شباب التكفير والتفجير
بين التهور والتضليل
تأليف
أبي أنس
مَاجد إسلام البنكاني
مقدمة
ijk
إنَّ الحمدَ لله نحمَدُه، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلّ له ، ومن يُضلل فلا هادي له .
وأشهد أنّ لا إله إلاّ اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسولُه. يَا أَيُّهَا { الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } اذتبسورة الأحزاب
أما بعد،،
فإنَّ للشيطان مدخلَين على المسلمين ينفذ منهما إلى إغوائهم وإضلالهم، أحدهما: أنَّه إذا كان المسلمُ من أهل التفريط والمعاصي، زيَّن له المعاصي والشهوات ليبقى بعيداً عن طاعة الله ورسوله ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : (( حُفَّت الجنَّة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات )). رواه البخاري برقم (6487)، ومسلم برقم (2822).
والثاني: أنَّه إذا كان المسلم من أهل الطاعة والعبادة زيَّن له الإفراط والغلوَّ في الدِّين ليفسد عليه دينه، وقد قال الله عزَّ وجلَّ: ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ )) ، وقال: ((قُلْْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ)) ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( إيَّاكم والغلوَّ في الدِّين؛ فإنَّما هلك مَن كان قبلكم بالغلوِّ في الدِّين ))، وهو حديث صحيح، أخرجه النسائي وغيرُه، وهو من أحاديث حَجة الوداع، انظر تخريجه في السلسلة الصحيحة للألباني (1283).(1/1)
ومِن مكائد الشيطان لهؤلاء المُفْرطين الغالين أنَّه يُزيِّن لهم اتِّباعَ الهوى وركوبَ رؤوسهم وسوءَ الفهم في الدِّين، ويُزهِّدهم في الرجوع إلى أهل العلم؛ لئلاَّ يُبصِّروهم ويُرشدوهم إلى الصواب، وليبقوا في غيِّهم وضلالهم، قال الله عزَّ وجلَّ: (( وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ )), وقال:(( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ )), وقال: (( أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ )) ، وقال: (( أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ ، وقال:(( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ ))، وفي صحيح البخاري (4547)، ومسلم (2665) عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية، فقال: (( إذا رأيتم الذين يتَّبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَّى الله فاحذروهم ))، وقال صلى الله عليه وسلم : (( من يُرِد الله به خيراً يفقِّهه في الدِّين )) رواه البخاري (71) ومسلم (1037)، وهو يدلُّ بمنطوقه على أنَّ من علامة إرادة الله الخير بالعبد أن يفقهه في الدِّين، ويدلُّ بمفهومه على أنَّ مَن لَم يُرد الله به خيراً لم يحصل له الفقه في الدِّين، بل يُبتلى بسوء الفهم في الدِّين. (1)
__________
(1) كتاب بأي عقل ودين يكون التفجير والتدمير جهادا للشيخ العباد .(1/2)
هذا وقد كَثُرَ في هذا الزمان وللأسف الشديد التفجيرات من قبل بعض الشباب المتهور ، والتي تخالف الشرع الحنيف، ويسقط بسبب هذه التفجيرات النفوس البريئة ، ولزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مسلم، وأصبحنا نسمع بهذه التفجيرات وقتل النفوس البريئة في كثير من البلدان وبخاصة البلاد العربية، وهذه التفجيرات لا يقرها دين ولا عقل .
قال الله تعالى: { ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً } . (1)
وقال تعالى: { مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً } . (2)
وقد حذرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أشد التحذير من قتل نفس مسلمة ، فقد قال رسول - صلى الله عليه وسلم - :"لزوال الدنيا جميعاً، أهون على الله من دمٍ يسفك بغير حقِّ". (3)
قال الشيخ العباد : أقول: ما أشبه الليلة بالبارحة! فإنَّ ما حصل من التفجير والتدمير في مدينة الرياض، وما عُثر عليه من أسلحة ومتفجِّرات في مكة والمدينة في أوائل هذا العام (1424هـ) هو نتيجة لإغواء الشيطان وتزيينه الإفراط والغلو لِمَن حصل منهم ذلك، وهذا الذي حصل من أقبح ما يكون في الإجرام والإفساد في الأرض، وأقبح منه أن يزيِّن الشيطان لِمَن قام به أنَّه من الجهاد، وبأيِّ عقل ودين يكون جهاداً قتل النفس وتقتيل المسلمين والمعاهدين وترويع الآمنين وترميل النساء وتيتيم الأطفال وتدمير المباني على من فيها؟!.
