حسن» سنة (748هـ)، وهو لايزال فى الحادية عشرة من عمره،
ولم يلبث أن عُزل، ثم عاد وتولى السلطنة ثانية فى سنة
(755هـ)، وظل على العرش ست سنوات ونصف السنة، فعاد فى
عهده الاهتمام بالعمائر الإسلامية، وبنى مسجده الشهير
المعروف باسمه «مسجد السلطان حسن» بالقاهرة، ومع ذلك فقد
ظلت حالة عدم الاستقرار فى البلاد سائدة، فكانت فرصة سانحة
لظهور دولة المماليك الثانية المعروفة «بدولة المماليك البرجية».(14/405)
*المماليك البرجية (دولة)
كان «حاجى بن شعبان» آخر سلاطين المماليك من بيت الناصر،
وآخر سلاطين دولة المماليك البحرية فى الوقت نفسه، وكان
«حاجى» صغير السن حين اعتلى عرش السلطنة؛ إذ كانت سنُّه
عشر سنوات، فعُيِّن «برقوق» أتابكًا له، واستغل حداثة سِنِّه
وضعفه، واستدعى الخليفة، والقضاة الأربعة والأمراء، وخاطبهم
«القاضى بدر الدين بن فضل» بقوله: «يا أمير المؤمنين،
وياسادتى القضاة: إن أحوال المملكة قد فسدت، والوقت قد
ضاق، ونحن محتاجون إلى إقامة سلطان كبير تجتمع فيه
الكلمة، ويسكن الاضطراب»، فاستقر الرأى على خلع الملك
الصالح «حاجى»، وأن يتولى «برقوق» مسئولية البلاد، فاعتلى
عرش السلطنة رسميا، وانتهت بذلك دولة المماليك البحرية بعد أن
حكمت مائة وستا وثلاثين سنة. عُرفت الدولة الجديدة باسم:
«دولة المماليك البرجية»، لأن سلاطينها كانوا ينتمون إلى لواء
من الجند كان مقيمًا فى أبراج القلعة وأطلق على جنوده اسم
«المماليك البرجية» لتمييزهم عن «المماليك البحرية» الذين كانت
إقامتهم بجزيرة الروضة، وقد عُرف «البرجية» كذلك باسم:
«المماليك الجراكسة» أو الشراكسة، نسبة إلى موطنهم الأصلى
الذى أتوا منه وهو: «ُورُيا» و «بلاد الشركس» (القوقاز)، وفيما
يلىأهم سلاطين هذه الدولة السلطان برقوق [784 - 801هـ =
1382 - 1399م]: السلطان فرج بن برقوق [801 - 815هـ = 1399
- 1412م]: السلطان «شيخ المؤيد» [815 - 824 هـ = 1412 -
1421م]: السلطان ططر [824هـ]: السلطان برسباى [825 - 841 هـ]:
السلطان جمقمق [841 - 857هـ]: السلطان إينال [857 - 865 هـ =
1453 - 1461م]: السلطان خشقدم [865 - 872هـ]: السلطان
قايتباى [872 - 901هـ = 1467 - 1496م]: شهدت السنوات القليلة
التى تلت حكم «قايتباى» عددًا من السلاطين تميز جميعهم
بالضعف وسوء الإدارة، كما تميزت فترات حكمهم بالدسائس
والمؤامرات والفتن والاضطرابات، فقد تولى «السلطان الناصر(14/406)
محمد بن قلاوون» الحكم عقب وفاة أبيه، وكان صغير السن،
فتولى القائد «قانصوه الخمسمائة» الوصاية عليه فى بداية
عهده، ولكن «الناصر محمد» ترك العرش وتنازل عن السلطنة
حين رأى الدسائس والفتن والاضطرابات من حوله، فتولى من
بعده عدد من السلاطين، كانت مدة حكم كل منهم قصيرة،
فساعد ذلك على زيادة الاضطرابات واشتعالها، وظل الوضع
على ذلك حتى تمكن «قانصوه الغورى» من الوصول إلى
العرش، وهؤلاء السلاطين هم: «قانصوه الأشرفى»، و «جنبلاط»،
و «طومان باى الأول». السلطان قانصوه الغورى
[906 - 922هـ=1501 - 1516م]: السلطان طومان باى الثانى [922 -
923 هـ = 1516 - 1517م]: بعد مقتل «الغورى» بالشام استقر
الرأى على تعيين «طومان باى» ابن أخيه سلطانًا على «مصر»،
وجلس «طومان باى» على العرش فى فترة كانت شديدة الحرج
فى تاريخ «مصر»؛ إذ سيطر العثمانيون على الشام، وساءت
الأحوال بمصر بعد هزيمة «مرج دابق»، ولم يكتفِ العثمانيون بما
حققوا، بل يمموا شطر «مصر» فى محاولة منهم للسيطرة عليها.
حاول «طومان باى» السيطرة على الموقف، وقام بعدة أعمال
فى سبيل تحقيق ذلك، وفض الخصومة التى كانت قائمة بين
المماليك وصالح بينهم، وساعده فى ذلك حب الشعب له لإخلاصه
ووفائه وتفانيه فى خدمة المسلمين. باءت كل محاولات «طومان
باى» بالفشل فى إعادة المماليك إلى قوتهم الأولى التى كانوا
عليها فى عصور النهضة، فقد أنهكتهم الاضطرابات، وقضت
على وحدتهم الفتن، فانتهى الأمر بهزيمتهم على أيدى
العثمانيين فى موقعة «الريدانية» الشهيرة فى ظاهر
«القاهرة»، ودخل العثمانيون «مصر»، وحاول المصريون
مساندة «طومان باى» فى هذه الظروف لحبهم الشديد له، إلا
أنهم لم يستطيعوا إيقاف زحف العثمانيين على «مصر»، فخرج
«طومان باى» إلى «مديرية البحيرة» فى محاولة منه لاستجماع
قوته وجنوده، ولكن العثمانيين تمكنوا منه وقبضوا عليه، ثم
شنقوه على «باب زويلة» سنة (923هـ)، بعدما بذل كل جهوده(14/407)
وأدى واجبه فى سبيل الدفاع عن دولته، إلا أن ظروف عصره لم
تمكنه من تحقيق ما أراد، فسقطت بذلك دولة المماليك ونظامهم،
ودخلت «مصر» مرحلة جديدة باتت فيها تحت حكم العثمانيين.(14/408)
*المماليك (دولة)
أصل المماليك: أكثر الأيوبيون من شراء المماليك الأتراك، وبنوا
لهم الثكنات بجزيرة الروضة، وأطلقوا عليهم اسم «المماليك
البحرية»، فقويت شوكتهم، وزادت سطوتهم، وسنحت لهم
الفرصة بعد ذلك، فتولوا حكم «مصر». كانت الغالبية العظمى من
جماعات المماليك الذين جلبهم الأيوبيون وسلاطين المماليك من
بعدهم تأتى من «شبه جزيرة القرم» و «بلاد القوقاز»،
و «القفجاق»، و «آسيا الصغرى»، و «فارس»، و «تركستان»،
و «بلاد ما وراء النهر»، فكانوا خليطًا من الأتراك، والشراكسة،
والروم، والروس، والأكراد، فضلا عن أقلية من مختلف البلاد
الأوربية. والمماليك طائفة من الأرقَّاء الذين اشتراهم سلاطين
«مصر» وأكثروا منهم، لاسيما فى العهد الفاطمى، ثم تهيأت لهم
الظروف ليحكموا «مصر» و «الشام»، وبلاد أخرى، ومع ذلك
احتفظوا أثناء حكمهم لمصر بشخصيتهم، ولم يختلطوا بأى عنصر
من عناصر السكان فى «مصر» وفى غيرها من البلاد التى
حكموها. وكان المماليك ينقسمون فيما بينهم إلى أحزاب
وطوائف متنافسة، ولكن هذا الانقسام لم يكن يؤثر على وحدتهم
أمام العالم الخارجى حين يواجهونه، فقد كانوا يظهرون كعصبة
واحدة متحدة، ويفسر ذلك سر قوتهم وأسباب تفوقهم
وانتصاراتهم الحربية. وكان باب الترقى فى حكومة المماليك
مفتوحًا على مصراعيه أمام كل مملوك يثبت كفاءته فى العمل،
فيترقى من مملوك إلى أمير حتى يصل إلى عرش المملكة
بكفاءته واجتهاده، فالسلطان لم يكن إلا واحدًا من أمراء
المماليك، قدموه على أنفسهم لقوة شخصيته، ووفرة أنصاره،
وكثرة جنوده، وقدرته على المنافسين الطامعين فى العرش،
ولقد سطرت دولة المماليك الأولى «المماليك البحرية» صفحة
مضيئة من تاريخ «مصر» خاصة، والتاريخ الإسلامى عامة، على
أيدى سلاطينها الأقوياء الذين عملوا على توحيد البلاد، ورفع
رايات الجهاد، وهم: 1 - العز أيبك: 2 - على بن أيبك (المنصور نور(14/409)
الدين) [655 - 657هـ]: 3 - سيف الدين قُطُز: 4 - الظاهر ركن الدين
بيبرس البندقدارى (658 - 679هـ): 5 - أولاد بيبرس فى السلطنة
(بركة خان، وسلامش): 6 - السلطان قلاوون [679 - 689هـ = 1280
- 1290م]: 7 - السلطان الأشرف خليل بن قلاوون [689 - 693هـ =
1290 - 1294م]: 8 - السلطان الناصر محمد بن قلاوون [693 -
741هـ = 1294 - 1341م]: جلس على عرش «مصر» بعد «الناصر
محمد» أولاده وأحفاده فى الفترة من سنة (741هـ) إلى سنة
(784هـ)، يتعاقبون عليه واحداً بعد الآخر حتى سقوط دولة
المماليك البحرية عام (784هـ)، وفى مدة بلغت ثلاثًا وأربعين
سنة علا عرش «مصر» من البيت الناصرى ثمانية أولاد وأربعة
أحفاد، بلغ متوسط حكم الواحد منهم ثلاث سنوات ونصف السنة،
وتميز هذا العهد بصغر سن السلطان، وقصر مدة حكمه، لسهولة
خلعه على أيدى الأمراء، ولظهور نفوذ الأتابكة ظهورًا واضحًا،
وكذلك اشتداد تنافس الأمراء فى بسط نفوذهم للسيطرة على
الدولة، ولذا أصبح السلطان ألعوبة فى أيدى أمرائه، يعزلونه
أو يبقونه على العرش حسب هواهم، وما تقتضيه مصالحهم؛
فاضطربت أحوال البلاد، وكثرت فيها الفتن. بعد وفاة «الناصر
محمد» تولى العرش ابنه «سيف الدين أبو بكر» (741 - 742هـ)،
وسرعان ما ساءت العلاقات بينه وبين أتابكه، لامتناعه عن
الاستجابة لمطالب هذا الأتابك، فحرض الأتابك عليه الأمراء
وعزلوه. وتولى من بعده أخوه «علاء الدين كجك» (742هـ=
1341م)، وعمره إذ ذاك يتراوح بين خمس وسبع سنوات، وتم
عزله بعد فترة وجيزة. ثم تولى أخوه «أحمد» عرش السلطنة
ولقب نفسه بالناصر فى سنة (742 - 743هـ)، إلا أنه لم يستمر
طويلا فى الحكم كسابقيه، ووقع الاختيار على أخيه
«إسماعيل» سنة (743هـ)، ولكنه مالبث أن مرض ومات سنة
(746هـ)، فتولى ابنه «شعبان» من بعده سنة (746 - 747هـ)،
ولم يكن عهده خيرًا من سلفه، فخلفه أخوه «حاجى» سنة
(747هـ)، ولم يستكمل عامًا واحدًا حتى اعتلى العرش «الناصر(14/410)
حسن» سنة (748هـ)، وهو لايزال فى الحادية عشرة من عمره،
ولم يلبث أن عُزل، ثم عاد وتولى السلطنة ثانية فى سنة
(755هـ)، وظل على العرش ست سنوات ونصف السنة، فعاد فى
عهده الاهتمام بالعمائر الإسلامية، وبنى مسجده الشهير
المعروف باسمه «مسجد السلطان حسن» بالقاهرة، ومع ذلك فقد
ظلت حالة عدم الاستقرار فى البلاد سائدة، فكانت فرصة سانحة
لظهور دولة المماليك الثانية المعروفة «بدولة المماليك البرجية».
كان «حاجى بن شعبان» آخر سلاطين المماليك من بيت الناصر،
وآخر سلاطين دولة المماليك البحرية فى الوقت نفسه، وكان
«حاجى» صغير السن حين اعتلى عرش السلطنة؛ إذ كانت سنُّه
عشر سنوات، فعُيِّن «برقوق» أتابكًا له، واستغل حداثة سِنِّه
وضعفه، واستدعى الخليفة، والقضاة الأربعة والأمراء، وخاطبهم
«القاضى بدر الدين بن فضل» بقوله: «يا أمير المؤمنين،
وياسادتى القضاة: إن أحوال المملكة قد فسدت، والوقت قد
ضاق، ونحن محتاجون إلى إقامة سلطان كبير تجتمع فيه
الكلمة، ويسكن الاضطراب»، فاستقر الرأى على خلع الملك
الصالح «حاجى»، وأن يتولى «برقوق» مسئولية البلاد، فاعتلى
عرش السلطنة رسميا، وانتهت بذلك دولة المماليك البحرية بعد أن
حكمت مائة وستا وثلاثين سنة. عُرفت الدولة الجديدة باسم:
«دولة المماليك البرجية»، لأن سلاطينها كانوا ينتمون إلى لواء
من الجند كان مقيمًا فى أبراج القلعة وأطلق على جنوده اسم
«المماليك البرجية» لتمييزهم عن «المماليك البحرية» الذين كانت
إقامتهم بجزيرة الروضة، وقد عُرف «البرجية» كذلك باسم:
«المماليك الجراكسة» أو الشراكسة، نسبة إلى موطنهم الأصلى
الذى أتوا منه وهو: «ُورُيا» و «بلاد الشركس» (القوقاز)، وفيما
يلىأهم سلاطين هذه الدولة السلطان برقوق [784 - 801هـ =
1382 - 1399م]: السلطان فرج بن برقوق [801 - 815هـ = 1399 -
1412م]: السلطان «شيخ المؤيد» [815 - 824 هـ = 1412 -(14/411)
1421م]: السلطان ططر [824هـ]: السلطان برسباى [825 - 841
هـ]: السلطان جمقمق [841 - 857هـ]: السلطان إينال [857 - 865 هـ
= 1453 - 1461م]: السلطان خشقدم [865 - 872هـ]: السلطان
قايتباى [872 - 901هـ = 1467 - 1496م]: شهدت السنوات القليلة
التى تلت حكم «قايتباى» عددًا من السلاطين تميز جميعهم
بالضعف وسوء الإدارة، كما تميزت فترات حكمهم بالدسائس
والمؤامرات والفتن والاضطرابات، فقد تولى «السلطان الناصر
محمد بن قلاوون» الحكم عقب وفاة أبيه، وكان صغير السن،
فتولى القائد «قانصوه الخمسمائة» الوصاية عليه فى بداية
عهده، ولكن «الناصر محمد» ترك العرش وتنازل عن السلطنة
حين رأى الدسائس والفتن والاضطرابات من حوله، فتولى من
بعده عدد من السلاطين، كانت مدة حكم كل منهم قصيرة،
فساعد ذلك على زيادة الاضطرابات واشتعالها، وظل الوضع
على ذلك حتى تمكن «قانصوه الغورى» من الوصول إلى
العرش، وهؤلاء السلاطين هم: «قانصوه الأشرفى»، و «جنبلاط»،
و «طومان باى الأول». السلطان قانصوه الغورى
[906 - 922هـ=1501 - 1516م]: السلطان طومان باى الثانى [922 -
923 هـ = 1516 - 1517م]: بعد مقتل «الغورى» بالشام استقر
الرأى على تعيين «طومان باى» ابن أخيه سلطانًا على «مصر»،
وجلس «طومان باى» على العرش فى فترة كانت شديدة الحرج
فى تاريخ «مصر»؛ إذ سيطر العثمانيون على الشام، وساءت
الأحوال بمصر بعد هزيمة «مرج دابق»، ولم يكتفِ العثمانيون بما
حققوا، بل يمموا شطر «مصر» فى محاولة منهم للسيطرة عليها.
حاول «طومان باى» السيطرة على الموقف، وقام بعدة أعمال
فى سبيل تحقيق ذلك، وفض الخصومة التى كانت قائمة بين
المماليك وصالح بينهم، وساعده فى ذلك حب الشعب له لإخلاصه
ووفائه وتفانيه فى خدمة المسلمين. باءت كل محاولات «طومان
باى» بالفشل فى إعادة المماليك إلى قوتهم الأولى التى كانوا
عليها فى عصور النهضة، فقد أنهكتهم الاضطرابات، وقضت(14/412)
على وحدتهم الفتن، فانتهى الأمر بهزيمتهم على أيدى
العثمانيين فى موقعة «الريدانية» الشهيرة فى ظاهر
«القاهرة»، ودخل العثمانيون «مصر»، وحاول المصريون
مساندة «طومان باى» فى هذه الظروف لحبهم الشديد له، إلا
أنهم لم يستطيعوا إيقاف زحف العثمانيين على «مصر»، فخرج
«طومان باى» إلى «مديرية البحيرة» فى محاولة منه لاستجماع
قوته وجنوده، ولكن العثمانيين تمكنوا منه وقبضوا عليه، ثم
شنقوه على «باب زويلة» سنة (923هـ)، بعدما بذل كل جهوده
وأدى واجبه فى سبيل الدفاع عن دولته، إلا أن ظروف عصره لم
تمكنه من تحقيق ما أراد، فسقطت بذلك دولة المماليك ونظامهم،
ودخلت «مصر» مرحلة جديدة باتت فيها تحت حكم العثمانيين.
النظم والحضارة فى عهد المماليك: النظام الحربى والبحرى:
لاشك أن الانتصارات الرائعة التى أحرزها المماليك تعود إلى
إعداد جيد للجيش وتنظيم دقيق له وللقائمين عليه، ولعل الفضل
فى ذلك يعود إلى «الظاهر بيبرس» الذى أولى الجيش عنايته
منذ ولى عرش «مصر»، فقد قام بنفسه بإعداده وتنظيمه
وتسليحه، ليكون سنده فى الحروب ووقت الشدة، فاستكثر من
شراء المماليك وعنى بتربيتهم تربية دينية وعسكرية، وعين لكل
فئة منهم فقيهًا يعلمهم القرآن، ومبادئ القراءة والكتابة، حتى
إذا وصلوا إلى سن البلوغ أوكلهم إلى من يدربهم ويمرنهم على
الأعمال الحربية، فإذا أتموا ذلك وأجادوه ألحقوا بجيش السلطان
لتبدأ حياتهم الجهادية فى سبيل الله. فلما ولى السلطان
«قلاوون» مقاليد الأمور فى سنة (679هـ)، زادت عنايته بشئون
تدريب الجند المماليك، وأشرف على طعامهم بنفسه وكان
يتذوقه قبل تقديمه إليهم، وكان لا يسمح لهم بمغادرة «قلعة
الجبل» ليلا أو نهارًا، وظلوا على ذلك حتى ولى السلطان «خليل
بن قلاوون» فى سنة (689هـ)، فسمح لهم بالخروج نهارًا فقط،
ومنعهم من المبيت خارجها، ثم بنى لهم «الناصر محمد بن
قلاوون» - فيما بعد - «الطباق» بساحة الإيوان بالقلعة وجعلها(14/413)
مقرا لهم. تكوين الجيش: كان جيش المماليك يتكون -عادة- من
المماليك السلطانية وجنود الحلقة، وكانت لكل فريق من هاتين
الطائفتين مرتبة لا يتجاوزها إلى غيرها، فالمماليك السلطانية
هم مماليك السلطان، وتنفق عليهم الخاصة السلطانية، لأنهم حرس
السلطان الخاص، وكان لهم نظام دقيق فى التدرج القيادى رتبة
بعد رتبة، فمنهم من أطلق عليه أمير خمسة، وأمير عشرة،
وأمير أربعين، وكذلك أمير مائتين، وكانت لكل صاحب لقب من
هذه الألقاب واجبات والتزامات معينة، فأمير خمسة يكون فى
خدمته خمسة مماليك، وأمير عشرة تكون عدته عشرة مماليك،
أما «أمير الأربعين» فكان يطلق عليه «أمير طبلخانة» لحقه فى
دق الطبول على قصره كما يحدث للسلطان، ولم يكن لطبقة
الأمراء هذه ضابط فى عدد أتباعها من المماليك، فقد يتفاوت
عدد مَنْ يكون فى خدمة كل أمير منهم ما بين أربعين وثمانين
مملوكًا، أما «أمير مائة» فكان فى خدمته «مائة» مملوك، ومقدم
فى الوقت نفسه على ألف جندى فى الحروب، فيقال: «أمير
مائة مقدم ألف». أما جنود الحلقة فكان لكل أربعين جنديا منهم
رئيس لا حكم له عليهم إلا إذا خرجوا إلى القتال، فيقوم بترتيبهم
فى أماكنهم، وليس له الحق فى أن يُبعد أحدهم من الخدمة إلا
بإذن من السلطان. كانت هناك طائفة أخرى من المماليك تضاف
إلى الطائفتين السابقتين، وهى طائفة مماليك الأمراء التى كان
ينفق عليها أمراؤها، فقد كان مماليك هذه الفئة يحرسون
أمراءهم ويساعدونهم على أعدائهم. ولم تكن مرتبات الجند
ثابتة، وقد استبدل نظام المرتبات بإقطاعات كان السلطان
يمنحها لهم ليتمتعوا بغلاتها وإيراداتها، فبات أمراؤهم - خاصة
أمراء المماليك السلطانية - ذوى ثروة كبيرة ونفوذ عظيم، ذلك
إذا وضعنا فى الاعتبار أن السلطان كان يمنحهم جزءًا من
الغنائم، ورواتب أخرى من اللحم والتوابل والعليق والزيت.
البحرية فى عهد المماليك: عندما آلت السلطة إلى سلاطين(14/414)
المماليك عمل «الظاهر بيبرس» منذ سنة (658هـ) على إعداد قوة
بحرية قوية يستعين بها على صد الأعداء المتربصين بالبلاد من
جهة البحر، فاهتم بأمر الأسطول، ومنع الناس من التصرف فى
الأخشاب التى تصلح لصناعة السفن، وأمر بإنشاء الشوائى
(وهى السفن الحربية ذات الأبراج والقلاع العالية للدفاع والهجوم)
لكى تحمى «الإسكندرية» و «دمياط»، وكان السلطان يذهب
بنفسه إلى دار صناعة السفن بالجزيرة ويشرف على تجهيز هذه
الشوائى حتى تمكن فى النهاية من إعداد أسطول مكون من
أربعين قطعة حربية، سَيَّرها إلى «قبرص» فى سنة (669هـ)، إلا
أن هذا الأسطول هلك، فقام «بيبرس» بإنشاء أسطول آخر مما
يدلل على المركز المالى القوى الذى تمتعت به دولة المماليك.
نسج الأشرف «خليل بن قلاوون» على منوال «الظاهر بيبرس»
فى عنايته بالأسطول، فقد أنشأ أسطولا مكونًا من ستين مركبًا
جُهِّزت بالآلات الحربية والرجال، وأقام احتفالا كبيرًا حضره الناس
من كل مكان حين ذهب إلى استعراض هذا الأسطول فى دار
صناعة السفن بجزيرة الروضة. عُنى السلطان «الناصر محمد»
بالأسطول مثلما فعل «بيبرس» و «خليل» من قبله، فأصبح لمصر
أسطول من أقوى أساطيل هذا العهد، فقد كان يجمع بين
«الشوائى»، و «الحراريق» (سفن حربية أقل من الشوائى)،
و «الطرادات» (سفن حربية سريعة الحركة صغيرة الحجم)،
و «الأغربة» (سفن حربية تشبه رءوسها رءوس الفرسان
والطيور)، و «البطش» (سفن تحمل المجانق)، و «القراقر» (سفن
تستخدم فى تموين السفن)، وليس أدل على مبلغ اهتمام المماليك
بالقوة البحرية مما ذكره «المقريزى» حين وصف الاحتفال بإنزال
الشوائى إلى البحر للسفر إلى «طرابلس» بقوله: «وفى المحرم
من سنة 705هـ تبحرت عمارة الشوائى، وجهزت بالمقاتلة والآلات
مع الأمير «جمال الدين أقوش الفاوى العلائى» والى «البهن»،
واجتمع الناس لمشاهدة لعبهم فى البحر، فركب «أقوش» فى(14/415)
«الشيئى» الكبير، وانحدر تجاه المقياس، وكان قد نزل السلطان
والأمراء لمشاهدة ذلك، واجتمع من العالم ما لم يحصهم إلا الله
-تعالى- وبلغ كراء المركب الذى يحمل عشرة آلاف نفس مائة
درهم، وامتلأ البران من «بولاق» إلى دار الصناعة حتى لم يوجد
موضع قدم خالٍ، ووقف العسكر على بربستان الخشب، وركب
الأمراء الحراريق إلى «الروضة»، وبرزت الشوائى للعب كأنها
فى الحرب؛ فلعب الأول والثانى والثالث، وأعجب الناس بذلك
إعجابًا زائدًا لكثرة ما كان فيها من آلات الحرب، ثم تقدَّم الرابع
وفيه «أقوش» فما هو إلا أن خرج من منية الصناعة بمصر،
وتوسط النيل. وإذا بالريح حركة، فانقلبت، وأنقذ الناس
الشيئى، وأصلحوه، وسافروا بالشوائى لطرابلس، وليس أدل
على اهتمام المماليك بأمر الأساطيل من اشتراك الأهالى مع
الحكومة فى عرض الجيوش الحربية والأساطيل، والعمل على
تقويتها وبناء سفن كثيرة، وقد أطلق الشعب على رجال
الأسطول لقب: «المجاهدون فى سبيل الله والغزاة فى أعداء
الله» وكان الناس يتبركون بدعائهم تعظيمًا لهم». وهكذا كانت
عناية المماليك بالجيش، وكذلك كان اهتمامهم بالأسطول، وبذلك
وصلت الأمة الإسلامية إلى ماوصلت إليه من مكانة سامية وشأن
عظيم على أيديهم. النظم الإدارية فى عهد المماليك: أهم
الدواوين: تكون الجهاز الإدارى فى «مصر» والشام من عدة
دواوين حكومية، يشرف كل منها على ناحية معينة من نواحى
الإدارة العامة، وكانت أهم هذه الدواوين فى هذا العهد ما يلى:
«ديوان الأحباس»، و «ديوان النظر»، و «ديوان الخاص»، و «ديوان
الإنشاء». أما «ديوان الأحباس» فيشبه وزارة الأوقاف فى وقتنا
الحالى، ويتولى صاحب هذا الديوان الإشراف على المساجد
والربط، والزوايا، والمدارس، والأراضى، والعقارات المحبوسة
عليها، والإحسان إلى الفقراء والمعوزين. و «ديوان النظر» يشبه
وزارة المالية حاليًا، وترجع إليه سائر الدواوين فى كل ما يتعلق(14/416)
بالمسائل الخاصة بالمتحصل والمنصرف من أموال الدولة، وله
فوق ذلك الإشراف على حساب الدولة، وأرزاق الموظفين الدائمين
والمؤقتين، وكان هذا الديوان يتخذ من القلعة مقرا له. وفى سنة
(727هـ) أنشأ السلطان «الناصر محمد» «الديوان الخاص» لإدارة
الشئون المالية التى تتعلق بالسلطان، ويتولى الإشراف عليه
«ناصر الخاص» الذى عُرف من قبل فى عهد الفاطميين
والأيوبيين، ولكنه لم يبلغ من الأهمية القدر الذى بلغه فى عصر
المماليك خاصة فى عهد «الناصر محمد». أما ديوان الإنشاء
فكانت أهم اختصاصاته تنظيم العلاقات الخارجية للدولة، وهو
أول ديوان وُضع فى الإسلام، وقد نُظِّم فى عهد المماليك
بأسلوب يتناسب مع مقتضيات العصر ومتطلباته، وكان مقره
«قاعة الصاحب» بقلعة الجبل، حيث ترد المكاتبات إليه من جميع
أنحاء الولايات والممالك التى بينها وبين بلاد المسلمين علاقات
سياسية، كما كانت تحرر فيه الكتب التى كان يرسلها السلطان
إلى الملوك والأمراء، وقد لُقب صاحب ديوان الإنشاء بألقاب
عديدة فى أوائل عهد المماليك، فلقبوه تارة باسم: «صاحب
الدست الشريف»، وأخرى باسم: «كاتب الدرج» وثالثة باسم:
«كاتب الدست» وبقيت هذه تسميته إلى أن تولى «القاضى فتح
الدين بن عبدالظاهر» هذا الديوان فى عهد السلطان «قلاوون»
فتلقب بلقب «كاتب السر»؛ لأنه كان يكتم سر السلطان، وكانت
وظيفته من أعظم الوظائف الديوانية وأجلِّها قدرًا، وكان له
معاونون يساعدونه فى أداء ما عليه من التزامات وواجبات. كان
من أبرزهم: «نائب كاتب السر»، ثم يليه فى المرتبة كُتَّاب الدست
المتصلون بديوان الإنشاء، وكانوا يجلسون مع كاتب السر بمجلس
السلطان بدار العدل. كانت هناك دواوين أخرى - فى العهد
المملوك - أقل شأنًا من تلك الدواوين السابق ذكرها، مثل
«ديوان الأهراء» (وهى شئون الغلال السلطانية)، و «ديوان
الطواحين»، ويتولى صاحبه الإشراف على طحن الغلال،(14/417)
و «ديوان المرتجعات»، ويشرف صاحبه على الأمور الخاصة
بتركات الأمراء، وكذلك كانت هناك دواوين أخرى ذكرها
«القلقشندى» على أنها دواوين مستقلة، ولكنها لم تكن - فى
حقيقة الأمر - سوى إدارات تتصل اتصالا مباشرًا بالقصر
السلطانى، أو بأحد الدواوين الرئيسية السابقة، وذكر
«القلقشندى» منها - مثلا - «ديوان الإصطبلات»، و «ديوان
المواريث»، و «ديوان الخزانة» و «ديوان العمائر»، و «ديوان
المستأجرات». سارت دواوين الحكومة فى عصر المماليك على
نسق واحد من حيث التنظيم الإدارى، فكان على رأس كل ديوان
موظف كبير هو «ناظر الديوان»، وكانت مهام عمله تشبه إلى
حد كبير ما يقوم به الوزير حاليا، ويليه فى المرتبة «مستوفى
الصحبة»، و «مستوفى الدولة» ومهمتهما الإشراف على موظفى
الدواوين المختلفة، ويلى هؤلاء طبقة الموظفين والكتاب وما
يليهم. البريد: كان البريد أحد أهم إدارات «ديوان الإنشاء»، إذ
كان واسطة الاتصال بين دولة المماليك فى «مصر» ونياباتها
فى الشام وغيرها من الأقاليم، ولم يقتصر المماليك على البريد
العادى فى إرسال رسائلهم، بل عمدوا إلى استخدام الحمام
الزاجل فى نقلها، وجعلوا القلعة مركزًا لأبراجه، كما أقاموا
مراكز معينة فى جهات مختلفة لتكون مراكز للبريد البرى،
وخصصوا لكل محطة منها عددًا من الحمام الزاجل، وجعلوا على
رعاية شئونه عددًا من الموظفين المتخصصين فى ذلك، وكان
فى كل محطة من هذه المحطات برج أو أكثر ليعيش فيه الحمام
الذى سيقوم بنقل الرسائل إلى المحطة التالية، وقد عنى
سلاطين المماليك عناية شديدة بما كانت تحمله هذه الحمائم من
رسائل، لدرجة أن بعضهم أمر بإدخالها عليه حال وصولها، كما
كان بعضهم يترك طعامه أو يستيقظ من نومه فى الحال عند
وصولها. وهكذا كان تنظيم الدواوين فى عهد الدولة المملوكية
غاية فى الدقة، ومظهرًا من مظاهر الرقى الحضارى الذى وصلت
إليه هذه الدولة بما صنعته وحققته، ومثلا من أمثلة المتابعة(14/418)
الدقيقة التى آل سلاطين هذه الدولة على أنفسهم أن يتخذوها
فى مراقبة شئون الدولة؛ لتحقيق الاستقرار الداخلى، الذى
ينعكس - بطبيعة الحال - على كل مناحى الحياة فى الدولة.
كبار الموظفين الإداريين: - الأتابك: «الأتابك» هو القائد العام
للجيوش، وكلمة «أتابك» لفظة تركية مركبة من «أطا»، (وتعنى:
أب) و «بك» (وتعنى: السيد أو الأمير) فيكون «الأتابك» هو:
السيد الأب، أو الأمير الأب، أى أنه أبو الأمراء أو كبيرهم، وقد
أُطلق هذا اللقب فى عهد المماليك على مقدم العساكر، أو
القائد؛ لأنه يعتبر أبًا للعساكر والأمراء جميعًا، وكثيرًا ما خلع
الأتابكة أبناء السلاطين من على العرش، واستولوا عليه وتولوه
بدلا منهم. - الوزير: تطور نظام الوزارة فى «مصر» فى عهد
المماليك، ولم يتمتع وزراء هذا العصر بنفوذ مطلق؛ لاستقرار
منصب «نائب السلطان» الذى استحدثه الأيوبيون وعمل به
المماليك، وقد حرص «الظاهر بيبرس» على اختيار وزرائه من
أرباب الأقلام والسيوف، فإذا كان الوزير من أرباب القلم أُطلق
عليه اسم: «الصاحب» مضافًا إليه صفة الوزير فيصبح لقبه:
«الصاحب الوزير» أو «وزير الصحبة»؛ وهو وزير متنقل يرافق
السلطان فى أسفاره وحروبه، وتكون مهام وظيفته مقصورة
على تسيير شئون الوزارة فى هذه الأثناء. أما إذا كان هذا
الوزير من أرباب السيف اكتفى بتلقيبه بالوزير دون الصاحب،
ويُعدُّ - بهذا - الوزير الأصلى الذى يحضر مجالس السلطان مع
أمراء المائتين، وله حق التصرف فى جميع أمور المملكة. كان
الوزير يتقاضى راتبًا شهريا قدره مائتان وخمسون دينارًا، عدا
ما خصص له كل يوم من مقادير وفيرة من الغلال واللحوم والخبز
وسائر ما يحتاج إليه، وقد ألغى السلطان «الناصر محمد»
منصبى «الوزير» و «نائب السلطان» فى آنٍ واحد فى سنة
(727هـ). - والى القاهرة: استلزمت شئون الإدارة تعيين موظف
كبير يُعدُّ فى الواقع من أهم الموظفين الإداريين عرف باسم:(14/419)
«والى القاهرة»، فهو الذى ينفذ الأحكام ويقيم الحدود، ويتعقب
المفسدين، ومثيرى الفتن، ومدمنى الخمر، ويعاقب كلا منهم
على حسب جريمته، كما كانت عليه مراقبة أبواب «القاهرة»،
والطواف بأحياء التجارة والمال فيها، لذا أُطلِق عليه أحيانًا:
«صاحب العسس» أو «والى الطواف»، واقتصر نفوذه على
العاصمة وضواحيها. - ولاة الأقاليم: كانت فئة من الموظفين هى
التى تشرف على كل عمل من أعمال الوجهين البحرى والقبلى
بمصر، وكان على رأس هذه الفئة «والى الإقليم»، الذى يمثل
الإدارة المحلية، وكانت مهمته تتركز فى العمل على استتباب
الأمن والنظام، والمحافظة على أموال الناس وأرواحهم فى
الإقليم الذى أوكلت إليه إدارته. - أمير جاندار: هى وظيفة إدارية
تطلبتها ظروف هذا العصر، وكان على «أميرجاندار» أن يقوم
بتنظيم إدخال الناس على السلطان وهو جالس بإيوانه بقلعة
الجبل. - الحاجب: كان على «الحاجب» أن يقوم بما يقوم به
«أميرجاندار» على أن يراعى مقامات الناس، وأهمية أعمالهم،
وقد عظمت أهمية الحاجب فى العصر المملوكى. - الدوادار: هو
الرجل الذى يتولى أمر تبليغ الرسائل إلى السلطان، كما يقوم
بتقديم المنشورات إليه للتوقيع عليها. لقد كان نظام الإدارة فى
عهد المماليك نظامًا دقيقًا قويا، تطلَّب اختيار موظفين من
أصحاب المواهب الفريدة والخبرات المتميزة فى تخصصاتهم،
فنجحت سياسة الدولة المملوكية فى تسيير شئون البلاد،
وتيسير مصالح الناس وحاجاتهم إلى حد كبير. النظام القضائى:
تعهد «الظاهر بيبرس» النظام القضائى بالإصلاح والتعديل،
ورأى فى تقسيم مناصب القضاء بين قضاة المذاهب الأربعة ما
يضمن العدالة بين الناس، والتيسير عليهم، فقد عين فى سنة
(663هـ) أربعة قضاة يمثلون المذاهب الأربعة، وكتب لكل منهم
تقليدًا، وأجاز لهم أن يولوا نوابًا عنهم فى أنحاء البلاد. امتد
اختصاص قاضى القضاة، وقضاة الأقاليم، وزاد نفوذهم، وامتد(14/420)
فتناول النظر فى الدعاوى التى تتضمن إثبات الحقوق والحكم
بإيصالها إلى أصحابها، كما نظر فى الأموال التى ليس لها ولى
معين، وكذلك تناول تعيين أوصياء لليتامى، وتفقد أحوال
المحجور عليهم من المجانين والمفلسين وأهل السفه، ونظر
-أيضًا - فى وصايا المسلمين، وكان القضاة ينظرون فى مصالح
الأوقاف، ويعملون على حفظ أصولها وتثبيت فروعها، وقبض
ريعها وإنفاقه فى مصاريفه، وكذلك كانوا يقبضون المال
الموصى به لتنفيذ الوصية، وعهد إليهم بتسلم أموال المواريث
المتنازع عليها، وأموال مَنْ يموتون غرباء وحفظها حتى يحضر
ورثتهم. وانحصرت سلطة القضاة الأربعة ونوابهم على المدنيين،
بينما كان للجيش المملوكى ثلاثة قضاة عُرف كل منهم باسم:
«قاضى العسكر»، واختصوا بشئون العسكر للفصل فى القضايا
الخاصة بهم، أو التى بينهم وبين المدنيين، وكانت جلسات
القضاء فى دولة المماليك تعقد علانية ويحضرها مَنْ شاء من
الناس، وكانت المساجد مكان انعقاد هذه الجلسات، كما كانت
دور القضاء الخاصة مكانًا لها أحيانًا؛ إذا لم يكن هناك دور
معينة لانعقادها، فإذا جلس القاضى للفصل فى الخصومات رتب
القضايا بحسب حضور الخصوم؛ حتى لا يتقدم أحد على الآخر
لمكانته أو ثرائه، وكان يستعين على تنظيم قاعة الجلسة بعدد
من الموظفين منهم: «الجلواز»، و «الأعوان»، و «الأمناء»،
و «العدول»، فكان الرجال يجلسون فى جانب والنساء فى
الجانب الآخر. وقد بلغ راتب القاضى خمسين دينارًا شهريا، عدا
ما كان يحصل عليه من الأوقاف التى كان يتولى إدارتها،
بالإضافة إلى ما كان يجرى عليه من الغلال والشعير والخبز
واللحم والكساء. كان تنظيم القضاء فى دولة المماليك تنظيمًا
دقيقًا، وبرز فى هذه الدولة قضاة عرفوا بالنزاهة وطهارة الذمة
وحسن السيرة، احترموا مركزهم القضائى، ولم يقبلوا تدخل أحد
- مهما يعلُ مركزه - فى أعمالهم، وكثيرًا ما كانوا يطلبون
إعفاءهم من مناصبهم - دون تردد - إذا ما حاول أحد تهديد(14/421)
كرامتهم، أو الاعتداء من قريب أو بعيد على استقلالهم، فقد
كانوا لا يقبلون الرشوة ولا الهدية، لذا أصبحت لهم مكانتهم
الكريمة ومقامهم المرموق فى الدولة، وفى نظر السلاطين
والأمراء، وجميع طبقات الشعب، ولعل أبرز الأمثلة للتدليل عليهم:
«القاضى عبدالعزيز»، المعروف بعز الدين بن عبدالسلام (سلطان
العلماء)، و «القاضى تقى الدين عبدالرحمن الشافعى» ابن بنت
«الأعز»، و «القاضى تقى الدين محمد بن دقيق العيد»، وغيرهم،
فقد كانوا أمثلة عظيمة وواضحة لما يجب أن يكون عليه القاضى
العادل والشريف. الإفتاء: يلى القضاة فى الأهمية «مفتو دار
العدل»، وقد كانوا أربعة يمثلون المذاهب الإسلامية الأربعة، ولم
تكن فى سلطتهم الفصل فى الخصومات سواء أكانت بين
المدنيين أم بين العسكريين أم بين العسكريين والمدنيين، بل
كانت مهمتهم شرح وتبيين حكم الشرع فيما يُسألون عنه من
المسائل الفقهية، كل حسب مذهبه. المحتسب: كانت مهمة
المحتسب النظر فيما يتعلق بالجنايات والنظام العام، وكان عليه
الفصل فيها على وجه السرعة، وقد عهد إليه بالإشراف على
نظام الأسواق، وكان له نواب يطوفون فيها ويفتشون أماكنها،
ويشرفون على السَّقَّائين للتأكد من نظافتهم، وتغطيتهم القرب،
ولبسهم السراويل، كما كان على المحتسب ونوابه الحيلولة دون
بروز الحوانيت (الدكاكين) حتى لا تعوق نظام المرور بالشوارع،
وكذلك عليهم الإشراف على نظافة الشوارع والأزقة، والحكم
بهدم المبانى المتداعية للسقوط وإزالة أنقاضها، وكذلك الكشف
على صحة الموازين والمكاييل، التى كانت لها دار خاصة تُعرف
باسم: «دار العيار»، فكان المحتسب يطلب جميع الباعة إلى هذه
الدار فى أوقات معينة ومعهم موازينهم ومكاييلهم ليتأكد بنفسه
من ضبط عيارها، فإن وجد بها خللا صادرها وألزم صاحبها
بإصلاحها أو شراء غيرها. وقد ارتقى نظام الحسبة وشمل الأمر
بالمعروف والنهى عن المنكر. صاحب المظالم: كان «الظاهر(14/422)
بيبرس» أول من جلس للمظالم من سلاطين المماليك، وهو الذى
أقام دار العدل فى سنة (661هـ)، وقد خصص يومى الاثنين
والخميس من كل أسبوع ليجلس فيهما للفصل فى القضايا المهمة،
ويحيط به قضاة المذاهب الأربعة، وكبار الموظفين الإداريين
والماليين، وكاتب السر. وظلت دار العدل مقرا لمحكمة المظالم -
التى كانت تعقد جلساتها برئاسة السلطان - حتى جاء السلطان
«قلاوون» وبنى الإيوان الخاص، واتخذه مقرا لهذه المحكمة فى
سنة (679هـ)، ولم تكن محكمة المظالم تنظر فى قضايا الأفراد
فحسب، بل كانت تنظر فى شكاوى الناس كافة، ويذكر
«المقريزى» أن السلطان «بيبرس» عُرضَت عليه فى سنة (662هـ)
قضية رجل من عِلْية القوم وذكر فيها أن «المعز أيبك» قد
اغتصب منه بستانًا، وقدم ما يثبت ملكيته لهذا البستان، فأمر
«بيبرس» برد البستان إليه. وقد قام «بيبرس» بخفض ثمن الغلال
فى سنة (663هـ) بعد أن ارتفع ثمنها، ولذا تميز النظام القضائى
فى عهد المماليك بالحيدة والنزاهة وتحقيق العدل بين الرعية.
المنشآت الحضارية فى عهد المماليك: حفلت كتب التاريخ التى
تناولت عهد المماليك بذكر الآثار التى خلَّفها هذا العصر، والتى
مازال معظمها شاهد صدق على مدى عظمة هذه الدولة حتى
الآن، فقد تقدمت فنون البناء والعمارة والزخرفة، وتوافرت
الأموال اللازمة لها خلال هذا العهد المجيد من تاريخ العالم
الإسلامى، فقد قام «الظاهر بيبرس» ببناء مسجده، المعروف
باسمه بميدان الظاهر بالقاهرة فى عام (665هـ)، وجلب لبنائه
الرخام والأخشاب وأدوات البناء من سائر البلاد، وزيَّنه بزخارف
الجص، فأصبح مثالا للمساجد الكبيرة الضخمة التى شُيدت فى
عهد دولة المماليك البحرية. كما قام «بيبرس» ببناء برج لقلعة
الجبل، وشيد «قناطر السباع» على «الخليج المصرى»، وقد
عُرفت هذه القناطر بهذا الاسم؛ لأن «بيبرس» نصب عليها سباعًا
من الحجارة، كما أصلح منارتى «رشيد» و «الإسكندرية». أما(14/423)
السلطان «قلاوون» فقد أنشأ القبة التى دُفِن تحتها، كما أنشأ
مسجده ومدرسته، ومارستانه الذى عُرف بمستشفى «قلاوون»،
ثم يأتى ابنه «السلطان الناصر محمد ابن قلاوون»، وكان شغوفًا
بسياسة أبيه فى الإنشاء والبناء، فشيد «المدرسة الناصرية»
(بحى النحاسين)، وعين بها مدرسين للمذاهب الأربعة، وألحق
بها مكتبة حافلة بنوادر الكتب وأمهاتها، ولاتزال هذه المدرسة
باقية بحالة جيدة حتى اليوم، وكذلك بنى «الناصر محمد»
«القصر الأبلق» بقلعة الجبل، وسُمى بذلك لأنه بنى من الحجر
الأبيض والحجر الأسود، وفى سنة (718هـ) شيد «الناصر»
مسجده بالقلعة، ثم هدمه فى سنة (735هـ) ليعيد توسيعه وبناءه
من جديد، وقام بتجديد بناء المارستان الكبير الذى أسسه والده
«قلاوون»، وأنشأ «خانقاه» (بيت لفقراء الصوفية) فى
«سرياقوس» من ضواحى «القاهرة» فى سنة (723هـ)، (أصبحت
«سرياقوس» اليوم تابعة لمركز «الخانكة» بمحافظة
«القليوبية»)، وقد شيد «الناصر» سبيلا ألحقه بجوار مدرسته
وجامع أبيه «قلاوون»؛ لأنهما متجاوران. ولعل أعظم إنشاءات
دولة المماليك البحرية ما قام به السلطان «حسن بن الناصر محمد
بن قلاوون» حين أنشأ مسجده ومدرسته بالقرب من القلعة.
منشآت دولة المماليك البرجية: ازدادت المنشآت فى عصر دولة
المماليك البرجية، ولعل أفضل مثال على منشآت ذلك العهد
ماقام به «الأشرف برسباى» للعمارة الإسلامية، فقد قام بتأسيس
عدة مبانٍ كان أهمها مدرسته الأشرفية التى عند «سوق
الوراقين» بالقاهرة، إذ رسم حدودها فى سنة (826هـ) وعين
«الشيخ علاء الدين ابن الرومى الحنفى» أستاذًا لها، ثم أتم
بناءها فى سنة (829هـ)، وكذلك قام «برسباى» بإنشاء
مدرسة بجوار «خانقاه سرياقوس» فى سنة (841هـ)، وكانت
هذه المدرسة مجمعًا دينيا يشمل: مدرسة، وكُتَّابًا، وسبيلا،
وخانقاه للصوفية، وكان القاضى «محب الدين بن رسول
الكرادى» الحنفى، المعروف بابن الأشقرت، أحد الذين تولوا أمر(14/424)
المدرسة والخانقاه فى سنة (863هـ). كذلك أقام «برسباى»
مسجدًا وتربة وزاوية بالصحراء، ولم يكن وحده هو الذى فعل
ذلك، فقد كان أغلب سلاطين المماليك يحرصون على بناء مسجد
ومدفن لكل منهم فى الصحراء بشرق «القاهرة»، ذلك إضافة
إلى ما يقومون به من منشآت فى أرجاء البلاد، مثلما فعل
«بيبرس» حين أقام «قنطرة المجذوب» بأسيوط، وجدد «الحرم
الشريف» بمكة، و «الجامع الأزهر» بمصر. ويُعدُّ «قايتباى» أشهر
سلاطين المماليك البرجية شغفًا بالبناء والعمران، إذ أنفق مائة
ألف دينار على إعادة تشييد «مسجد المدينة المنورة» بخلاف ما
أنفقه على تشييد وبناء مسجده، وبناء «قلعة الإسكندرية»
المعروفة باسمه، وكذلك أقام مبانى جديدة بقلعة الجبل، وقام
«السلطان الغورى» من بعده بتحصين «الإسكندرية» و «رشيد».
ويعد عصر المماليك- بحق - أحد العصور الذهبية فى تاريخ
العمارة الإسلامية، فقد كان الإقبال غظيماً على تشييد المساجد
والمدارس والأضرحة، والاهتمام بالمهارات الفنية والزخرفية،
والعمل على إتقان بناء المنارات والقباب وواجهات المنشآت
والإيوانات والأعمدة وزخرفتها، وزخرفة المدارس والمساجد من
الداخل والخارج، وقد كانت العناية بزخرفة وتجميل كل ذلك
إحدى سمات هذا العصر. النهضة فى مجال العلوم والآداب: لاشك
أن المؤسسات العلمية التى أنشأها المماليك نهضت بمستوى
العلم وتقدمه فى عهدهم، وأبرزت نخبة من ألمع العلماء فى
مختلف مجالات الثقافة والعلوم، فكان منهم الفقهاء: شيخ
الحنابلة «أحمد بن تيمية»، ومن المؤرخين: «أبو الفدا» صاحب
«التاريخ والسير»، و «المقريزى المصرى» صاحب «الخطط»
و «السلوك»، و «ابن خلكان» صاحب «وفيات الأعيان»، كما كان
من كُتَّاب السير الطبيب الشهير «ابن أبى أصيبعة»، الذى درس
بدمشق و «القاهرة»، ثم وضع تراجم للأطباء فى مؤلفه: «عيون
الأنباء»، وكذلك كان «ابن إياس» صاحب «بدائع الزهور»،
و «القلقشندى» صاحب «صبح الأعشى»، ومن الشاميين نجد(14/425)
المؤرخ «شمس الدين الدمشقى» صاحب «نخبة الدهر فى عجائب
البر والبحر»، و «ابن فضل الله العمرى»، الذى شغل منصب
«صاحب الخاتم» فى بلاط المماليك بالقاهرة، وهو صاحب كتاب:
«مسالك الأبصار فى ممالك الأمصار»، ولقد عاش «عبدالرحمن
الجبرتى» أشهر علماء التاريخ فى بلاط المماليك، ويعد «ابن
خلدون» واضع علم الاجتماع ومؤسس فلسفة التاريخ، وهو
صاحب كتاب: «العبر وديوان المبتدأ والخبر»، وقد وضع فى
مقدمته لهذا الكتاب أسس كتابة التاريخ التى اشتهرت شهرة
واسعة النطاق فى أنحاء العالم. وهكذا برزت -خلال عهد
المماليك - جماعة من أفضل علماء المسلمين فى التاريخ
الإسلامى، وشجعهم على ذلك اهتمام سلاطين المماليك بالعلم
والعلماء. وإن نظرة واحدة فى حُجة أحد سلاطين هذه الدولة
لتظهر لنا مدى ما وصل إليه هؤلاء من حب وتقدير للعلم والعلماء
والمتعلمين، وقد حرص «الأشرف برسباى» فى حُجته على تعيين
المشايخ لمدرسته، وقام بوقف الأراضى لكى يُنفق من إيرادها
على التعليم، وكذلك على المتعلمين الذين أنفق عليهم بسخاء،
فخرج منهم العلماء والفقهاء والأئمة فى مختلف المجالات
والتخصصات والمذاهب، وأصبح هذا العمل مفخرة لهذا العصر،
وسببًا من أهم أسباب تقدم المسلمين وتفوقهم فى مجالات
العلوم والحضارة. - الحالة الاقتصادية فى عهد سلاطين المماليك:
مما لاشك فيه أن الحالة الاقتصادية لأية أمة من الأمم تمثل العمود
الفقرى لها، فإذا كان الاقتصاد قويا وأحسن استغلاله فى
تيسير حاجات البلاد، وبناء نهضتها، وتشييد حضارتها؛ كان ذلك
مدعاة إلى التقدم والازدهار فى جميع المجالات، ووقوف البلاد
فى صفوف الأمم المتقدمة ذات السيادة العالمية. أما إذا كان
اقتصاد أى بلد عكس ذلك، فإنه يكون مدعاة للظلم والقهر
والسلب، وخذلان البلاد ووقوفها فى ذيل قائمة البلاد المتقدمة،
منتظرة قراراتها فى تسيير أمورها وشئونها الخاصة، ولا(14/426)
تتوافر لهذه الأمم الضعيفة القدرة على اتخاذ القرار فيما يخصها،
وتصبح فريسة للتدخل الأجنبى، وطمع المستعمرين، ولقد كان
المماليك من القوة الاقتصادية لدرجة أن دولتهم بلغت حدا من
الثراء لم تؤثر عليه الحروب العديدة التى خاضوها، بالإضافة إلى
الإنشاءات والإصلاحات التى قامت بها فى طول البلاد وعرضها؛
إذ تعددت مصادر الثروة التى زخرت بها خزائن المماليك،
فبالإضافة إلى ضرائب الخراج، والتركات التى لا وارث لها كانت
هناك مصادر أساسية وثابتة لزيادة موارد الدولة؛ إذ اهتم
المماليك بالزراعة والصناعة والتجارة، وأقاموا مقاييس للنيل،
وطهروا الترع، وأنشئوا الجسور ونظموا الرى وحسَّنوا وسائله،
كما اعتنوا بصناعة المنسوجات، ونشطوا فى اكتشاف
واستخراج المعادن، التى كان من أهمها: «الزمرد» و «الشب»
و «النطرون»، فكان «الشب» يُستخرج من الوجه القبلى
والواحات، ويُحمل إلى «قوص» أو إلى «أسيوط» و «أخميم»
و «البهنسا»، ثم ينقل منها عن طريق النيل إلى «الإسكندرية»
وفيها يباع للأوربيين، وخصصت الحكومة ثلث ثمنه لدفع رواتب
الأمراء، ولتوفير بعض احتياجات الجيش الكثيرة؛ لكثرة حروبهم
فى ذلك الوقت. وكانت التجارة - بحق - أعظم مصادر الثروة فى
العهد المملوكى؛ إذ قاموا بتشجيعها، وعقدوا المحالفات
والاتفاقات التجارية مع إمبراطور «القسطنطينية»، وملوك
«إسبانيا»، وأمراء «نابلس»، و «جنوة»، و «البندقية» وسلاجقة
«آسيا الصغرى»، وكاد المماليك أن يحتكروا تجارة «الهند» -
خاصة التوابل - بالاتفاق مع أمراء الموانئ الإيطالية، فكان لذلك
أكبر الأثر فى نمو ثروات البلاد وزيادتها، خاصة بعد أن بسط
المماليك سلطانهم على «مكة» و «جدة»، وأصبحت «مكة» من
أشهر الأسواق التجارية فى الشرق فانتعشت حالة البلاد
الاقتصادية وازدهرت، ويدل على ذلك كثرة الإنشاءات المعمارية
والتجهيزات الحربية فى ذلك الحين، إلا أن لحالة الركود - التى(14/427)
كانت تصيب الاقتصاد أحيانًا نتيجة لظروف القلق وما يصاحبها
من السلب والنهب - أثراً على خزينة الدولة، ومع ذلك لم يكن
تأثيرها خطيرًا؛ لأن الدولة سرعان ما كانت تتدارك الأخطاء
وتعالج العيوب، وتعمل على سد النقص فى اقتصادها، ولعل
أخطر الأحداث الاقتصادية التى كان لها أكبر الأثر فى سقوط
دولة المماليك هو تحول طرق التجارة بين «أوربا» و «الشرق»
عن طريق «مصر» إلى طريق «رأس الرجاء الصالح» الذى
اكتشفه «فاسكو دى جاما» البرتغالى سنة (1498م)، فأحدث
هذا الاكتشاف انقلابًا خطيرًا فى عالم التجارة، وكارثة حقيقية
على دولة المماليك التى كانت تعتمد بصورة كبيرة على التجارة
التى تحولت من حوض «البحر الأبيض المتوسط» إلى «المحيط
الأطلسى» ونضبت خزائن «مصر» من الأموال التى كانت تأتيها
من تجار «البندقية» و «جنوة»، الذين كانوا ينقلون تجارتهم من
«الشرق» إلى «أوربا» عن طريق «مصر» ويدفعون لها الضرائب
عن دخول تجارتهم وخروجها منها، فكان لذلك أثره على كساد
التجارة والزراعة، ولم تعد «مصر» تنتج للأسواق الخارجية
كثيرًا، فقلت موارد البلاد، وتهددتها المجاعات، وانحط شأن
«الإسكندرية»، وقل عدد الأجانب بها، وتأخرت الصناعات
الحيوية، وتدهورت الحالة الفنية؛ لقلة الأموال اللازمة، فهيأ هذا
الوضع الفرصة للسلب والنهب الذى قام به بعض أفراد المماليك،
فدب الضعف فى أوصال الدولة، وبدأت تأخذ طريقها إلى
الضعف والتلاشى؛ لأن موارد البلاد لم تعد كافية لسد احتياجاتها
الضرورية، وزاد الأمر سوءًا فى نهاية عصر المماليك إذ كثرت
الدسائس والمؤامرات، وحوادث السلب والنهب، وتعرضت «مصر»
للمجاعة والاضطراب فى عهد «السلطان برقوق» و «السلطان
شيخ المؤيد» و «السلطان قايتباى»، وزادت الاضطرابات فى
أنحاء البلاد، ولا تكاد تستقر حتى تعود إليها الفوضى ثانية؛
بسبب الفتن التى زادت حدتها فى عهد المماليك البرجية على(14/428)
وجه الخصوص، لدرجة أن «فايربك» أحد أمراء المماليك البرجية
هو الذى ساعد العثمانيين - بخيانته - على الدخول إلى «مصر»
والشام، وهذا دليل قاطع على مدى التدهور والضعف اللذين
وصلت إليهما الدولة فى آخر أيامها.(14/429)
*العثمانية (دولة)
تنسب الدولة العثمانية إلى الأمير عثمان بن أرطغل ويتجاوز
تاريخها ستة قرون، ويمتد عبر مساحة كبيرة من الأرض، شملت
«العراق» و «الجزيرة العربية» و «مصر» و «الشام» وشمال
إفريقيا و «الأناضول» وشرق أوربا. وقد مرَّ تاريخ الدولة
العثمانية بمراحل عديدة، بدأت بمرحلة الإمارة، وهى فترة
التأسيس والبناء، وتبدأ من إمارة «عثمان» الذى تنسب إليه
الدولة العثمانية، وتنتهى بإمارة «مراد بن أورخان». وقد شهدت
هذه الفترة المبكرة من تاريخ الدولة نشاطًا حربيا فى أوربا،
ووَضْع التنظيمات الإدارية، وظهور فرقة الإنكشارية؛ وكانت أهم
فرق جيش الإمارة. ثم انتقلت الدولة من مرحلة الإمارة إلى السلطنة
على يد «بايزيد الأول» المشهور بالصاعقة، وامتدت هذه الفترة
حتى عهد السلطان «سليم الأول» الذى فتح «مصر» و «الشام»
سنة (923هـ= 1517م)، وسقطت بذلك الخلافة العباسية فى
«القاهرة»، وانتقلت إلى العثمانيين. وفى هذه الفترة - أيضًا -
فتح السلطان «محمد الفاتح» مدينة «القسطنطينية» عاصمة
الدولة البيزنطية واتخذها عاصمة لدولته، وأطلق عليها اسم
«إستانبول»، وكان لهذا الفتح دوىٌّ كبير، فسُرَّ به العالم
الإسلامى سرورًا عظيمًا، وكتب «البابا» إلى جميع الحكام
الأوربيين طالبًا منهم قيام اتفاق صليبى جديد. وبعد أن انتقلت
الدولة العثمانية إلى مرحلة الخلافة على يد «سليم الأول» انطلقت
نحو الدولة العالمية، فاتسعت رقعتها وقويت شوكتها، وبخاصة
فى عهد «سليمان القانونى» الذى حكم نحو ست وأربعين سنة،
بلغت الدولة خلالها أوج عظمتها قوةً واتساعًا وحضارة. ثم
توقفت الدولة العثمانية فى عهدها الثانى عن الفتح والتوسُّع،
وولَّت العصور التى كان فيها نفوذها يعبر القارات ويوجِّه
سياسة العالم، وعندئذٍ نظر العثمانيون إلى أنفسهم، وأيقنوا أن
هناك خللا يستوجب الإصلاح. وقد قامت عدة محاولات للإصلاح،
سواء التى سلكت طريق الإحياء الإسلامى، أو التى أخذت(14/430)
بالنموذج الغربى، وكانت حركة «التنظيمات» أشهر تلك
المحاولات الإصلاحية، وكان لها آثارها البالغة فى شئون الحياة
كافة فى الدولة العثمانية. وقد بذل السلطان «عبد الحميد
الثانى» جهودًا مضنية من أجل الحفاظ على دولته التى أخذت
طريقها نحو الانهيار، لكن ذلك لم يمنع من سقوطها الذى وقع
سنة (1343هـ= 1924م) على يد «مصطفى كمال أتاتورك». بعض
الجوانب الحضارية فى الدولة العثمانية: العناية باللغة العربية:
منذ أن تولى الأمير «عثمان» مؤسس الدولة العثمانية الحكم سنة
(680هـ= 1281م) وحكم (37) سنة أحاط نفسه بعلماء قبيلته
ومشايخها الذين كانوا يعنون بحفظ القرآن الكريم وتحفيظه،
ومع تولى «أورخان» الحكم خرج التعليم من المسجد إلى
المدرسة، حيث فتح أول مدرسة فى مدينة «إزميد» التى فتحها
سنة (728هـ= 1327م)، وكان أول مدرس بها هو «داود
القيصرى»، ودرست بها كثير من الكتب، فدرّس فى مادة
التفسير كتابى «تفسير الكشاف» للزمخشرى، و «تفسير
البيضاوى» لناصر الدين «عبد الله بن عمر البيضاوى»، وفى
الحديث كتب الصحاح الستة، وهى: «صحيح البخارى»،
و «صحيح مسلم»، و «سنن الترمذى»، و «سنن أبى داود»،
و «سنن النسائى»، و «سنن ابن ماجه»، وكتاب «مصابيح السنة»
للبغوى. ودرس فى مادة الفقه كتاب «الهداية» لشيخ الإسلام
«برهان الدين على بن أبى بكر المرغنانى»، وكتاب «العناية
فى شرح الوقاية» لعلاء الدين «على بن عمر الأسود»، وفى
أصول الفقه كتاب «التلويح» للتفتازانى، و «منار الأنوار»
للنسفى، و «المغنى» لجلال الدين عمر، و «مختصر ابن الحاجب».
