وروى أحمد ومسلم عن البراء بن عازب قال: أهدى البدر لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة من سندس وكان ينهى عن الحرير فعجب الناس منها، فقال: والذي نفسي بيده، إن مناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا
[ (1) ] .
وروى الحارث بن أبي أسامة والبزّار والطّبراني وابن خزيمة وإبراهيم الحربي وأبو بكر أحمد بن عمر بن أبي شيبة بسند صحيح عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- قال أهدى أمير القيط إلى النبي صلى الله عليه وسلم جاريتين أختين، وبغلة فكان يركب البغلة بالمدينة واتّخذ إحدى الجاريتين لنفسه، فولدت له إبراهيم، ووهب الأخرى لحسان بن ثابت، فولدت له محمدا [ (2) ] .
وروى البزار عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن ملك ذي يزن أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم جرّة من منّ فقبلها [ (3) ] .
وروى الطبراني برجال ثقات عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت أهدى المقوقس ملك القيط إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكحلة عيدان شامية ومرآة ومشطا [ (4) ] .
وروى البزار عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: أهدى المقوقس لرسول الله صلى الله عليه وسلم قدح قوارير [ (5) ] .
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم حلّة من حلّة السيراء أهداها له فيروز [ (6) ] .
وروى البخاري عن أبي حميد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك وأهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه بردا وكتب له ببحرهم [ (7) ] .
ورواه مسلم بلفظ: جاء رسول صاحب أيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب وأهدى له بغلة بيضاء، فكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى له بردا.
وروى إبراهيم الحربي في كتاب هدي الأموال عن علي- رضي الله تعالى عنه قال: أهدى يوحنا بن رؤبة- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء.
وروى أبو داود عن أنس- رضي الله
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 122 (3802) ومسلم 4/ 1916 (126/ 2468) .
[ (2) ] المجمع 4/ 153 وعزاه للطبراني والبزار قال الهيثمي ورجال البزار رجال الصّحيح.
[ (3) ] انظر المجمع 4/ 153.
[ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 4/ 153 وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.
[ (5) ] انظر المجمع 4/ 153.
[ (6) ] المجمع 5/ 121 أخرجه ابن أبي شيبة 8/ 165 والمجمع 5/ 123.
[ (7) ] البخاري (6/ 308) (3161) .(9/28)
عنه- أن ملك الرّوم أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبّة من سندس كما تقدم في رواية أحمد ومسلم أو شقّية فليحرر.
الرابع: في رده صلى الله عليه وسلم الهديّة لأمير وسيرته في هدية الأمراء وعدم قبوله الصدقة:
وروى الإمامان الشافعي وأحمد والشيخان عن الصعب بن جثامة- رضي الله تعالى عنه- أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيّا وهو بالأبراء أو بودان فرده عليه فلما رأى ما في وجهه، وفي رواية ما في وجهي من الكراهة قال: «ليس بنا ردّ عليك» وفي رواية «إنا لم نردّه إليك إلا أنّا حرم» [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنه- أنه قد أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشيقة ظبي فردها، ولم يأكلها [ (2) ] .
وروى الشيخان عن أبي حميد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- قال استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له ابن اللّتبيّة فلمّا قدم، قال: هذا لكم وهذا أهدي إليّ، قال: فهلّا جلس في بيت أبيه أو بيت أمّه، فينظر أيهدى إليه أم لا؟ والذي نفسي بيده، لا يأخذ منه شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تبعر ثم رفع يديه حتى رأينا غفرة إبطيه: اللهمّ هل بلغت ثلاثا
[ (3) ] .
وروى ابن سعد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- وعون بن عبد الله عن حبيب بن عبيد الرّجيّ، ورشيد بن مالك، قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أو غيره، قال: صدقة أم هدية فإن قيل من صدقة صرفها إلى أهل الصّدقة، أو قال كلوا ولم يأكل، وإن قيل هدية أمر بها، فوضعت ثم أهدى أهل الصدقة منها ولفظ أبي هريرة قبل الهدية ولم يقبل الصدقة
[ (4) ] وتقدمت قصة سلمان في أوائل الكتاب.
الخامس في رده صلى الله عليه وسلم هدية المشركين:
وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وصحّحه وأبو بكر وأحمد بن عمر بن أبي عاصم في كتاب (الهدايا) عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله تعالى عنه- وكان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم معرفة قبل أن يبعث فلما بعث أهدى إليه هدية أحسبها إبلا فأبى أن يقبلها، وقال: إنا لا نقبل زبد المشركين، قال: قلت: وما زبد المشركين؟ قال: وفدهم هديتهم
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 31 (1825، 2573 ومسلم 2/ 850 (50/ 1193) وقد تقدم.
[ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 3/ 233 وعزاه لأحمد وأبي يعلى وقال: ورجال أحمد رجال الصحيح.
[ (3) ] أخرجه البخاري 5/ 220 (2597) ومسلم 3/ 1463 (26/ 1832) .
[ (4) ] مجمع الزوائد (8/ 268) وابن سعد (6/ 117) .(9/29)
وفي لفظ أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة أو هديّة فقال لي: أسلمت؟ قلت: لا قال: إني نهيت أن أقبل زبد المشركين [ (1) ] .
وروى موسى بن عقبة- رضي الله تعالى عنه- بسند رجاله ثقات عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ورجاله من أهل الكتاب مرسلا أن عامر بن مالك الّذي يدعى ملاعب الأسنة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك فأهدى له فقال: إني لا أقبل هدية المشركين [ (2) ] .
وروى البزار عن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة رضي الله تعالى عنه قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدية فقال: إنّا لا نقبل هدية المشرك
[ (3) ] .
وروى الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات عن عراك بن مالك أن حكيم بن حزام- رضي الله تعالى عنه- قال: كان محمدا أحبّ رجل في الناس إليّ في الجاهلية، فلما تنبّأ وخرج إلى المدينة شهد حكيم بن حزام الموسم وهو كافر، فوجد حلّة لذي يزن تباع فاشتراها بخمسين دينارا ليهديها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم بها عليه المدينة فأراده على قبضها هدية فأبى، قال عبيد الله حسبت أنه قال أنا لا نقبل شيئا من المشركين ولكن إن شئت أخذناها بالثّمن، فأعطيته إياها حين أبى الهديّة زاد الطبراني، فلبسها فرأيتها عليه على المنبر فلم أر شيئا أحسن منه فيها يومئذ ثم أعطاها أسامة بن زيد فرآها حكيم على أسامة، فقال: يا أسامة، أنت تلبس حلّة ذي يزن فقال نعم، والله لأنا خير من ذي يزن ولأبي خير من أبيه، فانطلقت إلى أهل مكة أعجبهم بقول أسامة [ (4) ] .
السادس: في امتناعه من قبول الهديّة من غير قريش والأنصار وثقيف ودوس وأسلم وأمره- صلى الله عليه وسلم بعد قصة الشاة المسمومة من أهدى له هديّة ولم يثق به أن يأكل منها وسؤاله بعض أصحابه أن يهب له دابة أو رقيقا:
روى الإمام أحمد والتّرمذي والحارث ابن أبي أسامة والبخاري في الأدب عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: أهدى رجل من بني فزارة، وفي لفظ أن أعرابيا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة «وفي لفظ بكرة فعوّضه، فسخطه وفي لفظ فعوّضه منها ستّ بكرات فسخطه» فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنّ فلانا أهدى إليّ ناقة
__________
[ (1) ] أحمد 4/ 162 وابن أبي شيبة 12/ 469.
[ (2) ] أخرجه عبد الرزاق 9741، 19658 والطبراني في الكبير 19/ 70، 71 والبيهقي في الدلائل 3/ 343 وانظر المجمع 6/ 127.
[ (3) ] انظر المصادر السابقة.
[ (4) ] أخرجه أحمد 3/ 403.(9/30)
أعرفها كما أعرف (بعض) [ (1) ] أهلي ذهبت مني يوم زغابات فعوّضته ستّ بكرات، فظلّ ساخطا، لقد هممت أن لا أقبل هديّة إلا من قرشيّ أو أنصاريّ أو ثقفيّ أو دوسيّ وفي لفظ:
فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول «يهدي أحدكم فأعوّضه بقدر ما عندي ثم يسخطه وأيم الله لا أقبل بعد عامي هذا هدية إلا من قرشي أو أنصاريّ أو ثقفي أو دوسي» ورواه أبو داود والنّسائيّ مختصرا [ (1) ] .
وروى أبو يعلى عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا أقبل هديّة من أعرابي»
فجاءته أم سنبلة الأعرابيّة، الحديث المتقدم أول الباب.
وروى الإمام أحمد والطبراني وابن أبي شيبة عن يعلى بن مرّة الثقفي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: «هب لي هذا البعير أو بعنيه» قال: هو لك يا رسول الله، فوسمه سمة الصّدقة ثم بعث به [ (2) ] .
تنبيهات
الأول: عياض، بكسر العين المهملة وتخفيف المثناة التحتية وبضاد معجمة، ابن حمار، - بكسر الحاء المهملة وتخفيف الميم- في رده صلى الله عليه وسلم هديته مع قبوله لهدية غيره من الكفّار مخالفة، قال الخطّابي: يشبه أن يكون الحديث منسوخا، لأنّه قبل هدية غير واحد من المشركين، وأهدى له المقوقس مارية والبغلة وأهدى له البدر دومة فقبل منهما، فقيل إنما ردّ هديتّه، ليغيظه بردها، فيحمله على الإسلام وقيل: ردها لأن المهدى موضعا من القلب وقد روي. تهادوا تحابّوا، ولا يجوز عليه الصلاة والسلام- أن يميل بقلبه إلى مشرك فردها قطعا لسبب الميل وليس ذلك مخالفا لقبوله هديّة المقوقس والبدر ومارية ودومة ونحوهما، لأنهم أهل كتاب وليسوا بمشركين، وقد أبيح له طعام أهل الكتاب ونكاحهم، وذلك خلاف حكم أهل الشرك، وقال البيهقي: يحتمل ردّ هديته التّحريم ويحتمل قصد به التنزيه، والأخبار في قبول هداياهم أصحّ وأكثر، وقال الحافظ: جمع الطّبري بين هذه الأحاديث بأن الامتناع فيما أهدى له خاصة، والقبول فيما أهدي للمسلمين وفيه نظر، لأن جملة أدلة الجواز ما وقفت الهدية له خاصّة، وجمع غيره بأن الامتناع في حق من يريد بهديته والموالاة والقبول في حق من يرجى بذلك تأنيسه وتأليفه على الإسلام، وهذا أقوى من الأول، وقيل: يحمل القبول في حق من كان من أهل الكتاب والرّدّ علي من كان من أهل الأوثان، وقيل: يمتنع ذلك لغيره من
__________
[ (1) ] أخرجه أبو داود 3/ 807 (3537) والترمذي 5/ 730 (3945) والنسائي 6/ 280 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1145) وأحمد 2/ 292.
[ (2) ] انظر المجمع 4/ 156.(9/31)
الأمراء وأن ذلك من خصائصه، وادّعى بعضهم نسخ المنع بأحاديث القبول، ومنهم من عكس، وهذه الأوجه الثلاثة ضعيفة فالنّسخ لا يثبت بالاحتمال ولا التخصيص.
الثاني: في بيان غريب ما سبق:
«كراع» بكاف فراء فألف فعين مهملة، قيل هو اسم مكان ولا يثبت ويرده حديث أنس الآتي بعده.
«القطف» بقاف مكسورة فطاء مهملة ساكنة ففاء، العنقود.
«غدر» بغين معجمة مضمومة فدال مهملة مفتوحة، معدول عن غادر للمبالغة وللأنثى، غدار كقطام وهما مختصان بالنداء في الغالب.
«العكّة» بعين مهملة مضمومة فكاف مفتوحة فتاء تأنيث وعاء من جلد مختص بالسّمن والعسل.
«البادية» الصّحراء وقد تقدم تفسيرها مرارا.
«الحاضرة» بحاء مهملة فألف معجمة مكسورة فراء فتاء تأنيث، خلاف البادية.
«الأعراب» بفتح الهمزة وسكون العين والراء وألف وآخره موحدة، ساكنة البادية لا واحد له وجمعه أعاريب.
«القناع» بقاف مكسورة فنون فألف فعين مهملة الطبق الذي يؤكل عليه ويقال له قنع بالكسر والضم.
«الزّغب» بزاي مضمومة فغين معجمة ساكنة فموحدة صغار القثّاء.
«الجرة» بجيم مفتوحة فراء مشددة فتاء تأنيث، إناء من خزف والجمح جرار.
«المنّ» بميم مفتوحة فنون، العسل العفو الذي ينزل من السماء عفوا بلا علاج.
«السّندس» بسين مهملة مضمومة فنون ساكنة فدال مهملة فسين مهملة، ما رق من الديباج ورقع المنديل.
«القيط» بقاف مكسورة فموحدة ساكنة وطاء مهملة أهل مصر.
«القدح» بقاف فدال مفتوحتين فحاء مهملتين.
«القوارير» [إناء من زجاج رقيق] .
الحلّة- بحاء مهملة مضمومة فلام مفتوحة فتاء تأنيث-، برود اليمن، ولا يسمى حلّة إلا أن يكون لونين من جنس واحد.(9/32)
السّيراء: - بسين مهملة مكسورة فتحتية مفتوحة فراء مفتوحة فألف فهمزة، نوع من البرود يخالطه حرير كالسّيور وهو فعلاء من السير، يقال: حلّة سيراء على الإضافة.
أيلة: بفتح الهمزة وسكون التحتية، بلد معروف بساحل البحر بطريقة المسافرين إلى مكّة وهي الآن خراب.
«يحرهم» أي يملدهم تقدم معناه مرارا.
وكذلك ودّان: [هي موضع قريب من الجحفة] .
وشيق ظبي [الوشيقة أن يؤخذ اللحم فيغلي قليلا ولا ينضج ويحمل في الأسفار] .
الرّغاء: - براء مضمومة فغين معجمة فألف فهمزة- صوت الإبل.
الخوار: - بخاء معجمة مضمومة فواو فألف فراء- صوت البقر.
«زبد المشركين» بفتح الزاي وسكون الباء الموحدة، الرّفد والعطاء.
البكرة: الفتى من الإبل تقدمت.(9/33)
الباب الثاني في العطايا
وفيه أنواع:
الأول: في وعظه من أعطاه شيئا فرده:
والثاني: في إعطائه صلى الله عليه وسلم شيئا لقوم يتألفهم للإيمان وتركه الآخرين لوثوقه بإيمانهم:
عن عمرو بن ثعلبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بشيء فقسمه فأعطى رجلا وترك رجلا فبلغه.
الثالث: في إهدائه صلى الله عليه وسلم لجماعة من أصحابه وغيرهم:
وروى الإمام أحمد والطبراني عن أم كلثوم بنت أبي سلمة قالت لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة، قال لها: «إني قد أهديت إلى النّجاشي حلة وأواقي من مسك ولا أرى النجاشي إلا قد مات ولا أرى هديّتي إلا مردودة عليّ، فإن ردّت عليّ فهي لك»
فكان كما قال صلى الله عليه وسلم وردت عليه هديته، فأعطى كلّ امرأة من نسائه أوقية مسك، وأعطى أمّ سلمة بقية المسك والحلّة، ورواه مسدد والإمام أحمد وأبو يعلى وابن حبان والحاكم عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها-[ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 404 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1144) والبيهقي 6/ 26.(9/34)
الباب الثالث في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الإقطاع
وفيه أنواع:
الأول: في إقطاعه صلى الله عليه وسلم جماعة:
وروى الإمام أحمد والترمذي وأبو داود عن وائل بن حجر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضا، بحضرموت وأرسل معه معاوية، ليقتطعه إياها، فقال له معاوية:
أردفني خلفك، قال لست من إرداف الملوك، فقلت، أعطني نعلك، فقلت: انتعل ظلّ ناقتي فلما استخلف معاوية أتيته فأقعدني معه على البساط
[ (1) ] .
وروى الإمام الشافعي عن يحيى بن جعدة- رحمه الله تعالى- قال: لمّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أقطع الناس الدّور، فقال حيّ من بني زهرة يقال لهم بنو عبد زهرة نكب عنّا ابن أمّ عبد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلم ابتعثني الله إذن؟ إن الله لا يقدّس أمّة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقّه [ (2) ] .
وروى البخاري عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار ليقطع لهم بالبحرين، فقالت الأنصار حتى تقطع لإخواننا المهاجرين مثل الذي تقطع لنا، فلم يكن ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني» [ (3) ] .
وروى الطبراني عن بلال بن الحارث- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه هذه القطعة وكتب له بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال بن الحارث المزني أعطاه معادن القبلية غوريّها وجلسيّها عشبة وذات النصب وحيث يصلح الزرع من قدس إن كان صادقا وكتب معاوية
[ (4) ] .
وروى الإمام أحمد عن عمر بن عوف المزنيّ وابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزنيّ معادن القبلية جلسيّها وغوريها وحيث يصلح الزّرع من قدس ولم يقطعه حقّ مسلم [ (5) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 399 وأبو داود الطيالسي ص 137 (1017) وأبو داود 3/ 443 (3058) والترمذي 3/ 665 (1381) والبيهقي 6/ 144 وانظر التلخيص 3/ 64.
[ (2) ] الشافعي 2/ 133 (435) والطبراني في الكبير 11/ 274 (10534) والبغوي في شرح السنة 8/ 271 وابن حجر في المطالب (3290) وابن سعد 3/ 1/ 108.
[ (3) ] أخرجه البخاري (5/ 59) (2377) .
[ (4) ] الحديث عن أبي داود (3063) .
[ (5) ] وانظر التمهيد لابن عبد البر 3/ 237، 7/ 33.(9/35)
وكتب له النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا ما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم بلال بن الحارث المزني، أعطاه معادن القبلية غوريها وحيث يصلح الزّرع من قدس»
[ (1) ] (وكتب إلى أبي بن كعب) .
وروى الإمام مالك عن ربيعة بن عبد الرحمن- رحمه الله تعالى- عن غير واحد من علمائهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية وهي من ناحية الفرع فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلى اليوم إلا الزكاة [ (2) ] .
وروى أبو يعلى عن يحيى بن عمرو بن يحيى بن سلمة الهمداني عن أبيه عن جدّه عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيس بن مالك: «سلام عليك ورحمة الله وبركاته ومغفرته أما بعد، فإني استعملتك على قومك عربيّهم وجمهورهم، ومواليهم وحواشيهم وأعطيتك من ذرّة بسار مائتي صاع من زبيب خيران، مائتي صاع جاري ذلك لك ولعقبك من بعدك أبدا أبدا، أحب إلي أن لا أرجو أن يبقى عقبي أبدا، عربهم أهل البادية وجمهورهم أهل القرى» [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير حضر فرسه بأرض يقال لها داوي، فأجرى الفرس حتّى قام ثم رمى بسوطه ثم قال أعطوه من حيث بلغ السوط
[ (4) ] .
وروى إسحاق بن راهويه برجال ثقات منقطعا عن أبي جعفر- رحمه الله تعالى- قال:
جاء العباس إلى عمر- رضي الله عنهما- فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعني البحرين، قال: من يشهد لك؟ قال: المغيرة بن شعبة.
وروى أبو داود عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير نخلا [ (5) ] .
وروى الشيخان عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضا من أموال بني النضير وهي على ثلاثة فراسخ [ (6) ] .
وروى البخاري عن عروة- رحمه الله تعالى- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضاً من أرض بني النضير [ (7) ] .
__________
[ (1) ] سقط في ج.
[ (2) ] انظر التمهيد 3/ 32.
[ (3) ] مجمع (3/ 87) قال الهيمني: رواه أبو يعلى وفيه عمرو بن يحيى بن سلمة وهو ضعيف.
[ (4) ] أخرجه أحمد 2/ 156 6/ 144 والطبراني في الكبير 12/ 263 وأبو داود (3072) .
[ (5) ] أخرجه أبو عبيدة في الأموال ص 347 (678) وأبو داود 3/ 451 (3069) وأبو يوسف في الحزانة ص 61 والشافعي في المسند 2/ 133 (436) والبخاري معلقا 6/ 252 في كتاب فرض الخمس باب ما كان النبي (ص) يعطي المؤلف.
[ (6) ] أخرجه البخاري (6/ 290) (3151) وابن أبي شيبة 12/ 354.
[ (7) ] البخاري (6/ 290) (3151) معلقا.(9/36)
وروى أيضا عن عمرو بن حريث- رضي الله تعالى عنه- قال: خطّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بقوس، وقال: أزيدك أزيدك [ (1) ] .
وروى الطبراني والبغويّ برجال ثقات عن مجاعة بن مرارة- رضي الله تعالى عنه- قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم مجاعة بن مرارة أرضا باليمامة يقال لها العوذة وكتب له بذلك كتابا:
من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لمجاعة بن مرارة من بني سلمى إني قد أعطيتك العوذة فمن خالفني فيها فالنار، وكتب يزيد [ (2) ] .
وروى ابن أبي حاتم والطبراني وسمّاه عن عثير بمثلثة، ويقال بالفوقية مصغّر ويقال عسّير بضم العين المهملة وتشديد السين المهملة أي لبيد العدوي- رضي الله تعالى عنه- أنه استقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا بوادي القرى فأقطعه إياها فهي إلى الآن تسمّى بويرة عثير [ (3) ] .
وروى الطبراني عن أبي السائب عن جدّته- رضي الله تعالى عنها- وكانت من المهاجرات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعها بئرا بالعقيق [ (4) ] .
وروى الطبراني وابن مرة عن أوفى بن موله قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأقطعني العميم، وشرط عليّ ابن السبيل أوّل ريان، وأقطع ساعدة رجل منّا بئرا بالفلاة يقال لها: الجعوبية وهي بئر يخبأ فيها المال، وليست بالماء العذب، وأقطع الناس معادة العرى، وهي دون اليمامة، وكنا أتيناه جميعا، وكتب لكل رجل منا بذلك في أديم [ (5) ] .
وروى البخاري عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة- رحمه الله تعالى- أن بني صهيب مولى بني جدعان ادّعوا ببيتين وحجرة وأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى ذلك صهيبا، فقال مروان: من يشهد لكم على ذلك؟ فقالوا: ابن عمر فدعاه فشهد لعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم صهيبا بيتين وحجرة فقضى مروان بشهادته لهم.
وروى الإمام أحمد عن ربيعة الأسلمي- رضي الله عنه- قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى أبا بكر أرضا.
وروى أبو داود عن سبذة بن عبد العزيز بن الربيع الجهني عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل في موضع المسجد تحت دومة فأقام ثلاثا ثم خرج إلى
__________
[ (1) ] أبو داود (3060) والطبراني في الكبير 3/ 230.
[ (2) ] انظر المجمع 6/ 9 والكنز (3/ 1113) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.
[ (3) ] انظر مجمع الزوائد (6/ 12) ووقع في المجمع عتير.
[ (4) ] مجمع الزوائد (6/ 12) قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه أبو السائب قال الذهبي مجهول.
[ (5) ] مجمع الزوائد (6/ 12) .(9/37)
تبوك وإن جهينة لحقوه بالرحبة فقال لهم: من أهل ذي المروة؟ فقالوا: بنو رفاعة بن جهينة، فقال لهم: قد أقطعتها لبني رفاعة فاقتسموها فمنهم من باع ومنهم من أمسك
[ (1) ] .
وروى أبو بكر أحمد بن عمر بن عاصم النبيل عن مجاعة بن مرارة من بني سلمة اليماني- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقطعني الغورة وعوانة والجبل وكتب لي: بسم الله الرحمن الرحيم إني أقطعتك العورة والعوانة والجبل فمن حاجّك فإليّ ثم أتيت أبا بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقطعني الغواة ثم أتيت عمر بعد أبي بكر فأقطعني.
وروى أيضا عن سراج بن هلال بن سراج بن مجّاعة قال: وفدتّ إلى عمر بن عبد العزيز فأخرجت إليه هذا الكتاب فقبّله ووضعه على عينيه [ (2) ] .
الثاني: في ارتجاعه صلى الله عليه وسلم بعد ما أقطعه إذا تبين له أنه لا يقطع:
وروى الباوردي عن أبيض بن حمال- رضي الله تعالى عنه- أنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم فاستقطعه الملح الذي يقال له شدا بمأرب فأقطعه له فلما ولى قال الأقرع بن حابس: يا رسول الله، إني قد وردتّ الملح في الجاهلية، وهي بأرض ليس بها ماء ومن ورده أخذه، وهو مثل الماء العذب فانتزعه منه وفي رواية واستقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض بن حمال في قطيعته في الملح، فقال: لقد أقلتك منه على أن تجعله صدقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو منك صدقة وهو مثل العدّ» [ (3) ] وهو مثل الماء العذب من ورده أخذه فقطع له النبي صلى الله عليه وسلم أرضا وغيلا بالجوف جوف مراد حين أقاله منه.
وروى الدارمي وأبو داود والترمذي وقال غريب والنسائي وابن ماجة وابن حبّان والدّارقطنيّ والطبراني في الكبير وابن أبي عاصم والباوردي وابن قانع وأبو نعيم في الصحابة عن أبيض بن حمال أنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقطعه الملح الذي بمأرب فقطعه له فلمّا أن ولى، قال رجل من المجلس: أتدري ما أقطعت له الماء العد فانتزع منه؟ قال وسأله عن ما يحمى من الأراك، قال: ما لم تنله خفاف الإبل ورواه البغويّ إلى قوله «العد» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا إذن.
وروى أبو داود عن محمد بن الحسن المخزومي «ما لا تنله أخفاف الإبل- يعني أنّ الإبل تأكل منتهى رؤوسها ويحمى ما فوقه» .
__________
[ (1) ] أخرجه أبو داود (3068) والبيهقي 6/ 149.
[ (2) ] مجمع الزوائد (6/ 12) ورجاله ثقات.
[ (3) ] أبو داود (3064) الترمذي 606 وابن أبي شيبة 7/ 519 مالك في الموطأ 412، 413. أخرجه ابن حبان (1140، 1642) (114) والطبراني في الكبير 1/ 254.(9/38)
الثالث: في إقطاعه صلى الله عليه وسلم ما لم يفتحه قبل فتحه:
وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن أبي ثعلبة الخشني- رضي الله تعالى عنه- قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله اكتب لي بكذا وكذا الأرض من الشام لم يظهر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو ثعلبة: والذي نفسي بيده ليظهرنّ عليها، قال فكتب لي بها الحديث.
وروى الطبراني برجال ثقات عن تميم الداري- رضي الله تعالى عنه- قال استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا بالشّام قبل أن تفتح فأعطانيها فاستفتحها عمر في زمانه فقلت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني أرضا من كذا فجعل عمر- رضي الله تعالى عنه- ثلثها لابن السبيل وثلثها لعماريها وثلثها لنا.
الرابع: في بعض ما حمى لله:
روى الطبراني والبزار برجال الصحيح عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حمى إلا لله ولرسوله» [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمى البقيع لخيل المسلمين [ (2) ] .
وروى الطبراني برجال الصحيح عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمى الربذة لإبل الصدقة [ (3) ] .
تنبيهات
الأول: قال الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدّمشقيّ: قال الصاحب الإمام سفير الخلافة أبو محمد عبد الله بن محمد بن أبي الحسن البادرائي- رحمه الله تعالى-، قلت وهو صاحب المدرسة البادرائية العظيمة بدمشق: إنه شاهد صورة بخط أمير المؤمنين علي- رضي الله تعالى عنه- الذي كتبه بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ما أعطى محمد رسول الله تميما الدّاريّ وأخواته [ (4) ] ، عيرون والمرطوم وبنت عينون وبنت إبراهيم وما فيهنّ عطيّة البيت برمتهم، ونفذت وسلمت ذلك لهم ولأعقابهم، فمن أذاهم أذاه الله، ومن أذاهم لعنه الله شهد عتيق بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفّان وكتب علي بن أبي طالب وشهدتّ، قلت (أبو) في الموضعين بالواو على الحكاية.
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 73271 وابن أبي شيبة 7/ 303 والطبراني في الكبير 8/ 95 والدارقطني 4/ 238 وانظر المجمع 4/ 158.
[ (2) ] مجمع الزوائد (4/ 161) . الخطيب في التاريخ 3/ 22.
[ (3) ] انظر المجمع 4/ 158 ورجاله رجال الصحيح.
[ (4) ] انظر جمع الجوامع 2/ 704 وابن عساكر كما في التهذيب 3/ 354، 355، 357، 10/ 465.(9/39)
الثاني: قد تواردت الحكايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع تميما وأخاه نعيما وأصحابهما وذريتهم قرى بأرض بيت المقدس وكتب لهم بذلك كتابا، ولعن فيه من عارضهم ولم يزل هذا الكتاب بأيديهم إلى وقتنا هذا، وقد ألف الحافظ أبو الفضل بن حجر والحافظ شمس الدين محمد بن ناصر الدين الدّمشقي وشيخنا الحافظ أبو الفضل جلال الدين السّيوطيّ في صحّة ذلك مؤلّفا وفي كل ما ليس في الآخر، ومن أراد الزيادة على ما هنا فليراجع ذلك.
الثالث: نازع بعض الظلمة من زمن الإمام الغزّاليّ لما كان بدمشق ذرّيّة تميم الداريّ في ذلك وأراد نزعه منهم فأفتى الإمام الغزّاليّ بكفره.
الرابع: في بيان غريب ما سبق:
البساط: [ضرب من الفرش ينسج من الصوف ونحوه] .
نكب: - بنون فكاف فموحدة مفتوحات- عدل.
البحرين: تقدم تفسيره.
الأثرة: بهمزة فمثلثة فراء مفتوحات فتاء تأنيث- الاسم من آثر يستأثر عليكم فيفضل غيركم في نصيبه من الفيء.
معادن: جمع معدن قد تقدم.
القبليّة: بقاف فموحدة مفتوحتين فلام فتحتية مشددة فتاء تأنيث موضع من ساحل البحر بينها وبين المدينة خمسة أيام.
غوريّها: بغين معجمة مفتوحة فواو ساكنة فراء مكسورة فتحتية من الغور ما ارتفع من الأرض.
ذات النصب: بنون فصاد مهملتين مضمومتين فموحدة موضع على أربعة برد من المدينة.
قدس: بقاف مضمومة فدال ساكنة فسين مهملتين.
الفرع: بفاء مضمومة فراء ساكنة فعين مهملة موضع معروف بين مكة والمدينة.
الأرحى: بهمزة مفتوحة فراء ساكنة فحاء مهملة مفتوحة جبل معروف، وقيل: هي الموضع المرتفع الذي يصلح للزراعة.
الحضر: بحاء مهملة مضمومة فضاد معجمة ساكنة فراء العدد.
الفرسخ: بفاء مفتوحة فراء ساكنة فسين مهملة مفتوحة فخاء معجمة.(9/40)
اليمامة: بتحتية فميمين بينهما ألف مفتوحات فتاء تأنيث الموضع المعروف شرقي الحجاز، ومدينتها العظمى حجر اليمامة.
العوزة: وادي، القرى والعقيق، تقدم الكلام عليها.
الغميم: بغين معجمة فميمين بينهما مثناة تحتية موضع رابع.
الرحبة: حركة ناحية بين المدينة والشام.
ثعلبة: بمثلثة مفتوحة فعين مهملة ساكنة فلام فموحدة فتاء تأنيث.
الخشف: بخاء معجمة مضمومة فشين معجمة ساكنة.
الحمى: بحاء مهملة في اللغة الموضع الذي فيه كلأ يحمى والله أعلم.(9/41)
جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في النكاح والطلاق والإيلاء
الباب الأول في آداب متفرقة
وفيه أنواع:
الأول: في حثه صلى الله عليه وسلم على النكاح ونهيه عن التبتل:
روى ابن أبي الدّنيا عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سنن المسلمين الحياء والنّكاح والتّعطر والسّواك» ورواه ابن عدي عن جابر وعن ابن عباس بلفظ من سنن المرسلين الحلم والحياة والتعطر وكثرة الأزواج
[ (1) ] .
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا معشر الشّباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغضّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم فإنه له وجاء» [ (2) ] .
الثاني: في أمره صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى المخطوبة وصرفه وجهه من نظر إلى غير زوجته ومحارمه:
وروى الإمام أحمد وأبو داود، والعقيلي في الضعفاء والطحاويّ والحاكم والبيهقي والضياء عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه من نكاحها فليفعل» [ (3) ] .
وروى أبو داود عن جابر والإمام أحمد والطبراني عن أبي حميد السّاعديّ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب أحدكم المرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته وإن كانت لا تعلم» [ (4) ] .
وروى الدّبليّ عن علي- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب أحدكم المرأة فليسأل عن شعرها كما يسأل عن جمالها، فإن الشّعر أحد الجمالين» [ (5) ] .
وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب
__________
[ (1) ] انظر تلخيص الجسر 1/ 66.
[ (2) ] أخرجه البخاري 9/ 117 (5073) ومسلم 2/ 1020 (6/ 1402) .
[ (3) ] أحمد 3/ 334 وأبو داود 2/ 565 (2082) والحاكم 2/ 165 والبيهقي 7/ 85 والمجمع 4/ 276 ونصب الراية 4/ 241 والتلخيص 3/ 147.
[ (4) ] انظر مجمع الزوائد 4/ 276.
[ (5) ] انظر كنز العمال (44528) وكشف الخفاء 2/ 13.(9/42)
أحدكم المرأة وهو يخضب بالسّواد فليعلمها أنه يخضب» [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد والترمذي وحسنه والنسائي والبيهقيّ والدارقطني عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ولا تنظر إلا إلى وجهها وكفيها» [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد برجال ثقات والبزّار عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى أم سليم تنظر إلى جارية، فقال: شمّي عوارضها وانظري إلى عرقوبيها [ (3) ] .
وروى الطبراني عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد خطبة امرأة بعث أمّ سليم تنظر إليها فشمّت أعقابها وبطون عراقيبها.
وروى الأئمة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان الفضل بن عباس- رضي الله تعالى عنهما- رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، وفي رواية فجعل الفضل يلاحظ النّساء، وينظر إليهن، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجهه بيده من خلفه مرارا وجعل الفضل يلحظ إليهن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن أخي، هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه، غفر له [ (4) ] .
الثالث: في حكمه صلى الله عليه وسلم في الخطبة:
روى الأئمة إلا الدّارقطنيّ عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه» [ (5) ] .
