*الزَّاب (نهر)
الزاب أو الزَّابى اسم رافدين من روافد نهر دجلة. وقد قيل: إن
زاب بن توركان بن منوشهر بن إيرج بن أفريدون - ملك من
قدماء ملوك الفرس - حفر عدة أنهار بالعراق فسُميت باسمه.
وهما يقعان فى شمال العراق، ويتصلان بالنهر من ضفته
اليسرى؛ لهذا يُطلق عليهما الزابيان. والأول هو الزاب الأعلى أو
الأكبر، ويقال له أيضًا: المجنون لشده جريانه، ويبلغ طوله (650)
كم، وهو يرفد دجلة فى جنوب مدينة الموصل عند بلدة الحديثة،
ويمثل اليوم الحد الإدارى بين لواء إربيل فى الجنوب والموصل
فى الشمال، ومن فروعه الخازر الذى ارتبط اسمه بالمعركة بين
ابن الأشتر وعبيد الله بن زياد (66هـ)، والتى قُتل فيها الأخير،
وله شأن فى التاريخ الحربى بين العرب والبيزنطيين. أمَّا الزاب
الأسفل أو الأصغر فينبع من المرتفعات التى تقع جنوبى بحيرة
أورمية، ويرفد دجلة فى شمال بلدة الفتحة، طوله (530) كم،
وبينهما يقع لواء إربيل. وعلى الزاب الأعلى كانت موقعة الزاب
سنة (132هـ) بين العباسيين بقيادة عبد الله بن على عم الخليفة
العباسى الأول أبى العباس السفاح والأمويين بقيادة مروان بن
محمد، وهُزم الأخير وبه انتهى حلم الأمويين فى الاستيلاء على
المشرق.(11/304)
*الزمبيزى (نهر)
يُعدُّ نهر الزمبيزى رابع أنهار إفريقيا طولاً؛ إذ يبلغ طوله (2660)
كم، ويمتد هذا النهر فى جنوب وسط إفريقيا وفى جنوبها
الشرقى، ومنابعه فى روديسيا الشمالية، ثم يجرى شرقًا مكوِّنًا
الحدود بين ردويسيا الشمالية وروديسيا الجنوبية، ثم يدخل
موزمبيق حتى يصبَّ فى مضيق موزمبيق على المحيط الهندى.
ويكوِّن نهر الزمبيزى شلالات فيكتوريا العظيمة، وقد أنشأ هذا
النهر دلتا عظيمة تبلغ مساحتها (8000) كم2، ويتفرع نهر
الزمبيزى إلى (10) فروع فى موزمبيق، لا يصلح منها للملاحة
النهرية سوى فرع تشندا. ويوجد على النهر سد كاريبا،
ويعرقل النهر حركة المواصلات البرية بسبب اتساع مجراه الذى
يبلغ فى بعض المناطق ميلين، ولا يقطع النهر سوى ثلاثة كَبَارٍ.
ويرتبط اكتشاف هذا النهر بالرحالة الاسكتلندى لفنجستون
فىالفترة من (1841 - 1856م).(11/305)
*زمزم
بئر بالمسجد الحرام قريبة من الكعبة، وبينهما مقام إبراهيم -
عليه السلام - وزمزم فى اللغة تعنى: (الماء الغزير)، وهى من
المواضع التى يُعظمها الحجاج لارتباطها بسيرة إبراهيم الخليل
وولده إسماعيل - عليهما السلام - وبناء الكعبة، وكان لظهور بئر
زمزم ووجود الماء بها أثر بالغ فى إعمار المكان، فقد نزلت
بالمكان أسرة من جرهم تبعها غيرها حتى أصبح الموضع حول
البيت مأهولاً بالسكان، ثم تمضى الأيام ويجىء الحارث بن
مضاض، فيطم البئر، وتنقضى ثلاثة قرون وهى رديم، ويكون
الذى يعيد حفرها من جديد هو عبد المطلب جد الرسول - صلى الله
عليه وسلم -. وقد اهتم بتوسيعها وتعميقها أبو جعفر المنصور
والمأمون، وغيرهما. ويبلغ عمق بئر زمزم (100) قدم، وقد أقيمت
عليها بناية من الحجر تعلوها قبة، وماء زمزم قلوى، مما يجعله
شبيهًا بالمياه المعدنية، الصحية فى تأثيرها.(11/306)
*زنجبار
جمهورية مستقلة. تبلغ مساحتها (2652) كم2. تقع تجاه ساحل
تنجانيقا بشرق إفريقيا. تشمل جزر زنجبار، وبمبا، وثالثة غير
مأهولة بالسكان. وزنجبار من أكثر بلاد العالم إنتاجًا للقرنفل.
ويرجع أهميتها إلى تميز موقعها؛ فهى نقطة ارتكاز لمنطقة
ساحل إفريقيا الشرقى. اتصلت منذ القدم بالهند وبلدان الخليج
العربى والبحر الأحمر. وقامت بها عدة سلطنات عربية وفارسية
متنافسة منذ القرن التاسع الميلادى، وسيطر عليها البرتغاليون
سنة (1503م)، واتخذوها قاعدة لتوسعهم فى شرق إفريقيا.
وخضعت زنجبار لسيطرة عمان سنة (1652م)، حينما قدم أئمتها
لنجدة الإمارات العربية المتناثرة على الساحل الإفريقى
الشرقى، ثم استولوا على منبسة سنة (1698م)، التى كانت فى
قبضة البرتغاليين، وتوغل منها تجار العرب داخل إفريقيا، ونقل
الإمام السيد سعيد قاعدته إلى زنجبار فى أعقاب ضعف سلطنته
بعمان سنة (1832م)، ثم أصبحت عمان محمية بريطانية سنة
(1856م)، ثم صارت زنجبار محمية بريطانية سنة (1890م). ومُنحت
الحكم الذاتى فى سنة (1963م)، ثم استقلت، واتحدت مع
تنجانيقا وجزيرة بمبا لتشكل جمهورية تنزانيا، وذلك عام
(1964م).(11/307)
*الزهراء
اسم مدينة أندلسية قرب قرطبة. وقد بناها عبد الرحمن الناصر،
وجعل منها ضاحية لقرطبة. وتقع الزهراء على مرتفعات
سيرامورينا. والمسافة بينها وبين قرطبة نحو ثلاثة أميال. وقد
بدأ عبد الرحمن الناصر بناء مدينة الزهراء سنة (325هـ)، ثم أتم
البناء من بعده ابنه الحكم المستنصر، وأشرف عليه مشاهير
المهندسين الذين استقدمهم الناصر من بغداد والقسطنطينية
وشمال إفريقيا. ولم تعش مدينة الزهراء أكثر من نصف قرن؛ إذ
أصابها الخراب فى عهد محمد بن هشام سنة (399هـ). وقد زالت
معالم الزهراء حتى بدأت أعمال الحفر والتنقيب عنها منذ سنة
(1910م)؛ فظهر الكثير من الآثار المعمارية والتحف التى تُنسب
صناعتها إلى الزهراء.(11/308)
*زَيْلَع
هى قرية على ساحل البحر. تقع اليوم فى جمهورية الصومال،
مجاورة لحدود الصومال، بين جيبوتى فى الغرب وبربارة فى
الشرق. كانت زيلع ميناءً مهمًّا ومنفذًا بحريًّا لتجارة إقليم هرد
الغنى، وكان يصدر منها البن والجلود والصموغ، إلا أن أهميتها
الاقتصادية هبطت بعد إنشاء الخط الحديدى بين جيبوتى وأديس
أبابا. وكانت زيلع تابعة للخلافة العثمانية، إبان حكم الخديو
إسماعيل سنة (1875م)، ثم أصبحت محافظة مصرية، إلا أن
البريطانيين أجبروا الحكومة المصرية على إخلائها، واحتلوها
سنة (1885م)، ووضع الإقليم كله تحت الحماية البريطانية حتى
عام (1960م)، ويُنسب إلى هذه المدينة جماعة من العلماء
أكثرهم فقهاء، منهم: فخر الدين الزيلعى وجمال الدين الزيلعى.(11/309)
*سالم
تقع مدينة سالم فى الشمال الشرقى لإسبانيا، ما بين مدريد إلى
الغرب، وسرقسطة فى الشرق، وعلى بعد (30) كم من شنتمرية.
وتقع مدينة سالم على هضبة يبلغ ارتفاعها نحو ألف متر. وعندما
فتح طارق بن زياد الأندلس كانت مدينة سالم خرابًا فعمرت فى
الإسلام، وكانت من مدن الإسلام وأشرفها وأكثرها شجرًا وماءً.
وترجع آثارمدينة سالم إلى العصر الرومانى. وقد أطلق عليها
العرب اسم الثغر الأوسط؛ لقيامها بحماية الإمارات الإسلامية من
الغزو المسيحى فى الشمال الأوسط. ويُنسَب إلى مدينة سالم
كثير من العلماء والقراء والأدباء، منهم: أبو الحسن على بن
خلف السالمى صاحب كتاب شذور الذهب فى الكيمياء، وأبو
عامر محمد بن أحمد البلوى السالمى صاحب كتاب درر القلائد
وغرر الفوائد فى اللغة.(11/310)
*سامراء
مدينة عراقية قديمة. كان يُطلق عليها: سُرَّ من رأى. تقع على
نهر دجلة بقرب بغداد، ويربط بينهما خط حديدى وآخر للسيارات.
وكان المعتصم بالله العباسى قد رأى سنة (219هـ) مدى ازدحام
مدينة بغداد بأهلها، وتضجر الناس بالجنود الأتراك، فاضطر إلى
شراء أرض خارج بغداد سنة (220هـ)، وأقام عليها مدينة
سامراء، وبنى بها مسجدًا جامعًا، كما بنى بها الأسواق
والمنازل والقصور. واهتم بها المتوكل بالله، فأقام بها عدة
قصور، منها: قصر العروس، والمختار، والجعفرى، والغريب،
والشيدان، والبرج، والمليح، وبستان الإيتاخية، واللؤلؤة،
والمتوكلية. وكانت سامراء موضع اضطرابات خلال حكم الدولة
العباسية، واستبدَّ الأتراك بالحكم دون الخلفاء العباسيين، فخرج
منها المعتضد بالله إلى بغداد، فخربت سامراء وسويت بالأرض.
ومن الآثار الإسلامية بسامراء: مسجد الروضة الذى يضم قبر
الإمام على بن محمد بن على بن موسى بن جعفر، وابنه الحسن
بن على، وبها المئذنة الملوية، وكذلك عدد من التكايا والخانات،
وقبور بعض الخلفاء، مثل: الواثق والمتوكل، وابنه المنتصر،
وأخيه المعتز والمهدى.(11/311)
*سبتة
مدينة وميناء كبير بالمملكة المغربية. تقع سبتة على ساحل
البحر المتوسط فى مواجهة مضيق جبل طارق، ويحدها من
الجنوب الغربى مدينة طنجة. وقد تم ضمُّ سبتة للخلافة الأموية
على يد عقبة بن نافع الفهرى، عندما رحب به حاكمها لوليان؛
منعًا للقتال بين الطرفين. وكان بسط النفوذ الإسلامى على سبتة
سببًا للتمهيد لفتح الأندلس من خلالها. وقد تعاقب فى حكمها
ولاة من قبل الدول الإسلامية الكبرى، مثل: العباسيين،
والفاطميين، والمرابطين، والموحدين، والحفصيين، والمرينيين.
وفى سنة (818هـ) سقطت فى أيدى البرتغاليين، ثم فى أيدى
الإسبان سنة (988هـ). وفى سنة (1814م) ضمها البريطانيون،
ولكنها ما لبثت أن عادت للحكم الإسبانى، وظلت خاضعة له
بالرغم من استقلال المغرب سنة (1956م). وممن نُسِب إليها من
العلماء: ابن حرانة السبتى، وابن العربى الفرضى السبتى،
وأبو بكر عبد الرحمن السبتى، وأبو عبد الله محمد بن على بن
هانئ السبتى.(11/312)
*سجستان
مدينة تاريخية يُعرف بها الإقليم الذى يشمل القسم الجنوبى
والشرقى من أفغانستان. ويحدها من الشمال إقليم خراسان،
ويفصلها عن البحر إقليم مكران، وعاصمتها هى زرنج. وقد فتح
المسلمون زرنج سنة (30هـ)، فى خلافة عثمان بن عفان، رضى
الله عنه، وضمت سجستان إبان العصر الأموى إلى ولاية
العراقيين، وفى العصر العباسى أصبحت سجستان ولاية
مستقلة. وبعد فتح الهند برزت أهمية سجستان؛ لوقوعها على
طريق التجارة إلى الشرق الأوسط. وفى القرن الثامن الهجرى
خرب تيمورلنك عاصمتها واختفى اسم زرنج، وأصبح اسم
سجستان يُطلق على الإقليم وعلى المدينة التى فقدت وجودها
بعد ذلك. ويُنسَب إلى مدينة سجستان كثير من العلماء، منهم: أبو
حاتم السجستانى، وأبو داود السجستانى وأبو بكر
السجستانى، وأبو سعيد أحمد السجستانى، وأبو محمد خلف
السجستانى.(11/313)
*سردينيا
جزيرة إيطالية. تقع ما بين جزيرتى كورسيكا وصقلية، وتمثل
اليوم أحد المقاطعات الإيطالية. تبلغ مساحتها (24092) كم2.
وعاصمتها كاجليارى. وتملك سردينيا أراضى واسعة للرعى،
ويوجد بها الكثير من المعادن، مثل: الزنك والرصاص. وفتح
المسلمون جزيرة سردينيا سنة (92هـ) بقيادة موسى بن نصير.
وفيما بين القرنين (8، و 11م) كانت سردينيا أحد ميادين الصراع
البحرى بين المسلمين وأوربا المسيحية، وارتبط تاريخها
باستيلاء المسلمين على صقلية وبالحملات البحرية على ساحل
كلابريا الإيطالى. وفى القرن (14م) وهبها البابا لأسرة أرجون،
وبقيت تابعة لإسبانيا حتى سنة (1713م)، ثم خضعت للنمسا، ثم
انتزعها الإسبان بالقوة سنة (1717م)، ولكن أكرهها التحالف
الرباعى على التنازل عنها سنة (1720م)، ثم ضُمَّت إلى فرنسا
بعد هزيمتها فى حروب الثورة الفرنسية فى بدايات القرن
التاسع عشر. وقد لعبت سردينيا الدور الرئيسى فى البعث
الإيطالى، وقد ضمت إليها: عبارديا، وبارما، ومودينا، وصارت
تُسمى مملكة إيطاليا.(11/314)
*سَرقُسطة
مدينة إسبانية. تقع على جانبى نهر أبرو، على ارتفاع (184)
مترًا عن سطح البحر. وتعتبر مركزًا مهمًّا للتجارة والمواصلات،
وبها معامل لتكرير السكر، ومطاحن للدقيق، وصناعات كيماوية.
وقد فتحها المسلمون عام (94هـ)، على يد موسى بن نصير، بعد
استيلائه على طليطلة، وعرفت باسم الثغر الأعلى؛ بسبب
موقعها الاستراتيجى. وبعد سقوط سرقسطة فى أيدى
المسيحيين هدموا عددًا من مساجدها، منها المسجد الكبير، وقد
أقيم على أنقاضه كتدرائية سيوة. ومن الآثار الإسلامية الباقية
فيها: برج الجرس فى كنيسة المجدلية، وكان منارة جامع،
وأطلال الجعفرية الذى تحول إلى ثكنة عسكرية، ومازال يحتفظ
بمصلاه مكسوة بالحص. ويُنسَب إلى مدينة سرقسطة جماعة من
العلماء، منهم: أبو الحسن على بن إبراهيم بن يوسف
السرقسطى، وإبراهيم بن نصر السرقسطى، وثابت بن حزم بن
عبد الرحمن العوفى السرقسطى.(11/315)
*السلطانية
مدينة أثرية بإيران. تقع بين مدينتى زنجان وأبهر، ويُنسَب
تأسيسها إلى أرغون من بنى هولاكو، وأتم بناءها ابنه
السلطان أولجايتو، وسماها سلطانية. وقد قام أولجايتو بتعمير
المدينة، وجعلها عاصمة له، وجعل لها سورًا مربعًا، كما بنى بها
مقبرة له تعلوها قبة كانت تُعد من أهم الآثار المعمارية فى
العصر الإيلخانى، وأقام فيها مسجدًا ودارًا للحكم ومدرسة على
نسق المدرسة المستنصرية ببغداد، حتى أصبحت من أعظم المدن
الإسلامية فى المشرق لا يتفوق عليها سوى تبريز. ومازال
موجودًا بها إلى الآن أطلال بعض الأضرحة، وقد عانت كثيرًا من
التخريب إبان الغزو التيمورى.(11/316)
*سَلَمْية
بلدة فى سوريا بمحافظة حماة، شرقى نهر العاصى. ارتبط
اسمها بنشأة الدعوة الفاطمية؛ فقد اتخذها العلويون مقرًّا لهم،
تستروا فيه بعيدًا عن الخلفاء العباسيين؛ إذ كان الشيعة بعد
زيارتهم قبر الحسين بكربلاء يُعرِّجون على سلمية لزيارة الأئمة
من ولد إسماعيل الإمام. وكان أبو عبد الله الشيعى - المعروف
بالقداح - أخطر الدعاة للفاطميين، وهو الذى نجح فى بث
الدعوة الفاطمية فى المغرب، بعد أن انتقل إليه من سلمية. وفى
عام (196هـ) انتقل مركز الدعوة الفاطمية من سلمية إلى
سجلماسة، ويُنسَب إلى سلمية كثير من العلماء، منهم: أبو ثور
هاشم بن ناجية السلمى، وعبد الوهاب السلمى، وأيوب بن
سلمان السلمى.(11/317)
*تمبكت
مدينة إسلامية قديمة بجمهورية مالى. تقع بالقرب من مجرى نهر
النيجر كانت سوقًا تجارية رائجة، تتفرع عنها طرق التجارة على
الطريق الصحراوى من الجزائر والمغرب. يُنسَب إنشاؤها إلى
عرب الطوارق، إذ أسسوها سنة (1087 م)، ثم أخذت هذه المدينة
فى النمو، بسبب ازدهار التجارة، خاصة الذهب والعبيد،
بالإضافة إلى كونها مركزًا للقوافل. واستمرت فى نموها حتى
أصبحت أهم حاضرة إسلامية فى غرب إفريقيا، خاصة فى عهد
منسا موسى؛ حيث أصبحت مدينة العلم، ووفد إليها طلاب العلم
للدراسة فى جامعة سنقر، وتخرج فيها عددٌ من العلماء، مثل:
أحمد بابا التمبكتى. وحكمها الماليون والصنغى والطوارق
والتكرور، واستولى عليها الفرنسيون سنة (1894 م).(11/318)
*تنزانيا
هى إحدى دول شرق إفريقيا المطلة على المحيط الهندى. يحدها
من الشمال أوغندا وكينيا، ومن الغرب زائير، ومن الجنوب
زامبيا ومالاوى وموزمبيق. وتتكون تنزانيا من تنجانيقا على
البر الإفريقى وجزيرة زنجبار فى المحيط الهندى. وتبلغ مساحة
تنزانيا (945 087 كم2). ويقدر عدد سكانها بنحو (29 393 000)
نسمة. ويتكلم سكان تنزانيا اللغتين السواحلية والإنجليزية،
بالإضافة إلى بعض اللغات المحلية. وأهم المدن فى تنزانيا: دار
السلام (العاصمة) وزنجبار وتانغا وموانزا ووأروشا. ويعتمد
اقتصاد تنزانيا على الزراعة بشكل أساسى، وأهم المحصولات
الزراعية فيها: القطن والبن والسيزل والشاى والطباق والكاشو،
كما يوجد فى تنزانيا بعض الثروات المعدنية، مثل: الألماس
والذهب والنيكل كروم. وتحتل تنزانيا المرتبة الثانية فى
استخراج الألماس. أما عن النشاط الصناعى فى تنزانيا فبها
مصانع لتحضير الألماس ومصانع لصناعة الأقمشة والتبغ
والأسمنت، ودباغة الجلود. وتصدر فى تنزانيا عدة صحف،
أهمها: ديلى نيوز وكيبانجا وصوت زائير ومن أهم جامعاتها
جامعة دار السلام التى تشكل فرعًا من جامعة شرق إفريقيا.
وكان للتجار العرب دور كبير فى دخول الإسلام إلى تلك البلاد؛
فقد كانت لهم علاقات جيدة بأهلها، واستقروا فيها، وعملوا
على نشر الإسلام بها، وقد استطاع البرتغاليون أن يحتلوا هذه
المنطقة فى القرن السادس عشر الميلادى، وظلوا بها حتى القرن
الثامن عشر الميلادى، ثم خضعت تنزانيا للاحتلال الألمانى عام
(1884م)، وبعد هزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الأولى قُسّمت
تنزانيا بين بريطانيا وبلجيكا ووُضعت تحت انتداب عصبة الأمم
حتى عام (1946م)، ثم تحت وصاية الأمم المتحدة. وحصلت تنزانيا
على الاستقلال الذاتى عام (1960م)، وعلى استقلالها التام سنة
(1961م)، وانضمت إليها زنجبار سنة (1964م)، وأُعلنت الوحدة
بينهما وأصبح اسمها جمهورية تنزانيا المتحدة، وانتخب(11/319)
جوليوس نيريرى رئيسًا لها وعبيد كرومى نائبًا له. وفى عام
(1967م) دخلت تنزانيا وأوغندا وكينيا فى اتحاد ثلاثى سمى
اتحاد دول شرق إفريقيا، إلا أنه لم يدم طويلا. والنظام السياسى
فى تنزانيا جمهورى ديمقراطى، ويحكمها حزب تنزانيا الثورى،
وهو الحزب الوحيد، وكان يرأسه جوليوس نيريرى، إلى أن
استقال من رئاسة الجمهورية فى عام (1985م)، وخلفه فى
الحكم على حسين معينى، ثم أُجريت انتخابات فى منتصف عام
(1995م) على أساس التعددية الحزبية، وتم تحويل تنزانيا إلى
دولة علمانية.(11/320)
*تنجانيقا
هى إحدى دول شرق إفريقيا المطلة على المحيط الهندى. يحدها
من الشمال أوغندا وكينيا، ومن الغرب زائير، ومن الجنوب
زامبيا ومالاوى وموزمبيق. وتتكون تنزانيا من تنجانيقا على
البر الإفريقى وجزيرة زنجبار فى المحيط الهندى. وتبلغ مساحة
تنزانيا (945 087 كم2). ويقدر عدد سكانها بنحو (29 393 000)
نسمة. ويتكلم سكان تنزانيا اللغتين السواحلية والإنجليزية،
بالإضافة إلى بعض اللغات المحلية. وأهم المدن فى تنزانيا: دار
السلام (العاصمة) وزنجبار وتانغا وموانزا ووأروشا. ويعتمد
اقتصاد تنزانيا على الزراعة بشكل أساسى، وأهم المحصولات
الزراعية فيها: القطن والبن والسيزل والشاى والطباق والكاشو،
كما يوجد فى تنزانيا بعض الثروات المعدنية، مثل: الألماس
والذهب والنيكل كروم. وتحتل تنزانيا المرتبة الثانية فى
استخراج الألماس. أما عن النشاط الصناعى فى تنزانيا فبها
مصانع لتحضير الألماس ومصانع لصناعة الأقمشة والتبغ
والأسمنت، ودباغة الجلود. وتصدر فى تنزانيا عدة صحف،
أهمها: ديلى نيوز وكيبانجا وصوت زائير ومن أهم جامعاتها
جامعة دار السلام التى تشكل فرعًا من جامعة شرق إفريقيا.
وكان للتجار العرب دور كبير فى دخول الإسلام إلى تلك البلاد؛
فقد كانت لهم علاقات جيدة بأهلها، واستقروا فيها، وعملوا
على نشر الإسلام بها، وقد استطاع البرتغاليون أن يحتلوا هذه
المنطقة فى القرن السادس عشر الميلادى، وظلوا بها حتى القرن
الثامن عشر الميلادى، ثم خضعت تنزانيا للاحتلال الألمانى عام
(1884م)، وبعد هزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الأولى قُسّمت
تنزانيا بين بريطانيا وبلجيكا ووُضعت تحت انتداب عصبة الأمم
حتى عام (1946م)، ثم تحت وصاية الأمم المتحدة. وحصلت تنزانيا
على الاستقلال الذاتى عام (1960م)، وعلى استقلالها التام سنة
(1961م)، وانضمت إليها زنجبار سنة (1964م)، وأُعلنت الوحدة
بينهما وأصبح اسمها جمهورية تنزانيا المتحدة، وانتخب(11/321)
جوليوس نيريرى رئيسًا لها وعبيد كرومى نائبًا له. وفى عام
(1967م) دخلت تنزانيا وأوغندا وكينيا فى اتحاد ثلاثى سمى
اتحاد دول شرق إفريقيا، إلا أنه لم يدم طويلا. والنظام السياسى
فى تنزانيا جمهورى ديمقراطى، ويحكمها حزب تنزانيا الثورى،
وهو الحزب الوحيد، وكان يرأسه جوليوس نيريرى، إلى أن
استقال من رئاسة الجمهورية فى عام (1985م)، وخلفه فى
الحكم على حسين معينى، ثم أُجريت انتخابات فى منتصف عام
(1995م) على أساس التعددية الحزبية، وتم تحويل تنزانيا إلى
دولة علمانية.(11/322)
*تونس
دولة عربية تقع فى شمال غرب قارة إفريقيا وتحدها من الشرق
والجنوب ليبيا، ومن الغرب الجزائر، وتبلغ مساحتها (163.610)
كيلو مترات مربعة، ومناخها حار جاف صيفًا، دافئ ممطر شتاءً.
وأهم المدن: بنزرت وسوسة والقيروان وصفاقس، والعاصمة
تونس، ويقدر عدد سكان تونس بنحو (8.9) مليون نسمة، واللغات
المستخدمة فى تونس هى: العربية والفرنسية، وعملة البلد
الدينار التونسى. والإسلام هو الدين الرسمى للدولة، حيث تبلغ
نسبة المسلمين بها (99%) من السكان. وكانت تونس خاضعة
للاحتلال الفرنسى فى العصر الحديث، إلا أنها نجحت فى
الحصول على الاستقلال فى (30 من مارس 1956 م). وبعد
الاستقلال أصبح النظام الجمهورى هو نظام الحكم فيها. وأهم
مصادر الدخل التونسية: الزراعة، ومن أشهر المحاصيل الزراعية:
القمح والبطاطس والزيتون، كما توجد فى تونس ثروة حيوانية
كبيرة من الأبقار والإبل والماعز، علاوة على بعض الثروات
المعدنية، مثل: الفوسفات والحديد والرصاص.(11/323)
*الجابون
دولة إفريقية تقع غرب إفريقيا على شاطئ المحيط الأطلنطى.
تحيط بها الكونغو من الشرق والجنوب، والكاميرون وغينيا
الاستوائية من الشمال، وتبلغ مساحة الجابون (267 667 كم2)،
ومناخها حار رطب، مع سقوط أمطار غزيرة طوال العام. ويتكون
السكان من عدة قبائل، أهمها: البانتو، وتمثل نحو (40%) من
السكان، ويعتنق الدين الإسلامى نحو (50%) من سكان الجابون،
فى حين أن (30%) مسيحيون، و (20%) وثنيون. واللغة الفرنسية
هى اللغة الرسمية، ولغة البانتو هى اللغة الشائعة. وأهم المدن
فى الجابون ليبرفيل (العاصمة)، وبورت جنتل أهم الموانئ.
ويعتمد الاقتصاد الجابونى على تصدير البترول والمعادن
والأخشاب وبعض المنتجات الزراعية. وقد دخل الإسلام الجابون
على أيدى المرابطين سنة (493 هـ)، وعندما ضعف سلطان
المسلمين احتلها البرتغاليون، وأقاموا بها بعض المراكز لتجارة
الرقيق سنة (1472 م)، وأقام الفرنسيون فيها مستعمرة سنة
(1839م)، حتى تمت لهم السيطرة الكاملة على البلاد، وأصبحت
مستعمرة مستقلة سنة (1910م)، وفى سنة (1958م) تم منح
الجابون الحكم الذاتى بعد استفتاء ديجول، ثم حصلت على
استقلالها سنة (1960م)، وتولى ليون مبا الحكم فيها. وفى عهد
الرئيس الحالى عمر بونجو - الذى أعلن إسلامه - وقعت فى البلاد
عدَّة اضطرابات، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية. ونظام الحكم
فى الجابون رئاسى برلمانى، حيث تتركز السلطة فيها فى يد
رئيس الدولة. وللجابون علاقات وثيقة مع فرنسا، وتمارس
الإرساليات التبشيرية بها دورًا مؤثرًا فى التعليم، وتوجد
بالجابون جامعة واحدة، كما أنشأ الأزهر بها معهدًا دينيًّا.(11/324)
*جامبيا
دولة إفريقية. تمتد على شكل لسان أرضى بطول (300 كم)،
وأقصى عرض له (50 كم). وتقع على ساحل المحيط الأطلنطى
فى غرب إفريقيا، حول الجزء الأوسط والأدنى من نهر جامبيا،
وهى محاطة بالسنغال من ثلاث جهات، وتطل من الغرب على
المحيط الأطلسى. وتبلغ مساحة جامبيا (11 295 كم2)،
وعاصمتها بانجول. وأهم المدن بها: يريكاما ويوندوم
وجورجتاون. ويبلغ عدد السكان (860 000) نسمة حسب إحصائية
سنة (1990م)، يدين (85%) منهم بالإسلام، و (10%) بالإحيائية،
و (5%) بالمسيحية البروتسانتية. واللغة الإنجليزية هى اللغة
الرسمية للبلاد. وتعتمد جامبيا فى اقتصادها على الزراعة، ومن
أهم المنتجات الزراعية: الفول السودانى، وهو أهم الصادرات،
بالإضافة إلى صيد الأسماك وتصنيعها. والعملة المتداولة هى
دالاسى ( Dalasi).(11/325)
*الجانج (نهر)
ويطلق عليه أيضًا الكنج وكَنكَا، وهو نهر طوله نحو (2510 كم)،
يجرى بشمال الهند وشرق الباكستان، وينبع من جبال هيمالايا
بمقاطعة أوتار برادش، وهو أعظم الأنهار قداسة عند الهنود،
ويمر بمناطق الاعتدال المقدسة فى الله آباد (حيث يلتقى مع نهر
جمنة)، وفى بنارس، ويستمر الجانج فى سيره شرقًا عبر ولاية
بيهار حتى مقاطعة البنغال الغربية، ثم يتفرع إلى نهرى هوغلى
وبادما، وبين هذين النهرين تقع دلتا الجانج؛ حيث تزرع كميات
كبيرة من الأرز. ويجرى نهر بادما فى اتجاه جنوبى شرقى عبر
مقاطعة البنغال الشرقية بالباكستان؛ حيث يلتقى مع نهر براهما
بترا الذى يُسمَّى فى هذه المنطقة جامونا، وتصب المجارى
المتجمعة للنهر أخيرًا فى خليج البنغال. وتقوم على شواطئ
الجانج معابد كثيرة يؤمها الملايين من الهندوس؛ للعبادة
والتطهر.(11/326)
*الجبل الأسود
إحدى جمهوريات يوغسلافيا السابقة. تجاورها كل من صربيا
والبوسنة والهرسك وبحر الأدرياتيك، ومن أهم المدن بها العاصمة
تليثوجراد. وتبلغ مساحة الجبل الأسود نحو (13 812 كم2). وعدد
سكانها (582 899) نسمة، تمثل نسبة المسلمين منهم نحو (12
5%). ومن أهم المحاصيل الزراعية بها الذرة والتين ومحاصيل
العلف والشيلم والشوفان والزيتون والتبغ، ومن أهم ثرواتها
المعدنية: البوكسيت والزنك والقصدير والفحم والحديد. وقد ضمت
الدولة العلية إليها إقليم الجبل الأسود سنة (871 هـ)، ثم ضمت
كل المناطق التابعة له بعد ذلك. وفى سنة (905 هـ) انتقلت
حكومة إقليم الجبل الأسود إلى يد رئيس الأساقفة، وانحصرت
السلطة الدينية والملكية فى يده. وفى سنة (1875 م) اشترك
الجبل الأسود مع صربيا بتشجيع من روسيا فى الثورة على
الدولة العثمانية، وقامت الحرب بين الطرفين، انتصرت فيها
الدولة العثمانية، ولكن الجبل الأسود استقل عن الدولة العثمانية
سنة (1878 م)، بموجب معاهدة برلين، وأصبح مملكة منذ سنة
(1910 م)، وانضم إلى جمهوريات يوغسلافيا السابقة سنة (1918
م).(11/327)
*حِمْص
مدينة سورية. تقع غرب سوريا، على نهر العاصى، وهى بين
دمشق وحلب. كانت حمص تابعة للرومان فى القرن الأول
الميلادى، وقد فتحها المسلمون سنة (15هـ)؛ فبعد أن فرغ أبو
عبيدة بجيشه من فتح دمشق، اتجه بجيشه وجيش خالد بن الوليد
نحو حمص وحاصروها، ودام حصارها طويلا حتى استسلم
حاكمها الرومانى. وقد قامت بحمص دولة أيوبية دامت نحو قرن
من الزمان. وقد استولى إبراهيم باشا بن محمد على على حمص
بعد معركة فاصلة سنة (1832م) عُرِفَت باسم معركة حمص. ومن
آثار حمص الإسلامية: الجامع الكبير وجامع خالد بن الوليد،
واشتهرت حمص ببساتينها المطلة على نهر العاصى.(11/328)
*الحيرة
مدينة على بعد ثلاثة أميال من الكوفة. تقع على الضفة اليمنى
من نهر الفرات. وكانت مسكنًا لملوك العرب فى الجاهلية. وقيل
فى سبب تسميتها: إن تُبَّعًا لما بلغ بجيوشه موضع الحيرة ضلَّ
دليله وتحيَّر؛ فسميت الحيرة بذلك. وكان أول من ملك الحيرة من
العرب جذيمة الأبرش، وأول من اتخذها منزلا من الملوك ابن أخته
عمرو بن عدى بن نصر اللخمى. وكان يسكن الحيرة ثلاث طوائف
من العرب، هم تنوخ وينزلون غربى الفرات بين الحيرة والأنبار،
والعباد ويسكنون الحيرة نفسها وبنوا فيها الدور والمساكن،
والأحلاف وهم الذين لحقوا بأهل الحيرة ونزلوا بها. وكانت الحيرة
قد خربت بعد بخت نصر، ثم عمرت فى زمن عمرو بن عدى، إلى
أن فتحها خالد بن الوليد سنة (12هـ) وعاهد أهلها على أن
يدفعوا للمسلمين جزية مقدارها (190) ألف درهم، وكتب لهم
كتابًا بذلك. وفى عهد على بن أبى طالب، رضى الله عنه، تم
بناء مدينة الكوفة بجوار الحيرة، فانتقل المسلمون من الحيرة
إلى الكوفة واستوطنوها بدلا منها.(11/329)
*حيفا
مدينة فلسطينية ساحلية. تقع شمالى فلسطين على البحر
المتوسط. وهى أكبر موانئ فلسطين. ويسودها مناخ البحر
المتوسط، وتكثر بها الينابيع والآبار على جبل الكرمل وحيفا
معناها (المرفأ)، وكان الصليبيون يُحَرّفُون الاسم ويطلقون عليها
كيفا. وأقدم ذِكر لحيفا فى المصادر العربية أورده الرحالة ناصر
خسرو عام (1060م)، وأول من سكن حيفا هم الكنعانيون،
وتعاقب عليها الآشوريون والكلدانيون والفرس واليونان ومرَّ
بها المسيح عليه السلام، وبعض الأنبياء. احتلها الصليبيون عام
(1110م)، ثم عادت إلى المسلمين عام (1188م)، وسيطر عليها
الصليبيون مرة أخرى بعد صلح الرملة مع صلاح الدين الايوبى،
إلا أن الظاهر بيبرس استعادها ثانية سنة (1265م)، ثم سيطر
عليها العثمانيون سنة (1516م) بعد معركة مرج دابق، فعملوا
على تعميرها وتحصينها، كما سيطر عليها أحمد باشا الجزار،
واحتلها كليبر سنة (1799م)، ثم دخلت تحت حكم محمد على،
حتى عام (1840م) وزادت أهميتها بعد عام (1890م) بعد مد الخط
الحديدى الذى ربطها بدمشق. وكانت حيفا فى مطلع القرن
العشرين الميلادى مركزًا ثقافيًّا مهمّا فى فلسطين وكثرت بها
المدارس الأجنبية. وأحتلها البريطانيون عام (1918م)، وقام
الإنجليز بتوسيع ميناء حيفا الذى أنشأه العثمانيون سنة
(1908م). وأخذت حيفا فى النمو حتى أصبحت من أهم موانئ
البحر المتوسط ثم احتلها الإسرائيليون عام (1948م)، وطردوا
منها سكانها العرب، وتدفق إليها المهاجرون اليهود من أنحاء
العالم.(11/330)
*الخانكة
أصلها الخانقاه، وهى كلمة فارسية استعملت فى اللغة العربية
للدلالة على الأماكن أو المبانى، ثم حُرّفَت، فأصبحت تعرف
بالخانكة، والخانقاه، وهى مكان ينقطع فيه المتصوفون
للعبادة. وقد أنشأ الناصر محمد بن قلاوون خانقاه بصحراء
سرياقوس بمصر فى الطريق إلى الشام، وبنى بجوارها مسجدًا
وحمًّامًا، وعمَّر قصورًا وبيوتًا، وكان ذلك سنة (725 هـ)، وبذلك
أقبل الناس على البناء والسكنى والتعمير حول الخانقاه حتى
صارت بلدة كبيرة، عرفت باسم خاناقاة سرياقوس. وبقيت
الخانقاه تابعة لناحية سرياقوس حتى سنة (923 هـ)، ثم فصلت
عنها وأصبحت مدينة قائمة بذاتها تتبع مركز شبين القناطر
بمحافظة القليوبية. وقد اندثرت الخانقاه التى أخذت المنطقة
منها اسمها، وإن كانت لا تزال تحتفظ ببعض الآثار، وأهمها:
مسجد الأشرف برسباى.(11/331)
*خراسان
مدينة قديمة فى آسيا. تتقاسمها اليوم إيران الشرقية الشمالية،
وأفغانستان، وتركمانيا. ومن أهم المدن بها: مرو ونيسابور
وبلخ وهراة وخوارزم وجرجان وطبرستان وأصبهان وسرخس
وكابول وقنجار. فتحها الأحنف بن قيس فى عهد عمر بن
الخطاب، رضى الله عنه، سنة (18 هـ)، فأصبحت قاعدة ودار
هجرة للمسلمين. وفى سنة (51 هـ) انتقل إليها أكثر من (50)
ألف جندى بأُسَرهم وأقاموا بها، ومنذ ذلك الوقت أصبحت
خراسان موضع ثقة خلفاء بنى أمية وقادتها، ولها مساهمة
كبيرة فى شئون الدولة. وقد خرج منها أبو مسلم الخراسانى
بالدعوة لبنى العباس سنة (132 هـ)، واستطاع أن يقضى على
الدولة الأموية، فعلا شأن خراسان ها فى عهد العباسيين.
وسيطرت عليها الدولة الطاهرية التى أسسها طاهر بن الحسين
سنة (205 هـ)، ثم سيطرت عليها الدولة السامانية التى أسسها
إسماعيل بن أحمد السامانى سنة (286 هـ)، وأصبح لهم حكم
بلاد ما وراء النهر، واستولى عليها السلاجقة سنة (429 هـ).
ودانت لحكم جنكيز خان وضمها لإمبراطوريته سنة (617 هـ)، ثم
خضعت للدولة التيمورية حتى سنة (1160 هـ)، عندما أقام أحمد
شاه أبدالى دولة أفغانية مستقلة بها، فأصبحت تسمى
أفغانستان وطغى اسم أفغانستان على اسم خراسان
التاريخى. ومن أشهر علماء خراسان، الرازى، والجرجانى،
والبخارى، ومسلم والترمذى وأحمد بن حنبل، وأبو حامد
الغزالى، والجوينى إمام الحرمين، والأزهرى، والجوهرى
والفارابى، وعبد الله بن المبارك، والزمخشرى.(11/332)
*الخرطوم
عاصمة جمهورية السودان. تقع على ضفتى النيل الأزرق، عند
ملتقاه مع النيل الأبيض. وقد عُرفت باسم العاصمة المثلثة، ويربط
المدينة ببعضها جسور على النيل. وترتفع الخرطوم عن سطح
البحر بنحو (1450) قدمًا، وتبعد عن القاهرة بنحو (1345) ميلا.
أسسها محمد على باشا سنة (1832 م)، وجعل منها عاصمة
لإقليم السودان، ومقرّا للحاكم المصرى، ثم خربت سنة (1885 م)
أثناء الثورة المهدية، ثم أعيد تخطيطها سنة (1898 م).
والخرطوم مدينة كثيرة التجارة، وسكانها خليط من المصريين
والبربر والبدو والأتراك والأوربيين والزنوج، ومعظم نشاطهم
الاقتصادى قائم على الزراعة، وأهم محاصيلها: القطن والذرة
والقمح والسمسم والصمغ العربى، كما تقوم بها بعض
الصناعات، مثل: حلج الأقطان والنسج وصناعة الأسمنت والسكر
والجلود، كما توجد بها ثروات معدنية. ومن أهم معالمها: الجامع
الكبير ومتحف الخرطوم.(11/333)
*خط الاستواء
هو دائرة تخيلية تحيط بسطح الأرض، فى منتصف المسافة بين
قطبى الأرض، وهو أكبر دائرة عرضية من دوائر العرض الأرضية.
ويمثل دائرة عرض صفر أو خط العرض الرئيسى، ومنه تتدرج
دوائر العرض شمالا وجنوبا حتى نقطتى القطب الواقعتين عند
دائرتى عرض (90ْ) شمالا و (90ْ) جنوبًا. ويبلغ طوله نحو (40092
كم). ويبعد عن القطبين بنحو (10000 كم). وتبلغ سرعة الأرض
عنده فى دورانها حول نفسها نحو (1600 كم) فى الساعة. ويمر
خط الاستواء فى شمال قارة أمريكا الجنوبية، وفى وسط
إفريقيا وجنوب آسيا، وتتعامد الشمس عليه يوم (20) أو (21) من
مارس، أى: بداية فصل الربيع، فى نصف الكرة الشمالى، ويوم
(22) أو (23) من سبتمبر، أى: بداية فصل الخريف، فى نصف
الكرة الجنوبى، فى حين تتعامد على مدار السرطان يومى
(21،22 من يونيو)، أى: بداية فصل الصيف، وتتعامد على مدار
الجدى يومى (21،22 من ديسمبر)، أى: بداية فصل الشتاء.(11/334)
*خيبر
لفظ خيبر فى لغة اليهود يعنى الحصن، ولأن هذه البقعة تشمل
عدة حصون؛ سُمّيت خيابر. وهى واحة بالحجاز على بعد (95 كم)
من المدينة، وترتفع عن سطح البحر بنحو (850 م)، وتتألف من
عدة أودية أو واحات متجاورة. وقد كثرت قراها وسكانها،
واشتهرت بكثرة عيونها. وبها عدة حصون، منها: حصن ناعم،
وحصن العموَص، وحصن الشق، وحصن النطاة وحصن السلالم،
وحصن الوطيح، وحصن الكتيبة. وقد اشتهرت فيها سوق نطاة
خيبر ونظرًا إلى وقوعها على الطريق التجارية الكبرى بين اليمن
والشام؛ فقد كانت إحدى محطات القوافل التجارية. وقيل: إن
خيبر مصرف الجزيرة المالى. وكانت تُعَرف بكثرة نخيلها وتمرها؛
إذ اشتهر أهلها بالزراعة، وكانت موطنًا ليهود بنى قريظة
وبنى النضير، وأقاموا بها عدة حصون للدفاع عنها. وقد فتحها
النبى e (7 هـ)، وقيل سنة (8 هـ)، ولما فتحها الرسول e صالحه
اليهود على حقن دمائهم.(11/335)
*دَابِق
قرية قرب حلب. اشتهرت بالمرج الذى يجاورها، ويعرف باسم
مرج دابق. بينها وبين حلب نحو (22 كم). وهذا المرج عبارة عن
سهل معشب، كان يعسكر به الأمويون إبان حروبهم مع الروم.
وبه قبر ينسب إلى نبى الله داود عليه السلام، وتُوفّى بدابق
الخليفة الأموى سليمان بن عبد الملك، ودُفِن بها عام (99 هـ)،
كما عُقدت البيعة بمسجد دابق للخليفة عمر بن عبد العزيز بوصية
من سليمان بن عبد الملك.(11/336)
*الدار البيضاء
مدينة وميناء مغربى يقع على شاطئ المحيط الأطلنطى.
مساحتها (3900) هكتار. وهى ميناء المغرب الأول، وكبرى مدن
الشمال الإفريقى. كان اسمها أنفا. وفتحها عقبة بن نافع سنة
(62 هـ)، ثم احتلها البرتغاليون، وأعادوا بناءها سنة (1515 م)،
وقد خربت بعد زلزال عام (1755 م)، ثم احتلتها القوات الفرنسية
عام (1907 م)، وتوافد إليها السكان الأجانب، وأصبحوا يشكلون
نسبة كبيرة بها. وفى سنة (1942 م) تعرضت لهجوم الأسطول
الأمريكى فى أثناء الحرب العالمية الثانية، وعقد فيها مؤتمر
الحلفاء يين تشرشل وروزفلت وستالين عام (1943 م). ويتركز
فى الدار البيضاء نصف الصناعات المغربية، مثل: الزيوت
والأسمنت والملابس، وهى أهم موانئ التصدير المغربية، وميناء
مهم أيضًا لصيد الأسماك وتصدير الفوسفات، ومركز مهم
للمواصلات البرية والبحرية والجوية؛ حيث بها مطار محمد
الخامس، وبها جامعة الحسن الثانى.(11/337)
*دارفور
هى إقليم جغرافى يمثل إحدى مديريات جمهورية السودان. تقع
على حدود السودان الغربية، وتشترك فى حدودها مع كل من
ليبيا وجمهورية تشاد. وتبلغ مساحتها (503.272 كم2).
ومعظمها على شكل هضبة ترتفع بين (900.600 م) فوق سطح
البحر، وتحيط بها السهول وتتخللها بعض التلال. واشتق اسمها
من قبائل القور التى مازالت تسكنها، هى وعدة قبائل عربية
ونوبية وزنجية، امتزجت سلالاتها، وتأثرت باللغة العربية
والثقافة الإسلامية، وأهم هذه القبائل: الرزيقات والتعايشة
والحوازمة والكواهلة والمناصير والزعاوة والتنجور والمساليب.
وقد حكم المديرية زنوج التاجو، منذ أقدم العصور حتى القرن
الرابع عشر الميلادى، وخلفهم التنجور العرب الذين حملوا إليها
الإسلام قادمين من بور نود واداى. وقامت بدارفور سلطنة وراثية
منذ عام (1051م - 1460م)، وينسب تأسيسها إلى سليمان
سلويج الذى اتخذ بلدة طراة عاصمة له قبل أن تنتقل إلى
الفاشر. وقد دام حكم سلاطين الفور نحو ثلاثة قرون ما بين
سنتى (1875م، و1900 م)، كان الحكم فيها للولاة المصريين
وخلفاء المهدية. وقد اعترفت حكومة السودان سنة (1899 م)
بعلى دينار حفيد سلاطين دار فور، سلطانًا لكنها عادت
فحاربته، واستولت على دارفور بعد مقتله عام (1916م). وتعتمد
دارفور اقتصاديًّا على رعى الماشية، وبخاصة الأبقار، كما
تعتمد على الزراعة والصناعات التقليدية. ونظرًا إلى مركزها
المتوسط بين وادى النيل وإفريقيا الوسطى؛ فإنها تعَدّ أحد
المراكز التجارية المهمة. وتتصل بمصر عن طريق درب الأربعين
الذى يمر بالواحات الغربية وينتهى عند مدينة أسيوط. وعاصمة
دارفور الحالية مدينة الفاشر.(11/338)
*الدانوب
أطول أنهار أوربا؛ إذ يبلغ طوله (2816 كم)، ومساحة حوضه
نحو (828800 كم2). وينبع من مجموعة من الجبال الألبية،
ويخترق جبال الكريات عبر بافاريا والنمسا والتشيك
وسلوفاكيا والمجر ويوغسلافيا، ثم يفصل بين جبال الكريات
وجبال البلقان فى منطقة الحدود البلغارية حتى يصب فى البحر
الأسود. ويعد الدانوب أعظم أنهار أوربا من حيث إمكانيات
الملاحة، ولكن الانقسامات السياسية أثناء الحرب العالمية الثانية
وعقبها، قللت من هذه الأهمية، ونظرًا إلى أنه يجرى بين غرب
أوربا وشرقها؛ فقد تضاءلت أهميته الملاحية فى القارة. ويمر
هذا النهر بمدن أولم وريجنزيرج وباسا وولنتس وفيينا
وبودابست وبلجراد وبراثيسلافا، ويصلح للملاحة ابتداءً من مدينة
أولم.(11/339)
*درب الأربعين
طريق برى يخترق الصحراء الليبية، ويربط السودان وإفريقيا
الوسطى بمصر. كانت تقطعه القوافل فى أربعين يومًا؛ ومن ثم
أطلق عليه هذا الاسم، وكان هذا الطريق معروفًا قبل القرن
الخامس الهجرى، وهو يمتد من دارفور مارًّا بالواحات الداخلة،
والخارجة حتى يصل إلى أسيوط، ثم يسير محاذيًا لنهر النيل
إلى القاهرة. ومما أعطى هذا الطريق، أهمية قيام مملكة دارفور
فى غرب السودان وارتباطها بالأقاليم السودانية الوسطى التى
لا منفذ إليها لإمكان التبادل التجارى مع وادى النيل الأدنى إلا
عن طريقها، وكان أهم ما يتم تبادله المصنوعات المصرية
والرقيق والعاج والصمغ عبر القوافل التى كان يُعيَّن لها رئيس
من قِبَل ملك دارفور.(11/340)
*الدردنيل
مضيق يمثل المدخل الجنوبى لبحر مرمرة. طوله (64 كم)،
واتساعه يصل إلى (6 كم). كان يعرف باسم هلسبونتوس، وهو
يصل بحر إيجة ببحر مرمرة، ويفصل بين شبه جزيرة جاليبولى
الواقعة فى الجزء الأوربى من تركيا، والجزء الآسيوى من
تركيا. وقد تردد ذكره إبان الحروب الإغريقية الفارسية،
وازدهرت طروادة القديمة بمقربة من المدخل الغربى له. وعبر هذا
المضيق كل من أجزر كسيس الأول سنة (481 ق. م) والإسكندر
الأكبر سنة (334 ق. م) على جسر من القوارب، وفى عهد
الإمبراطوريتين البيزنطية والعثمانية كانت للمضايق أهمية كبرى
فى الدفاع عن القسطنطينية. وبتدهور تركيا أصبح وضع
المضايق مشكلة دولية، ففى سنة (1841 م) اتفقت الدول الكبرى
على إغلاق المضايق فى وجه جميع السفن الحربية فى وقت
السلم، باستثناء السفن التركية، وأكد مؤتمر باريس سنة (1856
م) هذه الاتفاقية، وفى الحرب العالمية الأولى فشلت حملة
جاليبولى التى دبَّرها الحلفاء لاختراق المضايق بالقوة، ولكن
بعد انهيار تركيا مرَّ أسطول للحلفاء بالمضايق فى (نوفمبر
1918 م)، واحتل القسطنطينية، وقضت معاهدة سيفر سنة (1920
م) بتدويل منطقة المضايق، ولكن مؤتمر لوزان سنة (1923 م)
أعادها لتركيا بشرط عدم تسليحها. وفى سنة (1936م) سمحت
اتفاقية طمونترو لتركيا بتحصينها.(11/341)
*الدرعية
مدينة سعودية تقع فى نجد على بعد (13 كم) إلى الشمال
الغربى من الرياض. كان يطلق عليها اسم غبراء. وقد ازدهرت
بعد أن استقل بها الأمير محمد بن سعود سنة (2722 م)، وعندما
هاجر إليها الشيخ محمد بن عبد الوهاب سنة (1744 م) اتخذها
مقرًّا لدعوته. وقد قامت الدولة العثمانية عن طريق محمد على
بالسيطرة على المدينة وتحطيمها سنة (1818 م)، وانتقلت بعد
ذلك العاصمة السعودية إلى الرياض. والدرعية الجديدة تقع
شمالى وادى حنيفة مقابل الدرعية القديمة، وتتبعها عدة قرى
زراعية، وأهم محاصيلها الزراعية: النخيل والقمح والشعير
والفاكهة والخضراوات، ويوجد بالدرعية عدة سدود، والدرعية
من الأراضى الخصبة.(11/342)
*دمشق
عاصمة الجمهورية العربية السورية، كانت عاصمة الخلافة الأموية.
قيل: إن الذى بناها هو دمشق بن قانى بن مالك بن سام، من
أبناء نوح، عليه السلام، قبل مولد إبراهيم، عليه السلام، بخمس
سنوات. وهى مدينة كثيرة الأنهار والأشجار، تقع فى أرض
مستوية تحيط بها الجبال، وبها كثير من قبور الصحابة والتابعين
وتابعى التابعين والقادة المشاهير، مثل: محمود زنكى ملك
الشام وصلاح الدين الأيوبى. وقد فتحت دمشق سنة (14 هـ) فى
عهد عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وظلت تحت الحكم
الإسلامى منذ ذلك الوقت، وحكمها كل من الأيوبيين والمماليك
والعثمانيين، ثم احتلها الفرنسيون سنة (1920 م). وقد تعرضت
لكثير من المحن والشدائد، ففى سنة (543 هـ = 1148 م) تعرضت
للحملة الصليبية الثانية، وفى سنة (803 هـ = 1400 م) تعرضت
لغزو تيمور لنك، الذى قضى على الرجال وهتك أعراض النساء،
وحرق المنازل، ولم يبقَ من أهلها أحد إلا من هرب منها قبل
قدومه إليها. ومن العلماء المبرزين بدمشق: عبد العزيز بن أحمد
بن محمد التميمى الدمشقى، وأبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو بن
عبد الله بن صفوان، ويوسف ابن رمضان بن بندار الدمشقى،
ومنصور بن عمار السلمى الخراسانى، وعمر ابن حسن الخرقى
وهو من التابعين، وأبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر
المقدسى. ويوجد بدمشق كثير من المساجد والجوامع والمدارس
والخانات والحمَّامات، والأضرحة ودور الحديث.(11/343)
*دمياط
إحدى المدن الكبرى فى مصر، تقع على الشاطئ الشرقى لفرع
النيل الشرقى المعروف بفرع دمياط. وقد أُنشئت سنة (1225 هـ)
على أنقاض دمياط القديمة التى دُمرت فى عهد الملك الصالح نجم
الدين أيوب. وقد فتحت دمياط على يد المقداد بن الأسود. أحد
رجال عمرو بن العاص، فى عهد عمر بن الخطاب، رضى الله
عنه، فظلت فى أيدى المسلمين، مع ما تخلل هذه الفترة من
سيطرة صليبية عليها لبعض الوقت. وقد تعرضت دمياط للعديد من
الهجمات الأوربية الصليبية؛ ففى سنة (90هـ) تعرضت لغزو الروم،
ثم تعرضت لهجمات أوربية عديدة فى سنة (121هـ) وسنة (200
هـ) وسنة (238 هـ) وسنة (357 هـ)، ودارت بها معركة كبيرة
سنة (565 هـ) بين الصليبيين وصلاح الدين الأيوبى، هزمهم فيها
صلاح الدين. وفى سنة (615 هـ) احتلها الصليبيون حتى استردها
الملك الكامل سنة (618 هـ)، وفى سنة (646هـ) تعرضت لهجوم
لويس التاسع ملك فرنسا، الذى احتلها وحاول مهاجمة المنصورة
منها، ولكنه فشل، وهُزم جيشه وأسر هو نفسه وافتدى نفسه
بمال كثير، وخرجت دمياط من هذه الحروب وهى مدمَّرة تمامًا،
فقيل: إن الفرنجة دمروها فى سنتى (616 هـ) و (647 هـ)،
وقيل: إن أمراء المسلمين المماليك هم الذين دمروها سنة (648
هـ)؛ خوفًا من رجوع الفرنجة إليها. وتشتهر دمياط بالصيد
والزراعة وصناعة المنسوجات الحريرية وصناعة الأثاث، وطحن
الحبوب، واستخراج الزيوت النباتية من السمسم والقطن. ومن
أهم المساجد بها: مسجد الشيخ شطا بن الهاموك، ومسجد أبى
المعاطى، وجامع المتبولى (المدرسة المتبولية). وقد كان بها
عدة قلاع هدمت فى زمن الاحتلال الفرنسى لمصر، ثم أعاد
بناءها محمد على. ومن أهم علمائها المبرزين: خليل الدمياطى،
وعبد السلام الدمياطى، ومحمد معين الدين الدمياطى.(11/344)
*دنقلة
إقليم سودانى يقع جنوب جندل النيل الثالث مباشرة على بعد
(140 كم). وكانت منزلا لملك النوبة على شاطئ النيل، ولها
أسوار عالية مشيدة بالحجارة. وكانت تمثل إحدى الوحدات
الإدارية قبل استقلال السودان. ودنقلة اليوم بالاشتراك مع
مديريتى حلفا وبربر تكوّن ما يُعرف باسم المديرية الشمالية،
وسكانها نوبيون من الدناقلة والجعليين والشايقية، وقد تأثروا
بالعرب الذين يحيطون بهم من كل جهة. ويعد السهل النيلى
الفسيح الذى يشق الإقليم، مشجعًا على الاستقرار والزراعة فى
الإقليم، باستخدام السواقى، كما تكثر به كروم النخيل
المشهورة بتمورها الجافة. وقد شهدت دنقلة عددًا من الحضارات
القديمة والوسيطة، وتوجد بها آثار فرعونية من أهرامات
ومعابد، تدل على امتداد النفوذ المصرى؛ ومن ثم الحضارة
المصرية القديمة إليها. ودخلت المسيحية هذا الإقليم، وقامت
مملكتان مسيحيتان، عرفت الأولى بمملكة مقرة وعاصمتها دنقلة
القديمة، وعرفت الثانية بمملكة علوة وعاصمتها سوية. ودام
الحكم المسيحى فى دنقلة حتى القرن الرابع عشر الميلادى. وقد
فتحها عبد الله بن سعد بن أبى السرح، فى خلافة عثمان بن
عفان، رضى الله عنه، سنة (20 هـ)، وعقد مع ملكها قليدرون
معاهدة تتضمن دفع الجزية، والعناية بأمر المسجد الذى بناه
المسلمون بالمدينة. ودخلت بلاد النوبة بما فى ذلك دنقلة فى
الإسلام منذ القرن الرابع عشر الميلادى، إبان حكم السلطان
الناصر محمد بن قلاوون، وحكمها أحد ملوكها ممن اعتنقوا
الإسلام.(11/345)
*حَلب
مدينة سورية كبيرة. تقع فى الشمال الغربى من سوريا. تبلغ
مساحتها نحو (36) ميلا. وعدد سكانها (995.800) نسمة. بناها
العماليق بعد موت الإسكندر الأكبر بثلاثة عشر عامًا، وجعلوها
حصنًا لهم، حتّى انتزعها منهم نبى الله داود، عليه السلام. وقد
اتسعت حلب منذ عهد سيف الدولة الحمدانى سنة (420 هـ) حتى
وصلت حدودها إلى نهر الفرات، وبلغت أقصى اتساع لها فى
عهد المماليك فى القرن التاسع الهجرى، وكانت - فى ذلك
الوقت - أكبر ولاية بعد دمشق. وظلت حلب فى عهد العثمانيين
مركزًا مزدهرًا للتجارة، حتى استولى عليها المصريون بقيادة
إبراهيم باشا ابن محمد على سنة (1247 هـ)، الذى ظل بها
ثمانى سنين، وبعدها بدأت حلب تخطو خطوات واسعة نحو
التَّقَدم والرقى. ومن أهم الآثار الإسلامية بها: قلعة حلب التى بها
رأس نبى الله يحيى عليه السلام، ومشهد الإمام على بن أبى
طالب، رضى الله عنه، كما أن بها كثيرًا من المساجد، منها:
المسجد الجامع، ومسجد الشجرة، ومسجد ابن الأقرع، ومسجد
الهروى. وتشتهر حلب بكثرة المدارس، ومنها: المدرسة الزجاجية،
والمدرسة الحلاوية، والمدرسة السيفية ومدرستا: المالكية،
والحنابلة. وبها عدد ضخم من الخانات، والخوانق، والحمَّامات،
والبيمارستانات. وتشتهر حلب بزراعة الذرة، والقطن، والسمسم،
والبطيخ، والخيار، والتين، والتفاح، والكروم.(11/346)
*حضرموت
إقليم يقع فى جنوب شبه الجزيرة العربية. يحدّه من الشرق عمان
، ومن الغرب عدن، وتتصل حدوده الشمالية بالسعودية بطول
يبلغ (160 كم). ويتكون من ساحل رملى تعلوه بعض المرتفعات
الجبلية التى يخترقها عدد من الأودية، تختلف ضيقًا واتساعًا،
أهمها: وادى الكسر، ووادى دمعن، ووادى الجزع، ووادى
حجر، ووادى ميفع، ووادى سنام، ووادى المسيلة. وينتشر فى
حضرموت العديد من المدن، أهمها: مدينة شبام، ومدينة شبوة،
ومدينة نزيم، ومدينة المكلا وهى أهم موانيها. ويسكن حضرموت
عدد من القبائل الشهيرة، مثل: قبيلة شيبان، وقبيلة مهرة،
وكان يطلق على حضرموت اسم وادى الأحقاف وهم قوم هود،
عليه السلام، حيث يوجد بها قبره، وهى تُعَدّ من أقدم الممالك
العربية التى مازالت تحتفظ باسمها القديم حتى الآن. وهى تنسب
إلى حضرموت بن حمير أو حضرموت بن يقظان من القحطانيين.
وقد شهدت حضرموت فى القرون الثلاثة الأولى بعد الميلاد نهضة
كبيرة؛ بسبب التجارة، كما خاضت حرب الثلاثمائة عام؛ لتوحيد
سبأ وذى ريدان، ودخلها الإسلام فى عهد النبى e، ولكن
زعيمها قيس بن الأشعث ادَّعى النّبوّةَ، وتم القضاء على حركته
فى خلافة أبى بكر الصّدّيق. وقد تمتعت حضرموت بنوع من
الاستقلال فى عهد الدولة العباسية، وساهم الحضارمة فى نشر
الثقافة الإسلامية فى جزر الهند الشرقية، وسواحل المحيط
الهندى. وحضرموت حاليًّا إحدى محافظات اليمن، وتبلغ
مساحتها (155.376كم2)، وتنقسم إلى ثمانى مديريات، وبها
مطارات، وتوجد فيها بعض الزراعات.(11/347)
*حِطّين
قرية عربية فلسطينية، دارت بها معركة حطين التى استرد بعدها
صلاح الدين الأيوبى، بيت المقدس من أيدى الصليبيين سنة (583
هـ)، وبها قبر نبى الله شعيب، عليه السلام. وتقع حطين غربى
مدينة طبرية بنحو تسعة كيلو مترات، وتتحكم فى سهل حطين
المتصل بسهل طبرية عبر فتحة طبيعية، كما تتصل بسهول
الجليل الأدنى عَبْرَ ممرات جبلية، وترتفع حطين عن سطح الأرض
بمسافة تتراوح بين (100) و (125) مترًا، ويمرّ فى وسطها وادى
خنفور، وتتميز أراضيها بخصوبة التربة، واعتدال المناخ، وكثرة
الأمطار، وتوافر المياه الجوفية، ولاسيما فى الجزء الشمالى من
السهل، وأهم محاصيلها الزراعية: الحبوب والزيتون والفاكهة.
وكان سكان حطين فى عام (1945 م) يقدر عددهم بنحو (1190)
نسمة، وقد أبلوا بلاءً حسنًا فى الدفاع عن أرضهم، ولكن قوة
الاحتلال الإسرائيلى طردتهم من بيوتهم، وقامت بتدمير قريتهم.
وأنشأ اليهود عددًا من المستعمرات فوق أراضيها، مثل: كفار
زيتيهم فى الشمال الشرقى من موقع حطين، وأحوازات نفتالى
فى الجنوب الشرقى، وكفار حينيم فى الشرق.(11/348)
*حلوان
إحدى مدن مصر تقع فى جنوب القاهرة. أنشأها عبد العزيز بن
مروان سنة (73 هـ)، بعد أن ظهر وباء الطاعون فى مصر، وقيل:
بعد أن أغرق الفيضان مدينة الفسطاط. وبنى عبد العزيز بن
مروان بحلوان دورًا كثيرة، وقصورًا رائعة، وأنشأ بها عددًا من
المساجد، واستوطنها، وأسكن بها جنوده وقوَّاده، وزرع بها
بساتين الكروم والنخيل، وأقام مقياسًا على النيل، فظلت فى
ازدهار دائم طوال فترة حكمه. وبعد أن زالت الدولة الأموية،
أهْمِلَت المدينة؛ فاختفت العيون المعدنية التى كانت موجودة
بها، حتّى عهد الخديو عباس، الذى أقام بها مركزًا لعلاج الجنود
المرضى، وبخاصة من الأمراض الجلدية والروماتيزمية. وفى سنة
(1286 هـ) شُيّد بها العديد من الحمّامات عند العيون المعدنية،
وأقام الملك فاروق قصرًا صيفيّا على النيل بجوار حلوان، أصبح
الآن متحفًا وحديقة عامة.(11/349)
*الحبشة
هو الاسم الذى أطلقه العرب على الإقليم الإفريقى الذى يطل
على البحر الأحمر، ويواجه اليمن والذى يُعرَف حاليًّا باسم
إثيوبيا، وقد اختلفت حدوده على مرّ العصور. وينسب اسم
الحبشة إلى قبيلة حبشت السامية التى هاجرت من اليمن إلى
هذه المنطقة، واستقرت فى هذا الإقليم نحو القرن السادس قبل
الميلاد، واختلطت بالقبائل الكوشية الحامية مثل قبيلتى البجة
والجالا، ومع مطلع القرن الرابع الميلادى غلب اسم قبيلة حبشت
على المنطقة. وقد كان للتجارة دور كبير فى توطيد العلاقات
بين الحبشة وبيزنطة، ونشأ عن هذا الامتزاج الحضارى تأثر
الحبشة بالمسيحية، ودخول بعض القبائل الوثنية فيها؛ مما أدَّى
إلى قيام بعض الممالك المسيحية، مثل مملكة أكسوم، وأصبحت
الكنيسة الحبشية تابعة للكنيسة المصرية. وفى القرن السادس
الميلادى غزت الحبشة اليمن، وحاول أبرهة هدم الكعبة
المشرفة، ولكن الله أهلكه قبل أن يمسها بسوء. وعندما ظهر
الإسلام كان يحكم الحبشة ملك عرف بالحكمة والعدل؛ ولذا فقد
أوصى النبى e أصحابه بالهجرة إليها، بعد أن اشتد إيذاء
المشركين لهم فى مكة، فعاش هؤلاء المهاجرون فى كنفه فى
أمن وطمأنينة. وكانت هذه الهجرة هى النواة الأولى لنشر
الإسلام فى الحبشة، وما لبث الإسلام أن انتشر بين كثير من
القبائل، وساعد على ذلك الهجرات المتعاقبة للقبائل العربية
والتجار المسلمين؛ مما أدَّى إلى قيام عدد من الممالك الإسلامية
فى الحبشة، وقامت حروب وصراعات بين تلك الممالك وغيرها
من الممالك المسيحية والوثنية، استمرت طويلا، حتى غزت
إيطاليا الحبشة ثم احتلتها سنة (1936 م)، إلى أن تحررت سنة
(1941 م). وقد تعرّض المسلمون فى الحبشة لمذابح وحشية،
وحملات تطهير عرقية بشعة، واضطهاد عنيف، خاصة فى عهد
الإمبراطور هيلاسلاسى والرئيس الشيوعى منجستو هيلا ماريام.
ويصل عدد المسلمين فى الحبشة (إثيوبيا) إلى نحو (26) مليون(11/350)
مسلم، ومن أشهر القبائل المسلمة فيها قبائل جبرت والجالا
والبجة.(11/351)
*جَيْحون (نهر)
هو الاسم الذى أطلقه الترك على النهر المعروف باسم آمو أو
آموداريا، أو أوكسوس، بالتركستان فى وسط آسيا، وكان
اسمه القديم أوجزوس. وينبع نهر جيحون من مرتفعات هندكوش،
من مكان يسمى ريو ساران، وهو جبل يتصل بكلّ من السند
والهند وكابل، ويسير غربًا على هيئة شبه قوس حتّى يَصبَّ فى
الطرف الجنوبى من بحر آرال. ويبلغ طوله (2523 كم)، وتبلغ
مساحة حوضه (221) ألف متر مكعب.(11/352)
*الجزيرة الخضراء
مدينة فى الأندلس (إسبانيا)، لا تزال تحتفظ باسمها العربى حتَّى
الآن. تقع على خليج جبل طارق، ويقابلها من البر بلاد سبتة،
وتبعد عن قرطبة بنحو (300 كم). وقد اشتهرت فى تاريخ فتح
العرب للأندلس بأنها أول مدينة استولى عليها طريف بن مالك
عام (710 م)، بعد عبوره البحر المتوسط من ميناء سبتة إلى
الأندلس، وفى العام التالى دخلها طارق بن زياد. ويُنسب إليها
عدد من العلماء، منهم: أبو زيد عبد الله بن عمر بن سعد
الجزيرى. وفى عام (1906 م) عُقِدَ فى الجزيرة الخضراء مؤتمر
الجزيرة، واشترك فيه عدد من الدول الأوربية؛ للاتفاق على نظام
الحكم فى مراكش، وأُقِرَّ فيه تكليف فرنسا وإسبانيا برعاية
مراكش، وحفظ الأمن فيها. وهذه المعاهدة هى التى مهدت
لتقسيم مراكش إلى منطقتى نفوذ؛ إحداهما فرنسية، والأخرى
إسبانية.(11/353)
*تشاد (بحيرة)
بحيرة فى وسط إفريقيا. تحيط بها جمهوريات: نيجيريا والنيجر
والكاميرون، وتقع ضمن حوض تكتونى كبير، يمتد فى اتجاه
الشمال الشرقى، وقد رُدِمَ بالرواسب أثناء الزمن الرابع
البليستوسين. وقد كانت البحيرة أكثر امتدادًا واتساعًا أثناء
العصر المطير البلايوسين. وتصب فى بحيرة تشاد عدة مجار
مائية، أهمها: نهر شارى، وكانت قديمًا متصلة ببحيرة بودول
التى جفت فيما بعد. وتختلف مساحة بحيرة تشاد باختلاف فصول
السنة ونزول الأمطار، وتتراوح مساحتها ما بين (10) آلاف و (20)
ألف كم2.(11/354)
*بيزنطة
مدينة قديمة أسسها الإغريق سنة (658 ق. م). تقوم فى موقعها
الآن مدينة إستانبول بتركيا. وقد اكتسبت تلك المدينة شهرة
واسعة، بسبب موقعها على مضيق البسفور، وأصبحت مركزًا
تجاريًّا مهمًّا. استولى عليها الرومان سنة (196 م)، واختارها
قسطنطين الأول موقعًا لمدينة القسطنطينية التى حملت اسمه،
وأصبحت - فيما بعد - عاصمة للإمبراطورية البيزنطية، ثم صارت
عاصمة للخلافة العثمانية حتى قيام الجمهورية التركية سنة
(1923 م). وبها عدد من الآثار القديمة، من أهمها: جامع ومتحف
آيا صوفيا، الذى يرجع إلى العصر البيزنطى، وجامع السليمانية
وجامع أبى أيوب، وغيرها من الآثار. ويبلغ عدد سكانها أكثر
من مليونى نسمة.(11/355)
*تراقيا
إقليم يطلُّ على بحر إيجة، ويمتد - الآن - ما بين الجزء الأوربى
من تركيا واليونان، ومن أهم مدنه: إستانبول وأدرنة
وجاليبولى. وكانت تراقيا أول أرض أوربية فتحها الأتراك
العثمانيون، على يد الأمير سليمان ابن السلطان عثمان سنة (758
هـ)، واحتفظ العثمانيون بهذا الإقليم حتَّى قيام الحرب البلقانية
سنة (1912 م) التى انتهت بمعاهدة لوزان سنة (1923 م) والتى
نصَّت على منح بلغاريا منفذا لها على بحر إيجة عن طريق تراقيا
بين اليونان وتركيا.(11/356)
*جيبوتى
دولة عربية تقع فى الطرف الشرقى من قارة إفريقيا. يحدّها من
الشمال إريتريا، وإثيوبيا، من الغرب ومن الجنوب الغربى، وتقع
جمهورية الصومال الديمقراطية على الحدود الجنوبية لجيبوتى.
وتتمتع جيبوتى بأهمية كبيرة؛ نظرًا إلى موقعها الاستراتيجى،
بجانب تحكمها فى مضيق باب المندب من الجهة الغربية.
ومساحتها (21.783 كم2). وتمتد سواحلها بطول (370 كم). وتعد
المنفذ الرئيسى لصادرات إثيوبيا، وبها خط حديدى يربطها
بأديس أبابا. ويقدر عدد سكانها بنحو (240) ألف نسمة، وبها
نسبة عالية من العرب والأجانب، ويعيش فى عاصمتها جيبوتى
أكثر من (65%) من السكان. ولغتها الرسمية هى اللغة العربية،
كما تنتشر اللغة الفرنسية على نطاق واسع بها. والإسلام هو
الدين الرسمى للبلاد. تحررت جيبوتى من الاستعمار الفرنسى
سنة (1977 م)، ولكن لا تزال فرنسا تحتفظ بقوة عسكرية بها
تقدر بنحو (4500) جندى. ويوجد بجيبوتى خمسة أحزاب، أهمها:
الاتحاد الوطنى للاستقلال، والرابطة الشعبية الإفريقية
للاستقلال، وحركة تحرير جيبوتى. ونظامها السياسى جمهورى
رئاسى؛ فالرئيس هو نفسه رئيس الحكومة، والسلطة التشريعية
فى يد مجلس النواب. وجيبوتى هى الدولة رقم (148) فى الأمم
المتحدة، ورقم (22) فى جامعة الدول العربية، ورقم (49) فى
منظمة الوحدة الإفريقية. وتعتمد جيبوتى على الرعى والزراعة،
لكن المساحة المخصصة للزراعة لا تزيد على ثلاثة آلاف هكتار،
وبها ثروة حيوانية وفيرة تبلغ (770) ألف رأس، كما أن بها
ثروة سمكية وفيرة؛ لموقعها المتميز على مدخل البحر الأحمر،
إلا أن الصيد يتم بمعدات بدائية. والعملة الرسميةُ لجيبوتى هى
الفرنك الجيبوتى، وهو مقسم إلى مائة سنتيم. وتوجد بها
شركتان للخطوط الجوية؛ إحداهما فرنسية، والأخرى جيبوتية.(11/357)
*الجزيرة
اسم يطلق على الإقليم الشمالى لبلاد ما بين النهرين (دجلة
والفرات). وتعرف باسم الجزيرة الفراتية، وتشمل الإقليم الذى يمتد
فى شمال الأنبار وتكريت. وكانت تشمل ديار بكر وربيعة
ومضر، وإليها ينسب الإمام الجزرى. وعند ظهور الإسلام كانت
الجزيرة من الأقاليم الرومانية، وكانت تعرف باسم ولاية الشام،
وعندما فتح المسلمون هذه الأقاليم عُدَّت الجزيرة الفراتية
وأرمينيا وأذربيجان، ولاية واحدة.(11/358)
*التّل الكبير
إحدى مدن محافظة الشرقية بمصر. تقع على الخط الحديدى
الممتد من القاهرة إلى الإسماعيلية. توجد بالقرب منها آثار
حصون قديمة ومدن مندثرة. اشتهرت فى تاريخ مصر الحديث
بالمعركة الفاصلة التى جرت عندها، بين القوَّات المصرية والقوات
البريطانية سنة (1882 م) والتى انتهت بهزيمة المصريين، بعد أن
تمكن الجيش البريطانى من الإغارة على معسكر الجيش المصرى
ليلا، فارتد أحمد عرابى وبعض فلول الجيش نحو القاهرة؛
لتحصينها والدفاع عنها، ومحاولة وقف تقدم الإنجليز إليها، إلا
أن الهزيمة الساحقة للجيش فى التل الكبير، فتحت أبواب
العاصمة أمام جيوش المستعمرين دون مقاومة تذكر. وكان ذلك
بداية الاحتلال البريطانى الذى جثم على البلاد أكثر من سبعين
عامًا.(11/359)
*جغبوب
واحة ليبية. تقع على بعد (295 كم) من شاطئ البحر المتوسط،
وتوازى واحة سيوة التى تقع على بعد (150 كم) داخل حدود
مصر مع ليبيا. وكلمة جغبوب تعنى المنخفضات التى فيها عيون
الماء، والمستنقعات الصغيرة وتوجد فيها بعض البحيرات المالحة.
وقد أقام بهذه الواحة المصلح الليبى محمد بن على السنوسى
سنة (1856م)، وأسس بها عددًا من الزوايا لنشر الإسلام بين
الجماعات الوثنية الموجودة فى السودان وحوض بحيرة تشاد.
وكانت جغبوب هى الطريق الرئيسى للسلاح القادم إلى
المجاهدين فى ليبيا أثناء حربهم مع الإيطاليين، ولم تستطع
إيطاليا السيطرة عليها إلا بعد (25) عامًا من احتلال ليبيا؛
فأقامت حائطًا من الأسلاك الشائكة على حدودها مع مصر،
وتحت الضغط البريطانى تنازلت مصر لإيطاليا عن جغبوب التى
كانت جزءًا من أراضيها.(11/360)
*تَعِز
مدينة يمنية. تقع بالقرب من الحدود الجنوبية لليمن، فى جبل
صبر، على ارتفاع (1300) متر فوق سطح البحر، وهى إلى
الشرق من ميناء مخا، وعلى الطريق البرى الذى يمتد شمالا إلى
مدينة زبيد. وتبلغ مساحتها (12ألف كم2). وكانت - فى بداية
نشأتها - عبارة عن مجموعة من القلاع، فوق جبل صبر، ولكنها
لم تحظَ بالاهتمام إلا بعد وصول توران شاه الأيوبى إليها سنة
(569 هـ) فى ثلاثة آلاف مقاتل، وبنائه قلعة بها. وشهدت عصرها
الذهبى أيام سلاطين بنى رسول فى منتصف القرن السابع
الهجرى، كما شهدت ازدهارًا اقتصاديًّا؛ لوقوعها فى طريق
التجارة، ثم فتحها العثمانيون سنة (952 هـ)، وسيطر عليها
إبراهيم باشا ابن محمد على قبيل منتصف القرن التاسع عشر
الميلادى. وفى منتصف القرن العشرين اتخذها الإمام أحمد مقرًّا
لإقامته، وقاعدة لحكمه، ولكن سرعان ما ضعفت أهميتها بعد
ثورة اليمن وتحول مقرّ الحكم إلى صنعاء. وتتنوع المحاصيل
الزراعية فى تعز؛ بسبب كثرة الأمطار، وتشتهر تعز بزراعة
الفاكهة والخضراوات والزيتون والبن والقمح.(11/361)
*تركيا
تقع تركيا فى شمال غرب آسيا، وهى عبارة عن منطقة آسيا
الصغرى بين البحر المتوسط والبحر الأسود. وتحدّها بلغاريا
واليونان من الغرب، ومن الشمال الاتحاد السوفييتى سابقًا، ومن
الشرق إيران، ومن الجنوب العراق وسوريا. وتبلغ مساحة تركيا
(779.452 كم2)، وعاصمتها أنقرة. ويبلغ عدد سكانها نحو
(56.941.000) نسمة، إلى جانب بعض الأقليات، مثل: العرب
والأكراد. واللغة الرسمية فيها هى اللغة التركية، كما توجد بها
بعض اللغات الأخرى، مثل: اللغة العربية واللغة الكردية. والدين
الرسمى للبلاد هو الإسلام؛ حيث يمثل المسلمون نحو (99%) من
السكان، منهم (85%) على المذهب السنى، و (14%) على المذهب
الشيعى. وتشتهر تركيا بعدد من المحاصيل الزراعية، من أهمها:
الطباق والفاكهة والقطن والذرة والشعير والبطاطس والبنجر،
كما توجد بها بعض المعادن، مثل: الأنتيمون والكروميوم والزئبق
والنحاس. ومن مصادر الطاقة فيها: الفحم، والبترول. ومن أهم
الصناعات بها: صناعة الحديد والصلب، وصناعة السيارات،
والسجاد، والمنسوجات، والآلات. والعملة المتداولة هى الليرة
التركيَّة.(11/362)
*تلمسان
أشهر مدن الجزائر. تقع فى منطقة جبلية بالقرب من حدود
المغرب، وتبعد عن مدينة وهران بنحو (130 كم). وتبلغ مساحتها
(250) فدانًا. وتلمسان كلمة بربرية تعنى مدينة الينابيع، وأطلق
عليها المرابطون اسم تاقرارت وتعنى المعسكر، وذلك فى أثناء
حصارهم لها فى القرن الخامس الهجرى؛ إذ أنشئوا تلمسان
الحديثة ومسجدها الجامع. وقد فتحت تلمسان سنة (55 هـ) على
يد القائد أبى المهاجر دينار، فى عهد الخليفة معاوية بن أبى
سفيان، ثم تتابع عليها الأمويون والعباسيون والزناتيون
والفاطميون والمرابطون والموحدون والحفصيون، وبنو زيان،
ثم احتلها الإسبان سنة (1555 م)، ثم خضعت للعثمانيين، ثم
صارت تابعة لسلطان مراكش، حتى احتلها الفرنسيون سنة (1836
م)، لكنهم تنازلوا عنها لنائب الأمير عبد القادر الجزائرى بمقتضى
معاهدة سنة (1837 م)، إلا أنهم عادوا فاستولوا عليها سنة
(1842 م)، حتى أصبحت بلدة لها استقلالها الذاتى سنة (1854
م). وتشتهر مدينة تلمسان بالزراعة والرعى، وهى تنتج الحبوب
والفلين، وتوجد بها بعض الآثار الإسلامية، مثل: مسجد تلمسان،
الذى بناه يوسف بن تاشفين، وبها بعض المزارات، مثل: مزار
أبى مدين الزاهد. وينتسب إليها عدد من العلماء، منهم: المقرى
التلمسانى صاحب كتاب نفح الطيب، وأبومدين التلمسانى أحد
كبار الصوفية، والشاعر الشهير العفيف التلمسانى.(11/363)
*بئر سبع
مدينة فلسطينية. تقع شمالى صحراء النقب، فى منتصف المسافة
بين البحر الميت شرقًا، والبحر المتوسط غربًا. ومناخها شبه
صحراوى بصفة عامة. وتشتهر المدينة بالزراعة والرعى
والتجارة، كما توجد بها بعض الصناعات، وتعتمد الزراعة فيها
على المياه الجوفية، وتوجد بها جامعة النقب التى أنشئت عام
(1970 م). ونظرًا إلى أهمية موقعها؛ صارت مركزًا للاستيطان
البشرى؛ لقربها من حافة الصحراء، وقد كان لمرور القوافل
التجارية قديمًا بها أثره فى ازدهار المدينة، وثراء أهلها. كما
أن لها أهمية استراتيجية كبيرة، وبخاصة من الناحية العسكرية
والحروب، ولا سيما فى الصراع العربى - الإسرائيلى؛ فقد كانت
قاعدة للهجوم الإسرائيلى على قطاع غزَّة وسيناء وقناة
السويس؛ لذلك اهتمت إسرائيل بربطها بجميع أنحاء فلسطين
بشبكة من طرق المواصلات الجيدة، منذ احتلالها عام (1948م).
وقد خضعت بئر سبع، على مدار التاريخ للأمم التى استولت على
فلسطين، مثل: الآشوريين والبابليين والفرس واليونانيين
والمصريين، حتى فتحها المسلمون مع بلاد الشام فى صدر
الإسلام، واستمرت تحت لواء الإسلام حتى احتلها الصليبيون،
فتعرضت للضعف بعد أن حولت طرق التجارة عنها. وفى العهد
العثمانى اهتم العثمانيون بتعمير المدينة. وكانت قاعدة للجيوش
العثمانية فى أثناء الحرب العالمية الأولى، ثم احتلها
البريطانيون سنة (1917 م)، حتى احتلها الإسرائيليون سنة
(1948 م)، فعملوا على إجلاء السكان العرب عنها، ونشطوا فى
تهجيرهم منها.(11/364)
*تطوان
مدينة مغربية تقع بالقرب من بوغاز جبل طارق، وتبعد عن طنجة
بنحو (60 كم) من جهة الجنوب الشرقى، ويطلق عليها أيضًا
تطاون وتيطاوين. قيل: إن الذى بناها هو السلطان أبو ثابت
المرينى، أحد سلاطين دولة بنى مرين بالمغرب، وقيل: إنها
مدينة قديمة حكمها الرومان، ثم تتابع عليها القوط، ثم العرب،
وازدهرت إبان حكم بنى مرين، وحينما شهدت فترة من الضعف
بعد ذلك اتخذها قراصنة البحر ملجأ لهم. وبلغت تطوان أوج
مجدها وقمة ازدهارها فى القرن التاسع الهجرى، عندما
استوطنها المهاجرون الأندلسيون، بعد سقوط غرناطة، بزعامة
القائد أبى الحسن المنذرى، الذى قام بتحصينها، وجعلها قاعدة
للغزو البحرى للبرتغال، وأسر منهم عددًا كبيرًا، استخدمهم فى
تعمير المدينة وبناء الأسوار والقلاع. وفى سنة (1860 م)
استولى عليها (الإسبان)، ثم خرجوا منها، ولكنهم عادوا
فاستولوا عليها مرة أخرى سنة (1912 م)، وجعلوها عاصمة
للمنطقة الشمالية من المغرب التى احتلوها، ثم عادت إلى المغرب
بعد استقلالها سنة (1956 م). وترجع شهرة تطوان إلى كونها
مدينة تجارية، إلى جانب جمالها الرائع؛ حيث تحيط بها مجموعة
من الحدائق والبساتين التى أنشأها الأندلسيون، كما يوجد بها
العديد من الآثار التاريخية، مثل: الأسوار القديمة، والأبراج،
والمساجد، والأضرحة. وتوجد بها بعض الكليات والمتاحف الفنية،
ومتحف للآثار التاريخية، وكان لشهرتها ورواجها التجارى
والسياحى أثر كبير فى هجرة أعداد كبيرة إليها من سكان
الريف (من أهل الشمال) ومن سكان بعض المدن، مثل: فاس
ومراكش وسوسة فى الجنوب.(11/365)
*حماة
مدينة فى شمال سوريا. تقع على ضفتى نهر العاصى، وتبعد
شمالا عن دمشق بنحو (210 كم)، وعن حمص بنحو (40 كم)،
وتبعد جنوبًا عن حلب بنحو (165 كم)، وترتفع عن سطح البحر
بنحو (308) أمتارٍ. وخضعت حماة لحكم العمالقة ثم الأموريين،
والسومريين، والأكاديين والحيثيين، واجتاحها الهكسوس، ثم
الآراميون، وغزاها الآشوريون، ودمروها، ثم الفراعنة، ثم
حكمها الفرس، ودخلت تحت نفوذ الإسكندر الأكبر، واستمرت مع
خلفائه الهلنستيين فترة، وحكمها الرومان حتى أشرق عليها
نور الإسلام سنة (17هـ)، على يد الصحابى أبى عبيدة بن
الجراح، وظلت تحت الحكم الإسلامى طوال القرون التالية. وعندما
اجتاحت الحملات الصليبية مختلف مدن سوريا وفلسطين، وقفت
حماة سدًّا منيعًا ضدَّ الغزاة؛ فلم يدخلوها، واستحوذ عليها صلاح
الدين الأيوبى، ثم خضعت لسلطان المماليك حتى سقطت فى يد
التتار، ثم دخلت فى حكم العثمانيين، واحتلها الفرنسيون سنة
(1920 م)، ثم أجلوا عنها سنة (1946 م). وقد اشتهرت حماة
بالنواعير (السواقى)، وبها عدة أماكن أثرية، منها: الجامع
الكبير، والجامع النورى، كما اشتهرت بقصورها التى أطنب
فى وصفها المؤرخون، والتى بقى منها: قصر العظم، وقصر
الطيارة الكيلانية، ومكتبة نورى باشا الكيلانى المؤرخ.(11/366)
*بيروت
عاصمة لبنان، وأشهر مدنها. تقع على ساحل البحر المتوسط،
وهى من أهم مراكز الثقافة العربية فى الشرق، بما تملكه من
مطابع ودور نشر، كما أنها تستقطب معظم الأنشطة الثقافية،
والمؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى لبنان،
ويوجد بها عدد كبير من الصناعات، أهمها: صناعة الكتاب
ونشره، والصناعات الغذائية، والنسج، والصناعات المعدنية
والكيماوية، ومواد البناء. وتضم بيروت عددًا من الآثار الإسلامية،
مثل: الجامع العمرى، وجامع السراى، ومسجد الخضر،
وضريح الإمام الأوزاعى. وتعد بيروت من المدن القديمة التى
استوطنها الإنسان منذ العصور الحجرية القديمة، وقد استولى
عليها الرومان، وخضعت للدولة البيزنطية، حتى فتحها المسلمون
فى خلافة عمر بن الخطاب سنة (13 هـ)، وظلَّت تحت لواء الخلافة
الإسلامية أيام الأمويين، فكانت فى عهدهم مركزًا لانطلاق
الأساطيل الإسلامية فى البحر المتوسط، ثم أصبحت تحت لواء
الخلافة العباسية، إلى أن اجتاحتها جيوش الصليبيين سنة (503
هـ)، وظلَّت كذلك (80) عامًا، حتى تمكن صلاح الدين من
استردادها بعد معركة حطين سنة (583 هـ)، ثم دخلت تحت حكم
المماليك، ثم ضُمَّت إلى الدولة العثمانية، وشهدت بيروت ازدهارًا
اقتصاديًّا وحضاريًّا فى عهد العثمانيين. ثم أصبحت تحت حكم
محمد على، حتى استردتها الدولة العثمانية. وبعد الحرب العالمية
الأولى احتلتها فرنسا سنة (1918 م)، إلى أن استقلت بيروت
سنة (1943م)، وقسمت إلى بيروت الشرقية وبيروت الغربية، ثم
شبت الحرب الأهلية (الطائفية) بين أهلها سنة (1975 م)، فشهدت
بيروت من الدمار والخراب ما لم تشهده من قبل، حتى هدأت
الحرب الأهلية، فبدأت بيروت تستعيد مكانتها من جديد.(11/367)
*تبريز
إحدى مدن جمهورية إيران الإسلامية. تقع فى الشمال الغربى من
طهران، وهى أشهر مدن محافظة تبريز، عاصمة إقليم أذربيجان
الشرقية. وتنقسم محافظة تبريز إلى ستة قطاعات، هى: بستان
آباد، واسكو، وهجوارقان، وشبستر، وهريس، بالإضافة إلى
تبريز. ويرجع أصل تسمية تبريز إلى كلمتين فارسيتين، هما:
تب، بمعنى: الحمم، وريز بمعنى: القاذفة؛ فهى تعنى: قاذفة
الحمم؛ وذلك لكثرة ما يحدث بها من زلازل وبراكين. وسكانها
مسلمون، معظمهم من الشيعة. وقد فتحها المسلمون سنة (22هـ)،
ثم غزاها المغول سنة (628 هـ)، وشهدت ازدهارًا أثناء حكم
الإيلخانيين، سلاطين المغول الذين حكموا إيران، ثم وقعت تبريز
تحت سيطرة الأسرة الجلائرية سنة (759 هـ)، ثم سيطر عليها
التيموريون، ثم حكمتها أسرة تركمانية، واتخذتها عاصمة
لدولتها، ثم دخلها الشاه إسماعيل الصفوى، وعمل على نشر
المذهب الشيعى فيها بالقوَّة، حتى سيطرت الدولة القاجرية على
أذربيجان وعاصمتها تبريز. ولما توترت العلاقات بين إيران
وروسيا تأثرت تبريز بذلك، ودخلت تحت سيطرة روسيا، حتى
انسحبت روسيا من شمال إيران بعد انتهاء الحرب؛ فعادت تبريز
إلى إيران سنة (1946 م). وتتمتع تبريز بمناخ معتدل صيفًا، إلا
أنه شديد البرودة شتاءً؛ إذ تقل درجة الحرارة عن الصفر.
وتشتهر تبريز بالزراعة، وتنتج كميَّات وفيرة من الفاكهة
والخضراوات والحبوب، وتنتشر فيها المراعى الكثيرة، كما
تتوافر فيها ثروة حيوانية كبيرة من الأغنام والماشية. وهى
غنية بالثروات المعدنية من الفحم الحجرى والزرنيخ والأملاح
المعدنية، وبها عدد من الصناعات، أهمها: صناعة الجلود
والسجاد والنسج. وتعد تبريز - حاليًّا - مركزًا للتبادل التجارى
العالمى، وحلقة اتصال مهمة بين إيران وتركيا وروسيا ودول
أوربا.(11/368)
*تشاد
دولة إسلامية إفريقية. تحدها من الشمال ليبيا، ومن الجنوب
إفريقيا الوسطى، ومن الشرق السودان، ومن الغرب النيجر
ونيجيريا والكاميرون. وتبلغ مساحتها (1.284.000 كم2). ويعتمد
اقتصادها على الزراعة، ومن أهم المحاصيل الزراعية بها: الذرة،
والفول السودانى، والأرز، والقمح، وقصب السكر، والقطن،
والصمغ العربى، كما يعتمد الأهالى فيها على صيد الأسماك من
بحيرة تشاد. ولا تكاد توجد بها ثروات معدنية، وهى تنتج أملاح
النطرون فقط، وبها بترول يستخرج من شمال بحيرة تشاد، وبها
بعض الصناعات البسيطة، مثل: حلج القطن، وتكرير السكر،
وتصنيع الأسماك، وحفظ اللحوم. ويبلغ عدد سكانها نحو خمسة
ملايين نسمة، تبلغ نسبة المسلمين منهم (85%)، والنصارى (7%)،
فى حين تمثل نسبة الوثنيين (8%). واللغة الرسمية للبلاد هى
اللغة التشادية والفرنسية، وتنتشر اللغة العربية بين قبائل
الشمال. ومن أهم المدن بها: إنجامينا العاصمة، وسارا،
وموندو، ويونجور. وقد دخلها الإسلام فى القرن الخامس
الهجرى، وقامت على أرضها عدة ممالك إسلامية، مثل: الكانم
والبرنو، ووادَّاى، وباقيرمى. وبعد ضعف هذه الممالك بسطت
فرنسا نفوذها على تلك المناطق منذ بداية القرن العشرين،
وضمتها إلى مجموعة دول إفريقيا الاستوائية الفرنسية،
وحكمها عدد من القادة العسكريين الفرنسيين، حتى حصلت على
استقلالها سنة (1959 م)، ثم قامت بها عدة اضطرابات داخلية بين
قبائل الشمال والجنوب؛ بسبب الاختلافات العرقية والدينية.
وكانت قبائل الشمال، من الفولانى والهوسا والتيبو، تتكلم
اللغة العربية، وتدين بالإسلام، ولم تتأثر بعمليات التنصير النشطة
المستمرة، ولم تفقد هويتها الثقافية الإسلامية فى تيار الغزو
الثقافى الفرنسى، أما قبائل الجنوب (البانتو) فيتكلمون اللغة
الفرنسية، وأغلبهم وثنيون، وقد تأثروا كثيرًا بثقافة
الفرنسيين، وخضعوا لعمليات تنصير واسعة. ونتيجة للاضطرابات(11/369)
شهدت البلاد العديد من الانقلابات العسكرية، كان آخرها الانقلاب
الذى قام به إدريس ديبى، وانتخب على إثره رئيسًا للبلاد،
وسمح بتعدد الأحزاب. ونظام الحكم فى تشاد جمهورى رئاسى.
وهى عضو فى منظمة الأمم المتحدة ومنظمة الوحدةالإفريقية
ومنظمة شرق ووسط إفريقيا (أورياك).(11/370)
*تركستان
كلمة فارسية تتكون من مقطعين: ترك وستان، وتعنى: بلاد
الترك. وكانت تطلق على المنطقة الواقعة بين بحر الخزر
(قزوين)، ونهر الأورال غربًا، وحتى حدود التبت ومنغوليا
والصين شرقًا، وسيبريا شمالا، وأفغانستان جنوبًا. وتنقسم
تركستان إلى قسمين، هما: تركستان الغربية: وتشغل الثلث
الشمالى من قارة آسيا. وتحدّها من الغرب جبال الأورال وبحر
قزوين، ومن الجنوب هضبة إيران، ومن الشرق جبال تيان شان،
ومن الشمال بعض السلاسل الجبلية قليلة الارتفاع. وتبلغ
مساحتها (4.106.000 كم2)، وتتنوع خصائصها الطبيعية؛
فتحوى العديد من السهول والمرتفعات والأنهار، ومن أشهر
سهولها: مرتفعات تشونسكى وتيان شان، وأهم أنهارها: نهر
جيحون (أموداريا)، ونهر سيحون (سيرداريا)، وأهم مدنها
طشقند، وسمرقند، وبخارى، وعشق آباد، وغيرها. ويعيش
فيها خليط من الأجناس البشرية، أهمها: الكاجيك والتركمان
والقازان والقيرغيز والأوزبك، وهم يدينون بالإسلام، ويتكلمون
اللغة التركية باستثناء الطاجيك فيتكلمون اللغة الفارسية. وقد
دخل الإسلام هذه المنطقة فى القرن الأول الهجرى، وتتابعت
عليها الدول الإسلامية، مثل: السامانية والخاقانية والغزنوية
والسلجوقية والخوارزمية، ثم استولى عليها المغول، ثم
التيموريون، ثم انقسمت إلى عدة خانيات. وفى منتصف القرن
التاسع عشر الميلادى تمكن الروس القياصرة من الاستيلاء على
تلك المنطقة، وخلفهم فيها الشيوعيون فقسموها إلى خمس
جمهوريات، هى: أوزبكستان وطاجيكستان وفيرغيزستان
وتركمانستان وقازاقستان، وأطلق عليها اسم جمهوريات آسيا
الوسطى الإسلامية. تركستان الشرقية: وتعرف الآن باسم
مقاطعة سيكيانج أو المستعمرة الجديدة، وتوجد بالصين.
وتحدها من الجنوب باكستان وكشمير والتبت، ومن الغرب
أفغانستان وتركستان الغربية، ومن الشرق والجنوب الشرقى
الصين ومنغوليا، ومن الشمال سيبريا، ومن أهم مدنها: بخارى(11/371)
الصغرى، وكاشغر. ويدين معظم أهلها بالإسلام. ويرتبط
تاريخها بتاريخ تركستان الغربية، حتى تم الانفصال بينهما سنة
(1760م)، بعد احتلال الصين لها، فقد كانت تلك المنطقة موضع
نزاع دائم بين روسيا والصين، وتحول اسمها من تركستان
الشرقية إلى مقاطعة سيكيانج سنة (1950م). وتبلغ مساحتها
(1.710.745 كم2)؛ ويقدر عدد سكانها بنحو (8.5) مليون نسمة،
يدين نحو (95%) منهم بالإسلام. وتمتلك تركستان الشرقية أغنى
أنواع اليورانيوم وأجودها فى العالم، ولديها احتياطى ضخم من
البترول، إلى جانب العديد من المناجم والثروات المعدنية التى
تعتمد عليها الصين اعتمادًا كبيرًا.(11/372)
*بيت المقدس
مدينة عربية قديمة. أسسها اليبوسيون الكنعانيون منذ حوالى
خمسة آلاف عام، وسموها أورشليم نسبة إلى شالم، وهو معبود
كنعانى معناه السلام، جاءت تسميتها فى العهد القديم باسم
أورشليم، وهى ليست كلمة عبرية وإنما هى كنعانية الأصل
قبل أن تظهر العبرية، كما أُطلقَ عليها يبوس نسبة إلى
اليوبسيين، من بطون العرب الأوائل فى الجزيرة العربية، وهم
سكان القدس الأصليون وقد نزحوا مع القبائل الكنعانية نحو سنة
(2500ق. م). وترتفع القدس عن سطح البحر المتوسط بنحو (750)
مترًا، وعن سطح البحر الميت بنحو (1150) مترًا، وهى ذات موقع
جغرافى مهم، على هضبة القدس والخليل، وفوق القمم الجبلية.
وللقدس مكانة عظيمة فى نفوس المسلمين، فهى أولى القبلتين،
ومسرى النبى e، مما يجعلها ميراثًا إسلاميّا يجب حمايته
والمحافظة عليه. لم يدخل اليهود القدس إلا فى عهد نبى الله
داود، عليه السلام، الذى جعلها عاصمة له، حتى فتحها نبوخذ
نصر (بختنصر) سنة (586ق. م)، ودمرها، وأجلى اليهود إلى بابل،
ثم فتحها الإسكندر المقدونى سنة (332ق. م)، وتتابع عليها
البطالمة والسلوقيون. وفى عهد الملك السلوقى أنطيوخوس
الرابع أرغم اليهود على اعتناق الوثنية اليونانية، حتى نجح
اليهود فى الاستقلال بأورشليم تحت حكم الحاسمونيين سنة
(135 ق. م)، ثم استولى الرومان على سوريا وفلسطين. وعندما
ثار اليهود من جديد سنة (132 ق. م) استطاع الإمبراطور
هادريانوس إخماد ثورتهم، وخرّب أورشليم، وبنى مكانها
مستعمرة رومانية، حرّم على اليهود دخولها، وأطلق عليها اسم
إيليا كابيتولينا. ولما اعتنق قسطنطين المسيحية، أعاد إلى
المدينة اسم أورشليم، وقامت والدته هيلانة ببناء بعض الكنائس
فيها، ومنها كنيسة القيامة. وعندما فتحها المسلمون، دخلها
الخليفة عمر بن الخطاب أمّن أهلها على أرواحهم واموالهم
وعقيدتهم وكنائسهم، ورفض أن يُصلى فى كنيسة القيامة،(11/373)
حتى لايتخذها من يأتى بعده سُنّةً. وفى عهد الأمويين بنى عبد
الملك بن مروان قبة الصخرة المشرّفة سنة (72هـ)، ثم أقام الوليد
بن عبد الملك المسجد الأقصى سنة (90هـ)، وواصل التعمير
والتجديد فيها العباسيون، والطولونيون والإخشيديون، ثم
الفاطميون، والسلاجقة، حتى احتلها الصليبيون سنة (492هـ)،
فقتلوا نحو سبعين ألفًا من المسلمين فى مذبحة بشعة،
وأشاعوا الفساد فى القدس ونهبوا كنوزها، ووضعوا الصليب
على قبة الصخرة، حتى عادت على يد القائد صلاح الدين
الأيوبى سنة (583 هـ). وأصبحت القدس فى زمن المماليك مركزًا
من أهم المراكز العلمية فى العالم الإسلامى، ثم تعاقب فيها
العثمانيون حتى تآمرت عليها قوى الغرب الاستعمارية، وسعت
إلى تقسيمها عن طريق وعد بلفور، الذى مهد لسيطرة اليهود
على فلسطين كلها، فتدفقت أعداد كبيرة من شتى أنحاء
العالم، إلى فلسطين عامة، والقدس خاصة حتى ضاقت بهم
المدينة، فتوسعوا خارجها، فيما يسمى بالقدس الجديدة
(الغربية). ومازالت اليهود تصرّ على ضمّ المدينتين، واتخاذ القدس
الموحدة عاصمة لها وصبغها بالصبغة اليهودية، وقد تعرضت
مبانى المدينة للتدمير والتخريب. ويتعرض المسلمون لأشد حملات
العنف والاضطهاد. وكانت جريمتا حرق المسجد الاقصى وإطلاق
النار على المصلين فيما عُرِف بمذبحة الحرم الإبراهيمى من أبشع
الجرائم التى ارتكبت فى حق الإنسانية على مرّ التاريخ. ولم تقف
ممارسات اليهود عند حدّ المذابح والإبادات الجماعية للمسلمين،
فقد تعرض القرآن الكريم والنبى e لإساءات بالغة من
المستعمرين اليهود فى القدس!(11/374)
*طرابلس
ميناء شمالى لبنان على البحر المتوسط، بينها وبين بيروت (87)
كم، كانت عاصمة اتحاد مدن صيدا وصور وأرواد فسماها
الإغريق طرابلس، أى ذات المدن الثلاث، وبعد السيادة الفينيقية
عليها، وقعت فى أيدى السلوقيين فالرومان ثم البيزنطيين حتى
فتحها المسلمون نحو سنة (14هـ)، وبعد فتح دمشق فى خلافة
عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وحصَّنوها. وبعد سنة (365هـ)،
تتابعت عليها الحملات الصليبية، فقام فيها خلال تلك الفترة
إمارة شبه مستقلة على يد القاضى الشيعى الحسن بن عمار
المتوفَّى سنة (464هـ) وخلفه ابن أخيه على بن محمد بن عمار
الذى خلفه أخوه عمار بن محمد سنة (492هـ)، ولم تسقط طرابلس
فى أيدى الصليبيين رغم سقوط بيت المقدس حتى سنة (502هـ)،
وظلت معهم حتى نفر إليها السلطان قلاوون فهرعت للدفاع عنها
الإمارات الصليبية، وأساطيل قبرص والجمهوريات الإيطالية،
ولكن حاميتها استسلمت لجيش قلاوون، فحكمها المماليك ثم
العثمانيون حتى استولى عليها البريطانيون عام (1918م)، وفى
سنة (1920م) أعلن الجنرال غورو الفرنسى قيام دولة لبنان
الكبير التى ضمَّت مقاطعات منها طرابلس. وينتهى بطرابلس خط
أنابيب بترول العراق وبها مصفاة للبترول العراقى، كما تقع
طرابلس على الخط الحديدى القادم من بيروت ويتصل عند حمص
بخط سكة حديد الشرق إلى حلب فالأناضول، ومن مشاهدها
اليوم: الجامع الكبير، وقلعة ريمون سان جل الصليبية، وبعض
الحمامات التركية، فضلاً عن أطلال القلعة البحرية بأبراجها
الستة.(11/375)
*كردستان
تقع منطقة كردستان فى الجزء الغربى من قارة آسيا، ويحدها
الاتحاد السوفييتى (سابقًا) من الشمال وتركيا من الغرب،
وسوريا والعراق من الجنوب، وإيران من الشرق، وتقدر مساحتها
بنحو (409.650) كم2، وترتفع منطقة كردستان عن سطح البحر
مابين (1000 - 1500) متر، لذلك تتصف كردستان بأنها بلاد
الجبال العالية والهضاب المرتفعة، فجبال آرارات ترتفع بعض
قممها إلى (5168) مترًا وتمتد السهول الخصبة فى منطقة
كردستان وهى بلاد غنية بمصادر المياه المختلفة من أنهار
وأمطار ومياه جوفية. لذلك فالمنطقة تتمتع باقتصاد قوى من
الناحية الزراعية والسياحية إذا أمكن إنهاء مشكلاتها السياسية
التى تنبع من أن المنطقة مقسَّمة بين ثلاث دول هى تركيا
والعراق وإيران، وتسمى كردستان فى تركيا كردستان الشمالية
، وفى العراق كردستان الجنوبية وفى إيران كردستان
الشرقية، وكردستان تعنى أصلاً (بلاد الأكراد)، وأول من أطلق
لفظة كردستان هو سنجر آخر ملوك السلاجقة فى القرن الثانى
عشر الميلادى، وأول من أرَّخ هذه الكلمة هو القزوينى فى
كتابه نزهة القلوب سنة (720هـ). وأغلب سكان منطقة كردستان
من الأكراد، بالإضافة إلى العرب والتركمان والأتراك والأرمن
والآشوريين، ويتكلَّم سكان كردستان اللغة الكردية بلهجاتها
المختلفة، وتكتب الكردية بالحرف العربى رغم محاولات البعض
كتابتها باللاتينى. ويوجد بعض الأحزاب السياسية الكردية فى
المنطقة مثل: حزب العمال الكردستانى ( PKK)، وحزب شورش
والحزب الديمقراطى الكردستانى والحزب الشيوعى الكردى.
وأهم المدن فى المنطقة: السليمانية وأربيل وديار بكر
وكرمنشاه ومها باد. وللأكراد بعض الجامعات مثل الجامعة
الموجودة فى جنوب كردستان، وقد نبغ منهم عدد من الشعراء
والأدباء والقادة، من أشهرهم القائد صلاح الدين الأيوبى.(11/376)
*كرجستان
تقع منطقة كردستان فى الجزء الغربى من قارة آسيا، ويحدها
الاتحاد السوفييتى (سابقًا) من الشمال وتركيا من الغرب،
وسوريا والعراق من الجنوب، وإيران من الشرق، وتقدر مساحتها
بنحو (409.650) كم2، وترتفع منطقة كردستان عن سطح البحر
مابين (1000 - 1500) متر، لذلك تتصف كردستان بأنها بلاد
الجبال العالية والهضاب المرتفعة، فجبال آرارات ترتفع بعض
قممها إلى (5168) مترًا وتمتد السهول الخصبة فى منطقة
كردستان وهى بلاد غنية بمصادر المياه المختلفة من أنهار
وأمطار ومياه جوفية. لذلك فالمنطقة تتمتع باقتصاد قوى من
الناحية الزراعية والسياحية إذا أمكن إنهاء مشكلاتها السياسية
التى تنبع من أن المنطقة مقسَّمة بين ثلاث دول هى تركيا
والعراق وإيران، وتسمى كردستان فى تركيا كردستان الشمالية
، وفى العراق كردستان الجنوبية وفى إيران كردستان
الشرقية، وكردستان تعنى أصلاً (بلاد الأكراد)، وأول من أطلق
لفظة كردستان هو سنجر آخر ملوك السلاجقة فى القرن الثانى
عشر الميلادى، وأول من أرَّخ هذه الكلمة هو القزوينى فى
كتابه نزهة القلوب سنة (720هـ). وأغلب سكان منطقة كردستان
من الأكراد، بالإضافة إلى العرب والتركمان والأتراك والأرمن
والآشوريين، ويتكلَّم سكان كردستان اللغة الكردية بلهجاتها
المختلفة، وتكتب الكردية بالحرف العربى رغم محاولات البعض
كتابتها باللاتينى. ويوجد بعض الأحزاب السياسية الكردية فى
المنطقة مثل: حزب العمال الكردستانى ( PKK)، وحزب شورش
والحزب الديمقراطى الكردستانى والحزب الشيوعى الكردى.
وأهم المدن فى المنطقة: السليمانية وأربيل وديار بكر
وكرمنشاه ومها باد. وللأكراد بعض الجامعات مثل الجامعة
الموجودة فى جنوب كردستان، وقد نبغ منهم عدد من الشعراء
والأدباء والقادة، من أشهرهم القائد صلاح الدين الأيوبى.(11/377)
*المورة
هو إقليم كان مجزَّءًا بين البنادقة وعدة إمارات صغيرة يحكمها
بعض أعيان الإفرنج الذين تخلَّفوا بعد انتهاء الحروب الصليبية.
وفى سنة (1460م) قام بفتحها السلطان العثمانى محمد الفاتح،
وفى سنة (1463م) أرسلت البندقية حملة بحرية أنزلت ما بها من
الجيوش إلى بلاد المورة فثار سكانها وقاتلوا الجنود العثمانيين،
وأقاموا ما كان تهدم من سور برزخ كورنته لمنع وصول المدد
من الدولة العثمانية، لكن لمَّا علموا بقدوم السلطان مع جيش يبلغ
عدده ثمانين ألف مقاتل تركوا البرزخ راجعين على أعقابهم؛
فدخل العثمانيون بلاد المورة دون مقاومة كبيرة، وأرجعوا
السكينة إلى البلاد، وفى السنة التالية أعاد البنادقة الكرَّة على
بلاد المورة، ولكن دون جدوى. وفى سنة (1538م) تم الاتفاق
على وضع صلح بين البندقية والدولة العثمانية، تنازلت فيه
البندقية عن ملفوازى ونابولى ودى رومانيا من بلاد المورة.
وفى سنة (1686م) خضعت بلاد المورة للبنادقة من جديد، وعندما
تولى السلطان سليمان خان الثانى أباح للمسيحيين بناء ما تهدم
من كنائسهم فى الآستانة، وعاقب بأشد أنواع العقاب كل من
تعرض لهم فى إقامة شعائر دينهم، حتىاستمال جميع مسيحى
الدولة، وكانت نتيجة معاملة المسيحيين بالقسط أن ثار أهالى
المورة على البنادقة، فطردوهم من ديارهم لتعرضهم لهم فى
إقامة شعائر مذهبهم الأرثوذكسى وإجبارهم على اعتناق
المذهب الكاثوليكى، ودخلوا فى حمى الدولة العثمانية طائعين
مختارين؛ لعدم تعرضها لديانتهم مطلقًا. وبمقتضى معاهدة
كارلوفتس تنازلت الدولة العثمانية عن بلاد المورة، وعندما تولى
على باشا داماد منصب الصدارة العظمى (رئاسة الوزراء) أعلن
الحرب على البندقية، وفى زمن قليل استرد بلاد المورة.(11/378)
*فلسطين
دولة إسلامية عربية محتلة، عاصمتها القدس تقع على الساحل
الشرقى للبحر المتوسط فى الغرب من قارة آسيا، يحدها من
الشرق سوريا والأردن ومن الشمال لبنان وسوريا ومن الجنوب
شبه جزيرة سيناء المصرية، وتبلغ مساحة فلسطيين نحو
(27009) كم2، سميت قديمّا أرض كنعان باعتبار أن الكنعانيين
الساميين أول من سكنها؛ جاءوها من الجزيرة العربية، ثم
دخلتها قبائل عبرانية واستقرت بها ثلاث جماعات هم
الفلسطينيون والكنعانيون والعبرانيون، وكانت المعارك بينهم
كثيرة. وغزاها الإسكندر عام (331ق. م) وفى أواخر القرن الأول
قبل الميلاد وُلِد سيدنا عيسى بن مريم، عليهما السلام، فى بيت
لحم، ونشأ فى الناصرة - وهما من مدن فلسطين -، وانتشرت
تعاليمه ولقيت مقاومة عنيفة من اليهود والرومان، حتى تنصَّر
قسطنطين فى مطلع القرن الرابع الميلادى. وقد تمرد اليهود
وانتهى تمردهم بالقضاء عليهم ونكَّل بهم ومُنِعُوا من دخول
القدس وبذلك انتهت صلتهم بفلسطين وازداد تشتتهم حتى القرن
التاسع عشر الميلادى وفى سنة (636م) وعلى أثر معركة
اليرموك دخل المسلمون فلسطين وظلت ولاية إسلامية خالصة
حتى ما بعد الحرب العالمية الأولى حيث بسطت بريطانيا نفوذها
عليها فأعطت اليهود وعدًا بإنشاء وطن قومى لهم فيها سنة
(1917م) سمى وعد بلفور واستكملت مهمتها فأعدت وأنشأت
الكيان الصهيونى، حتى أعلنوا لهم دولة سنة (1947م)، وقامت
قبل الإعلان وبعده حركات وحدوية إسلامية ومسيحية ضد
التهجير. وشُكِّلت لجان مقاومة بقيادة العلماء المسلمين، ونجحت
مؤتمرات الدول العربية فى إقامة منظمة التحرير الفلسطينية سنة
(1964م)، وكان الدور الفعَّال لحركات الجهاد الإسلامى والتى
كان من أبرزها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والتى عرفت
أيضًا بانتفاضة أطفال الحجارة، وكان أخر فعاليات القضية
الفلسطينية مؤتمر مدريد سنة (1992 م)، واتفاقية غزة - أريحا.(11/379)
وأهم مايميز القضية الفلسطينية كونها قضية ذات سمة عقائدية
عند اليهود من جهة والشعوب العربية والإسلامية من جهة أخرى.
وأن مطامع اليهود لاتقف عند حد فلسطين وحدها، بل تمتد
أطماعهم إلى دولة كبرى تمتد حدودها من النيل إلى الفرات.(11/380)
*مصوع
مدينة وميناء بإريتريا، على ساحل البحر الأحمر، وهى سوق
للؤلؤ. وتمتد مصوع من رأس قصار إلى بالارثيا، وتمتد غربًا إلى
سبدرات قرب كسلة. وهى جزيرة فى البحر طولها نحو ميل،
وعرضها زهاء (400) ياردة، وبينها وبين البر جزيرة صغيرة
تعرف بجزيرة طالوت، كان الناس يعبرون منها إلى البر بالزوارق
إلى سنة (1290هـ)، فشيد لهم مونسنجر باشا جسرًا ضيقًا من
خشب، أقامه على عمد من حجر جاعلاً طالوت وصلة فيه. وتوجد
قرب مصوع جزائر دهلك التى يستخرج منها اللؤلؤ والصدف،
وفيها آثار قديمة عليها كتابة، قيل إنها من عهد الفرس. وتجاه
مصوع فى البر ثلاث قرى صغيرة، ويوجد جنوبها ميناء زولا
المشهور قديمًا باسم أدولس، وفيه آثار من عهد البطالسة. كانت
مصوع خاضعة لحكم مصر فى القرن التاسع عشر الميلادى،
وكانت قاعدة للحلفاء فى الحرب العالمية الثانية.(11/381)
*المقطم
المقطم جبل يقع شرق القاهرة، وقد حدث هذا الجبل فى العصور
الجيولوجية القديمة نتيجة التواء طبقات الأرض شرقى النيل، فى
شبه قوس متوسط الارتفاع نحو (240) مترًا، ويصل ارتفاعه فى
بعض أجزائه عند منطقة المعادى (375) مترًا، وتقارب قمته قلعة
صلاح الدين الأيوبى، وينتهى طرف القوس شمالاً عند منطقة مصر
الجديدة، وجنوبًا عند منطقة المعادى، وتوجد بعض الوديان فى
جبل المقطم، مثل: وادى التيه ووادى دجلة ووادى أبو سالى،
ويمتاز جبل المقطم بوجود ظواهر طبيعية متنوعة فى هضابه
مثل: الطبقات الصخرية النارية فى محاجر أبو زعبل، وقد أفاض
مؤرخو مصر فى العصور المختلفة فى مدح هذا الجبل، وذُكِرَت
أساطير عنه، وكان هذا الجبل ملجأً للزهاد والمتصوفة، وتم بناء
العديد من المساجد فى هذا الجبل، بالإضافة إلى قلعة الجبل
الشهيرة وتوجد تحت سفح هذا الجبل مقابر القاهرة.(11/382)
*القفجاق
القفجاق ويقال قبجاق هو وطن القبائل التركية من سنة (1103م)
حتى سنة (1223م)، وكان وقتئذ حوض نهر أرتش فى سهل
سيبيريا. وقد نزلوا إلى الجنوب الغربى بضغط من قبيلة كيمك
التركية نحو سنة (1030م) ثم ساقوا قبائل أوغز التى كانت
أمامهم ودخلوا أوربا وأخذوا مكان قبيلة الكومان التركية التى
انصاعت لأمرهم، كما أطاعهم البجنك. وقد أبادهم باطوخان
حفيد جنكيز خان مع تابعيهم الأمراء الروس فى سنة (1223م)
فى حوض نهر حلقة وأصبحوا تابعين لخاقانية الطون أوردى
واكتسبوا الدم المغولى، غير أنهم جعلوا المغول فى النهاية
يتكلمون اللغة التركية، ومما يذكر أن العرب أطلقوا على
أوكرانيا الحالية من عهد القبجاق سهل القبجاق. ومعظم سلاطين
المماليك أتراك قبجاق، وقد صُنِّفَتْ لأجل ذلك - كتبًا عربية لتعليم
اللهجة القبجاقية التركية مثل كتاب المشتاق فى لغة الترك
والقبجاق.(11/383)
*الفولجا (نهر)
أطول أنهار أوربا، يقع فى روسيا الأوربية، ويبلغ طوله (
3684) كم، وينبع الفولجا من تلال فالداى وينحنى شرقًا من
جوركى إلى قازان ثم جنوبًا إلى كوبيشيف وستالينجراد،
وأهم روافده كاما وأوكا. ويمثل نهر الفولجا نحو ثلث مساحة
روسيا الأوربية، وتربطه قنوات ملاحية بأنهار روسيا الأخرى،
وهو صالح للملاحة فى الفترة من أواخر إبريل إلى أواخر
نوفمبر فى المنطقة حتى شتشرباكوف، ومن أوائل مارس حتى
منتصف ديسمبر فى المنطقة حتى إستراخان. وتستخدم مياه نهر
الفولجا فى رى مساحات واسعة من الأراضى الزراعية، وقد
أقيمت فى مجارى نهر الفولجا العليا سدود كثيرة ومحطات
للكهرباء.(11/384)
*القرن الإفريقى
منطقة تقع فى شرق إفريقيا تضم ثلاث دول هى الصومال
وأثيوبيا وجيبوتى، وتعتبر حلقة الاتصال بين أجزاء الوطن
العربى فى إفريقيا وآسيا، ويتحكم هذا القرن فى المدخل
الجنوبى للبحر الأحمر من خلال سيطرته على مضيق باب المندب.
ويحد منطقة القرن الإفريقى من الشمال البحر الأحمر وخليج عدن
، ومن الشرق المحيط الهندى ومن الجنوب كينيا ومن الغرب
والشمال الغربى السودان. وتبلغ مساحة القرن الإفريقى (
1882557 كم2). وتتمتع هذه المنطقة بأهمية استراتيجية كبيرة؛
لتحكمها فى طريق التجارة الدولية بين المحيط الهندى والبحر
الأحمر من ناحية والمحيط الأطلنطى والبحر المتوسط من ناحية
أخرى؛ وقد ازدادت أهمية هذه المنطقة بعد اكتشاف البترول
فى منطقة الخليج العربى. وكانت هذه المنطقة مَحَط أطماع
الدول العظمى والاستعمارية فسيطر عليها العرب البرتغاليين
والإسبان والعثمانيون والبريطانيون والإيطاليون وغيرهم،
بالإضافة إلى التنافس بين الاتحاد السوفييتى - سابقًا -
والولايات المتحدة لإثبات النفوذ وإقامة القواعد العسكرية، فنجد
أن الولايات المتحدة حصلت على استخدام قاعدة كاغنيوم
الأثيوبية منذ عام (1953م) ولمدة (25) سنة، وعمق السوفييت
نفوذهم فى الصومال، كما أن اسرائيل لها نفوذ كبير فى هذه
المنطقة الحيوية فى ظل علاقاتها مع أثيوبيا.(11/385)
*فيينا
عاصمة النمسا، تقع على نهر الدانوب. مساحتها (1214) كم2،
وتعد مركزًا ثقافيًّا واجتماعيًّا كبيرًا، وتكثر بها الصناعات
المختلفة، حاصرها السلطان العثمانى سليمان القانونى سنة (
1529م) وهدم جزءًا من أسوارها ثم تراجع عنها لدخول الشتاء
ونفاد الذخيرة، كما حاصرها العثمانيون مرة أخرى سنة
(1683م). وبلغت فيينا ذروة مجدها كمركز للعلوم والفنون،
فلمعت فيها أسماء مثل: موتسارت وهايدن وبيتهوفن
وشوبرت وغيرهم، وأخذت أهميتها تتضاءل بعد الحرب العالمية
الأولى، وأصابها تخريب ذريع فى الحرب العالمية الثانية عندما
استولى عليها الجيش الروسى فى إبريل سنة (1945م)، كما
احتلتها القوات الروسية والأمريكية والبريطانية والفرنسية، وتم
جلاء القوات الأجنبية، تنفيذًا لمعاهدة الصلح التى أبرمتها
النمسا مع الحلفاء سنة (1955م).(11/386)
*القطيف
مدينة بالمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية بإقليم
الأحساء. كانت فى القديم تسمى هجر. تقع على خليج تاروت
بالخليج العربى من ورائها واحة زراعية واسعة، وعلى بعد (6
كم) من القطيف تقع جزيرة تاروت فى قلب خليج كيبوس وقد
تأثر سكان القطيف بالمؤثرات الإيرانية والمؤثرات الأرمينية،
ولهذا يندر أن نجد عناصر نقية لجنس البحر المتوسط، وينتشر
بينهم المذهب الشيعى. وتسمى المنطقة الرئيسية فى القطيف
باسم القلعة وهى على ساحل الخليج العربى، وكان يحيط بها
سور قديم لم يبق منه سوى أجزاء متهدمة، وبالقلعة بعض الآثار
التاريخية، من أهمها مسجد منذ القرن الثامن الهجرى، وقد نقل
القرامطة الحجر الأسود إلى مكان يقع على بعد نحو (8 كم) من
القطيف سنة (317هـ)، وبقى الحجر بها حتى أعاده القرامطة
سرًا إلى مكة عام (339هـ).(11/387)
*وادى النطرون
وادٍ يقع فى الصحراء الغربية بمصر، قريبًا من حدود الدلتا، فى
منتصف الطريق الصحراوى بين القاهرة والإسكندرية. كان
قدماء المصريين منذ فجر تاريخهم يحصلون من بحيراته على ملح
النطرون، وتوجد به أطلال حصن داخله معبد، بناه أمنمحات الأول
الذى ينتمى إلى الأسرة الثانية عشرة. اشتهر هذا الوادى
فىالعصر القبطى بأديرته الكبيرة التى تخرَّب معظمها الآن، ولم
يبقَ منها إلا أربعة ماتزال آهلة برهبانها، وهى: أنبا بشوى،
والسوريان والبراموس وأبو مقار.(11/388)
*طوروس
سلسلة من الجبال فى تركيا تمثل الحد الجنوبى للأناضول،
وتمتد موازية ساحل البحر المتوسط. وتنقسم جبال طوروس إلى
مجموعتين تعرفان باسم بلغار داغ وألاداغ. ويوجد فى جبال
طوروس ثلاث قمم ترتفع إلى أكثر من (11) ألف قدم، وتخترقها
عدة مجارٍ مائية منها الفرات الأعلى مكوِّنة ممرات جبلية تصل
سوريا بالأناضول، وكان لهذه الممرات دور فى غزو جيش محمد
على لآسيا الصغرى التركية سنة (1832م)، ومن ثم تمثل هذه
الجبال أهمية لكل من تركيا والعالم العربى. وتحتوى جبال
طوروس على كثير من المعادن أهمها: النحاس والفضة.(11/389)
*اليرموك (نهر)
نهر من فروع نهر الأردن طوله نحو (90 كم)، يجرى فى بدايته
قرب حدود سوريا وفلسطين ثم ينحدر جنوبًا إلى فلسطين
ويصب فى جنوب بحيرة الحولة. وقد انتصر عنده المسلمون
بقيادة خالد بن الوليد على البيزنطيين بقيادة ملكهم سنة (13هـ)
والتى كانت بمثابة فتح للأردن.(11/390)
*الهملايا (جبال)
الهملايا كلمة تعنى فى اللغة السنسكريتية موطن الجليد، وهى
سلسلة جبال آسيوية تمتد نحو (2414) كم فى باكستان
وكشمير والهند وإقليم التبت والصين، ونيبال وسكيم وبوتان،
وتتكون من عدة سلاسل تمتد متوازية، وإحدى هذه السلاسل
مكوَّنة من صخور بلورية قديمة؛ ولهذا قاومت عوامل التعرية
واحتفظت بارتفاعها الشاهق المتمثل فى قمة إفرست التى يزيد
ارتفاعها على (8800 م) وقمة تشنجنجا وارتفاعها (7450م).
وتنتهى سلاسل الهملايا فى شمال شرق الهند نحو الجنوب
بسبب اعتراض هضبة يونان القديمة لها، وتكون مجموعة من
السلاسل الجبلية، تلك السلاسل التى تمتد متجاورة فى امتدادات
طولية من الشمال إلى الجنوب، وتحصر بينها وديانًا أخدودية
وعرة تجرى فيها المجارى العليا للأنهار الرئيسية فى الهند
والصين، كأنهار: إيراوادى وسالوين وميكونج ويانج تسى،
وتعرف السلسلة الرئيسية فى غرب بورما باسم أركان يوما،
هذه السلسلة تمتد غرب دلتا نهر إيراوادى ثم تهبط فى خليج
بنغال وتظهر قممها فى سلاسل جزر أندمان ونيكوبار ثم فى
جزيرة سومطرة وجاوة ومجموعة جزر إندونيسيا الممتدة على
طولها.(11/391)
*اللوار
اسم لنهرين فى فرنسا: الأول لوار الشمالى ويقع وسط فرنسا
وطوله (310 كم) ويجرى نحو الجنوب الغربى لبصب فى نهر
سارت. والثانى: وهو أطول أنهار فرنسا طوله نحو ألف كيلو
متر ويجرى نحو الشمال الغربى حتى أورليان ثم ينحرف إلى
الجنوب الغربى ليصب فى المحيط الأطلنطى عند سان نازير
لمسافة (1012 كم). وكان نهر اللوار قديمًا ممرًّا رئيسيًّا
للمواصلات يبدأ من قلب فرنسا إلى المحيط الأطلنطى، إلا أن
ظهور السكك الحديدية أدى إلى حرمان النهر من هذه الميزة.
ويوجد فى وادى اللوار كثير من القصور والقلاع التى ترتبط
بتاريخ فرنسا وبالحضارة الفرنسية.(11/392)
*نجران
واد كبير على حدود اليمن والمملكة العربية السعودية وهو
مقسم بين البلدين، نصفه الشمالى تابع للسعودية ونصفه
الجنوبى لليمن، وقعت فيه أحداث قصة أصحاب الأخدود فى نحو
سنة (533م) والتى أشار إليها القرآن الكريم فى سورة البروج،
وتم فتح نجران على عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - فى سنة عشر صلحًا على الفَئ
على أن يقاسموا العُشر ونصف العُشر، وتسكن نجران قبائل
بدوية، وفيه بقايا المدن والمعابد القديمة والسدود، ويوجد على
صخور بعض وديانه كثير من النقوش، أكثرها كتابات يرجع
تاريخها إلى حضارتى سبأ ومعين.(11/393)
*البلقاء
بلدة من قرى دمشق ببلاد الشام، بها قرى كثيرة، ومزارع
واسعة، قيل: إن بها قرية الجبارين التى ورد ذكرها فى القرآن
الكريم فى قوله تعالى: (إن فيها قومًا جبارين ([المائدة: من 22
]، وبها الكهف والرقيم، ومن أشهر علمائها: حفص بن عمر بن
حفص بن أبى السائب، وموسى بن محمد الأنصارى المقدسس،
وموسى بن محمد بن عطاء بن أيوب.(11/394)
*أطلس (جبال)
أطلس جبال تقع فى شمال القارة الإفريقية، يمتد من غرب
إفريقيا نحو (2500 كم) من المملكة المغربية ويمر بالجزائر حتى
شمال شرقى تونس ويتكون من سلسلتين كبيرتين هما: سلسلة
أطلس الشمالية فى المغرب، وتمتد من الغرب إلى الشرق،
وتسمى فى المغرب أطلس الريف وتتميز بعدم ارتفاعها الشديد
الذى لايتعدى (2480 م) كما تتميز بشدة الوعورة وصعوبة
الاجتياز. وتنقسم إلى فرعين هما أطلس الريف، وأطلس
الوسطى، وسلسلة أطلس الجنوبية تُعرف فى الجزائر بأطلس
الصحراء أو التل، وتعُرف فى المغرب بأطلس العليا أو الكبرى،
ويوازيها سلسلة جبال أطلس الخلفية التى تكوِّن هى وجبال
أطلس الكبرى سدًا منيعًا بين مراكش والصحراء الكبرى، ويبلغ
أعلى ارتفاع فى أطلس الكبرى (4165 م)، وتعلوها الثلوج
دائمًا، ويسودها مناخ البحر الأبيض المتوسط. وبصفة عامة تعد
جبال أطلس امتدادًا لجبال الألب الأوربية، وأول من أطلق عليها
اسم أطلس هم اليونان.(11/395)
*طَلَبيرة
مدينة إسبانية تُعرف اليوم بالاسم الإسبانى تالافيرا. وتقع
طلبيرة على نهر تاجة وعلى مسافة (70) كم إلى الغرب من
طليطلة كما تبعد (175 كم) فى الجنوب الغربى من مدريد. فتح
المسلمون مدينة طلبيرة على يد طارق بن زياد سنة (92هـ)، وبعد
سقوط الخلافة الأموية أصبحت طلبيرة من نواحى طليطلة. وقد
استولى الإسبان على مدينة طلبيرة سنة (475هـ). وينسب إلى
مدينة طلبيرة جماعة من أهل العلم، منهم: المحدِّث أبو الحسن
عبد الرحمن بن سعيد الشماخ، والأديب أبو القاسم سعيد.(11/396)
*طولون
ميناء جنوب شرق فرنسا على البحر المتوسط استولى عليه
الإنجليز من الفرنسيين (الملكيين) سنة (1793م)، وقد استرعى
نابليون الأول الأنظار إلى ميناء طولون بسبب الدور المتميز الذى
لعبه فى طرد الإنجليز من طولون، وكان ذلك سبب شهرته.
وأُغرق فيها الأسطول الفرنسى سنة (1942م) حتى لايقع فى يد
الألمان وخُرِّبت طولون سنة (1942م) فى الحرب العالمية الثانية
بقنابل الحلفاء لكونها قاعدة لغواصات الألمان.(11/397)
*العقبة
ميناء يقع فى المملكة الأردنية عند الطرف الجنوبى لواد عربة
على البحر الأحمر ويبعد (64) ميلاً جنوبى بلدة معان الأردنية. فتح
المسلمون العقبة سنة (8هـ)، وكانت إبان العصور الوسطى من
أهم موانئ فلسطين، تنازع عليها المسلمون والصليبيون إلى أن
استولى الصليبيون عليها، ثم استردها صلاح الدين الأيوبى سنة
(567هـ)،ثم أصبحت تابعة لمصر على حدودها الشرقية، ثم آلت
سياسيًّا إلى تركيا، ثم ضُمت إلى الحجاز سنة (1917م)، حتى
أُدمجت فى الأردن سنة (1925م). واشتهرت العقبة بقلعتها
الشهيرة التى بناها السلطان قانصوه الغورى، ولم يبقَ من هذه
القلعة الآن سوى أطلال تشمل الواجهة والمدخل.(11/398)
*شاطبة
مدينة بشرقى إسبانيا بمقاطعة بلنسية تُعرف اليوم بالاسم
الإسبانى خاتيفا، وتقع بعيدًا عن ساحل البحر البيض فى الجنوب
من مجرى نهر شقر وعلى الخط الحديدى القادم من بلنسية فى
الشمال. اشتهرت مدينة شاطبة بمتنزهاتها الثلاثة وهى: البطحة
والغدير والعين الكبيرة، كما اشتهرت بصناعة الورق الجيد. كانت
شاطبة تابعة لإمارة بلنسية، وبعد سقوط الخلافة الأموية بقرطبة
دخلت فى حوزة العامريين، ثم استولى عليها القادر ذو النون ثم
ابن تاشفين بعد معركة الزلاقة. وتم إجلاء المسلمين عنها سنة
(645 هـ) بعد هزيمتهم أمام نصارى الأندلس. وكانت شاطبة بفضل
موقعها الحربى حصنًا من أعظم الحصون الأندلسية، لاتزال آثار
سورها وحصنها باقية إلى اليوم. وينتسب إلى شاطبة جماعه من
العلماء، منهم: أبو محمد القاسم بن فيرة بن خلف الشاطبى،
وأبو عبد الله بن سلمان الشاطبى، وأبو إسحاق إبراهيم بن
موسى بن محمد الشاطبى.(11/399)
*طرسوس
مدينة تركية تقع بقرب ساحل الأناضول الجنوبى، وتطل على
نهر طرسوس، وهى مدينة فى موقع متوسط بين مدينتى مرسية
وأطنة. فتح المسلمون مدينة طرسوس سنة (15 هـ)، فأصبحت
مركزًا إسلاميًّا مرموقًا، وقد استولى الصليبيون على طرسوس
إبان الحملة الصليبية الأولى سنة (490هـ)، وكانت طرسوس خلال
الحكم الصليبى تابعة لبطريركية أنطاكية، ثم استولى المماليك
على طرسوس إبان سلطنة بيبرس على يد قائده قلاوون، ودامت
السيطرة المملوكية المصرية على طرسوس نحو ثلاثة قرون، حتى
خضعت للعثمانيين سنة (1017 هـ)، ثم استولى عليها الجيش
المصرى بقيادة إبراهيم باشا سنة (1832م). وينتسب إلى مدينة
طرسوس جماعة من العلماء، منهم: محمد بن أحمد بن محمد
الطرسوسى الحنفى.(11/400)
*جزر القمر
إحدى الدول العربية فى قارة إفريقيا، تقع فى المنطقة الممتدة
فى مضيق موزمبيق بالمحيط الهندى بين شمالى مدغشقر
وجنوب شرق إفريقيا، وتبلغ مساحتها (2235كم2)، وتتكون من
عدة جزر، هى: جزر القمر الكبرى وأنجوان، وموهيلى،
ومايوت. ومناخها حار ممطر. وينتمى سكانها إلى أصول عرقية
مختلفة؛ وذلك لوقوعها على طرق التجارة. وتعد اللغتان العربية
والفرنسية اللغتين الرسميتين، وأغلبية سكانها مسلمون، مع
وجود أقلية مسيحية. ويعتمد اقتصادها على بعض المحاصيل
الزراعية، مثل: الفانيليا وزهرة إيلانغ- إيلانغ، كما يعتمد
اقتصادها على المساعدات الخارجية. وأول من سكن جزر القمر
العنصر الماليزى، ثم توافدت عليها الهجرات ونزل بها جماعات
من العرب من حَضرْمَوت فى القرن (2هـ=8م)، وسموها جزر القمر،
واعتنق أهلها الإسلام فى القرن (4هـ=10م)، واحتلها البرتغاليون
سنة (908هـ)، إلا أنهم طردوا منها. وقد قامت بجزر القمر
سلطنات عدة كثرت الصراعات بينها؛ مما جعلها مطمعًا
للاستعمار الفرنسى فى القرن التاسع عشر، حتى حصلت على
استقلالها سنة (1975م). واختير أحمد عبد الله رئيسًا لها،
ووقعت فى جزر القمر عدة انقلابات، وكان للمرتزقة الأجانب دور
بارز فى هذه الانقلابات. ويعتمد النظام السياسى فى جزر القمر
على دستور (1978 م) الذى يعدها جمهورية فيدرالية إسلامية،
ويوجد بها جمعية تشريعية تتكون من (38) عضوًا، ويبلغ عدد
الأحزاب بها (24) حزبًا وتنظيمًا سياسيًا. وجزر القمر عضو فى
الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية، ويوجد
لفرنسا بها قاعدة عسكرية دائمة.(11/401)
*جورجيا
جورجيا جمهورية مستقلة عن الاتحاد السوفييتى السابق، يحدها
من الشمال والشمال الشرقى جمهوريات تابعة لروسيا الاتحادية،
ومن الجنوب الشرقى جمهورية أذربيجان ومن الجنوب جمهورية
أرمينيا والجمهورية التركية، وتقع من الغرب على البحر الأسود.
ومساحة جورجيا نحو (70) ألف كم2، تشغل الجبال نحو (80%)
من هذه المساحة، ويبلغ عدد سكان جورجيا نحو خمسة ملايين
ونصف مليون نسمة، نصفهم تقريبًا يعيشون فى المدن. وعاصمة
جورجيا تبيليسى. ويعتمد اقتصاد جورجيا على الصناعة
والزراعة والتجارة، ومناخها انتقالى من شبه المدارى إلى
المعتدل. وقد استقلت جورجيا عن الاتحاد السوفييتى السابق
سنة (1991م)، وكان شيفرنادزة أول رئيس لها.(11/402)
*الجزائر
تقع الجزائر شمال غرب إفريقيا، وتطل على ساحل البحر
المتوسط شمالا، وتحدها من الشرق تونس وليبيا، ومن الغرب
المغرب وموريتانيا، ومن الجنوب مالى والنيجر، وتبلغ مساحتها
(2.381.741 كم2)، وأهم مدنها: الجزائر العاصمة، ووهران،
وقسنطينة، وعنابة، وسيدى بلعباس. ويبلغ عدد سكان الجزائر
نحو (25.063.000) نسمة حسب إحصاء عام (1989م) أغلبهم من
العرب والبربر، وتعد اللغة العربية هى اللغة الرسمية للجزائر،
ويوجد بجانبها اللغة الفرنسية ولغات البربر ولهجاتهم. ويبلغ
إجمالى الدخل القومى للجزائر نحو (53.1) مليار دولار حسب
تقديرات عام (1989م) ومتوسط دخل الفرد سنويًّا (2170) دولار.
وأهم مصادر الدخل بها: الحبوب، والكروم، والبطاطس، والتمر،
والفواكه والخضراوات، والبترول، والحديد والصلب، والأسمدة،
والمنسوجات، وتجميع السيارات، وبالإضافة إلى ذلك تتمتع
الجزائر بثروة حيوانية كبيرة، والعملة المتداولة هى الدينار
الجزائرى.(11/403)
*جدة
ميناء بالمملكة العربية السعودية. يطل على البحر الأحمر، ويعد
المنفذ البحرى لمكة المكرمة وأكبر الموانئ التجارية السعودية.
ويتوسط ميناء جدة المسافة بين طرفى البحر الأحمر الشمالى
والجنوبى، وجدة ميناء الحجاج الوافدين إلى الحجاز عبر البحر
الأحمر. ومناخ جدة حار شديد الرطوبة. ويرجع تأسيس جدة إلى
ماقبل الإسلام، إلا أن أهميتها كميناء اكتسبتها على يد الخليفة
عثمان بن عفان، رضى الله عنه، الذى أنشأها عام (26هـ).
ونظرًا لأهميتها قام سلاطين المماليك بحمايتها؛ فقد أنشأ
السلطان الغورى حولها سورًا كبيرًا منيعًا، حتى عام (915هـ).
وقد أغار البرتغاليون عليها سنة (1541م)؛ لتحطيم السفن
العثمانية إلا أنهم فشلوا فى ذلك، واستولى عليها المصريون
عام (1812م)، ثم خضعت لنفوذ السعوديين. ويوجد فى جدة
محطات لتحلية المياه ومدينة للحجاج ومطار دولى، وتشتهر بعدة
صناعات مختلفة.(11/404)
*جبل طارق
هو شبه جزيرة صغيرة، بمثابة مرتفع صخرى يشرف على
المدخل الغربى للبحر الأبيض المتوسط، يبلغ ارتفاعه (425.5)
متر، وطوله (4.5كم)، وعرضه (1.2كم)، ومساحته (5.5كم2). وتبعد
القارة الإفريقية عن جبل طارق عبرالمضيق مسافة (20) ميلا.
وهو ينسب إلى القائد العربى طارق بن زياد الذى استولى على
شبه الجزيرة عام (711م) فى بداية فتحه للأندلس. وقد بلغ عدد
سكان مدينة جبل طارق (30117) نسمة فى عام (1976م)، واللغة
الرسمية هى الإسبانية والإنجليزية، والديانة السائدة هى
المسيحية وفق المذهب الكاثوليكى؛ إذ يمثل المسيحيون (84%)
من عدد سكان المدينة، فى حين لاتتجاوز نسبة المسلمين بها
(8%). وبريطانيا هى الحاكم العام فى جبل طارق، فهى تقوم
بمهام السلطة التنفيذية بالتشاور مع مجلس منتخب مكون من (15)
عضوًا، والعملة المتداولة هى الجنيه الاسترلينى، والدولار
الأمريكى. وأهم الموارد الاقتصادية: السياحة، ورسوم الشحن،
والرسوم البحرية والجوية التى تتقاضاها المستعمرة مقابل
التسهيلات التى تقدمها للسفن والطائرات.(11/405)
*بولاق
حىٌّ من أحياء القاهرة القديمة، كان حتى العصر المملوكى
ميناء نهريًّا تفصله عن المدينة المزارع والحقول. بدأ إنشاؤه منذ
ولاية محمد على (1805م = 1848م) فأقام به عدة منشآت علمية
وصناعية، كان المقصود بها إضفاء الجانب الحضارى على
الحياة المصرية. وحى بولاق مشهور بمطابعه، وهى أول مطابع
أقيمت فى مصر بعد مطابع الحملة الفرنسية التى جلبها بونابرت
معه، ولم تعمر طويلا، وصدر عن مطبعة بولاق جريدة الوقائع
المصرية سنة (1828م)، وهى أول جريدة عربية تطبع بالقاهرة.
وأقيم بحى بولاق متحف للآثار المصرية حتى نقل إلى قصر
النيل. ومن أهم معالم بولاق الأثرية: مسجد سنان باشا ومسجد
السلطان أبى العلاء.(11/406)
*الجيزة
إحدى محافظات مصر. تقع على الجانب الغربى من النيل تجاه
القاهرة عند تفرع نهر النيل. وتبلغ مساحتها (4820كم2)،
وتشترك فى حدودها مع محافظات: القاهرة والبحيرة
والمنوفية والقليوبية وبنى سويف. ويبلغ عدد سكانها (3) ملايين
نسمة، وتنقسم إداريًّا إلى ستة مراكز، هى إمبابة وأوسيم
والجيزة والبدرشين والعياط والصف، وتضم (172) قرية.
والجيزة من المحافظات الزراعية التى تمد القاهرة بالمواد
الغذائية، وبها جامعة القاهرة أعرق جامعات الوطن العربى،
وعدد من المدارس المختلفة، وتنتشر بها الآثار الفرعونية
والإسلامية مثل: أهرامات الجيزة. وقد استقرت بعض القبائل
العربية فى منطقة الجيزة أيام الفتح الإسلامى لمصر، وقامت
ببناء حصن لهم بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه،
وكانت هذه القبائل هى النواة التى قامت عليها مدينة الجيزة.
وعرفت الجيزة فى العهد الفاطمى باسم الجيزية، ثم سميت فى
العصر العثمانى ولاية الجيزة، ثم أصبحت مديرية الجيزة سنة
(1889م)، ووقعت فيها معركة إمبابة أيام الحملة الفرنسية سنة
(1798م). وتضم الجيزة عددًا من الآثار الإسلامية، مثل: المسجد
الجامع الذى بنى فى عهد الأمير على بن الإخشيد سنه (961هـ)،
ويوجد بها أيضًا قبر الصحابى الجليل كعب الأحبار. وينتسب إلى
الجيزة عدد من العلماء، مثل: الربيع الجيزى المتوفى سنة
(256هـ)، وشيخ الجامع الأزهرسابقًا أبى الفضل الجيزاوى.(11/407)
*كربلاء
عاصمة المقاطعة التى تحمل اسمها، وهى تبعد (88) كم إلى
الجنوب الغربى من مدينة بغداد. ويبلغ عدد سكانها (107.000)
نسمة حسب إحصائية سنة (1970م)، وتقع على الضفة اليسرى
من جدول الحسينية الذى يتفرع من نهر الفرات، على مسافة
(104) كم من بغداد، وتحيط بها البساتين المشهورة بنخيلها
وفاكهتها. وهى مدينة إسلامية مقدسة؛ إذ بها قبر الحسين،
رضى الله عنه، وإلى جواره قبر أخيه العباس، وفى أطرافها
عدد من القبور الأخرى، مثل: قبر الحر وقبر عون بن عبد الله،
ويقصد إلى كربلاء الآلاف من الزوار المسلمين من العراق
والأقطار الإسلامية الأخرى وخاصة من إيران وأفغانستان
وباكستان.(11/408)
*صربيا
إحدى جمهوريات يوغسلافيا السابقة. تقع فى الجزء الشرقى
منها، وكانت قديمًا تابعة للدولة البيزنطية. تبلغ مساحتها نحو (
88920) كم2. وعدد سكانها (6.979.154) نسمة، معظمهم يعملون
بالزراعة. وفى سنة (792هـ = 1389م) هُزمت صربيا أمام الجيوش
العثمانية فى معركة قوصوه، وفى سنة (928هـ = 1521م)
ضمها سليمان القانونى إلى مملكته، وأصبح يتولى حكمها ولاة
أتراك الجنسية، يقيمون فىعاصمتها بلجراد. ومنذ سنة (1284 هـ
= 1828 م) بدأت روسيا تساعد صربيا على الثورة ضد الدولة
العثمانية، حتى خرجت تركيا منها سنة (1295 هـ = 1867 م)،
واعترفت باستقلالها فى معاهدة برلين سنة (1299 هـ = 1878
م). وفى سنة (1303هـ = 1885م) قامت الحرب بين صربيا
وبلغاريا، بسبب رغبة صربيا فى التوسع على حساب بلغاريا،
ولكنها هُزمت، ومع هذا مالبث أن حاربت النمسا سنة (1333هـ =
1914م)، ولكنها هُزمت أيضًا؛ فانسحبت من الحرب. وفى سنة (
1336هـ = 1917م) أُعلن مؤتمر الشعوب السلافية الجنوبية، اتحاد
كل من صربيا وكرواتيا وسلوفانيا والجبل الأسود تحت سلطة
الملك بطرس الأول ملك صربيا. وفى سنة (1360هـ = 1941م)
احتلت القوات الألمانية يوغسلافيا، وأصبحت صربيا تحت السلطة
الألمانية، لكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة (1365هـ =
1945م) أعلن الدستور اليوغسلافى أن صربيا إحدى جمهوريات
الاتحاد اليوغسلافى، وصارت بقية دول المجموعة السلافية
تتمتع بالحكم الذاتى. وكانت صربيا تطمع فى إقامة دولة كبرى
يُطلق عليها صربيا الكبرى تضم أجزاء من كرواتيا وسلوفينيا
والبوسنة والهرسك، وفى سنة (1992م) قامت القوات الصربية
بمهاجمة المدن البوسنية أُثر أعلان استقلال البوسنة والهرسك
سنة (1992م)، ودمرت معظم مدن البوسنة والهرسك.(11/409)
*الكاميرون
تقع فى غرب إفريقيا، على ساحل غانا فى طرفه الشرقى.
يحيط بها كل من نيجيريا فى الشمال الغربى، وتشاد وإفريقيا
الوسطى فى الشرق، والكونغو والجابون وغينيا الاستوائية
فى الجنوب. تبلغ مساحتها (475442) كم2، وعاصمتها ياوندى،
وعدد سكانها (11.900.000) نسمة، حسب إحصائية سنة
(1990م)، وأهم المحصولات الزراعية: الكاكاو، والبن، والفول
السودانى، والموز، والقطن، وأهم مصادر الطاقة البترول. وقد
تعرضت الكاميرون لمختلف أشكال الصراعات الأوربية، وذلك
عندما كان الأوربيون فى طريقهم إلى السيطرة على خليج غينيا
وحوض نهر الكونغو، سواء لتجارة الرق والعاج، أو لزراعة
الكاكاو واكتشاف المعادن، فجاء إليها البرتغاليون والإسبان
فى أوائل القرن (9 م)، ثم جاء الفرنسيون فالإنجليز فالألمان.
وبعد الحرب العالمية الثانية أصبحت تحت وصاية الأمم المتحدة.
وفى (أكتوبر 1961م) أصبحت جمهورية فيدرالية برئاسة أحمدو
أهيدجو ونائبه فوتشا، (وفى يناير 1984م) تم إعلان جمهورية
الكاميرون الاتحادية برئاسة بول بيا.(11/410)
*المغرب (بلاد)
يتألف المغرب العربى من ثلاث دول، هى: تونس والجزائر
والمملكة المغربية، وهى تؤلف وحدة اقتصادية. ويقع المغرب
العربى فى القسم الشمالى من قارة إفريقيا. وتبلغ مساحته مع
القسم الصحراوى (2.782.000). ويعيش فيه نحو (56.000.000)
نسمة، أكثرهم من العرب المسلمين. ومناخ المغرب العربى معتدل
عمومًا فىالشمال؛ لتأثره بالبحر، ولكنه يصبح باردًا فى جبال
أطلس، ويتحول إلى مناخ صحراوى فى الدخل. وأنهار المغرب
العربى قليلة وقصيرة، وأهمها: نهر الملوية، ونهر الشليف،
ونهر المجردة. وفى المغرب ثروات زراعية وغابيَّة. أمَّا الثروات
المعدنية فأهمها: الحديد والفوسفات.(11/411)
*قُنْدهار
ثانية مدن أفغانستان حجمًا بعد العاصمة كابول. تقع على رافد
جنوبى (أيسر) لنهر هيلماند فى جنوب البلاد، وتتحكم فى
الطريق الذى يعبر ممر بولان، ويصلها بمدينة كويتا بباكستان،
وترتبط بالعاصمة بطريق برى مرصوف. وهى السوق الرئيسية
لجنوب أفغانستان. وتوجد فيها جالية من الهنود يمسكون
بأيديهم زمام التجارة، وفيها ضريح الشاه أحمد خان الذى أسس
الأسرة الدورانية التى حكمت البلاد (1160 - 1250هـ = 1747 -
1835م)، وعلى الضريح قبة مغطاة بصفائح الذهب، تحيط بها
المآذن المحلاة بالقيشانى. وكانت قندهار عاصمة أفغانستان
سنة (1747 - 1773م)، واستولى عليها الإنجليز فى القرن (13هـ =
19م) إبان الحروب الأفغانية. وتشتهر قندهار بزراعة الفاكهة.(11/412)
*قناة السويس
أهم شريان ملاحى فى العالم. وممر مائى بمصر، يصل البحر
المتوسط شمالاً عند بورسعيد حتى بورتوفيق جنوبًا بالبحر
الأحمر عند السويس. وترجع أهميتها الدولية إلى اختصارها
طريق الملاحة البحرية بين الشرق والغرب. ويبلغ طولها (195)
كم، ومتوسط عرضها (60) م وعمقها (13) م. وتسير مع الحافة
الشرقية لبحيرة المنزلة فى خط مستقيم حتى بحيرة التمساح، ثم
تنحرف شرقًا إلى البحيرات المرة، فخليج السويس. وكان شق
القناة هدفًا من أهداف الحملة الفرنسية على مصر سنة (1798م)،
وقد رفض محمد على هذا المشروع محذرًا من زيادة الأطماع
الغربية فى مصر، ثم أقنع فرديناند دى ليسبس الوالى سعيد
بالمشروع، فشرع فى شق القناة فى (أبريل 1859م). وقد تم
حفر القناة على عهد الخديو إسماعيل سنة (1869م)، واستتبع
شق القناة زيادة أطماع الدول الأوربية فيها، إلى أن احتل
الإنجليز مصر سنة (1882م). وعندما أمَّم جمال عبد الناصر قناة
السويس تعرضت مصر للعدوان الثلاثى البريطانى الفرنسى
الإسرائيلى فى (أكتوبر 1956م) فأُغلقت القناة، ثم افتتحت بعد
انسحاب أصحاب هذا العدوان، ثم أغلقت مرة أخرى بسبب
العدوان الإسرائيلى على مصر فى (يونيو 1967م)، ثم أعيدت
للملاحة فى (يونيو 1975م). وقد بلغ دخل مصر من قناة السويس
(931) مليون جنيه مصرى حسب إحصائية سنة (1984م).(11/413)
*ليبيا
تقع فى شمال قارة إفريقيا. تبلغ مساحتها (1.759.540) كم2.
وتمتد بين دائرتى عرض (18.5ْ، و 33ْ) شمالاً، وبين خطى طول (
9ْ، و 25ْ) شرقًا. ويحدها البحر المتوسط من الشمال، وتتصل
حدودها من جهة الشرق بحدود مصر، ومن جهة الغرب بحدود كل
من تونس والجزائر، ومن جهة الجنوب بحدود النيجر وتشاد
والسودان. ويرتبط سكانها بروابط التاريخ والنسب بسكان مصر
والسودان وتونس. وتنقسم إلى: الإقليم الطرابلسى، وإقليم
الصحراء وفزان، وإقليم برقة. ومناخها صحراوى حار جاف.
ويبلغ عدد سكانها (3.3) مليون نسمة حسب إحصائية سنة
(1983م)، ومعظمهم من العرب، وبعضهم من البربر المتعربين،
وقليل منهم من البربر الذين مازالوا محتفظين ببعض مظاهر
ثقافتهم الأصلية إلى جانب الثقافة العربية. ويُعد البترول - منذ
اكتشافه عام (1961م) - العمود الفقرى للاقتصاد الليبى.(11/414)
*اللاذقية
مدينة سورية، وهى عاصمة المحافظة التى تحمل اسمها وتبعد
(137) كم إلى الجنوب الغربى لمدينة (حلب)، وهىالميناء
البحرى الرئيسى لسورية. وكانت مدينة فينيقية، وازدهرت تحت
حكم الرومان وضمت إلى سورية سنة (1942م) وهى مشهورة
بنوع خاص من التبغ. وخضعت لحكم البيزنطيين. والمسلمين
والصليبيين؛ إذ استولى عليها صلاح الدين الأيوبى سنة (1188م)
ثم استعادها الصليبيون، ثم استولى عليها قلاوون سنة
(1287م). وبها آثار رومانية، أهمها قوس نصر. وفى عام
(1950م) أُدخلت تحسينات على مينائها؛ لتحويل التجارة السورية
إليه بدلاً من بيروت، واللاذقية الآن المقر الصيفى لرئاسة
الجمهورية.(11/415)
*كريت
جزيرة تقع فى شرق البحر المتوسط. وهى كبرى جزر اليونان.
تبلغ مساحتها (8380) كم2. وعاصمتها كانيا وكبرى مدنها
كانديا. وهى جزيرة جبلية إلى درجة كبيرة، ترتفع إلى (2458
م) فى جبل آيدا، وحضارتها من أقدم حضارات العالم، وبلغت
أوجها سنة (1600 ق. م)؛ إذ اكتشف آثار فى كتوسوس ترجع
إلى هذه الحضارة. وقد استولى عليها الرومان فيما بين سنتى
(68 - 67 ق. م)، ثم فتحها المسلمون سنة (826م)، إذ انتزعوها
من الأباطرة البيزنطيين، وظلت تحت الحكم الإسلامى إلى أن
استعادها نيسفورس الثانى سنة (961م) ثم استولت عليها
البندقية سنة (1204م) ثم تركيا سنة (1669م). وفى سنة
(1913م) اتحدت مع اليونان. ومن محاصيلها: زيت الزيتون
والفواكه والخضراوات والكروم. وبها خامات الحديد والفحم.(11/416)
*قطر
شبه جزيرة على الساحل الشرقى لشبه الجزيرة العربية على
الخليج العربى تبلغ مساحتها (11437) كم2. وتمتد بين دائرتى
عرض (30َ - 24ْ)، و (10َ - 26ْ) شمالاً لمسافة (60) كم، وخطى
طول (30َ - 50ْ)، و (30َ - 51ْ) شرقًا بعرض أقصاه (78) كم.
وتحدها السعودية من الغرب والإمارات العربية المتحدة من
الشرق، وعاصمتها الدوحة. ويبلغ عدد سكانها (444.000) نسمة
حسب إحصائية سنة (1410هـ = 1990م)، ويعتمد الاقتصاد
القطرى على النفط الذى يرجع تاريخ اكتشافه إلى عام
(1939م)، ويسودها نظام ملكى؛ حيث يهيمن آل ثانى على
السلطة. وقطر عضو فى عديد من المنظمات العربية والإسلامية
والدولية، مثل: جامعة الدول العربية، ومجلس التعاون لدول
الخليج العربية، ومجموعة عدم الانحياز، ومنظمة المؤتمر
الإسلامى، والأمم المتحدة، ومنظمة الأمم المصدرة للنفط الأوبك،
ومنظمة الدول العربية المصدرة للبترول أوابك، ومجموعة ال 77.(11/417)
*القليوبية
أحد أقاليم الوجه البحرى بمصر. استُحدثت سنة (715هـ =
1315م) بمرسوم من الملك ناصر محمد بن قلاوون، وكانت
نواحيها تابعة لإقليم الشرقية، ثم فصلت عنها، وأطلق عليها اسم
الأعمال القليوبية؛ نسبة إلى مدينة قليوب التى كانت عاصمة لها
سنة (1826م). وفى سنة (1833م) صدر أمرعالٍ بتسمية
المأموريات باسم مديريات، فسميت مديرية القليوبية، وعاصمتها
الآن مدينة بنها. تتكون القليوبية من أربعة مراكز، هى: بنها
وشبين القناطر وطوخ وقليوب، بالإضافة إلى مأمورية ضواحى
مصر. ومجموع قرى القليوبية (188) قرية؛ القديمة منها (114)،
والحديثة (74).(11/418)
*كردفان
مديرية بوسط السودان، غربى النيل، عاصمتها الأبيض. تبلغ
مساحتها (385838) كم2. وأهم مدنها الأبيض العاصمة والنهود،
وبادا وأبوزيد ومجلد، ويربطها بالخرطوم خط حديدى. وتوجد
بها مراعٍ غنية، وتزرع فيها الذرة والسمسم والفول السودانى
والقطن، وتُعد كبرى مناطق جمع الصمغ العربى. أما بالنسبة
إلى السكان فإن العرب يسكنون الجزء الشمالى، ويسكن
النوبيوين الجزء الجنوبى. وقد حكمها النوبيون فترة طويلة،
وكانت عاصمتهم جبل كردفان وفى سنة (1881م) أعلن المهدى
الجهاد من جبل قدير، وهزم حملتين أرسلتهما الحكومة،
واستولى على الأبيض وبارا سنة (1883م)، وأرسل هكس
لاستعادتها فهلكت حملته فى (نوفمبر 1883م) قرب شيكان.
واعترف جوردون بالمهدى سلطانًا على كردفان فى (فبراير
1884م) فكان رده أن طالبه بالتسليم، وسار قاصدًا الخرطوم
واستولى عليها فى (يناير 1885م)، ثم استردت المديرية سنة
(1899م) بعد معارك عنيفة مع عبد الله التعايشى خليفة المهدى.(11/419)
*فزَّان
مدينة ليبية قديمة. تقع بين الفيوم فى مصر وطرابلس الغرب فى
ليبيا، سُميت باسم فزان بن حام بن نوح، عليه السلام. وأرضها
منخفضة كبيرة المساحة، تمتد من الحمادة الحمراء وجبل السودا
شمالاً إلى مرتفعات إيفاى وتيبستى جنوبًا، ومن جبال تاسيلى
وحمادة غربًا إلى مرتفعات الهروج شرقًا، وتنقسم فزان إلى
حوضين كبيرين هما: حوض أوباى وحوض مرزق، كما أنها
كثيرة القلاع والقرى، يندر فيها الحبوب واللحوم. وقد فتحها
عقبة بن نافع الفهرى سنة (49هـ = 669م)، واحتلها العثمانيون
سنة (985هـ = 1577م)، وحاول أحمد القرمانلى أن يوطِّد حكمه
بها منذ سنة (1129هـ = 1716م)، لكنه لم يستطع، ثم حاول ذلك
مرة أخرى سنة (1247هـ = 1831م). وقد احتلها الإيطاليون سنة
(1331هـ = 1913م)، وجعلوا عاصمتها مدينة (سبها)، وذلك بعد
خروج جيوش الدولة العثمانية من ليبيا سنة (1329هـ = 1911م)
فشغل الإيطاليون طرابلس كلها، والمراكز المهمة فى فزان. وفى
سنة (1361هـ = 1942م) احتلها الفرنسيون، وحاولوا ربطها
بالإدارة الفرنسية فى الجزائر، لكنهم اضطروا إلى الرحيل عنها
سنة (1376هـ = 1956م).(11/420)
*القرى (وادى)
وادٍ بين بلاد الشام والمدينة المنورة. يمر به الحجاج وهم فى
طريقهم إلى الحج، سُمى بذلك لانتظام القرى وكثرتها به، وقد
أصبح معظمه خرابًا. وكانت عدة قبائل عربية تنزل به، ومنها:
قضاعة وجهينة وبنو عذرة، وكان به عاد وثمود، وسكنه كثير
من اليهود، وظلوا به حتى سنة (7هـ). وفى هذه السنة غزا
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل وادى القرى ودعاهم إلى الإسلام فرفض اليهود
وحاربوه؛ ففتحها عنوة، وأخذ الأموال والمتاع وترك النخيل
والأرض لليهود. ولما تولى عمر بن الخطاب، رضى الله عنه،
الخلافة أجلى اليهود عن وادى القرى، وقسم الأرض بين
المسلمين، لكنها أصبحت اليوم من أحياء المدينة المنورة.(11/421)
*المتوسط (بحر)
أكبر بحار العالم. يقع بين أوربا شمالاً وشمالاً بغرب، وإفريقيا
جنوبًا، وآسيا شرقًا، ويتصل بالمحيط الأطلسى عن طريق مضيق
جبل طارق، وبالبحر الأسود عن طريق مضيق الدردنيل وبحر
مرمرة ومضيق البسفور، وبالمحيط الهندى عن طريق قناة
السويس. وأهم أقسامه: بحر إيجة والبحر الأيونى والبحر
الأدرياتى والبحر التيرانى والبحر الليغورى. وأهم جزره: جزر
البليار وجزيرة سردينيا وجزيرة صقلية وجزيرة كورسيكا
وجزيرة رودس وجزيرة كريت وجزيرة مالطة وجزيرة قبرص.
وكان البحر المتوسط طريق التجارة العالمية إلى الشرق حتى
اكتشاف الطريق المنعطفة حول رأس الرجاء الصالح عام (
1488م)، ثم استعاد مكانته بعد إنجاز حفر قناة السويس
(1869م). ويبلغ طوله نحو (4.000) كم. ويبلغ أقصى عرض له
(1.365) كم، ومساحته نحو (2.512.300) كم2.(11/422)
*الروم (بحر)
هو البحر المتوسط، أكبر بحار العالم. يقع بين أوربا شمالاً
وشمالاً بغرب، وإفريقيا جنوبًا، وآسيا شرقًا، ويتصل بالمحيط
الأطلسى عن طريق مضيق جبل طارق، وبالبحر الأسود عن طريق
مضيق الدردنيل وبحر مرمرة ومضيق البسفور، وبالمحيط الهندى
عن طريق قناة السويس. وأهم أقسامه: بحر إيجة والبحر الأيونى
والبحر الأدرياتى والبحر التيرانى والبحر الليغورى. وأهم جزره:
جزر البليار وجزيرة سردينيا وجزيرة صقلية وجزيرة كورسيكا
وجزيرة رودس وجزيرة كريت وجزيرة مالطة وجزيرة قبرص.
وكان البحر المتوسط طريق التجارة العالمية إلى الشرق حتى
اكتشاف الطريق المنعطفة حول رأس الرجاء الصالح عام
(1488م)، ثم استعاد مكانته بعد إنجاز حفر قناة السويس
(1869م). ويبلغ طوله نحو (4.000) كم. ويبلغ أقصى عرض له
(1.365) كم، ومساحته نحو (2.512.300) كم2.(11/423)
*الأطلنطى (محيط)
يشغل المحيط الأطلنطى (6/ 1) مساحة العالم، ويشبه فى شكله
العام حرف ( S) ويمتد هذا المحيط أكثر من أى محيط بين الشمال
والجنوب؛ إذ يبلغ طوله (16) ألف كم، أما عرضه فيختلف من
موضع إلى آخر. وتوجد أضيق أجزائه بين رأس بالماس فى
ليبيريا ورأس سان روك على ساحل البرازيل إذ يبلغ عرضه
(800) كم. ولا يوجد حدٌّ واضح بينه وبين المحيط الهندى، ولكن
يمكن اعتبار خط طول (20ْ) شرقًا حدًّا فاصلاً بينه وبين المحيط
الهندى، كذلك يمكن اعتبار خط طول (67ْ) غربًا حدًّا فاصلاً بينه
وبين المحيط الهادى. وتبلغ المساحة الكلية للمحيط الأطلنطى
(82.400.000) كم2. ويتصل به عدة بحار، أهمها: البحر المتوسط
والبحر الأسود وبحر الشمال والبحر الكاريبى. وتصب فى المحيط
الأطلنطى عدة أنهار، أهمها: الأمازون والكونغو والراين
والمسيسبى والسين والنيجر والسنغال والأورانج. وتوجد فى
الأطلنطى عدد من الجزر، أغلبها فى الشمال منها: أيسلندا
والرأس الأخضر وترينداد جنوبًا. وتوجد فى المحيط الأطلنطى عدة
تيارات بحرية، مثل: تيار فوكلاند البارد، وتيار لبرادور؛ لذلك
يضم أكبر مصايد الأسماك فى العالم، وينتج (40%) من إنتاج
السمك العالمى. وتختلف ملوحة مياه هذا المحيط من مكان إلى
آخر، ويضم قاع المحيط الأطلنطى كميات من المعادن، مثل:
المنجنيز والبترول.(11/424)
*الأطلسى (محيط)
يشغل المحيط الأطلنطى (6/ 1) مساحة العالم، ويشبه فى شكله
العام حرف ( S) ويمتد هذا المحيط أكثر من أى محيط بين الشمال
والجنوب؛ إذ يبلغ طوله (16) ألف كم، أما عرضه فيختلف من
موضع إلى آخر. وتوجد أضيق أجزائه بين رأس بالماس فى
ليبيريا ورأس سان روك على ساحل البرازيل إذ يبلغ عرضه
(800) كم. ولا يوجد حدٌّ واضح بينه وبين المحيط الهندى، ولكن
يمكن اعتبار خط طول (20ْ) شرقًا حدًّا فاصلاً بينه وبين المحيط
الهندى، كذلك يمكن اعتبار خط طول (67ْ) غربًا حدًّا فاصلاً بينه
وبين المحيط الهادى. وتبلغ المساحة الكلية للمحيط الأطلنطى
(82.400.000) كم2. ويتصل به عدة بحار، أهمها: البحر المتوسط
والبحر الأسود وبحر الشمال والبحر الكاريبى. وتصب فى المحيط
الأطلنطى عدة أنهار، أهمها: الأمازون والكونغو والراين
والمسيسبى والسين والنيجر والسنغال والأورانج. وتوجد فى
الأطلنطى عدد من الجزر، أغلبها فى الشمال منها: أيسلندا
والرأس الأخضر وترينداد جنوبًا. وتوجد فى المحيط الأطلنطى عدة
تيارات بحرية، مثل: تيار فوكلاند البارد، وتيار لبرادور؛ لذلك
يضم أكبر مصايد الأسماك فى العالم، وينتج (40%) من إنتاج
السمك العالمى. وتختلف ملوحة مياه هذا المحيط من مكان إلى
آخر، ويضم قاع المحيط الأطلنطى كميات من المعادن، مثل:
المنجنيز والبترول.(11/425)
*عُمان
دولة عربية. تحتل القرن الجنوبى الشرقى لشبه الجزيرة العربية
وتطل علىالمحيط الهندى الغربى (بحر العرب)، وخليج عُمان.
عُرفت بسلطنة عُمان إثر انقلاب قام به السلطان قابوس بن سعيد
على حكم والده فى (23 من يوليو 1970م)، وكانت تعرف باسم
سلطنة مسقط وعُمان، أو سلطنة مسقط وإمامة عمان منذ أواخر
القرن (19م). أما عمان المعاصرة فتمتد من حدود إمارة رأس
الخيمة إلى رأس الجد جنوبًا، ثم تسير جهة الجنوب الغربى إلى
خليج القمر، عند حدود حضرموت باليمن، وامتداد هذه الشواطئ
نحو (1700) كم. ومساحتها (15.000) م2. وتتصل حدودها
بالمملكة العربية السعودية عبر الربع الخالى، أما حدودها مع
اليمن فقد عينها حكم أصدرته محكمة التحكيم الدولية سنة
(1905م). وتنقسم جغرافيًّا إلى أربعة أقسام: الأول سهل
البطينة الساحلى، والثانى: جبال الحجر، والثالث: هضبة جرداء
إلا من بعض الواحات تتلاشى فى الربع الخالى، والرابع: إقليم
ظفار. وسكان السلطنة من قبائل بنى بو على وريام والحارث
وبنى حسن وغيرها. ويعتمد اقتصادها على التمر والبترول.
وعملتها: الريال العمانى. وعاصمتها مسقط. وأهم موانيها:
صحار، وأهم مدنها نزوى. وتاريخها قديم متصل فالعمانيون
ينسبون إلى العماليق، وفى القرن (7 ق. م) أقام يعرب بن
قحطان شبه دولة جعل عليها أخاه عمان الذى سُمى الإقليم
باسمه، وغزاه الفرس، وأطلقوا عليه فرويا وفى مطلع الدعوة
الإسلامية سنة (6هـ = 627م) - وهو بداية التاريخ الموثق لعمان -
تردد اسم الغبراء، ودخل ابنا زعيم عمان جلندى بن المستكبر
فى الإسلام، ثم ساهما فى نشر الدعوة الإسلامية وقاما برحلات
بحرية، ووقفا إلى جانب الإمام على بن أبى طالب ضد معاوية
بن أبى سفيان، رضى الله عنهما. ثم انتشر مذهب الإباضية
ونظريتهم فى الإمامة، وانتخب جلندى إمامًا سنة (135هـ =
752م)، وكانت نزوى حاضرة لهم، وفى سنة (1034 هـ = 1624(11/426)
م) قامت الدولة اليعربية؛ فدحرت الصفويين والبرتغاليين على يد
سلطان بن سيف ثانى الأئمة، ودام حكمها مائة سنة، وكانت
مصدر قلق للأساطيل الأوربية، ثم قامت الدولة البوسعيدية عام
(1167 هـ = 1753 م). وفى عام (1933 م) تولى سعيد بن تيمور
حكم مسقط، فى حين انتخب فى عمان الداخل غالب بن على
الهنائى. وفى عام (1954 م) وقع بينهما نزاع، وتدخلت بريطانيا
لصالح سعيد بن تيمور. وفى (20 من جمادى الأولى 1390هـ =
23 من يوليو 1970 م) قام قابوس بن سعيد بانقلاب داخلى تولى
على إثره الحكم، وبدأ بالإنفتاح على العالم العربى والخارجى،
معتمدًا على اقتصاديات البترول المتزايدة.(11/427)
*عكاظ (سوق)
أشهر أسواق العرب الموسمية التى بلغت قمة ازدهارها فى
أواخر العصر الجاهلى، وعاشت فترة فى الإسلام. أقيمت قبل
(15) عامًا من عام الفيل (وهو العام الذى وُلد فيه النبى - صلى الله عليه وسلم -)،
وكانت تستقبل قاصديها مع مستهل شهر ذى القعدة من كل
عام، وكان انعقادها يستمر (20) يومًا. وعكاظ موضع بين نخلة
والطائف، على طريق بين الطائف ومكة، وهى واحدة من (10)
أسواق كانت تعقد بالجزيرة العربية فى الأشهر الحرم؛ حيث
يمتنع القتال ويُردع من يتمرد على ذلك، عن طريق سكان المكان
الذين يتقاضون العشور من الصفقات التى تعقد فى السوق.
وبجانب التجارة، وبخاصة الجلود المدبوغة، تُعد عكاظ لقاءً
سنويًّا للخطباء والشعراء؛ إذ كانوا يتطارحون فيها أحدث
إنتاجهم الأدبى، لا سيما شعر الفخر، وكان ينصب فيها حكام من
فحول اللغة والشعر، مثل: النابغة الذبيانى، وعمرو بن كلثوم
وقس بن ساعدة الخطيب. كما كانت هذه السوق مكانًا للفصل فى
المنازعات، وعقد الاتفاقات، ومنبرًا لكل صاحب دعوة، حتى
قيل: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - تردد عليها؛ للدعوة إلى الإسلام. ومما كانت
تتميز به أنها سوق حرة؛ لا يلتزم التجار فيها بدفع مكوس أو
عشور لسادات القبائل، لا سيما من قريش وتميم، وكان لهذا أثره
فى ازدهار السوق؛ مما زاد من أهمية قريش ومكانتها، وساعد
على انتشار لهجتها وسيادتها، كما كان لهذه السوق أثرها فى
تهذيب اللغة. وفى أواخر الدولة الأموية سنة (128 هـ = 744 م)
نهب بعض الخوارج هذه السوق؛ فهجرت بعد ذلك، وإن كانت
أهميتها اضمحلت، بانتقال عاصمة الدولة، وهجرة سادات قريش
من مكة إلى المدينة.(11/428)
*عكا
تقع فى الطرف الشمالى لخليج عكا، وتبعد عن ميناء حيفا بنحو
(15) كم، وتقع بالقرب من سفوح جبل الكرمل. وهى ذات موقع
استراتيجى؛ مما عرضها للأطماع الخارجية، وتبعد عن القدس
بنحو (128) كم، وعن ميناء صور بنحو (44) كم. وتكثر فى
أطرافها المستنقعات، كالشاحوطة وعين البقر، ومناخها مناخ
البحر المتوسط؛ حار جاف صيفًا، دافئ ممطر شتاءً. وتأسست
عكا فى الألف الثالثة قبل الميلاد على يد إحدى القبائل
الكنعانية العربية المعروفة بالجرجاشيين، وأطلقت عليها عكو،
أى: الرمل الحار، وهم مستنبطو صناعة الزجاج، كما يروى
بلنى، المُتوفَّى سنة (113 م)، واستمرت كنعانية عربية؛ فلم
تخضع للمصريين ولا للعبرانيين إلى القرن الثامن قبل الميلاد،
حين خضعت للملك الآشورى شلمناصر الخامس، ثم للفرس فى
القرن السادس قبل الميلاد، ثم للإسكندر المقدونى. وفى عهد
البطالمة والسلوقيين غُيِّر اسمها إلى بتولمايس، ثم احتلها الأرمن
عام (69 ق. م)، وفيها قامت حضارة هلنستية؛ نتيجة التداخل بين
الثقافة اليونانية والسامية خلال العصر السلوقى. وقد فتحها
شرحبيل بن حسنة نحو سنة (15 هـ = 637 م)، وبها أنشأ معاوية
بن أبى سفيان، رضى الله عنه، أسطولاً بحريًّا، وقامت منها
حملة على قبرص سنة (28 هـ = 649 م) ورودس سنة (34 هـ =
654 م)، وازدهرت تجارتها فى العصر الأموى، واستولى عليها
أحمد بن طولون عام (164 هـ = 877 م)، ثم الإخشيديون ثم
الفاطميون، ثم وقعت تحت سيطرة الصليبيين عام (497 هـ =
1104 م). وشهد لعكا بالعظمة والمنعة كل من زارها. وقد كان
لها أهمية تجارية بارزة تحت الحكم العثمانى، ثم تصدت لحصار
نابليون عام (1214هـ = 1799م)، ثم فتحها إبراهيم بن محمد على
عام (1247 هـ = 1832 م)، ثم تضاءلت أهميتها التجارية بإلحاقها
بسورية عام (1281 هـ = 1864 م)، ثم ألحقت ببيروت عام (1305
هـ = 1888 م)، وبعد الاحتلال الصهيونى لعكا سنة (1948 م)(11/429)
تغيرت معالمها العربية. وتُعدُّ الآن من أهم الموانئ الفلسطينية
لصيد السمك، وأنشأت بها سلطات الاحتلال الإسرائيلى منطقة
صناعية، فيها مصنع لإنتاج الصلب، وآخر لإنتاج أنابيب الفولاذ.(11/430)
*عطبرة
مدينة تقع شرق السودان، ويلتقى عندها نهر عطبرة بالنيل،
وهى الرابعة من حيث عدد السكان، وتتبع إداريًّا المديرية
الشمالية، وعاصمتها الدامر، وهى بلدة صغيرة تقع على النيل
الأبيض جنوبى عطبرة على بعد (15 كم) منها، وإلى شماليها
تقع مدينة بربرة. وهى ملتقى عدة خطوط سكك حديدية، وقد
أكسبتها هذه السكك الحديدية التى مُدت أوائل القرن العشرين
أهمية بارزة، كما أن إقامة جسر يصل شرق السودان بوادى
النيل جعلها مركزًا مهمًّا للمواصلات. وقد قامت فيها صناعة
الأسمنت، كما أن لها شهرة تقليدية بسوق الماشية. وعند بلدة
النخيلة نشبت معركة عطبرة فى (8 من إبريل 1898 م)، بين
قوات الخليفة التعايشى، والجيش المصرى بقيادة كتشنر،
وانتهت باستسلام قوات التعايشى، ومهدت هذه المعركة الطريق
لمعركة أم درمان الفاصلة. ونهر عطبرة جنوب عطبرة يتصل
بالنيل وطوله نحو (1125كم) بشمال شرق السودان، وتأتى
منابعه من غربى هضبة الحبشة، ويُعد أكثر الأنهار الجبشية
طميًا، وهو أحد الروافد اليمنى لنهر النيل.(11/431)
*العسكر
كانت العاصمة المصرية الإسلامية الثانية منذ الفتح بعد الفسطاط،
وهى مندثرة، وموقعها الحالى حى السيدة زينب. واشتق اسمها
من عسكر صالح بن على أول الولاة العباسيين على مصر، بعد
سقوط الدولة الأموية؛ ذلك أن صالحًا نزل بعسكره فى هذا
الموضع، وكان خرابًا منذ قدم إلى مصر عام (133 هـ = 750 م)،
فأقام به دارًا للخلافة، وعندما خلفه أبو عون فى العام التالى
أمر أصحابه بالبناء فيه، فبنوا، وسُمى من يومئذٍ بالعسكر،
وكان أمراء مصر بعد أبى عون ينزلون به. وبُنيت بالعسكر دار
للشرطة تُعرف بالشرطة العليا؛ تمييزًا لها عن دار شرطة الفسطاط
أو الشرطة السفلى، وشُيد بها مسجد عرف بجامع العسكر،
بجوار دار الإمارة. وقد تحولت إلى ديوان للخراج أيام خمارويه،
واندمجت مع الفسطاط، ثم طغت القطائع على حدها الشرقى، ثم
اختفى اسم العسكر فأصبحت تُعرف بالفسطاط والقطائع. وفى
أواخر الدولة الفاطمية امتد إليها الخراب، وقد بنى بها الفضل بن
صالح بن على جامع العسكر سنة (169 هـ = 785 م)، وظل إلى
مابعد سنة (500 هـ)، وكان أحد الجوامع الستة الكبرى آنئذٍ، ولا
أثر له اليوم. ونسب إليها عدد من العلماء، مثل: محمد بن علىٍّ
العسكرى وكان مفتى العسكر بمصر، ومحدثًا وفقيهًا شافعيًّا،
والحسن بن رشيق العسكرى المحدث المشهور، وغيرهما.(11/432)
*عسقلان
بلدة بفلسطين. تطل على ساحل البحر بين غزة ويافا شمالاً،
وتقع فى الجنوب الغربى من يافا، وتبتعد عنها بنحو (50 كم)،
يقع فى شماليها ميناء أسدود، وشرقيها بلدة المجدل، وعدت
أحد أبواب مصر الشرقية. استولى عليها رمسيس الثانى عام
(1285 ق. م)، وتوالت عليها الإمبراطوريات عدا اليهود
الإسرائيليين، فلم تقع تحت أيديهم طوال التاريخ، لكنها اكتسبت
أهمية خاصة إبان الحروب الصليبية. وفتحها المسلمون عام (15هـ
= 636 م). وخضعت للحكم الفاطمى حتى عام (492 هـ = 1099
م)، ثم استولى عليها الصليبيون، ثم عادت إلى الحكم الفاطمى،
ثم استولى عليها بلدوين الثالث فى (26 من جمادى الأولى 548
هـ = 19 من أغسطس 1153 م)، بعد توليه عرش بيت المقدس، وذلك
بعد حصار دام سبعة أشهر، وتحول الجامع إلى كنيسة، ثم
استعادها صلاح الدين الأيوبى فى (28 من رجب 584 هـ = 4 من
سبتمبر 1187 م). ويُطلق عليها عروس الشام، ونزل بها جماعة
من الصحابة والتابعين، وحدَّث بها عدد كثير منهم.(11/433)
*البوسفور
مضيق وممر مائى، طوله (32 كم)، واتساعه (549 كم) فى أضيق
جزء منه. يفصل تركيا الأوربية عن تركيا الآسيوية، ويصل البحر
الأسود ببحر مرمرة. تقع إستانبول على كلا ساحليه. ويبلغ
عرضه عند مدخله نحو (1500) مترًا، وتمتد على شاطئيه سلسلة
من القرى المتجاورة أو من ضواحى مدينة إستانبول، أهمها:
سكودار التى تقابل إستانبول. ويُعد البوسفور طريقًا
استراتيجيًّا، ارتبط تاريخه بغزو دارا ملك الفرس لليونان، وفتح
محمد الثانى للقسطنطينية، ومحاولة الحلفاء الاستيلاء على
إستانبول إبان الحرب العالمية الأولى، وقد نصت معاهدة مونترو
عام (1936 م) على حرية الملاحة المدنية فى البسفور أيام السلم،
ومنع مرور سفن الدول المتحاربة فى حالة الحرب، وحياد تركيا.(11/434)
*البنغال (بلاد)
تقع فى إقليم البنغال فى الشمال الشرقى لشبه الجزيرة الهندية
، ويشمل هذا الإقليم نهر الجانج وبراهما بترا وفروعهما
العديدة، من سفوح الهملايا شمالاً إلى ساحل خليج البنغال. تبلغ
مساحة البنغال نحو (83) ألف ميل مربع. وينسب فتح المسلمين
لإقليم البنغال إلى محمد بختيار خلجى قائد السلطان معز الدين
محمد الغورى منذ عام (602 هـ = 1205 م)، واتخذ المسلمون
لخنوتى عاصمة لهم، وحكمها بعد ذلك سلاطين عديدون، وتنقلت
عاصمتها بين كور، وراج محل، ودكا، ومرشد آباد. سقطت
البنغال فى يد الإنجليز بعد موقعة بلاسى عام (1171 هـ = 1757
م)، وأصبح حكامها المسلمون موالين للبريطانيين فى عام (
1764 م). وفى عام (1947 م) قُسِّم البنغال قسمين بين الهند
وباكستان: مقاطعة البنغال الشرقية، ومساحتها (130.157 كم2)،
وعدد سكانها (41.932.329) نسمة، وهى متحدة مع باكستان
الشرقية (بنجلاديش). وعاصمتها دكا. وتنتج كميات ضخمة من
الجوت. ومقاطعة البنغال الغربية، ومساحتها (87.951 كم2)،
وعدد سكانها (26.306.602) نسمة، وهى إحدى ولايات الهند.
وعاصمتها كلكتا. وتضم ولاية كوش بهار سابقًا. وتُعدُّ منطقة
صناعية غنية بمناجم الفحم.(11/435)
*برلين
مدينة عالمية، وهى من أكبر مدن ألمانيا، مساحتها (883)
كم2. عدد سكانها (3.4) مليون. وقد ظلت رمزًا لتقسيم ألمانيا
وللمواجهة بين الشرق والغرب ومركزًا للحرب الباردة. وكانت
عاصمة لألمانيا الشرقية، وبها بُنى جدار برلين فى (13 من
أغسطس 1961م)، وسقط هذا الجدار فى (9 من نوفمبر 1989م)
بعد الثورة السلمية فى جمهورية ألمانيا الديمقراطية. وقد كانت
الحاضرة الاقتصادية الأولى فى ألمانيا، والعاصمة الثقافية
لأوربا كلها فى العشرينيات الذهبية ومن المتوقع أن يصل عدد
سكانها عام (1420هـ = 2000م) إلى ثمانية ملايين نسمة.
ولاتزال حتىاليوم أكبر موقع صناعى فى أوربا، وبها ثلاث دور
للأوبرا، وهى أشهر مدن العالم فى مجال المتاحف. وتضم برلين
ثلاث جامعات، هى: هومبولت والجامعة الحرة، والجامعة
التقنية، كما تضم عددًا من مراكز البحوث، مثل: معهد هان - ماينر
ومعهد هاينرش هيرتز. وقد اعتمدها البرلمان الألمانى مقرًا
للحكومة، إضافة إلى كونها العاصمة لألمانيا الموحدة.(11/436)
*إيطاليا
دولة أوربية مساحتها (301225) كم2. تقع جنوب قارة أوربا.
تحدها من الشمال النمسا وسويسرا، والبحر المتوسط من
الجنوب، والبحر الأدرياتى ويوغسلافيا السابقة من الشرق،
والبحر التيرانى وفرنسا من الغرب. ومناخ إيطاليا حار جاف
صيفًا، دافئ ممطر شتاءً. وأهم مواردها الاقتصادية: الزراعة،
والثروة الحيوانية، والثروة المعدنية، والصناعة خاصة الحديد
والصلب، ومصادر طاقتها: الغاز الطبيعى والكهرباء والبترول،
وإن كان قليلاً. ويعمل بالصناعة نحو (41%) من القوى العاملة،
ويعتمد اقتصادها على القيام بدور الوسيط بين كثير من دول
العالم، وتُعد السياحة من أهم موارد الدخل القومى الإيطالى.
وأهم مدنها: روما ونابولى وتورينو وفينسيا أو (البندقية)
وجنوة وجزيرتا صقلية وسردينيا. وعدد سكانها (57.425.000)
نسمة، وعدد المسلمين فيها نحو (400) ألف مسلم. واللغة
الرسمية هى الإيطالية، وهناك لهجات خاصة، إلى جانب الألمانية
لدى بعض سكان الشمال، والديانة السائدة فى إيطاليا: مسيحية
كاثوليكية، يوجد فى روما مقر الكنيسة الكاثوليكية الغربية.
وقد مرَّ تاريخ إيطاليا بمراحل كثيرة حتى وصلت إلى تكوين
إمبراطورية. بعد موقعة أكتيوم البحرية سنة (31 ق. م)، ثم أخذت
تفقد مكانتها منذ منتصف القرن (3 م)، وتعرضت لغزو القبائل
الجرمانية. وقد ظهر المسلمون كقوة فى القرن (3هـ = 9م) حتى
غلبهم النورمان، ووقعت إيطاليا تحت النفوذ الأجنبى حتى
الستينيات من القرن (19م)، وجاءت الحرب العالمية الأولى
والثانية، فاحتل الإيطاليون الحبشة سنة (1354هـ = 1935م)،
واستقال موسولينى بعد هزيمته، وفى (رجب 1365هـ = يونيو
1946م) ألغيت الملكية، وأعلنت الجمهورية، وفى (جمادى
الآخرة 1374 هـ = يناير 1955م) انضمت إيطاليا إلى عصبة الأمم.