وتقرر فى العقائد كتاب «القاضى الإيجى»، وكتاب «النسفى»
و «الطحاوى»، وفى علم الكلام كتاب «تجريد الكلام» للطوسى،
و «طوالع الأنوار» للبيضاوى، و «المواقف» للإيجى، وفى علم
البلاغة كتاب «مفتاح العلوم» للسكاكى، و «تلخيص المفتاح فى
المعانى والبيان» للقزوينى، وفى المنطق كتاب(14/431)
«الإيساغوجى»، و «مطالع الأنوار» لسراج الدين الأرموى، وفى
الفلك كتاب «الملخص» لمحمود بن محسن الجغمينى. ومن الكتب
المقررة فى النحو: «ألفية ابن مالك» و «العوامل» للشيخ «عبد
القادر الجرجانى»، و «الكافية فى النحو» لابن الحاجب، وكتب
«ابن هشام»: «شذور الذهب»، و «قطر الندى»، و «مغنى
اللبيب»، ودرس فى الصرف كتاب «أساس التصريف» لشمس الدين
الغنارى، و «الشافية» لابن الحاجب وغيرهما. وبرز كثير من
علماء الدولة العثمانية فى مجال الثقافة الإسلامية المكتوبة
باللغة العربية، مثل: «حاجى خليفة» صاحب كتاب «كشف الظنون
عن أسامى الكتب والفنون»، وهو كتاب ببليوجرافى مهم، وله
مكانته فى الدراسات العربية الإسلامية، جمع فيه أسماء
(14500) كتابًا لتسعة آلاف وخمسمائة مؤلف، وتناول فيه نحو
(300) فن أو علم، وقد حوى هذا الكتاب أمهات المصادر فى
الفكر الإسلامى مما صنف باللغة العربية أو الفارسية أو التركية.
ومن هؤلاء العلماء - أيضًا - «طاشكو برى زاده» وهو «عصام
الدين أبو الخير أحمد بن مصطفى» صاحب كتاب «الشقائق
النعمانية فى علماء الدولة العثمانية»، تناول فيه تراجم أكثر من
(500) عالم وشيخ من علماء الدولة العثمانية من عهد الأمير
«عثمان» حتى السلطان سليمان القانونى، منهم: ابن كمال باشا
«شمس الدين أحمد بن سليمان» الذى اشتهر بكثرة تآليفه
ورسائله، وهو يشبه فى ذلك «السيوطى» و «ابن الجوزى»
و «ابن حزم» ممن اشتهروا بكثرة مؤلفاتهم. يقول «اللكنوى» بأن
لابن كمال باشا رسائل كثيرة فى فنون عديدة، لعلها تزيد على
ثلاثمائة غير تصانيف له فى لغات إسلامية أخرى كالفارسية
والتركية، وكان ذلك فى عهد السلطان «سليم الأول». وزخر عهد
السلطان «محمد الفاتح» بالمصنفات العربية، وبخاصة أساتذته
الذين قاموا بتعليمه وتثقيفه، مثل الشيخ «الكورانى»، والشيخ
«خسرو»، كما ظهر فى عهد «سليمان القانونى» شيخ الإسلام(14/432)
«أبو السعود أفندى» صاحب التفسير المعروف «إرشاد العقل
السليم إلى مزايا الكتاب الكريم». وكانت اللغة العربية هى
السائدة فى جميع المدارس والجامعات العثمانية، على حين
استخدمت اللغة التركية فى الأعمال الحكومية فقط. وعنى
السلاطين العثمانيون بالأدب والشعر، فكان السلطان «مراد
الثانى» (805 - 855هـ= 1402 - 1451م) يعقد مجلسًا فى قصره،
يدعو إليه الشعراء ليتسامروا ويقرضوا الشعر بين يديه، وكان
يشجع حركة الترجمة من العربية إلى التركية، وجعل من قصره
مكانًا للمترجمين، فأصبح كأنه أكاديمية علمية. ثم خلفه ابنه
«محمد الفاتح» الذى وصفه المؤرخون بأنه راعٍ لنهضة أدبية،
وشاعر مجيد، وكان يجيد عدة لغات، ويداوم على المطالعة
وبخاصة الكتب العربية التى ملأت مكتبته، ويعنى بالأدب عامة
والشعر خاصة، ويصاحب العلماء والشعراء ويصطفيهم، وقد
استوزر منهم الكثير، مثل: «أحمد باشا» و «قاسم الجزرى
باشا»، وعهد إلى الشاعر الأناضولى «شهدى» أن ينظم قصيدة
تصور التاريخ العثمانى باللغة الفارسية على غرار «الشاهنامة»
التى نظمها «الفردوسى». وكان «محمد الفاتح» إذا سمع بعالم
متبحر فى فن من الفنون فى الهند أو فى السند استماله
بالإكرام، وأمده بالمال، وأغراه بالمناصب، ومثال ذلك: أنه
استقدم العالم الكبير «على قوشجى السمرقندى» وكانت له
شهرته فى الفلك، كما كان يرسل كل عام مالاً كثيرًا إلى
الشاعر الهندى «خواجه جهان» والشاعر الفارسى «جامى».
وبرع «الفاتح» نفسه فى نظم الشعر، حتى اتخذ لنفسه اسمًا
شعريا يستخدمه فى أشعاره التى تعكس رقة إحساسه،
ورهافة مشاعره، وتبرز تكوينه الدينى. وخلفه ابنه «بايزيد
الثانى» وكان عالمًا فى العلوم العربية، وفى الفلك، ومهتما
بالأدب ومكرمًا للشعراء والعلماء. وكان السلطان «سليم الأول»
شغوفًا بالشعر والشعراء والعلم والعلماء، حتى إنه صحب معه
فى حملته على «فارس» الشاعر «جعفر ُلبى»، واصطحب فى(14/433)
حملته على «مصر» و «الشام» الشاعر «ابن كمال باشا». وقد
ازدهر الأدب التركى منذ القرن الثامن الهجرى، وبلغ أوجه فى
القرن الحادى عشر، وتأثر بالأدب الفارسى، كما ازدهر نوع من
الشعر الشعبى الموزون فى أوساط سكان «الأناضول»
و «الروملى»، وساهمت الترنيمات الصوفية لشاعرهم «يونس
إمره» المتوفى سنة (721هـ= 1321م) فى تجسيد هذا الأدب الذى
حافظ على وجوده واستمراريته فى المراكز الصوفية، ومن هذا
الشكل الشعبى من الأدب التركى انطلق الأدب التركى الحديث
متأثرًا به وبالأدب الغربى. التاريخ والجغرافيا: قام العثمانيون
بدور جيد فى مجال التاريخ، وبدأت المحاولات الأولى لتدوين
التاريخ العثمانى تدوينًا منظمًا فى عهد السلطان «بايزيد الأول»
على يد المتصوف «أحمد عاشق باشا»، ثم اهتم الباب العالى منذ
القرن العاشر الهجرى بكتابة التاريخ، فعين المؤرخين الرسميين
أمثال «سعد الدين» المتوفى سنة (1007هـ= 1598م). وتعد
الجغرافيا أحد العلوم التى أجاد فيها العثمانيون نسبيا، وأشهر
الأعمال الجغرافية ما كتبه الرحالة البحرى أو أمير البحر «بيرى
رئيس» من كتب تتضمن رحلاته فى «البحر المتوسط»،
واكتشافات الإسبان والبرتغال فى «إفريقيا»، كما ألف كتابًا
عن الملاحة أطلق عليه اسم «بحريت»، وفى سنة (919هـ=
1513م) رسم خريطة للمحيط الأطلسى والشواطئ الغربية من
«أوربا» وأهداها للسلطان «سليم الأول» بالقاهرة، ورسم
خريطة أخرى تمثل اكتشافات البرتغاليين فى «أمريكا
الجنوبية» و «الوسطى» و «نيوزيلاندا»، كما أسهمت كتب
«حاجى خليفة» و «أوليا ُلبى» الجغرافية إسهامًا كبيرًا فى هذا
المجال. الطب: وفى مجال الطب كانت تلقى المحاضرات العلمية
الطبية نظريا، ويجرى تطبيقها عمليا فى مدرسة الطب، وزاول
الطلبة تدريباتهم فى المستشفيات، وكانت الكتب المقررة تشمل
كتاب «ابن سينا» المشهور «القانون» وكتب «ابن عباس
المقوس». وقام بالتدريس فى المدارس الطبية العثمانية عدد من(14/434)
العلماء والأطباء الذين تلقوا تعليمهم فى البلاد العربية و «إيران»
و «تركستان»، ومن أهم الأطباء فى ذلك العصر: «قطب الدين
العجمى»، والطبيب «شكر الله الشروانى»، و «يعقوب الحكيم»،
و «إلياس القرامانى». نظام القضاء: كان «القاضى عسكر» هو
رئيس الهيئة القضائية، وهذا المنصب استحدثه السلطان «مراد
الأول»، ثم أضاف إليه السلطان «محمد الفاتح»، والسلطان
«سليم الأول» قاضيين آخرين، واحدًا لأوربا، والآخر لإفريقيا،
ولم تكن سلطتهم تقتصر على الشئون العسكرية بل تعدتها إلى
الشئون المدنية، فهم الذين يعينون القضاة ونوابهم، وكل
الموظفين القضائيين الآخرين، ويشكلون محكمة الاستنئاف العليا.
ويأتى العلماء الكبار بعد قضاة الجيش من حيث الترتيب، وهم
يؤلفون قضاة العاصمة وعواصم الولايات، ثم يليهم العلماء
الصغار الذين يزاولون القضاء فى المدن الثانوية، ويليهم قضاة
الدرجة الثانية وما دونها. العلماء والفقهاء: كان مفتى
«إستانبول» (شيخ الإسلام) هو الشخصية الثانية التى تخضع لها
الهيئات القضائية الدينية. وخضع الموظفون الدينيون فى العاصمة
لسلطة المفتى مباشرة، وكان ينوب عنه فى الولايات الكبرى
قضاة العسكر. وكان ترتيب الموظفين الدينيين فى الجوامع
الكبرى كما يلى: الخطيب - الإمام المقيم - المؤذن، ويقوم
المرشحون لهذه المناصب بالتعلم فى المدارس الدينية الكثيرة
التى شيدها السلاطين، وكان الطلاب فيها ينقسمون إلى ثلاث
فئات: 1 - الصوفتا. 2 - المعيدون، حيث يحمل الطالب عند التخرج
منها لقب «دانشمند» أو «عالم». 3 - فئة «المدرس». أما مشايخ
الطرق الصوفية فقد تعلقت بهم قلوب كثير من الناس، وقد سادت
هذه الطرق معظم أرجاء «آسيا الصغرى» كالنقشبندية والمولوية
والبكتاشية، وكان لهم دور فى تهذيب العامة، وحضهم على
التمسك بالفضيلة والأخلاق الإسلامية الحميدة. ومن أشهر الفقهاء
العثمانيين: «أحمد بن إسماعيل الكورانى» المتوفى سنة(14/435)
(893هـ= 1487م)، والمولى «خسرو» الذى دعى بأبى حنيفة
زمانه من قبل السلطان «محمد الثانى»، وتوفى سنة (885هـ).
ومن العارفين والمتصوفة الشيخ «محمد بن حمزة» الشهير بلقب
«آق شمس الدين» و «عبد الرحمن جامى» الذى توفى سنة
(898هـ= 1492م). ومن العلوم العقلية والنقلية، ظهر اسم: «شمس
الدين الفتارى» الذى خلف مكتبة بها (10) آلاف مجلد. العمارة
عند العثمانيين: بلغ فن العمارة عند العثمانيين درجة عالية وخلَّف
العثمانيون العديد من الآثار العمرانية العظيمة أهمها: 1 - جامع آيا
صوفيا: وهى الكنيسة السابقة التى حولها السلطان «محمد
الثانى» إلى مسجد، يمثل الجامع الرئيسى فى العاصمة عقب
فتح «القسطنطينية» مباشرة، وعُدِّلت لتلائم التقاليد الإسلامية،
حيث غطيت الرسوم التى تمثل الفن البيزنطى، وشكل محراب
وسط الجناح الجنوبى من الكنيسة، كما نصب المنبر على عمود
الكنيسة الجنوبى الشرقى الكبير، وفى عهد السلطان «مراد
الرابع» كتبت بعض الكلمات ذات الأحرف الكبيرة التى تحمل اسم
الجلالة، واسم الرسول، والخلفاء الراشدين، وذلك على لوحات
مستديرة شيدت على جدران المسجد، وهى بخط الخطاط
«بيشكجى زاده مصطفى شلبى» الذى كتب حرف الألف وحده
على سبيل المثال طوله عشرة أذرع، وكلها بخط متشابك بديع،
وواصل باقى السلاطين إدخال تعديلاتهم وإصلاحاتهم بها. 2 -
جامع السلطان محمد: الذى شيده المهندس اليونانى «خريستو
دولوس» بأمر من السلطان «محمد الثانى»، ويقع وسط العاصمة
«إستانبول». 3 - جامع السلطان أيوب: وكان السلاطين
العثمانيون يتقلدون فيه مقاليد الحكم فى احتفال رسمى، وقد
شيده السلطان «محمد الثانى» قرب ضريح الصحابى «أبى أيوب
الأنصارى» رضى الله عنه. 4 - مسجد بايزيد: وشيده السلطان
«بايزيد»، ويعد من أبرز الآثار العمرانية التى تمتاز بنفاسة
المواد البنائية الزخرفية التى جرت على الطريقة الفارسية. 5 -(14/436)
جامع السليمانية، ويعد من أجمل آثار الفن المعمارى العثمانى،
وشيده السلطان «سليمان»، وصممه المهندس المعمارى «سنان
باشا»، على أعلى قمة جبلية فى «الأستانة». إلى جانب العديد
من الجوامع العظيمة التى تزيد على الخمسمائة جامع، بخلاف
المدافن والتكايا (الزوايا). أما القصور فأهمها قصر «سراى
طوب قابو» التى تمتاز بفخامتها وامتدادها الواسع، ومبانيها،
وحدائقها، وساحاتها الواسعة، و «سراى دولمة بهجة» على
«البسفور» وتمتاز ببهوها الكبير، وكانت مسكنًا للسلطان
«محمد رشاد». وسراى «جراغان» وسراى «يلدز» وسراى «بكر
بك» التى توفى بها السلطان «عبد الحميد الثانى» بعد خلعه.
وأشهر المهندسين المعماريين فى الدولة العثمانية هو «سنان
باشا»، الذى كان نصرانيا ثم أسلم وعمره (23) عامًا، واشترك
فى الحملات العثمانية والفتوحات فى المشرق والمغرب، واطَّلع
على كثير من الطرز والأعمال المعمارية التى جذبت انتباهه فى
«تبريز» و «حلب» و «بغداد» ودول «أوربا». وعندما عاد إلى
«إستانبول» تولى منصب كبير معمارى الخاصة السلطانية،
وأصبح المسئول عن إقامة الأعمال المعمارية من قصور وجوامع
ومدارس ومطاعم وحمامات وأضرحة، وبلغت أعماله المعمارية
نحو (441) عملا موزعة فى مختلف أرجاء الدولة العثمانية، منها
«جامع صقوللو محمد باشا»، و «جامع رستم باشا»، و «جامع
شهر زاده»، و «جامع السليمانية»، و «جامع محمد باشا
البوسنوى»، إلى جانب العديد من الأعمال فى البلدان العربية،
وتشهد أعماله بالأصالة ويسودها المعرفة العميقة والتكنيك
الهندسى، وفهمه الكبير للفن، ورقة ذوقه، وقد مكنه كل ذلك
من إضافة أشكال جديدة للفن المعمارى. وتوفى «سنان باشا»
سنة (966هـ= 1558م) وعمره يقارب المائة عام، بعدما عاصر
خمسة من سلاطين العثمانيين. فن الرسم العثمانى: لم يظهر هذا
الفن إلا فى عهد السلطان «محمد الفاتح» الذى دعا فنانين
إيطاليين مشهورين إلى القصر السلطانى، وأوكل إليهم إنجاز(14/437)
بعض اللوحات للسلطان، وليقوموا بتدريب بعض العثمانيين على
هذا الفن، وكان من أشهرهم «ماستورى بافلى» و «كونستانزى
دافيرارى»،وظهرت كثير من المواهب الوطنية مثل «سنان» تلميذ
«ماستورى بافلى» و «حسام زاده». ومن فنانى ذلك العهد
«أحمد شبلى زاده» و «بابا مصطفى» و «تاج الدين بن «حسين
بالى» و «حسن شلبى». ويبدو فى هذه الأعمال أثر المدارس
الإيرانية، ويبرز اسم «المطرقى» الذى رسم لوحات تمثل حملات
الجيش العثمانى ومناظر القلاع والموانئ والمدن؛ مما كان له أثر
فى تطور فن الرسم الزيتى العثمانى. وفى عهد «سليمان
الأول» وصل فن المنمنمات العثمانى إلى أوجه، وقدم «كاتب
الشيرازى» - الذى اتخذ اسمًا مستعارًا هو «عارفى» - وثائق
الحوادث السياسية والاجتماعية التى جرت خلال حياة «سليمان
الأول»، وكتب ورسم «عارفى» عملا من مآثر السلاطين
العثمانيين حتى عهده هو «شاهنامة آل عثمان» فى خمسة
مجلدات. ومن فنانى المنمنمات فى ذلك العصر: «على شلبى»،
و «مولى قاسم»، و «محمد البورحى» و «أوستان عثمان»،
و «لطفى عبدالله» و «رئيس حيدر». وفى عهد السلطان «مراد
الثالث» وصل فن المنمنمات إلى أوجه، ومن أبرز الأعمال فى
عصره «خورنامه» و «شاهنشاه نامه» المؤلفة من أشعار مكتوبة
بالتركية والفارسية معًا، وتحكى توضيحاتها قصة فتوحات
الجيش العثمانى الظاهر، والنشاطات الاجتماعية المتعددة لذلك
العصر. ووجدت فى ذلك العصر مدرسة الفن الزيتى فى «بغداد»
فى نهاية القرن (16م)، ولكن هذا الفن سرعان ما ضعف وتدهور
فى القرنين السابع عشر والثامن عشر.(14/438)
*الأموية (دولة فى الأندلس
دولة أمويَّة نشأت فى (الأندلس (بعد سقوط خلافة بنى أمية
(132هـ= 749م) فى (الشام (، بعد مصرع آخر خلفائها (مَرْوان بن
محمد (فى (أبى صير (بصعيد مصر، واستيلاء العباسيين على
الخلافة، وتولِّى (أبى العبّاس (، الملقب بالسفاح، خلافة
المسلمين، والذى نقل عاصمة الدولة الإسلامية من (دمشق (إلى
(الكوفة (، وجعل همَّه الأول القضاء على أسرة بنى (أمية (،
وتعقُّبهم قتلا وتشريدًا فى أى مكان وقعت يداه، أو أيدى ولاته
عليهم. وكل ذلك لم يؤدِّ إلى اختفاء بنى أمية من صفحات
التاريخ، أو القضاء عليهم قضاءً مبرمًا؛ لأن كثيرًا منهم قد تمكَّن
من الاختفاء والهرب من أيدى بنى العباس، وقد تمكَّن الأمير (عبد
الرحمن بن معاوية (حفيد الخليفة الأموى (هشام بن عبدالملك بن
مروان (من الاختفاء عن أعين العباسيين، والهرب متنقلا من (الشام
(إلى (العراق (، ثم إلى (مصر (، فالمغرب، ومنها إلى (الأندلس (؛
حيث تمكَّن بمساعدة أنصاره، وموالى بنى أمية، والظروف
السائدة فى هذه المنطقة، من الوصول إلى سُدَّة الحكم فى
(قرطبة (، عاصمة (الأندلس (، وذلك سنة (138 هـ=755م)، معلنًا بذلك
قيام إمارة أموية فى (الأندلس (، تحولت - بعد ذلك - إلى دوله
قويَّة، تحكم (الأندلس (منذ ذلك التاريخ، إلى أن سقطت هذه الدولة
سنة (422هـ=1031م).وتعاقب فى حكم (الدولة الأموية
الأندلسية (عدد من الأمراء والخلفاء، نجمل تاريخهم فيما يلى:1 -
الأمير (عبد الرحمن بن معاوية ((138 - 172هـ=755 - 788م).وُلِد (عبد
الرحمن بن معاوية (بقرية تُعرَف بدير خنان، من أعمال (قنَّسْرين (،
فى بلاد الشام، سنة (113هـ= 731م)، وتُوفِّى والده شابًّا، فكفل
الأسرة الخليفة (هشام بن عبد الملك (، وحين سقطت الدولة
الأموية، فرَّ (عبد الرحمن (بأهله إلى ناحية الفرات، حتى اكتشف
مكانه جند العباسيين، وكادوا يُمسكون به، لولا أن ألقى بنفسه(14/439)
فى نهر الفرات، وظل مختفيًا خلال عبوره أراضى بلاد الشام،
و (مصر (إلى أن ظهر فى (إفريقية (، وحاول حاكم (إفريقية ((عبد
الرحمن بن حبيب (الإمساك به، ولكن (عبد الرحمن (نجح فى
الهرب والفرار إلى (المغرب الأقصى (؛ حيث أخواله من
البربر. وقد أفاد (عبد الرحمن (من الصراعات القبلية القائمة بين
العرب فى (الأندلس (، واستمال إليه الجند اليمنية، والعرب
الناقمين على الوالى (يوسف الفهرى (، وعبر إلى بلاد الأندلس،
وتجمع حوله الأنصار، وسار زاحفًا إلى مدينة قرطبة؛ حيث التقى
مع قوات (يوسف الفهرى (فى معركة (المصارة (، سنة
(138هـ=755م)، التى انتهت بانتصار (عبد الرحمن (ومن معه،
وهروب كل من (الصميل بن حاتم (،و (يوسف الفهرى (، زعيمى
الأندلس فى ذلك الوقت، ودخل (عبد الرحمن ((قرطبة (،وعُرِف منذ
ذلك الحين بعبد الرحمن الداخل. حكم (عبد الرحمن ((الأندلس ((34)
عامًا. واجه خلالها كثيرًا من المصاعب، كان أوَّلها: القضاء على
الزعامات المحليَّة القديمة التى دخلت معه فى حروب كثيرة،
انتهت جميعها لصالحه. ومن أخطر المشاكل التى واجهت (الداخل (:
محاولات (العباسيين (-بقيادة الخليفة (أبى جعفر المنصور
(-القضاء عليه، واسترداد (الأندلس (إلى حوزة الخلافة الإسلامية
التى غدت (بغداد (عاصمتها فى ذلك الحين. وتمثلت أولى
محاولات العباسيين للقضاء عليه فى الدعوة التى تزعمها (العلاء
بن مغيث اليحصبى (، الذى دعا لأبى جعفر المنصور، وحقَّق
نجاحًا كبيرًا، ولكن (عبد الرحمن (تمكن من هزيمته، وقتله،
وإرسال رءوس كبار جنده ليُلقى بها فى طريق أبى جعفر
المنصور وهو يؤدِّى فريضة الحج، وبعد ذلك لقَّبه (المنصور (بصقر
قريش (.وتمثَّلت الثورة الخطيرة الثانية فى التحالف الذى جمع بين
(سليمان الأعرابى (،والى (برشلونة (،و (العباسيين (، و (شارلمان (،
ملك الفرنجة، فى محاولة لخلع (عبدالرحمن الداخل (، الذى نجح(14/440)
فى الانفراد بأعدائه، والقضاء عليهم واحدًا تلو الأخر، أما
(شارلمان (فقد تعرض جيشه للفشل أمام أسوار (سرقسطة (،
ولإبادة مؤخرته عند عودته إلى (فرنسا (مارًّا بجبال البرنيه. ومن
الأعمال المهمة لعبد الرحمن الداخل: بناؤه مسجد (قرطبة (الجامع،
الذى غدا بعد ذلك أكبر وأشهر مسجد فى غربىِّ العالم
الإسلامى، وكان ذلك فى عام (176هـ=792م)، بلإضافة إلى
تجميل (قرطبة (، وبناء (الرصافة (. وهكذا تمكَّن (عبد الرحمن (من
تأسيس إمارة قويَّة وراثيَّة، تدين بالولاء له ولأولاده من بعده.2 -
(هشام الأول ((الرضا ((172 - 180 هـ = 788 - 796م).خَلَفَ الأمير
(هشام بن عبد الرحمن الداخل (والده فى حكم إمارة مستقلة
مستقرة،، ولم يواجه من المشاكل إلا ثورة أخويه (سليمان
(،و (عبد الله (، اللذين رأيا أنَّهما أحقُّ من (هشام (بالإمارة، وتغلَّب
عليهما (هشام (، وتفرَّغ - بعد ذلك - لمحاربة نصارى شمالىِّ
الأندلس، الذين قوى ساعدهم؛ نتيجة فترة الفتنة والضعف التى
أصابت (الأندلس (فى عصر الولاة، فأرسل حملة قوية بقيادة
(عبيد الله بن عثمان (تمكنت من هزيمة (الجلالقة (، وأخرى بقيادة
(يوسف بن بُخت (، حققت الكثير من الانتصارات. وفى سنة
(176هـ=792م) تأهب لغزو الفرنجة، ووقف هجماتهم على
(شمالى الأندلس (، فأرسل جيشًا كثيفًا بقيادة حاجبه (عبد الملك
بن عبد الواحد بن مغيث (، لغزو مناطق خلف جبال البرتات،
وتمكن من تحقيق عدد من الانتصارات. وعُرِف الأمير
(هشام (بالتقوى، والورع، ومحبَّة الفقهاء، وحضور مجالس العلم،
وأنشأ الكثير من المساجد، وعلى أيّامه بدأ المذهب المالكى
فى الانتشار على أيدى عدد من العلماء، منهم: (زياد بن عبد
الرحمن (،و (عيسى بن دينار (،و (يحيى بن يحيى الليثى (وكانت (
الأندلس (- قبل ذلك - على مذهب الأوزاعى، كما أنَّه جدَّد بناء
القنطرة الرومانية على نهر الوادى الكبير، ولم يطل العمر بالأمير(14/441)
(هشام (؛ حيث وافته منيته بعد أقل من ثمانية أعوام، وذلك فى
عام (180هـ=796م).3 - (الحكم الأول ((الربضى) (180 - 206هـ=
796 - 821م).تولَّى (الحكم بن هشام (، بعد وفاة والده، وكان
حازمًا محبا للسلطة والمظهر، شديدًا على أعدائه، حارب أعمامه
وانتصر عليهم، ولم تكن علاقته بالفقهاء حسنة؛ مما دفعهم إلى
عدم الرِّضا عنه، والإساءة إليه عند العامَّة، وتسببوا فى عدد من
الثورات ضدَّه، أهمها: ثورة (الربض الغربى (، التى قضى عليها
الحكم، حتى عرف بها، وسُمِّىَ بالربضى، نسبة إلى قسوته فى
القضاء على ثورة هذا الربض الحزين. أرسل الحكم قواته لغزو
ممالك النصارى فى شمالى الأندلس، وقام حاجبه عبد الكريم بن
عبد الواحد بن مغيث بغزو مناطق ألبة والقلاع (قشتالة القديمة)،
كما استولى على قلهرة، وأنْحن فى بلاد البشكنس، وعاد
محمَّلا بالغنائم. واجه الحكم مجموعةكبيرة من الثورات الداخلية
التى حاول الفرنجة استغلالها فى التدخل فى شئون الأندلس،
ونجح فى التغلب عليها جميعًا وأجبر الفرنجة على عقد الصلح،
وصَرْفِ النظر عن التدخُّل المباشر فى شئون الأندلس. وقد تمكن
الحكم من توطيد الحكم لبنى أمية، وترك الأمور لأبنائه هادئة
إلى حدٍّ كبير، كما يُذكر له بعض الجوانب الأدبية، والإبداعات
الشعرية التى تكشف عن الجانب الآخر من شخصيته، وتُوفِّىَ
الحكم سنة (206هـ = 821م) مخلِّفًا إمارة الأندلس لعبد الرحمن،
أكبر أولاده.4 - عبد الرحمن بن الحكم (206 - 238هـ = 821 -
852م).ويُعرَف هذا الأمير بعبد الرحمن الأوسط، أو عبدالرحمن
الثانى. وُلِد فى طُلَيْطِلة سنة (176هـ= 792م)، وقد عُنى والده
(الحكم) بتربيته، فنمَّى لديه الأدب والحكمة؛ فكان ذا كفاءة
عالية وخلال حميدة، وافر الخبرة بشئون الحرب والإدارة،
واجهته فى مطلع ولايته بعض الفتن الصغيرة، التى أتاحت له
فرصة إرسال الصوائف إلى ممالك الشمال، وكان جده عبد الله(14/442)
البلنسى هو قائد حملته علىمنطقة الثغر الأعلى؛ حيث تمكَّن من
هزيمة الفرنجة، واجتياح ولاية قطلونيه ( Cata Luna)، وذلك سنة
(212هـ= 827م).وما لبثت حركات التمرد أن ظهرت فى الأندلس،
فثار محمود بن عبد الجبار فى ماردة، وكلَّف الأمير عبد الرحمن
جهودًا كبيرة، حتى تمكَّن من القضاء على ثورته، وإجباره على
اللجوء إلى ملك أشتوريس (ألفونسو الثانى)،وطلب حمايته، لكنه
قُتِل هناك بيد حماته النصارى، وثار (هاشم الضرَّاب) فى طليطلة،
وكان شوكة كبيرة فى جنب عبد الرحمن الأوسط؛ وبالرغم من
نجاح الأمير فى قتل هاشم سنة (216هـ= 831م)، فإن (طليطلة)
ظلَّت معقلا للثائرين والمتمرِّدين، واضطر الأمير إلى حصارها،
واقتحامها، وإيقاع العقاب بأهلها، وذلك سنة (222هـ=
837م).وبعد القضاء على تلك الثورات استأنف الأمير الجهاد
فىشمالى الأندلس، وسيَّر الصوائف سنويا إلى هذه الجهات،
ولكن لم تكن لهذه الغزوات نتائج كبرى، ولم يكن من ثمارها إلا
منع النصارى من التوغُّل داخل بلاد المسلمين، وحملهم على
التزام السكينة، وعدم إيقاع الأذى بالمسلمين. ويتميز عصر عبد
الرحمن الأوسط بعدد من الأحداث الخطيرة، منها: - غارات
النورمانديين: فقد تعرَّضت سواحل الأندلس لخطر شديد، لم تستعد
له؛ حيث غزاها كثير من النورمانديين، الذين عرفتهم المصادر
الإسلامية باسم (المجوس)، ولم يكونوا إلا جماعات من الفيكنج،
القادمين من أقصى الشمال الغربى لأوربا، البارعين فى ركوب
البحر، واستخدام السفن الخفيفة، وأمكنهم إيقاع الأذى الشديد
بالشواطئ الغربية للأندلس، وذلك فى سنة (230هـ= 844م)،
وتمكن المسلمون من التصدى لهم بصعوبة كبيرة.- وثورة
المستعربين: وهم النصارى، المقيمون فى قرطبة، وكانوا
يتمتعون بدرجة عالية جدا من تسامح المسلمين، حتى إنهم
اندمجوا فى المجتمع القرطبى؛ يتحدثون لغته، ويرتدون ثيابه،
لكن الدعايات المتعصبة من بعضهم تمكنت من إثارة نزعة(14/443)
الكراهية ضد المسلمين، وحاول بعضهم إيذاء المسلمين، والجهر
بسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتدخلت السلطة الأندلسية وأعدمت بعضهم،
لكن الحركة تزايدت، وغذَّتها عوامل داخلية وخارجية، حتى
انتهت بعد موت الأمير (عبد الرحمن الأوسط (. وشهد عصر الأمير
عبد الرحمن الأوسط عددًا من الشخصيات العلمية البارزة، من
أهمِّها: (عبد الملك بن حبيب (، المعروف بعالم الأندلس، و (يحيى بن
يحيى الليثى (، الذى لقَّبه الإمام (مالك بن أنس (بعاقل الأندلس،
و (عبّاس ابن فرناس (، أوَّل من حاول الطيران، و (أبو الحسن على
بن نافع (، الملقَّب بزرياب، وهو أشهر المغنِّين فى
(الأندلس (.وعُنى (عبد الرحمن الأوسط (بالمنشآت العامَّة، فوسَّع
فى مسجد قرطبة، وأنشأ مسجد إشبيلية، وبنى سورها، ووصلت
(الأندلس (على أيَّامه إلى درجةٍ عالية من التقدُّم والازدهار،
وأصبحت العاصمة (قرطبة (مدينة عامرة، لا ترقى إلى مكانتها
أية مدينة أوربية أخرى، بل غدت تضارع العواصم الإسلامية
الأخرى فى جمالها، وحسن تنسيقها، وعمران أسواقها. كما
شهد عصر الأمير (عبد الرحمن الأوسط (نشاطًا دبلوماسيًّا رائعًا؛
فقد استقبل فى (قرطبة (سفراء (القسطنطينية (من قِبَل (القيصر
تيوفوليس (، وذلك فى سنة (225هـ= 840م)،كما أوفد الأمير
القرطبى سفيره (الحكم الغزال (إلىالعاصمة البيزنطية. وهناك
سفارة أُخرى تشير إليها المصادر التاريخية، وهى قيام (الحكم
الغزال (بردِّ الزيارة التى قام بها رسل ملك النورمانديين، وظل
هناك حوالى (20) شهرًا، ثم عاد إلى (قرطبة (فى حدود سنة
(232هـ= 846م). وبموت الأمير (عبد الرحمن الأوسط (تنتهى الفترة
الزاهرة من عصر الإمارة، وتبدأ فترة جديدة. 5 - الأمير (محمد بن
عبد الرحمن الأوسط (: (238 - 273هـ= 852 - 886م). تولَّى
الأمير (محمد (العرش فى (قرطبة (وسط مؤامرات كانت تسعى لنقل
الإمارة إلى أخيه الأمير (عبد الله (، وبعهده تبدأ (الأندلس (فترة من(14/444)
الضعف والانحلال جعلت بعض المؤرِّخين يُطْلِقون عليها اسم عصر
الطوائف الأول. وُلِد الأمير (محمد (سنة (207هـ= 822م) وكان له
نشاط جمٌّ على أيام والده؛ مما رشَّحه للإمارة من بعده، ولقد
واجهته مع بداية حكمه ثورة مدينة طُلَيْطِلة، التى اضطرته إلى أن
يخرج بنفسه على رأس قواته لتأديب المدينة وإلزامها بالطاعة
والسكون، ولكن (طليطلة (لم تهدأ ولم تخمد، وأضحت موئلا
للثائرين والمتمردين، وساعد على ذلك وجود جالية كبيرة من
النصارى المستعربين، والقساوسة المتعصبين، كما أن المدينة
كانت تتلقى المساعدات والتحريض من الممالك المسيحية شمالى
الأندلس، وكان لثوراتها صدى لدى المستعربين فى (قرطبة (
والمدن الإسلامية الأخرى، وبذل الأمير جهدًا كبيرًا فى إخماد هذه
الثورات. كما حاول الأمير (محمد (أن يقارع ممالك النصارى
الشمالية؛ فخرج بنفسه على رأس قواته، سنة (241هـ= 855م)
إلى (ألبة (، و (القلاع (، وافتتح عددًا من الحصون، كما أرسل فى
العام التالى حملة إلى أحواز برشلونة. ولقد عاود النورمانديون
غزو بلاد الأندلس، والإغارة على شواطئها، وذلك فى سنة
(245هـ= 859م)، ولم تتمكن الجيوش الإسلامية من التصدى لهم
تمامًا؛ مما مكَّنهم من العبث بالشواطئ الغربية للأندلس، بل
وصلوا إلى عدوة المغرب، ثم نزلوا بالشاطئ الجنوبى للأندلس.
وقامت ثورة خطيرة ضد الأمير فى شمال الأندلس تزعَّمها (موسى
بن موسى (، وأبناؤه من بعده، وشغلت هذه الثورة الأمير
(محمدًا (سنوات طويلة. وقامت ثورة أخرى فى (ماردة (،
و (بطليوس (، تزعَّمها (عبد الرحمن بن مَرْوان (، المعروف
(بالجليقى (، استمرت سنوات طويلة، وأيدها (ألفونسو الثالث (،
ملك ليون، وشغلت هذه الثورة الأمير سنوات طوالا، بل أحرزت
عددًا من الانتصارات على قواته، وأسر فيها (هشام بن عبد
العزيز (، وزير الأمير (محمد (. وخلال هذه الفترة العصيبة اندلعت
ثورة أخرى فى جنوبى الأندلس تزعَّمها (عمر بن حفصون (، الذى(14/445)
شغلت ثورته باقى عصر الإمارة كله، ولم يُقْضَ عليها إلا على
عهد الأمير (عبد الرحمن الناصر (، أول خلفاء الأندلس. 6 - الأمير
(المنذر بن محمد بن عبد الرحمن ((273 - 275هـ= 886 - 888م). وُلد
الأمير (المنذر (فى (قرطبة (، سنة (229هـ= 843م)، وكان أثيرًا لدي
والده من بين إخوته يختاره لجلائل الأمور، ويندبه لقيادة الجيش
كلما ألمَّ بالإمارة خَطْبٌ. وقد أبلى المنذر بلاء حسنًا فى مقاتلة
الثوار والخوارج، وحينما تولى العرش كانت الفتنة قد تفاقمت،
وعمت الثورة أنحاء البلاد، فشمَّر عن ساعديه للقضاء عليها،
وإعادة الأمن والنظام إلى الإمارة المضطربة، وحماية عرش الدولة
من كيد الكائدين. سيَّر (المنذر (حملاته إلى (طليطلة (فى محاولة
لإخضاعها، كما ركَّز جهوده فى القضاء على (عمر بن حفصون (،
الذى استشرى أمره، وأصبح خطرًا حقيقيًّا على الإمارة
الأندلسية، ولقد تمكن الأمير (المنذر (من ضرب حصار شديد على
قلعة (ابن حفصون (، حتى كادت تسقط فى يده، وفىتلك
اللحظات مات الأمير المنذر فجأة أمام أسوار القلعة وتجمع معظم
الروايات التاريخية على موته مسمومًا. وكان الأمير (المنذر (ذا همَّة
عظيمة، وجاء موته ضربة شديدة لقرطبة، التى اضطرت إلى رفع
الحصار عن (ببشتر (وعودة الجيش إلى (قرطبة (، وازدياد الفتنة
فى كل أنحاء الأندلس. 7 - الأمير (عبد الله بن محمد بن عبد
الرحمن ((275 - 300هـ= 888 - 912م). ولد الأمير (عبد الله (فى
(قرطبة (عام (229هـ= 843م)، وهو نفس عام ميلاد أخيه (المنذر (،
وكان معه فى حصاره لببشتر، وتتهمه بعض الروايات التاريخية
بتدبير مؤامرة قتل أخيه (المنذر (؛ لكى يصل إلى عرش الإمارة
فى (الأندلس (. بويع بالإمارة بعد أخيه، ورفع الحصار عن
(ببشتر (، وعاد بالجيش إلى (قرطبة، وبدأ حكمه الطويل فى
ظروف سيئة جدًّا؛ فالخلاف يمزِّق (الأندلس (، وعرش بنى أمية
على وشك الانهيار، وامتدت الثورة إلى الحواضر الأندلسية(14/446)
الكبرى، حتى لم يعد لأمير الأندلس من سلطان إلا على مدينة
قرطبة وحدها. واجه الأمير (عبد الله (هذه الخطوب جميعًا، وعمل
على إخماد الفتن بما وسعه من جهد؛ فلم يهدأ ولم يتوانَ فى
العمل، وظلَّ طيلة فترة إمارته يرسل الجيوش، ويجرِّد الحملات،
ويخرج بنفسه تارة، ويرسل قواده أخرى، حتى أنهك الثائرين،
وأنهك إمارته؛ مما أعطى الفرصة للممالك المسيحية فى التوسُّع
على حساب الدولة الإسلامية. ومن أسوأ ما يُذكَر للأمير (عبد
الله (غدره بولديه الأمير (محمد (أولا، ومن بعده الأمير (المطرف (،
كما أنه قتل أخوين له، قتل أحدهما بالسيف والآخر بالسّمِّ.
وبالرغم من كلِّ ما يقال عن الأمير (عبد الله (فإن الرواية
التاريخية لا تحرمه من جانب مشرق، يتمثَّل فى محبته للعلم
والعلماء، حتى كان مجلسه من أجلِّ ما عرفت (الأندلس (حتى
عصره. 8 - الأمير (عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله (، المعروف
بالناصر لدين الله (300 - 350هـ= 912 - 961م). ومما يُذكَر من
حسنات الأمير (عبد الله (أنَّه أومأ بالإمارة -من بعده- إلى حفيده
(عبد الرحمن بن محمد (، وربما كان ذلك تكفيرًا عما ارتكبه فى
حق والده الأمير (محمد (، فلقد أثبت هذا الفتى الشابُّ أنه الجدير
بالإمارة، والكفء لمواجهة ما كان يعترضها من عقبات. وُلِد (عبد
الرحمن الناصر (، سنة (277هـ= 890م)، قبل مقتل والده بأيام،
وكَفَله جدُّه الأمير (عبد الله (، وأحسن تربيته، وهيّأه لتولى
الإمارة من بعده. نهض (عبد الرحمن الناصر (بالمهمة خير نهوض؛
فعمد إلى الثوار يستنزلهم بالقوة، أو بالمسالمة، حتى تمكَّن
خلال سنوات قليلة من القضاء على جميع الثورات، وإعادة
(الأندلس (إلى وحدتها؛ حيث بدأت البلاد معه فترة من أحسن
فترات تاريخها. وجَّه (الناصر (جهوده وحملاته إلى مواجهة
عنفوان الممالك المسيحية فى شمالى الأندلس وتبادل معها النَّصر
والهزيمة لكنه أكَّد تفوُّقه عليها عسكريًّا وسياسيًّا، حتى صار(14/447)
حَكَمًا يُرْجَع إليه فى المنازعات الداخلية فى هذه الممالك. اهتم
الناصر بالعمران اهتمامًا كبيرًا، وأسس مدينة (الزهراء (، وأنشأ
بعض القواعد الأندلسية، وغدت البلاد على أيامه أقوى قوة
سياسية فى العالم الإسلامى، حتى هادنته ملوك شمالى الأندلس
وملوك ألمانيا وإيطاليا وبيزنطة، وغَصَّ بلاطه بسفراء تلك الدول.
ومن أبرز ما قام به (عبد الرحمن الناصر (، اتخاذه لقب (أمير
المؤمنين (، سنة (317هـ= 929م)، محوِّلا الإمارة الأندلسية إلى
خلافة يهابها الأعداء، ويعتز بها الأصدقاء، وفَرْض سيطرة بلاده
على عدوة المغرب، وتقليل نفوذ الفاطميين هناك، حتى غدا
رجل العالم الإسلامى بلا منازع. أما من الناحية العِلْمية، فقد غدت
(قرطبة (موئِلا للعلم والعلماء يؤمُّها طلاب العلم من كل أنحاء
الدنيا، ولا تبالغ المصادر فى اعتبار عصر الخلافة فى
(الأندلس (هو العصر الذَّهبى للمسلمين فيها. حكم (عبد الرحمن
الناصر (الأندلس خمسين عامًا، وترك البلاد من بعده مستقرة آمنة،
وأوصى بالخلافة من بعده لولى عهده (الحكم المستنصر بالله (. 9
- الخليفة (الحكم المستنصر بالله ((350 - 366هـ= 961 - 976م). وُلد
(الحكم بن عبد الرحمن (بمدينة (قرطبة (سنة (302هـ= 914م)،
واعتنى والده بتربيته عناية فائقة، وقام بتدريبه على أعباء
الحكم والقيادة، وأخذ له العهد بخلافته، وهو فى سِنٍّ مبكرة،
وبويع له غداة وفاة (النَّاصر (، سنة (350هـ= 961م)، وكانت سنُّه
-حينذاك- (48) سنة؛ ولذلك كان مكتمل الخبرة، جديرًا بالقيادة
فى (الأندلس (. كان عهد (الحكم (عهد سلام واطمئنان، فقد ترك له
والده الأمور موطَّدة، فصرف همَّه إلى العناية بالعلم والعلماء،
وبلغ فى ذلك الغاية، وأربى على النهاية، كما اهتم بالكتب،
حتى بلغ عددها فىمكتبته (400) ألف مجلَّد، وتذكر المصادر أنه
أرسل ألف دينارذهبًا إلى (أبى الفرج الأصفهانى (فى (بغداد (؛
لكى يرسل نسخة من كتابه (الأغانى (إلى (قرطبة (قبل ظهوره(14/448)
فى (بغداد (. واهتمَّ (الحكم (بالمسجد الجامع فى (قرطبة (، وقام
بتجميله وتوسعته، ومازالت أعمال (الحكم (بالمسجد بارزة
وعظيمة إلى يومنا هذا، كما استكمل بناء مدينة (الزهراء (، حتى
غدت أعجوبة زمانها. ولقد كانت ميول (الحكم (العلمية سببًا فى
تحرُّك ممالك الشمال الإسبانية ضد دولة الخلافة، معتقدين خطأً
أنه ليس للخليفة العالم شأن بالحرب، لكن (الحكم (أثبت جدارته
فى ميدان الحرب ولقَّن هذه الممالك دروسًا كبيرة أعادتها إلى
الطاعة، والإذعان لهيبة الخلافة فى (الأندلس (. أما ما يُؤخَذ على
(الحكم المستنصر (، فهو مبايعته لابنه (هشام (، وهو دون
العاشرة؛ ليكون ولىَّ عهده من بعده، وأخذ له البيعة بذلك، ثم
تُوفِّىَ (الحكم (سنة (366هـ= 976م). 10 - الخليفة (هشام الثانى (
(المؤيد بالله ((366هـ- 000= 976م- 000). تولَّى (هشام (الخلافة،
وهو دون العاشرة؛ مما أعطى الفرصة للحاجب (محمد بن أبى
عامر (ليسيطر على مقاليد الأمور فى (الأندلس (، ويتلقَّب
بالمنصور، وقام الحاجب بالحجر -تقريبًا- على الخليفة الصغير،
واستبدَّ بالأمور تمامًا، حتى أصبح عصره يُعرف -عند المؤرِّخين-
بالدولة العامرية، إلى درجة أن (المنصور (قد ورَّث منصبه
وسلطانه لولديه من بعده، وهما (عبد الملك المظفر (، و (عبد
الرحمن شنجول (. 11 - الأمويون فى عصر الفتنة (399هـ= 422هـ -
1008م= 1031م).(14/449)
*النقشبندية
إحدى الطرق الصوفية. تُنسب إلى مؤسسها بهاء الدين محمد
شاه نقشبند، المتُوفَّى بدمشق سنة (791هـ). وفى تعريف
الطريقة يقول النقشبندية: إنها دوام العبودية لله تعالى ظاهرًا
وباطنًا بكمال الالتزام بالسنة، واجتناب البدع، والرخصة فى
جميع الحركات والسكنات؛ سواء فى العبادات أو العادات أو
المعاملات. وطرق الوصول إلى هذه الحالة من دوام العبودية لله
تعالى فى النقشبندية، أربعة: أولها: صحبة الشيخ الكاملة،
وثانيها: الارتباط به، وثالثها: الالتزام بما يتلقنه عنه، وآخرها:
الذكر؛ بحيث يكون حاله هو حال الذاكر لله على الدوام. وقد
ظهرت الطريقة وراجت فى أول الأمر بين المتحدثين باللغة
الفارسية؛ ولذلك فقد كانت الكلمات الفارسية بها كثيرة قبل أن
يهاجر الإمام الثالث خالد النقشبندى إلى دمشق مرسِلاً دعاته إلى
البلاد العربية.(15/1)
*أبو حنيفة (مذهب)
مذهب فقهى سنى، ينسب إلى الإمام أبى حنيفة النعمان
المُتوفَّى سنة (150هـ)، وهو أول المذاهب الأربعة المشهورة فى
الفقه الإسلامى ظهورًا. وقد نشأ هذا المذهب فى العراق، ثم
انتشر فى مصر والشام وبلاد ماوراء النهر، والهند، والصين.
وكان هو المذهب السائد فى عصر العباسيين، كذلك أصبح
المذهب الرسمى للخلافة العثمانية، كما قام العثمانيون سنة (
1877م) بسن مجموعة من القوانين فى العقود والإجراءات المدنية
طبقًا للمذهب الحنفى. ويقوم المذهب الحنفى على الكتاب والسنة
والأثر الصحيح عن الصحابة، رضى الله عنهم. وقد كثرت المسائل
الافتراضية فى فقه المذهب، ولم يُعرف لأبى حنيفة كتاب يشرح
مذهبه ويجمع آراءه إلا أن تلامذته هم الذين تولوا كتابة فقهه
وجمع آرائه، وأبرزهم: أبو يوسف صاحب كتاب الخراج، ومحمد
بن الحسن الشيبانى. وأشهر كتب المذهب الحنفى الخراج،
والمبسوط والجامع الصغير والجامع الكبير والآثار.(15/2)
*الرفاعية
إحدى الطرق الصوفية التى تنسب إلى مؤسسها أحمد الرفاعى
المتُوفَّى بالعراق سنة (512هـ = 1118م). ويبدأ المُريد فى سلوك
هذه الطريقة بأن يعطيه المرشد أول الأوراد الرفاعية، وهى
الصلاة على النبى - صلى الله عليه وسلم -، بالعدد الذى يناسب استعداده، ويلحق به
الاستغفار والتوبة بالعدد الذى يناسب استعداده أيضًا، فإذا
طاب له الذكر يزيد له العدد، ويستحسن أن يقرأ مع أوراده حزب
التحفة السنية الخاص بالرفاعية، وهو مكون من بعض آيات
القرآن الكريم، ومجموعة من الأدعية فى نحو ثلاث صفحات. ومن
قواعد الرفاعية: الخلوة سبعة أيام من كل سنة، تبدأ باليوم
الثانى من عاشوراء. ولا يتقيد الرفاعية بزى مخصوص إلاّ العمامة
السوداء. ومن مراسيمهم عدة النوبة، وهى عبارة عن الدفوف
والطبول الأحمدية، يضربونها فى ليالى الجمع، ويجتمعون عليها
لتنشيط المريدين، والترويح عن القلوب. ويشترط فى المرشد أن
يكون كاملاً متشرعًا متدينًا عارفًا بأصول الطريقة وأركانها
وآدابها وخلواتها وأذكارها وأورادها، ناصحًا لإخوانه، محبًّا
لهم، لا يلتفت للشطحات والخرافات. ويشترط فى المُريد أن يكون
صاحب أدب وخشوع وخضوع، عارفًا بمكانة شيخه، منقادًا له،
حافظًا حرمته وحرمة أهله وأقاربه ومحبيه.(15/3)
*المالكى (مذهب)
أحد مذاهب الفقه الإسلامى الأربعة عند أهل السنة. ترجع نسبته
إلى مالك بن أنس المُتوفَّى بالمدينة سنة (179هـ = 795م).
ويستقى المذهب مبادئه من القرآن والسنة والإجماع، بالإضافة
إلى القياس، وقد اعتبر الإمام مالك عمل أهل المدينة دليلاً
شرعيًّا معترفًا به. وقد أخذ تلاميذ الإمام مالك على عاتقهم مهمة
نشر المذهب فى ربوع العالم الإسلامى، فقد دخل المذهب
الإسكندرية بمصر عن طريق عثمان بن عبد الحكم المُتوفَّى سنة
(163هـ = 779م)، وفى العراق انتشر المذهب على يد عبد الرحمن
الكعنبى المُتوفَّى سنة (221هـ = 835م)، وفى شمال إفريقيا
دخل المذهب وانتشر على يد كل من أسد بن الفرات وسحنون،
وفى الأندلس دخل المذهب فى نهاية القرن الثانى الهجرى، وحل
محل مذهب الأوزاعى. وأهم مصادر المذهب المالكى: الموطَّأ
للإمام مالك، وهو أقدم عمل فقهى عاش حتى يومنا هذا،
ويعتبر دستورًا شرعيًّا مطابقًا لما جاءت به السُنَّة وأجمع عليه
أهل المدينة، والمدونة الكبرى لسحنون، وهى عبارة عن
مجموعة من آراء الإمام مالك، بالإضافة إلى تصحيحات وإجابات
أرسلها ابن القاسم العتاقى تلميذ مالك إلى سحنون طبقًا لآراء
مالك وآراء شيوخه ومعاصريه، وتعود أهميتها العلمية إلى أنها
تصور العلاقة بين الدين والتجارة. ومازال المذهب المالكى
معمولاً به فى كثير من الدول الإسلامية، وخاصة بلاد الشمال
الإفريقى.(15/4)
*المهاجرون
هم أصحاب رسول الله، الذين هاجروا فى سبيل الله تعالى؛
فرارًا بدينهم من مكة إلى الحبشة، ثم إلى المدينة. وقد صارت
هذه الهجرة صفة تكريم لأصحابها، فقيل: فلان ممن هاجر
الهجرتين (أى: إلى الحبشة، والمدينة)، وقد تميز أصحاب هذه
الهجرة فى الفئ دون غيرهم. وهذا النوع من الهجرة انتهى بعد
مكة؛ فقد قال (: لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا
استنفرتم فانفروا. ولكن ليس معنى ذلك أن كل أنواع الهجرة قد
انتهى أمرها، فما دام هناك أعداء يتربصون بالإسلام وأهله،
فسيظل باب الهجرة مفتوحًا، وقد قال (: من فر بدينه من أرض
إلى أرض، وإن كان شبرًا من الأرض، استوجبت له الجنة. وكل
هجرة لغرض دينى من طلب علم أو حج أو جهاد أو فرار إلى بلد
يزداد فيه المرء طاعة أو قناعة وزهدًا فى الدنيا، أو ابتغاء رزق
طيب فهى فى سبيل الله، وإن أدركه الموت فأجره على الله.(15/5)
*المزدكية
مذهب ضال يُنسب إلى مزدك بن نامدان، المولود فى نيسابور
سنة (487 م)، الذى نادى بشيوعية النساء والأموال، وذلك لمنع
الحروب والشقاء فى العالم. وكان مزدك فى أول أمره مانويًّا.
