خرج فتبعته فإذا عارض قد عرض له فقال لي: «يا حذيفة. هل رأيت العارض الذي عرض لي؟» قلت: نعم، قال: «ذاك ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قبلها، استأذن ربه فسلم علي، وبشرني بالحسن والحسين أنهما سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة» .
وروى الشيخان عن أسيد بن حضير رضي الله عنه قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوطة إذ جالت الفرس فسكت فسكنت، فرفع رأسه إلى السماء، فإذا هو بمثل الظلة فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: «تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبح الناس ينظرون إليها لا تتوارى منهم» .(10/47)
الباب الثاني في معجزاته صلى الله عليه وسلم في رؤية بعض الصحابة الجن وسماع كلامهم إكراما له صلى الله عليه وسلم
روى النسائي والحارث بن أبي أسامة وأبو يعلى وابن حبان والروياني وأبو الشيخ في العظمة والطبراني في الكبير، والحاكم وأبو نعيم معا في الدلائل، والضياء في المختارة عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه كان له جرين فيه تمر، وكان يتعاهده فيجده ينقص فحرسه ذات ليلة، فإذا هو بدابة شبه الغلام المحتلم فسلمت، فرد السلام، فقلت: ما أنت جني أم إنسي؟ فقال: جني، فقلت: ناولني يدك، فناولني يده فإذا يده يد كلب، فقلت: هكذا خلق الجن فقال: لقد علمت الجن أن ما فيهم من هو أشد مني، قلت: ما حملك على ما صنعت؟
قال: بلغنا أنك رجل تحب الصدقة، فأحببنا أن نصيب من طعامك، قلت: فما الذي يجيرنا منك؟ قال: هذه الآية- آية الكرسي التي في سورة البقرة- من قالها حين يمسي أجير منا حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح أجير منا حتى يمسي، فلما أصبح أبي غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: «صدق الخبيث» .
وروى أبو الشيخ في العظمة عن أبي إسحاق، قال: خرج زيد بن ثابت ليلا إلى حائط له، فسمع فيه جلبة، فقال: ما هذا؟ قال: رجل من الجان أصابتنا السنة، فأردت أن أصيب من ثماركم فطيبوه لنا، قال: نعم، ثم قال زيد بن ثابت: ألا تخبرنا بالذي يعيذنا منكم؟ قال: آية الكرسي.
وروى أبو عبيد في فضائل القرآن والدارمي والطبراني والبيهقي وأبو نعيم عن ابن مسعود أن رجلا لقى شيطانا في سكة من سكك المدينة (فصارعه فصرعه) فقال: دعني أخبرك بشيء يعجبك فودعه، فقال: هل تقرأ سورة البقرة؟ قال: نعم، قال: فإن الشيطان لا يسمع منها شيئا إلا أدبر وله خبج كخبج الحمار فقيل لابن مسعود: من ذاك الرجل؟ قال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
جلبة: الصياح والصخب.
يعيذنا: يجيرنا.
ودعه [ ... ] .
خبج: بفتح الخاء المعجمة والموحدة وجيم: الضراط [ويروى بالحاء المهملة] .(10/48)
جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في إخباره رجالا بما حدثوا أنفسهم وغير ذلك
الباب الأول في إخباره صلى الله عليه وسلم من حدث نفسه بالفتك به صلى الله عليه وسلم
روى الحاكم وصححه والطبراني عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: من أنت؟ قال: «أنا نبي» ، قال: وما نبي؟ قال:
«رسول الله» ، قال: متى تقوم الساعة؟ قال: «غيب، ولا يعلم الغيب إلا الله» ، قال: أرني سيفك، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سيفه، فهزه الرجل، ثم ردّه عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنك لم تكن تستطيع ذلك الذي أردت» ، قال: وقد كان.
زاد الطبراني: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا أقبل، فقال: آتيه، فأسأله ثم آخذ السيف، فأقتله ثم أغمد السيف» .(10/49)
الباب الثاني في إخباره صلى الله عليه وسلم من حدث نفسه بأنه ليس في القوم أحد خير منه وما وقع في ذلك من الآيات
روى ابن أبي شيبة وأبو يعلى والبزار والبيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: ذكروا رجلا عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا قوته في الجهاد واجتهاده في العبادة، فإذا هم بالرجل مقبل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أرى على وجهه سفعة من الشيطان» ، فلما دنا سلّم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل حدثت نفسك بأنه ليس في القوم أحد خير منك؟» قال: نعم، ثم ذهب فاختط مسجدا، ووقف يصلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يقوم إليه فيقتله؟» فقام أبو بكر، فانطلق فوجده يصلي، فرجع، فقال: وجدته يصلي فهبت أن أقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أيكم يقوم إليه فيقتله؟» فقام عمر، فصنع كما صنع أبو بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيكم يقوم إليه فيقتله؟» فقال علي: أنا قال: «أنت إن أدركته» ، فذهب فوجده قد انصرف، فرجع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا أول قرن خرج من أمتي لو قتلته ما اختلف اثنان بعده من أمتي» .(10/50)
الباب الثالث في إخباره صلى الله عليه وسلم وابصة بن معبد [ (1) ] رضي الله عنه بأنه جاء يسأل عن البر والإثم
روى الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات عن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا لا أريد أن أدع من البر والإثم شيئا إلا سألته عنه، فأتيته، وهو في عصابة من المسلمين حوله، فجعلت أتخطاهم لأدنو منه، فانتهرني بعضهم، فقال: إليك يا وابصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: إني أحب أن أدنو منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوا وابصة، ادن مني وابصة» ، فأدناني حتى كنت بين يديه، فقال: «أتسألني أم أخبرك؟» فقلت: لا، بل تخبرني، قال:
«جئت تسأل عن البر والإثم؟» قلت: نعم، فجمع أنامله فجعل ينكت بهن في صدري وقال:
«البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في نفسك، وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك» .
الباب الرابع في إخباره صلى الله عليه وسلم الثقفي والأنصاري بما جاءا يسألان عنه
روى مسدد والبزار والأصبهاني من طريق إسماعيل بن رافع والبيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف فأتاه رجل من الأنصار، ورجل من ثقيف فلما سلما، قالا: جئناك، يا رسول الله، لنسألك، قال: «إن شئتما أخبرتكما بما تسألاني عنه فعلت، وإن شئتما أن أسكت وتسألاني فعلت» ، قالا: لا، أخبرنا يا رسول الله، نزدد إيمانا أو نزدد يقينا، فقال الأنصاري للثقفي: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بل أنت فسله، فإني أعرف حقك، فسأله، فقال: أخبرنا يا رسول الله، قال: «جئت تسألني عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام ومالك فيه وعن طوافك بالبيت، ومالك فيه، وركعتيك بعد الطواف، ومالك فيهما، وعن طوافك بالصفا والمروة، وعن وقوفك بعرفة، ومالك فيه، وعن رميك الجمار ومالك فيه، وعن نحرك ومالك فيه، وعن حلاقك رأسك، ومالك فيه، وعن طوافك، ومالك فيه» - يعني الإفاضة- قال: والذي بعثك بالحق عن هذا جئت أسألك! قال:
«فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام، لم تضع ناقتك خفا ولن ترفعه إلا كتب الله لك به حسنة ومحا به عنك خطيئة، ويرفع لك بها درجة، وأما ركعتاك بعد الطواف فإنهما كعتق رقبة من ولد إسماعيل، وأما طوافك بالصفا والمروة فكعتقك سبعين رقبة، وأما وقوفك عشيّة
__________
[ (1) ] سقط في ب.(10/51)
عرفة، فإن الله تعالى يهبط إلى السماء الدنيا، فيباهي بكم الملائكة يقول: هؤلاء عبادي جاءوني شعثا غبرا من كل فج عميق، يرجون رحمتي ومغفرتي، فلو كانت ذنوبكم عدد الرمل وكزبد البحر لغفرتها، أفيضوا مغفورا لكم، ولمن شفعتم له، وأما رميك الجمار فلك بكل حصاة رميتها تكفير كبيرة من الكبائر الموبقات الموجبات، وأما نحرك فمدخور لك عند ربك، وأما حلاق رأسك فبكل شعرة حلقتها حسنة يمحى عنك بها خطيئة» ، قال: يا رسول الله، فإن كانت الذنوب أقل من ذلك؟ قال: «يدخر لك في حسناتك، وأما طوافك بالبيت بعد ذلك، فإنك تطوف ولا ذنب لك، يأتي ملك حتى يده بين كتفيك، ثم يقول: اعمل لما تستقبل فقد غفر لك ما مضى» قال الثقفي: أخبرني رسول الله، قال: جئت تسألني عن الصلاة!» قال: «إذا غسلت وجهك انتثرت الذنوب من أشفار عينيك، وإذا غسلت يديك انتثرت الذنوب من أظفار يديك، وإذا مسحت برأسك انتثرت الذنوب عن رأسك، وإذا غسلت رجليك انتثرت الذنوب من أظفار قدميك» .
.. الحديث.
وروى الطبراني في الكبير والبزار وابن حبان في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما [....] .
الباب الخامس في أمره صلى الله عليه وسلم أبا سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه الاستعفاف لما أراد أن يسأله شيئا من الدنيا، وما وقع في ذلك من الآيات
[وأخرج البيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: أصابنا جوع ما أصابنا مثله قط فقالت لي أختي: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأله فجئت فإذا هو يخطب، فقال: «من يستعفف، يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله» ،
فقلت في نفسي: والله لكأنما أردت بهذا إلا جرم لا أسأله شيئا فرجعت إلى أختي فأخبرتها، فقالت: أحسنت، فلما كان من الغد فإني والله لأتعب نفسي تحت الأجم، إذ وجدت من دراهم يهود فابتعنا به، وأكلنا منه وجاءت الدنيا، فما من أهل بيت من الأنصار أكثر أموالا منا.
وأخرجه ابن سعد بلفظ: فكان أول ما واجهني به. وبلفظ: فقلت ما قال هذا القول إلا من أجلي وبلفظ: فأتاح الله لي رزقا ما كنت أحتسبه] .(10/52)
الباب السادس في إخباره صلى الله عليه وسلم من قال في نفسه شعرا به
روى البيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أبي يريد أن يأخذ مالي، فدعا أباه فهبط جبريل، فقال:
إن الشيخ قد قال في نفسه شيئا لم تسمعه أذناه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قلت في نفسك شيئا لم تسمعه أذناك؟» قال: لا يزال يزيدنا الله تعالى بك بصيرة ويقينا، نعم، قال: هات، فأنشأ يقول:
غذوتك مولودا ومنتك يافعا ... تعل بما أجني عليك وتنهل
إذا ليلة ضاقتك بالسقم لم أبت ... لسقمك إلا ساهرا أتململ
تخاف الردى نفسي عليك وإنها ... لتعلم أن الموت حتم موكل
كأني أنا المطروق دونك بالذي ... طرقت به دوني فعيناي تهمل
فلما بلغت السن والغاية التي ... إليك مدى ما كنت فيك أؤمل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة ... كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إذ لم ترع حق مودتي ... فعلت كما الجار المجاور يفعل
فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ بتأنيب ابنه وقال: «أنت ومالك لأبيك» .
الباب السابع في إخباره صلى الله عليه وسلم بالشاة التي أخذت بغير إذن أهلها
روى الإمام أحمد برجال الصحيح عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر وأصحابه بامرأة فذبحت لهم شاة واتخذت لهم طعاما، فلما رجع، قالت: يا رسول الله إنا ذبحنا لكم شاة، واتخذنا لكم طعاما، فادخلوا فكلوا فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكانوا لا يبدءون حتى يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم لقمة، فلم يستطع أن يسيغها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذه ذبحت بغير إذن أهلها» ،
فقالت المرأة: يا رسول الله، إنا لا نحتشم من آل معاذ، نأخذ منهم ويأخذون منا، في لفظ: إنا لا نحتشم من آل فلان ولا يحتشمون منا، نأخذ منهم، ويأخذون منا،
وروى الطبراني عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار قوما من الأنصار في دارهم فذبحوا له شاة، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من اللحم شيئا ليأكله، فمضغه ساعة لا يسيغه فقال: «ما شأن هذا اللحم؟» قالوا: شاة لفلان ذبحناها حتى يجيء نرضيه من ثمنها، فقال: «أعطوها الأسارى» .(10/53)
الباب الثامن في إخباره صلى الله عليه وسلم بنزول قوم بالجابية وأخذ الطاعون إياهم فكان كما أخبر
روى الطبراني من طريق الحسن بن يحيى الخشني أن معاذاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تنزلون منزلا يقال له الجابية أو الجويبية فيصيبكم فيه داء مثل غدتي الجمل يستشهد الله تعالى به أنفسكم وزراريكم، ويزكي به أعمالكم» .
الباب التاسع في إخباره صلى الله عليه وسلم شداد بن أوس رضي الله عنه بأنه يعافى من مرضه وأن يسكن الشام فكان كذلك
روى الطبراني عن شداد بن أوس رضي الله عنه أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجود بنفسه، فقال: «مالك يا شداد؟» قال: ضاقت بي الدنيا، قال: «عليك، (الشام تفتح) ويفتح (بيت المقدس) [ (1) ] فتكون أنت وولدك أئمة فيهم» .
الباب العاشر في إخباره صلى الله عليه وسلم من أرسله إلى ابنته بما حبسه
روى ابن عساكر من طريق أبي العاصم، قال: حدثني مولى لعثمان بن عفان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى عثمان بهدية، فاحتبس (الرسول) ثم جاء، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ما حبسك؟» ثم قال: إن شئت أخبرتك بما حبسك، كنت تنظر إلى عثمان مرة، وإلى رقية مرة، أيهما أحسن؟» قال: إي والذي بعثك بالحق، إنه الذي حبسني.
وروى ابن عساكر من طريق الزبير بن بكار قال: حدثني محمد بن سلام الجمحي قال:
حدثني أبو المقدام مولى عثمان بن عفان قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم رجل بظلف إلى عثمان بن عفان، فاحتبس الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن شئت أخبرتك بما حبسك» ، قال: نعم، يا رسول الله، قال: «تنظر إلى عثمان ورقية تعجب من حسنهما» .
__________
[ (1) ] زيادة في ب.(10/54)
الباب الحادي عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم من قاتل الكفار قتالا شديدا أنه من أهل النار فقتل نفسه
روى البخاري عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون، فاقتتلوا، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا تبعها يضربها بالسيف، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنه من أهل النار» ، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه، قال: فخرج معه فكلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال:
فجرح الرجل جرحا شديدا فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه، فقتل نفسه فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أشهد أنك رسول الله، قال: «وما ذاك؟» قال: الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك، فقلت: أنا لكم به، فخرجت في طلبه، ثم جرح جرحا شديدا، فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة» .
وروى أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، فقال لرجل ممن يدعي الإسلام: «هذا من أهل النار» فلما حضر القتال، قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله، إن الذي قلت إنه من أهل النار، فإنه قد قاتل اليوم قتالا شديدا وقد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إلى النار» ، زاد غيره: فكاد بعض الناس أن يرتاب فبينما هو على ذلك إذ وجد الرجل ألم الجراح، فأهوى بيده إلى كنانته، فانتزع منها سهما فانتحر بها، فاشتد رجال من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، صدق الله حديثك، قد انتحر فلان فقتل نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بلال، قم فأذن: لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر» .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
مال: [....] .
شاذة: منفردا عن أصحابه.
فاذة: منفرد عن نظرائه.
ذباب السيف: حد طرفيه.(10/55)
الباب الثاني عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بسبب اللحم الذي صار حجرا
روى البيهقي وأبو نعيم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: أهدي إلي بضعة من لحم فقلت للخادم: ارفعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء سائل فقام على الباب، فقال: تصدقوا بارك الله فيكم، وذهب السائل، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقلت للخادم: أقربي إليه اللحم، فجاءت بها فإذا هي قد صارت مروة حجر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتاكم اليوم سائل فرددتموه؟» قلت: نعم، قال: «فإن ذاك لذاك» ، فما زالت حجرا في ناحية بيتها تدق حتى ماتت.
الباب الثالث عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بما سحر به
روى ابن سعد والحاكم وصححه والبيهقي وأبو نعيم عن زيد بن أرقم قال: كان رجل من الأنصار يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم ويأتمنه وأنه عقد له عقدا فألقاه في بئر فصرع لذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه ملكان يعودانه، فأخبراه أن فلانا عقد له عقدا، وهي في بئر فلان، ولقد اصفر الماء من شدة عقده، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم فاستخرج العقد فوجد الماء قد اصفر، فحل العقد، وقام النبي صلى الله عليه وسلم فلقد رأيت الرجل بعد ذلك يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يذكر له شيئا من ذلك ولم يعاقبه.
وروى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم طب حتى أنه ليخيل أنه صنع الشيء وما صنعه، وأنه دعا ربه ثم قال: «أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته؟» قلت: وما ذاك؟
قال: «جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لصاحبه:
ما وجع هذا الرجل؟ قال: مطبوب، قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في ماذا؟ [ (1) ] قال:
في مشط ومشاطه وجف طلقه، قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذروان» ، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هذه البئر التي أريتها كان نخلها رؤوس الشياطين، وكان ماؤها نقاعة الحناء» فأمر به فأخرج.
وروى البيهقي عن طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضا شديدا، فأتاه ملكان، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال أحدهما للآخر: ما ترى؟ قال: طب، قال: وما طبه؟ قال: سحر، قال: ومن سحره؟
__________
[ (1) ] في ح فيم ذا.(10/56)
قال: لبيد بن الأعصم اليهودي، قال: أين هو؟ قال: في بئر آل فلان تحت صخرة في ركية فأتوا الركي، فانزحوا ماءها، وارفعوا الصخرة، ثم خذوا الركية وأحرقوها» ، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمار بن ياسر في نضر فأتوا الركي فإذا ماؤها نقاعة الحناء، فنزحوا الماء، ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الركية، وأحرقوها، فإذا فيها وتر فيه إحدى عشرة عقدة، وأنزلت عليه هاتان السورتان فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس.
وروى أبو نعيم عن أنس رضي الله عنه قال: صنعت اليهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فأصابه من ذلك وجع شديد، فأتاه جبريل بالمعوذتين يعوذه بهما، فخرج إلى أصحابه صحيحا.
وروى ابن سعد عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: إنما سحره بنات أعصم أخوات لبيد وكان لبيد هو الذي ذهب به، فأدخله تحت راعوفة البئر، ودس بنات أعصم إحداهن، فدخلت على عائشة فسمعت عائشة تذكر ما أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بصره ثم خرجت إلى أخواتها بذلك، فقالت إحداهن: إن يكن نبيا فسيخبر، وإن يكن غير ذلك فسوف يدلهه هذا السحر فيذهب عقله، فدله الله عليه.
وروى ابن سعد عن عمر بن الحكم رضي الله عنه قال: سحر النبي صلى الله عليه وسلم في المحرم مرجعه من الحديبية.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
مشاطة: ما سقط من شعر عند مشطه.
الركية: البئر لم تطو.(10/57)
الباب الرابع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم معاذاً بأن ناقته تبرك بالجند.
روى ابن عبد الحكم في فتوح مصر- من طريق مكحول عن معاذ- رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم بعثه إلى اليمن، حمل على ناقته وقال: «يا معاذ، انطلق، حتى تأتي الجند، فحينما بركت بك هذه الناقة، فأذن وصل وابتن مسجدا» ، فانطلق معاذ رضي الله عنه حتى انتهى إلى الجند، دارت به الناقة وأبت أن تبرك، فقال: هل من جند غير هذا؟ قالوا:
نعم، جند ركامة، فلما أتاه دارت، وبركت، فنزل معاذ بها فنادى بالصلاة ثم قام يصلي الجند.
ركانة [ (1) ] .
الباب الخامس عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم من سأل رجلا عن حاله بما سأل عنه.
[ ... ]
الباب السادس عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الأرضة أكلت الصحيفة الظالمة التي كتبتها قريش
روى البيهقي وأبو نعيم من طريق موسى بن عقبة عن الزهري، وابن سعد عن شيخ من قريش، وابن سعد عن ابن عباس، وعاصم بن عمر بن قتادة وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم، دخل حديث بعضهم في بعض، وابن سعد عن عكرمة ومحمد بن علي، وابن عساكر عن الزبير بن بكار، وأبو نعيم عن عثمان بن أبي سليمان وبن جبير بن مطعم، أن المشركين اشتدوا على المسلمين كأشد ما كانوا حتى بلغ المسلمين الجهد، واشتد عليهم البلاء، حين هاجر المسلمون إلى النجاشي وبلغهم كرمه إياهم، وأجمعت قريش أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم علانية، فلما رأى أبو طالب عمل القوم جمع بني عبد المطلب، وأمرهم أن يدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم ويمنعوه ممن أرادوا قتله، فاجتمعوا على ذلك مسلمهم وكافرهم، فلما عرفت قريش أن القوم منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجمعوا أمرهم أن لا يجالسوهم ولا يبايعوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، حتى يسلموا
__________
[ (1) ] سقط في ح.(10/58)
رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل وكتبوا صحيفة وعهودا ومواثيق، لا يقبلوا من بني هاشم أبدا صلحا حتى يسلموه للقتل، فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلاث سنين، واشتد عليهم البلاء والجهد، وفي لفظ: فحصروا بني هاشم في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من تنبؤ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم رجال من بني عبد مناف ومن بني قصي ورجال سواهم من قريش قد ولدتهم نساء من بني هاشم، ورأوا أنهم قد قطعوا الرحم، وأجمعوا أمرهم من ليلتهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة منه وبعث الله تعالى على صحيفتهم الأرضة فأكلت كل ما كان فيها من عهد وميثاق، وكانت معلقة في سقف البيت، فلحست كل ما كان فيها من عهد وميثاق، فلم تترك فيها اسما لله إلا لحسته وبقي ما كان فيها من شرك أو ظلم أو قطيعة رحم.
وفي لفظ: فأكلت ما كان فيها من جور وظلم وبقي ما فيها من ذكر الله تعالى.
وفي لفظ: فأرسل الله تعالى على الصحيفة دابة فأكلت كل شيء فيها إلا اسم الله.
وفي لفظ: إلا باسمك اللهم، واطلع الله تعالى نبيه على الذي صنع بصحيفتهم.
وفي لفظ: ثم أطلع الله تعالى رسوله على أمر صحيفتهم، وأن الأرضة قد أكلت ما فيها من جور وظلم وبغي، وبقي ما كان فيها من ذكر الله تعالى، فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب، فقال أبو طالب: لا والثواقب، ما كذبني فانطلق يمشي بعصابة من بني عبد المطلب حتى أتى المسجد، وهو حافل من قريش فلما رأوهم عامرين بجماعتهم أنكروا ذلك، وظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء، فأتوا ليعطوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم أبو طالب، فقال: قد حدثت أمور بينكم لم نذكرها لكم فأتوا بصحيفتكم التي تعاهدتم عليها، فلعلّه أن يكون بيننا وبينكم صلح، وإنما قال ذلك خشية أن ينظروا في الصحيفة قبل أن يأتوا بها، فأتوا بصحيفتهم معجبين بها لا يشكون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدفوعا إليهم، فوضعوها بينهم فقال أبو طالب: إنما أتيتكم لأعطيكم أمرا لكم فيه نصف، أن ابن أخي قد أخبرني أن الله تعالى بريء من هذه الصحيفة التي في أيديكم، ومحا منها كل اسم هو له فيها وترك فيها غدركم، وقطيعتكم إيانا، وتظاهركم علينا بالظلم، فإن كان ما قال ابن أخي كما قال فأفيقوا فو الله، لا يسلم أبدا حتى نموت من عند آخرنا، وإن كان باطلا رفعناه إليكم فقتلتم أو استحييتم، قالوا: قد رضينا بالذي تقول، ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قد أخبر خبرها، فلما رأتها قريش كالذي قال، قالوا: والله إن كان هذا قط إلا سحر من صاحبكم! فقال: أولئك النفر: إن الأولى بالكذب والسحر غيرنا فإنا نعلم أن الذي اجتمعتم عليه من قطيعتنا أقرب إلى الجبت والسحر، ولولا أنكم اجتمعتم على السحر لم تفسد صحيفتكم، وهي بأيديكم طمس الله تعالى ما كان فيها(10/59)
من اسم له وما كان من بغي تركه أفنحن السحرة أم أنتم؟ فقال عند ذلك النفر من بني عبد مناف ومن قصي: نحن براء من هذه الصحيفة، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فعاشوا، وخالطوا الناس، وقال أبو طالب في الصحيفة:
ألم يأتكم أن الصحيفة مزقت ... وأن كل ما لم يرضه الله يفسد
كان كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة العبدري، فشلت يده حتى يبست فما كان ينتفع بها، فكانت قريش تقول بينها: إن الذي صنعنا إلى بني هاشم لظلم، انظروا ما أصاب منصور بن عكرمة.
الباب السابع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم قريشا ليلة الإسراء بصفة بيت المقدس ولم يكن رآه قبل ليلة الإسراء
قد تقدم في أبواب المعراج أن المشركين قالوا له: يا محمد، صف لنا بيت المقدس كيف بناؤه، وكيف هيئته وكيف قربه من الجبل؟ فقال لهم: «بناؤه كذا وهيئته كذا» حتى التبس عليه النعت فوضع جبريل له بيت المقدس وسألوه عن أبوابه، ولم يكن أتاها فجعل ينظر إليه ويخبرهم بها، وأبو بكر يقول: صدقت، صدقت فراجعها إن شئت.
الباب الثامن عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم نوفل بن الحارث بماله الذي خبأه بجدة
روى البيهقي عن العباس بن عبد المطلب أنه قال: يا رسول الله، إني قد كنت مسلما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعلم بإسلامك فإن يكن كما تقول فالله يجزيك بذلك فأما ظاهر منك فكان علينا فافد نفسك وابني أخيك نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب وحليفك عتبة بن عمرو أخي بني الحارث بن فهر» ، قال: ما أخال ذاك عندي يا رسول الله. قال: «فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل، فقلت لها: إن أصبت في سفري فهذا المال لبني الفضل بن العباس وعبد الله بن العباس وقثم بن العباس؟» فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: والله يا رسول الله إني لأعلم أنك رسول الله إن هذا شيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ذاك شيء أعطاناه الله تعالى منك» ففدى نفسه وابني أخويه وحليفه، وأنزل الله عز وجل يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
[الأنفال 70] .(10/60)
الباب التاسع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل مجذر بن زياد
[روى ابن سعد أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أن الحارث بن سويد قتل المجذر بن زياد غيلة وأمره أن يقتله به فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن سويد بالمجذر بن زياد وكان الذي ضرب عنقه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عويم بن ساعدة على باب مسجد قباء] .
الباب العشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل أصحابه يوم الرجيع
روى البخاري والبيهقي عن أبي هريرة، والبيهقي وأبو نعيم عن ابن شهاب والبيهقي من طريق ابن إسحاق أن خبيبا لما قال: اللهم إني لا أجد من يبلغ رسولك عني السلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ: «وعليك السلام» قال أصحابه: يا رسول الله، من قال؟ قال: «خبيب يقتل» ، وفي لفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ذلك اليوم الذي قتل فيه خبيب: «عليك السلام خبيب قتلته قريش» .
الباب الحادي والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل أصحابه يوم بئر معونة
روى مسلم والبيهقي عن أنس رضي الله عنه أن أناسا جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا:
ابعث معنا رجالا يعلموننا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم: القراء، فتعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا إنا قد لقيناك، فرضينا عنك ورضيت عنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «إن إخوانكم قتلوا، فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أن قد لقيناك فرضينا عنك، ورضيت عنا» .
وروى البيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، فلم نلبث إلا قليلا، حتى قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إن إخوانكم قد لقوا المشركين واقتطعوهم فلم يبق منهم أحد، وإنهم قالوا: ربنا بلغ قومنا إنا قد رضينا ورضي عنا ربنا، فأنا رسولهم إليكم، إنهم قد رضوا ورضي عنهم» .(10/61)
الباب الثاني والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن خيبر تفتح على يد علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه
روى الشيخان عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح خيبر:
«لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه» ، فلما أصبح قال: «أين علي بن أبي طالب؟» قالوا: يشتكي عينيه، قال: «فأرسلوا إليه» ، فأتي به، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع.
وروى الشيخان عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كان علي رضي الله عنه [ (1) ] تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر وكان رمدا، فقال: أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم!! فخرج فلحق به، فلما كان مساء الليلة التي فتح الله في صباحها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله، يفتح الله عليه» ، فإذا نحن بعلي وما نرجوه، فقالوا: هذا علي، فأعطاه الراية ففتح الله عليه.
ورواه مسلم (من) [ (2) ] وجه آخر عن سلمة وذكر قوله: فبصق في عينيه فبرأ. ورواه الحارث وأبو نعيم من وجه آخر عن سلمة وزاد فأخذ الراية، فخرج بها حتى ركزها تحت الحصن، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن فقال: من أنت؟ قال: علي، قال: علوتم وما أنزل على موسى، فما رجع حتى فتح الله على يديه.
وروى البيهقي وأبو نعيم عن بريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خيبر:
«لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله يأخذها عنوة» ، وليس ثم علي فتطاولت لها قريش، وجاء علي على بعير له وهو أرمد، قال: «ادن مني» ، فتفل في عينيه فما وجعها حتى مضى لسبيله ثم أعطاه الراية.
__________
[ (1) ] سقط في ب.
[ (2) ] في ح «في» .(10/62)
الباب الثالث والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم عن رجل قاتل الكفار قتالا شديدا أنه من أهل النار فمات فوجدوه قد غلّ من الغنيمة وما في ذلك من الآيات
روى أبو داود والنسائي عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا على صاحبكم، إنه غل في سبيل الله» ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزا من خرز يهود ما يساوي درهمين.
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فقال لرجل ممن يدعي الإسلام: «هذا من أهل النار» ، فلما حضرنا القتال قاتل قتالا شديدا، فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله، الرجل الذي قلت له آنفا: أنه من أهل النار، فإنه قاتل قتالا شديدا، وقد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إلى النار» ، فكاد بعض المسلمين أن يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل: فإنه لم يمت ولكن به جراحا شديدا، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح، فقتل نفسه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله» ، ثم أمر بلالا فنادى في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.
وروي عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا تبعها فضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إما أنه من أهل النار» ، فقال رجل من القوم:
أنا صاحبه أبدا، قال: فجرح الرجل جراحا شديدا، فاستعجل الموت فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه، فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وما ذاك؟» قال: الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك فقلت: أنا لكم به فخرجت في طلبه حتى جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة» ، وقد تقدم في غزوة أحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر قرمان يقول: «أنه من أهل النار» فقتل نفسه.(10/63)
الباب الرابع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل من قتل في غزوة مؤتة يوم أصيبوا
روى البيهقي وأبو نعيم عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب رضي الله عنه قال: زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مر علي جعفر بن أبي طالب في الملائكة يطير كما يطيرون له جناحان، وزعموا أن يعلى بن منيه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر أهل مؤتة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إن شئت فأخبرني، وإن شئت أخبرتك» ، قال: أخبرني يا رسول الله به، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهم كلهم ووصفه لهم فقال: والذي بعثك بالحق، ما تركت من حديثه حرفا لم تذكره، وإن أمرهم لكما ذكرت، فقال: «إن الله رفع لي الأرض حتى رأيت معتركهم» .
وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث زيدا وجعفرا وعبد الله ابن رواحة ودفع الراية إلى زيد فأصيبوا جميعا، فنعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يجيء الخبر، فقال: «أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب» ، ثم أخذها خالد بن الوليد من غير أمره ففتح عليه.
الباب الخامس والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بكتاب حاطب إلى أهل مكة
روى ابن إسحاق والبيهقي عن عروة رضي الله عنه قال: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم علي المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه من المسير إليهم ثم أعطاه امرأة من مزينة، وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرونها وخرجت به، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام، فقال: «أدركا امرأة قد كتب معها حاطب كتابا إلى قريش يحذرهم» .
وروى الشيخان عن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد، فقال: «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها» ، قال [ (1) ] : فانطلقنا تعادي بنا خيلنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، قلنا لها: أخرجي الكتاب، قالت: ما معي كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، قال: فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس بمكة من
__________
[ (1) ] سقط في ح.(10/64)
المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا حاطب، ما هذا؟!» قال: يا رسول الله، لا تعجل علي، إني كنت امرأ ملصقا في قريش، يقول: كنت حليفا ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت أن تكون إذ فاتني ذاك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتدادا عن ديني، ولا رضى بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنه قد صدقكم» ، فقال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال: «إنه شهد بدرا، وما يدريك، لعل الله اطلع على من شهد بدرا، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم!» فأنزل الله تعالى هذه الآية:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ إلى قوله:
فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ
[الممتحنة 1] .
الباب السادس والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم الأنصار بما قالوه في غزوة الفتح
روى مسلم والطيالسي والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالت الأنصار يوم فتح مكة: أما الرجل فقد أدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته، وكان الوحي إذا جاء لم يخف علينا، فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينقضي الوحي فلما رفع الوحي قال: «يا معشر الأنصار، قلتم: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته كلا فما أسمي إذن كلا، إني عبد الله ورسوله المحيا محياكم، والممات مماتكم» ، فأقبلوا يبكون، وقالوا والله، ما قلنا إلا للضن بالله ورسوله، فقال: «إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم» .
الباب السابع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم عثمان بن طلحة بأنه سيصير مفتاح البيت إليه يضعه حيث شاء
روى ابن سعد عن عثمان بن طلحة قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة فدعاني إلى الإسلام، فقلت: يا محمد، العجب لك حيث تطمع أن أتبعك، وقد خالفت دين قومك، وجئت بدين محدث وكنا نفتح الكعبة في الجاهلية يوم الاثنين والخميس فأقبل يوما يريد الكعبة أن يدخلها مع الناس، فغلظت عليه، ونلت منه وحلم عني، ثم قال: «يا عثمان، لعلك سترى هذا المفتاح بيدي، أضعه حيث شئت» ، فقلت: لقد هلكت قريش، وذلت، فقال:
«بل عمرت يومئذ وعزت» . فدخل الكعبة، فوقعت كلمته مني موقعا، ظننت أن الأمر سيصير(10/65)
إلى ما قال، فأردت الإسلام، فإذا قومي يزبرونني زبراً شديدا، فلما كان يوم فتح مكة، قال لي:
«يا عثمان، ائت بالمفتاح» فأتيته به فأخذه مني ثم دفعه إلي، وقال: «خذها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم» ، فلما وليت ناداني، فرجعت إليه، فقال: «ألم تكن الذي قلت لك؟» فذكرت قوله لي بمكة قبل الهجرة، لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي، أضعه حيث شئت، فقلت: بل أشهد أنك رسول الله حقا.
الباب الثامن والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم شيبة بن عثمان بأنه لم يسلم بعد
روى البيهقي وابن عساكر عن شيبة بن عثمان رضي الله عنه قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، والله، ما خرجت إسلاما، ولكني خرجت اتقاء أن تظهر هوازن على قريش، فو الله، إني لواقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قلت: يا رسول الله، إني لأرى خيلا بلقا قال:
«يا شيبة، إنه لا يراها إلا كافر» ، قال: فضرب بيده في صدري فقال: «اللهم اهد شيبة» ، ففعل ذلك ثلاثا، فما رفع النبي صلى الله عليه وسلم يده عن صدري الثالثة حتى ما أجد من خلق الله أحب إلي منه.
وروى ابن سعد وابن عساكر عنه قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قلت: أسير مع قريش إلى هوازن، بحنين فعسى إن اختلطوا أن أصيب غرة من محمد فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها، وأقول: لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا اتبع محمدا ما اتبعته أبدا فكنت مرصدا لما خرجت له لا يزداد الأمر في نفسي إلا قوة فلما اختلط الناس اقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغلته فدنوت منه، ورفعت سيفي حتى كدت أسوره فرفع لي شواظ من نار كالبرق كاد يمحشني فوضعت يدي على بصري خوفا عليه فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ادن مني» ، فدنوت فمسح صدري، وقال: «اللهم أعذه من الشيطان» فو الله لهو من حينئذ أحب إلي من سمعي وبصري ونفسي، وأذهب الله ما كان بي، فقال: «يا شيبة، الذي أراد الله بك خيرا مما أردت بنفسك؟» ثم حدثني بما أضمرت في نفسي! فقلت: بأبي أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، استغفر لي يا رسول الله، قال: «غفر الله لك» .(10/66)
الباب التاسع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن بما قاله لأهل الطائف
روى البيهقي وأبو نعيم عن عروة قال: استأذن عيينة بن حصين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي أهل الطائف يكلمهم، لعل الله تعالى أن يهديهم فأذن له، فأتاهم، فقال: تمسكوا بمكانكم فو الله لنحن أذل من العبيد، وأقسم بالله لو حدث به حدث لتمسن العرب عز ومنعة فتمسكوا بحصنكم، وإياكم أن تعطوا بأيديكم ولا يتكاثرنّ عليكم قطع هذا الشجر، ثم رجع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ماذا قلت لهم؟» قال: قلت لهم، وأمرتهم بالإسلام ودعوتهم إليه، وحذرتهم من النار، ودللتهم إلى الجنة، قال: «كذبت، بل قلت لهم: كذا وكذا» ، فقال: صدقت، يا رسول الله، أتوب إلى الله تعالى وإليك من ذلك.
الباب الثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل كسرى يوم قتل
روى البزار والبيهقي وأبو نعيم عن دحية، وأبو نعيم عن سعيد بن جبير، وابن سعد عن ابن عباس، وأبو نعيم وأبو سعد في «شرف المصطفى» ، والإمام أحمد والبزار والطبراني وأبو نعيم عن أبي بكرة، والديلمي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرسول صاحب صنعاء: «اذهبوا إلى صاحبكم، فقولوا: إن ربي قد قتل ربكم الليلة» ، وفي لفظ:
«انطلقا إلى باذان فأعلماه أن ربي قد قتل كسرى في هذه الليلة» .
وفي لفظ: «أبلغا صاحبكما أن ربي قد قتل ربه كسرى في هذه الليلة، لسبع ساعات مضت منها وإن الله سلط عليه ابنه شيرويه فقتله» ، فرجعا إلى باذان بذلك فأسلم هو والأبناء الذين باليمن.
وفي لفظ: فأخبرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بإن الله قد قتل كسرى وسلط عليه ابنه شيرويه في ليلة كذا من شهر كذا بعد ما مضى من الليل، وقولا له: «إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ ملك كسرى، وقولا له: إن أسلمت أعطيتك ما تحت يدك» ، فقدما على «باذان» فأخبراه، فقال دحية:
ثم جاء الخبر بأن كسرى قد قتل تلك الليلة.
وفي لفظ: فقال باذان: فو الله، ما هذا بكلام ملك، ولننظر ما قال، فلم يلبث أن قدم عليه كتاب شيرويه، أما بعد، فإني قتلت كسرى، فلا كسرى بعد اليوم، وقد قتل قيصر، فلا قيصر بعد اليوم، فكتب قوله في الساعة التي تحدث بها واليوم والشهر، فإذا كسرى قد قتل وإذا قيصر قد مات.(10/67)
الباب الحادي والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأناس يسمون الخمر بغير اسمها
روى الطبراني برجال ثقات عن ابن عباس والنسائي عن رجل من الصحابة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن ناسا من أمتي يشربون الخمر، يسمونها بغير اسمها» .
وروى الإمام أحمد بسند لا بأس به، وابن ماجه، وابن منيع، وابن أبي عاصم، والنسائي، والضياء عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يستحل طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها» .
وروى ابن عساكر عن ابن كيسان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستشرب أمتي من بعد الخمر، يسمونها بغير اسمها يكون عونهم عليها أمراءهم» .
وروى ابن ماجه، والطبراني في الكبير، وأبو نعيم في الحلية، والضياء في المختارة بسند ضعيف عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تذهب الأيام والليالي حتى تشرب طائفة من أمتي الخمر، ويسمونها بغير اسمها» .
وروى عبد الرزاق عن جرير مرسلا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتشربن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه» .
الباب الثاني والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الأذان في آخر الزمان يليه سفلة الناس، ويرغب عنه سادتهم
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن» ، فقال رجل: يا رسول الله، تركتنا نتنافس في الآذان، فقال: «إنه يكون زمان سفلتهم مؤذنوهم» .
رواه أبو طاهر السلفي في بعض أجزائه،
وقال: تفرد به أبو حمزة محمد بن ميمون السمرقندي المعروف بابن السكوي وهو أحد الأئمة من علماء المشرق وفقهائهم، متفق على عدالته وأمانته، وفيه دلالة موضحة على ما خص الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من إعلامه بما يكون بعده من الحوادث.
وقال الحافظ أبو نعيم: هذا من دلائل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا نشاهد جماعة أخزاهم الله تعالى من حيله إلا منا من المؤذنين يتنافسون عليه ويتحاسدون تشوقا وتكسبا، والفصحاء والأمناء عن التأذين مرفوعون.(10/68)
الباب الثالث والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الأمر سيعود في حمير
روى الطبراني برجال ثقات عن ذي مخمر، والإمام أحمد ونعيم بن حماد في الفتن، والبغوي عن سمرة عن ذي مخمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان هذا الأمر في حمير، فنزعه الله منهم، فجعله في قريش، وسيعود إليهم» .
الباب الرابع والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه لا يبقى أحد من أصحابه بعد المائة من الهجرة
روى ابن حبان عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تسألوني عن الساعة، والذي نفسي بيده، ما على الأرض نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة» .
وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو عوانة، وابن حبان، والحاكم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تسألوني عن الساعة، وإنما علمها عند الله» ، وأقسم بالله، ما على الأرض من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة.
وروى مسلم وابن حبان عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تأتي مائة سنة، وعلى الأرض نفس منفوسة» .
وروى الطبراني في الكبير، والحاكم، وابن عساكر والحسن بن سفيان وابن شاهين، وابن قانع عن سفيان بن وهب الخولاني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تأتي مائة سنة وعلى ظهرها أحد باق» .(10/69)
الباب الخامس والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بمن أخذ بكشح المرأة
روى ابن أبي شيبة برجال ثقات عن أبي شهم رضي الله عنه قال: أتيت المدينة، فمرت بي امرأة، فأخذت بكشحها، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع الناس، قال: فأتيته فلم يبايعني، وقال: «أنت صاحب الجبذة بالأمس» ، فقلت: يا رسول الله، لا أعود له يا رسول الله، فبايعني.
الباب السادس والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال الدجال
روى الحميدي عن رجل من بني حنيفة، قال: قال لي أبو هريرة رضي الله عنه: أتعرف الدجال؟ قلت: نعم، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ضرسه في النار أعظم من أحد، وكان أسلم ثم ارتدّ ولحق بمسلمة» ، وقال: «كبشان انتطحا فأحبها إلي أن يغلب كبشي» .
الباب السابع والثلاثون باب إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه جعل بأس هذه الأمة بينها
عن معاذ بن جبل، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما صلاة فأطال فيها فلما انصرف قلنا (أو قالوا) : يا رسول الله! أطلت اليوم الصلاة، قال: «صليت صلاة رغبة ورهبة سألت الله عز وجل لأمتي ثلاثا. فأعطاني اثنتين ورد علي واحدة. سألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها، وسألته أن لا يهلكهم غرقا، فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فردها علي» .
الباب الثامن والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان
قال البخاري حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب قال أخبرنا أبو الزناد عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل حتى يكثر فيكم المال فيفيض» .
الباب التاسع والثلاثون إخباره صلى الله عليه وسلم بأن عبد الله بن بسر يعيش قرنا
روى البخاري في التاريخ الصغير أيضاً عن عبد الله بن بسر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يعيش هذا الغلام قرنا»
فعاش مائة سنة.(10/70)
جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به من الكوائن بعده فكان كما أخبر غير ما تقدم
الباب الأول في إخباره صلى الله عليه وسلم بما يفتح على أصحابه وأمته من الدنيا وأنها سيكون لهم أنماط، وأنهم يتحاسدون ويقتتلون
روى الإمام أحمد ومسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ستفتح عليكم الأرضون ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه» .
وروى (مسلم) [ (1) ] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدنيا خضرة حلوة، وإن الله مستخلفكم فيها، لينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» .
وروى الشيخان عن عمرو بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والله، ما أخشى عليكم الفقر، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا، كما بسطت علي من كان قبلكم، فتنافسوا كما تنافسوا وتلهيكم كما ألهتهم» .
وروى الشيخان عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل لكم من أنماط؟» قلنا: يا رسول الله، وأنى لنا أنماط؟ قال: «إنها ستكون لكم أنماط، فأنا أقول اليوم لامرأتي نحي عني أنماطك، فتقول: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها ستكون لكم أنماط بعدي» .
وروى الإمام أحمد، والحاكم وصححه، والبيهقي عن طلحة النضري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عسى أن تدركوا زمانا حتى يغدى على أحدكم بجفنة، ويراح عليه بأخرى، وتلبسون أمثال أستار الكعبة» ، قالوا: يا رسول الله، أنحن اليوم خير أم ذاك اليوم؟ قال:
«بل أنتم اليوم خير، أنتم اليوم متحابون، وأنتم يومئذ متباغضون، يضرب بعضكم رقاب بعض» .
وروى أبو نعيم في الحلية عن الحسن رضي الله عنه مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
__________
[ (1) ] في ح سلمه.(10/71)
«ستفتح مشارق الأرض ومغاربها على أمتي ألا وعمالها في النار، إلا من اتقى الله، وأدى الأمانة» .
وروى الطبراني في الكبير عن وحشي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعلكم ستفتحون بعدي مدائن عظاما، وتتخذون في أسواقها مجالس، فإذا كان ذلك فردوا السلام، وغضوا من أبصاركم، وأهدوا الأعمى، وأعينوا المظلوم» .
وروى البغوي عن طلحة بن عبد الله البصري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم ستدركون زمانا من أدركه منكم يلبسون فيه مثل أستار الكعبة، ويغدى ويراح عليه بالجفان» .
وروى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مشت أمتي بالمطيطياء وخدمها أبناء فارس والروم، رد الله بأسهم بينهم، وسلط شرارهم على خيارهم» .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
الأنماط: بهمزة مفتوحة فنون ساكنة وآخرها طاء مهملة: نوع من البسط له حمل رقيق يغشى به الفرش والهوادج واحدها نمط.
الحلة: ثوبان من جنس واحد.
الصحفة: إناء كالقصعة.
المطيطاء: بميم مضمومة ومهملتين بينهما تحتية تمد وتقصر بمعنى التمطي أي:
التبختر مع مد اليدين، وهي من المصغرات التي لم يستعمل لها مكبر.(10/72)
الباب الثاني في إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح الحيرة وفارس
روى أبو نعيم، والبيهقي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه وأشار إلى تضعيفه وقال:
المشهور إن هذا الحديث عن خريم بن أوس وهو الذي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنه يقتله، وأخرجه كذلك ابن قانع في معجم الصحابة، والبخاري في تاريخه، والطبراني، والبيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب، أو إنكم ستفتحونها» ، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، هب لي ابنة نفيلة، فقال: «هي لك» ، فأعطاه إياها لما فتحت، فجاء أبوها فقال: أتبيعها؟ قال: نعم، قال: بكم قال: احكم بما شئت، قال: ألف درهم، قال: لو قلت ثلاثين ألفا لأخذتها قال: وهل عدد أكثر من ألف؟.
ورواه الطبراني في الكبير بلفظ: «تمثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب وإنكم ستفتحونها» .
وروى الطبراني والبيهقي وأبو نعيم عن خريم بن أوس بن حارثة بن لام رضي الله عنه قال: هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من تبوك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه الحيرة البيضاء قد رفعت لي، وهذه الشهباء بنت نفيلة الأزدية على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود» ، فقلت: يا رسول الله إن نحن دخلنا الحيرة فوجدتها كما قلت فهي لي، قال: «هي لك» ، فلما كان زمان أبي بكر وفرغنا من مسيلمة، أقبلنا إلى الحيرة فأول من تلقانا حين دخلناها الشهباء بنت نفيلة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود» ، فتعلقت بها،
وقلت: هذه وهبها لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني خالد بن الوليد عليها بالبينة، فأتيته بها، وكانت البينة محمد بن مسلمة، ومحمد بن بشر الأنصاري فسلمها إلي، فنزل إليها أخوها، يريد الصلح، فقال: تعال، بعنيها، فقلت: لا أنقصها، والله، من عشرة مائة درهم، فأعطاني ألف درهم، فقيل: لو قلت لي مائة ألف لدفعها إليك، قال: ما كنت أحسب أن عددا أكثر من عشرة مائة.
وفي رواية فجاء أبوها، فقال: أتبيعها؟ قال: بكم؟ قال: بألف درهم، قال: لو قلت:
بثلاثين ألفا لأخذتها، قال: وهل عدد أكثر من ذلك.(10/73)
الباب الثالث في إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح اليمن والشام والعراق
روى ابن عساكر عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستفتح عليكم الشام فعليكم بمدينة يقال لها دمشق، فإنها خير مدائن الشام، وهي معقل المسلمين من الملاحم وفسطاطها منها بأرض يقال لها الغوطة ومعقلهم من الدجال ببيت المقدس، ومعقلهم من يأجوج ومأجوج الطور» .
وروى الطبراني في الكبير وابن عساكر عن محمد بن عبد الرحمن بن شداد بن أوس عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا إن الشام، وبيت المقدس ستفتح عليكم، إن شاء الله وتكون أنت وولدك من بعدك أئمة بها إن شاء الله» .
وروى الشيخان والإمام مالك وعبد الرزاق وابن خزيمة وابن حبان عن سفيان بن أبي زهير رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تفتح اليمن، فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهلهم، ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم، لو كانوا يعلمون، وتفتح الشام فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون» .
وروى الإمام أحمد عن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستهاجرون إلى الشام فيفتح لكم ويكون عليكم داء كالدمل أو كالحرة، يأخذ بمراق الرجل، فيستشهد الله به أنفسهم، ويزكي أعمالهم» .
وروى الطبراني في الكبير عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تجند الناس أجنادا جند باليمن وجند بالشام، وجند بالمشرق، وجند بالمغرب، عليكم بالشام، فإنها صفوة الله من بلاده ليسوق إليها صفوته من عباده، عليكم بالشام، فإن الله تكفل بالشام وأهله، فمن أبى فليلحق بيمينه» .
وروى الطبراني في الكبير والبيهقي عن عبد الله بن حوالة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أبشروا فو الله، لأنا لكثرة الشيء أخوف عليكم من قلته، والله لا يزال هذا الأمر فيكم، حتى يفتح الله أرض فارس، وأرض الروم، وأرض حمير، وحتى يكون أجناد ثلاثة:
جند بالشام، وجند بالعراق، وجند باليمن، وحتى يعطى الرجل المائة فيسخطها» ، قيل: ومتى نستطيع الشام مع الروم ذات القرون؟ فقال: «والله ليفتحها الله عليكم، ويستخلفكم فيها حتى تظل العصابة منها البيض قمصهم المحلقة أقفاؤهم قياما على الرويجل الأسود منكم، ما أمرهم بشيء فعلوه وإن بها اليوم رجالا لأنتم أحقر في عيونهم من القردان في أعجاز الإبل» ، قال(10/74)
عبد الله بن حوالة: اختر لي يا رسول الله، إن أدركني ذلك، قال: «إني أختار لك الشام، (فإنها صفوة الله من بلاده، وإليها يجتبي صفوته من عباده، يا أهل اليمن عليكم بالشام فإن من صفوة الله من أرضه الشام [ (1) ] ، فمن أبى فليستبق في غدر اليمن، فإن الله تبارك وتعالى قد تكفل لي بالشام وأهله» .
وروى ابن أبي حاتم والخليلي معا في فضائل قزوين، والرافعي في تاريخه عن بشير بن سلمان الكوفي عن رجل مرسلا والخطيب البغدادي في فضائل قزوين عن بشير بن سلمان عن أبي السرى عن رجل نسي أبو السرى اسمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اغزوا قزوين فإنه من أعلى أبواب الجنة» .
وأسند عن أبي زرعة: أنه قال: ليس في قزوين حديث أصح من هذا.
وروى الخليل بن عبد الجبار في فضائل قزوين، والرافعي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الثغور أرض ستفتح يقال لها: قزوين، من بات بها ليلة احتسابا مات شهيدا، وبعث مع الصديقين في زمرة النبيين حتى يدخل الجنة» .
__________
[ (1) ] سقط في ج.(10/75)
الباب الرابع في إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح بيت المقدس وما معه
روى البخاري والحاكم عن عوف بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اعدد ستا بين يدي الساعة موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون فيأتوكم تحت ثمانين غاية، (تحت كل غاية) اثنا عشر ألفا» .
وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والطبراني في الكبير عن معاذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستا من أشراط الساعة: موتي، وفتح بيت المقدس، وأن يعطى الرجل ألف دينار فيتسخطها، وفتنة يدخل حرها بيت كل مسلم، وموت يكون في الناس كقعاص الغنم، وأن يغدر الروم فيسيرون بثمانين بندا تحت كل بند اثنا عشر ألفا» .
وروى الطبراني برجال ثقات عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول هذا الأمر نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم يكون ملكا ورحمة، ثم يكون إمارة ورحمة، ثم يتكادمون عليها تكادم الحمير، فعليكم بالجهاد إن أفضل جهادكم الرباط، وإن أفضل رباطكم عسقلان» .(10/76)
الباب الخامس في إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح مصر وما يحدث فيها
روى البغوي والطبراني والحاكم وابن عبد الحكم في فتوح مصر من طريق مالك عن ابن شهاب وروى من طريق الليث، وفي آخره قال الليث: قلت لابن شهاب: ما رحمهم؟ قال:
إن أم إسماعيل منهم.
وروى من طريق ابن عيينة وابن إسحاق وأبو الشيخ وهذا الحديث صحيح، أخرجه الطبراني في الكبير [ (1) ] وأخرجه البيهقي وأبو نعيم، كلاهما في دلائل النبوة عن كعب بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا فتحتم مصر، فاستوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة ورحما» .
وروى ابن عساكر عن عمرو بن عبد الحكم من طريق يحيى بن ذاخر عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله سيفتح عليكم مصر، فاستوصوا بقبطها خيرا، فإن لكم فيهم صهرا وذمة» .
وروى مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستفتحون مصر، وهي أرض يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما» .
وروى أيضاً ابن عبد الحكم ومحمد بن الربيع الحبري في كتاب «من دخل مصر من الصحابة» رضي الله عنهم والبيهقي في دلائل النبوة عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما، فإذا رأيت رجلين يقتتلان على موضع لبنة فاخرج منها» ،
قال: فمر أبو ذر بربيعة، وعبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة يتنازعان في موضع لبنة، فخرج منها.
وروى الطبراني في الكبير، وأبو نعيم في دلائل النبوة بسند صحيح عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى عند وفاته فقال: «الله الله، في قبط مصر إنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة، وأعوانا في سبيل الله» .
وروى أبو يعلى في مسنده، وابن عبد الحكم بسند صحيح عن أبي عبد الرحمن الحبلي وعمرو بن حريث وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنكم ستقدمون على قوم جعد رؤوسهم فاستوصوا بهم خيرا، فإنهم قوة لكم وإبلاغ إلى عدوكم، بإذن الله» يعني قبط مصر.
وروى ابن عبد الحكم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبو يعلى في تاريخ مصر
__________
[ (1) ] سقط في ب.(10/77)
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا فتح الله عليكم مصر، فاتخذوا منها جندا كثيفا فذاك الجند خير أجناد أهل الأرض» ، فقال أبو بكر رضي الله عنه: ولم يا رسول الله؟ قال: «لأنهم في رباط إلى يوم القيامة»
انتهى.
تنبيهات
الأولى: اشتهر على ألسنة كثير من الناس في قوله تعالى: سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ أنها مصر، وقد نص ابن الصلاح على أن ذلك غلط نشأ من تصحيف، وإنما الوارد عن مجاهد وغيره من مفسري السلف في قوله سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ [الأعراف 145] مصيرهم، فصحف بمصر.
الثانية: قال ابن عبد الحكم: إن صهرهم تسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أي بمارية، ونسبهم إن أم إسماعيل، هاجر منهم من أم العرب قرية كانت أمام الفرما من مصر، وعن يزيد بن أبي حبيب أن قرية هاجر «باق» التي عند أم دنين.
الثالث:
ما رواه الطبراني عن رباح اللخمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن مصر ستفتح عليكم فانتجعوا خيرها ولا تتخذوها دارا فإنه يساق إليها أقل الناس أعمارا» ،
قال الشيخ: في إسناده مطهر بن الهيثم قال فيه أبو سعيد بن يونس: إنه متروك الحديث، قال: والحديث منكر جدا، قد أورده ابن الجوزي في الموضوعات.
الرابعة: روى ابن عبد الحكم عن يزيد بن حبيب أن المقوقس أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم عسلا من عسل بنها، فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له بالبركة، قال الشيخ: مرسل حسن الإسناد.
وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو عوانة وابن حبان رضي الله عنه عن أبي ذر أنه عليه الصلاة والسلام قال: «إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرا» .
وفي لفظ: «فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحما، فإذا رأيت رجلين يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها» .(10/78)
الباب السادس في إخباره صلى الله عليه وسلم بغزاة البحر وأن أم حرام منهم
روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان وكانت تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها يوما فأدخلته فأطعمته ثم جلست تفلي رأسه، فنام، ثم استيقظ يضحك فقالت: مم تضحك يا رسول الله؟ قال: «ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة، أو كالملوك على الأسرة» ، فقالت: فادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: يا رسول الله، ما يضحكك؟ قال: «ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة» ، قلت: يا رسول الله، فادع الله أن يجعلني منهم فقال: «أنت من الأولين» ،
فركبت البحر زمن معاوية مع زوجها عبادة بن الصامت، فلما انصرفوا من غزاتهم قافلين، قدموا إليها دابة لتركبها، فصرعتها فماتت، وفي لفظ: فصرعت.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
أم حرام: بمهملتين وميم بينهما ألف من بني عدي بن النجار ودخوله صلى الله عليه وسلم بمخزومية بينهما من حيث إن أم جده عبد المطلب من بني النجار.
ثبج: بمثلثة فموحدة مفتوحتين: وسطه.
الباب السابع في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتال خوز وكرمان وقوم نعالهم الشعر
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بين يدي الساعة تقاتلون قوما نعالهم الشعر» وهم أهل البارز.
وروى عن عمرو بن تغلب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بين يدي الساعة تقاتلون قوما ينتعلون بالشعر ولتقاتلن قوما كأن في وجوههم المجان المطرقة» .
وروى الإمام أحمد والشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزاً وكرمان قوما من الأعاجم حمر الوجوه فطس الأنوف صغار الأعين، وجوههم المجان المطرقة، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر» .
وروى مسلم وأبو داود والنسائي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك قوما وجوههم كالمجان المطرقة، يلبسون الشعر، ويمشون في الشعر» .(10/79)
وروى الإمام أحمد وابن ماجة وابن حبان والضياء في المختارة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما صغار الأعين عراض الوجوه، كأن أعينهم حدق الجراد، وكأن وجوههم المجان المطرقة، ينتعلون الشعر، ويتخذون الدرق حتى يربطوا خيولهم بالنخل» .
وروى الخطيب في تاريخه بسند ضعيف، والإمام أحمد، والطبراني في الكبير عن عمرو بن تغلب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما كأن وجوههم المجان المطرقة» .
وروى الشيخان، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وابن أبي شيبة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك عراض الوجوه صغار العيون ذلف الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر» .
وروى الشيخان وابن أبي شيبة وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك، قوما وجوههم كالمجان المطرقة، يلبسون الشعر، ويمشون في الشعر» .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
خوزا: بمعجمة مضمومة وواو ساكنة: طائفة من الترك [ (1) ] .
الباب الثامن في إخباره صلى الله عليه وسلم بغزو الهند وفتح فارس والروم
روى النسائي والطبراني بسند جيد عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار، عصابة تغزو الهند، وعصابة تكون مع عيسى ابن مريم عليهما السلام» .
وروى الطبراني عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لتفتحن عليكم فارس والروم، ولتصبن عليكم الدنيا صبا، وليكثرن عليكم الخبز واللحم حتى لا يذكر على كثير منه اسم الله تعالى» .
وروى البزار عن سعد بن أبي وقاص، والطبراني في الكبير عن عبد الله بن بسر
__________
[ (1) ] ثبت في الأصل الخرز: بالتحريك ضيق العين وصغرها.(10/80)
رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يظهر المسلمون على الروم (ويظهر المسلمون على فارس) ويظهر المسلمون على جزيرة العرب» .
وروى الحارث مرسلا عن أبي محيريز قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فارس نطحة أو نطحتان، ثم لا فارس بعد هذا أبدا، والروم ذات القرون كلما هلك قرن خلفه قرن، أهل صخر، وأهل بحر، هيهات لآخر الدهر، هم أصحابكم ما دام في العيش خير» .
وروى مسلم وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم، أي قوم أنتم؟» قال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله؟ قال: «أو غير ذلك، تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون أو نحو ذلك ثم تنطلقون في مساكن المهاجرين، فتجعلون بعضكم على رقاب بعض» .
وروى نعيم بن حماد في الفتن عن صفوان بن عمرو مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أن الله تعالى وعدني فارس والروم ونساءهم وأبناءهم، ولأمتهم وكنوزهم، وأمدني بحمير أعوانا» .
وروى الحاكم في الكنى والمستدرك عن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يظهر المسلمون على جزيرة العرب، ويظهر المسلمون على فارس، ويظهر المسلمون على الروم، ويظهر المسلمون على الأعور الدجال» .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والبغوي عن رجل من خثعم، ونعيم بن حماد في الفتن، وابن منده، وأبو نعيم في المعرفة عن عبد الله بن سعد الأنصاري، ونعيم بن حماد في الفتن عن صفوان بن عمرو مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أن الله تعالى أعطاني الكنزين كنز فارس والروم» .
وفي لفظ: أعطاني فارس (ونساءهم) [ (1) ] وأبنائهم وسلاحهم (وأموالهم) . وأعطاني الروم ونساءهم وسلاحهم (وأموالهم) ، وأمدني بحمير أعوانا.
وفي لفظ: «وعدني فارس والروم، ونساءهم وأبناءهم ولأمتهم وكنوزهم، وأمدني بحمير أعوانا» .
وفي لفظ: «وأمدني بالملوك ملوك حمير، ولا ملك إلا لله، يأتون فيأخذون من مال الله، ويقاتلون في سبيل الله» .
__________
[ (1) ] سقط في ج.(10/81)
الباب التاسع في إخباره صلى الله عليه وسلم بهلاك كسرى وقيصر، وإنفاق كنوزهما، وأنه لا يكون بعدهما كسرى ولا قيصر فكان ذلك
روى الإمام أحمد والشيخان وابن حبان عن جابر بن سمرة والإمام أحمد والشيخان، والترمذي والخطيب عن أبي سعيد رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا هلك كسرى، فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر، فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله» .
وروى أبو داود والطيالسي ومسلم وابن حبان، والحاكم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتفتحن عصابة من المسلمين كنوز كسرى التي في القصر الأبيض» فكنت أنا وأبي فيهم فأصابنا من ذلك ألف درهم.
وروى الحسن بن سفيان وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبشروا، فو الله، لأنا من كثرة الشيء أخوف عليكم من قلته، والله، لا يزال هذا الأمر فيكم حتى تفتح لكم أرض فارس والروم وأرض حمير، وحتى تكونوا أجنادا ثلاثة:
جندا بالشام، وجندا بالعراق، وجندا باليمن، وحتى يعطى الرجل المائة دينار فيتسخطها» .
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هلك كسرى، ثم لا يكون كسرى بعده، وقيصر، ليهلكن، ثم لا يكون قيصر بعده، ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله» .
وروى الشيخان عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا هلك كسرى، فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر، فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده، لتنفقن كنوزهما في سبيل الله» .
وروى أحمد وأبو يعلى والطبراني عن عفيف الكندي قال: قدمت مكة فأتيت العباس لأبايع منه، فإني لعنده بمنى إذ خرج رجل من خبأ قريب منه إذ نظر إلى السماء فلما رآها مالت قام يصلي، ثم خرجت امرأة، فقامت تصلي خلفه، ثم خرج غلام فقام معه يصلي، فقلت للعباس: ما هذا؟ قال: محمد بن أخي، وامرأته خديجة، وابن عمه علي يزعم أنه نبي، ولم يتبعه على أمره إلا امرأته وابن عمه، وهو يزعم أنه سيفتح عليه كنوز كسرى وقيصر.(10/82)
الباب العاشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بالخلفاء بعده وبالملوك والأمراء
روى مسلم وأبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون أمراء تعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من رغب وتابع» قالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم قال: «لا ما صلوا الصلاة» .
وروى النسائي عن عرفجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون بعدي هنات وهنات، فمن رأيتموه فارق الجماعة ويريد أن يفرق أمر أمة محمد كائنا من كان، فاقتلوه فإن يد الله على الجماعة، وإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض» .
وروى الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون عليكم أمراء من بعدي، يأمرونكم بما تعرفون، ويعملون بما تنكرون، فليس أولئك عليكم بأئمة» .
وروى أبو يعلى في مسنده والطبراني في الكبير عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون بعدي أمراء، يقولون ولا يرد عليهم يتقاحمون في النار كما تتقاحم القردة» .
وروى الطبراني في الكبير وابن عساكر عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال أمر أمتي صالحا حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش» .
وروى أبو داود الطيالسي ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي وابن خزيمة وأبو عوانة وابن حبان عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنت إذا (كان) عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها» قال: قلت: فما تأمرني قال صلى الله عليه وسلم: «صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة» .
وروى الطبراني في الكبير، والضياء عن عبد الله بن بسر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم إذا جارت عليكم الولاة؟» .
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، وابن سعد، والروياني، والضياء عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنت وأئمة من بعدي يستأثرون بهذا الفيء؟» قال قلت:
والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي فأضرب به حتى ألقاك، قال: «أولا أدلك على خير من ذلك؟ تصبر حتى تلقاني» .
وروى ابن حبان والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(10/83)
«كيف بكم إذا أتت عليكم أمراء لا يصلون الصلاة لوقتها» قيل: ما تأمرني يا رسول الله؟ قال:
«صل الصلاة لوقتها واجعل صلاتك معهم نافلة» .
وروى الطبراني عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أخاف عليكم ستا، إمارة السفهاء، وسفك الدماء، وبيع الحكم، وقطيعة الرحم، وناس يتخذون القرآن مزامير وكثرة الشرط» .
وروى أبو داود والإمام أحمد ونعيم بن حماد وأبو يعلى والبغوي وابن حبان، والترمذي، وقال حسن وأبو نعيم من فضائل الصحابة، والطبراني في الكبير عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه رومان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك» .(10/84)
الباب الحادي عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بخلفائه الأربعة رضي الله تعالى عنهم
روى أبو يعلى والحارث بن أبي أسامة والحاكم وصححه والبيهقي وأبو نعيم عن سفينة رضي الله عنه قال: لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، جاء أبو بكر بحجر فوضعه، ثم جاء عمر بحجر فوضعه، ثم جاء عثمان بحجر فوضعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هؤلاء ولاة الأمر من بعدي» .
وروى أبو يعلى، والحاكم، وأبو نعيم عن عائشة رضي الله عنها قالت: أول حجر حمله النبي صلى الله عليه وسلم لبناء المسجد، ثم حمل أبو بكر حجرا، ثم حمل عمر حجرا، ثم حمل عثمان حجرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هؤلاء الخلفاء بعدي» .
وروى أبو نعيم عن قطبة بن مالك قال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، وهو يؤسس مسجد قباء، فقلت: يا رسول الله تبني هذا البناء، وإنما معك هؤلاء الثلاثة، قال: «إن هؤلاء أولياء الخلافة بعدي» .
وروى الحاكم وصححه والبيهقي عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أرى الليلة (رجلا صالحا) أن أبا بكر نيط برسول الله، ونيط عمر بأبي بكر، ونيط عثمان بعمر» ، قال جابر: فلما قمنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: الرجل الصالح النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما ذكر من نوط بعضهم بعض، فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله تعالى به نبيه.
وروى ابن ماجه والحاكم عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقتدوا باللذين من بعدي أبو بكر وعمر»
وروى الحاكم مثله من حديث ابن مسعود.
وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بينما أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو، فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها أبو بكر، فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، والله يغفر له، ثم استحالت غربا فأخذها ابن الخطاب فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزعه، حتى ضرب الناس بعطن» وأخرجاه أيضاً من حديث ابن عمر رضي الله عنهما
قال الشافعي رحمه الله تعالى: رؤيا الأنبياء وحي، والضعف المذكور قصر مدة أبي بكر وعجلة موته.
وروى الطبراني وأبو نعيم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: «إنك مؤمر مستخلف، وإنك مقتول، وإن هذه مخضوبة من هذه، يعني لحيته من رأسه» .
وروى الحاكم عن ثور بن مجزاه قال: مررت بطلحة يوم الجمل، في آخر رمق، فقال(10/85)
لي: ممن أنت؟ فقلت من أصحاب أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فقال: ابسط يدك أبايعك، فبسطت يدي وبايعني، وفاضت نفسه، فأتيت عليا فأخبرته، فقال: الله أكبر، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى الله أن يدخل طلحة الجنة إلا وبيعتي في عنقه.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
[ ... ] .(10/86)
الباب الثاني عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بولاية معاوية
روى الديلمي عن الحسن بن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك معاوية» .
وروى ابن عساكر عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنك ستلي أمر أمتي من بعدي فإذا كان ذلك، فاقبل من محسنهم، وتجاوز عن مسيئهم» .
وروى البيهقي وضعفه عن معاوية، قال: ما حملني على الخلافة إلا
(قول) النبي صلى الله عليه وسلم لي: «يا معاوية، إن ملكت فأحسن» .
وروى ابن أبي شيبة في مسنده من طريق عبد الملك بن عمير عن معاوية، بلفظ: ما زلت أطمع في الخلافة، منذ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن ملكت فأحسن» .
وروى البيهقي عن سعيد بن العاص رضي الله عنه أن معاوية أخذ الإداوة فتبع النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: «يا معاوية، إن وليت أمرا فاتق الله واعدل» ،
(فما زلت أظن أني مبتلي بعمل لقول النبي صلى الله عليه وسلم) [ (1) ] .
وروى البيهقي عن عبد الله بن عمير رضي الله عنه قال: قال معاوية: والله ما حملني على الخلافة إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معاوية إن وليت أمرا فاتق الله، واعدل» ،
فما زلت أظن أني مبتلي بعمل لقول النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا معاوية، إن وليت أمرا، فاتق الله واعدل» ،
قال: فما زلت أظن أني مبتلي بعمل لقول النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى عن راشد بن سعد عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنك إن اتبعت عورات الناس أو عثرات الناس، أفسدتهم أو كدت تفسدهم» .
وروى الطبراني عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية:
«كيف بك لو قد قمصك الله قميصا؟ يعني الخلافة» ، فقالت أم حبيبة: يا رسول الله، وإن الله تعالى مقمص أخي قميصا؟ قال: «نعم، ولكن فيه هنات وهنات وهنات» .
وروى ابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا معاوية، إن الله ولاك من أمر هذه الأمة، فانظر ما أنت صانع» ، قالت أم حبيبة: أو يعطي الله أخي ذلك يا رسول الله؟ قال: «نعم، وفيها هنات وهنات وهنات» .
__________
[ (1) ] سقط في ج.(10/87)
وروى ابن عساكر من طريق الحسن عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنك ستلي أمر أمتي بعدي، فإذا كان ذلك، فاقبل من محسنهم، وتجاوز عن مسيئهم» ،
فما زلت أرجوها حتى قمت مقامي هذا.
وروى ابن سعد وابن عساكر عن مسلمة بن مخلد قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لمعاوية: «اللهم علمه الكتاب، ومكن له في البلاد، وقه العذاب» .
وروى ابن عساكر عن عروة بن رويم قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: صارعني، فقام إليه معاوية فقال: أنا أصارعك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لن يغلب معاوية أبدا» ، فصرع الأعرابي، فلما كان يوم صفين، قال علي رضي الله عنه: لو ذكرت هذا الحديث، ما قاتلت معاوية.(10/88)
الباب الثالث عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بولاية يزيد وأنه أول من يغير أمر هذه الأمة
روى الحارث وابن منيع ونعيم بن حماد في الفتن وابن عساكر وأبو يعلى، وفي سنده انقطاع، عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال أمر هذه الأمة قائما بالقسط، حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له: يزيد» .
وروى ابن أبي شيبة وأبو يعلى عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أن أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية» .
وروى الحاكم بسند جيد عن فاطمة بنت [ ... ] امرأة بني المغيرة أنها سألت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: هل تجد يزيد بن معاوية في الكتاب؟ قال لا أجده باسمه، ولكن أجد رجلا من شجرة معاوية، يسفك الدماء ويستحل الأموال، وينقض هذا البيت حجرا حجرا، فإن كان ذلك وأنا حي وإلا فذكريني، قال ابن الحويرث وكان منزلها على أبي قبيس، فلما كان زمن الحجاج وابن الزبير، ورأيت البيت ينقض قالت: رحم الله ابن عمرو، قد كان يحدثنا بهذا.
وروى ابن عساكر في تاريخه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يزيد، لا بارك الله في يزيد الطعان اللعان أما إنه نعي إلي حبيبي حسين، أتيت بتربته، ورأيت قاتله، أما إنه لا يقتل بين ظهراني قوم، فلا ينصرونه إلا عمهم الله بعقاب» .
وروى أبو يعلى ونعيم بن حماد في الفتن وابن عساكر وفي سنده انقطاع عن أبي عبيدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال هذا الدين، قائما بالقسط حتى يثلمه» ، وفي لفظ: «لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد» .(10/89)
الباب الرابع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بولاية بني أمية
روى ابن عساكر عن صخرة بن حبيب رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمروان بن الحكم، وهو مولود، ليحنكه فلم يفعل وقال: «ويل لأمتي من هذا وولد هذا» .
وروى أيضاً عن صالح بن أبي صالح عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم: فمر الحكم بن أبي العاص فقال: «ويل لأمتي مما في صلب هذا» .
وروى الطبراني في الكبير، والبيهقي عن ابن عباس ومعاوية معا وأبو يعلى عن أبي هريرة، والإمام أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير، والحاكم عن أبي سعيد، والدارقطنيّ والحاكم عن سبرة بن معبد، ونعيم بن حماد في الفتن، وابن عساكر عن أبي ذر رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا بلغ بنو الحكم» ، وفي لفظ «بنو أبي العاص» وفي لفظ «بنو أمية ثلاثين» ، وفي لفظ: «أربعين رجلا، اتخذوا عباد الله خولا، ومال الله دولا» ، وفي لفظ:
«بينهم دولا وكتاب الله دغلا وفي لفظ «دخلا» وفي لفظ: «كأن دين الله دخلا» ،
زاد ابن عباس ومعاوية فإذا بلغوا تسعة وتسعين وأربعمائة كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة، وفي رواية: قال ابن عباس لمعاوية: اللهم، نعم وذكر مروان حاجة له فرد مروان عبد الملك إلى معاوية فكلمه فيها فلما أدبر عبد الملك، قال معاوية: يا ابن عباس، أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر هذا، فقال: أبو الجبابرة الأربعة فقال ابن عباس: اللهم، نعم.
وروى الحاكم عن أبي هريرة، ومعاوية رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت في منامي كأن بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة» .
ورواه البيهقي في الدلائل، بلفظ: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني الحكم ينزون على منبره، فأصبح كالمتغيظ وذكر الحديث قال: فما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى مات.
وروى الطبراني عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت بني مروان يتعاورون منبري، فساءني ذلك، ورأيت بني العباس يتعاورون منبري، فسرني ذلك» ، وفي لفظ: «بني هاشم مكان بني العباس» .
وروى الطبراني في الكبير عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(10/90)
للحكم: «إن هذا سيخالف كتاب الله، وسنة نبيه، ويخرج من صلبه [ (1) ] فتن يبلغ دخانها السماء، وبعضكم يومئذ شيعته» .
وروى الطبراني في الأوسط، وابن عساكر عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال الخلافة في بني أمية يتلقفونها تلقف الكرة، فإذا نزعت منهم فلا خير في عيش» .
__________
[ (1) ] في ج صدره.(10/91)
الباب الخامس عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بولاية بني العباس رضي الله عنهم
روى الإمام أحمد بسند ضعيف عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان» ، وفي لفظ: «يخرج من أهل بيتي رجل يقال له: السفاح، فيكون عطاؤه المال حثيا» .
وروى البيهقي وأبو نعيم كلاهما في الدلائل والخطيب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منا السفاح، ومنا المنصور، ومنا المهدي» .
وروى الخطيب والبيهقي وأبو نعيم كلاهما في الدلائل عن ابن عباس والخطيب عن أبي سعيد رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منا القائم، ومنا المنصور، ومنا السفاح ومنا المهدي، فأما القائم فتأتيه الخلافة ولم يهرق فيها محجمة من دم، وأما المنصور فلا ترد له راية، وأما السفاح فهو يسفح المال والدم، وأما المهدي فيملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما» .
وروى الدارقطني في الإفراد وابن عساكر وابن النجار عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليكونن في ولد العباس ملوك يلون أمر أمتي، يعز الله تعالى بهم الدين» .
وروى الخطيب عن ابن عباس عن أم الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس: «يا عباس، أنت عمي وصنو أبي، وخير من أخلف بعدي من أهلي، إذا كانت سنة خمس وثلاثين ومائة فهي لك ولولدك، منهم السفاح، ومنهم المنصور، ومنهم المهديّ» .
وروى الدارقطني في الإفراد والخطيب وابن عساكر، عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا عباس إن الله بدأ هذا الأمر بي وسيختمه بغلام من ولدك يملؤها عدلا كما ملئت جورا، وهو الذي يصلي بعيسى عليه الصلاة والسلام» .
وروى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثتني أم الفضل، قالت: مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إنك حامل بغلام فإذا ولدت فأتيني به» ، قلت: يا رسول الله أنى ذاك، وقد تحالفت قريش أن لا يأتوا النساء؟ قال: «هو ما قد أخبرتك» ، قالت: فلما ولدته أتيته به، فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى وألبأه من ريقه، وسماه عبد الله وقال: «اذهبي بأبي الخلفاء» ، فأخبرت العباس فأتاه فذكر له، فقال: «هو ما أخبرتك، هذا أبو الخلفاء حتى يكون منهم السفاح، حتى يكون منهم المهدي، حتى يكون منهم من يصلي بعيسى عليه الصلاة والسلام»(10/92)
الباب السادس عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتال الترك وبأنهم يسلبون الأمر من قريش إذا لم يقيموا الدين
روى الحاكم عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجيء قوم صغار العيون، عراض الوجوه كأن وجوههم الحجف، فيلحقون أهل الإسلام بمنابت الشيح كأني أنظر إليهم، وقد ربطوا خيولهم بسواري المسجد» ، قيل: يا رسول الله، من هم؟ قال: «الترك» .
وروى ابن أبي شيبة والشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون» وفي لفظ:
«حتى يقاتلوا الترك، صغار الأعين، حمر الوجوه، ذلف الأنوف، كأن وجوههم المجان المطرقة» وفي لفظ: «قوما وجوههم كالمجان المطرقة، يلبسون الشعر، ويمشون في الشعر» ، وفي لفظ: «لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر، وليأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله، وماله» .
وروى الإمام أحمد والبزار والحاكم بسند صحيح عن بريدة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أمتي يسوقها قوم عراض الوجوه صغار الأعين، حتى كأن وجوههم الحجف ثلاث مرات، حتى يلحقوهم بجزيرة العرب، أما السابقة الأولى فينجو من هرب منهم، وأما الثانية فينجو بعض ويهلك بعض، وأما الثالثة فيصطلمون [ (1) ] من بقي منهم» ، قالوا:
يا رسول الله، من هم؟ قال: «الترك والذي نفسي بيده ليربطن خيولهم إلى جنب سواري المسلمين» .
وروى أبو يعلى عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لتظهرن الترك على العرب حتى تلحقها بمنابت الشيح والقيصوم» .
وروى الطبراني وأبو نعيم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتركوا الترك ما تركوكم، فإن أول من يسلب أمتي ملكهم وما خولهم الله بنو قنطوراء» .
وروى الطبراني والحاكم عنه قال: «كأني بالترك قد أتتكم على براذين محدمة الآذان حتى تربطها بشط الفرات» .
وروى أبو نعيم عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن أرضا تسمى
__________
[ (1) ] هذا المثبت على لغة (أكلوني البراغيث) أو كما يسميها ابن مالك لغة (يتعاقبون فيكم ملائكة) المشهور (فيصطلح من بقي منهم) وهو رأي جمهور قبائل العرب.(10/93)
البصرة أو البصيرة ينزلها ناس من المسلمين عندهم نهر يقال له: دجلة يكون لهم عليها جسر، ويكثر أهلها، فإذا كان في آخر الزمان جانبوا فنظروا كأنهم عراض الوجوه صغار الأعين حتى ينزلوا على شاطئ النهر فتتفرق الناس عند ذلك فرقا، فرقة تلحق بأصلها فيهلكون، وفرقة تأخذ على أنفسها فيفرون، وفرقة تقاتلهم قتالا شديدا فيفتح الله على بقيتهم» .
الباب السابع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بقوم يأخذون الملك يقتل بعضهم بعضا
روى ابن أبي شيبة والطبراني في الكبير عن عمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون بعدي قوم يأخذون الملك يقتل عليه بعضهم بعضا» .
الباب الثامن عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بالشهادة لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
أخرج بن سعد وابن أبي شيبة عن أبي الأشهب، عن رجل من مزينة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عمر ثوبا فقال: «أجديد أم غسيل؟» فقال بل غسيل: فقال: «يا عمر البس جديدا وعش حميدا وتوف شهيدا» .
مرسل وقد أخرج أحمد وابن ماجه عن ابن عمر مرفوعا مثله، وأخرجه البزار من حديث جابر مثله.
وأخرج أبو يعلى بسند صحيح، عن سهل بن سعد أن أحدا أرتج وعليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اثبت أحد فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان» .
وأخرج الطبراني عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حائط فاستأذن أبو بكر، فقال: «ائذن له وبشره بالجنة» ، ثم استأذن عمر فقال: «ائذن له وبشره بالجنة والشهادة» ، ثم استأذن عثمان فقال: «ائذن له وبشره بالجنة والشهادة» .(10/94)
الباب التاسع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بالشهادة لثابت بن قيس بن شماس رضي الله تعالى عنه
روى الطبراني من طرق جيدة الإسناد أن ثابت بن قيس رضي الله عنه لما أنزل الله تبارك وتعالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ [لقمان 18] وقوله تعالى لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات 2] وقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [الحجرات 4] اشتد على ثابت، وأغلق بابه عليه، وطفق يبكي، فمر به عاصم بن عدي رضي الله عنه فقال: ما يبكيك؟ فأخبره بحاله، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فسأله، فقال: يا رسول الله، والله لقد خشيت أن أكون هلكت، قال: «لم؟» قلت: نهى الله عن الخيلاء وأجدني أحب الجمال، ونهى الله تعالى أن نرفع أصواتنا فوق صوتك وأنا امرؤ جهير الصوت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا ثابت أما ترضى أن تعيش حميدا، وتقتل شهيدا، وتدخل الجنة؟» قال: رضيت بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما استنفر أبو بكر رضي الله عنه المسلمين إلى قتال أهل الردة واليمامة ومسيلمة الكذاب سار ثابت بن قيس فيمن سار، فلقوا مسيلمة وبني حنيفة، وهزموا المسلمين ثلاث مرات، فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلا لأنفسهما حفرة فدخلا فيها فقاتلا حتى قتلا.
ورأى رجل من المسلمين ثابت بن قيس في منامه فقال: إني لما قتلت بالأمس مر بي رجل من المسلمين فانتزع مني درعا نفيسة، ومنزله في أقصى العسكر، وعند منزله فرس يستن من طوله، وقد أكفأ على الدرع برمة، وجعل فوق البرمة رحلا فأت خالد بن الوليد فليبعث إلى درعي، فليأخذها، فإذا قدمت على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلمه أن علي من الدين كذا وكذا ولي من المال كذا وكذا وفلان من رقيقي عتيق، وإياك أن تقول: هذا حلم فتضيعه، فأتى خالد بن الوليد فأخبره فوجه إلى الدرع فوجدها كما ذكر، وقدم على أبي بكر فأنفذ أبو بكر رضي الله عنه وصيته بعد موته، فلا نعلم أن أحدا جازت وصيته بعد موته إلا ثابت بن قيس.
وروى الطبراني برجال الصحيح (وهو في الصحيح) بدون قصة الدرع عن أنس رضي الله عنه أن ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه جاء يوم اليمامة وقد نشر أكفانه وتحنط ثم قال:
اللهم، إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء، فقتل، وكانت له درع فسرقت فرآه رجل فيما يرى النائم، فقال: إن درعي في قدر تحت الكانون في مكان كذا وكذا(10/95)
ووصاه بوصايا فطلبوا الدرع فوجدوها وأنفذوا الوصايا.
وروى الطبراني بسند حسن عن عروة رحمه الله تعالى قال: قتل ثابت في وقعة اليمامة سنة اثنتي عشرة.
تنبيه في بيان غريب ما سبق:
المختال [ ... ] الفخور [ ... ] طفق [بمعنى أخذ في الفعل وجعل يفعل وهو من أفعال المقاربة. الخيلاء [ ... ] جهير الصوت [شديد الصوت] .
الباب العشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بالردة بعده
روى الإمام أحمد، والشيخان، والنسائي، وابن ماجة، والدارمي، وابن حبان عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جده، وابن أبي شيبة، والإمام أحمد، والبخاري، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجة عن ابن عمر، والبخاري، والنسائي عن أبي بكرة، والبخاري والترمذي عن ابن عباس، والطبراني في الكبير عن أبي سعيد وعن أبي أمامة، والإمام أحمد، والطبراني في الكبير عن أبي مسعود، والدارقطني في الإفراد عن أسامة بن زيد رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» .
ورواه النسائي عن ابن عمر وزاد: ولا يؤخذ الرجل بجريرة بجناية أبيه، ولا بجناية أخيه.
وروى مسلم والترمذي عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى يعبدوا الأوثان» .
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا ليذادن رجال من حوضي كما يذاد البعير الضال، فأناديهم، ألا هلم، فيقال: إنهم قد بدلوا فأقول: فسحقا فسحقاً» .
وروى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا إنه يجاء برجال من أمتي، فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: أصيحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ، فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ [المائدة/ 117] فيقال: «إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم» .(10/96)
الباب الحادي والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن جزيرة العرب لا تعبد فيها الأصنام أبدا
روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الشيطان (قد أيس) أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم» .
الباب الثاني والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن سهيل بن عمرو يقوم مقاما حسنا
روى الحاكم والبيهقي من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو عن الحسن بن محمد بن الحنفية، قال: قال عمر: يا رسول الله، دعني أنزع ثنية سهيل بن عمرو، فلا يقوم خطيبا في قومه أبدا، فقال: «دعها لعلها أن تسرك يوما» ،
قال سفيان: فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم نفر منه أهل مكة، فقام سهيل بن عمرو عند الكعبة فقال: من كان محمد إلهه فإن محمدا قد مات، والله حي لا يموت.
وروى يونس بن بكير في المغازي، وابن سعد من طريق ابن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء، قال: لما أسر سهيل بن عمرو، قال عمر: يا رسول الله أنزع ثنيته يدلع لسانه، فلا يقوم خطيبا أبدا، وكان سهيل أعلم من شفته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أمثل فيمثل الله بي، وإني كنت نبيا ولعله يقوم مقاما لا تكرهه» .
وروى ابن سعد من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي عمرو بن عدي بن الحمراء الخزاعي قال: نظرت إلى سهيل بن عمرو يوم جاء نعي رسول الله إلى مكة وقد خطبنا بخطبة أبي بكر التي خطب بالمدينة كأنه سمعها، فلما بلغ ذلك عمر، قال: أشهد أن محمدا رسول الله، وأن ما جاء به حق، هذا هو المقام الذي عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال لي: «لعله يقوم مقاما لا تكرهه» .
ورواه المحاملي في فوائده موصولا من طريق سعيد بن أبي هند عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها.
شرح غريب ما سبق:
الثنية: [إحدى الأسنان الأربع التي في مقدم الفم] .
الأعلم: [ ... ] .
النعي: [أذاع خبر موته] .(10/97)
الباب الثالث والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن البراء بن مالك رضي الله عنه لو أقسم على الله تعالى لأبره
روى الترمذي والحاكم وصححه، والبيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كم من ضعيف مستضعف ذي طمرين، لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك» ، وإن البراء لفي رحفاء يتستر فانكشف المسلمون، فقالوا له: يا براء، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنك لو أقسمت على الله لأبرك» ، فأقسم على ربك،
قال: أقسم عليك يا رب، لما منحتنا أكتافهم، فمنحوا أكتافهم، ثم التقوا على قنطرة السوس فأوجعوا في المسلمين فقالوا: أقسم على ربك يا براء، قال: أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيك، ثم حملوا، فانهزم الفرس، وقتل البراء شهيدا.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
الزحف: الجيش.
يتستر: الذي يخرج في السرية.
انكشف المسلمون: انهزم.
قنطرة السوس: [ ... ] [ (1) ] .
__________
[ (1) ] سقط في ج.(10/98)
الباب الرابع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم الأقرع بن شفي رضي الله تعالى عنه بأنه يدفن بالربوة من أرض فلسطين
روى الطبراني وابن السكن وصححه وابن منده وأبو نعيم كلاهما في المعرفة، وابن عساكر من طرق عن الأقرع بن شفي العكي رضي الله عنه قال: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضي، فقلت: يا رسول الله، لا أحب إلا أني ميت من مرضي، قال: «كلا لتبقين ولتهاجرن إلى أرض الشام وتموت، وتدفن بالربوة من أرض فلسطين» ، فمات في خلافة عمر، ودفن بالرملة.
وروى ابن أبي حاتم وابن جرير والطبراني عن مرة البهزي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لرجل: «إنك تموت بالربوة» فمات بالرملة.
الباب الخامس والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه من المحدثين
روى الإمام أحمد والبخاري عن أبي هريرة، والإمام أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قد كان في الأمم محدثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد فإنه عمر بن الخطاب» .
وفي لفظ: «فعمر» ،
وروى الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه لم يبعث الله نبيا إلا كان في أمته محدث، وإن يكن في أمتي منهم أحد فهو عمر» ، قالوا: يا رسول الله، كيف يحدث؟ قال: «تتكلم الملائكة على لسانه» .
وروي أيضاً عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما كان نبي إلا في أمته معلم أو معلمان فإن يكن في أمتي منهم أحد فهو عمر بن الخطاب» .
وروى الطبراني في الأوسط والبيهقي عن علي رضي الله عنه قال: ما كنا نشك ونحن متوافرون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن السكينة تنطق على لسان عمر» .
وروى البيهقي عن طارق بن شهاب، قال: كنا نتحدث أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينطق على لسان ملك.
وروى الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما سمعت عمر يقول لشيء إني لأظن كذا وكذا إلا كان كما يظن.(10/99)
الباب السادس والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأول أزواجه لحوقا به
روى تمام وابن عساكر عن واثلة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أول من يلحقني من أهلي أنت يا فاطمة، وأول من يلحقني من أزواجي زينب، وهي أطولكن كفا» .
وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا» ،
فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا، فكانت زينب أطولنا يدا، لأنها كانت تعمل بيديها وتتصدق، ورواه عن الشعبي مرسلا.
وروى البخاري عنها قال: اجتمع زوجاته صلى الله عليه وسلم فقلن له: أينا أسرع بك لحوقا؟ قال:
«أطولكن يدا» ، فأخذوا قصبة يذرعونها فكانت سودة بنت زمعة أطولنا ذراعا.
فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت أسرعنا لحوقا به سودة بنت زمعة، فعرفنا أن طول يدها كان بالصدقة، وكانت تحب الصدقة.
تنبيه:
هذا مخالف لما رواه مسلم والشعبي مع ما فيه من المنافاة لأن قولهما: إن طول يدها كان بالصدقة يدل على أن الطول معنوي، وقولها: كانت أطولنا ذراعا يدل على أنه طول حسي. قال البيهقي: وزينب هي التي كانت أطول ذراعا بالصدقة وأسرع لحوقا به.
الباب السابع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بكتابة المصاحف
روى ابن عساكر عن نبيط الأشجعي قال: لما نسخ عثمان المصاحف، قال له أبو هريرة: أصبت ووفقت، أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أشد أمتي حبا لي قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي، ولم يروني، ويعملون بما في الورق المعلق» ، قلت: أي ورق حتى رأيت المصاحف فأعجب ذلك عثمان وأمر لأبي هريرة بعشرة آلاف، وقال: والله، ما علمت أنك تحبس علينا حديث نبينا.
الباب الثامن والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأويس القرني رضي الله تعالى عنه
روى العقيلي في الضعفاء والإمام أحمد ومسلم والحاكم، وابن سعد عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من(10/100)
مراد ثم من قرن، وكان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة، وهو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» .
ولفظ مسلم: «إن خير التابعين رجل يقال له: أويس، وله والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، وكان به بياض فمروه فليستغفر لكم» .
وفي لفظ: إن رجلا من أهل اليمن يقدم عليكم، ولا يدع باليمن غير أم له قد كان به بياض فدعا الله أن يذهبه عنه فأذهبه عنه إلا موضع الدينار أو الدرهم فمن لقيه منكم فليستغفر لكم» .
وروى ابن عدي، وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «سيكون في أمتي رجل يقال له أويس بن عبد الله القرني وإن شفاعته في أمتي مثل ربيعة ومضر» .
وروى أبو يعلى والبيهقي من وجه آخر عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه سيكون في التابعين رجل من قرن يقال له: أويس بن عامر يخرج به وضح فيدعو الله أن يذهبه عنه، فيذهب، فيقول: اللهم دع لي في جسدي منه ما أذكر به نعمتك علي، فيدع له منه ما يذكر به نعمته عليه، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له فليستغفر له» .
وروى ابن سعد والحاكم من طريق أسيد بن جابر عن عمر رضي الله عنه أنه قال لأويس القرني: استغفر لي، قال: كيف أستغفر لك وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن خير التابعين رجل يقال له أويس القرني» .
وروى الحاكم عن علي والبيهقي وابن عساكر عن رجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير التابعين أويس القرني» .
وروى مسلم عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير التابعين رجل من قرن يقال له: أويس القرني، له والدة هو بها بر وكان به بياض، فدعا الله أن يذهبه عنه فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم من سرته» .
وروى ابن أبي شيبة عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيقدم عليكم رجل يقال له:
أويس، وكان به بياض فدعا الله فأذهبه الله، فمن لقيه منكم فمروه فليستغفر لكم» .
وروى ابن سعد والحاكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين، فقال: فيكم أويس القرني؟ قالوا: نعم، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن من خير التابعين أويس القرني» ،
ثم ضرب دابته فدخل فيهم، والله تعالى أعلم.(10/101)
الباب التاسع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال أبي ذر رضي الله تعالى عنه
روى أحمد بن منيع وابن حبان، والنسائي في الكبرى وابن ماجه مختصرا عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أبا ذر، كيف تصنع، إن أخرجت من المدينة؟» قال:
للسعة والدعة إلى مكة فأكون حمامة من حمام مكة، قال: «فكيف تصنع إذا أخرجت من مكة؟» قال: للسعة والدعة، إلى الشام والأرض المقدسة، قال: «فكيف تصنع إذا أخرجت من الشام؟» قال: قلت: والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي وأقاتل حتى أموت قال: «أو خير من ذلك؟ تسمع وتطيع وإن كان عبدا حبشيا» .
وروى الإمام أحمد عنه قال: بينا أنا نائم في المسجد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربني برجله وقال: «ألا أراك نائما فيه؟» قلت: يا نبي الله، غلبتني عيني. قال: «كيف تصنع إذا أخرجت منه» ، قال: آتي الشام والأرض المقدسة. قال: «فكيف تصنع إذا أخرجت منه» قال: ما أصنع يا نبي الله أضرب بسيفي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلك على ما هو خير لك من ذلك وأقرب رشدا تسمع وتطيع وتنساق لهم حيث ساقوك» قال أبو ذر: والله، لألقين الله، وأنا سامع مطيع لعثمان.
وروى الإمام أحمد وإسحاق عن القرظي رحمه الله تعالى قال: خرج أبو ذر رضي الله عنه إلى الربذة فأصابه قدره، فأوصاهم أن غسلوني وكفنوني، ثم ضعوني على قارعة الطريق، فأول ركب يمرون بكم فقولوا: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على غسله ودفنه ففعلوا، فأقبل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في ركب من العراق، وقد وضعت الجنازة على قارعة الطريق،
فقام عليه غلام، فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فبكى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تمشي وحدك، وتموت وحدك وتبعث وحدك» .
وروى الإمام أحمد عن مجاهد عن إبراهيم يعني ابن الأشتر عن أبيه قال: أن أبا ذر حضره الموت، وهو بالربذة، فبكت امرأته، قال: ما يبكيك؟ قالت: وما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض وليس عندي ثوب يسع لك كفنا فقال: لا تبكي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض فيشهده عصابة من المؤمنين» ،
فكل من كان معي (في المجلس) [ (1) ] مات في جماعة وقرية فلم يبق منهم غيري، وقد
__________
[ (1) ] سقط في ج.(10/102)
أصبحت بفلاة أموت فراقبي الطريق، فإنك سوف ترين ما أقول، فإني والله ما كذبت، ولا كذبت، قالت: أنى وقد انقطع الحاج، قال: راقبي الطريق، قال: فبينا هي كذلك، إذا هي بقوم تخب بهم رواحلهم كأنهم الرخم على رحالهم، فأقبل القوم حتى وقفوا عليها، فقالوا: مالك؟
قالت: امرؤ من المسلمين تكفنونه وتؤجرون فيه قالوا: ومن هو؟ قالت: أبو ذر، فغدوه بإبلهم ووضعوا السياط في نحورها يبتدرونه، قال: أبشروا، فأنتم الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم ما قال: ثم أصبحت اليوم حيث ترون، ولو أن لي ثوبا من ثيابي يسعني لم أكفن إلا فيه، فأنشدكم الله لا يكفّنني رجل منكم كان عريفا أو أميرا أو بريدا، فكل القوم قد نال من ذلك إلا فتى من الأنصار، وكان مع القوم، قال: أنا أكفنك في ردائي هذا الذي علي وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي [ (1) ] ، قال: أنت فكفني.
وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر، إني أراك منفيا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم» .
وروى أبو داود والطيالسي وابن أبي شيبة ومسلم وابن سعد وابن خزيمة وأبو عوانة والحاكم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها» .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
[....] .
__________
[ (1) ] في ج أبي.(10/103)
الباب الثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل الأعرابي قبل أن ينخرق سقاؤه فكان كما قال صلى الله عليه وسلم
روى الطبراني برجال الصحيح، عن كدير الضبي أن أعرابيا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أخبرني بعمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار قال: «تقول العدل وتعطي الفضل» ، قال:
والله لا أستطيع أن أقول العدل كل ساعة، وما أستطيع أن أعطي الفضل قال: «فتطعم الطعام وتفشي السلام» قال: هذه أيضاً شديدة، قال: «فهل لك إبل؟» قال: نعم، قال: «فانظر إلى بعير من إبلك، وسقاية ثم اعمد إلى أهل بيت لا يشربون الماء إلا غبا فاسقهم، فلعلك لا يهلك بعيرك، ولا ينخرق سقاؤك حتى تجب لك الجنة» ، فانطلق الأعرابي يكبر فما انخرق سقاؤه ولا هلك بعيره، حتى قتل شهيدا.
الباب الحادي والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم برجل من أمته يدخل الجنة في الدنيا فكان كما قال صلى الله عليه وسلم
روى الطبراني في مسند الشاميين وابن حبان في الثقات من طريق إبراهيم بن أبي عبلة عن شريك بن خباشة النميري، أنه ذهب يستقي من جب سليمان ببيت المقدس فانقطع دلوه فنزل ليخرجه فبينا هو في طلبه، إذا هو بشجرة فتناول منها ورقة فأخرجها معه فإذا هي ليست من شجر الدنيا، فأتى بها عمر، فقال: أشهد أن هذا هو الحق سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«يدخل الجنة من هذه الأمة رجل من أهل الدنيا» فجعل الورقة بين دفتي المصحف.
وأخرجه الكلبي من وجه آخر عن امرأة شريك بن خباشة عنه، قال: خرجنا مع عمر أيام خرج إلى الشام فذكر القصة، وفيه فأرسل عمر إلى كعب، فقال: هل تجد في الكتاب أن رجلا من هذه الأمة يدخل الجنة في الدنيا؟ قال: نعم.
الباب الثاني والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال محمد بن حنفية رحمه الله تعالى
روى البيهقي عن علي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيولد لك بعدي غلام قد نحلته اسمي وكنيتي» ] .(10/104)
الباب الثالث والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بصلة بن أشيم رحمه الله تعالى ووهب والقرظي وغيلان والوليد
روى ابن سعد والبيهقي وأبو نعيم في الحلية من طريق ابن المبارك أنبأنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يكون في أمتي رجل يقال له: صلة بن أشيم يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا» .
وروى ابن عدي والبيهقي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في أمتي رجل يقال له وهب يهب الله له الحكمة، ورجل يقال له:
غيلان، هو أضر على الناس من إبليس» .
وروى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ينعق الشيطان بالشام نعقة يكذب ثلثاهم بالقدر» .
قال البيهقي: فيه إشارة إلى غيلان القدري.
وروى ابن سعد والبيهقي عن أبي بردة الظفري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج في أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها أحد يكون من بعده»
قال نافع بن يزيد: فكنا نقول هو محمد بن كعب القرظي والكاهنان قريظة والنضير.
ورواه البيهقي مرسلا بلفظ: يكون في أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها أحد غيره قال: فكانوا يرون أنه محمد بن كعب القرظي، والكاهنان قريظة والنضير.
وروى البيهقي عن عون بن عبد الله رضي الله عنه قال: ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن من القرظي.
وروى البيهقي وقال: مرسل حسن، وأبو نعيم عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: ولد لأخي أم سلمة غلام فسموه الوليد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تسمون باسم فراعنتكم؟
سيكون في هذه الأمة رجل يقال له الوليد هو شر لأمتي من فرعون لقومه» .
وروى الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مثله، قال الأوزاعي: فكان الناس يرونه الوليد بن عبد الملك بن يزيد، وأخرجه الحاكم بلفظه من طريق ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه موصولا وصححه.(10/105)
الباب الرابع والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن فناء أمته بالطعن والطاعون وبالطاعون الذي وقع بالشام
روى الإمام أحمد والطبراني في الأوسط عن أبي موسى والطبراني في الأوسط عن ابن عمر رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فناء أمتي بالطعن والطاعون» قيل يا رسول الله، هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون؟ قال: «وخز أعدائكم من الجن وفي كل شهادة» .
وروى الطبراني في الأوسط عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تفنى أمتي إلا بالطعن والطاعون» قلت يا رسول الله هذا الطعن وقد عرفناه فما الطاعون قال:
«غدة كغدة الإبل، المقيم فيه كالشهيد، والفار منه كالفار من الزحف» .
وروى الإمام أحمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ستهاجرون إلى الشام فتفتح لكم ويكون فيكم داء كالدمل أو كالحزة يأخذ بمراق الرجل، يستشهد الله به أنفسكم ويزكي أعمالكم» .
وروى الطبراني عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تنزلون منزلا، يقال به: الجابية، فيصيبكم فيه داء مثل غدة الجمل، يستشهد الله به أنفسكم وذراريكم ويزكي به أعمالكم» .
تنبيه في بيان غريب ما سبق.
الطاعون: [المرض العام والوباء الذي يفسد له الهواء فتفسد به الأمزجة والأبدان] .
المراق: [ما رق من أسفل البطن] .
الحزة: [القطعة من اللحم قطعت طولا] .
الدمل: [الخراج] .
الجابية: [وهي بلد بدمشق بالشام وقيل: مدينة بالشام.(10/106)
الباب الخامس والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم أم ورقة رضي الله تعالى عنها بالشهادة
روى أبو داود وأبو نعيم عن جميع وعبد الرحمن بن خلاد الأنصاري عن أم ورقة بنت نوفل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما غزا بدرا، قالت يا رسول الله، ائذن لي في الغزو معك لعل الله أن يرزقني شهادة، قال: «قري في بيتك، فإن الله تعالى يرزقك الشهادة» ، فكانت تسمى الشهيدة، وكانت قد قرأت القرآن، ثم إنها دبرت غلاما لها وجارية فقاما إليها من الليل فغماها بقطيفة حتى ماتت، وذلك في إمارة عمر رضي الله عنه فأمر بهما فصلبا فكانا أول مصلوب بالمدينة.
ورواه ابن راهويه وابن سعد والبيهقي وأبو نعيم من وجه آخر وزاد في آخره: فقال عمر:
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقول: «انطلقوا نزور الشهيدة رحمها الله تعالى.
الباب السادس والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن عبد الله بن بسر رضي الله عنه يعيش قرنا والثؤلول الذي يذهبه فكان كذلك
روى الطبراني والبزار برجال ثقات والحارث والإمام أحمد بسند صحيح عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي وقال: «يعيش هذا الغلام قرنا» فعاش مائة سنة، وكان في وجهه ثؤلول، فقال: «لا يموت حتى يذهب هذا الثؤلول من وجهه» ، فلم يمت حتى ذهب الثؤلول من وجهه.
وروى الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات عن الحسن بن أيوب الحضرمي رحمه الله تعالى قال: أراني عبد الله بن بسر رضي الله عنه شامة في قرنه، قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليها وقال: «ليدركن قرنا» .
الباب السابع والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال زيد بن صوحان وجندب ابن كعب رضي الله عنهما
روى أبو يعلى عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن ينظر إلى رجل يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان» .
وروى ابن عساكر عن الحارث الأعور، قال: كان مما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير وهو زيد بن صوحان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون بعدي رجل من التابعين وهو زيد(10/107)
الخير يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة بعشرين سنة» ،
فقطعت يده اليسرى بنهاوند وعاش بعد ذلك عشرين سنة، ثم قتل يوم الجمل بين يدي علي رضي الله عنه وقال قبل أن يقتل: إني رأيت يدي خرجت من السماء تشير إلي أن تعال، وأنا لا حق بها.
وروى ابن منده وابن عساكر عن بريدة قال: ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه فجعل يقول: «جندب وما جندب والأقطع الخير زيد» فسئل عن ذلك فقال: «أما جندب فيضرب ضربة يكون فيها أمة وحده، وأما زيد فرجل من أمتي تدخل الجنة يده قبل بدنه ببرهة»
فلما ولي الوليد بن عقبة الكوفة في زمن عثمان أجلس رجل يسحر، يريهم أنه يحيي ويميت فأتى جندب بسيف فضرب به عنق الساحر، وقال: أحي نفسك الآن وأما زيد بن صوحان فقطعت يده يوم القادسية وقتل يوم الجمل.
وأخرجه ابن عساكر من حديث علي ومن حديث ابن عباس وابن عمرو من طريق أبي مجاز مرسلا.
الباب الثامن والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بعمى زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه
روى البزار عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه يعوده من مرض كان به فقال له: «ليس عليك من مرضك هذا بأس، ولكنه كيف بك إذا عمرت بعدي فعميت؟» قال: إذا أحتسب وأصبر قال: «إذا تدخل الجنة بغير حساب» ،
قال فعمي زيد رضي الله عنه بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رد الله عليه بصره ثم مات.
الباب التاسع والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بعمر جماعة وبانخرام القرن
روى الحسن بن سفيان وابن شاهين وابن نافع، والطبراني في الكبير، والحاكم وابن عساكر عن سفيان بن وهب الخولاني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تأتي المائة، وعلى ظهرها أحد باق» .
وروى مسلم وابن حبان عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تأتي مائة سنة وعلى وجه الأرض نفس منفوسة اليوم» .
وروى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ليلة في آخر حياته، فلما قام فقال: «أرأيتكم ليلتكم هذه؟ قال: فإن رأس مائة سنة منها لا يبقى اليوم ممن هو على ظهر الأرض أحد يريد بذلك انخرام القرن» .(10/108)
وروى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بشهر: «تسألون عن الساعة وإنما علمها عند الله، فأقسم بالله ما على ظهر الأرض من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة» .
وروى مسلم عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: لم يبق أحد ممن لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري، وقد مات أبو الطفيل على رأس المائة.
وروى الحاكم والبيهقي وأبو نعيم من طريق محمد بن زياد الألهاني عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده على رأسه وقال: «يعيش هذا الغلام قرنا» فعاش مائة سنة، وكان في وجهه ثؤلول، فقال: «لا يموت حتى يذهب الثؤلول من وجهه» ، فلم يمت حتى ذهب.
وروى ابن سعد والبغوي وأبو نعيم في الصحابة، والبيهقي عن حبيب بن مسلمة الفهري أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة ليراه فأدركه أبوه فقال: يا رسول الله يدي ورجلي، فقال: «ارجع معه، فإنه يوشك أن يهلك» ، فهلك في تلك السنة.
وروى أبو نعيم وابن عساكر عن ابن أبي مليكة أن حبيب بن مسلمة رضي الله عنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة غازيا وإن أباه أدركه بالمدينة، فقال مسلمة: يا رسول الله، إنه ليس لي ولد غيره، فيقوم في مالي، وضيعتي، وعلى أهل بيتي، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رده معه، وقال: «لعلك أن يخلو لك وجهك في عامك، فارجع يا حبيب مع أبيك فرجع فمات مسلمة في ذلك العام، وغزا حبيب فيه» .
الباب الأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بالشهادة للنعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه
روى ابن سعد عن عاصم بن عمرو بن قتادة قال: جاءت عمرة بنت رواحة تحمل ولدها النعمان بن بشير في ليفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يكثر ماله وولده، فقال: «أما ترضين أن يعيش كما عاش خاله، عاش حميدا، وقتل شهيدا ودخل الجنة» .
وروى ابن سعد عن عبد الملك بن عمير أن بشير بن سعد جاء بالنعمان بن بشير رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ادع الله لابني هذا، قال: «أما ترضى أن يبلغ ما بلغت؟ ثم يأتي الشام، فيقتله منافق من أهل الشام» .
وروى عن مسلمة بن محارب رضي الله عنه وغيره قالوا: لما قتل الضحاك بن قيس بمرج راهط في خلافة مروان، أراد النعمان بن بشير رضي الله عنه أن يهرب من حمص، وكان عاملا عليها فخالف، ودعا لابن الزبير فطلبه أمير حمص فقتلوه واحتزوا رأسه.(10/109)
الباب الحادي والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بتغيير الناس في القرن الرابع
روى ابن ماجة عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احفظوني في أصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل وما يستشهد ويحلف وما يستحلف» .
وروى الإمام احمد وابن أبي شيبة والطحاوي وابن أبي عاصم، والروياني والضياء عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير هذه الأمة القرن الذي بعثت أنا فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون قوم تسبق شهادتهم أيمانهم وأيمانهم شهادتهم» .
وروى الباوردي وسمويه وابن قانع والبغوي والطبراني في الكبير والضياء عن بلال بن سعد بن تميم السكوني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير أمتي أنا وأقراني ثم القرن الثاني، ثم القرن الثالث، ثم يكون قوم يحلفون ولا يستحلفون ويشهدون ولا يستشهدون، ويؤتمنون ولا يؤدون» .
وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجة عن ابن مسعود وابن أبي شيبة والإمام أحمد والطبراني في الكبير عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته» .
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ثم يخلف قوم، يحبون السمانة، يشهدون قبل أن يستشهدوا» .
وروى ابن أبي شيبة والترمذي والحاكم والطبراني في الكبير عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي من بعدهم قوم يتسمنون، ويحبون السمن، يعطون الشهادة قبل أن يسألوها» .
وروى عبد بن حميد وابن أبي شيبة والبغوي والماوردي وابن قانع والطبراني في الكبير والحاكم وأبو نعيم والضياء عن جعدة بن هبيرة وهو ابن أم هانئ بنت أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير الناس قرني الذي أنا فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، والآخرون أردى» .
وروى الطبراني في الكبير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني ثم الثاني، ثم الثالث، ثم يجيء قوم لا خير فيهم» .(10/110)
الباب الثاني والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الدنيا لا تذهب حتى تصير للكع بن لكع
روى ابن أبي شيبة والإمامان أحمد وإسحاق وأبو يعلى برجال ثقات عن أبي بردة بن نيار والإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لن تذهب الدنيا حتى تكون عند لكع، وابن لكع» .
وروى أبو يعلى عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع وأفضل الناس مؤمن بين كريمين» .
الباب الثالث والأربعون في إشارته صلى الله عليه وسلم إلى حال الوليد بن عقبة
روى الحاكم والبيهقي عن الوليد بن عقبة، قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جعل أهل مكة يأتون بصبيانهم، فيمسح على رؤوسهم ويدعو لهم، فخرجت بي أمي إليه وأنا مطيب بالخلوق، فلم يمسح على رأسي ولم يمسني، قال البيهقي: هذا السابق علم الله تعالى في الوليد، فمنع بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبار الوليد حين استعمله عثمان رضي الله عنه معروفة، من شربه الخمر وتأخيره الصلاة. وهو من جملة الأسباب التي نقموا بها على عثمان حتى قتلوه.
الباب الرابع والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال ابن عباس رضي الله عنهما
روى البيهقي وأبو نعيم عن العباس بن عبد المطلب أنه بعث ابنه عبد الله رضي الله عنهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فوجد رجلا فرجع ولم يكلمه، من أجل مكان الرجل منه، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس بعد ذلك فقال: أرسلت إليك ابني فوجد عندك رجلا فلم يستطع أن يكلمك ورجع، قال: «ورآه؟» قال: نعم، قال: «ذاك جبريل، ولن يموت حتى يذهب بصره ويؤتى علما» .
وروى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ثياب بيض، وهو يناجي دحية الكلبي، وهو جبريل وأنا لا أعلم فلم أسلم، فقال جبريل: ما أشد(10/111)
وضح ثيابه، أما إن (ذريته) [ (1) ] ستسود بعده، لو سلم لرددت عليه، فلما رجعت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما منعك أن تسلم؟» قلت: رأيتك تناجي دحية الكلبي، فكرهت أن أقطع عليكما، قال: «ورأيته؟» قلت: نعم قال: «أما إنه سيذهب بصرك، ويرد عليك في موتك» .
قال عكرمة: فلما قبض ابن عباس، ووضع على سريره، جاء طائر شديد الوضح، فدخل في أكفانه فلم يرده فقال عكرمة: هذه بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قال له. فلما وضع تلقى بكلمة سمعها من على شفير قبره يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر 27- 30] .
وروى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثني أنه سيذهب بصري، فقد ذهب وحدثني أني سأغرق فقد غرق في بحيرة الطبرية، وحدثني أني سأهاجر من بعد فتنة، اللهم، إني أشهدك أن هجرتي اليوم إلى محمد بن علي بن أبي طالب.
الباب الخامس والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال أبي هريرة رضي الله عنه
روى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبو هريرة وعاء العلم» .
وروى ابن سعد عن عمر رضي الله عنهما قال: أبو هريرة أعلمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظنا لحديثه.
الباب السادس والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأشياء تتعلق بعمرو بن الحمق رضي الله عنه فكان كما أخبر
روى الطبراني عن عمرو بن الحمق رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، فقالوا: يا رسول الله، إنك تبعثنا، ولا لنا زاد ولا طعام، ولا علم لنا بالطريق، فقال: «إنكم ستمرون برجل صبيح الوجه يطعمكم من الطعام ويسقيكم من الشراب، ويدلكم على الطريق، وهو من أهل الجنة» ، فلم يزل القوم على جعل يشير بعضهم إلى بعض، وينظرون إلي فقلت:
__________
[ (1) ] في ج أولاده.(10/112)
يشير بعضكم إلى بعض وينظرون إلي؟ فقلت: ما لكم يشير بعضكم إلى بعض وتنظرون إلي فقالوا: أبشر ببشرى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإنا نعرف فيك نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبروني بما قال لهم، فأطعمتهم وسقيتهم وزودتهم وخرجت معهم حتى دللتهم على الطريق، ثم رجعت إلى أهلي وأوصيتهم بإبلي ثم خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما الذي تدعو إليه؟ قال:
«أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان» فقلت: إذا أجبناك إلى هذا فنحن آمنون على أهلنا ودمائنا وأموالنا؟ قال: «نعم» ، فأسلمت ثم رجعت إلى أهلي، فأعلمتهم بإسلامي، فأسلم على يدي بشر كثير منهم، ثم هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا أنا عنده ذات يوم فقال: «يا عمرو، هل لك أن أريك آية الجنة، تأكل الطعام، وتشرب الشراب وتمشي في الأسواق؟» قلت: بلى، بأبي أنت وأمي، قال: «هذا وقومه، وأشار إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه» وقال لي: «يا عمرو، هل لك أن أريك آية النار تأكل الطعام، وتشرب الشراب، وتمشي في الأسواق؟» قلت: بلى، بأبي أنت وأمي، قال: «هذا» ، وأشار إلى رجل،
فلما وقعت الفتنة ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ففررت من آية النار إلى آية الجنة، ويرى بني أمية قاتلي بعد هذا، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: والله، لو كنت حجرا في جوف حجر لاستخرجني بنو أمية حتى يقتلوني، حدثني به حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رأسي أول رأس تجز ويحتز في الإسلام وينقل من بلد إلى بلد.
الباب السابع والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم ميمونة رضي الله عنها بأنها لا تموت بمكة
روى ابن أبي شيبة والبيهقي عن يزيد بن الأصم رضي الله عنه قال: ثقلت ميمونة بمكة، فقالت: أخرجوني من مكة، فإني لا أموت بها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أني لا أموت بمكة فحملوها حتى أتوا سرف إلى الشجرة التي بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها فماتت.
الباب الثامن والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم أبا ريحانة رضي الله عنه- بما غيبته
روى محمد بن الربيع الجيزي في كتاب من دخل مصر من الصحابة عن أبي ريحانة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كيف أنت يا أبا ريحانة يوم تمر على قوم قد صبروا دابة؟ فتقول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن هذا، فيقولون اقرأ لنا الآية التي أنزلت فيها» ، فمر على قوم يصبرون دجاجة فنهاهم، فقالوا: اقرأ لنا الآية التي أنزلت فيها، فقال: صدق الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم.(10/113)
الباب التاسع والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بكلام الميت بعده
روى الطبراني في الأوسط بسند جيد عن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يكون في أمتي رجل يتكلم بعد الموت» .
وروى البيهقي وصححه وأبو نعيم من طرق عن ربعي بن حراش قال: مات أخي الربيع وكان أصومنا في اليوم الحار، وأقومنا في الليلة الباردة، فسجيته فضحك، فقلت: يا أخي، أحياة بعد الموت؟ قال: لا، ولكني لقيت ربي فلقيني بروح وريحان، ووجه غير غضبان، فقلت: كيف رأيت الأمر؟ قال: أيسر مما تظنون، فذكر لعائشة رضي الله عنها، فقالت: صدق ربعي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يتكلم بعد الموت» ، وفي لفظ: «يتكلم رجل من أمتي بعد الموت من خير التابعين» ،
قال الشيخ في الخصائص الكبرى: لهذا الحديث طرق وقد استوفيت أخبار من تكلم بعد الموت في كتاب البرزخ.
الباب الخمسون في إخباره صلى الله عليه وسلم بمن يرد سنته ولا يحتج بها، وبمن يجادل ويحتج بمتشابه القرآن
روى البيهقي عن المقدام بن معدي كرب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته، يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه» .
وروى أبو داود والبيهقي عن أبي رافع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري، فما أمرت به، أو نهيت عنه، فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله تعالى اتبعناه» .
وروى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ [آل عمران 7] فقال: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين رمى الله فاحذروهم» .
ورواه البيهقي بلفظ: «إذا رأيتم الذين يجادلون به»
قال أيوب: ولا أعلم أن من أصحاب الأهواء أحدا إلا وهو يجادل بالمتشابه.(10/114)
الباب الحادي والخمسون في إخباره صلى الله عليه وسلم الأنصار بأنهم سيلقون بعده أثرة
روى الإمام أحمد والشيخان والبيهقي والترمذي والنسائي عن أسيد بن حضير والإمام أحمد في المسند والترمذي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار حين أفاء الله عليه أموال هوازن: «إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» .
وروى الإمام أحمد والشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها» ، قالوا: يا رسول الله، ما تأمرنا؟ قال: «تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم» .
وروى الحاكم وأبو نعيم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار:
«ستلقون بعدي أثرة في القسم، والأمر، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» .
وروى الحاكم عن مقسم أن أبا أيوب أتى معاوية فذكر حاجة له فجفاه ولم يرفع به رأسا، فقال أبو أيوب: أما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خبّرنا أنه ستصيبنا بعده أثرة قال: فبم أمركم؟
قال: أمرنا أن نصبر حتى نرد عليه الحوض، قال: فاصبروا إذا، فغضب أبو أيوب، وحلف أن لا يكلمه أبدا.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
أثرة: بفتح الهمزة والمثلثة أي تفضلا لغيركم عليكم.
الباب الثاني والخمسون في إشارته صلى الله عليه وسلم إلى دولة عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى
روى البيهقي عن نافع رضي الله عنه قال: بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
في ولدي رجل بوجهه شين يلي فيملأ الأرض عدلا، قال نافع: لا أحسبه إلا عمر بن عبد العزيز.
وروى البيهقي عن نافع رضي الله عنه قال: كان ابن عمر يقول كثيرا: ليت شعري، من هذا الذي من ولد عمر في وجهه علامة يملأ الأرض عدلا.
وروى البيهقي عن عبد الله بن دينار رضي الله عنه قال: قال ابن عمر رضي الله عنه:
يزعم الناس أن الدنيا لن تنقضي حتى يلي رجل من آل عمر، يعمل بمثل عمر، فكانوا يرونه(10/115)
بلال بن عبد الله بن عمر، وكان بوجهه أثر فلم يكن هو، فإذا هو عمر بن عبد العزيز، وأمه ابنة عاصم بن عمر بن الخطاب.
وروى عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لا تلعنوا بني أمية، فإن فيهم أميرا صالحا، يعني عمر بن عبد العزيز.
وروى البيهقي عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: الخلفاء أبو بكر والعمران، فقيل: من عمر الآخر؟ قال: يوشك أن تعرفه.
قال البيهقي وابن المسيب مات قبل عمر بن عبد العزيز بسنتين ولا يقوله إلا توقيفا.
الباب الثالث والخمسون في إشارته صلى الله عليه وسلم إلى وجود الإمام أبي حنيفة والإمام مالك والإمام الشافعي رحمهم الله تعالى
روى الإمام أحمد من طريق شهر بن حوشب وبقية رجاله رجال الصحيح وأبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة، والشيخان والترمذي، وأبو نعيم في الحلية، وابن أبي شيبة عنه من طريق آخر، وأبو بكر الشيرازي في الألقاب، والطبراني من طريق آخر برجال الصحيح، وأبو يعلى والبزار وابن أبي شيبة عن قيس بن سعد بن عبادة، والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو كان الإيمان عند الثريا» ، ولفظ الشيرازي وأبي نعيم: «لو كان العلم معلقا بالثريا لناله رجال من فارس» .
وفي لفظ: «من أبناء فارس» ، زاد الطبراني في حديث قيس: «لناله رجال من أبناء فارس» ولفظ مسلم: «لناله رجل» ، وفي لفظ: «قوم» ، وفي لفظ: «ناس من أبناء فارس» .
قال الشيخ رحمه الله تعالى: فهذا أصل صحيح يعتمد عليه في البشارة والفضيلة، ويستغنى به عن الخبر الموضوع. انتهى.
وما جزم به شيخنا من أن الإمام أبا حنيفة رضي الله عنه هو المراد من هذا الحديث السابق ظاهر لا شك فيه، لأنه لم يبلغ من أبناء فارس في العلم مبلغه، ولا مبلغ أصحابه، وليس المراد بفارس البلد المعروف، بل جنس من العجم وهم الفرس، كان جد الإمام أبي حنيفة منهم.(10/116)
الباب الرابع والخمسون في إخباره صلى الله عليه وسلم بعالم المدينة
روى الحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك الناس أن يضربوا أكباد الإبل، فلا يجدوا عالما أعلم من عالم المدينة» ،
قال سفيان بن عيينة رضي الله عنه نوى هذا العالم مالك بن أنس، ولم يعرف بهذا الاسم غيره، ولا ضربت أكباد الإبل إلى أحد مثل ما ضربت إليه.
وقال أبو مصعب رضي الله عنه: كان الناس يزدحمون على باب مالك ويقتتلون عليه من الزحام، يعني لطلب العلم، وممن روي عنه من الأئمة المشهورين، محمد بن شهاب الزهري، والسفيانان، والشافعي، والأوزاعي إمام أهل الشام، والليث بن سعد إمام أهل مصر [ (1) ] ، وأبو حنيفة النعمان بن ثابت الإمام، وصاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن، وعبد الرحمن بن مهدي شيخ الإمام أحمد، ويحيى شيخ البخاري، وأبو رجاء قتيبة بن سعد شيخ البخاري ومسلم، وذا النون المصري، والفضل بن عياض، وعبد الله بن المبارك، وإبراهيم بن أدهم رضوان الله عليهم أجمعين.
الباب الخامس والخمسون في إخباره صلى الله عليه وسلم بعالم قريش
روى الإمام أحمد والترمذي وقال: حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اهد قريشا، فإن علم العالم يسع طباق الأرض» .
ورواه الخطيب وابن عساكر عن أبي هريرة والبيهقي في المدخل عن علي وابن عباس وأبو داود الطيالسي في مسنده وفيه الجارود مجهول بلفظ: «فإن عالمها يملأ طباق الأرض علما» ،
وقد جمع الإمام الحافظ ابن حجر طرقه في كتاب سماه: لذة العيش، في طرق حديث (الأئمة من قريش) .
الباب السادس والخمسون في إخباره صلى الله عليه وسلم بقوم يأتون من بعده يحبونه حبا شديدا
روى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أناسا من أمتي يأتون بعدي يود أحدهم لو اشترى رؤيتي بأهله وماله» .
__________
[ (1) ] سقط في ج.(10/117)
الباب السابع والخمسون في إخباره صلى الله عليه وسلم بالنار التي تخرج من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى
روى الإمام أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح، وابن حبان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستخرج نار من حضر موت، أو من نحو حضر موت، قبل يوم القيامة تحشر الناس» ، قيل يا رسول الله، ما تأمرنا؟ قال: «عليكم بالشام» .
وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى» .
وروى أبو عوانة عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه [ (1) ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من ركوبة تضيء منها أعناق الإبل ببصرى» .
وروى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء منها أعناق الإبل ببصرى» .
وروى الحاكم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فلما رجعنا، تعجل ناس فدخلوا المدينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن تدعوها أحسن ما كانت، ليت شعري، متى تخرج نار من جبل ورقان تضيء لها أعناق البخت ببصرى» .
قال الشيخ: خرجت هذه النار سنة أربع وخمسين وستمائة.
تنبيه:
جبل الورقان: [جبل أسود من أعظم الجبال بين العرج والرويثة وهو أول جبل بيمين المصعد من المدينة إلى مكة حرسها الله تعالى.
الباب الثامن والخمسون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال قيس بن مطاطية
روى الخطيب في رواة مالك عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: جاء قيس بن مطاطية إلى حلقة فيها سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي، فقال: هؤلاء الأوس والخزرج
__________
[ (1) ] سقط في ج.(10/118)
قاموا بنصرة هذا الرجل، فما بال هؤلاء؟ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا يجر رداءه، حتى دخل المسجد ثم نادى: الصلاة جامعة، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «يا أيها الناس: إن الرب رب واحد، وإن الأب أب واحد، وإن الدين دين واحد، وإن العربية ليست لكم بأب ولا أم، إنما هي لسان، فمن تكلم بالعربية فهو عربي» ، فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو آخذ بسيفه: يا رسول الله، ما تقول في هذا المنافق؟ فقال: «دعه إلى النار، فكان فيمن ارتد فقتل في الردة» .
الباب التاسع والخمسون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه سيكون قوم في هذه الأمة يعتدون في الطهور والدعاء
روى الطبراني وابن أبي شيبة وأبو داود وابن ماجه والإمام أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي عن عبد الله بن مغفل، وأبو داود الطيالسي وابن أبي شيبة، والإمام أحمد وأبو داود عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء» .
الباب الستون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال قيس بن خرشة رضي الله تعالى عنه
روى الطبراني والبيهقي عن محمد بن يزيد بن أبي زياد الثقفي رضي الله عنه قال: إن قيس بن خرشة قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أبايعك على ما جاء من الله تعالى وعلى أن أقول بالحق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا قيس، عسى أن يمدك الدهر، أن يلقاك بعدي من لا تستطيع أن تقول بالحق معهم» ، قال قيس: والله لا أبايعك على شيء إلا وفيت لك به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«إذا لا يضرك بشر، وكان قيس يعيب زياد بن أبي سفيان، وابنه عبيد الله» ، فبلغ ذلك عبيد الله، فأرسل إليه فقال: أنت الذي تفتري على الله تعالى وعلى رسوله؟ قال: لا، ولكن إن شئت أخبرتك بمن يفتري على الله وعلى رسوله؟ قال: من ذاك؟ قال: أنت وأبوك الذي أمركما، قال قيس: وما الذي افتريت على الله ورسوله؟ فقال: «تزعم أنه لا يضرك بشر!» قال: نعم، قال:
«لتعلمن اليوم أنك قد كذبت، ائتوني بصاحب العذاب وبالعذاب» ، قال: فمال قيس عند ذلك، فمات.(10/119)
الباب الحادي والستون في إخباره صلى الله عليه وسلم باتخاذ أمته الخصيان
روى ابن عدي والدّارقطنيّ في الإفراد وابن عساكر عن معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون قوم ينالهم الإخصاء فاستوصوا بهم خيرا» .
الباب الثاني والستون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن طائفة من أمته لا تزال على الحق حتى تقوم الساعة ولا يردها عنه شيء
روى الإمام أحمد والشيخان وابن ماجة عن معاوية، والطبراني في الكبير عن زيد بن أرقم، ومسلم والترمذي وابن ماجة عن ثوبان، ومسلم والبيهقي عن عقبة بن عامر، والإمام أحمد وابن جرير وأبو نعيم في الحلية، وأبو يعلى والطبراني في الأوسط، وابن عدي وعبد الجبار بن عبد الله الخولاني في تاريخ داريا وابن عساكر عن أبي هريرة وابن منده وابن عساكر عن أبي هريرة، وشرجيل بن حسنة معا، والبخاري في التاريخ، وابن عدي في الكامل، وأبو داود والضياء وأبو داود الطيالسي والحاكم عن عمر، والبخاري والإمام أحمد ومسلم، وابن جرير وابن حبان والحاكم وأبو داود الطيالسي عن جابر، والشيخان والبيهقي عن المغيرة، ومسلم وأبو نصر السجزي في الإبانة، والهروي في ذم الكلام عن سعد، وابن عساكر عن أبي الدرداء والطبراني في الكبير عن مرة البهزي، والإمام أحمد والضياء وأبو داود الطيالسي وعبد بن حميد عن زيد بن أرقم والإمام أحمد والطبراني في الكبير والضياء عن أبي أمامة والإمام أحمد والطبراني في الكبير عن عمران بن حصين، وابن ماجه والطبراني في الكبير عن معاوية بن قرة عن أبيه، وابن قانع وابن عساكر والضياء عن قتادة عن أنس، قال البخاري: إنما هو قتادة عن (مطهر) [ (1) ] رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال أمتي» وفي لفظ «طائفة» وفي لفظ «عصابة» وفي لفظ «أناس من أمتي» وفي لفظ «أهل المغرب من أمتي ظاهرين على الحق به» وفي لفظ: «ظاهرين حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون» ، وفي لفظ: «يقاتلون على الحق وهم ظاهرون» وفي لفظ: «على من ناوأهم» وفي لفظ: «من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» وفي لفظ: «على من ناوأهم وهم كالإناء بين الأكلة حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» ، وفي لفظ: «إلى يوم القيامة» وفي لفظ: «حتى تقوم الساعة» ، وفي لفظ: «حتّى
__________
[ (1) ] في ج مطر عن عمران.(10/120)
يأتيهم أمر الله وهم على ذلك» ، وفي لفظ: «حتى يأتيهم الأمر» وفي لفظ: «فينزل عيسى ابن مريم، فيقول أميرهم: تعالى صل لنا؟ فيقول لا، إن بعضكم على بعض أمير تكرمة من الله عز وجل هذه الأمة» ، وفي لفظ: «حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال» ، وفي لفظ: «منصورين لا يضرهم خذلان من خذلهم حتى تقوم الساعة» ، وفي لفظ: «من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» ، وفي لفظ: «لا تقوم الساعة إلا وطائفة من أمتي ظاهرين على الناس لا يبالون من خذلهم ولا من يضرهم» وفي لفظ: «لا تزال أمتي قوامة على أمر الله» وفي لفظ: «عزيزة على الدين إلى يوم القيامة [ (1) ] يقاتلون من خذلهم ولا يعزهم من والاهم» وفي لفظ: «على من يغزوهم ظاهرين لا يضرها من خالفها» ، وفي لفظ: «ولا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم» وفي لفظ: «لا يزال لهذه الأمة عصابة على الحق لا يضرهم خلاف من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» ، وفي لفظ: «لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة» ، وفي لفظ: «عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتي الساعة وهم على ذلك» ، وفي لفظ: «وهم ظاهرون على الناس» ، وفي لفظ: «يقذف الله بهم كل مقذف حتى يقاتلوا فلول الضلال، لا يضرهم من خالفهم حتى يقاتلوا الأعور الدجال. وهم أكثر أهل الشام» وفي لفظ: «تقاتله على أبواب دمشق وما حولها، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم خذلان من خذلهم ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة» وفي لفظ: «لا تزال بدمشق عصابة يقاتلون على الحق حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون» وفي لفظ: قيل: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: «ببيت المقدس» .
تنبيه:
ذكر يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني رضي الله عنه أن المراد بالغرب الدلو، والمراد بأهله العرب، لأنهم أصحابها لا يستقي بها غيرهم وقال غيره: المراد بالغرب: أهل القوة والاجتهاد في الجهاد يقال: لسان غرب بفتح ثم سكون أي فيه حدّة.
__________
[ (1) ] سقط في ب.(10/121)
الباب الثالث والستون في إخباره صلى الله عليه وسلم بمن يجدد لهذه الأمة أمر دينها كل مائة سنة
روى أبو داود والحاكم في المستدرك والبيهقي في المعرفة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» .
الباب الرابع والستون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه لا يأتي زمان إلا والذي يليه شر منه
روى الإمام أحمد والبخاري والنسائي وابن حبان عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يأتي عليكم عام ولا يوم إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم» .
الباب الخامس والستون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الخطباء يغفلون عن ذكر الدجال على المنابر
روى عبد الله بن الإمام أحمد وابن قانع عن الصعب بن جثامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره، وحتى يترك الأئمة ذكره على المنابر» .
الباب السادس والستون في إخباره صلى الله عليه وسلم بالكذابين بعده وبالحجاج
روى الإمام أحمد عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بين يدي الساعة كذابون منهم صاحب اليمامة، ومنهم صاحب صنعاء العنسي، ومنهم صاحب حمير، ومنهم الدجال وهو أعظمهم فتنة» .
وروى الحاكم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج من ثقيف كذابان، الآخر منهم أشر من الأول، وهو المبير» .
وروى الطبراني في الكبير عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج من المدينة مبير وكذاب» .
وروى الإمام أحمد والطبراني عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم(10/122)
قال: «والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا، آخرهم الأعور الدجال» .
وروى الطبراني في الكبير عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة من قريش، ثم يخرج كذابون وبين يدي الساعة» .
وروى ابن أبي شيبة عن عبيد بن عمير الليثي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا كلهم يزعم أنه نبي قبل يوم القيامة» .
وروى أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا كلهم يكذب على الله ورسوله» .
وروى ابن عساكر في تاريخه عن العلاء بن زياد العدوي رضي الله عنه قال: قال حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالون كذابون كلهم يزعم أنه نبي فمن قاله فاقتلوه، ومن قتل منهم أحدا فله الجنة» .
وروى أبو نعيم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا آخرهم المسيح» .
. الحديث.
وروى ابن أبي شيبة وابن عدي في الكامل بسند ضعيف عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا منهم مسيلمة والعنسي وشر قبائل العرب بنو أمية وبنو حنيفة وثقيف» .
وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان وتكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة، ولا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريبا من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله» .
وروى الترمذي وقال: حسن صحيح والحاكم عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى يعبدوا الأوثان وإنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي» .
وروى الطبراني في الكبير عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يخرج سبعون كذابا» .
وروى الإمام أحمد والطبراني في الكبير والحاكم عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن هذا الرجل يعني مسيلمة: «أما بعد، فقد أكثرتم في شأنه، فإنه كذاب(10/123)
من ثلاثين كذابا يخرجون قبل الدجال وأنه ليس من بلد إلا يبلغها رعب المسيح إلا المدينة على كل نقب من أنقابها ملكان يذبان عنها رعب المسيح» .
الباب السابع والستون في إخباره صلى الله عليه وسلم بكذابين في الحديث وشياطين يحدثون الناس
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون في آخر أمتي ناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم [ (1) ] وإياهم» .
وروى ابن عدي والبيهقي عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يطوف إبليس في الأسواق، ويقول حدثني فلان ابن فلان بكذا وكذا» .
وروى عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل فيأتي القوم، فيحدثهم بالحديث من الكذب فيتفرقون.
وروى البخاري في تاريخه والبيهقي عن سفيان قال: حدثني من رأى قاصا يقص في مسجد الخيف فطلبته فإذا هو شيطان.
وروى ابن عدي والبيهقي عن عيسى بن أبي فاطمة الفزاري قال: كنت جالسا عند شيخ في المسجد الحرام أكتب عنه فقال الشيخ: حدثني الشيباني، فقال رجل: حدثني الشيباني فقال: عن الشعبي فقال: حدثني الشعبي، فقال عن الحارث؟ فقال: قد والله، رأيت الحارث وسمعت منه، فقال عن علي؟ فقال: قد والله رأيت عليا وشهدت معه صفين، فلما رأيت ذلك، قرأت آية الكرسي فلما قلت: وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما [البقرة 255] التفت فلم أر شيئا.
الباب الثامن والستون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأول الأرض خرابا وأول الناس هلاكا
روى الطبراني في الكبير وابن عساكر عن جرير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أول الأرض خرابا يسراها ثم يمناها» .
__________
[ (1) ] في ج وآباؤهم.(10/124)
وروى الطبراني في الكبير عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول الناس هلاكا قريش، وأول قريش هلاكا أهل بيتي» .
وروى أبو يعلى في مسنده عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول الناس فناء قريش، وأول قريش فناء بنو هاشم» .
الباب التاسع والستون في إخباره صلى الله عليه وسلم بظهور المعدن في أرض بني سليم
روى أبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يظهر معدن في أرض بني سليم، يقال له: فرعون أو فرعون وذلك بلسان أبي الجهم قريب من السواء يخرج إليه شرار الناس، أو يحشر إليه شرار الناس» .
وروى الطبراني برجال الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطعة من ذهب كانت أول صدقة جاءته من معدن لنا، فقال: «إنها ستكون معادن وسيكون فيها شر الخلق» .
وروى ابن أبي شيبة عن رافع بن خديج رضي الله عنه عن رجل من بني سليم عن جده رضي الله عنه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفضّة، فقال: من معدن لنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه سيكون معادن (يحضرها شرار الناس) [ (1) ] » .
رواه الإمام أحمد ورجاله رجال الصحيح،
وفيه راو لم يسم عند زيد بن أسلم عن رجل من بني سليم عن جده.
الباب السبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بصفة رجال ونساء يكونون في آخر الزمان
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» .
__________
[ (1) ] سقط في ج.(10/125)
الباب الحادي والسبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأقوام يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقر
روى مسدد وابن أبي شيبة والإمام أحمد عن عمر بن سعد بن أبي وقاص، والضياء في المختارة عن سعد، والإمام أحمد والنسائي وابن حبان والخرائطي في مكارم الأخلاق عن عمر بن سعد قال: كانت لي حاجة إلى أبي فقدمت بين يدي حاجتي كلاما، مما يحدث الناس يتوصلون به لم يكن سعد يسمعه فلما فرغت قال: يا بني فرغت من كلامك؟ قلت: نعم، قال:
ما كنت من حاجتك أبعد ولا كنت فيك أزهد مني منذ سمعت كلامك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيكون قوم» ، وفي لفظ: «لا تقوم الساعة حتى يخرج قوم يأكلون بألسنتهم كما يأكل البقر بألسنتهم من الأرض» .
الباب الثاني والسبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بذهاب الأمانة والعلم والخشوع وعلم الفرائض
روى مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين، قد رأينا أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم نزل القرآن، فعلموا من القرآن وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة، قال: «ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل كجمر، دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا، وليس فيه شيء فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة، حتى يقال: إن في بني فلان رجلا أمينا، حتى يقال للرجل: ما أجلده، ما أكرمه ما أظرفه ما أعقله وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان» .
وروى الطبراني في الكبير عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول ما تفقدون من دينكم الأمانة» .
وروى الحكيم الترمذي عن زيد بن ثابت رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول ما يرفع من الناس الأمانة، وآخر ما يبقى من دينهم الصلاة، ورب مصل لا خلاق له عند الله» .
وروى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوّل لما يرفع من هذه الأمة الحياء والأمانة» .
وروى ابن ماجه والدّارقطني والحاكم والشيرازي في الألقاب والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموا الفرائض وعلموها الناس، فإنه نصف العلم،(10/126)
وإنه ينسى، وهو أول شيء ينزع من أمتي» .
وروى الإمام أحمد والترمذي والنسائي والبيهقي والحاكم، واللفظ له عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموا الفرائض، وعلموا الناس، فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف اثنان في الفريضة، فلا يجدان من يفصل بينهما» . ورواه الدارقطني
وقال الأصح أنه مرسل.
وروى الديلمي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموا العلم قبل أن يرفع، فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إلى ما عنده» .
ورواه ابن مسعود وزاد: وإياكم والتنطع والبدع وعليكم بالعتيق.
وروى البخاري وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل حتى يكثر فيكم المال فيفيض» .
وروى الإمام أحمد والدارمي والطبراني في الكبير وأبو الشيخ في تفسيره، وابن مردويه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس خذوا من العلم قبل أن يقبض العلم، وقبل أن يرفع العلم» ، قيل: يا رسول الله، كيف يرفع العلم وهذا القرآن بين أظهرنا؟ فقال: «ثكلتك أمك، وهذه اليهود والنصارى أو ليست بين أظهرهم المصاحف لم يصبحوا يتعلقوا بالحرف مما جاءتهم به أنبياؤهم ألا وإن ذهاب العلم أن تذهب حملته» .
وروى الطبراني في الكبير والخطيب عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أيها الناس، عليكم بالعلم قبل أن يقبض، وقبل أن يرفع، العالم والمتعلم شريكان في الأجر ولا خير في سائر الناس بعد» .
وروى الإمام أحمد وابن أبي شيبة والشيخان والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر، والخطيب عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما، اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» .
وروى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلماء، فإذا ذهب العلماء اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل» .
وروى الشيخان والترمذي وابن ماجة عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» .(10/127)
تنبيهات.
الأول:
قال النووي: المراد بها التكليف الذي كلف الله تعالى به عباده والعهد الذي أخذه عليهم وهي التي في قوله: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ [الأحزاب 72] .
الثاني: معنى الحديث أن الأمانة تزول عن القلوب شيئا فشيئا فإذا زال أول جزء منها، زال نورها وخلفته ظلمة كالوكت وهو اعتراض لون مخالف للون الذي قبله، فإذا زال شيء آخر صار كالمجل وهو أثر محكم لا يكاد يزول إلا بعد مدة، وهذه الظلمة فوق التي قبلها ثم شبه زوال ذلك النور بعد وقوعه في القلب وخروجه بعد استقراره فيه واعتقاب الظلمة إياه بجسر يدحرجه على رجله حتى يؤثر فيها ثم يزول الجمر ويبقى التنفط وأخذه الحصاة ودحرجته إياها أراد بها زيادة البيان وإيضاح المذكور.
الثالث: في بيان غريب ما سبق:.
الجدر: بفتح الجيم وإسكان الدال هو الأصل.
الوكت: بفتح الواو وسكون الكاف ومثناة فوقية الأثر اليسير، وقيل: سواد يسير، وقيل:
لون يحدث يخالف اللون الذي كان قبله.
المجل: بفتح الميم وفي الجيم الفتح والإسكان وهو المشهور يقال: منه مجلت يده بكسر الجيم تمجل بفتحها مجلا أيضاً، ومجلت بفتح الجيم تمجل بضمها وبإسكانها لغتان مشهورتان وأمجلها غيرها.