والبرلمان فى إيطاليا ينقسم إلى مجلس النواب (مدته خمس
سنوات)، والشيوخ (السناتو) (ومدته ست سنوات). وتُعانى(11/437)
إيطاليا من مشكلتين: النظام الانتخابى، والإرهاب وعصابات
المافيا، وأشهر الأحزاب فيها هو الحزب المسيحى الديمقراطى،
وهو المهيمن على بقية الأحزاب. كما يُوجد بها الحزب الشيوعى
والحزب الليبرالى والحزب الاشتراكى.(11/438)
*إيجة (بحر)
ذراع من البحر المتوسط. طوله نحو (643.5) كم، وعرضه نحو
(322) كم. يقع بين اليونان وآسيا الصغرى ويربطه الدرنيل ببحر
مرمرة، واسمه القديم أرخيبلاجو، ويُطلق الآن على جزره العديدة
التى تشمل أيوبوتا وسبورادس الشمالية وسبورادس الجنوبية
وسايكلادس ودوديكانس. ومن بين روايات الإغريق القدماء أن
اسم هذا البحر اشتُق من اسم العاصمة القديمة لمقدونيا مدينة
إيجى. ويضم هذا البحر ثلاث مجموعات من الجزر.(11/439)
*أطنة
أطنة أو أدنة أو أذنة أو أضنة: مدينة جنوب تركيا فى الأناضول
(آسيا الصغرى). تقع على الضفة اليسرى لنهر سيهان، وهى
عاصمة ولاية سيهان، وتُعد رابعة مدن تركيا حجمًا، كما أنها
مركز تجارى مهم. وعدد سكانها (190.000) نسمة. وقيل: بناها
الرومان وجُددت عمارتها فى الدولة العباسية، وقيل: بناها
هارون الرشيد سنة (90هـ)، لكنه لم يتم بناءها، فأكمله ابنه
محمد الأمين. ازدهرت إبان الحكم الرومانى والبيزنطى،
واستولى عليها الجيش المصرى وحكمها من سنة (1832م) إلى
سنة (1840م) بقيادة إبراهيم باشا، وجعل منها قاعدة حربية
للزحف على الأناضول، وبعد معاهدة لندن سنة (1840م) استولت
عليها القوات الفرنسية، واحتلتها فرنسا من سنة (1919 - 1921م
)، وعُقد فيها مؤتمر الحلفاء سنة (1943م). ومن آثارها الإسلامية:
أطلال قلعة قديمة يُنسب بناؤها إلى هارون الرشيد عام (166هـ =
782م) فى أثناء ولايته العهد، وأولو جامع الذى بناه بيرى بك.(11/440)
*الأدرياتك (بحر)
ذراع من البحر المتوسط يقع بين إيطاليا وشبه جزيرة البلقان.
وطوله (804) كم، وعرضه من (93 - 255) كم، وأقصى عمق له
(1230م). وسواحله الغربية والشمالية المنخفضة تنتمى إلى
إيطاليا، فى حين تنتمى سواحله الشرقية الوعرة إلى
يوغوسلافيا وألبانيا. ومن أهم الموانئ عليه تريست
والبندقية، وبارى، وفيومى وبرنديزى.(11/441)
*كراتشى
مدينة بباكستان الغربية، على بحر العرب، وهى المركز الحضرى
فى باكستان، وقد تطورت لتصبح الميناء والمخرج الرئيسى
الوحيد لحوض السند، وكانت أهم الثغور منذ سنة (1843م) فى
شمالى غربى الهند، ثم أصبحت عاصمة للدولة الجديدة، بعد
تقسيم شبه القارة الهندية عام (1947م)، ومع أن أهميتها كانت
فى ازدياد وسكانها فى نمو مستمر قبل هذا العام، فبعد أن
غدت عاصمة للدولة تضاعفت الأعداد من (400) ألف نسمة إلى
مليون نسمة سنة (1951م)، ثم إلى خمسة ملايين نسمة سنة
(1983م). وفى عام (1959م) رأت الحكومة نقل العاصمة إلى
روالبندى تمهيدًا لنقلها نهائيًّا إلى المدينة التى كان يجرى
تخطيطها؛ لتكون عاصمة للدولة، وهى إسلام آباد، ورغم ذلك
فإن كراتشى بقيت المركز الصناعى الرئيسى؛ ففيها تتركز
وتنمو الصناعات الهندسية والمنسوجات، والمواد الغذائية. كما
أنها سوق مهم للإقليم الزراعى الذى تقع فيه، ومركز تجارى
مرموق، وبها مطار دولى هو أهم مطار فى شبه القارة الهندية؛
لأنه يقع على خط من أهم الخطوط العالمية. ومع ذلك فهى
تعانى من التضخم السكانى؛ بسبب الهجرة الداخلية من الريف،
والهجرة الخارجية للوافدين إليها عقب تقسيم شبه القارة
الهندية.(11/442)
*كابل
عاصمة أفغانستان. تقع على نهر كابل فى منطقة مشهورة
بزراعة الفاكهة، على ارتفاع (1760) مترًا من سطح البحر، وهى
كبرى مدن أفغانستان. تحيط بها سلسلة من السهول الفيضية
الخصبة، يتراوح ارتفاعها بين (1700، و 2000) متر. كما تقع
كابل على الطريق إلى ممر خيبر الذى يوصلها إلى مدينة بشاور
بباكستان. والمدينة قسمان: الشرقى، يمثل المدينة القديمة،
والغربى، يمثل المدينة الحديثة، وفى وسطها العمود التذكارى
كرمز لانتصارهم على الجيوش الإنجليزية سنة (1919م)، وبالمدينة
متحف كبير، وجامعة كابل التى أُسست سنة (1931م). ويعود
تاريخ كابل إلى سنة (770 ق. م)، ومرت بها جيوش الغزاة
والفاتحين عبر التاريخ، وفيها التقت الثقافات والحضارات
المختلفة، من هندية ويونانية وفارسية ومغولية وعربية، وكانت
قاعدة لانطلاق هذه الحضارات إلى غيرها من الدول والبلدان.
وبدأت نهضة كابل فى مستهل القرن الأول قبل الميلاد، وتقدمت
عمرانيًّا وماديًّا فى عهد الكوشانيين، وأصبحت مركزًا روحيًّا
مهمًّا، واتخذها السلطان المغولى بابر ظهير الدين محمد عاصمة
ملكه سنة (1504 - 1519م)، ثم عاصمة لأفغانستان فى عهد
الملك تيمورشاه سنة (1776م) بدلاً من قندهار، وبرزت أهميتها
فى أثناء الحرب الأفغانية الأولى (1839 - 1842م). وبالمدينة
مصانع للمنسوجات والملابس والجلود، كما تشتهر بتجارتها مع
الهنود والفرس.(11/443)
*قيسارية
بلدة بفلسطين. تقع على ساحل بحرالشام على بعد (42) كم إلى
الجنوب الغربى من حيفا، على ارتفاع قرابة (10م) عن سطح
البحر، فى منطقة تُعد جزيرة بين الكثبان الرملية التى تحفُّ
بالشاطئ بمسافة تتراوح بين (2.1) كم، تاركة نحو (1.5) كم
تمثل المنطقة التى تقع فى وسطها البلدة. ويعتمد اقتصادها
على الزراعة، خاصة البرتقال. وأول بُناتها الكنعانيون
(الفينيقيون)، وأسموها برج ستراتون، وجُددت فى عام (10 ق.
م) على يد هيرودس، وسماها قيصرية. واحتلها الفرس عام
(1613م)، واسترجعها الرومان، ثم حاصرها عمرو بن العاص،
رضى الله عنه، عام (13هـ =634م)، وفتحت عام (19هـ = 640م)
على يد معاوية بن أبى سفيان، رضى الله عنه، وفى عام (975
م)، احتلها البيزنطيون من الفاطميين، ثم استعادها الفاطميون،
وتداولها المسلمون والإفرنج بين سنتى (1101 - 1265م)، واحتلها
الظاهر بيبرس إلى أن نزلها البشانقة (مسلمو البوسنة والهرسك)
عام (1878 م)، فعمروها، وشرد الصهيونيون أهلها ودمروها
عام (1948م). ويُنسب إلى قيسارية عبد الحميد الكاتب المُتوفِّى
سنة (132هـ = 750 م) 0(11/444)
*قنسْرين
مدينة سورية، كانت هى وحمص شيئًا واحدًا. فتحها المسلمون
على يد أبى عبيدة بن الجراح، رضى الله عنه. وكانت عامرة
حتى سنة (351هـ) حين تغلب الروم على مدينة حلب وقتلوا جميع
مَنْ كان بها، فخاف أهل قنسرين، ودُمرت سنة (355هـ). وينسب
إليها جماعة من أهل الحديث، أشهرهم: أبو بكر محمد بن بركة
المعروف ببَرْدَاعَس، المتوفَّى سنة (328هـ). ومنها هاجرت عدة
قبائل، واستوطنت جيَّان بالأندلس.(11/445)
*السند
ولاية أقامها المسلمون فى القرن (1هـ = 7 م)، وشملت الحوض
الأدنى لنهر السند؛ فكانت بذلك بوابة بلاد الهند التى فتحها
المسلمون. ولم تكن هذه البلاد مجهولة للعرب قبل الإسلام؛ إذ
كانت تجارتها تمر بالأرض العربية عن طريق اليمن أو البحرين
إلى سواحل الشام ومصر. ومرت علاقة الدولة الإسلامية بالسند
بعدة مراحل، بدأت بحملة بحرية بقيادة المغيرة بن أبى العاص
الثقفى عام (15هـ)، واستطلع المسلمون أمر الهند فى خلافة
عثمان، وقاد الحارث بن مرة حملة إليها فى خلافة على بن أبى
طالب. وتعددت الحملات عليها فى خلافة الدولة الأموية،
وأشهرها التى قادها المهلب بن أبى صفرة فى خلافة معاوية
بن أبى سفيان عام (44هـ = 664م) حتى بلغ الأهوار (لاهور)،
وتكررت الحملات بعد ذلك للقضاء على الخارجين علىالدولة
الإسلامية، أهمها كانت بقيادة محمد بن القاسم بن أبى الحجاج.
وبدأ الضعف يتغلغل فى أنحاء الدولة الإسلامية فى السند؛
بسبب ضعف الولاة الأمويين والصراعات القبلية، وواجه
العباسيون ما لاقاه الأمويون من قبل، وانتشر التشيع، وخاصة
للعلويين؛ فانتشر فكر الطائفة الإسماعيلية، وقد أدى كل هذا
إلى انحطاط شأن السند، حتى ثبَّتت الشيعة الإسماعيلية
أقدامها، واستطاع جلم بن شيبان الاستيلاء على السند وأقام
أول دولة إسماعيلية فى الهند.(11/446)
*سجلماسة
مدينة مغربية مندثرة. كانت تقع على الجانب الأيسر لوادى زيز
فى إقليم تافيلالت الذى يمتد فى الجنوب الشرقى من الصحراء
المغربية. واختار مكانها بربر مكناسة؛ فقد بدأ عيسى بن يزيد -
أحد زعمائهم - بناءها عام (140 هـ = 757 م)، إلا أن عمرانها
يُنسب إلى اليسع بن سمعون والد مدرار مؤسس دولة بنى مدرار
التى جعلت سجلماسة عاصمة لها. وحتى عام (296 هـ = 908 م)؛
حيث انتهى حكمهم. وقد استوطن إقليم تافيلالت الأشراف
العلويون، وبايع أهل سجلماسة المولى محمد بن الشريف، وجاء
بعده أخوه المولى الرشيد، وجعل سجلماسة عاصمة لدولة
الأشراف، إلى أن جاء المولى إسماعيل فنقل العاصمة إلى
مكناسة الجديدة عام (1048 هـ = 1673 م)، ففقدت سجلماسة
أهميتها، وامتد إليها الاضمحلال، وتحولت إلى أطلال. وقد زار
ابن بطوطة سجلماسة، وقال: إنها من أجمل البلدان.(11/447)
*سوسة
ميناء تونسى، وهى تطل على مدينة الحمامات بين تونس فى
الشمال وصفاقس فى الجنوب، وهى أقرب ما تكون إلى
القيروان التى تقع غربيها. وتُعدُّ سوسة أقدم تاريخًا من
قرطاجنة. وتضم أطلالها القديمة عدة مقابر رومانية، فضلاً عن
سورها وقلعتها، وتشتهر بالنسج والحياكة. وقد اتخذها الألمان
إبان الحرب العالمية الثانية قاعدة عسكرية، واستولى عليها
الحلفاء سنة (1943 م).(11/448)
*سرخس (مدينة)
مدينة قديمة. تقع الآن فى ولاية خراسان الإيرانية، بالقرب من
حدودها مع تركمانستان، وهى مدينة يقل فيها المطر، وليس
فيها أنهار سوى نهر صغير لاتدوم فيه المياه طوال السنة،
وتعتمد المدينة على مياه الآبار العذبة فى سد احتياجاتها. وقد
فتحها المسلمون بقيادة الأحنف بن قيس سنة (21 هـ = 642 م)
أثناء خلافة عمر بن الخطاب، رضى الله عنهما، وكانت من مراكز
الدعوة العباسية فى أوائل القرن الثانى الهجرى، ثم دخلت تحت
إمرة الغزنويين، ثم السلاجقة ثم الخوارزميين، ثم استولى عليها
التيموريون، وضموها إلى حكمهم. ويُنسب إليها بعض العلماء،
ومنهم: الفقيه الشافعى أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد
السرخسى، والفقيه أبو على زاهر بن أحمد بن محمد بن عيسى
السرخسى، وأبو العباس بن الطيب السرخسى عالم الرياضيات
والفلك والفلسفة والموسيقى، وأبو قدامة عبيد الله بن سعيد
السرخسى الذى كان من الثقات فى رواية الحديث وأخذ عنه
الإمامان الجليلان البخارى ومسلم.(11/449)
*شلب
مدينة أندلسية، كانت من أهم المواقع فى أقصى الجنوب
الغربى؛ بسبب موقعها الاستراتيجى، فهى تقع على حدود
جمهورية البرتغال، بالقرب من ساحل المحيط الأطلنطى على نهر
أراد، كما أنها تقع بالقرب من ميناء شنتمرية. وكانت هذه
المدينة قاعدة لولاية الغرب تحت الحكم الإسلامى الذى امتد نحو
خمسة قرون، ثم أصبحت تابعة لمملكة إشبيلية أثناء عصر
الطوائف. وتولى إمرتها الشاعر ابن عمار - وكان من أبنائها -
فى عهد المعتمد بن عباد، واستقلت المدينة عن إشبيلية فى
عصر المرابطين والموحدين، ثم عمل البرتغاليون على الاستيلاء
عليها سنة (585 هـ = 1189 م)، وحاصروها ثلاثة أشهر، ومنعوا
عنها مياه الشرب، واستعانوا بالقوات البحرية الصليبية من
الإنجليز والألمان، ولكن السلطان الموحدى المنصور تمكن من
استعادة هذه المدينة من أيدى البرتغاليين بعد عامين من
غزوهم، وتمَّ له ذلك فى (جمادى الآخرة 587 هـ = يوليو 1191
م)، إلا أن البرتغاليين استولوا على المدينة ثانية سنة (640 هـ =
1242 م) ولاتزال تحت أيديهم حتى الآن.(11/450)
*إقليم السوس
اسم يُطلق على إقليمين بالمغرب؛ يُعرف أحدهما بإقليم السوس
الأدنى، ويعرف الآخر بإقليم السوس الأقصى. وقد ظهر اسم هذا
الإقليم منذ الفتح الإسلامى لبلاد المغرب؛ حيث مدَّ عقبة بن نافع
فتوحاته الإسلامية سنة (62 هـ = 681 م) غربًا إلى المغرب
الأقصى حتى طنجة، ثم اتجه جنوبًا محاذيًا الساحل إلى إقليم
السوس الأدنى، وأحرز انتصارات كبيرة على البربر من قبيلة
المصامدة، ثم واصل ابن نافع انتصاراته، واتجه إلى إقليم
السوس الأقصى، وأمَّن الناس على حياتهم، وبنى فيها مسجدًا.
ويُعد ابن تومرت مؤسس دولة الموحدين بالمغرب، من أبرز
الشخصيات التى تُنسب إلى إقليم السوس.(11/451)
*الأرجنتين
إحدى دول قارة أمريكا الجنوبية. وتمتد من وسط القارة إلى
أقصى جنوبها، بين خطى عرض (22 ْ، 55 ْ)، جنوبى خط
الاستواء. والأرجنتين. لفظة إسبانية تعنى: أرض الفضة. ومساحة
الأرجنتين نحو (2.800.000 كم2)، ويشاركها فى الحدود (6) دول
هى: بوليفيا وباراجواى والبرازيل شمالاً، والبرازيل
وأورجواى شرقًا، وشيلى غربًا، وتطل على المحيط الأطلنطى
من الجنوب. وتلى الأرجنتين البرازيل من حيث عدد السكان، ويُعد
معدل النمو السكانى فيها من أعلى المعدلات فى العالم؛ إذ كان
عدد السكان سنة (1970 م) نحو (23.5) مليون نسمة، ثم أصبح
نحو (32.880) مليون نسمة حسب إحصائية سنة (1990 م)، فى
حين أنه لم يكن يسكنها منذ قرن واحد سوى (1.5) مليون نسمة.
وأهم مدن الأرجنتين: العاصمة بيونس أيرس، وقرطبة، وتقع فى
وسط البلاد، وروزاريو، وتقع فى شمال البلاد. واللغة الرسمية
للأرجنتين هى الإسبانية، والديانة الرسمية هى المسيحية
الكاثوليكية، كما تُوجد أقلية مسلمة يبلغ عددها نحو (100) ألف،
ويوجد فى العاصمة بيونس أيرس الجمعية الإسلامية الخيرية.
ويقوم الاقتصاد الأرجنتينى على الزراعة، وأهم المحاصيل فيها:
القمح والذرة والشعير والأرز والقطن، كما تمتلك ثروة حيوانية
ضخمة تُمثل مع الزراعة نحو (90 %) من صادراتها. وأهم
الصناعات فى الأرجنتين: المنسوجات، والورق، والمطاط،
والحديد، والآلات الميكانيكية، كما يستخرج من أرص الأرجنتين
بعض المعادن، مثل: الحديد والمنجنيز والكبريت والفضة والذهب.(11/452)
*الصحراء الكبرى
هى صحراء شمال إفريقيا، وهى المنطقة الصحراوية الكبرى
فى العالم. وتمتد من المحيط الأطلنطى إلى البحر الأحمر، ومن
البحر المتوسط إلى السودان، ويحدها من الشمال جبال أطلس.
وبالصحراء الكبرى كثبان رملية عالية، ثابتة ومتحركة، ويُعد
معظمها هضبة قليلة الارتفاع، لكنها تتميز بوجود كتل بركانية
ومنخفضات تقع تحت مستوى سطح البحر. وكان معظم سكان
الصحراء الكبرى فى العصور القديمة من الزنوج السودانيين، ثم
أصبحت السيادة للبربر ثم للعرب. ويقطع الصحراء الكبرى - الآن -
طرق السيارات، وقد فكر العلماء فى إنشاء خط حديدى يعبرها
من الشمال إلى الجنوب، فلم ينفذ سوى جزء صغير منه فى
القطاع الشمالى. وزادت أهمية الصحراء الكبرى بعد اكتشاف
البترول فيها.(11/453)
*قابس
مدينة بين طرابلس وصفاقس والمهدية على ساحل البحر
المتوسط، على بعد (320 كم) من مدينة تونس ناحية الجنوب. وقد
فتحها المسلمون مع القيروان سنة (27 هـ). وهى ذات مياه
جارية، وتشتهر بصيد الأسماك وبساتين الرمان والمشمش،
بالإضافة إلى وجود (300) ألف شجرة نخيل بها، كما أنها تصدر
كميات كبيرة من التمر. ويُنسب إلى قابس طائفة كبيرة من
العلماء، منهم: عبد الله بن محمد القابسى، ومحمد بن رجاء
القابسى، وعيسى بن أبى عيسى بن نزار بن بجير أبو موسى
القابسى الفقيه المالكى الحافظ.(11/454)
*النجف
مدينة عراقية تقع على مقربة من نهر الفرات وتبعد (161 كم) إلى
الجنوب من بغداد، بناها هارون الرشيد فى القرن (2هـ = 8م)،
وتتبع الآن محافظة كربلاء، وكانت تعدُّ مركزًا مهمًّا لتعليم العلوم
الدينية واللغة العربية. ويوجد بها مدفن الإمام على، رضى الله
عنه، الذى يتميز بقبته الذهبية الشامخة ومنارتيه المذهبتين،
والذى يحوى نفائس لا تقدر بثمن، من هدايا الملوك والسلاطين.(11/455)
*النورمان
شعب أوربى، استقر فى مقاطعة نورماندى الواقعة شمال غرب
فرنسا فى القرن التاسع الميلادى، وينتمى النورمان (أى: رجال
الشمال) إلى قبائل الفايكنج الذين كانوا يسكنون إسكاندافيا،
ثم نزحوا إلى نورماندى واستقروا بها واعتنقوا المسيحية،
وتأثروا بالحضارة الفرنسية مع احتفاظهم بحبهم للغزو
والمغامرة، وأصبحت نورماندى من أغنى المقاطعات الأوربية فى
القرن الحادى عشر الميلادى، ثم انتقل النورمان واستقروا فى
جنوب إيطاليا وأسسوا مدينة أفرسا سنة (1030م) التى أصبحت
مركزًا لتجمعهم، وانتصروا على البابا ليو التاسع سنة (1053 م)،
ثم حصلوا على شرعية حكمهم لجنوب فرنسا من البابا مقابل
دفعهم مبلغًا من المال سنويًّا، وشنوا الغارات على الدولة
البيزنطية وفتحوا إنجلترا سنة (1066م) على يد وليم الفاتح،
وأدخلوها تحت حكمهم، واستطاعوا فتح جزيرة صقلية المسلمة
على يد رجار سنة (1091م) بعد حروب استمرت (30) سنة، وكان
لهم دور فعال فى بداية الحروب الصليبية، وقد سيطر الفرنسيون
على نورماندى سنة (1450م).(12/1)
*الألبان
شعب غالبيته تدين بالإسلام، وقد كان يُعرف أيام العثمانيين
بالأرناؤوط، وينحدر الألبان من الإلبريين القدماء الذين سكنوا
البلقان، وأسسوا حضارة ودولة لهم اصطدمت بالإمبراطورية
الرومانية فى عدة حروب، ثم خضعت للرومان سنة (168 ق. م)،
وقد اعتنقوا بعد ذلك المسيحية، وعرف الألبان الإسلام خلال حكم
العثمانيين فى النصف الثانى من القرن الرابع عشر الميلادى،
ولم يلبث الإسلام أن انتشر بينهم خلال القرن السادس عشر،
بالإضافة إلى اللغة العربية. وأفاد العثمانيون من الألبان فى
الجيش والإدارة فى البلاد المختلفة، وأدى ذلك إلى اختلاطهم
واندماجهم مع سكان هذه البلاد. واشتهر من الألبان عدد من
الولاة، مثل: محمد على باشا والمعمارى الشهير سنان باشا،
وقد استقل الألبان عن الدولة العثمانية سنة (1912م) بعد الحرب
البلقانية، ويعيش معظم الألبان داخل دولة ألبانيا، بالإضافة إلى
بعض الأقليات الألبانية فى الخارج مثل يوغسلافيا.(12/2)
*البربر
هم السكان الأصليون لشمال إفريقيا من حدود مصر الغربية إلى
المحيط الأطلنطى، وهم ليسوا سلالة نقية، ولكنهم أخلاط سلالية
وحضارية متعددة على مر التاريخ. ويسكنون الآن مناطق منفصلة
متباعدة فى الصحراء الكبرى من واحة سيوة إلى موريتانيا
وجبال الأطلس فى المغرب والجزائر. ويعود مصطلح البربر فى
الأغلب إلى الأصل اللاتينى بربارى، أى: الشعوب الأجنبية
بالنسبة إلى الرومان، وقد كانت القبائل البربرية تقاوم كل
أجنبى يغزو بلادها، فقاوموا القرطاجنيين والرومان والوندال
والقوط والروم البيزنطيين، كما قاوموا الفتح الإسلامى لبلادهم
مقاومة شديدة كانت سببًا فى إطالة مدته التى استمرت أكثر من
نصف قرن تقريبًا، وأشهر المعارك التى دارت بين المسلمين
والبربر موقعة تهودة سنة (62هـ)، التى استشهد فيها عقبة بن
نافع الفهرى، ومعارك حسان بن النعمان مع كاهنة البربر، التى
انتهت بهزيمتها سنة (83هـ). وشارك البربر - بعد إسلامهم - فى
الفتوح الإسلامية فى الأندلس، ونبغ القائد البربرى طارق بن زياد
فى هذا الفتح، وقام البربر بعدة ثورات ضد العرب فى المغرب
والأندلس، وانضموا إلى صفوف الخارجين على دولة بنى العباس،
وساعدوا على إقامة دول مستقلة، مثل الأدارسة والرستمية،
كذلك ظهرت للبربر كيانات مستقلة، مثل دول: بنىزيرى وبنى
يفرن والحمارية والمرابطين وبنى مرين وبنى وطاس. واشتهر
من البربر عدد من الأعلام، منهم: طارق بن زياد فاتح الأندلس،
ويوسف بن تاشفين مؤسس دولة المرابطين، والمهدى بن تومرت
مؤسس دولة الموحدين. وقد فشل الفرنسيون فى القرن العشرين
فى إذكاء روح الفرقة بين العرب والبربر. وأهم القبائل البربرية:
القبايل وتوات وبربر الريف وشلوح.(12/3)
*الأتراك
جماعة عرقية استقرت بعد هجرتها من موطنها الأصلى فى وسط
آسيا، فيما يسمى اليوم بجمهورية تركمانستان، ولهذه الجماعة
العرقية امتداد فى شمال إيران وشمال غرب أفغانستان. اعتمد
الترك فى حياتهم على الرعى والتجارة؛ ولذا كثر ترحالهم، ثم
اتجهوا إلى الزراعة، وقد فصل نهر المرغاب بين الشعوب التركية
والفارسية. وتعددت القبائل التركية فنجد الترك القراخانية
والترك القفجاق، والترك البلغار. وساهم الترك فى نشر الإسلام
فوطَّد محمود بن سبكتكين الغزنوى دعائم الحكم الإسلامى فى
الهند، وكان للترك نفوذ كبير أيام العباسيين حتى إنهم استولوا
على بغداد سنة (447هـ)، واستطاعوا نشر الإسلام فى آسيا
الوسطى بعد انتصارهم على الروم البيزنطيين فى موقعة
ملاذكرد سنة (470هـ)، ثم قام الأتراك العثمانيون بتأسيس
إمبراطورية بلغت ذروة مجدها فى القرن العاشر الهجرى،
واستمرت حتى سنة (1343هـ). وينتمى المماليك إلى العنصر
التركى، واستطاع المماليك إقامة دولة تركية فى مصر عندما
استطاع أيبك التركمانى تأسيس دولة للمماليك أطلق عليها
المماليك البحرية. ويمكن تقسيم الأتراك الموجودين حاليًّا من حيث
الأصل السلالى واللغوى إلى قسمين: أحدهما: الأتراك الخُلَّص،
وهم الذين يعيشون فى تركيا، بالإضافة إلى الأقليات التركية
فى بلغاريا والجبل الأسود وكريت وقبرص. والآخر
المتأتركون: وهم مجموعة من الشعوب المختلفة ثقافيًّا ولغويًّا،
غير أنها اختلطت بأصول تركية، ومن هذه الشعوب: قازاقستان
وأذربيجان وتركمانستان.(12/4)
*الترك
جماعة عرقية استقرت بعد هجرتها من موطنها الأصلى فى وسط
آسيا، فيما يسمى اليوم بجمهورية تركمانستان، ولهذه الجماعة
العرقية امتداد فى شمال إيران وشمال غرب أفغانستان. اعتمد
الترك فى حياتهم على الرعى والتجارة؛ ولذا كثر ترحالهم، ثم
اتجهوا إلى الزراعة، وقد فصل نهر المرغاب بين الشعوب التركية
والفارسية. وتعددت القبائل التركية فنجد الترك القراخانية
والترك القفجاق، والترك البلغار. وساهم الترك فى نشر الإسلام
فوطَّد محمود بن سبكتكين الغزنوى دعائم الحكم الإسلامى فى
الهند، وكان للترك نفوذ كبير أيام العباسيين حتى إنهم استولوا
على بغداد سنة (447هـ)، واستطاعوا نشر الإسلام فى آسيا
الوسطى بعد انتصارهم على الروم البيزنطيين فى موقعة
ملاذكرد سنة (470هـ)، ثم قام الأتراك العثمانيون بتأسيس
إمبراطورية بلغت ذروة مجدها فى القرن العاشر الهجرى،
واستمرت حتى سنة (1343هـ). وينتمى المماليك إلى العنصر
التركى، واستطاع المماليك إقامة دولة تركية فى مصر عندما
استطاع أيبك التركمانى تأسيس دولة للمماليك أطلق عليها
المماليك البحرية. ويمكن تقسيم الأتراك الموجودين حاليًّا من حيث
الأصل السلالى واللغوى إلى قسمين: أحدهما: الأتراك الخُلَّص،
وهم الذين يعيشون فى تركيا، بالإضافة إلى الأقليات التركية
فى بلغاريا والجبل الأسود وكريت وقبرص. والآخر
المتأتركون: وهم مجموعة من الشعوب المختلفة ثقافيًّا ولغويًّا،
غير أنها اختلطت بأصول تركية، ومن هذه الشعوب: قازاقستان
وأذربيجان وتركمانستان.(12/5)
*قريش (قبيلة)
قبيلة كبيرة من قبائل العرب، سُميت بقريش لقولهم: فلان يتقرش
مال فلان، أى: يجمعه شيئًا إلى شئ، وكانت تُنسب إلى النضر
بن كنانة بن خزيمة بن مُدْركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد
بن عدنان. وتنقسم قريش إلى قسمين كبيرين: أحدهما: قريش
البطاح، ومنهم: بنو عبد مناف وبنو عبد العزى وبنو عبد الدار
وبنو زهرة، وبنو تيم، وغيرهم. والآخر: قريش الظواهر، ومنهم:
قبائل بنى عامر بن لؤى. وكانت بطون قريش متفرقة فى أرض
العرب، فجمعها قصى بن كلاب وحارب بهم قبيلة خزاعة،
وأخرجها من حول البيت الحرام، وجمع قومه فى مكة، وأصبح
ملكًا عليهم. وعندما بُعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،
حاربته قريش فى أكثر من غزوة، منها: بدر الكبرى، وأحد،
والأحزاب، أو (الخندق)، وهى الغزوة التى تحالفت فيها قريش مع
غطفان ويهود المدينة المنورة، ولكن قريشًا ما لبثت أن دخلت
فى الإسلام عندما فُتحت مكة سنة (8هـ = 629م). وكانت قريش
تعتمد على التجارة مع الحبشة وبلاد الشام، واشتهر عنهم
قيامهم برحلتى الشتاء والصيف. وكانت تعبد الأصنام التى
وُضعت حول الكعبة وداخلها، ومن أشهر تلك الأصنام: هبل
وأساف، ونائلة ومناة، والعزى، وكانت قريش تجمع من أموالها
لكساء الكعبة. وتنقسم قريش فى الوقت الحاضر إلى قسمين:
أحدهما: الأشراف القرشيون، وهم بقايا قريش الذين يقيمون فى
منى وعرفات وماجاورهما. والآخر: يطلق على فرع من ثقيف
يُسمى قريشًا، ويقيم بالقرب من الطائف.(12/6)
*صنهاجة
قبيلة كبرى من قبائل البربر ببلاد المغرب العربى، ترجع إلى
أصل عربى حميرى يمنى، وكانت هذه القبيلة تؤيد الدولة
الفاطمية ضد قبائل زناتة التى كانت تؤيد الدولة الأموية
بالأندلس؛ ولهذا فقد نشأ بين القبيلتين نزاع شديد استمر عدة
قرون. وكان لهذه القبيلة عدة إمارات مستقلة فى عدة جهات
مختلفة، منها: إمارة بنى زيرى بتونس، وإمارة بنى حمَّاد
بالجزائر، إلى جانب دولة المرابطين بالمغرب العربى والأندلس.
ولاتزال هناك عدة قبائل تحمل اسم صنهاجة نفسه حتى الآن
بإقليمى تازة والناظور.(12/7)
*مغرادة
فرع من قبيلة زناتة الكبرى. ظهرت فى نهاية القرن الرابع
الهجرى، عندما انضمت هذه القبيلة إلى الدولة الأموية بالأندلس،
فحاربت دولة الأدارسة. وأسس زعيمها زيرى بن عطية إمارة
مستقلة، استمرت إلى ما يقرب من نصف قرن من سنة (381هـ)
إلى سنة (428هـ)، وكانت عاصمتها مدينة وجدة.(12/8)
*لمتونة
قبيلة كبيرة من قبائل البرانس الصنهاجية، كانت تسكن الصحراء
الكبرى بين بلاد المغرب والسودان، ومن أبزر رجالها: أبو بكر
بن عمر، ويحيى بن عمر، ويوسف بن تاشفين، مؤسسو دولة
المرابطين بالمغرب.(12/9)
*أمية (بنو)
أمية إحدى البطون القرشية الكبيرة التى تُنسب إلى أمية بن عبد
شمس بن عبد مناف بن قصى بن كلاب بن مُرَّة، أحد سادات قريش
فى الجاهلية. كان بنو أمية يسكنون الحجاز، ثم تفرقوا بعد
انتشار الإسلام فىالبلاد، فسكنوا الشام ومصر والأندلس،
وغيرها. وقد أقام بنو أمية دولتين إسلاميتين، عُرفتا بنسبتهما
إليهم، هما: الدولة الأموية فى المشرق، وعاصمتها دمشق، وقد
ظلت تحكم العالم الإسلامى من نحو سنة (41 - 132هـ)، ومن أبرز
رجالها: معاوية بن أبى سفيان مؤسس الدولة الأموية بالشام،
ومروان بن الحكم، وعبد الملك بن مروان، والوليد بن عبد الملك
والخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، وقد انتهى حكم بنى أمية
فىالمشرق بعد مقتل مروان بن محمد سنة (132هـ). أما الدولة
الإسلامية الثانية التى أقامها بنو أمية فكانت فى الأندلس،
وظلت تحكم الأندلس نحو (284) سنة، من سنة (138 - 422 هـ).
وينقسم حكم بنى أمية فى الأندلس من حيث نظام الحكم إلى
ثلاثة أقسام، هى: عهد الولاية: ويبدأ سنة (92هـ) وينتهى سنة
(138هـ). وعهد الإمارة: ويبدأ سنة (138هـ) بإمارة عبد الرحمن
بن معاوية الملقب بعبد الرحمن الداخل، وصقر قريش الذى يُعد
مؤسس الدولة الأموية فى الأندلس، وينتهى سنة (316هـ). وعهد
الخلافة: ويبدأ سنة (316هـ)، وينتهى سنة (422هـ). وقد بدأ هذا
العهد بأعظم خلفاء بنى أمية فى الأندلس وهو عبد الرحمن
الناصر. وقد انتهت دولة بنى أمية فى الأندلس بعزل هشام الثالث
سنة (422هـ)، وصار الحكم بعد ذلك لملوك الطوائف.(12/10)
*الغساسنة
قبائل عربية أزدية يمانية، حكمت حوران والبلقاء والغوطة
ببلاد الشام، وأقامت مملكة عربية مسيحية بمساعدة الروم
البيزنطيين، كانت درعًا للروم تحميهم من هجمات الفرس وعرب
المناذرة. واسم الغساسنة - فى رأى البعض - مأخوذ من عين ماء
سقوا منها، اسمها غسان. ويعرف الغساسنة - أيضًا - بآل جفنة
نسبة الى أول ملك لهم، ويسمى جفنة بن عمرو. وقد استقر
الغساسنة - بعد ترحال - فى جنوب شرقى دمشق فى
أواخرالقرن الثالث الميلادى، ولم تكن لهم عاصمة محددة، فقد
كانت الجولان والجابية أهم حواضرهم، واعتنقوا المسيحية على
المذهب اليعقوبى، الذى ينادى بالطبيعة الواحدة للسيد المسيح،
عليه السلام. وساند الغساسنة الروم فى حربهم ضد الفرس فى
مواقع كثيرة، وتعاظمت قوتهم وحاولوا الإفلات من سيطرة
الروم؛ لذلك وقع قتال بينهم وبين الروم، انتهى بأسر النعمان
بن المنذر، ملك الغساسنة، سنة (583 م) ونفيه إلى جزيرة صقلية.
وبذلك انفرط عقد القبائل الغسانية. واستغل الفرس ذلك واستولوا
على سوريا، وبيت المقدس سنة (613 م)، فقام الروم بتجميع
هذه القبائل مرة ثانية وتكوين مملكة لهم، على رأسها جبلة بن
الأيهم، الذى حارب المسلمين، ثم أسلم بعد ذلك وارتدَّ ومات
بأرض الروم. وكانت الغساسنة من أرغد العرب عيشًا، وكانت
لهم حضارة وكانوا يتكلمون اللغة الآرامية إلى جانب اللغة
العربية.(12/11)
*الأكراد
شعب من مجموعة الشعوب (الهند وأوربية)، وقد تعددت الآراء
والنظريات حول أصل الأكراد، فبعضها يرى أنهم ينحدرون من
أصل آرى، وبعضها يرى أنهم من أصل آشورى، وبعض ثالث
يرى أنهم من أصل عربى. ولكن معظم الكتاب والمفكرين الأكراد
يرون أن أصولهم آرية. ويقطن الأكراد منطقة كردستان فى قارة
آسيا، داخل ثلاث دول، هى: تركيا وإيران والعراق. ولا يزيد
عدد الأكراد على تسعة ملايين نسمة، موزعين على الدول التى
تضم منطقة كردستان، ويتوزع باقى الأكراد كأقليات فى كل
من سوريا ولبنان وجمهوريات الاتحاد السوفييتى السابق
وأفغانستان وباكستان. والأكراد مسلمون سُنِّيون فى غالبيتهم،
ومعظمهم على المذهب الشافعى، وتوجد قلة شيعية تعيش فى
كردستان وكرمنشاه ولورستان. وقد حكم الأكراد بابل فى
عهد الملك أمبيا فترة امتدت من سنة (2300 ق. م) إلى سنة
(2175 ق. م)، ثم خضع سكان كردستان لحكم الأرمن،
والإخمانيين، والسلوقيين، والرومان، والفرس، والبيزنطيين،
والساسانيين، والعرب. وقد دخل الأكراد فى الإسلام فى الثلث
الأول من القرن الأول الهجرى. ومن أبرز الشخصيات الكردية فى
التاريخ: صلاح الدين الأيوبى، مؤسس الدولة الأيوبية، وقائد
المعارك الحاسمة ضد الصليبيين. وفى أوائل القرن العشرين
الميلادى نشأت بين الأكراد فكرة القومية الكردية؛ كردِّ فعل
تجاه القوميات التركية والعربية التى بدأ الترويج لها منذ نهايات
القرن التاسع عشر الميلادى، ونتيجة لمعاناتهم من النظم الحاكمة
فى المنطقة، وبخاصة فى تركيا والعراق وإيران. ويتكلم
الأكراد اللغة الكردية، وتكتب فى إيران والعراق بحروف عربية،
وفى جمهوريات الاتحاد السوفييتى السابق وتركيا تكتب
بالحروف اللاتينية.(12/12)
*الأوزبك
إحدى المجموعات التركية التى تعيش فى وسط آسيا، وهم
كبرى المجموعات التركية المعاصرة عددًا؛ إذ يبلغون (20) مليون
نسمة، ويسكنون فيما كان يعرف قديمًا باسم بلاد ما وراء النهر
، وهو نهر جيحون، ويسكن نحو (15.5 مليون) منهم فى
جمهورية أوزبكستان الحالية، و (1.8 من المليون) فى شمالى
أفغانستان، و (1.2 من المليون) فى طاجيكستان، والباقون
موزعون على الجمهوريات المجاورة، وهى: قيرغيزيا
وقازاقستان وتركمانيا. وقد ظهرت الأوزبك فى نحو القرن (2 م)
وكونت مملكتين فى القرن (5 م)؛ إحداهما فى منغوليا الحالية،
والأخرى فى آسيا الوسطى وعرفت باسم مملكة قره اقطاى.
واشتغل الأوزبك برعاية الأغنام والخيول والإبل، وعاشوا بعد
تغلبهم على قبائل السارت فى أعالى نهر سيحون. ويتميز
الأوزبك بأنهم خليط تركى إيرانى. وكانت المنطقة التى عاشوا
فيها ممرًّا مهمًّا للتجارة بين حضارة الصين وحضارات غربى
آسيا، ونجم عن ازدهار الحضارة والثروة فى هذه المنطقة أن
صارت المنطقة محطَّ أطماع الدول القوية من حولها. وبدأ دخول
الإسلام فى المنطقة التى يسكنها الأوزبك سنة (31 هـ). ومن
أشهر المعارك التى خاضها المسلمون فى هذه المنطقة معركة
تالاس سنة (134 هـ)، وقامت للأوزبك بعض السلطنات مثل خوارزم
السلجوقية، ثم سيطر المغول ومن بعدهم الروس على تلك
المناطق الأوزبكية، وخضع الأوزبك لسيطرة الشيوعيين
السوفييت سنة (1917 م)، واستمروا خاضعين لهم حتى انهيار
الاتحاد السوفييتى السابق سنة (1990 م).(12/13)
*التكرور
شعب مسلم من الزنج، ينتشر فى غرب إفريقيا فى السنغال
والنيجر وحول بحيرة تشاد. والتكرور خليط من عدة أجناس
زنجية. وقد دخل الإسلام المنطقة التى كان يقيم فيها التكرور مع
جهاد المرابطين فى منتصف القرن الخامس الهجرى؛ لذلك فهم من
أقدم الإفريقيين فى جنوب الصحراء إسلامًا، حيث أسلم التكرور
وقاموا بنشر الإسلام بين الوثنيين حتى صار لفظ التكرورى
مرادفًا للمسلم. وكان التكرور شعبًا يعمل بالزراعة ويحترف بعض
الصناعات ويجيد فنون القتال، لذلك استطاع إقامة عدة ممالك
مستقلة أو متحالفة فى منطقة غرب إفريقيا، وقامت هذه الممالك
بمواجهة الاستعمار الأوربى، خاصة الفرنسى، وظهر عدد من
المجاهدين المسلمين الذين حققوا بعض الانتصارات على
الفرنسيين، مثل الحاج عمر الفونى التكرورى، الذى قاد الجهاد
حتى استشهاده سنة (1864 م). واستطاع الفرنسيون القضاء
على نفوذ التكرور سنة (1898 م) بعد موت أحمد ابن الحاج عمر
الفونى التكرورى.(12/14)
*الأوس
قبيلة عربية يرجع نسبها إلى أوس بن حارثة بن امرئ القيس بن
ثعلبة بن مازن بن الأزد. و (الأوس) فى اللغة معناها: (الذئب). وهى
خمس أفخاذ: عمرو بن عوف، والنبيت، وجُشَم، ومُرة، وامرؤ
القيس، ومن الأفخاذ الثلاث الأخيرة تكونت قبيلة أوس الله أو
الأوس. وكانت الأوس تسكن اليمن مع الخزرج ضمن قبيلتهم
الكبرى الأزد، ثم خرجوا مع رؤسائهم من تهامة إلى شمالى
الجزيرة العربية، فنزلت كل من الأوس والخزرج بضواحى
المدينة، وظلتا فيها حتى خرج مالك بن العجلان الخزرجى منها
إلى الشام، فنزل هناك على ملك الغساسنة أبى جبيلة
الغسَّانى، فشكا إليه مالك حالهم وصراعهم مع اليهود، واستجار
به منهم، فجهَّز أبو جبيلة جيشه، وغزا المدينة فأعمل السيف
فى اليهود حتى أذلَّهم وقتل كبراءهم ورؤساءهم، وأصبح
الأوس والخزرج هم أصحاب السيادة فى المدينة، وظلت القبيلتان
على عدائهما لليهود. وعاشت الأوس مع الخزرج فى الإسلام حينًا
من الدهر، ثم ما لبثت الحرب أن نشبت بينهما، وكان من أشهر
أيامها: يوم سمير، ويوم كعب، ويوم حاطب، ويوم بعاث.
وفى بيعة العقبة الثانية اختار النبى - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة نقباء من الأوس، هم:
أُسيد بن حضير، وسعد بن خثيم، وأبو الهيثم بن التيهان. ولما
هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة جمع الله به بين الأوس والخزرج،
فأصبحوا إخوانًا فى فعل الخيرات، والجهاد فى سبيل الله؛
انتصارًا للإسلام، وإعلاءً لكلمة الله، وتأييدًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.(12/15)
*الخزرج
قبيلة من عرب الجنوب، هاجرت هى وقبيلة الأوس التى تنحدر
معها من أصل واحد إلى يثرب، ثم اتسعت منازلها شمالاً فى فجر
الإسلام، حتى بلغت خيبر وتيماء. وتُعرف هاتان القبيلتان
بالأنصار تشريفًا وتكريمًا، لما كان لهما من شأن كبير فى
مؤازرة الإسلام ونشر الدعوة. وكانت الخزرج فى عهد النبى
(منقسمة إلى عشائر غير متكافئة فى العدد، وكان أكثرها عددًا
عشيرة بنى النجار، ثم الحارث، ثم جشم، ثم عوف، ثم كعب.
وخرج من بين الخزرج شعراء النبى - صلى الله عليه وسلم - حسان بن ثابت، وكعب ابن
مالك، وعبد الله بن رواحة). وقد نزح عدد من الخزرج إلى مصر
فى وقت مبكر، وأثرت لغتهم فى اللهجة المصرية؛ لنشوئهم فى
جنوبى بلاد العرب، فكانوا ينطقون الجيم معطشة على خلاف
أهل المشرق.(12/16)
*الخطا
الخطا أو القره خطائيون مجموعة من القبائل التركية التى سكنت
شمال شرقى إيران فىالعصر السلجوقى، واستطاعت تثبيت
أقدامها فى تلك المنطقة حتى أسست دولة لها، وكان كل ملك
من ملوكهم يُطلق عليه كورخان. ويرجع أصل هذه القبائل إلى
قبائل الكيتان الصينية، التى أقامت دولة لها فى شمال الصين
فى القرن الرابع الهجرى، واستمرت قرنين من الزمان حتى
انهارت ونزحت من موطنها واستقرت فى شمال شرقى إيران،
وتوسعت شرقًا وغربًا على حساب أملاك السلاجقة؛ مما أدى
إلى وقوع الحرب بين الطرفين، خاصة أن الخطا كانوا يدينون
بالبوذية. واستطاع الخطا الانتصار على السلاجقة فى موقعة
قطوان الشهيرة سنة (536هـ)، وبذلك قامت دولتهم، واستمروا
يحكمونها (89) سنة، وسيطروا على بلاد ما وراء النهر، ودفع
الخوارزميون لهم الجزية التى كان مقدارها (30) ألف دينار ذهب
سنويًّا، واستمر الحال هكذا حتى استطاع السلطان علاء الدين
محمد خوارزمشاه القضاء على مملكة الخطا بمساعدة المغول
سنة (607هـ). وأدى انهيار مملكة الخطا إلى اجتياح المغول
للعالم الإسلامى، والقضاء على دولة الخلافة العباسية بعد ذلك
فى سنة (656هـ).(12/17)
*هلال (قبيلة)
هلال بن عامر بطن من قبيلة عامر بن صعصعة من العدنانية. وهم
بنو هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن
منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس بن عَيْلان. كانوا يسكنون
الحجاز ونجدًا حول مكة، وفى بسائط الطائف، ما بينه وبين جبل
غزوان، وأقاموا بالشام إلى أن رحلوا إلى مصر والمغرب. ومن
أيامهم فى الجاهلية: يوم الوندة وكانوا قد أغاروا على نِعَم
بنى َنهْشل فأنزلتهم بنو نهشل بالوندة، وهى بالدهناء، فما
أفلت من المغيرين إلا رجل واحد، كما خرجوا مع هوازن يوم
حنين لمحاربة النبى - صلى الله عليه وسلم -، وساروا إلى مصر فى حروب القرامطة ثم
إلى إفريقية، فلما زاحمهم بنو سُليم ساروا إلى الغرب ما بين
بونة وقسطنطينة، إلى المحيط. وكان لهلال خمسة من الولد،
بطونها كلها ترجع إليهم، وهم: شعبة وناشرة ونَهيك وعبد
مناف، وعبد الله. ومن بطون هؤلاء أيضًا: بنو قرة، وبنو بعجة،
وبنو حرب، وبنو رياح.(12/18)
*هوازن
بطن من بطون قيس بن عيلان، وهم بنو هوازن بن منصور بن
عكرمة بن حفصة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن
عدنان. كانوا يقطنون نجدًا بالقرب من اليمن، ووادى حنين (بين
الطائف ومكة)، وقد غزاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد فتح مكة ووقعت
معركة كبيرة هُزم فيها جيش هوازن، ووقع أبناؤهم ونساؤهم
ومعظم رجالهم فى الأسر. ودخل أبناء هذا البطن الإسلام بعد
ذلك، ولكنهم ما لبثوا أن ارتدَّوا عنه بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن
ارتد من قبائل العرب، فحاربهم أبو بكر الصديق - رضى الله عنه
- حتى ثابوا إلى رشدهم.(12/19)
*هاشم (بنو)
بطن من قبيلة قريش، يرقى إلى هاشم بن عبد مناف، الذى أُطلق
عليه هذا اللقب؛ لأنه كان أول من هشَّم الثريد لقومه فى مجاعة
أصابتهم. وإلى بنى هاشم ينتسب النبى - صلى الله عليه وسلم - وعلى بن أبى طالب -
كرم الله وجهه - والحسن والحسين، رضى الله عنهما. أما فى
العصر الحديث، فأبرز ممثليهم فى المشرق هم: الشريف حسين،
شريف مكة، وابناه الملك عبد الله والملك فيصل وخلفاؤهما.
وأبرز ممثليهم فى المغرب الأسرة الملكية الحاكمة فى المملكة
المغربية.(12/20)
*التركمان
شعب ينتسب إلى مجموعة الشعوب الناطقة باللغات التركية. يقدر
عددهم بنحو (1.750.000) نسمة، يعيش معظمهم فى جمهورية
تركمانستان الاشتراكية السوفيتية، ويعيش بعضهم فى الأجزاء
الشمالية من إيران وأفغانستان. والتركمان يتكلمون اللغة
التركمانية، وهى إحدى اللغات التركية، وكانت تكتب فى الأصل
بحروف عربية، حتى سنة (1927م) عندما استعيض عن الحروف
العربية بحروف لاتينية معدلة.(12/21)
*جدالة
قبيلة من قبائل صنهاجة الملثمة السبعين، تقع غرب لمتونة فى
الصحراء الغربية، على سواحل المحيط الأطلسى، بالقرب من
أرجوين ورأس الأسود. أقام المصلح ياسين فيها فترة، وأجبر
أهلها على التمذهب بمذهبه سنة (432هـ). ولما توفِّى رفضت
القبيلة الائتمام بمن جاء بعده، فما كان إلا أن اعتكف من جاء
بعده فى قبائل لمتونة المجاورة. وقد أخضع يوسف بن تاشفين
- رأس الدولة الموحدية - قبيلة جدالة لحكمه، ومنذ ذلك الحين لم
يعد لهم ذكر فى التاريخ.(12/22)
*هود (بنو)
أسرة ملكية إسلامية عربية، حكمت سرقسطة بالأندلس فى عهد
ملوك الطوائف. أسسها سليمان بن محمد بن هود، المعروف
بالمستعين سنة (534هـ)، فلما تُوفِّى خلفه ابنه أحمد الأول
المقتدر فى الفترة من سنة (441هـ) إلى سنة (477هـ)، بعد أن
نشب صراع بين أولاد المستعين الخمسة. وآخر ملوك أسرة بنى
هود المستنصر أحمد الثالث، الذى لقى مصرعه فى معركة
خاضها ضد النصارى عام (541هـ)، وبموته زالت دولة بنى هود.(12/23)
*جهينة (قبيلة)
قبيلة عربية وثيقة النسب ببلىّ،، وبهراء، وكلب، وتنوخ.
وتنتمى مثلها إلى قضاعة، تلك القبيلة العربية الكبيرة فى
جنوبى بلاد العرب. وقد نزلت جهينة فى الجاهلية نجدًا أول
الأمر، ثم نزلت فيما جاور المدينة بين البحر الأحمر ووادى القرى.
واستقر بنو جهينة فى هذه الناحية عندما أخذ الإسلام فى
الظهور، ودخلوا فى الإسلام طائعين، وثبتوا عليه بعد وفاة
النبى - صلى الله عليه وسلم -. وظل حىٌّ من هذه القبيلة فى منازلهم القديمة،
ولايزالون فيها إلى اليوم، بينما نزح معظم القبيلة إلى مصر
بصفة خاصة، واستقروا عند الحدود النوبية، وكان لهم أكبر الأثر
فى فتح النوبة وتعريبها، ودخولها فى الإسلام.(12/24)
*الأرمن
هم أحد الشعوب القديمة التى لا يُعرف أصلها بدقة، ولا سبب
تسميتها بوضوح. وتعددت الآراء حول أصلهم، فيرى بعض
المؤرخين أن أصولهم السلالية تعود إلى القبائل الهندو أوربية
التى سكنت أواسط آسيا على حدود الهند قديمًا، ثم هاجرت إلى
أماكن أخرى فى آسيا مثل جبال القوقاز، وجورجيا، وأرمينيا
وكونت شعوبًا بأكملها تعرف بأسماء معينة، مثل: الهنود
والفرس والساسانيين والأرمن. ويرى بعض المؤرّخين أنهم من
القبائل الهندو أوربية التى هاجرت إلى أوربا واستقرت بها حينًا
من الدهر، ثم عاد قسم منهم فعبروا إلى الشرق، مجتازين منطقة
البلقان ومضيقى البسفور والدردنيل واستقروا أخيرًا فى آسيا
الصغرى. ويتميز الشعب الأرمنى من الناحية النفسية بأنه هادئ
الطبع إلا إذا أثير، كثير التحمل للمشاق، ويصعب توجيهه
كمجموعة؛ نظرًا لانفراد كل منهم برأيه. وقد بدأ اسم الأرمن
يتردد فى كثير من وسائل الإعلام العربية والأجنبية بعد الزلزال
المدمر الذى أحاق بجمهورية أرمينيا سنة (1408 هـ = 1988 م)،
ثم النزاع على الحدود بين أرمينيا وأذربيجان سنة (1409 هـ =
1989 م).(12/25)
*أسد (بنو)
قبيلة عربية كبيرة، تنسب إلى أسد بن خزيمة بن مدركة بن
إلياس من العدنانية، تشعبت بطونًا وتفرعت عشائر، فمن
بطونها: بنو كاهل، وبنو غنم، وبنو ثعلبة وبنو عمرو بن قعيد.
ومن عشائرها: بنو أسد عبد العزى وأسد بن جشم وأسد بن
مسلية وأسد بن مناة. كانت هذه القبيلة تسكن منطقة نجد، ثم
ارتحلت جماعات منها إلى ما وراء شَمَّر، واتخذ بعضهم الكوفة
مستقرًّا لهم، واستوطن بنو غنم، مكة، وهاجرت جماعة إلى
شمالى إفريقيا وسكنت سطيف غربى القيروان. وقبيل منتصف
القرن الثالث الميلادى هاجرت قبيلة بنى أسد إلى خط الفرات،
وعاشت تحت حكم اللخميين. وبظهور الإسلام انحاز معظم بنى
أسد إلى جانب مشركى مكة، وأعانوهم فى حروبهم ضد رسول
الله e وحاولوا غزو المدينة بعد غزوة أحد، فأنفذ إليهم الرسول
سرية بقيادة أبى سلمة فلمَّا أحسَّ بنو أسد مقدمها فروا هاربين.
وفى عام الوفود قدم وفد من بنى أسد يعلنون إسلامهم. وفى
حياة الرسول خرج منهم طليحة بن خويلد، يدَّعى النبوة، فتبعه
قومه من بنى أسد، وشايعه بعض القبائل المجاورة. وقد وجَّه
إليهم أبو بكر جيشًا بقيادة خالد بن الوليد، فانتصر عليهم
وأعادهم إلى الإسلام. وقد سكن بنو أسد الكوفة، وانضموا إلى
جيش على بن أبى طالب ومن بعده ابنه الحسين، وبمرور الزمن
أصبح كثير منهم من رواة الحديث على المذهب الشيعي.(12/26)
*البجة
اسم يطلق على بدو الصحراء الشرقية بين النيل والبحر الأحمر،
ومن بقايا الشعوب التى تألَّفت منها مملكة أثيوبيا القديمة،
ويظَن أنهم من سلالة أولاد كوش ابن حام بن نوح، الذين هاجروا
إلى السودان بعد الطوفان. ومن الثابت المقطوع به أنهم من
سلالة غير سلالة السود، وأنهم أقدم الشعوب فى إفريقيا بعد
السود. وهم منقسمون إلى قسمين رئيسيين: العبابدة،
والبشارين، ويبلغ عددهم نحو المليونين ونصف المليون نسمة،
منهم نحو نصف المليون يعيشون داخل الأراضى المصرية، ويعيش
الباقون فى السودان. وهم رعاة يعتمدون فى حياتهم على
تربية الإبل والماشية والأغنام، إلى جانب زراعة الشعير، التى
تعتمد على مياه الأمطار. وهم يعيشون فى شبه عزلة اجتماعية
وثقافية.(12/27)
*التتار
قبيلة مغولية، استقرت بعد القرن الخامس للميلاد فى منغوليا
الشرقية ومنشوريا الغربية، وشكلت جزءًا من جحافل جنكيز
خان التى اجتاحت أوربا الشرقية فى مطلع القرن الثالث عشر
الميلادى، وبعد انقسام إمبراطورية جنكيز خان أطلق اسم التتار
على الشعوب التركية، التى تألّف منها ما يعرف عادة ب الجحفل
الذهبى، وخلال القرن الرابع عشر الميلادى دخل التتار فى
الإسلام. وعدد التتار حاليًّا خمسة ملايين نسمة، يقيم معظمهم فى
جمهورية تتارستان، وفى الجزء الشمالى من بلاد القوقاز، وفى
شبه جزيرة القرم وأجزاء من سيبريا. وقد أطلق اسم التتار فى
كثير من الأحيان على جميع المغول وعلى الأتراك أيضًا. وأشهر
طوائفهم: تتار (كنشاهـ)، الذين كان الروس تحت حكمهم قبل
القرن العاشر للميلاد، وتتار (القازان)، وتتار (سيبريا).(12/28)
*تغلب
قبيلة عربية من أعظم قبائل ربيعة شأنًا، تنسب إلى جد جاهلى
يدعى تغلب ابن وائل بن قاسم، ويطلق على بنى تغلب الأرقم.
كانت تغلب تسكن - قديمًا - نجد والحجاز ثم هاجرت واستقرت
فى ديار ربيعة بالقرب من الشام. وتغلب من القبائل التى كانت
تخوض حروبًا كثيرة فى جاهليتها فقد حاربت بنى بكر أربعين
سنة فى حرب البسوس، وقد اعتنق بنو تغلب النصرانية، ثم
اعتنق بعض بنى تغلب الإسلام سنة (9 هـ) إلا أنهم ارتدوا
وناصروا سجاح كما ساندوا الفرس فى حربهم ضد المسلمين، إلا
أن خالد بن الوليد انتصر عليهم فى عين التمر سنة (12 هـ)، وقد
شاركت تغلب فى ثورة القرامطة. وتفرقت تغلب فى بلاد الشام
بعد ذلك وكان لها دور بارز فى قتال التتار سنة (681 هـ). ونبغ
من تغلب عدد من الشعراء مثل: المهلهل بن ربيعة والأخطل
وعمرو بن كلثوم. وتفرعت تغلب إلى عدة فروع، منها بنو شعبة
بالطائف وبنو حمدان ملوك الموصل.(12/29)
*تيم
اسم تنسب إليه عدة قبائل وبطون عربية فى العصر الجاهلى
منها: 1 - تيم بن مرة: وهى بطن من بطون قريش، وتنسب إلى تيم
بن مرة بن كعب بن لؤى وكان بنو تيم من سادات قريش، وكان
لهم حى بمكة، ومن شخصياتهم البارزة فى الجاهلية عبد الله بن
جدعان، أما فى الإسلام فقد برز من تيم الخليفة الأول أبو بكر
الصديق والصحابى الجليل طلحة ابن عبيد الله، رضى الله عنهما.
2 - تيم الله: وهى قبيلة عربية عدنانية كانت مسيحية ثم أسلمت
وشاركت فى الفتوحات الإسلامية. 3 - تيم الله بن النمر: وهى
عربية عدنانية أيضًا، كما أنها بطن من بطون جديلة بن ربيعة.
بالإضافة إلى عدة قبائل وبطون أخرى، مثل: تيم بن ثعلبة بن
جدعان وتيم ابن غالب وتيم بن عبد مناة وغيرها.(12/30)
*ثقيف
قبيلة عربية مشهورة فى الجاهلية والإسلام، تسكن الطائف وما
حولها إلى الجنوب الشرقى من مكة المكرمة. تنسب هذه القبيلة
إلى ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن وجدهم الأعلى هو: قيس بن
عيلان. وقد انفردت ثقيف بسكنى الطائف بعد تغلبها على بنى
عامر بن صعصعة، وكان الثقفيون أصحاب أموال كثيرة
لمهارتهم فى الزراعة. انتصر النبى على ثقيف فى حنين سنة (8
هـ = 629 م)، ثم ما لبث الثقفيون بعد ذلك أن دخلوا الإسلام
وشاركوا فى الفتوحات الإسلامية، كذلك شاركوا فى تخطيط
وبناء عدد من المدن، مثل: الكوفة والبصرة، وتولى الثقفيون
إدارة العديد من الأمصار المفتوحة مثل أرمينية وأذربيجان،
وكان الثقفيون منحازين إلى بنى أمية مما كان سببًا فى عداوة
بنى العباس لهم - فيما بعد - ثم أوغلت جماعات من ثقيف فى بلاد
اليمن ونجران فى القرن (3 هـ = 9م) وكان لهم دور بارز فى
بعض أحداث اليمن واشتهر من الثقفيين رجال فى الحديث والشعر
والطب واللغة والحكم والسياسة والحرب، مثل الحجاج بن يوسف
الثقفى والمغيرة بن شعبة الثقفى ومحمد بن القاسم الثقفى.(12/31)
*ثمود
قبيلة من قبائل العرب البائدة تنسب إلى ثمود بن جاثر بن إرم بن
سام بن نبى الله نوح، عليه السلام، عاشت قديمًا فى منطقة
بابل بالعراق، ثم انتقلت إلى موضع بالحجر (دومة الجندل) فى
المنطقة الواقعة بين الأردن وشمال الحجاز. وقد ورد ذكر ثمود
فى القرآن الكريم (27) مرة، ومرة واحدة باسم أصحاب الحجر.
واختلف الباحثون فى التحديد الدقيق لديار ثمود، والراجح أن
مواطن ثمود كانت فى الحجاز على ساحل البحر الأحمر، وتدل
بعض الكتابات الثمودية الأثرية أن قوم ثمود أصحاب زراعة
وأنهم كانوا أقرب إلى الحضر، وكانت لهم أماكن ثابتة ومعابد
بها عدد من الأصنام مثل ود. وكانت ثمود ذات قوة وبأس
وحضارة حتى إنهم نحتوا من الجبال بيوتًا، إلا أنهم تكبَّروا فى
الأرض وتجبَّروا وكذَّبوا نبى الله صالحًا، عليه السلام، وقتلوا
الناقة التى أرسلها الله لهم آيةً على صدق نبوة صالح، عليه
السلام، فأهلكهم الله بالصاعقة. ولم يرد فى المصادر العربية
والإسلامية ما يفيد وجود قبائل ثمودية قبيل الإسلام أو فى
الإسلام.(12/32)
*الوندال
شعب جرمانى عبر نهر الراين عام (406 م)، واجتاح بلاد الغال
(فرنسا)، ومن ثم اجتاح جبال البرانس إلى إسبانيا؛ حيث هزم
القوط والرومان. وفى عام (429 م) استولى الوندال على
المقاطعات الرومانية فى شمال إفريقيا؛ حيث أسسوا مملكة
عمرت حتى عام (534 م)، وفى غضون ذلك احتلوا روما ونهبوها
عام (455 م) وكان الوندال شعبًا غير ميّال إلى الفنون، فلم
يتركوا آثارًا لحكمهم، ولشدة همجيتهم اشتق من اسمهم لفظ
الوَنْدلة، الذى يفيد معنى التخريب المتعمد للممتلكات العامة
والخاصة.(12/33)
*الفونج
هم الذين أسسوا مملكة سنار القديمة مع العبد لاب، وكان لهم
شأن عظيم فى السودان. وقد اختلف فى أصلهم؛ فمنهم من قال:
إنهم فرع من الشلك، ومنهم من قال: إنهم من سكان دارفور
الأصليين، أمَّا هم فيدَّعون النسبة إلى بنى أمية؛ حيث قالوا: إن
العباسيين لمَّا تغلبوا على الأمويين فى الشام، ونزعوا الملك من
أيديهم سنة (132 هـ = 750 م) أخذ من بقى من الأمويين ومن
والاهم بالفرار، فتفرقوا فى أنحاء العالم، فذهبت جماعة منهم
إلى إسبانيا فأسسوا مملكة الأندلس، وذهب آخرون إلى
السودان، وسكنوا البلاد التى فى أعالى جزيرة سنار، وكان
سكانها من السود وبينهم الفونج، فملكوهم، وتزوجوا منهم،
فغير ذلك من لونهم، ولكنه لم يذهب بأصلهم بالكلية، فما زالوا
يحتفظون بملامحهم العربية واضحة.(12/34)
*الأحباش
هم قوم نشئوا من اختلاط وتزاوج أهالى منطقة الحبشة
بالمصريين القدماء والأقوام السامية الوافدة من جنوب جزيرة
العرب، فيشبه البعض منهم العرب والبعض الآخر يشبه
السودانيين. أما الذين يشبهون العرب فإنهم يمتازون عن
الآخرين بجمال الشكل والهيئة واللون المائل للبياض، ودقة
الأنوف والأفواه واعتدال القامة وتناسب الأعضاء. والأحباش لا
يعدّون من جنس الزنوج، بل هم معدودون من الأجناس السامية،
وهم شغوفون بحمل السلاح والحروب، وهم على جانب عظيم من
الذكاء والجسارة. ويبلغ عدد الأحباش اثنى عشر مليونًا، منهم
ثمانية ملايين مسلمون، وأربعة ملايين مسيحيون أرثوذكس،
تابعون للكنيسة القبطية فى مصر. والحرفة الرئيسية عندهم
رعى الماشية، كما توجد زراعة بسيطة جدًّا، يعتمدون فيها على
الآلات الخشبية.(12/35)
*زهر (بنو)
أسرة عربية من أشراف الأندلس اشتهرت بالطب وذاع صيتها ما
بين القرنين الخامس والسابع الهجريين، وبنو زهر قبيلة تنحدر
من إياد العدنانية التى هاجرت من الجزيرة العربية واستقرت فى
الأندلس، واشتهرت هذه الأسرة بنبوغ عدد كبير من الأطباء بها
مثل: أبى بكر محمد بن مروان بن زهر المتوفى سنة (422 هـ)
وكان فقيه إشبيلية، وأبى مروان عبد الملك بن أبى بكر بن
زهر المتوفى سنة (471 هـ) من كبار أطباء إشبيلية، وأبى
العلاء زهر بن عبد الملك المتوفى سنة (526 هـ) وكان طبيبًا
مشهورًا وتولى الوزارة لأمير المرابطين يوسف بن تاشفين وله
مؤلفات عديدة منها: الإيضاح بشواهد الافتضاح والرد على ابن
سينا، وأبى مروان عبد الملك بن زهر المتوفى سنة (557 هـ)
أشهر أطباء بنى زهر وقد قام ببعض العمليات الجراحية مثل:
رفع الحصى من الكلى، وفتح القصبة الهوائية، وكان ابن زهر
أوَّل من دعا إلى تغذية المريض عن طريق فتحة الشرج وأشهر
كتبه الطبية كتاب الاقتصاد فى إصلاح الأنفس والأجساد،
والتيسير فى المداواة والتدبير الذى ترجم إلى العبرية واللاتينية
وكان ذا أهمية كبيرة فى الجامعات الأوربية فى العصور
الوسطي، وأبى بكر محمد بن عبد الملك بن زهر المتوفى سنة
(596 هـ) المشهور بالحفيد ابن زهر، وكان أديبًا وشاعرًا وطبيبًا
وكان له علاقات وطيدة بالموحدين، إلا أن بعض الحاقدين عليه
دَسّوا له السمَّ فمات سنة (596 هـ). وللحفيد ابن زهر بعض
الرسائل فى طب العيون.(12/36)
*زهرة (بنو)
قبيلة من قريش تنسب إلى زهرة بن كلاب وهو الجد الثانى
للسيدة آمنة بنت وهب أم النبى e وكان لبنى زهرة مكانة فى
الجاهلية، كما أنهم اشتركوا فى حلف الفضول الذى أقامته
قريش قبل البعثة وأسلم الكثير من بنى زهرة مثل: عبد الرحمن
بن عوف وعمير بن أبى وقاص، وشارك العديد منهم فى
الفتوحات الإسلامية، واستقروا فى المنيا بصعيد مصر، ومازالت
إحدى قرى المنيا تسمى حتى الآن ب زهرة. وظهر من بنى
زهرة فى مصر بعض الشخصيات البارزة مثل: هارون بن عبد الله
المتوفى (226 هـ) قاضى مصر فى ذلك الوقت.(12/37)
*ربيعة (قبيلة)
اسم أطلق على عدة قبائل وبطون عربية، تنسب إلى أجداد عليا
من أشهرها: 1 - ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، وإليه تنسب
أكبر القبائل التى تعرف بربيعة، وأخوه النضر بن نزار، الذى
يعرف بربيعة الحمراء، كما يعرف نزار بربيعة الفرس، وكانت
قبيلة ربيعة العدنانية تسكن شرق الجزيرة من العراق شمالا إلى
اليمامة والبحرين، وتسلسلت من ربيعة عدة قبائل وبطون منها:
بنو أسد، وعنزة، ووائل، ومن وائل ثعلب وبكر، ومن بكر بنو
حنيفة ومن ربيعة الحمراء صعصعة. ومن صعصعة كلاب ومالك
وعامر وكعب. ومن أحفاده ربيعة بن عامر، وربيعة بن حنظلة؛
تنسب إلى الأول قبيلة ربيعة الكبرى ومنازلها بنجد، وتعرف
الثانية بربيعةالصغرى. 2 - ربيعة بن حذار من بنى سعد وكان فى
الجاهلية من حكام العرب. والنسبة إلى ربيعة رَبَعى.(12/38)
*جذام (بنو)
قبيلة عربية يمنية الأصل تنسب إلى جذام بن الحارث بن مرة
هاجرت شمالا واستقرت فى المنطقة الواقعة بين مدين وتبوك،
وكان بنو جذام يرشدون القوافل التجارية فى المنطقة الصحراوية
فيما بين الحجاز والشام ومصر، وكانوا يعبدون - فى بادئ
الأمر - كوكب المشترى وصنمًا يسمَّى الأقيصر ثم اعتنقوا
المسيحية إلا أن إيمانهم بها كان سطحيًّا كما أنهم كانوا حلفاءَ
للروم، وقد غزاهم النبى e مرتين، وقاتلوا المسلمين، ثم أسلموا
وشاركوا فى الفتوح الإسلامية، وقد استقر كثير من الجذاميين
بمصربعد فتحها حيث استقروا فى الإسكندرية والشرقية ومن
أشهر بطون جذام فى مصر سعد ووائل، وهاجر بعضهم إلى
الأندلس وسكنوا شذونة وإشبيلية. ومن أشهر الجذاميين روح بن
زنباع المتوفى سنة (84 هـ) الذى تولى إمارة فلسطين، وكان
مشهورًا بالدهاء والخطابة.(12/39)
*عامر (آل)
آل عامر اسم يطلق - فى تاريخ الأندلس - على بعض أحفاد
وموالى المنصور بن أبى عامر الذى كان يحكم الأندلس باسم
الخليفة الأموى حتى توفى سنة (392 هـ = 1002م)، فتولى عبد
الملك بن المنصور حكم مرسية، وتولى أخوه عبد الرحمن بن
المنصور حكم بلَنْسِية فلما توفى سنة (399 هـ = 1019م) خلفه
مواليه المعروفون بالفتيان العامريين وبعد سقوطهم تولى ابنه
عبد العزيز الملقب بالمنصور سنة (412 هـ = 1021 م) ولما توفى
سنة (452 هـ = 1061م) خلفه ابنه عبد الملك المظفر الثانى وطرده
صاحب طليطلة من بلنسية فاستعادها محمد بن عبد العزيز
العامرى الذى خلفه ولده عثمان وبوفاة عثمان انتهت دولة آل
عامر فى بلنسية. ومما يذكر أن الفتيان العامريين - وهم الموالى
الذين نشأهم المنصور ليكونوا خاصته - كان لهم دور مهم فى
الأحداث التى تتابعت خلال العصر الأول لملوك الطوائف بشرق
الأندلس، وكان من أبرزهم مجاهد العامرى الذى حكم بلنسية
والفتى العامرى خيران الصقلبى الذى حكم ألمرية ومرسية وأبو
الجيش الموفق مجاهد العامرى الذى حكم دانية وطرطوشة وجزر
الشرق.(12/40)
*سلول (بنو)
قبيلة عربية عدنانية من هوازن كانت تسكن جبال السّراة وهى
سلسلة جبلية تمتد من مشارق فلسطين إلى اليمن محاذية ساحل
البحر الأحمر الشرقى بين الحجاز واليمن. وتنسب هذه القبيلة
إلى أمّ جاهلية هى سلول بنت ذهل بن شيبان، والنسبة إليها
سَلولىّ.(12/41)
*المغول
شعب من العراق المغولانى، موطنه منغوليا الداخلية، ومنغوليا
الخارجية التى تُعرف الآن بجمهورية منغوليا الشعبية. وقد أنشأ
المغول فى ظل جنكيز خان وخلفائه إمبراطورية امتدت من الصين
شرقًا إلى نهر الدنواب، واجتاحوا فى ظل تيمورلنك كامل
المنطقة الممتدة من منغوليا إلى البحر الأبيض المتوسط. وكان
المغول ولا يزالون من الرعاة، وكان نظامهم الاجتماعى
النموذجى إلى وقت قريب يضم أمراء ونبلاء ورجال دين
وأقنانًا، ولهم لغة مكتوبة، ويرجع تاريخ أقدم مؤلف موجود
ومكتوب باللغة المغولية إلى سنة (638هـ = 1240م).(12/42)
*خزاعة
قبيلة من عرب الجنوب، وهى فرع من قبيلة الأزد الكبيرة. يرجع
نسب بنى خزاعة إلى عمرو الملقب بلُحىِّ بن ربيعة بن حارثة بن
مزيقياء. نزحت خزاعة مع غيرها من بطون الأزد فى عهد سحيق،
واتجهوا جميعًا صوب الشمال، فلما بلغوا ربوع مكة تابع أغلبهم
الرحلة، فذهب بنوغسان إلى الشام، وذهب أزد شنوءة إلى
عمان، بيد أن لحيًّا بقى مع عشيرته بالقرب من مكة، وبذلك
انفصلوا عن بقية القبيلة. وكانت مكة إذ ذاك فى يد قبيلة جرهم،
فدارت بين خزاعة وجرهم حرب ضروس، استمرت عدة أيام،
وانتهت بهزيمة جرهم، وأصبح بنو خزاعة السادة المسيطرين
على مكة وما جاورها من ربوع.(12/43)
*المولدون
هم المسلمون الذين من أصل إسبانى، ودخل أجدادهم فى
الإسلام. وقد نموا بمضى الزمن حتى أصبحوا عنصرًا مهمًّا بين
سكان الأمة الأندلسية. وأصبحوا يمثلون أنفسهم تمثيلاً قويًّا فى
المجتمع الأندلسى. وكان العرب والبربر ينظرون إليهم بشىء من
الريب، وكان المولدون - بالرغم من تمتعهم فى ظل الحكومات
الإسلامية المتعاقبة بجميع الحقوق التى كان يتمتع بها باقى
المسلمين - يميلون إلى القيام بثورات فى أحيان كثيرة؛ إذ كان
لهم دور كبير فى إثارة بعض الثورات الخطيرة التى قامت ضد
حكومة قرطبة، مثل: ثورة الربض، وثورة طليطلة فى عهد الحكم
بن هشام، وثورة بنى قسى فى الثغر الأعلى، وكان المولدون
أعوان ابن حفصون أخطر ثوار الأندلس؛ إذ استطاع بمؤازرتهم
ومؤازرة معاهديه من النصارى أن ينشئ مملكة مستقلة فى
منطقة رندة أواخر القرن التاسع للميلاد. ووقف المولدون إلى
جانب مواطنيهم الأندلسيين ضد المرابطين ثم الموحدين. وكان
قائد الثورة ضد المرابطين فى غرب الأندلس زعيمًا من المولدين
وهو الفقيه المتصوف أحمد بن قسى شيخ المريدين، وكان قائد
الثورة ضد الموحدين فى شرق الأندلس زعيمًا من الموحدين وهو
محمد بن سعد بن مردنيش أمير بلنسية ومرسية.(12/44)
*النضير (بنو)
أحد أقوام ثلاثة من اليهود الذين كانوا يسكنون المدينة مع النبى
- صلى الله عليه وسلم -، وكان يهود بنى النضير ممن عاهدهم
النبى - صلى الله عليه وسلم - على أن يأمن كل فريق منهم الآخر،
لكنهم لم يفوا بالعهد؛ فهمُّوا بقتل الرسول حينما خرج إليهم
- صلى الله عليه وسلم - يستعينهم فى دية رجلين قتلهما أحد
أصحابه، وهو عمرو بن أمية الضمرى، فلما جاءهم أظهروا له
حسن الاستعداد للاستجابة لطلبه، ثم خلا بعضهم إلى بعض،
فتآمروا على قتل الرسول - صلى الله عليه وسلم -، واختاروا رجلاً
منهم، وهو عمرو بن جحَّاش؛ ليصعد فوق أحد البيوت، ثم يلقى
صخرة على النبى - صلى الله عليه وسلم -، وهو جالس بجوار جدارٍ
لهم، فصعد هذا اليهودى ليلقى الصخرة، فأتى رسولَ الله - صلى
الله عليه وسلم - الخبر من السماء بما أراد اليهود؛ فقام وخرج
راجعًا إلى المدينة، فلما تأخر النبى - صلى الله عليه وسلم - عن
أصحابه قاموا فى طلبه حتى انتهوا إليه بالمدينة فأخبرهم بما
كان من اليهود، واعتزامهم الغدر بهم. فبعث رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - محمد بن مسلمة إلى بنى النضير يطلب منهم
الخروج من جواره بالمدينة، وأمهلهم عشرة أيام، وإلا حاق بهم
الهلاك، فأيقنوا أن الله أطلع رسوله على ما أرادوا، وصاروا
متحيرين لا يدرون ما يفعلون، وبينما هم فى حيرتهم وترددهم
جاءهم رأس أهل النفاق عبد الله بن أبى بن سلول وأتباعه
قائلاً: اثبتوا وتمنعوا؛ فإنا لن نُسلمكم؛ إن قوتلتم قاتلنا معكم،
وإن أُخرجتم خرجنا معكم؛ فقويت عند ذلك نفوسهم، وبعثوا إلى
رسول الله أنهم لن يخرجوا، ونابذوه بنقض العهود. فأمر رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - بالاستعداد لحربهم، وسار إليهم فى
(ربيع الأول سنة 4 هـ) وحاصرهم؛ فقذف الله فى قلوبهم الرعب،
وأيقنوا أن حصونهم لا تمنعهم من سوء المصير؛ فسألوا رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجليهم ويؤمنهم على دمائهم، على(12/45)
أن لهم ما حملت الإبل من ممتلكاتهم إلا السلاح، فوافق الرسول؛
فحملوا ما استقلت به الإبل، فكان الرجل منهم يهدم بيته فيضعه
على ظهر بعيره، فينطلق به، وخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار
إلى أذرعات فى الشام، وتركوا وراءهم مغانم كثيرة. ولم يدخل
فى الإسلام من بنى النضير إلا رجلان هما: يامين بن عمير، وأبو
سعد بن وهب، ونزلت فى بنى النضير سورة الحشر.(12/46)
*حنيفة
بطن من بطون قبيلة بكر بن وائل التى نزلت شمال بلاد العرب،
وكان بعض حنيفة فى الجاهلية وثنيًّا وبعضها نصرانيًّا، وكان
الوثنيون منهم يعظمون صنمًا يصنعونه من الزبد والعسل على
هيئة كعكة، وقد جرت عادتهم على أكله إذا أصابهم الجدب.
واستقر المقام بحنيفة فى اليمامة؛ حيث أنشئوا فيها مدينة حجر
الحصينة، واتخذوها قصبة لهم فيما بعد. وانفصلت حنيفة فى
السنوات الأخيرة من حرب البسوس عن بكر، وانضمت إلى
خصومهم تغلب، وحاربت فى صفوفهم آنئذ، والتزمت الحياد فى
وقعة ذى قار الشهيرة التى نشبت بين بكر والفرس. وفى عام
الوفود سنة (9 هـ) مثلت حنيفة أمام النبى - صلى الله عليه وسلم -
وعلى رأسها هارون بن حبيب المعروف بمسيلمة، الذى ادعى
النبوة فيما بعد، وزعم أنه صاحب النبى - صلى الله عليه وسلم -
وخليفته، وقد تبعته حنيفة بإيعاز زعيمهم الرجال بن عنفوة،
واستمر أمر مسيلمة فى الازدياد حتى قاتله المسلمون بقيادة
خالد بن الوليد، وتمكنوا من قتله وهزيمة حنيفة التى استسلمت،
وقبلت أن تعود إلى الإسلام، وأن تسلِّم كل أملاكها وقسَّمت بين
جند المسلمين.(12/47)
*زناتة
إحدى المجموعتين الكبيرتين اللتين ينقسم إليهما البربر فى
شمال إفريقيا. ينتشر أفرادها فى الصحارى الممتدة من غدامس
إلى المغرب. نشأبينها وبين قبيلة صنهاجة البربرية صراع عنيف،
خلال القرن العاشر للميلاد. ومن أشهر أعلامها: أبو يزيد الزناتى
الذى قاتل الفاطميين قتالاً ضاريًا، وحاصر خليفتهم القائم بأمر
الله فى عاصمته المهدية عامًا كاملاً.(12/48)
*زيرى (بنو)
سلالة إسلامية بربرية. تنسَب إلى زيرى بن مَناد الصنهاجى.
وأولى عواصمها مدينة آشير بالجزائر. سيطرت فروعها المختلفة
على تونس، والجزء الشرقى من الجزائر، وغرناطة بالأندلس،
فيما بين عام (927 م) وعام (1152 م)، وكانت فى بادئ أمرها
موالية للفاطميين، ولكنها سرعان ما استقلت عنهم، وأعلنت
ولاءها للعباسيين.(12/49)
*السلاف
شعوب تسكن بين جبال الأورال والبحر الإدرياتى فى أوربا
الشرقية والوسطى، وتتكلم بلغات تنتمى إلى فصيلة اللغات
الهندو - أوربية. وتنقسم هذه الشعوب إلى ثلاثة أقسام، هى: (
السلاف الغربيون: يشملون البولنديين، والتشيكيين،
والسلوفاكيين، وعناصر أخرى صغيرة شرقى المانيا. السلاف
الشرقيون: هم الروس الكبار، والأوكرانيون، والروس البيض.
السلاف الجنوبيون: يضمون الصربيين، والكرواتيين،
والسلوفينيين، والمقدونيين، والبلغاريين. وينقسم السلاف إلى
طائفتين رئيسيتين: الأولى: ترتبط بالكنيسة الأرثوذكسية
الشرقية. والأخرى: ترتبط بكنيسة الروم الكاثوليك. ويعتبر
السلاف أكبر مجموعة عرقية فى أوربا؛ إذ يبلغ عددهم نحو
(275.000.000) نسمة.(12/50)
*سليم (بنو)
قبيلة عربية عظيمة من قيس بن عيلان، من العدنانية. تنسَب إلى
سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان. كانت تتفرع
إلى عدة عشائر وبطون، منها: بنو ذكوان، وبنو بهثة بن سليم،
وبنو مطرود، وبنو عصيَّة، وبنو ظفر، وغيرهم. وكانت منازلها
فى عالية نجد بالقرب من خيبر (بين مكة والمدينة)، ومن منازلها:
حرة سليم، وحرة النارين، ووادى القرى، وتيماء. وكانت لها
أيام مشهورة فى الجاهلية، مثل: يوم ذات الرمرم، ويوم تثليث
وغيرهما. وقد هزم السليميون جيش النعمان بن المنذر فى إحدى
حروبهم. واستجاب بنو سليم قبل إسلامهم لعامر بن الطفيل
وقتلوا - عذرًا - رجال البعثة التى أوفدها الرسول - صلى الله عليه
وسلم - لدعوة أهل نجد إلى الإسلام، وخرج إليهم الرسول سنة (3
هـ) فى مائتى رجل، فبلغ ماء يقال له: الكدر؛ فعرفت هذه
الغزوة بغزوة الكدر، فأقام النبى - صلى الله عليه وسلم - عدة
أيام، فلم يلقَ أحدًا من سليم وغطفان. ولا يعرف على وجه
التحديد متى أسلم بنو سليم، ولكن الثابت أنهم كانوا مع النبى
- صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة، وأنه قدم لواءهم على
الألوية. وبعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ارتد بعضهم
فأرسل إليهم أبو بكر، رضى الله عنه، جيشًا لحربهم. وتفرقت
بطونهم بعد ذلك بين البحرين وعمان، كما استوطنوا شمال
إفريقية وشرقها.(12/51)
*سهل (بنو)
أسرة فارسية، ظهرت وعلا شأنها فى العصر العباسى الأول،
وتولت شئون الوزارة فى عهد المأمون العباسى. تنسَب أسرة
بنى سهل إلى سهل بن زاذا نفروخ، وكان من أبناء ملوك
الفرس، فأسلم على عهد الرشيد، وقيل: أسلم على عهد
المهدى، وكان له ولدان، هما: الفضل، والحسن. اتصل الفضل بن
سهل بعد إسلامه بالمأمون فأحسن 'إليه، وأجرى عليه رزقًا،
ولعب الفضل دورًا كبيرًا فى الصراع بين الأمين والمأمون،
وكانت له اليد الطولى فى انتصار المأمون وانفراده بالخلافة،
وأحس المأمون بفضله؛ فولاه على المشرق سنة (196 هـ)، ولقبه
بذى الرياستين، أى: أنه أصبح له مطلق التصرف فى الأمور
الإدارية والسياسية والحربية. كما كافأ المأمون الحسن بن سهل
بأن ولاه ديوان الخراج، كما ولاه كور الجبال والعراق والحجاز
واليمن. واستغل الفضل ما منحه المأمون من سلطة فاستأثر
بالسلطة وصارت بيده مقاليد الأمور، وخص أقاربه وأعوانه
الفرس بأعظم مناصب الدولة دون العرب؛ مما أوغر صدور العرب
عليه وعلى أسرته، وبلغ من تأثير الفضل بن سهل فى المأمون
أنه أغراه بتولية على بن عيسى الرضا - وهو علوى - العهد من
بعده، وأراد تحويل الخلافة من العباسيين إلى العلويين. وقد
أحس المأمون بالخطر من ازدياد سلطة بنى سهل؛ فتحين الفرصة
حتى تمكن من القضاء على الفضل بن سهل سنة (202 هـ)،
وقضى بذلك على نفوذ تلك الأسرة.(12/52)
*الشركس
شعب ينتمى إلى المجموعة القوقازية الشمالية، ويقيم فى ولاية
كوبان فى روسيا، فى مساحة قدرها (20.000) ميل مربع.
ويبلغ عدد السكان نحو (300.000) نسمة. وتكثر النخاسة فى
الشركس، لكن الحكومة شيدت الحصون والمخافر على شاطئ
البحر لمنع النخاسة. والشراكسة معظمهم رعاة ومقاتلون،
ويتصفون بطول القامة، وعرض المنكبين، ونحافة الجسم، وحدة
البصر، ولهم هيبة وبأس، وأغلبهم يدين بالإسلام وبعضهم يدين
بالمسيحية، ويوجد لكل قبيلة منهم لهجة.(12/53)
*الصرب
هم نواة يوغسلافيا، ومملكة الصرب التى كانت تسكنها فى
أقدم العصور التاريخية قبائل إيليرية وتراقية من الرعاة. وفى
القرنين السادس والسابع الميلاديين قدم الصربيون من إقليم
جاليسيا الحالية، واستقروا فى شبه الجزيرة البلقان، واعتنقوا
المسيحية، وخضعوا لسيادة الإمبراطورية البيزنطية، وكونوا
مملكة مستقلة سنة (1217م). وبلغت صربيا فى العصور الوسطى
أقصى اتساع لها تحت حكم الملك ستيفن دوشان فى القرن
الرابع عشر الميلادى، ولكنها سرعان ما تدهورت بعد موته،
وسيطرت عليها الخلافة العثمانية، وفرضت عليها الجزية،
وأخضعتها لحكمها سنة (1459م). وفى سنة (1828م) أجبرت
روسيا السلطان العثمانى فى معاهدة أدرنة على الاعتراف
بصربيا. وفى سنة (1867م) جلت آخر الكتائب العثمانية عن
صربيا. وقد استغلت صربيا حرب البلقان فى تحقيق مطامعها؛
فقد أصبحت بعدها الدولة السلافية الأولى فى البلقان. وكان
اغتيال ولى عهد النمسا على يد طالب صربى، الشرارة التى
أشعلت نار الحرب العالمية الأولى، وفيها انسحب جيش صربيا
وحكومتها إلى جزيرة كورفو؛ حيث تم إعلان اتحاد صربيا
وكرواتيا، وسلوفانيا، والجبل الأسود تحت راية الملك بطرس
الأول ملك صربيا، وأعلن رسميًّا قيام الدولة الجديدة التى اتخذت
فيما بعد اسم يوغسلافيا سنة (1918م). وفى الحرب العالمية
الثانية اكتسحت الجيوش الألمانية يوغوسلافيا. وبانتهاء الحرب
جعل الدستور اليوغسلافى سنة (1945م) صربيا إحدى
الجمهوريات الاتحادية فى يوغسلافيا، وفصل عنها مقدونيا
والجبل الأسود والبوسنة والهرسك، التى صارت جمهوريات
تتمتع بالحكم الذاتى.(12/54)
*الطوارق
شعب مسلم من البربر، يُعرَف أحيانًا باسم الملثمين؛ لأن رجاله
يضعون على وجوههم لثامًا أسود أو أزرق طيلة الوقت. ويسكن
الطوارق الأرجاء الوسطى والغربية من الصحراء الكبرى، كما
يوجدون على طول نهر النيجر، من تمبكتو فى مالى إلى
نيجيريا. ويبلغ عددهم نحو (500.000) نسمة، يشتغلون بتربية
الإبل والأغنام والماعز. وتتألف القبيلة من طبقتين هما: النبلاء
والعبيد ويعكس تنظيمهم القبلى بعض ملامح النظام الأموى؛ فمركز
الرجل تحدده طبقة الأم، فابن الأَمَة يعتبر عبدًا، حتى لو كان
أبوه نبيلاً.(12/55)
*عاد (قوم)
قوم عاد أقدم ألأقوام العربية البائدة، ويُنسبون إلى عاد بن
عوص بن أرم بن سام وقد ورد ذكر عاد فى القرآن الكريم فى
(24) موضعًا، واقترن ذكرهم باسم نبى الله هود، عليه السلام.
وتدل الآيات الكريمة التى وردت عن هؤلاء القوم وعن نبيهم،
على أنهم قد استكبروا فى الأرض بغير الحق واغتروا بقوتهم؛
فقد كانوا أشداء أقوياء، وزادهم الله تعالى - بسطة فى
الجسم. كما بلغوا شأوا من الحضارة لم يبلغه قوم أخرون من
معاصريهم فى المنطقة التى كانوا يسكنون فيها وانتهى أمرهم
إلى عبادة الأوثان، وترك عبادة الله الواحد القهار؛ ومن ثم
أرسل الله إليهم نبيه هود، عليه السلام؛ ينهاهم عن عبادة
الأوثان، ولينذرهم بعذاب عظيم غير أنهم كذبوا، واغتروا
بقوتهم. ونتيجة لذلك أنزل الله بهم العذاب الشديد، وكان أول
العذاب أن الله أصابهم بالجدب الشديد الذى استمر ثلاث سنوات،
فلم يفيقوا ويهتدوا، بل ظلوا على كفرهم وغيهم؛ فأرسل الله
عليهم ريحًا عاتية استمرت سبع ليالٍ وثمانية أيام، فلم تُبقِ منهم
أحدًا، بل تتبعهم حتى كانت تدخل عليهم كهوف الجبال
والمغارات فتبيدهم وتهلكهم وتدمر عليهم البيوت والقصور
المشيدة. ويذهب المؤرخون المسلمون إلى أن منطقة عاد تقع
فى الأحقاف إلى الشمال الشرقى من حضرموت فى جنوبى
الربع الخالى فى حين تتجه الآراء الحديثة إلى أن عادًا تقع فى
شمال الجزيرة العربية.(12/56)
*عبس (قبيلة)
عبس بطن عظيم من غطفان من قيس بن عَيْلان من العدنانية،
وينتسبون إلى عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن
قيس بن عَيْلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. كانت منازلهم
بنجد، وتنسب إليهم محلة فى الكوفة بالعراق، كما سكنوا بلبيس
(أحد مراكز محافظة الشرقية بمصر). وتمثل عبس اليوم قبيلة
صغيرة تسكن شمال ينبع فى المملكة العربية السعودية، ومن
بطونها: الهتمان والشرارات. وتُعد عبس من القبائل المحاربة؛
حيث لهم أيام مشهورة فى الجاهلية، استعرت فيها نار الحروب
مدة طويلة مع قبائل عدة، وكان أشهر من يُنسب إلى عبس
الفارس عنترة بن شداد العبسى شاعر الجاهلية. وقد قدم وفدُ من
عبس على النبى - صلى الله عليه وسلم - فى عام الوفود وأسلموا.(12/57)
*غطفان
إحدى القبائل العربية. تُنسب إلى غطفان بن سعد بن قيس بن
عيلان من العدنانية. كانت منازلهم بنجد مما يلى وادى القرى،
وجبل طيئ، ثم افترقوا فى الفتوحات الإسلامية وتنقسم غطفان
إلىثلاثة أفخاذ عظيمة، هى: أشجع وعبس وذبيان. ومن
أيامهم فى الجاهلية يوم الرقم ويوم القرنتين ويوم طوالة ويوم
قرن. وقد شاركوا مع قريش فى غزوة الأحزاب، ثم دخلوا
الإسلام، ولكنهم ارتدوا بعد موت النبى - صلى الله عليه وسلم -
فحاربهم أبو بكر الصديق، رضى الله عنه، وبعث إليهم خالد بن
الوليد فقاتلهم حتى عادوا إلى الإسلام.(12/58)
*القوط
إحدى الشعوب البربرية التى هبطت من شمال أوربا، وقضت
على الامبراطورية الرومانية. وينقسم شعب القوط إلى قسمين،
هما: القوط الشرقيون، وهم قليلوا العدد، ويقيمون فى الزاوية
الشمالية الشرقية لجبال ألبرت، والقوط الغربيون، ويقيمون فى
جنوبى غانة، وقد أخذوا يتوسعون على حساب جيرانهم الوندال
حتى أجلوهم عن إسبانيا، واستقروا بها، وأعلن زعيمهم يوريك
نفسه ملكًا غير تابع لأحد سنة (467م)، ثم استطاع أن يضم
البرتغال ولوزيتانيا، وامتد حتى الجنوب فضم قرطاجنة
الرومانية وشمال جبال ألبرت ومرسيليا، والهضبة الفرنسية
الوسطى. وكان القوط مسيحيين آريين لا يعتقدون بألوهية
المسيحية، ولايعترفون بالقساوسة كوسطاء بين الله والناس؛
فشجع القساوسة ملك الفرنجة على حرب القوط وساعدوه
ضدهم، حتى استطاع هزيمة القوط سنة (507م)، وأخرجهم إلى
جنوب الجزيرة الإسبانية. وفى سنة (586هـ) تحول القوط إلى
المسيحية الكاثولكية، فأصبحت الديانة الرسمية لهم، وجعلوا
اللغة اللاتينية هى اللغة الرسمية للبلاد؛ ونتيجة لذلك اتحد الشعب
القوطى مع الشعب الأيبيرى الرومانى وشَكَّلا دولة واحدة، ولكن
القوط احتفظوا بالمناصب العليا فى الدولة لهم؛ مما كان له أكبر
الآثر فى سوء أحوال البلاد؛ نتيجة لسوء معاملة الحكام لباقى
طوائف الشعب، وظهور الطبقية العرقية، فزادت الاضطرابات
والفتن وظهر الفساد السياسى والاجتماعى والتأخر الاقتصادى
وعدم الاستقرار. وبدأت الدولة القوطية فى الانهيار أمام ضربات
المسلمين المتلاحقة لها، حتى تم الفتح الإسلامى لها سنة (93هـ
= 711م).(12/59)
*قينقاع (بنو)
أحد ثلاثة أقوام من اليهود، هم بنو قينقاع وبنو النضير وبنو
قريظة. كانوا يسكنون المدينة المنورة (يثرب) قبل هجرة الرسول
- صلى الله عليه وسلم - إليها، ولماهاجر الرسول - صلى الله عليه
وسلم - إليها نظم علاقة المسلمين باليهود من خلال ما عرف باسم
الصحيفة، لكن هؤلاء اليهود ما لبثوا أن حاكوا الدسائس والمكائد
للتخلص من النبى، ونقضوا ما بينهم وبينه من عهود، وكان
أولهم يهود بنى قينقاع. وذات يوم ذهبت امرأة مسلمة إلى سوق
بنى قينقاع، ثم جلست إلى صائغ منهم لتشترى منه، فحاولوا
كشف وجهها فأبت، فعمد الصائغ إلى عقد طرف ثوبها إلى
ظهرها - وهى لاتشعر - فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا
منها، فصاحت واستغاثت؛ فوثب رجل من المسلمين على الصائغ
اليهودى فقتله؛ فتجمع اليهود على المسلم فقتلوه؛ فاستصرخ
أهل المسلم على اليهود، فغضب المسلمون، فوقع الشر بينهم
وبين بنى قينقاع؛ فحاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
خمس عشرة ليلة حتى نفذوا حكم الله ورسوله. واستشار الرسول
- صلى الله عليه وسلم - كبار أصحابه، فأشاروا بقتلهم، وكان لهم
حليفان: عبد الله بن أُبى، وعبادة بن الصامت، فأما عبادة فقد
تبرأ منهم إلى الله رسوله وأما عبد الله بن أبى فقال: يامحمد
أحسن فى موالىَّ، فأعرض عنه الرسول، ثم كرر عبد الله
مقالته، والرسول يعرض عنه، ومازال يلح على الرسول ويقول:
إنى أخشن الدوائر، حتى قبل شفاعتة فيهم، على أن يخرجوا
من المدينة، ولهم النساء والذرية وللمسلمين الأموال، فأمهلهم
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث ليالٍ؛ فذهبوا إلى أذرعات
على حدود الشام، وكان ذلك أوائل سنة (3هـ).(12/60)
*عين التمر
حصن فى جنوب العراق، توجه إليه خالد بن الوليد، رضى الله
عنه، بعد فتح الأنبار، وكان عليها من الفرس والعرب وبعض
الأعراب جيش كثيف يقوده مهران بن بهرام جوبين، وكان قائد
العرب المتحالفين مع الفرس عقّة بن أبى عقّة الذى قال لمهران:
إن العرب أعلم بقتال العرب، فدعنا وخالدًا. فقال مهران له:
دونكم وإياهم، وإن احتجتم إالينا أعنَّاكم. وعدَّل خطّته على أن
تكون المواجهة للعرب، فإن غلبوا المسلمين انتهى الأمر، وإن
انتصر المسلمون حمل عليهم مهران، وقد أعياهم التعب، فلما
تواجه الجيشان قال خالد لمجنبتيه: احفظوا مكانكم فإنى حامل،
وأمر حماته أن يكونوا من ورائه وحمل على عقّة وهو ينظم
الصفوف وأسره، وهُزِم جيش عقَة من غير قتال، فأكثروا فيهم
الأسر. وتوجه المسلمون إلى حصن عين التمر، فنزل مهران من
الحصن، وهرب، وعرفت هذه الهزيمة بهزيمة جيش عقّة. ولما
وصل خالد إلى الحصن وجد الفارين من نصارى الأعراب دخلوا
الحصن واحتموا به، فحاصرهم خالد أشد الحصار حتى فتحه.(13/1)
*أحد (غزوة)
وقعت هذه الغزوة فى شهر شوال من العام الثالث للهجرة عند
جبل «أحد»؛ شمالى «المدينة المنورة»، فقد جندت «قريش»
ثلاثة آلاف من رجالها وحلفائها للانتقام من المسلمين، والثأر
لهزيمتها الساحقة فى «بدر» التى جلبت فى كل بيت من بيوت
«مكة» مأتمًا. وعندما وصلت أخبار ذلك إلى رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -؛ جمع أصحابه على الفور، واستشارهم فى
أفضل طريقة لمواجهة هذا الموقف، فأشار عليه شيوخ
«المدينة» أن يتحصنوا داخلها، ويتركوا الأعداء خارجها لأن
شوارع «المدينة» ضيقة، ويمكن إغلاقها عليهم، وقتالهم فيها
بكل طريقة ممكنة حتى بالحجارة، ويمكن أن يشترك النساء
والأطفال فى مقاومتهم، وكان هذا رأى الكبار ورأى النبى
- صلى الله عليه وسلم -. أما الشباب فقد أخذهم الحماس، وخشوا
أن يتهمهم الأعداء بالجبن؛ ففضلوا الخروج لمواجهتهم فى مكان
مكشوف. ولما رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الرأى
الأخير هو رأى الأغلبية قام إلى بيته ولبس درعه وحمل سلاحه
وخرج إليهم، فأدركوا أنهم أخرجوه مكرهًا، فقالوا له: يارسول
الله، لقد استكرهناك وما كان لنا ذلك، فافعل ما شئت، فقال
- صلى الله عليه وسلم -: «ماكان لنبى لبس لأمته - عدة حربه - أن
ينزعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه». وخرج النبى - صلى
الله عليه وسلم - إلى ساحة «أحد»، وجعل ظهر جيشه إلى
الجبل، والأعداء أمامه، ونظر إلى ميدان المعركة نظرة فاحصة،
وعرف أن الخطر يكمن خلف ظهر الجيش، فأعد خمسين رجلا ممن
يُحسنون الرمى بالنبل، وأمَّر عليهم «عبد الله بن جبير
الأنصارى»، وكلفهم بالصعود إلى قمة عالية خلف ظهورهم،
سُميت بعد ذلك بجبل الرماة، وقال لهم فى حسم: «احموا
ظهورنا، لأنُؤتى من قبلكم»، وأمرهم برمى المشركين بالنبال،
وألا يتركوا مواقعهم أبدًا سواء انتصر المسلمون أو انهزموا،
لخطورة الموقع وأهميته، وكرر عليهم أوامره مرارًا. ودارت(13/2)
المعركة، وكانت الغلبة للمسلمين فى البداية، لكنهم تعجلوا
النصر ولم يصبروا، وظنوا أن المعركة انتهت، فالذين فى الميدان
تركوا القتال وبدءوا فى جمع الغنائم، والذين فوق الجبل خالفوا
أوامر النبى - صلى الله عليه وسلم - وأوامر قائدهم «عبدالله بن
جبير»، وتركوا مواقعهم، ليشتركوا فى جمع الغنائم. انتهز
«خالد بن الوليد» هذه الفرصة، وانقض بفرسانه من الخلف،
مستغلا الثغرة التى حدثت بترك الرماة مواقعهم، فحول بحركته
العسكرية سير المعركة من نصر للمسلمين فى أولها إلى هزيمة،
وارتبك المسلمون من هول المفاجأة، حتى إن بعضهم أخذ يقتل
بعضًا، وزاد ارتباكهم عندما أشاع المشركون أنهم قتلوا الرسول
- صلى الله عليه وسلم - الذى كان قد سقط فى حفرة، وجُرِح
وكُسِرَت رباعيته، وانجلت المعركة عن هزيمة للمسلمين، وسقوط
واحد وسبعين شهيدًا، وكان ذلك درسًا قاسيًا، أنزل الله بشأنه
أكثر من ستين آية فى سورة «آل عمران»، وضح لهم أسباب ما
حدث، وأن الهزيمة إنما كانت لمخالفة أوامر الرسول، والحرص
على جمع الغنائم، قال تعالى: {ولقد صدقكم الله وعده إذ
تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم فى الأمر وعصيتم من
بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد
الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل
على المؤمنين}. [آل عمران: 152]. ثم واساهم وعفا عنهم،
وذكرهم بأنهم إن كانوا قد أصابهم قرح وخسروا معركة، فقد
أصاب أعداءهم قرح مثله {وتلك الأيام نداولها بين الناس}، ثم
طلب من نبيه أن يعفو عنهم ويستغفر لهم، وألا يدع مشورتهم،
حتى لو أدت إلى الهزيمة فى معركة، فخسارة المعركة أسهل
من خسارة مبدأ الشورى الذى يربى الرجال ويدربهم على إبداء
الرأى والمشاركة فى صنع القرار.(13/3)
*الأحزاب غزوة
إحدى الغزوات التى وقعت بين المسلمين وأحزاب المشركين سنة
(5 هـ = 672م) بعد غزوة أحد. وسُميت بهذا الاسم؛ لأن قريشًا
وغطفان وبنى سليم وبنى مرة تحزَّبوا وتجمعوا للقضاء على
الإسلام ودعوته بالمدينة المنورة. وقد قام اليهود من بنى النضير
بتحزيب هذه القبائل وتجميعها وتأليبها على المسلمين؛ إذ ذهب
وفد منهم على رأسه حُيى بن أخطب إلى قريش، وحرَّضهم على
غزو المسلمين، فاستجابوا للدعوة، ثم توجهوا إلى غطفان
فأغروهم بأن يكون لهم نصف ثمار بنى النضير ثم طافوا بقبائل
أخرى. وتمَّ الأمر لهم كما أرادوا؛ فقد تجمع جيش كبير قوامه
(10) آلاف مقاتل، أعدوا عدتهم للسير تجاه المدينة. وكان ذلك
فى شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة. علم الرسول - صلى
الله عليه وسلم - بهذه الأخبار المفزعة، فجمع كبار الصحابة
واستشارهم كيف يواجهون هذا الموقف، فأشاروا عليه بالتحصن
داخل «المدينة»؛ لأنهم استفادوا من درس «أحد»، وأخذوا يعدُّون
العدة لتحمل حصار طويل من الأعداء. وهنا جاءت فكرة رائعة من
«سلمان الفارسى» - رضى الله عنه - وهى حفر خندق فى الجهة
الشمالية الغربية من «المدينة»؛ لمنع اقتحام جيوش الأحزاب لها،
لأن بقية جهاتها الأخرى كانت محصنة بغابات من النخيل، يصعب
على الخيول اقتحامها. وتم حفر الخندق فى نحو أسبوع، وعمل
النبى - صلى الله عليه وسلم - بنفسه مع المسلمين فى حفره،
وبشرهم وهم فى هذا الموقف العصيب بفتح «الشام» و «العراق»
و «اليمن». جاءت قوات الأحزاب وهى واثقة لا بالنصر على
المسلمين فحسب، بل باستئصالهم، لكن المفاجأة أذهلتهم عندما
رأوا الخندق يحول بينهم وبين اقتحام المدينة، وظلوا أمامه
عاجزين، تأكل قلوبهم الحسرة، لأنهم لم يتعودوا مثل هذا
الأسلوب فى القتال، ولما حاول واحد منهم اقتحام الخندق لقى
حتفه فى الحال. وعلى الرغم من أن الخندق قد حمى المسلمين
من هجوم المشركين، فإن الكرب قد اشتد عليهم، وضاقوا بطول(13/4)
الحصار، وكانوا فى موقف عصيب بالغ الصعوبة، فالمشركون
من فوقهم يحيطون بالخندق، وبنو قريظة أسفل منهم قد نقضوا
العهد، والمنافقون فى المدينة يرجفون، ويخذلون الناس، واشتدَّ
الخوف، وعظُم البلاء، وزُلزل المسلمون زلزالاً شديدًا. وصفه الله -
تعالى - أدق وصف بقوله: {إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل
منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله
الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديداً
(الأحزاب:10 - 11) اجتهد النبى - صلى الله عليه وسلم - فى تفريج
الكرب عن المسلمين، فاتصل بقبائل «غطفان» وعرض عليها ثلث
ثمار «المدينة» على أن يعودوا إلى ديارهم ويتخلوا عن «قريش»
فوافقوا، وعرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا الأمر على
الأنصار، فسألوه إن كان هذا أمرًا من الله فليس لهم أن
يخالفوه، أما إذا كان اجتهادًا من أجلهم فلن يوافقوا عليه،
فأعلمهم أنه اجتهاد منه لمصلحتهم ولتفريق الأحزاب عنهم، فأبوا
وعزموا على مواصلة الجهاد والدفاع عن بلدهم، فأوقف النبى
- صلى الله عليه وسلم - المفاوضات مع «غطفان» نزولا على رأى
أصحابه. وفى هذه اللحظة لاحت فرصة عظيمة حيث جاء إلى
الرسول - صلى الله عليه وسلم - رجل من غطفان اسمه نعيم بن مسعود الأشجعى - وكان
قد أسلم وقدم مع الأحزاب دون أن يعلموا - يعرض عليه أن يأمره
بما يشاء للتخفيف عن المسلمين، فأمره الرسول - صلى الله عليه
وسلم - أن يفرق بينهم وبين «بنى قريظة»، الذين نقضوا عهدهم
مع النبى - صلى الله عليه وسلم - واتفقوا مع الأحزاب على
الانضمام إليهم حين تبدأ الحرب، وقد نجح «نُعيم» فى مسعاه
نجاحًا عظيمًا، وزرع الشكوك فى قلوب الأحزاب و «بنى قريظة»
تجاه بعضهم بعضًا وفرق كلمتهم، ثم أرسل الله ريحًا شديدة
قلعت خيام المشركين، وكفأت قدورهم، وانقلب الموقف كله
بفضل الله - تعالى - عليهم، وأدرك «أبو سفيان بن حرب» قائد
الأحزاب ألا فائدة من البقاء، فأمرهم بالرحيل فرحلوا، وقد علق(13/5)
الرسول - صلى الله عليه وسلم - على هذا الموقف بقوله: «الآن
نغزوهم ولا يغزوننا».أى أن قريشًا لن تستطيع مهاجمة
«المدينة» مرة أخرى؛ لأن ميزان القوى أصبح يميل مع
المسلمين.(13/6)
*أستاذ سيس (حركة)
«أستاذ سيس» رجل فارسى ادَّعى النبوة، وقاد حركة تهدف
إلى تخليص بلاد فارس من قبضة العباسيين، واستطاع بجيوشه
الضخمة بسط نفوذه على مناطق «سجستان» و «هراة» و «كور
خراسان» وغيرها، فحشدت له الخلافة العباسية قوات ضخمة
بقيادة «خازم بن خزيمة التميمى»، استطاعت القضاء على هذه
الحركة، وانتهى الأمر بالقبض على «أستاذ سيس» وإعدامه.(13/7)
*ابن الأشعث (ثورة)
هى واحدة من أعنف الثورات التى هبت فى وجه الدولة الأموية،
ولم يكن الدافع إليها خلاف مذهبى مع الدولة، كما هو الحال مع
الخوارج والشيعة، وإنما كان دافعها الأساسى الطموح
الشخصى الذى لعب برءوس بعض أبناء القبائل الكبرى، وكان
«عبدالرحمن بن الأشعث» زعيم هذه الثورة نموذجًا لها؛ إذ
استغل العداء التقليدى والحقد الدفين الذى يكنه العراقيون لبنى
أمية أسوأ استغلال، وأعلن الثورة عليهم. خلاصة القصة أن
«الحجاج بن يوسف» والى «العراق» (75 - 95هـ) أمَّر
«عبدالرحمن بن الأشعث» على جيش كبير سنة (80هـ) أطلق عليه
المؤرخون «جيش الطواويس»؛ لضخامته وحسن إعداده، وأمره
بالتوجه إلى «سجستان» شرقىّ بلاد فارس؛ لمعاقبة ملكها
«رتبيل» الذى نقض المعاهدة التى بينه وبين المسلمين، وفتح
حدود بلاده للخارجين على الدولة الأموية، موفِّرًا لهم الأمن
والحماية، فصبر عليه «الحجاج» على مضض، إلى أن فرغ من
أمر الخوارج وقضى على «ابن الزبير»، فأرسل إليه هذا الجيش
الهادر لتأديبه والقصاص منه. وبدلا من أن يمضى «عبدالرحمن بن
الأشعث» لأداء المهمة المكلَّف بها، وقتال ملك كافر متمرد على
الدولة، ارتد ثائرًا عليها، وشجعه على ذلك استجابة أهل
«العراق» للثورة ورغبتهم فى التمرد على الدولة، وكانوا أغلبية
فى الجيش الذى بلغ عدده مائة ألف مقاتل. وزاد الأمر سوءًا
انخداع بعض العلماء من كبار التابعين بدعوة «ابن الأشعث»،
فصدَّقوا دعواه بأنه إذا بويع بالخلافة فسيحكم بالعدل، ويعيد
حكم الراشدين ويمحو مظالم «بنى أمية»، فاستجابوا له، وكان
على رأسهم: «عامر الشعبى»، و «سعيد بن جبير» الذى جعله
«الحجّاج» أمينًا على الأموال التى ينفق منها على الجيش، وكان
لموقفهم هذا أثر كبير فى تمادى «ابن الأشعث» فى الثورة
واستجابة الجنود له، وترتَّب على ذلك أعنف ثورة واجهت
«عبدالملك بن مروان»، دامت نحو سنتين (81 - 83هـ)، ودارت(13/8)
بينهما نحو ثمانين موقعة، قتل فيها عشرات الألوف من الرجال،
وكان أشهرها معركة «دير الجماجم» التى استمرت مائة يوم،
وانتهت بهزيمة «ابن الأشعث» فى شهر جمادى الآخرة سنة
(83هـ). لجأ «ابن الأشعث» بعد هزائمه إلى «رتبيل» ملك
«سجستان»، وكان قد عقد معه اتفاقًا على أن يوفر له الحماية
إذا هُزِم، لكن «الحجاج» طلب من «رتبيل» أن يسلمه «ابن
الأشعث»، فعزم على تسليمه؛ لأنه كان حريصًا على عدم إثارة
«الحجاج» أكثر من ذلك، فلما أحس «ابن الأشعث» بنية «رتبيل»
على تسليمه، ألقى بنفسه من فوق القصر الذى كان يقيم به،
فمات منتحرًا سنة (85هـ).(13/9)
*الأندلس (فتح)
كان الذى دعا المسلمين إلى فتح تلك البلاد هو «يوليان» حاكم
ولاية «سبتة» المغربية الواقعة على ساحل البحر، والخاضعة
لحكم «القوط» آنذاك، ولم يكن المسلمون قد فتحوها، فاتصل
حاكمها بطارق بن زياد حاكم «طنجة»، وعرض عليه الفكرة،
فنقلها إلى «موسى بن نصير» الذى اتصل بالخليفة «الوليد بن
عبدالملك»، فأذن له الخليفة، على أن يتأكد من صدق نيات
«يوليان»، وأن يرتاد البلاد بحملة استطلاعية، ليعرف أخبارها
قبل أن يدخلها فاتحًا. كلَّف «موسى بن نصير» أحد رجاله وهو
«طريف بن مالك» على رأس خمسمائة جندى، بدخول «الأندلس»
وجمع ما يمكن جمعه من أخبار، كما طلب من «يوليان» أن
يوافيه بتقرير عن أوضاع البلاد، فاتفقت معلومات «طريف» التى
جمعها مع تقرير «يوليان»، وكلها تفيد أن البلاد فى حالة
فوضى، وتعانى من الضعف العسكرى، وأن الناس ينتظرون
المسلمين ليرفعوا عنهم الظلم، وعاد جيش «طريف» سنة (91هـ)
محملا بالغنائم. اختار «موسى بن نصير» للقيام بمهمة فتح
«الأندلس» طارق بن زياد» وهو من أصل بربرى لما يتمتع به من
شجاعة ومهارة فى القيادة، فخرج فى سبعة آلاف جندى،
معظمهم من «البربر»، وعبر المضيق الذى يفصل بين الساحل
المغربى والساحل الأندلسى، والذى لايزال يحمل اسمه، ونزل
على الجبل - الذى حمل اسمه أيضًا - فى شهر رجب سنة (92هـ)،
واستولى عليه بعد عدة معارك مع القوات القوطية التى كانت
تقوم بحراسته، وتوغَّل فى جنوبى البلاد. وما إن علم الملك
«روذريق» بنزول المسلمين فى بلاده - وكان فى شمالى غربى
البلاد مشغولا بقمع ثورة اندلعت ضده - حتى عاد مسرعًا للقاء
المسلمين على رأس جيش قوامه نحو مائة ألف جندى، ولما علم
«طارق» بعودة الملك طلب مددًا من «موسى بن نصير»، فأمدََّه
بخمسة آلاف، وأصبح عدد جيشه اثنى عشر ألفًا، والتقى
الفريقان فى أواخر شهر رمضان سنة (92هـ)، وحقق المسلمون(13/10)
نصرًا حاسمًا، ويؤكد المؤرخون أن هذه المعركة المعروفة باسم
معركة «شذونة» قد قررت مصير «الأندلس» لصالح المسلمين، لأن
الجيش القوطى دُحر تمامًا، وهبطت روحه المعنوية إلى الحضيض،
ولم يعد قادرًا على المقاومة، فانفتح الطريق أمام البطل الفاتح
«طارق بن زياد»، ليستولى على مدن مهمة، مثل: «قرطبة»،
و «غرناطة»، ووصل إلى «طليطلة» فى وسط البلاد، وكانت
عاصمة البلاد فى ذلك الوقت. أرسل «طارق» إلى «موسى بن
نصير» يبشره بهذه الانتصارات، ويطلب منه مددًا جديدًا، فعبر
إليه بنفسه على رأس قوة كبيرة قوامها ثمانية عشر ألفًا،
ونجح فى فتح عدد من المدن فى غربى البلاد مثل «إشبيلية»
وهو فى طريقه إلى لقاء «طارق» فى «طليطلة». اتفق القائدان
العظيمان على استكمال فتح «الأندلس»، فاتجه كل منهما إلى
ناحية فأخذ «طارق بن زياد» طريقه إلى الشمال الشرقى، فى
حين اتجه «موسى» إلى الشمال الغربى، ونجح الاثنان فى
غضون عامين (93 - 95هـ) فى فتح معظم «شبه الجزيرة
الأيبرية».(13/11)
*بدر (غزوة)
وقعت هذه الغزوة الخالدة فى السابع عشر من شهر رمضان
المبارك من السنة الثانية من الهجرة عند بئر بين «مكة»
و «المدينة»، وقد سمى الله - تعالى - يومها «يوم الفرقان»؛ لأنه
فرَّق بين الحق والباطل، وأعلى كلمة الإسلام. وسببها أن قافلة
تجارية لقريش، كانت قادمة من «الشام» إلى «مكة»، فأمر النبى
- صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالتعرض لها والاستيلاء عليها؛
تعويضًا لهم عن أموالهم التى استولت «قريش» عليها فى
«مكة»، وعندما وصل النبى - صلى الله عليه وسلم - بجيشه إلى
المكان الذى دارت فيه المعركة علم أن القافلة أفلتت ونجت، بعد
أن نجح قائدها «أبو سفيان بن حرب» فى اتخاذ طريق الساحل
بعيدًا عن طريق القوافل المعتاد، حين علم بخروج المسلمين
للاستيلاء عليها، وكان قبل أن يفلت بقافلته قد أرسل سريعًا
إلى «قريش» يستنفرها للخروج لاستنقاذ أموالها التى توشك أن
تقع فى أيدى المسلمين فخرجت فى نحو ألف رجل للقتال،
وأصروا على ذلك حتى بعد أن علموا بنجاة قافلة «أبى
سفيان».وعندما علم المسلمون بإفلات القافلة، رأى بعضهم
العودة إلى «المدينة»، لأن كثيرًا ممن خرجوا لم يكن فى
حسبانهم أنهم خرجوا لقتال وأن حربًا ستقع، وإنماخرجوا
للاستيلاء على القافلة، فكرهوا القتال. لكن الرسول - صلى الله
عليه وسلم - كان يعلم أن الرجوع إلى «المدينة» ستفسره
«قريش» على أنه جبن وضعف عن لقائها ومواجهتها، وسوف
تذيع ذلك فى أوسع نطاق ممكن من شبه الجزيرة العربية، وفى
هذا ضرر بالغ بالدولة الإسلامية ودعوتها، فتصرف الرسول - صلى
الله عليه وسلم - بحكمة بالغة وبعد نظر، واستشار كبار أصحابه
فيما يصنعون، فتحدث «أبو بكر الصديق» و «عمر بن الخطاب»
وغيرهما فأحسنوا الكلام، وأبدوا استعدادًا للتضحية والجهاد
فى سبيل الله. سمع الرسول - صلى الله عليه وسلم - كلامهم
فسعد به وسُرَّ، لكنه لا يزال فى حاجة إلى معرفة رأى الأنصار(13/12)
فى وضوح وجلاء، لأن بيعتهم معه كانت تنص على الدفاع عنه
داخل «المدينة» لا خارجها، فلما كرَّر قوله: «أشيروا علىَّ أيها
الناس»، قال له: «سعد بن معاذ» وغيره من زعماء الأنصار:
«لعلك تقصدنا يارسول الله»، قال: «نعم». قالوا: «يا رسول الله،
آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك
على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضِ بنا يا
رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذى بعثك بالحق، لو
استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل
واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبر فى الحرب،
صدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر على
بركة الله. اطمأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لموقف أصحابه
وسلامة جبهتهم، وقوة ترابطهم، وبدأ يُعدُّ للمعركة الأولى فى
تاريخ الإسلام، وأعدَّ له المسلمون عريشًا (مقر قيادة) يدير منه
المعركة. وعرف الرسول - صلى الله عليه وسلم - عدد أعدائه
وقوتهم من عيونه ومخابراته العسكرية فكانوا نحو ألف رجل
مدججين بالسلاح، فيهم عدد كبير من الفرسان، فى حين كان
عدد المسلمين نحو ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، فيهم فارسان
فقط. وبدأت المعركة صبيحة اليوم السابع عشر من شهر رمضان
سنة (2هـ) بالمبارزة، حيث خرج ثلاثة من صفوف المشركين، هم
«عتبة بن ربيعة»، و «شيبة بن ربيعة»، و «الوليد بن عتبة»،
يطلبون المبارزة، فأمر النبى - صلى الله عليه وسلم - عمه
«حمزة»، وابنى عمه «على بن أبى طالب»، و «عبيدة بن
الحارث» بالخروج إليهم، وهذا تصرف له مغزاه من القائد الأعلى
«محمد» رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حيث بدأ المعركة
بأقرب الناس إليه، فضرب المثل فى التضحية والفداء لدين الله،
واستطاع الثلاثة المسلمون القضاء على الثلاثة المشركين من
أعدائهم، وتركوهم صرعى فى ميدان المعركة، ثم احتدمت
الحرب، وتلاحم الناس، وحمى الوطيس، والرسول فى عريشه(13/13)
يدعو الله سبحانه وتعالى ويستنزل نصره الذى وعده به،
فيقول: «اللهم نصرك الذى وعدتنى، اللهم إن تهلك هذه العصابة
من المسلمين فلن تُعبَد على وجه الأرض، يامولاى»، واستجاب
الله لدعاء نبيه، وانجلت المعركة عن نصر ساحق للمسلمين،
وهزيمة ماحقة للمشركين الذين قُتِلَ منهم سبعون، وأُسِرَ مثلهم،
وفر الباقون، وامتلأت أيدى المسلمين من غنائمهم التى
تركوها، واستُشهد من المسلمين أربعة عشر شهيدًا، وتحقق
وعد الله، فنصر القلة القليلة المؤمنة، على الكثرة المشركة
المتغطرسة.(13/14)
*بلاد ماوراء النهر (فتح)
أطلق المسلمون اسم بلاد «ما وراء النهر» على البلاد المعروفة
الآن باسم «آسيا الوسطى» الإسلامية، وتضم خمس جمهوريات
إسلامية، كانت خاضعة للاتحاد السوفييتى، ثم منَّ الله عليهم،
فاستقلُّوا بعد انهياره. طرق المسلمون هذه البلاد عدة مرات منذ
خلافة «عثمان بن عفان» رضى الله عنه، وغزاها عدد كبير من
القادة المسلمين كان آخرهم «المهلب بن أبى صفرة»، ولم تكن
حملاتهم عليها للاستقرار الدائم والفتح المنظم، وإنما كانت
لتعرفها ومعرفة أحوالها. وبدأت المرحلة الحاسمة فى الفتح
والاستقرار مع تسلم «قتيبة بن مسلم» قيادة جيوش الفتح وولاية
إقليم «خراسان» سنة (85هـ)، وقد مرت خطوات «قتيبة» فى
فتح تلك البلاد التى استمرت نحو عشر سنوات (86 - 96هـ) عبر
مراحل أربع هى: - المرحلة الأولى (86 - 87هـ (: وفيها أخضع
«قتيبة بن مسلم» إقليم «طخارستان»، الواقع على ضفتى نهر
«جيحون»، ويبدو أن أوضاعه لم تكن قد استقرت للمسلمين
تمامًا، منذ أن فتحه «الأحنف بن قيس» فى خلافة «عثمان بن
عفان»، وكانت تلك بداية ناجحة، فبدون توطيد أقدامه فى
«طخارستان» لم يكن ممكنًا أن يمضى لفتح «ما وراء النهر»،
وأصبح يتمتع بهيبة كبيرة فى تلك البلاد؛ فما إن يسمع الملوك
بمسيره إليهم، حتى يسرعوا إلى لقائه وطلب الصلح. - المرحلة
الثانية (87 - 90هـ): وفيها فتح «قتيبة» إقليم «بخارى»، بعد
حروب طاحنة، وانتظام حملاته عليها، وكان الغزو يحدث فى
الصيف، لأن شتاء تلك البلاد كان قاسيًا شديد البرودة على
العرب، لكنهم صبروا وجاهدوا حتى تمَّ لهم الفتح. - المرحلة
الثالثة (90 - 93هـ): وفيها أكمل فتح حوض نهر «جيحون» كله،
وتوَّج عمله بالاستيلاء على «سمرقند»، أعظم مدائن «ما وراء
النهر» كلها. - المرحلة الرابعة (93 - 96هـ): وفيها عبر «قتيبة»
نهر «سيحون»، وفتح الممالك السيحونية الثلاث: «الشاش»،
و «أشروسنة»، و «فرغانة»، ووصل إلى إقليم «كاشغر» الذى(13/15)
يلامس حدود «الصين»، التى تهيأ لفتحها، لولا أن وفاة
«الحجاج» سنة (95هـ)، وبعده الخليفة «الوليد بن عبدالملك» سنة
(96هـ)، جعلته يتوقف عند هذا الحد، لكنه أجبر ملك «الصين»
على دفع الجزية له مع رسوله إليه «هُبيرة بن المشمرج
الكلابى».(13/16)
*بلاط الشهداء (معركة)
فى أوائل سنة (114هـ = 732م) سار «الغافقى» بجيوشه نحو
الشمال وعبر جبال «البرت» من طريق «بنبلونة» ودخل فرنسا؛
حيث قام بمعارك ناجحة ضد أعدائه، وفتح نصف فرنسا الجنوبى
كله من الشرق إلى الغرب فى بضعة أشهر، وواصل زحفه المظفر
حتى أشرف بجيشه على نهر اللوار، وهناك احتشد له «شارل
مارتل» بجيش ضخم من الفرنج والمرتزقة نصف العراة، ويتشحون
بجلود الذئاب، وتنسدل شعورهم الجعدة فوق أكتافهم العارية.
استولى المسلمون على مدينتى «بواتيه» و «تور»، ثم فاجأهم
العدو دون أن تشعر به طلائع المسلمين أو تحسن تقدير عدده،
وأراد عبدالرحمن أن يقتحم «اللوار» ففاجأه «شارل مارتل»
بجموعه الجرارة فارتد إلى السهل الواقع بين مدينتى «بواتيه»
و «تور»، وعبر جيش الفرنج «اللوار» وعسكر غربى الجيش
الإسلامى. عزم «الغافقى» على لقاء العدو على الرغم من أن
بعض قبائل البربر فى جيشه كانت تتوق إلى الانسحاب بما
تحمله من غنائم كثيرة، وأن عدد جنوده قد قل بسبب تخلف
حاميات كثيرة فى المدن والقرى المفتوحة. ودامت المعركة تسعة
أيام دون أن يحقق الفريقان نصرًا حاسمًا، وفى اليوم العاشر
أبدى كلا الطرفين غاية الجلد والشجاعة، وظهر الإعياء على
الفرنج، وبدت علامات انتصار المسلمين، لكن حدث أن افتتح
الفرنج ثغرة فى معسكر غنائم المسلمين وارتفعت فيه صيحة
مجهول تقول إن معسكر الغنائم سيقع فى يد العدو، فارتدت
قوات كبيرة إلى ماوراء الغنائم لحمايتها، واختلت صفوف
المسلمين، وبينما يحاول «الغافقى» إعادة النظام إلى جيشه
أصابه سهم أرداه من فوق جواده قتيلا، فعم الاضطراب بين
المسلمين، وكثر القتل فيهم، واشتد الفرنج عليهم، لكنهم صبروا
حتى جن الليل وافترق الجيشان دون فصل فى (أوائل رمضان
114هـ = 21 أكتوبر 732م)، ثم انسحب المسلمون نحو مراكزهم
فى «سبتمانيا» تاركين غنائمهم. وفى فجر اليوم التالى تقدم(13/17)
«شارل» بحذر فوجد المعسكرات الإسلامية خالية إلا من الجرحى
ومن لم يتمكنوا من مرافقة الجيش المنسحب فذبحوهم، وخشى
«شارل مارتل» الخديعة فاكتفى بانسحاب المسلمين ولم
يتعقبهم، وآثر العودة بجيشه إلى الشمال.(13/18)
*تارابى (ثورة)
تنتسب هذه الثورة إلى زعيمها «محمود الترابى»، الذى كان
يعمل صانعًا للغرابيل، بقرية «تاراب»؛ أقدم قرى مدينة
«بخارى»، وهدفت هذه الثورة - التى أطلق عليها بعض
المؤرخين الفرس: حركة شعبية - إلى رفض الحكم المغولى،
واعتمدت على الدين كأساس لها فى ذلك، فالتف الناس حولها،
على الرغم من أن دعاتها اعتمدوا على الخرافات، وادعوا
اتصالهم بالأرواح، إلا أن انضمام «شمس الدين المحبوبى» أحد
علماء «بخارى» إليها أكسبها قوة؛ إذ كان على خلاف مع أئمة
«بخارى»، فساند «محمود تارابى» زعيم الثورة، وذكر له أن
أباه قرأ فى أحد الكتب نبوءة مفادها: أن رجلا سيظهر
ببخارى، سيكون فتح العالم على يديه، وأن مواصفات هذا
الرجل تنطبق على «محمود تارابى»، وأكد المنجمون صدق ذلك،
وأعلنوا أن نجم «محمود تارابى» قد بزغ، وأن الحظ سيحالفه،
ولأن هذه المعتقدات كانت سائدة آنذاك، فقد اهتم الناس بأقوال
المنجمين، والتفوا حول زعيم هذه الثورة، وحققوا انتصارات
كبيرة، ودخلوا «بخارى»، غير أن المغول تمكنوا من صد الثورة
ومقاومتها، وسقط «التارابى» و «محبوبى» صريعين، فأعلن
الثوار «محمدًا» و «عليا»، أخوىْ «تارابى»، زعيمين للثورة،
فعزز المغول قواتهم، وتمكنوا من القضاء على هذه الثورة،
وقبضوا على الثائرين، وأرادوا معاقبتهم، ولكن «محمود يلواج»
استطاع الحصول على العفو لهم من قادة المغول(13/19)
*تبوك (غزوة)
قام النبى - صلى الله عليه وسلم - بقيادة هذه الغزوة فى شهر
رجب سنة 9 هـ، وهى آخر غزوة غزاها، وكان سببها أن أخبارًا
وصلت إليه من عيونه التى بثها لمراقبة تحركات الروم فى
الشمال، أنهم يعدون العدة للهجوم عليه. فأعد جيشًا لصده،
وكان عدده ثلاثين ألفًا، وهو أكبر جيش قاده النبى - صلى الله
عليه وسلم - وسُمى «جيش العسرة»، لأن المسافة كانت بعيدة
والجو صيف شديد الحرارة، والناس يحبون المقام فى مزارعهم
وبساتينهم لجنى الثمار، والاستمتاع بالظل الوارف، ولكن
مادامت الدولة الإسلامية ودعوتها فى خطر، فلابد من التضحية
والاستهانة بكل راحة ومتعة، وقد ضحى أصحاب النبى - صلى
الله عليه وسلم - تضحيات كبيرة، وأسهموا فى تجهيز الجيش
وإعداده بأموالهم، وبخاصة «عثمان بن عفان» الذى جهز نحو
ثلث الجيش من ماله الخاص. سار النبىحتى وصل إلى «تبوك»،
فإذا به يعلم أن جيش الروم الذى كان يُعد يومئذٍ أقوى جيش فى
الدنيا قد فرَّ مذعورًا إلى داخل «الشام»، فعسكر النبى فى
«تبوك» ثلاثة أسابيع، رتب خلالها أوضاع المنطقة، وأظهر هيبة
الإسلام وضرب هيبة الروم ضربة قاصمة، جعلت سكان الإمارات
الصغيرة فى المنطقة الخاضعة لسيطرة الروم - كأيلة و «أدرح»
و «الجرساء» - يهرعون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
مذعنين، وقالوا له: ماذا تريد منا؟ فعرض عليهم الإسلام
فرفضوا، وقالوا: غير هذا، قال: «تدفعون الجزية ونؤمنكم على
عقائدكم وأرواحكم وأموالكم»؛ فقبلوا، فأعطاهم بذلك
معاهدات، وكان تصرف النبى - صلى الله عليه وسلم - مثلا عاليًا
ودليلا على تسامح الإسلام، وأنه لا يُفرض على الناس بالقوة.(13/20)
*التوابون (ثورة)
«التوابون» مجموعة من الشيعة الذين أحسوا بخطئهم الفادح
حين دعوا «الحسين» إلى «الكوفة» ليبايعوه خليفة وإمامًا، ثم
خذلوه لما حضر إليهم، لذلك قرروا الثأر له، وسمُّوا أنفسهم
التوابين، أى الذين تابوا عن تقصيرهم فى نصرته، وتزعمهم
«سليمان بن صرد الخزاعى». وقد اجتمع لهم عدة آلاف من الناس،
قيل إنهم بلغوا ستة عشر ألفًا، وبايعوا «ابن صرد» على الموت
طلبًا لثأر «الحسين»، لكنهم انفضُّوا عنه حين جدَّ الجد، كما
انفضوا عن «الحسين» من قبل، ولم يبقَ معه سوى نحو ثلاثة
آلاف، توجه بهم لقتال الأمويين، فتصدَّى لهم «عبيدالله بن زياد»
فى جيش ضخم، بلغ عدده نحو ستين ألفًا، فهزمهم وقتل معظم
التوابين وعلى رأسهم زعيمهم «سليمان بن صرد»، فى مكان
يُسمَّى «عين الوردة» فى شمالى «العراق» سنة (65هـ).(13/21)
*الجمل (معركة)
كانت أم المؤمنين «عائشة» - رضى الله عنها - عائدة من أداء
فريضة الحج، وسمعت بمقتل «عثمان»، فعادت من الطريق إلى
«مكة»، وأعلنت سخطها على قتله، وأخذت تردد «قُتل والله
عثمان مظلومًا لأطلبن بدمه»، ثم وافاها فى «مكة» «طلحة»
و «الزبير» - رضى الله عنهما - و «بنو أمية»، وكل من أغضبه
مقتل «عثمان»، وراحوا يتباحثون فى الأمر، وهداهم تفكيرهم
إلى تجهيز جيش للأخذ بالثأر من قتلة «عثمان» والسير به إلى
«البصرة»، باعتبارها أقرب بلد إليهم من البلاد التى اشترك
أهلها فى الثورة على «عثمان» وقتله، وصلت أخبار سير
«عائشة» ومن معها إلى «على» وهو يتأهب للخروج إلى الشام
لقتال «معاوية»، فاضطر إلى تغيير خطته، فلم يعد ممكنًا أن
يذهب إلى الشام، ويترك هؤلاء يذهبون إلى «البصرة»،
فاستعد للذهاب إلى هناك. خرجت السيدة «عائشة» - رضى الله
عنها - ومعها فى البداية نحو ألف رجل لكن هذا العدد تضاعف
عدة مرات، بانضمام كثيرين إلى الجيش، نظرًا إلى مكانة
«عائشة»، فلما اقتربوا من «البصرة»، أرسل واليها «عثمان بن
حنيف» إلى أم المؤمنين «عائشة» رسولين من عنده، هما
«عمران بن حصين» و «أبو الأسود الدؤلى» يسألانها عن سبب
مجيئها. فقالت لهما: «إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزاع القبائل
غزوا حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأحدثوا فيه
الأحداث وآووا فيه المحدثين، واستوجبوا لعنة الله ورسوله، مع
مانالوا من قتل إمام المسلمين، بلا ترة ولا عذر، فخرجت فى
المسلمين، أعلمهم ما أتى هؤلاء، وكذلك سأل الرسولان «طلحة»
و «الزبير» - رضى الله عنهما - عن سبب مجيئهما، فقالا: «الطلب
بدم عثمان»، فرجع الرجلان وأخبرا «عثمان بن حنيف»،
الذىأصرَّ على منعهم من دخول «البصرة»، فدارت بينه وبينهم
معركة عند مكان يُسمى «الزابوقة» قُتل فيها نحو ستمائة من
الفريقين، فلما رأوا كثرة القتلى تنادوا إلى الصلح والكف عن(13/22)
القتال، وانتظار قدوم الإمام «على» إلى «البصرة». وصل
«على» إلى «البصرة» وعلم بما حدث من سفك الدماء وهاله
ذلك، فأرسل على الفور «القعقاع بن عمرو التميمى» إلى
معسكر «عائشة» و «طلحة» و «الزبير»، ليعرف ماذا يريدون،
فقالت «عائشة» - رضى الله عنها -: «خرجنا لنصلح بين الناس»،
وكذلك قال «طلحة» و «الزبير»، فسألهم «ما وجه الإصلاح الذى
تريدون»، قالوا: «قتلة عثمان»، قال: «لقد قتلتم ستمائة من قتلة
عثمان، فغضب لهم ستة آلاف من قبائلهم، وكنتم قبل ذلك أقرب
إلى السلامة منكم الآن»، قالوا: «فماذا ترى أنت؟»، قال:
«أرى أن هذا الأمر دواؤه التسكين»، واقترح عليهم تجديد
البيعة لعلى، ومقابلته، والتفكير بعد ذلك فيما يصلح المسلمين،
فقبلوا. كانت نقطة الضعف التى فى معسكر الإمام «على» هى
وجود كثيرين ممن اشتركوا فى قتل «عثمان» والتخطيط له،
وعلى رأسهم «عبدالله بن سبأ»، و «الأشتر النخعى»، ولم يكن
لعلى حيلة فى وجودهم معه، ولا قدرة على إبعادهم، لكونهم
قوة كبيرة تساندهم عصبات قبلية، وقد أدرك زعماؤهم الذين
تولوا كبر الثورة على «عثمان» أن الصلح بين الفريقين سيجعل
«عليًّا» يتقوى بانضمام الفريق الآخر إليه، ويقيم الحد عليهم
باعتبارهم قتلة «عثمان»، فعزموا على إفساد الأمر كله. وترتب
على هذا العزم أن عقد «ابن سبأ» لهم مؤتمرًا تدارسوا فيه الأمر،
فاقترح «الأشتر» أن يقتلوا «عليًا» كما قتلوا «عثمان» من قبل،
فتهيج الدنيا من جديد، ولا يقدر عليهم أحد، لكن هذا الاقتراح لم
يعجب «ابن سبأ»، فهو يريد أن يدخل الأمة كلها فى حرب
طاحنة، لا أن يقتل فرد واحد وإن كان خليفة المسلمين، فأمرهم
بشن هجوم فى ظلام الليل على جيش «عائشة» و «طلحة»
و «الزبير»، بدون علم الإمام «على»، فاستجابوا لرأيه، وبينما
الناس نائمون مطمئنون بعد أن رأوا بوادر الصلح تلوح فى
الأفق، إذا بهم يفاجئون بقعقعة السلاح، وكانت هذه هى بداية(13/23)
حرب «الجمل» المشئومة التى راح ضحيتها خيرة الصحابة
«طلحة» و «الزبير» المبشران بالجنة، ونحو عشرين ألفًا من
المسلمين.(13/24)
*الحسين بن على (ثورة)
لم يقم الشيعة بأى ثورة ضد «معاوية بن أبى سفيان»، طوال
مدة خلافته (41 - 60هـ)، وإنما اندلعت أولى ثوراتهم بقيادة
«الحسين بن على» فى خلافة «يزيد بن معاوية»، بعد أن رفض
«الحسين» بيعة «يزيد»، وكان قد رفض من قبل تعيينه وليا
للعهد فى زمن أبيه. اعتصم «الحسين» بمكة المكرمة، وهناك
توالت عليه رسائل أهل «الكوفة» يطلبون منه الحضور إليهم؛
ليبايعوه بالخلافة، فاستجاب لهم على الرغم من تحذير «ابن
عباس» - وهو من أقرب الناس إليه - من الذهاب إلى «العراق»،
لأنها دعوة من لا أمان أو عهد لهم، وقد خذل أهل العراق أباه
من قبل، لكنه أصر على الذهاب، وأرسل - قبل أن يتحرك- ابن
عمه «مسلم بن عقيل بن أبى طالب» إلى «الكوفة»، ليستطلع
الأمر، ويكتب له بحقيقة الموقف هناك. وصل «مسلم بن عقيل»
إلى «الكوفة»، فاستقبله الناس بحماس شديد وبحفاوة بالغة،
وبايعه منهم نحو ثمانية عشر ألفًا، فانخدع بهم بعد أن تغافل
«النعمان بن بشير» والى «الكوفة» عنه، فكتب إلى «الحسين»
يطمئنه، ويطلب منه الحضور إلى «الكوفة». ولما علم «يزيد» بما
فعله «مسلم» فى «الكوفة»، اضطر إلى عزل «النعمان بن
بشير» عن ولايتها لتغاضيه عما يقوم به «مسلم»، وولَّى مكانه
«عبيدالله بن زياد»، فحضر على الفور، وقبض على «مسلم»
وقتله بعد أن انفضت عنه الآلاف التى تجمعت حوله من أهل
«الكوفة»، وتركوه يلقى مصرعه وحده. وفى أثناء هذه
الأحداث المتلاحقة كان «الحسين» فى طريقه إلى «الكوفة»،
فلما وصلته أخبار «مسلم»، وتخاذُل الكوفيين عنه، قرر العودة
إلى «مكة»، لكن إخوة «مسلم» أصروا على مواصلة السير، طلبًا
لثأر أخيهم، فلم يجد «الحسين» بُدا من مطاوعتهم، وكان هذا من
الأخطاء الكبيرة، فالذى قتل «مسلم» دولة لا فرد، وليس فى
استطاعتهم - وهم قلة فى عددهم - التصدِّى للدولة، فقد كانوا
نحو سبعين رجلا. واصل «الحسين» سيره حتى بلغ «كربلاء»(13/25)
بالقرب من «الكوفة»، فوجد جيشًا كبيرًا فى انتظاره بقيادة
«عمر بن سعد بن أبى وقَّاص» يزيد عددُه عمَّا معه من أفراد
بنحو خمسين مرة، وعسكرت القوتان دون تكافؤ بينهما فى
القوة، فعرضَ «الحسين» على «عمر بن سعد» ثلاثة حلول
للخروج من هذا المأزق، إمَّا أن يتركه يعود إلى «مكة»، وإما أن
يتركه يذهب إلى ثغر من ثغور الإسلام فيجاهد فى سبيل الله،
وإما أن يدعه يذهب إلى «دمشق» لمقابلة الخليفة «يزيد بن
معاوية» ويضع يده فى يده. وكانت هذه الخطوة من «الحسين»
- رضى الله عنه - طيبة؛ لأن ذلك معناه أنه أنهى ثورته وجنح
إلى السلام، كما سُرَّ بهذه الخطوة «عمر بن سعد»، لأنه لم يكن
راغبًا فى مواجهة «الحسين»، ولكن عليه أن يستشير «عبيد الله
بن زياد»، فهو الوالى وصاحب القرار، فرحب بالفكرة لأول
وهلة، لأن فيها حقن الدماء، وبخاصة دم «الحسين» حفيد رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -، غير أن شيطانًا من شياطين الإنس
يُدعى «شمر بن ذى الجوش» أشار على «ابن زياد» ألا يقبل من
«الحسين» إلا أن يسلِّم نفسه باعتباره أسير حرب، وأن يرسله
بهذه الصفة إلى الخليفة «يزيد بن معاوية» فى «دمشق». وكان
من الطبيعى أن يرفض «الحسين بن على» هذا الطلب، فالموت
عنده أهون عليه من هذا كما قال هو نفسه، ولو أن مشركًا أو
ذميا كان فى مكان «الحسين»، وعرض عليهم هذه الحلول
السلمية لكان عليهم قبولها، لكن «ابن زياد» خضع لهذه الفكرة
الشيطانية، ورفض «الحسين» تسليم نفسه أسير حرب، فدارت
معركة غير متكافئة بين الفريقين فى «كربلاء» فى العاشر من
المحرم سنة (61هـ)، استُشْهِد فيها «الحسين»، رضى الله عنه،
وقتل من كان معه من أهل بيته، ولم ينجُ من القتل إلا ابنه
«على» الملقب بزين العابدين.(13/26)
*حطين (معركة)
تعد «حِطِّين» من أشهر الحروب التى خاضها «صلاح الدين» ضد
الصليبيين، بعد سلسلة من الحروب التى خاضها مثل: موقعة
«مرج العيون» سنة (574هـ) التى انتصر فيها عليهم، ثم موقعة
«مخاضة الأحزان» سنة (575هـ)، وهىمعركة فاصلة. بدأت فى
ربيع الثانى سنة (583 هـ)، بين المسلمين بقيادة صلاح الدين
الأيوبى والصليبيين. وكان صلاح الدين قد وحَّد مصر والشام
والعراق والجزيرة وجمع كلمة العرب تحت لوائه، فقرر التصدِّى
للصليبيين فوضع خطة لاستدراجهم بعيدًا عن معاقلهم وحصونهم
فانتهز فرصة تعدى الأمير رينو دوشاتيون - المعروف بأرناط -
على قوافل المسلمين والحجاج ونقضه بذلك الهدنة التى بين
المسلمين والصليبيين؛ فحرق لهم طبرية، ونفذ خطته، فجاءوه
مجتمعين ومعهم صليب الصلبوت أو الصليب الأعظم وعلى رأسهم
الملك غى ملك بيت المقدس فى خمسين ألف مقاتل، وساروا إليه
فى أرض جرداء وعرة لا كلأ فيها ولا ماء فى يوم شديد الحرارة
، فعانى الصليبيون من التعب والحر والعطش. على حين كانت
دوريات صلاح الدين تهاجمهم فى المقدمة والقلب والمؤخرة،
وتقوم بحرب إزعاج ضدهم، ثم تنسحب بسرعة، دون أن تعطيهم
فرصة للالتحام، وكان عسكر المسلمين على سفوح هضاب حطين
ينتظرون وصول الجيش الصليبى، ولما وصل الصليبيون طوَّق
صلاح الدين بجيشه الهضبة التى تمركز عليها جيش الصليبيين،
ومنع عنهم الماء، وأحرق المسلمون الأراضى المكسوة
بالأشواك، وكانت الريح مواتية فحملت إليهم حر النار والدخان.
وبدأ جيش المسلمين بالهجوم، وقاتل الفرنجة ببسالة لا نظير لها،
ولم يترك لهم المسلمون فرصة لالتقاط أنفاسهم، فهُزِم المشاة،
وفرَّ قسم من الفرسان، وطوق المسلمون خيمة الملك غى،
ودكوها، وأسروا الملك وجميع الأمراء والفرسان الصليبيين
وعددًا كبيرًا من رجالاتهم وقادتهم، فأكرم صلاح الدين
ضيافتهم، وسقى مليكهم الماء المثلج. ثم شرع صلاح الدين فى(13/27)
فتح البلاد والمدن والثغور الصليبية حتى توَّج جهاده بتحرير بيت
المقدس فى شهر رجب من السنة نفسها.(13/28)
*حنين (غزوة)
بعد فتح «مكة» بدأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرتب
أمورها، فعين لها واليًا من قبله، هو «عتاب بن أسيد»، ومعلمًا
يعلم أهلها شرائع الإسلام هو «معاذ بن جبل»، ولكن بعد أقل
من أسبوعين من ذلك الفتح العظيم وصلت إلى النبى - صلى الله
عليه وسلم - أخبار بأن قبائل «هوازن» و «ثقيف» قد جمعت
جموعها فى وادى «حنين» بين «مكة» و «الطائف» لمحاربته؛
لظنهم أن ذلك الفتح وعلو شأن الرسول - صلى الله عليه وسلم -
خطر عليهم، ولا شك أنهم كانوا فى ذلك مخطئين، فالإسلام ليس
خطرًا عليهم ولا على غيرهم، بل هو رحمة وعدل وعزة وكرامة
لهم وللعرب وللعالم أجمع. أمر النبى - صلى الله عليه وسلم -
الجيش بالتأهب لمواجهتهم فى أوائل شهر شوال سنة 8هـ، وكان
يضم اثنى عشر ألفًا بعد أن انضم إلى جيش الفتح ألفان من أهل
«مكة»، واتجه به إلى وادى «حنين»، ففاجأتهم جموع «هوازن»
و «ثقيف» من مكامنها فى الأودية والجبال، وكادت تهزمهم، وفر
معظم المسلمين من هول المفاجأة، ولم يثبت مع النبى - صلى الله
عليه وسلم - إلا قلة قليلة من أهله وأصحابه، تقدر بنحو عشرة
رجال، وصاح النبى - صلى الله عليه وسلم - بالمسلمين «إلى أين
أيها الناس؟ إلىَّ أيها الناس، أنا النبى لا كذب أنا ابن
عبد المطلب»، وأمام ثبات النبى - صلى الله عليه وسلم - وشجاعته
عاد المسلمون وراءه، وتماسكوا من جديد، وحملوا على عدوهم
حملة صادقة، فهزموهم هزيمة شديدة، وقتلوا منهم عددًا كبيرًا،
وأسروا كذلك نحوًا من ستة آلاف، وغنموا غنائم كثيرة.(13/29)
*الخندق (غزوة)
إحدى الغزوات التى وقعت بين المسلمين وأحزاب المشركين سنة
(5 هـ = 672م) بعد غزوة أحد. وسُميت بهذا الاسم؛ لأن قريشًا
وغطفان وبنى سليم وبنى مرة تحزَّبوا وتجمعوا للقضاء على
الإسلام ودعوته بالمدينة المنورة. وقد قام اليهود من بنى النضير
بتحزيب هذه القبائل وتجميعها وتأليبها على المسلمين؛ إذ ذهب
وفد منهم على رأسه حُيى بن أخطب إلى قريش، وحرَّضهم على
غزو المسلمين، فاستجابوا للدعوة، ثم توجهوا إلى غطفان
فأغروهم بأن يكون لهم نصف ثمار بنى النضير ثم طافوا بقبائل
أخرى. وتمَّ الأمر لهم كما أرادوا؛ فقد تجمع جيش كبير قوامه
(10) آلاف مقاتل، أعدوا عدتهم للسير تجاه المدينة. وكان ذلك
فى شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة. علم الرسول - صلى
الله عليه وسلم - بهذه الأخبار المفزعة، فجمع كبار الصحابة
واستشارهم كيف يواجهون هذا الموقف، فأشاروا عليه بالتحصن
داخل «المدينة»؛ لأنهم استفادوا من درس «أحد»، وأخذوا يعدُّون
العدة لتحمل حصار طويل من الأعداء. وهنا جاءت فكرة رائعة من
«سلمان الفارسى» - رضى الله عنه - وهى حفر خندق فى الجهة
الشمالية الغربية من «المدينة»؛ لمنع اقتحام جيوش الأحزاب لها،
لأن بقية جهاتها الأخرى كانت محصنة بغابات من النخيل، يصعب
على الخيول اقتحامها. وتم حفر الخندق فى نحو أسبوع، وعمل
النبى - صلى الله عليه وسلم - بنفسه مع المسلمين فى حفره،
وبشرهم وهم فى هذا الموقف العصيب بفتح «الشام» و «العراق»
و «اليمن». جاءت قوات الأحزاب وهى واثقة لا بالنصر على
المسلمين فحسب، بل باستئصالهم، لكن المفاجأة أذهلتهم عندما
رأوا الخندق يحول بينهم وبين اقتحام المدينة، وظلوا أمامه
عاجزين، تأكل قلوبهم الحسرة، لأنهم لم يتعودوا مثل هذا
الأسلوب فى القتال، ولما حاول واحد منهم اقتحام الخندق لقى
حتفه فى الحال. وعلى الرغم من أن الخندق قد حمى المسلمين
من هجوم المشركين، فإن الكرب قد اشتد عليهم، وضاقوا بطول(13/30)
الحصار، وكانوا فى موقف عصيب بالغ الصعوبة، فالمشركون
من فوقهم يحيطون بالخندق، وبنو قريظة أسفل منهم قد نقضوا
العهد، والمنافقون فى المدينة يرجفون، ويخذلون الناس، واشتدَّ
الخوف، وعظُم البلاء، وزُلزل المسلمون زلزالاً شديدًا. وصفه الله -
تعالى - أدق وصف بقوله: {إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل
منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله
الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديداً
(الأحزاب:10 - 11) اجتهد النبى - صلى الله عليه وسلم - فى تفريج
الكرب عن المسلمين، فاتصل بقبائل «غطفان» وعرض عليها ثلث
ثمار «المدينة» على أن يعودوا إلى ديارهم ويتخلوا عن «قريش»
فوافقوا، وعرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا الأمر على
الأنصار، فسألوه إن كان هذا أمرًا من الله فليس لهم أن
يخالفوه، أما إذا كان اجتهادًا من أجلهم فلن يوافقوا عليه،
فأعلمهم أنه اجتهاد منه لمصلحتهم ولتفريق الأحزاب عنهم، فأبوا
وعزموا على مواصلة الجهاد والدفاع عن بلدهم، فأوقف النبى
- صلى الله عليه وسلم - المفاوضات مع «غطفان» نزولا على رأى
أصحابه. وفى هذه اللحظة لاحت فرصة عظيمة حيث جاء إلى
الرسول - صلى الله عليه وسلم - رجل من غطفان اسمه نعيم بن مسعود الأشجعى - وكان
قد أسلم وقدم مع الأحزاب دون أن يعلموا - يعرض عليه أن يأمره
بما يشاء للتخفيف عن المسلمين، فأمره الرسول - صلى الله عليه
وسلم - أن يفرق بينهم وبين «بنى قريظة»، الذين نقضوا عهدهم
مع النبى - صلى الله عليه وسلم - واتفقوا مع الأحزاب على
الانضمام إليهم حين تبدأ الحرب، وقد نجح «نُعيم» فى مسعاه
نجاحًا عظيمًا، وزرع الشكوك فى قلوب الأحزاب و «بنى قريظة»
تجاه بعضهم بعضًا وفرق كلمتهم، ثم أرسل الله ريحًا شديدة
قلعت خيام المشركين، وكفأت قدورهم، وانقلب الموقف كله
بفضل الله - تعالى - عليهم، وأدرك «أبو سفيان بن حرب» قائد
الأحزاب ألا فائدة من البقاء، فأمرهم بالرحيل فرحلوا، وقد علق(13/31)
الرسول - صلى الله عليه وسلم - على هذا الموقف بقوله: «الآن
نغزوهم ولا يغزوننا».أى أن قريشًا لن تستطيع مهاجمة
«المدينة» مرة أخرى؛ لأن ميزان القوى أصبح يميل مع
المسلمين.(13/32)
*الخندق (موقعة)
هى معركة جرت بين عبد الرحمن الناصرو ملك ليون قائد التحالف
النصرانى فى الأندلس عند باب قلعة «شنت منكش» (سيمانقة)
وكانت الحرب سجالا، ثم انكشف المسلمون انكشافًا لم يسمع
بمثله وردهم العدو إلى خندق عميق نسبت الموقعة إليه، وقد
تساقط فيه المسلمون حتى امتلأ بهم عن آخره وانكشف الناصر
واستولى العدو على محلاته وما فيها من عدة ومتاع وفقد
مصحفه الشريف ودرعه. وكان للخونة وعلى رأسهم «فرتون بن
محمد الطويل» أثره فى الهزيمة، وقد أعدمه الناصر جزاءً وفاقًا
لخيانته، كما كان لتولية قائد صقلبى أثره فى امتعاض العرب
وتأثيره على روحهم المعنوية أثناء القتال، وقد قتل ذلك القائد
فى المعركة، وأسر من كبار المسلمين «محمد بن هاشم
التجيبى» وبقى فى أسر ملك ليون مدة عامين حتى افتداه
الناصر بمبلغ كبير.(13/33)
*الخوارج (ثورات)
الخوارج لفظ يطلق على طائفة عقائدية سياسية، ظهرت فى
أواخر عصر الخلفاء الراشدين، وهى أولى الفرق الإسلامية. وقد
خرجوا على على بن أبى طالب، رضى الله عنه، وصحبه رافضين
التحكيم بينه وبين معاوية بن أبى سفيان. وانبثقت عنهم عدة
فرق - عُرف كل منها باسم خاص - بلغت اثنتين وعشرين فرقة،
ومن أهمها: الأزارقة والصفرية والنجدات. واشتهر الخوارج
بالتشدد فى العبادة، وكانوا يرون أن الخلافة حق لكل مسلم
مادام مستحقًّا لها، ومادامت شروطها متحققة فيه، كما اتفقوا
على تكفير عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب، رضى الله
عنهما، وأصحاب الجمل، وتكفير الحكمين، وكذلك معاوية بن
أبى سفيان، رضى الله عنه، وأصحابه. وقد أعلن الخوارج
الثورة على على ومعاوية وقاموا بثورات كثيرة، وتصاعدت
هذه الثورات منذ حربهم ضد على بن أبى طالب سنة (38 هـ =
658 م) بالنهروان، حتى تحولت إلى تحرك جماهيرى مسلح ضد
بنى أمية، حيث لجأ الخوارج إلى القوة واستخدام السيف فى
فرض أفكارهم وآرائهم على الناس، وأبدوا فى صراعهم الدموى
مع الدولة الأموية كثيرًا من ضروب الشجاعة والتضحية والإقدام
وكانت الأعداد القليلة منهم تهزم جيوشًا جرارة للدولة، ولو أن
شجاعتهم وبطولاتهم اتجهت اتجاهًا صحيحًا، ووحدوا جهودهم
مع الدولة الأموية فى مجال الفتوحات الإسلامية ومحاربة أعداء
الإسلام، لكان ذلك أجدى وأنفع، والعجيب أن أغلبهم لم يكونوا
من طلاب الدنيا، والتطلع إلى المال والمناصب، وإنما كانوا طلاب
آخرة، ولكنهم أخطئوا الطريق إليها، كما قال لهم «عمر بن
عبدالعزيز». أعلن الخوارج وبخاصة «الأزارقة» حربًا شعواء على
الدولة الأموية منذ قيامها، ولم تفلح معهم سياسة «معاوية بن
أبى سفيان» - رضى الله عنه - القائمة على التسامح وسعة
الأفق، فثاروا فى وجهه سنة (41هـ) - أى عام الجماعة - قبل أن
يغادر «الكوفة»، وكان أول من ثار عليه «عبدالله بن أبى(13/34)
الحوساء» فى مكان قريب من «الكوفة»، ثم ثار عليه «المستورد
بن عُلَّنة الطائى». وكان عجيبًا أن تشب هذه الثورات فى
«الكوفة» أيام واليها «المغيرة بن شعبة» الذى انتهج سياسة
متسامحة مع الناس كلهم، ولم يشأ أن يزيد فى آلام الناس فى
«العراق»، أو ينكأ جروحهم بعد الحروب الكثيرة التى عانوها
فى «الجمل» و «صفين». وكان حريا بالخوارج أن يركنوا إلى
الهدوء ويبتعدوا عن سياسة العنف إزاء سياسة التسامح التى
انتهجها «المغيرة»، لكنهم تمرَّدوا وثاروا، فاضطر «المغيرة»
إلى التصدى لهم والقضاء على ثوراتهم. ثم ازداد ضغط الدولة
عليهم منذ أن ولى «زياد بن أبى سفيان» ولاية «البصرة» سنة
(45هـ) فأخذ يتعقبهم فى «البصرة»، فى الوقت الذى يتعقبهم
فيه «المغيرة بن شعبة» فى «الكوفة»، حتى ضيَّقا عليهم
الخناق، وضربا عليهم بيد من حديد، حتى ضعفت شوكتهم.
وعلى الرغم من ذلك فقد استأنف الخوارج نشاطهم على نحو
أعنف بعد وفاة «معاوية» سنة (60هـ)، فأرسل إليهم «يزيد بن
معاوية» حملة بقيادة «عبيدالله بن زياد»، فتصدى لهم بقوة، ثم
ازدادت ثوراتهم بعد وفاة «يزيد» سنة (64هـ)، مستغلِّين فى ذلك
حالة الفوضى التى سادت «العراق»، ولما استقامت الأمور
للأمويين كلَّف «عبدُالملك بن مروان» «المهلب بن أبى صفرة»،
بمواجهة الخوارج، فاستطاع أن يكسر شوكتهم، ويخمد
أنفاسهم، فاستكانوا فترة طويلة تزيد على العشرين عامًا (78 -
100هـ)، لم تقم لهم ثورة خلالها، ثم عاودوا نشاطهم فى عهد
«عمر بن عبدالعزيز»، فاستعمل معهم أسلوب الحوار،
فاستجابوا له لمَّا أقنعهم بخطأ أفكارهم المتطرفة، ووعدوه
بالهدوء، لكنهم هبُّوا من جديد بعد وفاته سنة (101هـ)، ولم تهدأ
ثوراتهم التى استمرت حتى آخر أيام الدولة الأموية. وبلغت حركة
الخوارج أقصى درجات العنف فى عهد «مروان بن محمد» آخر
خليفة أموى (127 - 132هـ)، وقد شهد آخر ثورات الخوارج
وأشدها خطرًا، بقيادة «الضحاك بن قيس الشيبانى» فى(13/35)
«العراق»، و «أبى حمزة الخارجى» فى جنوبى الجزيرة العربية.(13/36)
*خيبر (غزوة)
وهى قرية كبيرة تقع شمالى شرقى «المدينة المنورة» بنحو
مائة وثمانين كيلو مترًا، يسكنها بعض اليهود الذين لم تبد منهم
أية إساءة إلى المسلمين من البداية، ولم يُسمع أن لهم ضلعًا فى
أية مؤامرة أو موقف من مواقف اليهود المخزية ضد الرسول
- صلى الله عليه وسلم - فاحترم الرسول موقفهم وحيادهم، غير
أنهم تبدلوا وتغيرت مواقفهم. منذ أن نزل عندهم يهود «بنى
قينقاع» و «بنى النضير»، فأفسدوهم وجعلوا بلدهم وكرًا للتآمر
على المسلمين والكيد لهم. ولما كانت «خيبر» تقع على الطريق
المؤدى إلى «الشام»، فكان لابد من تطهير ذلك الطريق من أية
عوائق، وبخاصة أنه الطريق الرئيسى للدعوة الإسلامية وللجيوش
الإسلامية التى ستخرج بعد وقت قصير لمواجهة دولة الروم، التى
تكرر اعتداؤها على المسلمين؛ لذلك قرر الرسول - صلى الله عليه
وسلم - تصفية آخر وكر يهودى فى شبه جزيرة العرب؛ لتسلم
قاعدة الإسلام الأساسية ومنطلقه إلى العالم من عدو ماكر، فبعد
عودته من «الحديبية» بأقل من شهر - أى فى المحرم من العام
السابع للهجرة - غزا «خيبر»، ودك حصونها، فاستسلمت، وكان
النبى - صلى الله عليه وسلم - كريمًا ورحيمًا مع أهلها، فلم
يجبرهم على الدخول فى الإسلام، ولم يطردهم من بلدهم، بل
أبقاهم يزرعون أرضهم، ولهم نصف محاصيلها، وللمسلمين
النصف الآخر.(13/37)
*ذات الصوارى (معركة بحرية)
أثار بروز الأسطول الإسلامى فى البحر المتوسط حفيظة
«قنسطانز الثانى» الإمبراطور البيزنطى، وجعله يفكر فى
القضاء على الأسطول الإسلامى وتحطيمه، قبل أن تكتمل قوته،
ويزداد خطره، وحتى تظل السيطرة على «البحر المتوسط»
للأسطول البيزنطى وحده دون غيره، فعبأ الإمبراطور قواته
البحرية كلها، واتجه بها قاصدًا سواحل الشام، وهو لا يراوده
شك فى قدرته على تدمير السفن الإسلامية؛ لحداثة نشأتها،
وقلة خبرة رجالها، لكن المسلمين استعدوا لهذا اللقاء جيدًا
وتعاون الأسطولان فى «مصر» والشام، لرد هذا العدوان،
وأسندت قيادتهما إلى «عبدالله بن سعد» والى «مصر». والتقى
الأسطولان الإسلامى والبيزنطى - الذى كان بقيادة الإمبراطور
نفسه - فى شرقى «البحر المتوسط»، جنوبى شاطئ «آسيا
الصغرى» (تركيا الحالية)، ودارت بينهما معركة بحرية كبيرة،
سُميت بمعركة «ذات الصوارى»، لكثرة السفن التى اشتركت من
الجانبين (خمسمائة سفينة من جانب الروم، مقابل مائتى سفينة
من جانب المسلمين) وانتهت المعركة بنصر عظيم للمسلمين،
وهزيمة ساحقة للأسطول البيزنطى، ونجاة الإمبراطور من القتل
بأعجوبة. ونتيجة لهذه الهزيمة لم يرجع الإمبراطور إلى عاصمة
«القسطنطينية» بعد المعركة، وإنما ذهب إلى «جزيرة صقلية»،
قبالة شاطئ «تونس»، فى محاولة منه لحماية ما تبقى من دولة
الروم فى «شمال إفريقيا»، لكنه قتل فى «صقلية» سنة (68هـ
= 688م).(13/38)
*الربض (ثورة)
هى ثورة عنيفة اشتعلت فى «قرطبة» فى أواخر عهد الحكم
الأول بن هشام المعروف بالربضى، وقدسميت بثورة الربض
بسبب كراهية «المولِّدين» للحاكم، وبغضهم له لصرامته وقسوته،
واتهامهم له بممارسة اللهو والشراب، والمبالغة فى فرض
الضرائب، وقد تأجج لهيب الثورة فى الربض الجنوبى المسمى
«شقندة» بصفة خاصة يوم (13 من رمضان 202هـ = 25 من مارس
818م) وتوجه الثوار إلى القصر، وتأهب الحكم ورجاله لردِّهم،
وقد نجحوا فى ذلك، ثم مالبث أن شقت قوات الحكم طريقها إلى
النهر، وعبرته إلى الضاحية الأخرى موطن الثائرين وأضرمت
النيران فى جوانبها، فأسرع الثوار إلى دورهم، لإطفاء النيران
وإنقاذ الأهل والعشيرة. وفى هذه اللحظة أحاط الجنود بالثوار،
وأوسعوهم قتلا ومطاردة ونهبوا دورهم، واستمرت هذه
المأساة ثلاثة أيام، فرَّ خلالها إلى طليطلة من استطاع، ثم
نودى بالأمان بعد أن هدأت الفتنة، ثم أصدر الحكم قرارًا بهدم
دور الثوار ولاسيما فى الضاحية التى شهدت ميلاد الثورة، فتم
محوها تمامًا، ثم أمر بإخراج الثائرين من قرطبة، فتفرقوا فى
الثغور، وعبر بعضهم إلى العدوة الأخرى بالمغرب، وهاجر
بعضهم إلى طليطلة وشمالى غربى الأندلس. كما ركب نحو (15)
ألفًا منهم سفنًا رست بهم فى ميناء الإسكندرية، حيث أقاموا
فيها، غير أن والى مصر «عبدالله بن طاهر» أجبرهم على
الرحيل، فتوجهوا إلى جزيرة «كريت» وفتحوها سنة (212هـ =
827م)، وأسسوا بها دولة زاهرة، بقيت هناك إلى أن استولى
عليها البيزنطيون سنة (350هـ = 961م).(13/39)
*الردة (حروب)
بدأت حركة الردة بالقبائل التى منعت الزكاة كعبس و «ذبيان»
و «غطفان» وغيرها، حيث أرسلت وفدًا إلى «المدينة»، يعرض
على «الصديق» مطالبهم، وأنهم لم يرفضوا الإسلام، ولكنهم
يرفضون دفع الزكاة لحكومة «المدينة»؛ لأنها فى ظنهم معرَّة،
ويعدُّونها إتاوة تدفع لأبى بكر، ولم تدرك تلك القبائل أثر
الزكاة فى التكافل الاجتماعى بين المسلمين. كان رأى فريق
من الصحابة وعلى رأسهم «عمر بن الخطاب» أن يستجيب «أبو
بكر» لتلك القبائل، ولا يجبرها على دفع الزكاة، وخاصة أن
«المدينة» مكشوفة، وليس بها قوة تحميها وتدافع عنها؛ لأن
جيش «أسامة» لما يعد بعد من شمالى بلاد العرب، لكن
«الصديق» لم يقتنع بهذا الرأى، ورد على «عمر بن الخطاب» ردا
جازمًا قائلا له: «والله لو منعونى عقالا -الحبل الذى يجرُّ به
الحمل - لجاهدتهم عليه». ولم يكن «الصديق» صاحب قرارات
صائبة فحسب، بل كان يقرنها بالعمل على تنفيذها، فلما رأى
الغدر فى عيون مانعى الزكاة أدرك أنهم سيهاجمون «المدينة»
على الفور؛ لأنهم عرفوا غياب معظم الرجال مع جيش «أسامة»،
وأعلن حالة الاستعداد للدفاع عن «المدينة» عقب عودة المانعين
إلى ديارهم، واتخذ مسجد رسول الله، مقرا لغرفة عمليات
عسكرية، وبات ليلته يُعد للمعركة ويستعد لها، وأمر عددًا من
كبار الصحابة بحراسة مداخل «المدينة»، على رأسهم «على بن
أبى طالب»، و «طلحة بن عبيدالله»، و «الزبير بن العوام»،
و «عبدالله بن مسعود» رضى الله عنهم. وحدث ما توقعه
«الصديق» فبعد ثلاثة أيام فقط هاجم مانعو الزكاة «المدينة»،
فوجدوا المسلمين فى انتظارهم، فهزمهم المسلمون وردوهم
على أعقابهم إلى «ذى القصة» - شرقى «المدينة». ثم تعقبهم
«الصديق» وألحق بهم هزيمة منكرة، وفرت فلولهم، وغنم
المسلمون منهم غنائم كثيرة، واتخذ «الصديق» من «ذى القصة»
مكانًا لإدارة المعركة ضد حركة الردة كلها، وفى هذه الأثناء(13/40)
جاءت الأخبار بوصول جيش «أسامة» سالمًا غانمًا، فأسرع
«الصديق» بنفسه لاستقبال قائد الجيش الشاب، الذى قام بهذه
المهمة الخطيرة خير قيام، وبعد أن احتفى به وهنأه على عمله،
أنابه عنه فى حكم «المدينة»، وعاد هو إلى «ذى القصة» ليدير
المعركة مع المرتدين بعزيمة لا تلين. أراد «أبو بكر الصديق» أن
يبصِّر المرتدين بخطورة ما أقدموا عليه، فواجههم مواجهة سلمية
بأن دعاهم إلى العودة بدون قتال إلى الإسلام، الذى أكرمهم
الله به، وأرسل إليهم كتابًا يقرأ على القبائل كلها؛ لعلهم
يعقلون، جاء فى أخره: «وإنى بعثت إليكم فلانًا فى جيش من
المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، وأمرته ألا يقاتل أحدًا
ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله، فمن استجاب له وأقرَّ
وكف وعمل صالحًا، قبل منه وأعانه عليه، ومن أبى أمرت أن
يقاتله على ذلك، ثم لا يبقى على أحدٍ منهم قدر عليه، .. ولا يقبل
من أحدٍ إلا الإسلام فمن اتبعه فهو خير له، ومن تركه فلن يعجز
الله، وقد أمرت رسولى أن يقرأ كتابى فى كل مجمع لكم،
والداعية الأذان، فإذا أذن المسلمون فأذَّنوا كفوا عنهم، وإن لم
يؤذنوا عاجلوهم ... ». وفى الوقت الذى كان يأمل فيه أن
يستجيب المرتدون، ويعودوا إلى دين الله دون قتال؛ كان يعد
أحد عشر جيشًا فى وقت واحد، تغطى المناطق التى ارتد أهلها
فى شبه جزيرة العرب، جاهزة للانطلاق إلى كل منطقة؛ ليشغل
كل قبيلة بالدفاع عن نفسها فى ديارها، ولا تأخذ فرصة للتجمع
والتكتل ضده، وكان هذا تصرفًا بارعًا وحكيمًا من «الصديق».
واختار «الصديق» لهذه الجيوش أمهر القادة وأكثرهم خبرة
بالقتال، وهم: «خالد بن الوليد»، سيف الله وعبقرى الحرب،
وأمره بقتال المرتدين من «بنى أسد» و «غطفان» وحلفائهم
بقيادة «طليحة بن خويلد» فى «بذاخة»، فإذا انتهى من مهمته
توجه لقتال المرتدين من «بنى تميم» فى «البطاح»، إلى الشرق
من ديار «بنى أسد». - و «عكرمة بن أبى جهل» وأردفه(13/41)
بشرحبيل بن حسنة، وأمرهما بالتوجه إلى «مسيلمة الكذاب»
ومن معه فى «اليمامة»، وأمرهما ألا يقاتلاه حتى يأمرهما
بذلك، لمعرفة «أبى بكر» بقوة جيش «مسيلمة»، وأنهما لن
يقدرا على هزيمته بسهولة، بل يشغلاه حتى يحين الوقت
المناسب لإرسال قوات أكبر؛ لمواجهة «بنى حنيفة» فى
جموعهم الكبيرة. - و «العلاء بن الحضرمى»، وأمره بقتال
المرتدين فى «البحرين» وما والاها. - و «حذيفة بن محصن»،
وأمره بقتال المرتدين فى «دبا» فى جنوبى شرقى شبه
الجزيرة. و «عرفجة بن هرثمة»، وأمره بقتال المرتدين فى
«مهرة» فى جنوبى شبه الجزيرة. و «المهاجر بن أبى أمية
المخزومى»، وأمره بقتال المرتدين فى جنوبى «اليمن».
و «سويد بن مقرن»، وأمره بقتال المرتدين فى «تهامة اليمن»
على ساحل «البحر الأحمر». - و «عمرو بن العاص»، وأمره بقتال
قبائل «قضاعة» فى الشمال. - و «معن بن حاجز» وأمره بقتال
المرتدين فى «هوازن» و «بنى سليم». و «خالد بن سعيد بن
العاص»، وأمره أن يعسكر فى «تيماء»، ولا يقاتل أحدًا إلا إذا
قوتل. لم يستجب المرتدون لدعوة «أبى بكر» السلمية، فبدأ
قادته ينفذون ما عهد إليهم من مهام، وخاض «خالدبن الوليد»
أول معارك الردة فى «بذاخة» ضد المرتدين من «غطفان» و «بنى
أسد» وحلفائهم ممن التفوا حول «طليحة بن خويلد الأسدى»
مدعى النبوة، وكان النصر حليف «خالد»، بعد أن ألحق بهم
هزيمة منكرة وغنم كثيرًا، وأرسل عددًا من زعمائهم أسرى إلى
الخليفة، وفر «طليحة»، وظهر كذبه، ويجدر بالذكرى أن
«طليحة» قد أسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه فى عهد «أبى بكر
الصديق»، واشترك فى الفتوحات الإسلامية فى «فارس»، فى
عهد «عمر بن الخطاب»، وكان له دور بارز فيها. وبعد ذلك توجه
«خالد بن الوليد» إلى «البطاح» فى «نجد» لقتال المرتدين من
«بنى تميم» بزعامة «مالك بن نويرة»، ونجح فى إلحاق الهزيمة
بهم، والقضاء على الردة فى بلادهم. وكان «أبو بكر» قد أرسل(13/42)
«عكرمة بن أبى جهل» و «شرحبيل بن حسنة» للوقوف فى وجه
«مسيلمة»، ولم يأمرهما بقتال؛ لكنهما تعجلا مخالفين أوامر
الخليفة، واشتبكا مع «مسيلمة» فى حرب لم يصمدا فيها، وعادا
منهزمين، ولعلهما أرادا أن يتشبها بخالد بن الوليد حتى يحوزا
أكاليل النصر، كما حازها هو. وما إن وصلت أنباء هزيمتهما
إلى «أبى بكر» حتى غضب غضبًا شديدًا، وطلب منهما ألا يعودا
إلى «المدينة»، وقرر فى الوقت نفسه أن يرسل «خالد بن
الوليد» إلى «اليمامة» للقضاء على فتنة «مسيلمة»، فهو أصلح
الناس لهذه المهمة. وكان «خالد» قد فرغ من القضاء على فتنة
المرتدين من «بنى أسد» و «غطفان» و «تميم»، فجاءته أوامر من
«أبى بكر» بالتوجه إلى «اليمامة» للقضاء على فتنة «مسيلمة
الكذاب». امتثل «خالد بن الوليد» لأوامر الخليفة، وسار فى
صحراء وعرة نحو ألف كيلو متر، حتى التقى بجيوش «مسيلمة» -
وكانت نحو أربعين ألفًا - فى مكان يسمى «عقرباء» فى حين
كانت قوات «خالد» تبلغ نحو ثلاثة عشر ألفًا، فيهم عدد كبير من
المهاجرين والأنصار، ودارت الحرب بين الفريقين، وكانت حربًا
شرسة، اشتدت وطأتها على المسلمين فى البداية، وكادوا
ينهزمون، لولا أن زأر «خالد» كالأسد الهصور، ونادى بأعلى
صوته «وامحمداه»، وكان شعار المسلمين فى المعركة،
فاشتعلت جذوة الإيمان فى القلوب، وهانت الحياة على النفوس،
وأقبل المسلمون على القتال دون خوف أو وجل، طمعًا فى
النصر أو الشهادة، وصبروا لأعداء الله حتى هزموهم هزيمة
منكرة، وقتلوا «مسيلمة» الكذاب مع نحو عشرين ألفًا من رجاله،
واستسلم من بقى من قواته أسرى للمسلمين، واستشهد من
المسلمين أكثر من ألف ومائتى رجل، منهم عدد كبير من القراء
وحفظة القرآن الكريم. وحين ترامت إلى المرتدين أخبار انتصارات
«خالد» وما فعله فى «بنى حنيفة»، وقر فى أذهانهم أن
المسلمين لا ينهزمون؛ ولذا كانت مهمة بقية القادة فى المناطق(13/43)
التى توجهوا إليها أقل صعوبة مما واجهه «خالد بن الوليد» فى
«اليمامة». وقبل أن يمضى عام على بدء حركة الردة كان «أبو
بكر الصديق» قد نجح فى القضاء عليها فى كل مكان، وعادت
شبه الجزيرة العربية موحدة دينيًا وسياسيًا تحت لواء المسلمين
وحكومتهم فى «المدينة» ما كانت فى آخر حياة الرسول - صلى
الله عليه وسلم -.(13/44)
*الزلاقة (معركة)
أشهر المعارك الحربية وأعظمها فى تاريخ المسلمين بالأندلس.
وقعت فى (رجب 479هـ = أكتوبر 1086م) عند سهل فسيح
تسميه المصادر العربية بالزلاقة أو ساكرا خاس ( Sac( صلى الله
عليه وسلم) ajas) شمالى بطليوس على الحدود الإسبانية
البرتغالية حاليًّا حيث جرت وقائعها بين المرابطين وألفونسو
السادس وحلفائه وكانوا ما بين أربعين إلى ثمانين ألفًا على
حين قدر الجيش الإسلامى بما بين عشرين إلى نحو خمسين ألفًا،
وكان يقود مقدمة جيش المسلمين المعتمد بن عباد، وعلى الميمنة
«المتوكل بن الأفطس» وتكونت الميسرة من أهل شرقى الأندلس،
أما المؤخرة فكانت من البربر بقيادة «داود بن عائشة»، وكان
أنجاد المرابطين من لمتونة وصنهاجة وغيرها بقيادة يوسف بن
تاشفين. لبث الجيشان ثلاثة أيام لايفصلهما سوى نهر، والرسل
تتردد بينهما، وقد أرسل «ابن تاشفين» إلى خصمه يدعوه إلى
الإسلام أو الجزية أو الحرب، فاستاء الملك النصرانى ورد بقوله:
«إنى ما كنت أتوقع أن يصل الحد بالمسلمين الذين كانوا
يعطوننى الجزية منذ سنين أن يعرضوا على مثل هذه الاقتراحات
الجارحة ومع هذا فإن لدى جيشًا فى استطاعته أن ينزل
العقوبة على هذه الوقاحة البالغة من الأعداء» ولم يكن جواب
«يوسف» على أكثر من هذه العبارة» الذى يكون ستراه «. جرت
اتصالات تهدف إلى تحديد موعد المعركة، وحاول «ألفونسو»
خديعة المسلمين، فأرسل إليهم يوم الخميس يخبرهم أن المعركة
ستكون يوم الإثنين، لكن المعتمد بن عباد أدرك خديعته، وقد
أخبرته طلائعه بما فى معسكر العدو من حركة وجلبة سلاح،
رغم أن الوقت المتفق عليه لبدء القتال لم يكن قد حان بعد.
فتوقع المسلمون أن يبدأ ألفونسو الحرب صباح يوم الجمعة،
وبالفعل تحقق ما توقعه المسلمون، وهجم ألفونسو بجيشه،
ودارت المعركة. ففى أوائل (رمضان 480هـ = ديسمبر 1087م)
بدأ القتال فى الصباح الباكر واشتد لهيب المعركة وهاجم(13/45)
النصارى بعنف مقدمة «المعتمد بن عباد» ونجح فى ردها عن
مواقعها واختل نظامها وارتد معظمها إلى بطليوس ولم يثبت إلا
الإشبيليون وابن عباد الذى كان مثالا للشجاعة والإقدام حيث
صمد للعدو، وقاوم هجماته العنيفة رغم جرحه الذى فى وجهه
ويده، وهجم «ألفونسو» على مقدمة المرابطين التى يقودها
«داود بن عائشة» وردها عن مواقعها، وفى اللحظة المناسبة
دفع ابن تاشفين بقوات البربر إلى نجدة الأندلسيين والمرابطين،
ونفذت قواته إلى قلب النصارى بكل قوة، وسرعان ما تغير وجه
المعركة، لأن يوسف هاجم عدوه من الخلف مباغتة وهذا شجع
الفارين فعادوا ونظموا صفوفهم، وشدوا من أزر المعتمد، ورغم
أن «ألفونسو» كان قد وصل إلى خيام المرابطين، فإن ابن
تاشفين تقدم على رأس من معه من قوات وتجاوز جموع النصارى
وقصد إلى معسكرهم نفسه وهاجمه بشده وفتك بحراسته، ثم
وثب إلى مؤخرة القشتاليين النصارى، وأثخن فيهم قتلاً وطبوله
تضرب فتشق أجواز الفضاء، ثم أضرم النار فى معسكر الأعداء.