الرابع: في خطبته صلى الله عليه وسلم في النّكاح:
روى أبو يعلى والطبراني برجال الصحيح عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه-
وروى الأئمة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة فيقول:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلّل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن
__________
[ (1) ] انظر الكنز (44529) .
[ (2) ] أخرجه أحمد 4/ 246 والدارمي 2/ 134 والترمذي 3/ 397 (1087) وابن ماجة 1/ 599 (1865) والنسائي 6/ 69 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص 303 (1236) .
[ (3) ] أحمد 3/ 231 والحاكم 2/ 166 والبيهقي 7/ 87.
[ (4) ] تقدم وهو عند البخاري 3/ 442 (1513) .
[ (5) ] أخرجه البخاري 4/ 352 (2139، 5142) ومسلم 2/ 1032 (50/ 1412) .(9/43)
سيدنا محمداً عبده ورسوله،
قال أبو عبيدة: وسمعت من أبي موسى يقول: فإن شئت أن تسأل أتيتك بآي من القرآن تقول: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران/ 102] اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء/ 1] اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب/ 70، 71] أمّا بعد، ثمّ تكلّم بحاجتك [ (1) ] .
وروى أبو داود والإمام أحمد والنسائي والتّرمذي والبيهقي عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهّد [ذكر نحوه، وقال بعد قوله «ورسوله» «أرسله بالحقّ بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضرّ الله شيئا»
[ (2) ] .
وروى الإمام أحمد عن أبي أيوب الأنصاري- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اكتم الخطبة» [ (3) ] .
الخامس: فيما كان يقوله صلى الله عليه وسلم إذا رأى امرأة:
روى الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات والحكيم الترمذي عن أبي كبشة الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في أصحابه، وفي لفظ كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مرّت بنا امرأة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل وخرج واغتسل فقلنا: يا رسول الله، قد كان شيء؟ قال: «نعم نعم، مرّت بي فلانة فوقع في قلبي شهوة النّساء فأتيت بعض أزواجي فأصبتها فكذلك فافعلوا فإنه من أمانات أعمالكم إتيان الحلال» ، وفي لفظ:
«فدخل منزله ثم خرج إلينا قد اغتسل، قلنا نرى أنه قد كان شيء يا رسول الله، قال مرّت فلانة فوقع في نفسي شهوة النساء فقمت إلى بعض أهلي فوضعت شهوتي فيها، وكذلك فافعلوا، فإنه لمن أماثل أعمالكم إتيان الحلال» [ (4) ] .
وروى الطبراني في كتاب العشرة عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند سودة بنت زمعة فإذا امرأة مشوّقة قاعدة على الطريق رجاء أن يتزوجها- فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع إلى زوجته سودة فقضى حاجته ثم اغتسل، فخرج إلى
__________
[ (1) ] أخرجه الدارمي 2/ 142 أخرجه أبو داود الطّيالسي ص 45 عقب حديث (338) وأبو داود 2/ 591 (2118) والبيهقي 7/ 146 وأخرجه الترمذي 3/ 413 (1105) والنسائي 6/ 89 وابن ماجة 1/ 609.
[ (2) ] أخرجه أبو داود (2119) .
[ (3) ] أحمد 5/ 423 والطبراني في الكبير 4/ 159 وابن خزيمة (1220) وابن حبّان ذكره الهيثمي في الموارد (685) والحاكم 1/ 314، 2/ 165 وانظر نصيب الراية 1/ 71.
[ (4) ] أخرجه أبو نعيم في الحلية 2/ 20 وانظر المجمع 4/ 292 وعزاه لأحمد والطبراني وقال: ورجال أحمد ثقات.(9/44)
أصحابه، فقال: إنما حبسني عنكم امرأة عرضت لي في الطريق قد تشوّقت رجاء أن أتزوّجها فلما رأيتها، رجعت إلى سودة فقضيت حاجتي، فمن رأى منكم امرأة تعجبه فليرجع إلى زوجته، فإنّ الّذي مع زوجته مثل الذي معها.
السادس: في سيرته صلّى الله عليه وسلم في نكاح المتعة:
روى البخاري ومسلم عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية
[ (1) ] .
السابع: في نهيه صلّى الله عليه وسلم عن نكاح الشّغار:
روى البخاري عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا شغار في الإسلام» [ (2) ]
وأيضا عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الشغار
[ (3) ] .
الثامن: في هديه صلى الله عليه وسلم نكاح الجاهلية [ (4) ] :
التاسع: في رده- صلى الله عليه وسلم- بالعيب في النكاح:
روى سعيد بن منصور عن كعب بن زيد أو زيد بن كعب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوّج امرأة من بني غفار وفي لفظ: من بني بياضة فوجد بكشحها بياضا فردّها فقال: دلّستم عليّ فلما دخل عليها ودفع ثوبه وقعد على الفراش، أبصر بكشحها بياضا فانحاز عن الفراش ثم قال: خذي عليك ثيابك ولم يأخذ ممّا آتاها شيئا [ (5) ] .
العاشر: فيما كان يقوله صلى الله عليه وسلم إذا تزوج أحد من أصحابه:
روى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة، فقال: ما هذا؟ فقال: إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب، قال: بارك الله أولم ولو بشاة [ (6) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح وابن ماجة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الإنسان تزوج، قال: بارك الله لك، وبارك
__________
[ (1) ] لم يذكر المصنف شيئا هنا وذكرنا ذلك تتميما للفائدة والحديث أخرجه البخاري 7/ 481 (4216) ومسلم 2/ 1027 (29/ 1407) .
[ (2) ] أخرجه مسلم 2/ 1035 (60/ 1415) .
[ (3) ] أخرجه البخاري 9/ 162 (5112) ومسلم 2/ 1034 (57/ 1415) . والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ليس بينهما صداق وأبو داود 2/ 227 (2074) والترمذي 3/ 431 (1124) والنسائي 6/ 110 وابن ماجة 1/ 606 (1883) .
[ (4) ] ذكره المصنف رحمه الله هذا لم يذكر شيئاً من الأحاديث والآثار كأنّه اكتفى بنكاح المتعة والشغار باعتبارهما ضرب من ضروب الجاهلية.
[ (5) ] أخرجه أحمد 3/ 493 وانظر المجمع 4/ 300 والبيهقي 7/ 256.
[ (6) ] أخرجه البخاري 9/ 204 (5148) ومسلم 2/ 1042 (79/ 1427) .(9/45)
عليك وجمع بينكما في خير [ (1) ] .
الحادي عشر: فيما يحرم من النسب والصهر والرضاع:
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها» [ (2) ] .
وروى البخاري ومسلم عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة» [ (3) ] .
الثاني عشر: في الأولياء والشهود والاستئذان والإخبار بحكم البكر والثيب في ذلك والكفارة:
روى الإمامان الشافعي، وأحمد، والترمذي، وابن ماجة، والدّارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل» [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد والترمذي وأبو داود والبيهقي والدارقطنيّ عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نكاح إلا بولي وصداق وشاهدي عدل» [ (5) ] .
وروى الإمام أحمد والأربعة عن سمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امرأة يزوجها وليّها فهي للأوّل منهما» [ (6) ] .
وروى أبو داود عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل:
«أترضى أن أزوّجك فلانة؟» قال: نعم، وقال للمرأة «أترضين أن أزوّجك فلانا» قالت: نعم، فزوج أحدهما صاحبه فدخل بها [ (7) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه الدّارمي 2/ 134 وأبو داود (1320) والترمذي (1091) وأحمد 3/ 451 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1284) وسعيد بن منصور (522) الحاكم 2/ 183 والبيهقي 7/ 148 وابن السني 596 والخطيب 11/ 42 وانظر التلخيص 3/ 152.
[ (2) ] لم يذكر المصنف هنا شيئا وأتممنا ذلك للفائدة والحديث أخرجه البخاري 9/ 160 (5109) ومسلم 2/ 1028 (33/ 1408) .
[ (3) ] البخاري 9/ 139 (5099) ومسلم 2/ 1068 (2/ 1444) .
[ (4) ] أخرجه الشافعي في المسند 2/ 11 (19) وأحمد 6/ 66 والدّارمي 2/ 137 وأبو داود 2/ 566 (2083) والترمذي 3/ 407 (1102) وابن ماجة 1/ 605 (1879) وابن حبّان ذكره الهيثمي في الموارد ص 305 (1248) والحاكم 2/ 168.
[ (5) ] أخرجه أحمد 4/ 394 والدارمي 2/ 137 وأبو داود 2/ 568 (2085) والترمذي 3/ 407 (1101) وابن ماجة 1/ 605 (1881) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص 304 (1243) والحاكم 2/ 169.
[ (6) ] أخرجه أحمد 5/ 8 والدارمي 2/ 139 وأبو داود 2/ 571 (2088) والترمذي 3/ 418 (1110) والنسائي 7/ 314 وابن ماجة 2/ 738 (2190) .
[ (7) ] أخرجه أبو داود (2117) والحاكم 2/ 181.(9/46)
وروى الإمام أحمد وأبو يعلى عن عائشة، والبزار برجال ثقات عن أبي هريرة، والطبراني في الأوسط عن أنس والطبراني عن ابن عباس والطبراني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهم- قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب إليه بعض بناته جلس إلى خدرها، فقال: «إنّ فلانا يخطب فلانة» ، يسمّيها ويسمّي الرّجل الذي خطبها فإن طعنت في الخدر لم يزوّجّها وإن سكتت كان سكوتها رضاها [ (1) ] .
وروى الأئمة عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الأيّم أحقّ من ولّيها والبكر تستأمر وإذنها سكوتها» [ (2) ] .
وروى السّتّة والدرا قطني والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تزوّج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها فإنّ الزانية هي التي تزوّج نفسها» [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد والشيخان والنسائي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، إن البكر تستحي قال «رضاها صمتها» [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن جارية بكرا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم
[ (5) ] .
وروى الترمذي والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه إلّا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»
وقال الترمذي حسن غريب [ (6) ] والبيهقي عن أبي حاتم المزنيّ وقال غيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» [ (7) ] .
وروى الحاكم في تاريخه والديلمي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم الأكفاء فأنكحوهنّ ولا تربّصوا بهنّ الحدثان» [ (8) ] .
__________
[ (1) ] أحمد 6/ 78 وعبد الرزاق (10379) والطبراني 11/ 355 وابن أبي شيبة 4/ 136 والمجمع 4/ 278.
[ (2) ] مسلم 2/ 1037 (67/ 4121) وأخرجه من حديث أبي هريرة البخاري 12/ 355 (9968) ومسلم (64/ 1419) وأبو داود 2/ 231 (2092) والترمذي 3/ 415 (1107) والنسائي 6/ 85 وابن ماجة 1/ 601 (1871) .
[ (3) ] أخرجه ابن ماجة 1/ 606 (1882) والدارقطني 3/ 227 (25) والبيهقي 7/ 110 وانظر تحفة المحتاج 2/ 364.
[ (4) ] أخرجه البخاري 9/ 98 (5137) .
[ (5) ] أخرجه أبو داود 2/ 232 (2096) .
[ (6) ] أخرجه الترمذي 3/ 394 (1084) وابن ماجة 1/ 632 (1967) والحاكم 2/ 164 وعبد الرزاق (10325) والدولابي في الكني 1/ 25.
[ (7) ] أخرجه البيهقي 7/ 82.
[ (8) ] ذكره السيوطي في جميع الجوامع (1603) وعزاه للحاكم في التاريخ والديلمي وذكره في الصغير (547) ورمز له بالضعف والحدثان بالتحريك أو بكسر فسكون الليل والنهار أي نوائب الدهر وحوادثه.(9/47)
الباب الثاني في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الصّداق
روى مسلم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن- رحمه الله تعالى- قال: سألت عائشة- رضي الله تعالى عنها- كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان صداقه لزوجه ثنتي عشرة أوقية ونشّا، وقالت: تدري ما النّشّ؟ قال: قلت: لا، قالت: نصف أوقية، فتلك خمسمائة درهم فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد والأربعة والترمذي وقال حسن غريب عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئا من نسائه ولا نكح شيئا من بناته على أكثر من ثنتي عشرة أوقية [ (2) ] .
وروى سعيد بن منصور وأبو يعلى بسند جيّد عن مسروق- رحمه الله تعالى- أن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: أيها الناس ما أكثركم في صداق النساء. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإنما الصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك [ (3) ] .
وذكر الحديث وسيأتي بتمامه في مناقب عمر- رضي الله تعالى عنه-.
وروى الطبراني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت تزوّجني رسول الله صلى الله عليه وسلم على متاع يساوي أربعين درهما [ (4) ] ،.
وروى أبو يعلى والطبراني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- والطبراني عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنهما- قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّ سلمة على متاع بيت قيمته عشرة دراهم [ (5) ] .
وروى الإمام أحمد والشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطفى صفية بنت حيي فاتّخذها لنفسه وخيّرها بين أن يكون زوجها أو يلحقها بأهلها فاختارت أن يعتقها، وجعل عتقها صداقها [ (6) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم 2/ 1042 (78/ 1426) .
[ (2) ] أخرجه عبد الرزاق 6/ 175 (10399) وأحمد 1/ 40 والدارمي 2/ 141 وأبو داود 2/ 582 (2106) والترمذي 3/ 422 (1114) وقال حسن صحيح والنسائي 6/ 117 وابن ماجة 1/ 607 (1887) وابن حبّان ذكره الهيثمي في الموارد (307) حديث (1259) والحاكم في المستدرك 2/ 176.
[ (3) ] ابن مجمع الزوائد 3/ 286 سعيد بن منصور 1/ 96.
[ (4) ] انظر المجمع 4/ 282.
[ (5) ] انظر المجمع 4/ 282 وابن عدي في الكامل 5/ 1785.
[ (6) ] أخرجه البخاري 9/ 232 (5169) ومسلم 2/ 1043 (84/ 1365) .(9/48)
وروى الأئمة عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- قال جاءت امرأة فقالت: يا رسول الله، جئت أهب نفسي لك فقامت طويلا فقام رجل فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة فقال: هل عندك من شيء تصدقها؟ قال ما عندي إلا إزاري هذا ...
الحديث [ (1) ] .
وروى الدارقطنيّ عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، رأ فيّ رأيك فقال: من ينكح هذه؟ فقام رجل عليه بردة عاقدها في عنقه، فقال: أنا يا رسول الله، فقال: ألك مال؟ قال: لا، يا رسول الله، قال: اجلس، ثم جاءت مرّة أخرى، فقالت: يا رسول الله، رأ فيّ رأيك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ينكح هذه» ؟ فقام ذلك الرجل، فقال: أنا يا رسول الله، فقال: ألك مال؟. قال لا يا رسول الله فقال: اجلس، ثم جاءت الثالثة فقالت يا رسول الله ... رأ فيّ رأيك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينكح هذه؟ فقام ذلك الرجل، فقال: أنا يا رسول الله، فقال ألك مال؟ قال: لا، يا رسول الله، قال: فهل تقرأ من القرآن شيئا؟ قال: نعم، سورة البقرة وسورة فصّلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكحتكها على أن تقرئها وتعلمها وإذا رزقك الله تعالى عرضتها فتزوّجها الرجل على ذلك.
وروى الإمام أحمد والترمذي والبيهقي عن عامر بن ربيعة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا من بني فزارة [أتى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه امرأة له فقال: إني تزوجتها بنعلين، فقال لها:
أرضيت؟ فقالت: نعم، ولو لم يعطني لرضيت قال شأنك وشأنها] [ (2) ] .
تنبيه:
في غريب ما سبق:
التّعطّر- بفوقية فعين مهملة مفتوحتين فطاء مهملة فراء- اتخاذ العطر وهو الطيب.
العوارض- بعين مهملة فواو مفتوحتين فألف فراء مكسورة فضاد معجمة- الأسنان التي في عرض الفم، وهي التي بين الثنايا والأضراس وأحدها عارض.
العرقوب- بعين مهملة مضمومة فراء ساكنة فقاف فواو فموحدة عصب غليظ فوق عقب الإنسان من الدّابّة في رجلها بمنزلة الرّكبة.
الأعطاف- بهمزة مفتوحة فعين مهملة فطاء فألف ففاء نواحي العنق-.
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 9/ 190 (5135) ومسلم 2/ 1040 (76/ 1425) .
[ (2) ] ما بين المعكوفين سقط من أ، ب، ج، وأثبتناها من المراجع الحديثية والحديث أخرجه أبو داود الطيالسي ص 156 (1143) وأحمد 3/ 445 والترمذي 3/ 420 (1113) وقال حسن صحيح وابن ماجه 1/ 608 (1888) .(9/49)
الكشح- بكاف مفتوحة فشين معجمة فحاء مهملة ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلفي.
النّش- بنون فشين معجمة، نصف أوقيّة وهو عشرون درهما.
الخدر- بخاء معجمة مكسورة فدال مهملة ساكنة فراء، ناحية من البيت يترك عليها ستر فتكون فيه الجارية البكر.
الأيّم- بهمزة مفتوحة فتحتية مكسورة مشددة فميم- أنثى لا زوج لها بكرا كانت أو ثيّبا مطلّقة كانت أو متوفّى عنها.
(رأ) أمر من (رأى) والحديث عند غيره براء واحدة مفتوحية (ر) .(9/50)
الباب الثالث في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الولائم
وفيه أنواع:
الأوّل: في أمره صلى الله عليه وسلم في إجابة الدعوة:
روى مسلم عن جابر- رضي الله عنه- أنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم، وإن شاء ترك» .
الثاني: في أمره صلى الله عليه وسلم بإكرام الضيف:
روى البخاري ومسلم عن أبي شريح الكعبيّ- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة، والضّيافة ثلاثة أيّام فما بعد ذلك فهو صدقة، ولا يحلّ له أن يثوي عنده حتّى يخرجه» .
الثالث: في استئذانه صلى الله عليه وسلم:
روى البخاري في الأدب وأبو داود عن عبد الله بن بشر- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، ويقول: السّلام عليكم، وذلك أن الدّور لم يكن عليها ستور
[ (1) ] .
وروى الإمام أحمد والشّيخان والطّبراني والترمذي عن أبي مسعود البدري الأنصاريّ والإمام أحمد عن جابر- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رجل من الأنصار يكنى أبا شعيب، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فعرفت في وجهه الجوع، فأتيت غلاما لي، قصّابا فأمرته أن يصنع طعاما لخمسة رجال ثم دعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء خامس خمسة وتبعهم رجل، فلما بلغ الباب، قال: هذا تبعنا فإن شئت أن تأذن له وإلا رجع فأذنت له، رواه الطبراني برجال الصحيح عن أبي شعيب نفسه
[ (2) ] .
وروى مسند برجال ثقات عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا صنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما فقال: أتأذن لي في سعد؟ فأذن له، ثم صنع طعاما، فقال أتأذن لي في سعد؟ فأذن له ثم صنع طعاما، فقال، أتأذن لي في سعد فأنت صاحبه
[ (3) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أبو داود (5186) وانظر الدر المنثور 5/ 39 والكنز (18495) وابن كثير في التفسير 6/ 37.
[ (2) ] أخرجه البخاري 4/ 312 (2081) (2456، 5434، 5461) ومسلم 3/ 1608 (138/ 2036) .
[ (3) ] ذكره الحافظ في المطالب (2383) .(9/51)
الرّابع: في أمره صلى الله عليه وسلم أن لا يقطع دارا ولا نسلا:
روى الإمام أحمد عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمدتّ إلى عنز لأذبحها فثغت فسمع ثغوتها، فقال: يا جابر، لا تقطع دارا ولا نسلا فقلت يا رسول الله، إنما هي عتودة علفتها البلح والرّطبة، حتى سمنت [ (1) ] .
الخامس: في أمره صلى الله عليه وسلم بإعلان النّكاح والضّرب عليه بالدّفّ وكراهته لنكاح السّر [ (2) ] :
وروى الطبراني من طريق داود بن الجرّاح عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما فعلت فلانة ليتيمة كانت عندها» فقالت: أهديناها إلى زوجها، فقال: هلّا بعتم معها جارية، تضرب بالدّفّ وتغنّي، قالت: تقول ماذا؟ قال: تقول:
أتيناكم أتيناكم ... فحيّونا نحيّيكم
ولولا الذّهب الأحم ... ر ما حلّت بواديكم
ولولا الحنطة السّمرا ... ء ما شمت عذاريكم
وروى الطبراني عن السائب بن يزيد- رضي الله عنه- قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جوار يلغين، يقلن: فحيونا نحييكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفى، ثم دعاهن، فقال: لا تقلن هكذا ولكن قلن أحيانا، وإيّاكم [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد والبزار برجال ثقات عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة: «أهديتم الجارية إلى بيتها؟ قالت: نعم، قال: فهلّ بعثتم معها من يغنّيهم يقول: أتيناكم أتيناكم فحيّونا نحيّيكم، فإن الأنصار قوم فيهم غزل
[ (4) ] .
وروى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند عن عمرو بن يحيى المازنيّ عن جدّه أبي الحسن- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره نكاح السّرّ حتى يضرب عليه بدفّ، ويقال.
أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم [ (5) ] .
وروى البخاري عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها زفّت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يا عائشة، ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو» [ (6) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 396.
[ (2) ] انظر المجمع 4/ 289 وعزاه للطّبراني في الأوسط.
[ (3) ] انظر المجمع 4/ 290.
[ (4) ] أحمد 3/ 391 والمجمع 4/ 289 4/ 289 وابن الجوزي في التلبيس (225) .
[ (5) ] أخرجه أحمد 4/ 78 والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 290 وانظر المجمع 4/ 288.
[ (6) ] أخرجه البخاري 9/ 225 (5162) .(9/52)
وروى أيضا عن الربيع بنت معوذ بن عفراء- رضي الله تعالى عنها- قالت جاء النبي- صلى الله عليه وسلم- فدخل حين بنى عليّ فجلس على فراشي كمجلسك مني، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدّفّ ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر، وقالت له إحداهن وفينا نبي يعلم ما في غد فقال: دعي هذه، وقولي بالّذي كنت تقولين [ (1) ] .
وروى ابن ماجه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: أنكحت عائشة ذات قرابة من الأنصار فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أهديتم الفتاة؟ قالوا: نعم، قال: أرسلتم معها من يغنّي؟ قالت: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الأنصار قوم فيهم غزل، فلو بعثتم معها من يقول أتيناكم أتيناكم فحيّونا نحيّيكم [ (2) ] .
السادس: في إجابته صلى الله عليه وسلم الدّعوة في أي وقت كان على أيّ شيء كان:
وروى الإمام أحمد والترمذي وقال حسن صحيح وأبو يعلى عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أهدي إليّ كراع لقبلت، ولو دعيت إليه لأجبت» [ (3) ] .
وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، ولو أهدي إليّ ذراع لقبلت [ (4) ] .
وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو دعيت إلى كراع لأجبت.
وروى ابن ماجه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة المملوك [ (5) ] .
وروى الإمام أحمد وابن سعد وابن شيبة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن يهوديّا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه [ (6) ] .
وروى مسدد مرسلا برجال ثقات عن مجاهد- رحمه الله تعالى- قال: إن كان الرجل من أهل العوالي ليدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم شطر- وفي لفظ «نصف» الليل على خبز الشعير فيجيبه ورواه الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما-[ (7) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 9/ 202 (5147) .
[ (2) ] أخرجه ابن ماجة (1900) والطحاوي في الشكل (4/ 297) والبيهقي 7/ 289.
[ (3) ] تقدم.
[ (4) ] تقدم.
[ (5) ] أخرجه ابن ماجة (2296) وابن أبي شيبة 3/ 164 وأبو نعيم في الجلية 7/ 312 وابن سعد 1/ 2/ 95 2/ 66 وانظر المجمع 9/ 20.
[ (6) ] تقدم وهو عند أحمد 3/ 210.
[ (7) ] تقدم.(9/53)
وروي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أنّ خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه فذهب معه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزا من شعير، ومرقا فيه دباء، الحديث [ (1) ] .
وروى الشيخان عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: لما عرس أبو أسيد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فما صنع لهم طعاما ولا قرّبه إليهم إلا امرأته أمّ أسيد بلّت ثلاث تمرات في تور من حجارة من الليل، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته له فسقته تتحفه بذلك [ (2) ] .
السابع: في اشتراطه صلى الله عليه وسلم حضور بعض أصحابه:
روى الطبراني بسند جيد رجاله رجال الصحيح. وفيه انقطاع، عن صهيب- رضي الله تعالى عنه- قال: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فأتيته وهو في نفر جالس، فقمت حياله فأومأت إليه فأومأ إليّ، وهؤلاء، قلت: لا، فسكت، فقمت مكاني، فلما نظر إلى أومأت إليه، فقال: وهؤلاء، قلت: مرتين يفعل ذلك أو ثلاثا، فقلت: نعم، وهؤلاء وإنما كان شيئا يسيرا صنعته له، فجاؤوا معه فأكلوا حسية قال وفضل منه.
وروى الإمام أحمد ومسلم والنسائي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن جارا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فارسيّا وكان طيّب المرق، فصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء يدعوه، فقال: وهذه لعائشة، فقال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، فعاد يدعوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذه قال: لا، قال رسول الله: لا، ثم عاد يدعوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه قال: نعم، في الثالثة، فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله [ (3) ] .
الثامن: في امتناعه صلّى الله عليه وسلم من الدخول في محل الضيافة لأمر شرعي:
وروى النسائي وابن ماجة عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: صنعت طعاما فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء فرأى في البيت سترا فيه تصاوير فرجع، وقال: إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تصاوير [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقي عن أبي عبد الرحمن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا أضاف علي بن أبي طالب، فصنع له طعاما، فقالت فاطمة: لو دعونا
__________
[ (1) ] تقدم.
[ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 43 (5182) ومسلم 3/ 1590 (86/ 2006) .
[ (3) ] أخرجه مسلم في كتاب الأشربة (139) وأحمد 3/ 123.
[ (4) ] أخرجه ابن ماجة (3650) .(9/54)
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معنا، فأرسل فجاء فوضع يده على عضادتي الباب، فإذا قدما قد ضرب في ناحية البيت، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع فقالت فاطمة لعليّ: اتبعه فقل له: ما رجعك؟
قال: فتبعته، فقال: ما رجعك يا رسول الله؟ فقال: إنه ليس لنبيّ أو ليس لنبي أن يدخل بيتا مزوقا [ (1) ] .
وروى البخاري وأبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بيت فاطمة فوجد على بابها سترا موشيا [ (2) ] ... الحديث.
وروى الإمام أحمد والدّارقطنيّ من طريق عيسى بن المسيب، قال الدارقطني: صالح الحديث حدثنا أبو زرعة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي دار قوم من الأنصار. ودونهم دور لا يأتيها فشق ذلك عليهم، فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم تأتي دار فلان ولا تأتي دارنا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في داركم كلبا» ، قالوا فإنّ في دارهم سنّورا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «السّنّور سبع» [ (3) ] .
التاسع: في وليمته- صلى الله عليه وسلم- على بعض نسائه:
وروى البخاري في رواية كريمة وأبو يعلى برجال الصحيح عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لم على بعض نسائه بمدّين من شعير [ (4) ] .
وروى الطبراني من طريق جدول بن جيفل قال الذهبي: صدوق وقال ابن المديني: له مناكير عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على بعض نسائه بقدر من هريس [ (5) ] .
وروى الطبراني برجال ثقات عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على أم سلمة بتمر وسمن [ (6) ] .
وروى الإمام أحمد والطّبرانيّ وابن ماجة بسند جيد عن أسماء بنت يزيد بن السكن- رضي الله تعالى عنها- قالت: قينت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئته فدعوته لجلوتها فجلس إلى جنبها بعس لبن ثم ناولها، فخفقت رأسها، واستحيت فانتهرتها، وقلت لها: خذي من يد
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 221، 222 وأحمد في الزهد (7) وأبو داود (3755، 3756) والحاكم 2/ 186 وابن ماجة (3360) وابن عبد البر، في التمهيد 10/ 181.
[ (2) ] أخرجه أبو داود 2/ 470 (4149) .
[ (3) ] أخرجه الدارقطني 1/ 63 والطحاوي في المشكل 3/ 272 والحاكم 1/ 183 وانظر المجمع 1/ 278.
[ (4) ] أخرجه البخاري 9/ 146 (5172) .
[ (5) ] المجمع 4/ 53.
[ (6) ] انظر المجمع (4/ 53) .(9/55)
رسول الله صلى الله عليه وسلم فشربت شيئاً، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أعطي تربك فقلت: يا رسول الله بل خذه فاشرب منه ثم ناولنيه فأخذه فشرب منه ثم ناولنيه، قالت: فجلست ثم وضعته على ركبتي ثمّ طفقت أديره، وأتبعه بشفتيّ لأصيب منه مشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال لنسوة عندي:
ناوليهنّ، فقلن: لا نشتهيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجمعن جوعا وكذبا» [ (1) ] .
وروى الإمام مالك في الموطأ عن يحي بن سعيد أنه قال: قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يولم بالوليمة ما فيها خبز ولا لحم، ووصله النّسائيّ وقاسم بن أصبغ من طريق سعيد بن عفير عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن حميد عن أنس، وزاد: قلت: بأي شيء، يا أبا حمزة قال: تمر وسويق [ (2) ] .
وروى الطبراني عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- قال أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية بتمر وسويق [ (3) ] .
عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: لما دخلت صفية بنت حيي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسطاطه حضرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا عن أمّكم فلما كان من العشي حضرنا ونحن نرى أنّ ثمّ قسما فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي طرف ردائه نحو من مدّ ونصف من تمر عجوة، فقال: كلوا من وليمة أمّكم [ (4) ] .
وروى البخاري عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب، أولم بشاة، ورواه مسلم بلفظ: ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه أكثر وأفضل مما أولم على زينب، فقال ثابت: بم أولم؟ قال: أطعمهم خبزا ولحما حتى تركوه [ (5) ] .
وروى الشيخان وأبو يعلى عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاثا يبني عليه بصفية بنت حييّ، فقال من كان عنده فضل زاد فليأتنا به، فجعل الرجل يأتي بفضل التّمر، وفضل السّويق حتى جعلوا من ذلك سوادا حبسا وفحصت الأرض أفاحيص، وجيء بالأنطاع فوضعت فيها، وجيء بالأقط والسّمن، فشبع الناس من ذلك الحين وشربوا من حياض إلى جنبهم من ماء السماء
وفي لفظ جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليمة
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 438، 452، 453، وابن ماجة (3298) وانظر المجمع 4/ 51 والحميدي (367) .
[ (2) ] أخرجه مالك في الموطأ 2/ 546 (48) وابن ماجة في السنن (1910) .
[ (3) ] من حديث أنس أخرجه أحمد 3/ 110 وأبو داود 4/ 126 (3744) والترمذي 3/ 403 (1095) والنسائي ذكر المزي في التحفة 1/ 377 وابن ماجة 1/ 615 (1909) وابن حبّان ذكره الهيثمي في الموارد (1062) .
[ (4) ] أخرجه احمد 3/ 333 وابن سعد 8/ 89 وانظر المجمع 4/ 49.
[ (5) ] البخاري 9/ 232 (5168) و 8/ 528 (2794) ومسلم 2/ 1049 (90/ 1428) .(9/56)
على صفية ثلاثة أيّام وبسط نطعا جاءت به أمّ سليم عليه أقطا وتمرا، وأطعم النّاس ثلاثة أيام [ (1) ] .
العاشر: في حضوره صلى الله عليه وسلم أملاك رجال من أصحابه- رضي الله تعالى عنهم-:
وروى الطبراني برجال ثقات غير حازم مولى بني هاشم عن لمازة وليس بابن زياد عن معاذ- رضي الله تعالى عنه- قال: شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ملاك رجل من أصحابه، فقال على الخير والبركة والألفة والطّائر الميمون والسّعة في الرّزق، بارك الله لكم دفوا على رأسه فجيء بالدّفّ، فضرب فأقبلت الأطباق عليها فاكهة وسكّر، فنشر عليه، وكفّ النّاس أيديهم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ألا تنتهبون؟ قالوا: يا رسول الله، أولم تنه عن النّهبة؟ قال:
إنّما نهيتكم عن نهبة العساكر، فأما العرسات فلا، فجاذبهم وجاذبوه [ (2) ] .
تنبيه:
في بيان غريب ما سبق:
الولائم- بواو فلام مفتوحتين فهمزة مكسورة فميم جمع وليمة، الطّعام الذي يصنع عند العرس.
السّتر- بسين مهملة مكسورة ففوقية ساكنة فراء- كل ما ستر ما وراءه وصانه.
الدّرّ- بدال مهملة مفتوحة فراء اللبن إذا كثر وسال.
النّسل- بنون مفتوحة فسين مهملة ساكنة فلام: الذّرّيّة.
ثغت- بمثلثة فغين معجمة مفتوحتين فتاء تأنيث بالغنم صاحت [الثغوة] مرة مع الثّغاء وهو الصياح.
عتودة- بعين مهملة مفتوحة ففوقية مضمومة فواو فدال مهملة- الصغير من أولاد المعز إذا قوى ورعى وأتى عليه سنة والذّكر عتود والجمع أعتدة.
الدّف- بدال مهملة تضم وتفتح ففاء- معروف من آلات الملاهي يضرب به في النكاح.
الحنطة- القمح، وقد تقدم.
الفتاة- بفاء فمثناتين فوقيتين بينهما ألف- الجارية.
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 479 (4213) ومسلم 2/ 1047 (88/ 1365) .
[ (2) ] ذكره السّيوطي في اللائي 2/ 91 وأخرجه الطحاوي في المعاني 3/ 50 وأخرجه البيهقي 7/ 288 وذكره الشوكاني في الفوائد (124) وابن الجوزي في الموضوعات 2/ 265، 266 وابن حجر في اللسان 2/ 66 والذهبي في الميزان (1181) .(9/57)
الكراع تقدم.
الإهالة السنخة- تقدم الكلام عليها في جماع أبواب صفاته المعنوية.
الثّلمة- بمثلثة مفتوحة فلام ساكنة فميم فتاء تأنيث موضع الكسر ونهي عن الشّرب منها، لأنه لا ينالها التنظيف التام.
عضادتي الباب- بعين مهملة فضاد معجمة فألف فدال مهملة فتاء تأنيث- جانباه الذي بهما يتقوى.