- - - - -
الفرق بين الجهاد والإرهاب
من المعلوم أن هناك فرق بين الجهاد والإرهاب ، فالجهاد شُرِعَ لفتح البلدان ونشر هذا الدين العظيم والدفاع عنه، وشُرِعَ كذلك للدفاع عن النفس والعرض والوطن والمال .
__________
(1) سورة النساء (93).
(2) سورة المائدة الآية (32).
(3) قال الألباني: صحيح لغيره، الترغيب (2/629).(1/3)
فعن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه لهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد". (1)
فإذا هجم العدو - سواء كان فرد أو جماعة، مسلما كان أوكافر- على بلدك، أو بيتك، أو عرضك، أو كان يريد قتلك، أو أخذ مالك، فإن قتلته فهو في النار، وإن قتلك فأنت في الجنة بإذن الله تعالى .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد مالي؟ قال: "فلا تعطه مالك" قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله" قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد" قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار". (2)
فالجهاد ماض إلى قيام الساعة ومن أنكره أو جحده فهو كافر والعياذ بالله، أما الإرهاب الذي هو ترويع الناس وقتل الأبرياء العزل منهم من النساء، والأطفال، والشيوخ، وما شابه ذلك فهو حرام ومنهي عنه بنص كلام ربنا جل في علاه وسنة رسوله المصطفى - صلى الله عليه وسلم - .
وليعلم كل من يقوم بهذا الفعل أنه من وراءه أما جنة أو نار ، فكيف يضحي بنفسه
دون أن يعرف هل سيرضي ربه الذي خلقه بهذا العمل ، وهل هو ذاهب إلى الجنة أم إلى النار والعياذ بالله ، فعليه بالرجوع لكبار العلماء في أي عمل يقوم به.
- - - - -
الرجوع إلى العلماء في كل الأمور
لابد من الرجوع إلى العلماء في كل الأمور وعند كل صغيرة وكبيرة ، لأن نصوص الكتاب والسنة لاتفهم بمجرد النظر ولكن علينا الرجوع للعلماء ، لأنهم على علم بها وبصيرة، ويصوبون الأمور إلى مسارها الصحيح، وكلنا نعلم فتنة جهيمان قبل عدة سنوات وكيف تم الإفساد في الحرم، وسبب ذلك عدم الرجوع إلى العلماء.
__________
(1) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، المشكاة (3529) ، الإرواء (708)، الجنائز (ص 42).