النفط: بفتح النون وكسر الفاء والمجل هو التنفط الذي يصير في اليد من العمل بفأس أو نحوها، ويصير كالقبة فيه ماء قليل وذكره مع أن الرجلة مؤنث لإرادة العضو.
منتبرا: بنون ثم مثناة فوقية ثم موحدة وراء مرتفعا ومنه المنبر لارتفاعه، وارتفاع الخطيب عليه.
الباب الثالث والسبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه لا تضره الفتنة
روى أحمد بن منيع والبيهقي في الكبرى وابن أبي شيبة وابن ماجة عن أبي بردة رضي الله عنه قال: مررت بالربذة فإذا فسطاط، فقلت لمن هذا؟ فقيل لمحمد بن مسلمة(10/128)
فاستأذنت عليه، فدخلت عليه فقلت رحمك الله، إنك من هذا الأمر بمكان فلو خرجت إلى الناس فأمرت ونهيت
فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه ستكون فتنة وفرقة واختلاف فإذا كان ذلك فأت بسيفك أحدا فاضرب به عرضه واكسر نبلك، واقطع وترك، واجلس في بيتك، فقد كان ذلك، ثم استنزل سيفا كان معلقا بعمود الفسطاط فاخترطه فإذا سيف من خشب» ،
فقال:
قد فعلت ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم واتخذت هذا أرهب به الناس.
الباب الرابع والسبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بموت أبي الدرداء قبل الفتنة
روى البيهقي وأبو نعيم عن أبي الدرداء قال: قلت يا رسول الله بلغني أنك تقول ليرتدن أقوام بعد إيمانهم، قال: «أجل ولست منهم»
فتوفي أبو الدرداء قبل أن يقتل عثمان رضي الله عنه.
وروى الطيالسي عن يزيد بن أبي حبيب أن رجلين اختصما إلى أبي الدرداء في شبر من الأرض فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا كنت في أرض فسمعت رجلين يختصمان في شبر من الأرض فاخرج منها فخرج أبو الدرداء إلى الشام» .
الباب الخامس والسبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح القسطنطينية وأنها تفتح قبل رومية
روى ابن أبي شيبة برجال ثقات والإمام أحمد عن عبد الله بن بشر الخثعمي عن أبيه رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الأمير أميرها، ونعم الجيش ذلك الجيش» .
وروى الحارث والطبراني عن جبير بن نفير رحمه الله تعالى قال: سمعت أبا ثعلبة الخشني رضي الله عنه يقول بالفسطاط في خلافة معاوية أعد الناس للقسطنطينية، والله لا تعجز هذه الأمة من نصف يوم، وإذا رأيت الشام مائدة رجل، وأهل بيته، فعند ذلك تفتح القسطنطينية.
وروى الطيالسي وابن منيع وابن أبي شيبة وأبو يعلى برجال ثقات إلا أسيد جابر وهو ثقة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لا تقوم الساعة حتى لا يقسم ميراث، ولا يفرح بغنيمة، يجمع الروم لكم، وفي لفظ يجمعون لأهل الإسلام ونحا بيده نحو الشام، قلت الروم تعني؟ قال: نعم، فيكون عند ذلك ردة شديدة فيشرط المسلمون شرطة للموت، لا ترجع إلا(10/129)
غالبة فيقاتلون حتى يحجز بينهم الليل فيفيء هؤلاء ويفيء هؤلاء كل غير غالب، وتفنى الشرطة ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فيقاتلون حتى يحجز بينهم الليل فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فيقاتلون حتى يمسوا فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب، وتفنى الشرطة، فإذا كان الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام، فجعل الله الدائرة عليهم، فيقتتلون مقتلة عظيمة إما قال لم ير مثلها وإما قال لم نر مثلها حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم فلا يخلفهم حتى يخر ميتا فيتعاد بنو الأب وكانوا مائة فلا يجدون بقي منهم إلا الرجل الواحد فبأي غنيمة يفرح أو ميراث يقسم؟
قال: فبينما هم كذلك إذا سمعوا بناس هم أكثر من ذاك جاءهم الصريخ أن الدجال قد خلف في ذراريهم، فيرفضون ما في أيديهم، ويقبلون فيبعثون عشرة فوارس طليعة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ» أو قال: «هم خير من على ظهر الأرض» .
وروى ابن أبي شيبة وابن منيع والإمام أحمد والحاكم وصححه عن أبي قبيل رحمه الله تعالى قال: كنا عند عمرو بن العاص رضي الله عنهما فسئل: أي المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق، فأخرج منه كتابا يقرؤه
قال: بينا نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سئل أي المدينتين تفتح أولا، قسطنطينيّة أو روميّة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا بل مدينة هرقل تفتح أولا» .
وروى ابن ماجه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يكون أدنى مسالح المسلمين ببولاء يا علي إنكم ستقاتلون بني الأصفر ويقاتلهم الذين من بعدكم، حتى يخرج إليهم روقة الإسلام، أهل الحجاز الذين لا يخافون في الله لومة لائم، ويفتحون القسطنطينية بالتسبيح والتكبير، فيصيبون غنائم لم يصيبوا مثلها حتى يقتسموا بالأترسة ويأتي آت، فيقول: إن المسيح قد خرج ببلادكم، ألا وهي كذبة، فالآخذ نادم، والتارك نادم» .
وروى الديلمي عن عمرو بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يفتح الله على المؤمنين القسطنطينية والرومية بالتسبيح والتكبير» .
وروى الإمام أحمد والبخاري في التاريخ والبزار وابن خذيمة والبغوي والبارودي وابن السكن وابن قانع والطبراني في الكبير، وأبو نعيم والحاكم والضياء عن عبد الله بن بشر الغنوي عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش» .(10/130)
الباب السادس والسبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال القراء بعده
روى الإمام أحمد بسند جيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينا نحن نقرأ، فينا العربي والعجمي والأسود إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنتم بخير تقرؤون كتاب الله، وفيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيأتي قوم يثقفونه كما يثقفون القدح يتعجلون أجورهم ولا يتأجلونها» .
وروى أبو يعلى والبزار والطبراني عن العباس بن عبد المطلب، والبزار برجال ثقات والطبراني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه والطبراني برجال ثقات عن أم الفضل بنت العباس رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يظهر الدين حتى يجاوز التجار، وتخاض البحار بالخيل في سبيل الله، حتى يرد الكفر إلى موطنه، وليأتين على الناس زمان يتعلمون فيه القرآن يتعلمونه ويقرأونه، ثم يقولون: قد قرأنا القرآن، فمن أقرأ منا؟ ومن أفقه منا ومن أعلم منا؟» ثم التفت إلى أصحابه، فقال: «هل في أولئك من خير؟» قالوا: لا، قال: «أولئك منكم من هذه الأمة، وأولئك هم وقود النار» .
رواه ابن أبي شيبة بسند ضعيف عن العباس رضي الله عنه ولفظه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثم يأتي من بعدهم أقوام يقرأون القرآن، يقولون: قد قرأنا القرآن من أقرأ منا؟
أو من أفقه منا؟ أو من أعلم منا؟»
ثم التفت ... الحديث.
وروى أحمد بن منيع بإسناد حسن عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قوما يقرأون القرآن فقال: «اقرأوا القرآن قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه» .
وروى الشيخان والإمام أحمد والنسائي وابن جرير وأبو داود الطيالسي وابن ماجه وأبو عوانة وأبو يعلى وابن حبان عن علي، وابن أبي شيبة والإمام أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح وابن ماجه وابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنهما ولفظ علي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيخرج» وفي لفظ: «يخرج» وفي لفظ: «يأتي في آخر الزمان حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام» وفي لفظ: «يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم، يقولون: من قول خير البرية» وفي لفظ: «لا يتجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا رأيتموهم، فاقتلوهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة» وفي لفظ: «فمن لقيهم فليقتلهم فإن قتلهم أجر عظيم عند الله لمن قتلهم يوم القيامة» .
وروى مسلم وأبو داود وأبو عوانة عن علي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئا، ولا صلاتكم إلى(10/131)
صلاتهم شيئا ولا صيامكم إلى صيامهم شيئا، يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لو يعلم الجيش (الذي يصيبونهم) [ (1) ] ما قضى لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم لنكلوا عن العمل، وأية ذلك أن فيهم رجلا له عضد وليست له ذراع على عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض» .
وروى أبو نصر السجزي في الإبانة والديلمي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرث هذا القرآن قوم يشربونه شرب اللبن، لا يجاوز تراقيهم» .
وروى ابن ماجه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج في آخر الزمان قوم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم سيماهم التحليق إذا لقيتموهم فاقتلوهم» .
وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والنسائي والطبراني في الكبير والحاكم عن أبي برزة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج في آخر الزمان قوم كأن هذا منهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية سيماهم التحليق لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع المسيح الدجال فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، هم شر الخلق والخليفة» .
وروى الإمام أحمد والبخاري والطبراني في الكبير، والبيهقي عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج قوم أحداء أشداء ذليقة ألسنتهم بالقرآن يقرأونه ينثرونه نثر الدقل لا يجاوز تراقيهم فإذا رأيتموهم فأتوهم فاقتلوهم فالمأجور من قتل هؤلاء» .
وروى الإمام أحمد والبخاري وأبو يعلى عن أبي سعيد، وابن أبي شيبة والإمام أحمد والشيخان عن سهل بن حنيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج ناس من المشرق» وفي لفظ:
«من المشرق أقوام محلقة رؤوسهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم» وفي لفظ: «يقرأون القرآن بألسنتهم لا يعدو تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» وفي لفظ: «ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه، سيماهم التّلحيق» .
وروى السجزي في الإبانة والخطيب وابن عساكر عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج قوم من المشرق حلقان الرؤوس، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم. طوبى لمن قتلوه، وطوبى لمن قتلهم» .
وروى الشيخان والنسائي في حديث مالك عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعلمكم مع علمهم، ويقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم
__________
[ (1) ] في ج الّذين يصونهم.(10/132)
من الرمية، ينظر في النصل فلا يرى شيئا، وينظر في القدح فلا يرى شيئا، وينظر في الريش فلا يرى شيئا، ويتمارى في الفوق هل علق به من الدم شيء» .
وروى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يأتي على الناس زمان يتعلمون القرآن فيجمعون حروفه، ويضيعون حدوده، ويل لهم مما جمعوا وويل لهم مما صنعوا، إن أولى الناس بهذا القرآن من جمعه لم ير عليه أثره» .
وروى الإمام أحمد ومسلم وابن ماجه والطبراني في الكبير عن أبي ذر ورافع بن عمر والغفاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون بعدي من أمتي قوم يقرأون القرآن، لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه، هم شر الخلق والخليفة سيماهم التحليق» .
تنبيهات.
الأول: مذهب مالك الشافعي وجماهير العلماء رضي الله عنهم أن الخوارج لا يكفرون، وكذلك القدرية والمعتزلة، وسائر أهل الأهواء.
الثاني:
قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا» .
قال القاضي: أجمع العلماء رضي الله عنهم على أن الخوارج وأشباههم من أهل البدع والبغي متى خرجوا على الإمام، وخالفوا رأي الجماعة، وشقوا العصا وجب قتالهم بعد إنذارهم والإعذار لهم فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات 9] ولكن لا يجهز على جريحهم، ولا يتبع منهزمهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا تباح أموالهم ما لم يخرجوا عن الطاعة، وينتصبوا للحرب لا يقاتلون، بل يوعظون ويستتابون من بدعتهم، فإن كفروا بها جرت عليهم أحكام المرتدين.
الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: «شر الخليقة» المشهور فيه بغير ألف، تأوله الجمهور على أنه شرار المسلمين» .
الرابع: قوله: «يقولون من خير قول البرية» معناه في ظاهر الأمر، كقولهم: لا حكم إلا لله ونظائره من دعاياهم إلى كتاب الله.
الخامس: في بيان غريب ما سبق الرصاف: بكسر الراء وصاد مهملة مدخل النصل من السهم:
القدح: بكسر القاف وسكون الدال والحاء المهملتين عود السهم.
القذذ: بقاف مضمومة وذالين معجمتين ريش السهم.(10/133)
القرفة: بضم القاف الذي يجعل فيه الوتر.
النضي: بفتح النون وكسر الضاد المعجمة وتشديد الياء القدح.
البصرة: بفتح الباء الموحدة وكسر الصاد المهملة: الشيء من الدم أي لا يرى شيئا من الدم يستدل به على إصابة الرمية.
سيماهم التحليق فيه ثلاث لغات: القصر وهو الأفصح وبها جاء القرآن، والمد، والثالثة (سيمياء) بزيادة ياء مع المد لا غير، وهي العلامة، قال النووي: ولا دلالة فيه على كراهة حلق الرأس، لأن العلامة قد تكون بحرام وبمباح. انتهى.
الباب السابع والسبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن المساجد ستزخرف (والمباهاة)
روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد» .
وروى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أمرت بتشييد المساجد»
قال ابن عباس لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى.
وروى ابن ماجه عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أراكم ستشرفون مساجدكم بعدي كما شرفت اليهود كنائسها وكما شرفت النصارى بيعها» .
وروى الحاكم في تاريخه عن ابن عباس رضي الله عنهما سيكون في آخر أمتي أقوام يزخرفون مساجدهم ويخربون قلوبهم، يتقي أحدهم على ثوبه ما لا يتقي على دينه، لا يبالي أحدهم إذا سلمت له دنياه ما كان من أمر دينه.
الباب الثامن والسبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بإتيان قوم يقرأون القرآن يسألون به الناس
روى الإمام احمد وابن منده عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه مر على قارئ يقرأ القرآن يسأل الناس به، فاسترجع عمران وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من قرأ القرآن فليسأل به الله، فإنه ستجيء أقوام يقرأون القرآن، ويسألون به الناس» .
وروى الإمام أحمد والطبراني في الكبير، والبيهقي في الشعب عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرؤوا القرآن، وسلوا الله به قبل أن يأتي قوم يقرأون(10/134)
القرآن فيسألون الناس به» .
وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن منيع والبيهقي في الشعب والضياء عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقرأوا القرآن، وابتغوا به الله من قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه» .
وروى ابن أبي شيبة عن محمد بن المنكدر رضي الله عنه مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقرأوا القرآن، واسألوا الله به، فإنه سيقرؤه قوم يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه» .
الباب التاسع والسبعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بزخرفة البيوت
روى البزار برجال ثقات، والطبراني في الكبير عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستفتح عليكم الدنيا حتى تتخذوا بيوتكم كما نتخذ الكعبة،» قلنا:
ونحن على ديننا اليوم؟ قال: «وأنتم على دينكم اليوم» ، قلنا فنحن يومئذ خير أم ذلك اليوم؟
قال: «بل أنتم اليوم خير» .
وروى الشيخان عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون لكم أنماط»
ورواه الترمذي عن علي وزاد ويغدو أحدهم في حلة، ويرجع في أخرى، ويوضع بين يديه صحفة، ويرفع أخرى ويسترون بيوتهم كما تستر الكعبة، وأنتم اليوم خير منهم يومئذ.
الباب الثمانون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه سيكون في أمته رجال نساؤهم على رؤوسهن كأسنمة البخت كاسيات عاريات
روى الإمام أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات، على رؤوسهم كأسنمة البخت فالعنوهن فإنهن ملعونات لو كانت وراءكم أمة من الأمم، لخدم نساؤكم نساءهم كما خدمتكم نساء الأمم من قبلكم» ولفظ الطبراني: «سيكون في أمتي رجال يركب نساؤهم على سروج كأشباه الرجال» .
وروى الطبراني في الكبير عن أبي شقرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم اللاتي(10/135)
ألقين على رؤوسهن مثل أسنمة البقر، فأعلموهن أنهن لا تقبل لهن صلاة» .
وروى الإمام أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا!» .
الباب الحادي والثمانون في إخباره صلى الله عليه وسلم عن مكان بأنه سيصير سوقا
روى أبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رب يمين لا تصعد إلى الله تبارك وتعال بهذه البقعة» ،
قال: فرأيت فيها النخاسين بعد.
وروى عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبيدة عن أبيه عن جده أنه خرج مع أبي هريرة رضي الله عنه من المسجد وليس بين الزوراء وبين الثنية يومئذ بيت ولا حجر، والسوق يومئذ غير مرة وائل حتى إذا كان عند دار ابن مسعود رضي الله عنه قال: يا أبا الحارث، من لحق أبا القاسم صلى الله عليه وسلم؟ أخبرني، قال: «رب يمين بهذه البقعة لا تصعد إلى الله تعالى» ، قلت: وأتى ذلك أباه هريرة، قال: أما إني أشهد ما كذبت فقلت: وأنا أشهد.
الباب الثاني والثمانون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن القرآن والسلطان سيفترقان
روى أحمد بن منيع برجال ثقات وإسحاق من طريق آخر عن معاذ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خذوا العطاء ما دام عطاء، فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه ولستم بتاركيه، يمنعكم من ذلك المخافة والفقر، ألا وإن رحى الإيمان دائرة، وإن رحى الإسلام دائرة، فدوروا مع الكتاب حيث يدور، ألا وإن السلطان والكتاب سيفترقان ألا فلا تفارقوا الكتاب، ألا إنه سيكون عليكم أمراء إن أطعتموهم أضلوكم، وإن عصيتموهم قتلوكم» ، قالوا: فكيف نصنع يا رسول الله؟ قال: «كما صنع أصحاب عيسى ابن مريم حملوا على الخشب ونشروا بالمناشير، موت في طاعة الله، خير من حياة في معصية الله» .(10/136)
الباب الثالث والثمانون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال الولاة بعده
روى الطبراني عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في خطبته: «ألا إني أوشك أن أدعى فأجيب، فيليكم عمال من بعدي يعملون بما تعملون ويعملون ما تعرفون، وطاعة أولئك طاعة، فتلبثون كذلك زمانا، ثم فيليكم عمال من بعدهم يعملون بما لا تعملون، ويعملون بما لا تعرفون فمن قادهم، وناصحهم، فأولئك قد هلكوا وأهلكوا خالطوهم بأجسادكم، وذايلوهم بأعمالكم، واشهدوا على المحسن أنه محسن وعلى المسيء أنه مسيء» .
وروى الطبراني عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم إذا جاءت عليكم الولاة؟» .
وروى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستكون بعدي أئمة يعطون الحكمة على منابرهم، فإذا نزلوا نزعت منهم، وأجسادهم شر من الجيف» .
وروى الطبراني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم، فإذا عصيتموهم قتلوكم، وإن أطعتموهم أضلوكم» ، قالوا: يا رسول الله، كيف نصنع؟ قال: «كما صنع أصحاب عيسى ابن مريم نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب، موت في طاعة، خير من حياة في معصية الله» .
وروى الطبراني عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمراء فقال: «يكون عليكم أمراء إن أطعتموهم أدخلوكم النار، وإن عصيتموهم قتلوكم» ، فقال رجل منهم: يا رسول الله، سمهم لنا، لعلنا نحثوا في وجوههم التراب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعلهم يحثون في وجهك ويفقئون عينيك» .
وروى الطبراني برجال ثقات إلا مطر بن العلاء الرملي فيحرر رجاله عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثون نبوة، وثلاثون ملكا وجبروتا وما وراء ذلك لا خير فيه» .
وروى الطبراني عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ستكون عليكم أمراء من بعدي يعظون بالحكمة على منابر، فإذا نزلوا اختلست منهم، وقلوبهم أنتن من الجيف» .
وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلون» .(10/137)
وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين [ (1) ] ، وإذا وضع السيف في أمتي لا يرفع عنهم إلى يوم القيامة» .
وروى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة، ووزراء فسقة، وقضاة خونة، وفقهاء كذبة، فمن أدرك ذلك الزمان فلا يكونن لهم جابيا، ولا عريفا ولا شرطيا» .
وروى البزار برجال الصحيح إلا حبيب بن عمران الكلاعي فيحرر رجاله عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يبعث الله أمراء كذبة ووزراء فجرة، وأمناء خونة، وقراء فسقة، سمتهم سمت الرهبان وليس لهم رغبة، أو قال: رعية أو قال رعة فيلبسهم الله فتنة غبراء مظلمة يتهوكون فيها تهوك اليهود في الظلم» .
وروى الطبراني برجال الصحيح خلا مؤمل بن إهاب وهو ثقة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون عليكم أمراء هم شر من المجوس» .
وروى الإمام أحمد والطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يكون في هذه الأمة في آخر الزمان» ، أو قال: «يخرج رجال من هذه الأمة في آخر الزمان معهم سياط كأذناب البقر، يغدون في سخط الله ويروحون في غضبه» .
وروى البزار برجال الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن طالت بك حياة يوشك أن ترى قوما يغدون في سخط الله ويروحون في لعنة الله، بأيديهم مثل أذناب البقر.
وروى أبو يعلى عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيكون أمراء لا يرد عليهم قولهم يتهافتون» ، وفي لفظ: «يتقاحمون في النار كما تتقاحم القردة، يتبع بعضهم بعضا» .
وروى أبو يعلى وابن حبان عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليأتين على الناس زمان يكون عليهم أمراء سفهاء، يقدمون شرار الناس، ويظهرون بخيارهم، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم، فلا يكونن عريفا ولا شرطيا ولا جابيا ولا خازنا» .
وروى أحمد بن منيع برجال ثقات وابن أبي شيبة، وأبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله
__________
[ (1) ] سقط في ج.(10/138)
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعوذوا بالله من رأس السبعين، ومن إمارة الصبيان [وقال: لا تذهب الدنيا حتى تصير للكع بن لكع] » .
وروى الإمام احمد وابن حبان وأبو يعلى والطبراني في الكبير والضياء عن عبد الله بن خباب عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اسمعوا، إنه سيكون عليكم أمراء، فلا تعينوهم على ظلمهم، ولا تصدقوهم بكذبهم، فإنه من أعانهم على ظلمهم وصدقهم بكذبهم، فلن يرد علي الحوض» .
وروى الترمذي وقال: صحيح غريب وابن حبان والنسائي عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اسمعوا، هل سمعتم أنه سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، وليس بوارد علي الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم بكذبهم، فهو مني وأنا منه، وهو وارد على الحوض» .
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تذهب الليالي والأيام حتى يملك رجل يقال له الجهجاه» .
وروى الإمام أحمد وأبو يعلى والضياء عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يمطر الناس مطرا عاما ولا تنبت الأرض شيئا» .
الباب الرابع والثمانون فيما أخبر به صلى الله عليه وسلم على سبيل الإجمال
روى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي عن حذيفة رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فما ترك شيئا يكون بين يدي الساعة إلا ذكره في مقامه ذلك، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، وقد علمه أصحابي هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته، فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه.
وروى الإمام أحمد ومسلم عنه قال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلا أن تقوم الساعة، فما منه شيء، إلا وقد سألته إلا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة؟
وروى الإمام أحمد عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فأخبرنا بما هو كائن في أمته إلى يوم القيامة، وعاه من وعاه ونسيه من نسيه.
وروى الإمام أحمد ومسلم عن عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الفجر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل، فصلى، ثم(10/139)
صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطب حتى غربت الشّمس فأخبرنا بما كان وبما هو كائن إلى يوم القيامة فما علمنا احتفظناه فأعلمنا أحفظنا.
وروى الإمام احمد وابن سعد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقلب طائر جناحين في السماء إلا ذكر لنا منه علما.
وروى عبد بن حميد عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فحدثنا بما هو كائن إلى يوم القيامة.
وروى الطبراني في الأوسط عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمام، فقال: «إنه سيكون بعدي حمامات، ولا خير في الحمامات للنساء» ، فقالت: يا رسول الله إنها تدخله بإزار فقال: «لا وإن دخلته بإزار ودرع وخمار، وما من امرأة تنزع خمارها في غير بيت زوجها إلا كشفت الستر فيما بينها وبين ربها» .
وروى أبو داود والبيهقي وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنكم ستفتح لكم أرض العجم، وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات، فلا يدخلنها الرجال إلا بإزار، وامنعوها النساء إلا مريضة أو نفساء» .
وروى ابن عدي في الكامل والخطيب في المتفق وأبو القاسم النجار في كتاب الحمام وابن عساكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستفتح عليكم الشام فستجدون فيها بيوتا يقال لها: الحمامات، هي حرام على رجال أمتي إلا بالأزر وعلى نساء أمتي إلا نفساء أو مريضة» .
وروى عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم ستفتحون أفقا فيها بيوت يقال لها الحمامات [حرام على أمتي دخولها» فقالوا: يا رسول الله إنها تذهب الوصب، وتنقي الدرن قال: «فإنها حلال لذكور أمتي في الأزر، حرام على إناث أمتي] » .
وروى أبو داود والبيهقي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستفتح لكم أرض العجم، وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات، فلا يدخلنها الرجال إلا بالإزار، وامنعوها النساء إلا مريضة أو نفساء» .
وروى ابن عدي والخطيب في المتفق وأبو القاسم البخاري في كتاب الحمامات وابن عساكر عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستفتح عليكم الشام، وتجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات، هي حرام على رجال أمتي إلا بالأزر وعلى نساء أمتي إلا نفساء أو سقيمة» .(10/140)
وروى الطبراني بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم، تسلط بعضهم على بعض» .
وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها. وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضا وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول: المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه.
.. الحديث» .
وروى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان [فتطعمه وكان أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمته وجعلت تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: وما يضحك يا رسول الله؟ قال: «ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة. قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وضع رأسه، ثم استيقظ وهو يضحك فقلت: وما يضحك يا رسول الله؟ قال: «ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله- كما قال الأول-» قالت فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، قال: «أنت من الأولين» . فركبت البحر في زمن معاوية بن أبي سفيان فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت» ] .
وروى الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ستكون بعدي أثرة، وأمور تنكرونها» ، قالوا: يا رسول الله، كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال:
«تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم» .(10/141)
جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في إخباره بالفتن والملاحم الواقعة بعده.
الباب الأول في إخباره صلى الله عليه وسلم بالفتن وإقبالها ونزولها كمواقع القطر والظلل ومن أين تجيء وفيه أنواع
روى مسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه والطيالسي ومحمد بن يحيى بن أبي عمر المدني، والإمام أحمد برجال ثقات عن الحسن البصري عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا، ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا»
زاد النعمان بن بشير رضي الله عنه قال الحسن: ولقد رأيناهم صورا ولا عقولا، جسام ولا أحلام، فراش بار وذباب يغدون بدرهمين ويروحون بدرهمين، يبيع أحدهم دينه بثمن العير.
وروى الطبراني في الكبير عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتفتننّ أمتي بعدي فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع أقوام دينهم لعرض من الدنيا قليل» .
وروى ابن أبي شيبة عن قيس رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ورفع رأسه إلى السماء سبحان الله ترسل عليهم الفتن إرسال القطر» .
وروى البخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف على أطم من آطام المدينة، ثم قال: «هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر» .
وروى الطيالسي والبيهقي والإمام أحمد والطبراني في الكبير والحاكم وقال: صحيح عن كرز بن علقمة الخزاعي رضي الله عنه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل للإسلام منتهى؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما أهل بيت من العرب أو العجم أراد الله بهم خيرا أدخل عليهم الإسلام» ، قال: ثم ماذا؟ قال: «ثم تقع الفتن كالظلل» ، فقال الرجل كلا، والله إن شاء الله قال:
«بلى والذي نفسي بيده ثم تعودون فيها أساود صبا يضرب بعضكم رقاب بعض، أفضل الناس يومئذ معتزل في شعب من الشعاب يتّقي ربه ويدع الناس من شره» .
وروى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه والطبراني في الأوسط عن حذيفة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أظلتكم» وفي لفظ: «أتتكم فتن كقطع الليل(10/142)
المظلم، أنجى الناس منها صاحب شاهقة يأكل من رسل غنمه، أو رجل من وراء الدروب آخذ بعنان فرسه يأكل من فيء سيفه» .
وروى الطبراني في الأوسط عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتتكم الفتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع أحدكم دينه بعرض من الدنيا قليل» ، قلت فكيف نصنع يا رسول الله؟ قال:
«تكسر يدك» ، قلت: فإن انجبرت؟ [ (1) ] قال: «تكسر الأخرى» قلت: حتى متى؟ قال: «حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية» .
وروى مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة فزعا، يقول:
«سبحان الله! ماذا فتح الله من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن» .
__________
[ (1) ] سقط في ج.(10/143)
الباب الثاني في إخباره صلى الله عليه وسلم عن مدة دوران رحى الإسلام
روى الإمام أحمد وأبو داود والحاكم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين فإن هلكوا فسبيل من هلك، وإن بقوا يقم لهم دينهم سبعين عاما مما بقي.
الباب الثالث في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الرجل يمر بقبر أخيه فيقول: يا ليتني كنت مكانك من كثرة الفتن
روى الإمامان مالك وأحمد والشيخان والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني كنت مكانك» .
وروى نعيم بن حماد في الفتن عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل على القبر، فيقول: لوددت أني مكان صاحبه لما يلقى الناس من الفتن» .
وروى الديلمي بسند ضعيف عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يرى الحي الميت على أعواده، فيقول: يا ليته كان مكان هذا، فيقول له القائل: هل تدري على ما مات؟ فيقول كائن ما كان» .
وروى مسلم وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر وليس به الدين إلا البلاء» .
الباب الرابع في إخباره صلى الله عليه وسلم بأنها ستكون فتنة النائم فيها خير من اليقظان، والقاعد خير من القائم
روى ابن أبي شيبة وأبو يعلى والحاكم والترمذي عن سعد بن أبي وقاص وأبو يعلى
والإمام أحمد عن خرشة بن الحر وابن أبي شيبة والإمام أحمد وأحمد بن منيع وأبو يعلى عن عبد الله بن خباب عن أبيه رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ستكون بعدي فتن،(10/144)
النائم فيها خير من اليقظان، والقاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، والساعي فيها خير من الراكب، والراكب فيها خير من الموضع» ،
وفي حديث خرشة فمن أتت عليه فليأخذ سيفه ثم ليمشي إلى صفاة فليضربها به حتى ينكسر ثم ليضطجع لها حتى تنجلي على ما انجلت عليه.
وفي حديث خباب فإن أدركك ذلك فكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل.
وروى الإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن وجد فيها ملجأ أو معاذا فليعذ به» .
وروى الحاكم عن خالد بن عرفطة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون أحداث وفتنة وفرقة واختلاف فإن كان ذلك فإن استطعت أن تكون المقتول، لا تكون القاتل فافعل» .
وروى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون فتنة صماء بكماء عمياء، من استشرف لها استشرفت له، وإشراف اللسان فيها كوقوع السيف» .
وروى ابن ماجه والطبراني في الكبير عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستكون فتن يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا إلا من أحياه الله بالعلم» .
الباب الخامس في إخباره صلى الله عليه وسلم بمن يبيع دينه في الفتنة بعرض يسير
روى ابن أبي شيبة والإمام أحمد عن الضحاك بن قيس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم، فتنا كقطع الدخان، يموت فيها قلب الرجل المؤمن كما يموت بدنه يصبح الرجل مؤمنا، ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع فيها قوم أخلاقهم، ودينهم بعرض من الدنيا قليل» .
وروى أبو يعلى عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تذهب الليالي والأيام حتى يقوم القائم، فيقول: من يبيعنا دينه بكف من دراهم؟» .(10/145)
الباب السادس في إخباره صلى الله عليه وسلم بكثرة الهرج
روى ابن أبي شيبة والإمام أحمد وأبو داود والحارث والشيخان عن أبي هريرة، وابن أبي شيبة ومسدد برجال ثقات وأبو يعلى عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج» ، قالوا: وما الهرج قال: «القتل» وفي لفظ: «يتقارب الزمان، وينقص العلم، ويلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج» ، قيل: يا رسول الله، إنا لنقتل في العام الألف والألفين من المشركين؟ قال: «لا أعني ذلك، ولكن يقتل بعضكم بعضا» ، قالوا: يا رسول الله أنى يقتل بعضنا بعضا، ونحن أحياء ونفعل؟ قال:
«يميت الله قلوب أهل ذلك الزمان كما يميت أبدانهم» .
وروى الطبراني في الأوسط والحاكم وأبو نصر السجزي في الإبانة، وقال: غريب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيأتي على أمّتي زمان يكثر فيه القراء، ويقل الفقهاء، ويقبض العلم، ويكثر الهرج ثم يأتي من بعد ذلك زمان يقرأ القرآن رجال من أمتي لا يجاوز تراقيهم، ثم يأتي من بعد ذلك زمان يجادل المنافق الكافر المشرك بالله المؤمن بمثل ما يقول» .
الباب السابع في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن مبدأ الفتنة قتل عمر
روى الديملي عن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال باب الفتنة مغلقا عن أمتي ما عاش لهم عمر بن الخطاب، فإذا هلك عمر تتابعت عليهم الفتن» .
وروى الطبراني في الكبير عن عصمة بن مالك الخطمي، وابن عدي عن أبي هريرة، وابن عمر مرفوعا رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويحك إذا مات عمر، فإن استطعت أن تموت فمت» .
وروى الديلمي عن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال باب الفتنة مغلقا عن أمتي ما عاش لهم عمر بن الخطاب، فإذا هلك عمر تتابعت عليهم الفتن» .
وروى ابن سعد وابن أبي شيبة عن أبي الأشهب عن رجل من مزينة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عمر ثوبا، فقال: «أجديد أم غسيل؟» فقال: بل غسيل، فقال: «يا عمر، البس جديدا وعش حميدا ومت شهيدا»
مرسلا.
وقد أخرج أحمد وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا مثله.(10/146)
وأخرج البزار من حديث جابر رضي الله عنه مثله
وروى أبو يعلى بسند صحيح عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن أحدا أرتج، وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمر، وعثمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أثبت أحد فما عليك نبي أو صديق أو شهيدان» .
وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حائط فاستأذن أبو بكر، فقال: «ائذن له وبشره بالجنة» ، ثم استأذن عمر فقال: «ائذن له وبشره بالجنة وبالشهادة» ، ثم استأذن عثمان، فقال: «ائذن له وبشره بالجنة وبالشهادة» .
وروى الطبراني بسند صحيح عن عبد الرحمن بن يسار، قال: شهدت موت عمر بن الخطاب فانكسفت الشمس يومئذ.
الباب الثامن في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل عثمان رضي الله تعالى عنه
روى الترمذي وقال: حسن عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان:
«لعل الله أن يقمصك قميصا، فإن أرادوك على خلعه، فلا تخلعه» .
وروى الترمذي وقال: حسن غريب عن كليب بن وائل عن ابن عمر قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة، فقال: «يقتل فيها هذا مظلوما، وأشار لعثمان» .
وروى الترمذي وقال: حسن صحيح عن أبي سهلة مولى عثمان رضي الله عنه قال: قال عثمان رضي الله عنه يوم الدار: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا، فأنا صابر عليه.
وروى مسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف على أطم من آطام المدينة، ثم قال: «هل ترون ما أرى، إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر.
فوقعت فتنة، قتلت عثمان رضي الله عنه وتتابعت الفتن إلى فتنة الحرة، وكانت لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين من الهجرة وجرت فيها وقائع كثيرة موجودة في كتب التواريخ.
وروى الإمام أحمد بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فمر رجل فقال: «يقتل فيها هذا يومئذ ظلما» قال: فنظرت فإذا هو عثمان رضي الله عنه وقال عليه الصلاة والسلام لأبي موسى، وهو قاعد على قف بئر أريس لما طرق عثمان رضي الله عنه الباب: «ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه» ، إشارة إلى ما يقع من استشهاده يوم الدار، فاستشهد وبين يديه المصحف، فنضح الدم على هذه الآية:
فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة 137] .
وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا عثمان، تقتل(10/147)
وأنت تقرأ سورة البقرة فتقطر قطرة من دمك على فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
[البقرة 137] قال الحافظ الذهبي رضي الله عنه: إنه حديث موضوع.
وروى ابن منيع عن نائلة بنت الفرافصة امرأة عثمان قالت: لما حوصر عثمان ظل يومه صائما، فلما كان عند الإفطار سألهم الماء العذب، فقالوا: دونك هذا الركي وإذا ركي يلقى فيها النتن فبات تلك الليلة على حاله، لم يطعم، فلما كان من السحر، أتيت جارات لنا، على أجاجير (يعني أسطحة متواصلة) فسألتهم الماء العذب، فجئته بكوز من ماء، فلما نزلت إذا هو نائم، في أسفل الدرجة، يغط، فأيقظته فقلت: هذا ماء عذب قد أتيتك به، فرفع رأسه، فنظر إلى الفجر، فقال: أنا صائم أصبحت صائما، فقلت ومن أين ولم أر أحدا أتاك بطعام ولا شراب، قال: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع علي من هذا السقف ومعه دلو من ماء فقال: «اشرب يا عثمان» ، فشربت حتى رويت ثم قال: «ازدد» ، فشربت حتى تملأت، فقال: «إن القوم سيبكرون عليك، فإن تركتهم أفطرت عندنا»
قالت: فدخلوا عليه من يومه فقتلوه رضي الله عنه قال ابن لهيعة: كان عبد الرحمن بن أبي بكر صار بأهل مصر إلى عثمان فقتله، فعرفنا بعد ذلك بعام أو عامين.
وأخرج أبو نعيم عن عدي بن حاتم قال: سمعت صوتا يوم قتل عثمان: «أبشر يا ابن عفان بروح وريحان.
الباب التاسع في إخباره صلى الله عليه وسلم بوقعة الجمل وصفين والنهروان وقتال عائشة والزبير عليا رضي الله تعالى عنهم أجمعين وبعث الحكمين
أخرج الحاكم وصححه والبيهقي، عن أم سلمة قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خروج بعض أمهات المؤمنين، فضحكت عائشة، فقال: «أنظري يا حميراء أن لا تكوني أنت» ، ثم التفت إلى علي فقال: «إن وليت من أمرها شيئا فارفق بها» .
وأخرج أحمد وأبو يعلى والبزار والحاكم والبيهقي وأبو نعيم، عن قيس قال: لما بلغت عائشة بعض ديار بني عامر نبحت عليها الكلاب، فقال: أي ماء هذا؟ قالوا الحوأب قالت: ما أظنني إلا راجعة، قال الزبير: لا بعد تقدمي فيراك الناس ويصلح الله ذات بينهم. قالت ما أظنني إلا راجعة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوأب» .
وأخرج البزار وأبو نعيم، عن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيتكن صاحبة(10/148)
الجمل الأحمر الأدبب تخرج حتى تنبحها كلاب الحوأب يقتل حولها قتلى كثيرة ثم تنجو بعد ما كادت» .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي وأبو نعيم، عن حذيفة أنه قيل له: حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو فعلت لرجمتموني» . قلنا: سبحان الله! قال: «لو حدثتكم أن بعض أمهاتكم تغزوكم في كتيبة تضربكم بالسيف ما صدقتموني» . قالوا: سبحان الله، ومن يصدقك بهذا قال: «أتتكم الحمراء في كتيبة تسوق بها أعلاجها،
قال البيهقي، أخبر بهذا حذيفة ومات قبل مسير عائشة.
وأخرج البزار والبيهقي، عن أبي بكرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج قوم هلكى لا يفلحون قائدهم امرأة قائدهم في الجنة» .
وأخرج أحمد والبزار والطبراني، عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: «إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر فإذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها» .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي، عن أبي الأسود قال: شهدت الزبير خرج يريد عليا، فقال له علي: أنشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تقاتله وأنت له ظالم» فقال لم أذكر ثم مضى الزبير منصرفا.
وأخرج أبو يعلى والحاكم والبيهقي وأبو نعيم، عن أبي جروة المازني قال: سمعت عليا يقول للزبير نشدتك بالله أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنك تقاتلني وأنت ظالم لي؟ قال:
بلى، ولكن نسيت.
وأخرج الحاكم، عن قيس قال: قال علي للزبير: أما تذكر يوم كنت أنا وأنت، فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتحبه» فقلت وما يمنعني، فقال: «أما إنك ستخرج عليه وتقاتله وأنت ظالم»
قال: فرجع الزبير.
وأخرج أبو نعيم، عن عبد السلام قال: قال علي للزبير يوم الجمل: أنشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لتقاتلنه وأنت ظالم له ثم لينصرن عليك»
قال قد سمعته لا جرم لا أقاتلك.
ذكر وقعة صفين.
وأخرج الشيخان، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة» .
وأخرج البيهقي، عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل(10/149)
اختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين فضلا وأضلا وأن هذه الأمة ستختلف، فلا يزال اختلافهم بينهم حتى يبعثوا حكمين ضلا وضل من اتبعهما» .
وأخرج الطبراني، عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في هذه الأمة حكمان ضالان ضال من تبعهما» قال سويد بن غفلة، فقلت يا أبا موسى أنشدك الله أليس إنما عناك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إنها ستكون فتنة في أمتي أنت فيها يا أبا موسى نائما خير منك قاعدا وقاعدا خير منك قائما وقائما خير منك ماشيا فخصك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعم الناس» .
وأخرج أبو نعيم، عن الحارث قال: كنت مع علي بصفين، فرأيت بعيرا من إبل الشام جاء عليه راكبه ونقله، فألقى ما عليه وجعل يتخلل الصفوف إلى علي، فجعل مشفره فيما بين رأس علي ومنكبه وجعل يحركها بجرانه فقال علي: والله إنها للعلامة التي بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي، عن أبي سعيد قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانقطعت نعله، فتخلف علي يخصفها، فمشى قليلا ثم قال: «إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله» ، فقال أبو بكر، أنا. قال: «لا» . قال عمر: أنا. قال: «لا ولكن خاصف النعل» .
وأخرج الحاكم، عن أبي أيوب قال: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين» .
وأخرج الطبراني في الأوسط مثله، عن ابن مسعود، وعن علي بلفظ «أمرت، وبلفظ عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أبو يعلى والحاكم وصححه والبيهقي وأبو نعيم، على علي قال: «إن مما عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمة ستغدر بي بعده» .
وأخرج أبو يعلى والحاكم وصححه، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: «أما إنك ستلقى بعدي جهدا» قال في سلامة من ديني؟ قال: «نعم» .
وأخرج الحميدي وابن أبي عمرو البزار وأبو يعلى وابن حبان والحاكم وأبو نعيم، عن أبي الأسود الديلي أن عبد الله بن سلام أتى عليا وقد وضع رجله في الغرز، فقال: لا تأتي العراق، فإنك إن أتيته أصابك به ذباب السيف، فقال علي: «وأيم الله لقد قالها لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك» .(10/150)
وأخرج أبو نعيم، عن علي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستكون فتن وستحاج قومك» قلت فما تأمرني؟ قال: «أحكم بالكتاب» .
وأخرج الحاكم، عن ابن مسعود قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحذركم سبع فتن فتنة تقبل من المدينة، وفتنة بمكة، وفتنة من اليمن، وفتنة تقبل من الشام، وفتنة تقبل من المشرق، وفتنة تقبل من المغرب، وفتنة من بطن الشام وهي السفياني» .
قال ابن مسعود منكم من يدرك أولها ومن هذه الأمة من يدرك آخرها. قال الوليد بن عياش: فكانت فتنة المدينة من قبل طلحة والزبير، وفتنة مكة فتنة ابن الزبير وفتنة الشام من قبل بني أمية، وفتنة المشرق من قبل هؤلاء.
روى الحاكم وصححه والبيهقي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خروج بعض أمهات المؤمنين، فضحكت عائشة فقال: انظري يا حميراء، أن لا تكوني أنت، ثم التفت إلى علي رضي الله عنه فقال: إن وليت من أمرها شيئا فارفق بها.
وروى البزار وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا أيتكن صاحبة الجمل الأديب تخرج حتى ينبحها كلاب الحوأب يقتل حولها قتلى كثيرة بعد ما كادت.
وروى الحاكم وصححه والبيهقي عن أبي الأسود قال: شهدت الزبير يريد عليا، فقال له علي: أنشدك الله، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تقاتله وأنت له ظالم؟»
فمضى الزبير منصرفا، وفي رواية أبي يعلى والبيهقي فقال الزبير: بلى، ولكن نسيت.
الباب العاشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه
روى الطبراني والبزار بإسناد حسن عن مولاة لعمار بن ياسر رضي الله عنهما قالت:
اشتكى عمار بن ياسر شكوى ثقل منها، فغشي عليه فأفاق، ونحن نبكي حوله قال: ما يبكيكم؟
أتحسبون أني أموت على فراشي، أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تقتلني الفئة الباغية، وأنا آخر زادي مذقة من لبن، وفي رواية ضياح لبن وفي لفظ: «أن آخر زادك من الدنيا ضياح من لبن» .
ورواه أبو يعلى والطبراني بنحوه إلا أنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أني أقتل يوم صفين.
وروى مسلم وابن عساكر وابن أبي شيبة عن أم سلمة، والإمام أحمد وابن عساكر والطبراني في الكبير أبو يعلى والخطيب عن عثمان، والإمام أحمد وابن سعد وابن أبي شيبة(10/151)
وأبو يعلى والطبراني في الكبير والحاكم عن عمرو بن العاص، وابن عساكر وابن أبي شيبة وأبو يعلى وأبو عوانة والطبراني في الكبير عن أبي رافع.
وأبو يعلى وابن سعد في كتاب الموالاة والطبراني في الكبير والدارقطني في الإفراد عن عمار بن ياسر وابن عساكر عن ابن عباس وعن حذيفة وعن أبي هريرة وعن جابر بن عبد الله وعن جابر بن سمرة وعن أنس عن أبي أمامة وعن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه وعن عمرو بن العاص، وابن أبي شيبة والإمام أحمد وابن سعد والبغوي وأبو نعيم والطبراني في الكبير، والحاكم عن عمرو بن حرام، والإمام أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير وابن عساكر عن ابن عمرو وأبو يعلى والطبراني في الكبير عن معاوية بن عتبة، والطبراني عن أبي رافع والطبراني عن أبي أيوب، والطبراني في الكبير، والباوردي وابن قانع، والدارقطني في الإفراد عن أبي البشير بن عمرو عن زياد بن الجرد وأبو يعلى والطبراني عن معاوية بن أبي سفيان، والبزار برجال الصحيح عن أبي سعيد الخدري، وأبو يعلى برجال الصحيح عن أبي هريرة والطبراني برجال ثقات عن عبد الله بن عمرو وأبيه عمرو ومعاوية والبزار عن أبي مسعود، وحذيفة والطبراني بإسناد حسن عن عمار بن ياسر رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وهو يبني المسجد لعمار بن ياسر رضي الله عنه: «تقتلك الفئة الباغية» .
وروى الإمام أحمد والبخاري وابن حبان عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويح عمار، تقتله الفئة الباغية، ويدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار» .
وروى الترمذي وقال: حسن صحيح غريب عن أبي هريرة والباوردي عن إسماعيل بن عبد الرحمن الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار: «أبشر، عمار، تقتلك الفئة الباغية» .
الباب الحادي عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بما سيلقى أهل بيته بعده من القتل والشدة وبقتل علي رضي الله تعالى عنه
روى ابن عساكر بسند ضعيف ونعيم بن حماد في الفتن، والحاكم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلا وتشريدا، وإن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم» .
وروى البيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل فئة من بني هاشم، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اغرورقت عينه.(10/152)
وروى الإمام أحمد في المناقب أنه عليه الصلاة والسلام قال لعلي رضي الله عنه:
«أتدري من أشقى الآخرين؟» قال: الله ورسوله أعلم، قال: «قاتلك» .
ورواه ابن أبي حاتم بلفظ: «الذي يضربك على هذه» ، وأشار إلى جبينه ورأسه (والمحاملي بلفظ: قال: قال علي: عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتخضبن هذه من هذه» ، وأشار إلى لحيته ورأسه [ (1) ] .
ورواه أبو الحسن الضحاك بلفظ: «الذي يضربك على هذه، فسل منها هذه،» فضربه عبد الرحمن بن ملجم.
وروى الطبراني وأبو نعيم من حديث جابر بن سمرة مرفوعا: «إنك امرؤ مستخلف وإنك مقتول، وإن هذه مخضوبة من هذه» لحيته من رأسه.
الباب الثاني عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما سيد يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين
[روى البخاري عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحسن: «إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين»
وأخرج البيهقي من حديث جابر مثله] .
الباب الثالث عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما
روى الخليل في الإرشاد عن عائشة وأم سلمة معا رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن جبريل أخبرني أن ابني الحسين يقتل، وهذه تربة تلك الأرض» .
وروى الطبراني عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن جبريل كان معنا في البيت، فقال: أتحبه، فقلت: أما في الدنيا فنعم؟ قال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض، يقال لها: كربلاء، فتناول جبريل من تربتها، فأرانيه» .
وروى ابن عساكر عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن جبريل أخبرني إن ابني هذا يعني الحسين يقتل، وأنه اشتد غضب الله على من يقتله» .
__________
[ (1) ] سقط في ج.(10/153)
وروى ابن سعد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن جبريل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين، فاشتد غضب الله على من يسفك دمه فيا عائشة، والذي نفسي بيده، إنه ليحزنني فمن هذا من أمتي يقتل حسينا بعدي» .
وروى العقيلي والطبراني عن زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن جبريل أتاني فأخبرني أن ابني تقتله أمتي قلت فأرني تربته فأتاني بتربة حمراء» .
وروى الحاكم عن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني جبريل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا يعني الحسين وأتاني بتراب من تربته حمراء» .
وروى ابن سعد عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بأرض العراق، فقلت لجبريل: أرني تربة الأرض التي يقتل بها فجاء بها فهذه تربتها» .
وروى ابن سعد عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أخبرني جبريل أن حسينا يقتل بشاطئ الفرات» .
وروى البغوي في معجمه والحاكم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: استأذن ملك المطر ربه أن يزور النبي صلى الله عليه وسلم فأذن له، وكان في يوم أم سلمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أم سلمة، احفظي علينا الباب، لا يدخل علينا أحد» ، فبينا هي على الباب إذ دخل الحسين، فاقتحم فوثب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقع على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الملك:
أتحبه؟ قال: «نعم» ، قال: فإن أمتك ستقتله، وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل به، فأراه فجاءه بشهلة أو بتراب أحمر فأخذته أم سلمة، فجعلته في ثوبها، قال ثابت: كنا نقول: إنه كربلاء، ورواه أحمد بنحوه.
والشهلة: بكسر الشين المعجمة: رمل خشن ليس بالدقاق الناعم.
وفي رواية الملاء: قالت: ثم ناولني كفا من تراب أحمر، وقال: إن هذه من تربة الأرض التي يقتل بها، فمتى صار دما فاعلمي أنه قد قتل، قالت أم سلمة: فوضعته في قارورة عندي، وكنت أقول إن يوما يتحول فيه دما ليوم عظيم.(10/154)
الباب الرابع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بأغيلمة من قريش
وبرأس الستين وبأن هذا الحي من مضر لا يدع مصليا إلا فتنه.
روى الطيالسي برجال ثقات، وابن أبي شيبة، والإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجري هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء من قريش» ،
قال أبو هريرة رضي الله عنه: لو شئت سميتهم بنو فلان وبنو فلان.
وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد عن أبي سعيد والطيالسي برجال ثقات وابن أبي شيبة والإمام أحمد عن حذيفة، والطبراني والإمام أحمد والحاكم والضياء عن أبي الطفيل عن حذيفة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذا الحي من مضر لا يدع عبدا لله صالحا في الأرض إلا فتنته وأهلكته حتى يدركها الله عز وجل بجنود من عنده أو من السماء، فيذلها حتى لا تمنع ذنب تلعة» .
التلعة: بمثناة فوقية مفتوحة، فلام ساكنة، فعين مهملة: واحدة التلاع وهي مسايل الماء من علو إلى سفل، وقيل: هو من الأضداد يقع على ما انحدر من الأرض وأشرف منها.
وروى الإمام أحمد والبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هلاك أمتي على يدي أغيلمة من قريش»
أغيلمة تصغير أغلم: جمع غلام ولم يرد جمعة على أغلمة أي أحداث.
الباب الخامس عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل أهل الحرة
[البيهقي عن أيوب بن بشير المعاوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في سفر فلما مر بحرة زهرة وقف، فاسترجع فسألوه فقال: «يقتل بهذه الحرة خيار أمتي بعد أصحابي» مرسل.
وروى البيهقي عن ابن عباس قال: جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة: وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها [الأحزاب 14] قال: لأعطوها يعني إدخال بني حارثة أهل الشام على المدينة.
وروى البيهقي عن الحسن قال: لما كان يوم الحرة قتل أهل المدينة حتى كاد لا ينفلت منهم أحد.
وروى أيضاً عن مالك بن أنس قال: قتل يوم الحرة سبعمائة رجل من حملة القرآن منهم ثلاثمائة من الصحابة، وذلك في خلافة يزيد] .(10/155)
الباب السادس عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بالمقتولين ظلما بعذراء من أرض دمشق
روى يعقوب بن سفيان وابن عساكر عن أبي الأسود، قال: دخل معاوية على عائشة رضي الله عنها فقالت: ما حملك على قتل أهل عذراء حجر وأصحابه؟ فقال: يا أم المؤمنين، إني رأيت قتلهم صلاحا للأمة، وبقاءهم فسادا للأمة،
فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيقتل بعذراء ناس يغضب الله لهم، وأهل السماء» .
وروى ابن عساكر عن سعيد بن أبي هلال أن معاوية حج فدخل على عائشة رضي الله عنها فقالت: يا معاوية قتلت حجر بن الأدبر وأصحابه؟ أما والله، لقد بلغني أنه سيقتل بعذراء سبعة نفر يغضب الله لهم وأهل السماء» .
الباب السابع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل عمرو بن الحمق رضي الله تعالى عنه
[ابن عساكر عن رفاعة بن شداد البجلي أنه خرج مع عمرو بن الحمق حين طلبه معاوية قال: فقال لي يا رفاعة أن القوم قاتلي، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أن الجن والإنس تشترك في دمي، قال رفاعة: فما تم حديثه حتى رأيت أعنة الخيل فودعته وواثبته حية فلسعته وأدركوه فاحتزوا رأسه وكان أول رأس أهدي في الإسلام] .
الباب الثامن عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بأئمة يصلون الصلاة لغير وقتها فكان كما أخبر وذلك في زمن بني أمية
روى الطبراني عن أنس، والطبراني عن ابن عمر، والإمام أحمد برجال الصحيح عن ابن مسعود، وأبو داود وابن ماجه عن عبادة بن الصامت، والإمام أحمد والطبراني عن عامر بن ربيعة والإمام أحمد والبزار والطبراني عن شداد بن أوس رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ستكون أمراء تشغلهم أشياء يؤخرون الصلاة عن وقتها، فاجعلوا صلاتكم معهم تطوعا» ، وفي لفظ: «أئمة لا يصلون الصلاة لوقتها ويؤخرونها عن وقتها» ، وفي لفظ: «ستكون أئمة يميتون الصلاة عن مواقيتها، فصلوا الصلاة لوقتها، فإن أدركتموها معهم فاجعلوا صلاتكم معهم سبحة» ، وفي لفظ: «فإن صلوا الصلاة لوقتها وصليتموها معهم فلكم ولهم، وإن أخروها(10/156)
عن وقتها فصليتموها معهم فلكم وعليهم، من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية، ومن مات ناكثا للعهد جاء يوم القيامة لا حجة له» .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والبيهقي عن سلامة بنت الحر الفزاري رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد فلا يجدون إماما يصلي بهم، والله تعالى الموفق للصواب» .
الباب التاسع عشر في إخباره صلى الله عليه وسلم بالخوارج فكان كما أخبر
روى ابن أبي شيبة وابن منيع وأبو يعلى والإمام أحمد برجال ثقات عن جابر بن عبد الله، وابن منيع وابن حنبل والحارث بسند صحيح عن أبي بكرة، وابن أبي شيبة والبزار وأبو يعلى برجال ثقات عن أنس رضي الله عنه قال أنس: ذكر رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم نكاية في العدو واجتهاده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أعرف هذا» ، قال: بل نعته كذا وكذا، قال: «ما أعرفه» ، فبينما نحن كذلك إذ طلع الرجل، فقال: هو هذا يا رسول الله، قال: «ما كنت أعرف هذا، هذا أول قرن رأيته في أمتي، إن فيه لسفعة من الشيطان، فلما دنا الرجل سلم، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنشدك بالله، هل حدثت نفسك حين طلعت علينا، أنه ليس في القوم أحد أفضل منك؟» قال: اللهم، نعم فدخل المسجد يصلي،
وقال جابر رضي الله عنه: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقالوا فيه وأثنوا عليه خيرا،
وقال أبو بكرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل ساجد وهو ينطلق إلى الصلاة، فقضى الصلاة، ورجع إليه وهو ساجد، ثم اتفقوا فقال رسول الله: «من يقتل» وفي لفظ: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر:
«قم فاقتله» فدخل أبو بكر فوجده قائما يصلي، فقال أبو بكر في نفسه: إن للصلاة حرمة وحقا، ولو أني استأمرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء إليه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «قتلته؟» قال: لا، رأيته يصلي ورأيت للصلاة حرمة وحقا، وإن شئت قتلته، قال: لست بصاحبه، إذهب أنت يا عمر فاقتله، فدخل عمر المسجد فإذا هو ساجد، فانتظره طويلا، ثم قال عمر في نفسه: إن للسجود حقا، ورجع ولو أني استأمرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد استأمره من هو خير مني، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أقتلته؟» قال: يا رسول الله، لا، رأيته ساجدا، ورأيت للسجود حقا، وإن شئت أن أقتله قتلته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لست بصاحبه» ، قم يا علي، أنت صاحبه إن وجدته فذهب فوجده قد خرج من المسجد، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أقتلته؟» فقال:
لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو قتل ما اختلف رجلان من أمتي حتى يخرج الدجال» وفي رواية لكان أول فتنة وآخرها.(10/157)
الباب العشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بالرافضة والقدرية والمرجئة والزنادقة ومن هم؟
روى أبو نعيم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القدري أوله مجوسي، وآخره زنديق» .
وروى البخاري في التاريخ عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القدرية مجوس هذه الأمة» .
وروى أبو داود والحاكم والبيهقي عن ابن عمر وابن النجار عن سعد بن سهل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم،
وروى ابن عدي في الكامل عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القدرية الذين يقولون: الخير والشر بأيدينا ليس لهم في شفاعتي نصيب، ولا أنا منهم ولا هم مني» .
وروى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند والبيهقي من طرق كلها ضعيفة، والبزار عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يظهر في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة، يرفضون الإسلام» ، وفي رواية: «ويلفظونه، فاقتلوهم، فإنهم مشركون» .
وروى الخطيب في التاريخ عن ابن عباس رضي الله عنه عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تموت حتى تسمع بقوم يكذبون بالقدر، ويحملون الذنوب على العباد، اشتقوا قولهم من قول النصارى، فابرأ إلى الله منهم» .
وروى البزار وابن أبي حاتم في السنة والعقيلي في الضعفاء والطبراني في الكبير وابن عساكر عن ابن عباس وضعف، والطبراني في الكبير عن أبي قتادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هلاك أمتي في ثلاث: في العصيبة والقدرية»
والرواية من غير ثبت.
وروى الحاكم في تاريخه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعنت المرجئة على لسان سبعين نبيا، الذين يقولون: الإيمان قول بلا عمل» .
وروى الدارقطني في «العلل» عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعنت القدرية على لسان سبعين نبيا» .
وروى الطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعلك إن تبقى بعدي حتى تدرك قوما يكذبون بقدر الله يحملون الذنوب على عباده واشتقوا كلامهم ذلك من النصرانية، فإذا كان ذلك فابرأ إلى الله تعالى منهم» .(10/158)
وروى ابن أبي عاصم والطبراني في الأوسط والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آخر الكلام في القدر لشرار هذه الأمة في آخر الزمان» .
وروى أبو نعيم في الحلية عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتي يوم القيامة، المرجئة والقدرية» .
وروى ابن عدي عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أمتي لا يدخلون الجنة: القدرية والمرجئة» .
وروى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أمتي لا سهم لهم في الإسلام، المرجئة والقدرية» ، قيل: وما المرجئة؟ قال: «الذين يقولون الإيمان قول ولا عمل» قيل: فما القدرية قال: «الذين يقولون لم يقدر الشر» .
وروى ابن عدي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أمتي لا يدخلون الجنة: القدرية والحرورية» .
وروى الديلمي عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أمتي لا سهم لهم في الإسلام: القدرية والمرجئة، وجهادهم أحب إلي من جهاد فارس والديلم»
تنبيه:.
القدرية، لإنكارهم القدر، وإسنادهم أفعال العباد إلى قدرهم، وسموا معتزلة، لقول الحسن البصري: قد اعتزلنا واصل، لإثباته منزلة بين منزلتين بقوله: مرتكب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر، فاعتزلوا إليه، وكان رئيسهم واصل بن عطاء وسماهم صلى الله عليه وسلم مجوسا، لمشاركتهم المجوس في إثبات خالقين.
والمرجئة القائلون بالإرجاء، وهو تأخير العمل عن النية والاعتقاد، بأنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة.
الباب الحادي والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بافتراق أمته على ثلاث وسبعين فرقة
روى الإمام أحمد والأربعة والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، الناجية منهم واحدة» قال صلى الله عليه وسلم: «الذين هم على ما أنا عليه وأصحابي» .
وروى الحاكم وابن عساكر عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(10/159)
«سيأتي على أمتي ما أتى على بني إسرائيل مثلا بمثل حذو النعل بالنعل، حتى لو كان فيهم من نكح أمه علانية كان في أمتي مثله إن بني إسرائيل تفرقوا على ثنتين وسبعين ملة، وستفرق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار غير واحدة» قيل: وما تلك الواحدة؟ قال: «ما أنا عليه اليوم وأصحابي» .
الباب الثاني والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الناس يغربلون ويتغير حالهم
روى الحاكم واللفظ له والحارث والإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة، وتبقى حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا هكذا وهكذا، وشبك بين أصابعه» ، قالوا: يا رسول الله، فكيف تأمرنا؟ قال: «تأخذون ما تعرفون وتدعون ما تنكرون، وتقبلون على الأمر خاصتكم، وتدعون أمر عامتكم» .
وروى أبو نعيم في الحلية عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستغربلون حتى تصيروا في حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم، وخرجت أماناتهم» ، فقال قائل: فكيف بنا يا رسول الله؟ قال: «تعملون بما تعرفون، وتنكرون ما تنكرونه بقلوبكم» .
وروى الدارقطنيّ في الإفراد والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية عن الحنبل بن أبي الحسين أنه سمع شريحا يقول: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستغربلون حتى تصيروا في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم [ (1) ] وخربت أماناتهم» ، فقال قائل: فكيف بنا يا رسول الله؟ فقال: «تقولون بما تعرفون، وتتركون ما تنكرونه بقلوبكم» .
الباب الثالث والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الله عز وجل جعل بأس هذه الأمة بينها
روى الإمام أحمد والطبراني في الكبير عن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألت ربي أربعا، فأعطاني ثلاثا، ومنعني واحدة، سألته ألا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلكهم بالسنين كما أهلكت الأمم قبلهم فأعطانيها، وسألته أن لا يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها» .
وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد ومسلم وابن خذيمة وابن حبان عن عامر بن سعد عن
__________
[ (1) ] في ج عقولهم.(10/160)
أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألته أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها» .
وروى الطبراني في الكبير عن جبر بن عتيك قال: سألت ربي عز وجل ثلاث خصال لأمتي فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، قلت: يا رب لا تهلك أمتي جوعا، قال: هذه لك، قلت: يا رب، لا تسلط عليهم عدوا من غيرهم يعني الترك يجتاحهم قال: لك ذلك، قلت: يا رب، لا تجعل بأسهم بينهم فمنعني هذا.
الباب الرابع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بظهور كنز الفرات
روى الطبراني في الكبير عن أبي بن كعب، وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل عليه الناس فيقتل من كل عشرة تسعة» .
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب ويقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو» .
الباب الخامس والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بنقض عرى الإسلام وأنه سيعود غريبا كما بدأ وأنه يدرس كما يدرس وشي الثوب
روى مسدد برجال ثقات وابن ماجة، والحاكم وصححه عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يدرس الإسلام كما يدرس وشيء الثوب، حتى لا يعلم أحد لا صلاة ولا صيام ولا نسك، حتى إن الرجل والمرأة ليقولان: قد كان من قبلنا، يقولون: لا إله إلا الله؟ قال صلة بن أشيم لحذيفة: ما تغني عنهم لا إله إلا الله؟ قال: يدخلون بها الجنة وينجون بها من النار» .
وروى الحاكم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتنتقضن عرى الإسلام عروة عروة، وليكونن أئمة مضلون، وليخرجن على أثر ذلك الدجالون الثلاثة» .(10/161)
وروى الإمام أحمد والبخاري في تاريخه وأبو يعلى وابن حبان والطبراني في الكبير، والبيهقي والحاكم في السنن والشعب، والضياء عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتنتقضن عرى الإسلام عروة عروة فكلما انقضت عروة تشبثت بالتي تليها، فأولها نقضا الحكم وآخرها الصلاة» .
الباب السادس والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بإحراق البيت العتيق
روى ابن أبي شيبة والإمام أحمد وأحمد بن منيع بسند حسن عن ميمونة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم إذا مرج أمر الدين، وظهرت الرّغبة، واختلفت الإخوان وحرق البيت العتيق» .
الباب السابع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الإيمان بالشام حتى تقع الفتن
روى الإمام أحمد عن رجال من الصحابة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستفتح عليكم الشام، فإذا خيرتم المنازل فيها فعليكم بمدينة يقال لها: دمشق، فإنها معقل المسلمين من الملاحم، وفسطاطها منها بأرض يقال لها: الغوطة» .
وروى الترمذي وقال: حسن صحيح، وتمام وابن عساكر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون فتن» ، قيل: يا رسول الله، فما تأمرنا قال:
«عليكم بالشام» .
الباب الثامن والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بملاحم الروم وتواترها وأن الساعة لا تقوم حتى تكون الروم ذات قرون وتداعي الأمم على أمر الإسلام
روى الطيالسي عن ثوبان رضي الله عنه قال: يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها قيل: من قلة؟ قال: لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم، وينزع الرعب من قلوب عدوكم بحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت.
وروى الشيرازي في «الألقاب» عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(10/162)
«لا تفرحوا بجلب بني حام الملعونين على لسان نوح عليه الصلاة والسلام والذي نفسي بيده، لكأني بهم كالشياطين قد داروا بين رايات الفتن، لهم همهمة وزمزمة، تهب السماء من أعمالهم، وتعج الأرض من أفعالهم، لا يروعون عن حرمة ذمتي ولا ملتي، ألا، فمن أدرك ذلك الزمان، فليبك على الإسلام إن كان باكيا» .
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله، لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم فينهزم ثلث، لا يتوب الله عليهم أبدا، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدا، فيفتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهاليكم، فيخرجون، وذلك باطل، فإذا جاءوا الشام خرج، فبينما هم يعدون للقتال، يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى ابن مريم فأمهم فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لا نذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته» .
الباب التاسع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بتكليم السباع الإنس وغير ذلك مما يذكر
روى ابن منيع، وعبد بن حميد، والترمذي وقال: حسن صحيح (غريب وأبو يعلى، وعنه ابن حبان في صحيحه، والإمام أحمد والحاكم) [ (1) ] عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفس محمد بيده «لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، وحتى تكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله، وتخبره فخذه بما أحدث أهله من بعده» .
وروى مسدد والإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون في آخر الزمان يخرج الرجل من بيته فيرجع، فتخبره عصاه ونعله بما أحدث أهله» .
__________
[ (1) ] سقط في ج.(10/163)
الباب الثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه ستكون هجرة إلى مهاجر إبراهيم صلى الله عليه وسلم
روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تكون هجرة بعد هجرة إلى مهاجر أبيكم إبراهيم عليه الصلاة والسلام حتى لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها، تلفظهم أرضوهم وتقذرهم نفس الله، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتأكل من تخلف» .
الباب الحادي والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت ويرتفع الركن والمقام
روى مسدد بسند على شرط البخاري وأبو يعلى والحاكم وابن حبان عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعا «لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت» .
الباب الثاني والثلاثون في بعض ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من الشدائد والفتن
روى الحارث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأتي على الناس زمان تحل فيه الغربة، ولا يسلم لذي دين دينه إلا من فر بدينه من شاهق إلى شاهق، أو من جحر إلى جحر، كالطائر يغير فراخه، وكالثعلب بأشباله، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، ويعتزل الناس إلا من خير، ولمائة شاة عفراء بسلع أحب إلي من ملك بني النضير، ذلك إذا كان كذا وكذا» .
وقوله: «ولمائة شاة ... » إلى آخره الظاهر أنه مدرج.
وروى الطيالسي برجال ثقات عن يزيد بن أبي حبيب أن رجلين اختصما إلى أبي الدرداء رضي الله عنه في شبر من الأرض فقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا كنت في أرض، فسمعت رجلان يختصمان في شبر من الأرض فاخرج منها» ،
فخرج أبو الدرداء فأتى الشام.
وروى ابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيتكن(10/164)
صاحبه الجمل الأدبب؟ يقتل حولها قتلى كثيرة تنجو بعد ما كادت» .
وروى نعيم بن حماد في الفتن بسند جيد رجاله ثقات وفيه انقطاع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع فتن تكون بعدي: الأولى تسفك فيها الدماء، والثانية تستحل فيها الدماء والأموال، والثالثة تستحل فيها الدماء والأموال والفروج، والرابعة صماء عمياء مطبقة تمور مور الموج في البحر حتى لا يجد أحد من الناس منها ملجأ تطيف بالشام، وتغشى العراق، وتخبط الجزيرة بيدها ورجلها، تعدل الأمة فيها بالبلاء عدل الأديم، ثم لا يستطيع أحد من الناس أن يقول فيها: مه مه، لا يدفعونها من ناحية إلا انفقعت من ناحية أخرى» .
وروى الخطيب عن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أصابتكم فتنة الضراء فصبرتم، وإن أخوف ما أخاف عليكم فتنة السراء من قبل النساء إذا تسوّرن الذّهب، ولبسن ريط الشام، وعصب اليمن وأتعبن الغني وكلفن الفقير ما لا يجد» .
وروى أبو يعلى وابن حبان عن قيس بن أبي حازم عن أنس رضي الله عنه قال: بلغت عائشة بعض مياه بني عامر ليلا فنبحت الكلاب عليها، فقالت: أي ما هذا؟ قالوا: الحوأب، فوقفت وقالت: ما أظنني إلا راجعة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا ذات يوم: «كيف بإحداكن ينبح عليها كلاب الحوأب؟»
فقال الزبير رضي الله عنه لا ترجعين عسى أن يصلح الله بك بين الناس.
الباب الثالث والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن مجيء الفتن من قبل المشرق
روى الإمام مالك والشيخان والترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر مستقبل المشرق وهو يقول: «ألا إن الفتنة تجيء من هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان» ، قاله ثلاثا وأشار نحو المشرق.
وروى الإمام مالك والشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «رأس الكفر نحو المشرق.. الحديث» .
وللبخاري عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الإيمان يمان والفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان» .
ولمسلم: «الإيمان يمان والكفر قبل المشرق» .(10/165)
وروى عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من هاهنا جاءت الفتن نحو المشرق..
الحديث» .
الباب الرابع والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن أمته تفتح عليهم مشارق الأرض ومغاربها
روى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ستفتح عليكم مشارق الأرض ومغاربها ألا وعمالها في النار إلا من اتقى الله وأدى الأمانة» .
الباب الخامس والثلاثون في أحاديث جامعة لأشراط الساعة أخبر بها صلى الله عليه وسلم وجد غالبها وفيه أنواع
روى الخرائطي في «مساوئ الأخلاق» عن ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من أشراط الساعة الفحش والتفحش، وسوء الجوار، وقطع الأرحام، وأن يؤتمن الخائن، ويخون الأمين، كمثل القطعة الذهب الجيدة أوقد عليها، فخلصت ووزنت فلم تنقص، ومثل المؤمن كمثل النحلة أكلت طيبا ووضعت طيبا، ألا إن أفضل الشهداء المقسطون، ألا إن أفضل المهاجرين من هجر ما حرم الله عليه، إلا أن أفضل المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده، ألا إن حوضي طوله كعرضه أبيض من اللبن وأحلى من العسل آنيته عدد النجوم من أقداح الذهب والفضة، من شرب منه شربة لم يظمأ آخر ما عليها أبدا» .
وروى أبو داود الطيالسي والإمام أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل، ويفشو الزنا، ويشرب الخمر، ويقل الرجال، وتكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد» .
وروى الإمام أحمد والبخاري وابن ماجة عن عمرو بن تغلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما ينتعلون نعال الشعر، وإن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما عراض الوجوه كأن وجوههم المجان المطرقة» .
وروى البغوي وابن عساكر عن عروة بن محمد بن عطية عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم(10/166)
قال: «إن من أشراط الساعة إخراب العامر، وإعمار الخراب، وأن يكون الغزو فداء، وأن يتمرس الرجل بأمانته كما يتمرس البعير بالشجرة» .
وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بين يدي الساعة تقاتلون قوما نعالهم الشعر، وهو هذا البارز» .
وروى الحاكم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل» .
زاد ابن أبي شيبة عن أنس وابن أبي شيبة ونعيم بن حماد في الفتن عن مجاهد رضي الله عنه مرسلا يمسي الرجل فيها مؤمنا، ويصبح كافرا، ويمسي كافرا، ويصبح مؤمنا، يبيع أحدهم دينه بعرض من الدنيا قليل» .
وروى ابن عساكر في التاريخ عن ابن شريحة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بين يدي الساعة عشر آيات كالنظم في الخيط إذا سقطت منه واحدة توالت: خروج الدجال ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام وفتح يأجوج ومأجوج والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها» .
وروى [ (1) ] الحاكم عن عقبه بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يطلع عليكم قبل الساعة سحابة سوداء من قبل المغرب مثل الترس فما تزال ترتفع إلى السماء حتى تملأ السماء، ثم ينادي مناد: أيها الناس فيقبل الناس بعضهم على بعض، هل سمعتم؟ فمنهم من يقول: نعم، ومنهم من يشك، ثم ينادي الثانية: يا أيها الناس، فيقول للناس: هل سمعتم؟
فيقولون نعم، ينادي أيها الناس، أتى أمر الله فلا تستعجلوه، فو الذي نفسي بيده، إن الرجلين ينشران الثوب فما يطويانه، وإن الرجل ليمدر حوضه، فما يسقى منه شيئا أبدا، وإن الرجل ليحلب ناقته، فما يشربه أبدا» .
وروى الإمام أحمد ومسلم عن المستورد ونعيم بن حماد في الفتن عن ابن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تقوم الساعة والروم أكثر الناس» .
وروى الإمام أحمد وأبو الشيخ في العظمة والحاكم عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة، حتى يأتي الرجل فيقول: من صعق فيكم الغداة؟ فيقولون: صعق فلان وفلان وفلان» .
__________
[ (1) ] من هنا إلى قوله (العظام التي لم تكونوا ترونها) سقط في ج.(10/167)
وروى الإمام أحمد وأبو يعلى والضياء عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى لا تمطر السماء مطرا، ولا تنبت الأرض شيئا» .
وروى الطبراني في الكبير عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تزول الجبال عن أماكنها وترون الأمور العظام التي لم تكونوا ترونها» .
وروى الإمام أحمد والترمذي وقال غريب عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كالضرمة بالنار» .
وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى» .
وروى البخاري وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن، ويكثر الهرج وهو القتل حتى يكثر فيكم المال فيفيض» .
وروى الشيخان عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا إرب لي فيه» .
وروى ابن أبي الدنيا والطبراني في الكبير وأبو نصر السجزي في الإبانة وابن عساكر عن أبي موسى ولا بأس بسنده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يجعل كتاب الله عارا ويكون الإسلام غريبا وحتى تبدو الشحناء بين الناس، وحتى يقبض العلم ويهرم الزمان، وينقص عمر البشر وتنقص السنون والثمرات، ويؤمن التهماء ويتهم الأمناء ويصدق الكاذب، ويكذب الصادق، ويكثر الهرج وهو القتل، وحتى تبنى الغرف فتطاول، وحتى تحزن ذوات الأولاد، وتفرح العواقر، ويظهر البغي والحسد والشح، ويهلك الناس، ويتبع الهوى، ويقضى بالظن، ويكثر المطر، ويقل الثمر، ويغيض العلم غيضا ويفيض الجهل فيضا، ويكون الولد غيظا والشتاء قيظا وحتى يجهر بالفحشاء وتزوى الأرض زيا ويقوم الخطباء بالكذب فيجعلون حقي لشرار أمتي فمن صدقهم بذلك ورضي به لم يرح رائحة الجنة» .
وروى سمويه والحاكم عن ابن عمر عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يخرج الدجال من يهودية أصبهان، عينه اليمين ممسوحة، والأخرى كأنها زهرة تشق الشمس شقا ويتناول الطير من الجولة ثلاث صيحات يسمعهن أهل المشرق وأهل المغرب ومعه جبلان جبل من دخان ونار وجبل من شجر وأنهار ويقول هذه الجنة وهذه النار»(10/168)
وسمعته يقول: يخرج من قبله كذاب قال: قلت فما الثالث قال: «إنه أكذب الكذابين إنه يخرج من قبل المشرق يتبعه حشارة العرب وسفلة الموالي أولهم مثبور، وآخرهم مثبور هلاكهم على قدر سلطانهم عليهم اللعنة من الله دائمة» قال: فقلت العجب كل العجب قال: «وأعجب من ذلك سيكون، فإذا سمعت به فالهرب الهرب» قال: قلت: كيف أصنع بمن خلفت قال:
«مرهم فليلحقوا برؤوس الجبال» ، قال: قلت فإن لم يتركوا وذاك قال: «مرهم أن يكونوا أحلاسا من أحلاس بيوتهم» قال قلت فإن لم يتركوا وذاك، قال: «يا بن عمر زمان خوف وهرج وسلب» ، قال فقلت: يا أبا عبد الله ما لهذا الهرج من فرج قال: «بلى أنه ليس من هرج إلا وله فرج ولكن أين ما يبقى لها إنها فتنة، يقال لها الجارفة تأتي على صريح العرب، وصريح الموالي وذوي الكنوز وبقية الناس ثم تنجلي عن أقل من القليل» .
وروى الحاكم وابن عساكر عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج الأعور الدجال من يهودية أصبهان، لم تخلق له عين، والأخرى كأنها كوكب ممزوجة من دم، يشوي في الشمس شيئا، يتناول الطير من الجولة، ثلاث صيحات يسمعها أهل المشرق والمغرب، له حمار، ما بين عرض أذنيه أربعون باعا، يطأ كل منهل في كل سبعة أيام يسير معه جبلان، أحدهما فيه أشجار وثمار وماء، وأحدهما فيه دخان ونار يقول: هذه الجنة، وهذه النار» .
وروى الخطيب في فضائل قزوين والرافعي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج الدجال من يهودية أصبهان حتى يأتي الكوفة فيلحقه قوم من المدينة، وقوم من الطور وقوم من ذي يمن وقوم من قزوين» ، قيل: يا رسول الله، وما قزوين؟
قال: «قوم يكونون بآخرة يخرجون من الدنيا زهدا فيها، يرد الله بهم قوما من الكفر إلى الإيمان» .
وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة» .
وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد وعبد بن حميد والبخاري والنسائي وابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أما أول أشراط الساعة، فنار تخرج من المشرق فيحشر الناس إلى المغرب» .
وروى مسلم والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث ريحا من اليمن ألين من الحرير فلا تدع أحدا في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته» .
وروى أبو داود والطيالسي والإمام أحمد ومسلم والأربعة وابن حبان عن أبي الطفيل عن(10/169)
حذيفة بن أسيد الغفاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات:
الدخان، والدجال، والدابة وطلوع الشمس من مغربها، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام، ويأجوج ومأجوج، ونار تخرج من قعرة عدن تسوق الناس إلى المحشر تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا» .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والبيهقي عن سلامة ابنة الحر رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد فلا يجدون إماما يصلي بهم» .
وروى الطبراني عن عمرو بن تغلب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أشراط الساعة أن يقبض العلم ويفشو المال، وتفشو التجارة» .
ورواه الإمام أحمد والنسائي بلفظ: «ويكثر الهرج» .
وزاد «ويظهر القلم، ويبيع الرجل البيع، فيقول: لا، حتى أستأمر تاجر بني فلان، ويلتمس في الحواء العظيم الكاتب فلا يوجد» .
وروى ابن النجار عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويظهر الجهل» .
وروى العسكري في الأمثال عن عمر ورجاله ثقات: «إن من أشراط الساعة أن يغلب على الدنيا لكع بن لكع، وأفضل الناس مؤمن بين كريمين» .
وروى الطبراني وابن المبارك عن أبي أمية الجمحي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عن الأصاغر» .
وروى الحاكم عن عمرو بن تغلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أشراط الساعة أن يفيض المال ويكثر الجهل، وتظهر الفتن، وتفشو التجارة» .
وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أشراط الساعة إذا كانت التحية على المعرفة» .(10/170)
الباب السادس والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بخروج المهدي
روى الإمام أحمد والحاكم عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان فائتوها، فإن فيها خليفة الله المهدي» .
وروى الترمذي وقال: حسن عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في أمتي المهدي يخرج يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا- شك زيد- فيجيء إليه الرجل، فيقول:
يا مهدي أعطني أعطني، فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله» .
وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج المهدي في أمتي خمسا أو سبعا أو تسعا» قال قلت أي شيء قال «سنين ثم يرسل عليهم السماء مدرارا، ولا تدخر الأرض من نباتها شيئا، ويكون المال كدوسا» ، وقال «يجيء الرجل إليه، فيقول: يا مهدي، أعطني أعطني، فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمل» .
وروى الحاكم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج في أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطى المال صحاحا، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعا أو ثمانيا» يعني حججا.
وروى الإمام أحمد والباوردي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبشروا بالمهدي، رجل من قريش من عترتي يخرج في اختلاف من الناس، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، ويرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ويقسم المال صحاحا» ، قالوا: وما صحاحا يا رسول الله؟ قال: «بالسوية، ويملأ قلوب أمة محمد غنى، ويسعهم عدله، حتى أنه يأمر مناديا فينادي فيقول، من كان له حاجة إلي فليأتيني؟ فما يأتيه أحد إلا رجل واحد يأتيه فيسأله، فيقول: ائت السدان حتى نعطيك، فيأتيه، فيقول: أنا رسول المهدي إليك أرسلني لتعطيني مالا، فيقول: احث، فيحثي ولا يستطيع أن يحمله، فيلقي حتى يكون قدر ما يستطيع أن يحمله، فيخرج فيندم، فيقول: إنا لا نأخذ شيئا أعطيناه فلبث في ذلك ستا أو سبعا أو ثمانيا أو تسع سنين ولا خير في الحياة بعده» .
وروى ابن ماجه والطبراني في الكبير عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج قوم من قبل المشرق فيوطئون للمهدي سلطانه» .
وروى أبو يعلى وابن خذيمة وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال(10/171)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلما وعدوانا، ثم يخرج رجل من أهل بيتي فيملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا» .
وروى الرافعي- في تاريخ قزوين- وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يفتح القسطنطينية، وجبل الديلم، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يفتحها» وفي لفظ: «لطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي جبل الديلم والقسطنطينية» .
وروى الإمام أحمد وأبو يعلى وسمويه والضياء في المختارة بسند ضعيف عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي أجلى أقنى، يملأ الأرض عدلا كما ملئت قبله ظلما، يكون سبع سنين» .
وروى الطبراني في الكبير والدارقطني في الإفراد والحاكم وأبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لملك فيها رجل من أهل بيتي» وفي لفظ: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجل» وفي لفظ: «لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا» .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي- وقال: حسن صحيح- والطبراني في الكبير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تذهب الدنيا ولا تنقضي حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي» . وفي لفظ: «لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي» .
وروى الديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لطول الله تلك الليلة حتى يلي رجل من أهل بيتي» .
وروى ابن عدي والطبراني في الكبير وابن عساكر عن معاوية بن قرة المزني عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتملأن الأرض جورا وظلما، فإذا ملئت جورا وظلما يبعث الله رجلا (مني) [ (1) ] اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، فيملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، فلا تمنع السماء شيئا من قطرها، ولا الأرض شيئا من نباتها يلبث فيكم سبعا أو ثمانيا، فإن أكثر فتسعا»
يعني التسع سنين.
__________
[ (1) ] في ج من أهل بيتي.(10/172)
وروى ابن عساكر عن علي بن الحسين عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبشري يا فاطمة، المهدي منك» .
وروى أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا عباس يا عم النبي، إن الله ابتدأ الإسلام بي، وسيختمه بغلام من ولدك، وهو الذي يتقدم عيسى ابن مريم» .
وروى الخطيب وابن عساكر عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبرك أن الله فتح هذا الأمر بي ويختمه بولدك» .
الباب السابع والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بخروج الدجال وفيه أنواع
الأول: في كثرة المطر وقلة النبات قبله وتحذيره صلى الله عليه وسلم منه.
روى أبو يعلى والبزار برجال ثقات عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون أمام الدجال سنون خوادع، يكثر فيها المطر، ويقل فيها النبات ويكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويؤمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويضة» ، قيل: يا رسول الله، وما الرويضة؟ قال: «من لا يؤبه له» .
وروى الطيالسي وابن أبي شيبة، والحميدي والإمام أحمد والحارث وأبو يعلى عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان قبل خروج الدجال بثلاث سنين حبست السماء ثلث قطرها، وحبست الأرض ثلث نباتها، فإذا كانت الثانية حبست السماء ثلثي قطرها، وحبست الأرض ثلثي نباتها، فإذا كانت السنة الثالثة حبست السماء قطرها كله، وحبست الأرض نباتها كله، فلا يبقى ذو خف ولا ظلف إلا هلك» ..
الحديث.
وفيه:
قالوا: يا رسول الله، ما يجزئ المؤمنين يومئذ؟ قال: «يجزئ المؤمنين ما يجزئ الملائكة من التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد» . ثم قال: «لا تبكوا فإن يخرج الدجال، وأنا فيكم فأنا حجيجه وإن يخرج بعدي، فالله خليفتي على كل مسلم» .
وروى الإمام أحمد برجال ثقات وأبو يعلى عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر جهدا شديدا يكون بين يدي الدجال، فقلت: يا رسول الله، ما يجزئ المؤمن يومئذ من الطعام؟ قال: «التسبيح والتهليل» قلت: فأي المال يومئذ خير؟ قال: «غلام شديد يسقي أهله من الماء، أما الطعام فلا طعام»
.(10/173)
الثاني: فيما يقوله من رأى الدجال.
روى أحمد بن منيع برجال ثقات والإمام أحمد والحاكم عن أبي قلابة عن هشام بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن رأس الدجال من ورائه حبك حبك، وإنه سيقول أنا ربكم فمن قال أنت ربي افتتن ومن قال كذبت ربي الله وعليه توكلت وإليه أنيب فلا يضره أو قال: ولا فتنة عليه» .
الثالث: في وجوده الآن.
روى أبو يعلى من طريق علي بن زيد بن جدعان عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدجال قد أكل ومشى في الأسواق» .
وروى أبو يعلى من طريق مجالد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أن الدجال قد أكل الطعام ومشى في الأسواق» .
وروى الحميدي من طريق علي بن زيد بن جدعان عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أما إنه قد أكل الطعام، ومشى في الأسواق» يعني الدجال.
الرابع: في مكان خروجه.
روى سمويه والحاكم عن ابن عمر عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يخرج الأعور الدجال من يهودية أصبهان، عينه اليمين ممسوحة، والأخرى فإنها زهرة» .
روى الحاكم وابن عساكر عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج الأعور الدجال من يهودية أصبهان لم تخلق له عين والأخرى كأنها كوكب ممزوجة من دم يشوي في الشمس شيئا يتناول الطير من الجولة ثلاث صيحات يسمعها أهل المشرق والمغرب له حمار ما بين عرض أذنيه أربعون باعا يطأ كل منهل في كل سبعة أيام معه جبلان، أحدهما فيه أشجار وثمار وماء وأحدهما فيه دخان ونار يقول هذه الجنة وهذه النار» .
وروى الخطيب- في فضائل قزوين- والرافعي عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج الدجال من يهودية أصبهان حتى يأتي الكوفة، فيلحقه قوم من المدينة، وقوم من الطور، وقوم من ذي يمن، وقوم من قزوين» قيل: يا رسول الله، وما قزوين؟
قال: «قوم يكونون بآخرة، يخرجون من الدنيا زهدا فيها، يرد الله بهم قوما من الكفر إلى الإيمان» .(10/174)
وروى الطيالسي وابن أبي شيبة والإمام أحمد وابن منيع وابن حبان عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج الدجال من يهودية أصبهان» .
. الحديث.
وروى الإمام أحمد وأبو يعلى من طريق محمد بن مصعب حدثنا الأوزاعي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج الدجال من يهودية أصبهان، معه سبعون ألفا من اليهود عليهم التيجان» .
وروى مسدد موقوفا- برجال ثقات- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: يخرج الدجال من نحو المشرق ...
الحديث.
وروى مسدد عن العريان بن الهيثم عن أبيه رضي الله عنه قال: ذكروا الدجال، فقال عبد الله بن عمرو: إن بأرضكم أرضا يقال لها: كوثا، ذات سباخ ونخل؟ فقالوا: نعم، فقال:
فإنه يخرج منها.
وروى أبو يعلى والحاكم وصححه وابن جرير في تهذيبه عن أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج الدجال من أرض من قبل المشرق يقال لها خراسان، يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة» .
الخامس: في صفته وأن كل نبي أنذر قومه الدجال.
روى الطيالسي بسند صحيح وابن أبي شيبة والإمام أحمد رضي الله عنه عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث وفيه: «ألا وإنه» أي الدجال «أعور عينه اليسرى، وباليمين ظفرة غليظة، بين عينيه كافر» .
وروى الطبراني عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أحذركم المسيح وأنذركموه، وكل نبي قد حذر قومه، وهو فيكم أيتها الأمة، وسأحكي لكم من نعته ما لم يحك الأنبياء قبلي لقومهم، يكون قبل خروجه سنون خمس حدب حتى يهلك كل ذي حافر» قيل: فبم يعيش المؤمنون؟ قال: «بما تعيش به الملائكة، ثم يخرج وهو أعور وليس الله بأعور بين عينيه كافر يقرأه كل مؤمن كاتبا وغير كاتب، أكثر من يتبعه اليهود والنساء والأعراب، ترون السماء تمطر وهي لا تمطر، وترون الأرض تنبت وهي لا تنبت، ويقول للأعراب: ما تبغون مني؟ ألم أرسل السماء عليكم مدرارا وأحيي لكم أنعامكم شاخصة دارها، خارجة خواصرها، دارة ألبانها، وتبعث معه الشياطين على صورة من قد مات من الآباء والإخوان والمعارف فيأتي أحدهم إلى أبيه وأخيه وذي رحمه، فيقول. ألست فلانا؟ ألست تعرفني، هو ربك فاتبعه، يعمر أربعين سنة، السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كاحتراق السعفة في النار، يرد كلّ منها إلا المسجدين» ثم قام(10/175)
رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فسمع بكاء الناس وشهيقهم فرجع فقام بين أظهرهم فقال: «أبشروا فإن يخرج وأنا بين أظهركم، فالله كافيكم ورسوله، وإن يخرج بعدي فالله خليفتي على كل مسلم» .
وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أما فتنة الدجال فإنه لم يكن نبي إلا حذر أمته وسأحذركموه بحديث لم يحذره نبي أمته، إنه أعور والله ليس بأعور، مكتوب بين عينيه كافر يقرأه كل مؤمن..»
الحديث.
وروى الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال، وإني آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة، فإن يخرج وأنا بين أظهركم فأنا حجيج كل مسلم، وإن يخرج فيكم بعدي فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، إنه يخرج من خلة بين العراق والشام، وعاث يمينا وعاث شمالا، يا عباد الله، اثبتوا فإنه يبدأ يقول: أنا نبي ولا نبي بعدي، وإنه مكتوب بين عينيه كافر، يقرأه كل مؤمن فمن لقيه فليتفل في وجهه وليقرأ بفواتح سورة أصحاب الكهف، وإنه يسلط على نفس من بني آدم فيقتلها، ثم يحييها، وإنه لا يعدو ذلك، ولا يسلط على نفس غيرها، وإن من فتنته أن معه جنة ونارا، فناره جنة، وجنته نار، فمن ابتلى بناره، فليغمض عينيه، وليستعن بالله تكون بردا وسلاما كما كانت النار بردا وسلاما على إبراهيم، وإن أيامه أربعون يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، ويوم كالأيام، (وآخر أيامه) [ (1) ] كالسراب، يصبح الرجل عند باب المدينة فيمسي قبل أن يبلغ بابها الآخر، قالوا: وكيف نصلي يا رسول الله في تلك الأيام القصار؟ قال: «تقدرون فيها كما تقدرون في الأيام الطوال» .
وروى الطيالسي وابن أبي شيبة وابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدجال أعور هجان أزهر، كأن رأسه أصلة، أشبه الناس بعبد العزى بن قطن، فإن هلك الهالك فإن ربكم ليس بأعور» .
وروى مسدد والإمام أحمد وأحمد بن منيع والحارث برجال ثقات عن قتادة بن أمية رحمه الله تعالى عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
«أنذركم الدجال ثلاثا، فإنه جعد ممسوح العين اليسرى» .
انتهى.
وروى ابن حبان عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من نبي إلا حذر أمته الدجال، إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه كافر، يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب» .
__________
[ (1) ] في ج ويوم.(10/176)
وروى أبو يعلى عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فكان أكثر خطبته حديثا، حدثناه عن الدجال، فكان من قوله أن قال: «إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال وإن الله لم يبعث نبيا قط بعد نوح إلا حذر أمته، وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة، فإن يخرج وأنا بين أظهركم، فأنا حجيج كل مسلم، وإن يخرج بعدي، فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم» .
. الحديث.
وروى الإمام أحمد، وأحمد بن منيع برجال ثقات عن هشام بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن رأس الدجال من ورائه حبك حبك [وإنه سيقول أنا ربكم فمن قال أنت ربي افتتن ومن قال كذبت ربي الله وعليه توكلت وإليه أنيب فلا يضره أو قال فلا فتنة عليه] » .
وروى أبو يعلى من طريق مجالد بن سعيد عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: إن كل نبي أنذر قومه الدجال، ألا وإنه قد أكل الطعام، ألا إني عاهد إليكم عهدا لم يعهده نبي لأمته، ألا وإن عينه اليمنى ممسوحة كأنها نخاعة في جانب حائط، ألا وأن عينه اليسرى كأنها كوكب دري..
الحديث.
السادس: في ادعائه إذا خرج الصلاح ثم ادعائه النبوة ثم الربوبية
روى الطبراني بسند واه عن عبد الله بن معتم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدجال ليس به خفاء، إنه يجيء من قبل المشرق، فيدعو لي فيتبع، وينصب للناس فيقاتلهم ويقاتلونه فيظهر عليهم، فلا يزال على ذلك حتى يقدم الكوفة فيظهر دين الله ويعمل به فيتبع ويحب على ذلك، ثم يقول بعد ذلك إني نبي فيفزع من ذلك كل ذي لب ويفارقه، فيمكث بعد ذلك حتى يقول: أنا الله فتغشى عينه، وتقطع أذنه، ويكتب بين عينيه كافر، فلا يخفى على كل مسلم فيفارقه كل أحد من الخلق في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان» .
. الحديث.
السابع: في أنه يطأ الأرض كلها إلا مكة والمدينة وبيت المقدس والطور.
روى أبو داود الطيالسي والإمام أحمد وأبو داود وأبو يعلى وأبو عوانة والحاكم والضياء المقدسي في المختارة عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج الدجال معه نهر ماء ونار، فمن دخل نهره وجب وزره وحط أجره، ومن دخل ناره، وجب أجره وحط وزره» قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: «ثم ينتج المهر فلا يركب حتى تقوم الساعة» .
وروى الإمام أحمد وابن خزيمة وأبو يعلى والحاكم والضياء عن جابر رضي الله عنه أن(10/177)
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج الدجال في خفة من الدين وإدبار من العلم، وله أربعون يوما يسيحها في الأرض، اليوم منها كالسنة، واليوم منها كالشهر، واليوم منها كالجمعة، ثم سائر أيامه كأيامكم هذه، وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا، فيقول للناس: أنا ربكم، وهو أعور، وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه (ك ف ر) يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب، يمر بكل ماء ومنهل إلا المدينة ومكة حرمهما الله عليه، وقامت الملائكة بأبوابهما، ومعه جبال من خبز، والناس في جهد إلا من تبعه، ومعه نهران أنا أعلم بهما منه، نهر يقول له الجنة ونهر يقول له النار، فمن أدخل الذي يقول الجنة، فهو النار، ومن أدخل الذي يقول النار فهو الجنة، ويبعث الله معه شياطين تكلم الناس، ومعه فتية عظيمة، يأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس، ويقتل نفسا ثم يحييها فيما يرى الناس لا يسلط على غيرها من الناس، فيقول للناس:
أيها الناس، هل يفعل مثل هذا إلا الرب؟ فيفر المسلمون إلى جبل الدخان بالشام، فيأتيهم فيحاصرهم فيشتد حصارهم ويجهدهم جهدا شديدا، ثم ينزل عيسى عليه السلام فينادي من السحر، فيقول: يا أيها الناس، ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث؟ فيقولون: هذا رجل جني، فإذا هم بعيسى ابن مريم عليه السلام فتقام الصلاة فيقال له: تقدم يا رسول الله وروح الله، فيقول: ليتقدم إمامكم فليصل بكم، فإذا صلى صلاة الصبح خرجوا إليه، فحين يراه الكذاب ينماث كما ينماث الملح في الماء فيمشي إليه فيقتله، حتى إن الشجرة والحجر ينادي يا روح الله، هذا يهودي، فلا يترك ممن كان يتبعه أحدا إلا قتله» .
وروى الإمام أحمد والشيخان والدارمي عن أنس بن مالك والطبراني عن عبد الله بن عمرو والطحاوي عن نجادة بن أي أمية عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس من بلد إلّا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة» .
وقال الطبراني: إلا الكعبة وبيت المقدس، وقال الطحاوي: ومسجد الطور، وفي رواية:
فلا يبقى موضع إلا ويأخذه غير مكة والمدينة وبيت المقدس وجبل الطور، فإن الملائكة تطرده عن هذه المواضع، وليس نقب من أنقابها- يعني المدينة- إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها فينزل بالسبخة فترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل كافر ومنافق» . وفي رواية: «يجيء الدجال فيطأ الأرض إلا مكة والمدينة، فيأتي المدينة، فيجد عند كل نقب من أنقابها صفوفا من الملائكة، فيأتي سبخة الجرف، فيضرب رواقه، فترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل منافق ومنافقة» [ (1) ] .
__________
[ (1) ] سقط في ج.(10/178)
وروى الإمام أحمد والبخاري والترمذي (وقال صحيح) [ (1) ] وأبو عوانة وابن حبان عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يأتي الدجال المدينة فيجد الملائكة يحرسونها فلا يدخلها الدجال ولا الطاعون إن شاء الله» .
وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل المدينة المسيح ولا الطاعون» .
وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الدجال مكة ولا المدينة» .
وروى ابن أبي شيبة والبخاري عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان» [ (2) ] .
وروى الزبير بن بكار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجمع السيول، فقال: «ألا أخبركم بمنزل الدجال من المدينة ثم قال: هذا منزله، يريد المدينة لا يستطيعها يجدها منتظمة بالملائكة، على كل نقب من أنقابها ملك شاهر سلاحه لا يدخلها الدجال ولا الطاعون فتنزل بالمدينة وبأصحاب الدجال زلزلة لا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه، وأكثر من تبعه النساء فلا يشهر الرجل منهن سيفه» .
قال السيد نور الدين رضي الله عنه: يستفاد من هذا الحديث أن المراد من قوله في الأحاديث المتقدمة: فترجف المدينة يعني بسبب الزلزلة لا يشكل بما تقدم من أنه لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، ويستغنى عما جمع به بعضهم من أن الرعب المنفي هو أن لا يجعل لمن بها بسبب قربه منها خوف أو هو عبارة عن غايته وهو غلبته عليها، والمراد بالرجفة ساعة مجيئه، وأنه لا طاقة لأحد به فيسارع حينئذ إليه من كان يوصف بالنفاق والفسق.
قال الحافظ وما قدمناه أولى.
الثامن: في أحاديث جامعة لبيان حال الدجال.
وردت أحاديث كثيرة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
[ (1) ] في ج برجال الصحيح.
[ (2) ] سقط في ج.(10/179)
مطولة ومختصرة، وفي كل حديث ما ليس في الآخر فأدخلت بعضها في بعض، ورتبت القصة على نسق واحد، فأقول:
روى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والطبراني وأبو عمر بن عبد البر في التمهيد عن سمرة بن جندب، والطبراني عن عبد الله بن مغفل، وأبو يعلى عن أبي سعيد، والبزار بأسانيد حسنة، وابن كثير عن جابر، والطبراني من طريق آخر، وأحمد بن حنبل وقاسم بن أصبغ من طريق آخر، وأحمد والحاكم- بسند جيد- والطيالسي وأحمد وأبو القاسم والبغوي في معجمه عن سفينة، والإمام أحمد والستة عن النواسي بن سمعان، وابن ماجة وابن أبي عمر وتمام في فوائده، والطبراني في المطولات عن أبي أسامة، والطيالسي وعبد الرزاق والإمام أحمد والطبراني عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والله، لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا، أحدهم الأعور الدجال، ممسوح العين اليسرى كأنها عين أبي يحيى الشيخ من الأنصار، وإنه متى يخرج» أو قال: «متى ما يخرج فإنه سوف يزعم أنه الله، فمن آمن به وصدقه واتبعه فليس ينفعه صالح من عمل له سلف، ومن كفر به وكذبه فليس يعاقب بشيء من عمل له سلف، وإنه سيظهر على الأرض كلها إلا الحرم وبيت المقدس، ويحصره» وفي لفظ:
«يحصر المؤمنين في بيت المقدس فيزلزلون زلزالا شديدا فيهزمه الله تعالى وجنوده، ويهلكه الله تعالى حتى إن حرم الحائط أو أصل الشجرة ينادي يا مؤمن، هذا يهودي أو كافر مستتر بي فتعال فاقتله، ولن يكون ذاك كذلك حتى تروا أمورا يتفاقم شأنها في أنفسكم فتتساءلون بينكم، هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرا، وحتى تزول جبال عن مراتبها، ثم على أثر ذلك القبض» وأشار بيده إلى الموت.
وروى الديلمي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج الدجال ومعه سبعون ألفا من الحاكة، على مقدمته أشعر من فيهم، يقول: بدو بدو» .
وروى مسلم وأبو يعلى عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فتلقاه المسالح مسالح الدجال فيقولون له: أين تعمد؟
فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج، فيقولون: أوما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء، فيقولون:
اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدا دونه، قال: فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن، قال: يا أيها الناس، هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر الدجال به فيشبح فيقول: خذوه وشجوه، فيوسع ظهره وبطنه ضربا، فيقول: أوما تؤمن بي؟
فيقول: أنت المسيح الكذاب فيؤمر به فيؤشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه، ثم يمشي الدجال بين القطيعتين ثم يقول له: قم، فيستوي قائما ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما(10/180)
ازددت فيك إلا بصيرة، ثم يقول: يا أيها الناس، إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس، فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا، فلا يستطيع إليه سبيلا، فيأخذه بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار وإنما ألقى به في الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين» .
وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو عوانة وابن حبان عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يتبع الدجال من يهودية أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة» .
وروى الإمام أحمد والشيخان، وابن حبان عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، فيقول الدجال: أرأيت إن قتلت هذا ثم أحييته، هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحييه: والله ما كنت قط أشد بصيرة مني اليوم، فيريد الدجال أن يقتله الثانية فلا يسلط عليه» .
التاسع: في من أشد الناس عليه.
روى البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني تميم، فقال:
«هم ضخام الهام ثبت الأقدام، أنصار الحق في آخر الزمان أشد قوما على الدجال» .
وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن رجل من الصحابة رضي الله عنهم أن رجلا قال: أبطأ هؤلاء القوم بصدقاتهم، فأقبلت نعم حمر وسود لبني تميم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«هذه نعم قومي» ، ونال رجل من بني تميم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا تقل لبني تميم إلا خيرا، فإنهم أطول الناس رماحا على الدجال» .(10/181)
الباب الثامن والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بنزول عيسى ابن مريم صلى الله عليهما وسلم
روى الإمام أحمد والطبراني والروياني والضياء عن سمرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدجال خارج، وإنه أعور العين الشمال عليها ظفرة غليظة، وإنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى، ويقول للناس: أنا ربكم، فمن قال: أنت ربي فقد فتن، ومن قال: ربي الله، حتى يموت على ذلك فقد عصم من فتنة الدجال ولا فتنة عليه، فيلبث في الأرض ما شاء الله، ثم يجيء عيسى ابن مريم من قبل المغرب مصدقا بمحمد صلى الله عليه وسلم فيقتل الدجال وإنما هو قيام الساعة» .
وروى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن روح الله عيسى ابن مريم نازل فيكم فإذا رأيتموه فاعرفوه، رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، عليه ثوبان ممصران، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويدعو الناس إلى الإسلام، فيهلك الله في زمانه المسيح الدجال، وتقع الأمنة على أهل الأرض حتى ترعى الأسود مع الإبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم، فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون» .
وروى الإمام أحمد ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين (لا أدري أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين عاما) فيبعث الله تعالى عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود الثقفي فيطلبه فيهلكه ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته حتى تقبضهم، فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفا، ولا ينكرون منكرا فيتمثل لهم الشيطان، فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان فيعبدونها، وهم في ذلك دار رزقهم، حسن عيشهم، ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا، وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله فيصعق ويصعق الناس، ثم يرسل الله مطرا كأنه الظل فتنبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون، ثم يقال: يا أيها الناس، هلم إلى ربكم وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ [الصافات 24] أخرجوا بعث النار، فيقال: من كم؟ فيقال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فذلك يوم يجعل الولدان شيبا وذلك يوم يكشف عن ساق» .
وروى ابن أبي شيبة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم(10/182)
الساعة حتى ينزل عيسى ابن مريم حكما مقسطا، وإماما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد» .
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعمال أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا، ويقتل ثلث أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدا، فيفتتحون القسطنطينية فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون- وذلك باطل- فإذا جاءوا الشام خرج، فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم عليه أفضل الصلاة والسلام، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لا يذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته» .
وروى الإمام أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا، وإماما عادلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها» .
وروى مسلم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله، لينزلن عيسى ابن مريم حكما عدلا فليكسر الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية، وليتركن القلاص فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض، والتحاسد وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد» .
وروى الإمام أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا أو ليثنيهما» .
وروى (البخاري) [ (1) ] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم فأمكم» وفي لفظ «وإمامكم منكم» .
__________
[ (1) ] في ج الشيخان.(10/183)
الباب التاسع والثلاثون في إخباره صلى الله عليه وسلم بخروج يأجوج ومأجوج وفيه أنواع
الأول: في نسبتهم.
روى عبد بن حميد وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب وابن عساكر عن ابن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معايشهم ولن يموت الرجل منهم إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا وإن من ورائهم ثلاث أمم قاويل وتاريس ومنسك» .
الثاني: في كثرتهم.
روى ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عدي وابن عساكر عن حذيفة رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يأجوج ومأجوج فقال: «يأجوج أمة، ومأجوج أمة، كل أمة بأربعمائة ألف أمة، لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كل قد حمل السلاح ... » .
وروى ابن أبي شيبة وابن جرير عن عمرو بن أوس عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن يأجوج ومأجوج لهم نساء يجامعون ما شاءوا، وشجر يلقحون ما شاءوا، فلا يموت الرجل إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا» .
وروى ابن أبي شيبة وابن جرير عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما مات رجل من يأجوج ومأجوج إلا ترك ألف ذري لصلبه» .
وروى ابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «إن الرجل من يأجوج ومأجوج ليترك بعده من الذرية ألفا فما زاد، وإن وراءهم ثلاث أمم منسك وقاويل وتاريس لا يعلم عدتهم إلا الله تعالى» .
وروى عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: إن الله عز وجل جزأ الخلق عشرة أجزاء فجعل تسعة أجزاء الملائكة، وجزءا سائر الخلق وجزأ الملائكة عشرة أجزاء، فجعل تسعة أجزاء يسبحون الليل والنهار لا يفترون وجزءا لرسالته وجزأ الخلق عشرة أجزاء، فجعل تسعة أجزاء الجن وجزءا بني آدم وجزأ بني آدم عشرة أجزاء، فجعل تسعة أجزاء يأجوج ومأجوج وجزءا سائر الناس، والسماء ذات الحبك قال السماء السابعة والحرم بحيال عرشه.
وروى عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن قتادة رحمه الله تعالى قال: أن الله تعالى جزأ الإنس عشرة أجزاء، فتسعة منهم يأجوج ومأجوج، وجزء سائر الناس.(10/184)
وروى ابن المنذر وأبو الشيخ عن حسان بن عطية رحمه الله تعالى قال: إن يأجوج ومأجوج خمس وعشرون أمة، لا تشبه واحدة منها الأخرى.
الثالث: في صفتهم.
روى ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عدي وابن عساكر عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن يأجوج ومأجوج: «هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز» . قلت:
وما هو الأرز؟ قال: «شجرة الصنوبر، شجرة بالشام طول الشجرة عشرون ومائة ذراع في السماء، وصنف منهم عرضه وطوله سواء عشرون ومائة ذراع في السماء» . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هم الذين لا يقوم لهم الجبل ولا حديد. وصنف منهم يفترش أحدهم أذنه ويلتحف بالأخرى ولا يمرون بقليل ولا كثير ولا بجمل ولا خنزير إلا أكلوه، ومن مات منهم أكلوه، مقدمتهم وساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية» .
وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد- ورواته ثقات- عن خالد بن عمر وعن ابن حرملة عن خالته رضي الله عنها قالت: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب أصبعه من لدغة عقرب، فقال: «إنكم تقولون: لا عدو، وإنكم لا تزالون تقاتلون عدوا حتى يأتي يأجوج ومأجوج، عراض الوجوه صغار العيون شهب الشعاف، من كل حدب ينسلون، كأن وجوههم المجان المطرقة» .
وروى ابن المنذر عن كعب رحمه الله تعالى قال: «خلق يأجوج ومأجوج ثلاثة أصناف، صنف أجسامهم كالأرز، وصنف أربعة أذرع طول وأربعة أذرع عرض، وصنف يفترشون آذانهم، ويلتحفون بالأخرى ويأكلون مشائم نسائهم» .
الرابع: في بعث الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ليلة الإسراء إن صح الخبر.
وروى نعيم بن حماد في الفتن وابن مردويه بسند واه جدا عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بعثني الله عز وجل ليلة أسري بي إلى يأجوج ومأجوج فدعوتهم إلى دين الله عز وجل وعبادته فأبوا أن يجيبوني فهم في النار مع من عصى من ولد آدم وولد إبليس» .
الخامس: في نقبهم السد كل يوم من حين بني.
روى الشيخان عن زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمرا وجهه، وهو يقول: «لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه» - وعقد سفيان تسعين ومائة- قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم، إذا كثر الخبث» .(10/185)
وروى الإمام أحمد والشيخان والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فتح الله اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه» وعقد بيده تسعين.
السادس: في خروجهم وكونه زمن عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم
روى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة، والإمام أحمد وابن ماجة وأبو يعلى وابن المنذر والحاكم- وصححه- عن أبي سعيد وابن جرير عنه من طريق آخر، والإمام أحمد ومسلم والأربعة عن النواس بن سمعان، وابن جرير عن حذيفة وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وابن أبي حاتم عن علي رضي الله عنهم موقوفا عليهما وله حكم المرفوع، وابن جرير عن كعب الأحبار رضي الله عنه قال الأربعة الأول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في السد: «يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدا، قال: فيعيده الله كأشد ما كان» .
وفي حديث كعب، قال: إذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج حفروا حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم، فإذا كان الليل، قالوا: نجيء غدا فنخرج فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله تعالى كما كان، فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم، فإذا كان الليل قالوا: نجيء غدا، فنخرج، فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله تعالى كما كان فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم. انتهى، وفي حديث أبي علي: فيلحسونه وقد جعلوه مثل قشر البيض.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه حتى إذا بلغوا مدتهم، وأراد الله تعالى أن يبعثهم على الناس، قال الذي عليهم: ستخرقونه غدا إن شاء الله تعالى، واستثنى، فيرجعون وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فيفر الناس منهم إلى حصونهم» .
وفي حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعا عند الحاكم، بعد أن ذكر قتل عيسى عليه الصلاة والسلام للدجال وكسره الصليب، وقتله الخنزير ووضعه الجزية، قال: فبينما هم كذلك أخرج الله تعالى يأجوج ومأجوج.
وفي حديث النواس بن سمعان: فيوحي الله تعالى إلى عيسى ابن مريم أن قد أخرجت عبادا من عبادي، لا بد أن تقاتلهم فحرز عبادي إلى الطور، فيبعث الله تعالى يأجوج ومأجوج وهم كما قال الله تعالى: مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ [الأنبياء 96] فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ثم يمر آخرهم فيقول لقد كان في هذه ماء ...
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في لقيه ليلة الإسراء الأنبياء،(10/186)
وقول عيسى عليه السلام، فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج من كل حدب ينسلون، فيطوف بلادهم لا يأتون على شيء إلا أهلكوه، ولا يمرون على ماء إلا شربوه.
وفي حديث حذيفة رضي الله عنه فيسيرون إلى خراب الدنيا، وتكون مقدمتهم بالشام، وساقتهم بالعراق، فيمرون بأنهار الدنيا فيشربون الفرات، ودجلة وبحيرة طبرية.
وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه المرفوع ويشربون مياه الأرض حتى إن أحدهم ليمر بالنهر، فيشرب ما فيه حتى يتركوه يبسا، حتى إن بعضهم من بعدهم ليمر بذلك النهر، فيقولون: قد كان هاهنا مرة ماء.
وفي حديث كعب عند ابن جرير رضي الله عنه فتمر الزمرة الأولى بالبحيرة فيشربون ماءها، ثم تمر الزمرة الثانية، فيلحسون طينها، ثم تمر الزمرة الثالثة، فيقولون: قد كان هاهنا مرة ماء، فيأتون بيت المقدس، فيقولون: قد غلبنا أهل الدنيا، فيرمون سهامهم في السماء، وفي لفظ: بالنشاب إلى السماء فترجع سهامهم مخضبة بالدم، وفي حديث أبي سعيد المرفوع رضي الله عنه حتى إذا لم يبق من الناس أحد إلا أخذ في حصن أو مدينة، قال قائلهم: هؤلاء أهل الأرض، قد فرغنا منهم، وبقي أهل السماء، فيهز أحدهم حربته ثم يرمي بها إلى السماء، فترجع إليه مخضبة دما: للبلاء والفتنة.
وفي حديث حذيفة رضي الله عنه فيقولون: قد قتلنا من في السماء.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه فيقولون: قد قهرنا من في الأرض وعلونا وفي لفظ وغلبنا من في السماء.
وفي حديث أبي سعيد عند أحمد بن منيع رضي الله عنهما ثم يصبح يأجوج ومأجوج، فيهلكون من في الأرض إلا من تعلق بحصن، فلما فرغوا من أهل الأرض، أقبل بعضهم على بعض فقالوا: إنما بقي من في الحصون ومن في السماء، فيرمون سهامهم فخرت عليهم مخضوبة دما، فقالوا: قد استرحتم ممن في السماء، وبقي من في الحصون، فحاصروهم حتى إذا اشتد عليهم البلاء والحصر.
وفي حديث النواس رضي الله عنه ويحضر نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خير من مائة دينار لأحدكم اليوم، فبينما هم كذلك إذ أرسل الله تعالى نغفا في أعناقهم فتهلكهم غير عيسى وأصحابه، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة.(10/187)
وفي حديث حذيفة رضي الله عنه تدخل في مناخرهم فيصبحون موتى من حاق الشام إلى حاق المشرق حتى تنتن الأرض من جيفهم، فو الذي نفسي بيده، إن دواب الأرض تسمن وتئط وتسكر سكرا من لحومهم.
وفي حديث أبي سعيد عند أبي يعلى والحاكم رضي الله عنه فقال رجل: قتلهم الله ورب الكعبة، قال: إنما يفعلون هذا مخادعة فنخرج إليهم فيهلكوننا كما أهلكوا إخواننا، فقال: افتحوا لي الباب، فقالوا: لا نفتح، فقال: دلوني بحبل، فلما نزل وجدهم موتى، فخرج الناس من حصونهم.
وفي حديث النواس رضي الله عنه فيهبط نبي الله عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى فيرسل عليهم طيرا كأعناق البخت، فتحملهم فتطرحهم، حيث شاء الله، ويستوقد الناس من قسيهم ونشابهم سبعا، ويرسل الله تعالى مطرا، لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة، ويقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وفي حديث أبي سعيد عند ابن جرير رضي الله عنه ويغرس الناس بعد النخل والشجر، وتخرج الأرض ثمرتها.
وفي حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الناس يغرسون بعدهم الغرس ويتخذون الأموال، فيومئذ يأكل النفر من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر تكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم على ذلك إذ بعث الله ريحا طيبة تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس، فيتهارجون تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة» .
وفي حديث كعب عند ابن جرير رضي الله عنه ويبعث الله عينا يقال لها الحياة تطهر الأرض منهم، وينبتها حتى إن الرمانة ليشبع منها السكن، قيل: وما السكن يا كعب؟ قال: أهل البيت، قال: فبينما الناس على ذلك إذ أتاهم الصرايخ أن ذا السويقتين أتى البيت يريده، فيبعث عيسى ابن مريم عليه السلام طليعة سبعمائة أو بين سبعمائة والثمانمائة حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله تعالى ريحا يمانية طيبة فتقبض فيها روح كل مؤمن، ثم يبقى محاح من الناس فيتسافدون كما تتسافد البهائم، فمثل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه ينظرها متى تقنع.(10/188)
وفي حديث حذيفة رضي الله عنه عند ابن جرير رضي الله عنه فعند ذلك تطلع الشمس من مغربها.
وروى ابن المنذر عن كعب رضي الله عنه قال: عرض أسكفة يأجوج ومأجوج التي تفتح لهم أربعة وعشرون ذراعا تحفيها حوافر خيلهم، والعليا اثنا عشر ذراعا تحفيها أسنة رماحهم.
الثامن: في حج الناس بعدهم.
روى عبد بن حميد برجال ثقات عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أن الناس يحجون ويعتمرون، ويغرسون النخل بعد يأجوج ومأجوج» ورواه البخاري في صحيحه دون قوله: «ويغرسون النخل» والحاكم ولفظه: «ليحجن البيت وليعتمرن بعد يأجوج ومأجوج
» ، والجمع بينهما أن يحج ويعتمر بعد ذلك ثم ينقطع الحج بمرة.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
يأجوج: بمثناة تحتية وألف فجيمين بينهما واو ساكنة.
مأجوج: كذلك إلا أن أوله ميم مهموزين وغير مهموزين [يأجوج ومأجوج: هما قبيلتان من خلق الله تعالى] .(10/189)
الباب الأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الحبشة تهدم الكعبة
روى ابن أبي شيبة والشيخان والنسائي عن أبي هريرة والطبراني في الكبير عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة» .
وروى الإمام أحمد والطبراني في الكبير وفي سنده ابن إسحاق، وهو ثقة لكنه يدلس عن ابن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة، ويسلبها حليتها ويجردها من كسوتها، ولكأني أنظر إليه أصيلع أقيرع يضرب عليها بمسحاته ومعوله» .
وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يبايع لرجل بين الركن والمقام ولن يستحل هذا البيت إلا أهله يستخرجون كنزه» .
وروى أبو داود والبيهقي عن عبد الله بن عمرو والإمام أحمد رضي الله عنه عن رجل من أصحاب النبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتركوا الحبشة ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة» .
وروى أبو نعيم في الحلية والحاكم والبيهقي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حجوا قبل أن لا تحجوا، فكأني أنظر إلى حبش أصيلع، أقيرع بيده معول يهدمها حجرا حجرا» .
وروى أبو داود عن رجل من الصحابة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم» .
ورواه أبو داود في الملاحم عن أمامة بن سهل عن عبد الله بن عمرو مرفوعا.
الباب الحادي والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بخروج الدابة وفيه أنواع
الأول: في سبب خروجها.
روى ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري، وابن مردويه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قوله تعالى: وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ [النمل 82] قال: «ذلك حين لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن(10/190)
منكر» ، رواه ابن المبارك وعبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة ونعيم بن حماد في الفتن، وعبد بن حميد وابن أبي حاتم، والحاكم عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقوفا على حكم الرفع.
الثاني: في صفتها.
روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن الدابة: «إنها ذات ريش وزغب، وإنه يخرج ثلثها حضر الفرس الجواد ثلاثة أيام وثلاث ليال» .
وروى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن الدابة فيها من كلّ لون ما بين قرنيها فرسخ للراكب.
وروى ابن أبي حاتم عن النزال بن سبرة رضي الله عنه قال: قيل لعلي رضي الله عنه: أن أناسا يزعمون أنك دابة الأرض، فقال: والله، إن لدابة الأرض ريشا زغبا ومالي ريش ولا زغب، وإن لها لحافرا ومالي حافر، وإنها لتخرج حضر الفرس الجواد ثلاثا وما خرج ثلثاها.
الثالث: في وقت خروجها ومن أين تخرج وتكرر خروجها.
روى ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: تخرج الدابة ليلة جمع والناس يسيرون إلى منى، فتحملهم بين نحرها وذنبها، فلا يبقى منافق إلا خطمته وتمسح المؤمن، فيصبحون وهم بشر من الدجال.
وروى أبو يعلى عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: ألا أريكم المكان الذي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن دابة الأرض تخرج منه» ،
فضرب بعصاه الشق الذي في الصفا.
وروى البخاري في تاريخه، وابن ماجة وابن مردويه عن بريدة رضي الله عنه قال: ذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع بالبادية قريب من مكة، فإذا بأرض يابسة حولها رمل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تخرج الدابة من هذا الموضع»
فإذا شبر في شبر.
وروى ابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بئس الشعب جلاد» - مرتين أو ثلاثا- قالوا: ومم ذاك يا رسول الله؟ قال: «تخرج منه الدابة فتصرخ ثلاث صرخات ليسمعها من بين الخافقين» .
وروى الإمام أحمد وسمويه وابن مردويه عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم، ثم يعمرون فيه حتى يشتري الرجل البعير فيقال: ممن اشتريت؟ فيقال: من أحد المخطمين» .(10/191)
الرابع: في أحاديث جامعة.
روى الإمام أحمد والترمذي وقال: حسن وابن ماجة والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: تخرج الدابة ومعها خاتم سليمان، وعصى موسى فتجلو وجه المؤمن بالعصا وتخطم أنف الكافر بالخاتم، حتى إن أهل الحواء يجتمعون فيقول: هذا يا مؤمن، ويقول هذا يا كافر.
الباب الثاني والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بطلوع الشمس والقمر من المغرب
وروى الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تغيب الشمس تحت العرش فيؤذن لها فترجع، فإذا كانت تلك الليلة تطلع صبحتها من المغرب لم يؤذن لها» .
وروى الطبراني في الكبير والبغوي والخطيب وابن النجار عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أول الآيات طلوع الشمس من مغربها» .
وروى الطبراني في الكبير والحاكم وابن مردويه عن واثلة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، والدجال والدخان، ونزول عيسى عليه السلام، فيأجوج ومأجوج، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر تحشر الذر والنمل» .
وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمن من عليها، فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرا، ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه، ولتقومن الساعة، وقد انصرف الرجل بلين لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها» .
وروى مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون أين تذهب هذه الشمس إنّ هذه تجري إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش فتخر ساجدة، فيقال لها: ارتفعي، أصبحي طالعة من مغربك،(10/192)
فتصبح طالعة من مغربها، أتدرون متى ذاك؟ حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا» .
وروى الطبراني في الكبير عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا طلعت الشمس من مغربها خر إبليس ساجدا ينادي: إلهي، مرني أن أسجد لمن شئت، قال فتجتمع إليه زبانيته، فيقولون: يا سيدهم، ما هذا التضرع؟ فيقول: أنا سألت ربي عز وجل إن ينظرني إلى يوم الوقت المعلوم، وهذا الوقت المعلوم، ثم تخرج دابة الأرض من صدع في الصفا أول خطوة تضعها في أنطاكية فتأتي إبليس فتلطمه» .
الباب الثالث والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه سيقع في هذه الأمة مسخ وخسف وقذف وإرسال صواعق وشياطين وغير ذلك مما ذكر. وفيه أنواع
الأول: في المسخ.
روى مسدد عن عطاء قال لي عبادة بن الصامت رضي الله عنه يا عطاء، كيف تصنعون إذا فرت منكم علماؤكم وقراؤكم وكانوا في رؤوس الجبال مع الوحوش؟ قلت: ولم ذاك أصلحك الله؟ قال: خشيت أن تقتلوهم وكتاب الله بين أظهرنا، قال: ثكلتك أمك يا عطاء أو لم يؤت التوراة اليهود فتركوها، وضلوا عنها؟ أو لم يؤت النصارى الإنجيل؟ ... ] الحديث.
وروى مسدد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يمسخ قوم من أمتي آخر الزمان قردة وخنازير» ، قالوا: يا رسول الله، أمسلمون هم؟ قال: «نعم، يشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويصومون ويصلون» ، قالوا: فما بالهم يا رسول الله؟ قال: «اتخذوا المعازق والقينات والدفوف، وشربوا الأشربة، فباتوا على شرابهم ولهوهم، فأصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير» ، ورواه ابن حبان بلفظ لا تقوم الساعة حتى يكون في أمتي خسف ومسخ وقذف.
وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد وأبو يعلى برجال ثقات عن صحار بن صخر العبري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يخسف بقبائل فيقال من بقي من بني فلان؟ فعرفت حين قال قبائل أنها العرب، لأن العجم تنسب إلى قراها» .
وروى الإمام أحمد عن فرقد السبخي رحمه الله تعالى قال: حدثني حبيب أبو حبيب الشامي عن أبي عطاء عن عبادة بن الصامت وحدثني شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم وحدثني عاصم بن عمر البجلي عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم وحدثني سعيد بن المسيب،(10/193)
أو حدثت عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده ليبيتن أناس من أمتي على أشر وبطر ولعب ولهو فيصبحوا قردة وخنازير باستحلالهم الحرام واتخاذهم القينات، وشربهم الخمر، وبأكلهم الربا، ولبسهم الحرير» .
الثاني في الخسف:
روى الحميدي برجال ثقات عن بقيرة امرأة القعقاع بن أبي حدرد الأسلمي رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم بجيش قد خسف به قريبا فقد أظلت الساعة» .
وروى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق وعامة من تبعه من كلب، فيقتل حتى يبقر بطون النساء، ويقتل الصبيان، فتجمع لهم قيس فيقتلها حتى لا يمنع ذنب تلعة ويخرج رجل من أهل بيتي في الحرة، فيبلغ السفياني، فيبعث إليه جندا من جنده، فيهزمهم بنفسه، فيسير إليه السفياني بمن معه حتى إذا صاروا ببيداء من الأرض خسف بهم فلا ينجو منهم إلا المخبر عنهم» .
وروى نعيم بن حماد في الفتن عن قتادة مرسلا، والإمام أحمد والنسائي عن حفصة بنت عمر رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يبعث الله إلى مكة جند من الشام فإذا كانوا ببيداء الأرض خسف بأولهم وآخرهم، وفي لفظ الطبراني يأتي جيش من قبل المشرق يريدون رجلا من أهل مكة حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، فيرجع من كان أمامهم، لينظر ما فعل القوم، فيصيبهم ما أصابهم» ، قيل: فكيف بمن كان مستكرها؟ قال: «يصيبهم كلهم ذلك، ثم يبعث الله كل امرئ منهم على نيته» ، وفي لفظ: «يبعث جند إلى هذا الحرم فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بأولهم وآخرهم، وما ينج أوسطهم» ، قيل: أرأيت إن كان فيهم مؤمنون؟ قال: «يكون لهم فتوراء» .
وروى أبو داود والطيالسي وعبد الله بن الإمام أحمد وسمويه والخرائطي في مساوئ الأخلاق وابن ماجة والحاكم والبيهقي في الشعب عن أبي أمامة والطبراني في الكبير عن سعيد بن المسيب مرسلا وعبد الله بن الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يبيت قوم من هذه الأمة على طعم وشرب ولهو ولعب فيصبحون وقد مسخوا قردة وخنازير، وليصيبنهم خسف، ومسخ، وقذف حتى يصبح الناس فيقولون قد خسف الليلة ببني فلان، وخسف الليلة بدار فلان خواص، وليرسلن عليهم حاصبا من السماء كما أرسلت على قوم لوط، وعلى قبائل فيها وعلى دور فيها، وليرسلن عليهم الريح العقيم التي أهلكت عادا على قبائل فيها، وعلى دور فيها، بشربهم الخمر ولبسهم الحرير، واتخاذهم القينات، وأكلهم الربا، وقطيعتهم الرحم»
وروى بن أبي شيبة والطبراني في الكبير والحاكم عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يبايع الرجل من أمتي بين الركن والمقام كعدة أهل بدر(10/194)
فيأتيه عصب العراق، وأبدال الشام فيأتيهم جيش من الشام، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، ثم يسير إليه رجل من قريش أخواله كلب فيهزمهم الله، فكان يقال الخائب من خاب من غنيمة كلب» .
وروى الحاكم والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنتهي البعوث عن غزو بيت الله حتى يخسف بجيش منهم» .
وروى ابن ماجة عن صفية رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينتهي الناس عن غزو هذا البيت حتى يغزوه جيش حتى إذا كانوا بالبيداء من الأرض خسف بأولهم وآخرهم ولم ينج أوسطهم» ، قلت يا رسول الله: أرأيت المكره قال: «يبعثهم الله على ما في أنفسهم» .
وروى نعيم بن حماد عن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يخسف برجل كثير المال والولد» .
وروى الإمام أحمد والبغوي وابن قانع والطبراني في الكبير والحاكم والضياء عن عبد الرحمن بن صحار بن صخر العبدي عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يخسف بقبائل حتى يقال من بقي من بني فلان» .
وروى ابن النجار عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا بدّ من مسخ وخسف ورجف» ، قالوا يا رسول الله، في هذه الأمة؟ قال: «نعم، إذا اتخذوا القيان واستحلوا الزنا، وأكلوا الربا، واستحلوا الصيد في الحرم، ولبس الحرير، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء» .
وروى عبد الله بن الإمام أحمد في روائد الزهد عن عبادة بن الصامت، وعن عبد الرحمن بن غنم وعن أبي أمامة وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده ليبيتن ناس من أمتي على أشر وبطر ولعب ولهو، فيصبحوا قردة وخنازير باستحلالهم الحرام واتخاذهم القينات وشربهم الخمر وبأكلهم الربا ولبسهم الحرير» .
وروى نعيم بن حماد في الفتن عن مالك الكندي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليكونن من هذه الأمة قوم قردة وقوم خنازير، وليصبحن فيقال: خسف بدار بني فلان، ودار بني فلان، وبينما الرجلان يمشيان يخسف بأحدهما لشرب الخمور ولبس الحرير، والضرب بالمعازف الزمارة» .
وروى ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليكونن في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ، وذلك إذا شربوا الخمور، واتخذوا القينات، وضربوا بالمعازف» .(10/195)
وروى البخاري وأبو داود وابن حبان والنسائي والطبراني في الكبير والبيهقي عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرام والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام على جنب علم تروح عليهم سارحتهم فيأتيهم آت لحاجته فيقولون له ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويقع العلم عليهم، ويمسخ منهم آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة» .
وروى الترمذي وقال: غريب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اتخذ الفيء دولا، والأمانة مغنما، والزكاة مغرما، وتعلم لغير الدين، وأطاع الرجل امرأته وعق أمه، وأدنى صديقه، وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وظهرت القينات والمعازف وشرب الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها، فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة، وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه، فتتابع» .
وروى الديلمي عن أنس رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استغنى النساء بالنساء والرجال بالرجال، فبشرهم بريح حمراء تخرج من قبل المشرق فيمسخ بعضهم، ويخسف ببعض ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون» .
الثالث في كثرة الصواعق:
روى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والحارث عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة حتى يأتي الرجل فيقول من صعق تلكم الغداة؟ فيقولون: فلان وفلان» .
الرابع في أحاديث تجمع الأنواع الثلاثة:
روى عبد بن حميد وابن ماجة عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف» قيل: فمتى ذلك يا رسول الله؟
قال: «إذا ظهرت القينات والمعازف، واستحلت الخمور» .
وروى أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون في هذه الأمة خسف ومسخ ورجف وقذف» .
الخامس في الممسوخ لا نسل له:
روى أبو يعلى عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن من مسخ أيكون له نسل؟ قال: «ما مسخ أحد قط فكان له نسل ولا عقب» .(10/196)
وروى أبو يعلى عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير هل هي من نسل اليهود؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الله لم يلعن قوما فمسخهم، فكان لهم نسل حتى يهلكهم، ولكن هذا خلق كان، فلما غضب الله تعالى على اليهود مسخهم فكانوا مثلهم» .
الباب الرابع والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بما يؤول إليه أمر المدينة الشريفة
روى بن أبي شيبة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لتتركن المدينة أحسن ما كانت حتى يدخل الكلب، أو الذئب فيغذي على بعض سواري المسجد، أو على عود من أعواد المنبر» ، فقال: يا رسول الله، فلمن تكون الثمار يومئذ؟ قال: «للعوافي الطير والسباع»
انتهى.
وروى الإمام أحمد والطبراني برجال الصحيح عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المدينة يتركها أهلها وهي مرطبة» ، قالوا: فمن يأكلها يا رسول الله؟ قال:
«السباع والعائف» .
وروى الإمام أحمد بسند حسن عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليسيرن الراكب في جنبات المدينة فيقولن: لقد كان في هذا حاضر من المؤمنين كثير» .
وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أما إنهم سيدعونها يعني المدينة أحسن ما كانت عليه» .
وروى الطبراني عن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيبلغ البنيان مبلغا، ثم يأتي على المدينة زمان يمر السفر على بعض أقطارها فيقول قد كانت هذه مرة عامرة من طول الزمان وعفو الأثر» .
وروى الإمام أحمد بسند جيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يوشك أن يرجع الناس إلى المدينة حتى تصير مسالحهم بسلاح» .(10/197)
الباب الخامس والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بالريح التي تقبض أرواح المؤمنين في آخر الزمان ورفع القرآن
روى الإمام أحمد والطبراني في الكبير والحاكم وابن عساكر عن عياش بن أبي ربيعة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تجيء ريح بين يدي الساعة تقبض فيها روح كل مؤمن» .
وروى الطبراني في الكبير والحاكم عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تجيء الريح التي يقبض الله فيها نفس كل مؤمن ثم طلوع الشمس من مغربها، وهي التي ذكرها الله تعالى في كتابه» .
ورواه الطبراني في الكبير عن أبي سريحة رضي الله عنه [وقال الهيثمي وفيه عبيد بن إسحاق العطار وهو متروك] .
وروى أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة على مؤمن حتى يبعث الله بين يدي الساعة ريحا فتهب، فلا يبقى مؤمن إلا مات» .
وروى ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلى مائة سنة يبعث الله ريحا باردة طيبة يقبض فيها روح كل مؤمن» .
وروى ابن أبي شيبة وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يبعث الله تعالى ريحا حمراء من قبل اليمن فيكفت الله تعالى بها كل نفس تؤمن بالله واليوم الآخر وما ينكرها الناس من قلة من يموت فيها، مات شيخ من بني فلان، ماتت عجور من بني فلان، ويسرى على كتاب الله عز وجل فيرفع إلى السماء، فلا يبقى على وجه الأرض منه آية وتفيء الأرض أفلاذ كبدها من الذهب والفضة فلا ينتفع بها بعد ذلك اليوم فيمر الرجل فيضربها برجله ويقول: في هذه كان يقتل قبلنا، وأصبحت اليوم لا ينتفع بها»
قال أبو هريرة رضي الله عنه أن أول قبائل العرب فناء لقريش، والذي نفسي بيده يوشك أن يمر الرجل على النعل وهي ملقاة في الكناسة فيأخذها بيده ثم يقول: هذه من نعال قريش في الناس.(10/198)
الباب السادس والأربعون في إخباره صلى الله عليه وسلم بمن تقوم عليه الساعة
وأنها لا تقوم نهارا وأنها لا تقوم على أحد يقول في الأرض الله، وأنها لا تقوم حتى تعبد الأوثان، وأن لا يعرف معروف ولا ينكر منكر.
روى أبو يعلى برجال وفيه أنواع ثقات، والإمام أحمد عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله تعالى شريطته من أهل الأرض فيبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا» .
وروى الإمام أحمد وأبو داود، والنسائي وابن ماجة والدارمي وابن خذيمة وأبو يعلى وابن حبان والطبراني في الكبير والبيهقي والضياء عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد» .
وروى الإمام أحمد والترمذي وأبو يعلى والحاكم وابن حبان وعدي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله» وفي لفظ: «لا يقال: الله الله» ، وفي لفظ: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال لا إله إلا الله، وحتى تمر المرأة بالبعل فينظر إليها فيقول لقد كان لهذه مرة رجل وحتى يكون الرجل قيما لخمسين امرأة وحتى لا تمطر السماء، ولا تنبت الأرض» .
وروى الإمام أحمد ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس،
وروى الإمام أحمد والترمذي وقال حسن، وعلي بن أحمد بن حجر في الفوائد، ونعيم بن حماد في الفتن وأبو نعيم والضياء عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس في الدنيا» وفي لفظ: «بالدنيا لكع ابن لكع» .
وروى أبو يعلى عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع» .
وروى ابن جرير والحاكم والخطيب عن أنس والديلمي والخطيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة على رجل يقول: لا إله إلا الله، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر» .
وروى الإمام أحمد وابن أبي شيبة والطبراني في الكبير عن أبي بردة بن نيار ونعيم بن(10/199)
حماد في الفتن عن أبي بكر بن حزم مرسلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تذهب الدنيا حتى تصير للكع بن لكع» .
وروى الطبراني في الأوسط والضياء بسند ضعيف عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تذهب الأيام والليالي حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع» .
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تذهب الدنيا حتى تصير للكع بن لكع» .(10/200)
جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم بإجابة دعواته لأقوام بأشياء فحصلت لهم.
الباب الأول في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لآله رضي الله تعالى عنهم
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا» قال البيهقي: وقد رزقوا ذلك وصبروا عليه.
الباب الثاني في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله عنها
روى البيهقي عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت فاطمة رضي الله عنها فوقفت بين يديه، فنظر إليها ووجهها مصفر من شدة الجوع فرفع يده فوضعها على صدرها في موضع القلادة، وفرج أصابعه ثم قال: «اللهم مشبع الجاعة، ورافع الوضيعة، ارفع فاطمة بنت محمد»
قال عمران بن حصين رضي الله عنه فنظرت إليها وقد ذهبت الصفرة من وجهها فلقيتها بعدها، فسألتها فقالت: ما جعت بعد يا عمران، قال البيهقي:
الظاهر إنه رآها قبل نزول الحجاب.
الباب الثالث في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه
روى البيهقي عن علي رضي الله عنه قال: مرضت فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول:
اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني وإن كان متأخرا فارفعني، وإن كان بلاء فصبرني، فقال:
«اللهم اشفه اللهم عافه ثم قال: فقمت فما عاد ذلك الوجع بعد.
وروى ابن ماجة والبيهقي عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لعلي رضي الله عنه فقال: «اللهم أذهب عنه الحر والبرد» ، فكان يلبس في الشتاء ثياب الصيف، ويلبس في الصيف ثياب الشتاء ولا يصيبه حر ولا برد.
وروى الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر قال: «أين علي» فقيل يا رسول الله، يشتكي عينيه، قال: «فأرسلوا إليه» ، فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرئ، حتى كأنه لم يكن به وجع، فأعطاه الراية.(10/201)
الباب الرابع في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه
روى الطبراني في الأوسط والحاكم بسند حسن عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب صدر عمر بيده حين أسلم ثلاث مرات وهو يقول: «اللهم أخرج ما في صدر عمر من غل وأبدله إيمانا» .
الباب الخامس في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
روى البيهقي وحسنه عن قيس بن أبي حازم مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسعد: «اللهم استجب له إذا دعاك» رواه الترمذي موصولا أنه عليه الصلاة والسلام دعا لسعد بن أبي وقاص أن يجيب الله دعوته كلما دعا على أحد إلا استجيب له، وقد استجيب له دعوات منها أن رجلا نال من علي بحضرته فقال: اللهم إن كان كاذبا فأرني فيه آية فجاء جمل فتخبطه.
رواه البخاري وغيره،
منها ما رواه البخاري أنه دعا على أبي سعدة اللهم أطل عمره وأطل نقره، وعرضه للفتن! قال الرواي فلقد رأيته شيخا كبيرا سقط حاجباه عن عينيه من الكبر وقد افتقر يتعرض للجواري في الطريق يغمزهن فيقال له: كيف أنت فيقول شيخ مفتون أصابته دعوة سعد.
روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه أنه دعا في الاستسقاء يوم جمعة على المنبر، فسقوا ثم سألوا الله المطر في الجمعة الثانية، وهو على المنبر، فدعا فصحوا أي انكشف ما بهم من السحاب.
الباب السادس في إجابته دعائه صلى الله عليه وسلم لغلام من تجيب رضي الله عنه
روى ابن سعد عن أبي الحويرث قال: قدم وفد تجيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع وفيهم غلام فقال يا رسول الله: اقض لي حاجتي قال: «وما حاجتك» ؟ قال:
تسأل الله أن يغفر لي ويرحمني ويجعل غناي في قلبي فقال: «اللهم اغفر له وارحمه واجعل غناه في قلبه» فرجعوا ثم وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم بمنى سنة عشر فسألهم عن الغلام، فقالوا: ما رأينا مثله أقنع منه بما رزقه الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأرجو أن يموت جميعا» .(10/202)
الباب السابع في إجابته دعائه صلى الله عليه وسلم للنابغة رضي الله عنه
روى الحافظ السلفي عن نصر بن عاصم الليثي عن أبيه رضي الله عنهما قال: سمعت النابغة يعني عبد الله بن قيس الجعدي يقول: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشدته حتى أتيت إلى قولي وفي لفظ أنشدت النبي صلى الله عليه وسلم:
أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى ... ويتلو كتابا واضح الحق نيرا
بلغنا السماء مجدنا وثراؤنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
فقال لي: «إلى أين المظهر يا أبا ليلى؟ قال: قلت: إلى الجنة قال: «كذلك إن شاء الله» ثم قال:
ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أجدت» وفي لفظ: «صدقت لا يفضض الله فاك» ، قال: فبقي عمره أحسن الناس ثغرا كلما سقطت سنة عادت أخرى مكانها، وكان معمرا.
روى البيهقي عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للنابغة إذ أنشده قصيدته: «لا يفضض الله فاك» ، فما سقطت سن وفي رواية فكان أحسن الناس ثغرا إذا سقطت له سنة نبتت له أخرى، وعاش عشرين ومائة سنة وما ذهب له سن.
شرح غريب.
يفضض بمثناة تحتية ففاء معجمة، فضاضين معجمتين أي لا يسقط الله أسنانك وأصله الكسر أي لا يكسر أسنان فيك.
الباب الثامن في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عتبة رضي الله عنه
روى البيهقي عن أم ولد عبد الله بن عتبة قالت: قلت لسيدي عبد الله بن عتبة: إيش تذكر من النبي صلى الله عليه وسلم قال: أذكر أني غلام خماسي أو سداسي، أجلسني النبي صلى الله عليه وسلم في حجره ودعا لي ولولدي بالبركة: قالت: فنحن نعرف ذلك إنا لا نهرم.(10/203)
الباب التاسع في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لثابت بن يزيد رضي الله عنه
روى الطبراني في «مسند الشاميين» وابن مندة والباوردي في «المعرفة» عن ابن عائذ قال: قال ثابت بن يزيد يا رسول الله: إن رجلي عرجاء لا تمس الأرض. قال: فدعا لي فبرأت حتى استوت مثل الأخرى.
الباب العاشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم للمقداد بن الأسود رضي الله عنه
روى أبو نعيم في الدلائل عن ضباعة بنت الزبير قالت: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقداد بن الأسود رضي الله عنه بالبركة، فكانت له غرائر من الورق في بيت المقداد.
الباب الحادي عشر باب دعائه لعمرو بن الحمق
روى ابن أبي شيبة في (مسنده) وأبو نعيم وابن عساكر عن عمرو بن الحمق أنه سقى رسول الله صلى الله عليه وسلم لبنا فقال: «اللهم أمتعه بشبابه» ، فمرت به ثمانون سنة لم ير الشعرة البيضاء.