القرام- بقاف مكسورة فراء فألف فميم: الستر الرقيق الموشّى.
الفسطاط: تقدم.
الطّائر- بطاء مهملة فألف فهمز فراء الحظ.
والميمونة- بميم مفتوحة فتحتية ساكنة فميم فواو فنون، المباركة ويجوز أن يكون من الطير السانح والبارح.(9/58)
الباب الرابع في طلاقه- صلى الله عليه وسلم- ورجعته وإيلائه وهجره نساءه والعدة والاستبراء
وفيه أنواع:
الأول: في طلاقه ورجعته:
روى أبو يعلى والبزّار والحاكم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين طلّق حفصة أمر أن يراجعها فراجعها [ (1) ] .
روى أبو يعلى والبزار برجال ثقات عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: دخل عمر على حفصة، وهي تبكي، فقال: ما يبكيك؟ لعلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم- طلّقك مرّة ثم راجعك من أجلي، والله لئن كان طلّقك مرّة أخرى لا أكلّمك أبدا [ (2) ] .
وروى الطبراني بسند فيه ضعف عن الهيثم أو أبي الهيثم أن النبي صلى الله عليه وسلم طلّق سودة بنت زمعة تطليقة فجلست في طريقه فلمّا مرّ سألته الرّجعة، وأن تهب قسمها لأيّ أزواجه شاء رجاء أن تبعث يوم القيامة زوجته فراجعها وقبل ذلك منها [ (3) ] .
وروى الطبراني برجال ثقات إلا عمر بن صالح الحضرميّ فيحرر رجاله عن عقبه بن عامر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلّق حفصة فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب، فوضع التراب على رأسه، وقال: ما يعبأ الله بك يا ابن الخطاب بعدها. فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله تعالى يأمرك أن تراجع حفصة ثم راجعها رحمة بعمر
[ (4) ] .
وروى أبو داود والنسائي وابن ماجة عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلّق حفصة [ثم راجعها] [ (5) ] .
الثاني: في إيلائه صلى الله عليه وسلم من نسائه وهجره لهن:
روى البخاريّ والنسائي عن أنس والإمام أحمد والشيخان والترمذيّ عن أم سلمة ومسلم عن جابر والبخاري والنسائي عن ابن عبّاس.
والإمام أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجة عن الزهري وابن ماجة عن عائشة والإمام أحمد عن ابن عمر.
__________
[ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 4/ 336 وقال رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح.
[ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 4/ 336 وقال رواه أبو يعلى والبزار.
[ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 9/ 249 وقال رواه الطبراني وفي إسناده ضعف.
[ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 4/ 337 وقال رواه الطبراني وفيه عمرو بن صالح الحضرمي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات.
[ (5) ] أخرجه أبو داود 1/ 695 (2283) وابن ماجة 1/ 650 (2016) والنسائي 6/ 213.(9/59)
روى الطبراني من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال ابن عباس: كنت أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن قول الله- عز وجل- وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ] التحريم/ 4] ، فكنت أهابه حتى حججنا معه حجّة، فقلت لإن لم أسأله في هذه الحجّة لا أسأله فلما قضينا [حجنا] أدركناه، وهو ببطن مروقد تخلف لبعض حاجاته، فقال: مرحبا بك يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حاجتك؟ قلت: شيء كنت أريد أن أسالك عنه يا أمير المؤمنين، فكنت أهابك فقال سلني عما شئت، فإنا لم نكن نعلم شيئا حين تعلّمنا، فقلت: أخبرني عن قول الله تعالى: «وإن تظاهرا عليه» من هما؟ قال: لا تسأل أحدا أعلم بذلك منّي، كنّا بمكة لا يكلّم أحدنا امرأته، إنما هي خادم البيت، فإن كان له حاجة سفع برجليها فقضى حاجته، فلما قدمنا المدينة، تعلّمنا من نساء الأنصار، فجعلن يكلمننا ويراجعننا وإنّي أمرت غلمانا لي ببعض الحاجة، فقالت امرأتي: بل اصنع كذا وكذا، فقمت إليها بقضيب فضربتها به، فقالت: يا عجبا لك، يا ابن الخطّاب! تريد أن لا تكلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلّمه نساؤه فخرجت فدخلت على حفصة، فقلت؟ يا بنيّة، انظري لا تكلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس عنده دينار ولا درهم يعطيكهنّ، فما كانت لك من حاجة حتى دهن رأسك فسليني، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصّبح جلس في مصلّاه وجلس الناس حوله حتى تطلع الشمس، ثم دخل على نسائه امرأة امرأة يسلّم عليهنّ ويدعو لهنّ، فإذا كان يوم إحداهن جلس عندها، وإنها أهديت لحفصة بنت عمر عكة عسل من الطّائف أو من مكّة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يسلّم عليها حبسته حتى تلعقه منها أو تسقيه منها، وأن عائشة أنكرت احتباسه عندها فقالت لجويرية عندها حبشية يقال لها خضراء إذا دخل على حفصة فادخلي عليها، فانظري ما يصنع فأخبرتها الجارية بشأن العسل، فأرسلت عائشة إلى صواحبتها، فأخبرتهنّ، وقالت إذا دخل عليكن فقلن: إنا نجد منك ريح معافير
ثم إنه دخل على عائشة فقالت: يا رسول الله، أطعمت شيئا منذ اليوم فإني أجد منك ريح مغافير، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدّ شيء عليه أن يوجد منه ريح شيء، فقال: هو عسل، والله لا أطعمه أبدا حتى إذا كان يوم حفصة قالت: يا رسول الله، إن لي حاجة إلى إن نفقت لي عنده، فأذن لي أن آتيه فأذن لها، ثم وإنه أرسل إلى جاريته مارية، فأدخلها بيت حفصة، فوقع عليها، فأتت حفصة فوجدت الباب مغلقا، فجلست عند الباب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فزع ووجهه يقطر عرقا، وحفصة تبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: إنما أذنت لي من أجل هذا، أدخلت أمتك بيتي ثم وقعت عليها على فراشي، ما كنت تصنع هذا بامرأة منهنّ، أما والله ما يحلّ لك هذا يا رسول الله، فقال: والله، ما صدقت: أليس هي جاريتي، قد أحلها الله تعالى لي، أشهدك أنّها عليّ حرام، ألتمس بذلك رضاك، انظري لا تخبري بذلك امرأة منهنّ، فهي عندك أمانة،
فلما خرج(9/60)
رسول الله صلى الله عليه وسلم قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة، فقالت ألا أبشري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرّم أمته، فقد أراحنا الله منها، فقالت عائشة أما والله، إنه كان يريبني أنه كان يقبل من أجلها، فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم/ 1] ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم «وأن تظاهرا عليه» فهي عائشة وحفصة، وزعموا أنهما كانتا لا تكتم إحداهما للأخرى شيئا، وكان لي أخ من الأنصار إذا حضرت، وغاب في بعض ضيعته، حدثته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا غبت في بعض ضيعتي، حدّثني فأتاني يوما وقد كنّا نتخوّف جبلة بن الأيهم الغساني.
فقال: ما دريت ما كان؟ فقلت: وما ذاك؟ لعله جبلة بن الأيهم الغساني، تذكر قال: لا ولكنه أشد من ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح، فلم يجلس كما كان يجلس، ولم يدخل على أزواجه كما كان يصنع، وقد اعتزل في مسربته، وقد ترك الناس يموجون ولا يدرون ما شأنه، فأتيت والناس في المسجد يموجون ولا يدرون فقال: يا أيها الناس كما أنتم،
ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مسربته قد جعلت له عجلة، فرقى عليها، فقال لغلام له أسود وكان يحجبه استأذن لعمر بن الخطاب، فاستأذن لي فدخلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مسربته فيها حصير وأهب معلّقة وقد أفضى بجنبه إلى الحصير، فأثّر الحصير في جنبه وتحت رأسه وسادة من أدم محشوّة ليفا، فلمّا رأيته بكيت، قال: ما يبكيك؟ قلت يا رسول الله، فارس والروم أحدهم يضطجع في الدّيباج والحرير فقال: إنهم عجّلت لهم طيباتهم، والآخرة لنا، ثم قلت يا رسول الله، ما شأنك؟ فإني قد تركت الناس يموج بعضهم في بعض، فعن خبر أتاك فقال:
اعتزلهن؟ فقال: لا، ولكن كان بيني وبين أزواجي شيء فأحببت ألا أدخل عليهنّ شهرا،
ثم خرجت على الناس، فقلت يا أيها الناس، ارجعوا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بينه وبين أزواجه شيء فأحب أن يعتزل، فدخلت على حفصة، فقلت: يا بنتي، أتكلّمين رسول الله وتغيظينه وتغارين عليه؟ فقالت: لا أكلّمه بعد بشيء يكرهه، ثم دخلت على أم سلمة وكانت خالتي، فقلت لها كما قلت لحفصة، فقالت: عجبا لك يا عمر بن الخطاب، كلّ شيء تكلّمت فيه، حتى تريد أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أزواجه، وما يمنعنا أن نغار على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجكم يغرن عليكم، فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا [الأحزاب/ 28] حتى فرغ منها [ (1) ] .
__________
[ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 13 من طريق عبد الله بن صالح وعزاه للطبراني في الأوسط وهو في الصحيحين من حديث عائشة 8/ 656 (4912) (6691) ومسلم 2/ 1100 (20/ 1474) .(9/61)
وروى الطبراني وأبو داود بسند جيد واللفظ له عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وفي رواية «حجّة الوداع» ، ونحن معه، فاعتلّ بعير لصفية وكان مع زينب فضل فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بعير صفيّة قد اعتلّ فلو أعطيتها بعيرا لك! قالت: أنا أعطي هذه اليهودية؟! فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجرها بقيّة ذي الحجّة ومحرّم وصفر وأيّاما من ربيع الأول حتى رفعت متاعها وسريرها فظنت إنه لا حاجة له فيها فبينما هي ذات يوم قاعدة نصف النهار، إذ رأت ظلّه قد أقبل فأعادت سريرها ومتاعها [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد بسند لا بأس به عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه قال شعبة أحسبه قال شهرا فأتاه عمر بن الخطاب وهو في غرفة وهو على حصير قد أثّر الحصير بظهره، فقال: يا رسول الله كسرى يشربون في الذّهب والفضّة وأنت هكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم عجّلت لهم طيّباتهم في الحياة الدنيا، ثم قال رسول الله الشهر هكذا وهكذا وهكذا وكسر في الثالثة الإبهام [ (2) ] .
وروى الحاكم والبيهقي والحارث واللفظ له عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استبرأ صفية بحفصة، قيل له: من أمّهات المؤمنين أم من غير أمهات المؤمنين؟ قال:
من أمّهات المؤمنين.
تنبيهات
الأول: سبب نزول قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا [الأحزاب/ 28] :
أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم سألنه في عرض الدّنيا ومتاعها أشياء وطلبن منه زيادة في النفقة وأذينه بغيرة بعضهن بعضا فهجرهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وآلى أي حلف لا يقربهنّ شهرا ولم يخرج إلى أصحابه، فقالوا: ما شأنه وكانوا يقولون طلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: لأعلمنّ لكم شأنه، فاستأذن عليه صلى الله عليه وسلم كما تقدم.
الثاني:
قال في (زاد المعاد) : وطلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وراجع، وآلى إيلاء مؤقّتا بشهر ولم يظاهر أبدا، وأخطأ من قال: إنه ظاهر خطأ عظيما، وإنما ذكر هنا تنبيها على ذكر خطائه ونسبته إليه ما أمره الله تعالى منه.
__________
[ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 4/ 326 وقال رواه أبو داود مختصرا، والطبراني في الأوسط.
[ (2) ] أخرجه أحمد 2/ 298 وانظر المجمع 6/ 7، 10/ 327.(9/62)
الثالث: في بيان غريب ما سبق:
سفع برجلها: بسين فعين مهملتين بينهما فاء مفتوحات.
أخذ القضيب: بقاف مفتوحة فضاد معجمة فمثناة تحتية فموحّدة، الغصن والجمع قضبان بضم القاف وكسرها.
العكّة: إناء من جلد للسّمن والعسل.
تلعقه: بفوقية مفتوحة فلام ساكنة فعين مهملة مفتوحة فقاف فهاء: تلحسه.
ريح مغافير: [ ... ] .
ضيعتي: بضاد معجمة مفتوحة فتحتية ساكنة فعين مهملة فتاء تأنيث: ما يكون معه معايش الرجل كالصنعة والزراعة وغير ذلك.
جبلة: بجيم فموحدة فلام مفتوحات فتاء تأنيث.
الأيهم: بهمزة مفتوحة فتحتية ساكنة فهاء فميم.
عرجون: بعين مهملة مضمومة فراء ساكنة فجيم فواو فنون: العود الأصفر الذي يكون فيه شماريخ العذق من الانعراج وهو الانعطاف [ (1) ] .
__________
[ (1) ] ثبت في قوله «وهذا عصيب في القصة، يموجون: من ماج فعدل في الشرح عنه، وكتب يعوجون ولعله من فهم الكاتب لا المؤلف» .(9/63)
الباب الخامس في محبته- صلى الله عليه وسلم- للنساء
روى النسائي والطبراني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حبب إلي من دنياكم ثلاث النساء والطّيب وجعلت قرة عيني في الصّلاة ورواه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد الزهد وزاد «وأصبر عن الطّعام والشّراب ولا أصبر عنهنّ» وفي لفظ «الجائع يشبع والظّمآن يروى، وأنا لا أشبع من حب الصّلاة والنّساء» [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد في الزهد وابن سعد عن معقل بن يسار- رضي الله تعالى عنه- قال:
لم يكن شيء أعجب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخيل ثم قال غفرانك بل النّساء [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد وفيه راو لم يسم وبقية رجاله رجال الصحيح عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت كان يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ثلاثة أشياء الطّعام والنّساء والطّيب، ولم يصب الطّعام، وقال ابن سعد: أخبرنا الفضل بن دكين حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن رجل حدّثه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ثلاثة أشياء النّساء والطّيب والطّعام فأصاب اثنتين ولم يصب واحدة أصاب النساء والطّيب ولم يصب الطعام.
وروى أيضا عن سلمة بن كهيل قال: لم يصب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من الدنيا أحب إليه من النساء والطيب.
وروى أيضا عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحببت من عيش الدّنيا إلا الطيب والنساء [ (3) ] .
تنبيه:
وقع في بعض الكتب حبب إلي من دنياكم ثلاث، قال الحافظ ابن القيّم والزّركشيّ والحافظ في تخريج أحاديث الكشّاف وأبو زرعة العراقي في أماليه والشيخ أن لفظ (ثلاث) لم يقع في شيء من طرق الحديث، وإنها زيادة مفسرة للمعنى، فإنّ الصلاة ليست من أمور الدنيا.
__________
[ (1) ] تقدم.
[ (2) ] انظر المجمع 4/ 258.
[ (3) ] أخرجه ابن سعد 1/ 1/ 112 وانظر الكنز (17346) .(9/64)
الباب السادس في عدله- صلى الله عليه وسلم- بين نسائه وقسمه لهن
وروى أبو داود والنسائي وابن ماجة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل، فيقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك يعني القلب [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود عنها أيضا قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضّل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا وكان قلّ يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا فيدنو من كلّ امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنّت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، يومي لعائشة فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك منها [ (2) ] .
وروى الشيخان عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا وفي لفظ إذا أراد أن يخرج أقرع بين نسائه فأيّتهنّ خرج سهمها خرج بها معه، زاد البخاريّ: وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها، غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تبتغي بذلك رضا الرسول صلى الله عليه وسلم [ (3) ] .
وروى الشيخان عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟ مرتين، يريد يوم عائشة،
فأذن له أزواجه يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتّى مات عندها، قالت عائشة: مات في اليوم الذي كان يدور عليهم فيه في بيتي [ (4) ] .
وروى مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسع نسوة فكان إذا أقسم بينهنّ لا ينتهي إلى المرأة الأولى إلّا في تسع فكنّ يجتمعن في بيت التّي يأتيها فكان في بيت عائشة فجاءت زينب، فمد يده إليها، فقالت: هذه زينب، فكفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فتقاولتا حتى استخبتا وأقيمت الصلاة، فمر أبو بكر على ذلك فسمع أصواتهما، فقال: اخرج يا رسول الله، إلى الصلاة واحث في أفواههنّ التّراب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم،
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 144 والدارمي 2/ 144 وأبو داود 2/ 601 (2134) والترمذي 3/ 446 (1140) والنسائي 7/ 63 وابن ماجة 1/ 633 (1971) وابن حبّان ذكره الهيثمي في الموارد (1305) والحاكم 2/ 187.
[ (2) ] أخرجه أبو داود (2315) والحاكم 2/ 189 والبيهقي 7/ 74231.
[ (3) ] أخرجه البخاري 5/ 293 (2688) ومسلم 4/ 2129 (56/ 2770) .
[ (4) ] أخرجه البخاري 9/ 317 (5217) ومسلم (4/ 1894) (84/ 2443) .(9/65)
فقالت عائشة: الآن يقضي رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، فيجيء أبو بكر، فيفعل بي ويفعل، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، أتاها أبو بكر، فقال لها قولا شديدا وقال: أتصنعين هذا [ (1) ] .
وروى الشيخان عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاة العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهنّ وفي لفظ «فيدنو منهنّ» .
وروى أبو يعلى والطبراني بسند جيد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا قرع بين نسائه، فأصابت القرعة عائشة في غزوة بني المصطلق [ (2) ] .
وروى مسدد برجال ثقات عن جعفر بن محمد- رحمه الله تعالى- عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل إلى نسائه وهو مريض فيعدل بينهن في القسم [ (3) ] .
وروى محمد بن يحي بن أبي عمر بن أبي سلمة عن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بنى بأمّ سلمة قال: إن شئت سبعت لك وسبّعت لنسائي
[ (4) ] .
وروى الإمام أحمد بسند جيد عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تزوّج البكر أقام عندها ثلاثا [ (5) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: إذا تزوّج البكر على الثيب أقام عندها سبعا إذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا [ (6) ] .
وروى مسلم عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج أمّ سلمة أقام عندها ثلاثا، وقال: إنّك ليس لك على أهلك هوان إن شئت سبّعت لك وإن شئت سبّعت لنسائي وإن شئت ثلاثة ثم ردت قالت ثلاثة
[ (7) ] .
وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن سودة بنت زمعة- رضي الله
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم 2/ 1084 (46/ 1462) .
[ (2) ] انظر الدر المنثور 5/ 27 والبيهقي في الدلائل 4/ 63.
[ (3) ] ذكره الحافظ في المطالب (1016) .
[ (4) ] أخرجه ابن سعد 8/ 66265 وابن أبي شيبة 4/ 277 وأحمد 6/ 38 والشافي في المسند (261) والطحاوي في المعاني 3/ 28 وأبو داود (1/ 646) (2122) .
[ (5) ] أخرجه أحمد (2/ 178) .
[ (6) ] أخرجه أحمد 3/ 99 وأبو داود 1/ 646 (2124) والترمذي 3/ 445 (1139) وهو ينحوه عند البخاري ومسلم فالبخاري 9/ 314 (5214) ومسلم 2/ 1084 (44/ 1461) .
[ (7) ] أخرجه مسلم 2/ 1083 (42/ 1460) .(9/66)
تعالى عنها- وهبت يومها لعائشة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد عن صفية بنت حيي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج بنسائه حتى إذا كان ببعض الطريق نزل رجل فساق بهن يعني النساء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«كذلك سوقك بالقوارير، يعني بالنّساء، فبينما هم يسيرون برك بصفيّة جملها، وكانت من أحسنهن ظهرا، فبكت، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخبر بذلك، فجعل يمسح دموعها، وجعلت تزداد بكاء وهو ينهاها فلما أكثرت زجرها وانتهرها، وأمر الناس فنزلوا، ولم يكن يريد أن ينزل قالت: فنزلوا، وكان يومي فلما نزلوا ضرب خباء النبي صلى الله عليه وسلم ودخل فيه فلم أدر علام اهجم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وخشيت أن يكون في نفسه شيء فانطلقت إلى عائشة، فقلت لها: تعلمين أني لم أكن أبيع يومي من رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء أبدا، وإني قد وهبت يومي لك على أن ترضي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنّي، قالت: نعم، قالت: فأخذت عائشة خمارا لها قد ثردته بزعفران ورشّته بالماء لتزكّي ريحه، ثم لبست ثيابها ثم انطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفعت طرف الخباء فقال لها: مالك يا عائشة، إن هذا ليس يومك، قالت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فقال مع أهله، فلما كان عند الرّواح، قالت لزينب بنت جحش، أفقري لأختك صفيّة جملا وكانت من أكثرهن ظهرا، فقالت: أنا أفقر يهوديّتك، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع ذلك منها، فهجرها، فلم يكلّمها حتى قدم مكة وأيام منى من سفره حتّى رجع إلى المدينة والمحرّم وصفر فلم يأتها ولم يقسم لها فأيست منه فلمّا كان شهر ربيع الأول دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأت ظلّه، فقالت: إنّ هذا الظّلّ ظلّ رجل وما يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فمن هذا؟
فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأته، قالت: رسول الله! ما أدري ما أصنع حين دخلت عليّ وكانت لها جارية تخبّئها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: فلانة لك، فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سرير زينب وكان قد رفع فوضعه بيده، ثم أصاب أهله، وتقدّم بعضه في باب طلاقه [ (2) ] .
تنبيهات
الأول: قال في (زاد المعاد) : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وكان قد أعطى قوة ثلاثين في الجماع وغيره وأباح الله تعالى له في ذلك ما لم يبحه إلى أحد من أمّته وكان يقسم بينهن في المبيت والإيواء والنّفقة وأما المحبّة
فكان يقول: اللهمّ هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك،
قيل: هو الحبّ والجماع ولا تجب التّسوية في ذلك، لأنه فيما لا يملك.
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 9/ 312 (5212) ومسلم 2/ 1085 (47/ 1463) .
[ (2) ] أخرجه أحمد 6/ 338 وانظر المجمع 4/ 32.(9/67)
الثاني: قال في (زاد المعاد) : هل كان القسم واجبا عليه وكان له مباشرتهن بغير قسم على قولين للفقهاء، فهو صلى الله عليه وسلم أكثر الأمة نساء قال ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- تزوّجوا، فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء.
الثالث: قال في (زاد المعاد) : وكان يقسم لثمان منهن دون التاسعة ووقع في صحيح مسلم من قول عطاء أن التي لم يقسم لها هي صفية بنت حيي، وهو غلط من عطاء- رحمه الله تعالى- وإنما هي سودة، فإنها لما كبرت وهبت نوبتها لعائشة فكان صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة، وسبب هذا الوهم- والله تعالى أعلم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد وجد على صفيّة في شيء، فقالت لعائشة: هل لك أن ترضي رسول الله صلى الله عليه وسلم عني وأهب لك يومي، قالت: نعم،
فقعدت عائشة إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم في يوم صفيّة فقال: إليك عنّي يا عائشة، فإنه ليس يومك، فقالت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فأخبرته بالخبر فرضي عنها،
وإنما كانت قد وهبت لها ذلك اليوم وتلك النوبة الخاصة لذلك، ولا يكون القسم لسبع منهنّ وهو خلاف الصحيح الذي لا ريب فيه أن القسم كان لثمان، والله تعالى أعلم.
الرابع: في بيان غريب ما سبق.
أسنت: بهمزة فسين مهملة مفتوحات كبرت.
فرقت- بفاء مفتوحة فراء مكسورة فقاف فتاء تأنيث- فزعت أشدّ الفزع.
تقاولتا: تفاوضتا.
استخبّتا: - بهمز فسين مهملة ساكنة ففوقية رفعتا صوتيهما.
احث: - بهمز مضمومة فحاء مهملة ساكنة فمثلثة: ارم.
القوارير- تقدمت.
زرها- بزاي فموحدة فراء فهاء مفتوحات فألف.
انتهرها- بغلظ في القول والرد بردته.
الخباء: بمعجمة مكسورة فموحدة فألف ممدودة: أحد بيوت العرب من وبر وصوف لا شعر ويكون على عمودين أو ثلاثة والجمع أخبية.(9/68)
الباب السابع في حسن خلقه صلى الله عليه وسلم معهن ومداراته لهن وحثّه على برّهن والصبر عليهن ومحادثته لهن وصبره معهن- رضي الله تعالى عنهن-
وروى الشيخان والترمذي والنسائي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أنّ أمّ سلمة أرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحفة أو في قصعة وهو في بيت عائشة وفي رواية: فضربت عائشة يد الخادم فسقطت ورمت الصحفة بقهر فانفلقت فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلق الصّحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام التي كان في الصّحفة، ويقول: غارت أمّكم مرّتين ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة، فبعثها إلى أم سلمة، وأعطى صحفة أم سلمة عائشة
[ (1) ] .
وروى الشيخان والترمذي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فطر أو أضحى، وفي لفظ أيام منى، وعندي جاريتان يغنيان بما تقالت الأنصار يوم بعاث، قالت، وليستا بمغنيتين تدفقان فاضطجع على فراشي، وحوّل وجهه ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمار الشيطان، وفي رواية أمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهما لكلّ قوم عيد، وهذا عيدنا، فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب السّودان بالدّرق والحراب فأما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما قال: «تشتهين تنظرين» ؟ فقلت: نعم، فأقامني وراءه خدّي على خدّه، ويقول: دونكم يا بني أرفدة فزجرهم عمر، فقال رسول الله: «أمنا يا بني أرفدة حتى إذا مللت» ، قال: حسبك، قلت: نعم، قال:
فاذهبي، قالت: فاقدروا قدر الجارية العربية الحديثة السّن [ (2) ] .
روى ابن أبي أسامة والخرائطيّ وابن عساكر وأبو الحسن بن الضحاك عن عمرة بنت عبد الرحمن- رحمهما الله- قالت: سألت عائشة- رضي الله تعالى عنها- كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا مع نسائه، قالت: كان كرجل من رجالكم، إلا أنه كان أكرم الناس وأحسن الناس خلقا كان ضحّاكا بسّاما صلى الله عليه وسلم.
وروى أبو داود والطيالسي والإمام أحمد وابن عساكر عن أبي عبد الله الجدلي- رحمه الله تعالى- قال: قلت لعائشة- رضي الله تعالى عنها-: كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 9/ 320 (2225) وأحمد 3/ 263، أبو داود (3567) وابن ماجه (2334) والطبراني في الصغير 1/ 206 والطّحاوي في المشكل 4/ 316 والبيهقي في السنن الكبرى 6/ 96.
[ (2) ] أخرجه البخاري 1/ 445 (952) (987) ومسلم 2/ 607 (16- 17/ 892) والنسائي 3/ 197 والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 92، 10/ 224.(9/69)
أهله، قالت: كان أحسن الناس خلقاً، لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا سخّابا في الأسواق، ولا يجزئ بالسّيّئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح [ (1) ] .
وروى النسائي وأبو بكر الشافعي وأبو يعلى وسنده حسن عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: زارتنا سودة يوما، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينها فأتيت بحريرة فقلت لها:
كلي، فأبت، فقلت لتأكلين وإلّا لطّخت وجهك، فأبت، فأخذت من القصعة شيئا، فلطّخت به وجهها فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع رجله من حجرها، وقال الطخي وجهها فأخذت شيئا من القصعة فلطّخت به وجهي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فمرّ عمر فنادى، يا عبد الله يا عبد الله فظنّ النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيدخل فقال: قوما فاغسلا وجوهكما قالت عائشة: فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ (2) ] .
وروى ابن سعد عن ميمونة- رضي الله تعالى عنها- قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة من عندي فأغلقت دونه الباب فجاء يستفتح الباب فأبيت أن أفتح له قال: أقسمت عليك إلّا فتحت لي، فقلت له تذهب إلى بعض نسائك في ليلتي فقال ما فعلت ولكن وجدت حقنا من بول [ (3) ] .
وروى الطبراني وابن مردويه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: نزل عذري من السماء، وكادت الأمّة تهلك بسببي فلمّا سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرج الملك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي: اذهب إلى ابنتك فأخبرها أن الله تبارك وتعالى قد أنزل عذرها، قال، فأتاني أبي وهو يعدو يكاد أن يعثر، فقال: أبشري يا بنيّة، إن الله عز وجل قد أنزل عذرك من السماء، قلت نحمد الله لا نحمدك، ولا نحمد صاحبك الذي أرسلك، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناول ذراعي، فقلت بيده هكذا، فأخذ أبو بكر النّعل ليعلوني به فضحك فمنعه وضحك، وقال أقسمت عليك لا تفعل [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد واللفظ له وأبو داود برجال ثقات عنها قالت بعثت صفية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام قد صنعته له وهو عندي فلمّا رأيت الجارية أخذتني رعدة حتى استقبلتني أفكل فضربت القصعة فرميت بها فعرفت الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أعوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلعنني اليوم [ (5) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 3/ 212، 270، 6/ 236 وابن عساكر كما في التهذيب 1/ 338.
[ (2) ] تقدم وانظر المجمع 4/ 316 وحريرة: حساء مطبوخ من الدقيق والدسم والماء.
[ (3) ] أخرجه الحاكم 4/ 32 والسيوطي في الدر 6/ 251.
[ (4) ] ذكره السيوطي في الدر المنثور 5/ 31.
[ (5) ] أخرجه أحمد 6/ 277.(9/70)
وروى الطبراني بسند حسن عن عمرو بن حريث- رضي الله تعالى عنه- قال: كان زنج يلعبون بالمدينة فوضعت عائشة منكبها على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت تنظر إليهم [ (1) ] .
وروى أبو يعلى بسند لا بأس به وأبو الشيخ بن حيان بسند جيّد قويّ عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت كان في متاعي خفّ وكان على جمل ناج وكان متاع صفية فيه ثقل، وكان على جمل ثقال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حوّلوا متاع عائشة على جمل صفيّة، وحوّلوا متاع صفيّة على جمل عائشة حتى يمضي الركب» ، قلت: يا لعباد الله، غلبتنا هذه اليهودية على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أم عبد الله، إن متاعك فيه خفّ، وكان متاع صفية فيه ثقل، فأبطأ الركب فحوّلنا متاعها على بعيرك وحوّلنا متاعك على بعيرها، قالت:
فقالت: ألست تزعم أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أو فيّ شكّ؟ أنت يا أم المؤمنين يا أم عبد الله، قالت: قلت: ألست تزعم أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهلا عدلت وسمعني أبو بكر وكان فيه غرب أي حدّة، فأقبل عليّ فلطم وجهي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مهلاً يا أبا بكر» ، فقال: يا رسول الله، أما سمعت ما قالت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الغيرى لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه، ورواه الإمام أحمد بسند لا بأس به عن صفية- رضي الله تعالى عنها-» [ (2) ] .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
الصحفة- بصاد مفتوحة فحاء ساكنة مهملتين ففاء فتاء تأنيث- إناء دون الجفنة.
الفهر- بفاء مكسورة فهاء ساكنة فراء- الحجر ملء الكفّ.
القصعة، بقاف مفتوحة فصاد ساكنة فعين مهملة مفتوحة فتاء تأنيث: الصحفة.
مغنيتين- ...
مزمارة الشّيطان- بميم مكسورة فزاي ساكنة فميم فألف فراء فتاء تأنيث: الآلة التي يزمر بها السودان.
بني أرفدة- بهمزة مفتوحة فراء ساكنة ففاء فدال مهملة.
الرّعدة- بكسر الراء وسكون العين وبالدال المهملتين- الاضطراب.
المنكب- بميم فنون فكاف فموحدة-[مجتمع رأس] الكتف والعضد.
__________
[ (1) ] انظر المجمع 4/ 316 وقال: رواه الطبراني واسناده حسن.
[ (2) ] انظر المجمع 4/ 322 والمطالب (1540، 1927) قوله: أي بطيء ثقيل.(9/71)
الباب الثامن في آدابه- صلّى الله عليه وسلم- عند النكاح والجماع وقوته على كثرة الوطء
وفيه أنواع:
الأول: في حيائه صلى الله عليه وسلم:
روى ابن أبي شيبة والقاضي أبو بكر المروزيّ في مسند عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من نسائه إلا متقنّعا رأسه حياء، وما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما رأى مني.
وروى البيهقي عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء غطّى رأسه وإذا أتى أهله غطّى رأسه [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد وبقيّ بن مخلّد وابن أبي شيبة وأبو الحسن بن الضحّاكّ عنها، قالت: ما رأيت عورة رسول الله وفي لفظ فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قطّ [ (2) ] .
وروى الخطيب في تاريخه عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى امرأة من نسائه غطّى رأسه وخفض صوته، وقال للمرأة عليك بالسكينة والوقار [ (3) ] .
وروى ابن الأعرابيّ عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أهله غطّى رأسه.
وروى الطّبرانيّ وتمّام الرّازيّ وابن عساكر عن معروف أبو الخطّاب عن واثلة بن الأسقع عن أم سلمة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بعض أهله قنّع رأسه ويقول للمرأة التي تحته عليك بالسكينة والوقار
[ (4) ] .
الثاني: في قوته صلى الله عليه وسلم على كثرة الوطء:
وروى الطبراني والإسماعيلي في معجمه وابن عساكر عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال:
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1/ 96 وأبو نعيم في الحلبة 7/ 139 وابن عدي 6/ 2295.
[ (2) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 2/ 479.
[ (3) ] أخرجه الخطيب في التاريخ 5/ 162 وابن سعد 1/ 2/ 58 وانظر المجمع 4/ 295.
[ (4) ] انظر المجمع 4/ 295 وانظر كنزل العمال (45886) وجمع الجوامع 2/ 762.(9/72)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فضلت على الناس بأربع بالسخاء والشجاعة وكثرة الجماع، وشدة البطش» [ (1) ] .
وروى ابن سعيد وابن أبي أسامة عن طاوس ومجاهد، قالا: أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم قوة أربعين رجلا في الجماع [ (2) ] ، وروى ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: أعطي النبي صلى الله عليه وسلم قوة بضع و (ستين) شابّا، فحسدته اليهود، فقال الله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء/ 54] ، وروى ابن سعد عن مجاهد وطاوس قالا: أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم قوة أربعين في الجماع [ (3) ] .
وروى عبد الرزاق عن طاوس قال: أعطي النبي صلى الله عليه وسلم قوة خمسة وأربعين في الجماع وروى مثله عن سعيد بن المسيّب.