(2) رواه مسلم (140).(1/4)
ومما يدل على أن رجوع إلى أهل العلم يكون فيه الخير والنفع للمسلمين ما رواه مسلم في صحيحه عن الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عن أَبي عَاصِمٍ يَعْنِي مُحَمّدِ بْنِ أَبِي أَيّوبَ قَالَ: حَدّثَنِي يَزِيْدُ الْفَقِيرُ، قَالَ: كُنْتُ قَدْ شَغَفَنِي رَأْيٌ مِنْ رَأْيِ الْخَوَارِجِ فَخَرَجْنَا فِي عِصَابَةٍ ذَوِي عَدَدٍ نُرِيدُ أَنْ نَحُجّ ثُمّ نَخْرُجَ عَلَى النّاسِ قَالَ: فَمَرَرْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ فَإِذَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ يُحَدّثُ الْقَوْمَ جَالِسٌ إِلَى سَارِيَةٍ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَإِذَا هُوَ قَدْ ذَكَرَ الْجَهَنّمِيّين. قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللّهِ مَا هَذَا الّذِي تُحَدّثُونَ؟ وَالله يَقُولُ: { إِنّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْنَهُ } (آل عمران الاَية: 2) وَ { كُلّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا } (السجدة الاَية فَمَا هَذَا الّذِي تَقُولُونَ؟ قَالَ: فَقَالَ: أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: فَهَلْ سَمِعْتَ بِمَقَامِ مُحَمّدٍ عَلَيْهِ السّلاَمُ (يَعْنِي الّذِي يَبْعَثُهُ الله فِيهِ)؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: فَإِنّهُ مَقَامُ مُحَمّدٍ صلى الله عليه وسلم الْمَحْمُودُ الّذِي يُخْرِجُ الله بِهِ مَنْ يُخْرِجُ قَالَ: ثُمّ نَعَتَ وَضْعَ الصّرَاطِ وَمَرّ النّاسِ عَلَيْهِ قَالَ: وَأَخَافُ أَنْ لاَ أَكُونَ أَحْفَظُ ذَاكَ قَالَ: غَيْرَ أَنّهُ قَدْ زَعَمَ أَنّ قَوْماً يَخْرُجُونَ مِنَ النّارِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا فِيهَا.(1/5)
قَالَ: يَعْنِي فَيَخْرُجُونَ كَأَنّهُمْ عِيدَانُ السّمَاسِمِ قَالَ: فَيَدْخُلُونَ نَهْراً مِنْ أَنْهَارِ الْجَنّةِ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ فَيَخْرُجُونَ كَأَنّهُمْ الْقَرَاطِيسُ فَرَجَعْنَا قُلْنَا: وَيْحَكُمْ أَتُرَوْنَ الشّيْخَ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَرَجَعْنَا. فَلاَ وَالله مَا خَرَجَ مِنّا غَيْرُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ كَمَا قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حدّثنا هَدّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزَدِيّ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عِمْرَانُ وَثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَخْرُجُ مِنَ النّارِ أَرْبَعَةٌ فَيُعْرَضُونَ عَلَى الله. فَيَلْتَفِتُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: أَيْ رَبّ إِذْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا فَلاَ تُعِدْنِي فِيهَا. فَيُنْجِيهِ الله مِنْهَا". (1)
قال الشيخ عبد المحسن العباد البدر في كتاب بأي عقل ودين يكون التفجير والتدمير جهاداً (ص16) ، قال: إن الشيطان يدخل إلى أهل العبادة لإفساد دينهم من باب الإفراط والغلو في الدين ، كما حصل من الخوارج والعصابة التي شغفت برأيهم وأن طريق السلامة من الفتن الرجوع إلى أهل العلم ، كما حصل رجوع وعدول العصابة عمَّا همَّت به من الباطل برجوعها إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما .اهـ.
وقال القاسم بن سلام: سمعت مالكاً يقول: إن أقواماً ابتغوا العبادة وأضاعوا العلم فخرجوا على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - بأسيافهم ولو اتبعوا لحجزهم عن ذلك. (2)
- - - - -
النهي عن قتل النفس
__________
(1) رواه مسلم برقم (191) .
(2) مفتاح دار السعادة (1/119) .(1/6)
عن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "كان ممن كان قبلكم رجل به جرح فَجَزِعَ فأخذ سكيناً فحزَّ بها يده فما رقأ الدم حتى مات قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة". (1)
قوله: بادرني عبدي بنفسه :قال ابن حجر: هو كناية عن استعجال المذكور الموت، وقوله: حرمت عليه الجنة جار مجرى التعليل للعقوبة لأنه لما استعجل الموت بتعاطي سببه من أنفاذ مقاتله فجعل له فيه اختيارا عصى الله به فناسب أن يعاقبه، ودل ذلك على أنه حزها لإرادة الموت لا لقصد المداواة التي يغلب على الظن الإنتفاع بها . (2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها ابداً، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً". (3)
وعن ثابت الضحاك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لعن المؤمن كقتله ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقاتله ومن قتل نفسه بشيء عذبه الله به يوم القيامة". (4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من تردى من جبل، فقتل نفسه، فهو في نار جهنم، يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسى سماً، فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالداً مخلداً فيها ابداً". (5)
تردى: أي رمى بنفسه من الجبل وغيره فهلك.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأنبياء برقم (3463)، ومسلم في الإيمان برقم (113).