ثم انشق عن المذهب المانوى وقال: إن الكون يرجع إلى ثلاثة
أصول، هى: (الماء) و (النار) و (التراب)، امتزجت بنسب متساوية
فكان الخير، وامتزجت بنسب متفاوتة فكان الشر. وكان يرى أن
الإنسان ليكون ربانيًّا يجب أن يتمتع بأربع قوى، هى: (التمييز)
و (الفهم) و (الحفظ) و (السرور)، لذا أمر أتباعه بالابتعاد عن
البغضاء. وعندما علم ملك الفرس أنوشروان بفساد اعتقاد مزدك
وأتباعه قتلهم سنة (523 م). وقد انتشر هذا المذهب فى إيران
وأذربيجان وأرمينيا، واهتم المسلمون بتاريخ المزدكية لفساد
معتقدهم وخطورة مذهبهم، وأفردوا لها بابًا فى الفقه، يمنع
الزواج منهم أو أكل ذبائحهم، ويحظر قبول الجزية منهم
لاستباحتهم المحرمات.(15/6)
*الأرثوذكسية
إحدى الطوائف المسيحية الثلاث الكبرى، وهى تعنى: الرأى
المستقيم، وفى القرن الخامس الميلادى أصبحت هناك كنيستان
أرثوذكسيتان، هما: (الأرثوذكسية المصرية)، ويؤمن معتنقوها
بطبيعة واحدة فى المسيح من طبيعتين، ويغلِّبون الطبيعة الإلهية
فى المسيح على الطبيعة البشرية، ويتزعم هذا الاتجاه (كنيسة
الإسكندرية). و (الأرثوذكسية اليونانية)، ويؤمن أهلها بطبيعتين
للمسيح، هما: الإلهية والبشرية. وهاتان الطبيعتان مستقلتان غير
منفصلتين. ويتزعم هذا الاتجاه كنائس روسيا ومعظم أوربا
الشرقية. وفى القرن الحادى عشر الميلادى حدث انشقاق بين
الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية حول طبيعة المسيح، أدى
إلى اختلاف فى الطقوس بينهما، لذلك فأغلب مسيحيى الشرق
أرثوذكس، والتنظيم الكهنوتى للأرثوذكس يأتى على قمته
البطريرك ثم المطارنة والأساقفة والقساوسة، وللكنيسة القبطية
المصرية الأرثوذكسية دستور يتضمن جميع قوانينها ونظمها،
يطلق عليه اسم دايدا سكاليا أى: تعاليم الرسل.(15/7)
*الراوندية
هم جماعة من الروافض، أتباع عبد الله الراوندى، كانوا يرون
أن عبد الله بن الحنفية أوصى إلى محمد بن على بن عبد الله بن
العباس بن عبد المطلب بالإمامة، وأن الإمامة انتقلت من محمد إلى
ابنه أبى جعفر المنصور. وقالوا: إن أبا جعفر المنصور هو الله،
وهو العالم بكل شىء، ويعلم سرهم ونجواهم، ويحيى ويميت،
وهو الذى يطعمهم ويسقيهم، واعتقدوا فى التناسخ. ولما بلغ
المنصور قولهم أخذ جماعة منهم، فاعترفوا، فاستتابهم فلم
يرجعوا، وقالوا: المنصور ربنا، فإذا شاء أحيانا، وإذا شاء
قتلنا شهداء، وله أن يفعل ما يشاء بخلقه، ولا يُسأل عما يفعل.
وخرجت جماعة منهم يطوفون بقصره، ويهتفون: أنت .. أنت .. ؛
أى: أنت الله، فكلف المنصور معن بن زائدة الشيبانى فخرج
إليهم بعسكره وقتلهم، إلا أنه لم يستطع أن يقضى عليهم قضاءً
تامًّا، إذ خرجوا بعد ذلك فى صورة ثورات مختلفة، مثل: ثورة
المقنع الخراسانى وبابك الخرمى.(15/8)
*الاتحاد والترقى
الاتحاد والترقى أول حزب سياسى ظهر فى الدولة العثمانية
عام (1308 هـ)، وكان فى الأصل جمعية سرية أنشأها بعض
أعضاء جمعية تركيا الفتاة، وكانت أهدافهم المعلنة هي: إطلاق
الحريات، وإقامة حياة نيابية، وإعلان الدستور، أمَّا الأهداف
الخفية فهي: السعى للوصول إلى السلطة، وإسقاط الخلافة
العثمانية، وتمزيق العالم الإسلامى، وتفتيت وحدته، والسيطرة
عليه، وفتح الطريق أمام اليهود لإقامة دولة لهم فى فلسطين، ثم
تمتد من النيل إلى الفرات. وكان معظم أعضاء هذه الجمعية
منضمين إلى الجمعيات الماسونية، وكانوا خليطًا من أجناس
وأديان وقوميَّات مختلفة، ولكن أغلبهم كانوا من الأتراك
العثمانيين، وكان ضباط الجيش التركى هم أبرز العناصر فى
جمعية الاتحاد والترقي. وقد أصبح هذا التنظيم السرى حزبًا
علنيًّا فى سنة (1327 هـ) بعد نجاحه فى الإطاحة بالسلطان
العثمانى عبد الحميد الثانى، وأصبح هذا الحزب هو صاحب
السلطة الحقيقية فى الدولة العثمانية فى الفترة من سنة (1326
هـ) إلى سنة (1337هـ). وبعزل السلطان عبد الحميد لم تعد
للخلافة سيطرة على الدولة الإسلامية، فقد جاء من بعده سلاطين
مستضعفون، وقعوا تحت سيطرة جمعية الاتحاد والترقي التى
يقف من ورائها اليهود وكانت هذه الجمعية موضع شبهات منذ
وقت مبكر. وقد استغل اليهود هذه الجمعية، ووفروا لها كل
الإمكانات المادية، وكانت لهم الحظوة والمكانة فى الوزارات
التى شكلتها، وكانت هذه الجمعية تعمل - بتوجيه من العناصر
اليهودية - على إزالة كثير من القيود التى تقف فى وجه
استيطانهم فى فلسطين، وكانت سياسة الاتحاد والترقى بعد
أن أمسك أعضاؤه بزمام السلطة فى تركيا عنصرية متطرفة،
فنادوا بتفوق العنصر التركى، وبضرورة سيادته على العناصر
الأخرى، وبخاصة العنصر العربى. وقد أدت سياستهم هذه - فى
النهاية - إلى سقوط الخلافة العثمانية، وتمزيق العالم الإسلامى،(15/9)
وضياع ثرواته، ووقوعه فى قبضة الاحتلال، واغتصاب فلسطين
، ثم إقامة دولة يهودية على أرضها.(15/10)
*الأقباط
لقب اختص به المسيحيون المصريون، دون سائر المسيحيين فى
العالم أجمع حتَّى صار علمًا عليهم، وهى كلمة ذات مدلول
تاريخى بعيد، فكلمة قبطي مأخوذة من اللفظة الإغريقية
أيغوبتي أو من اللفظة الرومانية أغيبتي، وتعنى المصرى،
ولفظة الأقباط كانت تطلق على المصريين جميعًا، ولا تخص
المسيحيين وحدهم، وقد كان إطلاق هذا اللفظ على المصريين
سابقًا على دخول المسيحية مصر، فلما دخلت المسيحية إليها
فى القرن الأول الميلادى دخل الأقباط فيها، ولما دخل الإسلام
مصر فى القرن السابع الميلادى دخل فيه الأقباط كذلك. وطوال
القرون الأولى للميلاد كان للأقباط المسيحيين أثر فى مجال
الفكر والثقافة فى عالم المسيحية آنذاك، وفى ظل الإسلام
شارك الأقباط المسيحيون المسلمين فى صنع حضارة راقية على
أرض مصر، ونعموا معًا بالحرية والأمن. وفى عهد الفاطميين
حظى المسيحيون بمكانة بارزة، فأصبحت لهم الوزارة
والمشورة، وتزوَّج الخلفاء منهم. ولم يشعر الأقباط المسيحيون
فى مصر بأى تغيير فى سياسة الدولة الإسلامية تجاههم خلال
الغزو الصليبى لبلاد الشام ومصر. وبلغ من عمق الصلة والتآلف
بين الأقباط المسيحيين والمسلمين آنذاك أن رجال الدين
المسيحى كانوا يحتكمون - فى بعض خلافاتهم - إلى ملوك
الأيوبيين، كما حدث فى عهد الملك الكامل، عندما سألوه حلَّ
النزاع بينهم حول اختيار بطريرك الإسكندرية. ومما يلفت النظر
أن الرهبان والراهبات فى أديرة مصر قد تمتعوا بالإعفاء التام
من الضرائب، وجميع الالتزامات المالية، كما سمح لهم بتلقى
الهدايا والنذور والصدقات التى تأتيهم من الخارج دون فرض أية
ضريبة عليها.(15/11)
*الوهابية
هى إحدى الحركات الإصلاحية الرائدة التى ظهرت إبان عهود
التخلف والجمود الفكرى فى العالم الإسلامى. وتنسب الوهابية
إلى مؤسسها محمد بن عبد الوهاب. وهى تدعو إلى العودة
بالعقيدة الإسلامية إلى أصولها الصافية، وتنقية مفهوم التوحيد
مما علق به من مظاهر الشرك. وقد دعت الحركة الوهابية إلى
فتح باب الاجتهاد، بعد أن ظلَّ مغلقًا منذ سقوط بغداد فى
أواسط القرن السابع الهجرى، كما أكدت ضرورة الرجوع إلى
الكتاب والسنة، باعتبارهما المصدر الأول للتشريع، وعدم قبول
أى أمر فى العقيدة ما لم يستند إلى دليل واضح ومباشر منهما،
واعتمدت منهج أهل السنة والجماعة فى فهم الدليل والبناء
عليه، وطالبت المسلمين بالعودة إلى ما كان عليه السلف الصالح
فى صدر الإسلام من نقاء العقيدة وسلامتها.(15/12)
*الإباضية
إحدى الفرق الإسلامية التى ظهرت فى أواخر عصر دولة بنى
أميَّة، أيام حكم مروان بن محمد الثانى آخر خلفاء الدولة الأموية.
وتجمَّع لها أنصار من حَضْرَمَوْتَ من بلاد اليمن، فهاجموا مكة
والمدينة، فأرسل إليهم الخليفة جيشًا؛ فهزمهم بعد قتالٍ شديد،
ثم انتقلت هذه الفرقة إلى عمَان بقيادة الجُلُندِى بن مسعود،
وظلت تمارس نشاطها هناك حتى قضى عليها العباسيون سنة
(134 هـ)، ثم انتشرت الإباضية فى شمال إفريقيا فى أواسط
البربر فى طرابلس وتونس، ثم انتشرت فى تاهرت بالجزائر،
بزعامة الأسرة الرستمية، وظلت مسيطرة عليها نحو (13) عامًا،
حتى قضى عليها الفاطميون سنة (296 هـ). ولا تزال الإباضية
قائمة، حتى اليوم، فى كلًّ من الجزائر، وليبيا، وتونس،
وتنزانيا، وعمان. وهم يعيشون على نظام ثابت وتقاليد عريقة،
فلا يحتكمون إلى محاكم الدولة، وإنما يشكلون فى كلَّ بلدةٍ
مجلسًا يسَمَّى مجلس العزابة. وعقيدة الإباضية تتفق مع أهل
السنة فى الكثير من المسائل، ولا تختلف إلاَّ فى القليل منها،
وهم يعتمدون على القرآن والسنة والرأى كمصادر للتشريع.(15/13)
*الصفرية
فرقة من الخوارج تنسب إلى زياد بن الأصفر، ذاع صيتها فى
خلافة يزيد ابن معاوية وولاية عبيد الله بن زياد على العراق،
وقد خالف المنتسبون إليها الأزارقة والنجدات، والإباضية فى
أمور كثيرة، منها: أنهم لم يكفروا القعدة عن القتال، إذا كانوا
موافقين لهم فى الاعتقاد، ولم يسقطوا حدَ الرجم، ولم يحكموا
بقتل أطفال المشركين وتكفيرهم بأنهم سيخلدون فى النار.
وقالوا: التقية جائزة فى القول دون العمل، وإن مرتكب الجرائم
التى يقع عليها الحد كالزنا والسرقة والقذف لا يكون كافرًا،
وإنما يُسمَّى زانيًا أو سارقًا أو قاذفًا. أما ما كان من الكبائر
مما ليس فيه حد لعظم جرمه مثل: ترك الصلاة، والفرار من الزحف،
فإن مرتكبه يعدُّ كافرًا.(15/14)
*أهل الذمة
هو اصطلاح عرفه الفقه الإسلامى، ويطلق على أهل الكتاب من
اليهود والنصارى، الذين يقيمون فى ديار الإسلام، ويتمتعون
بالحرية والحماية والأمن مقابل دفعهم الجزية، وهذه الجزية لا
تجب على الصبى ولا المرأة ولا المجنون، كما أنه لا يجوز
تحصيل تلك الجزية قبل أوانها، كما أنها لا تجب إِلا مرَّة واحدة
فى العام. وقد ترك الإسلام لأهل الذمة حرية تنظيم شؤونهم
الداخلية بالكيفية التى تلائمهم، كما ساوى بين أهل الذمة الذين
يدفعون الجزية وبين المسلمين الذين يدفعون الزكاة، فى
الحقوق والواجبات، والحماية والأمان، علاوة على الانتفاع
بالمرافق العامة للدولة الإسلامية. كما حرص الإسلام على إقامة
علاقات مودة وتسامح مع أهل الذمة، مثل حضه على عيادة
مرضاهم، وتبادل الأطعمة معهم، وحسن جوارهم، وإطلاق
حريتهم فى ممارسة شعائر عقيدتهم.(15/15)
*السنوسية
حركة إصلاحية إسلامية تنسب إلى مؤسسها محمد بن على
السنوسي، وهى إحدى التيارات الإصلاحية التى نشطت فى
أنحاء متعددة من العالم الإسلامى منذ منتصف القرن الثالث
عشرالهجرى؛ للقضاء على البدع والخرافات التى شابت عقيدة
بعض المسلمين، والعودة إلى أصول الإسلام الصحيحة. وتضمنت
الدعوة السنوسية النهى عن حياة الترف، وعن المبالغة فى كنز
الذهب، وعن الإسراف فى اقتناء الجواهر إلا من حلى النساء،
كما حرَّمت التدخين، وشرب القهوة، وحثت على اتباع قواعد
الدين فى أنقى صوره وأبسط مظاهره، كما أنزله الله - تعالى -
على رسوله صلى الله عليه وسلم، والرجوع إلى نبع الإسلام
الصافى، متمثلا فى القرآن الكريم والسنة النبوية. وكان
للسنوسى الكبير دعاء يردده، على نحو الأدعية المعروفة بين
الطوائف الصوفية، وليس فيه ما يناقض تعاليم أئمة الفقه
الإسلامى، ولا يخرج عن إطار ما نزل به القرآن الكريم.(15/16)
*السنة (مذهب)
السُّنَّة -عند الفقهاء- هى كل مايقابل الواجب من العبادات، وقد
تطلق على مايقابل البدعة. ويُعَرفُ الأصوليون السنة بأنها:
أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وتقريراته، وصفاته. وتنقسم السنة عند
الجمهور - من حيث عدد رواتها - إلى: سنة متواترة، وهى كل
خبر بلغ رواته فى الكثرة مبلغًا يستحيل معه اتفاقهم على
الكذب، وسنة الآحاد، وهى ما كان رواتها ثلاثة فأقل فى كل
طبقة (جيل). كما تنقسم السنة - من حيث درجتها- إلى سنة
صحيحة، وسنة حسنة، وسنة ضعيفة، وهناك ما وضع على
الرسول صلى الله عليه وسلم وأطلق عليه الموضوعات. والسنة،
هى المصدر الثانى فى التشريع الإسلامى بعد القرآن الكريم،
ومن ثم فإنها تنقسم - من حيث العمل بها- إلى قسمين:
1 - سُنةّ
أخذها هدى، وتركها ضلالة: مثل صلاة العيدين، والأذان،
والإقامة، وصلاة الجماعة.
2 - سُنةّ أخذها حسن وتركها لابأس به:
مثل طريقة قيام النبى - صلى الله عليه وسلم - وقعوده، وملبسه - صلى الله عليه وسلم -وغير ذلك. وهى بذلك
بمعنى المندوب إذ هو: ما طَلَبَ الشارع فعله من غير إلزام، ولا ذم
على تركه.(15/17)
*الشيعة
هم شيعة على بن أبى طالب، رضى الله عنه، وأهل بيته، وقد
نادوا بأحقية على بالإمامة، واعتقدوا أن الإمامة لاتخرج عن
أولاده، فالإمامة - فى نظرهم- ليست قضية مصلحية يناط
اختيارها بجمهور المسلمين، بل هى قضية أصولية من صميم
العقيدة؛ ولذا فالإمام هو محور عقيدة الشيعة. وقد ظهرت فكرة
الشيعة - فى أول أمرها - اثر وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم -، فرأى جماعة من
الصحابة أن أهل بيت النبى - صلى الله عليه وسلم - هم أولى الناس بخلافته، فالدعوة
فى نظر هؤلاء ميراث أدبى، وفى مقدمة أهل النبى - صلى الله عليه وسلم - ابن عمه
على؛ فهم يرون أن أحقيته فى الخلافة قائمة على التعيين لا
الانتخاب، ويرون أن النبى - صلى الله عليه وسلم - أوصى لعلىًّ من بعده، وبالتالى
أوصى علىٌّ لمن بعده، وأن كلَّ إمام وصى، والوصى معصوم
من الخطأ، فهو عندهم نائب صاحب الشريعة، له علم الظاهر
والباطن، وله حق التشريع، ولايقف عند حدَّ التفسير والاجتهاد.
وتنقسم الشيعة أقسامًا وفرقًا عديدة، ولكنهم جميعًا يتفقون
على إمامة على، كرم الله وجهه، ومن بعده الحسن، والحسين،
رضى الله عنهما، ولكنهم اختلفوا فى الإمامة بعد استشهاد
الحسين. وتتضمن عقيدة الشيعة قضايا عديدة، منها: الوصى
والوصاية والعصمة والغيبة الصغرى والكبرى ووظهورالإمام
المنتظر الذى بملأ الأرض عدلا.(15/18)
*التوابون
حزب شيعى نهض للأخذ بثأر الحسين بن على وآله، رضى الله
عنهم، بعد مقتله؛ نتيجة تخلى أهل الكوفة عنه؛ فعلى الرغم من
أن خروجه إليهم كان بدعوة منهم فإنهم خذلوه وتركوه يلقى
حتفه على يد عبيد الله بن زياد فى كربلاء، من بعد تعهدهم
بنصرته ووعودهم الخادعة البراقة بالوقوف فى صَفّه. وعندما
شعر أهل الكوفة بما ارتكبوه فى حق حفيد النبى - صلى الله عليه وسلم - ندموا على
فعلتهم، ولاموا أنفسهم، وعزموا على الثأر لقتله والقصاص من
قاتليه، وصاحوا عند قبر الحسين طالبين التوبة والمغفرة من الله،
وسموا أنفسهم التوابين. وقد تزعم هذه الحركة سليمان بن صرد
الخزاعى، وهو صحابى، وقضى حزب التوابين الفترة من سنة
(61هـ) إلى سنة (64هـ) فى الاستعداد للقتال، وجمع السلاح،
واستمالة الناس، ثم خرجوا لقتال الجيش الأموى القادم من الشام
بقيادة عبيد الله بن زياد، والتقى الطرفان عند عين الوردة،
وسرعان ماانتهت المعركة بعد مصرع سليمان بن صرد وكثير من
أعوانه.(15/19)
*الأنصار
لقب اشتهر به المسلمون من أهل المدينة من الأوس والخزرج
الذين آمنوا بالنبى صلى الله عليه وسلم ونصروه، وآزروا دعوته.
وقد كان لإيمان السبعة الأوائل من الأنصار الذين التقوا برسول
الله (أول مَرة فى موسم الحج، أكبر الأثر فى انتشار الإسلام
فى المدينة؛ مما هيأ للمؤمنين المضطهدين فى مكة أن يجدوا
فى المدينة ملاذًا يلجئون إليه، ووجد فيها النبى - صلى الله عليه وسلم - ملجأ آمنًا يقيم
فيه دولته، وينشر منه دعوته، ويمكن أصحابه من الحفاظ على
عقيدتهم ضد الشرك والمشركين. وكان للأنصار فضل كبير فى
نصرة الإسلام، وخاضوا عديدًا من الغزوات ضد المشركين أهمها
غزوة بدر، وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - شديد الحب للأنصار، يدعو لهم، ويوصى
بهم خيرًا؛ لما بذلوه فى نصرة الدعوة، ومواساتهم إخوانهم
المهاجرين.(15/20)
*البوذية
ديانة وضعية، تنسب إلى سدهارتاجوتاما الملقب ببوذا، وتعنى
العَالِم، مؤسسها فى القرن السابع قبل الميلاد فى شبه القارة
الهندية، وينتمى بوذا إلى قبيلة ساكيا التى كانت تقيم فيما
يعرف اليوم بمملكة نيبال وكان أبوه حاكمًا لهذه المنطقة، فشب
بوذا مترفًا، ولما بلغ السادسة والعشرين انصرف إلى حياة الزهد
والتقشف، وهجر زوجته، وقضى أكثر من أربعين سنة، يُعَلمُ
النَّاسَ، ويتجول حتى قامت البوذية. وكانت البوذية - فى بدايتها
- متوجهة إلى العناية بالإنسان، وتخليصه من آلامه التى سببتها
له الشهوات، كما أنها كانت تدعو إلى التصوف والخشونة، ونبذ
الترف، وتنادى بالمحبة والمساواة إلا أنها تحولت إلى طقوس
وثنية بعد موت مؤسسها، فانقسمت إلى مذهبين: مذهب هينايانا
ومذهب مهايانا. وكان لاعتناق آسوكا - ملك الهند- البوذية
وتحمسه لنشرها أثر كبير فى نشرها فى سيلان والصين وكثير
من بلاد آسيا. وفى العصر الحديث انتشرت البوذية فى الولايات
المتحدة الأمريكية وبعض البلدان الأوربية، ويقدر عدد البوذيين
فى العالم حاليًّا بأكثر من ثلاثمائة مليون بوذى، يدينون بهذه
الفلسلفة المادية الإلحادية.(15/21)
*القرامطة
حركة باطنية هدَّامه، ظاهرها التشيع لآل البيت والانتساب إلى
محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وحقيقتها الإلحاد والإباحية،
وهدم الأخلاق، والقضاء على الدولة الإسلامية، وأساس معتقدهم
ترك العبادات واستباحة المحظورات، وإقامة مجتمع على الإباحية
ومشاعية فى النساء والمال. وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى
حمدان قرمط بن الأشعث الذى نشرها فى الكوفة سنة (278هـ)،
وقد دامت هذه الحركة قرابة قرن من الزمان، بدأت من جنوبى
فارس، وانتقلت إلى الكوفة، وامتدت إلى الأحساء، والبحرين،
والبصرة، واليمامة، وسيطرت على مساحة واسعة من جنوبى
الجزيرة العربية واليمن وعمان وخراسان. وقد دخل أهل هذه
الحركة مكة واستباحوها، وخلعوا باب البيت الحرام، واقتلعوا
الحجر الأسود، وسرقوه ونقلوه إلى الأحساء، وظل الحجر هناك
عشرين سنة حتى عام (339هـ). وقد اتجهت جيوشهم إلى مصر،
وعسكرت فى منطقة عين شمس قرب القاهرة، ثم انحسر سلطان
القرامطة، وزالت دولتهم، وسقط آخر معاقلهم فى الأحساء
والبحرين.(15/22)
*النصرانية
النصرانية هى الديانة المسيحية التى أنزلت على عيسى، عليه
السلام، مكملة لرسالة موسى، عليه السلام، متممة لما جاء فى
التوراة من تعاليم، وقد نزلت النصرانية على بنى إسرائيل داعية
إلى التهذيب الوجدانى، والرقى النفسى والعاطفى، ولكنها
سرعان مافقدت أصولها؛ مما ساعد على امتداد يد التحريف
إليها، فابتعدت كثيرًا عن صورتها السماوية الأولى، وامتزجت
بمعتقدات وفلسفات وضعية. وتنتشر النصرانية اليوم فى معظم
بقاع العالم، وقد ساعد على ذلك الاستعمار وحركات التنصير
التى تدعمها مؤسسات عالمية ضخمة ذات إمكانات هائلة. ومن
أهم المذاهب فى النصرانية: الكاثوليكية، وتنتشر بشكل كبير
فى ايطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال والدانمارك،
والبروتستانتية، وتنتشر فى ألمانيا وإنجلترا، والأرثوذكسية
الشرقية، وتنتشر فى روسيا والبلقان واليونان، ومقرها
الأصلى فى القسطنطينية، ويتبعها عدد من الكنائس الشرقية
المستقلة.(15/23)
*الإمامية
إحدى فرق الشيعة، وهم الذين نادوا بإمامة اثنى عشر إمامًا من
آل البيت يسمون الاثنى عشرية والموسوية. والأئمة عندهم: على
والحسن والحسين وعلى زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر
الصادق وموسى الكاظم. وبعد وفاة جعفر، انقسم أتباعه
فاستمرت الإسماعيلية أو السبعية على إمامة إسماعيل الابن
الأكبر لجعفر وكان قد مات فى حياة أبيه، وأعلنت الموسوية
الولاء لموسى الذى أوصى له والده بالإمامة، ثم من بعده على
الرضا، ثم ابنه محمد الجواد، ثم ابنه على الهادى، ثم ابنه الحسن
العسكرى، وهو الإمام الحادى عشر، ثم ابنه محمد الإمام الثانى
عشر. وقد مات محمد سنة (265هـ)، ولم يكن له ولد، فوقف
تسلسل الأئمة، ويزعم الإمامية أنه دخل سردابًا فى سامراء فلم
يمت، وأنه سيرجع مرة أخرى، وهو المهدى المنتظر. وهذه
الطائفة منتشرة فى إيران والعراق وسوريا ولبنان، ومنهم
جماعات متفرقة فى شتى أنحاء العالم.(15/24)
*اليهودية
أقدم الرسالات السماوية الثلاث، وهى مجموعة من الشرائع
والآثار والعقائد التى وردت فى العهد القديم وفىالتلمود الذى
أعاد جمع ماجاء فى العهد القديم، وصلتها بالمسيحية واضحة
فالمسيح - عليه السلام - كان من أصل يهودى. ولم تسلم
اليهودية من الاضطراب والتأويل تبعًا لاضطراب اليهود أنفسهم،
وقد دفعهم ذلك إلى التمسك بها، وتقوم اليهودية على توحيد
الخالق، وتنزيهه عن الحوادث، وأنه تعالى قد جعل شعب
إسرائيل من نسل إبراهيم، عليه السلام؛ ليكون شعب الله
المختار، وأنه قد أنزل التوراة على موسى، عليه السلام؛ ليقود
هذا الشعب على ضوء تعاليمها 0 واحتفظ اليهود - منذ القدم-
بصفاء جنسهم، وتوارثوا تعاليمهم، ولكنهم لم يقوموا بعمل
تبشيرى يذكرعلى الرغم من اعتقادهم بتميزهم، وأن العالم
سيطهر على أيديهم. ومن أهم تعاليمهم: الختان للذكور، وتحريم
كل ما يمس الخنزير من طعام أو شراب. وقد تعلق اليهود - منذ
القدم كذلك- بأمل كبير هو أنهم سيعودون إلى أرض كنعان
الموعودة. وقد انقسمت اليهودية - عبر العصور- إلى فرق عديدة
(قديمًا وحديثًا)، منها: الأسينيون والصدوقيون والفريسيون،
وأعظم انقسام حدث بينهم هو ذلك الذى حدث فى القرن الثامن
عشر، بعد حركة الإصلاح الدينى التى قام بها موسى مندلسون
فى ألمانيا، وهدف من ورائها إلى التحرر من بعض المحرمات
القديمة، وإباحة الخنزير، وعدم تقديس السبت، والتخفف من كثير
من الطقوس، واستعمال اللغة الدارجة فى المراسيم الدينية، بدلا
من العبرية، وعدم الصلاة على الموتى. فأخذ بهذا كثير من يهود
ألمانيا وأمريكا، وعارضه اليهود الأرثوذكس.(15/25)
*الحشاشون
إحدى طوائف الشيعة الإسماعيلية. اشتق اسمها من الحشيش،
وهو عبارة عن عصارة مخدرة تستخرج من نبات القنب الهندى
الذى كانوا يتعاطونه لإشاعة روح الاستسلام والانقياد لزعمائهم
الذين يحرضونهم على القتل والاغتيال للتخلص من أعدائهم.
ويرجع تأسيس هذه الطائفة إلى الحسن الصباح الذى أنشأها
كرابطة سرية ذات أهداف سياسية، ثم استولى على قلعة ألموت
عام (483هـ)، وتابع خلفاؤه هذه السياسة بالاستيلاء على عدَّة
مواقع جبلية حصينة، تقع بين الشام وإيران، ودام سلطان هذه
الجماعة نحو قرنين من الزمان. وقد حاول الخلفاء العباسيون
القضاء على هذه الطائفة، وبدأت هذه الطائفة تحتضر باستيلاء
هولاكو على قلعة ألموت عام (654هـ) حتى قضى السلطان
الظاهر بيبرس على نفوذها تمامًا فى الشام عام (671هـ)، وبذلك
انتهى أمرها كقوة سياسية لعبت دورًا مؤثرًا فى تاريخ
المسلمين.(15/26)
*الإسماعيلية
فرقة باطنية تنسب إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق، وتقوم
على التشيع لآل البيت، وقد نشأت فى العراق، ثم انتقلت إلى
فارس وخراسان وبلاد ماوراء النهر، مثل: الهند والتركستان،
فخالطت مذهبَهم آراء من عقائد الفرس القديمة، والأفكار الهندية،
واندس بينهم أصحاب الأهواء، فشطوا فى غلوهم، وعملوا على
انحرافهم بما انتحلوا من أفكار ومعتقدات بعيدة عن الكتاب
والسنَّة، وتسللت إليهم فلسفات وعقائد كثيرة أثرت فيهم،
وأبعدتهم عن الإسلام الصحيح. وللإسماعيلية أفكارهم
ومعتقداتهم الخاصة بهم، وهى تدور حول شخصية الإمام،
وتجعله محور دعوتهم، فلابد - عندهم- من وجود إمام معصوم،
منصوص عليه، من نسل محمد بن إسماعيل، على أن يكون الابن
الأكبر، ويجعلون للإمام بعض صفات الله تعالى، ويخصونه بعلم
الباطن، ويدفعون له خُمس مايكسبون، كما يؤمنون بالتقية
والسرية، ويطبقونهما فى الفترات التى تشتد عليهم فيها
الأحداث، ويعتقدون فى التناسخ، والإمام عندهم وارث الأنبياء
جميعًا، ووارث لكلّ من سبقه من الأئمة.(15/27)
*الخوارج
فرقة سياسية إسلامية، ظهرت فى أواخر عصر الخلفاء
الراشدين، فى عهد على بن ابى طالب، فى موقعة صفين،
وكان سبب خلافهم مع على - رضى الله عنه- أن بيعته كانت
صحيحة من وجهة نظرهم، باتفاق مجموع الأمة، فما كان له أن
يلجأ إلى التحكيم بينه وبين معاوية، ورأوا أنه كان عليه أن
يقاتل معاوية قتال المؤمن بحقه، وعابوا عليه أنه احتكم إلى
الرجال، ولم يحتكم إلى القرآن الكريم، وزعموا أنه أثار بذلك
فتنة بين المسلمين. وقد انبثقت عن هذه الفرقة - على مر الزمن -
عدة فرق، بلغت اثنتين وعشرين فرقة، منها: الأزارقة،،
والنجدات وغيرهما. وكان الخوارج - لاسيما فى الفترة الأولى من
نشأتهم - متفقين على مسائل، أهمها: أن الخلافة حق لكل مسلم
مادام مؤهلا لها، وهم فى ذلك يخالفون الشيعة الذين يرون أن
الخليفة لابد أن يكون من آل البيت، كما يخالفون بنى أمية الذين
قصروا الخلافة على قريش، كما اتفقوا على خروجهم على
السلطان الجائر، وعلى تكفير مرتكب الكبائر، إذ إن الاعتقاد
بالله ونبيه دون العمل بتعاليم الإسلام لايختلف - فى رأيهم - عن
الكفر.(15/28)
*الصحابة
الصحابة جمع صحابى، وهو من لقى النبى - صلى الله عليه وسلم - مؤمنًا، ومات على
الإسلام، ويطلق عليه أيضًا الصاحب. وللصحابة منزلة عظيمة عند
المسلمين، ولهم مكانة عالية فى تقدير أهل السنة؛ فعن طريقهم
وصلت أحاديث النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى من جاء بعدهم، وقد بدأت العناية
بجمع أسماء الصحابة ثم العناية بسيرهم نتيجة العناية بالسيرة
النبوية، التى تشتمل على أخبار المغازى، كما تشمل أقوال
الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله، التى هى موضوع السنَّة؛ باعتبارها المصدر
الثانى للتشريع، فالعناية بها مهدت للعناية برواة السيرة الذين
هم صجابة النبى - صلى الله عليه وسلم -، ثم تابعيهم، وتابعى تابعيهم. وقد وضعت
مؤلفات موسوعية اشتملت على أسماء المحدثين وأنسابهم
وتراجمهم، بدءًا من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعد كتاب الطبقات
الكبرى لابن سعد أقدم المصادر فى تراجم الصحابة وأهمها،
وكذلك كتاب الاستيعاب فى معرفة الأصحاب لابن عبد البر،
وكتاب أسد الغابة فى معرفة الصحابة لابن حجر العسقلانى،
وغيرها من الكتب. ويقدر بعض المؤرخين عدد الذين دخلوا فى
الإسلام، ورأوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى وفاته فى العام الحادى عشر من
الهجرة - بنحو (144) ألف صحابى.(15/29)
*العلمانية
العلمانية هى ترجمة لكلمة فرنسية تعنى لادينية، وهى نزعة أو
اتجاه اعتنقه جماعة فى أوربا، فى مقابل ماكان سائدًا فيها
فى العصور المظلمة، التى تسلط فيها رجال الدين وسيطروا على
أنشطة الحياة فى كل الميادين؛ مما تسبب فى الجمود الفكرى
والتخلف الحضارى، فى الوقت الذى حقق فيه المسلمون أعظم
الإنجازات، وبلغوا من أسباب الرقى والمجد ما سادوا به العالم
فى كلّ المجالات. وكان معتنقو هذا المذهب - فى أول الأمر- قد
وقفوا من الدين موقف عدم المبالاة، وتركوا سلطانه ينحصر فى
دائرة خاصة، واكتفوا بفصله عن الدولة. وفى القرن التاسع عشر
كانت المواجهة العنيفة بين العلمانية والدين، بعد أن سيطرت
الأفكار المادية على نفوس كثير ممن فُتنوا بالعلم التجريبى، إلى
حدّ إنكار الألوهية، ورفض الأديان، ورد ماجاءت به من مبادئ،
واتهموها بتهم كثيرة كردّ فعل للمعاناة التى عاشوها فى ظلّ
سيطرة رجال الدين فى زمن التخلف الذى نسبوه إلى الدين.(15/30)
*المورسكيون
جمع مفرده: «المورسكى» وهى تصغير لكلمة «الموروه»
والمقصود بها أفراد الشعب المسلم الذى ظل موجودًا بإسبانيا
يخضع لحكم الملكين الكاثوليكيين بعد سقوط غرناطة فى
أيديهما. وقد نظمت معاهدة التسليم حقوق وواجبات هؤلاء، لكن
بنود هذه المعاهدة سقطت واحدًا وراء الآخر، وأريد لهم أن
يكونوا نصارى شاءوا أم أبوا، وتم فى سبيل ذلك اللجوء إلى
كل ألوان الأساليب وأشدها قسوة وعنفًا مع استخدام الأمانى
أحيانًا. وقد أبت غالبية المسلمين أن تفرض عليهم عقيدة لم
يؤمنوا بها فاصطدموا بالسلطات المسئولة دينية ومدنية،
واستخدمت محاكم التفتيش معهم كل حيلها من اعتقال وتشريد
ومصادرة وتحريق، كما جوبهت ثوراتهم على الظلم بكل قسوة
وعنف، ولم يفت المسئولون استخدام وسائل التبشير والإغراء،
وظل المسلمون على موقفهم وواصلوا ممارسة شعائرهم
الإسلامية فى العلن حينًا وفى السر أحيانًا، وبلغ الضيق برجال
الكنيسة ورجال الحكم مداه، وبعد مناقشات مستفيضة تقرر طرد
المورسكيين من كل إسبانيا، وتم ذلك بالفعل فى الفترة من
(1609 - 1614م)، حدث ذلك دون مراعاة لمشاعر هذه الشريحة من
المجتمع الإسبانى، على الرغم مما كان لها من دور متميز فى
خدمة الزراعة والاقتصاد بمختلف بلدان شبه الجزيرة.(15/31)
*القادرية
هى طريقة من الطرق الصوفية. تنسب إلى شيخها عبد القادر
الجيلانى، المتوفَّى سنة (561 هـ). وللدخول فى هذه الطريقة
على المريد أن يرتدى الخرقة من يدى شيخه، ويعلن أن إرادته
أصبحت تبعًا لإرادة شيخه، ثم يدخل خلوة أربعين يومًا، يصوم
النهار ويقوم الليل، وعليه أن يقلل من طعامه تديجيًّا طوال
الأربعين يومًا، إلى أن يصل إلى الانقطاع التام عن الطعام طوال
الأيام الثلاثة الأخيرة، وبعد ذلك يعود إلى وجباته المعهودة من
قبل تدريجيًّا. ودخلت الطريقة القادرية مكة فى حياة عبد القادر
الجيلانى، ودخلت آسيا الصغرى والقسطنطينية على يد
إسماعيل رومى المتوفَّى سنة (1041 هـ)، ودخلت فاس سنة
(1104 هـ)، ثم دخلت مصر، وانتشرت فيها، خاصة بين فئات
صيادى الأسماك. وانتشرت الطريقة انتشارًا كبيرًا فى العصر
الحديث، وربما كان ذلك بسبب ما فعله أتباعها من مقاومة
الاحتلال الفرنسى فى شمال إفريقيا لعدة سنوات. وتجرى فى
الهند الاحتفالات بذكرى عبد القادر الجيلانى يوم (11 من ربيع
الثانى) من كل عام، وفى سالى تقدم الهدايا من الخراف
والثيران لأحفاد عبد القادر الجيلانى، وفى مصر يخرج أتباع
هذه الطريقة فى مواكبهم الدينية رافعين شبكات صيد مختلفة
الألوان على أعمدة.(15/32)
*النجدات
إحدى فرق الخوارج، وهم أتباع نجدة بن عامر الحنفى الذى
اجتمع هو ونافع بن الأزرق بمكة مع الخوارج على ابن الزبير،
ثم تفرقا عنه، واختلف نافع ونجدة، فصار نافع إلى البصرة،
ونجدة إلى اليمامة، وعظم أمره؛ فاستولى على اليمامة
والبحرين سنة (66 هـ). وقيل للنجدات: العاذرية؛ لأنهم عذروا
بالجهالات فى أحكام الفروع؛ وذلك أنهم قالوا: الدين أمران؛
أحدهما: معرفة الله ورسله، عليهم السلام، وتحريم دماء
المسلمين وأموالهم، وتحريم الغصب، والإقرار بما جاء من عند
الله جملة، فهذا واجب، وما سوى ذلك فالناس معذورون بجهالته
حتى تقوم عليهم الحجة فى جميع الحلال، فمن استحلَّ شيئًا عن
طريق الاجتهاد مما قد يكون محرمًا فهو معذور بجهالته. وقالوا:
لاندرى لعل الله يعذب المؤمنين بذنوبهم، فإن فعل فإنما يعذبهم
فى غير النار بقدر ذنوبهم، ولا يخلدهم فى العذاب، ثم يدخلهم
الجنة. وزعموا أن من كذب كذبة صغيرة ثم أصر عليها فهو
مشرك، ولم يكفروا من يرتكب كبيرة من الكبائر منهم، فى حين
كفروا مَنْ يرتكبها من غيرهم. وافترقت النجدات إلى: عطوية
وهم أتباع عطية بن الأسود الحنفى، وفديكية، وهم أتباع أبى
فديك؛ فصاروا ثلاث فرق: النجدية، والعطوية والفديكية.(15/33)
*الخلافة
هى نظام حكم إسلامى، بدأه المسلمون بعد وفاة النبى - صلى
الله عليه وسلم -، يقوم على الشورى؛ لاختيار الخليفة أو الحاكم
الذى له حق الولاية العامة على شئون المسلمين فى أمور الدين
والدنيا. وقد أُطلق لقب الخليفة على كل من تولَّى هذا المنصب،
كذلك أطلق عليه لقبى أمير المؤمنين والإمام. وكانت الخلافة
فى عهد الخلفاء الراشدين تقوم على الشورى، ثم أصبحت
تنحصر فى أهل بيت واحد؛ حيث كان الخليفة يأخذ البيعة لولى
عهده، وكان ذلك فى عصور الأمويين والعباسيين والفاطميين.
واستمرت الخلافة رمزًا لوحدة الأمة الإسلامية عدة قرون، ثم
تعددت، فظهرت الخلافة الفاطمية سنة (297هـ) فى مصر والشام
والحجاز، والخلافة الأموية فى الأندلس سنة (300هـ)، وازداد هذا
التعدد بعد سقوط الخلافة العباسية سنة (656هـ). وظلت هكذا
حتى سقوطها فى العصر الحديث على يد مصطفى كمال
أتاتورك سنة (1924م)، حين ألغى الخلافة العثمانية.(16/1)
*دار صناعة السفن
دار الصناعة: مصطلح فى التاريخ الإسلامى، يُقصَد به ما يُعرَف
اليوم بأحواض بناء السفن أو الترسانة. وبدأ إنشاء دور الصناعة
الإسلامية منذ القرن الأول الهجرى؛ فبعد أن فتح المسلمون
الشام ومصر وشمال إفريقيا، وصار الجهاد البحرى ضد
البيزنطيين ضرورة لابد منها، اتخذ عثمان بن عفان - رضى الله
عنه - سياسة بحرية دفاعية وهجومية فى آنٍ واحد، وتحتَّم على
المسلمين أن ينشئوا الأساطيل فأقاموا دورًا لصناعة السفن.
وأقدم دار أقامها المسلمون هى التى أمر بإنشائها الخليفة
الأموى معاوية بن أبى سفيان فى تونس، ثم تتابع بناء عدد من
دور الصناعة فى بعض موانئ البحر الأبيض المتوسط. ولما اتصل
الأوربيون بالعرب عن طريق الأندلس فى الغرب، والحروب
الصليبية فى الشرق، تأثروا بمدنيتهم؛ فاقتبسوا منهم ذلك
الاسم؛ فأطلق الإسبان على دار الصناعة: دار سانة وترسانة،
وأطلق عليها الفرنسيون والإنجليز أرسينال كما اقتبس الأتراك
ذلك الاسم، وأطلقوا على دار الصناعة ترسخانة.(16/2)
*جامع القرويين
أشهر جوامع المغرب، لاسيما أنه استخدم كجامعة إسلامية مثل
الأزهر، وقد أنشاته السيدة فاطمة القروية سنة (245هـ)؛ ليكون
محرابًا للعلم، وظل كذلك لمدة (11) قرنًا، وهو بذلك أقدم جامعة
إسلامية. وكان التعليم فيه حرًّا يختاره الطلاب والأساتذة حتى
سنة (1789م)، عندما أصدر السلطان محمد الثالث مرسومًا بتحديد
مواد الدراسة والكتب، وفى سنة (1931 م) صدر مرسوم آخر
يقسم التعليم فى جامع القرويين إلى ثلاث مراحل. وقد أضيف
إلى الجامع معهد للفتيات. ولم تقتصر الدراسة فى القرويين على
العلوم الشرعية واللغوية، بل كان يدرس فيه الفلسفة والطب
والهندسة. وبعد استقلال المغرب أصبح الجامع جامعة، بها ثلاث
كليات. وقد كان للجامع مكتبة شهيرة تحوى نوادر المخطوطات،
لكنها ضاعت، ولم يتبقَ منها إلا (1613) مخطوطًا. وكان عرض
الجامع عند إنشائه (30) مترًا، ثم أدخلت عليه عدة توسعات
خاصة سنة (538هـ) فى عهد المرابطين. ويقسم صحن جامع
القرويين على نمط صحن السباع بقصر الحمراء بغرناطة.(16/3)
*الجامعة الإسلامية
هى الدعوة التى نادى بها جمال الدين الأفغانى المتوفَّى سنة
(1897م)، من خلال صحيفته العروة الوثقى التى صدرت سنة (
1884م) وتبنى السلطان عبد الحميد المتوفى سنة (1918م) هذه
الفكرة الرامية إلى وحدة المسلمين وتجمعهم حول الدولة
العثمانية؛ لتخليص العالم الإسلامى من السيطرة السياسية
والعسكرية الاستعمارية الأوربية، والنهوض بالمسلمين من
جمودهم الفكرى والحضارى. وترتكز دعوة الأفغانى إلى
الجامعة الإسلامية على دعامتين هما: الحج، والخلافة، وضرورة
التمسك بهما كنظام دينى وسياسى؛ لذلك نشر الأفغانى دعوته
من خلال الصحافة ورحلاته إلى البلاد الإسلامية، وتبنى السلطان
العثمانى عبد الحميد الثانى هذه الفكرة من خلال دعم الخلافة
وتقويتها وإنشاء خط حديد الحجاز. ولاقت هذه الدعوة تأييدًا
كبيرًا فى مصر والشام والهند والشمال الإفريقى، ورغم ذلك
عارضها البعض وبخاصة المسيحيون. وقد حققت الجامعة
الإسلامية نجاحًا تمثل فى مساندة المسلمين للدولة العثمانية
أثناء حربها ضد إيطاليا سنة (1911م)، ورغم هذا النجاح فقد
تعثرت بسبب التخلف والجمود الفكرى فى ديار المسلمين، وقيام
الحركة الطورانية التى تمجد العنصر التركى، بالإضافة إلى عزل
السلطان عبد الحميد سنة (1908م).(16/4)
*الجامعة العربية
هى منظمة إقليمية أُنشئت فى أعقاب الحرب العالمية الثانية،
وتضم الدول العربية المستقلة الموقعة على ميثاق الجامعة،
وتهدف إلى تحقيق التعاون الاختيارى بين الدول الأعضاء،
واحترام سيادتها. ويقع ميثاق جامعة الدول العربية فى (20)
مادة وثلاثة ملاحق، أحدها خاص بفلسطين. وبدأ تطبيق الميثاق
فى (11 من مايو سنة 1945م). ويبلغ عدد الدول الأعضاء
بالجامعة (22) عضوًا، والعضوية بها مقتصرة على الدول
المستقلة. وتتمتع الجامعة العربية بكيان قانونى دولى؛ لذلك
كان من سلطتها إبرام المعاهدات الدولية بين أحد أعضائها وأى
دولة أخرى. وتتكون الجامعة من عدة أجهزة رئيسية، هى مجلس
الجامعة الذى يُعد أعلى سلطة فى الجامعة، والأمانة العامة
ومقرها القاهرة، ويرأسها الأمين العام، واللجان الدائمة التى
تهدف إلى تحقيق الأهداف التى أنشئت من أجلها الجامعة، ويبلغ
عدد هذه اللجان (12) لجنة، فى المجالات الثقافية والسياسية
والاقتصادية. ولتحقيق التعاون بين أعضاء الجامعة قررت الدول
السبع المؤسسة للجامعة توقيع اتفاقية الدفاع المشترك سنة
(1950م)، وكذلك السوق العربية المشتركة سنة (1964م)، وقد
شجعت الجامعة على إنشاء المنظمات المتخصصة فى المجالات
المختلفة، مثل: منظمة العمل العربية واتحاد البريد العربى. وكان
للجامعة دور بارز فى حل النزاعات العربية، مثل: النزاع السورى
اللبنانى سنة (1949م). ورغم أهمية دور الجامعة العربية فى
تحقيق التعاون العربى فإن هناك بعض المعوقات تؤثر فى
عملها، أهمها: تباين الآراء والمواقف، واختلاف تبعات القرارات
على الدول الأعضاء، وكذلك المعوقات الخاصة بالميثاق،
ومحاولات الصهيونية العالمية عرقلة الوحدة العربية. وقد تعرضت
الجامعة لأزمة كبيرة؛ بسبب نقل مقرها إلى تونس سنة (1978م)
بعد اتفاقية كامب ديفيد، واستمر هذا الأمر حتى عادت مرة
أخرى إلى مقرها فى القاهرة سنة (1990م)، كذلك أثر الغزو(16/5)
العراقى للكويت فى الموقف العربى، وأدى إلى انقسام العرب.(16/6)
*الجغرافيا
كلمة يونانية الأصل معربة تعنى وصف الأرض، وقد دخلت هذه
الكلمة اللغة العربية إبان العصر العباسى. وكان العرب يعرِّفون
الجغرافيا بأنها علم بأحوال الأرض؛ من حيث تقسيمها إلى
الأقاليم والجبال والأنهار، وما يختلف حال السكان باختلافه.
والجغرافيا بذلك تدرس الأرض بوصفها وطنًا للإنسان. ويتفق
الجغرافيون على أن الجغرافيا هى علم المكان. وأقدم كتب
الجغرافيا المعروفة لدينا كتاب الجغرافيا لبطليموس. والملاحظ أن
علم الجغرافيا ارتبط بالإنسان منذ القدم؛ نظرًا إلى حاجة الإنسان
إلى معرفة الأماكن والظواهر الجغرافية والفلكية المحيطة به، إلا
أنه تطور على أيدى العرب؛ نظرًا لارتباط الجغرافيا ببعض
المسائل الفقهية، مثل: تحديد القبلة والحج والصيام، كذلك
عمليات الفتوح الإسلامية والتجارة والكسب وطلب العلم. وأشهر
الجغرافيين المسلمين القزوينى والإصطخرى والمسعودى
وياقوت الحموى وابن حوقل. وقد تطورت مسيرة الجغرافيا على
أيدى الأوربيين؛ فتعمق التفسير والتحليل فيها. وتهتم الجغرافيا
بالمكان والإنسان والظواهر الفلكية والمناخية، والزراعة
والسكان والنواحى العسكرية والاستراتيجية.(16/7)
*الحجابة
مصطلح تاريخى يعنى حراسة باب الخليفة أو الحاكم؛ لإبلاغ
الخليفة بأخبار الرعية، وأخذ الإذن لهم بالدخول عليه. وقد نشأت
الحجابة فى العصر الأموى لأسباب عديدة؛ منها حذر الخلفاء
تجاه الاغتيال من قِبل معارضى الدولة، والحد من تدافع الناس
على أبواب الخلفاء. وكان الحُجَّاب يُختارون من أخلص الناس
للخلفاء. ومع تحول الخلافة للعباسيين، واتساع رقعة الدولة
الإسلامية ونفوذها، زاد الخلفاء فى اتخاذ الحُجَّاب، كما اتخذ
الأمراء الحجاب، فزاد نفوذهم، حتى أصبحت الحجابة لاتقل نفوذًا
عن الوزارة، بل صار هؤلاء الحجاب فى بعض الأحيان موجِّهين
السياسة العامة للدولة. وأصبحت الحجابة فى عصر الطوائف من
مظاهر التشريف، كذلك صارت من أهم الرتب فى دولة المماليك.(16/8)
*حصن بابليون
حصن رومانى قديم، توجد بقاياه الآن فى مصر القديمة بجوار
كنيسة مارجرجس. واختلف فى تاريخ بناء هذا الحصن، فقيل: إن
جماعة من أسرى بابل هم الذين بنوه، والبعض يَنسِب بناءه إلى
عهد الإمبراطور الرومانى تراجان سنة (100م) إذ بناه للدفاع عن
مصر، وكان هذا الحصن قبل الفتح الإسلامى مفتاح مصر العليا
والسفلى، ونظرًا لمكانة الحصن وأهميته ظل يحمل الاسم نفسه
منذ إنشائه حتى الآن؛ بفضل موقعه المنيع، وقوة حصونه،
وسيطرته على مفترق الطرق؛ فقد كان يحيط بهذا الحصن سور
يبلغ سمكه (18) قدمًا وارتفاعه فى بعض الأماكن (60) قدمًا.
وهذا الحصن يقع على الضفة الشرقية لنهر النيل، وترتفع على
أسواره أبراج محصنة، ويتصل من جهة الغرب بالنيل بواسطة
باب حديدى؛ حيث ترسو السفن، وإلى الغرب من هذا الحصن تقع
الروضة التى كانت محصنة هى الأخرى، وكان يحيط بالحصن
خندق عليه قنطرة متحركة، لاتُفتح إلا من الداخل، وكان هذا
الخندق يمتلئ بالماء عند الحاجة أو وقت الفيضان، وكان يقع
على مقربة من حصن بابليون حصن آخر هو حصن أم دنين الذى
كان يُعدُّ مركزًا حربيًّا مساعدًا لحصن بابليون. واستطاع عمرو بن
العاص - رضى الله عنه - فتح هذا الحصن، بعد حصار دام سبعة
أشهر فى سنة (21هـ). وكان فى هذا الحصن حامية بلغ عددها
(25) ألف مقاتل، وكان عدد المسلمين (7) آلاف جندى، بالإضافة
إلى (8) آلاف جندى آخرين أرسلهم الخليفة عمر بن الخطاب -
رضى الله عنه - للمساعدة على فتح مصر. وبعد الفتح تراجعت
أهمية هذا الحصن؛ بسبب انحسار النيل عنه، وبناء الفسطاط،
وارتفاع الأرض من حوله. وقد اهتمت به الحكومة المصرية،
ورممته سنة (1902م).(16/9)
*حصن كيفا
مدينة من مدن الجزر الفراتية تقع على الشاطئ الأيمن من نهر
دجلة فى منتصف الطريق تقريبًا بين ديار بكر وجزيرة ابن عمر.
وتوجد حاليًّا فى تركيا ضمن لواء ماردين، وسكانها خليط من
الأتراك والأكراد والأرمن والسوريين. وقد دخلها الإسلام سنة
(18هـ)، وتتابعت عليها الحكومات الإسلامية. ويشتهر هذا البلد
بحصن كيفا الذى كان عاصمة بنى أرتق منذ سنة (495هـ) حتى
سنة (629هـ)؛ إذ خضعت للأيوبيين الذين دامت سلطنتهم بها (
218) عامًا حتى فتحها العثمانيون سنة (930هـ). وذكر هذه
المدينة فى التاريخ قليل؛ نظرًا لضعفها وصغرها، وكذلك خوفًا
من حكام المماليك فى مصر لأن حكام كيفا كان لهم الحق فى
حكم مصر؛ باعتبارهم أحفاد الأيوبيين.(16/10)
*الحمَّامات
الحمَّام مكان يغتسل فيه الناس. وقد عُرِفت الحمامات العامة منذ
القدم عند بعض الشعوب ذات الحضارات القديمة، لاسيما الرومان،
على أن شهرتها ارتبطت بالتاريخ الإسلامى؛ حيث كانت من
الأبنية العامة التى انتشرت فى جميع المدن؛ وذلك نظرًا لأهميتها
فى التطهر والنظافة، بالإضافة إلى تعاليم الإسلام التى تدعو
إلى التطهر والتطيب، ومناخ منطقة الشرق الأوسط الحار. وكان
يراعى فى بنائها أن تُصمم بحيث تتيح للمغتسِل أن ينتقل
تدريجيًّا من الجو الحار إلى الجو البارد؛ حتى لايصاب بأذى.