اضطر «ألفونسو» أن يستدير لينقذ معسكره؛ لكنه اصطدم
بالمرابطين ولم يصل إلى محلته إلا بعد خسائر فادحة، وكان
«يوسف» أثناء القتال يجول على صهوة جواده بين المحاربين
يهيب بهم «أن تشجعوا أيها المسلمون، أعداء الله أمامكم
والجنة تننتظركم، وطوبى لمن أحرز الشهادة». وكان سماع
النصارى لدوى الطبول ووقوف المسلمين يقاتلون فى صفوف
متراصة ثابتة من العوامل المساعدة على انتصار المسلمين
وإلحاقهم الهزيمة بصفوف عدوهم، وقد دفع «ابن تاشفين»
بحرسه الأسود البالغ عدده نحو أربعة آلاف إلى قلب المعركة
فى الوقت المناسب، وتمكن واحد منهم من الوصول إلى
«ألفونسو» وطعنه فى فخذه، الأمر الذى اضطره إلى الاعتصام
بتل قريب حتى جن الليل ثم هرب فى نحو خمسمائة فارس
معظمهم من الجرحى ووصل إلى طليطلة منهم مائة فقط. أمضى
المسلمون الليل يرقبون حركات النصارى وفى اليوم التالى طارد(13/46)
الفرسان الفارين، وجمعت الأسلاب الهائلة. وقد استبشر
المسلمون فى شبه الجزيرة بهذا النصر العظيم غير أن وصول نبأ
وفاة الأمير أبى بكر بن يوسف بن تاشفين كدر صفو النصر،
وجعل «ابن تاشفين» يقرر العودة إلى بلاد المغرب ومعه عامة
الجند، وترك تحت إمرة المعتمد جيشًا من المرابطين مؤلفًا من
ثلاثة آلاف جندى. بعد أن نجح «يوسف» بما حققه من نصر مؤزر
فى إعادة روح الثقة والأمل إلى نفوس المسلمين بالأندلس. ومن
نتائج تلك المعركة توقف المد النصرانى على حدود الأندلس لمدة
أربعة قرون؛ إذ حكم المرابطون ثم الموحدون الأندلس.(13/47)
*زيد بن على بن الحسين (ثورة)
مضت فترة امتدت إلى أكثر من نصف قرن، منذ مصرع «المختار
الثقفى» سنة (67هـ)، دون أن يقوم الشيعة بأية ثورة ضد الدولة
الأموية، بسبب الضربات المتلاحقة التى حاقت بهم، وافتقارهم
إلى الزعامة القوية التى تقودهم، لأن «على بن الحسين» - وهو
الوحيد الذى نجا من مذبحة «كربلاء» - كان عازفًا عن الاشتغال
بالسياسة، محبا للعلم متفرغًا للعبادة، غير أن ابنه «زيد بن
على» - وكان عالمًا فاضلا - حدَّثته نفسه بالخلافة، ورأى أنه
أهل لها، وعرف أهل «الكوفة» منه ذلك، فزيَّنوا له الثورة على
«بنى أمية»، وقالوا له: «إنا لنرجو أن تكون المنصور، وأن
يكون هذا الزمان الذى يهلك فيه بنو أمية». تشكك «زيد بن
على» فى صدق نيتهم، وقوة عزيمتهم، وقال لهم: «إنى أخاف
أن تخذلونى وتسلمونى كفعلتكم بأبى وجدى»، لكنه استجاب
لهم على الرغم من تحذير أهله وأولاد عمومته من غدر أهل
«الكوفة». انخدع «زيد بن على» بأهل «الكوفة» وأعلن الثورة
على «هشام ابن عبدالملك» سنة (121هـ)، فتكررت أحداث قصة
جده «الحسين»، وأعاد التاريخ نفسه، فلم يتساهل الخليفة
«هشام» مع ثورة تريد نقض ملكه والإطاحة بدولته، على الرغم
من كراهيته لسفك الدماء، فأمر واليه على «الكوفة» «يوسف بن
عمر الثقفى» فتصدَّى لزيد بن على الذى انفض عنه شيعته،
وأسلموه إلى عدوه، كما أسلم أسلافهم جدَّه «الحسين»، ولم
يبقَ معه فى اللحظات الحرجة من بين خمسة عشر ألفًا بايعوه
وعاهدوه على النصرة، إلا نحو مائتى رجل، فاستطاع «يوسف
بن عمر» أن يقضى فى سهولة ويسر على تلك الثورة، وقتل
«زيد بن على» فى صفر سنة (122هـ).(13/48)
*السند (فتح)
عزم «الحجاج» على فتح إقليم «السند»، بعد أن استقرت أحوال
الدولة الأموية، فأسند هذه المهمة إلى «محمد بن القاسم» وكان
دون العشرين من عمره، وجهَّزه بما يكفل له النجاح من عدة
وعتاد، وأمدَّه بستة آلاف جندى من أهل الشام، بالإضافة إلى ما
كان معه من الجنود، فأصبح تحت قيادته نحو عشرين ألفًا فى
تقدير بعض المؤرخين. اتخذ «محمد بن القاسم» من مقاطعة
«مهران» فى جنوبى «فارس» قاعدة للفتح ونقطة انطلاق،
فقسَّم جيشه نصفين، أحدهما برِّى والآخر بحرى، ثم تحرك
قاصدًا مدينة «الديبُل» - وهى تقع قريبًا من «كراتشى» الحالية
فى «باكستان» - وفتح فى طريقه إليها «فنزبول»،
و «أرمائيل»، ثم وافته السفن التى كانت تحمل الرجال والعتاد،
فحاصر «الديبل» واستولى عليها بعد قتال دام ثلاثة أيام، وترك
فيها حامية من أربعة آلاف رجل، وبنى لهم مسجدًا. وكان لفتح
المسلمين مدينة «الديبل» أثر كبير فى أهل «السند»، فسارعوا
يطلبون الصلح فصالحهم «محمد بن القاسم» ورفق بهم، ثم سار
إلى «البيرون» - «حيدر آباد السند» حاليا - فتلقاه أهلها
وصالحوه كذلك، وكان لا يمر بمدينة إلا فتحها صلحًا أو عَنوة،
وتوَّج ذلك كله بالانتصار على «داهر» ملك «السند»، ومضى
يستكمل فتحه، فاستولى على حصن «راوَدْ»، ثم «برهماناباذ»،
و «الرور» و «بهرور»، ثم اجتاز نهر «بياس» وعبر إلى إقليم
«الملتان»، فاستولى عليه بعد قتال شديد، وغنم كميات كبيرة
من الذهب. وبينما يواصل «محمد بن القاسم» فتوحاته؛ إذ جاءته
الأخبار بوفاة «الحجاج» سنده وعونه فى الفتح، فاغتم لذلك
غما شديدًا؛ لكنه واصل فتوحاته حتى أتم فتح بلاد «السند»،
وجاءته قبائل «الميد» و «الجات» و «الزط» تقرع الأجراس فرحة
هاتفة، مرحبة به، لأنهم عدُّوه محررهم من ظلم الهندوس
واستعبادهم. وفى هذه الأثناء مات الخليفة «الوليد بن عبدالملك»
سنة (96هـ)، وتولَّى أخوه «سليمان بن عبدالملك» منصب(13/49)
الخلافة، فعيَّن على «العراق» «صالح بن عبدالرحمن»، وكان
واحدًا من ألد خصوم «الحجاج»، فقرر الانتقام منه على الرغم من
وفاته سنة (95هـ)، فى شخص ابن عمه «محمد بن القاسم»،
فعزله عن قيادة الجيش، ولم يكتفِ بذلك، بل أمر بالقبض عليه
ووضعه فى السجن، وظل يعذبه حتى مات.(13/50)
*شذونة (معركة)
علم «لذريق» ملك القوط بمجىء القوات الإسلامية إلى الأندلس
بقيادة طارق بن زياد، وهو مشغول بمحاربة أعدائه فى شمالى
شبه الجزيرة، فأصيب بهلع ورعب عظيمين، وجمع جنوده
وانحدر بهم لمواجهة المسلمين، ووصلت أنباء تلك الحشود
الضخمة إلى «طارق بن زياد»، فكتب إلى «موسى بن نصير»
يخبره بذلك، فأمده بخمسة آلاف جندى صار بهم مجموع جنود
المسلمين بالأندلس (21) ألف جندى. وصل «لذريق» إلى بلدة
«شذونة» وأتم بها استعداداته، ثم اتجه للقاء المسلمين ودارت
بين الفريقين معركة فاصلة فى كورة «شذونة» جنوب غربى
إسبانيا، استمرت ثمانية أيام من (الأحد 82 من رمضان إلى الأحد
5 من شوال سنة 29هـ = 91 - 62 يوليو 117م)، وكانت معركة
هائلة، اقتتل فيها الطرفان اقتتالا شديدًا حتى ظنوا أنه الفناء،
وكان النصر فى النهاية حليف المسلمين، وفر «لذريق» من أرض
المعركة، وتبعه المسلمون حتى أدركوه وقتلوه بالقرب من بلدة
«لورقة».(13/51)
*الشام (فتح)
كان «خالد بن سعيد بن العاص»، أحد قادة حروب الردة،
معسكرًا بقواته فى «تيماء» شمالى «الحجاز» بأمر من الخليفة
الذى ألزمه بألا يقاتل أحدًا إلا إذا قوتل، وقصد الخليفة بذلك أن
يكون هذا الجيش احتياطيًا، يمد -عند الضرورة - القوات المحاربة
فى جهات أخرى، وأن يراقب تحركات الروم؛ لأنه كان على
يقين أنهم سوف يستغلون فرصة انشغاله بحروب الردة، ويكرروا
عدوانهم. وحدث ما توقعه «أبو بكر الصديق»، فقد هجم الروم
على جيش «خالد»، ومعهم القبائل العربية القاطنة فى الشام،
وألحقوا به هزيمة قاسية، وقتلوا معظم جنوده، واستشهد ابنه
فى المعركة، فلما وصلت أخبار الهزيمة إلى الخليفة «أبى بكر»
جمع كبار الصحابة لدراسة الموقف، فاستقر رأيهم على ضرورة
صد العدوان، وشرع «أبو بكر» فى حشد أربعة جيوش لتحقيق
ذلك: - جيش بقيادة «أبى عبيدة بن الجراح» وجهه إلى «حمص»
شمالى الشام. - وجيش بقيادة «يزيد بن أبى سفيان»، ووجهه
إلى «دمشق» فى وسط الشام. - وجيش بقيادة «شرحبيل بن
حسنة»، ووجهه إلى «الأردن». - وجيش بقيادة «عمرو بن
العاص»، ووجهه إلى «فلسطين». وقال «أبو بكر» لقادة
جيوشه: إذا عملتم منفردين، فكل واحد منكم أمير على من معه
من قوات - وكان مع كل واحد منهم نحو ثمانية آلاف جندى - ثم
أمير على المنطقة التى يفتحها، أما إذا ألجأتكم الظروف إلى
الاجتماع فى مكان واحد، فالقائد العام «أبو عبيدة بن الجراح»
تحرك القادة الأربعة بجيوشهم، فلما دخلوا جنوبى الشام، وجدوا
جيشًا روميا، قوامه نحو (250) ألف جندى، بقيادة «تذراق»
أخى «هرقل»، يساندهم نحو ستين ألفًا من العرب - تقريبًا -
بقيادة «جبلة بن الأيهم الغسانى»، فلم يستطيعوا الالتحام مع
هذه الجموع الحاشدة، فدارت بينهم مراسلات تجمعوا بعدها فى
وادى «اليرموك»، تحت قيادة «أبى عبيدة بن الجراح». لكن
تجمعهم لم يؤدِ إلى تحريك للموقف ضد الروم، فأخبروا الخليفة(13/52)
«أبا بكر» بما هم فيه، وطلبوا المدد منه، فرأى أنه لن ينقذ
الموقف فى الشام سوى «خالد بن الوليد»، وقال عبارته
المشهورة: «والله لأُنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن
الوليد»، ثم كتب رسالة إليه: «أما بعد فإذا جاءك كتابى هذا،
فدع العراق، وخلف فيه أهله الذين قدمت عليهم وهم فيه وامضِ
متخففًا فى أهل القوة من أصحابك الذين قدموا العراق معك من
اليمامة، وصحبوك من الطريق، وقدموا عليك من الحجاز، حتى
تأتى الشام، فتلقى أبا عبيدة بن الجراح ومن معه من المسلمين،
فإذا التقيتم فأنت أمير الجماعة والسلام عليك». امتثل «خالد»
لأوامر الخليفة، وسار من «العراق» فى سبعة آلاف جندى فى
واحدة من أجرأ المسيرات العسكرية فى التاريخ وأكثرها خطرًا،
حيث قطعوا أكثر من ألف كيلو متر فى ثمانية عشر يومًا، فى
صحراء قاحلة مهلكة، حتى وصلوا إلى «وادى اليرموك» فتسلم
«خالد بن الوليد» القيادة من «أبى عبيدة» وخاض معركة مع
الروم تُعد من أعظم المعارك وأبعدها أثرًا فى حركة الفتح
الإسلامى، وسحق جيش الروم الذى كان يعد يومئذٍ أقوى جيوش
العالم. بعد تولى «عمر بن الخطاب» الخلافة عزل «خالد بن
الوليد» من قيادة جيوش الشام، وأعاد «أبا عبيدة بن الجراح»
إليها، وجعل «خالداً» تحت قيادته، وقد قبل القائد البطل هذا
التعديل دون تذمر، لأنه كان جنديًا يعمل للإسلام لا لمجده
الشخصى، وإذا كان قد احتل المكان الأعلى بين قادة الفتوحات
ببطولاته وانتصاراته، فإنه اعتلى ذروة أعلى بقبوله العزل،
وضرب أروع الأمثلة فى الانضباط والطاعة، وتلك أهم صفات
القادة العظام. وكانت تعليمات «عمر» لأبى عبيدة بعد
«اليرموك»، أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه من قبل فى مطلع
فتح الشام، حين رتب ذلك «أبو بكر الصديق»، فيسير «أبو
عبيدة» ومعه «خالد بن الوليد» إلى «حمص»، و «يزيد بن أبى
سفيان» إلى «دمشق»، و «شرحبيل بن حسنة» إلى «الأردن»،(13/53)
و «عمرو بن العاص» إلى «فلسطين»، وكل قائد يكون أميرًا
على منطقته التى يفتحها، على أن يكون ذلك بعد أن يشتركوا
جميعًا فى فتح «دمشق». وبعد أن نجح القادة جميعهم فى فتح
«دمشق» وأعطوا أهلها معاهدة صلح بقى «يزيد بن أبى
سفيان» أميرًا عليها، فى حين اتجه القادة الباقون إلى
مناطقهم، وفى خلال عامين فقط تم فتح الشام كله. وفى سنة
(15 هـ) جاء «عمر ابن الخطاب» إلى «فلسطين»؛ ليتسلم مفاتيح
«بيت المقدس» من البطريرك «صفرونيوس»، وأعطى معاهدة
لأهلها هى آية فى التسامح والعدل، أمنهم على عقائدهم
وأموالهم وأنفسهم، وأخذت منهم نظير ذلك الجزية لرفضهم
الدخول فى الإسلام. وقد رفض «عمر بن الخطاب» أن يصلى فى
«كنيسة القيامة»، معللا ذلك بخوفه أن يأتى من المسلمين من
يقول: لقد صلى «عمر» فى الكنيسة فهى من حقنا، وهذا ظلم
للمعاهدين لا يقره عمر.(13/54)
*شمال أفريقيا (فتح)
لما ولى «عبدالله بن سعد بن أبى السرح» ولاية «مصر» من قبل
«عثمان بن عفان»؛ كتب إليه أن الروم الذين لا يزالون يسيطرون
على «شمال إفريقيا» يغيرون على حدود «مصر» الغربية، ولابد
من مواجهتهم قبل أن يتجرءوا ويهاجموا «مصر» نفسها، فاقتنع
«عثمان» بعد أن استشار كبار الصحابة، وأذن له بتجريد حملات
عسكرية لردعهم وكف عدوانهم، كما أرسل إليه جيشًا من
«المدينة» مددًا، يضم عددًا من الصحابة كابن عباس، و «عبد الله
بن الزبير» رضى الله عنهما. وفى سنة (27هـ = 647م) انطلق
جيش المسلمين بقيادة «عبدالله بن سعد»، وتوغل غربًا حتى
وصل إلى «قرطاجنة» عاصمة إقليم «تونس» فى ذلك الوقت،
ودارت عدة معارك بين المسلمين وبين ملكها «جريجوار»
أو «جرجير» كما تسميه المصادر العربية، انتهت بانتصارالمسلمين
وقتل الملك «جريجوار» على يد «عبدالله بن الزبير». ولم تكن
تلك الحملة تهدف إلى الاستقرار، بل إلى ردع العدوان، ولذا
اكتفى «عبدالله بن سعد» بعقد معاهدات صلح مع زعماء تلك
البلاد تعهدوا فيها بدفع مبلغ كبير. وصل المسلمون فى أواخر
خلافة «عثمان» إلى «تونس» الحالية، لكنهم لم يواصلوا
فتوحاتهم بسبب الفتن التى استمرت حتى نهاية خلافة «على بن
أبى طالب» (36 - 40هـ)، فلما استتب الأمر لمعاوية سنة (41هـ)،
كانت جبهة «شمالى إفريقيا» أولى الجبهات التى اهتم بها،
لأنها كانت تخضع لنفوذ الدولة البيزنطية التى عزم على تضييق
الخناق عليها، فأرسل سنة (41هـ) حملة إلى «شمالى إفريقيا»
بقيادة «معاوية بن حديج»، ثم أرسله على رأس حملة أخرى
سنة (45هـ)، فاستطاع أن يفتح العديد من البلاد، مثل «جلولاء»
و «سوسة». أسند «معاوية بن أبى سفيان» قيادة الجيش الفاتح
إلى «عُقبة بن نافع»، وهو واحد من كبار القادة الذين لمعت
أسماؤهم فى الفتوحات الإسلامية فى العصر الأموى، ولم يكن
«عُقبة» جديدًا على الميدان، فقد شارك فى فتح تلك البلاد منذ(13/55)
أيام «عمرو»، واكتسب خبرة كبيرة، فواصل فتوحاته فى هذه
الجبهة. ولما رأى «عقبة» اتساع الميدان، وبعد خطوط مواصلاته
عن قواعده فى «مصر»، شرع فى بناء مدينة تكون قاعدة
للجيش، ومركزًا لانطلاقاته وإمداداته، فبنى مدينة «القيروان»
(50 - 55هـ) بإذن من «معاوية»، وكان لهذه المدينة شأن عظيم
فى الفتوحات وفى الحركة العلمية، وأثناء تأسيسها كان
«عقبة» يرسل السرايا للفتح، ويدعو الناس إلى الإسلام، فدخل
كثير من «البربر» -سكان البلاد- فى الإسلام. ظل «عقبة بن
نافع» يواصل فتوحاته ونشر الإسلام حتى عزله «معاوية» وولَّى
مكانه قائدًا آخر، لا يقل عنه شجاعة وإقدامًا، وحبا للجهاد فى
سبيل الله، هو «أبو المهاجر دينار»، وكان يتمتع إلى جانب
مهارته العسكرية بقدر من الكياسة وحسن التصرف والفطنة، فقد
أدرك أن «البربر» سكان الشمال الإفريقى قوم أشداء، يعتدُّون
بكرامتهم ويحرصون على حريتهم كالعرب تمامًا، وأن سياسة
اللين والتسامح قد تجدى معهم أكثر من سياسة الشدة. وقد
نجحت سياسة «أبى المهاجر» فى اجتذاب البربر إلى الإسلام،
وبخاصة عندما أظهر تسامحًا كبيرًا مع زعيمهم «كسيلة بن
لمزم»، وعامله فى إجلال وإكرام، فأسلم الرجل متأثرًا بتلك
المعاملة، وأسلم بإسلامه طائفة كبيرة من قومه. وفى مقابل
تلك السياسة المتسامحة مع «البربر» كان «عقبة» حازمًا فى
تعامله مع الدولة البيزنطية التى حاولت أن تحتفظ بالشمال
الإفريقى بعد أن فقدت «مصر» والشام، لكنها لم تنجح، فقد
حقق «أبو المهاجر» نصرًا عسكريا عليها، مكَّنه من السير إلى
الغرب، فاتحًا معظم «المغرب الأوسط» - الجزائر الحالية - ووصل
إلى «تلمسان». أعاد الخليفة «يزيدُ بن معاوية» «عقبةَ بن نافع»
مرة أخرى إلى «شمالى إفريقيا»، فواصل جهود «أبى
المهاجر»، وقام بحملته التى اخترق بها الساحل كله فى شجاعة
وجرأة حتى بلغ شاطئ «المحيط الأطلسى»، وأوطأ أقدام(13/56)
فرسه فى مياهه، وقال قولته المشهورة: «اللهم اشهد أنى قد
بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت فى البلاد، أقاتل من كفر
بك حتى لا يعبد أحدًا دونك». وفى أثناء عودة «عقبة» من
غزوته المظفرة تعرض لكمين نصبه له البيزنطيون بمساعدة
«كسيلة» زعيم «البربر»، الذى كان «عقبة» قد أهانه، فبينما
هو يسير فى عدد قليل من جنوده يبلغ زهاء ثلاثمائة جندى
انقضت القوات البيزنطية عليه وعلى من معه عند بلدة تهودة
فاستشهدوا جميعًا سنة (63هـ). ومما أسهم فى وقوع الكارثة
أن «عقبة» قد وقع فى خطأ عسكرى كبير، إذ سرَّح معظم
جيشه، وأمرهم بالسير أمامه، فابتعد عنه لمسافة طويلة، مما
جعل الجيش البيزنطى ينفرد به ويهزمه هزيمة ثقيلة أضاعت كل
الجهود التى بذلها المسلمون فى فتح تلك البلاد، واضطر
المسلمون إلى الارتداد إلى الخلف، ولم يستطيعوا الاحتفاظ
بالقيروان، وعادوا إلى «برقة». تسلَّم «زهير بن قيس البلوى»
قيادة الجيش خلفًا لعقبة بن نافع سنة (63هـ)، وعزم على الثأر
من البيزنطيين و «البربر»، لكنه لم يستطع أن يحقق هدفه إلا فى
سنة (69هـ)، نظرًا لانشغال الدولة الأموية بالأحداث والفتن
الخطيرة التى حدثت فى الداخل بعد وفاة «يزيد بن معاوية» سنة
(64هـ). تحرّك «زهير» بجيش كبير وزحف على «القيروان» سنة
(69هـ)، والتقى على مقربة منها بجيش «كسيلة»، فهزم «البربر»
هزيمة ساحقة بعد معركة شديدة وفى أثناء عودته إلى «برقة»
للدفاع عنها - بعد ما نمى إلى علمه أن البيزنطيين زحفوا عليها
فى جموع عظيمة - تعرض لهجوم بيزنطى مفاجئ، فلقى حتفه
هو ومن معه. وصلت أخبار استشهاد «زهير» ومن معه إلى
الخليفة «عبدالملك بن مروان» وهو مشغول بصراعه مع الخوارج
والشيعة وآل الزبير، فلم يتمكن من القيام بعمل حاسم إلا بعد أن
استقرت له الأوضاع، فأسند قيادة جبهة الشمال الإفريقى إلى
«حسان بن النعمان» وأمده بجيش كبير من «مصر» والشام، بلغ(13/57)
عدده نحو أربعين ألف جندى. واستطاع «حسان» بعد جهد جهيد
القضاء على الوجود البيزنطى فى الشمال الإفريقى، وأن يحطم
مدينة «قرطاجنة» أكبر مركز بيزنطى، وأن يبنى محلها مدينة
«تونس» الحالية، كما قضى على كل مقاومة للبربر، بعد أن
حقق نصرًا هائلا على زعيمتهم الكاهنة التى آلت إليها الزعامة
بعد مقتل «كسيلة»، ونعم المسلمون بأولى فترات الاستقرار فى
«المغرب». ولم يكن «حسان بن النعمان» قائدًا عسكريا عظيمًا
فحسب، بل كان رجل دولة وتنظيم وإدارة أيضًا، فأنشأ
الدواوين، ورتَّب أمور الخراج والجزية، ووطَّد سلطان الحكم
الجديد فى الثغور والنواحى، وجدد مدينة «القيروان»، وأنشأ
بها المسجد الجامع، ووضع سياسات مستقبلية انتهت بأهل
الشمال الإفريقى كله إلى اعتناق الإسلام. حلّ «موسى بن
نصير» سنة (85هـ) محل «حسان بن النعمان» فى ولاية شمالى
إفريقيا وقيادة جيوش الفتح بها، فأكمل ما بدأه سابقوه من
القادة العظام، وقدِّر له أن يجنى ثمار غرسهم، ففى ولايته تم
فتح «المغرب» كله، وأقبل أبناؤه على اعتناق الإسلام فى
حرية تامة، بعدما أدركوا وفهموا ما يحمله من عزة وكرامة
وحرية وعدل ومساواة.(13/58)
*صفين (معركة)
بعد معركة «الجمل» توجه «على ابن أبى طالب» بجيش يبلغ
عدده نحو مائة ألف إلى «صفين»، واستعد «معاوية» لمقابلته
بجيش يقاربه فى العدد، ودارت بينهما معركة شرسة فى شهر
صفر سنة (37هـ) قُتِل فيها من الجانبين نحو سبعين ألفًا، خمسة
وعشرين ألفًا من جيش «على»، وخمسة وأربعين ألفًا من جيش
«معاوية»، ولما رأى الناس كثرة القتلى من الجانبين تنادوا
يطلبون وقف القتال، فجعل أهل «العراق» (جيش «على»)
يصيحون فى أهل الشام (جيش «معاوية») قائلين: من لثغور
«العراق» إن فنى أهل «العراق». ويرد الآخرون: من لثغور الشام
إن فنى أهل الشام. ومن هنا جاءت فكرة التحكيم. رفع جيش
«معاوية» المصاحف للاحتكام إليها، ووقف القتال فورًا، بدلا من
سفك الدماء، وكانت فكرة التحكيم من عند «عمرو بن العاص»،
وقد قبلها الطرفان، وأوقفت الحرب، بعد أن فزع الناس لكثرة
عدد القتلى. أوقفت الحرب، وطلب من «على» و «معاوية» أن
ينيب كل منهما شخصًا يتفاوض باسمه، للفصل فى القضايا محل
الخلاف، فأناب «معاوية» «عمرو بن العاص»، وأناب «على»
«أبا موسى الأشعرى»(13/59)
*الطائف (غزوة)
بعد هزيمة «هوازن» و «ثقيف» فى وادى «حُنين». فرت فلولهم
وتحصنت بالطائف فحاصرهم النبى - صلى الله عليه وسلم - نحوًا
من ثلاثة أسابيع، وكانت حصونهم قوية، وأخذوا فى قذف
المسلمين بالنبال فآذوهم، فاضطر النبى أن يتراجع بقواته بعيدًا
عن مرمى النبال، ثم استشار أصحابه ماذا يفعل معهم، فقالوا
له: «يارسول الله هم كضب فى جحر إن أقمت عليه أخذته وإن
تركته فلن يضرك»، أى أنهم بعد فتح «مكة» وبعد هزيمتهم فى
وادى «حنين» لن يستطيعوا الصمود فى وجهك، وهم
مستسلمون لا محالة إن أطلت الحصار، وإن رفعته عنهم
فسيقدمون عليك من تلقاء أنفسهم، فاقتنع الرسول - صلى الله
عليه وسلم - بهذا الرأى، ورفع عنهم الحصار، ورفض أن يدعو
عليهم عندما طلب منه ذلك بعض الصحابة، بل قال: «اللهم اهدِ
ثقيفًا وأتِ بهم». وبعد أقل من عام جاءت وفودهم إلى الرسول
- صلى الله عليه وسلم - فى «المدينة»، وأعلنوا إسلامهم، فى
رمضان سنة 9هـ، وعين الرسول - صلى الله عليه وسلم - «عثمان
بن العاص الثقفى» واليًا عليهم.(13/60)
*العراق (فتح)
فى أثناء حروب الردة طارد «المثنى بن حارثة» - أحد قادة
المسلمين - المرتدين إلى الشمال، على الساحل الغربى للخليج
العربى، فلما وصل إلى حدود «العراق» تكاثرت عليه قوات
الفرس، بعد أن رأوا فشل عملائهم من المرتدين فى القضاء على
الإسلام فألقوا بثقلهم فى المعارك ضد المسلمين ولما رأى
«المثنى» أنه غير قادر بمن معه على مواجهة القوات الفارسية،
أرسل إلى الخليفة يشرح له الموقف، ويطلب منه المدد، فأدرك
الخليفة خطورة الموقف، ورأى أن يردع الفرس ويرد عدوانهم،
فرماهم بخالد بن الوليد أعظم قواده، وأردفه بعياض بن غنم.
وفى المحرم من العام الثانى عشر من الهجرة تحرك «خالد بن
الوليد» من «اليمامة»، وكان لايزال بها، بعد أن قضى على فتنة
«مسيلمة الكذاب»، وتوجه إلى «العراق». حيث خاض سلسلة من
المعارك ضد الفرس فى خلال عدة شهور، فى «ذات السلاسل»
و «المذار»، و «الولجة»، و «أليس»، وهذه أسماء الأماكن التى
دارت فيها الحروب، وكان النصر حليفه فيها، ثم توَّج انتصاراته
بفتح «الحيرة» عاصمة «العراق» فى ذلك الوقت، واستقر بها
فى شهر ربيع الأول من العام نفسه، ثم فتح «الأنبار» و «عين
التمر» إلى الشمال من «الحيرة»، ثم جاءته أوامر من «أبى بكر»
أن يعود إلى «الحيرة» ويستقر بها إلى أن تأتيه أوامر أخرى
وخلاصة القول أنه فى خلال بضعة أشهر نجح «خالد» فى فتح
أكثر من نصف «العراق»،وصالح أهله على دفع الجزية، ولم
يجبر أحدًا على الدخول فى الإسلام». وبعد أن رحل «خالد بن
الوليد» من «العراق» إلى الشام؛ ليتولى قيادة الجيوش فى
«اليرموك»؛ تنمَّر الفرس بالمثنى بن حارثة خليفة «خالد» على
قيادة الجيش فى «العراق» وبدءوا فى الضغط عليه، فطلب مددًا
من «أبى بكر»، الذى كان مشغولا بحرب الروم. فلما تأخر رد
«الصديق أبى بكر» على «المثنى» جاء بنفسه ليعرف سبب
ذلك، فوجد الخليفة على فراش المرض، فلم يستطع أن يكلمه،(13/61)
ولما علم بذلك الخليفة أدرك أن «المثنى» لم يأت إلا لضرورة،
فكان أخر كلامه لعمر بن الخطاب أن أوصاه بتجهيز جيش،
يرسله مع «المثنى» إلى «العراق»، لصد عدوان الفرس، فعمل
«عمر» بوصية «أبى بكر»، وأرسل جيشًا على الفور إلى
«العراق» بقيادة «أبى عبيد بن مسعود الثقفى». وفى شهر
شعبان من سنة 13هـ خاض «أبو عبيد بن مسعود» معركة ضد
الفرس سميت بموقعة الجسر، لأن المسلمين أقاموا جسرًا على
«نهر الفرات» لعبور قواتهم البالغة تسعة آلاف جندى، وكان
عبورهم النهر خطأ عسكريًا جسيمًا وقع فيه «أبو عبيد»، ولم
يستمع إلى نصيحة قادة جيشه ومنهم «المثنى بن حارثة»، الذين
نبهوه إلى خطورة ذلك، وأن موقف المسلمين غربى النهر
أفضل وضع لهم، وليتركوا قوات الفرس تعبر إليهم، فإذا
انتصروا كان عبور النهر إلى الشرق أمرًا سهلا، وإذا انهزموا
كانت الصحراء وراءهم يتراجعون فيها، ليعيدوا ترتيب
أوضاعهم، لكن «أبا عبيد» لم يستجب لهم، فحلت الهزيمة
بالمسلمين على يد القائد الفارسى «بهمن جاذويه»، وقُتل «أبو
عبيد» نفسه، واستشهد أربعة آلاف مسلم. بذل «المثنى بن
حارثة» جهدًا كبيرًا فى تأمين عبور من بقى من قوات المسلمين
إلى الناحية الأخرى، وأدرك أنه لابد من خوض معركة أخرى مع
الفرس، حتى لا تؤثر الهزيمة فى معنويات المسلمين، وبخاصة
أنها كانت أول مرة يهزمون فيها فى هذه الجبهة منذ أن بدأت
الفتوحات. استدرج «المثنى بن حارثة» قوات الفرس للعبور إلى
غرب النهر، فعبروا إليه مدفوعين بنشوة النصر السابق، وظنوا
أن تحقيق نصر آخر سيكون أمرًا سهلا، لكن «المثنى» فاجأهم
بعد أن استثار حمية العرب القاطنين فى المنطقة، وأوقع بالفرس
هزيمة كبيرة، على حافة نهر يُسمى «البويب» الذى سميت
المعركة باسمه. وعلى الرغم من هذا النصر الذى أعاد به
«المثنى» الثقة إلى قواته، فإنه أدرك بعد طول تجربة أنه لن
يستطيع بمن معه من قوات أن يواجه الفرس الذين ألقوا بثقلهم(13/62)
كله فى الميدان، فتراجع إلى الخلف، ليكون بمأمن من هجمات
الفرس، وأرسل «إلى» «عمر» يخبره بحقيقة الموقف. لما وصلت
إلى «عمر بن الخطاب» تقارير «المثنى» عن الوضع فى جبهة
«العراق» عزم على الخروج بنفسه على رأس جيش كبير، لينسى
الفرس وساوس الشيطان كما أنسى «خالد بن الوليد» الروم تلك
الوساوس، لكن الصحابة لم يوافقوه على رأيه، ورأوا أن
الأفضل أن يبقى هو فى «المدينة» يدير أمور الدولة، ويشرف
على تجهيز الجيوش، ويختار واحدًا لقيادة الحرب ضد الفرس،
فقبل نصيحتهم، وقال لهم: أشيروا على، فأشاروا عليه بسعد
بن أبى وقاص، وقالوا عنه: هو الأسد فى عرينه، فاستدعى
«سعدًا» وأمَّره على الجيش، فاتجه به «سعد» إلى «العراق»
حيث عسكر فى القادسية. وقبل نشوب المعركة أرسل «سعد»
وفدًا إلى بلاط فارس، ليعرض الإسلام على «يزدجرد الثالث» أخر
ملوكهم، فإذا قبله فسيتركونه ملكًا على بلاده، كما ترك رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - «باذان» ملكًا على «اليمن»، وإذا
رفض الدخول فى الإسلام، فلن يكرهه عليه أحد، ولكن لابد من
دفع الجزية دليلا على عدم المقاومة، فإذا امتنع عن دفعها،
حاربوه، لأن رفضه دفع الجزية يعنى عزمه على حرب
المسلمين، ومنعهم بالقوة من تبليغ دعوة الإسلام إلى الناس.
سمع «يزدجرد» هذا الكلام، فأخذه العجب، وعلته الدهشة؛ لأنه
لم يتعود سماع مثل هذا الكلام من هؤلاء الناس، فخاطب رئيس
الوفد قائلا: «إنى لا أعلم أمة كانت أشقى، ولا أقل عددًا، ولا
أسوأ ذات بين منكم، قد كنا نوكل بكم قرى الضواحى -الحدود-
فيكفونناكم، لا تغزون فارس، ولا تطمعون أن تقوموا لهم .. وإن
كان الجهد - الجوع - دعاكم فرضنا لكم قوتًا إلى خصبكم،
وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم، وملكنا عليكم ملكًا يرفُق بكم».
فقام زعيم الوفد ورد على الملك الذى كان لا يزال يتحدث بروح
السيادة، ومنطق الاستعلاء، قائلا: «إن ماقلته عنا صحيح قبل(13/63)
بعث النبى - صلى الله عليه وسلم -، الذى قذف الله فى قلوبنا
التصديق له واتباعه، فصار فيما بيننا وبين رب العالمين، فما
قال لنا فهو قول الله، وما أمرنا فهو أمر الله .. وقال: من تابعكم
على هذا فله مالكم وعليه ما عليكم، ومن أبى فاعرضوا عليه
الجزية، ثم امنعوه مما تمنعون منه أنفسكم، ومن أبى فقاتلوه».
رفض الملك هذا العرض فى كبرياء وصلف، ثقة منه بقدرة جيوشه
بقيادة «رستم» على سحق هؤلاء العرب، وعاد الوفد إلى «سعد
بن أبى وقاص» وقصوا عليه ما حدث، فاستعد هو للمعركة
الحاسمة. وفى «القادسية» دارت رحى الحرب بين الفريقين،
واستمرت ثلاثة أيام ونصف اليوم الرابع، وأسفرت عن نصر حاسم
للمسلمين، وهزيمة منكرة للفرس، وقتل قائدهم «رستم»،
وتشتيت من نجا منهم من القتل. وتُعد معركة «القادسية» من
المعارك الفاصلة فى التاريخ؛ لأنها حسمت أمر «العراق» العربى
نهائيا، وأخرجته من السيطرة الفارسية التى دامت قرونًا،
وأعادته إلى أهله العرب المسلمين. انفتح الطريق أمام المسلمين
بعد انتصارهم فى «القادسية» إلى «المدائن» عاصمة الفرس،
فعبر «سعد» نهر «دجلة» من أضيق مكان فيه بنصيحة «سلمان
الفارسى»، ودخل «المدائن»؛ ليجد الملك الفارسى قد فرَّ منها،
وكان قبل أيام قليلة يهدد المسلمين ويتوعدهم من قصره
الأبيض، مقر ملك الأكاسرة، الذى كان آية من آيات الفخامة
والبهاء. وفى ذلك القصر صلى «سعد ابن أبى وقاص» صلاة
الشكر لله على هذا الفتح العظيم وتلا فى خشوع قول الله
تعالى: {كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة
كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قومًا آخرين فما بكت
عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين}. [الدخان: 25 - 29].
أرسل «سعد» إلى «عمر بن الخطاب» رسولا يبشره بالنصر وبما
حازوه من غنائم، ويطلب منه السماح لهم بمواصلة الفتح فى بلاد
فارس، لكن «عمر» رفض ذلك، وقال له: «وددت لو أن بيننا(13/64)
وبينهم سدًا من نار، لا يصلون إلينا ولا نصل إليهم، حسبنا من
الأرض السواد - أى أرض العراق- إنى آثرت سلامة المسلمين على
الأنفال». اعتقد «عمر بن الخطاب» أن الفرس سيجنحون إلى
السلام بعد هزيمتهم فى «القادسية»، واسترداد المسلمين
«العراق» وهى أرض عربية، لكن الحوادث كثيرًا ماتكون أقوى
من الرجال، وتدفعهم دفعًا إلى تعديل سياساتهم، فقد وردت
الأنباء إلى «عمر» أن الفرس التفوا حول ملكهم الذى هرب من
«المدائن»، واحتشدوا فى جموع هائلة فى «نهاوند» (7) تصل
إلى نحو مائتى ألف جندى بقيادة «الفيرزان». وكانت سياسة
«عمر بن الخطاب» أن يقف بالفتوحات الإسلامية عند حدود
«العراق» و «الشام»، ولايتعداها، حيث قبائل العرب التى نزحت
من شبه الجزيرة العربية وأقامت هناك، أما ما وراء ذلك من
أرض الفرس والروم فلم يكن للمسلمين مطمع فى غزوه وفتحه،
ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فقد حملت حوادث
الفتوحات وتطوراتها «عمر بن الخطاب» على تعديل سياسته
تجاه الفرس والروم. ولما وصلت أخبار استعداد الفرس جمع
«عمر» كبار الصحابة واستشارهم فى كيفية مواجهة هذا
الموقف، فأشاروا عليه بتجهيز جيش لردع الفرس قبل أن ينقضوا
على المسلمين فى بلادهم، فعمل بمشورتهم، وجهز جيشًا قوامه
نحو أربعين ألف مجاهد تحت قيادة «النعمان بن مقرن». ودارت
معركة «نهاوند»، وانتهت بنصر عظيم للمسلمين، وهزيمة ساحقة
للفرس، وقد سمى المؤرخون المسلمون هذ النصر «فتح الفتوح»،
لأن الفرس قد تفرقت كلمتهم، وانفرط عقد دولتهم بهذا النصر.(13/65)
*الفيل (حادثة)
بعد أن حكم «أبرهة» «اليمن» تملكته الغيرة من الكعبة
المشرفة، وأراد أن يصرف العرب عن زيارتها، فبنى كنيسة
ضخمة بالغة الروعة، تُسمَّى «القُلَّيس»، وساق أهل «اليمن» إلى
التوجه إليها والتعبد فيها، لكنه لم يفلح فى ذلك، وزاد من غضبه
أن أحد الأعراب عبث بالكنيسة وقذَّرها، فأقسم «أبرهة»
ليهدمن الكعبة، ويطأن «مكة»، وجهَّز لذلك جيشًا جرارًا،
تصاحبه الفيلة، وفى مقدمتها فيل عظيم، ذو شهرة خاصة
عندهم. وحينما علمت العرب بنية «أبرهة» تصدَّوا له، لكنهم لم
يفلحوا فى وقف زحفه، حتى إذا بلغ جيش «أبرهة» «المغمَّس» -
وهو مكان بين «الطائف» و «مكة» - ساق إليه أموال «تهامة» من
«قريش» وغيرها، وكان فيها مائتا بعير لعبد المطلب بن هاشم،
فهمَّت «قريش» وقبائل العرب بقتال «أبرهة»، ولكنهم وجدوا
أنفسهم لا طاقة لهم بحربه، فتفرقوا عنه دون قتال. أرسل
«أبرهة» إلى «عبدالمطلب» يُبلغِه أنه لم يأتِ لحربهم، وإنما جاء
لهدم البيت، فإن تركوه وما أراد فلا حاجة له فى دمائهم، فذهب
«عبدالمطلب» إليه، فلما دخل نزل «أبرهة» من سريره، وجلس
على البساط، وأجلس «عبدالمطلب» إلى جانبه، وأكرمه وأجلَّه،
فطلب «عبدالمطلب» منه أن يرد عليه إبله التى أخذوها، فقال
«أبرهة»: أعجبتنى حين رأيتك، وزهدتُ فيك حين كلمتنى،
تترك بيتًا هو دينك ودين آبائك، جئتُ لأهدمه، وتكلمنى فى
مائتى بعير أصبتها لك؟ فقال: «عبدالمطلب»: إنى رب الإبل
(أى صاحبها) وإن للبيت ربًا سيحميه. قال «أبرهة»: ما كان
ليمتنع منى، فرد عليه «عبد المطلب»: أنت وذاك، ثم رد «أبرهة»
الإبل لعبد المطلب. أمر «عبدالمطلب» قريشًا بالخروج من «مكة»،
والاحتماء فى شعاب الجبال، وتوجه هو إلى باب «الكعبة»،
وتعلَّق به مع نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه، وانطلق
جيش «أبرهة» نحو «مكة»، وحينما اقترب منها برك الفيل الأكبر
الذى يتقدم الجيش رافضًا الدخول، وتعبوا فى إجباره على(13/66)
اقتحام «مكة»، وكانوا عندما يوجهونه إلى جهة غير «مكة»
ينهض ويهرول. ثم شاء الله أن يهلك «أبرهة» وجيشه، فأرسل
عليهم جماعات من الطير، أخذت ترميهم بحجارة، فقضت عليهم
جميعًا، وتساقطوا كأوراق الشجر الجافة الممزَّقة، كما حكى
ذلك القرآن الكريم: [ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم
يجعل كيدهم فى تضليل وأرسل عليهم طيرًا أبابيل ترميهم
بحجارةٍ من سجيل فجعلهم كعصف مأكول]. (سورة الفيل)(13/67)
*القادسية (معركة)
لما وصلت إلى «عمر بن الخطاب» تقارير «المثنى» عن الوضع
فى جبهة «العراق» عزم على الخروج بنفسه على رأس جيش
كبير، لينسى الفرس وساوس الشيطان كما أنسى «خالد بن
الوليد» الروم تلك الوساوس، لكن الصحابة لم يوافقوه على رأيه،
ورأوا أن الأفضل أن يبقى هو فى «المدينة» يدير أمور الدولة،
ويشرف على تجهيز الجيوش، ويختار واحدًا لقيادة الحرب ضد
الفرس، فقبل نصيحتهم، وقال لهم: أشيروا على، فأشاروا عليه
بسعد بن أبى وقاص، وقالوا عنه: هو الأسد فى عرينه،
فاستدعى «سعدًا» وأمَّره على الجيش، فاتجه به «سعد» إلى
«العراق» حيث عسكر فى القادسية. وقبل نشوب المعركة أرسل
«سعد» وفدًا إلى بلاط فارس، ليعرض الإسلام على «يزدجرد
الثالث» أخر ملوكهم، فإذا قبله فسيتركونه ملكًا على بلاده،
كما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «باذان» ملكًا على
«اليمن»، وإذا رفض الدخول فى الإسلام، فلن يكرهه عليه أحد،
ولكن لابد من دفع الجزية دليلا على عدم المقاومة، فإذا امتنع
عن دفعها، حاربوه، لأن رفضه دفع الجزية يعنى عزمه على
حرب المسلمين، ومنعهم بالقوة من تبليغ دعوة الإسلام إلى
الناس. سمع «يزدجرد» هذا الكلام، فأخذه العجب، وعلته
الدهشة؛ لأنه لم يتعود سماع مثل هذا الكلام من هؤلاء الناس،
فخاطب رئيس الوفد قائلا: «إنى لا أعلم أمة كانت أشقى، ولا
أقل عددًا، ولا أسوأ ذات بين منكم، قد كنا نوكل بكم قرى
الضواحى -الحدود- فيكفونناكم، لا تغزون فارس، ولا تطمعون أن
تقوموا لهم .. وإن كان الجهد - الجوع - دعاكم فرضنا لكم قوتًا
إلى خصبكم، وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم، وملكنا عليكم ملكًا
يرفُق بكم». فقام زعيم الوفد ورد على الملك الذى كان لا يزال
يتحدث بروح السيادة، ومنطق الاستعلاء، قائلا: «إن ماقلته عنا
صحيح قبل بعث النبى - صلى الله عليه وسلم -، الذى قذف الله
فى قلوبنا التصديق له واتباعه، فصار فيما بيننا وبين رب(13/68)
العالمين، فما قال لنا فهو قول الله، وما أمرنا فهو أمر الله ..
وقال: من تابعكم على هذا فله مالكم وعليه ما عليكم، ومن أبى
فاعرضوا عليه الجزية، ثم امنعوه مما تمنعون منه أنفسكم، ومن
أبى فقاتلوه». رفض الملك هذا العرض فى كبرياء وصلف، ثقة
منه بقدرة جيوشه بقيادة «رستم» على سحق هؤلاء العرب،
وعاد الوفد إلى «سعد بن أبى وقاص» وقصوا عليه ما حدث،
فاستعد هو للمعركة الحاسمة. وفى «القادسية» دارت رحى
الحرب بين الفريقين، واستمرت ثلاثة أيام ونصف اليوم الرابع،
وأسفرت عن نصر حاسم للمسلمين، وهزيمة منكرة للفرس، وقتل
قائدهم «رستم»، وتشتيت من نجا منهم من القتل. وتُعد معركة
«القادسية» من المعارك الفاصلة فى التاريخ؛ لأنها حسمت أمر
«العراق» العربى نهائيا، وأخرجته من السيطرة الفارسية التى
دامت قرونًا، وأعادته إلى أهله العرب المسلمين.(13/69)
*قبرص (فتح)
كان أول عمل بحرى ناجح قام به الأسطول الإسلامى، هو فتح
«جزيرة قبرص» التى كانت تهدد شواطئ المسلمين باستمرار
لقربها منها من ناحية، وباعتبارها محطة مهمة من محطات
الأساطيل البيزنطية من ناحية أخرى. وقد غزاها «معاوية» سنة
(28هـ)، أى بعد أربع سنوات فقط من بناء الأسطول الإسلامى،
وهى مدة ليست بالطويلة لإنشاء أسطول بحرى، ولكنها عزيمة
الرجال وإصرارهم على إنجاز العمل. وكانت الغزوة مشتركة
أسهمت فيها قوات الشام، وقوات «مصر» بقيادة «عبدالله بن
سعد»، ونزلوا «قبرص» واستولوا عليها، فعرض أهلها الصلح،
فقبل «معاوية»، واشترط لعقده عدة شروط: - أن يدفع أهل
«قبرص» جزية سنوية، مقدارها سبعة آلاف دينار. - وأن يُعلموا
المسلمين بأية تحركات عدائية من جانب الروم ضد سواحلهم. -
وأن يقف أهل «قبرص» على الحياد، إذا نشبت حرب بين
المسلمين والروم، ولكن لا يمنعون المسلمين من المرور بجزيرتهم
إذا احتاجوا إلى ذلك. ولم يلتزم أهل «قبرص» بما تعاهدوا عليه
فى الصلح، مما جعل «معاوية» يعاود غزو الجزيرة مرة أخرى
سنة (33هـ) ويضمها إلى دولة الخلافة، وينقل إليها اثنى عشر
ألفًا من المسلمين من أهل الشام، وأسكنهم فيها، وبنى لهم
الدور والمساجد.(13/70)
*مصر (فتح)
بعد فتح «بيت المقدس» اتجه «عمر» إلى الشمال، وعقد فى
«الجابية» جنوبى «دمشق» مؤتمرًا حضره جميع القادة
المسلمين، ناقش فيه ماتم إنجازه والترتيبات اللازمة لإدارة البلاد
المفتوحة إدارة حسنة، والعمل على إشاعة العدل والحرية بين
الناس بعد الظلم والاستبداد والاستعباد الذى ذاقوه من الروم.
وفى هذا المؤتمر عرض «عمرو بن العاص» والى «فلسطين»
على «عمر بن الخطاب» ضرورة فتح «مصر»، لأن فلول قوات
الروم فى «الشام» لجأت إلى «مصر» التى كانت فى ذلك الوقت
تحت حكم الروم، كما لجأ «الأطربون» قائد قواتهم فى فلسطين
إلى «مصر»؛ ليستعد من جديد للانقضاض على المسلمين فى
الشام، ولذا فإن بقاء «مصر» فى أيدى الروم سيكون خطرًا
على فتوحات المسلمين فى الشام، بل قد يصل الخطر إلى شبه
الجزيرة العربية نفسها. ولما اقتنع «عمر بن الخطاب» بما أبداه
«عمرو بن العاص» أذن له بالسير إلى «مصر» لفتحها، فخرج
فى أربعة آلاف جندى، ودخل «العريش» دون قتال، ثم توجه
إلى «الفرما» (مدينة قديمة شرقى «بور سعيد») ففتحها بعد
معارك يسيرة مع حاميتها الرومية، ثم توجه إلى «بلبيس» فى
محافظة «الشرقية» الحالية، فهزم جيشًا روميا كان يقوده
«الأطربون»، ثم هزم الروم مرة أخرى فى «عين شمس». ولما
تجمعت قوات الروم كلها فى «حصن بابليون» بالقرب من «مصر
القديمة» الحالية؛ طلب «عمرو» مددًا من الخليفة «عمر»، فأمده
بثمانية آلاف جندى، مكنته من فتح الحصن والاستيلاء عليه، ثم
اتجه إلى «الإسكندرية» ففتحها، وأرسل فرقة من قواته لفتح
«الفيوم». وفى نحو «عامين» (19 - 21هـ) فتُحت «مصر»
بأكملها، وكان فتحًا سهلا ويسيرًا، لأن القبط لم يشتركوا فى
معارك ضد المسلمين، بل ساعدوهم وقدموا لهم يد العون،
فدلوهم على أيسر الطرق، وأمدوهم بالطعام، تخلُصًا من حكم
الروم الذين اضطهدوهم دينيا، مع أنهم مسيحيون مثلهم،
وأرهقوهم بالضرائب، واستغلوهم أبشع استغلال. ولما تعامل(13/71)
أهل «مصر» مع الفاتحين المسلمين أدركوا أن ما سمعوه كان
حقيقة، فقد منحوهم الحرية الدينية الكاملة، وأعادوا بطريركهم
«بنيامين» إلى كنيسته بالإسكندرية، وكان الروم قد نفوه إلى
«وادى النطرون»، وقد حفظ الرجل هذا العمل الجليل لعمرو بن
العاص، فعاونه كثيرًا فى إدارة «مصر» إدارة حسنة. وقد أتاح
الفتح الإسلامى لمصر جوا من الحرية والتسامح لم تشهده البلاد
منذ زمن بعيد، بنص المعاهدة التى أعطاها «عمرو بن العاص»
لأهل «مصر»: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عمرو بن
العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم
وكنائسهم وصلبهم وبرهم وبحرهم، لا يدخل عليهم شىء من ذلك
ولا ينتقص، ولا يساكنهم النوب - أهل النوبة - وعلى أهل مصر
أن يعطوا الجزية .. ومن دخل فى صلحهم من الروم والنوب، فله
مثل ما لهم، وعليه مثل ما عليهم، ومن أبى واختار الذهاب فهو
آمن حتى يبلغ مأمنه، على ما فى هذا الكتاب عهد الله، وذمة
رسوله، وذمة الخليفة أمير المؤمنين، وذمة المؤمنين». وقد عمل
المسلمون بوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التى أوصاهم
فيها بأهل «مصر» خيرًا عندما يفتحونها؛ لأن لهم ذمة ورحمًا،
كما نصحهم أن يتخذوا منها جندًا كثيفًا، فأجنادها من خير
أجناد الأرض، لأنهم وأزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة.(13/72)
*مكة (فتح)
التزمت «قريش» بمعاهدة «الحديبية» لمدة عام وبعض العام، فقد
ذهب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لأداء عمرة القضاء
فى العام السابع من الهجرة. لكنها ما لبثت أن نقضت المعاهدة
عندما أعانت قبيلة «بنى بكر» حليفتها على قبيلة «خزاعة»
حليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فطلبت «خزاعة» من
الرسول نصرتها طبقًا للمعاهدة التى بينها وبينه، فوعدهم
بالنصر، وبدأ فى الاستعداد لغزو «مكة». شعر «أبو سفيان»
زعيم «مكة» بالخطأ الفاحش الذى وقعوا فيه، فسافر إلى
«المدينة» لمقابلة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولتجديد
المعاهدة، فلم يقبل الرسول اعتذاره. وفى بداية الأسبوع الثانى
من شهر رمضان من العام الثامن للهجرة توجه الرسول - صلى الله
عليه وسلم - على رأس جيش قوامه عشرة آلاف مجاهد لفتح
«مكة»، وكان «أبوسفيان» يتوقع - منذ أن عاد من «المدينة»
دون أن يحقق هدفه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
سيغزو «مكة»، ولكن لا يعرف متى يقع ذلك، فكان قلقًا ودائمًا
يتحسس الأخبار. وفى ليلة من الليالى رأى أبو سفيان نيران
جيش النبى التى أوقدها المجاهدون فاستبد به الخوف والهلع،
فسمع صوته «العباس بن عبد المطلب»، وكان قد خرج من «مكة»
من قبل، والتقى بالنبى - صلى الله عليه وسلم - وأعلن إسلامه،
فلما التقى بأبى سفيان أخبره بالجيش القادم لفتح «مكة»، ولا
قبل لهم به، وأخذه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فأعلن
إسلامه، وأعطاه النبى ميزة كبيرة، بناء على اقتراح من
«العباس بن عبد المطلب»، ضمن الإعلان الذى أمره أن يبلغه لأهل
«مكة»: «من دخل دار أبى سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه
فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن». حرص النبى - صلى
الله عليه وسلم - على دخول «مكة» بدون قتال، فهى بلد الله
الحرام، وأحبُّ بلاد الله إليه، وفيها أهله وذووه، فكانت أوامره
صريحة لجيشه، ألا يقاتلوا إلا إذا قوتلوا، وبالفعل دخل الجيش(13/73)
«مكة» فى العشرين من شهر رمضان دون قتال، إلا مناوشات
بسيطة حدثت فى الجهة التى دخلت منها الفرقة التى كان
يقودها «خالد بن الوليد» عند جبل «خندمة» فقضى عليها
«خالد»، وكان قد أسلم هو و «عمرو بن العاص» بعد عمرة
القضاء سنة (7هـ). دخل النبى - صلى الله عليه وسلم - «مكة»
فاتحًا منتصرًا، وهى التى طردته قبل ثمانى سنوات وتآمرت
على حياته، فماذا هو فاعل بهؤلاء الذين عادوه وآذوه أذى
شديدًا هو وأصحابه؟ وهل فكر فى الانتقام منهم؟ لم يحدث
ذلك منه، بل جمعهم بعد أن دخل «الكعبة» وطاف بها، وكسر
أصنامها بيده وهو يتلو: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل
كان زهوقًا}. وقال لهم: «ما تظنون أنى فاعل بكم؟» قالوا:
خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».
وبهذا ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أروع الأمثلة فى
العفو والتسامح عندالمقدرة، فلم تحمله نشوة النصر وزهو
القدرة على الانتقام ممن أساء إليه، بل نسى كل ما فعلوه معه
ومع أصحابه من ألوان العذاب.(13/74)
*نهاوند (معركة)
وردت الأنباء إلى «عمر» أن الفرس التفوا حول ملكهم الذى هرب
من «المدائن»، واحتشدوا فى جموع هائلة فى «نهاوند» (7) تصل
إلى نحو مائتى ألف جندى بقيادة «الفيرزان». ولما وصلت أخبار
استعداد الفرس جمع «عمر» كبار الصحابة واستشارهم فى
كيفية مواجهة هذا الموقف، فأشاروا عليه بتجهيز جيش لردع
الفرس قبل أن ينقضوا على المسلمين فى بلادهم، فعمل
بمشورتهم، وجهز جيشًا قوامه نحو أربعين ألف مجاهد تحت
قيادة «النعمان بن مقرن». ودارت معركة «نهاوند»، وانتهت
بنصر عظيم للمسلمين، وهزيمة ساحقة للفرس، وقد سمى
المؤرخون المسلمون هذ النصر «فتح الفتوح»، لأن الفرس قد
تفرقت كلمتهم، وانفرط عقد دولتهم بهذا النصر.(13/75)
*اليرموك (معركة)
تحرك القادة الأربعة - «أبوعبيدة بن الجراح» و «يزيد بن أبى
سفيان» و «شرحبيل بن حسنة» و «عمرو بن العاص» - بجيوشهم
بعد تكليفهم بفتح الشام، فلما دخلوا جنوبى الشام، وجدوا جيشًا
روميا، قوامه نحو (250) ألف جندى، بقيادة «تذراق» أخى
«هرقل»، يساندهم نحو ستين ألفًا من العرب - تقريبًا - بقيادة
«جبلة بن الأيهم الغسانى»، فلم يستطيعوا الالتحام مع هذه
الجموع الحاشدة، فدارت بينهم مراسلات تجمعوا بعدها فى
وادى «اليرموك»، تحت قيادة «أبى عبيدة بن الجراح». لكن
تجمعهم لم يؤدِ إلى تحريك للموقف ضد الروم، فأخبروا الخليفة
«أبا بكر» بما هم فيه، وطلبوا المدد منه، فرأى أنه لن ينقذ
الموقف فى الشام سوى «خالد بن الوليد»، وقال عبارته
المشهورة: «والله لأُنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن
الوليد»، ثم كتب رسالة إليه: «أما بعد فإذا جاءك كتابى هذا،
فدع العراق، وخلف فيه أهله الذين قدمت عليهم وهم فيه وامضِ
متخففًا فى أهل القوة من أصحابك الذين قدموا العراق معك من
اليمامة، وصحبوك من الطريق، وقدموا عليك من الحجاز، حتى
تأتى الشام، فتلقى أبا عبيدة بن الجراح ومن معه من المسلمين،
فإذا التقيتم فأنت أمير الجماعة والسلام عليك». امتثل «خالد»
لأوامر الخليفة، وسار من «العراق» فى سبعة آلاف جندى فى
واحدة من أجرأ المسيرات العسكرية فى التاريخ وأكثرها خطرًا،
حيث قطعوا أكثر من ألف كيلو متر فى ثمانية عشر يومًا، فى
صحراء قاحلة مهلكة، حتى وصلوا إلى «وادى اليرموك» فتسلم
«خالد بن الوليد» القيادة من «أبى عبيدة» وخاض معركة مع
الروم تُعد من أعظم المعارك وأبعدها أثرًا فى حركة الفتح
الإسلامى، وسحق جيش الروم الذى كان يعد يومئذٍ أقوى جيوش
العالم، إذ قتل منه نحو مائة وعشرين ألفًا، وقد أدرك «هرقل»
إمبراطور الروم حجم الكارثة التى حلت بجيشه، فغادر المنطقة
نهائيًا، وقلبه يقطر دمًا، ويتحسر على جهوده التى بذلها فى(13/76)
استرداد الشام من الفرس، ثم ها هى ذى يفتحها المسلمون،
وقال: «السلام عليك يا سوريا، سلامًا لا لقاء بعده، ونعم البلد
أنت للعدو وليس للصديق، ولا يدخلك رومى بعد الآن إلا خائفًا».
وقد استشهد من المسلمين نحو ثلاثة آلاف، وقد فتح هذا النصر
العظيم الطريق لفتح بقية الشام، الذى تم فى عهد «عمر بن
الخطاب».(13/77)
*اليمامة (معركة)
اليمامة مصطلح جغرافى قديم، يشمل المناطق الشرقية من شبه
الجزيرة العربية التى تقع فيها الآن مدينة «الرياض» عاصمة
«المملكة العربية السعودية». ووقعت معركة «اليمامة» نفسها
فى مكان قريب من هذه المدينة. عندما مات النبى - صلى الله عليه وسلم - واستخلف أبا
بكر الصديق، رضى الله عنه، ارتدت بعض القبائل وامتنعت عن
دفع الصدقات، وادعى مسيلمة الكذاب النبوة، فأرسل «أبو
بكر» «عكرمة بن أبى جهل» و «شرحبيل بن حسنة» للوقوف فى
وجه «مسيلمة الكذاب»، ولم يأمرهما بقتال؛ لكنهما تعجلا
مخالفين أوامر الخليفة، واشتبكا مع «مسيلمة» فى حرب لم
يصمدا فيها، وعادا منهزمين، ولعلهما أرادا أن يتشبها بخالد بن
الوليد حتى يحوزا أكاليل النصر، كما حازها هو. وما إن وصلت
أنباء هزيمتهما إلى «أبى بكر» حتى غضب غضبًا شديدًا، وطلب
منهما ألا يعودا إلى «المدينة»، وقرر فى الوقت نفسه أن يرسل
«خالد بن الوليد» إلى «اليمامة» للقضاء على فتنة «مسيلمة»،
فهو أصلح الناس لهذه المهمة. وكان «خالد» قد فرغ من القضاء
على فتنة المرتدين من «بنى أسد» و «غطفان» و «تميم»،
فجاءته أوامر من «أبى بكر» بالتوجه إلى «اليمامة» للقضاء
على فتنة «مسيلمة الكذاب». امتثل «خالد بن الوليد» لأوامر
الخليفة، وسار فى صحراء وعرة نحو ألف كيلو متر، حتى التقى
بجيوش «مسيلمة» - وكانت نحو أربعين ألفًا - فى مكان يسمى
«عقرباء» فى حين كانت قوات «خالد» تبلغ نحو ثلاثة عشر
ألفًا، فيهم عدد كبير من المهاجرين والأنصار، ودارت الحرب بين
الفريقين، وكانت حربًا شرسة، اشتدت وطأتها على المسلمين
فى البداية، وكادوا ينهزمون، لولا أن زأر «خالد» كالأسد
الهصور، ونادى بأعلى صوته «وامحمداه»، وكان شعار
المسلمين فى المعركة، فاشتعلت جذوة الإيمان فى القلوب،
وهانت الحياة على النفوس، وأقبل المسلمون على القتال دون
خوف أو وجل، طمعًا فى النصر أو الشهادة، وصبروا لأعداء الله(13/78)
حتى هزموهم هزيمة منكرة بنصر أنزله الله تعالى على عباده
المسلمين؛ حيث لجأ الكفار إلى حديقة احتشدوا فيها، فأحاط
المسلمون بها ودخلوها وقاتلوا من فيها قتالاً شديداً حتى قتل
مسيلمة على يد وحشى مولى جبير بن مطعم، واشترك مع
وحشى فى قتل مسيلمة رجل من الأنصار، كما قتل من رجال
مسيلمة نحو عشرين ألفًا من رجاله، واستسلم من بقى من قواته
أسرى للمسلمين، واستشهد من المسلمين أكثر من ألف ومائتى
رجل، منهم عدد كبير من القراء وحفظة القرآن الكريم.(13/79)
*يزيد بن المهلب (ثورة)
ينتمى «يزيد بن المهلب» إلى أسرة كانت من أهم الأسر التى
قامت بدور كبير فى التاريخ الإسلامى بعامة، وفى تاريخ الدولة
الأموية بخاصة، فأبوه «المهلب» أبلى بلاءً حسنًا فى محاربة
الخوارج وكسر شوكتهم. عمل «آل المهلب» تحت رئاسة
«الحجَّاج» ثم غضب عليهم، فعزلهم عن العمل سنة (85هـ) ووضع
أكبرهم وهو «يزيد بن المهلب» فى السجن، مع أنهم كانوا
أصهاره، فقد كان متزوجًا من «هند بنت المهلب» أخت «يزيد»،
واستطاع إقناع الخليفة «عبدالملك بن مروان» بضرورة
الاستغناء عنهم، فوافقه الخليفة. ظل «آل المهلب» فى الظل،
بعيدين عن السلطة إلى أن جاءت خلافة «سليمان بن عبدالملك»
فأعادهم إلى ما كانوا عليه، وعيَّن «يزيد» واليًا على «العراق»
والمشرق، وظل فى منصبه حتى عزله «عمر بن عبدالعزيز» عن
الولاية لأنه كان يراه جبَّارًا قاسيًا، ثم أمر بسجنه حتى يؤدى ما
عليه، وكان قد أخذ أموالا كثيرة من بيت المال، وظل سجينًا
حتى بعد أن تولى «يزيد بن عبدالملك» الخلافة بعد «عمر»، لكنه
نجح فى الهرب من السجن ليقود ثورة هائلة ضد الدولة الأموية.
قوى «يزيد بن المهلب» بتأييد أهل «العراق» له، كعادتهم خلف
كل ثائر على الأمويين، وبعصبية قبيلته الكبيرة - «الأزد» - ذات
النفوذ فى «العراق»، فوثب على «عدى بن أرطاة الفزارى»
والى «البصرة» من قبل «يزيد بن عبدالملك»، وسيطر على
الموقف فى «البصرة»، وخلع طاعة «يزيد بن عبدالملك»، وانضم
إليه كل معادٍ للدولة الأموية حتى استفحل أمره، واتسع نفوذه
وتجاوز «البصرة» إلى «الجزيرة الفراتية» و «البحرين» و «عمان»
و «فارس» و «الأهواز». وإزاء هذه الأحداث وجدت الدولة الأموية
نفسها من جديد أمام ثورة عارمة تريد القضاء عليها، فأرسل
الخليفة «يزيد بن عبدالملك» أخاه «مسلمة» بجيش كبير من أهل
الشام، تمكن به من إلحاق الهزيمة الساحقة بابن المهلب فى
معركة «عفر» قرب «الكوفة» فى شهر صفر سنة (102هـ) بعد(13/80)
أن خذله العراقيون كعادتهم وقُتل هو فى المعركة ومعظم
رجالات بيته، ومن نجا من القتل هرب إلى إقليم «السند».(13/81)
*المغرب (فتح)
لما ولى «عبدالله بن سعد بن أبى السرح» ولاية «مصر» من قبل
«عثمان بن عفان»؛ كتب إليه أن الروم الذين لا يزالون يسيطرون
على «شمال إفريقيا» يغيرون على حدود «مصر» الغربية، ولابد
من مواجهتهم قبل أن يتجرءوا ويهاجموا «مصر» نفسها، فاقتنع
«عثمان» بعد أن استشار كبار الصحابة، وأذن له بتجريد حملات
عسكرية لردعهم وكف عدوانهم، كما أرسل إليه جيشًا من
«المدينة» مددًا، يضم عددًا من الصحابة كابن عباس، و «عبد الله
بن الزبير» رضى الله عنهما. وفى سنة (27هـ = 647م) انطلق
جيش المسلمين بقيادة «عبدالله بن سعد»، وتوغل غربًا حتى
وصل إلى «قرطاجنة» عاصمة إقليم «تونس» فى ذلك الوقت،
ودارت عدة معارك بين المسلمين وبين ملكها «جريجوار»
أو «جرجير» كما تسميه المصادر العربية، انتهت بانتصارالمسلمين
وقتل الملك «جريجوار» على يد «عبدالله بن الزبير». ولم تكن
تلك الحملة تهدف إلى الاستقرار، بل إلى ردع العدوان، ولذا
اكتفى «عبدالله بن سعد» بعقد معاهدات صلح مع زعماء تلك
البلاد تعهدوا فيها بدفع مبلغ كبير. وصل المسلمون فى أواخر
خلافة «عثمان» إلى «تونس» الحالية، لكنهم لم يواصلوا
فتوحاتهم بسبب الفتن التى استمرت حتى نهاية خلافة «على بن
أبى طالب» (36 - 40هـ)، فلما استتب الأمر لمعاوية سنة (41هـ)،
كانت جبهة «شمالى إفريقيا» أولى الجبهات التى اهتم بها،
لأنها كانت تخضع لنفوذ الدولة البيزنطية التى عزم على تضييق
الخناق عليها، فأرسل سنة (41هـ) حملة إلى «شمالى إفريقيا»
بقيادة «معاوية بن حديج»، ثم أرسله على رأس حملة أخرى
سنة (45هـ)، فاستطاع أن يفتح العديد من البلاد، مثل «جلولاء»
و «سوسة». أسند «معاوية بن أبى سفيان» قيادة الجيش الفاتح
إلى «عُقبة بن نافع»، وهو واحد من كبار القادة الذين لمعت
أسماؤهم فى الفتوحات الإسلامية فى العصر الأموى، ولم يكن
«عُقبة» جديدًا على الميدان، فقد شارك فى فتح تلك البلاد منذ(13/82)
أيام «عمرو»، واكتسب خبرة كبيرة، فواصل فتوحاته فى هذه
الجبهة. ولما رأى «عقبة» اتساع الميدان، وبعد خطوط مواصلاته
عن قواعده فى «مصر»، شرع فى بناء مدينة تكون قاعدة
للجيش، ومركزًا لانطلاقاته وإمداداته، فبنى مدينة «القيروان»
(50 - 55هـ) بإذن من «معاوية»، وكان لهذه المدينة شأن عظيم
فى الفتوحات وفى الحركة العلمية، وأثناء تأسيسها كان
«عقبة» يرسل السرايا للفتح، ويدعو الناس إلى الإسلام، فدخل
كثير من «البربر» -سكان البلاد- فى الإسلام. ظل «عقبة بن
نافع» يواصل فتوحاته ونشر الإسلام حتى عزله «معاوية» وولَّى
مكانه قائدًا آخر، لا يقل عنه شجاعة وإقدامًا، وحبا للجهاد فى
سبيل الله، هو «أبو المهاجر دينار»، وكان يتمتع إلى جانب
مهارته العسكرية بقدر من الكياسة وحسن التصرف والفطنة، فقد
أدرك أن «البربر» سكان الشمال الإفريقى قوم أشداء، يعتدُّون
بكرامتهم ويحرصون على حريتهم كالعرب تمامًا، وأن سياسة
اللين والتسامح قد تجدى معهم أكثر من سياسة الشدة. وقد
نجحت سياسة «أبى المهاجر» فى اجتذاب البربر إلى الإسلام،
وبخاصة عندما أظهر تسامحًا كبيرًا مع زعيمهم «كسيلة بن
لمزم»، وعامله فى إجلال وإكرام، فأسلم الرجل متأثرًا بتلك
المعاملة، وأسلم بإسلامه طائفة كبيرة من قومه. وفى مقابل
تلك السياسة المتسامحة مع «البربر» كان «عقبة» حازمًا فى
تعامله مع الدولة البيزنطية التى حاولت أن تحتفظ بالشمال
الإفريقى بعد أن فقدت «مصر» والشام، لكنها لم تنجح، فقد
حقق «أبو المهاجر» نصرًا عسكريا عليها، مكَّنه من السير إلى
الغرب، فاتحًا معظم «المغرب الأوسط» - الجزائر الحالية - ووصل
إلى «تلمسان». أعاد الخليفة «يزيدُ بن معاوية» «عقبةَ بن نافع»
مرة أخرى إلى «شمالى إفريقيا»، فواصل جهود «أبى
المهاجر»، وقام بحملته التى اخترق بها الساحل كله فى شجاعة
وجرأة حتى بلغ شاطئ «المحيط الأطلسى»، وأوطأ أقدام(13/83)
فرسه فى مياهه، وقال قولته المشهورة: «اللهم اشهد أنى قد
بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت فى البلاد، أقاتل من كفر
بك حتى لا يعبد أحدًا دونك». وفى أثناء عودة «عقبة» من
غزوته المظفرة تعرض لكمين نصبه له البيزنطيون بمساعدة
«كسيلة» زعيم «البربر»، الذى كان «عقبة» قد أهانه، فبينما
هو يسير فى عدد قليل من جنوده يبلغ زهاء ثلاثمائة جندى
انقضت القوات البيزنطية عليه وعلى من معه عند بلدة تهودة
فاستشهدوا جميعًا سنة (63هـ). ومما أسهم فى وقوع الكارثة
أن «عقبة» قد وقع فى خطأ عسكرى كبير، إذ سرَّح معظم
جيشه، وأمرهم بالسير أمامه، فابتعد عنه لمسافة طويلة، مما
جعل الجيش البيزنطى ينفرد به ويهزمه هزيمة ثقيلة أضاعت كل
الجهود التى بذلها المسلمون فى فتح تلك البلاد، واضطر
المسلمون إلى الارتداد إلى الخلف، ولم يستطيعوا الاحتفاظ
بالقيروان، وعادوا إلى «برقة». تسلَّم «زهير بن قيس البلوى»
قيادة الجيش خلفًا لعقبة بن نافع سنة (63هـ)، وعزم على الثأر
من البيزنطيين و «البربر»، لكنه لم يستطع أن يحقق هدفه إلا فى
سنة (69هـ)، نظرًا لانشغال الدولة الأموية بالأحداث والفتن
الخطيرة التى حدثت فى الداخل بعد وفاة «يزيد بن معاوية» سنة
(64هـ). تحرّك «زهير» بجيش كبير وزحف على «القيروان» سنة
(69هـ)، والتقى على مقربة منها بجيش «كسيلة»، فهزم «البربر»
هزيمة ساحقة بعد معركة شديدة وفى أثناء عودته إلى «برقة»
للدفاع عنها - بعد ما نمى إلى علمه أن البيزنطيين زحفوا عليها
فى جموع عظيمة - تعرض لهجوم بيزنطى مفاجئ، فلقى حتفه
هو ومن معه. وصلت أخبار استشهاد «زهير» ومن معه إلى
الخليفة «عبدالملك بن مروان» وهو مشغول بصراعه مع الخوارج
والشيعة وآل الزبير، فلم يتمكن من القيام بعمل حاسم إلا بعد أن
استقرت له الأوضاع، فأسند قيادة جبهة الشمال الإفريقى إلى
«حسان بن النعمان» وأمده بجيش كبير من «مصر» والشام، بلغ(13/84)
عدده نحو أربعين ألف جندى. واستطاع «حسان» بعد جهد جهيد
القضاء على الوجود البيزنطى فى الشمال الإفريقى، وأن يحطم
مدينة «قرطاجنة» أكبر مركز بيزنطى، وأن يبنى محلها مدينة
«تونس» الحالية، كما قضى على كل مقاومة للبربر، بعد أن
حقق نصرًا هائلا على زعيمتهم الكاهنة التى آلت إليها الزعامة
بعد مقتل «كسيلة»، ونعم المسلمون بأولى فترات الاستقرار فى
«المغرب». ولم يكن «حسان بن النعمان» قائدًا عسكريا عظيمًا
فحسب، بل كان رجل دولة وتنظيم وإدارة أيضًا، فأنشأ
الدواوين، ورتَّب أمور الخراج والجزية، ووطَّد سلطان الحكم
الجديد فى الثغور والنواحى، وجدد مدينة «القيروان»، وأنشأ
بها المسجد الجامع، ووضع سياسات مستقبلية انتهت بأهل
الشمال الإفريقى كله إلى اعتناق الإسلام. حلّ «موسى بن
نصير» سنة (85هـ) محل «حسان بن النعمان» فى ولاية شمالى
إفريقيا وقيادة جيوش الفتح بها، فأكمل ما بدأه سابقوه من
القادة العظام، وقدِّر له أن يجنى ثمار غرسهم، ففى ولايته تم
فتح «المغرب» كله، وأقبل أبناؤه على اعتناق الإسلام فى
حرية تامة، بعدما أدركوا وفهموا ما يحمله من عزة وكرامة
وحرية وعدل ومساواة.(13/85)
*سنباذ (حركة)
قاد «سنباذ» - وهو أحد أتباع «أبى مسلم» - حركة ثورية للثأر
لمقتل «أبى مسلم الخراسانى»، ومحاربة الإسلام، وأحس الخليفة
«المنصور» بخطر هذه الحركة فأرسل جيشًا كبيرًا استطاع
القضاء على قوات «سنباذ» وقتله وهو فى طريقه لاجئًا إلى
حاكم «طبرستان».(13/86)
*سومنات (معركة)
فى سنة (416هـ = 1025م)، قام السلطان «محمود بن سبكتكين
الغزنوى» بآخر غزواته فى بلاد «الهند»، وهى غزوة
«سُومْنَات» وكان بقلعة «سومنات» الحصينة معبد يضم نفائس
الذهب والفضة والجواهر، مما لا يوجد له نظير فى أى مكان آخر
فى شبه القارة الهندية، بالإضافة إلى صنم البراهمة الأعظم الذى
يحج إليه الهنود من كل مكان، فاقتحم السلطان «محمود» هذه
القلعة، فى (ذى القعدة سنة 416هـ = ديسمبر سنة 1025م) بعد
أن استبسل الهنود فى الدفاع عنها، واستولى على كل ما فيها
من نفائس قُدِّرت قيمتها بأكثر من عشرين مليون دينار، وحطم
السلطان «محمود» بنفسه صنم البراهمة الأعظم بسومنات وأرسل
منه قطعًا إلى «غزنة»، و «مكة» و «بغداد» إعلانًا بهذا الفتح
العظيم، وكان السلطان «محمود» يتصل -عادة- بالخليفة «القادر
بالله» فى «بغداد» بعد كل فتح عظيم فى البلاد الهندية؛ ليخبره
بما فتح الله للمسلمين فى هذه البلاد، مجددًا ولاءه له.(13/87)
*شبه الجزيرة الأيبيرية (فتح)
كان الذى دعا المسلمين إلى فتح تلك البلاد هو «يوليان» حاكم
ولاية «سبتة» المغربية الواقعة على ساحل البحر، والخاضعة
لحكم «القوط» آنذاك، ولم يكن المسلمون قد فتحوها، فاتصل
حاكمها بطارق بن زياد حاكم «طنجة»، وعرض عليه الفكرة،
فنقلها إلى «موسى بن نصير» الذى اتصل بالخليفة «الوليد بن
عبدالملك»، فأذن له الخليفة، على أن يتأكد من صدق نيات
«يوليان»، وأن يرتاد البلاد بحملة استطلاعية، ليعرف أخبارها
قبل أن يدخلها فاتحًا. كلَّف «موسى بن نصير» أحد رجاله وهو
«طريف بن مالك» على رأس خمسمائة جندى، بدخول «الأندلس»
وجمع ما يمكن جمعه من أخبار، كما طلب من «يوليان» أن
يوافيه بتقرير عن أوضاع البلاد، فاتفقت معلومات «طريف» التى
جمعها مع تقرير «يوليان»، وكلها تفيد أن البلاد فى حالة
فوضى، وتعانى من الضعف العسكرى، وأن الناس ينتظرون
المسلمين ليرفعوا عنهم الظلم، وعاد جيش «طريف» سنة (91هـ)
محملا بالغنائم. اختار «موسى بن نصير» للقيام بمهمة فتح
«الأندلس» طارق بن زياد» وهو من أصل بربرى لما يتمتع به من
شجاعة ومهارة فى القيادة، فخرج فى سبعة آلاف جندى،
معظمهم من «البربر»، وعبر المضيق الذى يفصل بين الساحل
المغربى والساحل الأندلسى، والذى لايزال يحمل اسمه، ونزل
على الجبل - الذى حمل اسمه أيضًا - فى شهر رجب سنة (92هـ)،
واستولى عليه بعد عدة معارك مع القوات القوطية التى كانت
تقوم بحراسته، وتوغَّل فى جنوبى البلاد. وما إن علم الملك
«روذريق» بنزول المسلمين فى بلاده - وكان فى شمالى غربى
البلاد مشغولا بقمع ثورة اندلعت ضده - حتى عاد مسرعًا للقاء
المسلمين على رأس جيش قوامه نحو مائة ألف جندى، ولما علم
«طارق» بعودة الملك طلب مددًا من «موسى بن نصير»، فأمدََّه
بخمسة آلاف، وأصبح عدد جيشه اثنى عشر ألفًا، والتقى
الفريقان فى أواخر شهر رمضان سنة (92هـ)، وحقق المسلمون(13/88)
نصرًا حاسمًا، ويؤكد المؤرخون أن هذه المعركة المعروفة باسم
معركة «شذونة» قد قررت مصير «الأندلس» لصالح المسلمين، لأن
الجيش القوطى دُحر تمامًا، وهبطت روحه المعنوية إلى الحضيض،
ولم يعد قادرًا على المقاومة، فانفتح الطريق أمام البطل الفاتح
«طارق بن زياد»، ليستولى على مدن مهمة، مثل: «قرطبة»،
و «غرناطة»، ووصل إلى «طليطلة» فى وسط البلاد، وكانت
عاصمة البلاد فى ذلك الوقت. أرسل «طارق» إلى «موسى بن
نصير» يبشره بهذه الانتصارات، ويطلب منه مددًا جديدًا، فعبر
إليه بنفسه على رأس قوة كبيرة قوامها ثمانية عشر ألفًا،
ونجح فى فتح عدد من المدن فى غربى البلاد مثل «إشبيلية»
وهو فى طريقه إلى لقاء «طارق» فى «طليطلة». اتفق القائدان
العظيمان على استكمال فتح «الأندلس»، فاتجه كل منهما إلى
ناحية فأخذ «طارق بن زياد» طريقه إلى الشمال الشرقى، فى
حين اتجه «موسى» إلى الشمال الغربى، ونجح الاثنان فى
غضون عامين (93 - 95هـ) فى فتح معظم «شبه الجزيرة
الأيبرية».(13/89)
*عمورية (معركة)
تعدُّ معركة «عمورية» سنة (223هـ= 838م)، أبرز المعارك بين
المسلمين والبيزنطيين فى عهد «المعتصم بالله»، وكان سببها
اعتداء الإمبراطور البيزنطى «تيوفيل بن ميخائيل» على بعض
الثغور والحصون على حدود «الدولة الإسلامية»، وحين بلغ
«المعتصم» ما وقع للمسلمين فى هذه المدن، وصيحة امرأة
مسلمة وقعت فى أسر الروم: وامعتصماه، فأجابها وهو جالس
على سريره: لبيك لبيك، وجهز جيشًا ضخمًا أرسله على وجه
السرعة لإنقاذ المسلمين، ثم خرج بنفسه على رأس جيش كبير
وفتح مدينة «عمورية»، وهى من أعظم المدن البيزنطية،
واستولى على ما بها من مغانم وأموال كثيرة جدا.(13/90)
*محمد النفس الذكية (ثورة)
هو «محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى
طالب»، المعروف بالنفس الزكية، زعيم البيت العلوى والشيعة،
ومنذ مقتل الإمام «على» - كرم الله وجهه - والشيعة يحاولون
الوصول إلى مقعد الحكم عن طريق الثورات والخروج على
السلطة، باعتبارهم أصحاب الحق الشرعى. وبقيام «الدولة
العباسية» وتولِّى العباسيين الخلافة انتقل صراع العلويين على
الخلافة من محاربة الأمويين إلى محاربة أبناء عمومتهم
العباسيين. وعلى الرغم من أن أسرة «محمد النفس الزكية» لم
تتخذ موقفًا عدائياً واضحًا فى بدء الخلافة العباسية فإن الأمر
تغير حين تولَّى «أبو جعفر المنصور» الخلافة وبدأ يتعقب
«محمدًا النفس الزكية» وأخاه «إبراهيم» اللذين اختفيا وأخذا
يعملان سرا فى الدعوة لنفسيهما والخروج على «الدولة
العباسية». ولما فشل «أبو جعفر المنصور» فى القبض على
«محمد النفس الزكية» أمر بالقبض على عدد كبير من أفراد
أسرته، وحملهم إلى سجون «العراق» وعذَّبهم لإرغام «محمد
النفس الزكية» على الظهور، وقد نجح «أبو جعفر» فى ذلك؛
فظهر «محمد النفس الزكية» فى «المدينة المنورة» فى (رجب
سنة 145هـ= سبتمبر سنة 762م) وقتله العباسيون هناك، كما
قتلوا أخاه «إبراهيم» بالعراق، وكثيرًا من أهلهما.(13/91)
*المختار بن أبى عبيد الثقفى (ثورة)
وهو من الشخصيات التى كانت تسعى إلى السلطة بأى ثمن،
تقلَّب من العداء لآل البيت، إلى الاتصال بعبدالله بن الزبير حين
أعلن نفسه خليفة سنة (64هـ)، فلما لم يجد تجاوبًا به، انطلق
إلى «الكوفة» التى كانت تموج بالفوضى بعد هزيمة التوابين
فادَّعى أنه جاء مندوبًا من عند «محمد بن على بن أبى طالب»،
المشهور بابن الحنفية للمطالبة بدم الحسين والأخذ بثأره. ولم
يكن «المختار» صادقًا فى دعواه، وإنما هداه تفكيره الانتهازى
إلى استخدام مأساة «الحسين» ذريعة للوصول إلى مطالبه،
وكان الشيعة فى تلك الفترة يفتقرون إلى الزعامة بعد مقتل
«سليمان بن صرد الخزاعى»، فلما وجدوا «المختار» - وكان
بارعًا فى الحيل وخداع الناس - التفوا حوله وأسلموا له القيادة.
ازداد نفوذ «المختار» بعد أن حالفه التوفيق فانتصر على جيش
أموى، وقتل قائده «عبيدالله بن زياد» فى معركة عند نهر
«الخازر» بالقرب من «الموصل» سنة (67هـ)، ولما كان «ابن
زياد» يعد المسئول الأول عن قتل «الحسين» فى «كربلاء»،
فقد دعم مقتله «المختار»، وزاد من ثقة الشيعة به ووقوفهم
خلفه، فاستفحل أمره، وعظم شأنه، واتسع نفوذه، وقامت له
دولة فى «الكوفة»، اتسعت رقعتها لتشمل معظم «العراق». لم
ينعم «المختار» بدولته طويلا، فقد أزعج صعود أمره «آل
الزبير» فى «مكة»، و «عبدالملك بن مروان» فى «دمشق»،
فأرسل «عبدالله بن الزبير» أخاه «مصعباً» بجيش ضخم، قضى
به على «المختار» فى سنة (67هـ). وانتهت بذلك حركة واحد من
كبار المغامرين المتطلعين إلى السلطة فى العصر الأموى، ولم
تنفعه مزاعمه وادعاءاته حب آل البيت والثأر لقتلاهم، فقد
انكشفت حيله، وتخلَّى عنه الشيعة وأسلموه إلى مصيره
المحتوم.(13/92)
*ملاذكرد (معركة)
عزم الإمبراطور البيزنطى «رومانوس الرابع» على طرد
«السلاجقة» من «أرمينيا» وضمها إلى النفوذ البيزنطى، فأعد
جيشًا كبيرًا سنة (463هـ = 1071م) يتكون من مائتى ألف مقاتل،
وتولَّى قيادته بنفسه، وزحف به إلى «أرمينيا»، وعندما علم
السلطان «ألب أرسلان» بذلك وهو بأذربيجان لم يستطع أن
يجمع من المقاتلين إلا خمسة عشر ألف فارس، فتقدم بهم إلى
لقاء الإمبراطور البيزنطى وجحافله، والتقت مقدمة جيش السلطان
بمقدمة جيش «رومانوس» فى «أرمينيا» فهزمتها. وقد أراد
السلطان «ألب أرسلان» استغلال هذا النصر المبدئى فأرسل إلى
الإمبراطور «رومانوس» يعرض عليه الصلح، إدراكًا منه لحرج
موقفه بسبب قلة جنده، فرفض «رومانوس» الصلح وهدد
السلطان بالهزيمة والاستيلاء على ملكه، وقد ألهب هذا التهديد
حماس السلطان وجيشه وعزموا على إحراز النصر أو الشهادة،
ووقف فقيه السلطان وإمامه «أبو نصر محمد بن عبدالملك
البخارى» يقول للسلطان: «إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره
وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله - تعالى - قد
كتب باسمك هذا الفتح، فالْقَهُم يوم الجمعة بعد الزوال، فى
الساعة التى تكون الخطباء على المنابر، فإنهم يدعون
للمجاهدين بالنصر، والدعاء مقرون بالإجابة». فلما جاءت هذه
الساعة صلى بهم، وبكى السطان فبكى الناس لبكائه ودعا
ودعوا معه، ولبس البياض وتحنَّط وقال: إن قُتِلْتُ فهذا كفنى!
والتقى جيش السلطان وجيش الإمبراطور فى مدينة «ملاذكرد»
بأرمينيا، وحمل المسلمون على الروم حملة رجل واحد، وأنزل
الله نصره عليهم فانهزم الروم وامتلأت الأرض بجثثهم، وتمكن
المسلمون من أسر إمبراطور الروم «رومانوس»، فأحسن
السلطان «ألب أرسلان» معاملته، وأعفاه من القتل مقابل فدية
مقدارها مليون ونصف مليون دينار، وعقد معه صلحًا مدته
خمسون عامًا، وأطلق سراحه وأرسل معه جندًا أوصلوه إلى(13/93)
بلاده ومعهم راية مكتوب عليها «لا إله إلا الله محمد رسول الله».
وقد أنهت معركة «ملاذكرد» النفوذ البيزنطى فى «أرمينيا»
بصورة مطلقة، وفتحت المجال لامتداد النفوذ الإسلامى
السلجوقى إلى «آسيا الصغرى»، وتهديده العاصمة البيزنطية
وما وراءها فى «أوربا». وقد حدثت هذه المعركة المظفرة -
معركة «ملاذكرد» - فى شهر (ذى القعدة سنة 463هـ = أغسطس
1071م).(13/94)
*عين جالوت (معركة)
بعد سقوط «بغداد» زحف التتار بقيادة «هولاكو» تجاه «سوريا»
واحتلوا «حلب»، وقتلوا خمسين ألفًا من سكانها، ثم احتلوا
«حماة» و «دمشق» وعقدوا معاهدة مع «أنطاكية» (على حدود
الروم) للتحالف ضد المسلمين، ولم يكتفِ «هولاكو» بذلك، بل
أرسل إلى ملك «مصر» يطلب منه التسليم، ويهدده بالقضاء على
جيوش المسلمين كلها إن لم يُسرع بذلك، فقد رأى «هولاكو» أثر
تهديداته بهذه الصورة على مقر الخلافة فى «بغداد»، وظن أن
يجد الصدى نفسه لدى حكام «مصر»، ويدخل «مصر» بسهولة
ودون مقاومة مثلما دخل «بغداد»، إلا أن «سيف الدين قطز»
أجبره على أن يفيق من أحلامه بصاعقة لم تكن متوقعة، فقد
مزق رسالته وقتل رسله وعلق رءوسهم على مداخل «القاهرة»،
وتوعده بالموت والهلاك إن لم يرحل عن هذه البلاد التى قتل من
مسلميها ما لايُحصَى عدده، وجعل الدماء أنهارًا فى «بغداد»
والشام. خرج «المظفر قطز» فى أواخر شهر شعبان سنة
(658هـ) لملاقاة التتار الذين وصلت طلائعهم إلى غزة بقيادة
«كتبغا»، ودارت رحى المعركة بين الطرفين فى «عين جالوت»
بفلسطين فى رمضان من سنة (658هـ)، وأظهر فرسان المماليك،
والجند المصريون شجاعة بالغة بقيادة السلطان «المظفر قطز»
وبجواره «بيبرس» أعظم فرسان المماليك البحرية. وتجدر
الإشارة إلى الارتباك الشديد الذى حدث بين صفوف المسلمين
فى بدايةالمعركة، فلما رأى «قطز» ذلك عمل على رفع معنويات
جنده وشد عزيمتهم، وألقى خوذته عن رأسه إلى الأرض، وصاح
بأعلى صوته: واإسلاماه .. واإسلاماه؛ فاستجاب له الجند، ودوت
الصيحة فى ميدان المعركة، ورفع المسلمون أصواتهم بالتكبير ..
الله أكبر .. الله أكبر، وعمدوا إلى قتال عدوهم، وجاهدوا
بإخلاص وثقة فى سبيل الله للحفاظ على الدين والأرض والمال
والولد، فكتب الله لهم النصر المؤزر على جحافل التتار، وقضوا
عليهم قضاء مبرمًا.(13/95)
*مرج الصقر (معركة)
معركة جرت وقائعها بين «الناصر محمد بن قلاوون» والمغول
بقيادة زعيمهم «غازان» فى «مرج الصقر» على مقربة من
«حمص» فى سنة (702هـ)، فقد حاول المغول الثأر لهزيمتهم فى
«عين جالوت»، فواجههم «الناصر محمد» بما تميز به من شدة
وبأس وقوة عزيمة، وهزمهم هزيمة ساحقة مات على إثرها
«غازان» زعيم المغول حزنًا، وقوبل «الناصر محمد» بأعظم
مظاهر الترحيب حين عودته من الشام إلى «مصر»، وأقيمت له
أقواس النصر، وخرج الشعب كله لاستقباله وتهنئته والترحيب به.(13/96)
*العقاب (معركة)
بعدموقعة الأرك عقدت هدنة بين المسلمين والنصارى سنة
(594هـ = 1198م)، ولكن ملك النصارى ما كان ليستريح بعد
هزيمته القاسية فىتلك المعركة، ولذلك أخذ فى الاستعداد
لمعركة جديدة مع المسلمين قبل انتهاء أمد الهدنة وأعد جيشًا
ضخمًا واحتشد بكل ما يستطيع بمعاونة كاملة من ملوك النصارى
فى غرب أوربا ومن البابوية ومن نصارى إسبانيا وشجعه موت
أبى يوسف يعقوب خليفة الموحدين، وتولية خلفه أبى عبدالله
محمد الناصر الذى كان أقل كفاءة من أبيه وقد عبر الخليفة
الجديد إلى الأندلس فى ذى الحجة (607هـ = 1211م) على رأس
جيش ضخم ونزل إشبيلية ومن هناك صعد شمالى الوادى الكبير
وعسكر فى سهل تكثر فيه التلال الصغيرة ويقع غربى الحصن
المسمى بالعقاب (جمع عقبة)، وأقبل النصارى كذلك، وعسكروا
فوق هضبة الملك المشرفة على معسكر المسلمين، وقبل اللقاء
استولى النصارى على قلعة «رباح» من قائدها الأندلسى،
وعندما وصل هذا القائد إلى معسكر الناصر قتله دون تحقيق،
الأمر الذى أغضب الأندلسيين وأثَّر فى معنوياتهم. بدأ اللقاء فى
(15 من صفر 609هـ = 16 من يوليو 1212م)، وانخذل الأندلسيون
والخارجون على المسلمين من العرب بعد قليل، وتركوا الجناح
الشرقى للمسلمين مكشوفًا فانقض عليهم النصارى وحصدوا
الألوف من متطوعة المسلمين المجاهدين من الأندلس كما حصدوا
زهرة مقاتلى الأندلس، وعددًا كبيرًا من خيرة العلماء والفقهاء
والقضاة، وكان الخطب عظيمًا حتى قيل إن الإنسان كان يتجول
فى المغرب بعد المعركة فلا يصادف شابًا قادرًا على القتال.(13/97)
*قلونية (معركة)
حين وصل إلى مسامع عبدالملك المظفر بالله حاجب الخليفة
الأندلسى هشام المؤيد بالله أن أمير قشتالة يفكر فى الاعتداء
على أراضى المسلمين، خرج لغزوته الخامسة المسماة «غزوة
قلونية» فى (صيف 397هـ = 1007م)، واخترق أراضى قشتالة
ليحارب ملكها الذى تحالف معه ملك ليون وملك نبرة، وعدد من
زعماء النصارى الذين وحدوا صفوفهم، ومع ذلك فقد تمكن
عبدالملك من إلحاق هزيمة بهم جميعًا عند مدينة «قلونية»،
وحملهم على طلب الصلح ثم عاد إلى قرطبة أواخر العام
المذكور، فسر الناس بما حقق، واتخذ هو لقب «المظفر بالله»
إشادة بما أحرز من نصر عظيم.(13/98)
*العلة (معركة)
فى شوال 397هـ خرج عبدالملك المظفر بالله حاجب الخليفة
هشام المؤيد بالله بغزوته السابعة والأخيرة وتعرف «بغزوة
العلة»؛ إذ إنه ما كاد يصل إلى مدينة سالم حتى اشتد به المرض
وتفرق عنه المتطوعة، واضطر إلى الرجوع إلى قرطبة فى
(المحرم 399هـ = سبتمبر 1008م) لكنه شعر بتحسن فى صحته
فعمل على استئناف الغزو بعد فترة وجيزة لكن حالته ساءت،
وتعرض لنكسة سببها التهاب رئوى، وعاد إلى العاصمة فى
محفة حيث مات فى (16 من صفر سنة 399هـ = 21 من أكتوبر
1008م) بعد حكم دام نحو سبع سنوات.(13/99)
*مرج دابق (معركة)
معركة دارت بين المماليك بقيادة السلطان الغورى والعثمانيين
بقيادة سليم الأول حيث التقى الجمعان على مشارف «حلب» فى
«مرج دابق» سنة (923هـ= 1517م)، وحقق العثمانيون النصر،
وقُتل السلطان «الغورى»،ودخل «سليم الأول» «حلب» ثم
«دمشق» ودُعى له فى المساجد، وفتحت كثير من المدن الشامية
أبوابها للعثمانيين دون مقاومة تذكر.(13/100)
*المورة (معركة)
وقعت بين الأتراك والمصريين من ناحية واليونانيين من ناحية
أخرى، بعد إعلان اليونانيين الثورة على العثمانيين، وإعلان
استقلالهم، وفشل القوات العثمانية فى القضاء على هذه الثورة
سنة (1236هـ= 1821م)،. واستعان السلطان العثمانى بمحمد على
وجيشه الحديث للقضاء على هذه الثورة، فأعد محمد على جيشًا
كبيرًا بقيادة ابنه إبراهيم باشا، وتكوَّن من (17) ألف جندى من
المشاة و (700) فارس و (51) سفينة حربية و (146) سفينة نقل.
والتقى الأسطول المصرى مع الأسطول التركى فى ميناء
بوردروم، وسارا إلى المورة، ودارت معارك شديدة هناك،
وأدرك إبراهيم باشا أنه لا سبيل إلى الانتصار على اليونانيين
إلا فى البر؛ لذلك خاض معارك شرسة ضد اليونانيين فى البر،
واستطاع أن يحقق انتصارات عظيمة عليهم، وأوشك على
القضاء على هذه الثورة، إلا أن تآمر الدول الأوربية وتدخل
«روسيا» و «بريطانيا» فى الحرب وتحطيمهم للأسطول المصرى
فى معركة «نوارين» سنة 1827م جعل «محمد على» يقبل الهدنة
ويسحب جيشه من «المورة».(13/101)
*موهاج (معركة)
بعد خمس سنوات من استيلاء العثمانيين على «بلجراد»
سنة (927هـ = 1521 م)، أخذ ملك «المجر» «لايوش» يجمع القوى
الأوربية لمحاربة العثمانيين، وكتب إلى كل من «شرلكان»
الإمبراطور الألمانى، و «فرديناند» الأرشيدوق النمساوى يطلب
منهما التحالف معه ضد العثمانيين. وفى الوقت نفسه كان
السلطان «سليمان القانونى» يستعد لمحاربة «المجر»، فتحرك
بجيشه فى سنة (932هـ= 1526م) فى أكثر من (60) ألف جندى
حتى وصل إلى «صحراء موهاج» المجرية، وهناك دارت معركة
ضخمة من معارك الإسلام فى يوم (21 من ذى القعدة 932هـ= 29
من أغسطس 1526م)، هزم فيها العثمانيون الجيش المجرى،
وكان من أرقى الجيوش الأوربية، ومعروف بفرسانه
المدرعين، ولعبت المدفعية العثمانية دورها فى هذا النصر
السريع الذى أحرزه الجيش العثمانى فى ساعتين، على الرغم
من قطعه مسافات طويلة، حتى وصل إلى أرض المعركة. وقد
تكبَّد الجيش المجرى خسائر هائلة فلم تقم له قائمة، فقد أسر
العثمانيون حوالى (25) ألف جندى، وتعرض نحو (75) ألفًا للقتل
أو للغرق فى مستنقعات «موهاج»، وكان الملك المجرى
«لايوش» ممن مات غرقًا فى هذه المستنقعات. وقد رفعت
الرايات العثمانية فوق العاصمة المجرية «بشت»، ولم تكن قد
عرفت باسمها الآن «بودابست»، وأعلن منها السلطان «سليمان
القانونى» خضوع «مملكة المجر» للحماية العثمانية.(13/102)
*مؤتة
هى إحدى الغزوات التى شهدها النبى - صلى الله عليه وسلم - بنفسه، ووقعت أحداثها
فى (جمادى الآخرة 8هـ = أغسطس 629م) بمؤتة، إحدى قرى
البلقاء بالشام، وموضعها بالأردن حاليًّا، وسببها: أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قد
أرسل الحارث بن عمير الأزدى بكتاب إلى حاكم بُصرى بأرض
الشام - والتى كانت تابعة للروم - يدعوه إلى الإسلام، ولكن
شرجبيل بن عمرو الغسانى حاكم البلقاء قتل الحارث بن عمير؛
فجهز النبى - صلى الله عليه وسلم - جيشاً قوامه ثلاثة آلاف رجل، وجعل إمرته لزيد بن
حارثة، فإن قُتل فجعفر بن أبى طالب فإن قتل فعبد الله بن
رواحة، فإن قتل فليختر المسلمون من بينهم أميرًا. وتحرك
الجيش حتى نزل معان من أرض الشام وجاءتهم الأخبار أن هرقل
نزل بمآب من أرض البلقاء فى مائة ألف من الروم، وانضم إليهم
مائة ألف أخرى من قبائل لخم وجذام وبلقين وبهراء، وفوجئ
المسلمون بهذا العدد الكبير، وأقاموا ليلتين فى معان تشاوروا
خلالهما فى الأمر، واتفقوا على المواجهة، وتحركوا حتى التقوا
جيش الروم عند مؤتة، وأبلى المسلمون بلاءً حسنًا، وثبتوا ثباتًا
عظيمًا، على الرغم من استشهاد قادتهم الثلاثة، ثم اختاروا خالد
بن الوليد أميرًا عليهم فقام ببعض التعديلات، فجعل المقدمة
ساقة، والميمنة ميسرة، والعكس، وفوجئ العدو بذلك فظنوا أن
مددًا قد جاء إلى المسلمين، وأثناء سير المعركة نجح خالد فى
أن يتأخر بجيشه قليلاً قليلاً - مع حفظ نظام الجيش - وخاف الروم
من تتبعهم خشية أن تكون مكيدة. واستشهد فى هذه المعركة
(12) رجلاًَ، وعاد المسلمون إلى المدينة فاستقبلهم الناس باللوم
وهو يحسون التراب عليهم ويقولون: يافُرار، فررتم فى سبيل
الله، فيقول النبى - صلى الله عليه وسلم -: ليسوا فُرَّارًا ولكنهم كُرار إن شاء الله.
وكانت غزوة مؤتة أول قتال بين المسلمين والروم.(13/103)
*كربلاء
معركة وقعت فى (العاشر من المحرم سنة 61هـ) بمدينة كربلاء
بالعراق بين الحسين بن على بن أبى طالب وجيش يزيد بن
معاوية، وسببها: أن يزيدًا لما ولى الخلافة رفض الحسين مبايعته
وكان بالمدينة، فتركها ورحل إلى مكة، واجتمع الشيعة
بالكوفة وأرسلوا له كتبًا يدعونه إلى الذهاب إليهم، فلما وصلت
تلك الرسائل إلى الحسين بعث ابن عمه مسلم بن عقيل ليتبين
حقيقة الأمر، فسار إلى الكوفة، والتف حوله كثير من الشيعة
وبايعوه، فاغتر بما شاهده، وأرسل إلى الحسين يستحثه على
القدوم. وفى تلك الأثناء تولى عبيد الله بن زياد إمارة الكوفة
إلى جانب البصرة، فأخذ الشيعة بالشدة، فتفرقوا عن مسلم بن
عقيل وانتهى الأمر بقتله. ولما أستبطأ الحسين أخبار مسلم خرج
إلى الكوفة على رأس ثمانين رجلاً، فلما دنا منها وعلم بقتل
مسلم بن عقيل وخذلان أهلها له، همَّ بالرجوع، لكن إخوة مسلم
صمموا على الأخذ بثأر أخيهم أويُقْتَلون دونه، فنزل الحسين
على رأيهم وسار حتى نزل كربلاء، وهناك التقى جيش عبيد الله
بن زياد ونشب قتال بينهما انتهى بمقتل الحسين وكثيرٍ من أهل
بيته.(13/104)
*مرج الصفر (معركة)
موضع بالشام، كانت به معركة، انتصر فيها المسلمون على
نصارى الشام بعد وقعة أجنادين، قبل وفاة أبى بكر الصديق
رضى الله عنه بأربعة أيام. ونشبت هذه المعركة لمّا كان
المسلمون يحاصرون دمشق، أتاهم آتٍ فأخبرهم أن: جيشًا قد
أقبل نحوكم من عند ملك الروم، فنهض خالد بن الوليد بالناس،
وأقبلوا نحو ذلك الجيش، وألحقوا الهزيمة به، وتفرَّق المشركون،
فمنهم من دخل دمشق مع أهلها، ومنهم من رجع إلى حمص،
ومنهم من لحق بقيصر الروم. وقتل من الروم نحو خمسمائة،
وأُسِر منهم نحو ذلك.(13/105)
*وادى نكور (معركة)
جرت بين الموحدين وبنى مرين سنة (613 هـ)؛ حيث كان الضعف
قد ضرب بجذوره فى دولة الموحدين، وانشغل زعماء الموحدين
بالمؤامرات والدسائس؛ للوصول إلى السلطة، وأتاح هذا الجو
الفرصة للقبائل أن تمارس السلب والنهب، ومن هذه القبائل بنو
مرين الذين أخذوا فى الإغارة على القرى والمدن وترويع
الآمنين وإشاعة الفوضى؛ لذلك قرر الموحدون تأديبهم؛ فجرد
الخليفة جيشًا بقيادة أبى على بن وانورين، وانضمت إليه قوات
والى فاس بقيادة أبى إبراهيم بن يوسف الذى تولى القيادة،
والتقى الجيشان فى وادى نكور، واستطاع بنو مرين هزيمة
الموحدين هزيمة ساحقة، وقتل قائد الموحدين.(13/106)
*نفارين (معركة)
وقعت فى خليج نفارين غربى اليونان، بين الأسطول المصرى
والعثمانى من جهة، والأسطول الأوربى من جهة أخرى، وكان
الأسطول المصرى العثمانى يدعم القوات البرية بقيادة إبراهيم
باشا، وكانت هذه القوات تحاول القضاء على ثورة المورة.
وتألف الأسطول الأوربى من بريطانيا وروسيا وفرنسا. وقد ضم
الأسطول المصرى العثمانى (62) قطعة بحرية و (1962)
مدفعًا، فى حين شمل الأسطول الأوربى (27) قطعة بحرية
و (1294) مدفعاً. وقد استهدف الأوربيون تدمير الأسطول المصرى
العثمانى، ونجحوا فى ذلك، ووصلت الخسائر المصرية العثمانية
إلى ثلاثة آلاف قتيل، إلى جانب عدد من الجرحى، ولم يخسر
الأوربيون سوى (140) قتيلاً؛ ومن ثم فقد قضت هذه المعركة
على البحرية العثمانية. ويجدر بالذكر أن إبراهيم باشا لم يشهد
هذه المعركة؛ لانشغاله بالحرب داخل المورة. وعقب هذه
المعركة أعلن السلطان العثمانى الجهاد المقدس.(13/107)
*ملبد بن حرملة الشيبانى (ثورة)
ملبد بن حرملة: أحد قواد الخوارج فى العصر العباسى. قاد ثورة
بالجزيرة فى العراق فى عهد المنصور العباسى سنة (137 هـ)،
ومعه ألف فارس، فوجه إليه المنصور عدة جيوش، إلا أن ملبد بن
حرملة انتصر عليها؛ فوجه إليه المنصور خازم بن خزيمة فى
ثمانية آلاف مقاتل، وكاد ملبد أن ينتصر عليهم، إلا أن خازمًا قتل
(800) من أتباع ملبد، على رأسهم ملبد نفسه سنة (138 هـ)،
وبذلك انتهت ثورة ملبد بمقتله.(13/108)
*مرج راهط (معركة)
وقعت بين القيسيين المؤيدين لعبد الله بن الزبير، والكلبيين
المؤيدين للأمويين فى مرج راهط سنة (64 هـ)، بالقرب من الشام.
وكان القيسيون بقيادة الضحاك بن قيس، والأمويون بقيادة
مروان بن الحكم؛ فبعد أن خلع معاوية بن يزيد نفسه من الخلافة
ومات صار أهل الشام بلا خليفة، فأراد مروان بن الحكم مبايعة
عبد الله بن الزبير، فنشبت الحرب، وكان أنصار عبد الله بن
الزبير (30) ألفاً، أما أنصار الأمويين فكان عددهم (7) آلاف،
واستمرت المعركه بين الطرفين (20) يوماً، وأسفرت عن مقتل
الضحاك وبعض أنصاره، وهروب القيسيين وانتصار مروان بن
الحكم، وتثبيت حكم الأمويين وخلافتهم.(13/109)
*هارون بن عبد الله الشارى (ثورة)
قامت فى العصر العباسى فى عهد المعتضد بالله أبى العباس،
بزعامة هارون بن عبد الله الشارى الذى خرج فى أطراف
الموصل، وتبعه عدد كبير، فقصده المعتضد سنة (282هـ =
895م)، ودار بينهما قتال شديد انهزم فيه هارون، واستسلم
أصحابه. وبقى هارون فى قلة، فعبر نهر دجلة فتعقبه الحسين
بن حمدان التغلبى فى ثلاثمائة فارس، ودار بينهما قتال، انتهى
بهزيمة هارون الشارى، وأسره وقتله سنة (283 هـ = 896 م).(13/110)
*أبو قير
معركة بحرية، وقعت فى (2 من أغسطس 1798 م)، بين الأسطول
الفرنسى بقيادة الأميرال برويس، والأسطول الإنجليزى بقيادة
الأميرال نلسون. وكان قوام الأسطول الفرنسى (55) سفينة
بحرية و (280) ناقلة، فى حين لم يتجاوز الأسطول الإنجليزى
(14) سفينة حربية، ومع ذلك فقد تمكن الأسطول الإنجليزى من
إلحاق هزيمة ساحقة بالأسطول الفرنسى؛ إذ أغرق معظم سفن
أسطولهم، واستسلم ما تبقى منها، ولم ينجُ من الأسطول كله
سوى ثلاث سفن، هربت اثنتان منها إلى مالطة، وفرت الثالثة
إلى البحر الأدرياتيكى. ولم يكن ممكنًا للأسطول البريطانى
القليل العدد بالنسبة إلى الأسطول الفرنسى أن يهزم هذا الأخير
لولا عنصر المفاجأة الذى استغله الإنجليز استغلالاً تامًّا وناجحًا.
وبعد هذه المعركة قام الأسطول الإنجليزى بقطع الإمداد البحرى
عن فرنسا؛ فاصطرت الحملة الفرنسية إلى أن تعتمد فى تموين
الجيش وسد نفقاته على مصر وحدها. وكان لذلك أثر كبير فى
الحد من تطلعات نابليون التوسعية.(13/111)
*الأعراب (ثورة)
ثورة قام بها بنو سليم وغيرهم من البدو فى بلاد الحجاز، ضد
الخليفة العباسى الواثق، وقام فيها هؤلاء الأعراب بنهب
الأسواق، وقطع الطرق، والإيقاع بجند والى المدينة المنورة.
أرسل إليهم الواثق فى (شعبان 230هـ) جيشًا بقيادة بغا الكبير
أحد قواد الأتراك، فقتل منهم نحو خمسين رجلاً، وأسر مثلهم،
وهزم سائرهم، فدعاهم بغا إلى الأمان على حكم الواثق
فاجتمعوا إليه، فاحتبس منهم من وصف بالشر والفساد، وهم
زهاء ألف رجل، وخلَّى سبيل سائرهم. ثم رحل بالأسرى إلى
المدينة فى (ذى القعدة 230هـ) فحبسهم بها، ثم سار لإخضاع
بنى مرة بعدن، فحاول هؤلاء الخروج من حبسهم، وثاروا فى
المدينة، فأحاط بهم أهلها، وقتلوهم عن آخرهم. ولما قدم بغا
ووجدهم قُتِلوا شق ذلك عليه، وحزن حزنًا شديدًا.(13/112)
*الأرك (معركة)
معركة دارت أحداثها سنة (591 هـ = 1195 م)، بالقرب من حصن
الأرك، بين الجيش الإسلامى من الموحدين والأندلسيين وبين جيش
قشتالة. وكان الدافع إليها اعتداء ألفونسو الثامن ملك قشتالة
على أراضى الأندلس بعد انقضاء الهدنة التى كانت معقودة بينه
وبين الموحدين. كانت خطة المسلمين أن تبدأ معظم الجيوش
الأندلسية ومن جاء مع الموحدين بالاشتباك، ويبقى الخليفة
المنصور فى جيش من الموحدين فى موضع مستور، فإن كان
النصر للمسلمين فهو المطلوب، وإن كانت الكرة عليهم يبادر
الخليفة بقواته للقاء العدو، بعد أن يكون قد خبت قوته وأصابه
الوهن. كان جيش القشتاليين كبيرًا؛ فقد كان يزيد على (25) ألف
فارس و (200) ألف راجل. وفى (9 من شعبان 591هـ) التحم
الطرفان فى قتال عنيف، وكثر القتل فى مقدمة القشتاليين، ثم
التحمت بقية الجيوش، واضطر الجيش القشتالى إلى التقهقر
والفرار، كما فر ألفونسو الثامن صوب طليطلة. استمرت المعركة
يومًا واحدًا، غنم المسلمون فيها مغانم كثيرة، وافتتحوا حصن
الأرك، ومن نتائج هذه المعركة وقف اعتداءات القشتاليين على
الأندلس.(13/113)
*فتح الحيرة
فتح تم صلحًا على يد خالد بن الوليد، رضى الله عنه، سنة
(12هـ)، فى عهد الخليفة أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، بعد
أن انتهى خالد من حرب اليمامة؛ حيث أمره أبو بكر بالمسير إلى
العراق، فسار من اليمامة إلى الحيرة، وخرج إليه أشرافها مع
إياس بن قبيصة الطائى الأمير عليها بعد النعمان بن المنذر،
فخيرهم بين الدخول فى الإسلام ودفع الجزية وخوض الحرب،
فاختاروا دفع الجزية، ومقدارها (190) ألف درهم. ولمّا رأى
دهاقين البلاد ذلك أتوا خالدًا، وصالحوه على دفع الجزية من
منطقة الفلاليج إلى هُرمزجِرد، وكتب لهم بذلك كتابًا، وأقام خالد
بالحيرة، وجعلها مركز قيادته.(13/114)
*أقليس
معركة جرت أحداثها فى بلدة أقليس، الواقعة شمالى جبال
طليطلة، بين المرابطين بقيادة تميم والى غرناطة وبين
القشتاليين بقيادة البرهانس وكونت دى قبرة وكونتات طليطلة،
وبينهم الأمير الفتى الإنفانت سانشو. وكان قوام جيش المرابطين
بضعة آلاف فارس، وكان يتكون من حشود غرناطة وقرطبة
وشرق الأندلس، أما الجيش القشتالى فقد كان متفوقًا على
المرابطين فى الكثرة؛ إذ بلغ قوامه نحو (10) آلاف فارس. دار
القتال بين الفريقين فجر يوم الجمعة (16من شوال 501هـ)،
وبينما القتال على أشده إذ وقع حادث كان حاسماً لمصير
المعركة، وهو إصابة الأمير سانشو بطعنة قاتلة، وسقوط
الكونت دى قبرة مدافعًا عنه، فدبت الفوضى بين صفوف
القشتاليين، وكثر القتل بينهم، ولجأ الكثيرون منهم إلى الفرار،
وسقط معظم القادة والكونتات قتلى، وارتدت فلول القشتاليين
صوب طليطلة، وحاول الكونتات السبعة الذين كانوا يؤلفون
حاشية الأمير القتيل الفرار، إلا أن جماعة من المسلمين لحقت بهم
وقتلتهم عن آخرهم. وبانتهاء القتال أمر الأمير تميم بجمع رءوس
القتلى من النصارى، فجمعت الدانية منها، وتركت النائية، فبلغ
ما جمع منها أكثر من (3000) رأس، مُيِّزت منها رءوس غرسيه
أردونيش وقواد طليطلة، فكدست، وأذن من فوقها المؤذنون؛
وفقاً للتقليد المأثور. واستولى المرابطون فى الوقت نفسه على
عدد كبير من الأسلاب والغنائم. ومن نتائج موقعة أقليس توطيد
سلطان المرابطين فى المناطق الوسطى والشرقية فى الأندلس،
وإعلاء مكانتهم العسكرية والدفاعية.(13/115)
*أُليس
معركة وقعت فى اُلّيس، إحدى قرى الأنبار، بين جيش المسلمين
بقيادة خالد بن الوليد، رضى الله عنه، ومن تجمع من نصارى
العرب وجموع فارس بقيادة جابان. التقى الفريقان، واقتتلوا
قتالاً شديدًا، أظهر فيه المشركون صبرًا؛ لأنهم كانوا ينتظرون
قدوم مدد بقيادة بهمن جاذويه، ولمّا رأى خالد منهم ذلك ضيَّق
عليهم الخناق حتى نفد صبرهم، وتداعت قوتهم، وأسرعوا إلى
الفرار، وأسر منهم المسلمون الكثير. وبعث خالد إلى الخليفة
بفتح أُلّيس، وبقدر الفىء، وعدد السبايا، وما حصّل من الأخماس.(13/116)
*أنقرة (معركة)
معركة دارت أحداثها فى سهل أنقرة فى (19 من ذى القعدة
804 هـ = 20 من يوليو 1402 م)، بين الجيش العثمانى بقيادة
السلطان بايزيد، والجيش المغولى بقيادة تيمورلنك. وكان الدافع
إليها أن أحمد الجلائرى أمير بغداد والعراق لجأ إلى السلطان
بايزيد حينما هاجمه المغول فى بلاده، فأرسل تيمورلنك إلى
السلطان فى طلبه، فأبى تسليمه إليه، فأغار تيمورلنك بجيوشه
الجرارة على بلاد آسيا الصغرى، وافتتح مدينة سيواس بأرمينيا،
وأخذ أرطغرل ابن السلطان بايزيد أسيرًا، وقطع رأسه. وانتقامًا
لذلك جمع السلطان بايزيد جنوده، وسار لمحاربة تيمورلنك،
فتقابل الجيشان فى سهل أنقرة، وكان قواد عسكر تيمورلنك
أربعة من أولاده، وقواد السلطان بايزيد خمسة من أولاده، وهم:
موسى وسليمان ومحمد وعيسى ومصطفى، فدار بينهم
القتال من الصباح إلى المساء، وأظهر السلطان من الشجاعة ما
بهر العقول وأدهش الأذهان، ولكن ضعف جيشه بفرار فرق آيدين
ومنتشا وصاروخان وكرميان، وانضمامها إلى جيوش
تيمورلنك؛ لوجود أولاد أمرائهم الأصليين فى معسكر التتار، ولم
يبقَ مع السلطان إلا عشرة آلاف انكشارى وعسكر الصرب،
فحارب معهم طوال النهار، حتى سقط أسيرًا فى أيدى المغول
هو وابنه موسى، وهرب أولاده سليمان ومحمد وعيسى ولم
يعثر لابنه الخامس مصطفى على أثر. وعامل تيمورلنك السلطان
بايزيد بالحسنى، وأكرم مثواه، لكنه شدد فى المراقبة عليه،
بعد أن شرع فى الهروب ثلاث مرات. وتُوفىِّ السلطان بايزيد فى
الأسر فى (15 من شعبان 805هـ)، وعمره (44) سنة، فنقل ابنه
موسى جثته إلى مدينة بورصَّة؛ حيث دفن بجانب السلطان مراد.(13/117)
*بابك الخرمى (حركة)
هى حركة منحرفة تُعدُّ أخطر الحركات الفارسية المعادية للخلافة
العباسية، تزعمها بابك الخرمى، إبان خلافة المأمون
والمعتصم، وامتدت عشرين سنة، وتُعرَف بالخرمية، واتسمت بدقة
التنظيم وبراعة القيادة، والاتصال السياسى بالأكراد والأرمن
وغيرهم، وكانت تؤمن بمبادئ هدامة منها: 1 - الإيمان بالحلول
والتناسخ حتى إن زعيمها «بابك» ادَّعى الألوهية. 2 - المشاعية
المزدكية فى الأموال والأعراض. 3 - ضرورة التخلص من السلطان
العربى والدين الإسلامى. أخذ الخرميون فى العبث والفساد منذ
سنة (201هـ) فبعث إليهم المأمون عدة حملات، ولكنها هزمت
الواحدة تلو الأخرى، ومن قوادها: يحيى بن معاذ، وعيسى بن
أبى خالد، وصدقة بن على، والجنيد الإسكافى، ومحمد بن
حميد الطوسى. وكان من وصية المأمون لأخيه المعتصم أن يتابع
محاولات القضاء على الخرمية وبدعهم، فبعث المعتصم جيشين
بقيادة إسحاق بن إبراهيم وبغا الكبير إلا أن بابك انتصر
عليهما. واستمر أمر بابك فى الظهور حتى سنة (221هـ) إذ بعث
المعتصم قائده الأفشين؛ لقتال بابك فنظم البريد، وأقام الحصون
بين سامراء وآذربيجان؛ لاستجلاب المدد، وتمكن من تحقيق أول
نصر على الخرمية، وفى السنة التالية نجح الأفشين فى
الاستيلاء على البذ، ثم وقع بابك فى يده، فحمله إلى سامراء؛
حيث أمر المعتصم بقتله، وبذلك انتهى أمر الخرمية. ويقدر ضحايا
بابك خلال عشرين سنة بنحو (255) ألفاً.(13/118)
*التل الكبير (معركة)
معركة وقعت يوم (10 من ذى القعدة 1299هـ = 13 من سبتمبر
1882 م) بين الجيش الإنجليزى بقيادة الجنرال ولسلى والجيش
المصرى وحلفائه من رجال الثورة. والتل الكبير تل يقع على
الضفة اليسرى لترعة الإسماعيلية بمصر، بين الصالحية
والقصاصين، وكان قائد الجيش المصرى فى هذه المعركة الزعيم
أحمد عرابى، وكانت الهزيمة فى وقعة القصاصين الثانية فى
يوم الأحد (6 من ذى القعدة 1299هـ = 9 من سبتمبر 1882 م)
ضربةً قاصمة، ارتد على أثرها الجيش المصرى إلى مواقعه
الدفاعية الرئيسية فى التل الكبير. تراوح عدد الجيش المصرى
بين (10) و (12) ألف مقاتل، أما الجيش الإنجليزى فكان عدده
(11) ألف مقاتل من المشاة، وألفين من الفرسان، مع ستين
مدفعًا من مختلف العيارات. والمسافة بين القصاصين والتل الكبير
خمسة عشر كيلو مترًا، قطعها ولسلى بسرية تامة، وكان فى
مقدمة جيشه بعض ضباط أركان حرب من المصريين، وكذا جماعة
من عرب الهنادى، ولم يصادف الجيش الإنجليزى أثناء زحفه ليلاً
أية قوة تصده، سوى فرقة من الخيالة ظلت تتقهقر أمامه بدلاً
من الصمود. وبلغت المسافة بين الجيشين (150 ياردة تقريبًا)
دون أن يكون الجيش المصرى فى وضع التأهب للدفاع، وقبل
الصباح طوق الجيش المصرى بتشكيل نصف دائرى، واحتل خط
الدفاع الأول، وقتل مائتين، واستبسل عدد من المصريين منهم
اليوزباشى حسن أفندى رضوان - قائد المدفعية - حتى إن القائد
الإنجليزى ولسلى أعجب به وبشجاعته، وتراوحت خسائر
المصريين بين (1500) و (2000) قتيل، أما خسائر الإنجليز فبلغت
(57) قتيلاً، بينهم (9) ضباط و (402) جريح، بينهم (27) ضابطًا،
وغنم الإنجليز مدافع الجيش المصرى ومؤنه وعتاده وذخائره. أما
عرابى فانطلق إلى القاهرة للدفاع عنها، بعدما تعرض للخيانة،
خاصةً المعلومات المضللة التى كان يقدمها على يوسف لعرابى.(13/119)
*البياض (موقعة)
موقعة حدثت بين المنصور بن أبى عامر مؤسس الدولة العامرية
بالأندلس (368 - 399 هـ = 978 - 1009 م) وملك مملكة نافار (
إحدى الممالك النصرانية الإسبانية خلال القرن (4هـ = 10 م)؛
فبعد أن غزا المنصور ليون؛ ردًّا على مطاردة برمود وملك ليون
للمسلمين، ثم سار غربًا إلى مدينة قلُمرية فى (378 هـ = 987 م)
أغار النافاريون أو البشكنس بقيادة ملكهم سانشو غرسيه
الثانى على أراضى الثغر الشمالى، فسار المنصور بن أبى
عامر لقتالهم، وطاردهم حتى مدينة بنبلونة عاصمة نافار. وتقول
الرواية النصرانية: إن البشكنس انقلبوا إلى الهجوم، وهزموا
المسلمين سنة (378هـ = 987 م)، ولم تتحدث المصادر الإسلامية
عن هزيمة المسلمين، وتسميها بغزوة البَيَاض وتحدد تاريخها
بسنة (379هـ = 989 م)، وتضيف أن المنصور عاد بجيشه إلى
سرقسطة؛ حيث التقى بولده عبد الملك إثر عودته من بلاد
المغرب.(13/120)
*بروزة
موقعة بحرية بين الجيوش الأوربية المتحالفة والعثمانيين.
وهىتعد من المعارك البحرية الخالدة فى التاريخ الإسلامى
الحديث، فقد دعا البابا «بول الثالث» الجيوش الأوربية إلى
الاتحاد ضد العثمانيين، وتكوَّن منهم تحالف بحرى ضمَّ أكثر من
(600) سفينة و (60) ألف جندى، يقودها «أندريا دوريا»، وهو
من أمهر القادة البحرية فى ذلك الوقت. وتكوَّن الأسطول
الإسلامى من (122) قطعة بحرية، و (22) ألف جندى، والتقى
الأسطولان فى (4 من جمادى الأولى945هـ= 28 من سبتمبر
1538م) أمام «بروزة» فى البحر المتوسط. وضع خير الدين
برباروس أسطوله على شكل هلال، وعيَّن على رأس جناحه
الأيمن صالح رئيس. وعلى رأس جناحه الأيسر سيدي على رئيس.
وقاد خير الدين الجناح الأيسر بنفسه، وأمر طورغود بأن يقود
احتياطى الأسطول، ويبقى فى الخلف. واستعمل خير الدين
برباروس عنصر المباغتة، ولم يكن أسطول الصليبيين مستعدًّا؛
مما أدى إلى اختلال نظامه؛ فما لبث أن تفرق، وهرب قائده
أندريا دوريا؛ نجاة بحياته. ولم تستمر المعركة أكثر من خمس
ساعات تمكَّن فى نهايتها «خير الدين» من حسم المعركة
لصالحه، وصارت العزة والسيادة للعثمانيين فى البحر المتوسط.(13/121)
*البحيرة (معركة)
نشبت بين الموحدين والمرابطين - بعد الانتصارات المتتالية
للموحدين - معركة جديدة فى بقعة البحيرة، وهُزم الموحدون،
وتمزقت قواتهم، وقتل البشير قائد الموحدين ومعظم زملائه،
وانسحب عبد المؤمن بن على فى فلوله، وفتكت القوات
المرابطية بالموحدين، وارتدت القوات الموحدية إلى تينملل. وقعت
بالمغرب الأقصى يوم الجمعة (29 من ربيع الآخر 524هـ = 11 من
أبريل 1130م)، وشارك فيها ابن تومرت، وقيل: كان مريضًا،
فلما وقف على أخبار النكبة سأل: هل عبد المؤمن على قيد
الحياة؟ فلما أُجيب بالإيجاب، قال: الحمد لله، قد بقى أمركم.
وكانت هزيمة الموحدين فادحة؛ فقد كان المرابطون يتفوقون
فى العدد وقد أرهقت الموحدين المعارك المتوالية، وبدأ القتال
بمعركة محلية نشبت بين جيش سجلماسة وحرس الأمير النصرانى،
وبين قوة من الموحدين، فهُزم الموحدون، ثم كانت معركة عامة
قاتل فيها الموحدون بشجاعة فائقة، ولكن المرابطين - فضلاً عن
كثرتهم -كانت تحدوهم روح الانتقام، فقاتلوا بشدة رائعة. وقُتل
من الموحدين أربعون ألفًا، وقيل: إنه لم يسلم من الموحدين إلا
أربعمائة؛ بين فارس وراجل، وارتد عبد المؤمن بن على إلى
أغمات حتى أرض هيلانة، وطارده المرابطون، وانتصروا على
الموحدين، وارتد المرابطون إلى مراكش، وسارت فلول الموحدين
إلى تينملل. ورغم هذا الانتصار الساحق للمرابطين فى موقعة
البحيرة فإن النصر كان للموحدين فى النهاية؛ إذ كانت هذه
المعركة درسًا مفيدًا للموحدين؛ فقد امتنعوا عن منازلة أعدائهم
فى السهل، واعتصموا بالجبال.(13/122)
*ذات السلاسل
أول لقاء عسكرى بين المسلمين بقيادة خالد بن الوليد، رضى
الله عنه، والفرس بقيادة هرمز جنوب العراق سنة (12هـ = 633
م). وسميت ذات السلاسل؛ لأن قائد الفرس هرمز ربط كل مجموعة
من جنوده بسلسلة واحدة؛ حتى لا يفروا من المعركة. وسبب
المعركة أن الخليفة الأول أبا بكر الصديق، رضى الله عنه، بعد
انتصاره على المرتدين وإخضاع القبائل العربية الموالية للفرس
على حدود العراق، أرسل إلى خالد بن الوليد يأمره بالسير إلى
العراق لفتحها، وكان المثنى بن حارثة الشيبانى قد استأذنه
أيضًا فى المسير بجيش لفتح العراق فأذن له، ثم أصدر أمراً آخر
إلى القائد عياض بن غنم بالتوجه إلى العراق. التقت الجيوش
الثلاث تحت قيادة خالد بن الوليد فسار بها حتى توقف قبل
حدود العراق وأرسل إلى هُرمز حاكم الأُبلة (مدينة بجانب البصرة)
يعرض عليه الإسلام أو الجزية أو الحرب، فأبى هُرمز إلا الحرب.
قسم خالد جيشه أربع مجموعات، والتقى الجيشان فى موضع
يُسمَّى الكاظمية، فتقاتل خالد وهُرمز وحدهما فى بداية
المعركة، فقتله خالد، ثم اشتبك الطرفان، فهزمت القوة الرئيسية
لجيش الفرس، وفر الباقون، وغنم المسلمون الغنائم، ودخلوا
الأبلة، وكانت هذه بداية الفتوحات فى العراق وبلاد فارس.(13/123)
*الراوندية
إحدى الطوائف المنحرفة. تنسب إلى مدينة راوند قرب أصفهان
ببلاد فارس. كانت بداية ظهورها فى الدولة الأموية، عندما خرج
رجل يقال له: الأبلق، وكان أبرص، وزعم أن الروح التى كانت
فى عيسى بن مريم صارت فى على بن أبى طالب والأئمة من
بعده واحدًا واحدًا وأنهم آلهة. ولما شاع أمرهم وما يرتكبونه من
المحرمات، قام عليهم أسد بن عبد الله القسرى والى بنى أمية
على خراسان فقتلهم، ولكن ظل منهم قليل حتى ظهروا ثانية
فى خلافة أبى جعفر المنصور العباسي، وخرجوا جميعًا على
الناس بالسلاح فأقبلوا يصيحون: بأبى جعفر أنت أنت! يعنون
أنت الله، فخرج إليهم بنفسه ورد عليهم ادعاءهم، وقاتلهم
وحبس مائتى رجل من زعمائهم، ولكن الباقين اقتحموا السجن،
وأخرجوهم منه، ثم ذهبوا إلى قصر أبى جعفر فخرج إليهم
مترجلاً وكادوا يقتلونه لولا دفاع معن بن زائدة الشيبانى الذى
دفعهم عنه، وظل المنصور فى جهادهم حتى قضى عليهم.(13/124)
*الزنج (ثورة)
إحدى الثورات التى قامت فى عهد الدولة العباسية، فى إقليم
البطائح بين واسط والبصرة، بزعامة رجل عرف باسم صاحب
الزنج، وكان يسمى نفسه محمد بن على وادعى أنه من نسل
على بن أبى طالب، رضى الله عنه. كان الزنج عبارة عن
مجموعات كبيرة من السود الذين جلبوا من إفريقيا، خاصة
الصومال وزنجبار، واستخدمتهم الدولة؛ لتحويل إقليم البطائح
من غابات ومستنقعات وأرض سبخة إلى أرض صالحة للزراعة
دون أن تعطيهم مقابل، سوى مايأكلون من السويق والتمر
بأثمان بخسة. شعر هؤلاء الزنوج بالظلم فتحركت فى نفوسهم
الرغبة فى الثورة خاصة أن الدولة كانت تمر بمرحلة من الضعف
شجعتهم على الثورة، وكانوا ينقسمون إلى مجموعات يبلغ عدد
المجموعة مابين (500 و 1500) رجل. تجمعت هذه المجموعات
تحت إمرة صاحب الزنج ثم ساروا فى سنة (249هـ) إلى البحرين
وانضم إليهم عبيدها، كما انضم إليهم عبيد البصرة وواسط وما
حولهما، فلما قويت شوكتهم انتشروا فى العراق وخوزستان
والبحرين ونهبوا القادسية والبصرة وغيرها من المدن واستولوا
على ألف وتسعمائة سفينة، كانت تحمل بعض الحجاج إلى مكة،
وألقوا الرعب فى قلوب الآهلين بهذه المناطق، وهزموا جيشين
أرسلتهما الخلافة فى عهد الخليفة المهتدى وهددوا بغداد
العاصمة نفسها، وملكوا كثيرًا من الأموال والنساء والأطفال.
وبعد ارتفاع شأن صاحب الزنج بنى لنفسه مدينتين يتحصن بهما
من جيوش الخلافة، وهما: المختارة والمنيعة. وكان يعتمد فى
حروبه على التخفى فى المستنقعات والغابات؛ مما صعب مهمة
أى جيش يرسل إليها، حتى قاد الموفق أخو الخليفة المعتضد
بنفسه الجيوش، وكانت أمور الخلافة بيده، وأدرك سر تفوق
الزنج فأعد الخطط، وجهز الجيوش، وتمكن من إلحاق عدة هزائم
بهم وتدمير مدينتهم المختارة، وبنى بجوارها مدينة جديدة
تسمى الموفقية؛ ليتحصن بها أثناء حروبه لهم، وتوالت
انتصاراته عليهم، وفر كثير منهم من حول صاحبهم، حتى هزم(13/125)
وقتل سنة (270هـ = 883 م) كما قتل قائده بهبوذا. وبذلك خمدت
الثورة التى دامت (14) سنة و (4) أشهر، فكثر ضحاياها وقوضت
اقتصاديات الدولة، وساعدت على نشوب عدة ثورات داخلية.(13/126)
*ديو البحرية (معركة)
معركة بحرية. وقعت فى فبراير (1509 م)، بين أسطول برتغالى
وأسطول مشترك للمماليك وسلطنة غوجرات. وسببها أنه فى
عام (1498 م) وصلت مجموعة من السفن البرتغالية بقيادة
فاسكوداجاما حول رأس الرجاء الصالح إلى ساحل مالابار،
وأنشأ البرتغاليون سلسلة من المراكز التجارية على الساحل
الهندى بين سنتى (1500، و 1505 م)، كما استولوا على جزيرة
هرمز على مدخل الخليج العربى عام (1507 م)، وغيرها من
النقاط الاستراتيجية؛ فأثر هذا التوسُّع سلبًا على التجارة بين
الدول الإسلامية فى الهند فقام السلطان قانصوه الغورى سلطان
المماليك بإعداد حملة بحرية كبيرة ضد البرتغاليين، وأسند
القيادة إلى حسين الكردى نائب السلطان فى جدة. وأبحر
حسين على رأس قوته فى عام (1505 م)، للبدء فى مراقبة
البرتغاليين. وفى عام (1508 م) عقد السلطان قانصوه الغورى
حلفا مع محمود بغارها سلطان غواجرت؛ للقضاء على التدخل
البرتغالى فى التجارة بين الهند والبحر الأحمر. ووقعت فى عام
(1508 م) معركة دابول البحرية التى أسفرت عن مقتل لورنزو ابن
القائد البرتغالى فرانسيسكو دو ألميدو؛ فأقدم فرانسيسكو
على احتلال عدد من المواقع الإسلامية على الساحل الهندى فى
أول عام (1509 م) ومنها غوا ودابول. وفى فبراير (1509م)
اكتشف فرانسيسكو وجود أسطول المماليك وسلطنة غوجرات
قرب ديو الواقعة على الساحل الهندى الغربى شمالى غربى
بومباى؛ فشن هجومًا فوريًّا أدى إلى تدمير أسطول الدولتين
الإسلاميتين. وكانت معركة ديو البحرية حاسمة؛ إذ ترسخ النفوذ
البرتغالى بعدها فى الهند والمحيط الهندى فترة طويلة من
الزمن.(13/127)
*الحملة الصليبية الأولى
بدأت هذه الحملة عام (489 هـ = 1096م) بكتائب شعبية من
المشاة والأطفال والنساء بقيادة بطرس الناسك إلا أنها فشلت
بعد هزيمتها على يد السلطان السلجوقى قلج أرسلان فى مدينة
نيقية عاصمة السلجوقيين. أما الحملة الصليبية العسكرية الأولى
فكانت تتكون من (700) ألف مقاتل، وانطلقت بأربعة جيوش:
الأول: من جنوب فرنسا بقيادة ريموند دى ساى جيل. والثانى:
من شمال فرنسا بقيادة روبرت كورت هوذ. والثالث: من أعالى
فرنسا بقيادة جودفرى بويون. والرابع: من جنوب إيطاليا بقيادة
تنكريدو بوهيموند النورماندى. واتفق القادة الأربعة أن يلتقوا
فى القسطنطينية عام (1097م) فوصلوا إلى القسطنطينية، ولم
يلبثوا فيها طويلاً حتى تجاوزوها إلى الأناضول واستولوا على
نيقية سنة (1097م)، وهزموا السلاجقة فى دور يليوم واحتلوا
أنطاكية عام (1098م)، وعسقلان والقدس سنة (1099م)
وتأسست مملكة القدس اللاتينية، واختير جودفرى بويون حاكمًا
لها، ولقب بحامى القبر المقدس.(13/128)
*الحرة (موقعة)
حدثت سنة (63هـ = 682 م)، بين جيش يزيد بن معاوية وأهل
المدينة. وسببها أن أهل المدينة لما خلعوا يزيد بن معاوية وولوا
على قريش عبد الله بن مطيع وعلى الأنصار عبد الله بن حنظلة بن
أبى عامر وسجنوا من بالمدينة من بنى أمية وطردوا عامل يزيد -
بعث إليهم يزيد ليعودوا إلى الطاعة دون قتال، فامتنعوا؛
فأرسل إليهم جيشًا عدته (12) ألف مقاتل بقيادة مسلم بن عقبة
المرى، وقال له يزيد: ادعهم إلى البيعة ثلاثة أيام دون حرب،
ولاتقاتلهم إلا بعد انتهاء المدة. ففعل مسلم، ولكن أهل المدينة
امتنعوا عن البيعة؛ فحاصر مسلم المدينة من ناحية الحرة ولما
فتحها أباحها لجنده ثلاثة أيام.(13/129)
*الحرب العالمية الثانية
هى الحرب التى اشتركت فيها معظم دول العالم فى الفترة من
سبتمبر سنة 1939م وحتى سبتمبرسنة 1945م، واستمرت ست
سنوات؛ انقسم العالم فيها إلى معسكرين هما: المحور بزعامة
ألمانيا وايطاليا واليابان، والحلفاء بزعامة بريطانيا وفرنسا
والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتى السابق. وكان
السبب فى هذه الحرب صعود الاتجاهات المتطرفة فى ألمانيا
وايطاليا وسيطرة النازية والفاشية على مقاليد الحكم فيهما،
واتجاه ألمانيا لبناء قوتها العسكرية بعد نقضها معاهدة
فرساى فى سنة 1935م، وقيامها باستعادة بعض الأقاليم
الألمانية التى انتزعت منها بعد الحرب العالمية الأولى، وغزوها
للنمسا ثم بولونيا ولكسمبورج وهولندا وبلجيكا ثم سيطرتها
على فرنسا وتشكيل حكومة فيشى فى فرنسا، وتشديد ألمانيا
لضغطها العسكرى على بريطانيا. واستمر الألمان فى انتصارات
حتى فصل الربيع من سنة 1942م، حينما فشل الغزو الألمانى
للاتحاد السوفييتى السابق، وهُزم القائد الألمانى رومل فى
العلمين بمصر، ودخلت الولايات المتحدة الحرب إلى جانب الحلفاء
بعد تدمير اليابان للأسطول الأمريكى فى بيرل هارير سنة
1941م، كما نجحت عملية انزال جيوش الحلفاء إلى ساحل نور
ماندى وتحرير فرنسا سنة 1944م. وانتهت الحرب العالمية الثانية
فى سنة 1945م، بعد استسلام ألمانيا فى مايو 1945م، والقاء
القنبلة الذرية على اليابان واستسلامها فى سبتمبر سنة 1945م.
ونتج عن هذه الحرب خسائر فادحة فى الأرواح والأموال
والعمران، كما أنها خلفت مشكلات اجتماعية عديدة، وقدرت
هذه الخسائر ب (1154) مليار دولار، وفقد فيها (41) مليون قتيل
بخلاف الجرحى والأسرى. وكان من أهم نتائجها انقسام ألمانيا
إلى دولتين، وسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد
السوفييتى السابق على العالم، وقيام هيئة الأمم المتحدة،
وتصفية الاستعمار فى آسيا وإفريقيا.(13/130)
*الزاب (معركة)
إحدى المعارك الفاصلة فى التاريخ الإسلامى. كانت بين مروان
بن محمد الخليفة الأموى وجيش العباسيين بقيادة عبد الله بن
على، فى (11 من جمادى الآخرة 132 هـ = 25 من يناير 750 م).
وسميت بهذا الاسم؛ لأن أحداثها دارت عند نهر الزاب الأكبر، أحد
روافد نهر دجلة، ويقع فى شمال العراق، ويتصل بدجلة من جهته
اليسرى. وكانت الخلافة الأموية قد وصلت إلى مرحلة الضعف فى
عهد مروان بن محمد، وعمت الثورة - التى قام بها أتباع
العباسيين ضده - منطقة خراسان، وعلا شأن بنى العباس،
فتوجه مروان إلى الثوار فى جيش كبير، وزحف به حتى وصل
إلى الموصل، ونزل دجلة، وسار إليه جيش العباسيين، وعسكر
على الزاب الأكبر بقيادة عبد الله بن على. فكان النهر بينهما.
وفى البداية أرسل بد الله بن على قوة من جيشه بقيادة عيينة
بن موسى عبرت النهر، واقتتلت مع جيش مروان بن محمد، لكنها
هُزمت، فارتدت عائدة. ثم أنشأ مروان جسرًا على النهر، ليعبر
عليه إلى الضفة الأخرى، ولما عبر التقى الجيشان، واستمرت
المعركة بينهما تسعة أيام، اقتتلا فيها قتالاً شديداً ومات عدد
كبير من الجيشين، إلا أن النصر كان حليف العباسيين، وفر جيش
مروان بن محمد، ثم قطع العباسيون الجسر فغرق من جيش مروان
أكثر ممن قُتل، وفر مروان إلى مصر ثم تتبعه العباسيون حتى
قتلوه فى سنة (132هـ = 750 م)، وبذلك سقطت الخلافة الأموية،
وقامت الخلافة العباسية.(13/131)
*ديوبالبور
معركة وقعت بين غياث الدين تُغْلُق مؤسس الدولة التغلقية،
وخسروشاه آخر حكام الدولة الخلجية بالهند. وكان خسروشاه قد
أتى من الأعمال ما يخالف الإسلام، وقرب الهندوس منه؛ مما
شجعهم على إيذاء المسلمين؛ فغضب شعبه عليه بسبب ذلك،
وقرروا التخلص منه. ولما رأى تغلق ما فعله خسروشاه جمع
حوله الجند وزحفوا إلى دهلى للقضاء على خسروشاه فقابلهم
بجيش كبير فى ديوبالبور، واقتتل الجيشان حتى هُزِم
خسروشاه، وقُتل، وبذلك انتهت الدولة الخلجية، وقامت الدولة
التغلقية.(13/132)
*الجسر (معركة)
إحدى المعارك التى دارت بين المسلمين والفرس سنة (13 هـ)،
أثناء فتوحات المسلمين فى العراق (بلاد فارس آنذاك). وسميت
باسم الجسر لأن المسلمين أقاموا جسرًا على «نهر الفرات» لعبور
قواتهم البالغة تسعة آلاف جندى، كما سميت باسم قس الناطف.
وكان جيش المسلمين بقيادة أبى عبيد بن مسعود الثقفى، فى
حين كان جيش الفرس بقيادة بهمس جازويه المعروف بذى
الحاجب. وفى بداية المعركة عبر أبو عبيد الجسر بجيشه، وكان
عبورهم النهر خطأ عسكريًا جسيمًا وقع فيه «أبو عبيد»، ولم
يستمع إلى نصيحة قادة جيشه ومنهم «المثنى بن حارثة»، الذين
نبهوه إلى خطورة ذلك، وأن موقف المسلمين غربى النهر أفضل
وضع لهم، وليتركوا قوات الفرس تعبر إليهم، فإذا انتصروا كان
عبور النهر إلى الشرق أمرًا سهلا، وإذا انهزموا كانت الصحراء
وراءهم يتراجعون فيها، ليعيدوا ترتيب أوضاعهم، لكن «أبا
عبيد» لم يستجب لهم، والتقى بجيش الفرس الذى كان يتقدمه
مجموعة كبيرة من الفيلة الضخمة التى أخافت خيول المسلمين
وأربكت حركتهم؛ فاضطربت صفوف المسلمين، واستشهد عدد
كبير منهم، ثم أمر أبو عبيد جيشه بقتل الفيلة أولاً ففعلوا ذلك،
وقد أُصيب أبو عبيد بضربة شديدة أدت إلى استشهاده، فتناوب
عدد من الفرسان المسلمين اللواء فاستشهدوا، ثم تسلّم المثنّى
بن حارثة اللواء، فأمر المسلمين بالتراجع حتى ينظموا صفوفهم،
ولكن الجسر انكسر بمقدمتهم؛ فانحصر المسلمون فى أرض
المعركة فاستشهد منهم عدد كبير قتلاً وغرقًا، فى حين قتل من
جيش الفرس نحو ستة آلاف مقاتل.(13/133)
*البويب (معركة)
البويب اسم نهر كان بالعراق موضع الكوفة أو مما يلى موضع
الكوفة اليوم، وسميت باسمه المعركة التى دارت عليه (فى
رمضان سنة 13 هـ) بين المسلمين بقيادة المثنَّى بن حارثة
الشيبانى والفرس بقيادة مهران الهمذانى. وقد هُزم المسلمون
فى المعركة السابقة فى حربهم مع الفرس، وهى معركة الجسر
فى العام نفسه؛ مما أطمع الفرس فيهم، فى حين رغب المسلمون
فى الثأر لهزيمتهم. وقد استعان المثنى قبل المعركة بقبائل
العرب فى العراق، مثل قبيلتى نمر وتغلب، وكانوا من
النصارى، كما أمده الخليفة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه،
بجيش من المدينة فبلغ جيشه نحو (10) آلاف مقاتل. وعسكر جيش
المسلمين على الضفة الغربية لنهر الفرات، فى حين عسكر جيش
الفرس على الضفة الشرقية، وأرسل مهران إلى المثنى يسأله:
إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم، فأجاب المثنى: أن
اعبروا أنتم. ونظم المثنى جيشه ومر بفرسه المُسمَّى الشموس
على صفوف الجيش؛ يحثهم على الصمود والاستبسال. ولما عبر
مهران بجيشه دارت معركة بين الطرفين حامية الوطيس، واشتد
القتال، وحمل المثنى وجماعة معه على قلب جيش العدو
ففرقوه، وقتلوا قائدهم مهران؛ فاضطربت صفوف جيش الفرس،
وضعفت مقاومتهم، وحاولوا الهرب، فقطع المسلمون عليهم
الجسر، وأعملوا فيهم سيوفهم؛ فقُتل منهم الكثير، وغرق
الكثير، حتى قدر عدد قتلاهم بنحو (100) ألف قتيل، وهو رقم
مبالغ فيه، ولكنه يدل على كثرة من قتل فى المعركة. وكانت
هذه المعركة مقدمة لانتصار المسلمين الحاسم على الفرس فى
معركة القادسية.(13/134)
*الحروب الصليبية
هى سلسلة من الحروب شنَّها المسيحيون الأوربيون خلال
القرنين (6 و 7 هـ = 12 و13م)؛ لاستعادة الأراضى المقدسة،
وتُسمَّى - أيضًا - الحملات الصليبية، ويبلغ عددها تسع حملات،
هى: الحملة الصليبية الأولى (1096 - 1099م): بدأت هذه الحملة
بكتائب شعبية من المشاة والنساء والأطفال، قادها بطرس
الناسك، إلا أنها أُبيدت على أبواب مدينة نيقية على يد السلطان
قلج أرسلان. أما الحملة العسكرية الأولى فكانت تتكون من نحو
(700) ألف مقاتل، وانطلقت بأربعة جيوش، واتفق القواد على أن
يلتقوا فى القسطنطينية، واستولت هذه الجيوش على نيقية
عاصمة السلجوقيين، ثم استولت على الرها وأنطاكية وبيت
المقدس وعكا وطرابلس، وانتهت هذه الحملة سنة (1099م).
الحملة الصليبية الثانية: (1147 - 1149م): دعا إليها سنت
برناردلكيرفر بعد أن استولى عماد الدين زنكى على الرها،
وكان عماد الدين زنكى يتزعم الدفاع عن الإسلام، ولكنه تُوفِّى
قبل أن يطرد الصليبيين، وخلفه ابنه نور الدين زنكى، فقدمت
الحملة الصليبية الثانية؛ لتتصدى له، ولكن هذه الحملة باءت
بالفشل؛ لاحتدام الخلاف بين قادتها، ولاندحارها أمام
السلجوقيين عند قونية. الحملة الصليبية الثالثة (1189 - 1192م):
قادها ثلاثة من أشهر ملوك أوربا، وهم: فريدرك بربوس
إمبراطور ألمانيا، وفيليب أوغست ملك فرنسا، وريتشارد قلب
الأسد ملك إنجلترا. وكان مصير هذه الحملة الفشل؛ بسبب غرق
إمبراطور ألمانيا فى نهر السالف، وهو فى طريقه إلى الشرق؛
فتشتت جيشه، ثم نشب الخلاف بين ملك فرنسا وملك إنجلترا،
وكان من نتائجه أن رحل ملك فرنسا راجعًا إلى بلاده، وظل
ريتشارد يقاتل صلاح الدين الأيوبى راغبًا فى إعادة بيت المقدس
إلى الحكم الصليبى، ولكنه عجز عن ذلك، وتم توقيع صلح الرمل
سنة (1192م) بين صلاح الدين وريتشارد. الحملة الصليبية الرابعة
(1203 - 1204م): وكانت موجهة أصلاً ضد مصر، وكان داعيتها(13/135)
فولوك دى توبى، وقد استجاب لدعوته كثير من الإقطاعيين
والأشراف بفرنسا، ولكن كراهية الأوربيين للبيزنطيين جعلتهم
يعتقدون أنه لن يكون بإمكانهم مقارعة المسلمين، إلا إذا أقاموا
دولة لاتينية على أنقاض الدولة البيزنطية، فاتجهت الحملة نحو
القسطنطينية، واحتلتها سنة (1204م). الحملة الصليبية الخامسة
(1216 - 1221م): دعا إليها البابا هونوريوس الثالث، وكان
هدفها الاستيلاء على مصر، واستولى الصليبيون خلالها على
دمياط، ولكنهم لم يلبثوا أن أخلوها، وانتهت الحملة بالفشل.
الحملة الصليبية السادسة (1228 - 1229م): قادها فريدرك الثانى
إمبراطور ألمانيا، وكان زائرًا مسالمًا؛ فتفاهم مع
المسلمين، وعقد معاهدة سنة (1229م) مع الملك الكامل سلطان
مصر، وكان من شروطها: التخلِّى عن الناصرة وبيت لحم والقدس
للصليبيين، واستمرت هذه المعاهدة إلى أن تُوفِّى الملك الكامل
سنة (1239م) وخلفه ابنه الملك الصالح الذى أعلن الحرب على
الصليبيين، واحتل بيت المقدس ليعيدها إلى حوزة الإسلام سنة
(1244م). الحملة الصليبية السابعة (1248 - 1251م): تولى قيادتها
لويس التاسع ملك فرنسا وتمكَّن من احتلال دمياط، وفى هذا
الوقت تُوفِّى الملك الصالح، وقامت بالدفاع عن مصر امرأته
شجرة الدر، وفشلت حملة لويس، وأسر، ولم يُطلَق سراحه إلا بعد
تعهده بمغادرة أرض مصر. الحملة الصليبية الثامنة (1270م):
قادها الملك لويس التاسع أيضًا؛ فأغار على تونس، ولكن وفاته
حالت دون استمرارها. الحملة الصليبية التاسعة (1271 - 1272م):
قادها الأمير إدوارد الأول، وكان نصيبها الفشل أيضاً، وتمكن
المماليك من طرد الصليبيين من الشرق الأدنى.(13/136)
*دير الجماجم (معركة)
كانت بين الحجاج بن يوسف الثقفى وعبد الرحمن بن محمد بن
الأشعث، وكان الحجاج قد سيَّر عبد الرحمن بن الأشعث بجيش
لغزو رتبيل بسجستان، فدخلها عبد الرحمن، واتفق مع قادة
جيشه على إخراج الحجاج من أرض العراق، بعد أن ملك
سجستان وكرمان والبصرة وفارس، ثم خرج يريد الكوفة لأن
أهلها يبغضون الحجاج، وبها عشائره ومواليه؛ فقصده الحجاج
بن يوسف فنزل ابن الأشعث دير الجماجم، وهو دير بظاهر
الكوفة، على طريق البر إلى البصرة ونزل الحجاج بإزائه بدير
قُرَّة، ووقعت الحرب بينهما، واشتدَّ القتال، ولما بلغ ذلك رءوس
القبائل عرضوا على عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين أن يخلع
الحجاج من العراق؛ ليحقن دماء المسلمين، فبعث عبد الملك إلى
العراق محمد بن مروان وعبد الله بن عبد الملك؛ ليعرضوا على
أهل العراق عزل الحجاج مقابل حقن الدماء، فرفض أهل العراق
وأبو إلاَّ القتال. وأخذ الفريقان يقتتلان حتى انتهت المعركة
بهزيمة عبد الرحمن بن الأشعث فى (14من جمادى الآخرة 83 هـ
= 18 من يونية 702 م) بعد مائة يوم من الحرب.(13/137)
*تونديبى (موقعة)
تونديبى (أوتندى) موقعة حدثت يوم الأربعاء (16من جمادى
الأولى 999 هـ = 12من مارس 1591 م)، بين جيش السلطان أحمد
المنصور الذهبى (أحد سلاطين الدولة السعدية بالمغرب الأقصى
التى حكمت من سنة (1057 - 1159 هـ = 1552 - 1654م) وسلطنة
صنغاى (صنغى أو سنغاى). جرت أحداثها شمالى مدينة جاوً
(أو كاو) فى السودان الغربى. كان لأحمد المنصور الذهبى تطلع
إلى هذه المنطقة حتى قبل أن يكون سلطانًا، فلما تولى
السلطنة وحدث خلاف بين المغاربة وسلطنة صنغاى حول واحة
تغازة التى كان المغاربة يحصلون منها على الملح؛ انتهز فرصة
خلاف وقع بين أهالى هذه الواحة وصمم على شن حملة تسيطر
على الإقليم، رغم صعوبة المناخ وقلة المياه. تألفت هذه الحملة
المغربية من عشرين ألف جندى، وعدد من الأسرى الإسبانيين،
وقيل: ثلاثة آلاف جندى معظمهم من الإسبان الذين أسلموا، وكان
الزحف عملية صعبة، حتى قيل: لم يبقَ إلا ألف جندى من أصل
ثلاثة آلاف بقيادة جودر ولكنهم يتميزون بامتلاكهم الأسلحة
النارية؛ مما حقق لهم النصر على جيش مملكة صنغاى، وألحقت
بملكهما إسحاق الهزيمة، فقد كان جيشه يقاتل بالحراب والسهام
والسيوف، فتمكن جودر من دحر أعدائه، ودخل جاو العاصمة.
وقَبِل السلطان أن يحكم تحت سلطة أحمد المنصور، لكن الأخير
رفض، وسير قائدًا آخر فاستند القائد الأول للجند؛ فبدأ سلطان
صنغاى فى مقاومة المغاربة من الغابات، وحصل المنصور على
غنائم كثيرة فى شكل أحمال جمال من التبر والذهب، وأصبح
يلقب بالذهبى، وأصبح ينظر إلي المغرب على أنه مورد كبير من
الذهب؛ لكن هذا الوضع كان بالنسبة إلى المغرب مؤقتًا، وقيل:
تم القضاء على مملكة صنغاى سنة (1593م)، واتخذ القائد جودر
تمبكتو مقرًّا له.(13/138)
*ثورتا القاهرة الأولى والثانية
ثورة القاهرة الأولى: أدَّتْ الضرائب والقروض الإجبارية، خاصة
بعد كارثة الأسطول الفرنسى فى أبى قير، بالإضافة إلى
العادات الاجتماعية (كتبرج النساء)، وما قام به نابليون من هدم
بعض البيوت والمساجد لدواعى الأمن، وإعدام السيد محمد كريم،
والتعرض لنفيسة هانم زوج مراد بك - وكانت ذات منزلة كبيرة
فى قلوب الشعب - وفرض مبلغ من المال مصالحة. وقد أدت
الضريبة التى فرضت على المنازل إلى ثورة القاهرة فى وجه
نابليون. ولم تَدُمْ هذه الثورة سوى يومين، وبدأت فى يوم الأحد
(11من جمادى الأولى 1213هـ = 21من أكتوبر 1798م) من
الأزهر، واستعمل نابليون المدافع التى ركبت فوق جبل المقطم،
وصبَّ القنابل فوق حى الأزهر والجامع ذاته. وبلغ من قتلوا ثلاثة
أو أربعة آلاف، ودخلت الخيل الأزهر، وعسكرت فيه، وأعدم
ثلاثة عشر من مشايخ الأزهر، واتسعت الهوة بين نابليون
والشعب المصرى. وانتهت هذه الثورة فى (13من جمادى الأولى
1213هـ = 23 من أكتوبر 1798م). ثورة القاهرة الثانية: أثناء
معركة عين شمس بين الجيش العثمانى والجيش الفرنسى شرع
القاهريون فى ثورتهم الثانية فى (17من شوال 1214 هـ = 15
من مارس 1800 م) ودامت سبعة وثلاثين يومًا بزعامة السيد عمر
مكرم الذى أصبح رمزًا لمقاومة الشعب التى لاتقهر. وفرضت
الجيوش الفرنسية حصارًا حول المدينة، ومنعت عنها الأقوات،
وعقد كليبر صلحًا مع مراد بك حاكم الصعيد، وشرع فى حرق
القاهرة. وكان حىُّ بولاق هو نقطة البداية؛ لقيامه بدور كبير فى
الثورة، ولمع فيه اسم زعيم شعبى هوالحاج مصطفى
البشتيلى، ونصبت المدافع، ففتحت دخل ثغرة منها الجنود
الفرنسيون، لحرق كل شىء؛ من بيوت ومخازن ومحال تجارية.
وفى (25 من ذى القعدة 1214هـ = 21من أبريل 1800م) تم
الاتفاق بين بقية الثوار وكليبر على جلاء الأتراك والمماليك
وزعماء الثورة عن القاهرة، على أن يعلن كليبر العفو العام عن(13/139)
السكان. واحتل كليبر القاهرة، وفرض غرامة حربية قدرها اثنا
عشر مليونًا من الفرنكات، وعشرون ألف بندقية، وعشرة آلاف
سيف، وعشرون ألف طبنجة، ثم قتل كليبر على يد سليمان
الحلبى السورى.(13/140)
*بانى بت (معركة)
معركة نشبت بالقرب من بانى بت، إحدى المدن الهندية، بين
ظهير الدين محمد بابر مؤسس الدولة المغولية التيمورية،
والسلطان إبراهيم اللودى حاكم دلهى. وقد بدأت وقائع هذه
المعركة باستنجاد حاكم لاهور ضد ابن عمه إبراهيم اللودى
فانتهز هذه الفرصة، خاصة أنه أحد أحفاد تيمورلنك وأن للهند
أهمية، وأن الدولة التيمورية تسعى إلى توطيد أركانها
وتوسيع رقعتها - فسار إلى الهند باثنى عشر ألف مقاتل فقط،
لكنهم كانوا مزودين بالمدافع الحديثة التى لم يعرفها حاكم
دلهى الذى اعتمد على كثرة الجنود؛ إذ كانوا مائة ألف من
الفرسان مزودين بالفيلة. والتقى الجيشان فى بانى بت فى
(رجب 932هـ = أبريل 1526م)، ولم تنفع الكثرة أمام تنظيم بابر
ومدافعه، لاسيما أن إبراهيم اللودى كان رجلاً متكاسلاً مترددًا،
غير مَعْنِىٍّ بتنظيم جيشه، فدارت الدائرة عليه، وقُتِل هو وآلاف
من جيشه، وفر الباقون، ودخل بابر دلهى ظافرًا؛ حيث نودى به
ملكًا على الهند يوم الجمعة (رجب 932هـ = أبريل 1526م). ومما
يذكر أن حاكم لاهور الذى استدعاه مستنجدًا به خانه، ولم يكن
بابر رجلاً عسكريًّا فحسب، وإنما كان نابغة فى مختلف العلوم؛
فقد كان حنفيًّا مجتهدًا، وألفَّ فى علم العَروض، وفى الفقه،
واخترع خطٍّا سُمِّى باسمه وكتب به مصحفًا وأهداه إلى مكة،
كما كان أديبًا شاعرًا مجيدًا يقرض الشعر باللغتين التركية
والفارسية، وكتب مذاكراته بنفسه، وقد طبعت فى قازان سنة
(1875م)، وترجمت إلى الفارسية ومنها إلى اللغات الأوربية،
لكنها لم تترجم إلى العربية.(13/141)
*المدائن (فتح)
وقعت بين المسلمين والفرس معركة فى المدائن سنة (16هـ)،
واستطاع المسلمون خلالها السيطرة على المدائن عاصمة الفرس؛
فبعد فراغ سعد بن أبى وقاص من فتح القادسية أقام شهرين،
ثم كاتب عمر بن الخطاب فيما يفعل، فأمره بالسير إلى المدائن
وفتحها، فقابل سعد بعض جيوش الفرس، فقاتلهم، وأقام فترة
ببابل، ثم أرسل أحد قواده فاستطاع فتح المدائن الغربية ثم
سار إلى المدائن الشرقية التى يوجد فيها إيوان كسرى؛ حيث
عبر «سعد» نهر «دجلة» من أضيق مكان فيه بنصيحة «سلمان
الفارسى» على خيولهم، فلما رأى الفرس ذلك هربوا إلى حلوان
وأخذوا ما استطاعوا من متاع، ودخل سعد بن أبى وقاص إيوان
كسرى وكان قبل أيام قليلة يهدد المسلمين ويتوعدهم من قصره
الأبيض، مقر ملك الأكاسرة، الذى كان آية من آيات الفخامة
والبهاء. وفى ذلك القصر صلى «سعد ابن أبى وقاص» صلاة
الشكر لله على هذا الفتح العظيم وتلا فى خشوع قول الله
تعالى: {كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة
كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قومًا آخرين فما بكت
عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين}. [الدخان: 25 - 29]. وغنم
المسلمون غنائم كثيرة فى فتح المدائن، منها: كنوز كسرى
وتاجه وثيابه وأساوره، وأدى المسلمون الأمانات التى كانت
لديهم، فقال عمر بن الخطاب عند ذلك: إن قومًا أدوا هذا لذوو
أمانة. وأخذ سراقة بن مالك سوارى كسرى اللذين وعده بهما
النبى. وكان سهم الفارس (12) ألف درهم. أرسل «سعد» إلى
«عمر بن الخطاب» رسولا يبشره بالنصر وبما حازوه من غنائم،
ويطلب منه السماح لهم بمواصلة الفتح فى بلاد فارس، لكن
«عمر» رفض ذلك، وقال له: «وددت لو أن بيننا وبينهم سدًا من
نار، لا يصلون إلينا ولا نصل إليهم، حسبنا من الأرض السواد - أى
أرض العراق- إنى آثرت سلامة المسلمين على الأنفال».(13/142)
*المنصورة (معركة)
وقعت بين المصريين - بزعامة الأيوبيين والمماليك - والفرنجة (
الفرنسيين) بزعامة لويس التاسع فى المنصورة سنة (1250م).
فبعد احتلال الفرنسيين لدمياط سنة (1249م) سعوا إلى الزحف
على القاهرة، عن طريق الدلتا، خاصة بعد موت نجم الدين أيوب،
واستطاعوا هزيمة الأمير فخر الدين قائد جيش الأيوبيين، وقتله
قرب فارسكور؛ حيث عسكر لويس على ضفاف البحر الصغير،
وظلت المناوشات بين الجيشين لمدة (6) أسابيع، استطاع خلالها
لويس التاسع إقامة جسر على البحر الصغير بمساعدة بعض
النصارى فى قرية سلمون، وعانى جيش لويس الحصار والأوبئة؛
لذلك عبر روبرت دى أرتوا أخو لويس بحر أشموم مع مقدمة من
الجيش الصليبى، ولم ينتظر قدوم بقية الجيش الصليبى إليه، فبادر
باقتحام المنصورة واستطاع المصريون بقيادة بيبرس البندقدارى
قتل روبرت ومقدمة جيش الصليبيين التى وصل عددها (1500)
مقاتل، وعبر لويس، واحتمى المصريون بالمنصورة، وبدءوا
يشنون الغارات على الفرنسيين حتى قدم توران شاه وتولى
الحكم خلفًا لأبيه، وأنشأ أسطولاً من السفن الخفيفة، نقلها إلى
النيل، واستطاعت أسر مايزيد على (80) سفينة من سفن الفرنج،
وتعرض الإفرنج للمجاعة والأوبئة، وفروا إلى دمياط إلا أنهم لم
يدمروا الجسر الذى أقاموه، فعبره المصريون، واستطاعوا أسر
لويس التاسع والجيش الصليبى حيث افتدى لويس نفسه بنصف
مليون دينار.(13/143)
*الحرب العالمية الأولى
استمرت هذه الحرب أربع سنوات وخمسة عشر أسبوعًا؛ إذ
بدأت سنة (1914م) وانتهت سنة (1918م)، واشترك فيها ثلاثون
دولة، وجُنِّد فيها خمسة وستون مليون مقاتل، لقى مصرعه منهم
ثمانية ملايين ونصف المليون، وجرح وأسر تسعة وعشرون
مليونًا. وكان السبب المباشر لنشوبها اغتيال فرانسيز فرديناند
ولىُّ عهد النمسا فى سراييفو فى (28 من يونيو 1914م) بيد
برنشيو الصربى، وفى نهاية صيف سنة (1914م) اشتبك الحلفاء
(إنجلترا وفرنسا وروسيا وبلجيكا وصربيا واليابان) فى حرب
عنيفة ضد قوات التحالف المكون من (ألمانيا والنمسا والمجر
والإمبراطورية العثمانية). وفى العام الأول من الحرب حققت
ألمانيا انتصارات فى الجبهة الغربية؛ فاحتلت بلجيكا وتقدمت
نحو باريس، أما فى الجبهة الشرقية فقد مُنيت القوات الروسية
بهزائم كبيرة نجمت عن عدم فاعلية قيادتها. واستمرت الحرب
على الجبهة الغربية فى عام (1915م) ولم يحقق أى الطرفين
انتصارات بارزة، وفى مايو (1915م) أعلنت إيطاليا الحرب على
النمسا، وفى الجبهة الشرقية استمرت هزائم روسيا أمام قوات
ألمانيا، كما شهد عام (1915م) عدة معارك بحرية غير حاسمة،
غير أن عمليات الغواصة الألمانية اتسعت بشكل كبير. ولم يشهد
عام (1916م) تغيرات جوهرية على الجبهة الغربية باستثناء
استخدام الدبابة لأول مرة إبان معركة السوم، كما استمرت
عمليات الغواصة الألمانية، وقيام معركة جونلاند البحرية. وقد
شهد عام (1917م) عدة تحولات مهمة، أهمها إعلان الولايات
المتحدة الأمريكية الحرب على ألمانيا فى (6من أبريل 1917 م)،
وشهدت الجبهة الشرقية تحولاً أساسيًّا، تمثل فى الثورة
الروسية فى (مارس 1917م) وتعهد النظام المؤقت الجديد بمتابعة
الحرب ضد ألمانيا، واستمر البريطانيون فى تقدمهم فتمكنوا من
احتلال القدس وبغداد. وفى مطلع عام (1918م) حدد الرئيس
الأمريكى ويلسون برنامجًا يحتوى على (14) بندًا للسلام ضمنه(13/144)
مبادئ عامة، منها حرية الملاحة فى البحار، ونزع القيود على
التجارة، وتخفيض السلاح. وفى (28من يونيو 1919 م) تم توقيع
معاهدة فرساى التى تضمنت تجريد ألمانيا من مستعمراتها، كما
فرضت عليها دفع تعويضات بلغت (56) مليون دولار. وقد أدت
الحرب العالمية الأولى إلى تغيرات جذرية فى العالم؛ إذ اختفت
أربع إمبراطوريات كبرى، هى: الألمانية والنمساوية والروسية
والعثمانية، وظهرت عدة دول جديدة، مثل: فنلندا وبولونيا
وإستونيا وليتوانيا. وخرجت فرنسا وبريطانيا بمكاسب كثيرة،
وتعززت سيطرتهما الاستعمارية على مناطق واسعة من العالم.(13/145)
*جالديران (معركة)
وهى معركة دارت بين العثمانيين والفرس فى (2من رجب 920 هـ
= 23 من أغسطس 1514 م)، فى سهل جالديران، بالقرب من
تبريز؛ فعرفت بهذا الاسم. فبعد إعلان السلطان العثمانى سليم
الأول الحرب على الشاه إسماعيل الصفوى سار الجيش العثمانى
حتى التقى مع الجيش الفارسى فى سهل جالديران. وقد نجح
العثمانيون فى الانتصار على الفرس؛ بسبب استخدام العثمانيين
الأسلحة الحديثة. ومن أهم النتائج التى أسفرت عنها هذه
المعركة: انتقال الأناضول الشرقية والجنوبية إلى حوزة الدولة
العثمانية، عدا القسم الموجود لدى المماليك، وأفول نجم
الصفويين السياسى لمدة عشرين سنة، وانضمام الأمراء الأكراد
السنيين إلى الدولة العثمانية، وأن الدولة العثمانية أصبحت على
حدود الدولة المملوكية، خاصة بعد احتلال الرقة فى سوريا.(13/146)
*حادث 31 مارس
ثارت حامية الآستانة - وكان عددها ثلاثين ألفًا - على مجلس
المبعوثان وجماعة الاتحاد والترقى. وكان الثائرون يطالبون
بإحياء الشريعة الإسلامية، وبعزل الصدر الأعظم (رئيس الوزراء)
وناظرى (وزيرى) الحربية والبحرية، وطرد أحمد رضا بك
وحسين جاهد بك وأمثالهما من مجلس المبعوثان، وعزل محمود
مختار باشا وبالعفو عنهم. وقد عقد مجلس المبعوثان اجتماعًا
واستجاب لمطالب الثوار، وانتخبوا وفدًا ليبلغ السلطان قرارهم،
وعين توفيق باشا صدرًا أعظم (رئيسًا للوزراء)، وأدهم باشا
ناظرًا (وزيرًا) للحربية. وقد حاصر الروم الآستانة ودخلها الجيش
بقيادة محمود شوكت باشا وحاصر يلديز، ودارت معركة كبيرة
انتهت بتسليم حامية يلديز وأطلقت القنابل على حامية الباب
العالى والنادى العسكرى، وقبض على الكثيرين، كمراد بك
الداغستانى، وأعدم عدد كبير رميًا بالرصاص، وبلغ عدد القتلى
(1200) قتيل، واجتمعت الجمعية العمومية؛ لتتداول فى أمر
السلطان عبد الحميد الثانى وقررت عزله، وتولية السلطان رشاد
مكانه.(13/147)
*بنو قريظة (غزوة)
لما نقض بنو قريظة العهد مع المسلمين فى غزوة الأحزاب، وجاء
جبريل عليه السلام، وقال للنبى - صلى الله عليه وسلم -: إن الملائكة لم تضع أسلحتها،
قال (: لا يصلينَّ أحدكم العصر إلا فى بنى قريظة. وأعطى الراية
لعلى، واستخلف ابن أم مكتوم على المدينة، ووصل النبى إليهم،
وقال لهم: نقضتم العهد ياإخوة القرود، أخزاكم الله، وأنزل بكم
نقمته، فقالوا: ما كنت جاهلاً يامحمد، فلا تجهل علينا. وحاصرهم
النبى - صلى الله عليه وسلم - بضعًا وعشرين ليلة، وعرض عليهم سيدهم كعب بن أسد
ثلاثة اختيارات ليختاروا أيها شاءوا؛ إما الإسلام، وإما قتل
نسائهم وأبنائهم وقتال المسلمين، وإما إتيان المسلمين فى ليلة
السبت حين طمأنينتهم فيقتلونهم قتلاً، فأبوا الإسلام والقتال،
وعن الثالث قالوا: لا نتعدى فى السبت. واستشاروا أبا لُبابة،
فقال لهم: نعم انزلوا على حكمه، وأشار إلى عنقه - يعنى الذبح
- ثم ندم؛ لأنه علم أنه خان الله ورسوله، وربط نفسه فى سارية
المسجد، ثم تاب الله عليه، ونزل ثعلبة وأسيد ابنا سَعْية، وأسد
بن عبيد - نزلوا مسلمين، وخرج عمرو بن سُعْدى (القُرظى)، وقد
أبى أن ينقض العهد، قائلاً: لا أغدر بمحمد أبدًا، وبات ليلة فى
المسجد، ثم خرج فلم يُعْلَم أين سقط، وقال عنه (: ذلك رجل نجَّاه
الله بوفائه. وحكم فى بنى قريظة سعد بن معاذ الأوسى بأن
يُقتل الرجال، وتُسبى الذَّرارى والنساء وتقسم الأموال، فقال (:
لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة، وقتل يومئذٍ
حُيَىُّ بن أخطب وكعب بن أسد، وكانوا من الستمائة إلى
السبعمائة. وقتلت امرأة، وهى بُنانة امرأة الحكم القرظىِّ التى
طرحت الرحى على خلاد بن سويد، فقتلته أثناء الحصار، وقسم
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أموال بنى قريظة، واستشهد بعد ذلك سعد بن معاذ،
وهو الذى أتى فيه الحديث: أنه اهتز لموته عرش الرحمن، يعنى
سكان العرش من الملائكة، فرحوا بقدوم روحه.(13/148)
*الريدانية (موقعة)
آخر معركة دارت بين الجيش العثمانى بقيادة السلطان سليم الأول
وجيش المماليك بقيادة طومان باى فى يناير (1517م). كانت
دولة المماليك قد أخذت فى الضعف منذ أواخر القرن الخامس
عشر الميلادى، فى حين كانت الدولة العثمانية تضم إليها بلدان
العالم الإسلامى فى مرحلة توسعها، ونجحت سنة (1516م) فى
ضم سوريا بعد هزيمة السلطان قانصوه الغورى سلطان مصر
والشام فى معركة مرج دابق، ثم اتجهت إلى ضم مصر. وأرسل
السلطان سليم الأول رسالة إلى طومان باى الذى خلف قانصوه
الغورى فى حكم مصر، يأمره بتسليم مصر، فى مقابل الاعتراف
به نائبًا عليها من قِبَل العثمانيين، ولكنه رفض وآثر الحرب. سار
السلطان سليم بجيشه من غزة وسلك الطريق الساحلى الممتد
على الشاطئ الشمالى لشبه جزيرة سيناء حتى وصل إلى
الصالحية داخل الأراضى المصرية، ثم اتجه نحو بلبيس فى حين
خرج طومان باى إلى الريدانية قرب العباسية بظاهر القاهرة،
وعسكر بجيشه الذى ضم نحو (40) ألفًا من الجنود تدعمهم
المدفعية والفرسان، ولكنهم غير متجانسين، ويفتقرون إلى
الروح القتالية العالية. وقد امتاز جيش السلطان سليم الأول
بالتفوق العددى والقيادة الحكيمة والمعنويات المرتفعة، ودارت
المعركة، وفى بدايتها قام جيش طومان باى بعدة هجمات
لاختراق صفوف الجيش العثمانى، لكن التفوق العددى والمناورات
القتالية للعثمانيين تغلبت عليه، وانفرط عقد جيشه، وفر من حوله
كثير من جنده، فهرب بمن بقى معه، وعاد إلى القاهرة لينظم
باقى جنده، ويستأنف الحرب. ودارت عدة اشتباكات بينه وبين
العثمانيين حتى تمكنوا من هزيمته نهائيًّا، والقبض عليه، ثم
إعدامه. ومن نتائج هذه المعركة سقوط دولة المماليك، وإعلان
مصر ولاية عثمانية، وانتقال الخلافة من العباسيين إلى
العثمانيين؛ فكان السلطان سليم الأول أول خليفة عثمانى سنة
(1517م).(13/149)
*الحسين بن الحسن (ثورة)
قام بها أحد أفراد البيت العلوى بالحجاز، وهو الحسين بن
الحسن الأفطس، ضد المأمون سنة (199هـ)، وشجعه على ذلك
غلبة الطالبيين على الكوفة والبصرة وكور العراق ولما رأى
الحسين بن الحسن ومن معه من أهل بيته تغير معاملة الناس لهم،
وبلغهم أنه قد طَرِد من الكوفة والبصرة وكور العراق ومن كان
بها من الطالبيين، ورجعت الولاية فيها للعباسيين - اجتمعوا إلى
محمد بن جعفر بن محمد ابن على بن الحسين بن على بن أبى
طالب، وكان محببًا إلى الناس، وطلبوا منه أن يبايعوه بالخلافة،
فأبى، فألح عليه ابنه على والحسين بن الحسن حتى استجاب
لهما فبايعه الناس بالخلافة، ثم توجه إليه إسحاق بن موسى بن
عيسى والى اليمن فقاتله ببئر معونة وهزمه، فطلب محمد بن
جعفر وأصحابه الأمان حتى يخرجوا من مكة فأجابهم إسحاق،
وتفرق الطالبيون كل قوم فى ناحية.(13/150)
*فارنا (معركة)
دارت عند مدينة فارنا على البحر الأسود معركة بين الجيش
العثمانى وحملة صليبية كبيرة. وسببها تخلى مراد الثانى عن
الحكم لولده محمد الفاتح الذى كان طفلا آنذاك، فأطمع ذلك
الأوربيين وعلى رأسهم المجريون والبيزنطيون. وتشكلت الحملة
الصليبية الخامسة بقيادة الملك لاديلاس ظاهرًا وبقيادة هنيادى
فعليًّا، ضد العثمانيين. وبعد عودة مراد الثانى إلى الحكم قاد
جيشًا قوامه أربعون ألفًا، ونزل الجيش الصليبى ساحل البحر
الأسود، واقترب من فارنا، ونهب المدن والكنائس الأرثوذكسية
التى قابلوها فى طريقهم وبدأت الحرب بهجوم هنيادى، وترك
مراد الثانىالعدوَّ يتوغل إلى عمق صفوف المسلمين، ثم أعطى
الأمر لجيشه بالهجوم، ولم يدرك الملك لاديسلاس أن المسلمين قد
طوقوه، وقتل العثمانيون لاديسلاس بعد قتلهم خمسين فارسًا
من الحرس الملكى، كما قُتل الكاردينال جسارينى، وتمكن
هنيادى من الهرب، وبلغ عدد الأسرى مابين ثمانين وتسعين ألف
جندى، وأبيد الباقى، واستشهد من العثمانيين نحو مائة
وخمسين، وكان عدد الجرحى كبيرًا، وأيقن الأوربيون صعوبة
طرد العثمانيين من منطقة البلقان، وانفصلت بولونيا عن المجر
مرة ثانية؛ لأن ديسلاس قُتل، ولم يترك وارثًا لملكه.(13/151)
*الإسكندر (فتوحات)
هو الإسكندر الثالث بن فيليب المقدونى، ملك مقدونيا. تتلمذ
لأرسطو، وقضى على الثورات التى قامت بعد موت أبيه فى
المدن الإغريقية وتراقيا والليريا. وفى سنة (334 ق. م) بدأ تنفيذ
مشروع محاربة الفرس الذى ورثه عن أبيه. أحرز نصرين كبيرين
عند نهر جرانيكوس، فى موقعة أسوس، ثم استولى على صور
وغزة فى نحو عام، ثم واصل سيره تجاه مصر حتى وصل إلى
بلوزيوم بوابة مصر الشرقية، فاستسلم له حاكم مصر الفارسى،
وقدم الإسكندر القرابين إلى الآلهة المصرية، وتُوّج فرعونًا فى
منف، وأسس مدينة الإسكندرية وهو فى طريقه إلى معبد الوحى
بسيوة. وفى سنة (331ق. م) إتجه إلى بابل والتقى بالجيش
الفارسى فى معركة جاوجميلا، وأحرز نصرًا مؤزرًا على
الإمبراطور الفارسى دارا الثالث الذى لقى مصرعه، ودخل
الإسكندر العاصمة سوسة معلنًا بذلك سقوط الدولة الفارسية.
واصل الإسكندر سيره حتى بلغ شواطئ بحر قزوين، واستولى
على أفغانستان وبلاد ماوراء النهر، ثم اتجه غربًا حتى وصل
إلى منطقة سمرقند الحالية، واشتبك فى أثناء رحلته مع عديد
من القبائل المنتشرة فى هذه المناطق، حتى وصل إلى الهند،
واستولى على بعض أقاليمها. وبعد هذه الرحلة الشاقة
والمعارك الكثيرة أصاب الكلل الجيش، فتذمر جنوده وطالبوا
بالعودة إلى بلادهم، وفى أثناء هذه العودة أصيب الإسكندر
بالحمَّى عند بابل، ومات فجأة، سنة (323ق. م)، وهو فى سن
الثالثة والثلاثين، بعد أن أسس إمبراطورية كبيرة.(13/152)
*الحسين بن على بن الحسن (ثورة)
هى ثورة قام بها العلويون فى عهد الهادى بمكة والمدينة،
بزعامة الحسين بن على بن الحسين بن الحسن بن على؛ بسبب
سوء معاملة عامل الهادى على المدينة لهم، واتهامه لهم بشرب
الخمر، وقبضه عليهم، والتشهير بهم بين أهل المدينة. وقد توجه
الحسين بن علىبعد خروجه من المدينة نحو مكة، فلقيه جيش
العباسيين بوادى فخ الذى يبعد عن مكة بستة أميال، وقتل
الحسين بن على بعد أن أبلى بلاء حسنًا، وقتل معه بعض أهل
بيته. وكانت هذه الموقعة من الشدة بحيث قيل: لم تكن مصيبة
بعد كربلاء أشد وأفجع من فخ. وقد كثر شعر الشيعة فى رثاء
من قتل فى هذه المعركة.(13/153)
*عمرو بن معاوية القيسى (ثورة)
ثورة ضد دولة الأغالبة؛ نتيجة لسياسة العنف التى انتهجها زيادة
الله بن إبراهيم بن الأغلب، أمير الأغالبة، وكان عمرو بن معاوية
واليًا من قبل زيادة الله على منطقة القصرين، فأعلن العصيان
سنة (208هـ=823م)، وسيطر على المنطقة، وأدخل ولديه حبابًا
وسجمان فى الفتنة رغم معارضة حباب لأبيه وتخويفه إياه من
عواقب الفتنه فتعرض للتنكيل من والده. ولم تطل ثورة عمرو
القيسى فقد سار إليه موسى بن هارون بقوات الأغالبة، فقبلوا
الاستسلام، على أن يأخذوا الأمان، وجىء بهم إلى زيادة الله
الذى أمر بحبسهم فى بيت ابن عمه ووزيره الأغلب بن عبد الله
المشهور باسم غلبون، إلى أن يرى فيهم رأيه، وسرعان ماراح
الثلاثة ضحية القيل والقال فقد أشيع أن الأمير لم يقتصَّ منهم؛
خوفًا من عصبية بنى قيس فى مصر إبقاءً على عمه والى مصر
آنذاك فقتلهم جميعًا، ولم تشفع لديه معارضة الحباب لأبيه أول
الأمر، وقيل: إن ثورة الطنبذى ضد الأغالبة كانت انتقامًا لمقتل
عمرو بن معاوية وولديه، إلى جانب عنف زيادة الله وفساده.(13/154)
*العقر (معركة)
وقعت سنة (102هـ=720م) فى خلافة الأمويين، بين يزيد بن
المهلب وجيش الخلافة بقيادة مسلمة بن عبد الملك فى خلافة
أخيه يزيد بن عبد الملك. وكان يزيد بن عبد الملك واليًا على
العراق ثم خراسان ثم البصرة فى خلافة سليمان بن عبد الملك،
ولما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة عزله وسجنه، فلما مات
عمر ذهب غلمان يزيد، وأخرجوه فسار بجيش إلى البصرة،
واستولى عليها، وتجهز لحرب جيش الخلافة. وأرسل يزيد بن عبد
الملك جيشًا بقيادة أخيه مسلمة، والتقى الجيشان فى موضع
يقال له: العقر، فى أواسط العراق، واقتتلا قتالا شديدًا، فقتل
كثير من جيش يزيد بن المهلب، وفر كثير من جنده من حوله، كما
قُتل فى المعركة يزيد وأخوه حبيب وبموتهما انتهى دور الأسرة
المهلبية (أسرة بن المهلب) فى التاريخ الأموى.(13/155)
*كينونة (معركة)
كينونة أو كبونة: إحدى المعارك التى دارت بين أبى عبد الله
الشيعى دولة الأغالبة ببلاد المغرب سنة (292هـ=905م). وكان أبو
عبد الله قد أخذ ينشر المذهب الشيعى الفاطمى، ويدعو إلى
إمامة أبى عبيد الله المهدى فى المغرب قبل قيام الدولة
الفاطمية، وتبعه عدد كبير من القبائل، واستولى على مناطق
تابعة للأغالبة؛ مما أوقع الصدام بينهما، وانتصر جيش أبى عبد
الله على الأغالبة فى أكثر من معركة، أشهرها معركة كينونة؛
حيث التقى جيش أبى عبد الله الشيعى مع جيش زيادة الله
الأغلبى الذى بلغ نحو (40) ألف رجل مابين فارس وراجل، وعهد
بقيادته إلى إبراهيم بن حبش، وتقدم إلى مقر أبى عبد الله فى
بلدة إجانه أو إيكحان، ونزل فى موضع يسمى كبونة أو
كينونة بالجزائر، ودارت بينهما معركة شديدة مُنى فيها جيش
الأغالبة بهزيمة ساحقة.(13/156)
*ميسرة المضفرى (ثورة)
إحدى ثورات الخوارج ببلاد المغرب على الخلافة الأموية. قام بها
ميسرة المضفرى؛ نسبة إلى قبيلة مضفر إحدى القبائل البترية
بالمغرب، ويلقب بالفقير والحقير، وكان فى بداية حياته يعمل
سقاءً يبيع الماء فى سوق القيروان حتى عرف مبادئ الخوارج
ومطالبهم فتحمس لها خاصة فرقة الصفرية، ولما عاد إلى موطنه
نشر هذا المذهب بين أفراد قبيلته الذين بايعوه إمامًا لهم، ثم
انضمت إليه قبائل أخرى، مثل: غمارة ومكناسة وبرغواطة؛
فأعلن ثورته على الخلافة، ونجح فى الاستيلاء على طنجة بعد
هزيمة عاملها، وحاولت الخلافة القضاء عليه، فأرسلت إليه
قواتها أكثر من مرة لمحاربته لكنها فشلت فى القضاء عليه
حتى كانت نهايته فى إحدى المعارك بالقرب من وادى شلف
قرب تلمسان، انتصر فيها جيش الخلافة على جيش ميسرة،
وانتهى الأمر بقتله سنة (123هـ) على أيدى أتباعه الذين اتهموه
بالفرار من المعركة.(13/157)
*حادث القنبلة
كون الثوار الأرمن جمعيات إرهابية ضد المسلمين من رعايا الدولة
العثمانية، داخل أراضى الدولة العثمانية وخارجها، وأحدثوا
اضطرابات دامية، وذلك بتنظيم ماسونى مع جمعية الطاشناق
الأرمنية وبتشجيع من كال إدوارد السابع ملك بريطانيا
الماسونى الذى قدم إليهم (23) ألف ليرة ذهبية؛ لقتل السلطان
عبد الحميد الثانى فكان هذا الحادث الذى اشتهر بحادث القنبلة،
وكلف فيه يهود سويسرا إدوارد جورج اليهودى الفرنسى
الجنسية بالتعاون مع الطاشناق؛ لادخال عربة إلى إستانبول
فوصلت إلى إستانبول قطعةً قطعةً، وتم تركيبها لتكون قنبلة
جحيم تنفجر فى الوقت الذى يخرج فيه السلطان عبد الحميد من
مسجد محمد الفاتح بعد صلاة الجمعة، فانفجرت، ولم يتم لهم
ماأرادوا، ووقع اشتباك مع رجال الحرس السلطانى والشرطة،
فلقى عشرون منهم مصرعهم، وقبض على المنفذين الأرمن
بالباب العالى، فتدخل السفير لحمياتهم بحجة الامتيازات
الأجنبية، وتم له ماأراد. ولم يكن حادث القنبلة المحاولة الوحيدة
للأرمن لاغتيال السلطان عبد الحميد.(13/158)
*القصر الكبير (معركة)
وقعت فى (4 من أغسطس 1578م) فى مدينة القصر الكبير غرب
إقليم الريف بالمغرب العربى، بين البرتغاليين بقيادة ملكهم
سيباسيتان والسلطان أحمد المنصورالذهبى أحد سلاطين دولة
الأشراف السعديين بالمغرب الأقصى. وكان ملك البرتغال قد قام-
بإيعاز من رجال الدين الجزويت بالبرتغال - بإعداد حملة لغزو
بلاد المغرب، فعبر بجيشه إلى المغرب، ودارت بين الطرفين
معركة شديدة انتهت بهزيمة الجيش البرتغالى وقتل الملك.(13/159)
*فخ (معركة)
اسم وادٍ فى الطريق بين مكة والمدينة، يبعد عن مكة بستة
أميال. وقعت به معركة سنة (169 هـ) فى خلافة موسى
الهادى، أحد خلفاء بنى العباس، بين العلويين بقيادة الحسين
بن على بن الحسن بن الحسن بن ابى طالب وجيش الخلافة
العباسية. وكان الحسين قد خرج هو وأتباعه العلويون فى
المدينة على عاملها، ودعا إلى نفسه، واجتمع حوله الشيعة
والعلويون، وقصدوا دار الامارة واقتحموا السجون وأخرجوا من
كان بها. وأقام الحسين بدار الإمارة (11) يومًا بعد بيعته، ثم
خرج منها قاصدًا مكة، وفى الطريق قابله جيش الخلافة
العباسية، ودارت معركة بينهما بفخ، قُتل فيها الحسين وبعض
أمراء بيته.(13/160)
*يوسف بن إبراهيم البَرْم (ثورة)
هو يوسف بن إبراهيم المعروف بيوسف الَبَرْم. أحد ثوار خراسان،
خرج على الخليفة العباسى محمد المهدى بعد أن جمع الناس
حوله، واستولى على عدة مدن فى خراسان ومروالروذ
والطالقان، فأرسل إليه المهدى جيشًا بقيادة يزيد ابن مزيد
الشيبانى؛ حيث اقتتلا، واستطاع يزيد أن يأسره، وأرسله إلى
المهدى الذى قتله.(13/161)
*النهروان (معركة)
وقعت بين على بن أبى طالب، رضى الله عنه، والخوارج الذين
رفضوا التحكيم مع معاوية بن أبى سفيان، عند النهروان
الواقعة بين بغداد وواسط. وكان الخوارج بقيادة عبد الله بن
وهب الراسبى قد طالبوا على بن أبى طالب بأن يعلن كفره،
ويدخل الإسلام من جديد، واستباحوا دماء المسلمين، واعتدوا
على أعراضهم وأملاكهم، ولم تنجح محاولات على فى ردهم عن
القتال، فاستعد الطرفان للقتال. وانصرف عن الخوارج كثير من
الجيش بعد ما أعلن لهم على الأمان. ودارت المعركة، وقتل فيها
رءوس الخوارج، وقتل من جيش على (7) أفراد، إلا أن الخوارج
قاموا بعد ذلك باغتيال الإمام على.(13/162)
*الولجة
بعد هزيمة الفرس فى معركة المذار فى جنوب العراق أرسل
أردشير ملك الفرس جيشًا، لقتال المسلمين بقيادة الأندرزغر
واستعان بالعرب، ولما علم خالد بن الوليد بنبأ هذا الجيش سار
بجيش المسلمين لحربهم فى منطقة الولجة جنوب العراق واقتتل
الطرفان قتالا شديدًا، ولما خرج الكمين الذى أعده مسبقًا خالد
ابن الوليد ساد الذعر فى صفوف الفرس، حتى إن الرجل لم ير
مَقتل صاحبه، ومات قائد الفرس عطشًا، وقتل خالد بن الوليد
رجلاً كانت الفرس تعده بألف رجل، وغنم المسلمون فى هذه
المعركة غنائم كثيرة.(13/163)
*بنو المصطلق (غزوة)
وقعت سنة (6هـ)، وقيل: سنة (5هـ)، وتسمى المريسيع، وهو
ماء قريب من المدينة المنورة، حيث غزا النبى e بنى المصطلق
الذين كانوا يعدون العدة لقتال المسلمين، بعدما علم النبى e
بذلك، وخرج إليهم فى (700) من أصحابه فهاجمهم على ماء
المريسيع وهم غافلون، وقتل المسلمون منهم (10)، واسروا
الباقين، ولم يقتل من المسلمين إلا هشام بن صبابة الذى قتله
أحد المسلمين خطأ. وغنم المسلمون فى هذه الغزوة غنائم
كثيرة بلغت ألفى بعير وخمسة آلاف شاة وكثيرًا من السبايا
والأسرى، ومن بينهم السيدة جويرية بنت الحارث، رضى الله
عنها، التى تزوجها النبى e، بعد أن أعتقها. وأعتق المسلمون
أسرى بنى المصطلق؛ إكرامًا لأصهار النبى e. فأسلم بنو
المصطلق جميعًا. وكان شعار المسلمين فى هذه الغزوة يامنصور
أمت أمت، ووقعت فى هذه الغزوة عدة أحداث مهمة، مثل: الفتنة
التى كاد المنافقون يشعلونها بين الأنصار والمهاجرين، وقول
زعيم المنافقين عبد الله بن أبى بن سلول: لئن رجعنا إلى
المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، وحادثة الإفك التى أشاعها
المنافقون حول السيدة عائشة، رضى الله عنها. فبرأها الله -
تعالى - فى صدر سورة النور.(13/164)
*المذار (معركة)
وقعت فى البصرة سنة (12هـ) بين المسلمين والفرس، ويقال لها
الثنى؛ حيث التقت جيوش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد، رضى
الله عنه، مع قائد الفرس قارن بن قريانس الذى أرسله كسرى
مددًا لهرمز بعد هزيمته فى ذات السلاسل فعسكر قارن بالمذار
بالقرب من واسط، وجمع فلول الفرس الهاربة، واتفقوا على قتال
المسلمين. وعندما علم خالد بن الوليد بذلك خرج إليهم فى
المذار، وقاتلهم، وقتل منهم ثلاثين ألفًا، من بينهم قارن، وأقام
خالد فى المذار عدة أيام ينظم الجيش ويوزع الغنائم. وممن أسر
فى هذه المعركة حبيب أبو الحسن البصرى.(13/165)
*الفجار (حرب)
نشبت بعد عام الفيل، بين قريش ومن معها من كنانة وقيس
عيلان، وسميت بالفجار؛ لأن القتال حدث فى الأشهر الحرم.