(2) فتح الباري (6/500) .
(3) رواه البخاري برقم (5778)، ومسلم برقم (109).
(4) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (6652)، ومسلم في الإيمان برقم (110).
(5) رواه البخاري في الطب برقم (5778)، ومسلم برقم (109).(1/7)
يتوجأ، مهموز: أي يضرب بها نفسه.
وعن أبي قلابة، أن ثابت بن الضحاك أخره: أنه بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حلف على يمين بملةٍ غير الاسلام كاذباً متعمداً، فهو كما قال: ومن قتل نفسه بشئ عذب به يوم القيامة، ومن رمى مؤمناً بكفرٍ فهو كقاتله، ومن ذبح نفسه بشيء، عذب به يوم القيامة". (1)
وفي رواية للترمذي ولفظه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس على المرءِ ندرٌ فيما لا يملك، ولا عن المؤمن كقتلِهِ، ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقاتله، ون قتل نفسه بشيء، عذبه الله بما قتل به نفسه يوم القيامة".
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن رجلاً كان ممن كان قبلكم، خرجت بوجهه قرحة، فلما آذته انتزع سهماً من كنانته، فنكأها، فلم يرقأ الدم حتى مات، قال ربكم: قد حرمتُ عليه الجنة". (2)
__________
(1) رواه البخاري برقم (1363)، وبرقم (6047) وبرقم (6652) ، ومسلم برقم(110).
(2) رواه مسلم في الإيمان برقم (113).(1/8)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التقى هو والمشركون، فاقتتلوا، فلما مال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا أتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أما إنه من أهل النار؟!" فقال رجل من القوم: أنا صاحبه أبداً، قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجرح الرجل جُرحاً شديداً، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض، وذُبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أشهد أنك رسول الله قال: "وما ذاك؟" قال: الرجل الذي ذكرت آنفا إنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك، فقلت: أنا لكم به، فخرجت في طلبه حتى جرح جرحا شديداً، فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض، وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه.فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة". (1)
الشاذة والفاذة: هي التي انفردت عن الجماعة، وأصل ذلك في المنفردة عن الغنم، فنقل إلى كل من فارق جماعة وانفرد عنها.
- - - - -
إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار"، قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: "لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه". (2)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجهاد برقم (2898)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (112).
(2) رواه البخاري ومسلم.(1/9)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "سباب المؤمن فسوق وقتاله كفرٌ". (1)
قال الصنعاني: وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "وقتاله كفر" دال على أنه يكفر من يقاتل المسلم بغير حق، وهو ظاهر فيمن استحل قتل المسلم أو قاتله حال إسلامه، وأما إذا كانت المقاتلة لغير ذلك، فإطلاق الكفر عليه مجازا ويراد به كفر النعمة والأحسان وأخوة الإسلام لا كفر الجحود وسماه كفرا لأنه قد يؤول به ما يحصل من المعاصي من الرين على القلب حتى يعمى عن الحق فقد يصير كفرا أو إنه كفعل الكافر الذي يقاتل المسلم .اهـ. (2)
- - - - -
النهي عن قتل النفس إلا بالحق
قال الله تعالى: { ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً } . (3)
وقال تعالى: { مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً } . (4)
وقال عليه الصلاة والسلام: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده من أحدث حدثا فعلى نفسه ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين". (5)
وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك قال: ثم أي: قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قيل: ثم أي قال: أن تزاني حليلة جارك". (6)
__________
(1) رواه البخاري برقم (5697)، ومسلم برقم (64) .
(2) سبل السلام (4/189) .
(3) سورة النساء (93).
(4) سورة المائدة الآية (32).
(5) صحيح الجامع حديث رقم (6666).