وروى الحارث بن أبي أسامة عن مجاهد وطاوس قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوة بضع وأربعين رجلا، كل رجل من أهل الجنة.
وروى الإمام أحمد والنّسائيّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن الرجل من أهل الجنة ليعطى قوّة مائة في الأكل والشرب والجماع والشهوة» [ (4) ] .
روى البخاريّ والنّسائيّ وأبو بكر الإسماعيلي عن قتادة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدور وفي لفظ «يطوف» على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة، قال قتادة: قلت لأنس: أكان يطيقها وفي لفظ «هل كان يطيق ذلك» ؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين، وفي رواية عند الإسماعيلي: «أربعين في الساعة الواحدة» [ (5) ] ، وفي رواية أخرى «في الليلة الواحدة» .
كذا في نسختين من مجمع الزوائد لم يذكر من روده، وقال ورجاله رجال الصحيح خلا عبد السلام بن عاصم الرازيّ، وهو ثقة.
وروي عن جابر بن عبد الله قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الكفيت، قيل للحسن وما الكفيت؟ قال: البضاع [ (6) ] ورواه عبد الرزاق في المصنف عن أنس ولم يذكر الحسن بل قال: قيل: وما الكفيت؟ قال: البضاع.
__________
[ (1) ] أخرجه الخطيب في التاريخ 1/ 169 وابن عساكر كما في التهذيب 4/ 347 وانظر المجمع 8/ 269، 9/ 13.
[ (2) ] انظر المجمع 4/ 293، 8/ 269 والمطالب العالية (3869، 3870) .
[ (3) ] انظر المجمع 4/ 293 والمطالب (3869) .
[ (4) ] أخرجه أبو نعيم في الحلبة 8/ 116 وأحمد (4/ 367) .
[ (5) ] أخرجه البخاري 1/ 126 (268) ومسلم 1/ 249 (28/ 309) .
[ (6) ] انظر مجمع الزوائد 4/ 293.(9/73)
وروى الطبراني عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت قوة أربعين في البطش والنّكاح» [ (1) ] .
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أبي محمّد عن عبد الله بن علي أبا جدي أبو عمرو بن عبد البر حدّثنا خلف بن القاسم بن أبي القاسم إلياس بن محمد بن إلياس المصريّ العطّار حدّثنا أبو بكر بن جعفر بن الإمام حدّثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبي عن أسامة بن زيد عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل بقدر يقال له الكفيت فأكلت منها أكلة فأعطيت قوة أربعين رجلا [ (2) ] .
ورواه ابن سعد من طريق عبيد الله بن موسى عن أسامة بن زيد عن صفوان بن سليم وروى البخاريّ والإسماعيليّ عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: لقد رأيتني أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وله يومئذ تسع نسوة [ (3) ] .
وروى ابن عدي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف على نسائه في كل ليلة فإذا جاء التي هو يومها أقام عندها.
وروى أبو داود والحارث بن أبي أسامة عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على نسائه فجعل يغتسل عند هذه، وعند هذه، فقلت: يا رسول الله، ألا تجعله غسلا واحدا؟ قال: هو أزكى وأطيب وأطهر [ (4) ] .
وروى النسائي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه وفي رواية في غسل واحد في اليوم الواحد ولا يغتسل [ (5) ] .
وروى ابن عدي عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف على تسع نسوة في ضحوة [ (6) ] .
تنبيهات
الأول:
قال ابن أبي أسامة إسماعيل بن أبي إسماعيل عن إسماعيل بن عيّاش عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن سعد بن مسعود الليثي أن عثمان بن مظعون قال: يا رسول
__________
[ (1) ] انظر المجمع (1/ 269) .
[ (2) ] انظر جمع الجوامع 266، 267 وكنز العمال (31797، 31896، 31897) .
[ (3) ] تقدم.
[ (4) ] أخرجه ابن ماجة (590) وأبو داود (1/ 106) (219) .
[ (5) ] النسائي 1/ 144 (264) .
[ (6) ] أخرجه أحمد 3/ 239 وابن عدي في الكامل 6/ 2220 وانظر كنز العمال (18690) .(9/74)
الله، إني لا أحبّ أن أنظر إلى عورة امرأتي ولا أحب أن ترى ذلك مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ولم ذلك؟ أن الله تعالى جعلك لباسا لها، وجعلها لباسا لك، وإني أرى ذلك من أهلي ويرونه مني» ، قال فمن يعدل بك يا رسول الله، ثم ولّى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّ ابن مظعون حيىّ ستير،
في سنده عبيد بن أبي إسماعيل وهو ضعيف وإسماعيل بن عياش ضعيف في غير الشاميين وعبد الرحمن بن زياد ضعيف ليس بشاميّ [ (1) ] .
الثاني: جمع ابن حيان بين حديثي طوافه على إحدى عشرة وتسع بأن حمل ذلك على حالتين.
الثالث: قال الحافظ ضياء الدين المقدسيّ: لم يجتمع عند النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة امرأة إلا أن يكون بالجواري.
الرابع:
روى التّرمذيّ وصححه عن أنس مرفوعا: يعطى المؤمن في الجنّة قوة كذا وكذا من الجماع، قلت: يا رسول الله، أيطيق ذلك؟ قال: يعطى قوة مائة انتهى
[ (2) ] .
فإذا ضربنا أربعين في مائة بلغت أربعة آلاف وبهذا يندفع ما استشكل من كونه صلى الله عليه وسلم أعطي قوة أربعين فقط، وأعطي سليمان بن داود قوّة مائة رجل أو ألف، على ما ورد وسيأتي لهذا وما بعده مزيد بيان في الخصائص.
الخامس: للأنبياء من ذلك ما ليس لغيرهم فقد قال الحكيم الترمذي في نوادره:
الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- زيدوا في النّكاح بفضل نبوّتهم وذلك أن النّور إذا امتلأ الصّدر منه ففاض في العروق التذّت النّفس والعروق فأثارت الشّهوة وقوّاه.
ثم روى عن سعيد بن المسيب قال: إن الأنبياء يفضّلون بكثرة الجماع على النّاس وذلك لما فيه من اللّذّة.
وروى الحافظ في (الفتح) قال: كلّ من كان أتقى لله كان أشدّ شهوة، قال القاضي أبو بكر بن العربي في (سراج المريدين) قد آتى الله تعالى رسوله خصيصة عظمى وهي قلّة الأمل والقدرة على الجماع فكان أقنع الناس في إلفه وتقنعه العلقة، وتشبعه الحزّة، وكان أقوى الناس على الوطء، وقال القاضي عياض النكاح متّفق على التّمدّح بكثرته والفخر بوفوره شرعا وعادة، فإنه دليل الكمال وصحّة الذّكور به، ولم يزل التّفاخر بكثرته عادة معروفة، والتمدّح به سيرة ماضية وأما في الشّرع فسنة مأثورة، حتى لم يره العلماء مما يقدح في الزهد، وسأل بلال بن أبي
__________
[ (1) ] ذكره الحافظ في المطالب (1567) يراجع السند.
[ (2) ] أخرجه الترمذي (2536) وانظر تفسير ابن كثير 8/ 11.(9/75)
بردة محمد بن واسع: ما بال القرى أغلم الناس؟ قال: لأنهم لا يزنون، رواه ثعلب في «أماليه» .
وقيل لرقيّة بن مسلمة ما بال القرى أكثر شيء نهمة وأكثر شيء غلمة؟ قال: أما النّهمة فإنهم يصومون، وأما الغلمة فإنهم لا يزنون.
وقال الغزّاليّ: أنكر بعض الناس حال الصوفية، فقال له بعض ذوي الدين: ما الذي تنكر منهم؟ قال: يأكلون كثيرا، قال: وأنت أيضا لو جعت كما يجوعون لأكلت كما يأكلون، قال:
ينكحون كثيرا، قال: وأنت أيضا لو حفظت عينيك وفرجك كما يحفظون لنكحت كثيرا كما ينكحون.
وقال الجنيد: يقولون يحتاج إلى النّكاح كما يحتاج إلى القوت؟ قلت: فالزوجة على التحقيق سبب طهارة القلب.
السادس: في بيان غريب ما سبق:
المتقنع- بميم مضمومة ففوقية فقاف مفتوحتين فنون فعين مهملة- الذي يتغشّى بثوب.
الخلاء- بخاء معجمة فلام مفتوحتين فألف ممدودة- المراد به ها هنا قضاء الحاجة.
العورة- بعين مهملة مفتوحة فواو ساكنة فراء فتاء تأنيث- كل ما يستحى منه إذا ذكر.
الوقار- بواو مفتوحة فقاف فألف فراء- الحلم والرزانة.
السّكينة- بسين مهملة مفتوحة فكاف مكسورة فتحتية فنون فتاء تأنيث- والمراد به ها هنا الوقار والسكون.
الجماع- بجيم مكسورة فميم فألف فعين مهملة: المراد به ها هنا الوطء وأصله ما جمع عددا.
البطش- بموحدة مفتوحة فطاء ساكنة فشين معجمة، الأخذ القويّ الشديد.
البضع- بموحدة مكسورة فضاد معجمة ساكنة فعين مهملة: من العدد ما بين الثلاثة إلى التسعة، وقيل: ما بين الواحد إلى العشرة وهو المراد هنا، وبضم الموحدة: يطلق على النكاح والعقد معا وقيل: الفرج، والله سبحانه وتعالى أعلم.(9/76)
جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلم- في الصيد والذبائح
الباب الأول في آدابه- صلّى الله عليه وسلم- في الذبائح وما ارشد إليه منها
روى أبو داود عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا قدم المدينة نحر جزورا أو بقرة [ (1) ] ، وروى عن عبد الرحمن بن سابط- رحمه الله تعالى- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة ينحرون البدن معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها، ورواه أبو داود عن جابر- رضي الله تعالى عنه-، وعن أبي الزّبير عنه [ (2) ] .
وروي عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بغلام يذبح شاة وما يحسن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
وروى الطبراني برجال الصحيح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل وضع رجله على صفحة شاة، وهو يحدّ شفرته، وهي تلحظ إليه ببصرها، قال:
أفلا قتل هذا أتريد أن تميتها ميتتين [ (3) ] .
وروى ابن ماجه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذبح أضحية بيده واضعا قدمه على صفاحها [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن رجل من الأنصار- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أضجع أضحيته ليذبحها، فقال له: أعني على ضحيّتي فأعانه [ (5) ] .
وروي عن النعمان بن أبي فاطمة أنه اشترى كبشا أقرن أعين وأن النبي صلى الله عليه وسلم رآه فقال كأن هذا الكبش الذي ذبح إبراهيم فعمد رجل من الأنصار فاشترى للنبي صلى الله عليه وسلم من هذه الصّفة فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فضحى به
[ (6) ] .
__________
[ (1) ] أبو داود (3747) .
[ (2) ] أبو داود (1/ 549) (1767) .
[ (3) ] انظر المجمع 4/ 33 والبيهقي في السنن الكبرى 9/ 280.
[ (4) ] أخرجه ابن ماجة 2/ 1054 (3155) .
[ (5) ] أخرجه أحمد 5/ 373 والمجمع 4/ 25 وفتح الباري 10/ 19.
[ (6) ] انظر المجمع 4/ 23.(9/77)
الباب الثاني في صيد البرّ والبحر والسهم والحيوان
روى ابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وابن أبي شيبة، وابن ماجة عن أبي هريرة وعبد الرزّاق عن أنس وعن سليمان بن موسى مرسلا وعن يحيى بن أبي كثير بلاغا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «البحر زكيّ وماؤه طهور» ، وفي لفظ «البحر طهور ماؤه حلال ميتته» وفي لفظ «الطّهور ماؤه الحلّ ميتته» [ (1) ] .
وروى أبو داود وضعّفه ابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الجراد من صيد البحر [ (2) ] .
وروى ابن ماجه عن أنس وجابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، الجراد نثرة الحوت في البحر [ (3) ] .
وروى أبو يعلى عن القاسم بن مخوّل البهزيّ، قال: سمعت أبي يقول: نصبت حبائل لي بالأبواء، فوقع في حبل منها ظبي، فأفلت بالحبل فخرجت أقفوه، فإذا رجل قد سبقني إليه، فأخذه فاختصمنا فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالأبواء تحت شجرة يستظل بنطع، فجعله صلى الله عليه وسلم بيننا نصفين فقلت هذا حبلي في رجله يا رسول الله، قال: هو ذاك [ (4) ] .
وروى الشيخان عن عدي بن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أرسلت كلبك المعلّم فقتل، فكل وإذا أكل فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه قلت: أرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر، قال: فلا تأكل فإنما سمّيت على كلبك ولم تسمّ على كلب آخر» [ (5) ] .
وروى الإمام أحمد والخمسة والنسائي عن أبي ثعلبة الخشينيّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت وسمّيت، فكل ممّا أمسكه عليك كلبك المعلم وإن قتل، وإن أرسلت كلبك الذي ليس بمكلّب وأدركت ذكاته فكل وكل ما ردّ عليك سهمك وإن قتل وسمّ الله [ (6) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه مالك في الموطأ 1/ 22 (12) والشافي في الأم 1/ 3 وأحمد في المسند 2/ 361 والدارمي 1/ 185 وأبو داود 1/ 64 (83) والترمذي 1/ 100 (69) والنسائي 1/ 50 وابن ماجة 1/ 136 (386) .
[ (2) ] أخرجه أبو داود (1853) والبيهقي في السنن الكبرى 5/ 207 والعقيلي في الضعفاء 4/ 384.
[ (3) ] أخرجه ابن ماجة 2/ 1073 (3221) .
[ (4) ] انظر المجمع 4/ 164، 5/ 201، 9/ 56 والبيهقي في الدلائل 6/ 390 والسيوطي في الدر 6/ 180.
[ (5) ] أخرجه البخاري 1/ 279 (175، 5483، 5484، 5486) ومسلم 3/ 1531 (6/ 1929) .
[ (6) ] أحمد 4/ 195، 377، 380 النّسائي 7/ 182، 183 والحديث في الصحيحين البخاري (5478) ومسلم 3/ 1532 (8/ 1930) .(9/78)
وروى الستة عن عدي بن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أرسلت الكلب وذكرت اسم الله فكل ممّا أمسك عليك وإن قتل إلا أن يكون الكلب أكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسكه على نفسه، وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل فإنك لا تدري أيّها قتل، وإن رميت الصّيد فوجدتّه بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك، فكل، وإن وقع في الماء فلا تأكل [ (1) ] .
وروى مسلم والنسائي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أرسلت كلبك فاذكر اسم الله، فإن أمسك عليك فأدركته حيّا فاذبحه، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله، وإن وجدّت مع كلبك كلبا غيره وقد قتل فلا تأكل، فإنك لا تدري أيهما قتله، وإن رميته بسهمك فاذكر اسم الله فإن غاب عنك يوما فلم تجد فيه إلّا اثر سهمك فكل إن شئت وإن وجدتّه غرقا في الماء، فلا تأكل، فإنك لا تدري الماء قتله أم سهمك [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أرسلت كلبك فأكل الصّيد فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه وإن أرسلته وقتل ولم يأكل فكل، فإنما أمسك على صاحبه.
وروى مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن عدي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا رميت الصّيد بسهمك وغاب ثلاثة أيام وأدركته فكله ما لم ينتن [ (3) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري (175، 5483، 5484، 5486) ومسلم 3/ 1531 (6/ 1929) .
[ (2) ] أخرجه مسلم 3/ 1531 (6، 7/ 715) والنّسائي الصيد (18) .
[ (3) ] مسلم 3/ 1523 (8/ 1930) .(9/79)
الباب الثالث في إباحته- صلّى الله عليه وسلم- اقتناء كلب الصيد والحراسة
روى الشيخان عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اقتنى كلبا إلّا كلب ماشية أو ضار نقص من عمله كل يوم قيراطان» [ (1) ] .
وروي عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط» [ (2) ] .
__________
[ (1) ] لم يذكر المصنف تحت هذا الباب شيئا وذكرنا هذه تتميما للفائدة والحديث أخرجه البخاري 9/ 608 (5480) ومسلم 3/ 1201 (50/ 1574) .
[ (2) ] أخرجه البخاري 5/ 5 (2322) ومسلم 3/ 1203 (58/ 1575) .(9/80)
الباب الرابع فيما أباح- صلى الله عليه وسلم- قتله من الحيوانات وما نهى عن قتله
وروى الحاكم والطّبرانيّ عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا الحيّة والعقرب وإن كنتم في الصلاة» [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا الحيّات ذو الطّفيتين والأبتر فإنهما يطمسان البصر ويستسقطان الحمل» [ (2) ] .
وروى البخاري عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اقتلوا ذا الطفيتين، فإنه يطمس البصر ويصيب الحبل [ (3) ] .
وروى الطبراني عن إبراهيم بن جرير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا الحيّات كلّها من تركها خشية ثأرها فليس منا» [ (4) ] .
وروى مسلم عن ابن عمر- رضي الله عنهما- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا الحيّات والكلاب واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر، فإنهما يلتمسان البصر ويستسقطان الحبالى» [ (5) ] .
وروى ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح وابن حبان والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا الأسودين في الصلاة، الحية والعقرب» [ (6) ] .
وروى أبو داود والنسائي عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا الحيات كلهن فمن خاف ثأرهنّ فليس مني» [ (7) ] .
وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا الوزع ولو في جوف الكعبة» [ (8) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد في الزهد 295 والحاكم 4/ 270 والبيهقي 7/ 272 والعقيلي في الضعفاء 1/ 170 4/ 340 وانظر نصب الراية 2/ 100، 3/ 62.
[ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 347 (3297 و 3298) ومسلم 4/ 1752 (128، 129/ 2233) .
[ (3) ] أخرجه البخاري 6/ 404 (3308) .
[ (4) ] الطبراني في الكبير 2/ 102382/ 211 وانظر المجمع 4/ 47426.
[ (5) ] مسلم 4/ 1752.
[ (6) ] أخرجه أبو داود (921) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (528) والحاكم 4/ 270 والعقيلي في الضعفاء 2/ 237 وانظر نصب الراية 2/ 100299.
[ (7) ] أخرجه أبو داود (5249) والنسائي 6/ 51.
[ (8) ] أخرجه أحمد 6/ 200 والطبراني في الكبير 11/ 202 وانظر المجمع 3/ 229، 4/ 47.(9/81)
وروى الطبراني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا الحيّات فمن وجد ذا الطفيتين والأبتر فمن لم يقتلهما فليس منا، فإنهما اللذان يخطفان البصر ويسقطان ما في بطون النساء» [ (1) ] .
وروى الطبراني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا الحيّات فإنا ما سالمناهن منذ حاربناهن» [ (2) ] .
وروى الحاكم والطّبرانيّ عن سراء بنت نبهان الغنوية- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا الحيات صغيرها وكبيرها وأسودها وأبيضها» ، قال: «قال من قتلها من أمتي كانت له فداء من النار ومن قتلته كان شهيدا» [ (3) ] .
وروى عبد الرزاق عن الحسن مرسلا- رحمه الله تعالى- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا الحية والعقرب على كل حال» [ (4) ] .
__________
[ (1) ] المجمع 4/ 46 انظر كنز العمال (40026) .
[ (2) ] انظر كنز العمال (4005) ذكره الهيثمي في المجمع 4/ 50 من رواية الطبراني عن أبي هريرة.
[ (3) ] الطبراني في الكبير 5/ 20، 81 وانظر كنز العمال (40010) .
[ (4) ] انظر نصب الراية 2/ 32100/ 62.(9/82)
الباب الخامس في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الهدي
وفيه أنواع:
الأول: في إشعاره صلى الله عليه وسلم وتقليده هديه وما أهداه:
وروى الإمامان الشافعي وأحمد ومسلم والأربعة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا في حجة الوداع بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن، وسلت الدم عنها بيده، وفي لفظ بإصبعه وقلدها نعلين [ (1) ] .
وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّة إلى البيت غنما فقلدها [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى عام الحديبية هدية فيها جمل أحمر لأبي جهل في أنفه برة من فضة ليغيظ بذلك المشركين [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن جابر- رضي الله عنه- قال: أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم غنما [ (4) ] .
وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: دخل علينا يوم النّحر في حجة الوداع بلحم بقر فقلت ما هذا؟ فقيل: ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه بالبقر [ (5) ] .
وروى مسلم والإمام أحمد والترمذي عن جابر- رضي الله عنه- قال: ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة بقرة يوم النحر [ (6) ] .
وروى أبو داود وابن ماجة والنسائي عن عائشة ومسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحّى وفي لفظ نحر عن آل محمد في حجة الوداع بقرة واحدة [ (7) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم 2/ 912 (205/ 1243) .
[ (2) ] البخاري 3/ 547 (1701) ومسلم 2/ 958 (367) .
[ (3) ] أخرجه أبو داود 2/ 360 (1749) وأحمد 1/ 234، 261، 269، 273 وابن ماجة 2/ 1035 (3100) .
[ (4) ] تقدم.
[ (5) ] تقدم.
[ (6) ] أخرجه مسلم 2/ 956 (356/ 1319) .
[ (7) ] تقدم.(9/83)
وروى أبو داود والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح عمن اعتمر من نسائه بقرة بينهن [ (1) ] .
وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: فتلت قلائد بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديّ ثم أشعرها وقلدها، ثم بعث بها إلى البيت ثم أقام بالمدينة فما حرم عليه شيء كان له حلال [ (2) ] .
وروى الشيخان عنها- رضي الله تعالى عنها- قالت: أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم قلّدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه ثم بعث بها مع أبي، فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أحله الله له حتى نحر الهدي [ (3) ] .
وروى ابن ماجه والترمذي وصحّح وقفه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى هديه من قديد [ (4) ] .
الثاني: في أمره صلى الله عليه وسلم بركوب الهدي:
يروي الإمامان مالك وأحمد عن أبي هريرة والستة إلا أبا داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة، فقال: اركبها، فقال: إنها بدنة، قال:
اركبها ثلاثا، وقال في الثالثة أو الرابعة: اركبها ويلك أو قال ويحك، قال أبو هريرة: فلقد رأيته راكبها يساير بها النبي صلى الله عليه وسلم [ (5) ] .
الثالث: في سيرته صلّى الله عليه وسلم فيما يقطعه من الهدي ومن كان على هديه زاده الله تعالى شرفا وفضلا:
وروى مسلم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن ذؤيبا أبا قبيصة حدّثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ستّ عشرة بدنه من بدنه مع رجل سماه في رواية أبي ذؤيب «أبا قبيصة» وفي لفظ كأن يبعث بالبدن، ثم يقول: إن عطب منها شيء، فخشيت عليها موتا فانحرها ثم اغمس نعلها في دمها، ثم اضرب به صفحتها ولا تطعمها أنت، وفي رواية ولا تأكل أنت ولا أحد من أهل رفقتك [ (6) ] .
__________
[ (1) ] تقدم.
[ (2) ] أخرجه البخاري 3/ 542 (1696) ومسلم (2/ 957 362/ 1321) .
[ (3) ] أخرجه البخاري (1700) ومسلم 2/ 959 (369/ 1321) .
[ (4) ] أخرجه الترمذي 3/ 251 (907) وابن ماجة 2/ 1035 (3102) .
[ (5) ] أخرجه البخاري 3/ 536 (1689) ومسلم (2/ 960) (371/ 1322) .
[ (6) ] أخرجه مسلم 2/ 962 (377/ 1325) .(9/84)
وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وصححه عن ناجية الخزاعي- رضي الله تعالى عنه وفي لفظ: وكان صاحب بدن وفي لفظ: هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلت:
كيف أصنع بما عطب من البدن؟ قال: أنحرها واغمس نعلها في دمها، واضرب به صفحتها، وخلّ بين الناس وبينها فليأكلوها [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد والأربعة عن ناجية الأسلمي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معه بهدي، فقال: إن عطب فانحره ثم اصبغ نعله في دمه، ثم خلّ بينه وبين الناس، وروى الإمام أحمد عن عمرو بن خارجة الثمالي- رضي الله تعالى عنه- قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم معي هديا وقال: إذا عطب منها شيء فانحره، ثم اضرب نعله في دمه، ثم اضرب به صفحته ولا تأكل أنت ولا أهل رفقتك [ (2) ] .
الرابع: في إرساله صلّى الله عليه وسلم الهدي وهو مقيم بالمدينة:
وروى الإمامان مالك وأحمد والستة عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهدي من المدينة فأفتل قلائد هديه من عهن كان عندنا، ولا يجتنب شيئا مما يجتنب المحرم يأتي ما يأتي الحلال من أهله [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد برجال ثقات والبزار عن جابر والإمام أحمد برجال الصحيح عن عطاء بن يسار عن نفر من بني أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا فقدّ، وفي لفظ عطاء:
«فشق» قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه، قال جابر فينظر القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر اليوم على ماء كذا وكذا، فلبست قميصا ونسيت فلم أكن أخرج قميصي من رأسي وكان بعث ببدنة وأقام» .
الخامس: في نحره صلى الله عليه وسلم بيده [ (4) ] :
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أهدى مائة بدنة نحر منها ثلاثين بدن بيده، ثم أمر عليّا فنحر ما بقي منها، وقال:
اقسم لحومها وجلالها وجلودها بين الناس ولا تعطين جزارا منها شيئا، وخذلنا من كل بعير
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 334 والترمذي 3/ 253 (910) وابن ماجة 2/ 1036 (3106) ومن حديث ناجية الأسلمي الدارمي 2/ 65 وأبو داود (2/ 368) (1762) ومالك مرسلا في الموطأ 1/ 380 (148) .
[ (2) ] الطبراني في الكبير 17 42/ 4 272 وانظر التلخيص 2/ 293.
[ (3) ] البخاري 3/ 548 (1705) ومسلم 2/ 958 (364/ 1321) .
[ (4) ] أخرجه الطحاوي في معاني الآثار 2/ 138، 264 وأحمد 3/ 400 وانظر المجمع 3/ 227.(9/85)
حذية من لحم، ثم اجعلها في قدر واحدة، حتى نأكل منها ونحسو من مرقها ففعل [ (1) ] .
وروى أبو داود عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نحر بدنا نحر ثلاثين بيده وأمرني فنحرت سائرها.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
الإشعار: تقدم.
صفحة السنام: [هي جانبه] .
البرة بموحدة مضمومة فراء مفتوحة فتاء تأنيث: حلقة تجعل في لحم الأنف، وربما كان من شعر.
العهن- بعين مهملة مكسورة فهاء ساكنة فنون- الصوف.
البدن- بموحدة مضمومة فدال مهملة ساكنة فنون-: جمع بدنة وهي العظيمة من الإبل.
قديد: كزبير اسم موضع [بين مكة والمدينة] .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 1/ 260 والطبراني في الكبير 11/ 95 وانظر المجمع 3/ 225 وأصله في الصحيحين البخاري 3/ 556 (1717) ومسلم 2/ 954 (348/ 1317) .(9/86)
الباب السادس في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الأضحية
وفيه أنواع:
الأول: في مداومته صلى الله عليه وسلم على فعلها وحثّه عليها:
روى التّرمذي وصححه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين يضحي [ (1) ] ، (ورواه ابن سعد بلفظ: قالوا: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين يضحي) كل عام ولا يحلق ولا يقصر.
وروى الإمام أحمد وابن ماجة والدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان له سعة ولم يضحّ فلا يقربنّ مصلّانا [ (2) ] .
وروى البخاري عن البراء- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلّي، ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب، ومن ذبح قبل أن يصلي فإنما هو لحم عجّله لأهله ليس من النسك في شيء [ (3) ] .
الثاني: فيما ضحى به صلى الله عليه وسلم وما استحبه في صفاتها:
روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحّى بكبشين أملحين أقرنين هذا ضحى عني وعمن لم يضح من أمتي فرأيته واضعا قدمه على صفاحها يسمي ويكبر فذبحهما بيده.
وروى الإمام والبيهقي عن أنس- رضي الله عنه- قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين.
وروى الأربعة وصحّحه الترمذي عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بكبش أقرن فجعل ينظر في سواد ويأكل في سواد ويمشي في سواد [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال: ضحّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أجدعين موجوءين [ (5) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه الترمذي 4/ 78 (1507) .
[ (2) ] أخرجه ابن ماجة (3123) والخطيب في التاريخ 8/ 338 وانظر نصب الراية 4/ 207.
[ (3) ] أخرجه البخاري 2/ 456 (968) ومسلم 3/ 1553 (7/ 1961) .
[ (4) ] أخرجه أبو داود 3/ 231 (2796) والترمذي 4/ 85 (1496) والنسائي 7/ 220 وابن ماجة 2/ 1046 (3128) .
[ (5) ] أخرجه من حديث جابر أحمد 3/ 375.(9/87)
وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد وأبو يعلى عنه قال: أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم كبشان أملحان أجدعان فضحّى بهما [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دم عفراء أحب إلى الله تعالى من دم سوداوين [ (4) ] .
وروى الطبراني بسند جيد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألّف بين نسائه في بقرة في الأضحى [ (5) ] .
وروى البيهقي من طريق عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالمدينة بالجزور أحيانا وبالكبش إذا لم يجد جزورا [ (6) ] .
وروى الطبراني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: ضحّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين أحدهما عنه وعن أهل بيته والآخر عنه وعن من لم يضحّ من أمته [ (7) ] .
وروى عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين أملحين يضع رجله على صفاحهما، إذا أراد أن يذبح، ويقول: «اللهم منك ولك اللهم تقبل من محمد، وأمته» [ (8) ] .
الثالث: فيما كرهه صلّى الله عليه وسلم من صفاتها:
وروى عن البراء- رضي الله تعالى عنه- قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصابعي أقصر من أصابعه، وأناملي أقصر من أنامله، فقال: «أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء بيّن عورها والمريضة بيّن مرضها والعرجاء بيّن ظلعها، والكسير التي لا تنقي» . قال: فإني أكره أن يكون في السّنّ نقص، قال: ما كرهت فدعه ولا تحرّمه على أحد
[ (9) ] .
__________
[ (3) ] ابن عدي في الكامل 7/ 2543.
[ (4) ] أخرجه أحمد 2/ 417 والحاكم 4/ 227 والبيهقي 9/ 273 وانظر المجمع 4/ 18 والتلخيص 4/ 142 والبخاري في التاريخ 4/ 198.
[ (5) ] ذكره الهيثمي في المجمع 4/ 23 وقال رواه الطبراني في الكبير وفيه ابن لهيعة وفيه كلام وحديث حسن.
[ (6) ] البيهقي 9/ 272 وابن عدي 4/ 1482.
[ (7) ] انظر المجمع 4/ 25.
[ (8) ] أخرجه أبو داود (2794) وابن ماجة (3120، 3121) والبيهقي وانظر مجمع الزوائد 4/ 23، 360.
[ (9) ] أخرجه مالك في الموطأ 2/ 482 (1) وأحمد 4/ 289 والدارمي 2/ 76 وأبو داود 3/ 235 (2802) والترمذي 4/ 85 (1497) والنسائي 7/ 214 وابن ماجة 2/ 1050 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص 258 (1046) .(9/88)
الرابع: في أي مكان كان صلى الله عليه وسلم يذبح أضحيته وبيانه لوقتها:
روى البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذبح أضحيته ويبيّن وقتها ولفظ البخاري: كان يذبح وينحر بالمصلى [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد والترمذي والدارقطني عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأضحية بالمصلّى، فلما قضى خطبته نزل عن منبره فأتى بكبش، فذبحه بيده، وقال «بسم الله، والله أكبر هذا عني وعمن لم يضح من أمتي» [ (2) ] .
وروى ابن ماجه عن سعد القرظي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح أضحيته عند الزقاق طريق بني زريق بيده بشفرة [ (3) ] .
الخامس: في أكله صلّى الله عليه وسلم من الأضحية بعد ثلاث وترخيصه في ذلك:
روى الشيخان والنسائي عن عياش بن ربيعة قال: قلت لعائشة- رضي الله عنها- أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تؤكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث؟ قالت: ما فعله إلا في عام جاع الناس فيه، فأراد أن يطعم الغني والفقير، وإن كنا لنرفع الكراع فنأكل بعد خمسة عشرة ليلة، قلت:
وما اضطركم إليه؟ فضحكت وقالت: ما شبع آل محمد من خبز ما دون ثلاثة أيام حتى لحق بالله عز وجل [ (4) ] .
السادس: في وصيته صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- أنه يضحي عنه بعد موته:
روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن حسن- رحمه الله تعالى- قال: رأيت عليا- رضي الله تعالى عنه- ضحّى بكبشين، وقال: أحدهما عني والآخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: ما هذا؟ فقال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضحي عنه
[ (5) ] .
وروى ابن أبي شيبة عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضحي عنه بكبشين فأنا أفعله.
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 471 (982) .
[ (2) ] أخرجه أبو داود (2، 5) والدارقطني 544 وأحمد 3/ 362.
[ (3) ] أخرجه ابن ماجة 2/ 1054 (3156) .
[ (4) ] تقدم.
[ (5) ] أحمد 1/ 150.(9/89)
السابع: في تضحيته صلى الله عليه وسلم عن أمته:
روى ابن ماجة وعبد الرزّاق عن عائشة أو أبي هريرة- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يضحّي اشترى كبشين سمينين عظيمين أقرنين أملحين موجوءين فذبح أحدهما عن أمته لمن شهد له بالتوحيد، وشهد له بالبلاغ وذبح الآخر عن محمد وعن آل محمد [ (1) ] .
وروى أبو يعلى وابن أبي شيبة والطبراني عن أبي طلحة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين، فقال عند ذبح الأول: عن محمد وآل محمد، وقال عند ذبح الثاني: عن من آمن بي وصدقني من أمتي
[ (2) ] .
وروى أبو يعلى والإمام أحمد والحاكم بسند حسن عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين موجوءين خصيين، فإذا صلّى وخطب أتى بأحدهما وهو في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدينة، قال اللهم هذا عن أمتي لمن شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ، ثم يؤتى بالثاني وهو في المصلى، فيذبحه بنفسه ثم يقول: اللهم هذا عن محمد وآل بيته فيطعمها جميعا للمساكين ويأكل هو وأهله منهما
[ (3) ] .