الباب الثاني عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لأولاد أبي سبرة رضي الله عنه
روى الطبراني عن سبرة أن أباه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لولده، فلم يزالوا في شرف إلى اليوم.
الباب الثالث عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لضمرة بن ثعلبة رضي الله عنه
روى الطبراني بسند حسن عن ضمرة بن ثعلبة رضي الله عنه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ادع الله لي بالشهادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أحرم دم ابن ثعلبة على المشركين والكفار» ، فكنت أحمل في عرض القوم، فيتراءى لي رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفهم فقال لي: يا ابن ثعلبة، إنك لتغرر، وتحمل على القوم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتراءى لي(10/204)
خلفهم، فأحمل عليهم حتى أقف عنده، ثم يتراءى لي أصحابي فأحمل حتى أكون مع أصحابي، قال: فعمر زمانا طويل من دهره.
الباب الرابع عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لأبي كعب رضي الله عنه
روى البيهقي عن سليمان بن صرد أن أبي بن كعب أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجلين قد اختلفا في القراءة كل واحد منهما يقول: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقرأهما، فقال: «أحسنتما» قال أبي فدخل في قلبي من الشك أشد مما كنت عليه في الجاهلية، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدري وقال: «اللهم أذهب عنه الشيطان» فارفضضت عرقا، وكأني أنظر إلى الله فرقا.
الباب الخامس عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله تعالى عنهما
روى الشيخان عنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الهم فقّهه في الدين وعلمه التأويل» ، فسمي بعد الحبر، فكان يقال له حبر الأمة رضي الله عنه.
الباب السادس عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك رضي الله عنه
روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال: قالت أمي: يا رسول الله، خادمك أنس أدع الله له قال: «اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته!»
قال أنس رضي الله عنه فو الله إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون نحو المائة، وفي رواية دفنت يداي مائة من ولدي، ولا أقول سقطا ولا ولد ولد.
الباب السابع عشر في دعائه صلى الله عليه وسلم لبهية بنت عبد الله البكرية رضي الله عنه
روى الباوردي عن بهية بنت عبد الله البكرية قالت: وفدت مع أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايع الرجال وصافحهم، وبايع النساء ولم يصافحهن، قالت: فنظر إلي، فدعاني ومسح برأسي، ودعا لي ولولدي فولد لها ستون ولدا أربعون رجلا وعشرون امرأة.(10/205)
الباب الثامن عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة وأمه رضي الله عنهما
روى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما على وجه الأرض مؤمن ولا مؤمنة إلا وهو يحبني قلت: وما علمك؟ قال كنت أدعو أمي للإسلام فتأبى، فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يهدي أم أبي هريرة إلى الإسلام فدعا لها فرجعت، فلما دخلت البيت قالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي من الفرح كما كنت أبكي من الحزن، فقلت: يا رسول الله، قد استجاب الله دعوتك، وهدى أم أبي هريرة، فقلت: ادع الله أن يحببني وأمي إلى عباده المؤمنين، وأن يحببهم إلينا، فقال:
«اللهم حبب عبدك هذا، وأمه إلى عبادك المؤمنين وحببهم إليهما» فما على وجه الأرض مؤمن ولا مؤمنة إلا وهو يحبني وأحبه،
وروى الحاكم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بينما أنا وأبو هريرة وغلام في المسجد ندعو، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمن على دعائنا ثم دعا أبو هريرة فقال: اللهم إني أسالك مثل ما سألك صاحباي وأسألك علما لا ينسى فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«أمين» فقلنا: يا رسول الله، ونحن نسأل الله علما لا ينسى، فقال: «سبقكما الدوسي» .
الباب التاسع عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم للسائب بن يزيد رضي الله عنه
روى البخاري عن الجعد بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: مات السائب ابن يزيد رضي الله عنه وهو ابن أربع وتسعين سنة، وكان جلدا معتدلا وقال: لقد علمت ما متعت بسمعي وبصري إلا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
الباب العشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه
روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه: «بارك الله لك!» رواه ابن سعد والبيهقي من وجه آخر،
وزاد قال عبد الرحمن: فلقد رأيتني ولو رفعت حجرا لرجوت أن أصيب تحته ذهبا أو فضة قال القاضي:
وفتح الله عليه ومات، فجعل الذهب في تركته بالقوس، حتى كلت فيه الأيدي، وأخذت كل زوجة ثمانين ألفا، وكن أربعا وقيل: بل [ثلاثا لأن] إحداهن طلقها في مرضه على نيف وثمانين(10/206)
ألفا، وأوصى بخمسين ألفا بعد صدقاته الغاشية في حياته وعوارفه العظيمة. أعتق يوما ثلاثين عبدا، وتصدق يوما بعير فيها سبعمائة بعير، وردت عليه تحمل كل شيء تصدق بها وما عليها وبأقتابها وأحلاسها.
الباب الحادي والعشرون في إجابة دعوته صلى الله عليه وسلم لعروة بن البارقي رضي الله عنه
روى البيهقي عن عروة البارقي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له بالبركة في بيعه فكان لو اشترى التراب لربح فيه،
وروى أبو نعيم عنه رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بارك الله لك في صفقة يمينك» ، فكنت أقوم بالكناسة فما أرجع إلى أهلي حتى أربح أربعين ألفا.
الكناسة: مكان بالكوفة.
الباب الثاني والعشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه
روى ابن سعد عن جرير بن عثمان مرسلا ورجاله يحتج بهم، وله شواهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم، علمه الكتاب ومكن له في البلاد وقه العذاب» .
الباب الثالث والعشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لأم قيس رضي الله عنهما
روى البخاري في «الأدب» والنسائي عن أم قيس أنها قالت: توفي ابني فجزعت، فقلت للذي يغسله: لا تغسل ابني بالماء البارد فيقتله، فانطلق عكاشة بن محصن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقولها ثم قال: «طال عمرها، فلا تعلم امرأة عمرت ما عمرت» .
الباب الرابع والعشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لرجل من اليهود
روى عبد الرزاق عن قتادة قال: جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم جمله» فاسود شعره، حتى صار أشد سوادا من كذا وكذا،
وفي رواية عن أنس فاسودت لحيته بعد أن كانت بيضاء.(10/207)
الباب الخامس والعشرون في إجابة دعوته صلى الله عليه وسلم لأبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه
روى الإمام أحمد وأبو يعلى وابن حبان والطبراني بسند حسن عن عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه قال: استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بقدح، فكانت فيه شعرة فأخذتها فقال: «اللهم جمله» ، قال الراوي: فرأيته وهو ابن أربع وتسعين سنة ليس في لحيته شعرة بيضاء
وروى الإمام أحمد عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جملك الله» ، وكان رجلا جميلا حسن الشمط.
وروي بإسناد صحيح عن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادن مني» فدنوت، فمسح بيده على رأسي ولحيتي، وقال: «اللهم جمله، وأدم جماله» ، فبلغ بضعا ومائة سنة، وما في لحيته بياض إلا نبذة يسيرة ولقد كان منبسط الوجه حتى مات.
الباب السادس والعشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لحمل أم سليم رضي الله عنها
روى الشيخان والبيهقي من طرق عن أنس رضي الله عنه قال: اشتكى ابن لأبي طلحة، فمات، وأبو طلحة خارج، فلما رأت امرأته أنه قد مات هيأت شيئا، ونحته من جانب البيت، فلما جاء أبو طلحة فقال: كيف الغلام قالت: هدأت نفسه، وأرجو أن قد استراح فظن أبو طلحة أنها صادقة، فلما أصبح اغتسل وكان قد أصابها، فلما أراد أن يخرج قالت: أرأيت أن رجلا أعارك عارية، ثم أخذها منك أجزعت؟ قال: لا، قالت: فإن الله قد أعارك ابنك وقد أخذه منك، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخبره لما كان منهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بارك الله لكما في ليلتكما!» قال: فولدت غلاما فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحنكه ثم مسح بناصيته، وسماه عبد الله، فكانت تلك المسحة غرة في وجهه وما كان في الأنصار ناشئ أفضل منه.
الباب السابع والعشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن هشام رضي الله عنه
روى البخاري عن أبي عقيل رضي الله عنه أنه كان يخرج به جده عبد الله بن هشام(10/208)
إلى السوق ليشتري الطعام فيتلقاه ابن الزبير وابن عمر فيقولان له: أشركنا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا لك بالبركة فيشركهم، فربما أصاب الراحلة كما هي فيبعث بها إلى المنزل.
الباب الثامن والعشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام رضي الله عنه
روى ابن سعد من طريق أبي حصين عن شيخ من أهل المدينة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حكيم بن حزام بدينار يبتاع له به أضحية فمر بها، فباعها بدينارين فابتاع له أضحية بدينار وجاء له بدينار، فدعا له أن يبارك له في تجارته، وروي أيضاً عن حكيم أنه كان رجلاً مجدودا في التجارة ما باع شيئا قط إلا ربح فيه.
الباب التاسع والعشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لجرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنه
روى البخاري عن جرير رضي الله عنه قال: كنت لا أثبت على الخيل، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب بيده في صدري حتى رأيت أثر يده في صدري، وقال: «اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا!» قال: فما وقعت عن فرس بعد.
الباب الثلاثون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم للسوداء التي كانت تصرع رضي الله تعالى عنها
روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة سوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت:
إني أصرع فادع الله لي قال: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك»
فقالت: أصبر، قالت: فإني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها.
الباب الحادي والثلاثون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لأمته في بكورها
روى الإمام أحمد والأربعة وابن خزيمة عن صخر الغامدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(10/209)
«اللهم بارك لأمتي في بكورها»
وكان صخر رجلا تاجرا يبعث غلمانه أول النهار فأثرى وكثر ماله، حتى لم يدر أين يضعه،
وروى الزجاجي في أماليه عن علي رضي الله عنه أنه قال: إذا أراد أحدكم الحاجة فليبكر في طلبها يوم الخميس، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم بارك لأمتي في بكورها» .
الباب الثاني والثلاثون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم بالمحبة بين رجل وامرأته كانا متباغضين
روى البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن امرأة شكت زوجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أتبغضينه؟» قالت: نعم، قال: «أدنيا رؤوسكما» ، فوضع جبهتها على جبهة زوجها ثم قال: «اللهم ألف بينهما، وحبب أحدهما إلى صاحبه» ، ثم لقيته المرأة بعد فقبلت رجليه فقال:
«كيف أنت؟ وكيف زوجك؟» قالت: ما طارق ولا تالد ولا ولد أحب إلي منه فقال: «أشهد أني رسول الله» ،
قال عمر: وأنا أشهد أنك رسول الله.
وروى الطبراني برجال الصحيح غير مقداد بن داود عن جابر رضي الله عنه أن امرأة كان بينها وبين زوجها خصومة فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت المرأة: هذا زوجي، والذي بعثك بالحق، ما في الأرض أبغض إلي منه، وقال الآخر: هذه امرأتي، والذي بعثك بالحق ما في الأرض أبغض إلي منها، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدنوا إليه، ثم دعا لهما، فلم يفترقا من عنده حتى قالت المرأة: والذي بعثك بالحق ما خلق الله شيئا أحب إلي منه، وقال الرجل:
والذي بعثك بالحق، ما خلق الله شيئا أحب إلي منها.
الباب الثالث والثلاثون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم بإقبال أهل اليمن وأهل الشام على الإسلام
روى البيهقي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل اليمن فقال: «اللهم، أقبل بقلوبهم» ، ثم نظر إلى العراق فقال: «اللهم، أقبل بقلوبهم» .(10/210)
الباب الرابع والثلاثون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لأبي أمامة وأهل سريته رضي الله تعالى عنه
[روى أبو يعلى والبيهقي عن أبي أمامة قال: أنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة فأتيته فقلت: يا رسول الله: ادع لي بالشهادة، فقال: «اللهم سلمهم وغنمهم» ، فغزونا فسلمنا وغنمنا، ثم أنشأ غزوة فأتيته، فقلت: يا رسول الله، ادع لي بالشهادة، فقال: «اللهم، سلمهم وغنمهم» ، فغزونا فسلمنا وغنمنا] .
الباب الخامس والثلاثون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لبكر بن شداخ الليثي رضي الله تعالى عنه
[روى ابن منده وابن عساكر عن عبد الملك بن يعلى الليثي أن بكر بن شداخ الليثي، وكان ممن يخدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام، فلما احتلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني كنت أدخل على أهلك، وقد بلغت مبلغ الرجال فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم، صدق قوله ولفظه ولقه الظفر» .
فلما كان من ولاية عمر جاء وقد قتل يهوديا فأعظم ذلك عمر وجزع وصعد المنبر، وقال: إني ما ولاني الله تعالى، واستخلفني بقتل الرجال أذكر الله رجلا كان عنده علم إلا أعلمني فقام إلي بكر بن شداخ فقال: أنا به، فقال: الله أكبر، بؤت بدمه، فهات المخرج، قال: بلى، خرج فلان غازيا ووكلني بأهله فجئت إلى بابه، فوجدت هذا اليهودي في منزله، وهو يقول:
وأشعث غره الإسلام حتى ... خلوت بعرسه ليل التمام
أبيت على ترائبها ويمسي ... على قوداء لاحبة الحزام
كأن مجامع الريلات منها ... فئام ينهضون إلى فئام
قال: فصدق عمر قوله وأبطل دمه بدماء النبي صلى الله عليه وسلم] .
الباب السادس والثلاثون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لثعلبة بن حاطب رضي الله تعالى عنه
[روى الباوردي وابن شاهين وابن السكن والبيهقي عن أبي أمامة قال: جاء ثعلبة بن حاطب، فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يرزقني مالاً وولداً، فقال: «ويحك يا ثعلبة، قليلٌ تطيق(10/211)
شكره خيرٌ من كثير لا تطيقه» فأبى، فقال: «ويحك يا ثعلبة، أما تحب أن تكون مثلي، فلو شئت أن يسير ربي معي هذه الجبال ذهبا لسارت» ، فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يرزقني مالا وولدا، فو الذي بعثك بالحق، إن أتاني الله مالا أعطينّ كل ذي حق حقه، فدعا له فاشترى غنما، فبورك له فيها، ونمت كما ينمو الدود حتى ضاقت به المدينة، فتنحى بها فكان يشهد الصلاة بالنهار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يشهدها بالليل ثم نمت فتنحى بها فكان لا يشهد الصلاة لا بالليل ولا بالنهار إلا من جمعة إلى جمعة ثم نمت فتنحى بها فكان لا يشهد جمعة ولا جنازة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويح ثعلبة بن حاطب» ، ثم إن الله أمر رسوله أن يأخذ الصدقات فبعث رجلين وكتب لهما أسنان الإبل والغنم كيف يأخذانها وأمرهما أن يمرا على ثعلبة فمرا به فسألاه الصدقة فقال: أرياني كتابكما فنظر فيه فقال: ما هذه إلا جزية انطلقا حتى تفرغا ثم مرا، فلما فرغا مرا به فقال: ما هذه إلا جزية انطلقا حتى أرى رأيي فانطلقا حتى أتيا المدينة فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يكلمهما: «ويح ثعلبة بن حاطب» ، وأنزل الله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ أتانا مِنْ فَضْلِهِ الآيات الثلاث، فبلغ ثعلبة ما أنزل فيه فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقته، فقال: «إن الله منعني أن أقبل منك» ، فجعل يبكي ويحثي التراب على رأسه فلم يقبل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر حتى هلك في خلافة عثمان] .
الباب السابع والثلاثون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم للزبير بن العوام رضي الله عنه
[وروى أبو يعلى عن الزبير بن العوام قال: دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولولدي ولولد ولدي فسمعت أبي يقول لأخت لي كانت أسن مني: يا بنية إنك ممن أصابته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم] .
الباب الثامن والثلاثون في إجابة دعائه لمن بلغ سنته من أمته
[وروى الأربعة عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نضر الله امرأ سمع مقالتي، فبلغها فوعاها فأداها كما سمعها» ] .(10/212)
الباب التاسع والثلاثون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم للقيط بن أرطاة رضي الله تعالى عنه
روى الطبراني برجال ثقات غير نضر بن خزيمة عن أبيه رضي الله عنه فيحرر رجالهما عن لقيط بن أرطأة السكوني رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي معوجتان لا تمسان الأرض فدعا لي النبي صلى الله عليه وسلم فمشيت على الأرض.
الباب الأربعون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم للوليد بن قيس رضي الله عنه
روى الطبراني عن الوليد بن قيس رضي الله عنه قال: كان بي برص فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فبرأت منه.
الباب الحادي والأربعون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لرجل من الأنصار
روى الطبراني عن سلمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يعود رجلا من الأنصار، فلما دخل عليه وضع يده على جبينه فقال: «كيف تجدك؟» فلم يحر إليه شيئا فقيل يا رسول الله، إنّه عنك مشغول، فقال: «خلوا بيني وبينه» ، فخرج الناس من عنده وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فأشار المريض أن أعد يدك حيث كانت، ثم ناداه يا فلان ما تجد؟ قال: أجد خيرا. وقد حضرني اثنان أحدهما أسود، والآخر أبيض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيهما أقرب منك؟» قال: الأسود، قال: «إن الخير قليل وإن الشر كثير» ، قال:
فمتعني يا رسول الله منك بدعوة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر الكثير وأنم القليل» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ترى؟» قال: خيرا بأبي أنت وأمي أرى الخير ينمى وأرى الشر يضمحل، وقد استأخر عني الأسود، قال: «أي عملك كان أملك بك؟» قال: كنت أسقي الماء.
[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسمع يا سلمان هل تنكر مني شيئا؟» قال: نعم بأبي وأمي، قد رأيتك في مواطن ما رأيتك على مثل حالك اليوم قال: «إني أعلم ما يلقى ما منه عرق إلا وهو يألم الموت على حدته» ] .(10/213)
الباب الثاني والأربعون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم في إذهاب الحر والبرد
روى البيهقي وأبو نعيم والطبراني عن بلال رضي الله عنه قال: أذنت في غداة بادرة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير في المسجد أحدا، قال: «أين الناس يا بلال؟» قال: منعهم البرد، فقال: «اللهم أذهب عنهم البرد» ، قال بلال: فرأيتهم يتروحون.
روى الطبراني والبيهقي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رضي الله عنه قال: كان علي رضي الله عنه يلبس في الحر الشديد العباء المحشوّ الثخين وما يبالي الحر، ويلبس في البرد الشديد الثوبين الخفيفين وما يبالي البرد، وسئل عن ذلك فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خيبر:
«لأعطين الراية رجلا يحبه الله ورسوله يفتح الله عليه غير فرار» فدعاني فأعطاني الراية ثم قال:
«اللهم اكفه الحر والبرد» فما وجدت بعد ذلك حرا ولا بردا.
وروى أبو نعيم عن شبرمة بن الطفيل رضي الله عنه قال: رأيت عليا بذي قار عليه إزار ورداء في يوم شديد البرد وإن جبهته لترشح عرقا.
الباب الثالث والأربعون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لأم سلمة رضي الله تعالى عنها
روى أبو يعلى وابن منيع والبيهقي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما مثلي ينكح، أما أنا فلا ولد في وأنا غيور ذات عيال، فقال: «أنا أكبر منك، وأما الغيرة فيذهبها الله تعالى، وأما العيال فإلى الله ورسوله» ، فكانت في النساء، كأنها ليست منهن لا تجد ما يجدن من الغيرة.
الباب الرابع والأربعون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لحنظلة بن حذيم رضي الله تعالى عنه
روى الطبراني والإمام أحمد برجال ثقات عن حنظلة بن حذيم رضي الله عنه قال: وفدت مع جدي حذيم فقال: يا رسول الله إن لي بنين ذوي لحى وهذا أصغرهم، فأدناني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسح على رأسي، وقال: «بارك الله فيك» ، قال الذيال: فلقد رأيت حنظلة يؤتى بالرجل الوارم وجهه أو الشاة الوارم ضرعها، فيقول: بسم الله على موضع كف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمسحه فيذهب الورم.(10/214)
جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في إجابة دعائه على أقوام بأشياء فحصلت لهم
الباب الأول في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على من رآه يأكل بشماله
روى مسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن رجلا أكل عند النبي صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال: «كل بيمينك» ، فقال: لا أستطيع، قال: «لا استطعت، ما منعه إلا الكبر» ، قال فما رفعها إلى فيه بعد، ورواه الدارمي وعبد بن حميد وابن حبان وزادوا أن اسمه بسر بضم الباء وسكون المهملة ابن راعي.
روى البيهقي عن عقبه بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى سبيعة الأسلمية تأكل بشمالها، فقال: «أخذها داء غزة» ، فلما مرت بغزة أصابها الطاعون فقتلها.
الباب الثاني في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على قيس
روى البيهقي عن بريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن رجل يقال له قيس فقال: «لا أقرته الأرض» ، فكان لا يدخل أرضا يستقر بها حتى يخرج منها.
الباب الثالث في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم بأن لا يشبع بطن معاوية
روى مسلم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادع لي معاوية» ، فقلت: إنه يأكل، فقال في الثالثة: «لا أشبع الله بطنه» فما شبع بطنه أبدا.
الباب الرابع في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم علي من كف شعره عن التراب في الصلاة
روى أبو نعيم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا ساجدا وهو يقول:
بشعره هكذا يكفه عن التراب فقال: «اللهم قبح شعره» قال: فسقط.(10/215)
الباب الخامس في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على رجل أن تضرب عنقه
روى البيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فقال لرجل: ضرب الله عنقك» ، فسمعه الرجل فقال: يا رسول الله في سبيل الله، فقتل الرجل في سبيل الله، ورواه الحاكم وصححه، وقال في بعض مغازيه وقال في آخره، فقتل يوم اليمامة.
الباب السادس في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم علي عتبة بن أبي لهب
روى البيهقي وأبو نعيم عن أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه، والبيهقي عن قتادة وأبو نعيم وابن عساكر عن عروة عن هبار بن الأسود، وأبو نعيم عن طاوس، وابن إسحاق وأبو نعيم عن محمد بن كعب القرظي، يزيد بعضهم على بعض أن عتبة بن أبي لهب قال: يا محمد هو يكفر بالذي دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، كذا في حديث هبار، وفي حديث طاوس وأبو الضحى، ويكفر برب النجم، إذا هوى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سلط عليه كلبا من كلابك» ،
وكان أبو لهب يحتمل البز إلى الشام، ويبعث بولده مع غلمانه ووكلائه، ويقول:
إنكم قد عرفتم سني وحقي، وإن محمدا قد دعا على ابني دعوة، والله ما آمنها عليه، فتعاهدوه، فكانوا إذا نزلوا المنزل ألزقوه إلى الحائط وغطوا عليه الثياب والمتاع حتى نزلوا في مكان من الشام يقال له الزرقاء ليلا، فطاف بهم الأسد، فجعل عتبة يقول: يا ويل أمي هو والله آكلي كما دعا محمد علي، قتلني محمد وهو بمكة وأنا بالشام، لا والله ما أظلت السماء، على ذي لهجة أصدق من محمد، ثم وضعوا العشاء فلم يدخل يده فيه ثم جاء النوم، فحاطوا أنفسهم بمتاعهم ووسطوه بينهم، وناموا فجاء الأسد يهمس يستنشق رؤوسهم رجلا رجلا، حتى انتهى إليه، وقال هبار: فجاء الأسد فشم وجوهنا فلما لم يجد ما يريد تقابض ثم وثب، فإذا هو فوق المتاع فشم وجهه ثم هزمه هزمة ففضخ رأسه فقال وهو بآخر رمق: ألم أقل لكم إن محمدا أصدق الناس؟ ومات فبلغ ذلك أبا لهب، فقال: ألم أقل لكم إني أخاف عليه دعوة محمد؟ قد والله عرفت ما كان لينفلت من دعوة محمد.
زاد القرظي أن حسان بن ثابت رضي الله عنه قال في ذلك:
سائل بن الأشقر إن جئتهم ... ما كان أبناء أبي واسع؟!
لا وسع الله قبره ... بل ضيق الله على القاطع(10/216)
رحم بني جده ثابت ... يدعو إلى نور له ساطع
أسبل بالحجر لتكذيبه ... دون قريش نهزة القادع
فاستوجب الدعوة منه بما ... بين للناظر والسامع
إن سلط الله بها كلبه ... يمشي الهوينا مشية الخادع
حتى أتاه وسط أصحابه ... وقد علتهم سنة الهاجع
فالتقم الرأس بيافوخه ... والنّحر منه فغرة الجائع
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
الضغم: العض ومنه قيل للأسد الضيغم، بزيادة ياء.
الفدغ: بالغين المعجمة أي شدخه، والفدغ، والقلع والشدغ، والشلغ، والشدخ، والشق.
الباب السابع في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على رجل خالفه في الصلاة
[روى ابن عساكر عن ضمرة ومهاجر ابني حبيب قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصلى بأصحابه على ظهر فاقتحم رجل من الناس، فصلى على الأرض، فقال: «خالف خالف الله به» فما مات الرجل حتى خرج من الإسلام] .
الباب الثامن في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم علي من احتكر طعاما
روى البيهقي عن أبي يحيى عن فروخ مولى عثمان أن عمر، قيل له: إن مولاك فلانا قد احتكر طعاما فقال: قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام أو بالإفلاس»
فقال مولاه: نشتري بأموالنا ونبيع فذكر أبو يحيى أنه رأى مولى عمر بعد حين مجذوما] .
الباب التاسع في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم علي شعر رجل عبث به في الصلاة
[روى أبو نعيم عن أنس رضي الله عنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ساجدا وهو يقول بشعره: هكذا يكفه عن التراب فقال: «اللهم قبح شعره» قال: فسقط] .(10/217)
الباب العاشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على أبي ثروان
[روى أبو نعيم من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن أبي ثروان أنه كان راعيا لإبل بني عمرو بن تميم فخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش فخرج فدخل في الإبل، فرآه أبو ثروان فقال: من أنت؟ قال: «رجل أردت أن أستأنس إلى إبلك» . قال: أراك الرجل الذي يزعمون أنه خرج نبيا. قال: «أجل» . قال: اخرج فلا تصلح إبل أنت فيها، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم أطل شقاءه وبقاءه»
قال هارون: فأدركته شيخا كبيرا يتمنى الموت، فقال له القوم: ما نراك إلا قد هلكت دعا عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كلا إني قد أتيته بعد حين ظهر الإسلام، فأسلمت فدعا علي واستغفر ولكن الأولى قد سبقت] .
الباب الحادي عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم بالحمى على بني عصية
روى سعيد بن منصور عن ابن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قنوته: «يا أم ملدم عليك ببني عصية، فإنهم عصوا الله ورسوله» ، فصرعتهم الحمى.
الباب الثاني عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم علي ليلى بنت الخطيم
روى ابن سعد وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنه وابن سعد عن عاصم بن عمرو بن قتادة مرسلا أن ليلى بنت الخطيم أقبلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مول ظهره للشمس فضربت على منكبه فقال: «من هذا أكله الأسود» فقالت:
أنا بنت مطعم الطير ومباري الريح، أنا ليلى بنت الخطيم، جئتك لأعرض عليك نفسي تزوجني. قال: «قد فعلت» ، فرجعت إلى قومها فقالت: قد تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: بئس ما صنعت أنت امرأة غيرى والنبي صلى الله عليه وسلم صاحب نساء تغارين عليه فيدعو الله عليك، فاستقيليه نفسك، فرجعت، فقالت: يا رسول الله أقلني. قال: «قد أقلتك» فتزوجها مسعود بن أوس، فبينا هي في حائط من حيطان المدينة تغتسل إذ وثب عليها ذئب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فأكل بعضها، وأدركت فماتت.(10/218)
الباب الثالث عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على امرأة كانت تفشي السر بين أزواجه
[روى أبو الفرج الأصبهاني في «الأغاني» من طريق إبراهيم بن المهدي قال عبيدة بن أشعث عن أبيه أنه ولد سنة تسع من الهجرة، وأن أمه كانت تنقل كلام أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعضهن إلى بعض فتلقي بينهن الشر فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها فماتت] .
الباب الرابع عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على قريش بالسنة
روى البخاري عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في القنوت: «اللهم انج سلمة بن هشام، اللهم انج الوليد بن الوليد، اللهم انج عياش بن أبي ربيعة، اللهم انج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف» .
الباب الخامس عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على رجل ممن شهد هوازن أن يخيس سهمه
[روى أبو نعيم عن عطية السعدي أنه كان ممن كلم النبي صلى الله عليه وسلم في سبي هوازن فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فردوا عليه سبيهم إلا رجلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم أخس سهمه»
فكان يمر بالجارية البكر، وبالغلام فيدعه حتى مر بعجوز فقال: إني آخذ هذه فإنها أم حي، فسيفدونها مني، بما قدروا عليه، فكبر عطية، وقال أخذها والله ما فوها ببارد ولا ثديها بناهد، ولا وافرها بواحد عجوز يا رسول الله سيئة بتراء مالها أحد، فلما رأى أنه لا يعرض لها أحد تركها.
الباب السادس عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على بني حارثة بن عمرو
[روى أبو نعيم من طريق الواقدي عن شيوخه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى بني حارثة بن عمرو بن قرط يدعوهم إلى الإسلام، فأخذوا صحيفته فغسلوها، ورقعوا بها دلوهم، فقال(10/219)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما لهم ذهب الله بعقولهم»
قال: فهم أهل رعدة وعجلة، وكلام مختلط، وأهل سفه.
قال الواقدي: قد رأيت بعضهم عيا لا يحسن تبيين الكلام] .
الباب السابع عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم علي سراقة بن مالك بن جعشم قبل إسلامه حين اتبع النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله تعالى عنه
روى أبو نعيم في المستخرج عن مسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه في حديث هجرة النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليه قال: «اللهم اكفناه بما شئت» ، فساخت به فرسه في الأرض إلى بطنها.
الباب الثامن عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على أبي القين
روى الطبراني برجال الصحيح عن سعيد بن جهمان عن أبي القين رضي الله عنه أنه مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه شيء من تمر، فأهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذ منه قبضة لينثرها بين يدي أصحابه فضم طرف ردائه إلى بطنه وإلى صدره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «زادك الله شحا» زاد أبو عبد الله بن مندة، فكان من أشح الناس، زاد البغوي وابن السكن رضي الله عنه فكان لا يسفك منه شيء.
الباب التاسع عشر في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على لهب بن أبي لهب
روى الحارث برجال ثقات عن أبي نوفل عن أبيه قال: كان لهب بن أبي لهب يسب النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم سلط عليه كلبك» ، فخرج يريد الشام في قافلة من أصحابه، فنزلوا منزلا، فقال: والله إني لأخاف دعوة محمد قالوا له: كلا، قال: فحفظوا المتاع حوله، وقعدوا يحرسونه، فجاء السبع فانتزعه، فذهب به.(10/220)
الباب العشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على الحكم بن أبي العاص والد مروان
روى الطبراني والبيهقي عن عبد الرحمن بن أبي بكر، والبيهقي عن مالك بن دينار عن هند بن خديجة رضي الله عنهم قال: كان الحكم بن أبي العاص يجلس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا تكلم النبي صلى الله عليه وسلم اختلج فبصر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أنت كذلك» فما زال يختلج حتى مات، وفي لفظ مر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي الحكم، فجعل يغمز بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: فرآه، فقال: «اللهم اجعل به وزعا» ، فرجف مكانه والوزع الارتعاش. رواه عبد الله بن أحمد في روائد الزهد والبغوي مثله، وقالا بالحكم بن مروان، زاد عبد الله فما قام حتى ارتعش.
الباب الحادي والعشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على معاوية بن حيدة قبل إسلامه
روى البيهقي عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دفعت إليه قال: «أما إني سألت الله أن يعينني عليكم بالسنة تحفيكم، وبالرعب أن يجعله في قلوبكم» ،
فقال: بيديه جميعا، أما إني قد خلقت هكذا وهكذا ألا أومن بك، ولا أتبعك، فما زالت السنة تحفيني، وما زال الرعب يجعل في قلبي حتى قمت بين يديك.
الباب الثاني والعشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على من مر بين يديه أن يقطع أثره
روى الإمام أحمد وأبو داود عن يزيد بن نمران، بكسر النون، وسكون الميم- قال: رأيت رجلا بتبوك مقعدا، فقال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على حمار، وهو يصلي فقال:
«اللهم اقطع أثره» ، فما مشيت عليها بعد.
وروى أيضا عن سعيد بن غزوان- بفتح المعجمة، وسكون الزاي عن أبيه رضي الله عنه أنه نزل بتبوك وهو حاج فإذا هو برجل مقعد، فقال: سألته عن أمره فقال: سأحدثك حديثا، فلا تحدث به ما سمعت، إني حي، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بتبوك إلى نخلة فقال: «هذه قبلتنا» ثم صلى إليها، فأقبلت، وأنا غلام أسعى حتى مررت بينه وبينها، فقال: «قطع صلاتنا قطع الله أثره» ، فما مشيت عليها إلى يومي هذا.(10/221)
الباب الثالث والعشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على كسرى حين مزق كتابه
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى، فلما قرأه كسرى مزقه فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق.
وروى البيهقي من طريق ابن شهاب قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد القارئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى، فمزقه كسرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم مزق ملكه» .
وروى البيهقي عن طريق ابن عون عن عمير بن إسحاق رضي الله عنه قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر، فأما قيصر فوضعه وأما كسرى فمزقه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أما هؤلاء فيمزقون، وأما هؤلاء فستكون لهم بقية» .
الباب الرابع والعشرون في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم علي محلم بن جثامة
روى البيهقي عن قبيصة والحسن قالا: بلغنا وابن جرير موصولا عن ابن عمر والبيهقي عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على محلم بن جثامة، فمات لسبع أيام وفي الروض الأنف: مات بحمص أيام ابن الزبير، فلفظته الأرض، وروى فلفظته الأرض مرات، فألقوه بين صدين ودفعوا عليه الحجارة.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
محلم: بميم مضمومة، فلام مشددة مكسورة: أخو الصعب بن جثامة بجيم مفتوحة فمثلثة مشددة ابن ربيعة.
لفظته: بلام ففاء فظاء معجمة.
صدصد: بصاد وصاد مهملتين الأولى مضمومة، وقد تفتح، والثانية مشددة واحدها صد، وهو جانب الوادي، وقيل: إنه الجبل.(10/222)
جماع أبواب ما علمه صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله تعالى عنهم من الدعوات والرقى فظهرت آثاره
الباب الأول فيما علمه صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله تعالى عنها لما وعكت
روي عن أنس رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي عائشة رضي الله عنها وهي موعكة تسب الحمى، فقال: «لا تسبيها، فإنها مأمورة، ولكن إن شئت أعلمك كلمات إذا قلتيهن أذهبها الله عنك» قالت: فعلمني، قال: «فقولي: اللهم ارحم جلدي الدقيق، وعظمي الرقيق من شدة الحريق، يا أم ملدم إن كنت آمنت بالله العظيم، فلا تصدعي الرأس، ولا تنتني الفم، ولا تأكلي اللحم، ولا تشربي الدم، وتحولي عني إلى من يجعل مع الله إلها آخر» ، قال:
فقالتها، فذهبت عنها.
الباب الثاني فيما علمه صلى الله عليه وسلم لعائشة في قضاء الدين وغير ذلك
روى الإمام أحمد وابن ماجة والحاكم، وقال: صحيح الإسناد عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمها هذا الدعاء: اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمت منه، وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم اللهم إني أسألك من الخير ما سألك به عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وأعوذ بك من شر ما عاذ به عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار، وما قرب إليها من قول أو عمل وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرا.
وروى البيهقي عن عائشة رضي الله عنها أن أباها دخل عليها فقالت: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء لو كان على أحدكم جبل دين ذهبا قضاه الله عنه، إذا قرأه وهو «اللهم فارج اللهم كاشف الغم، مجيب دعوة المضطرين، رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، أنت ترحمني، برحمة، تغنيني بها عن رحمة من سواك» ،
قال أبو بكر: وكان علي ذنابة من دين، وكنت للدين كارها، فلم ألبث إلا يسيرا حتى جاءني الله بفائدة، فقضى الله ما كان علي من الدين قالت عائشة رضي الله عنها: وكانت لأسماء علي دين، فكنت أستحي منها، كلما(10/223)
نظرت إليها، فكنت أدعو بذلك، فما لبثت إلا يسيرا حتى جاءني الله بفائدة رزق من غير صدقة، ولا ميراث، فقضيتها.
وروى داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، إذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: «يا أبا أمامة، ما لي أراك في المسجد في غير وقت صلاة؟» فقال: يا رسول الله، هموم وديون لازمتني، قال: «أفلا أعلمك حديثا إذا أنت قلته أذهب الله همك، وقضى عنك دينك» قال: بلى يا رسول الله، قال: «قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من ضلع الدين وغلبة الرجال» ، فقلته، فأذهب الله غمي وهمي، وقضى عني ديني.
وروى الإمام أحمد والترمذي وقال: حسن غريب والحاكم عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أعلمك كلمات لو كان عليك مثل جبل ثبير دينا أداه الله عنك، قل:
اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، واغنني بفضلك عمن سواك» .
وروى أبو داود والطيالسي وسعد بن منصور والضياء عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل: «ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل أحد دينا لأداه الله عنك؟ قل يا معاذ: اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير، رحمان الدنيا والآخرة، تعطهما من تشاء، وتمنعهما من تشاء، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك» .
الباب الثالث فيما علمه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه لما كاده بعض الجن
روى عبد الرزاق والبيهقي في الشعب عن أبي رافع والطبراني في الكبير، وابن سعد والبيهقي عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أجد فزعا بالليل، فقال: «ألا أعلمك كلمات علمنيهن جبريل عليه السلام، وزعم أن عفريتا من الليل يكيدني، أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج فيها، ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر طوارق الليل والنهار، إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن»
قال: ففعلت فأذهب الله عني.(10/224)
وروى أبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الفزع، أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون، قال: كان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يعلمها من بلغ من ولده ومن لم يبلغ منهم كتبها في صك ثم علقها في عنقه، ورواه الترمذي
وقال حسن ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا فزع أحدكم في النوم فليقل وذكره، وقال فيه:
ومن لم يعقل كتبها في صك، ثم علقها في عنقه»
ورواه الحاكم وقال صحيح الإسناد،
وقال مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد بلغني أن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أروع في منامي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله وروى الطبراني نحوه من حديث أبي أمامة. وقال في آخره: قالت عائشة رضي الله عنها: فلم ألبث إلا ليلاي حتى جاء خالد بن الوليد رضي الله عنه فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، والذي بعثك بالحق ما أتممت الكلمات التي علمتني ثلاث مرات، حتى أذهب الله عني ما كنت أجد ما أبالي، لو دخلت على أسد في حبسته بليل. ورواه ابن السني بلفظ: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا له أهاويل يراها في المنام، فقال: «إذا أويت إلى فراشك فقل أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأعوذ بك أن يحضرون» .
وروى ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كلمات نقولهن عند النوم من الفزع «بسم الله، أعوذ بكلمات الله من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون» وكان عبد الله بن عمرو يعلمها من بلغ من ولده، ومن كان صغيرا لا يعقل كتبها له وعلقها في عنقه، رواه الإمام أحمد وأبو داود ولم يذكر النوم،
ورواه ابن السني عن الوليد بن المغيرة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، إني أجد وحشة، فقال: «إذا أخذت مضجعك فقل ... » فذكره.
وروى ابن السني عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يشكو الوحشة، فقال: «أكثر من أن تقول: سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح جللت السموات والأرض بالعزة والجبروت» فقالها الرجل فذهبت عنه الوحشة.(10/225)
الباب الرابع فيما علمه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من لدغة العقرب
روى البيهقي من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن رجل من أسلم قال: لدغت رجلا عقرب فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لو قال حين أمسى: «أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق، لم تضره» .
قال: فقالتها امرأة من أهلي فلدغتها حية، فلم تضرها.
وروى ابن سعد عن أبي بكر بن محمد قال: نهش عبد الله بن سهل بحريرات الأفاعي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذهبوا به إلى عمارة بن حزم فليرقه» ، قالوا: يا رسول الله، إنه يموت، قال: «وإن تذهبوا به إلى عمارة بن حزم» فرقاه فشفاه الله تعالى.
وروى ابن سعد عن سهل بن أبي حثمة قال: لدغ رجل منا بحرة الأفاعي، فدعا له عمرو بن حزم برقية فأبى حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه، فقال له: «اعرضها علي» . فعرضها عليه فأذن له فيها.
حرة الأفاعي: موضع قريب من الأبواء.
وروى الشيخان عن أبي سعيد الخدري أنه كان مع ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فمروا بحي من أحياء العرب، فيهم لديغ فرقاه رجل منهم بفاتحة الكتاب فبرأ.
وروى البيهقي عن خارجة بن الصلت التميمي عن عمه أنه مر بقوم وعندهم مجنون موثق في الحديد، فقال له بعضهم: أعندك شيء تداوي به هذا فإن صاحبك قد جاء بخير، فقرأ عليه بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام كل يوم مرتين، فبرأ فأعطاه مائة شاة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: «كل فمن أكل برقية باطل، فقد أكلت برقية حق» .
وروى ابن أبي الدنيا أن خالد بن الوليد رضي الله عنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أجد فزعا بالليل، فقال: «ألا أعلمك كلمات علمني جبريل عليه أفضل الصلاة والسلام إن جبريل ذكر لي أن عفريتا من الجن يكيدني، فقال: قل: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن طوارق الليل والنهار، إلا طارق يطرق بخير يا رحمان» .(10/226)
الباب الخامس فيما علمه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد لما حصل له الأرق
روى الطبراني في الكبير عن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال: كنت أفزع بالليل فآخذ سيفي، فلا ألقى شيئا إلا ضربته بسيفي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن نمت قل: اللهم رب السموات السبع وما أظلت، ورب الأرضين وما أقلت، ورب الشياطين وما أضلت، كن لي جارا من شر خلقك أجمعين أن يفرط علي أحد منهم أو يطغى، عز جارك، وتبارك اسمك» .
وروى الترمذي، وقال: إسناد ليس بالقوي عن بريدة بلفظ: اشتكى خالد بن الوليد المخزومي رضي الله عنه قال: يا رسول الله، ما أنام الليل من الأرق، فقال: «إذا أويت إلى فراشك، فقل: اللهم رب السموات» ،
فذكره،
وروى أبو يعلى وابن عساكر وابن السني عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أرقا أصابني قال: «قل: اللهم غارت النجوم، وهدأت العيون، وأنت حي قيوم، لا تأخذك سنة ولا نوم، يا حي يا قيوم أهدئ ليلي، وأنم عيني» ،
فقلتها فذهب عني ما كنت أجد من الأرق.
الباب السادس فيما علمه صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه أدبرت عنه الدنيا
روى الخطيب في «رواة مالك» عن ابن عمر رضي الله عنهما ان رجلا قال: يا رسول الله، أن الدنيا أدبرت عني وتولت، قال له: «فأين أنت من صلاة الملائكة، وتسبيح الخلائق، وبه يرزقون، قل عند طلوع الفجر: سبحان الله العظيم وبحمده، سبحان الله العظيم، استغفر الله، مائة مرة، تأتيك الدنيا صاغرة» ، فمكث الرجل ثم عاد، فقال: يا رسول الله، لقد أقبلت علي الدنيا، فما أدري أين أضعها.
الباب السابع فيما علمه صلى الله عليه وسلم لأمته للأمان من السرقة وغيرها
روى الطبراني في الكبير وسمويه عن أنس قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، فقال:
«اللهم، أقبل بقلوبهم على طاعتك، وحط من وراءهم برحمتك» .
وروى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في قوله تعالى:(10/227)
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ الآية، «هو أمان من السرقة» ،
وإن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تلاها حين أخذ مضجعه، فدخل عليه سارق فجمع ما في البيت وحمله والرجل ليس بنائم حتى انتهى به إلى الباب، فوجده مسدودا، فوضع الكارة، فإذا هو مفتوح ففعل ذلك ثلاث مرات، فضحك صاحب الدار، ثم قال: إني أحصنت بيتي.
وروى ابن سعد عن أبان بن أبي عياش أن أنس بن مالك رضي الله عنه كلم الحجاج، فقال له الحجاج: لولا خدمتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكتاب أمير المؤمنين فيك، كان لي ولك شأن، فقال أنس: أيهات أيهات لما غلظت أرنبتي، وأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صوتي، علمني كلمات لم يضرني معهن عتو جبار، ولا عنوته مع تيسير الحوائج، ولقاء المؤمنين بالمحبة فقال الحجاج: لو علمتنيهن، فقال: لست لذلك بأهل فدس إليه الحجاج ابنيه ومعهما مائتا ألف درهم، وقال لهما: الطفا بالشيخ عسى أن تظفرا بالكلمات، فلم يظفرا بها، فلما كان قبل أن يهلك بثلاث، قال لي: دونك هذه الكلمات، ولا تضعها إلا في موضعها، فذكر أبان ما أعطاه الله تعالى مما أعطى أنسا مع ذهاب ما أذهبه الله عني مما كانت أجد- الله أكبر الله أكبر، بسم الله على نفسي وديني، بسم الله على أهلي ومالي، بسم الله على كل شيء أعطاني بسم الله خير الأسماء، بسم الله رب الأرض والسماء، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه داء، بسم الله افتتحت وعلى الله توكلت الله الله ربي، لا أشرك به أحدا، أسألك اللهم بخيرك من خيرك الذي لا يعطيه غيرك، عز جارك، جل ثناؤك، ولا إله إلا أنت اجعلني في عياذك وجوارك من كل سوء، ومن الشيطان الرجيم، اللهم إني أستجيرك من كل شيء خلقت، وأحترس بك منهن، وأقدم بين يدي، بسم الله الرحمن الرحيم، قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي ومن تحتي يقرأ في هذه الست قل هو الله أحد إلى آخر السورة.
وروى مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، علمني كلاما أقوله، قال: «قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله رب العالمين، لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم» ، قال: فهؤلاء لربي، فما لي؟ قال: «قل: اللهم اغفر لي وارحمني، وارزقني، وعافني، شك الراوي في وعافني» ،
وروى الترمذي عن عمران بن حصين رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أبا حصين كلمتين يدعو بهما: اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي،
وروى الترمذي وقال: غريب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم، اجعل سريرتي خيرا من علانيتي، واجعل علانيتي صالحة، اللهم، إني أسالك من صالح ما تؤتي الناس من المال والأهل والولد غير الضال ولا المضل» ،(10/228)
وروى الترمذي وقال: حديث صحيح عن العباس رضي الله عنه قلت: يا رسول الله، علمني شيئا أسأل الله تعالى، قال: «سل الله العافية» ، فمكثت أياما، ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئا أسأل الله تعالى، قال: «يا عباس، يا عم رسول الله، سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة» ،
وروى ابن أبي شيبة والحاكم، وصححه عن بريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا أعلمك كلمات، من يرد الله به خيرا يعلمهن إياه» ، ثم علمه إياهن اللهم إني ضعيف فقوّ في رضاك ضعفي، وخذ إلى الخير بناصيتي، واجعل الإسلام منتهى رضاي، اللهم، إني ضعيف فقوني، وإني ذليل فأعزني، وإني فقير فارزقني.
الباب الثامن فيما علمه صلى الله عليه وسلم لفاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها
روى النسائي والطبراني برجال الصحيح عن عثمان بن موهب وهو ثقة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: «ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي إذا أمسيت يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين» .
الباب التاسع فيما علمه صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه
روى الإمام أحمد والبخاري في الأدب وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه والإمام أحمد والبخاري في الأدب والترمذي وحسنه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله، علمني كلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت، قال: «قل اللهم، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءا، أو أجره إلى مسلم إذا أصبحت، وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعك» .
وروى الشيخان عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل: الّلهم، إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم» .
يروى كثيرا بالموحدة والمثلثة.(10/229)
الباب العاشر فيما علمه صلى الله عليه وسلم لأبي مالك الأشعري رضي الله تعالى عنه
روي عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول إذا أصبحنا وإذا أمسينا، وإذا دخلنا فرشا: اللهم، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء ومليكه، والملائكة يشهدون أنك لا إله إلا أنت، اللهم إنا نعوذ بك من شر أنفسنا ومن شر الشيطان، ومن شركه، وأن نقترف سوءا على أنفسنا أو نجره إلى مسلم.
الباب الحادي عشر ما علمه صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب رضي الله تعالى عنه
وروى عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا إذا أصبحنا أن نقول: «أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين» ، وإذا أمسينا نقول مثل ذلك.
الباب الثاني عشر فيما علمه صلى الله عليه وسلم لبعض بناته رضي الله تعالى عنهن
روى أبو داود والنسائي عن بعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمها فيقول: «قولي حين تصبحين وحين تمسين: سبحان الله وبحمده، لا قوة إلا بالله، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما، فإنه من قالها حين يصبح حفظ حتى يمسي، ومن قالها حين يمسي حفظ حتى يصبح» .(10/230)
جماع أبواب آيات في منامات رويت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الباب الأول فيما رآه عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه
روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يرون الرؤيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقصونها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما شاء الله» ، وأنا غلام حديث السن، وبيتي المسجد قبل أن أنكح، فقلت في نفسي: لو كان فيك خيرا لرأيت مثل ما يرى هؤلاء، فلما اضطجعت ليلة قلت: اللهم، إن كنت تعلم في خيرا فأرني رؤيا، فبينما أنا كذلك إذ جاءني ملكان في يد كل واحد منهما مقمعة من حديد يقبلان بي إلى جهنم وأنا بينهما أدعو الله، اللهم إني أعوذ بك من جهنم، ثم أراني لقيني ملك في يده مقمعة من حديد، فقال لي: لن تراع، نعم الرجل أنت لو تكثر الصلاة، فانطلقوا بي حتى وقفوا بي على شفير جهنم، فإذا هي مطوية كطي البئر، له قرون كقرون البئر، بين كل قرنين ملك بيده مقمعة من حديد، وأرى فيها رجالا معلقين بالسلاسل رؤوسهم أسفلهم، عرفت فيها رجالا من قريش فانصرفوا بي عن ذات اليمين، فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عبد الله رجل صالح» ،
وروى البخاري عنه قال: رأيت في المنام كأن بيدي سرقة من حديد لا أهوي بها إلى مكان في الجنة إلا طارت إليه فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أخاك رجل صالح» .
الباب الثاني فيما رآه عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه
روى البخاري عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: رأيت كأني في روضة، وسط الروضة عمود، في أعلى العمود عروة، فقيل لي: ارقه، قلت: لا أستطيع، فأتاني وصيف فرفع ثيابي فرقيت فاستمسكت بالعروة، فانتبهت، وأنا مستمسك بها فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «تلك الروضة روضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة العروة الوثقى لا تزال متمسكاً بالإسلام حتى تموت» .
وروى ابن سعد عنه قال: رأيت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا، رأيت كأن رجلا(10/231)
أتاني، فقال: انطلق، فسلك بي في منهج عظيم، فبينما أنا أمشي إذ عرض لي طريق عن شمالي فأردت أن أسلكها، فقال: إنك لست من أهلها ثم عرضت لي طريق عن يميني، فسلكتها حتى انتهيت إلى جبل زلق، فأخذ بيدي فزجل بي حتى أخذت بالعروة فقال لي:
استمسك بالعروة فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «رأيت خيرا، أما المنهج العظيم فالحشر، وأما الطريق التي عرضت عن شمالك فطريق أهل النار، وأما الطريق التي عرضت عن يمينك فطريق أهل الجنة، وأما الجبل الزلق فمنزل الشهداء، وأما العروة الوثقى التي استمسكت بها فالإسلام فاستمسك بها حتى تموت» .
الباب الثالث فيما رآه ابن زميل الجهني رضي الله تعالى عنه
روى الطبراني والبيهقي عن ابن زميل الجهني رضي الله عنه قال: رأيت رؤيا فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: رأيت جميع الناس على طريق رحب سهل لاحب، والناس على الجادة منطلقون، فبينما هم كذلك، إذ أشفى ذلك الطريق على مرج لم تر عيناي مثله، يرف رفيفا، ويقطر نداه فيه من أنواع الكلاء، فكأني بالرعلة الأولى، حين أشفوا على المرج كبروا ثم أكبوا رواحلهم في الطريق فلم يظلموه يمينا ولا شمالا، فكأني أنظر إليهم منطلقين ثم جاءت الرعلة الثانية وهم أكثر منهم أضعافا، فلما أشفوا على المرج كبروا ثم أكبوا رواحلهم في الطريق، فمنهم المرتع، ومنهم الآخذ الضغث، ومضوا على ذلك، ثم قدم عظم الناس، فلما قدموا على المرج كبروا، وقالوا: هذا خير المنزل، فكأني أنظر إليهم يميلون يمينا وشمالا، فلما رأيت ذلك لزمت الطريق حتى آتي أقصى المرج، فإذا أنا بك يا رسول الله على منبر فيه سبع درجات، وأنت في أعلاها درجة فإذا عن يمينك رجل آدم شثن أقنى، إذا هو تكلم يسمو فيفرع الرجال طولا، وإذا عن يسارك رجل سمار ربعة أحمر كثير خيلان الوجه، كأنما حمم شعره بالماء، إذا هو تكلم أصغيتم له إكراما له، وإذا أمامكم شيخ أشبه الناس بك خلقا ووجها كلهم يؤمونه يريدونه، وإذا أمام ذلك ناقة عجفاء شارف، وإذا أنت يا رسول الله كأنك تبعثها، فانتقع لون رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ثم سري عنه، فقال: «أما ما رأيت من الطريق السهل الرحب، فذلك ما حملتكم عليه من الهدى، فأنتم عليه، وأما المرج الذي رأيت فالدنيا وغضارة عيشها، مضيت وأنا وأصحابي لم نتعلق بها، ثم جاءت الرعلة الثانية بعد وهم أكثر منا، فمنهم المرتع، ومنهم الآخذ الضغث ونجوا على ذلك، ثم جاء عظم الناس فمالوا في المرج يمينا وشمالا، وأما أنت فمضيت على طريق صالحة، فلن تزال عليها حتى تلقاني، وأما المنبر الذي رأيت سبع(10/232)
درجات وأنا في أعلاها درجة فالدنيا سبعة آلاف سنة وأنا من آخرها ألفا وأما الرجل الذي رأيت عن يميني فذلك موسى إذا تكلم يعلو الرجال بفضل كلام الله إياه، والذي رأيت عن يساري، فذلك عيسى نكرمه لإكرام الله إياه، وأما الشيخ فذاك أبونا إبراهيم كلنا نؤمه ونقتدي به، وأما الناقة فهي الساعة علينا تقوم، فلا نبي بعدي، ولا أمة بعد أمتي» .
الباب الرابع فيما رآه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه
روي عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنه قال: إن رجلين من «بلي» قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إسلامهما معا، وكان أحدهما أشد اجتهادا من الآخر فغزا المجتهد فاستشهد، ومكث الآخر بعده سنة، ثم توفي، قال طلحة: فبينا أنا عند باب الجنة يعني في النوم إذ أنا بهما، فخرج خارج من الجنة فأذن للذي مات الآخر منهما، ثم رجع فأذن للذي استشهد، ثم رجع إلى فقال: ارجع فإنه لم يؤذن لك فأصبح طلحة يحدث الناس فعجبوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أليس قد مكث بعده سنة، فصلى كذا وكذا من سجدة، وأدرك رمضان فصامه» .
الباب الخامس فيما رآه أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه
روى البيهقي عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: رأيت في المنام كأني أقرأ سورة «ص» فلما انتهيت على السجدة سجد كل شيء، رأيت الدواة واللوح والقلم، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فأمر بالسجود فيها.
الباب السادس فيما رآه زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه
روى عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: أمرنا أن نسبح في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ونحمد ثلاثا وثلاثين، ونكبر ثلاثا وثلاثين، فأتى رجل من الأنصار في نومه، وقيل له:
أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسبحوا في دبر كل صلاة كذا وكذا، قال: نعم، قال: فاجعلوها خمسا وعشرين، واجعلوا فيها التهليل، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فافعلوا» .(10/233)
الباب السابع فيما رآه الطفيل بن عمرو رضي الله تعالى عنه
روى الحاكم عن جابر رضي الله عنه قال: هاجر الطفيل بن عمرو رضي الله عنه وهاجر معه رجل من قومه، فمرض الرجل، فأخذ مشقصا، فقطع رواجبه، فمات فرآه الطفيل في المنام، فقال له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر الله لي بهجرتي قال: ما شأن يديك؟ قال: قيل لي:
إنا لا نصلح منك ما أفسدت من نفسك، فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم وليديه فاغفر» .
الباب الثامن فيما رآه سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه
روت عنه ابنته عائشة أنه قال: رأيت في المنام قبل أن أسلم كأني في ظلمة لا أبصر شيئا، إذ أضاء لي قمر فاتبعته فكأني أنظر إلى من سبقني إلى ذلك القمر، فأنظر إلى زيد بن حارثة، وإلى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وإلى أبي بكر، وكأني أسألهم: متى انتهيتم إلى هاهنا؟ قالوا: الساعة، وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مستخفيا، فلقيته في شعب أجياد، وقد صلى العصر فأسلمت فما تقدمني أحد إلا هم.
الباب التاسع فيما رآه رجال من أصحابه رضي الله تعالى عنهم في شأن ليلة القدر
روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأى رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام أن ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أرى رؤياكم قد تواطأت على أنها في السبع الأواخر فمن كان متحريها، فليتحرها في السبع الأواخر» .(10/234)
جماع أبواب بعض آيات وقعت لأصحابه وأتباعهم رضي الله تعالى عنهم فهي من معجزاته صلى الله عليه وسلم
الباب الأول في وجوب اعتقاد إثبات كرامات الأولياء رحمهم الله تعالى
روى البخاري وابن حبان عن أبي هريرة، والإمام أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الزهد، والطبراني من طريق آخر عن عائشة، والطبراني والبيهقي عن أبي أمامة، والإسماعيلي في مسند علي، والطبراني عن ابن عباس وأبو يعلى والبزار والطبراني عن أنس وأبو يعلى عن ميمونة بنت الحارث، والطبراني بسند حسن عن حذيفة وابن ماجة وأبو نعيم في الحلية عن معاذ بن جبل، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى قال: من آذى لي وليا، وفي آخر: من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبد بشيء أحب مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، إن سألني لأعطينه وإن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ما ترددت في قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته» .
تنبيه:
قال العلماء: ومعنى قوله: «كنت سمعه» إلى آخره أي صار سمعه الله، وبصره كذلك، وقوله: «عادى» أي آذى، وأغضب بالقول والفعل، حال من قوله: «وليا» قدم عليه لتنكيره وجعل ظرفا لغوا وقوله: وليا فقيل: إما بمعنى «فاعل» كعليم وقدير، فيكون معناه «الموالي لطاعة ربه» ، وأما بمعنى «مفعول» كقتيل وجريح، لأن الله تعالى تولاه قال الله تعالى:
«وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ» ، وقوله: «آذنته» بالمد وفتح المعجمة بعدها نون، أي أعلمته، وقد استشكل وقوع المحاربة وهي مفاعل من الجانبين، مع أن المخلوق من أمر الخالق، والجواب من أنه من المخاطبة بما يفهم، فإن الحرب الهلاك، والله تعالى لا يغلبه غالب، فكأن المعنى تقرير لإهلاكي إياه، فأطلق تاج الدين بن الفاكهاني في هذا تهديد، لأن من حارب الله تعالى وعانده، ومن عانده أهلكه، وفي بعض الأحاديث القدسية إني لأغضب لأوليائي، كما يغضب الليث الحرد.
وروى الإمام أحمد في كتاب الزهد عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى قال: إن الله(10/235)
تعالى قال لموسى بن عمران حين كلمه: واعلم أن من أهان لي وليا أو أخافه فقد بارزني بالمحاربة وبادأني وعرض بنفسه ودعاني إليها، فأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي، أيظن الذي يحاربني أن يقوم لي أو يظن الذي يغازيني أن يعجزني، أو يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني وكيف وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة لا أكل نصرتهم إلى غيري» فتأمل رحمك الله هذا التهديد الشديد لمن آذى أحدا من أولياء الله تعالى، والخائض في هذا الوادي، المتضمن بسالكه إلى المهالك، إنما يضر نفسه، ولا يلتحق بالولي شيء من ذلك، وما مثله إلا كما قيل:
كناطح صخرة يوما ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
وقال غيره:
ما يضر البحر زاخرا ... إن رمى فيه صغير بحجر
ورحم الله الإمام العالم العلامة الشيخ شهاب الدين المنصوري حيث قال:
أجدر الناس بالعلا العلماء ... فهم الصالحون والأولياء
سادة ذو الجلال أثنى عليهم ... وعلى مثلهم يطيب الثناء
وبهم تمطر السماء وعنا ... يكشف السوء ويزول البلاء
خشيه الله فيهم ذات حضرا ... ففي غيرهم يكون العلاء
فالبرايا جسم وهم فيه روح ... والبرايا موتى وهم أحياء
فتعفف عن لحمهم فهو سم ... حل منه الضنا وعز الشفاء
قد سموا قطبة وزادوا ذكاء ... فعمى عليهم الأنباء
قلت للجاهل المشاقق فيهم ... هل جزاء الشقاق إلا الشقاء
قد رأينا لكل دهر عيونا ... ولعمري هم للعيون ضياء
لا يسألون ما يقول جهول ... أنهيق كلامه أم عواء
وإذا الكلب في ظلام الليالي ... شبح الأرض لا تبالي السماء
فلبسوا بالشقاء كل جهول ... ولتفز بالسعادة العلماء
قال الإمام الحافظ أبو القاسم علي بن عساكر رحمه الله تعالى في كتابه «تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري» لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقضيهم معلومة.(10/236)
قال في موضع آخر: لحوم العلماء سم من شمها مرض، ومن ذاقها مات، انتهى.
فإن قيل: فهل يكون الولي معصوما؟ قيل: إما وجوبا كما في الأنبياء فلا، وإما أن يكون محظوظا فممكن، فإن قيل: فهل يجوز أن يعلم الولي ولايته؟ قيل: منعه الإمام ابن فورك، لأن ذلك يسلبه الخوف، ويوجب له الأمن وأجازه أبو القاسم القشيري، وقال: هو الذي نؤثره ونقول به، وليس ذلك واجبا في جميع الأولياء، حتى يكون كل ولي يعلم أنه ولي، ولكن يجوز أن يعلم ذلك، ولهذا قال بعضهم: يجوز أن يبلغ الولي إلى حد يمنع يسقط عنه الخوف، ولكن الغالب خلافه، وهذا السري السقطي، يقول: لو أن أحدا دخل بستانا فيه أشجار على كل شجرة طير يقول بلسان فصيح: السلام عليك يا ولي الله فلو لم يخف أنه مكر، لكان ممكورا به فإن قلت: هل يجوز أن يكون وليا في الحال ثم يتغير حاله؟ قيل: فيه خلاف مبني على خلاف، وذلك أنه اختلف هل يشترط في الولاية حسن الموافاة أم لا؟ فمن شرط ذلك لم يخبره، ومن لم يشترط أجازه ولكن الغالب على الولي في أوان صحوة صدقه في أداء حقوقه تعالى، والشفقة على الخلق في جميع أحوالهم، ودوام تحمله عنهم وابتدائه بطلب الإحسان من الله تعالى إليهم، من غير التماس منهم وترك الطمع بكل وجه فيهم، وقبض اللسان عن بسطه بالسوء فيهم، ودوام حزنه وغير ذلك، كما هو معروف عند أهله نفعنا الله بهم، ولا حرمنا بركته.
الباب الثاني في فوائد تتعلق بكرامات الأولياء نفعنا الله تعالى بهم
اعلم أن الكرامة الواقعة لولي هي في الحقيقة من معجزات النبي الذي هذا الولي متبع له لأنها إنما ظهرت بسبب إتباعه وبركته، وقد اختلف فيها، فذهب أهل السنة إلى جوازها، وأنكرها المعتزلة وأبو إسحاق بناء على أن إمام الحرمين في «الإرشاد» يميل إلى قريب منهم، وممن نقل جوازها إمام المتكلمين القاضي أبو بكر الباقلاني وإمام الحرمين والغزالي والقشيري في رسالته، والرازي، ونصر الدين الطوسي في قواعد العقائد، والنسقي، والبيضاوي في طوالعه ومصابيحه، والشيخ أبو الوليد بن رشد، ونص كلامه في أجوبته أن إنكارها، والتكذيب بها بدعة وضلالة يثبتها في الناس أهل الزيغ والتعطيل الذين لا يقرون بالوحي والتنزيل، ويجحدون آيات الأنبياء والمرسلين، انتهى.
والدليل على جوازها وقوعها، إذ لو لم تكن جائزة لم تقع، وقد ثبت وقوعها بالكتاب،(10/237)
والأحاديث، والآثار المسندة الخارجة عن الحصر والتعداد، وآحادها وإن لم تتوافر فالمجموع يفيده القطع بلا إشكال.
أما الكتاب فقصة أهل الكهف، وقصة الخضر مع موسى عليهما الصلاة والسلام، وقصة ذي القرنين، وما أخبر الله في مريم بقوله: كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً، قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا؟ قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران 37] قال ابن عباس وغيره: وكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، وقوله تعالى:
وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا [مريم 25] وقصة آصف بن برخيا عليه السلام مع سليمان عليه السلام في إحضاره عرش بلقيس قبل ارتداد الطرف، كما قال عز وجل: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ [النمل 40] وأما السنة
فقد روى الشيخان من حديث جريج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان في الأمم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد منهم فعمر ابن الخطاب رضي الله عنه» .
واحتجت المعتزلة بأن الخوارق لو ظهرت على يد غير الأنبياء لالتبس النبي بالمتنبئ، لأن تمييز الأنبياء عن غيرهم إنما هو بسبب ظهور خوارق العادات منهم، إذ الأمة تشاركهم في الإنسانية ولوازمها، ولولا ظهور المعجزة منهم لما تميزوا عن غيرهم فلو جاز أن يظهر الخارق للعادة على غيرهم لالتبس النبي بالمتنبئ، والجواب: لا نسلم حصول اللبس، بل يتميز النبي بالتّحدّي، ودعوى النبوة هنا هو الفرق بين المعجزة والكرامة، واختلف في تجويز الكرامات على حكم الاختيار، شرط الكرامة صدورها بلا اختيار من الولي، وأن الكرامة تفارق المعجزة من هذا الوجه، قال إمام الحرمين في الإرشاد: وهذا غير صحيح قال: وصار صائرون إلى جواز وقوعها اختيارا، ومنع وقوعها على قضية الدعوى، ورأوا أن الدعوى هي الفرق بينها وبين المعجزة، وهذه الطريقة غير مرضية أيضاً، وصار بعض أصحابنا إلى أن ما وقع معجزة لنبي لا يجوز تقدير وقوعه كرامة لولي فيمتنع عند هؤلاء أن ينفلق البحر، وقلب العصا ثعبانا، وإحياء الموتى وإلى غير ذلك، وهذه الطريقة غير سديدة أيضاً، والمرضي عندنا تجويز جملة خوارق العوائد في معارض الكرامات، وفي «رسالة القشيري» اعلم أن كثيرا من المقدورات يعلم اليوم قطعا أنه لا يجوز أن يظهر كرامة للأولياء بضرورة أو شبه ضرورة فمنها حصول إنسان من غير أبوين، وقلب جماد بهيمة أو حيوانا، وأمثال هذا كثير وشرط الكرامة أن يصحب صاحبها (السر) من الله تعالى وإلا فهو ناقص مغرور وهالك مقبور.
وظهور الكرامة لا تدل على أفضلية صاحبها، وإنما تدل على صدقه وفضله، وقد تكون لقوة يقين صاحبها، وإنما الأفضلية بقوة اليقين، وكمال المعرفة، ولهذا قال أستاذ هذه الطريقة(10/238)
أبو القاسم الجنيد رحمه الله تعالى: مشى رجال باليقين على الماء، ومات بالعطش أفضل منهم، لأنهم يقصدون ادخار الكرامة للآخرة، ويدلك على ما ذكرنا من أن الكرامة لا تدل على الأفضلية كثرة الكرامات، بعد زمن الصحابة.
قال الإمام أحمد بن حنبل: وذلك لأن إيمان الصحابة قوي بخلاف إيمان من بعدهم فاحتاجوا إلى زيادة تقوى إيمانهم، وأيضاً فلأن الزمان الأول كثير النور لا يفتقرون لزيادة تقوى، ولو حصلت لم تظهر لاضمحلالها في زمن النبوة بخلاف الظلام، والنجوم لا يظهر لها ضوء مع الشمس، ولهذا قال بعض المشايخ في مريم ابنة عمران رضي الله عنها: إنها كانت في بدايتها يصرف إليها بخرق العادة بغير سبب، تقوية لإيمانها، فكانت كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا، قال: يا مريم أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله، ولما قوي إيمانها ردت البيت، فقيل لها: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا [مريم 25] ، ولهذا سأل موسى ربه مع كمال رتبته بقوله: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف 143] لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص 24] قال علي وغيره: والله، ما طلب إلا خبزا يأكله، ونادى باسم الربوبية، فإن الرب من رباك بإحسانه، وغناك بإنعامه، فإن قلت: فلأي شيء لم يطلب الخليل عليه الصلاة والسلام حين رمي بالمنجنيق في النار، قد تعرض له جبريل، وقال: ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، وأما إلى الله فلي، قال: سله قال:
حسبي من سؤالي علمه بحالي؟ فالجواب: أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يعاملون كل مقام بما يفهمون عن الله تعالى أنه الأليق بهم، ففهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن مراد الحق في ذلك المقام، عدم إظهار الطلب والاكتفاء بالعلم، فكان فهمه لأن الحق أراد أن يظهر من قوله: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ [البقرة 30] في جواب أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ [البقرة 30] قال سيدي أبو الحسن الشاذلي فكأنه يقول: يا من؟ قال:
أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء كيف رأيتم إبراهيم خليلي؟ وإنما تصدر الكرامة وإخفاءها، نص على ذلك القشيري وغيره، وقد يكون بقلب العين وهي الأرض وكلام الجماد، وبرء العلل، ونبع الماء والاطلاع على الضمائر، وجفاف البحر، وكلام الموتى، ففي رسالة الشيخ أبي القاسم القشيري رحمه الله تعالى بإسناده أن أبا عبيدة السري رحمه الله تعالى غزا سنة، فجرح في السرية فمات المهر، وهو في السرية فقال: يا رب، أعرني إياه إلى [بسر يعني قريته] فإذا المهر قائم، فلما غزا ورجع قال لابنه خذ السرج عن المهر، فقال: إنه عرق، فقال:
إنه عارية، فلما أخذ السرج وقع ميتا.(10/239)
وفيها أيضاً عن الشيخ سعيد الحراز قال: كنت مجاورا بمكة، حرسها الله تعالى، فجزت يوما بباب بني شيبة فرأيت شابا حسن الوجه ميتا، فنظرت له، فنظر في وجهي وتبسم، وقال: أما علمت أن الأحباب أحياء وإن ماتوا، وإنما ينقلون من دار إلى دار.
وفيها أيضاً عن بعضهم: كنا في مركب فمات رجل معنا فأخذنا في جهازه وقصدنا أن نلقيه، فصار البحر جافا، ونزلت السفينة فخرجنا وحفرنا له قبرا ودفناه، فلما فرغنا جاء الماء وارتفع واستوى المركب وسرنا، والحكايات كثيرة وما ذكر كفاية.
الباب الثالث في بعض آيات وقعت لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
من ذلك وهو قوله على المنبر: يا سارية الجبل، وأسمع جيشه فيها فسمعه الجيش، فانتصروا، وقد تقدم ذلك في الكلام على بعض فضائله.
الباب الرابع في بعض آيات وقعت لسعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه
روى أبو نعيم عن أبي عثمان النهدي، وعن أبي بكر بن حفص بن عمر وعن عمير الصائدي رضي الله عنه أن سعدا لما نزل نهر شير، وهي المدينة الدنيا، طلب السفن ليعبر بالناس إلى المدينة القصوى، فلم يقدر على شيء ووجدهم قد ضموا السفن فأقاموا بنهر شير أياما من صفر، وفجأهم المد فرأى رؤيا أن خيول المسلمين اقتحمتها فغيرت، وقد أقبلت من المد بأمر عظيم، فعزم لتأويل رؤياه على العبور، فجمع الناس، وقال: إن عدوكم قد اعتصم منكم بهذا البحر فلا تخلصون إليهم، وهم يخلصون إليكم إذا شاءوا فيناوشونكم في سفنهم، وليس وراءكم شيء تخافون أن تؤتوا منه.
وإني قد عزمت على قطع هذا البحر عليهم، فأجابوه فأذن للناس في الاقتحام، وقال:
قولوا: نستعين بالله، ونتوكل عليه، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم اقتحموا دجلة وركبوا اللجة، وإن دجلة لترمي بالزّبد وإنها لمسودّة، وإنّ الناس ليتحدثون في عومهم، وقد اقترنوا كما كانوا يتحدثون في مسيرهم على الأرض، فخرجت بهم خيلهم تنفض أعرافها لها صهل وما ذهب لهم في الماء شيء إلا قدح كانت علاقته رثة، فذهب به الماء وإذا به قد ضربته الرياح والموج حتى وقع على الشاطئ، فأخذه صاحبه، ولم يغرق منهم أحد، ففجئوا أهل فارس بأمر لم يكن في حسابهم، وأعجلوهم على حمل أموالهم،(10/240)
فدخلها المسلمون في صفر سنة ست عشرة واستولوا على كل ما بقي في بيوت كسرى من الثلاثة آلاف ألف ألف شيرويه وما جمع من بعده.
الباب الخامس في بعض آيات وقعت لعبد الله بن جحش رضي الله تعالى عنه
روى الطبراني برجال الصحيح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن عبد الله بن جحش رضي الله عنه قال له يوم أحد: ألا تدعو الله تعالى؟ فخلوا في ناحية، فدعا سعدا فقال:
يا ربّ، إذا لقيت العدو فلقني رجلا شديدا بأسه، شديدا حرده، أقاتله ويقاتلني ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله وآخذ سلبه، فأمن عبد الله، ثم قال: اللهم ارزقني رجلا شديدا بأسه شديدا حرده، أقاتله فيك، ويقاتلني ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدا قلت: من جدع أنفك وأذنك، فأقول: فيك وفي رسولك صلى الله عليه وسلم، فتقول: صدقت، قال سعد: كانت دعوة عبد الله بن جحش خيرا من دعوتي لقد رأيته آخر النهار وإن أنفه وأذنه لمعلقان في خيط.
الباب السادس في بعض آيات وقعت لأبي الدرداء رضي الله تعالى عنه
روى ابن أبي شيبة عن عمرو بن مرة رضي الله عنه قال: عن أبي البختري قال: بينما أبو الدرداء يوقد تحت قدر له، وسلمان عنده إذ سمع أبو الدرداء في القدر صوتا، ثم ارتفع الصوت بتسبيح كهيئة الصبي، قال: ثم ندرت القدر فانكفأت، ثم رجعت إلى مكانها لم ينصب منها شيء، فجعل أبو الدرداء ينادي: يا سلمان، انظر إلى العجب، انظر إلى ما لم ينظر مثله أنت ولا أبوك، فقال سلمان: أما إنك لو سكت لسمعت من آيات الله الكبرى انتهى.
الباب السابع في بعض آيات وقعت للعلاء بن الحضرمي رضي الله تعالى عنه
روى البيهقي عن أنس وأبي هريرة وسهم بن منجاب عن منجاب بن راشد رضي الله عنهم أنهم غزوا مع العلاء الحضرمي على البحرين، فقال: يا أرحم الراحمين، يا عليم يا حكيم، يا علي يا عظيم، يا عزيز يا كريم، إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك، اجعل لنا سبيلا إلى عدوك، ثم قال: أجيزوا بسم الله، قال: فأجزنا.(10/241)
روى البخاري عن سهم بن منجاب وابن سعد والبيهقي وأبو نعيم عن أبي هريرة والبيهقي عن أنس رضي الله عنهم قال أبو هريرة: خرجت مع العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه فرأيت منه خصالا لا أدري أيتهن أعجب، قال أنس رضي الله عنه: أدركت في هذه الأمة ثلاثا لو كانت في بني إسرائيل لم تقاسمها الأمم، قال منجاب: غزونا مع العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه دارين، ثم اتفقوا، واللفظ لأنس، قالوا: كنا في غزاة فأتينا مغازينا فوجدنا القوم قد بدروا بنا فعفوا أثار الماء والحر الشديد وجهدنا العطش ودوابنا وذلك يوم الجمعة، فلما مالت الشمس لغروبها، صلى بنا ركعتين ثم مد يده إلى السماء وما نرى في السماء شيئا، فو الله، ما حط يده حتى بعث الله ريحا وأنشأ سحابا، وأفرغت حتى ملأت الغدر والشعاب، فشربنا وسقينا ركابنا ثم أتينا عدونا، وقد جاوز خليجا من البحر إلى جزيرة، فوقف على البحر، وقال:
يا عليم يا عظيم، يا حليم يا كريم، ثم قال: أجيزوا بسم الله، قالوا: فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا، فلم نلبث إلا يسيرا وأتينا العدو فقتلنا وأسرنا وسبينا ثم أتينا الخليج فقال مثل مقالته فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا، وذكروا بقية الحديث، وقال رجل من المسلمين في مرورهم في البحر.
ألم تر أن الله ذلل بحره ... وأنزل بالكفار إحدى الجلائل
دعونا الذي شق البحار فجاءنا ... بأعجب من فلق البحار الأوائل
الباب الثامن في بعض آيات وقعت لأنس بن مالك رضي الله عنه
روى أبو نعيم عن عباد بن عبد الصمد قال: أتيت أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: يا جارية، هلمي المنديل فأتت بمنديل وسخ، فقال: اسجري التنور، فأوقدته، فأمر بالمنديل، فطرح فيه، فخرج أبيض كأنه اللبن، فقلنا: ما هذا؟ قال: منديل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح وجهه، فإذا اتسخ صنعنا به هكذا، لأن النار لا تأكل شيئا مر على وجوه الأنبياء.
الباب التاسع في بعض آيات وقعت لتميم الداري رضي الله عنه
روى البيهقي عن معاوية بن حرمل قال: خرجت نار من الحرة فجاء عمر إلى تميم فقال: قم إلى هذه النار، فقام معه وتبعتهما، فانطلقا إلى النار فجعل تميم يحوشها بيده، حتى دخلت الشعب، ودخل تميم خلفها، فجعل عمر يقول: ليس من رأى كمن لم ير قالها ثلاثا.(10/242)
وروى أبو نعيم عن مرزوق رضي الله عنه أن نارا خرجت على عهد عمر رضي الله عنه، فجعل تميم الداري رضي الله عنه يدفعها بردائه حتى دخلت غارا فقال: لمثل هذا كنا نختبئك يا أبا رقية.
الباب العاشر في بعض آيات وقعت لخالد بن الوليد رضي الله عنه
روى أبو يعلى عن أبي السفر رضي الله عنه قال: نزل خالد بن الوليد رضي الله عنه الحيرة على أمير بني المرازبة، فقيل له: احذر السم لا تسقيكه الأعاجم، فقال: ائتوني به فأخذه بيده، ثم اقتحمه، وقال: بسم الله، فلم يضره شيئا، وروى ابن سعد برجال ثقات عن قيس بن أبي حازم رحمه الله تعالى قال: رأيت خالد بن الوليد رضي الله عنه أتى بسم فقال: ما هذا قالوا: سم، قال: بسم الله، وشربه.
الباب الحادي عشر في بعض آيات وقعت لسفينة رضي الله عنه
روى ابن سعد وأبو يعلى والطبراني وأبو نعيم والبيهقي وله طرق في المستدرك للحاكم وغيره عن سفينة رضي الله عنه قال: ركبت سفينة في البحر، فانكسرت لوح منها فلم نعرف الطريق فإذا أنا بالأسد قد عرض لنا فتأخر أصحابي فدنوت منه فقلت: أنا سفينة، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أضللنا الطريق، فمشى بين يدي حتى وقفنا على الطريق ثم تنحى، ودفعني كأنه يوريني الطريق فظننت أنه يودعنا.
الباب الثاني عشر في بعض آيات وقعت لعمار بن ياسر رضي الله عنه
روى الطبراني عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كم من ذي طمرين لا ثوب له، لو أقسم على الله لأبره، منهم عمار بن ياسر» .
وروى الطبراني برجال الصحيح وهو منقطع عن سعيد بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أن عمار بن ياسر رضي الله عنه أقسم يوم أحد فهزم المشركون، وأقسم يوم الجمل فغلبوا أهل البصرة وقيل له يوم صفين: لو أقسمت، فقال: لو ضربونا بأسيافهم حتى نبلغ سعفات هجر(10/243)
لعلمنا أنا على الحق، وهم على الباطل، فلم يقسم فقتل يومئذ، فقال يوم أحد: أقسمت يا جبريل ويا ميكائيل:
لا يغلبنا معشر ضلال ... إنا على الحق وهم جهال
حتى خرق صف المشركين.
وروى ابن سعد حدثنا يحيى بن حماد أنبأنا أبو عوانة ابن أبي بلج عن عمرو بن ميمون قال: أحرق المشركون عمار بن ياسر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر يده على رأسه فيقول: «يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت على إبراهيم» .
الباب الثالث عشر في بعض آيات وقعت لأبي قرصافة رضي الله عنه
[روى الطبراني برجال ثقات عن عزة بنت عاص بن أبي قرصافة قالت: أسرت الروم ابنا لأبي قرصافة إذا حضر وقت كل صلاة صعد سور عسقلان ونادى يا فلان، الصلاة فيسمعه وهو في بلد الروم] .
الباب الرابع عشر في بعض آيات وقعت لأبي مسلم الخولاني رضي الله عنه
روى البيهقي بسند صحيح عن سليمان بن المغيرة وابن عساكر عن حميد بن هلال العدوي وأبو داود في سننه رواية الأعرابي عن محمد بن زياد وأبو داود وأحمد في الزهد عن حميد قالوا: إن أبا مسلم الخولاني رضي الله عنه جاء إلى دجلة وهي ترمي بالخشب من مدها، فمشى على الماء وفي لفظ: أن أبا مسلم رضي الله عنه غزا أرض الروم فمروا بدجلة وهي ترمي الخشب من مدها قال: أجيزوا بسم الله، ومر بين أيديهم، ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال: اللهم أجزت بني إسرائيل البحر، وإنا عبيدك، وفي سبيلك، فاجزنا هذا البحر اليوم، ثم قال: اعبروا بسم الله ومر بين أيديهم، فلما بلغ الماء بطون الخيل حتى عبر الناس كلهم ثم وقف فقال: يا معشر المسلمين، هل ذهب لأحد منكم شيء فليدعو الله تعالى برده؟ وفي لفظ: والتفت إلى أصحابه، وقال: هل تفقدون من متاعكم شيئا، فندعو الله؟ وكان رجل قد ألقى مخلاته عمدا فقال الرجل: مخلاتي وقعت في هذا النهر، فقال له: اتبعني فإذا بها قد تعلقت ببعض أعواد النهر فقال: خذها، وروى ابن عساكر من طريق إسماعيل بن عباس عن شرحبيل بن مسلم الخولاني أن الأسود بن قيس رضي الله عنه تنبأ باليمن، فبعث إلى مسلم،(10/244)
أشهد أني رسول الله قال: ما تسمع؟ قال: تشهد أن محمدا رسول الله، قال: نعم، فأمر بنار عظيمة، ثم ألقى أبا مسلم فيها فلم تضره الحديث، وسيأتي بتمامه.
الباب الخامس عشر في بعض آيات وقعت لأم أيمن رضي الله عنها
روى البيهقي عن ثابت وأبي عمران الجوني وهشام بن حسان رضي الله عنهم قالوا:
هاجرت أم أيمن إلى المدينة وليس معها زاد، فلما كانت عند الروحاء عطشت عطشا شديدا، قالت: فسمعت حفيفا شديدا فوق رأسي، فرفعت رأسي فإذا دلو مد لي من السماء برشاء أبيض فتناولته بيدي، حتى استمسكت به، فشربت منه حتى رويت، قالت: فلقد أصوم بعد تلك الشربة في اليوم الحار الشديد، ثم أطوف في الشمس كي أظمأ، فما ظمئت بعد تلك الشربة.
الباب السادس عشر فيٍ بعض آيات وقعت لعامر بن ربيعة رضي الله عنه
روى البيهقي عن الأعمش عن بعض أصحابه رضي الله عنهم قال: أتينا إلى دجلة، وهي بأرض الأعاجم خلفها، فقال رجل من المسلمين: بسم الله، ثم اقتحم فرسه فارتفعوا على الماء، فنظر إليهم الأعاجم، وقال: ديوان ديوان، ثم ذهبوا على وجوههم، فما فقدوا إلا قدحا كان معلقا بقدية سرج فلما خرجوا أصابوا الغنائم فاقتسموها، فجعل الرجل يقول: من يبادل صفراء ببيضاء.
الباب السابع عشر في بعض آيات وقعت لذؤيب بن كليب رضي الله عنه
روى ابن وهب عن ابن لهيعة أن الأسود العنسي لما ادعى النبوة، وغلب على صنعاء.
أخذ ذؤيب بن كليب فألقاه في النار، فلم تضره النار الحديث، وسيأتي بتمامه.
الباب الثامن عشر في بعض آيات وقعت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه
روى الحارث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: يا علي، خذ الباب، فلا تدخلن علي أحدا،(10/245)
فإن عندي زورا من الملائكة استأذنوا ربهم أن يزوروني فأخذ علي الباب، وجاء عمر فاستأذن فقال: يا علي، استأذن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي: «ليس على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن، فرجع عمر، وظن أن ذلك من سخطة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يصبر عمر أن رجع فقال:
استأذن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ليس على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن فقال: ولم؟ قال: لأن زورا من الملائكة عنده استأذنوا ربهم أن يزوروه [قال: وكم هم يا علي؟ قال: ثلاثمائة وستون ملكا، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بفتح الباب فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه أخبرني أن زورا من الملائكة استأذنوا ربهم تبارك وتعالى أن يزوروك] وأخبرني يا رسول الله أن عدتهم ثلاثمائة وستون ملكا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: «أنت أخبرت بالزور؟» قال: نعم يا رسول الله، قال: «فأخبرت بعدتهم؟» قال: نعم، قال: «فكم يا علي؟» قال: ثلاثمائة وستون ملكا، قال: «وكيف علمت؟» قال: سمعت ثلاثمائة وستين نغمة فقلت: إنهم ثلاثمائة وستون، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم علي صدره ثم قال: «يا علي زادك الله إيمانا وعلما» .
الباب التاسع عشر في بعض آيات وقعت لخبيب بن عدي
عن عمر بن أسيد بن جارية الثقفي، حليف بني زهرة وكان من أصحاب أبي هريرة أن أبا هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط عينا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري، جد عاصم بن عمر بن الخطاب لأمه، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهمدة، بين عسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا إليهم بقريب من مائة رجل رام، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه، قالوا: نوى تمر يثرب، فاتبعوا آثارهم فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى قردد، فأحاط بهم القوم فقالوا: انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدا، فقال عاصم بن ثابت أمير القوم: أما أنا فو الله لا أنزل في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك، فرموهم بالنبل، فقتلوا عاصما في سبعة، ونزل إليهم نفر على العهد والميثاق، فيهم: خبيب الأنصاري، وزيد بن الدثنة، ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أو تار قسيهم فربطوهم بها، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم، إن لي بهؤلاء لأسوة، يريد القتلى، فجرروه وعالجوه، فأبى أن يصحبهم فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف: خبيبا، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر بن نوفل يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها(10/246)
للقتل، فأعارته إياها، فدرج بني لها، قالت وأنا غافلة، حتى أتاه فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده، قالت: ففزعت فزعة عرفها خبيب، فقال: أتحسبين أني أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك، فقالت: والله ما رأيت أسيرا خيرا من خبيب، والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده، وأنه لموثق في الحديد، وما بمكة من تمرة، وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبا، فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب: دعوني أركع ركعتين، فتركوه فركع ركعتين، ثم قال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع من الموت لزدت، اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا:
فلست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله. وكان خبيب هو سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة، واستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه حين أصيبوا خبرهم، وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قتل ليؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قتل رجلا عظيما منهم يوم بدر، فبعث الله إلى عاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم، فلم يقدروا على أن يقطعوا منه شيئا.
الباب العشرون في آيات وقعت لأبي بن كعب
وروي عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي كعب: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا قال: الله سماني لك؟ قال: «نعم» فجعل أبي يبكي.
الباب الحادي والعشرون في بعض آيات وقعت لسلمان الفارسي
وروى عن ابن عباس، قال: حدثني سلمان قال: كنت رجلا من أهل فارس من أصبهان، من جيّ، ابن رجل من دهاقينها- وفي حديث ابن إدريس: وكان أبي دهقان أرضه، وكنت أحب الخلق إليه- وفي حديث البكائي: أحب عباد الله إليه، فأجلسني في البيت كالجواري، فاجتهدت في الفارسية- وفي حديث علي بن جابر: في المجوسية- فكنت في النار التي توقد فلا تخبو، وكان أبي صاحب ضيعة، وكان له بناء يعالجه- زاد ابن إدريس في حديثه: في داره- فقال لي يوما: يا بني، قد شغلني ما ترى فانطلق إلى الضيعة، ولا تحتبس(10/247)
فتشغلني عن كل ضيعة بهمي بك، فخرجت لذلك فمررت بكنيسة النصارى وهم يصلون، فملت إليهم وأعجبني أمرهم، وقلت- هذا والله خير من ديننا. فأقمت عندهم حتى غابت الشمس، لا أنا أتيت الضيعة، ولا رجعت إليه، فاستبطأني وبعث رسلا في طلبي، وقد قلت للنصارى حين أعجبني أمرهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام.
فرجعت إلى والدي، فقال: يا بني، قد بعثت إليك رسلا، فقلت: مررت بقوم يصلون في كنيسة، فأعجبني ما رأيت من أمرهم، وعلمت أن دينهم خير من ديننا. فقال: يا بني، دينك ودين آبائك خير من دينهم، فقلت: كلا والله. فخافني وقيدني.
فبعثت إلى النصارى وأعلمتهم ما وافقني من أمرهم، وسألتهم إعلامي من يريد الشام، ففعلوا فألقيت الحديد من رجلي، وخرجت معهم، حتى أتيت الشام، فسألتهم عن عالمهم، فقالوا: الأسقف، فأتيته، فأخبرته، وقلت: أكون معك أخدمك وأصلي معك؟ قال: أقم. فمكثت مع رجل سوء في دينه، كان يأمرهم بالصدقة، فإذا أعطوه شيئا أمسكه لنفسه، حتى جمع سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا، فتوفي، فأخبرتهم بخبره، فزبروني، فدللتهم على ماله فصلبوه، ولم يغيبوه ورجموه، وأحلوا مكانه رجلا فاضلا في دينه زهدا ورغبة في الآخرة وصلاحا، فألقى الله حبه في قلبي، حتى حضرته الوفاة، فقلت: أوصي، فذكر رجلا بالموصل، وكنا على أمر واحد حتى هلك.
فأتيت الموصل، فلقيت الرجل، فأخبرته بخبري، وأن فلانا أمرني بإتيانك، فقال: أقم.
فوجدته على سبيله وأمره حتى حضرته الوفاة، فقلت له: أوصي، فقال: ما أعرف أحدا على ما نحن عليه إلا رجلا بعمورية.
فأتيته بعمورية، فأخبرته بخبري، فأمرني بالمقام وثاب لي شيئا، واتخذت غنيمة وبقيرات، فحضرته الوفاة فقلت: إلى من توصي بي؟ فقال: لا أعلم أحدا اليوم على مثل ما كنا عليه، ولكن قد أظلك نبي يبعث بدين إبراهيم الحنيفية، مهاجره بأرض ذات نخل، وبه آيات وعلامات لا تخفى، بين منكبيه خاتم النبوة، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فإن استطعت فتخلص إليه. فتوفي.
فمر بي ركب من العرب، من كلب، فقلت أصحبكم وأعطيكم بقراتي وغنمي هذه، وتحملوني إلى بلادكم؟ فحملوني إلى وادي القرى، فباعوني من رجل من اليهود، فرأيت النخل، فعلمت أنه البلد الذي وصف لي، فأقمت عند الذي اشتراني، وقدم عليه رجل من بني قريظة فاشتراني منه، وقدم بي المدينة، فعرفتها بصفتها، فأقمت معه أعمل في نخله، وبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم، وغفلت عن ذلك حتى قدم المدينة، فنزل في بني عمرو بن عوف، فإني لفي رأس(10/248)
نخلة إذ أقبل ابن عم لصاحبي، فقال: أي فلان، قاتل الله بني قيلة، مررت بهم آنفا وهم مجتمعون على رجل قدم عليهم من مكة، يزعم أنه نبي، فو الذي ما هو إلا أن سمعتها، فأخذني القر ورجفت بي النخلة، حتى كدت أن أسقط، ونزلت سريعا، فقلت: ما هذا الخبر؟ فلكمني صاحبي لكمة، وقال: وما أنت وذاك؟ أقبل على شأنك، فأقبلت على عملي حتى أمسيت، فجمعت شيئا فأتيته به، وهو بقباء عند أصحابه، فقلت: اجتمع عندي، أردت أن أتصدق به، فبلغني أنك رجل صالح، ومعك رجال من أصحابك ذوو حاجة، فرأيتكم أحق به، فوضعته بين يديه، فكف يديه، وقال لأصحابه: كلوا. فأكلوا، فقلت: هذه واحدة، ورجعت.
وتحوّل إلى المدينة، فجمعت شيئا فأتيته به، فقلت: أحببت كرامتك فأهديت لك هدية، وليست بصدقة، فمد يده فأكل، وأكل أصحابه، فقلت: هاتان اثنتان، ورجعت.
فأتيته وقد تبع جنازة في بقيع الغرقد، وحوله أصحابه، فسلمت، وتحولت أنظر إلى الخاتم في ظهره، فعلم ما أردت، فألقى رداءه، فرأيت الخاتم، فقبلته، وبكيت، فأجلسني بين يديه، فحدثته بشأني كله كما حدثتك يا ابن عباس، فأعجبه ذلك، وأحب أن يسمعه أصحابه، ففاتني معه بدر وأحد بالرق، فقال لي: كاتب يا سلمان عن نفسك، فلم أزل بصاحبي حتى كاتبته، على أن أغرس له ثلاثمائة ودية وعلى أربعين أوقية من ذهب،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أعينوا أخاكم بالنخل» ، فأعانوني بالخمس والعشر، حتى اجتمع لي، فقال لي: «فقر لها ولا تضع منها شيئا حتى أضعه بيدي» ، ففعلت، فأعانني أصحابي حتى فرغت، فأتيته، فكنت آتيه بالنخلة فيضعها، ويسوي عليها ترابا، فأنصرف، والذي بعثه بالحق فما ماتت منها واحدة، وبقي الذهب، فبينما هو قاعد إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة، من ذهب أصابه من بعض المعادن، فقال: «ادع سلمان المسكين الفارسي المكاتب» ، فقال: «أد هذه» فقلت: يا رسول الله وأين تقع هذه مما علي؟ وروى أبو الطفيل، عن سلمان، قال: أعانني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيضة من ذهب، فلو وزنت بأحد لكانت أثقل منه.
وقيل: إنه لقي بعض الحواريين، وقيل: إنه أسلم بمكة، وليس بشيء.
وأول مشاهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق، ولم يتخلف عن مشهد بعد الخندق، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه، وبين أبي الدرداء.
أخبرنا عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر، قال: أخبرنا أبو محمد جعفر بن أحمد القاري، أخبرنا الحسن بن أحمد بن شاذان، أخبرنا أحمد بن عثمان بن أحمد بن السماك، أخبرنا يحيى ابن جعفر، أخبرنا حماد بن مسعدة، أخبرنا ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد، عن [ ... ] [ (1) ] .
__________
[ (1) ] هنا بياض في الأصول.(10/249)
الباب الثاني والعشرون بعض آيات وقعت لأهبان بن صيفي
وروى المعلى بن جابر بن مسلم عن أبيه عن عديسة بنت وهبان بن صيفي أن أباها لما حضرته الوفاة أوصى أن يكفن في ثوبين فكفنوه في ثلاثة فأصبحوا فوجدوا الثوب الثالث على السرير وكذلك رواه الطبراني من طريق عبد الله بن عبيد عن عديسة بنت أهبان.
الباب الثالث والعشرون بعض آيات وقعت لعامر بن فهيرة
قال ابن إسحاق حدثني هشام بن عروة عن أبيه أن عامر بن الطفيل كان يقول من رجل منكم لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض فقالوا عامر بن فهيرة.
الباب الرابع والعشرون بعض آيات وقعت للبراء بن مالك
وروي عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رب أشعث أغبر لا يؤبه له لو أقسم على الله عز وجل لأبره، منهم البراء بن مالك» .
فلما كان يوم تستر، من بلاد فارس، انكشف الناس فقال له المسلمون: يا براء: أقسم على ربك، فقال: أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم، وألحقتني بنبيك، فحمل وحمل الناس معه، فقتل مرزبان الزأرة، من عظماء الفرس، وأخذ سلبه، فانهزم الفرس، وقتل البراء.
الباب الخامس والعشرون بعض آيات وقعت لعاصم بن ثابت
روى الحسن بن سفيان في مسنده من طريق رفاعة بن الحجاج عن أبيه عن الحسين ابن السائب قال: لما كانت ليلة العقبة أو ليلة بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن معه: «كيف تقاتلون» فقام عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فأخذ القوس والنبل وقال: إذا كان القوم قريبا من مائتي ذراع كان الرمي وإذا دنوا حتى تنالهم الرماح كانت المداعسة حتى تقصف فإذا تقصفت وضعناها وأخذنا بالسيوف وكانت المجالدة فقال النبي صلى الله عليه وسلم «هكذا نزلت الحرب من قاتل فليقاتل كما يقاتل عاصم»
[وفي الصحيحين من طريق عمرو بن أبي سفيان عن أبي هريرة قال(10/250)
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية وأمر عليهم عاصم بن أبي الأقلح الحديث بطوله في قصة خبيب بن عدي وفيه قصة طويلة وفيه أن عاصما قال: لا أنزل في ذمة مشرك وكان قد عاهد الله أن لا يمس مشركا ولا يمسه مشرك فأرسلت قريش ليؤتوا بشيء من جسده وكان قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر فحمته منهم ولذلك كان يقال حمي الدبر وفي هذه القصة يقول حسان
لعمري لقد ساءت هذيل بن مدرك ... أحاديث كانت في خبيب وعاصم
أحاديث لحيان صلوا بقبيحها ... ولحيان ركابون شر الجرائم
الباب السادس والعشرون في بعض آيات وقعت لأبي أمامة
وروى أبو يعلى من طريق أبي غالب عن أبي أمامة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوم فانتهيت إليهم وأنا طاووهم يأكلون الدم فقالوا: هلم قلت: إنما جئت أنهاكم عن هذا فنمت وأنا مغلوب فأتاني آت بإناء فيه شراب فأخذته وشربته فكظني بطني فشبعت ورويت ثم قال لهم رجل منهم: أتاكم رجل من سراة قومكم فلم تتجفوه فأتوني بلبن فقلت: لا حاجة لي به وأريتهم بطني فاسلموا عن آخرهم.
الباب السابع والعشرون في بعض آيات وقعت لأبي ريحانة
وقال إبراهيم بن الجنيد في كتاب الأولياء حدثنا أحمد بن أبي العباس الواسطي حدثنا ضمرة بن ربيعة عن عروة الأعمى مولى بني سعد قال: ركب أبو ريحانة البحر وكانت له صحف وكان يخيط فسقطت إبرته في البحر فقال: عزمت عليك يا رب إلا رددت عليّ إبرتي فظهرت حتى أخذها.
الباب الثامن والعشرون في بعض آيات وقعت لحجر بن عدي أو قيس بن مكشوح
وروى إبراهيم بن الجنيد في كتاب الأولياء بسند منقطع أن حجر بن عدي أصابته جنابة فقال للموكل به: أعطني شرابي أتطهر به ولا تعطني غدا شيئا فقال: أخاف أن تموت عطشا فيقتلني معاوية قال: فدعا الله فانسكبت له سحابة بالماء فأخذ منها الذي احتاج إليه(10/251)
فقال له أصحابه: ادع الله أن يخلصنا فقال: اللهم خر لنا قال: فقتل هو وطائفة منهم.
الباب التاسع والعشرون بعض آيات وقعت لعمران بن حصين
وروي عن مطرف بن عبد الله عن عمران بن حصين أنه قال: اعلم يا مطرف أنه كانت تسلم الملائكة علي عند رأسي وعند البيت وعند باب الحجر فلما اكتويت ذهب ذلك فلما برئ كلمه قال: اعلم يا مطرف أنه عاد إلي الذي كنت أفقد اكتم علي يا مطرف حتى أموت.
الباب الثلاثون بعض آيات وقعت لأم مالك
روي عن أم مالك الأنصارية، أنها جاءت بعكة سمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فعصرها ثم دفعها إليها، فرجعت فإذا هي مملوءة سمنا، قالت: فأتيت، فقلت: نزل في شيء يا رسول الله؟ قال: «وما ذاك يا أم مالك؟» قالت: رددت علي هديتي، قال: فدعا بلالا فقال: والذي بعثك بالحق، لقد عصرتها حتى استحييت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هنيئا لك يا أم مالك، هذه بركة قد عجل الله لك ثوابها» .
الباب الحادي والثلاثون بعض آيات وقعت لأويس القرني
روي عن عبد الله بن سلمة قال: غزونا أذربيجان زمن عمر بن الخطاب ومعنا أويس القرني، فلما رجعنا مرض علينا- يعني أويس- فحملناه، فلم يستمسك فمات فنزلنا فإذا قبر محفور، وماء مسكوب، وكفن وحنوط، فغسلناه وكفناه وصلينا عليه ودفناه. فقال بعضنا لبعض: لو رجعنا فعلمنا قبره، فرجعنا فإذا لا قبور ولا أثر.
الباب الثاني والثلاثون بعض آيات وقعت للطفيل
روى البيهقي عن طفيل بن سخبرة أخي عائشة لأمها، قال: رأيت فيما يرى النائم كأني أتيت على رهط من اليهود، فقلت: من أنتم؟ فقالوا: نحن اليهود، فقلت: إنكم لأنتم القوم،(10/252)
لولا أنكم تقولون: عزيز ابن الله، فقالوا: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله، وشاء محمد ثم أتيت على رهط من النصارى، فقلت: من أنتم؟ فقالوا: نحن النصارى، فقلت: إنكم لأنتم القوم لولا أن تقولوا: المسيح ابن الله، فقالوا: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، فلما أصبحت أخبرت به ناسا، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بها فقال: «هل أخبرت بهذا أحدا؟» فقلت: نعم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
«أما بعد، فإن طفيلا رأى رؤيا، فأخبر بها من أخبر منكم، إنكم تقولون كلمة، وكان يمنعني الحياء منكم عنها فلا تقولوا: «ما شاء الله وشاء محمد» .(10/253)
جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في عصمته من الناس
الباب الأول في كفاية الله تعالى رسوله أمر المستهزئين والكلام على قوله تبارك وتعالى والله يعصمك من الناس
قال الله تعالى: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ [الأنعام 10] وقال عز وجل: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا، وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ، وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ [الأنعام 34] وقال تبارك وتعالى: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجر 95]
وروى أبو نعيم والبيهقي وصححه الضياء في المختارة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: المستهزؤون هم الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب، والحارث بن عيطلة السهمي، فلما أكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء أتاه جبريل فشكا إليه فأراه الوليد، فأومأ جبريل إلى أكحله، قال: «ما صنعت؟» قال: كفيته ثم أراه الأسود بن المطلب فأومأ إلى عينيه، فقال: «ما صنعت؟» قال: كفيته، ثم أراه الأسود بن عبد يغوث، فأومأ إلى رأسه، فقال: «ما صنعت؟» قال: كفيته، فأما الوليد فمر به رجل من خزاعة، وهو يريش نبلا له، فأصاب أكحله، فقطعها، وأما الأسود بن المطلب فنزل تحت سمرة، فجعل يقول: يا بني ألا تدفعون عني فجعلوا يقولون:
ما نرى شيئا، وهو يقول: قد هلكت ها هو ذا أطعن بالشوك في عيني فلم يزل كذلك حتى عميت عيناه، وأما الأسود بن عبد يغوث فخرج في رأسه قروح فمات منها وأما الحارث فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج من فيه فمات منها، أما العاص فركب إلى الطائف على حمار فربض على شبرقة، فدخل في أخمص قدمه شوكة فقتلته.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
الأبجل: بالباء الموحدة والجيم عرق في باطن الذراع وهو من الفرس والبعير بمنزلة الأبجل من الإنسان وقيل هو عرق غليظ في الرجل ما بين العصب والعظم.
الحزؤ: العذرة وجمعه حزوء.
الشبرقة: حجازي وهو شوك فإذا يبس سمي الضريع.
وروى أبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كان رجل(10/254)
يجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء اختلج بوجهه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «كن كذلك» فلم يزل يختلج حتى مات.
وروى البزار والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم علي ناس بمكة فجعلوا يغمزون في قفاه، ويقولون: هذا الذي يزعم أنه نبي، ومعه جبريل، فغمز جبريل، فوقع مثل الظفر في أجسادهم فصارت قروحا حتى نتنوا فلم يستطع أحد أن يدنو منهم فأنزل الله تعالى: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجر 95] وروى الطبري عن مالك بن دينار قال:
حدثني هند بن خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي الحكم فجعل يغمز بالنبي صلى الله عليه وسلم [فنزلت] .
الباب الثاني في عصمته صلى الله عليه وسلم من أبي جهل
روى الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى، لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، أو لأعفرن وجهه في التراب فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته، فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه، فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه خندقا من نار، وهولا وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو دنا لاختطفته الملائكة عضوا عضوا» ، فأنزل الله تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى إلى آخر السورة، ورواه البخاري من حديث ابن عباس مختصرا.
وروى البزار والطبراني والحاكم وصححه عن العباس قال: كنت يوما جالسا في المسجد، فأقبل أبو جهل، فقال: إن لله علي إن رأيت محمدا ساجدا أن أطأ على رقبته، فخرجت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت عليه، فأخبرته بقول أبي جهل، فخرج غضبانا حتى أتى المسجد فعجل قبل أن يدخل من الباب، فاقتحم الحائط فقلت: هذا يوم شر فاتزرت واتبعته.
وروى ابن إسحاق وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال أبو جهل: يا معشر قريش، إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وسب آلهتنا، وإني لأعاهد الله لأجلسن له غدا بحجر فإذا سجد في صلاته فضحت به رأسه، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم، فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينظرون، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر، ثم أقبل نحوه حتى إذا دنا منه ثم رجع، منتقعا(10/255)
لونه، قد يبست يداه على حجره، حتى قذف الحجر من يده، فأتى قريشا، فقالوا له: مالك؟
قال: لما قمت إليه عرض لي فحل من الإبل، فو الله ما رأيت مثل هامته ولا قصرته، ولا أنيابه لفحل قط، فهم أن يأكلني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك جبريل، لو دنا مني لأخذه» ،
وروى الإمام أحمد والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر أبو جهل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فقال: ألم أنهك أن تصلي يا محمد، لقد علمت ما بها أحد أكثر ناديا مني فانتهره النبي صلى الله عليه وسلم فقال جبريل: فليدع ناديه سندع الزّبانية، فو الله لو دعا ناديه لأخذته زبانية العذاب.
الباب الثالث في عصمته صلى الله عليه وسلم من العوراء بنت حرب بن أمية امرأة أبي لهب
روى أبو يعلى وابن حبان والحاكم، وصححه ابن مردويه، والبيهقي عن أسماء بنت أبي بكر، وابن أبي شيبة والدارقطني وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما وابن مردويه عن أبي بكر رضي الله عنهم قالوا: لما نزلت: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ أقبلت العوراء أم جميل، ولها ولولة، وفي يديها فهر، وهي تقول: مذمما أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر رضي الله عنه إلى جنبه فقال أبو بكر: لقد أقبلت هذه، وأنا أخاف أن تراك، فقال: «إنها لن تراني» ، وقرأ قرآنا فاعتصم به، كما قال تعالى: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً [الإسراء 45] فجاءت حتى أقامت على أبي بكر فلم تر النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أين الذي هجاني وهجا زوجي، فقال: لا ورب هذا البيت ما هجاك، فولت، وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها وفي لفظ: يا أبا بكر، ما شأن صاحبك ينشد في الشعر، بلغني أن صاحبك هجاني فقال أبو بكر: والله ما صاحبي بشاعر ولا هجاك، فقالت: أليس قد قال: «في جيدها حبل من مسد» ، فما يدريه ما في جيدي، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قل لها: هل ترين عندي أحدا، فإنها لن تراني، جعل الله بيني وبينها حجابا» ، فسألها أبو بكر، فقالت: أتهزأ بي والله، ما أرى عندك أحدا، فانصرفت وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله، إنها لم ترك، فقال: «حال بيني وبينها جبريل، يسترني بجناحيه حتى ذهبت» .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
الفهر: [....] .
الجيد: [....] .(10/256)
الباب الرابع في عصمته صلى الله عليه وسلم من المخزوميين
روى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما إن ناسا من بني مخزوم تواصوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه، منهم أبو جهل والوليد بن المغيرة ونفر من بني مخزوم، فبينما النبي صلى الله عليه وسلم قائما يصلي فلما سمعوا قراءته فأرسلوا إليه الوليد ليقتله، فانطلق حتى انتهى إلى المكان الذي يصلي فيه، فجعل يسمع قراءته ولا يراه، فرجع إليهم فأعلمهم بذلك، فأتاه من بعده أبو جهل والوليد ونفر منهم، فلما انتهوا إلى الصوت، فإذا الصوت من خلفهم، فينتهون إليه فيسمعونه أيضاً من خلفهم، ثم انصرفوا ولم يجدوا إليه سبيلا، وروى ابن جرير نحوه عن عكرمة ما يؤكد هذا.
الباب الخامس في عصمته صلى الله عليه وسلم من دعثور بن الحارث الغطفاني
روى الواقدي عن محمد بن زياد بن أبي هنيدة والضحاك بن عثمان وعبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر عن عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهم قالوا: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من غطفان من بني ثعلبة بن محارب بذي أمر، قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رسول الله صلى الله عليه وسلم، معهم رجل يقال له: دعثور بن الحارث، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربعمائة وخمسين رجلا ومعهم أفراس فهزمت منه الأعراب فوق ذروة من الجبال، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا أمر فعسكر به، وأصابهم مطر كثير، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته، فأصابه ذلك المطر فبل ثوبه، وقد جعل وادي ذي أمر بينه وبين أصحابه، ثم نزع ثيابه فنشرها لتجف، وألقاها على شجرة ثم اضطجع تحتها والأعراب ينظرون، فقالت لدعثور وكان سيدها وأشجعها: قد أمكنك محمد، وقد انفرد من أصحابه، حيث إن غوث بأصحابه لم يغث حتى تقتله، فاختار سيفا من سيوفهم صارما، ثم أقبل حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف مشهورا فقال: يا محمد، من يمنعك مني اليوم، فقال: «الله عز وجل» ، ودفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام على رأسه، فقال: «من يمنعك مني؟» قال: لا أحد، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، لا أكثر عليك جمعا أبدا، فأعطاه سيفه ثم أدبر، ثم أقبل بوجهه فقال: والله، لأنت خير مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أحق بذلك منك» ،
فأتى قومه فقالوا: أين ما كنت تقول، والسيف في يدك، قال: قد كان والله ذلك، ولكن نظرت إلى رجل أبيض طويل فدفع في صدري، فوقعت لظهري، وعرفت أنه ملك،(10/257)
وشهدت أن محمدا رسول الله، وجعل يدعو قومه إلى الإسلام، ونزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ الآية [المائدة 11] ، وأخرجه البيهقي وقال: روي في غزوة ذات الرقاع قصة أخرى، مثل هذه، فإن كان الواقدي قد حفظ ما ذكر في هذه الغزوة فكانت قصتان.
الباب السادس في عصمته صلى الله عليه وسلم من النضر بن الحارث
روى أبو نعيم عن عروة رضي الله عنه أن النضر بن الحارث كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعرض له، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يريد حاجته في نصف النهار في حر شديد، فبلغ أسفل من ثنية الحجون، فرآه النضر بن الحارث، فقال: لا أجده أبدا أخلى منه الساعة، فاغتاله، فدنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف راجعا مرعوبا إلى منزله فلقي أبا جهل، فقال: من أين؟ قال النضر: اتبعت محمدا رجاء أن أغتاله وهو وحده، فإذا أسود تضرب بأنيابها على رأسي فاتحة أفواهها فذعرت منها ووليت راجعا قال أبو جهل: هذا بعض سحره.
الباب السابع في عصمته صلى الله عليه وسلم من الحارث
روى الشيخان وابن إسحاق وأبو نعيم والحاكم والبيهقي من طرق عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع فإذا أتينا على شجرة ظليلة، تركناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأن رجلا من بني محارب يقال له غورث قال لقومه من غطفان: لأقتلن لكم محمدا، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت ظل شجرة، فعلق سيفه، فنمنا نومة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، فجئناه فإذا عنده أعرابي جالس فقال: «إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده- صلتا- فقال لي: من يمنعك مني؟ قلت: الله» ، زاد الحاكم وفي رواية: فسقط السيف من يده، زاد أبو نعيم: وأخذه راجفا. وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف وقال: «من يمنعك مني؟
قال: كن خيرا آخذ» ، فخلى سبيله فأتى أصحابه، فقال: جئتكم من عند خير الناس.
تنبيهات
الأول: غورث هذا وزن جعفر، وقيل: بضم أوله وهو بغين معجمة وراء، ومثلثة مأخوذة من الغرث، وهو الجوع، ووقع عند الخطيب بالكاف بدل المثلثة، وحكى الخطابي فيه(10/258)
غويرث بالتصغير، وحكى القاضي: أن بعض المغاربة قال في البخاري بالعين المهملة، وصوابه بالمعجمة.
الثاني: ذكره الحافظ الذهبي في التجريد من جملة الصحابة وعبارته غورث بن الحارث الذي قال: من يمنعك مني؟ قال: الله، قال: ما يمنعك مني؟ قال: الله، قالها ثلاثا، فوقع السيف من يده وأسلم، رواه البخاري من حديث جابر انتهى. ونازعه الحافظ بأنه ليس في البخاري تعرض لإسلامه، ثم أورد الطرق التي رواها البخاري في صحيحه ثم قال: ورويناه أي حديث جابر ... في قصة غورث في المسند الكبير، لمسدد، وفيه ما يصرح بعدم إسلامه وفيه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي بعد أن سقط السيف من يده: «من يمنعك مني؟» قال: كن خير آخذ، قال: «أوتسلم؟» قال: لا، ولكن أعاهدك أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله، فجاء إلى أصحابه فقال: جئتكم من عند خير الناس، وكذا رواه أحمد وذكره الثعلبي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، فذكر نحوه عن جابر فيما يتعلق بعدم إسلامه،
ثم قال: هذه الطرق ليس فيها أنه أسلم، وكأن الذهبي لما رأى ما في ترجمة دعثور بن الحارث أن الواقدي ذكر له شبها بهذه القصة وأنه ذكر أنه أسلم فجمع بين الروايتين فأثبت إسلام غورث فإن كان كذلك ففيما صنعه نظر من حيث إنه عزاه للبخاري، وليس فيه أنه أسلم ومن حيث إنه يلزم منه الجزم بكون القصتين واحدة مع احتمال كونهما واقعتين إن كان الواقدي أتقن ما نقل وفي الجملة هو على الاحتمال وقد يتمسك من يثبت إسلامه بقوله:
جئتكم من عند خير الناس.
الباب الثامن في عصمته صلى الله عليه وسلم من سراقة بن مالك قبل إسلامه
روى الشيخان عن أبي بكر رضي الله عنه قال: طلبنا القوم فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك على فرس له، فقلت: يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا قال: «لا تحزن، إن الله معنا» ، فلما كان بيننا وبينه قيد رمح أو ثلاثة دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم، أكفناه بما شئت» ، فساخت قوائم فرسه في الأرض إلى بطنها، قال: يا محمد، قد علمت أن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه، فو الله لأعمين كل من ورائي من الطلب، فدعا له فانطلق راجعا وقد تقدمت القصة مبسوطة في الهجرة.(10/259)
الباب التاسع في عصمته صلى الله عليه وسلم من اليهود حين أرادوا الفتك به
روى ابن جرير عن عكرمة وبرير بن أبي زياد وعبد الحميد عن مجاهد وابن إسحاق عن عاصم بن عمر، وابن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر، وأبو نعيم والبيهقي عن الزهري وعروة بن الزبير قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في عقل الكلابيين فقالوا: اجلس يا أبا القاسم، حتى تطعم وترجع بحاجتك، فجلس ومن معه في ظل جدار ينتظرون أن يصلحوا أمرهم فلما خلوا والشيطان معهم ائتمروا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: لن تجدوه من الآن، فقال رجل منهم: إن شئتم ظهرت فوق البيت الذي هو تحته فدليت عليه حجرا فقتلته، فجاؤوا إلى رحى عظيمة ليطرحوها عليه فأمسك الله عنها أيديهم، وأخبره بما ائتمروا به من شأنه، فقام ورجع أصحابه، ونزل القرآن: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ [المائدة 11] الآية.
الباب العاشر في عصمته صلى الله عليه وسلم من زيد بن قيس وعامر بن الطفيل
روى الطبراني وابن المنذر وأبو نعيم عن ابن عباس وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد والبيهقي عن ابن إسحاق أن عامر بن الطفيل قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن يغدر به، فقال لأربد: إنا قدمنا على الرجل، فإني شاغل عنك وجهه، فإذا فعلت ذلك، فاعله بالسيف، قال: أفعل فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أريدك يا محمد قم معي أكلمك، فقام معه فخليا إلى جدارا ووقف عامر يكلمه، فقال: يا محمد خالني قال: «لا، حتى تؤمن بالله وحده» ، فلما أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما والله، لأملأنها عليك خيلا حمرا ورجالا. فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم، اكفني عامر بن الطفيل» . فلما خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر لإربد: ويحك يا إربد، أين ما كنت أمرتك به؟ قال: والله، ما كان علي ظهر الأرض رجل أخوف عندي على نفسي منك، وأيم الله، لا أخاف بعد اليوم أبدا، قال: لا أبا لك، لا تعجل علي، فو الله، ما هممت بالذي أمرتني به من مرة إلا دخلت بيني وبين الرجل حتى ما أرى غيرك، أفأضربك بالسيف؟.(10/260)
الباب الحادي عشر في عصمته صلى الله عليه وسلم ممن أراد الفتك به
روى ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلا اختار له أصحابه شجرة ظليلة فيقيل تحتها، فأتاه أعرابي فاخترط سيفه، ثم قال:
من يمنعك مني؟ قال: «الله» ، فرعدت يد الأعرابي، وسقط السيف منه، وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه، فأنزل الله تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة 67]
وروى ابن حبان وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا إذا صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر تركنا له أعظم شجرة وأظلها فينزل تحتها، فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها، فجاء رجل فأخذه فقال: يا محمد، من يمنعك مني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله يمنعني منك، ضع السيف» فوضعه، فنزلت: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة 67] ،
وروى ابن أبي شيبة وابن جرير عن الحسن البصري رضي الله عنه قال: جعل للرجل أواق على أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلعه الله على ذلك فأمر به فصلب، وكان أول من صلب معه في الإسلام، وروى ابن أبي شيبة عنه قال: أول رجل صلب في الإسلام رجل من بني ليث جعلت له قريش أواقي على أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه جبريل فأخبره، فبعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم فصلب،
وروى ابن جرير رضي الله عنه أن رهطا من قريش جلسوا في الحجر بعد بدر، فقالوا: قبح الله العيش بعد موت آبائنا ببدر، ليتنا أصبنا رجلا يقتل محمدا، وجعلنا له جعلا فقال رجل: أنا والله جريء الصدر، جواد الشد جيد الحديد، أقتله، فجعل له أربعة رهط، كل رهط منهم أوقية من ذهب، فخرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل من قومه مسلم، فقال له: ما جاء بك قال: أسلمت، فجئت، قال: فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما في نفسه، فبعث إلى الرجل الذي نزل عليه، ينظر ضيفه فيشده وثاقا، ثم ابعث به إلي قال: فجعل الرجل ينادي حين خرجوا به هكذا تفعلون بمن يتبعكم، هكذا تفعلون بمن اختار دينكم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أصدقني» حتى ظن الناس أنه لو صدقه خلى عنه، قال: ما جئت إلا لأسلم، قال: «كذبت» ، ثم قص الرسول صلى الله عليه وسلم قصته في قصة القوم، فقال ما كان ذلك فأمر به فصلب على ذباب، فإنه لأول مصلوب.
الباب الثاني عشر في عصمته صلى الله عليه وسلم من شيبة بن عثمان قبل إسلامه
روى البيهقي عن أبو نعيم عن عكرمة قال: قال عثمان بن شيبة لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فذكرت أبي وعمي، وقتل علي وحمزة إياهما فقلت: اليوم أدرك ثأري من محمد، فجئته(10/261)
من خلفه فدنوت منه حتى لم يبق إلا أن أسوره بالسيف إذ دفع لي شواظ من نار بيني وبينه كأنه البرق، فنكصت القهقرى، فالتفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا شيبة، ادن مني» فوضع يده على صدري، واستخرج الله الشيطان من قلبي، فرفعت إليه بصري، وهو أحب إلي من سمعي وبصري.
الباب الثالث عشر في عصمته صلى الله عليه وسلم من المنافقين لعنهم الله حين أرادوا الفتك به
روى ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك والبيهقي، عن عروة عن حذيفة وعن ابن إسحاق رضي الله عنه في قوله تعالى: وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع قافلا من تبوك إلى المدينة، حتى إذا كان ببعض الطريق مكر برسول الله صلى الله عليه وسلم ناس من أصحابه فتآمروا عليه أن يطرحوه في عقبة في الطريق وفي لفظ: أن يقتلوه، فلما هموا وبلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه، فلما غشيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر خبرهم، فقال: «من شاء منكم أن يأخذ ببطن الوادي فإنه أوسع لكم» ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة، وأخذ الناس ببطن الوادي إلا النفر الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا ذلك استعدوا وتلثموا وقد هموا بأمر عظيم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان، وعمار بن ياسر فمشيا معه مشيا وأمر عمارا أن يأخذ بزمام الناقة وأمر حذيفة أن يسوقها، فبينما هم يسيرون إذ سمعوا بالقوم من ورائهم، قد غشوهم، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر حذيفة أن يردهم وأبصر حذيفة غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع ومعه محجن فاستقبل وجوه رواحلهم، فضربها بالمجن وأبصر القوم وهم متلثمون لا يشعر إنما ذلك فعل المسافر، فرعّبهم الله حين أبصروا حذيفة وظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه فأسرعوا حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أدركه قال: «اضرب الراحلة يا حذيفة، وامش أنت يا عمار» ، فأسرعوا حتى استوى بأعلاها فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا حذيفة، هل عرفت من هؤلاء الرهط، أو الركب أو أحدا منهم؟» قال: عرفت راحلة فلان وفلان، وقال: كانت ظلمة الليل وغشيتهم وهم متلثمون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل علمتم شأنهم وما أرادوا؟» قالوا: لا، والله يا رسول الله، قال: «فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا أظلمت في العقبة طرحوني منها، وأن الله تعالى قد أخبرني بأسمائهم، وأسماء آبائهم، وهم عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وأبو حاضر الأعرابي، وأبو عامر والجلاس بن سويد بن الصامت، ومجمع بن جارية وفليح التيمي، وحصين بن نمير، وطعمة بن أبيرق وعبد الله بن عيينة، ومرة بن الربيع» ، قيل: يا رسول الله، أفلا تأمر بهم فتضرب(10/262)
أعناقهم، قال: أكره أن يتحدث الناس، ويقولوا: إن محمدا وضع يده في أصحابه» ، فلما أصبح أرسل إليهم كلهم، فقال: «أردتم كذا وكذا» فحلفوا بالله ما قالوا، ولا أرادوا الذي سألهم عنه فذلك قوله تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا، وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ، وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا [التوبة 74] فهم اثنا عشر رجلا، حاربوا الله ورسوله، وكان أبو عامر رأسهم، وله بنوا مسجد الضرار.
الباب الرابع عشر في عصمته صلى الله عليه وسلم ممن قصد آذاه من الشياطين
روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني الله منه، وأردت أن أربطه إلى جنب سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا فتنظروا إليه كلكم أجمعون، فذكرت دعوة أخي سليمان «ربِّ هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي» فرده خاسئا» .
قصة أخرى
روى الإمام أحمد عن أبي التياح قال: قلت لعبد الرحمن بن خنيش كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كادته الشياطين؟ قال: تحدرت عليه الشياطين تلك الليلة من الجبال والأودية يريدون رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم شيطان بيده شعلة من نار يريد أن يحرق بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء جبريل فقال: يا محمد قل: فقال: «ما أقول؟» قال: قل: أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق، وذرأ وبرأ ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان، قال:
فانطفأت نارهم وهزمهم الله،
وروي عن أنس رضي الله عنه قال: لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه إبليس يكيده فانقض عليه جبريل، فدفعه بمنكبه، فألقاه بوادي الأردن، وروى أبو الشيخ والطبراني وأبو نعيم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ساجدا بمكة، فجاء إبليس فأراد أن يطأ عنقه فنفخه جبريل نفخة فما استقرت قدماه حتى بلغ الأردن.
الباب الخامس عشر في دفع أذى الهوام عنه صلى الله عليه وسلم
روى أبو نعيم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بخفيه يلبسهما فلبس أحدهما ثم جاء غراب فاحتمل الأخرى فرمى بها، فخرجت منه حية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما» .(10/263)
جماع أبواب موازاة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في فضائلهم بفضل نبينا صلى الله عليه وسلم.
الباب الأول في فوائد تتعلق بالكلام على ذلك
قال العلماء: ما أتى نبي من المعجزات ولا فضيلة إلا ونبينا صلى الله عليه وسلم أوتي نظيرها وأعظم منها، قال الإمام الشافعي رضي الله عنه فيما رواه البيهقي في مناقبه وابن أبي حاتم رضي الله عنهما: ما أعطى الله ما أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم ولفظ البيهقي رضي الله عنه: ما أعطى الله نبيا قط شيئا إلا وقد أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم أكثر فقال له عمرو وسوار: قد أعطى الله عيسى عليه الصلاة والسلام إحياء الموتى، قال: أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم الجذع الذي كان يقف على جنبه، وهي له كالمنبر، فلما هيئ له المنبر حن الجذع حتى سمع الناس صوته، فهذا أكثر من ذلك، وقال الحافظ جمال الدين المزني رضي الله عنه وأول من تكلم في هذا الباب أبو عبد الله محمد ابن إدريس الشافعي رضي الله عنه وعقد أبو عبيد في كتابه «الدلائل» فصلا في ذلك، وكذا أبو محمد وأبو عبد الله بن حامد الفقيه، وكذلك شيخ الإسلام كمال الدين بن الزملكاني في آخر مولده وكذلك شيخنا رحمهم الله تعالى وكذلك الصرصري الشاعر، يورد في بعض قصائده شيئا من ذلك، وأنا أذكر في هذا الباب حاصل ما ذكروه إن شاء الله تعالى.
الباب الثاني في موازاته ما أوتيه آدم صلى الله عليه وسلم
في ذلك أن الله تعالى خلقه بيده، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء، وكلمه كما في حديث أبي داود والطبراني، وأوتي نبينا صلى الله عليه وسلم شرح صدره تعالى بنفسه، وخلق فيه الإيمان والحكمة، وهو الخلق النبوي فتولى من آدم الخلق الوجودي ومن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلق السوي مع أن المقصود كما مر بخلق آدم خلق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المقصود وآدم الوسيلة والمقصود سابق على الوسيلة، وأما سجود الملائكة لآدم فقال الإمام فخر الدين إن الملائكة أمروا بالسجود لآدم لأجل أن نور محمد صلى الله عليه وسلم كان في وجهه ولله در القائل:
تجليت الله في وجه آدم* فصلى له الأملاك حين توصلا وقال الإمام سهل بن محمد هذا التشريف الذي شرف الله به محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً(10/264)
[الأحزاب 56] أتم وأجمع من تشريف آدم عليه الصلاة والسلام بأمر الملائكة له بالسجود، لأنه لا يجوز أن يكون الله مع الملائكة في ذلك التشريف، فتشريف يصدر عنه وعن الملائكة والمؤمنين أبلغ من تشريف مختص به وبالملائكة، وهذا وقع وانقطع، وشرفه صلى الله عليه وسلم مستمر أبدا، رواه الواحدي في أسباب النزول عنه بسند صحيح، وأما تعليم الأسماء،
فروى الديلمي في سند الفردوس عن أبي رافع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثلت لي أمتي في الماء والطين، وعلمت الأسماء كلها كما علم آدم الأسماء كلها» ،
قلت: وله شاهد عند الطبراني من
حديث أبي حذيفة بن أسيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عرضت علي أمتي البارحة أدنى هذه الشجرة أولها إلى آخرها» فقال رجل يا رسول الله، عرض عليك من خلق، فكيف من لم يخلق؟ فقال: «صوروا إلي في الطين حتى إني لأعرف بالإنسان منهم من أحدكم بصاحبه» .
الباب الثالث في موازاته ما أوتيه وأوتي إدريس صلى الله عليه وسلم رفعه الله مكانا عليا
وقد رفع الله نبينا صلى الله عليه وسلم إلى قاب قوسين، وقد تقدم في أبواب المعراج ما يغني عن إعادته.
الباب الرابع في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه نوح عليه الصلاة والسلام
قال أبو نعيم: آيته التي أوتي إجابة دعوته وإغراق قومه بالطوفان وكم لنبينا صلى الله عليه وسلم من دعوة مستجابة، وزاد نبينا على نوح بأنه في مدة عشرين سنة آمن به ألوف كثيرة، ودخل الناس في دينه أفواجا، ونوح أقام في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، فلم يؤمن به إلا دون المائة نفس، وقال أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه رضي الله عنه فكان ذلك فضيلة أوتيها إذا أجيبت وشفي صدره بإهلاك قومه، وأوتي النبي صلى الله عليه وسلم مثله، حين ناله من قريش ما ناله من التكذيب والاستخفاف، فأنزل الله ملك الجبال وأمره بطاعته فيما يأمره من إهلاك قومه فاختار الصبر على أذيتهم، والابتهال في الدعاء لهم وقد تقدم ذلك في عرض نفسه الكريمة على القبائل. قال الشيخ رحمه الله تعالى: ومما أوتيه نوح تسخير الحيوانات له في السفينة، وقد سخرت أنواع الحيوانات لنبينا صلى الله عليه وسلم نفي الحمى من المدينة إلى الحجفة، وأوتي نوح النجاة في السفينة، ولا شك أن حمل الماء للناس من غير سفينة أعظم من سلوك عليه في السفينة، وقد مشى كثير من الأولياء على متن الماء.(10/265)
الباب الخامس في موازاته صلى الله عليه وسلم وما أوتيه هود عليه الصلاة والسلام
قال أبو نعيم: أوتي النصر بالريح، وقد نصر بها نبينا صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر والخندق.
الباب السادس في موازاته صلى الله عليه وسلم وما أوتيه صالح عليه الصلاة والسلام
قال أبو نعيم: أوتي الناقة ونظيرها لنبينا صلى الله عليه وسلم كلام الجمل، وطاعته له كما تقدم.
الباب السابع في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام
أوتي النجاة من النار، وقد خمدت نار فارس لنبينا صلى الله عليه وسلم روى أبو نعيم عن عباد بن عبد الصمد قال: أتينا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: يا جارية، هلمي المائدة نتغدى، فأتت بها ثم قال: هلمي المنديل فأتت بمنديل وسخ، فقال: اسجري التنور فأوقدته فأمر بالمنديل فطرح فيه فخرج أبيض كأنه اللبن، فقلنا: ما هذا؟ قال: هذا منديل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح به وجهه فإذا اتسخ صنعنا به هكذا، لأن النار لا تأكل شيئا مر على وجوه الأنبياء، وألقى غير واحد من أمته في النار، فلم تؤثر فيه، منهم: ذؤيب بن كليب بن ربيعة الخولاني، وروى ابن وهب عن ابن لهيعة أن الأسود العنسي لما ادعى النبوة، وغلب على صنعاء أخذ ذؤيب بن كليب فألقاه في النار لتصديقه بالنبي صلى الله عليه وسلم فلم تضره النار، فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في أمتنا مثل إبراهيم الخليل.
وروى ابن عساكر من طريق إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم الخولاني أن الأسود تنبأ فبعث إلى أبي مسلم الخولاني، فأتاه فقال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع، قال: تشهد محمدا رسول الله؟ قال: نعم، فأتى بنار عظيمة، ثم ألقى أبا مسلم فيها فلم تضره، فقيل للأسود: إن لم تنف هذا عنك فسد عليك من اتبعك، فأمره بالرحيل، فقدم المدينة وقد قبض النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر فقال أبو بكر: الحمد لله الذي ألبثني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من صنع به كما صنع بإبراهيم خليل الرحمن، ومنهم عمار بن ياسر،
قال ابن سعد: حدثنا يحيى بن حماد أنبأنا أبو عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون قال: أحرق(10/266)
المشركون عمار بن ياسر بالنار، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر به ويمر يده على رأسه فيقول: «يا نار كوني بردا وسلاما على عمار، كما كنت على إبراهيم، تقتلك الفئة الباغية» .
وأوتي الخلة،
فقد أخرج ابن ماجة وأبو نعيم رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، فمنزلي ومنزل إبراهيم في الجنة تجاهين والعباس بيننا، مؤمن بين خليلين» ،
وروى أبو نعيم عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل وفاته بخمس: «إن الله اتخذ صاحبكم خليلا» .
وروى الطيالسي، وابن أبي شيبة، وابن منيع برجال ثقات عن ابن مسعود رضي الله عنه أن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم خليلا، وإن صاحبكم خليل، وان محمدا صلى الله عليه وسلم أكرم الخلائق على الله، ثم قرأ: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [الإسراء 79] زاد ابن منيع وإن محمدا سيد ولد آدم وسيد الناس يوم القيامة، قال أبو نعيم: وقد حجب إبراهيم عن نمرود بحجب ثلاث، وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم حجب عن من أراد قتله، وقد تقدم ذلك في الباب، وقد ناظر إبراهيم نمرودا فبهته بالبرهان والحجة كما قال تعالى: فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ [البقرة 258] وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم أتى أبي بن خلف يكذب بالبعث بعظم بال ففركه، قال: من يحيي العظام وهي رميم، فأنزل الله تعالى: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ [يس 79] وهذا البرهان القاطع، وقد كسر إبراهيم أصنام قومه غضبا لله، ونبينا صلى الله عليه وسلم أشار إلى أصنام قومه وهي ثلاثمائة وستون صنما فتساقطت، كما تقدم في فتح مكة، قال الشيخ رضي الله عنه: ومما أوتيه إبراهيم كلام الأكبش، روى ابن أبي حاتم عن علباء بن أحمر أن ذا القرنين قدم مكة فوجد إبراهيم وإسماعيل يبنيان البيت فقال: ما لكما ولأرضي؟ فقالا: نحن عبدان مأموران أمرنا ببناء هذه الكعبة قال: فهاتا البينة على ما تدعيان، فقام خمسة أكبش فقلن: نحن نشهد أنّ بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم عدة من الحيوانات ومن معجزاته ما رواه ابن أبي شيبة عن أبي صالح قال:
انطلق إبراهيم عليه الصلاة والسلام يمتار فلم يقدر على الطعام، فمر بسهلة حمراء فأخذ منها ثم رجع إلى أهله، فقالوا: ما هذا؟ قال: حنطة حمراء فوجدوها حنطة حمراء، فكان إذا زرع منها شيء خرج سنبلها من أصلها إلى فرعها حبا متراكما، وقد تقدم في النوع الأول من الباب نظير ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم في السقاء الذي زوده لأصحابه وملأه ماء، ففتحوه فإذا لبن وزبد، وقال إبراهيم: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء 82] قال الله تعالى:
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح 2] وقال إبراهيم: وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ [الشعراء 87] وقال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا(10/267)
مَعَهُ [التحريم 8] وقال إبراهيم حين ألقي في النار: حَسْبِي اللهُ ونِعْمَ الوَكيل وقال الله لمحمد: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ [الأنفال 64] وقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم:
وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى [الضحى 7] وقال إبراهيم: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [الشعراء 84] وقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح 4] وقال إبراهيم: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ [إبراهيم 35] وقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (1) ] [الأحزاب 33] وقال إبراهيم:
وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء 85] وقال الله لمحمد: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر 1] .
الباب الثامن في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه إسماعيل عليه الصلاة والسلام
أوتي الصبر على الذبح، وقد تقدم في صفاته شق الصدر وإن ذلك نظيره، بل بلغ منه لأن وقع حقيقة، والذبح لم يقع، وأوتي الفداء من الذبح وكذلك عبد الله أبو نبينا صلى الله عليه وسلم وأوتي ماء زمزم، وكذلك عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم، وأوتي العربية،
فروى الحاكم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألهم إسماعيل هذا اللسان العربي إلهاما»
وروى أبو نعيم عن عمر رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، ما لك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا؟
قال: «كانت لغة إسماعيل درست، فجاء بها جبريل فحفظنيها» .
الباب التاسع في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه يعقوب، انه ابتلي بفراق ولده
وصبر حتى كاد يكون مرضا من الحزن، ونبينا صلى الله عليه وسلم فجع بولده ولم يكن له من البنين غيره، فرضي واستسلم، ففاق صبره صبر يعقوب عليهما الصلاة والسلام.
__________
[ (1) ] سقط في ب.(10/268)
الباب العاشر في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه يوسف عليه الصلاة والسلام
قال أبو نعيم: أعطى يوسف من الحسن ما فاق به الأنبياء والمرسلين بل والخلق أجمعين، ونبينا صلى الله عليه وسلم أوتي من الجمال ما لم يؤته أحد، ولم يؤت يوسف إلا شطر الحسن، وأوتي نبينا صلى الله عليه وسلم الحسن جميعه كما تقدم في أبواب صفاته، قال أبو نعيم ويوسف: ابتلي بفراقه عن أبويه وعن بيته، وعن وطنه، ونبينا صلى الله عليه وسلم فارق الأهل والعشيرة والأحبة والوطن مهاجرا إلى الله تعالى قلت: وأوتي نبينا صلى الله عليه وسلم ذلك كما تقدم بيانه.
الباب الحادي عشر في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه موسى عليه الصلاة والسلام
أوتي نبع الماء من الحجر، وقد وقع ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم وزاد بنبعه من بين الأصابع الشريفة، قال أبو نعيم وهو أعجب، فإن نبعه من الحجر متعارف معهود، وأما بين اللحم والدم فلم يعهد، وأوتي تظليل الغمام، وتقدّم ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث، وأوتي العصا، قال أبو نعيم ونظيرها لنبينا صلى الله عليه وسلم حنين الجذع ونظيرها في قلبها ثعبانا في قصة الفحل الذي رآه أبو جهل، قال الشيخ رحمه الله تعالى: وأوتي اليد ونظيرها النور الذي جعله آية للطفيل، فصار في وجهه، ثم خاف أن يكون مثله، فتحول إلى سوطه كما تقدم، وأوتي انفلاق البحر، وقد تقدم نظيره في الإسراء أن البحر الذي بين السماء والأرض انفلق له وجاوزه، وأوتي المن والسلوى، ودعا موسى على قومه بالطوفان والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، قال أبو نعيم: ونظيره دعاؤه صلى الله عليه وسلم على قومه بالسنين، وقال موسى: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى [طه 84] وقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى [الضحى 5] فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها [البقرة 144] وقال الله تعالى لموسى: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [طه 39] وقال في حق محمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران 31] وأوتي آية من كنز العرش كما رواه هشام بن عمار عن عمرو بن حسان وأوتي النبي صلى الله عليه وسلم عدة آيات كما ستأتي مبينة في الخصائص، وقال ابن عقيل وأعظم من ذلك قوله لموسى:
وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه 41] وقوله لنبينا صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ [الفتح 10] .(10/269)
الباب الثاني عشر في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه يوشع، أوتي حبس الشمس حين قاتل الجبارين
وقد حبست الشمس لنبينا صلى الله عليه وسلم في الإسراء، وردت عليه صلى الله عليه وسلم بعد غروبها في غزوة خيبر.
الباب الثالث عشر في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه داود
قال أبو نعيم: أوتي تسبيح الجبال، ونظير ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم تسبيح الحصا والطعام كما تقدم، وأوتي تسخير الطير، وتقدم تسخير سائر الحيوانات لنبينا صلى الله عليه وسلم وأوتي إلانة الحديد وقد لينت الحجارة لنبينا صلى الله عليه وسلم وصم الصخور حين استتر من المشركين يوم أحد، مال برأسه إلى الجبل ليخفي شخصه عنهم، فلين الله تعالى له الجبل حتى أدخل رأسه، وذلك ظاهر باق يراه الناس، وكذلك في بعض شعاب مكة حجر أصم استروح إليه صلى الله عليه وسلم في صلاته فلان له الحجر، حتى أثر فيه بذراعيه وساعديه وذلك مشهور، وهذا أعجب، لأن الحديد يلينه النار ولم تر النار تلين الحجر، وأوتي الحكمة، وفصل الخطاب، وقد كانت الحكمة التي أوتيها نبينا صلى الله عليه وسلم، والشريعة التي شرعت له أكمل من كل حكمة وشرعة كانت قبله من الأنبياء،
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «أوتيت جوامع الكلم، واختصر لي الكلام اختصارا»
ولا شك أن العرب أفصح الأمم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفصحهم لفظا، وأجملهم لكل خلق جميل مطلقا، وأوتي سرعة القراءة وحسن الصوت، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم حسن الصوت بتلاوة القرآن، قال جبير بن مطعم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المغرب بالتين والزيتون فما سمع صوتا أطيب من صوته، وكان يقرأ ترتيلا كما أمره الله تعالى.
الباب الرابع عشر في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه سليمان عليه الصلاة والسلام
قال أبو نعيم: أوتي ملكا عظيما، وقد أعطي نبينا صلى الله عليه وسلم ما هو أعظم من ذلك مفاتيح خزائن الأرض فأباها، قال: «لو شئت لأجرى الله معي جبال الأرض ذهبا، ولكن أجوع يوما وأشبع يوما» ،
وأوتي سليمان الريح تسير به غدوها شهر ورواحها شهر، وقد أعطي نبينا صلى الله عليه وسلم ما(10/270)
هو أعظم من ذلك البراق سار به مسيرة خمسين ألف سنة، في أقل من ثلث ليلة، فدخل السموات سماء سماء، ورأى عجائبها، ووقف على الجنة والنار وسخرت له الريح، كما قال تعالى في شأن الأحزاب: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها [الأحزاب 9]
وقال صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور» وفي الصحيحين: «نصرت بالرعب مسيرة شهر»
ومضى ذلك أنه إذا قصد قتال قوم من الكفار ألقى الله الرعب في قلوبهم قبل وصوله إليهم بشهر ولو كانت مسيرة شهر، فهذا في مقابلة غدوها شهرا، ورواحها شهرا، بل هذا أبلغ في التمكين والنصر، وسخرت لسليمان الجن وكانت تعاص عليه حتى يصفدها ويعذبها، ونبينا صلى الله عليه وسلم أتته وفود الجن طائعة مؤمنة، وسخر له الشياطين والمردة منهم، حتى هم أن يربط الشيطان الذي أخذه بسارية المسجد، وأنزل الله تعالى الملائكة المقربين في غير ما موطن كبدر، وأحد، والأحزاب، وحنين، كما تقدم مفصلا، وذلك أعظم وأجل من تسخير الشياطين، قد ثبت في الصحيح أنه إذا دخل شهر رمضان صغرت الشياطين ومردة الجن، وأعطى سليمان النبوة والملك، ونبينا صلى الله عليه وسلم خير عن ذلك فاختار أن يكون نبيا عبدا.
الباب الخامس عشر في موازاته صلى الله عليه وسلم يحيى بن زكريا عليه الصلاة والسلام
وقال أبو نعيم أوتي الحكم صبيا، وكان يبكي من غير ذنب، وكان يواصل الصوم، وأعطي نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل من هذا، فإن يحيى لم يكن في عصر الأوثان والأصنام والجاهلية، ومع ذلك أوتي الفهم والحكم صبيا بين عبدة الأوثان، وحزب الشيطان، فما رغب لهم صنما قط، ولا شهد لهم عيدا، ولم يسمع منه قط كذب، ولا عرفت له صبوة، وكان يواصل الأسبوع صوما، ويقول: «إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» وكان يبكي حتى يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل، فإن قيل: كان يحيى حصورا والحصور الذي لا يأتي النساء قيل: إن نبينا صلى الله عليه وسلم بعث رسولا إلى الخلق كافة، وأمر بالنكاح لتقتدي به الخلق فيه لما جبلت عليه النفوس من التوقان إليه.
الباب السادس عشر في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام
قال الله تعالى: وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ(10/271)
وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ [آل عمران 49] وقد تقدم نظير ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم الذراع المسمومة، وهذا الإحياء أبلغ من إحياء الإنسان الميت من وجوه: أحدها: إنه إحياء جزء من الحيوان دون بقيته، وهذا معجز لو كان متصلا بالبدن.