وكان الحمَّام يقسَّم إلى ثلاثة أقسام، حسب درجة حرارة المياه،
ويسخن عن طريق إيقاد النار تحت أرضيته، ويشتمل على أنابيب
الماء الساخن والبارد داخل الجدران. وخصصت حمامات للرجال،
وأخرى للنساء، وقد تحددت أيام للسيدات، وقد احتوت القصور
والمساكن الخاصة على حمامات أيضًا، ولكنها تختلف من حيث
هيئتها وتصميمها عن الحمامات العامة. ولم تكن الحمامات فى
المدن الإسلامية أقل أهمية من المساجد والمكتبات والخانات
والأسواق، وقد أولى العلماء والأطباء المسلمون الحمَّام عناية
كبيرة؛ فأورده بعضهم ضمن موارد مؤلفاتهم، كما فعل داود
الأنطاكى وأبو حامد الغزالى وغيرهما. وقد انتشرت الحمامات
وتعددت فى جميع الأمصار، وذكر هلال الصابئ المتُوفَّى سنة
(448هـ) أن عدد الحمامات فى بغداد وصل فى زمانه إلى أكثر
من (120) ألف حمَّام، وكان فى مصر زمن الفاطميين (1170)
حمامًا حسب إحصاء على مبارك لها فى الخطط التوفيقية. وكان
الحمَّام يتألف من عدة غرف، الأولى تستقبل الداخل، وفيها يخلع
ملابسه، ويتعهد الحمامى بحفظها، ثم ينتقل منها إلى غرفة
البخار، وهى مكسوة بألواح الرخام، وفيها ينتظر المستحم حتى
يتصبب عرقًا، ثم ينتقل إلى غرفة الغطس، وتشتمل على مياه
دافئة وباردة، وفيها يقوم المدلك بإزالة الأوساخ عن الجلد، مع
تدليك أعضاء الجسم قبل الاغتسال ثم تجفيف الجسم واحتساء(16/11)
بعض الأشربة.(16/12)
*مدرسة دار الحديث الكاملية
هى مدرسة أنشأها السلطان الكامل فى سنة (622هـ)، بشارع
المعز لدين الله بحى الجمالية (بين القصرين سابقًا)، ووقفها على
المشتغلين بالحديث النبوى، ومن بعدهم على فقهاء الشافعية،
وظلت بين أعيان الفقهاء إلى أن كانت الحوادث والمحن منذ سنة
(806هـ) فتلاشت لمَّا تلاشى غيرها، واستمرت دهرًا لايدرس بها
حتى نسيت أو كادت تنسى دورسها، ولم يبقَ من المدرسة إلا
الإيوان الشمالى الغربى المقابل لإيوان القبلة، وجزء من الضلع
الجنوبى الغربى من الإيوان الجنوبى الغربى. والإيوان الشمالى
الغربى يكاد يكون مربع التخطيط؛ إذ يبلغ عمقه (10.35) من
المتر، وفتحته (9.56) من المتر، وفى نهاية الإيوان يوجد عقد
فتحته تبلغ (5) أمتار، بداخله حنية عمقها (3.75) من المتر،
والإيوان مغطى بقبو مدبب، والحنية سقفها مسطح، وترتفع
جدرانها بارتفاع القبو. ويتوسط المدرسة صحن تبلغ مساحته
(15.44 - 19.90) من المتر، تشغل جزءًا كبيرًا منه الآن ميضأة
حسن الشعراوى كتخدا، ويشغل الجانب الشمالى من المدرسة
حمام يُعرف باسم حمام السلطان إينال.(16/13)
*دار الندوة
هى دار أنشأها قصى بن كلاب بن مرة بمكة. كان يجتمع فيها
سادات مكة وعظماؤها؛ للمشاورة فى أمور السلم والحرب،
ففيها تتم عقود الزواج والمعاملات ولواءات الحرب وغيرها، ولم
يكن يدخلها إلا ابن الأربعين سنة أو ما زاد، ولكن دخلها أبوجهل
وهو ابن ثلاثين لجودة رأيه، وحكيم بن حزام للسبب نفسه وهو
ابن خمسة عشر عامًا. ولم تكن دار الندوة برلمانًا أو مجلس
شيوخ على النحو المفهوم من المصطلح السياسى المستخدم
الآن، وإنما كانت دارًا للشورى والرأى، تتخذ رأيًا عند ظهور
حاجة إلى ذلك، ولم تكن قراراتها ملزمة، بل قد يخالفها سيد ذو
رأى ومكانة، وربما قام وجهاء القوم وسادة الأسر بدور أكثر
فاعلية من دور دار الندوة فى فض الخصومات. وجاء الإسلام
ودار الندوة فى يد حكيم بن حزام فباعها لمعاوية بن أبى سفيان
بمائة ألف درهم، فلامه معاوية، وقال: أبعت مكرمة آبائك
وشرفهم! فقال حكيم: ذهبت المكارم إلا التقوى، والله لقد
اشتريتها فى الجاهلية بزق خمر (الزق: وعاء من الجلد توضع
فيه الأشربة)، وقد بعتها بمائة ألف درهم، وأشهدكم أن ثمنها
فى سبيل الله تعالى.(16/14)
*داعى الدعاة
لقب شيعى فاطمى عُرف به رؤساء الدعوة الإسماعيلية
الفاطمية؛ إذ كانت رياسة الدعوة تُسنَد إلى موظف كبير يُطلق
عليه ذلك اللقب، وكان يلى قاضى القضاة فى الرتبة ويتزيَّا
بزيه، وكان يساعد داعى الدعاة على نشر الدعوة الفاطمية اثنا
عشر نقيبًا، وله نواب ينوبون عنه فى أرجاء البلاد؛ وبذلك كان
يُعد حلقة الوصل بين الخليفة وأتباعه من الإسماعيلية. وأهم
أعماله: رياسة الدعوة الإسماعيلية، وأخذ العهد على المريدين،
إما مباشرة وإما بواسطة نوابه فى مصر وفى غيرها من البلاد
التى ساد فيها المذهب الإسماعيلى، والإشراف على محاضرات
مجالس الدعوة وتنقيحها، وعرضها على الخليفة لإقرارها
وتذييلها بإمضائه، وجمع النجوى وهى ثلاثة دراهم وثلث الدرهم
من الأتباع. ولخطورة منصب داعى الدعاة أسند إليه الفاطميون
رياسة دار الحكمة. ومن أشهر من تولوا ذلك المنصب أسرة أبى
حنيفة المغربى، والمؤيَّد فى الدين هبة الله الشيرازى.(16/15)
*دفتردار
كلمة فارسية الأصل دخلت اللغة التركية، وتتكون من مقطعين:
دفتر بمعنى سجل الحسابات ودار بمعنى صاحب أو حامل
وعلى ذلك فالكلمة تعنى: المسئول عن الشئون المالية،
واستخدمت فى العربية بمعنى مأمور المالية. وقد شاع استخدام
كلمة دفتردار فى العصر العثمانى فى الولايات التى خضعت
للعثمانيين، ثم أطلق لقب الدفتر دار على وزير المالية المركزى
فى إستانبول.(16/16)
*رواق التكرور
الرواق هو جناح من المسجد الجامع يخصَّص للدراسة، فيه إيوان
له أعمدة يجلس بجانبها الشيوخ ومعهم الطلاب للدراسة. وكان
رواق التكرور أحد الأروقة المخصصة لطلاب دولة مالى الإسلامية،
الموجودين بمصر؛ للدراسة فى الأزهر الشريف. ويتكون الرواق
من غرفة لإقامة الطلاب، وخزانة ودواليب لحفظ الملابس والكتب،
ومكتبة موقوفة على طلاب الرواق. وللرواق شيخ يشرف على
إدارته، وتقسيم الهبات المالية والعينية التى تصرف للطلاب
كالمال والطعام.(16/17)
*السكَّة
السكَّة هى العملة المضروبة من معادن الذهب والفضة والبرونز (
النقود المعدنية). واشتق اسم السكة من القالب الذى تُصب فيه،
ثم يُنقش عليها بواسطة معدن صلب كالحديد. وصناعة السكة هى
فن ضرب السكة وكانت تصنع فى دار السكة أو دار الضرب،
ويشرف عليها القاضى لضمان شرعية النقود، ويساعده أربعة
أشخاص يشرفون على الناحية الفنية فى الضرب، وهم: المقدم
الذى يتولى حفظ أوزان الأعيرة، والنقَّاش الذى يحضر القوالب،
والسبَّاك الذى يسبك السبيكة، والضرَّاب الذى يضرب بالختم
على السبيكة. وظلت السكة الذهبية والفضية مستخدمة حتى
نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وانتهى العمل
بها؛ لأن قيمتها كانت تتغير؛ لما يحدث للسكة من تآكل وفقدان
جزء من قيمتها؛ نتيجة لكثرة التداول؛ فلجأ الناس إلى الحد من
تداولها بإيداعها البنوك مقابل صكوك ورقية تثبت أحقيتهم لها،
وبمرور الوقت شاع استخدام النقود الورقية.(16/18)
*سكة حديد الحجاز
خط حديدى، يصل بين بلاد الشام والأراضى المقدسة بالمملكة
العربية السعودية. بدأت فكرة إنشائه سنة (1864م)، عندما
اقترح زامبل الأمريكى فكرة ربط دمشق بساحل البحر الأحمر
بخط حديدى، ثم فى سنة (1880م) اقترح وزير الأشغال العامة
بالآستانة مد خط حديدى من الشام إلى الأراضى المقدسة لخدمة
حجيج البيت الحرام، ولكن حالت بعض العقبات دون تنفيذ
المشروع. وفى عهد السلطان عبد الحميد فكر فى إنشاء الخط
لتحقيق هدفين؛ الأول دينى، وهو تيسير الحج أمام المسلمين،
وتوفير الراحة والأمان والسرعة لهم. والآخر سياسى، وهو جمع
كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم ضد الأطماع الأوربية. ورتب
السلطان عبد الحميد للإنفاق على المشروع ثلاثة مصادر، هى:
الموارد الرسمية للدولة المتمثلة فى الضرائب وغيرها، والتبرع من
داخل الدولة العثمانية نفسها، والتبرعات الخارجية من أمراء
الدول الإسلامية وملوكها. وبدأ العمل فى الخط سنة (1900م) وتم
تقسيمه إلى عدة أقسام نفذت على عدة مراحل: القسم الأول: من
دمشق إلى درعا، والثانى: من درعا إلى عمان والثالث: من
عمان إلى معان والرابع: من معان إلى تبوك والخامس: من تبوك
إلى العلا إلى المدينة المنورة. وأنشئ الخط بالفعل حتى وصل
إلى المدينة المنورة، لم يتحرك خطوة واحدة بعدها، وكان من
المفروض أن يصل إلى مكة ومنها إلى جدة، ومن معان إلى
العقبة وطابا، ولكن توقف العمل به؛ لنشوب الحرب العالمية
الأولى؛ وانسحاب تركيا من بلاد الشام، بل إن جيوش الحلفاء
قسمت ما تم إنشاؤه من الخط الحديدى بينها، فأخذت بريطانيا
قسم فلسطين، والحكومة العربية الفيصلية القسم السورى،
وحكومة الحجاز الهاشمية القسم الحجازى، وكان هذا القسم قد
دُمِّر حتى عمان. وفى سنة (1922م) قام الملك حسين بن على
ملك الحجاز بمحاولة إصلاح الخط، ولكن سوء أحوال القضبان
وضعف عدته وعدم وجود فنيين ماهرين لصيانة الخط، حالت دون(16/19)
إتمام محاولة الإصلاح. وفى سنة (1928م) تقدم بعض مسلمى
الشام والأردن إلى اللجنة الدائمة للانتداب الأوربى يطلبون إحالة
الإشراف الكامل على الخط وتشغيله إلى لجنة إسلامية ولكن
طلبهم رفض؛ فانعقد مؤتمر إسلامى فى بيت المقدس سنة
(1931م) ولكنه لم يستطع إجبار اللجنة على الموافقة. وبعد
انتهاء الحرب العالمية الثانية قامت جامعة الدول العربية بدعوة
كل الدول المعنية بالخط لدراسة أحواله والاتفاق على إعادة
تسييره فقامت السعودية والأردن وسوريا بعقد اجتماع فى
دمشق سنة (1947م) وانتهى بتشكيل لجنة لدراسة حالة الخط،
ووضع التقارير حوله، وبداية العمل فى الخط من جديد، ولكن
حرب فلسطين سنة (1948م) أوقفت العمل به مرة أخرى حتى
سنة (1953م). وفى سنة (1966م) بدأت فكرة إصلاح الخط تظهر
إلى الوجود مرة أخرى، وبعد عدة اجتماعات وتشكيل عدة
لجان، صدر قرار من حكومات الأردن والسعودية وسوريا ببداية
العمل فى المشروع مرة أخرى، ولكن حرب سنة (1967م) أوقفت
المشروع، وكذلك أعيد التفكير فى المشروع سنة (1979م)،
ولكن لم يتم العمل فيه حتى الآن (1418هـ = 1997م).(16/20)
*سور مجرى العيون
أنشأه السلطان الغورى سنة (912هـ)، ومازالت آثاره باقية
حتى الآن (1418هـ = 1997م) ويُعرف مجراه بشارع مجرى
العيون. وهو يتجه شرقًا بجنوب مع بعض الانحناءات البسيطة
حتى آثار طابية قديمة بالقرب من نهاية شارع الأشرف عند جبانة
السيدة نفيسة بطول (2200) متر، ثم يتجه شمالاً بشرقٍ حتى باب
السيدة عائشة. ومساحة رأس المجرى (62.85م2) على شكل
سداسى، وداخله شكل سداسى آخر بوسطه عمود. ويحيط
بالشكل السداسى الداخلى ستة عقود ترتكز على أكتاف،
ويصعد إلى سطح المأخذ بمزلقان ليس به درج، ولعل ذلك عُمِل
خصيصًا لصعود الدواب التى تدير السواقى، وبوسط السطح
حوض تحيط به ست فتحات، وبأعلى المأخذ ساحة لست سواقٍ
لرفع الماء، ويتبقى من عقود المجرى الآن (217) عقدًا، معظمها
على شكل دائرى. وأيام الحملة الفرنسية سُدَّت أغلب الفتحات
بين الأكتاف الحاملة للعقود، واستخدمها الفرنسيون سورًا
يحتمون وراءه، ويحصرون به مدخل المدينة من الجنوب.(16/21)
*جامع ابن طولون
شيَّده السلطان أحمد بن طولون حاكم مصر فى جنوب مدينة
القطائع فوق جبل يشكر. وقد بدأ بناءه سنة (263هـ)، وانتهى
منه سنة (265هـ). وجامع ابن طولون هو أكبر جوامع مصر
الإسلامية؛ إذ تبلغ مساحته ستة أفدنة ونصف الفدان، وهو ثالث
جامع أنشئ لإقامة صلاة الجمعة فى مصر وأقدم الجوامع
المحتفظة بتفاصيلها المعمارية. والجامع على هيئة مستطيل يبلغ
طوله (162) مترًا، ويضم صحنًا مكشوفًا فى وسطه، تحيط به
أربعة أروقة كبيرة، كما يوجد به ستة محاريب وعدد أبوابه (21)
بابًا، ويحيط بجدران المسجد من أعلى (129) شباكًا، وقبة
المسجد توجد وسط الصحن، وهى ثالثة قبة تقام فى وسط
المسجد وتبدو على المسجد آثار الثقافة المعمارية العراقية.
وأروقة المسجد مقامة على دعائم مبنية من الطوب الأحمر، مقاس
كل دعامة (2.5 × 1.3) متر. ويتميز المسجد بمنارته المشيَّدة من
الحجر، وهى المئذنة الوحيدة فى مصر ذات السلم الخارجى، وقد
أجريت للمسجد عمليات ترميم وتجديد على مر العصور، وكان من
بينها عملية التجديد الشاملة فى عصر السلطان حسام الدين
لاجين سنة (696هـ)، التى أنفق عليها من ماله الخاص (20) ألف
دينار، ورتب فى المسجد الدروس المختلفة. وفى القرن الثالث
عشر الميلادى اتخذ المغاربة المسجد مأوى لهم أثناء رحلتهم
إلى الحج. وقد عُنيت لجنة حفظ الآثار العربية بالمسجد فى
الفترة من سنة (1890م) حتى سنة (1918م) وأصلحت ما تهدم
منه، وعملت على المحافظة على زخارفه، وإقامة الشعائر
الدينية فيه.(16/22)
*جامع عمرو بن العاص
هو أول مسجد شُيِّدَ فى مصر الإسلامية. أنشأه الصحابى الجليل
عمرو بن العاص - رضى الله عنه - بعد فراغه من فتح الإسكندرية
سنة (21هـ). ويُعرف جامع عمرو بتاج الجوامع والجامع العتيق،
وكان فى أول أمره غاية فى البساطة وكانت مساحته لا تتعدى
(50× 30) ذراعًا، وكان عند إنشائه بدون صحن، وقد ظل على
مساحته هذه حتى سنة (53هـ)، حيث زاد والى مصر مسلمة بن
مخلد الأنصارى مساحته، وأنشأ به (4) صوامع للمؤذنين وتم
تزيينه، كما وسعه قرَّة بن شريك سنة (93هـ)، فهدمه وزاد
مساحته وأقام به محرابًا، وتوالت عليه بعد ذلك الإصلاحات
والتوسُّعات؛ فقام عبد الله بن طاهر والى مصر بتوسعته،
وأصبحت مساحته (112.5 × 120.5) متر، وهى مساحته الحالية.
ولم يكن جامع عمرو لأداء الفرائض به فقط، بل كان جامعة تعقد
فيها حلقات العلم التى كان يلقيها كبار العلماء، وبذلك يكون
جامع عمرو قد سبق الأزهر بعدة قرون فى هذا المضمار. وكانت
الدروس تلقى فيه تطوعًا بدون أجر. كما كان مجلسًا للقضاء
لفضِّ المنازعات الشرعية والمدنية، وكان به بيت المال فى بعض
الفترات. ولم ينقطع التدريس عن جامع عمرو إلا فى القرن التاسع
الهجرى، ويقال: إن عدد الصحابة الذين وقفوا فى قبلة مسجد
عمرو بن العاص ثمانون صحابيًّا، منهم: الزبير بن العوام وعبادة
بن الصامت. وتجرى حاليًّا (1997 م) فى المسجد عمليات ترميم؛
نظرًا إلى تهدم بعض جوانبه.(16/23)
*الجامع الكبير
هو أول مسجد أقيم بعد المسجد النبوى؛ حيث بُنِى فى عهد
الرسول - صلى الله عليه وسلم - سنة (6هـ)، وبأمر منه وحدد - صلى
الله عليه وسلم - مكانه فى حديقة الوالى الساسانى باذان.
وكانت عمارة الجامع فى بدايته بسيطة، ونظرًا إلى مكانته
وتاريخه، أولاه كثير من الخلفاء عنايتهم؛ فأمروا بعمارته
وتجديده؛ إذ أمر الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان بتحديث
بنائه، كذلك تم تجديده فى العصرين العباسى والأيوبى؛ إذ
أنشئت مئذنتا الجامع سنة (603هـ)، وفى عصر الإمام يحيى بن
محمد سنة (1936م)، تم بناء مكتبة للجامع. والجامع على شكل
مستطيل (68 × 65) مترًا، وله (12) مدخلاً، ومئذنتان متماثلتان
تقريبًا.(16/24)
*الحاكم بأمر الله (جامع)
جامع تاريخى، بدأ الخليفة الفاطمى العزيز بالله إنشاءه سنة
(380هـ)، ثم أتمه ابنه الحاكم بأمر الله سنة (403هـ) وكان يُعرف
بجامع الخطبة، ويقال له الجامع الأنور، ويُعرف الآن بجامع
الحاكم بأمر الله وكان يقع خارج باب الفتوح (أحد أبواب
القاهرة). ولما وسع بدر الجمالى سور القاهرة صار الجامع
داخلها. ومساحة الجامع نحو (13560) مترًا، وهو من أكبر
مساجد القاهرة اتساعًا بعد مسجد ابن طولون، وهو عبارة عن
صحن مكشوف تحيط به عدة أروقة، ويتكون إيوان القبلة من
خمسة أروقة، ويقطع رواق القبلة مجاز مرتفع على شكل مجاز
الجامع الأزهر. ولجامع الحاكم بأمر الله منارتان من أقدم المنارات
فى مصر. ويقع المدخل الرئيسى للجامع فى منتصف الواجهة،
ويبرز عن مستواها بنحو ستة أمتار. وقد تأثر الجامع بزلزال
سنة (702هـ)، فرممه ركن الدين بيبرس الجاشنكيرى، وأوقف له
الأوقاف، ورتب به دروسًا أربعة على مذاهب الأئمة المشهورين
فى الفقه، ودرسًا لإقراء الحديث النبوى.(16/25)
*صقوللو محمد باشا (جامع)
جامع أنشأه الصدر الأعظم صوقللى محمد باشا فى باب العَزَب (
عزب قابى) بإستانبول سنة (1572م) وصممه المهندس العبقرى
سنان كبير المهندسين العثمانيين، على غرار مسجد السليمية،
وإن كان أصغر حجمًا. ومن عناصره غير المعتادة الأبراج
الخارجية الثمانية التى تساير الدعائم الثمانى التى تدور مع القبة
من الداخل، مع وجود الحنيات الركنية فيما بين المسافات
المختلفة عن القبة، وهكذا فإن حركة الداخل المتسقة تظهر فى
الخارج بالأسلوب نفسه. وبلاط المسجد يُعدُّ طفرة فنية وشكلاً
فريدًا؛ وذلك لاستخدام سبعة ألوان متناسقة فى زخرفته. ولم
يحظَ أسفل الجزء الخارجى من المسجد بالقدر اللازم من الاهتمام؛
لأن جلَّ العناية انصرف نحو الإبداع داخل المسجد؛ ولذا لم يكن
هناك توازن بين أسفل الخارج والداخل بوجه عام.(16/26)
*خانقاه
خانقاه أو خانكاه والجمع خوانق وخوانك كلمة فارسية بمعنى:
بيت العبادة وقيل: الموضع الذى يأكل فيه الملك. والخانقاه
اصطلاحًا: هى دار موقوفة لسكنى الصوفية والزهَّاد والعبَّاد،
ويرتب لهم فيها الطعام والكساء وغيرهما من خيرات البساتين
والأسواق والعمائر الموقوفة عليها. وقد ظهرت كلمة خانقاه فى
المصادر العربية فى القرن الرابع الهجرى، وقام السلاجقة
بإنشاء عدد من الخوانق فى بلاد الشام، ثم امتدت الخوانق إلى
أفغانستان ومملكة الغزنويين والغوريين ثم إلى العراق ومصر،
وكانت أول خانقاه تبنى فى مصر فى عهد الأيوبيين سنة
(566هـ) على يد صلاح الدين الأيوبى ثم أنشأ خلفاؤه عددًا كبيرًا
منها، ثم حذا حذوهم سلاطين دولة المماليك الجراكسة وأمراؤها.
ولما ضعفت الدولة أهملت الخوانق ثم ظهرت فى العصر العثمانى
وأطلق عليها اسم تكية والجمع تكايا، وقد انتشرت الخوانق فى
بلدان العالم الإسلامى، خاصة فى دمشق وبغداد والقاهرة،
وأشهر خوانق القاهرة خانقاه بيبرس الجاشنكيرى وخانقاه
فرج بن برقوق وخانقاه الأشرف برسباى. وفى العصر
المملوكى ازدهرت الخانقاه؛ إذ كانت عبارة عن معهد ثقافى
تدرس فيه العلوم، وزودت بالحمامات والمطابخ والمدافن وأدوات
المعيشة من الأمتعة والنفائس. وجرت العادة أن يعين لكل خانقاه
شيخ أو أكثر وعدد من الصوفية. وقد اختلف عدد الصوفية فى
كل خانقاه حسب اتساعها وريع أوقافها، ويتراوح غالبًا بين
عشرة ومائة صوفى، وينبغى أن تتوافر فيهم شروط الصوفية،
مثل المعرفة بالطريقة وآداب المتصوفة ونحو ذلك.(16/27)
*دار الحكمة
دار الحكمة أو دار العلم: اسم المكتبة العامة التى أنشأها الخليفة
الفاطمى الحاكم بأمر الله، وافتتحت رسميًّا فى (جمادى الآخرة
سنة 395هـ). وقد أراد مؤسسها أن تكون شبيهة ببيت الحكمة
الذى أنشأه الخليفة العباسى المأمون فى بغداد. ونقل الحاكم
إلى هذه الدار كتبًا كثيرة، قيل: إنها بلغت (100) ألف مجلد فى
مختلف العلوم والآداب وسمح بالاطلاع عليها لمن يريد، وأوقف
عليها قسمًا من أملاكه، وعين لها الأساتذة فى كل فروع العلم،
وعين بها خزَّانًا وخذَّامًا، ووفر بها ما يحتاج إليه الناس من أقلام
وورق ومحابر، وجعل من قاعاتها مجالس لدراسة علوم القرآن
والفقه واللغة والفلك والطب، وجعل للنساء بها مجالس خاصة
بهن، وكان الهدف منها تعليم المذهب الشيعى ونشره. أغلقت
دار الحكمة فى عام (513هـ)، ثم أعيد افتتاحها سنة (517هـ)
فى موضع مغاير لموضعها الأول؛ لتستمر كمؤسسة إسماعيلية،
حتى قضى عليها بوصول الأيوبيين إلى السلطة سنة (567هـ).
وقد دُفن بها أحد كبار الدعوة الفاطمية، وهو داعى الدعاة
المؤيَّد فى الدين هبة الله الشيرازى.(16/28)
*الأسطول الإسلامى
الأسطول: كلمة تُطلق على مجموعة من السفن لها صفة محددة
ومهمة محددة، مثل مجموعة السفن الحربية التى تملكها دولة
معينة. وقد نِشأ الأسطول الإسلامى بعد عصر النبوة، عندما
أدرك المسلمون ضرورة بناء أسطول لهم؛ إذ لم يجدوا فى
معاركهم خلال سنوات الفتح (13 - 30هـ = 634 - 650م) عدوًّا لهم
أقسى من البحر وما يأتيهم منه من أخطار، ولم يمضِ وقت طويل
حتى بدأ الأسطول الإسلامى الناشئ فى ممارسة العمليات
البحرية التى اشتملت على نوعين من العمليات: الأول: الإغارة
البحرية، وغزو الجزر التابعة للبيزنطيين، مثل: قبرص، وكريت،
وصقلية، ومالطة، وسردينيا. وقد بدأت هذه العمليات فى سنة
(28هـ = 648م) بغزو جزيرة قبرص. الآخر: المعارك البحرية ضد
الأسطول البيزنطى، مثل: معركة ذات الصوارى التى هزم فيها
الأسطول الإسلامى الأسطول البيزنطى سنة (24هـ = 644م)،
وكان من أهم نتائج هذه المعركة سيطرة الأسطول الإسلامى
على البحر المتوسط. وكان للأسطول الحربى رجاله من ذوى
الخبرة بشئون البحر والحروب البحرية، يتولى قيادتهم أمير
البحر أو المقدم، وهو الذى يتولى رئاسة السفن الحربية، وإدارة
المعركة. ويُراعَى فى اختياره أن يكون حازمًا حذرًا متحليًا
باليقظة والدراية بأحكام الحروب، والمعرفة بأمور البحر وبطبيعة
السواحل والجزر. وقد أنتجت دور الصناعة التى أنشأها
المسلمون عدة أنواع من السفن الحربية، أشهرها: الشوانى
وهى عبارة عن سفن حربية كبيرة تتميز بالطول وذات أبراج
وقلاع تستعمل للدفاع والهجوم، والأغربة وهى مثل الشوانى،
وسمِّيت بهذا الاسم؛ لأن رأسها يشبه رأس الغراب وتسير بالقلع
والمجاديف، والحراقات وتختص بقذف العدو بالأسلحة النارية،
والبطس وتختص بنقل الجنود المحاربين، والأسلحة والذخيرة
والمؤن.(16/29)
*أمير الأمراء
لقب ظهر فى العصر العباسى الثانى، فى عهد الخليفة الراضى
العباسى سنة (324هـ = 936م). وأول من تلقَّب به هو محمد بن
رائق والى واسط والبصرة. وكان هذا المنصب عبارة عن نقل
كل سلطات الخليفة إلى قائد تتوافر فيه صفات القيادة العسكرية
، ويجمع بجانبها الاختصاصات المدنية، فكان أمير الأمراء يتولى
إمارة الجيش والمناصب المالية. وكان هذا المنصب مقصورًا على
من يتولى قيادة الجيش، ولكن عندما ضعفت الدولة العباسية
وضعف نفوذ الوزارة بها، لجأ الخليفة إلى أمير الأمراء لما يملك
من قوة، وفوَّضه فى إدارة أمور الدولة كلها؛ مما أدى إلى
القضاء على منصب الوزير وأضعفه، بعد أن قام باختصاصاته
أمير الأمراء. وكان هذا من أسباب سوء الأحوال الاقتصادية
والعسكرية فى الدولة. وأشهر من تلقب بهذا اللقب محمد بن رائق
فى خلافة الراضى، وناصر الدولة فى عهد المتقى بالله
العباسى. ولما ظهر بنو بويه واستبدوا بالسلطة فى الدولة
العباسية، صار هذا اللقب يتوارث فيما بينهم ولم يُلغِه إلا عماد
الدولة، كما استخدم هذا اللقب فى الدولة الفاطمية عندما منحه
الحاكم بأمر الله لعلم الدولة ياروخ التركى وأمَّره على جميع
الجيوش، ولم يرد اللقب بعد ذلك فى الدولة الفاطمية.(16/30)
*أمير المؤمنين
لقب أُطلق على الخلفاء المسلمين منذ عهد عمر بن الخطاب،
رضى الله عنه. وهو ثانى ألقاب الخلفاء بعد لقب الخليفة؛
فعندما تُوفِّى أبو بكر الصديق، رضى الله عنه، وتولَّى بعده
عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، لَقَّبه الناس فى بداية خلافته
بلقب خليفة خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم استقر
الأمر على تلقيبه بأمير المؤمنين؛ حتى يُتجنب ثقل توالى لقب
خليفة فيقال لمن يخلفه: خليفة خليفة خليفة رسول الله، وهكذا.
ويشير لفظ أمير فى هذا اللقب إلى الولاية العامة للخليفة، كما
تدل إضافة لفظ المؤمنين إليه على شمول هذه الدولة لهم. وقد
اقتصر استعمال لقب أمير المؤمنين منذ أن لُقب عمر بن الخطاب -
رضى الله عنه - به، حتى نهاية الخلافة على الدلالة على ما
يتمتع به الخليفة من مراسيم سياسية وسلطة سياسية وإدارية،
كما يرمز لقب أمير المؤمنين إلى القوة الحربية للمسلمين. وقد
لقب بهذا اللقب بعد عمر بن الخطاب عثمان بن عفان، وعلى بن
أبى طالب، رضى الله عنهم، ثم خلفاء بنى أمية، وخلفاء بنى
العباس فى بغداد والقاهرة، وسلاطين الموحدين فى المغرب
العربى، والفاطميون فى مصر، ثم سلاطين آل عثمان بعد فتح
مصر سنة (923هـ = 1517م)، واستمر هذا اللقب يُطلق عليهم إلى
أن تحالف الغرب على إسقاط دولة الخلافة سنة (1343هـ =
1924م). وقد أُطلق لقب أمير المؤمنين مجازًا على عدد من أئمة
العلماء، مثل: شعبة بن الحجاج، الذى لُقب بأمير المؤمنين فى
رواية الحديث، وسفيان الثورى الذى لُقب بأمير المؤمنين فى
الحديث.(16/31)
*الإنكشارية
الإنكشارية: اسم أطلق على التشكيلات العسكرية فى الجيش
العثمانى. وأصل الكلمة فى التركية: ينى تشرى، وتعنى: الجند
الجدد. وقد اشتهرت آراء ثلاثة فى التاريخ عن نشأة هذه
التشكيلات، الأول: يُرجعها إلى عهد أورخان سنة (724هـ =
1324م)، والثانى: يُرجعها إلى عهد مراد الأول سنة (761هـ =
1360م)، والثالث: يرجعها إلى القرن (9هـ = 15م).وكان تكوين
أفراد الإنكشارية يمر بمرحلتين قبل ضمهم إلى الخدمة: المرحلة
الأولى: يتم فيها تجميع الفتيان وإرسالهم لتعلم اللغة والعادات
والتقاليد التركية، ومبادئ الدين الإسلامى. المرحلة الثانية:
يُجمعون فيها فى معسكر خاص يُسمى عجمى أوجاغى لمدة (7)
سنوات، يُوزَّعون بعدها على القصور السلطانية بحسب الحرف
التى تعلموها. وتتميز الإنكشارية بالطاعة والالتزام والروح
العسكرية، والمحافظة على الشعائر الدينية، وعدم مغادرة
المعسكرات أو الاشتغال بمهن أخرى. وكانت نهاية الإنكشارية
بعد اعتراضهم على تعديلات السلطان سليم الثالث فى الجيش،
فعزم على التخلص منهم، ونجح فى ذلك السلطان محمود الثانى؛
حيث دبر لهم مذبحة بحديقة قصر ضولمة باغجة سراى، وانتهى
كيان الإنكشارية سنة (1241هـ = 1825م).(16/32)
*الباب العالى
هو السلطة التنفيذية فى الدولة العثمانية منذ عام (1255هـ =
1839م) إلى نهاية الدولة، وهو اسم مرادف للصدارة العظمى
التى تغير اسمها فى عهد السلطان محمود الثانى إلى باش
وكالت، أى: رئاسة الوزراء كما فى أوربا؛ ومن ثمَّ يعتبر الباب
العالى هو الشكل الأوربى للإدارة فى الدولة العثمانية، أما
الشكل الإسلامى فكان الديوان الهمايونى، وقد أُطلق على
الباب العالى - أيضًا - اسم مجلس الوكلاء، أى: مجلس الوزراء،
ويُسمى - أيضًا - المجلس الخاص. ويتشكل الباب العالى من شيخ
الإسلام وناظر العدلية وقائد الجيش ورئيس شورى الدولة وناظر
الداخلية وناظر الخارجية وناظر البحرية ومشير المدفعية وناظر
المالية وناظر الأوقاف وناظر التجارة والأمور النافعة وناظر
المعارف ومستشار الصدر الأعظم العالى.(16/33)
*الباى
لقب تركى يعنى: السيد، أو الغنى، أو مالك الأرض والعقار. وقد
استخدم الأتراك لقبى الباى وبك بمعنى السيد، ثم اقتصروا على
استخدام لقب بك بهذا المعنى. وقد أُطلق لقب الباى على حكام
تونس والجزائر منذ أواخر القرن (10هـ = 16م)، واستمر فى
تونس حتى سنة (1377هـ = 1957م)؛ إذ قامت الجمهورية
التونسية، وخلع محمد الأمين آخر البايات هناك. وكان لحامل
اللقب سلطات واسعة؛ فهو سلطان البلاد، ورأس النظام الحاكم،
وله إمارة القبائل، وحفظ الأمن وجباية الضرائب. واختص الباى،
بأشياء كثيرة، منها: كسوة التشريفة التى يرتديها فى المحافل
الرسمية، وحق منح النياشين والرتب العسكرية، بالإضافة إلى
مخصصاته المالية وحرسه الشرفى. واقترنت تولية الباى العرش
بإقامة حفلين؛ أحدهما: خاص، ويشترك فيه كبار رجال الدولة.
والآخر: عام، ويشترك فيه جماهير الدولة. وأشهر من لقب
بالباى: الباى عثمان، والباى رمضان بن حسين التركى ومراد
باى والباى عثمان بن على مؤسس الدولة الحسينية بتونس
وحمودة باشا باى ومحمد عبد المنصف باى. وكان ولى العهد
يحمل لقب باى الأمحال، أى: العسكر، غير أن هذا اللقب ألغى
عند مجىء الاستعمار الفرنسى.(16/34)
*البيمارستان
البيمارستان: كلمة فارسية الأصل، تعنى: المستشفى أو دار
المرضى، وهى مركَّبة من كلمتين: بيمار، وتعنى: المريض،
وستان وتعنى الدار، ثم اختصر اللفظ إلى مارستان، وأصبح الآن
يطلق على مصحة الأمراض العقلية. وقد نشأت البيمارستانات فى
مدينة جُنْدَيسابور بفارس قبل الإسلام بنحو ثلاثة قرون، على
أيدى طائفة من الأطباء النسطوريين. والبيمارستان أحد
المنشآت والعمائر الإسلامية، كالمساجد والمدارس، ولم تكن
وظيفته تقتصر على مداواة المرضى وعلاجهم، بل كانت فى
الوقت نفسه معاهد علمية ومدارس لتعليم الطب. وأول مستشفى
غير ثابت أقيم فى الإسلام هو ذلك الذى أمر الرسول - صلى الله
عليه وسلم - بإقامته أثناء غزوة الخندق؛ فعن عائشة - رضى
الله عنها - قالت: أصيب سعد بن معاذ يوم الخندق؛ رماه رجل من
قريش يقال له: حبَّان بن العَرِقة، رماه فى الأكحل، فضرب النبى
- صلى الله عليه وسلم - خيمة فى المسجد ليعوده من قريب [
صحيح البخارى]. وأما أول مستشفى ثابت فى الإسلام فهو ما
بناه الوليد بن عبد الملك سنة (88 هـ = 706 م). وكانت
المستشفيات الثابتة فى أول عهدها بسيطة، ثم تطورت تطورًا
كبيرًا فى عهد العباسيين، وكثر بناؤها فى مختلف البلاد
الإسلامية. وكان اختيار موقع البيمارستان يتم بعد بحث وتفكير؛
لاختيار أفضل الأماكن الصحية وأكثرها جمالاً، فقد رُوِى أن
الناصر صلاح الدين الأيوبى عندما أراد أن يبنى المستشفى
الناصرى فى القاهرة، اختار لهذا الغرض أحد قصوره الفخمة
البعيدة عن الضوضاء. وكانت البيمارستانات الكبرى تنقسم إلى
قسمين منفصلين؛ أحدهما للذكور، والآخر للإناث. وفى كل قسم
من هذين القسمين عدة قاعات فسيحة حسنة البناء لمختلف
الأمراض. والبيمارستانات الكبيرة التى أنشئت فى عصر ازدهار
الحضارة الإسلامية، كانت على جانب كبير من التنظيم والرقى،
ومن أشهرها: البيمارستان العضدى ببغداد، والبيمارستان(16/35)
النورى الكبير بدمشق، والبيمارستان المنصورى الكبير
بالقاهرة، وبيمارستان مراكش.(16/36)
*جامع الأزهر
أول جامع أنشئ فى مدينة القاهرة الفاطمية فعاصر تأسيسها
كمقر للدولة الفاطمية. أتم إنشاءه القائد جوهر الصقلى سنة (
361هـ). يقع فى الجنوب الشرقى للقاهرة عاصمة مصر. عرف
عند نشأته باسم جامع القاهرة، ثم أطلق عليه اسم الأزهر؛ تيمنًا
باسم السيدة فاطمة الزهراء بنت النبى - صلى الله عليه وسلم -،
وقيل: لوجوده بجوار قصور مزهرة (وقت إنشائه). وكان الجامع
يتألَّف من صحن، تَحُفُّه ثلاثة أروقة، أكبرها رواق القبلة،
والرواقان الآخران على الجانبين، وبرواق القبلة مجاز قاطع،
سقفه أعلى من سقف المسجد، ومسطح الجامع الأصلى كان
يقترب من نصف مسطَّحه الحالى. كما أضيفت إليه أروقة ومدارس
ومحاريب ومآذن؛ مما جعله أشبه بمعرض واسع للفن المعمارى
الإسلامى فى مصر منذ بداية العصر الفاطمى حتى اليوم. وممن
اعتنوا بالجامع الأزهر من الحكام والأمراء: الحاكم بأمر الله؛
فزوده بقناديل من فضة، وتنورين، وباب محفوظ الآن فى متحف
الفن الإسلامى بالقاهرة، وغير ذلك، والآمر بأحكام الله؛ إذ
أنشأ مقصورة عرفت باسم مقصورة فاطمة، ومحرابًا محفوظًا
فى المتحف الإسلامى أيضًا، وأضاف الحافظ لدين الله رواقًا
يحيط به من جوانبه الأربعة، وقبة. ولما كان الأزهر جامعًا
فاطميًّا يعمل على نشر المذهب الشيعى؛ فقد أغلقه صلاح الدين
الأيوبى، ولم يفتح إلا فى العصر المملوكى، فاهتم به الأمير عز
الدين أيدمر الحلى، واحتفل بإقامة صلاة الجمعة فيه يوم (18
من ربيع الأول سنة 665هـ)، وتصدعت جدران الأزهر فى زلزال
سنة (702هـ)؛ فقام سلار نائب السلطنة المملوكية بعمارته
وترميمه، وتتابعت الإصلاحات والإضافات؛ فأنشأ علاء الدين
طيبرس المدرسة الطيبرسية سنة (709هـ)، وجعلها زيادة فى
الجامع الأزهر، وأنشأ علاء الدين أقبغا عبد الواحد المدرسة
الآقبغاوية سنة (740هـ)، ثم أنشئت المدرسة الجوهرية التى
تنسب إلى الأمير جوهر القنقبائى، وعمَّر الأزهر السلطان(16/37)
قايتباى المحمودى سنة (873هـ)، وبنى قنصوه الغورى المئذنة
الفريدة فى تصميمها ذى الرأسين، كما اهتم بالجامع
العثمانيون، أمثال: محمد باشا الشريف وحسن باشا وعبد
الرحمن كتخدا. وفى العصر الحديث اعتنى الخديو عباس حلمى
الثانى بالجامع الأزهر؛ فجدد منشأته، وأضاف الرواق العباسى
الذى نسب إليه، وهو أحدث الأروقة وأكبرها، وافتتح فى عهد
الشيخ حسونة النواوى سنة (1897م). وفى سنة (1970 م) تم
استبدال أرضية رخام بأرضية الصحن الحجرية. وبعد زلزال سنة (
1992 م) بدأت هيئة الآثار المصرية فى إجراء ترميمات وإصلاحات
لجدران الجامع الأزهر ومدارسه.(16/38)
*جامع أيا صُوفيا
مسجد تاريخى بمدينة إستانبول فى تركيا. كان كنيسة
أرثوذكسية تسمى هاجيا صوفيا ينسب بناؤها إلى الإمبراطور
جستنيان فى القرن السادس الميلادى. ولما فتح السلطان محمد
الفاتح القسطنطينية سنة (857 هـ) أقام صلاة شكر فى الكنيسة
التى تتميز بعمارتها القوطية ذات القباب المتعددة، ويبلغ ارتفاع
القبة الوسطى (الكبرى) منها (63) مترًا، وقطرها (30) مترًا،
ويبلغ عدد الأعمدة المرمرية التى تحمل البناء (117) عمودًا. ومنذ
تحولت الكنيسة إلى مسجد تناولتها أيدى التعمير والتجديد
والزخرفة منذ عصر محمد الفاتح الذى أقام أول مئذنة للمسجد
على الجدار الشرقى بعد تقويته، وأقام فوق القبة هلالاً كبيرًا،
بلغ قطره خمسين ذراعًا وطُلى بماء الذهب. وبنى سليم الثانى
المئذنة الثانية. وشيَّد مراد الثالث المئذنتين الثالثة والرابعة،
وأقام على القبة الوسطى هلالاً ذهبيًا، قطره خمسون مترًا، كما
زين الحوائط بالآيات القرآنية. وشيَّد السلطان محمود الأول بجوار
المسجد مدرسة ومكتبة، كما قام السلطان عبد المجيد بتجديد
المسجد تجديدًا شاملاً، وضرب بهذه المناسبة ميدالية تذكارية
تحمل صورة أيا صوفيا. وكان للمسجد أثر كبير فى تصميم
المساجد العثمانية. وفى سنة (1934 م) منع مصطفى كمال
أتاتورك الصلاة فيه، وحوَّله إلى متحف، وكان فتحه التام للصلاة
فيه مرة أخرى سنة (1991 م).(16/39)
*التيمارات
تيمارت: كلمة فارسية، معناها الأصلى كل ما يُعطَى للمريض أو
للحيوان أو حتى للأرض والنباتات من مئونة أو عناية. وأطلق لفظ
التيمارات على أراضى الدولة التى كانت تُعطَى للجنود
والفرسان ليعيشوا منها. وفى عهد السلطان العثمانى مراد خان
الأول قام الوزير ديمور طاش باشا بتنظيم فرق الخيالة العثمانية
(السباهى)، وأقطع كل جندى منهم جزءًا من الأرض يزرعه
أصحابه الأصليون - أيًّا كانوا - فى مقابل دفع جعل معين
لصاحب الإقطاع. وكل إقطاع لا يتجاوز إيراده السنوى عشرين
ألف غرش يسمى تيمارًا، وما زاد إيراده على ذلك يسمى زعامة،
وذلك بشرط أن يسكن الجندى فى إقطاعه وقت السلم، ويستعد
للحرب على نفقته عند الطلب. وكانت التيمارات والزعامات لا
يرثها إلا الذكور، فإذا انقرض الذكور فى عقب صاحب الإقطاع
ترجع إلى الحكومة.(16/40)
*جامع الأقمر
جامع أنشأه الخليفة الفاطمى الآمر بأحكام الله سنة (519هـ).
يقع بالشارع الأعظم المعروف بشارع المعز لدين الله الفاطمى
بالقاهرة، عن يمين المتجه إلى باب الفتوح (أحد أبواب القاهرة
)، ولم تكن فيه خُطبة، ولكنه عرف بالجامع الأقمر. ويقتصر
تصميمه على صحن مكشوف مربع، طول ضلعه (10) أمتار، تحيط
به أربعة أروقة، أكبرها رواق القبلة، عقودها محمولة على
أعمدة رخامية. وهذه العقود من النوع المحدب، ويحلى حافتها
المشرفة على الصحن طرازٌ من الكتابة الكوفية القديمة. والأروقة
الأربعة مسقوفة بقباب قليلة الغور ما عدا البائكة الأخيرة فى
رواق القبلة، فيغطيها سقف حديث مستوٍ من الخشب، جدده الأمير
بلبغا بن عبد الله السالمى. وتوجد بركة صغيرة فى صحن الجامع
يصل إليها الماء من ساقية. ونُصب فى الجامع منبر، فكانت أول
جمعة أقيمت فيه فى (14 من رمضان سنة 779هـ)، كما جدده
سليمان أغا السلحدار سنة (1821م). وفى العصر الحديث جددت
مصلحة الآثار المصرية واجهته، وقامت ببعض الإصلاحات فيه.
والمسجد يحتوى بداخله على زخارف إسلامية منوعة تجعله تحفة
فنية بديعة فى عمارة القاهرة. ويعتبر التوفيق بين اتجاه القبلة
واتجاه الطريق من السمات المميزة لهذا الجامع، ثم شاعت هذه
الظاهرة فى العصر المملوكى.(16/41)
*التفسير (علم)
التفسير علم من العلوم الإسلامية يُعنَى بتوضيح معانى آيات
القرآن الكريم ومغازيها وإيحاءاتها ودلالاتها وأسباب نزول
الآيات بلفظ دال على ذلك دلالة ظاهرة، إلى غير ذلك مما اهتم به
المفسرون. وقد مرَّ علم التفسير بمرحلتين: الأولى (مرحلة ما قبل
التدوين): وكانت فى عهد النبى - صلى الله عليه وسلم -
وصحابته، رضى الله عنهم، الذين كانوا يفهمون القرآن بسليقتهم
العربية وبما يعايشونه من وقائع تحف بنزوله، والنبى - صلى الله
عليه وسلم - بينهم يبين ما غمض، ويصحح ما التبس. وبعد وفاة
النبى - صلى الله عليه وسلم -، قام الصحابة بالدور نفسه تجاه من
أسلموا. ولم يستوعب تفسير الصحابة القرآن كله؛ إذ كانوا
يكتفون - غالبًا - بالمعانى الإجمالية. وفى عهد التابعين ازدادت
المرويات عن أهل الكتاب كما هو واضح فى التفاسير المروية
عنهم. والمرحلة الثانية: (مرحلة التدوين): وتبدأ من أواخر عهد
الدولة الأموية حتى العصر الحاضر، فكان علم التفسير أولاً جزءًا
من تدوين الحديث الشريف، يُفْرد له المحدِّثون بابًا فى مصنفاتهم،
ثم استقل التفسير ووضعت فيه مصنفات خاصة به حسب ترتيب
المصحف الشريف، كما هو الحال فى تفسير الطبرى المتوفَّى
سنة (310هـ) وغيره. وقد ظهرت اتجاهات متعددة فى التفسير،
من أشهرها: التفسير بالمأثور، أى: المنقول عن الرسول - صلى
الله عليه وسلم - والصحابة، رضى الله عنهم، والتابعين،
والتفسير بالرأى، أى: بالعقل والاجتهاد، والخلاف بين ألفاظ هذا
النوع لفظى، والتفسير الإشارى (الصوفى)، والمراد به تأويل
آيات القرآن بمقتضى إشارات خفية تظهر لأرباب السلوك، وبما لا
يتعارض مع الظاهر المستفاد من الآيات. والتفسير الفقهى،
والمراد به تناول آيات الأحكام الشرعية العملية بالتفسير مع
عرض مذاهب الفقهاء، والتفسير العلمى، والمراد به تفسير
الآيات الكونية المذكورة فى القرآن، والتفسير الأدبى البيانى،(16/42)
والمقصود به الدراسة الأدبية للنص القرآنى، والتفسير الأدبى
الاجتماعى، ويُعنى ببيان ما يشير إليه القرآن من السنن
الاجتماعية، والتفسير الموضوعى، ويهتم بتناول الموضوعات
التى تشملها السورة الواحدة، أو جمع آيات تتحدث عن موضوع
واحد وتفسيرها. وقد وُفِّق علماء كثيرون فى الكتابة فى جميع
هذه الاتجاهات فى التفسير. وللمفسر شروط وللتفسير ضوابط،
محل دراستها مباحث علوم القرآن الكريم.(16/43)
*الترجمة
كلمة عربية، تطلق على نقل الكلام من لغة إلى أخرى، وهى من
ضرورات العمران البشرى. وتتم الترجمة نتيجة الشعور بالحاجة
إلى التعايش أو التفاهم أو الاستفادة من علوم الآخرين
ومعارفهم، والاطلاع على حضارات الشعوب الأخرى وثقافاتهم؛
لذا فهى ترتبط بمدى ازدهار المجتمعات التى تتم فيها. وقد
قامت ثلاث حركات للترجمة فى تاريخ الحضارة
الإسلامية؛ (الأولى)، وهى الكبرى: بدأت فى أوج مجد الدولة
الأموية. وأهم ما تمت ترجمته فى تلك الفترة هو ترجمة لغة
الإدارة إلى اللغة العربية، وهو ما عرف باسم تعريب الدواوين،
وبها أحكَم المسلمون إدارة البلاد المفتوحة دون وساطة. وبلغت
هذه الحركة ذروتها فى عصر الخليفة العباسى المأمون؛ حيث
جعلت الدولة الترجمة نظامًا رسميًّا، وضعت له الخطط والكفاءات؛
فتقاطر عليها المترجمون من الداخل والخارج؛ فنقلوا كل ما له
قيمة فى اللغات السريانية واليونانية والفارسية والسِّنسكريتية
والنبطية؛ وذلك انطلاقًا من إيمان المسلمين وحكامهم بأن العلم
من أسس الفضائل، وأنه توأم الحكم الصالح. وبهذه الحركة تمَّ
انتقال القوامة على العلوم والمعارف إلى الدولة الإسلامية
بمؤسساتها وأفرادها، وعن طريقها أيضًا حافظ المسلمون على
تراث الحضارات التى سبقتهم، وطوروا وسائله فى الاستدلال
والبرهان، فى علوم الرياضيات والصيدلة والطبيعة والكيمياء
والجغرافيا وعلوم اللغة وغيرها من العلوم التى شكلت المعارف
والثقافات الإسلامية، التى نقلتها أوربا فى حركة ترجمة
مشابهة، وبنت بها حضارتها التى كانت بدايتها عصر النهضة،
والتى مثلت أساس حضارة أوربا الحديثة القوى. والحركة الثانية
للترجمة فى مصر والشام خلال القرن التاسع عشر الميلادى،
التى كان محمد على رائدها فى مصر، ونفذت الدولة خلالها خطة
للترجمة عينت فيها العلوم والمعارف الضرورية لإنشاء مؤسساتها
الحديثة وتطويرها، واختارت لها أصلح المترجمين. ثم جاءت(16/44)
الحركة الثالثة للترجمة، وبدأت مع إنشاء الجامعات فى مصر
والشام فى أوائل القرن العشرين، غير أن هذه الحركة لم تكن
مؤثرة؛ لعدم وجود خطة لما ينبغى ترجمته، وتجاوز طوفان العلم
كل ما لدى العرب من إمكانات قادرة على الترجمة. وللترجمة
اللغوية بالنظر إلى طريقتها والمقام الذى تستخدم فيه أنواع،
منها: الترجمة الحرفية والترجمة بالمعنى والترجمة الآلية عن
طريق الحاسب الآلى.(16/45)
*الأحباس
الأحباس فى اللغة هى: الأوقاف، وفى الاصطلاح الفقهى: حبس
أصل المال، كالأرض والبئر والبستان، وصرف منافعه فى سبيل
الله. ومع تطور الحياة فى الدولة الإسلامية وكثرة الأحباس
(الأوقاف) التى كان يتبرع بها بعض الأغنياء وذوى السلطان من
الأرض وغيرها، أنشأت الدولة ديوان الأحباس، وعينت عليه
قاضيًا، يشرف على ما وقف لصالح المساجد والخوانق والمدارس.
وفى عصر المماليك أصبح مصطلح الأحباس يُطلق على الأرض
التى تحبس وقفًا على المساجد والخوانق والمدارس وغيرها من
المؤسسات الخيرية.(16/46)
*قلعة رومللى حصار
بناها السلطان العثمانى محمد الفاتح سنة (1452 م) فى
الأناضول؛ للتحكم فى مضيق البسفور؛ تمهيدًا لفتح
القسطنطينية. ورومللى حصار تعنى قلعة منطقة الروم. وقد نفذ
هذه القلعة المعمارى مصطح الدين أغا ومعه سبعة آلاف عامل،
واستغرق بناؤها أربعة أشهر فقط، وقد اختار السلطان الفاتح
موقع هذه القلعة بعناية؛ فهى تقع فى مواجهة القلعة العثمانية
أناضولى حصارى عند أضيق نقطة فى المضيق؛ حيث لايتعدى
عرض المضيق (660) مترًا عند هذه النقطة. وترتفع هذه القلعة عن
سطح البحر (82) مترًا، ومساحتها (30250) مترًا مربعًا على ثلاثة
أبراج، وارتفاع كل منها (26.7) مترًا. وكان لبناء هذه القلعة دور
فعال فى فتح القسطنطينية.(16/47)
*مئذنة لاخيرالدا
هى مئذنة جامع إشبيلية الأعظم، الذى أسس بناءه الخليفة
أبويعقوب سنة (567 هـ)، ثم أتمَّ ابنه المنصور بناء المئذنة سنة
(584 هـ). ولم يبق من المسجد إلا المئذنة، التى يبلغ ارتفاعها (
96) مترًا، وعدد طوابقها سبعة. ومن العجيب أن صعود هذه
الطوابق يتم دون سلم، بل على ممر منحدر يدور مع الجدار
الداخلى حتى أعلاه. ويوجد فى أعلى المئذنة ثلاث كرات ضخمة
(تسمى تفاحات) مغطاة بسبيكة سميكة من الذهب، كانت تتألق
للناظر من بعيد. وبعد سقوط إشبيلية وقع زلزال أسقط المئذنة،
فاستعاض عنها الإسبان بدوارة تبين اتجاه الريح، ومن هنا
سميت المنارة كلها لاخيرالدا أى: الدوارة.(16/48)
*مدرسة السلطان برقوق
أنشأها الناصر فرج بن برقوق سنة (803 هـ)، السلطان السادس
والعشرون من ملوك الترك بالديار المصرية، والثانى من الجراكسة
وموضعها حاليًّا شارع المعز لدين الله، وهى التى ألقى فيها
ابن خلدون دروسه فى فقه المالكية. وتشغل مدرسة السلطان
برقوق قطعة أرض تكاد تكون مربعة الشكل؛ إذ تبلغ مساحتها (
6800 م2).، وتكوِّن المدرسة وملحقاتها طرازًا فريدًا فى الحضارة
الإسلامية، إذ جمعت بين طراز المدارس المكون من أربعة إيوانات
متعامدة على بعضها البعض، يتوسطها صحن، وطراز المساجد
المكونة من صفوف من البوائك، تحصر بينها عددًا من الأروقة،
كما أنها تحتوى على ثمانى خَلْوَات للصوفية. وتشغل الواجهة
الرئيسية للمدرسة الضلع الغربى لها، ويبلغ طولها نحو (86)
مترًا، وتحتوى على مئذنتين متماثلتين تقعان على الواجهة
الرئيسية، يبلغ ارتفاع كل منهما (30) مترًا، وتتكون من ثلاثة
طوابق.(16/49)
*مسجد إشبيلية الجامع
قام بإنشائه الخليفة الموحدى يوسف بن عبد المؤمن، عندما
رأى أن جامع عمر بن عدبَّس، الذى بناه عبد الرحمن الأوسط
سنة (214 هـ) لم يعد يفى بحاجات أهل إشبيلية بعد أن زاد
عددهم. عَهِد الخليفة إلى أكبر مهندسى عصره وهو أحمد بن
باسه وضع تصميم المسجد، وكان يتفقد مراحل بنائه بنفسه فى
أكثر الأيام ومعه شيوخ دولته، إلى أن تمَّ الانتهاء من بنائه فى
شعبان سنة (571 هـ)، واستغرق بناؤه نحو أربعة أعوام. وتوجد
الآن فى موضع المسجد كاتدرائية ضخمة، تبلغ مساحتها (8816
م2)، ولا يتبقى من المسجد إلا مئذنته.(16/50)
*شيخ الإسلام
لقب إسلامى ظهر فى النصف الثانى من القرن الرابع الهجرى
بصفة غير رسمية، وكان يطلق على الفقهاء والمفتين، وشهد
تطوره فى بلاد فارس، حيث أصبح لقبًا على سلطة قضائية.
