إسناده حسن، عبد الله بن عثمان بن خثيم، صدوق -كما قال الحافظ في "التقريب".
3 صحيح: أخرجه مالك "1/ 155"، والبخاري "493"، ومسلم "504" عن ابن عباس قال: أقبلت راكبا على أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس بمنى، فمررت بين يدي الصف فنزلت، فأرسلت الاتان ترتع، ودخلت في الصف, فلم ينكر عليّ أحد".
قوله: ناهزت الاحتلام, أي: قاربت البلوغ.
4 صحيح: أخرجه أحمد "1/ 253 و287 و337 و357" من طرق عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، به.(4/381)
وَقَالَ هُشَيْمٌ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيْدٍ، عَنْهُ: جَمعْتُ المُحْكَمَ فِي عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقُبِضَ وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ حِجَجٍ1.
وَقَالَ شُعْبَةُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً, وَأَنَا خَتِيْنٌ2.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: لاَ خِلاَفَ أَنَّهُ وُلِدَ فِي الشِّعْبِ، وَبَنُو هَاشِمٍ مَحْصُوْرُوْنَ، فوُلِدَ قَبْلَ خُرُوجِهِم مِنْهُ بِيَسِيْرٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ, ألَا تَرَاهُ يَقُوْلُ: وَقَدْ رَاهَقْنَا الاحْتِلاَمَ، وَهَذَا أَثْبَتُ مِمَّا نَقَلهُ أَبُو بِشْرٍ فِي سنه.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فِيمَا رَوَاهُ ابْنُه عَبْدُ اللهِ عَنْهُ: حَدِيْثُ أَبِي بِشْرٍ عِنْدِي واهٍ, قَدْ رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيْدٍ، فَقَالَ: خَمْسَ عَشْرَةَ، وَهَذَا يُوَافقُ حَدِيْثَ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ3.
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلابْنِ عَبَّاسٍ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: غَزَا ابْنُ عَبَّاسٍ إِفْرِيْقِيَةَ مَعَ ابْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَرَوَى عَنْهُ من أهل مصر خمسة عشر نفسًا.
__________
1 صحيح: أخرجه الطيالسي "2639", والطبراني "10577" من طريق شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا ابن عشر سنين مختون, وقد قرأت المحكم من القرآن. قال شعبة: قلت لأبي بشر: أيّ شيء المحكم من القرآن؟ قال: المفصَّل.
وأخرجه البخاري "5035" من طريق أبي عوانة، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ قال: إن الذي تدعونه المفصل هو المحكم, قال: وقال ابن عباس: تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا ابن عشر سنين, وقد قرأت المحكم".
2 صحيح: أخرجه الطيالسي "2640"، وأحمد "1/ 373"، والحاكم "3/ 533"، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثانى" "372" و"373"، والطبراني "10578" من طرق عن شعبة، به.
قال الحافظ في "الفتح" "11/ 90": المحفوظ الصحيح أنه وُلِدَ بالشعب, وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين, فيكون له عند الوفاة النبوية ثلاث عشرة سنة، وبذلك قطع أهل السير, وصحَّحه ابن عبد البر, وأورد بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال: "ولدت وبنو هاشم في الشعب"، وهذا لا ينافي قوله: "ناهزت الاحتلام" أي: قاربته, ولا قوله: "وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك"؛ لاحتمال أن يكون أدرك فختن قبل الوفاة النبوية وبعد حجة الوداع، وأمَّا قوله: "وأنا ابن عشر" فمحمول على إلغاء الكسر، وراية أحمد من طريق أخرى, عن ابن عباس أنه كان حينئذ ابن خمس عشرة، ويمكن رده إلى رواية ثلاثة عشرة بأن يكون ابن ثلاث عشرة وشيء, وولد في أثناء السنة, فجبر الكسرين بأن يكون ولد مثلًا في شوال, فله من السنة الأولى ثلاثة أشهر, فأطلق عليها سنة, وقبض النبي -صلى الله عليه وسلم- في ربيع, فله من السنة الأخيرة ثلاثة أخرى, وأكمل بينهما ثلاث عشرة، فمن قال ثلاث عشرة ألغى الكسرين, ومن قال خمس عشرة جبرهما والله أعلم.
3 راجع تعليقنا السابق.(4/382)
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَةَ: أُمُّهُ هِيَ: أُمُّ الفَضْلِ، أُخْتُ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ مَيْمُوْنَةَ، وُلِدَ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ.
وَكَانَ أَبيضَ طَوِيْلاً, مُشْرَباً صُفْرَةً, جَسِيماً وَسِيماً, صَبِيْحَ الوَجْهِ, لَهُ وَفْرَةٌ, يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ, دَعَا لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالحِكْمَةِ.
قُلْتُ: وَهُوَ ابْنُ خَالَةِ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ المَخْزُوْمِيِّ.
سَعِيْدُ بنُ سَالِمٍ: حدَّثنا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوْساً مَعَ عَطَاءٍ فِي المَسْجَدِ الحَرَامِ، فَتَذَاكَرْنَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ عَطَاءٌ: مَا رَأَيْتُ القَمَرَ لَيْلَةَ أربع عَشْرَةَ إلَّا ذَكَرتُ وَجْهَ ابْنِ عَبَّاسٍ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَكَمِ بنِ أَبَانَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِذَا مَرَّ فِي الطَّرِيْقِ قُلْنَ النِّسَاءُ عَلَى الحِيْطَانِ: أمَرَّ المِسْكُ أَمْ مَرَّ ابْنُ عَبَّاسٍ?
الزُّبَيْرُ: حَدَّثَنِي سَاعِدَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُزَنِيُّ، عَنْ دَاوُدَ بنِ عَطَاءٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ, أَنَّ عُمَرَ دَعَا ابْنَ عَبَّاسٍ فقرَّبه, وَكَانَ يَقُوْلُ: إِنِّيْ رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَاكَ يَوْماً، فَمَسحَ رَأْسَكَ, وَتَفَلَ فِي فِيْكَ، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّيْنِ, وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيْلَ"1.
دَاوُدُ: مَدَنِيٌّ ضَعِيْفٌ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَغَيْرُه, عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُوْنَةَ، فَوَضَعتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غُسْلاً، فَقَالَ: "مَنْ وَضَعَ هَذَا" ? قَالُوا: عَبْدُ اللهِ. فَقَالَ: "اللهمَّ عَلِّمْهُ التَّأْوِيْلَ، وفقهه في الدين" 2.
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا اللَّبَّانُ, أَخْبَرَنَا الحَدَّادُ, أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ, حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ الهَيْثَمِ, حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي العَوَّامِ, حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ بَكْرٍ, حَدَّثَنَا حَاتِمُ بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ: أَنَّ كُرَيْباً أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَجَعَلَنِي حِذَاءهُ، فلمَّا انصرفت قُلْتُ: وَيَنْبَغِي لأَحدٍ أَنْ يُصَلِّيَ حِذَاءكَ، وَأَنْتَ رَسُوْلُ اللهِ? فَدَعَا اللهَ أَنْ يَزِيْدَنِي فَهْماً وَعِلْماً.
حَاتِمُ بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ,. عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَا لَهُ أَنْ يَزِيدَهُ اللهُ فَهْماً وَعِلْماً.
__________
1 منكر: في إسناده داود بن عطاء المدني، أبو سليمان، قال أحمد: ليس بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث.
2 حسن: مَرَّ تخريجنا له قريبًا بتعليق رقم "693" فراجعه ثَمَّتَ.(4/383)
وَرْقَاءُ, سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ بنَ أَبِي يَزِيْدَ، عن ابن عباس: وضعت لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَضُوءاً، فَقَالَ: "اللهمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّيْنِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيْلَ".
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: دَعَا لِي رَسُوْلُ اللهِ بِالحِكْمَةِ مَرَّتينِ.