وسببها أن عروة الرحال بن عتبة أجاز تجارة للنعمان بن المنذر،
فقال البراض بن قيس: أتجيزها على كنانة؟ قال: نعم، وعلى
الخلق. فخرج فيها عروة وخرج البراض يطلب غفلته، حتى إذا
كان بتيمن ذى طلال بالعالية غفل عروة فوثب عليه البراض فقتله
فى الشهر الحرام، فأتى آتٍ قريشًا فقال: إن البراض قد قتل
عروة بعكاظ وهو فى الشهر الحرام، فارتحلوا، وهوازن لاتشعر
بهم، ثم بلغهم الخبر، فأدركوهم قبل أن يدخلوا الحرم، فاقتتلوا
حتى جاء الليل، فدخلوا الحرم، فأمسكت هوازن عنهم، ثم التقوا
بعد هذا اليوم أيامًا. وقد شاركهم رسول الله فى بعض أيامهم؛
إذ أخرجه أعمامه معهم، وكان عمره خمس عشرة سنة. وفى
هذه الحرب قال رسول الله كنت أُنبَل على أعمامى، أى: أرد
عليهم نبل عدوهم إذا رموهم بها.(13/166)
*دومة الجندل (غزوة)
بلغ النبى - صلى الله عليه وسلم - أن جمعًا من الأعراب بدومة الجندل يقطعون الطريق
على مَنْ مرَّ بهم، وأنهم يريدون غزو المدينة، فخرج إليهم فى
ألف من أصحابه فى ربيع الأول سنة (5 هـ)، وولى على المدينة
سباع بن عرفطة، فلما بلغهم الخبر تفرقوا، ثم نزل المسلمون
ساحتهم فلم يلقوا أحدًا، فغنموا ماشيتهم وأغنامهم، وصالح
النبى - صلى الله عليه وسلم - وهو عائد عيينة بن حصن الفزارى، وأقطعه أرضًا؛ لأن
أرضه كانت قد أجدبت.(13/167)
*ذى قرد (الغابة) (غزوة)
بعد غزوة بنى لحيان فى جمادى الأولى سنة (5 هـ) أغار عيينة
بن حصن فى أربعين راكبًا على لقاح لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستلبها
من راعيها، فبلغ سلمة بن الأكوع - أحد رماة الأنصار - رسول الله
(بذلك، وكان سلمة عدَّاءً فأمره الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يخرج فى أثرهم؛
ليشغلهم بالنبال والكر والفر، حتى يدركهم المسلمون، ففعل،
واستنقذ وحده أكثر ما فى أيديهم من أموال المسلمين، فلما
أدرك المسلمون أواخر العدو حصلت بينهم مناوشات قُتل فيها
مسلم ومشركان، واستنقذ المسلمون أغلب اللقاح، وهرب
المشركون.(13/168)
*بنى لِحيان (غزوة)
قصد النبى - صلى الله عليه وسلم - بنى لحيان، يطلب ثأر عاصم بن ثابت وخبيب بن
عدى وأصحابهما المقتولين بالرَّجيع، وكان فى مائتى راكب،
وسار حتى نزل عُسفان وبعث بعثًا، بلغ كُراع الغميم جنوبى
عُسفان فى الطريق إلى مكة، حتى تسمع قريش بتلك الغزوة،
فرجعوا ولم يلقوا أحدًا، ورجع (إلى المدينة. وكان ذلك فى
جمادى الأولى سنة (5 هـ).(13/169)
*ذات الرقاع (غزوة)
بلغ النبى - صلى الله عليه وسلم - أن قبائل من نجد تتهيأ لغزو المسلمين؛ فخرج لهم
فى سبعمائة مقاتل، وساروا حتى وصلوا ديار القوم فلم يجدوا
أحدًا غير نسوة، فأخذهن المسلمون، فبلغ الخبر رجالهن؛
فتفرقوا فى رءوس الجبال، ثم اجتمع جمع منهم، وجاءوا للحرب،
فلما صلى المسلمون صلاة الخوف - وكان ذلك أول مشروعيتها -
تفرقوا وفروا؛ لما رأوا من حذر المسلمين. وسميت هذه الغزوة
ذات الرقاع؛ لأن أقدام الصحابة - رضى الله عنهم - نقبت فلفوا
عليها رقاعًا من قماش. واختلف فى زمن وقوع هذه الغزوة،
ودارت الآراء بين سنوات (4 هـ)، و (5 هـ)، و (7 هـ).(13/170)
*بنى النضير (غزوة)
همَّ بنو النضير بإلقاء حجر على النبى - صلى الله عليه وسلم -، وهو جالس إلى جدار
عندهم؛ ليقتلوه؛ فأوحى الله - تعالى - بذلك إلى نبيه - صلى الله
عليه وسلم -، فقام وأمر أصحابه بالتهيؤ لحربهم، فحاصرهم ست
ليال، وقال لهم المنافقون: إنا معكم؛ فاغتروا بذلك، فلما بدأ
القتال خذلوهم وأسلموهم فسأل بنو النضير النبى أن يوافق
على إجلائهم، والكف عن قتلهم، على أن يكون لهم ما حملت
الإبل من ممتلكاتهم إلا السلاح، فأعطوا ذلك، وذهبوا إلى خيبر،
ومنهم من ذهب إلى الشام، ولم يُسلم منهم إلا أبا سعد بن وهب،
ويامين بن عمير بن كعب. وفى خبر إجلائهم نزلت سورة الحشر.(13/171)
*وادى القُرَى (غزوة)
فى سنة (7هـ) بعد غزوة خيبر انصرف الرسول - صلى الله عليه
وسلم - إلى وادى القرى فدعا سكانها من اليهود إلى
الاستسلام، فأبوا وقاتلوا المسلمين فأصاب المسلمون منهم أحد
عشر رجلاً، وغنموا منهم مغانم كثيرة، وتم الفتح الإسلامى،
وترك لليهود الأرض فى مقابل دفع نصف ما يخرجون منها.(13/172)
*حمراء الأسد (غزوة)
بعد غزوة أحد وفى (16 من شوال 3هـ) خرج الرسول - صلى الله
عليه وسلم - فى طلب العدو، وعهد ألا يخرج معه إلا من شهد
أُحدًا، فخرجوا وقد أصابهم قدر من الجهد والجراح. وكانت قريش
قد همَّت أن تُغير على المدينة فلما سمعت بخروج الرسول - صلى
الله عليه وسلم - فر رجالها إلى مكة؛ فنزل المسلمون حمراء
الأسد (على بعد 8 أميال من المدينة) فأقاموا بها ثلاثة أيام، ثم
رجعوا. وقد ظفر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمعاوية بن
المغيرة بن العاص فأمر بقتله.(13/173)
*بدر الثالثة (غزوة)
بعد انتهاء غزوة أحد قال أبو سفيان بن حرب للمسلمين: موعدنا
بدر من العام المقبل. فأجابه الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى
ذلك، فلما جاء الميعاد فى شعبان سنة (4هـ). كانت قريش
مجدبة؛ فلم يتمكن أبو سفيان من الوفاء بوعده، فأرسل نعيم
بن مسعود يخذل السلمين عن الخروج، فيكون الخلف منهم فإذا
خرج هو لم يجد أحدًا عند الخروج؛ فقال نعيم للمسلمين: إن
الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم. فلم يلتفتِ المسلمون لهذا
الإرجاف، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. وخرج الرسول - صلى
الله عليه وسلم - على رأس (1500) من أصحابه، رضى الله عنهم،
حتى أتوا بدرًا، فلم يجدوا بها أحدًا؛ لأن أبا سفيان خرج وعاد
من مسيرة ليلة؛ ظنًا منه أن إرجاف نُعَيم قد أفاد، ولكن
المسلمين خرجوا، وأقاموا ببدر، وكان موسم تجارة {فانقلبوا
بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله
ذو فضل عظيم}.(13/174)
*بنى قينقاع (غزوة)
حدثت فى (15 من شوال سنة 2 هـ)؛ إذ نقض بنو قينقاع عهدهم
مع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقالوا له بعد غزوة بدر
الكبرى: يا محمد لا يغرنك من نفسك أن نِلْتَ من قومك ما نِلْتَ؛
فإنه لا علم لهم بالحرب، أما والله لو حاربتنا لعلمت أن حربنا
ليس كحربهم، و'إنا لنحن الناس، وانتهكوا حرمة سيدة من
الأنصار، فتبرأ عبادة بن الصامت (أحد رؤساء الخزرج) من
حلفهم. ولما ظهرت العداوة من بنى قينقاع، استخلف النبى
- صلى الله عليه وسلم - على المدينة أبا لبابة الأنصارى،
وحاصرهم (15) يومًا؛ فطلبوا الخروج مقابل أموالهم، فَقَبِلَ
النبىُّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وأمهلهم ثلاث ليالٍ، ووكل
بجلائهم عبادة بن الصامت، فذهبوا'إلى أذرعات من بلاد الشام،
ولم يمر عليهم العام حتى هلكوا.(13/175)
*بحران (غزوة)
بلغ النبى - صلى الله عليه وسلم - أن جمعًا من بنى سليم يريدون
أن يغيروا على المدينة؛ فسار إليهم فى (300) من أصحابه،
رضى الله عنه، وذلك فى (جمادى الأولى سنة 3 هـ)، واستخلف
على المدينة ابن أم مكتوم. فلما وصل إلى بحران تفرق بنو
سليم، ولم يلقَ حربًا؛ فرجع إلى المدينة.(13/176)
*ذى أَمَرّ (غطفان) (غزوة)
فى مطلع العام الثالث الهجرى بلغ الرسول - صلى الله عليه وسلم -
أن غطفان تجمعوا؛ بقصد الإغارة على المدينة؛ فخرج إليهم
الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى (450) من أصحابه، رضى الله
عنهم، بعد أن استخلف على المدينة عثمان بن عفان، رضى الله
عنه، فلما سمع الغطفانيون بسير الرسول هربوا إلى رءوس
الجبال، فعسكر المسلمون عند ماء يسمى ذا أَمَرّ، ثم انصرف
الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم يلق حربًا.(13/177)
*السويق (غزوة)
حلف أبو سفيان أن يغزوا الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه لم
يحضر غزوة بدر فخرج فى (200) راكب حتى أتى العُرَيض فى
طرف المدينة، فحرق بعض نخيلها وقتل رجلاً من الأنصار وحليفًا
له ثم كرَّ راجعًا؛ فخرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى أثرهم
فى (200) من أصحابه، رضى الله عنهم، واستخلف على المدينة
أبا لبابة بن عبد المنذر، ولكن الكفار طرحوا كثيرًا من أزوادهم
من السويق؛ ليتخففوا فيسرعوا فى الهرب، فأخذها المسلمون؛
فسميت هذه الغزوة بغزوة السويق، وكان ذلك فى (ذى الحجة
سنة 2هـ) بعد بدر بنحو شهرين.(13/178)
*بنى سليم (غزوة)
بعد سبعة أيام من انتهاء غزوة بدر الكبرى سنة (2 هـ) خرج
الرسول - صلى الله عليه وسلم - يريد بنى سليم، واستخلف على
المدينة سِباع بن عرفطة الغِفارى، ثم سار حتى بلغ ماء يقال له:
الكُدْر، فأقام عنده ثلاثة أيام، ثم انصرف ولم يلقَ حربًا.(13/179)
*بدر الأولى (سفوان) (غزوة)
بعد غزوة العشيرة التى كانت فى (جمادى الأولى سنة 2 هـ) لم
يقم البنى - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة إلا نحو عشر ليالٍ حتى
أغار كُرُز بن جابر الفهرى القرشى على إبل المدينة وغنمها؛
فخرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى طلبه حتى بلغ وادى
سفوان ناحية بدر لكن كُرزًا هرب؛ فرجع النبى - صلى الله عليه
وسلم - إلى المدينة.(13/180)
*العشيرة (غزوة)
فى (جمادى الاولى سنة 2 هـ) خرج الرسول - صلى الله عليه
وسلم - بعد أن استخلف على المدينة أبا سلمى بن عبد الأسد
المخزومى ليعترض عيرًا عظيمة لقريش، جمعوا فيها أموالهم
وكان يرأسها أبو سفيان بن حرب، فلما بلغ الجيش الإسلامى
الذى كان قوامه (150) من المهاجرين ذا العشيرة وجد العير قد
مضت. وحالف النبى فى هذه الغزوة بنى مدلج وحلفاءهم، ثم
رجع إلى المدينة ينتظر العير حينما ترجع من الشام، ولما رجعت
حدثت غزوة بدر الكبرى.(13/181)
*بواط (غزوة)
فى (ربيع الآخر سنة 2 هـ) خرج الرسول - صلى الله عليه وسلم -
بعد أن استخلف على المدينة السائب بن مظعون؛ ليعترض عيرًا
لقريش راجعة من الشام، فسار حتى بلغ بواط فوجد العير قد
فاتته، فرجع ولم يلقَ حربًا.(13/182)
*الأبواء (ودَّان) (غزوة)
كانت فى (صفر سنة 2 هـ) وهى أول غزوة غزاها النبى - صلى
الله عليه وسلم - بنفسه؛ إذ خرج بعد أن استخلف على المدينة
سعد بن عبادة؛ ليعترض عيرًا لقريش، فسار حتى بلغ ودَّان (قرية
من نواحى الفرع على الطريق إلى مكة)، فلم يلقَ حربًا؛ لأن العير
كانت قد سبقته، وعقد صلحًا مع بنى ضمرة على أن لا يغزوه
ولا يغزوهم، ولا يكثِّروا عليه جمعًا ولا يعينوا عدوًّا، وأنهم
آمنون على أنفسهم، ولهم النصر على مَنْ اعتدى عليهم، وعليهم
النصرة إذا دعوا، ثم رجع الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى
المدينة.(13/183)
*الدولة الطولونية
تنسب هذه الدولة إلى مؤسسها «طولون»، الذى ينحدر من
أسرة كان موطنها «بخارى» ببلاد «التركستان»، وفى سنة
(200هـ) وصل «طولون» إلى «بغداد» إبان خلافة «المأمون»
(198 - 218هـ)، فأهدى بعض الرجال إلى الخليفة «المأمون»،
الذى رأى فيه اتزانًا فى الفكر وبسطة فى الجسم، فجعله
رئيسًا لحرسه الخاص، فعلا نجم طولون فى الدولة، ومهَّد لنفسه
ولأسرته طريق السيادة والسلطة فيها. وكان من عادة الخلفاء
أن يعينوا ولاة للأقاليم الخاضعة لسلطانهم، وكان هؤلاء الولاة
يعينون من ينوب عنهم فى حكم هذه الولايات؛ رغبة منهم فى
البقاء بالعاصمة؛ أملا فى الحصول على منصب أعلى وخوفًا من
المؤامرات. وكانت «مصر» - آنذاك - تحت ولاية القائد التركى
«باكباك» الذى أناب «أحمد بن طولون» عنه فى حكم «مصر»،
لما رآه من شجاعته وإقدامه، وأمده بجيش كبير دخل به «أحمد
بن طولون» «مصر» فى (23 من رمضان سنة 254هـ). فلما تُوفى
«باكباك» تولى مكانه القائد التركى «بارجوخ»، فعهد إلى
«أحمد بن طولون» بولاية «مصر» كلها، فلما آل الأمر إلى «ابن
طولون» فى حكم «مصر» واجهته المصاعب والعقبات، وأشعل
أصحاب المصالح فى «مصر» الثورات حتى لا يتمكن «ابن
طولون» من تنفيذ إصلاحاته التى عزم عليها، ولكن «ابن
طولون» تمكن من القضاء على كل العقبات والصعوبات واحدة
تلو الأخرى بكياسة وحزم، كما أخمد الثورات فى كل مكان. بعد
وفاة «أحمد بن طولون» خلفه ابنه «خمارويه»، فعمل على تذليل
العقبات التى واجهته كى تتوطد أركان دولته، وزوج ابنته
«أسماء» المعروفة بقطر الندى من الخليفة العباسى
«المعتضد»، وقام «خمارويه» بتجهيز ابنته، وغالى فى ذلك،
مما أدى إلى إفلاس مالية البلاد. وظل واليًا على «مصر» والشام
والجزيرة حتى وفاته سنة (282هـ). وبعد وفاة «خمارويه» سنة
(282هـ)، بدأت الدولة الطولونية فى الانحلال، فتولَّى زمامها
طائفة من أفراد البيت الطولونى، وكانت تنقصهم الحنكة(14/1)
السياسية، وهم: «أبو العساكر جيش بن خمارويه» (282 -
284هـ)، الذى خلعه الجند، فتولَّى من بعده أخوه «أبو موسى
هارون بن خمارويه» (284 - 292هـ)، وهو فى الرابعة عشرة من
عمره، فازدادت البلاد ضعفًا حتى مات، فتولى بعده عمه
«شيبان»، إلا أن الجند رفضوا تعيينه، وكان ذلك إيذانًا بزوال
الدولة الطولونية، وعودة «مصر» والشام والجزيرة إلى ولايات
تابعة مباشرة للخلفاء العباسيين، بعد أن استقلت منذ عهد
«أحمد بن طولون» كان «أحمد بن طولون» مثلا عاليًا للحاكم
العادل والوالى المصلح، وكان عهده عهد سلام شامل، ورخاء
تام، وفنون وآداب عالية المستوى، وخلَّف «ابن طولون» آثارًا
رائعة بقى منها جامعه الذى مازال معروفًا باسمه حتى الآن.
ومن مظاهر الحضارة فى عهد الدولة الطولونية: أ - إنشاء
القطائع: أقام «أحمد بن طولون» عاصمة خاصة به شمالى مدينة
«الفسطاط»، وبناها على نظام مدينة «سامراء» عاصمة الخلافة
العباسية، وبنى بها مستشفى عظيمًا، وقسم المدينة وجعل لكل
من كبار رجاله وقواده وغلمانه قطيعة خاصة به، وكذلك فعل مع
أرباب الحرف والصناعات والتجار، فسُميت المدينة «بالقطائع»؛
وهى ثالث عواصم «مصر» بعد «الفسطاط» و «العسكر». ب -
جامع ابن طولون: هو أحد مآثر الدولة الطولونية، فلايزال شاهد
صدق على عظمة هذه الدولة، ويقع بجهة «الصليبة» و «قلعة
الكبش»، ويُعد أقدم بناء إسلامى بقى على أصله حتى اليوم،
والناظر إليه يرى مدى ما وصلت إليه الفنون والعمارة الإسلامية
من ازدهار، وتُعدُّ مئذنته من أقدم المآذن التى لاتزال قائمة حتى
اليوم. ج - الجانب الاقتصادى: بلغت عناية الطولونيين بالناحية
الاقتصادية مبلغًا عظيمًا، ليضمنوا لبلادهم الرخاء والاستقلال،
خاصة بعد اتساع رقعة دولتهم وانضمام الشام إلى «مصر» تحت
إمرتهم، فشجعوا الصناعات وعملوا على ازدهارها، كصناعة
النسيج التى كانت أهم الصناعات فى هذا العهد، وأقاموا(14/2)
مصانع للأسلحة، وتقدمت صناعة ورق البردى وصناعة الصابون
والسكر والخزف فى عهدهم، وظلت التجارة رائجة، ونشطت فى
«مصر» و «الشام» وذلك لموقعهما الفريد المتحكم فى طرق
التجارة، فأصبحتا حلقة اتصال بين تجارة الشرق والغرب، إلى
جانب ما كانتا تحصِّلانه من ضرائب جمركية على البضائع التى
تمر بهما. كما اهتم الطولونيون بالزراعة، واعتنوا بتطهير «نهر
النيل»، وأقاموا الجسور، وشقوا الترع، وشجع «أحمد بن
طولون» الفلاحين على امتلاك الأراضى، وخصص لذلك ديوانًا
أسماه: «ديوان الأملاك»، كما قلل من الضرائب، وأصلح «مقياس
الروضة»، وأنشأ القناطر، وحفر الآبار فى الصحراء حين علم بما
يعانيه الناس فى هذه المناطق فى الحصول على الماء، فتقدمت
الزراعة فى عهده ونشطت، كما تقدمت الصناعة والتجارة،
وبلغت مالية «مصر» و «الشام» فى عهده مبلغًا عظيمًا، فكثرت
الإنشاءات العظيمة، مثل «الحصن المنيع» الذى بناه «أحمد بن
طولون»، ليكون مأوى له إذا ما حاق به خطر، وقد تكلفت هذه
المشروعات العظيمة أموالا طائلة، تدل على تحسن الأحوال
المالية والاقتصادية فى هذا العهد، وعاش الناس فى رخاء
وسعة. د - الناحية الاجتماعية: يبدو أن الأتراك قد حظوا بمكانة
عظيمة فى عهد الطولونيين، وشاركهم فى ذلك طبقة الأشراف؛
التى نالت احترام الشعب والأمراء، وإلى جانبهم كانت تعيش
طبقة الأغنياء من كبار التجار وكبار الملاك. أما عامة الشعب فقد
تحسنت أحوالهم نتيجة استقرار الأوضاع، واهتمام الحاكم
بشئونهم، وحرصه على إقامة العدل بينهم؛ لدرجة أن «أحمد ابن
طولون» تولَّى القضاء بنفسه فى فترة من الفترات، وعامل أهل
الذمة معاملة كريمة طيبة، جعلتهم يقبلون على أعمالهم بشغف
واطمئنان. واهتم الطولونيون بإحياء الأعياد الإسلامية كعيدى
«الفطر» و «الأضحى»، كما اهتموا أيضًا بإحياء الأعياد
المسيحية كعيد الميلاد، وكانت ألعاب الفروسية التى أولاها(14/3)
الطولونيون عنايتهم من أهم مظاهر الترفيه فى هذه الأعياد.(14/4)
*الدولة الإخشيدية
تنسب هذه الدولة لمحمد بن طغج بن جق الإخشيدى (طغج معناها
فى التركية: عبدالرحمن)، أحد أبناء ملوك «فرغانة» ببلاد «ما
وراء النهر»، وكان الملوك فى هذه البلاد يتخذون من لفظة
«الإخشيد» لقبًا لهم، فأطلق هذا اللقب على «محمد بن طغج»،
وتسمت به دولته، وعُرفَت باسم «الدولة الإخشيدية». اتصل
«جق» جد «الإخشيد» بالخلفاء العباسيين، أما «طغج» والده؛
فقد كان على درجة عظيمة من الثراء وسعة العيش، واتصل
بخدمة الطولونيين فى عهد «خمارويه»؛ الذى ولاه على
«دمشق» و «طبرية»، فلما سقطت الدولة الطولونية، تولَّى «محمد
ابن طغج» ولاية «دمشق»، ثم أُضيفت إليه ولاية «مصر»، ولكنه
أناب عنه من يحكمها، ولم يغادر «دمشق»، ولكن محاولات
الفاطميين للسيطرة على «مصر» جعلت الخليفة العباسى
«الراضى» يطلب من «ابن طغج» أن يقوم بنفسه على حكم
«مصر» والشام، حتى يُوقِف الزحف الفاطمى، ويعيد الاستقرار
والأمان إلى الولايتين. جاء «محمد بن طغج» سنة (323هـ)، وبدأ
يؤسس دعائم دولته الكبرى بها، وضُمت إلىه «الحجاز» - التى
ظلت مرتبطة بمصر عدة قرون بعد ذلك - كما حصل من الخليفة
سنة (323هـ) على حق توريث حكم البلاد التى تحت يده لأسرته
من بعده، فأصبحت هذه الولايات فى عداد الدول المستقلة. بذل
«محمد بن طغج» جهودًا كبيرة فى إعادة الاستقرار والأمان إلى
بلاده، واستطاع بكفاءته وذكائه أن يتغلب على العواقب التى
صادفته كافة، وأخذت «مصر» والشام و «الحجاز» تستعيد
مكانتها ثانية، بعد أن استطاع «ابن طغج» رد الفاطميين وإيقاف
زحفهم على «مصر»، فحاول الفاطميون استمالته إلى جانبهم،
ولكنه رفض، وظل وفيا للخلافة العباسية، واستطاع فى مدة
قصيرة أن يبسط سلطانه على «مصر» والشام، وأعاد إليهما
النظام، وعرف كيف يسوس الناس فيهما، فعاش حياته عزيزًا
كريمًا. فلما شعر بدنو أجله عهد إلى ابنه «أبى القاسم أنوجور»(14/5)
بالحكم من بعده، وجعل «كافورًا» وصيا عليه لأن «أنوجور»
كان فى ذلك الوقت صغيرًا، ومات الإخشيد بدمشق سنة (334هـ
= 946م (. وعندما تولَّى «أنوجور» ابن محمد بن طغج حكم
«مصر» سنة (334هـ) كان لايزال طفلا صغيرًا لا يتجاوز الرابعة
عشرة من عمره، فقام «كافور» بتدبير أموره وأمور الدولة،
وبقيت علاقتهما - كما كانت - علاقة الأستاذ بتلميذه، وأصبح
«كافور» صاحب السلطان المطلق فى إدارة الدولة الإخشيدية،
واستطاع التغلب على المشاكل التى قابلت الدولة فى مستهل
ولاية «أنوجور»، وتمكن من القبض على زمام الأمور بيده،
وخاطبه الناس بالأستاذ، وذُكِرَ اسمه فى الخطبة، ودُعى له على
المنابر فى «مصر» والبلاد التابعة لها، كما عامل رؤساء الجند
وكبار الموظفين معاملة حسنة، فاكتسب محبتهم واحترامهم،
فلما كبر «أنوجور» شعر بحرمانه من سلطته، فظهرت الوحشة
بينه وبين أستاذه «كافور»، وحاول البعض أن يوقع بينهما،
وطلبوا من «أنوجور» أن يقوم بمحاربة «كافور»، فلما علمت أم
«أنوجور» بذلك خافت عليه، وعملت على الصلح بينه وبين
«كافور»، وما لبث «أنوجور» أن مات سنة (349هـ). كان ولى
عهد «أنوجور» فى الحكم ولدًا صغيرًا هو «أحمد بن أبى الحسن
على»، فحال «كافور» دون توليته بحجة صغر سنه، واستصدر
كتابًا من الخليفة العباسى يقره فيه على توليته «مصر» سنة
(355هـ) بدلا من هذا الطفل الصغير، فتولى «كافور» «مصر» وما
يليها من البلاد ولم يغير لقبه «الأستاذ»، ودُعِى له على المنابر
بعد الخليفة. مات كافور سنة (357هـ)، فاختار الجند - بعد وفاته
- «أبا الفوارس أحمد بن على بن الإخشيد» واليًا على «مصر» وما
حولها، وكان طفلا لم يبلغ الحادية عشرة من العمر، فلم تستقر
البلاد فى عهده حتى دخلها الفاطميون سنة (358هـ). كان
الاتجاه الحضارى فى العهد الإخشيدى شديد الشبه بالاتجاه
الحضارى فى العصر الطولونى؛ لقرب الصلة الزمنية بين(14/6)
العهدين، وتميزت حضارة الإخشيديين بزيادة العمران بالفسطاط
ومدِّ ضواحيها، وتشييد القصور وإقامة البساتين الجميلة، كما
كان «ضرب السَّكَّة» من مظاهر الاستقلال فى العهد الإخشيدى،
فقد ضربوا السكة وجعلوا عليها أسماء الإخشيديين إلى جانب
الخليفة، وفى عهدهم ظهر منصب «الوزارة» رسميا، لأول مرة
فى «مصر» منذ الفتح الإسلامى لها، وكان «أبو الفتح الفضل بن
جعفر بن الفرات» أول من تولى هذا المنصب حتى وفاته سنة
(327هـ)، ثم من بعده ابنه «جعفر»، الذى ظل يشغل هذا المنصب
حتى نهاية الدولة الإخشيدية، وكذلك كان منصب «الحاجب» من
المناصب التى ظهرت أهميتها فى البلاط الإخشيدى، وقد أولى
الإخشيديون القضاء عنايتهم، وكان من أشهر قضاتهم: «محمد
ابن بدر الصيرفى» و «الحسين بن أبى زرعة الدمشقى»، وكان
«عمر ابن الحسن الهاشمى» من أشهر القضاة فى عهد
«كافور»، وكذلك «أبو طاهر الزهلى» الذى ظل على قضاء
«مصر» حتى دخلها الفاطميون. ولعل من أبرز مآثر «الإخشيد»
أنه كان يجلس للنظر فى المظالم يوم الأربعاء من كل أسبوع،
وحذا «كافور» حذوه فى ذلك، كما أن «الإخشيد» كان ذا
عزيمة، فقد أعد جيشًا قويا بلغ أربعمائة جندى فيما عدا حرسه
الخاص، فنعمت البلاد بالرخاء والثراء خلال هذا العهد الذى لم
يبخل فيه «الإخشيد» بأى مال أو معونة، وأنعم على الفقراء
وقدم لهم المساعدات، ومضى «كافور» على نفس الدرب،
ويُروَى عنه أنه كان يعمل على إسعاد الفقراء وخاصة فى
الأعياد، وكان يخرج من ماله يوم عيد الأضحى حمل بغل ذهبًا،
وكشوفًا بأسماء المحتاجين، وينيب عنه من يمر عليهم ويعطى
كلا منهم نصيبه. كان للعلم والأدب دولة ذات شأن فى بلاط
الإخشيديين، ونبغ فى عهدهم عدد كبير من العلماء منهم: «أبو
إسحاق المروزى» المتوفَّى سنة (340هـ) أحد الأئمة المعروفين
بسعة معارفهم وكثرة مؤلفاتهم، و «على بن عبدالله المعافرى»
قاضى «الإسكندرية» المتوفى سنة (339هـ)، ومن المحدثين:(14/7)
«الحسن بن رشيق المصرى» المتوفَّى سنة (370هـ) ومن النحاة:
«أحمد بن محمد بن الوليد التميمى المصرى»، ومن المؤرخين:
«أبو عمرو الكندى»، ومن الشعراء: «المتنبى»، وغيره
كثيرون، وكان لهؤلاء العلماء أثر كبير فى الحياة الحضارية
والعلمية فى «مصر»، فقد عملوا على شرح علومهم وتبسيطها
للناس، فزاد عدد المتعلمين، وارتفع مستوى التفكير والفهم لدى
الناس خلال هذه الفترة من حكم الإخشيديين. اهتم الإخشيديون
بالبناء والإصلاح، ولكن معظم ما أقاموه قد زال، ولم يبق منه
سوى الاسم فقط. قام «الإخشيد» بالكثير من مشروعات الإصلاح،
فتحسنت أحوال البلاد الاقتصادية، ونهضت نهضة قوية أدهشت
المؤرخ الشهير «أبا الحسن على المسعودى»، الذى زار «مصر»
فى عهد «الإخشيد»، وأُعجب بما أقامه «الإخشيد»، ووصف
نظام الرى، وجبر الخليج، وقطع السدود، وليلة الغطاس فى ذلك
العصر، الذى نعمت فيه البلاد بالأمن والأمان فى ظل قيادة
قوية، تخاف عليها وتحميها، يدعمها جيش قوى وأسطول
حديث، فتقدمت البلاد خطوات واسعة فى مجالات الحضارة.(14/8)
*الدولة الجغتائية
تنسب «الدولة الجغتائية» إلى مؤسسها «جغتاى» الابن الثانى
لجنكيزخان الذى أصبح ولى عهده بعد وفاة أخيه الأكبر
«جوجى» فى حياة والدهما، فلما مات «جنكيزخان» فى سنة
(624هـ = 1227م)، آلت إلى «جغتاى» أملاك «الدولة الجغتائية»
(خانات جغتاى)، التى تُعرف باسم: «منطقة التركستان»، وهى
تعتبر حدا فاصلا بين دولة «القبجاق» ودولة الخاقانات. حكم
«جغتاى» مؤسس هذه الدولة منذ وفاة والده فى عام (624هـ =
1227م) إلى عام (639هـ =1242م)، وكان رجلا حازمًا وصارمًا
وعنيدًا، ذلك لأنه كان المسئول عن تنفيذ الياسا، وقد اشتُهر
بسوء معاملة المسلمين، وتعطشه لسفك دمائهم. كانت دولة
«خانات جغتاى» دولة تابعة للدولة الأم التى أسسها
«جنكيزخان»، وكانت ذات علاقة حدودية بين هذه الدولة الأم
(دولة الخاقانات) من جانب، ودولة «القبجاق والإيلخانية» من
جانب آخر؛ ولذلك فقد دخلت فى صراعات طويلة مع هذه الدول
بسبب موقعها المتوسط بينها، ولم تكن صراعاتها من أجل
التوسعة أو الوصول إلى حكم دولة مغولية أخرى، وإنما كان
صراعًا على عرش «دولة الخاقانات»؛ فعندما تُوفى «متكوقا
آن» الحاكم الأعظم (الخاقان) (4) لدولة «خاقانات المغول»، كان
ابنه «قوبيلاى» يقود الجيوش ببلاد «الصين» لتوسعة أملاك
«دولة الخاقانات» بها، وكان «أريق بوقا» فى «قراقورم»
عاصمة الدولة، وتم إعلانهما خاقانين على البلاد خلفًا «لمتكوقا
آن»، وحيث إن «قراقورم» كانت منطقة فقيرة، فقد أراد «أريق
بوقا» أن يوفر لقواته ما يلزمهم، وأغار على «الدولة
الجغتائية»، وأخضع حاكمها «آلغو بن بايدار بن جغتاى» تحت
سلطانه ليأمن شره، ويضمن عدم تحالفه مع غيره، ولكن ذلك لم
يتم؛ فقد انقلب عليه حاكم «الدولة الجغتائية» وانضم إلى
«قوبيلاى قا آن» حين عاد من «الصين»، واعترف به خاقانًا
للمغول، فاضطر «أريق بوقا» إلى الاستسلام لخصمه
«قوبيلاى»، الذى انفرد بحكم دولة الخاقانات وأسس بها حكمًا(14/9)
جعله لأسرته، التى عُرفت فى التاريخ باسم: أسرة اليوان.
وهكذا دخلت «الدولة الجغتائية» فى صراع لم تكن سببًا فى
حدوثه، بل لم تسلم من الصراعات بعد ذلك، فقد دخلت فى صراع
مع «قايدوخان» (وهو من نسل أوكتاى قا آن)، بتحريض من
«بركة خان» حاكم «القبجاق»، ودارت الحروب سجالا بين
الطرفين إلى أن مات «ألغو بن بايدار» حاكم «الجغتائيين»،
فاعتلى «مباركشاه» عرش الدولة فى عام (662هـ =1264م)،
ولكنه لم يلبث طويلا فى الحكم، إذ استطاع «براق خان»
الاستيلاء على العرش فى عام (664هـ = 1266م)، بمساعدة
«قوبيلاى قا آن» خاقان المغول، وذلك يؤكد أن العلاقة
الخارجية لهذه الدولة كانت ذات صلة وثيقة بالسياسة الخارجية
لدولة خاقانات المغول. تُعد «بخارى» أعظم مدن «الدولة
الجغتائية»، وكانت حاضرتها التى يشار إليها بالبنان ضمن بلاد
«ما وراء النهر»، إذ كانت تزخر بالأبنية الفخمة، والحدائق
الغناء، والبساتين والمتنزهات والثمار الكثيرة، التى يعد
البرقوق أشهرها حتى الآن، كما كانت سوقًا ومركزًا تجاريا
مهما، فبها مصانع للحرير والديباج، وأخرى للمنسوجات
القطنية، وكذلك كانت ذات مكانة خاصة فى العالم الإسلامى،
ولم يضارع «بخارى» فى كل ذلك سوى «سمرقند» بأضرحتها
وبفواكهها، ومصنوعاتها من الجلود، والمنسوجات القطنية. ولقد
شهدت بلاد «ما وراء النهر» فترة ازدهار حضارى على يد
حاكمها «مسعود يلواج» فى ظل «الدولة الجغتائية»، وبنى
ببخارى مدرسة نسبها إليه هى «المدرسة المسعودية»، فدمرها
الإيلخانيون فى عام (1273م)، فأعاد البخاريون بناءها ثانية،
ودفن بها «مسعود يلواج» فى عام (1289م). ولم يقتصر مجهود
«يلواج» على «بخارى» وحدها، بل تعداها ليشمل منطقة حكمه
كلها، وشيد «بكاشغر» «مدرسة مسعودية» أخرى، وبذا تمكنت
بلاد «ما وراء النهر» من الصمود أمام غزوات المغول عليها، وأن
تعيد بناءها بفضل موقعها ومناخها، وبفضل حكامها الذين(14/10)
عملوا على تأسيس الحضارة فيها وبنائها.(14/11)
*الدولة الإيلخانية
تعود تسمية الدولة الإيلخانية بهذا الاسم إلى هولاكو خان الذى
لُقِّب بإيلخان، وهى كلمة مكونة من مقطعين «إيل» بمعنى تابع،
و «خان» بمعنى ملك أو حاكم، والمقصود أن حاكم الدولة
الإيلخانية تابع للخان الحاكم فى قراقورم. ويعد «هولاكو»
المؤسس الأول لسلسلة سلاطين المغول فى «إيران» و «العراق»
الذين ظلوا يحكمون هذه البلاد من سنة (654هـ) حتى سنة
(756هـ)، وقد تُوفى «هولاكو» سنة (663هـ)، وخلفه ابنه «آباقا
خان» فى حكم البلاد، التى امتدت من «نهر جيحون» حتى
«العراق العربى» غربًا، ومن جنوبى روسيا شمالا حتى «البحر
العربى» جنوبًا. وقد جنحت الدولة الإيلخانية منذ إنشائها إلى
الاستقلال عن العاصمة المغولية، فى أمور السياسة والحكم - منذ
عهد «آباقا خان» - وكأن حكامها مستقلون تمامًا عن العاصمة
قراقورم. كان «آباقا خان» يريد أن يخلفه عن العرش ابنه
«أرغون» لكنه لم يستطع لأن هذا الإجراء كان يعد مخالفة كبيرة
لأحكام الدستور المغولى الذى وضعه جنكيز الذى يسمى
«الياسا»، فقد كان يتعين إذا مات الخان أن يخلفه على العرش
أكبر الأمراء الأحياء، ولقد كان أكبرهم هو «تكودار» وليس
«أرغون»، ولذلك أجمع الأمراء المغول الذين اجتمعوا فى
المجلس العام الذى يسمى «قوريلتاى» وقرروا انتخاب «تكودار»
إيلخانًا فى سنة (681هـ (. اعتنق تكودار المسيحية فى صغره،
لكنه مال إلى الإسلام شيئًا فشيئًا؛ لكثرة اتصاله بالمسلمين،
وتوطيد علاقته بعظماء المسلمين وكبار أئمتهم، فأعلن إسلامه،
وسُمى بالسلطان «أحمد تكودار»، فكان أول مَن اعتنق الإسلام
من الإيلخانيين. بعد مقتل السلطان «أحمد» اجتمع الأمراء المغول
ونصبوا الأمير «أرغون ابن آباقا» إيلخانًا عليهم فى جمادى
الآخرة سنة (683هـ)، فنصب ابنه «غازان» حاكمًا على
«خراسان» وعين الأمير «نوروز» نائبًا له عليها، وأنعم على
الأمير «بوقا» بلقب «أمير الأمراء»، وأطلق يده فى تسيير شئون(14/12)
الدولة، وقتل الوزير «شمس الدين الجوينى» وجميع أفراد أسرته
تقريبًا فى شعبان سنة (683هـ)، وذلك لموقفهم مع السلطان
«أحمد تكودار» ومساندتهم له فى المعركة التى دارت بينه وبين
أفراد المغول بقيادة الأمير «أرغون»؛ والتى انتهت بمقتل
السلطان وتنصيب الأمير سلطانًا. حاول «أرغون» أن يحد من
نفوذ «مصر» فى المشرق الإسلامى، فأقام علاقات سياسية
وطيدة مع قادة الدول المسيحية مثل: «البابا» و «إدوارد الأول»
ملك «إنجلترا»، و «فيليب لوبل» ملك «فرنسا»، تمهيدًا لتكوين
حلف للقضاء على النفوذ المصرى فى «آسيا الصغرى»،
و «العراق» و «الشام»، و «فلسطين». وشجعت هذه العلاقات
(المغولية - الأوربية) عددًا من الرحالة الأوربيين على زيارة بلاد
المغول، وسافر الرحالة الشهير «ماركو بولو» إلى العاصمة
المغولية، وأقام فى بلاط الامبراطور المغولى «قوبيلاى» نحو
عشرين عامًا، عمل فيها مستشارًا له ووزيرًا، ولم تقع حروب
تذكر بين الجانبين - المصرى والمغولى - فى عهد «أرغون»
لانشغال كل منهما بمشكلاته الداخلية. بعث الأمراء المغول عقب
وفاة «أرغون» إلى أخيه «كيخاتو خان» يخبرونه بوفاته، فقدم
على الفور من بلاد الروم التى كان يحكمها، وتولى عرش
الإيلخانية فى رجب سنة (690هـ)، ثم عين «صدر الدين أحمد
الزنجانى» وزيرًا له، ولقبه بلقب «صدر جهان» وأوكل إليه
التصرف فى شئون الدولة كافة دون تدخل من أحد، وعين أخاه
«قطب الدين الزنجانى» قاضيًا للقضاة، وأطلق عليه لقب «قطب
جهان»، ولما كان «كيخاتو» مغرمًا بشرب الخمر، سيئ الخلق
فاسقًا، كرهه الأمراء وثاروا عليه، وبخاصة بعد أن أغلظ القول -
ذات ليلة - لابن عمه «بايدو» أحد كبار الأمراء، فحقد عليه، وتآمر
مع الأمراء الآخرين على قتله، وعلم «كيخاتو» بالمؤامرة، فآثر
الفرار، ولكن الأمراء تتبعوه، وتمكنوا من قتله فى سنة (694هـ).
بعد مقتل «كيخاتو» وقع اختيار الأمراء على «بايدوخان بن(14/13)
طرغاى بن تولوى بن جنكيزخان» ليكون إيلخانًا، فاعتلى
العرش فى جمادى الأولى سنة (694هـ)، ثم تخلص من أتباع
«كيخاتو»، وقرر إعادة الحقوق والوظائف إلى أصحابها،
وأعفى الأوقاف الإسلامية من الضرائب، وعهد بأمور الجيش
ورئاسة الوزراء إلى الأمير «طغاجار»، وسلك مسلك «آباقا
خان» حيث جعل الإدارة لا مركزية، وجعل أميرًا من الأمراء على
كل ولاية من الولايات، ونصب «جمال الدين الاستكردانى» وزيرًا
له. لم يكد «بايدو» يتولى أمور الحكم حتى بلغ «غازان خان» ما
حدث لعمه «كيخاتو»، فأقبل بجنوده ومعه الأمير «نوروز»،
وأرسل رسله إلى «بايدو» ينكر عليه قتل كيخاتو، ويطالبه
بإجراء تحقيق ليلقى القتلة جزاءهم، فلما لم يلقَ جوابًا دارت
رحى الحرب بين الفريقين، وفى هذه الأثناء عرض الأمير
«نوروز» الإسلام على «غازان»، وحَسَّن له اعتناق هذا الدين
بتشريعاته السمحة ونظمه الدقيقة، وما ينادى به من عدل ورحمة
ومساواة، فاعتنق «غازان» الدين الإسلامى، ومال إليه أكثر
الأمراء، وانتصر على «بايدو» فى الحرب، فهرب «بايدو» ولحق
به الأمير «نوروز»، وألقى القبض عليه، وأرسله إلى «غازان»،
فأمر بقتله فى شهر ذى الحجة عام (694هـ). تولى «غازان»
عرش المغول عقب مقتل «بايدو» فى ذى الحجة سنة (694هـ)،
وبعد أن اعتنق الإسلام تبعه جميع الأمراء والجنود المغول،
وأسلم بإسلامه أكثر من مائة ألف شخص منهم فى فترة وجيزة،
ولقب «غازان» نفسه باسم السلطان «محمود غازان»، وأعلن
الإسلام دينًا رسميا للدولة، وأمر المغول بأن يغيروا ملابسهم
التقليدية، ويلبسوا العمامة للتدليل على خضوعهم للإسلام، وأمر
بهدم الكنائس والمعابد اليهودية والمزدكية والهياكل البوذية،
وتحويلها إلى مساجد، وبارتداء اليهود والنصارى ثيابًا تميزهم
عن غيرهم من المسلمين، كرد فعل لما لقيه المسلمون من ضروب
المهانة والذلة فى عهد كل من: «هولاكو» و «آباقا»
و «أرغون». قام «غازان» بإصلاحات كثيرة ومهمة فى كثير من(14/14)
الميادين، وكانت أبرزها إصلاحاته العمرانية، حيث أقام شمالى
غرب «تبريز» محلة عُرفت باسم «شام غازان»، وتفصلها عن
مدينة «تبريز» حدائق ومتنزهات كثيرة، وأمر كبار مهندسيه
بإقامة بناء عالٍ فى ذلك المكان؛ تعلوه قبة كبيرة، ليكون
مدفنًا له، وقد استمرت عمارة القبة وتوابعها نحو خمس سنوات،
واشتملت على مسجد وخانقاه ومدرستين (إحداهما للشافعية
والأخرى للحنفية)، ومستشفى، ومكتبة، ومرصد، ومدرسة لتعليم
العلوم الطبية، وبيت لحفظ كتب القوانين التى أصدرها الإيلخان
عرف باسم «بيت القانون»، كما أنشأ مسكنًا للأطفال وآخر
للأشراف، وضمت هذه الأبنية بعض الحمامات العامة، وملجأ
واسعًا لليتامى؛ به مكتب لتعليم القرآن الكريم وتحفيظه، وملجأ
آخر يتسع لنحو خمسمائة أرملة من النساء اللائى فقدن عائلهن،
فضلا عن ذلك أنشأ «غازان» الأجران الواسعة المملوءة
بالحبوب، والمزودة بأحواض المياه لكى تتزود منها الطيور
المهاجرة من الشمال إلى الجنوب فى الفصول الباردة من السنة
خلال رحلتها عبر الهضبة الإيرانية التى تغطيها الثلوج فى هذا
الوقت من السنة، خاصة أن أعدادًا كثيرة من هذه الطيور كانت
تلقى حتفها، لتعذر حصولها على الغذاء، فأقام لها «غازان»
هذه الأجران رحمة بها، وأصبحت هذه المؤسسات والمنشآت
التى أقامها «غازان» مفخرة العالم الإسلامى والحضارة
الإسلامية، حيث حول الإسلام القبائل الهمجية البربرية إلى أناس
مهذبى الطباع، منظمين محبين للحضارة والعمران، وامتلأت
قلوبهم رحمة وعطفًا حتى على الطيور والحيوانات. قدم السلطان
«أولجايتو» من «خراسان» التى كان حاكمًا عليها، وتولى
العرش خلفًا لأخيه «غازان» فى سنة (703هـ)، وجعل الوزارة
مشاركة بين «رشيد الدين فضل الله الهمدانى» وسعد الدين
الساوجى. بدأ إنشاء مدينة السلطانية فى عهد السلطان
«غازان»، وهى تقع على بعد خمسة فراسخ من «زنجان»، فعمد
«أولجايتو» إلى استكمال تشييدها وأمر بالتوسعة فى(14/15)
منشآتها العمرانية، فساهم الأمراء والوزراء فى بناء بعض
أحيائها، وأنشأ الوزير «رشيد الدين فضل الله» محلة بها على
نفقته الخاصة؛ اشتملت على ألف منزل، ومسجد كبير. وأمر
السلطان ببناء قبة كبيرة فوق مقبرته، ومازالت هذه القبة قائمة
حتى اليوم دليلا على عظمة العمارة فى هذا العصر. تمكن
«أولجايتو» فى سنة (706هـ) من بسط سيطرته على إقليم
«جيلان»، وهو الإقليم الذى لم يتمكن المغول من السيطرة عليه
حتى هذه السنة لكثرة غاباته، ووعورة مسالكه، وأعاد بناء
مرصد «مراغة» الذى بناه «هولاكو» من قبل، وحين بلغ
«أولجايتو» الثالثة والثلاثين من عمره اشتد عليه المرض واعتلَّت
صحته، وتوفِّى فى رمضان سنة (716هـ). تولى «أبو سعيد»
حكم البلاد بعد وفاة السلطان «أولجايتو»، وكان لايزال فى
الثالثة عشرة من عمره، فاضطربت أحوال البلاد وتعددت ثورات
الأمراء المغول فى مناطق متفرقة ضده، غير أن «أبا سعيد»
استعان عليهم بقائد جيشه الأمير «جوبان»، فقضى عليهم،
وأعاد إلى البلاد استقرارها وهدوءها. تعرضت «الدولة
الإيلخانية» -عقب وفاة السلطان «أبى سعيد بهادر» - للضعف
والزوال، حيث كان السلاطين الذين اعتلوا عرش هذه الدولة بعد
«أبى سعيد» ضعاف الشخصية، كما كانوا ألعوبة فى أيدى
الأمراء المغول وكبار رجال الدولة، وظل هذا حال هذه الدولة
حتى وفاة «أنوشيروان» آخر السلاطين الإيلخانيين فى سنة
(756هـ)، فتقاسم خمسة من كبار الأمراء المغول أملاك هذه
الدولة، وكون كل منهم دولة صغيرة مستقلة، وهذه الدول هى:
دولة آل جلائر (الجلائريون) - دولة الجوبانيين. - دولة آل المظفر. -
دولة السربداريون. - دولة آل كرت.(14/16)
*الإيلخانيون
تعود تسمية الدولة الإيلخانية بهذا الاسم إلى هولاكو خان الذى
لُقِّب بإيلخان، وهى كلمة مكونة من مقطعين «إيل» بمعنى تابع،
و «خان» بمعنى ملك أو حاكم، والمقصود أن حاكم الدولة
الإيلخانية تابع للخان الحاكم فى قراقورم. ويعد «هولاكو»
المؤسس الأول لسلسلة سلاطين المغول فى «إيران» و «العراق»
الذين ظلوا يحكمون هذه البلاد من سنة (654هـ) حتى سنة
(756هـ)، وقد تُوفى «هولاكو» سنة (663هـ)، وخلفه ابنه «آباقا
خان» فى حكم البلاد، التى امتدت من «نهر جيحون» حتى
«العراق العربى» غربًا، ومن جنوبى روسيا شمالا حتى «البحر
العربى» جنوبًا. وقد جنحت الدولة الإيلخانية منذ إنشائها إلى
الاستقلال عن العاصمة المغولية، فى أمور السياسة والحكم - منذ
عهد «آباقا خان» - وكأن حكامها مستقلون تمامًا عن العاصمة
قراقورم. كان «آباقا خان» يريد أن يخلفه عن العرش ابنه
«أرغون» لكنه لم يستطع لأن هذا الإجراء كان يعد مخالفة كبيرة
لأحكام الدستور المغولى الذى وضعه جنكيز الذى يسمى
«الياسا»، فقد كان يتعين إذا مات الخان أن يخلفه على العرش
أكبر الأمراء الأحياء، ولقد كان أكبرهم هو «تكودار» وليس
«أرغون»، ولذلك أجمع الأمراء المغول الذين اجتمعوا فى
المجلس العام الذى يسمى «قوريلتاى» وقرروا انتخاب «تكودار»
إيلخانًا فى سنة (681هـ (. اعتنق تكودار المسيحية فى صغره،
لكنه مال إلى الإسلام شيئًا فشيئًا؛ لكثرة اتصاله بالمسلمين،
وتوطيد علاقته بعظماء المسلمين وكبار أئمتهم، فأعلن إسلامه،
وسُمى بالسلطان «أحمد تكودار»، فكان أول مَن اعتنق الإسلام
من الإيلخانيين. بعد مقتل السلطان «أحمد» اجتمع الأمراء المغول
ونصبوا الأمير «أرغون ابن آباقا» إيلخانًا عليهم فى جمادى
الآخرة سنة (683هـ)، فنصب ابنه «غازان» حاكمًا على
«خراسان» وعين الأمير «نوروز» نائبًا له عليها، وأنعم على
الأمير «بوقا» بلقب «أمير الأمراء»، وأطلق يده فى تسيير شئون(14/17)
الدولة، وقتل الوزير «شمس الدين الجوينى» وجميع أفراد أسرته
تقريبًا فى شعبان سنة (683هـ)، وذلك لموقفهم مع السلطان
«أحمد تكودار» ومساندتهم له فى المعركة التى دارت بينه وبين
أفراد المغول بقيادة الأمير «أرغون»؛ والتى انتهت بمقتل
السلطان وتنصيب الأمير سلطانًا. حاول «أرغون» أن يحد من
نفوذ «مصر» فى المشرق الإسلامى، فأقام علاقات سياسية
وطيدة مع قادة الدول المسيحية مثل: «البابا» و «إدوارد الأول»
ملك «إنجلترا»، و «فيليب لوبل» ملك «فرنسا»، تمهيدًا لتكوين
حلف للقضاء على النفوذ المصرى فى «آسيا الصغرى»،
و «العراق» و «الشام»، و «فلسطين». وشجعت هذه العلاقات
(المغولية - الأوربية) عددًا من الرحالة الأوربيين على زيارة بلاد
المغول، وسافر الرحالة الشهير «ماركو بولو» إلى العاصمة
المغولية، وأقام فى بلاط الامبراطور المغولى «قوبيلاى» نحو
عشرين عامًا، عمل فيها مستشارًا له ووزيرًا، ولم تقع حروب
تذكر بين الجانبين - المصرى والمغولى - فى عهد «أرغون»
لانشغال كل منهما بمشكلاته الداخلية. بعث الأمراء المغول عقب
وفاة «أرغون» إلى أخيه «كيخاتو خان» يخبرونه بوفاته، فقدم
على الفور من بلاد الروم التى كان يحكمها، وتولى عرش
الإيلخانية فى رجب سنة (690هـ)، ثم عين «صدر الدين أحمد
الزنجانى» وزيرًا له، ولقبه بلقب «صدر جهان» وأوكل إليه
التصرف فى شئون الدولة كافة دون تدخل من أحد، وعين أخاه
«قطب الدين الزنجانى» قاضيًا للقضاة، وأطلق عليه لقب «قطب
جهان»، ولما كان «كيخاتو» مغرمًا بشرب الخمر، سيئ الخلق
فاسقًا، كرهه الأمراء وثاروا عليه، وبخاصة بعد أن أغلظ القول -
ذات ليلة - لابن عمه «بايدو» أحد كبار الأمراء، فحقد عليه، وتآمر
مع الأمراء الآخرين على قتله، وعلم «كيخاتو» بالمؤامرة، فآثر
الفرار، ولكن الأمراء تتبعوه، وتمكنوا من قتله فى سنة (694هـ).
بعد مقتل «كيخاتو» وقع اختيار الأمراء على «بايدوخان بن(14/18)
طرغاى بن تولوى بن جنكيزخان» ليكون إيلخانًا، فاعتلى
العرش فى جمادى الأولى سنة (694هـ)، ثم تخلص من أتباع
«كيخاتو»، وقرر إعادة الحقوق والوظائف إلى أصحابها،
وأعفى الأوقاف الإسلامية من الضرائب، وعهد بأمور الجيش
ورئاسة الوزراء إلى الأمير «طغاجار»، وسلك مسلك «آباقا
خان» حيث جعل الإدارة لا مركزية، وجعل أميرًا من الأمراء على
كل ولاية من الولايات، ونصب «جمال الدين الاستكردانى» وزيرًا
له. لم يكد «بايدو» يتولى أمور الحكم حتى بلغ «غازان خان» ما
حدث لعمه «كيخاتو»، فأقبل بجنوده ومعه الأمير «نوروز»،
وأرسل رسله إلى «بايدو» ينكر عليه قتل كيخاتو، ويطالبه
بإجراء تحقيق ليلقى القتلة جزاءهم، فلما لم يلقَ جوابًا دارت
رحى الحرب بين الفريقين، وفى هذه الأثناء عرض الأمير
«نوروز» الإسلام على «غازان»، وحَسَّن له اعتناق هذا الدين
بتشريعاته السمحة ونظمه الدقيقة، وما ينادى به من عدل ورحمة
ومساواة، فاعتنق «غازان» الدين الإسلامى، ومال إليه أكثر
الأمراء، وانتصر على «بايدو» فى الحرب، فهرب «بايدو» ولحق
به الأمير «نوروز»، وألقى القبض عليه، وأرسله إلى «غازان»،
فأمر بقتله فى شهر ذى الحجة عام (694هـ). تولى «غازان»
عرش المغول عقب مقتل «بايدو» فى ذى الحجة سنة (694هـ)،
وبعد أن اعتنق الإسلام تبعه جميع الأمراء والجنود المغول،
وأسلم بإسلامه أكثر من مائة ألف شخص منهم فى فترة وجيزة،
ولقب «غازان» نفسه باسم السلطان «محمود غازان»، وأعلن
الإسلام دينًا رسميا للدولة، وأمر المغول بأن يغيروا ملابسهم
التقليدية، ويلبسوا العمامة للتدليل على خضوعهم للإسلام، وأمر
بهدم الكنائس والمعابد اليهودية والمزدكية والهياكل البوذية،
وتحويلها إلى مساجد، وبارتداء اليهود والنصارى ثيابًا تميزهم
عن غيرهم من المسلمين، كرد فعل لما لقيه المسلمون من ضروب
المهانة والذلة فى عهد كل من: «هولاكو» و «آباقا»
و «أرغون». قام «غازان» بإصلاحات كثيرة ومهمة فى كثير من(14/19)
الميادين، وكانت أبرزها إصلاحاته العمرانية، حيث أقام شمالى
غرب «تبريز» محلة عُرفت باسم «شام غازان»، وتفصلها عن
مدينة «تبريز» حدائق ومتنزهات كثيرة، وأمر كبار مهندسيه
بإقامة بناء عالٍ فى ذلك المكان؛ تعلوه قبة كبيرة، ليكون
مدفنًا له، وقد استمرت عمارة القبة وتوابعها نحو خمس سنوات،
واشتملت على مسجد وخانقاه ومدرستين (إحداهما للشافعية
والأخرى للحنفية)، ومستشفى، ومكتبة، ومرصد، ومدرسة لتعليم
العلوم الطبية، وبيت لحفظ كتب القوانين التى أصدرها الإيلخان
عرف باسم «بيت القانون»، كما أنشأ مسكنًا للأطفال وآخر
للأشراف، وضمت هذه الأبنية بعض الحمامات العامة، وملجأ
واسعًا لليتامى؛ به مكتب لتعليم القرآن الكريم وتحفيظه، وملجأ
آخر يتسع لنحو خمسمائة أرملة من النساء اللائى فقدن عائلهن،
فضلا عن ذلك أنشأ «غازان» الأجران الواسعة المملوءة
بالحبوب، والمزودة بأحواض المياه لكى تتزود منها الطيور
المهاجرة من الشمال إلى الجنوب فى الفصول الباردة من السنة
خلال رحلتها عبر الهضبة الإيرانية التى تغطيها الثلوج فى هذا
الوقت من السنة، خاصة أن أعدادًا كثيرة من هذه الطيور كانت
تلقى حتفها، لتعذر حصولها على الغذاء، فأقام لها «غازان»
هذه الأجران رحمة بها، وأصبحت هذه المؤسسات والمنشآت
التى أقامها «غازان» مفخرة العالم الإسلامى والحضارة
الإسلامية، حيث حول الإسلام القبائل الهمجية البربرية إلى أناس
مهذبى الطباع، منظمين محبين للحضارة والعمران، وامتلأت
قلوبهم رحمة وعطفًا حتى على الطيور والحيوانات. قدم السلطان
«أولجايتو» من «خراسان» التى كان حاكمًا عليها، وتولى
العرش خلفًا لأخيه «غازان» فى سنة (703هـ)، وجعل الوزارة
مشاركة بين «رشيد الدين فضل الله الهمدانى» وسعد الدين
الساوجى. بدأ إنشاء مدينة السلطانية فى عهد السلطان
«غازان»، وهى تقع على بعد خمسة فراسخ من «زنجان»، فعمد
«أولجايتو» إلى استكمال تشييدها وأمر بالتوسعة فى(14/20)
منشآتها العمرانية، فساهم الأمراء والوزراء فى بناء بعض
أحيائها، وأنشأ الوزير «رشيد الدين فضل الله» محلة بها على
نفقته الخاصة؛ اشتملت على ألف منزل، ومسجد كبير. وأمر
السلطان ببناء قبة كبيرة فوق مقبرته، ومازالت هذه القبة قائمة
حتى اليوم دليلا على عظمة العمارة فى هذا العصر. تمكن
«أولجايتو» فى سنة (706هـ) من بسط سيطرته على إقليم
«جيلان»، وهو الإقليم الذى لم يتمكن المغول من السيطرة عليه
حتى هذه السنة لكثرة غاباته، ووعورة مسالكه، وأعاد بناء
مرصد «مراغة» الذى بناه «هولاكو» من قبل، وحين بلغ
«أولجايتو» الثالثة والثلاثين من عمره اشتد عليه المرض واعتلَّت
صحته، وتوفِّى فى رمضان سنة (716هـ). تولى «أبو سعيد»
حكم البلاد بعد وفاة السلطان «أولجايتو»، وكان لايزال فى
الثالثة عشرة من عمره، فاضطربت أحوال البلاد وتعددت ثورات
الأمراء المغول فى مناطق متفرقة ضده، غير أن «أبا سعيد»
استعان عليهم بقائد جيشه الأمير «جوبان»، فقضى عليهم،
وأعاد إلى البلاد استقرارها وهدوءها. تعرضت «الدولة
الإيلخانية» -عقب وفاة السلطان «أبى سعيد بهادر» - للضعف
والزوال، حيث كان السلاطين الذين اعتلوا عرش هذه الدولة بعد
«أبى سعيد» ضعاف الشخصية، كما كانوا ألعوبة فى أيدى
الأمراء المغول وكبار رجال الدولة، وظل هذا حال هذه الدولة
حتى وفاة «أنوشيروان» آخر السلاطين الإيلخانيين فى سنة
(756هـ)، فتقاسم خمسة من كبار الأمراء المغول أملاك هذه
الدولة، وكون كل منهم دولة صغيرة مستقلة، وهذه الدول هى:
دولة آل جلائر (الجلائريون) - دولة الجوبانيين. - دولة آل المظفر. -
دولة السربداريون. - دولة آل كرت.(14/21)
*الدولة الجلائرية
كان «آل جلائر» من القبائل المغولية، ويعد «تاج الدين شيخ
حسن بزرَك بن حسين» أول حكام «آل جلائر» ومؤسس دولتهم
«الجلائرية»، وثالث مَن تولى الحكم فى «الدولة الإيلخانية»،
وقد امتد سلطانه إلى «العراق»، واتخذ «بغداد» عاصمة له،
وأعلن نفسه ملكًا عليها، فظهرت بذلك الدولة «الجلائرية» إلى
حيز الوجود. شهدت اللبنات الأولى لقيام «الدولة الجلائرية» عدة
حروب بين الأمراء المغول بهدف الوصول إلى الحكم، إلا أن
«حسن الجلائرى» تمكن من الاستقلال بالعراق واستطاع أن
يوحد الصفوف لتأسيس دولته الوليدة، ومع ذلك لم تتوقف
الصراعات والحروب مع بقايا الإيلخانيين، إلى أن تمكن «الشيخ
حسن الجلائرى» من طردهم إلى خارج حدود دولته - «العراق» -
فى عام (748هـ= 1347م). كان «الشيخ حسن الجلائرى» سياسيا
حكيمًا، وأراد أن يضمن لدولته قوتها ووحدتها، فلم يعلن نفسه
خانًا أو سلطانًا؛ بل أعلن ولاءه للسلطان المملوكى فى «مصر»
ليكون سنده الذى يحتمى به إذا ما فكر المغول فى غزوه،
خاصة وأن دولته قريبة ومتاخمة للإمارات والممالك المغولية
فساعده هذا التصرف على استقرار بلاده، وشجعه على
الاستيلاء على «لورستان»، و «الموصل»، و «تستر»، وبسط
نفوذه على غيرها، فاتسعت رقعة بلاده، وامتد نفوذ حكمه، ثم
مات فى عام (757هـ = 1356م)، وخلفه ابنه «الشيخ أويس بن
حسن الجلائرى»، فبلغت الدولة فى عهده أقصى اتساع لها، إذ
ضم إليها «أذربيجان»، و «آران»، و «موقان»، واتخذ من «تبريز»
عاصمة لبلاده، وانتقل نشاط الدولة السياسى ومركزها من
«العراق» إلى «أذربيجان»، فأدى ذلك إلى قيام حركات التمرد
فى «بغداد» على الجلائريين، وكانت حركة «مرجان» نائب
«الشيخ أويس» على «بغداد» من أشهر هذه الحركات، وكان
«مرجان» طواشيا للشيخ أويس. لقد أخطأ «الشيخ أويس» فى
حساباته عندما ابتعد عن «العراق» واتخذ له عاصمة فى
«إيران»، فضلا عن تقريبه الفرس دون العرب، فكانت النتيجة(14/22)
انضمام العرب بمختلف طوائفهم إلى «مرجان» وحركته، وحُذف
اسم «الشيخ أويس» من الخطبة؛ رمز السيادة فى الدولة، وخُطب
للسلطان المملوكى فى «مصر». خرج «الشيخ أويس» من
«تبريز» إلى «بغداد» فى سنة (765هـ = 1363م)، واستطاع
وزيره أن يستميل أعوان «الخواجة مرجان» إلى صفه، فانفضوا
من حول «مرجان» وفشلت حركته، ودخل «الشيخ أويس»
«بغداد» ثم جعل «شاه خازن» نائبًا له عليها، ولكن «مرجان» لم
ييأس من المحاولة، وعاد مرة ثانية إلى حكم «بغداد» عقب وفاة
«شاه خازن»، مما يؤكد حب أهل «العراق» لمرجان ومكانته
عندهم، فاضطر «الشيخ أويس» إلى الصفح عنه، ثم أرسل ابنه
«الشيخ علىّ» ليحكم «العراق». تُوفى «الشيخ أويس» عام
(776هـ = 1373م)، وخلفه فى الحكم ابنه «جلال الدين حسين بن
أويس» (776 - 784هـ = 1373 - 1382م)، فضاعت هيبة الدولة فى
عهده، وبدأت فى التدهور والانهيار؛ حيث اهتم بملذاته ومصالحه
الشخصية على حساب أمور الدولة والرعية، وزادت الأمور
اضطرابًا فى عهد أخيه «أحمد بن أويس» الذى خلفه فى الحكم
(784 - 813هـ = 1382 - 1410م)، إذ تمكن «تيمورلنك» من إسقاطه
عن عرشه عدة مرات، ثم دخل «بغداد» فى عام (795هـ =
1393م)، ففر «أحمد بن أويس» إلى «مصر» مستنجدًا بالسلطان
المملوكى «برقوق»، وتمكن «الشيخ أحمد» -أخيرًا - من العودة
إلى «بغداد» فى عام (804 هـ = 1401م)، وتمكن من استعادتها
فى عام (807هـ= 1404م)، بعد أن خرجت عدة مرات من حكم «آل
جلائر» إلى حكم التيموريين، ثم استعاد «تبريز» فى عام
(809هـ= 1406م)، ولم يلبث أن فقدها ثانية فى العام نفسه على
يد حفيد «تيمورلنك». وفى عام (813هـ = 1410م)، اختلف «أحمد
بن أويس» مع زعيم قبيلة «قراقيونلو»، وحدث صدام بينهما،
فقُتل «الشيخ أحمد»، وتمكن زعيم «قراقيونلو» من انتزاع
«تبريز» وما والاها من الجلائريين، ثم أسس دولة له
فى «أذربيجان». تولى الحكم بعد «أحمد بن أويس» عدد من(14/23)
السلاطين، وصلت الدولة فى عهدهم إلى أقصى مراحل الضعف
حتى انتهت بموت «حسين بن علاء الدولة» آخر السلاطين
الجلائريين سنة (835هـ)، وسلاطين هذه الفترة هم: - شاه ولد
(813 - 814هـ). - محمود بن شاه ولد (814 - 818هـ). - أويس بن
شاه ولد (818 - 824هـ). - محمد بن شاه ولد (824 - 827هـ (. حسين
بن علاء الدولة (827 - 835هـ). تمتعت «الدولة الجلائرية»
باستقلالها فى عهد «الشيخ حسن الجلائرى» الذى أدت سياسة
حكمه إلى انتعاش اقتصاد البلاد، وبناء حضارة زاهرة، وتشييد
المدارس والمكتبات وأماكن العلاج، فتردد طلاب العلم على
«بغداد» من كل مكان؛ طلبًا للعلم والمعرفة، فأعاد لبغداد
عهدها القديم المشرق، واعتمد على العرب والترك فى الجيش،
فقل تأثير الفرس على المجتمع العراقى، وبات «آل فضل» العرب
ذوى مكانة خاصة فى هذه الدولة، ولكن ذلك لم يدم طويلا؛ إذ
تولى «الشيخ أويس بن حسن» عرش «الدولة الجلائرية» واعتمد
فيها على العنصر الفارسى، وأساء إلى العرب، فتقلص نفوذ
العرب ونشاطهم فى الدولة، وازداد الأمر سوءًا حينما اتخذ
«الشيخ أويس» «تبريز» عاصمة لبلاده بدلا من «بغداد»، وجعل
اللغة الفارسية لغة بلاده الرسمية؛ فازداد نفوذ الفرس، واشتعلت
الثورات فى «العراق»، وطمع المظفريون فى فارس، فأحدقت
الأخطار بالدولة الجلائرية من كل جانب فغزاها التيموريون،
فأفقدها ذلك القدرة على مواصلة الإصلاح الاقتصادى، وأهملت
المنشآت الخاصة بالزراعة والرى، وأصبح شغل الحكام
الجلائريين الشاغل هو الحفاظ على وجودهم فى الحكم، ونشبت
بينهم الصراعات الكثيرة التى أطاحت بهم جميعًا فى النهاية.
كما ساعدت الفيضانات والأوبئة التى تعرضت لها هذه الدولة
على انهيار اقتصادها، وتدهور الأحوال فيها، واضطر الحكام
إلى فرض الضرائب لملاحقة المجهود العسكرى، فضجر الناس من
ذلك، وانتكست تجارتهم بسبب الضرائب، وأصيبت الصناعة(14/24)
بالخمول والكساد أيضًا، ولم تبقَ إلا بعض الصناعات القليلة مثل:
صناعة الحرير، وصناعة الأسلحة، وبات هَمُّ الحكام الحفاظ على
العرش، وضحوا فى سبيل تحقيق ذلك بكل غالٍ ونفيس.(14/25)
*الدولة المظفرية
ينسب «آل مظفر» إلى الأمير «مبارز الدين محمد» ابن الأمير
«شرف الدين بن منصور بن غياث الدين حاجى الخراسانى»، وقد
تولى الأمير «شرف الدين» عدة مناصب فى عهد الإيلخانيين،
فولاه السلطان «أولجايتو» مدينة «ميبد» (6)، ثم توفى «شرف
الدين» بعد أن قضى على المتمردين فى منطقة «شبانكاره»،
فاتخذ السلطان «أبو سعيد بهادرخان» ابنه «مبارز الدين محمد»
ولم يكن قد تجاوز الثالثة عشرة من عمره مكان أبيه، وولاه
مناصبه فى عام (717هـ= 1317م)، ولذا يعد الأمير «مبارز الدين»
أول حكام المظفريين. استقل الأمير «مبارز الدين محمد بن مظفر»
بإقليم «فارس» عقب سقوط الحكم الإيلخانى، ثم استولى على
«كرمان» فى سنة (741هـ = 1340م)، وطمح فى تكوين
إمبراطورية واسعة الأرجاء، فضم كثيرًا من المدن الإيرانية إلى
دولته، وأعلن ولاءه للخليفة العباسى «المعتضد بالله» واتخذ
لنفسه لقب «ناصر أمير المؤمنين»؛ ليضفى الشرعية على حكمه،
وظل يسعى إلى تحقيق هدفه حتى بات الخليفة ألعوبة فى يده.
اعترض «آل إينجو» بزعامة «الشيخ أبى إسحاق» طريق «آل
مبارز» فى تحقيق حلمهم، ونشبت الخلافات والصراعات بينهما،
وظلت العلاقة بين الطرفين سيئة حتى قتل المظفريون «الشيخ
أبا إسحاق» عقب إحدى المعارك التى دارت بينهما فى عام
(758هـ = 1356م)، واستولى «شاه شجاع» ابن الأمير «مبارز
الدين» على «شيراز»، فانتقل إليها الأمير «مبارز» وأقام بها
وأرسل ابنه «شاه شجاع» إلى حكم «كرمان». وفى عام
(758هـ) فتح الأمير «مبارز الدين» منطقة «تبريز»، ثم لما علم
بقدوم الشيخ إدريس الجلائرى إليها، غادرها إلى «شيراز»،
وهناك اصطدم بولديه «شاه شجاع»، و «شاه محمود»، اللذين
تحالفا مع «شاه سلطان» أحد الناقمين على أبيهما، فقبضوا
عليه، وأمر ابنه «شاه شجاع» بسمل عينيه، ثم حبسوه فى
إحدى القلاع، والتمس الأب عطف ولديه، وطلب منهما الصلح،(14/26)
فعفوا عنه، وحكما البلاد نيابة عنه، وضربا السكة باسمه، وظل
الوضع على ذلك فترة، ثم أرسلاه للإقامة بقلعة «بم» بكرمان،
ولكن الأمير «مبارز الدين» كان قد اشتد به المرض ومات فى
الطريق قبل أن يصل إلى هذه القلعة قى عام (765هـ = 1364م).
وظل أبناء «مبارز الدين» يحكمون من بعده «كرمان» و «فارس»
و «كردستان»، فحكم «جلال الدين شاه شجاع» فى حياة أبيه
فى سنة (759هـ = 1357م)، وظل فى الحكم حتى سنة (786هـ =
1384م)، وقضى فترة حكمه فى مطاردة المارقين والعصاة
والخارجين على الدولة، ثم تولى بعده ابنه «مجاهد الدين زين
الدين» (786 - 789هـ = 1384 - 1387م)، إلى أن عزله الأمير «تيمور
كوركان»، فخلفه «شاه يحيى» فى «يزد»، و «سلطان أحمد»
فى «كرمان». وكان «شاه منصور» آخر حكام دولة «آل المظفر»
فى «أصفهان»، وسقطت «الدولة المظفرية» فى عام (795هـ =
1393م). وقد اشتهر المظفريون بحبهم للعلم والثقافة طيلة اثنتين
وسبعين سنة هى عمر دولتهم من النشأة حتى السقوط. عانت
«الدولة المظفرية» كثيرًا من الصعاب من أجل الاحتفاظ بالحكم،
فدار صراع بينها وبين «آل إينجو» بزعامة الشيخ «أبى
إسحاق»، ودخلت حروب عدة مع «الدولة الجلائرية»، وكذلك مع
«الدولة التيمورية» التى اجتاحت ما اعترض سبيلها من الدول
والحكام، ولم تستطع دولة «آل المظفر» الصمود أمام تسلط
«تيمور كوركان» الذى قسم أملاكها بحجة الوصاية التى منحه
إياها الأمير «مجاهد الدين زين العابدين» لرعاية أولاده من
بعده، فوضع «تيمور» النهاية لهذه الدولة فى عام (795هـ =
1393م) بعد أن فرق وحدتها، وشتت حكمها، وقسم أرضها، ثم
عمد بعد ذلك إلى إسقاطها. تميز عهد الأمير «مبارز الدين محمد
بن مظفر» بالنشاط الحضارى، والازدهار الفكرى والثقافى،
بفضل تشجيعه للعلماء والفقهاء والنابغين، فتعهد علماء
«شيراز» بالرعاية، وبنى فى «كرمان» مسجدًا كبيرًا أوقف
عليه الأملاك لرعايته، وضرب السكة فى عهده ونقش عليها اسم(14/27)
الخليفة العباسى رمز المسلمين، وتذكر المصادر الفارسية أن
«مبارز الدين» كان ضيق الصدر، ويعاقب المخطئ بنفسه؛ حتى
أُطلِق عليه: «الملك المحتسب»، وكان شاه شجاع محبا للشعر
والشعراء، فازدهر الشعر فى عصره، ونبغ عدد كبير من
الشعراء منهم: «الشاعر الحافظ الشيرازى»، و «العماد الفقيه
الكرمانى».(14/28)
*آل مظفر
ينسب «آل مظفر» إلى الأمير «مبارز الدين محمد» ابن الأمير
«شرف الدين بن منصور بن غياث الدين حاجى الخراسانى»، وقد
تولى الأمير «شرف الدين» عدة مناصب فى عهد الإيلخانيين،
فولاه السلطان «أولجايتو» مدينة «ميبد» (6)، ثم توفى «شرف
الدين» بعد أن قضى على المتمردين فى منطقة «شبانكاره»،
فاتخذ السلطان «أبو سعيد بهادرخان» ابنه «مبارز الدين محمد»
ولم يكن قد تجاوز الثالثة عشرة من عمره مكان أبيه، وولاه
مناصبه فى عام (717هـ= 1317م)، ولذا يعد الأمير «مبارز الدين»
أول حكام المظفريين. استقل الأمير «مبارز الدين محمد بن مظفر»
بإقليم «فارس» عقب سقوط الحكم الإيلخانى، ثم استولى على
«كرمان» فى سنة (741هـ = 1340م)، وطمح فى تكوين
إمبراطورية واسعة الأرجاء، فضم كثيرًا من المدن الإيرانية إلى
دولته، وأعلن ولاءه للخليفة العباسى «المعتضد بالله» واتخذ
لنفسه لقب «ناصر أمير المؤمنين»؛ ليضفى الشرعية على حكمه،
وظل يسعى إلى تحقيق هدفه حتى بات الخليفة ألعوبة فى يده.
اعترض «آل إينجو» بزعامة «الشيخ أبى إسحاق» طريق «آل
مبارز» فى تحقيق حلمهم، ونشبت الخلافات والصراعات بينهما،
وظلت العلاقة بين الطرفين سيئة حتى قتل المظفريون «الشيخ
أبا إسحاق» عقب إحدى المعارك التى دارت بينهما فى عام
(758هـ = 1356م)، واستولى «شاه شجاع» ابن الأمير «مبارز
الدين» على «شيراز»، فانتقل إليها الأمير «مبارز» وأقام بها
وأرسل ابنه «شاه شجاع» إلى حكم «كرمان». وفى عام
(758هـ) فتح الأمير «مبارز الدين» منطقة «تبريز»، ثم لما علم
بقدوم الشيخ إدريس الجلائرى إليها، غادرها إلى «شيراز»،
وهناك اصطدم بولديه «شاه شجاع»، و «شاه محمود»، اللذين
تحالفا مع «شاه سلطان» أحد الناقمين على أبيهما، فقبضوا
عليه، وأمر ابنه «شاه شجاع» بسمل عينيه، ثم حبسوه فى
إحدى القلاع، والتمس الأب عطف ولديه، وطلب منهما الصلح،
فعفوا عنه، وحكما البلاد نيابة عنه، وضربا السكة باسمه، وظل(14/29)
الوضع على ذلك فترة، ثم أرسلاه للإقامة بقلعة «بم» بكرمان،
ولكن الأمير «مبارز الدين» كان قد اشتد به المرض ومات فى
الطريق قبل أن يصل إلى هذه القلعة قى عام (765هـ = 1364م).
وظل أبناء «مبارز الدين» يحكمون من بعده «كرمان» و «فارس»
و «كردستان»، فحكم «جلال الدين شاه شجاع» فى حياة أبيه
فى سنة (759هـ = 1357م)، وظل فى الحكم حتى سنة (786هـ =
1384م)، وقضى فترة حكمه فى مطاردة المارقين والعصاة
والخارجين على الدولة، ثم تولى بعده ابنه «مجاهد الدين زين
الدين» (786 - 789هـ = 1384 - 1387م)، إلى أن عزله الأمير «تيمور
كوركان»، فخلفه «شاه يحيى» فى «يزد»، و «سلطان أحمد»
فى «كرمان». وكان «شاه منصور» آخر حكام دولة «آل المظفر»
فى «أصفهان»، وسقطت «الدولة المظفرية» فى عام (795هـ =
1393م). وقد اشتهر المظفريون بحبهم للعلم والثقافة طيلة اثنتين
وسبعين سنة هى عمر دولتهم من النشأة حتى السقوط. عانت
«الدولة المظفرية» كثيرًا من الصعاب من أجل الاحتفاظ بالحكم،
فدار صراع بينها وبين «آل إينجو» بزعامة الشيخ «أبى
إسحاق»، ودخلت حروب عدة مع «الدولة الجلائرية»، وكذلك مع
«الدولة التيمورية» التى اجتاحت ما اعترض سبيلها من الدول
والحكام، ولم تستطع دولة «آل المظفر» الصمود أمام تسلط
«تيمور كوركان» الذى قسم أملاكها بحجة الوصاية التى منحه
إياها الأمير «مجاهد الدين زين العابدين» لرعاية أولاده من
بعده، فوضع «تيمور» النهاية لهذه الدولة فى عام (795هـ =
1393م) بعد أن فرق وحدتها، وشتت حكمها، وقسم أرضها، ثم
عمد بعد ذلك إلى إسقاطها. تميز عهد الأمير «مبارز الدين محمد
بن مظفر» بالنشاط الحضارى، والازدهار الفكرى والثقافى،
بفضل تشجيعه للعلماء والفقهاء والنابغين، فتعهد علماء
«شيراز» بالرعاية، وبنى فى «كرمان» مسجدًا كبيرًا أوقف
عليه الأملاك لرعايته، وضرب السكة فى عهده ونقش عليها اسم
الخليفة العباسى رمز المسلمين، وتذكر المصادر الفارسية أن(14/30)
«مبارز الدين» كان ضيق الصدر، ويعاقب المخطئ بنفسه؛ حتى
أُطلِق عليه: «الملك المحتسب»، وكان شاه شجاع محبا للشعر
والشعراء، فازدهر الشعر فى عصره، ونبغ عدد كبير من
الشعراء منهم: «الشاعر الحافظ الشيرازى»، و «العماد الفقيه
الكرمانى».(14/31)
*كرت (دولة)
استقل ملوك «كرت» ببلادهم استقلالا محدودًا تحت لواء
الإيلخانات فى «إيران»، وإن استمروا فى الحكم فترة بعد
سقوط «الدولة الإيلخانية»، وقد استقر ملوك «آل كرت» فى
«هراة»، و «بلخ»، و «غزنة»، و «سرخس»، و «نيسابور»، ولم
يصلوا إلى ما وصلت إليه الأسر المغولية الأخرى من أهمية فى
تاريخ المشرق الإسلامى؛ إذ حكموا الجزء الشرقى لإيران من
منتصف القرن السابع الهجرى إلى نهاية القرن الثامن الهجرى،
وأزال ملكهم الأمير «تيمور كوركان» مثلما أزال ملك الأسر
المغولية الأخرى. كان «شمس الدين الأول محمد»، أول ملوك
«آل كرت»، وهو ابن ابنة «ركن الدين بن تاج» الذى تزوج ابنة
السلطان «غياث الدين محمود الغورى»، الذى عينه حاكمًا على
قلعة «خنسيار» (تقع بين هراة والغور) والتى آل أمرها -فيما
بعد - إلى الملك «شمس الدين». وعندما زحف المغول على العالم
الإسلامى رأى الجد «ركن الدين بن تاج» الدخول تحت لوائهم،
ليضمن سلامة ملكه، فتركه المغول، وبعث بحفيده «شمس الدين
كرت» إليهم ليكون فى خدمتهم، تعبيرًا عن الطاعة والولاء. حكم
«شمس الدين كرت» مناطق كثيرة، منها: «هراة»، و «بلخ»،
و «غزنة»، و «سرخس»، و «نيسابور»،ووصل بملكه إلى ضفاف
«سيحون»، و «سيستان»، و «كابل» حتى «نهر السند»، وتمكن
من الاستقلال بالحكم فى سنة (648هـ)، ومن المؤكد أن «شمس
الدين» لعب دورًا كبيرًا فى حملة «هولاكو خان» على بلاد طائفة
«الإسماعيلية»، إذ كان أول المشاركين فيها إظهارًا لولائه
وطاعته للمغول، وكان له الفضل فى تسليم «ناصر الدين
محتشم» «قلعة قهستان» إلى المغول. لم تسر سياسة «شمس
الدين» على نهج واحد فى علاقته بالمغول، إذ انحاز إلى «براق
خان» الجغتائى فى هجومه على «آباقا خان بن هولاكو»
للاستيلاء على «خراسان» التابعة للدولة الإيلخانية، وذلك بعد
وفاة «هولاكو»، وتولى ابنه «آباقا خان» الحكم خلفًا له،
فغضب «آباقا خان» على «شمس الدين» لموقفه، وخشى «شمس(14/32)
الدين» على حياته من غضب «آباقا خان» وانتقامه. شعر «براق
خان» بقرب نهاية دولته (الدولة الجغتائية)، فعرض على «شمس
الدين كرت» أن يعرف له أسماء الأغنياء فى «خراسان» -طمعًا
فى مالهم- مقابل أن يحصل «شمس الدين» على تفويضه فى
أملاك «الدولة الإيلخانية»، فأحس «شمس الدين» بذكائه قرب
زوال ملك الجغتائيين، خاصة أن جيشهم بدت عليه أمارات
القسوة والتجبر، فعاد إلى «هراة»، واعتصم بقلعة «خنسيار»،
وانتظر ما ستسفر عنه الأحداث، ولكنه لم يلبث طويلا وتمكن من
النجاة بشفاعة «شمس الدين الجوينى» صاحب الديوان (7) له عند
«آباقا خان» الذى عفا عنه، ومات «شمس الدين كرت» فى
«تبريز» مسمومًا فى عام (676هـ = 1277م)، فولَّى «آباقا خان»
«ركن الدين بن شمس الدين» حكم «هراة» (677 - 682هـ = 1278 -
1283م). واتخذ هذا الابن لقب أبيه وعرف باسم «ركن الدين بن
شمس الدين الأصغر». فلما تُوفِّى الإيلخان «آباقا خان» خشى
ركن الدين على حياته، واعتصم بقلعة «خنسيار» الحصينة حتى
وفاته سنة (705هـ = 1305م)، ثم تولى ابنه «فخر الدين» مكانه
من قِبَل «غازان خان» سنة (695هـ= 1295م)، وشغل عهده
بالخلاف مع «غازان»، حتى تُوفِّى سنة (706هـ = 1306م)، فعين
«أولجايتو» مكانه أخاه «غياث الدين»، وظل فى الحكم حتى
سنة (729هـ = 1328م)، فخلفه بالتتابع ولداه «شمس الدين
الثانى» الذى مات سنة (730هـ = 1329م)، و «الملك حافظ» الذى
قتل سنة (732هـ = 1331م)، ثم جاء من بعدهما الأخ الثالث «معز
الدين حسين»، وكان من أبرز حكام «بنى كرت»، فقد قرأت
الخطبة باسمه، وأهداه «سعد الدين التفتازانى» كتابه المشهور
فى البلاغة باسم «المطول» وقد توفى «معز الدين حسين» سنة
(771هـ = 1370م)، وحل مكانه ابنه «غياث الدين بير على» الذى
دعاه «تيمورلنك» للاجتماع به، فلما لم يلبِّ دعوته، قاد بنفسه
جيشًا تمكن من الاستيلاء على هراة سنة (783 هـ = 1381م)،(14/33)
وأسر «غياث الدين» وابنه «بير محمد» وأخاه الملك «محمد»
والى «سرخس» وأركان حكومته، وساقهم إلى «سمرقند»، ثم
أعدمهم فى أواخر سنة (784هـ) وبذلك انقرضت أسرة ملوك
كرت. كانت إمارة «آل كرت» إمارة ثرية؛ إذ ضمت إلى حكمها
مناطق عدة اشتهرت بثرواتها وخيراتها ومزروعاتها، وسعة
أرضها، وعذوبة مائها، وخصوبة تربتها، فاشتهرت «هراة»
ببساتينها الكثيرة، و «غزنة» بسعة أرضها وخصوبة تربتها
ووفرة مائها العذب، وكانت تقع فى أطراف «خراسان» وتربطها
بالهند، أما «سرخس» فتقع بين «مرو» و «نيسابور» وبها خيرات
كثيرة، واشتهرت «نيسابور» (إحدى مدن خراسان) بالفواكه
والثمار، والمعادن الكثيرة وبخاصة الفيروز، كما كانت تزخر
بالعلماء الفضلاء، وتعد هذه المدينة عتبة الشرق. والواقع أن
تلك البقاع التى شملتها أقاليم «آل كرت» كانت تفيض بالخير
والثراء، فلم يجد الحكام صعوبة فى توفير احتياجات البلاد،
وكذلك لم يكن لهم طموح فى توسيع حدودهم، أو إدخال دولة
ما تحت تبعيتهم؛ إذ كانوا أنفسهم تابعين للحكم الإيلخانى
المغولى، وحرص الإيلخانيون على ولائهم وكسب ودهم، وبقاء
تبعية «آل كرت» لهم. وقد أدى استقرار الأوضاع الاقتصادية فى
دولة «آل كرت» إلى استقرار الأوضاع السياسية، فشجع
«الحكام» العلماءَ والأدباء، وعمدوا إلى مساعدتهم، فبرز منهم
عدد كبير، ومنهم «ابن يمين» (المتوفى عام 769هـ)، وقد مدح
بأشعاره «آل كرت» والسربداريين، وتضمن شعره الحكم
والمواعظ، ومما يجدر ذكره أن العالم الجليل والقطب الكبير
«جلال الدين الرومى»، قد وُلد وعاش فى «بلخ» فى الفترة من
(604هـ إلى 672هـ)، وهو من أكبر شعراء الصوفية الفرس،
وصاحب كتاب «مثنوى».(14/34)
*قراقيونلو (دولة)
ظهرت جماعة من التركمان أطلقوا على أنفسهم اسم
«قراقيونلو» (8) فى أواخر عهد السلطان «أبى سعيد
بهادرخان» آخر حكام «الدولة الإيلخانية» - فى النصف الثانى من
القرن الثامن الهجرى = النصف الثانى من القرن الرابع عشر
الميلادى - فى الشمال الغربى لآسيا جنوبى بحيرة «وان». ومما
لاشك فيه أن هذه الجماعة قد استفادت استفادة كبيرة من
الضعف الذى منيت به «الدولة الإيلخانية» فى عهد خلفاء
السلطان «أبى سعيد بهادرخان»، ودخلوا فى صراع مع
التيموريين، واعتنقوا المذهب الشيعى، ويرجع نسب أمرائهم
إلى الأمير «محمد تورمش ابن بيرام خواجة». استطاع الأمير «أبو
نصر قرا يوسف نويان بن محمد» أول أمراء «قراقيونلو» أن
يقود كتائبهم المنتشرة بالأقاليم المجاورة لأرمينيا
و «أذربيجان»، ويستولى على «تبريز» ويجعلها عاصمة لإمارته،
ثم اصطدم بأحمد بن أويس الجلائرى فى عام (813هـ = 1410م)،
وتمكن منه وقتله، ومد سلطانه وسيطرته على «أذربيجان»
(أذربايجان). ولما غزا «تيمور» بلاد «قرا يوسف» فى عام
(802هـ = 1400م)، سلبه ملكه، ولكنه استعاد ما سلب منه فى
عام (808هـ = 1405م)، ونادى بابنه «بيربوداق» أميرًا على
«أذربيجان» سنة (810هـ = 1407م)، فاستطاع أن يتخلص من
«قرا عثمان» رئيس «الآق قيونلو» فى «ديار بكر»، ويحقق
لقبيلته كثيرًا من الانتصارات والفتوح من ناحية الغرب، ثم توجه
إلى الشرق لصد القوات التيمورية بقيادة «شاه رخ»، ولكنه
توفى فجأة فى الطريق بأذربيجان، وكذلك توفى والده «قرا
يوسف» فى الوقت نفسه، فتولى الأمير «إسكندر بن قرا
يوسف» الحكم فى عام (823هـ = 1420م)، واستمر حتى عام
(841هـ = 1437م (. وفى أثناء هذه الفترة وقعت أحداث كثيرة،
فهاجم «شاه رخ» الذى كان يحكم القسم الشرقى لإيران الأمير
إسكندر بن قرا يوسف، وألحق به الهزيمة فى «تبريز»، وطرده
من «أرمينية» فى عام (824هـ = 1421م)، ولكن الأوضاع(14/35)
الداخلية للدولة التيمورية أجبرت الأمير «شاه رخ» على العودة
إلى «خراسان»، مما أتاح الفرصة للأمير «إسكندر» للعودة إلى
إمارته واسترداد ملكه، وتحقيق انتصارات متتالية فى «أرمينية»
و «أران»، و «بلاد الأكراد». واستمر الصراع بينهما حتى قتل
الأمير إسكندر سنة (841هـ) فتولى أخوه الأمير «جهانشاه»
زعامة أمراء «قراقيونلو»، واصطدم بالتيموريين وهزم «الميرزا
علاء الدولة التيمورى» واستولى منه على «خراسان»، وفى
الوقت نفسه تمرد ابن «جهانشاه» عليه فى «أذربيجان»،
فاضطر إلى مصالحة التيموريين ثانية، وأعاد إليهم «خراسان»،
ثم عاد إلى «تبريز» عاصمته ليتمكن من مواجهة ابنه والقضاء
على تمرده، فخرج عليه «حسن بيك» أحد أفراد قبيلة «آق
قيونلو»، وقتله فى سنة (872هـ = 1467م). كان الأمير «حسن
على» هو آخر أمراء هذه الدولة، وهو ابن الأمير «جهانشاه»
الذى اعتقله فى «باكو» نحو خمسة وعشرين عامًا؛ فلما ولى
الأمير «حسن» الحكم، لقى هزيمة منكرة على أيدى قبيلة «آق
قيونلو» بزعامة «أوزون حسن» فى عام (873 هـ = 1495 م)،
وسقطت أسرة «قراقيونلو»، فكانت النهاية. لم تتح الحروب
والمعارك العسكرية فرصة كافية أمام أمراء «قراقيونلو»
للاهتمام بمظاهر الحضارة، فقد عاشت دولتهم فى صراعات
متواصلة من أجل الحفاظ على حدودها من الجلائريين
والتيموريين، ولكن ذلك لم يمنع الأمير «جهانشاه» من الاهتمام
بالأدب والشعر، إذ كان هو نفسه ينظم الشعر، وكان محبا له.
وقد شيد «جهانشاه» مسجدًا يعد تحفة فنية فى عمارته، وهو
«المسجد الأزرق» الذى يمثل العمارة الإسلامية فى هذه المنطقة.
لم يمنح التيموريون أيا من أمراء «قراقيونلو» فرصة الاتجاه نحو
الاهتمام بمظاهر الحضارة، لأنهم كانوا يحطمون كل شىء
ويقضون على الأخضر واليابس فى غزوهم الشامل على مناطق
نفوذ أمراء «قراقيونلو»، لذا لم يهتم هؤلاء الأمراء بمظاهر
الحضارة، وصرفوا جهودهم إلى النشاط الحربى.(14/36)
*الصفوية (دولة)
ينتسب الصفويون إلى «صفى الدين الأردبيلى» الذى عاش فى
الفترة من (650هـ = 1252م) إلى (735هـ = 1334م)، وهو أحد
شيوخ الصوفية، وقد درس فى مطلع حياته العلوم الدينية
والعقلية فى موطنه، ثم ارتحل إلى «شيراز»، واتصل بالشاعر
المعروف «سعدى الشيرازى»، ثم رحل إلى «أردبيل» ومنها إلى
«كيلان»، ودخل فى زمرة الشيخ «زاهد الكيلانى» وتزوج ابنته،
وخلفه فى الطريقة، وعهد إلى أبنائه وأتباعه بالعمل على جذب
الأتباع والدراويش، والاجتهاد فى نشر طريقتهم والدعاية لها،
وكان هؤلاء ينتسبون إلى المذهب الشيعى. الوضع الداخلى:
شهدت «إيران» فترة عصيبة ضاعت فيها حقوق المواطنين،
وساءت معاملتهم، فى الفترة التى سبقت قيام «الدولة
الصفوية»، فمهد ذلك الطريق أمام شيوخ الصفويين، وتحولوا من
أصحاب دعوة وشيوخ طريقة إلى مؤسسى دولة لها أهدافها
السياسية والمذهبية. وكانت «إيران» - آنذاك - مقسمة إلى عدة
أجزاء، يحكمها عدة حكام، ويستقل كل منهم بما تحت يديه،
فعاش الناس حياة قلقة يشوبها الصراع على الحكم، وبحثوا عن
مخرج لذلك ناشدين الراحة والهدوء، فلم يجدوا أمامهم سوى أن
يكونوا مريدين وأتباعًا لشيوخ الصفويين وطريقتهم، وذلك فى
الوقت الذى آلت فيه رئاسة الأسرة الصفوية إلى «إسماعيل»،
الابن الثالث لحيدر حفيد الشيخ «صفى»، فأسس «إسماعيل»
«الدولة الصفوية» فى عام (907هـ = 1502م)، ثم دخل «تبريز»
وأعلن نفسه فيها ملكًا على «إيران»، وتلقب بأبى المظفر شاه
إسماعيل الهادى الوالى، وأصدر السكة باسمه، وفرض المذهب
الشيعى، وجعله المذهب الرسمى لإيران بعد أن كانت تتبع
المذهب السنى، وقال حين أعلن ذلك: «لا يهمنى هذا الأمر،
فالله، وحضرات الأئمة المعصومين معى، وأنا لا أخشى أحدًا،
وبإذن الله - تعالى - لو قال واحد من الرعية حرفًا، فسأسحب
سيفى، ولن أترك أحدًا يعيش». وأمر المؤذنين أن يزيدوا فى
الأذان عبارتَى: «أشهد أن عليا ولى الله»، و «حى على خير(14/37)
العمل». مضى الشاه «إسماعيل» فى إرساء قواعد دولته،
وترسيخ دعائم مذهبه، وتنظيم إدارة بلاده، فاتخذ من «حسين
بك لله» نائبًا له، وجعل «الشيخ شمس الدين اللاهيجى» حاملا
للأختام، واستوزر «محمد زكريا»، ثم قضى على قبيلة «آق
قيونلو»، ودخل «شيراز»، وأقر فيها مذهبه الشيعى، فأصبحت
«إيران» دولة شيعية بين قوتين سنيتين هما: «الهند» والأتراك
من جهة الشرق، والعثمانيون والشام فى الغرب. خلف الشاه
«طهماسب الأول» أباه «إسماعيل الأول» على العرش فى (يوم
الاثنين 19 من رجب عام 930هـ = 1524م)، وحكم أكثر من نصف
قرن دخل خلالها فى حروب كثيرة مع العثمانيين والأوزبك
و «كرجستان»، ثم خلفه ابنه الشاه «إسماعيل ميرزا» الذى تلقب
بالشاه «إسماعيل الثانى» فى عام (984هـ = 1576م]، واعتمد
سياسة الاعتدال فى نشر المذهب الشيعى، فأبعد عددًا من
علماء الشيعة المتعصبين عن بلاطه، وأمر بمنع لعن الخلفاء
الثلاثة والسيدة «عائشة» فوق المنابر وفى الطرقات، وحاول
إعادة المذهب السنى إلى البلاد بالتدريج، مما أثار عليه حفيظة
الطبقة الحاكمة وأغلبية المجتمع، وقرروا عزله وتعيين ابن أخيه
«حسن ميرزا» إذا لم يتراجع عن ذلك، فعمل على تهدئة الثورة
التى قامت ضده، وأبعد علماء المذهب السنى عن بلاطه، ونقش
على السكة بيتًا مضمونه: أن عليا وآله أولى بالخلافة فى العالم
الإسلامى كله. لم يتمكن الشاه «إسماعيل الثانى» من البقاء فى
الحكم فترة طويلة، حيث قُتل، وقد اختلفت الروايات فى كيفية
قتله، وتم اختيار «محمد خدا بنده» ملكًا على «إيران» فى عام
(985هـ = 1578م)، فكثرت فى عهده الاضطرابات التى لم يستطع
السيطرة عليها، إذ لم يكن جديرًا بالحكم، فخلفه ابنه الشاه
«عباس الأول» على العرش من عام (996هـ = 1588م) إلى عام
(1038هـ = 1629م)، ويعد عهده من أبرز عهود الحكم الصفوى
فى «إيران» وأهمها؛ إذ عمل على رفاهية شعبه وتعمير بلاده،(14/38)
ونقل عاصمة دولته من «قزوين» إلى «أصفهان»، وأعاد الحكم
المركزى إلى «الدولة الصفوية»، على الرغم من الصعوبات
والحروب الكثيرة التى اعترضت سبيله، ونجح فى إقرار أمن
بلاده وتأمين رعيته؛ واتخذ مجلسًا لبلاطه ضم سبع أشخاص
بسبعة وظائف هى: «اعتماد الدولة» - «ركن السلطنة» - «ركن
الدولة» - «كبير الياوران» - «قائد حملة البنادق» - «رئيس
الديوان» - «كاتب مجلس الشاه»، وبالرغم من وجود هذا المجلس
كان هو صاحب القرار الأول والأخير فى الدولة. ثم توالى على
حكم «الدولة الصفوية» - عقب وفاة الشاه «عباس الصفوى» -
شاهات ضعاف؛ أدى الصراع فيما بينهم على السلطة إلى ضعف
الدولة، فضلا عن أن ذلك أعطى الفرصة للأعداء الخارجيين الذين
كانوا متربصين بالدولة، وبخاصة الأتراك العثمانيون، لغزوها
ومحاولة السيطرة عليها. وعلى الرغم من ذلك فإن كثيرًا من
الرحالة الأوربيين الذين وفدوا على بلاط الصفويين؛ وصفوا مدى
الأبهة والعظمة التى وفرها الصفويون فى بلاطهم، ولعل أبرز ما
كان يميز هذا البلاط هو سيطرة رجال الدين واتساع نفوذهم،
حتى بات أمر الدولة كله فى أيديهم، نظرًا إلى أنها دولة
مذهبية، اتخذت من الدين أساسًا لقيامها، والدعوة إلى مذهبها.
بدأ نجم «الدولة الصفوية» فى الأفول عقب وفاة الشاه «عباس
الصفوى»، وحكمها «صفى الأول» عام (1038هـ= 1629م)، ثم
«عباس الثانى» عام (1052هـ = 1642م)، ثم «سليمان الأول» عام
(1077 هـ = 1667م)، ثم «حسين الأول» عام (1105هـ = 1694م)،
ثم «طهما سب الثانى» (1135هـ= 1722م) ثم «عباس الثالث» الذى
حكم من عام (1144هـ = 1731م) إلى عام (1148هـ = 1736م).
وجميع هؤلاء الشاهات الصفويين لم تكن لديهم الصفات التى
تمتع بها الشاه «عباس الأول»، وبدت الأمور أمامهم مجرد مظاهر
ملكية يجب الحفاظ عليها، ونسوا أمور بلادهم، فضعفت الدولة،
وضاعت هيبتها، وسقطت أجزاؤها واحدة تلو الأخرى، فضاعت(14/39)
الدولة، وسقط العرش، وسقطت «الدولة الصفوية» فى عام
(1148هـ = 1736م) فانقسمت «إيران» إلى عدة مناطق منفصلة.
تمكن الصفويون من إقامة دولة قومية لهم فى «إيران» على
أسس مذهبية، وأحيوا بها الروح القومية، ووحدوا عناصر الشعب
تحت لواء مذهبهم الذى قاموا بنشره بالترهيب والترغيب بين
الطبقات كافة. وانتفع الصفويون فى تكوين حضارتهم بالصراع
العسكرى فى حروبهم ضد العثمانيين؛ إذ كلفوا «روبرت»،
و «أنتونى شيرلى» الإنجليزيين بإنشاء مصنع للمدافع لهم،
فكان سببًا من أسباب تقدم حضارتهم العسكرية، وانتقل «طهما
سب» بعاصمة بلاده من «تبريز» إلى «قزوين» نتيجة توغل
السلطان العثمانى «سليمان القانونى» فى «العراق»، ثم فى
«تبريز» و «أصفهان»، وأخذ «طهما سب» فى بلاطه الجديد بكل
أسباب التحضر والتأنق والدقة، حيث كان خطاطًا ماهرًا، وله
دراية عالية بفنون النقش من خلال دراساته فى هذا المجال. وفى
سنة (1007هـ = 1598م)، نقل الشاه «عباس الصفوى» عاصمة
بلاده إلى «أصفهان»؛ فدبت بها حياة جديدة، وراجت بها
التجارة، وازدهرت الصنائع والفنون، وعمد «الشاه عباس» إلى
تطوير الجيش وتحديثه، فاستبدل جيشه القديم -المكون من قوات
قبلية- بجيش نظامى جديد، واستحدث فيه فرقة عسكرية جديدة
أطلق عليها اسم «أصدقاء الملك»، وكانت هذه الفرقة تضم
عشرة آلاف فارس، وكان ضعف هذا العدد من المشاة، ثم مضى
فى طريق التحديث العمرانى فشيد الطرق، وشق القنوات، وأعد
الأماكن اللازمة لنزول القوافل التجارية فى طول البلاد وعرضها،
وأقام مدينة ملكية جديدة فى «أصفهان»، وجعلها مجاورة
للمدينة القديمة، وأنشأ بها الإنشاءات اللازمة، ثم ضاعف هذه
الإنشاءات فى عام (1020هـ = 1611م)، وبنى لنفسه بها قصرًا
عظيمًا، وأنشأ حول ميدانه مسجدًا كبيرًا أسماه «مسجد شاه»،
وجعل بجواره مسجدًا آخر أصغر منه، وأحاط المدينة بسور من
الآجر والطين، وأقام بها الأسواق المسقوفة، ومائة واثنين(14/40)
وستين مسجدًا، وثمانيًا وأربعين مدرسة دينية، وألفى رباط
لإقامة القوافل، وثلاثمائة حمام عام، وجعل لكل منزل بها حديقة
خاصة، كما جعل شوارع هذه المدينة متعرجة وضيقة، ربما
لأسباب أمنية ودفاعية، فبلغ تعداد السكان بالمدينة الجديدة
نحو ستمائة ألف نسمة فى ذلك الوقت، ولقد بقيت آثار هذه
المدينة شاهد صدق على عظمة الحضارة الصفوية إلى وقتنا
الحاضر.(14/41)
*الأفاغنة
تمرد الأفغانى «محمود بن ميرويس» ورفع راية العصيان على
«الدولة الصفوية» فى عهد الشاه الصفوى «حسين الأول»، فلما
لم يجد هذا الرجل من يأخذ على يديه ويوقف عصيانه؛ تمكن من
الاستيلاء على مدينتى «هراة» و «مشهد»، وهما من أهم مدن
دولة الصفويين، ولم يكتفِ بذلك: بل استولى على العاصمة
«أصفهان» فى سنة (1135هـ = 1722م)، فدخلت دولة الصفويين
فى طور السقوط والانهيار النهائى، وتحولت من دولة كانت
تتمتع بالنفوذ والسطوة والهيبة فى عهد «عباس الأول» ومَن
سبقوه، إلى هيكل ضعيف لاحول له ولا قوة، وظهرت إلى
جانبها قوى أخرى جديدة وفتية سلبتها حق التمتع بإمكاناتها
وممتلكاتها، وسلبت حكامها حق الانفراد بحكم البلاد. أقام
الأفغانيون دولتهم على ما سلبوه من أراضى الدولة الصفوية،
وكان أول حكامهم هو «محمود بن ميرويس» الذى حكم فى
(11من المحرم عام 1135هـ = 1722م)، وقُتل فى سنة (1137هـ =
1725م)، فخلفه «أشرف بن عبدالله» فى الحكم، وظل به حتى
عام (1142هـ = 1729م)، ثم ظهر الأمير الأفغانى «آزاد خان»
مطالبًا بالحكم فى «أصبهان» فى سنة (1166هـ = 1753م)، وتم
له ما أراد، وظل فى الحكم حتى سنة (1169هـ = 1756م).(14/42)
*الأفشارية
لم يستمر حكم الأفاغنة طويلا؛ إذ استعان الشاه «طهما سب
الثانى» - على دفع تهديد الأفغان- بالقوى المحيطة، فأسرعت
«روسيا» إلى مساعدته فيما طلب، نظير السماح لها بدخول
«استراباد»، وهكذا تمكن الروس من وضع أقدامهم فى هذه
المناطق. ثم ظهرت قوة جديدة حكمت فى الفترة من سنة
(1148هـ = 1736م) إلى سنة (1210هـ - 1796م) عرفت باسم
الأفشارية، واستطاع «نادر شاه الأفشارى» أن يقضى على
حكم الأفغان، ويخلع الشاه «طهماسب الثانى» ويسجنه مع طفله
الرضيع «الميرزا عباس الثالث»، ثم أعلن تتويجه ملكًا على
«إيران» فى سنة (1148هـ = 1736م)، وظلت أسرته تحكم أكثر
من ستين عامًا، أى إلى سنة (1210هـ = 1796م)، وقد اتسم
حكم «نادر شاه» بالسطوة والعنف ضد الرعية، مما أسرع بقتله
على يد أحد ضباطه، فأدى ذلك بدوره إلى ظهور «الزنديين»،
وأصبح زعيمهم «محمد كريم خان» شاه «إيران» فى سنة
(1163هـ = 1750م)، ولكن هذه الأسرة لم تستطع مد نفوذها إلى
«خراسان» التى كانت فى قبضة «شاه رخ» الإفشارى، وبقيت
هذه الأسرة الزندية فى الحكم مدة خمسين عامًا، حتى قُتل آخر
حكامهم «لطف على» على يد «آقا محمد القاجارى» فى الرابع
عشر من المحرم عام (1211هـ = 1799م)، فظهرت الأسرة
القاجارية.(14/43)
*القاجارية
هى إحدى الأسر المغولية، وانتشر أفرادها فى البلاد الإسلامية،
وأقاموا بصفة خاصة بأرمينية، واقتصر دورهم فى عهد الشاه
«إسماعيل الأول الصفوى» على تقديم العون إلى الصفويين،
حيث اتخذ منهم جنودًا لمواجهة شر القبائل المهاجمة لحدوده،
فازدادوا بذلك قوة ونفوذًا، ثم استطاع «آقا محمد خان» توحيد
فروع قبيلته بالقوة والعنف حتى تمكن من الاستيلاء على
«طهران» فى سنة (1193هـ = 1779م)، ثم أقام «الدولة
القاجارية»، وأصبح أول ملوكها، وأطلق على نفسه لقب ملك
«إيران» فى عام (1211هـ = 1796م)، وقضى على «الزنديين»،
وحقق السيطرة الكاملة على «إيران» و «جورجيا»، ثم خلفه
«فتحعلى شاه» فى الفترة من (1212هـ = 1797م) إلى (1250هـ
= 1834م)، وامتاز عصره بالهدوء النسبى، وإن تخللته بعض
الاضطرابات والمشاكل السياسية.(14/44)
*التيمورية (دولة)
ينتسب التيموريون إلى قبيلة «برلاس» المغولية، ويرجعون فى
أصلهم إلى «تيمور بن ترغاى بن أبغاى»، الذى أحاط
المؤرخون نسبه بهالة من الرفعة وعلو الشأن، ليبرروا استيلاءه
على «بلاد ما وراء النهر»، فقد كان أبوه «أمير مائة» عند
السلطان المغولى، وكان المغول يستخدمون الأتراك فى
دواوينهم، وأكثروا منهم، حتى صارت اللغة التركية هى لغة
البلاط والمجتمع فى «بلاد ما وراء النهر»، فلما دخلت «الدولة
المغولية» مرحلة الاضمحلال والضعف؛ قامت «الدولة الجغتائية»
بمساعدة قبيلة «برلاس»، فحفظ الجغتائيون هذا الجميل، وولوا
«تيمور لنك»، ولاية «كش»، حين التجأ إليهم أثناء الاضطرابات
التى عصفت ببلاد «ما وراء النهر» ثم لم يلبث أن أخرج
الجغتائيين من بلاد «ما وراء النهر»، وطارد قبائل «الجتة»
البدوية؛ التى اتسمت بالعنف والوحشية، وتمكن من طردهم من
«بلاد ما وراء النهر»، ثم أعلن نفسه سلطانًا فى بلخ» على هذه
المنطقة، واتخذ «سمرقند» عاصمة لملكه، وأعلن ذلك رسميا فى
عام (800هـ = 1397م)، ثم مضى فى تنظيم حكومته الجديدة،
واتبع قانون «جنكيزخان» (الياسا المغولية)، بما لا يتعارض مع
القرآن الكريم والسنة النبوية. كان «تيمور لنك» ميالا إلى الفتح
والتوسع، وغزا «خوارزم» فى عام (773هـ)، ثم دخلها وسيطر
عليها فى عام (781هـ)، فأضحت «آسيا الوسطى» كلها تحت
سلطانه. بدأ حكم «تيمور كورخان» (تيمورلنك) منذ دخل
«سمرقند» فى عام (771هـ = 1329م)، فكوَّن مجلس شورى من
كبار الأمراء والعلماء، وعلى الرغم من أنه كان الحاكم الفعلى
للبلاد، فإنه عمد إلى اختيار الأمير الجغتائى «سيورغتمش بن
دانشمندجة»، وجعله رمزًا للحكم ولقبه بلقب السلطان فى الفترة
من سنة (771هـ = 1329م) إلى سنة (790 هـ = 1387م)، ثم اتخذ
من بعده «محمود بن سيورغتمش» من عام (790هـ = 1387م) إلى
عام (800هـ = 1397م). وقد اتسمت سياسة «تيمور لنك»(14/45)
بالتوسع، فزحف إلى «إيران» فى سنة (782هـ = 1380م)،
وتمكن من الاستيلاء على «خراسان» و «جرجان»، و «مازندران»،
و «سيستان»، و «أفغانستان»، و «فارس»، و «أذربيجان»،
و «كردستان»، ثم دخل «جورجيا» وغرب «إيران» فى عام
(786هـ = 1384م)، وتمكن من فتح «العراق» و «سورية» (حلب
ودمشق)، وهزم المماليك فى الشام، وحقق انتصارات عظيمة فى
«الهند» عقب وفاة «فيروزشاه» سلطان «دلهى» فى عام
(799هـ = 1397م)؛ حيث استولت جيوشه على حصن «أوكا»،
وأسقطت «الملتان»، وفتحت «آباد»، ودخلت «هراة» بالأمان،
ولاقى «تيمورلنك» مقاومة شديدة وصعوبة فى دخول «دهلى»
على يد سلطانها «محمود تغلق»، ولكن هذه المقاومة لم تستمر
طويلا، ودخل «تيمور» هذه المدينة، فقدم إليه أعيانها وعلماؤها
فروض الولاء والطاعة، وخُطب له فيها، وعلى الجانب الآخر حقق
«تيمورلنك» انتصارات كثيرة على الأتراك العثمانيين، وأسر
حاكمهم «بايزيد خان». وتُوفى «تيمورلنك» فى «أترار» عن
عمر يناهز السبعين عامًا فى سنة (807هـ = 1405م) بعد أن
دانت له البلاد من «دهلى» إلى «دمشق»، ومن «بحيرة آرال»
إلى «الخليج العربى»، فلما علمت بوفاته الأسر الحاكمة من «آل
المظفر»، و «آل جلائر» و «ملوك كرت»، وكذا الأسر التركية
والتركمانية أخذت جميعها تطالب باستقلالها عن خلفاء
«تيمور»، وعودتها إلى الحكم ثانية، فأثارت الفتن والقلاقل،
وكثرت الاضطرابات والمشاكل فى طول البلاد وعرضها،
وتعرضت «الدولة التيمورية» إلى نكسة حقيقية عقب وفاة
عاهلها ومؤسسها «تيمور»، وتمكنت بعض الأسر الحاكمة - من
قبل - من العودة إلى الحكم، وإعادة ما سلب من أملاكها
وممتلكاتها، فصارت هناك عدة أسر حاكمة تنافس خلفاء «آل
تيمور» ثم خلف «تيمورلنك» ابنه «شاهرخ» على العرش سنة
(807هـ = 1405م) واستمر فى الحكم إلى سنة (850هـ = 1447م)
فعاشت البلاد فى عهده أفضل فترات الحكم؛ إذ كان محبا للعلم(14/46)
والعلماء، وحفيا بالثقافة، كما كان عادلا وتقيا وورعًا، فاشتهر
بسلوكه الحسن وسيرته الطيبة بين الرعية. ولى «شاهرخ»
أملاك «الدولة التيمورية» فيما عدا «سوريا» و «العراق العربى»،
فقام بإصلاحات كثيرة فى البلاد، وشيد المبانى، وبنى المدارس
الكثيرة فى «بخارى» و «سمرقند»، وأنشأ مرصده الشهير، ثم
خلفه ابنه «أولوغ بك» على العرش، وقتله ابنه «عبداللطيف بن
أولوغ» فى سنة (853هـ = 1449م)، ثم قُتل هو الآخر من بعده،
ولم يستفد، من قتل أبيه، وتمكن «أبو سعيد ميرزا» من
الاستيلاء على الحكم بسمرقند فى سنة (854هـ = 1450م)، ثم
تولى من بعده «أحمد» فى سنة (872هـ = 1467م)، ثم من بعده
«محمود» فى سنة (899هـ = 1493م)، ولم يلبث بالحكم سوى
عام واحد فقط، ثم حدثت الاضطرابات فى سنة (906هـ =
1500م)، وقضى «الشيبانيون» على «الأسرة التيمورية» فيما
عدا «ظهير الدين بابر» الذى فر إلى «الهند»، وتمكن بعد ذلك
من تأسيس دولة عظيمة بها. لم يشهد العهد التيمورى ازدهارًا
فى مناحى الحياة كافة مثلما حدث فى عصر «شاهرخ»؛ الذى
يعد من أكثر حكام «إيران» ثقافة وذكاءً ومعرفة، فقد جعل من
«هراة» مركزًا ثقافيا لأواسط آسيا، وتبوأ المهندسون
والمعماريون والرسامون والشعراء والعلماء مكانة بارزة فى
بلاده، وأغدق عليهم بالعطايا، وتولى رعايتهم بنفسه، فشهدت
البلاد فى عصره نهضة حضارية فى كل الفنون ومختلف
التخصصات، ويعد مسجد «جوهر شاد» (12) من أبرز إنجازات هذا
العصر، وظل العمل فى بنائه اثنى عشر عامًا فى الفترة (808 -
820هـ = 1405 - 1417م)، وقد أقيم تكريمًا لزوجته - التى حمل
المسجد اسمها - بمدينة «مشهد». وكذلك بنى المعمارى «قوام
الدين الشيرازى» مدرسة كبيرة - بتكليف من شاهرخ- بمنطقة
«خركرد» التى تقع إلى الغرب من «هراة»، وتقع حاليا فى
شرقى «إيران»، ثم خلف «ألوغ بيك» أباه على العرش، فكانت
فترة حكمه قصيرة، ومع ذلك فقد حرص خلالها على رعاية(14/47)
الفنون والآداب الفارسية. يعد «شمس الدين محمد حافظ
الشيرازى» ألمع شخصية أدبية عرفها العصر التيمورى، ويمثل
شعره ازدهارًا للحركة الثقافية فى هذا العصر، وقد توفى فى
سنة (792هـ = 1389م)، وكذلك يُعد «الجامى» المتوفى فى سنة
(898هـ= 1492م)، من أبرز العلماء والشعراء فى هذا العصر؛ إذ
ألف ستة وأربعين كتابًا فى مختلف فروع العلم، ثم يأتى «نظام
الدين الشامى»، صاحب كتاب «ظفرنامة»، الذى يعد سجلا
لفتوحات «تيمورلنك».(14/48)
*الغزنوية (دولة)
اعتمد السامانيون على الأتراك فى صفوف الجيش، وفى تولى
المناصب الكبيرة فى «الدولة السامانية»، فعلا شأن الأتراك،
وازداد نفوذهم، ويعد «البتكين» الذى ولى منصب صاحب الحجاب
للأمير «عبدالله بن نوح» (343 - 350هـ = 954 - 961م) أبرز
الشخصيات التركية فى بلاط السامانيين، وبلغ من نفوذه أن
خشى الأمير «عبدالله بن نوح» منه على ملكه فأبعده عن
العاصمة، وأسند إليه ولاية «خراسان» فى عام (349هـ = 961م).
ولما تولى «منصور بن نوح» الإمارة خلفًا لأخيه «عبدالله» الذى
توفى سنة (350هـ = 961م)؛ تمرد عليه «البتكين» فى
«خراسان»، وأرسل جيشًا لمحاربته والقضاء على تمرده،
وأسند «خراسان» إلى «أبى الحسين سيمجور»، فتوجه
«البتكين» إلى «غزنة» واستولى عليها من حاكمها السامانى،
وأسس بها إمارة مستقلة عن السامانيين، ثم جعلها مركز حكمه
وعاصمة دولته المناهضة للدولة السامانية. حاول الأمير «منصور»
جاهدًا أن يقضى على تمرد «البتكين» فى غزنة، ويوقف
تأسيس دولته المناهضة، لكن جهوده جميعها باءت بالفشل. لم
يتمكن «البتكين» أول حكام «الدولة الغزنوية» ومؤسسها من
ترسيخ دعائم دولته الجديدة، فقد وافاه أجله فى سنة (352هـ)،
بعد عام واحد تقريبًا من توليه الحكم، ثم خلفه ابنه «إسحاق»، ثم
غلامه «بلكانين» - من بعده - ولكنهما لم يتمكنا من تحقيق ذلك،
فلما ولى «سبكتكين» أمور الدولة سنة (366هـ)، تمكن بهمته
العالية وحسن سياسته أن يبسط نفوذه ويُوطد دعائم دولته،
ويحقق لها ما لم يقدر عليه سابقوه، فعُدَّ المؤسس الفعلى لها.
ويُعد «محمود الغزنوى» -الذى ولى الحكم فى الفترة من سنة
(388هـ) إلى سنة (421هـ) - من أكبر الشخصيات فى التاريخ
الإسلامى وأشهرها، إذ قاد الجيوش والحملات والفتوحات من
أجل نشر الدين الإسلامى بالهند، ونزل من أعالى «إيران
الشرقية» إلى «هندوستان»، ثم واصل جهاده حتى بلغ حدود(14/49)
«كشمير» و «البنجاب»، وغزا «سومنات» ومنها إلى «كجرات»،
ثم استولى على بلاد «الغور» فى عام (401هـ= 1010م)، وأخضع
مناطق «ما وراء النهر»، ومدينتى «بخارى» و «سمرقند»
لحكمه، فلقبه المؤرخون بلقب «مكسر الأصنام»، كما كان أول
من تلقب بلقب السلطان من أمراء المسلمين. وأضحت مدينة
«غزنة» فى عهده منارة للعلم، ومقصدًا للعلماء، ووفد عليها
أشهر أدباء هذا العصر أمثال الشاعر «الفردوسى»، وأصبحت
عامرة بالمساجد والسدود والأبنية الخيرية، التى لا تقل بهاءً
وجمالا عن المنشآت الهندية التى اشتهرت بدقة التصميم وجمال
العمارة. وتُوفى السلطان «محمود» فى عام (421هـ = 1030م)،
بمدينة غزنة. وفى سنة (556هـ = 1161م)، أسقط الغوريون
«غزنة» وسيطروا عليها، ولم يستطع أحفاد السلطان «محمود
الغزنوى» الصمود أمام هجمات الغوريين، ولم يتمكنوا من
استعادة عاصمة بلادهم، فسقطت «الدولة الغزنوية» فى سنة
(582هـ = 1186م). ولعل أبرز ما يميز «الدولة الغزنوية» عن
مثيلاتها من الدول المستقلة فى شرق العالم الإسلامى هى
نهضتها الثقافية، التى ازدهرت على أيدى أمرائها الذين قدَّروا
رجال الأدب، وعملوا على تشجيعهم والعناية بهم، فقد كان كل
أمير يريد أن يحيط نفسه برجال العلوم والفنون؛ ليتفوق على
أقرانه، وبرزت «غزنة» فى أواخر القرن الرابع الهجرى كمركز
إشعاع كبير فى جنوبى غرب «آسيا»، بفضل تشجيع السلاطين
الغزنويين الذين لم يألوا جهدًا فى سبيل رفع شأن العلوم
والفنون فى دولتهم، واستطاع السلطان «محمود الغزنوى» أن
يضم إليه رجال العلم والأدب الذين كانوا يحيطون بأمراء البلاد
المجاورة، وزيَّن «غزنة» بأجمل ما حصل عليه من مغانم «الهند»،
وأعاد تشييد مسجدها الجامع، وأضاف إليه مدرسة كبيرة،
ووضع بها مؤلفات وتصانيف نقلها من خزائن الملوك السابقين
فى العلوم كافة، ليقوم علماء «غزنة» وفقهاؤها بدرسها
وتدريسها. وجدير بالذكر أن السلطان «محمود بن سبكتكين»(14/50)
كان مولعًا بعلم الحديث، ويستمع إلى علمائه، ويستفسر عما
يتلونه عليه من أحاديث، وكان يستدعى إلى «غزنة» كل من له
سعة فى العلم والأدب والشعر، مثل «بديع الزمان الهمذانى»
صاحب فن المقامات، قال عنه «الثعالبى»: «إنه معجزة همذان،
وغرة العصر، كان ينشد القصيدة إذا سمعها مرة واحدة، ويترجم
ما يستمع إليه من الأبيات الفارسية المشتملة على المعانى
الغريبة إلى الشعر العربى، فيجمع فيها من الإبداع والإسراع».
ومنهم أبو ريحان محمد بن أحمد البيرونى (362 - 440هـ) الذى
يعد من أعظم رجال الحضارة الإسلامية وأبرزهم، وقد نال تقديرًا
علميا كبيرًا، وترجمت كتبه إلى اللغات الأوربية، وسمَّت روسيا
جامعة حديثة باسمه وأقيم له تمثال فى جامعة موسكو، وأصدر
اليونسكو وبعض جامعات أمريكا وألمانيا فهارس بأعماله.
وكذلك ظهر عشرات العلماء والفقهاء والشعراء فى «الدولة
الغزنوية»، وبلغ اهتمام الغزنويين بالنهضة الثقافية والعلمية
مدى كبيرًا تفوقت به على مثيلاتها؛ لدرجة أنها كادت تتفوق
على «بغداد» مركز الإشعاع الثقافى فى العالم الإسلامى.(14/51)
*الغورية (دولة)
كان الغوريون أسرة صغيرة تحكم «ولاية الغور» التى تقع بين
«هراة» و «غزنة»، وكانت «قلعة فيروزكوه» مقر حكمهم،
ودأبوا على شن الغارات على رعايا «الدولة الغزنوية»، واتخذوا
من وعورة بلادهم وصعوبة مسالكها معصمًا يقيهم من بطش
السلطان «محمود الغزنوى»، حين أراد معاقبتهم بعد أن باتوا
خطرًا جسيمًا يهدد دولته. ولكن السلطان «محمود الغزنوى»
تمكن من استمالة «محمد بن سورى» - أحد رؤسائهم - فى عام
(401هـ = 1010م)، ثم عين أولاده فى حكم «فيروزكوه»
و «باميان»، ومن ثَمَّ تصاهر الغوريون مع الغزنويين، واتحدوا مع
ملوك «غزنة»، فلما قتل «بهرامشاه الغزنوى» «قطب الدين
محمود» والد زوجته الغورية، نهض أخوه «سيف الدين سورى»
مطالبًا بثأره، واحتل «غزنة» فى عام (543هـ = 1148م). ولمَّا
تمكن «بهرامشاه الغزنوى» من قتل «سيف الدين سورى» فى
عام (543هـ = 1148م)، قام «علاء الدين حسين» (جهانسوز) الأخ
الثانى لقطب الدين بالهجوم على «غزنة»، ثم دخلها ونهبها،
ولكنه وقع أسيرًا - بعد فترة قصيرة- فى قبضة السلطان «سنجر
السلجوقى»، وتُوفى فى عام (556هـ = 1161م)، فخلفه «غياث
الدين محمد»، وأقيمت له الخطبة فى «غزنة»، ولكن الغز طمعوا
فى «غزنة» بعد وفاة «علاء الدين» واستولوا عليها، وظلت فى
أيديهم مدة خمس عشرة سنة، ثم ألحق «غياث الدين محمد» أمير
الغور الهزيمة بالغز وطردهم من «غزنة»، إلا أنه لم يكتفِ بذلك،
وعمل على استئصال شأفة «آل سبكتكين»، وتمكن منهم، وضم
أملاكهم إلى دولته، ثم اتجهت فتوحات «الغور» إلى «الهند»
لعدم قدرتهم على الزحف إلى أواسط «آسيا» حيث توجد «الدولة
الخوارزمية»، ودولة الخطا، اللتان وقفتا حصنًا منيعًا أمام راغبى
التوسع فى هذه المناطق، ثم جاءت نهاية «الدولة الغورية» على
أيدى الخوارزميين فى عام (612هـ = 1215م). كانت مدينة
«فيروزكوه» أشهر مدن الغوريين، ومركز حضارتهم، وقصبة(14/52)
ملكهم، وكان السلطان «غياث الدين محمد» الذى تُوفى فى عام
(599هـ = 1202م) من أعدل وأعظم حكام «الدولة الغورية»،
وكان شافعى المذهب ومع ذلك لم يحمل الناس على اتباع
مذهبه، وقرَّب إليه الشعراء والعلماء، ونبغ منهم الكثيرون فى
عهده.(14/53)
*دهلى (سلطنة)
شهد العالم الإسلامى فترة من تاريخه، تبوَّأ فيها الأرقاء والعبيد
عرش البلاد، وتقاليد الحكم، ومناصب الدولة المهمة، وكان هؤلاء
العبيد من الأتراك الذين جلبهم السلاطين للخدمة فى صفوف
الجيش، فتدرجوا فى مناصبه حتى بلغوا المناصب القيادية
المهمة، فزاد نفوذهم، وعلا شأنهم، وباتوا قوة ضاربة تتحكم
فى سير الأمور وتطورها؛ حتى إن أحدهم انتزع الملك لنفسه
حين توفى أحد السلاطين، ولم يكن له وارث، وأقام المماليك
دولتهم بالهند عقب زوال دولة الغور، وظلَّت دولتهم قائمة مدة
أربعة وثمانين عامًا فى الفترة من سنة (602هـ= 1206م) إلى
سنة (689هـ = 1290م). كان «قطب الدين أيبك» الذى حكم من
سنة (602 هـ= 1206م) إلى سنة (607هـ = 1210م)، أول سلاطين
المماليك فى «الهند»، واشتهر بحبه للعدل، وإقراره السلام
والأمن فى نواحى بلاده، وبنى مسجدين كبيرين، أحدهما
بدهلى والآخر بآجمبر. وتوفى هذا السلطان فى عام (607هـ=
1210م)، ثم خلفه ابنه «آرام شاه»، وعجز عن تسيير أمور البلاد
وإدارتها، فاستدعى رجال الدولة والبلاط «ألتُمش» وطلبوا منه
أن يلى أمور السلطنة، فوافق على مطلبهم وطرد «آرام شاه»
من السلطنة، وتربع على عرشها فى عام (607هـ = 1211م). يُعدّ
«شمس الدين ألتمش» المؤسس الحقيقى لدولة المماليك فى
«الهند»، وهو مملوكى اشتراه «قطب الدين أيبك» من «غزنة»،
وحمله معه إلى «الهند»، ثم جعله رئيسًا لحرسه، ثم أسند إليه
حكم ولايات «الهند»، فتعرض «شمس الدين» لمحاولات كثيرة
للإطاحة به، وما كاد يتخلص منها حتى ظهر له خطر المغول،
وألحقوا بدياره الخراب والدمار، ولكنهم لم يتحملوا حرارة جو
بلاده، واتجهوا صوب الغرب ثانية، فنجت البلاد من شرورهم. لم
ير «ألتُمش» فى أبنائه الذكور مَنْ يصلح للحكم من بعده،
فأوصى به لابنته «رضية»، ولكن رجال البلاط عهدوا بالملك عقب
وفاته إلى الأمير «ركن الدين فيروز شاه»، إلا أنه لم يهنأ بالملك(14/54)
بسبب الفتن والاضطرابات التى عمت أنحاء البلاد، وكان نتيجة
ذلك أن قُتل هو وأمه، فآلت أمور الحكم إلى السلطانة «رضية»
فى عام (643هـ = 1236م). يعد السلطان «بِلْبان» (بِلْبِن) الذى
حكم فى الفترة من عام (664هـ = 1265م) إلى عام (686هـ =
1287م)، من أقوى سلاطين «الهند» وأعظمها فى تاريخها
الوسيط، إذ واجه المغول الذين عادوا إلى تهديد «الهند» ثانية،
وأعاد الهدوء والاستقرار إلى بلاده، ثم قضى على «الهندوس»
الذين قطعوا الطريق بين «دهلى» و «البنغال»، وأقر الأمن
والنظام فى ربوع دولته. عهد «بلبان» - حين شعر بدنو أجله -
بالحكم إلى ابنه «بغراخان»، إلا أن ابنه رفض ذلك، فعهد به إلى
حفيده «كيخسرو بن بغراخان»، فتولى أمور البلاد، ولكنه كان
ضعيفًا لا يقوى على تسيير أمور الحكم بمفرده، فأسندها إلى
«نظام الدين» الذى اعتمد على خواصه والمقربين إليه فى إدارة
شئون البلاد، فاستبدوا بها، وحاول «بغراخان» أن يتخلص من
«نظام الدين» ولكن الترك لم يمكنوه من ذلك، وعزلوا ابنه
«كيخسرو» وولوا «كيقباد» أحد أطفاله الصغار، فتصدى لهم
«الخلجيون» بقيادة زعيمهم «فيروز شاه»، وقضوا عليهم، فزال
حكم المماليك بالهند على أيديهم. نعمت «دهلى» بالاهتمام
ببعض مظاهر الحضارة فى عهد الملوك المماليك، فبنى «قطب
الدين أيبك» مدرسة كبيرة إلى جانب مسجده الشهير الذى بدأ
بناءه فى عام (1191م)، ثم أكمله له «ألتُمش» فى عام (1230م)،
ولاتزال منارة هذا المسجد - التى كانت مكونة من سبعة طوابق -
قائمة حتى الآن، ولم يتبقَّ من طوابقها سوى خمسة فقط. كما
قام «ألتُمش» بتشجيع العلوم والآداب فى السلطنة، وأنفق أموالا
كثيرة فى نسخ أعداد كثيرة من القرآن الكريم لتكون فى
متناول أفراد شعبه، وأسس العديد من المدارس، وزيَّن بلاطه
بالعلماء والشعراء، وأولى الفن المعمارى عناية فائقة، فأتم
مسجد «أيبك» فى «دهلى»، وشيَّد آخر فى «آجميز»، وجعل(14/55)
عاصمته أحد مراكز العلوم والآداب المهمة.(14/56)
*الخلجية (دولة)
يرجع الفضل فى ظهور «الخلجيين» فى «بلاد الهند» إلى الأمير
«قطب الدين أيبك»، الذى ولى «الهند» نيابة عن سلطان
«الغور»، فحرص على توسيع رقعة ولايته بها، وأسند أمرها
إلى قائده «محمد بن بختيار الخلجى»، الذى قام بدوره على
خير وجه، واستولى على «بندنتيورى» عاصمة «إقليم بهار» من
ملوك أسرة «بالا»، ثم استولى على الإقليم كله، وقضى على
«البوذية» التى كانت منتشرة هناك، وحطم معابدها وأصنامها،
ونشر الدين الإسلامى فى ربوع هذه المملكة، ثم استولى على
عاصمة إقليم «البنغال»، وأقام الخطبة فيها للسلطان الغورى.
حرص خلفاء هذا القائد على توطيد نفوذهم بالأقاليم الهندية التى
استولوا عليها، فلما قامت «دولة المماليك» بالهند، وولى «شمس
الدين ألتُمش» أمور السلطنة بدهلى، قامت فى وجهه المشاكل
والاضطرابات الداخلية التى هدفت إلى الإطاحة بحكمه، ثم
أعقبها وفاة «قطب الدين آيبك»، فانتهز «الخلجيون» هذه
الفرصة، وسيطروا على «بهار» والبنغال. عمد سلاطين «دولة
المماليك» بالهند إلى القضاء على حركات الاستقلال التى
تزعمها «الخلجيون» للانفصال عنهم، والاستقلال بما تحت
أيديهم، فتصدى «الخلجيون» لهم، وعوَّلوا على تغيير نظام
الحكم فى «دهلى»؛ حيث استبد الأتراك بالأمر فيها، ثم جمعوا
قواتهم تحت قيادة زعيمهم «فيروز»، وأحدثوا انقلابًا فى
«دهلى»، وأطاحوا بالسلطان الطفل، وأعلنوا «فيروز» سلطانًا
عليهم، ولقبوه بجلال الدين، وذلك فى سنة (689هـ = 1290م)،
فكان أول السلاطين الخلجيين الذين استمر حكمهم ثلاثين عامًا
تقريبًا، حتى سنة (720هـ =1320م). يعد «علاء الدين الخلجى»،
الذى حكم فى الفترة من سنة (695هـ = 1295 م) إلى سنة
(715هـ = 1315م)، من أعظم سلاطين عصره، حيث كان محاربًا
شجاعًا، وحاكمًا عادلا، وكان أول من قاد الجيوش فاتحًا شبه
القارة الهندية، رافعًا راية الجهاد تحت لواء الإسلام. تأثر(14/57)
الخلجيون بالبيئة الأفغانية التى انتشر بها التصوف على يد رجل
فارسى يُدعى «سيدى مولى»، الذى فر إلى «الهند» عقب
الغزو المغولى لبلاد فارس، فالتف حوله الناس من مختلف
الطبقات، ووفدوا عليه من كل مكان، فقويت شوكته، وتدخل
فى شئون الحكم، ودبر مؤامرة للإطاحة بجلال الدين الخلجى،
ولكن «جلال الدين» أحبط هذه المؤامرة، ثم خلفه السلطان
«مبارك شاه» فى عام (716هـ = 1316م)، فى الوقت الذى كانت
البلاد تمر فيه بظروف صعبة، وتحتاج إلى حكومة قوية؛ تنقذها
من هاوية الأزمات التى تردت فيها، فعمل على إعادة الهدوء
والسكينة إلى البلاد، وأصلح شئونها، وأغدق على المحتاجين
من رعاياه، ومنح الجنود المكافآت، وخفف عن الناس عبء
الضرائب، وشجع التجارة، وألغى القوانين التى تحدد أرباحها،
فانتعشت وراجت، وكان لذلك أثره المباشر فى تنمية موارد
البلاد وازدهار حضارتها، رغم الفترة القصيرة التى قضاها
«مبارك شاه» فى الحكم، حيث قُتل فى عام (720هـ = 1320م (.(14/58)
*التغلقيون (دولة)
استمال «تغلق شاه» جنود شمالى غرب «الهند» إلى صفه، ثم
قادهم إلى «دهلى»، وتمرد على السلطان «خسرو شاه ناصر
الدين» آخر حكام «الدولة الخلجية»، فقد عدد كبير من جيش
«خسرو شاه»، ثم التقى الفريقان فى «ديوبالبور»، وخسر
الخلجيون المعركة، وفروا منها، تاركين خلفهم الأسلحة والخيول
والفيلة والأموال والمعدات، فدخل «تغلق» العاصمة «دهلى» دون
معارضة، ولبَّى الناس نداءه للدخول فى طاعته، بسبب كرههم
لخسرو شاه الذى آذاهم وأهان معتقداتهم، ثم دارت معركة
فاصلة بين الطرفين فى عام (720هـ = 1320م)، وانتهت بهزيمة
الخلجيين، ومقتل «خسرو شاه»، وسقوط «دولة الخلجيين» ببلاد
الهند. قامت «دولة التغلقيين» على أنقاض «دولة الخلجيين» ببلاد
«الهند»، وتولى «تغلق شاه الأول» الحكم فى عام (720هـ =
1320م)، واستمر فيه حتى سنة (725هـ = 1324م)، وعرف باسم
السلطان «غياث الدين تغلق»، ويرجع أصله إلى الجغتائيين
الأتراك، وقد قدم فى مطلع شبابه إلى «بلاد السند»؛ لخدمة
بعض التجار فى عهد السلطان «علاء الدين»، ثم دخل فى خدمة
«أولوخان» أمير «السند» آنذاك، وتدرج فى الفروسية حتى
احتل وظيفة أمير الخيل، فلما ولى «قطب الدين» عهد بهذه
الإمارة إلى ابنه «محمد تغلق»، فشغل هذا المنصب إلى عهد
«خسرو شاه»، أعلن الثورة، ودخل «دهلى»، ودارت بينه وبين
«خسرو شاه» عدة معارك، تمكن - فى نهايتها - من قتله،
والانتصار على جيشه، ثم دخل القصر الملكى وجلس على سرير
الملك. لم تستقر أمور هذه السلطنة فى عهد «بنى تغلق»؛ حيث
ظهرت بها المؤامرات، واشتعلت الفتن لانتزاع كرسى الحكم،
وثار «محمد بن تغلق» على أبيه فى سنة (725هـ = 1325م)،
حين أعلن هذا الأب استياءه من تصرفات ابنه، ومن استكثاره
شراء المماليك، ومبالغته فى بذل العطايا، ومنح الهبات، فدبر
الابن حيلة تمكن بواسطتها من قتل أبيه. كان «محمد بن تغلق»(14/59)
غريب الأطوار؛ حيث كان محبا للإنفاق والإغداق وبذل الهبات
والعطايا، وفى الوقت نفسه يعمل على إراقة الدماء، ويسعد
برؤيتها، فساءت الأحوال فى عهده، ونقل عاصمته إلى مدينة
«ديوكر» التى أطلق عليها اسم: «دولت آباد» لكى يأمن خطر
المغول، وأجبر سكان «دهلى» على الانتقال إلى العاصمة
الجديدة، فاشتدت الأمور سوءًا، وقامت الثورات فى وجهه،
ونشطت الحركات الاستقلالية فى عهده، فعدل عن الاستقرار
فى هذه العاصمة الجديدة، ولكن الخراب والدمار قد لحقا بدهلى
نتيجة هجرها، ولم يتمكن الناس من العودة إليها، فبنى لهم
مدينة جديدة بالقرب منها. لم يكن للسلطان «محمد بن تغلق»
وريث للحكم حين وفاته، فورثه ابن عمه «فيروز تغلق» فى عام
(752هـ = 1351م)، وحكم فى الناس بالعدل، وسار بينهم سيرة
حسنة، ثم خلفه حفيده «غياث الدين تغلق شاه الثانى» فى عام
(790هـ = 1388م)، ونشطت فى عهده الحركات الاستقلالية،
وظلت البلاد فى هذا الوضع المضطرب حتى وفاة آخر سلاطين
«آل تغلق» فى عام (815هـ = 1412م)، فاجتمع أعيان «دهلى»،
ونصبوا «دولت خان» حاكمة على البلاد، ثم تعرضت «دهلى»
للغزو التيمورى الذى قضى على مظاهر الحضارة فيها، وأهلك
الحرث والنسل، ولكن هذه الحضارة عادت مظاهرها ثانية إلى
هذه السلطنة فى عهد «ظهير الدين محمد بابر» فاتح
«الهندوستان»، الذى ينتهى نسبه إلى «تيمورلنك» من ناحية
أبيه، وإلى «جنكيزخان» من ناحية أمه. شجع «تغلق شاه»
رعيته على تعمير الأرض والاهتمام بالزراعة، فشق الترع
والقنوات، وأصلح طرق الرى، وخفض الضريبة على الأراضى
الزراعية. وكان «محمد بن تغلق» من المشتغلين بالعلوم والفنون
والآداب، وله منثورات ومنظومات رفيعة المستوى باللغتين
العربية والفارسية، وكذلك كان يجيد الفلسفة والحكمة والمنطق،
كما برع فى الطب، وعالج الناس بنفسه، وأشرف على ملاجئ
العجزة التى أقامها لهم، وأنشأ مدينة «دولت آباد» لكى تكون(14/60)
عاصمة لبلاده، إلا أنه عدل عن هذه الفكرة، ووفد عليه
الكثيرون من المشتغلين بالعلوم والفنون والآداب، وعمل على
رعايتهم، ونهج حكام أسرة «آل تغلق» سياسة فى استقطاب
الأدباء والعلماء. ظلت الحياة الثقافية فى «الهند» مزدهرة فى
عهد «بنى تغلق»، ووفد على السلطان «محمد بن تغلق» الكثير
من العلماء والأدباء والفلاسفة، فقد كان هذا السلطان أديبًا
وشاعرًا، كما كان فيلسوفًا وطبيبًا بارعًا. ولم يكن «فيروز
شاه» أقل منه اهتمامًا بالعلم وأهله، إذ أسس ثلاثين مدرسة
لعلوم الدين واللغة والتاريخ والحكمة والرياضيات والفلك والطب،
وجلب العلماء المسلمين إلى السلطنة للتدريس بهذه المدارس،
وعنى بدراسات «الهند» وعلومها القديمة للاستفادة منها. وقد
لاحظ «ابن بطوطة» فى رحلاته ببلاد «الهند» كثرة المدارس،
وذكر أنه كانت هناك مدارس للصبية وأخرى للفتيات، وأوضح
أن النساء بالهند كن يقبلن على التعليم باهتمام بالغ وخصوصًا
العلوم الدينية، وقد وفد «ابن بطوطة» على بلاد «الهند» فى عام
(734هـ = 1333م)، واتصل بالسلطان «محمد بن تغلق»، وتولى
منصب القضاء فى دولته، وأقام بها مدة ثمانى سنوات، ووصف
بلاد «الهند» ونظمها وسياسة حكامها، وطرق إدارتها، وأحوال
المعيشة، ومعايش الناس فيها. وأنشأ «فيروز شاه» المدرسة
«الفيروزشاهية»، وعنى بعمارتها، وأحاطها بالحدائق الغناء،
وجعلها مقصد العلماء وطلاب العلم من كل مكان، فكان من
أساتذتها «جلال الدين الرومى» الذى قام بتدريس علوم التفسير
والحديث والفقه بها، ومارس الوعظ والتدريس، وبرع فى نظم
الشعر، فأقبل عليه التلاميذ من كل مكان، وكانت آخر وصاياه
لتلاميذه وصيته التى قال فيها: «أوصيكم بتقوى الله فى السر
والعلانية، وقلة النوم والطعام والكلام، وهجران المعاصى
والآثام، ومواظبة الصيام، ودوام القيام، وترك الشهوات على
الدوام، واحتمال الجفاء من جميع الأنام، وترك مجالسة السفهاء(14/61)
والعوام، ومصاحبة الصالحين والكرام. فإن خير الناس مَن ينفع
الناس، وخير الكلام ما قل ودل».(14/62)
*تغلق شاه (بنو)
استمال «تغلق شاه» جنود شمالى غرب «الهند» إلى صفه، ثم
قادهم إلى «دهلى»، وتمرد على السلطان «خسرو شاه ناصر
الدين» آخر حكام «الدولة الخلجية»، فقد عدد كبير من جيش
«خسرو شاه»، ثم التقى الفريقان فى «ديوبالبور»، وخسر
الخلجيون المعركة، وفروا منها، تاركين خلفهم الأسلحة والخيول
والفيلة والأموال والمعدات، فدخل «تغلق» العاصمة «دهلى» دون
معارضة، ولبَّى الناس نداءه للدخول فى طاعته، بسبب كرههم
لخسرو شاه الذى آذاهم وأهان معتقداتهم، ثم دارت معركة
فاصلة بين الطرفين فى عام (720هـ = 1320م)، وانتهت بهزيمة
الخلجيين، ومقتل «خسرو شاه»، وسقوط «دولة الخلجيين» ببلاد
الهند. قامت «دولة التغلقيين» على أنقاض «دولة الخلجيين» ببلاد
«الهند»، وتولى «تغلق شاه الأول» الحكم فى عام (720هـ =
1320م)، واستمر فيه حتى سنة (725هـ = 1324م)، وعرف باسم
السلطان «غياث الدين تغلق»، ويرجع أصله إلى الجغتائيين
الأتراك، وقد قدم فى مطلع شبابه إلى «بلاد السند»؛ لخدمة
بعض التجار فى عهد السلطان «علاء الدين»، ثم دخل فى خدمة
«أولوخان» أمير «السند» آنذاك، وتدرج فى الفروسية حتى
احتل وظيفة أمير الخيل، فلما ولى «قطب الدين» عهد بهذه
الإمارة إلى ابنه «محمد تغلق»، فشغل هذا المنصب إلى عهد
«خسرو شاه»، أعلن الثورة، ودخل «دهلى»، ودارت بينه وبين
«خسرو شاه» عدة معارك، تمكن - فى نهايتها - من قتله،
والانتصار على جيشه، ثم دخل القصر الملكى وجلس على سرير
الملك. لم تستقر أمور هذه السلطنة فى عهد «بنى تغلق»؛ حيث
ظهرت بها المؤامرات، واشتعلت الفتن لانتزاع كرسى الحكم،
وثار «محمد بن تغلق» على أبيه فى سنة (725هـ = 1325م)،
حين أعلن هذا الأب استياءه من تصرفات ابنه، ومن استكثاره
شراء المماليك، ومبالغته فى بذل العطايا، ومنح الهبات، فدبر
الابن حيلة تمكن بواسطتها من قتل أبيه. كان «محمد بن تغلق»
غريب الأطوار؛ حيث كان محبا للإنفاق والإغداق وبذل الهبات(14/63)
والعطايا، وفى الوقت نفسه يعمل على إراقة الدماء، ويسعد
برؤيتها، فساءت الأحوال فى عهده، ونقل عاصمته إلى مدينة
«ديوكر» التى أطلق عليها اسم: «دولت آباد» لكى يأمن خطر
المغول، وأجبر سكان «دهلى» على الانتقال إلى العاصمة
الجديدة، فاشتدت الأمور سوءًا، وقامت الثورات فى وجهه،
ونشطت الحركات الاستقلالية فى عهده، فعدل عن الاستقرار
فى هذه العاصمة الجديدة، ولكن الخراب والدمار قد لحقا بدهلى
نتيجة هجرها، ولم يتمكن الناس من العودة إليها، فبنى لهم
مدينة جديدة بالقرب منها. لم يكن للسلطان «محمد بن تغلق»
وريث للحكم حين وفاته، فورثه ابن عمه «فيروز تغلق» فى عام
(752هـ = 1351م)، وحكم فى الناس بالعدل، وسار بينهم سيرة
حسنة، ثم خلفه حفيده «غياث الدين تغلق شاه الثانى» فى عام
(790هـ = 1388م)، ونشطت فى عهده الحركات الاستقلالية،
وظلت البلاد فى هذا الوضع المضطرب حتى وفاة آخر سلاطين
«آل تغلق» فى عام (815هـ = 1412م)، فاجتمع أعيان «دهلى»،
ونصبوا «دولت خان» حاكمة على البلاد، ثم تعرضت «دهلى»
للغزو التيمورى الذى قضى على مظاهر الحضارة فيها، وأهلك
الحرث والنسل، ولكن هذه الحضارة عادت مظاهرها ثانية إلى
هذه السلطنة فى عهد «ظهير الدين محمد بابر» فاتح
«الهندوستان»، الذى ينتهى نسبه إلى «تيمورلنك» من ناحية
أبيه، وإلى «جنكيزخان» من ناحية أمه. شجع «تغلق شاه»
رعيته على تعمير الأرض والاهتمام بالزراعة، فشق الترع
والقنوات، وأصلح طرق الرى، وخفض الضريبة على الأراضى
الزراعية. وكان «محمد بن تغلق» من المشتغلين بالعلوم والفنون
والآداب، وله منثورات ومنظومات رفيعة المستوى باللغتين
العربية والفارسية، وكذلك كان يجيد الفلسفة والحكمة والمنطق،
كما برع فى الطب، وعالج الناس بنفسه، وأشرف على ملاجئ
العجزة التى أقامها لهم، وأنشأ مدينة «دولت آباد» لكى تكون
عاصمة لبلاده، إلا أنه عدل عن هذه الفكرة، ووفد عليه(14/64)
الكثيرون من المشتغلين بالعلوم والفنون والآداب، وعمل على
رعايتهم، ونهج حكام أسرة «آل تغلق» سياسة فى استقطاب
الأدباء والعلماء. ظلت الحياة الثقافية فى «الهند» مزدهرة فى
عهد «بنى تغلق»، ووفد على السلطان «محمد بن تغلق» الكثير
من العلماء والأدباء والفلاسفة، فقد كان هذا السلطان أديبًا
وشاعرًا، كما كان فيلسوفًا وطبيبًا بارعًا. ولم يكن «فيروز
شاه» أقل منه اهتمامًا بالعلم وأهله، إذ أسس ثلاثين مدرسة
لعلوم الدين واللغة والتاريخ والحكمة والرياضيات والفلك والطب،
وجلب العلماء المسلمين إلى السلطنة للتدريس بهذه المدارس،
وعنى بدراسات «الهند» وعلومها القديمة للاستفادة منها. وقد
لاحظ «ابن بطوطة» فى رحلاته ببلاد «الهند» كثرة المدارس،
وذكر أنه كانت هناك مدارس للصبية وأخرى للفتيات، وأوضح
أن النساء بالهند كن يقبلن على التعليم باهتمام بالغ وخصوصًا
العلوم الدينية، وقد وفد «ابن بطوطة» على بلاد «الهند» فى عام
(734هـ = 1333م)، واتصل بالسلطان «محمد بن تغلق»، وتولى
منصب القضاء فى دولته، وأقام بها مدة ثمانى سنوات، ووصف
بلاد «الهند» ونظمها وسياسة حكامها، وطرق إدارتها، وأحوال
المعيشة، ومعايش الناس فيها. وأنشأ «فيروز شاه» المدرسة
«الفيروزشاهية»، وعنى بعمارتها، وأحاطها بالحدائق الغناء،
وجعلها مقصد العلماء وطلاب العلم من كل مكان، فكان من
أساتذتها «جلال الدين الرومى» الذى قام بتدريس علوم التفسير
والحديث والفقه بها، ومارس الوعظ والتدريس، وبرع فى نظم
الشعر، فأقبل عليه التلاميذ من كل مكان، وكانت آخر وصاياه
لتلاميذه وصيته التى قال فيها: «أوصيكم بتقوى الله فى السر
والعلانية، وقلة النوم والطعام والكلام، وهجران المعاصى
والآثام، ومواظبة الصيام، ودوام القيام، وترك الشهوات على
الدوام، واحتمال الجفاء من جميع الأنام، وترك مجالسة السفهاء
والعوام، ومصاحبة الصالحين والكرام. فإن خير الناس مَن ينفع(14/65)
الناس، وخير الكلام ما قل ودل».(14/66)
*المغول (دولة فى الهند)
ترجع نشأة المغول إلى «عمر شيخ» الذى تولى إمارة
«فرغانة»، ثم دخل فى حروب طويلة مع جيرانه وأصهاره
المغول، وإخوته الأتراك، لتوسيع أملاكه، ثم تُوفى فى عام
(899هـ = 1493م)، نتيجة سقوطه من فوق حصن له، وخلفه ابنه
«ظهير الدين محمد بابر»، وكان عمره اثنتى عشرة سنة آنذاك،
وحكم سلاطين الإمبراطورية المغولية «الهند» نحو ثلاثة قرون.
ولد «ظهير الدين بابر» فى عام (888هـ = 1482م) بإمارة
«فرغانة» التى كان يحكمها والده، ثم أخرجه منها «الأزبك»
و «الشيبانيون»، فاتجه إلى «أفغانستان»، واستولى على
«كابل» فى عام (910هـ = 1504م)، ثم استولى على «قندهار»
فى عام (913هـ = 1507م)، ومن ثم عقد العزم على غزو
«هندوستان»، والاستيلاء عليها، وأعد العدة لذلك، ثم خرج
بقواته وجيوشه، وبصحبته قادته الأتراك الذين أطلق عليهم اسم
«المغول»، وقصد «هندوستان»، فغزا «البنجاب» واستولى
على «لاهور» فى (السابع من شهر رجب سنة 932هـ = 20 من
إبريل سنة 1526م)، وانتصر على «إبراهيم اللودى» وقضى على
اللوديين فى معركة «بانى بت»، وتمكن من السيطرة على
«دهلى» و «آكره»، ثم واصل زحفه إلى «هندوستان»، وسيطر
على شمالها من «نهر السند» إلى سواحل «بنكاله»، ولكن
وافاه أجله فى عام (937هـ = 1530م)، قبل أن يدخل «بنكاله»،
و «كجرات»، و «مالوه». كان «ظهير الدين» قد بعث بابنه
«همايون» على رأس الجيش للاستيلاء على «آكره»، فاستولى
عليها، وعلى كنوزها الثمينة التى كانت تضم جوهرة «كوه
نور» أثمن جوهرة فى العالم، فأثار ذلك ملوك الهندوس،
فتحالفوا ضده، إلا أنه تمكن من الانتصار عليهم، فى معركة
«رانا سنك»، وأسس «بابر» دولته، واهتم بالإصلاحات الداخلية
فيها. خلف «ناصر الدين هُمايون» أباه «ظهير الدين بابر» فى
التاسع من جمادى الأولى عام (937هـ = 1530م)، وكان عمره
آنذاك تسعة عشرة عامًا، فواجه صعوبات شديدة، وتوفى فى(14/67)
عام (963هـ = 1556م)، وخلفه ابنه «أكبر شاه» الذى انتقل
بالبابريين من مجرد غزاة إلى أصحاب دولة قوية راسخة البنيان؛
إذ استولى على أهم مناطق «الهند»، وانتصر فى معركة «بانى
بت» فى عام (964هـ= 1556م) - وهى المنطقة نفسها التى انتصر
فيها «بابر» من قبل - ونجح «أكبر شاه» فى تنظيم حكومة
أجمع المؤرخون على دقتها وقوتها، وذلك فضلا عن النهضة
الثقافية التى حدثت فى عصره، والتى بلغت مكانة سامية لم
تصل إليها بلاد «أوربا»، ثم تُوفى «أكبر شاه» فى سنة
(1014هـ = 1605م)، وخلفه ابنه «سليم» الذى تلقَّب باسم «نور
الدين بادشاه» «جهانكيز»، وكان عمره -آنذاك- ستا وثلاثين
سنة، فنهج سياسة أبيه فى التسامح، وأشاع العدل بين
رعاياه، ثم خلفه ابنه «شاه جهان» فى عام (1037هـ = 1628م).
وإذا كانت «نورجهان» زوجة «جهانكيز» قد اشتهرت بمكائدها،
فقد اشتهرت «ممتاز محل» زوجة «شاهجهان» بالطيبة والصفات
الحميدة، والبر بالفقراء، ودفعت زوجها إلى العفو عن المذنبين،
واستخدام «التأريخ الهجرى» بدلا من «التأريخ الألفى» الذى
وضع فى عهد «جلال الدين أكبر». أحب «شاه جهان» زوجته
حبا شديدًا، وبلغ وفاؤه لها مبلغًا عظيمًا، وبنى لها مقبرة «تاج
محل»، التى تعد من روائع الفن المعمارى، وإحدى عجائب
الدنيا، ومازالت قائمة حتى الآن. وفى عهد «شاه جهان» حدثت
مجاعة شديدة بالهند، فاستغلها البرتغاليون فى خطف الأهالى
وأسرهم، ثم بيعهم فى سوق الرقيق، وقد استطاع «قاسم
خان» تخليص عشرة آلاف فرد منهم من أيديهم، وعهد «شاه
جهان» بالحكم إلى ابنه «أورنك زيب»، بعد أن عهد إلىه
بالقضاء على ثورات «الدكن». تولى «أورنك زيب» العرش فى
سنة (1069هـ)، فألغى الاحتفال بأعياد «النيروز»، وتمسك
بتعاليم السنة، وأمر بتعمير المساجد، وعين لها العلماء
والوعاظ، وعمل على نهضة هذه البلاد، ثم أدت الاضطرابات التى
قامت وعمت مناطق واسعة من الإمبراطورية المغولية إلى سقوط(14/68)
هذه الإمبراطورية فى قبضة الإنجليز فى عام (1275هـ =
1858م). اتسم حكام الإمبراطورية المغولية بالهند بالتسامح
والعدل بين الرعية، وأدى ذلك إلى اقتراب الناس منهم،
ومصاهرتهم، وإلى انتشار الإسلام فى ربوع دولتهم، وقد تجلى
هذا التسامح فى أبهى صوره فى عهد السلطان «جلال الدين
أكبر»، الذى نادى بأن تكون «الهند» لأهلها من المسلمين
والهندوس. ظلت السلطة الفعلية فى أيدى السلاطين، إذ كانوا
يسيطرون على نظم الحكم كلها، فقويت البلاد فى عهد الحكام
الأقوياء، وسقطت بالسلاطين الضعفاء، ولم تكن للوزير أو
الوالى سلطات قوية. انقسمت إدارة الأراضى الزراعية للدولة إلى
نوعين، أولهما: إقطاع القادة والأمراء مساحات من الأرض،
ليقوموا على زراعتها ورعايتها، ثم ينفقوا من غلتها على
جنودهم وخدمهم وتابعيهم، والنوع الثانى: شبيه بما يحدث
اليوم؛ إذ كان الرجل يأخذ قطعة أرض مقابل الالتزام بدفع بدل
يؤديه إلى خزانة الدولة. ولعل العمارة كانت من أبرز مظاهر
الحضارة فى الإمبراطورية المغولية فى «الهند»، إذ اهتم بها
البابريون اهتمامًا بالغًا، وعمدوا إلى تعمير المدن، وأصبح لهم
طرازهم المعمارى المميز، الذى كان مزيجًا من فنون المسلمين
والهندوس، وكانت أهم سماته القباب البصلية الشكل؛ المرصعة
بالأحجار الكريمة، و «الميناء» و «الخزف»؛ فضلا عن الأقواس
الحادة، والأبواب الفخمة التى فى أعلاها نصف قبة، يُضاف إلى
ذلك «تاج محل» إحدى عجائب الدنيا، ذلك البناء الذى شيده
«شاهجهان» ليكون مثوى لزوجته «ممتاز محل» تخليدًا ووفاءً
لذكراها. عنى أباطرة «الدولة المغولية» عناية فائقة بالحركة
الفكرية بالهند، حيث ساهموا فى إخراج كتب قيمة للناس مثل
كتاب: «بابرنامه» الذى وضعه «بابر» عن نفسه وحكمه، وأظهر
هذا الكتاب إلمام «بابر» الواسع بالتاريخ وتقويم البلدان،
والعلوم العقلية والنقلية، كما أظهر إلمامه بالآداب العربية(14/69)
والتركية والفارسية. وكذلك كتبت «كلبدن بيكيم» ابنة «بابر»
كتاب «همايون نامه» الذى يعد مرجعًا وثيقًا فى تاريخ
«همايون» ثانى سلاطين الإمبراطورية المغولية. أعفى «أكبر»
الهنادكة من ضريبة الرءوس، واهتم بالعلوم والآداب والفنون،
وأصدر القوانين والتشريعات الاجتماعية التى تكفل للناس
حقوقهم، وتحافظ عليهم وعلى ممتلكاتهم، ونبغ فى عصره
العديد من المؤرخين والعلماء والأدباء من المسلمين والهنادكة.(14/70)
*الأغالبة
ينسب الأغالبة إلى «الأغلب بن سالم التميمى»، وهو عربى من
قبيلة «تميم»، التى شاركت فى القضاء على «الأمويين»،
وإقامة «الدولة العباسية»، وقد تولى «الأغلب» إفريقية فى
سنة (148هـ=765م)، ثم استشهد بها فى حربه ضد الطامعين
بقيادة «الحسن بن حرب الكندى». إبراهيم بن الأغلب
[184هـ=800م]: تلقى «إبراهيم بن الأغلب» - فى نشأته الأولى -
دروسه الدينية بمسجد الفسطاط على يد الإمام «الليث بن سعد»،
فلما بلغ مبلغ الشباب التحق بالجندية، ثم جاء إلى «المغرب»
وشارك فى أحداثها، ثم ظهر على مسرح الأحداث فى إفريقية -
كما سبقت الإشارة إليه - فى عهد «محمد بن مقاتل العكى».
استقل «إبراهيم» بحكم «المغرب الأدنى» عن الخلافة، وعمد إلى
إقرار الأمن والاستقرار بهذا الإقليم، فضلاً عن تعريبه، واستكمال
نظامه الإدارى، وتنمية اقتصاده، فباتت «القيروان» مركزًا من
مراكز العلم والحضارة بالدولة الإسلامية، وظهرت أهمية المدن
التابعة لها. مثل: «تونس»، و «سوسة»، و «قابس»، و «قفصة»،
و «توزر»، و «نفطة»، و «طبنة»، و «المسيلة»، و «بجاية»،
وغيرها. ولكن ذلك لم يمنع من وقوع بعض الثورات بالمنطقة،
مثل ثورة «عمران بن مجالد الربيعى» الذى جمع حوله أهل
«القيروان» فى محاولة للقضاء على حكم «الأغالبة»، ولكن
محاولتهم باءت بالفشل، حيث تصدى لهم «إبراهيم بن الأغلب»
بحزم وشدة، واستمر فى منصبه حتى وافته منيته فى شوال
سنة (196هـ= يونيو 812م)، فذكره المؤرخون بأنه كان أحسن
الولاة سيرة، وأفضلهم سياسة، وأوفاهم بالعهد، وأرعاهم
للحرمة، وأرفقهم بالرعية، وأخلصهم لأداء واجبه. أبو العباس
عبدالله بن إبراهيم بن الأغلب [196هـ=812م]: تولى «أبو العباس»
«المغرب» خلفًا لوالده، فاستقامت له الأمور واستقرت، ولكنه
انتهج سياسة ضريبية سيئة، أسفرت عن سخط الناس عليه، وظل
«أبو العباس» بالحكم مدة خمس سنوات ثم مات من جرَّاء قرحة(14/71)
أصابته تحت أذنه. زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب
[201هـ=816م]: تولى «زيادة» مقاليد الحكم بالمغرب خلفًا لأخيه
«أبى العباس» واستمر فى هذه الإمارة حتى سنة (223هـ=
838م)، فتمتعت البلاد فى عهده بالرخاء والازدهار، فضلا عن
التشييد والعمران بالمدن المغربية، مثل: «القيروان»،
و «العباسية»، و «تونس»، و «سوسة» وقد وجه «زيادة» قدراته
العسكرية للقضاء على الثورات التى قامت بالمنطقة، ومنها:
ثورة «زياد بن سهل» المعروف بابن الصقلبية فى سنة
(207هـ=822م)، وثورة «عمرو بن معاوية العيشى» فى سنة
(208هـ=823م)، وثورة «منصور الطنبذى» فى سنة
(209هـ=824م)، وكذلك وجه «زيادة» كفاءته الحربية فى العناية
بالأسطول الإسلامى، ثم توجيهه لغزو بعض الجزر القريبة من
«تونس»، وإليه يرجع الفضل فى إعداد حملة بحرية كبيرة بقيادة
«أسد بن الفرات» لغزو الجزر القريبة من «تونس»، ثم تُوفى فى
سنة (223هـ=838م). أبو عقال الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب
[223هـ=838م): تولى الإمارة خلفًا لأخيه «زيادة» فى سنة
(223هـ=838م)، ومكث بها ما يقرب من ثلاث سنوات؛ نعمت البلاد
خلالها بالهدوء والاستقرار، وحرَّم «أبو عقال» صنع الخمور
بالقيروان، وعاقب على بيعها وشربها، فكان لذلك صداه الطيب
فى نفوس الناس عامة، فضلا عن الفقهاء والعلماء، ومات «أبو
عقال» بالقيروان فى سنة (226هـ=841م). أبو العباس محمد بن
الأغلب [226هـ=841م]: تولى الإمارة خلفًا لأبيه «الأغلب»، وظل
بها أكثر من خمسة عشر عامًا، اتسمت بالخلافات بين أبناء
«الأسرة الأغلبية»، فضلا عن محاولة أخيه «أحمد» الفاشلة
للإطاحة به والوصول إلى الحكم، يضاف إلى ذلك انتفاضات الجند
التى لم يكتب لها النجاح بمنطقتى «الزاب»، و «تونس»، وقد
تُوفى «أبو العباس» فى سنة (242هـ) بالقيروان. أبو إبراهيم
أحمد بن محمد [242هـ=856م]: تولى خلفًا لأبيه عقب وفاته فى
سنة (242هـ)، وتميزت فترة حكمه بالهدوء والاستقرار، وقد غلب(14/72)
الطابع الدينى على سلوكه، فكان يخرج فى شهرى شعبان
ورمضان من مقر إقامته ليوزع الأموال على الفقراء والمساكين
بالقيروان، واهتم «أبو إبراهيم» بالبناء والتعمير، وزاد فى
«مسجد القيروان»، وجدد «المسجد الجامع» بتونس، وحصَّن
مدينة «سوسة» وبنى سورها، كما اهتم بإمداد سكان المدن
بمياه الشرب، وقد تُوفى فى سنة (249هـ=863م). أبو محمد
زيادة الله الثانى [249هـ=863م]: تولى «أبو محمد» خلفًا لأخيه
«أبى إبراهيم أحمد»، ولم يستمر فى منصبه سوى عام واحد،
ثم تُوفى فى سنة (250هـ=864م). أبو عبد الله محمد بن أحمد
[250هـ=864م]: خلف عمه «أبا محمد زيادة» فى الإمارة فى سنة
(250هـ=864م). وقد اشتهر «أبو عبدالله» بأبى الغرانيق؛ لولعه
بصيد «الغرانيق»، وبنى لذلك قصرًا كبيرًا، أنفق عليه أموالا
كثيرةً، كما شاد الحصون والمحارس الكثيرة على سواحل البحر
المتوسط وتوفى «أبو الغرانيق» فى سنة (261هـ). إبراهيم بن
أحمد [261هـ=875م]: ولى أمور الحكم عقب وفاة أخيه «أبى
الغرانيق» فى سنة (261هـ=875م)، وامتد عهده أكثر من ثمانية
وعشرين عامًا؛ ظهر خلالها «أبو عبدالله الشيعى»، الذى
استقطب إلى دعوته الشيعية عددًا من القبائل، وقد اختلف
المؤرخون فى تقييم شخصية «إبراهيم بن أحمد»، فذكر بعضهم
أن عهده كان عهد استقرار وهدوء، وإقرار للعدل، وتأمين
للسبل، فضلا عن قيامه بإتمام بناء المسجد بتونس، وبناء
الحصون والمحارس على سواحل البحر، يضاف إلى ذلك تأسيسه
مدينة «رقادة»، وبناؤه جامعًا بها، فى حين يصفه «ابن خلدون»
بقوله: «وذكر أنه كان جائرًا، ظلومًا ويُؤخذ أنه أسرف فى
معاقبة المعارضين له بالقتل والتدمير، لكنه حاول فى أخريات
أيامه إصلاح ما أفسده، وبخاصة بعد ظهور داعية الشيعة «أبى
عبدالله» وانضمام كثير من الناس إلى دعوته، فأسقط المغارم،
ورفع المظالم عن طبقات الشعب الكادحة، كما تجاوز عن ضريبة
سنة بالنسبة إلى أهل الضياع، ووزع الأموال على الفقراء(14/73)
والمحتاجين، وختم حياته بالجهاد فى «صقلية»، حيث مرض
أثناء حصاره لإحدى المدن، ومات ليُحمل ويدفن فى مدينة
«بلرم» فى سنة (289هـ=902م)، وذكر «ابن الأثير» أنه حُمل فى
تابوت ودفن بالقيروان. أبو العباس عبدالله بن إبراهيم
[289هـ=902م]: تولى الإمارة فى سنة (289هـ=902م)، ولم يستمر
بها سوى عام ونصف العام، حيثُ قُتل على يد ابنه «زيادة الله»،
وكانت فترة حكمه امتدادًا لسياسة والده «إبراهيم بن أحمد» فى
الحكم، فبدأت عوامل الضعف والوهن تدب فى أوصال دولة
الأغالبة. زيادة الله بن أبى العباس عبدالله [290هـ=903م]: تولى
«زيادة» الحكم عقب مقتل أبيه، وانتهج سياسة أبيه وجده،
وتتبع أفراد أسرته بالقتل، فى الوقت الذى نشط فيه «أبو
عبدالله الشيعى» وأحرز الانتصارات تلو الأخرى، واستولى على
كثير من المدن الأغلبية، ولم تفلح جيوش «زيادة» فى صده أو
إيقاف زحفه، فوجد «زيادة» نفسه عاجزًا عن الحفاظ على ملك
آبائه وأجداده، فآثر الهرب إلى «مصر»، وحمل معه كل ما
استطاع حمله من مال وعتاد، ورحل من «رقادة» فى (26من
جمادى الآخرة عام 296هـ= مارس 909م)، فباتت المدينة سهلة
المنال «لأبى عبدالله الشيعى»، فبعث «عروبة بن يوسف» أحد
قادته للاستيلاء عليها، فدخلها دون قتال، وطويت بذلك صفحة
«الأغالبة».(14/74)
*الرستمية (دولة)
دولة نشأت بالمغرب الأوسط (الجزائر) سنة 161 هـ في عهد
الخلافة العباسية، وظلت حتى سنة 296 هـ وتوالى عليها عدد من
الولاة هم: عبدالرحمن بن رستم [162هـ=779م]: بويع
«عبدالرحمن» ليكون أول إمام للدولة الإباضية الناشئة فى ربوع
«المغرب الأوسط»، وقد كان أحد طلاب العلم، ودرس على يد
«أبى عبيدة مسلم ابن أبى كريمة»، فلما أتم تعليمه عمل على
نشر «المذهب الإباضى» ودعمه، ثم عينه «أبو الخطاب» نائبًا له
على «مدينة القيروان»، فاكتسب الخبرة الإدارية، وعرف طبائع
الناس وظروفهم، ولم يدخر جهدًا فى محاربة الولاة العباسيين،
وجَمْع شمل «الإباضية»، خاصة بعد مقتل «أبى الخطاب». كان
«عبدالرحمن» رجلاً زاهدًا، وذا صبر على الشدائد، وملتزمًا بكتاب
الله وسنة نبيه، واشترط على الناس حين وقع اختيارهم عليه
للإمامة أن يسمعوا له ويطيعوا ما لم يحد عن الحق، ثم اختط
مدينة «تهيرت»، ودخل فى طاعته العديد من القبائل مثل:
«لماية»، و «سدرانة»، و «مزاتة»، و «لواتة»، و «مكناسة»،
و «غمارة»، و «أزداجة»، و «هوارة»، و «نفوسة»، وقد افترشت
هذه القبائل مساحات واسعة، امتدت من «تلمسان» غربًا حتى
«طرابلس» شرقًا. ومضى «عبدالرحمن» فى حكم البلاد بالعدل،
منتهجًا سياسة شرعية فى إدارتها، مما أشاع الاستقرار والأمن
بين الناس، فلما شعر بدنو أجله اختار مجلسًا للشورى، ليُختار
من بين أفراده مَن يصلح للإمامة من بعده، واختار ابنه
«عبدالوهاب» ضمن أفراد هذا المجلس، ثم مات فى سنة (168هـ=
784م). عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم [168هـ=784م]:
اختاره مجلس الشورى ليكون خلفًا لأبيه فى الإمامة، واتسم
عهده ببعض الاضطرابات والقلاقل، وواجه العديد من الثورات
التى اتخذ بعضها طابعًا مذهبيا، وبعضها الآخر طابعًا قبليا،
فأثَّرت إلى حد بعيد على «الدولة الرستمية»، وعلى رمزها
الدينى المتمثل فى الإمام. ومات «عبد الوهاب» فى سنة(14/75)
(198هـ=814م). أفلح بن عبدالوهاب [198هـ= 814م]: بويع الإمام
«أفلح» خلفًا لأبيه، وكان ذا صفات طيبة، وجاءت مبايعته على
عكس ما نهجه الخوارج فى تعيين الإمام، إذ اختاره أبوه للإمامة
قبل وفاته، وربما يرجع ذلك إلى طبيعة الظروف التى ألمت
بالبلاد، حيث أحاط الأعداء بمدينة «تهيرت»، وكان لابد من
اختيار رجل شجاع يتمكن من مواجهة الأعداء. وقد اتسم عهد
«أفلح» بالهدوء والاستقرار، وبلغت الدولة فى عهده أوج
ازدهارها، ونشطت التجارة، وأقبل الناس من كل مكان قاصدين
العاصمة «تهيرت»، وتُوفِّى الإمام «أفلح» فى سنة (240هـ)، إثر
حزنه الشديد على وقوع ابنه «أبى اليقظان» فى أيدى
العباسيين. أبو بكر بن أفلح بن عبدالوهاب [240هـ=854م]: كان
«أبو اليقظان» مرشحًا لمنصب الإمامة، ولكن وقوعه فى أيدى
العباسيين حال دون ذلك، وتولاها أخوه «أبو بكر» الذى لم يكن
فى شدة آبائه وأجداده وحزمهم، فضلا عن انغماسه فى الترف
والنعيم وميله إلى الراحة، وقد تفرغ لراحته وملذاته حين خرج
أخوه «أبو اليقظان» من سجن العباسيين وشاركه الحكم، ولكن
«أبا بكر» دبر مقتل «محمد بن عرفة» وهو من الشخصيات
البارزة بالعاصمة، ليتخلص من نفوذه، فكان ذلك سببًا فى
نشوب الصراع بين طوائف الدولة الرستمية، وحاولت كل طائفة
تحقيق أهدافها من خلال المعارك الطاحنة، التى أسفرت عن
هزيمة حكام البيت الرستمى، واعتزال «أبى بكر» منصب الإمامة.