واكتسب لقب شيخ الإسلام أعظم شهرته بعد أن أصبح يطلق
بالأخص على مفتى الآستانة، واكتسب أهمية لانظير لها فى
البلاد الإسلامية الأخرى، حيث أُطلق على أعلى سلطة دينية
فيها. ولم تكن وظيفة شيخ الإسلام مقصورة على إصدار الفتاوى
التى يطلبها الناس، ولكن جرت العادة على مشاورته فى جميع
المسائل السياسية ذات الأهمية، فكان للمفتين تأثير كبير فى
الحياة العامة، وكان لشيخ الإسلام أو المفتى عدة شخصيات
تساعده على أداء مهام منصبه الكثيرة، وكان له الحق فى أن
يزكى لدى السلطان أشخاصًا يجب تعيينهم فى ست مراتب عليا
فى الهيئة القضائية العليا، وكان هو مستشار السلطان فى
المسائل الشرعية، بل كان هو الذى يبايع السلطان الجديد،
فصاحب هذا المنصب هو الذى أفتى بخلع السلطان سليم الثالث
والسلطان عبد العزيز والسلطان مراد الخامس، وهو الذى كان
يعين قاضى القضاة فى الولايات. وكان آخر من تولى منصب
شيخ الإسلام هو مصطفى صبرى، الذى لجأ إلى مصر وعاش
بها، وتُوفِّى بالقاهرة سنة (1954 م) بعد إلغاء المنصب سنة
(1922 م).(16/51)
*علم القراءات
هو علم يُبحث فيه عن وجوه أداء الألفاظ القرآنية. وقد تواتر من
هذه القراءات سبع وزاد البعض ثلاثًا أخرى، وهى منسوبة إلى
عدد من مشاهير القرَّاء، هم: نافع المدنى، المتوفَّى سنة (169
هـ). ابن كثير المكى، المتوفَّى سنة (120 هـ). أبو عمرو بن
العلاء البصرى، المتوفَّى سنة (154 هـ). عبد الله بن عامر
الشامى، المتوفَّى سنة (118 هـ). عاصم بن أبى النجود
الكوفى، المتوفَّى سنة (127 هـ). حمزة بن حبيب الكوفى،
المتوفَّى سنة (154 هـ). الكسائى الكوفى، المتوفَّى سنة (189
هـ). يعقوب الحضرمى، المتوفَّى سنة (205 هـ). أبو جعفر يزيد
بن القعقاع المدنى، المتوفَّى سنة (130 هـ). خلف بن هشام بن
ثعلب، المتوفَّى سنة (229 هـ). ومن أشهر المؤلَّفات فى
القراءات: كتاب التيسير لأبى عمر الدانى، المتوفَّى سنة (444
هـ). كتاب النشر للجزرى، المتوفَّى سنة (833 هـ). غاية المهرة
فى الزيادة على العشرة للجزرى.(16/52)
*قصر السباع
أنشأه السلطان محمد الغنى بالله، الذى حكم من سنة (1354 م)
إلى سنة (1391 م). وقصر السباع عبارة عن فناء مستطيل
مكشوف، طوله (35) مترًا، وعرضه (20) مترًا، تحيط به من
الجوانب الأربعة مشرفيات ذات عقود، تحملها (مائة وأربعة
وعشرون) عمودًا من الرخام الأبيض، صغير الحجم، متناهية فى
الجمال والرشاقة، وعليها أربع قباب مضلعة، تقع كل واحدة
منها وسط ضلع من أضلاع المستطيل. وفى وسط الفناء نافورة
الأسود الشهيرة، وهى عبارة عن نافورة مياه، يحمل حوضها
المرمرى المستدير الضخم تماثيل اثنى عشر أسدًا على شكل
دائرة، وقد نقش فوق دائرة هذا الحوض اثنا عشر بيتًا من قصيدة
ابن زمرك الشهيرة فى وصف الحمراء، أمام كل أسد بيت منها.(16/53)
*قلعة الجبل
تقع على أحد المرتفعات المتصلة بجبل المقطم، أمر ببنائها
السلطان صلاح الدين الأيوبى، وتولى هذه المهمة وزيره بهاء
الدين قراقوش. وتتألف القلعة من مساحتين من الأرض مستقلتين:
المساحة الشمالية تقترب من شكل المستطيل، ولها أبراج بارزة،
ويفصلها عن المساحة الجنوبية جدار سميك ذو أبراج، وفى
وسط الجدار باب القلعة الذى يعرف باسم الباب الجوانى. والجزء
الشمالى من القلعة كان الحصن نفسه، أما الجزء الجنوبى فكان
يضم الملحقات والقصور السلطانية وما يتبعها من إصطبلات،
وغيرها. وقد ظلت قلعة الجبل تمثل مركز الحكم ومقر إقامة
الحكام طوال الفترة الممتدة من أيام السلطان الكامل الأيوبى
حتى عهد الخديو إسماعيل. وأضاف المماليك إلى القلعة إضافات
كثيرة، وشيدوا بها عمائر جديدة من مساجد وقصور وأبراج
وأحواش وقاعات، وغيرها. ولما كانت القلعة هى مركز الحكم
فقد أدى هذا إلى تعرضها لأحداث ضخمة، سياسية وحربية
واجتماعية، من أشهرها مذبحة القلعة، التى تمكن فيها
محمدعلى من التخلص من زعماء المماليك بمصر.(16/54)
*الكتابة
بُعث النبى - صلى الله عليه وسلم - فى أمة أمية، لاتعرف القراءة والكتابة إلا قليلاً،
وممن عرفها من الصحابة عمر بن الخطاب، وعلى بن أبى طالب،
وزيد بن ثابت، ومعاوية بن أبى سفيان، وعثمان بن عفان،
وسعيد بن العاص، والمغيرة بن شعبة، رضى الله عنهم. وكانوا
يكتبون للرسول - صلى الله عليه وسلم - الوحى والكتب المرسلة إلى الملوك والأمراء.
واتخذ أبو بكر فى خلافته عثمان بن عفان كاتبًا، واتخذ عمر زيد
بن ثابت وغيره، واتخذ عثمان مروان بن الحكم، واتخذ على عبد
الله بن أبى رافع. وبانتقال الخلافة إلى بنى أمية تعددت مصالح
الدولة، وتبعًا لذلك تعدد الكُتَّاب وصاروا ذوى تخصصات مختلفة،
فمنهم: (كاتب الرسائل): ويكتب إلى الملوك والعمال، وغيرهما.
(كاتب الشرطة): ويكتب التقارير عما يقع من أحوال القواد
والديات، وغيرها. (كاتب الجند): ويسجل أسماء الجند
وأعطياتهم ونفقات أسلحتهم. (كاتب الخراج): ويدون حساب
الخراج. (كاتب القاضى): ويكتب الشروط والأحكام. وبانتقال
الخلافة إلى بنى العباس، واستقرارها فى بغداد أصبحت مهنة
الكتابة ذات منزلة رفيعة، وأصبح ديوان الرسائل من الدواوين
المهمة فى الدولة، وأصبح مركز صاحب هذا الديوان لايقل عن
مركز الوزير، ولم يعد اتخاذ الكتَّاب مقصورًا على الخلفاء
وحدهم، بل أصبح أمراء الأمراء وسلاطين بنى بويه وعمال
الأقاليم يتخذون كتَّابًا يعاونونهم على الإدارة.(16/55)
*الكعبة المشرفة
ورد ذكرها فى القرآن الكريم فى قوله تعالى: {إن أول بيت
وضع للناس للذى ببكة مباركًا وهدى للعالمين}. وأول من بناها
هو نبى الله إبراهيم، عليه السلام، قال تعالى: {وإذ يرفع
إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت
السميع العليم}. وتقع فى وسط المسجد الحرام فى مكة المكرمة.
وأول من أعاد بناءها بعد إبراهيم، عليه السلام، هو قصى بن
كلاب. وفى عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - طغى عليها السيل، ووهنت جدرانها،
فأعادت قريش بناءها، وشارك النبى - صلى الله عليه وسلم - فى نقل الحجارة. وقد
أخذت الكعبة اسمها من شكلها، فهو عبارة عن مكعب منتظم
تقريبًا، وفى زاويته الشرقية يستقر الحجر الأسود، والكعبة
مغطاة بستارة مخملية سوداء موشاة بآيات من القرآن الكريم،
ومبطنة من الداخل بالحرير الأحمر، ومكسوة من الخارج بالحرير
الأسود. ويتوجه إليها المسلمون خمس مرات كل يوم لتأدية
الصلاة، كما يقصدها ملايين المسلمين كل عام من جميع أنحاء
العالم لتأدية فريضة الحج أو للاعتمار، فهى رمز لوحدة
المسلمين فى جميع أنحاء العالم الإسلامى.(16/56)
*المسجد الأقصى
ثانى مسجد بنى فى الأرض بعد المسجد الحرام، وثالث الحرمين
الشريفين، ومسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. يقع بالأرض المقدسة بفلسطين.
ورد ذكره فى القرآن الكريم فى قوله تعالى: (سبحان الذى
أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى
باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير (. كما ورد
ذكره فى كثير من الأحاديث النبوية، منها مارواه البخارى فى
صحيحه عن النبى - صلى الله عليه وسلم -: لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد
الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدى هذا. وقيل: إن الذى بنى
المسجد الأقصى هو آدم، عليه السلام. ثم جدد بناءه إبراهيم،
عليه السلام، وأول من جدده بعد بعثة النبى محمد (هو عمر بن
الخطاب سنة (15 هـ). وقد مرَّ المسجد بالعديد من التجديدات
والترميمات فى مختلف العصور. وظلَّ أسيرًا فى يد الصليبيين
نيفًا وتسعين سنة، حتى استرده صلاح الدين الأيوبى سنة (583
هـ)، ولمَّا احتل اليهود أرض فلسطين سنة (1948م) قاموا
باعتداءات متكررة عليه، منها قيامهم بإحراق المسجد فى
أغسطس سنة (1969 م)، وبسلسلة من الحفريات تحته وحوله منذ
سنة (1967 م) وحتى يومنا هذا.(16/57)
*مسجد دمشق
شيده الخليفة الأموى الوليد بن عبد الملك فوق كنيسة يوحنا
المعمدان، التى كانت مبنية داخل معبد رومانى، وعوض
النصارى عن تلك الكنيسة تعويضًا سخيًّا. واستغرق بناء المسجد
أكثر من تسع سنوات، من سنة (86 هـ) حتى سنة (96 هـ)،
وأُنفق عليه أربعمائة صندوق، فى كل صندوق أربعة عشر ألف
دينار. ويتألف مسجد دمشق من صحن أوسط مكشوف، يشغل
القسم الغربى منه قبة بيت المال، التى تقوم فوق ثمانية أعمدة
جرانيتية. أمَّا القسم الشرقى فيشغله قبة الساعات التى أُنشئت
فى عام (400 هـ)، وتحيط به أربعة أروقة، أكبرها رواق القبلة
الجنوبى. وبالمسجد تسعة أبواب، وثلاث مآذن. وكانت جميع
سقوف الأروقة وجدرانها وبطون العقود والدهاليز والأقسام
العليا من رواق القبلة مكسوة إلى ارتفاع سبعة أمتار برسوم من
الفسيفساء. إلا أن المسجد تعرض على مر الزمان لأضرار بالغة،
فقد احترق خمس مرات، وأُعيد بناؤه، مما أفقده كثيرًا من
عناصره المعمارية الأولى، وإن احتفظ بتخطيطه الأول.(16/58)
*مسجد السلطان حسن
بدأ السلطان حسن عمارته سنة (757 هـ)، واستمر العمل فيه
ثلاث سنوات دون انقطاع. والمسجد لايزال موجودًا بميدان محمد
على تجاه باب العزب من قلعة الجبل. وهو أضخم مساجد مصر
عمارة، وأعلاها بنيانًا، وأكثرها فخامة، وأحسنها شكلاً،
وأجمعها لمحاسن العمارة، وأدلها على عِظَم الهمَّة، وغاية الكد
الذى بذل فى إنشائه. ويبلغ طول المسجد (150) مترًا، وعرضه
(68) مترًا، ومساحته (7906) أمتار مربعة، وارتفاعه عند بابه
(37.70) سنتيمترًا، وعلى جوانب صحن الجامع أربعة إيوانات
معدة لإقامة الشعائر الدينية. وفى كل زاوية من زواياه باب
يوصل إلى إحدى المدارس الأربع التى شيدها منشئ الجامع
ليدرِّس فى كل مدرسة منها مذهب من مذاهب الفقه الأربعة
المشهورة. وإيوانه الشرقى من أكبر الإيوانات، سقفه معقود
عقدًا ستينيًّا فوق نصف الدائرة، وهو أكبر عقد بنى على إيوان
بمصر. والإيوانات الثلاثة الأخرى، سقف كل واحد منها على شكل
نصف أسطوانة من الحجر، ومساحتها متقاربة، وفى وسط
الإيوان الشرقى محراب جميل، وعن يمينه منبر من الرخام
الأبيض، وبجانبى القبلة، التى تقع فى الوجهة الشرقية بابان
يوصلان إلى القبة العظيمة، التى تبلغ مساحتها (751) مترًا
مربعًا، وارتفاع جدرانها (30.20) سنتيمترًا، إلى مبدأ القبة التى
تبلغ ذروتها (48) مترًا. وبالجانب القبلى الشرقى المنارتان
العظيمتان، اللتان يبلغ ارتفاع كبراهما (81.60) سنتيمترًا.
وبالجملة، فإن مسجد السلطان حسن من أروع الآثار الإسلامية،
فجميع الزخارف وآثار الصناعة فى داخل المسجد وخارجه
تسترعى النظر، وخاصة عند بوابة الدخول العامة والوجهة القبلية
الشرقية التى تعلوها المنارتان والرفرف الكبير المركَّب من ستة
مداميك مقرنصة، والعلو الشامخ فى سائر الوجهات مع ما فيها
من النوافذ على ثمانى طبقات. وهو من أهم المساجد التى
يحرص على زيارتها السائحون.(16/59)
*مسجد السليمانية
شيده المهندس العثمانى سنان، أعظم المعماريين، فى الفترة
من سنة (957 - 964 هـ)، وأروع ملامح المسجد القبة الرئيسية،
التى يبلغ قطرها (26.50) سنتيمترًا، وارتفاعها (53) مترًا، وهى
أطول قباب إستانبول ارتفاعًا بعد آياصوفيا، وترتكز القبة على
أربع دعامات ضخمة، ولزيادة اتساعها من ناحية المدخل والقبلة
أُضيف إليها نصف قبة من كل ناحية بارتفاع (40) مترًا، ثم وسعت
هاتان المنطقتان بحنيات ركنية إضافية، أمَّا المساحتان
الموجودتان إلى اليمين واليسار فقد غطيت كل منها بخمس قباب.
ويوجد بالمسجد شمعدانات ضخمة بقياس قامة الرجل من النحاس
الأصفر الأصلى، ومرصعة بالذهب الخالص، وكل واحد منها يزن
(20) قنطارًا، وحول سقف القبة فى الداخل صفان من الرواق
يقومان على عواميد ويضاءان بعدد كبير من المصابيح بلغ نحو
(22) ألف مصباح، وفيه كذلك عدة آلاف من قطع الزينة معلقة
بالسقف. وبلغ عدد الخدم المعينين لخدمة المسجد ثلاثة آلاف
خادم.(16/60)
*مسجد قرطبة الجامع
قام بإنشائه عبد الرحمن الداخل فى أواخر أيامه سنة (170 هـ)،
فى الطرف الجنوبى لمدينة قرطبة، وجلب إليه الأعمدة الفخمة
والرخام المنقوش بالذهب واللازورد، لكنه تُوفِّى قبل إتمامه،
فأتمه ولده هشام، وزاد فيه من بعده ملوك بنى أمية، حتى غدا
أعظم مساجد الأندلس. وبلغ ما أنفقه عليه عبد الرحمن الداخل
وحده، مائة ألف دينار. ومازال المسجد قائمًا حتى اليوم بكامل
أروقته ومحاريبه، لكنه تحول منذ القرن السادس عشر الميلادى
إلى كنيسة قرطبة العظمى، وعلى الرغم من أن الهياكل قد
أقيمت فى جميع عقوده الجانبية، وأقيم فى وسطه مصلَّى
عظيم على شكل صليب، فإنه مازال يحمل بالإسبانية اسمه
القديم المسجد الجامع. وقد أزيلت قبابه ومعظم زخارفه
الإسلامية، لتحل مكانها الزخارف النصرانية، ولكن محاريبه
الفخمة مازالت تحتفظ بنقوشها الإسلامية، وآياتها القرآنية. ويقع
المسجد وسط شبكة من الدروب الأندلسية القديمة، على مقربة من
القنطرة الرومانية العربية القائمة على نهر الوادى الكبير. ويبلغ
طوله (185) مترًا، وعرضه (135) مترًا. وله عدة أبواب كبيرة
فخمة، مازالت تحتفظ بكثير من نقوشها الإسلامية.(16/61)
*المسجد النبوى
هو مسجد يقع وسط المدينة المنورة، بناه النبى - صلى الله عليه وسلم - منذ أن قدم
إلى المدينة، وألحق به مساكن لزوجاته، وجعل تخطيطه على
هيئة فناء مربع متساوى الأضلاع تقريبًا، يبلغ طول ضلعه نحو
(70) ذراعًا، وتحف به جدران أربعة، ارتفاع كل منها نحو (7)
أذرع، ويتجه أحد جوانبه نحو المسجد الأقصى فى الشمال،
والجانب المقابل نحو الكعبة المشرفة فى الجنوب. وجُعلت القبلة
فى الجدار الشمالى من حجارة منضودة بعضها فوق بعض. وبعد
نحو سبع سنوات من الهجرة سنة (7 هـ) ضاق المسجد بالمصلين،
فأمر النبى - صلى الله عليه وسلم - بتوسعته، فأصبح طول كل ضلع بالمسجد (100)
ذراع. ولم يكن المسجد يشتمل فى ذلك الوقت على مئذنة، إذ
كان المؤذن ينادى للصلاة من فوق سطح أحد البيوت العالية
المجاورة للمسجد. وصار تصميم المسجد النبوى بالمدينة نموذجًا
للمساجد الجامعة، التى أسسها المسلمون فى المدن المفتوحة.
وفى عهد الوليد بن عبد الملك أُعيد بناء المسجد النبوى إعادة
شاملة، على يد عمر بن عبد العزيز، واليه على المدينة، سنة (91
هـ)، وعندما تولى المهدى العباسى الخلافة أمر بعمارة المسجد
سنة (160 هـ)؛ فوسعه باتجاه الشمال بنحو (30) مترًا، وفتح
بابين جديدين فى الجدار الشمالى. وفى عصر المماليك تم تزويد
الحجرة النبوية بقبة، وفى عهد السلطان عبد المجيد، تمت
إعادة بناء المسجد وزخرفته وفق الطراز العثمانى، وفى العصر
الحديث قامت المملكة العربية السعودية بتوسعة المسجد
وعمارته.(16/62)
*المفتى
هو من يقوم ببيان حكم الله تعالى، بمقتضى الأدلة الشرعية،
على جهة العموم والشمول. ومن حيث المكانة العلمية قد يكون
المفتى مجتهدًا، أو يفتى على مذهب إمامه المجتهد، كمن يفتى
على مذهب أبى حنيفة أو مالك أو الشافعى أو أحمد بن حنبل.
وفى الحالة الأولى تتوافر فى المفتى شروط الاجتهاد، وهى:
المعرفة بكتاب الله وسنة نبيه (فهمًا واستنباطًا، أى معرفة
الأحكام الواردة فيهما، والقدرة على استنباطها واستنباط
أمثالها مما يجدُّ من الأمور ويراد معرفته، عملاً بما دلَّ عليه
الكتاب والسُنَّة، من مصادر أخرى مثل الإجماع والقياس. أى أن
هذه الحالة تقتضى من المفتى المجتهد معرفة واسعة بأدوات
الاستنباط وطرائقه. أما فى حالة الفتوى على مذهب الإمام
المجتهد، فينبغى أن يكون المفتى مطَّلعًا على مآخذ المجتهد
المطلق الذى يقلده، وأن تكون لديه القدرة على التفريع عن
قواعد إمامه وأقواله. والإفتاء فرض عين على المفتى، إذا لم
يوجد غيره ممن يقدر على الإفتاء، وإن لم يُطلب منه الإفتاء،
وفرض كفاية إذا وُجد غيره ممن يقدر عليه. والأصل أن المفتى
لاينال أجرًا على إفتائه، سواء كان بأن يطلب هو الأجر أو يطلب
منه غيره أخذه.(16/63)
*مقبرة تيمورلنك
أمر ببنائها تيمورلنك، وتعكس تصميماتها ونقوشها كل سمات
عهده من القوة، والجبروت، والترف، والجمال. وفى سنة (806
هـ) مات حفيد تيمورلنك، الذى كان يؤهله لتولى الحكم بعده،
فدفن بالمقبرة، ثم توفِّى تيمورلنك بعد عامين، فدفن إلى
جواره. وكان تيمورلنك قد أوصى قبل وفاته بأن يدفن عند
قدمى أستاذه ومعلمه مير سيد بركة، فجئ بجثمانه من بلده
اندخوى فى أفغانستان، ودفن فى الضريح، ووُضِع بحيث
يكون قبر تيمورلنك بمحاذاة قدميه. وأضيفت إلى المقبرة بلاطة
من صخرة اليشم الأخضر الداكن، فريدة فى حجمها، استجلبها
أولوغ بك بعد عشرين عامًا من موت تيمورلنك، وعلى البلاطة
كتبت باللغة العربية سيرة تيمورلنك ونسله.(16/64)
*مقياس النيل بالروضة
بنى بأمر الخليفة العباسى المتوكل على الله سنة (247 هـ)،
على يد المهندس أحمد بن محمد الحاسب. وهو عبارة عن بئر
مساحتها نحو (6) أمتار مربعة و (20) سنتيمترًا، ويتكون مقياس
النيل من ثلاث طبقات: (الطبقة الأولى) ذات تخطيط مربع، وطول
ضلعها أطول من طول ضلع (الطبقة الوسطى)، التى تأخذ
تخطيطًا مربعًا أيضًا بحيث يكون ضلعها أطول من قطر (الطبقة
السفلى). وبفضل هذا التصميم استطاعت الجدران أن تتحمل
الضغط الأفقى للأرض الذى يزداد كلما ازداد العمق. واستخدم فى
كسوة الجدران ملاط استطاع أن يقاوم تأثير الماء، وكان ماء
النيل ينساب إلى البئر عن طريق ثلاث فتحات بعضها فوق بعض،
تصب ماءها فى البئر من خلال ثلاث فتحات فى الجانب الشرقى.
وصممت واجهات الفتحات على هيئة دخلات غائرة فى الجدران
تتوجها رمانية مقلوبة، وتعتبر هذه العقود المدببة أقدم أمثلة
معروفة لهذا الطراز من العقود فى مصر الإسلامية. ويوجد حول
جدران البئر من الداخل درج دائرى يصل إلى القاع، وتحيط
بأعلاه من الداخل كتابة كوفيَّة تمثل أقدم كتابة أثرية مؤرخة
فى مصر. ويقوم فى وسط البئر عمود من الرخام مثمن، مقسم
إلى تسعة عشر قسمًا، طول كل قسم منها ذراع واحدة، وكل
ذراع مقسمة إلى أصابع. وتم إصلاح المقياس فى عهد أحمد بن
طولون، الذى وضع اسمه عليه، وأبقى على التاريخ الأصلى.(16/65)
*المكتبة الأموية بالأندلس
من عظمى مكتبات العصور الوسطى. أنشأها الحكم بن عبد
الرحمن الناصر، الذى تولى الأندلس فى الفترة من سنة (350 هـ)
حتى سنة (366 هـ)، وكان يشغف بجمع نفائس الكتب من مختلف
الآفاق، فكان يبعث إلى أكابر العلماء المسلمين فى كل قطر
بالصلات الجزيلة، للحصول على النسخ الأولى من مؤلفاتهم، كما
أهدى إليه كثير من علماء عصره مؤلفاتهم، وكانت له طائفة من
مهرة الوراقين بأنحاء البلاد، ولاسيما فى بغداد والقاهرة
ودمشق، ينقبون له عن الكتب، ويحصلون منها على النفيس
والنادر، كما كانت له فى بلاطه طائفة أخرى من البارعين فى
نسخ الكتب، وتحقيقها، وتجليدها، وتصنيفها. ولمَّا ضاقت أبهاء
القصر باستيعاب العدد العظيم من الكتب الواردة إليها باستمرار،
أنشأ الحكم على مقربة من القصر صرحًا عظيمًا خاصًّا بالمكتبة،
تفنن المهندسون فى ترتيبه وتنسيقه، وإنارة أبهائه. وقد اختُلِف
فى تقدير محتويات المكتبة، فقدرها بعض المؤرخين بأربعمائة
ألف مجلد، وقدرها البعض الآخر بستمائة ألف مجلد.(16/66)
*مكتبة بغداد
مؤسسة علمية ثقافية ظهرت إبان العصر العباسى الأول، واجتمع
فيها العلماء والباحثون للبحث والدرس، ولجأ إليها طلاب العلم
والمعرفة، ودُرِّسَت بها علوم الطب والفلسفة والحكمة وغيرها،
وكان لذلك كله أثر واضح فى تطور الثقافة العربية، وازدهار
الحركة العلمية فى ذلك الوقت. ويُنسب إنشاء مكتبة بغداد إلى
الخليفة العباسى هارون الرشيد المتوفَّى سنة (193 هـ)، وبلغ
نشاطها ذروته فى عهد الخليفة المأمون، المتوفِّى سنة (218
هـ). وكان تصميمها من الداخل عبارة عن غرف عديدة، تمتد
بينها أروقة كثيرة، بينها أروقة طويلة، وخصصت للكتب غرفة
مزودة بأرفف تُصفُّ عليها الكتب، وللمحاضرات والمناظرات قاعة
معدة، وأخرى للاستراحة، وقُسِّمَ باقى الغرف إلى أقسام، تبعًا
للعاملين فيها، فهناك غرف للمترجمين، وغرف للناسخين، وغرف
للمجلدين والوراقين، وغرف للخازنين والمناولين، بالإضافة إلى
غرف خاصة للتدريس، وأخرى لسكن طلاب العلم. وقد قل الاهتمام
بالمكتبة بعد وفاة المأمون، وانتقال مركز الخلافة إلى سامَرَّاء
على يد الخليفة المعتصم بالله، المتوفَّى سنة (227 هـ)، ثم حظيت
ببعض العناية فى عهد الخليفة المتوكل على الله، المتوفَّى سنة
(247 هـ). وظلت المكتبة قائمة حتى دهم المغول بغداد سنة (656
هـ)، وهدموا مافيها من منشآت، وكانت المكتبة فيما تهدم،
وأحرقت كتبها، وطُمست معالمها، بعد أن ظلت ما يزيد على
أربعة قرون ونصف القرن جامعة إسلامية ومنارة للعلم والعلماء.(16/67)
*الوزارة
المعنى الأصلى للوزارة هو المعاونة والمؤازرة، واستحدث منصب
الوزارة عند المسلمين لأول مرة فى العصر العباسى الأول،
وأول من لقب بلقب الوزارة هو أبى العباس السفاح، الذى كان
لقبه وزير آل محمد. ويعد منصب الوزير تطورًا لمنصب الكاتب فى
العهد الأموى. وقد وصلت الوزارة إلى حد بعيد من القوة
والاستقرار فى عصر هارون الرشيد، الذى استوزر يحيى بن
خالد البرمكى، وفوضه تفويضًا مطلقًا فى السلطة، ونما نظام
الوزارة فى عصر المأمون، الذى أطلق يد وزيره الفضل بن سهل
فى الإدارة بمرسوم خطى خاص. وفى نهاية القرن التاسع
الميلادى ضعف مركز الوزراء؛ لتسلط الترك وانتقال السلطة إلى
قبضة جنودهم، ثم انتعش نظام الوزارة بانتعاش سلطة الخلفاء
بعد ذلك. وكادت الوزارة تكون وراثية فى بعض الأسر، مثل آل
الجراح، وآل وهب، وآل الفرات. وتنقسم الوزارة إلى نوعين من
حيث السلطة: (وزارة التفويض)، و (وزارة التنفيذ). وسميت الوزارة
فى ظل الدولة العثمانية: (الصدارة العظمى)، وسمى الوزير:
(الصدر الأعظم)، وأول من تولى (الصدارة العظمى) فى الدولة
العثمانية هو علاء الدين على سنة (728 هـ) فى عهد سلطانها
الثانى أرخان غازى بن عثمان، وآخر سلاطينها أحمد توفيق
سنة (1919 م) فى عهد السلطان محمد السادس وحيد الدين بن
عبد المجيد.(16/68)
*تاج محل
تاج محل: ضريح شيَّده الإمبراطور المغولى شاه جهان ليكون
مدفنًا لزوجته ممتاز محل فى مدينة أكرا بالهند، وقد بدأ البناء
فى هذا الضريح سنة (1041 هـ)، واكتمل بعد سبعة عشر عامًا،
وقيل: بعد اثنين وعشرين عامًا. ويقع الضريح على الضفة
اليسرى من نهر جمنا، وتتقدمه حديقة فخمة بها حوض ماء،
تنعكس عليه صورة المبنى نفسه، ويتقدم الحديقة بناء - عبارة
عن خان - يستخدم حاليًّا كبوابة ضخمة، ويوجد وراء الضريح -
على بعدٍ - مسجد. والضريح مرصع بالمرمر، ناصع البياض، فى
حين بُنِى المبنيان اللذان يقعان خلفه وأمامه من الحجر الأحمر،
وقد أدى ذلك إلى إبراز الضريح بمرمره الأبيض. وقد شُيِّد
الضريح فى وسط مصطبة مربعة، وهو بناء مشطوف الأركان،
وفى كل شطف عقدان، أحدهما فوق الآخر، ويتوسط الواجهة
المدخل، وفى كل من جانبى المدخل عقدان يتماشيان مع عقدى
الأركان، وتفصل بين العقود جميعًا أعمدة رشيقة مندمجة ترتفع
إلى مافوق الضريح. ويعلو البناء قبة بصلية ضخمة فوق رقبة
طويلة. أما فى الداخل فيوجد قبران من المرمر، هما: قبر شاه
جهان، وقبر زوجته ممتاز محل، يحيط بهما حجاب رشيق من
الرخام، يصل ارتفاعه إلى (2.25) سنتيمترًا، وسطح البناء من
الداخل مبنى على هيئة قبة نصف كروية هى القبة الداخلية التى
تعلوها القبة الخارجية البصلية. وقد جمع ضريح تاج محل بين
فخامة المظهر والدقة المعمارية، وجمال العناصر الزخرفية، ويعد
الضريح قمة عمارة الأضرحة.(16/69)
*ديوان البريد:
أصل هذا الديوان فى الواقع كان موجودًا منذ عهد النبى - صلى
الله عليه وسلم -، فقد بعث كثيرًا من الرسائل إلى الملوك والأمراء
المعاصرين له، يدعوهم إلى الإسلام، وحمل هذه الرسائل سفراء
ومبعوثون من قِبله، لكن «معاوية بن أبى سفيان» أنشأ لهذا
النوع من العمل ديوانًا خاصا، وهو الجديد فى ذلك الأمر، وجعل
له موظفين معينين، يقومون على العمل به، وقام «ديوان البريد»
بمهمتين: - الأولى: نقل الرسائل من دار الخلافة وإليها، وكان
بعضها رسائل داخلية، وهى المتبادلة بين الخليفة وولاة الأقاليم
وكبار الموظفين، وبعضها الآخر رسائل خارجية وهى التى
يتبادلها الخليفة مع ملوك الدول الأجنبية وزعمائها. - والأخرى:
مراقبة أعمال الولاة وكبار الموظفين، ومتابعة سلوكهم
وأسلوبهم فى إدارة ولاياتهم، وموافاة الخلافة بتقارير منتظمة؛
حتى يكون الخليفة على علم تام بكل ما يجرى فى كل الولايات.
وكانت تلك المهمة جليلة الشأن، تُطْلع الخليفة على أى خلل أو
قصور فى الإدارة، فيسارع إلى تدارك ذلك، ولذا اهتم الأمويون
بديوان البريد اهتمامًا عظيمًا لأثره البالغ فى حسن سير الإدارة
ومراقبة الموظفين.(16/70)
*ديوان الخاتم
وهو يختص بحفظ نسخة من المراسلات التى كانت تدور بين
الخليفة وولاته وكبار موظفيه فى الداخل، أو بينه وبين غيره من
الحكام الأجانب، بعد ختمها بخاتم خاص، وهو بذلك أشبه ما
يكون بإدارة الأرشيف فى النظم الإدارية الحديثة، وكانت النسخة
المرسَلة تُطوَى وتغلق بالشمع، حتى لا يمكن فتحها والاطلاع
على محتوياتها إلا عند الضرورة، وقد أنشأ هذا الديوان
«معاوية بن أبى سفيان»؛ لمنع التزوير والتلاعب فى مراسلات
الدولة. وكان ختم الرسائل بخاتم خاص معروفًا فى الدولة
الإسلامية منذ عهد النبى - صلى الله عليه وسلم -، فعندما عزم
النبى - صلى الله عليه وسلم - على إرسال رسائله إلى الملوك
والأمراء المعاصرين له، لدعوتهم إلى الإسلام، قال له بعض
أصحابه: إن الأعاجم - يقصدون «كسرى» و «قيصر» - لا يقبلون
رسالة إلا إذا كانت مختومة؛ فاتخذ خاتمًا من فضة لختم رسائله،
نقش عليه: محمد رسول الله، واتخذ له حاملا خاصًا، سُمى «حامل
خاتم النبى»، وكان اسمه «معيقب بن أبى فاطمة الدوسى»،
وظل الخلفاء الراشدون يستخدمونه فى ختم رسائلهم حتى سقط
من يد «عثمان بن عفان» - رضى الله عنه - فى بئر «أريس»،
فاتخذ خاتمًا آخر صنع على مثاله، لكن «معاوية بن أبى
سفيان» طوَّر تلك البدايات طبقًا لمقتضيات العصر، واتساع رقعة
الدولة، وكثرة المراسلات المتبادلة.(16/71)
*ديوان الرسائل:
ووظيفته صياغة الكتب والرسائل والعهود التى كانت تصدر عن
دار الخلافة، سواء إلى الولاة والعمال فى الداخل، أو إلى الدول
الأجنبية، كما يتلقى الرسائل الآتية من تلك الجهات أيضًا،
وعرضها على الخليفة. وكان كُتاب ذلك الديوان يختارون بعناية،
من بين المشهورين بالبلاغة والفصاحة، والمعروفين بالتبحر فى
اللغة العربية وآدابها وعلوم الشريعة الإسلامية، والمتصفين
بالمروءة والأخلاق الحميدة، كما يراعى أن يكونوا من أرفع
الناس حسبًا ونسبًا. وقد حفل العصر الأموى بأفذاذ الكتَّاب، كان
أشهرهم على الإطلاق «عبدالحميد بن يحيى»، كاتب الخليفة
«مروان بن محمد»، آخر خلفاء «بنى أمية»، وصاحب الرسالة
المشهورة التى وجهها إلى الكُتَّاب ناصحًا ومعلمًا، وهى آية من
آيات الفصاحة والبلاغة، وضمّنَها الشروط التى يجب أن توجد فى
من يقوم بتلك المهمة الجليلة بين يدى الخلفاء والأمراء. واختص
«ديوان الرسائل» - إلى ما سبق - بقيامه بالعلاقات الخارجية مع
الدول الأجنبية، وإشرافه على الوفود التى كانت تأتى من
الخارج، لعقد معاهدة أو تبادل منافع، وتعهدهم فى بيوت
الضيافة المعدة لذلك، وتعيين المرافقين لهم - حسب أهميتهم -
طوال مدة إقامتهم، وإطلاعهم على المعالم والأماكن التى
تستحق الزيارة، كما كان يشرف على الوفود التى كانت ترسلها
الدولة الأموية إلى الخارج، وإعدادها الإعداد الكافى، وهذا
يعنى أن «ديوان الرسائل» كان يقوم بما يشبه وظيفة وزارة
الخارجية فى الحكومات المعاصرة.(16/72)
*ديوان العمال
ويختص بتسجيل أسماء الموظفين المدنيين فى الدولة، وترتيب
أعمالهم ووظائفهم، وتحديد رواتبهم، وقد سبقت الإشارة إلى
أن سجلات ذلك الديوان فى «البصرة» وحدها فى ولاية
«عبيدالله بن زياد» (55 - 64هـ)، كانت تحوى مائة وأربعين ألف
موظف مدنى.(16/73)
*الحسبة
الحسبة نظام إسلامى يقوم بالإشراف على المرافق العامة، ومنع
أى انحراف، وعقاب المذنبين، وهى وظيفة دينية شبه قضائية،
عرفها التاريخ الإسلامى من بدايته. تقوم على فكرة الأمر
بالمعروف والنهى عن المنكر، امتثالا لقوله تعالى: {ولتكن منكم
أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}.
[آل عمران: من 104]. والأصل فى هذا النظام الإسلامى هو قيام
الناس جميعًا بهذا الواجب الذى هو من فروض الكفاية، لكن الدولة
الإسلامية لم تدع ذلك الأمر للأفراد؛ خوفًا من حدوث فتن
ومشاحنات، وإنما نظَّمته، وجعلته وظيفة خاصة لها مسئول،
يعاونه عدد كبير من الناس. ولا يعنى تنظيم الدولة لوظيفة
«الحسبة» منع الأفراد من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، بل
من واجبهم القيام بهذا، بشرط أن يكون القائم به عالمًا فقيهًا،
وألا يؤدى أمره بالمعروف إلى منكر، ونهيه عن المنكر إلى
منكر أشد، وأن يكون عمله عن طريق النصيحة. ولما لم يكن من
طبيعة الناس كلهم الاستجابة إلى النصح بالتى هى أحسن، فقد
نشأت وظيفة «المحتسب»، واشترط فى شاغلها أن يكون من
أهل الهيبة، ليضرب بقوة على أيدى العابثين بأمن المجتمع فى
غذائه وصناعته وتجارته، وعلى من لا يراعى أصول الشريعة
ومبادئها فى سلوكه، ويضايق الناس بأقواله وأفعاله. ولم
يقتصر عمل «المحتسب» على ضبط سلوك العامة، ومراقبة
أعمالهم، وإنما شمل كبار موظفى الدولة، لحملهم على أداء
عملهم على أفضل ما يكون، ومنعهم من الفساد والتعدى على
الناس وقبول الرشوة، وغير ذلك. وبدأ نظام «الحسبة» مع بداية
الدولة الإسلامية، مثل غيره من النظم التى سبق الحديث عن
بعضها، فقد ثبت فى الصحيح أن الرسول - صلى الله عليه وسلم -
كان أول من باشر عمل «المحتسب» بنفسه، مما يدل على
أهميته، فروى «أبو هريرة» - رضى الله عنه - أن رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - مرَّ على رجل يبيع القمح فى سوق(16/74)
«المدينة» وأمامه صبرة - كومة كبيرة - فأدخل فيها يده
الشريفة، فأصابت بللا، فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟».
فقال: أصابته السماء يا رسول الله. فقال - صلى الله عليه وسلم -:
«أفلا جعلته فوق الطعام كى يراه الناس؟ من غشَّ فليس منَّا».
[صحيح مسلم]. وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - يعين من
الصحابة من يقوم بهذا العمل ويراقب الأسواق لمنع الغش فى كل
شىء، فكلَّف «عمر بن الخطاب» بمراقبة سوق «المدينة
المنورة»، وعين «سعيد بن العاص» لمراقبة سوق «مكة» بعد
فتحها. واستمر الخلفاء الراشدون يباشرون عمل «المحتسب»
بأنفسهم أحيانًا، وينيبون غيرهم للقيام به فى أحيان أخرى.
ولما اتسعت الدولة الإسلامية فى عصر «بنى أمية»، عجز
الخلفاء عن القيام بعمل «المحتسب» بأنفسهم؛ لانشغالهم بمهام
كثيرة سياسية وإدارية وعسكرية، وخصصوا لهذا العمل من يقوم
به، وأصبح نظام «الحسبة» ووظيفة «المحتسب» من أهم النظم
الإسلامية التى تعمل على سلامة المجتمع، وتنقيته من كل
المفاسد. وقد امتد عمل «المحتسب» إلى كل مجالات الحياة
تقريبًا، وقد لخَّص «ابن خلدون» فى مقدمته اختصاصات
«المحتسب» فقال: «ويبحث - المحتسب - عن المنكرات، ويعزِّر
ويؤدب على قدرها، ويحمل الناس على المصالح العامة فى
المدينة، مثل المنع من المضايقة فى الطرقات، ومنع الحمالين
وأهل السفن من الإكثار فى الحمل - لئلا تغرق السفينة بمن فيها
- والحكم على أهل المبانى المتداعية للسقوط بهدمها، وإزالة ما
يتوقَّع من ضررها على السابلة - أى: المارة فى الطريق -
والضرب على أيدى المعلمين فى المكاتب وغيرها فى الإبلاغ -
أى المبالغة - فى ضربهم للصبيان المتعلمين، ولا يتوقف حكمه
على تنازع أو استعداء، بل له النظر والحكم فيما يصل إلى علمه
من ذلك، ويرفع إليه، وليس له الحكم فى الدعاوى مطلقًا، بل
فيما يتعلق بالغش والتدليس فى المعايش وغيرها، وفى المكاييل(16/75)
والموازين، وله أيضًا حمل المماطلين على الإنصاف، وأمثال ذلك
مما ليس فيه سماع بيِّنة، ولا إنفاذ حكم، وكأنها أحكام ينزَّه
القاضى عنها لعمومها، وسهولة أغراضها، فتدفع إلى صاحب
هذه الوظيفة ليقوم بها، فوضعها على ذلك أن تكون خادمة
لمنصب القضاء». وإذا نظرنا إلى عمل «المحتسب» الذى هدفه
هو راحة الناس فى ضوء النظم الحكومية المعاصرة نجده موزعًا
بين العديد من الوزارات والهيئات، مثل وزارة التموين، والصحة،
والصناعة، والتعليم، والزراعة، والداخلية، والنيابة العامة،
ومصلحة الدمغة، والموازين، والمرافق بمختلف أنواعها.(16/76)
*الشرطة
يُعدُّ جهاز «الشرطة» من أقدم الأجهزة فى الدولة الإسلامية، فقد
عُرف منذ عهد النبى - صلى الله عليه وسلم -، وكان له «صاحب
شرطة» - أى رئيس لها - فعن «أنس بن مالك» أنه قال: «كان
قيس بن سعد بن عبادة من النبى - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة
صاحب الشرطة من الأمير». [صحيح البخارى]. ومن الذين عُرفوا
بالقيام بوظيفة الشرطى فى «المدينة» فى عهد الرسول - صلى
الله عليه وسلم -: «سعد بن أبى وقاص» و «بديل بن ورقاء»،
و «أوس بن ثابت بن عرابة»، و «رافع بن خديج». واستمر الخلفاء
الراشدون فى الاستعانة ببعض الصحابة للقيام بعمل الشرطى؛
استتبابًا للأمن، وحفظًا للنظام، وتعقبًا للجناة والمفسدين فى
الأرض، وتنفيذًا للأحكام والحدود التى يحكم بها القضاة. وقد
ازدادت أهمية جهاز «الشرطة» فى الدولة الأموية، نظرًا إلى
الظروف التى كانت تحيط بها، وكثرة الخارجين عليها والثائرين
ضدها، فتوسعت فى استخدام «الشرطة»، حتى أصبح جهازًا من
أكبر أجهزة الدولة، قادرًا على حفظ الأمن وتطهير البلاد من
عناصر الفساد والعبث بالنظام العام للمجتمع. وحرص الأمويون
على اختيار رجال شرطتهم من أهل الشرف والبأس الشديد،
والعفة والمروءة والحزم، وأعطوا «صاحب الشرطة» الحرية
التامة فى اختيار معاونيه، ليؤدوا مهمتهم على الوجه الأكمل،
فيروى عن «الحجَّاج بن يوسف الثقفى» والى «العراق»
والمشرق الإسلامى أنه قال: «دلونى على رجل للشرطة»، فقيل
له: «أى الرجال تريد؟» قال: «أريده دائم العبوس - أى جاداً فى
ملامحه- طويل الجلوس، سميق الأمانة، أعجف الخيانة -أى لا
يخون-» فقيل له: «عليك بعبد الرحمن بن عبيد التميمى»، فأرسل
إليه يستعمله على «الشرطة»، فقال: «لست أقبلها إلا أن
تكفينى عيالك وولدك وحاشيتك»، فقال «الحجاج»: «يا غلام
نادِ فى الناس: من طلب إليه منهم حاجة فقد برئت منه الذمة».
ويعلّق «الشعبى» راوى هذا الخبر بقوله: «فو الله ما رأيت(16/77)
صاحب شرطة قط مثله، كان لا يحبس إلا فى دين - أى: من أجل
مخالفة لتعاليم الدين - وكان إذا أُتى برجل قد نقَّب على قوم
وضع منقبته فى بطنه حتى تخرج من ظهره، وإذا أُتى بنبَّاش
حفر له قبرًا فدفنه فيه، وإذا أُتى برجل قاتل بحديدة أو شهر
سلاحًا قطع يده، وإذا أتى برجل قد أحرق على قوم منزلهم
أحرقه .. فكان ربما أقام أربعين ليلة لا يؤتى بأحد - لخوف الناس
منه لشدته وهيبته - فضم إليه الحجاج شرطة البصرة مع شرطة
الكوفة». وبعد هذا الحديث الموجز عن النظم والإدارة فى العصر
الأموى يمكن القول: إن إدارة الأمويين للدولة الإسلامية كانت
إدارة حسنة بصفة عامة، تقوم على أسس ثابتة، تبغى الصالح
العام، وإشاعة الأمن والاستقرار فى الدولة المترامية الأطراف،
وإن شاب ذلك بعض القصور والأخطاء، وحسب الأمويين أنهم لم
يكفُّوا عن تطوير أجهزة الدولة ودواوينها التى كانت موجودة
قبلهم، واستحدثوا غيرها حين دعت الضرورة إلى ذلك، وأنهم
بذلوا جهدًا فى التدقيق فى اختيار الولاة والعمال والموظفين،
وأحسنوا مراقبتهم ومتابعتهم، ونجحوا فى ذلك إلى حد كبير.(16/78)
*علم الحديث
الحديث فى اللغة: مطلق الكلام، وفى الاصطلاح: هو كلام النبى
- صلى الله عليه وسلم -، الذى هو المصدر الثانى للتشريع بعد
القرآن الكريم. وقد حرص الصحابة على حفظ كل ما يسمعونه من
النبى - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا يسألونه ليبين لهم ما غمض
عليهم فهمه من القرآن، وهذا من وظائفه لقوله تعالى {وأنزلنا
إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم ولعلهم يتفكرون}. [النحل: من
44]. وقد أمرهم الله تعالى باتِّباع النبى فى كل ما يقول أو
يفعل، لقوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه
فانتهوا}. [الحشر: من 7]. وحذَّرهم من مخالفته - صلى الله عليه
وسلم -، فقال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن
تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}. [النور: من 63]. وسار
المسلمون على نهج الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتلقفوا كل
ما يتلفظ به، يحفظونه عن ظهر قلب ويعملون به، وكان الحديث
هو أول العلوم التى اشتغلوا بها، لكنهم لم يدونوه فى حياة
النبى - صلى الله عليه وسلم -، ويروى أنه هو نفسه نهاهم عن
ذلك، لئلا يختلط بالقرآن، فقال: «لا تكتبوا عنّى، فمن كتب عنى
غير القرآن فليمحه» [صحيح مسلم]، بالإضافة إلى أن الصحابة
أنفسهم كانوا يتحرجون من الإكثار من رواية الحديث، تهيبًا
وخوفًا من الخطأ والنسيان. - تدوين الحديث: ظلت أحاديث رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - يتناقلها العلماء مشافهة جيلا بعد
جيل، حتى نهاية القرن الأول الهجرى، وإن دوَّن بعض الناس
أحاديث رسول الله كعبد الله بن عمرو الذى أذن له النبى بكتابة
الحديث فى حياته، وما رواه البخارى من أن «أبا شاه اليمنى»،
التمس من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكتب شيئًا من
خطبته عام الفتح، فقال: «اكتبوا لأبى شاه»، ثم أمر الخليفة
«عمر بن عبد العزيز» بتدوين الحديث خوفًا من ضياعه بموت
العلماء الذين يحفظونه، فكتب إلى «أبى بكر بن حزم» والى(16/79)
«المدينة» وغيره من ولاة الأقاليم، وطلب منهم جمع أحاديث
النبى - صلى الله عليه وسلم - وتدوينها، ومن ثم بدأ المسلمون
يقبلون على ذلك، وبمضى الزمن تضاعفت جهود العلماء فى هذا
الميدان، ومن أشهر الرجال الذين اشتغلوا بجمع الحديث وروايته
وتدوينه فى العصر الأموى: «محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى»
المتوفى سنة (124هـ)، و «ابن جريج المكى» المتوفى سنة
(150هـ)، و «ابن إسحاق» المتوفى سنة (151هـ)، و «معمر بن
راشد اليمنى» المتوفى سنة (153هـ)، و «سفيان الثورى»
المتوفى سنة (161هـ)، و «مالك بن أنس» المتوفى سنة (179هـ)،
غير أن هؤلاء كلهم عدا «ابن شهاب الزهرى» عاشوا صدر
حياتهم فى العصر الأموى وآخرها فى العصر العباسى. لكن
الخطوات الحاسمة فى تدوين الحديث، ووضع المنهج العلمى
الدقيق لتوثيقه، وقبول روايته، وتصنيفه إلى صحيح وحسن
وضعيف، ووضع علومه، وقواعد الجرح والتعديل - أى نقد رجال
السند - كل ذلك جاء فى القرن (3 هـ = 9 م)، بظهور أئمة الحديث
كالبخارى و «مسلم»، و «الترمذى»، و «النسائى»، و «أبى
داود» وغيرهم، وذلك فى العصر العباسى.(16/80)
*علم الفقه
وهو من أجل العلوم الإسلامية، فهو يعرِّف المسلم كيف يعبد ربه،
بما افترضه عليه من صيام وصلاة وزكاة وحج، وينظم معاملات
المسلمين ويقننها فى البيع والشراء والتجارة والزراعة وسائر
شئون حياتهم. ويعد الفقهاء من أكثر علماء الإسلام أثرًا فى
حياة المسلمين، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من يرد الله به
خيرًا يفقهه فى الدين». [مسند الإمام أحمد]. وكان النبى - صلى
الله عليه وسلم - يعلم الصحابة ويفقههم فى أمور دينهم، ثم تولَّى
بعده الصحابة تلك المهمة، وبخاصة بعد أن اتسعت الدولة
الإسلامية فى عهد الخلفاء الراشدين والدولة الأموية، ثم اتسع
نطاق علم الفقه نتيجة لزيادة المشكلات والقضايا التى تحتاج
إلى فتاوى وحلول، وأصبح له علماء متخصصون، لهم قدرة
على استنباط الأحكام الفقهية من الكتاب والسنة، وعلى الاجتهاد
لإيجاد أحكام للقضايا التى لم يرد لها نص فى كتاب الله أو سنة
رسوله - صلى الله عليه وسلم -، لأن النصوص متناهية، فى حين
أن المشكلات والقضايا غير متناهية ومتجددة، ولابد لها من
حلول، فالشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، ومعنى
الصلاحية أن يكون لها حل للمشكلات وإجابة عن كل الأسئلة،
ومن ثم اجتهد الفقهاء فى هذا الميدان، واختلفت اجتهاداتهم
طبقًا لفهمهم الكتاب والسنة؛ ونتيجة لذلك ظهرت المذاهب الفقهية
المعروفة، وتراكم تراث فقهى هائل، أخذ يتزايد بمرور الزمان.
وفى العصر الأموى ظهر إمامان جليلان من أئمة الفقه الكبار،
هما «أبو حنيفة النعمان» و «مالك بن أنس». أمَّا أولهما فقد وُلد
فى «الكوفة» سنة (80هـ) فى خلافة «عبد الملك بن مروان»،
وتوفى سنة (150هـ) فى خلافة «أبى جعفر المنصور
العباسى»، أى أنه عاش أغلب حياته فى العصر الأموى. وهو
من أصل فارسى، تلقى الفقه على كثير من كبار العلماء، منهم
«أبو جعفر الصادق»، و «إبراهيم النخعى»، و «عامر بن شراحبيل
الشعبى»، و «الأعمش»، و «قتادة»، وغيرهم، واشتهر باجتهاده،(16/81)
وقوة حجته، وحسن منطقه، ودقته فى استنباط الأحكام، وهو
صاحب المذهب الحنفى المعروف، الذى ألَّف فيه ونشره بين
الناس تلاميذه العظام، ومن أبرزهم «أبو يوسف» المتوفى سنة
(182هـ) قاضى القضاة فى عهد الخليفة «هارون الرشيد»،
و «محمد بن الحسن الشيبانى» المتوفى سنة (189هـ). و «زفر بن
هذيل» المتوفى سنة (158هـ)، وقد انتشر المذهب الحنفى فى
«مصر» و «العراق» وأواسط آسيا وغيرها. وأماَّ الآخر فقد وُلد
فى «المدينة المنورة» سنة (93هـ) فى عهد «الوليد بن
عبدالملك»، وتوفى سنة (179هـ) فى عهد «هارون الرشيد»،
أى أنه عاش نحو نصف عمره فى العصر الأموى، وأكثر من
نصفه الآخر فى العصر العباسى. نشأ «مالك بن أنس» وتفقَّه
وروى الحديث فى «المدينة» وترك كتابًا عظيمًا هو «الموطأ»،
الذى يجمع بين الفقه والحديث، والإمام «مالك» صاحب المذهب
المالكى المعروف الذى انتشر فى «مصر» و «المغرب العربى».
وقد عاصر هذين الإمامين الجليلين عدد آخر لا يقل عنهما علمًا
وفقهًا، مثل: «الأوزاعى» إمام أهل الشام المتوفى سنة
(157هـ)، و «الليث بن سعد» إمام أهل «مصر»، المتوفى سنة
(175هـ)، غير أن مذهب هذين الإمامين الجليلين اندثر بعدهما؛
لأنهما لم يجدا تلاميذ يواصلون نشر مذهبيهما.(16/82)
*القضاء
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتولَّى القضاء بنفسه فى
«المدينة»، ثم أذن لبعض أصحابه بالقضاء بين الناس، لما انتشر
أمر الدعوة الإسلامية فى شبه الجزيرة العربية، وكثرت القضايا
والخصومات، وكانوا يقضون على أساس القرآن الكريم والسنة
النبوية، والاجتهاد فيما لم يرد فيه نص من كتاب الله أو سنة
رسوله، ومن الصحابة الذين كانوا يتولون القضاء فى حياة
النبى - صلى الله عليه وسلم - «عمر بن الخطاب» و «على بن أبى
طالب»،و «معاذ بن جبل»، و «عبدالله بن مسعود»، وغيرهم. ولما
بويع «أبو بكر الصديق» بالخلافة، وانشغل بمحاربة المرتدين
وتسيير الجيوش لفتح «العراق» و «الشام»، وكثرت عليه أعباء
الدولة؛ خصَّ «عمر بن الخطاب» بالقضاء فى «المدينة». وفى
عهد «عمر بن الخطاب» اتسعت الدولة اتساعًا كبيرًا، فعيَّن قضاة
من قبله على الولايات، فعيَّن «كعب بن سور» على قضاء
«البصرة»، و «شريحا» على قضاء «الكوفة»، ومن أشهر من
تولوا القضاء فى عهد «عمر» «أبو موسى الأشعرى»، الذى
كتب له «عمر» رسالة مشهورة، بين له فيها أهم الأسس
والمبادئ التى ينبغى للقاضى أن يسير عليها، واستمر
«عثمان» و «على بن أبى طالب» فى تعيين القضاة من قبلهم
على الولايات. وسار الأمويون على سنة الراشدين فى تعيين
القضاة على الأقاليم، وحرصوا على أن يكون قضاتهم من أهل
الاجتهاد والورع والتقى، ولم يتدخلوا فى عملهم، وخضعوا
لأحكامهم مثل غيرهم من عامة الناس. وقد اتسعت دائرة عمل
القضاة فى العصر الأموى، نظرًا إلى اتساع مساحة الدولة،
وكثرة المشاكل والمنازعات بين الناس، مما أدَّى إلى اتساع
دائرة الفقه الإسلامى، لأن كثيرًا من أحكام القضاة فى تلك
الفترة أصبحت قواعد فقهية عند تدوين الفقه بعد ذلك، وكان
بعض القضاة يسجل أحكامه فى القضايا التى يفصل فيها،
وأول من فعل ذلك قاضى «مصر» «سليم التجيبى» فى عهد
«معاوية بن أبى سفيان». ومن أشهر القضاة فى العصر الأموى(16/83)
«أبو إدريس الخولانى»، و «عبدالرحمن بن حجيرة»، و «أبو بردة
بن أبى موسى الأشعرى»، و «عبدالرحمن بن أذينة»، و «هشام
بن هبيرة»، و «عامر بن شراحبيل الشعبى»، و «عبدالله بن عامر
بن يزيد اليحصبى»، وكثيرون غيرهم. وقد استُحدث نظام قضاة
المظالم فى العصر الأموى، وهو نوع من أنواع القضاء
المستعجل، الذى يتطلب البتّ السريع فى القضايا التى لا تحتمل
الانتظار، ويبدو أن الذى أدَّى إلى استحداث هذا النوع من
القضاء هو حدوث خصومات بين أطراف غير متكافئة، كأن يكون
أحد طرفى الخصومة أميرًا أو واليًا أو من عِلْية القوم، الأمر الذى
يتطلب حزمًا وشدة، لردع الخصم المتعالى. ولم يُعمَل بهذا النوع
من القضاء فى عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - ولا فى عصر
الخلفاء الراشدين، لأن الناس كانوا فى الغالب لا يتعالى أحدهم
على خصمه، على حين تغيَّر الحال بعض التغيُّر فى العصر
الأموى، ولم يعد الوازع الدينى كما كان فى العهد النبوى
وعصر الراشدين، ولم يعد القضاء العادى كافيًا للفصل فى جميع
المنازعات، لمجاهرة بعض الناس بالظلم والتعالى على الخصوم،
فدعت الضرورة إلى إنشاء هذا النوع المسمى بقضاء المظالم،
وكان له ديوان يعرف بديوان المظالم، وكانت سلطته أعلى من
سلطة القاضى. ونظرًا إلى أهمية هذا القضاء وما يتطلبه من
الحزم والهيبة، فقد كان بعض خلفاء «بنى أمية» يتولونه
بأنفسهم، وأول من جلس منهم لقضاء المظالم هو «عبدالملك بن
مروان». وكما كان قاضى المظالم يقضى بين الأفراد عامة، فإنه
كان يقضى بين الأفراد وكبار المسئولين، الذين يحيدون عن
طريق العدل والإنصاف من الولاة وعمال الخراج. وقد حظى
القضاة فى العصر العباسى بالتبجيل والاحترام، وكان تعيينهم
وعزلهم يتم بأمر الخليفة، وأول من فعل ذلك الخليفة «المنصور»،
فقد عين قضاة البلاد بأمره سنة (136هـ= 753م). وقد استقرت
المذاهب الفقهية فى عهد «الدولة العباسية»، وتحددت مهام(16/84)
القضاة وكيفية الإجراء القضائى، وتوحد القانون وأصبحت
جلسات القاضى علنية فى المسجد وخصوصًا فى عهد
«المأمون». كما اهتم خلفاء العباسيين بالتثبت من الأحكام،
فعيَّنوا جماعة من المُزَكِّين، وظيفتهم تتبع أحوال الشهود، فإذا
طعن الخصم فى شهادة أحد الشهود سُئل عنه المزكى، كما
اهتموا بأحوال القضاة المادية حتى يعيشوا فى يسر ورخاء.