كَوْثَرُ بنُ حَكِيْمٍ -واهٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعاً: "إِنَّ حَبْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ ابْنُ عَبَّاسٍ".
تفرَّد بِهِ عَنْهُ مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ الرُّهَاوِيُّ.
عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَالِدٍ, عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: انْتَهَيتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ جِبْرِيْلُ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيْلُ: إِنَّهُ كَائِنٌ هَذَا حَبْرَ الأُمَّةِ، فاستوصِ بِهِ خَيراً.
حَدِيثٌ مُنْكَرٌ, تفرَّد بِهِ سَعْدَانُ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ المُؤْمِنِ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ, عَنْ عَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ كَالمُعْرِضِ عَنْ أَبِي، فَخَرَجنَا مِنْ عِنْدِهِ، فَقَالَ: أَلَمْ تَرَ ابْنَ عَمِّكَ كَالمُعْرِضِ عَنِّي? فَقُلْتُ: إِنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ رَجُلٌ يُنَاجِيهِ, قَالَ: أَوَ كَانَ عِنْدَهُ أَحَدٌ? قُلْتُ: نَعَمْ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ, هَلْ كَانَ عِنْدَكَ أَحَدٌ? فَقَالَ لِي: "هَلْ رَأَيْتَهُ يَا عَبْدَ اللهِ" ? قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "ذَاكَ جِبْرِيْلُ، فَهُوَ الَّذِي شَغَلَنِي عَنْكَ". أخرجه أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ".
المِنْهَالُ بنُ بَحْرٍ: حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الفَضْلِ بنِ حَبِيْبٍ، عَنْ فُرَاتِ بنِ السَّائِبِ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَررْتُ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ نَقِيَّةٌ، وَهُوَ يُنَاجِي دِحْيَةَ بنَ خَلِيْفَةَ الكَلْبِيَّ، وَهُوَ جِبْرِيْلُ، وَأَنَا لاَ أَعْلَمُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا? فَقَالَ: ابْنُ عَمِّي, قَالَ: مَا أَشَدَّ وَسَخَ ثِيَابهِ, أَمَا إِنَّ ذُرِّيَتَهُ سَتَسُودُ بَعْدَهُ، ثُمَّ قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَأَيْتَ مَنْ يُنَاجِيْنِي"؟ قُلْتُ: نَعَمْ, قَالَ: "أَمَا إِنَّهُ سَيَذْهَبُ بَصَرُكَ".
إِسْنَادُهُ لَيِّنٌ.
ثَوْرُ بنُ زَيْدٍ الدِّيْلِيُّ، عَنْ مُوْسَى بنِ مَيْسَرَةَ, أَنَّ العَبَّاسَ بَعثَ ابْنَهُ عَبْدَ اللهِ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَاجَةٍ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ رَجُلاً، فَرَجَعَ وَلَمْ يُكَلِّمْهُ، فَلَقِيَ العَبَّاسُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَرْسَلتُ إِلَيْكَ ابْنِي، فَوَجَدَ عِنْدَكَ رَجُلاً، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُكَلِّمَهُ، فَقَالَ: "يَا عَمِّ! تَدْرِي مَنْ ذَاكَ الرَّجُلُ"؟ قَالَ: لاَ, قَالَ: "ذَاكَ جِبْرِيْلُ لَقِيَنِي, لَنْ يَمُوْتَ ابْنُكَ حَتَّى يَذْهَبَ بَصَرُهُ، ويؤتى علمًا".(4/384)
رَوَى سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ ثَوْرٍ نَحْوَهُ، وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الزِّيَادِيُّ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، فَقَالَ: عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ مُوْسَى بن مَيْسَرَةَ، عَنْ بَعْضِ وَلَدِ العَبَّاسِ، فَذَكَرَهُ.
زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: دَخَلَ العَبَّاسُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرَ عِنْدَهُ أَحَداً، فَقَالَ لَهُ ابْنُه عَبْدُ اللهِ: لَقَدْ رَأَيتُ عِنْدَهُ رَجُلاً، فَسَأَلَ العَبَّاسُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "ذَاكَ جِبْرِيْلُ".
هَذَا مُرْسَلٌ.
حِبَّانُ بنُ عَلِيٍّ، عَنْ رِشْدِيْنَ بنِ كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتيتُ خَالَتِي مَيْمُوْنَةَ، فَقَلْتُ إِنِّيْ أُرِيْدُ أَنْ أَبِيْتَ اللَّيْلَةَ عِنْدَكُم، فَقَالَتْ: وَكَيْفَ تَبِيْتُ، وَإِنَّمَا الفِرَاشُ وَاحِدٌ? فَقُلْتُ: لاَ حَاجَةَ لِي بِهِ, أَفْرُشُ إِزَارِي، وأمَّا الوِسَادُ فأضع رأسي مع رءوسكما مِنْ وَرَاءَ الوِسَادَةِ. قَالَ: فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحدَّثته مَيْمُوْنَةُ بِمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: "هَذَا شَيْخُ قُرَيْشٍ".
إِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ.
قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ طَارِقٍ: أَخْبَرَكُم ابْنُ خَلِيْلٍ, أَخْبَرَنَا اللَّبَّانُ, أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ, أَخْبَرْنَا أَبُو نُعَيْمٍ, حَدَّثَنَا حَبِيْبٌ, حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ البَغَوِيُّ, حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ عَمْرٍو, حَدَّثَنَا نَافِعُ بنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا بَلَغَ مِنْ هَمِّ يُوْسُفَ? قَالَ: جَلَسَ يَحُلُّ هِمْيَانَهُ، فَصِيحَ بِهِ يَا يُوْسُفُ! لاَ تَكُنْ كَالطَّيْرِ لَهُ رِيْشٌ، فَإِذَا زَنَى قَعَدَ لَيْسَ لَهُ ريش.
صَالِحُ بنُ رُسْتُمَ الخَزَّازُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مليكة: صحبت ابن عباس من مكة إلى المَدِيْنَةِ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ قَامَ شَطْرَ اللَّيْلِ. فَسَأَلَهُ أَيُّوْبُ: كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءتُهُ? قَالَ قَرَأَ: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19] ، فَجَعَلَ يُرَتِّلُ وَيُكْثِرُ فِي ذَلِكَ النَّشِيْجَ.
ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذَهَبَ النَّاسُ وَبَقِيَ النَّسْنَاسُ, قِيْلَ: مَا النَّسْنَاسُ? قَالَ: الَّذِيْنَ يُشْبِهُوْنَ الناس وليسوا بالناس.
ابن طاوس, عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, قَالَ لِي مُعَاوِيَةُ: أَنْتَ عَلَى مِلَّةِ عَلِيٍّ? قُلْتُ: وَلاَ عَلَى مِلَّةِ عُثْمَانَ, أَنَا عَلَى مِلَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَعَنْ طاوس قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشدَّ تَعْظِيماً لِحُرُمَاتِ اللهِ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ، عَنْ يَعْلَى بنِ حَكِيْمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قُلْتُ لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ: هلمَّ نَسْأَلْ أَصْحَابَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُمُ اليَوْمَ كَثِيْرٌ، فَقَالَ: وَاعَجَباً لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! أَتَرَى النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إِلَيْكَ، وَفِي النَّاسِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ(4/385)
-عليه الصلاة والسَّلاَمُ- مَنْ تَرَى? فَتَرَكَ ذَلِكَ، وَأَقْبَلْتُ عَلَى المَسْألَةِ، فَإِنْ كَانَ لَيبْلُغُنِي الحَدِيْثُ عَنِ الرَّجُلِ فَآتِيهِ وَهُوَ قَائِلٌ، فَأَتَوَسَّدُ رِدَائِي عَلَى بَابِهِ، فَتَسْفِي الرِّيْحُ عَلَيَّ التُّرَابَ، فَيَخرجُ فَيَرَانِي، فَيَقُوْلُ: يَا ابْنَ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ, ألَا أَرْسَلتَ إليَّ فَآتِيَكَ? فَأَقُوْلُ: أَنَا أَحَقُّ أَنْ آتِيَكَ فَأَسْأَلَكَ. قَالَ: فَبَقِيَ الرَّجُلُ حَتَّى رَآنِي، وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيَّ، فَقَالَ: هَذَا الفَتَى أَعقَلُ مِنِّي.
عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ قَدْ وَجَدُوا عَلَى عُمَرَ فِي إِدْنَائِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ دُوْنَهم, قَالَ: وَكَانَ يَسْأَلُهُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنِّيْ سَأُرِيْكُمُ اليَوْمَ مِنْهُ مَا تَعْرِفُوْنَ فَضْلَهُ، فَسَأَلَهُم عَنْ هَذِهِ السُّوْرَةِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} [النَّصْرُ: 1] فَقَالَ بَعْضُهُم: أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ إِذَا رَأَى النَّاسَ يَدخُلُوْنَ فِي دِيْنِ اللهِ أَفْوَاجاً أَنْ يَحْمَدَهُ وَيَسْتَغْفِرَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ تَكَلَّمْ، فَقَالَ: أَعْلَمَهُ متى يموت, أي: فهي آتيك من الموت، فسبح بحمد ربك واستغفره.
وَرَوَى نَحْوَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو, عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَجَدْتُ عامَّة عِلْمِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ هَذَا الحَيِّ مِنَ الأَنْصَارِ, إِنْ كُنْتُ لآتِي الرَّجُلَ مِنْهُم، فَيُقَالُ: هُوَ نَائِمٌ، فَلَو شِئْتُ أَنْ يُوْقَظَ لِي، فَأَدَعُهُ حَتَّى يَخرُجَ لأَسْتطِيبَ بِذَلِكَ قَلْبَهُ.
يَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ, عن سليمان الأحول، عن طاوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنْ كُنْتُ لأَسْأَلُ عَنِ الأَمرِ الوَاحِدِ ثَلاَثِيْنَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إِسْنَادُه صَحِيْحٌ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الهُذَلِيِّ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنَ الإِسْلاَمِ بِمَنْزِلٍ، وَكَانَ مِنَ القُرْآنِ بِمَنْزِلٍ، وَكَانَ يَقُومُ عَلَى مِنْبَرِنَا هَذَا، فَيَقرَأُ البَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَيُفَسِّرُهُمَا آيَةً آيَةً، وَكَانَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إذا ذَكَرَهُ قَالَ: ذَلِكَ فَتَى الكُهُولِ لَهُ لِسَانٌ سَؤُولٌ، وَقَلْبٌ عَقُوْلٌ.
إِسْرَائِيْلُ: أَخْبَرَنَا سِمَاكٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ القُرْآنِ أَعْلَمُهُ إلَّا ثَلاَثاً "الرَّقِيْمَ"، و"غِسْلِيْنَ"، و"حَنَاناً".
يَحْيَى بنُ يَمَانٍ, عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيْدِ بن جبير قَالَ: قَالَ عُمَرُ لابْنِ عَبَّاسٍ: لَقَدْ عَلِمْتَ عِلْماً مَا عَلِمْنَاهُ.(4/386)
عاصم بن كليب، عن أبيه، عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ: دَعَانِي عُمَرُ مَعَ الأَكَابِرِ، وَيَقُوْلُ لِي: لاَ تَتَكَلَّمْ حَتَّى يَتَكَلَّمُوا، ثُمَّ يَسْأَلُنِي، ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَيْهِم، فَيَقُوْلُ: مَا مَنَعَكُم أَنْ تَأْتُونِي بِمِثلِ مَا يَأْتِينِي بِهِ هَذَا الغُلاَمُ الذي لم تستو شئون رَأْسِهِ.
مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ المُهَاجِرُوْنَ لِعُمَرَ: ألَا تَدْعُو أَبْنَاءنَا كَمَا تَدْعُو ابْنَ عَبَّاسٍ? قَالَ: ذَاكُم فَتَى الكُهُولِ, إنَّ لَهُ لسانًا سئولًا، وقلبًا عقولًا.
مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ يَعْقُوْبَ بنِ زَيْدٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَسْتَشِيرُ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي الأَمْرِ إِذَا أهمَّه، وَيَقُوْلُ: غُصْ غَوَّاصُ.
أَبُو يَحْيَى الحمَّاني: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ, قَالَ عُمَرُ: لاَ يَلُوْمَنِّي أَحَدٌ عَلَى حُبِّ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَعَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ لِي أَبِي: يَا بُنَيَّ! إِنَّ عُمَرَ يُدنِيكَ، فَاحفَظْ عَنِّي ثَلاَثاً: لاَ تفشينَّ لَهُ سِرّاً، وَلاَ تغتابنَّ عِنْدَهُ أَحَداً، وَلاَ يجربنَّ عَلَيْكَ كَذِباً.
ابْنُ عُلَيَّةَ: حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ, أَنَّ عَلِيّاً حَرقَ نَاساً ارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلاَمِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لَمْ أَكُنْ لأَحرِقَهُم أَنَا بِالنَّارِ, إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللهِ"، وَكُنْتُ قَاتِلَهُم لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ بدَّل دِيْنَهُ فَاقْتُلُوْهُ" , فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيّاً، فَقَالَ: وَيْحَ ابْنِ أُمِّ الفضل, إنه لغوَّاص على الهنات.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مُوْسَى بنِ سَعْدٍ، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْضَرَ فَهْماً، وَلاَ أَلَبَّ لُبّاً, وَلاَ أَكْثَرَ عِلماً، وَلاَ أَوسعَ حِلماً, مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, لَقَدْ رَأَيْتُ عُمَرَ يَدعُوْهُ لِلمُعْضِلاَتِ، فَيَقُوْلُ: قَدْ جَاءت مُعْضِلَةٌ، ثُمَّ لاَ يُجَاوِزُ قَوْلَه، وَإِنَّ حَوْلَهُ لأَهْلُ بَدْرٍ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَبِي عَامِرٍ, سَمِعَ طَلْحَةَ بنَ عُبَيْدِ اللهِ يَقُوْلُ: لَقَدْ أُعْطِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَهْماً وَلَقناً وَعِلْماً, مَا كُنْتُ أَرَى عُمَرَ يقدِّم عَلَيْهِ أَحَداً.
الأَعْمَشُ, عَنْ مُسْلِمِ بنِ صُبَيْحٍ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ قَالَ: لَوْ أَدْركَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَسْنَانَنَا مَا عَشَرهُ مِنَّا أَحَدٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ "مَا عَاشَرَهُ".
الأَعْمَشُ: حَدِّثُوْنَا أنَّ عَبْدَ اللهِ قَالَ: وَلَنِعْمَ تَرْجُمَانُ القُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ.(4/387)
الأَعْمَشُ, عَنْ إِبْرَاهِيْمَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: لَوْ أنَّ هَذَا الغُلاَمَ أَدْرَكَ مَا أَدْرَكْنَا مَا تَعلَّقْنَا مَعَهُ بِشَيْءٍ.
الوَاقِدِيُّ: حدَّثنا مَخْرَمَةُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ بُسْرِ بنِ سعيد، عن مُحَمَّدِ بنِ أُبَيّ بنِ كَعْبٍ, سَمِعَ أَبَاهُ يَقُوْلُ -وَكَانَ عِنْدَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَامَ فَقَالَ: هَذَا يَكُوْنُ حَبْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ, أَرَى عَقْلاً وَفَهْماً, وَقَدْ دَعَا لَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُفَقِّهَهُ فِي الدِّيْنِ.