أبو اليقظان محمد بن أفلح بن عبدالوهاب [268هـ= 881م]: شهدت
العاصمة «تهيرت» فترة من القلاقل والاضطرابات، ثم نجح «أبو
اليقظان» فى تهدئة الأوضاع ودخول العاصمة «تهيرت» فى سنة
(268هـ=881م)، فتولى منصب الإمامة، وتجنب سياسة التعصب
وتفضيل قبيلة بعينها على غيرها، وجلس لبحث شكاوى رعاياه
والبت فيها بنفسه، واستعان بمجلس الشورى الذى ضم إليه
شيوخ القبائل ووجهاءها، فاستقرت الأوضاع، وهدأت النفوس،
وظل «أبو اليقظان» يدير دفة الأمور فى دولته حتى وفاته فى(14/76)
سنة (281هـ=894م). أبو حاتم يوسف بن محمد [281هـ=894م]:
تولى «أبو حاتم» الإمامة عقب وفاة والده «أبى اليقظان»، لأن
أخاه الأكبر «يقظان» كان غائبًا فى موسم الحج، وقد لعب
العامة -بزعامة «محمد بن رباح» و «محمد بن حماد» المعروفين
بالشجاعة والنجدة- دورًا بارزًا فى المطالبة ببيعة «أبى حاتم»
بالإمامة لسخائه وكرمه، ولكن هذا الدور الذى لعبه العامة
أطمعهم فى التدخل فى شئون الحكم وتحقيق المكاسب، فرفض
«أبو حاتم» ذلك وضرب على أيديهم وطردهم من المدينة، فعمدوا
إلى تأليب القبائل ضده، ونجحوا فى طرده من العاصمة
«تهيرت»، وبايعوا عمه «يعقوب بن أفلح» بالإمامة، فصار هناك
إمامان من بيت واحد، يقفان وجهًا لوجه فى صراعٍ دامٍ على
السلطة، ولكن أحدهما لم يحقق نجاحًا ملموسًا على الآخر،
فاحتكما وعقدا هدنة، وعاد «أبو حاتم» إلى العاصمة إمامًا على
البلاد، وانسحب عمه «يعقوب» بعد أن حكم العاصمة «أربع
سنوات». وقد حاول «أبو حاتم» إصلاح ما أفسدته الحروب داخل
العاصمة «تهيرت»، وكوَّن مجلسًا استشاريًا من زعماء القبائل
ومشايخها للاستعانة بهم فى إدارة البلاد، ولكن محاولاته
الإصلاحية كانت بمثابة صحوة الموت للبيت الرستمى، خاصة بعد
أن ضعفت قوتهم العسكرية فى محاولة لإنهاء الصراع الذى وقع
حول مدينة «طرابلس». وقد تآمر أفراد البيت الرستمى أنفسهم
على حياة إمامهم «أبى حاتم»، وقتلوه فى سنة (294هـ=907م)
اليقظان بن أبى اليقظان [294هـ=907م]: بويع بالإمامة عقب مقتل
أخيه فى سنة (294هـ=907م)، واتسم عهده بالفتن والقلاقل،
وتطلع مختلف القبائل والطوائف إلى الاستئثار بالحكم، كما دبرت
المؤامرات من داخل البيت الرستمى على يد «دوسر» ابنة «أبى
حاتم»، وتكاتفت فرق الخوارج مثل: «المالكية» و «الواصلية»
و «الشيعة» لإحباك الفتن والمؤامرات للإطاحة بالإمام، وقد نجح
«اليقظان» إلى حد بعيد فى كبح جماح هذه الطوائف والحد من(14/77)
نشاطها، فهربت «دوسر»، ولجأت إلى «أبى عبدالله الشيعى»
الذى نجح فى بسط نفوذه على مساحات كبيرة من أرض
«المغرب»، واستنجدت به للثأر لأبيها، فاستجاب لها، واتجه إلى
«تهيرت»، فخرجت لمقابلته وجوه أهل «تهيرت» ورحبوا بمقدمه،
واستسلم «اليقظان» لمصيره، وخرج مع بنيه إلى «أبى
عبدالله»، فأمر بقتلهم ودخل العاصمة فى سنة (297هـ= 910م)،
واستولى على ما بها من أموال ومغانم، فطويت صفحة «الدولة
الرستمية».(14/78)
*الأدارسة (دولة)
دولة نشأت بالمغرب الأقصىسنة 172 هـ في عهد الخلافة
العباسية، وظلت حتى سنة 300 هـ وتنسب إلى مؤسسها إدريس
بن عبد الله وتوالى عليها عدد من الحكام هم: إدريس بن عبدالله
(172هـ= 788م): اضطهد العباسيون منذ اللحظة الأولى لقيام
دولتهم أبناء عمومتهم من العلويين، وأسرف بعض الخلفاء
العباسيين فى ذلك، فأسفر الأمر عن قيام عدة ثورات، كانت
آخرها ثورة «الحسين بن على بن الحسن بن الحسن بن الحسن
بن على بن أبى طالب» على والى «المدينة» فى سنة
(169هـ=785م)، ولكن العباسيين استطاعوا قمعها، وقتلوا
زعيمها ومجموعة من أهل بيته. وكان «إدريس بن عبدالله»
ومولاه «راشد» ممن فرَّ من أرض المعركة، واتجها إلى «مصر»،
ومنها إلى «المغرب الأقصى»، ونزلا مدينة «وليلى» عاصمة هذا
الإقليم، ثم توجها إلى أميرها وزعيمها «إسحاق بن محمد بن
عبدالحميد الأوربى»، زعيم قبيلة «أوربة» التى فرضت نفوذها
وسيطرتها على مدينة «وليلى» وما حولها، وعرفه «إدريس»
بنفسه، وأعلمه بسبب فراره من موطنه «الحجاز»، ولجوئه إلى
بلاده، فرحب به «إسحاق» وآمن بدعوته، وبايعه بالإمامة،
وكذلك بايعته قبيلته «أوربة»، ومعها بقية القبائل فى رمضان
سنة (172هـ=788م)، ومن ثَم نجح «إدريس» فى تأسيس دولة
حملت اسمه بالمغرب الأقصى. لكن ذلك أقلق الخلافة العباسية،
خاصة بعد أن مدَّ «إدريس» نفوذه إلى مدينة «تلمسان» بالمغرب
الأوسط. عمد الخليفة العباسى «الرشيد» إلى الحيلة للقضاء على
نفوذ «الأدارسة»، فقيل إنه بعث برجل يدعى «الشماخ» إلى
«إدريس»، فتظاهر بحبه لآل البيت، وفراره من بطش العباسيين،
ولازم «إدريس» فترة ثم اغتاله حين سنحت له الفرصة، وهكذا
نجحت الخلافة العباسية فى التخلص من «إدريس» أبرز المناوئين
لها، وفقدت «دولة الأدارسة» مؤسسها فى سنة (175هـ=791م)
بعد ثلاث سنوات ونصف فقط من قيامها. إدريس بن إدريس بن عبد(14/79)
الله: [175 - 213هـ = 791 - 828م]: بات مقعد الإمامة شاغرًا عقب
اغتيال «إدريس»، والتف البربر حول مولاه «راشد»، وانتظروا
مولود «كنزة» جارية «إدريس بن عبدالله»، فلما وضعت حملها
أسموه «إدريس» تبركًا باسم والده، وتعهده «راشد» بالتربية
والرعاية، ونشَّأه تنشأة دينية، حتى إذا بلغ الحادية عشرة من
عمره أقبلت القبائل على مبايعته بالإمامة، فدعا ذلك الخلافة
العباسية إلى التحرك ثانية للقضاء على هذه الدولة، وأوكلت
هذه المهمة إلى والى «المغرب الأدنى» «إبراهيم بن الأغلب»
الذى نجح فى استمالة مجموعة من البربر بأمواله وهداياه، ثم
أوكل إليهم مهمة قتل «راشد»، فقاموا بتنفيذها فى سنة
(186هـ= 802م)، لكن «الدولة الإدريسية» واصلت مسيرتها،
وانتقلت كفالة «إدريس» والوصاية عليه إلى «أبى خالد بن يزيد
بن إلياس العبدى»، وجُدِّدت له البيعة فى سنة (188هـ= 804م)،
حين بلغ الثالثة عشرة من عمره، وأصبح فى سن تؤهله لخلع
الوصاية، وإدارة البلاد، وعزز مركزه إقبال الوفود العربية من
«القيروان» و «الأندلس» للعيش فى كنف دولته فرارًا من بطش
الحكام، فدعم بهم نفوذه، واتخذ منهم الوزراء والكتاب والقضاة،
وجعلهم بطانته وحاشيته، وقد شجعه هؤلاء على بناء عاصمة
جديدة لدولته، فبنى مدينة «فاس»، ثم استقر بها. وفى سنة
(197هـ= 813م) خرج «إدريس الثانى» على رأس قواته لإخضاع
«قبائل المصامدة» التى هددت أمن بلاده، ونجح فى ذلك نجاحًا
كبيرًا، وامتد نشاطه حتى منطقة «السوس الأقصى»، ودخل
مدينة «نفيس» ثم عاد إلى عاصمته «فاس»، وخرج فى العام
التالى صوب الشرق لتأمين حدود دولته، ودخل مدينة «تلمسان»،
وأقام بها ثلاث سنوات، يرتب أمورها، ويرمم مسجدها، ثم عاد
إلى «فاس» فى سنة (201هـ)، وظل فى الحكم حتى وافته
المنية فى سنة (213هـ=828م). محمد بن إدريس بن إدريس (213 -
234هـ= 828 - 848م): تولى «محمد» أكبر أبناء «إدريس الثانى»(14/80)
الإمامة فى سنة (213هـ=828م)، فنفذ وصية جدته «كنزة»
بتقسيم أقاليم الدولة بين إخوته، فكان لذلك أثره السيئ على
وحدة دولة «الأدارسة»، ولما يمضِ على قيامها أربعون سنة
بعد، وطمع كل أخٍ فى الاستقلال بإقليمه، وشقََّ عصا الطاعة
على السلطة المركزية. ولكن «محمد بن إدريس» تصدى لإخوته
وضم ممتلكات أخويه «عيسى» و «القاسم» بعد هزيمتهما إلى
أخيه «عمر». ولم تشهد البلاد بعد هذا التقسيم استقرارًا إلا فى
بعض الفترات مثل: عهد «يحيى بن محمد» الذى تولى الإمامة فى
سنة (234هـ=848م)، فازدهرت فى عهده مدينة «فاس» وشهدت
تطورًا ملحوظًا فى أنشطتها، ثم عهد «يحيى بن إدريس بن عمر
بن إدريس» عام (292هـ= 905م)، الذى وصفه المؤرخون بأنه كان
أعظم ملوك «الأدارسة» قوة وسلطانًا وصلاحًا وورعًا وفقهًا
ودينًا، وقد ظل بالحكم حتى سنة (305هـ = 917م) حتى طرق
«مصالة بن حيوس» أبواب مدن «المغرب الأقصى»، فأطاعه
«يحيى بن إدريس»، وبايع «أبا عبيد الله المهدى»، فدخلت دولة
«الأدارسة» منذ ذلك الحين فى طور التبعية للفاطميين تارة،
وللحكم الأموى بالأندلس تارة أخرى.(14/81)
*بنو مدرار (دولة)
ساهمت الظروف السياسية التى مر بها إقليم «المغرب» عقب
نجاح الثورة التى قادها «ميسرة المضفرى الصفرى» ضد الدولة
الأموية فى سنة (122هـ=740م) فى استقلال «المغرب الأقصى»
وانفصاله عن الحكم الأموى، فأسهم ذلك -إلى جانب اضطراب
الأوضاع فى إقليمى «المغرب الأوسط» و «الأدنى» - فى قيام
تجمع مذهبى فى جنوب «المغرب الأقصى»؛ هو تجمع
«الصفريين» الذين وجدوا بمنطقة «سجلماسة» المجال المناسب
لإقامتهم، ثم أسسوا مدينة تحمل اسم المنطقة، لتكون نواة لدولة
صفرية، وبايعوا «عيسى بن يزيد بن الأسود» إمامًا لهم، وسانده
«أبو القاسم سمكو» زعيم قبيلة «مكناسة» بمبايعة قبيلته له،
ولكن جماعة «الصفرية» - بعد خمس عشرة سنة- أخذوا عليه
بعض المآخذ، وأنكروا عليه بعض الأمور، وقتلوه فى سنة
(155هـ= 772م)، وقد تولى «أبو القاسم بن سمنون بن واسول
المكناسى بن مدرار» الحكم خلفًا لعيسى، وجعل الحكم متوارثا
فى أفراد «الأسرة المدرارية» حتى سقوط المدينة فى أيدى
الفاطميين، وقد توالى الأئمة بعد وفاة «مدرار»، حتى جاءت
سنة (174هـ= 790م) فتولى «اليسع بن أبى القاسم» الملقب
بأبى منصور شئون الحكم، وظل فى مقعد الإمامة حتى سنة
(208هـ=823م)، وشهدت المدينة فى عهده ازدهارًا اقتصاديا،
ونفوذًا سياسيا كبيرًا، لذا يعد «اليسع» المؤسس الحقيقى لدولة
«بنى واسول» المعروفة بدولة «بنى مدرار»، وامتد نجاح
«اليسع» إلى تعمير العاصمة «سجلماسة»، فشهدت فى عهده
تطورًا واتساعًا، ومات «اليسع» فى سنة (208هـ= 823م). وتولى
«مدرار» خلفًا لوالده فى سنة (208هـ= 823م)، ولقب نفسه
بالمنتصر، وظل بالحكم حتى سنة (223هـ=838م)، ونشب النزاع-
خلال هذه الفترة - بين أبناء «مدرار»، مما أضعف نفوذهم،
وفكَّكَ وحدة بيتهم. وخلفه «محمد بن ميمون بن مدرار»، ووافاه
أجله فى سنة (270هـ= 883م)، فتولى من بعده عمه «اليسع بن
مدرار»، ودخل «عبيدالله المهدى» وابنه «القاسم» إلى(14/82)
«سجلماسة» فى عهده، فلما اكتشف حقيقة أمرهما، قبض
عليهما، وأودعهما السجن، فظلا به حتى أقبل «أبو عبدالله
الشيعى» على رأس قواته وخلصهما، ثم استولى على المدينة
فى سنة (296هـ=909م)، وحاول بعض أفراد البيت المدرارى
استرداد مدينتهم واستعادة حكمهم من قبضة الفاطميين، وقد
حققوا نجاحًا نسبيا فى ذلك، ولكن «جوهر الصقلى» تمكن من
القضاء على مُلكهم فى سنة (347هـ=958م)، وقبض على
«الشاكر بالله» آخر أمرائهم، وأودعه سجن مدينة «رقادة»،
فمات به فى سنة (354هـ= 965م). وطويت صفحة التاريخ
السياسى لمدينة «سجلماسة» فى القرن الثالث الهجرى.(14/83)
*بنو واسول (دولة)
ساهمت الظروف السياسية التى مر بها إقليم «المغرب» عقب
نجاح الثورة التى قادها «ميسرة المضفرى الصفرى» ضد الدولة
الأموية فى سنة (122هـ=740م) فى استقلال «المغرب الأقصى»
وانفصاله عن الحكم الأموى، فأسهم ذلك -إلى جانب اضطراب
الأوضاع فى إقليمى «المغرب الأوسط» و «الأدنى» - فى قيام
تجمع مذهبى فى جنوب «المغرب الأقصى»؛ هو تجمع
«الصفريين» الذين وجدوا بمنطقة «سجلماسة» المجال المناسب
لإقامتهم، ثم أسسوا مدينة تحمل اسم المنطقة، لتكون نواة لدولة
صفرية، وبايعوا «عيسى بن يزيد بن الأسود» إمامًا لهم، وسانده
«أبو القاسم سمكو» زعيم قبيلة «مكناسة» بمبايعة قبيلته له،
ولكن جماعة «الصفرية» - بعد خمس عشرة سنة- أخذوا عليه
بعض المآخذ، وأنكروا عليه بعض الأمور، وقتلوه فى سنة
(155هـ= 772م)، وقد تولى «أبو القاسم بن سمنون بن واسول
المكناسى بن مدرار» الحكم خلفًا لعيسى، وجعل الحكم متوارثا
فى أفراد «الأسرة المدرارية» حتى سقوط المدينة فى أيدى
الفاطميين، وقد توالى الأئمة بعد وفاة «مدرار»، حتى جاءت
سنة (174هـ= 790م) فتولى «اليسع بن أبى القاسم» الملقب
بأبى منصور شئون الحكم، وظل فى مقعد الإمامة حتى سنة
(208هـ=823م)، وشهدت المدينة فى عهده ازدهارًا اقتصاديا،
ونفوذًا سياسيا كبيرًا، لذا يعد «اليسع» المؤسس الحقيقى لدولة
«بنى واسول» المعروفة بدولة «بنى مدرار»، وامتد نجاح
«اليسع» إلى تعمير العاصمة «سجلماسة»، فشهدت فى عهده
تطورًا واتساعًا، ومات «اليسع» فى سنة (208هـ= 823م). وتولى
«مدرار» خلفًا لوالده فى سنة (208هـ= 823م)، ولقب نفسه
بالمنتصر، وظل بالحكم حتى سنة (223هـ=838م)، ونشب النزاع-
خلال هذه الفترة - بين أبناء «مدرار»، مما أضعف نفوذهم،
وفكَّكَ وحدة بيتهم. وخلفه «محمد بن ميمون بن مدرار»، ووافاه
أجله فى سنة (270هـ= 883م)، فتولى من بعده عمه «اليسع بن
مدرار»، ودخل «عبيدالله المهدى» وابنه «القاسم» إلى(14/84)
«سجلماسة» فى عهده، فلما اكتشف حقيقة أمرهما، قبض
عليهما، وأودعهما السجن، فظلا به حتى أقبل «أبو عبدالله
الشيعى» على رأس قواته وخلصهما، ثم استولى على المدينة
فى سنة (296هـ=909م)، وحاول بعض أفراد البيت المدرارى
استرداد مدينتهم واستعادة حكمهم من قبضة الفاطميين، وقد
حققوا نجاحًا نسبيا فى ذلك، ولكن «جوهر الصقلى» تمكن من
القضاء على مُلكهم فى سنة (347هـ=958م)، وقبض على
«الشاكر بالله» آخر أمرائهم، وأودعه سجن مدينة «رقادة»،
فمات به فى سنة (354هـ= 965م). وطويت صفحة التاريخ
السياسى لمدينة «سجلماسة» فى القرن الثالث الهجرى.(14/85)
*الزيرية (دولة)
يرجع نسب «بنى زيرى» إلى قبيلة «صنهاجة» البربرية؛ التى
تنتمى إلى فرع من «البرانس»، ولم تكن «صنهاجة» مجرد قبيلة؛
بل كانت شعبًا عظيمًا، لا يكاد يخلو قطر من أقطار «المغرب» من
بطونه وأفراده، مما دفع «ابن خلدون» إلى القول بأنهم يمثلون
ثلث البربر. وقد سكنت «صنهاجة» فى مساحات شاسعة؛ امتدت
من «نول لمطة» فى جنوب «المغرب الأقصى» إلى «القيروان»
بإفريقية، وهى منطقة صحراوية، آثروا السكنة فيها على
غيرها من المدن الآهلة، لأنها- كما علل «ابن خلدون» - تتوافق مع
طباعهم، ورغبتهم فى الابتعاد عن الاختلاط بالناس، والفرار من
الغلبة والقهر. وظهرت أسرة «بنى زيرى» -فى أول أمرها- فى
طاعة الفاطميين، وتعاونت معهم فى صد الأخطار التى تعرضت
لها دولتهم بالمغرب، وكان أول اتصال بينهما فى عهد
«المنصور الفاطمى»، حين قدم «زيرى بن مناد» وأهل بيته
وقبيلته لمحاربة «أبى يزيد الخارجى» فى سنة (335هـ=946م)،
فخلع عليه «المنصور»، ووصله، وعقد له على أهل بيته وأتباعه
وقبيلته، فعظم شأنه، وصار «بنو زيرى» أعوانًا وأتباعًا
للفاطميين، ومن ثَم نشب الصراع بين الصنهاجيين، وقبائل
«زناتة»، لأن «زناتة» كانت دائمة الإغارة على ممتلكات «الدولة
الفاطمية». وحين عزم «المعز» على الرحيل إلى «مصر» فى سنة
(361هـ= 972م) للانتقال إليها بخلافته، وقع اختياره على
«يوسف بُلكِّين ابن زيرى بن مناد الصنهاجى» ليتولى الإمارة
بالمغرب خلفًا للفاطميين. 1 - يوسف بُلكِّين بن زيرى بن مناد
الصنهاجى [362 - 373هـ= 973 - 983م]: عينه «المعز» على ولاية
«المغرب»، واستثنى من ذلك «طرابلس المغرب»، و «أجدابية»
و «سرت»، وعين معه «زيادة الله ابن القديم» على جباية
الأموال، وجعل «عبدالجبار الخراسانى» و «حسين بن خلف» على
الخراج، وأمرهما بالانقياد ليوسف بن زيرى. واجه «يوسف» عدة
ثورات واضطرابات بالمغرب، كان منها عصيان أهل «تهيرت»، ثم(14/86)
سيطرة قبيلة «زناتة» على مدينة «تلمسان»، وقد توجه إلى
«تهيرت» بجنوده وأعادها إلى طاعته، كما توجه إلى
«تلمسان» وأعادها إلى حكمه فى سنة (365هـ= 976م). وفى
سنة (373هـ=984م) خرج الأمير «يوسف» على رأس جيوشه
لاستعادة «سجلماسة» من أيدى بعض الثوار الذين استولوا
عليها، ولكنه أصيب بمرض أودى بحياته فى شهر ذى الحجة
سنة (373هـ= مايو 984م). 2 - المنصور بن يوسف بُلكِّين بن زيرى
[373 - 386هـ= 984 - 996م]: أوصى الأمير «يوسف بلكين» قبل
وفاته بالإمارة من بعده لابنه «المنصور» الذى كان بمدينة
«أشير» حين بلغه خبر وفاة والده، وأقبل عليه أهل «القيروان»
وغيرها من المدن، لتعزيته، وتهنئته بالولاية، فأحسن إليهم
وقال لهم: «إن أبى يوسف وجدى زيرى، كانا يأخذان الناس
بالسيف، وأنا لا آخذهم إلا بالإحسان، ولست ممن يُولَّى بكتاب،
ويُعزل بكتاب»، وقصد «المنصور» من ذلك أن الخليفة الفاطمى
بمصر لا يقدر على عزله بكتاب. وقد واجهت «المنصور» عدة
مشاكل، كانت منها غارات قبائل «زناتة» المستمرة على المدن
المغربية فى سنة (374هـ = 985م)، واستيلاء «زيرى بن عطية
الزناتى» على مدينتى «فاس» و «سجلماسة»، مما دفع
«المنصور» إلى إرسال أخيه «يطوفت» على رأس جيش كبير
لمواجهة هذه القبائل، ودارت معركة كبيرة بين جموع الفريقين،
أسفرت عن هزيمة الصنهاجيين، وعودتهم إلى «أشير». ثم
تصدى الأمير «المنصور» فى سنة (376هـ= 986م) لعمه «أبى
البهار» الذى نهب مدينة «تهيرت»، ففر «أبو البهار» أمامه،
ودخل «المنصور» المدينة، وأعاد إلى أهلها الأمن والهدوء. ثم
تُوفى فى يوم الخميس (3 من ربيع الأول سنة 386هـ= مارس
996م)، ودُفن بقصره. 3 - باديس بن المنصور [386 - 406هـ=
996 - 1015م]: وُلد «باديس» فى سنة (374هـ=985م)، وتكنى
بأبى مناد، وخلف أباه على «المغرب» فى سنة (386هـ=996م)،
وأتته الخلع والعهد بالولاية من «الحاكم بأمر الله الفاطمى» من(14/87)
«مصر»، وبايع للحاكم، وأعلن تبعية بلاده لخلافته، ثم أقطع
عمه «حماد بن يوسف» مدينة «أشير»، وولاه عليها، وأعطاه
خيلا وسلاحًا، وجندًا كثيرًا، فكانت هذه هى نقطة البداية
لانقسام «بنى زيرى» إلى أسرتين: تحكم إحداهما بالمغرب
الأدنى فى «ليبيا» و «تونس»، وتحكم الأخرى - أسرة «بنى
حماد» - فى «الجزائر»، متخذة من قلعة «بنى حماد» مقرا للحكم.
وانفرد «بنو حماد» بإقليم «الجزائر»، نظرًا لضعف قبضة الأمير
«باديس» على البلاد. وقد واصل «باديس» مطاردة «زناتة، وأُخبر
فى سنة (387هـ= 997م) بأن «زيرى بن عطية الزناتى» قد
اعتدى على مدينة «أشير»، فبعث إليه بجيشه لمواجهته، ولكن
الجيش هُزم على أيدى الزناتيين، فاضطر الأمير «باديس» إلى
الخروج بنفسه لمواجهتهم فى «أشير»، فلما علم الزناتيون بذلك
انطلقوا إلى الصحراء، وتركوا المدينة، فدخلها «باديس»، وأقر
الأمور بها، ثم مات فى سنة (406هـ= 1015م). 4 - المعز بن باديس
[406 - 453هـ= 1015 - 1061م]: أُخذت البيعة للمعز بمدينة
«المحمدية»، وتولى الأمر يوم وفاة أبيه وفرح الناس بتوليته لما
رأوا فيه من كرم ورجاحة عقل، فضلا عن تواضعه، ورقة قلبه،
وكثير عطائه، على الرغم من حداثة سِنه. وقد حدثت فى عهده
بعض التطورات، حيث ألغى المذهب الشيعى، وخلع طاعة
الفاطميين، ودعا على منابره للعباسيين، وتصالح مع أبناء
عمومته الحماديين سنة (408هـ= 1017م)، وواصل مطاردة «قبائل
زناتة» جهة «طرابلس»، فى أبناء «حماد». ثم أُصيب «المعز بن
باديس» بمرض فى كبده أودى بحياته فى سنة (453هـ=
1061م)، بعد حكم دام سبعًا وأربعين سنة. 5 - تميم بن المعز بن
باديس [453 - 501 هـ = 1061 - 1108م]: وُلد بالمنصورية فى
منتصف رجب سنة (422هـ= يونيو 1031م)، ثم تولى إمرة
«المهدية» فى عهد والده «المعز» فى سنة (445هـ=1053م)، ثم
خلف والده فى الإمارة فى سنة (453هـ= 1061م)، فواجه عددًا(14/88)
من الاضطرابات والقلاقل، حيث سيطر العرب الهلاليون على كثير
من مناطق «إفريقية»، وثار عليه أهل «تونس» وخرجوا عن
طاعته، فأرسل إلى «تونس» جيشًا، حاصرها سنة وشهرين،
فلما اشتد الحصار على الناس، طلبوا الصلح، وعاد جيش «تميم»
إلى «المهدية»،ثم ثارت عليه مدينة «سوسة» فحاصرها وفتحها
عنوة، وأمن أهلها على حياتهم. وقد تعرضت «المهدية» فى
عهده لهجمات الهلالية، لكنه تمكن من صدهم، ثم حاصر «قابس»
و «صفاقس»، واستولى عليهما من أيدى الهلالية الذين كانوا
يحتلونهما. وعمد إلى مهادنة أبناء عمومته فى «الجزائر»،
وزوج ابنته للناصر بن علناس أمير «الجزائر»، وأرسلها إليه فى
موكب عظيم، محملة بالأموال والهدايا. ثم تُوفى فى سنة
(501هـ= 1107م). 6 - يحيى بن تميم بن المعز بن باديس [501 -
509هـ= 1107 - 1115م]: ولد بالمهدية فى (26 من ذى الحجة سنة
457هـ)، وولى الإمارة وعمره ثلاث وأربعون سنة وستة أشهر
وعشرون يومًا، فوزَّع أموالا كثيرة، وأحسن السيرة فى
الرعية، ثم فتح قلعة «أقليبية» التى استعصى على أبيه من
قبل فتحها، كما جهز أسطولاً كبيرًا، كان دائم الإغارة على
الجزر التابعة لدولة الروم فى البحر المتوسط، ومات فجأة فى
يوم عيد الأضحى سنة (509هـ - 1115م). 7 - على بن يحيى بن
تميم [509 - 515 هـ = 1115 - 1121م]: لم يكن الأمير «على»
حاضرًا بالمهدية - التى وُلد بها - حين وفاة والده، فلما وصل إليه
الخبر، حضر مسرعًا، ودفن والده، وتولى الإمارة خلفًا له، ثم
جهز أسطولاً كبيرًا لمهاجمة جزيرة «جَرْبَة»، لأن أهلها قطعوا
الطريق على التجار، وتمكن الأسطول من إخضاع الجزيرة، وأمَّن
الأمير أهلها وعفا عنهم، ثم قضى على عصيان «رافع» عامله
على «قابس»، الذى سعى إلى شق عصا الطاعة وحشد الجموع
لمهاجمة «المهدية». وقد تُوفى الأمير «على» فى العشر الأواخر
من شهر ربيع الآخر سنة (515هـ= يونيو 1121م). 8 - الحسن بن(14/89)
على بن يحيى [515 - 543هـ= 1121 - 1148م]: ولى الإمارة عقب
وفاة والده الأمير «على»، وكان عمره آنذاك اثنتى عشرة سنة،
فقام «صندل الخصىّ» بإدارة شئون الحكم، إلا أنه تُوفى بعد
فترة قصيرة، فتولى القائد «أبو عزيز موفق» الإشراف على
أمور البلاد، وتمكن من صد الأسطول الرومى الذى هاجم بعض
حصون الزيريين فى سنة (517هـ= 1123م)، وكذلك ألحق الأمير
«الحسن» الهزيمة بجيش «يحيى بن عبدالعزيز بن حماد» أمير
«بجاية» الذى جاء لمهاجمة «المهدية» والاستيلاء عليها فى سنة
(529هـ= 1135م). وفى سنة (537 - 543هـ= 1142 - 1148م) حل
القحط بإفريقية واستغل ملك «صقلية» ذلك وجهز أسطولاً كبيرًا،
وتوجه به قاصدًا «المهدية»، ولم يستطع «الحسن» الدفاع عنها،
وهرب بأهله ومتاعه إلى أبناء عمومته من «بنى حماد»،
فوضعوه وأهله تحت الحراسة، ومنعوه من التصرف فى شىء
من أمواله، ودخل الروم مدينة «المهدية» دون قتال أو ممانعة،
فسقط حكم «بنى زيرى»، وسقطت إمارتهم، وكان «الحسن بن
على» آخر أمراء «الدولة الزيرية». شكلت العلاقات الزيرية
الفاطمية حجر الزاوية فى وضع «بنى زيرى» بالمغرب؛ إذ
أسفرت هذه العلاقات عن هجوم القبائل الهلالية على أقاليم
«الدولة الزيرية»، بمساعدة الفاطميين فى «مصر» وتوجيههم،
وكان ذلك سببًا رئيسيا فى سقوط «بنى زيرى» وانتهاء
دولتهم، كما اتخذ «المعز بن باديس» خطوات جريئة فى سبيل
الاستقلال بإمارته عن الخلافة الفاطمية، حين قاطع أهل
«إفريقية» صلاة الجمعة بالمساجد لأنها تمثل المذهب الشيعى،
فضلا عن نبذ الرعية للمذهب الشيعى وتمسكهم بالمذهب
المالكى، وبدأ «المعز» فى السعى إلى الاستقلال عن الفاطميين
وراسل الخلافة العباسية فى سنة (435هـ= 1044م)، وبعث رسولاً
من قِبله إلى «بغداد» ليأتيه بالعهد واللواء، ورحب «العباسيون»
بذلك، للانتقام من الفاطميين، واسترجاع بعض مظاهر سيادتهم
على هذه المناطق التى انفصلت عنهم منذ زمن بعيد، وبعثوا(14/90)
بالعهد واللواء مع «غالب الشيرازى» أحد رجالهم، ولكن «غالب»
وقع فى قبضة الروم، وأرسلوه إلى أصدقائهم الفاطميين
بمصر، فأحرق الفاطميون العهد واللواء، وطافوا بالرجل فى
شوارع «القاهرة»، فقطع «بنو زيرى» علاقتهم بالفاطميين،
وعادوهم ولعنوهم على المنابر، ودعوا للعباسيين، ثم دعموا
استقلالهم وارتباطهم بالعباسيين، وهدموا دار «الإسماعيلية»؛
مركز نشر الدعوة الفاطمية بالبلاد، وغَيَّروا العملة، واتخذوا اللون
الأسود شعار العباسيين رمزًا لهم. وقد حاولت الخلافة الفاطمية
إرجاع العلاقات إلى ما كانت عليه بالترغيب والترهيب حتى
وصل «اليازورى» إلى منصب الوزارة وقبض على مقاليد الأمور
بالخلافة، فعمد إلى تشجيع القبائل الهلالية على التوجه إلى
«القيروان» وأطلق لها العنان فى التدمير والتخريب، وامتلاك كل
ما يقع تحت سيطرتها. ويرجع تشجيع الوزير الفاطمى لهذه
القبائل لعدة أمور، منها: رغبته فى الانتقام من «المعز بن
باديس»، وتوفير الأموال الطائلة التى ستنفقها الجيوش إذا ما
خرجت إلى المغرب لمحاربة «بنى زيرى»، فضلاً عن أمله فى
التخلص من القبائل الهلالية ذاتها؛ لأنها تشكل مصدر إزعاج
وقلق للسلطة الحاكمة بالقاهرة. وقد فرض الوزير الفاطمى
«اليازورى» دينارًا وبعيرًا لكل رجل من «الهلالية»، فخرجت هذه
القبائل قاصدة «القيروان» واستولت على مدينة «برقة» دون
مقاومة، وتقاسمت فيما بينها المناطق الشرقية، واستأثرت بعض
قبائل «بنى هلال» بالمناطق الغربية، واتجهت جموع «دياب»
و «عُرف» و «زغب». وبقية البطون الهلالية إلى «إفريقية»،
واستولوا على «سرت» و «أجدابية» ودمروها، كما دمَّروا بقية
المدن والقرى فى طريقهم إلى «القيروان». وخرج «المعز بن
باديس» بجيشه وجموع «زناتة» و «صنهاجة» و «عبيدة» لملاقاة
الهلاليين، ولكنهم تغلبوا عليه وهزموه على الرغم من أن عددهم
كان لا يتجاوز ثلاثة آلاف فارس، فى حين بلغ تعداد جيش(14/91)
«المعز» ثلاثين ألف مقاتل، وأسرع المعز إلى «القيروان» وأقام
حولها سورًا لحمايتها فى سنة (446هـ= 1054م)، ثم أمر السكان
من النساء والأطفال والشيوخ بالانتقال إلى مدينة «المهدية»
الحصينة للاحتماء بها، فلما يئس من حماية «القيروان»، انتقل
برجال دولته وحاشيته إلى «المهدية»، فدخلها الهلاليون فى
سنة (449هـ= 1057م). ولم يمكث «المعز» طويلا بعد سقوط
«القيروان» والكثير من مدن دولته، وتوفى بالمهدية فى سنة
(453هـ= 1061م)، ومن ثَم انهار الحكم الزيرى بالمنطقة، وتحكمت
فيها القبائل الهلالية، وامتد تأثيرهم السياسى حتى وصل إلى
«المغرب الأوسط»، وهادنهم «بنو حماد»، وأعطوهم نصف غلات
بلادهم اتقاء لشرهم، ودفعًا لأذاهم وخطرهم. كانت الزراعة هى
دعامة الحياة الاقتصادية فى المنطقة، التى تمتعت بالهدوء
والاستقرار فى ظل الحكم الزيرى فيما عدا الفترة التى شهدت
هجوم العرب الهلالية على البلاد، وقد ساعد تطور نظام الرى
على تطور الزراعة، فعرفت المنطقة زراعة «القطن» و «قصب
السكر» و «الشعير» وازدهرت زراعة «التمر» و «العنب»
و «الموز»، ولعبت تربية الأغنام دورًا مهما فى حياة الفلاح
المغربى. وقامت الأسواق المنتشرة بالمدن المغربية بدور مهم
فى تنشيط الحركة التجارية؛ حيث كانت هناك أسواق: البزازين،
والجزارين، والزجاجين، وسوق الدجاج، وسوق الغزل، وغيرها
من الأسواق التى ساعدت على ازدهار التجارة، وبخاصة فى
مدينة «القيروان»، فأصبحت «المغرب» بلدًا غنيا، وباتت قبلة
تجار الشرق والغرب. ونشطت حركة التصدير والاستيراد بها،
واشتهرت مدينة «باجة» بتصدير كميات كبيرة من «القمح»، كما
صُدِّر «زيت الزيتون» عن طريق ميناءى «سوسة» و «صفاقس»
إلى بلدان المشرق، وبلاد «أوربا»، فأدى هذا الازدهار إلى
تطور الصناعات، وعرفت المدن المغربية صناعات «النسيج»
و «الجلود»، و «الأوانى الفخارية»، وغيرها من الصناعات(14/92)
المتنوعة. أما الناحية الفكرية: فقد شهدت ازدهارًا كبيرًا وتطورًا
ملحوظًا، وبخاصة فى مدينة «القيروان» التى أصبحت فى طليعة
العواصم الإسلامية ذات الأثر فى تاريخ الفكر الإسلامى، وشهدت
مساجد المغرب المناظرات الفقهية والكلامية بين الشيعة،
والمالكيين من أهل السنة، وصمد علماء المذهب المالكى
وفقهاؤه رغم ما لاقوه من سجن وتعذيب على أيدى الشيعة
الفاطميين، وتعلق السكان بهذا المذهب، وأصبح مذهبهم
الرسمى منذ ذلك الوقت حتى الآن. وتطورت الحركة الأدبية فى
عهد «المعز بن باديس» الذى اشتهر بتشجيع أهل الأدب والعلم،
وأحسن معاملتهم، مثلما أخبرعنه «ياقوت» بقوله: وكانت
«القيروان» فى عهده وجهة العلماء والأدباء، يشدون إليها
الرحال من كل فجّ، لما يرونه من إقبال «المعز» على أهل العلم
والأدب وعنايته بهم. ثم كان لاختلاط الهلاليين بسكان «المغرب»
أثره الكبير فى تعريب جزء من هؤلاء السكان، حيث امتزج
المغاربة بالعرب الهلاليين على مر الأيام، وتزاوجا، فاختلطت
الدماء، وتعلم سكان البلاد الأصليون لغة الوافدين العرب،
فانتشرت اللغة العربية فى مناطق كثيرة من المغرب، ومن ثم
انتشرت الثقافة العربية بهذه البلاد.(14/93)
*المرابطون (دولة)
قامت «دولة المرابطين» على أساس دعوة دينية، نمت وازدهرت
فى «ديار الملثمين» بجنوب «المغرب الأقصى» بفضل جهود
الفقيه المالكى «عبدالله ابن ياسين»، الذى تمتع إلى جانب علمه
وفقهه ببعد النظر ونفاذ البصيرة، وتوجه إلى قبيلة «جدالة»
بصحبة زعيمها «يحيى بن إبراهيم»، ففرحت بمقدمه، ثم ما لبث
هذا الفرح طويلا حتى تحول إلى جفوة وإعراض حين بدأ «ابن
ياسين» فى تغيير ما ألفوه من عادات وملذات تخالف أحكام
الدين، وحسبه الزعماء والنبلاء ينتقص من حقوقهم، ويُسوِّى
بينهم وبين مواليهم، وساءت العلاقة بينهم وبين «ابن ياسين»
ونهبوا داره وهدموها، واضطر هذا الفقيه إلى الرحيل بمن تبعه
إلى جزيرة منعزلة بالسنغال. وبدأ «ابن ياسين» فى هذه
الجزيرة بإعداد التلاميذ ونشر الدعوة، فذاع صيته، وكثر عدد
أتباعه، فأطلق عليهم لقب: «المرابطين»، ومضوا فى تنفيذ ما
أمر به. وقد بدأ المرابطون نشر دعوتهم بين قبيلة «جدالة» التى
تمردت على «ابن ياسين» من قبل، فقصدوا قبيلتى «لمتونة»
و «سوقة» ونجحوا فى نشر دعوتهم بينهما، فكان ذلك مدعاة
لانضواء بقية القبائل تحت لوائهم. تُوفِّى الأمير «يحيى بن
إبراهيم الجدالى» فى سنة (447هـ= 1055م)، فاختار «ابن
ياسين» «يحىى بن محلاكاكين اللمتونى» قائدًا لجند
المرابطين، فنقل بذلك السلطة العسكرية من «جدالة» إلى
«لمتونة» التى كانت تتمتع بمكانة مرموقة بين بقية «قبائل
الملثمين»، فضلا عن سيطرتها على طرق التجارة الساحلية،
وهكذا ظهرت قبيلة «لمتونة» على مسرح الأحداث، وتتابع
أبناؤها فى السلطة حتى نهاية حكم المرابطين. وفى سنة
(447هـ= 1055م) استغاث فقهاء «درعة» و «سجلماسة» بعبدالله
بن ياسين لإنقاذ بلادهم من الفساد والظلم، فاستجاب لهذه
الدعوة، وخرج بجيشه متوجهًا إلى «درعة» و «سجلماسة»،
وتمكن من القضاء على أمراء «مغرادة»، وولى المرابطون عمالا
تابعين لهم على هذه البلاد. ولم يستمر الهدوء طويلاً بمدينة(14/94)
«سجلماسة» وقامت بها ثورة؛ اضطرت المرابطين بقيادة «يحيى
بن محلاكاكين» إلى العودة إليها، ونجحوا فى إخماد ثورتها،
إلا أن قائدهم «يحيى اللمتونى» استشهد فى المعركة، فوقع
اختيار «ابن ياسين» على الأمير «أبى بكر بن عمر» فى سنة
(448هـ= 1056م) لقيادة الجيوش، فانتقل «أبو بكر» بالدعوة من
مرحلة تلبية نداء المعونة لسجلماسة و «درعة» إلى مرحلة الغزو
المسلح للمغرب الأقصى، ودخل مع قبائل «برغواطة» التى
اعتنقت المجوسية فى عدة معارك، فأصيب الداعية «ابن
ياسين» فى إحداها بإصابات قاتلة أودت بحياته فى سنة
(451هـ= 1059م). وواصل «أبو بكر» جهاده، وفرَّق جموع
«برغواطة»، واستأصل شأفتهم، ثم رجع إلى مدينة «أغمات»
التى اتخذها عاصمة له. وقد شاركه فى نشاطه المسلح ابن عمه
«يوسف بن تاشفين الصنهاجى اللمتونى»، الذى أثبت كفاءة
عالية، ومقدرة فائقة، وحقق نجاحًا بارزًا؛ غير أن أحداثًا ما
وقعت بالصحراء، جعلت «أبا بكر» يتوجه إلى الجنوب تاركًا
قيادة بقية المرابطين لابن عمه «يوسف بن تاشفين» الذى يعد
المؤسس الحقيقى لدولة المرابطين بالمغرب الأقصى، وقد تجمعت
فيه صفات الزعامة والشجاعة والقيادة والحزم، والتفت حوله
قلوب المرابطين، وشرع فى بناء مدينة «مراكش» عاصمته
الجديدة فى سنة (454هـ= 1062م) ونجح فى بسط نفوذه على
«المغرب الأقصى» فى سنة (467هـ= 1074م). وقد نجح ابن
«تاشفين» إلى جانب توحيد «المغرب الأقصى» فى وقف الزحف
النصرانى على «الأندلس»، وضمَّها إلى «دولة المرابطين» التى
اتسعت أطرافها وزادت خيراتها، وتمتعت بالازدهار والرقى فى
مختلف المجالات، ثم مرض «يوسف» فى سنة (498هـ= 1104م)، ثم
أسلم روحه فى سنة (500هـ= 1106م) ودفن بمدينة «مراكش».
ولى الأمير «على بن يوسف بن تاشفين» الحكم واقتفى سياسة
والده، وسار بين الناس بالحكمة والعدل، واستعان بالفقهاء
والعلماء فى حكم البلاد، فتبوأ مكانة طيبة فى نفوس رعيته.(14/95)
ومضى «على بن يوسف» فى استكمال الجهود الحربية التى
بدأها والده بالأندلس، وعبر إليها بنفسه أربع مرات؛ لتثبيت
سلطان المرابطين، ومواجهة الهجمات المتكررة للمسيحيين،
فأحرز انتصارات كبيرة، ونال رضا الخلافة العباسية. تُوفِّى
الأمير «على» فى سنة (537هـ= 1142م)، فتولى ابنُه «تاشفين»
الحكم من بعده، فدخل فى صراع مع دولة «الموحدين»، ولم
تفلح جهوده فى صد موجاتهم المتتابعة، وانتهى به الأمر إلى
«وهران»؛ حيث قُتل فى سنة (539هـ= 1144م)، فَفَتَّ ذلك فى
عضد الدولة، وسقطت أجزاء كثيرة منها فى أيدى الموحدين.
حاول المرابطون الاحتفاظ بكيانهم المتداعى، وأمَّروا عليهم
«إبراهيم بن تاشفين» إلا أنه لم ينعم بالسلطة طويلا، حيث نازعه
عليها عمه «إسحاق بن على ابن تاشفين»، وتولى مكانه، ولكنه
لم يستطع أن يدفع حصار الموحدين بقيادة «عبدالمؤمن» خليفة
«ابن تومرت» حول العاصمة «مراكش» فى سنة (541هـ= 1146م)،
فسقطت «مراكش» فى يد «عبدالمؤمن» الذى أعمل فيها السيف
وقضى على كثير من أهلها، وترتب على ذلك سقوط «دولة
المرابطين». ضعفت القيادة العليا للمرابطين منذ تولى «على بن
يوسف» حكم البلاد، واستبد كثير من الأمراء بالأمر، ثم جاء
الخلاف الخطير بين «إبراهيم بن تاشفين» وعمه «إسحاق بن
على» على السلطة، فى الوقت الذى كان يزحف فيه الموحدون
نحو العاصمة «مراكش». يضاف إلى ذلك تخاذل الجند، فضلا عن
الحروب المستمرة التى خاضوها بالأندلس، فاستنزفت قواهم
واقتصاد بلادهم، وظهور شخصية «ابن تومرت» الذى نجح فى
جذب أعداد كبيرة إليه. فكان ذلك كله من أسباب سقوط «دولة
المرابطين» وقيام «دولة الموحدين». تركزت علاقات المرابطين
فى جبهتى «الأندلس» و «الدولة العباسية»؛ حيث هبوا لنجدة
«الأندلس» من النصارى الإفرنج، ثم قرروا -بعد عدة معارك-
ضمها إلى دولتهم، وظلت المعارك هى الطابع المميز لعلاقة
المرابطين بالممالك الإفرنجية فى الشمال الأندلسى. أما علاقتهم(14/96)
بالعباسيين فقد بدأت بعد أن قاموا بنشر دعوتهم بأرجاء
«المغرب الأقصى»، ومن ثم اتصلوا بالخلافة واعترفوا بسلطة
الخليفة الروحية فى العالم الإسلامى، وطلبًا لتأييد «الخلافة
العباسية» لهم، وفى ذلك دعم لدعوتهم التى تأسست عليها
دولتهم، وكان الترحيب والاستجابة سمة العلاقة بين الجانبين.
شهد «المغرب الأقصى» فى عهد «دولة المرابطين» ازدهارًا
اقتصادياً ورخاءً فى مناحى الحياة كافة؛ حيث حرص المرابطون
على النهوض بالزراعة والصناعة والتجارة، واهتموا بالنظام
المالى وإدارته وكيفية جمعه وإنفاقه، واتخذ «يوسف بن
تاشفين» حصنًا صغيرًا لحفظ الأموال والسلاح، ثم دَوَّن لذلك
الدواوين حين اتسعت أعمال دولته واستقرت أوضاعها فجعل
للمالية دواوين: «الغنائم»، و «نفقات الجند»، و «الضرائب»،
و «الجباية»، و «مراقبة الدخل والخرج»، وكان الكتَّاب يقومون
بتدوين النواحى المالية المختلفة، والعمال الذين يقومون
بجبايتها، وكان جمع أموال الزكاة والجزية المفروضة على أهل
الذمة يتم كل عام، أما غير ذلك من مصادر المال كالغنيمة
والعشور، فإنها كانت مرتبطة بظروفها. وكان المشتغلون بمالية
الدولة -دائمًا- تحت المراقبة الشديدة، والحساب المستمر،
والعقاب السريع فى حالة التقصير. وتأتى الزكاة فى مقدمة
مصادر الدخل المالى لهذه الدولة، ثم تليها الجزية المفروضة على
أهل الكتاب نظير ما يتمتعون به من أمن وحماية، وقد فُرضت
الجزية على الرجال الأحرار العقلاء، ولم تُؤخذ من النساء، ولا من
الصبية والمجانين والعبيد، وكان مقدارها موكولاً إلى ولاة الأمر
واجتهادهم. أما فيما يتعلق بالضرائب، فإن المرابطين فى بداية
عهدهم التزموا بأحكام الشرع، ولم يفرضوا إلا ما جاء بالكتاب
والسنة، وألغوا ما عدا ذلك من الضرائب بالمغرب والأندلس،
وشكلت الغنيمة مصدرًا مهما من مصادر الدخل للدولة، نظرًا
للمعارك الكثيرة التى خاضها المرابطون ضد الإفرنج. وقد(14/97)
ساهمت المصادر المالية المتنوعة فى الإنفاق على تجهيز
الحملات العسكرية المتكررة، وإقامة المنشآت، والإنفاق على
أوجه الإصلاح والتعمير، فضلا عن المرتبات والأرزاق، وأصدر
المرابطون العملات النقدية لتأكيد سلطانهم الاقتصادى. واهتموا
بالزراعة وما يتعلق بها، فشيد «على بن يوسف» قنطرة على
نهر «تانسيفت» لتوزيع المياه اللازمة للزراعة، فشهدت البلاد -
لخصوبة أرضها- وفرة فى المزروعات، وكذلك فى الغابات التى
نبتت فى أجزاء متفرقة من البلاد. فأمدت البلاد بكميات وفيرة
من الأخشاب التى استخدمت فى كثير من الصناعات مثل صناعة
السفن. وكان للصناعة دور بارز فى ازدهار اقتصاد «دولة
المرابطين»؛ حيث ازدهرت صناعات كثيرة ومتنوعة نتيجة
استقرار الأوضاع، وتوافر المواد الخام، ووجود الخبرة الصناعية
المتمثلة فى الأيدى العاملة التى حركت عجلة التصنيع، ودفعتها
إلى الأمام. وقد ظهرت عدة صناعات منها: صناعة السفن
والزجاج، وأدوات النحاس والحديد، واستخراج الزيوت من
الزيتون، والسكر من القصب، وكذلك صناعة الملابس من القطن
والصوف، وصناعة دبغ الجلود. وشاركت التجارة فى دفع عجلة
الاقتصاد بدولة المرابطين منذ تأسيسها؛ حيث وجه أمراء هذه
الدولة اهتمامهم إلى التجارة، وعملوا على تنشيطها؛ بتشجيع
التجار على ارتياد البلاد، ووفروا لهم سبل الإقامة، وأنشأوا لهم
الفنادق، مثلما فعل «يوسف بن تاشفين» حين دخل مدينة «فاس»
فى سنة (462هـ= 1069م). وقد وُجدت المراكز التجارية فى
أنحاء دولة المرابطين، وبخاصة فى العاصمة «مراكش» التى
حظيت باهتمام التجار، وصارت مركزًا للتجارة الداخلية بين مدن
الشمال والجنوب، كما كانت مدينة «فاس» مركزًا تجارياًّ مهماًّ،
لموقعها الممتاز فى قلب البلاد، وتوافر المحاصيل الزراعية
والصناعات المختلفة بها. وارتبطت مراكز التجارة الخارجية
بالمغرب الأقصى فى عهد المرابطين، بعدة طرق برية يضاف(14/98)
إليها الطريق الملاحى الذى تنقل التجارة بواسطته من هذه البلاد
وإليها، وكانت أهم الطرق البرية هى: الطريق الذى كان يربط
البلاد بمنطقة «السنغال» و «النيجر»؛ إذ كان يمر بسجلماسة
«ودرعة» ومدن «المغرب الأقصى»، متجهًا إلى «أودغشت»، ثم
إلى منحنى «النيجر»، وهناك طريق الساحل الذى يربط «دولة
المرابطين» بالشرق حتى «مصر»، إلى جانب طريق آخر من
«أودغشت» و «سجلماسة»، تسير فيه القوافل بالصحراء حتى
«الواحات الداخلة» بمصر. وكان للموانى المنتشرة على ساحل
«البحر المتوسط» و «المحيط الأطلسى» أثر كبير فى تنشيط
حركة التجارة، فتنوعت صادرات البلاد، وشملت: القطن، والقمح،
والسكر، والزيتون، والزيت المستخرج من الأسماك، والنحاس
المسبوك، وغيرها من الصادرات. أما أهم وارداتها، فكانت:
الذهب، والزئبق، وبعض أنواع النسيج البلنسى، والعطر
الهندى، وبعض الواردات الأخرى. شكل البربر الغالبية العظمى
من سكان «بلاد المغرب» الذين تأسست على أيديهم دولة
المرابطين، وقد شاركهم العرب فى الإقامة بالمنطقة منذ بدأت
فتوح المسلمين لهذه البلاد، ثم جاءت القبائل العربية الهلالية بعد
ذلك إليها، وشاركهم السودانيون الذين انضموا إلى جيوش
المرابطين، فضلاً عن تواجد عنصر الروم والصقالبة الذين عاشوا
فى ظل المرابطين، واتخذ منهم بعض الأمراء حرسه الخاص، كما
استخدمهم بعض الأمراء فى جباية الأموال. وقد تبوأت المرأة
مكانة مرموقة فى المجتمع المرابطى، وتمتعت بوضع كريم فى
القبيلة الصنهاجية؛ إذ كانت تشترك فى مجلس القبيلة، وتشارك
فى الأمور المهمة. وبلغ احترام المرابطين للمرأة حدا جعل القادة
والأمراء يُلقبون أنفسهم بأسماء أمهاتهم، تقديرًا لدور المرأة
فى المجتمع، فنجد «ابن عائشة»، و «عبدالله بن فاطمة»، وهما
من أبرز قادة المرابطين. وعاش أهل الذمة فى بلاد المرابطين
إلى جانب غيرهم من طبقات المجتمع وفئاته فى ظل حماية(14/99)
القيادة العليا للبلاد، وأصبحت طائفة اليهود على قدر كبير من
الثراء، ولكن بعض أهل الذمة عمدوا إلى مساعدة أعداء البلاد،
وتحريضهم على غزوها، فكان رد فعل أمراء المرابطين هو نفى
عدد كبير من هؤلاء، ومنْع اليهود من المبيت بالعاصمة
«مراكش»، والسماح لهم بالعمل نهارًا، والانصراف منها ليلاً؛
وهو إجراء وقائى للحفاظ على العاصمة من المؤامرات والدسائس
والفتن، وبها ما بها من تجمعات الجند وقادة الجيوش، وإدارة
البلاد، فضلا عن كونها مقر أمير البلاد وأسرته وأعوانه
وحاشيته. انتعشت حركة البناء والتعمير فى «دولة المرابطين»،
وقد بدأها الأمير «يوسف بن تاشفين» بتأسيس مدينة «مراكش»
وبنائها، وغيرها من المنشآت، وتبعه فى ذلك ابنه «على»
والأمراء من بعده، وامتازت مبانى المرابطين بالضخامة والقوة
والاتساع، والاقتصاد فى الزخرفة تمشيًا مع بساطتهم. وتعد
«مراكش» من أبرز أعمال المرابطين، وكان سبب بنائها، ازدحام
مدينة «أغمات» بقبائل المرابطين القادمين من الجنوب، يضاف
إلى ذلك موقعها الاستراتيجى فى مفترق طرق الأطلس
والصحراء، وقربها من مواطن المصامدة الذين يشكلون غالبية
السكان، وكذلك قربها من صحراء المرابطين ومواطن «لمتونة»؛
حيث توجد الإمدادات العسكرية، وتأسست «مراكش» على أرجح
الآراء فى سنة (454هـ= 1062م)، وشارك الأمير «يوسف» فى
البناء لتشجيع من حوله فى المساهمة، ثم بنى فيها ابنه الأمير
«على» قصره المعروف بدار الحجر، وأحاطه بالأسوار. عاشت
«دولة المرابطين» نهضة فكرية مزدهرة، ازدهرت فيها علوم
الأدب واللغة والعلوم والفلسفة والطب، ووفد طلاب العلم على
المدن المغربية من كل مكان، وقد ساعد على ذلك تشجيع الأمراء
المرابطين للعلماء وطالبى العلم، فقصد العلماء العاصمة
«مراكش»، وانتظم الطلاب فى دراساتهم، واجتهد كل ذى موهبة
فى إبراز ما لديه، ورغب كثير من أبناء «المغرب» فى طلب(14/100)
العلم، لأن مناصب الدولة ووظائفها كانت مقصورة على المتعلمين
والمثقفين. وأصبحت «مراكش» تضاهى «بغداد» فى ازدهار
العلوم وكثرة العلماء وشاركتها مدينة «فاس» التى أسسها
«إدريس بن عبدالله» فى المكانة، وظل مسجدها الكبير (جامع
القرويين) مركز إشعاع علمى يقصده طلاب العلم من كل مكان.
أسهمت الروح الدينية التى سادت «بلاد المغرب» منذ قيام «دولة
المرابطين» فى ازدهار العلوم الشرعية؛ مثل: علوم التفسير
والحديث والفقه والكلام، ووفود كثير من علماء الأندلس على
مراكش وغيرها فأسهموا فى دفع حركة التأليف، وشاركهم
أبناء المغرب الذين أقبلوا على الدراسة والبحث فى دفع هذه
الحركة، فنبغ عدد كبير من العلماء. وعنى المغاربة بكتاب
«الوجيز» فى التفسير لعبدالحق بن غالب بن عطية المحاربى،
المتوفى فى سنة (541هـ= 1146م)؛ حيث جمع فيه «ابن غالب»
خلاصة التفاسير كلها، وتحرَّى منها ما هو أقرب إلى الصحة.
ونال علم الحديث عناية فائقة من ولاة الأمر، وكان «موطأ»
الإمام «مالك» مدار الدراسات فى الدولة، وكذلك نشط علم الفقه،
ولم ينل علم الكلام الرعاية والعناية خلال حكم المرابطين، لأنهم
نهجوا طريق السلف، ولم يميلوا إلى الخوض فى هذا العلم. ازدهر
الأدب بنوعيه الشعر والنثر فى هذه الفترة باعتباره مظهرًا من
مظاهر الحركة الفكرية بالبلاد، وحظى الأدباء برعاية الولاة،
وكان بالبلاط المرابطى بعض كبار الكتاب والأدباء الأندلسيين،
أمثال: «أبى القاسم بن الجد»، و «ابن القبطرنة»، و «أبى
عبدالله بن أبى الخصال»، و «ابن خلدون» وغيرهم. وقد أثر
المذهب المالكى وعلماؤه وفقهاؤه فى توجيه الأدب المغربى
وجهة تميزت بالبساطة والوضوح، وبعدت عن الزخرف والصنعة
وبعدته عن تناول بعض الأغراض التى تناولها أدباء المشرق مثل:
«الخمريات»، التى تتنافى مع الجو الدينى الذى ساد البلاد. كثر
عدد المكتبات التى ازدحمت بالمؤلفات فى عهد المرابطين، نظرًا(14/101)
لكثرة العلماء والمؤلفين والكتاب، واهتمام ولاة الأمر بهم
وتكريمهم لهم، وقد ساعد ذلك على ازدهار الحركة الفكرية
للبلاد. ولم تكن الرغبة فى جمع الكتب مقصورة على ولاة الأمر،
بل تعدتها إلى أبناء الشعب، ودفع الكثير منهم مبالغ كبيرة
لشراء مرجع أو اقتناء كتاب. مثلما فعل القاضى: «عيسى بن
أبى حجاج بن الملجوم» الذى اشترى من «أبى على الغسانى»
نسخة من «سنن أبى داود» بخمسة آلاف دينار. وكان منصب
«أمين مكتبة الخزانة العلية» من المناصب الرفيعة فى الدولة، ولا
يتولاه إلا أحد أكابر العلماء المشهورين بالثقافة والكفاءة ودقة
التصنيف. وقد تحددت أماكن كثيرة لبيع الكتب بدولة المرابطين،
ففى «مراكش» كانت متاجر بيع الكتب المخطوطة إلى جوار
جامع الكتبيين، وكانت فى «تلمسان» سوق لبيع الكتب. وهكذا
ساهمت المكتبات فى دفع تيار الثقافة بالبلاد، وتزويدها بما
تحتاجه من مختلف فروع العلم والمعرفة.(14/102)
*الموحدون (دولة)
لم تنعم «دولة المرابطين» بالهدوء والاستقرار منذ ظهور الداعية
«محمد ابن تومرت» على مسرح الأحداث، وقد نشأ «ابن تومرت»
نشأة دينية بقبيلة «هرنمة» إحدى قبائل المصامدة، ولكن ما
تلقاه من علوم فى وطنه لم يَرْوِ ظمأه، فسافر إلى المراكز
الثقافية المشهورة بالعالم الإسلامى، وبدأ رحلاته إلى «الأندلس»
فى مطلع القرن السادس الهجرى، ثم إلى المشرق مارَّا
بالإسكندرية، ومنها إلى «مكة» ثم إلى «بغداد» حيث التقى
هناك بأكابر العلماء أمثال «أبى بكر الطرطوشى»، واستغرقت
رحلته فى طلب العلم نحو خمسة عشر عامًا مكنته من التزود بقدر
كبير من الثقافة والمعرفة، وتعرُّف أحوال العالم الإسلامى،
ومدى انقسام المسلمين وفرقتهم بالمشرق. وبعد أن عاد إلى
«المغرب» بدأ دعوته بمدن المغرب محاولاً إصلاح الأوضاع
الفاسدة وتغييرها. فوجدت دعوته قبولاً وترحيبًا من الجماهير،
ورفضًا شديدًا من الحكام؛ إذ رأوها خطرًا يهدد مصالحهم
ومراكزهم. والتقى «ابن تومرت» خلال هذه الرحلة بعبد المؤمن
بن على الذى أصبح من أخلص تلاميذه، وصاحبه فى كل مكان
يذهب إليه، ثم دخل «ابن تومرت» العاصمة «مراكش» فى منتصف
ربيع الأول سنة (515هـ= 1121م)، وقام بدوره فى الوعظ
والإرشاد، واعترض على سياسة الدولة فى بعض الأمور، فوصل
خبره إلى الأمير «على بن يوسف» الذى استدعاه، وجمع كبار
العلماء والفقهاء لمناظرته. وانتهى الأمر بطرده من العاصمة
خشية التأثير على العامة وإضعاف مراكز الفقهاء. وكانت
الحصافة السياسية تقتضى سجن هذا الداعية أو التحفظ عليه
لخطورته على الدولة، وهو ما تحقق عقب مغادرة «ابن تومرت»
«مراكش»، إذ أعلن عن نياته فى مواجهة السلطة الحاكمة،
وخلعه الأمير «على بن يوسف»، وبايعه مَن حوله إمامًا للدعوة
الجديدة فى سنة (515هـ= 1121م)، واتخذ من مدينة «تينملل»
مقرا له، ومركزًا لدعوته، وشرع فى تحقيق أهدافه السياسية(14/103)
والدينية لإقامة خلافة إسلامية بالمغرب، ولم يدخر فى ذلك وُسعًا
ولا وسيلة إلا استغلها، وعمد إلى نشر دعوته بين السذج، وألَّف
لهم فى التوحيد والعقيدة بلغتهم البربرية حتى يسهل عليهم
التعلم، ويسهل عليه السيطرة عليهم، ومن ثم باتت له الكلمة
العليا فى كل شئونهم. شارك «ابن تومرت» فى الكفاح المسلح
ضد «دولة المرابطين»، وتذكر المراجع أنه اشترك فى تسع
غزوات، وكانت معركة «البحيرة» التى أصيب فيها الموحدون
بالهزيمة هى السبب الرئيسى فى خيبة أمل «ابن تومرت»
ومرضه؛ حيث قتل فيها عدد كبير من أتباعه، ولكن بقاء تلميذه
ومساعده «عبد المؤمن بن على» على قيد الحياة كان سببًا فى
تخفيف هذه الصدمة، ومع ذلك لزم «ابن تومرت» داره، واشتد
عليه مرضه، وفارق الحياة فى سنة (524هـ= 1130م)، وخلَّف
وراءه حربًا مشتعلة على أرض «المغرب الأقصى». حمل
«عبدالمؤمن بن على» أعباء الدعوة عقب وفاة أستاذه، وشُغل
بتنظيم شئون الموحدين، مدة عام ونصف العام، ثم شرع فى
الكفاح ضد المرابطين فى منطقة «الأطلس» جنوبى «مراكش» فى
«وادى درعة» و «بلاد السوس» و «بلاد جاحة» القريبة من
«تينملل»، ثم استولى الموحدون على «مراكش» عاصمة
المرابطين فى سنة (541هـ= 1146م)، بعد كفاح دام أكثر من
عشر سنوات كان النصر فيها حليفًا للموحدين. وقد نجح
«عبدالمؤمن» فى إحكام قبضته وسيطرته على «المغرب
الأقصى» بعد سقوط دولة المرابطين بسقوط عاصمتهم
«مراكش»، ثم وجه اهتمامه إلى الشرق، وبعث بحملاته المتتابعة
التى وصلت حتى «طرابلس» بإفريقية، فساعد هذا النصر على
تحقيق الوحدة السياسية للمغرب الإسلامى، وتلقب «عبدالمؤمن»
بلقب خليفة، واتخذ من «مراكش» عاصمة للخلافة، ثم شرع فى
تجهيز حملة كبيرة لدفع النصارى عن مدن «الأندلس» فى سنة
(556هـ= 1161م)، إلا أن مرضه حال دون إتمام هذه الحملة، ومات
فى سنة (558هـ= 1163م). بويع «يوسف بن عبد المؤمن» فى(14/104)
سنة (558هـ= 1163م)، ليكون خلفًا لوالده. وما إن استقر فى
العاصمة حتى واجهته ثورة «مرزدغ الصنهاجى» بجبال
«غمارة»، فنجح فى القضاء عليها وتفريق أعوانها، ثم أمر
بقتل «مرزدغ»، وحمل رأسه إلى العاصمة «مراكش». ووجه «ابن
عبدالمؤمن» جُلَّ جهوده إلى دعم سلطة الموحدين بالأندلس،
وبعث بالحملات المتتابعة إليها، وخرج على رأس إحداها فى
سنة (566هـ= 1170م)، لتأمين ثغور «الأندلس» وضبطها
وإصلاحها، ثم خرج فى سنة (579هـ= 1183م) على رأس حملة
كبيرة إلى «الأندلس» لغزوها، إلا أنه أصيب بسهم عند أسوار
«شنترين»، فأسرع الجند بحمله والعودة به مصابًا إلى
«مراكش»، فقضى نحبه فى سنة (580هـ= 1184م). ولى «يعقوب
بن يوسف بن عبدالمؤمن» خلفًا لوالده فى سنة (580هـ= 1184م)،
ولقب نفسه بالمنصور، وتوزعت جهوده العسكرية فى أكثر من
ميدان؛ حيث قامت ثورة بزعامة «الجزيرى» الذى أخذ يدعو
لنفسه بين القبائل فى سنة (585هـ= 1189م)، فقضى عليها
«المنصور» وقتل زعيمها، ثم قامت ثورة أخرى ببلاد «الزاب»
بزعامة رجل يدعى «الأشلّ» فى سنة (589هـ = 1193م)، فكان
مصيرها الفشل مثل سابقتها. أما ثورة «بنى غانية»، التى
استهدفت إحياء «دولة المرابطين» والدعاء للخلافة العباسية
على المنابر بإفريقية، فكانت الخطر الحقيقى الذى هدد «دولة
الموحدين»، فوجّه «المنصور» إليها كل جهوده للقضاء عليها،
وعلى الرغم من تكرار المحاولة فإنه لم ينجح فى القضاء عليها
نهائياًّ. وقد أولى «المنصور» «الأندلس» اهتمامه وعنايته، ودخل
فى عدة معارك مع الإفرنج؛ كانت أبرزها معركة «الأرك» فى
سنة (591هـ= 1195م)، تلك التى أوقفت زحف النصارى، وزادت
من هيبة الموحدين ومكانتهم بالشمال الإفريقى، ثم أصيب
المنصور بوعكة صحية أدت إلى وفاته فى سنة (595هـ =
1199م). تولى «الناصر أبو عبدالله محمد بن يعقوب» خلفًا لوالده
«المنصور»، فحدثت فى عهده بعض التطورات السياسية(14/105)
والعسكرية التى انتقلت بدولة الموحدين من مرحلة القوة
والسيادة إلى مرحلة الانهيار والسقوط؛ حيث تمكن فى بداية
حكمه من القضاء على ثورة «بنى غانية» بإفريقية التى دخلها
فى سنة (598هـ= 1202م)، وعاد منها فى سنة (604هـ= 1207م)،
بعد أن ولى على «إفريقية» «أبا محمد عبد الواحد بن أبى
حفص» أحد أشياخ الموحدين، فعكف «ابن أبى حفص» على
معالجة شئون «إفريقية»، ودعم سلطان الموحدين بها، إلا أن
ولاية «أبى حفص» كانت البداية لقيام «دولة الحفصيين» بتونس؛
حيث استقل أبناؤه - بعد ذلك - بها وأسسوا ملكًا مستقلاً. وقد
فُجع الموحدون بهزيمة قاسية بالأندلس فى معركة «العقاب»
التى راح ضحيتها عدد كبير من الجند، مما أضعف «دولة
الموحدين» وأفقدهم هيبتهم، وأُصيب «الناصر» بالمرض، وتوفى
فى سنة (610هـ= 1213م). وقد عرف الانهيار والضعف طريقهما
إلى «دولة الموحدين» عقب وفاة «الناصر»، ودخلت الدولة مرحلة
من الفوضى، والصراع بين أفراد البيت الموحدى، فضلاً عن
اندلاع الثورات والقلاقل فى أماكن متعددة، وظل هذا حالها
حتى سنة (668هـ= 1269م)، التى قتل فيها «أبو دبوس» آخر
خلفاء الموحدين أمام أسوار العاصمة «مراكش» التى دخلها
«المرينييون» وقضوا على «دولة الموحدين». وقد تولى عقب
وفاة «الناصر» عدد من الخلفاء الضعاف، هم: 1 - أبو يعقوب
يوسف الثانى المستنصر بالله [611 - 620هـ]. 2 - أبو محمد
عبدالواحد المخلوع [620 - 621هـ= 1223 - 1224م]. 3 - أبو محمد
عبدالله العادل [621 - 624هـ = 1224 - 1227م]. 4 - المأمون أبو
العلاء إدريس ابن يعقوب المنصور [624 - 630هـ= 1227 - 1233م].
5 - أبو محمد عبدالواحد الرشيد [630 - 640هـ= 1233 - 1242م]. 6 -
أبو الحسن على السعيد المقتدر بالله [640 - 646هـ= 1242 -
1248م]. 7 - أبو حفص عمر المرتضى [646 - 665هـ = 1248 -
1267م]. 8 - أبو العلاء إدريس الثانى (المعروف بأبى دبوس)
[665 - 668هـ= 1267 - 1269م]. انحصرت علاقات الموحدين(14/106)
الخارجية فى جبهتين هما: «الأندلس»، و «الخلافة العباسية». أما
«الأندلس»، فقد استولى عليها الموحدون مع غيرها من المدن من
المرابطين، وساروا على نهج من سبقهم فى التصدى لعدوان
النصارى، وأعدوا الحملات، وخاضوا المعارك من أجل تحقيق
هذا الهدف، ولكن هزيمتهم فى معركة «العقاب» فى عام
(609هـ= 1212م)، كانت بداية انحسار نفوذهم على أرض
«الأندلس»، ومن ثَم بدأت القوى النصرانية تحقق انتصاراتها حتى
زالت «دولة الموحدين». وقد اختلف موقف الموحدين من الخلافة
العباسية عن موقف المرابطين؛ حيث لم يعترف الموحدون
بالعباسيين، واعتبروا أنفسهم خلفاء، وأن مركز الخلافة مدينة
«مراكش»، وليس «بغداد»، ودعموا خلافتهم بالادعاء بأن «ابن
تومرت» و «عبدالمؤمن» من نسل الرسول عن طريق «الأدارسة»،
واتخذوا اللون الأخضر شعارًا لهم كى يظهروا ميلهم إلى الدعوة
العلوية، وتشبهوا بالرسول فى تصرفاته وأفعاله. نعمت البلاد
بالرخاء الاقتصادى فى عهد الموحدين؛ إذ وضعوا نظامًا مالياًّ
دقيقًا، تمثل فى الإدارة المشرفة على الجوانب المالية فى
الجباية والإنفاق، فضلا عن وجود دواوين للمال بالعاصمة،
وديوان للمال بكل إقليم يختص بماليته، وأفرد الموحدون دارًا
للإشراف على النواحى المالية، كما استحدثوا منصب الوزير
المسئول عن الشئون المالية أطلقوا عليه اسم «صاحب الأشغال»،
ومهمته استخراج الأموال وجمعها وضبطها، وتعقب نظر الولاة
والعمال فيها، ثم تنفيذها على قدرها وفى مواقيتها، وكان
يعاون صاحب الأشغال رؤساء الدواوين المالية بالدولة. فوفرت
هذه المصادر إلى جانب الزكاة وخمس الغنائم أموالا كثيرة
لخزينة الدولة، أُنفق معظمها على إعداد الجيش فى البر والبحر،
ودفع مرتبات الوزراء ورجال البلاط والحشم والقضاة والفقهاء،
وكذلك فى الإنفاق على الطلبة المنتظمين بالمدرسة التى
أنشأها الخليفة «عبدالمؤمن»، كما أنفق منها على إنشاء المدن(14/107)
والقصور والحصون وغيرها من المنشآت. وأصدر الموحدون عملة
نقدية من الدنانير والدراهم. وقد اهتم الموحدون بالزراعة
وشجعوا المزارعين على استغلال الأرض، ووفروا لهم المياه
اللازمة للزراعة، فتوافرت محاصيل القمح والشعير، والقطن،
وقصب السكر، وغير ذلك من المحاصيل، كما نعمت البلاد
بأصناف الفواكه المتنوعة مثل: العنب والتفاح والكمثرى،
وغيرها، وانتشرت الغابات بالبلاد، وتوافر بها شجر الأَرْز والزان
والبلوط. ونشطت الحركة الصناعية، وتوافرت المراكز الصناعية
بالبلاد، مثل مدينة «فاس» و «مراكش»،وغيرها من المدن التى
تنوعت بها الصناعات وضمت: صناعة الصابون، والتطريز،
والدباغة، وسبك الحديد والنحاس، وصناعة الزجاج، والفخار،
وغير ذلك من الصناعات. وازدهرت التجارة فى الداخل والخارج،
وكثرت المراكز التجارية التى أولاها الموحدون عنايتهم، وشيدوا
بها عدة أسواق، كما شيدوا بها الفنادق، كما ساهمت
«مكناسة» فى دعم ازدهار التجارة حيث كانت محطة للمسافرين
يبيعون ويشترون بها، فضلاً عن وجود عدد من الأسواق العامرة
والتجارات المختلفة بها. وتمتعت البلاد بنهضة تجارية خارجية،
لوجود شبكة من الطرق التى ربطت المدن المغربية بغيرها من
المراكز التجارية، فضلاً عن وجود عدد من الموانئ المطلة على
«البحر المتوسط» و «المحيط الأطلسى»، وكانت محطات للسفن
المحملة بالبضائع القادمة أو الخارجة منها، فتنوعت الصادرات
مثل: القطن والقمح والسكر، وكذلك الواردات مثل: الذهب وبعض
أنواع النسيج البلنسى، والعطر الهندى ولعب ميناء «سبتة»
على «البحر المتوسط»، وميناء «سلا» على «المحيط الأطلسى»،
دورًا بارزًا فى تنشيط الحركة التجارية فى ظل حماية الأسطول
الموحدى. شكلت قبائل المصامدة العنصر الرئيسى لسكان دولة
الموحدين، وقد استقرت بالمنطقة منذ زمن، واتخذت المعاقل
والحصون والقلاع، وشيدت المبانى والقصور، وامتهن أفرادها(14/108)
الزراعة وفلاحة الأرض، ولم يحاولوا الهجرة من أرضهم، بل
تمسكوا بها، ودافعوا عنها ضد أى محاولة للاعتداء أو
الاستيلاء عليها. أما العنصر الثانى من سكان «دولة الموحدين»
فهم العرب الهلالية الذين ظهروا على مسرح الأحداث، وعمد
الموحدون إلى تهجيرهم من «إفريقية» إلى «المغرب الأقصى»،
ليتخلصوا من ثوراتهم، كما استخدموهم فى عمليات الجهاد
بالأندلس، فأقبلت أعداد كبيرة منهم إلى «المغرب الأقصى»،
وانتقلت أعداد أخرى إلى الإقامة بالأندلس من خلال الحملات التى
قام بها الموحدون هناك، ثم حدد الموحدون إقامة بعض القبائل.
وقد تمتع العرب الهلالية بما يتمتع به جند الموحدين، وأقطعهم
ولاة الأمر بعض الأراضى، وأنفقوا عليهم النفقات الكبيرة،
وأغدقوا عليهم بالعطايا حتى يوفروا لهم الاستقرار ويبعدوهم
عن الفتن وإثارة القلاقل والاضطرابات. ونالت المرأة حظها من
التكريم والإنصاف والاحترام فى «دولة الموحدين»، وأتاحت لها
الظروف أن تنال حظا من العلوم المختلفة، وقسطًا من ثقافة
العصر وأدبه، وبرزت الكثيرات من النساء مثل: «زينب» بنت
الخليفة «يوسف بن عبدالمؤمن»، والشاعرة العالمة «حفصة بنت
الحاج الركونية»، و «فاطمة بنت عبدالرحمن». وعاش أهل الذمة
فى أنحاء متفرقة من البلاد، وكانت لهم أحياؤهم بالعاصمة
«مراكش» وبمدينة «سجلماسة»، وكانوا يشتغلون بالبناء. اهتم
الموحدون بالبناء والتعمير بالمغرب و «الأندلس»، وحظيت
«مراكش» و «الرباط» وغيرهما من المدن المغربية بكثير من
المنشآت الموحدية، وأنشأ الخليفة «عبدالمؤمن» «مدينة الفتح»،
كما شيد المساجد والقصور فى أنحاء متفرقة من البلاد، وكان
«المنصور» مولعًا بالعمارة، فشهدت البلاد نهضة معمارية
استمرت طيلة عهده. شهدت «بلاد المغرب» حركة فكرية نشيطة
فى عهد المرابطين، واستمرت كذلك فى عهد الموحدين،
وساعدها على ذلك استقرار الأوضاع بالبلاد، والصلة الوثيقة بين(14/109)
«المغرب» و «الأندلس»، إلى جانب رغبة الكثيرين من أبناء
«المغرب» فى طلب العلم، فضلاً عن تكريم الموحدين للعلماء،
والمتعلمين ووصلهم بالعطايا، والهبات، والإنفاق عليهم، كما
كانت الأسس الدينية التى قامت عليها «دولة الموحدين» سببًا
فى انتعاش دراسة علوم الدين، وانتعاش الحركة الفكرية. شن
«ابن تومرت» حربًا شعواء على العلماء والفقهاء واتهمهم
بالجمود، ولكنه لم يستطع مهاجمة المذهب المالكى الذى رسخ
فى أذهان عامة الشعب وقلوبهم، وتحايل على ذلك بإعداد
مُؤَلَّف جمع فيه الأحاديث النبوية التى وردت بموطأ الإمام
«مالك»، وحذف منها معظم الإسناد للاختصار، فى محاولة لصرف
أذهان الناس عن المؤلفات المالكية، ثم جاء «عبدالمؤمن» من
بعده وأمر بحرق كتب الفروع، والاقتصار على الأحاديث النبوية.
فلما تولى «المنصور الموحدى» عمد إلى محو المذهب المالكى
من البلاد، وجمع كتب المذهب المالكى وحرقها، وأمر بجمع
الأحاديث المتعلقة بالعبادات من كتب الأحاديث مثل: «البخارى»
و «مسلم» وغيرهما، وألزم الناس بدراستها وحفظها، وعاقب
علماء المذهب المالكى المتمسكين بتدريسه، وعلل ذلك بميله
إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة والأخذ بظاهرهما، وكراهيته
للخلافات التى امتلأت بها كتب الفروع، ولكن علماء المالكية لم
يؤثر فيهم التهديد والعقاب، وظلوا يكافحون فى سبيل بقاء
مذهبهم وتدريسه، فسُجن بعضهم مثل «ابن سعيد الأنصارى»،
وتُوفى بعضهم نتيجة التعذيب مثل: «أبى بكر الجيانى
المالكى»، ومع ذلك نجح هؤلاء العلماء فى إبقاء هذا المذهب
وظل مذهب المالكية راسخًا ببلاد المغرب. ازدهرت العلوم الدينية
بدولة الموحدين، وزاد الإقبال على تفسير القرآن ودراسته
باعتباره مصدر التشريع الأول للبلاد، وبرز عدد من المفسرين
منهم: «عبدالجليل بن موسى الأنصارى الأوسى» المتوفى عام
(608هـ= 1211م)، و «أبو بكر بن الجوزى السبتى»، كما لاقى(14/110)
علم القراءات رعاية ولاة الأمر، واشتهر فيه: «أبو بكر بن يحيى
بن محمد بن خلف الإشبيلى» المتوفى عام (602هـ= 1205م)،
و «على بن محمد بن يوسف اليابرى الضرير» المتوفى عام
(617هـ= 1220م). أما علم الحديث فقد صار له شأن كبير واهتم به
الخلفاء، وأمر الخليفة «عبدالمؤمن» بحرق كتب الفروع، وردّ
الناس إلى قراءة الحديث، وأملى ابنه «يوسف» وحفيده
«المنصور» الأحاديث بنفسيهما على الكُتاب لتوزيعها على
الناس، واشتهر «أبو الخطاب بن دحية السبتى» و «ابن حبيش»
المتوفى عام (584هـ= 1188م)، و «القاضى عياض السبتى»
بتمكنهم من علم الحديث، ووضع بعضهم المصنفات فى هذا العلم،
أما فى مجال الفقه فقد وضع «ابن تومرت» كتابه «الموطأ»
على غرار «موطأ الإمام مالك» بعد حذف أسانيده. ومن أعلام
الفقه فى هذا العصر: «عبدالملك المصمودى» قاضى الجماعة
بمراكش، و «إبراهيم بن جعفر اللواتى» الفقيه المعروف بالفاسى.
ويعد كتاب: «الإعلام بحدود قواعد الإسلام» للقاضى عياض من
أبرز مؤلفات هذا العصر الفقهية. وقد نال علم الكلام عناية
الموحدين منذ قيام دولتهم؛ حيث دعا «ابن تومرت» إلى دراسته،
واتهم علماء المرابطين بالجمود لتحريمهم دراسة هذا العلم، وقد
اشتهر فى هذا العلم: «أبو عمرو عثمان بن عبدالله السلالجى»
المتوفى سنة (564هـ= 1168م)، و «محمد بن عبدالكريم الغندلاوى
الفاسى» المعروف بابن الكتانى المتوفى عام (596هـ= 1200م).
تابعت اللغة العربية انتشارها بدولة الموحدين، لأنها لغة البلاد
الرسمية فى مكاتباتها ومعاملاتها وشئونها، وقد ساعد مجىء
العلماء إلى المدن المغربية على انتشار اللغة العربية وازدهارها،
كما كان لقدوم القبائل الهلالية إلى «المغرب الأقصى»
واستيطانهم بعض مناطق البلاد أكبرالأثر فى دعم اللغة العربية
وانتشارها؛ لتمسك هذه القبائل البدوية باللسان العربى وما فيه
من مفردات وتراكيب وبلاغة فى الأساليب. وازدهر الأدب بفرعيه(14/111)
الشعر والنثر، وبلغ درجة عالية من الرقى، وكثرت محافله ببلاد
المغرب، وأقبل ولاة الأمر على تشجيعه ودعمه، وسعى المغاربة
إلى المساواة بالأندلسيين الذين يفتخرون بمنزلتهم الأدبية، فضلا
عن رغبة المغاربة فى الوصول إلى المناصب العليا التى لا يرقى
إليها إلا ذوو العلم والأدب. وقد تدفق أدباء «الأندلس» وغيرهم
على البلاط الموحدى؛ حيث العطايا والمنح، وبرزت مجموعة من
الشعراء منهم: «أحمد بن عبدالسلام الجراوى»، و «أبو عبدالله
محمد بن حبوس» من أهل «فاس»، و «أبو بكر بن مجبر» من
«شقورة»، وغيرهم كثير. وكانت أبرز أغراض الشعر آنذاك هى
الوصف والغزل والمدح. حرص خلفاء الموحدين على تزويد
أنفسهم من مختلف الثقافات، لدعم موقف دولتهم، التى قامت
على أساس دينى، ولذا تنوعت ثقافة الخليفة «عبدالمؤمن»،
وأجاد فى علوم الفقه والجدل والأصول، كما حفظ الأحاديث
النبوية، وأحاط بالنحو واللغة، والأدب، والتاريخ، وعلم
القراءات، والأنساب، وتنوعت ثقافة ابنه «يوسف»، حيث حظى
بقسط وافر من العلوم المختلفة حين كان واليًا من قِبل أبيه على
«الأندلس»، وكذلك كان «المنصور» عالمًا بالحديث والفقه واللغة.
أما طبقات الشعب فقد قامت المؤسسات التعليمية بتثقيفهم،
سواء بالمكتب أو الرباط أو المسجد أو المدرسة، وقد قامت
المدرسة التى أسسها الخليفة «عبدالمؤمن» بدور فعّال فى
إثراء ثقافة طبقات الشعب؛ إذ جمعت هذه المدرسة بين
الدراستين النظرية والعملية. وكان أبرز علومها النظرية هى:
حفظ القرآن وتدريسه، ودراسة «موطأ تومرت»، وحفظ «صحيح
مسلم»، أما العلوم العملية، فكانت: ركوب الخيل والرمى بالسهم
والقوس، وتعليم السباحة فى بحيرة صنعت من أجل ذلك
بالمدرسة.(14/112)
*المرينية (دولة)
ينتمى المرينييون إلى قبائل «زناتة»، وهم - على أرجح الآراء-
من فرع بربر البتر، الذين كانوا ينتقلون من مكان إلى آخر سعيًا
وراء الماء والكلأ، وبدأ ظهورهم على مسرح الأحداث خلال عهد
المرابطين حيث شاركوا فى مجريات الأحداث بزعامة «المخضب
بن عسكر» أحد أبناء «بنى مرين»، وكان زعيمًا قويا مرهوب
الجانب، ونجح فى السيطرة على جميع «بلاد زناتة» و «بلاد
الزاب»، فحاول المرابطون مصانعته، وأرسلوا إليه الهدايا
والأموال. ثم انتقل ولاء المرينيين إلى الموحدين وساعدوهم فى
إقامة دولتهم، وتثبيت أقدامهم، وشاركوهم فى معاركهم
بالميدان الأندلسى. ولقد كان ضعف الموحدين سببًا رئيسيا فى
انتقال «بنى مرين» من المغربين الأدنى والأوسط إلى «المغرب
الأقصى» حيث الخصب والرخاء. مراحل قيام دولة بنى مرين:
أولا: مرحلة تثبيت أقدامهم فى مناطق التلول والأرياف: (592 -
614هـ = 1191 - 1217م). اتصف الأمير عبدالحق زعيم قبائل بنى
مرين بالتقوى والصلاح والشجاعة والعدل والعطف على الفقراء
مما كان له أثره على جموع المرينيين الذين التفوا حوله، وجذبوا
إليهم عددًا من القبائل المغربية التى انضمت إليهم، وعمدوا إلى
التوسع وفرض النفوذ على حساب الموحدين، ودخلوا فى عدة
معارك كانت أشهرها معركة «وادى نكور» التى خسرها
الموحدون. وقد حمل «عثمان بن عبدالحق»
(614 - 637هـ=1217 - 1239م) راية المرينيين عقب مقتل والده الأمير
«عبدالحق»، فواصل حملاته العسكرية، وفرض نفوذه على
مساحات واسعة من أرض «المغرب»، ثم دعا شيوخ القبائل
واتفق معهم على خلع طاعة الموحدين، والقيام بأمر الدنيا
والدين، والنظر فى صلاح المسلمين، فعملوا على تحقيق ذلك
حتى عام (625هـ= 1228م)، فقوى شأنهم، وخضعت لهم جميع
قبائل «المغرب»، وسيطروا على جميع موانى «المغرب» التى
امتدت من «وادى ملوية» إلى «رباط الفتح». ثانيًا: مرحلة(14/113)
الاستيلاء على المدن الكبرى: وحمل أعباء هذه المرحلة فارس
«زناتة» الأمير «أبو يحيى أبو بكر ابن عبدالحق»، الذى كان
بطلا شجاعًا، قوى الإرادة، حازم الرأى، فقام بتأمين الجبهة
الداخلية للمرينيين، وأخضعها لإشراف مالى وإدارى دقيق، ثم
واصل مهاجمة المدن المغربية الكبرى، واستولى على
«مكناسة»، و «فاس»، و «سلا»، و «رباط الفتح»، و «سجلماسة»،
و «درعة». ثالثًا: المرحلة الأخيرة للاستيلاء على العاصمة مراكش:
هيأ الله لبنى مرين فى هذه المرحلة أن يقوم بقيادتهم الأمير
«أبو يوسف يعقوب بن عبدالحق» (656 - 685هـ = 1258 -
1286م)، الذى اعتبرته المصادر سيد «بنى مرين» على الإطلاق،
وبدأ عهده بمواجهة بعض المشاكل التى واجهت المرينيين فى
هذه الفترة، ودخل فى عدة معارك مع الموحدين تمهيدًا لدخول
العاصمة «مراكش». وقد أعد «أبو يوسف» حملة كبيرة، ثم خرج
بها من «فاس» فى شعبان سنة (666هـ=إبريل 1268م)، وعبر بها
النهر المجاور لمدينة «فاس»، ثم هاجم كل القوى والقبائل
المعاونة للموحدين. ونجح فى إخضاعها والسيطرة عليها، ثم
كانت المعركة الأخيرة بين الموحدين والمرينيين فى شهر المحرم
سنة (688هـ= يناير 1289م) عند «وادى غفو»، ودارت بين
الفريقين معركة قوية، أسفرت عن هزيمة الموحدين، ومقتل
«أبى دبوس» خليفتهم، ثم دخل الأمير «أبو يوسف يعقوب»
العاصمة «مراكش» معلنًا سقوط «دولة الموحدين»، وقيام «دولة
بنى مرين». ظلت «دولة بنى مرين» فى اتساعها ودعم
استقرارها مدة خمس وسبعين سنة، فى الفترة من سنة (685هـ=
1286م) إلى سنة (759هـ= 1359م)، وحكمها خلال هذه الفترة
مجموعة من السلاطين الأقوياء، هم: 1 - أبو يعقوب يوسف بن
يعقوب [685 - 706هـ= 1286 - 1306م]. 2 - أبو ثابت عامر بن أبى
عامر [706 - 708هـ= 1306 - 1308م]. 3 - أبو الربيع سليمان بن
أبى عامر [708 - 710هـ= 1308 - 1310م]. 4 - أبو سعيد عثمان
(الثانى) بن يعقوب [710 - 732هـ= 1310 - 1332م]. 5 - أبو الحسن(14/114)
على بن عثمان [732 - 749هـ = 1332 - 1348م]. 6 - أبو عنان
فارس المتوكل بن على [749 - 759هـ= 1348 - 1358م]. وقد
اتسمت هذه الفترة بتوسع نفوذ «بنى مرين» بالمغرب
و «الأندلس»، على الرغم من الثورات الكثيرة والقلاقل المتتابعة
التى واجهتهم. كان مقتل السلطان «أبى عنان فارس المتوكل بن
على» فى سنة (759هـ= 1358م) إيذانًا بدخول «دولة بنى مرين»
فى مرحلة الضعف والانهيار؛ حيث انتقلت السلطة من أيدى «بنى
مرين» إلى أيدى الوزراء، فضلا عن فقدان الدولة لنفوذها،
وانكماشها داخل حدودها بالمغرب الأقصى، وتعرضها للأزمات
الاقتصادية، والأوبئة والكوارث الطبيعة، التى حلَّت بالمغرب
الأقصى، مما عجَّل بسقوط الدولة، فى عهد السلطان «عبدالحق
بن أبى سعيد»، الذى تمكن الثوار من القبض عليه وقتله فى
صبيحة يوم الجمعة (27من رمضان سنة 869هـ= 23 مايو 1465م).
تعددت العلاقات الخارجية لدولة «بنى مرين»، وشملت
«الأندلس»، و «دول المغرب» المختلفة، وتراوحت علاقتهم ببنى
الأحمر بالأندلس بين الود والعداء، وشابها الحذر والترقب، على
الرغم من أنهما تحالفا ضد الفرنج وهزموهما فى سنة (676هـ=
1277م) بالأندلس، وانحصرت العلاقات بينهما فى أحايين كثيرة
على التمثيل الدبلوماسى وتبادل الرسائل. وكانت علاقة
المرنييين بجيرانهم من «بنى عبد الواد» بالمغرب الأوسط علاقة
عدائية لتضارب المصالح بينهما، وكانت فترات السلام بينهما
قليلة وقصيرة، لأن «بنى عبدالواد درجوا على نقض ما بينهما من
معاهدات، على الرغم من أن المرينيين سعوا إلى كسب ودهم؛
ليتفرغوا للجهاد بالأندلس، واضطر السلطان «أبو يوسف يعقوب
بن عبدالحق» إلى مهاجمة «المغرب الأوسط» وإلحاق هزيمة
نكراء بجيوش «بنى عبد الواد»، ثم عقد الصلح معهم. وحاول
«بنو عبدالواد» الإغارة على الحدود الشرقية لدولة «بنى مرين»
فى سنة (679هـ= 1280م)، فخرج إليهم المرينيون للدفاع عن(14/115)
بلادهم وألحقوا بهم الهزيمة بالقرب من «تلمسان». وفى سنة
(698هـ= 1299م) حاصر السلطان «أبو يعقوب يوسف» مدينة
«تلمسان» ودام الحصار مدة سبع سنوات؛ ذاق فيها «بنو
عبدالواد» مرارة الحصار، ولم ينقذهم من الهلاك سوى مقتل
السلطان «أبى يعقوب» وعودة المرينيين بعدها إلى بلادهم. ثم
دخلت «دولة بنى عبدالواد» فى تبعية «بنى مرين» بعد أن
غزاهم السلطان «أبو الحسن على»، واستولى على عاصمتهم
«تلمسان» فى سنة (732هـ= 1332م)، ثم استغلت بقايا «بنى عبد
الواد» الخلافات التى دبت بالبيت المرينى وعادوا إلى عرش
بلادهم فى «تلمسان» سنة (749هـ= 1348م)، ولكنهم عادوا إلى
تبعية «بنى مرين» ثانية فى سنة (759هـ= 1358م)، وظلوا على
عدائهم لبنى مرين، وحاولوا العودة إلى «المغرب الأوسط»
مرتين خلال فترة نفوذ الوزراء بدولة المرينيين، كانت الأولى فى
سنة (772هـ= 1370م)، والثانية فى سنة (791هـ= 1389م). شهدت
«الدولة المرينية» رخاءً وازدهارًا فى نواحى الحياة كافة.
وجعل المرينيون كل إقليم من أقاليم دولتهم وحدة اقتصادية
مستقلة، وجعلوها جميعًا تحت إشراف الوزير المختص أو صاحب
الأشغال، وقد تعددت مصادر الدخل المالى وشملت الزكاة،
والخراج، والجزية، والضرائب، والغنائم، والمصادرات، وكذلك
تنوعت أوجه الإنفاق وشملت: الرواتب، والعطايا، ونفقات الجيش،
والبناء والتعمير. وقد ازدهرت الزراعة ببلاد «المغرب الأقصى»
نظرًا لتوافر أسبابها؛ حيث تمتعت البلاد بعدد من الأنهار، إلى
جانب الأمطار التى تسقط على جهات متفرقة، مع تنوع المناخ،
فضلا عن خصوبة التربة، واهتمام السلاطين بالزراعة، فأسفر
ذلك عن وفرة وتنوع فى المحاصيل مثل: القمح، والفول،
والشعير، والزيتون، وقصب السكر، والبقول، وكذلك توافرت
الفواكه والخضراوات، ونمت الغابات فى مساحات واسعة،
فأمدت البلاد بأنواع الأخشاب المختلفة لصناعة السفن والمنازل
وغير ذلك من الأغراض. وشهدت الصناعة ازدهارًا ورواجًا كبيرًا،(14/116)
وتعددت أغراضها ونشطت مراكزها، خاصة وأن الموحدين تركوا
وراءهم صناعة مزدهرة بهذه البلاد، وجاء المرينيون فازدهرت
فى عهدهم صناعة عصر الزيتون وصناعة السكر، واهتموا
بالصناعات الحربية نظرًا لكثرة حروبهم، ويُروى أنهم كانوا
روَّادًا فى استعمال البارود، بل لعلهم - كما يقول «ابن خلدون» -
أول من استعمله فى صناعة المدافع التى استخدمت فى قذف
الأسوار وتحطيمها. ولم يهمل «بنو مرين» التجارة، بل حرصوا
على توفير الأمن للقوافل واهتموا بالتجارة، وأكثروا من
الأسواق المتخصصة، وزادوا من عدد الحوانيت ووفروا الراحة
للتجار، وأنشأوا لهم الفنادق مثل: «فندق الشماعين»، الذى كان
من أهم مراكز التجميع لكبار التجار. وقد تعددت طرق التجارة،
وأقام المرينيون علاقات تجارية مع كثير من الأقطار، فنشطت
التجارة الخارجية، وكان التجار المغاربة يحملون الذهب والصمغ
من «السودان» إلى «الأندلس»، وقاموا بتصدير المنسوجات
الصوفية والجلدية إلى «أوربا»، واستوردوا الآلات الحديدية
والأحواض الرخامية، وكان لميناء «سبتة» وغيره من الموانى
دور بارز فى تسهيل عمليتى استيراد هذه البضائع وتصديرها.
تشكل المجتمع المرينى من عدة عناصر جاء البربر فى مقدمتها،
وجاءت «قبيلة هنتانة» التى تنتمى إليها الأسرة الحاكمة فى
مقدمة القبائل البربرية. ولاشك أن هذه القبيلة التى أسست
«الدولة المرينية» قد احتلت مركز الصدارة بالدولة، وتلتها فى
المرتبة القبائل الهلالية، ثم القبائل التركية، ثم بقايا الروم
والفرنج الذين انضموا إلى الجيش المرينى. وقد اتسم بلاط
المرينيين فى بداية عهدهم بالبداوة، ثم أخذوا بمظاهر الرقى
والترف بعد أن استقرت لهم أوضاع البلاد، وثبتت أركانها
وتنوعت احتفالات المرينيين، وتعددت بها مظاهر الأبهة والعظمة
وكان لاستقبال الوفود وتوديعها احتفال خاص يليق بالدولة، كما
كان الاحتفال بعيدى الفطر والأضحى، والمولد النبوى، من أهم(14/117)
ما حرص عليه سلاطين هذه الدولة. وحظى البناء والتعمير بمرتبة
رفيعة لدى المرينيين، واهتموا به اهتمامًا بالغًا، وشيدوا عدة
مدن تأتى فى مقدمتها مدينة «فاس الجديدة» أو «الدار البيضاء»
التى أنشأها السلطان «يعقوب بن عبدالحق»، فى سنة (674هـ=
1275م)، لتكون عاصمة لبلاده بدلا من العاصمة القديمة «فاس»
التى ازدحمت بالناس. كما بنى «يوسف بن يعقوب» مدينة
«المنصورة» أثناء حصاره لمدينة «تلمسان» سنة (698هـ=
1299م) واختط بها قصره ومسجدًا، ومساكن للجند والدور
والفنادق والبساتين، ثم أُحيطت المدينة بسور كبير. هكذا بنى
المرينيون المساجد الكبيرة بشتى مدن «المغرب الأقصى»،
وعنوا بفرشها وتزويدها بالماء اللازم للوضوء، وكان المسجد
الجامع الذى بنى بفاس الجديدة سنة (677هـ= 1278م) من أهم
هذه المساجد. وكانت المدارس من أهم المنشآت التى حرص
المرينيون على إقامتها، فأقاموا «مدرسة الصفارين» فى عهد
السلطان «يعقوب» الذى عين لها المدرسين، وأجرى على
طلبتها النفقات اللازمة، وزودها بخزانة للكتب، وبنى السلطان
«أبو سعيد» عدة مدارس منها: مدرسة العطارين، ومدرسة المدينة
البيضاء، ومدرسة الصهريج. ولم يغفل المرينيون إنشاء
المستشفيات، فأقام السلطان «يعقوب بن عبد الحق» عدة
مستشفيات للمرضى والمجانين، ووفر لها الأطباء، وأجرى
عليهم المرتبات، كما خصص جزءًا كبيرًا من أموال الجزية لرعاية
الجذامى والعميان. ورث «بنو مرين» عن المرابطين والموحدين
ثروة ثقافية كبيرة، فأسهموا بدورهم فى زيادة هذه الثروة،
وأنشئوا المؤسسات العلمية كالمساجد والمدارس، ورحبوا
بالعلماء القادمين من «الأندلس» وغيرها؛ وشجعوهم على بذل ما
لديهم دفعًا للحركة العلمية بالبلاد. فاهتم العلماء بتفسير القرآن،
وبرع عدد كبير منهم فى هذا العلم أمثال: «محمد بن يوسف بن
عمران المزداغى» المتوفى عام (655هـ= 1257م)، و «محمد بن
محمد بن على» المعروف بابن البقال المتوفى عام (725هـ=(14/118)
1325م)، و «محمد بن على العابد الأنصارى» الذى اختصر تفسير
الزمخشرى المتوفى عام (762هـ= 1361م). أما علم الحديث فقد
ازدهر باعتباره المصدر الثانى للتشريع، ومن أبرز علمائه:
«عبدالمهيمن الحضرمى»، و «محمد بن عبدالرازق الجزولى»،
و «ابن رشيد» الذى تُوفى فى سنة (721هـ= 1321م). وقد تقدم
علم الفقه تقدمًا كبيرًا بسبب تشجيع سلاطين «بنى مرين»
للفقهاء؛ فكثرت المؤلفات، وظهر كثير من الفقهاء مثل: «محمد
بن محمد بن أحمد المقرى» المعروف بالمقرى الكبير المتوفى
عام (758هـ= 1357م)، و «أحمد بن قاسم بن عبدالرحمن الجذامى»
الذى عُرف بالقباب المتوفى عام (778هـ= 1376م). وإلى جانب
هذه العلوم الدينية ازدهرت علوم اللغة، والنحو والتاريخ،
والسير، والرحلات، والجغرافيا، والفلك، والرياضيات، والفلسفة
والمنطق والطب، كما ازدهرت الحركة الأدبية، واشتهر عدد كبير
من الشعراء، مثل: «أبى القاسم رضوان البرجى» الذى تولى
وظيفة الإنشاء فى عهد «أبى عنان المرينى»، و «لسان الدين
بن الخطيب» أشهر الشعراء الأندلسيين الذين عاشوا مدة طويلة
بالدولة المرينية، وكذا اشتهر عدد كبير فى فن النثر، منهم: «ابن
خلدون» و «ابن مرزوق الخطيب». وأسهمت المكتبات إسهامًا
بارزًا فى تنشيط الحركة الفكرية، وكان السلطان «أبو عنان
المرينى» قد أفرد دارًا للكتب وزوَّدها بالكتب فى شتى مجالات
العلوم والمعرفة، واستخدم بها الأمناء لحفظ الكتب وترتيبها
وتصنيفها، وكذا لاستقبال الزائرين.(14/119)
*بنو وطاس (دولة)
بنو وطاس» فخذ من قبيلة «بنى مرين»، ولكنهم ليسوا من فرع
الأسرة المرينية الحاكمة، وقد قامت علاقة حذرة بين أسرتى
«بنى وطاس» و «بنى مرين»، ثم تعدى «بنو وطاس» هذا الحذر،
واتخذوا موقفًا عدائيا من دولة «بنى مرين» منذ قيامها،
وساندوا الموحدين فى صراعهم معهم، ومن ثم عمد المرينيون-
بعد قيام دولتهم واستقرار الأوضاع لهم - إلى إحكام قبضتهم
على حصن «تازوطا» الذى كان مقر «بنى وطاس» فى ذلك
العهد، ولكن الوطاسيين قاموا بثورة فى سنة (691هـ= 1292م)
للاحتفاظ بنفوذهم فى هذا الحصن، وامتدت ثورتهم فشملت
منطقة الريف، ثم طردوا الوالى المرينى وحاشيته، وسيطروا
على الحصن، مما دفع السلطان «يوسف بن يعقوب المرينى»
إلى تجهيز جيش كبير، وجعل عليه «عمر بن المسعود بن
خرباش» أحد قادته المخلصين، وأمره بالتوجه إلى حصن
«تازوطا»، ثم خرج السلطان بنفسه على رأس جيش آخر، وحاصر
الجيشان الحصن مدة عشرة أشهر، وتمكن «عمر» و «عامر» ابنا
«يحيى بن الوزير الوطاسى» زعيما الوطاسيين من الفرار
بأموالهما إلى «تلمسان»، ودخل السلطان الحصن، وأنزل العقاب
بالوطاسيين ثم عاد إلى عاصمته «فاس» فى آخر جمادى الأولى
سنة (692هـ= أبريل1693م). وقد تآمر «زيان بن عمر الوطاسى»
مع الأمير «أبى عبدالرحمن المرينى» ضد والده السلطان «أبى
الحسن»، فى محاولة للاستيلاء على السلطة، ولكن محاولتهما
باءت بالفشل، وسُجن الأمير، وفر «الوطاسى» إلى «تونس».
وعلى الرغم من كل ما سبق فإن الوطاسيين نالوا حظا وافرًا من
المراكز العامة بالدولة المرينية، وتغلغل نفوذهم داخل مراكز
الحكم المدنى، وكذا العسكرى، ووصل بعضهم إلى منصب
الوزارة، مثل: «رحو بن يعقوب الوطاسى» الذى ولى الوزارة
فى عهد السلطان «عامر بن عبدالله المرينى»، واستمر إلى عهد
«سليمان بن عبدالله»، وتولى «عمر بن على الوطاسى» الإمارة
فى مدينة «بجاية» فى عهد «أبى عنان المرينى» فى سنة(14/120)
(759هـ= 1358م). دخل «محمد الشيخ الوطاسى» سلطان
الوطاسيين فى مواجهة مستمرة - منذ أسس دولته- مع الفتن
والقلاقل والثورات التى قامت بالدولة على أيدى العرب الذين
أغاروا على «فاس» و «مكناسة» ودمروهما، ثم واجه ثورة
«على بن راشد» فى «شفادن» وهى مدينة قريبة من «البحر
المتوسط» و «المحيط الأطلسى»، و «مضيق جبل طارق»، ثم حاول
«محمد بن أحمد المرينى» الاستقلال بمدينة «دبرو» التى تقع
شمال شرق «المغرب»، ونجح فى ذلك، وبسط نفوذه على
المناطق الغربية منها، فأدرك «محمد الشيخ» خطورته، وخرج
لمواجهته مرتين، كانت الأولى فى سنة (895هـ= 1490م)، وهُزم
فيها الوطاسيون، وكانت الثانية فى سنة (904هـ= 1498م)،
وانتصر فيها «بنو وطاس»، وعقد سلطانهم الصلح مع «محمد بن
أحمد المرينى»، وزوج السلطان ابنتيه لولدىّ الأمير «محمد»،
فحل بينهما السلام. وقد واجهت هذه الدولة ثورة بالمنطقة
الجنوبية، قادها «عمرو بن سليمان الشيظمى»، الشهير
بالسياف، فى سنة (870هـ= 1465م)، ولم تهدأ هذه الثورة إلا
بعد أن اُغتيل «الشيظمى» على يد زوجته فى سنة (890هـ=
1485م). والواقع أن «بنى وطاس» لم يتمكنوا من فرض سلطانهم
ونفوذهم على كل «المغرب الأقصى»، بل يمكن القول بأن
نفوذهم لم يتجاوز العاصمة «فاس»، واقتسمت القبائل والأشراف
والزعامات المحلية ومشايخ الصوفية باقى البلاد. فأدى هذا إلى
نشوب الاضطرابات والقلاقل بالبلاد، وتزايد الانقسامات بها،
واستغلال البرتغال والإسبان لهذه الأوضاع للتوسع وفرض النفوذ
ونشر المسيحية. ثم بدأت مرحلة أخرى من الصراع بين
الوطاسيين والسعديين الذين حشدوا الناس إلى جانبهم بحجة
الدفاع عن البلاد من خطر الإسبان والبرتغال، وكانوا فى حقيقة
الأمر يسعون لإسقاط «دولة الوطاسيين»، ونجحوا فى السيطرة
على بعض المدن المغربية، ثم دخلوا «مراكش»، وفشل «بنو
وطاس» فى صدهم، وتدخل العلماء للصلح بينهما، ونجحت(14/121)
محاولتهم، واتفق الفريقان على اقتسام «بلاد المغرب الأقصى»،
ولكنهما دخلا فى صراع ثانية، وتوسع السعديون على حساب
أملاك الوطاسيين، ثم دخلوا مدينة «فاس»، وقتلوا السلطان
الوطاسى «أبا حسون على بن محمد بن أبى ذكرى» فى يوم
السبت (24 من شوال سنة 961هـ=22 من سبتمبر 1554م)، وبدأ
السعديون بقيادة «محمد الشيخ السعدى» فى فرض نفوذهم
على بقية المناطق التابعة للوطاسيين، وهكذا سقطت دولة بنى
وطاس تعددت العلاقات الخارجية بين «بنى وطاس» و «دول
المغرب»، فضلا عن الإسبان والبرتغال، وحاولوا كسب ود
الحفصيين بتونس، وبايعوهم، ولكن هذا الود لم يدم، لأن
الحفصيين ساندوا ثورة «الشيظمى» التى استمرت نحو عشرين
عامًا، وكذلك حاول «بنو وطاس» مسالمة الإسبان والبرتغال،
وعقد «محمد الشيخ الوطاسى» مؤسس الدولة معاهدة سلام مع
البرتغال فى سنة (876هـ= 1471م)، ولكن البرتغاليين نقضوا هذه
المعاهدة، ثم توالت الاتفاقات بين الطرفين. وقد تطورت العلاقات
بين «بنى وطاس» و «الإسبان»، أثناء الصراع الذى دار بين «ابن
حسون الوطاسى» والسعديين؛ حيث التمس «ابن حسون» العون
من الإسبان، وأعلن ولاءه لامبراطورهم، واستعداده لتسليمهم
«بادس» فى مقابل مساعدته فى استرداد عرش «فاس»،
وساعده الاسبان بالسفن والأموال، ولكنه فشل فى استعادة
عرشه، فلجأ إلى البرتغال، وساندوه بالجنود والأموال وعدة
الحرب، ولكن هذه المساعدات لم تحقق أغراضها؛ إذ حاصرتها
قوات الدولة العثمانية واستولت عليها، مما جعل «ابن حسون»
يلجأ إليهم طلبًا للعون فى مقابل الاعتراف بسلطة الخليفة
العثمانى، فمكَّنه العثمانيون من العودة إلى عاصمته «فاس»
ثانية فى سنة (961هـ= 1554م)، ثم مالبث الأتراك أن سيطروا
على مقاليد الأمور بفاس، وضاق الناس بذلك، فاضطر «ابن
حسون» إلى تعويض الأتراك بمبالغ مالية كبيرة للرحيل عن
العاصمة، ففعلوا، وواصل «ابن حسون» نشاطه ضد السعديين،(14/122)
حتى سقط قتيلا، ومن ثم سقطت «دولة بنى وطاس». كان الحكم
وراثيا فى «بنى وطاس»، وكان السلطان يعين كبار مستشاريه
من كبار الشخصيات، وكان للسلطان أمين سر مهمته الإشراف
على أموال السلطان، كما كان السلطان يُعيِّن حكامًا على كل
مدينة، وجعل لهم الحق فى التصرف فى مواردها، وتزويد جيش
السلطان بالجنود من مدنهم، وتعيين وكلاء من طرفهم على
القبائل التى تسكن الجبال، وجباية الأموال، وأخضع السلطان
كل ذلك لسلطته، وأحكم قبضته على مقاليد الأمور، كما أخضع
كل موارد الدولة لخدمة الأغراض العسكرية. واتخذوا الوزراء من
أقاربهم، واستوزر «محمد الشيخ الوطاسى» أخويه «محمد
الحلو» و «الناصر أبا زكريا»، وعين مسعود بن الناصر خلفًا لأبيه
على الوزارة، وقد تنوعت اختصاصات الوزراء بين المهام
السياسية والحربية إلى جانب أعمالهم الإدارية. وتنوعت الوظائف
الإدارية وشملت: الباشا، والقائد، والقاضى، والمحتسب،
ويساعدهم مجموعة من الموظفين، منهم: الأمين والناظر، وأمين
المواريث. وقد نشطت حركات الاستقلال أثناء ضعف الحكومة
المركزية بفاس، وغياب سلطتها عن مناطق الأطراف، والمناطق
النائية. نجحت الزراعة نجاحًا عظيمًا، كعادتها ببلاد «المغرب»،
وكثرت المحاصيل وزادت أنواع الفواكه، وساعدت هجرة
الأندلسيين إلى «بلاد المغرب» على إدخال النظم الزراعية
الحديثة، واستحداث أنواع كثيرة من المحاصيل بالبلاد. وقد ترتب
على ازدهار الزراعة قيام صناعات كثيرة، إلى جانب الصناعات
التى كانت موجودة من قبل، واشتهرت «فاس» بصناعات الأحذية
والأوانى النحاسية والخيوط والمنسوجات. وكذلك صناعة الحلى.
ونشطت التجارة - خاصة فى أوقات السلم- وتوافرت الطرق
الداخلية التى تربط بين المدن، كما توافرت الطرق الرئيسية التى
تسير فيها القوافل من المدن المغربية وإليها، مثل: «سوسة»
و «درعة» اللتين حظيتا بنشاط تجارى كبير. وتنوعت صادرات
«المغرب» من الأوانى النحاسية، والمصنوعات الجلدية(14/123)
والزجاجية، والقطنية والحريرية، وكذلك التمور بأنواعها والتين
والحلى، أما وارداتهم فكانت الذهب وبعض التوابل. لم تختلف
طبقات المجتمع كثيرًا فى العهد الوطاسى عما سبقه من عهود،
واحتل الجيش مكانًا بارزًا، نظرًا لكثرة الحروب التى خاضها
الوطاسيون، وقد انقسم هذا الجيش إلى قسمين هما: الجيش
النظامى، وأفراده من البربر، ويضم: الفرسان والرماة وراشقى
السهام، والمشاة، والقسم الثانى: من المتطوعة من العرب
وغيرهم، وقد عرف جيش الوطاسيين نظام الحصون والحاميات.
وتوقف نشاط الوطاسيين العمرانى على مدينة «فاس»، ويرجع
ذلك إلى الأوضاع السياسية المضطربة التى سادت تلك الفترة،
وانصراف «بنى وطاس» إلى المعارك والحروب، وصرف
إمكاناتهم المادية فى التسليح والإنفاق على الجيش. وقد أدى
كل ذلك إلى توقف النشاط العمرانى، وتناقص عدد الفنادق
والمستشفيات، وقلة الاهتمام بالمرضى. شهدت العلوم الدينية
نشاطًا ملحوظًا، وبرز عدد كبير من العلماء فى المجالات كافة،
منهم: «أبو عبدالله بن أبى جمعة الهبطى»، صاحب كتاب:
«الوقف فى القرآن الكريم»، والمتوفى عام (930هـ= 1524م)،
والفقيه «محمد بن عبدالله بن عبدالواحد الفاسى» المتوفى عام
(894هـ= 1489م)، وألف «الوتشريشى» عدة كتب منها: «المعيار
المعزب، والجامع المعرب عن علماء إفريقية والأندلس والمغرب»،
وهو فى اثنى عشر جزءًا. وفى علم التاريخ برز القاضى «أبو
عبدالله محمد الكراسى الأندلسى»، الذى ألف منظومة عن «بنى
وطاس»، أسماها: «عروسة المسائل فيما لبنى وطاس من
فضائل». وتقع هذه المنظومة فى نحو ثلاثمائة بيت، وهى
المصدر الوحيد الذى يعتمد عليه المؤرخون فى التأريخ لهذه
الفترة، حيث لم يصل إليهم غيره. ويعد كتاب «وصف إفريقيا»
للجغرافى «حسن الزان» من أهم الكتب وأشهرها فى هذا
المجال، وقد تناول فيه جغرافية «إفريقية» عمومًا، و «المغرب
الأقصى»، و «مملكة فاس»، و «مملكة مراكش»، كما تناول(14/124)
العادات والتقاليد والحياة الاقتصادية والفكرية والدينية، والنظم
الإدارية. وتنافس الشعراء والوعاظ - فى هذه الفترة- فى تأليف
الخطب والقصائد الحماسية؛ لحث الناس على جهاد الأسبان
والبرتغال، ومن أبرز هؤلاء المؤلفين «أبو عبدالله محمد بن عبد
الرحيم التازى» المتوفى عام (920هـ= 1514م)، وله مؤلف عنوانه:
«تنبيه الهمم العالية، والانتصار للملكة الذاكية، وقمع الشرذمة
الطاغية، عجل الله دمارها، ومحا ببواتر المسلمين آثارها».
ووجدت علوم اللغة اهتمامًا بالغًا، وألف «عبدالعزيز بن
عبدالواحد اللمطى الميمونى» ألفية فى النحو تضاهى ألفية
«ابن مالك»، و «ابن عبدالواحد»، وهو من أهل «فاس» وقد
توفى عام (880هـ= 1475م)، وكذلك قام العالم «أبو العباس أحمد
بن محمد» المتوفى عام (995هـ= 1587م) بتدريس الفلك والحساب
بجامع القرويين بفاس.(14/125)
*زيان (بنو)
ترجع تسمية هذه الدولة بهذا الاسم إلى «زيان بن ثابت»، والد
«يغمراس» مؤسسها، كما أنها تسمى بدولة بنى عبدالواد (العبد
الوادية) نسبة إلى قبيلة «عبد الواد» التى ينتمى إليها «بنو
زيان». وقد قامت هذه الدولة بالمغرب الأوسط (الجزائر حاليا)
وكان يحدها غربًا «نهر ملوية»، ومدينة «قسنطينة» من الجانب
الشرقى، وكانت هذه المنطقة تضم عدة مدن منها: «بجاية»،
و «الجزائر»، و «وهران»، و «قسنطينة»، و «مليانة»، و «تلمسان».
شجع ضعف «دولة الموحدين» عقب هزيمتهم فى معركة
«العقاب» فى سنة (609هـ= 1212م)، بعض القوى على
الاستقلال، فشجع ذلك بدوره «بنى عبدالواد» على الاستقلال
بالمغرب الأوسط، فاستولوا على «تلمسان» فى سنة (627هـ=
1230م). ويعد «يغمراس بن زيان» الذى تولى الإمارة بعد أخيه
فى سنة (633هـ= 1235م) هو المؤسس الحقيقى لهذه الدولة،
حيث سالم جيرانه من الموحدين كى لا يعرض دولته الناشئة
لمعارك جانبية، تصرفه عن تأسيس الدولة، وبنى سياسته فى
هذه المرحلة على عاملين مهمين هما: العامل العسكرى: جاور
«الحفصيون» «بنى زيان» من جهة الشرق، وجاورهم «بنو
مرين» من الغرب، وهاجم «بنو حفص» مدينة «تلمسان» فى سنة
(640هـ= 1242م)، فهادنهم «بنو زيان» وبايعوهم، ودعوا على
منابرهم للحفصيين، وفى الوقت نفسه بعثوا بجنودهم إلى
الجبال واتخذوا من الإغارة على القوات الحفصية وسيلة لطردهم
من «تلمسان» و «المغرب الأوسط»، فاضطر الحفصيون إلى عقد
الصلح معهم وأعادوا «يغمراس» إلى مقر حكمه بتلمسان ثانية،
وكذلك فعل «بنو زيان» مع الموحدين فى سنة (646هـ= 1248م)
ثم قاموا بغارات كثيرة على القبائل الموجودة داخل «المغرب
الأوسط»، مثل قبائل «توُين» و «مغرادة». العامل السلمى: لم
يكتف «يغمراس» بالمعارك والغارات، وعمد إلى تحصين بلاده
شرقًا وغربًا، وجاء بقبيلة «بنى عامر» وأقطعها نواحى
«وهران» و «تلمسان» لتكون حائط الصد لأعدائه، ثم دعم كيان(14/126)
دولته بمصاهرة الحفصيين، حيث زوج إحدى بناته لعثمان ابن
الأمير الحفصى «أبى إسحاق»، فأمن بذلك شرهم، وهجماتهم
على الحدود الشرقية لدولته. كانت القبيلة من أهم العوامل التى
أثرت فى سياسة دولة «بنى زيان» وكيانها؛ حيث دخلت هذه
الدولة فى صراع طويل مع قبائل: «بنى توُين» و «مغرادة» من
البربر، و «بنى عامر سويد» من العرب، لرفض هذه القبائل
الخضوع لغيرها، ولتعصبها لبنى جلدتها وقبيلتها، وشقت عصا
الطاعة، ثم زادت حدة موقفها بعد وفاة «يغمراس» فى سنة
(681هـ= 1282م)، واضطر الأمير «عثمان» الذى خلف والده
«يغمراس» إلى مواجهتهم، فاستولى على «مازونة» من
«مغرادة» فى سنة (686هـ= 1287م)، ثم احتل مدينة «تنس»،
ودخل «إنشريش» ولكن هذا الاتساع عاد إلى الانكماش ثانية
نتيجة احتلال «بنى مرين» للمغرب الأوسط، وحصارهم «تلمسان»
فى سنة (698هـ= 1299م)، وعادت القبائل مرة أخرى إلى التمرد
والعصيان عقب وفاة الأمير «عثمان»، فخرج إليهم الأمير «أبو
زيان محمد الأول» (703 - 707هـ= 1303 - 1307م)، ثم خضعت هذه
الدولة أكثر من مرة لدولة بنى مرين مثلما حدث فى سنة (670 -
680هـ= 1271 - 1281م) وسنة (689هـ= 1290م) وسنة (737 -
749هـ= 1336 - 1348م) ولكن بنى زيان كانوا يرفضون هذا
الخضوع، وينتهزون الفرصة للعودة إلى حكم بلادهم. وقد عاشت
هذه الدولة فى حروب واضطرابات دائمة، ونشبت الخلافات بين
أفراد البيت الزيانى، وأدى التهافت على السلطة بينهم إلى أن
يشهر الولد السيف فى وجه أبيه، بل يتعدى ذلك، ويقتل أباه،
مثلما حدث مع «أبى تاشفين (الثانى) عبد الرحمن» (791 -
795هـ=1389 - 1393م) ووالده السلطان «أبى حمو موسى
(الثانى) بن يوسف»، حين خلع «تاشفين» أباه من السلطة،
واستولى على الحكم، ثم اعتقل أباه وإخوته فى سنة (788هـ=
1386م) فقامت حروب بين أفراد هذه الأسرة، وعاد «أبو حمو»
إلى عرشه، واستعان «ابنه تاشفين» ببنى مرين عليه، وحاربه،(14/127)
ثم قتله وعاد «تاشفين» إلى الحكم فى ظل التبعية لبنى مرين.
تفشت ظاهرة قتل السلاطين بدولة بنى زيان، وزاد التناحر بين
أفراد البيت الزيانى، وتكررت هجمات الاسبان على الشواطئ
المغربية، واستولوا على «مرسى وهران» فى سنة (911هـ=
1505م)، ثم استولوا سنة (912هـ= 1506م) على «وهران»
و «بجاية» و «تدلس» وهى موانى تابعة «لبنى زيان»، وارتضى
«أبو حمو الثالث» (909 - 923هـ= 1503 - 1517م) دفع ضريبة
سنوية للإسبان لكى يبقى فى مقعد الحكم، فاستنجد الناس
بالأتراك العثمانيين لتخليصهم من هذا الاحتلال، فأسرع لنجدتهم
الأخوان «عروج» و «خير الدين» ابنا «يعقوب التركى»، اللذان
كانا يحملان المتطوعين فى السفن لإنقاذ مهاجرى الأندلس،
ونقلهم إلى أرض «المغرب»، ودارت معركة بين الطرفين،
وأرسلت إسبانيا بالإمدادات لتعزيز قواتها وحليفها «أبى حمو»
الذى فر إلى «وهران» للاحتماء بالقوة الإسبانية هناك، وحاصر
الإسبان مدينة «تلمسان» واستشهد «عروج» فى سنة (924هـ=
1518م)، ومات «أبو حمو الثالث» فى السنة نفسها. وتوالت
الاضطرابات، وزاد التنافس على العرش، وأقبل السعديون من
«المغرب الأقصى» واستولوا على «تلمسان» فى سنة (957هـ=
1550م). وانقسم البيت الزيانى إلى طوائف ثلاث: إحداها تضامنت
مع الأتراك، والأخرى استعانت بالأسبان، والأخيرة تحالفت مع
السعديين، وتحرك الأتراك، ودخلوا فى معركة مع السعديين
وهزموهم، فعادوا إلى «المغرب الأقصى»، ودخل الأتراك
العاصمة «تلمسان». وكان آخر حكام «بنى زيان» هو «الحسن
بن عبدالله» (957 - 962هـ= 1550 - 1555م) الذى ثار عليه الناس
لميله إلى الإسبان فخلعه الأتراك، وضموا «تلمسان» إلى حكومة
«الجزائر» التركية فى سنة (962هـ= 1555م). كان موقع «الدولة
الزيانية» بالمغرب الأوسط حافزًا للقوى الأخرى بالمغرب على
التطلع إليها، بغرض السيطرة وفرض النفوذ، ولعل هذا هو ما
فعله الموحدون، و «بنو مرين»، و «الحفصيون». وظلت العلاقات(14/128)
بين هذه الدولة وهذه القوى بين شَد وجذب، فتارة يخضع «بنو
زيان» للنفوذ الموحدى والمرينى والحفصى، وتارة ينعمون
باستقلالهم، وأخرى يمتد فيها نفوذهم إلى بعض مناطق
المغربين الأدنى والأقصى. ولقد وقف «بنو زيان» فى بداية الأمر
فى وجه الزحف الموحدى، إلا أن الموحدين تمكنوا من إخضاعهم
والسيطرة على «المغرب الأوسط»، ودخل «بنو زيان» فى تبعية
الموحدين، فلما قويت شوكة «بنى زيان» كانت «دولة
الموحدين» فى مرحلة الضعف والانهيار، فبدأ الموحدون
يتوددون إليهم ويهادنونهم، فخشى الحفصيون من هذا التحالف،
وتوجهوا إلى «تلمسان» واستولوا عليها فى سنة (640هـ=
1242م) بمساعدة بعض قبائل «المغرب الأوسط»، واشترطوا
لعودة «بنى زيان» إلى الحكم أن يخلعوا طاعة الموحدين
ويعلنوا تبعيتهم للحفصيين، فقبل «بنو زيان» ذلك، وعادوا إلى
حكم «تلمسان». ولكن الموحدين لم يعجبهم هذا الوضع وحشدوا
جيوشهم وحاصروا «تلمسان»، فأعلن «بنو زيان» طاعتهم لهم،
وساعدوهم فى صراعهم مع المرينيين على الرغم من العلاقات
المتوترة بينهما، وظل هذا شأنهما حتى سقوط «دولة الموحدين»
فى سنة (668هـ= 1269م). أما علاقة «بنى زيان» بالحفصيين،
فكانت علاقة عداء؛ نظرًا لتضارب مصالح الدولتين، حيث رغبت
كل منهما فى التوسع على حساب الأخرى. وقد بدأت هذه
العلاقات باستيلاء الحفصيين على «تلمسان» فى سنة (640هـ=
1242م)، ثم بدأت بينهما المفاوضات، وعاد «يغمراس» إلى
عاصمته «تلمسان» وأعلن تبعيته للحفصيين، ولكن «بنى زيان»
لم يرضوا بهذه التبعية وأعلنوا استقلالهم عن هذه التبعية فى
عهد «المتوكل الزيانى» فى سنة (868هـ= 1464م)، ومن ثم
حاصرتهم جيوش الحفصيين فى «تلمسان» فى سنة (871هـ=
1466م)، وهدموا أسوارها، وأجبروهم على إعلان الطاعة
والتبعية للحفصيين ثانية. وقد عمد الحفصيون إلى إحداث الفُرقة،
وإشعال الفتنة بين أفراد البيت الزيانى، حتى يتسنى لهم إحكام(14/129)
قبضتهم عليهم، ويضمنوا تبعيتهم، وتم لهم ذلك واستمر حتى دبَّ
الضعف والتفكك بين سلاطين «بنى حفص» وأفراد أسرتهم،
فوجه إليهم بنو زيان عدة ضربات متوالية، وتمكنوا من هزيمتهم
والاستيلاء على «تونس» فى سنة (730هـ= 1330م). وعلى الرغم
مما سبق فقد شهدت العلاقات الزيانية الحفصية - أحيانًا- بعض
حالات الهدوء، وحسن الجوار، وتجلى ذلك حين صاهرهم
«يغمراس» وزوَّج ابنه «عثمان» إحدى بنات «أبى إسحاق
الحفصى» فى سنة (681هـ= 1282م). كان الحكم فى «دولة بنى
زيان» وراثيا، وكانت ألقاب حكامهم تتراوح بين «أمير
المسلمين» ولقب «السلطان»، وقد تفشت ظاهرة قتل سلاطينهم
على أيدى أفراد أسرتهم الحاكمة للوصول إلى الحكم، كما فعل
«تاشفين» مع والده «أبى حمو». وتعددت المناصب الإدارية فى
هذه الدولة، وجاء منصب «الوزارة» فى مقدمتها، كما كان
قاضى القضاة يتقدم مجموعة القضاة بالدولة، وكذلك كان قائد
الجيش من رجال هذه الدولة البارزين، ولذا كان السلطان يختاره
من أفراد أسرته، أو يتولى هو مكانه، ويخرج بنفسه على رأس
الجيوش. وكان ديوان الإنشاء والتوقيع من أبرز الدواوين، لأنه
يختص بالمراسيم السلطانية، ومراسلات الدولة مع غيرها من
الدول. تمتع «المغرب الأوسط» بسطح متنوع، جمع بين السهل
الساحلى والوديان الداخلية، وسلسلة جبال الأطلس، فضلاً عن
تمتعه بمناخ يختلف من منطقة إلى أخرى، وبتربة خصبة صالحة
للزراعة، وبأنهار منتشرة فى كل مكان مثل نهرى «شلف»
و «سيرات»، وبعيون مائية منبثة، وبأمطار تسقط على منطقة
الساحل، فهيأت كل هذه العناصر لقيام زراعة ناجحة، أولاها
ولاة الأمر عنايتهم ورعايتهم، فتنوعت المحاصيل الزراعية، كما
ازدهرت صناعة الأقمشة الحريرية والصوفية، وصناعة السجاد
والبسط، وكذلك صناعة السفن الحربية والتجارية، والأسلحة،
والمصنوعات الجلدية، والمشغولات الذهبية والفضية والنحاسية.
وكان لموقع «المغرب الأوسط» دور كبير فى تنشيط التجارة،(14/130)
باعتباره همزة الوصل بين المغربين الأدنى والأقصى، حيث تمتد
شواطئه، وتكثر موانيه المطلة على «البحر المتوسط»، فضلا عن
طرق التجارة المتعددة بجنوبه، والتى كانت تمر منها القوافل
التجارىة القادمة من جنوب الصحراء قاصدة الموانى المطلة على
«البحر المتوسط»، لتكمل رحلتها إلى «أوربا» وغيرها من
المناطق. وقد تعددت صادرات «المغرب الأوسط»، وكان الصوف
والأسلحة والمنتجات الزراعية من أهم صادرات «بنى زيان»
وأسهمت موانى: «وهران» و «تنس» و «الجزائر» و «بجاية»
إسهامًا بارزًا فى تنشيط التجارة، وازدهار الاقتصاد، وكان ذلك
سببًا رئيسيا فى اهتمام سلاطين «بنى زيان» بالبناء والتعمير،
فتنوعت فى عهدهم المؤسسات وعُنوا بإنشاء المساجد
والمدارس والقصور، والمنشآت العسكرية، وكانت أبرز مساجدهم
هى: «مسجد أبى الحسن» الذى أمر «عثمان بن يغمراس» ببنائه
سنة (696هـ= 1296م)، و «مسجد الولى إبراهيم» الذى تم بناؤه
فى عهد أبى حمو الثانى، كما شهد عهد «أبى تاشفين الأول»
نهضة عمرانية كبيرة. وتعددت المدارس بتلمسان ووهران، وكانت
أبرز هذه المدارس هى «المدرسة التاشفينية» (أو المدرسة
القديمة) التى أنشأها «أبو تاشفين بن عبد الرحمن» (718 -
736هـ = 1318 - 1336م)، و «المدرسة اليعقوبية» التى بناها
«أبو حمو موسى الثانى»، وكان افتتاحها فى الخامس من صفر
سنة (765هـ= نوفمبر 1363م). وبنى «بنو زيان» الحصون
والأبراج والأسوار والقلاع العسكرية لتحصين بلادهم، ومن أبرز
قلاعهم: قلعة «تامز يزدكت» التى كانت مركز مقاومتهم على
الحدود الشرقية مع «بنى حفص». اهتم «بنو زيان» بتنشيط
الحركة الفكرية فى بلادهم، ودعموها بإنشاء المدارس
والمساجد والكتاتيب والزوايا لتعليم الطلاب، ولم يختلف أسلوب
التعليم فى دولتهم عن مثيله فى «دولة بنى مرين» و «دولة
الحفصيين»، وامتلأت المؤسسات التعليمية بالعلماء المتخصصين
فى كل علم وفن، وقد لقى هؤلاء من الدولة معاملة حسنة(14/131)
وأغدقت عليهم المنح والعطايا، وولتهم المناصب الرفيعة حتى
ينهضوا بالمستوى التعليمى والفكرى فى البلاد. واستعاد
المذهب المالكى مكانته بدولة «بنى زيان» كما استعاده فى
بقية الدول الأخرى عقب سقوط «دولة الموحدين»، وازدهرت
علوم التفسير والفقه والحديث والمنطق والجدل والكلام، وغيرها
من العلوم، وتبوأت مجموعة من العلماء مكانة ممتازة لدى «بنى
زيان»، منهم: «أبو إسحاق إبراهيم بن يخلف التنسى» المتوفى
عام (680هـ= 1281م)، و «أبو عبدالله محمد بن محمد المقرى»
المتوفى عام (759هـ= 1358م) والذى تتلمذ على يديه مجموعة من
العلماء النابغين، أمثال: ابن الخطيب، وابن خلدون، والشاطبى
وغيرهم. وبرزت كذلك جماعة من العلماء فى علوم اللغة والأدب
منهم: «أبو عبدالله بن عمر بن خميس التلمسانى» المتوفى عام
(708هـ= 1308م)، وقد أشرف على «ديوان الإنشاء» بتلمسان
فى عهد «عثمان بن يغمراس»، و «أبو عبدالله محمد بن منصور
القرشى التلمسانى» الذى أنشأ «ديوان الرسائل» فى عهد أبى
حمو الأول.(14/132)
*عبد الواد (بنو)
ترجع تسمية هذه الدولة بهذا الاسم إلى «زيان بن ثابت»، والد
«يغمراس» مؤسسها، كما أنها تسمى بدولة بنى عبدالواد (العبد
الوادية) نسبة إلى قبيلة «عبد الواد» التى ينتمى إليها «بنو
زيان». وقد قامت هذه الدولة بالمغرب الأوسط (الجزائر حاليا)
وكان يحدها غربًا «نهر ملوية»، ومدينة «قسنطينة» من الجانب
الشرقى، وكانت هذه المنطقة تضم عدة مدن منها: «بجاية»،
و «الجزائر»، و «وهران»، و «قسنطينة»، و «مليانة»، و «تلمسان».
شجع ضعف «دولة الموحدين» عقب هزيمتهم فى معركة
«العقاب» فى سنة (609هـ= 1212م)، بعض القوى على
الاستقلال، فشجع ذلك بدوره «بنى عبدالواد» على الاستقلال
بالمغرب الأوسط، فاستولوا على «تلمسان» فى سنة (627هـ=
1230م). ويعد «يغمراس بن زيان» الذى تولى الإمارة بعد أخيه
فى سنة (633هـ= 1235م) هو المؤسس الحقيقى لهذه الدولة،
حيث سالم جيرانه من الموحدين كى لا يعرض دولته الناشئة
لمعارك جانبية، تصرفه عن تأسيس الدولة، وبنى سياسته فى
هذه المرحلة على عاملين مهمين هما: العامل العسكرى: جاور
«الحفصيون» «بنى زيان» من جهة الشرق، وجاورهم «بنو
مرين» من الغرب، وهاجم «بنو حفص» مدينة «تلمسان» فى سنة
(640هـ= 1242م)، فهادنهم «بنو زيان» وبايعوهم، ودعوا على
منابرهم للحفصيين، وفى الوقت نفسه بعثوا بجنودهم إلى
الجبال واتخذوا من الإغارة على القوات الحفصية وسيلة لطردهم
من «تلمسان» و «المغرب الأوسط»، فاضطر الحفصيون إلى عقد
الصلح معهم وأعادوا «يغمراس» إلى مقر حكمه بتلمسان ثانية،
وكذلك فعل «بنو زيان» مع الموحدين فى سنة (646هـ= 1248م)
ثم قاموا بغارات كثيرة على القبائل الموجودة داخل «المغرب
الأوسط»، مثل قبائل «توُين» و «مغرادة». العامل السلمى: لم
يكتف «يغمراس» بالمعارك والغارات، وعمد إلى تحصين بلاده
شرقًا وغربًا، وجاء بقبيلة «بنى عامر» وأقطعها نواحى
«وهران» و «تلمسان» لتكون حائط الصد لأعدائه، ثم دعم كيان(14/133)
دولته بمصاهرة الحفصيين، حيث زوج إحدى بناته لعثمان ابن
الأمير الحفصى «أبى إسحاق»، فأمن بذلك شرهم، وهجماتهم
على الحدود الشرقية لدولته. كانت القبيلة من أهم العوامل التى
أثرت فى سياسة دولة «بنى زيان» وكيانها؛ حيث دخلت هذه
الدولة فى صراع طويل مع قبائل: «بنى توُين» و «مغرادة» من
البربر، و «بنى عامر سويد» من العرب، لرفض هذه القبائل
الخضوع لغيرها، ولتعصبها لبنى جلدتها وقبيلتها، وشقت عصا
الطاعة، ثم زادت حدة موقفها بعد وفاة «يغمراس» فى سنة
(681هـ= 1282م)، واضطر الأمير «عثمان» الذى خلف والده
«يغمراس» إلى مواجهتهم، فاستولى على «مازونة» من
«مغرادة» فى سنة (686هـ= 1287م)، ثم احتل مدينة «تنس»،
ودخل «إنشريش» ولكن هذا الاتساع عاد إلى الانكماش ثانية
نتيجة احتلال «بنى مرين» للمغرب الأوسط، وحصارهم «تلمسان»
فى سنة (698هـ= 1299م)، وعادت القبائل مرة أخرى إلى التمرد
والعصيان عقب وفاة الأمير «عثمان»، فخرج إليهم الأمير «أبو
زيان محمد الأول» (703 - 707هـ= 1303 - 1307م)، ثم خضعت هذه
الدولة أكثر من مرة لدولة بنى مرين مثلما حدث فى سنة (670 -
680هـ= 1271 - 1281م) وسنة (689هـ= 1290م) وسنة (737 -
749هـ= 1336 - 1348م) ولكن بنى زيان كانوا يرفضون هذا
الخضوع، وينتهزون الفرصة للعودة إلى حكم بلادهم. وقد عاشت
هذه الدولة فى حروب واضطرابات دائمة، ونشبت الخلافات بين
أفراد البيت الزيانى، وأدى التهافت على السلطة بينهم إلى أن
يشهر الولد السيف فى وجه أبيه، بل يتعدى ذلك، ويقتل أباه،
مثلما حدث مع «أبى تاشفين (الثانى) عبد الرحمن» (791 -
795هـ=1389 - 1393م) ووالده السلطان «أبى حمو موسى
(الثانى) بن يوسف»، حين خلع «تاشفين» أباه من السلطة،
واستولى على الحكم، ثم اعتقل أباه وإخوته فى سنة (788هـ=
1386م) فقامت حروب بين أفراد هذه الأسرة، وعاد «أبو حمو»
إلى عرشه، واستعان «ابنه تاشفين» ببنى مرين عليه، وحاربه،(14/134)
ثم قتله وعاد «تاشفين» إلى الحكم فى ظل التبعية لبنى مرين.
تفشت ظاهرة قتل السلاطين بدولة بنى زيان، وزاد التناحر بين
أفراد البيت الزيانى، وتكررت هجمات الاسبان على الشواطئ
المغربية، واستولوا على «مرسى وهران» فى سنة (911هـ=
1505م)، ثم استولوا سنة (912هـ= 1506م) على «وهران»
و «بجاية» و «تدلس» وهى موانى تابعة «لبنى زيان»، وارتضى
«أبو حمو الثالث» (909 - 923هـ= 1503 - 1517م) دفع ضريبة
سنوية للإسبان لكى يبقى فى مقعد الحكم، فاستنجد الناس
بالأتراك العثمانيين لتخليصهم من هذا الاحتلال، فأسرع لنجدتهم
الأخوان «عروج» و «خير الدين» ابنا «يعقوب التركى»، اللذان
كانا يحملان المتطوعين فى السفن لإنقاذ مهاجرى الأندلس،
ونقلهم إلى أرض «المغرب»، ودارت معركة بين الطرفين،
وأرسلت إسبانيا بالإمدادات لتعزيز قواتها وحليفها «أبى حمو»
الذى فر إلى «وهران» للاحتماء بالقوة الإسبانية هناك، وحاصر
الإسبان مدينة «تلمسان» واستشهد «عروج» فى سنة (924هـ=
1518م)، ومات «أبو حمو الثالث» فى السنة نفسها. وتوالت
الاضطرابات، وزاد التنافس على العرش، وأقبل السعديون من
«المغرب الأقصى» واستولوا على «تلمسان» فى سنة (957هـ=
1550م). وانقسم البيت الزيانى إلى طوائف ثلاث: إحداها تضامنت
مع الأتراك، والأخرى استعانت بالأسبان، والأخيرة تحالفت مع
السعديين، وتحرك الأتراك، ودخلوا فى معركة مع السعديين
وهزموهم، فعادوا إلى «المغرب الأقصى»، ودخل الأتراك
العاصمة «تلمسان». وكان آخر حكام «بنى زيان» هو «الحسن
بن عبدالله» (957 - 962هـ= 1550 - 1555م) الذى ثار عليه الناس
لميله إلى الإسبان فخلعه الأتراك، وضموا «تلمسان» إلى حكومة
«الجزائر» التركية فى سنة (962هـ= 1555م). كان موقع «الدولة
الزيانية» بالمغرب الأوسط حافزًا للقوى الأخرى بالمغرب على
التطلع إليها، بغرض السيطرة وفرض النفوذ، ولعل هذا هو ما
فعله الموحدون، و «بنو مرين»، و «الحفصيون». وظلت العلاقات(14/135)
بين هذه الدولة وهذه القوى بين شَد وجذب، فتارة يخضع «بنو
زيان» للنفوذ الموحدى والمرينى والحفصى، وتارة ينعمون
باستقلالهم، وأخرى يمتد فيها نفوذهم إلى بعض مناطق
المغربين الأدنى والأقصى. ولقد وقف «بنو زيان» فى بداية الأمر
فى وجه الزحف الموحدى، إلا أن الموحدين تمكنوا من إخضاعهم
والسيطرة على «المغرب الأوسط»، ودخل «بنو زيان» فى تبعية
الموحدين، فلما قويت شوكة «بنى زيان» كانت «دولة
الموحدين» فى مرحلة الضعف والانهيار، فبدأ الموحدون
يتوددون إليهم ويهادنونهم، فخشى الحفصيون من هذا التحالف،
وتوجهوا إلى «تلمسان» واستولوا عليها فى سنة (640هـ=
1242م) بمساعدة بعض قبائل «المغرب الأوسط»، واشترطوا
لعودة «بنى زيان» إلى الحكم أن يخلعوا طاعة الموحدين
ويعلنوا تبعيتهم للحفصيين، فقبل «بنو زيان» ذلك، وعادوا إلى
حكم «تلمسان». ولكن الموحدين لم يعجبهم هذا الوضع وحشدوا
جيوشهم وحاصروا «تلمسان»، فأعلن «بنو زيان» طاعتهم لهم،
وساعدوهم فى صراعهم مع المرينيين على الرغم من العلاقات
المتوترة بينهما، وظل هذا شأنهما حتى سقوط «دولة الموحدين»
فى سنة (668هـ= 1269م). أما علاقة «بنى زيان» بالحفصيين،
فكانت علاقة عداء؛ نظرًا لتضارب مصالح الدولتين، حيث رغبت
كل منهما فى التوسع على حساب الأخرى. وقد بدأت هذه
العلاقات باستيلاء الحفصيين على «تلمسان» فى سنة (640هـ=
1242م)، ثم بدأت بينهما المفاوضات، وعاد «يغمراس» إلى
عاصمته «تلمسان» وأعلن تبعيته للحفصيين، ولكن «بنى زيان»
لم يرضوا بهذه التبعية وأعلنوا استقلالهم عن هذه التبعية فى
عهد «المتوكل الزيانى» فى سنة (868هـ= 1464م)، ومن ثم
حاصرتهم جيوش الحفصيين فى «تلمسان» فى سنة (871هـ=
1466م)، وهدموا أسوارها، وأجبروهم على إعلان الطاعة
والتبعية للحفصيين ثانية. وقد عمد الحفصيون إلى إحداث الفُرقة،
وإشعال الفتنة بين أفراد البيت الزيانى، حتى يتسنى لهم إحكام(14/136)
قبضتهم عليهم، ويضمنوا تبعيتهم، وتم لهم ذلك واستمر حتى دبَّ
الضعف والتفكك بين سلاطين «بنى حفص» وأفراد أسرتهم،
فوجه إليهم بنو زيان عدة ضربات متوالية، وتمكنوا من هزيمتهم
والاستيلاء على «تونس» فى سنة (730هـ= 1330م). وعلى الرغم
مما سبق فقد شهدت العلاقات الزيانية الحفصية - أحيانًا- بعض
حالات الهدوء، وحسن الجوار، وتجلى ذلك حين صاهرهم
«يغمراس» وزوَّج ابنه «عثمان» إحدى بنات «أبى إسحاق
الحفصى» فى سنة (681هـ= 1282م). كان الحكم فى «دولة بنى
زيان» وراثيا، وكانت ألقاب حكامهم تتراوح بين «أمير
المسلمين» ولقب «السلطان»، وقد تفشت ظاهرة قتل سلاطينهم
على أيدى أفراد أسرتهم الحاكمة للوصول إلى الحكم، كما فعل
«تاشفين» مع والده «أبى حمو». وتعددت المناصب الإدارية فى
هذه الدولة، وجاء منصب «الوزارة» فى مقدمتها، كما كان
قاضى القضاة يتقدم مجموعة القضاة بالدولة، وكذلك كان قائد
الجيش من رجال هذه الدولة البارزين، ولذا كان السلطان يختاره
من أفراد أسرته، أو يتولى هو مكانه، ويخرج بنفسه على رأس
الجيوش. وكان ديوان الإنشاء والتوقيع من أبرز الدواوين، لأنه
يختص بالمراسيم السلطانية، ومراسلات الدولة مع غيرها من
الدول. تمتع «المغرب الأوسط» بسطح متنوع، جمع بين السهل
الساحلى والوديان الداخلية، وسلسلة جبال الأطلس، فضلاً عن
تمتعه بمناخ يختلف من منطقة إلى أخرى، وبتربة خصبة صالحة
للزراعة، وبأنهار منتشرة فى كل مكان مثل نهرى «شلف»
و «سيرات»، وبعيون مائية منبثة، وبأمطار تسقط على منطقة
الساحل، فهيأت كل هذه العناصر لقيام زراعة ناجحة، أولاها
ولاة الأمر عنايتهم ورعايتهم، فتنوعت المحاصيل الزراعية، كما
ازدهرت صناعة الأقمشة الحريرية والصوفية، وصناعة السجاد
والبسط، وكذلك صناعة السفن الحربية والتجارية، والأسلحة،
والمصنوعات الجلدية، والمشغولات الذهبية والفضية والنحاسية.
وكان لموقع «المغرب الأوسط» دور كبير فى تنشيط التجارة،(14/137)
باعتباره همزة الوصل بين المغربين الأدنى والأقصى، حيث تمتد
شواطئه، وتكثر موانيه المطلة على «البحر المتوسط»، فضلا عن
طرق التجارة المتعددة بجنوبه، والتى كانت تمر منها القوافل
التجارىة القادمة من جنوب الصحراء قاصدة الموانى المطلة على
«البحر المتوسط»، لتكمل رحلتها إلى «أوربا» وغيرها من
المناطق. وقد تعددت صادرات «المغرب الأوسط»، وكان الصوف
والأسلحة والمنتجات الزراعية من أهم صادرات «بنى زيان»
وأسهمت موانى: «وهران» و «تنس» و «الجزائر» و «بجاية»
إسهامًا بارزًا فى تنشيط التجارة، وازدهار الاقتصاد، وكان ذلك
سببًا رئيسيا فى اهتمام سلاطين «بنى زيان» بالبناء والتعمير،
فتنوعت فى عهدهم المؤسسات وعُنوا بإنشاء المساجد
والمدارس والقصور، والمنشآت العسكرية، وكانت أبرز مساجدهم
هى: «مسجد أبى الحسن» الذى أمر «عثمان بن يغمراس» ببنائه
سنة (696هـ= 1296م)، و «مسجد الولى إبراهيم» الذى تم بناؤه
فى عهد أبى حمو الثانى، كما شهد عهد «أبى تاشفين الأول»
نهضة عمرانية كبيرة. وتعددت المدارس بتلمسان ووهران، وكانت
أبرز هذه المدارس هى «المدرسة التاشفينية» (أو المدرسة
القديمة) التى أنشأها «أبو تاشفين بن عبد الرحمن» (718 -
736هـ = 1318 - 1336م)، و «المدرسة اليعقوبية» التى بناها
«أبو حمو موسى الثانى»، وكان افتتاحها فى الخامس من صفر
سنة (765هـ= نوفمبر 1363م). وبنى «بنو زيان» الحصون
والأبراج والأسوار والقلاع العسكرية لتحصين بلادهم، ومن أبرز
قلاعهم: قلعة «تامز يزدكت» التى كانت مركز مقاومتهم على
الحدود الشرقية مع «بنى حفص». اهتم «بنو زيان» بتنشيط
الحركة الفكرية فى بلادهم، ودعموها بإنشاء المدارس
والمساجد والكتاتيب والزوايا لتعليم الطلاب، ولم يختلف أسلوب
التعليم فى دولتهم عن مثيله فى «دولة بنى مرين» و «دولة
الحفصيين»، وامتلأت المؤسسات التعليمية بالعلماء المتخصصين
فى كل علم وفن، وقد لقى هؤلاء من الدولة معاملة حسنة(14/138)
وأغدقت عليهم المنح والعطايا، وولتهم المناصب الرفيعة حتى
ينهضوا بالمستوى التعليمى والفكرى فى البلاد. واستعاد
المذهب المالكى مكانته بدولة «بنى زيان» كما استعاده فى
بقية الدول الأخرى عقب سقوط «دولة الموحدين»، وازدهرت
علوم التفسير والفقه والحديث والمنطق والجدل والكلام، وغيرها
من العلوم، وتبوأت مجموعة من العلماء مكانة ممتازة لدى «بنى
زيان»، منهم: «أبو إسحاق إبراهيم بن يخلف التنسى» المتوفى
عام (680هـ= 1281م)، و «أبو عبدالله محمد بن محمد المقرى»
المتوفى عام (759هـ= 1358م) والذى تتلمذ على يديه مجموعة من
العلماء النابغين، أمثال: ابن الخطيب، وابن خلدون، والشاطبى
وغيرهم. وبرزت كذلك جماعة من العلماء فى علوم اللغة والأدب
منهم: «أبو عبدالله بن عمر بن خميس التلمسانى» المتوفى عام
(708هـ= 1308م)، وقد أشرف على «ديوان الإنشاء» بتلمسان
فى عهد «عثمان بن يغمراس»، و «أبو عبدالله محمد بن منصور
القرشى التلمسانى» الذى أنشأ «ديوان الرسائل» فى عهد أبى
حمو الأول.(14/139)
*الحفصية (دولة)
ينتسب الحفصيون إلى «أبى حفص عمر بن يحيى» الذى ينتمى
إلى «قبيلة هنتاتة»، وهى من قبائل المصامدة التى عاشت
بالمغرب الأقصى، واتخذت المعاقل والحصون، وشيدت المبانى
والقصور، وامتهنوا الفلاحة وزراعة الأرض. وقد طمع الحفصيون
فى الاستقلال بإفريقية بعد هزيمة الموحدين فى معركة
«العقاب» بالأندلس فى سنة (609هـ= 1212م)، وعملوا على
تحقيق ذلك حتى سنة (625هـ= 1228م)، فوصل «أبو زكريا بن
عبدالواحد الحفصى» إلى مقعد الإمارة بتونس، ومهد لقيام «دولة
الحفصيين» حتى سنة (627هـ= 1230م) فبايعه الحفصيون
واستقل عن طاعة الموحدين وضم إليه «الجزائر» و «تلمسان».
وقد واجهت الدولة الحفصية عدة ثورات، إلا أنها تمكنت من
القضاء عليها فى عهد قوتها، فلما حل الضعف بخلفاء الأمير
«أبى زكريا الحفصى»، زادت الخلافات بين أفراد الأسرة
الحاكمة، وقامت الثورات فى أماكن كثيرة، ولم يتمكن أمراء
الحفصيين من مواجهة هذه الاضطرابات، فحل الضعف بدولتهم
حتى سقطت على أيدى العثمانيين سنة (893هـ=1488م). تنوعت
علاقات «الدولة الحفصية»، وشملت «الأندلس»، و «أوربا»،
ودول: «بنى مرين» والوطاسيين والزيانيين. واتسمت علاقتهم
بالأندلسيين بالهدوء تارة وبالتوتر والمنافسة تارة أخرى،
وكذلك تمثلت علاقتهم بالأوربيين فى عدة حملات عسكرية،
عُرفت باسم الحروب الصليبية، وسعى الصليبيون إلى تحويل
مسلمى «المغرب الأدنى» إلى المسيحية، غير أن وباءً تفشى
بالمعسكر الصليبى، وتوفى لويس متأثرًا بهذا الوباء، فلجأ
الصليبيون إلى التفاوض والصلح مع الحفصيين، ثم الانسحاب فى
سنة (669هـ= 1270م) ولكن الصليبيين عاودوا الهجوم على مدينة
«طرابلس» فى سنة (755هـ= 1354م)، واستولوا عليها
واستباحوها، ولم يخرجوا منها إلا بعد الحصول على قدر كبير
من المال، ثم توالت حملاتهم الصليبية بعد ذلك على بلاد «المغرب
الأوسط» ومدنه. وقد مرت العلاقات الحفصية المرينية بعدة مراحل(14/140)
ارتبطت بالأحوال والظروف السياسية التى كانت تمر بها كل من
الدولتين، واتسمت هذه العلاقات بالصراع بين الطرفين، ودخول
بنى حفص فى تبعية «بنى مرين» فى أحايين كثيرة، ولكن ذلك
لم يمنع من قيام بعض العلاقات الطيبة فى فترة حكم «عثمان ابن
أحمد المرينى» (801 - 823هـ = 1398 - 1420م)، و «عبدالحق بن
سعيد المرينى» (863 - 869هـ = 1459 - 1465م). عرفت «دولة
بنى حفص» نظام الخلافة، وكان الحكم بها وراثياًّ، ويعاون
الخليفة هيئة استشارية، يُطلق عليها اسم أشياخ البساط،
وجميعهم من قبيلة «هنتاتة» التى تنتمى إليها الأسرة الحاكمة،
وكذلك عرفت هذه الدولة نظام الحجابة، وتطور هذا النظام لدرجة
أن الحاجب كان يفصل فى الأمور دون الرجوع إلى الخليفة،
وجاء منصب الوزارة فى مرتبة تلى منصب الحجابة، ويأتى إلى
جانبهما منصب القضاء الذى أولاه الحفصيون عنايتهم لأهميته.
تنوعت مصادر الدخل فى «دولة بنى حفص»، وشملت: الضرائب
والزكاة، والجزية، والمصادرات، والخراج، وانتعشت الزراعة
وكثرت المحاصيل، ونشطت الصناعات مثل: المنسوجات
بأنواعها، والصناعات الجلدية والزجاجية، وصناعة الأسلحة
والسفن، واستخدم «بنو حفص» عملة خاصة بهم ليؤكدوا
استقلالهم. تشكل المجتمع الحفصى من عدة عناصر، وكانت
قبيلة هنتاتة البربرية فى مقدمة هذه العناصر، كما كان العرب
المقيمون، والعرب الهلالية ممن شكلوا هذا المجتمع، تضاف إليهم
مجموعات الروم والأتراك. وشهدت «الدولة الحفصية» حركة
واسعة فى البناء والتعمير، وأقام الحفصيون المؤسسات
التعليمية مثل: الكتاتيب، والزوايا والمساجد، فقامت بدورها فى
دعم العلوم المختلفة وتدريسها، ثم أنشأ الحفصيون المدارس
بالعاصمة «تونس»، وكانت أول مدرسة هى «المدرسة
الشماعية» التى أنشأها «أبو زكريا يحيى الأول» فى سنة
(633هـ= 1235م)، وتلتها «التوفيقية» فى سنة (650هـ= 1252م).
وأخذت «الدولة الحفصية» بالمذهب المالكى، واهتمت بالعلوم(14/141)
الدينية مثل تفسير القرآن، وعلم الحديث، والفقه، وكذلك اهتم
الحفصيون بالعلوم العقلية مثل: المنطق والكيمياء والفلك
وغيرها. وساهمت المكتبات - التى زُوِّدت بالكتب فى شتى
فروع المعرفة- فى تنشيط الحركة الثقافية بالبلاد، وكذا ساهمت
المجالس العلمية، التى شجعها بعض الحكام الحفصيين فى إثراء
النشاط العلمى ودعمه. وقد أثمرت هذه الحركة الثقافية
المزدهرة مجموعة من العلماء البارزين فى شتى فروع العلم
والمعرفة، فكان من الفقهاء «أبو عبدالله محمد بن عرفة»
المتوفى عام (802هـ= 1399م)، ومن المحدثين: «أبو بكر بن سيد
الناس» المتوفى عام (659هـ= 1261م)، ومن النحويين: «أبو
الحسن على بن موسى» المعروف «بابن عصفور» المتوفى عام
(969هـ= 1561م)، ومن الشعراء: «حازم القرطاجنى» المتوفى
عام (684هـ= 1285م)، و «ابن الأبار» المتوفى عام (662هـ=
1264م). وقد أسهم هؤلاء وغيرهم فى دعم المعرفة، وتنشيط
الثقافة، ومؤازرة الحركة الفكرية فى دولة «بنى حفص».(14/142)
*نبهان (آل)
ظهر ملوك «آل نبهان» ولاة للبويهيين على «عمان» فى القرن
الرابع الهجرى الذى ساءت خلاله أحوال «عمان»؛ نتيجة
الصراعات والاضطرابات الداخلية التى زادت بتولى «آل نبهان»
حكم «عمان»؛ إذ استبدوا بأمورها، وأساءوا معاملة أهلها، ومع
ذلك لم يكونوا وحدهم المسئولين عما ألمَّ بعمان من اضطرابات،
فقد ساعدتهم فى ذلك صراعات الأئمة التى شهدتها «عمان»
خلال تلك الفترة، وظل «آل نبهان» يحكمون «عمان» حتى القرن
التاسع الهجرى، ثم عادت إلى الأئمة قوتهم السياسية فى
«عمان» من جديد. وكان أهم ملوك «آل نبهان» خلال هذه
الفترة: «أبو عبدالله محمد بن عامر بن نبهان» وإخوته، ثم
«الحسين أحمد» و «أبو محمد نبهان» وغيرهم. فلما زالت دولة
«آل نبهان» بدأ الأئمة يستعيدون مجدهم وسلطتهم من جديد.(14/143)
* نجاح (بنو)
قامت دولة بني نجاح فى اليمن (403هـ - 555هـ) ونتنسب إلى
الأمير نجاح الذى استتب له الأمر فى «زبيد» و «تهامة»، فكتب
إلى الخليفة العباسى فى «بغداد» معلنًا له ولاءه وطاعته للدولة
العباسية، فأقره الخليفة عليها، ونعته بالمؤيد نصر الدين، وكان
«نجاح» سمحًا يتبع المذهب الشافعى، فدانت له تهامة طيلة
حياته، فلما وافته المنية فى سنة (452هـ) دار صراع طويل بين
أولاده وأحفاده من جانب ودولة «صليح» التى نشأت فى
«صنعاء» سنة (429هـ) من جانب آخر، واستقر الأمر لبنى نجاح -
بعد معارك طويلة - فى عام (472هـ) وبقى فيهم حتى سنة
(554هـ)، وأمراء «بنى نجاح» هم: 1 - الأمير «نجاح» (403 -
452هـ). 2 - سعيد بن نجاح» (452 - 481هـ). 3 - «جياش بن
نجاح» (483 - 498هـ). 4 - «فاتك بن جياش» (498 - 503هـ). 5 -
«منصور بن فاتك» (503 - 521هـ). 6 - «فاتك بن منصور» (521 -
540هـ). 7 - «فاتك بن محمد بن فاتك» (540 - 554هـ). وجاء
سقوط «بنى نجاح» على أيدى «بنى المهدى» الذين يعودون
فى نسبهم إلى أسرة حميرية هالها تحكم «بنى نجاح» الأحباش
فى «اليمن»، فجمع زعيمها «على بن مهدى» الجموع حوله
وغزا مدينة «الكدراء» فى سنة (538هـ)، وظل «بنو المهدى» من
ذلك التاريخ يعملون للسيطرة على «زبيد»، وتحقق لهم ذلك فى
سنة (553هـ)، عندما عجز «آل نجاح» عن صدهم، ودخل
المهديون «زبيد» واستقر لهم الأمر فيها.(14/144)
*المهدى (بنو)
قامت دولة بني المهدى فى اليمن (553هـ - 569هـ) ونتنسب إلى
الأمير «على بن مهدى الحميرى» الذى ينحدر من أسرة «الأغلب
بن أبى الفوارس بن ميمون الحميرى»، وقد عاش «آل المهدى»
فى قرية «العنبرة» من سواحل «زبيد». نشأ «على بن المهدى»
نشأة دينية، وحج البيت الحرام، ولقى العلماء وأخذ عنهم العلم،
ونهل من المعارف حتى أصبح واعظًا بارعًا، وعالمًا فصيحًا،
فاستمال القلوب حوله، وظهر أمره بساحل «زبيد»، فقربته «أم
فاتك بن منصور»؛ لصلاحه وتقاه، وأغدقت عليه هو وأهله،
حتى أصبحوا من الأثرياء، وباتوا قوة كبيرة التف حولها الناس
من كل مكان، فى الوقت الذى ضعف فيه «آل نجاح»، ونظر
إليهم اليمنيون على أنهم أحباش تحكموا فى بلادهم، فسعى
«على بن المهدى» إلى طرد «آل نجاح» من السلطة، وعمل على
تحقيق ذلك جاهدًا حتى تم له ما أراد فى سنة (553هـ) بعد
معارك طويلة، ثم أسس دولته التى سعد بها اليمنيون، لأن
المهديين كانوا وطنيين امتاز مؤسس دولتهم بالعلم والخلق
الطيب، فانضمت إليه جميع بلاد «اليمن» وذخائرها، إلا أن أمراء
هذه الأسرة الذين جاءوا بعد «على بن المهدى» مؤسس دولتهم
اتجهوا إلى معاملة الناس بالقسوة والشدة؛ وانحرفوا عن الطريق
التى رسمها الأمير «على»، فتهيأ الجو لاستقبال أى فاتح
يخلص «اليمن» منهم، فلم تدم دولتهم طويلا لدخول الأيوبيين
«اليمن». وولاة أسرة «المهدى» هم: 1 - «على بن المهدى»
(553هـ). 2 - «مهدى بن على» (553 - 558هـ). 3 - «عبدالنبى بن
على» (558 - 569هـ).(14/145)
*بنو يعفر (دولة)
بدأ نفوذ «بنى يعفر» فى «شبام» بحضرموت سنة (225هـ)،
وامتد نفوذهم إلى «صنعاء» عن طريق «جعفر بن على
الهاشمى» الذى وَلَّى «عبدالرحيم بن إبراهيم الحوالى الحميرى»
اليمن نيابة عنه، فلما تُوفِّى «عبدالرحيم» قام ابنه «يعفر»
مقامه، وصارع فى ميادين عديدة، كان من أهمها: صراعه ضد
«حمير بن الحارث» والى «اليمن»، وصراعه ضد «ابن زياد» حاكم
«زبيد»، فلما تُوفِّى «ابن زياد» فى سنة (245هـ) استقر سلطان
«يعفر» فى «صنعاء»، فبدأ بتأسيس دولته فيها، وتم له ذلك
فى سنة (247هـ)، فاعتبر المؤرخون هذه الدولة هى صاحبة
الفضل فى تحقيق استقلال «اليمن»، إلا أنها اختلت اختلالا
واسعًا فى عهد «محمد بن إبراهيم» نتيجة لاقتحام الأئمة
والقرامطة البلاد، فعمت فيها الفوضى، وانتهت فى سنة
(387هـ). وأمراء «بنى يعفر» بصنعاء هم: 1 - «يعفر بن
عبدالرحيم» [247 - 259هـ]. 2 - «محمد بن يعفر» [259 - 279هـ]. 3 -
«إبراهيم بن محمد بن يعفر» [279 - 285هـ]. 4 - «أسعد بن
إبراهيم بن يعفر» [286 - 288هـ] وتولى مرة ثانية [303 - 332هـ].
5 - «محمد بن إبراهيم» [332 - 352هـ].(14/146)
*همدان (بنو)
قامت دولة بني همدان فى اليمن عقب وفاة «سبأ الصليحى»
سنة (492هـ) حيث مرت «صنعاء» بفترة اضطراب، وكان «حاتم
الهمدانى» أول من تولاها بعد «سبأ» وكان رجلا ذكيا محبا
للنهضة، كما كان ابنه «محمد» شجاعًا وجوادًا، فبقيت «صنعاء»
فى أيدى «بنى حاتم» الهمدانيين حتى اضطربت أحوالها فى
نهاية عهدهم سنة (596)، وعمتها الفوضى، فمهد ذلك الطريق
للأيوبيين، فضموها إلى سلطانهم مع ما ضموه من «اليمن».
وسلاطين الهمدانيين باليمن هم: 1 - «حاتم بن الغشم الهمدانى».
2 - «هشام بن القبيب الهمدانى». 3 - «حاتم بن أحمد بن عمران».
4 - «عبدالله بن حاتم». 5 - «حماس بن القبيب». 6 - «على بن
حاتم». 7 - «معن بن حاتم».(14/147)
*زريع (بنو)
عندما استولى «الصليحى» على «اليمن» مد سلطانه إلى
«عدن»، فوجد بها «بنى معن» الحميريين؛ فأبقاهم عليها بعد
أن أظهروا ولاءهم له، فلما استقر الأمر -بعد ذلك - للمكرم
الصليحى فى «عدن» وما حولها جعل ولايتها «للعباس»
و «مسعود» ابنى «المكرم الجشمى بن يام بن أصبى الزريعى»
وجعل «العباس» على حصن «التعكر» وما يليه من البر، وجعل
«مسعود» على حصن «الخضراء» وما يليه من البحر وله كذلك
«عدن»، فعظم سلطان «بنى زريع» وأصبحوا شبه مستقلين فى
هذه المناطق، وبخاصة بعد نهاية دولة الصليحيين. وسلاطين آل
زريع هم: - فى حصن التعكر 1 - «العباس بن المكرم» [470 -
477هـ]. 2 - «زريع بن العباس» [477 - 480هـ]. 3 - «أبو السعود بن
زريع» [480 - 494هـ]. - فى حصن الخضراء وعدن: 1 - «المسعود
بن المكرم» [470 - 480هـ]. 2 - «أبو الغازات بن مسعود» [480 -
485هـ]. 3 - «محمد بن أبى الغازات» [485 - 488هـ]. 4 - «على بن
محمد» [488 - 489هـ].(14/148)
*طاهر (بنو)
تمكن «عامر بن طاهر» من السيطرة على مقاليد السلطة فى
«اليمن» (858 هـ)، بعد أن أزال دولة «بنى رسول»، إلا أن
الأمور لم تكن سهلة - آنذاك - فقد كان نفوذ الأئمة قويا، ورأوا
أنهم أحق بالسيطرة على «اليمن» كله من الطاهريين، فى حين
طمع «بنو طاهر» فى أن يكون لهم ملك «بنى رسول» فى
شمالى «اليمن» وجنوبيه، ونشب صراع مذهبى عنيف بين
الفريقين، واستمر لفترة طويلة حتى تمكن الظافر الثانى «عامر
بن عبدالوهاب بن طاهر» من هزيمة الأئمة، فدانت له «اليمن»
شمالا وجنوبًا، واستكمل الطاهريون ما بدأه «آل رسول» فى
بناء حضارة «اليمن»، فانتشرت فى عهدهم المدارس والمساجد،
واختطوا مدينة «المقرانة» فى «رواع»، وشيدوا بها القصور
العظيمة، وأقاموا الحدائق البديعة، وشهدت «اليمن» فى عهدهم
نهضة علمية عظيمة، وبرز فيها العلماء والمؤرخون، وبلغت
العلوم الرياضية والفلكية والبحرية والجغرافية فى عهدهم شأوًا
كبيرًا، فكان «أحمد بن ماجد العدنى»، و «سليمان المهرى» من
علماء هذا العصر، وتتلمذ على أيديهما البحارة والجغرافيون من
البرتغاليين والأتراك، ولأحمد بن ماجد مؤلفات بلغ الموجود منها
أربعين مؤلفًا فى الجغرافيا والملاحة وأحوال البحار وطرقها،
وظل الطاهريون فى دأبهم من أجل بناء حضارة «اليمن» حتى
جاءت نهايتهم على أيدى المماليك فى سنة (945هـ) بحجة
حماية طرق التجارة. وسلاطين بنى طاهر هم: 1 - الظافر (الأول)
«عامر بن طاهر» [857 - 870هـ]. 2 - المجاهد على بن عمر» [870 -
883هـ]. 3 - «المنصور عبدالوهاب بن طاهر» [883 - 894هـ]. 4 -
الظافر (الثانى) «عامر بن عبدالوهاب» [894 - 923هـ]. 5 - «عامر
بن داود بن طاهر» [929 - 945هـ] (احتفظ «عامر» بعدن حتى سنة
945هـ).(14/149)
*العيونيون
«العيونيون» فرع من «بنى عبدالقيس»، وكانوا يسكنون على
مشارف «العيون» بالإحساء، وكان منهم «عبدالله بن على
العيونى» الذى ثار على القرامطة وقضى عليهم، ثم سيطر
«العيونيون» على «البحرين» وبدأ حكمهم فيها فى عام
(467هـ)، وشمل «الإحساء»، و «البحرين»، و «القطيف»، فنعمت
البلاد فى عهدهم بالاستقرار والهدوء وانتعشت التجارة، واتسع
ملكهم حتى شمل «نجد»، وتميز عهدهم بالحضارة العلمية
الزاهرة، وظل الأمر مستقرا فى «البحرين» حتى نشبت
الصراعات والخلافات الداخلية من جديد، فهيأ ذلك الفرصة أمام
الفرس لدخولها. وأهم أمراء «العيونيين» هم: 1 - «الفضل بن
عبدالله بن على». 2 - «محمد بن الفضل». 3 - «محمد بن أحمد بن
عبدا(14/150)
*البيزنطية (دولة)
الإمبراطورية البيزنطية أو الرومانية أو كما عرفها المسلمون
بدولة الروم، التى نزل فى بعض شأنها سورة الروم فى القرآن
الكريم، إمبراطورية امتدت مابين القرنين (4، و 15م)، عاصمتها
القسطنطينية (إستانبول حاليًّا)، وسميت بالبيزنطية نسبة إلى
مدينة بيزنطة التى أسس فيها الإمبراطور قسطنطين مدينة
القسطنطينية. بلغت الإمبراطورية البيزنطية أقصى اتساع لها
خلال النصف الأول من القرن الرابع الميلادى؛ فكانت حدودها من
الفرات شرقًا حتى بريطانيا غربًا، ومن الدانوب شمالاً حتى
النوبة جنوبًا، وانتهى بها الأمر فى مطلع القرن (15م) إلى أن
تكون القسطنطينية هى الإمبراطورية كلها. ومرجع تقلصها إلى
هذا الحد هو تداعى الأمم المجاورة لها عليها واقتضامها منها،
بدءًا بالفرس وانتهاءً بالعثمانيين ومرورًا بالجرمان (قوط
شرقيين وغربيين، والفرنجة، والأنجلو) والبرجنديين، والوندال
واللومبارد، ثم الأفار، فالمسلمين فى عصر الراشدين والأمويين،
ثم الصرب والكروات والبوشناق والمجيار والبلغار، فالأتراك
السلاجقة فالنورمان، ثم الصليبيين، حتى انتهى الأمر إلى زوالها
على يد السلطان محمد الفاتح سنة (1453م). وأهم الضربات
الموجعة التى أثرت فى تاريخ البيزنطيين هى: 1 - التهام النصف
الغربى كله الذى يضم إيطاليا وغالة (فرنسا حاليًّا) واسبانيا
وبريطانيا وتونس وطرابلس ونوميديا (الجزائر حاليًّا)، كل ذلك
على يد الشعوب الجرمانية المتخلفة حضاريًّا، وذلك خلال القرنين
(4، و 5 م)؛ مما أفقد الإمبراطورية نصفها اللاتينى، وعجل
بتحولها إلى عصر بيزنطى. 2 - ضم المسلمين لبلاد الشام ومصر
وشمال إفريقيا. 3 - استيلاء الحملة الصليبية الرابعة على
القسطنطينية سنة (607هـ = 1204م)، حتى نجح الإمبراطور
ميخائيل الثامن فى استردادها سنة (659هـ = 1261م)، غير أن
الإمبراطورية العائدة لم تقدم - خلال ما بقى من عمرها - إلاإ مزيدًا(14/151)
من الهوان، على حساب عقيدتها الأرثوذكسية التقليدية لصالح
الكاثوليكية فى الغرب الأوربى. وكان رخاء الإمبراطورية
الحقيقى حتى الربع الأول من القرن (11م)؛ حيث نَهَجَ البيزنطيون
نَهْجَ الرومان الأجداد؛ إذ اعتبروا القانون عصب الحياة، فأعطوا
التشريعات اهتمامهم ما بدأه الأسلاف، وخلفوا لنا مجموعات
قانونية متميزة. ومن الشخصيات المؤثرة فى الحياة البيزنطية
العامة: الإمبراطور قسطنطين الذى بنى العاصمة، واعتنق
المسيحية واعترف بها ديانة شرعية، والإمبراطور ثيودوسيوس
الأول (379 - 395م)، وجوستنيان صاحب المجموعة القانونية
الشهيرة، والإمبراطور هرقل، والإمبراطور ليو الثالث الأيزورى،
الذى نجح فى فك الحصار الثالث على القسطنطينية فى عهد
الخليفة الأموى سليمان بن عبد الملك. وتكتمل هذه الشخصيات
بأباطرة الأسرة المقدونية، الذين شهدت الإمبراطورية عصرها
الذهبى على أيديهم، وقد تركت الإمبراطورية البيزنطية أثرًا
حضاريًّا كبيرًا، فأفاد المسلمون منها فى ترجمة كثير من الكتب
المؤلَّفة فى مختلف فروع المعرفة، لكن الأثر الأكثر عمقًا كان
فى حياة الصرب والبلغار والروس، أو بعبارة آخرى فى منطقة
البلقان، وكان فى النواحى العقيدية والفكرية والفنية والأدبية.(14/152)
*البيزنطيون
الإمبراطورية البيزنطية أو الرومانية أو كما عرفها المسلمون
بدولة الروم، التى نزل فى بعض شأنها سورة الروم فى القرآن
الكريم، إمبراطورية امتدت مابين القرنين (4، و 15م)، عاصمتها
القسطنطينية (إستانبول حاليًّا)، وسميت بالبيزنطية نسبة إلى
مدينة بيزنطة التى أسس فيها الإمبراطور قسطنطين مدينة
القسطنطينية. بلغت الإمبراطورية البيزنطية أقصى اتساع لها
خلال النصف الأول من القرن الرابع الميلادى؛ فكانت حدودها من
الفرات شرقًا حتى بريطانيا غربًا، ومن الدانوب شمالاً حتى
النوبة جنوبًا، وانتهى بها الأمر فى مطلع القرن (15م) إلى أن
تكون القسطنطينية هى الإمبراطورية كلها. ومرجع تقلصها إلى
هذا الحد هو تداعى الأمم المجاورة لها عليها واقتضامها منها،
بدءًا بالفرس وانتهاءً بالعثمانيين ومرورًا بالجرمان (قوط
شرقيين وغربيين، والفرنجة، والأنجلو) والبرجنديين، والوندال
واللومبارد، ثم الأفار، فالمسلمين فى عصر الراشدين والأمويين،
ثم الصرب والكروات والبوشناق والمجيار والبلغار، فالأتراك
السلاجقة فالنورمان، ثم الصليبيين، حتى انتهى الأمر إلى زوالها
على يد السلطان محمد الفاتح سنة (1453م). وأهم الضربات
الموجعة التى أثرت فى تاريخ البيزنطيين هى: 1 - التهام النصف
الغربى كله الذى يضم إيطاليا وغالة (فرنسا حاليًّا) واسبانيا
وبريطانيا وتونس وطرابلس ونوميديا (الجزائر حاليًّا)، كل ذلك
على يد الشعوب الجرمانية المتخلفة حضاريًّا، وذلك خلال القرنين
(4، و 5 م)؛ مما أفقد الإمبراطورية نصفها اللاتينى، وعجل
بتحولها إلى عصر بيزنطى. 2 - ضم المسلمين لبلاد الشام ومصر
وشمال إفريقيا. 3 - استيلاء الحملة الصليبية الرابعة على
القسطنطينية سنة (607هـ = 1204م)، حتى نجح الإمبراطور
ميخائيل الثامن فى استردادها سنة (659هـ = 1261م)، غير أن
الإمبراطورية العائدة لم تقدم - خلال ما بقى من عمرها - إلاإ مزيدًا(14/153)
من الهوان، على حساب عقيدتها الأرثوذكسية التقليدية لصالح
الكاثوليكية فى الغرب الأوربى. وكان رخاء الإمبراطورية
الحقيقى حتى الربع الأول من القرن (11م)؛ حيث نَهَجَ البيزنطيون
نَهْجَ الرومان الأجداد؛ إذ اعتبروا القانون عصب الحياة، فأعطوا
التشريعات اهتمامهم ما بدأه الأسلاف، وخلفوا لنا مجموعات
قانونية متميزة. ومن الشخصيات المؤثرة فى الحياة البيزنطية
العامة: الإمبراطور قسطنطين الذى بنى العاصمة، واعتنق
المسيحية واعترف بها ديانة شرعية، والإمبراطور ثيودوسيوس
الأول (379 - 395م)، وجوستنيان صاحب المجموعة القانونية
الشهيرة، والإمبراطور هرقل، والإمبراطور ليو الثالث الأيزورى،
الذى نجح فى فك الحصار الثالث على القسطنطينية فى عهد
الخليفة الأموى سليمان بن عبد الملك. وتكتمل هذه الشخصيات
بأباطرة الأسرة المقدونية، الذين شهدت الإمبراطورية عصرها
الذهبى على أيديهم، وقد تركت الإمبراطورية البيزنطية أثرًا
حضاريًّا كبيرًا، فأفاد المسلمون منها فى ترجمة كثير من الكتب
المؤلَّفة فى مختلف فروع المعرفة، لكن الأثر الأكثر عمقًا كان
فى حياة الصرب والبلغار والروس، أو بعبارة آخرى فى منطقة
البلقان، وكان فى النواحى العقيدية والفكرية والفنية والأدبية.(14/154)
*الأفطس (بنو)
أسرة أندلسية، قيل: إن أصولها عربية ترجع إلى قبيلة تَجِيب
العربية الأصل، ولكن غالبية المؤرِّخين ينسبونها إلى قبيلة
مكناسة البربرية، التى استقرت بمنطقة فحص البلوط جنوبى
قرطبة. وترجع بداية ظهور هذه الأسرة إلى عبد الله بن محمد بن
مسلمة بن الأفطس، الذى استعان به سابور العامرىّ بعدما سيطر
على مدن بطليوس وإشبونة وقلمرية، فتفتحت ملكاته وخبراته
فى الإدارة؛ فآل إليه الأمر بعد وفاة سابور العامرىّ. واستقل
ابن الأفطس بهذه المملكة الصغيرة اعتبارًا من سنة (413 هـ)
وتلقب بالمنصور ولم يصعب عليه التخلص من ابنى سابور. وكان
موقع مملكة بطليوس يجعلها مطمعًا للممالك المجاورة لها،
بالإضافة إلى تطلع نصارى الشمال الدائم إلى السيطرة عليها
هى وغيرها، فتصارعت مملكتا بطليوس وإشبيلية بسبب
تنافسهما فى الاستيلاء على مدينة باجة. وظل الصراع بين
المملكتين إلى أن وحدهما الخطر الصليبى. وفى سنة (427 هـ)
تولى أمر بطليوس محمد بن عبد الله بن الأفطس، الذى لُقِّب
بالمظفر بعد وفاة أبيه، وقد كان عالِمًا فارسًا شجاعًا، استطاع
مقاومة الضربات الشديدة التى وجهها إلى دويلته المعتضد بن
عباد، حاكم إشبيلية، والمأمون صاحب طليطلة. وهذه الحروب
أدت إلى ضعف الممالك الأندلسية الإسلامية، وطمع فرناندو ملك
قشتالة فيها جميعًا. وبالفعل، فقد اجتاح فرناندو شمالى
بطليوس دون ممانع له، ثم شنترين وأَُجبر ابن الأفطس على
الصلح ودفع الجزية، وعلى الرغم من هذا غزا القشتاليون
قلمرية، وهى من كبرى مدن غربى الأندلس، وأوقعوا بأهلها
مذبحةً رهيبةً، وأجبروهم على إخلاء جميع الأراضى المتاخمة
لمملكتهم. ولم يستطع ابن الأفطس صدَّ عدوان النصارى، فلما
توفِّى سنة (461هـ) خلفه ولدُه يحيى الملقب بالمنصور؛ فنازعه
أخوه عمر واستمر تصارعهما إلى أن توفِّى يحيى بن المنصور
سنة (464 هـ) فانفرد عمر بالأمر، ولقب بالمتوكل على الله،(14/155)
فحسنت إدارته وأصبح من أشهر أمراء الطوائف عامةً وأبقاهم
ذِكرًا. وكان من مواقفه أنه كان عونًا لأهل طليطلة ونجدة لهم،
حين شدد ألفونسو السادس على طليطلة، وعندما استولى
ألفونسو السادس على طليطلة شارك عمر فى الكتابة إلى
يوسف بن تاشفين، أمير المرابطين يستنجد به، فانتهى الأمر
بمواجهة حاسمة بين القشتاليين من جهة وقوات المرابطين
وقوات دويلات الطوائف الإسلامية بالأندلس من جهة أخرى فى
موقعة عظيمة، عرفت باسم الزلاقة شمالى بطليوس فانتصر
المسلمون، وامتد بقاؤهم على أرض الأندلس عدة قرون أخرى،
فلما ظهر الخلاف مرة ثانية بين ملوك الطوائف، لم يتردد ابن
تاشفين فى خلعهم عن عروشهم وتوحيد دولة الإسلام فى
المغرب والأندلس. وتم فتح بطليوس للمرابطين سنة (488 هـ).
وهكذا سقطت دويلة بنى الأفطس، وانتهت أسرتهم التى حكمت
فى غربى الأندلس ما يقرب من ثمانين عامًا، كان لهم خلالها أثر
سياسى وأدبى مهم فى تاريخ هذه المنطقة.(14/156)
*آق قيونلو (دولة)
عشيرة تركمانية كبيرة، هاجرت من تركستان إلى أذربيجان ثم
إلى أطراف ديار بكر، واستقرت بين آمد والموصل، من نهر
جيحون شرقًا إلى الفرات غربًا. وآق قيونلو معناه: القطيع
الأبيض، وينسبون إلى أوغوزخان، ولكون حفيده يُسمى بايندر،
نُسبت إليه الدولة فقيل لها: بايندرية، واشتهر من أمرائها أوزون
حسن الذى نقل عاصمته إلى تبريز. واشترك فى قتال السلطان
العثمانى محمد الفاتح، وبعد مقتل أحمد كوده بن أوغورلى
انقسم أمراء آق قيونلو إلى فرقاء؛ فاختار كل فريق حاكمًا من
الأسرة. فكان مراد بن يعقوب حفيد أوزون حسن فى شيروان،
وألوند بن يوسف فى أذربيجان، وأخوه محمدى ميرزا فى نيرد،
كل واحدٍ منهم يحكم فى منطقته، فتغلب ألوند ومراد على
محمدى ميرزا، وقُتل محمدى بالقرب من أصبهان سنة (905هـ)،
وانهزم ألوند سنة (907هـ) أمام إسماعيل الصفوى، وفرَّ إلى
بغداد ثم إلى ديار بكر ومات فى أواخر سنة (910هـ). وفى
أواخر سنة (908هـ) هُزِمَ مراد بن يعقوب أمام إسماعيل الصفوى
ثم فرَّ إلى بغداد، ثم فرَّ منها أيضًا بعد تحرك الصفوى نحوها.(14/157)
*الخطا (مملكة)
هى دولة كبيرة، قامت قبيل الغزو المغولى للعالم الإسلامى،
وكانت تقع مابين مملكة الخوارزميين فى الغرب ومساكن المغول
فى الشرق، وكان نهر سيحون يشكِّل حدًّا فاصلاً بين ممالك
القراخطائيين والدولة الخوارزمية. والخطا مجموعة من القبائل
التى نزحت من شمال الصين بعد انهيار دولتها هناك سنة (519هـ
= 1125م)، وقداستقرت هذه القبائل فى غرب إقليم التركستان
إبان العصر السلجوقى، وكونت دولة عُرفت باسم الخطا أو
القراخطائيين، وعملت على توسيع مملكتها الجديدة شرقًا وغربًا
؛ حيث امتدت حدودها من صحراء جوبى إلى نهر سيحون، ومن
هضبة التبت إلى سيبيريا. وكانت هذه القبائل لاتكفُّ عن الإغارة
على البلاد الإسلامية؛ حيث كانت الخطا تدين بالبوذية؛ فاشتبك
جيشها مع السلطان السلجوقى سنجر فى معركة قطوان (فى
سمرقند حاليًّا) سنة (536هـ = 1141م)، وقد انتهت هذه المعركة
بانتصار الخطا وقتل (100) ألف جندى سلجوقى، وبذلك قامت
دولة الخطا فى بلاد ما وراء النهر، واستمر الخطا فى حكمها
لمدة (89) سنة، ودفع الخوارزميون جزية سنوية حتى عهد
السلطان علاء الدين محمد خوارزمشاه الذى استطاع - بمساعدة
بعض القوى الأخرى خاصة المغول - القضاء على الخطا سنة
(607هـ = 1210م). وكانت دولة الخطا تقف سدًّا منيعًا بين
المسلمين والمغول؛ لذلك تعرض العالم الإسلامى لهجمات التتار.(14/158)
*القراخطائية
هى دولة كبيرة، قامت قبيل الغزو المغولى للعالم الإسلامى،
وكانت تقع مابين مملكة الخوارزميين فى الغرب ومساكن المغول
فى الشرق، وكان نهر سيحون يشكِّل حدًّا فاصلاً بين ممالك
القراخطائيين والدولة الخوارزمية. والخطا مجموعة من القبائل
التى نزحت من شمال الصين بعد انهيار دولتها هناك سنة (519هـ
= 1125م)، وقداستقرت هذه القبائل فى غرب إقليم التركستان
إبان العصر السلجوقى، وكونت دولة عُرفت باسم الخطا أو
القراخطائيين، وعملت على توسيع مملكتها الجديدة شرقًا وغربًا
؛ حيث امتدت حدودها من صحراء جوبى إلى نهر سيحون، ومن
هضبة التبت إلى سيبيريا. وكانت هذه القبائل لاتكفُّ عن الإغارة
على البلاد الإسلامية؛ حيث كانت الخطا تدين بالبوذية؛ فاشتبك
جيشها مع السلطان السلجوقى سنجر فى معركة قطوان (فى
سمرقند حاليًّا) سنة (536هـ = 1141م)، وقد انتهت هذه المعركة
بانتصار الخطا وقتل (100) ألف جندى سلجوقى، وبذلك قامت
دولة الخطا فى بلاد ما وراء النهر، واستمر الخطا فى حكمها
لمدة (89) سنة، ودفع الخوارزميون جزية سنوية حتى عهد
السلطان علاء الدين محمد خوارزمشاه الذى استطاع - بمساعدة
بعض القوى الأخرى خاصة المغول - القضاء على الخطا سنة
(607هـ = 1210م). وكانت دولة الخطا تقف سدًّا منيعًا بين
المسلمين والمغول؛ لذلك تعرض العالم الإسلامى لهجمات التتار.(14/159)
*واداى (مملكة)
إحدى الممالك الإفريقية القديمة. قامت فى منطقة تشاد فى
القرن (3 هـ = 10 م). وأول من سكنها التنجر، وأسسوا بها
مملكة واسعة الأرجاء، وكانت عاصمتها كتم، وبسطت هذه
المملكة نفوذها على دارفور حتى أوائل القرن السابع عشر؛ إذ
استولى أحد مجاهدى دار فور وهو عبد الكريم بن جماع سنة
(1615 - 1655 م) على السلطة فى دار فور، وخلع سلطة واداى،
بل وبسط نفوذه عليها حتى جعلها تدفع الجزية له. وفى بداية
القرن (18م) رفض السلطان يعقوب إدريس أحد سلاطين واداى
دفع الجزية لدارفور، واستقلت مملكة واداى عنها. وفى سنة
(1785م) بسطت واداى نفوذها على مملكة باقيرمى المجاورة،
وفى سنة (1833م) خلع سلطان دارفور سلطان واداى، وعين
سلطانًا آخر تابعًا له هو محمد الشريف، وفى سنة (1871 م)
عاودت مملكة واداى غزو مملكة باقيرمى ومناطق أخرى حولها،
وعاشت المملكة بعد ذلك فى فتن واضطرابات داخلية ومؤامرات
حتى أوائل القرن العشرين؛ إذ بسط الفرنسيون نفوذهم عليها.
وقد لعبت مملكة واداى دورًا كبيرًا فى نشر الإسلام واللغة
العربية والثقافة الإسلامية فى تشاد، كما أنها استخدمت اللغة
العربية فى الدواوين والشريعة الإسلامية فى الحكم. وقد ضُمت
إلى جمهورية تشاد بعد حصول تشاد على الاستقلال سنة
(1960م).(14/160)
*الإسبان
هم معظم سكان شبه الجزيرة الأيبيرية (إسبانيا والبرتغال). وهم
أجناس مختلفة يتكونون من الأيبيريين والفينيقيين والإغريق
والقرطاجنيين. ولما استولت روما على أيبيريا فى أواسط القرن
الثانى قبل الميلاد وكان جيش روما خليطًا من شعوب أوربية
مختلفة، واستوطن أيبيريا بعض الأسر الرومانية وأشاعت فيها
حضارتها ولغتها، كوَّن كل هؤلاء جزءًا من سكان أيبيريا
الإسبان، وأطلقت روما على أيبيريا اسم إسبانيا. كما أضاف
الفتح الإسلامى إلى هذه العناصر البشرية الكثيرة عناصر جديدة
آسيوية وإفريقية من العرب. وبهذا يمثل الإسبان العناصر البشرية
للعالم القديم (آسيا، وإفريقيا، وأوربا). واللغة الإسبانية هى
اللغة المنتشرة بين الإسبان، وتوجد بعض اللغات الأخرى، مثل:
لغة الباسك ولغة الكتالانية.(14/161)
*البرامكة
أسرة فارسية الأصل، اعتنقت الإسلام، وشاركت فى قيام الدولة
العباسية، وتولى أبناؤها المناصب الكبيرة فيها. تُنسب إلى
برمك خادم معبد النوبهار البوذى فى بلخ، وخالد بن برمك أول
برمكى اتصل بالعباسيين، وأصبح من كبار دعاتهم، وأسند إليه
أبو العباس السفاح سنة (132هـ) ديوان الخراج وديوان الجند،
وجعله بمنزلة وزيره، وولاه حكم فارس والرِّى وطبرستان. ولما
تُوفِّى خالد، أسند المهدى أعماله إلى ابنه يحيى بن خالد،
وعهد إليه بالإشراف على دواوين ابنه هارون الرشيد، ولما
تُوفِّى المهدى وتولى الهادى حاول أن يخلع أخاه هارون عن
ولاية العهد، غير أن يحيى بن خالد استطاع أن يصرف الهادى
عن فكرته، فلما آلت الخلافة إلى هارون دفع إلى يحيى بن خالد
خاتم الخلافة، فصار بيده الحل والعقُد، فقلد ابنه الفضل بن
يحيى المشرق كله؛ فأزال ما وقع على الناس من ظلم، ونجح
فىالقضاء على الخارجين على الخلافة، وهو أول من أشعل
القناديل فى المساجد فى أثناء شهر رمضان، كما قلَّد يحيى
ابنه جعفرًا المغرب كله، وأقام هو بحضرة الرشيد، إذ أذن له
الرشيد بالنظر فىالمظالم، وأن يظهر اسمه على سِكَّة الخليفة
(العملة)، كما عهد إليه بتأديب ابنه المأمون، وأسند إلى الفضل
بن يحيى تربية الأمين، وتولى موسى بن يحيى الشام سنة
(176هـ)، وتولى محمد بن خالد أخو يحيى منصب الحجابة فى
بلاط الخلافة. وظل يحيى بن خالد وأولاده يتولون أمور الدولة
سبعة عشر عامًا، كانوا خلالها المتصرفين فى جميع شئون
الدولة، حتى إذا كانت سنة (187هـ) فنكبهم الرشيد نكبتهم
المشهورة، بعد أن بلغوا من القوة والسلطان مبلغًا عظيمًا،
فسعى لنكبتهم بالتدرج؛ فعزل محمد بن خالد بن برمك عن
الحجابة، وقلدها الفضل بن الربيع، وبعد عودته من الحج سنة
(186هـ) نزل ناحية العُمر بالأنبار، وأمر خادمه مسرورًا بقتل
جعفر بن يحيى وحبس يحيى بن خالد وابنه الفضل ومصادرة(14/162)
أموالهم وممتلكاتهم، ولم يستثنِ الرشيد من ذلك سوى محمد بن
خالد وولده وأهله وخدمه. والسبب الرئيسى وراء النكبة خفى؛
وإن كان للفضل بن الربيع فى ذلك اليد الطولى. وقد اتهم عددٌ
من المؤرخين البرامكة بالزندقة، كالبغدادى وابن النديم وأنهم
من باطنية المجوس. وقد عُنِىَ البرامكة بالعلم والأدب أيما عناية،
ونهضوا بشئون الثقافة وتدبير الحكم فبلغت الإدارة فى ظل
البرامكة ذروة التنظيم؛ وكانوا طليعة نهضة فكرية.(14/163)
*الإغريق
هم سكان شبه جزيرة البلقان، الذى عُرف عند العرب باسم بلاد
اليونان وعرف سكانه أيضًا باسم الهيلينيين. وقد شمل التوسع
الإغريقى مناطق فى آسيا الصغرى والبحر الأسود. وأهم
المستعمرات التى أقاموها كانت فى بيزنطة (التى أصبحت
عاصمة للإمبراطورية الرومانية الشرقية)، وفى ليبيا، ومصر،
وإسبانيا، وفرنسا، وحظيت إيطاليا وصقلية بالنصيب الأوفر من
نشاط المستعمرين الإغريق. وفى العصر الحجرى الحديث وفدت
إلى بلاد الإغريق عناصر من غربى آسيا الصغرى، وامتزجوا
بالشعوب التى هبطت من الشمال، وكانت المينوية من سنة
(3000 - 1400 ق. م) تقريبًا، من أهم الحضارات فى هذه المنطقة.