الثاني: أنه إحياء وحدة منفصلة عن بقية أجزاء ذلك الحيوان مع موت البقية.
الثالث: أنه أعاد عليه الحياة مع الإدراك والعقل، ولم يكن هذا الحيوان يعقل في حياته فصار جزؤه حيا يعقل.
الرابع: أنه أقدره الله تعالى على النطق والكلام، ولم يكن الحيوان الذي هو جزؤه مما يتكلم وفي هذا ما هو أبلغ من حياة الطيور التي أحياها الله تعالى لإبراهيم عليه الصلاة والسلام وقال ابن كثير: وفي حلول الحياة والإدراك والعقل في الحجر الذي كان يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بالسلام ما هو أبلغ من حياة الحيوان في الجملة، لأنه كان محلا للحياة في وقت بخلاف هذا حيث لا حياة له بالكلية قبل ذلك، وكذلك تسليم الأحجار والمدر والشجر، وحنين الجذع، وجعله أبو نعيم نظير خلق الطين طيرا، وجعل العسيب سيفا، كما تقدم وقال تعالى: إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ: يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ [المائدة 112] وقد تقدم نظير ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم إنه أتى بطعام من السماء في عدة أحاديث تقدمت.
وروى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رجل أهله فرأى ما بهم من الحاجة، فخرج إلى البرية فقالت امرأته: اللهم، ارزقنا ما نعتجن ونختبز قال: فإذا الجفنة ملأى خميرا، والرحى تطحن، والتنور ملأى خبزا وشواء قال: فجاء زوجها وسمع الرحى، فقامت إليه لتفتح له الباب، فقال: ماذا كنت تطحنين؟ فأخبرته وإن رحاها لتدور وتصب دقيقا، فلم يبق في البيت وعاء إلا ملئ فرفع الرحى فنكس ما حوله فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما فعلت بالرحى؟» قال: رفعتها ونفضتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو تركتموها ما زالت كما هي لكم حياتكم» ، وفي رواية: «لو تركتها دارت إلى يوم القيامة» ،
وقال تعالى: يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ [آل عمران 46] وقد تقدم نظير ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم كما تقدم بيانه.
روى الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما ولد عيسى عليه الصلاة والسلام لم يبق في الأرض صنم إلا خر لوجهه وقد تقدم في باب ولادة نبينا صلى الله عليه وسلم نظير ذلك، وأوتي عيسى الرفع إلى السماء، قال أبو نعيم: وقد وقع ذلك لجماعة من أمة نبينا صلى الله عليه وسلم، منهم عامر بن فهرة، وخبيب والعلاء بن الحضرمي، وقال ابن الزملكاني: ومما أوتيه عيسى الإبراء من الجنون، وقد أبرأ نبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك كما تقدم، وأوتي عيسى المشي على الماء، وقد وقع ذلك لغير(10/272)
واحد من هذه الأمة، وقال الشيخ الإمام العلامة ذو المحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلذلك يشبهه في عصره بحسان بن ثابت أبو زكريا يحيى بن يوسف الأنصاري الصرصري، وكان ضرير البصر بصير البصيرة في قصيدة من حرف الحاء من ديوانه:
محمد المبعوث للناس رحمة ... وسيدنا أوهى الضلالة مصلح
لئن سبحت صم الجبال مجيبة ... لداود أو لان الحديد المصفح
فإن صخور الصم لانت بكفه ... وإن الحصى في كفه ليسبح
وإن كان موسى نبع الماء من العصا ... فمن كفه قد أصبح الماء يطفح
ولو كانت الريح الرخاء مطيعة ... سليمان لا تألو تروح وتسرح
فإن الصبا كانت لنصر نبينا ... برعب على شهر به الخصم تكلح
وإن أوتي الملك العظيم وسخرت ... له الجن تسعى بأرض تكدح
فإن مفاتيح الأمور بأسرها ... أتته فرد الزاهد المترجح
وإن كان إبراهيم أعطي خلة ... وموسى بتكليم على الطور يمنح
فلهو الحبيب والخليل وكليم ... ويختصّ بالرؤيا وبالحق أشرح
وبالمقعد الأعلى المقرب ناله ... عطاء لعينيه أقر وأبرح
وبالرتبة العليا الوسيلة دونها ... مراتب أرباب المواهب تطمح
ولهو إلى الجنات أول داخل ... له بابها قبل الخلائق يفتح(10/273)
جماع أبواب خصائصه صلى الله عليه وسلم في فوائد تتعلق بكلام عن الخصائص
الباب الأول فيما اختص به عن الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام في ذاته في الدنيا
الأولى.
خص صلى الله عليه وسلم بأنه أول الأنبياء خلقا.
روى الحسن بن سفيان وابن أبي حاتم في تفسيره وابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ [الأحزاب 7] الآية قال: «كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث» فبدئ به قبلهم.
وروى ابن أبي شيبة وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال: ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث» .
الثانية.
وتقدم نبوته صلى الله عليه وسلم وكان نبيا وآدم مجندل في طينته،
روى أبو نعيم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، متى جعلت نبيا؟ قال: «وآدم مجندل في الطين» .
وروى ابن سعد عن مطرف بن الشخير رضي الله عنه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى كنت نبيا؟ قال: «بين الروح والطين من آدم» .
وروى ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رجل: يا رسول الله، متى أخذ ميثاقك؟ قال: «وآدم بين الروح والجسد» .
الثالثة.
وبأنه أول من قال بلى، يوم ألست بربكم.
وروى الحافظ أبو سهل القطان في «جزء من أماليه» عن سهل بن صالح الهمداني قال: سالت أبا جعفر محمد بن علي [كيف صار محمد صلى الله عليه وسلم يتقدم الأنبياء، وهو آخر من بعث؟
قال: إن الله تعالى لما اخذ من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم: الست بربكم؟ كان محمد صلى الله عليه وسلم أول من قال: «بلى» ، ولذلك صار يتقدم الأنبياء وهو آخر من بعث] .(10/274)
الرابعة.
وبخلق آدم عليه الصلاة والسلام وجميع المخلوقات لأجله عليه السلام.
الخامسة.
وبكتابة اسمه الشريف على العرش، وكل سماء الجنان، وما فيها، وسائر ما في الملكوت.
السادسة.
وبذكر الملائكة له في كل ساعتها.
روى ابن عساكر عن كعب الأحبار رضي الله عنه قال: إن الله تعالى أنزل على آدم عصيا بعدد الأنبياء والرسل، ثم أقبل على ابنه شيت، فقال: يا بني، أنت خليفتي من بعدي، فخذها بعمارة التقوى، والعروة الوثقى وكلما ذكرت الله عز وجل فاذكر إلى جنبه اسم محمد، فإني رأيت اسمه مكتوبا على ساق العرش، وأنا بين الروح والطين، ثم طفت في السموات، فلم أر موضعا في السموات إلا رأيت اسم محمد مكتوبا عليه، وإن ربي أسكنني الجنة، فلم أر في الجنة قصرا ولا غرفة إلا اسم محمد مكتوبا عليه، ولقد رأيت اسم محمد مكتوبا على نحور الحور العين، وعلى ورق قصب أجام الجنة، وعلى ورق شجرة طوبى، وعلى ورق سدرة المنتهى، وعلى أطراف الحجب، وبين أعين الملائكة، فأكثر من ذكره، فإن الملائكة تذكره في كل ساعتها، وقد بسطت الكلام على هذه المسائل في أوائل الكتاب فراجعه، فإن فيه نفائس.
السابعة.
وبذكر اسمه صلى الله عليه وسلم في الأذان في عهد آدم عليه الصلاة والسلام.
روى أبو نعيم وابن عساكر بسند لم أر فيه من أتهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما نزل آدم صلى الله عليه وسلم بالهند استوحش، فنزل جبريل فنادى، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، إلى آخره.
الثامنة.
وبذكر اسمه صلى الله عليه وسلم في الأذان في الملكوت الأعلى وفي عهد آدم.
روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها: البراق، فأراد أن يركبها فاستصعبت عليه، فقال لها جبريل: اسكني، فو الله، ما ركبك عبد أكرم على الله من محمد، فركبها حتى انتهى إلى الحجاب الذي يلي(10/275)
الرحمن، فبينما هو كذلك إذ خرج ملك من الحجاب، فقال: الله أكبر، الله أكبر، فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي، لا إله إلا أنا، قال الملك: أشهد أن محمدا رسول الله، فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي، أنا أرسلت محمدا، فقال الملك: حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، ثم قال الملك: الله أكبر، الله أكبر، فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي، أنا أكبر، أنا أكبر، ثم قال الملك: لا إله إلا الله، فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي، لا إله إلا أنا، ثم أخذ الملك بيد محمد فقدمه، فأما أهل السموات فيهم آدم ونوح فيومئذ أكمل الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم الشرف على أهل السموات والأرض.
رواه البزار بسند جيد، وأبو الشيخ وابن شاهين، ورواه عن عائشة، ورواه ابن شاهين عن محمد بن الحنفية، ورواه الطبراني وابن شاهين عن ابن عمر وأسانيدها كلها تالفة كما بينت ذلك في بيان اتحاف البيت ببيان ما وضع في معراج البيت، قلت: في سنده زياد بن المنذر أبو الجارود، قال ابن معين: كذاب عدو الله.
وقال الذهبي وابن كثير: هذا من وضعه، وأورده القاضي في الشفاء، والسهيلي في الروض، والنووي في شرح مسلم ساكتين عليه وما في الحديث من ذكر الحجاب فهو في حق المخلوق، لا في حق الخالق، فهم المحجوبون والبارئ جل اسمه تنزه عما يحجبه من الحجب إنما يحيط بقدر محسوس، ولكن حجبه عن أنصار خلقه، وبصائرهم وإدراكاتهم ما يشاء وكيف يشاء، لقوله تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين 15] ، فقوله في هذا الحديث: الحجاب وخروج ملك من الحجاب، يجب أن يقال: حجاب حجب به من وراءه من ملائكته عن الاطلاع على ما دونه من سلطانه وعظمته، وحجاب ملكوته وجبروته، ويدل عليه من الحديث قول جبريل عليه السلام من الملك خرج من ورائه، إن هذا الملك ما رأيته منذ خلقت قبل ساعتي هذه، فدل أن هذا الحجاب لم يختص بالذات، ويدل عليه قول كعب رضي الله عنه في تفسير سدرة المنتهى إليها ينتهي علم الملائكة، وعندها يجدون أمر الله تبارك وتعالى لا يجاوزها علمهم، وأما قوله: «الذي يلي الرحمن» ، فيعمل على حذف مضاف، أي يلي عرش الرحمن أو امرا ما من عظيم آياته أو مبادئ حقائق معارفه، وكما هو أعلم به كما قال تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف 82] أي أهلها، فقوله: «قيل من وراء الحجاب: صدق عبدي، وأنا أكبر» ظاهره سمع في هذا الموطن كلام الله تعالى ولكن من وراء حجاب أي وهو لا يراه حجب بصره عن رؤيته، فإن صح القول بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فيحمل في هذا الموطن بعد هذا وقبله رفع الحجاب عن بصره حتى رآه، قلت: وفي هذا المعنى أحاديث بينت محالها في باب بدء الأذان فراجعه.(10/276)
التاسعة والعاشرة، والحادية عشرة، والثانية عشرة، والثالثة عشرة.
بأخذ الميثاق على النبيين وآدم فمن بعده أن يؤمنوا به وينصروه، والتبشير به في الكتب السابقة، وتقدم ذلك كله في أول الباب.
الرابعة عشرة.
في نعت أصحابه في الكتب السابقة.
قال تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء 105] .
وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: أخبر الله سبحانه وتعالى في التوراة والزبور، وسابق علمه، قبل أن تكون السموات والأرض، أن يورث أمة محمد الأرض.
وروى الطيالسي والمدني برجال ثقات عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلبه صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيء. قال الله سبحانه وتعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ [الفتح 29] الآية،
وروى ابن إسحاق وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله صاحب موسى، أخيه المصدق لما جاء به موسى، ألا إن الله تعالى قد قال لكم، يا معشر أهل التوراة، وإنكم لتجدون ذلك في كتابكم: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً
إلى آخر السورة.
وروى ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما: ذلك مثلهم في التوراة، يعني نعتهم مكتوب في التوراة، ومثلهم في الإنجيل قبل أن يخلق الله السموات والأرض.
وروى أبو عبيد وابن المنذر وأبو نعيم في الحلية عن عمار مولى بني هاشم قال: سألت أبا هريرة رضي الله عنه عن القدر، فقال: اكتف منه بآخر سورة الفتح: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ إلى آخرها يعني أن الله سبحانه وتعالى نعتهم قبل أن يخلقهم.(10/277)
وروى الطبراني في الأوسط والصغير، وابن مردويه بسند حسن عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح 29] قال: «النور يوم القيامة» .
وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنه في الآية قال: أما إنه ليس الذي ترون، ولكن سيما الإسلام وسحنته وسمته وخشوعه.
ورواه البيهقي عنه بلفظ: السمت الحسن.
وروى البخاري في تاريخه ومحمد بن نصر عنه قال في الآية: بياض يغشى وجوههم يوم القيامة.
وروى سعيد بن منصور وعبد بن حميد، ومحمد بن نصر عن مجاهد، قال: ليس له أثر في الوجه، ولكن الخشوع والتواضع.
وروى ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله: رُحَماءُ بَيْنَهُمْ قال: جعل الله الرحمة في قلوبهم بعضهم لبعض، سيماهم في وجوههم من أثر السجود، قال: علامتهم الصلاة، ذلك مثلهم في التوراة، قال: هذا المثل في التوراة أو مثلهم في الإنجيل، قال: هذا مثل آخر كزرع أخرج شطأه قال: هذا نعت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الإنجيل قبل أن يخرج قوم ينبتون نبات الزرع يخرج منهم قوم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
وروى ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ [الفتح 29] قال: صلاتهم تبدو في وجوههم يوم القيامة. ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ، وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ [الفتح 29] قال: سنبله حين يبلغ نباته عن حباته فآزره يقول: نباته مع التفافه حين يسنبل فهذا مثل ضربه لأهل الكتاب، إذا خرج قوم ينبتون كما ينبت الزرع، فيهم رجال يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ثم يغلظ فيهم الذين كانوا معه، وهو مثل ضربه لمحمد صلى الله عليه وسلم يقول: يبعث الله النبي وحده، ثم يجتمع إليه ناس قليل يؤمنون به، ثم يكون القليل كثير ويغلظون، ويغيظ الله تعالى بهم الكفار يعجب الزراع من كثرته وحسن نباته.
الخامسة عشرة. في نعت خلفائه صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة.
روى ابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: خرجت إلى اليمن قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت على شيخ من الأزد عالم، قد قرأ(10/278)
الكتب، وأتت عليه أربعمائة سنة إلا عشر سنين، فقال: أحسبك حرميا؟ قلت: نعم، وأحسبك قرشيا؟ قلت: نعم، قال: وأحسبك يتيما؟ قلت: نعم، قال: بقيت لي منك واحدة، قلت: ما هي؟ قال: تكشف عن بطنك، قلت: ولم ذاك؟ قال: أجد في العلم الصادق أن نبيا يبعث في الحرم يعاون عليه أمره، فتى وكهلا، فأما الفتى فخواض غمرات، ودفاع معضلات، وأما الكهل فأبيض نحيف على بطنه شامة وعلى فخذه اليسرى علامة، وما عليك إلا أن تريني، فقد تكاملت لي فيك الصفة، إلا ما خفي علي. فقال أبو بكر الصديق: فكشفت له عن بطني فرأى شامة سوداء فوق سرتي، فقال: أنت هو، ورب الكعبة.
وروى ابن عساكر عن الربيع عن أنس رضي الله عنه قال: مكتوب في الكتاب الأول:
مثل أبي بكر رضي الله عنه كمثل القطر أينما يقع نفع.
وروى ابن عساكر عن أبي بكر رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لرجل من أهل الكتاب: ما تجد فيما تقرأ قبلك من الكتب؟ قال: خليفة رسول الله وصديقه.
وروى الدينوري في المجالسة وابن عساكر من طريق زيد بن أسلم قال: أخبرنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: خرجت مع ناس من قريش، في تجارة إلى الشام في الجاهلية فذكر قصته، قال: فانتهيت إلى دير فاستظللت في ظله فخرج إلي رجل، فقال: يا عبد الله، ما يجلسك هاهنا؟ قلت: أضللت عن أصحابي، فجاءني بطعام وشراب، وصعد في النظر وخفضه. ثم قال: يا هذا، قد علم أهل الكتاب أنه لم يبق على وجه الأرض أعلم مني بالكتاب، وإني أجد صفتك التي تخرجنا من هذا الدير، وتغلب على هذه البلدة، قلت: أيها الرجل، قد ذهبت في غير مذهب، قال: ما اسمك؟ قلت: عمر بن الخطاب، قال: والله أنت صاحبنا، فهو غير شك فاكتب لي على ديري وما فيه، قلت: أيها الرجل، قد صنعت معروفا، فلا تكدره، فقال: اكتب لي كتابا في رق كيس عليك فيه شيء فإن تك صاحبنا فهو ما نريد، وإن تكن الأخرى، فليس يضرك، قلت: هات، فكتبت له ثم ختمت عليه، فلما قدم عمر الشام في خلافته، أتاه ذلك الراهب، وصاحب دير القدس بذلك الكتاب، فلما رآه عمر تعجب منه، وأنشأ يحدثنا حديثه، فقال: أوف لي بشرطي، فقال: ليس لعمر ولا لابن عمر منه شيء.
وروى ابن سعد عن ابن مسعود، وعبد الله ابن الإمام أحمد، في زوائد الزهد، عن أبي عبيدة رضي الله عنهما قالا: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ركض فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فانكشف ثوبه عن فخذه، فرأى أهل نجران أن بفخذه شامة سوداء فقالوا: هذا الذي نجد في كتابنا أنه يخرجنا من أرضنا، وروى أبو نعيم من طريق شهر بن حوشب عن كعب، قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه بالشام: إنه مكتوب في هذه الكتب، إن(10/279)
هذه البلاد مفتوحة على يد رجل صالح من المؤمنين، رحيم بهم، شديد على الكافرين، سره مثل علانيته، وقوله لا يخالف فعله، القريب والبعيد سواء في الحق عنده أتباعه رهبان بالليل وأسد بالنهار، متراحمون، متواصلون، متبارون، قال عمر رضي الله عنه: أحق ما تقول؟ قال: إي والله، قال: الحمد لله الذي أعزنا وأكرمنا وشرفنا ورحمنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن عساكر عن عبيد بن آدم، وأبي مريم وأبي شعيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان بالجابية، فقدم خالد بن الوليد إلى بيت المقدس قالوا: ما اسمك وما اسم صاحبك؟ قال: عمر بن الخطاب، قالوا: انعته لنا، فنعته، قالوا: أما أنت فلست تفتحها، ولكن عمر فإنا نجد في الكتب كل مدينة تفتح قبل الأخرى، وكل رجل يفتحها نعته، وإنا نجد في الكتاب قيسارية، تفتح قبل بيت المقدس، فاذهبوا فافتحوها ثم تعالوا بصاحبكم.
وروى ابن عساكر عن ابن سيرين رضي الله عنه قال: قال كعب لعمر: يا أمير المؤمنين، هل ترى في منامك شيئا؟ فانتهره، فقال: أنا أجد رجلا يرى أمر الأمة في منامه.
وروى الطبراني وأبو نعيم عن مغيث الأوزاعي رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لكعب: كيف تجد نعتي في التوراة؟ قال: خليفة قرن من حديد، أمير شديد لا يخاف في الله لومة لائم، ثم خليفة من بعدك تقتله أمة ظالمون له، ثم يقع البلاء بعده.
وروى ابن عساكر عن الأقرع مؤذن عمر، أن عمر رضي الله عنه دعا الأسقف، فقال:
هل تجدوننا في شيء من كتبكم؟ قالوا: نجد صفتكم وأعمالكم، ولا نجد أسماءكم، قال: كيف تجدونني؟ قالوا: قرنا من حديد، قال: ما قرن من حديد. قالوا: أمير شديد، قال عمر: الله أكبر، قال: والذي من بعدي؟ قالوا: رجل صالح يؤثر أقرباءه، قال عمر: يرحم الله ابن عفان، فالذي من بعده، قال: صداء حديد، فقال عمر: وادفراه. قال: مهلا يا أمير المؤمنين، فإنه رجل صالح، ولكن تكون خلافته في هراقة من الدماء والسيف مسلول.
وروى إسحاق بن راهويه في مسنده بسند حسن عن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: كان عبد الله بن سلام قبل أن يأتي أهل مصر يدخل على رؤوس قريش، فيقول لهم: لا تقتلوا هذا الرجل، يعني عثمان فيقولون، والله، ما نريد قتله، فيخرج وهو يقول:
والله، ليقتلنّه، ثم قال لهم: لا تقتلوه، فو الله، ليموتن إلى أربعين يوما، فأبوا فخرج عليهم بعد أيام، فقال لهم: لا تقتلوه، فو الله، ليموتن إلى خمس عشرة ليلة. انتهى.
وروى ابن سعد وابن عساكر عن طاوس، قال: سئل عبد الله بن سلام، حين قتل عثمان رضي الله عنه: كيف تجدون صفة عثمان في كتابكم، قال: نجده يوم القيامة أميرا على القاتل والخاذل.(10/280)
وروى أبو القاسم البغوي عن سعيد بن عبد العزيز رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل لذي قربات الحميري، وكان من أعلم يهود: يا ذا قربات، من بعده؟ قال:
الأمير، يعني أبا بكر رضي الله عنه قيل فمن بعده؟ قال: قرنا من حديد، يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيل: فمن بعده؟ قال: الأزهر، يعني عثمان رضي الله عنه قيل: فمن بعده؟ قال:
الوضاح المنصور، يعني معاوية.
وروى إسحاق بن راهويه والطبراني عن عبد الله بن معقل رضي الله عنه قال: قال ابن سلام: لما قتل علي قال: هذا رأس الأربعين، وسيكون عندها صلح.
وروى ابن سعد عن أبي صالح رضي الله عنه قال: كان الحادي يحدو بعثمان رضي الله عنه وهو يقول:
إن الأمير بعده علي ... وفي الزبير خلف مرضي
فقال كعب: لا، بل معاوية، فأخذ معاوية بذلك، وقال: يا أبا إسحاق، أنى يكون هذا، وها هنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علي والزبير؟ قال: أنت صاحبها.
وروى الطبراني والبيهقي عن محمد بن يزيد الثقفي رضي الله عنه قال: اصطحب قيس بن خرشة، وكعب الأحبار حتى إذا بلغا صفين، وقف كعب ثم نظر ساعة ثم قال: ليهراقن بهذه البقعة دماء المسلمين شيء لا يهراق ببقعة من الأرض مثله، فقال قيس: ما يدريك، فإن هذا من الغيب الذي استأثر الله به؟ فقال كعب: ما من الأرض شبر إلا مكتوب في التوراة التي انزل الله على موسى ما يكون عليه وما يخرج منه إلى يوم القيامة.
وروى الحاكم عن عبيد الله بن الزبير رضي الله عنه أنه قال: لما أتي برأس المختار، قال: ما حدثني كعب الأحبار بحديث إلا وجدت مصداقه إلا أنه حدثني أن رجلا من ثقيف سيقتلني، قال الأعمش: ما درى أن الحجاج خبئ له.
وروى عبد الله ابن الإمام أحمد، في زوائد الزهد، عن هشام بن خالد الربعي رضي الله عنه قال: قد قرأت في التوراة أن السماء والأرض تبكي على عمر بن عبد العزيز أربعين سنة.
وروى أيضا عن محمد بن فضالة رضي الله عنه أن راهبا قال: إنا نجد عمر بن عبد العزيز من أئمة العدل موضع رجب من الأشهر الحرم.
وروي أيضاً عن الوليد بن هشام بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط قال: نزلنا أرض كذا، فقال رجل: ألا تسمع ما يقول هذا الراهب؟ زعم أن سليمان بن عبد الملك توفي قال: فمن استخلف بعده؟ قال: الأشج عمر بن عبد العزيز، فلما قدمت الشام إذا هو كما قال، فلما كان(10/281)
العام الرابع نزلنا ذلك المنزل، فأتاه ذلك الرجل، فقال: يا راهب، الحديث الذي حدثتناه وقع، كما قلت، قال: فإنه والله، إنه قد سقي عمر السم فأتيناه فوجدناه كذلك.
وروى ابن عساكر من طريق المغيرة بن النعمان عن رجل من أهل البصرة قال: خرجت أريد بيت المقدس، فأواني المطر إلى صومعة راهب، فأشرف علي، فقال: إنا نجد في كتابنا أن قوما من أهل دينكم يقتلون بعذراء، لا حساب عليهم، ولا عذاب، فما مكثت إلا يسيرا حتى جيء بحجر بن عدي وأصحابه، فقتلوا بعذراء، وروى البيهقي عن كعب تظهر رايات سود لبني العباس، حتى ينزلوا الشام، ويقتل الله على أيديهم كل جبار وعدو لهم، والآثار في هذا كثيرة.
السادسة عشرة وبشق الصدر في أحد القولين والأصح، قلت: الراجح المشاركة، فقد روى سعيد بن منصور وابن جرير بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة تابوت بني إسرائيل «فيه سكينة من ربكم» قال: طست من ذهب من الجنة، كان يغسل فيها قلوب الأنبياء، ورواه من طريق آخر عن السدي عن أبي مالك عن ابن عباس رضي الله عنه ولكن سند هذا الطريق ضعيف، ولم أر لعدم المشاركة ما يعتمد عليه ببعض الفحص، ولم يتعرض الشيخ في الكبرى لدلائل ما رجحه هنا، وتقدم في شرح قصة المعراج ما يتعلق بشق الصدر أنه وقع أربع مرات فراجعه.
السادسة عشرة.
وتجعل خاتم النبوة يظهر بأن قلبه حيث يدخل الشيطان، وقد أبيت القول في ذلك في شرح غريب قصة المعراج فراجعه.
السابعة عشرة.
وبأنه له صلى الله عليه وسلم ألف اسم.
الثامنة عشرة.
وباشتقاق اسمه من اسم الله تعالى.
التاسعة عشرة.
وبأنه سمي من أسماء الله تعالى بنحو سبعين اسما وتقدم بيان ذلك في بيان أسمائه الشرعية.
العشرون.
وبأنه صلى الله عليه وسلم سمي أحمد، ولم يسم أحد قبله كما في حديث علي عند الإمام أحمد ومسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث.(10/282)
الحادية والعشرون.
وبإطلال الملائكة له في سفره صلى الله عليه وسلم تقدم ذلك في سفره إلى الشام مرة ثانية وزواجه خديجة رضي الله عنها.
الثانية والعشرون.
وكان أرجح الناس عقلا كما رواه أبو نعيم عن وهب بن منبه رضي الله عنه وتقدم في أرجح الناس عقلا من أسمائه.
الثالثة والعشرون.
بأنه أوتي كل الحسن، ولم يؤت يوسف عليه الصلاة والسلام إلا شطره كما تقدم في باب المعراج وباب حسنه.
الرابعة والعشرون.
وبغطه عند بدء الوحي كما نقله الحافظ في الفتح عن بعضهم.
الخامسة والعشرون.
وبرؤيته صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته التي خلق عليها قلت: وقع ذلك مرتين، الأولى: ليلة الإسراء، والثانية: وهو بمكة، وتقدم بيان ذلك والله أعلم.
السادسة والعشرون.
وبانقطاع الكهانة لمبعثه وحراسة السماء من استراق السمع والرمي بالشهب وبإحياء أبويه حتى آمنا به، ورد ذلك في حديث جزم جماعة بوضعه، كالحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي والشيخ، وغيرهما بضعفه، وألف الشيخ لذلك ثلاثة مؤلفات، وتقدم بيان ذلك.
السابعة والعشرون.
وبوعده من العصمة من الناس، وقال الله سبحانه وتعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة 67] وتقدم في باب عصمته أواخر المعجزات.
الثامنة والعشرون.
وبالإسراء وما تضمنه اختراق السموات.
التاسعة والعشرون.
وبالعلو إلى قاب قوسين.(10/283)
الثلاثون.
ووطئه مكانا ما وطئه نبي مرسل ولا ملك مقرب وبإحياء الأنبياء له صلى الله عليه وسلم.
الحادية والثلاثون.
ولصلاته صلى الله عليه وسلم إماما بالأنبياء والملائكة.
الثانية والثلاثون.
وباطلاعه صلى الله عليه وسلم على الجنة والنار فيما ذكره البيهقي.
الثالثة والثلاثون.
وبرؤيته صلى الله عليه وسلم من آيات ربه الكبرى.
الرابعة والثلاثون.
بحفظه حتى ما زاغ البصر وما طغى.
الخامسة والثلاثون.
وبرؤيته صلى الله عليه وسلم الباري مرتين أحدهما بفؤاده والثانية في المنام، وكلاهما في اليقظة، لأن رؤيته في المنام تكررت وتقدم بيان جميع ذلك في باب الإسراء والمعراج، والله سبحانه وتعالى أعلم.
السادسة والثلاثون.
وبالقرب.
السابعة والثلاثون.
وبالدنو.
الثامنة والثلاثون.
وبإعطاء الرضا والنور، وتقدم بيان ذلك في أبواب المعراج.
التاسعة والثلاثون.
وبقتال الملائكة معه صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا مع غيره إلا مددا.
الأربعون.
وبركوب البراق كما تقدم في باب المعراج قلت: وقع قتال من الملائكة في بدر وأحد خلافا لمن زعم اختصاصه ببدر فقط كما تقدم بيان ذلك في غزوة بدر وأحد.
فائدة: سئل السبكي، عن الحكمة في قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم مع أن جبريل قادر على أن يدفع الكفار بريشة من جناحه، فأجاب: بأن ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي صلى الله عليه وسلم(10/284)
وأصحابه وتكون الملائكة مددا على عادة مدد الجيوش رعاية لصورة الأسباب وسنتها التي أجراها الله في عباده، والله سبحانه وتعالى هو فاعل الجميع.
الحادية والأربعون.
وسير الملائكة معه صلى الله عليه وسلم حيث سار خلف ظهره كما رواه الإمام أحمد وابن ماجة وصححه ابن حبان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مشى مشوا أصحابه أمامه وتركوا ظهره للملائكة.
الثانية والأربعون.
وبإتيانه الكتاب وهو صلى الله عليه وسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب قال الله تعالى: النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ [الأعراف 157] .
روى ابن أبي حاتم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فحدث بنعمة الله فقال: «إن جبريل أتاني فقال: اخرج فحدث بنعمة الله التي أنعم عليك» الحديث وفيه: «ولقاني كلامه وأنا أمي وقد أوتي داود الزبور وموسى الألواح وعيسى الإنجيل» .
الثالثة والأربعون.
وبأن كتابه صلى الله عليه وسلم معجز قال تعالى قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء 88] وتقدم بيان ذلك في المعجزات.
الرابعة والأربعون.
وبأنه محفوظ من التبديل والتحريف على مر الدهور قال الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر 9] وقال تعالى: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت 42] وقال تعالى: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ [الإسراء 106] .
روى البيهقي عن الحسن في الآية الثانية قال: حفظه الله من الشيطان فلا يزيد فيه باطلا ولا ينقص منه حقا.
وروى أيضاً عن يحيى بن أكثم قال: دخل يهودي على المأمون فدعاه المأمون إلى الإسلام فأبى، فلما كان بعد سنة جاءنا مسلما، فتكلم على الفقه فأحسن الكلام.
فقال له المأمون: ما كان سبب إسلامك؟ قال: انصرفت من حضرتك، فأحببت أن أمتحن هذه الأديان، فعمدت إلى التوراة فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت، فأدخلتها(10/285)
البيعة، فاشتريت مني، وعمدت إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الكنيسة فاشتريت مني، وعمدت إلى القرآن، فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الوراقين فتصفحوها فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان، رموا بها فلم يشتروها، فعلمت أن هذا الكتاب محفوظ فكان هذا سبب إسلامي.
قال يحيى بن أكثم: حججت تلك السنة فلقيت سفيان بن عيينة فذكرت له هذا الحديث. فقال لي: مصداق هذا في كتاب الله، قلت: في أي موضع؟ قال: في قوله تبارك وتعالى في التوراة والإنجيل بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ [المائدة 44] فجعل حفظه إليهم وقال في القرآن: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر 9] فحفظه الله تعالى علينا فلم يضع.
الخامسة والأربعون.
وبأنه مشتمل على ما اشتملت عليه جميع الكتب وزيادة.
روى البيهقي عن الحسن البصري قال: أنزل الله تبارك وتعالى مائة كتاب وأربعة كتب أودع علومها أربعة كتب منها التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وأودع علوم التوراة والإنجيل والزبور في القرآن.
السادسة والأربعون.
وبأنه جامع لكل شيء، قال الله تعالى وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل 89] وقال تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام 38] .
روى سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من أراد العلم فعليه بالقرآن، فإنّ فيه خبر الأولين والآخرين وأنزل فيه كل علم، وبين لنا فيه كل شيء ولكن علمنا يقصر عما بين لنا في القرآن.
السابعة والأربعون.
وبأنه مستغن عن غيره.
أخرج الترمذي والدارمي وغيرهما من طريق الحارث الأعور عن علي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وهو الحبل المتين وهو الذكر الحكيم حكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل ما تركه من حبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيع به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة(10/286)
ولا تشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي إلى صراط المستقيم.
الثامنة والأربعون.
وبأنه ميسر للحفظ، قال الله سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر 17] .
التاسعة والأربعون.
وبأنه نزل منجما قال الله سبحانه وتعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ [الواقعة 75] .
روى ابن أبي شيبة والبيهقي والحاكم من طريق سعيد بن جبير، والنسائي والحاكم والبيهقي من طريق عكرمة بأسانيد صحيحة وابن مردويه والبيهقي من طريق مقسم كلهم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فصل الله القرآن من الذكر وأنزله في ليلة القدر جملة واحدة فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا، وكان الله تعالى ينزله على رسوله صلى الله عليه وسلم علي مواقع النجوم رسلا في الشهور والأعوام، بعضه إثر بعض بجواب كلام العباد وأفعالهم وأعمالهم، كلما أحدثوا شيئا أحدث الله لهم جوابا. قال أبو شامة، قوله: «رسلا» أي رفقا، وعلى مواقع النجوم: أي على مثل مساقطها، يريد، أنه أنزل مفرقا يتلو بعضه بعضا على تؤدة ورفق.
وقال العلماء [ (1) ] : في نزوله إلى السماء جملة تكريم بني آدم وتعظيم شأنهم عند الملائكة وتعريفهم عناية الله تعالى ورحمته لهم، [ولهذا المعنى أمر سبعين ألفا من الملائكة أن تشيع سورة الأنعام] ، وإن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم قد قربناه إليهم لننزله عليهم، وفيه التسوية بين موسى ونبينا صلى الله عليهما وسلم في إنزال كتابه جملة، والتفضيل لمحمد في إنزاله عليه منجما ليحفظه قال أبو شامة: فإن قيل ما السر في نزوله منجما؟ وهلا نزل كسائر الكتب جملة واحدة! قلنا: هذا سؤال قد تولى الله جوابه، فقال تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا: لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً [الفرقان 32] يعنون كما أنزل على من قبله من الرسل، فأجابهم تعالى بقوله: كَذلِكَ أي أنزلناه كذلك مفرَّقاً لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ [الفرقان 32] أي لنقوي به قلبك، فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى للقلب وأشد عناية بالمرسل إليهم، ويستلزم ذلك كثرة نزول الملائكة إليه، وتجدد العهد به، وما معه من الرسالة الواردة من ذلك الكتاب العزيز، فيحدث له من السرور ما
__________
[ (1) ] قاله السخاوي في جمال القراء.(10/287)
تقصر عنه العبارة، ولهذا كان أجود ما يكون في رمضان، لكثرة لقائه جبريل.
وقيل: معنى لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ أي لنحفظه فإنه عليه الصلاة والسلام كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، ففرق عليه ليثبت عنده حفظه بخلاف غيره من الأنبياء، فإنه كان كاتبا قارئا فيمكنه حفظ الجميع.
وقال غيره: إنما لم ينزل جملة واحدة، لأن منه الناسخ والمنسوخ ولا يتأتى ذلك إلا فيما أنزل مفرقا، ومنه ما هو جواب لسؤال، وما هو إنكار على قول قيل، أو فعل فعل، وقد تقدم ذلك في قول ابن عباس: ونزله جبريل بجواب كلام العباد وأعمالهم، وفسر به قوله تعالى:
وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [الفرقان 33] رواه عنه ابن أبي حاتم.
فالحاصل أن الآية تضمنت حكمتين لإنزاله مفرقا.
الخمسون.
وبأنه نزل على سبعة أحرف.
الحادية والخمسون.
ومنه سبعة أبواب.
روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف» .
وروى مسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن ربي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن يا رب هون على أمتي، فأرسل إلي أن أقرأ على حرفين فرددت إليه فقلت: يا رب هون على أمتي فرد الثالثة وما زلت كذلك حتى قيل لي اقرأ على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها فقلت: اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم عليه الصلاة والسلام» .
وروى الحاكم والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف، زجر وأمر وحلال وحرام، ومحكم ومتشابه وأمثال ... » .
تنبيه:
ليس المراد بالسبعة الأحرف سبع قراءات، فإن ذلك- كما قال أبو شامة- خلاف إجماع أهل العلم قاطبة وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل بل المراد سبعة أوجه من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة نحو «أقبل» «وتعال» «وهلم» «وأسرع» وإلى هذا ذهب ابن(10/288)
عيينة وابن جرير وابن وهب وخلائق، ونسبه أبو عمرو لأكثر العلماء [ (1) ] .
وقيل المراد: سبع لغات، وإلى هذا ذهب أبو عبيدة وثعلب والأزهري وآخرون واختاره ابن عطية، وصححه البيهقي في الشعب وتعقب بأن لغات العرب أكثر من سبعة وأجيب بأن المراد أفصحها [ (2) ] .
قال أبو عبيدة: ليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبع لغات بل اللغات السبع مفرقة فيه، فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة اليمن وغيرهم [قال: وبعض اللغات أسعد بها من بعض، وأكثر نصيبا] .
قال البيهقي: والمراد بالسبعة الأحرف في حديث ابن مسعود رضي الله عنه الأنواع التي نزل عليها، والمراد بها في تلك الأحاديث اللغات التي يقرأ بها.
وقال غيره: من أول الأحرف السبعة بهذا فهو تأويل فاسد، لأنه محال أن يكون الحرف منها حراما لا ما سواه أو حلالا لا ما سواه، ولأنه لا يجوز أن يكون القرآن على أنه حلال كله أو حرام كله أو أمثال كله.
وقال ابن عطية: هذا القول ضعيف، لأن الإجماع على أن التوسعة لم تقع في تحليل حلال ولا في تحريم حرام ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة [ (3) ] .
وقال أبو علي الأهوازي وأبو العلاء الهمداني: أشهد أن قوله في الحديث «زاجر وآمر» الخ استئناف كلام آخر، أي هو زاجر أي القرآن، ولم يرد به تفسير الأحرف السبعة، وإنما توهم
__________
[ (1) ] ويدل له ما أخرجه أحمد والطبراني من حديث أبي بكرة «أن جبريل قال: يا محمد أقرأ القرآن على حرف، قال ميكائيل: استزده ... حتى بلغ سبعة أحرف، قال: كل شاف كاف، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو رحمة بعذاب، نحو قولك: تعال، وأقبل وهلمّ واذهب وأسرع وعجّل» . هذا اللفظ رواية أحمد، وإسناده جيد. وأخرج أحمد والطبراني أيضا عن ابن مسعود نحوه. وعند أبي داود عن أبي: «قلت: سميعا عليما عزيزا حكيما، ما لم تخلط آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب» .
[ (2) ] فجاء عن أبي صالح، عن أبي عباس، قال: نزل القرآن على سبع لغات، منها خمس بلغة العجز من هوازن. قال: والعجز:
سعد بن بكر وجشم بن بكر ونصر بن معاوية وثقيف، وهؤلاء كلهم من هوازن. ويقال لهم: عليا هوازن ولهذا قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم- يعني بني دارم.
وأخرج أبو عبيد من وجه آخر، عن ابن عباس، قال: نزل القرآن بلغة الكعبين: كعب قريش وكعب خزاعة، قيل، وكيف ذاك؟ قال: لأن الدار واحدة- يعني أن خزاعة كانوا جيران قريش فسهلت عليهم لغتهم.
وقال أبو حاتم السّجستاني: نزل بلغة قريش وهذيل وتميم والأزد وربيعة وهوازن وسعد بن بكر، واستنكر ذلك ابن قتيبة وقال: لم ينزل القرآن إلا بلغة قريش، واحتج بقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [إبراهيم 4] فعلى هذا تكون اللغات السبع في بطون قريش، وبذلك جزم أبو عليّ الأهوازيّ.
[ (3) ] وقال الماورديّ: هذا القول خطأ، لأنه صلّى الله عليه وسلم أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف وإبدال حرف بحرف، وقد أجمع المسلمون على تحريم إبدال آية أمثال بآية أحكام.(10/289)
ذلك من جهة الاتفاق في العدد، ويؤيده أن في بعض طرقه زاجرا وآمرا بالنصب أي نزل على هذه الصفة في الأبواب السبعة.
وقال أبو شامة: يحتمل أن يكون التفسير المذكور للأبواب لا للأحرف أي هي سبعة أبواب من أبواب الكلام وأقسامه أي أنزله الله على هذه الأصناف لم يقتصره منها على صنف واحد كغيره من الكتب، وفي هذه المسألة نحو أربعين قولا سردها الشيخ في الاتقان في النوع السادس عشر.
الثانية والخمسون.
وأنه نزله بكل لغة عدّ هذ ابن النقيب قلت: وكذا رواه ابن أبي شيبة عن أبي ميسرة والضحاك وابن المنذر عن وهب بن منبه، قال أبو عمرو: في التمهيد قول من قال إن القرآن نزل بلغة قريش معناه عندي في الأغلب والله أعلم لأن غير لغة قريش موجودة في جميع القراءات من تحقيق الهمزات ونحوها وقريش لا تهمز.
وقال الشيخ جمال الدين بن مالك: أنزل الله تعالى القرآن بلغة الحجازيين إلا قليلا فإنه نزل بلغة التميميين كالإدغام في شاقِقِ اللَّهَ
[الأنفال 13] وفي مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ [المائدة 54] ، فإن إدغام المجزوم لغة تميم ولهذا قيل، الفك لغة الحجاز، وهذا أكثر نحو وَلْيُمْلِلِ [البقرة 282] يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران 31] يُمْدِدْكُمْ [آل عمران 125] اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي [طه 31] وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي [طه 81] قال: وقد أجمع القراء على نصب إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ [النساء 157] ، لأن لغة الحجاز بين التزام النصب في المنقطع كما أجمعوا على نصب ما هذا بَشَراً
[يوسف 31] ، لأن لغتهم أعمال «ما» وزعم الزمخشري في قوله تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل 65] أنه استثناء منقطع جاء على لغة بني تميم.
وقال أبو بكر الواسطي في «الإرشاد في القراءات العشر» في القرآن من اللغات خمسون لغة [ (1) ] ، وسردها الشيخ وذلك في الإتقان في النوع السابع والثلاثين.
تنبيه:
اختلف هل وقع في القرآن شيء بغير لغة العرب، فالأكثرون ومنهم الإمام الشافعي وابن جرير وأبو عبيدة والقاضي أبو بكر وابن فارس إلى عدم وقوع ذلك فيه، بقوله تعالى:
__________
[ (1) ] لغة قريش، وهذيل، وكنانة، وخثعم، والخزرج، وأشعر، ونمير، وقيس عيلان، وجرهم، واليمن، وأزد شنوءة، وكندة، وتميم، وحمير، ومدين، ولخم، وسعد العشيرة، وحضرموت، وسدوس، والعمالقة، وأنمار، وغسان، ومذحج، وخزاعة، وغطفان، وسبأ، وعمان، وبنو حنيفة، وثعلبة، وطيئ، وعامر بن صعصعة، وأوس، ومزينة، وثقيف، وجذام، وبليّ، وعذرة، وهوازن، والنّمر، واليمامة.(10/290)
قُرْآناً عَرَبِيًّا [يوسف 2] وقوله وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا: لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُ، ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ [فصلت 44] وقد شدد الشافعي التنكير على القائل بذلك.
وقال أبو عبيدة: إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين، فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول، ومن زعم أن كذا بالنبطية فقد أكبر القول.
وقال ابن فارس: لو كان فيه من لغة غير العرب شيء لتوهم متوهم أن العرب إنما عجزت عن الإتيان بمثله، لأنه أتى بلغات لا يعرفونها.
وقال ابن جرير: ما ورد عن ابن عباس وغيره في تفسير ألفاظ من القرآن بالفارسية أو (الحبشية) [ (1) ] أو النبطية أو نحو ذلك إنما اتفق فيها توارد اللغات فتكلمت بها العرب والفرس والحبشة بلفظ واحد.
وقال آخرون: كل هذا الألفاظ عربية صرفة، ولكن لغة العرب متسعة جدا، ولا يبعد أن يخفى على الأكابر الجلة وقد خفي على ابن عباس معنى «فاطر» و «فاتح» .
وقال الشافعي في الرسالة: لا يحيط باللغة إلا نبي.
وذهب آخرون إلى وقوع ذلك في القرآن، وقد بسط الكلام على ذلك الشيخ في الاتقان [ (2) ] .
__________
[ (1) ] سقط في ج.
[ (2) ] وذهب آخرون إلى وقوعه فيه، وأجابوا عن قوله تعالى: قُرْآناً عَرَبِيًّا [يوسف 2] بأن الكلمات اليسيرة بغير العربية لا تخرجه عن كونه عربيّا، والقصيدة الفارسية لا تخرج عنها بلفظة فيها عربية، وعن قوله تعالى: ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ [فصلت 44] بأن المعنى من السياق: «أكلام أعجميّ ومخاطب عربيّ!» . واستدلوا باتفاق النحاة على أن منع صرف نحو «إبراهيم» للعلميّة والعجمة، وردّ هذا الاستدلال بأن الأعلام ليست محل خلاف، فالكلام في غيرها موجّه بأنّه إذا اتفق على وقوع الأعلام فلا مانع من وقوع الأجناس، وأقوى ما رأيته للوقوع- وهو اختياري- ما أخرجه ابن جرير بسند صحيح عن أبي ميسرة التابعيّ الجليل قال: في القرآن من كل لسان.
وروى مثله عن سعيد بن جبير ووهب بن منبّه.
فهذه إشارة إلى أن حكمة وقوع هذه الألفاظ في القرآن أنه حوى علوم الأولين والآخرين، ونبأ كل شيء، فلا بد أن تقع فيه الإشارة إلى أنواع اللغات والألسن ليتم إحاطته بكل شيء، فاختير له من كل لغة أعذبها وأخفها وأكثرها استعمالا للعرب.
ثم رأيت ابن النقيب صرح بذلك، فقال: من خصائص القرآن على سائر كتب الله تعالى المنزلة أنها نزلت بلغة القوم الذين أنزلت عليهم، ولم ينزل فيها شيء بلغة غيرهم، والقرآن احتوى على جميع لغات العرب، وأنزل فيه بلغات غيرهم من الروم والفرس والحبشة شيء كثير. انتهى.
وأيضا النبي صلّى الله عليه وسلم مرسل إلى كل أمة، وقد قال تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [إبراهيم 4] ، فلا بد وأن يكون في الكتاب المبعوث به من لسان كل قوم، وإن كان أصله بلغة قومه هو.
وقد رأيت الخويي ذكر لوقوع المعرب في القرآن فائدة أخرى، فقال: إن قيل أن «إستبرق» ليس بعربيّ وغير العربي من الألفاظ دون العربيّ في الفصاحة والبلاغة، فنقول: لو اجتمع فصحاء العالم وأرادوا أن يتركوا هذه اللفظة ويأتوا بلفظ يقوم مقامها في الفصاحة لعجزوا عن ذلك، وذلك لأن الله تعالى إذ حثّ عباده على الطاعة، فإن لم يرغبهم بالوعد(10/291)
__________
[ () ] الجميل ويخوّفهم بالعذاب الوبيل، لا يكون حثّه على وجه الحكمة، فالوعد والوعيد نظرا إلى الفصاحة واجب. ثم إن الوعد بما يرغب فيه العقلاء، وذلك منحصر في أمور: الأماكن الطيبة، ثم المآكل الشهيّة، ثم المشارب الهنية، ثم الملابس الرفيعة ثم المناكح اللذيذة، ثم ما بعده مما يختلف فيه الطباع، فإذن ذكر الأماكن الطيبة والوعد به لازم عند الفصيح، ولو تركه لقال من أمر بالعبادة ووعد عليها بالأكل والشرب: إن الأكل والشرب لا ألتذّ به، إذا كنت في حبس أو موضع كريه، فإذن ذكر الله الجنة ومساكن طيبة فيها، وكان ينبغي أن يذكر من الملابس ما هو أرفعها، وأرفع الملابس في الدنيا الحرير، وأما الذهب فليس مما ينسج منه ثوب. ثم إن الثوب الذي من غير الحرير لا يعتبر فيه الوزن والثقل، وربما يكون الصفيق الخفيف أرفع من الثقيل الوزن، وأما الحرير فكلما كان ثوبه أثقل كان أرفع، فحينئذ وجب على الفصيح أن يذكر الأثقل الأثخن، ولا يتركه في الوعد لئلا يقصر في الحث والدعاء. ثم هذا الواجب الذكر، إما أن يذكر بلفظ واحد موضوع له صريح، أو لا يذكر بمثل هذا، ولا شكّ أنّ الذكر باللفظ الواحد الصريح أولى، لأنه أوجز وأظهر في الإفادة، وذلك «إستبرق» فإن أراد الفصيح أن يترك هذا اللفظ، ويأتي بلفظ آخر لم يمكنه، لأنّ ما يقوم مقامه إما لفظ واحد أو ألفاظ متعددة، ولا يجد. العربيّ لفظا واحدا يدّل عليه، لأنّ الثياب من الحرير عرفها العرب من الفرس، ولم يكن لهم بها عهد، ولا وضع في اللغة العربية للدّيباج الثخين اسم، وإنما عرّبوا ما سمعوا من العجم واستغنوا به عن الوضع لقلّة وجوده عندهم ونزرة تلفظهم به، وأما إن ذكره بلفظين فأكثر، فإنه يكون قد أخّل بالبلاغة، لأنّ ذكر لفظين لمعنى يمكن ذكره بلفظ تطويل، فعلم بهذا أن لفظ «إستبرق» يجب على كلّ فصيح أن يتكلم به في موضعه ولا يجد ما يقوم مقامه، وأيّ فصاحة أبلغ من أن لا يوجد غيره مثله!. انتهى.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام بعد أن حكى القول بالوقوع عن الفقهاء والمنع عن العربية: والصواب عندي مذهب فيه تصديق القولين جميعا، وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء، لكنها وقعت للعرب، فعربتها بألسنتها وحوّلتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها، فصارت عربية، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب، فمن قال إنها عربية فهو صادق، ومن قال: أعجمية فصادق. ومال إلى هذا القول الجواليقي وابن الجوزيّ وآخرون.
وهذا سرد الألفاظ الواردة في القرآن من ذلك مرتبة على حروف المعجم:
(أباريق) : حكى الثعالبيّ في فقه اللغة أنها فارسية، وقال الجواليقيّ: الإبريق فارسي معرب، ومعناه طريق الماء أو صبّ الماء على هينة.
(أبّ) : قال بعضهم: هو الحشيش بلغة أهل الغرب حكاه شيذلة.
(ابلعي) : أخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه في قوله تعالى: ابْلَعِي ماءَكِ قال: بالحبشية «أزدرديه» . وأخرج أبو الشيخ من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه قال: اشربي بلغة الهند.
(أخلد) : قال الواسطيّ في الإرشاد: أخلد إلى الأرض، ركن بالعبرية.
(الأرائك) : حكى ابن الجوزيّ في فنون الأفنان، أنها السّرر بالحبشية.
(آزر) : عدّ في المعرب على قول من قال: إنه ليس بعلم لأبي إبراهيم ولا للصم. وقال ابن أبي حاتم: ذكر عن معتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يقرأ» : وإذ قال إبراهيم لأبيه آزرُ (1) يعني بالرفع، قال: بلغني أنها أعوج وأنها أشدّ كلمة قالها إبراهيم لأبيه وقال بعضهم: هي بلغتهم يا مخطئ.
(أسباط) : حكى أبو الليث في تفسيره أنّها بلغتهم كالقبائل بلغة العرب.
(إستبرق) : أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك أنه الديباج الغليظ، بلغة العجم.
(أسفار) : قال الواسطيّ في الإرشاد: هي الكتب بالسريانية، وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: هي الكتب بالنّبطية.
(إصري) : قال أبو القاسم في لغات القرآن: معناه عهدي بالنّبطية.
(أكواب) : حكى ابن الجوزي أنها الأكواز بالنّبطية. وأخرج ابن جرير عن الضحاك أنها بالنبطية جرار ليست لها عرى.
(إلّ) : قال ابن جني: ذكروا أنه اسم الله تعالى بالنّبطيّة.
(أليم) : حكى ابن الجوزيّ أنّه الموجع بالزنجية. وقال شيذلة: بالعبرانية.
(إناه) : نضجه بلسان أهل المغرب، ذكره شيذلة، وقال أبو القاسم: بلغة البربر، وقال في قوله تعالى: حَمِيمٍ آنٍ:(10/292)
__________
[ () ] هو الذي انتهى حرّه بها، وفي قوله تعالى: مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (3) أي حارّة بها.
(أوّاه) : أخرج أبو الشيخ بن حبّان من طريق عكرمة، عن ابن عباس قال: الأواه الموقن بلسان الحبشة، وأخرج ابن أبي حاتم مثله عن مجاهد وعكرمة. وأخرج عن عمرو بن شرحبيل، قال: الرحيم بلسان الحبشة، وقال الواسطي: الأوّاه الدعاء بالعبرية.
(أوّاب) : أخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن شرحبيل قال: الأوّاب: المسبّح بلسان الحبشة وأخرج ابن جرير عنه في قوله تعالى: أَوِّبِي مَعَهُ، قال: سبّحي بلسان الحبشة.
(الملة الآخرة) : قال شيذلة: الجاهلية الأولى أي الآخرة في الملّة الآخرة، أي الأولى بالقبطية والقبط يسمّون الآخرة الأولى، والأولى الآخرة. وحكاه الزركشي في البرهان (2) .
(بطائنها) : قال شيذلة في قوله تعالى: بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ أي ظواهرها بالقبطية. وحكاه الزركشي.
(بعير) : أخرج الفريابيّ عن مجاهد في قوله تعالى: كَيْلَ بَعِيرٍ، أي كيل حمار، وعن مقاتل: إنّ البعير كلّ ما يحمل عليه بالعبرانية.
(بيع) : قال الجواليقي في كتاب المعرب: البيعة والكنيسة جعلهما بعض العلماء فارسيين معرّبين.
(تنّور) : ذكر الجواليقي والثعالبي أنه فارسي معرب.
(تتبيرا) : أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً قال: تبره بالنبطية.
(تحت) : قال أبو القاسم في لغات القرآن في قوله تعالى: فَناداها مِنْ تَحْتِها أي بطنها بالنبطية. ونقل الكرماني في العجائب مثله عن مؤرّج.
(الجبت) : أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس، قال: الجبت اسم الشيطان بالحبشية. وأخرج عن ابن حميد عن عكرمة، قال: الجبت بلسان الحبشة الشيطان، وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير، قال: الجبت: الساحر، بلسان الحبشة.
(جهنم) : قيل: أعجميّة، وقيل فارسية وعبرانيّة، أصلها «كهنام» .
(حرم) : أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة، قال) : وحرم: وجب بالحبشية.
(حصب) : أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس، في قوله تعالى: حَصَبُ جَهَنَّمَ قال: حطب جهنم، بالزنجية.
(حطّة) : قيل: معناه: قولوا صوابا، بلغتهم.
(حواريون) : أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: الحواريّون: الغسالون بالنبطية، وأصله «هواري» .
(حوب) : تقدم في مسائل نافع بن الأزرق عن ابن عباس، أنه قال: حوبا: إنما بلغة الحبشة.
(دارست) : معناه قارأت بلغة اليهود.
(درّيّ) : معناه المضيء بالحبشية، حكاه شيذلة وأبو القاسم.
(دينار) : ذكر الجواليقي وغيره أن فارسي.
(راعنا) : أخرج أبو نعيم في دلائل النبوة عن ابن عباس قال: راعنا سبّ بلسان اليهود.
(ربّانيّون) : قال: الجواليقي: قال أبو عبيدة: العرب لا تعرف الربانيين، وإنما عرفها الفقهاء وأهل العلم قال: وأحسب الكلمة ليست بعربية وإنما هي عبرانية أو سريانية، وجزم القاسم بأنها سريانية.
(ربّيّون) : ذكر أبو حاتم أحمد بن حمدان اللغوي في كتاب الزينة أنّها سريانية.
(الرحمن) : ذهب المبرّد وثعلب إلى أنه عبرانيّ، وأصله بالخاء المعجمة.
(الرس) : في العجائب للكرمانيّ: إنه عجمي ومعناه البئر.
(الرّقيم) : قيل: إنه اللوح بالرّومية حكاه شيذلة، وقال أبو القاسم: هو الكتاب بها، وقال الواسطيّ: هو الدواة بها.
(رمزا) : عدّه ابن الجوزي في فنون الأفنان من المعرّب، وقال الواسطيّ: هو تحريك الشفتين بالعبرية.
(رهوا) : قال أبو القاسم في قوله تعالى: وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً أي سهلا دمثا، بلغة النّبط، وقال الواسطي: أي ساكنا، بالسريانية.
(الرّوم) : قال الجواليقيّ: هو أعجميّ. اسم لهذا الجيل من الناس.(10/293)
__________
[ () ] (زنجبيل) : ذكر الجواليقيّ والثعالبي أنه فارسي.
(السّجل) : أخرج ابن مردويه من طريق أبي الجوزاء عن ابن عباس، قال: السجلّ بلغة الحبشة الرجل. وفي المحتسب لابن جني السّجلّ: الكتاب. قال قوم: هو فارسي معرب (4) .
(سجيل) : أخرج الفريابيّ عن مجاهد، قال: سجّيل بالفارسية، أوّلها حجارة، وآخرها طين.
(سجيّن) : ذكرها أبو حاتم في كتاب الزينة أنه غير عربيّ.
(سرادق) : قال الجواليقي: فارسي معرّب، وأصله سرادر، وهو الدهليز. وقال غيره. الصواب أنه بالفارسية سردار، أي ستر الدار.
(سريّ) : أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله تعالى: سَرِيًّا، قال نهرا، بالسريانية وعن سعيد بن جبير بالنّبطية، وحكى شيذلة أنه باليونانية.
(سفرة) : أخرج ابن أبي حاتم: من طريق ابن جريح، عن ابن عباس، في قوله تعالى: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ قال: بالنّبطية:
القرّاء.
(سقر) : ذكر الجواليقي أنها أعجمية.
(سجدا) : قال الواسطي في قوله تعالى: وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً، أي مقّنعي الرؤوس، بالسريانية.
(سكر) : أخرج ابن مردويه، من طريق العوفيّ، عن ابن عباس، قال: السّكر بلسان الحبشة الخلّ.
(سلسبيل) : حكى الجواليقيّ أنه عجميّ.
(سنا) : عدّه الحافظ ابن حجر في نظمه، ولم أقف عليه لغيره.
(سندس) : قال الجواليقي هو رقيق الديباج بالفارسية، وقال الليث: لم يختلف أهل اللغة والمفسرون في أنّه معرّب.
وقال شيذلة: هو بالهنديّة.
(سيّدها) : قال الواسطي في قوله تعالى: وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ، أي زوجها بلسان القبط: قال أبو عمرو: لا أعرفها في لغة العرب.
(سينين) : أخرج ابن أبي حاتم، وابن جرير عن عكرمة قال: سينين: الحسن بلسان الحبشة.
(سيناء) : أخرج ابن أبي حاتم، عن الضّحاك، قال: سيناء بالنّبطية الحسن.
(شطر) : أخرج ابن أبي حاتم، عن رقيع في قوله تعالى: شَطْرَ الْمَسْجِدِ، قال: تلقاء، بلسان الحبش.
(شهر) : قال الجواليقي: ذكر بعض أهل اللغة أنه بالسريانية.
(الصراط) : حكى النقّاش وابن الجوزي أنه الطريق بلغة الرّوم، ثم رأيته في كتاب الزّينة لأبي حاتم.
(صرهن) : أخرج ابن جرير، عن ابن عباس في قوله تعالى: فَصُرْهُنَّ، قال: هي نبطية، فشقّقهن. وأخرج مثله عن الضحاك، وأخرج ابن المنذر عن وهب بن منبه قال: ما من اللغة شيء إلا منها في القرآن شيء، قيل: وما فيه من الرومية؟ قال: فَصُرْهُنَّ يقول: قطّعهن.
(صلوات) : قال الجواليقي: هي بالعبرانية كنائس اليهود، وأصلها «صلوتا» وأخرج ابن أبي حاتم نحوه عن الضحاك.
(طه) : أخرج الحاكم في المستدرك، من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: طه قال: هو كقولك: يا محمد، بلسان الحبش، وأخرج ابن أبي حاتم، من طريق سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: طه بالنّبطية.
وأخرج عن سعيد بن جبير قال: طه يا رجل، بالنّبطية، وأخرج عن عكرمة قال: طه يا رجل بلسان الحبشة.
(الطاغوت) : هو الكاهن بالحبشية.
(طفقا) : قال بعضهم: معناه قصدا بالرومية، وحكاه شيذلة.
(طوبى) : أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير، قال: بالهندية.
(طور) : أخرج الفريابي، عن مجاهد. قال: الطّور: الجبل بالسريانية. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك، أنه بالنّبطية.
(عبدت) : قال أبو القاسم في قوله تعالى: عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ، معناه قتلت بلغة النبط.
(عدن) : أخرج ابن جرير، عن ابن عباس أنه سأل كعبا عن قوله تعالى: جَنَّاتِ عَدْنٍ قال: كروم وأعناب بالسريانية، ومن تفسير جويبر أنه بالرّومية.(10/294)
__________
[ () ] (العرم) : أخرج ابن أبي حاتم، عن مجاهد، قال: العرم بالحبشية، وهي المسنّاة التي يجمع فيها الماء ثم ينبثق.
(غسّاق) : قال الجواليقي والواسطيّ: هو البارد المنتن بلسان الترك. وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن بريدة قال:
الغسّاق: المنتن، وهو بالطخاريّة.
(غيض) : قال أبو القاسم: غيض: نقص، بلغة الحبشة.
(فردوس) : أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد، وقال: الفردوس بستان بالرومية. وأخرج عن السديّ، قال: الكرم بالنبطية.
وأصله «فرداسا» .
(فوم) : قال الواسطيّ: هو الحنطة بالعبرية.
(قراطيس) : قال الجواليقي: يقال إن القرطاس أصله غير عربي.
(قسط) : أخرج ابن أبي حاتم، عن مجاهد قال: القسط العدل، بالرومية.
(قسطاس) : أخرج الفريابيّ، عن مجاهد، قال: القسطاس: العدل بالرومية. وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير، قال: القسطاس بلغة الروم: الميزان.
(قسورة) : أخرج ابن جرير، عن ابن عباس، قال: الأسد، يقال له بالحبشية: قسورة.
(قطنا) : قال أبو القاسم: معناه كتابنا، بالنبطية.
(قفل) : حكى الجواليقيّ عن بعضهم أنه فارس معرب.
(قمّل) : قال الواسطيّ: الدّبا (5) بلسان العبرية والسريانية. قال أبو عمرو: لا أعرفه في لغة أحد من العرب.
(قنطار) : ذكر الثعالبي في فقه اللغة أنه بالرومية اثنتا عشرة ألف أوقيّة: وقال الخليل: زعموا أنه بالسريانية ملء جلد ثور ذهبا أو فضة. وقال بعضهم: إنه بلغة بربر ألف مثقال، وقال ابن قتيبة: قيل إنه ثمانية آلاف مثقال، بلسان أهل إفريقية.
(القيوم) : قال الواسطيّ: هو الذي لا ينام بالسّريانية.
(كافور) : ذكر الجواليقيّ وغيره أنه فارسي معرب.
(كفّر) : قال ابن الجوزي: كفّر عنا معناه: امح عنا بالنّبطية. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عمران الجونيّ في قوله تعالى: كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ قال: بالعبرانية.
(كفلين) : أخرج ابن أبي حاتم، عن أبي موسى الأشعري، قال: كفلين: ضعفين بالحبشية.
(كنز) : ذكر الجواليقي أنه فارسي معرب.
(كوّرت) : أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير: كورت: غوّرت، وهي بالفارسية.
(لينة) : في الإرشاد للواسطي: هي النّخلة، وقال الكلبيّ: لا أعلمها إلا بلسان يهود يثرب.
(متّكأ) : أخرج ابن أبي حاتم، عن سلمة بن تمام الشقريّ، قال: متكأ بلسان الحبش يسمون التّرنج متّكأ.
(مجوس) : ذكر الجواليقي أنه أعجمي.
(مرجان) : حكى الجواليقي عن بعض أهل اللغة أنه أعجمي.
(مشكاة) : أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: المشكاة: الكوّة، بلغة الحبشة.
(مقاليد) : أخرج الفريابيّ عن مجاهد: قال: مقاليد: مفاتيح بالفارسية. وقال ابن دريد والجواليقيّ: الإقليد والمقليد:
المفتاح فارسيّ معرب.
(مرقوم) : قال الواسطيّ في قوله تعالى: كِتابٌ مَرْقُومٌ، أي مكتوب، بلسان العبرية.
(مزجاة) : قال الواسطي: مزجاة: قليلة، بلسان العجم، وقيل بلسان القبط.
(ملكوت) : أخرج بن أبي حاتم، عن عكرمة في قوله تعالى: مَلَكُوتَ، قال: هو الملك، ولكنه بكلام النّبطيّة «ملكوتا» .
وأخرجه أبو الشيخ عن ابن عباس وقال الواسطي في الإرشاد: هو الملك بلسان النّبط.
(مناص) : قال: أبو القاسم: معناه فرار بالنّبطيّة.
(منسأة) : أخرج ابن جرير عن السّديّ قال: المنسأة: العصا بلسان الحبشة.
(منفطر) : أخرج ابن جرير عن ابن عباس، في قوله تعالى: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ قال: ممتلئة به، بلسان الحبشة.(10/295)
__________
[ () ] (مهل) : قيل: هو عكر الزيت بلسان أهل المغرب، حكاة شيذلة وقال أبو القاسم: بلغة البربر.
(ناشئة) : أخرج الحاكم في مستدركه عن ابن مسعود، قال: ناشئة الليل: قيام الليل بالحبشية. وأخرج البيهقي عن ابن عباس مثله.
(ن) : حكى الكرماني في العجائب، عن الضحاك أنه فارسيّ، أصله النون، ومعناه: اصنع ما شئت.
(هدنا) : قيل معناه تبنا بالعبرانية، حكاه شيذلة وغيره.
(هود) : قال الجواليقيّ: الهود اليهود، أعجمي.
(هون) : أخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران في قوله تعالى: يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً قال: حكماء بالسّريانية، وأخرج عن الضّحاك مثله، وأخرج عن أبي عمران الجونيّ أنه بالعبرانية.
(هيت لك) : أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، قال: هيت لك، هلمّ لك بالقبطية. وقال الحسن: هي بالسريانية كذلك، أخرجه ابن جرير. وقال عكرمة: هي بالحورانية، كذلك أخرجه أبو الشيخ. وقال أبو زيد الأنصاريّ: هي بالعبرانية، وأصله «هيتلج» أي تعالى.
(وراء) : قيل: معناه أمام بالنبطيّة، وحكاه شيذلة وأبو القاسم، وذكر الجواليقي أنها غير عربية.
(وردة) : ذكر الجواليقي أنها غير عربية.
(وزر) : قال أبو القاسم: هو الحبل والملجأ، بالنّبطية.
(ياقوت) : ذكر الجواليقي والثعالبي وآخرون أنه فارسي.
(يحور) : أخرج ابن أبي حاتم، عن داود بن هند، في قوله تعالى: إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (4) ، قال: بلغة الحبشة «يرجع» . وأخرج مثله عن عكرمة، وتقدم في أسئلة نافع بن الأزرق عن ابن عباس.
(يس) : أخرج ابن مردويه، عن ابن عباس، في قوله تعالى: يس قال: يا إنسان بالحبشية، وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، قال: يس: يا رجل بلغة الحبشة.
(يصدّون) قال ابن الجوزي: معناه يضجّون بالحبشية.
(يصهر) : قيل معناه ينضج، بلسان أهل المغرب، حكاه شيذلة.
(اليم) : قال ابن قتيبة: اليّم البحر بالسريانية، وقال ابن الجوزيّ: بالعبرانية، وقال شيذلة: بالقبطية.
(اليهود) : قال الجواليقي: أعجمي معرّب، منسوبون إلى يهوذا بن يعقوب، فعرّب بإهمال الدال.
(فهذا ما وقفت من الألفاظ المعرّبة في القرآن بعد الفحص الشديد سنين، ولم تجتمع قبل في كتاب قبل هذا.
وقد نظم القاضي تاج الدين بن السبكي منها سبعة وعشرين لفظا في أبيات، وذيل عليها الحافظ أبو الفضل بن حجر بأبيات فيها أربعة وعشرون لفظا وذيّلت عليها بالباقي، وهو بضع وستون، فتمت أكثر من مائة لفظة. فقال ابن السبكي.
السّلسبيل وطه كوّرت بيع ... روم وطوبى وسجيل وكافور
والزنجبيل ومشكاة سرادق مع ... إستبرق صلوات سندس طور
كذا قراطيس ربانيهم وغى ... ودينار والقسطاس مشهور
كذاك قسورة واليم ناشئة ... ويوت كفلين مذكور ومسطور
له مقاليد فردوس يعد كذا ... فيما حكى ابن دريد منه تنّور
وقال ابن حجر:
وزدت حرم ومهل والسّجل كذا ... السّريّ والأبّ ثم الجبت مذكور
وقطنا وإناه ثمّ متّكئا ... دارست يصهر منه فهو مصهور
وهيت والسّكر الأوّاه مع حصب ... وأوبى معه والطّاغوت مسطور
صرهنّ إصري وغيض الماء مع وزر ... ثمّ الرقيم مناص والسنا النّور
وقلت أيضا:
وزدت يس والرّحمن مع ملكو ... ت ثم سينين شطر البيت مشهور
ثم الصراط ودريّ يحور ومر ... جان ويمّ مع القنطار مذكور(10/296)
الثالثة والخمسون.
وجعل بقراءته لكل حرف عشر حسنات عد هذا الزركشي.
قلت:
روى البخاري في تاريخه والترمذي ومحمد بن نصر وأبو جعفر النحاس والحاكم والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول آلم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» ولفظ ابن نصر والنحاس: ولكن ألف عشر، ولام عشر، وميم عشر، فتلك ثلاثون [ (1) ] .
الرابعة والخمسون.
ويتفضل القرآن على سائر الكتب المنزلة بثلاثين خصلة لم تكن في غيره، قاله صاحب التحرير [ (2) ] قلت: ونقله الشيخ في الكبرى عن الإمام الرازي.
الخامسة والخمسون.
وبأنه نزل مع بعضه ما سد الأفق.
روى الإسماعيلي في «معجمه» والحاكم وصححه عن جابر رضي الله عنه قال: لما أنزلت سورة الأنعام سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق [ (3) ] » .
وروى الطبراني وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نزلت علي سورة الأنعام جملة واحدة [ (4) ] يشيعها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح والتحميد» .
__________
[ () ]
وراعنا طفقا هدنا ابلعي وورا ... ء والأرائك والأكواب مأثور
هود وقسط كفّر رمزه سقر ... هون يصدّون والمنساة مسطور
شهر مجوس وإقفال يهود حوا ... ريّون كنز وسجّين وتتبير
بعير آزر حوب وردة عرم ... إل ومن تحتها عبّدت والصّور
ولينة فومها رهو وأخلد من ... جاة وسيّدها القيوم موقور
وقمّل ثم أسفار عنى كتبا ... وسجّدا ثم ربيّون تكثير
وحطّة وطوى والرّس نون كذا ... عدن ومنفطر الأسباط مذكور
مسك أباريق ياقوت رووا فهنا ... ما فات من عدد الألفاظ محصور
وبعضهم عد الأولى مع بطائنها ... والآخره لمعاني الضّدّ مقصور
[ (1) ] أخرجه الترمذي (2910) وابن أبي شيبة 10/ 461 والطبراني في الكبير 18/ 76 والسيوطي في الدر 1/ 22.
[ (2) ] التحرير والتحبير لأقوال أئمة التفسير في معاني كلام السميع البصير وهو تفسير مجير للشيخ العلامة جمال الدين أبي عبد الله محمد بن سليمان المعروف بابن النقيب.
[ (3) ] أخرجه الحاكم 2/ 315 وانظر الدر المنثور 3/ 2، 3 والكنز (2580) وابن كثير 3/ 233.
[ (4) ] أخرجه الطبراني في الصغير 1/ 81 وانظر المجمع 7/ 19 والدر المنثور 3/ 2.(10/297)
وروى الطبراني وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت سورة الأنعام بمكة ليلا جملة، وحولها سبعون ألف ملك يجأرون بالتسبيح [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد ومحمد بن نصر والطبراني بسند صحيح عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «البقرة سنام القرآن وذروته نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا استخرجت اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة 255] من تحت العرش فوصلت بها [ (2) ] .
وروى الطبراني عن أنس وابن المنذر عن أبي جحيفة وعبد بن حميد عن ابن المنكدر والفريابي وابن راهويه عن شهر بن حوشب وابن مردويه عن ابن مسعود والطبراني وابن مردويه عن أسماء بنت يزيد والبيهقي والخطيب عن علي نحوه، ولم يقف الإمام النووي على هذه الأحاديث فأنكر نزول الأنعام جملة وتعقبه الحافظ في أماليه رحمه الله تعالى وهذه المسألة من زياداتي والله تعالى أعلم.
السادسة والخمسون.
وبأنه دعوة وحجة ولم يكن لمثل هذا النبي قط منهم إنما يكون لكل نبي منهم دعوة، ثم تكون له حجة غيرها، وقد جمعها الله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن فهو دعوة بمعانيه حجة بألفاظه، وكفى الدعوة شرفا أن تكون حجتها معها، وكفى الحجة شرفا أن لا تفصل الدعوة عنها قاله الحليمي رحمه الله تعالى.
السابعة والخمسون.
وبأنه أعطى من كنز العرش ولم يعط أحد منه.
الثامنة والخمسون.
وبالفاتحة.
التاسعة والخمسون.
وبآية الكرسي.
الستون.
وبخواتيم سورة البقرة
__________
[ (1) ] انظر الدر المنثور 3/ 2 وأبو نعيم في الحلية 3/ 44.
[ (2) ] أخرجه أحمد 5/ 26 وانظر المجمع 6/ 311 والكنز (2548) .(10/298)
الحادية والستون.
وبالسبع الطوال- بكسر المهملة وفتح الواو-.
الثانية والستون.
وبالمفصل..
روى أبو عبيد وابن الضريس كلاهما في «الفضائل» عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الكرسي من كنز تحت العرش ولم يعطها نبي قبل نبيكم [ (1) ] .
وروى أبو عبيد عن كعب قال: إن محمدا أعطي أربع آيات لم يعطها موسى لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [البقرة 284] حتى ختم البقرة فتلك ثلاث آيات وآية الكرسي.
روى الإمام أحمد والطبراني والبيهقي عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطها نبي قبلي [ (2) ] » .
وروى مسلم والنسائي وابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس وعنده جبريل إذا سمع نقيضا من السماء من فوق فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال: يا محمد هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم فنزل منه ملك فقال هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك، فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف إلا أوتيته.
وروى الحاكم عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت فاتحة الكتاب من تحت العرش والمفصل نافلة [ (3) ] » .
وروى البيهقي عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطيت مكان التوراة السبع الطوال، مكان الزبور المبين، ومكان الإنجيل المثاني، وفضلت بالمفصل [ (4) ] .
وروى أبو الشيخ في الثواب والطبراني والضياء في المختارة عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع أنزلت من كنز تحت العرش لم ينزل منه شيء غيرهن، أم
__________
[ (1) ] البخاري في التاريخ 1/ 249 والسيوطي في الدر 1/ 226، 227 والكنز (2563، 4059) .
[ (2) ] أخرجه أحمد 5/ 383 والبيهقي 1/ 213 وانظر المجمع 6/ 312 وانظر الفتح 1/ 439.
[ (3) ] أخرجه الحاكم 1/ 559.
[ (4) ] أخرجه أحمد 4/ 107 والطبري في التفسير 17/ 34 وانظر المجمع 7/ 46، 158 والدر المنثور 2/ 116.(10/299)
الكتاب، وآية الكرسي، وخواتيم سورة البقرة، والكوثر [ (1) ] » .
وروى ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر 87] قال: هي السبع الطوال ولم يعطهن أحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم وأعطي موسى منهن اثنتين [ (2) ] .
وروى ابن مردويه عنه في الآية قال: ادخرت لنبيكم صلى الله عليه وسلم ولم تدخر لنبي سواه.
الثالثة والستون.
وبالبسملة.
قلت: الصحيح المشاركة لما في القرآن من سورة النمل.
الرابعة والستون.
وبأن معجزاته صلى الله عليه وسلم مستمرة إلى يوم القيامة، وهي القرآن ومعجزات سائر الأنبياء انقرضت لوقتها كما تقدم في أول المعجزات عد هذه ابن عبد السلام رضي الله عنه.
الخامسة والستون.
وبأنه صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء معجزات، فقد قيل: إنها تبلغ ألفا، قاله البيهقي، وقيل: ألفا ومائتين، نقلة النووي، وقيل: ثلاثة آلاف سوى القرآن، ذكره البيهقي ونقله الزاهري من الحنفية سوى القرآن، فإن فيه ستين ألف معجزة تقريبا، وأظن أن كتاب الشيخ أصل هذا الكتاب، لا يقتصر عن ذلك، وتقدم بيان ذلك في أول المعجزات.
السادسة والستون.
وبأن في معجزاته صلى الله عليه وسلم معنى آخر هو أنه ليس في شيء من معجزاته غيره ما ينحو نحو اختراع الأجسام، وإنما ذلك في معجزات لنبينا صلى الله عليه وسلم خاصة، قاله الحليمي، قلت: وذلك كتكثيره التمر والأطعمة كما تقدم بيان ذلك في المعجزات.
السابعة والستون.
وبأنه جمع له كل ما أوتيه الأنبياء من معجزات وفضائل ولم يجمع ذلك لغيره بل اختص بكل نوع.
__________
[ (1) ] السيوطي في الدر 1/ 5 وانظر الكنز (2504) .
[ (2) ] انظر المجمع 7/ 46.(10/300)
وقال بعضهم: اختص الله تعالى بعضا بمعجزات في الأفعال كموسى، وبعضا بالصفات كعيسى، ونبينا بالمجموع لتمييزه.
وروى البيهقي في مناقب الإمام الشافعي رضي الله عنه عن عمرو بن سوار السروجي، قال: ما أعطى الله نبيا قط شيئا إلا وقد أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم أكثر، قال عمرو: فقلت له قد أعطى الله عيسى أكثر منه أن يحيي الموتى، قال الشافعي: فالجذع الذي كان يخطب جنبه قبل أن يجعل له المنبر حين حن إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني فهذا أكبر من ذلك وتقدّم بيان هذا في موازنة معجزات الأنبياء بمعجزاته صلى الله عليه وسلم.
الثامنة والستون.
وبانشقاق القمر.
التاسعة والستون.
وبتسليم الحجر.
السبعون.
وبحنين الجذع.
الحادية والسبعون.
وبنبع الماء من بين الأصابع ولم يثبت لواحد من الأنبياء مثل ذلك، ذكره سلطان العلماء ابن عبد السلام.
الثانية والسبعون.
وبكلام الشجر.
الثالثة والسبعون.
وبشهادتها له بالنبوة.
الرابعة والسبعون.
وبإجابتها دعوته.
الخامسة والسبعون.
وبإحياء الموتى وكلامهم.
السادسة والسبعون.
وبكلام الصبيان والمراضع.(10/301)
السابعة والسبعون.
وشهادتهم له بالنبوة ذكره الدماسي وتقدم الكلام على ذلك في المعجزات.
الثامنة والسبعون.
وبأنه خاتم النبيين وآخرهم بعثا فلا نبي بعده، قال تبارك وتعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ، وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب 40] .
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأكمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين [ (1) ] »
والأحاديث في هذا كثيرة شهيرة.
ولا يقال: «عيسى» ينزل في آخر الزمان، فإنه كان نبيا قبله ورفعه الله تعالى لحكمة اقتضتها الإرادة الإلهية وإذا نزل لا يأتي بشريعة مستقلة ناسخة لشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم بل إنما يحكم بشريعتنا وللشيخ رحمه الله تعالى في ذلك مصنف حافل.
التاسعة والسبعون.
وبأن شرعه صلى الله عليه وسلم مؤبد لا ينسخ.
الثمانون.
وبأنه ناسخ لجميع الشرائع قبله قال الله سبحانه وتعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ [المائدة 48] بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة 33] .
الحادية والثمانون.
ولو أدركه الأنبياء لوجب عليهم إتباعه
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو نعيم: «لو كان موسى حيا اليوم لما وسعه إلا أن يتبعني»
وتقدم بيان ذلك في الباب السادس.
الثانية والثمانون.
وبأن في كتابه وشرعه الناسخ والمنسوخ قال الله عز وجل ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها [البقرة 106] ليس في سائر الكتب مثل ذلك ولهذا كان اليهود ينكرون النسخ، والسر في ذلك أن سائر الكتب نزلت دفعة واحدة فلا يتصور أن يقع فيها
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري من حديث جابر 6/ 558 (3534) مسلم 4/ 1791 (23/ 2287) ومن حديث أبي هريرة مسلم (20/ 2286) (21) .(10/302)
الناسخ والمنسوخ، لأن شرط الناسخ أن يتأخر إنزاله عن المنسوخ.
الثالثة والثمانون.
وبعموم الدعوة للناس كافة. قال الله سبحانه وتعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [سبأ 28] وقال تبارك وتعالى تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان 1] .
روى الشيخان عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة»
قال الإمام أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي: الجن داخلون في مسمى الناس وصرح به أئمة اللغة.
وروى أبو يعلى والطبراني والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الله فضل محمدا على أهل السماء، وعلى الأنبياء. قال ابن عباس، ما فضله على أهل السماء؟ قال:
إن الله تعالى قال لأهل السماء: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ [الأنبياء 29] قال لمحمد: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح 1] فقد كتب له براءة، قالوا: فما فضله على الأنبياء؟ قال: «إن الله تعالى قال:
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم 4] وقال لمحمد: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [سبأ 28] فأرسله إلى الإنس والجن.
وروى البخاري في تاريخه والبزار والبيهقي وأبو نعيم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت أنا إلى الجن والإنس»
فإن قيل: كان نوح مبعوثا إلى أهل الأرض بعد الطوفان، لأنه لم يبق إلا من كان مؤمنا معه، وقد كان مرسلا إليهم فالجواب:
أن عموم هذا الإرسال من نوح لم يكن من أصل البعثة وإنما اتفق بالحادث الذي وقع، وهو انحصار الخلق في الموجودين بعد إهلاك سائر الناس.
وذكر ابن الجوزي أنه كان في الزمن الأول إذا بعث نبي إلى قوم بعث غيره إلى آخرين وكان يجتمع في الزمن الأول جماعة من الرسل وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فعموم رسالته من أصل البعثة فثبت اختصاصه بذلك وأما قول أهل الموقف لنوح كما صح في حديث الشفاعة: أنه أوّل رسول الله إلى أهل الأرض فليس المراد به عموم بعثه بل أولية الرسالة، وعلى تقدير أن يكون مرادا فهو بخصوص تخصيصه سبحانه وتعالى في عدة آيات على أن إرسال نوح كان إلى قومه، ولم يذكر أنه أرسل إلى غيرهم، واستدل بعضهم بعموم بعثته بكونه دعا على جميع من في الأرض وأهلكوا بالغرق إلا أهل السفينة ولو لم يكن مبعوثا إليهم لما أهلكوا، لقوله تعالى: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء 15] وقد ثبت أنه أول الرسل، وأجيب بجواز أن يكون(10/303)
غيره أرسل إليهم في أثناء مدة نوح، وعلم نوح أنهم لم يؤمنوا فدعا على من لم يؤمن من قومه، ومن غيرهم فأجيب، قال الحافظ: وهذا جواب حسن، لكن لم ينقل أنه نبئ في زمن نوح غيره ويحتمل أن يكون معنى الخصوصية لنبينا صلى الله عليه وسلم بقاء شريعته إلى يوم القيامة، ونوح وغيره بصدد أن يبعث نبي في زمانه أو بعده فينسخ بعض شريعته ويحتمل أن يكون دعاؤه قومه إلى التوحيد بلغ بقية الناس فتمادوا على الشرك فاستحقوا العذاب، وإلى هذا نحا ابن عطية في تفسير سورة هود، قال: وغير ممكن أن تكون نبوته لم تبلغ القريب والبعيد بطول المدة، ووجهه ابن دقيق العيد بأن توحيد الله تعالى يجوز أن يكون في حق بعض الأنبياء وإن كان التزام فروع شريعته ليس عاما لأن منهم من قاتل غير قومه على الشرك، ولو لم يكن التوحيد لازما لهم لم يقاتلهم ويحتمل أنه لم يكن في الأرض عند إرسال نوح إلا قوم نوح فبعثته خاصة لكونها إلى قومه فقط وهي عامة في الصورة: لعدم وجود غيرهم، لكن لو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثا إليهم، قال العيني: وفيه نظر لا يخفى لأنه تكون بعثته عامة لقومه لكونهم هم الموجودين ثم قال العيني: وعندي جواب آخر، وهو جيد إن شاء الله تعالى وهو أن الطوفان لم يرسل إلا على قومه فقط الذين هو فيهم ولم يكن عاما انتهى وهو كلام من ليس له اطلاع على أخبار الطوفان فإنه عم الأرض بأسرها ولم ينج منه إلا من كان في السفينة.
الرابعة والثمانون.
وبأنه أكثر الأنبياء تابعا.
روى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أكثر الناس تابعا» .
وروى عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما صدق نبي من الأنبياء ما صدقت، إن من الأنبياء من لم يصدقه من أمته إلا الرجل الواحد» .
وروى البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يأتي معي من أمتي يوم القيامة مثل السيل والليل فتحطم الناس حطمة فتقول الملائكة لما جاء مع محمد أكثر مما جاء مع سائر الأمم والأنبياء» .
الخامسة والثمانون.
وبإرساله إلى الخلق كافة من لدن آدم والأنبياء نواب له بعثوا بشرائع له مغيبات فهو نبي الأنبياء قاله السبكي والبارزي في التوفيق وتقدم مبسوطا في الباب أول الكتاب.
السادسة والثمانون.
وأرسل إلى الجن بالإجماع، وإلى الملائكة في أحد قولين رجحه السبكي والبارزي(10/304)
وابن حزم والشيخ قال تعالى: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان 1] العالمون شامل للملائكة كما هو شامل للإنس والجن، وقد أجمع المفسرون على أن قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الفاتحة 2] شامل لهؤلاء الثلاثة، فكذلك هذا، والأصل بقاء اللفظ على عمومه حتى يدل الدليل على إخراج شيء منه، ولم يدل هنا دليل على إخراج الملائكة، ولا سبيل إلى وجوده، لا من القرآن ولا من الحديث، وقد نوزع من ادعى الإجماع على عدم إرساله إليهم، فمن أين تخصيصه بالإنس والجن فقط دون الملائكة؟ وكذا قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء 107] فإنه شامل للملائكة ومما يدل على ذلك قوله تعالى: وَقالُوا: اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ [الأنبياء 26] يعني الملائكة لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ، وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ: إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ [الأنبياء 27، 28، 29] .
كذلك روى ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ قال: يعني الملائكة.
وروى ابن المنذر نحوه عن ابن جريج رضي الله عنه وفي حديث ابن عباس فهذه الآية إنذار للملائكة على لسان النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الذي أنزل عليه وقد قال تعالى وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام 19] قال الشيخ ولم أقف إلى الآن على إنذار، وقع في القرآن للملائكة سوى هذه الآية. والحكمة في ذلك واضحة، لأن غالب المعاصي راجعة إلى البطن والفرج، وذلك يمتنع عليهم من حيث الخلقة فاستغنى عن إنذارهم فيه، ولما وقع من إبليس، وكان منهم على ما رجحه غير واحد، منهم النووي أو فيهم نظير هذه المعصية أنذروا فيها، وقد أفرد الشيخ رحمه الله تعالى الكلام على هذه المسألة مؤلفا سماه «تزيين الأرائك في إرسال النبي إلى الملائك» بسط فيه الأدلة، فليراجعه من أراده.
أعطى الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم من الملائكة أمورا لم يعطها أحد من الأنبياء، وقال الشيخ جلال الدين المحلي في شرح «جمع الجوامع» ، وفي تفسير الإمام الرازي والبرهان للنسفي: حكاية الإجماع في تفسير الآية الثانية، يعني آية الفرقان على أنه لم يكن مرسلا إليهم وعبارة الإمام قالوا: هذه الآية تدل على أحكام.
الأول: أن العالم كل ما سوى الله فيتناول جميع المكلفين من الجن والإنس والملائكة لكنا أجمعنا على أن قوله «أجمعنا» ليس صريحا في إجماع الأمة، لأن مثل هذه العبارة تستعمل لإجماع الخصمين المتناظرين بل لو صرح به لمنع فقد قال الإمام السبكي في جواب السؤال(10/305)
عن رسالته إلى الجن في تعداد الآيات الدالة عليه، الآية العاشرة لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان 1] قال المفسرون كلهم في تفسيرها للجن والإنس وقال بعضهم: والملائكة انتهى.
وبالجملة فالاعتماد على تفسير الرّازيّ والنّسفي في حكاية الإجماع حكاية أمر لا تنهض حجته على طريق علماء النقل لأن مدارك نقل الإجماع من كلام الأئمة وحفاظ الأمة كابن المنذر، وابن عبد البر ومن فوقهما في الاطلاع كالأئمة أصحاب المذاهب المتبوعة من يلتحق بهم في سعة دائرة الاطلاع والحفظ والإتقان.
السابعة والثمانون.
وبإرساله إلى الحيوانات والجمادات والحجر والشجر قاله البارزي واستدل بشهادة الضب والشجر والحجر له والرسالة.
الثامنة والثمانون.
وبإرساله رحمة للعالمين حتى للكفار بتأخير العذاب ولم يعاجلوا بالعقوبة كسائر الأمم المكذبة.
قال الله سبحانه وتعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً [الأنبياء 107] وقال تبارك وتعالى:
وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الأنفال 33] .
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله، ألا تدعو على المشركين؟ قال: «إنما بعثت رحمة، ولم أبعث عذابا» .
روى ابن جرير والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية الأولى قال: من آمن به تمت له الرحمة على الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن به عوفي مما كان يصيب الأمم من عاجل الدنيا من العذاب، والخسف، والمسخ، والقذف.
روى أبو نعيم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين» .
وروى الإمام العلامة أبو الثناء محمود جمال الدين بن محمد بن جملة في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: كونه صلى الله عليه وسلم رحمة لأهل الدنيا بأجمعهم واضح وأما الملائكة فهو رحمة لهم من وجوه:
أحدها: صلاتهم عليه رحمة لهم فقد ثبت
في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا»
وأي فائدة أنفع من هذه؟.
الثاني:
قال القاضي عياض في الشفاء: حكي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل صلى الله عليه وسلم: «هل(10/306)
أصابك من هذه الرحمة شيء؟» قال: نعم كنت أخشى العاقبة فأمنت، لثناء الله تعالى على بقوله: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التكوير 20، 21] .
الثالث: مقامه المحمود يوم القيامة يحمده فيه الأولون والآخرون، والملائكة وغيرهم والأنبياء وأتباعهم.
قال صلى الله عليه وسلم في حديث رواه مسلم: «وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم» .
ثم نقل عن عمه قاضي القضاة أبي العباس أحمد رضي الله عنه أن الحكمة في تخصيص إبراهيم أن الله تعالى أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بإتباعه وهو مع هذا فهو يرغب إليه في ذلك اليوم.
انتهى.
الرابع: قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ [الأحزاب 56] ولم يقل: «والملائكة» تعظيماً لشأنهم لعظم شأن من يصلي عليه ثم في تأخيره سبحانه وتعالى الخبر رحمة لهم واضحة حين جمعهم معه في خبر، واحتمل أن يكون وقد قال تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ [آل عمران 18] الآية فذكر سبحانه وتعالى ما شهد به، ثم عطف شهادة الملائكة، وأولي العلم عليه، ولا كذلك في هذه الآية فانظر إلى هذا التعظيم العظيم، بسبب صلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم.
التاسعة والثمانون.
وبأن الله عز وجل أقسم بحياته قال الله تعالى: لَعَمْرُكَ، إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر 72] .
روى أبو يعلى وابن مردويه والبيهقي وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما خلق الله تعالى وما ذرأ نفسا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم وما حلف بحياة أحد قط إلا بحياة محمد، فقال: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر 72] .
وروى ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما حلف الله تعالى بحياة أحد إلا بحياة محمد صلى الله عليه وسلم قال: لَعَمْرُكَ، إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ»
[الحجر 72] .
العمر: بفتح العين وضمها واحد لكنه في القسم بالفتح لكثرة الاستعمال.
التسعون.
وبإقسام الله تبارك وتعالى على رسالته قال: يس، وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [يس 1، 3] .(10/307)
الحادية والتسعون.
وبتولي الله سبحانه تعالى الرد على أعدائه عنه صلى الله عليه وسلم بخلاف من تقدمه من الأنبياء، كانوا يدافعون عن أنفسهم ويردون على أعدائهم لقول نوح: يا قَوْمِ، لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ [الأعراف 61] وقول هود: يا قَوْمِ، لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ [الأعراف 67] وأشباه ذلك ونبينا صلى الله عليه وسلم تولى الله سبحانه وتعالى تبرئته عما نسب إليه أعداؤه ورد عليهم بنفسه. فأجاب حين قالوا: «مجنون» : ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [القلم 2] وأجاب عنه تعالى حين قالوا: «هو شاعر» فقال: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ [يس 69] فنفى الله تبارك وتعالى عنه الشعر بسائر الأوزان.
وأجاب سبحانه وتعالى عنه حين قالوا: «افترى القرآن» ، فقال عز وجل: وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ [يونس 37] .
الافتراء: الكذب.
وأجاب تبارك وتعالى اسمه عنه حين قالوا: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ فقال عز وجل: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل 103] وأجاب تقدس اسمه عنه حين قال العاص بن وائل، إنه أبتر، فقال سبحانه وتعالى: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر 3] .
الثانية والتسعون.
وبمخاطبته سبحانه وتعالى له بألطف ما خاطب به الأنبياء، فإن الله تعالى قال لداود ع: وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ص 26] وقال عن نبينا صلى الله عليه وسلم: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى [النجم 3] ، تنزيها له عن ذلك بعد الإقسام عليه، وقال عن موسى:
فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ [الشعراء 21] وقال عن نبينا صلى الله عليه وسلم: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنفال 30] الآية فكنى عن خروجه وهجرته بأحسن العبارات ولم يذكره بالفرار الذي فيه نوع من الغضاضة.
الثالثة والتسعون.
وبأنه تعالى قرن اسمه صلى الله عليه وسلم باسمه في كتابه في ثمانية مواضع:
أولها: الطاعة، قال الله تبارك وتعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ [النساء 80] وقال عز وجل: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [آل عمران 32] وآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحديد 7] فجمع بينهما بواو العطف المشركة، ولا يجوز جمع هذا الكلام في حق غيره صلى الله عليه وسلم.
ففي سنن أبي داود عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقولن(10/308)
أحدكم: ما شاء الله، وشاء فلان، ولكن: ما شاء الله، ثم شاء فلان»
فالواو تقتضي الجمع دون الترتيب على الصحيح وثم: تقتضي الترتيب مع التراخي.
ثانيها: المحبة قال الله جل جلاله: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران 31] فجعل عز وجل علامة محبته اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم فيما أمر به ونهى عنه وشرط مع ذلك محبته إياهم ومغفرة ذنوبهم.
ثالثها: في المعصية، قال الله تعالى: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [النساء 14] .
رابعها: في العزة، قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ [المنافقون 8] أي الامتناع وجلالة القدرة.
خامسها: في الولاية، قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة 55] والولاية إذا كانت بمعنى الولاء جاز فيها الفتح والكسر والولاية بكسر الواو الإمارة.
وسادسها: في الإجابة قال تعالى: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ [الأنفال 24] .
سابعها: في التسمية، قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ [الحديد 9] وقال في حق نبيه صلى الله عليه وسلم: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [التوبة 128] ولهذه تتمة تقدمت في آخر باب أسمائه الشريفة.
ثامنها: في الرضى، قال الله عز وجل: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ [التوبة 62] فالله رفع بالابتداء ورسوله عطف عليه وأحق أن يرضوه الخبر فإن قيل: جاز رد الضمير الواحد في الله وفي رسوله أحق أن يرضوه ولم يقل يرضوهما، فالجواب أن رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم رضا الله، فترك، لأنه دال عليه مع الاتحاد.
الرابعة والتسعون.
وبإقسام الله تعالى ببلده، قال تعالى: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ، وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ [البلد 1، 2] .
الخامسة والتسعون.
وبإقسام الله تبارك وتعالى بعصره، قال عز وجل: وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر 1، 2] نقل الرازي والبيضاوي وغيرهما، أن المراد بالعصر هنا زمان النبي صلى الله عليه وسلم وهذه المسألة من زيادتي.(10/309)
السادسة والتسعون.
وبأن الله تعالى فرض على العالم طاعته والتأسي به فرضا مطلقا لا شرط فيه ولا استثناء فقال جل اسمه: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر 7] وقال:
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ [النساء 80] وقال تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب 21] واستثنى في التأسي بخليله، فقال: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ إلى أن قال: إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ [الممتحنة 4] الآية.
وبأنه تعالى وصفه في كتابه عضوا عضوا فقال في وجهه: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ [البقرة 144] وفي عينيه: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ [طه 131] وفي لسانه: فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ [الدخان 58] وفي يده وعنقه: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ [الإسراء 29] وفي صدره وظهره: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ [الشرح 1، 2، 3] وفي قلبه: نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ [البقرة 97] وفي خلقه:
إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم 4] .
السابعة والتسعون.
وبأنه صلى الله عليه وسلم فضل الله تبارك وتعالى مخاطبته من مخاطبة الأنبياء قبله تشريفا له وإجلالا وذلك أن الأمم كانوا يقولون لأنبيائهم: راعنا سمعك فنهى الله هذه الأمة إن يخاطبوا نبيهم بهذه المخاطبة فقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا، وَقُولُوا: انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ [البقرة 104] .
الثامنة والتسعون.
وبأنه تعالى لم يخاطبه في القرآن باسمه بل: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ بخلاف غيره من الأنبياء فلم ينادهم إلا بأسمائهم كما قال تعالى في حق غيره: يا آدَمُ، اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة 35] يا نُوحُ، إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [هود 46] أَنْ يا إِبْراهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا [الصافات 105] يا لُوطُ، إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ [هود 81] يا داوُدُ، إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ [ص 26] يا مُوسى، إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ [القصص 30] يا زَكَرِيَّا، إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى [مريم 7] يا يَحْيى، خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ [مريم 12] يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ [المائدة 110] وجمع في الذكر بين اسمه واسم خليله إبراهيم فسمى الخليل، وكنى محمدا صلى الله عليه وسلم فقال:
إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ، وَهذَا النَّبِيُّ [آل عمران 68] فهذا غاية الإجلال(10/310)
والتعظيم صلى الله وسلم عليهما. فإن قيل: قد ذكر باسمه في قوله تعالى: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف 6] وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ [محمد 2] وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ [آل عمران 144] مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [الفتح 29] ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ [الأحزاب 40] وغير ذلك فكيف يتم ما تقدم؟ فالجواب أنه إنما ذكر باسمه للتعريف بأنه الذي أخذ الله عهده على الأنبياء بالإيمان به، ولو لم يسمه لم يعرفوه بذلك والنداء إنما هو بالإجلال والتعظيم، والتسمية في مقام الخبر، فإن قيل: فقد ناداه ب: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [المزمل 1] وب: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [المدثر 1] فالجواب: أن هذا من باب التلطيف والرفق.
وقال الإمام العلامة جمال الدين محمود بن محمد بن جملة: إن قيل: والحكمة في التصريح باسمه في حديث الأعمى الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل ربه برفع العمى عنه فعلمه أن يقول: «اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد، إني قد توجهت بك إلى ربي في حاجتي» إلى آخره فيمكن أن يقال في الأول: إنه إنما كان كذلك، لأنه لما كان التعليم من جهته تواضع لربه فصرح باسمه إلى آخره.
وأما الثاني: فلم يذكر الاسم فيه إلا مقترنا بالتعظيم، وهو وصفه للنبي بالرحمة، إذ المقام يقتضي ذلك، وظهر لي هاهنا معنى حسن وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إذا ألجم الناس العرق وسألوا عن من يشفع لهم إلى ربهم فسألوا آدم فمن بعده إلى أن ينتهوا إلى عيسى، فيقول: اذهبوا إلى محمد، فإنه عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فذكره باسمه الدال على الصفة التي يحمده بها جميع الخلائق، وكأنه صلى الله عليه وسلم في المقام المحمود الذي يطلب فيه الشفاعة له علمهم أن يذكروا هذا الاسم الذي هو صفته في عرصات القيامة، ولهذا قال في آخره: اللهم فشفعه في وحين يأتي في ذلك اليوم، ويخر لربه ساجدا، يقول له ربه سبحانه وتعالى: يا محمد ارفع رأسك، وقل تسمع إلى آخره فيناديه سبحانه وتعالى باسمه يا محمد، لما تقدم من المعنى، وفي الدنيا يناديه البارئ تعالى ب: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ فانظر إلى هذا التعظيم العظيم ينادي في كل مقام بأشرف تعظيم يناسبه ذلك المقام ففي الدنيا بالنبوة والرسالة يشهد له بهما، وفي الآخرة لما تحقق الخلائق ناداه باسمه لما اشتمل عليه من المعنى المناسب لذلك المقام، وخص هذا الاسم من بين الأسماء، ليشهد له أيضاً سبحانه وتعالى بما دل عليه من المعنى المناسب لذلك اليوم وكيفا سبحانه وتعالى بما دل على صفة يحمده بها الخلق ليستدل بالنداء بها صلى الله عليه وسلم علي قبول شفاعته ثم عقّب ذلك سبحانه وتعالى بقوله: قل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه فهو تكريم بعد تكريم، وتعظيم بعد تعظيم، وتفخيم بعد تفخيم.(10/311)
التاسعة والتسعون.
وبأنه تعالى حرم على الأمة نداءه باسمه بخلاف سائر الأمم، فإن أممهم كانت تخاطبهم بأسمائهم كما حكاه الله تعالى عنهم في القرآن، فقال تعالى لهذه الأمة: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً
[النور 63] .
روى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم، فناهم الله تعالى عن ذلك إعظاما لنبيه فقالوا: يا نبي الله، يا رسول الله، وروى البيهقي عن علقمة بن الأسود رضي الله عنه في الآية قال: لا تقولوا: يا محمد، ولكن قولوا: يا رسول الله، يا نبي الله.
وروى أبو نعيم في الآية قال: أمر الله أن يهاب نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يعظم، ويسود، وأما قول حماد أن ثعلبة قال له: يا محمد، فلعله كان قبل النهي عن مخاطبته باسمه، إذ رأى إنما جاء لأسباب الرسالة ولوازمها فلهذا لم يخاطبه بها.
مائة.
وبأنه يكره أن يقال في حقه الرسول، بل رسول الله، لأنه ليس فيه من التعظيم ما في الإضافة قاله الشافعي رضي الله عنه.
الواحدة بعد المائة.
وبأنه فرض على من ناجاه أن يقدم بين يدي نجواه صدقة ثم نسخ ذلك، قال الله سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً [المجادلة 12] .
روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: إن المسلمين أكثروا المسألة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه، فأراد الله أن يخفف عن نبيه فلما قال ذلك خف كثير من الناس وكفوا عن المسألة فأنزل الله تبارك وتعالى: أَأَشْفَقْتُمْ [المجادلة 13] الآية فوسع الله عليهم ولم يضيق.
روى سعيد بن منصور عن مجاهد قال: كان من ناجى رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدق بدينار، وكان أول من صنع ذلك علي بن أبي طالب، ثم نزلت الرّخصة فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا، وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [المجادلة 13] .
الثانية بعد المائة.
وبأنه لم يره الله تعالى في أمته شيئا يسوءه حتى قبضه بخلاف سائر الأنبياء.(10/312)
الثالثة بعد المائة.
وبأنه حبيب الرحمن.
الرابعة بعد المائة.
وبأنه جمع له بين المحبة والخلة.
روى البيهقي وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتخذ الله إبراهيم خليلا، وموسى نجيا، واتخذني حبيبا، ثم قال: وعزتي وجلالي لأوثرن حبيبي على خليلي ونجيي» .
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو يعلى عن أبي هريرة في حديث المعراج «فقال له ربه: قد اتخذتك خليلا، وهو مكتوب في التوراة محمد حبيب الرحمن»
وتقدم بيان ذلك كله في أسمائه الشريفة.
الخامسة بعد المائة.
وبأنه جمع له بين الكلام والرؤية.
السادسة بعد المائة.
وبأنه كلمه عند سدرة المنتهى وكلم موسى بالجبل، عد هذه ابن عبد السلام، وتقدم بيان ذلك في باب المعراج.
السابعة بعد المائة.
وبأنه جمع له بين القبلتين كما تقدم بيان ذلك في الحوادث، والله أعلم.
الثامنة بعد المائة.
وبأنه جمع له بين الهجرتين [والقبلتين] قلت: النبي صلى الله عليه وسلم لم يهاجر إلا هجرة واحدة إلى المدينة فقط، ولم أفهم ما المراد بالهجرة الثانية، فإن أريد بها هجرة أصحابه إلى الحبشة ففيه نظر، والله تعالى أعلم.
التاسعة بعد المائة.
وبأنه جمع له بين الحكم بالظاهر والباطن والعمل بمقتضى كل منهما خصوصية له تفرد بها عن سائر الخلق. أما أولياء أمته فليس لهم العمل بالحقيقة ولا الحكم بمقتضاها بإجماع المسلمين، وإنما يعملون بالشريعة فقط.
قال القرطبي: أجمع العلماء على بكرة أبيهم إنه لا يجوز للحاكم أن يقتل بعلمه، وقال(10/313)
ابن دحية: اختص النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان له قتل من اتهمه بالزنى من غير بينة، ولا يجوز ذلك لغيره انتهى.
ولو رفع إلينا ولي قتل غلاما أبواه مؤمنان، واحتج على ذلك بأنه كشف له أنه طيع كافرا لقتلناه، قصاصا بحكم الشرع بالإجماع، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأذن لأحد من أمته أن يقتل بحكم الحقيقة في قتل ولا غيره، ولو أراد أحد من أرباب الكشف أن يقتدي بإمام بينه وبينه حائل في غير المسجد لمنع صحة الاقتداء، لحكمنا ببطلان صلاته، ولم نعرج على ما يقع له من الكشف الذي يرفع فيه الجدر وتزال فيه الحجب، لأن الأولياء وغيرهم مكلفون بالعمل بالشرع وقد نص أهل الحقيقة على أنه لا يعمل بالحقيقة، وإنما هي علم لا عمل فلم يكن لأحد من الأولياء مساواة بالنبي صلى الله عليه وسلم وأما الأنبياء فمنهم من بعثه تعالى ليحكم بالشريعة فقط، ويعمل بها، كموسى عليه الصلاة والسلام، ولم يأذن له أن يحكم بالحقيقة، ولا يعمل بها، وإن علمها، ومنهم من بعثه ليحكم بالحقيقة فقط، ويعمل بها كالخضر عليه الصلاة والسلام، ولم يأذن له أن يحكم بالشريعة، وإن علمها ويبعث الله تعالى من يشاء من أنبيائه بما يشاء.
وقال شيخ الإسلام البلقيني في «شرح البخاري» في قول الخضر لموسى: إني على علم من الله علمنيه لا ينبغي لك أن تعلمه، وأنا على علم من علم الله علمكه الله لا ينبغي لي أن أعلمه.
هذا قد يشكل بأن العلم المذكور في الجهتين، كيف لا ينبغي أن يعلمه قال: وجواب هذا حمل العلم على تنفيذه والمعنى لا ينبغي لك أن تعلمه لتعمل به، لأن العمل به مناف لمقتضى الشرع، ولا ينبغي لي أن أعلمه فأعمل بمقتضاه، لأنه مناف (لمقتضى) [ (1) ] الحقيقة، (قال: فعلى هذا لا يجوز للولي التابع للنبي صلى الله عليه وسلم إذا اطلع على الحقيقة أن ينفذ ذلك بمقتضى الحقيقة) [ (2) ] وإنما عليه أن ينفذ الظاهر.
قال الحافظ في «الإصابة» : قال أبو حيان في تفسيره: الجمهور على أن الخضر نبي وكان علمه بمعرفة بواطن أوحيت إليه، وعلم موسى الحكم بالظاهر، فأشار إلى أن المراد في الحديث بالعلمين الحكم بالظاهر والباطن لا أمر آخر.
وقد قال شيخ الإسلام تقي الدين السبكي: إن الذي بعث به الخضر عليه السلام شريعة له فالكل شريعة، وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه أمر أولا أن يحكم بالظاهر دون ما اطلع عليه من الباطن
__________
[ (1) ] في جد لعلم.
[ (2) ] سقط في ج.(10/314)
والحقيقة، كغالب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولهذا
قال: «نحن نحكم بالظاهر» وفي لفظ: «إنما أقضي بالظاهر والله يتولى السرائر» .
وقال: «إنما أقضي بنحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه فإنما هي قطعة من النار»
وقال للعباس: «أما ظاهرك فكان علينا وأما سريرتك فإلى الله تعالى»
وقال في تلك المرأة: «لو كنت راجما أحدا من غير بينة لرجمتها»
وقال أيضاً: «لولا القرآن لكان لي ولها شأن»
فهذا كله صريح في أنه إنما يحكم بظاهر الشرع بالبينة أو الاعتراف دون ما أطلعه الله عليه من بواطن الأمور وحقائقها، ثم إن الله تبارك وتعالى زاده شرفا، وأذن له أن يحكم بالباطن، وما اطلع عليه من حقائق الأمور، فجمع له بين ما كان للأنبياء، وما كان للخضر خصوصية خصه الله بها ولم يجمع الأمران لغيره.
العاشرة بعد المائة.
وبأنه نصر بالرعب مسيرة شهر أمامه وشهر خلفه.
الحادية عشر بعد المائة.
وبأنه صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم وفواتحه وخواتمه.
روى الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه والطبراني عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر» الحديث.
وروى أيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالرعب وأوتيت جوامع الكلم» .
وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنه قال: نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرعب على عدوه مسيرة شهرين.
وروى أيضا عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالرعب شهرا أمامي وشهرا خلفي» .
وروى الطبراني بسند حسن عن معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دفعت إليه قال: «أما إني سألت الله أن يعينني بالسنة تخيفكم، وبالرعب أن يجعله في قلوبكم» قال: فقال بيديه جميعا: أما إني قد خلقت هذا، وهكذا ألا أومن بك، ولا أتبعك، فما زالت السنة تخيفني وما زال الرعب يجعل في قلبي حتى قمت بين يديك(10/315)
[أفبالله الذي أرسلك، أهو أرسلك بما تقول؟ قال: «نعم ... » الحديث.
وروى النسائي نحوه مختصرا.
وروى البزار برجال الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتت الصباء الشمال ليلة الأحزاب فقالت: مري حتى تنصري رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت الشمال: إن الحرة لا تسري بالليل وتقدم الحديث في غزوة الخندق.
وقوله: «مسيرة شهر» مفهومه أنه لا يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة ولا في أكثر منها، أما ما دونها فلا، لكن
في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن الإمام أحمد: «ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر»
فالظاهر اختصاصه بها مطلقا.
وروى ابن أبي شيبة في مسنده، وأبو يعلى عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت فواتح الكلم، وجوامعه وخواتمه» .
قال الحافظ: وإنما جعل الغاية شهرا لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه.
وقال تلميذه الخضري: وهذا فيه نظر، بل دعوته بلغت أطراف البلاد البعيدة مما مسيرته أكثر من شهر، وكل من لم يجبه إلى الإسلام، فهو عدوه اللهم إلا أن تحمل العداوة على من راسله واستمر على المخالفة والمنابذة. قلت: الظاهر أن مراد الحافظ بالعداوة هنا من تصدى لقتال، والله تعالى أعلم.
وهذه الخصوصية حاصلة له صلى الله عليه وسلم على الإطلاق حتى لو كان وحده بغير عسكر، ويرحم الله البوصيري حيث قال:
كأنه وهو فرد من جلالته ... في عسكر حين تلقاه وفي حشم
تنبيه:
في حديث جابر وأبي هريرة رضي الله عنهما مسيرة شهر وفي حديث لابن عباس مسيرة شهرين والرواية الأولى مقدمة على الثانية بالصحة. قلت: لا مخالفة بينهما.
قال محمد بن شهاب الزّهري: بلغني أن [إيتاءه صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم] أن جوامع الكلم أن يجمع الله تعالى له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين وقال الهروي: هي القرآن، جمع الله فيه الألفاظ الشهيرة من المعاني الكثيرة وكلامه صلى الله عليه وسلم كان بالجوامع قليل اللفظ كثير المعاني ومن تأمل الأحاديث الصحيحة ظهر له ذلك وقد ذكرت شيئا من ذلك في باب فصاحته صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام القاضي أبو بكر محمد بن أبي الوليد أحمد بن عيسى بن حجاج الأشبيلي(10/316)
قاضي مراكش رحمه الله تعالى
قوله صلى الله عليه وسلم: «بين يدي»
يشعر أنه يريد إذا شرعت في حركة لعدو يقدمني الرعب إليهم، وبيني وبينهم مسيرة شهر، ولا شك أن كل متوجه لقتال قوم لا بد من وقوع خوف منه لأول سماعهم، بتوجهه إليهم على مسيرة شهر، أو على أكثر، أو على أقل، هذا الذي خص به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والذي يظهر والله تعالى أعلم أن الرعب اللاحق للمقصود على مراتب، رعب يلحق على البعد، ورعب يلحق على القرب [....] . ثم قال:
إن الرعب الذي يلحق بالمشاهدة يلحق من توجهه صلى الله عليه وسلم علي مسيرة شهر، ومن هنا يعرف حكمة التخصيص بشهر وذلك أن سليمان صلى الله عليه وسلم سخر له الجن والريح تجري به من غدوته وروحته مسيرة شهر فكان إذا توجه نحو عدو كانت مرحلته إليه مسيرة شهر لغيره فكان رعب المشاهدة يأتي منه على مسيرة شهر لقطعه إياه في الرحلة الواحدة، فأعطى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رعب المشاهدة على مقدار تلك المسافة، وإن لم يكن يلحق إياه بعد قطعها، والله تعالى أعلم. انتهى كلامه وظاهر حديث السائب رضي الله عنه أن العدو الواحد لا يكون في جهتين بعيدتين وإنما يكون في إحدى الجهات، إما أمامه أو خلفه فهو يرعب ولو لم يقابله، فأطلق الشهر باعتبار إحدى الجهتين، وكذا لو كانا عدوين في جهتين أمامه وخلفه فالشهر نهاية مسافة الخوف، ولم أر من نبه على هذا وهو بديع والله تعالى أعلم.
الثانية عشر بعد المائة.
وبأنه نصر بالصبا وأهلكت عاد بالدبور وكانت عذابا على من قبله كما رواه الإمام الشافعي.
روى الطبراني بإسناد رجاله ثقات عن أنس وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور» [ (1) ] .
الثالثة عشر بعد المائة.
وبأنه صلى الله عليه وسلم أوتي مفاتيح خزائن الأرض على فرس أبلق عليه قطيفة من سندس عد هذه ابن عبد السلام رضي الله عنه.
الرابع عشر بعد المائة.
وبهبوط إسرافيل عليه ولم يهبط على أحد قبله. عد هذه ابن منيع رضي الله عنه.
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت بين يدي»
قال أبو هريرة: فقد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تنتثلونها.
__________
[ (1) ] سقط في ج.(10/317)
وروى الإمام أحمد وابن حبان عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوتيت مقاليد الدنيا على فرس أبلق، جاء به جبريل عليه قطيفة من سندس» .
وروى الطبراني بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على الصفا فقال: «يا جبريل، ما أمسى لآل محمد سفة من دقيق ولا كفة من سويق» ، فلم يكن كلامه بأسرع من أن سمع هذه من السماء، فأتاه إسرافيل فقال: إن الله سمع ما ذكرت فبعثني إليك بمفاتيح خزائن الأرض، وأمرني أن أعرض عليك أسير معك جبال تهامة زمردا وياقوتا وذهبا وفضة، فعلت: فإن شئت نبيا ملكا، وإن شئت نبيا عبدا فأومأ إليه جبريل أن تواضع فقال: «بل نبيا عبدا» .
وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لقد هبط علي ملك من السماء ما هبط على نبي قبلي، ولا يهبط على أحد بعدي وهو إسرافيل، فقال: أنا رسول ربك إليك، أمرني أن أخيرك، إن شئت نبيا عبدا، وإن شئت نبيا ملكا، فنظرت إلى جبريل، فأومأ إلي أن تواضع، فلو أني قلت: نبيا ملكا لسارت الجبال معي ذهبا» .
وسبقت أحاديث من هذا النمط في باب زهده صلى الله عليه وسلم وقال الإمام الخطابي: المراد بخزائن الأرض ما فتح على الأمة من الغنائم من ذخائر كسرى وقيصر وغيرهما، ويحتمل معادن الأرض التي فيها الذهب والفضة، وقيل: يحمل على ما سواهم من ذلك. قلت: وهو أظهر، والأحاديث تشعر به وقيل: المراد بمفاتيح خزائن الأرض بلادها التي ستفتح له ولأمته ويصل إليها دينه وشرعه فصار حكمه فيها كحكم الملك على ما تحت يده يتصرف فيها بأمر ربه تبارك وتعالى كيف أمره، وقيل: أراد الله تعالى تنبيهه على ذلك وإعلامه بأن دينه سيبلغ مشارق الأرض ومغاربها، وكذلك وقع، ولله الحمد على ذلك، وهذا معنى بديع يتعين اعتقاده وتكون الخصوصية له صلى الله عليه وسلم وهي أن بلاده التي تدخل في طاعته، وتصير تحت حكمه تسلم مفاتيحها في يده عطية من الله تبارك وتعالى، ولذلك أخبر أمته صلى الله عليه وسلم بفتح كثير من البلاد كما تقدم في المعجزات.
الخامسة عشر بعد المائة:
وبأنه صلى الله عليه وسلم جمع له بين النبوة والسلطان.
عد هذه الغزالي رحمه الله تعالى ونصه لأجل اجتماع النبوة والملك والسلطنة لنبينا صلى الله عليه وسلم كان أفضل من سائر الأنبياء، فإنه أكمل الله به صلاح الدين والدنيا ولم يكن السيف والملك لغيره من الأنبياء.
روى البيهقي عن قتادة رضي الله عنه في قوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ، وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ، وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً [الإسراء 80] قال:
أخرجه من مكة مخرج صدق وأدخله المدينة مدخل صدق، قال: وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا طاقة(10/318)
له بهذا الأمر إلا بسلطان، فسأل سلطانا نصيرا لكتاب الله وحدوده وفرائضه ولإقامة كتاب الله، فإن السلطان عزة من الله جعلها بين أظهر عباده، لولا ذلك لأغار بعضهم على بعض، وأكل شديدهم ضعيفهم، قلت: وقد يشكل على كلام الغزالي.
السادسة عشر بعد المائة.
وبأنه صلى الله عليه وسلم أوتي علم كل شيء إلا الخمس.
روى الإمام أحمد والطبراني بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ
[لقمان 34] الآية.
وروى الإمام أحمد وأبو يعلى عن ابن مسعود قال: أوتي نبيكم مفاتيح كل شيء غير الخمس، إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ... الآية.
وروى الإمام أحمد وسعيد بن منصور والبخاري في الأدب عن ربعي بن حراش قال:
حدثني رجل من بني عامر أنه قال: يا رسول الله، هل بقي من العلم شيء لا تعلمه؟ قال: «لقد علمني خيرا، وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله تعالى: الخمس: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الآية.
وروى الفريابي والشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله، لا يعلم في غد إلا الله، ولا متى تقوم الساعة إلا الله، ولا ما في الأرحام إلا الله، ولا متى ينزل الغيث إلا الله، وما تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله وما تدري نفس ماذا تكسب إلا الله» .
السابعة عشر بعد المائة.
وبأنه أوتي علم الخمس وأمر بكتمها، قاله بعضهم، قلت: والأحاديث السابقة تبين أن ذلك خلاف الصواب ولذلك سقتها.
الثامنة عشر بعد المائدة.
وبأنه صلى الله عليه وسلم اطلع على الروح فيما قاله بعضهم.
التاسعة عشر بعد المائة.
وبأنه بين له صلى الله عليه وسلم في أمر الدجال ما لم يبين لأحد.
روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بعث نبي إلا حذر أمته الدجال وإني قد بين لي في أمره ما لم يبين لأحد، إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور» .(10/319)
عشرون بعد المائة.
وبأنه صلى الله عليه وسلم وعد بالمغفرة وهو يمشي حيا صحيحا، عد هذه ابن عبد السلام وابن كثير رضي الله عنهما قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح 1، 2] .
روى البزار بسند جيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضلت على الأنبياء بست لم يعطهن أحد قبلي، غفر لي ما تقدم من ذنبي، وما تأخر» .. الحديث.
وروى ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما أمن الله أحدا من خلقه إلا محمدا صلى الله عليه وسلم قال:
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح 2] وقال للملائكة: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ:
إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ [الأنبياء 29] .
رواه أبو يعلى والطبراني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: والله ما تدري نفس مغفور لها ليس هذا الرجل الذي بين لنا أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر صلى الله عليه وسلم. رواه الحاكم.
وروى ابن سعد عن مجمع بن جارية رضي الله عنه قال: لما كنا بضجنان حتى توافينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقرأ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً [الفتح 1] فلما نزل بها جبريل عليه السلام قال: يهنيك يا رسول الله، فلما هنأه جبريل عليه السلام هنأه المسلمون. وقد تقدم الكلام على ذلك في المعجزات.
الحادي والعشرون بعد المائة.
وبشرح صدره صلى الله عليه وسلم.
الثانية والعشرون بعد المائة.
وبوضع وزره صلى الله عليه وسلم.
الثالثة والعشرون بعد المائة.
وبرفع ذكره صلى الله عليه وسلم. قال الله سبحانه وتعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ [الإنشراح 1- 2] .
وروى الطبراني والبيهقي وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألت ربي مسألة وددت أني لم أكن سألته قلت: يا رب إنه كان قبلي رسل منهم من كان يحيي الموتى، ومنهم من سخرت له الريح، قال: ألم أجدك يتيما فآويتك؟ ألم أجدك ضالا فهديتك؟ ألم أجدك عائلا فأغنيتك؟ ألم أشرح لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك، ألم أرفع لك ذكرك؟ قلت: بلى يا رب» .(10/320)
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [الانشراح 4] قال: «قال لي جبريل:
قال الله: إذا ذكرت ذكرت معي» .
وروى ابن أبي حاتم عن أبي قتادة رضي الله عنه في الآية قال: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله.
الرابعة والعشرون بعد المائة.
وبأنه صلى الله عليه وسلم عرضت عليه أمته بأسرهم حتى رآهم.
الخامسة والعشرون بعد المائة.
وبأنه صلى الله عليه وسلم عرض عليه ما هو كائن في أمته حتى تقوم الساعة.
روى الطبراني عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عرضت علي أمتي البارحة لدى هذه الحجرة أولها وآخرها» فقال: يا رسول الله: عرض عليك من خلق، فيكف بمن لم يخلق؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوروا لي بالماء والطين حتى إني لأعرف بالإنسان منهم من أحدكم بصاحبه» .
وروى الديلمي عن أبي رافع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثلت لي أمتي في الماء والطين، وعلمت الأسماء كلها كما علم آدم الأسماء كلها» .
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم والبزار وأبو يعلى والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه في حديث المعراج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عرضت علي أمتي فلم يخف علي التابع ولا المتبوع منهم، ورأيتهم أتوا على قوم ينتعلون الشعر، ورأيتهم أتوا على قوم عراض الوجوه صغار الأعين كأنما خرمت أعينهم بالخيط فلم يخف علي ما هم لاقون من بعدي» .
وروى الإمام أحمد والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي وأبو نعيم عن أم حبيبة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أريت ما تلقى أمتي من بعدي وسفك بعضهم دماء بعض، وكان ذلك سابقا من الله أن يوليني شفاعة فيهم يوم القيامة ففعل» .
وتقدم في المعجزات في باب إخباره صلى الله عليه وسلم بالكوائن بعده من ذلك شيء كثير.
السادسة والعشرون بعد المائة.
وبأنه صلى الله عليه وسلم عرض عليه الخلق كلهم، آدم فمن بعده كما علم آدم أسماء كل شيء، قاله أبو إسحاق الأسفرايني في تعليقه والعراقي في شرح المهذب.(10/321)
السابعة والعشرون بعد المائة.
وبأنه صلى الله عليه وسلم سيد الناس يوم القيامة.
الثامنة والعشرون بعد المائة.
وبأنه صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق على الله فهو أفضل من سائر النبيين والمرسلين والملائكة المقربين.
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد الناس يوم القيامة»
فإذا كان سيدهم في الآخرة كان سيدهم في الدنيا من باب أولى، لأن مقام الآخرة أشرف من الدنيا، لاجتماع النبيين والمرسلين وغيرهم، وإنما خص يوم القيامة بالذكر، لظهور سؤدده في ذلك المقام لكل أحد من غير منازع، بخلاف الدنيا فقد نازعه ملوك الكفار وزعماء المشركين، وهذا قريب من قوله تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [غافر 16] مع أن الملك له سبحانه وتعالى قبل ذلك، لكن كان في الدنيا من يدعي الملك، أو من يضاف إليه مجازا فانقطع كل ذلك، قاله النووي،
ورواه أبو داود بلفظ: «أنا سيد الناس»
ولم يذكر يوم القيامة.
ورواه الشيخان بلفظ: «أنا سيد ولد آدم» فكأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله قبل أن يطلع على أنه سيد الناس، فلما اطلع على ذلك قال: «أنا سيد الناس» .
وروى الترمذي وحسنه عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة: «وما من بني آدم فمن دونه إلا تحت لوائي» .
وروى الحارث عن مسلم بن سلام رضي الله عنه قال: إن أكرم الناس أو خلق الله تعالى عليه أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وأن الجنة في السماء، وإن النار في الأرض، فإذ كان يوم القيامة بعث الله الخليقة أمة واحدة ونبيا نبيا، حتى يكون محمد وأمته آخر الأمم من كذا، ثم يوضع جسر جهنم ثم ينادي مناد: أين محمد وأمته؟ فيقوم وتتبعه أمته برها وفاجرها.
تنبيه:
قال الهروي: السيد هو الذي يفوق قومه في الخير وغيره.
وقال غيره: هو الذي يفزع إليه في الشدائد والنوائب، فيقوم بأمورهم، ويتحمل عنهم مكارههم، ويدفعها عنهم، ذكره النووي.
وروى أبو نعيم في المعرفة عن عبد الله بن غنم رضي الله عنه قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فإذا سحابة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سلم علي ملك، فقال: لم أزل أستأذن ربي في لقائك حتى إذا كان أوان أذن لي أن أبشرك أنه ليس أحد أكرم على الله منك» .(10/322)
وروى البيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «إن محمدا أكرم الخلق على الله يوم القيامة» .
وروى أيضاً عن عبد الله بن سلام قال: إن أكرم الخليقة على الله أبو القاسم صلى الله عليه وسلم.
ولازم هذه الأحاديث تفضيله على جميع الخلائق صلى الله عليه وسلم.
قال العلماء: ولا يرد على ذلك حديث: «لا تخيروني من بين الأنبياء على موسى» وحديث أنه قيل له: يا خير البرية، قال: «ذاك إبراهيم» وحديث: «لا تفضلوا بين الأنبياء» لأن عن ذلك أجوبة منها: أنه قال ذلك قبل أن يعلم أنه خير الخلق.
ومنها: أنه قاله على سبيل التواضع ونفي الكبر.
ومنها: أنه منع للتفضيل في حق النبوة والرسالة، فإن الأنبياء على حد واحد، إذ هي شيء واحد لا يتفاضل وإنما التفاضل بأمور أخر زائدة عليها وكذلك الرسل ومنهم أولو العزم من الرسل، ومنهم من رفع مكانا عليا، ومنهم من أوتي الحكم صبيا.
التاسعة والعشرون بعد المائة.
وبأنه صلى الله عليه وسلم أفرس العالمين عد هذه ابن سراقة.
ثلاثون بعد المائة.
وبأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن أحد يغلبه بالقوة قاله ابن منيع، وتقدم في باب شجاعته صلى الله عليه وسلم بيان ذلك.
الحادية والثلاثون بعد المائة.
وبأنه صلى الله عليه وسلم أيد بأربعة وزراء جبريل وميكائيل وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
روى البزار والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الله تعالى أيدني بأربعة وزراء، اثنين من أهل السماء جبريل وميكائيل، واثنين من أهل الأرض أبي بكر وعمر» .
وروى الحاكم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وزرائي من أهل السماء جبريل وميكائيل، ومن أهل الأرض أبو بكر وعمر» .
الثانية والثلاثون بعد المائة.
وبأنه صلى الله عليه وسلم أعطي من أصحابه سبعة عشر مجيبا، وكل نبي أعطي سبعة.
روى الحاكم وابن عساكر عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل نبي أعطي سبعة رفقاء، وأعطيت أربعة عشر» قيل لعلي من هم؟ قال: أنا وحمزة وابناي وجعفر وعقيل وأبو بكر وعمر وعثمان والمقداد وسلمان وعمار وطلحة والزبير.(10/323)
الثالثة والثلاثون بعد المائة.
وبإسلام قرينه.
روى مسدد وأبو يعلى والبزار وابن حبان عن شريك بن طارق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا ومعه شيطان» ، قالوا: ومعك؟ قال: «ومعي ألا إن الله تعالى أعانني عليه، فأسلم، وما منكم من أحد يدخله عمله الجنة» ، قالوا: ولا أنت؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته» .
الرابعة والثلاثون بعد المائة.
وبأن أزواجه كن عونا له صلى الله عليه وسلم.
روى البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضلت على الأنبياء لخصلتين، كان شيطاني كافرا، فأعانني الله عليه فأسلم، ونسيت الخصلة الأخرى» .
وروى البيهقي وأبو نعيم عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضلت على آدم بخصلتين: كان شيطاني كافرا فأعانني الله تعالى عليه حتى أسلم، وكن أزواجي عونا لي، وكان شيطان آدم كافرا وزوجته عونا له على خطيئته» .
وروى ابن عساكر عن أبي هريرة مثله.
وروى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا ومعه قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة» قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: «وإياي، ولكن أعانني الله عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير» .
وروى ابن عساكر عن عبد الرحمن بن زيد رضي الله عنه إن آدم صلى الله عليه وسلم ذكر محمدا رسول الله، فقال: «إن أفضل ما فضل به علي ابني صاحب البعير، أن زوجته عون له على دينه، وكانت زوجتي عونا لي على الخطيئة» .
قال في الروضة: ويفضل زوجاته على سائر النساء.
قال السبكي في الحلبيات: المراد بسائر: الباقي لا الجميع لئلا يلزم تفضيلهن على أنفسهن، لأنهن من جملة النساء، والذي يحمل السؤال التردد بين مجموع الباقي وبين كل فرد منه وجه الإكمال أن النساء جمع معرف وهو محتمل لذلك، إذ دلالة العموم ترجيح كل فرد على فرد، وكذا الاحتمالات في زوجاته، لأنه جمع مضاف، والظاهر الحمل على كل فرد من المفضل والمفضل عليه، ولأنه نص في جانب المفضل عليه وهو: لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ [الأحزاب 32] وعبارة القاضي رضي الله عنه: قال الحسن: نساؤه أفضل نساء العالمين.(10/324)
والمتولي: نساؤه خير نساء هذه الأمة المذكورة يحتملهما. والآية محتملة أيضاً لظاهر العموم، وقد يحتج له بأن هذه أمة خير الأمم، فنساؤها خير نساء الأمم، والتفضيل على الأفضل تفضيل على من دونه بطريق الأولى.
وفي هذا بحث من جهة أن التفضيل تحمله هذه الأمة، وتفضيل الجملة على الجملة لا يقتضي تفضيل كل فرد على كل فرد، فقد يكون في الجملة المفضولة واحد أفضل من كل فرد في الجملة الفاضلة، ويكون في باقي الجملة الفاضلة أفراد كثيرة مجموعها أفضل من باقي الجملة المفضولة، أو من كلها، إذا فهمت هذا فانظر إلى الآية الكريمة تجدها اقتضت التفضيل على كل فرد لا على الجملة، فإن حملناها على العموم اقتضت تفضيل نسائه عليه الصلاة والسلام على كل فرد من جميع النساء، فيلزم أن لا يكون في واحد من النساء المتقدمة.
تنبيه:
الإجماع على أن النبي أفضل من غير النبي، وقد اختلفوا في مريم: هل هي نبية أم لا؟ وكذلك في أم موسى وآسية وحواء وسارة، ولم يصح عندنا في ذلك شيء وقد يشهد لنبوة مريم ذكرها في سورة مريم مع الأنبياء، وهي قرينة فإذا ثبتت نبوة امرأة، فإما أن يكون عاما مخصوصا، وإما أن يكون المراد نساء هذه الأمة وفي الحديث: «لم يكمل من النساء إلا أربع» ذكر منهن مريم وخديجة. ولا شك أن خديجة ليست نبية فلا دلالة في الحديث على كون مريم نبية أو ليست نبية، وبقي بحث وهو أن الآية الكريمة نصت على الإفراد بقوله: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ [الأحزاب 32] وهو عام لأنه نكرة في سياق النفي، ولا شك أنه إذا أخذ واحد واحد كان مفضلا عليه، وإذا أخذ المجموع لم يلزم ذلك فيه وإذا أخذت جملة من آحاد المجموع احتمل أن يقال: إن حد العموم يشملها، ولا يخرج عنها إلا المجموع بضرورة التبعيض، فهذا البحث ينبغي أن ينظر فيه ويعمل ما يقتضيه ولا شك أنك إذا قلت: ما جاءني من أحد من النساء اقتضى نفي مجيء كل واحد منهم مطابقة، واقتضى نفي المجموع التزاما، وأما اقتضاؤه لنفي مجيء جملة منهم فهو بالالتزام كالمجموع، وقد قال القرافي: إن الضمائر عامة والظاهر أنه يحسب ما يعود عليه وهي هنا لجمع مضاف، فهي بجنسه وهو عام يدل ظاهرا على كل فرد ويحتمل المجموع، فضميره كذلك، فإن جعلناه للمجموع فمعناه أن جملة نساء النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من كل جمع من النساء قل أو كثر، وهذا نتيجة البحث المتقدم، فإن أحدا يجيء هنا بمعنى بعض، فهو وإن جعلناه لكل فرد فمعناه أن كل واحدة منهن مفضلة على جمع من النساء، على البحث المتقدم. وأما تفضيل كل واحدة منهن على مجموع النساء سواهن فاللفظ ساكت عنه، وقد ظهر من هذا أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم مفضلات على نساء هذه الأمة، وكذا على نساء سائر الأمم: إن جعل اللفظ على عمومه إن لم يكن في النساء نبية لكن في هذا إشكال من ثلاثة أوجه:(10/325)
الأول: أن فاطمة رضي الله عنها أفضل كما سنبينه. دل اللفظ بها أو نقول: إنها داخلة في نساء النبي صلى الله عليه وسلم لأنها ابنته وهي داخلة معهن في اسم النساء في الجملة، والإضافة مختلفة فيها معنى النبوة وفيهن بمعنى الزوجية.
الثاني: أن الخطاب للنساء الموجودات حين نزول الآية، فيلزم أنهن أفضل من خديجة، ولا خلاف أن خديجة رضي الله عنه أفضل منهن بعد عائشة، وجوابه: أن خديجة داخلة في جملة نساء النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم تكن مخاطبة لكن دل الخطاب على أن التفضيل إنما حصل للمخاطبات لكونهنّ نساء النبي حاصل فيها فلا تخرج عن حكمه.
الثالث: أن يلزم تفضيل حفصة وأم سلمة وزينب وميمونة وسودة وجويرية، وأم حبيبة على نساء سائر الأمم إذا جعلنا النساء للعموم ولا شك أن مريم أفضل من هؤلاء الثمان للحديث:
«لم يكمل من النساء أربع» فذكر مريم وخديجة وجوابه: إنا نلتزم التخصيص لذلك، وعند هذا أقول: أن الآية تضمنت تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم بأمور منها: أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [الأحزاب 29] وكلهن محسنات فعلمنا أن الله أعد لهن أجرا عظيما عنده، ويصغر في عين العظيم العظائم فمعظم الأجر المعد لهن لا يعلمه إلا الله.
ومنها أنهن يؤتين أجرهن مرتين، ولهذا لم يحصل لغيرهن إلا للثلاثة المذكورات في القرآن والحديث.
ومنها إعداد الله عز وجل لهن رزقا كريما، والشهداء أثنى عليهم بأنهم عند ربهم يرزقون، وهؤلاء زادهن مع الرزق كونه كريما.
ومنها المعاونة (بينهن وبين) [ (1) ] غيرهن وإرادته تعال بإذهاب الرجس عنهن، وتطهيرهن تطهيرا مؤكدا، وما يتلى في بيوتهن من آيات الله والحكمة، وليس في الآية إلا ذلك، وشرفهن بانتسابهن إليه عليه الصلاة والسلام وأناقة قدرهن بذلك حتى تفارق صفاتهن صفات غيرهن، وليس في الآية تصريح بما أراده الفقهاء، وتكلفوا فيه من التفضيل حتى يتكلف النظر بينهن وبين مريم، فنقول ما قاله الله تعالى بقوله، ونسكت عما سكت عنه، وزعم بعضهم أن أفضل الصحابة زوجاته عليه الصلاة والسلام، لأنهن معه في درجته التي هي أعلى الدرجات، وهذا قول ساقط مردود، وأما فاطمة وخديجة ثم عائشة، رضي الله عنهن فقال البلقيني في «فتاويه» :
الذي نختاره أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة، للحديث الصحيح،
وأنه قال لفاطمة: «أما ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة وسيدة نساء المؤمنين»
وفي النسائي مرفوعا: «أفضل
__________
[ (1) ] في ج (عليهن وعن) .(10/326)
نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد»
سنده صحيح، فالحديث صريح في أنها وأمها أفضل نساء أهل الجنة، والحديث الأول يقتضي فضل فاطمة على أمها،
وفي حديث آخر «فاطمة بضعة مني»
وهو يقتضي تفضيل فاطمة على جميع نساء العالم ومنهن خديجة وعائشة رضي الله عنها وبقية بنات النبي صلى الله عليه وسلم.
وروي عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: حدثتني فاطمة، قالت: أسر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا قد حضر أجلي وإنك أول أهل بيتي لحوقا بي، ونعم السلف أنا لك، قالت: فبكيت، فقال: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة ونساء المؤمنين؟
فضحكت» .
وروى البزار عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن فاطمة: «هي خير بناتي إنها أصيبت في» .
وأما تفضيل خديجة على عائشة فقد جاء فيه أحاديث بسطتها في «الفيض الجاري» .
وأما بقية بنات النبي صلى الله عليه وسلم مع بقية نسائه فبقية بناته أفضل، ويشهد لذلك ما ذكره ابن عبد البر في ترجمة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: في الحديث الصحيح عن سعيد بن المسيب قال: أم عثمان من رقية، وأم حفصة من زوجها. انتهى وفي الصحيح: خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة بنت خويلد والضمير قيل: إنه للسماء والأرض ويؤيده ما ورد من الإشارة إليهما ويحتمل أن الضمير لمريم، وخديجة على أنهما سيدتان وإضافة النساء إليهم كإضافتهن في قوله: أو نسائهن. ويعود شرحه إلى معنى نساء زمانها وفي الصحيح: «ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة» وفي غير الصحيح: «ما أبدلني الله خير منها، وهي أول من آمن بي، وظهر عنها من النور والخير ما لا خفاء فيه» ، وفي الحديث: «إني رزقت حبها» وبقيت [ (1) ] المفاضلة بينها وبين مريم بنت عمران، فإن قلنا بنبوة مريم كانت أفضل من فاطمة وإن قلنا: ليس بنبية احتمل أنها أفضل، للاختلاف في نبوتها، واحتمل التسوية بينهما، تخصيصا لهما بأدلتهما الخاصة من بين النساء، واحتمل تفضيل فاطمة عليها، وعلى غيرها لما تقدم، وسيأتي لهذا مزيد بيان في الكلام على زوجاته صلى الله عليه وسلم.
الخامسة والثلاثون بعد المائة.
وبأن بناته صلى الله عليه وسلم أفضل نساء العالمين.
__________
[ (1) ] في ج وثبتت.(10/327)
روى الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير نسائها مريم، وخير نسائها فاطمة» .
وروى الحارث بن أبي أسامة عن عروة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مريم خير نساء عالمها، وفاطمة خير نساء عالمها» .
وروى أبو يعلى عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تزوج حفصة خير من عثمان، وتزوج عثمان خيرا من حفصة»
قال الحافظ وهذا الحديث مما يستدل به على تفضيل بناته على رفقائه [ (1) ] .
وروى أبو نعيم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران» .
قال ابن دحية في «مرج البحرين» سئل العالم الكبير أبو بكر بن داود بن علي رحمه الله تعالى: من أفضل خديجة أم فاطمة رضي الله عنهما؟ فقال: «إن فاطمة بضعة مني» ولا أعدل ببضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا.
وقال السهيلي: وهذا استقراء حسن ويشهد بصحة هذا الاستقراء أن أبا لبابة حين ربط نفسه، وحلف أن لا يحله إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت فاطمة لتحله فأبى لأجل قسمه،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما فاطمة بضعة مني» .
السادسة والثلاثون بعد المائة.
وبأن ثواب أزواجه صلى الله عليه وسلم وعقابهن يضاعف تفضيلا لهن وتكريما، قال الله تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ، مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ، وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً، وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً
[الأحزاب 30، 31] .
وروى الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربعة يؤتون أجرهم مرتين:
أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم» الحديث.
قال العلماء: الأجر مرتين في الآخرة.
وقيل: أحدهما في الدنيا، والآخر في الآخرة. واختلف في مضاعفة العذاب فقيل:
عذاب في الدنيا وعذاب في الآخرة، وغيرهن إذا عوقب في الدنيا لم يعاقب في الآخرة، لأن الحدود كفّارات.
__________
[ (1) ] في ج (زوجاته) .(10/328)
وقال مجاهد: حدان في الدنيا.
قال سعيد بن جبير: وكذا عذاب من قذفهن يضرب في الدنيا فيجلد مائة وستين جلدة.
قال القاضي: وعن بعضهم أن ذلك خاص بغير عائشة، فإن قاذفها يقتل، ولا يقتل من قذف واحدة من سائرهن.
قال الماوردي: إن قتل فما في مضاعفة العذاب عليهن من تفضيل انتهى.
السابعة والثلاثون بعد المائة.
وبأن أصحابه أفضل العالمين إلا النبيين.
روى ابن جرير في كتاب السنة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الله اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار من أصحابي أربعة أبا بكر وعمر وعثمان وعلي فجعلهم خير أصحابي كلهم خير واختار أمتي على سائر الأمم، واختار من أمتي أربعة قرون، الأول والثاني والثالث تترى والرابع مرادي» .
وروى عن بلال بن سعد أبيه رضي الله عنه وكانت له صحبة قال: قيل: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: «أنا وقرني» ثم قلنا: ثم من؟ قال: «القرن الثاني ثم القرن الثالث» الحديث.
الثامنة والثلاثون بعد المائة.
وبأنهم يقاربون عدد الأنبياء، وكلهم مجتهدون ولهذا
قال: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» .
التاسعة والثلاثون بعد المائة.
وبأن مسجده أفضل المساجد وبأن الصلاة فيه تضاعف.
الأربعون بعد المائة.
وبأن البلد الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم أفضل بقاع الأرض ثم مهاجره على قول الجمهور، وقيل: إن مهاجره صلى الله عليه وسلم أفضل البلاد، واختاره الشيخ وتقدم بيان ذلك في باب فضل المدينة.
الحادية والأربعون بعد المائة.
وبأن تربتها مؤمنة.
روى ابن زبالة في حديث: «والذي نفسي بيده، إن تربتها لمؤمنة» .
الثانية والأربعون بعد المائة.