وقد تطور القضاء بصورة ملحوظة فى العصر العباسى، وظهر
منصب «قاضى القضاة»، وكان يقيم فى عاصمة الدولة، ويقوم
بتعيين القضاة فى الأقاليم والبلاد المختلفة، وأول من لقب
«قاضى القضاة» «أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم»، صاحب كتاب
«الخراج»، فى عهد «الرشيد». أما فى عصر المماليك فى مصر
والشام فقد تعهد «الظاهر بيبرس» النظام القضائى بالإصلاح
والتعديل، ورأى فى تقسيم مناصب القضاء بين قضاة المذاهب
الأربعة ما يضمن العدالة بين الناس، والتيسير عليهم، فقد عين
فى سنة (663هـ) أربعة قضاة يمثلون المذاهب الأربعة، وكتب
لكل منهم تقليدًا، وأجاز لهم أن يولوا نوابًا عنهم فى أنحاء
البلاد. امتد اختصاص قاضى القضاة، وقضاة الأقاليم، وزاد
نفوذهم، وامتد فتناول النظر فى الدعاوى التى تتضمن إثبات
الحقوق والحكم بإيصالها إلى أصحابها، كما نظر فى الأموال
التى ليس لها ولى معين، وكذلك تناول تعيين أوصياء لليتامى،
وتفقد أحوال المحجور عليهم من المجانين والمفلسين وأهل
السفه، ونظر -أيضًا - فى وصايا المسلمين، وكان القضاة
ينظرون فى مصالح الأوقاف، ويعملون على حفظ أصولها
وتثبيت فروعها، وقبض ريعها وإنفاقه فى مصاريفه، وكذلك
كانوا يقبضون المال الموصى به لتنفيذ الوصية، وعهد إليهم
بتسلم أموال المواريث المتنازع عليها، وأموال مَنْ يموتون غرباء
وحفظها حتى يحضر ورثتهم. وانحصرت سلطة القضاة الأربعة
ونوابهم على المدنيين، بينما كان للجيش المملوكى ثلاثة قضاة
عُرف كل منهم باسم: «قاضى العسكر»، واختصوا بشئون(16/85)
العسكر للفصل فى القضايا الخاصة بهم، أو التى بينهم وبين
المدنيين، وكانت جلسات القضاء فى دولة المماليك تعقد علانية
ويحضرها مَنْ شاء من الناس، وكانت المساجد مكان انعقاد هذه
الجلسات، كما كانت دور القضاء الخاصة مكانًا لها أحيانًا؛ إذا لم
يكن هناك دور معينة لانعقادها، فإذا جلس القاضى للفصل فى
الخصومات رتب القضايا بحسب حضور الخصوم؛ حتى لا يتقدم
أحد على الآخر لمكانته أو ثرائه، وكان يستعين على تنظيم
قاعة الجلسة بعدد من الموظفين منهم: «الجلواز»، و «الأعوان»،
و «الأمناء»، و «العدول»، فكان الرجال يجلسون فى جانب
والنساء فى الجانب الآخر. وقد بلغ راتب القاضى خمسين دينارًا
شهريا، عدا ما كان يحصل عليه من الأوقاف التى كان يتولى
إدارتها، بالإضافة إلى ما كان يجرى عليه من الغلال والشعير
والخبز واللحم والكساء. كان تنظيم القضاء فى دولة المماليك
تنظيمًا دقيقًا، وبرز فى هذه الدولة قضاة عرفوا بالنزاهة
وطهارة الذمة وحسن السيرة، احترموا مركزهم القضائى، ولم
يقبلوا تدخل أحد - مهما يعلُ مركزه - فى أعمالهم، وكثيرًا ما
كانوا يطلبون إعفاءهم من مناصبهم - دون تردد - إذا ما حاول
أحد تهديد كرامتهم، أو الاعتداء من قريب أو بعيد على
استقلالهم، فقد كانوا لا يقبلون الرشوة ولا الهدية، لذا أصبحت
لهم مكانتهم الكريمة ومقامهم المرموق فى الدولة، وفى نظر
السلاطين والأمراء، وجميع طبقات الشعب، ولعل أبرز الأمثلة
للتدليل عليهم: «القاضى عبدالعزيز»، المعروف بعز الدين بن
عبدالسلام (سلطان العلماء)، و «القاضى تقى الدين عبدالرحمن
الشافعى» ابن بنت «الأعز»، و «القاضى تقى الدين محمد بن
دقيق العيد»، وغيرهم، فقد كانوا أمثلة عظيمة وواضحة لما يجب
أن يكون عليه القاضى العادل والشريف.(16/86)
*الأتابك
«الأتابك» هو القائد العام للجيوش، وكلمة «أتابك» لفظة تركية
مركبة من «أتا»، (وتعنى: أب) و «بك» (وتعنى: السيد أو الأمير)
فيكون «الأتابك» هو: السيد الأب، أو الأمير الأب، أى أنه أبو
الأمراء أو كبيرهم، وقد أُطلق هذا اللقب فى عهد المماليك على
مقدم العساكر، أو القائد؛ لأنه يعتبر أبًا للعساكر والأمراء
جميعًا، وكثيرًا ما خلع الأتابكة أبناء السلاطين من على العرش،
واستولوا عليه وتولوه بدلا منهم.(16/87)
*ديوان الإنشاء
كانت أهم اختصاصاته تنظيم العلاقات الخارجية للدولة، وهو أول
ديوان وُضع فى الإسلام، وقد نُظِّم فى عهد المماليك بأسلوب
يتناسب مع مقتضيات العصر ومتطلباته، وكان مقره «قاعة
الصاحب» بقلعة الجبل، حيث ترد المكاتبات إليه من جميع أنحاء
الولايات والممالك التى بينها وبين بلاد المسلمين علاقات
سياسية، كما كانت تحرر فيه الكتب التى كان يرسلها السلطان
إلى الملوك والأمراء، وقد لُقب صاحب ديوان الإنشاء بألقاب
عديدة فى أوائل عهد المماليك، فلقبوه تارة باسم: «صاحب
الدست الشريف»، وأخرى باسم: «كاتب الدرج» وثالثة باسم:
«كاتب الدست» وبقيت هذه تسميته إلى أن تولى «القاضى فتح
الدين بن عبدالظاهر» هذا الديوان فى عهد السلطان «قلاوون»
فتلقب بلقب «كاتب السر»؛ لأنه كان يكتم سر السلطان، وكانت
وظيفته من أعظم الوظائف الديوانية وأجلِّها قدرًا، وكان له
معاونون يساعدونه فى أداء ما عليه من التزامات وواجبات. كان
من أبرزهم: «نائب كاتب السر»، ثم يليه فى المرتبة كُتَّاب الدست
المتصلون بديوان الإنشاء، وكانوا يجلسون مع كاتب السر بمجلس
السلطان بدار العدل.(16/88)
*التنظيمات
التنظيمات» كلمة عربية دخلت اللغة التركية، وتعنى فى
الاصطلاح السياسى: حركة التنظيم والإصلاح على المنهج
الأوربى الغربى، وفى الاصطلاح التاريخى: حركة الإصلاح التى
حدثت فى الدولة العثمانية فى القرن (13هـ= 19م) مهتدية
بالمؤسسات والتنظميات الأوربية، وعرفت بهذا الاسم لأنها تميزت
بتنظيم شئون الدولة وفق أسس جديدة فى جميع المجالات.
ويمكن تعريف حركة التنظيمات العثمانية بأنها حركة ثقافية
وإصلاحية حدثت فى الدولة العثمانية فى النصف الأول من القرن
(19م)، ومهدت لإقامة حكم دستورى على النمط الغربى فى
البلاد، وللتقارب بين العالمين الإسلامى والمسيحى، وشملت
مناحى الحياة كافة فى الديار العثمانية على حساب الحضارة
الإسلامية، وانتقلت سلطة السلاطين إلى الصدر الأعظم والوزراء،
وتراجعت مشيخة الإسلام إلى درجة أقل من حيث الاعتبار
والنفوذ، ثم شل عملها. وكان الحكم العثمانى قبل صدور
التنظيمات يستند إلى ثلاث دعامات رئيسية هى: 1 - السلطنة. 2 -
الخلافة. 3 - مشيخة الإسلام. فكان الوزراء يأتمرون بأوامر
السلطان، ويساعد «ديوان الوزراء» السلطان فى إدارة أمور
الدولة، وتقوم مشيخة الإسلام بتقديم الشورى للسلطان. بدأ عهد
التنظيمات بصدور فرمان من السلطان «محمود الثانى» باسم
«فرمان التنظيمات الخيرية» فى (26 من شعبان سنة 1255هـ= 4
من نوفمبر سنة 1839م)، وانتهى عندما تولَّى السلطان «عبد
الحميد الثانى» الخلافة سنة (1293هـ= 1876م)، وهى السنة التى
أعلنت فيها الدولة العثمانية ما عُرف باسم «المشروطية الأولى»،
أى إعلان دستور فى البلاد لأول مرة على النمط الغربى. وقد
أكدت التنظيمات ضرورة إيجاد ضمانات لأمن جميع رعايا الدولة
على حياتهم وشرفهم وأملاكهم، ووجوب علانية المحاكمات
ومطابقتها للوائح، وإلغاء إجراءات مصادرة الأملاك، وضرورة
إيجاد نظام ثابت للضرائب يحل محل «الالتزام»، وتوفير نظام(16/89)
ثابت للجندية بحيث لا تستمر مدى الحياة، وإنما تحدد مدتها
بفترة تتراوح بين أربع وخمس سنوات. وأدى صدور هذه
التنظيمات إلى حدوث تغيرات كثيرة شملت معظم مجالات الحياة،
فأنشئت المحاكم المختلطة التى تقبل الشهادة من المسلمين
والمسيحيين على حد سواء، وتَبُتُّ فى القضايا المختلفة التى
يكون الأجانب أطرافًا فيها، وكان يعمل بتلك المحاكم قضاة
أتراك وأوربيون، كما صدر قانون تجارى على نمط القانون
التجارى الفرنسى، وأنشئت مجالس لمعاونة مجالس الولايات،
يُمثَّل فيها الأهالى. وظلت القوانين الشرعية تطبق فى المحاكم
التقليدية، وكذلك فى المحاكم الحديثة التى تطبق القوانين
الجديدة المتصلة بالمسائل التجارية والجنائية، المأخوذة عن
القوانين الغربية، وبخاصة القانون الفرنسى، وبقيت القوانين
الشرعية المتصلة بالأحوال الشخصية كالطلاق والزواج بدون
تعديل. وقامت لجان يرأسها من يميلون إلى الأخذ والاقتباس عن
الغرب بوضع الخطط الشاملة التى تستهدف إقامة نظام تعليمى
يشمل جميع مراحل التعليم المختلفة، فصدر فى سنة (1386هـ=
1869م) قانون التعليم، الذى قسَّم المدارس إلى مدارس عمومية
وخصوصية، وجعل التعليم العام فى المدارس الأولية إجباريا
ومجانيا لمدة أربع سنوات، ودون تفرقة بين الذكور والإناث،
وتمييز بين المسلمين وغيرهم. أما التعليم الخاص فقد تناولته
المادة (129) من قانون سنة (1286هـ= 1869م)، واشترطت حصول
مدرسى المدارس الخاصة على مؤهلات تقرها وزارة المعارف
العثمانية، وأن تقر تعيينهم السلطات التعليمية سواء أكانت
محلية أم مركزية. وأنشئت مدارس خاصة للبنات والفقراء، كما
أنشئت فى سنة (1276هـ= 1859م) مدرسة جديدة لتعريب
الإداريين، وتدريب المعلمين الذين كانوا يدرسون الشئون العامة
والأولية. وقد انفصلت مدارس الحكومة رسميا عن إشراف العلماء،
ووضعت تحت إشراف وزارة المعارف ذات الصبغة العلمانية منذ(16/90)
سنة (1283هـ= 1866م)، مما أدَّى إلى ازدياد الهوة بين التعليم
الدينى والتعليم العلمانى، وتعميق الازدواج الثقافى. وكان
للمطبعة أثر كبير فى هذا التحول منذ سنة (1251هـ= 1835م)،
فقد ازداد عدد الكتب المطبوعة، وازداد عدد الصحف والدوريات،
ولعب المسرح دوره فى نشر الأفكار الجديدة، وبخاصة بعد أن
كثرت دور المسارح، ونشطت حركة ترجمة الكتب الغربية بما فى
ذلك المسرحيات، وقد أدَّى ذلك كله إلى ظهور مسرحيات
عثمانية، ساعدت على انتشار الأفكار الجديدة، بما تهيأ لها من
لغة سهلة وجذابة، لقيت تجاوبًا من العامة، وأوجدت اتجاهًا
مطلقًا إلى مقاومة السلطة المطلقة عن طريق إعلان الدستور
وإيجاد حكومة مسئولة أمام برلمان منتخب وفق النمط
الديمقراطى الذى عرفه الغرب وبخاصة فى «بريطانيا».(16/91)
*الديوان الهمايونى
اسم أطلق على الديوان الذى يجتمع برئاسة السلطان، لينظر فى
أمور الدولة ذات الأهمية الأولى، وهو امتداد حضارى لهذه
المؤسسة منذ عهد السلاجقة ثم الإيلخانيين والدول التركية
الأخرى، ومثله فى ذلك مثل الديوان العالى عند السلاجقة
والديوان الكبير عند الإيلخانيين والديوان السلطانى عند
المماليك. كانت مهمة الديوان الهمايونى دراسة أمور الدولة
السياسية والإدارية والعسكرية والعرفية والشرعية والعدلية
والمالية، كما كانت مهمته النظر فى الشكاوى والقضايا، واتخاذ
القرار بشأنها، وكان الديوان مفتوحًا لكل من يتمتع بحماية
الدولة العثمانية مهما يكن دينه أو ملته، ومهما يكن عرقه أو
مكان موطنه فى الدولة، ومهما تكن مهنته أو الطبقة الاجتماعية
التى ينتمى إليها، كما كان الديوان مفتوحًا لكل رجل أو امرأة
يتعرض للظلم، أو لمن صدر حكم من القضاة المحليين ضده ويرى
خطأ هذا الحكم، أو لمن يشكو الولاة أو الجنود أو الضباط، أو
لمن وقع عليه ظلم القائمين على الأوقاف. وكانت الشئون الإدارية
والعرفية فى الديوان من اختصاص «الوزير الأعظم»، أما الشئون
الخاصة بالأراضى فكانت من اختصاص «النشانجى» (التوقيعى)،
أما الشئون الشرعية والقانونية فكانت من اختصاص «قاضيى
عسكر»، أما الشئون المالية فكانت من نصيب «الدفتردار»،
وكانت القرارات التى يتخذها والأمور التى ينظرها تسجل بدفاتر
تسمى «مهمة دفترى» و «رءوس دفترى» و «نامه» و «عهد نامه»
ثم تُمهر بخاتم السلطان الذى يكون عادة فى عهدة الوزير
الأعظم، ثم تودع فى «الدفترخانة». ويتشكل الديوان الهمايونى
من أعضاء دائمين (الأعضاء الطبيعيين)، وأعضاء مؤقتين.
الأعضاء الدائمون: هم السلطان والصدر الأعظم أو الوزير الأعظم
وقاضيا العسكر والنشانجى (وهو التوقيعى أو الطغرائى)
والدفتردار. الأعضاء المؤقتون: هم أمير أمراء الروملى (إذا كان
موجودًا فى العاصمة)، وأغا الإنكشارية، وقائد الأسطول (إذا(16/92)
كان حائزًا على رتبة الوزير فيكون عضوًا دائمًا)، وشيخ الإسلام
(إذا دعى للحضور). هذا بالإضافة إلى المساعد (الكادر) وأهمهم
رئيس الكُتاب والتذكرجى وجاووش باشى والكُتاب. ويستطيع
السلطان استخدام سلطاته أو إحالتها إلى الوزير الأعظم. سلطات
الديوان الهمايونى: 1 - السياسية: يتمتع «الديوان الهمايونى»
بأعلى سلطة فى الدولة بعد السلطان، ومهمته المحافظة على
نظام الحكم وضمان ملائمة جميع أجهزة الدولة لهذه السلطة،
ومنع القيام ضدها، وهوصاحب المسئولية فى اتخاذ ما يراه
كفيلا للقيام بمهمته، خاصة أن هذا الديوان يمثل قوى رأس
الدولة كلها. وتنقسم سلطة الديوان الهمايونى السياسية إلى
قسمين: داخلية وخارجية: أ - السياسة الداخلية: السلطة السياسية
الداخلية التى يمارسها الديوان الهمايونى هى حماية الشريعة
الإسلامية، وإعلاء الإسلام، وسحق كل حركة تقوم ضده،
واستقبال من أسلم حديثًا، وإقرار رواتب لهم من الدولة، كل
حسب وضعه الاجتماعى، وتقديم هدايا مناسبة لهم وحمايتهم من
تدخل سفراء الدول التابعين لها، وعدم تسليمهم لهم عند مطالبة
هؤلاء السفراء بتسليم المهتدين حديثًا إلى الإسلام لهم، فى حالة
ما إذا كان هذا المسلم حديثًا من مواطنى دولة أخرى، أما إذا
كان من مواطنى الدولة العثمانية فالديوان يستقبلهم ويوزع
عليهم هدايا ويربطهم برواتب منتظمة من الدولة، كما كان يتخذ
تدابير شديدة ضد من يرتد عن دينه من المسلمين. ب - السياسة
الخارجية: كانت السياسة الخارجية العثمانية التى ينفذها الديوان
الهمايونى تتلخص فى الآتي: نشر الإسلام بكل ما تستطيعه
الدولة من إمكانات وبتعبير آخر: «تحويل دار الحرب إلى دار
إسلام»، وكان هذا أحد أهم الأهداف السياسية الخارجية
العثمانية التى يتولى تنفيذها الديوان الهمايونى. وقد نجحت
هذه السياسة الخارجية نتيجة توسيع حدود الدولة العثمانية،
وهذا يعنى نشرها للإسلام، ولم تتوقف حروب الفتح إلا منذ(16/93)
أواخر القرن السادس عشر الميلادى، ومنذ ذلك الحين جعل
الديوان الهمايونى هدفه فى السياسة الخارجية حماية الأراضى
المفتوحة والدفاع عنها. ومع تداخلات الدول الأوربية فى
السياسة الخارجية العثمانية وإرسال هذه الدول سفراء مؤقتين
ثم سفراء دائمين لها فى إستانبول أصبح السفراء يقدمون
رسائلهم إلى الديوان الهمايونى، ويحصلون على أجوبتها فى
مراسم رسمية يوضحها «قوجى بك» فى رسالته المشهورة،
وكان للسفراء الأجانب أن يقدموا شكاوى للديوان الهمايونى إذا
حدث إخلال بالاتفاقات المعقودة بين بلادهم وبين الدولة
العثمانية التى تسمى فى «عهد نامه»، وكان الديوان يحقق
فيها ويعدل. وكان لهذا الديوان حق تعيين العثمانيين فى
المناصب الدبلوماسية، وكانوا غالبًا من البيروقراطيين العاملين
فيه. أما أهم سلطات الديوان الهمايونى فكان إعلان الحرب،
وكان المعتاد أن يحيل السلطان قرار الحرب إلى الديوان
الهمايونى لدراسته واتخاذ اللازم لتنفيذه، وكان هذا القرار
أحيانًا يُتخذ فى الديوان الهمايونى. 2 - الإدارية: كان التفتيش
على جميع الأعمال الإدارية فى البلاد من سلطات الديوان
الهمايونى وهو فى ذلك - بعد السلطان - السلطة الأولى فى
البلاد وعليه محاكمة الموظفين إذا لزم الأمر. وإن كان توجيه
المناصب إلى حدّ معين من اختصاص الجهات الإدارية الأخرى،
مثل: تعيين القضاة الذى هو من اختصاص قاضى العسكر؛ فإن
التعيين فى بعض المناصب مثل منصب «صوبا شى» المدن
الكبرى من اختصاص الديوان الهمايونى. وإذا صدر قرار بتعيين
شخص فى منصب وتظلَّم من هذا التعيين أو النقل فمن حقه
مراجعة الديوان الهمايونى، وللديوان فى هذه الحالة الأمر
بإجراء التحقيقات وعمل اللازم. ومن السلطات الإدارية لهذا
الديوان أيضًا حماية أهل الذمة فى البلاد من تعديات الإداريين
وإعادة الحق إليهم ومعاقبة المسئولين عن ذلك. وكانت خيوط
المركزية الإدارية فى الدولة تتجمع فى هذا الديوان، مثال ذلك:(16/94)
أن الديوان طلب من أجهزة الدولة المسئولة عمل قوائم بكل
الموجودين داخل حدود الدولة العثمانية وتسليمها إلى الديوان
الهمايونى وتجديدها كل ثلاثين عامًا، وأن على المسئولين عن
هذا تسجيل الوفيات والمواليد خلال هذه الأعوام الثلاثين، وهو ما
يعرف اليوم بالإحصاء العام. 3 - المالية والاقتصادية: والديوان
الهمايونى هو سلطة الفصل العليا فى الأمور الاقتصادية والمالية
على أعلى مستوياتها فى الدولة، فالوزير الأعظم والدفتردار
عضوا الديوان الطبيعيان، وهما صاحبا السلطة الأولى فى الدولة
- بعد السلطان - فى التصرف فى الأمور المالية، ومن مهام
الديوان الطبيعية الضرائب والاقتصاد والمال. أما عن الضرائب:
فمهمة الديوان تحرير موارد البلاد المفتوحة بدقة وعناية
فائقتين، والإشراف المباشر سنويا على الضرائب التى من حق
الخزينة العامة، وتسلم دفاتر الضرائب التى تُحصَّل سنويا من
جميع أرجاء البلاد، ويكتب منها نسختان: نسخة فى مركز
الولاية، ونسخة أخرى ترسل إلى «إستانبول» لتسلَّم إلى
الديوان الهمايونى. والقوانين التى تسن لجمع الضرائب تعد فى
الديوان الهمايونى ويقوم بإعدادها التوقيعى (النشانجى)
ومجموعة مساعديه، وينظر الديوان فى مدى مطابقة هذه
الضرائب للعدالة الضريبية بناءً على مدى مطابقتها للشرع
الإسلامى. ويتساوى فى هذا جميع أنواع الضرائب، ومن أهمها
ضرائب الجمارك التى يتابعها الديوان بدقته المعهودة، حتى إنه
يتدخل فورًا إذا قدمت له شكوى تخص تحصيل هذه الضرائب بغير
وجه حق إلى أبسط أنواع الضرائب وأخفها. وعلى الديوان
الهمايونى ضمان عدم تحصيل الضرائب من الذين لا تحصل منهم
مثل: رجال الدين الذميين، ومجازاة المرتشين - إذا وجدوا - فى
عمليات جمع الضرائب، والعمل على عدم إهدار المال العام
واتخاذ التدابير الصارمة فى هذا السبيل، واتخاذ الإجراءات
الضرورية لحماية البائع والمستهلك على حد سواء، ومراقبة(16/95)
أعمال قطع الأشجار وأعمال المحافظة على الخضرة. ومن مهام
الديوان الهمايونى أيضًا اتخاذ التدابير الضرورية لتطور اقتصاد
البلاد، والعمل على عدم سيطرة تجار معينين على تجارة البلاد
واحتكارهم لها، وعدم تخزين البضائع والمواد الضرورية فى
الوقت المناسب ثم بيعها بعد ذلك بأسعار باهظة، والقضاء على
التهريب وحصر ثروة السلطان إذا توفى وغير ذلك.(16/96)
*الصدر الأعظم:
وتتلخص سلطاته فى أنه وكيل السلطان وحامل خاتمه، وكان
يعين فى أوائل الحكم العثمانى من طبقة العلماء، ومنذ عهد
«مراد الأول» (791 - 794 هـ = 1389 - 1392م) كثر عدد
الوزراء، ولذلك سمى أولهم الوزير الأعظم، وكانت له رئاسة
الديوان الهمايونى نيابة عن السلطان فى حالة عدم وجوده،
وسلطة تعيين العلماء ومن على شاكلتهم وعزلهم وترقيتهم، وله
فى أوقات الحرب سلطة السلطان فى كثير من الأمور. ولابد أن
يشترك مع السلطان فى الحرب، فإذا ترك السلطان الحرب لسبب
أو لآخر يتولى الوزير الأعظم قيادة الجيش نيابة عن السلطان،
وفى أثناء ذلك يحمل لقب «السردار الأكرم»، ويترك فى حالة
الحرب فى مكانه موظفًا فى البلاد يسمى «قائمقام الصدارة» أو
«قائمقام الركاب الهمايونى» يرأس الديوان الهمايونى فى
العاصمة بدلا من الوزير الأعظم بمقتضى بنود القانون.(16/97)
*قاضيا العسكر:
وموقعهما فى البروتوكول خلف الوزير الأعظم مباشرة، وهما
اثنان: قاضى عسكر الأناضول وقاضى عسكر الروملى
(البلقان)، وكانا يستمعان إلى الشكاوى، ويجلسان على يسار
الوزير الأعظم فى الوقت الذى يكون فيه بقية الوزراء على
يمينه، وكان عليهما حل المسائل الشرعية، ويمثلان العلماء؛ إذ
إن شيخ الإسلام لم يكن عضوًا بالديوان الهمايونى. وأهم عمل
لهما فى الديوان الاستماع إلى القضايا المعروضة.(16/98)
*قصر الحمراء:
يعد قصر الحمراء من أعظم الآثار الأندلسية بما حواه من بدائع
الصنع والفن، وقد كانت الحمراء قلعة متواضعة فى القرن الرابع
الهجرى، وعندما تولى «باديس بن حبوس» زعيم البربر غرناطة
اتخذها قاعدة لملكه، وأنشأ سورًا ضخمًا حول التل الذى تقع
عليه، وبنى فى داخله قصبة جعلها مركزًا لحكمه، وقد تطورت
مع الزمن وأصبحت حصن غرناطة المنيع. ولما دخل «محمد بن
الأحمر» غرناطة عام (635هـ = 1238م)، أخذ يبحث عن مكان
مناسب تتوافر له القوة والمناعة، فاستقر به المطاف عند موقع
الحمراء فى الشمال الشرقى من غرناطة، وفى هذا المكان
المرتفع وضع أساس حصنه الجديد «قصبة الحمراء»، ولكى يوفر
له الماء أمر بعمل سد على نهر «حدرة» شمالى التل، شيدت
عليه القلعة، ومنه تؤخذ المياه وترفع إلى الحصن بواسطة
السواقى، وقد باشر السلطان العمل بنفسه واشترك فيه وكافأ
المجتهدين، واتخذ ابن الأحمر من هذا القصر مركزًا لملكه وأنشأ
فيه عددًا من الأبراج المنيعة، وأقام سورًا ضخمًا يمتد حتى
مستوى الهضبة، وفى عهد «محمد الفقيه» استكمل الحصن
والقصر الملكى، ولما تولى «محمد الثالث» قام ببناء المسجد
الجامع بالقصر. وكان عهد السلطان «يوسف الأول» وولده
«محمد الخامس» هو العصر الذهبى لعمليات الإنشاء والتشييد فى
قصر الحمراء ففى عهد الأول أقيم السور الذى يحيط بالحمراء
بأبراجه وبوابته العظمى المعروفة بباب الشريعة أو العدل وغير
ذلك من الأبراج والقصور والحمامات، وقام الثانى بإصلاح ما
بدأه أبوه وإتمامه، ثم قام بتشييد مجموعة قصر السباع، وقاعة
الملوك أو العدل وغيرها. وقد يسأل سائل، من أين جاء اسم
الحمراء؟ قيل إن هذا اسم قلعة الحمراء القديمة التى فوقها بنى
ابن الأحمر قصره، وقيل: إن هذا الاسم مرجعه احمرار أبراج قصر
غرناطة الشاهقة، أو إن ذلك يرجع إلى لون الآجر الذى بنيت به
الأسوار الخارجية، أو إلى لون التربة التى بنيت عليها والتى(16/99)
اكتسبت لونها الأحمر من كثرة أكسيد الحديد بها ولهذا سميت
بتل السبيكة. وأيا ما كان الأمر فليست هناك صلة بين اسم
الحمراء وبنى الأحمر الذين لقبوا بهذا بسبب احمرار شعر جدهم،
ولم يلبث أن ارتبط كلاهما بالآخر.(16/100)
*قصر جنة العريف
شيد فى أواخر القرن الثالث عشر الميلادى، ثم جدده السلطان
أبو الوليد، ويقع بالقرب من قصر الحمراء ويطل عليه، وهو فى
شمال شرقى الهضبة وتظهر من ورائه جبال الثلج، ويدخل
الإنسان إلى هذا القصر من مدخل متواضع يؤدى إلى ساحة
فسيحة على جانبها رواقان طويلان ضيقان، وفى وسط الساحة
بركة ماء غرست حولها الرياحين والزهور الفائقة الجمال حتى
أصبح هذا القصر المثل المضروب فى الظل الممدود والماء
المسكوب والنسيم العليل وقد اتخذه ملوك غرناطة متنزهًا للراحة
والاستجمام.(16/101)
*قاضى الجماعة
كان قاضى الجماعة أعظم رتبة ومنزلة من بقية القضاة، وهو
يوازى قاضى القضاة بالمشرق، وكان مقصورًا على قاضى
«مراكش» وقاضى «قرطبة» ويتم تعيينه من الخليفة مباشرة.(16/102)
*سنن الترمذى
هو كتاب من كتب الحديث الستة، ألفه الإمام محمد بن عيسى بن
سورة المشهور بالترمذى. وُلد بقرية ترمذ سنة (200هـ)، وتُوفِّى
بها سنة (279هـ). وكان آية فى الحفظ والذكاء وعَمِىَ فى آخر
عمره. ويُعتبر الكتاب أيسر تناولاً لطالب العلم من الصحيحين،
وقد رتَّبه الإمام الترمذى على الأبواب مقتديًا بالبخارى ومسلم
وأبى داود، فجمع بين طرقهم وأضاف إليها بيان مذاهب
الصحابة، والتابعين، وفقهاء الأمصار. وبيَّن الترمذى أمر كل
حديث، من حيث كونه صحيحًا، أو حسنًا، أوضعيفًا، أو منكرًا،
وبيَّن وجه الضعف، وذكر أنه مستفيض، أو غريب، أو معلل،
وبين علته. وكذلك سَمَّى من الرواة من يحتاج إلى التسمية،
وكنَّى من يحتاج إلى التكنية. والكتاب خلو من الأحاديث
الموضوعة. وشروح سنن الترمذى كثيرة، منها: عارضة الأحوذى
فى شرح الترمذى لابن العربى، المُتوفَّى سنة (543هـ)، وقوت
المغتذى فى شرح الترمذى للسيوطى، المُتوفَّى سنة (911هـ)،
وتحفة الأحوذى لشرح جامع الترمذى للمباركفورى، وشرح ثلث
الكتب فى 10 مجلدات ابن سيد الناس المُتوفَّى سنة (734هـ)
وأتمَّه الحافظ العراقى، المُتوفَّى سنة (806هـ).(16/103)
*تاريخ بغداد
هو كتاب ألفه أحمد بن على بن ثابت بن أحمد بن مهدى الذى
وُلِد بإحدى قرى العراق سنة (392هـ = 1001م)، وتُوفِّى ببغداد
سنة (463هـ = 1020م). ويدور الكتاب حول ذكر مَنْ دخل بغداد
من العلماء بعد تأسيسها حتى سنة (463هـ)، من الصحابة
والتابعين فمن بعدهم، وعدد تراجمه (7831)، رتبهم المؤلف على
حروف المعجم، وبدأ بذكر من اسمه محمد، كما ذكر المؤلف ما
عرفه من كُناهم، وألقابهم، وأنسابهم، ومشهور مآثرهم،
ومستحسن أخبارهم، وتواريخ وفياتهم، كما تكلم عن الرواة
جرحًا وتعديلاً، وختمه بذكر شهيرات النساء والإماء. وقد طُبِعَ
الكتاب فى بيروت، بدار الكتب العلمية.(16/104)
*المائة الأوائل
هو كتاب ألفه مايكل هارت الأمريكى الجنسية، وهو أحد علماء
الفيزياء التطبيقية، وعضو الجمعية الفلكية وفروعها فى علوم
الكواكب. ويقع فى نحو (570) صفحة من القطع الكبير، ويحتوى
على مقدمة ودراسة للمائة المختارين. وتم فيه تناول كل شخص
من المائة بكتابة نبذة موجزة عن حياته وخلفية عصره عند
الضرورة، ثم عرض سريع لمنجزاته التى قدمها، وتقديره من قِبَل
معاصريه أو التاريخ، مع بيان الأسباب التى جعلت المؤلف يضع
الشخصية المدروسة فى مكانها بالكتاب. وبعد عرض الشخصيات
المائة وضع المؤلف قائمة بأسماء مَنْ فاتهم دخول القائمة، وهم
مرشحون للدخول فيها، ثم وضع خاتمة تتضمن تعليقاته. وقد
جعل المؤلف النبى محمدًا (على رأس المائة. وقد ترجم الكتاب
إلى العربية أكثر من مرَّة.(16/105)
*إيساغوجى
كتاب فى علم المنطق. ألفه أثير الدين المفضل بن عمر الأبهرى.
أحد علماء المنطق، وله اهتمام بالحكمة والطبيعيات والفلك.
تُوفِّى سنة (663هـ). وإيساغوجى لفظ يونانى معرب، وهو من
مصطلحات علم المنطق التى استحدثت فى المصنفات المعربة عن
اليونانية، ويُقصَد به الكليات الخمس، وهى: الجنس، والنوع،
والفصل، والخاصة، والعرض العام. والكتاب مشتمل على ما يجب
استحضاره من المنطق، وسُمِّى إيساغوجى مجازًا؛ من باب
إطلاق اسم الجزء وإرادة الكل. وشرح الكتاب عديد من العلماء،
منهم: حسام الدين حسن الكاتى المُتوفَّى سنة (760هـ)، وشمس
الدين محمد بن حمزة الفنادى المُتوفَّى سنة (843هـ)، وشهاب
الدين أحمد بن محمد الشهير بالأبدى، وغيرهم. وللكتاب عديد من
الطبعات، منها: طبعة المطبعة الجمالية بالقاهرة سنة (1329هـ =
1911م)، وطبعة الآستانة: على الحجر سنة (1268هـ = 1852م).(16/106)
*الخراج
كتاب ألفه القاضى أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم صاحب أبى
حنيفة، وأحد تلامذته النجباء. وُلِد أبو يوسف ببغداد سنة (
113هـ) فى أسرة عريقة الأصل، وحفظ القرآن منذ صغره،
وتولى منصب قاضى القضاة فى عهد الخليفة الرشيد، وتُوفِّى
ببغداد سنة (182هـ)، وله عدد من المؤلفات، من أشهرها كتاب
الخراج. يضم الكتاب خمسة عشر بابًا، يتناول فيها موضوعات
شتى من الفقه والتاريخ والحديث والفتوحات ... إلخ. وسبب تأليف
الكتاب أن الخليفة هارون الرشيد طلب من أبى يوسف عمل كتاب
جامع يعمل به فى جباية الخراج والعشور والصدقات وغير ذلك.
والكتاب يبدأ برسالة إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد تتضمن
الدعاء للخليفة، ثم الحديث عن أهمية الكتاب وبعض النصائح
المقتسبة من الكتاب والسنة للخليفة، ثم يتحدث فى الباب الثانى
عن الغنائم وحكمها من القرآن والسُنَّة وآراء الفقهاء، ويتناول
فى الباب الثالث الفىء والخراج، ثم يتحدث فى الرابع عن أرض
العراق المعروفة بأرض السواد، جاعلاً عنوانه ما عمل به فى
السواد، وفى الخامس يتناول الشام وأرض الجزيرة وفتوح
المسلمين بها. وفى السادس يتناول ما فرضه عمر لأصحاب رسول
الله، رضى الله عنهم، متناولاً سُنَّة النبى - صلى الله عليه وسلم - فى ذلك، ثم سنة أبى
بكر ثم عمر، ويأتى الباب السابع بعنوان ما ينبغى أن يعمل فى
السواد، وفى الثامن يتناول الحديث عن القطائع والصوافى،
والباب التاسع يضم عدة فصول صغيرة، يتحدث فيها عن أراضى
الحجاز واليمن وباقى الأراضى العربية وفتوحات النبى لها،
ويتحدث فى العاشر عن الصدقات، ويضم الباب الحادى عشر
فصولاً متنوعة، وفى الثانى عشر يتناول الحديث عن نصارى
بنى تغلب وسائر أهل الذمة وما يُعاملون به، والباب الثالث عشر
فى العشور، والرابع عشر فى الكنائس والبيع والصلبان،
والخامس عشر يضم عدة موضوعات ختم بها كتابه، مثل: مصدر
المرتبات التى يدفعها الخليفة لقضاته، وعماله، وقتال أهل(16/107)
الشرك، وكيفية دعوتهم ... إلخ. ويُظهر الكتاب مدى سعة اطلاع
أبى يوسف وعمق ثقافته وخبرته بشئون الدولة، وهو يتناول
فقه الخراج بصورة تاريخية تصور تطبيق الأحكام الفقهية فى
الدولة الإسلامية، وفى كل موضوع يعرض أبو يوسف لأحكام
الدين من خلال القرآن الكريم وسُنة النبى - صلى الله عليه وسلم -، ثم سياسة الخلفاء،
ثم يختم برأيه هو فى الموضوع.(16/108)
*الحاوى
كتاب فى الطب ألفه أبو زكريا الرازى، أشهر أطباء المسلمين
فى العصور الوسطى، المتوفَّى سنة (311هـ). ويعتبر كتاب
الحاوى أضخم موسوعة طبية عربية، استغرق إعدادها (15)
عامًا. وقد جمع الرازى فى كتابه الحاوى كلَّ ما وجده فى كتب
المتقدمين من أنواع الأمراض وصنوف الأدوية وقواعد حفظ
الصحة. وذكر الرازى المصادر التى استند إليها فى كتابه، لذلك
فالحاوى يعتبر مادة نادرة عن الكتب التى أخذ عنها الرازى ولم
تصل إلينا. وتُرجم هذا الكتاب إلى اللاتينية سنة (1279م)، وصار
أحد تسعة كتب لتدريس الطب فى باريس حتى سنة (1395م)،
وطبع فى البندقية سنة (1542م) خمس مرات، وطبع فى حيدرآباد
فى (23) جزءًا فى الفترة من (1955 - 1963م). وتوجد عدَّة نسخ
خطية من هذا الكتاب فى عددٍ من مكتبات العالم، إلا أن النسخة
الخطية المكتملة فى مكتبة الاسكوريال.(16/109)
*تاريخ اليعقوبى
هو كتاب فى التاريخ ألفه أحمد بن إسحاق بن جعفر بن واضح
المعروف باليعقوبى. أحد المؤرخين والرحالة العرب وصاحب
كتاب البلدان، أقدم كتاب عربى فى الجغرافيا التاريخية،
وتُوفِّى اليعقوبى سنة (292هـ). وتاريخ اليعقوبى تاريخ موجز
منظم يتناول تاريخ العالم منذ بداية الخلق حتى سنة (259هـ)،
ويتناول تاريخ الأنبياء والفرس والجاهلية والأمم القديمة من
رومان وفراعنة وبربر، وهو بذلك يعتبر أول كتاب عربى فى
التاريخ العام رغم احتوائه على بعض الأساطير. وكان اليعقوبى
فى تاريخه يذكر التقاويم الفارسية والرومية وبعض التفاصيل
الفلكية. وقد اعتمد اليعقوبى فى تاريخه على مصادر متعددة،
مثل الكتاب المقدس وبعض المصادر الفارسية واليونانية، ومنهجه
فى العرض إهمال الأسانيد باستثناء بعض المصادر الشفوية،
وأورد اليعقوبى فى كتابه الرسائل والخطب السياسية كوثائق
سياسية، وأكثر من التبرير لأفعال العباسيين. ويُعدُّ كتاب تاريخ
اليعقوبى مكملاً لتاريخ الطبرى. وقد نُشر تاريخ اليعقوبى أول
مرة فى ليدن سنة (1860م)، وطُبع فى بيروت سنة (1960م) فى
مجلدين.(16/110)
*تلخيص المفتاح
كتاب للإمام جلال الدين بن محمد بن عبد الرحمن القزوينى،
المُتوفَّى سنة (738هـ = 1338م)، وهو تلخيص لكتاب مفتاح
العلوم للسكاكى فى علم البلاغة. حيث قام القزوينى بتلخيص
الجزء الثالث من كتاب السكاكى المتصل بعلم البلاغة. وتناول
القزوينى فى هذا الكتاب (علم المعانى) و (علم البيان) و (علم
البديع). ووُضِعَتْ على تلخيص المفتاح عدة شروح وتلخيصات
وحواشٍ، مثل: تلخيص التلخيص لشهاب الدين أحمد بن محمد،
المُتوفَّى سنة (788هـ)، كذلك شرح التفتازانى وحاشية
الجرجانى، كما وضعت للتلخيص منظومات شعرية مثل ما نظمه
زين الدين أبو العز طاهر بن حسن، المُتوفَّى سنة (808هـ)، حيث
بلغت منظومته (2500) بيت. وطُبِع كتاب تلخيص المفتاح بمدينة
كلكتا سنة (1231هـ = 1815م)، وتُرجم إلى التركية.(16/111)
*تهافت الفلاسفة
كتاب لأبى حامد الغزالى محمد بن محمد، الفقيه الشافعى،
والمتكلم الأشعرى، الذى وُلِد فى طوس سنة (450هـ = 1058م)،
وكان له أثر كبير فى الحياة العلمية فى عصره وما تلاه من
عصور، وتُوفِّى فى خراسان سنة (505هـ = 1111م). وكتاب
تهافت الفلاسفة فى نقض مذاهب الفلاسفة وبيان ما فى آرائهم
من تهافت. وكان سبب تأليف الغزالى لهذا الكتاب؛ ما لاحظه فى
الجو الفكرى السائد فى زمنه من حالة الإعجاب والانبهار
بالفلسفة ورجالها؛ مما أدى إلى الخروج عن العقيدة الثابتة
بالكتاب والسنة. ويشتمل الكتاب على أربع مقدمات وعشرين
مسألة ومقدمة، فيذكر الغزالى فى المقدمة الأولى اختلاف
الفلاسفة وكثرة نزاعاتهم وتباعد طرقهم. وفى المقدمة الثانية
ذكر أقسام الخلاف بين الفلاسفة وغيرهم. وفى المقدمة الثالثة
ذكر منهجه فى نقد مذاهب الفلاسفة. وفى المقدمة الرابعة أظهر
حيل الفلاسفة الذين خلطوا يقين المعقولات بظنونها. ثم عرض
لمسائله العشرين؛ كاشفًا تناقضات الفلاسفة فى بعض القضايا
المهمة، مثل: أزلية العالم وقدمه وأبديته وخلوده. وينهى أبو
حامد الغزالى الكتاب بخاتمة يذكر فيها حكمه على الفلاسفة؛
وقد انتهى فيها إلى تكفير من يقول منهم بالمقولات الثلاث
الآتية: 1 - قدم العالم. 2 - أن الله - تعالى - لا يعلم بالجزئيات. 3 -
عدم بعث الأجساد وحشرها. ولتهافت الفلاسفة أهمية كبيرة فى
تاريخ الفكر الإسلامى، ومكانة عالية فى مسيرة الفلسفة
الإسلامية؛ ولهذا فقد انكبَّ عليه كثير من العلماء؛ معلقين،
وشارحين، وناقدين. وقد طُبع الكتاب عدة طبعات، منها: طبعة
القاهرة سنة (1302هـ = 1884 م)، وطبعة حجر فى بومباى
بالهند سنة (1304 هـ = 1887 م)، وطبعة المطبعة الخيرية بمصر
سنة (1319هـ = 1901م)، ثم طبعة دار المعارف بمصر سنة
(1374هـ = 1955م).(16/112)
*جامع البيان فى تفسير القرآن
كتاب من أشهر كتب التفسير، ألفه أبو جعفر محمد بن جرير
الطبرى، المولود بآمل عاصمة طبرستان سنة (224هـ)،
والمُتوفَّى ببغداد سنة (310هـ). واشتهر الكتاب بتفسير الطبرى
ويقع فى ثلاثين جزءًا من القطع الكبير. وهو من كتب التفسير
التى لها الصدارة، سواء من الناحية الزمانية أو من ناحية الفن
والصناعة؛ فهو أقدم كتاب فى التفسير وصل إلينا، علاوة على
ما يمتاز به الكتاب من طريقة بديعة سلكها مؤلفه حتى أخرجه
للناس كتابًا له قيمته ومكانته. ويتمثل منهج ابن جرير فى
تفسيره فى أنه إذا أراد أن يفسر آية من القرآن الكريم قال:
القول فى تفسير قوله تعالى كذا وكذا، ثم يفسر الآية ويستشهد
على ماقاله بما يرويه بسنده إلى الصحابة أو التابعين من
التفسير المأثور عنهم فى هذه الآية. وإذا كان فى الآية قولان
أو أكثر فإنه يعرض لكل ما قيل فيها، ويستشهد على كل قول
بما يرويه فى ذلك عن الصحابه أو التابعين، ثم إنه لا يقتصر
على مجرد الرواية، بل يتعرض للجانب الإعرابى إن دعت الحال
إلى ذلك، كما أنه يستنبط الأحكام التى يمكن أن تُؤخذ من الآية،
مع توجيه الأدلة وترجيح ما يختار، ثم يذكر ما ورد فيها من
أسباب النزول.(16/113)
*تاريخ الأمم والملوك
كتاب فى التاريخ ألفه محمد بن جرير الطبرى الذى وُلِد سنة (
224هـ = 838م) فى مدينة آمل عاصمة طبرستان التى ينسب إليها
، وقد رحل فى طلب العلم، فتعلم الحديث والتفسير والتاريخ،
ودرس فى هذه العلوم كلها وله فيها تآليف عديدة. وتُوفِّى فى
بغداد سنة (310هـ = 922م). ويقع الكتاب فى أحد عشر جزءًا
قسمت إلى أربعة أقسام كالآتى: القسم الأول: خطبة الكتاب،
التى ذكر فيها حكمة الخالق فى خلقه، وأشار إلى موضوع
كتابه وهو الحديث عن أخبار السابقين منذ بدء الخلق من الرسل
والملوك والخلفاء، وسيرة النبى - صلى الله عليه وسلم - وصحابته
وتابعيهم ومن بعدهم. القسم الثانى: وفيه تمهيد فى الزمان
وبداية الخلق، وتحدث فيه عن فكرة الزمان ومقداره وتعدد
الأقوال فيه، واختلاف اليهود والنصارى حول المسيح عليه
السلام، وحدوث الزمان، وبدء الخلق، وسبب خلق الزمن ليلاً
ونهارًا. القسم الثالث: التاريخ البشرى حتى الهجرة. وفيه يذكر
خروج آدم - عليه السلام - من الجنة، وما كان فى عصره من
أحداث، وعدد أبنائه، وعداوة بعضهم لبعض، وما نسبه الفرس
إليه من أعمال، وأنبياء الله بعد آدم - عليه السلام -، ويختم
القول عنه بوفاته ودفنه، ثم يتحدث عن أبنائه من بعده، ونوح،
عليه السلام. ويذكر تاريخ الفرس وملوكهم، ومن عاصرهم من
العرب واليونان والروم والهند والصين، وأقوام عاد وهود
وصالح وثمود. أما القسم الرابع: فيذكر فيه تاريخ الإسلام من
الهجرة النبوية حتى سنة (302هـ = 914م)، وفيه يذكر الأحداث
سنة بعد سنة. ويتميز الكتاب بالأمانة العلمية والإحاطة بكثير من
الروايات ورواتها؛ ولذلك فهو يعتبر مرجعًا أساسيًّا لمن يتحدث
عن التاريخ الفارسى القديم والتاريخ الإسلامى، وتاريخ الكثير
من الأمم السابقة. وقد تَرجَمَ تاريخ الأمم والملوك المستشرق
نولدكه إلى اللغة الألمانية، خاصة الجزء الخاص بتاريخ فارس(16/114)
الساسانية، وتُرجِمَ إلى الفارسية والفرنسية واللاتينية والتركية،
وطُبع الكتاب عدة مرات فى مصر وبيروت.(16/115)
*المجمل
معجم لغوى، ألفه أحمد بن فارس، ورتبه ألفبائيًّا حسب الحرف
الأول للكلمة، مع الأصل الثانى والثالث، موردًا الحرف مع مايليه
إلى أن يصل إلى حرف الياء، ثم يعود إلى ماتبقى من الحروف،
مبتدئًا بالألف إلى الحرف الذى عقد له الباب، وهو متأثر بكتاب
العين فى تقسيمه الحرف الواحد إلى مضعف الثنائى والثلاثى
وما زاد على الثلاثة. ويتميز معجم المجمل بتعريفاته المختصرة
وشواهده الكثيرة، التى يعتمد فيها على الخليل بن أحمد، وابن
دريد، والكسائى، والفرَّاء، وأبى عبيدة، وأبى زيد، وأبى
عبيد القاسم بن سلام، وأبى عمرو الشيبانى. وقد طُبع الجزء
الأول من الكتاب بتحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد بالقاهرة
سنة (1947م).(16/116)
*سر صناعة الإعراب
كتاب ألفه أبو الفتح عثمان بن جنى الموصلى، الذى ألف
تصانيف كثيرة فى النحو واللغة والأدب، منها: شرح ديوان
المتنبى والخصائص، وغيرهما، وتُوفِّى ببغداد سنة (392هـ =
1002م). واشتمل كتاب سر صناعة الإعراب على جميع أحكام
حروف المعجم، وأحوال كل حرف منها، الواقعة فى كلام العرب،
وأتبع ابن جنى كلاً منها مما رواه عن علماء اللغة، وذكر الفرق
بين الحروف والحركات، ومكان الحركة من الحرف وغير ذلك،
وأفرد لكل حرف من هذه الحروف بابًا مستقلاً به.(16/117)
*مفتاح العلوم
كتاب ألفه أبو يعقوب يوسف بن أبى بكر محمد بن على
السكاكى، المتُوفَّى سنة (626هـ)، وينقسم الكتاب إلى ثلاثة
أقسام، على النحو التالى: القسم الأول: فى علم الصرف، ويقع
فى ثلاثة فصول: الفصل الأول: فى بيان حقيقة علم الصرف
والتنبيه إلى ما يُحتاج إليه فى تحقيقها. الفصل الثانى: فى
كيفية الوصول إليه. الفصل الثالث: فى بيان كون علم الصرف
كافيًا لما علق به من الغرض. القسم الثانى: فى علم النحو، وفيه
فصلان: الفصل الأول: فى تعريف علم النحو. الفصل الثانى: فى
ضبط ما يفتقر إليه فى ذلك. القسم الثالث: فى علمى المعانى
والبيان، ويضم فصلين: الفصل الأول: فى ضبط معاقد علم
المعانى والكلام فيه. الفصل الثانى: فى علم البيان. وأكمل
الحديث عن المعانى فى فصلين: الأول: من تكملة علم المعانى
فى الحد وما يتصل به. والثانى: من تكملة علم المعانى فى
الاستدلال. وختم السكاكى الكتاب بالحديث عن علمى العروض
والقافية.(16/118)
*فتوح البلدان
كتاب ألفه أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذرى. أحد
مؤرخى القرن الثالث الهجرى. وُلِد البلاذرى أواخر القرن الثانى
الهجرى، ونشأ ببغداد وصار من رجال البلاط العباسى فى عهد
الخليفة المتوكل، ثم الخليفة المعتز الذى جعله مربيًا لابنه عبد
الله. وكان البلاذرى أحد المترجمين البارعين فى الترجمة من
الفارسية إلى العربية، وتُوفِّى سنة (279هـ) وترك عددًا من
المؤلفات، أشهرها فتوح البلدان. وهو سجل شامل للفتوحات
الإسلامية منذ عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحتى آخرها،
فصَّل فيه البلاذرى فتوح كل بلد وكل ما يتعلق به، نقلاً عن أهل
البلد أنفسهم أو كتبهم. ويرى بعض الباحثين أنه اختصره عن
كتاب أطول منه كان قد أخذ فى تأليفه وسماه كتاب البلدان
الكبير، ولم يتمه فاكتفى بهذا المختصر. وهو أجمع كتب الفتوح
وأصحها. وبالرغم من أن البلاذرى استعان بروايات الواقدى؛
فإنه أضاف إليها بعض الروايات التى يحوم حولها الشك لأنها
كانت شفهية فى الأصل فوقع فيها فى بعض الأخطاء، وقد
يورد للخبر الواحد أكثر من رواية، ولكن الاختلاف بينها ليس
كبيرًا. وأهمية الكتاب تظهر فيما أورده من معلومات ثقافية
واقتصادية وإدارية، وعلاوة على الفتوح فقد ضمنه البلاذرى
أبحاثًا عمرانيَّة وسياسيَّة، يندر وجودها فى كتب التاريخ،
كأحكام الخراج أو العطاء وأمرالخاتم والنقود والخط والنحو
ومثل ذلك. وقد استطاع البلاذرى أن يصفى المادة التى جمعها
ثم ينسقها. وطُبع الكتاب فى ليدن سنة (1870 م) بعناية
المستشرق دى غويه، ثم نشر بمصر سنة (1901 م).(16/119)
*الخطط المقريزية
كتاب ألفه تقى الدين أحمد بن على بن عبد القادر بن محمد
المعروف بالمقريزى، الذى وُلد سنة (760 هـ = 1358 م) بمصر،
ونشأ بها، والمُتوفَّى سنة (845 هـ = 1441 م). وقد بدأ
المقريزى كتابه بمقدمة، ذكر فيها سبب تأليفه الكتاب ومنهجه
فى تأليفه، فذكر أنه لم يلتزم الترتيب والتهذيب فى معلوماته
التى خص بها ديار مصر وآثارها الباقية من الأمم السابقة
والقرون الخالية، وما بقى بفسطاط مصر من المعاهد، وما
بالقاهرة من الآثار والقصور المزهرة، والمبانى البديعة،
والتعريف بحال من كان مَنْ الأعيان. ويقع الكتاب فى مجلدين
كبيرين يشتملان على سبعة أجزاء، كالآتى: الأول: به أخبار
مصر وأحوال نيلها والخراج والجبال بها. الثانى: يشتمل على
المدن وأجناس الناس بها. الثالث: يشتمل على أخبار فسطاط مصر
وملوكها. الرابع: به أخبار القاهرة وأهلها، وما بها من الآثار.
الخامس: يشتمل على ما أدركه من القاهرة وظواهرها من
الأحوال. السادس: يشتمل على ذكر قلعة الجبل ومَنْ ملكها من
الملوك. السابع: يذكر فيه الأسباب التى أدت إلى خراب إقليم
مصر. وقد اتبع المؤلف فى كتابه الخطط المقريزية طريقة النقل
من الكتب المصنفة فى العلوم والرواية عن الشيوخ الكبار، وما
شاهده عيانًا بنفسه فى مصر.(16/120)
*الذخيرة فى محاسن أهل الجزيرة
هو كتاب فى الأدب الأندلسى ألفه أبو الحسن على بن بسام
الشنترينى، المُتوفَّى فى قرطبة سنة (542 هـ = 1148 م).
وكتاب الذخيرة من الكتب التى تناولت التعريف بالأدب والأدباء
الأندلسيين. ونهج ابن بسام فى هذا الكتاب نهج الثعالبى فى
كتابه يتيمة الدهر، وقسمه إلى أربعة أقسام، ثلاثة منها مناطق
متفرقة فى الأندلس: قرطبة وإشبيلية وبلنسية، وخصص الفصل
الرابع للوافدين، حيث كان ابن بسام فى كتابه هذا محبًا للأندلس.
وقد رتب ابن بسام كتابه حسب مكانة المترجم له، وأورد فهرسًا
لمحتوى الكتاب وأقسامه الأربعة، وقصر مؤلفه على أهل زمانه
من منتصف القرن الحادى عشر الميلادى إلى منتصف القرن
الثانى عشر، وكان ابن بسام يهتم بذكر التفاصيل عن
الشخصيات التى يترجم لها، وكان يستعين بالسجع فى كتابته.
وقد نال هذا الكتاب شهرة واسعة، فقد اختصره ابن مماتى،
المُتوفَّى سنة (542 هـ = 1147 م) فى كتاب بعنوان لطائف
الذخيرة وطرائف الجزيرة، وقد بدأ ابن بسام بتحرير الكتاب فى
قرطبة سنة (394 هـ)، حتى نهاية سنة (503 هـ). وظهر القسم
الأول منه فى الفترة من (1939 - 1942 م) فى مجلدين بعناية
لجنة من المحققين، وترجم إلى الإسبانية، ونشر فى مدريد سنة
(1942 ونشر هذا الكتاب وطبع بتحقيق إحسان عباس سنة (
1975 م) فى ثمانية أجزاء.(16/121)
*رسائل الجاحظ
مجموعة رسائل ألفها أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب
الكنانى، الملقب بالجاحظ. وُلد بالبصرة سنة (163 هـ = 780 م)،
وتُوفِّى بها سنة (255 هـ = 869 م). ونُشر من تلك الرسائل بمصر
ثلاث مجموعات كبيرة، هى: المجموعة الأولى: نشرت بعناية
محمد ساسى أفندى المغربى، بالقاهرة، مطبعة التقدم، سنة
(1324 هـ = 1906 م)، وتشتمل على (11) رسالة، هى: 1 - الحاسد
والمحسود. 2 - رسالة إلى الفتح بن خاقان فى مناقب الترك
وعامة جند الخلافة. 3 - فخر السودان على البيضان. 4 - كتاب
التربيع والتدوير. 5 - فى تفضيل النطق على الصمت. 6 - فى مدح
التجار وذم عمل السلطان. 7 - فى العشق والنساء. 8 - فى
الوكلاء. 9 - فى استنجاز الوعد. 10 - فى بيان مذاهب الشيعة.