وروى أبو يعلى بإسناد حسن عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بكبشين أملحين أقرنين عظيمين موجوءين فأضجع أحدهما، فقال: بسم الله، والله أكبر (اللهم هذا عن محمد وآل محمد ثم اضجع الآخر فقال: بسم الله والله أكبر عن محمد وأمته من شهد له بالتوحيد ولي بالبلاغ [ (4) ] ) [ (5) ] .
وروى الطبراني عن حذيفة بن أسيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرب كبشين أملحين فيذبح أحدهما فيقول: اللهم إن هذا عن أمتي لمن شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ.
ثم اضجع الآخر فقال: بسم الله، اللهم منك وإليك، هذا عن محمد وآل بيته، وقرب الآخر وقال: بسم الله، اللهم منك وبك، هذا عمن وحّدك من أمتي [ (6) ] .
وروى أبو يعلى والطبراني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحّى
__________
[ (1) ] أخرجه ابن ماجة (3122) وأحمد 6/ 225 وانظر فتح الباري 10/ 10.
[ (2) ] انظر المجمع 4/ 22.
[ (3) ] أخرجه البيهقي 9/ 256 وانظر المجمع 4/ 23.
[ (4) ] انظر المجمع 4/ 25.
[ (5) ] سقط في أ.
[ (6) ] بنحوه أخرجه أحمد 3/ 356، 392 وانظر المجمع 4/ 26.(9/90)
بكبشين أقرنين أملحين فقرّب أحدهما فقال: بسم الله اللهم منك وإليك هذا عن من وحّدك من أمتي
[ (1) ] .
الثامن في تفريقه صلى الله عليه وسلم الضحايا على أصحابه وشرائه هديه في الطريق واستقامته على ضحيته:
وروى الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: قسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه ضحايا، وفي لفظ: أنه أعطاه غنما يقسّمها على صحابته فبقي عتود، وفي لفظ جذع، فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ضحّ به أنت [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن زيد بن خالد الجهني- رضي الله تعالى عنه- قال: قسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ضحايا فأعطاني عتودا جذعا من المعز فجئته به، فقلت: يا رسول الله، جذع، فقال ضحّ به أنت فضحيت به [ (3) ] .
وروى الترمذي عن أبي بكرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حزيمة من الغنم فقسّمها فينا.
وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسّم غنما يوم النحر في أصحابه، وقال: اذبحوا لعمرتكم، فإنها تجزئ عنكم فأصاب سعد بن أبي وقاص تيسا [ (4) ] .
وروى الطبراني برجال الصحيح عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى سعد بن أبي وقاص بغنم فقسّمها بين أصحابه، وكانوا يتمتعون فنقى منها تيسا فضحّى به سعد في تمتعه [ (5) ] .
وروى الطبراني عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى سعد بن أبي وقاص جذعا من المعز وأمره أن يضحي به [ (6) ] .
روى الإمام أحمد برجال الصحيح عن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- أنه شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المنحر هو ورجل من الأنصار فقسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحايا فلم يصبه ولا صحابه شيء، وحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه في ثوبه وأعطاه فقسّم منه على رجاله وقلم أظفاره،
__________
[ (1) ] أخرجه أبو يعلى 5/ 427 (363/ 3118) .
[ (2) ] أخرجه البخاري 10/ 9 (5555) (5547) ومسلم 3/ 1556 (15، 16/ 1965) .
[ (3) ] انظر التخريج السابق وأبو داود (2/ 105) (2798) .
[ (4) ] انظر المجمع (3/ 226) ورجاله رجال الصحيح.
[ (5) ] المجمع (4/ 22) ورجاله رجال الصحيح.
[ (6) ] المجمع (4/ 23) .(9/91)
فأعطى صاحبه من شعره وإنه عندنا لمخضوب بالحناء والكتم [ (1) ] .
وروى ابن ماجه والترمذي وصحّح وقفه على ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى هديه من قديد.
وروى الإمام أحمد والطبراني برجال الصحيح عن أبي الخير عن رجل من الأنصار- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أضجع أضحية ليذبحها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل أعنّي على أضحيتي، فأعانه [ (2) ] .
تنبيهات
الأول:
اختلف في اختيار الصفة في الأحاديث السابقة قيل لحسن منظره وقيل لشحمه وكثرة لحمه.
الثاني:
المراد بقوله في حديث البراء فقد فعل سنتنا، السنة: الطريقة لا السنة التي تقابل الوجوب، والطريقة أعمّ من أن تكون للندب أو الوجوب، فإذا لم يقم دليل على الوجوب بقي الندب.
الثالث: في بيان غريب ما سبق:
الأملح، بالمهملة: الذي فيه سواد وبياض، والبياض أكثر، ويقال هو الأغبر، وهو قول الأصمعي، وزاد الخطّابي: هو الأبيض الذي في قلال صوفه طاقان سود، ويقال: الأبيض الخالص.
الكبش الموجوء- بضم الجيم والهمز: منزوع الأنثيين والوجا: الخصا.
الجذع- بجيم فذال معجمة مفتوحتين فعين مهملة- من الإبل: ما دخل في السنة الخامسة، ومن البقر والمعز: ما دخل في السنة الثانية، وقيل: البقر في الثالثة والضأن بما أوفى سنة، وقيل أقلّ منها، ومنهم من يخالف بعض هذا في التقدير.
العتود- بعين مهملة مفتوحة فمثناة فوقية فواو فدال مهملة: هو الصغير من ولد الماعز.
التيس: [الذكر من المعز] .
__________
[ (1) ] المجمع (4/ 22) .
[ (2) ] أخرجه أحمد 5/ 373 وانظر المجمع 4/ 25 وقد تقدم.(9/92)
الباب السابع في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في العقيقة
وفيه أنواع:
الأول: كراهيته صلّى الله عليه وسلم اسم العقيقة إن صح الخبر:
روى الإمامان مالك وأحمد عن زيد بن أسلم- رحمه الله تعالى- عن رجل من بني ضمرة عن أبيه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة، فقال: لا أحب العقوق وكأنّه كره الاسم، وقال: من ولد له مولود وأحب أن ينسك عنه فليفعل [ (1) ] .
الثاني: في عقه صلى الله عليه وسلم نفسه:
روى أبو يعلى والترمذي والبزّار والطبراني [ (2) ] برجال الصحيح خلا الهيثم بن جميل، وهو ثقة، وشيخ الطبراني أحمد بن مسعود الخياط المقدسي فيحرر رجاله عن أنس- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد ما بعث نبيّا [ (3) ] .
الثالث: في عقه صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين ومحسن- رضي الله تعالى عنهم-:
روى أبو يعلى والطبراني برجال الصحيح عن أنس عن عليّ وعن بريدة، وأبو يعلى والطبراني عن جابر، وأبو يعلى برجال الصحيح خلا شيخه إسحاق وابن أبي شيبة وأبو يعلى والإمام أحمد بإسناد حسن عن جابر والطبراني بسند جيد من طريق آخر عنه وأبو داود وابن أبي شيبة والإمام أحمد وأبو يعلى والنسائي في الكبرى عن بريدة بن الحصيب وأبو يعلى والبزار بسند صحيح عن أنس بن مالك والنسائي عن أبي عباس والحاكم عن ابن عمر وابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن حبان والحاكم والبيهقي عن عائشة وابن أبي شيبة وأحمد عن ابن رافع- رضي الله عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين، قالت عائشة وابن عباس: بكبشين مثليين متكافئين، زادت عائشة، كما عند ابن أبي شيبة: يوم السابع وأمر أن يماط عن رؤوسهما الأذى، وقال: اذبحوا على اسمه، وقولوا: بسم الله والله أكبر اللهم منك ولك هذه عقيقة فلان، وكانوا في الجاهلية تؤخذ قطنة، فتجعل في دم العقيقة ثم توضع على رأسه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل مكان الدم خلوقا، قال أبو رافع: لمّا ولدت فاطمة حسنا قالت: لا أعقّ عن ابني بدم، قال: لا، لكن احلقي رأسه، ثم تصدّقي بوزنه من وزن في سبيل الله.
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 2/ 52194/ 430369 والطحاوي في المشكل 1/ 461 وابن أبي شيبة 8/ 50 وابن عبد البر في التمهيد 4/ 304، 317 والحاكم 4/ 238 والبيهقي 9/ 312.
[ (2) ] سقط في ج.
[ (3) ] انظر المجمع (4/ 59) .(9/93)
زاد الطبراني عن جابر وختنهما لسبعة أيام [ (1) ] .
وروى الطبراني عن طريق عطية العوفي عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- قال: أما حسن وحسين ومحسن فإنما أسماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقّ عنهم وحلق رؤوسهم، وتصدق عنهم بوزنها وأمر بهم فسروا وختنوا
[ (2) ] .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
العقيقة: نسك (يماط) .
الختن- بخاء معجمة مفتوحة فمثناة فوقية ساكنة فنون قطع الجلدة الساترة للحشفة وهي على رأس الذّكر.
__________
[ (1) ] المجمع (4/ 60) وابن عبد البر في التمهيد 4/ 314 وابن أبي شيبة 8/ 46، 47، 14/ 222 والنسائي 7/ 166 وأبو داود (2841) والبيهقي 9/ 299 وانظر المجمع 4/ 57، 58، 59.
[ (2) ] المجمع (4/ 62) .(9/94)
جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلم- في الإيمان والنذور
الباب الأول
في ألفاظ حلف بها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- غيره بها وتحذيره- صلى الله عليه وسلم- الحالف من اليمين الفاجرة، وألفاظ حلف هو بها وما نهى عن الحلف به وفيه أنواع:
الأول: في ألفاظ حلّف بها رسول الله صلى الله عليه وسلّم غيره بها:
روى عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل، احلف بالله الذي لا إله إلا هو ماله عندك شيء يعني للمدعي [ (1) ] .
وروي عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا رجلا من علماء اليهود، فقال: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى- صلى الله عليه وسلم- الحديث [ (2) ] .
الثاني: في تحذيره صلى الله عليه وسلم من اليمين الفاجرة:
روى الإمام أحمد وأبو داود عن عمران بن الحصين- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين كاذبة مصبورة متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
[ (3) ] .
الثالث: فيما كان صلى الله عليه وسلم يحلف به:
روى الإمام أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: أكثر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلف، لا، ومقلّب القلوب، ولفظ ابن ماجة والنسائي لا ومفرق القلوب [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- أن رسول
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي 10/ 180 والطّحاوي في المشكل 1/ 184 وأبو داود 3621 وعبد الرزاق 15924 (3، 1327/ 1700) .
[ (2) ] أخرجه مسلم في كتاب الحدود باب (6) وأحمد 5/ 411 وابن ماجة (2558) والبيهقي 8/ 246 وانظر المجمع 8/ 234.
[ (3) ] أخرجه أبو داود في كتاب النذور باب (1) وابن أبي شيبة 7/ 5 وأبو نعيم في الحلية 6/ 277 والطبراني في الصغير 1/ 56 والحاكم 4/ 294.
[ (4) ] أخرجه البخاري 13/ 513 (7391) .(9/95)
الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اجتهد في اليمين، قال: لا، والذي نفس أبي القاسم بيده
[ (1) ] .
وروى أبو داود وابن ماجة عن رفاعة الجهني قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حلف قال:
والذي نفس محمد بيده
[ (2) ] .
وروى أبو داود وابن ماجة قال: كان يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم لا، واستغفر الله.
ورواه الإمام أحمد وأبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه-[ (3) ] .
وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنهما- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أمة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم، لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا» [ (4) ] .
وروى البخاري عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا، وأمّر عليهم أسامة، فطعن بعض الناس في إمارته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبل وايم الله، إن كان لخليفا للإمارة، وإن كان لمن أحبّ النّاس إليّ، وإنّ هذا لمن أحب الناس إليّ من بعده [ (5) ] .
الرابع: فيما نهى عن الحلف به:
روى الإمام أحمد والشيخان والثلاثة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إني أنهاكم أن تحلفوا بآبائكم» [ (6) ] .
ورواه ابن ماجة، ولفظه: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يحلف بأبيه، فقال: «لا تحلفوا بآبائكم، من حلف بالله فليصدق ومن حلف له بالله، فليرض ومن لم يرض بالله فليس من الله» [ (7) ] .
وروى الإمام أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجة عن عبد الرحمن بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- صلى الله عليه وسلم- لا تحلفوا بالطواغي ولا بآبائكم [ (8) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 3/ 48 وأبو داود 3/ 577 (3264) .
[ (2) ] أخرجه أبو داود 3/ 577 (3264) .
[ (3) ] أحمد 2/ 288 وأبو داود 3/ 577 (3265) وابن ماجة 1/ 677 (2093) .
[ (4) ] تقدم.
[ (5) ] أخرجه البخاري 7/ 86 (3730) ومسلم 4/ 1884 (63/ 2426) .
[ (6) ] أخرجه البخاري 11/ 530 (6646) ومسلم 3/ 1266 (3/ 1646) وعبد الرزاق (15925) وأحمد 1/ 17، 19، 20.
[ (7) ] أخرجه ابن ماجة 2101.
[ (8) ] أخرجه مسلم 3/ 1268 (6/ 1648) وأخرجه ابن ماجة (2095) والنسائي في الإيمان والنذور باب (10) .(9/96)
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف بالأمانة فليس منا» [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد والستة عن ثابت بن الضحاك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف على ملة سوى الإسلام كاذبا وفي لفظ: متعمدا فهو كما قال» [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف فقال إني بريء من الإسلام، فإن كان كاذبا فهو كما قال، وإن كان صادقا لم يرجع إلى الإسلام سالما» [ (3) ] .
وروى ابن ماجه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول:
أنا إذا يهوديّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبت [ (4) ] .
تنبيهات
الأول:
قال في (زاد المعاد) : حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من ثمانين موضعا، وأمره الله تعالى بالحلف في ثلاثة مواضع، فقال تعالى وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ [يونس/ 53] وقال تبارك وتعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ، وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن/ 7] ، وقال عز وجل: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا ... ، قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ [التغابن/ 7] ، وكان صلى الله عليه وسلم يستثني في يمينه تارة، ويكفّرها تارة ويمضي فيها تارة.
الثاني:
روى أبو داود في قصة الأعرابي، قال صلى الله عليه وسلم أفلح وأبيه [ (5) ] ، إن صدق قال العلماء قال السهيلي- رحمه الله-: ربّ كلمة ترك أصلها، واستعملت كالمثل في ما وضعت له، كما إذا جاءوا بلفظ القسم إذا أرادوا تعجبا واستعظاما لأمر، ومحال أن يقصد صلى الله عليه وسلم القسم بغير الله
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 352 وأبو داود 3/ 571 (3253) والبيهقي 10/ 30 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1318) .
[ (2) ] أخرجه البخاري 10/ 464 (6047) ومسلم 1/ 104 (176/ 110) .
[ (3) ] أخرجه أحمد 5/ 355 وأبو داود 3/ 574 (3258) والنسائي 7/ 6 وابن ماجة 1/ 679 (2100) .
[ (4) ] أخرجه ابن ماجة (2099) وأحمد 1/ 22، 54، 466، 2/ 261، 3/ 197 وابن أبي شيبة 3/ 367 والطبراني في الكبير 7/ 25 وأبو نعيم في الحلبة 2/ 197.
[ (5) ] أخرجه أبو داود (392، 3252) وهو عند البخاري ومسلم والنسائي 1/ 228، 8/ 119 وابن خزيمة (306) وانظر تلخيص الجبير 4/ 168.(9/97)
تعالى، ولا سيما برجل مات على الكفر وإنما هو تعجّب من قول الأعرابي، والمتعجّب منه مستعظم، ولفظ القسم في أصل وضعه لما يعظم فاتسع في اللفظة حتى قيل على هذا الوجه، وقال الشاعر:
فإن تلك ليلى استودعتني أمانة ... فلا وأبي أعدائها لا أخونها
لم يرد أن يقسم بأبي أعدائها، ولكنه ضرب من التعجب قال: وقد ذهب إليه أكثر شراح الحديث.
الثالث: في بيان غريب ما سبق:
أنشدك بالله، - بهمزة مفتوحة فنون ساكنة فمعجمة مفتوحة ودال: أسألك.
فليتبوّأ- بتحتية ففوقية فموحدة فواو مفتوحات فهمزة ساكنة- يلتزم.
ايم الله خليقا- بخاء معجمة مفتوحة فلام فتحتية فقاف- جدير وحقيق.
الطّواغي- بطاء مهملة فواو مفتوحتين فألف فغين معجمة-: جمع طاغية، وهو ما كانوا يعبدونه من الأصنام ونحوها.
الملّة- بميم مكسورة فلام مفتوحة فتاء تأنيث-: الدين كملة الإسلام واليهودية والنصرانية، وقيل: هو معظم الدين وجملة ما يجيء به الرّسل.(9/98)
الباب الثاني في استثنائه- صلى الله عليه وسلم- في يمينه ونقضه يمينه ورجوعه عنها وكفارته
وفيه نوعان:
الأول: في استثنائه صلى الله عليه وسلم في يمينه:
روى أبو داود والطبراني برجال الصحيح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما «والله، لأغزونّ قريشا» ، ثم قال: «إن شاء الله» ، ثم قال: «والله لأغزون قريشا» ، ثم قال: «إن شاء الله» [ (1) ] .
وروى عن أبي موسى الأشعري- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من الأشعريين [ (2) ] .
وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- في قوله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ [الكهف: 24] الاستثناء فاستثنى إذا ذكرت، قال: هي خاصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لأحدنا أن يستثني إلا في صلة يمينه.
الثاني: في أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا حلف على يمين فرأى خيرا منها كفر عن يمينه وأتى التي هي خير:
وروى البزار والإمام أحمد ورجاله ثقات عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن أبا موسى استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافق منه شغلا، فقال: والله، لا أحملك، فلما قفا، دعاه فحمله، فقال: يا رسول الله، إنك حلفت ألا تحملني، قال: فأنا أحلف لأحملنّك [ (3) ] .
وروى الطبراني عن عمران بن الحصين- رضي الله تعالى عنهما- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستحمله في نفر من قومي، قال: والله، لا أحملك والله ما عندي ما أحملك عليه، مرتين، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحمال غرّ الذرى، فأرسل إلينا فحملنا، فلما مضينا قلت لأصحابي: ما أراه مبارك لنا فيها، قد حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يحملنا، ثم حملنا، فرجعنا
__________
[ (1) ] أخرجه أبو داود الأيمان والنذور (2/ 250) رقم (3286) .
[ (2) ] أخرجه البخاري 11/ 60 (6718) ومسلم (3/ 1269، 7/ 1649) «في ما أنا حملتكم بل الله حملكم إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلّا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير» .
[ (3) ] أحمد 3/ 108، 435.(9/99)
إليه، فأخبرناه يمينه، فقال: لم أنس يميني، ولكني إذا حلفت فرأيت غيرها خيرا منها فعلت الذي هو خير وكفّرت عن يميني [ (1) ] .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
الرّهط- براء مفتوحة فهاء ساكنة فطاء مهملة-: من الرجال ما دون العشرة، وقيل: إلى الأربعين، ولا يكون فيهم امرأة ولا واحد له من لفظه.
قفا: - بقاف ففاء مشددة- ذهب.
غرّ- بغين معجمة مضمومة فراء- أبيض سمان.
الذّرى- بذال معجمة فراء: جمع ذروة، وهي أعلى السّنام أي بيض الأسنمة سمانها.
__________
[ (1) ] الطبراني في الكبير 18/ 158 والمجمع 8/ 184.(9/100)
الباب الثالث في آداب جامعة تتعلق بالإيمان
وفيه أنواع:
الأول: في حكمه صلى الله عليه وسلم في النية في اليمين وأنها على نية الحلف:
روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يمينك على ما يصدقك عليك صاحبك [ (1) ] ،
ولمسلم وابن ماجة: اليمين على نية المستحلف، زاد ابن ماجة إنما اليمين [ (2) ] .
الثاني: في أمره صلى الله عليه وسلم بإبرار القسم:
وروى الإمام أحمد برجال الصحيح والدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أهدت إليّ امرأة ثمرا في طبق فأكلت بعضه، فقالت: أقسمت عليك إلّا أكلت بقيّته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «برّيها، فإن الإثم على المحنث» [ (3) ] .
وروى ابن ماجه عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبرار القسم [ (4) ] .
وروى الطبراني عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبرار القسم [ (5) ] .
الثالث: في حكمه صلى الله عليه وسلم أن المكره لا حنث عليه:
روى البيهقي عن واثلة بن الأسقع وابن أمامة- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس على المقهور يمين [ (6) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم 3/ 1274 (20/ 1653) .
[ (2) ] انظر المصدر السابق (21/ 1653) .
[ (3) ] أخرجه الدارقطني 4/ 143.
[ (4) ] أخرجه الطحاوي في المعاني (4/ 271) .
[ (5) ] انظر المجمع (4/ 186) .
[ (6) ] الدارقطني 1/ 377 وانظر التلخيص 4/ 171.(9/101)
الباب الرابع في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في النذور
وفيه أنواع:
الأول: في نهيه صلّى الله عليه وسلم عن النذور:
روى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النذور، وقال: إنه لا يقدم شيئا ولا يؤخره، وإنما يستخرج به من البخيل وفي لفظ من اللئيم [ (1) ] .
وروى مسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنذروا، فإن النذر لا يغني من القدر شيئا، وإنما يستخرج من البخيل» [ (2) ] .
الثاني: في سيرته صلّى الله عليه وسلم في نذر الطاعات والمباحات:
روى الحارث بسند ضعيف عن فاطمة بنت قيس- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا، فقال: «إن أتاني منه خبر صالح، لأحمد الله حق حمده» ، فأتاه منهم خبر صالح، فقال: «اللهم لك الحمد شكرا، ولك المن فضلا» ، فقال له عمر: إنك قلت لإن أتاني منهم خبر صالح لأحمدن الله حق حمده، قال: قد قلت: «اللهم لك الحمد شكرا، ولك المنّ فضلا، ورواه الطبراني عن كعب بن عجرة بذلك» [ (3) ] .
وروى الطبراني عن أنس النواس بن سمعان- رضي الله تعالى عنه- قال: سرقت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجدعاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن ردّها الله عليّ لأشكرن ربي عز وجل» ، فوقعت في حي من أحياء العرب فيه امرأة مسلمة، فكانت الإبل إذا سرحت سرحت متوحدة فإذا بركت الإبل بركت متوحدة، واضعة بجرانها، فركبتها وقدمت بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآها قال: الحمد لله، فانتظرنا هل يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم صوما أو صلاة فظنوا أنه قد نسي، قالوا: يا رسول الله، إنك قلت: لئن ردها الله عليّ لأشكرن الله تعالى، فقال: أو لم أقل:
الحمد لله [ (4) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 11/ 508 (6608، 6692، 6693) ومسلم 3/ 1261 (2، 3، 4/ 1639) وأبو داود 3/ 231 (3287) والنسائي 7/ 16 وابن ماجة 1/ 686 (2122) .
[ (2) ] أخرجه مسلم (3/ 1261) (5) والترمذي (1538) والنسائي 7/ 16 وأبو نعيم في الحلبة 9/ 24 وابن أبي عاصم 1/ 137 المطالب (1746) .
[ (3) ] الطبراني في الكبير 19/ 145 وابن أبي الدنيا في الشّكر (51) وانظر المجمع 4/ 185 والدر المنثور 1/ 12.
[ (4) ] انظر المجمع 4/ 187 والسيوطي في الدر المنثور 1/ 11.(9/102)
وروى أبو داود عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: أن امرأة قالت: يا رسول الله، إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدّفّ، قال أوفي بنذرك [ (1) ] .
وروى أبو داود والإمام أحمد واللفظ له عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا جاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح والنبي صلى الله عليه وسلم في مجلس قريب من المقام، فسلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا رسول الله، إني نذرت إن فتح الله على النبي وعلى المسلمين مكة لأصلينّ في بيت المقدس، وإني قد وجدت رجلا من أهل الشام ههنا في نفر يمشي مقبلا معي ومدبرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ههنا فصلّ» ، فقال الرجل قوله ذلك ثلاث مرات، كلّ ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «ههنا فصلّ» ، ثم قالها الرابعة مقالته هذه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «اذهب فصلّ فيه فو الّذي بعث محمدا بالحق، لو صلّيت ههنا لقضى عنك كل صلاة صليتها بيت المقدس» [ (2) ] .
الثالث في سيرته صلّى الله عليه وسلم في نذر المعاصي:
روى البخاري وأبو داود والدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس، ولا يقعد، ويصوم ولا يفطر النهار، ولا يستظل ولا يتكلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليستظلّ وليقعد وليتكلّم، وليتمّ صومه [ (3) ] .
وروى الأئمة إلا مالكا والدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس، ولا يقعد، ويصوم ولا يفطر النهار، ولا يستظل ولا يتكلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليستظلّ وليقعد وليتكلّم، وليتمّ صومه [ (4) ] .
وروى الأئمة إلا مالكا والدارقطني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن عمر قال:
يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني نذرت في الجاهلية أن اعتكف يوما، وفي رواية: ليلة في المسجد الحرام، فقال: أوف بنذرك [ (5) ] .
وروى الجماعة عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: نذرت أختي أن تمشي إلى البيت الحرام حافية غير مختمرة، فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته، فقال:
__________
[ (1) ] أبو داود 3/ 606 (3312) والبيهقي 10/ 77.
[ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 363 والدّارمي 3/ 184 وأبو داود 3/ 602 (3305) .
[ (3) ] أخرجه البخاري 11/ 586 (6704) .
[ (4) ] أخرجه البخاري (11/ 594) (6704) .
[ (5) ] أخرجه البخاري 59011 (6697) ومسلم 3/ 1277 (27/ 1656) وأبو داود 3/ 42 (3325) والترمذي 4/ 99 (1539) وقال حسن صحيح.(9/103)
لتمش ولتركب ولتخمر ولتصم ثلاثة أيام، إن الله لغنيّ عن تعذيب أختك نفسها فلتركب ولتهد بدنة.
ورواه أبو داود عن ابن عباس أن عقبه بن عامر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخته نذرت أن تحج إلى البيت ماشية فشكا إليه ضعفها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله لغني عن نذر أختك فلتركب ولتهد بدنة» [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد والخمسة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى شيخا يهادي بين ابنيه، فقال: ما بال هذا؟ قالوا نذر أن يمشي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله- عز وجل- غني عن تعذيب هذا نفسه فليركب» [ (2) ] .
وروى أبو داود عن ثابت بن الضحاك وابن ماجة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا نذر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، قال ابن عباس: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد، قالوا لا، قال: هل كان فيها عيدا من أعيادهم، قالوا: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوف بنذرك» ، فإنه لا وفاء في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إني نذرت ناقتي وكيت وكيت، فقال: أما ناقتك فانحرها، وأما كيت وكيت فمن الشيطان» .
وروى الإمام أحمد والأربعة عن عائشة- رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين» [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى أعرابي قائما في الشمس، وهو يخطب، قال: ما شأنك؟ قال: نذرت يا رسول الله، أن لا أزال في الشمس حتى تفرغ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس هذا بنذر، إنما النذر ما ابتغي به وجه الله» [ (5) ] .
__________
[ (1) ] أما حديث ابن عباس أخرجه أحمد في المسند 1/ 253 والدارمي 2/ 183 وأبو داود 3/ 598 (3297) وحديث عقبه بن عامر عند أحمد 4/ 149 والدارمي 2/ 183 وأبو داود (3293) والترمذي 4/ 116 (1544) والنسائي 7/ 20 وابن ماجة 1/ 689 (2134) .
[ (2) ] أخرجه البخاري 4/ 78 (1865) ومسلم 3/ 1263 (9/ 1642) .
[ (3) ] أخرجه أبو داود 3/ 607 (3313) والطبراني في الكبير 2/ 68 (1341) .
[ (4) ] أخرجه أحمد 6/ 247 وأبو داود 3 (595 (3292) والترمذي 4/ 103 (1525) والنسائي 7/ 26.
[ (5) ] أخرجه أحمد 2/ 211 وأخرجه الخطيب في التاريخ 6/ 48.(9/104)
وروى الإمامان الشافعي وأحمد والستة إلا مسلما عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من نذر أن يطيع الله فليوف به وفي لفظ: فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله، فلا يف به» [ (1) ] .
وروى النسائي عن عمران بن الحصين- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا نذر في غضب وكفّارته كفارة يمين» [ (2) ] .
وروى الدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نذر إلا فيما أطيع الله عز وجل فيه ولا يمين في غضب ولا عتاق فيما لا يملك» [ (3) ] .
وروى الدارقطني عن عائشة- رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من جعل لله عليه نذرا في معصية فكفارته كفارة يمين» [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد ومسلم والنسائي عن عقبه بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كفارة النذر كفّارة اليمين [ (5) ] ،
والله أعلم.
__________
[ (1) ] أخرجه مالك في الموطأ 2/ 476 (8) والبخاري 11/ 581 (6696) والدارمي 2/ 184 وأحمد 6/ 36 وأبو داود (3289) والترمذي (1526) والنسائي 7/ 17 وابن ماجة (1216) والشافعي كما في البدائع (1217) والطحاوي في المعاني 3/ 133 والمشكل 1/ 470، 3/ 37، 43.
[ (2) ] أخرجه النّسائي 7/ 28 وعبد الرزاق (15815) وأحمد 4/ 433 والحاكم 4/ 305 والبيهقي 10/ 70 والطحاوي في المعاني 3/ 129.
[ (3) ] أخرجه الدارقطني 4/ 19، 159 والطبراني في الكبير 11/ 27 وانظر المجمع 4/ 186 ونصب الراية 3/ 278.
[ (4) ] أخرجه الدارقطني 4/ 160.
[ (5) ] أخرجه مسلم 3/ 1262 (8/ 1641) .(9/105)
جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلم- في الجهاد
الباب الأول في آداب متفرقة تتعلق به
وفيه أنواع:
الأول: في عرضه صلّى الله عليه وسلم المقاتلة ورده من لم يصلح للقتال:
روى الطبراني برجال ثقات وهو مرسل عن عبد الحميد بن جعفر- رحمه الله تعالى- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض غلمان الأنصار في كل عام، فمن بلغ منهم بعثه، فعرضهم ذات عام فمر به غلام فبعثه في البعث وعرض عليه سمرة من بعده فرده، فقال سمرة يا رسول الله، أجزت غلاما وردّدتني، ولو صارعني لصرعته، فقال: فدونك فصارعه، فصارعته فأجازني في البعث [ (1) ] .
وروى الطبراني عن رافع بن خديج- رضي الله عنه- قال: جئت أنا وعمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد بدرا، فقلت: يا رسول الله، إني أريد أن أخرج معك، فجعل يقبض يده، ويقول: إني أستصغرك ولا أدري ماذا تصنع إذا لاقيت القوم؟ فقلت أتعلم أني أرمى من رمى، فردّني، فلم أشهد بدرا
[ (2) ] .
وروى الأئمة إلا مالكا، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، وعرضني يوم الخندق وأنا ابن خمسة عشرة سنة فأجازني [ (3) ] .
الثاني: في رده صلى الله عليه وسلم من لم يستأذن أبويه:
وروى أبو داود عن أبي سعيد بن مالك الخدري- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن، فقال: هل لك أحد ممّن باليمن فقال: أبواي؟ فقال: أذنا لك؟ قال: لا، قال: ارجع إليهما، فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرّهما [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد والنسائي عن معاوية بن جاهمة السّلمي أن جاهمة جاء إلى رسول
__________
[ (1) ] انظر المجمع 5/ 319.
[ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير 4/ 283، 332 وانظر المجمع 5/ 319.
[ (3) ] أخرجه البخاري 5/ 276 (2664) ومسلم 3/ 1490 (91/ 1868) .
[ (4) ] أخرجه أبو داود (2530) وسعيد بن منصور (2334) وابن حبّان ذكره الهيثمي في الموارد (1622) والبيهقي 9/ 26.(9/106)
الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أردت الغزو وجئتك أستشيرك، فقال، هل لك من أم؟ قال:
نعم، فقال: الزمها، فإن الجنة تحت رجليها [ (1) ] .
وروى البخاري والنّسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله تعالى عنهما- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد، فقال: أحيّ والداك؟ قال: نعم، فقال:
ففيهما فجاهد [ (2) ] .
وروى الطبراني عن عبد الله بن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنهما- قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أريد أن أبايعك على الجهاد، فقال: أحيّ والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد [ (3) ] .
وروى الطبراني برجال الصحيح عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان الغزو على باب البيت فلا تذهب إلا بإذن أبويك» .
الثالث: في أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الغزو إلى موضع ورّى بغيره [ (4) ] :
وروى الشيخان عن كعب بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلّما يريد غزوة يغزوها إلّا ورّى بغيرها، حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا أو مغازا واستقبل غزو عدو كثير فجلى المسلمين أمر هذه، ليتهابوا أهبة غزوهم وأخبرهم بوجه الذي يريده [ (5) ] . ورواه ابن ماجة عنه بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا ناحية ورّى بغيرها [ (6) ] .
الرابع: في آدابه صلّى الله عليه وسلم إذا لم يغز بنفسه:
روى الإمام أحمد عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قالا: مشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد، ثم وجّههم، ثم قال: انطلقوا على اسم الله، ثم قال اللهم أعنهم
[ (7) ] يعني النّفر الذين وجههم إلى كعب بن الأشرف.
وروى الإمام أحمد والبيهقي عن سهل بن معاذ عن أبيه- رضي الله تعالى عنهما- أن
__________
[ (1) ] أخرجه النّسائي 6/ 11 وأحمد 3/ 429 وعبد الرزاق (9290) والطحاوي في المشكل 3/ 30 وابن سعد 4/ 2/ 17 والبيهقي 9/ 26.
[ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 140 (3004) ومسلم 4/ 1975 (5/ 2549) .
[ (3) ] المجمع 5/ 322.
[ (4) ] المجمع 5/ 325.
[ (5) ] تقدم.
[ (6) ] تقدم.
[ (7) ] أخرجه أحمد 1/ 266 والطبراني في الكبير 11/ 221 والبيهقي في الدلائل 3/ 200.(9/107)
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لأن أشيّع غازيا، فأكفه على رحله غدوة أو روحة أحب إلي من الدنيا وما فيها» [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد برجال ثقات والطبراني عن جبلة بن حارثة- رضي الله عنه- قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يغز أعطى سلاحه عليّا وأسامة [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد والبزار وأبو يعلى والطبراني عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه، قال: «اخرجوا بسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله لا تغدروا لا تمثلوا ولا تغلوا ولا تقتلوا الولدان» ، وفي لفظ: «وليدا ولا شيخا ولا أصحاب الصوامع» [ (3) ] .