وأنها مكتوبة في التوراة مؤمنة، وذلك إما لتصديقها بالله حقيقة كذوي العقول إذ لا(10/329)
تبعد أن يكون قد خلق الله تعالى في الجماد قوة قابلة للتصديق وقوة للتكذيب، وقد سمع تسبيح الحصى في كفه صلى الله عليه وسلم أو مجازا لاتصاف أهلها بذلك ولانتشار الإيمان منها، واشتمالها على أوصاف المؤمنين من النفع والبركة، وعدم الضر والمسكنة، وإما لإدخال أهلها في الإيمان من الأعداء وأمنهم من الدجال والطاعون.
الثالثة والأربعون بعد المائة.
وبأن غبارها يطفئ الجذام.
روى ابن الجوزي في الوفاء وابن البخار عن إبراهيم بلاغا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «غبار المدينة شفاء من الجذام» [ (1) ] .
روى رزين عن سعد رضي الله عنه قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك تلقاه رجال من المتخلفين من المؤمنين فأثاروا غبارا فخمروا فغطى بعض من كان معه فأزال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللثام عن وجهه، وقال: «والذي نفسي بيده، إن في غبارها شفاء من كل داء» .
قال: وأراه ذكر من الجذام والبرص.
وروى ابن زبالة عن صيفي بن أبي عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، إن تربتها لمؤمنة، وإنها شفاء من الجذام» ،
قال السيد: وقد رأينا من استشفى بغبارها من الجذام، وكان أضر به كثيرا، فصار يخرج إلى الكوفة البيضاء ببطحان بطريق قباء، ويتمرغ بها ويتخذ فيها مرقدة فنفعه ذلك جدا.
قال الإمام الحجة يحيى بن الحسن بن جعفر العلوي عن [......] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتانا الجرب، فإذا هم روباء، فقال: ما لكم يا بني الحارث روباء؟ قالوا أصابتنا يا رسول الله هذه الحمى، قال: فأين أنتم من صعيب؟ قالوا: يا رسول الله، ما نصنع به؟ قال: تأخذون من ترابه فتجعلونه في ماء ثم يتفل عليه أحدكم، ويقول: بسم الله، تراب أرضنا، بريق بعضنا شفاء لمريضنا، بإذن ربنا، ففعلوا فتركتهم الحمى» .
قال أبو القاسم طاهر بن يحيى، فصعيب وادي ببطحان دون الماجشونية، وفيه حفرة مما يأخذ الناس منها اليوم، إذا وبأ إنسان أخذ منه، قال السيد: والماجشونية في الحديبية المعروفة اليوم بالدشنوية، وذكر المجد اللغوي: أن جماعات من العلماء ذكروا أنهم جربوا تراب صعيب للحمى فوجدوه صحيحا.
قال: وأنا بنفسي سقيته غلاما لي مريضا من نحو سنة فانقطعت عنه من يومه وقال:
__________
[ (1) ] سقط في ج.(10/330)
[....] : وكيفية الاستشفاء به أن يجعل في الماء ويغسل به من الحمى. قال السيد: وينبغي أن يجعل في الماء ثم يتفل عليه ويقال عليه الرقية الواردة ثم يجمع بين الشرب والغسل.
الأربعة والأربعون بعد المائة.
وبأن من تصبح بسبع ثمرات عجوة على الريق من بين لابتي المدينة حتى يصبح لم يضره شيء حتى يمسي وإن أكلها حين يمسي لم يضره شيء حتى يصبح.
روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن في عجوة العالية شفاء، وإنها ترياق أول البكرة» .
وروى النسائي والطيالسي والطبراني بسند جيد «العجوة من الجنة وهي شفاء من السم» .
وروى الإمام أحمد والشيخان عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من تصبح بسبع تمرات عجوة [ (1) ] من بين لابتي المدينة على الريق لم يضره شيء في ذلك اليوم سم ولا سحر» .
ولفظ أحمد: «لا شيء حتى يمسي» .
قال النووي تخصيصها دون غيرها، وعدد السبع من الأمور التي علمها الشارع، ولا نعلم نحن حكمتها، فيجب الإيمان بها واعتقاد فضلها، وما ذكره القاضي والمازري في هذا باطل وقصدت بذلك (التحذير) [ (2) ] من الاغترار به انتهى، وكذلك ما ذكره ابن التين، وهو مردود لأن سوق الأحاديث وإيراد العلماء لها وإطباق العلماء على التبرك بعجوة المدينة وغيرها، يرد التخصيص بزمنه مع أن الأصل عدمه ولم تزل العجوة معروفة بالمدينة يأبرها الخلف عن السلف، ويعلمها كبيرهم وصغيرهم علما لا يقبل التشكيك.
قال ابن الأثير: العجوة ضرب من التمر أكبر من الصيحاني يضرب إلى السواد وهو مما غرسه النبي صلى الله عليه وسلم بيده وذكر الأخير القزاز، فنقل الأرداء التي كاتب سلمان الفارسي عليها أهله وغرسها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة بالعقير وغيره من العالية كانت عجوة، والعجوة توجد بالعقير إلى يومنا هذا، ويبعد أن يكون المراد أن هذا النوع إنما حدث بعد زمانه صلى الله عليه وسلم وأن جميع ما يوجد منه من غرسه صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى، قاله السيد.
__________
[ (1) ] سقط في ح.
[ (2) ] في ح اعتذر.(10/331)
الخامسة والأربعون بعد المائة.
وبأن نصف فراس الغنم فيها مثل مثلها في غيرها من البلاد.
السادسة والأربعون بعد المائة.
وبأنه لا يدخلها الدجال.
السابعة والأربعون بعد المائة.
ولا الطاعون.
الثامنة والأربعون بعد المائة.
وبأنه صلى الله عليه وسلم صرف الحمى عنها أول ما قدمها ونقلها إلى الجحفة، ثم لما أتاه جبريل بالحمى والطاعون أمسك الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون إلى الشام.
روى الإمام أحمد برجال ثقات عن أبي عسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبريل بالحمّى والطاعون فأمسك الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون إلى الشام فالطاعون شهادة لأمتي ورحمة ورجز على الكافر» .
قال السيد: والأقرب أن هذا كان في آخر الأمر بعد نقل الحمى بالكلية، لكن قال الحافظ: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان في قلة من أصحابه، فاختار الحمى لقلة الموت بها على الطاعون لما فيها من الأجر الجزيل، وقضيتها إضعاف الأجسام فلما أمر بالجهاد دعا بنقل الحمى إلى الجحفة، ثم كانوا حينئذ من فاتته الشهادة بالطاعون لما حصلت له بالقتل في سبيل الله، ومن فاته ذلك دخلت له الحمى التي هي حظ المؤمن من النار ثم استمر ذلك بالمدينة، يعني بعد كثرة المسلمين تمييزا لها عن غيرها.
قال السيد: وهو يقتضي عود شيء من الحمى إليها بآخرة الأمر، والمشاهد في زماننا عدم خلوها منها أصلا، لكن ليس كما وصف أولا بخلاف الطاعون، فإنها محفوظة عنه الكلية، فالأقرب
أنه صلى الله عليه وسلم لما سأل ربه تعالى لأمته أن لا يلبسهم شيئا ولا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعه ذلك، فقال في دعائه: «فحمى إذن أو طاعونا»
أراد بالدعاء بالحمى الموضع الذي لا يدخله طاعون، فيكون ما بالمدينة اليوم ليس هو حمى الوباء، بل هي رحمة بدعائه صلى الله عليه وسلم، وقد استشكل قرن الدجال بالطاعون مع أن الطاعون شهادة ورحمة فكيف يمتدح بعدمه؟ وقد يشكل من وجوه:
الأول: أن كونه كذلك ليس لذاته، وإنما المراد ترتب ذلك عليه، وقد ثبت ذلك من رواية الإمام أحمد «يؤخذ أعداؤكم من الجن» فيكون الإشارة بذلك إلى أن كفار الجن وشياطينهم ممنوعون من الطعن به، كما أن الدجال ممنوع منه، ألا ترى أن قتل الكافر المسلم شهادة، ولو ثبت ذلك أن الكفار لا تسلط عليه لحاز غاية الشرف.(10/332)
الثاني: أن أسباب الرحمة لا تنحصر في الطاعون وقد عوضهم النبي صلى الله عليه وسلم عنه الحمى حيث اختارها عند ما عرضها عليه كما تقدم، وهي طهرة للمؤمن، وحظه من النار، والطاعون يأتي في بعض الأعوام، والحمى تتكرر في كل حين، فتعادلا، وفيه نظر، لأن تكثير أسباب الرحمة مطلوب، ولأنه لا يرفع إشكال التمدح بعدمه.
الثالث: أنه وإن اشتمل على الرحمة والشهادة، فقد ورد أن سببه أشياء تقع من الأمة كظهور بعض المعاصي، وقد روى الإمام أحمد بأسانيد حسان صحاح عن شرحبيل بن حسنة وغيره «أنه- يعني الطاعون- رحمة ربكم ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم» .
وروى الإمام أحمد تفسير كونه دعوة نبيكم عن أبي قلابة رضي الله عنه بأنه صلى الله عليه وسلم سأل ربه عز وجل أن لا يهلك أمته السنة، فأعطانيها، وسأله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم، فأعطانيها، وسأله أن لا يلبسهم شيئا، ولا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعه،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: «فحمى إذا أو طاعونا»
ثلاثا، فقد تضمن الطاعون نوعا من المؤاخذة، لأنه صلى الله عليه وسلم دعا به لتحصل كفاية إذاقة بعضهم بأس بعض، ويكون هلاكهم حينئذ بسبب لا يعصون به فحفظ الله تعالى بلد نبيه صلى الله عليه وسلم من الطاعون المشتمل على الانتقام إكراما لنبيه صلى الله عليه وسلم وجعل لهم الحمى المضعفة للأبدان عن إذاقة بعضهم بأس بعض، والمطهرة لهم،
بقوله صلى الله عليه وسلم: «فحمى إذا»
أي للموضع الذي لا يدخله الطاعون بل عصم منه، وهو جواره الشريف.
وقوله: «أو طاعونا»
أي للموضع الذي لم يعصم منه وهو سائر البلاد، هذا ما قال السيد نور الدين، وهذا ما ظهر لي في فهم هذه الأحاديث وهو يقتضي شرف الحمى الواقعة بالمدينة، وفضلها، لأنها دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم ورحمة بنا أيضاً، لأنها من لازم دعوته ولأنها جعلت في مقابلة الطاعون الذي هو رحمة لغيرهم فتكون الحمّى رحمة لهم فهي غير حمى الوباء الذاهبة من المدينة، والله تعالى أعلم.
قال الحافظ: والحق أن المراد بالطاعون في هذه الأحاديث الذي ينشأ عن طعن الجن فيهيج به الدم في البدن، فهذا لم يدخل المدينة قط.
التاسعة والأربعون بعد المائة.
وبأنه صلى الله عليه وسلم لما عادت الحمى إلى المدينة باختياره إياها، لم تستطع أن تأتي أحدا من أهلها حين جاءت ووقفت ببابه، واستأذنته فيمن يبعثها إليه فأرسلها إلى الأنصار.
روى الإمام أحمد برجال الصحيح وأبو يعلى والطبراني وابن حبان في صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال: استأذنت الحمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من هذه؟» قالت: أم ملدم، فأمر بها إلى أهل قباء، فلقوا ما لا يعلمه إلا الله تعالى، فأتوه، فشكوا ذلك إليه فقال: «ما(10/333)
شئتم إن شئتم [ (1) ] دعوت الله عز وجل فيكشفها عنكم، وإن شئتم تكون لكم طهورا» وفي لفظ: «طهرت ذنوبكم» قالوا: أو تفعل؟ قال: «نعم» ، قالوا: فدعها.
انتهى.
الخمسون بعد المائة.
وبإحلال مكة له ساعة من نهار لم تحل لأحد قبله صلى الله عليه وسلم.
الحادية والخمسون بعد المائة.
وبأنه صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتي المدينة.
روى الإمام أحمد ومسلم والنسائي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ومسلم وابن جرير عن رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت ما بين لابتيها» .
زاد جابر: «فلا يعضد شوكها ولا يقطع عضاهها» .
وروى الشيخان عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف على المدينة، فقال: «اللهم إني حرمت ما بين جبليها مثل ما حرم إبراهيم مكة» .
.. الحديث.
الثانية والخمسون بعد المائة.
وبأنه لا يقتل حيات المدينة إلا بالإنذار. والحديث الوارد في القتل بالإنذار خاص بها.
الثالثة والخمسون بعد المائة.
وبأنه يسأل صلى الله عليه وسلم عنه الميت في قبره.
روى الإمام أحمد والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أما فتنة القبر فبي تفتنون، وعني تسألون، فإذا كان الرجل الصالح أجلس، فيقال له: ما هذا الرجل الذي كان فيكم؟ فيقول: محمد رسول الله» الحديث.
قال الحكيم الترمذي وابن عبد البر: سؤال المقبور خاص بهذه الأمة.
تنبيه:
ذكر بعض من لا علم عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم يكون حاضرا حين سؤال الميت، واستند إلى قول: «ما تقول في هذا الرجل» قال الحافظ: [....] .
الرابعة والخمسون بعد المائة.
باستئذان ملك الموت عليه صلى الله عليه وسلم ولم يستأذن على نبي قبله، وسيأتي بيان ذلك في الوفاة إن شاء الله تعالى.
__________
[ (1) ] في ح أحييتم.(10/334)
الخامسة والخمسون بعد المائة.
وبتحريم نكاح أزواجه من بعده صلى الله عليه وسلم وأمة وطئها، قال الله سبحانه وتعالى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً [الأحزاب 53] ولم يثبت ذلك لأحد من الأنبياء، بل قصة سارة مع الجبار، وقول إبراهيم له: هذه أختي وأنه هم أن يطلقها ليتزوجها الجبار قد يستدل به على أن ذلك لم يكن لسائر الأنبياء، وما قيل في تعليل ذلك: إنهن أمهات المؤمنين، وإن في ذلك غضاضة ينزه عنها منصبه الشريف، وأنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره، ولهذا حكى الماوردي وجها أنه لا يجب عليهن عدة الوفاة، وفيمن فارقها في الحياة كالمستعيذة والتي رأى بكشحها بياضا، أوجه:.
أحدها: يحرمن أيضاً، وهو الذي نص عليه الشافعي، وصححه في الروضة، لعموم الآية وليس المراد «بمن بعده» بعدية الموت بل بعدية النكاح.
وقيل: لا.
والثالث: وصححه إمام الحرمين والرافعي في «الشرح الصغير» تحرم المدخول بها فقط، والخلاف جار أيضاً فيمن اختارت الفراق لكن الأصح فيها عند إمام الحرمين والغزالي الحل، وبه قطع جماعة، لتحصل به فائدة التخيير، وهو التمكن من زينة الدنيا، وفي أمة فارقها بعد وطئها أوجه:.
ثالثها: تحرم إن فارقها بالموت كمارية، ولا تحرم إن باعها في الحياة، قيل: وسبب نزول هذه الآية أن رجلا قال: لو مات محمد لتزوجت عائشة أو أم سلمة فنزلت، رواه الطبراني بسند ضعيف جدا عن ابن عباس رضي الله عنهما ورواه أيضاً ابن بشكوال من طريق الكلبي عنه وسمى القائل طلحة بن عبيد الله القرشي، وقد غلط جماعة من العلماء في طلحة هذا فظنوه طلحة بن عبيد الله أحد العشرة، وليس هو كذلك، إنما هو آخر، شاركه في اسمه واسم أبيه ونسبه، فإن طلحة المشهور الذي هو أحد العشرة طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمر بن كعب بن سعد بن تميم التيمي، وطلحة صاحب القصة طلحة بن عبيد الله بن شافع بن عياض ابن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن كعب بن تميم التيميّ.
روى موسى في الذيل نقلا عن ابن شاهين في ترجمة طلحة هذا: هو الذي نزل فيه:
وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ [الأحزاب 53] الآية نبه على ذلك ابن شاهين، وأبو موسى المديني والحافظ والشيخ وغيرهم رضي الله عنهم.
السادسة والخمسون بعد المائة.
وبأن البقعة التي دفن فيها صلى الله عليه وسلم أفضل من الكعبة ومن العرش.(10/335)
قال العلماء: محل الخلاف في التفضيل بين مكة والمدينة في غير قبره صلى الله عليه وسلم.
السابعة والخمسون بعد المائة.
وبأنه يحرم التكني بكنيته صلى الله عليه وسلم وقد تقدم بيان ذلك في آخر باب أسمائه الشريفة.
الثامنة والخمسون بعد المائة.
وبأنه يجوز التسمي باسمه محمد.
التاسعة والخمسون بعد المائة.
والتسمي بالقاسم فلا يكنى أبوه أبا القاسم، حكاهما النووي في شرح مسلم.
قال الشيخ: قال سراج الدين بن الملقن في خصائصه: شذ جماعة فمنعوا التسمية باسم النبي صلى الله عليه وسلم جملة كيف ما تكنى حكاه الشيخ زكي الدين المنذري.
وروى ابن سعد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن عمر بن الخطاب جمع كل غلام اسمه اسم نبي فأدخلهم الدار ليغير أسماءهم، فجاء آباؤهم فأقاموا البينة أن النبي صلى الله عليه وسلم سمي عامتهم فخلى عنهم، قال أبو بكر: وكان أبي فيهم.
الستون بعد المائة.
وبأنه يجوز أن يقسم على الله به صلى الله عليه وسلم وليس ذلك لأحد كما في حديث عثمان بن حنيف في قصة الضرير وفيه «اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد» ، قال ابن عبد السلام: ينبغي أن يكون هذا مقصورا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه سيد ولد آدم، وأن لا يقسم على الله بغيره من الأنبياء والملائكة والأولياء، لأنهم ليسوا في درجته، وأن يكون مما خص به صلى الله عليه وسلم تنبيها على علو درجته ومرتبته.
الحادية والستون بعد المائة.
وبأنه لم تر عورته قط، ولو رآها أحد طمست عيناه، وتقدم في باب حياته حديث عائشة ويأتي الكلام على ذلك في الوفاة.
الثانية والستون بعد المائة.
وبأنه لا يجوز عليه الخطأ، عد هذه ابن أبي هريرة والماوردي رضي الله عنه وعلى هذا القول باجتهاده، لأنه خاتم النبيين، فليس بعده نبي يستدرك خطؤه بخلافهم، فلذلك عصمه الله تعالى منه.
وقال الإمام الشيرازي رحمه الله تعالى: إنه لا يخطئ اجتهاده، وجزم به البيضاوي، وقال ابن السبكي: إنه الصواب وهو ما نعتقده وندين به.(10/336)
الثالثة والستون بعد المائة.
بأنه لا يجوز عليه النسيان صلى الله عليه وسلم حكاه النووي في شرح مسلم.
الرابعة والستون بعد المائة.
وبأنه ما من نبي له خاصة نبوة في أمته إلا وفي هذه الأمة عالم من علمائه، يقوم في قومه مقام ذلك النبي في أمته، وينحو منحاه في زمانه، ولذا
ورد «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل»
وورد «العالم في قومه كالنبي في أمته»
قاله البارزي قلت: الحديث الأول، قال الحافظ وغيره: إنه موضوع وإنما الوارد
«العلماء ورثة الأنبياء» .
الحديث الأول
رواه أبو نعيم بسند ضعيف بلفظ «أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد»
والثاني
رواه الديلمي بلفظ «الشيخ في بيته كالنبي في قومه» .
الخامسة والستون بعد المائة.
وبتسميته صلى الله عليه وسلم عبد الله ولم يطلقها على أحد سواه، وإنما قال ذلك إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً [الإسراء 3] نِعْمَ الْعَبْدُ [ص 30] قاله البارزي.
السادسة والستون بعد المائة.
وبأنه ليس في القرآن ولا في غيره صلاة من الله على غيره، فهي خصيصة اختصه الله تعالى بها دون سائر الأنبياء، قاله البارزي.
السابعة والستون بعد المائة.
وبأنه من صلى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشرا.
الثامنة والستون بعد المائة.
وبأن من صلى عليه عشرا صلى الله عليه مائة.
التاسعة والستون بعد المائة.
وبأن من صلى عليه مائة صلى الله عليه ألفا كما سيأتي بيان ذلك في باب فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
السبعون بعد المائة.
وبأن الدعاء يتوقف إجابته حتى يصلى عليه، كما سيأتي بيانه في باب مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم [ (1) ] .
__________
[ (1) ] سقط في ح.(10/337)
الحادية والسبعون بعد المائة.
وبأن صلاة أمته تعرض عليه في قبره وسلامهم.
الثانية والسبعون بعد المائة.
وبأنه رغم أنف من ذكر عنده فلم يصل عليه.
الثالثة والسبعون بعد المائة.
وبأنه ما جلس قوم مجلسا ولم يصلوا عليه إلا كان عليهم ترة وحسرة يوم القيامة وقاموا على أنتن من جيفة.
الرابعة والسبعون بعد المائة.
وبأن التحذير لمن ذكر عنده فلم يصل عليه وسيأتي بيان ذلك في باب التحذير من ترك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
الخامسة والسبعون بعد المائة.
وبأنه من نسي الصلاة عليه فقد أخطأ طريق الجنة.
السادسة والسبعون بعد المائة.
وبأن من صلى عليه في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب أو لم تزل الصلاة جارية له.
السابعة والسبعون بعد المائة.
وبأن الصلاة عليه زكاة وطهارة وكفارة.
الثامنة والسبعون بعد المائة.
وموجبة للشفاعة.
التاسعة والسبعون بعد المائة.
وسبب للمغفرة.
الثمانون بعد المائة.
وبأنه من يصلي عليه في يوم ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة.
الحادية والثمانون بعد المائة.
وبأن من صلى عليه مرة صلى الله عليه عشرا.
الثانية والثمانون بعد المائة.
ورفع له عشر درجات.(10/338)
الثالثة والثمانون بعد المائة.
وكتب له عشر حسنات.
الرابعة والثمانون بعد المائة.
ومحى عنه عشر سيئات.
الخامسة والثمانون بعد المائة.
ويرجى إجابة دعاء من صلى عليه أوله وآخره.
السادسة والثمانون بعد المائة.
وبأنه صلى الله عليه وسلم سبب كفاية الله تعالى المصلي عليه ما أهمه.
السابعة والثمانون بعد المائة.
وقرب المصلي عليه منه يوم القيامة.
الثامنة والثمانون بعد المائة.
وبأنها تقوم للمعسر مقام الصدقة.
التاسعة والثمانون بعد المائة.
وبأنها سبب لقضاء الحوائج.
التسعون بعد المائة.
وللبشارة بالجنة قبل موت المصلي عليه.
الحادية والتسعون بعد المائة.
وللنجاة من أهوال يوم القيامة.
الثانية والتسعون بعد المائة.
ولرد النبي صلى الله عليه وسلم على المصلي عليه.
الثالثة والتسعون بعد المائة.
تذكر المصلي ما نسيه.
الرابعة والتسعون بعد المائة.
وسبب لطيب مجلس المصلي عليه، وأنه لا يعود عليه حسرة، ولا علي من كان منه يوم القيامة.(10/339)
الخامسة والتسعون بعد المائة.
وبأنها تنفي الفقر.
السادسة والتسعون بعد المائة.
وبأنها تنفي عن المصلي عليه إذا ذكر اسم البخل.
السابعة والتسعون بعد المائة.
وبأنها نجاة للمصلي عليه عند ذكره من الدعاء عليه برغم الأنف.
الثامنة والتسعون بعد المائة.
وبأنها تمر بالمصلي عليه عن طريق الجنة، وسيأتي بيان ذلك في باب التحذير من ترك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
التاسعة والتسعون بعد المائة.
وبأنها تنجي من فتن المجلس.
المائتين.
وبأنها سبب لتمام الكلام الذي ابتدأ فيه مع حمد الله تعالى.
الحادية بعد المائتين.
ولزيادة نور المصلي إذا جاز على الصراط.
الثانية بعد المائتين.
ولإلقاء الله تعالى الثناء الحسن على المصلي عليه بين أهل السماء وأهل الأرض.
الثالثة بعد المائتين.
وللتزكية في ذات المصلي عليه، وفي عمره وفي عمله وفي أسباب مصالحه.
الرابعة بعد المائتين.
ولنيل المصلي عليه رحمة الله تعالى له.
الخامسة بعد المائتين.
ولدوام محبة المصلي عليه له، وزيادتها وتضاعفها، وذلك أن العبد كلما أكثر من ذكر محبوبه ومن استحضاره في قلبه واستجلاء محاسنه ويذكر معانيه الجالبة لحبه تضاعف حبه إليه وتزايد شوقه.
السادسة بعد المائتين.
ومحبته صلى الله عليه وسلم للمصلي عليه.(10/340)
السابعة بعد المائتين.
وبهداية المصلي عليه.
الثامنة بعد المائتين.
وحياة قلبه.
التاسعة بعد المائتين.
وبأن أسماءه توقيفية جزم به أبو الفتوح الطائي في أربعينه.
العاشرة بعد المائتين.
وبأن التسمي باسمه مبارك ميمون.
روى ابن أبي عاصم من طريق ابن أبي فديك عن جهم بن عثمان عن جشيب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تسمى باسمي يرجو بركتي غدت عليه البركة، وراحت إلى يوم القيامة» .
وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ولد له ثلاث، فلم يسم أحدهم محمدا فقد جهل» .
الحادية عشرة بعد المائتين.
وبكراهة سب من اسمه محمد وضربه.
روى البزار وأبو يعلى وابن عدي والحاكم عن أنس رضي الله عنه قال: تسمون أولادكم محمدا ثم تلعنونهم.
وروى البزار عن أبي رافع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سميتم محمدا فلا تضربوه ولا تحرموه» .
الثانية عشرة بعد المائتين.
وبمطابقة اسمه لمعناه الذي هو سمته وأخلاقه، فكان اسمه يدل على مسماه، وكانت خلائقه [ (1) ] إنما هي تفضيل جملة اسمه وشرح معناه، وذلك أن أشهر أسمائه صلى الله عليه وسلم محمد، وتقدم الكلام في باب أسمائه الشريفة بتسميته صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم لما اشتمل عليه من مسماه، وهو الحمد، فإنه صلى الله عليه وسلم محمود عند الله، محمود عند الملائكة، محمود عند إخوانه من الأنبياء، محمود عند أهل الأرض كلهم، وإن كفر به بعضهم، فإن ما فيه من صفات الكمال
__________
[ (1) ] في ح (خلايته) .(10/341)
محمودة عند كل عاقل، وإن كابر عقله جحود أو عناد أو جهل باتصافه بها، ولو علم اتصافه بها لحمده، فإنه يحمد من اتصف بصفات الكمال ويجهل وجودها فيه، فهو في الحقيقة حامد له صلى الله عليه وسلم وقد اختص صلى الله عليه وسلم من معنى الحمد بما لم يجتمع لغيره، فإن اسمه محمد وأحمد، وأمته الحمادون يحمدون الله في السراء والضراء، وصلاته وصلاة أمته مفتتحة بالحمد، وخطبه مفتتحة بالحمد، وكتابه مفتتح بالحمد، وبيده صلى الله عليه وسلم لواء الحمد يوم القيامة، وهو صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، وإذا سجد بين يدي الله تعالى في طلب الشفاعة يحمده ربه بمحامد يفتحها عليه حينئذ، وإذا قام في ذلك المقام حمده حينئذ أهل الموقف كلهم مؤمنهم وكافرهم أولهم وآخرهم، وهو محمود بما ملأ به الأرض من الهدى والإيمان، والعلم النافع والعمل الصالح، وما حمله عليه من محاسن الأخلاق ومكارم الشيم، وإن من نظر في أخلاقه وشيمه علم أنه خير أخلاق، وقد تقدم ذكر شيء منها.
الثالثة عشرة بعد المائتين.
وبأنه الله كلمه بأنواع الوحي وهي ثلاثة: الرؤيا الصادقة، والكلام بغير واسطة، والتكلم بواسطة جبريل صلى الله عليه وسلم ذكره ابن عبد السلام، وتقدم بيان ذلك في أول البعثة.(10/342)
الباب الثاني فيما اختص به عن الأنبياء صلى الله عليه وسلم عليهم في شرعه وأمته وفيه مسائل
الأولى:
اختص صلى الله عليه وسلم بإحلال الغنائم.
الثانية:
وبجعل الأرض كلها مسجدا ولم تكن الأمم تصلي إلا في البيع والكنائس.
الثالثة:
وبالتّراب طهورا وهو التيمم.
روى الشيخان عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد بعدي» الحديث.
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضلت على الناس بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا» .
وروى الطبراني عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فضلت أنا وأمتي في الصلاة تصف كما تصف الملائكة، وجعل الصعيد لي وضوءا، وجعلت لي الأرض مسجدا، وأحلت لي الغنائم» .
وروى البخاري في «التاريخ» والبزار والبيهقي وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان الأنبياء يقربون الخمس، فتجيء النار فتأكله وأمرت أنا أن أقسمه في فقراء أمتي» .
قال الخطابي: كان من تقدم على ضربين: من لم يؤذن له في الجهاد، فلم تكن له غنائم، ومنهم من أذن له فيها، لكن كانوا إذا غنموا أشياء لم تحل لهم أن يأكلوه وجاءت نار فأحرقته كما في الصحيح عن أبي هريرة: «غزا نبي من الأنبياء» فذكر القصة إلى أن قال:
فجمع الغنائم فجاءت- يعني النار- فلم تطعمها. وعند أحمد ومسلم «فجمعوا ما غنموا فأقبلت النار. زاد في رواية سعيد بن المسيب رضي الله عنه فكانوا إذا غنموا غنيمة بعث الله النار فأكلتها فذكر القصة، وقد تقدمت بكمالها في أواخر شرح قصة المعراج، وفي المعجزات في رد الشمس وفيها: «أحل الله لنا الغنائم، رأى ضعفنا وعجزنا، فأحلها لنا انتهى فكان من قبلنا يغزون ويأخذون أموال أعدائهم وأسلابهم لكن لا يتصرفون فيها بل يجمعونها وعلامة قبول ذلك أن تنزل النار فتأكلها، وعلامة عدم القبول أن لا تنزل.(10/343)
قوله: «مسجدا» يعني موضع سجوده، وهو وضع الجبهة على الأرض، لا يختص السجود منها بموضع دون غيره، ويحتمل أن يكون مجازا عن المكان المبني للصلاة، وهو من مجاز القرآن، لأنه لما جازت الصلاة في جميعها كانت كالمسجد، قال الخطابي والقاضي:
من كان قبل نبينا صلى الله عليه وسلم من الأنبياء إنما أبيحت لهم الصلاة في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع، ويؤيده
رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أحمد، بلفظ: «وكان مما قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم»
وهذا نص في موضع النزاع، فثبتت الخصوصية، ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث
ابن عباس رضي الله عنه نحو حديث جابر وفيه: «ولم يكن أحد من الأنبياء يصلي حتى يبلغ محرابه» .
الرابعة:
وبالوضوء في أحد القولين، وهو الأصح، فلم يكن إلا للأنبياء دون أممهم، وبه جزم الحليمي رحمه الله تعالى، واستدل له
بحديث الصحيحين «إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء»
ورد بأن الذي اختصت به الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء، كيف، وفي الحديث:
«هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي» .
قال الحافظ: والجواب إن هذا الحديث ضعيف، وعلى تقدير ثبوته يحتمل أن يكون الوضوء من خصائص الأنبياء دون أممهم إلا هذه الأمة.
قال الشيخ: هذا الاحتمال قد ورد ما يؤيده فقد تقدم في باب ذكره في التوراة والإنجيل في صفة أمته صلى الله عليه وسلم يوضئون أطرافهم رواه أبو نعيم عن ابن مسعود مرفوعا والدارمي عن كعب الأحبار والبيهقي عن وهب: «افترضت عليهم أن يتطهروا في كل صلاة، كما افترضت على الأنبياء» .
ثم رأيت
الطبراني روى في الأوسط بسند فيه ابن لهيعة عن بريدة قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ واحدة واحدة، ثم قال: «هذا وضوء لا يقبل الله تعالى الصلاة إلا به» ثم توضأ مرتين مرتين فقال: «هذا وضوء الأمم قبلكم» ، ثم توضأ ثلاثا ثلاثا، فقال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي» .
وفي هذا تصريح بكون الوضوء للأمم السابقة، نعم فيه خصوصية لنا عنهم وهو التثليث كما كان للأنبياء، ويرشد إلى ذلك قول ابن سراقة: خصوا بكمال الوضوء.
قلت: الصحيح بخلاف ما صححه الشيخ في الصغرى، وخلاف احتمال الحافظ، ففي البخاري في قصة سارة مع الملك الذي أعطاها هاجر، أن سارة لما هم الملك بأن يدنو منها، قامت تتوضأ، وفي قصة جريج فيه أيضاً أنه قام فتوضأ ثم كلم الغلام.
وروى الإمام أحمد من طريق زيد العمي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من(10/344)
توضأ واحدة فتلك وظيفة الوضوء الذي لا بدّ منها، ومن توضأ مرتين فله كفلان من الأجر، ومن توضأ ثلاثا فذاك وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي» .
وروى ابن ماجة والدّارقطني عن أبي بن كعب نحوه.
الخامسة:
وبمسح الخفّ.
السادسة:
وبجعل الماء مزيلا للنجاسة ويأتي ذلك.
السابعة:
وبأن كثير الماء لا يؤثر فيه نجاسة.
الثامنة:
وبالاستنجاء بالجامد، ذكر ذلك أبو سعيد النيسابوري في الشرف، وابن سراقة في الأعداد.
التاسعة:
وبالجمع فيه بين الماء والحجر.
العاشرة:
وبمجموع الصلوات الخمس.
الحادية عشرة:
وبأنه أول من صلى العشاء.
روى الطحاوي عن عبيد الله بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن آدم لما تيب عليه عند الفجر، صلى ركعتين، فصارت الصبح، وفدي إسحاق عند الظهر، فصلى إبراهيم الظهر أربعا، فصارت الظهر، وبعث عزير، فقيل له: كم لبثت؟ قال: لبثت يوما، فرأى الشمس، فقال: أو بعض يوم، فصلى أربع ركعات، فصارت العصر، وغفر لداود عند المغرب فقام فصلى أربع ركعات، فجهد فجلس في الثالثة، فصارت المغرب ثلاثا، وأول من صلى العشاء نبينا صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن أبي شيبة في المصنف والبيهقي في سننه عن معاذ رضي الله عنه قال: أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العتمة ليلا، حتى ظن الظان أنه قد صلى ثم خرج، فقال: «أعتموا بهذه الصلاة، فإنكم فضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم» .
وروى الشيخان عن أبي موسى رضي الله عنه قال: أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشاء حتى ابهار الليل، ثم خرج فصلى فلما قضى صلاته، قال لمن حضر: «أبشروا فإن من نعمة الله عليكم أنه ليس أحد من الناس يصلي هذه الساعة غيركم» [أو قال: «ما صلى هذه الساعة أحد غيركم» ] .
تنبيه:
قال الإمام الرافعي في شرح المسند في قول جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: «هذا وقت الأنبياء قبلك» فذاك يمكن حمله على ما روى من نسبة كل صلاة من الصلوات الخمس إلى نبي من الأنبياء،
فعن عائشة رضي الله عنها سئل عن هذه الصلوات الخمس فقال: «هذه(10/345)
مواريث آبائي وإخواني، أما صلاة الهاجرة فتاب الله على داود حين زالت الشمس، فصلى لله أربع ركعات، فجعلها الله تعالى لي ولأمتي تمحيصا، ودرجات، ونسب العصر إلى سليمان، والمغرب إلى يعقوب، وصلاة العشاء إلى يونس، وصلاة الفجر إلى آدم فكان المعنى أن كل واحد منهم صلى الصلاة المنسوبة إليه في الوقت الذي يبده انتهى. رواه ابن عساكر بسند ضعيف.
قال شيخنا في «شرح الموطأ» : صحت الأحاديث المتعددة في الصحيح وغيره أنه لم يصل أحد صلاة العشاء قبل هذه الأمة، فيمكن حمل قوله: «وقت الأنبياء» على أكثر الصلوات، وذلك ما عدا العشاء، وتبقى على ظاهرها، ويكون ذلك النبي صلاها دون أمته، كما قيل ذلك في
قوله: «هذا وضوئي، ووضوء الأنبياء من قبلي» .
الثانية عشرة:
وبالأذان.
الثالثة عشرة:
وبالإقامة.
روى سعيد بن منصور عن أبي عمير عن أنس قال: أخبرني عمومة لي من الأنصار، قالوا: اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة، (كيف يجمع) [ (1) ] الناس، فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة فلم يعجبه ذلك، فذكر له القبع، فلم يعجبه ذلك، وقال: «هو من أمر اليهود» ، فذكر له الناقوس، فلم يعجبه ذلك، وقال: «هو من أمر النصارى» ، فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم فأري الأذان والإقامة في منامه انتهى.
والقصة مشهورة في الصحاح وغيرها.
الرابعة عشرة:
وبأن مفتاح الصلاة التكبير.
روى عبد الرزاق في المصنف عن معمر عن أبان قال: لم يعط التكبير لأحد إلا هذه الأمة.
الخامسة عشرة:
وبالتأمين.
السادسة عشرة:
وبقول: اللهم ربنا لك الحمد.
السابعة عشرة:
وبالصف في الصلاة كصفوف الملائكة.
الثامنة عشرة:
وبتحية الإسلام، وهي تحية الملائكة وأهل الجنة.
التاسعة عشرة:
وباستقبال الكعبة.
__________
[ (1) ] في م (كيف يتجمع) .(10/346)
العشرون:
وبيوم الجمعة عيدا له ولأمته.
روى ابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على آمين، فأكثروا من قول آمين» .
وروى البيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم تحسدنا اليهود بشيء حسدنا بثلاث: التسليم، والتأمين، واللهم ربنا لك الحمد» .
وروى ابن أبي شيبة والبيهقي عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضلت على الناس بثلاث، ... » الحديث وفيه «وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة» .
وروى الحارث بن أبي أسامة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت ثلاث خصال: أعطيت صلاة في الصفوف، وأعطيت السلام، وهو تحية أهل الجنة، وأعطيت آمين ولم يعطها أحد ممن كان قبلكم، إلا أن يكون الله، أعطاها هارون، فإن موسى كان يدعو ويؤمن هارون» .
وروى الإمام أحمد والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنهم لا يحسدوننا على شيء كما حسدونا على الجمعة التي هدانا الله لها، وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها، وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام آمين» .
وروى مسلم عن حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أضل الله تعالى عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا، فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة، والسبت، والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة ونحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق» .
فإن قلت: لم يبين كيفية صفوف الملائكة المشبه بها في هذا الحديث؟ فالجواب: قد بين ذلك في
حديث جابر بن سمرة الذي رواه مسلم وأبو داود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟» قلنا: وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال:
يتمون الصفوف المتقدمة، ويتراصون في الصف» .
روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقيموا الصفوف، فإنما تصفون كما تصف الملائكة، وحاذوا المناكب، وسدوا الخلل، ولينوا في أيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله» .(10/347)
الحادية والعشرون:
وبتحريم الكلام في الصلاة.
روى سعيد بن منصور عن محمد بن كعب القرظي، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، والناس يتكلمون في حوائجهم كما يتكلم أهل الكتاب في الصلاة في حوائجهم، حتى نزلت هذه الآية: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ [البقرة 238] .
وروى ابن جرير عن ابن عباس في الآية، قال: كل أهل دين يقومون فيها أي يتكلمون، فقوموا أنتم لله مطيعين.
الثانية والعشرون:
وبالركوع، فيما ذكره جماعة من المفسرين في قوله تعالى:
وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة 43] أن مشروعية الركوع في الصلاة خاص بهذه الأمة، وأنه لا ركوع في صلاة بني إسرائيل، ولذا أمرهم بالركوع مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ: وقد يستدل له بما
أخرجه البزار [والطبراني في الأوسط] عن علي رضي الله عنه قال: أول صلاة ركعنا فيها صلاة العصر، فقلت: يا رسول الله، ما هذا؟ فقال:
«بهذا أمرت» .
ووجه الاستدلال أنه صلى الله عليه وسلم صلى قبل ذلك صلاة الظهر، وصلى قبل فرض الصلوات الخمس قيام الليل، وغير ذلك، فتكون الصلاة السابقة بلا ركوع قرينة لخلو صلاة الأمم السابقة منه.
الثالثة والعشرون:
وبصلاة الجماعة.
قال العلامة ابن فرشته في «شرح المجمع»
في قوله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا فهو منا» :
أراد بقوله: «صلاتنا» صلاة الجماعة، لأن الصلاة منفردا موجودة فيمن كان قبلنا، وجزم بذلك قبله من أئمة الشافعية أبو سعيد في «الشرف» وابن سراقة في «الأعداد» .
قلت: ذكر ابن دريد أن أول من جمع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من الغار في الصبح، ولم تكن قبل جماعة، إنما كانوا يصلون فرادى، نقله في الزهد.
الرابعة والعشرون:
وبساعة الإجابة.
الخامسة والعشرون:
وبصلاة الجمعة.
السادسة والعشرون:
وبصلاة الليل.
السابعة والعشرون:
وبصلاة العيدين.
الثامنة والعشرون:
وبصلاة الكسوفين.
التاسعة والعشرون:
وبصلاة الاستسقاء.
الثلاثون:
وبصلاة الوتر، ذكر الستة ابن سراقة في الأعداد وأبو سعيد في الشرف.(10/348)
روى الحاكم وصححه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت بعيد الأضحى، جعله الله لهذه الأمة» .
الحادية والثلاثون:
وبقصر الصلاة في السفر.
الثانية والثلاثون:
وبالجمع بين الصلاتين في السفر، وفي المطر، وفي المرض في أحد القولين، واختاره الخطابي والنووي والشيخ وبه أفتى السبكي والذهبي.
الثالثة والثلاثون:
وبصلاة الخوف، فلم تشرع لأحد من الأمم قبلنا.
الرابعة والثلاثون:
وبصلاة شدة الخوف عند التحام القتال، وحيثما توجه.
الخامسة والثلاثون:
وبشهر رمضان، ذكره القونوي في شرح التعرف.
السادسة والثلاثون:
وبإباحة الأكل والشرب والجماع ليلا إلى الفجر، وكان محرما على من قبلنا بعد النوم، وكذا كان في صدر الإسلام، ثم نسخ قلت: أما اختصاص رمضان بهذه الأمة فنقله الحافظ عن الجمهور وقالوا في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة 183] إن المراد بالتشبيه مطلق الصّيام دون وقته وقدره، ورواه ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن معاذ، وابن مسعود، وغيرهما من الصحابة والتابعين.
وروى ابن جرير عن عطاء في الآية قال: كتب عليهم ثلاثة أيام من كل شهر، وكان هذا صيام الناس قبل ذلك، ثم فرض الله شهر رمضان.
وقال الحسن والشعبي وغيرهما: إن التشبيه على الحقيقة، فيكون صيام رمضان قد كتب على من قبلنا، واستدل ذلك بما
رواه ابن أبي حاتم، عن ابن عمر مرفوعا «صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم»
إسناده ضعيف، وله شاهد، أخرجه الترمذي، عن دعقل النّسّابة، وهو من المخضرمين، ولم يثبت له صحبة.
وروى ابن جرير، عن السدي في الآية، قال: الذين من قبلنا هم النصارى، كتب عليهم رمضان وكتب عليهم ألا يأكلوا ولا يشربوا بعد اليوم ولا ينكحوا النساء شهر رمضان، فاشتد على النصارى صيام رمضان فاجتمعوا، فجعلوا صياما في الفصل بين الشتاء والصيف، وقالوا:
نزيد عشرين يوما نكفر بها ما صنعنا، فلم يزل المسلمون يصنعون كما تصنع النصارى، حتى كان من أمر أبي قيس بن صرمة وعمر بن الخطاب ما كان، فأحل الله تعالى لهم الأكل والشرب والجماع إلى طلوع الفجر، فقال تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ [البقرة 187] إلى قوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ(10/349)
الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة 187] .
السابعة والثلاثون:
وبأن الشياطين تصفد فيه.
الثامنة والثلاثون:
وبأن الجنة تزين فيه.
التاسعة والثلاثون:
وبأن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
الأربعون:
وبأن الملائكة تستغفر لهم حتى يفطروا.
الحادية والأربعون:
ويغفر لهم في آخر ليلة منه.
روى الأصبهاني في ترغيبه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت في رمضان خمس خصال لم تعطهن أمة كانت قبلكم: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، وتصفد مردة الجن والشياطين، فلا يصلون فيه إلى ما كانوا يصلون إليه، ويزين الله تعالى جنته في كل يوم فيقول:
يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة، ويصيروا إليك، ويغفر لهم في آخر ليلة من رمضان» فقالوا: يا رسول الله، هي ليلة القدر قال: «لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره عند انقضاء عمله» .
الثانية والأربعون:
وبالسحور.
روى مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فضل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور» .
الثالثة والأربعون:
وبتعجيل الفطر.
روى أبو داود، وابن ماجه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال هذا الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر، إن النصارى واليهود يؤخرون» .
الرابعة والأربعون:
وبتحريم الوصال في الصوم، وكان مباحا لمن قبلنا.
الخامسة والأربعون:
وبإباحة الكلام في الصوم، وكان محرما على من قبلنا فيه، عكس الصلاة.
قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي: كان من قبلنا من الأمم، صومهم الإمساك عن الكلام، مع الطعام والشراب، فكانوا في حرج، فأرخص الله لهذه الأمة بحذف نصف زمانها، ونصف صومها، وهو الإمساك عن الكلام، ورخص لها فيه.
السادسة والأربعون:
وبليلة القدر، ولم تكن لمن قبلنا.
ذكره النووي في شرح المهذب، قال: فيه ليلة القدر مختصة بهذه الأمة، زادها الله(10/350)
تعالى شرفا، لم تكن لمن قبلنا، هذا هو الصحيح المشهور الذي قطع به أصحابنا كلهم، وجماهير العلماء، وقاله الحافظ في الفتح، وجزم بذلك ابن حبيب، وغيره من المالكيّة، ونقله صاحب «العمدة» من الشافعية عن الجمهور ورجحه، قال: وسميت ليلة القدر أي: ليلة الحكم، والفصل، وقيل: لعظم قدرها، قال: ويراها من شاء الله تعالى من بني آدم، كما تظاهرت عليه الأحاديث، وأخبار الصالحين، قال: وأما قول المهلب بن أبي صفرة الفقيه المالكي: لا يمكن رؤيتها حقيقة، فغلط. انتهى.
وقال مالك في «الموطأ» : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله، أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله تعالى ليلة القدر خيرا من ألف شهر.
روى الديلمي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الله وهب لأمتي ليلة القدر، ولم يعطها أحدا ممن كان قبلكم» .
وروى ابن أبي حاتم عن عروة رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أربعا من بني إسرائيل عبدوا الله تعالى ثمانين عاما لم يعصوه طرفة عين، فعجب الصحابة من ذلك، فأتاه جبريل، فقال: قد أنزل الله تبارك وتعالى عليك خيرا من ذلك ليلة القدر خيرا من ألف شهر، هذا أفضل من ذلك، فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه.
وروى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق، عن مجاهد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من بني إسرائيل كان يقوم الليل حتى يصبح، ويجاهد القوم بالنهار حتى يمسي، فعل ذلك ألف شهر، فعجب المسلمون من ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية:
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر 3] ، فقيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل ألف شهر.
قلت: أشار الحافظ في الفتح إلى تضعيف قول من قال: إنها خاصة بهذه الأمة، قال:
وعمدة من قال بهذا القول أثر مالك إلى السابق، وهو محتمل للتأويل فلا يدفع التصريح من حديث أبي ذر عند النسائي قال: قلت يا رسول الله أتكون مع الأنبياء، فإذا ماتوا رفعت أم هي باقية إلى يوم القيامة؟ قال: بل هي باقية إلى يوم القيامة.
قال شيخنا في شرح الموطأ: وهذا الحديث الذي ذكره أيضاً محتمل التأويل، وهو أن مراده هل يختص بزمن النبي صلى الله عليه وسلم أم ترفع بعد موته بقرينة مقابلة ذلك بقوله: أم هي باقية إلى يوم القيامة، فلا يكون فيه معارضة لأثر الموطأ.
وقد ورد ما يعضده، ففي فوائد أبي طالب المكي من حديث أنس رضي الله عنه «أن الله تعالى وهب لأمتي ليلة القدر ولم يعطها من كان قبلهم» .(10/351)
السابعة والأربعون:
وبيوم عرفة، ذكره القونوي في «شرح التعرف» ، ويجعل يوم عرفة كفارة سنتين، لأنه سنته صلى الله عليه وسلم.
الثامنة والأربعون:
ويجعل يوم عاشوراء كفارة سنة، لأنه سنة موسى عليه السلام.
روى مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عاشوراء فقال:
«يكفر السنة الماضية» ، وسئل عن صوم يوم عرفة، فقال: «يكفر السنة الماضية والسنة الآتية» .
التاسعة والأربعون:
وبغسل الأيدي قبل الطعام [لأنها] سنة، لأنه شرع التوراة وبعده، لأنه شرعه، رواه الحاكم في تاريخه عن عائشة مرفوعا،
وروى في مستدركه عن سلمان رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، قرأت في التوراة بركة الطعام قبله، فقال: «بركة الطعام الوضوء قبله وبعده» .
المراد بالوضوء هنا غسل اليد.
الخمسون:
وبالاغتسال من العين وبأنه يدفع ضررها.
الحادية والخمسون:
وبالاسترجاع عند المصيبة،
روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت أمتي شيئا لم يعطهن أحد من الأمم، أن يقولوا عند المصيبة: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» .
وروى عبد الرزاق وابن جرير في تفسيرهما عن سعيد بن جبير قال: «لم يعط أحد الاسترجاع غير هذه الأمة، إلا تسمعون إلى قول يعقوب عليه الصلاة والسلام: يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ [يوسف 84] .
روى البيهقي عن وهب بن منبه أن الله تعالى قال: يا داود إني فضلت محمدا وأمته على الأمم كلهم، فذكر الحديث، إلى أن قال: وأعطيتهم في المصائب وفي البلايا إذا صبروا قالوا: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ.
الثانية والخمسون:
وبالحوقلة.
روى أبو نعيم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما فرغت من أمر السماء ... »
الحديث، وفيه: قال الله تعالى: «وأنزلت إليك كلمة من كنوز عرشي لا حول ولا قوة إلا بالله» .
الثالثة والخمسون:
وباللحد، ولأهل الكتاب الشق.
وروى الأربعة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللحد لنا، والشق لغيرنا» .(10/352)
وروى الإمام أحمد عن جرير بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللحد لنا، والشق لأهل الكتاب» .
الرابعة والخمسون:
وبالنحر ولهم الذبح فيما قاله مجاهد وعكرمة، رواه ابن أبي حاتم وابن المنذر رضي الله عنهما قلت: ما رواه وكيع، وابن أبي حاتم في تفسيرهما، عن عطاء رضي الله عنه قال: الذبح والنحر في البقر سواء، لأن الله تعالى يقول: فَذَبَحُوها [البقرة 71] وقال: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر 2] .
الخامسة والخمسون:
وبفرق الشعر، ولهم السّدل.
روى الستة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم ثم فرق بعد.
السادسة والخمسون:
وبصبغ الأحمر والأصفر، وكانوا لا يغيرون الشيب.
روى الستة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم وغيروا الشيب ولا تتشبهوا باليهود» .
وروى الأربعة عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحسن ما غيرتم به الشيب، الحناء والكتم» .
السابعة والخمسون:
وبتوفير العثانين.
الثامنة والخمسون:
وبتقصير السبال فكانوا يقصرون سبالهم، ويوفرون عثانيهم.
العثانين: جمع عثنون وهي اللحية.
وروى البزار عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خالفوا المجوس، جزوا الشوارب واعفوا اللحى» .
وروى مالك والشيخان وأبو داود والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خالفوا المشركين، وفروا اللحى، واحفوا الشوارب» .
وروى ابن أبي شيبة عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة رضي الله عنه قال: جاء رجل من المجوس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حلق لحيته وأطال شاربه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا؟» قال: في ديننا، قال: «لكن في ديننا أن تحفي الشوارب، وأن تبقي اللحى» .
التاسعة والخمسون:
وبالعق عن الذكر والأنثى، وكانوا يعقون عن الذكر دون الأنثى.
الستون:
وبترك القيام للجنازة.
الحادية والستون:
وبتعجيل المغرب.(10/353)
الثانية والستون:
وبتعجيل الفطر.
الثالثة والستون:
وبكراهة اشتمال الصماء.
الرابعة والستون:
وبكراهة صوم يوم الجمعة منفردا، وكانت اليهود يصومون يوم عيدهم منفردا.
الخامسة والستون:
وبضم تاسوعاء إلى عاشوراء في الصوم.
السادسة والستون:
وبالسجود على الجبهة، وكانوا يسجدون على حرف.
السابعة والستون:
وبكراهة التميل في الصلاة وكانوا يميلون.
الثامنة والستون:
وبكراهة تغميض البصر في الصلاة.
التاسعة والستون:
وبكراهة الاحتضار.
السبعون:
وبكراهة القيام بعد الصلاة للدعاء.
الحادية والسبعون:
وبكراهة قراءة الإمام فيها في المصحف.
الثانية والسبعون:
وبكراهة التعلق في الصلاة بالحبال.
الثالثة والسبعون:
ويندب الأكل يوم عيد رمضان قبل الصلاة، وكان أهل الكتاب لا يأكلون يوم عيدهم حتى يصلوا.
الرابعة والسبعون:
وبالصلاة في النعال والخفاف.
روى سعيد بن منصور عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلوا في نعالكم، ولا تشبهوا باليهود» ، ورواه أبو داود والبيهقي بلفظ: «خالفوا اليهود، فأنهم لا يصلون في خفافهم، ولا نعالهم» .
الخامسة والسبعون:
وبكراهة الصلاة في المحراب، وكان لمن قبلنا، كما قال تعالى:
فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ [آل عمران 39] .
روى ابن أبي شيبة في المصنف، عن موسى الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال أمتي بخير ما لم يتخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح النصارى» .
وروى أيضاً عن عبيد بن أبي الجعد رضي الله عنه قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: إن من أشراط الساعة أن تتخذ المذابح في المساجد، يعني الطاقات.
وروى أيضاً عن ابن مسعود قال: اتقوا هذه المحاريب.
وروى أيضاً عن علي رضي الله عنه أنه كره الصلاة في الطاق.(10/354)
وروى الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عمر مرفوعا «اتقوا هذه المذابح» ، يعني المحاريب.
فإن أول ما حدثت المحاريب في زمن عمر بن عبد العزيز ذكره الواقدي عن محمد بن هلال.
السادسة والسبعون:
وبكراهة مجاوبة الإمام إذا قرأ.
روى أبو الشيخ، عن ابن عمر رضي الله عنه قال: كانت بنو إسرائيل إذا قرأت أئمتهم، جاوبوهم، فكره الله ذلك لهذه الأمة، فقال تعالى: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا [الأعراف 204] .
السابعة والسبعون:
وبكراهة أن يعتمد الرجل وهو جالس يده اليسرى في الصلاة، وهي صلاة اليهود، رواه الحاكم.
الثامنة والسبعون:
وبأنه أذن لنسائنا في المسجد، ومنعت نساء بني إسرائيل.
التاسعة والسبعون:
وبأنه لا يجوز فسخ حكم حاكم إذا رفعه الخصم إلى آخر يرى خلافه، وكان ذلك في شرعها.
الثمانون:
وبالعذبة في العمامة.
روى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالعمائم، وأرخوها خلف ظهوركم، فإنها سيماء الملائكة» .
الحادية والثمانون:
وبالائتزار في الأواسط، تقدم في باب ذكره في التوراة، والإنجيل وصف هذه الأمة بذلك، ولفظه: «ويأتزرون على أوساطهم» .
وروى الديلمي، عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ائتزروا كما رأيت الملائكة تأتزر عند ربها إلى أنصاف سوقها» .
الثانية والثمانون:
وبكراهة السدل.
الثالثة والثمانون:
وبكراهة الطيلسان المقور.
الرابعة والثمانون:
وشد الوسط على القميص.
الخامسة والثمانون:
وبكراهة القزع.
السادسة والثمانون:
وبالأشهر الهلالية.
السابعة والثمانون:
وبأن أمته خير الأمم، قال الله سبحانه وتعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران 110] .(10/355)
روى الإمام أحمد، والترمذي وحسنه، وابن ماجه، والحاكم، عن معاوية بن صيدة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الآية: «إنكم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها، وأكرمها على الله» .
الثامنة والثمانون:
وبأنها مثل المطر، لا يدرى أوله خير أم آخره.
قال التوربشتي: لا يحمل هذا الحديث على التردد في فضل الأول على الآخر، فإن القرن الأول هم المفضلون على سائر القرون من غير شبهة، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وإنما المراد بهم نفعهم في بث الشريعة والذب عن الحقيقة.
وقال البيضاوي: نفى تعلق العلم بتفاوت طبقات الأمة في الخيرية، وأراد به نفي التفاوت كما قال تعالى: [قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ [يونس 18] أي بما ليس فيهن كأنه قال لو كان لعلم لأنه أمر لا يخفى ولكن لا يعلم] لاختصاص كل طبقة منهم بخاصية، وفضيلة توجب خيريتها كما أن كل نوبة من نوب المطر لها فائدة في النشو، والنماء، لا يمكنك إنكارها، والحكم بعدم نفعها، فإن الأولين آمنوا بما شاهدوا من المعجزات، وتلقوا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بالإجابة والإيمان، والآخرين آمنوا بالغيب، لما تواتر عندهم من الآيات، واتبعوا من قبلهم بالإحسان، وكما أن المتقدمين اجتهدوا في التأسيس والتمهيد، فالمتأخرون بذلوا وسعهم في التلخيص والتجريد، وصرفوا عمرهم في التقرير والتأكيد، فكل ذنبهم مغفور، وسعيهم مشكور، وأجرهم موفور.
وقال الطيبي: وتمثيل الأمة بالمطر، إنما يكون بالهدى والعلم كما أن تمثيله صلى الله عليه وسلم الغيث بالهدى والعلم فتختص هذه الأمة المشبهة بالمطر، بالعلماء الكاملين منهم المكملين لغيرهم فيستدعي هذا التفسير أن يراد بالخير النفع، فلا يلزم من هذا المساواة في الأفضلية، ولو ذهب إلى الخيرية، فالمراد وصف الأمة قاطبة، سابقها ولاحقها، وأولها وآخرها، [بالخير وأنها ملتحمة بعضها مع بعض مرصوصة بالبنيان] كالحلقة المفرغة، لا يدرى أين طرفاها وفي أسلوب هذا الكلام قول الأنمارية: هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها تريد المكملة، ويلمح إلى هذا المعنى قول الشاعر:
إن الخيار من القبائل واحد ... وبنو حنيفة كلهم أخيار
فالحاصل أن الأمة بأسرها مرتبطة بعضها مع بعض في الخيرية، بحيث أبهم أمرها فيها وارتفع التمييز بينها، وإن كان بعضها أفضل من بعض في نفس الأمر، وهو قريب من باب سوق المعلوم مساق غيره، وفي معناه أنشد مروان بن أبي حفصة:
تشابه يوماه علينا فأشكلا ... فما نحن ندري أي يوميه أفضل(10/356)
يوما بداء العمر أم يوم يأسه ... وما منهما إلا أغر محجل
ومن المعلوم علما جليا أن يوم بداءة العمر أفضل من يوم يأسه، لكن البدء لما لم يكن يكمل ويستتب إلا باليأس، أشكل عليه الأمر، فقال ما قال، وكذلك أمر المطر والأمة، انتهى.
التاسعة والثمانون:
وبأنها آخر الأمم، ففضحت الأمم عندهم، ولم يفضحوا.
التسعون:
وبأن الله تعالى اشتق لهم اسمان من أسمائه.
الحادية والتسعون:
وبأنه تعالى سمى دينه الإسلام، ولم يوصف بهذا الوصف إلا الأنبياء، قال سبحانه وتعالى: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ [الحج 78] .
روى إسحاق بن راهويه، وابن أبي شيبة في المصنف، عن مكحول قال: كان لعمر على رجل من اليهود حق، فأتاه يطلبه، فقال عمر: لا والذي اصطفى محمدا على البشر لا أفارقك فقال اليهودي: والله ما اصطفى الله محمدا على البشر، فلطمه عمر
فأتى اليهودي النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: «أما أنت يا عمر، فأرضه من لطمته، بل يا يهودي، آدم صفي الله، وإبراهيم خليل الله، وموسى نجي الله، وعيسى روح الله، وأنا حبيب الله، بل يا يهودي تسمى الله باسمين، سمى بهما أمتي، هو السلام، وسمى بها أمتي المسلمين، وهو المؤمن، وسمى بها أمتي المؤمنين، بل يا يهودي، طلبتم يوما دخر لنا اليوم، ولكم غد، وبعد غد للنصارى، بل يا يهودي، أنتم الأولون، ونحن السابقون يوم القيامة، بل إنّ الجنّة محرّمة على الأنبياء حتى أدخلها وهي محرمة على الأمم حتى تدخلها أمتي» .
وروي عن عبد الله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه قال: تسموا بأسمائكم التي سماكم الله تعالى بها بالحنفية، والإسلام، والإيمان. انتهى.
الثانية والتسعون:
وبإباحة الكنز إذا أدوا زكاته.
الثالثة والتسعون:
وبأنه أحل لهم كثيرا مما شدد على من قبلهم.
الرابعة والتسعون:
وبأنه لم يجعل عليهم في الدين من حرج، قال الله سبحانه وتعالى:
وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج 78] وقال عز وجل: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة 185] .
روى الإمام أحمد عن حذيفة رضي الله عنه قال: سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فلم يرفع، حتى ظننا أن نفسه قد قبضت فيها، فلما رفع قال: «إن ربي استشارني في أمتي» الحديث، وفيه «وأحل لنا كثيرا مما شدد على من قبلنا، ولم يجعل علينا في الدين من حرج، فلم أجد لي شكرا إلا هذه السجدة» .(10/357)
وروى الفريابي، عن كعب رضي الله عنه قال: أعطيت هذه الأمة ثلاث خصال، لم يعطهن إلا الأنبياء، كان النبي يقال له: بلغ ولا حرج، وأنت شهيد على قومك، وادع أجبك، وقال لهذه الأمة: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج 78] وقال: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة 143] وقال: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر 60] .
الخامسة والتسعون:
وبإباحة أكل الإبل.
السادسة والتسعون:
والنعام.
السابعة والتسعون:
وحمار الوحش.
الثامنة والتسعون:
والأوز.
التاسعة والتسعون:
والبط.
المائة:
وجميع السمك الذي لا قشر عليه.
الحادية بعد المائة:
والشحوم.
الثانية بعد المائة:
والدم الذي ليس بمسفوح، كالكبد، والطحال، والعروق.
الثالثة بعد المائة:
وبرفع المؤاخذة عنهم بالخطأ، والنسيان.
الرابعة بعد المائة:
وما استكرهوا عليه.
الخامسة بعد المائة:
والإصر الذي كان على الأمم قبلهم.
السادسة بعد المائة:
وحديث النفس، قال الله تعالى: رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا، رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا [البقرة 286] وقال تعالى: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ [الأعراف 157] .
روى الفريابي في تفسيره عن محمد بن كعب رضي الله عنه قال: ما بعث من نبي، ولا أرسل من رسول، أنزل عليهم الكتاب، إلا أنزل الله عليه هذه الآية: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [البقرة 284] فكانت الأمم تأتي على أنبيائها، ورسلها، ويقولون: نؤاخذ بما تحدث به أنفسنا، ولم تعمل جوارحنا، فيكفرون، ويضلون، فلما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم اشتد على المسلمين ما اشتد على الأمم قبلهم،
فقالوا: يا رسول الله أنؤاخذ بما نحدث به أنفسنا ولم تعمل جوارحنا؟ قال: «نعم، فاسمعوا، وأطيعوا، واطلبوا إلى ربكم» ،
فذلك قوله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ [البقرة 285] الآية، فوضع الله عنهم حديث النفس، إلا ما عملت الجوارح.
وروى مسلم، والترمذي عنه نحوه، بدون ذكر الأنبياء والأمم.(10/358)
وروى الإمام أحمد، وابن حبان والحاكم وابن ماجة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» .
وروى سفيان بن عيينة، والستة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به» .
الإصر: الثقل والمشقة، لأنه يأصر صاحبه أي يحبسه عن الحس لثقله.
السابعة بعد المائة:
وبأن من هم بسيئة فلم يعملها، لم تكتب سيئة، بل تكتب حسنة، فإن عملها كتبت سيئة.
الثامنة بعد المائة:
ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت حسنة، فإن عملها كتبت عشرا إلى سبعمائة ضعف.
روى البيهقي، عن وهب بن منبه قال: أن الله تعالى لما قرب موسى نجيا قال: يا رب إني أجد في التوراة أمة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله فاجعلهم أمتي قال: تلك أمة أحمد قال: رب إني أجد في التوراة أمة أناجيلهم في صدورهم يقرأونها وكان من قبلهم يقرأون كتبهم نظرا ولا يحفظونها فاجعلهم أمتي قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إني أجد في التوراة أمة يؤمنون بالكتاب الأول والآخر يقاتلون رؤوس الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الكذاب فاجعلهم أمتي قال: تلك أمة أحمد قال: رب إني أجد في التوراة أمة يأكلون صدقاتهم في بطونهم، وكان من قبلهم إذا أخرج صدقته بعث الله عليها نارا فأكلتها فإن لم تقبل لهم تأكلها النار فاجعلهم أمتي قال: تلك أمة أحمد قال: يا رب، إني أجد في التوراة أمة إذا هم أحدهم بسيئة لم تكتب عليه، فإن عملها كتبت سيئة واحدة، وإذا هم أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت حسنة، فإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
التاسعة بعد المائة:
وبوضع قتل النفس عنهم في التوبة، قال الله تعالى: وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ: يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ [البقرة 54] الآية.
روى ابن أبي حاتم، عن علي رضي الله عنه في قصة الذين عبدوا العجل، قالوا لموسى: ما توبتنا؟ قال: يقتل بعضكم بعضا، فأخذوا السكاكين، فجعل الرجل يقتل أخاه وأباه وأمه، لا يبالي من قتل، حتى قتل منهم سبعون ألفا، فأوحى الله تعالى إلى موسى: مرهم فليرفعوا أيديهم، وقد غفر لمن قتل وتيب على من بقي.
وروى ابن أبي حاتم، عن الفضيل في قوله تعالى: وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً [البقرة 286] قال: كان الرجل من بني إسرائيل إذا أذنب، قيل له: توبتك أن تقتل نفسك، فيقتل نفسه، فوضعت الآصار عن هذه الأمة.(10/359)
وروى عبد بن حميد، عن قتادة في الآية قال: أمر القوم بشديدة من البلاء، فقاموا يتشاجرون بالشفار، ويقتل بعضهم بعضا، حتى بلغ الله نعمته فيهم وعقوبته، فلما بلغ ذلك سقطت الشفار من أيديهم، وأمسك عنهم القتل، فجعله الله تعالى للحي منهم توبة، وللمقتول شهادة. انتهى.
العاشرة بعد المائة:
وبوضع فقء العين عنهم من النظر إلى ما لا يحلّ.
الحادية عشر بعد المائة:
وبوضع قرض موضع النجاسة.
روى الحاكم وصححه، عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أن بني إسرائيل كان إذا أصاب أحدهم البول قرضه بالمقراض،
وروى ابن أبي شيبة، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه، عن عبد الرحمن بن حسنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم البول قرضوه بالمقاريض فنهاهم رجل منهم فعذب في قبره» .
وروى ابن أبي شيبة في المصنف، عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت علي امرأة من اليهود، فقالت: إن عذاب القبر من البول، فقلت: كذبت. قالت: بلى، إنه ليقرض منه الجلد والثوب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صدقت» .
الثانية عشر بعد المائة:
وبوضع ربع المال في الزكاة.
الثالثة عشر بعد المائة:
ونسخ عنهم تحريم الأولاد.
الرابعة عشر بعد المائة:
ونسخ عنهم التحصر.
الخامسة عشر بعد المائة:
ونسخ عنهم الرهبانية.
السادسة عشر بعد المائة:
(والسياحة) [ (1) ] .
روى الإمام أحمد، وأبو يعلى، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لكل نبي رهبانية، ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله» .
وروى أبو داود عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله، ائذن لي في السياحة، فقال: «سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله» .
وروى ابن المبارك، عن عمارة بن عزية أن السياحة ذكرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
«أبدلنا الله بذلك الجهاد في سبيل الله، والتكبير على كل شرف» .
وروى ابن جرير عن عائشة رضي الله عنها قالت: سياحة هذه الأمة الصيام.
__________
[ (1) ] في ح والمساجد.(10/360)
السابعة عشر بعد المائة:
وبأنه ليس من ديننا ترك النساء.
الثامنة عشر بعد المائة:
ولا اللحم.
التاسعة عشر بعد المائة:
ولا اتخاذ الصوامع.
العشرون بعد المائة:
وبإباحة الشغل يوم الجمعة، وكان من عمل من اليهود شغلا يوم السبت يصلب.
الحادية والعشرون بعد المائة:
وبإباحة الأكل بغير وضوء كوضوء الصلاة.
الثانية والعشرون بعد المائة:
وبوضع الاسترقاق في السرقة، وكان كل من سرق منهم استرق عبدا، قال الله سبحانه وتعالى: قالُوا فَما جَزاؤُهُ [يوسف 74] أي السارق إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ [يوسف 74] في قولكم: ما كُنَّا سارِقِينَ [يوسف 73] ووُجِدَ فيكم [يوسف 75] قالُوا: جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ يسترق فَهُوَ أي استرقاق السارق جَزاؤُهُ، أي المسروق لا غير، وكانت سنة آل يعقوب عليه السلام.
الثالثة والعشرون بعد المائة:
وبوضع تحريم دخول الجنة على من قتل نفسه، قال الله سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نارا [النساء 29، 30] .
الرابعة والعشرون بعد المائة:
وباشتراط الملك إذا تملك عليهم وأنهم رقيقه.
الخامسة والعشرون بعد المائة:
وبوضع اشتراط أموالهم له، ما شاء أخذ وما شاء ترك.
السادسة والعشرون بعد المائة:
وبأنه شرع نكاح أربع.
السابعة والعشرون بعد المائة:
وبالطلاق الثلاث.
الثامنة والعشرون بعد المائة:
وبأنه رخص لهم نكاح الأمة.
التاسعة والعشرون بعد المائة:
وبالنكاح في غير ملتهم.
روى ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه قال: إنه مما وسع على هذه الأمة نكاح الأمة والنصرانية.
الثلاثون بعد المائة:
وبمخالطة الحائض سوى الوطء.
روى الإمام أحمد، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة، لم يؤاكلوها، ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ [البقرة 222] الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أصيبوا كل(10/361)
شيء إلا النكاح» ،
فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا به.
وفي كتب التفسير: كانت النصارى يجامعون الحيض، ولا يبالون بالحيض، وكانت اليهود يعتزلونهن في كل شيء، فأمر الله بالقصد بين الأمرين. انتهى.
الحادية والثلاثون بعد المائة:
وبإتيان المرأة على أي هيئة شاءوا، روى أبو داود والحاكم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة، وكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، كانوا يرون أن لهم فضلا على غيرهم من العلم، فأنزل الله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة 223] ، مقبلات، ومدبرات، ومستلقيات.
وروى ابن أبي شيبة، عن قرة الهمداني قال: كان اليهود يكرهون الإبراك، فأنزل الله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة 223] الآية، فرخص للمسلمين أن يأتوا النساء في الفروج كيف شاءوا وأنّى شاءوا، من بين أيديهن أو من خلفهن.
الثانية والثلاثون بعد المائة:
وبأنه شرع التخيير بين القصاص والدية.
روى البخاري، وابن جرير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان في بني إسرائيل القصاص، ولم تكن فيهم الدية في نفس أو جرح، وذلك قوله تعالى: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة 45] ، فقال الله تعالى لهذه الأمة: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى، فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ [البقرة 178] فالعفو أن يقبل الدية في العمد ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ [البقرة 178] مما كان على من كان قبلكم.
روى ابن جرير، عن قتادة رضي الله عنه قال: كان أهل التوراة، إنما هو القصاص أو العفو ليس بينهما أرش، وكان على أهل الإنجيل إنما هو عفو أمروا به، وجعل الله تعالى لهذه الأمة القتل، والعفو، والدّية، إن شاءوا أحلها لهم، ولم تكن لأمة قبلهم.
الثالثة والثلاثون بعد المائة:
وبأنه شرع دفع الصائل، وكانت بنو إسرائيل كتب عليهم أن الرجل إذا بسط يده إلى الرجل لا يمتنع منه حتى يقتله أو يدعه، قاله مجاهد، وابن جريج.
الرابعة والثلاثون بعد المائة:
وبأنه حرم عليهم كشف العورة.
الخامسة والثلاثون بعد المائة:
وبتحريم النوح على الميت.
السادسة والثلاثون بعد المائة:
وبتحريم التصوير.
السابعة والثلاثون بعد المائة:
وبتحريم شرب المسكر.(10/362)
الثامنة والثلاثون بعد المائة:
وآلات الملاهي.
التاسعة والثلاثون بعد المائة:
وبتحريم نكاح الأخت.
الأربعون بعد المائة:
وبتحريم أواني الذهب والفضة.
الحادية والأربعون بعد المائة:
وبتحريم الحرير.
الثانية والأربعون بعد المائة:
وحلي الذهب على رجالهم.
الثالثة والأربعون بعد المائة:
وبتحريم السجود لغير الله، وكانت تحية من قبلنا، فأعطينا مكانه السلام.
الرابعة والأربعون بعد المائة:
وبأنهم عصموا من الاجتماع على ضلالة ونشأ من ذلك أن إجماعهم حجة.
الخامسة والأربعون بعد المائة:
وبأنهم لا تعمهم سنة عامة.
السادسة والأربعون بعد المائة:
ولا يستأصلهم عدو.
روى الشيخان، عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ظاهرين» .
وروى أيضا عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من حالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك» .
وروى الحاكم عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجمع الله هذه الأمة على ضلالة أبدا» .
وروى الإمام أحمد والطبراني، عن أبي بصرة الغفاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سألت الله أن لا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلكهم بالسنين، كما أهلك الأمم قبلهم فأعطانيها، وسألته أن لا يظهر عليهم عدوا فأعطانيها، وسألته أن لا يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها» .
وروى الدارمي، وابن عساكر، عن عمرو بن قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله وعدني في أمتي وأجارهم من ثلاث: لا يعمهم بسنة، ولا يستأصلهم عدو، ولا يجمعهم على ضلالة» .
وروى مسلم، عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن ملك سيبلغ ما زوى لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، ولا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم فأعطاني» .(10/363)
وروى ابن أبي شيبة، عن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فردت علي» .
السابعة والأربعون بعد المائة:
وعصموا من أن يظهر أهل الباطل على الحق.
روي عن معاوية قال: ما اختلفت أمة قط إلا غلب أهل باطلها على أهل حقها إلا هذه الأمة.
الثامنة والأربعون بعد المائة:
واختلافهم رحمة وكان اختلاف من قبلهم عذابا.
روى الشيخ نصر المقدسي في كتاب «الحجة» [....] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اختلاف أمتي رحمة» .
وروى الخطيب في رواة مالك عن إسماعيل بن أبي المجالد قال: قال هارون الرشيد لمالك بن أنس: با أبا عبد الله تكتب هذه الكتب، وتفرقها في آفاق الإسلام فتحمل عليها الأمة قال: يا أمير المؤمنين، إن اختلاف العلماء رحمة من الله تعالى على هذه الأمة، كل يتبع ما صح عنده، وكل على هدى، وكل يريد الله.
التاسعة والأربعون بعد المائة:
وعصموا من أن يدعو عليهم نبيهم بدعوة فيهلكوا.
التاسعة والأربعون بعد المائة:
وبأن الطاعون شهادة لهم ورحمة، وكان على الأمم [قبلنا] عذابا.
روى الشيخان، عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل أو على من كان قبلكم» .
وروى البخاري، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فأخبرني «أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين، وليس من أحد يقع الطاعون، فيمكث في بلده صابرا محتسبا، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له من الأجر مثل أجر شهيد» .
الخمسون بعد المائة:
وبأن ما دعوا به استجيب لهم.
روى الحكيم الترمذي، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت هذه الأمة ما لم يعط أحد» ،
قوله تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر 60] وإنما كان يقال هذا للأنبياء، وقوله تعالى: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج 78] ، وإنما كان يقال هذا للأنبياء، وقوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة 143] ، وإنما كان يقال هذا للنبي: أنت شهيد على(10/364)
قومك، قال الترمذي: كان خالد الربعي يقول: عجبت لهذه الآية ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر 60] ، أمرهم بالدعاء ووعدهم بالإجابة، وليس بينهما شرط، قال الترمذي: وإنما كانت هذه للأنبياء.
وروى ابن أبي الدنيا في الذكر، عن سفيان بن عيينة قال: قال الله تعالى: «وأعطيتكم ما لو أعطيته جبريل ومكائيل كنت أجزلت لهما أو كلمة نحوها ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» .
الحادية والخمسون بعد المائة:
وبأنهم يؤمنون بالكتاب الأول والكتاب الآخر.
الثانية والخمسون بعد المائة:
ويحجون البيت الحرام لا ينأون عنه أبدا.
الثالثة والخمسون بعد المائة:
ويغفر لهم الذنب بالوضوء، وتبقى الصلاة نافلة.
الرابعة والخمسون بعد المائة:
ويأكلون صدقاتهم في بطونهم، ويثابون عليها.
الخامسة والخمسون بعد المائة:
ويعجل لهم ثوابهم في الدنيا مع ادخاره في الآخرة.
السادسة والخمسون بعد المائة:
وبأن الجبال والأشجار تتباشر بممرهم عليها بتسبيحهم وتقديسهم.
السابعة والخمسون بعد المائة:
وبأن أبواب السماء تفتح لأعمالهم وأرواحهم.
الثامنة والخمسون بعد المائة:
وبأن الملائكة تتباشر بهم.
التاسعة والخمسون بعد المائة:
وبأن الله وملائكته يصلون عليهم.
الستون بعد المائة:
وبأن الله تعالى هو الذي يصلي عليهم وملائكته، كما صلى على الأنبياء عن سفيان بن عيينة أكرم الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم فصلى عليهم كما صلى على الأنبياء.
الواحد والستون بعد المائة:
وبأنهم يقبضون على فرشهم وهم شهداء عند الله.
الثاني والستون بعد المائة:
وبأن المائدة توضع بين أيديهم، فما يرفعونها حتى يغفر لهم.
الثالث والستون بعد المائة:
ويلبس أحدهم الثوب فما ينفضه حتى يغفر له.
الرابع والستون بعد المائة:
وبأن صديقهم أفضل الصديقين.
الخامس والستون بعد المائة:
وبأنهم علماؤهم وحكماؤهم كادوا بعلمهم أن يكونوا كلّهم أنبياء.
السادسة والستون بعد المائة:
وبأنهم لا يخافون في الله [ (1) ] لومة لائم.
السابعة والستون بعد المائة:
وبأنهم أذلة على المؤمنين، وأعزة على الكافرين.
__________
[ (1) ] سقط في ح.(10/365)
الثامنة والستون بعد المائة:
وبأن (قربانهم) [ (1) ] صلاتهم.
التاسعة والستون بعد المائة:
وبأن قربانهم دماؤهم.
السبعون بعد المائة:
وبأن يستر على من لم يتقبل عمله منهم، وكان بعضهم يفتضح إذا لم تأكل النار قربانه.
الحادية والسبعون بعد المائة:
وبأنه تغفر لهم الذنوب بالاستغفار.
الثانية والسبعون بعد المائة:
وبأنه إذا أخطأ أحدهم لم يحرم عليه طيب من الطعام.
الثالثة والسبعون بعد المائة:
ولا تصبح خطيئته مكتوبة على باب داره، كما كان ذلك في بني إسرائيل.
روى ابن المنذر في «تفسيره» والبيهقي [في الشعب] عن ابن مسعود أنه ذكر عنده بنو إسرائيل، وما فضلهم الله تعالى به، فقال: كان بنو إسرائيل إذا أذنب أحدهم ذنبا، أصبح وقد كتب كفارته على أسكفة بابه، وجعلت كفارة ذنوبكم قولا تقولونه، تستغفرون الله فيغفر لكم، والذي نفسي بيده، لقد أعطانا الله آية لهي أحب إلي من الدنيا وما فيها وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً [آل عمران 135] الآية.
روى ابن جرير عن أبي العالية قال: قال رجل يا رسول الله: لو كانت كفاراتنا ككفارات بني إسرائيل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أعطاكم الله خيرا، كانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم الخطيئة وجدها مكتوبة على بابه وكفارتها، فإن كفرها كانت له خزيا في الدنيا، وإن لم يكفرها كانت له خزيا في الآخرة، وقد أعطاكم الله خيرا من ذلك، قال: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ
[النساء 110] الآية، والصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن» .
الرابعة والسبعون بعد المائة:
وبأن الندم هو توبة، روى الإمام أحمد، والحاكم عن ابن مسعود مرفوعا «الندم توبة» قال بعضهم: كون الندم توبة من خصائص هذه الأمة.
الخامسة والسبعون بعد المائة:
وبأنه إذا شهد اثنان منهم لعبد بخير وجبت له الجنة، وكانت الأمم السابقة إذا شهد منهم مائة.
روى أبو يعلى، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الأمم السالفة المائة أمة إذا شهدوا لعبد بخير وجبت له الجنة، وإن أمتي، الخمسون منهم أمة فإذا شهدوا لعبد بخير وجبت له الجنة» .
__________
[ (1) ] في ح قرهم.(10/366)
وروى البخاري، والترمذي، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة» ، فقلنا: وثلاثة؟ قال:
«وثلاثة» ، فقلنا واثنان؟ قال: «واثنان» ، ثم لم نسأله عن الواحد» .
السادسة والسبعون بعد المائة: وبأنهم أقل الأمم عملا، وأكثر منهم أجرا، وأقصر أعمارا.
السابعة والسبعون بعد المائة:
وقد كان الرجل من الأمم السابقة أعبد منهم بثلاثين ضعفا، وهم خير منهم بثلاثين ضعفا.
روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أوتي أهل التوراة التوراة فعملوا بها حتى إذا انتصف النهار عجزوا، فأعطوا قيراطا قيراطا، (ثم) أوتي أهل الإنجيل الإنجيل، فعملوا إلى صلاة العصر، ثم عجزوا، فأعطوا قيراطا قيراطا ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس فأعطينا قيراطين قيراطين فقال أهل الكتابين أي ربنا: أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين وأعطيتنا قيراطا قيراطا ونحن كنا أكثر عملا، قال: هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟
قالوا: لا، قال: «فهو فضلي أوتيه من أشاء» .
الثامنة والسبعون بعد المائة:
وبأن معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم أظهر، وثوابنا أكثر من سائر الأمم، قاله السبكي فقيد الكلام بقول الإمام الرّازي: من كان معجزته من الأنبياء أظهر يكون ثواب قومه أقل.
قال السبكي: يعني بالنسبة إلى التصديق، لوضوحه وظهور أسبابه وقلة التعب والفكر فيه.
التاسعة والسبعون بعد المائة:
أوتوا العلم الأول والآخر.
الثمانون بعد المائة:
وبأنهم فتح عليهم خزائن كل شيء (حتى) العلم.
الحادية والثمانون بعد المائة:
وبأنهم أوتوا الإسناد.
الثانية والثمانون بعد المائة:
والأنساب.
الثالثة والثمانون بعد المائة:
والإعراب، قاله أبو علي الجبائي.
الرابعة والثمانون بعد المائة:
وبأنهم أعطوا التصرف في التصنيف والتحقيق ولم يكن قط في الأمم من انتهى إلى حد هذه الأمة ولا جاراها في مداها من التفريع والتدقيق، قاله القاضي أبو بكر بن العربي.(10/367)
الخامسة والثمانون بعد المائة:
وبأن الواحد منهم يحصل له في العمر القصير من العلوم والفهوم ما لم يحصل لأحد من الأمم السالفة في العمر الطويل. ولهذا نهل المجتهدون من هذه الأمة من العلوم والاستنباطات، والمعارف ما تقصر عنه أعمارهم، قاله القرافي في «شرح المحصول» .
السادسة والثمانون بعد المائة:
وبأنه الله تعالى أعطاهم شيئا من الحفظ لم يعطه أحدا من الأمم قبلهم، قاله قتادة.
السابعة والثمانون بعد المائة:
وبأنه لا تزال طائفة منهم على الحق حتى يأتي أمر الله.
روى الشيخان، عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال ناس من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ظاهرون.
الثامنة والثمانون بعد المائة:
وبأنه لا تخلو الأرض من مجتهد فيهم، قائم لله بالحجة حتى يتداعى الزمان بتزلزل القواعد وتأتي أشراط الساعة الكبرى.
التاسعة والثمانون بعد المائة:
وبأن الله تعالى يبعث لهم على رأس كل مائة سنة من يجدد لهم أمور دينهم حتى يكون في آخر الزمان عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم انتهى.
التسعون بعد المائة:
وبأن فيهم من يشبه جبريل وميكائيل، وإبراهيم، ونوحا.
روى الطبراني بسند حسن عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في السماء ملكين أحدهما يأمر بالشدة والآخر يأمر باللين وكل مصيب جبريل وميكائيل ونبيان أحدهما يأمر بالشدة والآخر يأمر باللين وكل مصيب وذكر إبراهيم ونوحا ولي صاحبان أحدهما يأمر بالشدة والآخر يأمر باللين وكل مصيب وذكر أبا بكر وعمر» .
الحادية والتسعون بعد المائة:
وبأن فيهم أقطابا وأوتادا ونجباء، وأبدالا رضي الله عنهم عد هذه الأربعة الأخيرة علاء الدين القونوي أحد أئمة الشافعية في كتابه التلطف في شرح التعرف في التصوف للإمام الكلاباذي رحمهما الله تعالى.
روى أبو نعيم، وابن عساكر، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله في الخلق ثلاثمائة، قلوبهم على قلب آدم صفي الله ولله في الخلق أربعون قلوبهم على قلب موسى، ولله في الخلق سبعة قلوبهم على قلب إبراهيم، ولله في الخلق خمسة قلوبهم على قلب جبريل، ولله في الخلق ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل، ولله في الخلق واحد قلبه على قلب إسرافيل صلى الله عليه وسلم فإذا مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله تعالى مكانه من الخمسة، وإذا مات من الخمسة أبدل الله تعالى مكانه من السبعة،(10/368)
وإذا مات من السبعة أبدل الله تعالى مكانه من الأربعين، وإذا مات من الأربعين أبدل الله تعالى مكانه من الثلاثمائة، وإذا مات من الثلاثمائة أبدل الله تعالى مكانه من العامة، فيهم يحيي ويميت، ويمطر وينيب، ويدفع البلاء» .
قيل لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كيف بهم يحيي ويميت؟
فقال: لأنهم يسألون الله تعالى إكثار الأمم فيكثرون، ويدعون على الجبابرة فيقصمون، ويستسقون فيسقون، ويسألون المطر فتنبت لهم الأرض، ويدعون فيدفع بهم أنواع البلاء.
قال الإمام أبو عبد الله اليافعي في كتابه «كفاية المعتقد، ونكاية المنتقد» بعد أن أورد الحديث قال بعضهم: لم يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحدا على قلبه؟ لأنه لم يخلق الله سبحانه وتعالى في عالم الخلق والأمر أعز وألطف وأشرف من قلبه صلى الله عليه وسلم، وقلوب الملائكة والأنبياء والأولياء صلى الله عليهم وسلم بالإضافة إلى قلبه كإضافة سائر الكواكب إلى كمال الشمس لمنعهن انتهى.
وروى عن الشعبي رضي الله عنه قال: شبه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر من أمته، فقال: «دحية يشبه جبريل، وعروة بن مسعود يشبه عيسى ابن مريم، وعبد العزى يشبه الدجال» .
وروى الطبراني بسند ضعيف، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن ينظر إلى (شبيه) [ (1) ] عيسى ابن مريم خلقا وخلقا، فلينظر إلى أبي ذر» .
وروى الحاكم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت جبريل واقفا في حجرتي هذه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناجيه، فقلت: يا رسول الله، من هذا؟ قال: «بمن تشبهينه؟» قلت: بدحية، قال: «لقد رأيت جبريل» .
وروى الطبراني بسند حسن، عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في السماء ملكين، أحدهما يأمر بالشدة، والآخر يأمر باللين، وكل مصيب» ، وذكر جبريل وميكائيل، ونبيان، أحدهما يأمر باللين، والآخر يأمر بالشدة وكل مصيب» ، وذكر إبراهيم ونوحا، «ولي صاحبان أحدهما يأمر بالشدة والآخر يأمر باللين، وكل مصيب» ،
وذكر أبا بكر وعمر.
وروى أيضاً بسند حسنه الحافظ أبو الحسن الهيثمي، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن تخلو الأرض من أربعين رجلا مثل خليل الرحمن فيهم تسقون، وبهم تنصرون، ما مات منهم أحد إلا أبدل الله مكانه آخر» .
قال قتادة: ولسنا نشك أن الحسن منهم.
وروى الإمام أحمد بسند رجاله ثقات، عن عبادة بن الصامت قال: الأبدال في هذه
__________
[ (1) ] سقط في ح.(10/369)
الأمة ثلاثون مثل إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا.
قال أبو الزناد: لما ذهبت النبوة وكانوا أوتاد الأرض، أخلف الله مكانهم أربعين رجلا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يقال لهم الأبدال، لا يموت رجل منهم، حتى ينشئ الله مكانه آخر يخلفه وهم أوتاد الأرض.
وروى الإمام أحمد، والحكيم الترمذي، والخلال، ورجاله رجال الصحيح غير عبد الواحد، وقد وثقه العجلي، وأبو ذرعة عن عبد الواحد بن قيس عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الأبدال في هذه الأمة ثلاثون مثل خليل الرحمن، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا» .
وله طريق آخر نحوه رواه الطبراني.
وروى الإمام أحمد، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الأبدال بالشام، وهم أربعون رجلا، كلما مات رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلا يسقى بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب» ، رجاله رجال الصحيح غير شريح بن عبيد، وهو ثقة، ورواه ابن عساكر من طريق آخر عن شريح وعلي فإنه لم يبلغه، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء من طريق آخر وزاد قلت: يا رسول الله، صفهم لي، قال: «ليسوا بالمتنطعين ولا بالمبتدعين ولا بالمتعمقين، لم ينالوا ما نالوا بكثرة صلاة ولا صيام، ولكن بسخاء الأنفس وسلامة القلوب والنصيحة لأئمتهم» .
وروى الحاكم وصححه، وأقره الذهبي وابن عساكر، عن علي رضي الله عنه قال: لا تسبوا أهل الشام، فإن فيهم الأبدال، وسبوا ظلمتهم.
وروى الحكيم الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه قال: الأبدال بالشام، وهم ثلاثون رجلا على منهاج إبراهيم، كلما مات رجل أبدل الله مكانه آخر، والعصائب بالعراق أربعون رجلا، كلما مات رجل أبدل الله مكانه آخر، عشرون على اجتهاد عيسى ابن مريم، وعشرون منهم قد أوتوا من مزامير داود.
وروى ابن عساكر، عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: خطبنا علي رضي الله عنه فذكر الخوارج (فقام رجل فلعن) [ (1) ] أهل الشام فقال: ويحك لا تعمم، فإن فيهم الأبدال ومنهم العصائب.
وروى عنه، عن علي قال: الأبدال بالشام والنجباء بالكوفة.
وروى الخلال، عن سعيد بن أبي الهلال، عن علي رضي الله عنه قال: قبة الإسلام
__________
[ (1) ] في د (فغالهم رجل من) .(10/370)
بالكوفة، والهجرة بالمدينة، والنجباء بمصر، والأبدال بالشام.
وروي أيضاً عن سعيد بن أبي الوليد الهجري، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه قال: ألا إن الأوتاد من أبناء الكوفة، ومن أهل الشام الأبدال.
وروى أيضا عن علي رضي الله عنه قال: النجباء بمصر، والأبدال بالشام.
وروي أيضا عنه قال: الأبدال من أهل الشام، والنجباء من أهل مصر، والأخيار من أهل العراق.
وروى الحافظ أبو محمد الخلال في الكرامات، عن حبيب بن أبي عثمان، عن رجل، عن علي رضي الله عنه قال: إن الله يدفع عن القرية بسبعة مؤمنين يكونون فيها.
وروى الحكيم الترمذي، وابن عدي، وابن شاهين، والخلال عن محمد بن زهير بن الفضل عن عمرو بن يحيى بن نافع ثنا العلاء بن زيدل عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «البدلاء أربعون رجلا، اثنان وعشرون بالشام، وثمانية عشر بالعراق، كلما مات منهم واحد أبدل الله مكانه آخر» .
وروى الخلال، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأبدال أربعون رجلا وأربعون امرأة، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا، وكلما ماتت امرأة أبدل الله مكانها امرأة» .
وروى الحافظ بن لال في «مكارم الأخلاق» ، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بدلاء أمتي لم يدخلوا الجنة بكثرة صلاتهم ولا صيامهم، ولكن دخلوها بسلامة صدورهم، وسخاوة أنفسهم» ، زاد ابن عدي، والخلال «والنصح للمسلمين» .
وروى الحافظ تمام بن محمد الرازي، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما دعامة أمتي عصب اليمن، وأبدال الشام» ...
الحديث.
وروى الإمام أحمد في الزهد، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما خلت الأرض من بعد نوح من سبعة يدفع الله تعالى بهم عن أهل الأرض.
وروى الطبراني، وأبو نعيم، وتمام، وابن عساكر، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خيار أمتي في كل قرن خمسمائة، وأبدال أمتي أربعون، فلا الخمسمائة ينقصون ولا الأربعون، كلما مات رجل أبدل الله تعالى مكانه من الخمسمائة وأدخل من الأربعين مكانه» قالوا: يا رسول الله، دلنا على أعمالهم، قال: «يعفون عمن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، ويتواسون فيما آتاهم الله» .(10/371)
وروى أبو داود، والإمام أحمد، وابن أبي شيبة في المصنف، وأبو يعلى، والحاكم، عن أبي الجليل صالح، عن صاحب له، عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من المدينة هاربا إلى مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليه بعث من الشام، فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام وعصائب العراق»
الحديث.
وله طرق، سمى في بعضها المبهم مجاهد، وفي بعضها عبد الله بن الحارث.
وروى ابن جرير عن شهر بن حوشب قال: لم تبق الأرض إلا وفيها أربعة عشر، يدفع الله بهم عن أهل الأرض وتخرج بركتها إلا زمن إبراهيم صلى الله عليه وسلم فإنه كان وحده. ورواه الخلال عن زاذان، والإمام أحمد في الزهد، عن كعب بدون قوله «إلا زمن إبراهيم» .
وروى ابن عساكر، عن أبي سليمان الداراني قال: الأبدال بالشام، والنجباء بمصر، والعصائب باليمن، والأخيار بالعراق.
وروى الخطيب، وابن عساكر، عن الكناني قال: النقباء ثلاثمائة والنجباء سبعون، والبدلاء أربعون، والأخيار سبعة، والعمد أربعة، والغوث واحد، فمسكن النقباء المغرب، ومسكن النجباء مصر، ومسكن الأبدال الشام، والأخيار سياحون في الأرض، والعمد في زوايا الأرض، ومسكن الغوث مكة، فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة ابتهل إليها النقباء، ثم النجباء، ثم الأبدال، ثم الأخيار، ثم العمد، فإن أجيبوا، وإلا ابتهل الغوث، فلا تتم مسألته حتى تجاب دعوته.
قال الإمام اليافعي في كتاب «كفاية المعتقد، ونكاية المنتقد» : قال بعض العارفين:
الصالحون كثير، مخالطون للعوام لصلاح الناس في دينهم ودنياهم، والنجباء في العدد أقل منهم، والنقباء في العدد أقل منهم وهم مخالطون للخواص، والأبدال في العدد أقل منهم وهم نازلون في الأمصار العظام، لا يكون من المصر منهم إلا واحد بعد الواحد، فطوبى لأهل بلدة كان فيهم اثنان منهم، والأوتاد واحد في اليمن، وواحد بالشام، وواحد في المغرب، وواحد في المشرق، والله سبحانه وتعالى يدير القطب في الآفاق الأربعة من أركان الدنيا كدوران الفلك في أفق السماء، وقد سترت أحوال القطب، وهو الغوث عن العامة والخاصة غيرة من الحق عليه، غير أنه يرى عالما كجاهل أبله كفطن تاركا آخذا قريبا بعيدا سهلا عسيرا أمنا حذرا وكشف أحوال الأوتاد للخاصة، وكشف أحوال البدلاء للخاصة والعارفين، وسترت أحوال النجباء والنقباء عن العامة خاصة، وكشف بعضهم لبعض، وكشف حال الصالحين للعموم والخصوص ليقضي الله أمرا كان مفعولا وعدة النجباء ثلاثمائة، والنقباء أربعون، والبدلاء قيل(10/372)
ثلاثون، وقيل أربعة عشر، وقيل سبعة وهو الصحيح، والأوتاد أربعة فإذا مات القطب جعل مكانه خيار الأربعة، وإذا مات أحد الأربعة جعل مكانه خيار السبعة، وإذا مات أحد السبعة جعل مكانه خيار الأربعين، وإذا مات أحد الأربعين جعل مكانه خيار الثلاثمائة، وإذا مات أحد الثلاثمائة جعل مكانه خيار الصالحين، وإذا أراد الله تعالى أن يقيم الساعة أماتهم الله تعالى أجمعين، وبهم يدفع الله تعالى عن عباده البلاء وينزل قطر السماء.
وقال اليافعي: وقال بعض العارفين: والقطب هو الواحد المذكور في حديث ابن مسعود أنه على قلب إسرافيل ومكانه من الأولياء كالنقطة في الدائرة التي هي مركزها به يقع صلاح العالم.
وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري في رسالته بسنده، عن بلال الخواص قال: كنت في تيه بني إسرائيل، فإذا رجل يماشيني فعجبت، فألهمت أنه الخضر عليه الصلاة والسلام، فقلت له: بحق الحق من أنت؟ قال: أخوك الخضر، قلت: أريد أن أسألك قال: سل، قلت: ما تقول في الشافعي؟ قال: هو من الأوتاد، قلت: ما تقول في أحمد بن حنبل؟ قال: رجل صديق، قلت: ما تقول في بشر الحافي؟ قال: لم يخلق بعده مثله، قلت: بأي وسيلة رأيتك؟ قال: ببرك لأمك.
وروى الإمام أحمد في «الزهد» ، وابن أبي الدنيا، وأبو نعيم، والبيهقي، وابن عساكر، عن جليس وهب بن منبه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله، أين بدلاء أمتك؟ فأومأ بيده نحو الشام، قلت: يا رسول الله، أما بالعراق منهم أحد؟ قال: «بلى، محمد بن واسع، وحسان بن أبي سنان، ومالك بن دينار، الذي يمشي في الناس بمثل زهد أبي ذر في زمانه» .
وروى أبو نعيم، عن داود بن يحيى بن يمان قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله من الأبدال؟ قال: «الذين لا يضربون بأيديهم شيئا، وإن وكيع بن الجراح منهم» .
وروى ابن عساكر، عن أبي مطيع معاوية بن يحيى أن شيخا من أهل حمص خرج يريد المسجد وهو يرى أنه قد أصبح فإذا عليه ليل، فلما صار تحت القبة سمع (صوت جرس) [ (1) ] الخيل على البلاط، فإذا فوارس قد لقي بعضهم بعضا، قال بعضهم لبعض: من أين قدمتم؟
قالوا: أولم تكونوا معنا؟ قالوا: لا قالوا: من جنازة البديل خالد بن معدان، قالوا: أو قد مات؟ ما علمنا بموته، فمن استخلفتم بعده؟ قالوا: أرطأة بن المنذر، فلما أصبح الشيخ حدث أصحابه
__________
[ (1) ] في د (ضرب) .(10/373)
فقالوا: ما علمنا بموت خالد بن معدان، فلما كان نصف النهار قدم البريد بموته.
وروى أبو نعيم عن أبي يزيد البسطامي أنه قيل له: إنك من الأبدال السبعة الذين هم أوتاد الأرض، فقال: أنا كل السبعة.
ونقل اليافعي في «الكفاية» عن بعض أصحاب الشيخ عبد القادر رضي الله عنه قال:
خرج الشيخ عبد القادر الجيلاني من داره ليلة فناولته الإبريق فلم يأخذه، وقصد باب المدرسة فانفتح له الباب، فخرج وخرجت خلفه، ثم عاد الباب مغلقا، ومشى إلى قرب من باب بغداد فانفتح له فخرج وخرجت معه، ثم عاد الباب مغلقا، ومشى غير بعيد، وإذا نحن في بلد لا أعرفه فدخل فيه مكانا شبيها بالرباط، وإذا فيه ستة نفر فبادروا إلى السلام عليه، والتجأت إلى سارية هناك وسمعت من جانب ذلك المكان أنينا، فلم ألبث إلا يسيرا حتى سكت الأنين، ودخل رجل وذهب إلى الجهة التي سمعت فيها الأنين ثم خرج يحمل شخصا على عاتقه، ودخل آخر مكشوف الرأس، طويل الشارب وجلس بين يدي الشيخ، فأخذ عليه الشيخ الشهادتين وقص شعر رأسه، وشاربه، وألبسه طاقية وسماه محمدا وقال لأولئك النفر: أمرت أن يكون هذا بدلا عن الميت، قالوا: سمعا وطاعة، ثم خرج الشيخ وتركهم وخرجت خلفه، ومشينا غير بعيد، وإذا نحن بباب بغداد، فانفتح كأول مرة، ثم أتى المدرسة فانفتح له بابها، ودخل داره، فلما كان الغد أقسمت عليه أن يبين لي ما رأيت قال: أما البلد فنهاوند، وأما الستة فهم الأبدال، وصاحب الأنين سابعهم كان مريضا، فلما حضرت وفاته، جئت أحضره، وأما الرجل الذي خرج يحمل شخصا فأبو العباس الخضر عليه السلام ذهب به يتولى أمره، وأما الرجل الذي أخذت عليه الشهادتين فرجل من أهل القسطنطينية، كان نصرانيا، وقد أمرت أن يكون بدلا عن المتوفى، فأتي به فأسلم على يدي، وهو الآن منهم.
الثانية والتسعون بعد المائة:
وبأن منهم من يشبه يوسف عليه الصلاة والسلام.
الثالثة والتسعون بعد المائة:
ومنهم يشبه لقمان الحكيم رضي الله عنه.
الرابعة والتسعون بعد المائة:
وبصاحب ياسين.
روى عبد بن حميد، والطبراني عن ابن عباس، والحاكم، والبيهقي في الدلائل، عن عروة، وابن مردويه، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عروة بن مسعود إلى الطائف إلى قومه ثقيف، فدعاهم إلى الإسلام، فرماه رجل بسهم فقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أشبهه بصاحب ياسين» .
وروى الطبراني، عن ابن عباس رضي الله عنهما والطبراني بسند حسن، عن عروة بن الزّبير، وعن الزهري بسند حسن، وأبو يعلى بسند حسن، عن علي بن زيد بن جدعان رحمهم(10/374)
الله تعالى أن عروة بن مسعود قال لقومه زمن الحديبية: أي قوم، إني قد رأيت الملوك وكلمتهم، فابعثوني إلى محمد فأكلمه، فأتاه بالحديبية فجعل عروة يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم والمغيرة بن شعبة شاك في السلاح على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له المغيرة: كف يدك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا تصل إليك، فرفع عروة رأسه فقال:
أنت هو، والله إني لفي غدرتك ما أخرجت منها بعد، فرجع عروة إلى قومه فقال: أي قوم، إني قد رأيت الملوك وكلمتهم، والله ما رأيت مثل محمد قط، وما هو بملك، ولقد رأيت الهدي معكوفا يأكل وبره، وما أراكم إلا ستصيبكم قارعة، فانصرف ومن معه من قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع إلى قومه فرجع فقال: إني أخاف أن يقتلوك، قال: لو وجدوني نائما أيقظوني، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إلى قومه مسلما، فرجع عشاء، فجاءت ثقيف يحيونه، فدعاهم إلى الإسلام، فاتهموه وعصوه وأسمعوه ما لم يكن يحسب، ثم خرجوا من عنده، فلما أسحر وطلع الفجر قام عروة على غرفة داره فأذن بالصلاة وشهد فرماه رجل من ثقيف سهمه فقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل صاحب يس، دعا قومه فقتلوه» .
الخامسة والتسعون بعد المائة:
وبأن منهم من يصلي إماما بعيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام.
روى أبو يعلى، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال أمتي ظاهرين على الحق حتى ينزل عيسى ابن مريم، فيقول إمامهم: تقدم، فيقول: أنت أحق بعضكم أمراء على بعض، أكرم الله هذه الأمة» .
رواه مسلم بنحوه، وفيه: «فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء» .
وروى البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم» .
السادسة والتسعون بعد المائة:
وبأن منهم من يجري مجرى الملائكة في الاستغناء عن الطعام بالتسبيح.
روى الإمام أحمد بسند صحيح، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر جهدا يكون بين يدي الدجال، قالوا: أي المال خير يومئذ؟ قال: غلام شديد يسقي أهله الماء وأما الطعام فليس» ، قالوا: فما طعام المؤمنين يومئذ؟ قال: «التسبيح والتكبير والتهليل» .
ورواه من حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها نحوه وفيه: «يجزيهم ما يجزئ أهل السماء من التسبيح والتقديس» .(10/375)
روى الطبراني نحوه، عن أسماء بنت عميس وفيه: إن الله تعالى يعصم المؤمنين يومئذ بما عصم به الملائكة من التسبيح.
السابعة والتسعون بعد المائة:
وبأنهم يقاتلون الدجال.
الثامنة والتسعون بعد المائة:
وبأن علماءهم كأنبياء بني إسرائيل.
قلت: أي كلما ذهب عالم أتى بعده غيره، وهو بهذا اللفظ لم يرد كما نبه عليه الحافظ في فتاويه.
التاسعة والتسعون بعد المائة:
وبأن الملائكة تسمع في السماء أذانهم وتلبيتهم.
المائتين:
وبأنهم الحمادون لله على كل حال.
الواحد بعد المائتين:
وبأنهم يكبرون الله على كل شرف.
الثانية بعد المائتين:
وبأنهم يسبحون الله عند كل هبوط.
الثالثة بعد المائتين:
وبأنهم يقولون عند إرادة الأمر أو فعله: إن شاء الله.
الرابعة بعد المائتين:
وبأنهم إذا غضبوا هللوا.
الخامسة بعد المائتين:
وبأنهم إذا تنازعوا سبحوا.
السادسة بعد المائتين:
وبأن ليس أحد منهم إلا مرحوما.
السابعة بعد المائتين:
وبأنهم يلبسون أنواع ثياب أهل الجنة.
الثامنة بعد المائتين:
وبأنهم يراعون الشمس للصلاة.
التاسعة بعد المائتين:
إذا رأوا أمرا استخاروا الله تعالى فيه ثم مضوا فيه.
العاشر بعد المائتين:
وبأنهم إذا استووا على ظهور دوابهم حمدوا الله.
الحادية عشر بعد المائتين:
وبأن مصاحفهم في صدورهم.
الثانية عشر بعد المائتين:
وبأن سابقهم سابق ويدخل الجنة بغير حساب.
الثالثة عشر بعد المائتين:
وبأن مقتصرهم ناج، ويحاسب حسابا يسيرا.
الرابعة عشر بعد المائتين:
وبأنه ظالمهم مغفور له.
روى ابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا [فاطر 32] قال: هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله تعالى كل كتاب أنزله، فظالمهم مغفور له، ومقتصرهم يحاسب حسابا يسيرا، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.(10/376)
وروى سعيد بن منصور، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان إذا قرأ هذه الآية قال: ألا إن سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له، أي الظالم لنفسه كما بين ذلك القرآن، وأخرجه ابن لال، عن عمر مرفوعا.
الخامسة عشر بعد المائتين:
وبأنهم أمة وسط.
السادسة عشر بعد المائتين:
وعدول بتزكية الله تعالى.
قال تبارك وتعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة 143] .
السابعة عشر بعد المائتين:
وبأن الملائكة تحضرهم إذا قاتلوا.
الثامنة عشر بعد المائتين:
وبأنهم افترض عليهم ما افترض على الأنبياء والرسل، وهو الوضوء والغسل من الجنابة والحج والجهاد.
التاسعة عشر بعد المائتين:
وبأنهم أعطوا من النوافل ما أعطي الأنبياء.
العشرون بعد المائتين:
وبأن الله تعالى قال في حقهم: وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [الأعراف 181] وقال في حق غيرهم: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [الأعراف 159] .
الحادية والعشرون بعد المائتين:
وبأنهم نودوا في القرآن ب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [المائدة 1] ، نوديت الأمم في كتبها «يا أيها المساكين» وشتان ما بين الخطابين.
روى ابن أبي حاتم عن خيثمة: ما تقرأون في القرآن يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [المائدة 1] ، فإنه في التوراة «يا أيها المساكين» .
الثانية والعشرون بعد المائتين:
وبأنه الله تعالى خاطبهم بقوله: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة 152] فأمرهم أن يذكروه بغير واسطة، وخاطب بني إسرائيل بقوله:
اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ [البقرة 40] فإنهم لم يعرفوا الله إلا بالآية، فأمرهم أن يقصدوا النعم ليصلوا بها إلى ذكر الله المنعم، نقله الشيخ كمال الدين الدميري شرح المنهاج عن بعض العلماء وهو نفيس.
الثالثة والعشرون بعد المائتين:
وبأنه ما كان مجتمعا في النبي صلى الله عليه وسلم من الأخلاق والمعجزات صار متفرقا في أمته، بدليل أنه كان معصوما، وأمته إجماعها معصوم.
قال بعضهم: وهذا لما أودع أسراره في أمته، وخير بين الحياة والممات، فاختار الموت، ولم يحصل لموسى ذلك، وجاء ملك الموت فلطمه، قاله الزركشي في الخادم.
الرابعة والعشرون بعد المائتين:
وبأنهم أكثر الأمم أيامى ومملوكين.(10/377)
الخامسة والعشرون بعد المائتين:
وبأنهم رحل فيهم من أفاق الناس رواه ابن أبي حاتم عن عكرمة.
السادسة والعشرون بعد المائتين:
وبأنه الله أنزل في حقهم وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة 100]
قال صلى الله عليه وسلم: «هذا لأمتي، وليس بعد الرضى سخط» .
السابعة والعشرون بعد المائتين:
وبأنهم سموا أهل القبلة ولم يسم بذلك أحد قبلهم.
نقله الجزولي في شرح الرسالة. قلت: وتقدم اختصاصهم بالقبلة.
الثامنة والعشرون بعد المائتين:
وبأنه الله تعالى لا يجمع عليها سيفين منها وسيفا من عدوها.
روى أبو داود وأحمد عن عوف بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لن يجمع الله عز وجل على هذه الأمة سيفين سيفا منها وسيفا من عدوها» .
التاسعة والعشرون بعد المائتين:
وبأنه لا يحل في هذه الأمة التجريد.
الثلاثون بعد المائتين:
الأمد.
الواحدة والثلاثون بعد المائتين:
ولا الغل
الثانية والثلاثون بعد المائتين:
ولا الحسد ولا الحقد.
روي عن ابن مسعود رضي الله عنه والمراد بالتجريد هنا أن لا يتجرد من ثيابه، والأمد عند إقامة الحد، بل يضرب قاعدا وعليه ثوبه.
الثالثة والثلاثون بعد المائتين:
وبأنه تجوز شهادتهم على من سواهم ولا عكس.
الرابعة والثلاثون بعد المائتين:
وبأن شرعتهم في غاية الاعتدال، فإن بدء الشرائع كان على التخفيف، ولا يعرف في شرع نوح وصالح وإبراهيم تثقيل، ثم جاء موسى بالتشديد والإثقال، وجاء عيسى بأثقل من ذلك، وجاءت شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم تنسخ تشديد أهل الكتاب ولا يطلق تسهيل من كان قبلهم وقاله أبو الفرج بن الجوزي.
الخامسة والثلاثون بعد المائتين:
وبأن من أصحابه صلى الله عليه وسلم من اهتز له العرش عند موته فرحا بلقائه.
السادسة والثلاثون بعد المائتين:
وممن حضر جنازته سبعون ألفا من الملائكة لم يطأوا الأرض قبل موته.
روى الإمام أحمد والشيخان والنسائي عن جابر، وأبو نعيم عن سعد بن أبي وقاص(10/378)
والبيهقي عن ابن عمر ومعاذ بن رفاعة الزرقي والحسن وسلمة بن أسلم بن حريس، وأبو نغيم عن الأشعث بن قيس بن سعد عن سعيد بن أبي وقاص وابن سعد عن محمود بن لبيد- رضي الله تعالى عنهم- أن جبريل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في جوف الليل معتجرا بعمامة من استبرق، فقال: من هذا العبد الصالح الذي مات؟ فتحت له أبواب السماء، واهتز له العرش، وتبع جنازته سبعون ألف ملك، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعا حتى إنه ليقطع. شسع نعلهم، فما يرجع ويسقط رداؤه فما يلوى عليه أحد على أحد حتى دخل على سعد بن معاذ، وما في البيت غير سعد، فوجده قد قبض، قال سلمة بن أسلم وأومأ إلى أن وقف فوقفت ورددت من ورائه وجلس ساعة، وقال الأشعث بن قيس قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبته، فلما خرج قال له سلمة يا رسول الله، ما رأيت في البيت أحدا وقد رأيتك تتخطى، فقال: ما قدرت على مجلس حتى قيض لي ملك من الملائكة أحد جناحيه، ودخل ملك فلم يجد مجلسا، فارتفعت له.
وروى ابن سعد عن أبي سعيد قال: كنت أنا ممن حفر لسعد قبره بالبقيع فكان يفوح علينا من المسك، كلما حفرنا قترة من تراب حتى انتهينا إلى اللحد.
وروى ابن سعد عن إبراهيم عن محمد بن المنكدر عن محمد بن شرحبيل بن حسنة قال: قبض إنسان يومئذ من تراب قبر سعد قبضة فذهب بها، ثم نظر إليها بعد ذلك فإذا هي مسك، وسبقت قبضة معاوية في غزوة تبوك.(10/379)
الباب الثالث فيما اختص به نبينا- صلى الله عليه وسلم- عن الأنبياء في ذاته في الآخرة- صلى الله عليه وسلم- وفيه مسائل:
الأولى:
اختص صلى الله عليه وسلم بأنه أول من تنشق عنه الأرض.
روى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع وأول مشفع» .
وروى الدارمي والترمذي وحسنه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة فانفض التراب عن رأسي، فآتي قائمة من قوائم العرش فأجد موسى قائما عندها فلا أدري انفض التراب عن رأسه، أو كان ممن استثنى الله» .
قوله «أنفض التراب» قال الحافظ: يحتمل أن تجويز المعية في الخروج من القبر، أو هي كناية عن الخروج من القبر وساق لذلك مزيد بيان في المسألة التي بعدها.
الثانية:
وبأنه أول من يفيق من الصعقة
روى البخاري من طرق عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ينفخ في الصور فيصعق الناس، فأصعق معهم، ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث الله» ، وفي لفظ: «من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى وحوسب بصعقة النار» .
تنبيهان:
الأول: استشكل الجزم بكونه صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الأرض، وأول من يفيق مع التردد من خروج موسى قبله، وإقامته قبله.
وأجيب بأن النفخة الأولى يعقبها الصعق في جميع الخلائق أحيائهم وأمواتهم، وهو الفزع كما وقع في سورة النمل فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [النمل/ 87] ثم يعقب ذلك الفزع للموتى زيادة لما هم فيه وللأحياء موتا ثم ينفخ الثانية للبعث فيفيقون أجمعين، فمن كان مقبورا انشقت عنه الأرض فخرج من قبره ومن ليس بمقبور لا يحتاج إلى ذلك. وسيأتي لهذا مزيد بيان في التنبيه الثاني.
الثاني: قال سلطان العلماء أبو محمد العز بن عبد السلام ما وجه هذا التردد مع صحة خبر أنه صلى الله عليه وسلم مر بموسى ليلة أسري به قائما يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر، وأخبر أيضاً(10/380)
عن صعقة موسى وما جرى له مع ملك الموت، والكل من رواية أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- وأجيب بأجوبة. قال: الصحيح منها ما ذهب إليه الإمام العلامة الحافظ أبو شامة المقدسي، وقال: إنه جواب صحيح أرشد إليه أبو عمرو بن الحاجب قال: ثم وجدت تقريره في الكتاب والسنة عن واحد من العلماء، أن هذه الصعقة المذكورة في الحديث ليست النفخة الواقعة في آخر الدنيا، ولا الثانية التي يعقبها نشور الموتى من قبورهم، فإنما هي صعقة كما في الناس يوم القيامة، فيصعق من في السماوات والأرض إلا من شاء الله، وهي المشار إليها في آية الزمر، وذلك أول من حملها على صفة آخر الدنيا، والدليل على أن في آخر يوم القيامة صعقة قوله تعالى فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ [الطور/ 45] وهذا ظاهر في يوم تعمهم فيه الصعقة، فأصعق معهم فأكون أول من يفيق وفي رواية: «فأكون أول من تنشق عنه الأرض» قال: وهذا والله أعلم تفسير من الراوي، واللفظ الأول أولى أن يكون محفوظا، وهو
قوله صلى الله عليه وسلم: «من يبعث» فظن بعض الرواة أن المراد من ذلك البعث من القبور
فقال: أول من تنشق عنه الأرض والنبي صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الأرض حقا كما جاء في حديث آخر، لكن هذا الحديث لا يحتمل هذا اللفظ لأجل قوله: «يوم القيامة»
ففي البخاري عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش» ،
فهذا نص في إن الناس يصعقون في يوم القيامة، وهو تفسير ما في آخر الزمر كما مضى في بعض ألفاظ الحديث الصحيح، وطرق الحديث واختلاف ألفاظه إذا أمكن الجمع بينها لم يضر بعضها بعضا، وعند ذلك تظهر المناسبة في تردد النبي صلى الله عليه وسلم وأن موسى حوسب بصعقة الطور، لأنها من جنس ما أصاب الناس، وقدر الله أن بعض الناس مستثنى منه بقوله: إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ [الزمر/ 68] فجاز أن يكون منهم، ونحوه أجاب ابن القيم. وأنه قال: فإن قيل: فما يصعقون؟ بقوله «فلا أدري أفاق قبلي، أما كان ممن استثنى الله- عز وجل» ، والذين استثناهم [ (1) ] الله- عز وجل-، هم مستثنون من صعقة النفخة لا من صعقة يوم القيامة، كما قال الله تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ
[الزمر 68] . ثم نفخ فيه أخرى ولم يقع الاستثناء في صعقة الخلائق يوم القيامة، قيل: هذا- والله أعلم- غير محفوظ، وهو وهم من بعض الرواة، والمحفوظ ما تواطأت عليه الروايات الصحيحة من قوله: «لا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور» ، فظن بعض الرواة أن هذه الصعقة، هي صعقة النفخ، وأن موسى داخل فيمن استثنى الله تعالى منها، وهذا لا يلتئم على سياق الحديث قطعا، فإن الإفاقة حينئذ
__________
[ (1) ] في ح (اصطفاهم) .(10/381)
هي إفاقة البعث فكيف يقول: «لا أدري أفاق [ (1) ] قبلي أم جوزي بصعقة الطور؟» فتأمله وهذا بخلاف الصعقة التي يصعقها الناس يوم القيامة، فإذا جاء الله بفصل القضاء بين العباد وتجلى لهم فإنهم يصعقون، وأما موسى صلى الله عليه وسلم فإن كان لم يصعق معهم، فيكون قد جوزي بصعقة يوم تجلى ربه للجبل، فجعلت صعقة هذا التجلي عوضا من صعقة الخلائق لتجلي الرب- عز وجل- يوم القيامة.
الثالثة:
وبأنه يحشر في سبعين ألف ملك.
الرابعة:
وبأنه يحشر على البراق.
الخامسة:
وبأنه يؤذن باسمه في الموقف.
السادسة:
وبأنه يكسى في الموقف أعظم الحلل من الجنة.
السابعة:
وبأنه يقوم عن يمين العرش صلى الله عليه وسلم.
الثامنة:
وبأنه أعطي المقام المحمود.
روى الترمذي، وابن ماجة عن سعد بن أبي وقاص قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المقام المحمود، فقال: «هو الشفاعة» .
والأحاديث والآثار في ذلك كثيرة. وقال مجاهد أيضاً: المقام المحمود مجلسه على العرش.
- ورواه ابن جرير، وقال: الأول أولى، على أن الثاني ليس بمدفوع- لا من جهة النقل ولا من جهة الظن- قال ابن عطية: هو كذلك إذا حمل على ما يليق به، وبالغ الواحدي في رد هذا القول فقال: هذا قول رذل موحش فظيع ونص الكتاب ينادي بفساد هذا التفسير، وبسط الكلام على ذلك، وأما النقاش فنقل عن أبي داود صاحب السنن أنه قال: من أنكر هذا الحديث فهو متهم.
قلت: والنقاش متهم بالوضع، وقد جاء عن ابن مسعود عند الثعلبي، وعن ابن عباس عند أبي الشيخ، وعن عبد الله بن سلام قال: إن محمدا يوم القيامة على كرسي الرب بين يدي الرب. قلت: وقال ابن كثير: ومثل هذا لا ينبغي قبوله إلا ممن هو معصوم، ولم يثبت فيه حديث يعول عليه ولا يصار بسببه إليه.
وقول مجاهد في هذا المقام ليس بحجة، ولم يصح إسناده إلى ابن سلام. قال الحافظ:
__________
[ (1) ] في د أفاق.(10/382)
فيحتمل أن تكون الإضافة إضافة تشريف، وعلى ذلك يحمل ما جاء عن علي وغيره، والراجح أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة التي وردت في الأحاديث المذكورة في المقام المحمود نوعان.
الأول: الشفاعة العامة في فصل القضاء.
الثاني: الشفاعة في إخراج المذنبين من النار.
وقال الماوردي: اختلف في المقام المحمود على ثلاثة أقوال، فذكر القولين الشفاعة والإجلاس.
والثالث: إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة.
وقال القرطبي: وهذا لا يغاير القول الأول، وأثبت غيره.
رابعاً: هو ما رواه ابن أبي حاتم بسند صحيح عن سعيد بن أبي هلال أحد صغار التابعين، أنه بلغه أن المقام المحمود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون يوم القيامة بين الجبار وبين جبريل فيغبطه بمقامه ذلك أهل الجمع.
خامسا: وهو ما اقتضاه حديث حذيفة، وهو ثناؤه على ربه، ولكنه يغاير الأول أيضاً.
قال الإمام الرازي: القول الأول أولى، لأن سعيه في الشفاعة يفيد إقدام الناس على حمده، فيصير محمودا، وأما ما ذكره من الدعاء فلا يفيد إلا الثّواب، أمّا الحمد فلا، فأن قيل:
لم لا يجوز أن يقال: إنه تعالى يحمده على هذا القول؟ فالجواب أن الحمد في اللغة مختص بالثناء المذكور في مقابلة الإنعام فقط، فإن ورد لفظ «الحمد» في غير هذا المعنى فعلى سبيل المجاز.
- قال القرطي وما حكاه الطبري عن فرقة، منها مجاهد، أنها قالت: المقام المحمود هو أن يجلس الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم معه على كرسيه وروت في ذلك حديثا وعضد الطبري جواز ذلك بشطط من القول وهو لا يخرج إلا على تلطف في المعنى، وفيه بعد.
سادسا: وهو ما اقتضاه حديث ابن مسعود يشفع نبيكم رابع أربعة: جبريل ثم إبراهيم ثم موسى أو عيسى ثم نبيكم، لا يشفع أحد في أكثر مما يشفع فيه.
وهذا الحديث لم يصرح برفعه، قد ضعفه البخاري وقال: المشهور
قوله صلى الله عليه وسلم: «أنا أول شافع» .
قال الحافظ: وعلى تقدير نبوته، فليس في شيء من طرقه التصريح بأنه المقام المحمود مع أنه يغاير حديث الشفاعة في المذنبين. وجوازه المحب الطبري.
سابعا: وهو ما اقتضاه حديث كعب بن مالك السابق ذكره فقال بعد أو أورده: هذا(10/383)
يشعر بأن المقام المحمود غير الشفاعة ثم قال: ويجوز أن تكون الإشارة بقوله: فأقول إلى المراجعة في الشفاعة.
- قال الحافظ: وهو الذي يتجه، ويمكن رد الأقوال كلها إلى الشفاعة العامة، فإن إعطاءه لواء الحمد، وثناءه على ربه، وكلامه بين يديه، وجلوسه على كرسيه، وقيامه أقرب من جبريل، كل ذلك صفات للمقام المحمود الّذي يشفع فيه ليقضي بين الخلق.
وأما شفاعته صلى الله عليه وسلم في إخراج المذنبين من النار فمن توابع ذلك.
قال الحافظ: واختلف في فاعل الحمد من قوله «مقاما محمودا» ، فالأكثر على أن المراد به أهل الموقف، وقيل: النبي صلى الله عليه وسلم أي أنه يحمد عاقبة ذلك المقام المحمود بتهجده في الليل، والأول أرجح لما ثبت في الصحيح عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- بلفظ «مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم» ، ويجوز أن يحمل على أعم من ذلك، أي مقاما يحمده القائم فيه وكل من عرفه، وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات، واستحسن هذا أبو حيان وأيده بأنه نكرة، فدل على أنه ليس المراد مقاما مخصوصا.
التاسعة:
وبان بيده لواء الحمد.
العاشرة:
وبأن آدم فمن دونه تحت لوائه.
الحادية عشرة:
وأنه إمام النبيين يومئذ.
الثانية عشرة:
وقائدهم.
الثالثة عشرة:
وخطيبهم.
الرابعة عشرة:
وبأنه أول من يؤذن له في السجود.
الخامسة عشرة:
وبأنه أول من يرفع رأسه.
روى الإمام أحمد، والبزّار عن ابن الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة، وأنا أول من يرفع رأسه ... »
الحديث.
السادسة عشرة:
وأول من ينظر إلى الله تبارك وتعالى.
السابعة عشرة:
وأول شافع، وأول مشفع كما ثبت في الصحيح. والمراد بهذه الشفاعة- والله تعالى أعلم- الشفاعة في أهل الموقف حين يقرعون إليه بعد الأنبياء، فيتقدم صلى الله عليه وسلم فيكون أول شافع، وبين أنه صلى الله عليه وسلم أول مشفع لتحقق قبول الشفاعة، وأنها غير مردودة.
- وقال النووي: معنى أول مشفع: يعني أول من تجاب شفاعته، فقد يشفع اثنان، ويجاب الثاني قبل الأول.(10/384)
الثامنة عشرة:
وبأنه يسأل في غيره، وكل الناس يسألون في أنفسهم.
التاسعة عشرة:
وبالشفاعة العظمى في فصل القضاء.
العشرون:
وبالشفاعة في إدخال قوم الجنة بغير حساب.
الحادية والعشرون:
وبالشفاعة في من استحق النار أن لا يدخلها.
الثانية والعشرون:
وبالشفاعة في رفع درجات أناس في الجنة، كما جوز النووي اختصاصه بهذه، والتي قبلها ووردت به أحاديث في التي قبل، وصرح به القاضي وابن دحية.
الثالثة والعشرون:
وبالشفاعة في إخراج عموم أمته من النار حتى لا يبقى منهم أحد.
ذكره السبكي.
الرابعة والعشرون:
وبالشفاعة لجماعة من صلحاء المسلمين يتجاوز عنهم في تقصيرهم من الطاعات، ذكره القزويني في «العروة الوثقى» .
الخامسة والعشرون:
وبالشفاعة من الموقف تخفيفا عمن يحاسب.
السادسة والعشرون:
وبالشفاعة فيمن يخلد في النار من الكفار أن يخفف عنه العذاب يوم القيامة.
السابعة والعشرون:
وبالشفاعة في أطفال المشركين أن لا يعذبوا.
روى ابن أبي شيبة، وأبو نعيم بسند صحيح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألت ربي في اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم، فأعطانيها، قال ابن عبد البر هم الأطفال، لأن أعمالهم كاللهو واللعب من غير عقد ولا عزم» .
الثامنة والعشرون:
وألا يدخل النار واحدا من أهل بيته فأعطاه ذلك.
التاسعة والعشرون:
وبأنه أول من يجيز على الصراط بأمته.
كما في حديث أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عند الشيخين يضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجيز من الرسل بأمته» .
الثلاثون:
وبأن له في كل شعرة من رأسه ووجهه نورا، وليس للأنبياء إلا نوران.
روى الحكيم التّرمزيّ عن سالم بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- قال: بينما رجلان جالسان إذ قال أحدهما: لقد رأيت البارحة كل نبي في الأرض، فقال الآخر: هات، قال:
رأيت كل نبي معه أربعة مصابيح: مصباح بين يديه، ومصباح من خلفه، ومصباح عن يمينه، ومصباح عن يساره، ومع كل صاحب له مصباح، ثم رأيت رجلا قام أضاءت له الأرض، وكل شعرة في رأسه مصباح، ومع كل صاحب له أربعة مصابيح: مصباح من بين يديه، ومصباح من(10/385)
خلفه، ومصباح عن يمينه، ومصباح عن يساره، فقلت: من هذا؟ قالوا: محمد بن عبد الله.
قال كعب: ما هذا الذي تحدث به؟ قال: رؤيا رأيتها البارحة، قال: والذي بعث محمدا بالحق إنها لفي كتاب الله- تبارك وتعالى- كما رأيت.
الحادية والثلاثون:
وبأنه يؤمر أهل الجنة بغض أبصارهم حتى تمر ابنته على الصراط.
كما رواه الحاكم، وأبو نعيم عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة»
قيل: يا أهل الجمع، غضوا أبصاركم ونكسوا، فإن فاطمة بنت محمد تجوز على الصراط إلى الجنة، فتمر، وعليها ربطتان خضراوان.
الثانية والثلاثون:
وبأنه أول من يقرع باب الجنة كما رواه مسلم والطبراني عن أنس- رضي الله تعالى عنه-.
قلت:
وفي حديث أنس عند الطبراني «أنا أول من يقرع باب الجنة فيقول الخازن: من؟
فأقول: أنا محمد فأقوم فأفتح لك، لم أقم لأحد قبلك ولا أقوم لأحد بعدك» .
قال القطب الخضيري: وفي هذا التحديد على هذا الدوام خصوصية عظيمة، وهو أن خازن الجنة لا يقوم لأحد غير النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن قيامه إليه صلى الله عليه وسلم جاء إظهارا لمرتبته ولا يقوم في خدمة أحد بعده، بل خزنة الجنة يقومون في خدمته وهو كالملك عليهم، وقد أقامه الله تعالى في خدمة عبده ورسوله حتى مشى إليه وفتح له الباب، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الثالثة والثلاثون:
وبأنه أول من يدخل الجنة.
الرابعة والثلاثون:
وبعده أمته.
روى أبو نعيم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أول من يدخل الجنة، وأول من يدخل علي الجنة فاطمة، ومثلها في هذه الأمة مثل مريم من بني إسرائيل» ،
ولا يشكل على ذلك
ما رواه أحمد عن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: «بم سبقتني إلى الجنة؟ فما دخلت الجنة إلا سمعت خشخشتك أمامي..» الحديث رواه الإمام أحمد
فإن ذلك كان في المنام، كما
رواه البخاري من حديث جابر مرفوعا «رأيتني دخلت الجنة، فسمعت خشخشة، فقيل: هذا بلال..»
الحديث. فعرف أن ذلك وقع في المنام.
الخامسة والثلاثون:
ومفتاح الجنة بيده صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
رواه الترمذي، والبيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا، وقائدهم إذا وفدوا، وشافعهم إذا حبسوا، وأنا مبشرهم إذا يئسوا، ولواء الحمد بيدي ومفتاح الجنة يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم يومئذ(10/386)
على ربي، يطوف علي ألف خادم كأنهم اللؤلؤ المكنون» .
السادسة والثلاثون:
وبالكوثر لا الحوض، خلافا لابن سراقة وأبو سعيد النيسابوري، فقد ورد «لكل نبي حوض» .
السابعة والثلاثون:
وبأن حوضه صلى الله عليه وسلم أكبر الحياض.
روى ابن أبي حاتم، وعثمان بن سعيد الدارمي عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جعل حوضي أعظم الحياض» .
الثامنة والثلاثون:
وأكثرها واردا.
التاسعة والثلاثون:
وبالوسيلة. وهي أعلى درجة في الجنة.
قال الإمام عبد الجليل بن عظوم: الوسيلة التي اختص بها صلى الله عليه وسلم هي التوسل، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم يكون في الجنة بمنزلة الوزير من الملك بغير تمثيل، ولا يصل إلى أحد شيء إلا بواسطته، وسيأتي بيان جميع ذلك في باب بعثه وحشره آخر الكتاب.
الأربعون:
وبأنه سأل ربه [الوسيلة] .
الحادية والأربعون:
وبأن قوائم منبره رواتب في الجنة.
روى البيهقي عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قوائم منبري رواتب في الجنة» .
ورواه الحاكم من حديث أبي واقد الليثي.
الثانية والأربعون:
وبأن منبره على ترعة من ترع الجنة.
روى ابن سعد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منبري هذا على ترعة من ترع الجنة» .
الثالثة والأربعون:
وبأن ما بين قبره ومنبره روضة من رياض الجنة.
رواه الشيخان بلفظ «ما بين بيتي ومنبري» من حديث أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه.
الرابعة والأربعون:
وبأنه صلى الله عليه وسلم لا يطلب منه شهيد على التبليغ ويطلب من سائر الأنبياء.
الخامسة والأربعون:
وبأنه صلى الله عليه وسلم يشهد لجميع الأنبياء بالبلاغ، ويأتي بيان ذلك في حديث الشفاعة.
السادسة والأربعون:
وبأن كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببه ونسبه صلى الله عليه وسلم.
رواه الحاكم والبيهقي- رضي الله تعالى عنهما- من حديث عمر مرفوعا.(10/387)
قيل: معنى الحديث أن أمته ينسبون إليه يوم القيامة، وأمم سائر الأنبياء لا ينسبون إليهم.
وقيل: ينتفع يومئذ بالنسبة إليه، ولا ينتفع بسائر الأنساب.
السابعة والأربعون:
وبأن آدم صلى الله عليه وسلم يكنى به في الجنة دون سائر ولده تكريما له، فيقال:
يا أبا محمد.
الثامنة والأربعون:
وبأن وردت أحاديث في أن أهل الفترة يمتحنون به يوم القيامة، فمن أطاع دخل الجنة، ومن عصى دخل النار، والظن بآل بيته كلهم أن يطيعوه عند الامتحان، لتقر بهم عينه.
التاسعة والأربعون:
وبأن عدد درج الجنة بعدد آي القرآن.
الخمسون:
وأنه يقال لقارئه: اقرأ وارق، فآخر منزلتك عند آخر آية تقرأها، ولم يرد ذلك في سائر الكتب.
الحادية والخمسون:
وبأنه لا يقرأ في الجنة إلا كتابه.
الثانية والخمسون:
وبأنه لا يتكلم فيها إلا بلسانه.
الثالثة والخمسون:
وبأنه صلى الله عليه وسلم شاهد على أمته بنفسه بإبلاغهم الرسالة. ذكره القزويني في الخصائص.
روي عن قتادة- رضي الله تعالى عنه- قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ، إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً يعني على أمتك بالبلاغ.(10/388)
الباب الرابع فيما اختص به- صلى الله عليه وسلم- في أمته في الآخرة وفيه مسائل:
الأولى:
اختص صلى الله عليه وسلم بأن أمته أول من تنشق عنهم الأرض.
روى أبو نعيم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرسلت إلى الجن والإنس وإلى كل أحمر وأسود وأحلت لي الغنائم دون الأنبياء، وجعلت لي الأرض كلها مسجدا وطهورا، ونصرت بالرعب أمامي شهرا، وأعطيت خواتم سورة البقرة، وكانت من كنوز العرش، وخصصت بها دون الأنبياء، وأعطيت المثاني مكان التوراة والمئين مكان الإنجيل، والحواميم مكان الزبور، وفصلت بالمفصل وأنا سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، ولا فخر، وأنا أول من تنشق الأرض عني، وعن أمتي ولا فخر وبيدي لواء الحمد يوم القيامة، وجميع الأنبياء تحته ولا فخر وإلي مفاتيح الجنة يوم القيامة ولا فخر، وبي تفتح الشافعة ولا فخر، وأنا سابق الخلق إلى الجنة ولا فخر، وأنا إمامهم وأمتي بالأثر» .
الثانية:
وبأنهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء.
الثالثة:
وبأن لهم سيما في وجوههم من أثر السجود.
قال الله سبحانه وتعالى: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح/ 29] .
الرابعة:
وبأنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم.
الخامسة:
وبأن ذريتهم تسعى بين أيديهم.
روى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء» .
وروى مسلم عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن حوضي أبعد من أيلة من عدن، إني لأذود عنه الرجل كما يذود الرجل الإبل الغريبة عن حوضه، قيل: يا رسول الله، أتعرفنا؟
قال: نعم، تردون علي غرا محجلين من أثر الوضوء وسيماكم ليست لأحد غيركم» .
وروى الإمام أحمد، والبزار عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة، وأنا أول من يرفع رأسه فأنظر إلى بين يدي، فأعرف أمتي من بين الأمم، ومن خلفي مثل ذلك، وعن يميني مثل ذلك، وعن شمالي مثل ذلك، فقال رجل: يا رسول الله، كيف تعرف أمتك من بين الأمم فيما بين نوح إلى أمتك؟
قال: هم غر محجلون من أثر الوضوء ليس أحد كذلك غيرهم، وأعرفهم أنهم بأيمانهم تسعى(10/389)
ذريتهم بين أيديهم» .
وروى الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني لأعرف أمتي يوم القيامة من بين الأمم» ، قالوا: يا رسول الله، كيف تعرف أمتك؟ قال:
«أعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم» .
السادسة:
وبأنهم يكونون في الموقف على كوم عال.
السابعة:
وبأن لهم نورين كالأنبياء، وليس لغيرهم إلا نور واحد. كما سبق ويأتي في آخر الكتاب.
الثامنة:
وبأنهم يمرون على الصراط كالبرق الخاطف وكالريح.
التاسعة:
وبأنهم يشفع محسنهم في مسيئهم.
العاشرة:
وبأن عذابها معجل في الدنيا، وفي البرزخ لتوافي القيامة ممحصة.
الحادي عشرة:
وبأنها تدخل قبورها بذنوبها، وتخرج منها بلا ذنوب تمحص عنها باستغفار المؤمنين لها.
الثانية عشرة:
وبأن كل واحد منهم يعطى يهوديا أو نصرانيا فيقال له: يا مسلم، هذا فداؤك من النار.
روى أبو يعلى والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه عن عبد الله بن يزيد الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن عذاب هذه الأمة جعل في دنياها» .
وروى أيضا عن رجل من الصحابة قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عقوبة هذه الأمة السيف» .
وروى ابن ماجه والبيهقي في البعث عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذه الأمة مرحومة، عذابها بأيديها، فإذا كان يوم القيامة، دفع إلى كل رجل من المسلمين رجل من المشركين فيقال له: هذا فداؤك من النار» .
وروى الطبراني في الأوسط عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمتي أمة مرحومة، تدخل قبورها بذنوبها، وتخرج من قبورها لا ذنوب عليها، تمحص عنها باستغفار المؤمنين لها» .
وروى الإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحاسب أحد يوم القيامة فيغفر له يرى المسلم عمله في قبره» .(10/390)
قال الحكيم الترمذي: يحاسب المؤمن في القبر ليكون أهون عليه غدا في الموقف، فيمحص في البرزخ، فيخرج من القبر وقد اقتص منه» .
الثالثة عشرة:
وبأن لها ما سعت، وما سعي لها وليس لمن قبلهم إلا ما سعى، قاله عكرمة- رضي الله تعالى عنه-، ورواه ابن أبي حاتم عنه.
الرابعة عشرة:
وبأنهم يقضى لهم قبل الخلائق.
روى ابن ماجة عن أبي هريرة وحذيفة- رضي الله عنهم- قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق» .
الخامسة عشرة:
وبأنهم يغفر لهم المقحمات.
روى مسلم عن ابن مسعود في حديث المعراج قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا:
أعطي الصلوات الخمس. وأعطي خواتيم سورة البقرة. وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات.
السادسة عشرة:
وبأنهم أثقل الناس ميزانا.
روى الأصبهاني في «ترغيبه» عن ليث- رضي الله تعالى عنه- قال: قال عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم: «أمة محمد صلى الله عليه وسلم أثقل الناس في الميزان، ذلت ألسنتهم لكلمة ثقلت على من كان قبلهم لا إله إلا الله» .
السابعة عشرة:
وبأنهم نزلوا منزلة العدول من الحكام، فيشهدون على الناس أن رسلهم بلغتهم.
قال الله سبحانه وتعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً، لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة/ 143] .
وروى الإمام أحمد والنسائي والبيهقي عن ابن سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجيء النبي يوم القيامة، ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان وأكثر من ذلك، فيقال لهم: هل بلغتم؟ فيقولون: نعم، فيدعى قومهم، فيقال لهم: هل بلغوكم؟
فيقولون: لا، فيقال للنبيين: من يشهد لكم أنكم بلغتم؟ فيقولون: أمة محمد، فتدعى أمة محمد، فيشهدون أنهم قد بلغوا، فيقال لهم: وما علمكم أنهم قد بلغوا؟ فيقولون: جاءنا نبينا صلى الله عليه وسلم بكتاب أخبرنا أنهم قد بلغوا فصدقناه، فيقال لهم: صدقتم. فذلك قوله تعالى:
وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة/ 143] .
قال: عدولا، ورواه البخاري مختصرا.(10/391)
الثامنة عشرة:
«بأنهم يدخلون الجنة قبل سائر الأمم» .
روى الطبراني بسند حسن عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه-.
التاسعة عشرة:
ويدخل الجنة منهم سبعون ألفا بغير حساب.
العشرون:
ومع كل ألف سبعون ألفا، ومع كل واحد سبعون ألفا.
قال سلطان العلماء شيخ الإسلام الشيخ عز الدين بن عبد السلام- رحمه الله تعالى-:
لم يثبت ذلك لغير النبي صلى الله عليه وسلم.
روى الشيخان عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: «عرضت علي الأمم، يمر على النبي معه الرجل، والنبي معه الرجلان والنبي ليس معه أحد والنبي معه الرهط فرأيت سوادا كثيرا فرجوت أن يكون أمتي فقيل لي: هذا موسى وقومه، ثم قيل لي: انظر، فرأيت سوادا كثيرا قد سد الأفق فقيل لي: هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب» .
وروى الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد وأبو يعلى وابن حبان والحاكم بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت الأمم بالموسم، فرأيت أمتي قد ملأوا السهل والجبل، وأعجبني كثرتهم وهيبتهم، فقيل لي: رضيت؟ قلت:
نعم قال: ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بلا حساب، فلا يكتوون ولا يتطيرون ولا يسترقون، وعلى ربهم يتوكلون» .
وروى ابن أبي شيبة برجال ثقات، والإمام أحمد عن عبد الرحمن بن أبي بكر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ «ألم تنزيل» السجدة، فأطال السجود ثم رفع، فقال أبو بكر: يا رسول الله، أطلت السجود، قال: سجدت شكرا لربي فيما أعطاني في أمتي، سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، فقال أبو بكر: يا رسول الله، أمتك أكثر وأطيب، فاستكثرتهم حتى قال مرتين أو ثلاثا، فقال عمر: يا رسول الله، قد استوعبت أمتك.
ولفظ أحمد فقال عمر: هلا استزدته؟ فأعطاني مع كل رجل سبعين ألفا، قال عمر: فهلا استزدته قال: قد استزدته فأعطاني هكذا، وفرج عبد الرحمن بن أبي بكر بين يديه.. الحديث.
وروى الشيخان عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا أو سبعمائة ألف متماسكين، أخذ بعضهم ببعض حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة، ووجوههم على صورة القمر ليلة البدر» .
وروى الإمام أحمد عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم(10/392)
يقول: «ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألفا» .
وروى الترمذي وحسنه وأبو يعلى عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله- عز وجل- يدخل من أمتي يوم القيامة سبعين ألفا بغير حساب، مع كل ألف سبعون ألفا وثلاث حثيات من حثيات ربي» .
روى الإمام أحمد وابن حبان بلفظ «إن الله- عز وجل- وعدني أن يدخل من أمتي يوم القيامة سبعين ألفا بغير حساب
فقال يزيد بن الأخنس السلمي والله ما أولئك في أمتك إلا كالذباب الأصهب في الذبان
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن ربي وعدني سبعين ألفا مع كل ألف سبعين ألفا، مع كل ألف سبعين ألفا- مرتين وزادني ثلاث حثيات» .
وروى الطبراني نحوه عن عمرو بن حزم الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- وفيه مع كل واحد من السبعين ألفا سبعون ألفا.
وروى الطبراني في الكبير، والبيهقي في الشعب بسند صحيح عن عامر بن عمير- رضي الله تعالى عنه- قال: لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثا لا يخرج إلا إلى صلاة مكتوبة» الحديث وفيه: فأعطاني ربي سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، مع كل واحد من السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب، فقلت: إن أمتي لا تبلغ هذا أو تكمل هذا فقال: أكملهم لك من الأعراب.