وينقسم تاريخ المينوية إلى ثلاث مراحل، (الأولى) تقارب عصر
بناء الأهرامات فى مصر، و (الوسطى) انتقلت الحضارة فيها من
الشرق إلى الوسط، حيث ازدهرت مدينة كنوسس العاصمة،
وازدادت سلطة الحاكم الذى كان يحمل لقب مينوى، الذى نسبت
إليه الحضارة، و (الثالثة) تميزت بعمق العلاقات بين مصر
وكريت، التى سكنها الإغريق، كما وقع حريق مدمر فى الجزيرة
فى أواخر هذا العصر. وبعد ذلك انتقل الثقل الحضارى إلى
جنوبى بلاد الإغريق وسُمِّيت بالحضارة الموكينية، وكان مركزها
مدينة موكيناى. وأهم أحداث هذه العصر حرب طروادة، التى
سجلها الشاعر اليونانى هوميروس فى ملحمة الإلياذة. وكانت
نهاية الموكينية خلال القرن الثانى عشر قبل الميلاد، على يد
الدوريين الوافدين من الشمال، الذين احتلوا الجزء الجنوبى من
بلاد اليونان، وعجزوا عن اقتحام مدينة أثينا. وقد أقام
الدوريون عدة مدن، أشهرها إسبرطة، التى نافست أثينا على
زعامة الإغريق. وبعد السنوات الألف الأولى من غزو الدوريين
أصبح نظام دويلات المدن هو النظام السائد فى بلاد الإغريق،
الذين كانوا يعتقدون أن نظام دول المدينة هو النظام الأمثل، وما
عداه تخلف. وكانت أثينا كبرى هذه الدويلات، ولكن هذا النظام(14/164)
شرذم الإغريق؛ فطمع فيهم الفرس الذين دمروا أثينا سنة (480
ق. م) فاضطر الإغريق إلى الاتحاد، وكونوا حلفًا عسكريًّا
للتصدى للفرس، عُرف باسم حلف ديبوس، الذى لم تنضم إليه
إسبرطة، بل أخذت فى إقامة حلف آخر، فأدى ذلك إلى قيام
حرب البليونيز، التى استمرت من سنة (431 - 404 ق. م)، حتى
حققت إسبرطة فى النهاية انتصارًا عسكريًّا، بعد أن استنزفت
هذه الحرب قوى الإغريق عدا مقدونيا، التى لم تشترك فى
الحرب، واستطاعت فرض الوحدة على الإغريق على يد فيليب
الثانى، الذى قهر ابنه الإسكندر الأكبر بلاد فارس وأسقط
إمبراطوريتها. وكانت أثينا مدرسة الإغريق وعاصمتهم الثقافية
على طول عهدها، رغم الحروب.(14/165)
*الرومان
لفظة تطلق فى الأصل على سكان مدينة روما. والرومان شعوب
استقرت ابتداءً من القرن الثانى عشر قبل الميلاد فى حوض نهر
التيبر فى أواسط إيطاليا، وقامت بتأسيس مدينة روما القديمة
فى نحو القرن الثامن قبل الميلاد، وبدأت بالتوسع تدريجيًّا عبر
سلسلة من الحروب حتى سيطرت على شبه الجزيرة الإيطالية
وتقدمت منه حتى سيطرت على معظم العالم القديم فى آسيا
وإفريقيا وأوربا. وبذلك سيطر الرومان على مقدرات العالم
وخاضوا حروبًا عديدة ضد القرطاجنيين والفرس، وتدفقت الأموال
إلى روما، إلا أن الإمبراطورية الرومانية بدأت فى الانحطاط،
خاصة بعد تزايد التنافس على السلطة، وهجمات القبائل
الجرمانية. وبعد تأسيس الإمبراطور قسطنطين لمدينة
القسطنطينية سنة (330 م)، تراجعت أهمية روما وصدارتها حتى
انقسمت الإمبراطورية الرومانية سنة (337 م) إلى الإمبراطورية
الرومانية الشرقية، وعاصمتها بيزنطة، والإمبراطورية الرومانية
الغربية، وعاصمتها روما. واستمرت الإمبراطورية الرومانية
الغربية قائمة حتى غزتها القبائل الجرمانية وسيطرت على روما
سنة (476 م). وانقسمت بعد ذلك الإمبراطورية الغربية إلى عدة
دول، أما الإمبراطورية الشرقية فقد استمرت حتى فتحها
العثمانيون واستولوا على القسطنطينية سنة (1453 م).(14/166)
*غانة الإسلامية (دولة)
«غانة» التى نقصدها بهذا الحديث ليست هى «غانا» التى تقع
اليوم فى أقصى الجنوب من غرب إفريقيا وعاصمتها «أكرا»
وإنما هى التى تقع بين منحنى «النيجر» و «نهر السنغال»،
وتضرب حدودها فى جنوبى «موريتانيا» الحالية، وكانت
عاصمتها مدينة تُسمَّى «كومبى» وتقع على بعد (200) ميل
شمال «باماكو» عاصمة دولة «مالى» الحالية. وكانت غانة
القديمة متسعة النفوذ والسلطان حتى قيل عنها: إنها كانت
إمبراطورية خضع لها معظم بلاد «السودان الغربى» فى النصف
الأول من العصور الوسطى. وتعد هذه الدولة أو الإمبراطورية من
أقدم ممالك غربى إفريقيا شمال نطاق الغابات، ويرجع تاريخ
نشأتها إلى الفترة مابين القرن الثالث والرابع الميلاديين، ويبدو
أن كلمة «غانة» كانت لقبًا يطلق على ملوكهم، ثم اتَّسع مدلول
هذا الاسم حتى أصبح يطلق على العاصمة والإمبراطورية. وقد
قامت هذه الدولة على يد جماعة من البيض وفدوا من الشمال،
وكان أول ملوكهم المدعو «كازا» قد اتَّخذ مدينة «أوكار» قرب
«تمبكت» الحالية عاصمة له، وكان الشعب يتكون من قبائل
«السوننك»، وهى أحد فروع شعب «الماندى» الذى يسكن
معظم نواحى غرب إفريقيا. واستطاعت هذه الدولة منذ أواخر
القرن الثامن الميلادى، وبعد أن انتقل الحكم إلى فرع
«السوننكى» - أن تُخضِع بلاد «فوتا» حيث التكرور والولوف
والسرير، ووصل هذا التوسع إلى نهايته القصوى فى مستهل
القرن الحادى عشر للميلاد، فأصبحت «غانة» تسيطر على
المسافات الممتدة من أعالى «نهر السنغال» وأعالى «نهر
النيجر»، وامتد نفوذها إلى موقع «تمبكت» شرقًا وبلاد
«التكرور» أو «السنغال» غربًا، وينابيع نهر «النيجر» جنوبًا،
وأغلب الصحراء الغربية (موريتانيا حاليا) شمالا، وانتقلت
عاصمتها إلى مدينة «كومبى» أو «كومبى صالح» وهى نفسها
مدينة «غانة». وقد اعتمدت إمبراطورية «غانة» على التجارة
كمصدر رئيسى فى اقتصادها خاصة تجارة الذهب، حتى صارت(14/167)
تعرف ببلاد الذهب، وأصبح ملوك «غانة» من أغنى ملوك الأرض؛
بفضل سيطرتهم على الطرق المؤدية إلى مناجم الذهب والتى
كانت تقع فى منطقة «وانقارة» أو «وانجارة» جنوبى مملكة
«غانة». وقد أدَّى رواج التجارة إلى أن أصبحت «غانة»
(العاصمة «كومبى صالح») أكبر أسواق بلاد «السودان»، ودخل
الإسلام إليها سلميا عن طريق التجار والدعاة المسلمين، ويتبين
هذا من رواية «البكرى» الذى زار هذه البلاد فى عام (460هـ =
1068م)، وذكر أن مدينة «غانة» مدينتان يحيطهما سور،
إحداهما للمسلمين وبها اثنا عشر مسجدًا، يُعيَّن لها الأئمة
والمؤذِّنون، والقضاة، أما المدينة الأخرى، فهى مدينة الملك
وتسمى بالغابة، وبها قصر الملك ومسجد يصلى فيه من يَفدُ عليه
من المسلمين. ويضيف «البكرى» أن مترجمى الملك وصاحب بيت
ماله وأكثر وزرائه كانوا من المسلمين، وهذا يدل على أن
الإسلام قد انتشر بين زنوج غربى إفريقيا لدرجة أن شعب
«التكرور» بأكمله أسلم على يد الملك «وارجابى بن رابيس»
الذى توفى عام (432هـ = 1040م)، كذلك امتد الإسلام إلى مدينة
«سلى» التى تقع بين «التكرور» و «غانة»، وإلى مدينة
«غيارو» التى تبعد عن مدينة «غانة» مسيرة (18) يومًا. ويتحدث
«البكرى» عن مملكة أخرى هى مملكة «ملل» ويقصد بها مملكة
«مالى» التى تقع جنوبى مملكة «غانة»، ويقول: إن ملكها
يعرف بالمسلمانى لأنه أعلن إسلامه على يد أحد الفقهاء
المسلمين الذى خرج معه للاستسقاء بعد أن أجدبت البلاد وكاد
الناس يهلكون، ولما استجاب الله وهطل المطر أمر الملك بتحطيم
الدكاكير (أى الأصنام)، وأخرج السحرة من بلاده، وأسلم هو
وأهله وخاصته وحَسُنَ إسلامهم، على الرغم من أن أغلب أهل
مملكته كانوا وثنيين. ويتحدث «البكرى» أيضًا عن مدن أخرى
أهلها مسلمون مثل مدينة «كونمة» ومدينة «الوكن» ومدينة
«كوكو» عند انحناءة «نهر النيجر» تجاه بلاد «الهوسا»،
والمدينة الأخيرة مدينتان، مدينة الملك ومدينة المسلمين، ويبدو(14/168)
أن ملكهم كان مسلمًا، بدليل ما يذكره «البكرى» من أن ملكهم
كان يتسلَّم عند تنصيبه خاتمًا وسيفًا ومصحفًا، يزعمون أن أمير
المؤمنين بعثها إليه. ويصرح «البكرى» فى نهاية حديثه بأن
ملكهم مسلم ولا يتولى العرش أحد من غير المسلمين. وحتى يسير
الإسلام فى مجراه الطبيعى ويستقر بين هذه الشعوب التى آمنت
به، وحتى ينتهى دور «غانة» فى مناهضة الإسلام والاعتداء
على القبائل المسلمة كان الهدف الأساسى الذى كرَّس له الأمير
«أبو بكر بن عمر اللمتونى» زعيم «الملثمين» جهوده هو
الاستيلاء على «غانة» وإخضاعها لدولة المرابطين التى أقامها
هؤلاء «الملثمون» من قبائل صنهاجة. وعلى الرغم من أن أغلب
المصادر تغفل تفاصيل جهاد هذا الأمير فى بلاد «السودان
الغربى» فإننا نعرف أنه استطاع أن يفتح مملكة «غانة»، وأن
يستولى على العاصمة عام (469هـ = 1076م) ويسقط الحكومة
الغانية الوثنية. ومنذ ذلك الوقت يمكن أن يؤرخ لإمبراطورية
«غانة» الإسلامية حتى اختفائها من التاريخ فى مطلع القرن
الثالث عشر الميلادى. فقد أضحت حكومتها إسلامية، ويقال إن
ملكها اعتنق الإسلام بدليل أن المرابطين تركوه فى الحكم بعد
أن أعلن الخضوع ودفع الخراج لهم. وبإسلام هذا الملك دخل عدد
كبير من سكان المملكة فى الإسلام. ولم تستمر سيطرة المرابطين
على «غانة»؛ إذ سرعان ما تخلَّصت من هذه السيادة على أثر
اغتيال الأمير «أبى بكر» أمير المرابطين عام (480هـ = 1087م)
على يد أتباع أحد زعماء قبائل «الموسى» بجنوب «داهومى»
وانتهزت بلاد «السودان الغربى» هذه الفرصة وما تبعها من
اضطراب الجيوش المرابطية هناك بعد موت قائدها فأعلنت
«غانة» استقلالها وانفصالها عن الدولة المرابطية، ونقضت
تبعيتها لها، وفى الوقت نفسه استطاعت بعض الولايات التى
كانت تابعة لإمبراطورية «غانة» أن تنفصل هى الأخرى وتستقل
فى حكمها، مثل مملكة «أنبارة» وولاية «ديارا» و «كانياجا»،(14/169)
وأصبحت ممالك مستقلة، بينما أصبحت سلطة ملوك «غانة» لا
تتعدَّى «أوكار» و «باسيكورو» مما أضعف الدولة ومهد للقضاء
عليها. ومعنى ذلك أن فتح المرابطين لغانة لم يقض عليها
تاريخيا، ولكنه حولها إلى الإسلام، وجاءت الصدمة القاضية على
الوجود التاريخى لإمبراطورية «غانة» على يد قبائل «الصوصو»
الوثنية التى استقلت بولاية «كانياجا» كما سبق القول، وكانوا
من قبل يدفعون الجزية لحكومة «غانة» لفترة طويلة. وفى مطلع
القرن الثالث عشر الميلادى استولى أعظم أباطرة «الصوصو»
وهو «سومانجورو» على العاصمة «كومبى صالح» فى عام
(600هـ= 1203م) بعد معركة طاحنة مع ملك «غانة» الإسلامية.
وبذلك أنهى «الصوصو» سيادة الملوك الغانيين المسلمين
فتفرقوا فى البلاد، وقام زعيم «الصوصو» بالاتجاه نحو
الجنوب؛ حيث توجد دولة «الماندنجو» النامية فى «كانجابا»
واستولى عليها ولكن أحد أبناء ملك «كانجابا» ويسمى
«سندياتا» أو (مارى جاطهـ) نجح فى استرداد الأراضى التى
ضاعت من أبيه، بل واستطاع أن يقضى على «سومانجورو»
نفسه وأن يضم جميع أملاك «الصوصو» إليه. وذلك بعد موقعة
حربية فاصلة (632هـ = 1235م)، وفى عام (638هـ = 1240م)
نجح «مارى جاطة» فى تدمير ما بقى من «كومبى صالح»
عاصمة «غانة»، وكان ذلك هو الفصل الختامى فى اختفاء
إمبراطورية «غانة» من مسرح التاريخ. وعلى الرغم من أن
«غانة» الإسلامية لم تعمَّر طويلا فإن أهلها وأغلبهم من
«السوننك» اشتهروا بحماسهم للإسلام وبالدعوة إليه، حتى إن
بعض العشائر السوننكية تكاد تختص بالعمل فى الدعوة إلى
الإسلام، بل إن كلمة «سوننك» فى أعالى نهر «غمبيا»
استخدمها «الماندنجو» الوثنيون مرادفة لكلمة «داعية»، مما يدل
على الدور الكبير الذى نهض به «السوننك» فى نشر الإسلام.
ويبدو أن هذه الدفعة التى دفعها المرابطون للإسلام كانت من
القوة بحيث تركت فى تاريخ الإسلام فى غربى إفريقيا آثارًا(14/170)
عميقة، ذلك أن دعاة المرابطين نشروا الإسلام فى المنطقة
الواقعة بين «السنغال» و «النيجر» وعلى ضفاف «السنغال»،
وتمخض ذلك عن إسلام شعب «التكرور» الذى عمل بدوره على
متابعة الدعوة إلى هذا الدين الحنيف بين قبائل «الولوف»
و «الفولبة» (الفولانى) و «المندنجو». وفى ركاب المرابطين دخلت
الثقافة الإسلامية متدفقة من مدارس «المغرب» و «الأندلس»، فقد
وحَّد المرابطون بين «السودان الغربى» و «المغرب» و «الأندلس»
فى دولة واحدة. وفى عهدهم تم تأسيس مدينة «تمبكت» التى
أصبحت حاضرة الثقافة العربية فى غربى «السودان» وقد
أسَّسها قوم من طوارق «مقشرن» فى آخر القرن الخامس
الهجرى، وأصبحت سوقًا مهمة يؤمُّها الرحالة ويَفِدُ إليها التجار
من «مَرَّاكُش» و «السودان». وسرعان ما اقتفى العلماء أثر التجار
فوفدوا إليها من «المغرب الأقصى» و «الأندلس»، بل ومن «مصر»
و «توات» و «تافللت» و «فاس» وغيرها، وأصبح مسجدها الجامع
الذى يسمى مسجد «سنكرى» جامعة إسلامية زاهرة فى هذه
البقعة النائية، وامتدَّ الإسلام إلى مدينة أخرى كان لها ما لتمبكت
من أثر فى تاريخ الإسلام والثقافة العربية، وهى مدينة «جنى»
التى أسلم أهلها آخر القرن الخامس الهجرى، وأمَّها الفقهاءُ
والعلماءُ، كما انتشرت اللغة العربية بين كثير من أهالى دولة
«غانة» الإسلامية، وأصبحت لغة العبادة والثقافة الوحيدة بالبلاد
بجانب كونها لغة التجارة والمعاملات. انتهى هذا الدور بانتشار
الإسلام فى بلاد «السودان الغربى» على نطاق واسع، وبتوطُّن
الثقافة العربية فى مركزين مشهورين فى «تمبكت» و «جنى»،
وبسقوط مملكة «غانة» الإسلامية على يد «الصوصو»، وورثتها
مملكة «مالى» الناشئة، وبدأ دور جديد يمكن أن نسميه دور
الازدهار فى تاريخ الدول والممالك الإسلامية التى قامت فى
غرب إفريقيا فى العصور الوسطى. وفى هذا الدور انتقلت
السلطة إلى أهل البلاد الأصليين الذين دخلوا الإسلام وتشربوا من(14/171)
ثقافته واقتبسوا من نظمه، وهو التطور نفسه الذى حدث فى
«المغرب» حينما انتقل السلطان إلى أهل البلاد أنفسهم، بل
شهده كل قطر دخله الإسلام وتغلغل فيه. ومن الدول الإسلامية
التى قامت من أهل البلاد الأصليين فى غربى إفريقيا دولة
«مالى» ودولة «صنغى» ودولة «الكانم والبرنو». وهذه الدول
بعد قيامها كانت تشتغل بالحياة الإسلامية وتتخذ مظهرًا إسلاميا
واضح المعالم.(14/172)
*مالى (دولة)
أسس هذه السلطنة شعب زنجى أصيل هو شعب «الماندنجوه»،
أو «الماندنجو» ومعناها «المتكلمون بلغة الماندى»، ويطلق
«الفولانى» على هذا الشعب اسم «مالى»، ويلقبه المؤرخون
العرب بلقب «مليل» أو «ملل»، وتقع سلطنة «مالى» بين بلاد
«برنو» شرقًا والمحيط الأطلسى غربًا وجبال البربر شمالا
و «فوتاجالون» جنوبًا. وقد اشتهرت باسم بلاد «التكرور» وهى
أحد أقاليمها الخمسة التى اشتملت عليها المملكة زمن قوتها
وازدهارها، وكان كل إقليم منها عبارة عن مملكة مستقلة
استقلالا ذاتيا، لكنها تخضع لسلطان «مالى»، وهذه الأقاليم
الخمسة حسبما ذكرها «القلقشندى»: 1 - «مالى»، ويتوسط
أقاليم المملكة. 2 - «صوصو»، ويقع إلى الجنوب من «مالى». 3 -
«غانة»، ويقع شمال «مالى» ويمتد إلى «المحيط الأطلسى». 4 -
«كوكو»، ويقع شرق إقليم «مالى». 5 - «تكرور»، ويقع غرب
«مالى» حول «نهر السنغال». ولايعرف إلا القليل عن نشأة
مملكة «مالى» ويتلخص فى أنه فى نحو منتصف القرن الحادى
عشر الميلادى تقريبًا اعتنق ملوك «الماندنجو» فى «كانجابا»
(مالى) الإسلام، وأنشئوا دُوَيلة صغيرة انفصلت عن مملكة
«غانة»، وظفرت بنوع من الاستقلال الذاتى، مستغلة الصراع
الذى نشب بين المرابطين ومملكة «غانة» واستطاع ملوك
«كانجابا» أن يوسعوا مملكتهم فى أوائل القرن الثالث عشر
فى اتجاه الجنوب والجنوب الشرقى، مما أثار حفيظة ملك
«الصوصو»، الذى أخذ يعمل للسيطرة على مملكة «كانجابا»
الناشئة وكادت جهوده تكلل بالنجاح، بعد أن استطاع القضاء
على دولة «غانة» الإسلامية عام (600هـ = 1203م)، لكن
«سندياتا» ملك «كانجابا» الذى اشتهر باسم «مارى جاطة»
(627 - 653هـ = 1230 - 1255م) استطاع أن يقهر ملك
«الصوصو»، وأن يقتله فى إحدى المعارك عام (632هـ =
1235م) وأن يضم بلاده إليه، ثم وسَّع نفوذه شمالا واستولى
على البقية الباقية من مملكة «غانة» عام (638هـ= 1240م)،(14/173)
وبذلك يعتبر هذا الملك المؤسس الحقيقى لسلطنة «مالى»
الإسلامية. وقد برزت سلطنة «مالى» فى سماء الحياة السياسية
فى غربى إفريقيا كأعظم ماتكون، واتخذت حاضرة جديدة لها،
ترمز إلى الدولة وإلى نفوذها وقوتها النامية وهى عاصمتها
الجديدة «نيانى» أو «مالى»، بدلا من عاصمتها القديمة
«جارب»، وتقع العاصمة الجديدة على أحد روافد «نهر النيجر».
استمرت حركة التوسُّع بعد ذلك، ففى عهد «منسى ولى» (653 -
669هـ = 1255 - 1270م) خليفة «مارى جاطة» استولى قواده
على منطقة «وانجارة» الغنية بمناجم الذهب، كما استولوا على
مدينتى «بامبوك» و «بندو»، ولم تتوقَّف الفتوح بعد «منسى
ولى»، إنما استمرت فى عهد خلفائه - أيضًا - حتى وصلت الغاية
فى عهد ملك «مالى» الشهير «منسا موسى» (712 - 738هـ =
1312 - 1337م) الذى استولت قواته على مدن «ولاته»
و «تمبكت» و «جاو» فى «النيجر الأوسط»، وبلغت دولة «مالى»
الإسلامية فى عهده ذروة مجدها وقوتها واتساعها، فقد امتدت
من بلاد «التكرور» غربًا عند شاطئ «المحيط الأطلسى» إلى
منطقة «دندى» ومناجم النحاس فى «تكدة» شرقى «النيجر»،
ومن مناجم الملح فى «تغازة» فى الصحراء شمالا إلى
«فوتاجالون» ومناجم الذهب فى «ونقاره» جنوبًا، كما شملت
الحدود الجنوبية منطقة الغابات الاستوائية. وتقدر مساحة
«مالى» زمن السلطان «منسا موسى» بمساحة كل دول غربى
أوربا مجتمعة، وتعتبر «مالى» من أعظم الإمبراطوريات فى
القرن الرابع عشر الميلادى، وفاقت شهرتها دولة «غانة»؛ من
حيث العظمة والقوة والثروة والاتساع والشهرة، فقد ضمَّت داخل
حدودها مناجم الذهب والملح والنحاس، وتحكَّمت فى طرق
القوافل بين هذه المناجم شمالا وجنوبًا، ونتج عن ذلك ثراء جم،
يظهر ذلك من وصف «ابن بطوطة» و «الحسن الوزَّان» لهذه
المملكة. لكن ما كادت الدولة تبلغ الغاية فى القوة حتى بدت
عليها مظاهر الضعف؛ فأَغرق الملوك فى الترف، وفقدوا الروح(14/174)
العسكرية، وبدأت أقاليمها تستقل عنها واحدًا بعد الآخر؛
فاستقلَّت «جاو» واستولى «الطوارق» على «أروان» و «ولاته»
و «تمبكت»، وبدأ «الولوف» و «التكرور» يُغيرون عليها من
الغرب، ودولة «الكانم» من الشرق واستقلّت إمارة «صنغى»
التى ورثت مملكة «مالى» وتبوأت مكانتها فى غرب القارة فيما
بعد. وقد بلغ ضعف مملكة «مالى» الغاية فى القرنين الخامس
عشر والسادس عشر الميلاديين حين استنجدوا فى عام (886هـ =
1481م) بالعثمانيين، الذين كانوا قد استقروا بالمغرب، ثم
بالبرتغاليين الذين كانوا قد أنشئوا لهم مستعمرة على ساحل
إفريقيا الغربى، فلم يستجب لهم أحد، وكان «سُنِّى على»
سلطان دولة «صنغى» الإسلامية والمؤسس الحقيقى لها قد
أوغل فى سلطنة «مالى» فلم يترك بلدًا ولا مدينة فى النصف
الشمالى منها إلا حاربه بما فى ذلك مدينة «مالى» نفسها،
واحتل «تمبكت» عام (873هـ = 1469م)، ونرى عهد قوة
إمبراطورية «مالى» ينتهى فى العام الذى سقطت فيه «تمبكت»
فقد أخذت الإمبراطورية تفقد أقاليمها واحدًا إثر الآخر حتى
أصبحت فى منتصف القرن السابع عشر الميلادى مجرد دُوَيلة
صغيرة فى «كانجابا» كما كانت من قبل. وظلَّت هذه الدولة
قائمة حتى ابتلعها الفرنسيون فى عام (1316هـ = 1898م)، بعد
أن هزموا آخر زعيم أراد أن يعيد مجد دولة «مالى» الإسلامية،
ويوحد شعب «الماندنجو» وهو «سامورى التورى»، ورغم
جهاده المستمر فإن الفرنسيين قضوا عليه فى العام نفسه،
ونفوه إلى «جابون»؛ حيث مات هناك فى عام (1318هـ =
1900م). وقد استطاعت دولة مالى تحقيق كثير من المظاهر
الإسلامية. وأول هذه المظاهر، اتصالها بالقوى الإسلامية
المختلفة، وإظهارها لروح الأخوة الإسلامية، وقد ظهر هذا فى
سفر سلاطين هذه المملكة إلى مكة لأداء فريضة الحج وزيارة
«مصر» فى طريقهم إلى «مكة»، وقد بدت هذه الظاهرة منذ فجر
الدولة؛ إذ أشار «القلقشندى» إلى خروج «منساولى بن مارى(14/175)
جاطة» إلى الحج فى عهد السلطان «بيبرس»، وتطورت الصلات
بين «مالى» و «مصر» فى عهد السلطان «منسا موسى» الذى
يعد موكبه من أروع مواكب الحج التى وفدت على «مصر» فى
القرن الثامن الهجرى. وقد قدَّر بعض المؤرخين عدد من جاء فى
ذلك الموكب بعدة آلاف، وقالوا إن السلطان حمل خمسين ألف
أوقية من الذهب وزَّع أكثرها على الناس فى صورة هدايا أو
صدقات فى «مصر» و «الحجاز»، وقد بعث إلى الخزانة السلطانية
فى «القاهرة» بحمْل كبير من الذهب، وقد أكرمه سلطان «مصر»
وبعث إليه بالخِلع وزوَّده بما يحتاج إليه فى سفره إلى «مكة»
من الجمال والمتاع والمئونة. وكان السلطان «منسا موسى» قد
بعث قبل مجيئه إلى «مصر» كتابًا إلى السلطان المملوكى
«الناصر محمد» خاطبه فيه بما يدل على التقدير والإخاء، وبعث
إليه بخمسة آلاف مثقال من الذهب، مما يدل على عمق الصلات
الطيبة وروح الأخوة الإسلامية بين القاهرة وغربى إفريقيا، تلك
الصلات التى نشأت عنها علاقات ثقافية وتجارية واسعة وقد
انتهز السلطان «منسا موسى» فرصة وجوده فى «مصر»،
فابتاع جملة من الكتب الدينية ليوفر لأهل بلاده طرفًا من الثقافة
الإسلامية المتفوقة فى «مصر» وقتئذٍ وتبع ذلك رحيل كثير من
علماء «مصر» إلى «مالى»، ورحيل علماء «مالى» إلى «مصر»؛
حيث كان لهم رواق فى الأزهر يقيمون فيه يسمى «رواق
التكرور». ولم تقتصر العلاقات على «مصر» وحدها، بل كان
لسلاطين «مالى» علاقات طيبة أيضًا بملوك «المغرب» وترجع
العلاقات بين الطرفين إلى زمن بعيد، فيذكر «ابن عذارى» مؤرخ
«المغرب» و «الأندلس» الشهير فى كتابه «البيان المغرب فى
أخبار الأندلس والمغرب» بعض الهدايا التى كان يرسلها ملوك
«السودان الغربى» فى القرنين الرابع والخامس الهجريين إلى
ملوك «بنى زيرى» فى «تونس»، أما سلطان مملكة «مالى»
«منسا موسى» فقد أرسل إلى السلطان «أبى الحسن المرينى»
يهنئه باستيلائه على «تلمسان»، كما بعث بالسفراء الدائمين(14/176)
إلى مدينة «فاس»، وكانت العلاقات الثقافية مع «المغرب» فى
غاية القوة والازدهار، بسبب انتشار مذهب «مالك» فى البلدين.
وقد امتدت علاقات مملكة «مالى» إلى «الأندلس»، بدليل ما
يروى من أن «منسا موسى» استعان بأحد علمائها وهو «أبو
إسحاق السهلى» من أهل «غرناطة» فى بناء القصور
والمساجد، وإليه يرجع الفضل فى إدخال فن البناء بالآجر فى
غربى «السودان»، وبنى مسجدًا عظيمًا فى «جاو» وآخر فى
«تمبكت»، كما بنى قصر «منسا موسى» نفسه. وكان أهل
«مالى» يحتفلون بشهر رمضان وبالأعياد الإسلامية احتفالا
كبيرًا، وكان السلطان يوزع الأموال والذهب على القضاة
والخطباء والفقهاء وفقراء الناس، ويصف «ابن بطوطة» خروج
السلطان لصلاة العيد وصفًا رائعًا لا يقل فخامة وأبهة عن خروج
خلفاء «بغداد» و «القاهرة». ويقول إن الأهالى كانوا يواظبون
على الصلاة فى الجماعات، وإنهم كانوا يضربون أولادهم إذا ما
قصروا فى أدائها، وإنه إذا لم يبكر الإنسان فى الذهاب إلى
المسجد يوم الجمعة لم يجد مكانًا لكثرة الزحام. وبلغ من عمق
العقيدة فى نفوسهم أنهم كانوا يلزمون أبناءهم بحفظ القرآن
الكريم، وكانوا يضعون قيودًا من الحديد فى أرجلهم إذا
ماقصروا فى حفظه، ولا تفك عنهم حتى يحفظوه، ولذلك أتقن
كثير من الماليين اللغة العربية، وكان السلطان «منسا موسى»
نفسه يجيدها، وكان التعليم لايتم إلا بها كما كانت لغة الحكومة
فكانت الوثائق المهمة والمراسلات الدولية لاتكتب إلا بها، كما
كانت لغة التجارة والمعاملات، أى أنها كانت اللغة السائدة
بجانب اللغات المحلية، مثل لغة «الهوسا» و «صنغى»
و «الفولانيين» التى تأثرت باللغة العربية، وتوجد آلاف الكلمات
العربية مستخدمة فى شتى مظاهر الحياة فى غرب إفريقيا
حتى اليوم، وقد زار الرحالة الإنجليزى «فرانسيس مور» مالى
عام (1144هـ = 1731م) ووجد معظم أهل «جمبيا» البريطانية
يتكلمون العربية. وقد ساعد على ذلك أن سلاطين «مالى» كانوا(14/177)
يكثرون من بناء المساجد التى كانت تتخذ بجانب العبادة مكانًا
للعلم والتدريس، ويذكر أن السلطان «منسا موسى» كان يقيم
مسجدًا فى كل مكان تدركه فيه صلاة الجمعة إذا كان مسافرًا
أو خارج عاصمته، ومن أهم هذه المساجد مسجد أو جامع
سنكرى الذى أصبح جامعة علمية فى مدينة «تمبكت»؛ حيث
وفد إليه العلماء وطلاب العلم من داخل «مالى» وخارجها، وبلغ
من أهمية هذه المساجد أنها أصبحت حرمًا آمنًا، فكان السلطان
إذا غضب على أحد من الرعية استجار المغضوب عليه بالمسجد،
وإن لم يتمكن من ذلك يستجير بدار خطيب المسجد، فلا يجد
السلطان سبيلا إلا أن يعفو عنه، وهذا يدل على مدى تقدير
سلاطين «مالى» للأماكن الدينية وللعلماء، وكان مجلس السلاطين
لا ينعقد إلا بحضور العلماء ولا يبت فى رأى إلا بعد مشورتهم،
فإذا أضفنا إلى ذلك ما قام به سلاطين «مالى» من جهاد لنشر
الإسلام وثقافته بين القبائل الوثنية سواء داخل دولتهم أو
خارجها، وما قاموا به من أصول عربية مشرقية لأسرتهم
الحاكمة وهى أسرة «كيتا»؛ لأدركنا مدى حرص تلك السلطنة
وهؤلاء السلاطين على التقاليد الإسلامية ومظاهر الحياة
الإسلامية.(14/178)
*صنغى (دولة)
بدأت سلطنة «صنغى» (صنغاى- سنغاى) دويلة صغيرة لا تختلف
من حيث قيامها عن سلطنة «مالى» أو «غانة» فقد تدفقت بعض
قبائل مغربية - وخاصة قبائل «لمطة» - فى نحو منتصف القرن
السابع الميلادى إلى الضفة اليسرى لنهر «النيجر» عند مدينة
«دندى»، وسيطروا على الزراع من أهل «صنغى». ورحب هؤلاء
بهم ليحموهم من الصيادين الذين كانوا يعتدون عليهم ونجح
هؤلاء الوافدون فى تكوين أسرة حاكمة استفادت إلى حد كبير
من العلاقات التجارية مع «غانة» و «تونس»، و «برقة» و «مصر»،
وكانت هذه العلاقات التجارية ذات أثر بعيد فى تحويل ملوك
«صنغى» إلى الإسلام فى بداية القرن الحادى عشر الميلادى
إبان النهضة الإسلامية التى اضطلع بها المرابطون فى ذلك الوقت
لنشر الإسلام فى غربى القارة. رأى ملوك «صنغى» أن ينقلوا
حاضرة ملكهم من «كوكيا» إلى «جاو» لتكون على مقربة من
طرق القوافل الرئيسية. ومدينة «جاو» زارها البكرى عام (460هـ
= 1068م) وقال: «إن مدينة كوكوا (جاو) مدينتان، مدينة الملك
ومدينة المسلمين، وإذا وُلِّى منهم ملك دُفع إليه خاتم وسيف
ومصحف يزعمون أن أمير المؤمنين بعث بذلك إليهم، وملكهم
مسلم لا يملِّكون غير المسلمين»، كما زارها «ابن بطوطة» فى
منتصف القرن الرابع عشر للميلاد، وقال عنها: إنها مدينة كبيرة
تقع على نهر «النيجر»، وهى من أحسن مدن «السودان»
وأكبرها وأخصبها، وقد قابل فيها فقهاء ينتسبون إلى بعض
قبائل البربر. وكانت «جاو» والبلاد التابعة لها تشكل جزءًا من
سلطنة «مالى» (777هـ = 1375م)، عندما تحرك ملوك «صنغى»،
واستردوا استقلالهم منتهزين فرصة الضعف الذى أخذ يظهر فى
دولة «مالى» منذ ذلك الوقت واتخذوا لقب «سُنِّى» أو «السُّنِّى».
وأخذت بلادهم تتسع فى عهد «سنى على» (868 - 897هـ =
1464 - 1492م) الذى كون جيشًا كبيرًا منظمًا سار على رأسه
إلى الغرب، واستولى على مدينة «تمبكت» (873هـ = 1468م)،(14/179)
ثم على مدينة «جنِّى» (878هـ = 1473م)، وفتح مملكة
«الموسى» وضمها إلى دولته، وتقدم شرقًا فهاجم بعض إمارات
«الهوسا» فخضعت له «كاتسينا» و «جوبير» و «كانو»
و «زمفرة» و «زاريا»، ثم اتجه غربًا فاستولى على بلاد
«الماندنجو» و «الفولانى»، ومعظم ممتلكات دولة «مالى»
الإسلامية، واتجه شمالا حتى مواطن الطوارق. وبذلك أسس
«سنى على» إمبراطورية «صنغى» الإسلامية، وكان أول
إمبراطور لها، حتى مات فى ظروف غامضة، وبموته انتقل الحكم
إلى أسرة جديدة أسسها أحد قواد «السوننكى»، وهو
«أسكيا محمد الأول» بعد إعلانه الثورة على ابن «سنى على»
واستيلائه على السلطة. و «أسكيا» لقب يعنى «القاهر» وقام
بتنظيم شئون البلاد من الناحية الإدارية، واستخدم طائفة من
الموظفين الأكفاء، كما نظم الجيش وأفاد من الخبرات السابقة،
واتخذت حركته مظهرًا إسلاميا واضحًا نتيجة عاملين قام بهما:
الأول: هو اهتمامه بالشئون الدينية واستغلاله ثروة سلفه فى
النهوض بها وقيامه بالحج إلى البيت الحرام فى مكة (900هـ =
1495م)، وكان موكبه فى موسم الحج يفوق ما عرف عن موكب
ملوك «مالى»، من حيث الأبهة والفخامة، واستردت «تمبكت» فى
عهده مكانتها كمركز للثقافة الإسلامية فى غربى إفريقيا، وبلغ
من شهرتها أن ملك «صنغى» كان ينسب إليها. والعامل الثانى:
هو الجهاد الذى قام به بغرض توسيع رقعة بلاده، ونشر الإسلام
بين الوثنيين من جيرانه «الماندنجو» و «الفولانى» فى الغرب
«والطوارق» فى الشمال، وقبائل «الموسى» الزنجية فى
الجنوب، «والهوسا» فى الشرق فى مدن «كتسينا» و «غوبير»
و «كانو» و «زنفروزاريا» وقد خضعت هذه المدن كلها لهذا الملك
عام (919هـ = 1513م)، وكان هذا بداية لظهور الثقافة الإسلامية
فى هذا الجزء من شمال «نيجيريا». وقد أشار كثير من
المؤرخين السودانيين إلى أن علماء من «تمبكت» رحلوا إلى
هذه الجهات الخاضعة لنفوذ «صنغى»، وأقاموا هناك يفقِّهون(14/180)
الناس فى الدين وينشرون الثقافة الإسلامية، حتى امتد النفوذ
الإسلامى إلى منطقة «بحيرة تشاد»، وبلغت إمبراطورية
«صنغى» أقصى اتساع لها، فقد شمل نفوذها منطقة
«السافانا» كلها من الشرق إلى الغرب، واستطاع «أسكيا محمد
الأول» أن ينشر الأمن والسلام فى جميع ربوع هذه المملكة
الشاسعة الأرجاء، بتنظيماته الإدارية والعسكرية الرائعة التى
قام بها بين صفوف الجيش والإدارة. لكن حكمه آذن بالزوال حينما
أصيب بالعمى وانتابه المرض وتآمر عليه أولاده، وعزله أحدهم
عن الحكم فى عام (935هـ = 1529م). وظل القواد والمغامرون
يتنافسون من أجل السيطرة على الجيش والحكومة، إلا أن
«أسكيا إسحاق الأول» (946 - 956هـ = 1539 - 1549م) استطاع
أن يلى العرش بمساندة الجيش، وأن يعيد الأمن إلى نصابه، وأن
يقضى على منافسيه، وأن يبعد كبار ضباط الجيش وكبار
المسئولين، الذين أساءوا استخدام مناصبهم خلال فترة
الاضطراب. وعلى الرغم من ذلك لم يستطع الاحتفاظ بالعرش مدة
طويلة، فقد خلفه «أسكيا داود» (1549 - 1582م) الذى عين
أنصاره فى الوظائف المهمة واشتهر بحنكته السياسية فأبعد
خطر ملوك «مراكش» عن بلاده بالمهادنة والتودد إليهم. وبعد
وفاة «داود» (990هـ = 1582م) أثرت المنازعات التى قامت
بسبب العرش تأثيرًا سيئًا على مملكة «صنغى»، فقد كان
سلاطين «المغرب» منذ عهد بعيد يتطلعون إلى مناجم الملح فى
«تغازة» وإلى السيطرة على تجارة الذهب، وظل ملوك
«صنغى» يصدون سلاطين «المغرب» حتى سنة (993هـ =
1585م)، حينما انقسمت البلاد على نفسها، فاستغل «أحمد
المنصور الذهبى» سلطان «المغرب» الذى انتصر على البرتغاليين
فى موقعة «القصر الكبير» ضعف «صنغى» وسيَّر جيشًا كبيرًا
عام (998هـ = 1590م) استولى على العاصمة «جاو» بعد أن هزم
قوات «إسحاق الثانى» فى موقعة «تونديبى» وبذلك دخلت
البلاد فى طور جديد من أطوار تاريخها وهو طور التبعية والفناء.(14/181)
لكن واقعة «تونديبى» لم تكن نصرًا للمغرب إلا من الناحية
العسكرية؛ إذ إنهم لم يحققوا الأغراض التى قاتلوا من أجلها،
وهى السيطرة على مناجم الذهب فى غرب إفريقيا، لأن ثروة
«صنغى» لم تكن نتيجة امتلاكها الذهب بقدر ما كانت نتيجة
لسيطرتها على تجارته مع مواطن إنتاجه، فى «وانجارة»
و «يندوكو» و «أشنتى»، وكلها فى جنوب مملكة «صنغى»،
وهى تجارة لا تزدهر إلا فى ظل الأمن والسلام الذى قضى عليه
سلاطين «مراكش»، الذين لم يستطيعوا أن يمدوا نفوذهم إلى ما
وراء المدن الرئيسية «جنى» و «تمبكت» و «جاو»، ولما أدركوا
قلة الفوائد التى عادت عليهم من وراء هذا الفتح الذى كلفهم
كثيرًا، كفُّوا عن إرسال الجند والمئونة اللازمة إلى قواتهم،
وتركوا هذه القوات تقرر مصيرها بنفسها، فنشأت أسرة محلية
من باشوات «تمبكت» تدين بالتبعية الاسمية لسلطان «مراكش»،
وتعتمد على عنصر خليط من البربر وأهل البلاد، أو المولدين
الذين سموا باسم «أرما». وكان همُّ هؤلاء الباشوات منصرفًا إلى
جمع المال وحمل الزعماء المحليين على دفع الإتاوة على أن
سلطانهم ضعف تدريجيًا لاعتمادهم على الجيش الذى كان يعزلهم
متى شاء، حتى بلغ عدد من تولى منهم بين سنتى
(1070هـ=1660م) و (1163هـ= 1750م) نحو (128) باشا، ولما
ضعفت قوة الجيش نفسه اضطر الباشوات منذ عام (1081هـ =
1670م) إلى دفع الإتاوة إلى الحكام الوثنيين من ملوك
«البمبارا»، وهم ملوك مملكة «سيجو» الوثنية، التى كانت تقع
على وادى نهر «بانى» جنوبى «كانجابا» فى حوض «النيجر».
وظل الأمر على هذا النحو حتى جاء الفرنسيون والتهموا المنطقة
بأسرها، وسموها «إفريقية الاستوائية الفرنسية». وبعد نجاح
حركة الكفاح الوطنى ضد الاستعمار الفرنسى والإنجليزى؛
ظهرت عدة دول إسلامية حديثة على أنقاض إمبراطورية
«صنغى» الإسلامية، وهذه الدول هى: «جمهورية موريتانيا،
و «جمهورية غينيا»، و «جمهورية مالى»، و «جمهورية السنغال»،(14/182)
و «جمهورية النيجر»، و «جمهورية نيجيريا»، و «جمهورية
جامبيا». وإذا كانت دولة «صنغى» قد شابهت دولة «مالى» من
حيث تطورها العام، فإنها قد شابهتها أيضًا فى اتخاذها مظهرًا
إسلاميا واضحًا، بل فاقتها فى هذه الناحية فى بعض الأحيان،
وهذا التطور طبيعى، فقد امتد سلطان «صنغى» إلى القرن
السادس عشر الميلادى، وكان الإسلام قد قطع خطوات واسعة
فى سبيل النمو والانتشار. وقد سعى ملوك «صنغى» كما سعى
ملوك «مالى» من قبل إلى الاتصال بالقوى الإسلامية المعاصرة،
تحقيقًا لروح الأخوة الإسلامية، وفى هذا المجال كان لملوك
«صنغى» اتصالات عديدة بملوك المسلمين فى الشرق والغرب.
فقد خرج «أسكيا محمد الأول» إلى الحج ومر بمصر سنة (899هـ=
1494م) فى موكب حافل، وأغدق على الناس والفقراء أكثر مما
أغدق أسلافه، فقد روى «السعدى» صاحب كتاب «تاريخ
السودان» أنه تصدق مثلا فى الحرمين الشريفين بمائة ألف مثقال
من الذهب، واشترى بساتين فى «المدينة المنورة» حبسها على
أهل التكرور (أهل دولة صنغى)، واجتمع فى موسم الحج
بزعماء المسلمين، وتأثر بما رآه فى «مصر» من نظم الحكم،
ومن ثقافة عربية مزدهرة، فاتصل بالإمام «السيوطى» وغيره
من علماء العصر، وتلقى تقليدًا من الخليفة العباسى بالقاهرة،
وعاد إلى بلده متأثرًا بما رآه من روح إسلامية، وعمل على
تطبيق ما تعلمه من آراء وتجارب شاهدها بنفسه. ويقال إن هذا
السلطان قلد فى تنظيماته الإدارية النظم التى رآها فى «مصر»،
وأمعن فى إحاطة نفسه ببطانة من العلماء الذين كان يحمل لهم
كل احترام وتقدير، فقد روى مؤرخو «السودان» أنهم كانوا إذا
دخلوا عليه أجلسهم على سريره وقربهم وأمر بألا يقف أحد إلا
للعلماء أو الحجاج، وألا يأكل معه إلا العلماء والشرفاء. كما
أبطل البدع والمنكر وسفك الدماء، وأقام الدين والعقائد،
وأعطى «جامعة تمبكت» المزيد من عنايته، فتفوقت فى عهده
ووصلت إلى ما لم تصل إليه من قبل، وكانت فى غربى(14/183)
«السودان» كجامعة «الأزهر» فى «القاهرة»، أو «القرويين»
فى «فاس» أو «الزيتونة» فى «تونس» أو «النظامية» فى
«بغداد». وأصبحت هذه السياسة الإسلامية سياسة مقررة
لخلفائه من بعده، فأسكيا إسحاق يسير فى الطريق نفسه، من
تشجيع العلماء وإكرامهم والأخذ بيدهم، و «أسكيا داود» يتخذ
خزائن الكتب وله نساخ ينسخون الكتب وربما يهادى بها
العلماء، وقيل إنه كان حافظًا للقرآن الكريم. وهذا يدل على أن
دولة «صنغى» قد شهدت تمكن الإسلام من أهل غرب إفريقيا،
كما شهدت ازدهار الثقافة الإسلامية إلى أبعد الحدود. وبذلك
نكون قد انتهينا من الحديث عن الدول الإسلامية التى قامت فى
بلاد «السودان الغربى»، أما «السودان الأوسط» فقد قامت فيه
دول أهمها وأعظمها على الإطلاق هى سلطنة «الكانم والبرنو»
الإسلامية.(14/184)
*الكانم والبرنو
قامت هذه السلطنة فى «بلاد السودان الأوسط» الذى يتكون من
حوض «بحيرة تشاد» وما تقع حواليها من بلدان تمتد من «نهر
النيجر» غربًا إلى «دارفور» شرقًا، وكانت منطقة «بحيرة تشاد»
مهد سلطنة «الكانم والبرنو». وقد ضمَّت هذه الدولة عددًا كبيرًا
من القبائل والعناصر، فهناك قبائل «الصو»، وقبائل
«الكانمبو»، وقبائل «الكانورى» وهى خليط من العرب والبربر
والزنوج، وهؤلاء يكوِّنون أغلب سكان هذه السلطنة، يضاف إلى
ذلك قبائل «التبو» (التدا) من البربر، وكذلك «بربر الطوارق» من
سكان المناطق الشمالية الصحراوية، وكذلك قبائل العرب الذين
كانوا يُعرَفون هناك باسم (الشوا)، وقد قدموا إلى «تشاد» من
«وادى النيل»، ومن القارة عبر الصحراء، وكانوا يتمثَّلون فى
قبائل «جذام» و «جهينة» و «أولاد سليمان»، وقد أدَّى اختلاط
هؤلاء العرب بالوطنيين إلى ظهور عناصر جديدة، منها:
«التنجور» و «البولالا» و «السالمات» وغيرهم. وينقسم تاريخ هذه
السلطنة إلى عصرين: عصر سيادة «كانم»، ثم عصر سيادة
«برنو»، ويقع إقليم «كانم» - الذى كان مهدًا لقيام هذه الدولة -
فى الشمال الشرقى لبحيرة تشاد وبه العاصمة «جيمى»، أما
إقليم «برنو» فإنه يقع غرب هذه البحيرة، وبه العاصمة «بيرنى
نجازرجامو» التى انتقل الحكم إليها بعد انقضاء عصر سيادة
«كانم». وقد قامت هذه الدولة فى القرن التاسع للميلاد على يد
أسرة من البربر البيض هى الأسرة «الماغومية السيفية»، التى
تزعم أنها من أصل عربى من نسل «سَيْفِ بن ذِى يَزن
الحِمْيَرِى»، واستطاعت هذه الأسرة أن تسيطر على حوض
«بحيرة تشاد»، وأن تتخذ من مدينة «جيمى» عاصمة لها، وبدأ
الإسلام يطرق أبواب هذه الدولة منذ قيامها، وخاصة من الشمال
والشرق على يد التجار والمهاجرين الذين توافدوا عليها فى
القرنين التاسع والعاشر الميلاديين. وتتحدث المصادر عن قيام
داعية إسلامى كبير هو الفقيه «محمد بن مانى»، الذى عاش فى(14/185)
القرن الحادى عشر الميلادى، وعاصر خمسة من ملوك «الكانم»
الذين كانوا يعرفون باسم «المايات» (جمع ماى، وهو لقب
بمعنى: ملك)، أولهم «الماى بولو» الذى كان يحكم نحو (411هـ
= 1020م) وآخرهم هو «الماى أوم بن عبدالجليل» الذى بدأ
حكمه فى عام (479هـ = 1086م) وهو الذى جعل الدين الإسلامى
دينًا رسميا للدولة، وذلك نتيجة لجهود هذا الداعية العظيم الذى
أسلم على يديه هؤلاء المايات الخمسة، وقد قام آخرهم وهو
«الماى أوم بن عبدالجليل» (479 - 490هـ = 1086 - 1097م) بجهد
كبير فى نشر الإسلام فى بلاده، ثم اتَّجه إلى الشرق، وذهب
إلى بلاد «الحجاز» لأداء فريضة الحج، ولكن المنية وافته بمصر
أثناء عودته من أداء هذه الفريضة، فدُفِنَ بها، ومنذ عهد هذا
الماى لم يتول حكم دولة «الكانم» أى ملك وثنى، وأصبحت منذ
ذلك التاريخ دولة إسلامية. خلف «الماى دونمة بن أوم» والده
فى حكم البلاد لفترة طويلة (491 - 546هـ = 1097 - 1151م)
وبلغت فى عهده دولة «الكانم» درجة كبيرة من القوة والاتساع
وطبقت شهرته الآفاق، وحج ثلاث مرات. وفى عهده بُنيت مدرسة
«ابن رشيق» فى «فسطاط مصر» بأموال كانمية؛ كى تكون
موئلا للحجاج القادمين من «كانم» وبلاد «التكرور». وتابع
خلفاؤه العمل على توسيع حدود هذه الدولة حتى صارت
إمبراطورية كبيرة، وخاصة فى عهد «الماى دونمه بن سالم بن
بكر» (618 - 657هـ = 1221 - 1259م) الذى اشتهر بقوة فرسانه،
وكثرتهم حتى قيل إنها بلغت نحوًا من (41) ألف فارس، ويُعرف
هذا الماى باسم «دونمه دباليمى»، نسبة إلى والدته «دابال»؛
حيث كانت النسبة إلى الأم شيئًا مألوفًا ومشهورًا فى هذه
السلطنة بالذات. وقد حارب هذا الماى القبائل المتمردة، مثل
قبائل «البولالا» الذين كانوا يعيشون فى حوض بحيرة «فترى
الصغيرة» الواقعة إلى الشرق من «بحيرة تشاد»، وأخضعها
وأقام علاقات طيبة مع «الدولة الحفصية» فى «تونس». واتسعت(14/186)
الإمبراطورية فى عهده حتى وصلت شرقًا إلى مشارف «وادى
النيل»، وغربًا قرب نهر «النيجر»، مما يعنى أن بلاد «الهوسا»
التى تشكِّل الآن «نيجيريا الشمالية» كانت تحت سيادته
وسلطانه، كما امتدت حدود بلاده شمالا حتى وصلت قرب «فزان»
الليبية واقتربت مساحتها من مساحة إمبراطورية «صنغى»
الإسلامية التى سبق الحديث عنها، ولكن هذه الإمبراطورية
الكبيرة لم تلبث أن دبَّ إليها الوهن نتيجة لعوامل كثيرة، منها
الانقسامات التى ظهرت بين أبناء الأسرة الحاكمة، وظهور خطر
قبائل «الصو»، التى كانت تسكن فى إقليم «بورنو» وقيامها
بمهاجمة عاصمة الدولة؛ وتمكنها من قتل أربعة من المايات.
كذلك اشتد خطر البولالا الذين ازدادوا ضراوة بعد أن تمكَّنوا من
إقامة سلطنة صغيرة لهم فى حوض «بحيرة فترى» واتخذوها
مركزًا لمناوأة أبناء عمومتهم من مايات «الكانم والبرنو». وقد
استطاعت سلطنة «البولالا» التى ظهرت قوتها فى عهد سلطانها
«عبدالجليل بن سيكوما» أن تشن حربًا شرسة ضد الأسرة
«السيفية الماغومية» الحاكمة فى «كانم»، وتمكن «عبدالجليل»
هذا من أن يقتل أربعة من المايات من هذه الأسرة. وقد انتهى
أمر الصراع بين الفريقين إلى طرد الأسرة «السيفية» الحاكمة
فى «كانم» إلى إقليم «بورنو» الذى يقع غرب «بحيرة تشاد»،
وذلك فى عهد «الماى عمر بن إدريس» (788 - 793هـ = 1386 -
1391م) الذى استأنف حكمه من إقليم «برنو» فيما يعرف بعصر
سيادة «برنو»، هذا العصر الذى امتد حتى نهاية الدولة فى عام
(1262هـ = 1846م)، وقد ترك طرد الماغوميين السيفيين إلى
«برنو» فراغًا سياسيا فى «كانم»، ملأه «البولالا» الذين أقاموا
سلطنة كبيرة ضمت هذا الإقليم بالإضافة إلى إقليم «بحيرة
فترى» والمناطق المحيطة بها فى حوض «بحيرة تشاد». ورغم
ذلك فقد استمر الصراع بين «البولالا» وبين الماغوميين فى
مقرِّهم الجديد الذى جعلوه مركزًا لدولتهم، وبنوا فيه مدينة(14/187)
تسمى «بيرنى نجازرجامو» واتخذوها عاصمة لهم. ولما تطلعوا
إلى إعادة نفوذهم فى «كانم»؛ وقعت حروب كثيرة بينهم وبين
سلاطين «البولالا»، وتبادل الفريقان النصر والهزيمة، وخاصة فى
عهد «الماى إدريس بن عائشة» (908 - 932هـ = 1502 - 1526م)
الذى أنزل بالبولالا هزيمة ساحقة، واستولى على العاصمة
«جيمى» وأقام فيها فترة ثم عاد إلى عاصمته «بيرنى». وتابع
ابنه «الماى على بن إدريس» (952 - 953هـ = 1545 - 1546م)
محاربة «البولالا» حتى لُقِّب بحارق «البولالا»، ولم يلبث أن لَقِىَ
حتفه فى إحدى المعارك معهم. ولم يقضِ على خطرهم إلا «الماى
إدريس ألوما» (978 - 1011هـ = 1570 - 1602م) الذى أقام معهم
علاقة طيبة نتيجة ارتباط البيت البولالى بالأسرة السيفية برباط
المصاهرة، مما سهل على هذا الماى أن يقضى على خطر
«البولالا» وأن يعيد نفوذ أسرته إلى إقليم «كانم»، ووصلت
الإمبراطورية فى عهده إلى أقصى اتساعها وقوتها وازدهارها.
وكما تكالبت عوامل الضعف الداخلية والخارجية على
إمبراطوريتى «مالى» و «صنغى» حتى سقطتا، فقد تعرَّضت
إمبراطورية «البرنو» للظروف نفسها وشهدت النتيجة نفسها ذلك
أن الماى «إدريس ألوما» الذى بلغت الإمبراطورية فى عهده
قمتها وازدهارها خلفه حكام ضعاف لم يكونوا فى مثل قوته
وحزمه، بلغوا خمسة عشر سلطانًا على مدى قرنين ونصف قرن
من الزمان، حدث فى أثنائها كثير من الوقائع التى أدَّت إلى
القضاء على الإمبراطورية، فبالإضافة إلى ضعف هؤلاء المايات
أو السلاطين أصيبت البلاد بموجة من المجاعات المتلاحقة وصلت
إلى خمس مجاعات، استمرت إحداها أربع سنوات، وأخرى سبع
سنوات، ويدل تكرار حدوث هذه المجاعات على التدهور السريع
والضعف العام الذى أصاب البلاد نتيجة إهمال الزراعة وكثرة
الفتن والاضطرابات، فضلا عن ظهور أخطار جديدة تمثلت فى
ظهور قبائل وثنية فى منطقة «جومبى» تُسمى قبائل
«كوارارافا» اشتهرت بالقوة والشجاعة، وتمكنت من اجتياح(14/188)
الأقاليم الغربية فى «برنو»، كما حدثت حروب بين «برنو»
وجيرانها من إمارات «الهوسا» وخاصة إمارة «كانو» فى النصف
الأول من القرن الثامن عشر الميلادى، غير أن أخطر ما تعرضت
له إمبراطورية «البرنو» هو خطر «الفولانيين» وهم قبائل بيضاء
انحدرت من الشمال وأقامت فى غربى القارة، ثم انحدرت إلى
الشرق واستقرَّت فى إمارات «الهوسا» التى تتكون منها
«نيجيريا» الشمالية الآن، وقامت على يد زعيمها الشيخ «عثمان
بن فودى» بحركة ضخمة لنشر الإسلام بين من كان على الوثنية
فى هذه الإمارات، وتمكنت من ضم هذه الإمارات فى دولة واحدة
تحت زعامة هذا الداعية الكبير، الذى أعلن قيام دولة «الفولانى»
فى بداية القرن التاسع عشر الميلادى هذا فى الوقت الذى كانت
إمبراطورية «البرنو» تزداد ضعفًا على ضعف وتلقى سلطانها
«الماى أحمد بن على» (1206 - 1223هـ = 1791 - 1808م) أكثر
من هزيمة على يد الفولانيين فى عهد الشيخ «عثمان بن فودى»
حتى اضطر هذا الماى إلى استدعاء أحد الكانميين والعلماء
البارزين ويدعى الشيخ «محمد الأمين الكانمى» لمساعدته فى
محنته ضد هذا الغزو الفولانى، واستجاب هذا الزعيم لهذا الطلب
وتبادل عدة رسائل مع الشيخ «عثمان بن فودى»، كل منهما
يحاجج الآخر عبرمناقشات فقهية يبرر كل منهما سياسته، ولكن
هذه الرسائل لم تؤدِّ إلى إزالة حالة الحرب القائمة بين الفريقين،
وأخيرًا نجح الفولانيون فى الاستيلاء على عاصمة «برنو»
فاضطر الماى إلى الهرب منها ولجأ إلى الشيخ محمد الأمين
الذى أصبحت له السيطرة الكاملة على المايات الذين صاروا
حكامًا بالاسم فقط. استمر الشيخ «محمد الأمين» يحكم ما بقى
من إمبراطورية «البرنو» و «الكانم» وأجرى مفاوضات مع سلطان
الفولانيين «محمد بلو» الذى خلف أباه الشيخ «عثمان بن فودى»
فى زعامة الفولانيين، واتخذ مدينة «سوكوتو» عاصمة له،
وأرسل له الشيخ الكانمى رسائل أوضح له فيها أنهم أهل دين(14/189)
واحد هو الإسلام، وأنه لا ينبغى أن يحارب بعضهم بعضًا وأن
كلا منهما يجب أن يحترم حدود الآخر، فهدأت الأحوال بين
الدولتين حتى تُوفِّى الشيخ «محمد الأمين الكانمى» فى عام
(1251هـ = 1835م) وخلفه ابنه الشيخ «عمر». وفى عهد هذا
الشيخ حاول «الماى إبراهيم بن أحمد» (1232 - 1262هـ = 1817
- 1846م) أن يسترد سلطاته التى سلبها منه الشيخ «محمد
الأمين» ثم ابنه «عمر»، واستعان فى ذلك بأمير دويلة صغيرة
تقع بين «كانم» و «دارفور» تُسمَّى «واداى» وتآمر معه لغزو
«برنو». ونفذ أمير «واداى» الخطة المتفق عليها وأباد جيش
«برنو» فى (1262هـ = 1846م) منتهزًا فرصة غياب الشيخ
«عمر» عن العاصمة؛ لحرب كانت واقعة بينه وبين أحد جيرانه
الآخرين، ولما علم هذا الشيخ بنبأ هذا الغزو وهذه المؤامرة عاد
إلى «برنو»، وأخرج الغزاة منها نظير مبلغ كبير من المال دفعه
لهم، وقبض على الماى «إبراهيم» ومستشاريه وأعدمهم جميعًا،
ثم تخلَّص من الماى «على بن دالاتو» عام (1262هـ = 1846م)
الذى لم يحكم سوى أربعين يومًا وكان مفروضًا عليه كشرط
لرحيل جيش أمير «واداى» عن «برنو». وبمقتل «على بن دالاتو»
انتهى حكم الأسرة «السيفية الماغومية» التى ظلت تحكم هذه
البلاد أكثر من ألف عام، وأصبحت «برنو» تحت حكم الأسرة
الكانمية فِعليا ورسميا منذ ذلك التاريخ وحتى وقوعها فى
قبضة الاستعمار الفرنسى فى عام (1318هـ = 1900م)، وقد
أعيد تقسيم أملاك إمبراطورية «برنو» بين «إنجلترا» و «فرنسا»
و «ألمانيا» بعد القضاء على مقاومة أحد المجاهدين ضد
الاستعمار الأوربى وهو «رابح الزبير». فأخذت «فرنسا» إقليم
«كانم»، وأخذت «إنجلترا» إقليم «برنو»، وظفرت «ألمانيا»
بالمناطق الجنوبية لبرنو، وهكذا تلاشت إمبراطورية «برنو»
التاريخية على يد الغزاة الأوربيين فى بداية القرن العشرين
الميلادى، وظل الأمر على هذا النحو حتى قامت حركة الكفاح
الوطنى فى هذه المنطقة ضد المستعمر الأوربى، وتكللت(14/190)
جهودها بالنجاح وظفرت بالاستقلال، وقامت على أنقاض
إمبراطورية «الكانم والبرنو» عدة دول حديثة، هى جمهورية
«تشاد» التى استقلَّت عن «فرنسا» فى عام (1380 هـ =
1960م)، وهى دولة إسلامية يدين (85%) من سكانها بالإسلام،
ويتكلمون اللغة العربية بجانب اللغات المحلية واللغة الفرنسية
هى اللغة الرسمية، وجمهورية «إفريقيا الوسطى» التى استقلَّت
عن «فرنسا» فى العام نفسه أيضًا، وتضم هذه الدولة الأطراف
الجنوبية من إمبراطورية «البرنو» التاريخية، ولذلك فإن نسبة
المسلمين فيها قليلة. وجمهورية «النيجر» التى استقلَّت عن
الفرنسيين فى العام نفسه، وضمت أغلب الأجزاء الشمالية
الغربية من إمبراطورية «البرنو» ولذلك فإن (95%) من سكانها
مسلمون يتكلمون اللغة العربية بجانب اللغات المحلية، واللغة
الفرنسية هى اللغة الرسمية، و «نيجيريا» التى استقلَّت عن
«إنجلترا» فى عام (1381هـ = 1961م) وضمت إقليم «برنو» الذى
يقع غرب «بحيرة تشاد»، كما ضمت جميع بلاد «الهوسا»،
وأكثر من (70%) من سكانها مسلمون يتكلم الكثير منهم اللغة
العربية ولغة الهوسا بجانب اللغة الإنجليزية، وهى اللغة
الرسمية، كذلك ضمت «جمهورية الكمرون» التى استقلَّت عن
«فرنسا» فى عام (1380هـ = 1960م) وتضم بعض الأجزاء
الجنوبية والجنوبية الشرقية من «برنو»، وكذلك فإن هذه الدولة
دولة إسلامية؛ إذ إن أكثر من (55%) من سكانها مسلمون، واللغة
الفرنسية هى السائدة بجانب اللغة العربية واللهجات المحلية.
وإذا كنا قد تحدثنا عن التاريخ السياسى لسلطنة «الكانم
والبرنو» منذ أن أصبحت دولة إسلامية فى عام (479هـ= 6801م)
وحتى نهايتها على يد الاستعمار الفرنسى، فإن الواجب يحتم
علينا أن نتحدث باختصار عن الطابع الإسلامى ومظاهر الحياة
الإسلامية فى هذه السلطنة الكبيرة. وفى هذا الصدد نستطيع
القول بأن سلطنة «الكانم والبرنو» قد قامت بالدور نفسه الذى
قامت به سلطنتا «مالى» و «صنغى»؛ فقد اتصلت بالقوى(14/191)
المعاصرة لتأكيد روح الأخوة الإسلامية وللإفادة من خبراتها
الثقافية والعلمية والإدارية والحضارية فقد اتَّصلت بمصر أثناء
ذهاب أهلها وسلاطينها لتأدية فريضة الحج، وقد سبقت الإشارة
إلى قيام أول سلطان فى «كانم» وهو «أوم بن عبدالجليل»
بأداء هذه الفريضة، وإلى وفاته فى «مصر» عام (490هـ =
1097م) عند عودته إلى بلاده، وقام ابنه «دونمة» بأداء هذه
الفريضة ثلاث مرات مرَّ خلالها بمصر وفى حجته الثالثة غرق فى
مياه «البحر الأحمر» عند مدينة «عيذاب» فى عام (546هـ =
1151م) وواصل مايات «الكانم والبرنو» أداء هذه الفريضة. ومن
مظاهر الاتصال بالدول الإسلامية الرسائل المتبادلة بين سلاطين
«مصر» و «البرنو»، من ذلك رسالة أوردها «ابن فضل الله
العُمَرِى» و «القَلْقَشَنْدِى» وأشارت إلى استغاثة سلطان «البرنو»
بسلطان «مصر» «الظاهر برقوق» فى عام (795هـ = 1393م)
لمساعدته فى القضاء على تمرد القبائل العربية التى ساعدت
خصومه السياسيين من «البولالا». كذلك كانت هناك علاقات
ثقافية وتجارية بين «مصر» وسلطنة «الكانم والبرنو» من ذلك ما
ترويه لنا المصادر من أن «الأزهر» كان به رواقٌ خُصِّص للطلاب
القادمين من هذه السلطنة يُسمَّى «رواق البرنوية» كما سمحت
«مصر» للكانميين بإنشاء مدرسة تُسمَّى مدرسة «ابن رشيق»
فى مدينة «الفسطاط» بمصر لتدريس الفقه المالكى؛ ولكى تكون
مقرا ينزل به حجاج «البرنو». أما العلاقات التجارية فقد ازدادت
بين «مصر» وبلاد «الكانم والبرنو»، ومما يدل على ذلك أن
طائفة من أهل «كانم» اشتهرت باسم «التجار الكارمية» رحلوا
إلى «مصر» وأقاموا فيها واشتركوا بنصيب موفور فى تجارتها
الخارجية وخاصة فى تصريف المحاصيل السودانية، وتجارة
البهار القادمة من «اليمن» و «الهند» و «الصين»، واتخذت من
مدينة «قوص» بصعيد «مصر» مركزًا لها. وكان لهؤلاء التجار
الذين عُرِفوا بالتقوى والورع فضل كبير فى نشر الإسلام وخاصة(14/192)
فى بلاد الحبشة. كذلك كان لسلطنة «الكانم والبرنو» علاقات
تجارية وثقافية مع شمال إفريقيا وخاصة «تونس» فقد اتصل
سلاطين «الكانم» بحكامها من «بنى حفص» وتبادلوا الرسائل
والهدايا، من ذلك سفارة أرسلها الماى «عبدالله بن كادى» إلى
السلطان الحفصى «أبى يحيى المتوكل» فى عام (727هـ =
1307م)، كذلك تبودلت الرسائل والسفارات مع «طرابلس» فى
عام (908هـ = 1502م) وسفارة بعث بها أيضًا فى عام (941هـ =
1534م) وأخرى فى زمن الماى «إدريس ألوما» المتوفَّى عام
(1011هـ = 1602م) كذلك نشطت العلاقات التجارية بين «برنو»
وهذه البلدان. ويمثل الجهاد قمة إيمان السلطنة بالإسلام، فقد
اتخذه سلاطينها طريقًا لرد العدوان والتعريف بالإسلام بين
الوثنيين الذين كانوا يقومون بالاعتداء على هذه الدولة الإسلامية
، وخاصة الوثنيين المقيمين فى الجنوب، فقد حاربهم السلاطين
ودخل كثير منهم فى الإسلام، بالإضافة إلى اتِّباع أسلوب
الإقناع الذى اتبعه بعض السلاطين وخاصة السلطان «إدريس
ألوما»، الذى اشتهر ببناء المساجد الضخمة من الحجارة، وطبق
الشريعة الإسلامية خاصة فى معاملة الأسرى، ونظم الجهاد بما
يتمشى مع تعاليم الإسلام، فازداد الدخول فى هذا الدين وانتشر
فى منطقة «بحيرة تشاد» كلها. كذلك فقد شجع سلاطين
«الكانم والبرنو» انتشار الثقافة العربية الإسلامية، فأكثروا من
بناء المساجد والكتاتيب، وكانت اللغة العربية هى لغة التعليم
ولغة الحكومة الرسمية، فضلا عن كونها لغة المعاملات التجارية
ولغة المراسلات الدولية، كما كان الحال فى جميع الدول
الإسلامية التى قامت فى بلاد «السودان الغربى»، وظلت الحال
على هذا النحو حتى عصر الاستعمار الأوربى الذى قضى على
اللغة العربية ولم يعد لها إلا وجود محدود بين قليل من الأهالى،
ووجود كبير فى المدارس الدينية الإسلامية. وفى ظل تشجيع
سلاطين «الكانم والبرنو» للثقافة الإسلامية ارتقى العلماء(14/193)
والفقهاء منزلة رفيعة، وحرص السلاطين على رعايتهم والإغداق
عليهم، وإصدار المحارم (أى الفرمانات) التى كانوا يمنحونهم
بمقتضاها كثيرًا من الامتيازات المادية والإقطاعات، ويحرِّمون
على أى شخص مهما بلغت منزلته وقدره أن يسلبهم شيئًا منها.
ولذلك ظهر فى هذه السلطنة كثير من العلماء والفقهاء، منهم
الفقيه «محمد بن مانى» الذى سبق الحديث عنه، والإمام «أحمد
بن فرتو» الذى كان معاصرًا للماى «إدريس ألوما»، والذى تعد
كتاباته المرجع الرئيسى لتاريخ «برنو»، والعالم الكبير «عمر بن
عثمان بن إبراهيم»، والعالم «عبداللاه ديلى بن بكر»، وغيرهم
من العلماء الذين صدرت لهم محارم (فرمانات) تشجيعًا لهم على
التفرُّغ للعلم والبحث والتدريس؛ مما أدَّى إلى انتشار العلوم
الإسلامية بين أهالى هذه البلاد.(14/194)
*البرنو
قامت هذه السلطنة فى «بلاد السودان الأوسط» الذى يتكون من
حوض «بحيرة تشاد» وما تقع حواليها من بلدان تمتد من «نهر
النيجر» غربًا إلى «دارفور» شرقًا، وكانت منطقة «بحيرة تشاد»
مهد سلطنة «الكانم والبرنو». وقد ضمَّت هذه الدولة عددًا كبيرًا
من القبائل والعناصر، فهناك قبائل «الصو»، وقبائل
«الكانمبو»، وقبائل «الكانورى» وهى خليط من العرب والبربر
والزنوج، وهؤلاء يكوِّنون أغلب سكان هذه السلطنة، يضاف إلى
ذلك قبائل «التبو» (التدا) من البربر، وكذلك «بربر الطوارق» من
سكان المناطق الشمالية الصحراوية، وكذلك قبائل العرب الذين
كانوا يُعرَفون هناك باسم (الشوا)، وقد قدموا إلى «تشاد» من
«وادى النيل»، ومن القارة عبر الصحراء، وكانوا يتمثَّلون فى
قبائل «جذام» و «جهينة» و «أولاد سليمان»، وقد أدَّى اختلاط
هؤلاء العرب بالوطنيين إلى ظهور عناصر جديدة، منها:
«التنجور» و «البولالا» و «السالمات» وغيرهم. وينقسم تاريخ هذه
السلطنة إلى عصرين: عصر سيادة «كانم»، ثم عصر سيادة
«برنو»، ويقع إقليم «كانم» - الذى كان مهدًا لقيام هذه الدولة -
فى الشمال الشرقى لبحيرة تشاد وبه العاصمة «جيمى»، أما
إقليم «برنو» فإنه يقع غرب هذه البحيرة، وبه العاصمة «بيرنى
نجازرجامو» التى انتقل الحكم إليها بعد انقضاء عصر سيادة
«كانم». وقد قامت هذه الدولة فى القرن التاسع للميلاد على يد
أسرة من البربر البيض هى الأسرة «الماغومية السيفية»، التى
تزعم أنها من أصل عربى من نسل «سَيْفِ بن ذِى يَزن
الحِمْيَرِى»، واستطاعت هذه الأسرة أن تسيطر على حوض
«بحيرة تشاد»، وأن تتخذ من مدينة «جيمى» عاصمة لها، وبدأ
الإسلام يطرق أبواب هذه الدولة منذ قيامها، وخاصة من الشمال
والشرق على يد التجار والمهاجرين الذين توافدوا عليها فى
القرنين التاسع والعاشر الميلاديين. وتتحدث المصادر عن قيام
داعية إسلامى كبير هو الفقيه «محمد بن مانى»، الذى عاش فى(14/195)
القرن الحادى عشر الميلادى، وعاصر خمسة من ملوك «الكانم»
الذين كانوا يعرفون باسم «المايات» (جمع ماى، وهو لقب
بمعنى: ملك)، أولهم «الماى بولو» الذى كان يحكم نحو (411هـ
= 1020م) وآخرهم هو «الماى أوم بن عبدالجليل» الذى بدأ
حكمه فى عام (479هـ = 1086م) وهو الذى جعل الدين الإسلامى
دينًا رسميا للدولة، وذلك نتيجة لجهود هذا الداعية العظيم الذى
أسلم على يديه هؤلاء المايات الخمسة، وقد قام آخرهم وهو
«الماى أوم بن عبدالجليل» (479 - 490هـ = 1086 - 1097م) بجهد
كبير فى نشر الإسلام فى بلاده، ثم اتَّجه إلى الشرق، وذهب
إلى بلاد «الحجاز» لأداء فريضة الحج، ولكن المنية وافته بمصر
أثناء عودته من أداء هذه الفريضة، فدُفِنَ بها، ومنذ عهد هذا
الماى لم يتول حكم دولة «الكانم» أى ملك وثنى، وأصبحت منذ
ذلك التاريخ دولة إسلامية. خلف «الماى دونمة بن أوم» والده
فى حكم البلاد لفترة طويلة (491 - 546هـ = 1097 - 1151م)
وبلغت فى عهده دولة «الكانم» درجة كبيرة من القوة والاتساع
وطبقت شهرته الآفاق، وحج ثلاث مرات. وفى عهده بُنيت مدرسة
«ابن رشيق» فى «فسطاط مصر» بأموال كانمية؛ كى تكون
موئلا للحجاج القادمين من «كانم» وبلاد «التكرور». وتابع
خلفاؤه العمل على توسيع حدود هذه الدولة حتى صارت
إمبراطورية كبيرة، وخاصة فى عهد «الماى دونمه بن سالم بن
بكر» (618 - 657هـ = 1221 - 1259م) الذى اشتهر بقوة فرسانه،
وكثرتهم حتى قيل إنها بلغت نحوًا من (41) ألف فارس، ويُعرف
هذا الماى باسم «دونمه دباليمى»، نسبة إلى والدته «دابال»؛
حيث كانت النسبة إلى الأم شيئًا مألوفًا ومشهورًا فى هذه
السلطنة بالذات. وقد حارب هذا الماى القبائل المتمردة، مثل
قبائل «البولالا» الذين كانوا يعيشون فى حوض بحيرة «فترى
الصغيرة» الواقعة إلى الشرق من «بحيرة تشاد»، وأخضعها
وأقام علاقات طيبة مع «الدولة الحفصية» فى «تونس». واتسعت(14/196)
الإمبراطورية فى عهده حتى وصلت شرقًا إلى مشارف «وادى
النيل»، وغربًا قرب نهر «النيجر»، مما يعنى أن بلاد «الهوسا»
التى تشكِّل الآن «نيجيريا الشمالية» كانت تحت سيادته
وسلطانه، كما امتدت حدود بلاده شمالا حتى وصلت قرب «فزان»
الليبية واقتربت مساحتها من مساحة إمبراطورية «صنغى»
الإسلامية التى سبق الحديث عنها، ولكن هذه الإمبراطورية
الكبيرة لم تلبث أن دبَّ إليها الوهن نتيجة لعوامل كثيرة، منها
الانقسامات التى ظهرت بين أبناء الأسرة الحاكمة، وظهور خطر
قبائل «الصو»، التى كانت تسكن فى إقليم «بورنو» وقيامها
بمهاجمة عاصمة الدولة؛ وتمكنها من قتل أربعة من المايات.
كذلك اشتد خطر البولالا الذين ازدادوا ضراوة بعد أن تمكَّنوا من
إقامة سلطنة صغيرة لهم فى حوض «بحيرة فترى» واتخذوها
مركزًا لمناوأة أبناء عمومتهم من مايات «الكانم والبرنو». وقد
استطاعت سلطنة «البولالا» التى ظهرت قوتها فى عهد سلطانها
«عبدالجليل بن سيكوما» أن تشن حربًا شرسة ضد الأسرة
«السيفية الماغومية» الحاكمة فى «كانم»، وتمكن «عبدالجليل»
هذا من أن يقتل أربعة من المايات من هذه الأسرة. وقد انتهى
أمر الصراع بين الفريقين إلى طرد الأسرة «السيفية» الحاكمة
فى «كانم» إلى إقليم «بورنو» الذى يقع غرب «بحيرة تشاد»،
وذلك فى عهد «الماى عمر بن إدريس» (788 - 793هـ = 1386 -
1391م) الذى استأنف حكمه من إقليم «برنو» فيما يعرف بعصر
سيادة «برنو»، هذا العصر الذى امتد حتى نهاية الدولة فى عام
(1262هـ = 1846م)، وقد ترك طرد الماغوميين السيفيين إلى
«برنو» فراغًا سياسيا فى «كانم»، ملأه «البولالا» الذين أقاموا
سلطنة كبيرة ضمت هذا الإقليم بالإضافة إلى إقليم «بحيرة
فترى» والمناطق المحيطة بها فى حوض «بحيرة تشاد». ورغم
ذلك فقد استمر الصراع بين «البولالا» وبين الماغوميين فى
مقرِّهم الجديد الذى جعلوه مركزًا لدولتهم، وبنوا فيه مدينة(14/197)
تسمى «بيرنى نجازرجامو» واتخذوها عاصمة لهم. ولما تطلعوا
إلى إعادة نفوذهم فى «كانم»؛ وقعت حروب كثيرة بينهم وبين
سلاطين «البولالا»، وتبادل الفريقان النصر والهزيمة، وخاصة فى
عهد «الماى إدريس بن عائشة» (908 - 932هـ = 1502 - 1526م)
الذى أنزل بالبولالا هزيمة ساحقة، واستولى على العاصمة
«جيمى» وأقام فيها فترة ثم عاد إلى عاصمته «بيرنى». وتابع
ابنه «الماى على بن إدريس» (952 - 953هـ = 1545 - 1546م)
محاربة «البولالا» حتى لُقِّب بحارق «البولالا»، ولم يلبث أن لَقِىَ
حتفه فى إحدى المعارك معهم. ولم يقضِ على خطرهم إلا «الماى
إدريس ألوما» (978 - 1011هـ = 1570 - 1602م) الذى أقام معهم
علاقة طيبة نتيجة ارتباط البيت البولالى بالأسرة السيفية برباط
المصاهرة، مما سهل على هذا الماى أن يقضى على خطر
«البولالا» وأن يعيد نفوذ أسرته إلى إقليم «كانم»، ووصلت
الإمبراطورية فى عهده إلى أقصى اتساعها وقوتها وازدهارها.
وكما تكالبت عوامل الضعف الداخلية والخارجية على
إمبراطوريتى «مالى» و «صنغى» حتى سقطتا، فقد تعرَّضت
إمبراطورية «البرنو» للظروف نفسها وشهدت النتيجة نفسها ذلك
أن الماى «إدريس ألوما» الذى بلغت الإمبراطورية فى عهده
قمتها وازدهارها خلفه حكام ضعاف لم يكونوا فى مثل قوته
وحزمه، بلغوا خمسة عشر سلطانًا على مدى قرنين ونصف قرن
من الزمان، حدث فى أثنائها كثير من الوقائع التى أدَّت إلى
القضاء على الإمبراطورية، فبالإضافة إلى ضعف هؤلاء المايات
أو السلاطين أصيبت البلاد بموجة من المجاعات المتلاحقة وصلت
إلى خمس مجاعات، استمرت إحداها أربع سنوات، وأخرى سبع
سنوات، ويدل تكرار حدوث هذه المجاعات على التدهور السريع
والضعف العام الذى أصاب البلاد نتيجة إهمال الزراعة وكثرة
الفتن والاضطرابات، فضلا عن ظهور أخطار جديدة تمثلت فى
ظهور قبائل وثنية فى منطقة «جومبى» تُسمى قبائل
«كوارارافا» اشتهرت بالقوة والشجاعة، وتمكنت من اجتياح(14/198)
الأقاليم الغربية فى «برنو»، كما حدثت حروب بين «برنو»
وجيرانها من إمارات «الهوسا» وخاصة إمارة «كانو» فى النصف
الأول من القرن الثامن عشر الميلادى، غير أن أخطر ما تعرضت
له إمبراطورية «البرنو» هو خطر «الفولانيين» وهم قبائل بيضاء
انحدرت من الشمال وأقامت فى غربى القارة، ثم انحدرت إلى
الشرق واستقرَّت فى إمارات «الهوسا» التى تتكون منها
«نيجيريا» الشمالية الآن، وقامت على يد زعيمها الشيخ «عثمان
بن فودى» بحركة ضخمة لنشر الإسلام بين من كان على الوثنية
فى هذه الإمارات، وتمكنت من ضم هذه الإمارات فى دولة واحدة
تحت زعامة هذا الداعية الكبير، الذى أعلن قيام دولة «الفولانى»
فى بداية القرن التاسع عشر الميلادى هذا فى الوقت الذى كانت
إمبراطورية «البرنو» تزداد ضعفًا على ضعف وتلقى سلطانها
«الماى أحمد بن على» (1206 - 1223هـ = 1791 - 1808م) أكثر
من هزيمة على يد الفولانيين فى عهد الشيخ «عثمان بن فودى»
حتى اضطر هذا الماى إلى استدعاء أحد الكانميين والعلماء
البارزين ويدعى الشيخ «محمد الأمين الكانمى» لمساعدته فى
محنته ضد هذا الغزو الفولانى، واستجاب هذا الزعيم لهذا الطلب
وتبادل عدة رسائل مع الشيخ «عثمان بن فودى»، كل منهما
يحاجج الآخر عبرمناقشات فقهية يبرر كل منهما سياسته، ولكن
هذه الرسائل لم تؤدِّ إلى إزالة حالة الحرب القائمة بين الفريقين،
وأخيرًا نجح الفولانيون فى الاستيلاء على عاصمة «برنو»
فاضطر الماى إلى الهرب منها ولجأ إلى الشيخ محمد الأمين
الذى أصبحت له السيطرة الكاملة على المايات الذين صاروا
حكامًا بالاسم فقط. استمر الشيخ «محمد الأمين» يحكم ما بقى
من إمبراطورية «البرنو» و «الكانم» وأجرى مفاوضات مع سلطان
الفولانيين «محمد بلو» الذى خلف أباه الشيخ «عثمان بن فودى»
فى زعامة الفولانيين، واتخذ مدينة «سوكوتو» عاصمة له،
وأرسل له الشيخ الكانمى رسائل أوضح له فيها أنهم أهل دين(14/199)
واحد هو الإسلام، وأنه لا ينبغى أن يحارب بعضهم بعضًا وأن
كلا منهما يجب أن يحترم حدود الآخر، فهدأت الأحوال بين
الدولتين حتى تُوفِّى الشيخ «محمد الأمين الكانمى» فى عام
(1251هـ = 1835م) وخلفه ابنه الشيخ «عمر». وفى عهد هذا
الشيخ حاول «الماى إبراهيم بن أحمد» (1232 - 1262هـ = 1817
- 1846م) أن يسترد سلطاته التى سلبها منه الشيخ «محمد
الأمين» ثم ابنه «عمر»، واستعان فى ذلك بأمير دويلة صغيرة
تقع بين «كانم» و «دارفور» تُسمَّى «واداى» وتآمر معه لغزو
«برنو». ونفذ أمير «واداى» الخطة المتفق عليها وأباد جيش
«برنو» فى (1262هـ = 1846م) منتهزًا فرصة غياب الشيخ
«عمر» عن العاصمة؛ لحرب كانت واقعة بينه وبين أحد جيرانه
الآخرين، ولما علم هذا الشيخ بنبأ هذا الغزو وهذه المؤامرة عاد
إلى «برنو»، وأخرج الغزاة منها نظير مبلغ كبير من المال دفعه
لهم، وقبض على الماى «إبراهيم» ومستشاريه وأعدمهم جميعًا،
ثم تخلَّص من الماى «على بن دالاتو» عام (1262هـ = 1846م)
الذى لم يحكم سوى أربعين يومًا وكان مفروضًا عليه كشرط
لرحيل جيش أمير «واداى» عن «برنو». وبمقتل «على بن دالاتو»
انتهى حكم الأسرة «السيفية الماغومية» التى ظلت تحكم هذه
البلاد أكثر من ألف عام، وأصبحت «برنو» تحت حكم الأسرة
الكانمية فِعليا ورسميا منذ ذلك التاريخ وحتى وقوعها فى
قبضة الاستعمار الفرنسى فى عام (1318هـ = 1900م)، وقد
أعيد تقسيم أملاك إمبراطورية «برنو» بين «إنجلترا» و «فرنسا»
و «ألمانيا» بعد القضاء على مقاومة أحد المجاهدين ضد
الاستعمار الأوربى وهو «رابح الزبير». فأخذت «فرنسا» إقليم
«كانم»، وأخذت «إنجلترا» إقليم «برنو»، وظفرت «ألمانيا»
بالمناطق الجنوبية لبرنو، وهكذا تلاشت إمبراطورية «برنو»
التاريخية على يد الغزاة الأوربيين فى بداية القرن العشرين
الميلادى، وظل الأمر على هذا النحو حتى قامت حركة الكفاح
الوطنى فى هذه المنطقة ضد المستعمر الأوربى، وتكللت(14/200)
جهودها بالنجاح وظفرت بالاستقلال، وقامت على أنقاض
إمبراطورية «الكانم والبرنو» عدة دول حديثة، هى جمهورية
«تشاد» التى استقلَّت عن «فرنسا» فى عام (1380 هـ =
1960م)، وهى دولة إسلامية يدين (85%) من سكانها بالإسلام،
ويتكلمون اللغة العربية بجانب اللغات المحلية واللغة الفرنسية
هى اللغة الرسمية، وجمهورية «إفريقيا الوسطى» التى استقلَّت
عن «فرنسا» فى العام نفسه أيضًا، وتضم هذه الدولة الأطراف
الجنوبية من إمبراطورية «البرنو» التاريخية، ولذلك فإن نسبة
المسلمين فيها قليلة. وجمهورية «النيجر» التى استقلَّت عن
الفرنسيين فى العام نفسه، وضمت أغلب الأجزاء الشمالية
الغربية من إمبراطورية «البرنو» ولذلك فإن (95%) من سكانها
مسلمون يتكلمون اللغة العربية بجانب اللغات المحلية، واللغة
الفرنسية هى اللغة الرسمية، و «نيجيريا» التى استقلَّت عن
«إنجلترا» فى عام (1381هـ = 1961م) وضمت إقليم «برنو» الذى
يقع غرب «بحيرة تشاد»، كما ضمت جميع بلاد «الهوسا»،
وأكثر من (70%) من سكانها مسلمون يتكلم الكثير منهم اللغة
العربية ولغة الهوسا بجانب اللغة الإنجليزية، وهى اللغة
الرسمية، كذلك ضمت «جمهورية الكمرون» التى استقلَّت عن
«فرنسا» فى عام (1380هـ = 1960م) وتضم بعض الأجزاء
الجنوبية والجنوبية الشرقية من «برنو»، وكذلك فإن هذه الدولة
دولة إسلامية؛ إذ إن أكثر من (55%) من سكانها مسلمون، واللغة
الفرنسية هى السائدة بجانب اللغة العربية واللهجات المحلية.
وإذا كنا قد تحدثنا عن التاريخ السياسى لسلطنة «الكانم
والبرنو» منذ أن أصبحت دولة إسلامية فى عام (479هـ= 6801م)
وحتى نهايتها على يد الاستعمار الفرنسى، فإن الواجب يحتم
علينا أن نتحدث باختصار عن الطابع الإسلامى ومظاهر الحياة
الإسلامية فى هذه السلطنة الكبيرة. وفى هذا الصدد نستطيع
القول بأن سلطنة «الكانم والبرنو» قد قامت بالدور نفسه الذى
قامت به سلطنتا «مالى» و «صنغى»؛ فقد اتصلت بالقوى(14/201)
المعاصرة لتأكيد روح الأخوة الإسلامية وللإفادة من خبراتها
الثقافية والعلمية والإدارية والحضارية فقد اتَّصلت بمصر أثناء
ذهاب أهلها وسلاطينها لتأدية فريضة الحج، وقد سبقت الإشارة
إلى قيام أول سلطان فى «كانم» وهو «أوم بن عبدالجليل»
بأداء هذه الفريضة، وإلى وفاته فى «مصر» عام (490هـ =
1097م) عند عودته إلى بلاده، وقام ابنه «دونمة» بأداء هذه
الفريضة ثلاث مرات مرَّ خلالها بمصر وفى حجته الثالثة غرق فى
مياه «البحر الأحمر» عند مدينة «عيذاب» فى عام (546هـ =
1151م) وواصل مايات «الكانم والبرنو» أداء هذه الفريضة. ومن
مظاهر الاتصال بالدول الإسلامية الرسائل المتبادلة بين سلاطين
«مصر» و «البرنو»، من ذلك رسالة أوردها «ابن فضل الله
العُمَرِى» و «القَلْقَشَنْدِى» وأشارت إلى استغاثة سلطان «البرنو»
بسلطان «مصر» «الظاهر برقوق» فى عام (795هـ = 1393م)
لمساعدته فى القضاء على تمرد القبائل العربية التى ساعدت
خصومه السياسيين من «البولالا». كذلك كانت هناك علاقات
ثقافية وتجارية بين «مصر» وسلطنة «الكانم والبرنو» من ذلك ما
ترويه لنا المصادر من أن «الأزهر» كان به رواقٌ خُصِّص للطلاب
القادمين من هذه السلطنة يُسمَّى «رواق البرنوية» كما سمحت
«مصر» للكانميين بإنشاء مدرسة تُسمَّى مدرسة «ابن رشيق»
فى مدينة «الفسطاط» بمصر لتدريس الفقه المالكى؛ ولكى تكون
مقرا ينزل به حجاج «البرنو». أما العلاقات التجارية فقد ازدادت
بين «مصر» وبلاد «الكانم والبرنو»، ومما يدل على ذلك أن
طائفة من أهل «كانم» اشتهرت باسم «التجار الكارمية» رحلوا
إلى «مصر» وأقاموا فيها واشتركوا بنصيب موفور فى تجارتها
الخارجية وخاصة فى تصريف المحاصيل السودانية، وتجارة
البهار القادمة من «اليمن» و «الهند» و «الصين»، واتخذت من
مدينة «قوص» بصعيد «مصر» مركزًا لها. وكان لهؤلاء التجار
الذين عُرِفوا بالتقوى والورع فضل كبير فى نشر الإسلام وخاصة(14/202)
فى بلاد الحبشة. كذلك كان لسلطنة «الكانم والبرنو» علاقات
تجارية وثقافية مع شمال إفريقيا وخاصة «تونس» فقد اتصل
سلاطين «الكانم» بحكامها من «بنى حفص» وتبادلوا الرسائل
والهدايا، من ذلك سفارة أرسلها الماى «عبدالله بن كادى» إلى
السلطان الحفصى «أبى يحيى المتوكل» فى عام (727هـ =
1307م)، كذلك تبودلت الرسائل والسفارات مع «طرابلس» فى
عام (908هـ = 1502م) وسفارة بعث بها أيضًا فى عام (941هـ =
1534م) وأخرى فى زمن الماى «إدريس ألوما» المتوفَّى عام
(1011هـ = 1602م) كذلك نشطت العلاقات التجارية بين «برنو»
وهذه البلدان. ويمثل الجهاد قمة إيمان السلطنة بالإسلام، فقد
اتخذه سلاطينها طريقًا لرد العدوان والتعريف بالإسلام بين
الوثنيين الذين كانوا يقومون بالاعتداء على هذه الدولة الإسلامية
، وخاصة الوثنيين المقيمين فى الجنوب، فقد حاربهم السلاطين
ودخل كثير منهم فى الإسلام، بالإضافة إلى اتِّباع أسلوب
الإقناع الذى اتبعه بعض السلاطين وخاصة السلطان «إدريس
ألوما»، الذى اشتهر ببناء المساجد الضخمة من الحجارة، وطبق
الشريعة الإسلامية خاصة فى معاملة الأسرى، ونظم الجهاد بما
يتمشى مع تعاليم الإسلام، فازداد الدخول فى هذا الدين وانتشر
فى منطقة «بحيرة تشاد» كلها. كذلك فقد شجع سلاطين
«الكانم والبرنو» انتشار الثقافة العربية الإسلامية، فأكثروا من
بناء المساجد والكتاتيب، وكانت اللغة العربية هى لغة التعليم
ولغة الحكومة الرسمية، فضلا عن كونها لغة المعاملات التجارية
ولغة المراسلات الدولية، كما كان الحال فى جميع الدول
الإسلامية التى قامت فى بلاد «السودان الغربى»، وظلت الحال
على هذا النحو حتى عصر الاستعمار الأوربى الذى قضى على
اللغة العربية ولم يعد لها إلا وجود محدود بين قليل من الأهالى،
ووجود كبير فى المدارس الدينية الإسلامية. وفى ظل تشجيع
سلاطين «الكانم والبرنو» للثقافة الإسلامية ارتقى العلماء(14/203)
والفقهاء منزلة رفيعة، وحرص السلاطين على رعايتهم والإغداق
عليهم، وإصدار المحارم (أى الفرمانات) التى كانوا يمنحونهم
بمقتضاها كثيرًا من الامتيازات المادية والإقطاعات، ويحرِّمون
على أى شخص مهما بلغت منزلته وقدره أن يسلبهم شيئًا منها.
ولذلك ظهر فى هذه السلطنة كثير من العلماء والفقهاء، منهم
الفقيه «محمد بن مانى» الذى سبق الحديث عنه، والإمام «أحمد
بن فرتو» الذى كان معاصرًا للماى «إدريس ألوما»، والذى تعد
كتاباته المرجع الرئيسى لتاريخ «برنو»، والعالم الكبير «عمر بن
عثمان بن إبراهيم»، والعالم «عبداللاه ديلى بن بكر»، وغيرهم
من العلماء الذين صدرت لهم محارم (فرمانات) تشجيعًا لهم على
التفرُّغ للعلم والبحث والتدريس؛ مما أدَّى إلى انتشار العلوم
الإسلامية بين أهالى هذه البلاد.(14/204)
*الهوسا (إمارات)
تشمل بلاد «الهوسا» ما يعرف الآن بنيجيريا الشمالية، وجزءًا
من جمهورية «النيجر»، وكانت تقع فى العصور الوسطى فى
المنطقة المحصورة بين سلطنتى «مالى» و «صنغى» غربًا،
وسلطنة «البرنو» شرقًا، تحدُّها من الشمال بلاد «أهير»
والصحراء الكبرى، ومن الجنوب ما يعرف الآن بنيجيريا الجنوبية.
و «الهوسا» (أو الحوصا) مصطلح يطلق على الذين يتكلمون بلغة
«الهوسا»، ولذلك فليس هناك جنس يمكن أن يتسمى بهذا الاسم؛
إذ إن الهوسويين لاينحدرون من دم واحد، بل جاء أغلبهم نتيجة
امتزاج حدث بين جماعات قَبَلِيَّة وعِرْقِية كثيرة، أهمها:
السودانيون. أهل البلاد الأصليون، والطوارق من البربر،
والفولانيون وغيرهم. ونتج عن هذا الامتزاج هذا الشعب الذى
أصبح يتكلم لغة واحدة، هى لغة «الهوسا» التى انتشرت
انتشارًا كبيرًا فى إفريقيا الغربية، حتى أصبحت لغة الناس
والمعاملات المالية والتجارية. وعلى الرغم من أن المتكلمين بلغة
«الهوسا» فى هذا الجزء من القارة الذى يعرف الآن بنيجيريا
كانوا يعيشون متجاورين، ويتكلمون لغة واحدة، ويدين معظمهم
بالإسلام، فإنهم لم يعيشوا تحت حكم دولة واحدة، بل كَوَّنُوا
سبع إمارات صغيرة، تُعرف باسم إمارات أو ممالك «الهوسا»،
وهى: «كانو»، و «كاتسينا»، و «زاريا»، و «جوبير»، و «دورا»،
و «رانو»، و «زمفرة». ويرى بعض الباحثين أن «دورا» هى أقدم
هذه الإمارات، وأن دماء أهلها وافدة من «مصر العليا»
و «الحبشة» وبلاد العرب، و «كاتسينا» التى كانت تتوسط هذه
الإمارات، و «زاريا» أوسعها أرضًا، و «كانو» أغناها، و «جوبير»
أجدبها، وتقع فى شماليِّها. وعلى ذلك فقد كانت كل إمارة من
هذه الإمارات مستقلة عن الأخرى، وكانت الحروب تندلع فيما
بينها فى فترات كثيرة؛ نتيجة لأطماع حكامها فى فرض
سيطرتهم، كل على الآخر؛ أو نتيجة لتحالف أحدهم مع القوى
الكبيرة المجاورة لبلاد «الهوسا» وهى: دولة «البرنو» الإسلامية(14/205)
من الشرق، ودولة «مالى» ثم دولة «صنغى» الإسلامية من الغرب.
وقد اشتهر الهوسويون بالمهارة فى الزراعة والصناعة
والتجارة، وقد استغلوا موقع بلادهم المتوسط بين «السودان
الغربى» و «السودان الشرقى» فى الاشتغال بالتجارة، ولذلك
مهروا فى هذه الحرفة، وكانوا من أكثر التجار مغامرة، وكانت
قوافلهم تخترق الصحراء الكبرى ثلاثة أشهر من كل عام؛ لتزوِّد
«طرابلس»، و «تونس» وغيرهما من بلدان شمال إفريقيا بمنتجات
بلاد «السودان» من ذهب وعاج ورقيق. كما اخترقت قوافلهم
مناطق الغابات فى الجنوب؛ حيث وصل نشاطهم التجارى إلى
«نوب»، واتجهوا شرقًا إلى «برنو»؛ حيث فتحوا طريقًا للتجارة
عام (856هـ= 1452م)، وتوغَّلوا فى الجنوب حتى حوض «فولتا»
الأوسط. وقد أصبحت طرق التجارة الخارجية، وخاصة التى تخرج
من بلاد «الهوسا»، متجهة شمالا إلى «أهير». وتتصل عندها
بالطرق الرئيسية المتجهة إلى «غات» و «غدامس» و «فزَّان»
و «تكدا» و «برنو» مفتوحة ومستعملة بطريقة كافية ومنظمة،
وأصبحت مألوفة جدا للمسافرين والتجار؛ مما شجَّع العلماء
والباحثين على زيارة بلاد «الهوسا» بكل سهولة وارتياح، كما
شجَّع التجار المغامرين على ارتيادها. وقد أدَّى هذا كله إلى
انتشار الإسلام، ونموِّ الحركة الفكرية، وازدياد تأثير الثقافة
العربية الإسلامية، وسيطرة تجار «الهوسا» على النشاط
التجارى فى جميع أنحاء «السودان الأوسط»، وتضخمت
جالياتهم فى كل المراكز التجارية المهمة، وأصبحت لغتهم لغة
التخاطب العامة فى الأسواق والمعاملات المالية والتجارية،
وازدادت سيطرتهم على التجارة فى بلاد «السودان» بعد انهيار
سلطنة «صنغى» الإسلامية أمام الغزو «المرَّاكُشى» سنة
(1000هـ = 1591م)، مما أدَّى إلى تحول المجرَى الرئيسى
للحركة التجارية إلى بلاد «الهوسا»، وقفزت «كانو»
و «كاتسينا» بصفة خاصة إلى مكان الصدارة والشهرة
باعتبارهما مركزين مهمين من مراكز التجارة والحضارة فى ذلك(14/206)
الحين، وبخاصة بعد أن أصبحتا من أهم مراكز الإسلام فى تلك
المنطقة من بلاد «الهوسا». وقد انتشر الإسلام فى إمارات
«الهوسا» السبع فى فترة مبكرة إذ دخل الإسلام فى إمارة
«كانو» فى أواخر القرن الثانى عشر الميلادى، وفى باقى
الإمارات فى أوائل القرن الرابع عشر الميلادى، وكان لاعتناق
حكام إمارات «الهوسا» الإسلام، بالإضافة إلى ما اتَّسمُوا به من
العدالة وحب الرعية أثر كبير فى انتشار الإسلام بين الناس،
فازداد تمسكهم به وازداد تفانيهم وإخلاصهم له. وبعد انتشار
الإسلام فى هذه الإمارات، كثر وفود العلماء إليها للدعوة ونشر
الإسلام وتصحيح العقيدة بين أهلها، فقاموا بإنشاء عدد كبير
من المساجد كمراكز لنشر الدعوة الإسلامية فى هذه الإمارات
وما حولها من المناطق الأخرى، ونجحوا فى القضاء على الوثنية
التى كانت منتشرة بين السكان قبل دخولهم فى الإسلام. وقد
وجد هؤلاء العلماء فى هذه الإمارات الأمن والطمأنينة، مما
دفعهم إلى إحضار مؤلفاتهم، وبخاصة فى علوم اللغة والأدب
والتوحيد، ورحَّب بهم حكام هذه الإمارات، فازدهرت الثقافة
واتسعت مجالاتها بجهود هؤلاء العلماء، كما ازداد عدد الرجال
المتعلمين؛ حيث كان العلماء يعلِّمون الناس الآداب والثقافة
الإسلامية باللغة والحروف العربية. ومن العلماء الذين يرجع إليهم
الفضل فى نشر الإسلام والثقافة الإسلامية فى هذه الإمارات
الشيخ «عبدالرحمن زيد» الذى مارس نشاطه فى الدعوة فى
إمارة «كانو»، والشيخ «محمد بن عبدالكريم المغيلى» فقيه
«توات» الشهير الذى رحل إلى «كانو» و «كاتسينا»، ونشر
فيهما عقيدة الإسلام الصحيحة، والشيخ «عبده سلام» الذى
أحضر معه كتب «المدوَّنة» و «الجامع الصغير» والشيخ القاضى
«محمد بن أحمد بن أبى محمد التاذختى» المعروف باسم «أيد
أحمد» بمعنى «ابن أحمد» الذى وَلِىَ قضاء «كاتسينا» وتُوفِّى
نحو سنة (936هـ = 1529م)، وغيرهم. وقد كان للتجار - أيضًا -(14/207)
دور كبير فى نشر الإسلام فى هذه الإمارات، بل كان لهم الدور
الأول فى معرفة هذه الإمارات بالإسلام، كما أدَّى انتشار الإسلام
إلى ازدهار التجارة ازدهارًا كبيرًا، بسبب كثرة احتكاك هذه
الإمارات بالمدن المجاورة لها. وعلى أية حال فقد كان لجهود
العلماء والتجار القادمين إلى بلاد «الهوسا» والمحليين أثرها
الكبير فى نشر الإسلام فى هذه البلاد منذ القرن الثانى عشر
الميلادى، وأصبحت «كانو»، و «كاتسينا»، و «زاريا» وغيرها
من بلاد «الهوسا» مراكز إسلامية فى هذه البقاع من القارة،
وتألَّقت فيها الثقافة الإسلامية، وكان لها فضل كبير فى نشر
الثقافة الإسلامية بين سكانها وغيرهم من البلاد المجاورة،
فإمارة «كانو» يرجع إليها الفضل فى نشر الإسلام شرقًا حتى
حدود «برنو»، وإمارة «زاريا» يرجع إليها الفضل فى نشر
الإسلام فى أواسط بلاد «الهوسا»، وجنوبيها فى حوض «نهر
فولتا»، وكان علماء «تمبكت» - التى تقع على نهر «النيجر» -
يرحلون إلى هذه الإمارات، كذلك رحل إليها علماء من «مصر»،
من أبرزهم الإمام «جلال الدين السيوطى» المتوفى سنة (911هـ
= 1505م) والذى نشأت بينه وبين أمير «كاتسينا» علاقة طيبة،
وهناك ما يدل على أن الإمام «السيوطى» رحل إلى هذه الإمارة
وعاش فيها زمنًا، يعلِّم الناس ويفتيهم، وعاد إلى «مصر» سنة
(876هـ = 1471م)، واتصلت المراسلات بينه وبين علماء هذه
البلاد، كما اتصلت بينهم وبين علماء «مصر» وبلاد «الحجاز»
وغيرهما، مما يدل على التواصل الإسلامى، وعلى صلة بلاد
«الهوسا» بالعالم الإسلامى سواء فى إفريقيا، أو فى غيرها
من القارات.(14/208)
*البلالة (سلطنة)
قامت هذه السلطنة فى حوض بحير «تشاد» (أى: فى بلاد
السودان الأوسط)، وبالتحديد فى حوض بحيرة «فترى»، وإلى
الشمال منها حتى بحيرة «تشاد»، وظهرت كدولة يمكن التحقق
من تاريخها منذ عام (766هـ = 1365م)، واستمرت حتى بداية
القرن العشرين، عندما سقطت المنطقة كلها فى يد الاستعمار
الفرنسى. وعلى الرغم من طول مدة بقاء هذه السلطنة، فإن
المؤرخين لم يذكروها كثيرًا ولم يهتموا بها؛ لأنها كانت تابعة
لسلطنة «الكانم والبرنو» فى كثير من فترات حياتها. ويعود اسم
«البلالة» إلى أول زعيم لهم ويدعى «بولال» أو «بلال» أو
«جيل» أو «جليل»، ومنه جاء اسم أول زعمائهم وهو
«عبدالجليل»، وربما جاء اسم «بلالة» أو «بولالة» من «بولو»
الذى كان ابنًا لقبائل «البيوما» التى كانت تسكن منطقة «بيو»
( Biyo)، ثم أُضيف إليه المقطع التماشكى ( ilalla) فجاء اسم
«بولالا» أو «بلالة»، وهى كلمة تعنى الأحرار النبلاء، وربما جاء
الاسم أيضًا من اسم ميناء كان ولايزال يقع على الساحل
الشرقى لبحيرة «تشاد»، ويسمى «بول» ( Bol)، ثم أُضيف إليه
المقطع التماشكى، فصار «بولالا» أو «بلالة» كما ينطقه
البلاليون أنفسهم فى هذه الأيام. أما أصل قبائل «البلالة» فقد
جاء نتيجة اختلاط عناصر متعددة سكنت هذه المنطقة، وهى:
البربر والعرب والسودان والزنج، وقد تصاهرت هذه العناصر
فيما بينها، فأدَّى ذلك إلى امتزاجهم وتغير فى صفاتهم. وقد
كان «البلالة» وثنيين حتى القرن الثانى عشر الميلادى؛ حيث
أسلموا عقب إسلام بنى عمومتهم الذين يتمثلون فى «الأسرة
السيفية الماغومية» الحاكمة فى سلطنة «كانم» فى القرن
الحادى عشر الميلادى. أما من الناحية السياسية فقد ظهر خطر
«البلالة» على سلاطين دولة «كانم» منذ وقت مبكر، رغم صلة
القرابة التى تربط بينهما، ويعود ذلك إلى أن «البلالة» كانوا
يحاولون التخلُّص من تبعيتهم لأقربائهم من حكام «كانم»، وقد(14/209)
ظهر هذا الخطر منذ عهد أول سلاطين «كانم» الإسلامية وهو
الماى (السلطان) «أوم بن عبدالجليل» (1086 - 1097م) الذى
حاربهم وانتصر عليهم، فأعلنوا الطاعة والخضوع، وظلوا
يتقلبون بين التبعية والتحرر من سلطان «كانم» حتى ظهر
زعيمهم الموصوف بالقوة والشجاعة والدهاء وهو «عبدالجليل
سيكومامى» الذى حقق لهم الاستقلال التام والتوسع فى حدود
سلطنته فى عام (1365م)، بفضل معاونة العرب الموجودين فى
هذه المنطقة، واتخذ من مدينة «ماسيو» التى تقع بين «بحيرة
فترى» و «كانم» عاصمة له. ثم حارب مايات كانم وانتصر عليهم،
وبذلك وقع إقليم «كانم» بأسره فى قبضة «البلالة»، مما جعلهم
يحكمون دولة واسعة تمتد من حدود «دارفور» الغربية وبلاد
«النوبة» حتى شواطئ «بحيرة تشاد» الشرقية، واضطرت
«الأسرة السيفية الماغومية» الحاكمة فى «كانم» إلى الهرب
إلى إقليم «برنو» الذى يقع فى غرب «بحيرة تشاد». ولكن لم
يلبث حكام «برنو» أن استعادوا قوتهم على يد الماى «على
جاجى بن دونمه» الملقب بالغازى؛ نظرًا لغزوه إقليم «كانم»،
ونشب بينه وبين «البلالة» صراع منذ عام (1472م) فى محاولة
لاسترداد «كانم» مرة أخرى، واستمر الصراع فترة طويلة انتهى
بعقد اتفاقية سلام، اتفقا فيها على رسم الحدود بين «كانم»
و «برنو». وعلى الرغم من ذلك وبمرور الوقت بدأ الضعف يدب
فى جسد سلطنة «البلالة»؛ بسبب الفتن والاضطرابات والحروب
الأهلية، وظهور إمارات جديدة بدأت تُغِير على سلطنة «البلالة»،
مثل سلطنة «واداى» التى تقع فى الشمال الشرقى لدولة
«البلالة»، وسلطنة «باجرمى» التى تقع فى جنوبيِّها الغربى.
وعلى الرغم من هذا الضعف فقد ظلت هذه السلطنة قائمة حتى
بداية القرن العشرين؛ حيث سقطت فى قبضة الاستعمار الفرنسى
فى عام (1900م)، ومع ذلك حكم بعض سلاطين «البلالة» تحت
راية هذا الاستعمار، وظلوا كذلك حتى نالت البلاد استقلالها فى
عام (1960م) ودخلت بلاد «البلالة» ضمن حدود جمهورية «تشاد»(14/210)
الحديثة منذ ذلك التاريخ. وقد أدَّت «سلطنة البلالة» دورًا
اقتصاديا وعلميا ودينيا مهما فى تاريخ المنطقة؛ إذ كانت نظرًا
لموقعها بين «دارفور» و «النوبة» فى الشرق، و «كانم»
و «بحيرة تشاد» وماوراءها من بلاد «الهوسا» و «مالى» فى
الغرب، و «ليبيا» فى الشمال - مركزًا مهما من مراكز التجارة
التى تأتى من هذه البلدان مما انعكس أثره على مسيرتها
التاريخية، ودَعْم اقتصادها، ورَبَط بينها وبين دول تقع خارج
منطقة «بحيرة تشاد»، واتسعت تجارتها حتى وصلت إلى
«مصر» وغيرها من البلدان، كما زادت محصولاتها الزراعية. أما
الحياة العلمية: فقد تجلت فى المدارس والعلماء والفقهاء
والأشراف الذين كانوا يُعامَلُون بكلِّ تبجيلٍ واحترامٍ، كما ظهرت
الطرق الصوفية وبخاصة «التيجانية» و «القادرية»، وكان لهذه
الطرق أثر كبير فى نشر الإسلام فى هذه البلدان. أما اللغات
التى كانت منتشرة بين «البلالة»، فهى عديدة، فقد كانوا
يتكلمون لغة «كوكا» وهى قبيلة كانت تسكن مملكة «جاوجا» -
أحد أقاليم سلطنة البلالة - وكانوا يتكلمون أيضًا اللغة العربية
التى كانت لغة العلم والتعليم ولغة الحكومة الرسمية والتجارة
والمراسلات، حتى قضى الاستعمار الفرنسى عليها وعلى
استخدام الحروف العربية فى الكتابة وحَوَّلَها إلى الكتابة
بالحروف اللاتينية، وإن كان كثير من الأهالى - حتى الآن -
يحافظون على التحدث والكتابة باللغة العربية، ومعظمهم - أى
نحو (85%) - يدينون بالإسلام.(14/211)
*الفونج (دولة)
اختلف الباحثون فى أصل «الفونج»، فقيل إنهم من سلالة عربية
أموية هربت من وجه العباسيين، وأنهم جاءوا إلى «الحبشة»
أولا ومنها إلى «السودان الشرقى» (النيلى)؛ حيث تصاهروا مع
ملوك «السودان»، وظهرت نواة إمارة «الفونج» عقب القضاء
على مملكة «دنقلة» المسيحية، وتسرَّب العرب على نطاق واسع
إلى مملكة «علوة» المسيحية، واتَّسع نطاق هذه الإمارة غربًا،
ووصل إلى أطراف منطقة الجزيرة من الشرق، ثم تمَّ التحالف بين
هذه الإمارة النامية فى عهد أميرها «عمارة دونقس» (911 -
941هـ= 1505 - 1534م) وبين عرب «القواسمة» الذين ينتمون إلى
مجموعة «الكواهلة» فى عهد زعيمهم وشيخهم «عبدالله جَمَّاع».
وقد كان لهذا التحالف نتائج مهمة فى تاريخ «سودان وادى
النيل»: أولها: قضاء الحليفين على مملكة «علوة» المسيحية عام
(911هـ= 1505م). وثانيها: قيام مملكة «العبد لاب» التى اتَّخذت
مدينة «قِرِّى» حاضرة لها، ثم انتقلت منها إلى «حلفاية»،
وشاركت «الفونج» فى السيطرة على القسم الشمالى من البلاد
وامتدَّ ملكهم من مصب «دندر» إلى بلاد «دنقلة». وثالثها: قيام
مملكة «الفونج» الإسلامية التى كان «عمارة دونقس» أول
سلطان لها وامتدت من «النيل الأزرق» إلى «النيل الأبيض». وقد
بلغت هذه السلطنة أوج مجدها فى عهد السلطان «بادى الثانى
أبو دقن» (1052 - 1088هـ = 1642 - 1677م)؛ إذ امتدت رقعتها
من «الشلال الثالث» إلى «النيل الأزرق»، ومن «البحر الأحمر»
إلى «كردفان»، واستمر توسُّع هذه الدولة طيلة القرن الثامن
عشر الميلادى فى عهد الملك «بادى الرابع». غير أنه قبيل
نهاية ذلك القرن ظهرت عوامل الضعف فى هذه السلطنة، عندما
تصدَّعت عُرَى التحالف بين سلاطين «الفونج» و «عرب
القواسمة»، كما كان لاستبداد الوزراء والقواد أثره فى القضاء
على هذه الدولة، فقد استطاع «محمد بن أبى لكيلك كتمور»
المتوفى سنة (1190هـ = 1776م) أن يعزل السلطان «بادى(14/212)
الرابع» ويولِّى غيره، وبدأت الانقسامات الداخلية والحروب
الأهلية؛ فأدَّت إلى انحلال الأسرة المالكة، حتى جاء الفتح
المصرى فى النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادى فى
عهد «محمد على باشا». وقد اتخذت سلطنة «الفونج» مظهرًا
إسلاميا منذ البداية، فقد استهلت حياتها بالإسهام فى حركة
الجهاد الإسلامى، وساعدت العرب فى القضاء على مملكة
«علوة» المسيحية، وبذلك تدفَّق الإسلام فى وسط «السودان»،
ومنه إلى الجنوب والغرب. كما أسهموا فى محاربة الوثنيين
داخل «السودان» نفسه، فقد حاربوا أهل جبال «النوبا» بسبب
غاراتهم على «كردفان»، واستمروا فى حربهم زمنًا طويلا حتى
انتشر الإسلام فى كثير من مناطق هذه الجبال فى غربى
«السودان». كما حارب «الفونج» «الشلك» (أو الشلوك) للغرض
نفسه، بل شاركوا فى حركة الجهاد الإسلامى ضد الأحباش فى
القرن الثامن عشر الميلادى فقد قضوا على بعثة فرنسية كانت
قد قدمت إلى «الحبشة»، بهدف مساندتها فى حربها ضد
المسلمين عام (1117هـ= 1705م)، كما اشتبكوا مع الأحباش فى
عهد الملك «بادى الرابع أبى شلوخ» سنة (1157هـ = 1744م)،
وكانت جيوش «الفونج» بقيادة شيخ «قرى» التى كان يتولى
إمارتها الشيخ «محمد أبو اللكيلك» كبير الهمج (الهمق)، الذى
قضى على دولة «الفونج» فيما بعد، وقد انتصر هؤلاء القواد
على جيش «الحبشة»، وكان لانتصارهم هذا دوى هائل فى
العالم الإسلامى المعاصر فى «مصر» و «الشام» و «الحجاز»
و «تونس» و «إستانبول» و «الهند». ولم يسهم «الفونج» فى نشر
الإسلام عن طريق الجهاد فحسب، إنما استعانوا بالوسائل
السِّلمية التى كانت الأصل فى غالب الأحوال وكان لرواد الدعوة
الذين وفدوا من «الحجاز» و «المغرب» و «مصر» و «العراق» إلى
جانب الدعاة الوطنيين فضل كبير فى هذا السبيل فالحج
والتجارة بين «الحجاز» و «السودان» كانا من أكبر ماهيَّأ
للسودان نشر الدعوة. وكان حجاج «السودان» يشجعون علماء(14/213)
«الحجاز» على الرحلة إلى بلاد «الفونج»، كما أن كثيرًا من
السودانيين كانوا يتلقون العلم فى «مكة» و «المدينة». أما
«المغرب» فكان منبعًا آخر للثقافة الإسلامية. أما «مصر» فكانت
علاقة «السودان» بها فى ذلك الحين أقل من تلك التى كانت
بينه وبين «الحجاز» و «المغرب»، ومع ذلك تطلَّع ملوك «الفونج»
إلى «الأزهر» وعلمائه ورحبوا بهم، وكان بعض السودانيين
يذهبون إلى «الأزهر» ثم يعودون إلى بلادهم ناشرين الإسلام
وثقافته. وقد رحل أحدهم وهو الفقيه «محمد الجعلى» إلى
منطقة جبال «النوبا» التى تقع جنوب «كردفان» مع مجموعة من
الفقهاء؛ للدعوة إلى الإسلام فى أوائل القرن السادس عشر
الميلادى واستطاع أن يتزوَّج أميرة من البيت الحاكم هناك،
فانتقل الحكم إلى ابنه المسمَّى «قيلى أبو جريدة». وقد أسَّس
هذا الابن أول أسرة إسلامية حاكمة فى جبال «النوبا»، سنة
(926هـ = 1520م) عرفت باسم مملكة «تقلى»، وكان هو أول
سلاطينها. كذلك كان لسلطنة الفونج وعاصمتها اتصال بدارفور
التى كانت تستعين بفقهاء «سنار» فى نشر الدعوة، وكان
للفونج اتصال أيضًا بالباشا التركى فى موانئ «البحر الأحمر»
فى «سواكن» و «مصوع»؛ حيث كان له وكلاء فى «سنار»
و «أريجى»، وكذلك اتصلوا باليمن وغيره من الأمصار الإسلامية؛
مما يدل على عمق الروح الإسلامية التى تغلغلت فى مملكة
«الفونج». وتظهر هذه الروح الإسلامية فى معاملتهم الحسنة
لرجال العلم، وفى احترامهم وإحاطتهم بالرعاية والتكريم، فرحل
إليهم كثير من علماء المناطق النائية، وعاشوا فى جوارهم، مما
كان له أثر كبير على مسيرة الإسلام فى هذه السلطنة.(14/214)
*دارفور (سلطنة)
بلاد «دارفور» عبارة عن هضبة تنتشر فيها المراعى وتتخللها
بعض المرتفعات، ويتألف سكانها من العنصر الزنجى والعنصر
الحامى، وكانت هذه البلاد مستقرا لشعب يُسمَّى شعب
«الداجو»، وفد عليها من الشرق أو من «جبال النوبا» الواقعة
غرب «النيل الأبيض» قبل القرن الثانى عشر الميلادى وأسس
فيها مُلكًا. وفى القرن الثانى عشر الميلادى دخل هذه البلاد
عنصر مغربى من «تونس» يتمثل فى «شعب التنجور» أو «عرب
التنجور»، وهم عنصر من البربر أو العرب، وقد خالط هؤلاء
شعب «الداجو» وصاهروهم، ونتج عن ذلك وجود جنس مختلط
يُسمَّى شعب الفور استطاع أن يصل إلى الحكم. كان أول
السلاطين المولدين من «الداجو» «والتنجور» هو «أحمد المعقور»
الذى تزوج من ابنة ملك «دارفور» الوثنى، بعد أن أثبت جدارته
فى الإشراف على شئون بيت الملك، وقد اتخذه الملك مستشارًا،
ولما لم يكن للملك أبناء ذكور، فقد زوج ابنته لأحمد المعقور،
وعينه خليفة له، فتأسست بذلك أول سلطنة إسلامية فى
«دارفور». ولقد اقترنت إصلاحات السلطان «أحمد» وأولاده من
بعده بنشاط ملحوظ فى نشر الدعوة الإسلامية، على أن
«دارفور» لم تدخل فى الإسلام حقا إلا نتيجة جهود أحد ملوكها
وهو «سليمان سولون» الذى وصل إلى الحكم نتيجة لإحدى
الهجرات العربية التى وفدت على «دارفور» منحدرة من «وادى
النيل» فى القرن الخامس عشر الميلادى وأصهر هؤلاء العرب
إلى سلاطين «الفور»، كما أصهروا إلى ملوك «النوبة» من قبل.
وكان «سليمان سولون» وليد هذه المصاهرة، وتمكن من اعتلاء
عرش «دارفور» (849 - 881هـ = 1445 - 1476م)، وفتح البلاد
للهجرات العربية، فوفدت قبائل «الحبانية» و «الرزيقات»
و «المسيرية» و «التعايشة» و «بنى هلبة» و «الزيادية»
و «الماهرية» و «المحاميد» و «بنى حسين» وغيرهم، وبفضل
هؤلاء العرب المهاجرين إلى «دارفور»، اصطبغت السلطنة
بالصبغة الإسلامية الواضحة، وعمد السلطان «سليمان سولون»(14/215)
إلى تنشيط الحركة الإسلامية، عن طريق استدعاء الفقهاء من
الشرق ليعلِّموا الناس أصول دينهم، كما شجع التجارة وأسس
المساجد والمدارس. وبدأت الدولة تتسع، فامتد سلطانها على
«كردفان» فى عهد السلطان «تيراب» (1768 - 1787م)، وبلغت
أقصى اتساعها، فكان حدها من الشمال «بئر النترون» فى
الصحراء الكبرى، ومن الجنوب «بحر الغزال»، ومن الشرق «نهر
النيل»، ومن الغرب منطقة «واداى». وقد وصل نفوذ الدولة
أقصاه فى عهد السلطان «عبدالرحمن الرشيد» (1192 - 1214هـ
= 1778 - 1799م)، الذى نقل العاصمة إلى مدينة «الفاشر»،
واتصل بالسلطان العثمانى واعترف بسيادته، فمنحه لقب
«الرشيد». وفى عهد خلفاء «عبدالرحمن الرشيد» كان من
الممكن أن تتسع السلطنة إلى آفاق أوسع لولا التوسع المصرى
فى القرن التاسع عشر الميلادى، ذلك التوسع الذى قضى على
هذه السلطنة عام (1292هـ = 1875م) فى عهد الخديوى
«إسماعيل». واصطبغت هذه السلطنة بالصبغة الإسلامية
الواضحة؛ حيث عمل سلاطينها على ربط بلادهم بالعالم الإسلامى
المعاصر، وتوثقت به صلاتهم الثقافية والدينية، فوصل طلاب
«دارفور» إلى «مصر» والتحقوا بالأزهر، حيث أنشئ لهم رواق
خاص بهم. وكان سلاطين «دارفور» رغم ندرة أخبارهم ينهجون
نهجًا إسلاميا، فيلتزمون بأحكام الكتاب والسنة، ويحرصون
على تحرى العدل فى أحكامهم، كما حرصوا على تشجيع
العلماء ومنحهم الهدايا، وعملوا على نشر العلم فى بلادهم،
ويذكر «التونسى» أخبارًا كثيرة عن العلماء والفقهاء الذين
وفدوا على «دارفور» لما وجدوه فيها من تشجيع وعدالة وكرم
واحترام. ومن مظاهر ارتفاع مكانة العلماء فى سلطنة «دارفور»
الإسلامية أن مجلس السلطان كان لايتم إلا بحضورهم، وكانوا
يجلسون عن يمينه، ويجلس الأشراف وعظماء الناس عن يساره،
وعند موت السلطان واختيار سلطان جديد كان هؤلاء العلماء
يدخلون ضمن مجلس الشورى الذى ينعقد لهذا الغرض، وإذا حدث(14/216)
تنازع فإنه لايتم حسمه إلا على أيديهم، وكان السلاطين يكثرون
من الإنعام عليهم ويقطعونهم الإقطاعات الواسعة حتى يتفرغوا
للعلم والدرس، ولم يكن هذا التشجيع وقفًا على السلاطين
وحدهم، فقد شارك فيه الأهالى؛ حيث كان سكان الحلة القرية
يسارعون لمقابلة العلماء الوافدين ويستضيفونهم، كما كانوا
يستضيفون الطلبة الغرباء فى بيوتهم ويعاملونهم كأبنائهم أو
ذوى قرباهم. ومن المظاهر الإسلامية التى وضحت فى سلطنة
«دارفور» أن سلاطينها كانوا يتلقبون بألقاب إسلامية مثل
«أمير المؤمنين»، و «خادم الشريعة»، و «المهدى» و «المنصور
بالله»، كما كانوا يحرصون على النسب العربى كعادة الحكام
فى كل ممالك «السودان»، كما أن أختامهم التى يختمون بها
كتبهم ورسائلهم كانت تحمل آية من القرآن، وكانوا يحرصون
على إرسال محمل الحرمين الشريفين كل عام إلى «مكة»
و «المدينة»، فكانت قافلة المحمل ترسل إلى «مصر» محملة
بالبضائع، مثل ريش النعام وسن الفيل والصمغ وغير ذلك من
منتجات البلاد، فتباع ويتكون من ثمنها نقود الصرة التى تحملها
القافلة المصاحبة لقوافل الحجاج المصريين إلى الأراضى
المقدسة، وهكذا نرى أن الحياة الإسلامية كانت زاهرة فى
سلطنة «دارفور» الإسلامية.(14/217)
*شوا (سلطنة)
أسست هذه السلطنة على يد أسرة عربية تسمى «بنى مخزوم»
سنة (283هـ = 896م)، وليس ثمة شك فى أن هؤلاء كانوا عربًا
هاجروا إلى هذه الجهات فى ذلك الوقت المبكر، وليس بعيدًا أن
يكونوا قد نزلوا أول الأمر فى ضيافة إمارة محلية، ثم اختلطوا
بالأمراء عن طريق المصاهرة حتى آل إليهم الملك آخر الأمر. وأيا
كان الأسلوب الذى انتقل به الحكم فى «شوا» إلى هذه الأسرة
العربية المخزومية، فقد أدى ذلك إلى قيام «سلطنة شوا
الإسلامية»، التى استمرت أربعة قرون من الزمان فى الفترة
(283 - 684هـ = 896 - 1285م) تمتعت فى معظمها بالأمن
والاستقرار وازدهار العمران، وكثرة المدن والقرى والنواحى،
حتى إن وثيقة «تشيروللى» ذكرت أكثر من خمسين اسمًا
لمواقع كانت موجودة، ووقعت على أرضها أحداث مهمة. ومن
أمثلة هذه المدن أو النواحى مدينة «ولِلَّه» العاصمة، ومدن هكلة
(هجلة) وجداية، ودجن، وأبتا، ومورة، وحدية (لعلها مملكة هدية
الإسلامية) والزناتير، والمحررة، وعَدَل التى أصبحت عاصمة
لمملكة إسلامية فى القرن الخامس عشر الميلادى، مما يدل على
أن هذه السلطنة اتسمت بسعة المكان وازدهار العمران وكثرة
المدن والبلدان. وهذا الازدهار العمرانى الحضارى الذى تمتعت به
سلطنة شوا الإسلامية كان نتيجة لما تملكه من أرض غاية فى
الخصوبة استغلها السكان وزرعوا فيها ما يكفى حاجتهم ويسد
مطالبهم، خاصة أنه قد استمر توافد الجماعات الإسلامية
المهاجرة فى أعداد يسيرة، واستطاعت أن تتجمع وتدعم كيان
هذه السلطنة الإسلامية بزعامة هذه الأسرة العربية التى اتخذت
من «وللِّه» عاصمة لها، والتى يصعب تحديد موضعها الآن نتيجة
لكثرة التغيرات التى تعرضت لها المنطقة. ونتيجة لهذا الإزدهار لم
تكن الدولة المخزومية فى «شوا» إمارة أو مملكة صغيرة، بل
كانت سلطنة كبيرة، توالى على حكمها كثير من الحكام الذين
اتخذوا لقب سلطان كما أشارت إلى ذلك وثيقة «تشيروللى». هذا(14/218)
وقد ظهر فى هذه السلطنة الوظائف السياسية والدينية المعروفة
وقتذاك فى بقية الدول الإسلامية مثل الوزراء والقضاة، يتضح
ذلك من الوثيقة المذكورة التى عنى المؤرخ فيها بتسجيل وفاة
الفقيه «إبراهيم بن الحسن» قاضى قضاة شوا فى رمضان
(653هـ = أكتوبر 1255م)، مما يدل على وجود حياة علمية
ودينية زاخرة، شأنها فى ذلك شأن السلطنات الإسلامية
الأخرى؛ مما يجعلنا نقول إن هذه السلطنة عاشت عصرًا زاهرًا
كبيرًا، وأنها عاشت مستقلة عن جيرانها سواء كانوا مسلمين أم
مسيحيين. والسبب الذى أتاح لهذه السلطنة ذلك الاستقلال وهذا
الهدوء مع دولة الحبشة هو ظروف الحبشة نفسها، فقد كانت
تعيش حياة مليئة بالاضطراب السياسى وعدم الاستقرار، فقد
كانت مملكة «أكسوم» الحبشية القديمة فى أواخر أيامها عندما
نشأت سلطنة شوا الإسلامية، ولذلك لم تتمكن «أكسوم» من
التصدى لتلك الدولة أو تمنع قيامها فى جزء من الهضبة الحبشية
ذاتها لبعد «أكسوم» التى كانت تقع فى أقصى الشمال، بينما
كانت دولة «شوا» فى أقصى الجنوب، ولذلك لم يحدث بينهما
أى نوع من أنواع العلاقات، سواء أكانت ودية أم عدائية. ومن
الأسباب التى أتاحت الهدوء لهذه السلطنة ما حظيت به من موقع
حصين فقد كان يحيط بها جبال وعرة تحف بمجرى نهر تكازى
الأعلى من ناحية اليمين، والنيل الأعلى من جهة اليسار، وهذه
الجبال جعلت من «شوا» حصنًا آمنًا يوفر الحماية لمن يسكنه.
وقد استغل بنو مخزوم هذا الهدوء وهذا السلام اللذين تمتعوا
بهما حوالى ثلاثة قرون ونصف قرن من الزمان فى تنمية قدرات
السلطنة الاقتصادية والسياسية والدينية، فصار لها نفوذها فى
المناطق المجاورة وخاصة المناطق الإسلامية التى تقع إلى
الشرق منها وهى سبع ممالك صغيرة قامت فى القرن الثالث
عشر الميلادى. كما كان لها دورها الدينى أيضًا، من ذلك أن
أحد سلاطينها ويسمى (حربعر) بذل جهودًا كبيرة لنشر الإسلام(14/219)
صوب الداخل وخاصة فى «جبلة» فى سنة (502هـ = 1108م)،
وفى بلاد «أرجبة»، وأن هذه البلاد بعد إسلام أهلها أضيفت
إلى أملاك سلطنة «شوا» المخزومية، أى أن هذه السلطنة كانت
من المراكز التى ساعدت على نشر الإسلام وثقافته فى هذه
المنطقة. وقد حافظ الأهالى من الأحباش على إسلامهم، سواء
أكانوا من أحباش شوا أم من أحباش المناطق المجاورة لها،
وذلك رغم الاضطهاد الشديد والمستمر الذى تعرض له المسلمون
فى القرن الإفريقى على يد ملوك الحبشة (إثيوبيا) منذ عام
(669هـ= 1270م). ولكن سيطرة «شوا» على جيرانها المسلمين لم
تستمر طويلا أمام اضطراب أحوالها وكثرة الفتن الداخلية التى
جعلتها تسير فى طريق الضعف وخاصة فى الخمسين عامًا
الأخيرة من عمرها، ولذلك انتهز حكام «أوفات» الإسلامية
الفرصة وأغاروا عليها وأسقطوها وضموها إلى دولتهم.
وطبيعى أن لسقوط سلطنة «شوا» الإسلامية أسبابًا، وعوامل
أدت إليه، أهمها: العوامل الاقتصادية: وتتمثل فى ظروف طبيعية
جغرافية حدثت فى الثلاثين عامًا الأخيرة من عمر الدولة، وأدت
إلى نقص مياه الأمطار بدرجة نتج عنها حدوث مجاعات،
وطواعين فتكت بالناس فتكًا ذريعًا، وأضعفت الدولة وسكانها
أمام أى هزات داخلية أو خارجية. سوء الأحوال السياسية:
ويتمثل فى الصراع الداخلى بين أمراء الأسرة المخزومية على
الحكم، وكثرة المتمردين والمغتصبين لعرش السلطنة، وكثرة
الحروب الأهلية، وما كان ينتج عنها من إحراق المدن وتدميرها
ونهبها وقتل كثير من سكانها. ولم يظهر الصراع الداخلى بين
أمراء هذه السلطنة إلا فى المائة عام الأخيرة من عمرها وخاصة
منذ عهد السلطان «حسين» (575هـ = 1179م)، ثم تولى بعده
السلطان «عبدالله» سنة (590هـ = 1194م)، وكان مغتصبًا
للعرش، استطاع أن يزيحه ابن السلطان «حسين» فى (632هـ =
1232م) واستمر فى الحكم 14 عامًا، ثم أعقبه عدد من
المغتصبين، ثم عاد العرش إلى صاحبه الشرعى وهو السلطان(14/220)
«دلمارة بن والزرة» سنة (668هـ = 1269م) الذى صاهر «عمر
ولشمع» سلطان «أوفات» الإسلامية كى يشد أزره بهذه
المصاهرة، لكن الطامعين فى العرش ازدادوا شراسة حتى انتهى
الأمر بمقتل السلطان «دلمارة» فى سنة (682هـ = 1283م) وقد
أدت هذه الظروف السيئة إلى تدخل سلطان «أوفات» (عمر
ولشمع) فدخل «شوا» وانتقم من قتلة صهره السلطان «دلمارة»
واستطاع أن يعيد الأمن والوحدة إلى «شوا» من جديد، وبهذا
حافظ (عمر ولشمع) على سلطنة «شوا» من أن تقع فى يد
الأحباش وذلك بعد أن ضمها لدولته.(14/221)
*أوفات (سلطنة)
كانت الحركة الإسلامية قد ازدادت قوة فى بلاد الزيلع منذ القرن
العاشر الميلادى. وبلاد الزيلع هى البلاد التى تحيط بهضبة
الحبشة من الشرق والجنوب الشرقى، وتتمثل الآن فيما يعرف
بإريتريا وجيبوتى والصومال الكبير بأقسامه الثلاثة: الشمالى
والجنوبى والغربى، المعروف باسم إقليم «أوجادين»، يضاف
إلى ذلك كل المناطق الإسلامية التى ضمتها الحبشة بالغلبة
والقوة قرب نهاية القرن التاسع عشر الميلادى. فى هذه البقعة
الواسعة التى تنحصر بين ساحل البحر الأحمر وخليج عدن وبين
هضبة الحبشة قامت مراكز تجارية عديدة على الساحل وانتشرت
أيضًا فى الداخل، وتحولت فى النهاية إلى إمارات وممالك
إسلامية نامية تحدث عنها المؤرخون القدامى، وقالوا إنها كانت
سبع ممالك هى: «أوفات» و «هدية» و «فطجار» و «دارة»
و «بالى» و «أرابينى» و «شرخا»، وامتدت هذه الممالك إلى
«هرر» وبلاد «أروسى» جنوبًا حتى منطقة البحيرات، مطوقة
الحبشة من الجنوب والشرق. غير أن هذه الممالك والسلطنات
التى قامت فى شرق الحبشة وجنوبها تختلف عما رأيناه فى
أقطار إفريقية أخرى فى هذه المرحلة من التطور؛ إذ لم تكن
هذه السلطنات إفريقية خالصة، أسستها أسرات من أهل البلاد
الأصليين الذين أسلموا، كما حدث فى «مالى» و «صنغى»
و «كانم وبرنو»، إنما أسستها أسرات عربية الأصل، فسلاطين
«أوفات» وسلاطين «شوا» وغيرها يمثلون أرستقراطية عربية
مهاجرة، استقرت فى هذه الجهات ونمت ثروتها وازداد نفوذها
واستولت على حكم البلاد وكانت الرعية مسلمة ومن أهل البلاد
الأصليين. وكانت العلاقات بين هذه الإمارات متوترة تسودها
المنافسات القبلية، ولم يكن بينها من رابط سوى الصلة الروحية
فقط، وكانت من الضعف بحيث إن أمراءها لايتولون العرش - فى
كثير من الأحيان - إلا بموافقة ملك الحبشة المسيحى، وليس
معنى ذلك أن مسلمى تلك الإمارات قنعوا بالخنوع والخضوع(14/222)
للأحباش، بل إنهم كانوا فى أحيان كثيرة مناوئين لملك الأحباش
وغازين له فى عقر داره كما سنرى. وكان من أسباب ضعف
هذه الإمارات أو السلطنات الإسلامية أنها ما كاد يكتمل نموها
وتزداد قوتها حتى واجهت حربًا صليبية ضروسًا استنزفت
مواردها وشغلتها عن التفرغ للدعوة الإسلامية، ولذلك فإن
الإنتاج الثقافى لتلك الإمارات كان محدودًا جدا، إذ إن الصراع مع
الأحباش أخذ كل وقتها ولم يترك لها فرصة للإبداع والابتكار،
ولم تنج سلطنة واحدة من الاشتباك مع هؤلاء الأحباش. وقد قامت
سلطنة «أوفات» حوالى (648 - 805 هـ = 1250 - 1402م) بعبء
المقاومة والدفاع ضد هذا الخطر الصليبى الحبشى الذى كان
يهدف إلى القضاء على الإسلام فى منطقة القرن الإفريقى كلها،
ولذلك كان من الواجب أن نخص هذه السلطنة بحديث. كانت
سلطنة «أوفات» أقوى سلطنة إسلامية قامت فى بلاد «الزيلع»،
أسسها قوم من قريش من «بنى عبدالدار» أو من «بنى هاشم»
من ولد «عقيل بن أبى طالب». ومدينة «أوفات» هى نفسها
مدينة «جبرة» أو «جبرت» وكانت من أكبر مدن بلاد «الزيلع»،
وكانت تتحكم فى الطريق التجارى الذى يربط المناطق الداخلية
بميناء «زيلع» على البحر الأحمر. ولم يتضح تاريخ «أوفات» إلا
حوالى منتصف القرن الثالث عشر الميلادى حينما ظهر أحد أمراء
المسلمين وكان يسمى «عمر» ويعرف بلقب «ولشمع»، وأقام
هذه السلطنة التى نمت وازدادت قوتها حتى استطاع صاحبها
«عمر ولشمع» أن ينتهز فرصة ضعف سلطنة «شوا» المخزومية
وأن يهاجمها عام (684هـ = 1285م) ويقضى عليها ويستولى
على أملاكها كما رأينا عند الحديث عن هذه السلطنة. وقد أدى
هذا إلى اتساع سلطان «بنى ولشمع» السياسى، واستطاعت
«أوفات» فى عهدهم أن تبسط نفوذها على بقية هذه الإمارات
الصغرى التى أشرنا إليها وأن يصل هذا النفوذ حتى ساحل
البحر الأحمر وحتى منطقة «زيلع» وسهل «أوسا». وكانت
مساحة الأراضى التى سيطر عليها المسلمون بزعامة «أوفات»(14/223)
تفوق مساحة أرض مملكة الحبشة المسيحية نفسها، بل كانت
تحيط بالحبشة من الجنوب والشرق، فضلا عن إحاطة الإسلام بها
من ناحية السودان من الشمال والغرب، مما أدى إلى عزل مملكة
الحبشة عزلا تاما عن العالم الخارجى، ولاسيما بعد استيلاء
المسلمين على ميناء «عدل» قرب «مصوع»، ولذلك لاندهش من
أنه عندما تولت الأسرة «السليمانية» عرش الحبشة عام (669هـ =
1270م)، رسمت لنفسها خطة لتوسيع سلطان «الحبشة» على
حساب جيرانها من المسلمين الذين كانوا يسيطرون على الموانى
ومن ثم على التجارة الخارجية. وبذلك بدأت أولى مراحل الجهاد
والصراع بين «أوفات» وتوابعها من الإمارات الإسلامية وبين
ملوك الحبشة من ذلك الحين، وكانت البداية المبكرة على أيام
الملك «ياجبياصيون» (684 - 693هـ = 1285 - 1294م) الذى شن
حملة صليبية عنيفة ضد إمارة «عَدَل» التابعة لأوفات، وكان قد
استشعر خطر الاتحاد الإسلامى الذى كانت تدعو إليه سلطنة
«أوفات»، فضلا عن أن تلك السلطنة أعلنت زعامتها على
الممالك الإسلامية المجاورة لها فى بلاد «الزيلع»، وكان هذا
أمرًا يتعارض مع مشاريع ملوك الحبشة الجدد، فقاموا بحملتهم
تلك التى أشرنا إليها، وانتهت بانتصارهم. وترجع هذه الهزيمة
إلى أن حركة المقاومة التى تزعمتها «أوفات» لم تكن منبعثة
عن وحدة وتعاون فعال بينها وبين الممالك الإسلامية، ولذلك
هزمهم الأحباش من أول لقاء، بل يقال إن إمارتين إسلاميتين
عاونتا ملك الحبشة فى هجومه الذى انتهى بنهب «عَدَل» وعَقْد
هدنة بين الطرفين، وكان من الممكن أن تكون هذه الحرب هى
القاضية لولا تدخل سلطان «مصر» المملوكى الذى هدد بقطع
العلاقات وعدم الموافقة على تعيين «المطران» الذى طلبه
الأحباش، وكان يعين من قبل بطرك مصر، وأثمر هذا التدخل،
فقَبِل الأحباش الهدنة مع «أوفات». استطاع المسلمون تقوية
مراكزهم ودعم سلطانهم على طول منطقة الساحل، وكانوا
يرتقبون فرصة ضعف أو تخاذل فى صفوف أعدائهم، وعندما(14/224)
علموا بوفاة ملك «الحبشة» عام (698هـ = 1299م)، قام شيخ
مجاهد يدعى «محمد أبو عبدالله» بحشد طائفة كبرى من قبائل
«الجَلا» و «الصومال» وأعدهم للجهاد، وقام بغزو الحبشة، ولم
تعمد الحبشة إلى المقاومة بسبب بعض المتاعب الداخلية، واضطر
ملكها إلى التنازل للمسلمين عن بضع ولايات على الحدود نظير
الهدنة، ولم يكن سلاطين «أوفات» ليقنعوا بالهدنة، وخاصة أن
قوتهم قد ازدادت، فلم يستطع الملك الحبشى «ودم أرعد» (698 -
714هـ = 1299 - 1314م) أن يرد هجماتهم. ورأت «أوفات» أن
تظهر قوتها للحبشة بل وتتوسع فى أملاكها وتقضى على
عدوانها، فتقدم السلطان «حق الدين» وتوغل فى أملاك الحبشة
وغزا بعض الولايات المسيحية؛ مما جعل ملك الحبشة يقوم بغزو
«أوفات» فى عام (728هـ = 1328م) وهاجمها من جميع الجهات
وأسر «حق الدين» ووضع يده على مملكته وعلى «مملكة
فطجار» الإسلامية وجعلهما ولاية واحدة وعين عليها «صبر
الدين» وهو شقيق «حق الدين» بشرط الاعتراف بسيادة الحبشة.
غير أن «صبر الدين» لم يطق صبرًا على هذه التبعية وكوَّن حلفًا
إسلاميا من إمارتى «هدية» و «دوارو»، ثم تقدم لغزو الحبشة
واستولى على كثير من الغنائم، وهدد ملك الحبشة الذى خرج
على رأس جيشه وهاجم الحلفاء منفردين بادئًا بإمارة «هدية»،
فحطمها قتلا ونهبًا وأسرًا، وأرغمها على الخروج من الحلف،
وحمل ملكها أسيرًا إلى عاصمته، ثم تقدم إلى «أوفات» ودخلها
ودمرها ونهب معسكر المسلمين فيها، ثم تقدم إلى «فطجار»
واستولى عليها وعلى مملكة «دوارو». وعلى ذلك يمكن القول
بأنه فى هذه الفترة انتهى استقلال الممالك الإسلامية فى
«أوفات» و «هدية» و «فطجار» و «دوارو». وعين عليها ملك
الحبشة «جلال الدين» أخا «صبر الدين» حاكمًا، فقبل على أن
يكون تابعًا للحبشة، وهكذا اتسعت مملكة الحبشة وضعف أمر
المسلمين. وفى غمرة هذا الصراع الدموى اتفقت كلمة المسلمين(14/225)
بين عامى (1332 و 1338م) على الاستنجاد بدولة المماليك فى
«مصر»، وذلك بإرسال سفارة إلى سلطان «مصر» «الناصر
محمد بن قلاون» برئاسة «عبدالله الزيلعى» ليتدخل السلطان فى
الأمر لحماية المسلمين فى بلاد «الزيلع». فطلب «الناصر محمد»
من بطرك الإسكندرية أن يكتب رسالة إلى ملك الحبشة فى هذا
الصدد. غير أن ملك الحبشة لم يكفَّ عن مهاجمة المسلمين الذين لم
يتوانوا عن انتهاز الفرص للثأر منه. وتحالفت إمارتا «مورا»
و «عدل» مع بعض القبائل البدوية وأخذوا يشنون حربًا أشبه
بحرب العصابات، وأخذ ملك الحبشة فى مطاردتهم وتقدم فى
أراضى «مورا» الإسلامية، حتى وصل إلى مدينة «عَدَل» وقبض
على سلطانها وذبحه، فتقدم أولاد السلطان الثلاثة إلى ملك
الحبشة مظهرين الخضوع. وفى تلك الأثناء انتاب إمارة «أوفات»
بعض الفتن الداخلية بسبب النزاع على العرش بين أفراد الأسرة
الحاكمة، وانتهى النزاع بانفراد «حق الدين الثانى» وإعلان
استقلاله عن الحبشة، واستطاع أن يهزمها ويردها عن إمارته
فترة طويلة حتى هُزم ومات عام (788هـ = 1386م)، والتف
المسلمون للمرة الأخيرة حول خليفته وأخيه «سعد الدين»،
واستأنفوا حركة الجهاد ودحروا الأحباش، وتوغلوا فى أرض
«أمهرة» (مملكة النجاشى) لكن «سعد الدين» هُزم فى معارك
تالية، واضطر إلى الفرار إلى جزيرة «زيلع» حيث حوصر وقتل
عام (805هـ = 1402م) نتيجة لخيانة رجل دلَّهم على مكمنه. ويعتبر
احتلال الأحباش لزيلع بمثابة إسدال الستار على سلطنة أوفات
التى احتلها الأحباش نهائيا، ولم يعد يسمع بها أحد، وانتهى
دورها فى الجهاد، وتفرق أولاد «سعد الدين» العشرة مع
أكبرهم «صبر الدين الثانى»، وهاجروا إلى شبه الجزيرة العربية
حيث نزلوا فى جوار ملك اليمن «الناصر أحمد بن الأشرف» الذى
أجارهم وجهزهم لاستئناف الجهاد ضد الحبشة، فعادوا إلى
إفريقيا حيث انضم إليهم من بقى من جنود والدهم، فقوى أمرهم(14/226)
واستأنفوا النضال واتخذوا لقبًا جديدًا هو لقب «سلاطين عَدَل».(14/227)
*عَدَل (سلطنة)
كانت «عَدَل» إقليمًا من الأقاليم التى خضعت لسلاطين «أوفات».
وليس ببعيد أن تكون قد تأسست فيها إمارة محلية تدين بالولاء
لبنى ولشمع، ويبدو أن موقعها المتطرف قد ساعد على نجاتها
من التوسع الحبشى الذى أطاح بالإمارات السابقة. وكان طبيعيا
أن يأوى «بنو سعد الدين» إلى إقليم قريب من البحر يتيح لهم
الاتصال ببلاد اليمن بعيدًا عن مناطق النفوذ الحبشى. وكانت تلك
السلطنة تضم البلاد الواقعة بين ميناء «زيلع» و «هرر» وتشمل ما
يعرف بالصومال الشمالى والغربى وإقليم «أوجادين»، وسميت
هذه البلاد «بر سعد الدين» تخليدًا لسعد الدين الذى مات بزيلع
ودفن بها. استأنف سلاطين «عَدَل» الجهاد مرة أخرى فى عهد
«صبر الدين الثانى» الذى اتخذ مدينة «دَكَّر» عاصمة له،
واستطاع الاستيلاء على عدة بلاد حبشية فيما يعرف بحرب
العصابات، وبعد وفاته عام (825هـ = 1422م) خلفه أخوه
«منصور» المتوفى سنة (828هـ = 1425م) الذى بدأ عهده بحشد
عدد كبير من مسلمى «الزيلع» وهاجم بهم ملك الحبشة وقتل
صهره وكثيرًا من جنده، وحاصر منهم نحوًا من ثلاثين ألفًا مدة
تزيد على شهرين، ولما طلبوا الأمان خيَّرهم بين الدخول فى
الإسلام أو العودة إلى قومهم سالمين، فأسلم منهم نحو عشرة
آلاف وعاد الباقون إلى بلادهم، ولم يقتلهم «منصور» ولم
يستعبدهم كما كان يفعل ملوك الحبشة بجنود المسلمين الذين
كانوا يقعون فى أسرهم. لكن ملك «الحبشة» «إسحاق بن داود»
أعد جيشًا كبيرًا وهجم به على «منصور» وقواته وهزمها هزيمة
شنيعة لدرجة أن السلطان «منصور» وقع هو وأخوه الأمير
«محمد» فى أسر «إسحاق» عام (828هـ = 1425م). ولكن راية
الجهاد ضد عدوان الأحباش لم تسقط بهذه الهزيمة، فقد قام أخ
للسلطان الأسير وهو السلطان «جمال الدين» برفع راية الجهاد
من جديد. وانتصر على ملك الحبشة فى مواقع كثيرة، ولكن
أبناء عمه حقدوا عليه ربما رغبة فى النفوذ والسلطان الذى(14/228)
حرموا منه فاغتالوه فى عام (836هـ = 1432م)، فتولى الحكم
بعده أخوه السلطان «شهاب الدين أحمد بدلاى» الذى عاقب
القتلة وحارب الأحباش واسترد إمارة «بالى» الإسلامية من
أيديهم، ولكنه وقع صريعًا أمام الأحباش فى (848هـ = 1444م)
نتيجة لخيانة أحد الأمراء الذين أظهروا التحالف معه. ومن ثم
تمكن الأحباش من اجتياح سلطنة «عَدَل» وبقية الممالك الزيلعية
الأخرى، وأصبحت الحبشة إمبراطورية كبيرة امتدت شمالا حتى
مصوع وسهول السودان وضمت «أوفات» و «فطجار» و «دوارو»
و «بالى» و «هدية»، ومنحت هذه الإمارات استقلالها الذاتى،
وولت عليها عاملاًيسمى «الجراد» ينحدر من البيت المالك القديم.
ويبدو أن الرغبة الصادقة فى الجهاد التى عرف بها الجيل الأول
من سلاطين «أوفات» قد فترت عند أحفادهم سلاطين «عدل»،
فقد سئموا القتال وجنحوا إلى المسالمة ولكن الشعب المسلم لم
يتخل عن سياسته التقليدية فى جهاد الأحباش ومقاومتهم. وكان
تخاذل سلاطين «عدل»، وتحمس الشعب للجهاد مؤذنًا ببداية
الدور الأخير من أدوار الجهاد وهو دور «هرر». وتميز هذا الدور
بظهور طائفة من الأمراء الأئمة أشربت قلوبهم حب الجهاد وصارت
لهم السلطة الفعلية فى البلاد، وبذلك أصبح فى المجتمع العَدَلى
حزبان: هذا الحزب الشعبى الذى يتزعمه الأمراء الأئمة، وذلك
الحزب الذى يريد أن يسالم الأحباش ويتكون من الطبقة
الأرستقراطية والتجار، وعلى رأسه سلاطين عدل التقليديون.
وكان أول هؤلاء الأئمة ظهورًا هو الداعى «عثمان» حاكم زيلع
الذى أعلن الجهاد بعد وفاة السلطان «محمد بن بدلاى» مباشرة
عام (876هـ = 1471م)، ثم ظهر فى «هرر» الإمام «محفوظ» الذى
تحدى السلطان «محمد بن أزهر الدين»، واشتبك مع الأحباش،
غير أن البرتغاليين ظهروا على مسرح الأحداث وفاجئوا «زيلع»
وأغاروا عليها وانتهى الأمر بفشل حركة «محفوظ»، وباغتيال
السلطان «محمد» سنة (924هـ = 1518م). وفى بداية القرن (16م)(14/229)
ظهرت تطورات كان لها تأثيرها فى مسرح الأحداث بين المسلمين
والأحباش، تمثلت فى ظهور الأتراك العثمانيين وقيام حركة
الكشوف الجغرافية بزعامة الملاحين البرتغاليين، كذلك أدخلت
الأسلحة النارية إلى منطقة الأحداث فى بلاد «الزيلع»
و «الحبشة»، وأهم من هذا كله إسلام قبائل البدو من الأعفار
والصومالى، ودخولها ميدان الجهاد، ووقوفها وراء الإمام الذى
رشحته الأحداث لتزعم حركة الجهاد الإسلامى فى ذلك الدور،
وهو الإمام «أحمد بن إبراهيم الغازى» الملقب بالقرين أى
الأشول. اتبع الإمام «أحمد القرين» بعد أن سيطر على مقاليد
الأمور فى سلطنة «عَدَل» وبعد أن اتخذ «هرر» مقرا له سياسة
موفقة جمعت الناس حوله، فقد طبق الشريعة الإسلامية فى حكمه
وخاصة فى توزيع أموال الزكاة والغنائم على مستحقيها وفى
مصارفها الشرعية، وبذلك كسب حب الجند وحب الفقهاء
والعلماء، كما كسب أيضًا محبة الشعب، فقد كان يلطف
بالمساكين ويرحم الصغير، ويوقر الكبير، ويعطف على الأرملة
واليتيم، وينصف المظلوم من الظالم، ولا تأخذه فى الله لومة لائم،
كما قضى على قُطَّاع الطرق فأمنت البلاد وانصلح حال الناس
وانقادوا له وأحبوه. بهذه السياسة الداخلية السليمة استطاع
الإمام «أحمد القرين» أن يوحد كلمة المسلمين ويتولى زعامتهم
وعزم على رد عادية الأحباش، وذلك بفتح بلاد الحبشة ذاتها،
وتمكن من التوغل فيها حتى وصل إلى أقاليمها الشمالية،
ودارت بينه وبين الأحباش عدة معارك، كان أولها فى عام
(933هـ = 1527م) حيث هزم الأحباش لأول مرة منذ بداية الجهاد.
وفى عام (934هـ = 1528م) أحرز الإمام «أحمد» نصرًا حاسمًا
على الأحباش فى موقعة «شنبر كورى»، ثم بدأ فى غزو بلاد
الحبشة نهائيا. ففى سنة (938هـ = 1531م) دخل «دوارو»
و «شوا» و «أمهرة» و «لاستا». وفى سنة (940هـ = 1535م)
سيطر المسلمون على جنوب الحبشة ووسطها، وغزوا «تجراى»
للمرة الأولى وأصبح مصير الأحباش فى كفة الميزان. وفى هذا(14/230)
الوقت كان الزحف البرتغالى قد وصل إلى البحر الأحمر فاستنجد
بهم الأحباش عام (942هـ = 1535م) فأرسل إليهم ملك البرتغال
نجدة عسكرية وصلت البلاد عام (948هـ = 1541م)، وتقابل
المجاهدون بقيادة «أحمد القرين» مع الأحباش والبرتغاليين فى
عدة مواقع عام (949هـ = 1542م)، لكنه هُزم وتكررت هزيمته فى
العام التالى حيث استشهد وتفرقت جموعه، ونجت الحبشة من
السقوط، ولم يعد المسلمون مصدر خطر جدى يهدد الأحباش، ومع
ذلك فإن حركة الجهاد لم تمت بموت «أحمد القرين»، بل
استأنفها خلفاؤه من بعده وخاصة فى عام (966هـ = 1559م)
بقيادة الأمير «نور» الذى اتخذ لقب أمير المؤمنين، والسلطان
الأسمى المسمى «عليَّا» سليل أمراء «عَدَل» السابقين، لكن هذه
الجهود باءت بالفشل. وكانت انتفاضة «هرر» الأخيرة عام
(985هـ = 1577م) حينما تحالفت مع أحد ثوار الأحباش للنيل من
ملك الحبشة، وحدثت موقعة انتهت بمقتل «محمد الرابع» آخر
أمراء «هرر» عند نهر «ويبى»، وانتهت هرر كقوة سياسية ذات
شأن، فى الوقت الذى استطاع فيه الأحباش أن يقضوا على خطر
الأتراك العثمانيين أيضًا بهزيمتهم وعقد هدنة معهم عام (997هـ -
1589م) واكتفى العثمانيون بالسيطرة على «مصوع»
و «سواكن»، وبذلك انتهى الصراع فى الحبشة لصالح الأحباش.
وإذا كانت هذه الحركة لم تحقق أهدافها بالقضاء على مملكة
الحبشة نهائيا، إلا أنها أثبتت عمق الشعور الإسلامى فى نفوس
أهل شرق إفريقيا وعمق تمسكهم بالإسلام، فقد دأبوا على
الجهاد وأصروا عليه طيلة أربعة قرون، وظهر أثر العلماء
والفقهاء وأصبحت لهم الزعامة فى المجتمع فى ذلك الوقت.
وعلى الرغم من هذه الهزيمة التى منى بها المسلمون فى منطقة
القرن الإفريقى وانصراف اهتمام العثمانيين إلى أوربا والعالم
العربى، فإن المسلمين الزيالعة بقيت لهم بعض سلطناتهم
وبلادهم. ذلك أن الصراع الذى اندلع بينهم وبين الأحباش أنهك(14/231)
الطرفين معًا؛ مما هيأ الفرصة لدخول قبائل الجلا الوثنية القادمة
من الجنوب، فاحتلت «هرر» واستقرت فى النصف الجنوبى من
دولة الحبشة، ثم أسلمت هذه القبائل أخيرًا، ولكن أوربا الغربية
أعانت الأحباش على المسلمين فى القرن التاسع عشر الميلادى،
وخاصة فى عهد «منليك الثانى» الذى استولى على سلطنة
«هرر» فى عام (1302هـ = 1885م) وعلى غيرها من البلدان
الإسلامية، ثم استولى الأحباش على سلطنة «أوسا»، ثم على
«إريتريا» و «إقليم الأوجادين الصومالى» فى القرن العشرين.
وظل الأمرعلى هذا النحو حتى نالت هذه البلاد استقلالها
وتحررت من نير الأحباش، وإن كان بعضها لايزال تحت سيطرتهم
حتى الآن.(14/232)
*مقديشيو (سلطنة)
كانت بلاد «الصومال» تعرف فى العصور الوسطى باسم «سلطنة
مقديشيو». وينتمى الصوماليون إلى العنصر الكوشى الحامى،
ومنهم قبائل «الجَلا» و «الدناكل»، وهؤلاء اختلطوا بالعناصر
السامية التى هاجرت من جنوب بلاد العرب قبل الميلاد، وبالزنوج
البانتو، وتكون منهم «شعب الصومال». وبعد ظهور الإسلام
تدفقت القبائل العربية على تلك المنطقة، إما بهدف التجارة أو
نشر الإسلام أو الإقامة فرارًا من الانقسامات السياسية، وأقام
هؤلاء المهاجرون العرب مراكز تجارية على طول الساحل
الشرقى الإفريقى؛ فى «مقديشيو» و «براوة» و «سوفالة»،
و «بات» و «ممبسة» و «مالندى» و «كلوة» وغيرها، وعلى
أيديهم نشأت معظم هذه المدن. وقد سبقت الإشارة - عند الحديث
عن الهجرات العربية إلى ساحل شرق إفريقيا - إلى هجرتين
وصلتا إلى ساحل «الصومال»، وهى «هجرة الزيدية» التى
أقبلت إلى «الصومال» بعد مقتل زعيمهم «زيد بن على زين
العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب» رضى الله عنهم، ثم
هجرة الإخوة السبعة من «بنى الحارث» ومن معهم من العرب إلى
بلاد «الصومال» فى عام (292هـ = 903م). والهجرة الأخيرة
كانت أبقى أثرًا فى تاريخ «الصومال»، إذ إنها أقامت «سلطنة
مقديشيو» الإسلامية. وقد كانت «مقديشيو» أول مدينة عربية
بناها «بنو الحارث» على «ساحل بنادر» عام (295هـ = 907م)،
وتلتها مدينة «براوة» حوالى عام (365هـ = 975م). وتشير بعض
المصادر إلى مواضع مدن أخرى مثل «قرفاوة»، و «النجا»،
و «بذونة»، و «ماندا» فى جزيرة «ماندا»، و «أعوزى»،
و «شاكة» قرب دلتا نهر «تانا»، وقد بنى «بنو الحارث» هذه
المدن فى سنوات متفاوتة وأسسوا فيها سلطنة استمروا فى
حكمها معظم فترات العصور الوسطى، فكان حكام «سلطنة
مقديشيو» عند قدوم البرتغاليين من سلالة الإخوة السبعة، بل إن
فيها حتى اليوم سبع عشائر تعود بأصولها إليهم. وفى عهد
هذه الأسرة الحاكمة صارت «مقديشيو» سلطنة قوية ذات شوكة(14/233)
ونفوذ على عربان الساحل وعلى المدن التى تحيط بها، وكان
تجارها أول من وصلوا إلى بلاد «سفالة»، واستخرجوا منها
الذهب، مما درَّ عليهم أموالا كثيرة، استفادوا منها فى تطوير
«مقديشيو» فحلت المنازل المشيدة بالأحجار على الطراز العربى
محل المبانى الخشبية ومحل المساكن المتخذة من القش المغطى
بجلود الحيوانات. وكانت «مقديشيو» فى عهدهم بمثابة العاصمة
لجميع البلاد المجاورة ومركزًا للمدن العربية الأخرى التى امتدت
على طول الشاطئ، فكانت جموع الناس ترد على «مقديشيو»
من هذه المدن، فيجتمعون فى مسجدها الجامع حيث يؤدون
صلاة الجمعة، مما يدل على أهمية مركز «مقديشيو» الدينى
والثقافى عند سكان الساحل جميعًا، حتى اعتبرت العاصمة
الثقافية لساحل الزنج كله، وزعيمة عرب هذا الساحل؛ نتيجة لما
وصلت إليه من قوة ونفوذ، ولما قامت به من دور مهم فى نشر
العروبة والإسلام. وعندما وصل الشيرازيون المهاجرون بقيادة
«على بن حسن بن على» إلى «مقديشيو» بعد حوالى سبعين
عامًا من بنائها، لم يستطيعوا دخولها لحصانتها ومناعتها
فتركوها واتجهوا جنوبًا إلى «كلوة»؛ حيث أقاموا هناك سلطنة
إسلامية، فكانت هى و «مقديشيو» أهم مدينتين على الساحل
من القرن العاشر إلى الخامس عشر الميلادى، ولم تستطع
إحداهما أن تسيطر على الساحل سيطرة كاملة. وعند قدوم «ابن
بطوطة» إلى «مقديشيو» كانت تسيطر عليها قبيلة الأجران
الصومالية، وكان سلطانها يسمى «أبا بكر بن الشيخ عمر»،
ويبدو أن سيطرة هذه الأسرة كان أمرًا عارضًا؛ بدليل أن
البرتغاليين عندما قَدِموا إليها كان حكامها من أسرة «المظفر»
من «بنى الحارث» الذين أسسوها من قبل. ونظرًا لطول مدة حكم
هذه الأسرة فقد كانت لها جهود كبيرة فى تعريب كثير من
القبائل الصومالية خاصة الساحلية، التى دخلت فى الإسلام على
أيديهم، ذلك أن هذه القبائل وخاصة قبيلة «الأجران» كانت
تربطها بأسرة «المظفر» الحارثية صلات تجارية كبيرة. ولاشك(14/234)
أن هذه العلاقات التجارية لابد أن تؤتى ثمارها فى نشر الإسلام
بين هذه القبيلة وغيرها من القبائل الصومالية، التى اتصلت
بسلطنة «مقديشيو» الإسلامية، التى أكثرت من إنشاء المساجد
والجوامع التى لايزال بعضها باقيًا حتى الآن، منها مسجد عليه
كتابة تبين تاريخ تأسيسه وهو سنة (637هـ = 1239م)، أى قبل
مرور «ابن بطوطة» بها بنحو قرن من الزمان، ولعله «مسجد
عبدالعزيز» الذى بُنى فى «مقديشيو» منذ سبعمائة عام تقريبًا،
ولازال موجودًا حتى الآن. وقد وصل إلينا كثير من المعلومات عن
بلاد الصومال بفضل ما كتبه عنها الرحالة والجغرافيون العرب،
مثل: «المسعودى» و «الإدريسى» و «ابن بطوطة» الذى أمدنا
بوصف دقيق لعدد من المدن الإفريقية وأحوال سكانها المسلمين،
ولاسيما «مقديشيو»، التى زارها عام (1332م) و «زيلع» التى
قال عنها: «إنه يسكنها طائفة من السودان شافعية المذهب
وهى مدينة كبيرة، لها سوق عظيمة لها رائحة غير مستحبة
بسبب كثرة السمك ودماء الإبل التى ينحرونها فى الأزقة
والطرقات». ثم أقلع «ابن بطوطة» إلى «مقديشيو» واستقر بها
أسبوعًا، وأتيح له أن يتصل بقاضيها وعلمائها وسلطانها
الشيخ «أبى بكر ابن الشيخ عمر» الذى استضافه مدة إقامته،
وقد أمدنا بمعلومات كثيرة عن طعام أهلها وفاكهتها وملابس
شعبها وتقاليد سلطانها فى مواكبه ومجالسه، وعن مجالس
الفقهاء والعلماء وذوى الرأى، وعن كيفية نظرهم فى شكوى
الناس، وتطبيقهم للشريعة الإسلامية. بعد ذلك يصف «ابن بطوطة»
الازدهار الاقتصادى الذى كانت تنعم به سلطنة «مقديشيو»
الإسلامية فيقول: «إن هذه المدينة مدينة واسعة كبيرة يمتلك
أهلها عددًا وافرًا من الجِمال والماعز، ينحرون منها مئات كل
يوم، وإنهم تجار أغنياء أقوياء، بعضهم يقوم بصناعة ثياب
جميلة لا نظير لها تُصدَّر إلى مصر وغيرها من البلاد». وكى
يشجعوا التجار على القدوم إلى بلادهم كان من عادتهم أنه متى(14/235)
وصل مركب أو سفينة محملة بالتجار والبضائع إلى ميناء
«مقديشيو» يركب شباب هذه المدينة فى قوارب صغيرة ويحمل
كل منهم طبقًا مُغطى فيه طعام، فيقدمه لتاجر من التجار
القادمين على هذه السفن ويقول «هذا نزيلى» فينزل معه هذا
التاجر إلى داره، ويساعده هذا الشاب فى عمليات البيع
والشراء، مما أدى إلى رواج تجارتهم مع الأقطار الخارجية. وقد
استمرت سيادة «مقديشيو» على ساحل «بنادر» حتى القرن
السادس عشر الميلادى حينما فقدت أهميتها وانحطت منزلتها
كمركز تجارى، خاصة بعد انتشار التجارة بين عدة مدن ساحلية
أخرى منافسة لمقديشيو، وتعرضها والمنطقة للخطر البرتغالى،
فقد ضرب «فاسكودى جاما» «مقديشيو» بالمدافع فى أثناء
عودته من «الهند» عام (1498م)، ثم استولى أحد قواد البرتغال
على مدينة «براوة» عام (1507م)، وحاول الاثنان الاستيلاء على
«مقديشيو» لكنهما فشلا، وغزا «لوبى سواريز» «زيلع» عام
(1515م) وأضرم فيها النار، كما حاصر البرتغاليون «بربرة» عام
(1516م). وهكذا نرى أن البرتغاليين قادوا حربًا صليبية ضد
المسلمين فى شرق إفريقيا و «الصومال»، ومن المدهش حقا أنه
كان من نتائج تلك الحملة الوحشية انتشار الإسلام، ذلك لأن
السكان المسلمين الذين تركوا الساحل أمام نيران المعتدين
البرتغاليين لجئوا إلى الداخل، حيث اختلطوا بالقبائل الصومالية
ونشروا الإسلام بينها، فنتج عن ذلك «شعب الصومال» المسلم،
وبسبب كثرة الهجرات العربية من بلاد «اليمن» و «الحجاز»
وامتزاجها بأهل تلك البلاد؛ انتشرت اللغة العربية والدم العربى
بدرجة كبيرة، وأصبحت العربية هى لغة التخاطب بجانب اللغة
المحلية، وكانت قبائل «الصومال» بعد اعتناقها الإسلام هى
السند والحصن الذى لجأ إليه «أحمد القرين» فى صراعه ضد
ملوك «الحبشة»، مما يدل على تمسك شعب الصومال بالإسلام
ودفاعهم عنه دفاعًا قويا، ولا غرو فالصومال الآن كما هو
معروف إحدى دول الجامعة العربية.(14/236)
*كلوة (سلطنة)
قامت هذه السلطنة نتيجة هجرة قدمت من «شيراز» بفارس، كان
على رأسها «على بن حسن بن على» وأبناؤه الستة، حيث
كانوا على متن سفنهم بما فيها من بضائع بقصد التجارة، ولما
وصلوا إلى «جزيرة كلوة» التى تقع أمام الساحل الشرقى
لإفريقيا، وهى ضمن دولة «تنزانيا» الآن، استقروا فيها منذ عام
(365هـ = 975م)، ووفد عليهم كثير من العرب، وكان هؤلاء
الوافدون يفضلون المعيشة فى الجزر لسهولة الدفاع عنها
والاعتصام بها إذا ما حاول الأهالى الساكنون فى البر الإفريقى
الاعتداء عليهم، وعند وفاة «على بن حسن بن على الشيرازى»
كان نفوذه يمتد إلى مدينة «سوفالة» فى الجنوب، وإلى
«ممبسة» فى الشمال، وبعد وفاته اعتدى الأهالى على ابنه،
واضطروه إلى الفرار إلى «زنجبار» عام (1020م) وبعد قليل جمع
السلطان المطرود جنوده وعاد بهم إلى «كلوة» ودخلها مرة
ثانية، وازدهرت المدينة خلال القرن التالى بسبب تجارة العاج
والذهب الذى كان يُصدَّر من «سوفالة» التى تقع جنوب نهر
«الزمبيرى»، أى جنوب «كلوة» وحرمت «مقديشيو» من تلك
التجارة التى كانت تحصل عليها من «سوفالة»، وخاصة فى
عهد السلطان «داود بن سليمان» سلطان «كلوة» (1130 -
1170م)، وبذلك صارت الزعامة السياسية والاقتصادية لكلوة،
ويعتبر القرنان الثانى عشر والثالث عشر الميلاديان هما العصر
الذهبى لتلك السلطنة الزنجية الإسلامية، فقد أصبحت «كلوة»
عروس الشاطئ الإفريقى، وقام سلطانها بسك النقود، وقد عثر
فى «كلوة» و «مافيا» و «زنجبار» على نحو (10000) قطعة
نحاسية من هذه النقود. ولما كان مؤسسو «كلوة» الأوائل من
الشيرازيين الفرس، فلا غرو أن يكون لهم تأثير كبير على
أسلوب الحضارة الذى ازدهر هناك خلال القرون من العاشر إلى
الثالث عشر الميلادى، فظهر الأسلوب الفارسى فى البناء
بالحجارة، وفى صناعة الجير والأسمنت واستخدامهما فى
البناء، وفن النقش على الخشب، ونسج القطن، وشيدوا عدة(14/237)
مساجد ومبانٍ جميلة الطراز، مازال بعض مخلفاتها باقيًا حتى
الآن، ولكن الأثر العربى تغلب بعد ذلك بسبب كثرة الهجرات
العربية واستقرارها. وقد وصل إلينا كثير من المعلومات عن هذه
السلطنة من الوثائق التاريخية المهمة وبفضل ما كتبه عنها
الرحالة والجغرافيون العرب كالمسعودى، و «الإدريسى»، و «ابن
بطوطة» الذى زار مدينة «كلوة» و «ممبسة». وقال عن الأخيرة:
«إنها جزيرة كبيرة بينها وبين أرض الساحل مسيرة يومين فى
البحر، وأشجارها: الموز والليمون والأترج، وأكثر طعام أهلها
السمك والموز، والقمح يأتى لهم من الخارج لأنهم لايزرعون. وهم
شافعيون يعنون بأمور دينهم ويشيدون المساجد من الأخشاب
المتينة». وبعد أن قضى «ابن بطوطة» ليلة فى «ممبسة» ركب
البحر إلى مدينة «كلوة»، وقال عنها: «إنها مدينة كبيرة،
بيوتها من الخشب، وأكثر أهلها زنوج مستحكمو السواد، وهم
شافعيون، ويحكمها السلطان «أبو المظفر حسن»، وقد كان
فى قتال دائم مع السكان المجاورين، وعرف بتقواه وصلاحه،
كما كان محسنًا كريمًا». ولم يكن السلطان «أبو المظفر حسن»
الذى زار «ابن بطوطة» «كلوة» فى عهده فارسى الأصل، بل
كان من أصل عربى صميم، فهو من بيت «أبى المواهب الحسن
بن سليمان المطعون بن الحسن بن طالوت المهدلى» اليمنى
الأصل. وقد انتقل الحكم من البيت الفارسى إلى هذا البيت
العربى منذ عام (676هـ = 1277م)، وظل هذا البيت يحكم هذه
السلطنة حتى جاء البرتغاليون وقاموا بغزوها فى عام (1505م).
وقد ازدادت الهجرات العربية فى عهد هذا البيت العربى الحاكم
فى «كلوة»، مما جعل الطابع العربى يتغلب على الطابع
الفارسى فى مظاهر الحياة المختلفة، فاللغة الغالبة هى اللغة
العربية التى كانت تُكتَب بها سجلات «كلوة» بجانب اللغة
السواحلية، كما كان المذهب الدينى السائد هو المذهب الشافعى
السُّنى وليس المذهب الشيعى، الذى أتى به البيت الحاكم الأول(14/238)
على يد «على بن حسن بن على الشيرازى»، وما زالت أغلبية
المسلمين فى هذه المنطقة من السُّنة الشافعية حتى الآن. على
أية حال فقد انفعل سلاطين هذه السلطنة سواء أكانوا من الفرس
أم من العرب بالحياة والتقاليد الإسلامية كل الانفعال، فأكثروا
من بناء المساجد والمدارس، واهتموا بالعلوم الإسلامية،
واستقدموا العلماء ورحبوا بالأشراف والصالحين، كما شاركوا
فى الجهاد ضد الوثنيين الذين كانوا يقيمون فى الداخل، وقد
أشار إلى ذلك «ابن بطوطة» وقال: «إن سلطانها كان كثير
الغزو إلى أرض الزنوج، يغير عليهم ويأخذ الغنائم فيُخرج
خمسها ويصرفه فى مصارفه المعينة فى كتاب الله تعالى،
ويجعل نصيب ذوى القربى فى خزانة على حدة، فإذا جاءه
الشرفاء دفعه إليهم، وكان الشرفاء يقصدونه من العراق
والحجاز وسواها .. وكان هذا السلطان له تواضع شديد ويجلس مع
الفقراء ويأكل معهم ويعظم أهل الدين والشرف». غير أن ازدهار
«كلوة» لم يتجاوز منتصف القرن الرابع عشر؛ إذ أخذ نجمها فى
الأفول بسبب تعرضها لبعض الاضطرابات الداخلية، وبدأت مدينة
«بات» فى شمالها تقوى وتثرى لانتقال تجارة الذهب إليها،
وأخذت فى التوسع صوب «كلوة» فى عهد أسرة «بنى نبهان»
العربية التى أسست سلطنة قوية فى مدينة «بات» فرضت
سلطانها على كثير من بلاد الساحل الشرقى لإفريقيا، كذلك قام
حاكم «سوفالة» بالتخلص من سيادة «كلوة» وأعلن استقلاله
عنها، وانتهى الأمر إلى نزوح بعض العرب من «مالندة» (مالندى)
إلى «كلوة» وتولوا مناصب الوزراء والأمراء وأبقوا على
السلطان الذى لم يكن له من الحكم إلا الاسم فقط، وقام الصراع
بين أفراد البيت الحاكم على منصب السلطان فى القرن الخامس
عشر الميلادى، وتعاقبوا على العرش الواحد بعد الآخر، وقل
المال حتى إن الحكومة لم تجد ما تنفقه على إصلاح المسجد
الكبير بعد أن أصابه الخراب. وقد أعطى كل هذا الفرصة
للبرتغاليين للسيطرة على مقاليد الأمور فى البلاد، ففى عهد(14/239)
«فضيل بن سليمان» آخر سلاطين «كلوة» الذى بلغ عددهم (29)
سلطانًا احتل البرتغاليون مدينة «كلوة» عام (1505م)، وفى
أخريات القرن السابع عشر وقعت «كلوة» تحت سيادة سلاطين
عُمان الذين قضوا على النفوذ البرتغالى فى بلادهم ثم فى شرق
إفريقيا. ولما فصل هؤلاء السلاطين ممتلكاتهم الأسيوية عن
ممتلكاتهم فى إفريقيا فى عام (1856م) آلت «كلوة» إلى
سلطان «زنجبار» العُمانى، ثم استولى عليها الألمان عام
(1885م)، وفى عام (1919م) أصبحت جزءًا من «تنجانيقا»
(تنزانيا الحالية).(14/240)
*بات (سلطنة)
ظهرت هذه السلطنة على مسرح التاريخ نتيجة لهجرة عربية
وفدت من «عُمان» إلى ساحل شرقى إفريقيا فى أوائل القرن
السابع للهجرة الثالث عشر الميلادى؛ حيث كونت سلطنة إسلامية
نبهانية فى «بات» تولت حكم شطر كبير من هذا الساحل، وظلت
موجودة حتى عام (1278هـ = 1861م). والنباهنة قوم من العتيك
من الأزد فى «عُمان» كانوا قد استولوا على مقاليد السلطة
هناك بعد أن دبت الفوضى فى البلاد وانقسم العمانيون إلى
طائفتين متخاصمتين، وحكم النباهنة عمان نحوًا من خمسمائة
عام، حيث قامت دولتهم هناك عام (500هـ= 1106م) أو عام (506
هـ= 1112م) واستمرت حتى نهاية القرن العاشر الهجرى عندما
قامت دولة اليعاربة فى عُمان عام (1024هـ = 1615م). ويبدو أن
الدولة النبهانية فى عمان قد مرت بأطوار من القوة والضعف
بسبب الصراع الداخلى على الحكم، وكان الطور الأول يشمل مدة
قرن من الزمان والذى انتهى بهجرة أحد ملوك النباهنة، وهو
على أرجح الأقوال «سليمان ابن سليمان بن مظفر النبهانى»
إلى ساحل شرقى إفريقيا فى عام (600 - 611هـ) واستقر هو
وأتباعه فى مدينة «بات» التى تقع فى «أرخبيل» لامو (فى
كينيا الآن). وأقاموا سلطنة هناك وحكموا جزءًا كبيرًا من
الساحل متخذين من «بات» مقرا لسلطنتهم، وذلك بعد أن استطاع
أول سلطان لهم هناك، وهو «سليمان بن سليمان بن مظفر
النبهانى»، أن يتزوج أميرة سواحيلية، ليست فارسية، هى ابنة
«إسحاق» حاكم «بات» فى ذلك الحين، وعن طريق زوجته ورث
الملك، كما يقال: إن والدها تنازل له عن الحكم فأصبح الحاكم
الشرعى لبات، ومن ثم نقل بلاطه من عُمان إلى شرق إفريقيا.
وقد نمت هذه السلطنة واتسعت فى عهد أبنائه وأحفاده، ففى
عهد السلطان «محمد الثانى بن أحمد» (690 - 732هـ = 1291 -
1331م) توسعت السلطنة شمالا بعد حملات ناجحة قام بها هذا
السلطان أخضع فيها كل المدن الساحلية التى تقع شمالى(14/241)
«بات» حتى «مقديشيو» وعين حاكمًا لكل منها. وفى عهد ابنه
السلطان «عمر الأول» (732 - 760هـ = 1331 - 1358م)،توسعت
السلطنة جنوبًا؛ حيث أخضع المدن الساحلية بما فيها «كلوة»،
ووصل إلى جزر «كيرمبا» جنوب رأس «دلجادو»، وخضعت له كل
هذه المنطقة ماعدا جزيرة «زنجبار» التى لم تكن فى ذلك الوقت
قطرًا مهما بدرجة تجذب انتباهه إليها. كذلك فإن حكام
«مالندى» أتوا إلى «بات» ليعطوا ولاءهم لسلطانها، ودخلت
أيضًا مدينة «ممبسة» والمستوطنات القريبة منها ضمن منطقة
نفوذه، وهكذا أصبح السلطان «عمر بن أحمد» فى غاية القوة
والنفوذ بعد أن أصبحت جميع المدن الساحلية تحت سيطرته. وقد
استمرت سيطرة النباهنة على هذه المناطق وكان لهم فى كل
مدينة خضعت لهم عامل أو قاضٍ يعرف باسم «ماجومب» بمعنى
الخاضع لليمب أى للقصر الملكى فى «بات»، وكانت دار
الشورى فى «بات» مقرا للحكومة المركزية التى كانت تحكم كل
البلاد التى خضعت لهؤلاء السلاطين الذين اتخذوا اللقب
السواحيلى «بوانا فومادى»، أو «فومولوتى» ويعنى الملك أو
السلطان. وقد تميزت سلطنة «بات» بنظم إدارية وتقاليد سياسية
واضحة، وانفردت بتقاليد جديدة فى الملاءمة بين الضرائب وبين
النشاط الاقتصادى للأهالى، إذ فرضت ضريبة إنتاج لا يتعدى
مقدارها 10%، ذلك أن الدولة كانت تتقاضى وسقين أو حملين من
كل عشرين وسقًا تنتجها كل جماعة مشتغلة بالزراعة، وهى
الضريبة المعروفة بالعشور فى الفقه الإسلامى، كما دخلت
الزراعة فى بقاع كثيرة من الساحل الإفريقى فى فترة الحكم
النبهانى، وظهر كثير من النباتات التى زرعها العرب هناك مثل
القرنفل وقصب السكر، كما اهتموا بالرعى وتربية الماشية
والأغنام وأدخلوا تربية الإبل إلى هذه المناطق. وقد نشطت
الحركة التجارية فى عهد ازدهار هذه السلطنة إلى حد كبير،
وتوافد على الساحل التجار العرب من عُمان وغيرها، وكذلك
تجار الهند المسلمون، وقد عمل هؤلاء التجار بنقل الحاصلات(14/242)
المتوافرة فى شرق إفريقيا إلى البلدان المطلة على المحيط
الهندى، وإلى الأسواق العربية فى مصر والشام والعراق،
فأصبحت الدولة على جانب كبير من الثراء. وقد نتج عن هذا
الثراء تطور حضارى كبير، فقد أنشأ أهل «بات» منازل كبيرة
واسعة، وضعوا فيها لمبات نحاسية جميلة، كما صنعوا سلالم أو
درجات مزينة بالفضة يتسلقونها أو يصعدون عليها إلى فرشهم
أو سُررهم، كما صنعوا سلاسل فضية تزين بها الرقاب، وزينوا
أعمدة المنازل بمسامير كبيرة من الفضة الخالصة، وبمسامير من
الذهب على قمتها. وقد تجلت مظاهر هذه الحضارة العربية أيضًا
فى المبانى المعمارية وتخطيط المدن وزخارف الأبواب والنوافذ،
كما أدخل العرب فن النقش والحفر والنحت وعقود البناء العالية
والفسيفساء المتناسقة مع الرخام الملون. وفى مجال الثقافة
واللغة والعلوم والفنون ظهر فى تلك الفترة ما يعرف باللغة
السواحيلية، وهى الفترة التى كانت فيها سلطنة «بات»
النبهانية صاحبة السيطرة والنفوذ على معظم أجزاء الساحل
الشرقى لإفريقيا كما سبق القول، مما أدى إلى وجود تأثير
عربى قوى فى اللغة السواحيلية حتى فى المناطق الجنوبية
التى تقع فى «تنجانيقا» و «زنجبار»، حيث ظهرت أفصح أنواع
اللغة السواحيلية. ونتيجة لذلك ظهرت نظرية تقول بأن الشعب
السواحيلى ولغته نشأ كل منهما حول «لامو» حيث توجد «بات»،
وأن المهاجرين العرب الذين أقاموا فى «لامو» وأنشئوا هذه
الإمارة تزوجوا من نساء «البانتو» واضطروا إلى استخدام عدد
من الكلمات البانتوية بحكم معيشتهم اليومية مع زوجاتهم، ونشأ
أولاد «مولَّدون» أى نصف عرب ونصف بانتو، مزجوا بين اللغة
العربية لغة آبائهم، وبين لغة البانتو لغة أمهاتهم، ومع استمرار
التزاوج والاختلاط والمصاهرة تكوَّن الشعب السواحيلى وظهرت
اللغة السواحيلية التى أصبحت لغة التجارة ولغة الحياة اليومية،
وسرعان ما انتشرت هذه اللغة فى شرق ووسط إفريقيا نظرًا(14/243)
لغناها ومرونتها. ولاشك أن انتشار اللغة السواحيلية بين
السكان الأصليين، بجانب اللغة العربية التى كانت لغة الطبقة
العربية الحاكمة، كان له أثره الكبير فى نشر الإسلام وثقافته
بين القبائل الإفريقية التى تقيم على الساحل، وتلك التى تقيم
حول طرق القوافل الرئيسية مما جعل اللغة السواحيلية عاملا
قويا فى توحيد السكان فى هذه المنطقة من القارة على اختلاف
ألوانهم وتباين لغاتهم وتعدد قبائلهم وشعوبهم وأجناسهم، مما
أدى إلى ظهور ثقافة مشتركة هى الثقافة السواحيلية التى
غلبت عليها السمة العربية. ومن ثم فقد ساعد ذلك كثيرًا على
انتشار الإسلام بين السكان المحليين وتطعيم ثقافتهم بعناصر
عربية كثيرة، خاصة أن هذه اللغة كتبت بحروف عربية،
واستمرت كذلك حتى جاء الاستعمار الأوربى الحديث وحوَّلها
إلى الكتابة بالحروف اللاتينية بهدف إيجاد فاصل بين الثقافة
الإسلامية والثقافة السواحيلية الحديثة. وعندما كانت السواحيلية
تكتب بحروف عربية دخلها كثير من الألفاظ العربية، وقد قدر عدد
هذه الألفاظ بحوالى عشرين بالمائة من لغة التخاطب، وثلاثين
بالمائة من السواحيلية المكتوبة، وخمسين بالمائة من لغة الشعر
السواحيلى القديم، كما أن العرب غرسوا فى السواحيليين حب
الأدب وفنون الشعر وخرج منهم شعراء وخطباء مطبوعون،
وأصبح لهم أدب يعتزون به، وتكوَّن تراث كبير من الشعر والنثر
السواحيلى مكتوب بالحروف العربية يشتمل على أعمال دينية
ودنيوية، حتى إنهم عرفوا الشعر الغنائى (المشارى) منذ زمن
بعيد يعود إلى ما قبل عام (545هـ = 1150م) ومازالوا ينظمونه،
كما كتبوا شعر الملاحم المعروف باسم «التندى». كذلك مهدت
اللغة السواحيلية السبيل أمام ظهور شعب جديد هو الشعب
السواحيلى، وقد ساعد فى تكوين هذا الشعب ميل المستوطنين
العرب إلى السلم وحبهم للسكون والاستقرار، فإن مستوطناتهم
وإماراتهم وسلطناتهم لم تقم على الفتح بل على التجارة،(14/244)
والتجارة كما هو معروف لا تنشط إلا فى جو من السلام والأمن
والعلاقات الطيبة، كما أن أخلاق الإفريقيين، وطباعهم كانت
قريبة من طباع العرب الذين اعتاد الأفارقة رؤيتهم ورؤية
أحفادهم يوغلون فى البلاد ويعملون بالتجارة وينشرون الإسلام
والوئام بين الناس، فظهر التآلف واتحدت الأهواء والميول، وظهر
ما يعرف بالشعب السواحيلى. وقد دعم «النباهنة» هذه الثقافة
السواحيلية ذات الطابع الإسلامى وذلك بالعمل على نشر التعليم
الدينى فى المساجد والمدارس والكتاتيب التى وفد إليها كثير
من الوطنيين الأفارقة ليحفظوا القرآن الكريم ويتعلموا الكتابة
بالحروف العربية، بل ويتعلموا اللغة العربية ذاتها، حتى يتمكنوا
من التعمق فى فهم عقيدة الإسلام وتراثه الدينى واللغوى،
وهكذا نرى أن سلطنة «بات» النبهانية قد فرضت نفوذها على
معظم أنحاء الساحل الشرقى لإفريقيا، وأنشأت حضارة
إسلامية تغلغلت جنوبًا وحملها المهاجرون والتجار العرب معهم لا
إلى الساحل فقط، بل إلى الجزر المواجهة له مثل جزر «كلوة»
و «زنجبار» و «بمبا» و «مافيا»، مكونة بذلك دولة كبيرة تعدد
سلاطينها حتى بلغ عددهم اثنين وثلاثين سلطانًا، وقد ظلت هذه
السلطنة قائمة رغم مهاجمة البرتغاليين لها، وبعد طردهم برز
العُمانيون فى الميدان ووضعوا أيديهم على هذا الساحل بما فيه
سلطنة «بات»، وظل الأمر على هذا النحو حتى جاء الإنجليز
واحتلوا هذه البلاد قرب نهاية القرن التاسع عشر للميلاد، حتى
تحررت وصارت تعرف اليوم باسم «جمهورية كينيا».(14/245)
*الأموية (خلافة)
قامت الخلافة الأموية رسميا فى شهر ربيع الأول من سنة
(41هـ)، بعد أن تنازل «الحسن بن على بن أبى طالب» - رضى
الله عنه - عن الخلافة لمعاوية بن أبى سفيان -رضى الله عنه -
وبايعه هو وأخوه «الحسين»، وتبعهما الناس فى «الكوفة»،
وأصبح بذلك «معاوية» خليفة للمسلمين وحده، ولُقِّب بأمير
المؤمنين، وكان قبل ذلك يلقَّب بالأمير فقط. وقد نجح معاوية بن
أبى سفيان وخلفاؤه من بنى أمية فى تشييد دولة عظيمة، ومد
حدود العالم الإسلامى ليصل إلى أبعد مدى، وبسط نفوذه على
أكبر رقعة من الأرض، امتدت من الصين شرقًا إلى الأندلس غربًا،
ومن بحر قزوين شمالا إلى المحيط الهندى جنوبًا. وبذل الأمويون
جهودًا كبيرة فى مواصلة الفتح والجهاد، وحماية الثغور
والحدود، ونشر الإسلام، وتوطيد أركان الدولة، والقيام
بالإصلاحات الإدارية والمالية، وتعريب العملة والدواوين، وتنظيم
البريد وجعله جهازًا رقابيا على العمال والولاة، وإنشاء المدن،
والعناية بالبناء والتشييد، وتسهيل حركة التجارة، والاهتمام
بالزراعة والصناعة وما يتصل بهما من شئون، وتنشيط حركة
الثقافة والعلم، وتشجيع العلماء. ويزداد المرء إعجابًا بالأمويين
وتقديرًا لإنجازاتهم، إذا علم أنهم قاموا بكل تلك الأعمال الجليلة،
فى وقت كانوا يصارعون فيه أعداء أشداء، ناصبوهم العداء،
وحقدوا عليهم أشد الحقد، ولم يتركوا فرصة للثورة عليهم إلا
انتهزوها، وجعلوا الدولة تعيش معظم أيامها فى قلق وصراع
داخلى؛ لمواجهة تلك التيارات السياسية المناوئة من خوارج
وشيعة. وعلى الرغم من ذلك فقد تعرضت الدولة الأموية لحملات
ظالمة، حاولت إلصاق كل تهمة بها، وسلب كل مزية لها، واتهم
خلفاؤها بالاستبداد وسفك الدماء، غير أن الإنصاف يقتضى أنه
كما كانت لهم مزايا عظيمة وأعمال جليلة فقد كانت لهم أخطاء
كثيرة، لكنها ليست على النحو الذى يصوره هؤلاء الناقمون
عليها.(14/246)
*العباسية (خلافة)
ينتسب خلفاء «بنى العباس» إلى جدهم «العباس بن عبدالمطلب»
عم النبى - صلى الله عليه وسلم -، الذى عاش فى «مكة» وأسلم
بها، وكانت له مكانته عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد
امتدت دولتهم لفترة زمنية طويلة تزيد على خمسة قرون (231 -
656هـ)، واتسعت لتشمل مساحات كبيرة من العالم الإسلامى،
ومرَّت خلال عمرها المديد بفترتين اصطلح أغلب المؤرخين على
تسميتهما بالعصر العباسى الأول والعصر العباسى الثانى.