وَعَنْ عِكْرِمَةَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَقُوْلُ لِي: مَوْلاَكَ وَاللهِ أَفْقَهُ مَنْ مَاتَ وَمَنْ عَاشَ.
وَيُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالحجِّ ابْنُ عَبَّاسٍ.
قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ يَرَى مُتعَةَ الحجِّ حَتْماً.
قَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ, أَخْبَرَكُم عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ, أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي, أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيُّ, أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ بِشْرَانَ, أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ, أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ, حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ, أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَلِيِّ بنِ بَذِيْمَةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ عَلَى عُمَرَ رَجُلٌ، فَجَعَلَ عُمَرُ يَسْأَلُهُ عَنِ النَّاس، فَقَالَ: يَا أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ, قَدْ قَرَأَ القُرْآنَ مِنْهُم كَذَا وَكَذَا، فَقُلْتُ: وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ يُسَارعُوا يَوْمَهم هَذَا فِي القُرْآنِ هَذِهِ المُسَارَعَةَ, قَالَ: فَزَبَرَنِي عُمَر، ثُمَّ قَالَ: مَهْ، فَانطَلَقتُ إِلَى مَنْزِلِي مُكْتَئِباً حَزِيناً، فَقُلْتُ: قَدْ كُنْتُ نَزَلتُ مِنْ هَذَا بِمَنْزِلَةٍ، وَلاَ أُرَانِي إلَّا قَدْ سَقَطتُ مِنْ نَفْسِهِ، فَاضْطَجَعتُ عَلَى فِرَاشِي حَتَّى عَادَنِي نِسْوَةُ أَهْلِي وَمَا بِيَ وَجعٌ، فَبَيْنَا أَنَا عَلَى ذَلِكَ قِيْلَ لِي: أجب أمير المُؤْمِنِيْنَ, فَخَرَجتُ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ عَلَى البَابِ يتنظرني، فَأَخَذَ بِيَدِي، ثُمَّ خَلاَ بِي، فَقَالَ: مَا الَّذِي كَرِهتَ مِمَّا قَالَ الرَّجُلُ آنِفاً? قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ, إِنْ كُنْتُ أَسَأْتُ فَإِنِّي أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، وَأَنْزِلُ حَيْثُ أَحْبَبْتَ, قَالَ: لَتُخْبِرَنِّي, قُلْتُ: مَتَى مَا يُسَارِعُوا هَذِهِ المُسَارَعَةَ يَحْتَقُّوا، وَمَتَى مَا يَحْتَقُّوا يَخْتَصِمُوا، وَمَتَى مَا اخْتَصَمُوا يَخْتَلِفُوا، وَمَتَى مَا يَخْتَلِفُوا يَقْتَتِلُوا, قَالَ: للهِ أَبُوْكَ! لَقَدْ كُنْتُ أَكْتُمُهَا النَّاسَ حَتَّى جِئْتَ بِهَا.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مُرَّةَ مَكِّيٌّ, حَدَّثَنَا نَافِعُ بنُ عُمَرَ, حَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ, أنَّ أَهْلَ المَدِيْنَةِ كَلَّمُوا ابْنَ عَبَّاسٍ أَنْ يَحُجَّ بِهِم, فَدَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ، فَأَمَّرَهُ فَحَجَّ ثُمَّ رَجَعَ، فَوَجَدَ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ: إِنْ أَنْتَ قُمْتَ بِهَذَا الأَمْرِ الآنَ أَلْزَمَكَ النَّاسُ دَمَ عُثْمَانَ إِلَى يَوْمِ القيامة.(4/388)
وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ لَمَّا قَالَ: سِرْ، فَقَدْ وَلَّيْتُكَ الشَّامَ، فَقَالَ: مَا هَذَا بِرَأْيٍ، وَلَكِنِ اكْتُبْ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فمَنِّه وعِدْه, قَالَ: لاَ كَانَ هَذَا أَبَداً.
وَعَنْ عِكْرِمَةَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ يَقُوْلُ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: لاَ تُحَكِّمْ أَبَا مُوْسَى، فَإِنَّ مَعَهُ رَجُلاً حَذِراً مرسًا قارحًا من الرجال، فلزَّني إلى جَنْبِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَحُلُّ عُقْدَةً إلَّا عَقَدْتُهَا، وَلاَ يَعْقِدُ عُقْدَةً إلَّا حَلَلْتُهَا, قَالَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! فَمَا أَصْنَعُ? إِنَّمَا أُوْتَى مِنْ أصحابي قد ضعفت نيتهم، وكلوا هذا الأشعث يَقُوْلُ: لاَ يَكُوْنُ فِيْهَا مُضَرِيَّانِ أَبَداً, فَعَذَرْتُ عَلِيّاً.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ فَاتَ النَّاسَ بِخِصَالٍ بِعِلْمِ مَا سَبَقَ، وَفِقْهٍ فِيمَا احتِيجَ إِلَيْهِ مِنْ رَأْيِهِ، وَحِلْمٍ، وَنَسَبٍ، وَنَائِلٍ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِمَا سَبَقَهُ مِنْ حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا بِقَضَاءِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ مِنْهُ، وَلاَ أَعْلَمَ بِمَا مَضَى، وَلاَ أَثقَبَ رَأْياً فِيمَا احتِيجَ إِلَيْهِ مِنْهُ، وَلَقَدْ كنَّا نَحضُرُ عِنْدَهُ، فَيُحَدِّثُنَا العَشِيَّةَ كُلَّهَا فِي المَغَازِي، وَالعَشِيَّةَ كُلَّهَا فِي النَّسَبِ، وَالعَشِيَّةَ كُلَّهَا فِي الشِّعْرِ.
ابْنُ جريج، عن طاوس قال: ما رأيت أروع مِنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلاَ أَعْلَمَ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ مِثْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ, لَقَدْ مَاتَ يَوْمَ مَاتَ، وَإِنَّهُ لَحَبْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ.
الأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يسمَّى البَحْرَ؛ لِكَثْرَةِ عِلْمِهِ.
ابْنُ أَبِي نَجِيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَا سَمِعْتُ فُتْيَا أَحْسَنَ مِنْ فُتْيَا ابْنِ عَبَّاسٍ, إلَّا أَنْ يَقُوْلَ قَائِلٌ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن طاوس قَالَ: أَدْرَكْتُ نَحْواً مِنْ خَمْسِ مائَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ, إِذَا ذَاكَرُوا ابْنَ عَبَّاسٍ فَخَالَفُوهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُقَرِّرُهُم حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى قَوْلِهِ.
قَالَ يَزِيْدُ بنُ الأَصَمِّ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ حَاجّاً مَعَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَكَانَ لِمُعَاوِيَةَ مَوْكِبٌ، وَلابْنِ عَبَّاسٍ مَوْكِبٌ مِمَّنْ يَطْلُبُ العِلْمَ.
الأَعْمَشُ: حَدَّثَنَا أَبُو وَائِلٍ قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ أَمِيْرٌ عَلَى المَوْسِمِ، فَافْتَتَحَ سُورَةَ النُّوْرَ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ وَيُفَسِّرُ، فَجَعَلْتُ أَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ وَلاَ سَمِعْتُ كَلاَمَ رَجُلٍ مِثْلَ هَذَا, لَوْ سَمِعَتْهُ فَارِسُ وَالرُّوْمُ وَالتُّرْكُ لأَسْلَمَتْ.
وَرَوَى عَاصِمُ بنُ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي، وَائِلٍ مِثْلَهُ.
رَوَى جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: مَا رَأَيْتُ بَيْتاً أَكْثَرَ خُبْزاً وَلَحْماً مِنْ بَيْتِ ابْنِ عَبَّاسٍ.(4/389)
سُلَيْمُ بنُ أَخْضَرَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: أَنْبَأَنِي مَنْ أَرْسَلَهُ الحَكَمُ بنُ أَيُّوْبَ إِلَى الحَسَنِ، فَسَأَلَهُ: مَنْ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ النَّاسَ فِي هَذَا المَسْجَدِ يَوْمَ عَرَفَةَ? فَقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ.