وروى البزار برجال ثقات عن ابن عمر- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن بن عوف أن يتجهز لسرية أمرّه عليها، فأصبح قد اعتمّ بعمامة كرابيس سوداء، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نقضها فعمّه، فأرسل من خلفه أربع أصابع، فقال: هكذا يا ابن عوف فاعتمّ، فإنه أعرب وأحسن، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا أن يدفع إليه اللواء، ثم حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: اغزوا جميعا في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا، فهذا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم منتشر فيكم
[ (4) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن حبان عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يغلب اثنا عشر من قلّة [ (5) ] .
الخامس: في اتخاذه صلى الله عليه وسلم الرايات والألوية:
وروى الطبراني برجال ثقات غير حيّان بن عبيد الله فيحرر رجاله عن ابن عباس وبريدة- رضي الله تعالى عنهم- أن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سوداء، ولواءه كان أبيض [ (6) ] .
وروى الطبراني برجال الصحيح خلا حيان السابق عن ابن عباس- رضي الله تعالى
__________
[ (1) ] أخرجه ابن ماجة (2824) وأحمد 3/ 440 والحاكم 2/ 95 والبيهقي 9/ 173.
[ (2) ] أخرجه ابن عساكر كما في التهذيب 2/ 399 وأبو نعيم في التاريخ 2/ 222 وانظر المجمع 5/ 283.
[ (3) ] انظر 5/ 316.
[ (4) ] انظر المجمع 5/ 120 وانظر البداية والنهاية 5/ 220.
[ (5) ] أخرجه أبو داود (2611) وأحمد 1/ 294 والترمذي (1555) وعبد الرزاق (9699) وابن خزيمة (2538) والحاكم 1/ 443، 2/ 101.
[ (6) ] البغوي في شرح السنة 10/ 404 وابن أبي شيبة 12/ 512 وانظر المجمع 5/ 321 وابن ماجة (2818) والبيهقي 6/ 362.(9/108)
عنهما- قال: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض مكتوبا عليه لا إله إلا الله، محمد رسول الله [ (1) ] .
وروى الطبراني برجال ثقات غير شريك النخعي، وثقه النسائي وغيره وفيه ضعف عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء، ورواه عن جابر وقال:
كانت بيضاء [ (2) ] .
وروى الطبراني برجال ثقات غير محمد بن الليث الهداري، فيحرر رجاله، عن مزيدة العبدي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد رايات الأنصار فجعلهن صفراء [ (3) ] .
وروى الطبراني عن كريز بن أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد راية بني سليم حمراء [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد برجال الصحيح غير عثمان بن الشامي وهو ثقة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء كانت تكون مع علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه-، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة، وكان إذا استحرّ القتال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكون تحت راية الأنصار [ (5) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وقال حبش غريب عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنه- قال: «كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء مرّبعة من نمرة» [ (6) ] .
وروى الترمذي والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض [ (7) ] .
وروى الأربعة عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ولواؤه أبيض [ (8) ] .
وروى أبو داود عن سماك عن رجل من قومه عن آخر منهم قال: رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء [ (9) ] .
__________
[ (1) ] تقدم.
[ (2) ] تقدم.
[ (3) ] انظر المجمع 5/ 321.
[ (4) ] انظر المجمع 5/ 321.
[ (5) ] المجمع 5/ 124.
[ (6) ] أخرجه أحمد 4/ 297 وأبو داود 3/ 71 (2591) والترمذي 4/ 196 (1680) .
[ (7) ] أخرجه الترمذي 4/ 196 (1681) وابن ماجة 2/ 941 (2818) .
[ (8) ] أبو داود (2592) والترمذي (1679) والنسائي 5/ 200 وابن ماجة 2/ 941 (2817) .
[ (9) ] أبو داود (2/ 36) حديث (2593) .(9/109)
وروى الإمام أحمد والترمذي والنسائي والبيهقي عن أبي الحارث بن حسان البكري قال: قدمنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وبلال قائم بين يديه متقلد بالسيف وإذا راية سوداء فسألت: ما هذه الرايات؟ فقالوا: عمرو بن العاص قدم من الغزاة، وفي لفظ: يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها» .
فائدة:
روى الطبراني برجال ثقات عن محارب بن دثار قال: كتب معاوية إلى زياد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن العدو لا يظهر على قوم ولواؤهم، أو قال ورايتهم مع رجل من بني بكر بن وائل» [ (1) ] .
السادس: في مشاورته صلى الله عليه وسلم في الحرب:
وروى الطبراني برجال وثقوا عن عبد الله بن عبيد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: كتب أبو بكر الصديق إلى عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور في الحرب فعليك به [ (2) ] .
وروى مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان، قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه فقام سعد بن عبادة- رضي الله تعالى عنه- فقال: إيانا تريد يا رسول الله، والله لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فانطلقوا حتى نزلوا بدرا [ (3) ] .. الحديث.
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السابع: في مبايعته صلى الله عليه وسلم عن الحرب:
روى الشيخان عن يزيد بن عبيد- رحمه الله تعالى- عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، ثم عدلت إلى ظلّ شجرة، فلما خف الناس قال: يا ابن الأكوع، ألا تبايع قال: قلت يا رسول الله، قد بايعت، قال: وأيضا قد بايعته الثانية، فقلت: يا أبا مسلم، على أي شيء كنتم تبايعون؟ قال على الموت [ (4) ] .
وروى الشيخان عن مجاشع بن مسعود الأسلمي- رضي الله تعالى عنه- قال أتيت
__________
[ (1) ] انظر المجمع 5/ 322 ورجاله ثقات.
[ (2) ] المجمع 5/ 319.
[ (3) ] مسلم (3/ 1403) (1779) وابن أبي شيبة 14/ 377، 378.
[ (4) ] تقدم.(9/110)
رسول الله صلى الله عليه وسلم أبايعه على الهجرة فقال: إن الهجرة قد مضت لأهلها، ولكن على الإسلام والجهاد والخير [ (1) ] .
وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال كانت الأنصار يوم الخندق تقول: [ (2) ]
نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا ... الحديث
وروى البخاري عن جويرية عن نافع: قال ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- رجعنا إلى العام المقبل ما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها، كانت رحمة من الله فسألت نافعا، على أي شيء بايعهم؟ قال: بايعهم على الموت، قال: لا بل بايعهم على الصبر [ (3) ] .
وروى مسلم عن جابر عن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة فبايعناه، وعمر آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة، وقال: بايعناه على أن لا نفر، ولم نبايعه على الموت [ (4) ] .
وروى مسلم عن معقل بن يسار- رضي الله تعالى عنه- قال: لقد رأيتني تحت الشجرة والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس وأنا رافع غصناً من أغصانها على رأسه، وتحتها أربع عشرة ومائة. قال:
لم نبايعه على الموت، ولكن بايعناه على أن لا نفر [ (5) ] .
الثامن: في بعثة صلّى الله عليه وسلم العيون:
وروى الإمام أحمد والطبراني عن عمرو بن أمية الضمري- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يأتيني بخبر القوم؟ يعني بني قريظة يوم الأحزاب قال الزبير: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لكل نبيّ حواري وحواريّ الزبير» [ (6) ] .
وروى مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيسة عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان ... الحديث [ (7) ] [ (8) ] .
__________
[ (1) ] تقدم.
[ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 46 في الجهاد (2835) ومسلم 3/ 1432 (130/ 1805)
ويجيبهم صلوات الله وسلامه عليه بقوله:
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجره
[ (3) ] تقدم.
[ (4) ] تقدم.
[ (5) ] تقدم.
[ (6) ] مجمع (5/ 324) .
[ (7) ] أخرجه البخاري 6/ 52 (2846) ومسلم 4/ 1879 (48/ 2415) .
[ (8) ] مسلم (3/ 1510) (1901) .(9/111)
التاسع: في استصحابه صلى الله عليه وسلم بعض النساء لمصلحة المرضى والجرحى والخدمة ومنعه من ذلك بعض الأوقات:
وروى الطبراني عن ليلى الغفارية- رضي الله تعالى عنها- قالت: كنت أخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أداوي الجرحى [ (1) ] .
وروى الطبراني برجال الصحيح عن أم سليم- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو معه النسوة من الأنصار لسقي المرضى وتداوي الجرحى [ (2) ] .
وروى الطبراني في الكبير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح عن أم كبشة امرأة من عذرة- عذرة بني قضاعة- رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله، ائذن لي أن أخرج في جيش كذا وكذا، قال: لا، قالت: يا رسول الله، إنه ليس أريد أن أقاتل، إنما أريد أن أداوي الجرحى، وأشقي المرضى، قال: لولا أن يكون سنة، ويقال: إن فلانة خرجت لأذنت لك ولكن اجلسي [ (3) ] .
وروى الإمامان الشافعي وأحمد ومسلم والثلاثة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوا بالنّساء فيداوين الجرحى، ويسقين الماء ويحزين من الغنيمة [ (4) ] .
وروى أبو داود والترمذي وصححه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار يسقين الماء ويداوين الجرحى [ (5) ] .
وروى الإمام أحمد والبخاري عن الرّبيّع- بضم الراء وتشديد الياء- بنت معوّذ قالت:
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة [ (6) ] .
وروى أبو يعلى برجال ثقات عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كنّ يدلجن بالقرب يسقين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [ (7) ] يعني في الجهاد.
__________
[ (1) ] المجمع (5/ 327.
[ (2) ] المجمع (5/ 327) ورجاله رجال الصحيح.
[ (3) ] أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 407 وانظر المجمع 5/ 323.
[ (4) ] مسلم في الجهاد باب 48 (137) والشافعي كما في البدائع 1128 والترمذي (1556) وأحمد 1/ 308.
[ (5) ] أخرجه مسلم 3/ 1443 (135/ 1810) وأخرجه أبو داود (2531) والترمذي (1575) وأبو نعيم في الحلبة 10/ 211 والبيهقي 9/ 30.
[ (6) ] البخاري (6/ 94) (2883) أحمد 6/ 358 والتمهيد 1/ 232.
[ (7) ] المجمع 3/ 133.(9/112)
العاشر: فيما كان يقوله صلى الله عليه وسلم إذا غزا وفي مسيره:
وروى أبو داود والترمذي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال: اللهم أنت عضدي، وأنت نصيري، وبك أقاتل، ورواه الحارث بسند حسن عن ابن مجلز مرسلا بلفظ: إذا لقي العدو
[ (1) ] .
وروى أبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وجيوشه إذا علوا الثّنايا كبروا، وإذا هبطوا سبّحوا، فوضعت الصلاة على ذلك.
الحادي عشر: في أي وقت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يقاتل فيه، والأوقات التي أمسك على القتال فيها:
روى الإمام أحمد عن عبيد الله بن أوفى- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن ينهض إلى عدوه عند زوال الشمس [ (2) ] .
وروى الطبراني بسند جيد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يلق العدو من أول النهار، أخّر حتى تهب الريح، ويكون عند مواقيت الصلاة وكان يقول: «اللهم بك أجول وبك أصول، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم» [ (3) ] .
وروى الطبراني عن عتبة بن غزوان- رضي الله تعالى عنه- قال: كنا نشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القتال، فإذا زالت الشمس، قال لنا: احملوا فحملنا [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن النّعمان بن مقرّن- رضي الله تعالى عنه- قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القتال، فكان إذا لم يقاتل أوّل النهار أخّر القتال، حتى تزول الشمس، وتهب الرياح وينزل النصر [ (5) ] .
وروى البخاري عنه قال: شهدت القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب الرياح وتحضر الصلاة [ (6) ] .
وروى البخاري عنه عبد الله بن أوفى- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 3/ 184 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1661) وابن أبي شيبة 10/ 351، 12/ 263.
[ (2) ] أحمد 4/ 356 وانظر المجمع 5/ 325.
[ (3) ] أخرجه أحمد 4/ 332، 6/ 16 والدارمي 2/ 216 وابن السني (114) والعقيلي في الضعفاء 3/ 299.
[ (4) ] أخرجه الطبراني في الكبير 17/ 117 وانظر المجمع 5/ 326.
[ (5) ] أخرجه أحمد 5/ 444 وأبو داود 3/ 113 (2655) والترمذي 4/ 160 (1613) وقال حسن صحيح والحاكم 2/ 116 ومحمد وافقه الذهبي.
[ (6) ] أخرجه البخاري 6/ 258 (3160) .(9/113)
بعض أيامه التي لقي فيها، انتظر حتى مالت الشمس، ثم قام في الناس، فقال: أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، ولكن اسألوا الله تعالى العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا [ (1) ] .
وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قوما لم يغز حتى يصبح فإذا سمع أذانا أمسك، وإن لم يسمع أذانا أغار بعد ما يصبح،
زاد مسلم فسمع رجلا يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفطرة ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله، قال: خرجت من النار [ (2) ] .
وروى الطبراني عن خالد بن معبد- رضي الله تعالى عنه- قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال: من لقيت من العرب فسمعت فيهم الأذان، فلا تعرض له، ومن لم تسمع فيهم الأذان فادعهم إلى الإسلام [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنّسائي، عن النعمان بن مقرن- رضي الله تعالى عنه- قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوات، فكان إذا طلع الفجر أمسك عن القتال حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت قاتل فإذا انتصف النهار أمسك حتى تزول الشمس، فإذا زالت قاتل حتى العصر، ثم أمسك حتى يصلي العصر، ثم قاتل وكان يقول عند هذه الأوقات تهيج رياح النصر ويدعو المؤمنون لجيوشهم في صلاتهم [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يغير إذا طلع الفجر وكان يسمع الأذان فإن سمع الأذان أمسك، وإلا أغار.
ويروي الإمامان مالك والشافعي والشيخان عنه- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى خيبر، أتاها ليلا، وكان إذا أتى قوما بليل لم يغز حتى يصبح، فإذا سمع أذانا أمسك وإلا أغار حتى يصبح، فلما أصبح ركب وركب المسلمون، وذكر الحديث [ (5) ] .
وروى الإمام أحمد والحارث عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى أو يغزوا فإذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ [ (6) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 120 (2965، 2966) ومسلم 3/ 1362 (20/ 1742) .
[ (2) ] أخرجه البخاري 2/ 89 (610، 2991) ومسلم 3/ 1426 (120/ 1365) .
[ (3) ] انظر المجمع 5/ 307.
[ (4) ] أخرجه الترمذي 4/ 159 (1612) .
[ (5) ] تقدم.
[ (6) ] انظر المجمع 6/ 66.(9/114)
الثاني عشر: في دعائه صلى الله عليه وسلم إلى القتال وما جاء في تركه:
روى الإمام أحمد وأبو يعلى والطبراني بأسانيد رجاله أحدهما رجال الصحيح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما حتى يدعوهم [ (1) ] .
وروى الطبراني برجال الصحيح غير عثمان بن يحيى القرقساني وهو ثقة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- إلى قوم يقاتلهم ثم بعث إليه رجلا فقال: لا تدعه من خلفه، وقل له لا يقاتلهم حتى يدعوهم
[ (2) ] .
وروى الإمام أحمد والترمذي وحسنه عن أبي البختري- رحمه الله تعالى- أن جيشا من جيوش المسلمين كان أميرهم سلمان، حاصروا قصرا من قصور فارس، وفي لفظ: «حصنا أو مدينة» فقال المسلمون: ألا نشهد إليهم فقال: دعوني أدعوهم كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم، فأتاهم فقال: إنما أنا رجل فارسي منكم، فهداني الله- عز وجل- للإسلام وترون العرب يطيعوني، فإن أسلمتم فلكم مثل الذي لنا، وعليكم مثل الذي علينا وإن أبيتم إلا دينكم تركناكم عليه، وأعطونا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، ورطن بالفارسية وأنتم غير محمودين، وإن أبيتم نابذناكم على سواء، إن الله لا يحب الخائنين، قالوا: ما نحن بالذي نعطي الجزية ولكنا نقاتلكم، قالوا: يا أبا عبد الله، ألا نشهد إليهم، قال: لا، فدعاهم ثلاثة أيام إلى مثل هذا، فلما كان اليوم الرابع قال للناس: انهضوا إليهم ففتحوا القصر [ (3) ] .
الثالث عشر: في لبسه صلّى الله عليه وسلم الدّرع والمغفر وسيفه والبيضة ودرقته وقبيعته وقوسه وجحفته:
وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبته: اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، الحديث وفيه: فخرج وهو في الدرع، وهو يقول:
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ
[القمر/ 45] [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد والنسائي والبيهقي والترمذي في الشمائل وأبو داود عن السائب بن يزيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر بين درعين يوم أحد [ (5) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 15 والبيهقي 9/ 107 وانظر المجمع 5/ 304 والتمهيد 2/ 217.
[ (2) ] ذكره الرازي في العلل (903) وانظر المجمع (5/ 308) .
[ (3) ] أخرجه أحمد (5/ 440) .
[ (4) ] تقدم.
[ (5) ] أحمد 3/ 449 أخرجه أبو داود (2590) وابن ماجة: 2/ 938 (2806) وانظر المجمع 6/ 108.(9/115)
وروى الترمذي وقال حسن غريب عن الزبير بن العوام- رضي الله تعالى عنه- قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم درعان يوم أحد ... الحديث.
وروى الشيخان عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- أنه سئل عن جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فقال: جرح وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته، وهشّمت البيضة على رأسه، الحديث [ (1) ] .
وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح على رأسه المغفر، الحديث [ (2) ] .
وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأشجع الناس، وأجود الناس، ولقد فزع أهل المدينة فخرجوا نحو العيون فاستقبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد استبرأ الخبر وهو على فرس عري وفي عنقه السيف، وهو يقول: لن تراعوا لن تراعوا، ثم قال: وجدناه لبحرا وإنه لبحر [ (3) ] .
وروى أبو داود والترمذي وقال: حسن غريب والنّسائي وقال: منكر عنه- رضي الله تعالى عنه- قال: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضّة [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد والترمذي عن ابن سيرين- رحمه الله تعالى- قال: صنعت سيفي سمرة على سيف يعنى بن جندب، وزعم سمرة أنه صنع سيفه على سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان حنفيّا [ (5) ] .
وروى الترمذي وقال: حسن غريب عن مزيدة العصريّ- رضي الله تعالى عنه- قال:
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضّة، فسئل عن الفضة فقال: كان قبيعة السيف فضة [ (6) ] .
وروى الإمام أحمد والترمذي وقال: حسن غريب والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنصّل سيفه ذو الفقار يوم بدر [ (7) ] .
وروى الإمام أحمد موصولا عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول
__________
[ (1) ] تقدم.
[ (2) ] تقدم.
[ (3) ] تقدم.
[ (4) ] تقدم.
[ (5) ] أخرجه الترمذي (4/ 170) (1683) وفي الشمائل (88) .
[ (6) ] تقدم.
[ (7) ] تقدم.(9/116)
الله صلى الله عليه وسلم «بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله تبارك وتعالى لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذّلّة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم» ورواه البخاري تعليقا بلفظ: ويذكر عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: جعل رزقي تحت ظل رمحي،
الحديث [ (1) ] .
وروى البيهقي عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: كان بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس عربية، فرأى رجلا بيده قوس فارسية، فقال: ما هذه؟ ألقها وعليكم بهذه وأشباهها، ورماح القنا «فإنهما يزيد الله لكم بهما في الدين، ويمكّن لكم في البلاد» .
وروى الطبراني عن عبد الله بن بسر- رضي الله تعالى عنه- قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّا إلى خيبر فعممه بعمامة سوداء، ثم أرسلها من ورائه، أو قال على كتفه اليسرى ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يتّبع الجيش وهو متوكّئ على قوس، فذكر نحو الذي قبله [ (2) ] .
وروى مسلم عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية عزّلا يعني ليس معه سلاح، فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم جحفة أو درقة [ (3) ] .
الرابع عشر: في ترتيبه صلى الله عليه وسلم الصفوف والتعبئة عند القتال:
وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن حبان عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة» [ (4) ] .
وروى أبو داود عن عبد الرحمن بن عوف- رضي الله تعالى عنه- قال: عبّأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر ليلا [ (5) ] .
وروى الإمام أحمد عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال: صففنا يوم بدر فبدرت منا بادرة أمام الصف، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: معي معي [ (6) ] .
وروى الإمام أحمد عن عمار بن ياسر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستحب للرجل أن يقاتل تحت راية قومه [ (7) ] .
__________
[ (1) ] تقدم.
[ (2) ] تقدم.
[ (3) ] مسلم (3/ 1434) (1807) .
[ (4) ] تقدم.
[ (5) ] أخرجه الترمذي 4/ 194 (1677) .
[ (6) ] أخرجه أحمد 5/ 420 والطبراني في الكبير 4/ 209 وانظر المجمع (5/ 326، 6/ 74.
[ (7) ] أخرجه أحمد 4/ 263 وانظر المجمع 5/ 326.(9/117)
الخامس عشر: فيما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ووعظه العسكر:
روى ابن أبي شيبة عن أيوب- رحمه الله تعالى- قال: حدثني رجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل العسفاء والوصفاء
[ (1) ] .
وروى أبو داود عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الصوت عند القتال [ (2) ] .
وروى أبو داود عن قيس بن عباد- رضي الله تعالى عنه- قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند القتال [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيت الرجل وحده أو يسافر وحده
[ (4) ] .
وروى الشيخان عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: وجدت امرأة مقتولة في مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النّساء والصبيان، وفي لفظ: «فنهى» [ (5) ] .
وروى الإمام أحمد وابن أبي شيبة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه، قال: اخرجوا بسم الله فقاتلوا في سبيل الله، من كفر بالله ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع [ (6) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي، وقال حسن صحيح غريب عن سمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقتلوا شيوخ المشركين، واستبقوا شرخهم» [ (7) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والبيهقي عن صفوان بن عثمان- رضي الله تعالى عنه- قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فقال: «سيروا بسم الله وفي سبيل الله ولا تمثّلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدا» [ (8) ] .
وروى الإمام أحمد عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في
__________
[ (1) ] مجمع (5/ 318) . والوصيف: العبد.
[ (2) ] أخرجه أبو داود (2/ 56) (2656، 2657) وانظر الدر المنثور 3/ 189.
[ (3) ] أخرجه أبو داود 3/ 113 (2656) والحاكم 2/ 116 والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 74.
[ (4) ] أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 38، 12/ 522 مجمع (8/ 107) .
[ (5) ] أخرجه البخاري 6/ 148 (3015) ومسلم 3/ 1364 (25/ 1744) .
[ (6) ] تقدم.
[ (7) ] أخرجه أحمد 5/ 12 وأبو داود 3/ 122 (2670) والترمذي 4/ 145 (1583) قال حسن صحيح غريب.
[ (8) ] أخرجه أحمد 4/ 240 والترمذي (2857) وابن ماجة (2857) .(9/118)
من قتل صغيرا أو حرق نخلا أو قطع شجرة مثمرة، أو ذبح شاة لإهابها لم يرجع كفافا [ (1) ] .
وروى الشيخان عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير وقطع أشجارهم [ (2) ] .
وروى أبو داود والبيهقي عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إليه قال: أغر على أبنى صباحا وحرّق [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد عن كثير بن السائب- رحمه الله تعالى- قال: حدثني ابنا قريظة أنهم عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن قريظة، فمن كان منهم محتلما أو نبتت عانته قتل، وإلا فلا [ (4) ] .
وروى الطبراني عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال: حرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال بني النضير [ (5) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أبي ثعلبة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان الناس إذا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا فعسكر، تفرقوا عنه في الشعاب والأودية، فقام فيهم، فقال: إنما تفرقتم في الشّعاب والأودية، إنما ذلك من الشيطان،
قال: فكانوا بعد ذلك إذا نزلوا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال إنك لو بسطت عليهم ثوب لعمّهم أو نحو ذلك [ (6) ] .
وروى أبو داود عن سمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنه- قال: أما بعد، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمّى خيلنا خيل الله إذا فزعنا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا فزعنا بالجماعة، والصبر والسكينة إذا قاتلنا [ (7) ] .
وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال: إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج: إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا، وأنه لا يعذب بالنار إلا الله- عز وجل-[ (8) ] .
__________
[ (1) ] أحمد 5/ 276 وانظر المجمع 5/ 317.
[ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 329 (4031- 4032) ومسلم 3/ 1365 (30/ 1746) .
[ (3) ] أخرجه أحمد 5/ 205 وأبو داود (2616) وابن ماجة 2/ 948 (2843) .
[ (4) ] تقدم.
[ (5) ] انظر المجمع 5/ 329 والبيهقي في الدلائل 3/ 357.
[ (6) ] أخرجه أحمد 4/ 193 وأبو داود 3/ 94 (2628) والحاكم 2/ 115.
[ (7) ] أخرجه أبو داود (2560) .
[ (8) ] تقدم البخاري (6/ 172) 3016.(9/119)
السادس عشر: في استنصاره صلى الله عليه وسلم ضعفة المسلمين عند القتال ودعائه وامتناعه من قتال المشركين معه واستعانته به وقتاله عن أهل الذمة:
وروى الطبراني عن أبي طلحة- رضي الله تعالى عنه- قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، فلقى العدوّ فسمعته يقول: يا مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، قال: فلقد رأيت الرجال تصرع تضربها الملائكة من بين أيديها ومن خلفها [ (1) ] .
وروى الطبراني برجال الصحيح عن أمية بن خالد بن عبد الله بن أسيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستفتح بصعاليك المسلمين [ (2) ] .
وروى الطبراني عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنما ينصر الله المسلمين بدعاء المستضعفين» ، وهو في الصحيح بلفظ: «إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم» [ (3) ] .
وروى مسلم عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ابغوني في ضعفائكم» [ (4) ] .
وروى مسلم عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله تعالى عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على الأحزاب، «اللهم، منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم، اهزمهم وزلزلهم» [ (5) ] .
وروى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج قبل بدر، فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحابه صلى الله عليه وسلم حين رأوه فلما أدركه، قال صلى الله عليه وسلم: «لم جئت؟» فقال: جئت لأتبعك وأصيب معك، فقال له صلى الله عليه وسلم: «تؤمن بالله ورسوله» ، قال: لا، قال:
«فارجع، فلن أستعين بمشرك» ، ثم أدركه بالشجرة، فقال له كما قال أول مرة، فرجع، ثم قال له في الثالثة: أتؤمن بالله ورسوله، فقال: نعم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق [ (6) ] .
__________
[ (1) ] انظر المجمع (5/ 331) .
[ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير 1/ 269 والبغوي في التفسير 7/ 62 وانظر الترغيب والترهيب 4/ 144 وأبو عبيد الهرويّ في الغريب 1/ 248 م فتح والمجمع 10/ 262.
[ (3) ] انظر المجمع 5/ 329.
[ (4) ] أخرجه أحمد 5/ 198 وأبو داود 3/ 73 (2594) والترمذي 4/ 206 (1702) وقال حسن صحيح والنسائي 6/ 45 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1620) والحاكم 2/ 106.
[ (5) ] أخرجه مسلم (3/ 1363) وأخرجه أحمد 4/ 353، 355، 382 وابن ماجة (2796) وعبد الرزاق (9516) وأبو نعيم في الحلية 8/ 256 وفي التاريخ 1/ 318 والبيهقي في الدلائل 3/ 356 وابن خزيمة (2775) والحميدي (719) .
[ (6) ] أخرجه مسلم (3/ 1450) (1817) .(9/120)
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ [ (1) ] [القمر/ 45، 46] .
وروى ابن أبي شيبة وابن جرير عن البراء- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل يوم حنين ودعا واستنصر وهو يقول: «أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب» ، وقال: «اللهم أنزل نصرك» [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد والترمذي وقال حسن غريب والنسائي في عمل اليوم والليلة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقي العدو، قال: «اللهم، أنت عضدي، وأنت نصيري، بك أقاتل» [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات عن خبيب بن يساف- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزوا لنا ورجل من قومي، ولم نسلم، فقلنا: إنا نستحي أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم، قال أولو أسلمتما قلنا: لا، قال إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين، قال: فأسلمنا وشهدنا معه،
فقتلت رجلا، وضربني ضربة، فتزوجت بابنته، فكانت تقول: لا عدمت رجلا، وشحك هذا الوشاح، فأقول: لا عدمت رجلا عجّل أباك إلى النار [ (4) ] .
وروى الطبراني عن أبي حميد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم أحد حتى إذا جاوز ثنية الوداع فإذا هو بكتيبة خشنة فقال: من هؤلاء؟ قالوا:
عبد الله بن أبي في ستمائة من مواليه من اليهود من بني قينقاع، فقال: وقد أسلموا؟ قالوا: لا، يا رسول الله، قال: مروهم فليرجعوا، فإنّا لا نستعين بالمشركين على المشركين [ (5) ] .
وروى أبو داود في مراسيله عن الزّهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعان بناس من اليهود في حربه فأسهم لهم [ (6) ] .
روى البزار عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقاتل عن أحد من أهل الشرك إلا أهل الذمة [ (7) ] .
__________
[ (1) ] تقدم.
[ (2) ] تقدم.
[ (3) ] تقدم.
[ (4) ] أخرجه ابن أبي شيبة 12/ 394 وابن سعد 2/ 1/ 34، 3/ 2/ 86 وأبو نعيم في تاريخ أصفهان 2/ 272 وانظر المجمع 5/ 303.
[ (5) ] أخرجه ابن أبي شيبة 12/ 397 والمجمع 5/ 303 وانظر الكنز (11294، 30048) .
[ (6) ] أخرجه سعيد بن منصور (2790) والبيهقي في السنن الكبرى 9/ 53 وأبو داود في المراسيل (281) .
[ (7) ] انظر المجمع 6/ 13.(9/121)
السابع عشر: في سيرته صلّى الله عليه وسلم في الشعار في الحرب:
روى أبو يعلى بسند جيد عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: كان شعار النبي صلى الله عليه وسلم يأكل خير
[ (1) ] .
وروى الطبراني عن عتبة بن فرقد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخرا، فنادى يا أصحاب سورة البقرة
[ (2) ] .
وروى أبو داود عن سمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنه- قال: كان شعار المهاجرين عبد الله، وشعار الأنصار عبد الرحمن [ (3) ] .
وروى مسلم والإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن المهلب بن أبي صفرة- رحمه الله تعالى- قال: أخبرني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أبيتم فليكن شعاركم «حم لا ينصرون» [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد وابن عدي عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنه- قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم ستلقون العدوّ غدا، فإن شعاركم «حم لا ينصرون»
[ (5) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال: غزونا مع أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شعارنا أمت أمت مرتين [ (6) ] .
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن رجل من جهينة- رضي الله تعالى عنه- قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يقولون في شعارهم: يا حرام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا حلال» [ (7) ] .
وروى النسائي عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الخندق: إني لا أرى القوم إلا ميتيكم الليلة، وإن شعاركم «حم لا ينصرون» [ (8) ] .
الثامن عشر: في سيرته صلّى الله عليه وسلم في رسل الكفّار واستحبابه- صلى الله عليه وسلم- الإقامة في موضع النّصر ثلاثا، وسيرته في العتق وإتيان بعض أمرائه- صلى الله عليه وسلم- برؤوس بعض أكابر القتلى، وامتناعه من بيع جسد المشرك:
وروى الإمام أحمد برجال ثقات وابن مغيث يحرر رجاله عن معير السعدي- رحمه الله
__________
[ (1) ] انظر المجمع (5/ 330) .
[ (2) ] أخرجه ابن أبي شيبة 14/ 524 وعبد الرزاق (9465) وانظر المجمع 6/ 180 والمطالب العالية (4373) .
[ (3) ] أخرجه أبو داود 3/ 73 (2595) .
[ (4) ] أخرجه أحمد 4/ 65 وأبو داود 3/ 74 (2597) والترمذي 4/ 197 (1682) والحاكم 2/ 107.
[ (5) ] أحمد (4/ 289) وأبو نعيم في التاريخ 1/ 201.
[ (6) ] أخرجه أحمد 4/ 46 والدارمي 2/ 219 وأبو داود 3/ 100 (2638) والحاكم 1/ 107.
[ (7) ] أخرجه أحمد 3/ 471 وابن أبي شيبة 12/ 503 والحاكم 2/ 108 والبيهقي 6/ 362.
[ (8) ] أخرجه ابن سعد 2/ 1/ 52.(9/122)
تعالى- قال: مررت بمسجد بني حنيفة، وهم يقولون: إن مسيلمة رسول الله، فأتيت ابن مسعود، فأخبرته فاستتابهم، فتابوا، فخلّى سبيلهم، وضرب عنق ابن النواحة فقالوا أخذت قوما في أمر واحد، فقتلت بعضهم وتركت بعضهم، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وفد عليه هذا وابن أثال بن حجر، فقال: أتشهدان أني رسول الله، فقالا تشهد أنت أن مسيلمة رسول الله، فقال رسول الله: آمنت بالله ورسله، ولو كنت قاتلا وفدا لقتلتكما، قال: فلذلك قتلته [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن سلمة بن نعيم عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال:
سمعت رسول الله يقول لهما حين قرأ كتاب مسيلمة ما تقولان أنتما؟ قالا: نقول: كما قال، قال: أما والله، لولا أنّ الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد والبزار وأبو يعلى بسند حسن ومسدّد وابن منيع، وابن حبان، ورواه أبو داود مختصرا عن أبي وائل- رحمه الله تعالى- قال: قال عبد الله بن مسعود حين قتل ابن النّواحة إن هذا وابن أثال كانا أتيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسولين لمسيلمة الكذّاب، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتشهدان أني رسول الله؟» قالا: لا، نشهد أن مسيلمة رسول الله، قال: لو كنت قاتلا وفدا لضربت أعناقكما، قال: فجرت السنة أن الرسل لا تقتل، فأما ابن أثال فكفاناه الله- عز وجل-، وأما هذا فلم يزل ذلك فيه حتى أمكن الله منه [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد والبزار والشيخان عن أنس بن مالك عن أبي طلحة- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ظهر على قوم أقام بعرصتهم ثلاثا ورواه أبو داود [ (4) ] بلفظ: «إذا غاب قوما أحب أن يقيم بعرصتهم ثلاثا» .