وشهد العصر العباسى الأول (132 - 232 هـ) حياة مزدهرة،
وسلطانًا واسعًا وقوة غالبة وجاهًا عريضًا، حتى أطلق عليه
العصر الذهبى للخلافة أو عصر القوة والازدهار، وذلك بفضل
جهود خلفائه العظام، ووزرائه الأكفاء، وقادته المهرة. واستقرت
فى هذا العصر النظم السياسية والإدارية، فاستحدث نظام
الوزارة، وارتقت وظائف الكتابة، واتسع نظام الدواوين، واستقل
منصب القضاء، كما ازدهرت الحياة الاقتصادية، وتعددت موارد
الدولة، وارتفع مستوى المعيشة، وازداد العمران، وبنيت المدن
والعواصم، وأقيمت الأسواق، وشيدت المساجد والقصور، أمَّا
الحياة الفكرية فقد ازدهرت ازدهارًا عظيمًا فى شتى فروع
المعرفة، فتمايزت العلوم واستقلت، ونهضت حركة الأدب،
ونشطت الترجمة، وكثرت حلقات العلم، وبرز العلماء والأدباء،
وظهرت المذاهب الفقهية، ووضعت الكتب والمصنفات. أما العصر
العباسى الثانى الذى دام أكثر من أربعة قرون فيقسمه
المؤرخون إلى أربع فترات رئيسية هى: فترة نفوذ الأتراك (232
- 334هـ)، وفترة سيطرة البويهيين (334 - 447هـ)، وفترة نفوذ
السلاجقة (447 - 590هـ)، وفترة ما بعد السلاجقة، وهى الفترة
التى انحصر فيها نفوذ الخلفاء فى بغداد وما حولها. وقد تميز
هذا العصر بظهور الدول المستقلة عن الخلافة وإن ارتبطت بها
ارتباطًا اسميا كالدولة «الصفارية» (254 - 289هـ) فى فارس
وخراسان، والدولة «السامانية» (261 - 389هـ) فى بلاد ما وراء(14/247)
النهر وخراسان، و «الدولة الحمدانية» (293 - 392هـ) فى الموصل
وحلب، و «البويهيين» فى فارس وشيراز وأصبهان والرى
وهمذان، كما ظهر «الفاطميون» فى الشمال الإفريقى وحكموا
مصر، واتخذوا من القاهرة عاصمة لدولتهم الشيعية. وفى هذا
العصر فقد الخلفاء نفوذهم ولم يعد لهم من الأمر شىء، وضاعت
هيبتهم، وتعرض بعضهم للعزل والإهانة وعدم التوقير، بل والقتل
أحيانًا دون نظر إلى جلال المنصب فى النفوس، لكنهم نعموا فى
ظل السلاجقة بقدر كبير من الاحترام والتوقير، وإن لم يتمتعوا
بسلطة الخلافة الحقيقية التى كانت فى أيدى السلاجقة. وعلى
الرغم من افتقاد هذا العصر إلى الوحدة السياسية فإنه شهد
تفوقًا حضاريا هائلا ونهضة فكرية شاملة، وازدهارًا فى الحركة
الثقافية، وبروزًا لعدد ضخم من الفقهاء والمفسرين والكتاب
والشعراء وغيرهم، وتنافسًا فى بناء المدارس واجتذاب العلماء.
وظلت الدولة العباسية قائمة حتى استطاع «هولاكو» دخول
بغداد فى المحرم من سنة (656هـ)، والقبض على الخليفة
«المستعصم العباسى» وأهل بيته، وقتلهم جميعًا، وبهذا سقطت
الخلافة العباسية فى بغداد، وهى التى ظلت لأكثر من خسمة
قرون رمزًا لوحدة المسلمين حتى فى فترات الضعف التى حلّت
بها.(14/248)
*العباسيون
ينتسب خلفاء «بنى العباس» إلى جدهم «العباس بن عبدالمطلب»
عم النبى - صلى الله عليه وسلم -، الذى عاش فى «مكة» وأسلم
بها، وكانت له مكانته عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد
امتدت دولتهم لفترة زمنية طويلة تزيد على خمسة قرون (231 -
656هـ)، واتسعت لتشمل مساحات كبيرة من العالم الإسلامى،
ومرَّت خلال عمرها المديد بفترتين اصطلح أغلب المؤرخين على
تسميتهما بالعصر العباسى الأول والعصر العباسى الثانى.
وشهد العصر العباسى الأول (132 - 232 هـ) حياة مزدهرة،
وسلطانًا واسعًا وقوة غالبة وجاهًا عريضًا، حتى أطلق عليه
العصر الذهبى للخلافة أو عصر القوة والازدهار، وذلك بفضل
جهود خلفائه العظام، ووزرائه الأكفاء، وقادته المهرة. واستقرت
فى هذا العصر النظم السياسية والإدارية، فاستحدث نظام
الوزارة، وارتقت وظائف الكتابة، واتسع نظام الدواوين، واستقل
منصب القضاء، كما ازدهرت الحياة الاقتصادية، وتعددت موارد
الدولة، وارتفع مستوى المعيشة، وازداد العمران، وبنيت المدن
والعواصم، وأقيمت الأسواق، وشيدت المساجد والقصور، أمَّا
الحياة الفكرية فقد ازدهرت ازدهارًا عظيمًا فى شتى فروع
المعرفة، فتمايزت العلوم واستقلت، ونهضت حركة الأدب،
ونشطت الترجمة، وكثرت حلقات العلم، وبرز العلماء والأدباء،
وظهرت المذاهب الفقهية، ووضعت الكتب والمصنفات. أما العصر
العباسى الثانى الذى دام أكثر من أربعة قرون فيقسمه
المؤرخون إلى أربع فترات رئيسية هى: فترة نفوذ الأتراك (232
- 334هـ)، وفترة سيطرة البويهيين (334 - 447هـ)، وفترة نفوذ
السلاجقة (447 - 590هـ)، وفترة ما بعد السلاجقة، وهى الفترة
التى انحصر فيها نفوذ الخلفاء فى بغداد وما حولها. وقد تميز
هذا العصر بظهور الدول المستقلة عن الخلافة وإن ارتبطت بها
ارتباطًا اسميا كالدولة «الصفارية» (254 - 289هـ) فى فارس
وخراسان، والدولة «السامانية» (261 - 389هـ) فى بلاد ما وراء(14/249)
النهر وخراسان، و «الدولة الحمدانية» (293 - 392هـ) فى الموصل
وحلب، و «البويهيين» فى فارس وشيراز وأصبهان والرى
وهمذان، كما ظهر «الفاطميون» فى الشمال الإفريقى وحكموا
مصر، واتخذوا من القاهرة عاصمة لدولتهم الشيعية. وفى هذا
العصر فقد الخلفاء نفوذهم ولم يعد لهم من الأمر شىء، وضاعت
هيبتهم، وتعرض بعضهم للعزل والإهانة وعدم التوقير، بل والقتل
أحيانًا دون نظر إلى جلال المنصب فى النفوس، لكنهم نعموا فى
ظل السلاجقة بقدر كبير من الاحترام والتوقير، وإن لم يتمتعوا
بسلطة الخلافة الحقيقية التى كانت فى أيدى السلاجقة. وعلى
الرغم من افتقاد هذا العصر إلى الوحدة السياسية فإنه شهد
تفوقًا حضاريا هائلا ونهضة فكرية شاملة، وازدهارًا فى الحركة
الثقافية، وبروزًا لعدد ضخم من الفقهاء والمفسرين والكتاب
والشعراء وغيرهم، وتنافسًا فى بناء المدارس واجتذاب العلماء.
وظلت الدولة العباسية قائمة حتى استطاع «هولاكو» دخول
بغداد فى المحرم من سنة (656هـ)، والقبض على الخليفة
«المستعصم العباسى» وأهل بيته، وقتلهم جميعًا، وبهذا سقطت
الخلافة العباسية فى بغداد، وهى التى ظلت لأكثر من خسمة
قرون رمزًا لوحدة المسلمين حتى فى فترات الضعف التى حلّت
بها.(14/250)
*البويهية (دولة)
ينتسب البويهيون إلى «أبى شجاع بويه» الذى نشأ فى «بلاد
الديلم» التى تقع جنوبى غربى «بحر قزوين» أو «بحر الخزر»
بين منطقتى «طبرستان» و «الجبال». وكانت هذه البلاد معقلاً
لنفوذ العلويين، فانتشر فيها التشيع. ورغم أن «أبا شجاع
بويه» كان فقيرًا فإنه كان يتحلى بروح المغامرة والشجاعة،
كما تشرب الروح الشيعية التى كانت سائدة فى «بلاد الديلم».
وقد انضم «أبو شجاع» إلى العلويين فى صراعهم مع
السامانيين، ومع ذلك فلم يكن هو المؤسس الحقيقى لأسرة
«بنى بويه»، وإنما كان أبناؤه الثلاثة «على»، و «حسن»،
و «أحمد» هم الذين قاموا بذلك، فقد التحق أبناؤه بخدمة «ماكان
بن كاكى» أحد القواد البارزين المناصرين للداعية الشيعى
«الحسن بن على»، الملقب بالأطروش، وأبرزوا تميزًا فى خدمته
فارتقوا من مرتبة الجنود إلى رتبة القادة، ثم حدث صراع بين
«ماكان» و «مرداويج بن زيار» أحد القادة الفرس فى منطقة
«الديلم»، وأحس أبناء «بويه» أن كفة «مرداويج» هى الراجحة
فى هذا الصراع، فانضموا إليه، فيما بين عامى (316و317هـ=
928 و 929م)، وكان ذلك بداية تمكن نفوذهم فى فارس
والمناطق المحيطة بها. وقد ظهر «بنو بويه» - أو البويهيون -
على مسرح الأحداث فى أواخر عصر نفوذ الأتراك، فبدءوا منذ
عام (321هـ= 933م) يؤسسون لأنفسهم مناطق نفوذ تخضع
لسيطرتهم التامة، فاستولوا على «فارس»، و «شيراز»
و «أصبهان»، و «الرى»، و «همذان» و «الكرج» و «كرمان»،
وأغراهم ذلك على التطلع إلى مد نفوذهم إلى «العراق» موطن
الخلافة العباسية. وقد ساعدهم على ذلك تضاؤل النفوذ التركى،
واشتداد الصراع على منصب «أمير الأمراء» الذى ابتدعه الخليفة
«الراضى بالله» سنة (324هـ= 936م)، مما أدى إلى تمزق الكلمة
وضعف الجبهة التى يمكن أن تحمى دار الخلافة فلم يجد «أحمد
بن بويه» أى صعوبة فى دخول «بغداد» والسيطرة عليها بدون
قتال فى (الحادى عشر من جمادى الأولى سنة334هـ = يناير(14/251)
سنة 946م) .. وعندما دخل «أحمد بن بويه» «بغداد» فى جمادى
الأولى سنة (334هـ= ديسمبر سنة 945م) كان «المستكفى بالله»
هو الخليفة العباسى، ولم يكن أمامه إلا أن يظهر الترحيب به، بل
إنه زاد على ذلك فخلع عليه الخُلَع ولقبه «معز الدولة»، كما لقَّب
أخاه «عليا» «عماد الدولة»، وأخاه «الحسن» «ركن الدولة»،
وأمر بأن تُضرَبَ ألقابهم وكُناهم على الدنانير والدراهم، وكان
«على بن بويه» حاكمًا لإقليم «فارس»، و «الحسن ابن بويه»
حاكمًا لعدة أقاليم أهمها «الرى»،و «الجبل»،و «أصفهان»، فى
حين دخل أخوهم الأصغر «أحمد» «بغداد». وقد تدهورت أحوال
«الخلافة العباسية»، واندثرت معالمها من الناحية الواقعية حينما
سيطر البويهيون على «بغداد»، فقد جردوا الخليفة من كل
سلطاته، وعدُّوه مجرد موظف مهمته إضفاء صفة الشرعية على
سلطانهم لدى جماهير المسلمين، فحددوا له راتبه، وسلبوه حقه
فى تعيين الوزراء، وسمحوا له بأن يتخذ كاتبًا (سكرتيرًا) فقط
يشرف على أمواله. ورغم أن البويهيين كانوا شيعة، فإنهم لم
يسقطوا الخلافة العباسية السُنِّية فى «بغداد»، ليحلوا محلها
خلافة علوية شيعية تتفق مع مذهبهم، وسبب ذلك علمهم أن
وجود خليفة من العلويين يهدد ملكهم وسلطانهم، وليس الأمر
كذلك مع الخليفة السنِّى الذى يستطيعون هم أن يفعلوا به ما
يشاءون. وقد برهن سلوك البويهيين مع الخليفة «المستكفى»
على صدق ذلك، فقبل مرور شهر على دخولهم «بغداد» دخل
«معز الدولة أحمد بن بويه» على الخليفة «المستكفى»، فوقف
الناس حسب مراتبهم، فتقدم اثنان من الديلم - وهم قوم «معز
الدولة» - فمدَّ الخليفة يده إليهما ظنا منه أنهما يريدان تقبيلها،
فجذباه وطرحاه أرضًا، وجرَّاه بعمامته، ثم هجم «الديلم» على
دار الخلافة ونهبوها، وسار «معز الدولة» إلى منزله، وساقوا
الخليفة «المستكفى» ماشيًا إليه، ثم انتهت هذه المأساة بخلع
«المستكفى» وسمل عينيه. وإذا استبعدنا خلافة «المستكفى»،(14/252)
فإننا نجد أن الخلفاء الذين شهدوا عصر نفوذ البويهيين كانوا
أربعة هم: 1 - المطيع لله «أبو القاسم الفضل بن المقتدر بن
المعتضد» [334 - 363هـ = 945 - 974م]. 2 - الطائع لله «أبو بكر
عبدالكريم بن المطيع» [363 - 381هـ= 974 - 991م]. 3 - القادر بالله
«أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر» [381 - 422 هـ= 991 -
1031م]. 4 - القائم بأمر الله «أبو جعفر عبدالله بن القادر» [422 -
467هـ= 1031 - 1075م]. أولاً: خلافة المطيع لله: بعد أن أمر «معز
الدولة أحمد ابن بويه» بخلع «المستكفى» فى (جمادى الآخرة
سنة 334هـ= 945م)، أحضر «أبا القاسم الفضل ابن المقتدر»
وبايعه بالخلافة، ولقَّبه بالمطيع لله، وعمره - حينئذٍ- أربع
وثلاثون سنة، وحدد له «معز الدولة» راتبًا مائة دينار فى اليوم.
وقد شهدت خلافة «المطيع» أحداثًا كثيرة، أولها: نشوب الصراع
بين البويهيين فى «بغداد» بزعامة «معز الدولة» (أحمد بن
بويهـ)، وبين الحمدانيين فى «الموصل» بزعامة «ناصر الدولة»
(الحسين بن عبداللهـ)، وقد استمر هذا الصراع طويلاً فى محاولة
كل منهما الإطاحة بالآخر، وفى (المحرم سنة 335هـ = أغسطس
سنة 946م) تم الصلح بين «معز الدولة البويهى» وبين «ناصر
الدولة الحمدانى» على أن يدفع «ناصر الدولة» الخراج للبويهيين
فى «بغداد» كل عام. وفى سنة (336هـ= 947م) استطاع «معز
الدولة» أن يستولى على «البصرة» بعد هروب صاحبها «أبى
القاسم عبدالله بن أبى عبدالله البريدى» إلى القرامطة فى
«هجر». وجدير بالذكر أن «معز الدولة» كان نائبًا فى «بغداد»
عن أخيه الأكبر «عماد الدولة» (على بن بويهـ) فى «فارس»، ثم
عن أخيه الأوسط «ركن الدولة» (الحسن بن بويهـ)، عقب وفاة
«عماد الدولة». ورغم أن الخليفة العباسى كان تحت سيطرة
البويهيين فإنهم كانوا يخضعون له من الناحية الشكلية فقط.
وقد حاول البويهيون صبغ «العراق» بمذهبهم الشيعى، واتخذ(14/253)
«معز الدولة» فى سبيل ذلك خطوات بالغة الخطورة أسهمت فى
إثارة عوامل الفتنة والاضطراب داخل مجتمع «العراق»؛ ففى
(ربيع الآخر سنة 351= مايو سنة 962م) أصدر «معز الدولة» أمرًا
بأن يُكتَب على المساجد لَعْنُ «معاوية بن أبى سفيان» وغيره
من الصحابة كأبى بكر و «عمر»؛ حيث يتهمهم الشيعة بإساءة
معاملتهم وغصبهم حقوقهم، ولم يستطع الخليفة العباسى منع
ذلك، وفى العاشر من (المحرم سنة 352هـ= يناير سنة 963م)
أصدر «معز الدولة» أمرًا بتوقف الناس عن البيع والشراء فى ذلك
اليوم، وإظهار البكاء والعويل، وأمر النساء أن يخرجن حاسرات
الرءوس قد شققن ثيابهن وهن يلطمن الوجوه على «الحسين ابن
على بن أبى طالب» فى ذكرى استشهاده بكربلاء، وكان هذا
أول يوم يحدث فيه ذلك ببغداد، ولم يستطع الخليفة وأهل السنة
أن يمنعوا ذلك لكثرة الشيعة ومناصرة السلطان «معز الدولة»
لهم. وقد أحدثت هذه المظاهر الشاذة آثارها السيئة بين الناس،
ففى العاشر من (المحرم سنة 353هـ= يناير سنة 964م) - على
سبيل المثال - تم إغلاق الأسواق فى «بغداد»، وفعل الناس ما
تقدم ذكره، فثارت فتنة عظيمة بين الشيعة والسنة، أُصيب فيها
كثيرون ونُهبت الأموال، وجدير بالذكر أن هذه الممارسات التى
شجعها البويهيون ماتزال آثارها موجودة حتى الآن. ومن أهم ما
سجله «معز الدولة» من انتصارات: تخليص «عُمان» فى (ذى
الحجة سنة 355هـ = نوفمبرسنة 966م) من يد القرامطة الذين
كانوا قد استولوا عليها وعاثوا بها فسادًا، فأصبحت بذلك ضمن
مملكة البويهيين. ظل «معز الدولة» اثنين وعشرين عامًا يدير
الأمور فى «بغداد»، حتى تُوفِّى فى الثالث عشر من (ربيع الآخر
سنة 356هـ= مارس سنة 967م)، فتولى ابنه «بختيار» إمارة
«العراق» بعهد منه، ولُقب «عز الدولة». وقد قدم «عز الدولة»
صورة صارخة لانصرافه عن المهام الكبرى واهتمامه بملذاته
الشخصية، فقد أنفق وقته فى اللهو والتسلية وعِشرة النساء(14/254)
والاستماع إلى الغناء، واستولى على أموال كبار رجال الدولة
وعلى رأسهم الخليفة فى سبيل ذلك. ففى سنة (361هـ= 972م)
هاجم الروم ثغور «الجزيرة» ومن بينها «الرها» و «نصيبين»،
فأحرقوا البلاد وخربوها وغنموا وسلبوا ما استطاعوا ولم يجدوا
من يردعهم بعد وفاة «سيف الدولة الحمدانى» سنة (356هـ=
967م)، فسار جماعة من أهل «الجزيرة» إلى «بغداد» لاستنفار
المسلمين ضد الروم، فاستعظم الناس ذلك، وتوجهوا إلى «عز
الدولة بختيار»، وأنكروا عليه انشغاله باللهو والصيد عن جهاد
الروم الذين انتهكوا حرمة دار الإسلام، فوعدهم بالإعداد لغزوهم،
واتصل بالخليفة «المطيع لله» يطلب منه المال ليجهز به المسلمين
للغزو، ولكن «المطيع لله» أجابه بقوله: «إن الغَزاة والنفقة
عليها، وغيرها من مصالح المسلمين تلزمنى إذا كانت الدنيا فى
يدى، وتُجبَى إلىَّ الأموال، وأما إذا كانت حالى هذه فلا يلزمنى
شىء من ذلك، وإنما يلزم مَن البلاد فى يده، وليس لى إلا
الخطبة، فإن شئتم أن أعتزل فعلت»، فهدد «بختيار» الخليفة
«المطيع» واضطره إلى دفع أربعمائة ألف درهم، فلما قبضها
«عز الدولة» صرفها فى مصالحه وملذاته! ونتيجة لسوء طبع
بختيار واضمحلال شخصيته، بدأت أسباب الشقاق والفتنة تظهر
بين البويهيين، فقد حاول ابن عمه «ركن الدولة» والملقب فيما
بعد «عضد الدولة» انتزاع «العراق» من «بختيار» ولكن والده
«ركن الدولة» اعترض على ذلك، فاضطر «عضد الدولة» إلى
تأجيل ذلك إلى ما بعد وفاة والده. ولعل من أخطر الأحداث التى
شهدتها خلافة «المطيع لله» سيطرة الفاطميين على «مصر» سنة
(358هـ= 969م) وكانت «مصر» حينئذٍ تحت حكم الإخشيديين الذين
كانوا يخضعون للخليفة العباسى من الناحية الشكلية، فلما
دخلها القائد الفاطمى «جوهر الصقلى» فى (شعبان سنة 358هـ=
يونيو سنة 969م)، شرع فى بناء مدينة «القاهرة»؛ لتصبح
عاصمة للفاطميين، كما بنى الجامع الأزهر سنة (361هـ= 972م)،(14/255)
وظل حاكمًا لمصر نيابة عن مولاه «المعز لدين الله» (7) حتى سنة
(362هـ= 973م)، حين قدم «المعز» إلى «مصر» فى رمضان من
هذه السنة، فقام بالأمر وأصبحت «مصر» منذ ذلك الوقت مقرا
للخلافة الفاطمية الشيعية حتى سنة (567هـ= 1172م). ظل
«المطيع لله» فى الخلافة ما يقرب من «ثلاثين عامًا»، حتى
أُصيب بالفالج - وهو الشلل النصفى - فى أواخر حياته فتعذرت
حركته وثقل لسانه، مما دعا «سُبُكْتكين»، حاجب «عز الدولة
بختيار» إلى أن يطلب منه خلع نفسه وتسليم الخلافة إلى ابنه
«عبدالكريم»، فتم ذلك فى (13من ذى القعدة سنة 363هـ= يوليو
سنة 974م)، ولقب «عبدالكريم» بالطائع لله. ثانيًا: خلافة الطائع
لله (363 - 381هـ= 974 - 991م). تولى «الطائع لله» الخلافة فى
(ذى القعدة سنة 363هـ= يوليو سنة 974م) وعمره ثلاث وأربعون
سنة، وقد تُوفِّى والده «المطيع لله» بعد ذلك بفترة قصيرة، فى
(سنة المحرم سنة 364هـ= سبتمبر 974م). فى بداية خلافة
«الطائع لله» حدثت الفتنة بين «عضد الدولة بن ركن الدولة»،
وابن عمه «بختيار بن معز الدولة»، فقد شجع «عضد الدولة» جند
«بختيار» على الثورة عليه ووعدهم بالإحسان إليهم والنظر فى
أمورهم، فثار عليه الجند وتم القبض على «بختيار» وحبسه فى
(جمادى الآخرة سنة 364هـ= فبراير سنة 975م)، وأصبحت
«بغداد» و «العراق» تحت سلطان «عضد الدولة» .. وقد عز على
«ركن الدولة» أمير أمراء البيت البويهى ووالد «عضد الدولة» أن
يتصرف ابنه «عضد الدولة» مع ابن أخيه «بختيار» بهذه الصورة،
فكتب إلى أنصار «بختيار» يساندهم ويأمرهم بالثبات والصبر
ويعرفهم أنه عازم على المسير إلى «العراق» لإخراج «عضد
الدولة» وإعادة «بختيار»، فانصرف أنصار «عضد الدولة» عنه
واضطر إلى الإذعان لإرادة أبيه، فأخرج «بختيار» من سجنه ورد
إليه ما سلبه من سلطانه، وعاد إلى «فارس» فى (شوال سنة
364هـ= يونيو سنة 975م)، وكان الخليفة «الطائع لله» مسلوب(14/256)
الإرادة خلال هذه الفتنة، لاحول له ولا قوة. وقد قسم «ركن
الدولة» ملكه بين أولاده فى (جمادى الأولى سنة 365هـ= يناير
سنة 976م) فجعل لابنه «عضد الدولة» ملك البلاد من بعده،
ولولده «فخر الدولة» (أبى الحسن على) «همدان» وأعمال
«الجبل»، ولولده «مؤيد الدولة» (أبى منصور بويهـ) «أصبهان»
وأعمالها، وجعلهما تحت رئاسة أخيهما «عضد الدولة»،
وأوصاهم بالاتفاق وترك التنازع. وفى (المحرم سنة 366هـ=
أغسطس سنة 976م) تُوفِّى «ركن الدولة» فأصبح ابنه «عضد
الدولة» زعيم البويهيين بلا منازع. وفى العام نفسه حشد «عضد
الدولة» جنوده لغزو «العراق»، وكان «بختيار» ووزيره «أبو
طاهر محمد بن محمد بن بقية» يعلمان نيات «عضد الدولة» فحاولا
استمالة كبار الأمراء من حكام الأقاليم المختلفة، مثل «فخر الدولة
بن ركن الدولة»، و «أبى تغلب بن حمدان» وغيرهما، وحدثت
بعض المعارك بين جيوش «عضد الدولة» وجيوش «بختيار» سنة
(366هـ= 976م) انتهت بهزيمة «بختيار» وفراره من «بغداد» إلى
«الموصل» حيث تحالف مع واليها «أبى تغلب بن حمدان» ضد
«عضد الدولة»، فسار إليهما «عضد الدولة» وهزمهما بالقرب من
«تكريت» فى (شوال سنة 367هـ= مايو سنة 978م) وأسر
«بختيار» وقتله، وضم مملكة الحمدانيين فى «الموصل»
و «الجزيرة» إلى أملاكه، واتخذ «العراق» مقرا لحكمه. اهتم
«عضد الدولة» بدعم سلطانه وتوسيع أملاكه؛ ففى سنة (368هـ=
978م) فتح «ميَّافارقين» و «آمد» و «ديار بكر»، و «ديار مضر»
منهيًا بذلك نفوذ «أبى تغلب ابن حمدان» فى بلاد «الجزيرة».
وفى عام (369هـ= 979م) استولى على الأقاليم الخاضعة لأخيه
«فخر الدولة» بسبب وقوفه إلى جانب «بختيار»، فاستولى
على «همدان» و «الرى» وما بينهما من البلاد، وعين عليها أخاه
«مؤيد الدولة» نائبًا عنه فى حكمها، وفى سنة (371هـ= 981م)
ضم إلى نفوذه بلاد «جرجان» و «طبرستان» بعد أن أجلى عنها
صاحبها «قابوس ابن أبى طاهر» و «شمكير» (أحد أمراء آل(14/257)
زيار) (8)، فتعاظم بذلك نفوذ «عضد الدولة» وذاع صيته وتمكنت
هيبته، وكان أول من خوطب بشاهنشاه فى الإسلام، وأول من
خُطب له على منابر «بغداد» بعد الخلفاء. وقد كان لعضد الدولة
إنجازات حضارية بالإضافة إلى أمجاده الحربية، فبعد دخوله
«بغداد» بدأ فى عمارتها، كما أمر بإخراج أموال الصدقات
وتسليمها للقضاة وأعيان الناس، لإعانة من يستحق، وبدفع
أموال للعاطلين الذين يتعذر عليهم الحصول على العمل، بما
يكفى احتياجاتهم، ثم يردونها بعد ذلك إذا عملوا. كما اهتم
«عضد الدولة» بالعلم والعلماء، وأغدق عليهم العطاء وأحاطهم
بمظاهر التكريم، وقد كان مجلسه منتدى للعلماء، تدور فيه
المناقشات الدقيقة فى فروع العلم المختلفة، وكان يشترك مع
العلماء فى هذه المناقشات ويعارضهم فى المسائل، ومن أبرز
هؤلاء العلماء «أبو على الفارسى» الذى صنَّف له كتاب
«الإيضاح» و «التكملة» فى النحو، وكان «عضد الدولة» يقول:
«أنا غلام أبى على فى النحو»، ومنهم أيضًا «أبو إسحاق
الصابى» الذى صنف لعضد الدولة كتاب «التاجى فى أخبار بنى
بويه». وكان «عضد الدولة» يحب الشعر ويطرب له، ويقرضه
أحيانًا، ويغمر الشعراء بفيض كرمه وجزيل عطائه، فقصده عدد
من فحول الشعراء فى عصره، وكتبوا فيه أروع قصائد المديح،
وفى مقدمتهم «أبو الطيب المتنبى» سنة (354هـ= 965م)، و «أبو
الحسن محمد بن عبدالله السَّلامى أبرز شعراء «العراق»، وكان
«عضد الدولة» يقول: «إذا رأيت السَّلامى فى مجلسى ظننت أن
عطارد قد نزل من الفَلك إلىَّ ووقف بين يدى». وقد اقتدى
«مؤيد الدولة» و «فخر الدولة» بأخيهما «عضد الدولة» فى
تشجيع العلم وإكرام أهله، فعين «مؤيد الدولة» «الصاحبَ بن
عباد» وزيرًا له سنة (366هـ= 976م)، وكان من أعظم رعاة العلم
والأدب، وعقب وفاة «مؤيد الدولة» واستيلاء أخيه «فخر الدولة»
على مملكته أقر «الصاحب بن عباد» على وزارته، وعين مفكر(14/258)
المعتزلة المشهور «عبدالجبار بن أحمد» قاضى قضاة للرى سنة
(367هـ= 978م) لصلته بالصاحب بن عباد، ثم عزله «فخر الدولة»
سنة (385هـ= 995م) حينما تُوفِّى «الصاحب بن عباد». وتُوفِّى
«عضد الدولة» فى (شوال سنة 372هـ= مارس سنة 983م)، وعمره
ثمانٍ وأربعون سنة (9)، وقد تركت وفاته فراغًا هائلاً تعذر على
خلفائه أن يملئوه. وكان أخطر ما ترتب على وفاة «عضد
الدولة»، الصراع الذى نشب بين أولاده الخمسة على السلطة،
وهم: «أبو كاليجار المرزبان» (صمصام الدولة)، و «أبو الحسين
أحمد»، و «أبو طاهر فيروز شاه»، و «أبو الفوارس شيرزيل»
الملقب «شرف الدولة»، و «أبو نصر فيروز» الملقب «بهاء
الدولة». وقد استقر الأمراء والقادة على اختيار «أبى كاليجار
المرزبان» ليكون خلفًا لأبيه «عضد الدولة»، ولقبوه «صمصام
الدولة» وأقر الخليفة «الطائع لله» هذا الاختيار وخلع على
«صمصام الدولة» سبع خلع، ولقبه «شمس الملة»، فلم يكن
للخليفة دور سوى إقرار ما يتفق عليه القادة والأمراء. وقد واجه
«صمصام الدولة» انشقاقًا من أخيه «شرف الدولة» الذى استطاع
الاستقلال ببلاد «فارس» والاستيلاء على «البصرة»، وتعيين
أخيه «أبى الحسين أحمد» نائبًا عنه فى حكمها، كما تمكن من
هزيمة الجيش الذى أرسله إليه «صمصام الدولة» ليسترد منه بلاد
«فارس». وقد استطاع «صمصام الدولة» استمالة عمه
«فخرالدولة» إلى صفه فى هذا الصراع، ولكن جنده فى
«بغداد» ثاروا عليه وأعلنوا بيعتهم لشرف الدولة، ورغم أن
«صمصام الدولة» قضى على هذه الثورة فإنه لم يستطع وضع
حد لازدياد قوة أخيه «شرف الدولة». ففى سنة (375هـ= 985م)
استولى «شرف الدولة» على «الأهواز» وقبض على أخيه «أبى
طاهر فيروز شاه» المناصر لصمصام الدولة، وفى (رمضان سنة
376هـ= يناير سنة 987م) استولى على «العراق» ودخل «بغداد»
وقبض على أخيه «صمصام الدولة»، فذهب إليه الخليفة وهنأه
بالسلطنة. لم يستمر «شرف الدولة» طويلاً فى إمارته على(14/259)
«العراق»، فقد تُوفِّى فى غرة (جمادى الأولى سنة 379هـ=
أغسطس سنة 989م)، ولم يجد حرجًا وهو فى مرض موته أن يأمر
بِسَمْل عينى أخيه «صمصام الدولة» وهو فى سجنه. وخلف
«شرف الدولة» أخوه «أبو نصر فيروز»، الذى لقبه الخليفة
«بهاء الدولة وضياء الملة»، ولكن العلاقة بين «بهاء الدولة أبى
نصر فيروز» وبين الخليفة «الطائع» وصلت بعد قليل إلى الحد
الذى جعل «بهاء الدولة» يقوم بعزل الخليفة؛ فقد قلت الأموال
عند «بهاء الدولة»، وثار جنده عليه، فاقترح عليه أحد خواصه
وهو «أبو الحسن بن المعلم»، أن يقبض على الخليفة «الطائع»
ويستولى على أمواله، فدخل «بهاء الدولة» على الخليفة ومعه
جمع كثير، وتقدم أحد رجاله كأنه يريد أن يقبل يد الخليفة،
فجذبه فأنزله عن سريره والخليفة يقول: «إنا لله وإنا إليه
راجعون»، ويستغيث دون أن يلتفت إليه أحد، وتم الاستيلاء على
أمواله، وحُمِل الخليفة إلى دار «بهاء الدولة»؛ حيث أُرغِم على
خلع نفسه فى (التاسع عشر من شعبان سنة (381هـ= أكتوبر
سنة 991م) بعد أن استمر فى الخلافة ما يقرب من ثمانية عشر
عامًا، كان خلالها مسلوب الإرادة. ثالثًا: خلافة القادر بالله (381 -
422هـ= 991 - 1031م). هو «أبو العباس أحمد بن إسحاق بن
المقتدر»، اختاره «بهاء الدولة» بعد خلع «الطائع لله» لتولِّى
الخلافة، وكان غائبًا عن «بغداد»، فلما وصله الخبر حضر إليها
وبايعه «بهاء الدولة» والناس فى (رمضان سنة 381هـ= نوفمبر
سنة 991م)، وعمره خمسة وأربعون عامًا. وقد دامت خلافة
«القادر بالله» إحدى وأربعين سنة وحفلت بالكثير من الأحداث
والتطورات، وأهمها: أ - ازدياد التفكك فى البيت البويهى: فقد
نشب الصراع بين «بهاء الدولة»، وأخيه «صمصام الدولة» ولم
يكن فى «بنى بويه» أظلم من «بهاء الدولة» ولا أقبح سيرة
منه، ففى سنة (383هـ= 993م) قام بمحاولة للاستيلاء على
المنطقة الخاضعة لإمارة أخيه «صمصام الدولة» فى بلاد «فارس»(14/260)
و «أرَّجان»، فانتهت هذه المحاولة بعكس ما كان يهدف إليه؛
حيث تمكن «صمصام الدولة» من الاستيلاء على «خوزستان»
الخاضعة لبهاء الدولة، وبدد شمل الجيش الذى أرسله «بهاء
الدولة». وفى سنة (384هـ = 994م) استطاع «بهاء الدولة» أن
يهزم «صمصام الدولة»، وأن يسترد منه بعض ما خسره قبل ذلك.
وقد تجدد الصراع بينهما مرات عديدة، ووصل فى إحدى مراحله
إلى استيلاء «صمصام الدولة» على «البصرة» فى «العراق» سنة
(386هـ= 996م)، ولم يتوقف هذا الصراع بين «بهاء الدولة»
و «صمصام الدولة» إلا بمقتل «صمصام الدولة» على يد بعض أبناء
«عز الدولة بختيار»؛ انتقامًا لمقتل أبيهم «بختيار» على يد
«عضد الدولة»، والد «صمصام الدولة»، وذلك فى (ذى الحجة
سنة 388هـ= 998م). وعقب مقتل «صمصام الدولة» أراد بعض
أبناء «بختيار» الاستيلاء على «فارس»، فنشب الصراع بينهم
وبين «بهاء الدولة» وانتهى بهروبهم ومقتل أحدهم واسمه «أبو
نصر» على يد أنصار «بهاء الدولة» سنة (390هـ = 1000م). وقد
تُوفِّى «بهاء الدولة» (أبو نصر فيروز بن عضد الدولة) فى
(جمادى الآخرة سنة 403هـ = ديسمبر سنة 1012م)، فخلفه على
إمارة «العراق» ابنه «أبو شجاع فخر الملك»، الذى لقبه الخليفة
«القادر بالله» «سلطان الدولة»، فولى أخاه «جلال الدولة» «أبا
طاهر» إمارة «البصرة» وأخاه «قوام الدولة أبا الفوارس»
«كرمان». ونشب صراع مرير بين أبناء «بهاء الدولة»: «سلطان
الدولة» و «جلال الدولة»، و «قوام الدولة»، و «مشرف الدولة»
الذى استطاع الاستيلاء على «العراق» سنة (411هـ = 1020م)
وبعد وفاة «سلطان الدولة» فى (شوال سنة 415هـ = ديسمبر
سنة 1024م) خلفه ابنه «أبو كاليجار» على إمارة «فارس»
و «كرمان»، ودخل فى صراع مع عمه «أبى الفوارس بن بهاء
الدولة» الذى استطاع الاستيلاء على «كرمان»، وأرغم «أبا
كاليجار» على دفع خراج له قيمته عشرون ألف دينار، إلا أن
«أبا كاليجار» استرد «كرمان» بدون قتال عقب وفاة عمه «أبى(14/261)
الفوارس» سنة (419هـ = 1028م). وعقب وفاة «مشرف الدولة»
تولى أخوه «أبو طاهر جلال الدولة» - أمير «البصرة» - إمارة
«العراق»، لكنه لم يتمكن من دخول «بغداد»؛ حيث منعه أنصار
ابن أخيه «أبى كاليجار» من دخولها، تمهيدًا لقدوم «أبى
كاليجار» وسيطرته على «العراق»، ولكن ذلك لم يحدث لانشغاله
بصراعه مع عمه «أبى الفوارس»، وبقيت «بغداد» بدون أمير
بويهى لمدة عامين وبضعة أشهر، مما دعا رؤساء الجند إلى أن
يطلبوا من الخليفة «القادر بالله» أن يرسل إلى «جلال الدولة»
ليحضر إلى «بغداد» ويتسلم الإمارة؛ جمعًا للكلمة وحسمًا
للخلاف، فاستجاب الخليفة لهم ودخل «جلال الدولة» «بغداد» فى
(رمضان سنة 418هـ = سبتمبر سنة 1027م)، إلا أنه ما لبث أن
دخل فى صراع مع ابن أخيه «أبى كاليجار»، الذى أراد انتزاع
«العراق» من عمه «جلال الدولة»، واستمر الصراع بينهما بين
النصر والهزيمة لهذا الطرف أو ذاك حتى وفاة «جلال الدولة»
سنة (435هـ= 1044م). وقد أدى الصراع المستمر بين أبناء البيت
البويهى إلى تطلع قوى أخرى من خارج البيت البويهى
للاستيلاء على مقاليد الحكم فى دولة الخلافة العباسية، كما
شغل هذا الصراع البويهيين عن توجيه أذاهم إلى الخليفة
العباسى «القادر بالله»، الذى ظل واحدًا وأربعين عامًا على
كرسى الخلافة حتى تُوفِّى سنة (422هـ = 1031م).(14/262)
*البويهيون
ينتسب البويهيون إلى «أبى شجاع بويه» الذى نشأ فى «بلاد
الديلم» التى تقع جنوبى غربى «بحر قزوين» أو «بحر الخزر»
بين منطقتى «طبرستان» و «الجبال». وكانت هذه البلاد معقلاً
لنفوذ العلويين، فانتشر فيها التشيع. ورغم أن «أبا شجاع
بويه» كان فقيرًا فإنه كان يتحلى بروح المغامرة والشجاعة،
كما تشرب الروح الشيعية التى كانت سائدة فى «بلاد الديلم».
وقد انضم «أبو شجاع» إلى العلويين فى صراعهم مع
السامانيين، ومع ذلك فلم يكن هو المؤسس الحقيقى لأسرة
«بنى بويه»، وإنما كان أبناؤه الثلاثة «على»، و «حسن»،
و «أحمد» هم الذين قاموا بذلك، فقد التحق أبناؤه بخدمة «ماكان
بن كاكى» أحد القواد البارزين المناصرين للداعية الشيعى
«الحسن بن على»، الملقب بالأطروش، وأبرزوا تميزًا فى خدمته
فارتقوا من مرتبة الجنود إلى رتبة القادة، ثم حدث صراع بين
«ماكان» و «مرداويج بن زيار» أحد القادة الفرس فى منطقة
«الديلم»، وأحس أبناء «بويه» أن كفة «مرداويج» هى الراجحة
فى هذا الصراع، فانضموا إليه، فيما بين عامى (316و317هـ=
928 و 929م)، وكان ذلك بداية تمكن نفوذهم فى فارس
والمناطق المحيطة بها. وقد ظهر «بنو بويه» - أو البويهيون -
على مسرح الأحداث فى أواخر عصر نفوذ الأتراك، فبدءوا منذ
عام (321هـ= 933م) يؤسسون لأنفسهم مناطق نفوذ تخضع
لسيطرتهم التامة، فاستولوا على «فارس»، و «شيراز»
و «أصبهان»، و «الرى»، و «همذان» و «الكرج» و «كرمان»،
وأغراهم ذلك على التطلع إلى مد نفوذهم إلى «العراق» موطن
الخلافة العباسية. وقد ساعدهم على ذلك تضاؤل النفوذ التركى،
واشتداد الصراع على منصب «أمير الأمراء» الذى ابتدعه الخليفة
«الراضى بالله» سنة (324هـ= 936م)، مما أدى إلى تمزق الكلمة
وضعف الجبهة التى يمكن أن تحمى دار الخلافة فلم يجد «أحمد
بن بويه» أى صعوبة فى دخول «بغداد» والسيطرة عليها بدون
قتال فى (الحادى عشر من جمادى الأولى سنة334هـ = يناير(14/263)
سنة 946م) .. وعندما دخل «أحمد بن بويه» «بغداد» فى جمادى
الأولى سنة (334هـ= ديسمبر سنة 945م) كان «المستكفى بالله»
هو الخليفة العباسى، ولم يكن أمامه إلا أن يظهر الترحيب به، بل
إنه زاد على ذلك فخلع عليه الخُلَع ولقبه «معز الدولة»، كما لقَّب
أخاه «عليا» «عماد الدولة»، وأخاه «الحسن» «ركن الدولة»،
وأمر بأن تُضرَبَ ألقابهم وكُناهم على الدنانير والدراهم، وكان
«على بن بويه» حاكمًا لإقليم «فارس»، و «الحسن ابن بويه»
حاكمًا لعدة أقاليم أهمها «الرى»،و «الجبل»،و «أصفهان»، فى
حين دخل أخوهم الأصغر «أحمد» «بغداد». وقد تدهورت أحوال
«الخلافة العباسية»، واندثرت معالمها من الناحية الواقعية حينما
سيطر البويهيون على «بغداد»، فقد جردوا الخليفة من كل
سلطاته، وعدُّوه مجرد موظف مهمته إضفاء صفة الشرعية على
سلطانهم لدى جماهير المسلمين، فحددوا له راتبه، وسلبوه حقه
فى تعيين الوزراء، وسمحوا له بأن يتخذ كاتبًا (سكرتيرًا) فقط
يشرف على أمواله. ورغم أن البويهيين كانوا شيعة، فإنهم لم
يسقطوا الخلافة العباسية السُنِّية فى «بغداد»، ليحلوا محلها
خلافة علوية شيعية تتفق مع مذهبهم، وسبب ذلك علمهم أن
وجود خليفة من العلويين يهدد ملكهم وسلطانهم، وليس الأمر
كذلك مع الخليفة السنِّى الذى يستطيعون هم أن يفعلوا به ما
يشاءون. وقد برهن سلوك البويهيين مع الخليفة «المستكفى»
على صدق ذلك، فقبل مرور شهر على دخولهم «بغداد» دخل
«معز الدولة أحمد بن بويه» على الخليفة «المستكفى»، فوقف
الناس حسب مراتبهم، فتقدم اثنان من الديلم - وهم قوم «معز
الدولة» - فمدَّ الخليفة يده إليهما ظنا منه أنهما يريدان تقبيلها،
فجذباه وطرحاه أرضًا، وجرَّاه بعمامته، ثم هجم «الديلم» على
دار الخلافة ونهبوها، وسار «معز الدولة» إلى منزله، وساقوا
الخليفة «المستكفى» ماشيًا إليه، ثم انتهت هذه المأساة بخلع
«المستكفى» وسمل عينيه. وإذا استبعدنا خلافة «المستكفى»،(14/264)
فإننا نجد أن الخلفاء الذين شهدوا عصر نفوذ البويهيين كانوا
أربعة هم: 1 - المطيع لله «أبو القاسم الفضل بن المقتدر بن
المعتضد» [334 - 363هـ = 945 - 974م]. 2 - الطائع لله «أبو بكر
عبدالكريم بن المطيع» [363 - 381هـ= 974 - 991م]. 3 - القادر بالله
«أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر» [381 - 422 هـ= 991 -
1031م]. 4 - القائم بأمر الله «أبو جعفر عبدالله بن القادر» [422 -
467هـ= 1031 - 1075م]. أولاً: خلافة المطيع لله: بعد أن أمر «معز
الدولة أحمد ابن بويه» بخلع «المستكفى» فى (جمادى الآخرة
سنة 334هـ= 945م)، أحضر «أبا القاسم الفضل ابن المقتدر»
وبايعه بالخلافة، ولقَّبه بالمطيع لله، وعمره - حينئذٍ- أربع
وثلاثون سنة، وحدد له «معز الدولة» راتبًا مائة دينار فى اليوم.
وقد شهدت خلافة «المطيع» أحداثًا كثيرة، أولها: نشوب الصراع
بين البويهيين فى «بغداد» بزعامة «معز الدولة» (أحمد بن
بويهـ)، وبين الحمدانيين فى «الموصل» بزعامة «ناصر الدولة»
(الحسين بن عبداللهـ)، وقد استمر هذا الصراع طويلاً فى محاولة
كل منهما الإطاحة بالآخر، وفى (المحرم سنة 335هـ = أغسطس
سنة 946م) تم الصلح بين «معز الدولة البويهى» وبين «ناصر
الدولة الحمدانى» على أن يدفع «ناصر الدولة» الخراج للبويهيين
فى «بغداد» كل عام. وفى سنة (336هـ= 947م) استطاع «معز
الدولة» أن يستولى على «البصرة» بعد هروب صاحبها «أبى
القاسم عبدالله بن أبى عبدالله البريدى» إلى القرامطة فى
«هجر». وجدير بالذكر أن «معز الدولة» كان نائبًا فى «بغداد»
عن أخيه الأكبر «عماد الدولة» (على بن بويهـ) فى «فارس»، ثم
عن أخيه الأوسط «ركن الدولة» (الحسن بن بويهـ)، عقب وفاة
«عماد الدولة». ورغم أن الخليفة العباسى كان تحت سيطرة
البويهيين فإنهم كانوا يخضعون له من الناحية الشكلية فقط.
وقد حاول البويهيون صبغ «العراق» بمذهبهم الشيعى، واتخذ(14/265)
«معز الدولة» فى سبيل ذلك خطوات بالغة الخطورة أسهمت فى
إثارة عوامل الفتنة والاضطراب داخل مجتمع «العراق»؛ ففى
(ربيع الآخر سنة 351= مايو سنة 962م) أصدر «معز الدولة» أمرًا
بأن يُكتَب على المساجد لَعْنُ «معاوية بن أبى سفيان» وغيره
من الصحابة كأبى بكر و «عمر»؛ حيث يتهمهم الشيعة بإساءة
معاملتهم وغصبهم حقوقهم، ولم يستطع الخليفة العباسى منع
ذلك، وفى العاشر من (المحرم سنة 352هـ= يناير سنة 963م)
أصدر «معز الدولة» أمرًا بتوقف الناس عن البيع والشراء فى ذلك
اليوم، وإظهار البكاء والعويل، وأمر النساء أن يخرجن حاسرات
الرءوس قد شققن ثيابهن وهن يلطمن الوجوه على «الحسين ابن
على بن أبى طالب» فى ذكرى استشهاده بكربلاء، وكان هذا
أول يوم يحدث فيه ذلك ببغداد، ولم يستطع الخليفة وأهل السنة
أن يمنعوا ذلك لكثرة الشيعة ومناصرة السلطان «معز الدولة»
لهم. وقد أحدثت هذه المظاهر الشاذة آثارها السيئة بين الناس،
ففى العاشر من (المحرم سنة 353هـ= يناير سنة 964م) - على
سبيل المثال - تم إغلاق الأسواق فى «بغداد»، وفعل الناس ما
تقدم ذكره، فثارت فتنة عظيمة بين الشيعة والسنة، أُصيب فيها
كثيرون ونُهبت الأموال، وجدير بالذكر أن هذه الممارسات التى
شجعها البويهيون ماتزال آثارها موجودة حتى الآن. ومن أهم ما
سجله «معز الدولة» من انتصارات: تخليص «عُمان» فى (ذى
الحجة سنة 355هـ = نوفمبرسنة 966م) من يد القرامطة الذين
كانوا قد استولوا عليها وعاثوا بها فسادًا، فأصبحت بذلك ضمن
مملكة البويهيين. ظل «معز الدولة» اثنين وعشرين عامًا يدير
الأمور فى «بغداد»، حتى تُوفِّى فى الثالث عشر من (ربيع الآخر
سنة 356هـ= مارس سنة 967م)، فتولى ابنه «بختيار» إمارة
«العراق» بعهد منه، ولُقب «عز الدولة». وقد قدم «عز الدولة»
صورة صارخة لانصرافه عن المهام الكبرى واهتمامه بملذاته
الشخصية، فقد أنفق وقته فى اللهو والتسلية وعِشرة النساء(14/266)
والاستماع إلى الغناء، واستولى على أموال كبار رجال الدولة
وعلى رأسهم الخليفة فى سبيل ذلك. ففى سنة (361هـ= 972م)
هاجم الروم ثغور «الجزيرة» ومن بينها «الرها» و «نصيبين»،
فأحرقوا البلاد وخربوها وغنموا وسلبوا ما استطاعوا ولم يجدوا
من يردعهم بعد وفاة «سيف الدولة الحمدانى» سنة (356هـ=
967م)، فسار جماعة من أهل «الجزيرة» إلى «بغداد» لاستنفار
المسلمين ضد الروم، فاستعظم الناس ذلك، وتوجهوا إلى «عز
الدولة بختيار»، وأنكروا عليه انشغاله باللهو والصيد عن جهاد
الروم الذين انتهكوا حرمة دار الإسلام، فوعدهم بالإعداد لغزوهم،
واتصل بالخليفة «المطيع لله» يطلب منه المال ليجهز به المسلمين
للغزو، ولكن «المطيع لله» أجابه بقوله: «إن الغَزاة والنفقة
عليها، وغيرها من مصالح المسلمين تلزمنى إذا كانت الدنيا فى
يدى، وتُجبَى إلىَّ الأموال، وأما إذا كانت حالى هذه فلا يلزمنى
شىء من ذلك، وإنما يلزم مَن البلاد فى يده، وليس لى إلا
الخطبة، فإن شئتم أن أعتزل فعلت»، فهدد «بختيار» الخليفة
«المطيع» واضطره إلى دفع أربعمائة ألف درهم، فلما قبضها
«عز الدولة» صرفها فى مصالحه وملذاته! ونتيجة لسوء طبع
بختيار واضمحلال شخصيته، بدأت أسباب الشقاق والفتنة تظهر
بين البويهيين، فقد حاول ابن عمه «ركن الدولة» والملقب فيما
بعد «عضد الدولة» انتزاع «العراق» من «بختيار» ولكن والده
«ركن الدولة» اعترض على ذلك، فاضطر «عضد الدولة» إلى
تأجيل ذلك إلى ما بعد وفاة والده. ولعل من أخطر الأحداث التى
شهدتها خلافة «المطيع لله» سيطرة الفاطميين على «مصر» سنة
(358هـ= 969م) وكانت «مصر» حينئذٍ تحت حكم الإخشيديين الذين
كانوا يخضعون للخليفة العباسى من الناحية الشكلية، فلما
دخلها القائد الفاطمى «جوهر الصقلى» فى (شعبان سنة 358هـ=
يونيو سنة 969م)، شرع فى بناء مدينة «القاهرة»؛ لتصبح
عاصمة للفاطميين، كما بنى الجامع الأزهر سنة (361هـ= 972م)،(14/267)
وظل حاكمًا لمصر نيابة عن مولاه «المعز لدين الله» (7) حتى سنة
(362هـ= 973م)، حين قدم «المعز» إلى «مصر» فى رمضان من
هذه السنة، فقام بالأمر وأصبحت «مصر» منذ ذلك الوقت مقرا
للخلافة الفاطمية الشيعية حتى سنة (567هـ= 1172م). ظل
«المطيع لله» فى الخلافة ما يقرب من «ثلاثين عامًا»، حتى
أُصيب بالفالج - وهو الشلل النصفى - فى أواخر حياته فتعذرت
حركته وثقل لسانه، مما دعا «سُبُكْتكين»، حاجب «عز الدولة
بختيار» إلى أن يطلب منه خلع نفسه وتسليم الخلافة إلى ابنه
«عبدالكريم»، فتم ذلك فى (13من ذى القعدة سنة 363هـ= يوليو
سنة 974م)، ولقب «عبدالكريم» بالطائع لله. ثانيًا: خلافة الطائع
لله (363 - 381هـ= 974 - 991م). تولى «الطائع لله» الخلافة فى
(ذى القعدة سنة 363هـ= يوليو سنة 974م) وعمره ثلاث وأربعون
سنة، وقد تُوفِّى والده «المطيع لله» بعد ذلك بفترة قصيرة، فى
(سنة المحرم سنة 364هـ= سبتمبر 974م). فى بداية خلافة
«الطائع لله» حدثت الفتنة بين «عضد الدولة بن ركن الدولة»،
وابن عمه «بختيار بن معز الدولة»، فقد شجع «عضد الدولة» جند
«بختيار» على الثورة عليه ووعدهم بالإحسان إليهم والنظر فى
أمورهم، فثار عليه الجند وتم القبض على «بختيار» وحبسه فى
(جمادى الآخرة سنة 364هـ= فبراير سنة 975م)، وأصبحت
«بغداد» و «العراق» تحت سلطان «عضد الدولة» .. وقد عز على
«ركن الدولة» أمير أمراء البيت البويهى ووالد «عضد الدولة» أن
يتصرف ابنه «عضد الدولة» مع ابن أخيه «بختيار» بهذه الصورة،
فكتب إلى أنصار «بختيار» يساندهم ويأمرهم بالثبات والصبر
ويعرفهم أنه عازم على المسير إلى «العراق» لإخراج «عضد
الدولة» وإعادة «بختيار»، فانصرف أنصار «عضد الدولة» عنه
واضطر إلى الإذعان لإرادة أبيه، فأخرج «بختيار» من سجنه ورد
إليه ما سلبه من سلطانه، وعاد إلى «فارس» فى (شوال سنة
364هـ= يونيو سنة 975م)، وكان الخليفة «الطائع لله» مسلوب(14/268)
الإرادة خلال هذه الفتنة، لاحول له ولا قوة. وقد قسم «ركن
الدولة» ملكه بين أولاده فى (جمادى الأولى سنة 365هـ= يناير
سنة 976م) فجعل لابنه «عضد الدولة» ملك البلاد من بعده،
ولولده «فخر الدولة» (أبى الحسن على) «همدان» وأعمال
«الجبل»، ولولده «مؤيد الدولة» (أبى منصور بويهـ) «أصبهان»
وأعمالها، وجعلهما تحت رئاسة أخيهما «عضد الدولة»،
وأوصاهم بالاتفاق وترك التنازع. وفى (المحرم سنة 366هـ=
أغسطس سنة 976م) تُوفِّى «ركن الدولة» فأصبح ابنه «عضد
الدولة» زعيم البويهيين بلا منازع. وفى العام نفسه حشد «عضد
الدولة» جنوده لغزو «العراق»، وكان «بختيار» ووزيره «أبو
طاهر محمد بن محمد بن بقية» يعلمان نيات «عضد الدولة» فحاولا
استمالة كبار الأمراء من حكام الأقاليم المختلفة، مثل «فخر الدولة
بن ركن الدولة»، و «أبى تغلب بن حمدان» وغيرهما، وحدثت
بعض المعارك بين جيوش «عضد الدولة» وجيوش «بختيار» سنة
(366هـ= 976م) انتهت بهزيمة «بختيار» وفراره من «بغداد» إلى
«الموصل» حيث تحالف مع واليها «أبى تغلب بن حمدان» ضد
«عضد الدولة»، فسار إليهما «عضد الدولة» وهزمهما بالقرب من
«تكريت» فى (شوال سنة 367هـ= مايو سنة 978م) وأسر
«بختيار» وقتله، وضم مملكة الحمدانيين فى «الموصل»
و «الجزيرة» إلى أملاكه، واتخذ «العراق» مقرا لحكمه. اهتم
«عضد الدولة» بدعم سلطانه وتوسيع أملاكه؛ ففى سنة (368هـ=
978م) فتح «ميَّافارقين» و «آمد» و «ديار بكر»، و «ديار مضر»
منهيًا بذلك نفوذ «أبى تغلب ابن حمدان» فى بلاد «الجزيرة».
وفى عام (369هـ= 979م) استولى على الأقاليم الخاضعة لأخيه
«فخر الدولة» بسبب وقوفه إلى جانب «بختيار»، فاستولى
على «همدان» و «الرى» وما بينهما من البلاد، وعين عليها أخاه
«مؤيد الدولة» نائبًا عنه فى حكمها، وفى سنة (371هـ= 981م)
ضم إلى نفوذه بلاد «جرجان» و «طبرستان» بعد أن أجلى عنها
صاحبها «قابوس ابن أبى طاهر» و «شمكير» (أحد أمراء آل(14/269)
زيار) (8)، فتعاظم بذلك نفوذ «عضد الدولة» وذاع صيته وتمكنت
هيبته، وكان أول من خوطب بشاهنشاه فى الإسلام، وأول من
خُطب له على منابر «بغداد» بعد الخلفاء. وقد كان لعضد الدولة
إنجازات حضارية بالإضافة إلى أمجاده الحربية، فبعد دخوله
«بغداد» بدأ فى عمارتها، كما أمر بإخراج أموال الصدقات
وتسليمها للقضاة وأعيان الناس، لإعانة من يستحق، وبدفع
أموال للعاطلين الذين يتعذر عليهم الحصول على العمل، بما
يكفى احتياجاتهم، ثم يردونها بعد ذلك إذا عملوا. كما اهتم
«عضد الدولة» بالعلم والعلماء، وأغدق عليهم العطاء وأحاطهم
بمظاهر التكريم، وقد كان مجلسه منتدى للعلماء، تدور فيه
المناقشات الدقيقة فى فروع العلم المختلفة، وكان يشترك مع
العلماء فى هذه المناقشات ويعارضهم فى المسائل، ومن أبرز
هؤلاء العلماء «أبو على الفارسى» الذى صنَّف له كتاب
«الإيضاح» و «التكملة» فى النحو، وكان «عضد الدولة» يقول:
«أنا غلام أبى على فى النحو»، ومنهم أيضًا «أبو إسحاق
الصابى» الذى صنف لعضد الدولة كتاب «التاجى فى أخبار بنى
بويه». وكان «عضد الدولة» يحب الشعر ويطرب له، ويقرضه
أحيانًا، ويغمر الشعراء بفيض كرمه وجزيل عطائه، فقصده عدد
من فحول الشعراء فى عصره، وكتبوا فيه أروع قصائد المديح،
وفى مقدمتهم «أبو الطيب المتنبى» سنة (354هـ= 965م)، و «أبو
الحسن محمد بن عبدالله السَّلامى أبرز شعراء «العراق»، وكان
«عضد الدولة» يقول: «إذا رأيت السَّلامى فى مجلسى ظننت أن
عطارد قد نزل من الفَلك إلىَّ ووقف بين يدى». وقد اقتدى
«مؤيد الدولة» و «فخر الدولة» بأخيهما «عضد الدولة» فى
تشجيع العلم وإكرام أهله، فعين «مؤيد الدولة» «الصاحبَ بن
عباد» وزيرًا له سنة (366هـ= 976م)، وكان من أعظم رعاة العلم
والأدب، وعقب وفاة «مؤيد الدولة» واستيلاء أخيه «فخر الدولة»
على مملكته أقر «الصاحب بن عباد» على وزارته، وعين مفكر(14/270)
المعتزلة المشهور «عبدالجبار بن أحمد» قاضى قضاة للرى سنة
(367هـ= 978م) لصلته بالصاحب بن عباد، ثم عزله «فخر الدولة»
سنة (385هـ= 995م) حينما تُوفِّى «الصاحب بن عباد». وتُوفِّى
«عضد الدولة» فى (شوال سنة 372هـ= مارس سنة 983م)، وعمره
ثمانٍ وأربعون سنة (9)، وقد تركت وفاته فراغًا هائلاً تعذر على
خلفائه أن يملئوه. وكان أخطر ما ترتب على وفاة «عضد
الدولة»، الصراع الذى نشب بين أولاده الخمسة على السلطة،
وهم: «أبو كاليجار المرزبان» (صمصام الدولة)، و «أبو الحسين
أحمد»، و «أبو طاهر فيروز شاه»، و «أبو الفوارس شيرزيل»
الملقب «شرف الدولة»، و «أبو نصر فيروز» الملقب «بهاء
الدولة». وقد استقر الأمراء والقادة على اختيار «أبى كاليجار
المرزبان» ليكون خلفًا لأبيه «عضد الدولة»، ولقبوه «صمصام
الدولة» وأقر الخليفة «الطائع لله» هذا الاختيار وخلع على
«صمصام الدولة» سبع خلع، ولقبه «شمس الملة»، فلم يكن
للخليفة دور سوى إقرار ما يتفق عليه القادة والأمراء. وقد واجه
«صمصام الدولة» انشقاقًا من أخيه «شرف الدولة» الذى استطاع
الاستقلال ببلاد «فارس» والاستيلاء على «البصرة»، وتعيين
أخيه «أبى الحسين أحمد» نائبًا عنه فى حكمها، كما تمكن من
هزيمة الجيش الذى أرسله إليه «صمصام الدولة» ليسترد منه بلاد
«فارس». وقد استطاع «صمصام الدولة» استمالة عمه
«فخرالدولة» إلى صفه فى هذا الصراع، ولكن جنده فى
«بغداد» ثاروا عليه وأعلنوا بيعتهم لشرف الدولة، ورغم أن
«صمصام الدولة» قضى على هذه الثورة فإنه لم يستطع وضع
حد لازدياد قوة أخيه «شرف الدولة». ففى سنة (375هـ= 985م)
استولى «شرف الدولة» على «الأهواز» وقبض على أخيه «أبى
طاهر فيروز شاه» المناصر لصمصام الدولة، وفى (رمضان سنة
376هـ= يناير سنة 987م) استولى على «العراق» ودخل «بغداد»
وقبض على أخيه «صمصام الدولة»، فذهب إليه الخليفة وهنأه
بالسلطنة. لم يستمر «شرف الدولة» طويلاً فى إمارته على(14/271)
«العراق»، فقد تُوفِّى فى غرة (جمادى الأولى سنة 379هـ=
أغسطس سنة 989م)، ولم يجد حرجًا وهو فى مرض موته أن يأمر
بِسَمْل عينى أخيه «صمصام الدولة» وهو فى سجنه. وخلف
«شرف الدولة» أخوه «أبو نصر فيروز»، الذى لقبه الخليفة
«بهاء الدولة وضياء الملة»، ولكن العلاقة بين «بهاء الدولة أبى
نصر فيروز» وبين الخليفة «الطائع» وصلت بعد قليل إلى الحد
الذى جعل «بهاء الدولة» يقوم بعزل الخليفة؛ فقد قلت الأموال
عند «بهاء الدولة»، وثار جنده عليه، فاقترح عليه أحد خواصه
وهو «أبو الحسن بن المعلم»، أن يقبض على الخليفة «الطائع»
ويستولى على أمواله، فدخل «بهاء الدولة» على الخليفة ومعه
جمع كثير، وتقدم أحد رجاله كأنه يريد أن يقبل يد الخليفة،
فجذبه فأنزله عن سريره والخليفة يقول: «إنا لله وإنا إليه
راجعون»، ويستغيث دون أن يلتفت إليه أحد، وتم الاستيلاء على
أمواله، وحُمِل الخليفة إلى دار «بهاء الدولة»؛ حيث أُرغِم على
خلع نفسه فى (التاسع عشر من شعبان سنة (381هـ= أكتوبر
سنة 991م) بعد أن استمر فى الخلافة ما يقرب من ثمانية عشر
عامًا، كان خلالها مسلوب الإرادة. ثالثًا: خلافة القادر بالله (381 -
422هـ= 991 - 1031م). هو «أبو العباس أحمد بن إسحاق بن
المقتدر»، اختاره «بهاء الدولة» بعد خلع «الطائع لله» لتولِّى
الخلافة، وكان غائبًا عن «بغداد»، فلما وصله الخبر حضر إليها
وبايعه «بهاء الدولة» والناس فى (رمضان سنة 381هـ= نوفمبر
سنة 991م)، وعمره خمسة وأربعون عامًا. وقد دامت خلافة
«القادر بالله» إحدى وأربعين سنة وحفلت بالكثير من الأحداث
والتطورات، وأهمها: أ - ازدياد التفكك فى البيت البويهى: فقد
نشب الصراع بين «بهاء الدولة»، وأخيه «صمصام الدولة» ولم
يكن فى «بنى بويه» أظلم من «بهاء الدولة» ولا أقبح سيرة
منه، ففى سنة (383هـ= 993م) قام بمحاولة للاستيلاء على
المنطقة الخاضعة لإمارة أخيه «صمصام الدولة» فى بلاد «فارس»(14/272)
و «أرَّجان»، فانتهت هذه المحاولة بعكس ما كان يهدف إليه؛
حيث تمكن «صمصام الدولة» من الاستيلاء على «خوزستان»
الخاضعة لبهاء الدولة، وبدد شمل الجيش الذى أرسله «بهاء
الدولة». وفى سنة (384هـ = 994م) استطاع «بهاء الدولة» أن
يهزم «صمصام الدولة»، وأن يسترد منه بعض ما خسره قبل ذلك.
وقد تجدد الصراع بينهما مرات عديدة، ووصل فى إحدى مراحله
إلى استيلاء «صمصام الدولة» على «البصرة» فى «العراق» سنة
(386هـ= 996م)، ولم يتوقف هذا الصراع بين «بهاء الدولة»
و «صمصام الدولة» إلا بمقتل «صمصام الدولة» على يد بعض أبناء
«عز الدولة بختيار»؛ انتقامًا لمقتل أبيهم «بختيار» على يد
«عضد الدولة»، والد «صمصام الدولة»، وذلك فى (ذى الحجة
سنة 388هـ= 998م). وعقب مقتل «صمصام الدولة» أراد بعض
أبناء «بختيار» الاستيلاء على «فارس»، فنشب الصراع بينهم
وبين «بهاء الدولة» وانتهى بهروبهم ومقتل أحدهم واسمه «أبو
نصر» على يد أنصار «بهاء الدولة» سنة (390هـ = 1000م). وقد
تُوفِّى «بهاء الدولة» (أبو نصر فيروز بن عضد الدولة) فى
(جمادى الآخرة سنة 403هـ = ديسمبر سنة 1012م)، فخلفه على
إمارة «العراق» ابنه «أبو شجاع فخر الملك»، الذى لقبه الخليفة
«القادر بالله» «سلطان الدولة»، فولى أخاه «جلال الدولة» «أبا
طاهر» إمارة «البصرة» وأخاه «قوام الدولة أبا الفوارس»
«كرمان». ونشب صراع مرير بين أبناء «بهاء الدولة»: «سلطان
الدولة» و «جلال الدولة»، و «قوام الدولة»، و «مشرف الدولة»
الذى استطاع الاستيلاء على «العراق» سنة (411هـ = 1020م)
وبعد وفاة «سلطان الدولة» فى (شوال سنة 415هـ = ديسمبر
سنة 1024م) خلفه ابنه «أبو كاليجار» على إمارة «فارس»
و «كرمان»، ودخل فى صراع مع عمه «أبى الفوارس بن بهاء
الدولة» الذى استطاع الاستيلاء على «كرمان»، وأرغم «أبا
كاليجار» على دفع خراج له قيمته عشرون ألف دينار، إلا أن
«أبا كاليجار» استرد «كرمان» بدون قتال عقب وفاة عمه «أبى(14/273)
الفوارس» سنة (419هـ = 1028م). وعقب وفاة «مشرف الدولة»
تولى أخوه «أبو طاهر جلال الدولة» - أمير «البصرة» - إمارة
«العراق»، لكنه لم يتمكن من دخول «بغداد»؛ حيث منعه أنصار
ابن أخيه «أبى كاليجار» من دخولها، تمهيدًا لقدوم «أبى
كاليجار» وسيطرته على «العراق»، ولكن ذلك لم يحدث لانشغاله
بصراعه مع عمه «أبى الفوارس»، وبقيت «بغداد» بدون أمير
بويهى لمدة عامين وبضعة أشهر، مما دعا رؤساء الجند إلى أن
يطلبوا من الخليفة «القادر بالله» أن يرسل إلى «جلال الدولة»
ليحضر إلى «بغداد» ويتسلم الإمارة؛ جمعًا للكلمة وحسمًا
للخلاف، فاستجاب الخليفة لهم ودخل «جلال الدولة» «بغداد» فى
(رمضان سنة 418هـ = سبتمبر سنة 1027م)، إلا أنه ما لبث أن
دخل فى صراع مع ابن أخيه «أبى كاليجار»، الذى أراد انتزاع
«العراق» من عمه «جلال الدولة»، واستمر الصراع بينهما بين
النصر والهزيمة لهذا الطرف أو ذاك حتى وفاة «جلال الدولة»
سنة (435هـ= 1044م). وقد أدى الصراع المستمر بين أبناء البيت
البويهى إلى تطلع قوى أخرى من خارج البيت البويهى
للاستيلاء على مقاليد الحكم فى دولة الخلافة العباسية، كما
شغل هذا الصراع البويهيين عن توجيه أذاهم إلى الخليفة
العباسى «القادر بالله»، الذى ظل واحدًا وأربعين عامًا على
كرسى الخلافة حتى تُوفِّى سنة (422هـ = 1031م).(14/274)
*الصفارية (دولة)
أسسها «يعقوب بن الليث الصفَّار» (6) فى بلاد «فارس»
و «خراسان» على أنقاض «الدولة الطاهرية»، فى عهد «المعتز
بالله» (252 - 255هـ) بعد أن أظهر كفاءة ملحوظة فى محاربة
الخارجين على الخلافة والتخلص من الطاهريين بإذن من الخليفة
العباسى «المعتز بالله». واستطاع «يعقوب بن الليث» أن يضم
إلى «الدولة الصفارية» كثيرًا من الأماكن التى استطاع السيطرة
عليها فى بلاد «فارس» و «خراسان» وأعلن ولاء دولته - فى
البداية - للخلافة العباسية. وعندما تولى «المعتمد على الله»
الخلافة، أصر أخوه «الموفق» على أن يكون ولاء «الدولة
الصفارية» للخلافة ولاءً تاما لا صوريا، إلا أن «يعقوب بن الليث»
رفض ذلك، وتدهورت العلاقة بين الطرفين، وهدد «يعقوب»
بدخول عاصمة الخلافة وبسط سلطانه عليها، مما أدى إلى
حدوث صدام مسلح بين «الدولة الصفارية»، والخلافة فى منطقة
«واسط» بالعراق، وكان لظهور الخليفة العباسى «المعتمد» على
رأس جيش الخلافة أثر كبير فى هزيمة «يعقوب بن الليث»، ورغم
هزيمته فقد استمر فى تحدى الخلافة ورفض التفاهم معها حتى
تُوفى فى «جنديسابور» سنة (265هـ= 879م) ثم تولى رئاسة
«الدولة الصفارية» بعد وفاة «يعقوب بن الليث» أخوه «عمرو بن
الليث»، الذى كان حريصًا على كسب ود الخلافة حتى يؤكد
سلطانه الروحى فى بلاده، فاعترف به الخليفة «المعتمد» واليًا
على «خراسان» و «السِّند» و «سجستان» و «كرمان» و «فارس»
و «أصبهان»، وعندما تولى «المعتضد» الخلافة بعد وفاة عمه
«المعتمد» أقر «عَمْرًا» على ما فى يده. وقد نشط «عمرو» فى
توسيع حدود دولته وتطلع إلى غزو بلاد «ما وراء النهر»، حيث
«الدولة السامانية»، وعبر نهر «جيحون» ولكن السامانيين
تصدوا له بقيادة زعيمهم «إسماعيل بن أحمد السامانى»
وهزموه، وأخذوه أسيرًا إلى الخليفة «المعتضد» الذى سجنه
حتى مات فى سجنه سنة (287هـ= 900م)، وقد تولى زعامة(14/275)
الصفاريين بعد هزيمة «عمرو» وأسره حفيده «طاهر بن محمد بن
عمرو»، ولكن أحوال الصفاريين تدهورت بشدة خلال هذه الفترة
نتيجة الهجمات المتلاحقة التى شنها عليهم السامانيون، وسقطت
دولتهم سنة (289هـ= 902م). وقد لاحظ المؤرخون أن قادة هذه
الدولة اتبعوا فى حياتهم مبدأ العدالة والمساواة والأخوة، والبعد
عن مظاهر الترف، فكانت حياة رئيس الدولة لا تكاد تختلف فى
مظهرها عن حياة أحد جنوده، وكان العطاء يوزع بالإنصاف
والعدل، وقد ازدهر اقتصاد الدولة نتيجة البعد عن إنفاق الأموال
فى غير وجوهها، فيروى أن «يعقوب ابن الليث» ترك فى خزانة
الدولة عند وفاته ثمانين مليون دينار وخمسين مليون درهم،
ولكن يؤخذ عليه اعتداده بقوته وطاعة جنده فتمرد على الخلافة
وحاول الاستقلال عنها؛ مما زعزع ثقتها به وكان له آثاره
السلبية فى تماسك الدولة واستمرارها.(14/276)
*السامانية (دولة)
ظهر السامانيون على المسرح السياسى لدولة الخلافة العباسية
فى عصر الخليفة «المأمون» (198 - 218هـ= 813 - 833م)، وسموا
بذلك نسبة إلى قرية «سامان» القريبة من «سمرقند»؛ حيث
كانوا يتوارثون إمارتها، ويسمى أميرهم «سامان خداه»، أى
كبير قرية «سامان» وصاحبها. وقد اعتنق أحد السامانيين
الإسلام أثناء خلافة الأمويين، وسمى ابنه «أسدًا»، كاسم حاكم
«خراسان» فى عهد «هشام بن عبدالملك»، واسمه «أسد بن
عبدالله القسرى». وطال العمر بأسد السامانى حتى أدرك
«المأمون»، فذهب إليه فى «مرو»، قبل انتقاله إلى «بغداد»
(فى الفترة من سنة 193هـ= 809م إلى سنة 202هـ = 817م)،
ومعه أبناؤه الأربعة: «نوح» و «أحمد»، و «إلياس»، و «يحيى»،
فاحتفى بهم «المأمون» وألحقهم بخدمته. وبعد انتقال
«المأمون» إلى «بغداد» أمر بإسناد عمل إلى كل واحد من
أبناء «أسد السامانى»، فتم إسناد حكم «سمرقند» إلى
«نوح»، وحكم «فرغانة» إلى «أحمد»، وحكم «الشاش» إلى
«يحيى»، وحكم «هراة» إلى «إلياس»، فكان هذا مقدمة لتمكن
نفوذ السامانيين فى هذه المناطق المعروفة باسم «بلاد ما وراء
النهر» (نهر جيحون) .. وقد برز «أحمد بن أسد» حاكم «فرغانة»
على إخوته، وكان له سبعة أبناء هم «نصر» و «يحيى»
و «يعقوب» و «إسماعيل» و «إسحاق» و «أسد» و «حميد»، وعند
وفاته سنة (250هـ= 864م) حل محله ابنه الأكبر «نصر»، ودان له
باقى إخوته بالطاعة والولاء. وفى سنة (261هـ= 875م) حدَث
التحول الحاسم فى تاريخ السامانيين، حينما أسند الخليفة
«المعتمد على الله» ولاية جميع بلاد «ما وراء النهر» إلى «نصر
بن أحمد بن أسد السامانى»، فأقام «نصر» فى «سمرقند»،
وعين أخاه «إسماعيل» نائبًا عنه ببخارى وعهد إلى كل أخ من
إخوته الباقين بحكم إحدى الولايات، مما يمكن معه اعتبار عام
(261هـ= 875م) بداية تكوُّن «الدولة السامانية». وعقب وفاة
«نصر بن أحمد» فى «سمرقند» عام (279هـ= 892م) ضم أخوه(14/277)
«إسماعيل» «سمرقند» إلى ملكه، وأصبح هو الحاكم الأعلى
لكل بلاد «ما وراء النهر»؛ لذلك يرى بعض المؤرخين أن
«إسماعيل بن أحمد بن أسد السامانى» هو المؤسس الحقيقى
للدولة السامانية؛ حيث خضع له سائر الأمراء السامانيين، ووسع
حدود الدولة، فضم لها «خراسان» ومعظم البلاد التى كانت
خاضعة لنفوذ «الدولة الصفارية»، وبلغت «الدولة السامانية» قمة
مجدها فى عهده (من 279 - 295هـ= 892 - 908م) ثم فى عهد
حفيده «نصر بن أحمد بن إسماعيل» (301 - 331هـ= 913 - 943م)
وبدأت «الدولة السامانية» تتدهور منذ عهد «نوح بن نصر» (331
- 343هـ= 943 - 954م)، حتى سقطت فى يد الغزنويين سنة
(389هـ= 999م) .. وقد كانت «الدولة السامانية» ملتزمة بمذهب
أهل السنة، وكانت علاقتها بالخلافة العباسية علاقة احترام
وإجلال؛ حيث كان أمراؤها يعدون أنفسهم نوابًا عن الخليفة.
وقد ازدهرت الحياة العلمية فى عصر السامانيين، وكانت
«بخارى»، و «سمرقند» تنافسان «بغداد» فى مكانتها العلمية
والأدبية، بسبب تشجيع الأمراء السامانيين للعلم وحبهم للعلماء،
فقد سمح الأمير السامانى «أبو القاسم نوح بن منصور» (نوح
الثانى) لابن سينا باستخدام مكتبة قصره، كما قام الطبيب
والفيلسوف المشهور «أبو بكر الرازى» (251 - 313هـ= 865 -
925م) بإهداء كتابه المعروف فى الطب «المنصورى» إلى الأمير
السامانى «أبى صالح منصور بن إسحاق» أمير «سجستان».
وقد شهد الأدب الفارسى أيضًا عصره الذهبى خلال حكم
السامانيين، وعاش الشاعر الفارسى المعروف «الفردوسى»
شطرًا من حياته فى عصر «الدولة السامانية».(14/278)
*الحمدانية (دولة)
ينتمى الحمدانيون إلى «حمدان بن حمدون بن الحارث» من قبيلة
«تغلب»، وقد ظهر نفوذ «حمدان» فى شمال «العراق» سنة
(254هـ) أثناء خلافة «المعتز بالله»، وتعاون مع خوارج الجزيرة
فى شمال «العراق»، واستطاع أن يسيطر على بعض المواقع
الحصينة هناك، وأهمها «قلعة ماردين»، ولكن الخليفة «المعتضد
بالله» استطاع استردادها، وقبض على «حمدان» وسجنه. تعهد
«حسين بن حمدان» بالطاعة والولاء للخليفة «المعتضد» وساعده
فى حربه ضد الخوارج حتى هزمهم، فقربه الخليفة وعفا عن
والده «حمدان بن حمدون». وفى خلافة «المكتفى بالله» (289 -
295هـ= 902 - 908م) تعاظمت مكانة «حسين بن حمدان» وقام
بدور بارز فى الحرب ضد القرامطة وفى الحملة التى جهزها
العباسيون لاسترداد «مصر» من يد الطولونيين فى سنة (292هـ=
905م). وقد شارك «حسين بن حمدان» فى المؤامرة الفاشلة
التى دبرها أنصار «ابن المعتز» لخلع «المقتدر»، وهرب حتى
عفا عنه «المقتدر» وأسند إليه ولاية بعض البلاد وأهمها «ديار
ربيعة» بالجزيرة سنة (298هـ= 911م)، إلا أنه حدث بينه وبين
«على بن عيسى» وزير «المقتدر» نزاع انتهى بالقبض عليه،
وقتله فى سجنه سنة (306هـ= 918م) .. ورغم أن «حسين بن
حمدان» كان من أعظم الأمراء بأسًا وشجاعة، وكان أول من
ظهر أمره من ملوك «بنى حمدان» فإن أخاه «أبا الهيجاء
عبدالله بن حمدان» كان أعمق تأثيرًا وأوسع نفوذًا فى تاريخ
الأسرة الحمدانية، وقد ولاه الخليفة «المكتفى» إمارة «الموصل»
وتوابعها سنة (293هـ= 906م)، ويعد «أبو الهيجاء عبدالله بن
حمدان» المؤسس الحقيقى لمملكة الحمدانيين فى «الموصل»،
التى ظل حاكمًا لها إلى أن قتل سنة (317هـ= 929م) عقب
اشتراكه فى المؤامرة الفاشلة لخلع الخليفة «المقتدر»، وقد خلفه
ابنه «حسن» الملقب بناصر الدولة، واستطاع أن يمد سلطانه على
أقاليم الجزيرة الثلاثة: «ديار ربيعة»، و «ديار مضر» و «ديار(14/279)
بكر»، بإذن من الخليفة «الراضى»، حتى أقعدته الشيخوخة،
فخلفه على الحكم ابنه «فضل الله أبو تغلب الغضنفر» سنة
(353هـ= 964م) .. وقد دخل «ناصر الدولة» وابنه «أبو تغلب
الغضنفر» فى صراع طويل مع البويهيين، أصحاب السلطة فى
«العراق» منذ سنة (334هـ = 945م)، وانتهى هذا الصراع بهزيمة
«أبى تغلب الغضنفر» أمام «عضد الدولة البويهى» سنة (368هـ=
979م)، وانتهت بذلك مملكة الحمدانيين فى «الموصل»
و «الجزيرة». أما «الدولة الحمدانية» فى «حلب»، فقد أسسها
«على بن أبى الهيجاء عبدالله بن حمدان»، الملقب بسيف الدولة؛
حيث استطاع بمعاونة أخيه الأكبر «ناصر الدولة» انتزاع «حلب»
من الإخشيديين سنة (333هـ= 944م)، ثم استطاع بعد ذلك أن
يبسط سلطانه على «حمص» و «قنسرين» و «العواصم» وبعض
بلاد «الجزيرة» سنة (336هـ= 947م) .. وقد قام «سيف الدولة
الحمدانى» بمهمة جليلة أثناء حكمه الذى استمر حتى سنة
(356هـ= 967م)، وهى حماية حدود دولة الخلافة من غارات الروم
(البيزنطيين) المتواصلة، بعد أن ضعفت الخلافة المركزية عن
القيام بهذه المهمة المقدسة. وكان «سيف الدولة الحمدانى» أديبًا
شاعرًا، فجمع حوله العلماء والأدباء، مثل «أبى نصر الفارابى»،
و «ابن خالويه»، و «أبى الطيب المتنبى»، و «أبى فراس
الحمدانى» و «ابن نباتة» و «السَّرىّ الرَّفَّاء»، وغيرهم. وتُوفِّى
«سيف الدولة» سنة (356هـ= 967م)، وخلفه فى الحكم ابنه «أبو
المعالى شريف» المعروف بسعد الدولة، وضعفت فى عهده
سلطة الحمدانيين فى «الشام»؛ لكثرة الضغوط التى تعرض لها
من البيزنطيين والبويهيين فى «العراق»، والفاطميين فى
«مصر» بغرض الاستيلاء على «الشام». وتُوفِّى «سعد الدولة»
سنة (381هـ= 991م)، وتولَّى بعده ابنه «أبو الفضائل سعيد
الدولة»، الذى تعرض لضغوط الفاطميين المتزايدة لضم «الشام»
إلى «مصر»، فتحالف مع البيزنطيين لصد هجمات الفاطميين
عليه، ثم انتهت إمارته بمقتله سنة (392هـ= 1002م) على يد وزيره(14/280)
«لؤلؤ الحاجب»، وانتهت بذلك «الدولة الحمدانية» فى «الشام»
الذى أصبح خاضعًا لسلطان الفاطميين. وقد كان الحمدانيون
يميلون إلى التشيع، وكانت علاقتهم بالخلافة العباسية تتأرجح
بين الرضا، والسخط، والتوجس.(14/281)
*السلاجقة (دولة)
السلاجقة أسرة تركية كبيرة، كانت تقيم فى بلاد «ما وراء
النهر»، وتنسب إلى زعيمها «سلجوق بن تُقاق»، الذى اشتهر
بكفاءته الحربية، وكثرة أتباعه. وقد أسلم «سلجوق» وأتباعه،
وخلَّف من الأولاد «أرسلان» و «ميكائيل» و «موسى»، وكان
أبرزهم «ميكائيل»، الذى أنجب «طغرل بك» (محمد) و «جغرى
بك» (داود)، اللذين قام عليهما مجد «السلاجقة». هاجر السلاجقة
بزعامة «طغرل بك» وأخيه «جغرى» فى الربع الأول من القرن
الخامس الهجرى إلى «خراسان» الخاضعة لنفوذ الغزنويين، وبعد
سلسلة من الصراع بين الغزنويين و «السلاجقة»، استطاع
«السلاجقة» السيطرة على «خراسان» بعد هزيمة الغزنويين
بقيادة السلطان «مسعود بن محمود بن سبكتكين» سنة (431هـ
= 1040م) أمام «طغرل بك» وأخيه «جغرى». وقد ساعد
«السلاجقة» على توطيد سلطانهم انتماؤهم إلى المذهب السنى،
وإعلانهم الولاء والتبعية للخليفة العباسى «القائم بأمر الله»،
الذى عين «طغرل بك» نائبًا عنه فى «خراسان» وبلاد «ما وراء
النهر» وفى كل ما يتم فتحه من البلاد. وقد استطاع «السلاجقة»
توسيع حدود مملكتهم بسرعة هائلة، فاستولى زعيمهم «طغرل
بك» على «جرجان» و «طبرستان» سنة (433هـ)، وعلى
«خوارزم» و «الرى» و «همدان» سنة (434هـ = 1043م) وعلى
«أصبهان» سنة (443هـ = 1051م)، وعلى أذربيجان» سنة
(446هـ = 1054م)، وبدأ يتطلع للسيطرة على «بغداد»، وقد
هيأت له الأوضاع السائدة فى «العراق» تحقيق هذا الهدف. وقد
أصبح «طغرل بك» (ركن الدين أبو طالب محمد بن ميكائيل بن
سلجوق» أولَ سلاطين «السلاجقة» فى «بغداد»، ابتداءً من
(رمضان 447هـ = نوفمبر 1055م)، وقد استقبله الخليفة «القائم
بأمر الله» بكل مظاهر الحفاوة والترحاب، ولقبه «ملك المشرق
والمغرب». كان «طغرل بك» حريصًا على إبداء كل مظاهر
الإجلال والتوقير للخليفة، وقد اقتدى به خلفاؤه؛ فعاملوا
الخلفاء العباسيين بكل ما يليق بمكانتهم من احترام وتعظيم. وقد(14/282)
أوصى «طغرل بك» بأن يخلفه بعد موته ابن أخيه «سليمان بن
داود جغرى»؛ حيث إنه لم يخلف ولدًا، وفى (8 من رمضان سنة
455هـ = سبتمبر سنة 1063م) توفى «طغرل بك» بمدينة «الرى»
ببلاد «الجبل»، وعمره نحو سبعين عامًا، وقد نفذ «عميد الملك
الكندرى» وصية «طغرل بك»، ولكن الناس كانوا أميل إلى «ألب
أرسلان»، فأمر «عميد الملك» بالخطبة له وتم الأمر له بمساعدة
وزيره «نظام الملك»، وأصبح سلطانَ «السلاجقة». وعقب تولِّى
«ألب أرسلان» سلطنة «السلاجقة»، أقر «عميد الملك الكندرى»
وزير عمه «طغرل» فى منصبه، ولكنه سرعان ما تغير عليه
فعزله فى شهر (المحرم سنة 456هـ = ديسمبر سنة 1063م)،
وسجنه، ثم دبر قتله فى شهر (ذى الحجة سنة 456هـ = نوفمبر
سنة 1064م)، ويبدو أن «نظام الملك» لعب دورًا فى ذلك. وبعد
عزل «عميد الملك»، عين «ألب أرسلان» «نظام الملك» وزيرًا له،
وكان وزيره أثناء إمارته على «خراسان» قبل توليه السلطنة،
ويُعدُّ «نظام الملك» أشهر وزراء «السلاجقة» كما يعد من أشهر
الوزراء فى التاريخ الإسلامى. استطاع «ألب أرسلان» أن يوسع
حدود مملكة «السلاجقة» التى ورثها عن عمه «طغرل»، وأن
يسجل انتصارات رائعة ضد أعدائه فى الداخل والخارج، فنجح
فى القضاء على حركات العصيان فى «خراسان» و «ما وراء
النهر» و «أذربيجان»، وتمكن من تعزيز الوجود الإسلامى فى
«أرمينيا» بعد انتصاره فى معركة ملاذكرد الشهيرة، واستولى
على «حلب» وقضى على النفوذ الفاطمى بها. وعقب وفاة «ألب
أرسلان» تولى السلطنة ابنه «ملكشاه» بعهد من أبيه، وتولى
«نظام الملك» أخذ البيعة له، وأقره الخليفة «القائم بأمر الله»
على السلطنة. لم يكتفِ «ملكشاه» بإقرار «نظام الملك» فى
الوزارة كما كان فى عهد أبيه، بل زاد على ذلك بأن فوض إليه
تدبير المملكة، وقال له: «قد رددت الأمور كلها كبيرها وصغيرها
إليك، فأنت الوالد»، ولقبه ألقابًا كثيرة، أشهرها لقب «أتابك»،(14/283)
ومعناه الأمير الوالد، وكان «نظام الملك» أول مَن أُطلق عليه هذا
اللقب. وسبب هذه المكانة الرفيعة التى حظى بها «نظام الملك»
عند السلطان «ملكشاه»، أنه هو الذى مهد له الأمور، وقمع
المعارضين، فرآه السلطان أهلاً لهذه المكانة. الخلفاء
العباسيون فى العهد السلجوقى: كان «المقتدى بأمر الله»،
أول خليفة يتقلد منصبه فى ظل «دولة السلاجقة»، وبذلك يكون
الخلفاء الذين تولوا الخلافة فى العهد السلجوقى - بعد «القائم
بأمر الله» - ثمانية هم: 1 - المقتدى بأمر الله (عبدالله بن محمد بن
القائم بأمر اللهـ) [467 - 487هـ = 1075 - 1094م]. 2 - المستظهر
بالله (أبو العباس أحمد بن المقتدى بأمر اللهـ) [487 - 512هـ =
1094 - 1118م]. 3 - المسترشد بالله (أبو منصور الفضل بن
المستظهر) [512 - 529هـ = 1118 - 1135م]. 4 - الراشد بالله
(أبوجعفر المنصور بن المسترشد) [529 - 530هـ = 1135 -
1136م]. 5 - المقتفى لأمر الله (أبوعبدالله بن محمد بن المستظهر
باللهـ) [532 - 555هـ = 1138 - 1160م]. 6 - المستنجد بالله
(أبوالمظفر يوسف بن المقتفى) [555 - 566هـ = 1160 - 1170م].
7 - المستضىء بأمر الله (أبو محمد الحسن بن المستنجد باللهـ)
[566 - 575هـ = 1170 - 1179م]. 8 - الناصر لدين الله (أبو العباس
أحمد بن المستضىء بأمر اللهـ) [575 - 622هـ = 1179 - 1225م].
وقد شهدت خلافة «الناصر لدين الله» زوال ملك «السلاجقة» فى
سنة (590هـ = 1194م) وبداية استقلال الخلفاء العباسيين
بالسلطة فى «بغداد» وما يحيط بها. بلغت «الدولة السلجوقية»
ذروة مجدها وعظمتها على يد «ملكشاه» الذى استمر فى
السلطنة عشرين عامًا تقريبًا؛ حيث استطاع أن يستثمر ما حققه
«طغرل بك» و «ألب أرسلان» على أحسن وجه، فحقق إنجازات
عظيمة بمعاونة وزيره «نظام الملك». وقد تزامنت سلطنة
«ملكشاه» -فى معظمها- مع خلافة «المقتدى بأمر الله»، الذى
تولى منصبه بعد ابتداء حكم «ملكشاه» بعامين، وتُوفِّى بعد(14/284)
وفاته بعامين. وقد اتسعت حدود «الدولة السلجوقية» فى عهد
«ملكشاه» اتساعًا غير مسبوق، من حدود الصين إلى آخر
«الشام»، ومن أقاصى بلاد الإسلام فى الشمال إلى آخر بلاد
«اليمن»، وحمل إليه ملوك الروم الجزية. وترجع عظمة «الدولة
السلجوقية» فى عهد «ملكشاه» إلى اتساع حدودها وازدهار
الحركة الثقافية فيها بصورة جديرة بالإعجاب. وكان لنظام الملك
أثر متميز وجهد خلاق فى ذلك، على المستوى الإدارى
والعسكرى، والثقافى. فاهتم بإنشاء العديد من المدارس التى
نسبت إليه فى أنحاء الدولة، فسميت بالمدارس النظامية، وكان
أشهرها: «نظامية بغداد» التى تخيَّر «نظام الملك» مشاهير الفكر
والثقافة فى العالم الإسلامى للتدريس فيها مثل: «حجة الإسلام
أبى حامد الغزالى» صاحب كتاب «إحياء علوم الدين»، الذى
فوض إليه «نظام الملك» مهمة التدريس فى «المدرسة النظامية»
ببغداد، ثم فى «المدرسة النظامية» بنيسابور، التى كان إمام
الحرمين أبو المعالى الجوينى يقوم بالتدريس فيها. وقد أسهمت
هذه المدارس النظامية فى تثبيت قواعد المذهب السنى والدفاع
عنه ضد مختلف البدع والأهواء والمذاهب المنحرفة التى انتشرت
فى ذلك الوقت. وقد كان «نظام الملك» مؤلفًا مرموقًا أيضًا، فهو
مؤلف كتاب «سياسة نامه» الذى تحدث فيه عن كيفية تدبير
شئون الملك، وفضح معتقدات الحشاشين وغيرهم من الخارجين
عن الدين. ثم بدأت مظاهر الضعف تنتشر فى جسم «الدولة
السلجوقية» عقب وفاة «ملكشاه»، فظهر الانقسام والتمزق
والفتن، باستثناء فترة حكم السلطان «معز الدين سنجر أحمد»؛
حيث شهدت الدولة قوة وصحوة مؤقتة.(14/285)
*الطاهرية (دولة)
إحدى الدول الإسلامية الصغيرة التى قامت فى العصر العباسى
الأول. تُنسَب إلى مؤسسها طاهر بن الحسين أحد القواد فى ظل
الخلافة العباسية. ظلت هذه الدولة نحو (52) سنة حتى سقوطها
على يد الصفاريين. بدأ حكم الطاهريين سنة (202 هـ) حين ولى
المأمون العباسى قائده طاهر بن الحسين إمارة المشرق، التى
كانت تمتد شرقى العراق، وتشمل فارس والرى وطبرستان
وجرجان وكرمان وخراسان، كما كانت تمتد شمالاً إلى إقليم ما
وراء النهر (تركستان). ووطد طاهر نفوذه فى خراسان، واتخذ
من نيسابور عاصمة لدولته، واستطاع بذلك أن يؤسس لنفسه
إمارة شبه مستقلة عن الدولة العباسية؛ إذ منحه الخليفة اسقلالاً
فى إدارتها، على أن يؤدى ما عليها من الخراج. لم يدم حكم
طاهر بن الحسين مؤسس الدولة سوى عامين؛ إذ تُوفِّى بمرو
سنة (207 هـ)، وخلفه ابنه طلحة بن طاهر (207 - 213 هـ)، ثم عبد
الله بن طاهر (213 - 230 هـ) الذى اتسعت الدولة فى عهده،
وأقام صلات طيبة مع الخلفاء العباسيين، وخلفه طاهر الثانى بن
عبد الله بن طاهر (230 - 248 هـ)، وفى عهده بدأت مرحلة ضعف
الدولة الطاهرية، ثم خلفه محمد بن طاهر (248 - 259 هـ). وكان
محمد بن طاهر آخر حكام الدولة، فلم يكن محمد بن طاهر على
شاكلة أسلافه؛ فقد كان أميرًا ماجنًا يميل إلى اللهو والعبث؛
فعجز عن القضاء على الثورات التى قامت ضده، ولما ازدادت
الاضطرابات فى الدولة الطاهرية، استنجد أهل خراسان بالأمير
يعقوب بن الليث الصفارى مؤسس الدولة الصفارية؛ لإعادة الأمن
والاسقرار إلى بلادهم، فوجد الأمير الصفارى الفرصة مواتية
لتوسيع رقعة دولته على حساب الدولة الطاهرية المتداعية،
فزحف بجيشه إلى نيسابور سنة (259 هـ)، وقبض على محمد بن
طاهر وعلى أهل بيته، وبذلك انتهت الدولة الطاهرية.(14/286)
*الصليحية (دولة)
دولة شيعية. قامت فى اليمن إبان القرن الخامس الهجرى، وكانت
تدين بالولاء للخلافة الفاطمية بمصر. تنسَب إلى مؤسسها على
بن محمد الصليحى الذى أحيا الدعوة الشيعية الإسماعيلية فى
اليمن، بعد أن كانت سرِّية نحو قرن من الزمان؛ على أثر النزاع
الذى دبَّ بين دعاة الإسماعيلية فى اليمن المتمثلين فى ابن
حوشب، وابن فضل، ثم برزت الدعوة على يد على بن محمد
الصليحى. استمرت هذه الدولة نحو (60) عامًا، واتخذت من زبيد
ووصنعاء عاصمة لها، وامتد سلطانها إلى الحجاز، وعاصرت فترة
حكم الخليفة الفاطمى المستنصر بالله ومرت اليمن خلال حكم
الصليحيين بفترة ازدهار عمرانى؛ بما شيدوه من قصور ومعاقل
وحصون ومساجد وأضرحة، كما تميزت هذه الفترة بتأكيد سلطة
الحكومة المركزية فى صنعاء وإضعاف الزعامات القبلية. وكان
أول حكام هذه الدولة أبو كامل على بن محمد بن على الصليحى
الذى كان أبوه قاضيًا شافعيًّا، ولكن عليًّا مال إلى التشيع؛
فصحب داعى الشيعة باليمن عامر الزواحى، ثم خلفه فى الدعوة
للإسماعيلية، وجمع حوله الأنصار، ثم أرسل إلى الخليفة
الفاطمى المستنصر بالله يستأذنه فى الخطبة له وإظهار الدعوة،
فوافق المستنصر على ذلك، ومنح على بن محمد الصليحى عدة
ألقاب مثل: الأمير الأجل وتاج الدولة وسيف الإمام وعمدة
الخلافة. وظل على بن محمد فى الحكم حتى اغتيل سنة (473
هـ). وخلف عليًّا ابنه احمد الذى منحه الخليفة لقب المكرم وألقابًا
أخرى، وتزوج من امرأة تدعى أروى بنت جعفر أو الحرة
الصغرى. وشهدت فترة حكمه نزاعًا مع القبائل اليمنية وحروبًا
مع بنى نجاح باليمن، ونجح فى القضاء على خصومه، ثم نقل
مقر حكمه إلى ذى جبلة بدلاً من صنعاء. وتُوفِّى المكرم سنة
(484 هـ)، وخلفه سبأ الصليحى، وهو ابن عم على بن محمد
الصليحى. وقد بدأ حكمه بنزاع مع الحرة الصغرى التى كانت
تريد تولية ابنها خلفًا لأبيه، ولكن الخليفة المستنصر تدخل فى(14/287)
الأمر، وحسمه لصالح سبأ الصليحى الذى تزوج الحرة؛ تنفيذًا
لأمر الخليفة، ثم تُوفِّى سنة (492 هـ)، وبوفاته انتهت الدولة
الصليحية، بالرغم من المحاولات التى قامت بها الحرة لرأب
الصدع حتى توفيت سنة (532 هـ)، وخلف الصليحيين فى حكم
اليمن بنونجاح فى زبيد، والهمذانيون فى صنعاء.(14/288)
*الإسماعيلية (دولة)
دولة أسسها الحسن بن الصَّبَّاح، بعد أن استفحل أمر
الإسماعيلية فى عهد السلطان ملكشاه السلجوقى؛ إذ استولى
الحسن على حصن ألموت بأصبهان سنة (483 هـ). وقد تعمق
الحسن فى المذهب الإسماعيلى الباطنى على يد الفاطميين فى
مصر، لكن ظهرت بينه وبينهم خلافات فى المذهب، فترك مصر،
وعمل على توسيع دولته، وخصوصًا بعد وفاة السلطان ملكشاه
فتمكن الحسن من إقامة دولة إسماعيلية قوية عرفت بعدة
أسماء، منها: النذارية والباطنية والحشيشية. وأقرَّ الحسن
الاغتيال كوسيلة للتخلص من الخصوم؛ فبذل السلاجقة محاولات
للتنكيل بالإسماعيلية، لكن الإسماعيلية قضوا على بعض الحملات
السلجوقية، واضطر السلطان السلجوقى سنجر إلى مهادنتهم؛
لما رأى من بأسهم. وفى سنة (520 هـ) أمر الوزير السلجوقى
أحمد بن المفضل بغزو الإسماعيلية، وقتلهم أين ما كانوا؛
فاستمرت حملات السلاجقة عليهم، بعد أن اشتد خطرهم، وكثرت
اغتيالاتهم. وفى سنة (549 هـ) سار جيش من الإسماعيلية إلى
خراسان منتهزًا فرصة انشغال جيشها بقتال الغز، فقاومهم أهل
خراسان، وهزموهم وقتلوا كثيرًا منهم. وكان الحسن بن محمد
أشد حكام الإسماعيلية انحرافًا؛ فهو الذى نسخ ظاهر الشريعة
تمامًا، وغيَّر القبلة، وأحلَّ شرب الخمر، إلى أن ولى الحسن
الثالث الحكم فدعا إلى الإسلام الصحيح، وارتبط مع جيران دولته
السنيين بروابط من المودة والثقة المتبادلة، وكذلك فعل حفيده
خورشاه؛ بحيث كان من الممكن إنهاء الفكر المغالى
للإسماعيلية النذارية، ولكن هولاكو قائد المغول سيطر على
الدولة الإسماعيلية فى الشرق وإيران فقضى بذلك على دولتهم
سنة (654 هـ).(14/289)
*الأويغوريون (دولة)
دولة تأسست سنة (745 هـ)، على يد قطلغ بلكة قاغان. كانت
شرق تركستان وكانت عاصمتها قرة لغاغصون. وفى سنة (
747 هـ) خلف موين جور أباه قطلغ فى الحكم، وأقام نقشًا على
شاطئ بحيرة شينة أوزو بشمال منغوليا، سجل فيه تاريخ
تأسيس دولة الأويغوريين وتوسعها وانتصاراته هو وأبيه. وفى
عهد ولده بوكوها تم الاعتراف بالمانوية كدين للدولة، وأقيم لها
كثير من المعابد. وبسبب اعتناقهم المانوية مالوا فى طعامهم
إلى الأطعمة النباتية؛ فهبطت عندهم الروح القتالية؛ ومن ثم
هُزموا أمام القرغير عام (840 هـ)، وتم الاستيلاء على عاصمتهم
قرة بالغاصون، وانسحب فريق كبير منهم إلى إقليم تارم،
واستقر بجوار جبال تانر ومدن أويغورية أخرى، مثل: قوجا
وكشغر وهاجى. وفى سنة (947 هـ) بدأت تظهر خوجو - تُعرف
الآن باسم قرة خوجو - كعاصمة للأويغوريين فى شرق
تركستان، وكان لهم عاصمة صيفية فى بشى باليك، وعُرِف
المتأخرون من الحكام الأويغوريين باسم إذق - قت، وأطلق على
العاصمة خوجو مدينة الأذق - قت أو أذق - قت شهرى. وأخذت
البوذية تنتشر فى دولة الأويغوريين بعد عام (870 م) ففاقت
المانوية، كما ظهرت بها المسيحية، ثم دخلها الإسلام. ولغات
الأويغوريون المكتوب بها، هى: الصفدية والصينية
والكوكتورك. ولقد قام الأويغوريون بدور كبير فى انتشار
الطباعة، وكانت هجائيتهم الخاصة بهم هى ثانى أقدم
الألفبائيات التركية. والأويغوريون سلالة من قبائل الهون
الآسيوية، كانوا يقيمون على الشواطئ الشرقية لنهر سلنكة،
وكانوا - حتى قيام دولتهم - يتبعون الكوك الأتراك. واستمر
وجود الدولة الأويغورية حتى سنة (1209 م)؛ أصبحت ولاية تتبع
جنكيز خان، وبعد ذلك استمر وجودها تحت الاسم القديم أدق -
قت إلى بداية أسرة منغ سنة (1368 م)، حين انتهت أدق - قت
تمامًا.(14/290)
*جهور (بنو)
بيت من الوزراء ثم من ملوك الطوائف بالأندلس. كان جدهم جهور
من أوائل المسلمين الذين دخلوا الأ ندلس، والذى أسس دويلتهم
أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور الكلبى الذى كان وزيرًا
لهشام الثالث آخر خلفاء بنى أمية، وقد نجح فى خلع هشام
سنة (422 هـ)، وبقيت قرطبة دون خلافة ودون حكومة سنتين،
بعدها تولى أبو الحزم جهور. وكانت سلطة بنى جهور على
رقعة متوسطة من الأندلس، تمتد شمالاً حتى جبل الشارات،
وشرقًا حتى منابع نهر الوادى الكبير، وجنوبًا حتى حدود ولاية
غرناطة. ولم يأخذ أبو حزم لقب الخلافة، وبقى فى الحكم (12)
سنة، نعمت فيها قرطبة بالهدوء والاستقرار، فلما توفى سنة (
1043 هـ) خلفه ابنه أبو الوليد محمد بن جهور، ولم تختلفْ
سياسته عن سياسة أبيه، لكن الفساد دبَّ فى الحكم عندما عهد
بالحكم إلى ابنه عبد الملك الذى تنازع معه أخوه عبد الرحمن،
واستطاع عبد الملك الانفراد بالسلطة بعد أن اعتقل أخاه.
وتحالف بنو جهور مع بنى عباد (حكام إشبيلية) حتى استطاع
المعتمد بن عباد حاكم إشبيلية دخول قرطبة سنة (605 هـ)، بعد
ولاية يحيى بن إسماعيل بعامين، وكان قد سبق له دخولها على
عهد عبد الملك، لكنه فى هذه المرَّة أنهى بها دويلة بنى جهور
فى قرطبة التى اتصل تاريخها بعد ذلك الوقت بتاريخ إشبيلية.(14/291)
*رسول (بنو)
أسرة إسلامية. حكمت اليمن وحضر موت فى الفترة من عام (
1229 م) إلى عام (1554 م)، بعد أن تخلى الأيوبيون عن
المقاطعات الجنوبية من شبه جزيرة العرب. أسسها الملك
المنصور عمر بن على بن رسول الذى تولى الحكم من عام (1229
م) حتى عام (1250 م)، فجعل من صنعاء عاصمة ملكه، وبسط
سلطانه على مكة المكرمة. وخلال القرنين التاليين استطاع
الرسوليون جعل اليمن دولة إسلامية ذات شأن، وأقاموا علاقات
سياسية وتجارية مع الهند والصين وسيلان.(14/292)
*الروم
الروم أو البيزنطيون هم امتداد الإمبراطورية الرومانية، فى
الشرق، وهى التى عرفت باسم الإمبراطورية الرومانية الشرقية،
واتخذت من القسطنطينية عاصمة لها، منذ أن بناها الإمبراطور
قسطنطين سنة (330 م)، وشملت هذه الإمبراطورية أجزاء كبيرة
من آسيا وأوربا وإفريقيا، وكان العرب يطلقون عليها اسم
الروم. وقد مرت هذه الإمبراطورية التى أسسها قسطنطين
بمرحلة قوة وازدهار، ومرحلة ضعف وانهيار، وقد حاربت الفرس
حروبًا كثيرة، كان النصر فيها سجالاً بينهما، كما ذكر القرآن
الكريم فى سورة الروم. وبعد ظهور الإسلام بدأ الاحتكاك بين
الروم والمسلمين؛ حيث خاض المسلمون حروبًا ضد الروم،
واستطاع المسلمون إجلاء الروم من بلاد الشام ومصر والساحل
الشمالى لإفريقية، واستمرت حملات المسلمين المتوالية على
عاصمتهم القسطنطينية حتى استطاع المسلمون العثمانيون
فتحها سنة (1453 هـ)، واتخذوها عاصمة لهم عرفت باسم
إستانبول، وبذلك انهارت هذه الإمبراطورية.(14/293)
*الزبيريون
جماعة تنسب إلى عبد الله بن الزبير. كانت تهدف إلى استعادة
الخلافة من الأمويين بعدما أصبحت وراثية فى بنى أمية، فنادت
بأحقية عبد الله بن الزبير بالخلافة، وبويع ابن الزبير بالخلافة
سنة (63هـ)، وحكم الحجاز واليمن ومصر والعراق وخراسان
وأكثر الشام. وقد ساعد على نجاح الزبيريين موقف المسلمين
الرافض لجعل الخلافة وراثية، كذلك قتل الأمويين للإمام الحسين،
والصراعات التى قامت بين الأمويين، حتى إن المسلمين قضوا
فترة بدون خليفة. وقد جعل ابن الزبير المدينة مقرًّا لخلافته التى
استمرت عشر سنوات حتى سنة (73 هـ)؛ إذ انتصر الحجاج عليه،
وقتله فى البيت الحرام. ومن أسباب سقوط خلافته تحامل ابن
الزبير على الهاشميين، وإخراجه بنى أمية من المدينة، وظهور
دعوات الخوارج والشيعة، بالإضافة إلى عجز الزبيريين عن
تعميق الولاء لدعوتهم؛ مما جعل بعض ولاة الأمصار ينضمون إلى
الأمويين.(14/294)
*الزندية
أسرة إيرانية، حكمت إيران نيابة عن شاهات الدولة الصفوية فى
أواخر عهدها، واحتل تاريخها النصف الثانى من القرن الثانى
عشر الهجرى، وكانت شيراز عاصمة لها. والزنديون فرع من
قبيلة اللك الكردية، وينسب الزنديون إلى كريم خان الذى
استطاع أن يحكم هو وخلفاؤه إيران نيابة عن الصفويين لمدة
(44) عامًا من سنة (1163 هـ) حتى سنة (1209 هـ)، وتتابع على
الحكم خلال هذه الفترة سبعة حكام. وكان الزنديون يطلقون
على أنفسهم وكيل الملك. وقد استطاع كريم خان مؤسس هذه
الأسرة سلب السلطة من على مردان البختيارى. وتمتعت إيران
فى ظل حكم الزنديين بالاستقرار والأمان؛ وانتعشت التجارة،
وتم بناء سوق شيراز فيها، 'إلاَّ أنه بعد وفات كريم خان تنافس
خلفاؤه فى الحكم، حتى استطاع القاجاريون القضاء على
الزنديين، وقتل لطف على سنة (1209 هـ).(14/295)
*الزنكية
إحدى الأسر الإسلامية الحاكمة. تنسَب إلى عماد الدين زنكى بن
آق سنقر الذى كان حاكمًا للموصل أيام السلاجقة، ثم استقل
بالموصل، وبدأ فى تكوين الدولة الزنكية سنة (521 هـ)؛ إذ
استطاع الاستيلاء على حلب فى العام التالى، وأقام جبهة قوية
لجهاد الصليبيين، واستطاع أن يسيطر على مملكة الرها الصليبية
سنة (539 هـ)، واتسعت مملكته حتى شملت الشام وحلب
وشمال الجزيرة وسنجار، إلا أنه اغتيل سنة (541 هـ). وبوفاة
عماد الدين زنكى انقسمت مملكته الكبيرة إلى أربعة أقسام
،هى: الموصل: وحكمها سيف الدين غازى، واستمر هذا
الفرع يحكم حتى سنة (631 هـ)؛ إذ تولى الموصل بعد ذلك الوزير
بدر الدين لؤلؤ، الذى لقِّب بالملك الرحيم، وخلفه أبناؤه فى
الحكم حتى غزاها المغول سنة (660 هـ). وحلب: حكمها نور
الدين محمود الذى امتد سلطانه إلى دمشق ومصر، وقام بتكوين
جبهة لقتال الصلبيين، واستمرت هذه الأتابكية حتى ضمها صلاح
الدين الأيوبى إلى دولته سنة (579 هـ). وسنجار: استمرت
أسرة عماد الدين بن مودود تحكمها، حتى استولى عليها
الأشرف الأيوبى سنة (617 هـ). وأتابكية الجزيرة: تولى حكمها
سنجر بن نور الدين الذى قُتل سنة (605هـ)، ثم خضعت لصلاح
الدين الأيوبى.(14/296)
*السعديون
اسم لدولة إسلامية، قامت فى المغرب. أسسها أبو عبد الله بن
محمد القائم بأمر الله؛ على أثر انهيار دولة بنى مرين فى أواخر
القرن التاسع الهجرى. وقد استمرت هذه الدولة من سنة (916 هـ)
حتى سنة (1069هـ)، وحكمها (12) حاكمًا أطلقوا على أنفسهم
الشرفاء السعديين، وقد قام هؤلاء الأشراف بمواجهة الخطر
الصليبى المتمثل فى البرتغال، واستطاعوا الانتصار عليه سنة
(917 هـ)، وتمكنوا من طرد الصليبيين من المغرب تمامًا سنة (948
هـ). وقد أدى تضافر الجهود لمحاربة المستعمر البرتغالى، إلى
وحدة بلاد المغرب، واستطاع السعديون ضم فاس ومراكش
ومكناسة وتلمسان، فلم يأتِ عام (960 هـ) إلاَّ وكان توحيد
المغرب قد تم، ولكن الصراع على السلطة دب بين أفراد البيت
السعدى للاستيلاء على الحكم؛ مما جعلهم يستعينون بالإسبان
والبرتغال والعثمانيين. وحاول البرتغاليون السيطرة على المغرب
إلا أن المغربيين استطاعوا الانتصار عليهم فى معركة فاصلة
تسمى وادى المخازن سنة (986 هـ) وقتل ملك البرتغال وأغلب
قادته. وقد امتد نفوذ السعديين حتى سنغاى وتمبكتو وكان
أبو العباس أحمد الثانى الذى قتل سنة (1066 هـ) آخر حكام
السعديين.(14/297)
*سلاجقة الروم
سلاجقة الروم أو سلاجقة الأناضول هم أحد فروع دولة السلاجقة
المسلمين الذين حكموا مساحة كبيرة من العالم الإسلامى،
وأسدوا للإسلام خدمات جليلة. وينحدر سلاجقة الروم من قتلمش
بن إسرائيل أرسلان بيغو بن سلجوق. ومؤسس هذه الأسرة هو
سليمان الأول الذى تولى الحكم سنة (470 هـ)، وجاء من بعده
سبعة عشر سلطانًا. وقد حكموا منطقة شاسعة من العالم
الإسلامى، وهى منطقة آسيا الصغرى التى ضمت قونية،
وسيواست، وقيصرية، وملطية، وأماسية، وأرخروم وغيرها من
بلاد آسيا الصغرى. وكان آخرهم فى الحكم السلطان غياث الدين
سعود الثانى الذى حكم من سنة (702 هـ) 'إلى سنة (708 هـ)،
ثم استولى المغول والعثمانيون على أملاك هذه الدولة. وتدل
الآثار المعمارية القائمة فى أماكن كثيرة، على أن عهد
السلاجقة الأتراك فى الأناضول كان مزدهرًا، كما اتسم برقى
الفنون الجميلة، خاصة فى حكم علاء الدين كيبقاد الأول. ومن
أهم آثارهم الموجودة تربة خداوند ابنة ركن الدين قلج أرسلان
الرابع، والتى أنشأئها فى نيكدة سنة (712 هـ).(14/298)
*الشهابيون
دامت إمارتهم نحو قرن ونصف سنة (1697م) إلى سنة (1841م)،
وتولوا، فى هذه الفترة حكم جبل لبنان وأخذوا على عاتقهم
الحفاظ على وحدته، وأعادوا السواحل والسهول إلى منطقة
نفوذهم بعد أن استغلوا ضغف الحكومة المركزية فى إستانبول.
واستطاعوا أن يحتفظون بنوع من التوازن السياسى بين
الموازنة والدروز؛ مما جعلهم ينجحون فى تحقيق الأمن
الاستقلال الذاتى الذى كان لبنان الكبير يتمتع به.(14/299)
*الشيبانيون
اسم يُطلق على الدولة الأوزبكية التركية التى قامت بالتركستان (
بلاد وراء النهر) إبان القرن التاسع الهجرى. ورثت ملك
التيموريين، واتخذت سمرقند عاصمة لها، وعاشت نحو قرن من
الزمان، وتُنسب هذه الدولة إلى شيبان بن جوجى بن جنكيز
خان. وقد كان أول زعيم لهذه الدولة أبو الخير بن دولت شيخ
الذى تزعم قبائل الأوزبك فترة، فى منطقة السهوب، واستنجد
به الأمراء التيموريون فى خلافاتهم الأسرية، ودام حكمة نحو
أربعين سنة حتى عام (872هـ)، وهى السنة التى تُوفِّى فيها
أخر حكام التيموريين. وخلف أبا الخير فى زعامة الأوزبك ابنه
حيدر سلطان إلا أن الزعامة الفعلية كانت لابن أخيه محمد
شيبانى بن شاه بوراق بن أبى الخير الذى نجح بعد سلسلة
حروب مع التيموريين والصفويين فى توسيع رقعة دولته، حتى
شملت من بلاد ما وراء النهر حتى خراسان جنوبًا. وبعد موت
محمد شيبانى واصل خلفاؤه جهوده وحروبه ضد الصفويين،
لاسيما فى عهد أبى الغازى عبيد الله بن محمود الذى قام وحده
بخمس غزوات لخراسان وإيران كان أخرها سنة (938هـ)، إلا أن
عبد الله بن سكندر يعتبر أعظم الشيبانيين فقد ضم كشغر
وختن، واستعاد بخارى ومرو ومشهد. وقد شجعت حالة الفوضى
التى شهدتها دولة الأوزبك فى نهايتها الشاه عباس الأول
الصفوى على غزو الشيبانيين وآستعادة خراسان، كما استعاد
أمير القزاق فى الشمال إقليم طشقند وتقدم حتى تم الاستيلاء
على سمرقند نفسها. ولم يأت عام (1007هـ) حتى طويت صفحة
دولة الشبانيين، وكان بير محمد الثانى بن سليمان أخر من تولى
الحكم منهم. وخلف الشيبانيين فى حكم بلاد ما وراء النهر
الاسترخانيون، وهم من أبناء عمومتهم من أحفاد جوجى بن
جنكيز خان.(14/300)
*غانية (بنو)
بنو غانية هم حكام الجزائر الشرقية. ويرجع نسبهم إلى جدهم
على المسوفى الصنهاجى الذى زوجة يوسف بن تاشفين من
قريبة له تُدعى غانية، وقد أنجبت له يحيى ومحمدًا، فكانا
مقربين من على بن يوسف بن تاشفين. فولى يحيى على بلنسية
ثم على قرطبة فظل عليها حتى تُوفِّى، وولى محمدًا على
الجزائر الشرقية سنة (520هـ)، وكان يخطب لبنى العباسى فى
بلاده، مع هزيمة جيوش المرابطين أمام الموحدين، وجعل بلاده
مقرًّا للفارين من أمام الموحدين، وتُوفِّى سنة (550هـ). وخلف
محمدًا ابنه عبد الله الذى حكم غرناطة، وابنه إسحاق الذى حكم
غرموته والجزائر الشرقية، فصانع الموحدين، وبعث إليهم
بالهدايا الثمينة، فطلبوا منه الدخول فى طاعتهم، والدعاء لهم
على المنابر، ولكنه تُوفِّى قبل أن يرد عليهم. وتولى بعده ابنه
على بن إسحاق فاستولى على بجاية سنة (580هـ) ثم مازونة
ومليانة، وقطع الخطبة فى البلاد التى فتحها عن الموحدين،
وجعلها للعباسيين. ولما علم أبو يوسف المنصور الموحدى بذلك
أرسل جيشًا وأسطولاً كبيرًا قضى به على ولاة على بن
إسحاق، واسترد بلاده، فاضطر على بن إسحاق إلى الهرب
فىالصحراء، واتجه إلى رؤساء الواحات يستميلهم إليه وتقابل
مع بهاء الدين قراقوش، فتحالف معه سنة (581هـ)، وجمع فلول
لمتونة، ومسوفة، فهزم الموحدين سنة (581هـ) بالقرب من
قعصة ولكنه هزم سنة (584هـ)، ثم قتل فى العام نفسه. وخلف
على بن إسحاق ابنه يحيى الذى هزم جيوش الموحدون فى عدة
معارك، استولى بعدها على عدة مدن إفريقية سنة (600هـ)، ثم
قضى الموحدون على بنى غانية، واستولوا على جزيرة
ميورقة، ثم حاصروا مدينة المهدية حتى أجبروهم على التسليم.(14/301)
*الفرس (دولة)
مملكة قديمة. تنسب إلى فارس بن علم بن سام بن نوح، عليه
السلام. وهى بلاد كثيرة الجبال يزرع بها القمح والأرز والشعير
والقطن والصمغ والتبغ والفاكهة. وبدأ نفوذ الفرس يزداد فيها
سنة (559 ق. م) فى عهد الملك كيروش، عندما قام بضم أجزاء
كبيرة من بلاد العرب وسواحل آسيا واليونان، وحارب التتار
كثيرًا، إلا أنه قتل فى حربه معهم، وتولى بعده ابنه قمبيز الذى
ضم مصر إلى مملكته، وملك بعده دارا فحارب اليونان، وخرب
جزرها، ونهب أرضها. وفى عهد كسيرسيس سنة (488 ق. م)
حارب اليونان فأخضع معظم بلادها، ولكن أسطوله هُزم سنة
(470 ق. م)، وقتل فى العام نفسه. وفى سنة (336 ق. م) هاجم
الإسكندر المقدونى آسيا الصغرى وفتحها، وفتح العراق
وسوريا، ومصر، وانتصر على دار الثالث فى موقعة إربل سنة
(331 ق. م)، وأخذ فارس التى ظلت تحت قبضة اليونان، بعد موت
الإسكندر حتى سنة (230 م). وفى هذه السنة أسس أردشير دولة
الفرس الساسانية، ومن أشهر ملوكها: أنو شروان الذى ملكها
سنة (580 م)، وانتصر على الرومان فى آسيا، وتوفى سنة (620
م)؛ فتولى يزدجرد الحكم، ثم هزمه المسلمون وقتل فى خلافة
عثمان بن عفان، رضى الله عنه. وظل الولاة المسلمون يحكمون
فارس؛ مما ساعد على انتشار الإسلام بين أهلها. وساعد الفرس
فى قيام الدولة العباسية بعد أن دمروا الدولة الأموية؛ فظهر
أثرهم واضحًا فى حياة المسلمين السياسية والاجتماعية والعلمية
والأدبية. وبعد أن دب الضعف فى أوصال الدولة العباسية
استقلت بعض الدول الصغيرة عن الخلافة الإسلامية، ومن أشهر
هذه الدول: الدولة السامانية والدولة الغزنوية والدولة السلجوقية
والدولة الخوارزمية. كما استولى جنكيز خان على فارس سنة
(1251 م)، وتوارثها أبناؤه من بعده حتى استولى عليها
تيمورلنك سنة (1374 م). وقام الشاه إسماعيل الصفوى بإنشاء
الدولة الصفوية بفارس، وتعرض خلال حكمه لفارس لعدة هجمات(14/302)
من الأتراك العثمانيين. وفى عهد الشاه عباس ضم جورجيا
وبغداد والموصل وديار بكر وأذربيجان، وجعل أصفهان عاصمة
دولته. وفى سنة (1694 م) استولى الأفغان على فارس فى عهد
صافى ميرزا الذى انتهت الدولة الصفوية بوفاته، وظهر نادرشاه
سنة (1736 م)، واستولى على قندهار وكابول، ودخل الهند
وبخارى وخوارزم، وبعد موته سنة (1747 م) عاشت البلاد فى
حالة فوضى كبيرة حتى سنة (1896 م). وفى سنة (1907 م)
طالب الفرس بتطبيق الدستور، ولكن روسيا وانجلترا قسمتا
فارس بينهما؛ فأخذت روسيا المنطقة الشمالية، وأخذت انجلترا
المنطقة الجنوبية، ولكن فارس تخلصت من السيطرة الأوربية سنة
(1915 م).(14/303)
*طخارستان (مملكة)
اسم كان يطلق على المنطقة الشمالية من أفغانستان الحالية،
وهو نفسه الذى عرف فى التاريخ باسم بلاد بكتريا، وجاء
ذكرها فى فتوحات الملك الفارسى كيروش إبان القرن السادس
قبل الميلاد، ثم فى فتوحات الإسكندر الأكبر إبان القرن الثالث
قبل الميلاد. وكانت طخارستان تمتد من حدود نهر جيحون حتى
جبال هندكوش لمسافة (120) ميلاً، وكانت عاصمتها بلخ،
وكانت تُسمَّى بكترا. وصلت إلى طخارستان الجيوش الإسلامية
فى عهد عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، ودارت معركة بين
المسلمين وجيش كان يتألف من أهل طخارستان والجوزجان
والطالقان والغارياب، وانتصر جيش المسلمين وعقد صلح بين
الطرفين، وفى خلافة عثمان بن عفان، رضى الله عنه، أرسل
والى البصرة عبد الله بن عامر قائده الأحنف بن قيس لغزو شمال
خراسان، وأقر الصلح الذى عقد فى خلافة عمر بن الخطاب،
ومن ثم أصبحت طخارستان ثغرًا إسلاميًّا، وقاعدة حربية حصينة
ضد الصفد وغيرهم من الأتراك على حدود الدولة الإسلامية، ثم
أصبحت مركزًا لانطلاق الجيوش الإسلامية عبر نهر جيحون. وفى
سنة (45هـ) وَلى البصرة زياد بن أبيه، فقسم خراسان أربعة
أقسام بين قواده الأربعة، فكانت طخارستان من نصيب قيس بن
الهيثم. ولم يستقر العرب فى طخارستان إلا منذ سنة (85هـ)
أثناء مرحلة فتوح بلاد ما وراء النهر. وشهدت طخارستان فى
أواخر حكم الدولة الأموية عدة ثورات، منها ثورة الحارث بن
سريج سنة (117هـ)؛ إذ نجح فى بسط سلطانه على الإقليم حتى
عاد إلى الخلافة. وفى سنة (129هـ) أصبحت طخارستان مهدًا
لثورة أبى مسلم الخراسانى الذى نجح فى نشر الدعوة
العباسية، ومنها انتشرت إلى أنحاء خراسان، ثم توالى الحكم
الإسلامى على طخارستان، وهى الآن الإقليم الشمالى من
جمهورية أفغانستان الإسلامية.(14/304)
*السعودية (المملكة العربية)
دولة عربية إسلامية تقع غرب آسيا يحدها البحر الأحمر من
الغرب، والأردن والعراق من الشمال، واليمن وعمان من
الجنوب، والخليج العربى وقطر والإمارات من الشرق،
والكويت من الشمال الشرقى، وتبلغ مساحتها (627) ألف ميل،
وتحتل الجزء الأكبر من شبه الجزيرة العربية وتشتهر المملكة
بكثرة الجبال، مثل: تهامة وعسير وطويق وشمر، كذلك تنتشر
الصحارى بها، مثل: صحراء النفود والربع الخالى والدهناء،
وتنعدم فيها الأنهار تمامًا، ولكن توجد بعض الأودية بها، مثل:
الرومة والدواسر والسرحان. ومناخ السعودية صحراوى شديد
الحرارة، وكمية المطر قليلة، وإن كانت الحرارة تعتدل فى بعض
المناطق. وتعتبر السعودية من البلاد الغنية لوجود البترول بها؛
فالسعودية أكبر مصدر للبترول فى العالم. وأهم مدن السعودية:
مكة المكرمة والمدينة المنورة والرياض وجدة. وتوجد
بالسعودية جنسيات من جميع دول العالم. أما السكان الأصليون
فينتمون إلى أصول عربية قبلية فى أغلبهم، والدين الإسلامى
هو الدين الرسمى للمملكة، والشريعة الإسلامية مطبقة فيها.
وتنقسم السعودية إداريًّا إلى (14) منطقة، ويوجد بها عدد من
الجامعات والكليات. ونظام الحكم فى المملكة ملكى وراثى. وقد
اقترن قيام المملكة بظهور الدعوة الوهابية على يد الشيخ محمد
بن عبد الوهاب، ومرت السعودية بثلاثة أطوار حتى أصبحت
مملكة، وهى: الدولة السعودية الأولى من سنة (1744م) حتى
سنة (1817م). وسيطرت هذه الدولة على الحجاز ومسقط وعمان
ونجران وعسير وبعض أجزاء اليمن وانتهت على يد إبراهيم
باشا سنة (1817م). ثم الدولة السعودية الثانية من سنة (1824م)
حتى سنة (1890م)، وسيطرت على الرياض ونجد والأحساء
والقطيف وعسير والقصيم، واستمرت هذه الدولة حتى
سيطرعليها ابن رشيد، أمير حائل سنة (1890م) ولجأ الإمام عبد
الرحمن بن فيصل إلى الكويت، ثم الدولة السعودية الثالثة من(14/305)
سنة (1902 م) حتى الآن (1997 م)، وقامت على يد عبد العزيز آل
سعود، الذى استولى على الرياض ونجد والأحساء والحجاز،
وأزال حكم الأتراك وآل رشيد والأشراف، وأعلن قيام المملكة
العربية السعودية سنة (1932 م). وتعاقب فى حكم السعودية من
ذرية الملك عبد العزيز آل سعود الملوك: سعود وفيصل وخالد
وفهد.(14/306)
*نصر (بنو)
انفرط عقد الأندلس بعنف بعد هزيمة الموحدين فى معركة
«العقاب» أمام الجيوش الإسبانية والأوربية المتحالفة، وسارت
الأمور من سيئ إلى أسوأ، والقواعد تخرج من قبضة الموحدين
واحدة بعد الأخرى، ينتزع بعضها ابن هود الثائر وبعضها
النصارى وأتاحت هذه الظروف فرصة الظهور والمغامرة
للطامحين من القادة والزعماء. فى تلك الأثناء ظهر محمد بن
يوسف بن نصر أو ابن الأحمر الملقب بالغالب بالله فى وقت
اشتدت فيه المحن، وانعقدت عليه الآمال؛ لتميزه بالشجاعة
ومجاهدة العدو، والتف حوله الناس وبايعوه فى «أرجونة» وما
حولها على بعد ثلاثين كيلو مترًا من «جيان» فى (رمضان 629هـ
= يوليو 1232م) وتوافد عليه جنود الأندلس؛ فأعلن نفسه أميرًا
وانتقل إلى «جيان»، ودخلت فى طاعته بلاد الجنوب كلها، لكنه
أحس أنه فى حاجة إلى معقل يعتصم به؛ لأن «جيان» مدينة
مكشوفة، فوقع اختياره على غرناطة الواقعة عند سفح جبل
الثلج، وكان يوجد فى أعلى الجبل حصن منيع سبق تعميره
أول عصر ملوك الطوائف، فتوجه إليه وسكنه واستقر به، وشيئًا
فشيئًا أخذ يوسع نطاق سلطانه، حتى أصبحت دولته تضم بين
جنباتها ثلاث ولايات كبيرة هى: غرناطة وألمرية، ومالقة،
ووصلت حدودها إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل
طارق، واتخذ مدينة غرناطة عاصمة لدولته، وساعد على دعم
دولته استيلاؤه على ألمرية ومالقة لما لهما من أهمية عظيمة فى
المجالين التجارى والبحرى. وقد واجهت «ابن نصر» بعض
المشكلات الداخلية والخارجية، منها: علاقته بأصهاره «بنى
أشقيولة» الذين عاونوه ثم انقلبوا عليه، ونقص المال الذى كان
فى أشد الحاجة إليه لتثبيت قواعد سلطانه، ومشكلته مع ملوك
النصارى الذين أدركوا خطر دولته الناشئة وأرادوا القضاء
عليها، فاضطر إلى أن يعقد معهم معاهدة صلح سنة (643هـ =
1245م) لمدة عشرين عامًا، وبمقتضاها حكم ابن الأحمر مملكته
باسم ملك قشتالة «فرناندو الثالث» ودفع له جزية، ووافق على(14/307)
حضور البلاط القشتالى باعتباره واحدًا من أمراء الملك، وعلى
مده بالجنود كلما طلب منه ذلك، وبالفعل أمده ابن الأحمر بقوات
ساعدت على سقوط «إشبيلية» فى يد النصارى فى (3 شعبان
646هـ = نوفمبر 1248م). وفى (جمادى الثانية 671هـ = ديسمبر
1272م) توفى محمد بن يوسف بن نصير الملقب بالشيخ، وكان
قد أخذ البيعة لولده محمد، فأقر بذلك مبدأ الملكية الوراثية، وقد
اعتلى محمد الثانى العرش ولقب بالفقيه؛ لاشتغاله بالعلم أيام
أبيه، وقال عنه ابن الخطيب: «وهو الذى رتب رسوم الملك للدولة
ووضع ألقاب خدمتها، ونظم دواوينها وجبايتها، هذا إلى جانب
اعتنائه بالجيش وخاصة فرق الفرسان .. وكان سياسيا بارزًا .. ،
أديبًا عالمًا، يقرض الشعر ويجالس العلماء والأدباء والأطباء
والمنجمين والحكماء، والكتاب والشعراء». وقد واجه الأمير
الجديد ثلاث مشكلات هى، مشكلته مع الإسبان، وقد نجح فى
تحقيق انتصارات عليهم منتهزًا فرصة موت مليكهم، ومع
المرينيين الذين استنصر بهم ليعاونوه فى الجهاد ضد المسيحيين
فإذا بهم يطمعون فى الاستيلاء على الأندلس، الشىء الذى
دفعه إلى التحالف مع ملك أراجون تارة ومع ملك قشتالة تارة
أخرى لدرء خطر المرينيين، وعلى الرغم من تحسن العلاقات بين
غرناطة وفاس، فإن الفقيه لم يكن يطمئن إلى نياتهم، وقد
دفعهم ذلك إلى التحالف مع النصارى مرات، وأخيرًا كانت هناك
مشكلة مع أصهار أبيه «بنى أشقيلولة» التى اشتدت فى زمنه،
وانتهت بصدور أمر يقضى بتهجيرهم إلى مدينة القصر الكبير
بشمالى المغرب جنوب مدينة سبتة سنة (687هـ = 1288 م).
وعلى كل حال فقد توفى محمد الفقيه فى (شعبان 701هـ =
أبريل 1302م) بعد أن نجح فى دعم دولته داخليا وخارجيا. تولى
الأمر بعد محمد الفقيه ابنه أبو عبدالله محمد، وفى عهده تحالف
ملكا قشتالة وأراجون على غزو مملكة غرناطة برا وبحرًا، ولكن
«ألمرية» تمكنت من الصمود فى مواجهة أقصى هجوم عرفته(14/308)
فى تاريخها وتمكن جيشها بقيادة شيخ الغزاة «عثمان بن أبى
العلاء» من هزيمة جيش أراجون، لكن العلاقة ساءت بين غرناطة
وفاس، وقام صاحب مالقة بثورة عارمة ضد الحكومة المركزية،
وكانت فتنة وقتال وحرب وهدنة استمرت أعوامًا ولم تنته إلا
بموت الأمير. ثم تولى أبو الوليد إسماعيل بن فرح (713هـ =
1313م) الذى اشتهر بإقامة الحدود وتطبيق الشرع، وفى عهده
قام القشتاليون بهجوم ضخم على غرناطة، انتهى بمقتل أميرى
الجيش النصرانى فى مروج غرناطة، وانتهز الأمير فرصة
منازعات بين أمراء قشتالة واستولى على بعض المدن القشتالية
ومنها مدينة «أشكر»، وقد استخدم الغرناطيون المدفع لأول مرة
عند منازلتهم لها. ثم تولى أبو عبدالله محمد الرابع بن إسماعيل
(725هـ = 1325م) الذى اشتهر بالشجاعة كما كان مغرمًا بالصيد
محبا للأدب والشعر، وفى عهده قامت بعض الفتن الداخلية التى
انتهزها النصارى واستولوا على عدد من الحصون، كما أحرز
أسطولهم نصرًا على الأسطول الإسلامى فى ألمرية ومالقة. وقد
دفع هذا السلطان أن يعبر بنفسه إلى المغرب ليستنجد ببنى
مرين الذين أجابوه إلى ما طلب، ونزلت قوات المرينيين على
جبل الفتح وأمكنها الاستيلاء عليه عام (733هـ = 1333م)، ولكن
السلطان قُتل فى طريق عودته إلى غرناطة وتولى من بعده
أخوه أبو الحجاج يوسف الأول. وشهدت مملكة غرناطة فى
عهده عصرها الذهبى، فأنشئت المدرسة اليوسفية والنصيرية،
وجرى الاهتمام بتحصين البلاد، وإنشاء المصانع، وإقامة
الحصون، وبناء السور العظيم حول ربض البيازين فى غرناطة،
وأضيفت منشآت كثيرة إلى قصر الحمراء منها باب الشريعة
وغيره، وكان السلطان حريصًا على تفقد أحوال شعبه بنفسه.
ومن الأحداث العظام فى عهده: الوباء الأسود الذى تفشى فى
حوض البحر الأبيض المتوسط عامى (749 - 750هـ = 1348 -
1349م)، وشمل المشرق والمغرب، وراح ضحيته عدد عظيم من
علماء الأندلس ورجال الدين والأدب والسياسة فيها. وعلى الرغم(14/309)
من قيام أبى الحجاج بعقد سلام مع ملك قشتالة عام (734هـ =
1334م) فإنه سرعان ما تحطم وبدأ صراع بين غرناطة والمغرب
من ناحية، وقشتالة تساندها أراجون والبرتغال من ناحية أخرى
حول السيطرة على جبل طارق، وبعد معارك انتهى الأمر بين كل
الأطراف بعقد معاهدة مدتها عشر سنوات، وتوفى يوسف الأول
قتيلاً فى (أول شوال 755هـ = سبتمبر 1357م)، وتولى ابنه
محمد الخامس الغنى بالله، وحدث صراع وتحالف بين هذا الطرف
أو ذاك وبين ملوك النصارى، وانتهت هذه المرحلة بعقد صلح
دائم بين قشتالة وأراجون وغرناطة والمغرب عام (772هـ =
1370م)، ثم توفى السلطان محمد الخامس الذى كان ملك البرتغال
وسلطان بنى مرين قد ساعداه على استرداد ملكه، وبعده
تعاقب على عرش غرناطة عدد من السلاطين الضعاف وتعرضت
المملكة لكثير من الفتن والدسائس والمؤامرات وجرت اتصالات
وتحالفات مع ملوك النصارى، وبلغ الاضطراب حدا تعاقب فيه
على مملكة غرناطة اثنا عشر سلطانًا خلال القرن (9هـ = 15م)،
تولى بعضهم أكثر من مرة، فشهدت غرناطة اعتلاء عشرين
سلطانًا على عرشها. حدث هذا فى الوقت الذى شهدت إسبانيا
المسيحية نهضة حربية وسياسية توجت بزواج «فرناندو الثالث»
ملك أراجون من «إيزابيلا» ملكة قشتالة، واتحدت الدولتان فى
مملكة واحدة عام (874هـ = 1469م) بعد طول نزاع وحروب،
وكان ذلك بداية النهاية لمملكة غرناطة الإسلامية التى استمر
بقاؤها معتمدًا - على حد كبير - على استغلال النزاع بين هاتين
المملكتين، وبدأ الملكان الكاثوليكيان يعملان على إنهاء الوجود
الإسلامى فى شبه الجزيرة، وعرف ذلك سلطان غرناطة فامتنع
عن دفع الجزية لقشتالة وبدأ النزاع بين الجانبين، وتمكن
النصارى من الاستيلاء على حصن «الحمة» عام (887هـ =
1482م). وزاد من سوء الموقف اشتغال الحروب الأهلية بين أفراد
البيت الحاكم؛ فقد هجر السلطان أبا الحسن على ولداه «أبو
عبدالله محمد» و «يوسف» وأعلنا الثورة على والدهما بسبب(14/310)
خضوعه لسيطرة زوجته الرومية الأصل وإهماله أمهما، وقد قامت
حروب بين الفريقين، أسفرت عن طرد السلطان أبى الحسن الذى
لجأ إلى مدينة بسطة، كما قتل ابنه يوسف وتولى ابنه أبو
عبدالله على مملكة غرناطة، وقد تعرض السلطان الجديد لهزيمة
على يد النصارى وأسروه ثم أطلقوا سراحه بعد أن أملوا عليه
شروطهم، وواصل السلطان الجديد الحرب ضد والده الذى سرعان
ما توفى وخلفه أخوه أبو عبدالله محمد الملقب بالزغل. انتهز
النصارى فرصة هذه الفتن واستولوا على بعض المدن، وبعثوا
إلى الزغل يعرضون تسليم ما معه من أراضٍ مقابل مال كثير
فوافق ورحل إلى فاس، وهناك وضعه سلطان المغرب فى
السجن وصادر أمواله وسمل عينيه. وقد لجأت مملكة غرناطة فى
السنوات الأخيرة من عمرها إلى السلطات الحاكمة فى مصر تطلب
نجدتها، ولكن مصر المملوكية آنئذٍ لم يكن فى مقدورها أن تفعل
شيئًا بسبب ظروفها الداخلية، وكل ما استطاعته هو التهديد.
بمعاملة المسيحيين فى المشرق معاملة سيئة إذا ما تعرض
المسلمون فى الأندلس للإهانة، وقد أرسل الملكان المسيحيان
سفارة إلى السلطان «قانصوه الغورى» عام (907هـ = 1501م)
طمأنته على وضع المسلمين وأزالت التوتر بين الجانبين. وقد
التقت قوات غرناطة والمرينيين من قبل وحاربوا قوات قشتالة
وليون عند «أسنجة» جنوبى قرطبة سنة (647 هـ = 1249م)،
وتحمس المسلمون حماسًا عظيمًا ومزقوا قوات قشتالة شر ممزق،
واضطر «ألفونسو العاشر» إلى طلب الصلح، وحدث لقاء مماثل
قرب غرناطة عام (718هـ = 1318م) اتحد فيه المسلمون فحققوا
نصرًا مؤزرًا، وهذا يعنى أن قوة المسلمين فى الأندلس كانت
لاتزال تستطيع الدفاع عن نفسها ودحر عدوها إذا وحدت
صفوفها وأدركت أهمية معاركها، ووعت جيدًا دورها فى
مواجهة الأعداء وتثبيت أقدام المسلمين فى أرض الأندلس، لكن
النفور بين المرينيين وبين بنى نصر كان أكثر أذىً وأشد وطأة
من خلافهم مع النصارى. وبقى عبدالله فى الميدان وحده وقد(14/311)
رفض تسليم غرناطة وصمم على القتال، وفى عام (896هـ =
1491م) قام الملك «فرناندو» بحصار غرناطة وأفسد زراعتها
وأقام حولها القواعد، ثم توصل الطرفان إلى معاهدة التسليم،
ودخل الملكان الكاثوليكيان مدينة غرناطة فى (الثانى من ربيع
الأول 897هـ = الثانى من يناير 1492م). بعض مظاهر الحضارة
بغرناطة فى عصر بنى نصر: ازداد عدد السكان فى مملكة
غرناطة بسبب تدفق المهاجرين إليها من المدن الأخرى وبسبب
هجرة المدجنين الذين أفتاهم فقهاؤهم بضرورة مغادرة البلاد
التى سقطت فى يد النصارى، فلجأ إليها العلماء والأدباء وعامة
الناس، كذلك عاش البربر الذين جاءوا لمعاونة غرناطة فى
حروبها ضد المسيحيين، كما تحدثت بعض المصادر عن عناصر
سودانية خارج مالقة، وعن صوفية وفدوا من الهند وخراسان
وبلاد فارس للمرابطة فى سبيل الله، هذا بالإضافة إلى الأفارقة
السود الذين عبروا إلى الأندلس منذ حركة الفتوح الأولى، وقد
تغلغل حب الانتماء إلى القبائل العربية بين الأندلسيين، ويذكر
فى هذا أن بنى نصر ملوك غرناطة ينسبون أنفسهم إلى
الصحابى الجليل «سعد بن عبادة» سيد الخزرج وأحد زعماء
الأنصار. العمارة فى مملكة غرناطة: كان لغرناطة مسجد جامع
من أبدع الجوامع وأحسنها منظرًا. لا يلاصقه بناء، قد قام سقفه
على أعمدة حسان، والماء يجرى داخله. وإلى جانب المسجد
الجامع وجدت مساجد أخرى مهمة مثل: مسجد الحمراء وعدد من
المساجد فى الأحياء المختلفة. واشتهرت مساجد غرناطة
باستخدام الرخام، كما عرفت المساجد الأندلسية بتجميل صحونها
بحدائق الفاكهة وأقيمت المآذن منفصلة عن المساجد يفصل بينها
صحن المسجد، وكانت المئذنة عبارة عن أربعة أبراج مربعة
وتتكون من طابقين، ويحيط بها سور يزين أعلاه بكرات معدنية
مختلفة، وحتى الآن توجد مئذنتان ترجعان إلى عصر دولة بنى
نصر، الأولى مئذنة مسجد تحول إلى كنيسة هى كنيسة «سان
خوان دى لوس ريس»، والثانى ببلدة «رندة» التى تحول(14/312)
مسجدها إلى كنيسة باسم «سان سباستيان». الناحية العلمية:
أما فى الناحية العلمية، فقد حافظت تلك الفترة على ما خطه
السابقون وأضافت إليه، ونجد ثبتًا طويلا بأسماء اللامعين فى
كتاب الإحاطة لابن الخطيب، وفى نفح الطيب للمقرى، كما
أنشئت المدارس وتوافرت الاختراعات مثل: المدافع والبنادق التى
استعملها المسلمون فى دفاعهم عن غرناطة، ويحتفظ متحف
مدريد الحربى بنماذج منها حتى الآن. كذلك ازدهرت صناعات
عديدة منها: صناعة السفن، والمنسوجات، وقد أنتجت المصانع
القماش الموشى بالذهب فى ألمرية ومالقة وأقمشة أخرى فى
غرناطة وبسطة، وتم اتخاذ الفراء من بعض الحيوانات البحرية.
كما عرفت المملكة صناعة الأصباغ والجلود والحلى وغيرها؛
كذلك اهتم بنو نصر بالزراعة وما يتصل بها من وسائل الرى
وأنواع المزروعات، وكانت مدينة غرناطة أجمل مدن العالم
بشوارعها وميادينها وحدائقها ومرافقها وكانت تصدر صناعاتها
إلى عدد من البلدان بعضها أوربى، وهناك أسماء كثيرة من
أعلام الفكر ظهرت فى هذه الفترة منها: ابن البيطار وابن خاتمة
وابن الخطيب، وهناك عدد من سلاطين بنى نصر ألفوا كتبًا فى
الأدب، ورعوا العلم ورجاله ومعاهده.(14/313)
*الأحمر (بنو)
انفرط عقد الأندلس بعنف بعد هزيمة الموحدين فى معركة
«العقاب» أمام الجيوش الإسبانية والأوربية المتحالفة، وسارت
الأمور من سيئ إلى أسوأ، والقواعد تخرج من قبضة الموحدين
واحدة بعد الأخرى، ينتزع بعضها ابن هود الثائر وبعضها
النصارى وأتاحت هذه الظروف فرصة الظهور والمغامرة
للطامحين من القادة والزعماء. فى تلك الأثناء ظهر محمد بن
يوسف بن نصر أو ابن الأحمر الملقب بالغالب بالله فى وقت
اشتدت فيه المحن، وانعقدت عليه الآمال؛ لتميزه بالشجاعة
ومجاهدة العدو، والتف حوله الناس وبايعوه فى «أرجونة» وما
حولها على بعد ثلاثين كيلو مترًا من «جيان» فى (رمضان 629هـ
= يوليو 1232م) وتوافد عليه جنود الأندلس؛ فأعلن نفسه أميرًا
وانتقل إلى «جيان»، ودخلت فى طاعته بلاد الجنوب كلها، لكنه
أحس أنه فى حاجة إلى معقل يعتصم به؛ لأن «جيان» مدينة
مكشوفة، فوقع اختياره على غرناطة الواقعة عند سفح جبل
الثلج، وكان يوجد فى أعلى الجبل حصن منيع سبق تعميره
أول عصر ملوك الطوائف، فتوجه إليه وسكنه واستقر به، وشيئًا
فشيئًا أخذ يوسع نطاق سلطانه، حتى أصبحت دولته تضم بين
جنباتها ثلاث ولايات كبيرة هى: غرناطة وألمرية، ومالقة،
ووصلت حدودها إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل
طارق، واتخذ مدينة غرناطة عاصمة لدولته، وساعد على دعم
دولته استيلاؤه على ألمرية ومالقة لما لهما من أهمية عظيمة فى
المجالين التجارى والبحرى. وقد واجهت «ابن نصر» بعض
المشكلات الداخلية والخارجية، منها: علاقته بأصهاره «بنى
أشقيولة» الذين عاونوه ثم انقلبوا عليه، ونقص المال الذى كان
فى أشد الحاجة إليه لتثبيت قواعد سلطانه، ومشكلته مع ملوك
النصارى الذين أدركوا خطر دولته الناشئة وأرادوا القضاء
عليها، فاضطر إلى أن يعقد معهم معاهدة صلح سنة (643هـ =
1245م) لمدة عشرين عامًا، وبمقتضاها حكم ابن الأحمر مملكته
باسم ملك قشتالة «فرناندو الثالث» ودفع له جزية، ووافق على(14/314)
حضور البلاط القشتالى باعتباره واحدًا من أمراء الملك، وعلى
مده بالجنود كلما طلب منه ذلك، وبالفعل أمده ابن الأحمر بقوات
ساعدت على سقوط «إشبيلية» فى يد النصارى فى (3 شعبان
646هـ = نوفمبر 1248م). وفى (جمادى الثانية 671هـ = ديسمبر
1272م) توفى محمد بن يوسف بن نصير الملقب بالشيخ، وكان
قد أخذ البيعة لولده محمد، فأقر بذلك مبدأ الملكية الوراثية، وقد
اعتلى محمد الثانى العرش ولقب بالفقيه؛ لاشتغاله بالعلم أيام
أبيه، وقال عنه ابن الخطيب: «وهو الذى رتب رسوم الملك للدولة
ووضع ألقاب خدمتها، ونظم دواوينها وجبايتها، هذا إلى جانب
اعتنائه بالجيش وخاصة فرق الفرسان .. وكان سياسيا بارزًا .. ،
أديبًا عالمًا، يقرض الشعر ويجالس العلماء والأدباء والأطباء
والمنجمين والحكماء، والكتاب والشعراء». وقد واجه الأمير
الجديد ثلاث مشكلات هى، مشكلته مع الإسبان، وقد نجح فى
تحقيق انتصارات عليهم منتهزًا فرصة موت مليكهم، ومع
المرينيين الذين استنصر بهم ليعاونوه فى الجهاد ضد المسيحيين
فإذا بهم يطمعون فى الاستيلاء على الأندلس، الشىء الذى
دفعه إلى التحالف مع ملك أراجون تارة ومع ملك قشتالة تارة
أخرى لدرء خطر المرينيين، وعلى الرغم من تحسن العلاقات بين
غرناطة وفاس، فإن الفقيه لم يكن يطمئن إلى نياتهم، وقد
دفعهم ذلك إلى التحالف مع النصارى مرات، وأخيرًا كانت هناك
مشكلة مع أصهار أبيه «بنى أشقيلولة» التى اشتدت فى زمنه،
وانتهت بصدور أمر يقضى بتهجيرهم إلى مدينة القصر الكبير
بشمالى المغرب جنوب مدينة سبتة سنة (687هـ = 1288 م).
وعلى كل حال فقد توفى محمد الفقيه فى (شعبان 701هـ =
أبريل 1302م) بعد أن نجح فى دعم دولته داخليا وخارجيا. تولى
الأمر بعد محمد الفقيه ابنه أبو عبدالله محمد، وفى عهده تحالف
ملكا قشتالة وأراجون على غزو مملكة غرناطة برا وبحرًا، ولكن
«ألمرية» تمكنت من الصمود فى مواجهة أقصى هجوم عرفته(14/315)
فى تاريخها وتمكن جيشها بقيادة شيخ الغزاة «عثمان بن أبى
العلاء» من هزيمة جيش أراجون، لكن العلاقة ساءت بين غرناطة
وفاس، وقام صاحب مالقة بثورة عارمة ضد الحكومة المركزية،
وكانت فتنة وقتال وحرب وهدنة استمرت أعوامًا ولم تنته إلا
بموت الأمير. ثم تولى أبو الوليد إسماعيل بن فرح (713هـ =
1313م) الذى اشتهر بإقامة الحدود وتطبيق الشرع، وفى عهده
قام القشتاليون بهجوم ضخم على غرناطة، انتهى بمقتل أميرى
الجيش النصرانى فى مروج غرناطة، وانتهز الأمير فرصة
منازعات بين أمراء قشتالة واستولى على بعض المدن القشتالية
ومنها مدينة «أشكر»، وقد استخدم الغرناطيون المدفع لأول مرة
عند منازلتهم لها. ثم تولى أبو عبدالله محمد الرابع بن إسماعيل
(725هـ = 1325م) الذى اشتهر بالشجاعة كما كان مغرمًا بالصيد
محبا للأدب والشعر، وفى عهده قامت بعض الفتن الداخلية التى
انتهزها النصارى واستولوا على عدد من الحصون، كما أحرز
أسطولهم نصرًا على الأسطول الإسلامى فى ألمرية ومالقة. وقد
دفع هذا السلطان أن يعبر بنفسه إلى المغرب ليستنجد ببنى
مرين الذين أجابوه إلى ما طلب، ونزلت قوات المرينيين على
جبل الفتح وأمكنها الاستيلاء عليه عام (733هـ = 1333م)، ولكن
السلطان قُتل فى طريق عودته إلى غرناطة وتولى من بعده
أخوه أبو الحجاج يوسف الأول. وشهدت مملكة غرناطة فى
عهده عصرها الذهبى، فأنشئت المدرسة اليوسفية والنصيرية،
وجرى الاهتمام بتحصين البلاد، وإنشاء المصانع، وإقامة
الحصون، وبناء السور العظيم حول ربض البيازين فى غرناطة،
وأضيفت منشآت كثيرة إلى قصر الحمراء منها باب الشريعة
وغيره، وكان السلطان حريصًا على تفقد أحوال شعبه بنفسه.
ومن الأحداث العظام فى عهده: الوباء الأسود الذى تفشى فى
حوض البحر الأبيض المتوسط عامى (749 - 750هـ = 1348 -
1349م)، وشمل المشرق والمغرب، وراح ضحيته عدد عظيم من
علماء الأندلس ورجال الدين والأدب والسياسة فيها. وعلى الرغم(14/316)
من قيام أبى الحجاج بعقد سلام مع ملك قشتالة عام (734هـ =
1334م) فإنه سرعان ما تحطم وبدأ صراع بين غرناطة والمغرب
من ناحية، وقشتالة تساندها أراجون والبرتغال من ناحية أخرى
حول السيطرة على جبل طارق، وبعد معارك انتهى الأمر بين كل
الأطراف بعقد معاهدة مدتها عشر سنوات، وتوفى يوسف الأول
قتيلاً فى (أول شوال 755هـ = سبتمبر 1357م)، وتولى ابنه
محمد الخامس الغنى بالله، وحدث صراع وتحالف بين هذا الطرف
أو ذاك وبين ملوك النصارى، وانتهت هذه المرحلة بعقد صلح
دائم بين قشتالة وأراجون وغرناطة والمغرب عام (772هـ =
1370م)، ثم توفى السلطان محمد الخامس الذى كان ملك البرتغال
وسلطان بنى مرين قد ساعداه على استرداد ملكه، وبعده
تعاقب على عرش غرناطة عدد من السلاطين الضعاف وتعرضت
المملكة لكثير من الفتن والدسائس والمؤامرات وجرت اتصالات
وتحالفات مع ملوك النصارى، وبلغ الاضطراب حدا تعاقب فيه
على مملكة غرناطة اثنا عشر سلطانًا خلال القرن (9هـ = 15م)،
تولى بعضهم أكثر من مرة، فشهدت غرناطة اعتلاء عشرين
سلطانًا على عرشها. حدث هذا فى الوقت الذى شهدت إسبانيا
المسيحية نهضة حربية وسياسية توجت بزواج «فرناندو الثالث»
ملك أراجون من «إيزابيلا» ملكة قشتالة، واتحدت الدولتان فى
مملكة واحدة عام (874هـ = 1469م) بعد طول نزاع وحروب،
وكان ذلك بداية النهاية لمملكة غرناطة الإسلامية التى استمر
بقاؤها معتمدًا - على حد كبير - على استغلال النزاع بين هاتين
المملكتين، وبدأ الملكان الكاثوليكيان يعملان على إنهاء الوجود
الإسلامى فى شبه الجزيرة، وعرف ذلك سلطان غرناطة فامتنع
عن دفع الجزية لقشتالة وبدأ النزاع بين الجانبين، وتمكن
النصارى من الاستيلاء على حصن «الحمة» عام (887هـ =
1482م). وزاد من سوء الموقف اشتغال الحروب الأهلية بين أفراد
البيت الحاكم؛ فقد هجر السلطان أبا الحسن على ولداه «أبو
عبدالله محمد» و «يوسف» وأعلنا الثورة على والدهما بسبب(14/317)
خضوعه لسيطرة زوجته الرومية الأصل وإهماله أمهما، وقد قامت
حروب بين الفريقين، أسفرت عن طرد السلطان أبى الحسن الذى
لجأ إلى مدينة بسطة، كما قتل ابنه يوسف وتولى ابنه أبو
عبدالله على مملكة غرناطة، وقد تعرض السلطان الجديد لهزيمة
على يد النصارى وأسروه ثم أطلقوا سراحه بعد أن أملوا عليه
شروطهم، وواصل السلطان الجديد الحرب ضد والده الذى سرعان
ما توفى وخلفه أخوه أبو عبدالله محمد الملقب بالزغل. انتهز
النصارى فرصة هذه الفتن واستولوا على بعض المدن، وبعثوا
إلى الزغل يعرضون تسليم ما معه من أراضٍ مقابل مال كثير
فوافق ورحل إلى فاس، وهناك وضعه سلطان المغرب فى
السجن وصادر أمواله وسمل عينيه. وقد لجأت مملكة غرناطة فى
السنوات الأخيرة من عمرها إلى السلطات الحاكمة فى مصر تطلب
نجدتها، ولكن مصر المملوكية آنئذٍ لم يكن فى مقدورها أن تفعل
شيئًا بسبب ظروفها الداخلية، وكل ما استطاعته هو التهديد.
بمعاملة المسيحيين فى المشرق معاملة سيئة إذا ما تعرض
المسلمون فى الأندلس للإهانة، وقد أرسل الملكان المسيحيان
سفارة إلى السلطان «قانصوه الغورى» عام (907هـ = 1501م)
طمأنته على وضع المسلمين وأزالت التوتر بين الجانبين. وقد
التقت قوات غرناطة والمرينيين من قبل وحاربوا قوات قشتالة
وليون عند «أسنجة» جنوبى قرطبة سنة (647 هـ = 1249م)،
وتحمس المسلمون حماسًا عظيمًا ومزقوا قوات قشتالة شر ممزق،
واضطر «ألفونسو العاشر» إلى طلب الصلح، وحدث لقاء مماثل
قرب غرناطة عام (718هـ = 1318م) اتحد فيه المسلمون فحققوا
نصرًا مؤزرًا، وهذا يعنى أن قوة المسلمين فى الأندلس كانت
لاتزال تستطيع الدفاع عن نفسها ودحر عدوها إذا وحدت
صفوفها وأدركت أهمية معاركها، ووعت جيدًا دورها فى
مواجهة الأعداء وتثبيت أقدام المسلمين فى أرض الأندلس، لكن
النفور بين المرينيين وبين بنى نصر كان أكثر أذىً وأشد وطأة
من خلافهم مع النصارى. وبقى عبدالله فى الميدان وحده وقد(14/318)
رفض تسليم غرناطة وصمم على القتال، وفى عام (896هـ =
1491م) قام الملك «فرناندو» بحصار غرناطة وأفسد زراعتها
وأقام حولها القواعد، ثم توصل الطرفان إلى معاهدة التسليم،
ودخل الملكان الكاثوليكيان مدينة غرناطة فى (الثانى من ربيع
الأول 897هـ = الثانى من يناير 1492م). بعض مظاهر الحضارة
بغرناطة فى عصر بنى نصر: ازداد عدد السكان فى مملكة
غرناطة بسبب تدفق المهاجرين إليها من المدن الأخرى وبسبب
هجرة المدجنين الذين أفتاهم فقهاؤهم بضرورة مغادرة البلاد
التى سقطت فى يد النصارى، فلجأ إليها العلماء والأدباء وعامة
الناس، كذلك عاش البربر الذين جاءوا لمعاونة غرناطة فى
حروبها ضد المسيحيين، كما تحدثت بعض المصادر عن عناصر
سودانية خارج مالقة، وعن صوفية وفدوا من الهند وخراسان
وبلاد فارس للمرابطة فى سبيل الله، هذا بالإضافة إلى الأفارقة
السود الذين عبروا إلى الأندلس منذ حركة الفتوح الأولى، وقد
تغلغل حب الانتماء إلى القبائل العربية بين الأندلسيين، ويذكر
فى هذا أن بنى نصر ملوك غرناطة ينسبون أنفسهم إلى
الصحابى الجليل «سعد بن عبادة» سيد الخزرج وأحد زعماء
الأنصار. العمارة فى مملكة غرناطة: كان لغرناطة مسجد جامع
من أبدع الجوامع وأحسنها منظرًا. لا يلاصقه بناء، قد قام سقفه
على أعمدة حسان، والماء يجرى داخله. وإلى جانب المسجد
الجامع وجدت مساجد أخرى مهمة مثل: مسجد الحمراء وعدد من
المساجد فى الأحياء المختلفة. واشتهرت مساجد غرناطة
باستخدام الرخام، كما عرفت المساجد الأندلسية بتجميل صحونها
بحدائق الفاكهة وأقيمت المآذن منفصلة عن المساجد يفصل بينها
صحن المسجد، وكانت المئذنة عبارة عن أربعة أبراج مربعة
وتتكون من طابقين، ويحيط بها سور يزين أعلاه بكرات معدنية
مختلفة، وحتى الآن توجد مئذنتان ترجعان إلى عصر دولة بنى
نصر، الأولى مئذنة مسجد تحول إلى كنيسة هى كنيسة «سان
خوان دى لوس ريس»، والثانى ببلدة «رندة» التى تحول(14/319)
مسجدها إلى كنيسة باسم «سان سباستيان». الناحية العلمية:
أما فى الناحية العلمية، فقد حافظت تلك الفترة على ما خطه
السابقون وأضافت إليه، ونجد ثبتًا طويلا بأسماء اللامعين فى
كتاب الإحاطة لابن الخطيب، وفى نفح الطيب للمقرى، كما
أنشئت المدارس وتوافرت الاختراعات مثل: المدافع والبنادق التى
استعملها المسلمون فى دفاعهم عن غرناطة، ويحتفظ متحف
مدريد الحربى بنماذج منها حتى الآن. كذلك ازدهرت صناعات
عديدة منها: صناعة السفن، والمنسوجات، وقد أنتجت المصانع
القماش الموشى بالذهب فى ألمرية ومالقة وأقمشة أخرى فى
غرناطة وبسطة، وتم اتخاذ الفراء من بعض الحيوانات البحرية.
كما عرفت المملكة صناعة الأصباغ والجلود والحلى وغيرها؛
كذلك اهتم بنو نصر بالزراعة وما يتصل بها من وسائل الرى
وأنواع المزروعات، وكانت مدينة غرناطة أجمل مدن العالم
بشوارعها وميادينها وحدائقها ومرافقها وكانت تصدر صناعاتها
إلى عدد من البلدان بعضها أوربى، وهناك أسماء كثيرة من
أعلام الفكر ظهرت فى هذه الفترة منها: ابن البيطار وابن خاتمة
وابن الخطيب، وهناك عدد من سلاطين بنى نصر ألفوا كتبًا فى
الأدب، ورعوا العلم ورجاله ومعاهده.(14/320)
*غرناطة (دولة)
انفرط عقد الأندلس بعنف بعد هزيمة الموحدين فى معركة
«العقاب» أمام الجيوش الإسبانية والأوربية المتحالفة، وسارت
الأمور من سيئ إلى أسوأ، والقواعد تخرج من قبضة الموحدين
واحدة بعد الأخرى، ينتزع بعضها ابن هود الثائر وبعضها
النصارى وأتاحت هذه الظروف فرصة الظهور والمغامرة
للطامحين من القادة والزعماء. فى تلك الأثناء ظهر محمد بن
يوسف بن نصر أو ابن الأحمر الملقب بالغالب بالله فى وقت
اشتدت فيه المحن، وانعقدت عليه الآمال؛ لتميزه بالشجاعة
ومجاهدة العدو، والتف حوله الناس وبايعوه فى «أرجونة» وما
حولها على بعد ثلاثين كيلو مترًا من «جيان» فى (رمضان 629هـ
= يوليو 1232م) وتوافد عليه جنود الأندلس؛ فأعلن نفسه أميرًا
وانتقل إلى «جيان»، ودخلت فى طاعته بلاد الجنوب كلها، لكنه
أحس أنه فى حاجة إلى معقل يعتصم به؛ لأن «جيان» مدينة
مكشوفة، فوقع اختياره على غرناطة الواقعة عند سفح جبل
الثلج، وكان يوجد فى أعلى الجبل حصن منيع سبق تعميره
أول عصر ملوك الطوائف، فتوجه إليه وسكنه واستقر به، وشيئًا
فشيئًا أخذ يوسع نطاق سلطانه، حتى أصبحت دولته تضم بين
جنباتها ثلاث ولايات كبيرة هى: غرناطة وألمرية، ومالقة،
ووصلت حدودها إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل
طارق، واتخذ مدينة غرناطة عاصمة لدولته، وساعد على دعم
دولته استيلاؤه على ألمرية ومالقة لما لهما من أهمية عظيمة فى
المجالين التجارى والبحرى. وقد واجهت «ابن نصر» بعض
المشكلات الداخلية والخارجية، منها: علاقته بأصهاره «بنى
أشقيولة» الذين عاونوه ثم انقلبوا عليه، ونقص المال الذى كان
فى أشد الحاجة إليه لتثبيت قواعد سلطانه، ومشكلته مع ملوك
النصارى الذين أدركوا خطر دولته الناشئة وأرادوا القضاء
عليها، فاضطر إلى أن يعقد معهم معاهدة صلح سنة (643هـ =
1245م) لمدة عشرين عامًا، وبمقتضاها حكم ابن الأحمر مملكته
باسم ملك قشتالة «فرناندو الثالث» ودفع له جزية، ووافق على(14/321)
حضور البلاط القشتالى باعتباره واحدًا من أمراء الملك، وعلى
مده بالجنود كلما طلب منه ذلك، وبالفعل أمده ابن الأحمر بقوات
ساعدت على سقوط «إشبيلية» فى يد النصارى فى (3 شعبان
646هـ = نوفمبر 1248م). وفى (جمادى الثانية 671هـ = ديسمبر
1272م) توفى محمد بن يوسف بن نصير الملقب بالشيخ، وكان
قد أخذ البيعة لولده محمد، فأقر بذلك مبدأ الملكية الوراثية، وقد
اعتلى محمد الثانى العرش ولقب بالفقيه؛ لاشتغاله بالعلم أيام
أبيه، وقال عنه ابن الخطيب: «وهو الذى رتب رسوم الملك للدولة
ووضع ألقاب خدمتها، ونظم دواوينها وجبايتها، هذا إلى جانب
اعتنائه بالجيش وخاصة فرق الفرسان .. وكان سياسيا بارزًا .. ،
أديبًا عالمًا، يقرض الشعر ويجالس العلماء والأدباء والأطباء
والمنجمين والحكماء، والكتاب والشعراء». وقد واجه الأمير
الجديد ثلاث مشكلات هى، مشكلته مع الإسبان، وقد نجح فى
تحقيق انتصارات عليهم منتهزًا فرصة موت مليكهم، ومع
المرينيين الذين استنصر بهم ليعاونوه فى الجهاد ضد المسيحيين
فإذا بهم يطمعون فى الاستيلاء على الأندلس، الشىء الذى
دفعه إلى التحالف مع ملك أراجون تارة ومع ملك قشتالة تارة
أخرى لدرء خطر المرينيين، وعلى الرغم من تحسن العلاقات بين
غرناطة وفاس، فإن الفقيه لم يكن يطمئن إلى نياتهم، وقد
دفعهم ذلك إلى التحالف مع النصارى مرات، وأخيرًا كانت هناك
مشكلة مع أصهار أبيه «بنى أشقيلولة» التى اشتدت فى زمنه،
وانتهت بصدور أمر يقضى بتهجيرهم إلى مدينة القصر الكبير
بشمالى المغرب جنوب مدينة سبتة سنة (687هـ = 1288 م).
وعلى كل حال فقد توفى محمد الفقيه فى (شعبان 701هـ =
أبريل 1302م) بعد أن نجح فى دعم دولته داخليا وخارجيا. تولى
الأمر بعد محمد الفقيه ابنه أبو عبدالله محمد، وفى عهده تحالف
ملكا قشتالة وأراجون على غزو مملكة غرناطة برا وبحرًا، ولكن
«ألمرية» تمكنت من الصمود فى مواجهة أقصى هجوم عرفته(14/322)
فى تاريخها وتمكن جيشها بقيادة شيخ الغزاة «عثمان بن أبى
العلاء» من هزيمة جيش أراجون، لكن العلاقة ساءت بين غرناطة
وفاس، وقام صاحب مالقة بثورة عارمة ضد الحكومة المركزية،
وكانت فتنة وقتال وحرب وهدنة استمرت أعوامًا ولم تنته إلا
بموت الأمير. ثم تولى أبو الوليد إسماعيل بن فرح (713هـ =
1313م) الذى اشتهر بإقامة الحدود وتطبيق الشرع، وفى عهده
قام القشتاليون بهجوم ضخم على غرناطة، انتهى بمقتل أميرى
الجيش النصرانى فى مروج غرناطة، وانتهز الأمير فرصة
منازعات بين أمراء قشتالة واستولى على بعض المدن القشتالية
ومنها مدينة «أشكر»، وقد استخدم الغرناطيون المدفع لأول مرة
عند منازلتهم لها. ثم تولى أبو عبدالله محمد الرابع بن إسماعيل
(725هـ = 1325م) الذى اشتهر بالشجاعة كما كان مغرمًا بالصيد
محبا للأدب والشعر، وفى عهده قامت بعض الفتن الداخلية التى
انتهزها النصارى واستولوا على عدد من الحصون، كما أحرز
أسطولهم نصرًا على الأسطول الإسلامى فى ألمرية ومالقة. وقد
دفع هذا السلطان أن يعبر بنفسه إلى المغرب ليستنجد ببنى
مرين الذين أجابوه إلى ما طلب، ونزلت قوات المرينيين على
جبل الفتح وأمكنها الاستيلاء عليه عام (733هـ = 1333م)، ولكن
السلطان قُتل فى طريق عودته إلى غرناطة وتولى من بعده
أخوه أبو الحجاج يوسف الأول. وشهدت مملكة غرناطة فى
عهده عصرها الذهبى، فأنشئت المدرسة اليوسفية والنصيرية،
وجرى الاهتمام بتحصين البلاد، وإنشاء المصانع، وإقامة
الحصون، وبناء السور العظيم حول ربض البيازين فى غرناطة،
وأضيفت منشآت كثيرة إلى قصر الحمراء منها باب الشريعة
وغيره، وكان السلطان حريصًا على تفقد أحوال شعبه بنفسه.
ومن الأحداث العظام فى عهده: الوباء الأسود الذى تفشى فى
حوض البحر الأبيض المتوسط عامى (749 - 750هـ = 1348 -
1349م)، وشمل المشرق والمغرب، وراح ضحيته عدد عظيم من
علماء الأندلس ورجال الدين والأدب والسياسة فيها. وعلى الرغم(14/323)
من قيام أبى الحجاج بعقد سلام مع ملك قشتالة عام (734هـ =
1334م) فإنه سرعان ما تحطم وبدأ صراع بين غرناطة والمغرب
من ناحية، وقشتالة تساندها أراجون والبرتغال من ناحية أخرى
حول السيطرة على جبل طارق، وبعد معارك انتهى الأمر بين كل
الأطراف بعقد معاهدة مدتها عشر سنوات، وتوفى يوسف الأول
قتيلاً فى (أول شوال 755هـ = سبتمبر 1357م)، وتولى ابنه
محمد الخامس الغنى بالله، وحدث صراع وتحالف بين هذا الطرف
أو ذاك وبين ملوك النصارى، وانتهت هذه المرحلة بعقد صلح
دائم بين قشتالة وأراجون وغرناطة والمغرب عام (772هـ =
1370م)، ثم توفى السلطان محمد الخامس الذى كان ملك البرتغال
وسلطان بنى مرين قد ساعداه على استرداد ملكه، وبعده
تعاقب على عرش غرناطة عدد من السلاطين الضعاف وتعرضت
المملكة لكثير من الفتن والدسائس والمؤامرات وجرت اتصالات
وتحالفات مع ملوك النصارى، وبلغ الاضطراب حدا تعاقب فيه
على مملكة غرناطة اثنا عشر سلطانًا خلال القرن (9هـ = 15م)،
تولى بعضهم أكثر من مرة، فشهدت غرناطة اعتلاء عشرين
سلطانًا على عرشها. حدث هذا فى الوقت الذى شهدت إسبانيا
المسيحية نهضة حربية وسياسية توجت بزواج «فرناندو الثالث»
ملك أراجون من «إيزابيلا» ملكة قشتالة، واتحدت الدولتان فى
مملكة واحدة عام (874هـ = 1469م) بعد طول نزاع وحروب،
وكان ذلك بداية النهاية لمملكة غرناطة الإسلامية التى استمر
بقاؤها معتمدًا - على حد كبير - على استغلال النزاع بين هاتين
المملكتين، وبدأ الملكان الكاثوليكيان يعملان على إنهاء الوجود
الإسلامى فى شبه الجزيرة، وعرف ذلك سلطان غرناطة فامتنع
عن دفع الجزية لقشتالة وبدأ النزاع بين الجانبين، وتمكن
النصارى من الاستيلاء على حصن «الحمة» عام (887هـ =
1482م). وزاد من سوء الموقف اشتغال الحروب الأهلية بين أفراد
البيت الحاكم؛ فقد هجر السلطان أبا الحسن على ولداه «أبو
عبدالله محمد» و «يوسف» وأعلنا الثورة على والدهما بسبب(14/324)
خضوعه لسيطرة زوجته الرومية الأصل وإهماله أمهما، وقد قامت
حروب بين الفريقين، أسفرت عن طرد السلطان أبى الحسن الذى
لجأ إلى مدينة بسطة، كما قتل ابنه يوسف وتولى ابنه أبو
عبدالله على مملكة غرناطة، وقد تعرض السلطان الجديد لهزيمة
على يد النصارى وأسروه ثم أطلقوا سراحه بعد أن أملوا عليه
شروطهم، وواصل السلطان الجديد الحرب ضد والده الذى سرعان
ما توفى وخلفه أخوه أبو عبدالله محمد الملقب بالزغل. انتهز
النصارى فرصة هذه الفتن واستولوا على بعض المدن، وبعثوا
إلى الزغل يعرضون تسليم ما معه من أراضٍ مقابل مال كثير
فوافق ورحل إلى فاس، وهناك وضعه سلطان المغرب فى
السجن وصادر أمواله وسمل عينيه. وقد لجأت مملكة غرناطة فى
السنوات الأخيرة من عمرها إلى السلطات الحاكمة فى مصر تطلب
نجدتها، ولكن مصر المملوكية آنئذٍ لم يكن فى مقدورها أن تفعل
شيئًا بسبب ظروفها الداخلية، وكل ما استطاعته هو التهديد.
بمعاملة المسيحيين فى المشرق معاملة سيئة إذا ما تعرض
المسلمون فى الأندلس للإهانة، وقد أرسل الملكان المسيحيان
سفارة إلى السلطان «قانصوه الغورى» عام (907هـ = 1501م)
طمأنته على وضع المسلمين وأزالت التوتر بين الجانبين. وقد
التقت قوات غرناطة والمرينيين من قبل وحاربوا قوات قشتالة
وليون عند «أسنجة» جنوبى قرطبة سنة (647 هـ = 1249م)،
وتحمس المسلمون حماسًا عظيمًا ومزقوا قوات قشتالة شر ممزق،
واضطر «ألفونسو العاشر» إلى طلب الصلح، وحدث لقاء مماثل
قرب غرناطة عام (718هـ = 1318م) اتحد فيه المسلمون فحققوا
نصرًا مؤزرًا، وهذا يعنى أن قوة المسلمين فى الأندلس كانت
لاتزال تستطيع الدفاع عن نفسها ودحر عدوها إذا وحدت
صفوفها وأدركت أهمية معاركها، ووعت جيدًا دورها فى
مواجهة الأعداء وتثبيت أقدام المسلمين فى أرض الأندلس، لكن
النفور بين المرينيين وبين بنى نصر كان أكثر أذىً وأشد وطأة
من خلافهم مع النصارى. وبقى عبدالله فى الميدان وحده وقد(14/325)
رفض تسليم غرناطة وصمم على القتال، وفى عام (896هـ =
1491م) قام الملك «فرناندو» بحصار غرناطة وأفسد زراعتها
وأقام حولها القواعد، ثم توصل الطرفان إلى معاهدة التسليم،
ودخل الملكان الكاثوليكيان مدينة غرناطة فى (الثانى من ربيع
الأول 897هـ = الثانى من يناير 1492م). بعض مظاهر الحضارة
بغرناطة فى عصر بنى نصر: ازداد عدد السكان فى مملكة
غرناطة بسبب تدفق المهاجرين إليها من المدن الأخرى وبسبب
هجرة المدجنين الذين أفتاهم فقهاؤهم بضرورة مغادرة البلاد
التى سقطت فى يد النصارى، فلجأ إليها العلماء والأدباء وعامة
الناس، كذلك عاش البربر الذين جاءوا لمعاونة غرناطة فى
حروبها ضد المسيحيين، كما تحدثت بعض المصادر عن عناصر
سودانية خارج مالقة، وعن صوفية وفدوا من الهند وخراسان
وبلاد فارس للمرابطة فى سبيل الله، هذا بالإضافة إلى الأفارقة
السود الذين عبروا إلى الأندلس منذ حركة الفتوح الأولى، وقد
تغلغل حب الانتماء إلى القبائل العربية بين الأندلسيين، ويذكر
فى هذا أن بنى نصر ملوك غرناطة ينسبون أنفسهم إلى
الصحابى الجليل «سعد بن عبادة» سيد الخزرج وأحد زعماء
الأنصار. العمارة فى مملكة غرناطة: كان لغرناطة مسجد جامع
من أبدع الجوامع وأحسنها منظرًا. لا يلاصقه بناء، قد قام سقفه
على أعمدة حسان، والماء يجرى داخله. وإلى جانب المسجد
الجامع وجدت مساجد أخرى مهمة مثل: مسجد الحمراء وعدد من
المساجد فى الأحياء المختلفة. واشتهرت مساجد غرناطة
باستخدام الرخام، كما عرفت المساجد الأندلسية بتجميل صحونها
بحدائق الفاكهة وأقيمت المآذن منفصلة عن المساجد يفصل بينها
صحن المسجد، وكانت المئذنة عبارة عن أربعة أبراج مربعة
وتتكون من طابقين، ويحيط بها سور يزين أعلاه بكرات معدنية
مختلفة، وحتى الآن توجد مئذنتان ترجعان إلى عصر دولة بنى
نصر، الأولى مئذنة مسجد تحول إلى كنيسة هى كنيسة «سان
خوان دى لوس ريس»، والثانى ببلدة «رندة» التى تحول(14/326)
مسجدها إلى كنيسة باسم «سان سباستيان». الناحية العلمية:
أما فى الناحية العلمية، فقد حافظت تلك الفترة على ما خطه
السابقون وأضافت إليه، ونجد ثبتًا طويلا بأسماء اللامعين فى
كتاب الإحاطة لابن الخطيب، وفى نفح الطيب للمقرى، كما
أنشئت المدارس وتوافرت الاختراعات مثل: المدافع والبنادق التى
استعملها المسلمون فى دفاعهم عن غرناطة، ويحتفظ متحف
مدريد الحربى بنماذج منها حتى الآن. كذلك ازدهرت صناعات
عديدة منها: صناعة السفن، والمنسوجات، وقد أنتجت المصانع
القماش الموشى بالذهب فى ألمرية ومالقة وأقمشة أخرى فى
غرناطة وبسطة، وتم اتخاذ الفراء من بعض الحيوانات البحرية.
كما عرفت المملكة صناعة الأصباغ والجلود والحلى وغيرها؛
كذلك اهتم بنو نصر بالزراعة وما يتصل بها من وسائل الرى
وأنواع المزروعات، وكانت مدينة غرناطة أجمل مدن العالم
بشوارعها وميادينها وحدائقها ومرافقها وكانت تصدر صناعاتها
إلى عدد من البلدان بعضها أوربى، وهناك أسماء كثيرة من
أعلام الفكر ظهرت فى هذه الفترة منها: ابن البيطار وابن خاتمة
وابن الخطيب، وهناك عدد من سلاطين بنى نصر ألفوا كتبًا فى
الأدب، ورعوا العلم ورجاله ومعاهده.(14/327)
*العامرية (دولة)
بعد أن أصبحت السيطرة كاملة لابن أبى عامر فكر فى إنشاء
مدينة جديدة يتوافر فيها الأمان ومظاهر السلطان فكانت مدينته
الزاهرة أو العامرية شرقى قرطبة والتى استغرق بناؤها
عامين، وضمت قصرًا ومسجدًا ودواوين للإدارة ومساكن للحرس،
ونقل خزائن المال والسلاح إليها، وأقيم حولها سور ضخم كما
بنى خندقًا وتم إقطاع ضواحيها للوزراء والقادة، فابتنوا الدور
وأنشئت الشوارع والأسواق حتى اتصلت مبانيها بضواحى
قرطبة، وقد انتقل إليها ابن أبى عامر سنة (370هـ = 980م)،
واتخذ له حرسًا خاصا من الصقالبة والبربر أحاطوا بقصره،
ومنعوا الدخول والخروج إليه، وبذلك أقفرت قرطبة وأقفر
قصرها ونقلت كل مظاهر السلطان إلى المدينة الجديدة، ومنع
الخليفة من أى حركة إلا بإذن ابن أبى عامر حماية له من
المتآمرين وحتى يتفرغ للعبادة كما زعم. حاولت «صبح» بعد هذا
التطور أن تستبعد «ابن أبى عامر» مستعينة بمنافسيه، ولجأت
إلى القائد «غالب» - صاحب الثغر - فى سرية تامة، فرد ابن أبى
عامر بتقريب «جعفر بن على بن حمدون الأندلسى» -وهو بربرى
من زناتة - عبر البحر وتقلد الوزارة، واستعان به ابن أبى عامر
على كسب مودة البربر الذين توافدوا من عدوة المغرب إلى
الأندلس، وغمرهم بأمواله. أراد غالب مصانعة ابن أبى عامر
فدعاه إلى غزوة مشتركة فى أراضى قشتالة، وأقام له وليمة
دخل معه خلالها فى نقاش عنيف ورفع السيف فأصيب ابن أبى
عامر، لكنه استطاع الفرار وذهب إلى دار غالب بمدينة سالم
واستولى على كل ما كان فيها، ثم دخل الفريقان فى قتال عند
حصن «شنت بجنت» يعاون غالب ملك ليون، وانتهى الأمر بموت
غالب وهزيمة أعوانه من المسلمين والنصارى فى (4 المحرم سنة
371هـ = 10يوليو 981م). غزوات ابن أبى عامر: بدأت سلسلة
هذه الغزوات الشهيرة بعد أن استقرت الأمور لابن أبى عامر،
ووصل عددها إلى نحو أربع وخمسين غزوة استقصى المؤرخ(14/328)
القرطبى ابن حيان أخبارها فى كتاب له مفقود عنوانه «الدولة
العامرية» ويتحدث عنها ابن خلدون فيقول: «غزا ابن أبى عامر
اثنتين وخمسين غزوة فى سائر أيام ملكه، لم ينكسر له فيها
راية ولا فل له جيش ولاأصيب له بعث ولا هلكت له سرية». وقد
بدأ «ابن أبى عامر» غزواته بمملكة «ليون»؛ ليعاقب ملكها على
معاونته لغالب، وقد تحالف ضده ملوك النصارى الثلاثة: ملك
ليون، وملك قشتالة، وملك نبرة، وجرت بينه وبينهم موقعة عند
«شنت منكش» انتصر فيها «ابن أبى عامر»، ووصل إلى عاصمة
مملكة «ليون»، ثم عاد إلى «قرطبة» سنة (371هـ = 981م) بسبب
حلول الشتاء، وبعد عدة أشهر من عودته اتخذ لنفسه لقب
«الحاجب المنصور» ودعى له على المنابر وصدرت الكتب باسمه
ونقش على السكَّة، وقبَّل المسئولون وكبار الموظفين والوزراء
يده وأصبح هو كل شىء. وفى سنة (274هـ = 984م) خرج
«المنصور» إلى شمال شرقى «الأندلس» على رأس جيش ضخم مر
بغرناطة ثم «بسطة» فلورقة فمرسية، ثم اتجه شمالا إلى
«برشلونة»، حيث دخل منطقة «قطلونية»، ثم اقتحم مدينة
«برشلونة» ودمَّرها وأحرقها فى (صفر 375هـ = يوليو 985م)،
ولم يحاول المنصور الاحتفاظ ببرشلونة، وإنما قصد إلى تدمير
قوى النصارى فى هذه المنطقة النائية. ثم قام المنصور عام
(378هـ = 988م) بغزو مملكة ليون بعد أن انقض ملكهم على
المسلمين، وطاردهم إلى آخر حدود بلاده، فسار المنصور شمالا
إلى ليون، ثم غربًا إلى مدينة قلمرية شمالى البرتغال بالقرب من
المحيط واستولى عليها وبقيت خرابًا مدة سبعة أعوام، ثم سار
المنصور نحو مملكة «نبرة» وقصد عاصمتها «بنبلونة» ردا على
إغارة ملكهم على أراضى المسلمين، وغزوة المنصور هذه
تسمى غزوة البياض، وقد عاد بجيشه إلى «سرقسطة» والتقى
هناك بابنة عبدالملك بعد عودته ظافرًا من حروبه فى بلاد
المغرب كما سنشير فيما بعد. وفى ربيع سنة (378هـ = 988م)
خرج المنصور فى جيش ضخم، واخترق مملكة ليون واستولى(14/329)
على عاصمتها بعد معارك عنيفة، ثم سار إلى «سمورة»
وحاصرها حتى سلمت، واعترف النبلاء له بالطاعة، ولم يبق تحت
سيطرة ملك ليون إلا المنطقة الجبلية الواقعة شمالى غربى إقليم
جليقية. وأثناء قيام المنصور بغزوته هذه رقم (45) انضم ابنه
«عبدالله» إلى ملك قشتالة بتحريض من صاحب الثغر الأعلى
«عبدالرحمن بن مطرف التجيبى» وكانت عاصمته «سرقسطة»،
ولكن المنصور ضغط على الملك النصرانى عن طريق العمليات
العسكرية المتتالية فسلمه ابنه، ولم يتردد المنصور فى قتل ولده
فى الحال. ثم قام «المنصور» سنة (387هـ = 997 م) بأعظم
غزوة قام بها متجهًا نحو منطقة جليقية، وهى منطقة وعرة من
الصعب غزوها؛ لأنها ملاذ ملوك ليون يلجئون إليها كلما ضيق
المسلمون الخناق عليهم، فخرج المنصور إليها من قرطبة فى
(شهر جمادى الآخر سنة 387هـ= 997م)، وفى الوقت نفسه تحرك
الأسطول الأندلسى فى مياه البرتغال يحمل المشاة والأقوات
والذخيرة، وعبر المنصور الجبال والأنهار حتى وصل إلى مدينة
قورية، ثم زحف نحو الشمال الغربى واستولى على مدينتى:
«بازو» و «قلمرية»؛ حيث وفد إليه العديد من أمراء النصارى
وانضموا إلى جيشه وأطاعوه، بعد ذلك توجهت القوات الإسلامية
شمالا نحو نهر «دويرة»، حيث وافاه الأسطول، فجعله جسرًا
عبر به صوب جليقية، وسار فى شعب الجبال، ثم التزم المشى
بحذاء الشاطئ يهدم ويخرب، ففرت أمامه جموع النصارى، وظل
المنصور يواصل عملياته حتى انتهى إلى مدينة «شنت ياقب»
المقدسة عند النصارى فدخلها ثم سار المنصور حتى وصل إلى
شاطئ المحيط وتابع سيره إلى أن أصبح فى شمال البرتغال
الحديثة، وهناك وزع الهدايا على الموالين له من زعماء النصارى
وطلب منهم أن يعودوا إلى بلادهم ورجع هو إلى مدينته الزاهرة.