(6) رواه البخاري برقم (4477)، ومسلم برقم (86).(1/10)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل أخيه". (1)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال عليه الصلاة والسلام: "لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً". (2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض". (3)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أول ما يقضي بين الناس يوم القيامة في الدماء". (4)
قال ابن حجر: والمعنى: اول القضايا في الدماء ويحتمل أن يكون التقدير: أول ما يقضى فيه الأمر الكائن في الدماء. (5)
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق". (6)
وزاد الأصبهاني في رواية: "ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن، لأدخلهمُ الله النار".
وفي رواية للبيهقي: "لزوال الدنيا جميعاً، أهون على الله من دمٍ يسفك بغير حقِّ". (7)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلمٍ". (8)
__________
(1) رواه البخاري في الإيمان برقم (31)، ومسلم في الفتن برقم (2888).
(2) رواه البخاري في الديات(6862)
(3) رواه البخاري في العلم (1/217) برقم (121)، ومسلم في الإيمان برقم (65).
(4) رواه البخاري برقم (6864)، ومسلم برقم (1678).
(5) فتح الباري (11/396)
(6) صحيح الترغيب والترهيب برقم (2438)، وصحيح الجامع برقم (5078) .
(7) صححه الألباني في صحيح الترغيب (2/629).
(8) صحيح الترغيب رقم (2439)،وصحيح الجامع برقم(5077).(1/11)
وعنه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالكعبة ويقول: "ما أطيبك، وما أطيب ريحك، ما أعظمك وما أعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم حرمةً منك، ماله ودمه وأن تظن به إلا خيراً". (1)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كل ذنب عسى الله أن يغفره، إلا الرجل يموت مشركا، أو يقتل مؤمناً متعمداً". (2)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سأله سائلٌ فقال: يا أبا العباس! هل للقاتل من توبة؟ فقال ابن عباس كالمعجب من شأنه: ماذا تقول؟! فأعاد عليه مسألته، فقال: ماذا تقول؟! مرتين أو ثلاثا، ثم قال ابن عباس: أنَّى له التوبة! سمعت نبيكم - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يأتي المقتول متعلقاً رأسه بإحدى يديه، متلبِّباً قاتله بيده الأخرى تشخب أوداجه دماً، حتى يأتي به العرش، فيقول المقتول لرب العالمين: هذا قتلني، فيقول الله للقاتل: تعست ويذهب به إلى النار". (3)
وعن ابن سعيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يخرج عنق من النار يتكلم فيقول: وكلت اليوم بثلاثةً: بكل جبار عنيد، ومن جعل مع الله آلها آخر، ومن قتل نفسا بغير حق، فينطوي عليهم، فيقذفهم في غمرات جهنم". (4)
وفي صحيح البخاري برقم (7152) عن جندب بن عبد الله قال: "إنَّ أوَّل ما ينتن من الإنسان بطنُه، فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيَّباً فليفعل، ومَن استطاع أن لا يُحال بينه وبين الجنَّة بملء كفٍّ من دم هراقه فليفعل" .
__________
(1) رواه ابن ماجة، السلسلة الصحيحة (3420).
(2) صححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2446).
(3) السلسلة الصحيحة برقم (2697).
(4) حسنه العلامة الألباني في صحيح الترغيب برقم (2451).(1/12)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ومن خرج على أمتي يضرب برَّها وفاجرها، ولا يتحاش من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهدَه، فليس منَّي ولست ُمنه" . (1)
- - - - -
النهي عن قتل المعاهد
وكذلك لا يجوز قتل المعاهد كما ثبت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فعن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً". (2)
وعن أبي هريرة - صلى الله عليه وسلم - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا من قتل نفسا معاهدةً لها ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر ذمة الله ولا يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين خريفاً". (3)
__________
(1) رواه مسلم برقم (1848) .
(2) رواه البخاري في كتاب الجزية والموادعة (3166).