11 - فى طبقات المغنيين. المجموعة الثانية: نشرت بعناية حسن
السندوبى، بالقاهرة، المطبعة الرحمانية، سنة (1352 هـ = 1933
م)، وتشتمل على (19) رسالة، هى: 1 - خلاصة كتاب العثمانية. 2
- خلاصة نقض كتاب العثمانية لأبى جعفر الإسكافى. 3 - فضل
هاشم على عبد شمس. 4 - حجج النبوة. 5 - من كتاب الحجاب. 6 -
التربيع والتدوير. 7 - استحقاق الإمامة. 8 - رسالة فى صناعات
القواد. 9 - فى النساء. 10 - فى الشارب والمشروب. 11 - فى
مدح النبيذ. 12 - فى بنى أمية. 13 - فى العباسية. 14 - رسالة
إلى أبى الفرج الكاتب فى المودة والخلطة. 15 - رسالة فى ذم
الزمان. 16 - رسالة إلى محمد بن عبد الملك الزيات. 17 - رسالة
إلى أحمد بن أبى داود. 18 - رسالة إلى إبراهيم بن المدبر. 19 -
رسالة فى المعاتبة. المجموعة الثالثة: نشرت بتحقيق عبد السلام
محمد هارون، بالقاهرة - مكتبة الخانجى، مطبعة السنة
المحمدية، سنة (1384 هـ = 1964 م)، طبعة مصر، الفجالة، دار
الجيل للطباعة. وتشتمل على (9) رسائل، هى: 1 - مناقب الترك.
2 - رسالة المعاش والمعاد. 3 - كتم السر وحفظ اللسان. 4 - فخر(16/122)
السودان على البيضان. 5 - رسالة فى الجد والهزل. 6 - فى نفى
التشبيه. 7 - فى كتاب الفُتيا. 8 - رسالة إلى أبى الفرج بن نجاح
الكاتب. 9 - فى صناعات القواد.(16/123)
*سقط الزند
كتاب ألفه أبو العلاء المعرى وهو أحمد بن عبد الله بن سليمان
التنوخى المعرى. شاعر فيلسوف، وُلد بمعرة النعمان بالعراق
سنة (363 هـ)، ونشأ فى بيت علم، وتلقى علوم عصره، ولم
يمنعه فقدان بصره - وهو فى الرابعة من عمره - عن مواصلة
التعلم والنبوغ. وتُوفِّى سنة (449 هـ)، وله العديد من المؤلفات،
من أشهرها: رسالة الغفران، واللزوميات، وسقط الزند، وهو
ديوان يتكون من جزأين، يضاف إليهما جزء خاص بالدروع، أطلق
عليه المعرى اسم الدرعيات، ويبلغ عددها - ما بين قصيدة طويلة
ومقطوعة صغيرة - إحدى وثلاثين قصيدة. ويبلغ مجموع قصائد
جزأى الديوان (74) قصيدة ومقطوعة، يضاف إليها سبع قصائد
قصيرة أوردها جامع الديوان بعد الدرعيات، معظمها فى الغزل.
ولسقط الزند أهمية كبرى فى تصوير نفس الشاعر وحياته
وأحداثها وتطور فلسفته فى الحياة التى مارسها، والموت الذى
واجهه فى أقرب المقربين إليه وفى الأصدقاء والمعارف
البعيدين، ففيه الشوق والحنين والفخر والمدح والتهنئة والغزل
والرثاء والوصف والرحلات، وفيه خلاصة آمال الشاعر وآلامه
وأفراحه وأحزانه، وما استقى من كل ذلك من العبر والآراء.
والديوان سجل شعر المعرى منذ بدأ يقول الشعر فى الحادية
عشرة من عمره، ففيه قصائد قالها فى شبابه، كقصيدته فى
رثاء أبيه، وقصائد قالها فى سن النضج، كقصائده فى بغداد
ورثائه لأمه، وقصائد قالها فى كهولته، كرثاء أبى حمزة الفقيه
الحنفى، الذى يصفه المعرى بأنه رفيق الصبا.(16/124)
*السلوك لمعرفة دول الملوك
كتاب ألفه أحمد بن على بن عبد القادر المقريزى، البعلبكى
الأصل، القاهرى المولد والنشأة والممات، المُتوفَّى سنة (845 هـ
= 1441 م)، وكتاب السلوك أحد مؤلفات ثلاثة للمقريزى، أتمَّ به
تاريخ مصر الإسلامية منذ الفتح الإسلامى حتى وفاة المؤلف.
والمؤلفات الثلاثة هى: عقد جواهر الأسقاط، ويبدأ من الفتح
حتى نهاية الدولة الإخشيدية، واتعاظ الحنفا فى تاريخ
الفاطميين فى مصر، ثم كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك،
ويشمل تاريخ الدولة الأيوبية ثم دولتى المماليك (التركية
والجركسية). وكتاب السلوك مرتب حسب السنين، فيبدأ بعام
(577 هـ) وينتهى بعام (844 هـ). وقد عُنىَ المؤلف بالأحداث
فَحَوَاهَا، غير أنه لم يعتنِ بالتراجم والوفيات؛ لأنه أفرد لها كتاب
المقفى الذى لم يُتمه. ولكتاب السلوك مختصر لمحمد بن عيسى
الهندى، ووَضَعَ ابن تغرى بردى ذيلاً له، بدأه من حيث انتهى
المقريزى، سماه حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور. كما
ينسب للعينى ذيل آخر لهذا الكتاب، وللسخاوى ذيل بعنوان التبر
المسبوك. والكتاب حققه محمد مصطفى زيادة، وسعيد عبد
الفتاح عاشور. وتم طبعه سنة (1973 م)، فى دار الكتب
المصرية.(16/125)
*سنن أبى داود
هو كتاب من كتب الحديث الستة. ألفه الإمام أبو داود سليمان
الأشعث بن إسحاق الأزدى السجستانى. وُلِد سنة (202 هـ)،
وتُوفِّى بالبصرة سنة (273 هـ). تبلغ مصنفاته سبعة عشر كتابًا.
والكتاب مرتب حسب الأبواب. وتبلغ عدد أحاديثه (4800) حديث،
اختارها أبو داود من (500) ألف حديث، وفيها الكثير من
المراسيل، وليس فيها شىء من الآثار. والكتاب غنى فى متون
الحديث؛ حيث يذكر الطرق واختلاف ألفاظها، كما يُعنَى بفقه
الحديث أكثر من عنايته بالأسانيد. ولا يذكر أبو داود فى الباب
أحاديث كثيرة، ولا يعيد الحديث فى الباب إلا لزيادة فيه. ويشير
أبو داود إلى الحديث الذى فيه وَهَنٌ شديد ويبينه، وإذا لم يذكر
فى الحديث شيئًا من توهينه، وتضعيفه، فحكمه عنده: صالح.
وقد قام كثير من العلماء بشرح سنن أبى داد، ومن أشهره:
الخطابى فى كتابه معالم السنن، وأبادى فى كتابه عون
المعبود، وهو مطبوع فى أربعة مجلدات، وخليل أحمد فى
كتابه بذل المجهود فى حل سنن أبى داود.(16/126)
*سنن ابن ماجة
هو كتاب من كتب الحديث الستة. ألفه الإمام أبو عبد الله محمد بن
يزيد بن عبد الله بن ماجة القزوينى. وُلِد فى قزوين بخراسان
سنة (20 هـ)، وتُوفِّى سنة (273 هـ). والكتاب من أحسن المراجع
تبويبًا وترتيبًا، وهو سادس الكتب عند أكثر أهل العلم. يشتمل
على (32) كتابًا، و (1500) باب. وجملة ما فيه من الأحاديث
(4000) حديث. ويوجد فيه زوائد كثيرة عمَّا ورد فى الكتب
الخمسة. وطُبع الكتاب فى مصر والهند طبعات عدة، أحسنها
طبعة محمد فؤاد عبد الباقى، فى جزئين. وشرح الكتاب عديد
من العلماء، منهم: كمال الدين محمد بن موسى الدَّميرى المتوفَّى
سنة (808 هـ)، فى خمسة مجلدات، وجلال الدين السيوطى
المتوفَّى سنة (911 هـ)، وسُمِّى شرحه: مصباح الزجاجة، وشرح
ابن الملقن زوائده على الكتب الخمسة فى ثمانية مجلدات،
وسماه: ما تمس إليه الحاجة على سنن ابن ماجة.(16/127)
*سنن النَّسائى
هو كتاب من كتب الحديث الستة. ألَّفه أبو عبد الرحمن أحمد بن
شعيب الخراسانى النَّسائى. وُلِد بقرية نَسَاء بخراسان سنة (
215 هـ)، وتُوفِّى سنة (303 هـ) بالرملة بفلسطين. وضع الإمام
النسائى كتابًا كبيرًا فى السنن، عُرِف بالسنن الكبرى، وانتخب
منه كتاب المجتبى، الذى اشتهر بسنن النسائى، وهو أقل
الكتب الست احتواءً على الأحاديث الضعيفة بعد الصحيحين؛
ولذلك تأتى مرتبته بعد الصحيحين من حيث عدد الأحاديث
الصحيحية المذكورة فى الكتب الستة، ويرجع ذلك إلى أن
النسائى كان أشد انتقادًا للرجال، وشروطه كانت أشد من
شروط أصحاب الكتب الثلاثة. وقد جمع الإمام النسائى فى سننه
بين الفقه والإسناد؛ فقد رتب الأحاديث حسب الأبواب، ووضع لها
عناوين تبلغ أحيانًا منزلة عالية من الدقة، وجمع أسانيد الحديث
الواحد فى موطن واحد، وكذلك جمع بين الرواية والدراية،
وأحسن بيان العلل، ولا يكاد يخرج لمن غلب عليه الوهم، ولا لِمَنْ
كان فاحش الخطأ. وقام بشرح سنن النسائى كل من: السيوطى
المتوفَّى سنة (911 هـ)، وشرحه موجز، نشر فى دلهى ومصر،
والسندى المتوفَّى سنة (1138 هـ) وشرحه موجز أيضًا، إلا أنه
أكبر من شرح السيوطى، كما شرح ابن الملقن زوائده على
الصحيحين، وأبى داود والترمذى فى مجلد.(16/128)
*سياسة نامه
كتاب ألَّفه أبو على الحسن بن على بن إسحاق الطوسى، الملقب
بنظام الملك. وُلِد فى طوس سنة (408 هـ)، وقُتِل فى رمضان سنة
(485 هـ). وقد ألَّف نظام الملك الكتاب تلبية لرغبة السلطان
ملكشاه. وتميزت مادة الكتاب بغزارتها؛ فقد تنوعت ما بين
موعظةٍ ومثلٍ وتفسيرٍ للقرآن وأخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقصص الأنبياء
وسير الملوك العادلين ونوادرهم. وطريقة المؤلف فى الكتاب
تناول ناحية من النواحى الإدارية التى يلاحظ عليها الخلل أو
النقص، وتبيين سبل علاجها، ثم ذكر ما يؤيد به ما ذهب إليه فى
سبل العلاج مما حفظه أو رآه أو سمعه. وهو فى ذلك لا يتقيد
بالثقافة العربية أو الفارسية، بل قد يتعداهما إلى ثقافات
أخرى مما كانت شائعة فى عصره. ويستمد أسلوب المؤلف
جماله من بساطته وخلوه من المحسنات البديعية المتكلفة. وقد
قام بترجمة الكتاب السيد محمد العزاوى، ونشرته دار الرائد
العربى.(16/129)
*الشقائق النعمانية
كتاب ألَّفه أحمد بن مصطفى الشهير بطاش كبرى زاده، المتوفَّى
سنة (968 هـ). وله أيضًا كتاب مفتاح السعادة ومصباح السيادة
فى موضوعات العلوم. وقد بدأ المؤلف كتابه بمقدمة ذكر فيها
سبب تأليفه، بعد أن التمس منه بعض أرباب الفضل والكمال أن
يجمع مناقب علماء الروم. ويبين المؤلف فى هذا الكتاب من بلغ
منهم إلى المناصب الجليلة، وإن كانوا متفاوتين فى العلم
والفضيلة، ومن لم يبلغ إلى تلك المناصب مع ما لهم من
الاستحقاق لتلك المراتب، ومع ذلك فلعل ما ترك أكثر مما ذكر،
وجعل الرسالة على ترتيب سلاطين آل عثمان لعدم وقوفه على
تاريخ وفيات هؤلاء الأعيان، ولهذا سمى الرسالة: الشقائق
النعمانية فى علماء الدولة العثمانية. وقسم الكتاب إلى عشر
طبقات، بدأت بعلماء دولة السلطان عثمان، وانتهت بعلماء دولة
السلطان سليمان خان، ثم ذيل الكتاب بكتاب العقد المنظوم فى
ذكر أفاضل الروم. وقد طُبع الكتاب فى بيروت سنة (1395 هـ =
1975 م).(16/130)
*صبح الأعشى فى صناعة الإنشا
كتاب ألفه القاضى شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن أحمد
القلقشندى. وُلِد فى قلقشند، إحدى قرى القليوبية بمصر، ودرس
بالقاهرة والإسكندرية على أكابر شيوخهما، وتخصص فى الأدب
والفقه الشافعى، وبرع فى علوم اللغة والبلاغة والإنشاء،
وتولى عددًا من المناصب الإدارية، أشهرها العمل فى ديوان
الإنشاء فى عصر السلطان المملوكى الظاهر برقوق. وكتاب
صبح الأعشى من الكتب الموسوعية التى ظهرت فى مصر
المملوكية فى القرنين السابع والثامن الهجريين. ويهدف
القلقشندى فيه إلى تدوين بعض المعارف والمعلومات اللازمة
لكاتب الإنشاء فى عصره؛ حتى يقوم بمهمته الديوانية. وساعده
فى كتابته عمله فى ديوان الإنشاء واطلاعه على كثير من
الوثائق وأمهات الكتب والمصنفات. وينقسم الكتاب إلى عشر
مقالات تسبقها مقدمة، وتلحق بها خاتمة، يقع كل ذلك فى (14)
مجلدًا. وفى المقدمة يتناول القلقشندى الحديث عن مسائل أولية
وتعريفات تمهيدية، مثل: فضل العلم وشرف الكتابة وتطور
الإنشاء خلال العصور وتاريخ ديوان الإنشاء فى الإسلام. وفى
المقالة الأولى: يتحدث عن مجموع المعارف التى يحتاج إليها
الكاتب فى ديوان الإنشاء، وهى معارف لغوية وأدبية
وتاريخية، وما يحتاج إليه من أنواع الأقلام والورق وغيرها، ثم
الحديث عن الخط العربى وتاريخه. وتناول فى المقالة الثانية:
المسالك والممالك (جغرافيا)، وذكر فيها الأرض والخلافة
والخلفاء والديار المصرية والشامية. وتناول فى المقالة الثالثة:
أمورًا تشترك فيها أنواع المكاتبات والولايات وغيرها، مثل: ذكر
الأسماء والألقاب، وبيان قطع الورق، وما يناسبها من الأقلام.
أما المقالة الرابعة: فهى أهم مقالات الكتاب، ويذكر فيها فهرسًا
مطولاً لألقاب الملوك وأرباب السيوف والعلماء والكتاب والقضاة،
مرتبة على حروف المعجم، ويشرح أساليب الكتابة، ومصطلحات
المكاتبات بين ملوك الشرق والغرب، وبين النبى - صلى الله عليه وسلم - وملوك الفرس(16/131)
والروم. وتناول فى المقالة الخامسة: مسألة الولايات وطبقاتها
من الخلافة والسلطنة، ثم الألقاب والبيعات والعهود. وفى المقالة
السادسة: تحدث عن الوصايا الدينية والمسامحات وتصاريح
الخدمة السلطانية. وفى المقالة السابعة: تناول الإقطاعات؛ من
حيث نشأتها وأحكامها وأنواعها. وفى المقالة الثامنة: تناول
الأيمان. وفى المقالة التاسعة: تحدث عن عهود الأمان والهدن
وعقود الصلْح. أما المقالة العاشرة: فضمت فنونًا من الكتابة
تداولها الكتاب. ثم جاءت الخاتمة وذكر فيها أمورًا تتعلق بديوان
الإنشاء وأمور البريد وتاريخه فى مصر والشام. فالكتاب إذن
يتناول علومًا شتى، ويسير فيه القلقشندى على منوال أدباء
عصره؛ من حيث الأساليب المسجوعة والعبارات المنمقة الحافلة
بالمحسنات البديعية، وأهم ما فى الكتاب هو أمانة القلقشندى؛
حيث ينسب كل ما ينقله إلى صاحبه، ولا يدَّعى فيها شيئًا
لنفسه. وقد طُبع الكتاب لأول مرة سنة (1910 م) بالمطبعة
الأميرية بالقاهرة، ثم طُبع للمرة الثانية سنة (1963 م) بالمؤسسة
المصرية للتأليف والترجمة والنشر، ثم أعيد طبعه أكثر من مرة.(16/132)
*الفهرست لابن النديم
كتاب ألفه أبو الفرج محمد بن أبى يعقوب إسحاق الوراق النديم.
وُلِد ببغداد نحو سنة (325 هـ)، وكان أبوه وراقًا فتعلم مهنة
أبيه، كما تعلم الكثير من علوم عصره، ومات سنة (377 هـ)، وله
عديد من المؤلفات أشهرها كتاب الفهرست. ألفه ابن النديم سنة (
377 هـ)، وقد تعرض فيه للعلوم المعروفة فى عصره وما كتب
حولها. ويُعد الكتاب من أقدم كتب التراجم وأفضلها؛ إذ لخص فيه
ابن النديم التراث الفكرى الإسلامى؛ حيث جمع فيه أسماء الكتب
التى عرفها حتى أواخر القرن الرابع الهجرى، واعتمد فيه على
صلته بالوراقة، وصلته بطبقة المثقفين فى عصره، كما يُعد
الكتاب أول عمل بيليوجرافى أُلف بالعربية، وهو مصدر أصيل
لدراسة الثقافة العربية منذ نشأتها حتى أواخر القرن الرابع
الهجرى. ويضم الكتاب عشرة مقالات، ثم فرع كل مقالة إلى عدة
فنون، يختلف عددها: المقالة الأولى: فى وصف لغات الأمم
وخطوطها وأشكال كتاباتها، والذين صنفوا حول كتب الشرائع؛
من قرآن وإنجيل وتوراة وما يتصل بها من قراءات وتدوين.
المقالة الثانية: فى النحويين واللغويين ومصنفاتهم. المقالة
الثالثة: فى الأدباء والكتاب وأصحاب السير والولاة والملوك
والندماء والمغنيين وكتبهم. المقالة الرابعة: فى الشعر والشعراء
وطبقاتهم من الجاهليين والإسلاميين والمحدثين. المقالة الخامسة:
فى علماء الكلام وشيوخ الفرق الدينية. المقالة السادسة: فى
الفقه والفقهاء والمحدثين وأئمة المذاهب. المقالة السابعة: فى
الفلاسفة والمنطقيين وأهل الحساب والفلكيين والموسيقيين
والأطباء. المقالة الثامنة: فى الأسمار والخرافات والسحر
والشعوذة. المقالة التاسعة: فى المذاهب والاعتقادات. المقالة
العاشرة: فى الكيميائيين والصنعويين. وقد نُشرت الطبعة الأولى
من الكتاب فى أوربا فى مدينة ليبزج سنة (871 م) بعناية
المستشرق فلوجل، ثم طُبع الثانية بمصر، طبعته مطبعة الرحمانية(16/133)
سنة (1930 م)، ثم الطبعة الثالثة بطهران (1971 م)، ثم طُبع عدة
طبعات بعد ذلك.(16/134)
*السيرة النبوية لابن هشام
كتاب فى التاريخ. ألفه عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميرى
الذى نشأ بالبصرة، وتلقى علومه بها، وبرع فى الأدب واللغة
حتى أنه كان يوصف بالنحوى. وكانت وفاته بمصر سنة (215
هـ). وقد قام عبد الملك بن هشام بجمع كتابه من كتاب المغازى
والسير لمحمد بن إسحاق، ولخصه، وجمع فيه أخبار العرب قبل
الإسلام، وسيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونسبه، ثم أخبار بعض فضلاء العرب
فى الجاهلية. وقد ذكر سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ مولده، ونشأته،
وبعثته، ورسالته، وهجرة الصحابة إلى الحبشة، ثم هجرتهم إلى
المدينة، وما وقع له (من أحداث فى المدينة من حروب مع
المشركين واليهود. وذكر أخبار زوجاته (، ومرضه، ووفاته،
وخلاف المسلمين حول من يخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى ثقيفة بنى
ساعدة، وخلافة أبى بكر الصديق، رضى الله عنه. ولأهمية هذا
الكتاب قام بعض العلماء بشرحه وتفسيره، كالسهيلى المتوفَّى
سنة (581 هـ)، وأبى ذر الجشنى المتوفَّى سنة (604 هـ)
وغيرهما. وقد طُبع الكتاب عدة مرات، منها: طبعة جوتنجن
بألمانيا سنة (1860 م). وطبعة بولاق بمصر فى (3) أجزاء سنة
(1878 م). وطبعة المطبعة الخيرية بمصر فى (3) مجلدات سنة
(1813 م). وطبعة ليبزج سنة (1900 م). وطبعة مصطفى البابى
الحلبى سنة (1936 م)، وسنة (1955 م).(16/135)
*الشافية لابن الحاجب
هو كتاب فى الصرف. ألفه أحد أعلام مصر فى اللغة والنحو،
وهو ابن الحاجب عثمان بن عمر بن أبى بكر المتوفَّى سنة (646
هـ). وقد اشتهرت الشافية، وتقرر تدريسها فى بعض المعاهد
العلمية. وقد شرح الشافية ابن الحاجب، كما شرحها النحوى
الشهير ابن هشام المتوفَّى سنة (762 هـ) فى كتاب سماه عمدة
الطالب فى تحقيق تصريف ابن الحاجب. وقد طبعت الشافية لأول
مرة فى كلكتا بالهند سنة (1850 م)، ثم توالت طبعاتها فى
إستانبول والقاهرة.(16/136)
*الشاهنامه
ملحمة شعرية فارسية. نظمها الشاعر الفارسى الفردوسى، أكبر
شعراء القرن الخامس الهجرى. وهى تصور التاريخ الفارسى
القديم، وتعطى صورة تاريخية للعصر الساسانى الذى سبق
الفتح الإسلامى. وكان سنُّ الفردوسى عند نظمها يقارب
الأربعين. ويبلغ عدد أبيات الشاهنامه نحو (60) ألف بيت، وهى
أكبر ملحمة صاغها شاعر واحد. وتتناول قصص أربع أسرات
فارسية وتاريخها. وصور فيها الفردوسى وقائع البطولات
والانتصارات وأعياد الفرس. كما تتضمن بعض الكلمات العربية لا
تتجاوز (430) كلمة. وقد ترجمها إلى اللغة العربية البندارى فى
القرن السابع الهجرى، وعبد الرحمن عزام فى القرن العشرين
الميلادى. وتأثر بالشاهنامه عديد من الأدباء العرب والأوربيين.(16/137)
*الشعر والشعراء لابن قتيبة
هو كتاب فى تاريخ الأدب. ألفه ابن قتيبه الدينورى المتوفَّى
سنة (276 هـ). وهذا الكتاب يُعد من أقدم الكتب الأدبية التى
تضمنت تراجم للشعراء ومشاهيرهم؛ سواء الجاهليون أو
الإسلاميون، كما تضمنت مختارات من أشعارهم من غير تتبعٍ
زمنى لهم، وإن كان قد بدأ بالجاهليين. وقد بلغ عدد تراجم
الشعراء فى هذا الكتاب (206) شعراء، وقدم لكتابه بمقدمة
نقدية، والتزم فيه منهجًا يسير عليه فى تعريف الشعراء. ولم
تتفق المصادر الأدبية التى تحدثت عن الكتاب على عنوانه
بالتحديد؛ حيث يطلق عليه الشعر والشعراء، وديوان الشعر
والشعراء. وقد طُبع هذا الكتاب بتحقيق المستشرق الألمانى
نولدكه، مع ترجمة ألمانية للجزء الأول سنة (1864 م)، كما أنه
نشر جزءًا منه مع ترجمة هولندية سنة (1875 م)، ثم نُشر فى
هولندا سنة (1902 هـ)، كذلك نشر فى فرنسا مع ترجمة فرنسية
سنة (1947 م)، وقد طُبع فى مصر سنة (1904 م)، كما طُبع فى
إستانبول.(16/138)
*الشفاء
كتاب ألفه أبو على الحسين بن عبد الله بن سينا المولود سنة (
370 هـ)، والمتوفَّى سنة (428 هـ). وكتاب الشفاء موسوعة
كبرى فى الفلسفة. قسِّم إلى أربعة أقسام كبرى، هى: المنطق
، والطبيعيات، والرياضيات، والإلهيات، وكل قسم منها يُسمى
جملة، وتحت كل جملة فن، وتحت كل فن عدة مقالات، وتحت
كل مقالة عدة فصول. الجملة الأولى فى المنطق، وتشتمل على
تسعة فنون، هى: المدخل، والمقولات، والعبارة، والقياس،
والبرهان، والجدل، والسفسطة، والخطابة، والشعر. الجملة
الثانية فى الطبيعيات، وتشتمل على ثمانية فنون، هى: السماع
الطبيعى، والسماء والعالم، والكون والفساد، والأفعال
والانفعالات، والمعادن والآثار العلوية، والنفس، والنبات،
والحيوان. الجملة الثالثة فى العلم الرياضى، وفيها أربعة فنون،
هى: الهندسة والحساب والموسيقى وعلم الهيئة. الجملة الرابعة
فى الإلهيات. وقد طُبع من الكتاب الجزء الخاص بكل من
الطبيعيات والإلهيات، بطهران سنة (1885 م). وبمناسبة الذكرى
الألفية على مولد الشيخ الرئيس ابن سينا، شُكِّلت لجنة بالقاهرة
لطبع الشفاء محققًا على مخطوطاته الموجودة تحقيقًا علميًّا،
وبدأت بالمنطق، وطُبِع منه حتى الآن (1418 هـ = 1997 م):
المدخل، والمقولات، والقياس، والبرهان، والجدل، والسفسطة،
والخطابة، ولم يبقَ إلا العبارة والشعر.(16/139)
*صحيح البخارى
أصح الكتب المجموعة فى السنة النبوية التى هى ثانى مصادر
التشريع الإسلامى. ألفه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن
إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزْبَة البخارى الجُعفِى المولود ببخارَى
سنة (194 هـ)، والملقب بأمير المؤمنين فى الحديث. تُوفِّى سنة
(256 هـ).والاسم الكامل للكتاب هو: الجامع الصحيح المسند من
حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه. وقد بذل البخارى جهدًا فائقًا
فى اختيار أحاديثه. التى بلغ عددها (7275) حديثًا، بالأحاديث
المكررة، وبإسقاط المكرر (4000) حديث. واشترط البخارى فيه
ألا يُورد إلا حديثًا صحيحًا، وشرط الصحيح عنده أن يكون
إسناده متصلاً، وأن يكون راويه مسلمًا صدوقًا غير مدلس ولا
مختلط، متصفًا بصفات العدالة، ضابطًا متحفظًا، سليم الذهن،
قليل الوهم، سليم الاعتقاد. وقد طُبع الكتاب مستقلاًّ عدة مرات،
كما طُبع مع شروحه، ومنها: إسناد السارى للقسطلانى، وفتح
البارى لابن حجر العسقلانى.(16/140)
*صحيح مسلم
هو ثانى الكتب الستة بعد صحيح البخارى من حيث صحة
أحاديثه. ألفه أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيرى
النيسابورى. وُلِد بمدينة نيسابور سنة (206 هـ)، وتُوفِّى بها
سنة (261 هـ). ويبتدئ الكتاب بمقدمة واسعة فى علم أصول
الحديث، استغرقت (144) صفحة، تعرض فيها لسبب تأليفه
الكتاب، وبين مراتب الحديث، وفداحة الكذب فيه، والنهى عن
رواية الضعفاء، وتحدث عن الإسناد. وتبلغ عدد أحاديث الكتاب
(12) ألف حديث بالمكرر، وبدون المكرر (4) آلاف، وكلها صحاح،
ليس فيها ضعيف ولا حسن. وقد اختارها الإمام مسلم من (300)
ألف حديث. والطريقة التى اتبعها الإمام مسلم فى ترتيب الأحاديث
هى جمع طرق كل حديث فى موضع واحد، وترتيب الأسانيد
بحسب قوتها. واقتصر الكتاب على الأحاديث المرفوعة إلى
النبى - صلى الله عليه وسلم - دون الموقوفة على الصحابة إلا نادرًا، فقد يذكرها تبعًا لا
قصدًا.(16/141)
*العقد الفريد
هو كتاب ألفه أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه، المولود فى
قرطبة سنة (246 هـ)، والمتوفَّى بها سنة (328 هـ). وتعكس مادة
الكتاب ثراء التراث العربى الإسلامى، ولاسيما الأدبى. ويقع
الكتاب فى مقدمة و (25) كتابًا، كل منها فى موضوع خاص،
وتلك الكتب يمكن أن تقسم إلى ست مجموعات: الأولى خاصة
بالملوك، والثانية خاصة بفن الأدب الخالص وتعليمه، والثالثة
خاصة بالتاريخ، والرابعة خاصة بالشعر، والخامسة خاصة
بالطبائع، والسادسة خاصة باللطائف حسية ومعنوية. ويتمثل
منهج ابن عبد ربه فى الاختيار ثم التصنيف، ثم جمع كل صنف
على حدة. وكان لكتاب العقد الفريد الأثر الكبير فى الحفاظ على
التراث الأدبى العربى؛ فقد اقتبس منه كثير من كتب المختارات،
كما اعتمد عليه كثير من كتب العلماء المعنيين بالدراسة الأدبية
والتاريخية والعلمية عامة.(16/142)
*فتوح مصر وأخبارها
كتاب ألفه أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم. وُلِد
بالفسطاط سنة (187 هـ)، وتُوفِّى فى مطلع سنة (257 هـ).
والكتاب مقسم إلى سبعة أجزاء: الأول: فى فضائل مصر
وتاريخها قبل الإسلام، وفيه الكثير من الأساطير، والثانى:
يتناول الفتح الإسلامى، والثالث: يشرح الخطط ونزول العرب
بمصر، والنظام الضريبى، والرابع: فى إدارة مصر بعد الفتح
حتى وفاة عمرو بن العاص، والخامس: فى فتح إفريقيا
وإسبانيا حتى سنة (127 هـ)، والسادس: فى تاريخ قضاة مصر
حتى سنة (246 هـ)، أمَّا السابع: فهو أكبر الأجزاء، وقد خصصه
ابن عبد الحكم لمختارات من الحديث والروايات المنسوبة إلى
الصحابة الذين دخلوا مصر، وعددهم (52) صحابيًا. وقد اهتم بهذا
الكتاب المؤرخون القدامى؛ فأخذوا جميعًا عنه، كما اهتم به
المؤرخون المحدثون، فأصدر المستشرقون أجزاء منه منذ أواخر
القرن الماضى حتى صدوره كاملاً سنة (1920 م). وقد طُبع
الكتاب فى ليدن، وطبع فى مصر سنة (1961 م). وقد وضع هذا
الكتاب أسس المدرسة المصرية فى التاريخ، كما وضع لها عددًا
من الملامح، من بينها: قبول الأخبارالخرافية عن تاريخ مصر
القديم، والاهتمام بخطط مصر، والاهتمام بقضاة مصر حتى أفرد
بعض المؤلفين فيما بعد لهذين الموضوعين كتبًا خاصة.(16/143)
*القانون
كتاب ألفه أبو على الحسين بن عبد الله بن سينا، المولود سنة (
370 هـ)، والمتوفَّى سنة (428 هـ). ويعتبر الكتاب أهم المؤلفات
العربية فى علم الطب، وقد اعتبره الباحثون المنهج الوحيد
لدراسة الطب طوال عصرى القرون الوسطى والنهضة. وهو
ينقسم إلى أقسام وفروع وفق تصنيف علمى دقيق، كما اتسم
بالموسوعية، كما أنه منظم على الأصول الحديثة فى الطب؛
ففيه - ولأول مرة فى تاريخ الطب - تقسيم الفصول إلى رأسية
وصدرية وباطنية وعصبية ونسائية وتناسلية ... إلخ. وطريقة ابن
سينا فى الكتاب هى أنه يبدأ بتحديد المرض، ثم يذكر أسبابه
ونشأته، ثم يتحدث عن عوارضه، وأخيرًا يبين طريقة مداواته
والوقاية منه. وخصص ابن سينا جزءًا من الكتاب لنقد بعض الآراء
الهندية والفارسية فى الطب. وقد تُرجم الكتاب إلى اللاتينية
والإنجليزية، وطبع أكثر من ثلاثين مرة.(16/144)
*قطر الندى
هو كتاب موجز فى النحو. ألفه ابن هشام أحد كبار علماء اللغة
فى مصر والمتوفَّى سنة (762 هـ). والكتاب عبارة عن تلخيص
للنحو، قام ابن هشام بشرحه فى كتاب سماه: شرح قطر الندى
وبل الصدى؛ حيث ضم ابن هشام أبواب النحو المتشابهة بعضها
إلى بعض؛ فجعل قسمًا للمرفوع وآخر للمنصوب ... إلخ. وإذا
تعرض ابن هشام لمسألة خلافية بسط فيها آراء النحاة مع
الإيجاز، وربما فضَّل رأيًا على آخر، أو قوى مَذْهبًا على آخر.
وفى هذا الكتاب حاول ابن هشام أن يكون معلمًا قبل أن يكون
مؤلفًا؛ لذا يذكر القاعدة ويأتى بمثال للتدليل عليها؛ حيث إن
كتاب شرح قطر الندى قد وُضع للمبتدئين.(16/145)
*الكامل فى التاريخ
هو كتاب فى التاريخ. ألفه المؤرخ عز الدين بن الأثير المتوفَّى
سنة (630 هـ). وهو كتاب يتناول التاريخ منذ بدء الخليقة حتى
سنة (628 هـ). ويقع فى (12) مجلدًا. وسبب تأليف هذا الكتاب
السلبيات التى وجدها ابن الأثير فى كتب التاريخ السابقة؛ حيث
إن هذه الكتب إما أن تكون بين مطول ممل أو مختصر مخل، كما
أن المؤرخين السابقين إما أن يكونوا قد أرخوا لمكان معين أو
لفترة معينة، كذلك الافتقار إلى كتاب يجمع بين تاريخ المشرق
والمغرب. وتاريخ ابن الأثير تاريخ حولى يتناول الأحداث والأخبار
بحسب تواريخها، أما الأحداث المهمة فيعطيها عناوينها ضمن
السنة، وكان لا يخرج بالأحداث من سنة إلى أخرى إلا عند
الحاجة، وقد أقام ابن الأثير فى كتابه الكامل توازنًا بين أخبار
المشرق والمغرب؛ مما أعطى الكتاب الطابع العام فى التأريخ.
وقد حرص ابن الأثير على تعليل بعض الأحداث التاريخية، واعتمد
على (32) مصدرًا فى هذا الكتاب الذى يعتبر مصدرًا مهمًّا فى
الفترة التى عاصرها ابن الأثير، خاصة فيما يتعلق بالحروب
الصليبية. وقد طُبع هذا الكتاب عدة طبعات.(16/146)
*الكشاف
هو كتاب فى التفسير. ألفه جار الله محمود بن عمر المعروف
بالزمخشرى. أحد أعلام المعتزلة واللغويين المتوفَّى سنة (538
هـ). وعنوان الكتاب كاملاً: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون
الأقاويل فى وجوه التأويل. ويحاول الزمخشرى فى هذا الكتاب
إيضاح جمال النظم القرآنى وبلاغته وجمال البيان فى أسلوبه،
لكن الزمخشرى حاول - أيضًا - تأصيل المذهب الاعتزالى ومبادئه
من خلال تأويل بعض الآيات. ويعتبر الكشاف التفسير الوحيد
الذى وصل إلينا من تفاسير المعتزلة كاملاً متناولاً للقرآن كله.
وقد وُضعت بعض الحواشى على الكشاف مثل حاشية العلامة
شرف الدين الحسن بن محمد الطيبى المتوفَّى سنة (743 هـ).
ولكتاب الكشاف عدة طبعات.(16/147)
*كتاب كليلة ودمنة
هو كتاب فى الأخلاق والحكمة والسياسة. ألفه الفيلسوف
الهندى بيدبا، منذ نيف وعشرين قرنًا، لأحد ملوك الهند الطغاة؛
محاولاً إصلاحه وتوجيه النصح إليه على ألسنة الطير والحيوانات.
وقام الفرس بترجمة الكتاب إلى الفارسية، وصبغوه بصبغة
فارسية، ثم ترجمه إلى العربية الأديب عبد الله بن المقفع
المتوفَّى سنة (142 هـ). وصارت ترجمة ابن المقفع هى الأساس
للترجمات اللاحقة؛ حيث فُقدت النسخة الأصلية. والكتاب يتكون
من مقدمة و (14) بابًا، ويعتبر أول كتاب فى الأدب الرمزى
والقصصى على ألسنة الحيوانات؛ لذلك تأثر كثير من أدباء
الشرق والغرب بهذا الكتاب وقاموا بوضع كتب على شاكلته مثل:
سهل بن هارون فى كتابه ثعلة وعفرة، والأديب الفرنسى
لافونتين. وطُبِع هذا الكتاب فى باريس سنة (1816 م)، وطبعته
وزارة المعارف المصرية وقررته على طلبة الثانوية وطبع مصورًا
سنة (1927 م). وتُرجم إلى عديد من اللغات، مثل: اللاتينية
والإسبانية والإنجليزية والفرنسية.(16/148)
*لزوم ما لايلزم لأبى العلاء المعرى
هو ديوان شعرى. نظمه الشاعر أبو العلاء المعرى المتوفَّى سنة
(449 هـ). وهذا الديوان مرتب على حروف المعجم. ويحتوى على
نحو (11) ألف بيت، وهو شعر يظهر فى مبناه التكلف؛ سواء
فى غرابة اللفظ أو كثرة الجناس أو التزام ما لا يلزم فى القافية؛
حيث ألزم أبو العلاء نفسه فى القافية بأكثر من حرف وحركة،
كما أنه رتب الديوان على حروف المعجم، وذكر كل حرف
بوجوهه الأربعة؛ الضم والفتح والكسر والسكون. ويعتبر هذا
الديوان أهم كتب المعرى؛ حيث احتوى على جميع آرائه
الفلسفية والاجتماعية؛ إذ أن دراسة اللزوميات مهمة فى فهم
تطور آراء أبى العلاء. ويقع هذا الديوان فى مجلدين، وطُبِع فى
الهند سنة (1885 م)، وفى مصر سنة (1891 م).(16/149)
*المدونة
كتاب فى الفقه المالكى جُمِع فيه أقوال الإمام مالك المروية عنه
والمخرجة على أصول مذهبه، وبعض آراء أصحابه. وتعتبر
المدونة الأصل الثانى للفقه المالكى بعد الموطأ، كما أنها أدق
كتب الفروع فى الفقه المالكى وأصحها. وقد بدأ تأليف هذه
المدونَة أسد بن الفرات؛ حيث دونها بالتلقى عن الفقيه المصرى
عبد الرحمن بن القاسم، إلا أن الفقيه المغربى سحنون بن سعيد
راجعها على ابن القاسم وغيَّر بعضها، حتى صارت الرواية
المعتبرة هى رواية ابن سحنون. وقد شُرِحت المدونة ولخصت
وعلق عليها الكثير، مثل: محمد بن أبى زيد القيروانى، كما أن
قاضى قرطبة محمد أبو الوليد بن رشد كتب لها مقدمة جيدة.
وكتاب المدونة مطبوع، ويُعد من الكتب المهمة فى التنظير
للأصول والفروع.(16/150)
*الطبقات الكبرى لابن سعد
كتاب ألفه محمد بن سعد بن منيع. وُلِد بالبصرة سنة (168 هـ)،
وتُوفِّى فى بغداد سنة (230 هـ). ولم يذكر المؤلف فى كتابه
سبب تأليفه للكتاب، ولم يتحدث عن منهجه فى التأليف، وقد
صدر الكتاب فى (8) مجلدات على النحو التالى: المجلد الأول: عن
السيرة النبوية الشريفة. المجلد الثانى: عن المغازى والسرايا
وأسمائها وتواريخها. المجلد الثالث: ويقع فى قسمين؛ أحدهما
فيه طبقات البدريين من المهاجرين، والآخر فيه طبقات البدريين
من الأنصار. المجلد الرابع: ويتكون من قسمين؛ أحدهما: الطبقة
الثانية من المهاجرين والأنصار، والآخر: الصحابة الذين أسلموا
قبل فتح مكة. المجلد الخامس: ذكر فيه الطبقة الأولى من أهل
المدينة من التابعين، ثم ذكر الطبقة الثانية من أهل المدينة من
التابعين، وهم على قسمين؛ أحدهما: من كانوا من الأنصار،
والآخر: من كانوا من الموالى، ثم ذكر الطبقة الثالثة من أهل
المدينة من التابعين، ثم سقطت الطبقتان الرابعة والخامسة،
وتحدث عن الطبقتين السادسة والسابعة، لكنه لم يحددهما باسم
معين، ثم ذكر من نزل بمكة من الصحابة، رضى الله عنهم، ومن
كان من أهل مكة، وروى عن عمر بن الخطاب وغيره، وقسمهم
إلى خمس طبقات، ثم ذكر من نزل الطائف من الصحابة، رضى الله
عنهم، ومن كان منهم بها من الفقهاء والمحدثين، ثم ذكر من نزل
باليمن من الصحابة، رضى الله عنهم، ومن كان بها منهم من
المحدثين، وقسمهم إلى أربع طبقات، ثم ذكر من نزل باليمامة
من الصحابة، رضى الله عنهم، ومن كان بها منهم من الفقهاء
والمحدثين، ثم ذكر من كان بالبحرين من الصحابة، رضى الله
عنهم. المجلد السادس: فيه طبقات الكوفيين ممن كان من
الصحابة، رضى الله عنهم، ومن كان بالكوفة من التابعين
وغيرهم من أهل الفقه والعلم، وقسم التابعين إلى تسع طبقات.
المجلد السابع: ذكر فيه من نزل البصرة من الصحابة، رضى الله(16/151)
عنهم، ومن كان بها من التابعين وأهل العلم والفقه، وذكر منهم
ثمانى طبقات، كما ذكر من كان بواسط من الفقهاء والمحدثين،
ومن كان بالمدائن من الصحابة، رضى الله عنهم، والفقهاء
والمحدثين، ثم من كان ببغداد من الفقهاء والمحدثين، ومن كان
بهمذان من الفقهاء، ومن كان بالأنبار من المحدثين، ثم من نزل
بالشام من الصحابة، رضى الله عنهم، فى ثمانى طبقات، ومن
نزل بالجزيرة من الصحابة، رضى الله عنهم، والفقهاء والمحدثين
والتابعين، ومن كان بالعواصم والثغور، ثم ذكر من نزل بمصر من
الصحابة، رضى الله عنهم، فى ست طبقات، ثم من كان بأيلة
وإفريقية والأندلس. المجلد الثامن: فيه النساء المسلمات
والمهاجرات من قريش، والأنصاريات والمبايعات، وأزواج رسول
الله (، والمسلمات المبايعات، وغرائب نساء العرب المسلمات
المهاجرات المبايعات، ونساء الأنصار المسلمات المبايعات،
والنساء اللاتى لم يروين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ويؤخذ على ابن سعد
فى كتابه: 1 - ترجم لبعض الشخصيات دون إشارة إليها بوضوح.
2 - ذكر بعض الأسماء دون أن يترجم لها.(16/152)
*مروج الذهب للمسعودى
كتاب فى التاريخ. ألفه على بن الحسين بن على. الذى يرجع
نسبه إلى عبد الله بن مسعود، رضى الله عنه. وُلد ونشأ وتعلم
فى بغداد، ثم رحل فى طلب العلم، فطاف أكثر بلاد الأرض،
فجمع كثيرًا من المعلومات التاريخية والجغرافية؛ مما جعله
متفوقًا على كثير من العلماء فى مجاله، وكانت وفاته سنة
(346 هـ). وكتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر دراسة تاريخية
جغرافية، جمع فيه المسعودى التاريخ وأخبار العالم، وما مضى
من الزمان من أخبار الملوك والأنبياء والأمم ومساكنها. ويتكون
الكتاب من أربعة أجزاء على النحو التالى: الجزء الأول: يتحدث
فيه عن دافعه إلى تأليف الكتاب، والمصادر التى اعتمد عليها،
ثم يتحدث عن كتابيه أخبار الزمان والأوسط فى الأخبار على
التاريخ، ويشير إلى كتب من سبقه من المؤلفين، وينقدها مبرزًا
ما فيها من مميزات وعيوب، ثم يتحدث عن بدء الخلق، وعن آدم،
عليه السلام، وحواء وأولادهما، وعن نوح، عليه السلام،
وأبنائه والأنبياء من بعده، وعن ذى القرنين، وأصحاب الكهف
، ومسيحيى نجران باليمن، وأبرز الشخصيات السابقة إلى
الإسلام. كما تحدث فى هذا الجزء عن الأرض والبحار والأقاليم،
وترتيب الأفلاك، ومساحة الأرض، والأنهار، وبلاد الصين
وملوكها، وصقلية وملوكها، وإفريقية قبل الإسلام، والحبشة
والسودان، ووصف كثيرًا من حيواناتها، وطبرستان وجيدان،
وبلاد فارس وملوكها، واليونان والرومان، وتاريخ مصر قبل
الفتح الإسلامى لها. الجزء الثانى: ويتحدث فيه عن الجغرافيا
والرحلات؛ فيتحدث عن السودان وأهله وأجناسه وملوكه
وحيواناته، ومصر والفرنجة، وبلاد العرب قبل الإسلام، ومكة
المكرمة، وإبراهيم الخليل، عليه السلام، وإسماعيل، عليه
السلام، والقبائل العربية. ويقدم دراسة جغرافية لبلاد الشام
ومصر واليمن والحجاز والمغرب والعراق وخراسان وفارس
وخوزستان والهند والصين وبلاد الروم، كما يتحدث عن الأديان(16/153)
وأنواعها المتعددة، وعن ظهور الإسلام، وعن السيرة النبوية
الشريفة، وهجرة الصحابة، رضى الله عنهم، والجهاد،
والغزوات، ووفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وعن الخلفاء الراشدين. الجزء
الثالث: يتحدث فيه عن خلافة الإمام على بن أبى طالب، رضى
الله عنه، وعن قيام الدولة الأموية، والدولة العباسية حتى عصر
الأمين. الجزء الرابع: يبدأ بعصر المأمون حتى عصر المطيع لله،
وبداية ازدياد نفوذ بنى بويه فى السلطة من دونه. ولأهمية
الكتاب تُرجم إلى اللغة الفرنسية، وطُبع فى باريس فى (9)
مجلدات سنة (1872 م)، كما تُرجم إلى الإنجليزية فى لندن سنة
(1841 م)، كما طُبع بالعديد من البلاد العربية أكثر من مرة.(16/154)
*الآثار الباقية عن القرون الخالية
هو كتاب فى علم التاريخ لأبى ريحان البيرونى المتوفى سنة
(440 هـ) الذى وُلد فى السند، وقضى قرابة (40) سنة فى الهند،
وكان للبيرونى اهتمامات بالنجوم والفلك والرياضيات والتاريخ
والجغرافيا. ويتناول هذا الكتاب دراسة للتواريخ عند الأمم
المختلفة من يهود وعرب وهنود وروم، وتواريخ الملوك الأقدمين
وأهم أعياد هذه الأمم. وقد وضع البيرونى هذا الكتاب فى
جرجان خلال الفترة من (388 هـ) حتى (403 هـ) وأهداه إلى
أميرها شمس الدين أبى المعالى قابوس. وقد نشره المستشرق
الألمانى سخاو عام (1878 م)، ووُضعت له ترجمة إنجليزية طُبعت
فى لندن سنة (1879 م)، وللكتاب ترجمة روسية طبعت فى
طشقند سنة (1957 م).(16/155)
*الإحاطة فى أخبار غرناطة
كتاب ألفه لسان الدين بن الخطيب المتوفى سنة (776هـ)، وكان
وزيرًا لأبى الحجاج يوسف بن إسماعيل ولابنه من بعده فى دولة
بنى نصر بن الأحمر بالأندلس. ويُعد كتاب الإحاطة من أهم مؤلفات
لسان الدين؛ حيث يعد موسوعة شاملة لكل ما يتعلق بمدينة
غرناطة منذ أن فتحها المسلمون، وأخبار من كان فيها قبلهم
حتى عصره، مع ترجمة وافية لكل ملك من ملوكها وترجمة للعديد
من أعلامها فى مختلف العصور. ولم يلتزم لسان الدين بالترتيب
التاريخى للأحداث فى كتابه، وإنما التزم الترتيب الألفبائى
لأصحاب التراجم، وقد استعان لسان الدين بالعديد من المراجع
فى كتابه مثل: البيان المغرب لابن عذارى المراكشى، وتاريخ
مالقة لابن عساكر. واستمر ابن الخطيب فى تأليف هذا الكتاب من
سنة (761 هـ) حتى (769 هـ). وسبب تأليف هذا الكتاب يرجع إلى
أن ابن الخطيب اطلع على كتاب وصف الأندلس لابن جزى،
فأُعجب به ووضع كتاب الإحاطة على غراره. وقد طُبع هذا
الكتاب بتحقيق محمد عبد الله عنان.(16/156)
*أحسن التقاسيم
يُعد هذا الكتاب من أهم كتب الجغرافيا عند المسلمين، ألفه شمس
الدين محمد بن أحمد بن أبى بكر البناء المقدسى المؤرخ،
الرحالة الجغرافى المتوفى سنة (380 هـ). ويشتمل هذا الكتاب
على ذكر الأقاليم الإسلامية ووصفها وصفًا دقيقًا، لذلك فإن هذا
الكتاب يُعد موسوعة جغرافية وتاريخية وحضارية. وقد جمع
المقدسى مادة هذا الكتاب فى أثناء رحلاته فى البلاد
الإسلامية؛ حيث كان تاجرًا على دراية بأحوال الناس والأقاليم.
وكان منهجه فى هذا الكتاب هو تحرى الدقة وما اتفق عليه
العلماء، أما مااختلفوا فيه فقد استبعده. وقد تحدث المقدسى
عن الديار الإسلامية فحسب، ولم يذكر أقاليم غير المسلمين.
والكتاب طُبع فى مجلد واحد بمدينة ليدن سنة (1909 م).(16/157)
*إحصاء العلوم
هو كتاب لأبى نصر الفارابى المتوفى سنة (239 هـ)، أحد
فلاسفة الإسلام الكبار بالإضافة إلى اهتماماته الطبية والفلكية
والرياضية. ويُعد إحصاء العلوم أول موسوعة عامة صدرت باللغة
العربية للتعريف بموضوع فروع العلوم وأغراضها من عقلية
وطبيعية وإنسانية. وللكتاب اسم آخر هو مراتب العلوم. وقد قسم
الفارابى هذا الكتاب إلى خمسة فصول هى: (1) علم اللسان
وفروعه من اللغة والنحو والصرف ... إلخ. (2) المنطق، وأوضح فيه
حاجة دارس العلوم والدراسات العلمية إلى المنطق. (3) علم
التعاليم (أى الرياضيات) مثل العدد والهندسة والفلك. (4) العلم
الإلهى والعلم الطبيعى. (5) العلم المدنى، مثل: الأخلاق والسياسة
والفقه وعلم الكلام. وهذا الكتاب يعد اختصارًا دقيقًا للعلوم
المتعارف عليها فى عصر الفارابى حيث يعطى القارئ فكرة
عامة وواضحة عن موضوع كل علم ومنفعته النظرية والعملية. إلا
أن هذا الكتاب لم يحتو على علمى الطب والكيمياء. وتُرجِم إلى
اللاتينية فى العصور الوسطى، كما ترجم إلى العبرية.(16/158)
*الأحكام السلطانية
هو اسم لكتابين فى أصول الإدارة الحكومية الإسلامية، أحدهما
للماوردى، والآخر للفراء. ويُعد هذان الكتابان أول دراسة علمية
منهجية فى هذا الموضوع. الأول: الأحكام السلطانية والولايات
الدينية. وهو كتاب ألفه أبو الحسن على بن حبيب الماوردى أحد
فقهاء الدولة العباسية، المتوفى سنة (450 هـ). قسم الماوردى
كتابه إلى عشرين بابًا تحدث فيها عن الإمامة وشروطها،
والوزارة وأنواعها، والإمارة وأقسامها، وأدب الحرب، وكذلك
القضاء، والولاية، والأموال، والدواوين ... إلخ. وقد حرص
الماوردى فى كتابه على دراسة جميع جوانب الحكم فى الدولة
الإسلامية، وتحديد الحقوق والواجبات، وكان ملتزمًا فيه بأصول
المذهب الشافعى. واعتمد ابن خلدون على هذا الكتاب فى
مقدمته _ وطُبِع عدة طبعات. الآخر: الأحكام السلطانية: كتاب ألفه
محمد بن الحسين بن محمد بن خلف الفراء الفقيه، المحدث المفسر
الحنبلى المتوفى سنة (458 هـ). ويتعرض هذا الكتاب لموضوع
الإمامة ومايتصل بها من أمور، دون التعرض للأمور الخلافية،
كذلك تحدث عن ولاية القضاء وشروطها وكان أبو يعلى الفراء
يلتزم بأصول المذهب الحنبلى فى كتابه هذا. ويلاحظ أن كتابى
الماوردى والفراء خرجا فى قرنٍ واحد هو القرن الخامس
الهجرى؛ حيث كان الاثنان متعاصرين.(16/159)
*إحياء علوم الدين
كتاب ألفه حجة الإسلام أبو حامد الغزالى المتوفى سنة (505 هـ)
، أحد أئمة علم الكلام والفقه والتصوف فى القرن الخامس
الهجرى. ويشتمل هذا الكتاب على بحوث فى التوحيد والفقه
والحديث والتصوف والاجتماع وعلم النفس والتربية. وقسم
الغزالى كتابه أربعة أقسام، هى: العبادات والعادات والمهلكات
والمنجيات. واستعان بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة
وآثار الصحابة والصالحين. ولاقى هذا الكتاب منذ تأليفه إعجاب
العلماء، حتى قال الحافظ العراقى: إنه من أجلِّ كتب الإسلام
فى معرفة الحلال والحرام. ورغم هذا الإعجاب فقد وُجِّهتْ له
بعض الانتقادات منها: احتواؤه على ألفاظ ومصطلحات غامضة،
استشهاده بالكثير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة. ولأهمية
الكتاب فقد اختصره بعض العلماء، كما خرَّج بعض العلماء
أحاديثه. أما أعظم الأعمال التى خُدِم بها هذا الكتاب فهو كتاب
إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين للسيد محمد بن
محمد الحسينى الزبيدى صاحب قاموس تاج العروس، ويقع هذا
الشرح فى (10) مجلدات. وقد تأثر جمهور المسلمين بهذا الكتاب
على مختلف المستويات العلمية والأخلاقية.(16/160)
*الأخبار الطوال
كتاب ألفه أحمد بن داود بن ونند المعروف بأبى حنيفة الدينورى
، أحد أعلام الثقافة العربية فى القرن الثالث الهجرى، المتوفى
سنة (282 هـ). ويتناول هذا الكتاب التاريخ من عهد آدم - عليه
السلام - مارًّا بتاريخ الأنبياء والأمم السابقة بإيجاز، ثم يتناول
بإسهاب تاريخ الفرس الساسانيين وعرب الجاهلية، والفتوح
الإسلامية للعراق، وتاريخ الدولة الأموية، والدور الذى لعبته
خراسان فى قيام الدولة العباسية. ويعرض تاريخ الخلفاء ابتداءً
من عبد الملك بن مروان حتى المعتصم العباسى المتوفى سنة
(227 هـ). والأخبار الطوال يُعد من أهم المصادر التاريخية عن
الحياة الاجتماعية والسياسية والحربية لدى الفرس. ويتميز هذا
الكتاب بأسلوب أدبى رفيع فى عرض المادة التاريخية، إلا أنه
يحوى - إلى جانب الروايات القوية - الروايات الضعيفة
والأساطير. وللكتاب مخطوطات عديدة، وطبع عدة طبعات فى
ليدن سنة (1888 م)، ومصر (1960 م)، وغيرها.(16/161)
*أدب الكاتب
هو كتاب لأبى محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينورى. أحد
علماء القرن الثالث الهجرى فى اللغة والأدب والفقه والتاريخ.
وقد تُوفِّى ابن قتيبة الدينورى ببغداد سنة (276 هـ = 889 م).