وقد هزت هذه الغزوة إسبانيا النصرانية، وبقى تأثيرها بضع
سنين وكانت الثامنة والأربعين من بين مجموع غزواته. ثم قام
المنصور بعد ذلك بغزوات فى سنوات (389، 390هـ= 999،(14/330)
1000م) فى أراضى نبرة وقشتالة؛ حيث واجه جموع النصارى
متحدين مصممين على النيل منه، وتعرض المسلمون للهزيمة أول
الأمر، لكن المنصور صعد على ربوة عالية، وأخذ يضاعف جهوده
ويحرض الناس، حتى تمكن من تحويل الهزيمة إلى نصر ومزق
العدو شر ممزق، وتوالى زحفه حتى اقتحم مدينة «برغش»،
ومنها توجه إلى «سرقسطة»، ثم إلى «بنبلونة» عاصمة «نبرة»
دون أن يجرؤ أحد على اعتراضه وأخيرًا رجع إلى العاصمة بعد
تسعة ومائة يوم. وفى ربيع (392هـ =1002م) خرج المنصور لآخر
مرة، وتوجَّه إلى قشتالة ومنها اتجه غربًا نحو «برغش» وعاث
فى تلك المنطقة، وتقول المصادر النصرانية إنه تعرض لهزيمة
على أيدى ملوك النصارى متحدين، وإنه اضطر إلى الفرار فى
جنح الظلام بعد موقعة معهم جرت أحداثها بمكان يسمى «قلعة
النسور»، وقد جرح المنصور ثم مات بعد ذلك متأثرًا بجراحه، لكن
الباحثين المحدثين - ومنهم المستشرق الهولندى دوزى - يرفضون
هذه الرواية لأنها تخالف الحقائق التاريخية الثابتة، فهى تتحدث
عن تحالف بين ملوك من النصارى ماتوا قبل هذه الموقعة، أضف
إلى ذلك أن المصادر الإسلامية لاتذكرشيئًا عن تلك الموقعة، مع
أنها لاتخفى هزائم المسلمين، فالصمت قرينة على أنه لم تكن
هناك هزيمة ولاحتى موقعة أصلا. ومهما يكن من أمر فقد سار
المنصور فى حملته هذه محمولا حتى وصل إلى «مدينة سالم»،
وهناك وافاه الأجل فى (27 رمضان 392هـ = 11 أغسطس
1002م) بعد حكم دام 27 عامًا. المنصور وولاية العهد: اتخذ
المنصور فى سنة (381هـ= 991م) خطة غير مسبوقة بهدف دعم
سلطانه فرشح ابنه عبدالملك ليتولى الأمر من بعده، وتنازل له
عن الحجابة والقيادة وجميع ما كان يتولى من خطط مكتفيًا بلقب
«المنصور» ثم تلقب بالملك الكريم فى سنة (386هـ = 996م)
وبولغ فى تعظيمه وإجلاله، ولم يكن المنصور يقصد أن تجتمع
السلطات فى يده، فكل السلطات السياسية والعسكرية فى(14/331)
قبضة يديه بالفعل، لكنه أراد أن يصبغ حكمه بالصبغة الشرعية،
وأن تكون له رسوم الملك والخلافة، ويقوم بتأسيس دولة تحل
محل دولة بنى أمية، لكن الظروف لم تكن مهيأة فالناس لاتميل
كثيرًا إلى المنصور؛ بسبب الوسائل الدموية التى لجأ إليها
لتصفية خصومه. الجيش فى عهد المنصور: أعطى المنصور
اهتمامًا كبيرًا للجيش، فعنى بتنظيمه، واستقدم قوات تعد
بالألوف من المرتزقة من قبائل زناتة وصنهاجة وغيرهما من
البربر ومن الجند النصارى، وكون من هؤلاء جميعًا جيشًا ضخمًا
ضمن ولاءه له بجوده ووفرة عطاياه، كما غير من نظام الجيش،
فقدَّم رجالات البربر وأخَّر زعماء العرب وفرق جند القبيلة
الواحدة، وكان الخليفة الناصر من قبله قد مهد له الطريق عندما
سحق القبائل العربية وأضعف هيبتها حسبما أشرنا من قبل،
أى أن ابن أبى عامر وجد الطريق ممهدًا، فلم تلق سياسته كبير
معارضة. وقد نفر المحاربون القدماء والأندلسيون بشدة من ذلك
الجيش وسعِدَ «ابن أبى عامر» بهذا النفور لأنه يقف حائلا بين
عناصر الجيش القديم وبين اتحادها ضده، كما أنه يشعر البربر
بضرورة الاعتماد عليه. ومن أهم ما فعله فصل جيش الحضرة
(قرطبة) عن الجيش العام، وتعيين نفسه قائدًا له، فأصبح قوة
عسكرية، وفتحت له والدة الخليفة بيت المال ظنا منها أنه يعمل
لحسابها وحساب ابنها، فأكثر من الجند، وأصبح مستبدا
عسكريا، وتحوَّل من فقيه إلى رجل سياسة، وملك من القوة
العسكرية ما لم يملكه من سبقوه، فالناصر رغم ميله إلى
الاستبداد كان يقف عند حد معين، ويعلم أنه من المستحيل
القضاء على النصارى فيكتفى بإضعافهم وحملهم على أداء
الجزية، أما المنصور فتتوالى ضرباته دون أن يحاول ضم جزء
إلى أراضى الخلافة، أو إسكان بعض المسلمين فى الأراضى
التى يفتحها وإنما يضرب ويحوز الغنائم ويعود النصارى إلى ما
كانوا عليه، وكأنه لم يكن يهدف إلا إلى ذلك. وجدير بالذكر أن(14/332)
المنصور فى سنة (388هـ = 998م) أعفى الناس من إلزامهم
بالغزو؛ بسبب ما وصلت إليه أعداد الجيش وما توافر له من قوة،
واكتفى بالقوات المرابطة، وقد بلغ الجيش المرابط أى الثابت فى
زمن المنصور (12100) من الفرسان يصرف لهم جميعًا المرتبات
والسلاح والنفقة بخلاف (600) فارس للحراسة الخاصة، أما الجيش
المرابط من الرجَّالة فقد بلغ ستة وعشرين ألفًا، وكان هذا العدد
يتضاعف بمن ينضم إليه من المتطوعة أثناء الصوائف ولا يدخل
فى هذا الخيل ومطايا الركوب ودواب الحمل وغيرها من العدد،
وكان المنصور يتولى قيادة قواته بنفسه غالبًا. وقد حققت
غزواته أهدافها من ردع النصارى ومنعهم من الهجوم على
أراضى المسلمين، وكان يعرف أبرز جنده جميعًا بأسمائهم
ويدعوهم إلى المآدب التى يقيمها عقب كل انتصار، ومع ذلك
فإن المحصلة النهائية لغزواته كانت ضعيفة فهو لم يقضِ على
كل قوى النصرانية أو يسحقها، وغزواته وإن أضعفت
النصارى، فإنها لم تغير أحوالهم، وبقيت حدود دولة الإسلام
على ما هى عليه، فهى غزوات دويها عظيم تجذب الناس إليها،
لكن نتائجها قليلة فقد أنهكت قوى الجيوش الإسلامية دون أن
تحقق هدفًا ثابتًا أو تقضى على خصم، إنها مثل الطبل الأجوف
صوت كبير وعمل قليل. إدارة المنصور: أظهر المنصور مقدرة
كافية ممتازة فى جميع المناصب التى تولاها وشهدت البلاد فى
زمنه أمنًا واستقرارًا وطمأنينة لم تعرفها قبله، وفى زمنه لم
تعرف البلاد الثورات مقارنًا بغيره، وازدهرت الصناعة والتجارة
والزراعة، وارتقت العلوم والآداب، وامتلأت خزائن قرطبة بالمال
حتى وصلت الإيرادات إلى نحو أربعة ملايين دينار، بخلاف
الموارد من المواريث ومال السبى والغنائم، وقد عاون المنصور
مجموعة من الكتاب والوزراء فى هذا العصر من أبرزهم: «أبو
مروان عبدالملك بن شهيد» و «محمد بن جهور» و «أحمد بن سعيد
بن حزم» والد الفيلسوف المشهور، و «خلف بن حسين بن حيان»(14/333)
والد أمير المؤرخين الأندلسيين «ابن حيان»، ومن الكتاب «سعيد
بن القطاع» وغيره من أبناء الأسر العريقة التى تعاقب أبناؤها
على الوزارة. العمارة فى عهد المنصور: لم يخل عهد المنصور
من الإنشاءات العظيمة على الرغم من الغزوات المستمرة وقد
أشرنا إلى بنائه مدينته الزاهرة بقصورها وحدائقها، وجعلها
قصرًا للحكم والإدارة، وقد بنى المنصور بجانبها منية جميلة
ازدانت بالحدائق والقصور أسماها «العامرية»، وكان يقصدها
عندما يريد الاستجمام. كذلك قام بزيادة المسجد الجامع فى
«قرطبة» بعد أن اتسعت المدينة، وضمت واحدًا وعشرين حيا،
الواحد فيها أكبر من أية مدينة أندلسية، وقد حفر حولها خندقًا
بلغ 16 ميلاً وزاد سكانها كثيرًا لا سيما البربر، وضاق المسجد
الجامع بهؤلاء السكان فأدخل المنصور فى سنة (387هـ = 997م)
زيادة عليه من الناحية الشرقية، بلغت المساحة الأصلية نفسها
تقريبًا، وحرص المنصور على الاشتراك فى هذا المشروع بنفسه،
واشتغل فيه أسرى النصارى، وتم تعويض أصحاب الدور
والأماكن التى صودرت لهذا الغرض، ولا يزال هذا الجناح قائمًا
حتى اليوم، ويعرف بمسجد المنصور، وإن تحولت عقوده الجانبيه
إلى هياكل وكنائس. وبهذه الزيادة بلغت مساحة المسجد الجامع
ما يزيد على ستة أفدنة، كما انفرد بطرازه الرائع، وليس فى
العالم مسجد ولا كنيسة فى مثل حجمه اللهم إلا قصر «فرساى»
بفرنسا. كما جدد المنصور قنطرة قرطبة على نهر الوادى
الكبير، وكان «السمح بن مالك» قد جددها من قبل وأنفق
المنصور على تجديدها فى سنة (378هـ = 988م) مائة وأربعين
ألف دينار وبنى قنطرة «أستجة» على نهر «شنيل» أحد فروع
نهر الوادى الكبير. المنصور فى نظر المؤرخين: يشهد المؤرخون
القدماء للمنصور بالكرم، وبأنه كان يبذل الأموال للمتصلين به
والفقراء خاصة، ورغم سفكه للدماء فقد كان يتظاهر بالتقوى،
حريصًا فى كل غزواته على حمل مصحف خطه بيده، ويقال إنه(14/334)
كان منصفًا عادلا يزجر الظالم حتى لو كان من كبار حاشيته،
وكان صبورًا حليمًا، ولكنهم ينعون عليه شغفه بمعاقرة الخمر،
ولم يتخل عن ذلك إلا قبل وفاته بعامين. وتميز المنصور بأنه كان
شغوفًا بالعلم والأدب، محبا للعلماء والأدباء والشعراء ويناظرهم
ويشترك معهم فى نظم الشعر ويغدق عليهم، ساعده على ذلك
نشأته فى بيت علم وأدب، وبراعته فى علوم الشريعة وفنون
الأدب خلال فترة صباه. وحرص المنصور على نشر العلم والمعرفة
بين طبقات الشعب، فأنشأ كثيرًا من دور العلم فى قرطبة وأنفق
عليها، وكان يزور المساجد والمدارس، ويمنح المكافآت
للمتفوقين من الطلاب، كما حرص على جمع الكتب ومكافأة
أصحابها، وقد منح «صاعد البغدادى» (500) دينار مكافأة له
على كتابه «الفصوص»، وكان يكره الفلسفة، ويرى أنها مخالفة
للدين كما كان يبغض التنجيم ويطارد المنجمين، وقد استخرج من
المكتبة الأموية جميع كتب الفلاسفة والدهريين وأحرقها بحضرة
كبار العلماء، وما فعله «المنصور» أمر خطير، تسبب فى ضياع
ثروة علمية عظيمة. ونظرًا للشهرة الواسعة التى حققها المنصور،
جاء إليه بعض ملوك النصارى واستعطفوه وتقربوا إليه وزوجوه
من بناتهم. ويرى بعض المؤرخين المعاصرين أن «ابن أبى عامر»
من أعظم الرجال وأنه قام بما لم يقم به أحد فى تاريخ الإسلام،
فقد استطاع الاستيلاء على الحكم فى دولة كبرى، وهى فى
أوج سلطانها ووجه أمورها بصورة مستبدة. ومع ذلك فإن هنا
أمورًا ثلاثة هى أكثر ما أضر به المنصور: 1 - إقامته ملكه على
جند مرتزقة تعالوا على الناس، واصطناعه لبيوت جديدة من
زعانف الأسر، وصغار الفقهاء والطامعين، وتوليتهم وظائف
القضاء والولايات، وقد أثقل هؤلاء على الناس، وأرهقوهم
بالمطالب، واستولوا على أموالهم، ومن هؤلاء بنو عباد فى
إشبيلية، ومن البربر الذين استعان بهم فى النواحى، بنو الأفطس
فى بطليوس، وبنو ذى النون جنوب غربى طليطلة - بالإضافة(14/335)
إلى الصقالبة الجدد الذين اشتراهم المنصور لحسابه ومن هؤلاء
جميعًا يتكون الحزب العامرى - وهم الذين قضوا على وحدة
الأندلس فيما بعد، ويتكون منهم ما يعرف بملوك الطوائف. 2 -
انعدام المفهوم الأخلاقى عنده، وهذا جعل الناس يخافونه ولا
يحبونه، بل إن أنصاره ما كانوا يأمنونه؛ لأنه كان كثير التجسس
فكان يطلب من العبيد والجوارى أن يكونوا عيونًا فى بيوتهم
وأفسد أخلاق الناس بالرشوة ونحوها. 3 - حجر المنصور على
الخليفة «هشام»، وتعيين ابنه «عبدالملك بن المنصور» وليا
لعهده، والتخلص من معارضيه بالتآمر والقتل. ولقى المنصور ربه
فى «مدينة سالم» فى (27 من رمضان سنة 392هـ = أغسطس
سنة 1002م) كما أسلفنا وتولى الأمر من بعده ابنه عبدالملك
المظفر. عبدالملك المظفر بالله ابن المنصور [رمضان 392 - صفر
399هـ = أغسطس 1002 - أكتوبر 1008م]: صدر أمر الخليفة
«هشام» بتولية «عبدالملك» الحجابة بعد وفاة والده، وقضى
عبدالملك بسرعة على من أراد انتهاز الفرصة للعودة إلى حكم
الخليفة، وقد بدأ عهده بإسقاط سدس الجباية (الضرائب) عن
السكان بكل نواحى الأندلس فاستبشر الناس به خيرًا. سياسة
عبدالملك مع النصارى: ظن ملوك النصارى أن خطر الغزوات
الإسلامية عليهم سيقل بعد وفاة المنصور، لكنهم كانوا واهمين
لأن عبدالملك بدأ بعد أشهر قليلة من ولايته يستعد لغزوته
الأولى، ووفد إليه الزعماء والمتطوعة من المغرب وغيرها
للاشتراك معه، فرحَّب بهم وبذل لهم الأموال ووزع عليهم السلاح،
وخرج بالجيش من مدينة الزاهرة فى (شعبان 393هـ = يونيو
1003م)، وتوجه إلى مدينة «طليطلة»، ومنها إلى مدينة «سالم»،
حيث انضم إليه «الفتى واضح» فى قواته وقوات من النصارى
حسب اتفاقهم مع المنصور، ثم اتجه الجنود نحو الثغر الأعلى، ثم
من سرقسطة إلى «برشلونة»، حيث استولت القوات الإسلامية
على بعض الحصون المنيعة، واستولت على سبى ومغانم، ثم(14/336)
عاد المسلمون إلى قرطبة عن طريق مدينة «لاردة» فى شهر ذى
القعدة، وقد تلقى عبدالملك رسالة من أمير برشلونة تطلب
الصفح والمهادنة فاستقبل الرسل استقبالا يليق بمقام الخلافة.
ولما اعتدى أمير قشتالة على أراضى المسلمين سنة (394هـ =
1004م) قصد إليه عبدالملك وأدبه، واضطره إلى التسليم وطلب
الصلح ثانية، وتعهد على التعاون مع عبدالملك فى حملاته ضد
مملكة ليون وضد خصومه جميعًا. وفى العام التالى خرج
«عبدالملك» وسار نحو طليطلة ولحق به «الفتى واضح» وملك
قشتالة، واتجهوا شمالا نحو أراضى ليون ومدينة سمورة وعاث
فى هذه النواحى ووصل إلى جليقية واستولى على كثير من
المغانم والسبى، ولكنه لم يحقق نتائج حربية ذات قيمة. خرج
عبدالملك فى أواخر سنة (396هـ = 1006م) إلى «بنبلونة»
عاصمة «نبرة» فقصد «سرقسطة» و «شقة» و «بريشتر» ومنها
اخترق المسلمون أراضى العدو وأخذوا يقتلون وينهبون، ثم
تعرض الجيش لبعض العواصف ورعد وبرق قاسٍ، واضطر إلى
العودة إلى العاصمة. حين وصل إلى مسامع عبدالملك أن أمير
قشتالة يفكر فى الاعتداء على أراضى المسلمين، خرج لغزوته
الخامسة المسماة «غزوة قلونية» فى (صيف 397هـ = 1007م)،
واخترق أراضى قشتالة ليحارب ملكها الذى تحالف معه ملك ليون
وملك نبرة، وعدد من زعماء النصارى الذين وحدوا صفوفهم،
ومع ذلك فقد تمكن عبدالملك من إلحاق هزيمة بهم جميعًا عند
مدينة «قلونية»، وحملهم على طلب الصلح ثم عاد إلى قرطبة
أواخر العام المذكور، فسر الناس بما حقق، واتخذ هو لقب
«المظفر بالله» إشادة بما أحرز من نصر عظيم. لكن ملك قشتالة
جدد عدوانه وغدر بالمسلمين فخرج إليه عبدالملك فى (صفر سنة
398هـ = أكتوبر 1007م)، واخترق أراضى قشتالة الوسطى،
وقصد إلى بعض الحصون المنيعة، وجرت معركة، اضطر النصارى
بعدها إلى دخول الحصن، وهجم عليهم المسلمون وضربوا الحصن
بالمجانيق والنيران حتى حملوا العدو على طلب التسليم، وهنا(14/337)
أمر عبدالملك بقتل المقاتلة وسبى النساء والذرية، ثم رجع إلى
العاصمة فى شهر ربيع الثانى. وفى شوال من العام نفسه خرج
عبدالملك بغزوته السابعة والأخيرة وتعرف «بغزوة العلة»؛ إذ إنه
ما كاد يصل إلى مدينة سالم حتى اشتد به المرض وتفرق عنه
المتطوعة، واضطر إلى الرجوع إلى قرطبة فى (المحرم 399هـ =
سبتمبر 1008م) لكنه شعر بتحسن فى صحته فعمل على
استئناف الغزو بعد فترة وجيزة لكن حالته ساءت، وتعرض
لنكسة سببها التهاب رئوى، وعاد إلى العاصمة فى محفة حيث
مات فى (16 من صفر سنة 399هـ = 21 من أكتوبر 1008م) بعد
حكم دام نحو سبع سنوات. أسلوب عبدالملك فى الإدارة والحكم:
التزم عبدالملك الأسلوب الذى كان يحكم به والده الأندلس فجعل
الخليفة محجورًا عليه لاحول له ولاقوة. وجمع السلطات كلها فى
يديه، وحدَّ من نفوذ الوزراء والكتاب وراقبهم وحاسبهم، وجلس
للناس وهجر اللهو، وعمل على تنمية الموارد وترتب على هذا
تحسن فى الأحوال المالية التى كانت قد ساءت بسبب كثرة
النفقات. ولم يكن لعبدالملك نصيب كبير فى مجالات العلم والأدب
وكان مجلسه لايقوم إلا على الأعاجم من البربر وغيرهم، ومع
ذلك فقد استمر يجرى الرواتب التى كان أبوه يجريها على
العلماء والأدباء والندماء، كما استمع إلى الشعر ووصل
الشعراء. عبدالرحمن بن شنجول قلد الخليفة هشام الحجابة
لعبدالرحمن بن منصور، وأنعم عليه بالخلع السلطانية، وكانت
أمه ابنة لملك «نبرة» تزوجها «المنصور» وأنجب منها، وقد
أسلمت وتسمت باسم «عبدة» ولأنه أشبه جده لأمه المسمى
«شانجة» لقب بشنجول أو شانجة الصغير. ولم يكن الشعب يميل
إلى «عبدالرحمن» لما فيه من دماء نصرانية ولانحراف سلوكه،
ولأنه جرى على منهج أبيه وأخيه فى الحجر على الخليفة هشام
مع الاستبداد بالرأى وإن مال هو إلى التودد إلى الخليفة
ومخالطته، وقد منحه الخليفة لقب المأمون ناصر الدولة بعد
عشرة أيام من ولايته، ليس هذا فحسب، بل إن عبدالرحمن جرؤ(14/338)
على ما لم يجرؤ عليه أحد لا المنصور ولا عبدالملك، حين نجح بعد
محاولات فى استصدار مرسوم من الخليفة بتعيينه وليا للعهد من
بعده، لتنتقل رسوم الخلافة من أسرة بنى أمية إلى أسرة بنى
عامر، وأقر فقهاء قرطبة وعلماؤها هذا التحول وزكاه الوزراء
والقضاة والقادة، وكان ذلك فى ربيع الأول سنة (399هـ=
1008م)، ومضى «عبدالرحمن» أبعد من ذلك حين عين ابنه الطفل
فى خطة الحجابة ولقبه سيف الدولة، ثم اتخذ قرارًا جلب عليه
كثيرًا من السخط حين طلب من أكابر الموظفين ورجال الدولة خلع
القلانس الطويلة التى يتميزون بها لأنها لبس الأندلسيين، وتغطية
الرأس بالعمائم التى هى لباس البربر فأذعن هؤلاء كارهين. فكر
عبدالرحمن أن يشغل الناس بالغزو، فقرر أن يتوجه إلى جليقية
رغم تحذيره من سوء الأحوال الجوية، ومن انقلاب قد يقوم به
المروانية ضده، لكنه صمم وسار بالجيش نحو طليطلة، ومنها إلى
جليقية وسط أمطار وبرد شديدين وكان يمارس هوايته فى اللهو
والشراب، وقد اخترق مملكة ليون قبل أن يصل إلى جليقية،
فتحصن الأعداء برءوس الجبال، ولم يجد عبدالرحمن سبيلا إلى
مقاتلتهم بسبب كثرة الثلوج وفيضان الأنهار، فاضطر إلى أن
يعود دون أن يفعل شيئًا. وعند وصوله إلى طليطلة جاءته الأنباء
تفيد أن انقلابًا قد حدث فى قرطبة وأن الثوار استولوا على
مدينة الزاهرة فاضطربت صفوفهم، واضطر عبدالرحمن إلى أن
يعود عن طريق قلعة رباح، ولم يلتفت إلى نصح من طلب منه
البقاء فى طليطلة، لاعتقاده أن الناس سترحب به إذا رأوه يقترب
من قرطبة. وكان السبب الرئيسى للثورة هو استبداد بنى عامر
وقهرهم للناس استنادًا إلى قوة قوامها البربر والصقالبة، ثم
كانت ولاية عبدالرحمن للعهد واستئثاره برسوم الخلافة والحكم
هى الشرارة التى انتقلت منها نيران الثورة إلى كل العناصر
الناقمة، وعلى رأسهم بنو أمية، وكان المخطط للثورة والمتابع
لمراحل تنفيذها «الزلفاء» والدة عبدالملك -التى اعتقدت أن(14/339)
«شنجول» سم ابنها - ثم فتى أموى اسمه «محمد بن هشام بن
عبدالجبار بن عبدالرحمن الناصر» كان عبدالملك قد أعدم أباه. لم
يكن المروانية وحدهم يرغبون فى القضاء على العامريين، وإنما
كان معهم كل العناصر الناقمة من البيوت العربية مضرية أو
يمنية، يؤازرهم كل طبقات الشعب، وأحكم هؤلاء جميعًا خطتهم
وانتهزوا فرصة خروج عبدالرحمن للغزو ومعه معظم الجيش
ليقوموا بالتنفيذ، وفى يوم (16 من جمادى الأولى 299هـ = 15
من يناير 1009م) جاءت الأنباء بأن عبدالرحمن عبر بجيشه إلى
أرض النصارى، فقام محمد بن هشام بإنزال ضربته، وهجم على
قصر قرطبة وقتل صاحب المدينة، والتف حوله الساخطون، ثم
اقتحم سجن العامرية وأخرج من فيه، واجتمع حوله المروانية
وانضم إليه الناس من كل حدب وصوب، وبعد أن سيطر ابن
عبدالجبار على القصر واستولى على كل ما فيه من سلاح
وغيره، طلب من الخليفة هشام أن يخلع نفسه فوافق، وانتهت
بذلك خلافته الصورية التى دامت (33) سنة وتولى الأمر «محمد بن
هشام بن عبدالجبار» وتلقب بالمهدى فى (17 من جمادى الآخرة
399هـ = 16 من فبراير 1009م) وجاءه الناس مهنئين، وما شعروا
أن تلك هى بداية الفتنة التى ستطيح ليس بالدولة العامرية
وحدها بل وبالخلافة بكل ما تمثله. وفى اليوم التالى قام
الثائرون بهدم مدينة الزاهرة وقصورها، وأحست الحامية المنوط
بها الدفاع عنها أن المقاومة غير مجدية ففتحوا أبواب المدينة
شريطة أن يؤمنهم المهدى، وتم نهب القصور والاستيلاء على
كل ما كان فيها من متاع وجواهر، ولم يكتف المهدى بذلك
وإنما قام بهدم كل مبانى مدينة الزاهرة وأسوارها بعد أن
استولى على كل ما فيها من خزائن وأموال وتحف حرصًا منه
على إزالة كل آثار بنى عامر، وأصبحت المدينة أطلالا، وتحولت
إلى أثر بعد عين. وقد حاول «عبدالرحمن» وهو فى «طليطلة»
بعد أن بلغته أخبار الثورة أن يتنازل عن ولاية العهد مكتفيًا(14/340)
بالحجابة، فلم يلتفت إليه أحد ثم سار إلى قرطبة، ولما اقترب
منها تركه جند البربر وفروا فى جنح الظلام، ثم تمكن الخليفة
الجديد من مطاردته وإلقاء القبض عليه وهو مختبئ فى أحد
الأديرة، وقتله فى (3 من رجب 399هـ = 3 من مارس 1009م).
وهكذا انتظر الشعب أول فرصة وأطاح بالطغيان المستبد الذى
فرضه العامريون، ولم يشفع لذلك النظام ما تحقق على يدى
المنصور من أمن واستقرار عم ربوع الأندلس وكانت تلك الثورة
بداية مرحلة من الفتن والفوضى الشاملة التى أنهت وجود
الحكومة المركزية، وقضت على الخلافة الإسلامية، ومزَّقت الأمة
وجعلتها أشلاء متناثرة. ولم يكن محمد بن هشام بن عبدالجبار
شخصًا مناسبًا لهذه الفترة، إذ كان قليل التفكير لا يعرف شيئًا
عن الدولة وشئونها أحاط نفسه بطائفة على شاكلته لا تحسن
غير النهب والسرقة ولم يكن يحركهم إلا شىء واحد هو الانتقام
من العامريين، وإهانة البربر، عقابًا لهم على تأييدهم بنى عامر.(14/341)
*حمود (بنو)
كان تمزق الأندلس فرصة يقتنصها من يريد، ولهذا كتب «على بن
حمود» صاحب سبتة إلى «خيران» يزعم أنه تلقى رسالة من
«هشام المؤيد» يوليه فيها عهده، ويطلب منه إنقاذه من البربر
ومن سليمان المستعين والتف حول «ابن حمود» بعض الأعوان،
وعبر بهم إلى الجزيرة الخضراء بناء على طلب خيران، واستوليا
معًا على بعض البلاد، وقرَّرا الزحف على قرطبة يعاونهما بربر
غرناطة، واستعد سليمان لقتالهم، ونشبت بينهما معركة فى
مكان قريب من قرطبة وانتهى الأمر بهزيمة سليمان ووقوعه فى
الأسر. بعد ذلك دخل على بن حمود قرطبة وبويع بالخلافة فى
(محرم 407هـ= أول يوليو 1016م)، وأعلن وفاة هشام المؤيد،
وقتل سليمان وأباه وأخاه، وتلقب بالناصر لدين الله، وبموت
سليمان انتهت الخلافة الأموية بالأندلس بعد حكم دام (268) سنة
منذ وصل إليها عبدالرحمن الداخل، وبدأت خلافة الحموديين
الأدارسة. قبض على بن حمود على الحكم واشتد فى معاملة
البربر وواجه أية محاولة للثورة بمنتهى الشدة سواء قام بها
العرب أو البربر، وفى الوقت نفسه أحسن معاملة القرطبيين،
يعاونه فى ذلك مجموعة من أعوان الخلافة السابقة من أمثال
أبى الحزم بن جهور وابن برد. لكن الأمور ما لبثت أن اتخذت خطا
جديدًا، ذلك أن خيران العامرى دخل قرطبة فلم يجد هشاماً
المؤيد حيا، وخشى سطوة على بن حمود فغادر قرطبة، وأعلن
العصيان واتجه ناحية شرق الأندلس، حيث يجتمع الزعماء
العامريون، وأعاد دعوة بنى أمية فى شخص رجل منهم اسمه
عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله من أحفاد عبدالرحمن الناصر،
وبايعه خيران بالخلافة ولقب بالمرتضى، وانضمت إليه ولايات
سرقسطة والثغر الأعلى وشاطبة وبلنسية وطرطوشة وغيرها،
وسارت قوات هؤلاء نحو غرناطة لمواجهة قوات صنهاجة، وجرت
معركة انتهت بهزيمة الأندلسيين ومقتل المرتضى، وكان «على
بن حمود» قد غيَّر سلوكه، مع أهل قرطبة بسبب علمه بميلهم(14/342)
إلى المرتضى فنزع سلاحهم وصادر أموالهم واعتقل زعماءهم
وعلى رأسهم «أبو الحزم بن جهور»، ثم تربص جماعة من
الصقالبة بعلى هذا، وقتلوه فى الحمام فى (الثانى من ذى
القعدة سنة 408هـ = 23من مارس 1018م) بعد خلافة دامت عامًا
وتسعة أشهر. بعث زعماء زناتة بخبر مقتل «على» لأخيه القاسم
الذى كان واليًا على إشبيلية، فخف مسرعًا، وبويع بالخلافة
فى الثامن من الشهر نفسه وتلقب بالمأمون، وقد مال فى
سياسته إلى اللين والإحسان إلى الناس وحاول التقرب إلى
الفتيان العامريين، فولَّى زهير العامرى على جيان وقلعة رباح
لكنه لم يستطع التخلص من سيطرة البربر عليه، فتآمر عليه أبناء
أخيه، وزحف يحيى بن على بن حمود على قرطبة، وبويع
بالخلافة فى جمادى الأولى سنة (412هـ = 1021م) وتلقب
بالمعتلى بالله، أما القاسم فقد استقر به المقام فى إشبيلية
وتلقب بالخلافة أيضًا. والعجيب أن كلا الرجلين اعترف لصاحبه
بالخلافة، ولم يسمع قبل ذلك بخليفتين تصالحا واعترف كل
منهما بصاحبه من قبل. ثم لم يلبث أن دعا البربر القاسم إلى
قرطبة، وولوه الخلافة فى (18 من ذى القعدة من العام نفسهـ)،
ولقب بأمير المؤمنين، ولكن الرجل لم يكن موفقًا فى سياسته،
فقد أعان البربر على أهل قرطبة فعاملوهم معاملة قاسية
وطاردوهم وأهانوهم، وجرت معارك متفرقة بين الطائفتين، ثم
جرت موقعة كبيرة فاصلة انتهت بانتصار القرطبيين وتمزيق
البرابرة، واضطر القاسم إلى الرجوع إلى إشبيلية، وجرت
تطورات عاد البربر بعدها وبايعوا يحيى بن على بن حمود
ولقبوه بالمعتلى بالله، أما القاسم فقد سجن وبقى فى محبسه
حتى قتل خنقًا بعد ذلك بفترة سنة (431هـ = 1040م). كان أهل
قرطبة قد سئموا سلوك البربر وقتالهم، وقرروا رد الأمر لبنى
أمية، وعقدت جلسة لهذا الغرض فى المسجد الجامع تمت فيها
مبايعة عبدالرحمن بن هشام فى (16 من رمضان سنة 414هـ=
ديسمبر سنة 1023م)، ولقب بالمستظهر بالله، وتولى وزارته(14/343)
بعض القدامى من وزراء بنى أمية، بيد أن الخليفة الجديد استفتح
عهده بإلقاء القبض على عدد من الزعماء والأكابر، واستقبل
فرسان البربر وأحسن وفادتهم، فهاجت العامة وامتلئوا غيظًا،
وهجموا على القصر وقتلوا كل من صادفهم، أما عبدالرحمن فقد
اختفى وظهر ابن عمه «محمد بن عبدالرحمن بن عبيدالله بن
الناصر» وبويع بالخلافة وتلقب بالمستكفى بالله، وأتى
بعبدالرحمن المستظهر وقتله فى (3من ذى القعدة سنة 414هـ =
17 من يناير سنة 1024م). كان المستكفى سيئ التدبير ميالا إلى
البطالة والمجون، وفى عهده تهدمت القصور الناصرية، وأتى
على مدينة الزاهرة من أساسها، واضطهد معظم البارزين من
الساسة والمفكرين، فنادى جميعهم بخلعه واضطر إلى مغادرة
قرطبة فى زى امرأة، وتمكن بعض مرافقيه من قتله فى ضاحية
قرطبية. وجدير بالذكر أن محمد المستكفى هذا هو والد «ولادة»
الشاعرة المعروفة. رجعت الفوضى التى لا ضابط لها إلى قرطبة
وجاء إليها «يحيى ابن على ابن حمود»، و «خيران» و «زهير»
العامريان، وتم الاتفاق بين الجميع يقودهم أبو الحزم بن جهور
على تولية أموى، ووقع اختيارهم على «هشام بن محمد» الذى
بويع ولقب بالمعتد بالله، بيد أنه ألقى بمقاليد الأمور كلها إلى
رجل من المستبدين تولى وزارته اسمه «سعيد القزاز» بالغ فى
اضطهاد زعماء البيوت وإهانتهم وشغل الخليفة نفسه عن أمور
الحكم بشرابه ومجونه، وضاعت هيبة الخلافة تمامًا. ثم اضطر
القرطبيون الناقمون إلى الفتك بالوزير «سعيد» فى (ذى القعدة
422هـ = نوفمبر 1031م)، ثم ساروا إلى القصر يتزعمهم «أمية
بن عبدالرحمن العراقى» من أحفاد «الناصر» ونهبوا أجنحة
القصر. وانتهى الأمر باتفاق رأى الناس جميعًا بزعامة أبى الحزم
بن جهور على التخلص من بنى أمية، وإبطال رسوم الخلافة
كلها، وإجلاء كل الأمويين عن مدينة قرطبة، فليس هناك من
يستحق الخلافة، وينبغى أن يتحول الحكم إلى شورى بأيدى(14/344)
الوزراء وصفوة الزعماء أو من اسماهم «ابن حزم» «الجماعة».
تولى ابن جهور تنفيذ الأمر بمنتهى الحزم حتى أجلى الأمويين
عن المدينة ومحا رسومهم تمامًا، وبهذا انتهت معالم الخلافة
الأموية، وانقطع ذكرها فى كل من الأندلس والمغرب.(14/345)
*الفاطمية (دولة)
أصل الشيعة الفاطمية: قامت الدولة الفاطمية على المذهب
الإسماعيلى الشيعى القائل بالنص والتعيين، ويقصرون خلافة
الرسول - صلى الله عليه وسلم - الروحية والزمنية على ذرية الإمام
«على» - رضى الله عنه - مستندين فى ذلك إلى حديث
«غديرخم» الشهير، وقد لجأت الإسماعيلية بعد وفاة إمامهم
«إسماعيل بن جعفر» إلى الاختفاء والعمل السرى، فقد افترق
أشياع «جعفر الصادق» بعد وفاته إلى فرقتين، ولت الأولى ابنه
«موسى الكاظم» إمامًا، وولت الثانية ابنه «إسماعيل» إمامًا،
فعُرِفَت الفرقة الأولى بالإمامية أو الاثنا عشرية؛ لأنها سلسلت
الإمامة حتى الإمام الثانى عشر «محمد» المُلقب بالمهدى المنتظر
ابن الحسن العسكرى ابن على الهادى ابن محمد الجواد بن على
الرضا بن موسى الكاظم، وعُرفت الفرقة الثانية بالإمامية
الإسماعيلية؛ لأنهم أبقوا الإمامة فى ذرية «إسماعيل بن جعفر»،
ثم من بعده ابنه «محمد»، فابنه «جعفر الصادق»، فابنه «محمد
الحبيب»، فابنه «عبيدالله المهدى» مؤسس الدولة الفاطمية. قامت
«الدولة الفاطمية» ببلاد «المغرب» - وفق خطة مرسومة من قِبل
دعاة الشيعة - على أكتاف قبيلة «كتامة»، التى تنتمى إلى
بربر «البرانس»، وتميزت عن غيرها من القبائل بكثرة عددها،
ومنعة منطقة سكناها بجبال «الأوراس» بين مدينتى «بجاية»
و «قسطنطينة»، فضلا عن عدم خضوعها لسلطة الولاة اعتزازًا
بمنعتها وقوة بأسها. وقد وقف زعماء الشيعة على ما اتصفت
به هذه القبيلة، واختار «ابن حوشب» رئيس مركز الدعوة الشيعية
باليمن «أبا عبدالله الحسين بن أحمد الشيعى» للاتصال بوفد
«كتامة» بموسم الحج، لنشر الدعوة الشيعية بالمغرب، وإقامة
الدولة المرتقبة هناك. وقد تم لقاء «أبى عبدالله» بوفد «كتامة»
بمكة، وجعله هذا الشيعى يبدو كأنه جاء مصادفة، وبدأ يتعرَّف
أحوالهم وميولهم المذهبية، ولم يفصح عما أضمره وما جاء من
أجله، ونجح فى استمالتهم والسيطرة على قلوبهم بمكره(14/346)
ودهائه وعلمه وجدله، ثم تظاهر بعد انقضاء موسم الحج برغبته
فى السفر معهم إلى «مصر»، للتدريس لأبنائها، فاصطحبوه
معهم، فلما وصلوها، ألحوا عليه بمصاحبتهم إلى بلادهم،
فوافقهم، وذهب معهم إلى المغرب فى سنة (289هـ= 902م)،
واتخذ من «إيكجان» مستقرا له، لأنها نقطة التقاء حجاج
«الأندلس» و «المغرب الأقصى»، والمتوجهين لأداء فريضة الحج.
وبدأ «أبو عبدالله» فى تنفيذ خطته، وتظاهر بتعليم الصبية،
وإلقاء دروسه عليهم، فزاده ذلك مكانة ومنزلة بين أبناء
«كتامة»، وذاع صيته بين القبائل، وقصده البربر من أماكن
متفرقة، لينهلوا من علمه، ويستفيدوا من نصائحه، ثم عمد «أبو
عبدالله» إلى مصارحة بعضهم - بعد أن اطمأن إليهم- بحقيقة
أمره، ورغبته فى إقامة دولة لآل البيت تقوم على أكتاف قبيلة
«كتامة»، لأن الروايات - كما ادَّعى لهم - جاءت بذلك، وأخبرت
عما ينتظرهم من عز الدنيا وثواب الآخرة. وأخذ «أبو عبدالله»
على عاتقه تنظيم صفوف أبناء «كتامة» وبعض أبناء القبائل
الأخرى، وقسَّمهم إلى سبعة أقسام، وجعل على رأس كل قسم
منها داعية يطمئن إليه، فاستطاع بهذا الأسلوب العملى إقامة
مجتمع يدين بفكرة واحدة؛ هى إقامة الدولة المثالية التى
يحكمها إمام من آل البيت. وقد اتخذ «أبو عبدالله الشيعى» من
أبناء «كتامة» جندًا يدافعون عن الدعوة، ويهاجمون القوى
السياسية الموجودة بالمنطقة، وهى: «الأغالبة» بالمغرب
الأدنى، و «الرستميون» بالمغرب الأوسط، و «بنو مدرار»
بسجلماسة بجنوب «المغرب الأقصى» وبقايا «الأدارسة» بمدن
«المغرب الأقصى»، وترتَّب على ذلك دخول «أبى عبدالله
الشيعى» فى عدة معارك مع هذه القوى، كانت أشهرها معركة
«كنيونة»، التى انتصر فيها على «الأغالبة» فى سنة (293هـ=
906م)، ثم توالت انتصاراته بعد ذلك، ودخل مدينة «رقادة»
وقضى على نفوذ «الأغالبة»، ثم دعا «المهدى الفاطمى» إلى
«المغرب» لتسلم مقاليد الأمور؛ فلبى الدعوة، وتخفَّى فى زى(14/347)
التجار حتى لا يقع فى قبضة العباسيين، ودخل مدينة «رقادة»
فى سنة (297هـ= 909م)، ثم بويع بالإمامة. الخلفاء الفاطميون
بالمغرب: حكم أربعة خلفاء فاطميين بلاد «المغرب» فى الفترة
من سنة (297هـ=909م) إلى سنة (365هـ= 975م)، وكان «المعز
لدين الله الفاطمى» هو آخر هؤلاء الخلفاء، حيث انتقل بالخلافة
إلى «القاهرة» التى اتخذها عاصمة جديدة للفاطميين، بعد أن تم
له فتح «مصر» على يد قائده «جوهر الصقلى» فى سنة (358هـ=
969م)، والخلفاء الأربعة هم: 1 - المهدى: عبيد الله أبو محمد
[297 - 322هـ= 909 - 934م]. 2 - القائم: محمد أبو القاسم [322 -
334 هـ = 934 - 945م]. 3 - المنصور: إسماعيل أبو طاهر [334 -
341هـ= 945 - 952م]. 4 - المعز: معدّ أبو تميم [341 - 365 هـ =
952 - 975م]. دخول الفاطميين مصر: جانب التوفيق الحملات
الثلاث التى أُرسلت من قبل الفاطميين لفتح «مصر» فى عهد
أسلاف «المعز»، ولكن الوضع العام فى المشرق كان ينبئ
بنجاح الحملة الرابعة، للضعف الذى حلّ بدار الخلافة فى
«بغداد»، وكذلك ما وصلت إليه حال «مصر» من ضعف وبؤس
وشقاء فى أواخر عهد «كافور»، كما كان لانخفاض النيل الذى
استمر تسع سنوات أثر كبير فى انتشار الوباء والقحط فيها،
فلم تستطع «مصر» مواجهة الغزاة، كما عجزت -بعد «كافور» -
عن صد هجوم ملك «النوبة» من الجنوب، وثار الجند لعدم دفع
رواتبهم، ونشط جواسيس «المعز»، وتوغلوا فى البلاد لنشر
المذهب الشيعى، فمال الكثيرون إلى مذهبهم، وبعث «المعز»
رسله إلى «كافور» مُرهِّبة مرة ومُرغِّبة أخرى للتأثير عليه،
وكان استقرار بلاد المغرب ورسوخ أقدام الفاطميين فيه،
وتنظيمهم الدقيق للأمن والإدارة، وحسن إعدادهم للجيوش
والقادة سبب نجاح حملتهم الرابعة على «مصر». سار «جوهر
الصقلِّى» قائد جيوش «المعز» إلى «مصر» فى ربيع الأول سنة
(358هـ)، بعد أن خرج «المعز» لوداعه، وأمر أهله بالترجل أمام(14/348)
قائده وهو راكب، كما أمر واليه على «طرابلس» أن يسير فى
ركاب «جوهر» ويقبِّل يده، فكبر ذلك على والى «طرابلس»،
وأراد أن يعفى نفسه من ذلك مقابل مائة ألف دينار ذهبًا يعطيها
لجوهر، ولكن «جوهر» رفض هذه الأموال ومضى بجيشه الذى
كان يضم مائة ألف جندى حاملا معه أموالا طائلة قيل إنها بلغت
ألفًا ومائتى صندوق حملها على ظهور الجمال، وحين خرج
«المعز» لوداع «جوهر» والجيش بمنطقة «رقادة» قال لمن كانوا
معه: «والله لو خرج جوهر وحده لفتح مصر». فكان لهذه العبارة
أثرها الكبير فى نفس «جوهر»، وكانت له حافزًا على تحقيق ما
خرج من أجله. وصل «جوهر» إلى «مصر»، وحط رحاله
بالإسكندرية التى فتحت أبوابها من غير مقاومة، فعامل
«جوهر» أهلها بالحسنى ووسَّع لهم فى أرزاقهم، فكان لذلك
أثره الطيب فى نفوس الأهالى، كما كان للنظام الذى ظهر به
الجيش، وطاعته لقائده أثره الكبير فى نفوسهم، فرحبوا بالقائد
الجديد. سياسة جوهر فى مصر: عمل «جوهر» على نشر العدل
بين أهل «مصر»، وأمَّنهم على ممتلكاتهم، وجلس للبت فى
المظالم بنفسه رغم شواغله، فرد الحقوق إلى أصحابها، وضرب
بيد من حديد على أيدى العابثين بالنظام حتى إذا كانوا من
خاصته؛ لدرجة أنه عاقب بعض المغاربة بالقتل على إثم كبير
اقترفوه، كما برهن «جوهر» على حسن سياسته حين لجأ إلى
الوسائل السلمية لنشر المذهب الفاطمى، ولم يفرضه كرهًا،
واتخذ من المساجد مدارس يتلقى فيها الناس أصول مذهبه
الشيعى، وذكر اسم الخليفة الفاطمى فى خطبة الجمعة وأسقط
اسم الخليفة العباسى، فكان ذلك إيذانًا بزوال النفوذ العباسى،
وزوال ملك الإخشيديين. حكم «جوهر» «مصر» أربع سنوات هى
من أصعب الفترات وأخطرها، حيث تم فيها إقامة معالم دولة
وتشييدها على أنقاض دولة أخرى؛ فإلى «جوهر» يرجع الفضل
فى تأسيس وبناء «القاهرة» المعزِّية، التى جعل لها أربعة
أبواب منها: «باب النصر»، و «باب الفتوح»، و «بابا زويلة»، كما(14/349)
بنى بها «الجامع الأزهر» لينشر من داخله المذهب الشيعى.
و «الأزهر» هو أول مسجد شُيِّدَ فى «القاهرة» المعزية، وأقيمت
فيه الصلاة لأول مرة فى (17 من رمضان سنة 360هـ)، وقد
اختلف المؤرخون فى سبب تسميته بالأزهر، فقال فريق سُمِّى
بهذا الاسم نسبة وتكريمًا للسيدة فاطمة الزهراء. وقال فريق
آخر: تفاؤلا بما سيكون عليه أمر هذا المسجد من شأن عظيم.
وقال فريق ثالث: سُمى بذلك لأنه كان محاطًا بالقصور الزاهرة
التى بنيت عند إنشاء «القاهرة». وأيا كانت نسبة هذه التسمية
إلى الجامع الأزهر؛ فهو يُعد -الآن- أعظم جامعة إسلامية تُدَّرَسُ
فيها العلوم الدينية والعلوم العقلية، ويقصده آلاف الطلاب من
مختلف أرجاء العالم الإسلامى، وقد أدى خدمات عظيمة للعلم
فى مختلف العصور، ونشره فى شتى بقاع العالم. إبراز
المظاهر الشيعية فى مصر: لما رأى «جوهر» أن دعائم ملك
الفاطميين قد توطدت فى «مصر»، عمل على تحقيق ما جاء من
أجله، فزاد فى الأذان عبارة: «حى على خير العمل»، وجهر
بالبسملة فى قراءة القرآن فى الصلاة، وزاد فى خطبة الجمعة
ما يلى: «اللهم صلِّ على محمد المصطفى، وعلى علىّ المرتضَى،
وفاطمةَ البتول، وعلى الحسن والحسين سبطى الرسول؛ الذين
أذهبت عنهم الرجس، وطهرتهم تطهيرًا. الله صلِّ على الأئمة
الراشدين آباء أمير المؤمنين الهادين المهتدين»، ونقش على
جدران «مسجد الفسطاط» شعار العلويين باللون الأخضر، كما
أضاف فى أول خطبة بالجامع الأزهر عبارة: «السلام على الأئمة
آباء أمير المؤمنين المعز لدين الله»، وضرب العملة باسم الخليفة
«المعز»، وألغى السواد شعار العباسيين، وعمم الملابس
الخضراء شعار العلويين، ثم أرسل إلى «المعز» يستدعيه إلى
«مصر»، فوافقه «المعز»، وخرج من «المنصورية» بالمغرب فى
شوَّال سنة (361هـ)، ووصل إلى «القاهرة» فى رمضان سنة
(362هـ)، واستقبله أهل «مصر» بالفوانيس، فأصبحت عادة فى(14/350)
استقبال شهر رمضان حتى الآن، وأعلن «المعز» «القاهرة»
عاصمة للخلافة الفاطمية، فأصبحت «مصر» دار خلافة بعد أن
كانت دار إمارة. النفوذ الفاطمى يمتد إلى بلاد الشام: حينما
استقرت الأمور لجوهر الصقلى فى «مصر»، اتجه ببصره تجاه
بلاد الشام، وبذل جهودًا مضنية من أجل مد نفوذ سيده إلى هذه
البلاد، وجهز حملة كبيرة جعل قيادتها للقائد الكبير «جعفر ابن
فلاح»، الذى عُرِف بعقليته العسكرية الفريدة، فخرجت الحملة
قاصدة «دمشق»، واستولت فى طريقها على «الرملة»
و «طبرية»، فلما علم أهل «دمشق» بذلك خرجوا عن بكرة أبيهم
حاملين السلاح مشاة وفرسانًا لمواجهة هذه الحملة، والتقى
الطرفان، وبذل أهالى «دمشق» كل ما فى وسعهم، إلا أنهم
هُزِموا فى النهاية، ودخل «جعفر» وجنوده المدينة، فاعتبرها
الجنود غنيمة ونهبوها، ولم يكبح «جعفر» - بطبيعته الحربية -
جماحهم، فقامت الثورة فى «دمشق»، وتمكن «جعفر» من
السيطرة عليها، وقبض على زعمائها، فهدأت الأحوال، وأُقيمت
الخطبة للمعز الفاطمى فى المحرم سنة (359هـ)، وزال سلطان
العباسيين فى الشام. وقد توالى على حكم الدولة الفاطمية عدد
من الخلفاء هم: 1 - عبيد الله المهدى. 2 - القائم. 3 - المنصور. 4 -
المعز. 5 - العزيز. 6 - الحاكم. 7 - الظاهر. 8 - المستنصر. 9 -
المستعلى. 10 - الآمر. 11 - الحافظ. 12 - الظافر. 13 - الفائز. 14 -
العاضد. انهيار الدولة الفاطمية: حين علا «صلاح الدين الأيوبى»
كرسى الوزارة فى الدولة الفاطمية، حدث الصدام المتوقع بين
المذهبين الشيعى والسنى، فسلب الوزير السنى من الخليفة
«العاضد» الشيعى كل سلطانه، وبات الخليفة كالمحجور عليه،
وصار حبيس قصره، فاستاء أتباع الخليفة وجنوده من هذا
الوضع وقاموا بثورة عارمة، نجح الوزير «صلاح الدين» فى
تشتيتها، فاضطر مشعلوها إلى الهرب نحو صعيد «مصر»، فعمل
«صلاح الدين» على تثبيت قدميه، وتوطيد علاقته بالناس،(14/351)
وحارب الصليبيين، وحقق انتصارات عظيمة عليهم، وعزل القضاة
الشيعة، وجعل السنيين بدلا منهم، ثم أرسل إلى «نور الدين»
يطلب منه أن يُلحق به أسرته فوافق، وألحقهم به، فقويت
شوكته، وأحبه الناس لسلوكه وسيرته بينهم، فلما اطمأن «نور
الدين» إلى استقرار الأوضاع أرسل إلى «صلاح الدين» يطلب منه
إزالة الخلافة الفاطمية، والدعاء للخليفة العباسى، فرفض «صلاح
الدين» أول الأمر خوفًا من عواقب هذا الصنيع، ثم عمد إلى
التجربة -بعد أن شاور خلصاءه- فقرر أن يصعد واحد من الناس
المنبر قبل الخطيب، ويدعو للخليفة العباسى «المستضىء» ليرى
ماذا سيفعل الناس، فلما تم له ما أراد، ولم يثر أحد أسقط الدعاء
للعاضد وجعله للمستضىء، فكانت نهاية الدولة الفاطمية التى
حكم ملوكها الأوائل رقعة شاسعة من العالم امتدت من «المحيط
الأطلسى» غربًا إلى «الخليج العربى» شرقًا، ودُعى لأحد
خلفائها على منابر «بغداد» -عاصمة الخلافة العباسية - عامًا
بأكمله. وكان «العاضد» مريضًا حين سقطت دولته فآثر أهله عدم
إخباره حتى لا يفجع ويزداد مرضه، ولكنه لم يلبث طويلا وتُوفِّى
سنة (567هـ). الحضارة والنظم فى العصر الفاطمى نظام الحكم:
قام نظام الحكم على نظرية الإمامة التى اعتبرها الشيعة حقا
لهم. إرثًا عن النبى - صلى الله عليه وسلم - ويختلفون فى ذلك عن
أهل السنة القائلين بحق الأمة فى اختيار إمامها، كما يختلفون
مع الإمامية الإثنا عشرية الذين ساقوا الإمامة فى اثنى عشر
رجلا من آل البيت، كان آخرهم «محمد بن الحسن العسكرى»،
بينما وقف بها الإسماعيلية بعد «جعفر الصادق» عند ابنه
«إسماعيل» الذى نُسِبَت الدولة إليه، وركزت كلتا الطائفتين على
حق آل البيت فى الإمامة، وأن مهمة الإمامة هى الحفاظ على
تراث النبوة. الوزارة: هى أرفع المناصب بعد الخلافة، وكانت
تنقسم إلى: 1 - وزارة قلم. 2 - وزارة سيف. وكان يُطلَق عليها
رتبة الوساطة أو السفارة فى أول عهد الدولة، ولم تظهر كلمة(14/352)
وزير إلا فى عهد «العزيز» ثانى الخلفاء الفاطمىىن فى
«مصر»، وكان يتم اختيار الوزير -غالبًا - من بين أرباب الأقلام،
وتحول هذا المنصب إلى سلطة استبدادية أثناء الشدة
المستنصرية؛ فكان «بدر الجمالى» وزير سيف، وبه بدأ عهد
استبداد الوزراء، وتحولت الوزارة إلى وزارة تفويض، وأصبح
الوزير متحكمًا فى جميع أمور الدولة؛ بل أصبح الوزراء يتدخلون
فى تولية الإمام وولى عهده، فعظم أمرهم وقويت شوكتهم.
كان وزير التنفيذ يُلقَّب بالأجَلِّ، أما وزراء التفويض فكانت
ألقابهم تدل على السلطة الواسعة التى تمتعوا بها، مثل: أمير
الجيوش، وكافل قضاة المسلمين، وهادى دعاة المؤمنين، وتلقَّب
الوزير «طلائع بن رزيك» بالملك المنصور، وتلقَّب ابنه «رزيك بن
طلائع» بالملك العادل، وكذلك تلقب «صلاح الدين الأيوبى» آخر
وزراء الفاطميين وأول سلاطين الدولة الأيوبية بالملك الناصر،
كما وُصِف بعض هؤلاء الوزراء بالسلطان. كانت للوزير فى العصر
الفاطمى علامات تميزه عن غيره من موظفى الدولة، وانفرد بلبس
زى خاص، وبلغ راتبه خمسة آلاف دينار شهريا، وكان له حق
الجلوس بجوار الخليفة، وكان مجلسه بدار الوزارة الكبرى - التى
بُنى لها قصر كبير بجوار باب النصر - لا يقل فى الأبهة والعظمة
عن مجلس الخليفة نفسه. واشتُرط فيمن يتولى منصب الوزارة أن
يكون مخلصًا لعقيدة الدولة، وأن تكون لديه المهارة فى تدبير
الأموال، ولذلك تولى وزارات التنفيذ وزراء من أهل الذمة ظلوا
على عقيدتهم. نظام الإدارة: ورث الفاطميون نظام العباسيين
فى الإدارة، فعملوا على تركيز السلطة فى أيديهم، وأصبح
نظامهم الإدارى شديد المركزية تُدار شئونه من داخل القصر،
باستثناء بعض الظروف النادرة التى نُقل فيها ديوان الوزارة إلى
دور الوزراء، وسرعان ما يعود إلى القصر ثانية. انقسمت الشئون
الإدارية فى عهد الفاطميين إلى: 1 - ديوان الإنشاء الذى يقوم(14/353)
بتنفيذ أوامر السلطة العليا. 2 - ديوان المالية، ويقوم بجباية
الأموال وإنفاقها. 3 - ديوان الإدارة المحلية التى تحكم الولايات.
وتفرع عن كل ديوان من هذه الدواوين أقسام عديدة، كان لكل
منها عمل معين، وعلى الرغم من محاولة «جوهر الصقلى» إحلال
المغاربة محل المصريين فى الوظائف الإدارية، فإنه فشل فى
ذلك، لجهل البربر بدقائق الإدارة، فبقى المصريون من المسلمين
وأهل الذمة فى مناصبهم الإدارية، وتشير المصادر التاريخية إلى
استخدام القبط واليهود - بكثرة - فى مختلف دواوين الدولة.
النظام الدينى: أطلِق لقب: «أصحاب الوظائف الدينية» على علماء
الدين فى العصر الفاطمى، وكانت هذه الوظائف تضم: 1 -
القضاء: ويعتمد على التشريع الإسماعيلى. 2 - الدعوة: وتعتمد
على العقيدة الشيعية للدولة. ويتفق التشريع الشيعى مع
التشريع السنى فى أن كلا منهما يعتمد على القرآن الكريم
والسنة النبوية كأساس للتشريع، مع اختلاف جوهرى هو أن
الفاطميين وضعوا تأويلا باطنيا لنصوص القرآن والسنة؛ فالصلاة
- مثلا - هى الفرائض الخمس المعروفة، ولكن معناها الباطنى هو
الإخلاص للإمام الباطنى، ولذلك لا يقبلون من الأحاديث إلا ما رواه
آل البيت ونُقل عنهم، حتى وإن كانت هناك أحاديث مشتركة بين
الطرفين اختلف رواتها. لم يمنع المذهب الشيعى الاجتهاد، ولكنه
اشترط أن يكون هذا الاجتهاد قائمًا على الأصول التى وضعها
الفاطميون، ولذا أصبح اجتهاد الشيعة مقيدًا. تولى أصحاب
الوظائف الدينية الإشراف على القضاء فى أرجاء الخلافة، فكان
منهم: قاضى القضاة، وصاحب المظالم، والمحتسب، وصاحب
الشرطة. وقامت الدعوة على أسس العقيدة الشيعية؛ لأن الدولة
الفاطمية دولة قامت على أسس مذهبية، وكانت دعوتها تُسمَّى
رسميا: الدعوة الهادية، أو الدعوة العلوية، وكان الهدف من
هذه الدعوة تأييد حكم الفاطميين ليترسخ فى النفوس حق
الفاطميين فى حكم العالم الإسلامى، فأيدت حق الإمام المطلق(14/354)
فى ولاية أمر المسلمين، ولجأت إلى تأويل القرآن بما يتفق مع
تأييد وجهة نظرها، بزعم أن أبناء «فاطمة» بنت رسول الله
وذريتها هم وحدهم القادرون على هذا التأويل، ولديهم معنى
واضح وآخر باطن لكل كلمة قرآنية. بمجىء الفاطميين إلى
«مصر» أصبحت «القاهرة» مقر داعى الدعاة؛ الذى له حق
الإشراف على الدعوة فى «مصر» والعالم الإسلامى، وعليه
إرسال الدعاة فى أنحاء العالم أجمع للتبشير بمذهب الفاطميين،
ولهذا كان يجب عليه أن يكون عالمًا بالمذهب الإسماعيلى،
عارفًا بأسرار العقيدة، بليغًا، ذكيا، عالمًا بقواعد الدين. كانت
مجالس الدعوة تُعقد بصفة منتظمة ودورية، فخصص يوم الأحد
للرجال، ويوم الثلاثاء للأشراف والشخصيات المرموقة، ويوم
الأربعاء للنساء، وكانت المحاضرات المقروءة فى هذه المجالس
تُسمَّى: مجالس الحكمة، أو مجالس الدعوة، فإذا فرغ الداعى من
إلقاء محاضرته تزاحم عليه الناس فى طقوس غريبة، فيمسح على
رءوسهم برقعة وضع عليها الخليفة توقيعه. كان الداعى يلى
قاضى القضاة فى الرتبة والمكانة، وكان راتبه الشهرى مائة
دينار مثل راتب القاضى، وتلقَّب بألقاب فخمة مثل: «الشيخ
الأجلّ»، وكانت له سلطة روحية غير محدودة على جميع الشئون
السياسية والدينية فى الدولة. النظام الحربى: كان الجيش
الفاطمى من أقوى الجيوش فى عصره، وكانت له دواوين خاصة
قامت على تنظيمه وإعداده، كديوان الجيش الذى أشرف على
إعداد الجنود وأعدادهم، وديوان الرواتب الذى اختص بتسجيل
العطاءات، وديوان الإقطاع الذى اختص بالنظر فى الإقطاعات
التى تمنحها الدولة لبعض العسكريين مقابل قيامهم بواجبات
معينة، وقد أتت مكانة قائد الجيش بعد صاحب الباب الذى كان
يلى الوزير مباشرة، وتميز قادة الجيش عن بعضهم بعلامات
يحملونها، وسكن الجنود فى معسكرات خاصة بهم حتى لا
يضايقوا الأهالى فضلا عن تواجدهم فى مراكز الحدود. روى
«المقريزى»: «أن خزائن المال وأمتعة الجيش حملها عشرون ألف(14/355)
جمل، حين خرج جيش العزيز قاصدًا الشام، وعمل الفاطميون
على تزويد الجيش بأحدث أنواع الأسلحة. ولذا يمكن القول بأن
الجيش الفاطمى كان جيد الإعداد مثل غيره من جيوش الدول
الكبرى آنذاك». قام الأسطول الفاطمى بعدة حملات بحرية فى
البحر المتوسط أثبت خلالها شدة بأسه، وكانت له غزوات مظفرة
على «بيزنطة» و «إيطاليا» و «فرنسا» و «إسبانيا»، ويروى
«القلقشندى» أن وحدات الأسطول الفاطمى كانت مرتبة
ومتواجدة بجميع الشواطىء الساحلية، ماعدا سواحل الشام
التى فقدوا سيطرتهم عليها فى القرن الأخير من حكمهم، فقد
غلبهم عليها الصليبيون. خصصت الدولة الفاطمية جزءًا كبيرًا من
ميزانيتها للإنفاق على إعداد الجيش وتجهيز رجاله بما يحتاجون
إليه من أدوات الحرب وغيرها، وكان للجيش ديوان خاص يُدعى
«ديوان الجهاد»، وأُنشئت الموانئ لبناء السفن التى كان بعضها
يتسع لحمل ألف وخمسمائة شخص، وأصبح الأسطول الفاطمى
من أكبر الأساطيل، وبقى نموذجًا احتذى به الأيوبيون
والمماليك. مُنْشآت الفاطميين: تميز العصر الفاطمى بمنشآته
العديدة، وكان على رأسها تأسيس «القاهرة»، وإنشاء
«الجامع الأزهر»، وتشييد «القصر الشرقى»، و «القصر الغربى»،
و «قصر البحر»، و «قصور عين شمس»، و «جامع الحاكم»،
و «جامع الأولياء». تأسست مدينة «القاهرة» سنة (358هـ) لسبعة
عشر يومًا خلت من شهر شعبان، واختطت قبائل البربر مساكنها
حول قصر «المعز» بها. وأصبحت منذ ذلك اليوم مقرا للحكم،
ومركزًا لنشر الدعوة الشيعية، وحصنًا يصد هجمات الأعداء،
وأطلق عليها اسم «المنصورية» نسبة إلى «المنصور» والد
«المعز»، وقد اختلف المؤرخون فى سبب تسميتها بالقاهرة؛
فذكر «ابن دقماق»: أن أساسها حُفِر أثناء طلوع كوكب يُقال له
«القاهر» فسميت به. وقيل إن «المعز» قال لجوهر الصقلى:
«لتدخلن فى خرابات ابن طولون، وتبنى مدينة تقهر الدنيا»،
فلما حدث ذلك سماها «جوهر» «القاهرة»، وهناك من ذكر أنها(14/356)
سُميِّت بذلك لأنها تقهر من يشذ عنها. أحاط «جوهر» «القاهرة»
بسور كبير من الطوب اللَّبِن، وإلى الجنوب الشرقى منها كانت
مدينة «الفسطاط»، وإلى الغرب منها وقع ميناء «المقس»، ثم
وضع «جوهر» أساس القصر الذى شيده من أجل مولاه «المعز»،
ذلك القصر الذى قيل عنه إنه احتوى على أربعة آلاف حجرة،
وتأثَّث بفاخر الرياش، وبأفخر ما يحتاج إليه خاصة الناس لاسيما
الملوك والخلفاء. كانت «القاهرة» مدينة الخاصة، فلم يكن أحد
يسكنها إلا الخليفة ورجاله، وقد بنى «العزيز بن المعز» فيها
قصرًا عُرِف بالقصر الغربى، فعرفت المنطقة الواقعة بين قصرى
«المعز» و «العزيز» - الشرقى والغربى- باسم: «بين القصرين»،
وكان «الأزهر» أول مسجد شُيد فى «القاهرة» المعزية، وقد
شرع «جوهر» فى بنائه يوم السبت الموافق (4 من رمضان سنة
359هـ)، وأقيمت الصلاة به لأول مرة فى (7 من رمضان سنة
360هـ)، وصار منذ ذلك الوقت إلى الآن أشهر جامع فى العالم
الإسلامى، وكان «على ابن النعمان» أول مَنْ مارس التدريس
فيه، حيث أملى على الطلاب مختصر أبيه «القاضى النعمان» فى
الفقه على المذهب الشيعى، كما كان «العزيز بالله» أول مَنْ
حَوَّل «الأزهر» من مسجد تُقام فيه الصلاة إلى جامعة تُدرس فيها
العلوم، وهو أول مَن أجرى الأرزاق على طلاب العلم فيه، وتبعه
فى ذلك الخلفاء والأمراء والوزراء؛ فبنوا الأروقة لتكون منازل
مُعَدَّة لسكنى الطلاب، وجعلوا لكل بلد رواقًا خاصا بطلابه، فكان
هناك رواق الصعايدة، ورواق المغاربة، ورواق الأكراد .. الخ.
وبنى «العزيز بالله» قصورًا عديدة فى «عين شمس»، وأسس
«قاعة الذهب»، وبدأ بناء مسجد أتمه ابنه «الحاكم» وفرشه
بستة وثلاثين ألف متر من الحصر، وأضاءه بالقناديل، وعلَّق
على أبوابه الستور الحريرية، وحبس عليه أملاكًا كثيرة لرعايته
والإنفاق عليه، وفى سنة (395هـ) أنشأ «الحاكم» «دار الحكمة»
وألحق بها مكتبة كبرى أطلق عليها اسم «دار العلم»، وأنشأ(14/357)
«الظاهر» «قصر اللؤلؤ»؛ الذى يُعدُّ من أجمل قصور العصر
الفاطمى، وظل مكانًا يلجأ إليه الخلفاء من بعده وقت فيضان
النيل. ولنا أن نشير إلى اهتمام خلفاء الدولة الفاطمية ووزرائها
بإقامة المنشآت على النيل؛ لتوزيع المياه بطريقة تكفل زراعة
أكبر مساحة من الأراضى. الحالة الاقتصادية: وجَّه الفاطميون
اهتمامهم إلى الزراعة والصناعة والتجارة، وفرضوا الضرائب
على بعض المنتجات، فقد قاست «مصر» الأمرَّين فى أواخر
الدولة الإخشيدية؛ حيث انخفض ماء النيل، وعم القحط وانتشر
الوباء لدرجة أن الناس عجزوا عن تكفين موتاهم، فلما فتح
«جوهر» «مصر»، منع احتكار الحبوب، وعهد إلى المحتسب
برقابتها فى الأسواق، ثم عاد الخير إلى «مصر» ثانية بعودة
مياه النيل إلى الزيادة، فبلغت الأرض المنزرعة فى عهد «المعز»
(285 ألف فدان)، وارتقت البلاد زراعيا بفضل إنشاء القناطر
وإقامة السدود، وتنظيف الترع والمصارف، ثم حدثت المجاعة
التى عُرفَت بالشدة العظمى فى عهد «المستنصر». بزغ نجم
«مصر» عاليًا فى مجال الصناعة فى عهد الفاطميين، وبرع
المصريون فى صناعة المنسوجات، وزادت ثروتهم من صادرات
هذه الصناعة لاسيما منتجات «دمياط» و «تنيس» و «الأشمونيين»،
التى نالت منسوجاتها شهرة عالمية. كذلك ارتقت صناعات الفرش
والسجاد والسيرج والذهب والفضة، ورُصِّع عرش الخلافة الفاطمية
بمائة وسبعةَ عشر ألف مثقال من الذهب، ووُضع ستار قبالة هذا
العرش رُصِّع بألف وخمسمائة وستين قطعة من الجواهر المختلفة
الألوان، وحُلى بثلاثمائة ألف مثقال من الذهب الخالص، وكان
لدى المستنصر طاووس من الذهب مرصع بالأحجار الكريمة،
وعيناه من الياقوت، وريشه من الزجاج المموه بالذهب، كما وجد
بدار الوزير «الأفضل» ثمانية تماثيل لثمانى جوارٍ متقابلات، أربع
منهن بيضاوات والأربع الأخر لونهن أسود، مرتديات أفخر
الثياب، متزينات بأثمن الجواهر، إذا دخل «الأفضل» من باب(14/358)
المجلس نكسن رءوسهن إجلالا له. كذلك برع المصريون فى
صناعة الأطباق والصحاف والزجاج، لدرجة أنهم استطاعوا إنتاج
نوع شفاف من الزجاج يشبه «الزمرد» لنقائه الشديد فكان يباع
بالوزن. وقد نشطت التجارة بين «مصر» والعالم نشاطًا ملحوظًا،
وكانت حركة السفن التجارية لا تتوقف غدوا ورواحًا بميناءى
«عيذاب»، و «القلزم» (السويس)، وكانت نسبة الضرائب تزيد
وتنقص تبعًا لزيادة المحصول وقلته نتيجة الزيادة أو النقصان
فى ماء النيل، وبلغت ضريبة الفدان فى عهد «المعز» سبعة
دنانير، وبلغت ضريبة الرءوس دينارًا وربع الدينار عن كل فرد،
ثم كانت الجزية التى تُحصَّل من قادرى اليهود والنصارى دون
ظلم أو إجحاف مقابل رعايتهم وإعفائهم من الخدمة العسكرية،
ولم تكن الجزية مبلغًا كبيرًا لقلة عدد اليهود والنصارى بعد تحول
معظم المصريين إلى الإسلام. وفرضت الضرائب على الصناع
والحرفيين، وروعى فيها العدل -غالبًا- أثناء قوة الخلافة
الفاطمية وخلفائها، فلما حَلَّ الضعف بها وتسلط الوزراء على
الخلفاء والبلاد؛ أُهملَت النواحى الاقتصادية، ولم يراعِ هؤلاء
الوزراء حالة المواطنين، فكان ذلك سببًا فى فتح أبواب البلاد
أمام الطامعين. طوائف الشعب: كان سواد الشعب المصرى من
أهل السنة حين دخلها الفاطميون، فحاولوا نشر مذهبهم الشيعى
بالترغيب مرة وبالترهيب أخرى، ومنحوا العطايا والهبات، فكان
لذلك أثره الكبير فى اعتناق الكثيرين للمذهب الشيعى، فضلا
عن رغبة البعض فى الإبقاء على وظائفهم؛ إذ تحتم على من
يرغب فى الإبقاء على وظيفته اعتناق المذهب الشيعى. وكان
المغاربة وعلى رأسهم الكتاميون الذين قدموا مع الجيش
الفاطمى، وقامت دولة الفاطميين بسواعدهم - ضمن طوائف
الشعب بعد أن استقر لهم الأمر، وطاب لهم العيش بمصر، وكذلك
كان هناك أهل الذمة من اليهود والنصارى؛ الذين تقلدوا مناصب
رفيعة. وشغلوا معظم الوظائف المالية، تُضاف إليهم طائفة(14/359)
الأتراك الذين كثر عددهم منذ عهد الطولونيين، وظلوا بمصر، فدار
بينهم وبين المغاربة تطاحن وتنابذ فى عهد الحاكم، أما
السودانيون فقد كثر عددهم منذ «كافور الإخشيدى»، وقويت
شوكتهم فى عهد «الحاكم»، فاستعان عليهم بالأتراك، ثم زاد
خطرهم ثانية وقويت شوكتهم حين تزوج «الظاهر» واحدة منهم.
مكانة المرأة: كان للنساء شأن كبير فى الدولة الفاطمية، لدرجة
أنهن كن يتدخلن فى توجيه سياسة الدولة، وحققت الكثيرات
منهن ثروات طائلة، مثل: «رشيدة ابنة المعز لدين الله»، التى
بلغت ثروتها مليونًا وسبعمائة ألف دينار، وكان لأختها «عبدة»
خزائن عديدة ملأى بالحلى، وصناديق كثيرة يحوى كل منها
خمسة أكياس من «الزمرد» وثلاثمائة قطعة فضية وثلاثين ألف
ثوب صقلى وغير ذلك، وامتلكت الملكة «تغريد» زوج «المعز»
أموالا طائلة، وشيَّدت مسجدًا بالقرافة. تزوج «العزيز» امرأة
نصرانية من الروم، وعين أخويها بطريركين بالإسكندرية و «بيت
المقدس»، وولدت «للعزيز» ابنه «الحاكم» وابنته «ست الملك»،
فكان لها نفوذ كبير، ثم كان لابنتها «ست الملك» من النفوذ
والدهاء ما مكنها من تأجيل انهيار الدولة الفاطمية فترة طويلة
بعد أن أزاحت «الحاكم» عن العرش، كما سبق ذكره، وتركت
«ست الملك» ثروة ضخمة كان منها ثمانمائة جارية وعدد كبير
من الأحجار الكريمة، وبلغت مخصصاتها السنوية خمسين ألف
دينار، وكانت زوجة «الظاهر» وهى أم «المستنصر» من النساء
اللاتى حظين بنفوذ كبير فى الدولة الفاطمية، فأكثرت من بنى
جلدتها السودانيين حتى وصل عددهم إلى خمسين ألفًا. لم يكن
لنساء العامة أى أثر فى الحياة السياسية، ولم تذكر المصادر
أى نشاط لهن فى الدولة الفاطمية، فقد كان ذلك مقصورًا على
نساء الطبقة الحاكمة. المواسم والأعياد: كان للمصريين أعيادهم
المختلفة ومواسمهم المعينة قبل الفتح الإسلامى، علاوة على ما
استجد من الأعياد الدينية بعد الفتح الإسلامى، وبما أن الدولة(14/360)
الفاطمية دولة دينية مذهبية، فقد كانت الحفلات بالنسبة إلى
خلفائها مناسبة لتأكيد عقيدتهم، وعملوا على صبغها بالصبغة
المذهبية، فمن الأعياد التى كانت موجودة قبل الفتح الإسلامى
وظلت باقية بعده «عيد وفاء النيل» الذى ظل تقليدًا بعد الفتح
مع إدخال بعض التعديلات على الاحتفال به لتتناسب مع الدين
الإسلامى، وكان هناك «عيد الغطاس» الذى يحتفل فيه النصارى
بذكرى المسيح فى ليلة (11 من طوبة = 9من يناير)، وذكر
«المقريزى» أنها أحسن ليلة تكون بمصر وأشملها سرورًا ولا
تغلق فيها الدروب»، وعيد «النوروز» الذى يقول عنه
«المقريزى»: «إنه أول السنة القبطية بمصر، وهو أول يوم من
توت، و «عيد الميلاد» فى (29 من كيهك)، و «خميس العهد». أما
الأعياد والمواسم الدينية التى عرفها المصريون بعد الفتح
الإسلامى؛ فلم تأخذ شكلها الفخم ومظهرها الرائع إلا بعد مجىء
الفاطميين، ومن أشهر هذه الأعياد: «عيد رأس السنة الهجرية»،
الذى كانوا يعدون العدة للاحتفال به ابتداء من العشر الأواخر من
شهر ذى الحجة، فكان الاحتفال به مثالا للروعة والبهاء، كما
كان لهم كبير اعتناء بليلة أول المحرم من كل عام، وبأعياد
ليالى الوقود الأربعة وهى: الأول من رجب ونصفه، والأول من
شعبان ونصفه، وكذلك بعيدى «الفطر» و «الأضحى»، وفيهما
تُقَام الولائم وتُعدُّ الموائد للشعب، وفى الثانى عشر من شهر
ربيع الأول من كل عام يقام الاحتفال بالمولد النبوى الشريف
بمراسم خاصة فخمة تليق بالمكانة العظيمة للنبى - صلى الله عليه
وسلم - فى نفوس المسلمين. ذلك بالإضافة إلى أعياد الشيعة
المذهبية كعيد «غديرخم» نسبة إلى الغدير الموجود بهذا الاسم
بين «مكة» و «المدينة»، ويذكر الشيعة أن النبى - صلى الله عليه
وسلم - نزل بموضع «الغدير»، وآخى «علىَّ بن أبى طالب» فى
عودته من «مكة» إلى «المدينة» بعد حجة الوداع سنة (10هـ)، ثم
قال - صلى الله عليه وسلم -: «علىٌّ منى كهارون من موسى،(14/361)
اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر مَنْ نصره، واخذل مَنْ
خذله»، فاعتبر الشيعة هذه المقولة بمثابة وصية من الرسول
لعلىّ، وأنه أحق بالخلافة من غيره. ومن احتفالات الفاطميين
احتفال بذكرى مقتل «الحسين بن علىّ» -رضى الله عنهما - وهو
عندهم يوم حزن يُمدُّ فيه سماط يُسمَّى «سماط الحزن»، ذلك
إضافة إلى أعياد أخرى مثل الاحتفال بإرسال الكسوة بصحبة
قافلة الحج، والاحتفال بشهر رمضان، والاحتفال بذكرى مولد
الكثير من الأئمة، ومولد الخليفة القائم بالأمر. ولا يعرف التاريخ
دولة إسلامية استطاعت طبع «مصر» بطابع قوى وجديد مثلما
فعلت الدولة الفاطمية، التى مرت عبر صفحات التاريخ شأنها
شأن أىة دولة تباينت قوة وضعفًا، واعتورها الصواب والخطأ،
بيد أنها سطرت صفحة ناصعة من ألمع الصفحات فى التاريخ
الإسلامى تمثلت فى «الجامع الأزهر» ومدينة «القاهرة».(14/362)
*العبيديون
أصل الشيعة الفاطمية: قامت الدولة الفاطمية على المذهب
الإسماعيلى الشيعى القائل بالنص والتعيين، ويقصرون خلافة
الرسول - صلى الله عليه وسلم - الروحية والزمنية على ذرية الإمام
«على» - رضى الله عنه - مستندين فى ذلك إلى حديث
«غديرخم» الشهير، وقد لجأت الإسماعيلية بعد وفاة إمامهم
«إسماعيل بن جعفر» إلى الاختفاء والعمل السرى، فقد افترق
أشياع «جعفر الصادق» بعد وفاته إلى فرقتين، ولت الأولى ابنه
«موسى الكاظم» إمامًا، وولت الثانية ابنه «إسماعيل» إمامًا،
فعُرِفَت الفرقة الأولى بالإمامية أو الاثنا عشرية؛ لأنها سلسلت
الإمامة حتى الإمام الثانى عشر «محمد» المُلقب بالمهدى المنتظر
ابن الحسن العسكرى ابن على الهادى ابن محمد الجواد بن على
الرضا بن موسى الكاظم، وعُرفت الفرقة الثانية بالإمامية
الإسماعيلية؛ لأنهم أبقوا الإمامة فى ذرية «إسماعيل بن جعفر»،
ثم من بعده ابنه «محمد»، فابنه «جعفر الصادق»، فابنه «محمد
الحبيب»، فابنه «عبيدالله المهدى» مؤسس الدولة الفاطمية. قامت
«الدولة الفاطمية» ببلاد «المغرب» - وفق خطة مرسومة من قِبل
دعاة الشيعة - على أكتاف قبيلة «كتامة»، التى تنتمى إلى
بربر «البرانس»، وتميزت عن غيرها من القبائل بكثرة عددها،
ومنعة منطقة سكناها بجبال «الأوراس» بين مدينتى «بجاية»
و «قسطنطينة»، فضلا عن عدم خضوعها لسلطة الولاة اعتزازًا
بمنعتها وقوة بأسها. وقد وقف زعماء الشيعة على ما اتصفت
به هذه القبيلة، واختار «ابن حوشب» رئيس مركز الدعوة الشيعية
باليمن «أبا عبدالله الحسين بن أحمد الشيعى» للاتصال بوفد
«كتامة» بموسم الحج، لنشر الدعوة الشيعية بالمغرب، وإقامة
الدولة المرتقبة هناك. وقد تم لقاء «أبى عبدالله» بوفد «كتامة»
بمكة، وجعله هذا الشيعى يبدو كأنه جاء مصادفة، وبدأ يتعرَّف
أحوالهم وميولهم المذهبية، ولم يفصح عما أضمره وما جاء من
أجله، ونجح فى استمالتهم والسيطرة على قلوبهم بمكره(14/363)
ودهائه وعلمه وجدله، ثم تظاهر بعد انقضاء موسم الحج برغبته
فى السفر معهم إلى «مصر»، للتدريس لأبنائها، فاصطحبوه
معهم، فلما وصلوها، ألحوا عليه بمصاحبتهم إلى بلادهم،
فوافقهم، وذهب معهم إلى المغرب فى سنة (289هـ= 902م)،
واتخذ من «إيكجان» مستقرا له، لأنها نقطة التقاء حجاج
«الأندلس» و «المغرب الأقصى»، والمتوجهين لأداء فريضة الحج.
وبدأ «أبو عبدالله» فى تنفيذ خطته، وتظاهر بتعليم الصبية،
وإلقاء دروسه عليهم، فزاده ذلك مكانة ومنزلة بين أبناء
«كتامة»، وذاع صيته بين القبائل، وقصده البربر من أماكن
متفرقة، لينهلوا من علمه، ويستفيدوا من نصائحه، ثم عمد «أبو
عبدالله» إلى مصارحة بعضهم - بعد أن اطمأن إليهم- بحقيقة
أمره، ورغبته فى إقامة دولة لآل البيت تقوم على أكتاف قبيلة
«كتامة»، لأن الروايات - كما ادَّعى لهم - جاءت بذلك، وأخبرت
عما ينتظرهم من عز الدنيا وثواب الآخرة. وأخذ «أبو عبدالله»
على عاتقه تنظيم صفوف أبناء «كتامة» وبعض أبناء القبائل
الأخرى، وقسَّمهم إلى سبعة أقسام، وجعل على رأس كل قسم
منها داعية يطمئن إليه، فاستطاع بهذا الأسلوب العملى إقامة
مجتمع يدين بفكرة واحدة؛ هى إقامة الدولة المثالية التى
يحكمها إمام من آل البيت. وقد اتخذ «أبو عبدالله الشيعى» من
أبناء «كتامة» جندًا يدافعون عن الدعوة، ويهاجمون القوى
السياسية الموجودة بالمنطقة، وهى: «الأغالبة» بالمغرب
الأدنى، و «الرستميون» بالمغرب الأوسط، و «بنو مدرار»
بسجلماسة بجنوب «المغرب الأقصى» وبقايا «الأدارسة» بمدن
«المغرب الأقصى»، وترتَّب على ذلك دخول «أبى عبدالله
الشيعى» فى عدة معارك مع هذه القوى، كانت أشهرها معركة
«كنيونة»، التى انتصر فيها على «الأغالبة» فى سنة (293هـ=
906م)، ثم توالت انتصاراته بعد ذلك، ودخل مدينة «رقادة»
وقضى على نفوذ «الأغالبة»، ثم دعا «المهدى الفاطمى» إلى
«المغرب» لتسلم مقاليد الأمور؛ فلبى الدعوة، وتخفَّى فى زى(14/364)
التجار حتى لا يقع فى قبضة العباسيين، ودخل مدينة «رقادة»
فى سنة (297هـ= 909م)، ثم بويع بالإمامة. الخلفاء الفاطميون
بالمغرب: حكم أربعة خلفاء فاطميين بلاد «المغرب» فى الفترة
من سنة (297هـ=909م) إلى سنة (365هـ= 975م)، وكان «المعز
لدين الله الفاطمى» هو آخر هؤلاء الخلفاء، حيث انتقل بالخلافة
إلى «القاهرة» التى اتخذها عاصمة جديدة للفاطميين، بعد أن تم
له فتح «مصر» على يد قائده «جوهر الصقلى» فى سنة (358هـ=
969م)، والخلفاء الأربعة هم: 1 - المهدى: عبيد الله أبو محمد
[297 - 322هـ= 909 - 934م]. 2 - القائم: محمد أبو القاسم [322 -
334 هـ = 934 - 945م]. 3 - المنصور: إسماعيل أبو طاهر [334 -
341هـ= 945 - 952م]. 4 - المعز: معدّ أبو تميم [341 - 365 هـ =
952 - 975م]. دخول الفاطميين مصر: جانب التوفيق الحملات
الثلاث التى أُرسلت من قبل الفاطميين لفتح «مصر» فى عهد
أسلاف «المعز»، ولكن الوضع العام فى المشرق كان ينبئ
بنجاح الحملة الرابعة، للضعف الذى حلّ بدار الخلافة فى
«بغداد»، وكذلك ما وصلت إليه حال «مصر» من ضعف وبؤس
وشقاء فى أواخر عهد «كافور»، كما كان لانخفاض النيل الذى
استمر تسع سنوات أثر كبير فى انتشار الوباء والقحط فيها،
فلم تستطع «مصر» مواجهة الغزاة، كما عجزت -بعد «كافور» -
عن صد هجوم ملك «النوبة» من الجنوب، وثار الجند لعدم دفع
رواتبهم، ونشط جواسيس «المعز»، وتوغلوا فى البلاد لنشر
المذهب الشيعى، فمال الكثيرون إلى مذهبهم، وبعث «المعز»
رسله إلى «كافور» مُرهِّبة مرة ومُرغِّبة أخرى للتأثير عليه،
وكان استقرار بلاد المغرب ورسوخ أقدام الفاطميين فيه،
وتنظيمهم الدقيق للأمن والإدارة، وحسن إعدادهم للجيوش
والقادة سبب نجاح حملتهم الرابعة على «مصر». سار «جوهر
الصقلِّى» قائد جيوش «المعز» إلى «مصر» فى ربيع الأول سنة
(358هـ)، بعد أن خرج «المعز» لوداعه، وأمر أهله بالترجل أمام(14/365)
قائده وهو راكب، كما أمر واليه على «طرابلس» أن يسير فى
ركاب «جوهر» ويقبِّل يده، فكبر ذلك على والى «طرابلس»،
وأراد أن يعفى نفسه من ذلك مقابل مائة ألف دينار ذهبًا يعطيها
لجوهر، ولكن «جوهر» رفض هذه الأموال ومضى بجيشه الذى
كان يضم مائة ألف جندى حاملا معه أموالا طائلة قيل إنها بلغت
ألفًا ومائتى صندوق حملها على ظهور الجمال، وحين خرج
«المعز» لوداع «جوهر» والجيش بمنطقة «رقادة» قال لمن كانوا
معه: «والله لو خرج جوهر وحده لفتح مصر». فكان لهذه العبارة
أثرها الكبير فى نفس «جوهر»، وكانت له حافزًا على تحقيق ما
خرج من أجله. وصل «جوهر» إلى «مصر»، وحط رحاله
بالإسكندرية التى فتحت أبوابها من غير مقاومة، فعامل
«جوهر» أهلها بالحسنى ووسَّع لهم فى أرزاقهم، فكان لذلك
أثره الطيب فى نفوس الأهالى، كما كان للنظام الذى ظهر به
الجيش، وطاعته لقائده أثره الكبير فى نفوسهم، فرحبوا بالقائد
الجديد. سياسة جوهر فى مصر: عمل «جوهر» على نشر العدل
بين أهل «مصر»، وأمَّنهم على ممتلكاتهم، وجلس للبت فى
المظالم بنفسه رغم شواغله، فرد الحقوق إلى أصحابها، وضرب
بيد من حديد على أيدى العابثين بالنظام حتى إذا كانوا من
خاصته؛ لدرجة أنه عاقب بعض المغاربة بالقتل على إثم كبير
اقترفوه، كما برهن «جوهر» على حسن سياسته حين لجأ إلى
الوسائل السلمية لنشر المذهب الفاطمى، ولم يفرضه كرهًا،
واتخذ من المساجد مدارس يتلقى فيها الناس أصول مذهبه
الشيعى، وذكر اسم الخليفة الفاطمى فى خطبة الجمعة وأسقط
اسم الخليفة العباسى، فكان ذلك إيذانًا بزوال النفوذ العباسى،
وزوال ملك الإخشيديين. حكم «جوهر» «مصر» أربع سنوات هى
من أصعب الفترات وأخطرها، حيث تم فيها إقامة معالم دولة
وتشييدها على أنقاض دولة أخرى؛ فإلى «جوهر» يرجع الفضل
فى تأسيس وبناء «القاهرة» المعزِّية، التى جعل لها أربعة
أبواب منها: «باب النصر»، و «باب الفتوح»، و «بابا زويلة»، كما(14/366)
بنى بها «الجامع الأزهر» لينشر من داخله المذهب الشيعى.
و «الأزهر» هو أول مسجد شُيِّدَ فى «القاهرة» المعزية، وأقيمت
فيه الصلاة لأول مرة فى (17 من رمضان سنة 360هـ)، وقد
اختلف المؤرخون فى سبب تسميته بالأزهر، فقال فريق سُمِّى
بهذا الاسم نسبة وتكريمًا للسيدة فاطمة الزهراء. وقال فريق
آخر: تفاؤلا بما سيكون عليه أمر هذا المسجد من شأن عظيم.
وقال فريق ثالث: سُمى بذلك لأنه كان محاطًا بالقصور الزاهرة
التى بنيت عند إنشاء «القاهرة». وأيا كانت نسبة هذه التسمية
إلى الجامع الأزهر؛ فهو يُعد -الآن- أعظم جامعة إسلامية تُدَّرَسُ
فيها العلوم الدينية والعلوم العقلية، ويقصده آلاف الطلاب من
مختلف أرجاء العالم الإسلامى، وقد أدى خدمات عظيمة للعلم
فى مختلف العصور، ونشره فى شتى بقاع العالم. إبراز
المظاهر الشيعية فى مصر: لما رأى «جوهر» أن دعائم ملك
الفاطميين قد توطدت فى «مصر»، عمل على تحقيق ما جاء من
أجله، فزاد فى الأذان عبارة: «حى على خير العمل»، وجهر
بالبسملة فى قراءة القرآن فى الصلاة، وزاد فى خطبة الجمعة
ما يلى: «اللهم صلِّ على محمد المصطفى، وعلى علىّ المرتضَى،
وفاطمةَ البتول، وعلى الحسن والحسين سبطى الرسول؛ الذين
أذهبت عنهم الرجس، وطهرتهم تطهيرًا. الله صلِّ على الأئمة
الراشدين آباء أمير المؤمنين الهادين المهتدين»، ونقش على
جدران «مسجد الفسطاط» شعار العلويين باللون الأخضر، كما
أضاف فى أول خطبة بالجامع الأزهر عبارة: «السلام على الأئمة
آباء أمير المؤمنين المعز لدين الله»، وضرب العملة باسم الخليفة
«المعز»، وألغى السواد شعار العباسيين، وعمم الملابس
الخضراء شعار العلويين، ثم أرسل إلى «المعز» يستدعيه إلى
«مصر»، فوافقه «المعز»، وخرج من «المنصورية» بالمغرب فى
شوَّال سنة (361هـ)، ووصل إلى «القاهرة» فى رمضان سنة
(362هـ)، واستقبله أهل «مصر» بالفوانيس، فأصبحت عادة فى(14/367)
استقبال شهر رمضان حتى الآن، وأعلن «المعز» «القاهرة»
عاصمة للخلافة الفاطمية، فأصبحت «مصر» دار خلافة بعد أن
كانت دار إمارة. النفوذ الفاطمى يمتد إلى بلاد الشام: حينما
استقرت الأمور لجوهر الصقلى فى «مصر»، اتجه ببصره تجاه
بلاد الشام، وبذل جهودًا مضنية من أجل مد نفوذ سيده إلى هذه
البلاد، وجهز حملة كبيرة جعل قيادتها للقائد الكبير «جعفر ابن
فلاح»، الذى عُرِف بعقليته العسكرية الفريدة، فخرجت الحملة
قاصدة «دمشق»، واستولت فى طريقها على «الرملة»
و «طبرية»، فلما علم أهل «دمشق» بذلك خرجوا عن بكرة أبيهم
حاملين السلاح مشاة وفرسانًا لمواجهة هذه الحملة، والتقى
الطرفان، وبذل أهالى «دمشق» كل ما فى وسعهم، إلا أنهم
هُزِموا فى النهاية، ودخل «جعفر» وجنوده المدينة، فاعتبرها
الجنود غنيمة ونهبوها، ولم يكبح «جعفر» - بطبيعته الحربية -
جماحهم، فقامت الثورة فى «دمشق»، وتمكن «جعفر» من
السيطرة عليها، وقبض على زعمائها، فهدأت الأحوال، وأُقيمت
الخطبة للمعز الفاطمى فى المحرم سنة (359هـ)، وزال سلطان
العباسيين فى الشام. وقد توالى على حكم الدولة الفاطمية عدد
من الخلفاء هم: 1 - عبيد الله المهدى. 2 - القائم. 3 - المنصور. 4 -
المعز. 5 - العزيز. 6 - الحاكم. 7 - الظاهر. 8 - المستنصر. 9 -
المستعلى. 10 - الآمر. 11 - الحافظ. 12 - الظافر. 13 - الفائز. 14 -
العاضد. انهيار الدولة الفاطمية: حين علا «صلاح الدين الأيوبى»
كرسى الوزارة فى الدولة الفاطمية، حدث الصدام المتوقع بين
المذهبين الشيعى والسنى، فسلب الوزير السنى من الخليفة
«العاضد» الشيعى كل سلطانه، وبات الخليفة كالمحجور عليه،
وصار حبيس قصره، فاستاء أتباع الخليفة وجنوده من هذا
الوضع وقاموا بثورة عارمة، نجح الوزير «صلاح الدين» فى
تشتيتها، فاضطر مشعلوها إلى الهرب نحو صعيد «مصر»، فعمل
«صلاح الدين» على تثبيت قدميه، وتوطيد علاقته بالناس،(14/368)
وحارب الصليبيين، وحقق انتصارات عظيمة عليهم، وعزل القضاة
الشيعة، وجعل السنيين بدلا منهم، ثم أرسل إلى «نور الدين»
يطلب منه أن يُلحق به أسرته فوافق، وألحقهم به، فقويت
شوكته، وأحبه الناس لسلوكه وسيرته بينهم، فلما اطمأن «نور
الدين» إلى استقرار الأوضاع أرسل إلى «صلاح الدين» يطلب منه
إزالة الخلافة الفاطمية، والدعاء للخليفة العباسى، فرفض «صلاح
الدين» أول الأمر خوفًا من عواقب هذا الصنيع، ثم عمد إلى
التجربة -بعد أن شاور خلصاءه- فقرر أن يصعد واحد من الناس
المنبر قبل الخطيب، ويدعو للخليفة العباسى «المستضىء» ليرى
ماذا سيفعل الناس، فلما تم له ما أراد، ولم يثر أحد أسقط الدعاء
للعاضد وجعله للمستضىء، فكانت نهاية الدولة الفاطمية التى
حكم ملوكها الأوائل رقعة شاسعة من العالم امتدت من «المحيط
الأطلسى» غربًا إلى «الخليج العربى» شرقًا، ودُعى لأحد
خلفائها على منابر «بغداد» -عاصمة الخلافة العباسية - عامًا
بأكمله. وكان «العاضد» مريضًا حين سقطت دولته فآثر أهله عدم
إخباره حتى لا يفجع ويزداد مرضه، ولكنه لم يلبث طويلا وتُوفِّى
سنة (567هـ). الحضارة والنظم فى العصر الفاطمى نظام الحكم:
قام نظام الحكم على نظرية الإمامة التى اعتبرها الشيعة حقا
لهم. إرثًا عن النبى - صلى الله عليه وسلم - ويختلفون فى ذلك عن
أهل السنة القائلين بحق الأمة فى اختيار إمامها، كما يختلفون
مع الإمامية الإثنا عشرية الذين ساقوا الإمامة فى اثنى عشر
رجلا من آل البيت، كان آخرهم «محمد بن الحسن العسكرى»،
بينما وقف بها الإسماعيلية بعد «جعفر الصادق» عند ابنه
«إسماعيل» الذى نُسِبَت الدولة إليه، وركزت كلتا الطائفتين على
حق آل البيت فى الإمامة، وأن مهمة الإمامة هى الحفاظ على
تراث النبوة. الوزارة: هى أرفع المناصب بعد الخلافة، وكانت
تنقسم إلى: 1 - وزارة قلم. 2 - وزارة سيف. وكان يُطلَق عليها
رتبة الوساطة أو السفارة فى أول عهد الدولة، ولم تظهر كلمة(14/369)
وزير إلا فى عهد «العزيز» ثانى الخلفاء الفاطمىىن فى
«مصر»، وكان يتم اختيار الوزير -غالبًا - من بين أرباب الأقلام،
وتحول هذا المنصب إلى سلطة استبدادية أثناء الشدة
المستنصرية؛ فكان «بدر الجمالى» وزير سيف، وبه بدأ عهد
استبداد الوزراء، وتحولت الوزارة إلى وزارة تفويض، وأصبح
الوزير متحكمًا فى جميع أمور الدولة؛ بل أصبح الوزراء يتدخلون
فى تولية الإمام وولى عهده، فعظم أمرهم وقويت شوكتهم.
كان وزير التنفيذ يُلقَّب بالأجَلِّ، أما وزراء التفويض فكانت
ألقابهم تدل على السلطة الواسعة التى تمتعوا بها، مثل: أمير
الجيوش، وكافل قضاة المسلمين، وهادى دعاة المؤمنين، وتلقَّب
الوزير «طلائع بن رزيك» بالملك المنصور، وتلقَّب ابنه «رزيك بن
طلائع» بالملك العادل، وكذلك تلقب «صلاح الدين الأيوبى» آخر
وزراء الفاطميين وأول سلاطين الدولة الأيوبية بالملك الناصر،
كما وُصِف بعض هؤلاء الوزراء بالسلطان. كانت للوزير فى العصر
الفاطمى علامات تميزه عن غيره من موظفى الدولة، وانفرد بلبس
زى خاص، وبلغ راتبه خمسة آلاف دينار شهريا، وكان له حق
الجلوس بجوار الخليفة، وكان مجلسه بدار الوزارة الكبرى - التى
بُنى لها قصر كبير بجوار باب النصر - لا يقل فى الأبهة والعظمة
عن مجلس الخليفة نفسه. واشتُرط فيمن يتولى منصب الوزارة أن
يكون مخلصًا لعقيدة الدولة، وأن تكون لديه المهارة فى تدبير
الأموال، ولذلك تولى وزارات التنفيذ وزراء من أهل الذمة ظلوا
على عقيدتهم. نظام الإدارة: ورث الفاطميون نظام العباسيين
فى الإدارة، فعملوا على تركيز السلطة فى أيديهم، وأصبح
نظامهم الإدارى شديد المركزية تُدار شئونه من داخل القصر،
باستثناء بعض الظروف النادرة التى نُقل فيها ديوان الوزارة إلى
دور الوزراء، وسرعان ما يعود إلى القصر ثانية. انقسمت الشئون
الإدارية فى عهد الفاطميين إلى: 1 - ديوان الإنشاء الذى يقوم(14/370)
بتنفيذ أوامر السلطة العليا. 2 - ديوان المالية، ويقوم بجباية
الأموال وإنفاقها. 3 - ديوان الإدارة المحلية التى تحكم الولايات.
وتفرع عن كل ديوان من هذه الدواوين أقسام عديدة، كان لكل
منها عمل معين، وعلى الرغم من محاولة «جوهر الصقلى» إحلال
المغاربة محل المصريين فى الوظائف الإدارية، فإنه فشل فى
ذلك، لجهل البربر بدقائق الإدارة، فبقى المصريون من المسلمين
وأهل الذمة فى مناصبهم الإدارية، وتشير المصادر التاريخية إلى
استخدام القبط واليهود - بكثرة - فى مختلف دواوين الدولة.
النظام الدينى: أطلِق لقب: «أصحاب الوظائف الدينية» على علماء
الدين فى العصر الفاطمى، وكانت هذه الوظائف تضم: 1 -
القضاء: ويعتمد على التشريع الإسماعيلى. 2 - الدعوة: وتعتمد
على العقيدة الشيعية للدولة. ويتفق التشريع الشيعى مع
التشريع السنى فى أن كلا منهما يعتمد على القرآن الكريم
والسنة النبوية كأساس للتشريع، مع اختلاف جوهرى هو أن
الفاطميين وضعوا تأويلا باطنيا لنصوص القرآن والسنة؛ فالصلاة
- مثلا - هى الفرائض الخمس المعروفة، ولكن معناها الباطنى هو
الإخلاص للإمام الباطنى، ولذلك لا يقبلون من الأحاديث إلا ما رواه
آل البيت ونُقل عنهم، حتى وإن كانت هناك أحاديث مشتركة بين
الطرفين اختلف رواتها. لم يمنع المذهب الشيعى الاجتهاد، ولكنه
اشترط أن يكون هذا الاجتهاد قائمًا على الأصول التى وضعها
الفاطميون، ولذا أصبح اجتهاد الشيعة مقيدًا. تولى أصحاب
الوظائف الدينية الإشراف على القضاء فى أرجاء الخلافة، فكان
منهم: قاضى القضاة، وصاحب المظالم، والمحتسب، وصاحب
الشرطة. وقامت الدعوة على أسس العقيدة الشيعية؛ لأن الدولة
الفاطمية دولة قامت على أسس مذهبية، وكانت دعوتها تُسمَّى
رسميا: الدعوة الهادية، أو الدعوة العلوية، وكان الهدف من
هذه الدعوة تأييد حكم الفاطميين ليترسخ فى النفوس حق
الفاطميين فى حكم العالم الإسلامى، فأيدت حق الإمام المطلق(14/371)
فى ولاية أمر المسلمين، ولجأت إلى تأويل القرآن بما يتفق مع
تأييد وجهة نظرها، بزعم أن أبناء «فاطمة» بنت رسول الله
وذريتها هم وحدهم القادرون على هذا التأويل، ولديهم معنى
واضح وآخر باطن لكل كلمة قرآنية. بمجىء الفاطميين إلى
«مصر» أصبحت «القاهرة» مقر داعى الدعاة؛ الذى له حق
الإشراف على الدعوة فى «مصر» والعالم الإسلامى، وعليه
إرسال الدعاة فى أنحاء العالم أجمع للتبشير بمذهب الفاطميين،
ولهذا كان يجب عليه أن يكون عالمًا بالمذهب الإسماعيلى،
عارفًا بأسرار العقيدة، بليغًا، ذكيا، عالمًا بقواعد الدين. كانت
مجالس الدعوة تُعقد بصفة منتظمة ودورية، فخصص يوم الأحد
للرجال، ويوم الثلاثاء للأشراف والشخصيات المرموقة، ويوم
الأربعاء للنساء، وكانت المحاضرات المقروءة فى هذه المجالس
تُسمَّى: مجالس الحكمة، أو مجالس الدعوة، فإذا فرغ الداعى من
إلقاء محاضرته تزاحم عليه الناس فى طقوس غريبة، فيمسح على
رءوسهم برقعة وضع عليها الخليفة توقيعه. كان الداعى يلى
قاضى القضاة فى الرتبة والمكانة، وكان راتبه الشهرى مائة
دينار مثل راتب القاضى، وتلقَّب بألقاب فخمة مثل: «الشيخ
الأجلّ»، وكانت له سلطة روحية غير محدودة على جميع الشئون
السياسية والدينية فى الدولة. النظام الحربى: كان الجيش
الفاطمى من أقوى الجيوش فى عصره، وكانت له دواوين خاصة
قامت على تنظيمه وإعداده، كديوان الجيش الذى أشرف على
إعداد الجنود وأعدادهم، وديوان الرواتب الذى اختص بتسجيل
العطاءات، وديوان الإقطاع الذى اختص بالنظر فى الإقطاعات
التى تمنحها الدولة لبعض العسكريين مقابل قيامهم بواجبات
معينة، وقد أتت مكانة قائد الجيش بعد صاحب الباب الذى كان
يلى الوزير مباشرة، وتميز قادة الجيش عن بعضهم بعلامات
يحملونها، وسكن الجنود فى معسكرات خاصة بهم حتى لا
يضايقوا الأهالى فضلا عن تواجدهم فى مراكز الحدود. روى
«المقريزى»: «أن خزائن المال وأمتعة الجيش حملها عشرون ألف(14/372)
جمل، حين خرج جيش العزيز قاصدًا الشام، وعمل الفاطميون
على تزويد الجيش بأحدث أنواع الأسلحة. ولذا يمكن القول بأن
الجيش الفاطمى كان جيد الإعداد مثل غيره من جيوش الدول
الكبرى آنذاك». قام الأسطول الفاطمى بعدة حملات بحرية فى
البحر المتوسط أثبت خلالها شدة بأسه، وكانت له غزوات مظفرة
على «بيزنطة» و «إيطاليا» و «فرنسا» و «إسبانيا»، ويروى
«القلقشندى» أن وحدات الأسطول الفاطمى كانت مرتبة
ومتواجدة بجميع الشواطىء الساحلية، ماعدا سواحل الشام
التى فقدوا سيطرتهم عليها فى القرن الأخير من حكمهم، فقد
غلبهم عليها الصليبيون. خصصت الدولة الفاطمية جزءًا كبيرًا من
ميزانيتها للإنفاق على إعداد الجيش وتجهيز رجاله بما يحتاجون
إليه من أدوات الحرب وغيرها، وكان للجيش ديوان خاص يُدعى
«ديوان الجهاد»، وأُنشئت الموانئ لبناء السفن التى كان بعضها
يتسع لحمل ألف وخمسمائة شخص، وأصبح الأسطول الفاطمى
من أكبر الأساطيل، وبقى نموذجًا احتذى به الأيوبيون
والمماليك. مُنْشآت الفاطميين: تميز العصر الفاطمى بمنشآته
العديدة، وكان على رأسها تأسيس «القاهرة»، وإنشاء
«الجامع الأزهر»، وتشييد «القصر الشرقى»، و «القصر الغربى»،
و «قصر البحر»، و «قصور عين شمس»، و «جامع الحاكم»،
و «جامع الأولياء». تأسست مدينة «القاهرة» سنة (358هـ) لسبعة
عشر يومًا خلت من شهر شعبان، واختطت قبائل البربر مساكنها
حول قصر «المعز» بها. وأصبحت منذ ذلك اليوم مقرا للحكم،
ومركزًا لنشر الدعوة الشيعية، وحصنًا يصد هجمات الأعداء،
وأطلق عليها اسم «المنصورية» نسبة إلى «المنصور» والد
«المعز»، وقد اختلف المؤرخون فى سبب تسميتها بالقاهرة؛
فذكر «ابن دقماق»: أن أساسها حُفِر أثناء طلوع كوكب يُقال له
«القاهر» فسميت به. وقيل إن «المعز» قال لجوهر الصقلى:
«لتدخلن فى خرابات ابن طولون، وتبنى مدينة تقهر الدنيا»،
فلما حدث ذلك سماها «جوهر» «القاهرة»، وهناك من ذكر أنها(14/373)
سُميِّت بذلك لأنها تقهر من يشذ عنها. أحاط «جوهر» «القاهرة»
بسور كبير من الطوب اللَّبِن، وإلى الجنوب الشرقى منها كانت
مدينة «الفسطاط»، وإلى الغرب منها وقع ميناء «المقس»، ثم
وضع «جوهر» أساس القصر الذى شيده من أجل مولاه «المعز»،
ذلك القصر الذى قيل عنه إنه احتوى على أربعة آلاف حجرة،
وتأثَّث بفاخر الرياش، وبأفخر ما يحتاج إليه خاصة الناس لاسيما
الملوك والخلفاء. كانت «القاهرة» مدينة الخاصة، فلم يكن أحد
يسكنها إلا الخليفة ورجاله، وقد بنى «العزيز بن المعز» فيها
قصرًا عُرِف بالقصر الغربى، فعرفت المنطقة الواقعة بين قصرى
«المعز» و «العزيز» - الشرقى والغربى- باسم: «بين القصرين»،
وكان «الأزهر» أول مسجد شُيد فى «القاهرة» المعزية، وقد
شرع «جوهر» فى بنائه يوم السبت الموافق (4 من رمضان سنة
359هـ)، وأقيمت الصلاة به لأول مرة فى (7 من رمضان سنة
360هـ)، وصار منذ ذلك الوقت إلى الآن أشهر جامع فى العالم
الإسلامى، وكان «على ابن النعمان» أول مَنْ مارس التدريس
فيه، حيث أملى على الطلاب مختصر أبيه «القاضى النعمان» فى
الفقه على المذهب الشيعى، كما كان «العزيز بالله» أول مَنْ
حَوَّل «الأزهر» من مسجد تُقام فيه الصلاة إلى جامعة تُدرس فيها
العلوم، وهو أول مَن أجرى الأرزاق على طلاب العلم فيه، وتبعه
فى ذلك الخلفاء والأمراء والوزراء؛ فبنوا الأروقة لتكون منازل
مُعَدَّة لسكنى الطلاب، وجعلوا لكل بلد رواقًا خاصا بطلابه، فكان
هناك رواق الصعايدة، ورواق المغاربة، ورواق الأكراد .. الخ.
وبنى «العزيز بالله» قصورًا عديدة فى «عين شمس»، وأسس
«قاعة الذهب»، وبدأ بناء مسجد أتمه ابنه «الحاكم» وفرشه
بستة وثلاثين ألف متر من الحصر، وأضاءه بالقناديل، وعلَّق
على أبوابه الستور الحريرية، وحبس عليه أملاكًا كثيرة لرعايته
والإنفاق عليه، وفى سنة (395هـ) أنشأ «الحاكم» «دار الحكمة»
وألحق بها مكتبة كبرى أطلق عليها اسم «دار العلم»، وأنشأ(14/374)
«الظاهر» «قصر اللؤلؤ»؛ الذى يُعدُّ من أجمل قصور العصر
الفاطمى، وظل مكانًا يلجأ إليه الخلفاء من بعده وقت فيضان
النيل. ولنا أن نشير إلى اهتمام خلفاء الدولة الفاطمية ووزرائها
بإقامة المنشآت على النيل؛ لتوزيع المياه بطريقة تكفل زراعة
أكبر مساحة من الأراضى. الحالة الاقتصادية: وجَّه الفاطميون
اهتمامهم إلى الزراعة والصناعة والتجارة، وفرضوا الضرائب
على بعض المنتجات، فقد قاست «مصر» الأمرَّين فى أواخر
الدولة الإخشيدية؛ حيث انخفض ماء النيل، وعم القحط وانتشر
الوباء لدرجة أن الناس عجزوا عن تكفين موتاهم، فلما فتح
«جوهر» «مصر»، منع احتكار الحبوب، وعهد إلى المحتسب
برقابتها فى الأسواق، ثم عاد الخير إلى «مصر» ثانية بعودة
مياه النيل إلى الزيادة، فبلغت الأرض المنزرعة فى عهد «المعز»
(285 ألف فدان)، وارتقت البلاد زراعيا بفضل إنشاء القناطر
وإقامة السدود، وتنظيف الترع والمصارف، ثم حدثت المجاعة
التى عُرفَت بالشدة العظمى فى عهد «المستنصر». بزغ نجم
«مصر» عاليًا فى مجال الصناعة فى عهد الفاطميين، وبرع
المصريون فى صناعة المنسوجات، وزادت ثروتهم من صادرات
هذه الصناعة لاسيما منتجات «دمياط» و «تنيس» و «الأشمونيين»،
التى نالت منسوجاتها شهرة عالمية. كذلك ارتقت صناعات الفرش
والسجاد والسيرج والذهب والفضة، ورُصِّع عرش الخلافة الفاطمية
بمائة وسبعةَ عشر ألف مثقال من الذهب، ووُضع ستار قبالة هذا
العرش رُصِّع بألف وخمسمائة وستين قطعة من الجواهر المختلفة
الألوان، وحُلى بثلاثمائة ألف مثقال من الذهب الخالص، وكان
لدى المستنصر طاووس من الذهب مرصع بالأحجار الكريمة،
وعيناه من الياقوت، وريشه من الزجاج المموه بالذهب، كما وجد
بدار الوزير «الأفضل» ثمانية تماثيل لثمانى جوارٍ متقابلات، أربع
منهن بيضاوات والأربع الأخر لونهن أسود، مرتديات أفخر
الثياب، متزينات بأثمن الجواهر، إذا دخل «الأفضل» من باب(14/375)
المجلس نكسن رءوسهن إجلالا له. كذلك برع المصريون فى
صناعة الأطباق والصحاف والزجاج، لدرجة أنهم استطاعوا إنتاج
نوع شفاف من الزجاج يشبه «الزمرد» لنقائه الشديد فكان يباع
بالوزن. وقد نشطت التجارة بين «مصر» والعالم نشاطًا ملحوظًا،
وكانت حركة السفن التجارية لا تتوقف غدوا ورواحًا بميناءى
«عيذاب»، و «القلزم» (السويس)، وكانت نسبة الضرائب تزيد
وتنقص تبعًا لزيادة المحصول وقلته نتيجة الزيادة أو النقصان
فى ماء النيل، وبلغت ضريبة الفدان فى عهد «المعز» سبعة
دنانير، وبلغت ضريبة الرءوس دينارًا وربع الدينار عن كل فرد،
ثم كانت الجزية التى تُحصَّل من قادرى اليهود والنصارى دون
ظلم أو إجحاف مقابل رعايتهم وإعفائهم من الخدمة العسكرية،
ولم تكن الجزية مبلغًا كبيرًا لقلة عدد اليهود والنصارى بعد تحول
معظم المصريين إلى الإسلام. وفرضت الضرائب على الصناع
والحرفيين، وروعى فيها العدل -غالبًا- أثناء قوة الخلافة
الفاطمية وخلفائها، فلما حَلَّ الضعف بها وتسلط الوزراء على
الخلفاء والبلاد؛ أُهملَت النواحى الاقتصادية، ولم يراعِ هؤلاء
الوزراء حالة المواطنين، فكان ذلك سببًا فى فتح أبواب البلاد
أمام الطامعين. طوائف الشعب: كان سواد الشعب المصرى من
أهل السنة حين دخلها الفاطميون، فحاولوا نشر مذهبهم الشيعى
بالترغيب مرة وبالترهيب أخرى، ومنحوا العطايا والهبات، فكان
لذلك أثره الكبير فى اعتناق الكثيرين للمذهب الشيعى، فضلا
عن رغبة البعض فى الإبقاء على وظائفهم؛ إذ تحتم على من
يرغب فى الإبقاء على وظيفته اعتناق المذهب الشيعى. وكان
المغاربة وعلى رأسهم الكتاميون الذين قدموا مع الجيش
الفاطمى، وقامت دولة الفاطميين بسواعدهم - ضمن طوائف
الشعب بعد أن استقر لهم الأمر، وطاب لهم العيش بمصر، وكذلك
كان هناك أهل الذمة من اليهود والنصارى؛ الذين تقلدوا مناصب
رفيعة. وشغلوا معظم الوظائف المالية، تُضاف إليهم طائفة(14/376)
الأتراك الذين كثر عددهم منذ عهد الطولونيين، وظلوا بمصر، فدار
بينهم وبين المغاربة تطاحن وتنابذ فى عهد الحاكم، أما
السودانيون فقد كثر عددهم منذ «كافور الإخشيدى»، وقويت
شوكتهم فى عهد «الحاكم»، فاستعان عليهم بالأتراك، ثم زاد
خطرهم ثانية وقويت شوكتهم حين تزوج «الظاهر» واحدة منهم.
مكانة المرأة: كان للنساء شأن كبير فى الدولة الفاطمية، لدرجة
أنهن كن يتدخلن فى توجيه سياسة الدولة، وحققت الكثيرات
منهن ثروات طائلة، مثل: «رشيدة ابنة المعز لدين الله»، التى
بلغت ثروتها مليونًا وسبعمائة ألف دينار، وكان لأختها «عبدة»
خزائن عديدة ملأى بالحلى، وصناديق كثيرة يحوى كل منها
خمسة أكياس من «الزمرد» وثلاثمائة قطعة فضية وثلاثين ألف
ثوب صقلى وغير ذلك، وامتلكت الملكة «تغريد» زوج «المعز»
أموالا طائلة، وشيَّدت مسجدًا بالقرافة. تزوج «العزيز» امرأة
نصرانية من الروم، وعين أخويها بطريركين بالإسكندرية و «بيت
المقدس»، وولدت «للعزيز» ابنه «الحاكم» وابنته «ست الملك»،
فكان لها نفوذ كبير، ثم كان لابنتها «ست الملك» من النفوذ
والدهاء ما مكنها من تأجيل انهيار الدولة الفاطمية فترة طويلة
بعد أن أزاحت «الحاكم» عن العرش، كما سبق ذكره، وتركت
«ست الملك» ثروة ضخمة كان منها ثمانمائة جارية وعدد كبير
من الأحجار الكريمة، وبلغت مخصصاتها السنوية خمسين ألف
دينار، وكانت زوجة «الظاهر» وهى أم «المستنصر» من النساء
اللاتى حظين بنفوذ كبير فى الدولة الفاطمية، فأكثرت من بنى
جلدتها السودانيين حتى وصل عددهم إلى خمسين ألفًا. لم يكن
لنساء العامة أى أثر فى الحياة السياسية، ولم تذكر المصادر
أى نشاط لهن فى الدولة الفاطمية، فقد كان ذلك مقصورًا على
نساء الطبقة الحاكمة. المواسم والأعياد: كان للمصريين أعيادهم
المختلفة ومواسمهم المعينة قبل الفتح الإسلامى، علاوة على ما
استجد من الأعياد الدينية بعد الفتح الإسلامى، وبما أن الدولة(14/377)
الفاطمية دولة دينية مذهبية، فقد كانت الحفلات بالنسبة إلى
خلفائها مناسبة لتأكيد عقيدتهم، وعملوا على صبغها بالصبغة
المذهبية، فمن الأعياد التى كانت موجودة قبل الفتح الإسلامى
وظلت باقية بعده «عيد وفاء النيل» الذى ظل تقليدًا بعد الفتح
مع إدخال بعض التعديلات على الاحتفال به لتتناسب مع الدين
الإسلامى، وكان هناك «عيد الغطاس» الذى يحتفل فيه النصارى
بذكرى المسيح فى ليلة (11 من طوبة = 9من يناير)، وذكر
«المقريزى» أنها أحسن ليلة تكون بمصر وأشملها سرورًا ولا
تغلق فيها الدروب»، وعيد «النوروز» الذى يقول عنه
«المقريزى»: «إنه أول السنة القبطية بمصر، وهو أول يوم من
توت، و «عيد الميلاد» فى (29 من كيهك)، و «خميس العهد». أما
الأعياد والمواسم الدينية التى عرفها المصريون بعد الفتح
الإسلامى؛ فلم تأخذ شكلها الفخم ومظهرها الرائع إلا بعد مجىء
الفاطميين، ومن أشهر هذه الأعياد: «عيد رأس السنة الهجرية»،
الذى كانوا يعدون العدة للاحتفال به ابتداء من العشر الأواخر من
شهر ذى الحجة، فكان الاحتفال به مثالا للروعة والبهاء، كما
كان لهم كبير اعتناء بليلة أول المحرم من كل عام، وبأعياد
ليالى الوقود الأربعة وهى: الأول من رجب ونصفه، والأول من
شعبان ونصفه، وكذلك بعيدى «الفطر» و «الأضحى»، وفيهما
تُقَام الولائم وتُعدُّ الموائد للشعب، وفى الثانى عشر من شهر
ربيع الأول من كل عام يقام الاحتفال بالمولد النبوى الشريف
بمراسم خاصة فخمة تليق بالمكانة العظيمة للنبى - صلى الله عليه
وسلم - فى نفوس المسلمين. ذلك بالإضافة إلى أعياد الشيعة
المذهبية كعيد «غديرخم» نسبة إلى الغدير الموجود بهذا الاسم
بين «مكة» و «المدينة»، ويذكر الشيعة أن النبى - صلى الله عليه
وسلم - نزل بموضع «الغدير»، وآخى «علىَّ بن أبى طالب» فى
عودته من «مكة» إلى «المدينة» بعد حجة الوداع سنة (10هـ)، ثم
قال - صلى الله عليه وسلم -: «علىٌّ منى كهارون من موسى،(14/378)
اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر مَنْ نصره، واخذل مَنْ
خذله»، فاعتبر الشيعة هذه المقولة بمثابة وصية من الرسول
لعلىّ، وأنه أحق بالخلافة من غيره. ومن احتفالات الفاطميين
احتفال بذكرى مقتل «الحسين بن علىّ» -رضى الله عنهما - وهو
عندهم يوم حزن يُمدُّ فيه سماط يُسمَّى «سماط الحزن»، ذلك
إضافة إلى أعياد أخرى مثل الاحتفال بإرسال الكسوة بصحبة
قافلة الحج، والاحتفال بشهر رمضان، والاحتفال بذكرى مولد
الكثير من الأئمة، ومولد الخليفة القائم بالأمر. ولا يعرف التاريخ
دولة إسلامية استطاعت طبع «مصر» بطابع قوى وجديد مثلما
فعلت الدولة الفاطمية، التى مرت عبر صفحات التاريخ شأنها
شأن أىة دولة تباينت قوة وضعفًا، واعتورها الصواب والخطأ،
بيد أنها سطرت صفحة ناصعة من ألمع الصفحات فى التاريخ
الإسلامى تمثلت فى «الجامع الأزهر» ومدينة «القاهرة».(14/379)
*الأيوبية (دولة)
أصل الأيوبيين: يرجع أصل الأيوبيين إلى «نجم الدين أيوب»
الكردى الأصل، وأبوهُ يُدعَى «شادى» من قبيلة «الهذبانية»
إحدى القبائل التى استقرت ببلدة «روبن» بأطراف «أرمينية».
اتصل «شادى» والد «نجم الدين أيوب» برجل اسمه «بهروز»
كان مربيًا لأبناء السلطان السلجوقى «مسعود»، ثم أصبح
حاكمًا لبغداد تحت سلطة السلاجقة سنة (502هـ)، وكانت له
مكانة سامية لدى السلطان السلجوقى، فأقطعه السلطان «قلعة
تكريت»، فأسند «بهروز» حراستها إلى «نجم الدين أيوب بن
شادى»؛ الذى ظل فى حكمها وحراستها عدة سنوات اكتسب
خلالها الخبرة بشئون الإدارة، وتمتع فيها بحب الأهالى. دب
خلاف بين «بهروز» و «نجم الدين أيوب»، فخرج «نجم الدين»
وأخوه «شيركوه» وأهلهما من «تكريت» عقب هذا الخلاف سنة
(532هـ)، فحزن الأهالى على ذلك حزنًا شديدًا؛ لما كان يحظى
به «نجم الدين» من محبة فى قلوبهم. اتصال أيوب بعماد الدين
زنكى: خرج «أيوب» من القلعة، وعزم على المغامرة فى حوادث
الشرق الأدنى، وربط مستقبله بشخصية «عماد الدين زنكى»
الذى عظمت مكانته، واشتدت قوته، ورحب بمقدم أسرة «أيوب»
إلى «الموصل»، واستقبلهم وأكرم وفادتهم، ثم أسند حكم
«بعلبك» بعد فتحها إلى «أيوب» سنة (534هـ)، وقلد
«شيركوه» قيادة الجيش؛ فكانا عند حسن ظنه، وأصبح
«أيوب» محبوبًا من رعيته لعدله، واتصف «شيركوه» بالشجاعة
والإقدام والمغامرة وحب القتال. صلاح الدين الأيوبى: شاءت
الأقدار أن يولد لأيوب ولد أسماه «يوسف» ليلة رحيله عن «قلعة
تكريت» سنة (526هـ)، فنشأ «يوسف» فى بلاط «زنكى»
بالموصل وعُرف باسم «صلاح الدين»، وقضى طفولته فى ظل
والده «أيوب» ببعلبك، وأخذ عنه براعته فى السياسة،
وشجاعته فى الحروب، فشب خبيرًا بالسياسة وفنون الحرب،
وتعلم علوم عصره وتثقف بثقافة أهل زمانه، وحفظ القرآن،
ودرس الفقه والحديث. رحل «صلاح الدين يوسف» مع والده إلى(14/380)
«دمشق» بعد وفاة «عماد الدين زنكى»، ثم دخل فى خدمة «نور
الدين بن عماد الدين زنكى» سلطان «حلب»، فاستعان «نور
الدين» بشيركوه وابن أخيه «صلاح الدين» فى ضم «مصر» إليه.
قيام الدولة الأيوبية: فى أواخر العصر الفاطمى قام صراع محموم
بين «شاور» و «ضرغام» على منصب الوزارة، فاستنجد «شاور»
بنور الدين محمود، فلبى نداءه وأرسل حملة كبيرة تحت قيادة
«شيركوه» ومعه ابن أخيه «صلاح الدين»، فكان النصر حليف
الحملة على «ضرغام» والصليبيين الذين استنجد بهم، وقُتل
«شاور» فى المعركة، فاعتلى «أسد الدين شيركوه» كرسى
الوزارة، ولكنه تُوفِّى بعد قليل، فخلفه فى المنصب ابن أخيه
«صلاح الدين» سنة (565هـ) وهو فى الثانية والثلاثين من عمره.
عمل «صلاح الدين» على توطيد مركزه فى «مصر»؛ لتأسيس
دولة قوية تحل محل الدولة الفاطمية التى ضعفت، وتحقق له ذلك
بعد وفاة «العاضد» آخر خلفاء الدولة الفاطمية سنة (567هـ).
العقبات التى اعترضت صلاح الدين: لم تكن الأوضاع مهيأة أمام
«صلاح الدين» لإقامة دولة إسلامية يكون هو مؤسسها
وسلطانها، خاصة أن العالم الإسلامى كان مفككًا وضعيفًا
ويحيط به الأعداء من كل جانب، بالإضافة إلى كونه نائبًا عن
«نور الدين محمود» فى «مصر» التى يطمع الصليبيون وبقايا
الفاطميين فى امتلاكها والسيطرة عليها، فعمل على مواجهة
هذه العقبات والقضاء عليها واحدة بعد الأخرى كالآتى: أ -
إلغاء المذهب الشيعى فى مصر: كان «صلاح الدين» وزيرًا سنيا
فى دولة شيعية، وتولَّى أكبر المناصب بعد الخليفة، وأصبحت له
الكلمة العليا فى إدارة شئون البلاد، فتحولت مهمته المؤقتة التى
جاء من أجلها مع عمه «شيركوه»، إلى إقامة دائمة بمصر مع
ولائه لسيده «نور الدين محمود»، وحذف اسم الخليفة الفاطمى
«العاضد» من الخطبة، وجعلها للخليفة العباسى ولسيده
«نورالدين» من بعده، فزاد حاسدو «صلاح الدين»، وأدرك أن
تعدد المذاهب هو السبب الرئيسى فى ضعف المسلمين، فعمل(14/381)
على إلغاء المذهب الشيعى فى «مصر»، وتم له ما أراد، وهوى
نجم الدولة الفاطمية، وسقطت، وتولى «صلاح الدين» رئاسة
الدولة بعد صراع مرير مع بقايا الفاطميين وأنصارهم، وأصبح
المذهب السنى هو مذهب البلاد. ب - الفتن الداخلية: لاشك أن
الإصلاح الحقيقى لأى بلد يحتاج إلى فترة كى يتفهمه الناس
ويشعروا به، لذا فقد صعب على دعاة الفتن مسعى «صلاح
الدين» لإصلاح أمر الأمة وتأسيس دولة قوية، خاصة أن الأعداء
يحيطون بمصر من كل جانب، فقامت حركات مناهضة لما يقوم به
«صلاح الدين»، وكان من أشدها وأخطرها: الحركة التى قادها
الشاعر «عمارة اليمن»، الذى طالما مدح الفاطميين وأيامهم،
واعتبر الأيوبيين مغتصبين للعرش الفاطمى، فعمل على إعادة
الحكم للفاطميين، ودعا عددًا كبيرًا من الجند، وانضم إليه
المناصرون وبقايا الفاطميين، وأصبحت حركته خطرًا يهدد دولة
الأيوبيين الوليدة، إلا أن «صلاح الدين» تمكن من إفشالها،
وقبض على قادتها، وما كادت الأوضاع تهدأ حتى قامت فتنة
أخرى فى «أسوان» تدعو إلى عودة البيت الفاطمى، فأرسل
«صلاح الدين» أخاه «العادل» الذى تمكن من دخول «أسوان»
والقضاء على هذه الفتنة فى سنة (570هـ). ج - تطور العلاقة
بين صلاح الدين ونور الدين محمود: لم تكن الفتن الداخلية هى
العقبة الوحيدة التى واجهت «صلاح الدين» فى بداية حكمه لمصر
فحسب، ولكنه كان أحد قواد «نور الدين محمود»، وحكم
«مصر» نيابة عنه، وذكر اسمه فى الخطبة بعد الخليفة العباسى،
وضرب السكة باسمه. وقد كانت تبعية «صلاح الدين» لنور الدين
تبعية اسمية، ولم يتدخل «نور الدين» فى شئونه، وكان هو
الحاكم الفعلى لمصر، وله جيشه وحاشيته، ويتمتع بحب رعيته،
ولكن «نور الدين» كان يعتمد على مساعداته لصد أعدائه من
السلاجقة والصليبيين، إلا أن الفتن الداخلية التى قامت فى وجه
«صلاح الدين» لم تمكنه من مساعدة «نور الدين» فى حربه،
وظل على ذلك حتى وفاة «نورالدين» سنة (569هـ)، فتولى من(14/382)
بعده ابنه الملك «إسماعيل بن نور الدين» وكان لايزال طفلا
صغيرًا، فضعفت الدولة فى عهده. د - وحدة المسلمين: كان
لنجاح «صلاح الدين» فى التغلب على الفتن الداخلية التى
واجهته منذ أن أصبح وزيرًا بمصر، وارتداد الحملة الصليبية إلى
«دمياط» سنة (564هـ) أكبر الأثر فى ذيوع اسمه فى أرجاء
العالم الإسلامى، ونظر إليه الناس نظرة إجلال، واعتبروه أحد
القادة العظماء؛ لوقوفه فى وجه الصليبيين، ونجاحه فى فتح
«اليمن»،ونجاحه فى القضاء على حركة «عمارة اليمن». وقد
أثرت وفاة «نور الدين محمود» على دولته فى بلاد الشام، وقام
تنازع شديد بين الأمراء على مَن يعتلى العرش، وانتهى الأمر
بتولية «إسماعيل بن نور الدين» عرش أبيه وهو مايزال فى
الحادية عشرة منْ عمره، فوقع فريسة للصراع بين الأمراء،
وضاعت بذلك هيبة الدولة النورية وقوتها، وبدت عليها مظاهر
التفكك والضعف لدرجة أن أحد الأمراء لم يقو على مواجهة
الفرنجة وقتالهم، فعمل على مهادنتهم واسترضائهم بالمال؛
ليأمن شرهم ويتجنب مواجهتهم. كان «صلاح الدين» متابعًا
للأحداث التى تجرى فى العالم الإسلامى من حوله، فقرر التدخل
فى شئون «الشام» وضمه إلى «مصر» كى يحول دون وقوعه
غنيمة فى أيدى الصليبيين، وليحمى «مصر» والإمارات الإسلامية
من أى خطر يهددها، وجعل هدفه توحيد صفوف المسلمين
وقوتهم فى جبهة واحدة؛ ليتمكنوا من صد الصليبيين وحصرهم
بين شِقَّى الرحى فى الجزيرة والشام من جهة، وفى «مصر» من
جهة أخرى، وانتظر «صلاح الدين» الفرصة لتحقيق ذلك حتى
واتته الفرصة حين استنجد به بعض أمراء «دمشق»، فسار إلى
الشام وتمكن دون قتال من السيطرة والاستيلاء على «دمشق»
سنة (570هـ)، ثم على «حمص» و «حماة»، وحال الملك «الصالح
إسماعيل» دون دخوله إلى «حلب»، فقرر «صلاح الدين»
حصارها، فاستنجد أهالى «حلب» بأعداء الدولة، واضطر
«صلاح الدين» إلى فك الحصار عن «حلب»، واستولى على(14/383)
«بعلبك» ليحمى جيشه من الخلف، ثم عاد ثانية لحصار «حلب»،
وأعلن استقلاله، وحذف اسم «الصالح إسماعيل» من الخطبة،
واتصل بالخليفة العباسى، فمنحه لقب سلطان. هـ - السلطان
صلاح الدين وتوحيد باقى الولايات الإسلامية: بعد حصول «صلاح
الدين» على لقب السلطان استقل عن أسرة «نور الدين»،
وأصبح حاكم «مصر» الرسمى، وقوى مركزه باستيلائه على
«منبج» و «إعزاز»، وشدد حصاره على «حلب»، وعزلها عن
جيرانها حتى طلب «الصالح إسماعيل» الصلح، فوافق «صلاح
الدين»؛ لأن هدفه كان وحدة المسلمين وحماية بلادهم. تُوفِّى
صاحب «الموصل» سنة (578هـ)، ومن بعده تُوفى «الصالح
إسماعيل»، فعاد الانقسام ثانية من أجل الوصول إلى كرسى
الحكم، فزحف «صلاح الدين» إلى الشام فى سنة (578هـ)،
وانضمت إليه بعض المدن دون قتال، واستولى على «حلب»،
وبذا أصبح شمال الشام كله تحت سيطرته، ولم يعد أمامه سوى
مدينة «الموصل» التى سعى حاكمها إلى التصالح مع «صلاح
الدين»، وتعهد بإرسال المساعدات الحربية إذا طُلب منه ذلك،
فخضعت بذلك جميع الإمارات الإسلامية الشامية تحت سلطان
«صلاح الدين»، وتمكن من توحيد كلمة المسلمين تمهيدًا للنضال
ضد الصليبيين. موقف صلاح الدين من الصليبيين: ظل «صلاح
الدين» يعمل على توحيد العالم الإسلامى مدة عشر سنوات فى
الفترة من سنة (572هـ) إلى سنة (582هـ)، حتى تحقق له ما
أراد، واستعد لمواجهة الصليبيين المتربصين بالعالم الإسلامى،
ثم تصدَّى لهم، فسجل التاريخ أبرز صور البطولة، وأسمى
درجات الفداء والجهاد ضد هؤلاء المغتصبين، وكان من أبرز هذه
المعارك ما يأتى: واقعة حِطِّين [583هـ = يولية 1187م]: تعد
«حِطِّين» من أشهر الحروب التى خاضها «صلاح الدين» ضد
الصليبيين، بعد سلسلة من الحروب التى خاضها مثل: موقعة
«مرج العيون» سنة (574هـ) التى انتصر فيها عليهم، ثم موقعة
«مخاضة الأحزان» سنة (575هـ)، ثم حدثت الهدنة بين الطرفين،(14/384)
ولكن الصليبيين لم يكفُّوا عن محاولة السيطرة على «مصر» وبلاد
الشام، وظل «صلاح الدين» وفيا بعهده؛ لما عرف عنه من
الشجاعة والمروءة والمحافظة على العهد، إلى أن نقض
«أرناط» حاكم «حصن الكرك» الهدنة معه فى سنة (583هـ)،
وهاجم إحدى قوافل الحج، فكانت هذه الجريمة هى الشرارة
التى أشعلت نار الحرب بين الفريقين، فقد غضب «صلاح الدين»
من هذا العمل الوحشى، خاصة وأن القافلة كانت فى طريقها
إلى حج بيت الله الحرام، فهدد «صلاح الدين» «أرناط» وأنذره
بالقتل إذا تمكن منه، وأعد عدته لقتال الصليبيين، ووافته
الإمدادات من المدن الشامية والمصرية، وسار إلى «طبرية»
وحاصرها، فلما علم الصليبيون باستعداداته الحربية اجتمعوا
ببلدة تُدعى «صفورية»، وتناقشوا فى خطة الحرب الواجب
اتباعها إزاء «صلاح الدين»، واستقر رأيهم على هجوم
المسلمين، وتقدموا واحتلوا تلا على مقربة من «حِطِّين» فى
الوقت الذى تمكن فىه «صلاح الدين» من السيطرة على مدينة
«طبرية» باستثناء قلعتها التى استعصت عليه، فتركها ومضى
لملاقاة الصليبيين. وفى سنة (583هـ = يولية 1187م) دارت
الموقعة الحاسمة بين جيش المسلمين بقيادة البطل الشجاع
«صلاح الدين» وبين الصليبيين، فشن جيش المسلمين حملة هزت
جنبات «حطين»، وكان نداء «الله أكبر» و «لا إله إلا الله محمد
رسول الله» حافزًا قويا ومؤثرًا فى دخول الجنود المعركة ولا هم
لهم إلا النصر أو الشهادة، فنصرهم الله نصرًا مؤزرًا، ونال
الصليبيون هزيمة ساحقة، وفر مَنْ بقى منهم هربًا، فسجد
«صلاح الدين» شكرًا لله على ما منحه من نصر، وكان هذا
الانتصار فاتحة خير على المسلمين، وبداية لسلسلة من
الانتصارات على الصليبيين، واستسلمت «قلعة طبرية» وسلمت
لصلاح الدين عقب هذا الانتصار، واتجه «صلاح الدين» صوب
الساحل وحاصر «عكا» حتى استسلمت بعهد وأمان، ثم تتابع
-بعد ذلك - استسلام باقى المدن الساحلية التى تقع جنوب(14/385)
«عكا» وهى: «نابلس» و «الرملة» و «قيسارية» و «أرسوف»
و «يافا» و «بيروت»، وكذا المدن الواقعة شمال «عكا» مثل:
«الإسكندرونة»، وكلها حصلت على العهد بالأمان من «صلاح
الدين» الذى لم يبق أمامه سوى أن يمضى فى طريقه إلى
«فلسطين»، فاستسلمت «عسقلان» له أثناء مروره بها، وحانت
المواجهة الحاسمة لتحرير «بيت المقدس». الفتح المبارك: شاءت
إرادة الله أن يكون تحرير «المسجد الأقصى» - أولى القبلتين
وثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - - على يدى البطل الشجاع «صلاح الدين الأيوبى»، الذى
حاصر مدينة «بيت المقدس» حتى اضطر مَنْ بداخلها إلى
الاستسلام وطلب الصلح، فأجابهم «صلاح الدين» إلى طلبهم
وأمهلهم مدة أربعين يومًا للجلاء عن المدينة ومعهم أمتعتهم،
وترك بسماحته زوجة «أرناط» تخرج من المدينة بسلام مع مَن
خرج، ولم يتعرض «صلاح الدين» لأحد بسوء، وسمح لبطريق
المدينة بالخروج مثل باقى الأهالى الذين حملوا معهم ثرواتهم
وكنوزهم وتحفهم، ودخل «بيت المقدس»، وبدأ على الفور فى
إصلاحها، ورمَّم «المسجد الأقصى»، وأقام فيه فترة بعد أن
حرره من المغتصبين المستعمرين، ليعلو صوت الحق والعدل من
جديد، ويصبح «صلاح الدين» ثانى القادة الفاتحين - الذين دخلوا
هذه المدينة - بعد «عمر بن الخطاب» - رضى الله عنه-الذى فتحها
الفتح الأول. صلح الرملة: أوشكت الأمور على الاستقرار بعد
الانتصارات العظيمة التى حققها «صلاح الدين الأيوبى»، ولكن
أوربا أرادت أن تحول دون تحقيق ذلك، وأرسلت حملة من أقوى
الحملات الصليبية وأكثرها عددًا وعدة وعتادًا؛ ضمت ملوك أوربا
بعد أن دعا البابا إلى حرب المسلمين، وأعلن قدسية هذه
الحرب، فتشكلت حملة من «ألمانيا» وأخرى من «فرنسا» وثالثة
من «إنجلترا»، وخرجت جميعها فى طريقها إلى العالم الإسلامى
لتخريبه، فوقف «صلاح الدين» صامدًا أمام هذه الحملات الكبيرة(14/386)
التى أتت من البر والبحر، واستطاعت السيطرة على المناطق
الساحلية، ومع ذلك عمد «صلاح الدين» إلى تقوية جيشه وتنظيم
جبهته الداخلية على الرغم من مرضه، فطلب الصليبيون الصلح
الذى عُرف بصلح الرملة، وبدأت المفاوضات بين «الملك العادل»
نائبًا عن «صلاح الدين»، و «ريتشارد» قائد حملة الصليبيين،
واتفق الطرفان على «صلح الرملة» الذى كان من أهم شروطه: أ
- تخريب «عسقلان»؛ لأنها مفتاح «بيت المقدس». ب - يحكم
الصليبيون الساحل من «صور» إلى «يافا»، ويكون جنوبى ذلك
الساحل لصلاح الدين، على أن يقع «بيت المقدس» فى حدوده
وتحت سيطرته. ج - يُسمَح للمسيحيين بالحج إلى «بيت المقدس»
فى أمن وأمان. وهكذا اتفق الطرفان على بنود هذا الصلح
التاريخى، ليكون بداية مرحلة جديدة لهذه البلاد، التى فقدت
قائدها «صلاح الدين» عقب هذا الصلح، ليأخذ الصراع مع
الصليبيين وضعًا آخر. وفاة صلاح الدين الأيوبى: خرج «صلاح
الدين» من «القاهرة» لآخر مرة فى طريقه إلى الشام سنة
(578هـ)، لتوحيد صفوف المسلمين وإعدادهم لقتال الصليبيين،
وعلى الرغم من طول فترة حكمه التى بلغت أربعة وعشرين
عامًا فإنه لم يمكث فى مصر سوى ثمانى سنوات فقط، فلما
أراد مغادرة «القاهرة» فى المرة الأخيرة، خرج رجال القصر
لتوديعه عند بركة الجيش وأنشده أحد الشعراء شعرًا استاء منه،
وشعر أنه لن يرى «مصر» ثانية، وقد صح حدسه؛ إذ مرض أثناء
مفاوضاته مع الصليبيين فى «صلح الرملة» ولزم فراشه؛ ثم لقى
ربه فى سنة (589هـ = 1193م)، وله من العمر خمسة وخمسون
عامًا، بعد أن أسر الناس بجليل أعماله، وقهر الصليبيين
بشجاعته، وخلَّص العالم الإسلامى بقوة إيمانه من كوارث داخلية
وخارجية كادت تودى به وتوقعه فى أيدى الأعداء. يُعدُّ «صلاح
الدين» من الشخصيات العظيمة النادرة فى التاريخ الإسلامى،
فقد كان سياسيا ماهرًا، وقائدًا محنكًا نبيلا، مخلصًا فى(14/387)
تصرفاته، ميالا إلا التسامح والعفو، محبا للعلم والأدب، وفيا مع
أصدقائه وأعدائه على السواء. خلفاء صلاح الدين [589 - 648هـ
= 1193 - 1250م]: بعد وفاة «صلاح الدين» انقسمت السلطنة
الأيوبية بين أبنائه الثلاثة وأخيه وبعض أقاربه، فاستقل ابنه
«العزيز» بمصر، واستقل ابنه «الأفضل» بدمشق و «وسط
سوريا»، وابنه «الظاهر» بحلب، أما أخوه «العادل» فحكم
«العراق» و «ديار بكر» و «الرها»، وتولَّى أبناء عمومته «حماة»
و «حمص» و «بعلبك» و «اليمن»، وهكذا قضى أبناء «صلاح
الدين» وأقاربه على وحدة الدولة، ولم يفهموا الهدف الذى سعى
طيلة حياته من أجل تحقيقه. العزيز عماد الدين [589 - 595هـ =
1193 - 1199م]: خلف «صلاح الدين» على عرش «مصر» أصغر
أبنائه «الملك العزيز»، وكان شابا فى الحادية والعشرين من
عمره، يتصف بالشجاعة والرحمة والعفة والأخلاق الحميدة،
وحكم «مصر» فى حياة أبيه «صلاح الدين» نيابة عنه، ومكَّنه
ذلك من اعتلاء عرشها عقب وفاته، إلا أنه كان يفتقد إلى الدراية
السياسية فى تسيير أمور البلاد واستقرار أحوالها، فاستعان
بعمه «العادل» واستوزره ليقوم بهذه المهمة، ومات «العزيز»
فى سنة (595هـ). المنصور ناصر الدين [595 - 596هـ = 1199 -
1200م]: خلف «العزيز» ابنه «الملكُ المنصور» وهو طفل فى
التاسعة من عمره، فحكم «مصر» مدة سنة وتسعة أشهر، فرأى
«الملك العادل» أن الدولة أوشكت على الانهيار تحت حكم الملك
الطفل، فجمع العلماء والفقهاء فى مجلس للتشاور فيما يجب
فعله، فقرر الجميع وجوب خضوع الصغير للكبير، وتولى
«العادل» عرش «مصر»، فأصبحت تحت يده أهم أجزاء دولة
«صلاح الدين»، واعترفت الولايات بسيادته، وساهمت فى
حروبه، وضربت «السكة» باسمه، وخُطب له فوق كل المنابر
الإسلامية السلطان العادل سيف الدين [596 - 615هـ = 1200 -
1218م]: يعد «العادل» أعظم سلاطين الأيوبيين بعد «صلاح
الدين»، فقد اكتسب خبرة واسعة من اشتراكه مع أخيه «صلاح(14/388)
الدين» فى غزواته ومفاوضاته وإدارة الأقاليم، إذ وكل إليه
«صلاح الدين» معاونة «العزيز» فى حكم «مصر»، كما عهد إليه
بحكم «حلب»، ثم «العراق»، وذاع صيت «العادل» بين ملوك
«أوربا»، واشتهر بالكفاءة والدهاء والدراية بشئون الحكم، ولم
يتأخر فى حمل المسئولية حين رأى تدهور الأوضاع بمصر
وحاجتها إليه، فكان الرجل المناسب لتلك المرحلة. بعض
الصعوبات التى واجهت العادل: تأثر «العادل» تأثرًا بالغًا
بشخصية أخيه «صلاح الدين»، فسار على نهجه فى إدارة
البلاد، رغم الصعوبات التى واجهته، فقد ثارت ضده طائفة
الشيعة الإسماعيلية مثلما ثارت من قبل فى وجه أخيه «صلاح
الدين»، وحاولت هذه الطائفة زعزعة ملك «العادل» وتفريق البلاد
وتشتيت الصفوف، فعمل «العادل» على الحيلولة دون حدوث
ذلك، وتمكن من القبض على عناصرها وسجنهم سنة (605هـ)،
فخرجت جماعة أخرى تنادى بتولية أحد أبناء «صلاح الدين»
أمور الدولة، وكان هذا الابن لايزال طفلا صغيرًا، فاستطاع
«العادل» التغلب عليهم وإعادة الاستقرار إلى بلاده، إلا أن
انخفاض مياه النيل كان إحدى العقبات الطبيعية التى واجهته،
فقد حدثت بسببه مجاعة وقحط شديدان؛ نتيجة قلة الزراعة، كما
أن الحملات الصليبية لم تهدأ فى عهده؛ إذ لم ترضَ «أوربا» عن
استقرار أحوال البلاد الإسلامية، فعملت على زعزعتها، وأرسلت
حملة صليبية هاجمت «مصر» ووصلت إلى «دمياط» وحاصرت
حصونها، ثم تمكنت منها، واستولت على برجها الحصين «برج
السلسلة»، يضاف إلى ذلك كله العقبات الداخلية التى واجهت
«العادل» أثناء حكمه لمصر. وفاة العادل: على الرغم مما واجهه
«العادل» من صعاب داخلية وخارجية فى الحكم، فقد اتسع ملكه
إلى حد كبير، وقلَّده الخليفة العباسى بمرسوم رسمى حكم
«مصر» والشام وأرض الجزيرة، وخلع عليه الخلع الثمينة، فوزع
«العادل» حكم مملكته الواسعة بين أبنائه التسعة عشر نيابة
عنه؛ ليضمن وحدتها وتماسكها، فأناب ابنه «الكامل» عنه فى(14/389)
«مصر»، وجعل «المعظَّم عيسى» على الشام، و «نجم الدين
أيوب» على «ميافارقين» ونواحيها، وأناب ابنه «الأشرف
مظفر» على «الولايات الشرقية». وقد ضمن «العادل» وحدة
دولته فى حياته، إلا أنه تركها إرثًا موزعًا بين أبنائه بعد
وفاته، فكان لذلك أثره الخطير فى قوة الدولة وتماسكها.
وحين سمع «العادل» بسقوط «برج السلسلة» بدمياط حزن حزنًا
شديدًا، فمرض ومات سنة (615هـ)، وكتم أصحابه خبر موته
ونقلوه إلى «دمشق»، حيث تولى ابنه «الكامل» حكم «مصر».
كان «العادل» حاكمًا عادلا، ذكيا، حليمًا، حسن التدبير، محبًا
للعلماء والأدباء ومشجعًا لهم، كما كان سياسيا محنكًا، قام
برحلات عديدة جاب بها أطراف مملكته الشاسعة، كى يضمن
استتباب الأمن والنظام، كما كان متفقدًا لأحوال أبنائه فى
الأقاليم التى أنابهم عنه فى حكمها. الكامل ناصر الدين [615 -
635هـ = 1218 - 1237م]: حكم «الكامل» «مصر» نيابة عن أبيه
«العادل» فى حياته، فلما مات استقل الكامل بحكم «مصر» فى
ظروف حرجة، إذ كان الصليبيون منتصرين فى «دمياط»، وكان
عليه دحر هذا الانتصار الذى أدى إلى موت أبيه كمدًا، وخرج
عليه عدد من الأمراء لعزله فى الوقت الذى يتصدى فيه للصليبيين
بدمياط، فتمكن من التغلب عليهم، ولكن الصليبيين استغلوا حالة
التمرد والتفكك الداخلى واستولوا على «دمياط»، إلا أن
«الكامل» استطاع توحيد بلاد المسلمين، وتمكن من دخول
«نابلس»، وتحرير «بيت المقدس»، واتسع ملكه لدرجة جعلت أئمة
المساجد يدعون له من فوق المنابر بقولهم: «سلطان مكة
وعبيرها، واليمن وزبيرها، ومصر وصعيدها، والشام
وصناديدها، والجزيرة ووليدها، سلطان القبلتين، ورب
العلامتين، وخادم الحرمين الشريفين». ورث عن أبيه صفاته
الطيبة، فكان قائدًا قديرًا، وسياسيا بارعًا، وإداريا نشيطًا،
حازمًا يدير أمور دولته بنفسه، لدرجة أنه لم يعين وزيرًا بعد
وفاة وزير أبيه، وقام بالأمر بمفرده، وكان محبا للحديث،(14/390)
مشجعًا للعلماء والأدباء، فقد كان عالمًا، ينظم الشعر ويجيده.
ظل فى حكم البلاد التى تحت يديه حتى وفاته سنة (635هـ)،
فأخذت الدولة فى الضعف والانحلال من بعده. العادل الثانى
[635 - 637هـ = 1237 - 1240م]: يُطلَق اسم «العادل الصغير» أو
«العادل الثانى» على هذا السلطان، تمييزًا له عن الملك
«العادل» أخى «صلاح الدين»، وقد كان «العادل الثانى» نائبًا
عن أبيه «الكامل» فى حكم «مصر»، فلما مات أبوه أصبح
سلطانًا على «مصر»، ولكن اضطراب الأوضاع، وضعف الدولة
جعلاه لا يستمر طويلا فى حكم البلاد، فتولى أخوه «الصالح
نجم الدين أيوب» الحكم من بعده. الصالح نجم الدين أيوب
(637 - 647هـ = 1240 - 1249]: ورث «الصالح نجم الدين أيوب»
عرشًا مضطربًا، مزعزع الأركان جلب عليه الكثير من المشاكل
والمتاعب، فدبر أموره، وأعد عدته وتمكن من القضاء على
أكثر هذه المصاعب التى واجهته رغم شدتها، فلما تم له ما أراد
تحول بقوته إلى مواجهة الصليبيين، ولم يألُ جهدًا فى جهاده
ضدهم، واستطاع استعادة «بيت المقدس» ثانية من قبضتهم،
فاستقرت له الأحوال، وحل السلام بينه وبين أمراء مملكته،
وتفرغ لمواصلة جهاده ضد الصليبيين؛ أملا منه فى تحرير البلاد
كافة من أطماعهم. بداية المماليك: أكثر «الصالح نجم الدين
أيوب» من استجلاب المماليك لمساعدته فى حروبه ضد
الصليبيين، فنبغ منهم عدة أشخاص كان لهم أكبر الأثر فى
تغيير مجرى السياسة المصرية، ومنهم «شجرة الدر» الأرمينية
الأصل، والتى كانت أم ولد للصالح نجم الدين أيوب، ولازمته فى
حياة أبيه «الكامل»، وظلت معه بذكائها حتى أنجبت من
«الصالح أيوب» ابنه «خليل» فتوطدت مكانتها، فلما أصبح
سلطانًا على «مصر» اتخذها إلى جواره ملكة غير متوَّجة، فقد
كانت تعمل على راحته، ووجد فيها ما يحبه. وفاة الصالح نجم
الدين أيوب: مات «الصالح أيوب» فى ليلة النصف من شعبان سنة
(647هـ)، وكانت الحرب لاتزال دائرة بين المسلمين والصليبيين(14/391)
أمام «المنصورة»، فأعملت «شجرة الدر» عقلها وتجلى
ذكاؤها، وأخفت خبر وفاته عن الناس فى تلك الفترة العصيبة
من تاريخ «مصر» و «الشام»، وأمرت أحد أطبائه بغسل جثمانه
ووضعه فى تابوت، ثم حمله فى الظلام إلى «قلعة الروضة»، ثم
إلى «قبو» بجوار المدرسة الصالحية ودفنه هناك، وأخبرت
الأمراء أن «السلطان مريض لا يصل إليه أحد»، ولم تعلن خبر
وفاته إلا بعد انتصار المسلمين على الصليبيين، ورد حملتهم،
فاستمر العزاء ثلاثة أيام بلياليها بمدرسته، وبعثت «شجرة الدر»
بالسناجقة السلطانية، وأمرت بأن تُعلَّق داخل القاعة على ضريح
«الملك الصالح»، ليرى الزائر آلات الجهاد التى كان يحملها آخر
سلاطين «بنى أيوب» فى جهاده ضد الصليبيين فى معركة
«المنصورة»، فقد كان «الصالح أيوب» من أعظم سلاطين
«مصر» وأشجعهم. المعظم توران شاه [647 - 648 هـ = 1249 -
1250م]: قبل أن تعلن «شجرة الدر» عن وفاة الملك «الصالح
أيوب» أرسلت فى استدعاء ابنه «توران شاه» الذى كان غائبًا
عن «مصر»، فقد كان فى «حصن كيفا»، وقبل وصوله أصدرت
أوامرها للأمراء وأكابر رجال الدولة بأن يحلفوا يمين السلطنة
لتوران شاه، وأمرت خطباء المساجد بالدعاء له، وأدارت
«معركة المنصورة» حتى وصل «توران شاه»، فتسلم قيادة
الحرب وزمام الملك، ولم يمكث على عرش السلطنة أكثر من
شهرين، ثم خرج لملاقاة الصليبيين الذين دخلوا «المنصورة»،
وأخذوا يتقدَّمون نحو «القاهرة»، فتصدَّى لهم، وقاد المعركة
بمهارة فائقة حتى تم النصر للمسلمين، فأحبه الناس وقدروه، إلا
أن سيرته لم تكن حسنة، فقتل سنة (648هـ). نهاية الدولة
الأيوبية: تولت «شجرة الدر» زمام سلطنة «الأيوبيين» فى «مصر»
لمدة ثمانين يومًا عقب مقتل «توران شاه»، ثم تزوجت «عز الدين
أيبك» التركمانى، وتنازلت له عن العرش بسبب المشاكل التى
واجهتها، وعدم رضى الخليفة العباسى عن توليها السلطنة،
ولكن «عز الدين» كان رجلا ضعيف الرأى، فأسدل الستار على(14/392)
الدولة الأيوبية، إحدى أعظم الدول الإسلامية فى العصور
الوسطى، بعد أن نالت مكانة عظيمة فى تاريخ المسلمين، وبدا
فى الأفق ظهور دولة جديدة فى تاريخ المسلمين هى دولة
المماليك. النظم والحضارة فى العصر الأيوبى النظام السياسى:
كان السلطان الأيوبى يطلب من الخليفة العباسى - بصفته الرئيس
الأعلى لبلاد المسلمين - تفويضًا يجعل حكمه فى «مصر» شرعيا،
رغم أن سلطان الأيوبيين على البلاد التى تحت أيديهم كان
سلطانًا مطلقًا، ولم تكن للخلافة العباسية عليه أية نفوذ، ولكن
سلاطين الدولة الأيوبية حرصوا على الحصول على هذا التفويض
دومًا، وكان «الناصر صلاح الدين» أول مَنْ اتشح بخلعة الخليفة
العباسى من سلاطين «مصر» الأيوبيين. ألقاب السلطان
وأعماله: يُعدُّ «صلاح الدين» أول مَنْ اتخذ لقب السلطنة من حكام
«مصر»، وقد حصل على لقب «سلطان»، ولقب: «محىى دولة
أمير المؤمنين» لأعماله الجليلة التى قام بها فى نشر المذهب
السنى والقضاء على المذهب الإسماعيلى الشيعى، ونجاحه فى
مناهضة الصليبيين وصدهم عن بلاد المسلمين، ومع ذلك فقد كان
«صلاح الدين» رجلا متواضعًا، واتخذ من لقب: «السلطان الملك
الناصر» لقبًا للتعامل، رغم حصوله على ألقاب عديدة تحمل فى
طياتها معانى العظمة والأبهة والجاه مثل: «السيد العالم العادل
المظفر المنصور، ناصر الدنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين،
وارث الملك، سلطان العرب والعجم والترك، إسكندر الزمان،
صاحب القبلتين، خادم الحرمين الشريفين، سيد الملوك
والسلاطين»، ومما لاشك فيه أن هذه الألقاب تبين عظمة ما بلغه
سلاطين الدولة الأيوبية، خاصة أن لكل لقب من هذه الألقاب
موقفًا عظيمًا وحادثًا جللا خاضه السلطان فمُنح اللقب على إثره.
دُوِّنت الألقاب فى الرسائل التى تُبودلت بين السلاطين وملوك
«أوربا» وفى الكتابات التاريخية، وعلى السكة والعمائر،
والتحف الفنية، وفهارس دار الآثار العربية. كان السلطان يقيم مع(14/393)
أسرته وحاشيته ورجال بلاطه فى «قلعة الجبل»، وهو رئيس
الدولة الأعلى الذى له الحق فى الهيمنة على شئون الأمراء
الخاصة والعامة، وفى تدرجهم الوظيفى، وفى توزيع الإقطاعات
والجنود عليهم وتحديد أنصبتهم، وكان على السلطان تعيين
موظفى الدولة وعزلهم، وتأديبهم والنظر فى المظالم وقيادة
الجيوش فى الحروب. وكان للدولة الأيوبية مجلس شورى تُقَرُّ من
خلاله مشروعات الدولة الحيوية كإعلان حرب أو إبرام صلح أو
إصلاح لهيكل من هياكل الدولة، وكان هذا المجلس يُسمَّى:
«مجلس السلطنة»، وكان أعضاؤه من كبار موظفى الدولة
للاستئناس بآرائهم ومشورتهم قبل الإقدام على تنفيذ
المشروعات والخطط، ويتولى «أمير مجلس» -الذى يشبه منصبه
منصب كبير الأمناء - الآن - الأمور الخاصة بمجلس السلطنة، وله
حق التصرف فى شئون البرتوكول، كما كان يتمتع بالجلوس فى
حضرة السلطان بحكم هذه الوظيفة. نائب السلطان: نيابة
السلطنة وظيفة استحدثها السلاطين الأيوبيون، فأصبح النائب
كأنه سلطان ثانٍ، ويشترك مع السلطان فى منح لقب الإمارة،
وتوزيع الإقطاعات، وتعيين الموظفين، وتوقيع المراسيم
والمنشورات، وتنفيذ القوانين، والخروج على رأس فرق الجيش
فى المواكب الرسمية، يحف به الأمراء عند دخوله أو خروجه من
قصر السلطان، وكان يُلقَّب بكامل المملكة الشريفة الإسلامية، لأن
من اختصاصاته تصريف أمور الدولة عامة سواء أكان السلطان
بالقاهرة أم كان متغيبًا عنها. وهناك نوع آخر من النيابة يقول
عنه «المقريزى»: «يقوم النائب فيها بمهام الدولة إذا خرج
السلطان إلى الصيد، أو سار على رأس الجيش فى حرب
خارجية». الوزير: اتخذ سلاطين الدولة الأيوبية فى «مصر» وزراء
لم يحددوا سلطتهم، ولم يجعلوها مقصورة على التنفيذ، بل
جعلوها سلطة مطلقة، فأصبحت الوزارة أعلى الوظائف
وأرفعها، وأصبح صاحبها باب الملك المقصود، ولسانه الناطق،
ويده المعطاءة. النظام القضائى فى عهد الأيوبيين: فى سنة(14/394)
(564هـ) افتتح الناصر «صلاح الدين» مدرستين لتدريس الفقه،
وجعل إحداهما لتدريس الفقه الشافعى، وجعل الأخرى للفقه
المالكى، وفصل جميع القضاة الشيعة، وعين بدلا منهم قضاة من
الشافعية السنيين، فاقتصر القضاء على مذهب الإمام
«الشافعى»، كما أن قاضى الشافعية «صدر الدين درباس» لم
يُنب عنه فى أقاليم «مصر» إلا من كان شافعيا، ومن ثم انتشر
المذهب الشافعى فى «مصر» وما يتبعها من أقاليم. وكان الذى
يتولى منصب القضاء فى «القاهرة» وسائر أعمال الديار
المصرية، فى عهد الأيوبيين قاضٍ واحد هو بمثابة قاضى
القضاة، وله حق إنابة نواب عنه فى بعض الأقاليم. أعوان
القاضى: كان للقاضى فى عهد الأيوبيين أعوان يساعدونه على
العدل فى الحكم وإعادة الحقوق إلى أصحابها، فكان منهم
«الجلواز» الذى يستعين به القاضى على تنظيم قاعة الجلسة،
وحفظ النظام، وترتيب الخصوم وفق ترتيب حضورهم، ومنعهم من
التقدم إلى القاضى فى غير دورهم، ومراعاة الآداب فى مجلس
القضاء. ومنهم «الأعوان» ومهمتهم إحضار الخصوم إلى
المحكمة، والقيام بين يدى القاضى عند نظره فى الخصومات
إجلالا لمركزه .. ومنهم «الأمناء» ومهمتهم حفظ أموال اليتامى
والغائبين. ومنهم «العدول» ومهمتهم مراعاة دقة عبارات
السجلات والعقود ومطابقتها للشرع، وتزكية الشهود. وقد
استقرت النفوس وهدأت فى ظل هذا النظام القضائى المنضبط،
لأن القضاء العادل من شأنه أن يجعل الناس سواء، خاصة أن
مصادر القضاء الإسلامى المتمثلة فى القرآن والسنة وإجماع
العلماء والاجتهاد كانت هى الأسس التى سار عليها قضاة ذلك
العصر، فقلَّت المظالم، واستقرت أحوال البلاد. التطور
الاقتصادى فى العهد الأيوبى: تأخذ الأمم القوية بأسباب قوتها،
وتعمل على استثمار الإمكانات المتاحة لها لتنمية ثرواتها، لذا
فإن تقدم الأمم وقوتها مرتبط بنجاح اقتصادها وقوته واستمرار
روافده، وكانت الدولة الأيوبية إحدى الدول القوية ذات الاقتصاد(14/395)
القوى، فقد امتلكت ما تركه الفاطميون عقب سقوط دولتهم،
ونظمت الخراج والجزية، بالإضافة إلى غنائم حروبها وفدية
الأسرى، واستخدمت هذه الموارد لصالح البلاد الإسلامية كافة،
وأنفقت على تسليح الجيش وإعداده جزءًا كبيرًا منها، وبنت
القلاع والحصون، وقامت بالإصلاحات الداخلية فى البلاد. غَيَّر
«الناصر صلاح الدين» النظام الاقتصادى الذى كان سائدًا قبله،
وقلل من النظام الإقطاعى، فقضى بذلك على استقلال أمراء
الإقطاعات، وقوَّى الحكومة المركزية، فكان لهذا أثره الكبير
فى ازدهار حالة البلاد الاقتصادية. وقد أولى «الأيوبيون»
الزراعة عنايتهم؛ فهى عماد حياة البلاد، فطهَّروا الترع،
وأقاموا الجسور، ونظموا وسائل الرى، لدرجة أن السلطان
«الكامل» كان يراقب المهندسين بنفسه أثناء إقامتهم السدود
والخزانات، وغير ذلك من أعمال الرى الخاصة، فنشطت الزراعة
دون أن تؤثر الحروب عليها، فقد كانت حروب الأيوبيين تتوقف
فى «سوريا» شتاءً، وهو موسم الزراعة فى «مصر». ونشطت
التجارة كما ازدهرت الزراعة فى العصر الأيوبى، وأصبحت
«مصر» -آنذاك - همزة الوصل بين تجارة الشرق والغرب، وعقد
السلطان «العادل» معاهدة تجارية مع «البندقية» فى سنة
(605هـ = 1208م)، حصل البنادقة بمقتضاها على تسهيلات
تجارية فى الموانى المصرية، خاصة «الإسكندرية»، فى مقابل
أن يمنعوا الصليبيين، من التقدم نحو «مصر»، فلما ولى السلطان
«الكامل» حكم البلاد أقر ما اتفق عليه السلطان «العادل» مع
أهل «البندقية»، وسمح لهم بتأسيس سوق تجارية فى
الإسكندرية، سُمِّيت «سوق الأيك»، ومنح الامتيازات نفسها لأهل
«بيزة» الذين أرسلوا قنصلا لهم إلى «الإسكندرية»، فأدت هذه
الخطوات إلى ازدهار التجارة وانتعاش الاقتصاد، وزيادة دخل
الدولة. وجدير بالذكر أن «مصر» مرت بانتكاسة اقتصادية فى
عهد «العادل» نتيجة انخفاض مياه النيل الذى ترتب عليه قلة
الزراعة، فحدثت المجاعة واشتد القحط، وبذل «العادل» جهودًا(14/396)
كبيرة لمواجهة هذه الأزمة، فكان يخرج بنفسه أثناء الليل
ويوزع الأموال على الفقراء والمساكين والغرباء، ولكن الموقف
ازداد سوءًا وتفاقم خطره حين وقع زلزال مروِّع وقت المجاعة
هدم كثيرًا من المبانى، وأزهق أرواحًا لا تُحصَى فى «مصر»
والشام، ولكن الأوضاع سرعان ماعادت إلى طبيعتها بعد زيادة
مياه النيل سنة (601هـ = 1204م)، فزادت الغلال وخفت المجاعة،
وانتهى أمر النكبة بعد أن تكاتف الجميع للقضاء عليها وإعادة
الاقتصاد إلى سابق عهده؛ ليتتابع الكفاح ضد الصليبيين من
جديد. وهكذا كان اقتصاد الدولة الأيوبية اقتصادًا منظمًا زادت
فيه موارد الدولة وشعر الجميع بانتعاش اقتصادى عَمَّ أرجاء
البلاد. النظام الحربى فى عهد الأيوبيين: كانت حياة الأيوبيين
سلسلة متتابعة من الجهاد والنضال والقتال، ولذا كان اهتمامهم
بالجيش وعنايتهم بأمره، لدرجة أن سلاطين «بنى أيوب» أنفقوا
معظم إيرادات الدولة على إصلاح الجيش، وبناء ما يلزمه من
الحصون والقلاع، فلعب الجيش دورًا خطيرًا خلال تلك الحقبة من
التاريخ الإسلامى. تألف معظم الجيش الأيوبى من الترك والأكراد،
وكان له «مجلس حرب» اعتاد السلطان أن يستشيره فى الخطط
التى يجب أن تُتبع، وكان يخضع لرأى المجلس مهما يكن. قسم
الأيوبيون الجيش إلى عدة فرق، تُنسَب كل منها إلى أحد القواد
العظماء، فكانت هناك فرقة «الأسدية» نسبة إلى «أسد الدين
شيركوه»، و «الصلاحية» نسبة إلى «صلاح الدين» .. إلخ، وكان
لأمراء هذه الفرق نفوذ كبير، وكان الجيش مكونًا من الفرسان
والمشاة، وكانت أسلحته من السهام والرماح والنبال والنار
اليونانية. ألَّف «الصالح أيوب» جيشه من الأتراك والمماليك الذين
استكثر من شرائهم، وبنى لهم قلعة بجزيرة الروضة جهزها
بالأسلحة والآلات الحربية والأقوات، وأسكنهم فيها، وعُرفوا منذ
ذلك الحين باسم المماليك البحرية، وقد أسسوا دولة -فيما بعد-(14/397)
عُرِفَت باسمهم. البحرية فى العهد الأيوبى: لم يقتصر إعداد
«صلاح الدين» على الجند فى البر وتحصين البلاد، بل وجه
اهتمامه إلى سلاح البحرية الذى بلغ درجة عظيمة من التقدم،
واهتم بتأسيس الأسطول اهتمامًا كبيرًا خاصة أن الصليبيين كانوا
يستخدمون البحر فى هجومهم على البلاد الإسلامية، ومن ثَمَّ
أصبح لزامًا على المسلمين الاستعداد لحملات الصليبيين البحرية،
فأعد «الناصر صلاح الدين» العدة لتأسيس وتكوين أسطول
إسلامى يستطيع مجابهة حملات الصليبيين المعتدين، وكانت
أولى خطواته فى ذلك: تخصيص ديوان كبير، عُرف باسم «ديوان
الأسطول». وأفرد له «صلاح الدين» ميزانية خاصة، وعهد به إلى
أخيه «العادل». واستطاع «صلاح الدين» تكوين أسطول قوى
تمكن بواسطته من مواجهة الصليبيين، وأصبح هذا الأسطول من
أكبر الأساطيل فى ذلك الوقت، ورابط فى البحر الأحمر، وفى
شرق البحر الأبيض، وتمكن من تحقيق انتصارات هائلة. لم يألُ
الأيوبيون جهدًا فى سبيل تنظيم الجيش والأسطول، وليس أدل
على اهتمام السلاطين بالأسطول البحرى من أنهم كانوا
يشركون معهم الأهالى عند عرض الجيوش والأساطيل، أو عند
توديعهم للغزو، فقد كان قدر هذه الدولة أن تقوم بمحاربة
الصليبيين وردهم عن البلاد الإسلامية، فأدت هذه الأسباب فى
النهاية إلى وجود دولة قوية ذات سيادة، فرضت احترامها على
أصدقائها وأعدائها، وحررت بلاد المسلمين من الأعداء، لأنها
عرفت الأسباب التى تؤدى إلى القوة والازدهار. المنشآت
الحضارية فى العهد الأيوبى: رغم كثرة حروب العهد الأيوبى إلا
أنه كان حافلا بالإنشاءات العظيمة، فقد بُنيت فيه المدارس
والمستشفيات، ونُسِّقت الحدائق، وأُقيمت المنشآت الحربية
للدفاع عن الدولة أو للهجوم على العدو طبقًا لظروف الدولة
الحربية، وكان من أهم هذه الإنشاءات الحربية وأولها: - قلعة
الجبل: وتُعدُّ من أبرز ما خلَّفه الأيوبيون من منشآت فى(14/398)
«القاهرة»، فمازالت شاهد صدق على عظمة هذه الدولة إلى
اليوم، وإن الناظر إليها ليدرك مدى عناية الأيوبيين بالمنشآت
والقلاع الحربية التى كانت منتشرة فى بلادهم، خاصة المدن
الشامية التى هى خط الدفاع والهجوم الأول للدولة، لم يكن بناء
«قلعة الجبل» مجرد تقليد أو مظهر أراده «صلاح الدين» ليظهر
به، وإنما بناها لتكون مقرا لحكومته، ومعقلا لجيشه الكبير،
وحصنًا يمكِّنه من الإشراف على حاضرة دولته. ويحميه من
القلاقل الداخلية، وكذلك لتكون نقطة دفاعية يصد منها غارات
المغيرين على «مصر» سواء أكانوا من الصليبيين أم غيرهم. وقد
استخدم «صلاح الدين» الأسرى فى تشييد قلعته، ومع ذلك لم
يتمكن من إتمام تشييدها فى عهده، فلم يتم منها سوى الهيكل
والبئر الحلزونى. وكانت بالقلعة - على الرغم من ارتفاعها - بئر
عمقها تسعون مترًا، مملوءة بالماء العذب، مثقوبة فى الحجر،
بأسفلها سواقٍ تدور فيها الأبقار، فتنقل الماء إلى وسطها الذى
توجد فيه أبقار تنقل بدورها الماء إلى أعلاها، ويُعدُّ هذا البئر
من أعجب الآبار، ويعرف باسم «بئر يوسف» نسبة إلى «صلاح
الدين يوسف بن أيوب». أتم السلطان «الكامل محمد» بناء
«القلعة» فى سنة (604هـ)، ثم انتقل من دار الوزارة إليها. وكان
للقلعة سور، وأبراج، وثلاثة أبواب، أحدها من جهة «القرافة»
و «جبل المقطم»، والثانى من جهة جدارها البحرى ويُعرَف باسم
«باب السر»، والثالث يقع مدخله فى أول الجانب الشرقى من
القلعة، ويصل الداخل منه إلى فناء مستطيل به دواوين الحكومة،
وبهذا الفناء باب يُسمَّى: «باب القبلة»، وتمتد منه دهاليز
فسيحة، وعلى يسار الداخل منها باب يوصل إلى جامع الخطبة
وهو من أعظم الجوامع لاتساع أرجائه، وكثرة زخرفته، وفى
وسطه قبة تليها مقصورة ليصلى فيها السلطان صلاة الجمعة،
وبصدر الدهاليز مدخل يوصل إلى الإيوان الكبير الذى نُصب به
سرير الملك؛ وهو منبر من الرخام، وتمتد من هذا الإيوان مساحة(14/399)
كبيرة بها القصر الذى بناه «الظاهر بيبرس» فيما بعد. صارت
«قلعة الجبل» منذ تم بناؤها مقر الدواوين السلطانية ودور
الحكومة، فقد كانت حصينة جدا، وتشتمل على كثير من القصور،
والإيوانات، والطباق والأحواش، والميادين، والإصطبلات،
والمساجد، والمدارس، والأسواق، والحمامات، وكانت بها دار
الوزارة، وديوان الإنشاء، وديوان الجيش، ودار النيابة، وبيت
المال، وخزانة السلطان الخاصة، والدور السلطانية، وكذلك
الأبراج التى كان الخارجون على السلطان ونظام الدولة يُحبسون
بها. وكان نقش بابها: «بسم الله الرحمن الرحيم». أمر بإنشاء
هذه القلعة الباهرة، المجاورة لمحروسة القاهرة بالعرصة، التى
جمعت نفعًا وتحصينًا وسعة على من التجأ إلى ظل ملكه مولانا
الملك الناصر صلاح الدنيا والدين أبو المظفر يوسف بن أيوب
محىى الدولة أمير المؤمنين فى نظر أخيه وولى عهده الملك
العادل سيف الدين أبى بكر محمد خليل أمير المؤمنين، على يد
أمير مملكته ومعين دولته قراقوش عبدالله المكى الناصرى فى
سنة تسع وسبعين وخمسمائة». إنشاء المدارس: عُنى «صلاح
الدين» ببناء المدارس، فبنى مدرسة بالقرب من قبر الإمام
«الشافعى» بالقرافة، وبنى مدارس الناصرية والقمحية، وكذلك
نهج نهجه سلاطين «بنى أيوب»، فأسس الملك «الكامل» مدرسة
دار الحديث الكاملية؛ نسبة إليه، وكانت عبارة عن بناء متجه
إلى القبلة، وفى وسطه صحن كبير مربع، وفى كل جانب من
جوانبه الأربعة إيوان، وتعلوها قبة تحتها محراب، ومن ثَمََّ لم
تختلف المدارس عن المساجد من حيث الهيئة والشكل. وكان
الطلبة يذهبون إلى تلك المدارس بانتظام لتلقى العلم مجانًا،
وكان سلاطين الدولة الأيوبية يهتمون بالمدارس وإنشاء المزيد
منها، ويوقفون عليها الأوقاف الكثيرة، ويرتبون لها الفقهاء
والعلماء لتدريس المذاهب الفقهية الأربعة، فكثرت بها المباحثات
والمناقشات بتشجيع من السلاطين الذين شُغفوا بالبحث العلمى،(14/400)
كما كان منهم مَنْ ينظم الشعر ويجيده كالملك الكامل. تأسيس
المنصورة: يُعدُّ إنشاء مدينة «المنصورة» من الأعمال العظيمة
التى خلدت ذكر دولة الأيوبيين، فقد أنشأها السلطان «الكامل»
سنة (616 هـ = 1218م)؛ إذ قام بإنشاء مدينة على الشاطىء
الشرقى لفرع «دمياط» عقب سقوط «دمياط» فى أيدى «لويس
التاسع»، واتخذ «الكامل» المدينة الجديدة مركز دفاع له يقاوم
به الصليبيين. وبعد أن تمكن «الكامل» من استرجاع مدينة
«دمياط» من أيدى الصليبيين أطلق اسم «المنصورة» على مدينته
الجديدة تيمنًا بالنصر، ثم ما لبثت هذه المدينة الجديدة أن
اتسعت، واشتهرت منذ إنشائها بأنها مدينة حصينة، وكانت
سجن «لويس التاسع» ومَنْ كانوا معه حين تم أسرهم ووضعهم
بدار الحكمة، التى مازالت معروفة لدى العامة حتى اليوم باسم
«دار ابن لقمان» نسبة إلى «القاضى فخر الدين بن لقمان» الذى
كان ينزل بها كلما جاء إلى «المنصورة». قلعة الروضة: بناها
السلطان «الصالح نجم الدين أيوب» فى جنوب «جزيرة الروضة»
سنة (638هـ)، وهى تشغل مساحة كبيرة من الأرض، وقد عُمِّرت
بالأبنية والقصور، وجُهزت بالأسلحة والمعدات والآلات الحربية.
وأنشأ فيها «نجم الدين» جامعًا، وشيد برجًا، وبنى لمماليكه
البحرية ثكنات لسكناهم، فلما تم بناؤها وتجهيزها انتقل إليها
مع أفراد أسرته ومماليكه البحرية، واتخذها مقرا لحكمه. وظلت
«قلعة الروضة» عامرة حتى زالت الدولة الأيوبية، وتولى «أيبك»
السلطنة، فأمر بهدمها، ونقل جميع ما بها إلى «قلعة الجبل»
التى أسسها «صلاح الدين». عاصمة مصر فى العصر الأيوبى:
ربما يتبادر إلى الذهن سؤال حول عاصمة الأيوبيين، ولماذا لم
يعمد «صلاح الدين» إلى إنشاء عاصمة جديدة لدولته جريا على
سياسة مَنْ سبقوه من ولاة «مصر» وخلفائها؟ والإجابة: أن
«صلاح الدين» استن فى ذلك سنة جديدة، وضم «الفسطاط»
و «العسكر» و «أطلال القطائع» و «القاهرة» بعضها إلى بعضها(14/401)
الآخر بقصد توسيع مدينة «القاهرة» وجَعْلها فى ثوبها الجديد
عاصمة لدولته، بعد أن أحاطها بسور عظيم طوله خمسة عشر
كيلو متر (15كم)، ومتوسط عرضه ثلاثة أمتار، وبنى واجهة هذا
السور من الحجر المنحوت وتتخلله الأبراج، ولاتزال بقاياه قائمة
حتى اليوم فى جهات متفرقة، وأظهر هذه البقايا موجود
بالفسطاط، وقد اقتضى ضم تلك العواصم إلى بعضها وإحاطتها
بالسور وبناء القلعة هدمَ المبانى الموجودة فى ضواحى
«القاهرة» من «مصر القديمة» إلى «السيدة زينب»، وأقيمت
حدائق للفاكهة مكان هذه المبانى، كما أقيم سد من الحجارة
على حافة الصحراء بالجيزة؛ لحماية «القاهرة» من ناحية الغرب،
وأصبحت هذه العواصم مجتمعة - بعدما أُدخل عليها من تعديل -
عاصمة الدولة الأيوبية فى «مصر» آنذاك.(14/402)
*المماليك البحرية (دولة)
أصل المماليك: أكثر الأيوبيون من شراء المماليك الأتراك، وبنوا
لهم الثكنات بجزيرة الروضة، وأطلقوا عليهم اسم «المماليك
البحرية»، فقويت شوكتهم، وزادت سطوتهم، وسنحت لهم
الفرصة بعد ذلك، فتولوا حكم «مصر». كانت الغالبية العظمى من
جماعات المماليك الذين جلبهم الأيوبيون وسلاطين المماليك من
بعدهم تأتى من «شبه جزيرة القرم» و «بلاد القوقاز»،
و «القفجاق»، و «آسيا الصغرى»، و «فارس»، و «تركستان»،
و «بلاد ما وراء النهر»، فكانوا خليطًا من الأتراك، والشراكسة،
والروم، والروس، والأكراد، فضلا عن أقلية من مختلف البلاد
الأوربية. والمماليك طائفة من الأرقَّاء الذين اشتراهم سلاطين
«مصر» وأكثروا منهم، لاسيما فى العهد الفاطمى، ثم تهيأت لهم
الظروف ليحكموا «مصر» و «الشام»، وبلاد أخرى، ومع ذلك
احتفظوا أثناء حكمهم لمصر بشخصيتهم، ولم يختلطوا بأى عنصر
من عناصر السكان فى «مصر» وفى غيرها من البلاد التى
حكموها. وكان المماليك ينقسمون فيما بينهم إلى أحزاب
وطوائف متنافسة، ولكن هذا الانقسام لم يكن يؤثر على وحدتهم
أمام العالم الخارجى حين يواجهونه، فقد كانوا يظهرون كعصبة
واحدة متحدة، ويفسر ذلك سر قوتهم وأسباب تفوقهم
وانتصاراتهم الحربية. وكان باب الترقى فى حكومة المماليك
مفتوحًا على مصراعيه أمام كل مملوك يثبت كفاءته فى العمل،
فيترقى من مملوك إلى أمير حتى يصل إلى عرش المملكة
بكفاءته واجتهاده، فالسلطان لم يكن إلا واحدًا من أمراء
المماليك، قدموه على أنفسهم لقوة شخصيته، ووفرة أنصاره،
وكثرة جنوده، وقدرته على المنافسين الطامعين فى العرش،
ولقد سطرت دولة المماليك الأولى «المماليك البحرية» صفحة
مضيئة من تاريخ «مصر» خاصة، والتاريخ الإسلامى عامة، على
أيدى سلاطينها الأقوياء الذين عملوا على توحيد البلاد، ورفع
رايات الجهاد، وهم: 1 - العز أيبك: 2 - على بن أيبك (المنصور نور(14/403)
الدين) [655 - 657هـ]: 3 - سيف الدين قُطُز: 4 - الظاهر ركن الدين
بيبرس البندقدارى (658 - 679هـ): 5 - أولاد بيبرس فى السلطنة
(بركة خان، وسلامش): 6 - السلطان قلاوون [679 - 689هـ = 1280
- 1290م]: 7 - السلطان الأشرف خليل بن قلاوون [689 - 693هـ =
1290 - 1294م]: 8 - السلطان الناصر محمد بن قلاوون [693 -
741هـ = 1294 - 1341م]: جلس على عرش «مصر» بعد «الناصر
محمد» أولاده وأحفاده فى الفترة من سنة (741هـ) إلى سنة
(784هـ)، يتعاقبون عليه واحداً بعد الآخر حتى سقوط دولة
المماليك البحرية عام (784هـ)، وفى مدة بلغت ثلاثًا وأربعين
سنة علا عرش «مصر» من البيت الناصرى ثمانية أولاد وأربعة
أحفاد، بلغ متوسط حكم الواحد منهم ثلاث سنوات ونصف السنة،
وتميز هذا العهد بصغر سن السلطان، وقصر مدة حكمه، لسهولة
خلعه على أيدى الأمراء، ولظهور نفوذ الأتابكة ظهورًا واضحًا،
وكذلك اشتداد تنافس الأمراء فى بسط نفوذهم للسيطرة على
الدولة، ولذا أصبح السلطان ألعوبة فى أيدى أمرائه، يعزلونه
أو يبقونه على العرش حسب هواهم، وما تقتضيه مصالحهم؛
فاضطربت أحوال البلاد، وكثرت فيها الفتن. بعد وفاة «الناصر
محمد» تولى العرش ابنه «سيف الدين أبو بكر» (741 - 742هـ)،
وسرعان ما ساءت العلاقات بينه وبين أتابكه، لامتناعه عن
الاستجابة لمطالب هذا الأتابك، فحرض الأتابك عليه الأمراء
وعزلوه. وتولى من بعده أخوه «علاء الدين كجك» (742هـ=
1341م)، وعمره إذ ذاك يتراوح بين خمس وسبع سنوات، وتم
عزله بعد فترة وجيزة. ثم تولى أخوه «أحمد» عرش السلطنة
ولقب نفسه بالناصر فى سنة (742 - 743هـ)، إلا أنه لم يستمر
طويلا فى الحكم كسابقيه، ووقع الاختيار على أخيه
«إسماعيل» سنة (743هـ)، ولكنه مالبث أن مرض ومات سنة
(746هـ)، فتولى ابنه «شعبان» من بعده سنة (746 - 747هـ)،
ولم يكن عهده خيرًا من سلفه، فخلفه أخوه «حاجى» سنة
(747هـ)، ولم يستكمل عامًا واحدًا حتى اعتلى العرش «الناصر(14/404)