وَعَنْ مَسْرُوْقٍ قَالَ: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قُلْتُ: أَجْمَلُ النَّاسِ، فَإِذَا نَطَقَ قُلْتُ: أَفصَحُ النَّاسِ، فَإِذَا تَحَدَّثَ قُلْتُ: أَعْلَمُ النَّاسِ.
قَالَ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: مَا رَأَيْتُ فِي مَجْلِسِ ابْنِ عباس باطلًا قط.
قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: لَمْ يُدْرَكْ مِثْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي زَمَانِهِ، وَلاَ مِثْلُ الشَّعْبِيِّ فِي زَمَانِهِ، وَلاَ مِثْلُ الثَّوْرِيِّ فِي زَمَانِهِ.
أَبُو عَامِرٍ الخَزَّازُ, عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة، فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا نَزَلَ قَامَ شَطْرَ اللَّيْلِ، وَيُرَتِّلُ القُرْآنَ حَرْفاً حَرْفاً، وَيُكْثِرُ فِي ذَلِكَ مِنَ النَّشِيْجِ وَالنَّحِيْبِ.
مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ, عَنْ شُعَيْبِ بنِ دِرْهَمٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَسفَلَ مِنْ عَيْنَيْهِ مِثْلُ الشِّرَاكِ البَالِي مِنَ البُكَاءِ.
عَبْدُ الوَهَّابِ الخفَّاف، عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ بنِ يَعْلَى، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَجَاءهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! كَيْفَ صَومُكَ? قَالَ: أَصُومُ الاثْنَيْنِ وَالخَمِيْسَ. قَالَ: ولِمَ? قَالَ: لأنَّ الأَعمَالَ تُرْفَعُ فِيْهِمَا، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ1.
إِسْحَاقُ بنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا سِنَانٍ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ, أَنَّ أَبَا أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيَّ أَتَى مُعَاوِيَةَ، فَشَكَا دَيْنًا، فَلَمْ يَرَ مِنْهُ مَا يُحِبُّ, فَقَدِمَ البَصْرَةَ، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَفَرَّغَ لَهُ بَيْتَهُ، وَقَالَ: لأصنعنَّ بك كما صنعت بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: كَمْ دَيْنك? قَالَ: عِشْرُوْنَ أَلْفاً، فَأَعْطَاهُ أَرْبَعِيْنَ أَلْفاً وَعِشْرِيْنَ مَمْلُوْكاً، وكل ما في البيت.
__________
1 ضعيف جدًّا: في إسناده أبو أمية بن يعلى، وهو أبو أمية إسماعيل بن يعلى الثقفي البصري، قال يحيى مرة- والنسائي والدارقطني: متروك. وذكر ابن عدي له بضعة عشر حديثًا, معروفة لكنها منكرة الإسناد. لكن قد ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا بلفظ: "تعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين, فيغفر الله -عز وجل- في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئًا, إلّا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء, فيقال: اركوا هذين -أي: أخروا هذين- حتى يصطلحا, اركوا هذين حتى يصطلحا".
أخرجه مالك "2/ 908"، وأحمد "2/ 329"، ومسلم "2565"، والترمذي "747"، وابن ماجه "1740", والدارمي "2/ 20" من طريق أبي صالح، عن أبي هريرة، به. واللفظ لمسلم.(4/390)
وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، وَغَيْرِهِ: أنَّ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَقَامَ بَعْدَ وَقْعَةِ الجَمَلِ بِالبَصْرَةِ خَمْسِيْنَ لَيْلَةً، ثُمَّ سَارَ إِلَى الكُوْفَةِ، وَاسْتَخلَفَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَى البَصْرَةِ، ووجَّه الأَشْتَرَ عَلَى مُقَدِّمَتِهُ إِلَى الكُوْفَةِ، فَلَحِقَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَنِ اسْتَخلَفَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَلَى البَصْرَةِ? قَالَ: ابْنُ عَمِّهِ, قَالَ: فَفِيمَ قَتَلْنَا الشَّيْخَ أَمْسَ بِالمَدِيْنَةِ? قَالَ: فَلَمْ يَزَلِ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى البَصْرَةِ حَتَّى سَارَ إِلَى صِفِّيْنَ، فَاسْتَخلَفَ أَبَا الأَسْوَدِ بِالبَصْرَةِ عَلَى الصَّلاَةِ، وَزِيَاداً عَلَى بَيْتِ المَالِ.
قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ عَلِيٌّ لَمَّا بُوْيِعَ قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: اذهَبْ عَلَى إِمْرَةِ الشَّامِ، فَقَالَ: كَلاَّ, أَقَلُّ مَا يَصنَعُ بِي مُعَاوِيَةُ إِنْ لَمْ يَقْتُلْنِي الحَبْسُ، وَلَكِنِ اسْتَعْمِلْهُ، وَبَيْنَ يَدَيْكَ عَزْلُهُ بَعْدُ، فَلَمْ يَقبَلْ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ أَشَارَ عَلَى عَلِيٍّ أَنْ لاَ يُوَلِّيَ أَبَا مُوْسَى يَوْمَ الحَكَمَيْنِ، وَقَالَ: وَلِّنِي أَوْ، فَوَلِّ الأَحْنَفَ، فَأَرَادَ عَلِيٌّ ذَلِكَ، فَغَلَبُوهُ عَلَى رَأْيِهِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي تَسْمِيَةِ أُمَرَاءِ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّيْنَ: فَكَانَ عَلَى المَيْسَرَةِ ابْنُ عَبَّاسٍ، ثُمَّ رُدَّ بَعْدُ إِلَى وِلاَيَةِ البَصْرَةِ.
وَمِمَّا قَالَ حَسَّانٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِيمَا بَلَغَنَا:
إِذَا مَا ابْنُ عَبَّاسٍ بَدَا لَكَ وَجْهُهُ ... رَأَيْتَ لَهُ فِي كُلِّ أَقْوَالِهِ فَضْلاَ
إِذَا قَالَ لَمْ يَتْرُكْ مَقَالاً لِقَائِلٍ ... بِمُنْتَظَمَاتٍ لاَ تَرَى بَيْنَهَا فَصْلاَ
كَفَى، وَشَفَى مَا فِي النُّفُوْسِ فَلَمْ يَدَعْ ... لِذِي أَرَبٍ فِي القَوْلِ جِدّاً وَلاَ هَزْلاَ
سَمَوْتَ إِلَى العَلْيَا بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ ... فَنِلْتَ ذراها لا دنيًا ولا وغلا
خلفت حَلِيْفاً لِلمُرُوْءةِ وَالنَّدَى ... بَلِيْجاً، وَلَمْ تُخْلَقْ كَهَاماً ولا خبلا1
رَوَى العُتْبِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: لَمَّا سَارَ الحُسَيْنُ إِلَى الكُوْفَةِ اجْتَمَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ، فَضَرَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى جَيْبِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَتَمَثَّلَ:
يَا لَكِ مِنْ قُنْبَرَةٍ بِمَعْمَرِ ... خَلاَ لَكِ الجَوُّ فَبِيْضِي وَاصْفِرِي
وَنَقِّرِي مَا شِئْتِ أَنْ تُنَقِّرِي
خَلاَ لَكَ وَاللهِ يَا ابْنَ الزُّبَيْرِ الحِجَازُ، وَذَهَبَ الحُسَيْنُ. فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: وَاللهِ مَا تَرَوْنَ إلَّا أَنَّكُم أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ. فَقَالَ: إِنَّمَا يَرَى مَنْ كَانَ فِي شَكٍّ، وَنَحْنُ فَعَلَى يَقِينٍ. لَكنْ أَخْبِرْنِي عنْ نَفْسِكَ: لِمَ زَعَمْتَ أَنَّكَ أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ سَائِرِ العرب? فقال ابن
__________
1 الكهام: يقال سيف كهام: كليل لا يقطع. والخبل: الفساد.(4/391)
الزُّبَيْرِ: لِشَرَفِي عَلَيْهِم, قَالَ: أَيُّمَا أَشْرَفُ, أَنْتَ أَمْ مَنْ شُرِّفْتَ بِهِ? قَالَ: الَّذِي شَرُفْتُ بِهِ زَادَنِي شَرَفاً, قَالَ: وَعَلَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى اعتَرَضَ بَيْنَهُمَا رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَكَّتُوهُمَا.
وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي العِلْمِ بَحْراً يَنشَقُّ لَهُ الأَمْرُ مِنَ الأُمُوْرِ، وَكَانَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "اللَّهُمَّ أَلْهِمْهُ الحِكْمَةَ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيْلَ"، فلمَّا عَمِيَ أَتَاهُ النَّاسُ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ، وَمَعَهُم عِلْمٌ مِنْ عِلْمِهِ -أَوْ قَالَ: كُتُبٌ مِنْ كُتُبِهِ، فَجَعَلُوا يستقرءونه، وَجَعَلَ يقدِّم ويؤخِّر، فلمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: إني قد تَلِهْتُ مِنْ مُصِيْبَتِي هَذِهِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ عِلْمِي فَلْيَقْرَأْ عَلَيَّ، فَإِنَّ إِقْرَارِي له كقراءتي عليه. قال: فقرءوا عَلَيْهِ.
تَلِهْتُ: تَحَيَّرْتُ، وَالأَصْلُ: وَلِهْتُ كَمَا قِيْلَ فِي وُجَاهُ: تِجَاهُ.
أَبُو عَوَانَةَ, عَنْ هِلاَلِ بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس, أنَّه لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ الحَمَّامَ إلَّا وَحْدَهُ، وعليه ثوب صفيق يقول: إني أستحي اللهَ أَنْ يَرَانِي فِي الحَمَّامِ مُتَجَرِّداً.
أَبُو عَوَانَةَ, عَنْ أَبِي الجُوَيْرِيَةِ قَالَ: رَأَيْتُ إِزَارَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى نِصْفِ سَاقِهِ أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ قَطِيفَةٌ رُوْمِيَّةٌ وَهُوَ يُصَلِّي.
رِشْدِيْنُ بنُ كُرَيْب, عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَعْتَمُّ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ، فَيُرْخِي شِبْراً بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَمِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ.
ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ, أنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يتَّخذ الرِّدَاءَ بِأَلْفٍ.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بنُ شَابُوْرٍ, قَالَ رَجُلٌ لِعَطِيَّةَ: مَا أَضْيَقَ كُمَّكَ! قَالَ: كَذَا كَانَ كُمُّ ابْنِ عباس وابن عمر.
مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَلْبَسُ الخَزَّ، وَيَكْرَهُ المُصْمَتَ.
عَنْ عَطِيَّةَ العَوْفِيِّ قَالَ: لَمَّا وَقَعَتِ الفِتْنَةُ بَيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدِ المَلِكِ ارْتَحَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُحَمَّدُ ابْنُ الحَنَفِيَّةِ بِأَهْلِهِمَا حَتَّى نَزَلُوا مَكَّةَ، فَبَعَثَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَيْهِمَا: أَنْ بَايِعَا، فَأَبَيَا، وَقَالاَ: أَنْتَ وَشَأْنُكَ, لاَ نَعرِضُ لَكَ وَلاَ لِغَيْرِكَ، فَأَبَى، وألحَّ عَلَيْهِمَا، وَقَالَ: وَاللهِ لَتُبَايِعُنَّ أَوْ لأحرقنَّكم بِالنَّارِ، فَبَعَثَا أَبَا الطُّفَيْلِ عَامِرَ بنَ وَاثِلَةَ إِلَى شِيْعَتِهِم بِالكُوْفَةِ، فَانْتَدَبَ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، فَحَمَلُوا السِّلاَحَ حَتَّى دَخَلُوا مَكَّةَ، ثُمَّ كبَّروا تَكْبِيْرَةً سَمِعَهَا أَهْلُ مَكَّةَ، وَانْطَلَقَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنَ المَسْجَدِ هَارِباً حَتَّى دَخَلَ دَارَ النَّدْوَةِ، وَقِيْلَ: بَلْ تَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ، وَقَالَ: أَنَا عَائِذٌ بِبَيْتِ اللهِ.(4/392)
قَالَ: ثُمَّ مِلْنَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الحَنَفِيَّةِ, قَدْ عُمِلَ حَوْلَ دُوْرِهِمُ الحَطَبُ لِيُحْرِقَهَا، فَخَرَجْنَا بِهِم حَتَّى نَزَلْنَا بِهِمُ الطَّائِفَ.
وَلأَبِي الطُّفَيْلِ الكِنَانِيِّ حِيْنَ مَنَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبَّاسٍ مِنَ الاجتِمَاعِ بِالنَّاسِ كَانَ يَخَافُهُ، وَإِنَّمَا أَخَّرَ النَّاسَ عَنْ بَيْعَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ -أَنْ لَوْ شَاءَ الخِلاَفَةَ- ذَهَابُ بَصَرِهِ:
لاَ دَرَّ دَرُّ اللَّيَالِي كَيْفَ تُضْحِكُنَا ... مِنْهَا خُطُوبٌ أَعَاجِيبٌ، وَتُبْكِينَا
وَمِثْلُ مَا تُحْدِثُ الأَيَّامُ مِنْ غِيَر ... فِي ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ الدُّنْيَا تُسَلِّينَا
كُنَّا نَجِيْءُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَيُقْبِسُنَا ... فِقْهاً، وَيُكْسِبُنَا أَجْراً وَيَهْدِيْنَا
وَلاَ يَزَالُ عُبَيْدُ اللهِ مُتْرَعَةً ... جِفَانُهُ مُطْعِماً ضَيْفاً وَمِسْكِينَا
فَالبِرُّ وَالدِّيْنُ وَالدُّنْيَا بِدَارِهِمَا ... نَنَالُ مِنْهَا الَّذِي نَبْغِي إِذَا شينا
إِنَّ الرَّسُولَ هُوَ النُّوْرُ الَّذِي كُشِفَتْ ... بِهِ عَمَايَاتُ مَاضِينَا وَبَاقِيْنَا
وَرَهْطُهُ عِصْمَةٌ فِي دِيْنِنَا وَلَهُم ... فَضْلٌ عَلَيْنَا وَحَقٌّ وَاجِبٌ فِيْنَا
فَفِيْمَ تَمْنَعُهُم مِنَّا وَتَمْنَعُنَا ... مِنْهُم وَتُؤْذِيْهُمُ فِيْنَا وَتُؤْذِيْنَا
لَنْ يُؤْتِيَ اللهُ إِنْسَاناً بِبُغْضِهِمُ ... فِي الدِّيْنِ عِزّاً وَلاَ فِي الأَرْضِ تَمْكِينَا
قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ القَائِلُ: مَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ:
إِنْ يَأْخُذِ اللهُ مِنْ عَيْنَيَّ نُورَهُمَا ... فَفِي لِسَانِي وقلبي منهما نور
قلبي وَعَقْلِي غَيْرُ ذِي دَخَلٍ ... وَفِي فَمِي صَارِمٌ كَالسَّيْفِ مَأْثُورُ
قَالَ سَالِمُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ: عَنْ أَبِي كُلْثُوْمٍ, أَنَّ ابْنَ الحَنَفِيَّةِ لَمَّا دُفِنَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: اليَوْمَ مَاتَ رَبَّانِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ.