وهذا الكتاب يقدم قدرًا وافيًا من الثقافة اللغوية الضرورية لكتَّاب
الدواوين فى زمانه خاصة، والكتَّاب والأدباء عامة، وبالتالى
فهو أول كتاب عربى منظم فى ذلك الموضوع. والكتاب مكوَّن
من مقدمة وأربعة أقسام، ويتكون كل قسم منها من عدة
أبواب، وهذه الأقسام هى: (1) كتاب المعرفة: ويتألف من (63)
بابًا. (2) كتاب تقويم اليد: ويتضمن (47) بابًا. (3) كتاب تقويم
اللسان: ويتضمن (35) بابًا. (4) كتاب الأبنية: ويتكون من شقين؛
الأول أبنية الأفعال (45) بابا، والآخر: أبنية الأسماء ومعانيها
(53) بابًا. ومما دفع ابن قتيبة إلى تأليف هذا الكتاب ضعف ثقافة
كتَّاب الدواوين. وقد تبوأ هذا الكتاب منزلة عظيمة لدى كثير من
العلماء مثل ابن خلدون، وشرحه آخرون مثل الجواليقى، وسمى
شرحه بشرح أدب الكاتب. وطُبع أدب الكاتب عدة طبعات حيث
نشر فى ليدن سنة (1900 م)، وحققه ونشره بمصر سنة (1963 م)
محمد محيى الدين عبد الحميد.(16/162)
*إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم
هو أحد مؤلفات أبى السعود محمد بن محمد بن مصطفى
العماوى أحد فقهاء الأحناف فى الدولة العثمانية، وُلد
بالقسطنطينية سنة (898 هـ). وتُوفِّى بها سنة (982 هـ)، وهذا
التفسير هو المعروف بتفسير أبى السعود، وكان أبو السعود
مشغولاً بالتدريس والقضاء والفتوى وكان يستغل وقت فراغه
فى تأليف هذا الكتاب. وهذا التفسير يتناول أسرار البلاغة
القرآنية وسر إعجاز القرآن؛ حيث يهتم هذا التفسير ببناء العبارة
وجمال صياغتها. كذلك يهتم بإبداء وجوه المناسبات بين الآيات
ويتعرض لذكر القراءات، ويقل من سرد الإسرائيليات، إلا أنه
يروى فى تفسيره بعض الروايات عمن اشتهر بالكذب. ونقل أبو
السعود فى هذا الكتاب المسائل الفقهية وتناول ما تحتمله الآيات
من وجوه الإعراب؛ لذلك كانت لهذا الكتاب شهرة فى أوساط
العلماء، إلا أنه لم يظفر بالشروح والتعليقات الكافية. وطُبع هذا
التفسير مرات عديدة، وهو يقع فى خمسة أجزاء.(16/163)
*أُسد الغابة فى معرفة الصحابة
كتاب ألفه عز الدين أبوالحسن على بن أبى الكرم محمد بن
محمد المعروف بابن الأثير الجزرى. وُلد سنة (505 هـ) بالموصل،
وتُوفِّى بها سنة (630 هـ). ويتناول هذا الكتاب تراجم أصحاب
النبى - صلى الله عليه وسلم -. وسبب تأليف هذا الكتاب هو اقتراح أحد أعيان
المحدِّثين على ابن الأثير بتصنيف كتاب يكون فصلاً فيما اختلفت
فيه الكتب حول حياة الصحابة. وقد استفاد ابن الأثير من الكتب
التى سبقته فى هذا الخصوص. والتزم فى تأليف هذا الكتاب
بالترتيب الألفبائى لأسماء الصحابة: حيث يقدم الاسم على الكنية
ويشرح المفردات التى يرى فيها غموضًا ويضبط الأسماء
المتشابهة فى الخط. وقد اشتمل الكتاب على (7554) ترجمة،
كما أنه حدد مفهوم الصحابى. وقد طُبع هذا الكتاب عدة طبعات،
منها طبعة دار الشعب بالقاهرة سنة (1971م)، وطبعة دار الجبل
ببيروت.(16/164)
*العبر وديوان المبتدأ والخبر
كتاب فى التاريخ ألَّفه عبد الرحمن بن خلدون المتوفَّى سنة (808
هـ = 1405 م). وعنوان هذا الكتاب كاملاً هو: كتاب العبر وديوان
المبتدأ والخبر فى أيام العرب والعجم والبربر ومن عاهدهم من
ذوى السلطان الأكبر. وقد اشتهر ابن خلدون بين العلماء
والمفكرين بهذا الكتاب، بل بجزء واحد منه هو المقدمة، وتُسمى
مقدمة ابن خلدون. والكتاب مقسَّم إلى ثلاثة كتب فى سبعة
مجلدات: الكتاب الأول: ويقع فى مجلد واحد، ويشغل المقدمة،
وقبل المقدمة ظهرت بحوث تدرس ظواهر الاجتماع، وترجع هذه
البحوث إلى ثلاث طوائف: 1 - بحوث تاريخية يقتصر أصحابها على
وصف الظواهر الاجتماعية دون أن يحاولوا استخلاص شىء من
هذا الوصف فيما يتعلق بطبيعة هذه الظواهر وقوانينها. 2 -
دراسات إرشادية تدعو إلى المبادئ التى تقررها نظم المجتمع
ومعتقداته وتقاليده. 3 - دراسات يوجه أصحابها كل عنايتهم إلى
ماينبغى أن تكون عليه الظواهر الاجتماعية، حسب المبادئ التى
يرتضيها كل منهم، فهى دراسات إصلاحية. 4 - المقدمة: أتى
فيها ابن خلدون بمباحث مستحدثة مما أطلق عليه أهل هذا
الزمان اسم العلوم الاجتماعية والسياسية والاقتصاد السياسى
والاجتماعى وفلسفة التاريخ. أما الكتابان الآخران فيقعان فى
ستة مجلدات، درس الكتاب الأول منهما أخبار العرب وأجيالهم منذ
بدء الخليقة إلى القرن الثامن الهجرى. ويضم هذا الكتاب أربعة
مجلدات من الثانى إلى الخامس. أما الكتاب الآخر: فهو خاص
بتاريخ البربر. ويتميز تاريخ ابن خلدون عن غيره بما يتضمنه من
المقدمات الفلسفية فى صدر أكثر الفصول عند الانتقال من دولة
إلى أخرى، ويُعدُّ الكتاب أوسع تاريخ للعرب والبربر ودُوَلِهم.
وقد طُبع كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر كاملاً فى القاهرة
سنة (1867 م)، وقد نشر المقدمة المستشرق كايمارتر بباريس.(16/165)
*الكتاب
كتاب فى النحو والصرف، ألَّفه إمام النحاة سيبويه عمرو بن
عثمان ابن قنبر المتوفَّى سنة (180 هـ = 796 م). وأوَّل ما يُلاحظ
على الكتاب أن سيبويه لم يضع له اسمًا، وربما أعجلته وفاته
عن تسميته، وظل اسم الكتاب خاصًّا به دلالة على روعة تأليفه
وإحكامه، كما لم يضع له مقدمة يبين فيها منهجه، ولا خاتمة
ينتهى بها. والكتاب هو أول كتاب جامع فى قواعد النحو
والصرف ولم يُؤلف قبله ولابعده مثله، فقد نسَّق سيبويه أبوابه
وأحكمها إحكامًا دقيقًا. ويقع الكتاب فى جزأين كبيرين
مقسمين إلى ثلاثة اقسام، هى: النحو، والصرف، والأصوات. وقد
بدأ سيبويه بدراسة النحو ومباحثه ولم يترك فى هذه المباحث
جانبًا إلا استقصاه، واستغرق ذلك الجزء الأول وبداية الثانى،
ثم ثنَّى بالصرف، ويمتد إلى مايقرب من نهاية الجزء الثانى، ثم
ختم الجزء الثانى بدراسة الإدغام وما يحدث من التغييرات
الصوتية نتيجة شيوعه على الألسنة العربية. وقد امتدح كثير من
العلماء كتاب سيبويه فيقول أبو عثمان المازنى: من أراد أن
يعمل كتاباً فى النحو بعد كتاب سيبويه فليستحى. ويقول
المبرد: لم يُعمل كتاب فى علم من العلوم مثل كتاب سيبويه.
وطُبع الكتاب فى المطبعة الأميرية ببولاق سنة (1316 هـ = 1898
م) وهى الطبعة المشهورة، وله طبعات أخرى فى أوربا
وبيروت، وسائر المشرق. منها الطبعة التى حققها الأستاذ عبد
السلام هارون.(16/166)
*الكافية
كتاب فى النحو، ألفه العالم اللغوى ابن الحاجب - وهو عثمان بن
عمر بن أبى بكر بن يونس - سنة (646 هـ = 1249 م). وقد أوضح
ابن الحاجب فى مقدمته السبب فى تأليف كتاب الكافية، وهو
أنه أراد أن يُيسر دراسة النحو لطلابه فعمد إلى كتاب المفصل
للزمخشرى، فاختصر منه هذه المقدمة وسماها الكافية. واسمها
يدل على غرضها، فهى تغنى الناشئ أو المتعلم وتكفيه عن
كتب النحو المعقدة. وقد اتبع ابن الحاجب فى ترتيب أبواب
الكتاب منهج الزمخشرى فى المفصل، فقسم الكافية إلى أربعة
أقسام، الأول: أسماء، والثانى: أفعال، والثالث: حروف،
والأخير: مشترك من أحوالها. وقد عمد ابن الحاجب فى الكافية
إلى التلخيص والإيجاز، فالدارس لايجد صعوبة فى فهمها،
والوقوف على الغرض من عبارتها. وقد تسابق العلماء إلى شرح
الكافية فظهرت لها شروح كثيرة باللغة العربية، وكذلك باللغتين
الفارسية والتركية. وأجلَّ هذه الشروح شرح رضى الدين محمد
بن الحسن الإستراباذى، والشروح الثلاثة للسيد ركن الدين شمس
الدين محمود بن عبد الرحمن الأصفهانى.(16/167)
*عيون الأخبار
كتاب فى الأدب ألفه، ابن قتيبة أحد أعلام الأدب فى القرن (3هـ
= 9م)، وهو أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينورى المتوفَّى سنة
(276هـ = 889 م). وكتاب عيون الأخبار جامع لشتى العلوم.
وينقسم إلى عشرة كتب صغيرة، لكل منها عنوانه وموضوعه
وما يتصل به من فنون الأدب. وهذه الكتب هى: 1 - السلطان وأدب
الحكم. 2 - الحرب: ويتناول آداب الحرب ومكايدها. 3 - السؤدد
والسيادة والكمال والشرف. 4 - الطبائع والأخلاق المذمومة. 5 -
العلم والبيان: ويتناول العلم والكتب والحديث مع نماذج من خطب
العلم والبيان. 6 - الزهد: ويتناول الدعاء والمناجاة والبكاء
ومقامات الزُّهاد. 7 - الإخوان: ويتناول الحث على اتخاذ الإخوان
وحسن اختيارهم. 8 - الحوائج: وما يتصل بها من اصطناع
المعروف والقناعة والاستعفاف. 9 - الطعام: ويتناول صنوف
الأطعمة وأخبار العرب فى مآكلهم ومشاربهم. 10 - النساء:
ويتناول ما يُختار من أخلاقهن وما يُكره، وما يتصل بحياة
المرأة. وسبب تأليف ابن قتيبة كتاب عيون الأخبار - كما أوضح
فى المقدمة - هو إفادة المتأدب المتخصص والمتأدب من خاصة
الناس والمتأدب من عامتهم. ويُعدُّ الكتاب مزيجًا بين الثقافة
العربية والثقافة الأجنبية، ويشابه بذلك صاحبه الجاحظ الذى
أتى بأخبار أعجمية فى كتابه البيان والتبيين. وقد طبع الكتب
الأربعة الأولى من هذا الكتاب المستشرق الألمانى بروكلمان سنة
(1899 م)، وطُبع الكتاب الأول فى مصر سنة (1325 هـ = 1907
م)، ثم طُبع الكتاب كاملاً تحت إشراف دار الكتب المصرية فى
أربعة أجزاء مابين سنتى (1924 م، و 1930 م).(16/168)
*تفسير البيضاوى
كتاب ألَّفه عبد الله بن عمر بن محمد بن على الشيرازى
البيضاوى، وهو قاضٍ، مفسر، ولد فى المدينة البيضاء، وتُوفِّى
فى تبريز سنة (685 هـ = 1286م). والتفسير بعنوان: أنوار
التنزيل وأسرار التأويل، وهو متوسط الحجم، جمع فيه صاحبه
بين التفسير والتأويل وفق مقتضى قواعد اللغة العربية، وأورد
فيه الأدلة على أصول أهل السنة، ولخص فيه مؤلفه من تفسير
الكشاف للزمخشرى مايتعلق بالإعراب والمعانى والبيان، ومن
تفسير الإمام الرازى مفاتيح الغيب ما يتعلق بالحكمة والكلام،
ومن جامع التفاسير للراغب الأصفهانى مايتعلق بالاشتقاق،
وغوامض الحقائق، ولطائف الإشارات. وضمَّ إلى ذلك بعض الآثار
الواردة عن التابعين، وضمنه طرائف واستنباطات من إعمال
فكره، وعرض القراءات والصناعات النحوية، ولآيات الأحكام
والمسائل الفقهية. وللكتاب مايزيد على أربعين حاشية،
أشهرها: حاشية قاضى زاده، وحاشية الشهاب الخفاجى،
وحاشية القونوى. وقد طُبع الكتاب طبعات عديدة، ومنها: -
طبعة القسطنطينية - المطبعة العثمانية - (1270 هـ = 1853 م). -و
طبعة القاهرة - مطبعة كردستان العلمية - (1326 هـ = 1908 م).(16/169)
*البيان المُغرب
كتاب ألفه أبو عبد الله محمد بن محمد بن عِذَارِى المراكشى،
أحد المؤرخين المعروفين فى القرن (7 هـ = 13 م). وتُوفِّى نحو
سنة (695 هـ = 1296 م). ويتناول الكتاب - فى إيجاز - تاريخ
بلاد المغرب والأندلس من الفتح الإسلامى حتى انقضاء دولة
الموحِّدين. ويتألف من مقدمة وثلاثة أجزاء: أمَّا المقدمة فهى
موجزة، وتشتمل على بيان سبب تأليفه، وموضوعه والمنهج
الذى اتبع فيه، والأجزاء التى يضمها. ويعرض فى الجزء الأول
أخبار إفريقيَّة منذ الفتح الإسلامى الأول فى خلافة أمير
المؤمنين عثمان بن عفان، رضى الله عنه. ويتناول فى الجزء
الثانى أخبار جزيرة الأندلس، ومَن وليها من الأمراء الأمويين منذ
الفتح الإسلامى، ثم قيام دولة الأمويين فى الأندلس، وعصر ملوك
الطوائف، ودخول المرابطين الأندلس سنة (478 هـ = 1085 م).
وفى الجزء الثالث اختصر أخبار الدولة المرابطية اللمتونية، ثم
أخبار دولة الموحدين. وينتهى الكتاب عند أحداث سنة (667 هـ =
1268 م). وطريقة ابن عِذَارى فى معالجة الأحداث التاريخية هى
الطريقة الحوليَّة حيث يؤرخ للأحداث على السنين. وقد طُبع
الكتاب فى أربعة أجزاء، حقق الأجزاء الثلاثة الأُول منها كل من:
ج. س. كولان، وليفى بروفنسال، وقام بتحقيق الجزء الرابع
إحسان عباس.(16/170)
*البيان والتبيين
كتاب ألَّفه أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكنانى المعروف
بالجاحظ. وُلِد فى البصرة سنة (163 هـ = 779 م)، وترك العديد
من المصنفات التى تبلغ نحو (170) مؤلَّفًا. وتُوفَّى سنة (255 هـ =
869 م). يتناول الجاحظ فى كتابه هذا مباحث البلاغة والفصاحة،
ويستنبط أصولهما كما عرفها البيانيون السابقون، ومارسها
عمليًّا أرباب الفصاحة والكلام. وقد بدأ كتابه بالحديث عن العِىِّ
والاستعاذة منه، وعن مزايا الفصاحة وعيوب التشدق والتقعر
والغرابة، وعن اختلاف لغة العرب فى استعمال الألفاظ، ثم تحدث
عن الخطابة وعيوب اللسان، وسَمْتِ الخطيب وهيئته وأثر ذلك
فى التأثير والإقناع، وعرض لأشهر الخطب ومن اشتهر من
الخطباء بسلامة النطق أو بعيب فيه، كما تحدث عن الشعر
واختلاف طبائع الشعراء، وتناول تفرد القرآن الكريم فى
أسلوبه، وكيف خالف جميع الكلام الموزون والمنثور، كما أشار
إلى موضوعات أخرى متنوعة، منها: أصوات الكلام وموسيقاه،
والسجع والازدواج، والرجز، والإيجاز والإطناب، والصمت
والعىُّ، والاقتباس، والترادف، والتنافر، والاستعارة، والتشبيه،
والزهد، والتنسُّك، ونوادر الحمقى والمجانين، والحكم والرسائل
والأمثال. وتحدث عن جزالة الألفاظ، وجمال العبارات، وبلاغة
التراكيب، وحسن الصياغة. وأسلوب الجاحظ فى الكتاب اتسم
بالاستطراد والتنويع. وقد تطرق من موضوع إلى آخر، ومن
فكرة إلى أخرى. وقد أدى هذا إلى نوع من الخلط والاضطراب.
وقد طُبع الكتاب عدة طبعات منها طبعة حققها عبد السلام
هارون فى أربعة أجزاء. ونُشر بالقاهرة سنة (1367 هـ = 1948
م).(16/171)
*بدائع الزهور
كتاب ألفه أبو البركات محمد بن أحمد بن إياس المصرى الحنفى،
المعروف بابن إياس المصرى، أحد مؤرخى مصر الكبار. وُلِد فى
القاهرة سنة (852 هـ = 1448 م)، وتُوفِّى بها سنة (930 هـ =
1524 م). ويعرض الكتاب لتاريخ مصر منذ أقدم العصور، حتى
نهاية العصر المملوكى وبداية العصر العثمانى، ويعدُّ الكتاب
مرجعًا عظيم الفائدة لمن يبحث فى تاريخ مصر فى عصر
المماليك وبداية العصر العثمانى، من النواحى السياسية
والاقتصادية والاجتماعية والإدارية والثقافية. ولغة الكتاب سهلة
بسيطة يشيع فيها كثير من الألفاظ العاميَّة، والمصطلحات
الأجنبية، وبخاصة التركيَّة. والمنهج المتبع فيه هو منهج
الحوليَّات. وقد طُبع الكتاب سنة (1312 هـ = 1894 م) فى مطبعة
بولاق الأميرية، ثم عُنَيت جمعية المستشرقين الألمان بإخراج
طبعة جديدة له حققها محمد مصطفى.(16/172)
*البخلاء
كتاب ألفه أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكنانى،
المعروف بالجاحظ، أحد أئمة البيان والأدب فى تاريخ العربية.
ويُعالج الكتاب أخبار البخلاء وأحاديثهم ونوادرهم، واحتجاجهم
لمذاهبهم فى البخل. وكان الدافع إلى تأليفه هو الرد على
الشعوبيين المتعصبين لغير العرب الرامين العرب بالبخل. وقد
استهل الجاحظ كتابه بلمحة عن نفسية البخلاء، وأتبعها برسالة
سهل بن هارون فى البخل، ثم شرع فى موضوع كتابه؛ فبدأ
بأخبار بخل أهل خراسان عامة، وأهل مرو منهم خاصة، وتناول
بخل أهل البصرة، واستعرض نماذج منهم، ثم ذكر رسالتين،
إحداهما من أبى العاص بن عبد الوهاب الثقفى فى ذم البخل
ومدح الكرم، والأخرى جواب ابن التوأم على رسالة الثقفى فى
إظهار مفاسد البذل والجود. واتسم أسلوب الجاحظ فى كتابه
بقدرته الفائقة على تحليل نفسية البخلاء، وبروح السخرية
والدعابة. وقد طُبع الكتاب أكثر من مرة منها طبعة حققها طه
الحاجرى سنة (1367 هـ = 1948 م).(16/173)
*الأغانى
كتاب ألفه أبو الفرج على بن محمد بن أحمد بن الهيثم، المعروف
بأبى الفرج الأصفهانى، أحد أعلام الأدب العربى فى القرن (4
هـ). وُلِد بأصفهان سنة (284 هـ = 897 م) لأب ينتهى نسبه إلى
مروان بن محمد آخر خلفاء بنى أمية، ثم انتقل إلى بغداد حيث
تلقى العلم عن كبار علمائها. ومن مصنفاته: القيان ومقاتل
الطالبيين والإماء الشواعر، وتوفَّى سنة (357 هـ = 967 م).
والموضوع الرئيسى لكتاب الأغانى هو: الأغانى فى بعض
مجالس الخلفاء، وقد جمعها أبو الفرج، ونسب كل شعر إلى
قائله، وذكر صاحب لحنه، واسم من غناه، ثم ترجم للشاعر،
وعرض نماذج من شعره. وقد بلغ عدد الذين ترجم لهم من
الشعراء أربعمائة وستة وعشرين شاعرًا من العصور: الجاهلى
وصدر الإسلام والأموى والعباسى، دون التزام ترتيب زمنى.
والمنهج الذى اتبعه أبو الفرج هو الابتداء بذكر الصوت الذى
اختاره، والشعر المتعلق به، ثم الاستطراد إلى ذكر أشعار
أخرى قيلت فى المعنى نفسه، ثم التحدث عن المناسبة التى
قيلت فيها، وقد يتعرض أبو الفرج لذكرالأنساب وأخبار القبائل،
وما قد يكون من فتن طائفية أو مذهبية، وما يشاكل هذا من
أخبار وسير وأشعار ورسائل وخطب وقصص. واهتم بالسند
وعدَّه الأساس فى ذكر أية رواية أدبية، وارتضى لنفسه بعض
المعايير التى تعينه على تحقيق نسبة النص إلى صاحبه. ويعُّد
كتاب الأغانى المرجع الأساسى لتاريخ الغناء والمغنين فى
القرون الثلاثة الأولى. ولكن يُؤخذ على أبى الفرج أنه ركز فى
كتابه على تصوير الحياة اللاهية العابثة فى المجتمع البغدادى
فى عصره، وأغفل الجانب الجادَّ الإيجابى، وأنه جعل الهدف
من كتابه الإمتاع لا التأريخ.(16/174)
*ألف ليلة وليلة
هى حكايات يحمل بعضها أصولاً فارسيَّة، وتظهر فى بعضها
عناصر هندية ويونانية، لكنها اتسمت بطابع عربى، حيث ترجمت
أصولها، واعتورها كثير من التعديل حتى خرجت فى صورتها
الحالية. ويرجِّح العلماء أنها عمل جماعى وليست عملاً فرديًّا.
ويعتمد منهج ألف ليلة وليلة فى ربط الحكايات بعضها ببعض
على مايسمَّى بقصة الإطار. ويشيع فى القصص ذكر علاء الدين
والقنديل المسحور وعلى بابا والسندباد البحرى ... إلخ. وفيها
بعض العناصر التاريخية الحقيقية المأخوذة من واقع البيئة
العربية. وكان الكتاب فى مراحله الأولى موضع ازدراء، فوصف
بأنه من الغث البارد، وحين تبلور فى صورته النهائية احتفى
الغرب به، حتى احتل مكانة عالية فى الأدب العالمى. وكان
أنطوان جالان أول من عُنِى بالكتاب، حيث قام بترجمته سنة
(1116 هـ = 1704 م) وخرجت طبعته فى (12) مجلدًا. واستقبلت
أوربا الكتاب باهتمام بالغ، وتلقاه الجمهور بشغف، ثم شاعت
محاكاته تأليفًا وترجمة، وكانت أول طبعة عربية له سنة (1230
هـ = 1814 م) وهى طبعة كلكتا، ثم طُبع بمطبعة بولاق بالقاهرة
سنة (1251 هـ = 1835 م)، كما طبع ببيروت سنة (1299 هـ =
1881م)، توالت بعد ذلك طبعات الكتاب.(16/175)
*ألفية بن مالك
هى منظومة من بحر الرجز فى علمى النحو والصرف، وتقع فى
نحو ألف بيت، وتُسمَّى أيضًا بالخلاصة. نظمها أبو عبد الله جمال
الدين محمد بن مالك، أحد أئمة علوم النحو والصرف والقراءات.
وُلِد فى جيَّان بالأندلس سنة (600 هـ = 1203 م)، ثم رحل إلى
المشرق سنة (630 هـ = 1232 م) ولقى ابن الحاجب وأخذ عنه،
واستقر مقامه بحلب، وتتلمذ فيها لابن يعيش، وتصدَّر بها مدة
للإقراء، ثم تركها إلى دمشق وتُوفِّى بها سنة (672 هـ = 1273
م). وتتناول الألفية قواعد النحو والصرف ومسائلهما من خلال
النظم، بقصد تقريب مسائل العِلْمِيِن وتيسيرها. وقد بدأ ابن مالك
ألفيته بتعريف الكلام ومايتألف منه، ثم المعرب والمبنى من
الكلام، ثم تتابعت أبواب النحو، وبعد ذلك تناول أبواب الصرف.
ومنهج ابن مالك فى الألفية هو المنهج الانتقائى الذى يقوم على
المزج بين آراء النحاة، والترجيح بينها، فلم يقيد نفسه بمذهب
معين من مذاهب النحو ومدارسه. وألفية ابن مالك هى أشهر
الألفيات على اختلاف منازعها وفنونها، وقد أولاها العلماء
اهتمامًا كبيرًا فقام بعضهم بشرحها، أو اختصارها، أو نثرها،
أو إعراب أبياتها، أو عمل حواشٍ لها، أو التعليق عليها. وقد زاد
عدد شرَّاحها على الأربعين شارحًا.(16/176)
*الإمامة والسياسة
هو كتاب منسوب إلى الفقيه أبى محمد عبد الله بن مسلم بن
قتيبة الدينورى، أحد أئمة علوم القرآن والحديث واللغة والأدب
والأخبار، وغيرها. ويقع الكتاب فى جزأين يحتويهما مجلد
متوسط الحجم، ولايدل عنوانه على محتواه؛ إذ إنه كتاب
تاريخى يعتمد على السرد المسلسل للأحداث السياسية فى
تاريخ المسلمين، ويذكر أخبار الأئمة والقادة منذ وفاة النبى
(حتى تولَّى المأمون الخلافة فى الدولة العباسية سنة (195 هـ =
810م). وهو بهذا لا يختلف كثيرًا عن معظم كتب التاريخ التى
تعرض أحداث التاريخ الإسلامى فى هذه الفترة وما بعدها. غير
أن هذه الكتب أكثر دقة وتنظيمًا منه، لاعتمادها على السرد
الحوْلى للأ حداث. وأهم مايتسم به الكتاب من حيث المنهج أنه
لايعتمد على الرواية الموثقة، وأنه يذكر بالتفصيل معظم الوقائع
والأحداث التى تتصل بالسياسة ولو من بعيد، معتمدًا على
أسلوب القصِّ والرواية. والمعروف أن نسبة هذا الكتاب إلى ابن
قتيبة ليست ثابتة، فكل الذين كتبوا عنه يكادون يُجمعون على
أنه ليس له، وأوَّل من بدأ هذا ابن العربى فى كتابه العواصم من
القواصم.(16/177)
*الأموال
هو كتاب ألفَّه أبو عبيد القاسم بن سلام الأزدى، أحد أئمة اللغة
والقراءات والشعر والفقه. وُلِد سنة (157 هـ = 774 م) وعاش حياة
حافلة بالتعلم والتعليم. من مصنفاته: غريب الحديث، وفضائل
القرآن والأمثال السائرة. وتُوفِّى أبو عبيد سنة (224 هـ = 839
م). ويعدُّ كتاب الأموال من أقدم ما كتب بهذا المستوى من
الشمول فى موارد الدولة المالية فى تلك الحقبة. وهو يقع فى
مجلد واحد، ويحوى نحو الألفين من الأخبار؛ مابين أحاديث عن
النبى - صلى الله عليه وسلم -، وأقوال للصحابة - رضوان الله عليهم - وقصص فى أيام
الخلفاء الراشدين والأمويين مما يتعلَّق بالأموال فى الدولة
الإسلامية، إذ يشمل أخبارًا عن الزكاة والجزية والفىء والغنائم،
كما يشمل أحكام الإقطاع، وإحياء الموات وغيرها من الأحكام
وعددًا من الأحاديث، مستدلاًّ بها أبوعبيد فى مناقشته لفقه هذه
الأخبار، وما اختاره العلماء من الآراء فى تأويلها وتوضيحها.
وينقسم كتاب الأموال إلى أجزاء أربعة: الأول يبدأ بباب حق
الإمام على الرعية، وحق الرعية على الإمام وينتهى بباب الحكم
فى رقاب أهل العنوة من الأسارى والسبى. والثانى يبدأ بباب
الحكم فى رقاب أهل العنوة من الأسارى والسبى ايضًا،
وينتهى بباب الفرض للنساء والمماليك من الفىء. أما الجزء
الثالث فيستهله أبو عبيد بباب إجراء الطعام على الناس من
الفىء، وينهيه بباب الصدقة فى الحلى من الذهب والفضة وما
فيها من الاختلاف. وأمَّا الجزء الأخير فيبدأ بباب صدقة مال اليتيم
ومافيه من السنة وينتهى بباب إعطاء أهل الذمة من الصدقة.
وقد نُشر كتاب الأموال أكثر من مرة، آخرها بتحقيق د. محمد
عمارة، نشر دار الشروق بالقاهرة سنة (1409 هـ = 1989 م).(16/178)
*أنساب الأشراف
هو كتاب ألَّفه أحمد بن يحيى بن جابر البلاذُرِىّ الجغرافى
النسابة، وأحد كبار المؤرخين فى القرن (3 هـ = 9 م)، وكان من
رجال البلاط العباسى منذ عهد الخليفة المتوكل حتى عهد المعتز
ومن مصنفات البلاذرى: فتوح البلدان، والبلدان الكبير، وعهد
أردشير. وتُوفِّى سنة (279 هـ = 892 م). ويتناول الكتاب تاريخ
أشراف العرب فى الجاهلية والإسلام حتى عصر المؤلف، ويقع
فى اثنى عشر مجلدًا، لا يزال معظمها مخطوطًا. وقد بدأ
البلاذُرِىّ كتابه بذكر نسب نوح- عليه السلام - ثم تكلم عن العرب
ونزل إلى عدنان، وظل ينزل إلى أجداد النبى - صلى الله عليه وسلم - واحدًا بعد واحد،
حتى وصل إلى مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد استغرقت سيرته ما يزيد
على مائتى صفحة، ثم تكلم عن اجتماع السقيفة، وبدأ يصعد
فى نسب الرسول - صلى الله عليه وسلم - مرة أخرى، فتناول أبناء الجد الأول عبد
المطلب واحدًا واحدًا، فبنيهم وبنى أبنائهم ومن نزل، ثم أبناء
الجد الثانى هاشم بن عبد المطلب، ثم عبد شمس بن مناف، وظل
متتبعًا عمود النسب حتى وصل إلى ثقيف وترجم لبعض رجالها.
وقد انتهج المؤلف فى كتابه أسلوب ذكر الخبر برواياته المختلفة
مع الالتزام بذكر الأسانيد. ويُعدُّ الكتاب كتاب تاريخ بالنظر إلى
عمود الأنساب لا التسلسل التاريخى، إذ جعل مؤلفه لكل موضوع
عنوانًا فرعيًّا خاصًّا به، كأنه وحدة مستقلة بذاتها، ومن ثمَّ
فالكتاب ليس مؤلفًا تاريخيًّا متصل الحلقات، يسوق الأحداث وفق
تتابعها الزمنى، وإنما يتتبع تسلسل الحكام. إنه مجموعة روايات
فى إطار الأنساب، توسعت حتى احتوت على الأخبار والأشعار
والتراجم.(16/179)
*تاريخ السودان
هو كتاب ألَّفه المؤرخ السودانى عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر
بن عامر السعدى التمبكتى. ويُعرف هذا الكتاب باسم تاريخ
السودان، أو تذكرة النسيان فى أخبار ملوك السودان. وهذا
الكتاب يتضمن تاريخ غرب إفريقيا ونشأة الممالك والإمارات
الإسلامية حتى منتصف القرن السابع عشر الميلادى مع تراجم
أعلام ذلك العصر. وقد نُشر هذا الكتاب فى باريس سنة (1901 م)
وترجم إلى الفرنسية.(16/180)
*الخصائص
كتاب فى فقه اللغة العربية ألًّفه العالم اللغوى أبو الفتح عثمان
بن جنِّى المتوفَّى سنة (392 هـ = 1002 م). والكتاب يبحث فى
خصائص اللغة العربية من حيث أصولها واشتقاقاتها ومميزاتها،
وإن اشتمل على مباحث تتصل باللغة بصفة عامة مثل البحث فى
الفرق بين الكلام والقول، والبحث فى أصل اللغة، أإلهام هى أم
اصطلاح. وقد أوضح ابن جنِّى فى مقدمته سبب تأليفه الخصائص
وهو البحث فى مشكلات اللغة الكلية، أى فى فلسفتها، وليس
البحث فى مشكلات اللغة الجزئية. وكتاب الخصائص يمتاز
بموضوعاته اللغوية العميقة، وأسلوبه المنطقى فى الجدل، وثقة
صاحبه فى الرواية والحفظ. والكتاب يقع فى ثلاثة أجزاء، وقد
طُبع الجزء الأول منه فى القاهرة سنة (1331 هـ = 1913 م) ثم
طبع كاملاً بتحقيق الأستاذ محمد على النجار من سنة (1952 م -
1955 م) فى ثلاثة أجزاء. ويوجد من الكتاب عدة نسخ فى
مكتبات العالم، وقد قام باختصاره ابن الحاج الأندلسى أحمد بن
محمد الإشبيلى.(16/181)
*شذور الذهب
كتاب فى النحو ألًّفه ابن هشام، عبد الله بن يوسف بن عبد الله
المصرى، النحوىَّ، المتوفىَّ سنة (761 هـ = 1360 م). وقد
أوضح ابن هشام فى مقدمته منهجه الذى يسير عليه فى كتابه،
وهو منهج جديد فى الدراسات النحوية، فقد اهتم ابن هشام
بتضييق دائرة أقسام النحو حتى لا يضل الناشئة فى شِعابها
المختلفة. ودعم ابن هشام مسائل النحو بالآيات القرآنية التى لم
يكتف بإيرادها بل حاول أن يبين ما فى هذه الآيات من وجوه
الإعراب والتفسير. وقد شغل هذا الكتاب أذهان الشرَّاح
فتنافسوا فى شرحه، ومن هذه الشروح: نثر الزهور على شرح
الشذور للسيوطى، وبلوغ الأرب بشرح شذور الذهب لزكريا
الأنصارى. وطُبع هذا الكتاب أول مرة بإستانبول سنة (1253 هـ
= 1837 م).(16/182)
*مسالك الأبصار فى ممالك الأمصار
هو كتاب ألَّفه شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن فضل
الله العمرى الذى ينتسب إلى أسرة سورية، تنحدر من سلالة
الخليفة الثانى عمر بن الخطاب، رضى الله عنه. وُلِد بدمشق سنة
(700هـ)، وثوفِّى سنة (748هـ). ويعتبر الكتاب موسوعة ضخمة،
تشتمل على أكثر من عشرين مجلدًا، ويتناول موضوعات شتى،
منها: وصف الأرض، وسكانها، وحيوانها وأقطارها، ومساكنها،
وما فيها من أنهار وجبال وجزر وبحار وبحيرات ومبانٍ،
بالإضافة إلى استطرادات تاريخية وأدبية، وقد اعتمد المؤلف فى
ذلك على ما رآه بالمشاهدة، أو سمعه من الثقات، أو نقله عن
الكتب، وهو لا ينقل إلا الموثوق به فيما لا بد منه، كتقسيم
الأقاليم وما فيها من أقوال القدماء، واختلاف آراء الحكماء،
وأخبار الملل والدول، وذكر مشاهير الأعلام. وقد اقتصر المؤلف
فى كتابه على ممالك الإسلام، وابتدأ بالممالك الموجودة
بالمشرق، وانتهى بالممالك الموجودة بالمغرب. وقد قسم الكتاب
إلى قسمين كبيرين؛ القسم الأول: فى ذكر الأرض، وما اشتملت
عليه برًّا وبحرًا، والقسم الآخر: فى سكان الأرض من طوائف
الأمم.(16/183)
*المسالك والممالك
هو كتاب ألَّفه الإصطخرى أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسى
، أحد الجغرافيين المسلمين، المتوفَّى سنة (346هـ). والمسالك
والممالك كتاب فى الجغرافيا الإقليمية لبلدان العالم الإسلامى
فى أيامه؛ حيث درس الإصطخرى هذه البلدان بالتفصيل؛
باعتبارها مركز العالم. وقد قسم الإصطخرى العالم الإسلامى
إلى أقاليم ومناطق واسعة، وأورد لكل إقليم إسلامى خريطة،
رغم أن الخرائط تختلف فى جودتها ودرجة شمولها من إقليم
لآخر، وكان الإصطخرى يورد عن كل قطر معلومات تتعلق
بالحدود والمدن والمسافات وطرق المواصلات والمحاصيل
الزراعية والأجناس. وقد اعتمد فى تأليفه لهذا الكتاب على
رحلاته المتعددة للأقاليم الإسلامية، وكتب بعض السابقين مثل
البلخى فى كتاب صور الأقاليم. وقد نشر هذا الكتاب مختصرًا
سنة (1830م)، ونشره المستشرق دى خويه سنة (1870م)،
وترجم إلى الألمانية سنة (1845م)، كذلك ترجم إلى الفارسية
والتركية، وطبعته وزارة الثقافة المصرية سنة (1961م).(16/184)
*مصحف عثمان
تمَّ جمعه فى عهد عثمان بن عفان، رضى الله عنه، سنة (30هـ)،
فى صحف كانت توضع بين دفتين. اعتُمد فيه على المصحف
الذى جمعه زيد بن ثابت فى حياة أبى بكر الصديق، رضى الله
عنهما. والذى دفع عثمان بن عفان إلى ذلك ما رآه من اختلاف
المسلمين فى القراءة، ومن تخطئة بعضهم لبعض. وأمر عثمان
بنسخ أربع نسخ من مصحف أبى بكر الصديق، وبضبطها بلهجة
قريش؛ لأنها هى التى نزل بها القرآن الكريم. ثم أرسل إلى كل
مِصر بمصحف، وأمر الناس أن ينسخوا مصاحفهم منها، وأن
يحرقوا كل ما خلفها.(16/185)
*المعارف
كتاب ألَّفه أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتبية الدينورى
الفارسىُّ الأصل، من أعلام الأدب، ومن المصنفين المكثرين. وُلِدَ
فى بغداد سنة (213هـ)، وتُوفِّى بها سنة (276هـ). ويشتمل
كتاب المعارف على أبواب كثيرة، تُجمَع فى عشرة كتب، هى:
كتاب السلطان، وكتاب الحرب، وكتاب السؤدد، وكتاب الطبائع
والأخلاق، وكتاب العلم، وكتاب الزهد، وكتاب الإخوان، وكتاب
الحوائج، وكتاب الطعام، وكتاب النساء. وطبع الجزء الأول من
هذا الكتاب بمصر سنة (1907م)، كما طبع كارل بروكلمان أربعة
أجزاء منه؛ الأول: كتاب السلطان، وطبع فى برلين سنة
(1900م)، والثانى: كتاب الحرب، وطبع فى سترا سبورج سنة
(1903م)، والثالث: كتاب السؤدد، وطبع فى سترا سبورج سنة
(1906م)، والرابع: كتاب الطبائع، وطبع فى ستراسبورج سنة (
1908م).(16/186)
*معانى القرآن
كتاب ألَّفه أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور
الأسلمى، المعروف بالفراء. إمام أهل الكوفة، ومؤسس
مدرستها فى اللغة والتفسير وما يتفرع عنهما من مسائل العلم
وموضوعاته. وُلِد فى الكوفة سنة (144 هـ)، وتُوفِّى وهو فى
طريقه إلى مكة سنة (207هـ). وقد قام الفراء بتأليف معانى
القرآن؛ تلبية لرغبة صاحبه عمر بن بكير. ويُعدُّ معانى القرآن
موسوعة علمية لغوية، تناول فيها الفراء معانى سور القرآن
الكريم حسب ترتيبها فى المصحف الشريف، وتناول من كل
سورة ما رآه مثيرًا للقضايا الصوتية والصرفية والنحوية
والدلالية، ويحتاج إلى التفسير والتوضيح. وتتميز لغة الكتاب
بالسلاسة والدقة والوضوح.(16/187)
*معجم البلدان
معجم البلدان كتاب فى الجغرافيا العامة. ألَّفه شهاب الدين
ياقوت بن عبد الله الحموى المتوفَّى سنة (627هـ). ويعتبر معجم
البلدان من أهم مصادر المعلومات عن أوضاع البلدان والأماكن،
بدءًا من الأندلس غربًا إلى بلاد ما وراء النهر شرقًا، بالحال الذى
كانت عليه هذه الديار فى القرن السابع الهجرى من جغرافيا
طبيعية وبشرية وعمران واقتصاد. واتبع ياقوت فى عرضه
للأماكن الترتيب الألفبائى، وقام بضبط المكان وذكر اشتقاقاته،
ثم عرض التفاصيل الجغرافية عن ذلك المكان. وقد وضع ياقوت
فى هذا المعجم خلاصة خبرته ورحلاته واطلاعه الواسع. وقد
اختصر هذا الكتاب عدد من العلماء، منهم: صفى الدين عبد
المؤمن البغدادى فى كتاب مراصد الاطلاع، والسيوطى فى
كتاب مختصر معجم البلدان.(16/188)
*مغنى اللبيب عن كتب الأعاريب
هو كتاب فى النحو. ألَّفه اللغوى المصرى ابن هشام أبو محمد
عبد الله جمال الدين بن يوسف المتوفَّى سنة (761هـ). وقد ألَّف
ابن هشام هذا الكتاب لتذليل النحو وتقريبه إلى الأفهام؛ حيث
جمع فيه شوارد النحو، ورتبها وَفق قواعد غير مسبوقة؛ حيث
جدد وابتكر وأحاط بالموضوعات النحوية إحاطة شاملة، وأكثر
فى هذا الكتاب من ذكر الشواهد القرآنية والنبوية والشعرية.
وقد انتشر هذا الكتاب فى المشرق والمغرب وذاع صيته حتى إن
ابن خلدون أشاد به. وشغل هذا الكتاب النحاة عدة قرون وألَّفوا
عليه شروحًا مثل شرح الشيخ أبى بكر الدمامينى، واختصره
البعض مثل الشيخ شمس الدين محمد بن إبراهيم البيجورى
المتوفَّى سنة (863هـ). وطبع هذا الكتاب مرارًا فى القاهرة
وطهران ومعظم العواصم العربية.(16/189)
*مقامات بديع الزمان
كتاب ألَّفه أبو الفضل أحمد بن الحسينى بن يحيى بن سعيد
الهمذانى، المُولود بهمذان سنة (358هـ) والمتُوفِّى بهراة سنة (
398هـ). ومقامات بديع الزمان عددها إحدى وخمسون مقامة،
وهى حكايات قصيرة تقوم على الحوار بين بطل المقامات أبى
الفتح الإسكندرى وراوى الأقاصيص عيسى بن هشام. وفى
أثناء المقامات يتنقل بديع الزمان بأبى الفتح فى بلدان مختلفة،
ويعرض كل بلد بكل ما فيه من مساجد وحمامات ومارستانات
وحوانيت ومطاعم وحانات وموائد وما يتصل بها من الأوانى فى
بيوت الأغنياء والفقراء. وكل مقامة تنتهى بعبرة أو موعظة أو
نكتة. والمراد بها فى الأكثر التفنن لإنشاء وتضمينه الأمثال
والحِكَم. طبعت المقامات فى الآستانة سنة (1881م)، ثم فى
بيروت مشروحة شرحًا مختصرًا للشيخ محمد عبده سنة (1886م)،
ثم فى القاهرة بشرح: محمد محيى الدين عبد الحميد سنة (
1923م).(16/190)
*مقامات الحريرى
كتاب ألَّفه أبو محمد القاسم بن على الحريرى. وُلِد فى مَشان
قرب البصرة سنة (446هـ) وتُوفِّى سنة (516هـ). وعدد مقامات
الحريرى خمسون مقامة، اقتفى فيها الحريرى آثار بديع الزمان
الهمذانى. وتدور موضوعاتها حول الاحتيال بطرق شتى. وتتخذ
المقامة تارة شكلاً أدبيًّا وفكاهيًّا، كما فى المقامة القطيعية
والمقامة الواسطية، وتارة أخرى شكلاً مجونيًّا، كما فى المقامة
الرجبية. وراوى المقامات هو الحارث بن همام، رجل رحالة، عزيز
النفس، بعيد عن مسالك اللصوصية. وبطلها هو أبو زيد
السروجى، من أهل الكدية الذين احترفوا التسول. وقد حفلت
المقامات بالكنايات والأحاجى النحوية والمسائل الفقهية والغريب
من الألفاظ. واستحدث الحريرى فيها فنونًا من أساليب العبث
اللغوى، فاستخدم ما لا يستحيل بالانعكاس. وعبارة مقامات
الحريرى بليغة وقصيرة، وتتقطع تقطيعًا موسيقيًّا. وقد عُنى
العلماء بمقامات الحريرى عناية كبيرة؛ فشُرحت شروحًا كثيرة،
أهمها: شرح المطرزى وشرح العكبرى وشرح الشريشى،
وترجمت مقامات الحريرى إلى الفرنسية والإنجليزية والألمانية
والتركية والفارسية وغيرها.(16/191)
*المواقف
كتاب فى علم الكلام. ألَّفه عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار بن
أحمد الإيجى الشيرازى، المولود بإيج من نواحى شيراز سنة (
680هـ)، والمتُوفَّى مسجونًا بقلعة دريميان سنة (756هـ).
والكتاب مقسم إلى مواقف، وكل موقف عبارة عن مقدمة
ومراصد، وكل مرصد تحته مقاصد. وعدد المواقف ستة؛ الأول: فى
المقدمات، والثانى: فى الأمور العامة، والثالث: فى الأعراض،
والرابع: فى الجواهر، والخامس: فى الإلهيات، والسادس: فى
السمعيات. وللكتاب شروح عديدة، منها: شرح السيد الشريف
على بن محمد الجرجانى، وشرح شمس الدين محمد بن يوسف
الكرمانى، وشرح سيف الدين الأبهرى. ولهذه الشروح حواشٍ
عديدة، فمن حواشى شرح السيد الشريف الجرجانى: حاشية
للمولى حسن جلبى بن محمد شاه الفنارى، وحاشية للمولى
أحمد بن سليمان بن كمال، وحاشية للقاضى شمس الدين محمد
بن أحمد البساطى. وقد طبع كتاب المواقف بالقاهرة.(16/192)
*الموطأ
هو كتاب فى الحديث الشريف، للإمام مالك بن أنس، صاحب
مذهب الفقه المالكى، المُولود سنة (90هـ) فى المدينة المنورة،
التى تلقى تعليمه بها، حتى أصبح من أعلام علمى الحديث
والفقه الإسلامى، وانتشر مذهبه فى بلاد المغرب ومصر، فكان
أحد مذاهب الفقه الأربعة المشهورة، وكانت وفاته، رضى الله
عنه، سنة (179هـ). ويُعَدُّ الموطأ من أهم ما كُتب فى الحديث
النبوى الشريف، وأقوال الصحابة والتابعين، وتابعى التابعين
وفتاويهم، خاصة فيما يتعلق بالحياة الاجتماعية وتنظيمها حتى
منتصف القرن الثانى الهجرى. وقد قام الإمام مالك بجمع العلم
الدينى النقلى من علوم الحديث والتفسير والفقه والكلام
والتصوف واللغة، ورتب الكتاب على أبواب الفقه، والكتاب يقع
فى جزأين؛ الجزء الأول يتناول الكتب الآتية: كتاب وقوت
الصلاة، وكتاب الطهارة، وكتاب الصلاة، وكتاب السهو، وكتاب
الجمعة، وكتاب صلاة الليل، وكتاب صلاة الجماعة، وكتاب قصر
الصلاة فى السفر، وكتاب العيدين، وكتاب صلاة الخوف،
وكتاب صلاة الكسوف، وكتاب صلاة الاستسقاء، وكتاب القبلة،
وكتاب القرآن، وكتاب الزكاة، وكتاب الصيام، وكتاب
الاعتكاف، وكتاب الحج، وكتاب الجنائز. والجزء الآخر يتكون
من: كتاب الجهاد، وكتاب النذور والأيمان، وكتاب الضحايا،
وكتاب الذبائح، وكتاب الصيد، وكتاب العقيقة، وكتاب
الفرائض، وكتاب النكاح، وكتاب الطلاق، وكتاب الرضاع، وكتاب
البيوع، وكتاب القراض، وكتاب المساقاة، وكتاب الشفعة،
وكتاب الأقضية، وكتاب الوصية، وكتاب العتق والولاء، وكتاب
المكاتب، وكتاب المدبر، وكتاب الحدود، وكتاب الأشربة، وكتاب
العقول، وكتاب القسامة، وكتاب الجامع، وكتاب القدر، وكتاب
حسن الخلق، وكتاب اللباس، وكتاب صفة النبى - صلى الله عليه
وسلم -، وكتاب العين، وكتاب الشِّعر، وكتاب الرؤيا، وكتاب
السلام، وكتاب الاستئذان، وكتاب البيعة، وكتاب الكلام، وكتاب(16/193)
جهنم، وكتاب الصدقة، وكتاب العلم، وكتاب دعوة المظلوم،
وكتاب أسماء النبى - صلى الله عليه وسلم -.(16/194)
*نفح الطيب
كتاب ألَّفه شهاب الدين أحمد بن محمد المقَّرى، الذى وُلِد فى
مقَّرة بالجزائر قبل سنة (1000هـ). تولى خطابة مسجد القرويين
والإفتاء بالجزائر حتى سنة (1027هـ)، ورحل إلى مصر، ومكة
وبيت المقدس ودمشق، وتُوفِّى سنة (1041هـ). وقد قسم المقرى
الكتاب قسمين: القسم الأول: يضم ثمانية أبواب: الأول: فى وصف
جزيرة الأندلس ومحاسنها ومآثرها وبلدانها. والثانى: فى فتح
الأندلس وتاريخها فى عهد الولاة قبل بنى أمية. والثالث: فى
وصف مكانة الإسلام، وجهاد أهله ضد الكفار. والرابع: ذكر فيه
قرطبة وجامعها الأموى ووصف متنزهاتها ومصانعها. والخامس:
فى التعريف بمن رحل من الأندلسيين إلى بلاد المشرق.
والسادس: ذكر فيه بعض الوافدين على الأندلس من أهل المشرق.
والسابع: تحدث فيه عما امتاز به أهل الأندلس من الذكاء وطلبهم
للعلم. والثامن: ذكر فيه غلبة الكفار على أهل الإسلام، وما قيل
فى ذلك من شعر. القسم الآخر: وفيه يُعرف بلسان الدين بن
الخطيب. وقد قسمه إلى ثمانية أبواب، وهى: الأول: فى ذكر
أولية لسان الدين بن الخطيب وأسلافه. والثانى: فى نشأته
وترقيه ووزارته ونجاحه، وما واجهه من محن ومكائد. والثالث:
فى ذكر شيوخه. والرابع: فى مخاطبة الملوك وثناء أهل عصره
عليه. والخامس: فى ذكر جملة من أشعاره وأزجاله وموشحاته.
والسادس: عبارة عن مصنفاته فى ألَّفنون ومؤلفاته المتعددة.
والسابع: فى ذكر تلامذته الذين ورثوا العلم عنه. والثامن: فى
ذكر أولاده. ولم يقتصر الكتاب على ذلك، بل حشد فيه المقرى
كثيرًا من المعلومات التاريخية والاجتماعية والأدبية التى نقلها
عن كتب مختلفة أكثرها مفقود؛ مما يجعل للكتاب أهمية كبيرة.
وقد طبع الكتاب بمصر فى مطبعة بولاق سنة (1862م) فى أربعة
أجزاء، كما طبع بمطبعة السعادة بمصر أكثر من مرة، فى
عشرة أجزاء، بتحقيق: محمد محيى الدين عبد الحميد.(16/195)
*نقائض جرير والفرزدق
ديوان شعر. جمعه أبو عبيدة معمر بن المثنى، من أئمة العلم
باللغة والأدب. وُلِد فى البصرة، وتُوفِّى بها سنة (188هـ).
والديوان يتضمن ما وقع بين جرير والفرزدق من نقائض فى
الهجاء وغيره من فنون الشعر. وقد طُبع الديوان فى ليدن
بتحقيق المستشرق بيفان سنة (1331هـ = 1912م) فى ثلاثة
مجلدات، تضمن الثالث منها الفهارس.(16/196)
*نيل الابتهاج بتطريز الديباج
هو كتاب فى تراجم علماء المغرب، خاصة فى القرن السادس
عشر الميلادى. ألَّفه أبو العباس أحمد بابا بن أحمد التمبكتى
المتوفَّى سنة (1036هـ)، وهو أحد فقهاء مدينة تمبكتو، وله
اشتغال بالنحو والحديث والتصوف. وقد سمى كتاب نيل الابتهاج
بأسماء مختلفة. ويقع فى عدد صفحات مختلف باختلاف النسخ
المخطوطة التى تتراوح كل نسخة منها ما بين (90) و (286) ورقة.
وقد وضع كتاب نيل الابتهاج؛ ليكون ذيلاً على كتاب الديباج
المذهب فى معرفة أعيان علماء المذهب لابن فرحون المتوفَّى
سنة (799هـ). وقد اعتمد أحمد بابا التمبكتى على المصادر
المكتوبة والشفهية، وكان ثقة فيما يرويه عن معاصريه. وطُبع
نيل الابتهاج عدة طبعات فى فاس والقاهرة. وللكتاب عدة
اختصارات وذيول، مثل: اليواقيت الثمينة فى أعيان مذهب عالم
المدينة لمحمد بشير بن ظافر المتوفَّى سنة (1909م)، كذلك
اختصر نيل الابتهاج محمد بن الطيب القادرى الحسنى فى كتاب
الإكليل والتاج.(16/197)
*وصف إفريقيا
هو كتاب من تأليف الجغرافى الحسن بن محمد الوزان الزياتى،
المولود سنة (894هـ)، والمتُوفِّى نحو سنة (958هـ). وقد وُلِد فى
غرناطة، ووقع فى الأسر سنة (926هـ)؛ حيث أسره الإيطاليون
ونقلوه إلى روما، وقام البابا ليون العاشر بتنصيره، وأطلق
الإيطاليون عليه اسم يوحنا الأسد، إلا أنه اشتهر باسم ليون
الإفريقى. وعاش فى روما؛ حيث ألَّف كتابه وصف إفريقيا
بالإيطالية سنة (1526 م)، وتناول فيه كل ما يخص الأقطار
العربية الإفريقية، كذلك البلاد الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى.
وتميز هذا الوصف بدقة شديدة حتى صار هذا الكتاب عمدة
المراجع فيما يخص تلك البلاد طيلة قرنين من الزمان فى أوربا.
وتميز الوزان فى كتابه بالروح النقدية، وظهر أثر تلاقح
الثقافات وتنوعها فى هذا الكتاب. ونشر كتاب وصف إفريقيا
فى البندقية سنة (1550م)، وترجم إلى الفرنسية سنة (1555م)،
وإلى اللاتينية سنة (1556م)، وإلى الإنجليزية سنة (1600م)،
وإلى الهولندية سنة (1665م)، وإلى الألمانية سنة (1805م)،
ونشر عدة مرات بهذه اللغات.(16/198)
*وفيات الأعيان
كتاب لأحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبى بكر بن خلِّكان، الذى
وُلِد بإربل سنة (608هـ)، وتلقى تعليمه بها، ثم رحل إلى الموصل
وحلب ومصر ودمشق. وتُوفِّى بدمشق سنة (681هـ). وقد ألَّف
ابن خلكان كتاب وفيات الأعيان عندما كان بالقاهرة سنة
(654م). وقد جمع فيه تراجم جماعة من الفضلاء من الملوك
والأمراء والوزراء والشعراء والكتَّاب والعلماء والمؤلفين والأطباء
والفلاسفة، وكل من فيه ذكاء من الرجال والنساء من المسلمين.
وعلى الرغم من هذا فلم يترجم ابن خلكان لكثير من الصحابة أو
الخلفاء مكتفيًا بالمؤلفات التى ترجمت لهم أو ذكرتهم. ورتب
الكتاب وفق الترتيب الألفبائى، ومع مراعاة الاسمين الأول
والثانى فقط، ولم يراعِ اسم الأب إذا اتفقت أسماء المترجم لهم،
وكذلك لم يهتم بالكنى والألقاب، واعتبر اسم العَلَم هو الأساس،
ولم يهتم بوظائف من يترجم لهم فى الترتيب ولا بترتيب الأيام
والسنين. وذكر اسم الشخص واسم أبيه وجده، ونسبه ومولِده إن
وجد، وتاريخ وفاته وما إذا كان هناك اختلاف فيه، والمعالم
البارزة فى حياة من ترجم لهم وثقافاتهم وأساتذتهم وتلاميذهم
وأخلاقهم، وأحداث حياتهم، وأوصافهم الخلقية والخلقية،
ونماذج من أعمالهم ومؤلفاتهم، وكذلك ترجم لعدد قليل من
النساء. واعتمد ابن خلكان على ما جمعه من أشخاص وثق
بصدقهم كالأئمة المتقنين هذا الفن، ولم يكن يتساهل فى النقل
عمن لا يثق بهم، بل كان يتحرى ويدقق فيه. وكذلك كان يذكر
أسماء الكتب التى يعتمد عليها فى ترجمته، وأسماء مؤلفيها،
ويصحح ما وقعوا فيه من أخطاء. وترجع قيمة وفيات الأعيان
إلى أنه يُعدُّ مرجعًا أساسيًّا لدارسى العلوم والآداب والتاريخ
واللغة والاجتماع؛ ولهذا فقد كان هذا الكتاب أساسًا للعديد من
الكتب التى نقلت أو ذيلت عليه أو اختصرته.(16/199)
*يتيمة الدهر
كتاب لأبى منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبى،
المولود بنيسابور سنة (350هـ)، وإليها نسب، واشتهر فى الأدب
واللغة والتاريخ، وصنف كتبًا كثيرة فى كل مجال منها. وكتاب
يتيمة الدهر من أكثر كتب الثعالبى شهرة وتداولاً. وقد قام
الثعالبى فى هذا الكتاب بالترجمة لكثير من الشعراء المعاصرين
له والسابقين عليه بقليل، وكان يجمع فى ترجمته كل جماعة من
الشعراء حسب بلدهم أو إقليم أو البلاط الذى جمعهم. وقسم
الثعالبى الكتاب إلى أربعة أقسام، على النحو التالى: (القسم
الأول): فى محاسن أشعار آل حمدان وشعرائهم، وغيرهم من
أهل الشام ومصر والموصل والمغرب. (القسم الثانى): فى
محاسن أشعار أهل العراق، وإنشاء الدولة الديلمية من طبقات
الأفاضل، وما يتعلق بها من أخبارهم، ونوادرهم. (القسم الثالث):
فى محاسن أشعار أهل الجبل وفارس وجرجان وطبرستان
وأصفهان، من وزراء الدولة الديلمية وكتَّابها وفضلائها وشعرائها.
(القسم الرابع): فى محاسن أهل خراسان وبلاد ماوراء النهر فى
عهد الدولة السامانية. ومما يؤخذ على الكتاب أن الثعالبى لم
يعنَ بجمع أخبار من تعرض له من الشعراء من حيث نشأتهم
ومواليدهم ووفياتهم وأحداث أيامهم، وكذلك يغلب عليه فى
الكتاب التعصب الشديد لبنى جنسه، وظهر ذلك بصورة واضحة
عندما أفرد بابًا كاملاً للحديث عن فضل شعراء الشام على
شعراء سائر البلدان.(16/200)