وروى أبو يعلى مرسلا عن سعيد بن عامر اللخمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، يجيء فقراء المسلمين، يوم القيامة يزفون كزف الحمام فيقال لهم: قفوا للحساب فيقولون:
والله ما تركنا شيئا فتحاسبونا عليه، فيقول الله تعالى: صدق عبادي، أدخلوهم الجنة بغير حساب.
روى عمر بن شبة في أخبار المدينة، عن كعب- رحمه الله تعالى- قال: «نجد مكتوبا في الكتاب أن مقبرة بالمدينة على حافة سبيل يحشر منها سبعون ألفا ليس عليهم حساب» .
وروى الطيالسي والإمام أحمد وأبو يعلى عن أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطيت سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، وجوههم كالقمر ليلة البدر، وقلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدته، فزادني مع كل واحد سبعين ألفا» .
وروى أبو يعلى برجال ثقات عن أنس- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا» ، قالوا: زدنا يا رسول الله، قال: «لكل رجل سبعون ألفا» ، قالوا: زدنا يا رسول الله وكان على كثيب فحثا بيده فقالوا: زدنا يا رسول الله، قال: «هذا» وحثا بيده.(10/393)
قالوا: يا نبي الله، أبعد الله من دخل النار بعد هذا.
روى الطبراني في الكبير، والبيهقي في الشعب بسند صحيح عن عامر بن عمير- رضي الله تعالى عنه- قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا لا يخرج إلا إلى صلاة مكتوبة الحديث. وفيه: «فأعطاني ربي سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب مع كل واحد من السبعين سبعون ألفا، فقلت: إن أمتي لا تبلغ هذا، قال: أكملهم من الأعراب» .
الحادية والعشرون:
وبأن أطفالهم كلهم في الجنة وليس لسائر الأمم. في أحد الاحتمالين للسبكي.
قلت: ورجح النووي في شرح مسلم أنهم في الجنة [ (1) ] .
الثانية والعشرون:
وبأن أهل الجنة مائة وعشرون صفا وهذه الأمة منها ثمانون، وسائر الأمم أربعون.
روى مسدد وابن أبي شيبة والإمام أحمد والطبراني برجال ثقات، عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم وربع أهل الجنة لكم ربعها ولسائر الناس ثلاثة أرباعها؟ فقلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فكيف أنتم وثلثها؟ قالوا: فذاك أكثر، فقال: كيف أنتم والشطر؟ قالوا: فذاك كثير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أهل الجنة يوم القيامة عشرون ومائة صفّ، أنتم منها ثمانون صفا» ورواه البخاري مختصرا.
الثالثة والعشرون:
وبأن لله- تبارك وتعالى- يتجلى لهم فيرونه ويسجدون له بإجماع أهل السنة، كما في أحاديث الشفاعة.
وفي الأمم السالفة احتمالا لسيدي الشيخ عبد الله بن أبي جمرة.
الرابعة والعشرون:
وبأن كل أمة بعضها في الجنة وبعضها في النار إلا هذه الأمة، فإنها كلها في الجنة، رواه القاضي أبو الحسين بن المهتدي بالله في فوائده من حديث ابن عمر مرفوعا.
الخامسة والعشرون:
وبأن ولد الزنا منهم لا يدخل الجنّة إلى خمسة آباء، ومن غيرهم إلى سبعين. كما في مصنف عبد الرزاق عن الربعي أنه قرأه في بعض الكتب.
السادسة والعشرون:
وبأنهم يؤذن لهم في المحشر في السجود دون سائر الأمم.
روى ابن ماجة بسند فيه ضعف عن أبي موسى الأشعري- رضي الله تعالى عنه- قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة أذن لأمة محمد في السجود، فيسجدون طويلا» ثم يقال: ارفعوا رؤوسكم، فقد جعلنا عدوكم فداءكم من النار» .
__________
[ (1) ] سقط في ح.(10/394)
الباب الخامس فيما اختص به- صلى الله عليه وسلم- عن أمته عن الواجبات
والحكمة من اختصاصه بها زيادة الزلفى والدرجات فلن يتقرب المتقربون إلى الله تعالى بمثل أداء ما افترض عليهم، كما في الصحيح عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه-.
قال العلماء: خص الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن خلقه بواجبات عليه، لعلمه بأنه أقوم بها منهم، وأصبر عليها منهم.
وقيل: ليجعل أجره بها أعظم من أجرهم، وقربه بها أزيد من قربهم.
وأما ما أباحه له مما حرمه عليهم، فليظهر بذلك كرامته، ويبين اختصاصه ومنزلته.
وقيل: لعلمه بأن ما خصه به من الإباحة لا يلهيه عن طاعة، وإن ألهاهم، ولا يعجزه عن القيام بحقه وإن أعجزهم، ليعلموا أنه على طاعة الله أقدر، وعلى حقه أقوم.
وفيه نوعان:
الأول: فيما يتعلق بالأحكام غير النكاح.
وفيه مسائل:
الأولى:
اختص صلى الله عليه وسلم بوجوب الوضوء لكل صلاة، وإن لم يحدث ثم نسخ.
روى أبو داود والبيهقي في سننيهما، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما عن عبد الله بن حنظلة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر، فلما شق عليه ذلك أمر بالسواك عند كل صلاة، ووضع عنه الوضوء إلا من حدث. إسناده جيد وفيه اختلاف لا يضر.
الثانية:
وبالسواك في الأصح للحديث السابق، وهل كان الواجب عليه في العمر مرة أو عند كل صلاة مفروضة، أو مطلقا أو في الأحوال التي يتأكد فيها استحبابه في حق الأمة، أو ما هو أعم من ذلك؟ وحكى بعضهم أنه كان واجبا عليه في الوقت المتأكد في حقنا، وقيل:
لكل صلاة.
قلت: ويشهد له حديث عبد الله بن حنظلة السابق في الأولى.
وقيل: عند تغير الفم.
وقيل: عند نزول الوحي، قاله النووي في «التنقيح شرح الوسيط» .
الثالثة:
وبوجوب صلاة الضحى على الصحيح وقال البلقيني: لم تكن الضحى واجبة(10/395)
عليه، جزموا به.
ففي صحيح مسلم، عن عبد الله بن شقيق- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت لعائشة- رضي الله تعالى عنها-: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: لا إلا أن يجيء من مغيبه.
وذكر أحاديث كثيرة في ذلك. وقال في الخادم: أخرج البخاري عن ابن أبي ليلى يقول: «ما حدثنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى غير أم هانئ، فإنها قالت: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثماني ركعات، فلم أر صلاة قط أخف منها، غير أنه يتم الركوع والسجود» ثم قال: وإذا قلنا فهل كان الواجب عليه أقل الضحى، أو أكثرها أو أدنى كمالها، لم يتعرضوا له نعم.
روى الإمام أحمد والطبراني عن ابن عباس مرفوعا: «ثلاث علي فريضة وهن لكم تطوع، الوتر، وركعتا الفجر، وركعتا الضحى» .
الرابعة:
والوتر على الصحيح.
وقال البلقيني: لم يكن الوتر واجبا عليه، خلافا لما صححوه. فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر على بعيره، وبه احتج الشافعي- رضي الله تعالى عنه- على عدم وجوب الوتر على الأمة، فيكون مذهب الشافعي أنه ليس بواجب عليه مطلقا، ولا دليل لمن قال: كان واجبا عليه في الحضر دون السفر.
وفي الخادم، من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز الوتر على الراحلة، وبذلك صرح النووي في باب التطوع من شرح مسلم.
قال في الخادم: وإذا قلنا بالوجوب، فهل كان الواجب عليه أقل الوتر أم أكثر أم أدنى؟
لم يتعرضوا له أيضاً، والظاهر أن مرادهم الجنس.
الخامسة:
وصلاة الليل.
السادسة:
وركعتا الفجر.
السابعة:
والأضحية.
روى الطبراني والبيهقي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث هن علي فرائض، وهن لكم سنة: الوتر، والسواك، وقيام الليل» .
وروى الإمام أحمد والدّارقطني والحاكم والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث هن علي فرائض ولكم تطوع: النحر، والوتر، وركعتا الفجر» .(10/396)
ورواه الإمام أحمد والبزار من وجه آخر عنه.
وروى الإمام أحمد والطبراني عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث علي فرائض وهن لكم تطوع: الوتر، وركعتا الفجر، وركعتا الضحى» .
وروى الإمام أحمد وعبد بن حميد عنه «أمرت بركعتي الضحى ولم تؤمروا بها، وأمرت بالأضحية ولم تكتب عليكم» .
تنبيه:
الأصح عند أئمتنا وجوب الثالثة والرابعة، والخامسة (والسابعة) [ (1) ] ، ولم يذكروا (السادسة) [ (2) ] مع أن أدلة الجميع ضعيفة لا تثبت الخصائص بمثلها.
حكى الشيخ أبو حامد أن للشافعي (رضي الله عنه) نصا على نسخ وجوب قيام الليل في حقه صلى الله عليه وسلم قال النووي: وهذا هو الأصح أو الصحيح، ففي الصحيح ما يدل عليه، ورجحه البلقيني. ولهذا صحح جمع من المتأخرين عدم وجوب ذلك، ووردت أحاديث أخر تنفي الوجوب، لكنها أيضاً ضعيفة وصرف قوله تبارك وتعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر/ 2] .
أمران:
الأول: أن غالب الأئمة ذهبوا إلى أنه ليس المراد بها: انحر الأضحية، كما هو مقرر في كتب التفسير.
الثاني: على تقدير القول بأن الصلاة: يوم العيد، والنحر: الأضحية، فلفظ الأمر ينصرف من الوجوب إلى الندب بالقرينة ومن القرينة ذكر الأضحية مع الصلاة، ولم يقل بوجوب صلاة العيد على النبي صلى الله عليه وسلم ولا على غيره، على المذهب الصحيح. بل ذلك مسنون له ولأمته، فكذلك الأضحية.
قلت: يؤخذ من حديث ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن الواجب عليه صلى الله عليه وسلم في صلاة الضحى أقلها لا أكثرها.
قال في «العزر» : قيامه في الوتر كذلك.
الثامنة:
وقيل وبصلاة أربع عند الزوال.
رواه البيهقي عن سعيد بن المسيب وسنده ضعيف.
التاسعة:
قيل وبوجوب الوضوء عليه كلما أحدث، فلا يكلم أحدا، ولا يرد سلاما حتى يتوضأ، تم نسخ.
__________
[ (1) ] في د (السادسة) .
[ (2) ] في د السابعة.(10/397)
العاشرة:
وبوجوب المشاورة على الأصح، وقيدها الإمام- رضي الله تعالى عنه- بمشاورة ذوي الأحلام، وهم ذوو العقول.
وقال صاحب التعليقة: خص صلى الله عليه وسلم بوجوب المشاورة في الأمر مع أهله وأصحابه.
قال الله- سبحانه وتعالى-: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران/ 159] . والأظهر أن الأمر هنا للوجوب.
روى ابن عدي والبيهقي في الشعب عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: لما نزلت وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إن الله ورسوله لغنيان عنها، ولكن جعلها الله رحمة لأمتي» ،
وتقدمت في ذلك أحاديث في باب مشاورته صلى الله عليه وسلم من أبواب صفاته المعنوية.
قال الماوردي: اختلف العلماء فيما يشاور فيه، فقال قوم: في الحروب ومكابدة العدو خاصة.
وقال آخرون: في أمور الدنيا والدين، وقال آخرون: في أمور الدين تنبيها لهم على علل الأحكام وطريق الاجتهاد.
قلت: ويؤيد الأول ما رواه الطبراني بسند جيد عن ابن عمر قال: كتب أبو بكر الصديق إلى عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشاور في الحرب، فعليك به.
تنبيه:
وجوب المشاورة عليه هو الأصح عند الشيخين، لكن نص الشافعي على عدم وجوبها، حكاه البيهقي في المعرفة عند استئذان البكر.
الحادية عشرة:
قيل: وبالاستعاذة عند القراءة.
الثانية عشرة:
وبوجوب مصابرة العدو، وإن كثر عددهم، والأمة إنما يلزمهم إذا لم يروا عدد الكفار على الضعف، قال القاضي جلال الدين البلقيني: ولم يذكر أئمتنا لهذه المسألة دليلا، ولا يقال: قد صح عنه صلى الله عليه وسلم مصابرة العدو في غير موضع، وصابر يوم أحد بعد أن أفرد في اثني عشر رجلا كما في الصحيح، وصابر يوم حنين بعد أن أفرد في عشرة كما قاله العباس عمه في شعره، وتقدم إليهم وقال: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب.
لأن هذه الوقائع لا تدل على الوجوب وإنما تدل على شجاعته صلى الله عليه وسلم.
وقال الماوردي: قد يقال من الدليل على ذلك: إن فرار الإنسان وتوليه عند الزحف من خوف القتل. وذلك غير جائز على الأنبياء من جهة أنهم معصومون وبأنهم في أعلى مكان، فيعلمون أنه لا يتعجل شيء عن وقته، ولا يتأخر شيء عن وقته بخلاف غيرهم من المكلفين،(10/398)
فليس لهم مثل هذا الإيمان، ولا مثل هذا اليقين.
قال القاضي جلال الدين البلقيني: وهذا الذي قاله حسن متجه، وقال القاضي أبو الطيب في تعليقه: إنما كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم لشيئين:
أحدهما: أن الله تعالى ضمن له النصرة والظفر، وقال له: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الحجر 94] .
والثاني: أنه لو لم يكن ينكره، لكان يوهم أن ذلك جائز، وأن أمره بتركه منسوخ.
وقال غيره: الدليل على ذلك أن الله تعالى وعده بالعصمة، فقال تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة/ 67] ، فلم يكونوا يصلوا إليه بسوء، ولو وصلوا إليه قلوا أو كثروا [لم يمسوه بشيء] قال: وجه الدلالة على ذلك
قوله صلى الله عليه وسلم: «لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن ينزعها حتى يقاتل عدوه» وفي رواية: «حتى يتأخر عدوه» .
فإذا كان لبس اللأمة التي هي مظنّة الوقاية موجبة له صلى الله عليه وسلم على ملاقاة العدو ومقاتلته ومناجزته، فكيف عند مشاهدة العدو، وانتظام الشمل به صلى الله عليه وسلم، فإنه لو ولى لم ينتظم لهم شمل، فإذا ثبت انتظم شملهم بوجوده صلى الله عليه وسلم كما أنشق يوم حنين، فإن غالب الصحابة ولوا مدبرين عن ملاقاة العدو، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرة من أصحابه فتقدم في وجه العدو، حتى نصره الله تعالى، وتراجع إليه أصحابه قال: ثم رأيت الأوزاعي نقل عن البغوي الإشارة إلى ما قلناه.
تنبيه:
قال الجلال البلقيني والخضيري: أطلق الأصحاب مصابرة العدو في حقه صلى الله عليه وسلم ولم يبينوا هل ذلك مع الجيش أو وحده؟ بحيث لو رأى الجيش ولى ولم يكن معه أحد من الصحابة هل يجب عليه الثبات لهم؟ زاد الخضيري: لكن عموم كلامهم يقتضيه، وهو ظاهر ما تقدم عن الماوردي.
الثالثة عشرة:
وبأنه صلى الله عليه وسلم إذا بارز رجلا في الحرب لم ينفك عنه قبل قتله لما تقدم.
الرابعة عشرة:
وبوجوب الإنكار [المنكر] .
الخامسة عشرة:
وتغيير منكر رآه.
السادسة عشرة:
وأنه لا يسقط للخوف.
السابعة عشرة:
ولا إذا كان المرتكب يزيد فيما هو فيه عنادا.
الثامنة عشرة:
وبوجوب إظهار الإنكار كما في «الذخائر» .
قال القاضي أبو الطيب: وإنما كان ذلك من الخصائص لشيئين.
أحدهما: أن الله تعالى ضمن له النصرة والظفر، وقال له: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ [الحجر/ 94] .(10/399)
والثاني: أنه لو لم ينكر، لكان يوهم أن ذلك جائز، وأن أمره بتركه منسوخ، بخلاف الأمة يسقط عنهم للخوف، وإذا كان المرتكب يزداد إغراء لم يجب كما قاله الإمام الغزالي في الإحياء.
التاسعة عشرة:
وبوجوب الوفاء بوعده كضمان غيره، كما ذكره ابن الجوزي والإسماعيليّ من أئمتنا والمهلب بن أبي صفرة فإن قيل: إذا كان وفاؤه بالوعد واجبا، صار بمنزلة ما لو خلف الميت وفاء، فكيف كان يمتنع من الصلاة على المدين؟ فالجواب: أن من حديث جابر وغيره ما يبين أن الامتناع كان في أول الإسلام، وفي المال قلة، فلما فتح الله الفتوح
قال صلى الله عليه وسلم: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم» .
العشرون:
وبوجوب قضاء دين من مات من المسلمين معسرا على الصحيح.
روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل الذي عليه دين فيسأل: «هل ترك لدينه قضاء؟» فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال:
«صلوا على صاحبكم» .
فلما فتح الله عليه الفتوح قام فقال: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي وعليه دين ولم يترك وفاء فعلي قضاؤه، ومن ترك مالا فهو لورثته» .
تنبيه:
ظاهر كلام الرافعي والنووي وجوب الوفاء عليه صلى الله عليه وسلم سواء كان قادرا على الوفاء أو لم يكن قادرا، ويشمل ذلك قبل زمن الفتوح وضيق الحال، وليس الأمر كذلك، وإنما وجب عليه الوفاء عند قدرته عليه بسبب الفتوحات واتساع المال، كما صرح به الإمام، فتكون الخصوصية بالنسبة إلى أواخر الحال.
فائدة: هل كان صلى الله عليه وسلم يقضيه من ماله أو من مال المصالح الذي كان خاصا به؟ رجح النووي في شرح مسلم الثاني.
الحادية والعشرون:
قيل وبوجوب قول: لبيك، إن العيش عيش الآخرة إذا رأى ما يعجبه.
واستدل له
بما رواه الشافعي عن مجاهد قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يظهر من التلبية، حتى إذا كان ذات يوم رأى الناس ينصرفون عنه كأنه أعجبه ما هو فيه، فزاد فيها: لبيك، إن العيش عيش الآخرة.
وروى الحاكم عن عكرمة عن ابن عباس نحوه.
ولما رواه البخاري في قصة الخندق قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة» .
وليس(10/400)
في هذا الذي ذكر ما يدل على الوجوب، فإن القائل بالوجوب يحتاج إلى التزام صدور ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في كل حالة رأى فيها ما يعجبه، ولم ينقل ذلك، وقد تحقق له صلى الله عليه وسلم أحوال رأى فيها ما يعجبه ويسره مثل يوم بدر، ويوم فتح مكة وغيرهما. ولم ينقل ذلك، ولو كان واجبا عليه لقاله.
فإن قيل: يحتمل أنه قاله، ولم ينقل، أو قاله سرا.
فالجواب: أن غالب أحواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم متضمنة للسرور، ولا يخفى مثل ذلك على أصحابه وملازميه.
تنبيه:
المراد بالإعجاب المذكور آنفا، الإعجاب الأخروي، يعني أنه أعجبه ما هو فيه كثرة الداخلين في دين الله تعالى أفواجا، وظهور دين الإسلام على الدين كله، وانتصار دين الله تعالى.
الثانية والعشرون:
وبوجوب أن يؤدي فرض الصلاة كاملة لا خلل فيها.
ذكره النووي والماوردي والعراقي شارح المهذب، وفي كلام الإمام ما يرشد إليه، ولم يتعرض له الشيخان. ووجهه ظاهر، فإن الخلل الحاصل في الصلاة من تلاعب الشيطان، وهو معصوم منه صلى الله عليه وسلم بخلاف غيره، وينبغي أن يتحقق بذلك سائر عبادته صلى الله عليه وسلم.
الثالثة والعشرون:
وبوجوب إتمام كل تطوع شرع فيه. وضعفه البلقيني،
فقد روى مسلم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: يا عائشة، هل عندكم شيء؟ قالت: ما عندنا شيء قال: فإني صائم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهديت لنا هدية، أو جاء لنا زود قالت: فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أهديت لنا هدية أو جاءنا زود وقد خبأت لك شيئا قال: ما هو؟ قلت: حيس، قال: هاتيه، فجئت به فأكل ثم قال: قد كنت أصبحت صائما» .
فهذا الحديث صريح الدلالة على عدم وجوب ذلك عليه، ولزومه كما في حقنا.
الرابعة والعشرون:
وبوجوب الدفع بالتي هي أحسن، لأنه مأمور بذلك، ذكره ابن القاص، وأقره ابن الملقن، ولم يتعرض لهذا الشيخان. قال الله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [فصلت/ 34] والأمر في الآية للوجوب، ويحتمل الندب فإن قلنا بالوجوب، فهو بالنسبة إلى هذه الأمة بحكم باق مستمر، وأما بالنسبة إلى الكفار من موادعتهم وترك التعرض لهم فمنسوخ بآية القتال، كما ذكره غير واحد من أئمة التفسير.
الخامسة والعشرون:
وبتكليف ما كلفه الناس بأجمعهم من العلم ذكره ابن القاص، ونقله عنه البيهقي وابن الملقن، وعبارة أبو سعيد في «الشرف» ، وكلف من العمل بما كلف الناس به أجمعون وبين الأمرين فرق.(10/401)
السادسة والعشرون:
وبوجوب الاستغفار له والتوبة في اليوم مائة مرة إذا غان على قلبه.
ذكره ابن القاص، ولم يذكره الشيخان، وقد جزم به البيهقي وأبو سعيد في الشرف ويستغفر كل يوم سبعين مرة. وعبارة رزين: «وبما وجب عليه أن يستغفر في كل يوم سبعين مرة» .
روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» .
وللترمذي عنه بلفظ: «إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة» .
وروى مسلم عن الأعز المرني- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه يغان على قلبي، وإني لأستغفر الله مائة مرة» .
وقد تقدم الكلام على ذلك في باب استغفاره وتوبته صلى الله عليه وسلم، من صفاته المعنوية. والله أعلم.
تنبيه:
خوف المقربين خوف إجلال وأعظام.
قال الشيخ شهاب الدين السهروردي: لا يعتقد أن الغني حالة يفقر حاله نقص، بل هو كمال أو تتمة كمال، ثم مثل ذلك يحقن العين أي يسيل لدفع القذى عن العين مثلا، فإنه يمنع العين من الرؤية.
فهذا من هذه الحيثية نقص، وفي الحقيقة كمال هذا محصل كمال كلامه بعبارة طويلة.
قال: فهكذا بصيرة النبي صلى الله عليه وسلم متعرضة للأغبرة من أنفاس الأغيار.
فدعت الحاجة إلى الستر على صدقة بصيرته صيانة لها، ووقاية عن ذلك.
السابعة والعشرون:
وبوجوب كونه مطالبا برؤية مشاهدة الحق مع معاشرة الناس بالنفس والكلام.
ذكرها ابن القاص والبيهقي وابن سعد، ولم يذكرها الشيخان قال الخضري: ولا أعلم دليلا صريحا على وجوب ذلك. انتهى.
الثامنة والعشرون:
وبوجوب الأحكام الشرعية حين كان يؤخذ عن الدنيا عند تلقي الوحي، فلا تسقط عنه صلاة ولا غيرها. ذكرها ابن القاص وتبعه البيهقي والنووي. وحديث عائشة وصفوان بن يعلى عن أبيه وابن سعيد- رضي الله تعالى عنهم- في شأن الوحي في الصحيحين صريح في أنه صلى الله عليه وسلم كان ينتقل من حاله المعروف إلى حالة تستلزم الاستغراق والغيبة عن الحالة الدنيوية حتى ينتهي الوحي، ويفارقه الملك.(10/402)
وقال شيخ الإسلام البلقيني: وهي حالة يؤخذ فيها عن حال الدنيا من غير موت، فهو مقام برزخي يحصل له عند تلقي الوحي، فلما كان البرزخ العام، ينكشف فيه للميت كثير من الأحوال، خص الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ببرزخ في الحياة، يلقي الله تعالى فيه وحيه المشتمل على كثير من الأسرار. وقد يقع لكثير من الصلحاء عند الغيبة بالنوم، أو غيره اطلاع على كثير من الأسرار، وذلك مستمد من المقام النبوي، ويشهد لذلك «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة» .
التاسعة والعشرون:
وبوجوب الركعتين عليه بعد العصر قاله رزين.
الثلاثون:
وبأن جميع نوافله صلى الله عليه وسلم كانت فرضا، لأن النفل إنما هو للجبر، ولا نقص في صلاته حتى يجبر. قاله رزين.
قلت: وهذا الذي قاله رزين ليس بشيء، ولا يلزم من عدم وقوع نقص في صلواته الخمس أن يكون ما عداها من الصلوات فرضا، بل ذلك نافلة ليس إلا.
ويدل لذلك ما رواه الإمام أحمد وابن جرير والطبراني عن أبي أمامة (رضي الله عنه) في قوله- تبارك وتعالى-: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ [الإسراء/ 79] ، قال: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم نافلة، ولكم فضيلة.
وفي لفظ: إنما كانت النافلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة.
وروى الطيالسي والطبراني بسند جيد عنه أنه قال: «إذا توضأ الرجل المسلم فأحسن الوضوء، فإن قعد قعد مغفورا له، وإن قام يصلي كانت له فضيلة، قيل: له نافلة؟ فقال: إنما النافلة للنبي صلى الله عليه وسلم كيف يكون نافلة وهو يسعى في الخطايا والذنوب؟ ولكن فضيلة» .
وروى ابن جرير وابن المنذر في تفسيريهما، والبيهقي في «الدلائل» عن مجاهد (رضي الله عنه) في الآية قال: لم تكن النافلة لأحد إلا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، من أجل أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما عمل من عمل مع المكتوب، فهو له نافلة سوى المكتوب، من أجل أنه لا يعمل ذلك من كفارة الذنوب فهي نوافل له وزيادة، والناس يعملون ما سوى المكتوب في كفارة ذنوبهم، فليس للناس نوافل، إنما هي للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
وروى ابن أبي حاتم عن قتادة نحوه.
وروى ابن المنذر وغيره عن الحسن قال: ليس لأحد نافلة إلى للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
ولأن فرائضه كانت للزيادة وأما غيره، فلا يخلو عن نقص، فنوافله تكمل فرائضه.(10/403)
وروى أيضا عن الضحاك نحوه فتبين بهذه الآثار أن صلوات النبي صلى الله عليه وسلم ليست كلها فرضا بل فيها الفرص والنفل.
الحادية والثلاثون:
وبصلاة خمسين صلاة كل يوم وليلة على وفق ما كان ليلة الإسراء، وأورد الأحاديث في صلاته عن الخمس فبلغت مائة ركعة.
قلت: كذا أورد هذه من قسم الواجبات رزين يقول: إن الذي خفف ليلة الإسراء إنما كان عن الأمة فقط، فيرد
ما رواه البخاري في صحيحه من طريق شريك عن أنس (رضي الله عنه) من حديث المعراج وفيه: ثمّ هبط حتى بلغ موسى، فاحتبسه موسى فقال: يا محمد، ماذا عهد إليك ربك؟ قال: «خمسين صلاة كل يوم» ، قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك فارجع إلى ربك فليخفف عنك ربك وعنهم وفيه فقال: «يا رب، خفف» فوضع عنه عشرا ... إلى آخره.
وروى النسائي وابن أبي حاتم من طريق يزيد بن أبي مالك عن أنس (رضي الله عنه) فذكر حديث المعراج وفيه: «ثم مررت على موسى فقال: كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت:
خمسين صلاة، قال: إنك لن تستطيع أن تقوم أنت ولا أمتك، فاسأل ربك التخفيف، فرجعت فأتيت سدرة المنتهى، فخررت ساجدا فقلت: يا رب، فرضت علي وعلى أمتي خمسين صلاة، فلن أستطيع أن أقوم بها أنا ولا أمتي قال: قد وضعت عنكم عشرا» إلى آخره.
روى ابن مردويه من طريق كثير بن حبيش عن أنس نحوه. فذكر الحديث وفيه «فرجعت حتى أمر على موسى فقال: كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: فارجع إلى ربك فاسأله، أن يخفف عنك وعن أمتك، فرجعت فوضع عني عشرا» .
فتبين بما ذكر أن التخفيف وقع عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أمته.
قال الحافظ: في الكلام على قوله تبارك وتعالى ليلة الإسراء هن خمس وهن خمسون، استدل به على عدم وجوب ما زاد على الخمس كالوتر، وعلى دخول النسخ في الإنشاءات ولو كانت مؤكدة خلافا لقوم فيما أكدوا على جواز النسخ، قبل الفعل.
قال ابن بطال وغيره: ألا ترى أنه عز وجل نسخ الخمسين بالخمس قبل أن تصلى، ثم تفضل عليهم بأن أكمل لهم الثواب.
وتعقبه ابن المنير فقال: هذا ذكره طوائف من الأصوليين، والشراح وهو مشكل على من أثبت النسخ قبل الفعل كالأشاعرة وإن منعه المعتزلة، لكونهم اتفقوا جميعا على أن النسخ لا يتصور قبل البلاغ وحديث الإسراء وقع فيه النسخ قبل البلاغ، فهو مشكل عليهم جميعا.
قال هذه نكتة مبتكرة قلت: إن أراد قبل البلاغ لكل أحد فممنوع، وإن أراد إلى الأمة فمسلم، لكن قد يقال: ليس هذا بالنسبة إليهم نسخا، لكن هو نسخ بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كلف(10/404)
بذلك قطعا ثم نسخ بعد أن بلغه، وقبل أن يفعل، فالمسألة صحيحة التصوير في حقه صلى الله عليه وسلم انتهى كلام الحافظ، فانظر إلى قوله: إنه كلف بذلك قطعا، ثم نسخ بعد أن بلغه.
الثانية والثلاثون:
وبوجوب إيقاظ نائم مر عليه وقت الصلاة، وهو امتثال، قال تعالى:
ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ [النحل/ 125] .
قلت: الخصائص لا تثبت إلا بدليل صحيح، ولا دلالة فيما ذكر.
الثالثة والثلاثون: وبوجوب العقيقة.
الرابعة والثلاثون:
وبوجوب الإثابة على الهدية.
الخامسة والثلاثون:
وبوجوب الإغلاظ على الكفار قال الله سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التحريم/ 9] .
السادسة والثلاثون:
وبوجوب تحريض المؤمنين على القتال.
السابعة والثلاثون:
وبوجوب التوكل على الله.
قال الله سبحانه وتعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [الأحزاب/ 3] .
الثامنة والثلاثون:
وبوجوب الصبر على ما يكره.
التاسعة والثلاثون:
وبوجوب صبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي.
الأربعون:
وبوجوب الرفق وترك الغلظة.
الحادية والأربعون:
وبوجوب إبلاغ كل ما أنزل إليه. قال الله- تبارك وتعالى-: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ، بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة/ 67] .
قلت: وفي هذه الخصائص نظر، إذ الأنبياء كلهم كذلك.
الثانية والأربعون:
وبوجوب خطاب الناس بما يعقلون.
الثالثة والأربعون:
وبوجوب الدعاء لمن أدى صدقة ماله.
الرابعة والأربعون:
وبوجوب كل ما يتقرب به.
الخامسة والأربعون:
وبوجوب الاستثناء إذا وعد أو علق أمرا على غد. قال الله تعالى:
لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الكهف/ 23، 24] .
السادسة والأربعون:
وبوجوب مبرة عيال من مات موسرا.
السابعة والأربعون:
وبوجوب أداء الجنايات عمن لزمته. وهو معسر.
الثامنة والأربعون:
وكذا الكفارات ذكر السبعة عشر رزين ونقله الشيخ عنه في الصغرى، ولم يتعرض لذلك في الكبرى.(10/405)
التاسعة والأربعون:
وبأن الصلاة على الجنازة، في حقه صلى الله عليه وسلم فرض عين كما يؤخذ من قول بعض الحنفية أن في عهده لا يسقط فرض الجنازة إلّا بصلاته.
الخمسون:
وبوجوب حفظ أقوال المسلمين. قاله أبو سعيد النيسابوري في «الشرف» .
النوع الثاني من الواجبات فيما يتعلق بالنكاح وفيه مسألة واحدة
خص صلى الله عليه وسلم بتخيير بعض نسائه في فراقه واختياره على الصحيح، قال الله- سبحانه وتعالى-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ، قُلْ لِأَزْواجِكَ: إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا [الأحزاب/ 28] الآية، والأمر في ذلك للوجوب، ولا يجب ذلك على غيره. وسبب نزول هذه الآية قد اختلف فيه، فقيل: إن أزواجه سألنه النفقة وطلبن منه ما لا يقدر عليه صلى الله عليه وسلم، كما
في حديث مسلم من حديث جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: دخل أبو بكر وعمر- رضي الله تعالى عنهما- على النبي صلى الله عليه وسلم وحوله نساؤه يسألنه وهو ساكت فقال عمر- رضي الله تعالى عنه-: لأكلمن النبي صلى الله عليه وسلم لعله يضحك، فقال عمر: يا رسول الله، لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة، فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:
هن حولي كما ترى يسألنني النفقة، فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها، وقام عمر إلى حفصة ليضربها كلاهما يقولان: تسألان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده؟ وأنزل الله الخيار فبدأ بعائشة فقال: إني ذاكر لك أمرا، فأحب أن لا تعجلي منه حتى تستأمري أبويك، قالت: ما هو؟ فتلا عليها: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ، قُلْ لِأَزْواجِكَ: إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها [الأحزاب/ 28] الآية، قالت عائشة: أفيك استأمر أبوي بل أختار الله ورسوله.
ولا مخالفة بين هذا الحديث وما
في صحيح البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أنه سأل عمر بن الخطاب عن قصة المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر اعتزال رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، وكان قال: ما أنا بداخل عليهن شهرا من شدة مؤاخذته عليهن حين عاتبه الله، فلما مضت تسع وعشرون ليلة، دخل على عائشة فبدأ بها فقالت له عائشة: يا رسول الله، إنك كنت قد أقسمت أن لا تدخل علي شهرا، وإنما أصبحت من تسع وعشرين، أعدها عدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«الشهر تسع وعشرون، وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين، قالت عائشة- رضي الله تعالى عنها-: ثم نزلت بعد آية التخيير» .
الحديث. لأنه يمكن الجمع، كما قال الحافظ: بأن تكون القصتان جميعا سبب الاعتزال، والاعتزال سبب التّخيير.
فإن قصة المتظاهرتين خاصة بهما، وقصة سؤال النفقة عامة في جميع النسوة، وهو مفهوم من سياق الحديث.(10/406)
القول الثاني: إن التخيير كان لسبب قصة العسل الذي شربه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت زينب بنت جحش ومواطأة عائشة وحفصة أن يقولا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنا نجد منك ريح مغافير فحرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه، فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ، لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ [التحريم/ 1] إلى قوله: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ [التحريم/ 4] هو مخرج في الصحيحين عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- والمغافير بالعين المعجمة والفاء حلو المذاق.
فروع:
الفرع الأول: قال أئمتنا: لما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه اخترنه غير العامرية، فروى ابن سعد عن ابن أبي عون عن عمران بن مناح قالا: لما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، بدأ بعائشة فاخترنه جميعا غير العامرية اختارت قومها فكانت بعد تقول: إنني الشقية، وسيأتي بيان ذلك في باب ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم فلما اخترنه حرم الله التزوج عليهن مكافأة لهن على حسن صنيعهن، ونزل قوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ [الأحزاب/ 52] الآية. ثم نسخ حكم ذلك بقوله: إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ [الأحزاب/ 50] ، فتكون المنة له صلى الله عليه وسلم بترك التزوج عليهن.
وقد قالت عائشة: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله تعالى له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم لقوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ [الأحزاب [51] . الآية.
رواه الإمامان الشافعي وأحمد وابن سعد، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم والبيهقي وقال: كأنها معنى اللاتي خطرن عليه في قوله: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ [الأحزاب/ 52] الآية.
وروى ابن سعد مثله عن أم سلمة وابن عباس وعطاء بن يسار ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) .
وإذا قلنا إنه أحل له التزوج فهل هو عام من جميع النّساء، أو هو خاص ببنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات المهاجرات معه لظاهر الآية وجهان أظهرهما.
الأول: لأن الإباحة رفعت ما تقدم من الحظر، فاستباح ما كان يستبيحه قبلها، ولأنه في استباحة النساء أوسع من أمته، فلم يجز أن ينقص عنهم.
الفرع الثاني: لم يحرم على النبي صلى الله عليه وسلم طلاق زوجاته بعد اختيارهن في الأظهر.
الفرع الثالث: لو قدر أن واحدة من زوجاته صلى الله عليه وسلم اختارت الحياة الدنيا، لم يحصل الاختيار بنفس الاختيار على الأصح.(10/407)
الباب السادس فيما اختص به- صلى الله عليه وسلم- عن أمته من المحرمات وفيه نوعان:
الأول: في غير النكاح.
وفيه مسائل:
الأولى:
خص صلى الله عليه وسلم بتحريم الزكاة عليه، ويشاركه في حرمتها ذوو القربى ومواليهم، وكذا زوجاته، لكن التحريم عليهم بسببه أيضاً، فالخاصية عائدة إليه، وكذا صدقة التطوع عليه في الأظهر.
روى مسلم عن المطلب بن ربيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد» .
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أبي رافع، والطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل الأرقم الزهري على السعاية، فاستتبع أبا رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أبا رافع، إن الصدقة حرام على محمد وعلى آل محمّد، وإن مولى القوم من أنفسهم» .
وروى الإمام الشافعي والبيهقي عن جعفر بن محمد أن أباه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقيل: أتشرب من الصدقة؟ فقال: إنما حرم علينا الصدقة المفروضة،
قال العلماء: لما كانت الصدقة أوساخ الناس، نزه منصبه الشريف عن ذلك، وأنجر إلى آله بسببه، وأيضاً فالصدقة تعطى على سبيل الترحم المبنيّ عن ذل الآخذ، فأبدلوا عنها الغنيمة المأخوذة بطريق الغزو الشريف المبني على عز الآخذ وذل المأخوذ منه.
وجزم الحسن البصري بأن الأنبياء كلهم كذلك، وخالف سفيان بن عيينة.
الثانية:
وبتحريم الكفارة.
الثالثة:
والمنذورات، وكذا على آله فيهما.
الرابعة:
والوقف معينا. قاله الجلال البلقيني.
قال في الجواهر ما يؤيده، فإنه قال: صدقة التطوع كانت حراما عليه على الصحيح.
وعن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن صدقات الأعيان كانت حراما عليه دون العامة كالمساجد ومياه الآبار.(10/408)
الخامسة:
وبتحريم كون آله صلى الله عليه وسلم عمالا على الزكاة في الأصح.
روى ابن سعد والحاكم عن علي قال: قلت للعباس: سل النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعملك على الصدقة، فسأله فقال: «ما كنت لأستعملك على غسالة الأيدي» .
وروى ابن سعد عن عبد الملك بن المغيرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا بني عبد المطلب، إن الصدقة أوساخ الناس، فلا تأكلوها ولا تعملوها» .
السادسة:
وبتحريم أكل ثمن أحد من ولد إسماعيل.
روى الإمام أحمد عن عمران بن حصين الضبي- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا حدثه قال: كان شيخان للحي قد انطلق ابن لهما فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فقالا: ائته فاطلبه منه، فإن أبى إلا الفداء فافتده، فأتيته فطلبته منه فقال: «هوذا، فأت به أباه» ، فقلت: الفداء يا نبي الله، فقال:
«إنه لا يصلح، لنا آل محمد أن نأكل ثمن أحد من ولد إسماعيل»
وهذا الحكم المذكور في هذا الحديث لم يتعرض له أحد من الفقهاء.
السابعة:
قيل وبتحريم أكل ما له رائحة كريهة والأصح الكراهة والامتناع لتأذي الملك به،
وفي صحيح مسلم عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أكل منه وبعث بفضلة إلي، وإنه بعث إلي يوما بفضلة لم يأكل منها، لأن فيها ثوما، فسألته أحرام هو؟ قال: لا، ولكني أناجي من لا تناجي، أكرهه من أجل ريحه، قال: فإني أكره ما كرهت.
وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان بلفظ إني أستحي من ملائكة الله، وليس بمحرم.
فهذا صريح في نفي التحريم عليه صلى الله عليه وسلم فائدة:
روى الإمام أحمد وأبو داود بسند جيد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها سئلت عن أكل البصل، فقالت: آخر طعام أكله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بصل.
زاد البيهقي أنه كان مشويا في قدر، أي مطبوخا.
الثامنة:
قيل: وبتحريم الأكل متكئا، والأصح الكراهة.
روى النسائي بسند حسن عن ابن عباس (رضي الله عنه) أن الله- سبحانه وتعالى- أرسل إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ملكا من الملائكة ومعه جبريل فقال الملك: إن الله يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا وبين أن تكون نبيا ملكا، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل كالمستشير، فأشار جبريل بيده أن تواضع، فقال رسول الله: لا، بل أكون عبدا نبيا، فما أكل بعد تلك الليلة طعاما قط متكئا.
والأحاديث في امتناعه من الأكل متكئا في الصحيح وليس فيها دليل على تحريم ذلك(10/409)
واجتنابه صلى الله عليه وسلم الشيء واختياره غيره لا يدل على كونه محرما عليه.
وقد قال ابن شاهين في ناسخه: لم يكن محرما عليه، وإنما هو أدب من الآداب.
تنبيه:
قال الإمام الخطابي- رضي الله تعالى عنه- يحسب العامة أن المتكئ هو الآكل، على أحد شقيه، وليس كذلك، بل هو المعتمد على الوطاء الذي تحته.
قال ومعنى الحديث لا أقعد متكئا على الوطاء عند الأكل فعل من يستكثر من أكل الطعام، فإني لا آكل إلا البلغة من الزاد، فلذلك أقعد مستوفزا.
وذكر القاضي نحوه، ثم قال: ليس هو الميل على الشق عند المحققين بل معناه:
التمكن للأكل والتقعد في الجلوس كالمتربع وشبهه، وإنما كان جلوس النبي صلى الله عليه وسلم جلوس المستوفز.
التاسعة:
الصواب أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يحسن الخط.
العاشرة:
وبتحريم التوصل إليه. قال الله سبحانه وتعالى: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت/ 48] .
قال أئمة التفسير: الضمير في قوله: من قبله عائد إلى الكتاب وهو القرآن المنزل عليه صلى الله عليه وسلم أي: وما كنت يا محمد تقرأ من قبله، ولا تختلف إلى أهل الكتاب، بل أنزلناه إليك في غاية الإعجاز والتضمن للغيوب وغير ذلك، فلو كنت ممن يقرأ كتابا، ويخط خطوطا لارتاب المبطلون من أهل الكتاب، وكان لهم في ارتيابهم متعلق، وقالوا: الذي تجده في كتبنا لا يكتب ولا يقرأ وليس به.
فقد روى أين أبي حاتم عن مجاهد- رضي الله تعالى عنه- قال: كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم إن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يخط ولا يقرأ.
وروى الشيخان عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّا أمة أمّية لا نكتب ولا نحسب» .
فهذا الحديث صريح في أنه كان لا يحسنهما وأخرج من ذلك ما
في الصحيح في باب عمرة القضاء، من حديث البراء- رضي الله تعالى عنه- قصة الحديبية قال فيه: أنه صلى الله عليه وسلم لما أمر عليا أن يكتب كتاب الصلح بينه وبين قريش قال اكتب هذا ما صلح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سهيل بن عمرو- رضي الله تعالى عنه- وذلك قبل أن يسلم:
لو علمنا أنك رسول الله، ما صددناك، اكتب اسمك واسم أبيك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم امح رسول الله فقال: والله، لا أمحوك أبدا، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يحسن أن يكتب فكتب:
«هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله»
وقد تمسك بهذه الرواية من قال: إنه كان يحسن(10/410)
الكتابة كالإمام الباجي وأبي ذر الصروي وأبو الفتح النيسابوري وأبي جعفر السمناني الأصولي.
وقالوا: عدم معرفته كان بسبب المعجزة ولما أمن الارتياب في ذلك عرف حينئذ الكتابة من غير تقدم تعليم فكانت معجزة أخرى، ورجع عن ذلك أبو ذر كما في المعجزات سيأتي.
فكانت معجزته عن ذلك أمور كما الجواب أن قصة الحديبية واحدة، وقد وردت بألفاظ مختلفة وإن الكاتب فيها هو علي لما وقع التصريح به في حديث المسور
وفي رواية في حديث البراء ذكره البخاري في الجزية قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: «امح رسول الله فقال علي: والله لا أمحاه أبدا قال فأرنيه، قال: فأراه إياه فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده.
وذكر مسلم نحوه. فيحتمل أن النكتة في قوله «فأخذ الكتاب وليس يحسن أن يكتب لبيان قوله أرني إياها، إنه ما احتاج أن يريه موضع الكلمة والتي امتنع علي من محوها إلا لكونه كان لا يحسن الكتابة، وعلى أن قوله بعد ذلك، «فكتب» فيه حذف تقديره فمحاها، فأعادها لعلي فكتب، وبهذا جزم ابن التين قلت: هذا ويحمل قوله «فكتب» على أنه أمر بالكتابة ...
ويؤيده الرواية الأخرى للبخاري من حديث أنس- رضي الله تعالى عنه- بلفظ: لما صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية كتب علي بينهم كتابا فكتب: محمد رسول الله، فتحمل الرواية الأولى على أن قوله: فكتب أي فأمر بالكتابة وهو كثير لحديث ابن عباس: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر، وحديث كتب إلى النجاشي.
وحديث عبد الله بن حكيم: كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث كتب إلى كسرى.
ويدل عليه أيضاً
رواية المسور في الصحيح أيضاً في هذه القصة ففيها: «والله، أني رسول الله، وإن كذبوني فاكتب: محمد بن عبد الله» .
وحكى مغلطاي في الزهر الباسم، أن الحافظ أبا ذر الهروي رأى في المنام أنه دخل مسجد المدينة فرأى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ينشق ويميد ولا يستقر، فاندهش لذلك، وقال في نفسه: لعل هذا بسبب اعتقادي، ثم عقدت التوبة مع نفسي فسكن واستقر، فلما استيقظ قص الرؤيا على ابن معور فعبرها له كذلك الحافظ ابن معور، من غير أن ينسبه إلى نفسه فقال ابن معور: بغير صنعته أو ينحله ما ليس له بأهل ولعله مفترى عليه.
فقال: من أين قلت هذا؟ قال: من قول الله تعالى: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا، أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً، وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً [مريم/ 90- 91- 92] فقال: لله درك وأقبل يقبل عينيه مرة ويبكي ويضحك مرة(10/411)
أخرى ثم قال أنا صاحب هذه الروايات فاسمع ما يشهد لك صحة تأويلها، إني رأيتني في ذلك الفزع العظيم كنت أقول: والله ما هذا إلا أني أقول واعتقد أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب فكنت أملي فأقول إني تائب، يا رسول الله، وأكرر ذلك مرارا، فأرى القبر الشريف قد عاد إلى هيئته أولا وسكن، ثم استيقظت وأشهدت على نفسي بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يكتب قط وعليه ألقى الله- عز وجل- ونقله الحافظ في تخريج أحاديث الرافعي لكن قال ابن محمد الهروي بدل أبي ذر الهروي فالله تعالى أعلم.
تنبيه:
ما رواه عمر بن شبة وابن أبي شيبة عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قرأ وكتب، وهاه البيهقي وقال: إنه منقطع وقال، الطبراني هذا منكر وأظن أن معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى قرأ عبد الله بن عتبة وكتب يعني أنه كان يعقل في زمانه.
وكل حديث في هذا الباب فغير صحيح.
الحادية عشرة:
الصواب أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يحسن الشعر ويحرم عليه التوصل إلى تعلمه وروايته قال الله سبحانه وتعالى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ [يس/ 69] أخبر سبحانه وتعالى عن نبيه بأنه لم يؤته معرفة الشعر، وأنه لا ينبغي له أن يصلح له، قال الخليل بن أحمد:
كان الشعر أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثير من الكلام ولكن لا يتأتى له.
روى ابن أبي حاتم عن الحسن البصري- رضي الله تعالى عنه- أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت:
............... ...... ... كفى الإسلام والشيب للمرء ناهيا
قال أبو بكر- رضي الله عنه-
............... .... ... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
فأعادها بالأول فقال: أشهد أنك رسول الله، بقول الله تعالى وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ [يس/ 69] .
وروى ابن سعد أنه صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن مرداس: أرأيت قولك
أتجعل نهبي ونهب العبيد ... بين الأقرع وعيينة
وما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع
فقال أبو بكر: إنما هو بين عيينة والأقرع، فقال: هم سواء.
وروى أبو داود عن ابن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أبالي ما أتيت إن(10/412)
أنا شربت ترياقا قال: أو تعلقت تميمة أو قلت الشعر من قبل تعس»
أي من جهة تعسي، فخرج به ما قاله حاكيا وعن غيره لا عن نفسه، كما في الصحيح صدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد.
ألا كل شيء ما خلا الله باطل............... ...
وسيأتي الكلام على حديث ابن عمرو- رضي الله تعالى عنه- في المسألة الآتية.
قال الإمام إبراهيم الحربي، ولم يبلغني أنه صلى الله عليه وسلم أنشد بيتا تاما رويته بل إما الصدر كقول لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل............... ........
أو العجز كقول طرفة:
............... ....... ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود
فإن أنشد بيتا كاملا غيره كبيت العباس بن مرداس.
وروى البيهقي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت شعر قط.
وروى ابن سعد عن الزهري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم وهم يبنون المسجد:
هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبر ربنا، وأطهر
قال: فكان الزهري يقول: إنه لم يقل شيئا من الشعر إلا قد قيل قبله أو نوى ذاك إلا هذا.
قال العلماء- رحمهم الله تعالى-
وما روي عنه صلى الله عليه وسلم من الرجز كقوله:
هل أنت إلا أصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت
وغيره محمول على أنه لم يقصده ولا يسمى شعرا إلا ما كان مقصودا، وكذا وقع في القرآن آيات موزونة، لأنها لم تقصد.
وقد قال أهل البديع: إن الانسجام هو أن يكون الكلام لخلوه من الانعقاد متحدرا كتحدر الماء المنسجم ويكاد لسهولة تركيبه وعذوبة ألفاظه أن يسيل رقة وإذا قوي الانسجام في النثر جاءت فقراته موزونة بلا قصد لقوة انسجامه، ومن ذلك ما وقع في القرآن موزونا، فمنه من بحر الطويل: فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ، وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف/ 29] ومن المديد وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا [هود/ 37] .
ومن البسيط: فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ [الأحقاف/ 25] .
ومن الوافر: وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ [التوبة/ 14] .(10/413)
ومن الكامل: وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة/ 213] .
ومن الهزج: فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً [يوسف/ 93] .
ومن الرجز: وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا [الإنسان/ 14] .
ومن الرمل: وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ [سبأ/ 13] .
ومن السريع: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ [البقرة/ 259] .
ومن المنسرح: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ [الإنسان/ 2] .
ومن الخفيف: لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً [النساء/ 78] .
ومن المضارع: يَوْمَ التَّنادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ [غافر/ 32، 33] .
ومن المقتضب: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [البقرة/ 10] .
ومن المجتث: نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الحجر/ 49] .
ومن المتقارب: وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الأعراف/ 183] .
والمشهور بين الناس قوله تعالى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران/ 92] .
وروى أبو يعلى والبزار وابن حبان عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: لما نزلت: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [المسد/ 1] ، جاءت امرأة أبي لهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر فلما رأى أبو بكر قال: يا رسول الله، إنها امرأة بذيئة، وأخاف أن تؤذيك، فلو قمت، قال: إنها لن تراني، فجاءت فقالت: يا أبا بكر، إن صاحبك قد هجاني، قال: ما يقول الشعر، قالت: أنت عندي مصدق وانصرفت، قلت: يا رسول الله، لم ترك، قال: ما زال ملك يسترني بجناحيه.
وروى الحميدي وأبو يعلى من طريق إسحاق بن إبراهيم الهروي، وبقية الإسناد ثقات عن أسماء- رضي الله تعالى عنها- قالت:
لما نزلت: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [المسد/ 1] أقبلت العوراء أم جميل ابنة حرب ولها ولولة وفي يديها فهر من حجارة وهي تقول:
مذمما عصينا ... .. وأمره أبينا
.. ودينه ملينا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، ثم قرأ قرآنا ومعه أبو بكر، قال: يا رسول الله، قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها لن تراني» ،
وقرأ قرآنا اعتصم به، كما(10/414)
قال الله تعالى: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً [الإسراء/ 45] ، فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا أبا بكر، إن صاحبك هجاني فقال: ورب هذا البيت، ما هجاك، قال: فولت وهي تقول: قد علمت قريش أني ابنة سيدها.
ووقع في «تنبيه» الشيخ أبي إسحاق الشيرازي عدة مواضع موزونة. قال النووي: كان لا يحسن الشعر، ولكن يميز بين جيده ورديئه وقال الزركشي: ظاهر كلامهم أن هذا من خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم وأن غيره من الأنبياء ليس كذلك. قلت: وهو ظاهر لأن غيره من الأنبياء لم يؤتوا.
تنبيهان:
الأول: قال ابن فارس في فقه اللغة: الشعر كلام موزون مقفى، دال على معنى، ويكون أكثر من بيت، وإنما قلنا هذا، لأنه جائز اتفاقا سطر واحد، بوزن يشبه وزن الشعر من غير قصد، فقد قيل أن بعض الناس كتب في عنوان الكتاب: للأمير المسيب بن زهير بن عقال بن شيبة بن عقال، فاستوى هذا في الوزن الذي هو الخفيف، ولعل الكاتب لم يقصد به شعرا.
الثاني: فإن قيل: ما الحكمة في تنزيه الله تعالى نبيه عن الشعر؟ فالجواب: أو ما في ذلك حكم الله بأن الشعراء يتبعهم الغاوون. وأنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون فلم يكن ينبغي لرسول الله صلى الله عليه وسلم الشعر بحال، لأن للشعر شرائط لا يسمى الإنسان بغيرها شاعرا، وذلك لو أن إنسانا عمل كلاما مستقيما موزونا، يتحرى فيه الصدق من غير أن يفرط أو يتعدى، أو يمني أو يأتي منه بأشياء لا يمكن كونها منه لما سماه الناس شاعرا، ولكان ما يقوله محمولا ساقطا.
وقال قال بعض العقلاء، وسئل عن الشعر فقال: إن هزل أضحك، وإن جد كذب، والشاعر بين كذب وإضحاك، وإذا كان كذلك فقد نزه الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن هاتين الخصلتين، وبعد فإنا لا نكاد نرى شاعرا إلا مادحا غارقا أو هاجئا جبانا أقرع.
وهذه أوصاف لا تصلح لنبي، فإن قال قائل: فقد يكون من الشعر الحكمة كما
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من البيان لسحرا وإن من الشعر لحكمة»
قيل له: إنما نزهه الله تعالى عن قليل الشعر وكثيره لما ذكرناه، فأما الحكمة فقد آتاه الله تعالى من ذلك القسم الأجزل، والنصيب الأوفر، في الكتاب والسنة، ومعنى آخر في تنزيهه عن قول الشعر: أن أهل العروض مجمعون على أنه لا فرق بين صناعة العروض وصناعة الإيقاع، إلا أن صناعة الإيقاع تقسم الزمان بالنظم، وصناعة العروض تقسم الزمان بالحروف المسموعة، فلما كان الشعر ذا ميزان يناسب الإيقاع، والإيقاع ضرب من الملاهي، لم يصلح ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد
قال صلى الله عليه وسلم: «ما أنا من دد(10/415)
ولا دد مني» . رواه البخاري في الأدب عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- بلفظ: «لست من دد ولا الدد مني»
يعني: لست من الباطل ولا الباطل مني.
الثانية عشرة:
وبتحريم شرب الترياق.
الثالثة عشرة:
وتعليق تميمة.
روى أبو داود عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي قال: سمعت عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنه- يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أبالي ما أتيت إن أنا شربت ترياقا، أو علقت تميمة، أو قلت الشعر من قبل نفسي»
قال أبو داود: هذا كان للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وقد رخص في الترياق لغيره.
وروى الإمام العلامة ولي الله الشيخ شهاب الدين بن رسلان في شرح سنن أبي داود «أبالي» بضم الهمزة «وما أتيت» بفتح التاء الأولى، أي لا أكثرت لشيء من أمر ديني، ولا أهتم بما فعلته إن أنا فعلت هذه الثلاثة أو شيئا منها. والترياق ليس المراد منه ما كان نباتا أو حجرا، بل المختلط بلحوم الأفاعي، يطرح منها رأسها وأذنابها، وتستعمل أوساطها في الترياق، وهو محرم لأنه نجس وإن أخذ الترياق من أشياء طاهرة، فهو طاهر، ولا بأس بأكله وشربه، وممن رخص فيما فيه شيء من الحيات مالك، ويقتضيه مذهب الشافعي لإباحة التداوي ببعض المحرمات.
والتميمة جمعها تمائم.
قال البيهقي: يقال إن التميمة خرزة كانوا يعلقونها يرون أنها تدفع عنهم الآفات.
وفي النهاية: التمائم خرزات كانت العرب يرون تعلقها على أولادهم، يتقون بها العين في زعمهم، فأبطله الإسلام، ورد عليهم اعتقادهم الفاسد والضلال، إذ لا نافع ولا دافع إلا الله تعالى.
الرابعة عشرة:
وبتحريم نزع لأمته إذا لبسها قبل أن يقاتل.
روى الإمام احمد وابن سعد والدارمي عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: «ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل» .
ورواه البخاري تعليقا، والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- للأمة بالهمز كما قيده صاحب المشارق وغيره: الدرع، ونقل ابن مالك عن الزهري أنها السلاح كله، وجمعها لأمر كتمر، وجمعت أيضاً على لؤم كرطب على غير قياس.
كما قال الجوهري فإنها جمع لؤمة بضم اللام واستلأم الرجل لبس لأمته.(10/416)
الخامسة عشرة:
وبتحريم الرجوع إذا خرج لحرب.
السادسة عشرة:
وبتحريم الانهزام إذا لقي العدو، وإن كثر عليه العدد ذكرهما ابن سراقة في الأعداد، وأبو سعيد في «الشرف» .
روى السلمي في الحقائق عن الفيروذابادي في قوله تعالى: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ [الأنفال/ 66] قال: هذا التخفيف كان للأمة دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن لا يثقله حمل أمانة النبوة، كيف يخاطب بتخفيف اللقاء للامتداد؟ وكيف يخاطب وهو الذي يقول: بك أصول بك أجول؟ ومن كان به كيف يخفف عنه، أو يثقل عليه؟ ونقله الطيبي من حاشية الكشاف وأقره.
السابعة عشرة:
وبتحريم مد العين إلى ما متع به الناس قال الله- سبحانه وتعالى-: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى [طه/ 131] .
وقال تبارك وتعالى وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ [الحجر/ 87، 88] . فإن قيل: ظاهر الآية يقتضي الزجر عن التشوق إلى متاع الدنيا على الدوام، فما الجمع بين ذلك وبين
قوله «حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة» .
والجواب: أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متشوقا إلى زخرف الدنيا ولذاتها ولقد عرض عليه أن تكون له جبال مكة ذهبا تسير معه حيث سار فأباها، واختار الافتقار إلى الله تعالى. معلوم أن الذهب يتحصل به جميع ما يقصده من أعراض الدنيا وزخارفها، وتقلله من الدنيا أمر شائع ذائع أصحت به الأحاديث. وتقدم بعض ذلك في باب زهده صلى الله عليه وسلم إذا تقرر ذلك، فحبه للنساء والطيب ليس من زهرة الدنيا والافتتان، بل هو من أعمال الآخرة المحصلة لمعالي الدرجات، وبيان ذلك أنه حبب إليه كثرة النّساء، ليطّلعن على ما لديه من بواطن الشريعة وظواهرها، فينقلنه ويعلنه للناس، أو يكون التشريع بسببهن، وخصوصاً مما يستحيي الرجال من ذكره والسؤال عنه، فإنهن كن يطلعن من أحواله صلى الله عليه وسلم، وأقواله على ما لا يطلع عليه غيرهن، فقد تعلمن عنه صلى الله عليه وسلم ما رأينه في منامه، وحال خلوته من الآيات البينات على نبوته، ومن جده واجتهاده، ولم يشاهدها غيرهن، فحصل من ذلك من الفوائد الأخروية ما لا يحصى وأما حبه للطيب، فلأجل نزول الملك عليه، وملازمته له بالوحي، ولهذا كان يمتنع من تناول ماله رائحة كريهة، وقال: إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فظهر بذلك أن حبه للنساء، والطيب كان لمصلحة أخروية.(10/417)
الثامنة عشرة:
وبتحريم خائنة الأعين.
روى أبو داود والنسائي والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم عن سعد بن أبي وقاص (رض) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، أمن الناس إلا أربعة نفر منهم عبد الله بن أبي سرح، فاختبأ عند عثمان بن عفان، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة جاء به عثمان فقال: يا رسول الله، بايع عبد الله، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث ثم أقبل على أصحابه فقال: أما منكم رجل رشيد يقوم إلى هذا الخبيث؟ إني كففت يدي عن بيعته لتقتله، قالوا: ما درينا يا رسول الله ما في نفسك، هلا أومأت بعينيك؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين» .
وروى ابن سعد نحوه عن سعيد بن المسيب مرسلا وقال في آخره: «الإيماء خيانة ليس لنبي أن يومئ» .
قال الرافعي: فسروا خائنة الأعين بالإيماء إلى مباح من قتل أو ضرب، على خلاف ما يظهر ويشعر به الحال، وإنما قيل له خائنة الأعين، لأنه يشبه الخيانة من حيث يخفي، ولا يحرم ذلك على غيره إلا في محظور.
وقال ابن الأثير: معناها أن يضمر من نفسه غير ما يظهره، فإذا كف لسانه وأومأ بعينه فقد خان، وإذا كان ظهور تلك الحالة من قبل العين.
سميت خائنة الأعين أي: ما يخونون فيه مسارقة النظر إلى ما لا يحل، والخافية بمعنى الخيانة، وهي من المصادر التي جاءت بلفظ الفاعل كالعاقبة.
التاسعة عشرة:
قيل وبتحريم أن يخدع في الحرب. قاله ابن القاص، وخالفه المعظم لما
رواه الشيخان عن جابر (رض قال:) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحرب خدعة» .
واختلف في ضبط قوله «خدعة» «خدعة» فقيل بفتح الخاء المعجمة، وضمها مع سكون المهملة فيهما، أو بضم أوله وفتح ثانيه.
قال النووي- رحمه الله تعالى-: اتفقوا على أن الأول أفصح. وحكى المنذري لغة رابعة، الفتح فيهما.
وحكى مكي ومحمد بن عبد الواحد لغة خامسة، كسر أوله مع الإسكان، وأصل الخدع: إظهار أمر، وإضمار خلافه. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: الخداع في الحرب يقع بالتعريض وبالكمين ونحو ذلك.
وقال ابن المنير: معنى الحرب خدعة أي الحرب الجيدة لصاحبها، الكاملة في مقصودها إنما هي المخادعة لا المواجهة، وذلك لخطر المواجهة، وحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر. انتهى.(10/418)
فإن قيل: إذا كان أصل الخداع إظهار أمر، وإضمار خلافه فيكون هو وخائنة الأعين سواء، فيصح ما استنبطه ابن القاص، لأنه لا فرق بينهما، فالجواب بأنهما ليسا سواء، وإن اتفقا في المعنى، والفرق بينهما من وجه آخر، وهو أن الإيماء والتلويح بالمرء ممن يحط من قدر فاعله ويسقط الهيبة، فلذلك منع منه صلى الله عليه وسلم لشرفه وكمال منزلته، وأما الإيهام في الأمور العظام كمكائد الحروب وخصوصا لأعداء الدين، فإنها معدودة من قبيل حسن السياسات، وكمال العقول، ونهاية المعارف فهي لا تزري بصاحبها بل تزيده رفعة. أشار إلى ذلك إمام الحرمين، ويؤيده ما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم «كان إذا أراد سفرا ورى بغيره» .
ويحتمل أن يفرق بوجه آخر، وهو أن الخداع المأذون فيه مخصوص بحالة الحرب وما قاربها، بخلاف «خائنة الأعين» فإنها في غير ذلك، فإن القصة اتفقت في حالة المبايعة، وليست بحالة الحرب.
العشرون:
وبتحريم الصلاة على من مات وعليه دين من غير ضامن ثم نسخ التحريم، فكان صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يصلي على من عليه دين ولا ضامن له، ويوفيه من عنده.
الحادية والعشرون:
وبتحريم الإغارة إذا سمع التكبير. قاله ابن منيع.
روى الشيخان عن أنس (رض) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوما لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر، فإن سمع أذانا كف عنهم، وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم.
الثانية والعشرون:
وبتحريم قبول هدية مشرك.
الثالثة والعشرون:
والاستعانة به.
روى البخاري في تاريخه عن حبيب بن يساف- رضي الله تعالى عنه- قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وجها فأتيته أنا ورجل من قومي، قلنا إنا نكره أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم فقال: «أو أسلمتما؟» قلنا: لا قال: «إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين» .
الرابعة والعشرون:
وبتحريم الشهادة على جور.
روى الشيخان عن النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: سألت أمي أبي لي بعض الموهبة من ماله، ثم بدا له فوهبه لي، فقالت: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة قال: «ألك ولد سواه؟» قال: نعم، قال: فأراه قال: «لا تشهدني على جور» . وفي لفظ لهما فقال: «أكل ولدك نحلت» مثله؟ فقال: لا قال: «فأرجعه» .
وفي رواية لمسلم: «لا أشهد على جور، أشهد على هذا غيري» . وظاهر هذا الحديث:
التسوية بين الأولاد في الهبة، ويحمل الأمر في ذلك على الندب، والنهي للتسوية.(10/419)
وأما إذا فضل بعضهم على بعض، فمذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك، رحمهم الله تعالى- أنه مكروه وليس بحرام، والهبة صحيحة.
وقال الإمام أحمد: هو حرام، واحتج
بقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تشهدني على جور» ،
واحتج الشافعي
بقوله: «أشهد على هذا غيري» .
فإن قيل: قاله تهديدا، قلنا: الأصل في كلام الشارع غير هذا، ويحتمل عند إطلاقه صيغة أفعل على الوجوب أو الندب، فإن تعذر فعلى الإباحة، وأما
قوله صلى الله عليه وسلم: «لا أشهد على جور» ،
فليس فيه أنه حرام، لأن الجور هنا الميل عن الاستواء والاعتدال فكل ما خرج عن الاعتدال فهو جور، سواء كان حراما أو مكروها، وقد وضح بما قدمناه
وقوله صلى الله عليه وسلم: «أشهد على هذا غيري»
دليل على أنه ليس بحرام، فيجب تأويله على أنه مكروه كراهة تنزيه، قاله النووي في شرح مسلم.
تنبيه:
لما نقل ابن الملقن هذه الخصوصية عن القضاعي قال: وفي هذا نظر بالنسبة إلى غيره.
قال الحضيري: وفي هذا النظر نظر أيضاً، فإن ظاهره يقتضي منع الخصوصية في عدم الشهادة على الجور فإن غيره من الناس مثله في ذلك، فلا تجوز الشهادة على الجور مطلقا، هذا يعني مقتضى كلامه، وليس بجيد فإن من الجور ما هو محرم، فلا تجوز الشهادة عليه، ومنه مكروه فلا تجوز في حقه صلى الله عليه وسلم، وتجوز في حق غيره، كما في هذه القصة، حيث حملنا ذلك على الكراهة كما في الصحيح، فإنه سمى ذلك جورا، وقال: «أشهد غيري» ، وهذا ينبني على أمر آخر، وهو المراد بالشهادة على الجور، هل هي بحملها أو أدائها؟ فإن قلنا: بحملها، ففي حقه صلى الله عليه وسلم لا يجوز ذلك، لأنه لا يقر على باطل ولا مكروه، وأما غيره، فالذي يظهر أنه يجوز مطلقا، سواء كان محرما أو مكروها، لأن الأمر دائر بين ظالم ومظلوم، فتحمل الشهادة على ذلك يحتاج إليها المظلوم في خلاص حقه عند طلبه فلا يمتنع، ولو كان الظالم لا يحتاجها.
وإن قلنا: المراد الأداء، فهي ممتنعة في حقه صلى الله عليه وسلم لأنه هو الحاكم والمشرع، فلا يمكن ردها عند غيره، اللهم إلا أن يقال: يشهد فيها ليحكم فيها بعلمه، وهو محل نظر، وأما غيره فلا يمتنع قطعا.
الخامسة والعشرون:
وبتحريم الخمر عليه من أول ما بعث قبل أن تحرم على الناس بنحو عشرين سنة، فلم تبح له قط، ولم يشربها قط.
روى ابن حبان عن عروة بن رويم مرسلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول ما نهاني ربي بعد عبادة الأوثان عن شرب الخمر، وملاحاة الرجال» .(10/420)
السادسة والعشرون:
وبأنه كان لا يصلي على من غل.
السابعة والعشرون:
أو قتل نفسه.
الثامنة والعشرون:
وبأنه كان إذا دعي إلى جنازة سأل عنها، فإن أثني عليها خيرا صلى عليها، وإن أثني عليها غير ذلك قال لأهلها: شأنكم بها ولم يصل عليها. كما رواه الحاكم عن أبي قتادة- رضي الله تعالى عنه-.
التاسعة والعشرون:
وبتحريم المن يستكثر.
قال الله- سبحانه وتعالى-: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ [المدثر 6] .
قال: لا تعط لتأخذ أكثر ما أعطيت من المال، لأنه مأمور بأشرف الآداب وأجلّ الأخلاق. يقال: مننت فلانا كذا، أي: أعطيته، ويقال للعطية: المن. هذا قول ابن عباس وعكرمة وقتادة، ونقله الثعلبي عن أكثر المفسرين.
وقال القرطبي: إنه الأظهر.
الثلاثون:
وبأنه ليس لنبي أن يدخل بيتا مزوقا.
روى الحاكم عن علي (رضي الله عنه) أنه أضاف رجلا وضع له طعاما فقال لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معنا فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء فرأى فراشا قد ضرب في ناحية البيت فرجع فقالت فاطمة ارجع فقل له ما رجعك يا رسول الله فذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس لنبي أن يدخل بيتا مزروقا» .
النوع الثاني من المحرمات في النكاح
وفيه مسائل:
الأولى:
خص صلى الله عليه وسلم بتحريم إمساك كارهته.
روى البخاري عن عائشة- رضي الله تعالى عنهما- أن ابنة الجون لما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا منها قالت: أعوذ بالله منك فقال: «لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك» .
قال ابن الملقن: ويشهد لذلك إيجاب التخيير المتقدم، وهل كان قيد التحريم مؤبدا أم لا؟ فيه وجهان.
الثانية:
وبتحريم من لم تهاجر.
الثالثة:
وبتحريم نكاح الأمة المسلمة في الأصح، لأن جوازه في حق الأمة مشروط بخوف العنت، وبفقدان طول الحرة، ونكاحه- عليه الصلاة والسلام- غير مفتقر إلى مهر ابتداء(10/421)
وانتهاء، ولأن من نكح أمة كان ولده رقيقا، ومنصبه- عليه الصلاة والسلام- منزه عن ذلك، ويشترط في نكاح الأمة أن لا تكون تحته حرة صالحة للاستمتاع، ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تزويجه خديجة متزوجا.
قال الجلال البلقيني: ويظهر في ذلك أن يقال: لم يقع ولا يقع، لأنه ينسب متعاطيه إلى أيضاًع شرفه، وإن كان حلالا له، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلا ذلك (لأنه لم يلتفت إلى الدنيا، فكيف يلتفت إلى نكاح الأمة التي هي كأكل الميتة التي لا تباح إلا للضرورة فلما لم يتصور في حقه الاضطرار إلى المأكولات من مالكه المحتاج إليه وعلى صاحبه دفعه إليه، فكذلك لا يتصور في حقه صلى الله عليه وسلم اضطرار إلى نكاح الأمة، بل لو أعجبته الأمة، وجب على مالكها بذلها له، قياسا على الطعام. وإذا قلنا: له نكاح الأمة، فأتت بولد، لم يكن رقيقا على الصحيح، وإذا قلنا: بجريان الرق على العرب على قولنا به وهو الجديد المشهور لا يلزمه قيمة الولد لسيدها كما جزم به القاضي الحسين، بخلاف ولد المغرور بحرية أمّه، لأنّ هناك فات الرق بظنه، وهنا الرق متعذر، قال الرافعي: ويوافق ما ذكره القاضي ما حكاه الإمام، أنه لو قدر نكاح غرور في حقه صلى الله عليه وسلم لم تلزمه قيمة الولد، لأنه مع العلم بالحال لا ينعقد رقيقا، فلا ينهض الظن رافعا للرق.
قال ابن الرفعة: ومن تصوير ذلك في حقه صلى الله عليه وسلم نظر:
تنبيه:
قال في أصل الروضة: المذهب القطع بتحريم نكاح الأمة الكتابية.
الرابعة:
وكان إذا خطب فرد لم يعد.
روى ابن سعد عن مجاهد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب فرد لم يعد، فخطب امرأة فقالت: حتى أستأمر أبي، فاستأمرت أباها، فأذن لها، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له، فقال: «قد التحفنا لحافا غيرك» .
قال الشيخ: فيحتمل التحريم والكراهة قياسا على أمساك كارهته، ولم أر من تعرض له.
الخامسة:
قال البلقيني في «التدريب» لا يقع منه صلى الله عليه وسلم الإيلاء الذي يضربه منه المدة ولا الظهار، لأنهما حرامان، وهو معصوم من كل فعل محرم.
قال الحضيري وكذا كل محرم بعصمته من الكبائر، ومن الصغائر على الصحيح، سوى ما خصّ به دون أمته، فإنه من باب الإباحة، وحينئذ لا فائدة في تخصيص هاتين المسألتين سوى التنبيه، وكذلك ذكر مسألة أخرى وهي: استحالة اللعان في حقه صلى الله عليه وسلم.
السادسة:
الكفارة في حقه صلى الله عليه وسلم وهو استنباط حسن.(10/422)
الباب السابع فيما اختص به- صلى الله عليه وسلم- عن أمته من المباحات والتخفيفات وفيه نوعان:
اعلم أن التحقيقات توسعة عليه صلى الله عليه وسلم تنبيها على أن ما خص به صلى الله عليه وسلم من الإباحة لا يلهيه عن طاعة الله، وإن ألهى غيره، ومعظم ذلك لم يفعله مع إباحته، وليس المراد بالمباح هنا مستوى الطرفين، بل المراد به ما لا حرج في فعله ولا في تركه، فإنه صلى الله عليه وسلم واصل وقد قال الإمام: أنه قربه في حقه صلى الله عليه وسلم، وكذا صفي المفنم والاستبداد بالخمس فقد يكون راجح الفعل كصرفه في أهم المصالح. وقد يكون راجح الترك لفقد هذا المعنى ودخوله مكة بغير إحرام كما تقدم، وقد يترجح تركه، وكذا الزيادة على الأربع لا تساوي فيها، فإن أفعاله وأقواله كلها راجحة مثاب عليها، حتى في أكله وشربه، لأن الواحد منا يثاب بشرط أن يقصد وجه الله بذلك، وهو بذلك أولى صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الفعل نوعان:
النوع الأول فيما يتعلق بغير النكاح وفيه مسائل:
الأولى:
اختص صلى الله عليه وسلم بالمكث في المسجد جنبا.
عن خارجة بن سعد عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا علي لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك» .
قاله ابن القاص في التلخيص: وتوزع في ذلك.
قال النووي. وقد يحتج له بما
رواه الترمذي عن عطية العوفي عن ابن سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك» .
قال الترمذي: حسن غريب قال النووي: لكن قد يقدح قادح في الحديث بسبب عطية، فإنه ضعيف عند جمهور المحدثين، لكن الترمذي قد حسنه، فلعله اعتضد بما اقتضى حسنه كما تقرر لأهل هذا الفن فظهر ترجيح قول صاحب التلخيص. انتهى.
وروى البيهقي عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إن مسجدي حرام على كل حائض من النساء، وكل جنب من الرجال إلا محمدا وأهل بيته عليا، وفاطمة، والحسن، والحسين» .
وروى البخاري في تاريخه، والبيهقي عن عائشة (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب، إلا لمحمد وآل محمد» .
وروى ابن عساكر عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول(10/423)
الله صلى الله عليه وسلم لعلي: «إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي» .
وروى الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن أبي حازم الأشجعي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أمر موسى أن يبني مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا هو وهارون، وإن الله أمرني أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا أنا وعلي وأبناء علي» .
فهذه الأحاديث تشهد لتحسين الترمذي، وفي عد هذه الخصائص نظر، لأن عليا يشاركه في ذلك.
الثانية:
وبأنه لا ينتقض وضوءه بالنوم مضطجعا.
روى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، تنام قبل أن توتر؟ فقال: «يا عائشة، إن عيني تنامان ولا ينام قلبي» .
ورويا في حديث الإسراء عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم.
قال أبو عمر: هذا من علياء مراتب الأنبياء صلى الله عليهم وسلم.
كما روي: «إنا معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا» ولذا قال ابن عباس: رؤيا الأنبياء وحي، لأن الأنبياء يفارقون سائر البشر في نوم القلب ويساووهم في نوم العين، فلو سلط النوم على قلوبهم كما يصنع بغيرهم، لم تكن رؤياهم إلا كرؤيا من سواهم.
ومن هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام حتى ينفخ ثم يصلي ولا يتوضأ، لأن الوضوء إنما يجب لغلبة النوم على القلب لا على العين، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يساوي أمته في الوضوء من الحدث، ولا يساويهم في الوضوء من النوم.
وروى مسدد وابن حبان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تنام عيني ولا ينام قلبي» .
وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو ساجد، فما يعرف نومه إلا بنفخه، ثم يقوم فيمضي في صلاته.
ورواه أبو يعلى بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام مستلقيا حتى ينفخ، ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ.
وروى عبد الرزاق عن أبي قلابة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قيل لي: لتنم عينك، وليعقل قلبك، ولتسمع أذنك، فنامت عيني، وعقل قلبي، وسمعت أذني» .(10/424)
تنبيهان:
الأول: إن قيل: إذا كان نومه صلى الله عليه وسلم يساوي نومنا من انطباق الجفن وعدم السماع حتى أنه نام عن الصلاة، فما أيقظه إلا حر الشمس، فما الفرق بيننا وبينه في النوم؟ فالجواب: بأن النوم متضمن أمرين:
أحدهما: راحة البدن، وهو الذي يشاركنا فيه.
والثاني: غفلة القلب، وقلبه صلى الله عليه وسلم مستيقظ إذا نام، سليم من الأحلام، مشتغل في تلقف الوحي والتفكير في المصالح على مثل حال غيره إذا كان منتبها فلا يتعطل قلبه بالنوم كما وضع له [ ... ] .
الثاني: تكلم العلماء في الجمع بين حديث النوم في الوادي وبين
قوله صلى الله عليه وسلم: «أن عيني تنامان ولا ينام قلبي»
بأوجه:
الأول: إن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به، كالحدث والألم ونحوهما، ولا يدرك ما يتعلق بالعين، لأنها نائمة والقلب يقظان.
الثاني: أنه كان له حالان:
حال كان قلبه لا ينام، وهو الأغلب.
وحال ينام فيه قلبه، وهو نادر. فصادف قصة النوم في الصلاة. قال الإمام النووي:
والصحيح المعتمد هو الأول، والثاني ضعيف.
قال الحافظ: وهو كما قال، ولا يقال: القلب- وإن كان لا يدرك- ما يتعلق بالعين من رؤية الفجر مثلا، لكنه يدرك- إذا كان يقظانا- بمرور الوقت الطويل من ابتداء طلوع الفجر إلى أن حمت الشمس مدة طويلة، لا يخفى على من لم يكن مستغرقا لأنا نقول: يحتمل أن يقال:
كان قلبه صلى الله عليه وسلم إذ ذاك مستغرقا بالوحي ولا يلزم مع ذلك وصفه بالنوم كما كان يستغرق صلى الله عليه وسلم حالة إلقاء الوحي في اليقظة، وتكون الحكمة في ذلك بيان التشريع بالفعل، لأنه أوقع في النفس، كما في قصة سهوه في الصلاة، وقريبا منه جواب ابن المنير أن القلب قد يحصل له السهو في اليقظة لمصلحة التشريع، ففي النوم بطريق الأولى، أو على السواء.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي.
وقد أجيب عن الإشكال بأجوبة أخرى ضعيفة منها: أن معنى قوله: «لا ينام قلبي» أي لا يخفى عليه حالة انتقاض وضوئه.
ومنها: أن معناه لا يستغرقه النوم حتى يوجد منه الحدث. وهذا قريب من الذي قبله.
قال ابن دقيق العيد: كأن قائل هذا أراد تخصيص يقظة القلب بإحلال حالة الانتقاض،(10/425)
وذلك بعيد، فإن
قوله صلى الله عليه وسلم: «أن عيني تنامان ولا ينام قلبي» .
خرج جوابا عن قول عائشة- رضي الله تعالى عنها- له: تنام قبل أن توتر؟ وهذا كلام لا تعلق له بانتقاض الطهارة التي تكلموا فيها، وإنما هو جواب يتعلق بأمر الوتر، فيحتمل يقظته على تعلق القلب لليقظة فلا تعارض، ولا إشكال من حديث النوم حتى طلعت الشمس، لأنه يحمل على أنه اطمأن في نومه لما أوجبه تعب السير معتمدا على من وكله بكلاء الفجر.
قال الحافظ: ومحصلة تخصيص اليقظة المفهومة من قوله: «ولا ينام قلبي» ، بإدراكه.
وقت الوتر إدراكا معنويا لتعلقه به، وأن نومه حتى طلعت الشمس كان مستغرقا، ويؤيد قول بلال له: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، كما في حديث أبي هريرة عند مسلم، ولم ينكر عليه.
ومعلوم أن نوم بلال كان مستغرقا. وقد اعترض عليه، بأن ما قاله يقتضي اعتبار خصوص السبب وأجاب بأنه معتبر إذا قامت عليه قرية تدل أو ترشد عليه السياق، وهو هنا كذلك.
الثالثة:
وبعدم انتقاض وضوئه باللمس على أحد وجهين، جزم في الروضة بانتقاضه، واختار الشّيخ عدم الانتقاض لما
رواه ابن ماجة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ» .
وفي لفظ له عنها:
«كان يتوضأ ثم يقبل ويصلي ولا يتوضأ»
قال عبد الحق: لا أعلم لهذا الحديث علة توجب تركه.
وقال الحافظ في تخريج أحاديث الرافعي: إسناده، جيد قوي قال: وأجاب بأن يكون ذلك من الخصائص بعض الشافعية، لما أورد هذا الحديث عليهم الحنفية في أن اللمس لا ينقض مطلقا، لأن الحنفية احتجوا بأحاديث منها: ما رواه النسائي بإسناد صحيح عن القاسم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي وإني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله.
الرابعة:
أبيح له صلى الله عليه وسلم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة. حكاه ابن دقيق العيد في شرح العمرة.
قلت: واستدل له بحديث ابن عمر لقد راقيت على ظهر بيتنا، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته.
قال ابن دقيق العيد: ولو كان هذا الفعل عاما للأمة لبينه بإظهاره بالقول، فإن الأفعال العامّة لا بد من بيانها، فلما لم يقع ذلك، وكانت هذه الرواية من ابن عمر على طريق الاتفاق وعدم قصد الرسول دل ذلك على الخصوص به صلى الله عليه وسلم وعدم العموم في حق الأمة.(10/426)
وتعقب القرطبي بأن كون هذا الفعل من خلوة لا يصلح مانعا من الاقتداء، لأن أهل بيته كانوا ينقلون ما يفعله في بيته من الأمور المشروعة.
وقال الحافظ دعوى خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم لا دليل عليها، إذ الخصائص لا تثبت بالاحتمال، والله تعالى أعلم.
الخامسة:
وبإباحة الصلاة بعد العصر.
روى أبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العصر، وينهى عنها، ويواصل، وينهى عن الوصال» .
وروى مسلم والبيهقي عن أبي سلمة أنه سأل عائشة- رضي الله تعالى عنها- عن السجدتين اللتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها بعد العصر فقالت كان يصليهما قبل العصر، ثم أنه شغل عنهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها.
وروى الإمام أحمد وأبو يعلى وابن حبان بسند صحيح عن أم سلمة قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر ثم دخل بيتي فصلى ركعتين فقلت يا رسول الله، صليت صلاة لم تكن تصليها قال: «قدم خالد فشغلني عن ركعتين كنت أركعهما بعد العصر فصليتهما الآن» ، قلت:
يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتنا؟ قال: «لا» ، وروى الشيخان عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما، ثم رأته يصليهما، فأرسلت تساله، فلما انصرف قال: «يا بنت بني أمية، سألت عن الركعتين بعد العصر، وإنه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان» .
فصريح هذه الأحاديث ناطق بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر، وقد نهى عن الصلاة في ذلك الوقت، وقد كان ابن عباس يضرب الناس مع عمر بن الخطاب على فعلهما.
كما رواه الشيخان.
وصرح حديث أم سلمة بأنهما الركعتان بعد الظهر، قضاهما في أول نوبة، وواظب على فعلهما في قول عائشة- رضي الله تعالى عنها- ما تركها حتى لحق بالله تعالى وقولها: لم يكن يدعهما. مرادها من تأخير الوقت الذي شغل عن الركعتين بعد الظهر، فصلاهما بعد العصر. ولم يرد أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين من أول ما فرضت مثلا إلى آخر عمره، بل في حديث أم سلمة، ما يدل على أنه لم يكن يفعلهما قبل الوقت الذي ذكرت أنه قضاهما فيه.
وقول عائشة- رضي الله تعالى عنها- كان يصليهما قبل العصر يعني في وقت الظهر، لأنهما راتبة الظّهر ويصليها بعدها، كما في حديث أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- وليس المراد قبل العصر بعد دخول وقت العصر.(10/427)
السادسة:
وبإباحة الوصال في الصوم.
روى الشيخان عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تواصلوا» ، قالوا: إنك تواصل قال:
«إني لست كأحد منكم، إني أطعم وأسقى، أو إني أبيت أطعم وأسقى»
ورويا عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم، فقال رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله قال: «وأيكم مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» .
والأحاديث في ذلك كثيرة، وقد اختلف في تأويل هذه الأحاديث على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه على ظاهره وأنه يؤتى بطعام وشراب من الجنة، وطعام الجنة لا يفطر.
الثاني: أن الله تعالى يخلق فيه من الشبع والري ما يغنيه من الطعام والشراب.
الثالث: أن الله تعالى يحفظ عليه قوته من غير طعام ولا شراب، كما يحفظها بالطعام والشراب، فعبر بالطعام والشراب عن فائدتهما، وعليه اقتصر ابن العربي وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في أماليه: للعلماء فيه مذهبان: قال بعضهم: المراد الطّعام والسقي الحقيقي، فكأنه يقول: أنا لا أواصل فإن الله يطعمني من غير طعام الدنيا. وقيل: بل المراد ما يرد عليه من المعارف والمواهب، فإنها تقوت النفس كما يقويها الطعام، فأطلق عليه الإطعام والسقي من مجاز التشبيه. وعلى هذا الأكثر.
وقال العلامة الشيخ شمس الدين بن الصائغ في «الدرر الفريدة» هذا طعام الأرواح وشرابها، وما يفيض عليها من أنوار البهجة.
لها أحاديث من ذكراك يشملها ... عن الشراب وتلهيها عن الزاد
لها بوجهك نور يستضاء به ... ومن حديثك في أعقابها حادي
ومن قال: يأكل ويشرب حقيقة غلط من وجوه.
أحدها: قوله في بعض الروايات «أظل» .
الثاني: أنهم لما قالوا: إنك تواصل.. قال: «إني لست كأحدكم» . ولو كان كما قيل لقال: وأنا لا أواصل.
الثالث: إنه لو كان كذلك لم يصح الجواب بالفارق فكأنه صلى الله عليه وسلم مفطر فلا يصح النفي.
انتهى.
قال الإمام الشافعي- رحمه الله- وجمهور أصحابه- رضي الله تعالى عنهم- أن الوصال في حق النبي صلى الله عليه وسلم من المباحات.
وقال إمام الحرمين: هو قربه في حقه قال: وخصوصيته صلى الله عليه وسلم بإباحة الوصال على كل(10/428)
الأمة لا على أفرادها لأن كثيرا من العلماء اشتهر عنهم الوصال.
قال: والنبي صلى الله عليه وسلم توجه خصوصيته بحسب المجموع، لأنه مشرع قلت وهذا الكلام فيه نظر والوصال صيام يومين فأكثر لا يتناول فيهما شيئا من أكل وشرب.
تنبيه:
قال ابن حبان: يستدل بهذا الحديث على بطلان ما ورد أنه كان يضع الحجر على بطنه من الجوع، لأنه كان يطعم ويسقى عند ربه إذا واصل، فكيف يترك جائعا مع عدم الوصال حتى يحتاج إلى شد حجر على بطنه؟ قال: وإنما لفظ الحديث: الحجز بالزاي، وهو طرف الإزار فتحرف بالراء. قلت: وهذا التأويل مردود بما سبق في غزوة الخندق. وتقدم بيان رده في باب صفة عيشه صلى الله عليه وسلم من صفاته المعنوية.
السابعة:
وباصطفاء ما يختاره من الغنيمة قبل القسمة كجارية وغيرها.
روى أبو داود عن الشعبي- رضي الله تعالى عنه- قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سهم يدعى الصفي إن شاء عبدا أو أمة أو فرضا يختاره قبل الخمس وقبل كل شيء.
وروى عن ابن عون- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت محمد بن سيرين عن سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والصفي قال: كان يصرف له مع المسلمين سهم، وإن لم يشهدوا الصفي يؤخذ له من رأس الخمس قبل كل شيء.
وروى ابن سعد وابن عساكر عن عمر بن الحكم- رضي الله تعالى عنه- قال: لما سبيت بنو قريظة، عرض السبي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت فيه ريحانة بنت زيد بن عمرو فأمر بها فعزلت وكان يكون له صفي من كل غنيمة.
قال أبو عمر: سهم الصفي مشهور في صحيح الآثار، معروف عند أهل العلم ولا يختلف أهل السير في أن صفيه منه.
وأجمع العلماء على أنه خاص به.
وذكر الرافعي أن ذا الفقار كان من الصفي.
الثامنة:
وبخمس الخمس من الفيء والغنيمة.
التاسعة:
وبأربعة أخماس الخمس بتمامها.
قال الله سبحانه وتعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [الأنفال/ 41] ، فسهم الرسول هو المراد، وقال سبحانه وتعالى: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ الآية [الحشر/ 7] .
روى الإمام أحمد والشيخان عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: إن الله تعالى كان(10/429)
يخص رسوله في هذا الفيء ما لم يعطه أحدا غيره، فقال: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحشر/ 6] . فكانت هذه خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان ينفق على أهله نفقتهم سنة ثم يأخذ ما بقي، فيجعله مجعل مال الله، فعمل بذلك حياته، فقال أبو بكر: أنا أولى برسول الله صلى الله عليه وسلم فعمل فيه بما عمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى أبو داود والحاكم عن عمرو بن عنبسة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لي من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس، والخمس مردود فيكم» .
العاشرة:
وبدخول مكة بغير إحرام على القول بوجوبه في حق غيره على تفصيل فيه، والأصح استحبابه.
روى مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء بغير إحرام.
وذكر القضاعي أن ذلك مما اختص به دون من قبله من الأنبياء، وتقدمت أحاديث في ذلك في باب لباسه- صلى الله عليه وسلم-.
الحادية عشرة:
وبأن مكة أحلت له ساعة من نهار.
قال القضاعي: خص بذلك من بين سائر الأنبياء.
الثانية عشرة:
وبأن ماله لا يورث عنه وكذلك الأنبياء، عليهم أن يوصوا بكل مالهم صدقة.
روى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث ما تركناه صدقة» .
وروى النسائي أن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال لعبد الرحمن وسعد وعثمان وطلحة والزبير: أتشهدوا بالله الذي قامت له السموات والأرض، أسمعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة؟ قالوا: اللهم، نعم.
والحكمة في أن الأنبياء لا يورثون، أن لا يظن بهم مبطل أنهم يجمعون الدنيا لورثتهم، فقطع الله ظن المبطل، ولم يجعل للورثة شيئا.
وقال الشيخ نصر الدين المقدسي: المعنى والله تعالى أعلم- أن الأنبياء- صلوات الله، وسلامه عليهم- لا يورثون، لأنه يقع في قلب الإنسان شهوة موت مورثه ليأخذ ماله في الغالب، فنزه الله تعالى الأنبياء وأهاليهم عن مثل ذلك، فقطع الإرث عنهم.(10/430)
فإن قيل: ما الجواب عن قوله: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ [النمل/ 16] ، وقوله- تبارك وتعالى- حكاية عن زكريا: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي [مريم/ 5، 6] ، وعموم قوله تقدس اسمه: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء/ 11] ، فالجواب أن يقال: المراد الوراثة في النبوة والعلم والدين لا المال.
ويؤيد ذلك
قوله صلى الله عليه وسلم: «العلماء ورثة الأنبياء»
وأما: يُوصِيكُمُ اللَّهُ [النساء/ 11] فهي عامة لمن ترك شيئا كان يملكه، وإذا ثبت أنه وقفه قبل موته، فلم يخلف ما يورث عنه فلم يورث، وعلى تقدير أنه خلف شيئا فما كان ملكه فدخوله في الخطاب قابل للتخصيص لما عرف من كثرة خصائصه صلى الله عليه وسلم وقد صح عنه أنه لا يورث، فحص من عموم المخاطبين وهم الأمة.
الثالثة عشرة:
وبأنه ضحى عن أمته، وليس لأحد بأن يضحي عن أحد بغير إذنه.
روى الحاكم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح كبشا أقرن بالمصلى ثم قال: «اللهم، هذا عني وعن من لم يضح من أمتي» .
الرابعة عشرة:
وبأن له أن يقضي بعلم نفسه، ولو في الحدود وفي غيره خلاف.
روى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله، أن أبا سفيان رجل مسيك، فهل علي من حرج أن أطعم من الذي له عيالنا؟ فقال: «لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف» .
وجه الدلالة منه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطالبها بالبينة على الزوجية، لأنه علم أنها زوجته، فحكم بأخذ النفقة من ماله بالمعروف [ (1) ] .
وهذا هو القضاء بالعلم، ذكر ذلك البخاري وابن جرير وابن المنذر والبيهقي وغيرهم.
الخامسة عشرة:
وبأن يحكم بغير دعوى، ولا يجوز ذلك لغيره.
قاله ابن دحية، واستدل بما
روى مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا كان يتهم بأم إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: «اذهب فاضرب عنقه» ، فأتاه علي، فإذا هو في ركن يتبرد فيها، فقال له، علي: اخرج، فناوله يده فأخرجه، فإذا هو مجبوب، ليس له ذكر فكف علي عنه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله! إنه لمجبوب ما له ذكر.
وقد ورد تسمية هذا مأثورا، والذي كان يتهم بها مارية فقال الناس: علج يدخل على علجة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بقتله.
__________
[ (1) ] سقط في ح.(10/431)
قال الحضيري: والاستدلال به على ما ادعاه غير مسلم فإن الحديث قد استشكله جماعة من العلماء، حتى قال ابن جرير: يجوز أن يكون المذكور من أهل العهد، وفي عهده أن لا يدخل على مارية، فقال: ودخل عليها، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لنقض عهده.
وقال النووي تبعا للقاضي: قيل لعله كان منافقا ومستحقا للقتل بطريق آخر، وجعل هذا محركا لقتله بنفاقه وغيره لا بالزنا، وكف عنه علي اعتمادا على أن القتل بالزنا وقد علم انتفاء الزنا، وفيه نظر أيضاً، لأنا نعتبر نفي ظن الزنا من مارية، فإنه لو أمر بقتله بذلك، لأمر بإقامة الحد عليها أيضاً، ولم يقع ذلك معاذ الله أن يختلج ذلك في خاطره أو يتفوه به.
وأحسن ما يقال في الجواب عن هذا الحديث، ما أشار إليه أبو محمد بن حزم في «الإيصال إلى فهم كتاب الخصال» ، فإنه قال: من ظن أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتله حقيقة بغير بينة ولا إقرار فقد جهل، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنه بريء مما نسب إليه ورمي به، وأن الذي ينسب إليه كذب، فأراد صلى الله عليه وسلم إظهار الناس على براءته يوقفهم على ذلك مشاهدة، فبعث عليا ومن معه فشاهدوه مجبوبا- أي مقطوع الذكر- فلم يمكنه قتله لبراءته مما نسب إليه، وجعل هذا نظير قصة سليمان في حكمه بين المرأتين المختلفتين في الولد، فطلب السكين ليشقه نصفين إلهاما، ولظهور الحق، وهذا حسن انتهى كلام الحضيري.
السادسة عشرة:
وبأن له أن يحكم لنفسه.
السابعة عشرة:
ولفرعه.
الثامنة عشرة:
ويشهد لنفسه.
التاسعة عشرة:
ولفرعه.
العشرون:
وبقبول شهادة من شهد له [كشهادة خزيمة] .
الحادية والعشرون:
وبالهدية بخلاف غيره من الحكام، لأنه والأنبياء صلى الله عليه وسلم أجمعين معصومون، لا يجوز عليهم أن يحكموا بالهوى، وإنما منع الحاكم من الحكم لنفسه ولولده، لأنه يجوز عليه الهوى، فمنع من ذلك، والمعصوم- عليه السلام- لا يجوز عليه ذلك فجاز له، ولأن الهدية إنما حرمت على الحكام خوفا عليهم من الزيغ في الشريعة.
الثانية والعشرون:
وبعدم كراهة الحكم والفتوى حال الغضب، لأنه لا يخاف عليه من الغضب ما يخاف علينا.
ذكره النووي في شرح مسلم عند حديث اللقطة، فإنه صلى الله عليه وسلم أفتى فيه، وقد غضب حتى احمرت وجنتاه.(10/432)
الثالثة والعشرون:
وبأن له أن يقتل من سبه أو هجاه، قاله ابن سبع، وذلك راجع إلى القضاء لنفسه.
الرابعة والعشرون:
وبأن له أن يحمي الموات لنفسه، مع أنه لم يقع ذلك منه، وليس لغيره من بعده أن يحموا لأنفسهم.
روى البخاري عن الصعب بن جثامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا حمى إلا لله ولرسوله» .
الخامسة والعشرون:
وبأنه لا ينقض ما حماه صلى الله عليه وسلم ومن أخذ شيئا مما حماه ضمن قيمته في الأصح بخلاف ما حماه غيره من الأئمة لو رعاه ذو قوة فلا غرم عليه.
السادسة والعشرون:
وبأن له أن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما المحتاج إليهما إذا احتاج إليهما، وعليه البذل ويفدي بمهجته مهجة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله- سبحانه وتعالى-:
النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب/ 6] .
السابعة والعشرون:
وبأن لو قصده ظالم لوجب على من حضره أن يبذل نفسه دونه نقله في زوائد الروضة عن الفوراني وغيره.
قال الجلال البلقيني: وهذا المتعقب، فإن قاصد نفسه كافر والكافر يجب دفعه عن كل مسلم، فلا خصوصية حينئذ قال الحضري: وهذا صحيح بالنسبة إلى قاصده فقط، لكن يدعى الخصوصية في ذلك من جهتين أخريين.
إحداهما: أنه يجب بذل النفس في الدفع عنه صلى الله عليه وسلم مع الخوف على النفس، بخلاف غيره من الأمة، فإنه لا يجب الدفع مع الخوف كما قرره الرافعي والنووي في كتاب الصيد.
والجهة الثانية: من الخصوصية: أن قاصد غير النبي صلى الله عليه وسلم مسلما لا يكفر، ولو وجب الدفع، وقاصده صلى الله عليه وسلم يكفر بذلك.
الثامنة والعشرون: وبأن له القتل بعد الأمان قاله ابن القاص فيما نقله الإمام الرافعي وغيرهما عنه وخطأه وقال ابن الرفعة فيما نقله الزركشي عنه هذا النقل فيه خلل، والذي في التلخيص كان يجوز له القتل في الحرم بعد إعطائه الأمان.
قال وهذا لا يطابق ما حكي عنه، لأن ذلك ينصرف بإطلاقه إلى جواز قتل من أمنه وهذا بظاهره يعطي أنه إذا قال: من دخل الحرم فهو آمن، فدخل شخص الحرم وكان ثم سبب يقتضي قتله، أبيح له قتله.
وكذا قال ابن الملقن: إنه رآه كذلك في التلخيص فظهر بهذا أن ابن القاص قصد قصّة عبد الله بن خطل.(10/433)
وروى الشيخان عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاء رجل فقال: يا رسول الله، ابن خطل معلق بأستار الكعبة فقال: اقتلوه.
فابن القاص- رحمه الله تعالى- معذور، فإنه لما رأى حديث الأمان في دخول المسجد وحده، رأى في هذا الحديث الأمر بقتل ابن خطل بسط هذه الخصوصية، وهذا نهاية أمر الفقيه جمعا بين الأحاديث، لكنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما أمن الناس استثنى ابن أخطل وغيره، كما سبق في غزوة الفتح.
التاسعة والعشرون:
وبأن له تعزير من شاء بغير سبب يقتضيه، ويكون له رحمة، ذكره ابن القاص، وتبعه الإمام والبيهقي، ولا يلتفت إلى قول من أنكره.
روى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم، إني أتخذ عندك عهدا لا تخلفنيه فإنما أنا بشر، فأي المؤمنين آذيته أو سببته أو لعنته أو جلدته، فاجعلها له زكاة وصلاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة» .
وروى مسلم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلان يكلمانه بشيء لا أدري ما هو فأغضباه فلعنهما وسبهما، فلما خرجا قلت: يا رسول الله، من أصاب من الخير شيئا مما أصابه هذان قال: «وما ذاك» ؟ قلت: لعنتهما وسببتهما قال:
«أوما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت: اللهم، إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها لها طهورا وزكاة، وقربة تقربه بها يوم القيامة» .
قال النووي- رحمه الله تعالى-: هذه الأحاديث منبهة على ما كان عليه- عليه الصلاة والسلام- من الشفقة على أمته، ومن الاعتناء بمصالحهم، والاحتياط لهم، والرغبة في كل ما ينفعهم، وهذه الرّواية الأخيرة تبين المراد من الرّوايات المطلقة، وأنّه يكون دعاؤه عليهم وسبه ولعنه ونحو ذلك، رحمة وكفارة وزكاة ونحو ذلك، إذا لم يكن أهلا للدعاء عليه والسب واللعن ونحوه وكان مسلما وإلا فقد دعا صلى الله عليه وسلم على الكفار والمنافقين، ولم يكن رحمة لهم.
فإن قيل: فكيف يدعو على من ليس بأهل للدعاء عليه، أو يسبه أو يلعنه ونحو ذلك؟ فالجواب من وجهين:
أحدهما: أن المراد ليس بأهل، لذلك عند الله تعالى في باطن الأمر، ولكنه في الظاهر مستوجب له فيظهر له صلى الله عليه وسلم استحقاقه لذلك بأمارة شرعية، ويكون في باطن الأمر ليس أهلا لذلك، وهو صلى الله عليه وسلم مأمور بالحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر. انتهى.
وهذا الجواب ذكره المازري، وهو مبني على قول من قال: إنه كان يجتهد في الأحكام، ويحكم بما أدى إليه اجتهاده، وأما من قال: لا يحكم إلا بالوحي، فلا يتأتى فيه هذا الجواب.(10/434)
الثاني: أن ما وقع من سبه ودعائه ونحو ذلك ليس بمقصود، بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية، كقوله لغير واحد «تربت يمينك» «وعقرى حلقي» ومثل «لا كبرت سنك» وفي حديث معاوية «ولا أشبع الله بطنك» ونحو ذلك لا يقصدون بشيء من ذلك حقيقة الدعاء، فخاف صلى الله عليه وسلم أن يصادف شيء من ذلك إجابة، فسأل الله- سبحانه وتعالى- ورغب إليه أن يجعل ذلك رحمة، وكفارة، وقربة، وطهورا، وأجرا، وإنما كان يقع هذا منه في النادر والشاذ من الأزمان، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا ولا لعانا ولا منتقما لنفسه، وقد قيل: ادع على دوس
فقال: «اللهم، اهد دوسا» ، وقال: «اللهم، اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون» .
وهذا ذكره أيضاً المازري، وأشار القاضي إلى ترجيحه، وقال الحافظ: وهو حسن، إلا أنه يرد عليه قوله في إحدى الروايات أو جلدته إذ يقع الجلد عن غير قصد، وقد ساق الجميع مساقا واحدا، إلا أن يحمل على الجلدة الواحدة فيتجه.
الثلاثون:
وبجواز الوصية لآله قطعا، وهم بنو هاشم، وبنو المطلب في الأصح، وفي غير آله خلاف والصحيح الصحة، وفي وجه: لا يصح لإبهام اللفظ وتردده بين القرابة وأهل الدين وغيرهما في الشرع.
فالخصوصية على وجه.
الحادية والثلاثون:
وبجواز القبلة له وهو صائم من غير كراهة، وفي حق غيره فيمن لم تتحرك شهوته، وأما من حركت شهوته فحرام في حقه في الأصح.
قالت عائشة- رضي الله تعالى عنها- وأيكم كان يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه.
الثانية والثلاثون:
وبأن له أن يستثني في يمينه ولو بعد حين إذا كان ناسيا بخلاف غيره، فإنه لا يستثني إلا في صلب يمينه.
روى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- في قوله تبارك وتعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ [الكهف/ 24] الاستثناء، فاستثن إذا نسيت، وهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة.
الثالثة والثلاثون:
قيل وبأنه كان يفجأ في طعامه، ويؤكل منه معه بخلاف غيره للنهي عنه. ذكره ابن القاص والقضاعي، ولم يوافقا على ذلك.
روى البيهقي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من شعب الجبل، وقد قضى حاجته، وبين أيدينا تمر على ترس أو جفنة فدعوناه إليه فأكل معنا، وما مس ماء» .(10/435)
وروى مسلم والبيهقي عن قيس بن السكن، أن الأشعث بن قيس دخل على عبد الله يوم عاشوراء، وهو يأكل فقال: يا أبا محمد، أدنه تأكل، فقال: إني صائم، قال: إنا كنا نصومه ثم ترك.
قال البيهقي: وفي هذا أخبار كثيرة وكل ذلك ينفي التخصيص، والنهي لم يثبت والله أعلم.
الرابعة والثلاثون:
وبأنه كان لا يجتنب الطيب في الإحرام، ونهانا عنه لضعفنا عن ملك الشهوات، إذ الطيب من أسباب الجماع ودواعيه، ذكره المهلب بن أبي صفرة المالكي، وأبو الحسن بن القصار وغيرهما، ورجحه القاضي أبو بكر بن العربي، واستدلوا لذلك بقول عائشة- رضي الله تعالى عنهما- كما في الصحيح كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه حين يحرم، ولحله حين يحل. وأجيب بأنه كان يفعل ذلك قبل الاغتسال للإحرام، واستشكل بقول عائشة- رضي الله تعالى عنها- في الصحيح: كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الإسماعيلي: الوبيص الطيب زيادة على البريق، والمراد به التلألؤ، فإنه يدل على وجود عين قائمة لا الريح فقط.
الخامسة والثلاثون:
قيل وبأن له أن لا يكفر عن يمينه. ذكره الزمخشري في كشافه، في قوله تعالى: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ [التحريم/ 2] ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كفر لذلك؟ فنقل عن الحسن أنه لم يكفر، لأنه كان مغفورا له، وقيل: إنه كفر عن يمينه.
قال القرطبي: وهو الأصح، وأن المراد بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ثم إن الأمة تقتدي به في ذلك.
السادسة والثلاثون:
وبأنه كان يدعو لمن شاء بلفظ الصلاة، لأنه منصبه المخصوص به، فله أن يضعه حيث شاء واستدل لذلك بما
رواه الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم، صل على آل أبي أوفى» ،
ويكره لغيره، ذلك كما رجحه في الروضة، وصححه أكثر المتأخرين كابن النقيب في مختصر الكفاية والدميري.
وقيل: يحرم.
السابعة والثلاثون:
قيل وبصلاته على الغائب. قاله جماعة من الحنفية والمالكية، واستدلوا بأشياء ردّها عليهم غيرهم، وقد بسط ذلك الحافظ في الفتح.
الثامنة والثلاثون:
وبإدخال العمرة على الحج.(10/436)
التاسعة والثلاثون:
قيل وبإباحة حمل الصغير في الصلاة، نقله في الفتح عن بعضهم.
الأربعون:
وبإقطاع الأراضي قبل فتحها، لأن الله تعالى ملكه الأرض كلها. وأفتى الغزالي كما نقله عنه تلميذه القاضي أبو بكر بن العربي في القانون بكفر من عارض أولاد تميم الداري فيما أقطعهم، وقال: إنه صلى الله عليه وسلم كان يقطع أرض الجنة، فأرض الدنيا أولى.
الحادية والأربعون:
وبأنه لو قال: لفلان على فلان كذا جاز لسامعه أن يشهد بذلك، ذكره شريح الروياني في روضة الأحكام.
الثانية والأربعون:
قيل وبأنه والأنبياء لا تجب عليهم الزكاة، لأنه لا ملك لهم مع الله تعالى، إنما كانوا يشهدون ما في أيديهم من ودائع الله تعالى يبذلونه في أوان بذله، ويمنعونه في غير محله، ولأن الزكاة إنّما هي طهرة لما عساه أن يكون ممن أوجبت عليه، والأنبياء مبرءون من الدنس لعصمتهم. قاله ابن عطاء الله في «التنوير في إسقاط التدبير» قلت: وبنى ذلك على مذهب إمامه مالك، أن الأنبياء لا يملكون.
الثالثة والأربعون:
وبأنه عقد المساقاة مع أهل خيبر إلى مدة مبهمة، بقوله: «أقركم ما أقركم الله تعالى» لأنه كان يجوز مجيء الوحي بالنسخ، ولا يكون ذلك لغيره. انتهى.
الرابعة والأربعون:
وبالمن على الأسرى كما زعمه بعضهم.
الخامسة والأربعون:
وبالجمع في الضمير بينه وبين ربه.
كقوله صلى الله عليه وسلم: «أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما» ،
وقوله: «ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه» .
وذلك ممتنع على غيره، ولذلك أنكر على الخطيب، وإنما امتنع من غيره دونه، لأن غيره إذا جمع أوهم إطلاقه التسوية بخلافه هو، فإن منصبه لا يتطرق إليه إبهام ذلك، ذكره شيخ الإسلام سلطان العلماء العز بن عبد السلام، وقال الحافظ الصدائي في كتاب «الفصول المفيدة في الواو المزيدة» ، قيل في الجمع بين هذه الأحاديث وجوه:
أحدها: أن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه يعطي مقام الربوبية حقه، وإذ لا يتوهم فيه تسوية له بما عداه أصلا، بخلاف غيره من الأمة، فإنها مظنة التسوية عند الإطلاق في جمع الضميرين بين اسم الله تعالى وغيره، فلهذا جاز الإتيان بالجمع بين الاسمين بضمير واحد في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الخطيب بالإفراد كيلا يتوهم في كلامه التسوية، وهذا يرد عليه حديث ابن مسعود في صلاة الجماعة، وفيه «ومن يعصهما» ، فيدل على عدم الخصوصية إلا أن يقال: يوجد من مجموع الحديثين أن يقولوا في خطبة الحاجة: «ومن يعصي الله ورسوله» لا يجمع ألفاظها، وفيه نظر.
ثانيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم حيث أنكر على الخطيب كان هناك من يتوهم التسوية بين(10/437)
المقامين عند الجمع بين ضمير واحد يمنع ذلك، وحيث لم يكن هناك من يلبس عليه أتى بالضمير، وهذا لعله أقرب من الذي قبله.
ثالثها: أن ذلك الجمع لم يكن على وجه التحتم، بدليل الحديث الآخر، بل على وجه الندب والإرشاد إلى الأولوية، لما في إفراد اسم الله تعالى بلا ذكر من التعظيم اللائق بجلاله، وهذا يرجع في الحقيقة إلى ما قاله أئمة الأصول، وحينئذ فلا تكون الواو للترتيب.
رابعها: أن ذلك الإنكار كان مختصا بذلك الخطيب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم فهم عنه أنه لم يجمع بينهما في الضمير إلا للتسوية بينهما في المقام،
فقال له: «بئس الخطيب أنت» ،
فيكون خطابا لمن حاله كذلك، ولعل هذا الجواب هو الأقوى بأن هذه القصة واقعة عين، وما ذكرناه محتمل، ويؤيد هذا الاحتمال فيما ذكره أن يحمل على العموم في حق كل واحد، فإن انضم إلى ذلك حديث أبي داود الذي علم فيه النبي صلى الله عليه وسلم أمته كيف خطبة صلاة الحاجة وفيها «ومن يعصهما» بضمير التثنية قوى ذلك الاحتمال، وهذا مثل ما
في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تفضلوني على موسى» مع قوله: «أنا سيد الناس» ،
فقيل في الجمع بينهما وجوه منها: أن الذي منعه من التفضيل يفهم منه نقصا من منصب موسى صلى الله عليه وسلم عند التفضيل عنه، فيكون ذلك مختصا بمن هو مثل حاله، والعلم عند الله تعالى.
النوع الثاني من التخفيفات والمباحات ما يتعلق بالنكاح وفيه مسائل
الأولى:
خص صلى الله عليه وسلم بجمع أكثر من أربع نسوة وهو إجماع، وقد مات صلى الله عليه وسلم عن تسع زوجات كما ذكرنا في باب زوجاته، ووجه الزيادة على أربع أنه لما كان الحر لفضله على العبد يستبيح من النسوة أكثر مما كان يستبيحه أحد من الأمة [فكذلك فضل النبي صلى الله عليه وسلم على الحر ... ] .
وقال بعض العلماء: السر في إباحة أكثر من أربع أن الله تعالى علمه بواطن الشريعة وظواهرها، وما يستحى من ذكرها ولا ما يستحى، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياء، فجعل الله تعالى له نسوة فينقلن من الشرع ما يرينه من أفعاله، ويسمعنه من أقواله التي كان يستحيي من الإفصاح عنها بحضرة الرجال لتكمل الشريعة، فكثرة عدد النساء لنقلهن عنه من الأفعال ما يستحي هو من التلفظ به، وأيضاً إنهن نقلن ما لم ينقله غيرهن مما رأينه في منامه، وخلوته من الآيات الدالة على نبوته، ومن جده واجتهاده في العبادة، ومن أمور يشهد كل ذي لب بأنها لا تكون إلا لنبي، وما كان يشاهدها غيرهن فحصل بذلك خير عظيم.
الثانية:
قيل وبأنه لا ينحصر طلاقه في الثلاث، والأصح خلافه.(10/438)
الثالثة:
وبأن نكاحه ينعقد بلفظ الهبة على الأظهر لقوله تعالى وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ [الأحزاب/ 50] .
قال الرافعي: وعلى قولنا بالانعقاد فلا يجب المهر بالفعل ولا بالدخول كما هي قضية الهبة، وهل يكفي لها لفظ الإتهاب من جهته أيضاً كما يكفي من جهة المرأة أو يشترط منه لفظ النكاح؟ وجهان أصحهما الثاني، لظاهر قوله: أَنْ يَسْتَنْكِحَها [ ... ] فاعتبر في جانبه النكاح.
وروى ابن سعد والبيهقي عن الشعبي في قوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ [الأحزاب/ 51] قال: كل نساء وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم فدخل ببعضهن وأرجى بعضا فلم ينكحن بعده، منهن أم شريك.
وروى سعيد بن منصور والبيهقي عن ابن المسيب قال: لا تحل الهبة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
الرابعة:
وبأنه إذا رغب في نكاح امرأة وخطبها، فإن كانت خطبة لزمتها الإجابة، ولأنها إذا خالفت أمره كانت عاصية، وإن خالفت إرادته ورغبته كانت غير راضية بقوله وفعله، وذلك عصيان عظيم يؤدي إلى الكفر فيلزمها الإجابة، ويحرم على غيره خطبتها، لما فيه من المضارة لرسول الله صلى الله عليه وسلم واستدل الماوردي بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ [الأنفال/ 24] .
الخامسة:
قيل: وبأنه إذا وقع بصره على امرأة، فوقعت منه موقعا وجب على الزوج تطليقها، لقصة زيد، قاله الغزالي. قال: ولعل السر فيه من جانب الزوج امتحان إيمانه بتكليفه النزول عن أهله، ولعل السر فيه من جانب النبي صلى الله عليه وسلم ابتلاؤه ببلية البشر، ومنعه من خائنة الأعين، ومن الإضمار الذي يخالف الإظهار، ولذلك قال تعالى: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها..
[الأحزاب/ 37] الآية، ليس فيها كما ترى ما يدل على أنه أوجب الطلاق على زيد، وظاهر الآية أن زيدا طلقها باختياره، لقوله تعالى فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً [الأحزاب/ 37] وأما السنة فليس فيها ما يقضي إيجاب الطلاق عليه، وقد سبق إلى تفسير قصة زيد على النحو الذي ذكره الغزالي جماعة من المفسرين فزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم وقع منه استحسان لزينب وهي في عصمة زيد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على أن يطلقها زيد فيتزوجها هو، ثم إن زيدا لما أخبره بأنه يريد فراقها ويشكو منها غلظة قولها وعصيانها، وأذى باللسان وتعظما بالشرف قال له:
أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب/ 37] أي فيما تقول وهو يخفي الحرص على(10/439)
طلاق زيد إياها، وهذا الذي كان يخفى في نفسه ولكنه لزم ما يحبّ من الأمر بالمعروف.
وقال القاضي، والحافظ، وغيرهما: وما زعمه هؤلاء من أن النبي صلى الله عليه وسلم هوي امرأة زيد وأحب طلاقها، وأنه أخفى ذلك عن زيد حين استشاره في طلاقه غيره صحيح، وإن صح عن قائله فهو منكر من القول يتحاشى جانب النبوة عنه، إذ كيف يتصور أن سيد الأولين والآخرين ينظر إلى زوجة رجل من أصحابه الخصيصين الذي ادعاه ولدا له وأنها تقع في خاطره، وأنه يقصد فراق زوجها، ليتزوجها، معاذ الله أن ينسب ذلك إليه، ولو نسب ذلك لآحاد الناس لم يرضه لنفسه، ولا يرضاه أحد لغيره، ومن قال هذه المقالة فقد اقتحم أمرا عظيما في جانب النبي صلى الله عليه وسلم وخصوصا في زينب، فإنها ابنة عمته أميمة ونشأت بمكة ورآها النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحجاب ورآها مرارا كثيرة، وعرفها معرفة تامة، وهو الذي خطبها لزيد وزوجه إياها، فكيف يقال إنه لما جاء إلى بيت زينب يطلبه ورآها أعجبته حينئذ حتى عاتبه الله بسبب ذلك.
قال الحافظ: وقد أخرج ابن أبي حاتم هذه القصة عن السدي فساقها مساقا حسنا، ولفظه: بلغنا أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش، وكانت أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يزوجها زيد بن حارثة مولاه، فكرهت ذلك، ثم إنها رضيت بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها أياه ثم أعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم بعد أنها من أزواجه، فكان يستحيي أن يأمره بفراقها، وكان لا يزال بين زينب وبين زيد ما يكون من الناس، فلما أتاه زيد يشكو إليه قال له: «اتق الله وأمسك عليك زوجك» ، وكان يخشى الناس أن يعيبوا عليه ويقولوا: تزوج امرأة ابنه، وكان قد تبنى زيدا، وعند ابن أبي حاتم أيضاً عن علي بن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنه قال: أعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن زينب ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها فلما أتاه زيد يشكو إليه قال له: «اتق الله، وأمسك عليك زوجك» ، قال الله تعالى: قد أخبرتك أني لمزوجكها وتخفي في نفسك ما الله مبديه.
قال الحافظ: ووردت آثار أخرى أخرجها الطبري وابن أبي حاتم ونقلها أكثر المفسرين لا ينبغي التشاغل بها، والذي أوردته منها هو المعتمد، والحاصل أن الذي كان يخفيه النبي صلى الله عليه وسلم هو إخبار الله تعالى إياه أنها ستصير زوجته، والذي كان يحمله على إخفاء ذلك خشية قول الناس: تزوج امرأة ابنه، وأراد الله تعالى إبطال ما كان أهل الجاهلية عليه من أحكام التبني بأمر لا أبلغ في الإبطال منه، وهو تزوج امرأة الذي يدعى ابنا في وقوع ذلك من إمام المسلمين، ليكون أدعى لقبولهم، وإنما وقع الحبط في تأويل متعلق الخشية. انتهى والله أعلم فرضي الله تعالى عن هذا الحافظ، وقدس روحه، ونور ضريحه.
وقال الشيخ أبو حيان: وهذا المروي عن علي بن الحسين، أي والسدي أصح ما قيل(10/440)
في تفسير هذه الآية، وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين.
وقال القاضي: ما روي في حديث قتادة- رضي الله تعالى عنه- من وقوعها في قلب النبي صلى الله عليه وسلم عند ما أعجبته، ومحبته طلاق زيد لها لكان فيه أعظم الحرج، وما لا يليق من مد عينيه لما نهى عنه [من زهرة الحياة الدنيا ولكان نفس الخس المذموم الذي لا يرضاه ولا يتسم به الأتقياء فكيف سيد الأنبياء] وقال القشيري: هذا إقدام عظيم من قائله، وقلة معرفة بالنبي صلى الله عليه وسلم وبفضيله، وكيف يقال: رآها وأعجبته وهي بنت عمته، ولم يزل يراها منذ ولدت ولا كان النساء يحتجبن منه- عليه الصلاة والسلام-، وهو الذي زوجها لزيد، وإنما جعل الله طلاق زيد لها وتزويج النبي صلى الله عليه وسلم إياها لإزالة حرمة التبني وإبطال سنة الجاهلية، كما قال الله تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ [الأحزاب/ 40] .
وقال تعالى: لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ [الأحزاب/ 37] ثم قال: والأولى ما ذكرناه عن علي بن الحسين وحكاه أبو الليث السمرقندي، وهو قول عطاء، وصححه واستحسنه القاضي أبو بكر القشيري، وعليه قول ابن فورك قال: إنه معنى ذلك عند المحققين من أهل التفسير إلى آخره وذكر القاضي أبو بكر بن العربي نحوه، وإذا علم ما تقرر بطلب المسألة من ذلك لعدم قصور ذلك منه صلى الله عليه وسلم.
السادسة:
وبأنه صلى الله عليه وسلم ينعقد نكاحه بغير ولي ولا شهود. قال الأئمة: وإنّما اشتراط الولي والشهود في نكاح غيره ولا بدّ منه، أما الولي فلأن لا يضعها عند غير كفء، وهذا المعنى مأمون من جهته صلى الله عليه وسلم لأنه أكفأ الأكفاء، وأما الشهود فلأجل استثبات الفعل، وحذرا من الجحود ونفي النسب، وكان هذا مأمونا من جهته صلى الله عليه وسلم لأنه معصوم، فلم يحتج إلى ولي ولا شهود، ولأنها لو ذكرت خلاف قوله أو جحدت لم يلتفت إلى قولها لعصمته صلى الله عليه وسلم بل قال العراقي في «شرح المهذب» تكون كافرة بتكذيبه.
السابعة:
وبانعقاد نكاحه صلى الله عليه وسلم في الإحرام على الأصح قال الشيخ أبو حامد: وإنما منع غيره من العقد حال الإحرام، لأن فيه دواعي الجماع فربما يفضي بسببه إلى الجماع، فيسقط عنه الإحرام وهذا مأمون من جهته صلى الله عليه وسلم لأنه كان معصوما من ذلك وقادرا على الامتناع منه، ويدل عليه قول عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنه كان يقبل وهو صائم، وكان أملككم لإربه فدل على أنه غير ممنوع من العقد وهو محرم، واستدل أئمتنا بحديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم، كما رواه الشيخان وللعلماء في ذلك كلام مذكور في المطولات.
الثامنة:
وبعدم وجوب القسم عليه بين زوجاته في أحد وجهين وهو قول الاصطخري،(10/441)
وطائفة وصححه الغزالي في الخلاصة، وعليه اقتصر في الوجيز، وأشار البلقيني إلى ترجيحه واختاره الشيخ، وقالوا: كان يفعله تطوعا، لأن في وجوبه عليه شغلا عن لوازم الرسالة، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ [الأحزاب/ 51] أي تبعد من تشاء فلا تقسم لها، وتقرب من تشاء فتقسم لها.
قال القرطبي: وأصح ما قيل في هذه الآية التوسعة بين زوجاته صلى الله عليه وسلم وقال القاضي أبو بكر بن العربي هو الذي يعول عليه.
التاسعة:
وبجواز زواجه المرأة ممن يشاء بغير إذنها بغير رضى وليها واستدل القاضي جلال الدين البلقيني لذلك بحديث سهل بن سعد من الواهبة نفسها، وذلك أنه قال للذي قال: زوجنيها أن لم يكن لك بها حاجة: زوجتكها بما معك من القرآن، ولم ينقل في القصة أنه استأذنها أو استأذن أولياءها، وإذا نظر في الاحتمال إلى الوقائع سقط منها الاستدلال، قلنا:
لا نسلم بل هذا من عبارة الشافعي الأخرى وهي: ترك الاستفصال في وقائع الأحوال ينزل بمنزلة العموم في المقال، لأن الوقائع من النبي صلى الله عليه وسلم لفظ يحال عليه العموم، وهو إسناد العقد إليه بقوله: «زوجتكها بما معك من القرآن» ، فلم يستفصل النبي (ص) إذ قال ذلك ولم يبين أن يكون لها أولياء ولا بين أن يأذن أم لا.
العاشرة:
وبأن يزوج المرأة بنفسه ويتولى الطرفين بغير إذنها وإذن وليها قال الله- سبحانه وتعالى-: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب/ 6] .
الحادية عشرة:
قيل: ونكاح المعتدة في وجه.
قال النووي: وهو غلط، ولم يذكره جمهور الأصحاب بل غلّطوا من ذكره، بل الصواب القطع بامتناع نكاح المعتدة من غيره، قال القاضي جلال الدين: والدليل على المنع أنه لم ينقل فعل ذلك، وإنما نقل عنه غيره، ففي حديث صفية أنه سلمها إلى أم سليم وفيه: وأحسبه قال: وتعتد في بيتها وفي الصحيح: أنها لما بلغت عدتها فأحلت فبنى بها فبطل هذا الوجه بالكلية، وكيف يكون ذلك والعدّة والاستبراء وضعا في الشرع؟ لدفع اختلاط الأنساب، وإذا كان في المسبية من نساء أهل الحرب، فكيف بمن يمكنها عدة الزوج من نساء أهل الإسلام؟
ويطرد مثل ذلك في المستبرأة أيضاً، قال: ووقع في خلاصة الغزالي ما هو قريب من هذه الوجه، وقال ابن الصلاح: إنه غلط منكر وردت نحوه منه.
الثانية عشرة:
قيل: وبعدم نفقة أزواجه، والأصح خلافه، ودليله
قوله صلى الله عليه وسلم: «ما تركت نفقة نسائي، ومؤونة عاملي فإنها صدقة»
فإذا كان يجب أن ينفق من ماله على زوجاته بعد وفاته فكيف لا تجب النفقة لهن في حال حياته؟ فهذا الخلاف باطل قاله القاضي جلال الدين.(10/442)
الثالثة عشرة:
وبأنه كانت تحل المرأة له بتزويج الله تبارك وتعالى كما في قصة زينب، قال الله- سبحانه وتعالى- زَوَّجْناكَها يعني صارت زوجة لك، وأما قوله: إنه نكحها بنفسه وتأويله الآية بإحلال النكاح فهو مردود لما ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس في قصة خطبتها، وإن زيدا قال لها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك فقالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي، فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل عليها بغير إذن، وما في صحيح البخاري من قول عائشة وأنس- رضي الله تعالى عنهما- كانت تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: «زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سموات، وما ذكره من التأويل لا يصح لمعارضة الأحاديث.
الرابعة عشرة:
وبجعل عتق أمته صداقها.
روى الشيخان عن أنس (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها.
وروى البيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وتزوجها فسئل ما أصدقها؟ قال: «نفسها» أي أنه اعتقها بلا عوض، وتزوجها بلا مهر، لا في الحال ولا فيما بعده
كما صححه ابن الصلاح والنووي في الرّوضة، وقال: إنه اختيار المحققين، وقطع به البيهقي. قال ابن الصلاح: فيكون معنى قوله «وجعل عتقها صداقها» أنه لم يجعل لها شيئا غير العتق
يحل محل الصداق، وإن لم يكن صداقا، وهو من قبيل قولهم: «الفقر زاد من لا زاد له» .
وذهب الإمامان أحمد وإسحاق إلى عدم الخصوصية في ذلك، واختاره الشيخ، وقال ابن حبان: فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقم دليل على أنه خاصّ به دون أمته، فيباح لهم ذلك لعدم وجود تخصيصه فيه.
الخامسة عشرة:
قيل: وبأن له أن يجمع بين الأختين والأم والبنت في وجه حكاه الحناطي، قال القاضي جلال الدين: وهذا لا يحل حكاية لفساده، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بتحريم الجمع بين الأختين عليه، وبتحريم نكاح بنت الزوجة المدخول بها.
فروى الشيخان عن أم حبيبة- رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: يا رسول الله، انكح أختي عزة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو تحبّين ذلك؟» قالت: نعم، يا رسول الله، لست لك بمخلية، وأحب من شاركني في خير أختي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن ذلك لا يحل لي» ، قلت: يا رسول الله، فإنا نتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبي سلمة، قال: «بنت أم سلمة؟» قلت: نعم، قال: «إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن» .(10/443)
السادسة عشرة:
وبالخلوة بالأجنبية وإردافها وبالنظر إليها، لأنه معصوم، وكان يملك إربه عن زوجته فضلا عن غيرها مما هوله وهو المبرأ عن كل فعل قبيح.
روى أبو داود وابن ماجه بإسناد حسن عن صفية الجهنية قالت: اختلفت يدي ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من إناء واحد.
وروى البخاري عن خالد بن ذكوان قال: قالت الربيع بنت معوذ: جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل علي حتى دنا مني فجلس على فراشي كمجلسك مني.
وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فأطعمته، ثم جلست تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث.
وروى البخاري عنه أيضاً قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه وإلا على أم سليم، فإنه كان يدخل عليها فقيل له في ذلك فقال: إني أرحمها، قتل أخوها معي،
قال أبو عبد الله الحميدي. وأم سليم هي أم أنس بن مالك، ولعله أراد على الدوام، فإنه كان يدخل على أم حرام، وهي خالة أنس قال الحافظ أبو زرعة العراقي في شرح التقريب: أم حرام ليست محرما له صلى الله عليه وسلم ولا زوجة نعم، قيل: أنها خولة بنت قيس، وإنها كانت زوجة حمزة، وقيل: زوجة حمزة غيرها، فزوجة العم ليست محرما، ولا يبعد عد ذلك في الخصائص ولم يذكره أصحابنا، وقال الكرماني في الحديث الثاني: هذا محمول على أن ذلك قبل نزول آية الحجاب، أو جاز النظر للحاجة وللأمن من الفتنة وقال الحافظ في فتح الباري في باب من «من زار قوما فقال عندهم» الذي وضح لنا بالأدلة القوية أن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها وهو الجواب الصحيح عن قصة أم حرام بنت ملحان في دخوله عليها ونومه عندها، وتفليتها رأسه، ولم يكن بينهم محرمية ولا زوجية.
وقال أبو عمرو: أظن أن أم حرام أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أختها أم سليم، فصارت كل منهما أمه أو خالته من الرضاعة، فلذلك كانت تفلي رأسه وينام عندها، وتنال منه ما يجوز لذي محرم أن يناله من محارمه ولا يشك مسلم أن أم حرام كانت محرما له، ثم روي عن يحيى بن إبراهيم بن مزين قال: إنما استجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفلي أم حرام رأسه، لأنها كانت منه ذات محرم من قبل خالاته، لأنّ أم عبد المطلب بن هاشم كانت من بني النجار.
ومن طريق يونس بن عبد الأعلى: قال لنا ابن وهب: أم حرام إحدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فلذلك كان يقيل عندها وينام في حجرها وتفلي رأسه.
قال الحضيري: ويؤيده ما في صحيح البخاري من حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي(10/444)
طلحة حدثني أنس بن مالك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خاله حراما أخا أم سليم في سبعين راكبا ... الحديث وهذا هو حرام بن ملحان فبهذا السن خال النبي صلى الله عليه وسلم وإنه لأم سليم، ولكن ما هي إلا خؤولة الرضاعة، قلت: وهذا الذي قاله فيه نظر، بل الضمير في قوله في حديث أنس- رضي الله تعالى عنه- بعث لأم سليم عائدة على السن فإن حراما أخا أم سليم خال أنس بلا خلاف.
وقال النووي: اتفق العلماء على أنها- يعني أم حرام- كانت محرمة له صلى الله عليه وسلم واختلفوا في كيفية ذلك، فقال ابن عبد البر وغيره: كانت إحدى خالاته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة.
وقال آخرون: بل كانت خالة لأبيه أو لجده، لأن عبد المطلب كانت أمه من بني النجار، وتعقبه ابن الملقن فقال: ما ذكر من الاتفاق على أنها كانت محرما له فيه نظر، فمن أحاط بنسب النبي صلى الله عليه وسلم ونسب أم حرام علم أنه لا محرمية بينهما، والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم، وقد نهي عن الخلوة بالأجنبية نهي تحريم، فيحمل فعله هذا على الاختصاص وقد ادعاه بعض شيوخنا.
وأجيب عن النووي بأنه لم يرد أن أم حرام كانت محرما من جهة النسب، فإنه أعلم الناس بنسبهما، وإنما أراد محرمية الرضاع التي حكاها ابن عبد البر وذهب إليها بلا شك، وحكى القاضي أبو بكر بن العربي: كلام ابن وهب وقال غيره: بل كان النبي صلى الله عليه وسلم معصوما يملك إربه عن زوجته فكيف عن غيرها، وهو المبرأ عن كل فعل قبيح، وقوله رفث فكان ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم ثم قال: ويحتمل أن يكون ذلك قبل الحجاب، قال الحافظ: ورد بأن ذلك كان بعد الحجاب والقصة كانت بعد حجة الوداع.
وقال الحافظ الدمياطي: زهل من زعم أن أم حرام إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أو من النسب وكل من أثبت لها خؤولة تقتضي محرمية لأن أمهاته من النسب واللاتي أرضعنه صلى الله عليه وسلم معلومات ليس فيهن أحد من الأنصار البتة سوى أم عبد المطلب وهي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار وأم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، فلا تجتمع أم حرام وسلمى إلا من عامر بن غنم جدهما الأعلى، وهذه الخؤولة المذكورة لا تثبت بها محرمية، لأنها خؤولة مجازية، وهي
كقوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: «هذا خالي»
لكونه من بني زهرة وهي من أقارب أمه آمنة بنت وهب، وليس سعد أخا لآمنة لا من النسب ولا من الرضاع ثم قال الدمياطي على إنه ليس في الحديث ما يدل على الخلوة بأم حرام، ولعل ذلك كان مع ولد أو خادم أو زوج أو تابع.(10/445)
قال الحافظ: وهو احتمال قوي لكنه لا يدفع الإشكال من أصله لبقاء الملامسة في تفلية الرأس، وكذلك النوم في الحجر قال: وأحسن الأجوبة عندي الخصوصية، فلا يردها كونها لا تثبت إلا بدليل، لأن الدليل على ذلك واضح.
وقال الحافظ الدمياطي: وهم في أم حرام من جعلها من خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أو النسب وأثبت لها خؤولة توجب محرمية لأن أمهاته صلى الله عليه وسلم اللاتي ولدته وأصهاره اللاتي أرضعنه كلهن من مضر وربيعة مرعى ولد إسماعيل وجرهم وقضاعة وخزاعة، ومن بني عامر النجار ومن الأزد ليس فيهن من بني قبيلة الأوس والخزرج سوى أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن عدي بن النجار وحرام وسليم وأم حرام وأم سليم وأم عبد الله، وكلهم أسلم وبايع النبي صلى الله عليه وسلم أولاد ملحان، واسم ملحان: مالك بن خلال بن زيد بن حرام وجندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، فلا يجتمع ملحان وسلمى إلا في عامر بن غنم، وهذه خؤولة بعيدة لا تثبت محرمية، ولا تمنع صالحا، لكن العرب تستعملها كثيرا توسعا
كقوله صلى الله عليه وسلم في سعد بن أبي وقاص ابن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة «هذا خالي، فليرني امرؤ خاله» ،
وآمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة من كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب.
وكقول عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- فقلت: خالي يعني العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وأم عمرو بنت هاشم بن المغيرة بنت عم العاص
كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم دخل على بعض أزواجه بالمدينة فرأى امرأة حسنة فقال: من هذه؟
فقالت: إحدى خالاتك يا رسول الله، فقال: إن خالاتي في هذه الأرض لغرائب من هذه؟
فقالت: هذه خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة فقال:
«سبحان الذي يخرج الحي من الميت» ،
كان أبوها الأسود من المستهزئين، مات كافرا، وهي بنت خاله، ونحوه هذا كثير، إذا كانت أم الرجل من غير قبيلة أبيه كانت قبيلة أمه أخواله على وجه الاستعارة والمجاز، وذكر كلاما ثم قال: فقد ثبت بمجموع ما ذكرنا من الخصائص لأم حرام وأم سليم (رضي الله عنه) وهذا الحكم خاص بهما والله أعلم.(10/446)
الباب الثامن فيما اختص به- صلى الله عليه وسلم- عن أمته من الفضائل والكرامات، وفيه نوعان
الأول: فيما يتعلق بالنكاح. وفيه مسائل:
الأولى:
خص صلى الله عليه وسلم بأن النكاح في حقه عبادة مطلقا كما قال السبكي وهو في حق غيره ليس بعبادة عندنا بل مباح من المباحات والعبادة عارضة له.
الثانية:
وبأن مهر المثل لا يتصور في ابنته، لأنها لا مثل لها نقل عن البكري، وهو حسن بليغ.
الثالثة:
وبتحريم رؤية أشخاص أزواجه في الأزر كما صرح به القاضي عياض، واستدل بما في الموطأ أن حفصة لما توفي عمر سترها الناس عن أن يرى شخصها، وأن زينب بنت جحش لما توفيت جعلت في القبة فوق نعشها لتستر شخصها قلت: قال الحافظ وليس فيما ذكره دليل على ما ادعاه من فرض ذلك عليهم ولقد كن بعد ذلك يخرجن ويعظن، وكانت الصحابة ومن بعدهم يسمعون منهن الحديث وهن مستترات الأبدان لا الأشخاص وفي صحيح البخاري في «الحج» قول ابن جريج لعطاء لما ذكر له طواف عائشة أقبل الحجاب أو بعده قال: أي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب.
الرابعة:
قيل: وبأنهن إذا أرضعن الكبير دخل عليهم، وسائر الناس لا يكون إلا ما كان في الصغر قاله معمر.
الخامسة:
وبأنه كان لهن رضعات معلومات ولسائر النساء رضعات معلومات، قاله طاووس، وورد أنها عشر رضعات لهن، ولغيرهن خمس.
السادسة:
وبأن زوجاته أمهات المؤمنين سواء متن في حياته، أو مات عنهن.
قال الله تعالى وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ [الأحزاب/ 6] قال الإمام الشافعي- رحمه الله تعالى-، وذلك لأنه لا يحل نكاحهن بحال ولا تحرم بناتهن لو كنّ لهن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد زوج بناته وهن أخوات المؤمنين انتهى.
[ومعنى هذا أن إطلاق الأمومة عليهن بالنسبة إلى تحريم نكاحهن ووجوب احترامهن وطاعتهن ولا يثبت لهن حكم الأمومة في جواز النظر والخلوة والمسافرة، ولا في النفقة، والميراث وأمومتهن لا تتعدى إلى أحوال المسلمين وحالاتهم ونقل في الروضة عن البغوي(10/447)
أنهن كن أمهات المؤمنين من الرجال دون النساء [لأن فائدة الأمومة في حق الرجال، وهي النكاح مفقودة في حق النساء] .
رواه ابن أبي حاتم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها-.
السابعة:
قيل وبتحريم خروجهن لحج أو عمرة، ووجوب جلوسهن بعده في البيوت في أحد قولين قال الله تعالى وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب/ 33] .
روى ابن سعد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه في حجة الوداع «هذه الحجة ثم ظهور الحصر»
قال: وكنّ يحججن كلهن إلا سودة وزينب قالتا: لا تحركنا دابة بعد رسول الله.
الثامنة:
وبأن من فارقها في حياته كالمستعيذة وكالتي رأى بكشحها بياضا تحرم على غيره على الأرجح في الروضة، ونص عليه الإمام الشافعي- رضي الله تعالى عنه- في أحكام القرآن.
قال ابن الصلاح: إنه أخذ بظاهر القرآن، وقال وهو ظاهر نص الشافعي- رحمه الله تعالى-.
التاسعة:
وبتحريم نكاح أمة وطأها ومات عنها كأم إبراهيم وإن لم تصر أما للمؤمنين لنقصها (بالرق) [ (1) ] .
العاشرة:
وإن باعها بقي تحريمها.
الحادية عشر:
وبتفضيل زوجاته على سائر النساء، قال الله- سبحانه وتعالى- يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ [الأحزاب/ 32] قال ابن عباس: يريد ليس قدركن عندي مثل قدر غيركن من النساء الصالحات أنتن أكرم علي، وثوابكن أعظم لدي وذلك لما خصهن الله- تعالى- به من خلوة رسوله ونزول الوحي بينهن.
وقيل: لاصطفائهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجا في الدنيا والآخرة.
واختلفوا هل المراد بتفضيلهن على سائر النساء من أهل زمانهن وما بعده أو أعم من ذلك على قولين حكاهما الماوردي والروياني.
الثانية عشر:
وبأنه لا يحل أن يسأل زوجاته صلى الله عليه وسلم إلا من وراء حجاب قال الله- سبحانه وتعالى- وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ [الأحزاب/ 53] .
__________
[ (1) ] سقط في ج.(10/448)
قال القاضي: والنووي في شرح مسلم خصص بفرض الحجاب عليهم بلا خلاف في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا في غيرها.
الثالثة عشر:
وبأن بناته صلى الله عليه وسلم لا يجوز التزوج عليهن.
روى الشيخان عن المسور بن مخرمة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: وهو على المنبر أن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي ابن أبي طالب «فلا آذن، ثم لا آذن ثم لا آذن إلا أن يريد علي بن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها» .
قال الحافظ لا يبعد أن يكون من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم منع التزوج على ابنته انتهى. وبه صرح الشيخ أبو علي السنجي في «شرح التلخيص» أنه يحرم التزوج على بناته صلى الله عليه وسلم.
قال المحب الطبري ولعله يريد من ينسب إليه بالنبوة، ويدل له
ما رواه الإمام أحمد، والحاكم عن عبيد الله بن أبي رافع والطبراني برجال ثقات عن أم بكر بنت المسور- فيحرر حالها- عن المسور بن مخرمة إنه بعث إليه حسن بن حسن يخطب ابنته فقال للرسول قل له:
يوافيني في وقت ذكره فلقيه فحمد الله المسور فقال: والله ما من نسب ولا سبب ولا صهر أحب إلي منكم، وفي لفظ من نسبكم وصهركم، وفي لفظ محبة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها فإنه ينقطع يوم القيامة الأنساب إلا نسبي وشيعتي»
وفي لفظ وعندك ابنتها ولو زوجتك لقبضها ذلك. فاذهب عاذرا له.
قال المحب الطبري: وفي هذا دليل على أن الميت يراعى منه ما يراعى من الحي.
قال الشيخ: فإن أخذ هذا على عمومه فمقتضاه أنه يحرم التزوج على بناته إلى يوم القيامة وفيه وقفه.
الرابعة عشر:
وبأنه أعطى قوة أربعين في الجماع والبطش.
روى البخاري عن قتادة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة وهن إحدى عشرة قلت لأنس أو كان يطيقه، قال: كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين.
روى ابن سعد عن مجاهد وطاووس قالا: أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم قوة أربعين رجلا في الجماع.
وروى الطبراني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلت على الناس بأربع بالسماحة، والشجاعة، وكثرة الجماع، والبطش.(10/449)
وروى عن مقاتل- رضي الله تعالى عنه- قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع وسبعين شابا.
روى الحارث بن أبي أسامة عن مجاهد قال: أعطي قوة بضع أربعين رجلا، كل رجل من أهل الجنة.
وقوة الرجل من أهل الجنة كمائة من أهل الدنيا فيكون أعطي قوة أربعة آلاف، وبهذا يدفع ما استشكل بعضهم، فقال: كيف يعطى قوة أربعين فقط؟ وقد أوتي سليمان قوة مائة أو ألف رجل على ما ورد؟ واحتاج إلى تكلف الجواب عن ذلك.
وروى ابن سعد بسند جيد عن صفوان بن سليم- رضي الله تعالى عنه- مرسلا قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل بقدر فأكلت منها فأعطيت قوة أربعين رجلا في الجماع» وفي لفظ «فما أريد أن آتي النساء ساعة إلا فعلت» .
وروى ابن عدي وابن سعد موصولا بسند واحد.