(3) أخرجه الترمذي في كتاب الديات (3/14)، وابن ماجة في كتاب الديات (2687)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.(1/13)
قال الشيخ عبدالمحسن العباد : قتل الذمِّي والمعاهد والمستأمن حرام، وقد ورد الوعيد الشديد في ذلك، فقد روى البخاري في صحيحه (3166) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَن قتل نفساً معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإنَّ ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً ))، أورده البخاري هكذا في كتاب الجزية، (( باب إثم مَن قتل معاهداً بغير جُرم ))، وأورده في كتاب الديات، في (( باب إثم من قتل ذمِّيًّا بغير جُرم ))، ولفظه: (( مَن قتل نفساً معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً ))، قال الحافظ في الفتح (12/259): (( كذا ترجم بالذمِّيِّ، وأورد الخبر في المعاهد، وترجم في الجزية بلفظ: (مَن قتل معاهداً)، كما هو ظاهر الخبر، والمراد به مَن له عهدٌ مع المسلمين سواء كان بعقد جزية أو هُدنة من سلطان أو أمان من مسلم )). (1)
- - - - -
تحريم تكفير المسلم
نهى الشارع الحكيم عن تكفير المسلم، وحذر من ذلك أشد الحذر .
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما فإن كان كما قال، وإلا رجعت عليه". (2)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ومن دعا رجلاً بالكفر أو قال:عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه". (3)
حار : أي رجع .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما". (4)
__________
(1) كتاب بأي عقل ودين يكون التفجير والتدمير جهادا للشيخ العباد .
(2) رواه البخاري في الآدب برقم (6104)، ومسلم في الإيمان برقم (60).
(3) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6045)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (61).
(4) رواه البخاري، ومسلم .(1/14)
وعن أبي قلابة، أن ثابت بن الضحاك - رضي الله عنه - أخبره أنه بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حلف على يمين بملةٍ غير الإسلام كاذباً متعمداً فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشئ عذب به يوم القيامة وليس على رجل نذر فيما لا يملك ولعن المؤمن كقتله ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله ومن ذبح نفسه بشيء عذب به يوم القيامة". (1)
ويدل لخطورة هذا الأمر ما رواه حذيفة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنَّ ما أخاف عليكم رجل قرأ القرآن، حتى إذا رُئيت بهجته عليه وكان ردءاً للإسلام، انسلخ منه ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف ورماه بالشرك، قلت: يا نبي الله! أيُّهما أولى بالشرك: الرامي أو المرمي؟ فقال: بل الرامي" . (2)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما أكفر رجلٌ رجلاً، إلا باءَ أحدهما بها، إن كان كافراً، وإلا كفر بتكفيره". (3)
قال ابن حجر :والتحقيق أن الحديث سيق لزجر المسلم عن أن يقول ذلك لأخيه المسلم وذلك قبل وجود فرقة الخوارج وغيرهم . (4)
ثم قال: والحاصل أن من أكفر المسلم نظر، فإن كان بغير تأويل استحق الذم وربما كان هو الكافر، وإن كان بتأويل نظر إن كان بتأويل سائغ استحق الذم أيضاً ولا يصل الى الكفر بل يبين له وجه خطئه ويزجر بما يليق به ولا يلتحق بالأول عند الجمهور، وان كان بتأويل سائغ لم يستحق الذم بل تقام عليه الحجة حتى يرجع الى الصواب. (5)
__________
(1) صحيح الترغيب(2775)، وانظر صحيح الجامع رقم(5545).
(2) رواه البخاري في التاريخ وابن حبان ، السلسلة الصحيح برقم (3201) .
(3) صحيح الترغيب(2775)، وانظر صحيح الجامع رقم(5545).
(4) فتح الباري (10/166) .