وَرَوَاهُ بَعْضُهُم، فَقَالَ: عَنْ "مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ" بَدَلَ "أَبِي كُلْثُوْمٍ".
قَالَ حُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ المَرْوَزِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ قَالَ: لَمَّا مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ, جَاءَ طَائِرٌ أَبْيَضُ فَدَخَلَ فِي أَكْفَانِهِ.
رَوَاهَا الأَجْلَحُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، فَزَادَ: فَكَانُوا يُرَوْنَ أَنَّهُ عِلْمُهُ.
وَرَوَى عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ نَحْوَهُ، وزاد: فما رئي بعد -يعني: الطائر.(4/393)
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، عَنْ بُجَيْرِ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ، فَلَمَّا خَرَجُوا بِنَعشِهِ جَاءَ طيْرٌ عَظِيْمٌ أَبيضُ مِنْ قِبَل وَجٍّ, حَتَّى خَالطَ أَكْفَانَهُ، ثُمَّ لَمْ يَرَوْهُ، فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ عِلْمُهُ.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ، فِي كِتَابِ "الإِحكَامِ": جَمعَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى بنِ يَعْقُوْبَ بنِ المَأْمُوْنِ -أَحَدُ أَئِمَّةِ الإِسْلاَمِ- فَتَاوَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي عِشْرِيْنَ كِتَاباً.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ فِي كِتَابِهِ، عَنِ ابْنِ كُلَيْبٍ, أَخْبَرْنَا ابْنُ بَيَانٍ, أَخْبَرَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ, أَخْبَرَنَا الصَّفَّارُ, حَدَّثَنَا ابْنُ عَرَفَةَ, حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بنُ شُجَاعٍ, عَنْ سَالِمٍ الأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيْدٍ قَالَ: مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ، فَجَاءَ طَائِرٌ لَمْ يُرَ عَلَى خِلْقتِهِ، فَدَخَلَ نَعْشَهُ، ثُمَّ لَمْ يُرَ خَارِجاً مِنْهُ، فلمَّا دُفِنَ تُلِيَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلَى شَفِيْرِ القَبْرِ, لاَ يُدْرَى مَنْ تَلاَهَا: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: 27-28] .
رَوَاهُ بَسَّامٌ الصَّيْرَفِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ يَامِيْنَ، وسَمَّى الطَّائِرَ غُرْنُوْقاً.
رَوَاهُ فُرَاتُ بنُ السَّائِبِ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَان: شَهِدتُ جِنَازَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ ... بنَحْوٍ مِنْ حَدِيْثِ سَالِمٍ الأَفْطَسِ.
فهذه قضية متواترة.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: تُوُفِّيَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَنَةَ ثَمَانٍ أَوْ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ وَالهَيْثَمُ وَأَبُو نُعَيْمٍ: سَنَةَ ثَمَانٍ، وَقِيْلَ: عَاشَ إحدى وسبعين سنة.
ومسنده أَلْفٌ وَسِتُّ مائَةٍ وَسِتُّوْنَ حَدِيثاً، وَلَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي "الصَّحِيْحَيْنِ" خَمْسَةٌ وَسَبْعُوْنَ، وتفرَّد البُخَارِيُّ لَهُ بِمائَةٍ وَعِشْرِيْنَ حَدِيثاً، وتفرَّد مُسْلِمٌ بِتِسْعَةِ أحاديث.(4/394)
274- أَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ 1: "ع"
صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَزِيلُ حِمْصَ.
رَوَى عِلْماً كَثِيْراً, وحدَّث عَنْ عُمَرَ، وَمُعَاذٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ.
رَوَى عَنْهُ: خَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، وَالقَاسِمُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ، وَشُرَحْبِيْلُ بنُ مُسْلِمٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ حَبِيْبٍ المُحَارِبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ، وَسُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ، وَأَبُو غَالِبٍ حَزَوَّرٌ، وَرَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ خَلِيْفَةُ: وَمِنْ قَيْسِ عَيْلاَنَ، ثُمَّ مِنْ بني أعصر: صدي بن عجلان بنِ وَهْبِ بنِ عَرِيْبِ بنِ وَهْبِ بنِ رِيَاحِ بنِ الحَارِثِ بنِ مَعْنِ بنِ مَالِكِ بنِ أَعْصُرَ.
قَالَ سُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ, سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ, قُلْتُ: لأَبِي أُمَامَةَ مِثْلُ مَنْ أَنْتَ يَوْمَئِذٍ? قَالَ: أَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
وَرُوِيَ أَنَّهُ بَايعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ.
رَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ, ادْعُ اللهَ لِي بِالشَّهَادَةِ، فَقَالَ: "اللهمَّ سَلِّمْهُمْ\ وَغَنِّمْهُمْ"، فَغَزَوْنَا فَسَلِمْنَا وَغَنِمْنَا. وَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ, مُرْنِي بِعَمَلٍ, قَالَ: "عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لاَ مِثْلَ لَهُ"، فَكَانَ أَبُو أُمَامَةَ، وَامْرَأَتُهُ، وَخَادِمُهُ لاَ يُلْفَوْنَ إلَّا صِيَاماً2.
الحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، وَصَدَقَةُ بنُ هُرْمُزَ -بِمَعْنَاهُ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى بَاهِلَةَ، فَأَتَيتُهُم فرحَّبوا بِي، فَقُلْتُ: جِئْتُ لأَنْهَاكُم عَنْ هَذَا الطَّعَامِ، وَأَنَا رَسُوْلُ رَسُوْلِ اللهِ لِتُؤْمِنُوا بِهِ، فَكَذَّبُوْنِي وَرَدُّونِي، فَانْطَلقتُ وَأَنَا جَائِعٌ ظَمْآنُ، فَنِمْتُ فَأُتِيتُ فِي مَنَامِي بِشَربَةٍ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبتُ فَشَبِعتُ، فَعَظُمَ بَطْنِي، فقال القوم: أتاكم رجل من أَشْرَافِكُم وَخِيَارِكُم فَرَدَدْتُمُوْهُ? قَالَ: فَأَتَوْنِي بِطَعَامٍ وَشَرَابٍ، فَقُلْتُ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيْهِ, إِنَّ اللهَ قَدْ أَطْعَمَنِي وَسَقَانِي، فَنَظَرُوا إِلَى حَالِي، فآمَنُوا.
مِسْعَرٌ, عَنْ أَبِي العَنْبَسِ، عَنْ أَبِي العدبَّس، عَنْ أَبِي مَرْزُوْقٍ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أبي أمامة قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ متوكِئٌ عَلَى عَصاً، فَقُمْنَا إِلَيْهِ، فَقَالَ: "لاَ تَقُوْمُوا كَمَا تقوم الأعاجم يعظّم بعضها بعضًا"3.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 411"، التاريخ الكبير "4/ ترجمة 3001"، الجرح والتعديل "4/ ترجمة 2004"، الكاشف "2/ ترجمة 2409"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 2786", أسد الغابة "3/ 16", والاستيعاب "2/ 736" و"4/ 1602"، الإصابة "2/ ترجمة 4509", تهذيب التهذيب "4/ 420"، خلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 3128".
2 صحيح: أخرجه أحمد "5/ 248-249 و255 و258"، والنسائي "4/ 165", والطبراني "7463" و"7464" من طريق محمد بن أبي يعقوب، عن رجاء بن حيوة، به.
3 ضعيف: أخرجه أبو داود "5230"، وأحمد "5/ 253"، والرامهرمزي في "المحدث الفاصل" "ص64"، وتَمَّام في "الفوائد" "41/ 2" من طريق مسعر، عن أبي العنبس، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه ثلاث علل؛ الأولى: جهالة أبي العدبس, العلة الثانية: ضعف أبي مرزوق، فإنه لين -كما قال الحافظ في "التقريب", العلة الثالثة: الاضطراب, =(4/395)
ابْنُ المُبَارَكِ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ: رَأَيْتُ أَبَا أُمَامَةَ أَتَى عَلَى رَجُلٍ فِي المَسْجَدِ وَهُوَ سَاجِدٌ يَبْكِي وَيَدْعُو، فَقَالَ: أَنْتَ أَنْتَ! لَوْ كَانَ هَذَا فِي بَيْتِكَ.
صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو: حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ إِلَى أَبِي أُمَامَةَ فَيُحَدِّثُنَا حَدِيْثاً كَثِيْراً عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَقُوْلُ: اعْقِلُوا وبلغوا عنَّا ما تسمعون.
لأَبِي أُمَامَةَ كَرَامَةٌ بَاهِرَةٌ, جَزِعَ هُوَ مِنْهَا, وَهِيَ فِي كَرَامَاتِ الدَّاكَالِيِّ، وأنَّه تَصَدَّقَ بِثَلاَثَةِ دَنَانِيْرَ فَلَقِيَ تَحْتَ كَرَاجَتِه ثَلاَثَ مائَةِ دِيْنَارٍ.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ سَعِيْدٍ الأَزْدِيِّ قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا أُمَامَةَ وَهُوَ فِي النَّزْعِ، فَقَالَ لِي: يَا سَعِيْدُ! إِذَا أَنَا مِتُّ فَافْعَلُوا بِي كَمَا أَمَرَنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ لَنَا: "إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَنَثَرْتُمْ عَلَيْهِ التُّرَابَ، فَلْيَقُمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ عِنْدَ رَأْسِهِ، ثُمَّ لْيَقُلْ: يَا فلان ابن فُلاَنَةَ، فَإِنَّهُ يَسْمَعُ، وَلَكِنَّهُ لاَ يُجِيْبُ، ثُمَّ لْيَقُلْ: يَا فُلاَنُ بنُ فُلاَنَةَ، فَإِنَّهُ يَسْتَوِي جَالِساً، ثُمَّ لْيَقُلْ: يَا فُلاَنُ بنُ فُلاَنَةَ، فَإِنَّهُ يَقُوْلُ: أَرْشِدْنَا يَرْحَمْكَ اللهُ، ثُمَّ لْيَقُلْ: اذكُرْ مَا خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا؛ شَهَادَةَ أَنْ لاَ إِلَهَ إلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، وَأَنَّكَ رَضِيْتَ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيّاً، وَبَالإِسْلاَمِ دِيْناً، فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ مُنْكَرٌ وَنَكِيْرٌ: اخْرُجْ بِنَا مِنْ عِنْدِ هَذَا, مَا نَصْنَعُ بِهِ، وَقَدْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ"؟ قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، فَإِنْ لَمْ أَعْرِفْ أمه قال: "انسبه إلى حواء".
وَيُرْوَى بِإِسْنَادٍ آخَرَ إِلَى سَعِيْدٍ هَذَا.
قَالَ المَدَائِنِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ أَبُو أُمَامَةَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: مَاتَ سَنَةَ إحدى وثمانين.
__________
= فأخرجه أحمد، عن سفيان، عن مسعر، عن أبي منهم أبو غالب، عن أبي أمامة، به.
ورواه عبد الغني المقدسي في "الترغيب في الدعاء" "93/ 2" عن سفيان بن عيينة، عن مسعر بن كدام، عن أبي مرزوق، عَنْ أَبِي العَنْبَسِ، عَنْ أَبِي العَدَبَّسِ، عَنْ أبي أمامة، به. ثم أخرجه أحمد "5/ 256"، والروياني في "مسنده" "30/ 225/ 2" من طريق يحيى بن سعيد، عن مسعر، حدثنا أبو العدبس، عن أبي خلف، حدثنا أبو مرزوق قال: قال أبو أمامة: فذكره.
وقال الروياني: "اليهود" بدل "الأعاجم"، وأخرجه ابن ماجه "3836" من طريق وكيع، مع مسعر، عن أبي مرزوق، عن أبي وائل، عن أبي أمامة، به. فقال "أبو وائل" بدل " أبو العدبس", لكن قد صحَّ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنه قال: "ما كان شخص في الدنيا أحبّ إليهم رؤية مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانوا لا يقومون له لما يعلمون من كراهيته لذلك" أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" "946"، والترمذي "2754"، والطحاوي في "مشكل الآثار" "2/ 39"، وأحمد "3/ 132" من طرق عن حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، به.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح, غريب من هذا الوجه.
قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وهذا الحديث مما يقوي المنع من القيام للإكرام؛ لأن القيام لو كان إكرامًا شرعًا لم يجز له -صلى الله عليه وسلم- أن يكرهه من أصحابه له، وهو أحق الناس بالإكرام. وقد صحَّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ حديث معاوية بن أبي سفيان مرفوعًا: "من أحبَّ أن يتمثل له الناس قيامًا فليتبوأ مقعده من النار" أخرجه البخاري في "الأدب" "977"، وأبو داود "5229"، والطحاوي في "مشكل الآثار" "2/ 40"، وأحمد "4/ 93 و100"، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" "1/ 219"، والبغوي في "شرح السنة" "3330" من طرق عن حبيب بن الشهيد، عن أبي مجلز، عن معاوية، به.(4/396)
275- عبد الله بن الزبير 1: "ع"
ابن العَوَّامِ بنِ خُوَيْلِدِ بنِ أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ, أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ, أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو خُبَيْبٍ القُرَشِيُّ الأَسَدِيُّ المَكِّيُّ، ثُمَّ المَدَنِيُّ, أَحَدُ الأَعْلاَمِ، وَلَدُ الحَوَارِيِّ الإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللهِ ابْنِ عَمِّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَوَارِيِّهِ.
مُسْنَدُهُ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثَةٍ وَثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً, اتَّفَقَا لَهُ عَلَى حَدِيثٍ وَاحِدٍ، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِسِتَّةِ أَحَادِيْثَ، وَمُسْلِمٌ بِحَدِيْثَيْنِ.
كَانَ عَبْدُ اللهِ أَوَّلَ مَولُودٍ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالمَدِيْنَةِ, وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، وَقِيْلَ: سَنَةَ إِحْدَى.
وَلَهُ صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةُ أَحَادِيْثَ. عِدَادُه فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ، وَإِنْ كَانَ كَبِيْراً فِي العِلْمِ وَالشَّرَفِ وَالجِهَادِ وَالعِبَادَةِ.
وَقَدْ رَوَى أَيْضاً عَنْ أَبِيْهِ وَجَدِّهِ لأُمِّهِ الصِّدِّيْقِ، وَأُمِّهِ أَسْمَاءَ، وَخَالَتِهِ عَائِشَةَ، وَعَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَغَيْرِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَخُوْهُ عُرْوَةُ الفَقِيْهُ، وَابْنَاهُ؛ عَامِرٌ وَعَبَّادٌ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ محمد بن عروة، وعبيدة السلماني، وطاوس، وَعَطَاءٌ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَوَهْبُ بنُ كَيْسَانَ، وَسَعِيْدُ بنُ مِيْنَاءَ، وَحَفِيدَاهُ: مُصْعَبُ بنُ ثَابِتِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَيَحْيَى بنُ عَبَّادِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ المُنْذِرِ بنِ الزُّبَيْرِ، وآخرون.
__________
1 ترجمته في طبقات خليفة "69 و1489 و1987"، وتاريخ البخاري الكبير "5/ ترجمة رقم 9"، الجرح والتعديل "5/ ترجمة 261"، الاستيعاب "3/ 305"، أسد الغابة "3/ 242", الإصابة "2/ ترجمة "4682"، تجريد أسماء الصحابة "1/ ترجمة 3286"، الكاشف "2/ ترجمة "2748"، تهذيب التهذيب "5/ 263"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3496".(4/397)