قال القاضي أبو بكر بن العربي قد آتى الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلم خصيصة عظمى، وهي قلة الأكل، والقدرة على الجماع، فكان أقنع الناس في الغداء تقنعه الفلقة وتشبعه التمرة، وكان أقوى الناس على الوطء.
النوع الثاني فيما يتعلق بغير النكاح وفيه مسائل:
الأولى:
خص صلى الله عليه وسلم بأنه كان ينظر من وراء ظهره كما ينظر قدامه.
روى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل ترون قبلتي ها هنا؟ فو الله لا يخفى على ركوعكم وخشوعكم وإني لأراكم من وراء ظهري» .
ورواه الإمام مالك وأحمد عنه بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إني لأنظر من ورائي كما أنظر إلى ما بين يدي فصفوا صفوفكم وأحسنوا ركوعكم»
والأحاديث في ذلك كثيرة.
وقال المحققون: والصواب أن هذه الأحاديث على ظاهرها، وأن هذا الإبصار إدراك حقيقي خاص به صلى الله عليه وسلم انخرقت له فيه العادة، وهو مقتضى صنيع البخاري، حيث اخرج هذا الحديث في علامات النبوة، وكذا نقل عن الإمام أحمد وغيره وهو ظاهر
رواية مسلم «إني لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي»
ثم ذلك الإدراك يجوز أن يكون برؤية عنه انخرقت له العادة فيه أيضاً، فكان يرى بها من غير مقابلة، لأن الحق عند أهل السنة أن الرؤية لا يشترط لها(10/450)
عقلا عضو مخصوص ولا مقابلة ولا قربا وإنما ذلك أمور عادية يجوز حصول الإدراك مع عدمها عقلا ولذلك حكموا بجواز رؤية الباري- سبحانه وتعالى- في الدار الآخرة خلافا لأهل البدع.
وقيل: كان بين كتفيه عينان مثل سم الخياط بيصر بهما لا يحجبهما ثوب ولا غيره.
نقله الزاهدي نجم الدين مختار بن محمود الحنفي «شارح القدوري» في «رسالته الناصرية» .
الثانية:
وتطوعه بالصلاة قاعدا بلا عذر كتطوعه قائما صلى الله عليه وسلم.
روى مسلم وأبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قالت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يصلي جالسا فقلت: يا رسول الله إنك قلت صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة قائما وأنت تصلي قاعدا؟ قال «أجل ولكني لست كأحد منكم» .
قال النووي:
قوله صلى الله عليه وسلم «لست كأحد منكم»
عند أصحابنا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلت نافلته قاعدا مع القدرة على القيام كنافلته قائما تشريفا له كما خص بغيرها، وقال القاضي معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم لحقه مشقة شديدة من القيام لحطم الناس والسن وكان أجره تاما بخلاف غيره ممن لا عذر له.
قال النووي: هذا ضعيف أو باطل، لأن غيره صلى الله عليه وسلم أن كان معذورا فثوابه أيضاً كامل وإن كان هو أيضاً قادر على القيام فليس هو كالمعذور يبقى فيه تخصيص فلا يحسن على هذا التقدير: لست كأحد منكم وإطلاق هذا القول، فالصواب ما قاله أصحابنا: إن نافلته صلى الله عليه وسلم قاعدا مع القدرة على القيام ثوابها كثوابه قائما وهو من الخصائص وتعقبه الزركشي مما لا يساوي سماعه.
الثالثة:
وبأن عمله له نافلة.
روى الإمام أحمد بسند صحيح عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها سئلت عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أتعملون كعمله فإنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كان عمله له نافلة.
وتقدمت أحاديث في المسألة السابعة والعشرين من فضل الواجبات ما يتعلق بذلك
الرابعة:
وبأن المصلي يخاطبه بقوله: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ولا يخاطب سائر الناس وهو ثابت في حديث التشهد ومخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم بذلك واجبة على الصحيح.
قال السبكي السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم على نوعين:(10/451)
الأول: ما يقصد به الدعاء بالتسليم عليه من الله سواء كان بلفظ الغيبة أو الحضور كقولنا عليه الصلاة والسلام ويا رسول الله صلى الله عليك وسلم أو عليك الصلاة والسلام سواء كان من الغائب عنه أو الحاضر عنه، وهذا هو الذي قيل باختصاصه صلى الله عليه وسلم عن الأمة حتى لا يسلم على غيره من الأمة: إلا تبعا كالصلاة عليه فلا يقال فلان- عليه السلام-.
الثاني: ما يقصد به التحية كسلام الزائر إذا وصل إلى قبره وهو غير مختص به بل يعم الأمة وهو الرد على المسلم بنفسه أو برسوله فيحصل ذلك منه صلى الله عليه وسلم، وأما الأول: فالله أعلم فإن ثبت امتاز الثاني بالقرب والخطاب وإلا فقد جزم من يرد هذه الفضيلة وهو مقتضى ما فسر به الحديث الإمام الجليل أبو [ (1) ] عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقبري أحد أكابر شيوخ البخاري حيث قال
في قوله: «ما من أحد يسلم علي»
الحديث هذا في الزيارة
«إذا زارني فسلم علي رد الله علي روحي حتى أرد عليه» ،
وأما حديث
«أتاني ملك فقال يا محمد أما يرضيك أن لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا»
فالظاهر أنه في السلام على النوع الأول.
الخامسة
وبتحريم رفع الصوت على صوته، قال الله- سبحانه وتعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ [الحجرات/ 2] فنهى الله تعالى عن رفع الصوت فوق صوته وشدد النهي بقوله أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ [الحجرات/ 2] لارتكابكم لهذا الذنب فدل ذلك على أنه حرام بل كبيرة، لأنه توعدهم على ذلك بإحباط العمل.
قال الإمام الرازي والأصح أن المراد به رفع الصوت حقيقة لأن رفع الصوت دليل على قلة الاحتشام وترك الاحترام.
قال العلماء: ومعنى الآية الأمر بتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيره وخفض الصوت بحضرته وعند مخاطبته أي إذا نطق ونطقتم فعليكم ألا تبلغوا بأصواتكم وراء الحد الذي يبلغه بصوته وأن تغضوا منها بحيث يكون كلامه غالبا لكلامكم وجهره باهرا لجهركم حتى تكون مزيته عليكم لائحة وسابقته واضحة.
قال القرطبي: في تفسيره وليس الغرض برفع الصوت ولا الجهر ما يقصد به الاستخفاف والاستهانة، لأن ذلك كفر والمخاطبون مؤمنون وإنما الغرض صوت هو في نفسه والمسموع من حرسه غير مناسب لما يهاب به العظماء ويوقر به الكبراء فيتكلف الغض منه
__________
[ (1) ] في ج ابن.(10/452)
ورده إلى حد يميل به إلى ما يستبين فيه المأمور به من التعزيز والتوقير، ولم يتناول النهي أيضاً رفع الصوت الذي يتأذى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما كان منهم في حرب أو مجادلة معاند أو إرهاب عدو أو ما أشبه ذلك.
تنبيه:
قال القاضي أبو بكر بن العربي: حرمة النبي صلى الله عليه وسلم ميتا كحرمته حيا، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثال كلامه المسموع من لفظه، فإذا قرئ كلامه وجب على كل حاضر ألا يرفع صوته عليه، ولا يعرض عنه كما كان يلزمه، ذلك في مجلسه عند تلفظه به وقد نبّه الله تعالى على دوام الحرمة المذكورة على مرور الأزمنة بقوله تعالى وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا [الأعراف/ 204] وكلام النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي وله من الحكمة مثل ما للقرآن إلا معاني مستثناة، ببيانها في كتب الفقه فإذا كان رفع الصوت فوق صوته يحبط العمل فما الظن برفع الأمراء ونقائح الأفكار على سننه وما جاء به.
السادسة:
وبأن أصحابه إذا كانوا معه على أمر جامع كخطبة وجهاد ورباط لم يذهب أحد منهم في حاجة حتى يستأذنوه أي لم يذهب أحد في حاجة حتى يستأذنه.
كما قال الله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ [النور/ 62] فإذا كان هذا مذهبا مقيدا، أرضا فيه لحاجة لم يوسع لهم فيه إلا بإذنه فكيف بمذهب مطلق في تفاصيل الدين، أصوله وفروعه دقيقة وجليلة هل يشرع الذهاب إليه بدون استئذان فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل/ 43] .
السابعة:
وبتحريم ندائه من وراء الحجرات كما قال الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [الحجرات 4] .
وجه الاستدلال أن الله تعالى وصف فاعل ذلك بعدم العقل أي عقل الأحكام الشرعية فدل على أن من الأحكام الشرعية أن لا يناديه من وراء الحجرات.
الثامنة:
وبتحريم ندائه باسمه مثل يا محمد يا أحمد، ولكن ينادى يا نبي الله، يا رسول الله، يا خيرة الله ونحو ذلك قال الله تعالى لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور/ 63] .
قال سعيد بن جبير ومجاهد بلغني قولوا يا رسول الله في رفق ولين، ولا تقولوا يا محمد بتهجم.(10/453)
تنبيهان:
الأول: روى البخاري عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا من أهل البادية جاء فقال يا محمد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك ... الحديث. فيحمل هذا على احتمال أنه كان قبل النهي عن ذلك.
الثاني: هل يجوز نداؤه صلى الله عليه وسلم بالكنية واللقب؟ قال القاضي جلال الدين ظاهر قول الشيخين يقتضي المنع بل نقول: يا نبي الله، يا رسول الله، من النداء بالكنية واللقب ولكنه محل نظر، وتقدم في الكلام على كناه من باب الأسماء ما يقتضي أنه كان يجوز النداء بالكنية، لأنه لو كان حراما لما
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي» .
وروى الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوما يمشي بالبقيع فسمع رجلا يقول يا أبا القاسم، فرد رأسه إليه فقال الرجل: يا رسول الله لم أدعك إنما دعوت فلانا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي» .
فأفهم هذا جواز النداء بالكنية لأنه نهى عن التكني بها لئلا يحصل الالتفات منه صلى الله عليه وسلم والمراد غيره، وأما الاسم وإن كان النداء لغيره صلى الله عليه وسلم ممكنا، إلا أن الالتفات منه صلى الله عليه وسلم لا يحصل، لأنه محرم على العباد النداء بالاسم.
التاسعة:
وبتحريم التقدم بين يديه صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل، وهو ذكر الرأي عنده، أو فعله، قبل رأيه صلى الله عليه وسلم، قال الله- تبارك وتعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات/ 1] لأن من قدم قوله أو فعله، على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قدم على الله، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يأمر من أمر الله، والمعنى لا تقطعوا أمرا دون الله ورسوله ولا تعجلوا به، لأن «بين اليدين» ها هنا الإمام والقدام فتضمن حمله على قدام الأمر والنهي، فقدم هنا بمعنى تقدم كما في قولهم بين وتبين وفكر وتفكر، وهذا باق إلى يوم القيامة لم ينسخ فالتقدم بين يدي نبيه، بعد وفاته كالتقدم بين يديه في حياته لا فرق بينهما عند ذي عقل سليم.
العاشرة:
وبأنه صلى الله عليه وسلم كان يستشفى به، كذا قاله الرافعي وهو شامل لذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا كدعائه ومس يده والغسل بريقه والتمسح بفضل وضوئه ونخامته وعرقه، وهذا أمر مشهور وقد تقدم بيان ذلك في المعجزات.
فإن قيل ما وجه الخصوصية في ذلك وغيره من الأولياء قد كان يستشفى بدعائه ولمس يده وبريقه وشعره وعرقه ويتبرك بذلك؟
فالجواب عن ذلك أن هذا الاستشفاء من النبي صلى الله عليه وسلم متيقن الإجابة بخلاف غيره، فإنه مظنون وقد تتخلف الخصوصية في اليقين.(10/454)
الحادية عشرة:
وبأن النجس منا طاهر منه.
الثانية عشر:
ويستسقى به.
روى البزار والطبراني والحاكم والبيهقي بسند حسنه الشيخ عن عبد الله بن الزبير قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني الدم فقال: «اذهب فغيبه» فذهبت فشربته، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي «ما صنعت؟» قلت غيبته قال «لعلك شربته» قلت شربته.
وروى الدارقطني في السنن عن أسماء بنت أبي بكر قالت ان النبي صلى الله عليه وسلم احتجم فدفع دمه إلى ابني فشربه، فأتاه جبريل فأخبره فقال «ما صنعت؟» قال كرهت أن أصب دمك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تمسك النار، ومسح على رأسه وقال: «ويل للناس منك وويل لك من الناس» .
وروى الحاكم عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال شج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فتلقاه أبي فلحس الدم عن وجهه بفمه وازدرده فقال النبي صلى الله عليه وسلم «من سره أن ينظر إلى رجل خالط دمه دمي فلينظر إلى مالك بن سنان» .
ورواه سعيد بن منصور عن عمرو بن السائب مرسلا وروى البزار وأبو يعلى وابن أبي خيثمة والبيهقي في السنن والطبراني عن سفينة قال: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال خذ هذا الدم فادفنه من الدواب والطير والناس فذهبت فشربته ثم جئت فقال ما صنعت؟ فأخبرته فضحك.
ورواه ابن عدي من طريق شريح بن يونس ثنا ابن أبي فديك ثنا برية بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده بلفظ خذ هذا الدم فادفنه من الدواب والطير أو قال الناس والدواب شك ابن أبي فديك.
ورواه أبو الحسن بن الضحاك قال: حدثنا أبو الحكم حدثنا أبو الغنائم حدثنا عبد الله بن عبيد الله أنبأنا أبو عبد الله المحاملي أنبأنا علي بن شعيب أنبأنا ابن أبي فديك فذكره.
وروى أبو يعلى والطبراني والدارقطني والحاكم وأبو نعيم عن أم أيمن- رضي الله تعالى عنها- قالت قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل إلى فخارة فبال فيها، فقمت من الليل وأنا عطشانة فشربت ما فيها، فلما أصبح أخبرته فضحك وقال «أما إنك لا يتجعن بطنك أبدا» ولفظ أبي يعلى «أنك لن تشتكي بطنك بعد يومك هذا أبدا» .
وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول في قدح من عيدان ثم يوضع تحت سريره، فجاء فإذا القدح ليس فيه شيء فقال لامرأة يقال لها بركة كانت تخدم أم حبيبة جاءت بهم من أرض الحبشة فقال «أين البول الذي كان في القدح؟» قالت شربته قال: «صحة يا أم يوسف» وكانت تكنى أم يوسف، فما مرضت قط حتى ماتت فيه،(10/455)
وصحح ابن دحية أنهما قضيتان وقعتا لامرأتين وهو واضح من اختلاف السياق وصحح أن بركة أم يوسف غير بركة أم أيمن، وهو الذي ذهب إليه شيخ الإسلام البلقيني كما دل عليه كلامه في «التدريب» .
وروى الطبراني والبيهقي بسند صححه الشيخ عن حكيمة بنت أميمة عن أمها قالت: كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يبول فيه ويضعه تحت سريره، فقام فطلبه فسأل عنه فقال أين القدح: فقالوا: شربته برة خادم أم سلمة التي قدمت معها من أرض الحبشة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لقد احتظرت من النار بحظار» .
وموضوع الدلالة من هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على ابن الزبير ولا أم أيمن ولا من فعل مثل فعلها، ولا أمرهم بغسل الفم، ولا نهاهم عن العود إلى مثله، ومن حمل ذلك على التداوي، قيل له
قد أخبر صلى الله عليه وسلم «إن الله يجعل شفاء أمته فيما حرم عليها» رواه ابن حبان في صحيحه فلا يصح حمل الأحاديث على ذلك بل هي ظاهرة في الطهارة.
الثالثة عشر:
وبأن من زنا بحضرته واستهان به كفر.
قال الرافعي:
والدليل على ذلك قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفتح/ 8، 9] قال المفسرون معنى تعزروه أي تعظموه وتفخموه فالضمير عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فالوقف تام بقوله تسبحوه أي تسبحوا الله تعالى بكرة وأصيلا فيكون معنى الكلام راجعا إلى الله- عز وجل- وهو وسبحوه من غير خلاف ويكون بعض الكلام راجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو التوقير والتعظيم وهو من باب اللف والنشر المشوش.
فكما أن النبي صلى الله عليه وسلم يرسل إلى الخلق كافة ليأمرهم بالإيمان كذلك هو مرسل إليهم ليأمرهم بنصرته وتوقيره فمن خالف موجب ذلك كفر.
تنبيه
قال النووي- رحمه الله تعالى- وفي مسألة المزني نظر قال- الجلال البلقيني: مراده بذلك أن لا يكون الزاني قاصدا للاستهانة فمن قصد الاستهانة فالحق أنه لا نظر في ذلك، لأنه لا يتضمن استهانة له في ذلك ولا نظر إلى الزاني الخالي عن قصد [لعدم النية من الشخص: وفي هذا نظر] .
فالفعل نفسه استهانة فلا حاجة إلى القصد معه وإن لم يكن قاصدا لها، لأن ترك الاستحياء من الشخص استهانة له فلا حاجة إلى القصد معه.(10/456)
الرابعة عشر:
وبأن من سبه وهجاه يقتل.
روى الحاكم والبيهقي- رضي الله تعالى عنه- عن أبي بردة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا سب أبا بكر- رضي الله تعالى عنه- فقلت ألا أضرب عنقه يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال ليست هذه لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى أبو داود والبيهقي عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن يهودية كانت تشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دمها.
وروى مسدد عن أبي إسحاق الهمداني رحمه الله تعالى قال كان رجل من المسلمين ذاهب البصر يأوي إلى يهودية وكانت حسنة الصنع إليه، وكانت تسب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكرته فنهاها فأبت أن تفعل فقتلها، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم دمها.
وروى الحارث برجال ثقات. عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أنه مر براهب فقيل له: إن هذا سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لو سمعته لضربت عنقه إنا لم نعطهم العهد على أن يسبوا نبينا.
وروى أبو يعلى بسند صحيح عن كعب بن علقمة أن عرفة بن الحارث وكانت له صحبة- رضي الله عنه- مر على رجل كان يلبس كل يوم ثوبا أو قال حلة لا تشبه الأخرى فلبس في السنة ثلاثمائة وستين ثوبا وكان له عهد فدعاه عرفة إلى الإسلام فغضب فسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله عرفة فقال له عمرو بن العاص: إنهم إنما يعظمون للعهد ما عهدناهم أن يؤذونا في الله ورسوله الحديث.
الخامسة عشر:
وبأن السب في حقه بالتعريض كالتصريح بخلاف غيره نقله الرافعي عن الإمام، وقال لا خلاف فيه.
السادسة عشر:
وبوجوب إجابته على المصلي إذا دعاه ولا تبطل صلاته وكذا الأنبياء.
روى الإمام أحمد والبخاري عن أبي سعيد بن المعلى- رضي الله تعالى عنه- قال كنت أصلي فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني فلم أجبه، وفي رواية فلم آته حتى صليت ثم أتيته فقال: «ما منعك أن تأتي ألم يقل الله تعالى: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ [الأنفال/ 24] .
وروى الإمام أحمد والنسائي وابن خزيمة والترمذي وصححه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على أبي بن كعب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبي وهو يصلي(10/457)
فالتفت أبي فلم يجبه وصلى أبي فخفف ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما منعك يا أبي أن تجيبني إذ دعوتك» فقال: يا رسول الله كنت في الصلاة، قال: «أفلم تجد فيما أوحي إلي أن اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ»
الحديث.
فظهر بهاتين القصتين وجوب الإجابة.
قال القاضي جلال الدين وأما كونه لا تبطل الصلاة فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالإجابة ولو كان في صلاة مفروضة أو نافلة لأن ترك الاستفصال في وقائع الأحوال ينزل منزلة العموم من المقال، فلو كان ذلك مبطلا للصلاة مطلقا لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، لأن قطع الصلاة بعد الشروع فيها إذا كانت فرضا حرام فإذا لم يكن هنالك ما يوجب ذلك كأن وجد أعمى وقدامه نحو بئر يقع فيه وجب إعلامه، وتبطل بذلك لقوله تعالى وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ [محمد/ 33] وذكر الإجابة بين في حديث أبي بن كعب.
وأما حديث أبي سعيد ففيه ذكر الإتيان، والظاهر أنه محمول على الإجابة كما في الرواية الأخرى التي للبخاري فيكون من روى علم أنه روى بالمعنى والمعنى مشى في الصلاة والمشي مبطل فبطلت. قلت كلام الروضة كما قال شيخنا شيخ الإسلام زكريا في «شرح الروضة» شامل للإباحة بالفعل وإن كثر، صحت ولا تبطل به الصلاة.
وقال الأسنوي وهو المتجه والله تعالى أعلم.
وإذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم شخصا في الصلاة وكان ذلك في منزله دعاية له ولو قال يا فلان كما أشار إليه ابن حبان واستحسنه القاضي جلال الدين.
قال الخضري ومحل وجوب الإجابة على لفظ يفهم عنه الجواب بأن يقول نعم ولبيك يا رسول الله وأما الزيادة على ذلك فلا تظهر لي فيه الجواز ولم أر من تعرض لذلك.
السابعة عشرة:
وبأن أولاد بناته ينسبون إليه صلى الله عليه وسلم وأولاد غيره لا ينسبون إليه في الكفاءة ولا في غيرها.
روى أبو نعيم في ترجمة عمر عنه في أثناء حديث رفقة قال: وكل ولد آدم كان عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم.
قال الحافظ أبو الخير السخاوي- رحمه الله تعالى- في فتاويه رجاله موثقون وللحديث شواهد رواه الطبراني في «الكبير» من طريق عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن شيبة بن نعامة عن فاطمة ابنة الحسين عن جدتها فاطمة الكبرى والخطيب من طريق محمد بن أحمد بن يزيد بن أبي العوام قال حدثنا أبي قال: حدثنا جرير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.(10/458)
وروى الحاكم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل نبي أم عصبة إلا بني فاطمة أن وليهما وعصبتهما.
الثامن عشر:
كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلا نسبه صلى الله عليه وسلم وسببه.
روي عن عبد الله ابن الإمام أحمد بسند قال الذهبي صالح عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وسببي وصهري.»
روى الحاكم والبيهقي عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- أنه خطب إلى علي أم كلثوم فتزوجها فأتى عمر المهاجرين فقال: ألا تهنئوني بأم كلثوم ابنة فاطمة. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا ما كان من سببي ونسبي»
فأحببت أن يكون بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب ونسب.
وروى الإمام أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي والضيا في المختارة عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- وابن حبان عن ابنه عبد الله والطبراني وأبو نعيم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وسببي وصهري»
قيل: ومعنى ذلك أن أمته ينسبون إليه يوم القيامة وأمة سائر الأنبياء لا ينسبون إليهم.
قال القاضي جلال الدين البلقيني وهو مردود بما في الصحيح من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحي نوح وأمته فيقول الله هل بلغت فيقول نعم أي رب فيقول لأمته هل بلغكم ...
الحديث.
وهذا صريح في نسبة أمة نوح إليه يوم القيامة ومعناه أنه ينتفع به من ينسب إليه ولا ينقطع بسائر الأنساب قال وهو الذي يظهر.
التاسعة عشر:
بحرمة التكني بكنيته مع جواز التسمية باسمه.
العشرون:
وبعدم جواز الجنون على الأنبياء.
الحادية والعشرون:
وبعدم جواز الإغماء الطويل فيما ذكره الشيخ أبو حامد من تعليقه، وجزم به البلقيني في «حواشي الروضة» .
الثاني والعشرون:
وبأن إغماءهم يخالف إغماء غيرهم كما خالف نومهم نوم غيرهم قال الله سبحانه وتعالى: ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [القلم/ 2] .. والأنبياء لم يزالوا على وصف الكمال من العلم بالله تعالى ولو أمكن الجنون والإغماء الطويل في حقهم لكانوا في حال من الأحوال جاهلين بالله تعالى ويفتتح أيضاً باب الطعن عليهم.(10/459)
الثالثة والعشرون:
وبعدم جواز الاحتلام عليهم على الصواب فإنه من تلاعب الشيطان.
وروى الطبراني والدينوري في المجالسة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال:
ما احتلم نبي قط وإنما الاحتلام من الشيطان» .
الرابعة والعشرون:
وبأن الأرض لا تأكل لحومهم كما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة عن أوس بن أوس الثقفي مرفوعا وسيأتي الكلام عليه في باب حياته صلى الله عليه وسلم في قبره بعد الوفاة.
الخامسة والعشرون:
وبأن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم كبيرة وليس كالكذب على غيره في تشديد الحرمة كما في الصحيحين عن المغيرة بن شعبة وقد جاء في حديث التحذير من الكذب عليه صلى الله عليه وسلم من طرق جماعة من الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- حتى قال النووي- رحمه الله تعالى- أنه قيل جاء عن مائتين من الصحابة، ولا فرق في تحريم الكذب عليه بين ما كان من الأحكام وما لا حكم فيه كالترغيب والترهيب، والمواعظ وغير ذلك وكله حرام من أكبر الكبائر وأقبح القبائح بإجماع من يعتد به وبأن من كذب عليه عمدا من غير استحلال يكفر ويراق دمه قاله الشيخ أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين، والجمهور على خلافه وأنه لا يكفر إلا إذا استحل ذلك.
السادسة والعشرون:
وبأن من رآه في المنام فقد رآه حقا فإن الشيطان لا يتمثل في صورته كما رواه البخاري عن أنس والشيخان عن أبي قتادة والبخاري عن أبي سعيد ومسلم عن جابر والشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال القضاعي هذه الخصوصية مما خص به النبي صلى الله عليه وسلم ومن غيره من الأنبياء.
وقال الشيخ أكمل الدين في «شرح المشارق» ذكر المحققون أن هذا المعنى خاص به صلى الله عليه وسلم وقالوا في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم وإن ظهر بجميع أحكام الحق وصفاته تخلقاً وتحققاً فإن من مقتضى مقام رسالته وإرشاده للخلق ودعوته إياهم إلى صفات الحق الذي أرسله إليهم هو أن يكون الأظهر فيه حكماً وسأظنه من صفات الحق وأسمائه صفة الهداية، والاسم الهادي كما أخبر تعالى عن ذلك بقوله.. وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى/ 52] فهو- عليه الصلاة والسلام- صورة الاسم الهادي ومظهر صفات الهادي والشيطان مظهرا لاسم المضل والظاهر بصفة الضلالة فهما ضدان ولا يظهر أحدهما بصورة الآخر فالنبي صلى الله عليه وسلم خلقه الله تعالى للهداية فلو ساغ ظهور إبليس في صورته زال الاعتماد بكل ما يبديه الحق ويظهره لمن شاء هدايته به فلهذه الحكمة عصم الله تعالى صورة النبي صلى الله عليه وسلم من أن يظهر بها شيطان.
فإن قيل: عظمة الحق سبحانه وتعالى أتم من عظمة كل عظيم فكيف اعتاض على(10/460)
إبليس أن يظهر بصورة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن إبليس اللعين قد تراءى لكثيرين وخاطبهم بأنه الحق طلبا لإضلالهم، وقد أضل جماعة بمثل هذا- حتى ظنوا أنهم رأوا الحق وسمعوا خطابه.
فالجواب من وجهين أحدهما: أن كل عاقل يعلم أن الحق- سبحانه وتعالى- ليست له صورة معينة توجب الاشتباه بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه ذو صورة معينة معلومة مشهورة.
والثاني: أن مقتضى حكم الله تعالى أنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فإنه متصف بصفة الهداية، وظاهر بصورتها فوجب عصمة صورة النبي صلى الله عليه وسلم من أن يظهر بها شيطان لبقاء الاعتماد، وظهور حكم الهداية فيمن شاء الله هداية به صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو بكر بن الطيب: المراد
بقوله «من رآني في المنام فقد رآني»
أن رؤياه صحيحة، لا تكون أضغاثا، ولا تكون من تشبيهات الشيطان قال: ويعضده قوله في بعض طرقه «فقد رأى الحق» وفي قوله «فإن الشيطان لا يتمثل بي» إشارة إلى أن رؤياه لا تكون أضغاثا.
وقال القاضي عياض: يحتمل أن يكون معنى الحديث إذا رآه على الصفة التي كان عليها في حياته لا على صفة مضادة لحاله فإن رآه على غيرها كانت تأويلا لا رؤيا حقيقية، فإن من الرؤيا ما يخرج على وجهه ومنها ما يحتاج إلى تأويل.
قال النووي وهذا الذي قاله ضعيف بل الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها كما ذكره المازري قال الحافظ: وهذا الذي رده النووي روى عن ابن سرين أمام المعبرين اعتباره فقد روى: إسماعيل بن إسحاق بسند صحيح عن أيوب قال كان محمد- يعني- ابن سيرين إذا قص رجل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال صف الذي رأيته فإن وصف له صبغة لم يعرفها قال لم تره والذي قاله القاضي توسط حسن ويمكن الجمع بينه وبين ما قاله المازري، بأن تكون رؤياه على الحالين حقيقة لكن إذا كان على صورته كأن يرى في المنام على ظاهره لا يحتاج إلى تعبير، وإن كان على غير صورته كان النقص من جهة الرأي لتخيله الصفة على غير ما هي عليه ويحتاج ما يراه في ذلك المنام إلى التعبير وعلى ذلك جرى علماء التعبير فقالوا: إذا قال الجاهل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يسأل عن صفته فإن وافق الصفة المرئية وإلا فلا يقبل منه.
قال الحافظ: وذهب الشيخ ابن أبي جمرة إلى ما اختاره النووي فقال بعد أن حكى الخلاف، ومنهم من قال إن الشيطان لا يتصور على صورته أصلا فمن رآه في صورة حسنة فذلك حسن، في دين الرائي، وإن كان في جارحة من جوارحه شين أو نقص، فذلك خلل في الرائي من الدين، قال: وهذا هو الحق وقد جرب ذلك فوجد على هذا الأسلوب وبه تحصل الفائدة الكبرى في رؤياه حتى يتبين للرائي هل عنده خلل أولا لأنه صلى الله عليه وسلم نوراني مثل المرآة(10/461)
الصقيلة ما كان في الناظر إليها من حس أو غيره تصور فيها وهي في ذاتها على أحسن حال لا نقص فيها ولا شين وكذلك يقال في كلامه صلى الله عليه وسلم في النوم إنه يعرض على سنة فما وافقها فهو حق، وما خالفها فالخلل في سمع الرائي فرؤيا الذات الكريمة حق والخلل إنما هو في سمع الرائي، أو بصره.
قال: وهذا خير ما سمعته في ذلك.
قال الحافظ: ويظهر لي في التوفيق بين جميع ما ذكروه أن من رآه على صفة أو أكثر مما يختص به فقد رآه ولو كانت سائر الصفات مخالفة وعلى ذلك فتفاوت رؤيا من رآه فمن رآه على هيئته الكاملة فرؤياه الحق الذي لا تحتاج إلى تأويل وعليها يتنزل قوله «فقد رأى الحق» ومهما نقص من صفاته فيدخل التأويل بحسب ذلك، ويصح إطلاق أن كل من رآه في أي حالة من ذلك فقد رآه حقيقة وقال الغزالي: ليس معنى قوله «رآني» أنه رأى جسمي وبدني وإنما المراد أنه رأى مثالا صار ذلك المثال آلة يتأدى بها المعنى الذي في نفسي إليه، وكذلك قوله «فسيراني في اليقظة» وليس المراد أنه يرى جسمي وبدني قال والآلة تارة تكون حقيقية، وتارة تكون خيالية والنفس غير المثال المتخيل فما رآه من الشكل ليس هو روح المصطفى ولا شخصه، بل هو مثال له على التحقيق، قال ومثل ذلك من يرى الله- سبحانه وتعالى- في المنام قال فإن ذاته منزهة من الشكل والصورة، ولكن تنتهي تعريفاته إلى العبد بواسطة مثال محسوس، من نور أو غيره ويكون ذلك المثال حقا في كونه واسطة في التعريف، فيقول: الذي رأيت الله تعالى في المنام لا يعني رأيت ذات الله كما تقول في حق غيره.
وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري، ما حاصله: أن رؤياه على غير صفته لا تستلزم إلا أن يكون هو فإنه لو رأى الله تبارك وتعالى على وصف يتعالى عنه وهو يعتقد أنه منزه عن ذلك ويقدح في رؤيته، بل تكون لتلك الرؤيا ضرب من التأويل.
وقال الطيبي: المعنى من رآني في المنام بأي صفة كانت فليستبشر ويعلم أنه رآني الرؤيا الحق التي هي من الله تعالى وهي مبشرة لا الباطل الذي هو الحلم المنسوب للشيطان فإن الشيطان لا يتمثل بي، وكذا أقوله فقد رأى الحق أي رؤية الحق للباطل، وكذا قوله: «فقد رآني» فإن الشرط والجزاء إذا اتحدا دل على الغاية في الكمال أي فقد رآني رؤيا ليس بعدها شيء وذكر الشيخ أبو محمد ابن أبي جمرة ما ملخصه أنه يؤخذ من
قوله «فإن الشيطان لا يتمثل بي»
أن من تمثلت صورته صلى الله عليه وسلم في خاطره من أرباب القلوب وتصور له في عالم سره أنه يكلمه، إن ذلك يكون حقا، بل ذلك أصدق من مرأى غيرهم لما من الله تعالى به عليهم من تنوير قلوبهم.(10/462)
وقال القرطبي: اختلف في معنى هذا الحديث فقال قوم: هو على ظاهره فمن رآه في النوم رآه على حقيقته كمن رآه في اليقظة سواء قال: وهذا قول يدرك فساده بأوائل العقول، ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها وأن لا يراه رئيان في آن واحد في مكانين وأن يحيى الآن ويخرج من قبره، ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس، ويخاطبوهم ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده فلا يبقى من قبره فيه شيء فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب، لأنه جائز أن يرى في الليل وفي النهار مع اتصال على حقيقته في غير قبره وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من عقل.
وقالت طائفة معناه: أن من رآه على صورته التي كان عليها ويلزم منه أن من رآه على غير حقيقته أن تكون رؤياه من الأضغاث، ومن المعلوم أنه يرى في النوم على حالة تخالف حالته في الدنيا من الأحوال اللائقة به، وتقع تلك الرؤيا حقا كما لو رؤي ملأ دارا بجسمه مثلا فإنه يدل على امتلاء تلك الدار بالخير ولو تمكن الشيطان من التمثيل بشيء مما كان عليه أو ينسب إليه لعارض عموم
قوله «فإن الشيطان لا يتمثل بي»
فالأولى أن تنزه رؤياه وكذا رؤيا شيء منه، أو مما ينسب إليه عن ذلك. فهو أبلغ في الحرمة وأليق بالعصمة، كما عصم من الشيطان في يقظته.
قال والصحيح في تأويل هذا الحديث أن مقصوده أن رؤيته في كل حالة ليست باطلة ولا أضغاثا بل هي حق في نفسها لو رؤي على غير صورته فتصور تلك ليس من الشيطان بل هو من قبل الله تعالى ويؤيده قوله «فقد رأى الحق» أي رأى الحق الذي قصد إعلام الرائي فإن كانت على ظاهرها وإلا سعى في تأويلها ولا يهمل أمرها لأنها إما بشرى بخير أو إنذار من شر إما ليخيف الرائي وإما لينزجر عنه وإما لينبه على حكم يقع له في دينه أو دنياه.
تنبيهان:
أحدهما: وقع في
حديث أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- في الصحيحين «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي» وكذا رواه الطبراني من حديث مالك بن عبد الله الخثعمي ومن حديث أبي بكرة والدارمي من حديث أبي قتادة- رضي الله تعالى عنه-
وزاد مسلم من حديث أبي هريرة «أو فكأنما رآني في اليقظة»
هكذا بالشك ووقع عند الإسماعيلي في الطريق المذكور «فقد رآني في اليقظة» بدل قوله «فسيراني» ومثله في حديث ابن مسعود عن ابن ماجه وصححه الترمذي وأبو عوانة ووقع عند ابن ماجة من حديث أبي جحيفة فكأنما رآني في اليقظة.
قال ابن بطال معنى فسيراني في اليقظة، يريد تصديق تلك الرؤيا في اليقظة وصحتها،(10/463)
وخروجها على الحق وليس المراد أنه يراه في الآخرة لأنه سيراه يوم القيامة في اليقظة فتراه جميع أمته من رآه في النوم ومن لم يره منهم فهذه ثلاثة ألفاظ: «فسيراني في اليقظة» ، «فكأنما رآني في اليقظة» ، «فقد رآني في اليقظة» .
قال ابن التين المراد من آمن به في حياته ولم يره لكونه حينئذ غائبا عنه فيكون بهذا مبشرا لكل من آمن به ولم يره إنه لا بد أن يراه في اليقظة قبل موته قاله القزاز.
وقال المازري إن كان المحفوظ «فكأنما رآني في اليقظة» فمعناه ظاهر وإن كان المحفوظ «فسيراني في اليقظة» احتمل أن يكون أراد أهل عصره ممن يهاجر إليه فإنه إذا رآه في المنام جعل ذلك علامة على أن يراه بعد ذلك في اليقظة، وأوحى- الله تعالى- بذلك إليه صلى الله عليه وسلم قال القاضي: قيل معناه سيرى تأويل تلك الرؤيا في اليقظة وصحتها وقيل معنى الرؤية في اليقظة أنه سيراه في الآخرة وتعقب بأن يراه في الآخرة جميع أمته من رآه في المنام ومن لم يره يعني فلا يبقى لخصوص رؤيته في المنام مزية، وأجاب القاضي باحتمال أن تكون رؤياه له في النوم على الصفة التي عرف بها ووصف عليها موجبة لتكرمته في الآخرة، وأن يراه رؤية خاصة من القرب منه أو الشفاعة له بعلو الدرجة ونحو ذلك من الخصوصيات قال ولا يبعد أن يعاقب الله بعض المذنبين يوم القيامة بمنع رؤية نبيه صلى الله عليه وسلم وحمله الشيخ أبي محمد بن أبي جمرة على محل آخر فذكر عن ابن عباس أو غيره أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فبقي بعد أن استيقظ متفكرا في هذا الحديث فدخل على بعض أمهات المؤمنين ولعلها خالته ميمونة فأخرجت له المرآة التي كانت للنبي صلى الله عليه وسلم فنظر فيها فرأى صورة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ير صورة نفسه ونقل عن جماعة من الصالحين أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين فأرشدهم إلى طريق تفريجها فجاء الأمر كذلك وهذا نوع من الكرامات.
قال شيخنا في شرح الترمذي وأكثر من يقع له ذلك إنما يقع قرب نومه أو عند الاحتضار، ويكرم الله سبحانه وتعالى به من يشاء.
قال الحافظ وهذا مشكل جدا، ولو حمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة ويعكر عليه أن جمعا جما رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة، وخبر الصادق لا يتخلف.
قال مؤلفه محمد بن يوسف- رحمه الله تعالى-: أما ما ذكره من أنه لو حمل على ظاهره لكان هو لأصحابه فقد تقدم في قول الغزالي أن المراد بقوله فسيراني في اليقظة ليس المراد جسمي وبدني إلى آخر ما ذكره.(10/464)
وأما أن جمعا جما رآه في المنام فلم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة فليس بلازم لاحتمال أن يكونوا رأوه وكتموا ذلك، إذ لم يقولوا ما رأيناه وقد ألف شيخنا- رحمه الله تعالى- في ذلك مؤلفا حافلا سماه تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي والملك وأنا أذكر مقاصده هنا.
فقال بعد أن ذكر الأحوال السابقة وقال قوم: هو على ظاهره فمن رآه في النوم فلا بد أن يراه في اليقظة يعني: بعين رأسه، وقيل: بعين في قلبه حكاهما القاضي أبو بكر العربي.
وقال الإمام أبو محمد بن أبي جمرة في (تعليقه) [ (1) ] على الأحاديث التي انتقاها من البخاري هذا الحديث يدل على أن من رآه صلى الله عليه وسلم في النوم فسيراه في اليقظة وهل هذا على عمومه في حياته وبعد مماته أو هذا في حياته؟ وهل ذلك لكل من رآه مطلقا أو خاص بمن فيه الأهلية والاتباع لسنته- عليه الصلاة والسلام-، واللفظ على العموم ومن يدعي الخصوص فيه بغير مخصص منه صلى الله عليه وسلم فمتعسف ثم ذكر ما تقدم نقله عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- ثم قال فذكر عن السلف والخلف وهلم جرا عن جماعة ممن كانوا رأوه صلى الله عليه وسلم في النوم وكانوا مما يصدقون بهذا الحديث فرأوه بعد ذلك يقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متشوشين فأخبرهم بتفريجها ونص لهم على الوجوه التي منها يكون فرجها فجاء الأمر كذلك بلا زيادة ولا نقص.
قال: والمنكر لهذا لا يخلو إما أن يصدق بكرامات الأولياء، أو يكذب بها، فإن كان ممن يكذب بها فسقط البحث معه فإنه يكذب ما أثبتته السنة بالدلائل الواضحة، وإن كان مصدقا بها فهذه من ذلك القبيل، لأن الأولياء يكشف لهم بخرق العادة عن أشياء في العالمين العلوي والسفلي عديدة فلا ينكر هذا مع التصديق بذلك انتهى.
قال الشيخ: وقوله إن ذلك عام وليس بخاص بمن فيه الأهلية والاتباع لسنته- عليه الصلاة والسلام- مراده وقوع الرؤية الموعود بها في اليقظة على الرؤية في المنام ولو مرة واحدة، تحقيقا لوعده الشريف الذي لا يخلف وأكثر ما يقع ذلك للعامة قبيل الموت عند الاحتضار فلا تخرج روحه من جسده حتى يراه في المنام ولو مرة وفاء بوعده، وأما غيرهم فتحصل لهم الرؤية طول حياتهم، إما كثيرا وإما قليلا بحسب اجتهادهم ومحافظتهم على السنة والإخلال بالسنة مانع كبير وقال الغزالي في كتابه «المنقذ من الضلال» ثم إنني لما فرغت من العلوم أقبلت بهمتي على طريق الصوفية والقدر الذي أذكره لينتفع به إني علمت يقينا أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرهم وسيرتهم أحسن السير وطريقتهم أحسن الطرق وأخلاقهم أذكى الأخلاق بل لو جمع عقل العقلاء وحكمة الحكماء
__________
[ (1) ] في ج تعاقبه.(10/465)
وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء ليغيروا من سيرهم وأخلاقهم ويبدلوه بما هو خير منه لم يجدوا إليه سبيلا فإن جميع حركاتهم وسكناتهم في ظواهرهم وبواطنهم مقتبسة من نور مشكاة النبوة وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به إلى أن قال: حتى أنهم وهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتاً ويقتبسون منهم فوائد ثم يترقى الحال من مشاهدة الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق. انتهى كلامه. قال حتى أنهم وهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتاً، ويقتبسون منهم فوائد ثم يترقى الحال من مشاهدة الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها نطاق المنطق.
وقال تلميذه القاضي أبو بكر بن العربي في كتابه «قانون التأويل» ذهبت الصوفية إلى أنه إذا حصل للإنسان طهارة النفس وتزكية القلب، وقطع العلائق، وحسم مواد أسباب الدنيا من الجاه والمال والخلطة بالجنس، والإقبال على الله تعالى بالكلية علما دائما وعملا مستمرا كشفت له القلوب ورأى الملائكة وسمع أقوالهم واطلع على أرواح الأنبياء والملائكة وسمع كلامهم، ثم قال ابن العربي ورؤية الأنبياء والملائكة وسماع كلامهم ممكن للمؤمن كرامة، والكافر عقوبة.
وقال ابن الحاج في «المدخل» رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة باب ضيق وقل من يقع له ذلك إلا من كان على صفة عزيز وجودها في هذا الزمان بل عدمت غالبا مع أننا لا ننكر من يقع له هذا من الأكابر الذين حفظهم الله تعالى في بواطنهم وظواهرهم قال: وقد أنكر بعض علماء الظاهر رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة وعلل ذلك بأن قال: «العين الفانية لا ترى العين الباقية» والنبي صلى الله عليه وسلم في دار البقاء والرائي في دار الفناء وقد كان سيدي أبو محمد بن أبي جمرة يحل هذا الإشكال ويرده بأن المؤمن إذا مات يرى الله تعالى وهو لا يموت والواحد منهم يموت في كل يوم سبعين مرة. انتهى.
وقال الشيخ عفيف الدين اليافعي- رحمه الله تعالى- في «روض الرياحين» والشيخ صفي الدين بن أبي المنصور في «رسالته» قال الشيخ الكبير قدوة الشيوخ العارفين وبركة أهل زمانه أبو عبد الله القرشي لما جاء الغلاء الكبير إلى ديار مصر توجهت لأن أدعو فقيل لي لا تدع فما يسمع لأحد منكم في هذا الأمر دعاء فسافرت إلى الشام فلما وصلت إلى قريب ضريح الخليل- عليه الصلاة والسلام- تلقاني الخليل، فقلت يا رسول الله: اجعل ضيافتي عندك الدعاء لأهل مصر فدعا لهم ففرج الله تعالى عنهم.
قال اليافعي: وقوله: «تلقاني الخليل» قول حق لا ينكره إلا جاهل بمعرفة ما يرد عليهم من الأحوال التي يشاهدون فيها ملكوت السماوات والأرض وينظرون الأنبياء أحياء غير(10/466)
أموات كما نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى موسى في الأرض، ونظره أيضاً هو وجماعة من الأنبياء في السماوات وسمع منهم مخاطبات وقد تقرر أن ما جاز للأنبياء معجزة جاز للأولياء كرامة بشرط عدم التحدي.
قال الشيخ سراج الدين بن الملقن في «طبقات الأولياء» في ترجمة الشيخ خليفة النهر ملكي: كان كثير الرؤية لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقظة ومناما فكان يقال: أن أكثر أفعاله متلقاة منه بأمر منه إما يقظة، وإما مناما، ورآه في ليلة واحدة سبع عشرة مرة قال له في إحداهن: يا خليفة لا تضجر مني، كثير من الأولياء مات بحسرة رؤيتي وقال الكمال الأدفوي في «الطالع السعيد» في ترجمة الصفي أبي عبد الله محمد بن يحيى الأسواني نزيل أخميم من أصحاب أبي يحيى بن شافع: كان مشهورا بالصلاح وله مكاشفات وكرامات كتب عنه ابن دقيق العيد، وابن النعمان، والقطب العسقلاني، وكان يذكر أنه يرى النبي صلى الله عليه وسلم ويتمتع به.
وقال الشيخ عبد الغفار بن نوح في كتابه الوحيد من أصحاب الشيخ أبي يحيى أبو عبد الله الأسواني المقيم بأخميم كان يخبر أنه يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ساعة حتى لا تكاد ساعة إلا ويخبر عنه.
وقال فيه أيضاً: كان للشيخ أبو العباس المرسي وصلة بالنبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم رد عليه السلام ويجاوبه إذا تحدث معه.
وقال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله: في «لطائف المنن في مناقب أبي العباس وشيخه أبي الحسن» قال رجل للشيخ أبي العباس المرسي: يا سيدي، صافحني بكفك هذه فإنك لقيت رجالا وبلادا فقال والله ما صافحت بكفي هذه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الشيخ: لو حجب عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين.
وفي معجم الشيخ برهان الدين البقاعي- رحمه الله تعالى- قال: حدثني الإمام أبو الفضل بن أبي الفضيل النويري أن السيد نور الدين الأيجي والد الشريف عفيف الدين لما ورد إلى الروضة الشريفة وقال: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سمع من كان بحضرته قائلا يقول: من القبر وعليك السلام يا ولدي.
قال الحافظ محب الدين بن النجار في تاريخه أخبرني أبو أحمد داود بن علي بن محمد بن هبة الله بن المسلمة: أنا أبو الفرج المبارك بن عبد الله بن محمد بن النقور قال:
حكى شيخنا أبو نصر عبد الواحد بن عبد الملك بن محمد بن أبي سعد الصوفي الكرخي قال: حججت وزرت النبي صلى الله عليه وسلم فبينا أنا جالس عند الحجرة إذ دخل الشيخ أبو بكر الديار بكري ووقف بإزاء وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله، فسمعت صوتا من داخل الحجرة وعليك السلام يا أبا بكر وسمعه من حضر قال الشيخ بعد أن أورد حكايات(10/467)
كثيرة من ذلك أكثر ما تقع رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة بالقلب ثم يترقى إلى أن يرى بالبصر وقد تقدم الأمر أن في كلام القاضي أبي بكر بن العربي لكن ليست الرؤية البصرية كالرؤية المتعارفة عند الناس من رؤية بعضهم لبعض وإنما هي جمعية حالة وبرزخية وأمر وجداني لا يدرك حقيقته إلا من باشر وهل الرؤية لذات المصطفى صلى الله عليه وسلم بجسمه وروحه أو لمثاله؟ الذين رأيتهم من أرباب الأحوال يقولون بالثاني وبه صرح الغزالي فذكر كلامه السابق أولا، قال: فصل القاضي أبو بكر بن العربي فقال رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وصفته المعلومة إدراك على الحقيقة ورؤيته على غير صفته إدراك للمثال، وهذا الذي قاله في غاية الحسن ولا يمتنع رؤية ذاته الشريف بجسده وروحه وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء أحياء ردت إليهم أرواحهم كما سيأتي بيان ذلك في باب حياته في قبره صلى الله عليه وسلم وذكر الوفاة ثم قال الشيخ فإن قال قائل يلزم على هذا إثبات الصحبة لمن رآه؟
والجواب أن ذلك ليس بلازم أما إن قلنا بأن المرئي المثال فواضح، لأن الصحبة إنما ثبتت برؤية ذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم جسدا وروحا، وإن قلنا: المرئي الذات فشرط الصحبة أن يراه في عالم الملكوت وهذه الرؤية لا تثبت صحبته ويؤيد ذلك أن الأحاديث وردت بأن جميع أمته عرضوا عليه فرآهم ورأوه، ولم تثبت الصحبة للجميع، لأنها رؤية في عالم الملكوت فلا تقيد الصحبة، والحاصل مما تقدم من الأجوبة ستة.
أحدها: التشبيه والتمثيل دل عليه قوله في الرواية الأخرى «فكأنما رآني في اليقظة» .
ثانيهما: أن معناه سيراني في اليقظة وتأويلها بطريق الحقيقة أو التعبير.
ثالثها: أنه خاص بأهل عصره ممن آمن به قبل أن يراه.
رابعها: المراد أنه يراه في المرآة التي كانت له إن أمكنه ذلك وهو أبعد المحامل كما قال الحافظ.
خامسها: أنه يراه يوم القيامة بمزيد خصوصية لا مطلق من يراه حينئذ من لم يره في المنام.
سادسها: يراه في الدنيا حقيقة ويخاطبه وقال القرطبي قد تقرر أن الذي يرى في المنام أمثلة للمرئيات لا أنفسها، غير أن الأمثلة تارة تقع مطابقة وتارة يقع معناها، فمن الأول رؤياه صلى الله عليه وسلم لعائشة وفيه «فإذا هي أتت» فأخبر أنه رأى في اليقظة ما رآه في نومه بعينه.
ومن الثاني: رؤيا البقر التي تخر المذكورة في قصة أحد، والمقصود بالثاني التنبيه على معاني تلك الأمور.
ومن فوائد رؤيته- صلى الله عليه وسلم- تسكين شوق الرائي لكونه صادقا في محبته ليعمل على مشاهدته والى تلك الإشارة(10/468)
بقوله «فيراني في اليقظة» أي أن من رآني رؤية معظم لحرمتي ومشتاق إلى مشاهدتي، وصل إلى رؤية محبوبه، وظفر بكل مطلوبه، قال: ويجوز أن يكون مقصود تلك الرؤيا معنى صورته وهو دينه وشريعته فيعبر بحسب ما يراه الرائي من زيادة أو نقصان أو إساءة أو إحسان قال الحافظ: وهذا جواب سابع، والذي قبله لم يظهر لي فإن ظهر فهو ثامن.
التنبيه الثاني قال الزركشي في «الخادم» : قال العلماء إنما يصح رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لأحد رجلين:
أحدهما: صحابي فرآه فعلم صفته [ (1) ] فانطبع في نفسه مثاله، فإذا رآه جزم بأنه رأى مثاله المعصوم من الشيطان.
وثانيهما: رجل تكررت عليه صفاته صلى الله عليه وسلم المنقولة في الكتب حتى انطبعت صفاته في نفسه ومثاله المعصوم كما حصل ذلك لمن شاهده ورآه، فإذا رآه جزم برؤية مثاله صلى الله عليه وسلم كما جزم به من رآه وأما غير هذين فلا يحصل الجزم بل يجوز أن يكون رأى النبي صلى الله عليه وسلم بمثاله ويحتمل أن يكون من تخيل الشيطان، ولا يفيده قوله للذي رآه أنا رسول الله ولا قول من يحضر معه، ذكر ذلك القرافي في كتاب «القواعد» وأخذ بعض ذلك من كلام شيخه ابن عبد السلام قال فإذا تقرر هذا فكيف يقولون أن الذي رآه شيخا أو شابا أو أسود أو أبيض إلى غير ذلك من الصفات.
والجواب أن هذه صفات الرائين وأحوالهم تظهر فيه وهو كالمراد له قلت لبعض مشايخي فكيف يبقى المثال مع هذه الأحوال المعتادة [ (2) ] فقال لي لو كان لك أب شاب فغبت عنه ثم جئته فوجدته شيخا أو أصابه يرقان فاصفر أو اسود أو غير ذلك، أكنت تشك أنه أبوك؟ قلت لا، قال ما ذاك إلا لما ثبت في نفسك مثاله المتقدم عندك فذلك ثبت عنده حال النبي صلى الله عليه وسلم هكذا لا يشك فيه مع عروض هذه الأحوال، فإذا صح له وانضبط فالسواد يدل على ظلم الرائي، والعمى يدل على عدم إيمانه، لأنه إدراك ذهب إلى غير ذلك.
الثالث: قال في أصل الروضة: لا يعمل بما يسمعه منه الرائي صلى الله عليه وسلم مما يتعلق بالأحكام لعدم ضبط الرائي [ (3) ] لا الشك في الرؤية فإن الخبر لا يقبل إلا من ضابط مكلف والنائم بخلافه وذكر نحوه ابن الصلاح في فتاويه وقال ليس ذلك لعدم الوثوق بالمرئي بل من جهة عدم الوثوق بضبط الرائي وأن حالة النوم حالة غفلة وبطلان القوة الحافظة لما يجري في النوم على التفصيل انتهى.
__________
[ (1) ] في ج صفاته.
[ (2) ] سقط في ج.
[ (3) ] سقط في ج.(10/469)
وبذلك جزم القاضي الحسين في فتاويه، ونقل القاضي عياض الإجماع عليه.
قال النووي- رحمه الله تعالى- أما إذا رآه يأمره بفعل ما هو مندوب إليه أو ينهاه عن منهي عنه أو يرشده إلى فعل مصلحة فلا خلاف في استحباب العمل به على وقفة، لأن ذلك ليس حكما بمجرد المنام بل ما تقرر من أصل ذلك.
فائدة: نقل الزركشي عن الشيخ عز الدين بن خطيب الأشموني قال: أخبرني والدي أن إنسانا رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وقال له إذهب إلى موضع كذا وخذ منه ما فيه من ركاز ولا خمس عليك فيه وأنه توجه إليه فوجده كما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم وأنه استفتى الفقهاء بدمشق فكلهم أفتاه بعدم الوجوب، وقالوا قد ظهرت دلائل صدق الرؤيا والشيطان ممنوع من التمثيل بالنبي صلى الله عليه وسلم قال وأفتاه شيخنا الشيخ عز الدين بن عبد السلام بوجوب الخمس عليه، واستدل على ذلك بأن طريق رفع القواعد النسخ فلا نسخ بعد انقطاع الوحي بموته صلى الله عليه وسلم قال ثم إني حكيت هذه الحكاية لشيخنا الشيخ تقي الدين القشيري بن دقيق العيد فصدق روايتها وزاد على ذلك أن الشيخ عز الدين إنما كان يرى ذلك من باب الترجيح على تقدير صدق المنام قال وأظن أنه أراد الترجيح أن رواية الجمهور وجوب الخمس أيضاً ورواية هذا شاذة في منام انتهى.
السابعة والعشرون:
وبأنه صلى الله عليه وسلم كان لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
روى الشيخان عن صفوان بن يعلى بن أمية أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم متضمخا بالطيب فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم في جبة بعد ما تضمخ بطيب، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة فجاءه الوحي ثم سري عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أين الذي سأل عن العمرة آنفا» فالتمس الرجل فأتى به فقال «أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك» .
روى البيهقي عن ابن عمر- رضي الله عنه- سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي البقاع خير قال: لا أدري، قال أبي البقاع شر قال لا أدري فأتاه جبريل فقال «يا جبريل أي البقاع خير وأي البقاع شر؟» قال لا أدري قال «سل ربك» فانتفض جبريل انتفاضة كاد النبي صلى الله عليه وسلم يصعق منها فقال: ما أسأله عن شيء فقال الله- عز وجل- لجبريل: سألك محمد أي البقاع خير فقلت: له لا أدري فأي البقاع شر فقلت: لا أدري فأخبره أن خير البقاع المساجد وأن شر البقاع الأسواق.
الثامنة والعشرون:
وبزيادة الوعك عليه لزيادة الأجر له صلى الله عليه وسلم وسيأتي بيان ذلك في الوفاة.
التاسعة والعشرون:
وبأن إبطه لم يعهد له شعر ولم يكن له رائحة كريهة لما تقدم في باب صفاته الحسية صلى الله عليه وسلم.(10/470)
تنبيه
قال الحافظ أبو زرعة ابن الحافظ العراقي في «شرح تقريب والده» وذكر بعض الشافعية أنه لم ير مكشوفا ...
وقال الأسنوي أن بياض الإبط من خواصه صلى الله عليه وسلم فورد التعبير بذلك في حقه فأطلق في حقه غيره وأما إبط غيره فأسود لما فيه من الشعر.
قال أبو زرعة وما ادعاه من كون هذه من الخصائص فيه نظر إذ لم يثبت ذلك بوجه من الوجوه بل لم يرد ذلك في شيء من الكتب المعتمدة، والخصائص لا تثبت بالاحتمال ولا يلزم من ذكر السن وغيره بياض إبطه، أن لا يكون له شعر فإن الشعر إذا نتف يبقى المكان أبيض وإن بقي فيه آثار الشعر، ولذلك ورد في حديث عبد الله بن أقزم الخزاعي أنه صلى الله عليه وسلم صلى معه فقال كنت أنظر إلى عفرة إبطيه إذا سجد رواه الترمذي وحسنه.
ويؤيده ما في الصحيحين في رواية أخرى حتى رأيت عفرة إبطيه.
والعفرة هي البياض المشوب مأخوذ من عفر الأرض وناقة عفراء ليست بخالصة البياض وهذا يدل على أن آثار الشعر هو الذي جعل المكان أعفر وإلا فلو كان خاليا من نبات الشعر جملة لم يكن أعفر وإطلاق بياض الإبطين في حقه غيره صلى الله عليه وسلم موجود في كلام جمع من الفقهاء، ولا إنكار فيه، لأن الإبط لا تناله الشمس في السفر والحضر فتغير لونه كسائر الجسد الذي يبدو للشخص، نعم الذي يعتقد فيه صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن لإبطه رائحة كريهة بل كان نظيفا.
الثلاثون:
بأنه صلى الله عليه وسلم كان لا ينزل عليه الذباب ذكره السبتي في مولده وابن سبع رضي الله عنه.
الحادية والثلاثون:
وبأن القمل لم يكن يؤذيه تعظيما له ذكره ابن سبع وقد تشكل على ذلك ما رواه الإمام أحمد وصححه ابن حبان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت:
ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بشرا من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته ... الحديث ولازم ذلك التفالي وجود شيء يؤذيه في الجملة إما قملا أو برغوثا ونحو ذلك.
قال الحضري ويحتمل أن يكون التفلي لاستقذار وجوده ولو لم يحصل منه أذى في حقه صلى الله عليه وسلم لأن وجوده في الثوب والبدن مستقذر.
الثانية والثلاثون:
وبأنه كان يرى في الثريا أحد عشر نجما ذكره القاضي والقرطبي وذكر السهيلي أنه كان يرى إثنا عشر نجما وقد تقدم ذلك في أوائل الكتاب.
الثالثة والثلاثون:
وبأنه صلى الله عليه وسلم ولد مختوناً وقد تقدم بيان ذلك في أبواب المولد، وفي(10/471)
إدخال هذه الخصائص نظر فقد تقدم أن جماعة من الأنبياء ولدوا كذلك وجماعة من هذه الأمة حتى في عصرنا أخبر بعضهم بأنه ولد مختوناً.
الرابعة والثلاثون:
وبأنه يدعي له بلفظ الصلاة فلا يقال- رحمه الله- لدلالة لفظ الصلاة على معنى التعظيم ولا يشعر به لفظ الترحم.
قال أبو عمرو: ولا يجوز لأحد إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول- رحمه الله-، لأنه قال «من صلى علي» ولم يقل من ترحم علي ولا من دعا لي وإن كان معنى الصلاة الرحمة ولكنه خص بهذا اللفظ تعظيماً له فلا يعدل عنه إلى غيره، ويؤيده قوله تعالى لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور/ 63] . قال الحافظ: وهو بحث حسن وقد ذكر نحو ذلك القاضي أبو بكر بن العربي من المالكية والصيدلاني من الشافعية.
قال شيخنا في شرح السنن: ولا يرد عليه بما كان
يقوله صلى الله عليه وسلم بين السجدتين «اللهم اغفر لي وارحمني»
لأن هذا سبق للتشريع، وتعليم الأمة كيف يقولون في هذا المحكي من الصلاة مع ما فيه من تواضعه صلى الله عليه وسلم لربه وأما نحن فلا ندعو له إلا بلفظ الصلاة التي أمرنا أن ندعو له بها لما فيها من التفخيم والتعظيم اللائق بمنصبه الشريف صلى الله عليه وسلم وذكر أنه ألف في المسألة جزءا لم أره، وقال أبو القاسم الأنصاري شارح «الإرشاد» يجوز ذلك مضافا للصلاة ولا يجوز مفردا، وفي «الذخيرة البرهانية» من كتب الحنفية عن محمد يكره ذلك لإيهامه النقص، لأن الرحمة إنما تكون لفعل ما يلام عليه قلت وما قاله الأنصاري هو الحق.
الخامسة والثلاثون:
وبأن الله- سبحانه وتعالى- أعطى ملكا من الملائكة أسماع الخلائق قائما على قبره صلى الله عليه وسلم يبلغه صلاة أمته صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بيان ذلك في باب الصلاة عليه ولم ينقل حصول ذلك لغيره صلى الله عليه وسلم انتهى.
السادسة والثلاثون:
وبأن كل موضع صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وضبط موقفه فهو نص بيقين لا يجوز الاجتهاد فيه بتيامن ولا تياسر فيه بخلاف بقية المحاريب انتهى.
السابعة والثلاثون:
وبأن الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- لا يتثاءبون كما رواه البخاري في تاريخه الكبير عن مسلمة بن عبد الملك.
تنبيه
قال ثابت السرقطي في «دلائله» وغيره من أئمة اللغة: صواب هذا اللفظ تثأب مشددة الهمزة، ولا يقال تثاءب.
الثامنة والثلاثون:
وبأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يتمطى، لأنه من عمل الشيطان قاله ابن سبع.(10/472)
التاسعة والثلاثون:
وبأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يرى له ظل كما في الضوء وقد تقدم بيان ذلك.
الأربعون:
وبأن الأرض كانت تبتلع ما يخرج منه من الغائط، فلا يظهر له أثر ويفوح كذلك رائحة طيبة وكذلك الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام-.
روى ابن سعد أنبأنا إسماعيل بن أبان الوراق أنبأنا عتبة بن عبد الرحمن القشيري عن محمد بن زاذان عن أم سعد عن عائشة ورجاله ثقات إلا محمد بن زاذان فينظر حاله والدارقطني في «الأفراد» أنبأنا أبو جعفر محمد بن سليمان بن محمد الباهلي النعماني أنبأنا محمد بن حسان الأموي أنبأنا عبيدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
روى ابن سعد أنبأنا إسماعيل بن أبان الوراق (نا) عنبسة بن عبد الرحمن القشيري عن محمد بن زاذان عن أم سعد عن عائشة- ورجاله ثقات إلا محمد بن زاذان فينظر حاله قال البخاري يكتب حديثه والدارقطني في «الأفراد» أنبأنا أبو جعفر محمد بن سليمان بن محمد الباهلي النعماني أنبأنا محمد بن حسان الأموي ثنا عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال الحافظ بن دحية في «خصائصه» ثابت وهو أقوى طرق الحديث، ومحمد بن حسان بغدادي ثقة صالح وعبدة من رجال الشيخين والحاكم في المستدرك أخبرني مخلد بن جعفر حدثنا محمد بن جرير ثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي ثنا إبراهيم بن سعد ثنا المنهال بن عبيد الله عمن ذكره عن ليلى مولاة عائشة- رضي الله تعالى عنها- وأبو نعيم ثنا محمد بن إبراهيم ثنا علي بن أحمد بن سليمان المصري ثنا زكريا بن يحيى البلخي حدثنا شهاب بن معمر العوفي حدثنا عبد الكريم الخزاز حدثنا أبو عبد الله المدني عن ليلى مولاة عائشة والقاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي أخبرنا أبو بلال ومحمد بن عبد العزيز الكلاني أخبرنا كثير بن محمد ثنا أبو الحسن بن الفراء أخبرنا أرطأة بن قيس بن الربيع الأسدي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- والسدي أخبرنا زيد بن إسماعيل الصائغ أخبرنا الحسين بن علوان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت يا رسول الله إنك تدخل الخلاء فإذا خرجت دخلت أثرك فما أرى شيئا.
وفي لفظ قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء ثم خرج دخلت بعده فلا أجد رائحة إلا أنني أجد ريح الطيب قالت فذكرت ذلك له وفي لفظ قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المخرج دخلنا بعده فلا نرى أثر غائط ونجد رائحة الموضع رائحة الطيب وفي لفظ إذا دخل الخلاء ثم خرج دخلت بعده فلا أجد شيئا إلا أني أجد ريح الطيب قالت فذكرت ذلك له وفي لفظ قالت قلت يا رسول الله تأتي الخلاء فلا نرى منك شيئا من الأذى، وفي لفظ قالت(10/473)
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم لقضاء حاجته فلم أر شيئا ووجدت ريح المسك فقلت: يا رسول الله إني لم أر شيئا
فقلت يا رسول الله: إذا دخلت لتتوضأ دخلنا بعدك فلا نجد أثر غائط ونجد رائحة الموضع رائحة الطيب فقال: «أو ما علمت يا عائشة بأن الأرض تبتلع ما يخرج من الأنبياء ولا يرى منه شيء» وفي لفظ «فلأن الأرض أمرت أن تبتلعه منا معاشر الأنبياء وفي لفظ نبتت على أجسادنا على أرواح الجنة فما خرج منا من شيء تبلعه الأرض» في لفظ «أما علمت أن معاشر الأنبياء نبتت أجسادنا على أرواح الجنة فما خرج منا من شيء ابتلعته الأرض يا عائشة» وفي لفظ: «إنا معاشر الأنبياء إذا تورطنا في بقعة أمر الله تعالى الأرض فابتلعته وحول الموضع رائحة الطيب»
كذا وقع تروطنا قال أبو الحسن بن الضحاك وأظنه والله تعالى أعلم تغوطنا.
روى الخطيب في «رواه مالك» نحوه عن جابر بن عبد الله الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- ولفظه حدثنا أبو يعلى محمد بن علي الواسطي أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن علي الجرجاني حدثنا إسحاق بن الصلت أخبرنا مالك بن أنس أخبرنا أبو الزبير المكي حدثنا جابر بن عبد الله الأنصاري قال: رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشياء لو لم يأت بالقرآن لآمنت به تصحرنا في جبانة تنقطع الطرق دونها فذكر الحديث وفيه فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فبادرته بالماء وقلت لعل الله أن يطلعني على ما خرج من جوفه فآكله فرأيت الأرض بيضاء
فقلت يا رسول الله: أما كنت توضأت؟ قال: «بلى ولكنا معشر الأنبياء أمرت الأرض أن تواري ما يخرج منا من الغائط والبول»
وذكر الحديث.
فقال أبو الحسن بن الضحاك: حدثنا أبو القاسم محمد بن العاص حدثنا عبد الله بن فرج الزاهد حدثنا أبو جعفر بن محمد قال: أنبأنا ابن محمد بن يحيى قال: [ (1) ] أنبأنا أبو سعيد الفضل بن محمد بن إبراهيم حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد أخبرنا علي بن القاسم بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده قال بلغنا أنه لم يوجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجيع من الخلاء قط.
ورواه الحكم الترمذي عن ذكوان وهذه الطرق إذا ضم بعضها إلى بعض أدت إلى قوة الحديث وقد رواه البيهقي من طريق الحسين صلى الله عليه وسلم بن علوان عن هشام بن عروة وقال هذا من موضوعات ابن علوان وقد علمت مما تقدم أن ابن علوان لم ينفرد به بل تابعه عبدة بن سليمان وسئل الحافظ عبد الغني- رحمه الله تعالى- عما كان يخرج منه صلى الله عليه وسلم فقال روى ذلك من وجه غريب والظاهر يؤيده فإنه لم يذكر أحد من الصحابة أنه رآه ولا ذكره، وأما البول فقد شاهد غير واحد، وشربته أم أيمن- رضي الله عنها-.
__________
[ (1) ] سقط في ج.(10/474)
الحادية والأربعون:
وبأن الإمام لا يكون بعده إلا واحدا ولم يكن الأنبياء قبله كذلك قاله ابن سراقة.
الثانية والأربعون:
وبأن الله تبارك وتعالى بدأ بالعفو قبل التأنيب والمخاطبة قبل أن يعرف الذنب، فقال- جل وعلا-: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التوبة/ 43] أي لأي شيء أذنت لهم لأنك لو لم تأذن لهم عن الخروج معك وعند قعودهم عنك بعد نهيك لهم تبين لك صدقهم من كذبهم، لأنهم لا يخرجون معك بكل حال.
قال الحسين بن منصور الاصطخري: الأنبياء يؤمنون على مقاديرهم واختلاف مقاماتهم فمنهم من نبه ثم أنسيه ولو لم ينه بعد التأنيب لتفطن كما قال نوح- عليه السلام- إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [هود/ 46] .
ومنهم من أنسيه ثم نبه ليفطن لقربه منه، وذلك أنه- سبحانه وتعالى- أمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في سورة النور أن يأذن لمن شاء منهم بقوله فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ [النور/ 62] وقال في سورة التوبة مرتين له عن ذلك عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التوبة/ 43] فلو قال: لم أذنت لهم عفا الله عنك لأذنب وهذا ليس يذنب ولكن بالإضافة إلى الشرف ومقام الترقيات تقدم العفو عنه وقدره ورفع محله بالدعاء له كما يقال الكريم عفا الله عنك بما صنعت وقيل: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف المنافقين حتى نزلت سورة براءة.
الثالثة والأربعون:
وبأنه من تكلم في عهده صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بطلت صلاته.
الرابعة والأربعون:
وبأنه لا يجوز لأحد الخروج عن مجلسه صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ [النور/ 62] ، الآية.
وروى ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان- رضي الله تعالى عنه- قال كان لا يصح للرجل أن يخرج من المسجد إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة بعد ما يأخذ في الخطبة، وكان إذا أراد أحدهم الخروج أشار بإصبعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيأذن لهم من غير أن يتكلم الرجل منهم، وكان إذا تكلم والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب بطلت جمعته.
الخامسة والأربعون:
وبمبالغته صلى الله عليه وسلم في الأدب مع ربه- عز وجل- في حال سروره وغضبه.
قال ابن دحية: ألا ترى إلى قوله تعالى حكاية عن موسى صلى الله عليه وسلم في قوله حالة شدة خوفه إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء/ 62] فقدم اسمه على اسم ربه فلذلك أشركت أمته بالعجل وأما النبي فإنه في شدته قال لأبي بكر وهما في الغار لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التوبة/ 40] فقدم اسم ربه على اسمه فعصمت أمته من الشرك، وأنزلت السكينة في قلوبهم، السكينة(10/475)
فعيلة من سكن يسكن سكونا وهو خلاف الاضطراب والحركة.
السادسة والأربعون:
بوجوب تقديمه على النفوس فلا يتم الإيمان إلا بمحبته قال الله- سبحانه وتعالى- النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب/ 6] أي أحق وقدمه تعالى في القرآن على الآباء والأبناء والأخوة والأزواج والعشائر والأموال قال تعالى قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ [التوبة/ 24] .
وعن عمر- رضي الله تعالى عنه- أنه قال يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا والذي نفسي بيده لا تكون مؤمنا حتى أكون أحب إليك من نفسك» فقال عمر والله لأنت أحب إلي من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الآن يا عمر، أنت مؤمن»
وعن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين»
ورواه البخاري قال أبو الزناد- رضي الله تعالى عنه- هذا الحديث من جوامع الكلم الذي أوتيه صلى الله عليه وسلم، لأنه قد جمع في هذه الألفاظ اليسيرة معاني كثيرة لأن أقسام المحبة ثلاثة: محبة إجلال وعظمة كمحبة الوالد لولده ومحبة رحمة وشفقة كمحبة الولد، ومحبة استحسان ومشاركة كمحبة سائر الناس فحصر النبي صلى الله عليه وسلم أصناف المحبة في هذا اللفظ اليسير، ومعنى الحديث والله تعالى أعلم أن من استطعم الإيمان علم أن فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفضله أكبر من حق ابنه وأبيه والناس أجمعين لأن النبي صلى الله عليه وسلم استنقذ الله به أمته وهداهم من الضلال والمراد من هذا الحديث بذل النفوس دونه.
وقال الكسائي في قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال/ 64] أي حسبك الله ناصرا وكافيا وحسبك من اتبعك من المؤمنين ببذل أنفسهم دونك.
السابعة والأربعون:
وبأنه لا يدخل الإيمان في قلب رجل حتى يحب أهل بيته،
روى ابن ماجه والحاكم والطبراني عن العباس- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت يا رسول الله: إني رأيت قوما يتحدثون فلما رأوني سكتوا وما ذاك إلا أنهم استحلوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قد فعلوها والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحبكم أتحبون أن تدخلوا الجنة بشفاعتي ولا تبرحوها من عبد المطلب.
الثامنة والأربعون:
وبأن شانيه أبتر- أي مقطوع البركة والنسل قال الله سبحانه وتعالى:
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر/ 1- 3] ونقل ابن(10/476)
إسحاق وابن عقبة في سبب نزول هذه السورة عن يزيد بن رومان قال كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوه فإنما هو رجل أبتر لا عقب له لو هلك استرحتم منه فنزلت.
وقيل نزلت في أبي جهل.
وقيل غير ذلك فإن قيل إذا كان المستنقص هو الأبتر الذي لا ولد له كيف يستقيم ذلك في العاص بن وائل فإنه ذو ولد وعقب؟ فكيف يثبت له البتر وانقطاع الولد.
فالجواب أن العاص وإن كان ذا ولد فقد انقطعت العصمة بينه وبينهم فليسوا بأتباع له، لأن الإسلام قد حجزهم عنه فلا يرثهم ولا يرثونه فهم أتباع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال السهيلي قوله- عز وجل-: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر/ 3] ولم يقل شانئك الأبتر ليضمن اختصاصه بهذا الوصف كما هو في مثل هذا الموضع يعطي الاختصاص مثل قول القائل إن زيدا فاسق فلا يكون مخصوصا بهذا الوصف دون غيره فإذا قلت إن يزيدا هو الفاسق لا الذي زعمت فدل أن الحصر من يزعم غير ذلك وهكذا قال الجرجاني وغيره في تفسيرها هو أن يعطي الاختصاص وكذلك قالوا في قوله تعالى: وأنه هو أغنى وأَبقَى [النجم/ 48] . ولما كان العباد يتوهمون أن غير الله قد يغني قال هو أغنى وأبقى لا غيره.
التاسعة والأربعون:
«وبأنه لا يدخل النار من تزوجت إليه أو تزوج إلي»
فحرمه الله على النار وسلم كما رواه ابن عساكر من طريق الحارث عن علي مرفوعا والحاكم نحوه عن ابن أبي أوفى والحارث نحوه عن ابن عمر.
الخمسون:
وبأنه صلى الله عليه وسلم منزه عن فعل المكروه قال القاضي تاج الدين بن السبكي في «جمع الجوامع» : وفعله غير محرم للعصمة وغير مكروه للنزاهة وما فعله مما هو مكروه في حقنا فإنما فعله بيان الجواز، فهو في حقه واجب للتبليغ، أو فضيلة ويثاب عليه ثواب واجب أو فاضل. والله تعالى أعلم.
الحادية والخمسون:
وبأن رؤياه وحي.
الثانية والخمسون:
وبأن ما رآه فهو حق وكذلك الأنبياء صلى الله عليه وسلم انتهى.
روى الطبراني عن معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- قال «ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه ويقظته فهو حق» .
وروى الحاكم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- في قوله تعالى إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً [يوسف/ 4] قال رؤيا الأنبياء وحي.(10/477)
الثالثة والخمسون:
وبفضيلة الصلاة قلت لم أفهم ما المراد بذلك إن كان صلاة الله عليه فقد تقدم في آخر الفصل الأول من الباب الأول وإن كان صلاته على غيره وهو الظاهر فقد تقدم في الفصل الثالث من هذا الباب.
الرابعة والخمسون:
قيل وبأن ما له باق على ملكه لينفق منه على أهله وصححه إمام الحرمين.
الخامسة والخمسون:
وبأنه صلى الله عليه وسلم إذا غزا بنفسه يجب على كل أحد الخروج معه لقوله تعالى ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ [التوبة/ 120] ولم يبق هذا الحكم مع غيره من الخلفاء- رضي الله تعالى عنهم- قاله قتادة.
السادسة والخمسون:
قيل وبأن الجهاد كان في عهده صلى الله عليه وسلم فرض عين وهو بعده من فروض الكفايات.
السابعة والخمسون:
وبأنه صلى الله عليه وسلم أبو الرجال والنساء نقله في «زوائد الروضة» عن البغوي.
وقال الواحدي قال بعض الأصحاب لا يجوز أن يقال أبو المؤمنين أي في الحرمة لقوله تعالى ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ [الأحزاب/ 40] قال ونصّ الشافعي- رحمه الله تعالى- على أنه أبو المؤمنين أي في الحرمة، ومعنى الآية ليس أحد من رجالكم ولده من الصلب.
الثامنة والخمسون:
وبإباحة الجلوس لآله وأزواجه في المسجد مع الجنابة والحيض وقد تقدم بيان ذلك في المسألة الأولى من الفصل الثالث انتهى.
التاسعة والخمسون:
وبوجوب الاستماع والإنصات لقرآنه إذا قرأ في الصلاة الجهرية.
الستون:
وعند نزول الوحي.
الحادية والستون:
قيل وبأن الأمر بالتفسح في المجلس خاص بمجلسه صلى الله عليه وسلم قاله مجاهد.
الثانية والستون:
وبأن من ضحك في الصلاة خلفه أعاد الوضوء وليس على من ضحك في الصلاة خلف إمام غيره إعادة وضوءه قاله جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه-.
الثالثة والستون:
وبأن من كذب عليه لم تقبل روايته أبدا وإن تاب.
الرابعة والستون:
وبأنه صلى الله عليه وسلم والأنبياء معصومون من كل ذنب ولو صغيرا أو سهوا.(10/478)
الخامسة والستون:
وبأن من تمنّى موته وكذا الأنبياء كفر قاله المحاملي في الأوسط ورتب عليه تحريم إرثهم لئلّا يتمنّاه ورثته فيكفروا وقال غيره، ولذا لم يشب شعره، لأن النساء يكرهن الشيب ولو وقع ذلك في أنفسهم كفرن فعصم من ذلك رفقا بهن، قلت وقد تقدم الكلام على شيبته في الكتاب.
السادسة والستون:
وقيل بأن من قذف أزواجه صلى الله عليه وسلم فلا توبة له البتة كما قال ابن عباس- رضي الله تعالى عنه-.
السابعة والستون:
وبأن قاذفهن يقتل كما نقله القاضي.
وقيل: يختص القتل بمن سب عائشة (رضي الله عنها) فيحد في غيرها حدين.
الثامنة والستون:
وبأن من قذف أمّ أحد من الصحابة يحدّ حدّين.
التاسعة والستون:
وبأن من قذف آمنة قتل مسلما كان أو كافرا قاله الشيخ موفق الدين بن قدامة الحنبلي في «المقنع» .
السبعون:
وبأنه لم تبغ امرأة نبي قط.
الحادية والسبعون:
وقيل باختصاص صلاة الخوف بعهده، لأن إمامته لا عوض لها بخلاف غيره قاله أبو يوسف، والمزني.
الثانية والسبعون:
وبأنه يحرم النقش على نقش خاتمه فليس لأحد أن ينقش على نقش خاتمه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثالثة والسبعون:
وبأنه لا يقول في المرض والغضب إلا حقا.
الرابعة والسبعون:
وبأنه صلى الله عليه وسلم لا يجوز عليه العمى وكذا الأنبياء فيما ذكره السبكي.
الخامسة والسبعون:
وبأنهم منزّهون عن النقائص في الخلق والخلق سالمون من العاهات، والمعايب، ولا التفات إلى ما يقع في بعض التواريخ من إضافة العاهات إلى بعضهم بل منزهون من كلّ عيبٍ وكل ما ينقص العيون أو ينفّر القلوب قاله القاضي.
السادسة والسبعون:
وبأنه يخص من شاء بما شاء كجعله شهادة خزيمة بشهادتين.
السابعة والسبعون:
قيل: وبأنه كان يقال له بأبي أنت وأمي ولا يقال ذلك لغيره فيما ذكره بعضهم [ (1) ] .
الثامنة والسبعون:
وبأنه كان يرى بالليل وفي الظلمة كما يرى بالنهار وفي الضوء.
__________
[ (1) ] سقط في ج.(10/479)
التاسعة والسبعون:
وبأن ريقه صلى الله عليه وسلم يعذب الماء المالح.
الثمانون:
وبأنه يجزي الرضيع.
الحادية والثمانون:
وبأنه يبلغ صوته وسمعه ما لا يسمعه غيره صلى الله عليه وسلم.
الثانية والثمانون:
وبأن رائحة عرقه صلى الله عليه وسلم أطيب من المسك.
الثالثة والثمانون:
وبأنه كان إذا مشى مع الطويل طال.
الرابعة والثمانون:
وبأنه صلى الله عليه وسلم يكون كتفه أعلى من جميع الجالسين.
الخامسة والثمانون:
وبأن ظله صلى الله عليه وسلم لم يقع على الأرض.
السادسة والثمانون:
ولا يرى له ظل في شمس ولا قمر قال ابن سبع، لأنه صلى الله عليه وسلم كان نورا، تقدم بيان ذلك في أبواب صفاته وبعضها في أبواب المعجزات.
السابعة والثمانون:
وبأنه صلى الله عليه وسلم إذا ركب دابته لا تبول ولا تروث وهو راكبها نقل ذلك عن ابن إسحاق، وبنى عليه بعض المتأخرين طوافه صلى الله عليه وسلم على بعيره فجعله من خصائصه ولم يجز ذلك لغيره.
الثامنة والثمانون:
وبأن وجهه كان كالشمس تجري فيه.
التاسعة والثمانون:
وبأنه لم يكن لقدمه صلى الله عليه وسلم أخمص.
التسعون:
قيل وبأن خنصر رجليه كانت متظافرة.
الحادية والتسعون:
وبأن الأرض تطوى له إذا مشى صلى الله عليه وسلم وتقدم بيان ذلك في أبواب صفاته.
الثانية والتسعون:
وبأنه صلى الله عليه وسلم لم يقع في نسبه من لدن آدم سفاح قط.
الثالثة والتسعون:
وبأنه صلى الله عليه وسلم تقلب في الساجدين حتى خرج نبيا.
الرابعة والتسعون:
وبأنه نكثت الأصنام لمولده صلى الله عليه وسلم.
الخامسة والتسعون:
وبأنه صلى الله عليه وسلم ولد مختوناً ومقطوع السرة.
أخرج الطبراني في (الأوسط) ، وأبو نعيم والخطيب وابن عساكر من طرق، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كرامتي على ربي أني ولدت مختونا ولم ير أحد سوأتي» .
وصححه الضياء في (المختارة) ، وقال ابن سعد، عن يونس بن عطاء المكي، حدثني الحكم بن أبان العدني، حدثنا عكرمة، عن ابن عباس، عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال:
«ولد النبي صلى الله عليه وسلم مختوناً مسرورا وأعجب ذلك عبد المطلب وحظي عنده» . وقال: «ليكونن(10/480)
لابني هذا شأن، فكان له شأن» . أخرجه البيهقي وأبو نعيم وابن عساكر.
وأخرج ابن عدي وابن عساكر من طريق عطاء، عن ابن عباس قال: «ولد النبي صلى الله عليه وسلم مسرورا مختوناً» .
وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد مختوناً» .
وأخرج ابن عساكر، عن ابن عمر قال: «ولد النبي صلى الله عليه وسلم مسرورا مختوناً» .
قال الحاكم في (المستدرك) : تواترت الأحاديث أنه ولد مختوناً.
وفي (الوشاح) لابن دريد قال ابن الكلبي «بلغنا عن كعب الأحبار أنه قال: نجد في بعض كتبنا أن آدم خلق مختوناً واثني عشر نبيا من بعده من ولده خلقوا مختتنين آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، وشيث، وإدريس، ونوح، وسام، ولوط، ويوسف، وموسى، وسليمان، وشعيب، ويحيى، وهود، وصالح- صلى الله عليهم أجمعين-» .
السادسة والتسعون:
وبأنه ما افترقت فرجة إلا كان في خيرها.
السابعة والتسعون:
وبأنه كان نظيفا ما به قذر.
الثامنة والتسعون:
وبأنه وقع على الأرض ساجدا ورافع يده إلى السماء كالمتضرع المبتهل.
التاسعة والتسعون:
وبأن أمه رأت عند ولادته نورا خرج منها أضاء له قصور الشام وكذلك أمهات النبيين يرين.
المائة:
وبأن مهده صلى الله عليه وسلم كان يتحرك بتحريك الملائكة.
الواحدة بعد المائة:
وبأن القمر كان يناغيه وهو في مهده.
وأخرجه البيهقي والصابوني في (المائتين) والخطيب وابن عساكر في تاريخيهما، عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت يا رسول الله دعاني إلى الدخول في دينك إمارة لنبوتك رأتك في المهد تناغي القمر وتشير إليه بإصبعك فحيث أشرت إليه مال. قال: «إني كنت أحدثه ويحدثني ويلهيني عن البكاء وأسمع وجبته حين يسجد تحت العرش»
قال البيهقي تفرد به أحمد بن إبراهيم الجيلي وهو مجهول. وقال الصابوني: هذا حديث غريب الإسناد والمتن في المعجزات حسن.
الثانية بعد المائة:
وبأنه كان يميل حيث أشار إليه.
الثالثة بعد المائة:
وبأنه صلى الله عليه وسلم تكلم في المهد.
الرابعة بعد المائة:
وبأنه لم يلد أبواه غيره.(10/481)
الخامسة بعد المائة:
وبأنه كما قال بعضهم لم ترضعه مرضعة إلا أسلمت.
السادسة بعد المائة:
وبأنه صلى الله عليه وسلم كانت تظله الغمامة في الحر وتقدم بيان ذلك في أبواب مولده صلى الله عليه وسلم.
السابعة بعد المائة:
وبأنه كان يميل إليه فيء الشجرة إذا سبق إليه كما تقدم بيان ذلك في باب سفره إلى الشام.
الثامنة بعد المائة:
وبأنه صلى الله عليه وسلم يبيت جائعا ويصبح طاعما يطعمه ربه ويسقيه من الجنة كما تقدم بيانه في الفصل الثالث.
التاسعة بعد المائة:
وبأنه عصم من الأغلال الموجبة كما ذكره القضاعي في تاريخه.
العشرة بعد المائة:
وبأنه ردت إليه الروح بعد ما قبض ثم خير بين البقاء في الدنيا والرجوع إلى الله فاختار الرجوع إلى الله وكذلك سائر الأنبياء.
الحادية عشر بعد المائة:
وبأنه أرسل إليه جبريل ثلاثة أيام في مرضه ليسأله كيف حاله.
الثانية عشر بعد المائة:
وبأنه صلى الله عليه وسلم لما نزل إليه ملك الموت نزل معه ملك يقال له إسماعيل يسكن الهواء لم يصعد إلى السماء قط ولم يهبط إلى الأرض قط قبل ذلك اليوم.
الثالثة عشر بعد المائة:
وبأنه صلى الله عليه وسلم سمع صوت ملك الموت باكيا عليه ينادي وا محمّداه.
الرابعة عشر بعد المائة:
وبأنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه.
الخامسة عشر بعد المائة:
رأى الملائكة.
السادسة عشر بعد المائة:
والناس أفواجا بغير إمام وقالوا: هو إمامكم حيا وميتا.
السابعة عشر بعد المائة:
وبغير دعاء الجنازة المعروف.
الثامنة عشر بعد المائة:
وبتكرير الصلاة عليه عند، مالك وأبي حنيفة- رضي الله تعالى عنهما- قيل: وبأنه لم يصل عليه أصلا إنما كان الناس يدخلون أفواجا إرسالا فيدعون وينصرفون وعلل بأنه بفضله غير محتاج إلى ذلك.
التاسعة عشر بعد المائة:
وبأنه صلى الله عليه وسلم ترك بلا دفن ثلاثة أيام.
العشرون بعد المائة:
وبأنه صلى الله عليه وسلم دفن بالليل وذلك في حق غيره مكروه عن الحسن وخلاف الأولى عند سائر العلماء.(10/482)
الحادي والعشرون بعد المائة:
وبأنه صلى الله عليه وسلم دفن في بيته حيث قبض وكذلك الأنبياء والأفضل في حق من عداهم الدفن في المقبرة.
الثانية والعشرون بعد المائة:
وبأنه صلى الله عليه وسلم فرش له قطيفة في لحده قال وكيع هذا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، ويكره ذلك لغيره بالاتفاق.
الثالثة والعشرون بعد المائة:
وبأنه غسل في قميصه، ويكره ذلك في حق غيره قاله الحنفية والمالكية.
الرابع والعشرون بعد المائة:
وبأن الأرض أظلمت بموته ويأتي بيان ذلك كله في أبواب وفاته.
الخامس والعشرون بعد المائة:
وبأنه صلى الله عليه وسلم لا يضغط في قبره وكذلك الأنبياء وفاطمة بنت أسد كما قاله القرطبي في «التذكرة» ولم يسلم من الضغطة لا صالح ولا غيره سواهم.
السادس والعشرون بعد المائة:
وبأنه تحرم الصلاة على قبره واتخاذه مسجدا.
السابع والعشرون بعد المائة:
وبأنه يحرم البول عند قبره صلى الله عليه وسلم وكذلك الأنبياء ويكره عند قبور غيرهم قاله الأوزاعي.
الثانية والعشرون بعد المائة:
وبأنه لا يبلى جسده وكذلك الأنبياء لا تأكل لحومهم الأرض، ولا السباع، وسيأتي بيان ذلك في أبواب الوفاة.
التاسع والعشرون بعد المائة:
وبأنه لا خلاف في طهارة ميتهم وفي غيرهم خلاف.
الثلاثون بعد المائة:
وبأنه لا يجري في أطفالهم الخلاف الذي لبعضهم.
الواحدة والثلاثون بعد المائة:
وبأنه لا يجوز للمضطر أكل ميتة.
الثانية والثلاثون بعد المائة:
وبأنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره.
الثالث والثلاثون بعد المائة:
ويصلّي فيه بآذان وإقامة ولهذا قيل لا عن أزواجه، وسيأتي بيان ذلك.
الرابع والثلاثون بعد المائة:
وبأن المصيبة بموته صلى الله عليه وسلم عامة.
الخامس والثلاثون بعد المائة:
وبأنه صلى الله عليه وسلم وكل بقبره ملكان يبلغانه صلاة المسلمين عليه لأمته إلى يوم القيامة.
السادس والثلاثون بعد المائة:
وبأن أعمال أمته تعرض صلى الله عليه وسلم عليه ويستغفر لهم، وسيأتي بيان ذلك في أبواب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.(10/483)
السابع والثلاثون بعد المائة:
وبأن أول ما يرفع رؤيته في المنام والقرآن والحجر الأسود.
الثامن والثلاثون بعد المائة:
وبأن قراءة أحاديثه صلى الله عليه وسلم عبادة ويثاب عليها كقراءة القرآن في إحدى الروايتين.
التاسع والثلاثون بعد المائة:
وبأن النار لا تأكل شيئا من سائر وجهه وكذلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
الأربعون بعد المائة:
وبكراهة عمل ما كتب عليه اسمه وتقدم بيان ذلك في باب أسمائه.
الواحد والأربعون بعد المائة:
وبأنه يستحب الغسل لقراءة حديثه.
الثانية والأربعون بعد المائة:
والطيب.
الثالثة والأربعون بعد المائة:
ولا ترفع عنده الأصوات.
الرابعة والأربعون بعد المائة:
ويقرأ على مكان عال.
الخامسة والأربعون بعد المائة:
ويكره لقارئه أن يقوم لأحد كما سيأتي في أبواب توقيره.
السادسة والأربعون بعد المائة:
وبأن حملته لا تزال وجوههم نضرة
لقوله صلى الله عليه وسلم: «نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها، فأداها إلى أهلها كما سمعها»
الحديث.
السابعة والأربعون بعد المائة:
وبأنهم اختصوا بالحفاظ وأمر المؤمنين من بين سائر العلماء.
الثامنة والأربعون بعد المائة:
وبجعل كتب حديثه صلى الله عليه وسلم على كرسي كالمصاحف.
التاسعة والأربعون بعد المائة:
وبأن الصحبة ثبتت لمن اجتمع به صلى الله عليه وسلم لحظة بخلاف التابعي مع الصحابي فلا تثبت إلا بطول الاجتماع معه، على الأصح عن أهل الأصول، والفرق عظم منصب النبوة ونورها فبمجرد ما يقع بصره على الأعرابي الجلف ينطق بالحكمة.
الخمسون بعد المائة:
وبأن أصحابه صلى الله عليه وسلم كلهم عدول فلا يبحث عن عدالة أحد منهم كما يبحث عن عدالة سائر الرواة.
الواحد والخمسون بعد المائة:
وبأنهم لا يفسقون بارتكاب ما يفسق به غيرهم كما ذكره العراقي في شرح «جمع الجوامع» .
الثانية والخمسون بعد المائة:
وبأن الله تعالى أوجب الجنة والرضوان في كتابه(10/484)
لجميع أصحابه، محسنهم ومسيئهم وشرط على من بعدهم أن يتبعوهم بإحسان قاله محمد بن كعب القرظي.
الثالثة والخمسون بعد المائة:
وبأنه لا يكره للنساء زيارة قبره صلى الله عليه وسلم كما يكره لهن زيارة سائر القبور بل يستحب كما قال العراقي في «نكته» أنه لا شك فيه. انتهى.
الرابعة والخمسون بعد المائة:
وبأن المصلي في مسجده لا يبصق عن يساره أي في ثوب ونحوه كما هو السنة في سائر المساجد، نبه على ذلك الشيخ كمال الدين الدميري، وغيره.
الخامسة والخمسون بعد المائة:
وبأن مسجده صلى الله عليه وسلم لو بني إلى صنعاء لكان مسجدا وقال النووي رحمه الله تعالى في «شرح مسلم» «والمناسك» أن الصلاة إنما تضاعف في المسجد الذي كان في زمنه صلى الله عليه وسلم دون بقية الزيادات ولم يحك غيره، لكن الخطيب وابن جملة نقل عن المحب الطبري أن المسجد المشار إليه في حديث المضاعفة هو ما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم مع ما زيد فيه لأخبار وآثار وردت في ذلك واستحسنه ابن جملة على ما ذهب إليه النووي من التخصيص، مع أن البرهان بن فرحون نقل في شرحه لابن الحاجب «الفرعي» أنه لم يخالف في هذه المسألة غير النووي، وأن الشيخ محب الدين الطبري نقل في كتابه «الأحكام» أن النووي رجع عن ذلك، وتعجب بأن ابن الجوزي نقل عن ابن عقيل ما يوافق ما ذكره النووي في «شرح مسلم» والأقشهري في «روضته» عن ابن نافع صاحب مالك عنه ولفظه في أثناء كلام قيل له إن لمالك هذا المسجد الذي جاء فيه الخبر هل هو ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو على ما هو عليه الآن؟ قال: بل هو على ما هو عليه الآن قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بما يكون بعده وزويت له الأرض فرأى مشارقها ومغاربها وتحدث بما يكون بعده فحفظ ذلك من حفظه في ذلك الوقت، ونسيه من نسيه ولولا هذا ما استجاز الخلفاء الراشدون المهديون أن يزيدوا فيه بحضرة أصحابه، ولم ينكره عليهم في ذلك منكر وعمدة من ذهب إلى التخصيص الإشارة إلى قوله «مسجدي هذا» ولعله صلى الله عليه وسلم إنما جاء بها ليدفع توهم دخول سائر المساجد المنسوبة إليه بالمدينة عن غير هذا المسجد لا كإخراج ما يزيد فيه وقد سلم النووي أن المضاعفة في المسجد الحرام مع ما زيد فيه فليكن مسجد المدينة كذلك كما أشار إليه ابن تيمية قال: وهو الذي يدل عليه كلام الأئمة المعتمدين وكان الأمر عليه في عهد عمر، وعثمان، فإن كلا منهما زاد في قبلة المسجد، وكان مقامه في الصلوات الخمس في رواية وكذلك مقام الصف الأول الذي هو أفضل ما يقام فيه ويمنع أن تكون الصلاة في غير مسجده أفضل منها في مسجده، وأن يكون الخلفاء والصفوف الأول كانوا يصلون في غيره.(10/485)
قال ولم يبلغني عن أحد من السلف خلاف هذا إلا أن بعض المتأخرين ذكر أن الزيادة ليست من مسجده، وما علمت له سلفا في ذلك. انتهى.
السادسة والخمسون بعد المائة:
وبأنه وكل بشقتي كل إنسان ملكان يحفظان عليه إلا الصلاة عليه خاصة.
السابعة والخمسون بعد المائة:
وبوجوب الصلاة عليه عندنا في التشهد الأخير.
الثامنة والخمسون بعد المائة:
وكلما ذكر عند الطحاوي والحليمي لأنه ليس بأقل من تشميت العاطس، وسيأتي بيان ذلك في باب وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
التاسعة والخمسون بعد المائة:
وبأن من صلى عليه عن الأمر الذي تستقذر منه أو يضحك منه أو جعل الصلاة عليه كناية عن شتم القبر كفر، ذكره الحكيم ونقله في «الخادم» .
الستون بعد المائة:
وبأن من حكم عليه فكان في قلبه حرج من حكمه، كفر بخلاف غيره من الحكام ذكره الاصطخري- في أدب القضاء- وابن دحية واستدل لذلك بقوله تعالى فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء/ 65] .
يقال: تشاجر القوم إذا اختلفوا يعني فيما شجر بينهم أي فيما وقع من التشاجر بينهم.
الواحد والستون بعد المائة:
وبأن أهله صلى الله عليه وسلم يطلق عليهم الأشراف والواحد شريف وهم ولد علي وعقيل وجعفر والعباس كذلك مصطلح السلف وإنما حدث تخصيص الشريف بولد الحسن والحسين في مصر خاصة من عهد المغازية الزاعمين أنهم من ولد فاطمة- رضي الله تعالى عنها-.
الثاني والستون بعد المائة:
قيل: أن ابنته لم تحض ولما ولدت طهرت من نفاسها بعد ساعة حتى لا تفوتها الصلاة ولذلك سميت الزهراء، ذكره صاحب الفتاوى الظهيرية من الحنفية والمحب الطبري الشافعي وأورد فيه حديثين أنها حوراء أدمة طاهرة مطهرة لا تحيض، ولا يرى لها دم في طمس ولا في ولادة. انتهى.
الثالث والستون بعد المائة:
وبأنها لما احتضرت غسلت نفسها، وأوصت ألا يعاد غسلها فعسلها علي ذكره كما رواه الإمام أحمد عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وتعقبوه.
وقد روى البيهقي بإسناد حسن عن أسماء بنت عميس أن فاطمة أوصت أن يغسلها علي فغسلاها وروى ابن أبي شيبة عن أسماء بنت عميس قالت: غسلت أنا وعلي فاطمة بنت(10/486)
رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعقب البيهقي هذا بأن أسماء في هذا الوقت كانت عند أبي بكر الصديق، وقد ثبت أن أبا بكر لم يعلم بوفاة فاطمة- رضي الله تعالى عنها- لما في الصحيح أن عليا دفنها ليلا، ولم يعلم أبو بكر فكيف يمكن أن تغسلها زوجته وهو لا يعلم، وأجاب في «الخلافيات» باحتمال أن أبا بكر علم بذلك وأحب أن لا يرد غرض علي في كتمانه منه.
قال الحافظ: ويمكن أن يجمع بأن أبا بكر علم بذلك وظن أن عليا يدعوه لحضور دفنها، وظن علي أنه يحضر من غير استدعاء منه، وقد اتضح بحديث أسماء هذا للإمام أحمد وابن المنذر وفي جزمهما بذلك دليل على صحته عندهما فبطل ما رواه أنها غسلت نفسها، وأوصت ألا يعاد غسلها كما تقدم.
الرابع والستون بعد المائة:
وبأن الناس كانوا لعائشة محرما فمع أيهم سافرت سافرت مع المحرم، وليس غيرها من النساء، كذلك نقله الطحاوي في «معاني الآثار» عن الإمام أبي حنيفة- رضي الله تعالى عنه-.
الخامسة والستون بعد المائة:
وبأن شيئا من شعره سقط في النار.
السادس والستون بعد المائة:
وبأنه مسح رأس أقرع فنبت شعره في وقته.
السابع والستون بعد المائة:
وبأنه وضع كفه على المريض فعقل من ساعته.
الثامن والستون بعد المائة:
وبأنه صلى الله عليه وسلم غرس نخلا فأثمرت من عامها.
التاسع والستون بعد المائة:
وبأنه هز عمر فأسلم من ساعته وقد تقدم بيان ذلك في أبواب المعجزات.
السبعون بعد المائة:
وبأن اصبعه المسبحة كانت أطول أصابعه وتقدم بيان بطلان ذلك في صفاته الحسية.
الواحد والسبعون بعد المائة:
وبأنه صلى الله عليه وسلم ما أشار إلى شيء إلا أطاعه، وتقدم في المعجزات بيان ذلك.
الثاني والسبعون بعد المائة:
قيل: وبأنه ما وطئ على صخر إلا وأثر، فيه وتقدم في باب طاعات الجمادات له إن ذلك لا أصل له، وإن اشتهر على ألسنة كثير من المداح.
الثالث والسبعون بعد المائة:
وبأنه صلى الله عليه وسلم ما وطئ محلا إلا وبورك فيها كما تقدم بيانه في المعجزات.
الرابع والسبعون بعد المائة:
وبأنه كان إذا تبسم في الليل أضاء البيت كما تقدم بيانه في صفاته الحسية. انتهى.(10/487)
الخامس والسبعون بعد المائة:
وبأنه صلى الله عليه وسلم كان يسمع خفيق أجنحة جبريل وهو يصعد سدرة المنتهى.
السادس والسبعون بعد المائة:
ويشم رائحته إذا توجّه بالوحي إليه ذكر ذلك رزين.
السابعة والسبعون بعد المائة:
وبأنه كان المسلمون يهاجرون إليه وتقدم بيانه في أسمائه الشريفة صلى الله عليه وسلم.
الثامنة والسبعون بعد المائة:
وطول الصعود فيه ذكره رزين.
التاسعة والسبعون بعد المائة:
بأنه حرم على الناس دخول بيته.
الثمانون بعد المائة:
قيل: وبأنه لم يصل على ابنه إبراهيم.
قال بعض العلماء: لأنه استغنى ببنوة ابنه عن قربة الصلاة كما استغنى الشهيد بقربة الشهادة قاله الأسنوي في نكته ويأتي الكلام على ذلك في باب أولاده.
الواحد والثمانون بعد المائة:
وبأنه صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة ولم يصل على أحد من الشهداء غيره وفي لفظ أنه كبر عليه سبعين صلاة.
الثاني والثمانون بعد المائة:
وبأنه صلى يوما على أهل أحد صلاته على الميت وذلك قرب موته بعد ثمان سنين من دفنهم رواه الشيخان عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- وفي الصحيح أنه خرج إلى أهل البقيع فصلى عليهم، ونقل القاضي عن بعضهم أنه يحتمل أن تكون الصلاة المعلومة على الموتى ويكون هذا خصوصا له ويكون أراد أن يعمهم بصلاته إذ فيهم من دفن وهو غائب أو لم يعلم به فلم يصل عليه فأراد أن يعمهم بركته.
الثالث والثمانون بعد المائة:
وبأنه يجوز أن يقال للنبي (ص) احكم بما تشاء فهو صواب موافق حكمي على ما صححه الأكثرون في الأصول وليس ذلك للعالم على ما اختاره السمعاني لقصور رتبته.
الرابع والثمانون بعد المائة:
قيل: وبامتناع الاجتهاد له لقدرته على اليقين بالوحي، ولغيره في عصره لقدرته على اليقين بتكفية منه.
الخامس والثمانون بعد المائة:
وأنه لا ينعقد الإجماع في عصره بالإجماع.
السادس والثمانون بعد المائة:
وبأنه ما صور نبي قط.
السابع والثمانون بعد المائة:
وبأن الإلهام حجة على الملهم وغيره إن كان الملهم نبيا، وعلم أنه من الله لا إن كان وليا قال السكاكي: في «شرح المنار» وقال اليافعي: فرق الشيخ عبد القادر بين ما يسمعه الأنبياء، وبين ما يسمعه الأولياء، يسمى حديثا فالكلام يلزم تصديقه، ومن رده كفر، والحديث من رده لم يكفر.(10/488)
الثامنة والثمانون بعد المائة:
وبأنه لا يقال لغيره احكم بما أراك الله كما رواه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه-.
التاسعة والثمانون بعد المائة:
وبأنه لم يسمع بأن نبيا قتل في قتال قط كما رواه سعيد ابن منصور عن سعيد بن جبير.
التسعون بعد المائة:
قيل: بأن الوقف إنما يلزم من الأنبياء خاصة، دون غيرهم.
قال صاحب المبسوط من الحنفية وحمل عليه حديث «لا نورث ما تركناه صدقة» وجعله مستثنى من قول أبي حنيفة- رضي الله عنه- أن الوقف لا يلزم.
الواحد والتسعون بعد المائة:
وبأنه صلى الله عليه وسلم كانوا إذا دخلوا عليه بدأهم بالسلام فقال:
«السلام عليكم» وإذا لقيهم كذلك أيضاً لقوله تعالى وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ/ [الأنعام/ 54] رواه ابن المنذر عن ابن جريج والسنة في حقنا إن الداخل والمار هو الذي يبدأ ووجوب الابتداء عليه للأمر به، في الآية وليس أحد من الأمة يجب عليه الابتداء.
الثاني والتسعون بعد المائة:
قيل: وباختصاصه بجواز رؤية الله- تبارك وتعالى- في المنام ولا يجوز ذلك لغيره وهو اختيار الشيخ وعليه أبو منصور الماتريدي.
الثالث والتسعون بعد المائة:
وبأنه لا يحيط باللغة إلا نبي قاله الشافعي في «الرسالة» .
الرابع والسبعون بعد المائة:
وبأن ما عبره الأنبياء من الرؤيا كائن لا محالة قاله ابن جرير، وأما تعبير غيرهم فيحق الله فيها ما يشاء ويبطل ما يشاء قاله قتادة.
الخامس والتسعون بعد المائة:
وبعدم أخذ الزكاة من ثعلبة بن حاطب لما كذب فلم يقبلها منه عقوبة له، ولا أبو بكر ولا عمر، ولا عثمان حتى مات في خلافته.
السادس والتسعون بعد المائة:
وبامتناع رد تميمة بنت وهب إلى مطلقها رفاعة لما كذبت فلم يرجعها أبو بكر ولا عمر، وقال عمر: لأن أتيتني بعد هذه لأرجمنك.
السابع والتسعون بعد المائة:
وبعدم أخذ زمام من شعر غلة.
روى أبو داود والحاكم عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصاب غنيمة أمر بلالا فنادى في الناس فيجيئون بغنائمهم فيخمسها ويقسمها فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر فقال: يا رسول الله هذا فيما كنا أصبناه من الغنيمة قال: أسمعت بلالا نادى ثلاثا قال: نعم قال: فما منعك أن تجيء به قال يا رسول الله فاعتذر قال: كن أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله عنك وبأنه يأخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم قاله ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما-.(10/489)
الثامن والتسعون بعد المائة:
[ ... ] [ (1) ] .
التاسع والتسعون بعد المائة:
وبأن «له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله تعالى» كما قال ابن عباس إن ذلك خاص به.
المائتان:
وبأن مثلهم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.
روى الحاكم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا إن أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق» .
الواحد بعد المائتين:
وبأن من تمسك بهم وبالقرآن لن يضل.
الثاني بعد المائتين:
وبأنهم أمان للأمة من الاختلاف.
الثالث بعد المائتين:
وبأنهم سادات أهل الجنة.
الثالث بعد المائتين:
وبأن الله تعالى قد وعدهم أن لا يعذبهم كما سيأتي بيان جميع ذلك قريبا.
الرابع بعد المائتين:
وبأن من أبغضهم أدخله الله النار.
روى الحاكم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا بني عبد المطلب إني سألت الله تعالى لكم ثلاثا» ...
[الحديث تقدم قريبا] .
وروى الحاكم عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده لا يبغض أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار» .
الخامس بعد المائتين:
وبأن الإيمان لا يدخل قلب أحد حتى يحبهم لله، ولقرابتهم لنبيه صلى الله عليه وسلم وسيأتي ذلك قريبا.
السادس بعد المائتين:
وبأن من قاتلهم كان كمن قاتل مع الدجال وبأن من صنع مع أحد منهم برا كفاه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
السابع بعد المائتين:
وبأن ما منهم أحد إلا وله شفاعة يوم القيامة.
الثامنة بعد المائتين:
وبأن الرجل يقوم لأخيه إلا بني هاشم لا يقومون لأحد.
التاسعة بعد المائتين:
قيل: وبأنه لا يجوز لأحد أن يؤمه لأنه لا يصلح للتقدم بين يده في الصلاة، ولا في غيرها لا في عذر ولا غيره. وقد نهى الله المؤمنين عن ذلك ولا يكون أحد شافعا وقد قال: أمتكم شفعاؤكم وكذلك قال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حكاه القاضي قلت قد صح أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعة خلف عبد الرحمن بن عوف، وخلف أبي بكر- رضي الله عنهما- كما يأتي ذلك في أبواب الوفاة.
__________
[ (1) ] بياض في الأصول.(10/490)
العاشرة بعد المائتين:
وبأنه صلى الله عليه وسلم خص أهل بدر من بين أصحابه بأن يزيدوا في الجنازة على أربع تكبيرات.
الحادي عشر بعد المائتين:
وبأنه ما يمكث نبي في قبره أكثر من أربعين يوما يرفع كما رواه الترمذي في جامعه وعبد الرزاق في مصنفه.
الثانية عشرة بعد المائتين:
وبأنه اختص بحقيقة حق اليقين، وللأنبياء حقيقة اليقين وخواص الأولياء عين اليقين وللأولياء علم اليقين نقله الرافعي.
الثالثة عشرة بعد المائتين:
وبأن الأنبياء يطالعون بحقائق الأمور والأولياء يطالعون بمثلها قاله الشيخ تاج الدين بن عطاء الله.
الرابعة عشرة بعد المائتين:
وبأن الأنبياء فرض الله- تعالى- عليهم ظهور المعجزات ليؤمنوا بها، وفرض على الأولياء كتمان الكرامات، لئلا يفتنوا بها قاله أبو عمر الدمشقي الصوفي.
الخامسة عشرة بعد المائتين:
وبأن الحظوة للأنبياء والوسوسة للأولياء، والفكر للعوام قاله أبو العباس المروزي.
السادسة عشرة بعد المائتين:
وبأن أرواح الأنبياء تخرج من جسدها، وتكون في أجواف طير خضر قاله النسفي في «بحر الكلام» .
السابعة عشرة بعد المائتين:
وبأنه ينصب للأنبياء في الموقف منابر من ذهب، يجلسون عليها وليس ذلك لأحد سواهم كما سيأتي في باب حشره ونشره صلى الله عليه وسلم.
الثامنة عشرة بعد المائتين:
قيل: وبأنه لا اعتكاف عليه إلا بمسجد قاله سعيد بن المسيب كما رواه النسائي عنه.
التاسعة عشرة بعد المائتين:
وبأنه ما من مولود إلا ينخسه الشيطان إلا الأنبياء ك ما أشار إليه القاضي.
العشرون بعد المائتين:
وبأن من صلى معه صلى الله عليه وسلم وقام إلى خامسة عمدا لم تبطل صلاته، أو سلم من اثنين فتبعه عمدا لم تبطل صلاته لجواز أن يوحى إليه بالزيادة والنقصان، أما بعده فمتى تابع المأموم الإمام في ذلك عمدا بطلت صلاته أو سلم من اثنتين فتبعه عمدا بطلت صلاته قاله السبكي.
الحادية والعشرون بعد المائتين:
وبالشهادة بين الأنبياء وأممهم يوم القيامة كما سيأتي في باب حشره ونشره صلى الله عليه وسلم.(10/491)
الثانية والعشرون بعد المائتين:
لم يكن يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرقه- كما تقدم في أبواب صفته.
الثالثة والعشرون بعد المائتين:
وبتنوير القبور بدعائه صلى الله عليه وسلم أورد ذلك القزويني في خصائصه.
وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذه القبور مملوءة مظلمة على أهلها، وإن الله ينورها بصلاتي عليهم» .
الرابعة والعشرون بعد المائتين:
قيل: وبأن كل دابة ركب عليها صلى الله عليه وسلم بقيت على القدر الذي كان يركبها عليه، فلم تهزم له مركب ذكره ابن سبع، وقال غريب ويرده ما رواه أحمد أن بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهبت أسنانها من الهرم، وعميت، قاله القزويني، والله تعالى أعلم.(10/492)
[المجلد الحادي عشر]
بسم الله الرحمن الرحيم
جماع أبواب بعض فضائل آل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والوصية بهم ومحبتهم والتحذير من بعضهم وذكر أولاد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأولادهم- رضي الله تعالى عنهم-
وتقدم في أبواب النسب النبوي الكلام على بعض فضائل العرب وقريش وبني هاشم، ونذكر هنا ما لم يتقدم له ذكر.
الباب الأول في فضائل قرابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
ونفعها والحث على محبتهم.
روى أبو داود الطيالسي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والإمام أحمد والحاكم عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بال أقوام يقولون: إن رحمي لا ينفع، بلى، والله، إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة، ألا وإني فرطكم على الحوض، فإذا جئت، قام رجال فقال: هذا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا فلان، وقال هذا: يا رسول الله، أنا فلان، فأقول قد عرفتكم ولكنكم أحدثتم بعدي، ورجعتم القهقرى» .
وروى ابن ماجة والروياني والحاكم في «صحيحه» والطبراني (وابن عساكر والإمام أحمد عن العباس بن عبد المطلب- رضي الله تعالى عنه- قال: كنا نلقى النفر) [ (1) ] من قريش وهم يتحدثون فيقطعون حديثهم، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما بال أقوام يتحدثون فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم» - وفي لفظ- قلت: يا رسول الله، إن قريشا إذا لقي بعضهم بعضا أو سموا بوجوه حسنة وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «والذي نفسي بيده» وفي لفظ: «أن الله- عز وجل- لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبهم لله، ولقرابتهم مني.»
وروى الإمام أحمد والترمذي والبغوي ومحمد بن نصر عن عبد الله بن الحارث عن عبد المطلب بن ربيعة- رضي الله تعالى عنه- قال: دخل العباس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
__________
[ (1) ] سقط في ج.(11/3)
إنا لنخرج فنرى قريشا يتحدثون فإذا رأونا سكتوا فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودر العرق بين عينيه ثم قال: «والله لا يدخل قلب امرئ مسلم إيمان، حتى يحبكم لله ولقرابتي» وفي لفظ: لله ولرسوله.
وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: جاء العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنك تركت فينا ضغائن مند صنعت الذي صنعته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لن تنالوا الخير» أو قال: «الإيمان، حتى يحبونكم لله ورسوله ولقرابتي أيرجون أن يدخلوا الجنة بشفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب» .
وروى الديلمي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب الله أحب القرآن، ومن أحب القرآن أحبني ومن أحبني أحب أصحابي وقرابتي»
انتهى.
وروى ابن أبي عاصم والطبراني وابن مردويه وابن منده برجال ثقات غير عبد الرحمن بن بشير الدمشقي وثقه ابن حبان وضعفه ابن أبي حاتم عن ابن عمر وأبي هريرة وعمار بن ياسر- رضي الله تعالى عنهم- قالوا: قدمت درة بدال بنت أبي لهب مهاجرة فقالت نسوة: أنت درة بنت أبي لهب الذي يقول الله تعالى تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد/ 1] فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت، ثم صلى بالناس الظهر فخطب «يا أيها الناس مالي أوذي في أهلي؟ فوالله، إن شفاعتي لتنال قرابتي حتى إن صداء وحكم وحاء وسلهباً لتنالها يوم القيامة» .
رحمه الله تعالى
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما بال أقوام يزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي وإن شفاعتي لتنال حاء وحكم»
قال: حاء وحكم قبيلتان.
روى ابن منده والإمام الزاهد عمر الملى- بفتح الميم وتشديد اللام الموصلي- رحمه الله تعالى- وكان إماما عظيما، وكان على المنبر بجامع الموصل احتسابا، وكان السلطان نور الدين الشهيد- رحمه الله تعالى- يعتمد قوله، ويقبل شفاعته لجلالته- عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاءت سبيعة بنت أبي لهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، أن الناس يقولون أنتِ بنت حطب النار، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما بال أقوام يؤذونني في قرابتي؟ من آذاني في قرابتي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى» .
وروى الطبراني مرسلا برجال ثقات عن عبد الله بن أبي رافع.
وروى الإمام أحمد في المناقب عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر بني هاشم، والذي بعثني بالحق نبيا لو أخذت حلقة باب الجنة، ما بدأت إلا بكم» .(11/4)
وروى أبو بكر بن يوسف بن البهلول عن طلحة بن مصرف- رحمه الله تعالى- قال:
كان يقال: بغض بني هاشم نفاق.
وروى أبو قاسم حمزة السهمي في «فضائل العباس» عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «أعطى الله- عز وجل- بني عبد المطلب سبعا الصباحة والفصاحة والسماحة والشجاعة والحلم والعلم وحب الناس.
وروى الحاكم وقال على شرط مسلم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بني عبد المطلب، إني سألت الله ثلاثة أن يجعلكم جوداء نجداء، رحماء» وفي لفظ: «أن يثبت قائمكم، وأن يهدي ظالمكم، وأن يعلم جاهلكم، وسألته أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء، فلو أن رجلا صُفن بين الركن والمقام فصلى وصام ولقي الله، وهو مبغض لأهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم دخل النار» .
وفي رواية «صفن قدمه» .
ونجداء بدل مهملة.
صفن بصاد مهملة ففاء خفيفة فنون جمع بين قدميه.
والنجدة: الشجاعة وشدة البأس.
وروى عمر الملا عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بني عبد المطلب، إني سألت الله- تعالى- أن يثبت قائمكم وأن يهدي ضالكم، وأن يعلم جاهلكم، وأن يجعلكم رحماء نجداء ولو أن رجلا صُفن بين الركن والمقام فصلى وصام، ثم مات، وهو مبغض لأهل هذا البيت لدخل النار» .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق.
[الرحم: هم الأقارب، ويقع على كل من يجمع بينك وبينه نسب ويطلق في الفرائض على الأقارب من جهة النساء يقال ذو رحم محرم ومحرَّم وهم من لا يحل نكاحه كالأم والبنت والأخت والعمة والخالة] .
الحكم: بطن من بطون العرب.
حاء: من جشم بن معد، أوحي من مذحج وقال ابن الأثير هما (أي حكم وحاء) حيان من اليمن.
سلهب: قبيلة من قبائل العرب.
[النجباء: جمع نجيب وهو الفاضل الكريم السخي] .(11/5)
الباب الثاني في بعض فضائل أهل بيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
وفيه أنواع
الأول: في الحث على التمسك بهم، وبكتاب الله- عز وجل-.
روى الترمذي وحسنه عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول:
«إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي» .
وروى الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن زيد بن أرقم- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي» .
الثاني: في وصية النبي- صلى الله عليه وسلم- وخلفائه- رضي الله تعالى عنهم- بأهل البيت- رضي الله تعالى عنهم-
روى الترمذي وحسنه والعسكري في الأمثال عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا إن عيبتي التي آوى إليها أهل بيتي وإن كرشي الأنصار فاعفوا عن مسيئهم واقبلوا من محسنهم» .
ورواه الديلمي في مسنده بلفظ: «ألا إن عيبتي أهل بيتي والأنصار أثق بهم وأطلعهم على أسراري وأعتمد عليهم» .
وقال الحافظ أبو خيثمة زهير بن حرب: معنى كرش باطني، وعيبتي ظاهري وجمالي وهذا غاية من التعطف عليهم والوصية بهم، وأما
قوله: «وتجاوزوا عن مسيئهم»
هو من نمط
قوله صلى الله عليه وسلم: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم لا الحدود» ،
إذ أهل البيت النبوي، والأنصار من ذوي الهيئات.
الثالث: في أنهم أمان لأمة محمد- صلى الله عليه وسلم-
روى ابن أبي شيبة ومسدد وأبو يعلى والحكيم والترمذي والطبراني وابن عساكر عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأمتي» .
وروى الحاكم عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت أتاها ما توعدون، وأنا أمان لأصحابي، فإذا ذهبت أتاهم ما يوعدون وأهل بيتي أمان لأمتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتاهم ما يوعدون» .(11/6)
وروى الحاكم ضعيف عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس» .
وروى الإمام أحمد في المناقب عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت النجوم، ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض» .
الرابع في أنهم لا يقاس بهم أحد.
روى الديلمي وعمر الملا عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد»
الخامس: في الحث على حفظهم.
روى البخاري عن أبي بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: ارقبوا محمدا صلى الله عليه وسلم:
في أهل بيته.
وروى الديلمي عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أربعة أنا شفيع لهم يوم القيامة المكرم لذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عند ما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه» .
السادس: في بشارتهم بالجنة ورفع منزلتهم:
بالوقوف عند ما أوجبه الشارع وسنه، تقدمت في الباب الأول عدة أحاديث في التنصيص على شفاعته صلى الله عليه وسلم وغضبه حيث قيل: إنهم لا ينتفعون بقرابته.
وروى الجصاص عن زيد بن علي- رحمهم الله تعالى- في قوله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى [الضحى/ 5] قال: إن من رضى رسول الله أن يدخل أهل بيته الجنة.
وروى الثعلبي عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حسد الناس فقال لي: «أما ترضى أن تكون رابع أربعة؟ أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذريتنا خلف أزواجنا» .
وروى الطبراني بسند رواه عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي- رضي الله تعالى عنه-: «أنا أول أربعة يدخلون الجنة، أنا وأنت والحسن والحسين، وذريتنا خلف أظهرنا وأزواجنا خلف ذريتنا وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا»
وروى ابن السرى والديلمي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نحن بنو عبد المطلب(11/7)
سادات أهل الجنة، أنا وحمزة، وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي في الفردوس»
وعن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألت ربي- تبارك وتعالى- أن لا يدخل النار أحد من أهل بيتي» .
السابع: في حثه والتحذير من بغضهم وأذاهم.
وروى الطبراني في الأوسط والديلمي وسنده واه عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول من يرد علي الحوض أهل بيتي، ومن أحبني من أمتي» .
وروى الترمذي وحسنه والطبراني والحاكم وقال صحيح الإسناد والبيهقي في «الشعب» وابن سعد وابن الجوزي- فذكر هذا الحديث في العلل- عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني بحب الله- تعالى- وأحبوا أهل بيتي بحبي» .
وروى أبو نعيم عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من آذاني في أهلي، فقد آذى الله- عز وجل-» .
وروى الإمام أحمد في المناقب عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أبغض أهل البيت فهو منافق» .
وروى الطبراني وأبو الشيخ بن حيان في «الثواب» والبيهقي في «الشعب» والديلمي عن ابن أبي ليلى- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يؤمن أحد حتى أكون أحب إليه من نفسه وتكون عترتي أحب إليه من عترته وأهلي أحب إليه من أهله وإني أحب إليه من ذاك» .
وروي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبغضنا إلا منافق- وفي لفظ- لا يبغضنا أهل البيت إلا شقي» .
وروى الحاكم وابن حبان وصححاه عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لا يبغض أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار» ،
ورواه الطبراني في الأوسط عن الحسن بن علي- رضي الله تعالى عنهما- أنه قال لمعاوية بن خديج- رحمه الله تعالى-: يا معاوية، إياك وبغضنا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبغضنا، ولا يحسدنا أحد إلا زيد عن الحوض يوم القيامة بسياط من نار» .
وروى أبو بكر البزقاني عن الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من سب أهل البيت، فإنما يسب الله ورسوله.(11/8)
وروي أيضا عنه قال: من والانا فلرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن عادانا فلرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى أيضاً عن عبد الله بن حسن بن حسين قال: كفى بالمحب لنا أن أنسبه إلى من يحبنا، وكفى بالمبغض لنا أن أنسبه، إلى من يبغضنا.
وروي أيضاً عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من آذاني وعترتي فعليه لعنة الله» .
وروى الديلمي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من آذاني في عترتي فقد آذى الله- عز وجل-» .
وروى أيضاً بلا إسناد عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي، أو قاتلهم أو أعان عليهم أو سبهم» .
وروى الطبراني في «الدعاء» عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «خمسة أو ستة لعنتهم وكل نبي مجاب الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والتارك للسنة» .
وروى عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: من مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه: أيس من رحمة الله.
وروى أبو الشيخ عن علي- رضي الله تعالى عنه- عن درة بنت أبي سهب- رضي الله تعالى عنها- قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا حتى استوى على المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: «ما بال الرجال يؤذونني في أهلي؟ والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبد حتى يحبني ولا يحبني حتى يحب ذوي» .
وروى الطبراني وأبو الشيخ عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله- عز وجل- ثلاث حرمات من حفظهن حفظ الله دينه ودنياه، ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله دينه ولا آخرته» قلت: ما هن؟ قال: «حرمة الإسلام وحرمتي وحرمة رحمي» .
تنبيه
لو قال لرجل من بني هاشم لعن الله بني هاشم: وقال: أردت الظالم منهم، أو قال لرجل من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم قولا قبيحا من آبائه أو من نسله أو ولده على علم منه أنه من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم ولم تقم قرينة في المسألتين تقتضي تخصيص بعض آبائه وإخراج النبي صلى الله عليه وسلم فمن سبه منهم فحكم القاضي برهان الدين الأخنائي المالكي بقتل بعض الأمراء حدا لكونه لعن(11/9)
أجداد القاضي حسام الدين محمد بن جريز بعد أن قال له: أنا شريف وجدي الحسين بن فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربت عنقه ذكره الحافظ ابن حجر في «أبنائه» في حوادث سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة.
الثامن: في الصلاة عليهم.
روى الشيخان عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى- رحمه الله تعالى- قال: لقيت كعب بن عجرة- رضي الله تعالى عنه- فقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ قلت:
بلى، قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله، كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ قال «قولوا: اللهم، صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» .
وروى إسماعيل القاضي عن إبراهيم بن يزيد النخعي- رحمه الله تعالى- قال: قالوا: يا رسول الله، قد علمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا «اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، وأهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد» .
وروى الشيخان عن أبي حميد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- أنهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: «اللهم، صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد» .
وروى أبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت، فليقل: اللهم، صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته، وأهل بيته، كما صليت على إبراهيم، إنك حميد مجيد» .
وروى النسائي وأحمد في مسنده عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: اللهم، اجعل صلواتك وبركاتك على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد» .
وروى الدارقطني والبيهقي وغيرهما عن أبي مسعود البدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاة لم يصل فيها عليّ وعلى أهل بيتي لم تقبل منه» وهو عندهما موقوف من قول أبي مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: لو صليت صلاة لا(11/10)
أصلي فيها على آل محمد ما رأيت أن صلاتي تتّم،
وصوّب الدارقطني بأنه من قول أبي جعفر بن محمد بن علي بن الحسين وهو حجة للقائل.
يا أهل بيت رسول الله حبكم ... فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر أنكم ... من لم يصل عليكم لا صلاة له
التاسع في مكافأته- صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة لمن صنع إلى أهل بيته معروفا.
روى الطبراني في «الأوسط» والضياء المقدسي في «المختارة» والخطيب في التاريخ عن عثمان بن عفان- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صنع إلى أحد من خلف عبد المطلب يدا فلم يكافئه بها في الدنيا فعلي مكافأته غدا، إذا لقيني» .
وروى الملا وأبو سعيد النيسابوري عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صنع إلى أحد من أهل بيتي يدا كافأته عنه يوم القيامة» .
وروى الديلمي عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة، المكرم لذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عند ما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه» .
العاشر: في دعائه- صلى الله عليه وسلم- لهم.
وروى أبو سعيد النيسابوري وعمر الملا عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألت ربي- عز وجل- أن لا يدخل النار أحدا من أهل بيتي فأعطاني ذلك» .
الحادي عشر: في أنهم أول من يشفع لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
روى الديلمي في الفردوس عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول من أشفع له يوم القيامة من أمتي أهل بيتي ثم الأقرب، فالأقرب» قال:
«ثم الأنصار، ثم من آمن بي واتبعني من أهل اليمن ثم سائر العرب ثم العجم» .
الثاني عشر: في أنهم كسفينة نوح- صلى الله عليه وسلم- من ركبها نجا.
روى البزار والطبراني وأبو نعيم عن ابن عباس والبزار عن عبد الله بن الزبير وابن جرير والحاكم والخطيب في «المتفق والمفترق» عن أبي ذر والطبراني في «الصغير» و «الأوسط» عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح في قوم نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق» وفي لفظ «هلك» ومثل(11/11)
حطة بني إسرائيل.
قال الحافظ أبو الخير السخاوي: وبعض طرق هذا الحديث يقوي بعضها بعضا.
الثالث عشر: في إخباره- صلى الله عليه وسلم- أنهم سيلقون بعده أثرة.
والحث على نصرتهم وموالاتهم.
وروى ابن ماجة وابن حبان والحاكم عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنا أهل البيت اختار الله- عز وجل- لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي أثرة وتشريدا وتطريدا في البلاد، حتى يأتي قوم من ها هنا» ، وأشار بيده نحو المشرق «وأصحاب رايات سود فيسألون الخير فلا يعطونه مرتين أو ثلاثا، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤها عدلا، كما ملئت ظلما فمن أدرك ذلك اليوم فليأتهم، ولو حبوا على الثلج» .
الرابع عشر: في وعد الله- عز وجل- نبيه- صلى الله عليه وسلم-
[روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وعدني ربي في أهل بيتي من أقر منهم بالتوحيد ولي بالبلاغ أن لا يعذبهم»
] . الخامس عشر: في بيان من هم أهل البيت.
قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب/ 33] .
وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد ومسلم والترمذي وصححه وابن جرير والطبراني وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في السنن من طرق والطبراني من وجه آخر وابن أبي حاتم والطبراني عن أم سلمة وابن جرير والطبراني وابن مردويه عن عمرو بن أبي سلمة وابن جرير والحاكم وابن مردويه عن سعد وابن أبي شيبة والإمام أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي عن واثلة بن الأسقع وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنهم- قالت أم سلمة- رضي الله تعالى عنها-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بيتها على منامة له عليه كساء خيبري فجاءت فاطمة- رضي الله تعالى عنها- ببرمة فيها خزيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ادعي زوجك وابنيك حسنا وحسينا» فدعتهم، فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ [الأحزاب/ 33] ثم أخرج يده من الكساء وأومأ بها إلى السماء ثم قال: «اللهم، هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» ، قالها ثلاث مرات.(11/12)
(وفي حديث عائشة- رضي الله تعالى عنها- خرج صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن والحسين فأدخلهما معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها معهم فأجلس حسنا وحسينا فيه وجلس علي عن يمينه، وجلست فاطمة عن شماله) [ (1) ] ، وفي رواية للطبراني عنها فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلّم كساء فدكيا ثم وضع يده عليهم، ثم قال: «اللهم إن هؤلاء أهل بيتي» وفي لفظ آل محمد وفي رواية «فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على إبراهيم، إنك حميد مجيد،» قالت أم سلمة فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه من يدي وقال: إنك على خير، وفي رواية لابن مردويه عنها في البيت سبعة جبريل، وميكائيل، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين وأنا على باب البيت قلت: يا رسول الله، ألست من أهل البيت؟
قال: إنك على خير من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: فأدخلت رأسي في الستر، فقلت: يا رسول الله، وأنا معكم؟ فقال: إنك على خير مرتين، وفي رواية فقلت: وأنا معهم يا رسول الله فقال: أنت على مكانك، وأنت على خير، وفي حديث واثلة: فقلت: يا رسول الله، وأنا من أهل بيتك؟ قال: أنت من أهلي،
وفي حديث عائشة- رضي الله تعالى عنها- خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن والحسين فأدخلهما معه ثم جاء علي، فأدخله معهم ثم جاءت فاطمة فأدخلها معهم فأجلس حسنا وحسينا في حجره، وجلس علي عن يمينه وجلست فاطمة عن شماله.
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نزلت هذه الآية: في خمسة في وفي علي وفاطمة وحسن وحسين ...
إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب/ 33] .
وروى ابن سعد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: لما دخل علي بفاطمة- رضي الله تعالى عنها- جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين صباحا إلى بابها يقول: «السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، الصلاة رحمكم الله، إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»
[الأحزاب/ 33] انتهى.
وروى ابن جرير وابن المنذر والطبراني عن أبي الحمراء- رضي الله تعالى عنه- قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية أشهر وفي لفظ الطبراني: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ليس من مرة يخرج إلى صلاة الغداة إلا أتى باب علي فرفع يده على جنبي الباب، ثم قال:
الصلاة الصلاة إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً
[الأحزاب/ 33] .
__________
[ (1) ] سقط في ج.(11/13)
وروى ابن مردويه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: شهدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أشهر يأتي كل يوم باب علي (ابن أبي طالب) عند وقت كل صلاة فيقول: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت» إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً
[الأحزاب/ 33] .
وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والحاكم والطبراني وصححه عن أنس- رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً
[الأحزاب/ 33] .
وروى مسلم عن زيد بن أرقم- رضي الله تعالى عنه- قال: أذكركم الله في أهل بيتي فقيل لزيد- رضي الله تعالى عنه- ومن أهل بيته أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس.
انتهى.
السادس عشر: في تعظيم السلف لأهل البيت.
روى البخاري في «غزوة خيبر عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن أبا بكر، قال لعلي- رضي الله تعالى عنهما- والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي.
وروي عن عمر- رضي الله تعالى عنه- أنه قال للعباس- رضي الله تعالى عنهما- والله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلى من إسلام ابن الخطاب.
وروى البخاري عن عروة بن الزبير قال: ذهب عبد الله بن الزبير- رضي الله تعالى عنهما- مع أناس من بني زهرة إلى عائشة- رضي الله تعالى عنها- وكانت أرق شيء عليهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى عن رزين بن عبيد قال: كنت عند ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- فأتى زين العابدين بن الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنهم- فقال له ابن عباس: مرحبا بالحبيب ابن الحبيب.
وعن الشعبي- رحمه الله تعالى- قال: صلى زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- على جنازة، ثم قربت له بغلته ليركبها، فجاء ابن عباس، فأخذ بركابه، فقال زيد خل عنه يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هكذا نفعل بعلمائنا، فقبل زيد بن ثابت يد ابن عباس، وقال: هكذا أُمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا.
وعن عبد الله بن حسن بن حسين- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت عمر بن(11/14)
عبد العزيز في حاجة لي فقال لي: إذا كانت لك حاجة فأرسل إلي أو أكتب بها فإني أستحي من الله أن يراك على بابي.
وعن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: لو أتى أبو بكر وعمر وعلي- رضي الله تعالى عنهم- بحاجة بدأت بحاجة عليٍّ قبلهما، لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلى من أن أقدمه عليهما أورد الثلاثة القاضي في «الشفاء» انتهى.
وروى عن فاطمة بنت أبي طالب- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخلت على عمر بن عبد العزيز- رضي الله تعالى عنه- وهو يسير بالمدينة، فأخرج من عنده، وقال: يا بنت علي، والله، ما على ظهر الأرض (أهل بيت) [ (1) ] أحب إلي منكم.
وفي «المجالسة» للدينوري أن أبا عثمان النهدي- رحمه الله تعالى- كان من مساكين الكوفة، فلما قتل الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنهما- تحول إلى البصرة، وقال: لا أسكن بلدا قتل فيه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي «الشفاء» أن مالكا لما تعرض له جعفر بن سليمان والي المدينة ونال منه ما نال وحمل مغشيا عليه دخل عليه الناس، فأفاق، فقال: أشهدكم أني جعلت ضاربي في حلّ.
__________
[ (1) ] سقط في ج.(11/15)
الباب الثالث في عدد أولاده- صلى الله عليه وسلم-
ومواليدهم، وما اتفق عليه منهم وما اختلف، جملة ما اتفق عليه ستة: اثنان ذكور:
القاسم وإبراهيم، وأربع بنات زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة- رضي الله تعالى عنهم- وكلهن أدركن الإسلام وهاجرن معه صلى الله عليه وسلم واختلف فيما سواهن.
فقيل: لم يولد له صلى الله عليه وسلم سواهم والمشهور خلافه.
قال ابن إسحاق: وكان له الطيب والطاهر أيضاً، فيكون على هذا جملتهم أربعة ذكور وأربع إناث.
وقال الزبير بن بكار: وفيما رواه عن الطبراني عنه برجال ثقات كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غير إبراهيم القاسم وعبد الله وهو قول أكثر [أهل] النّسب.
وقال الدارقطني: وهو الأثبت وصححه الحافظ عبد الغني المقدسي: ويسمى بالطيب والطاهر، لأنه ولد بعد النبوة وقيل: الطاهر والطيب غير عبد الله، فيكون على هذا جملتهم خمسة ذكور وقيل: كان له صلى الله عليه وسلم الطيب والمطيب ولدا في بطن، والطاهر والمطهر ولدا في بطن، فيكون على هذا جملتهم أحد عشر.
قال ابن إسحاق: ولد أولاده كلهم غير إبراهيم صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام، ومات البنون قبل الإسلام وهم يرضعون، وتقدم في قول غيره أن عبد الله ولد بعد النبوة، فلذلك سمي بالطيب والطاهر، فتحصل لنا من مجموع الأقوال سبعة ذكور اثنان متفق عليهما القاسم وإبراهيم وخمسة مختلف فيهم عبد الله والطيب والمطيب والطاهر والمطهر، والأصح قول الجمهور أنهم ثلاثة ذكور القاسم وعبد الله وإبراهيم الأربع البنات متفق عليهن وكلهن من خديجة بنت خويلد إلا إبراهيم فيمن مارية القبطية.
قال محمد بن عمر: وكانت سلمى مولاة صفية بنت عبد المطلب تقبل خديجة في ولادها وكانت تعق عن كل غلام بشاتين وعن الجارية بشاة، وكان بين كل ولدين لها سنة، وكانت تسترضع لهم وتعد بضم الفوقية وكسر العين والمهملة ذلك قبل ولادها بكسر الواو.
وأكبر بناته صلى الله عليه وسلم زينب- عليها السلام- كما ذكره الجمهور.
وقال الزبير بن بكار وغيره رقية- عليها السلام- والأول أصح.
وقال الزبير أيضاً فيما نقله أبو عمرو عنه- رحمهما الله تعالى- ولد له صلى الله عليه وسلم القاسم وهو أكبر ولده ثم زينب ثم عبد الله، وكان يقال له: الطيب، ويقال له: الطاهر ولد بعد النبوة، ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية هكذا الأول. فالأول ثم مات القاسم بمكة وهو أول ميت مات من ولد(11/16)
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مات عبد الله بمكة أيضاً.
وقال ابن إسحاق: ولدت للنبي صلى الله عليه وسلم من خديجة- رضي الله تعالى عنها- زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة والقاسم وبه كان يكنى والطاهر والطيب، وأما القاسم والطيب والطاهر، فماتوا في الجاهلية، وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام وأسلمن وهاجرن معه.
قال أبو عمرو: قال علي بن عبد العزيز الجرجاني: أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم، وهو أكبر ولده [ثم زينب] وقال ابن الكلبي: زينب ثم القاسم، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية ثم عبد الله، وكان يقال له: الطيب والطاهر، هذا ذكر هم على سبيل الإجمال وسيأتي ذكرهم على سبيل التفصيل في أبواب ذكرهم، وقال بعضهم:
فأول ولد المصطفى القاسم الرضي ... به كنية المختار فافهم وحصلا
وزينب تتلوها رقية بعدها ... وفاطمة الزهراء جاءت على الولا
كذا أم كلثوم تعد وبعدها ... في الإسلام عبد الله جاء مكملا
هو النسب الميمون والطاهر الرضي ... وقد قيل ذا في غيره فتمثلا
وكلهم كانوا له من خديجة ... وقد جاء إبراهيم في طيبة تلا
من المرأة الحسناء مارية فقل ... عليهم سلام الله مسكا ومنولا
تنبيهات
الأول: نقل ابن الجوزي في «التحقيق» عن أبي بكر بن البرقي قال: جميع أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة سبعة ويقال ثمانية: القاسم، والطاهر، والطيب، وإبراهيم، وزينب ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة.
قال في «العيون» : لولا أنه قال إنهم سبعة أو ثمانية لقلت: إن ذلك من النساخ، وهذا شيء عجيب وهو وهم إما من البرقي، وإما من غيره فإن قيل: لعله أراد آخر من خديجة يقال له:
إبراهيم.
فالجواب: أن هذا لا يعرف، ويدفع هذا قوله: جميع أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة ولا مرية أن إبراهيم من مارية القبطية.
الثاني: روى الهيثم بن عدي عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ولدت خديجة- رضي الله تعالى عنها- للنبي صلى الله عليه وسلم عبد العزى وعبد مناف والقاسم، قال الهيثم، قلت لهشام: فأين الطيب والطاهر؟ قال: هذا ما وصفتم أنتم يأهل العراق، فأما أشياخنا فقالوا: عبد العزى وعبد مناف.
قال الذهبي في «الميزان» والحافظ في «اللسان» هذا من افتراء الهيثم على هشام.(11/17)
وقال أبو الفرج: الهيثم كذاب لا يلتفت إلى قوله، وقال لنا شيخنا ابن ناصر: لم يسم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد مناف ولا عبد العزى قط، والهيثم كذبه البخاري وأبو داود والعجلي والساجي.
وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار، وذكره ابن السكن وابن شاهين وابن الجارود والدارقطني وغيرهم في الضعفاء، وقال في «الموارد» : لا يجوز لأحد أن يقول: إن هذه التسمية وقعت من النبي صلى الله عليه وسلم ولئن قيل: إن هذه التسمية وقعت فتكون من غير النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون ولد هذا الولد والنبي صلى الله عليه وسلم مشتغل بعبادة ربه أو لغير ذلك فلما جاء سماه بعض أهل خديجة بهذا الاسم من غير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على تسميته، وأن الولد المذكور لم تطل له حياة فتوفي ذلك الولد ولم يسمه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، ويكون أحد من شياطين الأنس والجن اختلق ذلك لما ولد أحد أولاد النبي صلى الله عليه وسلم المذكورين ليدخل في ذلك لبس في قلب ضعيف الإيمان، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه ذلك غيره أو غير ذلك مما علمه الله- تعالى- انتهى.
ورد الطحاوي في «مشكل الحديث» والبيهقي في السنن وأبو سعيد النقاش والجوزقاني فيما صنع من الموضوعات وغيرهم ما نقله الهيثم عن هشام بن عروة، ولم ينقل أحد من الثقات ما نقله الهيثم عن هشام.
الثالث: قال الإمام العلامة شيخ الأطباء ابن النفيس- رحمه الله تعالى-: لما كان صلى الله عليه وسلم مزاجه شديد الاعتدال لم يكن أولاده صلى الله عليه وسلم إناثا فقط، لأن ذلك إنما يكون لبرد المزاج، ولا ذكورا فقط، لأن ذلك إنما يكون لحرارة المزاج، فلما كان مزاج النبي صلى الله عليه وسلم معتدلا فيجب أن يكون له بنون وبنات وبنوه يجب أن لا يطول أعمارهم، لأن أعمارهم إذا طالت بلغوا إلى سن النبوة وحينئذ فلا يخلو إما أن يكونوا أنبياء أو لا يكونوا كذلك، ولا يجوز أن يكونوا أنبياء، وإلا لما كان هو خاتم النبيين، ولا يجوز أن يكونوا غير أنبياء وإلا لكان ذلك نقصا في حقه صلى الله عليه وسلم وانحطاطا عن درجة كثير من الأنبياء، فإن كثيرا من الأنبياء أولادهم أيضاً أنبياء، وأما بنات هذا النبي صلى الله عليه وسلم فيجوز أن تطول أعمارهن، إذ النساء لسن بأهل للنبوة.