(5) فتح الباري (12/304) .(1/15)
وإن من البلاء الماحق أنَّ بعض الناس قد يطالع في سير العلماء أو يقرأُ في كتبهم أو يستمعُ إلى تسجيلاتهم فلا يبحثُ عما ينسبُ إليهم من هناتٍ أو يزلون فيه من أخطاءٍ، أما ما فتحَ اللهُ عليهم من علومٍ وما قدموهُ للناسِ من حق وخيرٍ فلا يلتفتونَ إليه ولا يذكرونه فهم كجيرانِ السوء إذا رأوا خيراً دفنوه وإذا رأوا شراً طاروا به وأذاعوهُ فنعوذ بالله من التماس الأخطاء وتحريف الكلام عن مواضعهِ وتأويل النصوص من أجل التشهير والتنقيص لأن ذلك لا يصدر إلا منْ أقوامٍ رائدهم الهوى ودافعهم التعصب لتلمسِ العيب للبراءِ والخطأِ للمصيبين فلا يجوزُ لأي مسلمٍ أن يلجَ في هذا الميدان وهو التكفير بالشبه والأوهام والمظانِ دون تثبتٍ ويقينٍ وعلمٍ محققٍ وإلا لم يبقَ مسلمٌ على وجهِ الأرضِ إلا القليلُ .
كما لايجوزُ التكفيرُ بارتكابِ المعاصي وإن كانوا على خطرٍ عظيمٍ مع الإيمانِ والإقرارِ بالشهادتين .
قال الغزالي : والذي ينبغي أن يميلَ المسلمُ إليهِ الاحتراز من التكفير ما وجدَ إليه سبيلاً فإنَّ استباحة الدماءِ والأموالِ من المصلين إلى القبلةِ المصرحينَ بقول (لا إله إلا الله محمد رسول الله) خطأٌ والخطأُ في تركِ ألفٍ في الحياةِ أهونُ منَ الخطأِ في سفك محجمةِ منْ دمِ مسلمٍ فالخطأُ في العفوِ خيرٌ منَ الخطأِ في العقوبةِ، قالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لأن يخطئَ الإمامُ في العفوِ خيرٌ من أن يخطئَ في العقوبةِ"، وهذا التحري محافظةٌ على الحياةِ وعدمُ المسارعةَِ في التكفيرِ حتى لا يحكم على أحدٍ فيحكم عليه بالقتل. (1)
__________
(1) هذا الكلام من خطبة للأوقاف في دولة الإمارات العريبة المتحدة .(1/16)
يعني من حق إمام المسلمين وقائدهم أن يرجح سبيل العفو ما أمكن، والكلام في غير خبيث شرير متظاهر بالإيذاء والفساد، أما هو فلا يدرأ عنه بل يتعين السعي في إقامته بدليل الخبر المار، أترعون عن ذكر الفاجر أذكروا الفاجر بما فيه، والخطأ كما قال الحراني هو الزلل عن الحق من غير تعمد بل مع عزم الاصابة أو ودان لا يخطئ.فيض القدير .
وفي الختام نذكركم بقول الله تعالى: ((وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)),((يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً)), ((يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ .وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ. وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ. لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)).
أفيقوا يا شباب من سُباتكم وانتبهوا من غفلتكم، ولا تكونوا مطيَّة للشيطان للإفساد في الأرض.
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يوفقنا للزوم منهج السلف، وأن يأخذ بأيدينا لفعل الخير وأن يجعلنا ممن نصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وأن يُبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل السنة والطاعة، ويُذَل فيه أهل البدعة والضلالة، ويُُقمع فيه أهل الزيغ والفساد والفرقة إنه جواد كريم .
وكما نسأله سبحانه أن يبصر شباب المسلمين في دينهم الحنيف وأن يجنبهم الفتن ما ظهر منها ومابطن، وأن يلهمهم الصواب في الأمور صغيرها وكبيرها، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يوفق حكام المسلمين لما يحب ويرضى، وأن يرزقهم البطانة الصالحة التي تذكرهم إذا نسوا، وينصحوا لهم إذا أخطأوا، وأن يأخذوا بإيديهم لسعادة العباد، وأن يفوزوا بجنة عرضها السموات والأرض بفضل الله تعالى ورحمته جل في علاه . اللهم آمين .(1/17)
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نسغفرك ونتوب إليك .
و كتب / أبو أنس العراقي
ماجد بن خنجر البنكاني
الجمعة 14/رمضان /1430هـ
4/9/2009م
- - - - -(1/18)