الرابع: روى ابن الإعرابي في معجمه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أسقطت من النبي صلى الله عليه وسلم جنينا يسمى عبد الله كانت تكنى به ومدار سنده على داود بن المحبر وهو متروك واتهمه جماعة بالوضع، ويرده ما
رواه أبو داود وفي سننه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: «تكني بابن أختك عبد الله بن الزبير ويروى بابنك عبد الله بن الزبير، لأنها كانت استوهبته من أبويه، فكان في حجرها يدعوها أما ذكره ابن إسحاق.
المطهر- بضم الميم وفتح الطاء المهملة والهاء المشددة، والمطيب مثله.(11/18)
الباب الرابع في ذكر سيدنا القاسم ابن سيدنا ومولانا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
وكان القاسم أكبر أولاد النبي صلى الله عليه وسلم وبه كان يكنى فهو أول أولاده، وأول من مات منهم، ولد بمكة قبل النبوة ومات صغيرا، وقيل: بعد أن بلغ سن التمييز.
قال الزبير بن بكار وحدثني محمد بن نضلة عن بعض المشايخ قال: عاش القاسم حتى مشى.
وقال مجاهد: عاش القاسم سبع ليال وخطأه الملا في ذلك.
وروى (ابن سعد) عن محمد بن جبير بن مطعم، قال: مات القاسم، وله سنتان، وروي أيضاً عن قتادة نحوه، وعن مجاهد: أنه عاش سبعة أيام.
قال المفضل بن غسان: هذا خطأ والصواب أنه عاش سبعة عشر شهراً.
وقال السهيلي: بلغ المشي غير أن رضاعته لم تكمل.
واختلفوا هل أدرك زمن النبوة،
فروى يونس بن بكير في زيادات المغازي عن أبي عبد الله الجعفي وهو جابر عن محمد بن علي بن الحسين- رضي الله تعالى عنه- قال: كان القاسم بلغ أن يركب الدابة، ويسير على النجيدة، فلما قبض،
قال العاص بن وائل: لقد أصبح محمد أبتر فنزلت إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر/ 1] عن مصيبتك يا محمد بالقاسم فهذا يدل على أن القاسم مات بعد البعثة.
وروى الطيالسي، وابن ماجه عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها قال: لما هلك القاسم قالت خديجة: يا رسول الله، درت لبينة القاسم، فلو كان الله أبقاه حتى يتم رضاعه قال: إن إتمام رضاعته في الجنة، زاد ابن ماجة (فقالت) : لو أعلم ذلك يا رسول الله ليهون علي، فقال: إن شئت دعوت الله تعالى، فأسمعك صوته فقالت: بل أصدق الله تعالى ورسوله،
قال الحافظ: وهذا ظاهر جدا في أنه مات في الإسلام، ولكن في السند ضعف.
وروى البخاري في تاريخه «الأوسط» من طريق سليمان بن بلال عن هشام بن عروة- رضي الله تعالى عنه- أن القاسم مات قبل الإسلام.
وروى ابن أبي عاصم وأبو نعيم: ما أعفى أحد من ضغطة القبر إلا فاطمة بنت أسد، قيل ولا القاسم قال: ولا القاسم ولا إبراهيم، وكان إبراهيم أصغرهما. قال الحافظ: هذا وأثر فاطمة بنت الحسين يدل على خلاف رواية هشام بن عروة.(11/19)
تنبيه:
اختلف في القائل لما مات القاسم: إن محمدا أبتر فقيل: العاص بن وائل السهمي كما سبق، وجزم به خلائق، وقيل: أبو جهل، وقيل: كعب بن الأشرف، فإن قلنا: إنه العاص بن وائل فالعاص له عقب وهو عمرو، وهشام، فكيف يثبت له البتر، وانقطاع الولد؟ والجواب: أن العاص وإن كان ذا ولد، فقد انقطعت بينه وبينهم، فليسوا بأتباع له، لأن الإسلام قد حجزهم عنه فلا يرثهم ولا يرثونه.(11/20)
الباب الخامس في بعض مناقب سيدنا إبراهيم ابن سيدنا ومولانا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
وفيه أنواع
الأول: في أمه، وميلاده، عقيقته، وتسميته:
وفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أمه مارية القبطية بنت شمعون ذكرت في مناقب أمهات المؤمنين في أبواب نكاحه صلى الله عليه وسلم، ولد في ذي الحجة سنة ثمان بالعالية، قاله مصعب الزبير.
وروى ابن سعد عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معجبا بمارية القبطية، وكانت بيضاء جميلة، فأنزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سليم بنت ملحان، وعرض عليها الإسلام فأسلمت فوطأ مارية بالملك، وحولها إلى مال له بالعالية، كان من أموال بني النضير، فكانت فيه في الصيف وفي خرافة النخل، فكان يأتيها هناك، وكانت حسنة الدين وولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما فسماه إبراهيم، وعق عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة يوم سابعه، وحلق رأسه فتصدق بزنة شعره فضة على المساكين، وأمر بشعره فدفن في الأرض، وكانت قابلتها سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت إلى زوجها أبي رافع، فأخبرته بأن مارية ولدت غلاما فجاء أبو رافع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبشره فوهب له عبدا، وغار نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد عليهن حين رزق منها الولد.
سلمى مولاة صفية ولا شك أن مولاة عمة الشخص مولاته.
وروى ابن سعد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: لما ولد إبراهيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم، ورواه ابن منده، بلفظ لما ولد إبراهيم بن مارية جاريته كاد يقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتاه جبريل، فقال: السلام عليك، يا أبا إبراهيم!.
وروى الإمام أحمد ومسلم وابن سعد عنه، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح، فقال: إنه ولد لي في الليلة ولد وإني سميته باسم أبي إبراهيم.
وذكر الزبير عن أشياخه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عنه بكبشين وحلق رأسه أبو هند، وسماه يومئذ هكذا قال الزبير: سماه يوم سابعه.
الثاني: في رضاعه ومن أرضعه.
روى ابن سعد والزبير بن بكار عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة قال: ولد(11/21)
سيدنا إبراهيم ابن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنافست فيه نساء الأنصار أيتهن ترضعه وأحببن أن يفرغوا مارية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما يعلمن من ميله إليها، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم بردة بنت المنذر بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار وزوجها البراء بن أوس بن خالد بن الجعد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن النجار فكانت ترضعه وكان يكون عند أبويه في بني النجار ويأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بردة فيقيل عندها ويؤتى بإبراهيم- عليه السلام- وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بردة قطعة نخل.
وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع سيدنا إبراهيم- عليه السلام- إلى أم سيف امرأة قين بالمدينة، يقال له: أبو سيف، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعته حتى انتهينا إلى أبي سيف وهو ينفخ بكيره، وقد امتلأ البيت دخانا، فأسرعت في المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهيت إلى أبي سيف فقلت: يا أبا سيف، أمسك، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبي فضمه إليه، وقال ما شاء الله أن يقول.
وروي أيضاً عنه قال: ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إبراهيم مسترضعاً في عوالي المدينة، فكان يأتيه (ونجيء معه) [ (1) ] فيدخل البيت وإنه ليدخن قال:
وكان طئره قينا فيأخذه فيقبله.
الثالث: في وفاته وتاريخه وصلاته عليه، وحزنه عليه.
مات سنة عشر، جزم به الواقدي، وقال: يوم الثلاثاء لعشر خلون من شهر ربيع الأول.
وقالت عائشة: عاش ثمانية عشر شهراً رواه الإمام أحمد، وفي صحيح البخاري أنه عاش سبعة عشر شهراً أو ثمانية عشر شهراً على الشك.
وقال محمد بن المؤمل: بلغ سبعة عشر شهراً أو ثمانية أيام.
وروى ابن سعد عن مكحول وابن سعد عن عطاء وابن سعد عن عبد الرحمن بن عوف وابن سعد عن بكير بن عبد الله بن الأشج وابن سعد عن قتادة وابن سعد عن أنس- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف، فانطلقا به إلى النخل الذي فيه إبراهيم- عليه السلام-، فدخل وإبراهيم يجود بنفسه فوضعه في حجرة، فلما (مات) [ (1) ] زرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عبد الرحمن بن عوف: تبكي يا رسول الله؟ أو لم تنه عن البكاء؟ قال: «إنما نهيت عن النوح وعن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نغمة لهو، ولعب ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة خمش وجه، وشق جيب، ورنة شيطان» .
__________
[ (1) ] سقط في ج.(11/22)
وفي رواية: «إنما نهيت عن النياحة، وأن يندب الميت بما ليس فيه» ، ثم قال: «وإنما هذه رحمة ومن لا يرحم لا يرحم بإبراهيم لولا أنه حق ووعد صادق، ويوم جامع» .
وفي لفظ: «لولا أنه أجل معدود، ووقت معلوم، ووعد صادق، وأنها سبيل مأتية وإن أخرانا ستلحق أولانا لحزنا عليك حزنا أشد من هذا وإن بك يا إبراهيم لمحزونون تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب» .
وفي رواية فلقد رأيته يكيد بنفسه، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، والله يا إبراهيم، إنا بك لمحزونون» .
وروى مسلم وأبو داود وابن مسعد والإمام أحمد وعبد بن حميد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- والطبراني عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الله تعالى والله إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون» .
وروى ابن ماجه والطبراني في «الكبير» وابن عساكر عن أسماء بنت يزيد- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب ولولا أنه وعد صادق، وموعود جامع، وأن الآخر منا يتبع الأول لوجدنا عليك يا إبراهيم، وجدا أشد من هذا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون» .
وروى ابن سعد عن بكير بن عبد الله بن الأشج- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى على ابنه إبراهيم فصرخ أسامة بن زيد فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
رأيتك تبكي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البكاء من الرحمة والصراخ من الشيطان» .
وروى ابن سعد عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فانطلق بي إلى النخل الذي فيه إبراهيم فوضعه في حجره، وهو يجود بنفسه، فذرفت عيناه فقلت له: أتبكي يا رسول الله، أو لم تنه عن البكاء؟ قال: «إنما نهيت عن النوح عن صوتين أحمقين فاجرين، صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان» ،
قال: قال عبد الله بن نمير في حديثه: «إنما هذا رحمة ومن لا يرحم لا يرحم، يا إبراهيم، لولا أنه أمر حق، ووعد صادق، وأنها سبيل مأتية، وإن أخرانا ستلحق أولانا لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا، وإنا بك لمحزونون تدمع العين، ويحزن القلب، ولا تقول ما يسخط الرب- عز وجل-.
وروى ابن ماجة والحكيم والترمذي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- لمّا قبض إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تدرجوه في أكفانه، حتى أنظر إليه» فأتاه فانكب عليه وبكى.(11/23)
واختلف: هل صلى عليه أم لا؟.
وروى الإمام أحمد وابن سعد من طريق جابر الجعفي وهو ضعيف عن البراء والبيهقي عن جعفر بن محمد عن أبيه، وابن ماجة بسند ضعيف عن ابن عباس وابن سعد وأبو يعلى عن أنس وأبو داود والبيهقي مرسلا عن عطاء بن أبي رياح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على ابنه سيدنا إبراهيم زاد البيهقي في المقاعد: وهو موضع الجنائز، زاد أنس: وكبر عليه أربعا، وهذه الطرق يقوي بعضها بعضا.
وروى ابن سعد عن عطاء وابن سعد عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على شفير قبر ابنه فرأى فرجة في اللحد، فناول الحفار مدرة وقال: «إنها لا تضر ولا تنفع ولكنها تقر عين الحي» ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي بإصبعه، ويقول: «إذا عمل أحدكم عملا فليتقنه، فإنه مما يسلي بنفس المصاب» .
قال الزبير بن بكار: ولما دفن قبل علي قبره وأعلى بصلاته، وهو أول قبر رش.
وروى ابن سعد عن رجل من آل علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دفن سيدنا إبراهيم، قال: هل من أحد يأتي بقربة فأتى رجل من الأنصار بقربة ماء، فقال: رشها على قبر إبراهيم، وقال: وقبر إبراهيم قريب من الطريق، وأشار إلى قريب من دار عقيل.
الرابع: في انكساف الشمس يوم وفاته.
روى ابن سعد عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت عن أمه سرين قالت: حضرت موت إبراهيم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صحت أنا وأختي ما ينهانا، فلما مات نهانا عن الصياح
وغسله الفضيل بن عباس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس جالسان ثم حمل فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم علي شفير القبر والعباس جالس إلى جنبه ونزل في حفرته الفضل بن عباس وأسامة بن زيد، وأنا أبكي عند قبره، ما ينهاني أحد، وخسفت الشمس في ذلك اليوم، فقال الناس: لموت إبراهيم،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها لا تخسف لموت أحد ولا لحياته» ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجة من اللبن، فأمر بها أن تسد، فقيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنها لا تضر ولا تنفع، ولكن تقر عين وإن الحي العبد إذا عمل عملا أحب الله أن يتقنه،
ومات يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر.
وروى الشيخان عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- قال: انكسفت الشمس يوم موت إبراهيم فقال الناس: لموت إبراهيم، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد» .(11/24)
الخامس: في أن له ظئرا تتم رضاعه في الجنة.
روى ابن ماجة بسند ضعيف عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن له مرضعاً في الجنة، ولو عاش لكان صديقا نبيا، ولو عاش لعتقت أخواله القبط وما استرق قبطي
انتهى.
السادس: في الرد على من زعم أنه لقنه.
اشتهر على الألسنة أنه لقن ابنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم بعد الدفن وهذا شيء لم يوجد في كتب الحديث،
وإنما ذكره المتولي، في «تتمته والإبانة» بلفظ روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن إبراهيم قال: «قل: الله ربي، ورسولي أبي والإسلام ديني» فقيل: يا رسول الله، أتت تلقنه فمن يلقننا؟
فأنزل الله تعالى يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ [إبراهيم/ 27] الآية
والأستاذ أبو بكر بن فورك في كتابه المسمى «النظامي» ولفظه: عن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن ولده إبراهيم وقف على قبره، فقال: «يا بني القلب يحزن، والعين تدمع، ولا نقول ما يسخط الرب، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، يا بني قل: الله ربي، والإسلام ديني، ورسول الله أبي» فبكت الصحابة وبكى عمر بن الخطاب بكاء ارتفع له صوته، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى عمر يبكي وأصحابه فقال: «يا عمر، ما يبكيك؟» فقال: يا رسول الله، هذا ولدك
وما بلغ الحلم ولا جرى عليه القلم، ويحتاج إلى ملقن فمثلك تلقن التوحيد في مثل هذا الوقت، فما حال عمر وقد بلغ الحلم، وجرى عليه القلم، وليس له ملقن مثلك أي شيء يكون صورته في تلك الحالة؟ فبكى النبي صلى الله عليه وسلم وبكت الصحابة معه، فنزل جبريل وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب بكائهم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما قاله عمر وما ورد عليهم من قوله صلى الله عليه وسلم فصعد جبريل، ونزل، وقال: ربك يقرئك السلام وقال يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ [إبراهيم/ 27] يريد بذلك وقت الموت، وعند السّؤال فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الآية فطابت الأنفس، وسكنت القلوب وشكروا الله، وهذا كما ترى منكر جدا، بل لا أصل له.
السابع في أنه لو عاش لكان نبيا.
روى البخاري وابن ماجة عن إسماعيل بن أبي خالد قال: قلت لابن أبي أوفى: هل رأيت السيد إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: مات صغيرا، ولو قضي أن يكون نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم لعاش ابنه إبراهيم ولكن لا نبي بعده ورواه الإمام أحمد بلفظ سمعت ابن أبي أوفى، يقول: لو كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبي ما مات ابنه إبراهيم، ولكن لا نبي بعده.
وروى ابن سعد بسند على شرط مسلم قال: أخبرنا عفان بن مسلم ويحيى بن حماد، وموسى بن إسماعيل، التبوذكي قالوا: أخبرنا أبو عوانة أخبرنا إسماعيل السدي قال: سألت أنس(11/25)
ابن مالك- رضي الله تعالى عنه- أصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم؟ قال: لا أدري- رحمة الله على السيد إبراهيم- لو عاش لكان صديقا نبيا.
وروى ابن عساكر من طريقين عن السدي قلت لأنس: كم بلغ إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قد كان غلاما بالمهد ولو بقي لكان نبيا، ولكن لم يبق لأن نبيكم آخر الأنبياء صلى الله عليه وسلّم
قال الباوردي في «المعرفة» حدثنا محمد بن عثمان بن محمد حدثنا منجاب بن الحارث حدثنا أبو عامر الأسدي ثنا سفيان عن السدي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو عاش إبراهيم لكان صديقا نبيا» .
وروى ابن ماجة والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: لما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن له مرضعاً في الجنة، ولو عاش لكان صديقا نبيا» .
وروى ابن عساكر عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو عاش إبراهيم لكان صديقا نبيا» .
فائدة:
قال الشيخ تقي الدين السبكي- قدس الله روحه ونور ضريحه- في الكلام على حديث
«كنت نبيا، وآدم بين الروح والجسد»
فإن قلت النبوة وصف، لا بد أن يكون الموصوف به موجودا وإنما تكون بعد أربعين سنة أيضاً فكيف يوصف قبل وجوده وقبل إرساله؟ قلت: قد جاء أن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد، فقد تكون الإشارة بقوله: «كنت نبيا» إلى روحه الشريفة وإلى حقيقة والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها، وإنما يعلمها خالقها، ومن أمده الله تعالى بنور إلهي.
ثم إن تلك الحقائق يؤتي الله تعالى كل حقيقة منها ما يشاء في الوقت الذي يشاء، فحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم قد تكون من (قبل) [ (1) ] خلق آدم صلى الله عليه وسلم أتاها والله ذلك الوصف بأن يكون خلقها متهيئة لذلك، وأفاضه عليها من ذلك الوقت فصار نبيا انتهى.
وقد سبق ذلك في أوائل الكتاب.
ومن هذا يعرف تحقيق نبوّة السيد إبراهيم ابن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال صغره، وإن لم يبلغ سن الوحي.
الثامن: في الوصية بأخواله القبط.
روى ابن سعد عن الزهري مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا ملكتم القبط فأحسنوا إليهم، فإن لهم ذمة، وإن لهم رحما.
__________
[ (1) ] سقط في ج.(11/26)
وروي عن أبي بن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «استوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة ورحما» .
وروى الطبراني عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الله الله في قبط مصر فإنكم مستظهرون عليهم، فيكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل الله» .
تنبيهات
الأول: قد تقدم أن أم بردة خولة بنت المنذر أرضعته، والمشهور برضاعه أم سيف وسماها القاضي عياض خولة بنت المنذر، فليحرر.
الثاني: لا تضاد بين حديث أنس وبين قول ابن الزبير أن التسمية كانت يوم سابعه بل ذلك محمول على أن التسمية كانت قبل السابع على ما اقتضاه حديث أنس ثم ظهرت التسمية يوم السابع ويحمل أمره صلى الله عليه وسلم بالأمر بالتسمية في اليوم السابع على أنه لا يؤخر عن السابع، لأنها لا تكون إلا فيه وهي مشروعة من وقت الولادة إلى يوم السابع قاله المحب الطبري.
الثالث: قال الحكيم الترمذي: الولد من ريحان الله تعالى يشمه المؤمن فيلتذ به فكأنه أحب أن يتزود من ريحان الله- تعالى- عند آخر العهد به، وانكبابه عليه يدل على اشتمامه وكذلك قيل ريح الولد من ريح الجنة، فانكبابه على إبراهيم عند إدراجه في أكفانه تزود منه، وبكاؤه توجع منه لمفارقة من يشمه ريحانا من الله، وإنما قيل: من ريحان الله تعالى فنسب إلى الله- عز وجل- لأنه هبة الله فالهبة منه حشوها البر واللطف وظاهرها الابتلاء وقد يكون بكى رحمة له، لأن أجساد الأموات إنما زانت بالأرواح وأشرقت بالعبودية.
الرابع: روى الإمام أحمد والبزار وأبو يعلى عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: لما توفي إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهراً فلم يصل عليه.
قال الحافظ: إسناده حسن وصححه ابن حزم، لكن قال الإمام أحمد في رواية «حسل» عنه حديث منكر وقال الخطابي: حديث عائشة أحسن اتصالا من الرواية التي فيها أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ولكن هي أولى» .
وقال ابن عبد البر: حديث عائشة لا يصح، فقد أجمع جماهير العلماء على الصلاة على الأطفال، إذا استشهدوا، وهو عمل مستفيض في السلف والخلف، ولا أعلم أحدا جاء عنه غير هذا إلا عن سمرة بن جندب ثم قال: وقد يحتمل أن يكون معناه أنه لم يصل عليه في جماعة أو أمر أصحابه بالصّلاة عليه فلم يحضرهم، فلا يكون مخالفا لما عليه العلماء في ذلك، وهو أولى ما حمل عليه حديثها.
قال النووي: ذهب الجمهور إلى أنه صلى الله عليه وسلم صلى وكبر أربع تكبيرات.
واختلف قول من قال: إنه لم يصل عليه في سبب ذلك، فقالت طائفة: استغنى بنبوة(11/27)
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة التي هي شفاعة له كما استغنى الشهيد بشهادته عن الصلاة عليه وقالت طائفة أخرى: إنه مات يوم كسفت الشمس فاشتغل بصلاة الكسوف عن الصلاة عليه.
وقالت فرقة أخرى: لا تعارض بين هذه الآثار في أنه أمر بالصلاة عليه وفي رواية أخرى:
والمثبت أولى، لأن معه زيادة علم، وإذا تعارض النفي والإثبات قدم الإثبات.
وقيل: إنما لم يصل عليه، لأنه نبي، ولا يصلى على نبي فقد ورد «لو عاش لكان نبيا» وهذا ليس بشيء فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه.
الخامس: قد استنكر أبو عمر حديث أنس فقال بعد إيراده في «التمهيد» هذا: لا أدري ما هو فقد ولد نوح- عليه الصلاة والسلام- من ليس نبيا وكما يلد غير النبي نبيا، فكذلك يجوز أن يلد النبي غير نبي، والله أعلم، ولو لم يلد النبي إلا نبيا لكان كل واحد نبيا، لأنه من ولد نوح- عليه السلام- وذا آدم نبي مكلم وما أعلم في ولده لصلبه نبيا غير شيث، قال النووي في ترجمة إبراهيم من «تهذيبه» وأما ما روي: لو عاش لكان نبيا فباطل وجسارة على الكلام على المغيبات، ومجازفة وهجوم على عظيم من الزلات.
وقال الحافظ: وهو عجيب مع وروده عن ثلاثة من الصحابة، وكأنه لم يظهر له وجه تأويله.
فقال في إنكاره: وجوابه أن القضية الشرطية لا تستلزم الوقوع ولا يظن بالصحابي أنه يهجم على مثل هذا بظنه ذكره في الإصابة، وقال في الفتح: قلت: ولو استحضر النووي هذه الأحاديث لما قال ما قال.
السادس: في بيان غريب ما سبق.
مارية: من أهل مصر أهداها له المقوقس مالك الإسكندرية.
القبطية: منسوبة إلى القبط مذكورة في المناقب.
يجود بنفسه: أي يخرجها ويدفعها كما يدفع الإنسان ماله.
خمش وجه: أي خدوش يقال خمش المرأة وجهها تخمشه خمشا وخموشا الخموش مصدر الصراخ: [.....] .
القين بقاف مفتوحة فمثناة تحتية، فنون هو الجراد.
يكيد: أي يسوق بها، وقيل: معناه يقارب بها الموت وقد يكون من الكيد وهو القيء.
القبط جبل بمصر وقيل: هم أهل مصر.
ظئرا [بكسر المعجمة وسكون التحتانية المهموزة بعدها راء. أي مرضعا، وأصل الظئر من ظأرت الناقة إذا عطفت على غير ولدها] .(11/28)
الباب السادس في مناقب السيدة زينب بنت سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم
وفيه أنواع
الأول: في مولدها- عليها السلام-:
لا خلاف في أنها أكبر بناته صلى الله عليه وسلم، إنما الخلاف فيها وفي سيدنا القاسم أيهما ولد أولا.
قال ابن إسحاق: سمعت عبد الله بن محمد بن سليمان الهاشمي يقول: ولدت السيدة زينب بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة ثلاثين من مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وأدركت الإسلام وهاجرت، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم محبا لها عليها السلام.
الثاني فيمن تزوجها.
تزوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي واسمه لقيط على الأكثر، وقيل: هشيم، وقيل مهشم أمه هالة بنت خويلد، أخت خديجة- رضي الله تعالى عنها-.
روي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان أبو العاص من رجال مكة المعدودين مالا وتجارة وأمانة، فقالت خديجة- رضي الله تعالى عنها- لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخالفها وذلك قبل أن ينزل عليه، فزوجه زينب- رضي الله تعالى عنها- فلما أكرم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بنبوته آمنت خديجة وبناتها- رضي الله تعالى عنهن- فلما نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا بأمر الله تعالى أتوا العاص بن الربيع فقالوا له: فارق صاحبتك، ونحن نزوجك بأي امرأة شئت من قريش (فقال: لا، والله، لا أفارق صحابتي مما يسرني أن لي بامرأتي أفضل من أي امرأة من قريش) [ (1) ] .
الثالث: في هجرتها- رضي الله تعالى عنها-.
روى الطبراني والبزار- برجال الصحيح- أن السيدة زينب بنت سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذنت أبا العاص بن الربيع زوجها أن تذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لها، فخرجت مع كنانة أو ابن كنانة بن الربيع، فخرجوا في طلبها، فأدركها هبار بن الأسود، فلم يزل يطعن بعيرها برمحه حتى صرعها وألقت ما في بطنها، وهريقت دما واشتجر فيها بنو هاشم، وبنو أمية فقال نحن أحق بهما، وكانت تحت ابن عمهم أبي العاص وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة وكانت تقول: هذا في سبب أبيك
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة: «ألا تنطلق فتجيء بزينب» فقال: بلى يا رسول الله، قال: فخذ خاتمي فأعطها إياه،
فانطلق زيد، فلم
__________
[ (1) ] سقط في ج.(11/29)
يزل يتلطف فلقي راعيا فقال لمن ترعى غنمك؟ فقال: لأبي العاص، فقال: لمن هذه الغنم؟
قال لزينب بنت محمد- فسار معه شيئاً- ثم قال له: هل لك أن أعطيك شيئاً تعطيها إياه ولا تذكر لأحد؟ قال: نعم، فأعطاه الخاتم وانطلق الراعي، وأدخل غنمه، وأعطاها الخاتم فعرفته فقالت: من أعطاك هذا؟ قال: رجل، قالت: فأين تركته؟ قال: بمكان كذا وكذا، فسكتت حتى إذا كان الليل خرجت إليه، فلما جاءته، قال لها اركبي بين يدي على بعيري، قالت: لا ولكن اركب أنت بين يدي فركب وركبت وراءه حتى أتت
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هي خير بناتي أصيبت في» .
وروى الطبراني عن محمد بن إسحاق- رحمه الله تعالى- قال: كان في أسارى بدر أبو العاص بن الربيع العبشمي.
الرابع: إسلام زوجها أبي العاص- رضي الله تعالى عنه-.
روى الحاكم بسند صحيح عن الشعبي- رضي الله تعالى عنه- قال: كانت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت أبي العاص بن الربيع فهاجرت، وأبو العاص على دينه، فاتفق أنه خرج إلى الشام في تجارة فلما كان بقرب المدينة أراد بعض المسلمين أن يخرجوا إليه، فيأخذوا ما معه ويقتلوه فبلغ ذلك زينب،
فقالت: يا رسول الله، أليس عقد المسلمين وعهدهم واحدا؟
قال: بلى
قالت: فاشهد أني أجرت أبا العاص، فلما رأى ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا إليه عزلا بغير سلاح فقالوا: يا أبا العاص، إنك في شرف قريش، وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره فهل لك أن تسلم فتغتنم ما معك من أموال أهل مكة؟ قال: بئس ما أمرتموني به أن أنسخ ديني بعذر، فمضى حتى قدم مكة فدفع إلى كل ذي حق حقه، ثم قال: يا أهل مكة أوفيت ذمتي؟ قالوا: اللهم نعم، فقال فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ثم قدم المدينة مهاجرا ...
الخامس: في ردها إلى زوجها أبي العاص- رضي الله تعالى عنه- من غير تجديد عقد.
روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته إلى أبي العاص بعد سنين بنكاحها الأول، ولم يحدث صداقا.
السادس: في ثناء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أبي العاص- رضي الله تعالى عنه-.
روى الشيخان عن المسور بن مخرمة أن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل، وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمعت بذلك فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: إن قومك يتحدثون أنك لا تغضب لبناتك وهذا علي ناكحا ابنة أبي جهل قال المسور: فقام(11/30)
النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته حين تشهد ثم قال: أما بعد فإني أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني فصدقني وإن فاطمة بنت محمد مضغة مني وإنما أكره أن يفتنوها وإنها والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد أبدا قال: فترك علي الخطبة.
[روى محمد بن عمر، عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبيه قال: خرج أبو العاص بن الربيع إلى الشام في عير لقريش وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تلك العير قد أقبلت من الشام فبعث زيد بن حارثة في سبعين ومائة راكب فلقوا العير بناحية العيص في جمادى الأولى سنة ست من الهجرة فأخذوها وما فيها من الأثقال وأسروا ناسا ممن كان في العير، منهم أبو العاص بن الربيع. فلم يعد أن جاء المدينة فدخل على زينب بنت رسول الله بسحر وهي امرأته فاستجارها فأجارته، فلما صلى رسول الله الفجر قامت على بابها فنادت بأعلى صوتها: إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع.
فقال رسول الله: «أيها الناس هل سمعتم ما سمعت؟» قالوا: نعم. قال: «فوالذي نفسي بيده ما علمت بشيء مما كان حتى سمعت الذي سمعتم. المؤمنون يد على من سواهم يجير عليهم أدناهم وقد أجرنا من أجارت» .
فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزله دخلت عليه زينب فسألته أن يرد على أبي العاص ما أخذ منه ففعل،
وأمرها أن لا يقربها فإنها لا تحل له ما دام مشركا.
ورجع أبو العاص إلى مكة فأدى إلى كل ذي حق حقه ثم أسلم ورجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما مهاجرا في المحرم سنة سبع من الهجرة، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بذلك النكاح الأول] .
السابع: في وفاتها- رضي الله تعالى عنه-:
روى الطبراني مرسلا برجال الصحيح عن ابن الزبير- رحمه الله تعالى- أن رجلا أقبل بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحقه رجلان من قريش فقاتلاه حتى غلباه عليها فدفعاها فوقعت على صخرة، فأسقطت وهريقت دما، فذهبوا بها إلى أبي سفيان فجاءته نساء بني هاشم، فدفعها إليهن ثم جاءت بعد ذلك مهاجرة فلم تزل وجعة حتى ماتت، من ذلك الوجع فكانوا يرون أنها شهيدة، وكانت وفاتها في أول سنة ثمان من الهجرة فغسلتها أم أيمن وسودة بنت زمعة وأم سلمة وصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل في قبرها، ومعه أبو العاص وكان جعل لها نعش، فكانت أول من اتخذ لها ذلك.
السابع: في ذكر أولادها- رضي الله تعالى عنهم-.
قال أبو عمر وغيره ولدت السيدة زينب- رضي الله تعالى عنها- من أبي العاص غلاما يقال له: علي توفي وقد ناهز الحلم، كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته يوم الفتح، ومات في حياته، وولدت له جارية، يقال لها: أمامة تزوجها علي بعد فاطمة- رضي الله تعالى عنها- ولم تلد فليس لزينب عقب، قال مصعب بن الزبير كما رواه ابن أبي خيثمة عنه، وكان(11/31)
رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبها ويحملها في الصلاة، وكان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها.
وروى الإمام أحمد وأبو يعلى والطبراني وسند الأولين حسن، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم قلادة من جزع، معلمات بالذهب، ونساؤه مجتمعات في بيت كلهن وأمامة بنت أبي العاص بن الربيع جارية تلعب في جانب البيت بالتراب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كيف ترين هذه؟» فنظرن إليها، فقلن: يا رسول الله، ما رأينا أحسن من هذه قط ولا أعجب، فقال: «ارددنها إلي» ،
فقالت: والله، لأضعنها في رقبة أحب أهل البيت إلي قالت عائشة- رضي الله تعالى عنها- فأظلت على الأرض بيني وبينه خشية أن يضعها في رقبة غيري منهن ولا أراهن إلا أصابهن مثل الذي أصابني، ووجمنا جميعا سكوتا، فأقبل بها حتى وضعها في رقبة أمامة بنت أبي العاص فسري عنا.
وروى الزبير بن بكار والطبراني- رحمه الله تعالى- قال: أوصى أبو العاص بن الربيع بابنته أمامة إلى الزبير فزوجها الزبير علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- بعد وفاة السيدة فاطمة، وقتل علي وأمامة عنده.
ورواه ابن أبي خيثمة عن مصعب عم الزبير.
وروى أيضاً بسند ضعيف عن محمد بن عبد الرحمن أن عليا لما طعن، قال لأمامة: لا تتزوجي وإن أردت الزواج لا تخرجي من رأي المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب،
فخطبها معاوية بن أبي سفيان فقال لها المغيرة: أنا خير لك منه، فاجعلي أمرك إلي، فجعلت، فدعا رجالا فتزوجها، فماتت أمية بنت أبي العاص عند المغيرة بن نوفل، ولم تلد له فليس للسيدة زينب- رضي الله تعالى عنها- عقب قيل: ولدت أمامة للمغيرة ولدا يقال له يحيى.(11/32)
الباب السابع في بعض مناقب السيدة رقية بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
وفيه أنواع
الأول: في مولدها واسمها وفيمن تزوجها.
ولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره ثلاث وثلاثون سنة، وسماها رقية- بقاف واحدة وبالتشديد-، أسلمت حين أسلمت أمها خديجة بنت خويلد وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بايعه النساء، قال قتادة بن دعامة ومصعب بن الزبير: فيما رواه ابن أبي خيثمة- رضي الله تعالى عنه- كانت رقية- رضي الله تعالى عنها- تحت عتبة بن أبي لهب، وأختها أم كلثوم تحت أخيه عتيبة فلما نزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد/ 1] قال أبوه لهما: رأس بين رؤوسكما حرام إن لم تطلقا ابنتي محمد، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتبة طلاق رقية، وسألته رقية ذلك فقالت له أمه: وهي حمالة الحطب: طلقها يا بني فإنها قد صبأت ففارقهما ولم يكونا دخلا بهما فتزوجت رقية عثمان بن عفان- رضي الله تعالى عنهما- بمكة وهاجر بها الهجرتين إلى أرض الحبشة ثم إلى المدينة، وذكر الدولابي أن تزوج عثمان إياها كان في الجاهلية، والذي ذكره غيره أنه كان بعد إسلامه.
وروى الطبراني من طريقين بإسناده حسن والزبير بن بكار عن قتادة بن دعامة- رحمه الله تعالى- قال: كانت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عتبة بن أبي لهب، فلما أنزل الله تعالى تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [المسد/ 1] سأل النبي صلى الله عليه وسلم عتبة طلاقها، وسألته رقية ذلك فتزوج عثمان بن عفان رقية وتوفيت عنده.
وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أتت قريش عتبة بن أبي لهب، فقالوا له: طلق ابنة محمد، ونحن نزوجك.
الثاني: في أن تزويج رقية عثمان- رضي الله تعالى عنهما- كان بوحي.
روى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله- عز وجل- أوحى إلي أن أزوج كريمتي عثمان» .
وروي عن عروة بن الزبير- رضي الله تعالى عنه-[.....] .
الثالث: في حسنها- رضي الله تعالى عنها-:
قال أبو عمرو- رحمه الله تعالى-: كانت رقية ذات جمال رائع وقال أبو محمد بن قدامة: وكانت ذات جمال بارع، فكان يقال: أحسن زوج رآها الإنسان مع زوجها.(11/33)
وروي عن أسامة بن زيد قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بصحفة فيها لحم فدخلت عليه [ورقية جالسة فما رأيت اثنين أحسن منهما فجعلت مرة انظر إلى رقية ومرة انظر إلى عثمان فلما رجعت
قال لي النبي صلى الله عليه وسلّم: أدخلت عليهما قلت: نعم قال: فهل رأيت زوجا أحسن منهما قلت لا يا رسول الله لقد جعلت مرة انظر إلى رقية ومرة انظر إلى عثمان. رواه الطبراني
وقال: كان هذا قبل نزول الحجاب، وفيه راو لم يسم وبقية رجاله رجال الصحيح.
وعن عبد الله بن حزم المازني قال: رأيت عثمان بن عفان فما رأيت قط ذكرا ولا أنثى أحسن وجها منه رواه الطبراني وفيه الربيع بن بدر وهو متروك. وعن عبد الله بن شداد بن الهاد قال:
رأيت عثمان بن عفان يوم الجمعة على المنبر عليه ازار عدني غليظ ثمنه أربعة دراهم أو خمسة وريطة كوفية ممشقة ضرب اللحم طويل اللحية حسن الوجه. رواه الطبراني واسناده حسن. وعن موسى بن طلحة قال: كان عثمان يوم الجمعة يتوكأ على عصا وكان أجمل الناس وعليه ثوبان أصفران ازار ورداء حتى يأتي المنبر فيجلس عليه. رواه الطبراني عن شيخه المقدام بن داود وهو ضعيف. وعن عبد الله بن عون القاري قال: رأيت عثمان بن عفان أبيض اللحية. رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه وعن ابن أبي ذئب عن عبد الرحمن بن سعد قال:
رأيت عثمان بن عفان أصفر اللحية. رواه الطبراني عن مقدام بن داود وهو ضعيف] .
الرابع: في هجرتها- رضي الله تعالى عنها-.
روى ابن أبي خيثمة بن سليمان وعمر الملا عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: أول من هاجر إلى أرض الحبشة عثمان، وخرج معه ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهما. فجعل يترقب الخبر فقدمت امرأة من قريش، فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: رأيتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على أي حال رأيتها؟» فقالت: رأيتها وقد حملها على حمار من هذه الدواب، وهو يسوقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منحهما الله- عز وجل- إن عثمان لأول من هاجر بأهله إلى الله- عز وجل- بعد لوط- عليه السلام-» .
الخامس: في إجابة دعائها- رضي الله تعالى عنها-:
قال أبو محمد بن قدامة: روينا أن فتيان أهل الحبشة كانوا يعرضون للسيدة رقية وينظرون إليها، ويعجبون من جمالها فأذاها ذلك، فدعت عليهم جميعا، فهلكوا.
السادس: في وفاتها- رضي الله تعالى عنها-:
قال مصعب بن الزبير: توفيت رقية عند عثمان بالمدينة وتخلف عليها عن بدر، بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وضرب له بسهمه وأجره.
وقال ابن شهاب: تخلف عثمان على امرأته السيدة رقية بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت- عليها السلام- وجعة فتوفيت يوم قدم أهل بدر المدينة، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم(11/34)
بسهمه وأجره، رواهما ابن أبي خيثمة توفيت- عليها السلام- على رأس سبعة عشر شهراً من مهاجرته صلى الله عليه وسلم.
السابع: في ولدها- رضي الله تعالى عنها-:
أسقطت من عثمان سقطا ثم ولدت له عبد الله.
قال مصعب بن الزبير: ولدت رقية لعثمان بن عفان- رضي الله تعالى عنهما- بالحبشة ولدا سماه عبد الله فكان يكنى به، بلغ سنتين، وقيل ست سنين فنقره في عينيه ديك، فتورم وجهه ومرض فمات.
قال في: «العيون» إنه مات بعد أمه سنة أربع، ولم تلد شيئاً غيره.
وقال صلى الله عليه وسلم: «ونزل في حفرته أبوه عثمان» .
وقال الدولابي: مات، وهو رضيع، والله تعالى أعلم وشذ قتادة فقال: لم تلد لعثمان- رضي الله تعالى عنه- وغلطوه في ذلك.(11/35)
الباب الثامن في بعض مناقب السيدة أم كلثوم بنت سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
وفيه أنواع
الأول: في مولدها عليها السلام وفيمن تزوجها
وولدت هي أكبر من أختها فاطمة- رضي الله تعالى عنها- وسماها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أم كلثوم ولم يعرف لها اسم غيره وإنما تعرف بكنيتها، أسلمت أخواتها حين أسلمت وبايعت معهن، وهاجرت حين هاجر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما توفيت رقية تزوجها عثمان بن عفان في ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة وبنى بها في جمادى الآخرة منها، وتقدم في الباب السابع أن عتيبة بن أبي لهب كان تزوجها ثم فارقها، ولم يدخل بها فخلف عليها عثمان- رضي الله تعالى عنهما- بعد أختها رقية بوحي من الله عز وجل.
روى عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أتاني جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تزوج عثمان أم كلثوم على مثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها» .
وروى ابن عساكر عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أتاني جبريل فقال إن الله يأمرك أن تزوج عثمان أم كلثوم على مثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها» .
وروى ابن ماجة وابن عساكر عنه قال: لقي النبي- صلى الله عليه وسلم- عثمان عند باب المسجد فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا عثمان، هذا جبريل أخبرني أن الله تعالى أمرني أن أزوجك أم كلثوم، بمثل صداق رقية، وعلى مثل صحبتها» .
الثاني في كيفية تزويجها.
روى ابن عساكر مرسلا عن سعيد بن المسيب- رضي الله تعالى عنه- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا عثمان، هذا جبريل يأمرني عن الله عز وجل إن أزوجك أم كلثوم أختها على مثل صداقها- يعني صداق رقية- وعلى مثل عشرتها» .
الثالث في وفاتها- رضي الله تعالى عنها-.
قال في العيون: إنها ماتت في شعبان سنة تسع من الهجرة فيحرر، وجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على قبرها، ونزل في حفرتها علي والفضل وأسامة- رضي الله تعالى عنهم- ولم تلد من عثمان شيئاً- رضي الله تعالى عنها- والله تعالى أعلم.(11/36)
الباب التاسع في بعض مناقب السيدة فاطمة بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
وفيه أنواع
الأول: في مولدها- عليها السلام- واسمها وكيفيتها:
نقل أبو عمرو عن عبيد الله بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي، قال: ولدت فاطمة- رضي الله تعالى عنها- سنة إحدى وأربعين من مولد النبي- صلى الله عليه وسلم- وهذا مغاير لما ذكره ابن إسحاق، وغيره أن أولاد النبي- صلى الله عليه وسلم- ولدوا قبل النبوة إلا إبراهيم- عليه السلام- وقال ابن الجوزي وغيره: ولدت قبل النبوة بخمس سنين أيام بناء البيت.
ونقل أبو عمرو عن الواقدي «أنها ولدت والكعبة تبنى، والنبي- صلى الله عليه وسلم- ابن خمس وثلاثين سنة وبه جزم المدائني وقيل: كان مولدها قبل البعثة بقليل نحو سنة أو أكثر، وهي أسن من عائشة بنحو خمس سنين وانقطع نسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في أوائل المحرم سنة اثنين بعد عائشة بأربعة أشهر، وكانت تكنى أم أبيها- بكسر الموحدة بعدها مثناة، تحتية- ومن قال غير ذلك فقد صحف- انتهى.
الثاني: ما جاء في مهرها
وكيف تزوجها ووليمة عرسها، وما جهزت به- رضي الله تعالى عنها- تزوجها علي- رضي الله تعالى عنه- وهي ابنة خمس عشرة سنة وخمسة أشهر أو ستة ونصف من السنة الثانية من الهجرة في رمضان وبنى بها في ذي الحجة، وقيل: تزوجها في رجب وقيل: في صفر وسنها- رضي الله تعالى عنها- يومئذ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر، ولم يتزوج عليها حتى ماتت- رضي الله تعالى عنهما-.
قال جعفر بن محمد: تزوج علي فاطمة- رضي الله تعالى عنها- في شهر صفر في السنة الثانية، وبنى بها في شهر ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهراً من الهجرة.
قال أبو عمر: وبعد وقعة بدر.
وقال غيره: بعد بنائه بعائشة- رضي الله تعالى عنها- بأربعة أشهر ونصف شهر، وبنى بها بعد تزويجها بسبعة أشهر.
وروى الحاكم والبيهقي، وابن إسحاق عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قالت لي مولاة لي: هل علمت () .
وروى مسدد عن رجل سمع عليا- رضي الله تعالى عنه- بالكوفة يقول: أردت أن أخطب فاطمة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذكرت أن لا شيء لي، ثم ذكرت عائدته وصلته(11/37)
فخطبتها، فقال: أرني درعك الحطمية التي أعطيتكها يوم كذا، وكذا قال: هي عندي، قال:
فأعطها إياه، ثم قال: لا تحدث شيئاً حتى آتيكما، فأتاني وعلينا قطيفة أو كساء، فلما رآنا تحسسنا، فدعا فأتيا بإناء فدعا فيه، ثم دسه علينا، فقلت: يا رسول الله أينا أحب إليك؟ قال:
هي أحب إلي منك، وأنت أعز علي منها.
وروى الطبراني عن حجر بن عنبس- رحمه الله تعالى- قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة- رضي الله تعالى عنهما- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «هي لك يا علي» .
ورواه البزار ورجالهما ثقات وحجر لم يسمع من النبي- صلى الله عليه وسلم- وزاد «ولست بدجال» وقوله- صلى الله عليه وسلم- «ولست بدجال» : يدل على انه قد كان وعده فقال: لا أخلف الوعد.
وروى الطبراني برجال ثقات عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت قاعدا عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي» .
وروى البيهقي والخطيب وابن عساكر عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت قاعدا عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فغشيه الوحي فلما سري عنه قال: «يا أنس، أتدري ما جاءني به جبريل من عند صاحب العرش» قلت: الله ورسوله أعلم قال: «إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي» .
وروى إسحاق بسند ضعيف عن علي- رضي الله تعالى عنه- أنه لما تزوج فاطمة قال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «اجعل عامة الصداق في الطيب» .
وروى أبو يعلى بسند ضعيف عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: خطبت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ابنته فاطمة فباع علي درعا له، وبعض متاع من متاعه، فبلغ أربعمائة وثمانين درهما، وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يجعل ثلثيه في الطيب، وثلثا في الثياب، ومج في جرة من ماء، وأمرهم أن يغتسلوا به، قال: وأمرها أن لا تسبقه برضاع ولدها فسبقته برضاع الحسين، وأما الحسن فإنه- صلى الله عليه وسلم- صنع فيه شيئاً لا يدري
(ما هو، فكان أعلم الرجلين) [ (1) ] .
وروى ابن أبي خيثمة وابن سعد عن علباء بن أحمر اليشكري- رحمه الله تعالى- أن عليا- رضي الله تعالى عنه- تزوج فاطمة على أربعمائة وثمانين، فأمره النبي أن يجعل في ثلثين الطيب وثلثا في الثياب.
وروى ابن سعد عنه أن عليا باع بعيرا له بثمانين وأربعمائة درهم، فقال النبي: - صلى الله عليه وسلم-: «اجعلوا ثلثيه في الطيب وثلثا في الثياب» .
__________
[ (1) ] سقط في ج.(11/38)
روى الطبراني وابن أبي خيثمة وابن حبان في صحيحه من طريق يحيى بن يعلى الأسلمي، والبزار من طريق محمد بن ثابت بن أسلم، وهما ضعيفان عن أنس بن مالك وابن أبي خيثمة والطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال ابن ثابت: إن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- أتى أبا بكر- رضي الله تعالى عنه- قال: ما يمنعك أن تتزوج فاطمة بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: لا يزوجني، قال: إذا لم يزوجك فمن يزوج إنك من أكرم الناس عليه، وأقدمهم في الإسلام قال: فانطلق أبو بكر إلى بيت عائشة، فقال: يا عائشة، إذا رأيت من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- طيب نفس وإقبالا عليك فاذكري له أني ذكرت فاطمة فلعل الله عز وجل أن ييسرها إلي، قال: فجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فرأت منه طيب نفس، وإقبالا، فقالت:
يا رسول الله أن أبا بكر ذكر فاطمة وأمرني أن أذكرها، فقال: حتى ينزل القضاء فرجع إليها أبو بكر فقالت: يا أبتاه، وددت أني لم أذكر له الذي ذكرت
وقال يحيى: أن أبا بكر- رضي الله تعالى عنه- جاء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله قد عرفت مني صحبتي، وقدمي في الإسلام قال: وما ذاك؟ قال: تزوجني فاطمة، فسكت عنه ساعة أو قال فأعرض عنه، فرجع أبو بكر إلى عمر، فقال: هلكت، وأهلكت، قال: وما ذاك؟ قال خطبت فاطمة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأعرض عني، وقال ابن ثابت: فانطلق عمر إلى حفصة، وقال لهما: إذا رأيت من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إقبالا عليك فاذكري له أني ذكرت فاطمة لعل الله أن ييسرها إلي، فلما جاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالت حفصة: ووجدت منه إقبالا وطيب نفس فذكرت له فاطمة- رضي الله تعالى عنها- فقال: حتى ينزل القضاء، قال ابن ثابت: فأتى عمر- رضي الله تعالى عنه- رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقعد بين يديه، فقال: يا رسول الله، قد علمت مني صحبتي وقدمي في الإسلام، وإني وإني، قال: «وماذا؟» قال: تزوجني فاطمة، فأعرض عنه، فرجع عمر إلى أبي بكر، فقال: إنه ينتظر أمر الله فيها، فانطلق عمر إلى علي قال يحيى: إن أبا بكر وعمر قالا: انطلق بنا إلى علي حتى نأمره أن يطلب مثل الذي طلبنا، قال علي: فأتياني وأنا في سبيل، فقالا: بنت عمك تخطب فنبهاني لأمر فقمت أجر ردائي طرف على عاتقي، والطرف الآخر في الأرض حتى أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال ابن ثابت: ولم يكن لعلي مثل عائشة ولا مثل حفصة، فلقي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: إني أريد أن أتزوج فاطمة، قال فافعل، قال: ما عندي إلا درعي الحطمية.
.. الحديث.
وفي حديث ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- عند الطبراني من طريق يحيى بن العلاء، قال: كانت فاطمة تذكر لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلا يذكرها أحد إلا صد عنه حتى يئسوا منها فلقي سعد بن معاذ- رضي الله تعالى عنه- عليا فقال: إني والله ما أرى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحبها إلا عليك، فقال له: علي- رضي الله تعالى عنه-: هل ترى ذلك، ما أنا(11/39)
بأحد الرجلين ما أنا بصاحب دنيا يلتمس ما عندي وقد علم ما لي بيضاء ولا صفراء.
وما أنا بالكافر الذي يترفق بها عن دينه- يعني يتألفه بها، إني لأول من أسلم فقال سعد إني أعزم عليك لتفرجنها عني، فإن لي في ذلك فرجا قال: أقول ماذا؟ قال؟: جئت خاطبا إلى الله وإلى رسوله- صلى الله عليه وسلم- فاطمة بنت محمد- صلى الله عليه وسلم- فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- مرحبا، كلمة ضعيفة ثم رجع إلى سعد، فقال: قد فعلت الذي أمرتني به فلم يزد على أنه رحب بي كلمة ضعيفة، فقال سعد: أنكحك والذي بعثه بالحق، إنه لا خلف ولا كذب عنده، أعزم عليك لتأتينه فلتقولن يا نبي الله، متى تبنيني؟ فقال علي: هذه أشد علي من الأولى أو لا أقول: يا رسول الله، حاجتي؟ قال: قل كما أمرتك، فانطلق علي فقال: يا رسول الله، تبنيني؟ قال:
«الليلة إن شاء الله» .
.. الحديث.
وفي حديث بريرة عند النسائي في عمل اليوم والليلة والروباني في مسنده، وعند البزار والطبراني برجال ثقات غالبهم رجال الصحيح والدولابي: أن نفرا من الأنصار قالوا لعلي- رضي الله تعالى عنه-: لو خطب فاطمة بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأبى.
وفي لفظ: لو كانت عندك فاطمة فدخل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: ما حاجة ابن أبي طالب؟ فقال: يا رسول الله، ذكرت بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:
«مرحبا وأهلا» لم يزده عليهما فخرج على أولئك النفر من الأنصار وهم ينتظرونه فقالوا له: ما وراءك؟ قال: ما أدري، غير انه قال لي: مرحبا وأهلا،
قالوا: يكفيك من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إحداهما أعطاك الأهل والمرحب.
وفي حديث ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- فقال سعد: أنكحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والذي بعثه بالحق إنه لا خلف ولا كذب عنده، أعزم عليك لتأتينه غدا، فتقول يا نبي الله متى تبنيني بأهلي، فقال علي: هذه أشد علي من الأولى أو لا أقول: يا رسول الله حاجتي قال: قل كما أمرتك فانطلق علي، فقال: يا رسول الله، متى تبنيني بأهلي؟
قال: «الليلة إن شاء الله تعالى» - قال فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما عندك يا علي» فقلت: يا رسول الله، فرسي وبدني يعني درعي الحطمية- قال: «أما فرسك لا بد لك منه، وأما بدنك فبعها» فبعتها بأربعمائة وثمانين درهما، فأتيت بها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فوضعتها في حجره، فقبض منها قبضة، فقال: «يا بلال» ، أبغني بها طيبا وقال ابن ثابت: فقبض ثلاث قبضات، فرفعها إلى أم أيمن فقال: اجعلي منها قبضة في الطيب.
أحسبه قال الباقي فيما يصلح المرأة، وزوجه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما فرغت من الجهاز وأدخلتهم بيتا.(11/40)
وفي حديث بريدة: فلما كان بعد ما زوجه قال: «يا على، أنه لا بد للعروس من وليمة»
فقال سعد: عندي كبش.
وجمع له رهط من الأنصار من ذرة، ورواه الإمام أحمد برجال الصحيح غير عبد الكريم بن سليط وهو مستور بلفظ، وقال: على فلان كذا وكذا من ذرة.
وفي حديث يحيى وأمرهم أن يجهزوها فجعل لها سريرا مشرطا بالشريط ووسادة من أدم حشوها ليف، وملأ البيت كثيبا يعني رملا، وقال: إذا أتتك، فلا تحدث شيئاً حتى آتيك فجاءت مع أم أيمن فقعدت في جانب البيت، وأنا في جانب.
وروى الإمام أحمد بسند جيد عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما زوجه فاطمة بعث معها بخميلة ووسادة من أدم حشوها ليف، وثور وسقاء وجرتين.
وروى الدولابي عن أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنه- قالت: لقد جهزت فاطمة بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى علي- رضي الله تعالى عنهما- وما كان حشو فرشهما ووسادتهما إلا ليف.
وروى الإمام أحمد في المناقب عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: جهز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فاطمة في خميلة وقربة ووسادة من أدم حشوها ليف.
وروى البلاذري عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام علي ناحية، ومنه تعجن فاطمة على ناحية.
وروى ابن حبان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبض من المهر قبضة، وقال لبلال: اشتر لنا بها طيبا، وأمرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يجهزوها فجعل سريرا مشرطا بشرائط ووسادة من أدم حشوها ليف.
وروى أبو بكر- بن فارس عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: كان فراش علي وفاطمة- رضي الله تعالى عنهما- ليلة عرسهما- إهاب كبش.
وروى أيضا عن ضمرة بن حبيب- رضي الله تعالى عنهما- قال قضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على ابنته السيدة فاطمة بخدمة البيت، وقضى على علي بما كان خارج البيت.
وروى مسدد مرسلا عن ضمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على ابنته فاطمة- رضي الله تعالى عنها- بخدمة البيت، وقضى على علي- رضي الله تعالى عنه- بما كان خارج البيت.
وروى أحمد بن منيع بسند ضعيف عن أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنها-(11/41)
قالت: تزوجت فاطمة بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على درع ومنشفة بمغفرة ونصف قطيفة بيضاء، وقدح وإن كانت تستر بكم درعها، ومالها خمار وقالت: أعطاني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصبعا من تمر ومن شعير، فقال: «إذا دخلن عليك نساء الأنصار فأطعميهن منه» .
وروى الطبراني من طريق مسلم بن خالد الزنجي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال:
حضرنا عرس علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فما رأينا عرسا كان أحسن منه- حسا لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زبيبا وتمرا فأكلنا منه وكان فراشها ليلة عرسها إهاب كبش.
ورواه البزار وزاد، وحشونا الفراش- يعني: الليف-.
وروى عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: لما جهز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- السيدة فاطمة إلى علي- رضي الله تعالى عنهما- بعث معها بخميلة وهي القطيفة ووسادة من أدم حشوها ليف، وإذخر وقربتان وكانا يفترشان الخميل، ويلتحفان بنصفه انتهى.
وروى من طريق عوف بن محمد بن الحنفية عن أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنها- قالت: أهديت جدتك فاطمة إلى جدك علي- رضي الله تعالى عنهما- فما كان حشو فراشهما ووسادتهما إلا ليفا، ولقد أولم علي على فاطمة- رضي الله تعالى عنهما- فما كانت وليمة في ذلك الزمان أفضل من وليمته ورهن درعه عند يهودي بشطر شعير.
وروى الدولابي عن أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنها- أنه أولم على فاطمة وكانت وليمته آصعا من شعير وتمر.
وفي حديث ابن عباس فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بلالاً فقال: «يا بلال، إني زوجت ابنتي ابن عمي، وأنا أحب أن يكون من سنة أمتي إطعام الطعام عند النكاح، فخذ شاة وأربعة أمداد أو خمسة، فاجعل لي قصعة وادع عليها المهاجرين والأنصار، فإذا فرغت فائتني بها» . فانطلق ففعل ما أمره به، ثم أتاه بالقصعة فوضعها بين يديه فطعن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بإصبعه في رأسها، ثم قال: أدخل علي الناس زفة زفة ولا تغادرن إلى غيرها، يعني إذا فرغت زفة فلا يعودن ثانية، فجعل الناس يردون كلما فرغت زفة وردت أخرى حتى فرغ الناس ثم عمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى ما فضل منها فتفل فيه وبارك.
وقال: «يا بلال، احملها إلى أمهاتك، وقل لهن يأكلن منها ويطعمن من يمشيكن» انتهى، ثم قال- صلى الله عليه وسلم-: «يا علي، لا تحدثن إلى أهلك شيئاً» .
وفي حديث أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنها- عند الطبراني برجال الصحيح قالت: لما أهديت السيدة فاطمة إلى علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنهما- لم نجد في(11/42)
بيته إلا رملا مبسوطا ووسادة حشوها ليف وجرة وكوزا، فأرسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لا تحدثن حدثا» أو قال: «لا تقربن أهلك حتى آتيك» فجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «أثم أخي» فدعا النبي- صلى الله عليه وسلم- فسمى، ثم قال فيه ما شاء الله أن يقول، ثم مسح صدر علي ووجهه ثم دعا فاطمة- رضي الله تعالى عنها- فقامت إليه تعثر في مرطها من الحياء فنضح من ذلك الماء ثم قال لها ما شاء الله أن يقول ثم قال لها: «أما إني لم آلك أن أنكحتك أحب أهلي إلي» .
وفي حديث بريدة- رضي الله تعالى عنه- فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بماء فتوضأ منه ثم أفرغه على علي فقال: «اللهم، بارك فيهما، وبارك لهما في أبنائهما» . وفي لفظ «بارك لهما وبارك في شبلهما» [ (1) ] .
قال الحافظ ابن ناصر الدين راوي الحديث صوابه بنسلهما، وأورده الضياء المقدسي في المختارة وفي حديث أسماء، قالت أسماء: ثم رأى سوادا من وراء الستر، أو من وراء الباب فقال: من هذا؟ قالت: أسماء، قالت: نعم يا رسول الله جئت كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن الفتاة يبنى بها الليلة ولا بد لها من امرأة تكون قريبا منها، إن عرضت لها حاجة أفضت بذلك إليها قالت: فدعا لي بدعاء، إنه لأوثق عملي عندي، ثم قال لعلي: «دونك أهلك» ، ثم خرج فولى فما زال يدعو لهما، حتى توارى في حجره.
وفي حديث ابن عباس- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على النساء فقال: إني قد زوجت ابنتي ابن عمي وقد علمتن منزلتها مني وأنا دافعها إليه، فدونكن فقمن النساء فغلفنها من طيبهن وألبسنها من ثيابهن وحلينها من حليهن، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل فلما رأى النساء ذهبن، وبين النبي صلى الله عليه وسلم ستر وتخلفت أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنها- فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كما أنت، على رسلك من أنت؟
قالت: أنا التي أحرس ابنتك، فإن الفتاة الليلة يبنى بها ولا بد من امرأة تكون قريبا منها، إن عرضت لها حاجة أو أرادت شيئاً أمضيت بذلك إليها، ثم صرخ بفاطمة.
وفي حديث يحيى فقال لفاطمة: «ائتني بماء» فقامت إلى قعب في البيت فجعلت فيه ماء فأتته به، فمج فيه ثم قال لها: قومي فنضح على رأسها وبين ثدييها، وقال: «اللهم، إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم» ، ثم قال: «ائتني بماء،» فعلمت الذي يريده، فملأت القعب ماء فأتيته به فأخذ منه بفيه، ثم مجه فيه ثم صبه على رأسي وبين يدي ثم قال: «اللهم، إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم» ثم قال لي: «أدبري» فأدبرت فصب بين كتفي ثم
__________
[ (1) ] في ج (اللهم بارك لهما في شبلهما) .(11/43)
قال: «اللهم، إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم» ثم قال لي: «أدخل على أهلك باسم الله والبركة» .
الثالث: في أنها كانت أحب الناس إليه- صلى الله عليه وسلم-.
روى الطبراني برجال الصحيح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة وعلي- رضي الله تعالى عنهما- وهما جالسان يضحكان، فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتا فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما لكما كنتما تضحكان، فلما رأيتماني سكتما» فبادرت فاطمة- رضي الله تعالى عنها- فقالت: بأبي أنت يا رسول الله قال هذا: أنا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فقلت: بل أنا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «يا بنية لك رقة الولد وعلي أعز علي منك» .
وروى أبو داود الطيالسي والطبراني في الكبير، والحاكم والترمذي وقال: حسن وأبو القاسم البغوي في معجمه عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أحب أهل بيتي إلي فاطمة» .
وروى الطبراني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- قال: يا رسول الله، أينا أحب إليك أنا أم فاطمة؟ قال: «فاطمة أحب إلي منك، وأنت أعز علي منها.»
الرابع: في أن الله تبارك وتعالى يرضى لرضاها، ويغضب لغضبها.
روى الطبراني بإسناد حسن وابن السني في معجمه وأبو سعيد النيسابوري في «الشرف» عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: «إن الله تعالى يغضب لغضبك ويرضى لرضاك»
انتهى.
الخامس في أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يقبلها في فمها.
[عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: ما رأيت أحدا كان شبه كلاماً وحديثاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها، فقبلها ورحب بها، وأخذ بيدها فأجلسها في مجلسه، وكانت هي إذا دخل عليها قامت إليه، فقبلته وأخذت بيده] .
السادس: فيما جاء أنه- صلى الله عليه وسلم- إذا سافر كان آخر عهده بها، وإذا قدم أول ما يدخل عليها- رضي الله تعالى عنها-.
روى الإمام أحمد والبيهقي في «الشعب» عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- قال: كان(11/44)
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر آخر عهده إتيان فاطمة، وأول من يدخل عليه فاطمة إذا قدم صلى الله عليه وسلم.
وروى أبو عمر عن أبي ثعلبة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد، فصلى ركعتين ثم أتى فاطمة- رضي الله تعالى عنها- (ثم أتى أزواجه) [ (1) ] .
السابع: في غيرته- صلى الله عليه وسلم- لها- رضي الله تعالى عنها-.
روى الطبراني عن أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنها- قالت: خطبني علي فبلغ ذلك السيدة فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن أسماء متزوجة علي بن أبي طالب فقال لها: «ما كان لها أن تؤذي الله ورسوله» .
وروى الطبراني في المعاجم الثلاثة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن عليا- رضي الله تعالى عنه- خطب بنت أبي جهل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن كنت تزوّجها فرد علينا ابنتنا، والله، لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله تحت رجل واحد» .
وروى البزار عن علي- رضي الله تعالى عنه- أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي شيء خير للمرأة فسكتوا، فلما رجعت قلت لفاطمة: أي شيء خير للنساء؟ قالت: لا يراهن الرجال، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن فاطمة بضعة مني» .
الثامن: في تشبهها- رضي الله تعالى عنها- هديا وسمتا ودلاء ومشيا وحديثاً به صلى الله عليه وسلم وقيامه صلى الله عليه وسلم لها إذا أقبلت وإجلاسه إياها مكانه.
إخباره- صلى الله عليه وسلم- إنها سيدة نساء هذه الأمة ونساء أهل الجنة.
روى مسلم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كنا أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده لم يغادر منهن واحدة، فأقبلت فاطمة- رضي الله تعالى عنها- تمشي.
[كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «مرحبا يا بنتي» فأجلسها عن يمينه أو عن شماله: ثم إنه أسر إليها حديثاً فبكت فاطمة، ثم إنه سارها فضحكت أيضاً، فقلت لها: ما يبكيك؟ فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن فقلت لها حين بكت: أخصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه دوننا ثم تبكين؟ وسألتها عما قال: فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قبض سألتها فقالت: أنه كان حدثني «إن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة، وإنه عارضه به في العام مرتين، ولا أراني
__________
[ (1) ] سقط في ج.(11/45)
إلا قد حضر أجلي، وإنك أول أهلي لحوقا بي، ونعم السلف أنا لك» فبكيت لذلك، ثم إنه سارني فقال: «ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة» ؟ فضحكت لذلك.
وروى أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما رأيت أحدا أشبه سمتا ولا هديا، ولا حديثاً برسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامها وقعودها من فاطمة- رضي الله تعالى عنها-.
وروى ابن حبان عنها قالت: ما رأيت أحد أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة- رضي الله تعالى عنها- وكانت إذا دخلت قام إليها فقبلها ورحب بها وأخذ بيدها وأجلسها في مجلسه وكانت هي- رضي الله تعالى عنها- إذا دخل صلى الله عليه وسلم عليها قامت إليه فقبلته وأخذت بيده وأجلسته مكانها فدخلت عليه في مرضه الذي توفي فيه فأسر إليها فبكت ثم أسر إليها فضحكت فقلت: كنت أحسب أن لهذه المرأة فضلا على نسائنا فإذا هي امرأة منهن بينما
هي تبكي إذ هي تضحك، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها عن ذلك فقالت أسر إلي أنه ميت فبكيت ثم أسر إلي أني أول أهله لحوقا به فضحكت.
وروى الإمام أحمد وأبو يعلى برجال الصحيح والترمذي من غير ذكر فاطمة ومريم- عليهما السلام- عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وفاطمة سيدة نسائهم إلا ما كان من مريم بنت عمران» .
وروى الطبراني في «الأوسط» «والكبير» برجال الصحيح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم بنت عمران فاطمة وخديجة ثم آسية بنت مزاحم امرأة فرعون- وفي لفظ- وآسية» .
وروى الطبراني برجال الصحيح عن محمد بن مروان الذهلي وثقه ابن حبان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن ملكا من السماء لم يكن زارني فاستأذن ربّي في زيارتي فأذن له فبشرني وأخبرني أن فاطمة سيدة نساء أمتي،
وسيأتي لهذا مزيد بيان في مناقب السيدة خديجة- رضي الله تعالى عنها-.
التاسع: في إثبات فضلها- رضي الله تعالى عنها- بأبيها صلى الله عليه وسلم وأقاربها أصلا وفرعا.
روى الطبراني عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة: «نبينا خير الأنبياء، وهو أبوك، وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك» ... الحديث.
وروى الطبراني برجال الصحيح عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «ما رأيت أفضل من فاطمة غير أبيها صلى الله عليه وسلم» .(11/46)
العاشر: في أنها أصدق الناس لهجة.
وروى أبو يعلى برجال الصحيح عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما رأيت أحدا قط أصدق من فاطمة- رضي الله تعالى عنها- إلا أن يكون أباها صلى الله عليه وسلم.
وروى أبو عمر عنها قالت: ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة من فاطمة- رضي الله تعالى عنها- إلا أن يكون الذي ولدها صلى الله عليه وسلم.
الحادي عشر: في برها برسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى أبو يعلى عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام أياما لم يطعم طعاما حتى شق عليه، فطاف في منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة منهن شيئاً، فأتى فاطمة فقال: يا بنية، هل عندك أكلة، فإني جائع فقالت: لا والله، بأبي أنت وأمي، فلما خرج من عندها بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم فأخذته منها فوضعته في جفنة لها، وغطت عليها، قالت: والله، لأوثرنّ بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعا محتاجين إلى شعبة طعام، فبعثت حسنا أو حسينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليها فقالت له:
بأبي أنت وأمي قد أتى الله بشيء فخبأته لك قال: «هلمي فأتته فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزا ولحما، فلما نظرت إليها بهتت، وعرفت أنها بركة من الله، فحمدت الله وصلت على نبيه وقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه حمد الله وقال: «من أين لك هذا يا بنية؟» فقالت: يا أبت، هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة وحسن وحسين وجميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته جميعا حتى شبعوا وبقيت الجفنة كما هي، قالت: فأوسعت ببقيتها على جميع جيرانها، وجعل الله فيه بركة وخيراً كثيراً.
الثاني عشر: فيما كانت فيه من ضيق العيش وخدمتها نفسها- رضي الله تعالى عنها- مع استصحاب الصبر الجميل.
روى الدولابي عن أسماء بنت عميس عن فاطمة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أتاها.
وروى أبو يعلى برجال الصحيح وابن أبي شيبة عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت لأمي فاطمة بنت أسد- رضي الله تعالى عنها- اكفي بنت محمد صلى الله عليه وسلم سقاية الماء والذهاب في الحاجة، وتكفيك خدمة الداخل الطحن والعجن.
وروى الطبراني برجال ثقات إلا عتبة بن حميد وثقه ابن حبان وضعفه جماعة عن عمران بن حصين قال: إني لجالس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت فاطمة، فقامت بحذاء النبي صلى الله عليه وسلم مقابلة فقال: «ادني يا فاطمة» ، فدنت دنوة، ثم قال «ادني يا فاطمة» ، فدنت دنوة، ثم قال:(11/47)
«ادني يا فاطمة» فدنت دنوة حتى قامت بين يديه قال عمران: فرأيت صفرة قد ظهرت على وجهها وذهب الدم فبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه ثم وضع كفه بين ترائبها فرفع رأسه قال:
«اللهم، مشبع الجوعة، وقاضي الحاجة، ورافع الوضعة، لا تجع فاطمة بنت محمد» ، فرأيت صفرة الجوع قد ذهبت عن وجهها وظهر الدم، ثم سألتها بعد ذلك فقالت: ما جعت بعد ذلك.
وروى الإمام أحمد بسند جيد عن علي- رضي الله تعالى عنه- أنه قال لفاطمة- رضي الله تعالى عنها- ذات يوم: والله، لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقد جاء أبوك بسبي فاذهبي فاستخدميه، فقالت: وأنا والله، لقد طحنت حتى مجلت يداي فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما جاء بك أي بنية؟» قالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله ورجعت، فقال:
ما فعلت؟ قالت: استحييت أن أسأله فأتيا جميعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي: يا رسول الله، لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقالت فاطمة: يا رسول الله، لقد طحنت حتى مجلت يداي وقد جاءك الله بسبي وسعة، فأخدمنا فقال: لا، والله، لا أعطيكم، وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع لا أجد ما أنفق عليهم ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم فرجع. فأتاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد دخلا في قطيفتهما إذا غطت رؤوسهما تكشفت أقدامهما، وإذا غطت أقدامهما تكشفت رؤوسهما فتأثر فقال: مكانكما، ثم قال: «ألا أخبر كما بخير مما سألتماني» ، قالا: بلى، قال: «كلمات علمنيهن جبريل فقال: تسبحان الله في دبر كل صلاة عشرا وتحمدان عشرا وتكبران عشرا، فإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين» .
[قال: فوالله، ما تركتهن منذ سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال له: أين الكوا ولا ليلة صفين، فقال: قاتلكم الله يأهل العراق ولا ليلة صفين.
وروى الطبراني بسند حسن عن فاطمة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاها يوما فقال: «أين أبنائي؟» يعني: حسنا وحسينا قالت: أصبحنا وليس في بيتنا شيء يذوقه ذائق، فقال علي: اذهب بهما، فإني أتخوف أن يتليا عليك وليس عندك شيء، فذهب إلى فلان اليهودي فتوجه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدهما يلعبان في سرية بين أيديهما فضل من تمر، فقال: «يا علي ألا تقلب ابني قبل أن يشتد الحر؟» قال علي: أصبحنا وليس في بيتنا شيء، فلو جلست يا رسول الله، حتى أجمع لفاطمة شيئاً من التمر، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اجتمع لفاطمة شيء من التمر،
فجعله في صرته ثم أقبل فحمل النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما وعلي الآخر، حتى أقلبهما.(11/48)
وروى الإمام أحمد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن بلالا- رضي الله تعالى عنه- أبطأ عن صلاة الصبح، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حبسك؟ قال: مررت بالسيدة فاطمة، وهي تطحن، والصبي يبكي، فقلت: إن شئت كفيتك الرحا وكفيتيني الصبي، وإن شئت كفيتك الصبي، وكفيتيني الرحا، فقالت: أنا أرفق بابني منك فذاك الذي حبسني فقال: رحمتها، رحمك الله.
الثالث عشر: في وفاتها- رضي الله تعالى عنها- ووصيتها إلى أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنها- بما تصنعه بعد موتها ومن صلى عليها ومن دخل قبرها وموضعه.
روى الطبراني بأسانيد رجال أحدها رجال الصحيح عن عائشة والبخاري عن الزهري عن عروة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: توفيت السيدة فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، وفي رواية: ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان سنة إحدى عشرة ودفنها علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- ليلا.
وروى الطبراني برجال الصحيح إلا أن جعفراً الصادق لم يدرك القصة، ففيه انقطاع عن جعفر بن محمد- رحمهما الله تعالى- قال: مكثت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشهر، وما رؤيت ضاحكة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنهم قد امتروا في طرف نابها.
وروى الطبراني عن عبد الله بن محمد بن عقيل- رحمه الله تعالى- منقطعا، لأن عبد الله لم يدرك القصة، أن فاطمة- رضي الله تعالى عنها- لما حضرتها أمرت عليا فوضع لها غسلا، فاغتسلت وتطهرت ودعت بثياب أكفانها فأتيت بثياب غلاظ خشن، فلبستها ومست من حنوط ثم أمرت عليا أن لا يكشف عورتها إذا أقبضت وأن تدرج كما هي في ثيابها، فقلت له: هل علمت أحدا فعل ذلك؟ قال: نعم، كثير بن العباس، وكتب في أطراف أكفانه: يشهد كثير أن لا إله إلا الله.
وروى الإمام أحمد بسند فيه من لم يعرف عن أم سلمة قالت: اشتكت السيدة فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شكواها التي قبضت فيه فكنت أمرضها فأصبحت يوما كأمثل ما رأيتها في شكواها تلك، قالت: وخرج علي لبعض حاجته فقالت: يا أمه، اسكبي لي غسلا فسكبت لها غسلا فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل، ثم قالت: يا أمي، أعطني ثيابي الجدد فأعطيتها فلبستها ثم قالت: يا أمه قدمي لي فراشي وسط البيت، ففعلت، واستقبلت واضطجعت القبلة، وجعلت يدها تحت خدها، ثم قالت: يا أمه، إني مقبوضة الآن، وقد تطهرت، فلا يكشفني أحد، فقبضت مكانها، فجاء علي فأخبرته.
وروى أبو نعيم عن فاطمة- رضي الله تعالى عنها- أنها قالت لأسماء يا أسماء، إني قد(11/49)
استقبحت هذا الذي يصنع بالنساء، يطرح على المرأة الثوب فيصفها، فقالت أسماء: يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أريك شيئاً رأيته بالحبشة، فدعت بجرائد رطبة فحتتها، ثم طرحت عليها ثوبا فقالت لفاطمة: ما أحسن هذا وأجمله، تعرف به المرأة من الرجل، فإذا أنا مت فغسليني أنت وعلي، ولا يدخل على أحد ثم اصنعي بي هكذا،
فلما توفيت صنع بها ما أمرت بعد أن غسلتها أسماء وعلي- رضي الله تعالى عنهم-.
الرابع عشر: في أن الله تعالى حرمها وذريتها على النار.
روى البزار وتمام في «فوائده» والطبراني وابن عدي والعقيلي والحاكم عن ابن مسعود وابن شاهين في مسند «الزهر» وابن عساكر من طريق آخر عنه، والطبراني في «الكبير» بسند رجاله ثقات عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن فاطمة أحصنت فرجها فحرمها الله- عز وجل- وذريتها على النار» زاد العقيلي: قال ابن كريب: هذا للحسن والحسين ولمن أطاع الله- عز وجل- منهم.
وفي لفظ: أن الله- عز وجل- غير معذبك ولا ولدك.
وروى الخطيب أن الإمام علي بن موسى المديني- رضي الله تعالى عنه- سئل هذا الحديث فقال: هذا خاص بالحسن والحسين- رضي الله تعالى عنهما-.
تنبيه:
الصواب إن هذا الحديث سنده قريب من الحسن، والحكم عليه بالوضع خطأ كما بسطت الكلام على ذلك في كتابي «الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة» .
الخامس عشر: في كيفية حشرها- رضي الله تعالى عنها-.
روى تمام في الفوائد والحاكم والطبراني عن علي، وأبو بكر الشافعي عن أبي هريرة، وتمام عن أبي أيوب وأبو الحسين بن بشران، والخطيب عن عائشة والأزدي عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنهم- بأسانيد ضعيفة، إذا ضم بعضها إلى بعض أفاد القبول، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش أيها الناس» ، وفي لفظ:
«يا أهل الجمع، غضوا أبصاركم، ونكسوا رؤوسكم حتى تجوز فاطمة بنت محمد إلى الجنة» وفي لفظ: «حتى تمر على الصراط،»
فتمر، وعليها ربطتان خضروان.
السادس عشر: في أولادها- رضي الله تعالى عنهم-.
قال الليث بن سعد- رحمه الله تعالى-: تزوج علي فاطمة- رضي الله تعالى عنهما- فولدت حسنا وحسينا ومحسنا- بميم مضمومة فحاء مفتوحة فسين مكسورة مشددة مهملتين-(11/50)
- رضي الله تعالى عنهم- وزينب وأم كلثوم ورقية- رضي الله تعالى عنهن- مات محسن سقطا، وأم كلثوم كانت عند عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- وولدت ولدا قال أبو عمر: ولدت أم كلثوم بنت فاطمة- رضي الله تعالى عنهما- قبل وفاة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجت زينب بنت فاطمة- رضي الله تعالى عنها- عبد الله بن جعفر- رضي الله تعالى عنهما- فماتت عنده وقد ولدت له عليا وعونا وجعفراً وعباسا وأم كلثوم أبناء عبد الله بن جعفر.
قال الشيخ- رحمه الله تعالى- في فتاويه: أولاد زينب المذكورة من عبد الله بن جعفر موجودون بكثرة وتكلم عليهم من عشرة أوجه:
أحدها: أنهم من آل النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته بالإجماع، لأن آله هم المؤمنون من بني هاشم والمطلب.
الثاني: أنهم من ذريته بالإجماع.
الثالث: أنهم هل يشاركون أولاد الحسن والحسين في أنهم ينسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم والجواب: لا، وفرق بين من يسمى ولدا للرجل، وبين من ينسب إليه.
الرابع: هل يطلق عليهم أشراف؟.
الجواب: الشرف على مصطلح أهل مصر أنواع: عام لجميع أهل البيت، وخاص بالذرية، فيدخل فيه الزينبية وأخص منه شرف النسبة، وهو مختص بذرية الحسن والحسين- رضي الله تعالى عنهما-.
الخامس: تحرم عليهم الصدقة بالإجماع، لأن بني جعفر من الآل.
السادس: يستحقون سهم ذوي القربى بالإجماع.
السابع: يستحقون من وقف بركة الحبش بالإجماع، لأنها وقفت نصفها على الأشراف، وهم أولاد الحسن والحسين ونصفها على الطالبيين، وهم ذرية علي بن أبي طالب، - رضي الله تعالى عنهم- من محمد بن الحنفية وأخويه وذرية جعفر بن أبي طالب وذرية عقيل بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- هذا الوقف على هذا الوجه على قاضي القضاة بدر الدين بن يوسف السنجاوي في ثاني عشر ربيع الآخر سنة أربعين وستمائة، ثم اتصل ثبوته على شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام تاسع عشر ربيع الآخر من السنة المذكورة، ثم اتصل ثبوته على قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة ذكر ذلك ابن المتوج في كتابه «إيقاظ المتغفل، واتعاظ المتوسل» .(11/51)
الثامن: هل يلبسون العلامة الخضراء؟.
والجواب: لا يمنع منها من أرادها من شريف أو غيره ولا يؤمر بها من تركها من شريف أو غيره، لأنها إنما أحدثت سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة بأمر الملك الأشرف شعبان بن حسين أقصى ما في الباب أنه أحدث ليتميز بها هؤلاء عن غيرهم، وقد يستأنس لاختصاصها بهم بقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ، قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ، ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب/ 59] فقد استدل بها بعض العلماء على تخصيص أهل العلم بلباس يختصون به من تطويل الأكمام، وإدارة الطيلسان ونحو ذلك، ليعرفوا فيجلوا تكريما للعلم، وهذا وجه حسن والله تعالى أعلم.
التاسع: هل يدخلون في الوصية على الأشراف أم لا؟!.
العاشر: هل يدخلون في الوقف على الأشراف أم لا؟!.
والجواب: إن وجد في كلام الموصي والواقف نص يقتضي دخولهم أو خروجهم اتبع وإن لم يوجد فيه ما يدل على هذا ولا هذا فقاعدة الفقه أن الوصية والوقف ينزل على عرف البلد وعرف مصر من عهد الخلفاء الفاطميين إلى الآن.
إن الشريف لقب لكل حسن وحسيني خاصة، فلا يدخلون على مقتضى هذا العرف، وإنما دخلوا في وقف بركة الحبش لأن واقفها نص في وقفه على أن نصفها للأشراف ونصفها للطّالبيين.
تنبيهات
الأول: قال ابن دريد: اشتقاق فاطمة من الفطم، وهو القطع، ومنه فطم الصبي إذا قطع عنه اللبن.
يقول الرجل للرجل: والله لأفطمنك عن كذا وكذا أي لأمنعنك عنه.
وروى الخطيب وقال فيه مجاهيل، وأورده ابن الجوزي في «الموضوعات» ، وتقدم أن الحكم عليه بالوضع ليس بصواب عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى إنما سماها فاطمة، لأن الله تعالى فطمها وجنبها عن النار.
الثاني: تقدم أن عليا- رضي الله تعالى عنه- أصدقها درعا، وأنه باع الدرع، وبعض متاعه وأصدقها بأربعمائة درهم.
قال المحب الطبري يشبه أن يكون العقد وقع على الدرع كما دل عليه حديث علي وبعث بها علي ثم ردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبيعها، فباعها وأتاه بثمنها من غير أن يكون بين(11/52)
الحديثين تضاد، وقد ذهب إلى مدلول كل واحد من الحديثين قائل، فقال بعضهم: كان مهرها- رضي الله تعالى عنها- الدرع ولم يكن إذ ذاك بيضاء ولا صفراء.
وقال بعضهم: كان أربعمائة وثمانين فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل ثلثها في الطيب.
الثالث: تضمن حديث ابن عباس، وحديث علي، وحديث أنس- رضي الله تعالى عنهم- أن الذي حثه على تزويج فاطمة- رضي الله تعالى عنها- متضاد، ولا تضاد بينهما، بل يحتمل أن يكون مولاته، ثم أبو بكر وعمر أو بالعكس، ثم لما خرج لذلك لقيه الأنصار فحثوه على ذلك من غير أن يكون أحدهم علم بالآخر.
الرابع: يحتمل أن تريد أسماء في حديثها بوليمة: ما قام هو بنفسه غير ما جاء به الأنصار من الكبش والذرة جمعا بين الحديثين، وأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع لها مع ذلك الآصاح من التمر والشعير وأن يكون ما جاء به الأنصار وليمة الرجال وما دفعه لها صلى الله عليه وسلم للنساء كما دل عليه حديثها.
الخامس: كيفية صب الماء وتخصيص علي- رضي الله تعالى عنه- به مخالف لما رواه ابن حبان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال المحب الطبري- رحمه الله تعالى-: ولعله صلى الله عليه وسلم خص عليا- رضي الله تعالى عنه- بهذه الكيفية كما تضمنه الحديث، فإنه لم يذكر فيه فاطمة- رضي الله تعالى عنها- ونضح صلى الله عليه وسلم عليهما على تلك الكيفية كما في حديث ابن حبان.
السادس: تضمن حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم أخبرها بشيئين، بموته، وأنها أول أهله لحوقا به.
فبكت فأخبرها ثانيا بشيء واحد، وهو: أنها سيدة نساء المؤمنين، وسيدة نساء أهل الجنة فضحكت.
وتضمن حديث أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- عند الدولابي أنه أسر إلى فاطمة- رضي الله تعالى عنها- أولا بموته فقط فبكت، وفي الثانية بأنها سيدة نساء المؤمنين، فضحكت.
وحديث فاطمة عند الدولابي أيضاً، أنه صلى الله عليه وسلم أسر إليها بموته أولا فبكت وثانيا بشيئين بلحوقها به، وأنها سيدة نساء أهل الجنة.
وتضمن حديث عائشة عند أبي داود والترمذي والنسائي وابن حبان عن فاطمة- رضي الله تعالى عنها- إنه أسر إليها أولا بموته فبكت، وثانيا بأنها أول لاحق به فضحكت فيحمل ذلك على صدوره في مجالس مختلفة توفيقا بين الأحاديث، وأن بكاءها- رضي الله تعالى عنها- في حديث مسلم لم يكن بمجموع الخبرين، بل بموته صلى الله عليه وسلم فقط يدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم لما أفرد خبر موته عن خبر لحوقها به كما في حديث عائشة- رضي الله تعالى عنها- في هذا(11/53)
النوع بكت للأول وضحكت للثاني، ولو كان البكاء لمجموعهما لما حصل لأحدهما أو لكل واحد منهما كما ضحكت للثاني، ويدل أيضاً على أن ضحكها في حديث الدولابي، عن فاطمة- رضي الله تعالى عنها- لم يكن لمجموع الخبرين بل لكل واحد، إذ لو كان لهما لما استقل به أحدهما، وقد استقل به في حديث عائشة- رضي الله تعالى عنها- كما عند أبي داود والترمذي والنسائي وابن حاتم كما سبق، فدل على أنه لكل منهما.
السابع: في بيان غريب ما سبق.
أفحم- بفاء مهملة- أسكت وفحم الصبي بفتح الحاء يفحم إذا بكى حتى ينقطع صوته.
الحطمية: - بحاء فطاء مهملتين- هي التي تحطم السيوف أي تكسرها وقيل: هي العريضة الثقيلة، وقيل: هي منسوبة إلى بطن من عبد القيس يقال لها حطمة بن محارب كانوا يعملون الدروع، وهذا أشبه الأقوال.
البيضاء: [.......] .
الصفراء: [.......] .
ثقيل: [.......] .
حصر: [.......] .
مرحبا: أي أتيت سعة من الرحب بالضم، وهو السعة.
وأهلا: أي أتيت أهلا فاستأنس ولا تستوحش.
الشطر لعله مكيال يعرف عندهم بذلك أو نصف مكيال إذ الشطر النصف.
أصعا: جمع صاع.
الشبل: بالشين المعجمة ولد الأسد فيكون ذلك كشف واطلاع منه صلى الله عليه وسلم وأطلق على الحسن والحسين- رضي الله تعالى عنهما- شبلين وهما كذلك.
الهدي والدلّ بدال مهملة متقاربا المعنى وهما السكينة والوقار في الهيبة والنظر والشمائل وغير ذلك والسمت بمعناهما يقال: ما أحسن سمته أي: هديه.(11/54)
الباب العاشر في بعض مناقب سيدي شباب أهل الجنة أبي محمد الحسن وأبي عبد الله الحسين- رضي الله تعالى عنهما- سبطي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على سبيل الاشتراك
وفيه أنواع
الأول: في عقه- صلى الله عليه وسلم عنهما- وأمره صلى الله عليه وسلم بحلق رؤوسهما، وختانهما- رضي الله تعالى عنهما.
روى أبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين- رضي الله تعالى عنهما- كبشا كبشا، وعند النسائي: كبشين كبشين.
وروى الإمام أحمد في «المناقب» عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- قال: إن الحسن بن علي- رضي الله تعالى عنهما- لما ولد أرادت أمه- رضي الله تعالى عنها- أن تعق عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تعقي عنه واحلقي شعر رأسه، فتصدقي بوزنه من الورق» ، ثم ولد حسين- رضي الله تعالى عنه- فصنعت مثل ذلك
فتحمل صلى الله عليه وسلم عنها ذلك لا تركا بالأصالة، يدل عليه
ما رواه الترمذي عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: عق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة» فوزناه فكان درهما وبعض درهم.
وروى الطبراني عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام.
روى الدولابي عن محمد بن المنكدر- رحمه الله تعالى- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ختن الحسن والحسين- رضي الله تعالى عنهما- لسبعة أيام.
الثاني: في تسميتهما- رضي الله تعالى عنهما-.
روى الإمام أحمد في المناقب وابن حبان عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: لما ولد الحسن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ فقلت: سميته حربا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل هو حسن» ، فلما ولد (الحسين) [ (1) ] قال: «أروني ابني ما سميتموه؟» قلت: سميته حربا، قال: «بل هو حسين» ، فلما ولد الثالث جاء النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أروني ابني ما سميتموه؟» فقلت: حربا، فقال: «بل هو محسن» ، ثم قال: «إني سميتهم بأسماء أولاد هارون
__________
[ (1) ] في ح- الثاني.(11/55)
شبر وشبير ومشبر، وفي رواية قال علي- رضي الله تعالى عنه-: كنت رجلا أحب الحرب فلما ولد الحسن هممت أن أسميه حربا، فذكر الحديث وكنى الحسن أبا محمد، والحسين أبا عبد الله.
انتهى.
وروى أبو القاسم البغوي في «معجمه» ، والدولابي عن جعفر بن محمد عن أبيه- رحمهما الله تعالى- قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى الحسن والحسين يوم سابعهما واشتق اسم حسين من حسن.
وروى الدولابي عن عمران بن أبي سليمان قال: الحسن والحسين اسمان من أسماء أهل الجنة لم يكونا في الجاهلية.
الثالث: في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو أولاد السيدة فاطمة- رضي الله تعالى عنهم- وعصبتهم.
روى الإمام أحمد في «المناقب» عن عمر- رضي الله تعالى عنهم- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل ولد أب فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة- رضي الله تعالى عنها- فإني أنا عصبتهم» .
وروى الطبراني عن عمر والطبراني عن فاطمة الكبرى- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل بني أنثى فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا بني فاطمة، فإني أنا عصبتهم، وأنا أبوهم» .
وروى ابن أبي حاتم عن أبي الأسود والديلمي وأبو الشيخ والحاكم والبيهقي عن عبد الملك بن عمير قال: أرسل الحجاج إلى يحيى بن يعمر، قال: بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم قال: تجده في كتاب الله- عز وجل- وقد قرأته من أوله إلى آخره، فلم أجده، ولفظ عبد الملك أن الحجاج ذكر الحسين، فقال الحجاج: لم يكن من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم قال يحيى: كذبت قال الحجاج: لتأتيني على ما قلت ببينة، فقال: أليس تقرأ سورة الأنعام: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ [الأنعام 84] حتى بلغ «ويحيى وعيسى» قال:
بلى، قال: أليس عيسى من ذرية إبراهيم وليس له أب؟.
وفي لفظ أخبر الله- عز وجل- إن عيسى من ذرية آدم من أمه، قال: صدقت.
الرابع: في محبته صلى الله عليه وسلم لهما ودعائه لهما ولمن أحبهما وأنهما أحب أهل بيته إليه ودعا لمن أحبهما وأحب أبويهما.
روى ابن أبي شيبة والطبراني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم، إني أحبهما فأحبهما، وأبغض من أبغضهما»
يعني: الحسن والحسين، انتهى.(11/56)
وروى ابن عساكر عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني» .
وروى الإمام أحمد والطبراني في «الكبير» وابن عساكر عن المقدام بن معدي كرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الحسن مني والحسين مني» .
وروى الطبراني في «الكبير» وأبو نعيم وابن عساكر عن يعلى بن مرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الحسن والحسين سبطان من الأسباط» .
وروى ابن عساكر عن سلمان وأبو نعيم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الحسن والحسين من أحبهما أحببته، ومن أحببته أحبه الله ومن أحب الله تعالى أدخله الله جنات النعيم، ومن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله نار جهنم، وله عذاب مقيم» .
وروى الطبراني في «الكبير» عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، اللهم، إني أحبهما فأحبهما» .
وروى الإمام احمد وابن ماجة وابن سعد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب الحسن والحسين فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني» .
وروى ابن عساكر عن زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب هؤلاء فقد أحبني ومن أبغضهم فقد أبغضني»
يعني الحسن والحسين وفاطمة وعليا- رضي الله تعالى عنهم-.
وروى الطبراني عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب هذين، يعني الحسن والحسين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة» .
روى الطبراني في «الكبير» عن سلمان- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب الحسن والحسين أحببته ومن أحببته أحبه الله ومن أحبه الله أدخله جنات النعيم، ومن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته، ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله نار جهنم وله عذاب مقيم» .
وروى الطبراني في الكبير عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحبني فليحب هذين»
يعني الحسن والحسين.
وروى الإمام أحمد والترمذي وقال: غريب عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال(11/57)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة» .
وروى الترمذي وقال حسن صحيح عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللهم، إني أحبهما فأحببهما» .
وروى ابن أبي شيبة والطبراني في الكبير عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم، إني أحبهما فأحبهما، وأبغض من أبغضهما»
يعني الحسن والحسين.
وروى الطبراني بسند لا بأس به عن الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنهما- قال: من أحبنا للدنيا، فإن صاحب الدنيا يحبه البر والفاجر، ومن أحبنا لله، كنا نحن وهو يوم القيامة كهاتين وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى.
وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: استأذن علي- رضي الله تعالى عنه- على النبي صلى الله عليه وسلم [......] .
وروى العقيلي والترمذي وقال حسن غريب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أهل بيتك أحب إليك؟ قال: «الحسن والحسين» وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لفاطمة- رضي الله تعالى عنها-: «ادعي لي ابني» ، فيشمهما ويضمهما إليه.
وروى الإمام أحمد في «المناقب» عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد حسن وحسين، وقال «من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة» ، زاد الترمذي: «وكان معي في الجنة» .
وروى الإمام أحمد في «المناقب» والدولابي عن يعلى بن مرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء الحسن والحسين يستبقان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمهما إليه، وقال: «إن الولد مبخلة مجبنة، وإن آخر وطأها الرحمن- عز وجل- بوج»
. الخامس: في أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم مقرونة بمحبتهما.
روى الطبراني وابن عساكر عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: أنا وفاطمة والحسن والحسين مجتمعون، ومن أحبنا يوم القيامة نأكل ونشرب حتى يفرق الله بين العباد،
فبلغ ذلك رجلا من الناس فسألت عنه فأخبر به فقال: كيف بالعرض والحساب؟ فقلت له: كيف لصاحب ياسين بذلك حين أدخله الجنة من ساعته؟.
السادس: في أنهما ريحانتاه من الدنيا صلى الله عليه وسلم وتقبيله إياهما وشمه لهما.
روى الترمذي وقال: صحيح عن ابن عمر، والنسائي عن أنس- رضي الله تعالى عنهم-(11/58)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أن الحسن والحسين هما ريحنتاي من الدنيا» .
روي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم، إني أحبهما فأحبهما، وأبغض من أبغضهما، يعني الحسن والحسين.
وروى أبو الحسن الضحاك عن يعلى بن مرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء الحسن والحسين يستبقان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أحدهما قبل الآخر، فجعل يده في رقبته حتى ضمه إلى بطنه ثم جاء الآخر فجعل يده في رقبته حتى ضمه إلى بطنه ثم قبل هذا وقبل الآخر، وقال: اللهم، إني أحبهما فأحبهما، ثم قال «أيها الناس إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة» .
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن يعلى العامري- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء الحسن والحسين يستبقان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمهما إليه، وقال: «الولد مجبنة مبخلة» .
وروى الطبراني في «الكبير» والضياء عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين- رضي الله تعالى عنهما- يلعبان بين يديه أو في حجره فقلت: يا رسول الله أتحبهما؟ فقال: «وكيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا أشمهما» ،
يعني الحسن والحسين.
السابع: في توريثهما- رضي الله تعالى عنهما- بعض صفته صلى الله عليه وسلم.
روي عن أبي رافع عن فاطمة والطبراني وابن منده وابن عساكر عن السيدة فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها أتت بابنيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شكواه التي توفي فيها فقالت:
يا رسول الله، هذان ابناك، فورثهما شيئاً فقال لها: «أما حسن فله هيبتي وسؤددي، وأما حسين فإن له جراءتي وجودي» .
وروى ابن عساكر عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنه- أن فاطمة أتت بابنيها- رضي الله تعالى عنها- فقالت: يا رسول الله، انحلهما، قال:
«نعم، أما حسن فقد نحلته حلمي وهيبتي، وأما الحسين فقد نحلته نجدتي، وجودي» .
الثامن: في شبههما برسول الله صلى الله عليه وسلم خلقا وخلقا.
روى البخاري عن عقبة بن الحارث- رضي الله تعالى عنه- قال: صلى بنا أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- العصر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بليال ثم خرج هو وعلي يمشيان فرأى الحسن يلعب مع الصبيان فحمله على عاتقه وجعل يقول:
بأبي شبيه النبي ... ليس شبيه علي
وعلي يضحك.(11/59)
وروي عن إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت أبا جحيفة- رضي الله تعالى عنه- يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكان الحسن بن علي يشبهه.
وروي أيضاً عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان الحسن بن علي- رضي الله تعالى عنهما- أشبههم وجها برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن إسحاق عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك.
وروى أبو داود عنه قال: كان الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهه إلى سرته- وكان الحسين أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك.
وروى الزبير بن بكار عن محمد بن الضحاك الحرامي قال: كان وجه الحسن يشبه وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم (وجسد الحسين يشبه جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم) [ (1) ] .
وروى الترمذي وابن حبان عن علي- رضي الله تعالى عنه- كان الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس والحسين أشبه به ما كان أسفل من ذلك.
تنبيه:
قال الشيخ في قول البخاري: لم يكن أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من الحسن، لا يعارضه ما تقدم من قوله أيضاً في حسين أنه أشبهه، لأن ذلك بعد وفاة الحسن، وهذا في حياته فكأنه كان أشبه به من الحسين لكن في الترمذي وابن حبان وذكر ما تقدم انتهى.
وبه وبما قبله يجمع أيضاً قال: نعم، ثم لا يعارض ذلك
قول علي- رضي الله تعالى عنه- في صفة النبي صلى الله عليه وسلم: لم أر قبله ولا بعده مثله، أخرجه الترمذي في «الشمائل»
لأن المنفي عموم الشبه، والمثبت أصله أو معظمه انتهى.
التاسع: في أنهما سيدا شباب أهل الجنة.
روى ابن سعد والحاكم عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني جبريل، فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» .
وروى ابن عساكر عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني ملك فسلم علي نزل من السماء نزلة لم ينزل قبلها فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة» .
وروى الإمام احمد وابن عساكر عن علي بن أبي طالب والروياني في مسنده وابن مندة
__________
[ (1) ] سقط في ح.(11/60)
وابن قانع وأبو نعيم وابن عساكر عن جهم والإمام أحمد عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة عيسى بن مريم، ويحيى بن زكريا» .
وفي رواية: «وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم ابنة عمران» .
وفي رواية: دخل الحسن والحسين ابنا علي المسجد، فقال جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- من أحب أن ينظر إلى سيدي شباب أهل الجنة فلينظر إلى هذين سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن عساكر عن ابن عمر، وعلي- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ابناي هذان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبو هما خير منهما» .
وروى الطبراني في «الكبير» وأبو نعيم في «فضائل الصحابة» عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: «ما من نبي إلا ولد الأنبياء غيري وإن ابنيك سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة يحيى وعيسى» .
وروى الطبراني في الكبير عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: بت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت عنده شخصا فقال لي: «يا حذيفة، هل رأيت» قلت: نعم، قال: هذا ملك، لم يهبط منذ بعثت أتاني الليلة وبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة،
وعن حذيفة أيضاً قال: رأينا في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم السرور يوما من الأيام فقلنا: يا رسول الله، لقد رأينا في وجهك تباشير السرور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وكيف لا أسر وقد أتاني جبريل فبشرني أن حسنا وحسينا سيدا شباب أهل الجنّة، وأبو هما أفضل منهما» .
وروى الترمذي وقال حسن صحيح عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» .
وروى الترمذي وحسنه والنسائي عن حذيفة أن أمه- رضي الله تعالى عنها- بعثته يستغفر لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصليت معه المغرب فصلى حتى صلى العشاء ثم انفتل صلى الله عليه وسلم فتبعته فسمع صوتي فقال: «من هذا، حذيفة؟» قلت نعم، قال: «ما حاجتك، غفر الله لك ولأمك؟ إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة، استأذن ربه- عز وجل- أن يسلم علي ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة. وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» .
وقد روي هذا من حديث علي بن أبي طالب والحسن نفسه وعمر وابنه عبد الله، وعبد الله بن مسعود وغيرهم.(11/61)
العاشر: في نزوله صلى الله عليه وسلم من على المنبر حين رآهما يمشيان ويعثران.
وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والأربعة عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان، ويعثران، ويقومان، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما واحدا من ذا الشق وواحدا من ذا الشق، ثم صعد المنبر، فقال: صدق الله نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
[التغابن/ 15] إني نظرت إلى هذين الغلامين يمشيان، ويعثران، فلم أصبر أن قطعت كلامي ونزلت إليهما.
الحادي عشر: في وثوبهما على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة.
روى ابن حبان وعبد بن حميد عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، والحسن والحسين- رضي الله تعالى عنهما- يتواثبان على ظهره فباعدهما الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بأبي وأمي من أحبني فليحب هذين» .
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره فإذا رفع رأسه أخذهما أخذا رقيقا فيضعهما عن ظهره فإذا عاد عادا حتى إذا قضى صلاته أقعدهما على فخذيه قال:
فقمت إليه، فقلت: يا رسول الله، أرادهما، فبرقت برقة فقال لهما: «الحقا بأمكما» ،
قال:
فمكث ضوءها حتى دخلا على أمهما.
الثاني عشر: في حملهما- رضي الله تعالى عنهما- على بغلته وحمله صلى الله عليه وسلم إياهما على عاتقه.
روى مسلم عن ابن إياس عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: لقد قدت بنبي الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين بغلته الشهباء، حتّى أدخلتهم حجرة النبي صلى الله عليه وسلم هذا قدامه وهذا خلفه.
وروى مسلم عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل الحسن والحسين على (ناقته) [ (1) ] وهو يقول: «اللهم، إني أحبهما فأحبهما» .
الثالث عشر: في تعويذه صلى الله عليه وسلم إياهما.
روى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين يقول: «أعيذ كما بكلمات الله (التامة) [ (2) ] من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة» ، ويقول: إن أباكم إبراهيم- صلوات الله وسلامه عليه- كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق- عليهما الصلاة والسلام-.
__________
[ (1) ] في ح على عاتقه.
[ (2) ] في نفس الكتاب سبق «التامات» بدل التامة.(11/62)
الرابع عشر: في مصارعتهما- رضي الله تعالى عنهما- بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى ابن الإعرابي في معجمه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان الحسن والحسين- رضي الله تعالى عنهما- يصطرعان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هي حسين» فقالت السيدة فاطمة: يا رسول الله لم لا تقول: هي حسن؟ فقال: «إن جبريل يقول: هي حسين» .
وروى أبو القاسم البغوي والحارث بن أبي أسامة عن جعفر بن محمد- رضي الله تعالى عنهما- عن أبيه قال: إن الحسن والحسين- رضي الله تعالى عنهما- كانا يصطرعان فاطلع علي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: وهي الحسن، فقال علي- رضي الله تعالى عنه- يا رسول الله، هي الحسين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن جبريل يقول: وهي الحسين» .
الخامس عشر: في أنهما يحشران يوم القيامة على ناقته العضباء والقصواء.
روى السلفي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تبعث الأنبياء على الدواب، ويحشر صالح على ناقته، وتحشر بنا فاطمة على ناقتي، العضباء والقصواء، وأحشر أنا على البراق خطواها عند أقصى طرفها، ويحشر بلال على ناقة من نوق الجنة» .
السادس عشر: في كرمهما- رضي الله تعالى عنهما-.
روى البخاري عن حرملة مولى أسامة بن زيد قال: «أرسلني أسامة إلى علي وقال: إنه سيسألك الآن، فيقول: ما خلف صاحبك؟ يقول لك: لو كانت في شدق الأسد لأحببت أن أكون معك فيه ولكن هذا أمر لم أره، فلم يعطني شيئاً، فذهبت إلى حسن وحسين، وابن جعفر فأوقروا لي راحلتي» .
السابع عشر: في حبهما ماشين- رضي الله تعالى عنهما-.
روى ابن الجوزي [......] .(11/63)
الباب الحادي عشر في بعض ما ورد مختصا بالحسن- رضي الله تعالى عنه-
وفيه أنواع
الأول: في مولده، - وقدر عمره- ووفاته.
ولد- رضي الله تعالى عنه- في منتصف شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة.
قال أبو عمر: هذا أصح ما قيل، وقيل: في شعبان منها قال الدولابي: لأربع سنين وستة أشهر من الهجرة، وقيل: سنة أربع.
وقيل سنة خمس، قال في «الإصابة» : والأول أثبت. وتوفي ليلة السبت لثمان خلون من المحرم سنة خمس وأربعين، وهو أشبه بالصواب، وقيل: في شهر ربيع الأول، سنة تسع وأربعين وقيل: خمسين، أو أحد وخمسين وقيل: سنة ثمان وخمسين، فليعلم من ذلك قدر عمره وأرضعته أم الفضل امرأة العباس مع ابنها قثم وسمته جعدة بنت الأشعث بن قيس، فمات، وصلى عليه سعيد بن العاص ودفن بالبقيع ورجح جمع أنه مات، وله سبع وأربعون سنة.
وروى أبو القاسم البغوي والدولابي، عن قابوس بن المخارق قال: إن أم الفضل قالت:
يا رسول الله، أرأيت إن كان عضو من أعضائك في بيتي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيراً رأيته، تلد فاطمة غلاما فترضعيه بلبن قثم» ، (فولدت الحسن فأرضعته بلبن) [ (1) ] قثم ورواه ابن ماجة بلفظ فولدت حسنا أو حسينا فأرضعته بلبن قثم، فجئت به يوما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فوضعته في حجره صلى الله عليه وسلم قالت: فضربت كتفه فقال صلى الله عليه وسلم: «أوجعت ابني، يرحمك الله» .
الثاني: في محبته صلى الله عليه وسلم والدعاء له ولمن أحبه وحمله إياه على عاتقه وأمره بمحبته- رضي الله تعالى عنه-.
روى الإمام أحمد والشيخان وابن ماجه وابن حبان وأبو يعلى والطبراني في «الكبير» عن سعيد بن زيد والطبراني في الكبير وابن عساكر عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم، إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه» .
وروى الشيخان وابن حبان عن البراء- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت الحسن بن علي- رضي الله تعالى عنهما- على عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «اللهم، إني أحبه فأحبّه» .
__________
[ (1) ] سقط في ح.(11/64)
وروى البخاري عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنهما- قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذني والحسن، ويقول: «اللهم، إني أحبهما فأحبهما»
أو كما قال.
وروى الترمذي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل الحسين بن علي على عاتقه، فقال رجل: نعم المركب ركبت يا غلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم الراكب هو» .
وروى الإمام أحمد في «المناقب» عن زهير بن الأقمر رجل من الأزد- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للحسن بن علي: «من أحبني فليحبه، فليبلغ الشاهد الغائب، ولولا عزمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثتكم» .
وروى الطيالسي عن البراء وابن عساكر عن علي- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحبني فليحب هذا» يعني الحسن
انتهى.
(وروى الإمام أحمد والشيخان وابن ماجة وابن عدي في «الكامل» وأبو يعلى عن أبي هريرة والطبراني في «الكبير» عن سعيد بن زيد والطبراني في الكبير وابن عساكر عن عائشة- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم إني أحب حسنا فأحبه وأحب من يحبه»
) [ (1) ] .
الثالث: في دعائه صلى الله عليه وسلم له- رضي الله تعالى عنه-.
وروى ابن حيان عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن على فخذه (الأخرى) [ (2) ] ويقول: «اللهم، إني أحبهما فارحمهما» .
وروى الدولابي عن محمد بن عبد الرحمن بن مولى بني هاشم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الحسن- رضي الله تعالى عنه- مقبلا فقال: اللهم، «سلمه، وسلم منه»
انتهى.
الرابع: في أنه صلى الله عليه وسلم سأل أن الله تعالى سيصلح به بين فئتين،
وقد كان ذلك ببركة الخلافة، والقتال لا لعلة، ولا لزلة، وأصلح الله بذلك بين طائفة وطائفة طائفته وطائفة معاوية تحقيقا لمعجزته صلى الله عليه وسلم حيث كان ذلك كما أخبر.
روى الترمذي وقال حسن صحيح والإمام أحمد والبخاري والنسائي عن أبي بكرة، وابن
__________
[ (1) ] سقط في ح.
[ (2) ] في ح اليسرى.(11/65)
عساكر عن أبي سعيد ويحيى بن معين في «فوائده» والطبراني والبيهقي في «الدلائل» والخطيب وابن عساكر والضياء عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن ابني هذا سيد» وفي لفظ: «وإنه ريحانتي، وإني لأرجو أن يصلح الله به» وفي لفظ: «لعل الله أن يصلح به» ، وفي لفظ: وليصلحن الله به، وفي لفظ: «يصلح الله على يديه بين فئتين عظيمتين من المسلمين» وفي لفظ: من المسلمين عظيمتين.
الخامس: في مصه صلى الله عليه وسلم لعاب الحسن ومحبته له وتقبيله سرته- رضي الله تعالى عنه-.
روى الإمام أحمد في «المناقب» عن معاوية- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص لسان الحسن أو شفته، وأنه لن يعذب لسان أو شفتان مصهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى أبو سعيد بن الأعرابي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: لا زلت أحب هذا الرجل يعني حسنا بعد ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع به ما يصنع، رأيت الحسن في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدخل أصبعه في لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يدخل لسانه في فمه أو لسان الحسن في فمه، ثم قال: «اللهم، إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه» .
وروى الحاكم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم، إني أحبه، فأحبه» ، يعني الحسن.
السادس: (في تقبيله صلى الله عليه وسلم سرة الحسن- رضي الله تعالى عنه-)
[ (1) ] .
وروى ابن حبان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنه رأى الحسن بن علي- رضي الله تعالى عنهما- في بعض طرق المدينة، فقال له: اكشف لي عن بطنك، فداك أبي، حتى أقبل منك حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبله، فكشف له عن بطنه فقبل سرته.
السابع: في وثوبه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم.
روى ابن أبي الدنيا وأبو بكر الشافعي عن عبد الله بن الزبير- رضي الله تعالى عنهما- قال: رأيت الحسن بن علي يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فيركب على ظهره وهو ساجد، فما ينزل حتى يكون هو الذي ينزل، ويأتي وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر.
وروى أبو سعيد بن الأعرابي عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء الحسن
__________
[ (1) ] سقط في ح.(11/66)
- رضي الله تعالى عنه- إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فركب على ظهره فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم بيده فأقامه على ظهره، ثم ركع ثم أرسله فذهب.
الثامن: في علمه- رضي الله تعالى عنه-.
روى ابن أبي الدنيا في كتاب «اليقين» عن محمد بن معشر اليربوعي قال: قال علي للحسن ابنه- رضي الله تعالى عنهما-: كم بين الإيمان واليقين؟ قال: أربع أصابع، قال: اليقين ما رأته عيناك، والإيمان ما سمعته أذنك، وصدقت به، قال: اشهد أنك ممن أنت منه، ذرية بعضها من بعض.
التاسع: في خطبته يوم قتل أبوه- رضي الله تعالى عنهما-.
روى الدولابي عن زيد بن الحسن- رضي الله تعالى عنهما- قال: خطب الحسن- رضي الله تعالى عنه- الناس حين قتل أبوه علي- رضي الله تعالى عنه- فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيه الراية فيقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره فما يرجع حتى يفتح الله- عز وجل- عليه وما ترك على ظهر الأرض صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم من عطائه، وأراد أن يبتاع بها خادما لأهله، ثم قال: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي وأنا ابن الرضى، وأنا ابن البشير، وأنا ابن النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه والسراج المنير، وأنا من أهل البيت الذي كان جبريل صلى الله عليه وسلم ينزل فيه ويصعد من عندنا وأنا من أهل البيت الذي أذهب الله- عز وجل- عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله تعالى مودتهم على كل مسلم، فقال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلّم: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى [الشورى 42] ومن يقترف حسنة تزد له فيها حسنا [......] واقتراف الحسنة تزد لنا أهل البيت.
العاشر: في بيعته وخروجه إلى معاوية،
وتسليمه الأمر له بعد قتل أبيه- رضي الله تعالى عنهما- لثلاث عشرة بقيت من رمضان بايعه أكثر من أربعين ألفا وقال صالح ابن الإمام أحمد:
سمعت أبي يقول: بايع الحسن تسعون ألفا فزهد في الخلافة وصالح معاوية، ببذله له تسليم الأمر على أن تكون الخلافة له بعده، وعلى أن لا يطلب أحد، من أهل المدينة والحجاز والعراق بشيء مما كان من أيام أبيه، وغير ذلك، فظهرت المعجزة النبوية
بقوله صلى الله عليه وسلم: «أن ابني هذا سيد، يصلح الله تعالى به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، ولم يسفك في أيامه دم،
وبقي نحو (ستة) [ (1) ] أشهر وكان صلحهما لخمس بقين من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين،
__________
[ (1) ] في ح- سبعة.(11/67)
ولامه الحسين على ذلك، والصواب مع الحسن قالوا: فإن مدة الخلافة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم انقضت بخلافته ولم يبق إلا الملك، وقد صان الله تعالى أهل بيته ببركة نبيه صلى الله عليه وسلم قال الدولابي: أقام الحسن- رضي الله تعالى عنه- بالكوفة إلى ربيع الأول سنة إحدى وأربعين، وقد قتل عبد الرحمن بن ملجم ويقال أنه ضربه بالسيف فقتله ثم سار إلى معاوية، فالتقيا بمسكن من أرض الكوفة، واصطلحا وسلم إليه الأمر وبايع له لخمس بقين من شهر ربيع الأول في سنة إحدى وأربعين وقيل: إنه صالحه وآخذ منه مائة ألف دينارا وكانت مدة خلافته ستة أشهر وخمسة أيام.
وروى الحافظ أبو نعيم وغيره عن الشعبي- رحمه الله تعالى- قال: شهدت خطبة الحسن- رضي الله تعالى عنه- حين سلم الأمر إلى معاوية، قال: فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن أكيس الكيس التقى وإن أحمق الحمق الفجور ألا وإن هذه الأمور التي اختلفت فيها أنا ومعاوية، إنما هو لأمري، فإن كان له أحق فهو بحقه، وإن كان لي فقد تركته له إرادة إصلاح الأمة وحقن دمائها: وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ
ثم نزل.
الحادي عشر: في ذكر جوده وزهده في الدنيا وجمل من مكارم أخلاقه (وتعظيم) [ (1) ] الصحابة له- رضي الله تعالى عنهم
-
قال: إني أستحي من الله- عز وجل- أن ألقاه ولم أمش إلى بيته
فمشى عشرين حجة إلى مكة من المدينة على رجليه، وفي رواية: خمس عشرة ماشيا، وإن النجائب لتقاد معه ولقد قاسم الله تعالى ثلاث مرات، حتى إنه يعطى الخف ويمسك النعل وخرج من ماله مرتين قال محمد بن سيرين: ربما كان يجيز الواحد بمائة ألف، واشترى حائطا من قوم من الأنصار بأربعمائة ألف، ثم إنه بلغه أنهم احتاجوا إلى ما في أيدي الناس، فرده إليهم، ولم يقل لسائل قط: لا، وكان لا يأنس به أحد فيدعه يحتاج إلى غيره،
ورأى غلاما أسود يأكل من رغيف لقمة، ويطعم كلبا هناك لقمة، فقال: ما يحملك على هذا؟
قال: إني أستحي أن آكل ولا أطعمه، فقال له الحسن: لا تبرح حتى آتيك
فذهب إلى سيده فاشتراه واشترى الحائط الذي هو فيه وأعتقه وملكه الحائط، فقال الغلام: يا مولاي، قد وهبت الحائط الذي وهبتني وكان سيدا حليما زاهدا عاقلا فاضلا فصيحا ذا سكينة، ووقار جوادا يكره الفتن وسفك الدماء، دعاءه ورعه، وزهده وحمله إلى أن ترك الخلافة،
وقال: خشيت أن يجيء يوم القيامة سبعون ألفا أو أقل أو أكثر فنضح أوداجهم دما،
وكان من أحسن الناس وجها وأكرمهم وأجودهم وأطيبهم كلاماً، وأكثرهم حياءا، وكان أكثر دهره (صائما) [ (1) ] ، وكان فعله يسبق قوله في المكارم والجود، وكان كثير الأفضال على إخوانه، لا يغفل عن أحد منهم، ولا
__________
[ (1) ] في ح- وتعليم.(11/68)
يحوجه إلى أن يسأله، بل يبتدئه بالعطاء قبل السؤال،
وقال لأصحابه: إني أخبركم عن أخ لي كان من أعظم الناس في عيني، وكان الذي عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه،
وكان خارجا من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد وما سمع كلمة فخشى قط، وأعظم ما سمع أنه كان بينه وبين شخص خصومة،
فقال له: ليس له عندنا إلا ما أرغم أنفه،
وقيل:
أن أبا ذر يقول الفقر أحب إلي من الغنى، والسقم أحب إلى من الصحة، فقال: رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول: من اتكل على حسن اختيار الله- عز وجل- لم يتمن شيئاً غير الحالة التي اختارها الله- عز وجل-، وهذا حد الوقوف على الرضا بما تصرف به القضاء.
ومن كلامه: كن في الدنيا ببدنك، وفي الآخرة بقلبك.
وكان يقول لبنيه وبني أخيه: يا بني، وبني أخي، (يا بني، وبني أخي) [ (1) ] تعلموا العلم، فمن لم يستطع منكم أن يحفظه، أو قال: يرويه، فليكتبه وليضعه في بيته.
وقد كان أبو بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- يجله ويعظمه، ويحترمه ويكرمه، وكذلك عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- وقد جاء الحسن والحسين يوم الدار، وعثمان محصور ومعهما السيف ليقاتلا عن عثمان فخشي عليهما، فأقسم عليهما ليرجعا إلى منازلهما تطييبا لقلب علي، وخوفا عليهما، وكان علي- رضي الله تعالى عنه- أرسلهما وأمرهما بذلك، وكان علي يكرم الحسن إكراما زائدا ويعظمه، ويبجله، وكان ابن عباس يأخذ الركاب للحسن والحسين إذا ركبا ويرى هذا من النعم، وكانا إذا طافا بالبيت يكاد الناس يحطمونهما لما يزدحمون عليهما- رضي الله تعالى عنهما-.
وكان عبد الله بن الزبير- رضي الله تعالى عنهما- يقول: والله، ما قامت النساء عن مثل الحسن.
وقال أبو جعفر الباقر: جاء رجل إلى الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنهما- فاستعان به في حاجة فوجده معتكفا، فاعتذر إليه، فذهب إلى أخيه الحسن، فاستعان به، فقضى حاجته، وقال: لقضاء حاجة أخ لي في الله- عز وجل- أحب إلي من اعتكاف شهر.
وكان كثير التزوج، وكان لا يفارقه أربع حرائر، وكان مطلاقا مصداقا،
وكان علي- رضي الله تعالى عنه- يقول لأهل الكوفة: لا تزوجوه، فإنه مطلاق،
فيقولون: والله، يا أمير المؤمنين، لو خطب لنا كل يوم زوجناه منا ابتغاء في صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثاني عشر: في وصيته لأخيه الحسين- رضي الله تعالى عنهما
- قال أبو عمر: هو
__________
[ (1) ] سقط في ح.(11/69)
روينا من وجوه أنه رأى في منامه مكتوبا بين عينيه قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الصمد] ففرح بذلك فبلغ سعيد بن المسيب- رضي الله تعالى عنه- ذلك، فقال: إن كان رأى هذه الرؤيا، فقل: ما بقي من أجله، قال: فلم يلبث الحسن بن علي- رضي الله تعالى عنه- بعد ذلك إلا أياما حتى مات- رضي الله تعالى عنه- وقد أوصى أخاه الحسين ألا يطلب الخلافة، ورغبه في الزهد في الدنيا والعروض عنها إلى غير ذلك من وصايا كثيرة.
قال في آخرها أبى الله- عز وجل- أن يجعل فينا أهل البيت مع النبوة والخلافة الملك، والدنيا فإياك وطاعتها وإياك وأهل الكوفة أن يستخفوك فيخرجوك، فتندم حيث لا ينفع الندم، ثم رفع طرفه إلى السماء وقال: اللهم إني احتسبت نفسي عندك، فإني لم أصب بمثلها فارحم صرعتي وأنسي في القبر وحدتي، وارحم غربتي، يا أرحم الراحمين.
وفي رواية قال: لما احتضر الحسن قال: أخرجوا فراشي إلى صحن الدار، أنظر في ملكوت السموات، فأخرجوا فراشه إلى صحن الدار فرفع رأسه فنظر فقال: اللهم، إني احتسبت نفسي عندك، فإنها أعز الأنفس علي.
الثالث عشر: في ولده- رضي الله تعالى عنهم
- نقل الإمام شمس الدين سبط ابن الجوزي في كتابه «تذكرة الخواص» عن الإمام الحافظ محمد بن سعد في «الطبقات» قال:
كان للحسن محمد الأصغر، وجعفر، وحمزة، وفاطمة ومحمد الأكبر، وزيد، والحسن، وأم الحسن، وأم الخير وإسماعيل، ويعقوب، والقاسم، وأبو بكر، وعبد الله، قتلوا مع الحسين، وقيل: قتل معه القاسم وأبو بكر، وقيل طلحة وعبد الله والعقب لزيد والحسن، دون من سواهما، والحسين الأشرم وعبد الرحمن وأم سلمة، وعمر وأم عبد الله، وطلحة، وعبد الله الأصغر.
وعن محمد بن عمر الأسلمي- رحمه الله تعالى- أنهم خمسة عشر ذكرا وثمان بنات، علي الأكبر وعلي الأصغر، وجعفر، وفاطمة، وسكينة، وأم الحسن، وعبد الله، والقاسم، وزيد وعبد الرحمن، وأحمد، وإسماعيل، والحسين، وعقيل والحسن انتهى.
اقتصر البلاذري في «الأنساب» على ذكر الحسن وزيد وحسين الأشرم، وعبد الله، وأبي بكر وعبد الرحمن، والقاسم وطلحة، وعمر.
ونقل الإمام أبو جعفر محب الدين الطبري في «الذخائر» عن أبي بشر والدولابي، أنهم حسن، وعبيد الله، وعمر وزيد، وإبراهيم، وعن أبي بكر بن الدراع أنهم أحد عشر ابنا وبنتا:
عبد الله، والقاسم، والحسن، وزيد، وعمر، وعبد الله، وعبد الرحمن وأحمد، وإسماعيل، والحسين، وعقيل، وأم الحسن.(11/70)
الباب الثاني عشر في بعض ما ورد مختصا بسيدنا الحسين- رضي الله تعالى عنه- من المناقب غير ما تقدم
وفيه أنواع
الأول: في مولده وقدر عمره ووفاته.
ولد- رضي الله تعالى عنه- لخمس ليال خلون من شعبان، سنة أربع وقيل: سنة ست، وقيل سنة سبع من الهجرة، قال في الإصابة: وليس بشيء.
قال جعفر بن محمد: لم يكن بين الحمل بالحسين وبين ولادة الحسن إلا طهر واحد.
قال الحافظ: لعلها ولدته لعشرة أشهر، وأبطأ الطهر شهرين، وحنكه صلى الله عليه وسلم بريقه الشريف الطيب في أذنه، وتفل في فمه، ودعا له وسماه حسينا.
وقيل: إنما سماه يوم السابع وعق عنه، واستشهد يوم الجمعة يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق، وجزم جمع كثير بأنه عاش ستا وخمسين سنة.
وقيل: وخمسة أشهر، وقيل: ابن ثمان وخمسين سنة، واسم قاتله سنان- بكسر المهملة والتنوين- ابن أنس النخعي في الأصح.
الثاني: في تقبيله صلى الله عليه وسلم فاه، والدعاء له وتقبيله زبيبته، ومص لعابه، ودلعه لسانه له- رضي الله تعالى عنه-.
روى أبو عمر عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: أبصرت عيناي وسمعت أذناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بكفي حسين، وقدماه على قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: أنت عين بقه، فرمى الغلام حتى وضع قدمه على صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم افتح قال، ثم قبله ثم قال: «اللهم، إني أحبه فأحبه» .
وروى ابن أبي خيثمة وأبو الحسن الضحاك، وقال أبو الحسن بن الهيثمي: رجاله كلهم ثقات عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فانطلقنا إلى سوق بني قينقاع فلما رجعنا دخل المسجد فجلس، فقال: أين لكع؟ فجاء الحسين يمشي حتى سقط في حجره، فجعل أصابعه في لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح رسول الله صلى الله عليه وسلم فمه، فأدخل فاه في فيه، ثم قال: «اللهم، إني أحبه فأحبه، وأحب من يحبه»
قال أبو هريرة: فما رأيته قط إلا فاضت عيناي دموعا.
وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن يعلى العامري أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام(11/71)
دعي إليه، فإذا حسين مع غلمان يلعب في طريق فاستهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام القوم، ثم بسط يده، وانطلق الصبي بعدها هنا مرة، وها هنا مرة، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضاحكه، حتى أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل إحدى يديه تحت ذقنه، والأخرى تحت قفاه، ثم أقام رأسه فوضع فاه على فيه فقبله
فقال: «حسين مني وأنا من حسين، رحم الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط»
انتهى.
وروى ابن أبي عاصم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: لما قتل الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنهما- جيء برأسه إلى ابن زياد فجعل ينكت بقضيب معه على ثناياه وقال:
كان حسن الثغر، فقلت في نفسي لأسوءنك، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل موضع قضيبك من فيه.
وروى قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه قال: والله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرج رجليه يعني للحسين، ويقبل زبيبته.
وروى ابن حبان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلع لسانه للحسين فيرى الصبي حمرة لسانه فيهش إليه، فقال عيينة بن بدر الأزدي أراك تصنع هذا بهذا، فوالله، إنه ليكون لي الولد قد خرج وجهه. وما قبلته،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لا يرحم لا يرحم»
ورواه أبو عبيد، وعنده: فإذا رأى الصبي حمرة لسانه يهش إليه.
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص لعاب الحسين كما يمص الرجل التمرة.
الثالث: في شبهه برسول الله صلى الله عليه وسلم [......] .
الرابع: في أنه من أهل الجنة- رضي الله تعالى عنه-.
روى ابن حبان وابن سعد وأبو يعلى وابن عساكر والضياء عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة.
وفي لفظ: إلى سيد شباب أهل الجنة، فلينظر إلى الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنهما-، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله.
الخامس: في نزوله على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى أبو القاسم البغوي عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى- رضي الله تعالى عنه- قال: خلونا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل حسين، فجعل ينزو على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلى بطنه فبال فقمنا إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوه» ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فصبه على ثوبه.(11/72)
السادس: في قوله صلى الله عليه وسلم: «حسين مني، وأنا من حسين، ومن أحبه فقد أحبني» .
روى سعيد بن منصور والترمذي وحسنه عن يعلى بن مرة العامري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حسين مني، وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، وحسين سبط من الأسباط» .
وروى الإمام أحمد عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحسن والحسين سبطان من الأسباط» .
روى الطبراني في الكبير عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب هذين يعني الحسن والحسين فقد أحبني» .
وروى الحاكم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم، إني أحبه، فأحبه» ،
يعني الحسين.
السابع: في أن المهدي من ذريته- رضي الله تعالى عنهما-.
روى أبو نعيم في الدلائل [عن أم الفضل، قالت: مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إنك حامل بغلام، فإذا ولدت فأتيني به» ، قالت: فلما ولدته أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى، وألباه من ريقه وسماه عبد الله، وقال: اذهبي بأبي الخلفاء، فأخبرت العباس، وكان رجلا لباسا. فلبس ثيابه ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما بصر به قام فقبل بين عينيه، قال:
قلت: يا رسول الله، ما شيء أخبرتني به أم الفضل؟ قال: هو ما أخبرتك، هذا أبو الخلفاء حتى يكون منهم السفاح، حتى يكون منهم المهدي، حتى يكون منهم من يصلي بعيسى ابن مريم عليه السلام] .
الثامن: في تأذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ببكائه- رضي الله تعالى عنه-.
روى أبو القاسم البغوي عن يزيد بن أبي زياد قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة- رضي الله تعالى عنها- فمر على باب فاطمة- رضي الله تعالى عنها- فسمع حسينا- رضي الله تعالى عنه- يبكي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما تعلمي أن بكاءه يؤذيني» .
التاسع: في إخبار جبريل وملك المطر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الحسين وإراءتهما له تربة الأرض التي يقتل بها.
روى الطبراني في «الكبير» وابن سعد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بأرض الطف، وجاءني بهذه التربة وأخبرني أن فيها مضجعه» .(11/73)
وروى الإمام أحمد عن ثابت عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: استأذن ملك المطر أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فأذن له، فقال لأم سلمة- رضي الله تعالى عنها-: «احفظي علينا الباب لا يدخل أحد» فجاء حسين فوثب حتى دخل فجعل يصعد على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الملك: أتحبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «نعم» قال: إن أمتك تقتله وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه قال: فضرب بيده، فأراه ترابا أحمر، فأخذت أم سلمه ذلك التراب فصرته في طرف ثوبها قال: فكنا نسمع بقتله بكربلاء.
ورواه البيهقي من حديث وهب بن ربيعة وزاد قال: أخبرتني أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطجع ذات يوم فاستيقظ وهو خاثر ثم اضطجع فرقد، ثم استيقظ وهو خاثر، دون ما رأيت منه في المرة الأولى، ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء وهو يقبلها فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟ قال: «أخبرني جبريل أن ابني هذا يقتل بأرض العراق» ، قال: قلت له: يا جبريل، أرني تربة الأرض، فقال: هذه تربتها.
وروى البزار عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان الحسين جالسا في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له جبريل: أتحبه؟ فقال: «وكيف لا أحبه، وهو ثمرة فؤادي؟»
فقال: أما إن أمتك ستقتله، ألا أريك من موضع قبره، فقبض قبضة، فإذا تربة حمراء.
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن يحيى عن أبيه أنه سار مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- كرم الله تعالى وجهه- فلما حاذى شط الفرات قال: خيراً يا عبد الله، قلت: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعيناه تفيضان، فقلت: مم ذاك يا رسول الله- صلى الله عليك وسلم-؟ قال: «قام من عندي جبريل- عليه الصلاة والسلام- وأخبرني أن الحسين يقتل بشط الفرات» ، وقال: هل لك أن أشمك من تربته؟
فقلت: نعم، فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا.
وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تبكوا هذا الصبي» يعني حسينا فكان يوم أم سلمة فنزل جبريل- عليه الصلاة والسلام- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: «لا تدعي أحدا يدخل» ، فجاء الحسين فأخذته واحتضنته، فبكى فخلته يدخل حتى قعد في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقال جبريل- عليه الصلاة والسلام-: إن أمتك ستقتله، قال «يقتلونه وهم مؤمنون؟» قال: نعم، وأراه من تربته.
وفي رواية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا جبريل، أفلا أراجع فيه ربي- عز وجل» -؟
قال: لا، إنه أمر قد قضي وفرغ منه.
وروى الإمام أحمد عن عائشة أو أم سلمة- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم(11/74)
قال: «لقد دخل على البيت ملك لم يدخل علي قبلها» ، فقال: إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك الأرض التي يقتل بها، قال: فأخرج تربة حمراء.
وروى البغوي عن أنس بن الحارث- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن ابني هذا يعني الحسين، يقتل بأرض يقال لها كربلاء، فمن شهد ذلك فلينصره»
قال: فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء، فقاتل مع الحسين- رضي الله تعالى عنه- فقتل.
وروى ابن سعد وغيره عن علي- رضي الله تعالى عنه- أنه مر بكربلاء، وهو ذاهب إلى صفين، فسأل عن اسمها، فقيل: كربلاء، فنزل فصلى عند شجرة هنالك، فقال: يقتل ها هنا شهداء وهم خير الشهداء، يدخلون الجنة بغير حساب، وأشار إلى مكان فعلموه بشيء، فقتل فيه الحسين- رضي الله تعالى عنه
- وقد تقدم في باب إخباره بقتل الحسين من المعجزات بشيء غير ذلك.
العاشر: في رؤيا أم سلمة وابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامهما وإخباره إياهما أنه شهد قتل الحسين- رضي الله تعالى عنه-.
روى ابن أبي الدنيا عن علي بن زيد بن جدعان، قال: استيقظ ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- من نومه، فاسترجع، فقال: قتل الحسين، والله، فقال له أصحابه: كلّا يا ابن عباس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زجاجة من دم، فقال: ألا ترى ما صنعت أمتي من بعدي قتلوا ابني الحسين، وهذا دمه ودم أصحابه، أرفعه إلى الله- عز وجل- فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه، وتلك الساعة، فجاء الخبر بعد أيام أنه قتل في ذلك اليوم وتلك الساعة.
وروى الترمذي عن سلمى، قالت: دخلت على أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- وهي تبكي فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وعلى رأسه ولحيته التراب، قلت: ما لك يا رسول الله- صلى الله وسلم عليك؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفا.
وروى ابن سعد عن شهر بن حوشب- رضي الله تعالى عنه- قال: أنا لعند أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- فسمعتها صارخة فأقبلت حتى انتهيت إلى أم سلمة، فقالت: قتل الحسين، فقالت: قد فعلوها، ملأ الله قبورهم أو بيوتهم نارا، ووقعت مغشيا عليها وقمنا.
الحادي عشر: في نوح الجن لقتل الحسين- رضي الله تعالى عنه
- قد حكى غير واحد أن أهل كربلاء لا يزالون يسمعون نوح الجن على الحسين- رضي الله تعالى عنه- وهن يقلن:
مسح الرسول جبينه ... فله بريق في الخدود(11/75)
أبواه في عليا قريش ... وجده خير الجدود
وقد أجابهم بعض الناس فقال:
خرجوا به وفدا إليه ... فهم له شر الوفود
قتلوا ابن بنت نبيهم ... سكنوا به دار الخلود
زاد بعضهم أن نساء الجن ينحن ويقلن:
أيها القاتلون ظلما حسينا ... أبشروا بالعذاب والتنكيل
كل أهل السماء يدعوا عليكم ... ونبي مرسل وقبيل
قد لعنتم على لسان داود ... وموسى وصاحب الإنجيل
وروى الطبراني من طريق حبيب بن أبي ثابت عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما سمعت نوح الجن منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذه الليلة وما أرى ابني إلا قد قتل يعني الحسين، فقالت لجاريتها: أخرجي فاسألي فأخبرت أنه قد قتل وإذا بجنية تنوح:
ألا يا عين فاحتفلي بجهدي ... ومن يبكي على الشهداء بعدي
على رهط تقودهم المنايا ... إلى متجبر في ملك عبدي
وروى أبو نعيم عن بريدة بن جابر الحضري عن أمه قالت: سمعت الجن تنوح على الحسين وهي تقول:
انعي حسينا هبلا ... كان حسين جبلا
وروى أبو نعيم من طريق ابن لهيعة عن أبي قبيل قال: لما قتل الحسين- رضي الله تعالى عنه- اجتزوا رأسه، وقعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ يتحيون بالرأس فخرج عليهم قلم من حديد من حائط فكتب سطرا بدم.
أترجو أمة قتلت حسينا ... شفاعة جده يوم الحساب
روى ابن عساكر عن المنهال بن عمرو قال: أنا- والله- رأيت رأس الحسين حين حمل وأنا بدمشق، وبين يدي الرأس رجل يقرأ سورة الكهف، حتى بلغ قوله تعالى أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً [الكهف/ 9] فأطلق الله تعالى الرأس بلسان درب فقال: أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي.
الثاني عشر: في خطبته- رضي الله تعالى عنه- حين أيقن بالقتل.
روى الزبير بن بكار، حدثني محمد بن الحسين قال: لما أيقن الحسين- رضي الله(11/76)
تعالى عنه- بأنهم قاتلوه قام خطيبا فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: قد نزل ما ترون من الأمر، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وأدبر خيرها، ومعروفها، واشتمرت حتى لم يبق فيها إلا صبابة كصبابة الأفاود الرعا للرسل ألا ترون الحق؟ ألا ترون الحق يعمل به، والباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله- عز وجل-، وإني لا أرى الموت إلا ساعة، والحياة مع الظالمين إلا ندامة.
قالوا: وذكر كلاماً كثيراً غير ذلك وبات هو وأصحابه يصلون ويستغفرون ويتضرعون وخيول حرس عدوهم تدور من ورائهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقال علي زين العابدين بن الحسين- رضي لله تعالى عنهما-: إني لجالس في تلك العشية التي قتل أبي في صبيحتها، وعمتي زينب من جنبي سمعت أبي يقول:
يا دهر أف لك من خليل ... كم لك بالإشراق والأصيل
من صاحب أو طالب قتيل ... والدهر لا يقنع بالبديل
وإنما الأمر إلى الجليل ... وكل حي سالك السبيل
قال: فأعادها مرتين أو ثلاثا، فعرفت ما أرادهما، فخنقتني العبرة، فقامت عمتي، حاسرة، حتى جاءت إليه، فقالت: والله، ليت الموت أعدمني الحياة اليوم، ماتت أمي فاطمة وعلي أبي، وحسن أخي، يا خليفة الماضي، قال: فنظر إليها، وقال: يا أختاه لا يذهبن حلمك الشيطان، فقالت: بأبي أنت يا أبا عبد الله، وبكت ولطمت وجهها وشقت جيبها وخرت مغشيا عليها، فقام إليها فصب على وجهها الماء، وقال: يا أختاه، اتقي الله وتعزي بعز الله، واعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأن أهل السماء لا يبقون، وكل شيء هالك إلا وجهه، سبحانه وتعالى، يا أختاه، أبي خير مني، وأمي خير مني، وأخي خير مني، ولي ولهم ولكل مسلم أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم حرج عليها أن لا تفعل شيئاً من هذا بعد قتله، ثم أخذ بيدها فردها إلى عندي- رضي الله تعالى عنهم أجمعين-.
وذكر أبو بكر بن الأنباري- رحمه الله تعالى- أن زينب بنت عقيل بن أبي طالب لما قتل أخوها الحسين- رضي الله تعالى عنه- أخرجت رأسها من الخباء وأنشدت رافعة صوتها:
ماذا تقولون إن قال النبي لكم ... ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي ... منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم ... أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي(11/77)
ومن كلامه- رضي الله تعالى عنه-: أعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله- عز وجل- فلا تملوا النعم، فتعود نقما، واعلموا أن المعروف يكسب حمدا، ويعقب أجرا، فلو رأيتم المعروف رجلا لرأيتموه، رجلا حسنا جميلا يسر الناظرين، ويفوق العالمين، ولو رأيتم اللؤم رجلا لرأيتموه رجلا سمجا مقبوحا تنفر منه القلوب، وتغض دونه الأبصار، واعلموا أن من جاد ساد، ومن بخل رذل. ومن تعجل لأخيه خيراً وجده إذا قدم عليه غدا وكتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج: إياك ودم آل أبي طالب، فإني رأيت بني حرب لما قتلوا حسينا- رضي الله تعالى عنه- نزع الله- عز وجل- الملك منهم.
الثالث عشر: في خروجه إلى أرض العراق- رضي الله تعالى عنه- ونهي ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وغيرهم إياه عن ذلك ومكاتبة جماعة من وجوه أهل الكوفة في القدوم عليهم، وأنهم ينصرونه، وخذلانهم له وكيفية قتله- رضي الله تعالى عنه-.
روى ابن حيان وأبو داود الطيالسي في «مسنده» عن الشعبي قال: بلغ ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنهما- قد توجه إلى العراق فلحقه على مسيرة ليلتين أو ثلاث من المدينة، فقال: أين تريد؟ قال: العراق ومعه طوامير، وكتب، فقال: لا تأتهم، فقال: هذه كتبهم وبيعتهم: فقال له: إن الله- عز وجل- خير نبيه صلى الله عليه وسلم بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وأنكم بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا يليها أحد منكم أبدا وما صرفها عنكم إلا للذي هو خير لكم، فارجعوا، فأبى، وقال هذه: كتبهم وبيعتهم، قال: فاعتنقه ابن عمر، وقال: استودعك الله من قتيل.
وقد وقع ما فهمه ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- سواء بسواء من أهل هذا البيت لأنها صارت ملكا، والله- عز وجل- قد صان أهل بيت نبيه- عليه الصلاة والسلام- عن الملك والدنيا.
وروى أبو القاسم البغوي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: استشارني الحسين في الخروج فقلت: لولا أن يزري بي وبك، لنشبت يدي في رأسك، فقال: لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أن أستحل حرمتها يعني مكة، وكان ذلك الذي سلى نفسي عنه.
وروي عن بشر بن غالب، قال: كان ابن الزبير يقول للحسين- رضي الله تعالى عنهما-: تأتي قوما قتلوا أباك، وطعنوا أخاك، فقال الحسين- رضي الله تعالى عنه- لأن أقتل بموضع كذا وكذا أحب إلي من أن يستحل بي، يعني الحرم.
الرابع عشر: في كرامات حصلت له، وآيات ظهرت لمقتله- رضي الله تعالى عنه-.(11/78)
روى عمر الملا عن رجل من كلب، قال: صاح الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنهما-: اسقونا ماء فرماه رجل بسهم فشد شدقه فقال- رضي الله تعالى عنه-: لا أرواك الله عز وجل فعطش الرجل إلى أن رمى بنفسه في الفرات، فشرب حتى مات.
وروى ابن أبي الدنيا عن العباس بن هشام بن محمد الكوفي عن أبيه عن جده، قال: كان رجل يقال له زرعة شهد قتل الحسين- رضي الله تعالى عنه- فرمى الحسين- رضي الله تعالى عنه- بسهم فأصاب حنكه، وذلك أن الحسين- رضي الله تعالى عنه- دعا بماء ليشرب، فرماه فحال بينه وبين الماء فقال- رضي الله تعالى عنه-: اللهم ظمه، فحدثني من شهد موته، وهو يصيح من الحر في بطنه، ومن البرد في ظهره وبين يديه الثلج والمراوح، وخلفه، الكانون، وهو يقول: اسقوني، أهلكني العطش، فيؤتى بالعسل العظيم، فيه السويق والماء واللبن، لو شربه خمسة لكفاهم، فيشربه فيعود، ثم يقول: اسقوني أهلكني العطش فانقد بطنه كانقداد البعير.
وروى أبو القاسم البغوي عن علقمة بن وائل أو وائل بن علقمة أنه شهد هنالك قال: قام رجل فقال: أفيكم الحسين؟ قالوا: نعم، قال: أبشر بالنار قال- رضي الله تعالى عنه-: أبشر برب رحيم، وشفيع مطاع، من أنت؟ قال: أنا جويرة، قال: اللهم جره إلى النار، فنفرت به الدابة، فتعلقت رجله في الركاب فو الله، ما بقي عليها منه إلا رجله.
روي أيضاً عن أبي معشر عن بعض مشايخه قال: إن قاتل الحسين لما جاء ابن زياد وذكر له كيفية قتله اسود وجهه، ولما قاله للحسين، اسود وجهه.
وروى عمر الملا عن سفيان قال: حدثني جدتي أنها رأت رجلين ممن شهدا قتل الحسين- رضي الله تعالى عنه- قالت: أما أحدهما فطال ذكره، حتى كان يلفه وأما الآخر فإنه كان يستقبل الرّواية فيشربها إلى آخرها فما يروى.
وروى سعيد بن منصور عن أبي محمد الهلالي قال: شرك رجلان مني في دم الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنه- فأما أحدهما فابتلي بالعطش، فكان لو شرب راوية، ما روي، وأما الآخر فابتلي بطول ذكره فكان إذا ركب الفرس يلفه على عنقه.
وروي أيضا عنه عن جدته أن رجلا ممن شهد قتل الحسين- رضي الله تعالى عنه- كان يحمل ورسا فصار ورسه رمادا.
وروى الإمام أحمد في المناقب عن أبي رجاء أنه كان يقول: لا تسبوا عليا ولا أهل هذا البيت، فإن جارا لنا من بني الهجيم قدم من الكوفة فقال: ألم تروا هذا الفاسق ابن الفاسق، إن(11/79)