وروى الإمام أحمد والطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتق من جاءه من العبيد قبل مواليهم إذا أسلموا، وقد أعتق يوم الطائف رجلين،
وفي رواية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف: «من خرج إلينا من العبيد فهو حرّ» ،
فخرج إليه عبيد فيهم أبو بكرة فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى الطبراني برجال الصحيح عن أبي بكر
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 1/ 396، 404.
[ (2) ] أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد باب (165) والبيهقي 9/ 211 وانظر البداية والنهاية 5/ 51 والدارمي 2/ 235 والطحاوي في المشكل 4/ 61 وفي المعاني 3/ 212.
[ (3) ] أخرجه أحمد 1/ 396 وعبد الرزاق (18708) .
[ (4) ] أخرجه البخاري في المغازي باب (8) والترمذي (970) (1551) وأحمد 3/ 145 وانظر المجمع 6/ 91 وابن أبي شيبة 12/ 352 وأبو داود (2695) .(9/123)
- رضي الله تعالى عنه- أنه خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر أهل الطائف بثلاثة وعشرين عبدا، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث [ (1) ] .
وروى الطبراني بسند جيد عن غيلان بن سلمة الثقفي- رضي الله تعالى عنه- أن نافعا كان عبدا لغيلان ففر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيلان مشرك، فأسلم غيلان، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاء نافع إليه [ (2) ] .
وروى الطبراني عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلام يقال له يسار، فنظر إليه يحسن الصلاة فأعتقه [ (3) ] .
وروى البزار برجال ثقات عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن عبدا أسلم فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم خشي أهله أن يتّبع النبي صلى الله عليه وسلم فقيدوه، فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك قد علمت بإسلامي، فسيرني، أو خلّصني، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر على بعير، وقال:
لعلكم تجدون في دار من يعينكم، فأعتقه النبي صلى الله عليه وسلم
[ (4) ] .
وروى الطبراني برجال ثقات عن فيروز الدّيلمي- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم برأس أسود العنسي.
وحديث ابن عمر: ما حمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس قطّ [ (5) ] ، رواه الطبراني من طريق زمعة بن صالح وهو ضعيف،
وروى محمد بن يحيى بن أبي عمر والبيهقي والترمذي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: لما كان يوم الأحزاب قتل رجل من عظماء المشركين فبعثوا إلى رسول الله أن ابعثوا إلينا بجسده ولكم اثنا عشر ألفا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير في جسده، ولا في ثمنه [ (6) ] .
وروى الإمام أحمد والترمذي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: أن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل من المشركين، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم [ (7) ] .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
المفازة- بميم ففاء فزاي والمفازة: البرّيّة.
__________
[ (1) ] أخرجه 1/ 236 وسعيد بن منصور (2807) وابن أبي شيبة 12/ 511 وانظر المجمع 4/ 245.
[ (2) ] المجمع (4/ 234) .
[ (3) ] انظر المجمع 4/ 242، 6/ 294.
[ (4) ] انظر المجمع 4/ 241.
[ (5) ] انظر المجمع (5/ 330) .
[ (6) ] أخرجه البيهقي 9/ 133 انظر البداية والنهاية 4/ 107.
[ (7) ] الترمذي (4/ 186) (1715) .(9/124)
جلّى- بجيم فلام مفتوحتين فتحتية: كشف.
الغدوة- بغين معجمة فدال مهملة فواو فتاء تأنيث- المرة من العدو وهو سير أول النهار، نقيض الرّواح.
الرّوحة- براء مفتوحة فواو ساكنة فحاء مهملة مفتوحة فتاء تأنيث- المرة من الرواح.
استحرّ القتال- بهمزة فسين مهملة ساكنة ففوقية فحاء مهملة فراء مفتوحات كثر واشتد.
كرابيس- بكاف فراء مفتوحتين فألف فموحدة فتحتية فسين مهملة جمع كرباس، وهو القطن.
النّمرة- بنون مفتوحة فميم مكسورة فراء فتاء تأنيث- شملة مخطّطة.
برك الغماد- بموحدة مفتوحة فراء ساكنة فكاف، والغماد- بمعجمة مكسورة وبفتح وبضم فميم فألف فدال مهملة- موضع أو هو أقصى معمور الأرض.
الحواريّ- بحاء مهملة فواو مفتوحتين فألف فراء فتحتية مشددة- الخاصة والأنصار والأصحاب.
أجول- بهمزة مفتوحة فجيم مضمومة فواو- أذهب وأجيء.
الدرع والمغفر والقبيعة تقدم الكلام عليها.
الصعاليك: [جمع صعلوك وهو الفقير] .
العرصة: [هي كل موضع واسع لا بناء فيه] .(9/125)
الباب الثاني في مصالحته- صلى الله عليه وسلم- المحاربين وهديته وأمانته ووفائه بالعهد والذمة لهم
روى أبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل نجران على ألفي حلّة، النصف في صفر، والنّصف في رجب، يردّونهما إلى المسلمين، وعارية ثلاثين درعا، وثلاثين فرسا، وثلاثين بعيرا، وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح يغزون بها، والمسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم، إن كان باليمن كيد على ألا تهدم لهم بيعة، ولا يخرج لهم قسّ، ولا يفتنوا على دينهم ما لم يحدثوا حدثا أو يأكلوا الربا [ (1) ] .
وروى أبو يعلى عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح نصارى بني تغلب على أن ينصّروا أبناءهم، فإن فعلوا فقد برئت منهم الذمة، وإنهم قد نقضوا، وإنه إن يتم لي الأمر، لأقتلن المقاتلة ولأسبينّ الذّرّيّة
[ (2) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بعثتني قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع الإسلام في قلبي، فقلت: يا رسول الله والله لا أرجع إليهم أبدا، فقال: إني لا أخيس بالعهد ولا أخيس البرد، ولكن ارجع إليهم فإن كان الذي في قلبك الذي فيه الآن فارجع، فذهبت إليهم، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت [ (3) ] .
وروى الإمام مالك والخمسة عن أم هانئ بنت أبي طالب- رضي الله تعالى عنها- قالت: ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره، فسلّمت عليه فقال: «من هذه؟» فقلت أنا أم هانئ بنت أبي طالب، فقال: «مرحبا بأمّ هانئ» ، فلما فرغ من غسله، قام فصلّى ثمان ركعات ملتحفا في ثوب واحد، فقلت: يا رسول الله، زعم ابن أمّي عليّ أنه قاتل رجلا قد أجرته، فلان بن هبيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أجرنا من أجرت يا أمّ هانئ»
قالت أم هانئ: وذلك ضحى [ (4) ] .
وروى أبو يعلى بسند جيد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذمة المسلمين واحدة، فإن أجارت عليهم امرأة فلا تحقروها، فإن لكل غادر لواء يوم القيامة» [ (5) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أبو داود (3041) .
[ (2) ] أبو يعلى (1/ 273) .
[ (3) ] أخرجه أبو داود في الجهاد باب (162) وأحمد 6/ 8 وابن حبّان ذكره الهيثمي في الموارد (1631) والحاكم 30/ 598.
[ (4) ] والحديث أخرجه البخاري 6/ 273 (3171) ومسلم 1/ 498 (82/ 336) .
[ (5) ] أخرجه الحاكم 2/ 141 وانظر المجمع 5/ 329، 330.(9/126)
وروى الطبراني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن زينت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أجارت العاص بن الربيع، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم جوارها، وأن أمّ هانئ أجارت أخاها عقيلا فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم جوارها [ (1) ] .
وروى الطبراني بسند جيد عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا استأذنت أبا العاص بن الربيع زوجها أن تذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لها، فقدمت عليه، ثم إن أبا العاص لحق بالمدينة، فأرسل إليها أن خذي لي أمانا من أبيك، فخرجت فاطّلعت برأسها من باب حجرته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبح يصلي بالناس، فقالت: يا أيها الناس، إني زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني قد أجرت العاص، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة، قال: إني لم أعلم بهذا حتى سمعتموه ألا وإنه يجير على المسلمين أدناهم
[ (2) ] .
وروى عبد عن عمران بن الحصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فادى رجلين من أصحابه برجل من المشركين [ (3) ] .
تنبيه:
في بيان غريب ما سبق:
البيعة- بموحدة مفتوحة فتحتية ساكنة فعين مهملة فتاء تأنيث- المعاقدة والمعاهدة كأن كلّ واحد باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره.
أخس- بهمزة مفتوحة فخاء معجمة مكسورة فتحتية فسين مهملة- أي لا أنقض.
البرد- بموحدة مضمومة فراء ساكنة فدال مهملة- جمع بريد وهو الرسول، مخفّف من برد بالضم كرسل مخفف من رسل، وإنما خففها هنا ليزاوج العهد.
تخفروها: خفرته أي أجرته وحفظته.
__________
[ (1) ] المجمع (5/ 332) .
[ (2) ] المجمع (5/ 333) .
[ (3) ] الدارمي (2/ 223) والترمذي (4/ 115) (1568) .(9/127)
الباب الثالث في قسمته- صلى الله عليه وسلم- الغنائم بين الغانمين وتنفيله بعضهم وفيه أنواع:
روى الإمام أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني عن العرباض بن سارية- رضي الله تعالى عنه- قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبرة من الفيء، فقال: ما لي منه إلا مثل ما لأحدكم إلا الخمس وهو مردود فيكم، فأدّوا الخيط والمخيط فما فوقها وإياكم والغلول، فإنه عار ونار، وشنار على صاحبه يوم القيامة [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني عن مجمع بن جارية الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم خيبر على أهل الحديبية وكانوا ألفا وخمسمائة منهم ثلاثمائة فارس، فقسّمها على ثمانية عشر سهما، فأعطى الفارس سهمان، والراجل سهما [ (2) ] .
وروى أبو داود عن ابن شهاب- رحمه الله تعالى- قال: خمّس رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ثم قسّم سائرها على من شهدها، ومن غلب عنها من أهل الحديبية [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد بسند جيد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: رأيت الغنيمة تجزأ خمسة أجزاء، ثم يسهم عليها، فما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو له يتخير [ (4) ] .
وروى الطبراني برجال ثقات غير كثير مولى ابن مخزوم فيحرر رجاله عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسّم لثمانين فرسا يوم حنين سهمين سهمين سهمين [ (5) ] .
وروى الإمامان الشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسّم للفرس سهمين وللرجل سهما [ (6) ] .
وروى أبو داود عن ابن شهاب مرسلا قال: خمّس رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، ثم قسم
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 128 والطبراني في الكبير 18/ 260 وانظر المجمع 5/ 337.
[ (2) ] أخرجه ابن أبي شيبة 2/ 400 (15031) وأحمد 3/ 420 وأبو داود 3/ 174 (2736) والدارقطني 4/ 105 والطبراني في الكبير 19/ 445 (1082) والحاكم 2/ 131 والبيهقي 6/ 325.
[ (3) ] أبو داود (3019) .
[ (4) ] انظر المجمع 5/ 340.
[ (5) ] انظر المجمع 5/ 341.
[ (6) ] أبو داود (2/ 84) (2734) والترمذي (4/ 104) (1554) وهو عند البخاري ومسلم البخاري 6/ 67 (2863) ومسلم 3/ 1382 (57/ 1762) وابن أبي شيبة 12/ 397.(9/128)
سائرها على من شهدها ومن غاب عنها من أهل الحديبية.
وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن جبير بن مطعم- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطي الزبير سهما وأمه سهما وفرسه سهمين، ورواه أيضاً عن الزبير [ (1) ] .
وروى أبو داود عن زيد بن أسلم- رضي الله تعالى عنه- أن ابن عمر دخل على معاوية، فقال: ما حاجتك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: عطاء المحررين، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما جاءه شيء بدأ بالمحررين.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عمر مولى آبي اللحم- رضي الله تعالى عنهما- قال:
غزوت مع مولاي خيبر وأنا مملوك، فلم يقسّم لي من الغنيمة، وأعطيت من خرثي المتاع سيفا فكنت أجره إذا تقلّدته [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي المرأة والمملوك من الغنائم دون ما يصيب الجيش [ (3) ] .
وروى الترمذي عن الزهري مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لقوم من اليهود قاتلوا معه الثالث في النفل.
وروى أبو داود عن حبيب بن مسلمة الفهريّ- رضي الله تعالى عنه- قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفل (الثلثين) بعد الخمس، وفي أخرى كان ينفل الربع بعد الخمس، وفي أخرى إذا قفل.
ورواه الإمام أحمد بلفظ: نفل الربع بعد الخمس في بدأته ونفل الثلث بعد الخمس في رجعته [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفل في مغازيه [ (5) ] .
وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: نفّلني رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
[ (1) ] انظر مشاة المصابيح (4058) والمجمع (5/ 345) ووقع فيه أمه بدلا من ابنه.
[ (2) ] أخرجه أحمد 5/ 223 والدارمي 2/ 226 وأبو داود 3/ 171 (2730) والترمذي 4/ 127 (557) وابن ماجة 2/ 952 (2855) والحاكم 2/ 131.
[ (3) ] أخرجه أحمد 1/ 319، 352 وبنحوه أخرجه سعيد بن منصور (2789) .
[ (4) ] أخرجه سعيد بن منصور 2/ 62 (2702) وأحمد 4/ 160 وأبو داود 3/ 182 (2749، 2750) وابن ماجة 2/ 951 (2851، 2853) والحاكم 2/ 133.
[ (5) ] أخرجه أحمد 4/ 402 وانظر المجمع 6/ 7.(9/129)
يوم بدر سيف أبي جهل [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد والطبراني عن أبي هوس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل في مغازيه [ (2) ] .
وروى الطبراني عن السائب بن يزيد عن أبيه- رضي الله تعالى عنهما- قال نفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفلا سوى نصيب من الخمس فأصابني شارف [ (3) ] .
تنبيه:
في بيان غريب ما سبق:
خرثي- بخاء مضمومة فراء ساكنة مهملة فمثلثة فتحتية- أثاث البيت ومتاعه.
المتاع: تقدم.
النفل: [أي: العطية] .
__________
[ (1) ] أخرجه أبو داود (2722) .
[ (2) ] تقدم.
[ (3) ] المجمع (6/ 10) وبنحوه عند مسلم 3/ 1369 (38/ 1750) والشارف المسنّ الكبير (أي ناقة مسنة) .(9/130)
الباب الرابع في صرفه- صلى الله عليه وسلم- الفيء والخمس:
وروى أبو داود عن عمرو بن عبسة- رضي الله تعالى عنه- قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعير من المغنم، فلما صلّى أخذ وبرة من جنب البعير، ثم قال: «ولا يحل لي من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس، والخمس مردود فيكم» [ (1) ] ، ورواه الإمام أحمد والنّسائي وأبو يعلى بسند ضعيف عن عبادة بن الصامت وروى الإمامان الشافعي وأحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة عن جبير بن مطعم- رضي الله تعالى عنه- قال: لما كان يوم خيبر وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى في بني هاشم والمطلب، وترك بني نوفل، وبني عبد شمس فانطلقت أنا وعثمان بن عفان، فقلنا: يا رسول الله، هؤلاء بنو هاشم، لا ينكر فضلهم لمكانك الذي وصفك الله به، فما بال إخوتنا بني عبد المطلب أعطيتهم من الخمس وتركتنا وقرابتنا واحدة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنا وبنو عبد المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام، إنما نحن وهم كشيء واحد وشبك بين أصابعه» [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن عوف بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه الفيء قسّمه في يومه، فأعطى الأهل حظّين، والعزب حظّا، فدعينا وكنت أدعى قبل عمّارا فدعيت فأعطاني حظين وكان لي أهل ثم دعي عمار بن ياسر فأعطاه حظا واحدا [ (3) ] .
وروى الطبراني بسند لا بأس به عن ثابت بن الحرث الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- قال: قسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر لسهلة بنت عاصم ولا بنة لها ولدت [ (4) ] .
وروى الطبراني برجال الصحيح عن زينب امرأة عبد الله الثقفية- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها بخيبر خمسين وسقا تمرا وعشرين وسقا شعيرا بالمدينة [ (5) ] .
وروى الإمام أحمد عن أبي الزبير- رحمه الله تعالى- قال: سئل جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع بالخمس؟ قال: كان يحمل الرجل منه في سبيل الله ثم الرجل ثم الرجل [ (6) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أبو داود 3/ 188 (2755) والحاكم 3/ 616 والبيهقي 6/ 339.
[ (2) ] تقدم.
[ (3) ] أخرجه أحمد 6/ 29 وسعيد بن منصور (2356) وأبو داود (2953) والخطيب في التاريخ 5/ 152.
[ (4) ] مجمع (6/ 10) .
[ (5) ] أخرجه ابن أبي شيبة 6/ 279 وانظر المجمع (6/ 10) .
[ (6) ] أحمد 3/ 365 وانظر المجمع 5/ 340.(9/131)
الباب الخامس في نهيه- صلّى الله عليه وسلم- عن الغلول وتركه أخذ المغلول من الغالّ إذا جاء به بعد القسمة وتركه الصلاة على الغالّ، وإحراقه متاع الغالّ وإكفائه قدورا لأنها أنهبت من الغنيمة
وفيه أنواع:
الأول: في نهيه عن الغلول وإخباره صلى الله عليه وسلم بأن الغال في النار:
روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله تعالى عنه- قال: كان على ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو في النار، فوجدوا عباءة قد غلّها» [ (1) ] .
وروى مسلم عن عدي بن عمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يؤتى به يوم القيامة، فقام إليه رجل أسود من الأنصار كأني أنظر إليه، فقال: يا رسول الله، اقبل عني عملك، قال:
وما لك؟ قال: سمعتك تقول كذا وكذا، وأنا أقوله الآن من استعملناه منكم على عمل فيجيء بقليله وكثيره فما أوتى منه أخذ وما نهي عنه انتهى [ (2) ] .
وروى أيضا عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: لما كان خيبر أقبل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد، وفلان شهيد، حتى مروا على رجل، فقالوا:
فلان شهيد فقال النبي صلى الله عليه وسلم «كلا، إني رأيته في النار في بردة غلّها أو عباءة، وروى أن الشملة التي غلها يوم أحد لتلتهب عليه نارا» [ (3) ] .
الثاني: في إحراقه صلى الله عليه وسلم متاع الغالّ:
روى أبو داود عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وجدتم الرّجل قد غلّ فأحرقوا متاعه واضربوه» .
الثالث: في إكفائه صلى الله عليه وسلم قدورهم:
روى أبو داود عن عاصم عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 187 (3074) .
[ (2) ] أخرجه مسلم في كتاب الإمامة (30) وأحمد 4/ 192 وابن أبي شيبة 6/ 548 والبيهقي 4/ 158 والحميد (894) والطبراني في الكبير 17/ 107.
[ (3) ] أخرجه أحمد 1/ 30، 3/ 151 ومسلم في كتاب الإيمان باب 48 (182) وأبو عوانة 1/ 48 وابن أبي شيبة 14/ 461 والدارمي 2/ 231.(9/132)
في سفر فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد، وأصابوا غنما فانتهبوها، فإن قدرونا لتغلي إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على قوسه فأكفأ قدورنا بقوسه، ثم جعل يرمّل اللحم بالتّراب، ثم قال «إن النّهبة ليست بأحل من الميتة» .
الباب السادس في أخذه- صلى الله عليه وسلم- الجزية ممن أبى الإسلام:
روى الطبراني برجال الصحيح غير الحسين بن سلمة بن أبي كبشة وهو ضعيف عن السائب بن يزيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر، وأخذها عمر من مجوس فارس، فأخذها عثمان من بربر [ (1) ] والله أعلم.
__________
[ (1) ] المجمع (6/ 15) .(9/133)
جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلم- في العلم وذكر بعض مروياته وفتاويه
الباب الأول في آدابه- صلّى الله عليه وسلم- في العلم
وفيه أنواع:
الأول: في قوله صلى الله عليه وسلم (لا أدري) . (والله أعلم) (إذا سئل عن شيء لا يعلمه) :
وروى الحارث بن أبي أسامة وأبو يعلى والإمام أحمد عن جبير بن مطعم- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي البلاد شر؟ فقال: لا أدري، فلما أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا جبريل، أي البلاد شر؟ قال: لا أدري حتى أسأل ربي تبارك وتعالى، فانطلق جبريل، فمكث ما شاء الله ثم جاء، فقال: يا محمد، إنك سألتني أي البلاد شر، قلت:
لا أدري، وإني سألت ربي تبارك وتعالى، فقلت: أي البلاد شر؟ فقال: أسواقها.
وروى أبو يعلى وابن حبان والطبراني والبيهقي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي البقاع خير؟ قال: «لا أدري» ، أو سكت، فأتاه جبريل، فسأله، فقال: لا أدري، فقال: سل ربّك، قال: ما أسأله عن شيء وانتفض انتفاضة كاد يصعق منها صلّى الله عليه وسلم فلما صعد جبريل صلى الله عليه وسلم قال الله- عز وجل-: سألك محمد: أي البقاع خير؟ فقلت: لا أدري، قال: نعم، قال، فحدثه أن خير البقاع المساجد، وأن شر البقاع الأسواق [ (1) ] .
وروى الحاكم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أدري ذو القرنين كان نبيّا أم لا؟ وما أدري الحدود كفّارات لأهلها أم لا [ (2) ] .
وروى أبو داود وبسند صحيح عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أدري تبّع مسلم هو أم لا، وما أدري عزير نبي هو أم لا» .
وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين عمن يموت منهم، وهو صغير، فقال، الله أعلم بما كانوا عاملين [ (3) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 89، 80، 2/ 7 وانظر المجمع 4/ 76 المطالب العالية (500) .
[ (2) ] أخرجه البيهقي 8/ 329 وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/ 50) والحاكم (2/ 450) والحاكم 1/ 36، 2/ 450 وابن الجوزي والبيهقي 1/ 329 ذاد المسير 7/ 347 وانظر كنز العمال (34086) (34087) .
[ (3) ] أخرجه البخاري 3/ 245 (1384) ومسلم 4/ 2049 (26/ 2659) .(9/134)
تنبيه: الأول: أعلم الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أن الحدود كفارات وأن تبّعا مسلم كما روى الإمام أحمد والبخاري والدارقطني عن خزيمة بن ثابت مرفوعا بإسناد حسن، وروى أحمد والطبراني بسند حسن عن سهل بن سعد مرفوعا: لا تسبوا تبّعا، فإنه قد أسلم [ (1) ] .
الثاني: في تعقيبه صلى الله عليه وسلم الفطر إلى من سأل عن شيء أعجبه:
وروى الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات عن أبي ثعلبة الخشني- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بما يحل لي، وما يحرم عليّ، قال: فصعد المنبر، وأخذ يصوّب في النظر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم البر ما سكنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النفس، ولم يطمئن إليه القلب، وإن أفتاك المفتون [ (2) ] .
الثالث: في طرحه صلى الله عليه وسلم المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم:
وروى البخاري عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بجمّاد، فقال: أن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها وفي لفظ: وهي مثل المسلم، حدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر الوادي، وفي لفظ: البادية، قال عبد الله: فوقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت، فقالوا: يا رسول الله أخبرنا، وفي لفظ: حدثنا ما هي يا رسول الله؟
قال: «هي النخلة» ، قال عبد الله: فحدثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا [ (3) ] .
الرابع: في تخوّله صلى الله عليه وسلم أصحابه في الموعظة والعلم كي لا ينفروا:
وروى البخاري عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوّلنا بالموعظة كراهة السآمة علينا [ (4) ] .
الخامس: في فتياه صلى الله عليه وسلم وهو واقف على الدّابّة وغيرها:
وروى البخاري عن عمرو بن العاص- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاءه رجل، فقال: لم أشعر، فحلقت قبل أن أذبح؟
فقال: اذبح، ولا حرج، فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ فقال ارم ولا حرج، فما
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 340 والطبراني في الكبير 6/ 250 و 11/ 296 والخطيب في التاريخ 3/ 205 وانظر الدر المنثور 6/ 31 والبداية والنهاية 2/ 166 والمجمع 8/ 76.
[ (2) ] أخرجه أحمد 4/ 194 وأبو نعيم في الحلية 8/ 172 والخطيب في التاريخ 8/ 445 وانظر المجمع 1/ 175.
[ (3) ] أخرجه البخاري 1/ 36 رقم (72) ومسلم 4/ 2165 وابن عبد البر في جامع فضل العلم 1/ 119 والطبري في التفسير 13/ 137.
[ (4) ] أخرجه البخاري 1/ 188 (68) عن ابن مسعود.(9/135)
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدّم ولا أخّر إلا قال: افعل ولا حرج [ (1) ] .
السادس: في إجابته صلى الله عليه وسلم بإشارة اليد والرأس:
عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل في حجة الوداع، فقال: ذبحت قبل أن أرمي فأومأ بيده وقال: لا حرج وقال: حلقت قبل أن أذبح وأومأ بيده ولا حرج
[ (2) ]
وأن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقبض العلم ويظهر الجهل والفتن ويكثر الهرج» ، قيل: يا رسول الله، وما الهرج، فقال بيده فحرفها كأنه يريد القتل رواهما البخاري [ (3) ] .
السابع: في ترجيعه صلى الله عليه وسلم بمن قعد عليه يطلب الخير:
وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن وفد قيس أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من الوفد أو من القوم ربيعة؟ فقال: مرحبا بالوفد أو بالقوم غير خزايا ولا ندامى
الحديث، وتقدم بتمامه في وفودهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوفود.
الثامن: في غضبه صلى الله عليه وسلم في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكرهه:
روى البخاري عن أبي مسعود الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بنا فلان، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة أشد غضبا منه يومئذ، فقال: أيها الناس، إنكم منفّرون وفي رواية: «إن منكم منفرين» ، فمن صلّى بالناس فليخفف، فإن فيهم المريض والضّعيف وذا الحاجة.
وعن زيد بن خالد الجهني- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله رجل عن اللّقطة، فقال: اعرف وكاها أو قال وكاءها وعفاصها ثم عرّفها سنة ثم استمتع بها، فإن جاء ربها فأدّها إليه، قال: فضالة الإبل، فغضب حتى احمرت وجنتاه أو قال: احمرّ وجهه، فقال: ما لك ولها وفي لفظ: فما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وترعى الشجر قدرها حتى يلقاها ربها، قال فضالة الغنم، قال: لك ولأخيك أو لذئب
[ (4) ] .
وعن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها فلما أكثروا عليه غضب، ثم قال للناس:
سلوني عما شئتم، قال رجل: من أبي قال: أبوك حذافة، فقام آخر فقال: من أبي يا رسول الله؟
فقال: أبوك سالم مولى شيبة،
فلما رأى عمر ما في وجهه برك على ركبته، وقال: رضينا بالله ربّا
__________
[ (1) ] تقدم.
[ (2) ] تقدم.
[ (3) ] وأخرجه البخاري 1/ 182 وأحمد 2/ 261، 288 وابن عبد البر في الجامع 1/ 152.
[ (4) ] أخرجه البخاري 5/ 84 (2429، 2436) ومسلم 3/ 1346 (1/ 1722) .(9/136)
وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّا ورسولا، يا رسول الله، إنا نتوب إلى الله- عز وجل- فسكت رواه البخاري [ (1) ] .
وروى مسدّد وإسحاق وابن أبي شيبة عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا نبي الله، أخبرني عن ليلة القدر أفي رمضان أم في غير رمضان؟ قال: بل هي في رمضان، قلت:
تكون مع الأنبياء إذا كانوا، فإذا قبضوا رفعت، قال: بل هي إلى يوم القيامة، قلت: في أي رمضان؟ قال: التمسوها في العشر الأوسط والعشر الأواخر ولا تسألوني عن شيء بعدها، ثم حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدّث ثم اهتبلت غفلته فقلت: يا رسول الله، أقسمت بحقي عليك لما أخبرتني في عشر أيّ هي، فغضب غضبا ما رأيته غضب مثله، فقال: التمسوها في السبع الأواخر الباقين ولا تسألني عن شيء بعدها
[ (2) ] .
التاسع في إعادته صلى الله عليه وسلم الحديث ثلاثا ليفهم عنه.
عن أنس- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا:
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا، حتى نفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلّم عليهم يسلم عليهم ثلاثا [ (3) ] ،
وعن عبد الله بن عمرو قال: تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها فأدركنا، وقد أرهفتنا الصّلاة، صلاة العصر ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته: ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثا رواه البخاري
[ (4) ] .
العاشر: في جعله صلى الله عليه وسلم يوما للنساء على حقه في العلم:
عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوما من نفسك، فوعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن،
فكان فيما قال لهن ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابا من النار، فقالت امرأة: أو اثنين فقال: واثنين وفي لفظة أو ثلاثة لم يبلغوا الحنث رواه البخاري.
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 34، 143، 9/ 117، 118 ومسلم في كتاب الإيمان باب (1) حديث (7) وفي الفضائل باب 37 (136، 137، 138) وأحمد 1/ 278 وابن سعد 1/ 1/ 115 والطبراني في الكبير 5/ 55، 12/ 246.
[ (2) ] ذكره الحافظ في المطالب (1038) وابن أبي شيبة 3/ 76 والمجمع 3/ 177 وابن كثير في التفسير 8/ 467 وبنحوه أخرجه عبد الرزاق (7709) وأحمد 5/ 171 والحاكم 1/ 433، 437 والبيهقي 4/ 307 والطحاوي في المعاني 3/ 85 وابن عبد البر في التمهيد 2/ 213.
[ (3) ] تقدم.
[ (4) ] أخرجه البخاري 1/ 143 (60) ومسلم 1/ 214 (26/ 241) .(9/137)
الحادي عشر: في تخصيصه صلى الله عليه وسلم بالعلم قوما دون دون قوم كراهية أن لا يفهموا:
عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل فقال: يا معاذ بن جبل، قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: يا معاذ، قال: لبيك وسعديك ثلاثا، قال: ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرّمه الله على النار، قال: يا رسول الله، أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: إذن يتّكلوا، وأخبر بها عند موته تأثّما، وفي لفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، قال: ألا أبشر الناس؟ قال، لا، إني أخاف أن يتكلوا. رواه البخاري [ (1) ] .
الثاني عشر: في إجابته صلى الله عليه وسلم السائل بأكثر مما سأله:
عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم؟
فقال: لا يلبس القميص، ولا العمامة ولا السراويل والبرس ولا ثوبا مسه الورس أو الزعفران، فإن لم يجد النعلين فليلبس الخفّين، وليقطعهما حتى يكونا تحت الكعبين، رواه البخاري
[ (2) ] .
الثالث عشر: في أخذه صلى الله عليه وسلم بيده بعض من سأله:
روى الحارث وابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي قتادة وأبي الدهماء، قالا: أتينا على رجل من أهل البادية، فقال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فجعل يعلمني مما علمه الله، فكان مما حفظت أن قال: لا تدع شيئا اتقاء الله الا أبدلك الله خيرا منه [ (3) ] .
الرابع عشر: في قعوده لاستماع قاص يقص عليه:
روى الإمام أحمد وأبو يعلى عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم علي جماعة لهم قاصّ يقصّ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قصّ، ثم قال: لأن أقعد هذا المقعد غدوة حتى تشرق الشمس أحب إلي من أعتق أربع رقاب [ (4) ] .
الخامس عشر: في اتخاذه صلى الله عليه وسلم ممليا ليعبّر عنه:
روى مسدد برجال ثقات عن هلال بن عامر المزني عن أبيه- رضي الله تعالى عنه قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يخطب على بغلة وعليه برد أحمر، وعلي- رضي الله تعالى عنه- أمامه
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 226 (128) 6/ 58 (2856) (5967) ومسلم 1/ 58 (48، 49/ 30) (53/ 32) .
[ (2) ] تقدم.
[ (3) ] ابن حجر في المطالب (3301) .
[ (4) ] أخرجه أحمد 5/ 261 والطبراني في الكبير 8/ 312 وانظر المجمع 1/ 190.(9/138)
يعبّر عنه ما يقول، فجئت حتى دخلت بين شراك النبي صلى الله عليه وسلم وقدمه، فجعلت أعجب من بردها [ (1) ] .
روى أحمد وأبو داود مختصرا والطبراني برجال ثقات عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة أمر ربيعة بن أمية بن خلف، فقام تحت يدي ناقته، وكان رجلا صيّتا، فقال: اصرخ، أيها الناس، أتدرون أيّ شهر هذا؟ فصرخ، فقال الناس:
الشهر الحرام، فقال: اصرخ، أيّ بلد هذا؟ قالوا: البلد الحرام، قال: اصرخ، أيّ يوم هذا؟ قالوا:
الحج الأكبر، فقال: اصرخ، فقل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرّم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة شهركم هذا وكحرمة بلدكم هذا ... الحديث [ (2) ] .
السادس عشر: في إجابته صلى الله عليه وسلم الأول من السائلين:
روى سعيد بن منصور وابن حبان عن ابن عمر وأبو الوليد الأزرقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- إن رجلا من الأنصار جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كلمات أسأل عنهن قال: اجلس، وجاء آخر من ثقيف فقال: يا رسول الله، كلمات أسأل عنهن، فقال صلى الله عليه وسلم:
«سبقك الأنصاري» ، فقال الأنصاري: إنّه رجل غريب، وإنّ للغريب حقّا فابدأ به، فأقبل على الثقفي فقال إن شئت أنبأتك عما كنت تسألني، وإن شئت تسألني وأخبرك فقال: يا رسول الله، أجبني عمّا كنت أسألك، قال: جئت تسألني عن الركوع والسجود والصلاة والصوم، فقال:
لا، والذي بعثك بالحق، ما أخطأت، مما كان في نفسي شيئا فذكر الحديث ويأتي بطوله في المعجزات [ (3) ] .
السابع عشر: في إدنائه السائل إليه صلى الله عليه وسلم:
وروى أبو يعلى عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال جاء شاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، علمني دعاء أصيب به خيرا، قال: ادنه فدنا حتى كادت ركبته تمسّ ركبة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قل: اللهم اعف عني فإنك عفوّ تحبّ العفو، وأنت عفوّ كريم [ (4) ] .
تنبيهات
الأول: قال الحافظ: وجه التشبيه بين النخلة والمسلم من جهة عدم سقوط الورق، ما رواه الحارث بن أبي أسامة في هذا الحديث من وجه آخر
عن ابن عمر، ولفظه قال: كنا عند
__________
[ (1) ] وأبو داود (4073) .
[ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير 5/ 64، 11/ 172 وانظر المجمع 3/ 270، 271.
[ (3) ] أخرجه ابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (963) .
[ (4) ] تقدم.(9/139)
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال «أن مثل المؤمن كمثل شجرة لا تسقط لها أنملة، أتدرون ما هي؟» قالوا: لا، قال: «هي النخلة، لا تسقط لها أنملة، ولا يسقط للمؤمن دعوة» [ (1) ] .
ووقع عند المصنّف في باب الأطعمة من طريق الأعمش، قال:
حدثني مجاهد عن ابن عمر، قال: بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتى بجمار فقال: إنّ من الشّجر لما بركته كبركة المسلم
وهذا أعم من الذي قبله، وبركة النخلة موجودة في جميع أجزائها مستمرة في جميع أحوالها، فمن حين تطلع إلى أن تيبس، يؤكل أنواعا ثم بعد ذلك ينتفع بجميع أجزائها، حتى النوى في علف الدواب، والليف في الحبال وغير ذلك، وكذلك بركة المسلم عامة في جميع الأحوال وغيرها، ونفعه مستمر له ولغيره حتى بعد موته ثم قال: قال القرطبي: موقع التشبيه بينهما من جهة أن دين المسلم ثابت، وأن ما يصدر عنه من العلوم والخير قوت للأرواح مستطاب، وأنه لا يزال مستورا بدينه، وأنه ينتفع بكل ما صدر منه حيّا وميّتا انتهى، وقال غيره: والمراد بكون فرع المؤمن في السماء رفع عمله وقبوله،
وروى البزار من طريق سفيان بن حسن عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمن مثل النخلة، ما أتاك منها نفعك،
هكذا أورده [ (2) ] ، وإسناده صحيح، وقد أفصح بالمقصود بأوجز عبارة، وأمّا من زعم أن موقع التشبيه من جهة كون النخلة إذا وقع رأسها ماتت، أو أنها لا تحمل حين تلقح، أو أنها تموت إذا غرقت، أو لأنّ لطلعها رائحة منيّ الآدميين، أو لكونها تعشق، أو لكونها تشرب من أعلاها، فكلها أوجه ضعيفة، لأن جميع ذلك من المتشابهات مشترك بالآدميين، لا يختص بالمسلم، وأضعف من ذلك قول من زعم أن ذلك لكونها خلقت من فضلة طين آدم، فإن الحديث في ذلك لم يثبت، وقول سيدنا عمر أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا، زاد ابن حبان في صحيحه: أحسبه قال: حمر النّعم، وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم امتحان العالم أذهان الطلبة بما يخفى من تبليغه لهم إن لم يفهموه.
وأما ما
رواه أبو داود من حديث معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الأغلوطات
[ (3) ] ، قال الأوزاعي أحد رواته: هي صعاب المسائل، إن ذلك محمول على ما لا نفع فيه، أو ما خرج على سبيل تعنت المسؤول أو تعجيزه وفيه التحريض على الفهم في العلم، وفيه دليل على بركة النخلة وما تثمره، وفيه دليل على أن بيع الجمار جائز، لأن كل ما جاز أكله جاز بيعه وفيه دليل على جواز تجمير النخل، وفيه ضرب من الأمثال، والأشباه لزيادة الإفهام وتصوير المعاني لترسخ في الذهن ولتحديد الفكر في النظر في حكم الحادثة، وفيه إشارة أن من تشبيه
__________
[ (1) ] ذكره الحافظ في المطالب (2419) .
[ (2) ] انظر المجمع 1/ 83 والمطالب (2891) والبخاري في التاريخ 7/ 248 والحاكم 1/ 75، 4/ 513.
[ (3) ] وأخرجه سعيد بن منصور في السنن (1179) والطبراني في الكبير 19/ 389.(9/140)
الشيء بالشيء لا يلزم أن يكون نظيره في جميع وجوهه، فإنّ المؤمن، لا يماثله شيء من الجمادات ولا يعادله، وفيه توقير الكبير وتقدم الصغير إيّاه في القول، وأنه لا يبادره بما فهمه وإن ظن أنه الصواب، وفيه أن العالم الكبير قد يخفى عليه بعض ما يدركه من هو دونه، لأن العلم مواهب، والله يؤتي فضله من يشاء واستدل به مالك على أن الخواطر التي تقع في القلب من محبة الثناء على أعمال الخير لا يقدح فيها إذا كان أصلها الله وذلك مستفاد من تمني عمر المذكور، ووجه تمني عمر ما طبع الإنسان عليه من محبة الخير لنفسه ولولده، وليظهر فضيلة الولد في الفهم في صغره، وليزداد من النبي صلى الله عليه وسلم حظوة، ولعلّه كان يرجو أن يدعو له إذ ذاك بالزيادة في الفهم وفيه الإشارة إلى حقارة الدنيا في عين عمر، لأنه قابل فهم ابنه لمسألة واحدة بحمر النّعم، مع عظيم مقدارها وغلاء ثمنها. انتهى كلام الحافظ مع تقديم وتأخير.
الثاني: قوله «يتخوّلنا» بالخاء المعجمة أي يتعهدنا.
والموعظة: النصح والتذكير، قال الحافظ: قال الخطابي: الخائل: بالخاء المعجمة هو القائم المتعهد للمال، يقال خال المال يخوله تخولا إذا تعهده وأصلحه، والمعنى كان يراعي الأوقات في تذكيره، ولا يفعل ذلك كل يوم لئلا نمل، والتخون بالنون أيضا وحكى الهروي في الغربيين يتحوّلنا- بالحاء المهملة أي يتطلب أحوالنا التي ننشط فيها للموعظة، قلت:
والصواب من حيث الرواية الأول.
وقوله «علينا» أي الطارئة علينا أو ضمن السآمة معنى المشقة فعدّاها بعلى، والصلة محذوفة، والتقدير من الموعظة [ (1) ] .
الثالث: قوله: «الفتيا» قال الحافظ: (بضم الفاء) ، فإن قلت: الفتوى فتحتها، والمصادر الآتية فوزن فتيا قليلة مثل تقيا ورجعى، وقوله: فجاءه رجل لم أعرف اسم هذا السائل ولا الذي بعده، والظاهر أن الصحابي لم يسمّ أحدا لكثرة من سأل إذ ذاك، وقوله «ولا حرج» أي لا شيء عليك من الإثم لا في الترتيب ولا في ترك الفدية، هذا ظاهر، وقول بعض الفقهاء: المراد في الإثم فقط، وفيه نظر لأن في بعض الروايات الصحيحة: ولم يأمر بكفارة.
الرابع: قوله «لا أكاد أدرك الصلاة» قال الحافظ: قال القاضي عياض: ظاهره مشكل، إذ
__________
[ (1) ] ذكر المصنف قوله وهي نقلا عن الحافظ من حديث.
عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا»
لما كانت النذارة هي في ابتداء التعليم توجب النفرة، قوبلت البشارة بالتنفير، والمراد تأليف من قرب إسلامه، وترك التشديد عليه في الابتداء، كما أن الزجر عن المعاصي يكون بتلطف ليقبل، وكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج، لأن الشيء إذا كان في ابتداؤه سهلا حبب إلي من يدخل فيه، وتلقاه بانبساط وكانت عاقبته غالبا الازدياد بخلاف قصده انتهى.(9/141)
التطويل يقتضي الإدراك لا عدمه، قال: فكأن الألف زيدت بعد «لا» قلت: هو توجيه حسن لو ساعدته الرواية.
وقال أبو الزناد بن سراج: معناه أنه كان به ضعف وكان إذا طوّل به الإمام في القيام لا يبلغ الركوع إلا وقد ازداد ضعفه، فلا يكاد يتم معه الصلاة قلت: وهو معنى حسن، لكن رواه المصنف عن الفريابي عن سفيان بهذا الإسناد بلفظ: «إني لأتأخر عن الصلاة» أي لا أقرب من الصلاة في الجماعة بل أتأخر أحيانا من أجل التطويل.
الخامس: قوله «لم يبلغوا الحنث» قال الحافظ: المعنى أنهم قد ماتوا قبل أن يبلغوا، لأن الإثم إنما يكتب بعد البلوغ فكأن السّرّ فيه إنما أنه لا ينسب إليهم إذ ذاك عقوق فيكون الحزن عليهم، وفي الحديث ما كان عليه نساء الصحابة من الحرص على تعاليم من أمور دينهم، وجواز كلام النساء مع الرجال في ذلك، وفيه جواز الوعد، وأن أطفال المسلمين في الجنة، وإنّ من له ولد إن حجباه من النار، ولا اختصاص لذلك بالنساء انتهى وكذلك لم يبلغ الحنث.
السادس: قوله «صدقا» قال الحافظ، احتراز من شهادة المنافق قال الطيبي: «صدقا» هنا أقيم مقام الاستقامة، لأن الصّدق يعبر عنه قولا من مطابقة القول المخبر عنه، ويعبر به فعلا عن تحري الأخلاق المرضية، كقوله تعالى: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ [الزمر/ 33] أي خفف ما أورده قولا بما تحراه فعلا انتهى، وأراد بهذا التقرير رفع الإشكال عن ظاهر الخبر، لأنه يقتضي عدم دخول جميع من شهد الشهادتين النار لما فيه من التعميم والتأكيد، لكن دلت الأدلة القطعية عند أهل السنة على أن طائفة من عصاة المؤمنين يعذبون، ثم يخرجون من النار بالشفاعة، فعلم أن ظاهرة غير مراد، فكأنه قال: إن ذلك مقيد بمن عمل الأعمال الصالحة، ولأجل خفاء ذلك لم يؤذن في التبشير به.
وقد أجاب العلماء عن الإشكال أيضا بأجوبة أخرى منها: أن مطلقه مقيد بمن قالها تامّا ثم مات على ذلك، ومنها أن ذلك كان قبل نزول أكثر الفرائض، وفيه نظر، لأن مثل هذا الحديث وقع لأبي هريرة، كما رواه مسلم، وصحبته متأخرة عن نزول أكثر الفرائض، وكذا أورد نحوه من حديث أبي موسى رواه أحمد بإسناد حسن، وكان قدومه في السّنة التي قدم فيها أبو هريرة.
ومنها أنه خرج مخرج الغالب، إذ الغالب أن الموحد يعمل الطاعة، ويجتنب المعصية.
ومنها أن المراد بتحريمه على النار تحريم خلوده فيها لا أصل دخولها.
ومنها أن المراد بالنار التي أعدت للكافرين لا الطبقة التي أفردت لعصاة الموحدين.(9/142)
ومنها أن المراد بتحريمه على النار حرمة جملته، لأن (المراد) أن النار لا تأكل موضع السجود من المسلم، كما ثبت في حديث الشفاعة أن ذلك محرم عليها، وكذا لسانه الناطق بالتوحيد والعلم عند الله.
وقوله: «إذا يتّكلوا» - بتشديد المثناة المفتوحة وكسر الكاف- وهو جواب وجزاء، أي إن أخبرتهم يتكلوا، وللأصيلي وللكشميني «ينكلوا» بإسكان النون وضم الكاف أي يمتنعوا من العمل اعتمادا على ما يتبادر من ظاهره.
وروى البزّار بإسناد حسن من حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- في هذه القصّة أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لمعاذ في التبشير، فلقيه عمر، فقال: لا تعجل، ثم دخل، فقال: يا نبي الله، أنت أفضل رأيا، إن الناس إذا سمعوا ذلك اتّكلوا عليها قال: فردّه
[ (1) ] ، وهذا معدود من موافقات عمر- رضي الله تعالى عنه-، وفيه جواز الاجتهاد بحضرته صلى الله عليه وسلم واستدل بعض متكلمي الأشاعرة، من قوله «يتّكلوا» على أن للعبد اختيارا كما سبق في علم الله.
وقوله «تأثّما» هو بفتح الهمزة وتشديد المثلثة المضمومة أي خشية الوقوع في الإثم الحاصل في كتمان العلم، ودل صنع معاذ على أن النهي في التبشير كان على التنزيه لا على التحريم وإلا لما كان يخبر به أصلا، أو عرف أن النهي مقيد بالإشكال، وأخبر به من لا يخشى عليه ذلك، وإذا زال القيد زال المقيّد، والأول أوجه، لكونه أخّر ذلك إلى وقت موته، وقال القاضي عياض: لعل مراد «معاذ» لم يفهم النهي، لكن كسر عزمه كما عرض له من تبشيرهم.
قلت: والرواية الآتية صريحة في النهي، فالأولى ما تقدم، وفي الحديث جواز الإرداف وإثبات تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلة معاذ بن جبل من العلم، لأنه خصه بما ذكر، وفيه جواز استفسار الطالب عما تردد فيه واستئذانه في إشاعة ما يعلم به وحده.
وقوله «من لقي الله» أي من لقي الأجل الذي قدّره الله يعني الموت وقوله «لا يشرك به» اقتصر على نفي الإشراك لأنّه يستدعي التوحيد بالاقتضاء، ويستدعي إثبات الرسالة باللزوم، إذ من كذب رسول الله فقد كذّب الله ومن كذب الله فهو مشرك. انتهى.
السابع: قوله: «لا يلبس» قال الحافظ: قال ابن دقيق العيد، في الحديث: العدول عمّا لا ينحصر إلى ما ينحصر طلبا للإيجار، لأن السائل سأل عما يلبس فأجيب بما لا يلبس، إذ الأصل الإباحة، ولو عدد له ما يلبس لطال، بل كان لا يؤمن أن يتمسّك بعض السامعين بمفهومه فيظن اختصاصه بالمحرم.
__________
[ (1) ] انظر كشف الأستار 1/ 12.(9/143)
الثامن: في بيان غريب ما سبق:
مكث- بتثليث الميم وسكون الكاف وبالمثلثة- اللّبث.
البلاد- جمع بلد وهو كل قطعة من الأرض مستحيزة عامرة أو غير عامرة.
البقاع- جمع بقعة وهي بضم الموحدة وتفتح وقاف ساكنة فعين مهملة فتاء تأنيث القطعة من الأرض على غير هيئة التي بجنبها.
الأسواق- جمع سوق وقد تقدم.
كاد- قرب.
يصعق- يموت.
صوب النظر: [وجهه] .
البوادي: جمع بادية.
مرحبا: تقدم تفسيره في الوفود في باب وفودهم عليه صلى الله عليه وسلم.
الوكاء- بالواو مكسورة ثم كاف- ما يربط به.
والعفاص- بكسر العين المهملة وبالفاء والصاد المهملة- هو الوعاء- بكسر الواو.
سقاؤها- بكسر أوله المراد به أجوافها أنها تشرب فتكتفي بذلك أيّاما.
حذاؤها- بكسر المهملة ثم ذال ومعجمة- المراد به ها هنا خفها.
ارهقتنا- أي أدركتنا.
الورس- بواو مفتوحة فراء ساكنة- نبت طيب الرائحة في اليمن كان يصبغ به كالزعفران.(9/144)
الباب الثاني في بعض ما فسّره- صلى الله عليه وسلم- من القرآن
قال شيخنا- رحمه الله تعالى- في (الإتقان) . ولنختمه بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من التفاسير المصرح برفعها إليه غير ما ورد من أسباب النزول لتستفاد فإنها من المهمات وها أنا ذاكر خلاصة ما ذكره هنا.
روى الإمام أحمد والترمذي، وحسنه وابن حبان في صحيحه عن عدي بن حيان- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المغضوب عليهم هم اليهود وإن الضالين هم النصارى» [ (1) ] .
وروى ابن مردويه عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المغضوب عليهم، قال: اليهود، قلت: الضالّين: قال: النصارى
[ (2) ] .
وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قيل لبني إسرائيل: ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ [البقرة/ 58] فدخلوا يزحفون على أستاههم، وقالوا حبّة في شعيرة؟
فيه تفسير قوله: «قولا غير الّذي قيل لهم» [ (3) ] .
وروى الترمذي وغيره بسند حسن عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ويل» واد في جهنم يهوي فيه الكافر، أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره
[ (4) ] .
وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل حرف من القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة» [ (5) ] .
وروى الإمام أحمد والترمذي والحاكم وصححاه عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة/ 143] .
__________
[ (1) ] أحمد 4/ 378 والطبراني في الكبير 17/ 100 والترمذي (2954) وأخرجه ابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1715) وانظر المجمع 1/ 48 والطبري في التفسير 1/ 61 والسيوطي في الدر المنثور 1/ 16 وابن كثير 1/ 46 والبغوي في التفسير 1/ 61.
[ (2) ] ذكره السيوطي في الإتقان (4/ 214) وانظر الحاكم 1/ 263.
[ (3) ] أخرجه البخاري 8/ 164 ومسلم في التفسير (1) وأحمد 2/ 318 والخطيب في التاريخ 2/ 266 والبغوي في التفسير 1/ 64 وابن كثير 1/ 141 والقرطبي 1/ 411 والدر المنثور 1/ 71.
[ (4) ] أخرجه الترمذي (2383) وابن ماجة (256) .
[ (5) ] أخرجه أحمد 3/ 75 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1723) والطبراني في التفسير 2/ 353، 3/ 182 وابن كثير 1/ 231، 2/ 33، 6/ 317 وانظر المجمع 6/ 320.(9/145)
قال: الوسط العدل، فتدعون فتشهدون له بالبلاغ وأشهد عليكم [ (1) ] .
وروى أبو الشيخ (والديلمي) عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة/ 152] يقول: «اذكروني يا معشر العباد بطاعتي أذكركم بمغفرتي» [ (2) ] .
وروى الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ [البقرة/ 197] قال: شوّال وذو القعدة وذو الحجّة [ (3) ] .
وروى الترمذي وابن حبان في صحيحه عن ابن مسعود والإمام أحمد والترمذي وصححه عن سمرة وابن جرير عن أبي هريرة وعن أبي مالك الأشعري- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصلاة الوسطى صلاة العصر» [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد وغيره عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ [آل عمران/ 7] قال: هم الخوارج، وفي قوله يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران/ 106] قال: هم الخوارج [ (5) ] .
وروى الحاكم: وصححه عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [آل عمران/ 102] أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى [ (6) ] .
وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله: «من آتاه الله مالا فلم يؤدّ زكاته مثّل له شجاع أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة فيأخذ بلهزمتيه» فيقول: أنا مالك أنا كنزك، ثم تلا هذه الآية وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [آل عمران/ 180] الآية [ (7) ] .
وروى الحاكم وصححه عن عياض الأشعري قال: لما نزلت فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ
__________
[ (1) ] انظر الإتقان للسيوطي 4/ 215 وبمعناه أخرجه البخاري 6/ 371 (3339) (7349) .
[ (2) ] انظر الدر المنثور 1/ 148 والإتقان (ا) .
[ (3) ] انظر المجمع 3/ 218، 6/ 318 وهو عند الخطيب في التاريخ 5/ 63 وأبو نعيم في تاريخ أصفهان 1/ 120.
[ (4) ] أخرجه الترمذي 1/ 340 (181) وقال حسن صحيح. ومن حديث علي أخرجه البخاري 8/ 195 (4533) ومسلم 1/ 437 (205/ 627) .
[ (5) ] أخرجه أحمد 5/ 262 والطبراني في الكبير 325 وانظر المجمع 6/ 233، 327 والسيوطي في الدر المنثور 2/ 5، 66.
[ (6) ] انظر المجمع 6/ 326 وابن الجوزي في زاد المسير 1/ 431 والسيوطي في الدر 2/ 59 وابن كثير في التفسير 2/ 72.
[ (7) ] أخرجه البخاري 3/ 268 (1403) .(9/146)
[المائدة/ 54] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم قوم هذا [ (1) ] .
وروى الطبراني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قوله أَوْ كِسْوَتُهُمْ [المائدة/ 89] قال: عباءة لكل مسكين [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد والشيخان وغيرهم عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: لما نزلت هذه الآية الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام/ 82] شقّ ذلك على الناس، فقالوا: يا رسول الله، وأيُّنا لا يظلم نفسه؟ قال: إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح؟: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان/ 13] إنما هو الشرك [ (3) ] .
وروى ابن مردويه والنّحّاس في تاريخه عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قوله تعالى وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ [الأنعام/ 141] قال: ما سقط من السّنبل [ (4) ] .
وروى الطبراني وغيره بسند جيد عن عمر بن الخطاب والطبراني بسند صحيح عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً [الأنعام/ 159] أهل البدع والأهواء من هذه الأمة [ (5) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والحاكم وغيرهم عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر العبد الكافر إذا قبضت روحه، قال: فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة، إلا وقالوا: ما هذا الرّوح الخبيث؟ حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا، فيستفتح فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ [الأعراف/ 40] فيقول الله: «اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السّفلى، فيطرح روحه طرحا» ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ [ (6) ] [الحج/ 31] .
وروى أبو الشيخ من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده، قال: الألواح التي أنزلت
__________
[ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة 12/ 123 والطبراني في الكبير 17/ 371 وابن مسعود 4/ 1/ 79 وأبو نعيم في التاريخ 1/ 59 وابن حجر في المطالب (3598) وانظر المجمع 7/ 16 وابن الجوزي في الزاد 2/ 381 والسيوطي الدر 2/ 292.
[ (2) ] ابن كثير في التفسير 3/ 167.
[ (3) ] انظر الإتقان 4/ 221 والبخاري 8/ 144 (4629) .
[ (4) ] السيوطي في الدر المنثور 3/ 49 وابن كثير في التفسير 3/ 342 والإتقان 2214.
[ (5) ] انظر الإتقان 4/ 223.
[ (6) ] انظر الإتقان 4/ 223.(9/147)
على موسى كانت من سدر الجنة، كان طول اللوح اثني عشر ذراعا [ (1) ] .
وروى أبو الشيخ عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ [الأنفال/ 26] قيل يا رسول الله، ومن الناس؟ قال: أهل فارس [ (2) ] .
وروى مسلم وغيره عن عقبه بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال/ 60] ألا وإن القوة الرّمي [ (3) ] .
وروى أبو الشيخ من طريق أبي المهديّ عن أبيه عمّن حدّثه عن النبي صلى الله عليه وسلم والطبراني من حديث يزيد بن عبد الله بن غريب عن أبيه عن جدّه مرفوعا في قوله وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ [الأنفال/ 60] قال: هم الجنّ [ (4) ] .
وروى ابن جرير عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السائحون: الصائمون» [ (5) ] .
وروى مسلم عن صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قوله لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يونس/ 26] الحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى ربهم [ (6) ] .
وروى ابن مردويه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يونس/ 26] الحسنى شهادة أن لا إله إلا الله، الحسنى: الجنة، وزيادة: النظر إلى الله
[ (7) ] .
وروى أبو الشيخ وغيره عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ [يونس/ 58] قال: القرآن، وبرحمته: أن جعلكم من أهله [ (8) ] .
وروى ابن مردويه عن جابر بن عبد الله بن وثاب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ [الرعد/ 39] قال: يمحو من الرّزق ويزيد فيه، ويمحو من الأجل ويزيد فيه [ (9) ] .
__________
[ (1) ] الدر المنثور 3/ 120 والإتقان (4/ 224) .
[ (2) ] السيوطي في الدر 3/ 177 وانظر كنز العمال (34138) .
[ (3) ] أخرجه مسلم 3/ 1522 (167/ 1917) .
[ (4) ] ابن حجر في المطالب (3630) الإتقان 4/ 226 وابن الجوزي في زاد المسير 3/ 375 والسيوطي في الدر 3/ 198.
[ (5) ] أخرجه الطبري 11/ 38 والسيوطي في الدر 3/ 281 وابن كثير 4/ 157 وانظر الكنز (2904) والمجمع 7/ 34.
[ (6) ] أخرجه مسلم 1/ 163 (297، 298/ 181) .
[ (7) ] أخرجه الطبري في التفسير 11/ 75 وأبو نعيم في الحلية 5/ 204 وابن كثير في التفسير 4/ 199، 439 وانظر الدر المنثور 3/ 305.
[ (8) ] انظر المجمع 10/ 407 وانظر الإتقان (4/ 227) .
[ (9) ] انظر الدر المنثور/ 4/ 66 وابن سعد 3/ 2/ 114 وابن كثير 4/ 391 والإتقان 4/ 231.(9/148)
وروى الترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان وغيرهم عن أنس والإمام أحمد وابن مردويه بسند جيد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ [إبراهيم/ 24] قال: هي النخلة، وفي لفظ: هي التي لا ينقص ورقها هي النخلة وفي لفظ: «ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة» قال: هي الحنظل [ (1) ] .
وروى الأئمة أي الستة عن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم إذا سئل في القبر (يشهد) [ (1) ] أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله فذلك [قوله] يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ [ (2) ] [إبراهيم/ 27] .
وروى الطبراني في الأوسط والبزار وابن مردويه والبيهقي في البعث عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول الله: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ [إبراهيم/ 48] قال أرضا بيضاء كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام، ولم يعمل فيها خطيئة [ (3) ] .
وروى البخاري والترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم» [ (4) ] .
وروى الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر/ 92- 93] قال: عن قول لا إله إلا الله [ (5) ] .
وروى الحاكم في التاريخ والدّيلمي عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ [الإسراء/ 70] قال: الكرامة الأكل بالأصابع [ (6) ] .
وروى ابن مردويه عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ قال: الكرامة الأكل بالأصابع [ (7) ] .
وروى ابن مردويه عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله
__________
[ (1) ] أخرجه الترمذي (2867، 1319) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1748) والحاكم 2/ 352 وانظر الدر المنثور 3/ 312.
[ (2) ] أخرجه البخاري 3/ 231 (1369، 4699) ومسلم 4/ 2201 (73، 74/ 2871) .
[ (3) ] أخرجه الطبراني في الكبير 10/ 199 وانظر المجمع 7/ 45، 10/ 345 وأبو نعيم في الحلية 4/ 348 وانظر الدر المنثور 4/ 90 وابن كثير 4/ 438.
[ (4) ] انظر الإتقان 4/ 233 وأخرجه من حديث أبي سعيد الخدري البخاري في التفسير 8/ 156 (4474) (4703) (5006) وانظر تفسير ابن كثير 4/ 465 والطبري 14/ 40.
[ (5) ] أخرجه الترمذي (3126) وأبو نعيم في الحلية 3/ 95 والقرطبي في التفسير 10/ 60.
[ (6) ] السيوطي في الدر المنثور 4/ 193 الإتقان 4/ 234.
[ (7) ] انظر المصدرين السابقين.(9/149)
تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الإسراء/ 78] قال لزوال الشمس [ (1) ] .
وروى البزار وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «دلوك الشمس زوالها» [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد والترمذي وصحّحه والنسائي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً [الإسراء/ 78] قال: تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد وغيره عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [الإسراء/ 79] قال: هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي، وفي لفظ: هو الشفاعة [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد والترمذي عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله بِماءٍ كَالْمُهْلِ [الكهف/ 29] قال: كعكر الزيت، فإذا قربه إليه سقطت فروة وجهه [ (5) ] .
وروى الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ [الكهف/ 46] التكبير والتهليل والتسبيح والحمد ولا حول ولا قوة إلا بالله [ (6) ] .
وروى الإمام أحمد عن النعمان بن بشير مرفوعا، سبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا إلا إلا الله هي الباقيات الصالحات [ (7) ] .
وروى البزار بسند جيد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه/ 124] قال: عذاب القبر [ (8) ] .
وروى الإمام أحمد والترمذي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قوله وَهُمْ فِيها كالِحُونَ [المؤمنون/ 104] قال: تشوبه النار، فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرّته [ (9) ] .
__________
[ (1) ] انظر الإتقان (4/ 234) .
[ (2) ] انظر المجمع 7/ 51.
[ (3) ] أخرجه أحمد 2/ 474 والترمذي 5/ 302 (3135) وابن ماجة 1/ 220 (670) ومثله أخرجه البخاري 2/ 137 (648) .
[ (4) ] أخرجه أحمد 2/ 441 والسيوطي في الدر المنثور 4/ 197.
ومن حديث أنس أخرجه البخاري 11/ 417 (6565) ومسلم 1/ 180 (322/ 193) .
[ (5) ] أخرجه الترمذي (2581، 2584، 2322) والحاكم 2/ 501، 4/ 604.
[ (6) ] انظر الدر المنثور 4/ 225.
[ (7) ] أحمد 5/ 10، 11.
[ (8) ] انظر المجمع 3/ 55 وانظر الإتقان.
[ (9) ] أخرجه أحمد 3/ 88 والترمذي 4/ 708 (2587) (3176) وقال حسن صحيح وأخرجه أبو يعلى في المسند 2/ 516 (393/ 1367) والحاكم 2/ 246، 395.(9/150)
وروى ابن جرير عن معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ [السجدة/ 16] قال: قيام العبد من الليل [ (1) ] .
وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ [السجدة/ 23] قال: جعلنا موسى هدى لبني إسرائيل في قوله: فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ [السجدة/ 23] قال: من لقاء موسى ربه [ (2) ] .
وروى الترمذي عن معاوية- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: طلحة ممن قضى نحبه [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد وغيره عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ [فاطر/ 32] قال فأما الذين سبقوا:
فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وأما الذين اقتصدوا: فأولئك يحاسبون حسابا يسيرا، وأما الذين ظلموا أنفسهم: فأولئك الذين يحاسبون في طول المحشر، ثم هم الذين تلقّاهم الله برحمته، فهم الذين يقولون الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ... [فاطر/ 34] [ (4) ] .
وروى الطبراني وابن جرير عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان يوم القيامة، قيل: أين أبناء السّتّينَ، وهو العمر الذي قال الله: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ [فاطر/ 37] [ (5) ] .
وروى النّسائي والبزار وأبو يعلى وغيرهم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا هذه الآية إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا [فصلت/ 30] قد قالها ناس من الناس، ثم كفر أكثرهم، فمن قالها حتى يموت، فهو من استقام عليها
[ (6) ] .
وروى الإمام أحمد وغيره عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله؟ وحدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 232، 342 وانظر المجمع 7/ 90 والدر المنثور 2/ 221، 5/ 170 وذاد المسير 6/ 337 والإتقان 4/ 240.
[ (2) ] انظر الإتقان 4/ 240.
[ (3) ] أخرجه الترمذي (3202) (3740) وابن ماجة (127) وابن سعد 3/ 1/ 156 وابن أبي عاصم 2/ 613 والطبراني في الكبير 19/ 325 وانظر الدر المنثور 5/ 191.
[ (4) ] انظر المجمع 7/ 95.
[ (5) ] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3/ 270 والسيوطي في الدر المنثور 5/ 254 وابن كثير في التفسير 6/ 539.
[ (6) ] أخرجه الطبري في التفسير 24/ 73 وابن عاصم 1/ 15 والسيوطي في الدر 5/ 363 والقرطبي 5/ 357.(9/151)
[الشورى/ 30] وسأفسرها لك يا علي، ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم والله أحلم من أن يثني عليه بالعقوبة في الآخرة وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أكرم من أن يعود بعد عفوه [ (1) ] .
وروى ابن جرير عن شريح بن عبيد الحضرمّي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات مؤمن في غربة، غابت عنه فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ [الدخان/ 29] قال: إنهما لا يبكيان على كافر [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قوله أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ [الأحقاف/ 4] قال: الخطّ [ (3) ] .
وروى الترمذي وابن جرير عن أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قوله وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى [الفتح/ 26] قال: لا إله إلا الله [ (4) ] .
وروى البزّار عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال وَالذَّارِياتِ ذَرْواً [الذاريات/ 1] وهي الرياح فَالْجارِياتِ يُسْراً [الذاريات/ 3] هنّ السّفن، فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً [الذاريات/ 4] هي الملائكة، ولولا إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته
[ (5) ] .
وروى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن المؤمنين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار» ،
ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [ (6) ] [الطور/ 21] .
وروى ابن أبي حاتم والبخاري في التاريخ وابن ماجة وابن أبي عاصم والبزار وابن حبان عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن/ 29] قال: من شأنه أن يغفر ذنبا، ويفرج كربا، ويرفع قوما، ويضع آخرين [ (7) ] .
وروى الحسن بن سفيان وأبو داود والإمام أحمد وابن جرير عن عبد الله بن منيب قال: تلا علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فقلنا: يا رسول الله، وما
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 1/ 85 والإتقان 4/ 244.
[ (2) ] انظر تفسير ابن كثير 7/ 239 والدر المنثور 6/ 30 والإتقان 4/ 245.
[ (3) ] الإتقان 4/ 245.
[ (4) ] الترمذي (3232، 3265) .
[ (5) ] انظر المجمع 7/ 113 والسيوطي في الدر 6/ 111 والإتقان 4/ 245.
[ (6) ] الإتقان 4/ 246.
[ (7) ] انظر المجمع 7/ 117 وابن كثير 7/ 470.(9/152)
ذلك الشأن؟ قال: «يغفر ذنبا، ويفرج كربا، ويرفع قوما، ويضع آخرين» [ (1) ] .
روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما» [ (2) ] .
وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن في الجنة شجرة يسير في ظلّها الراكب مائة عام، لا يقطعها، اقرأوا إن شئتم وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [ (3) ] [الواقعة/ 30] .
وروى الترمذي والنسائي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ [الواقعة/ 34] قال: ارتفاعها كما بين السماء ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام [ (4) ] .
وروى ابن أبي حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عربا» : كلامهن عربيّ [ (5) ] .
وروى الترمذي وحسنه وابن ماجة وابن جرير عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ [الممتحنة/ 12] قال: النّوح [ (6) ] .
وروى الإمام أحمد والترمذي عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الصعود جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي به كذلك [ (7) ] .
وروى الإمام أحمد والترمذي وحسنه والنسائي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ [المدثر/ 56] فقال: قال ربكم:
«أنا أهل أن أتّقى فلا تجعل معي إلها غيري فمن اتقى أن يجعل معي إلها غيري كان أهلا أن أغفر له» [ (8) ] .
وروى الإمام أحمد والترمذي والحاكم وصححاه والنسائي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- إن العبد إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن
__________
[ (1) ] انظر المصدار السابقة.
[ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 181، 182 ومسلم في كتاب الإيمان (296) وابن ماجة (186) وابن أبي عاصم 1/ 272 والدولابي 2/ 70 وانظر الدر المنثور 6/ 146 وزاد المسير 5/ 199، 8/ 120 وابن كثير 4/ 115.
[ (3) ] أخرجه الدارمي 2/ 338 وأحمد 2/ 404، 438 وعبد الرزاق (20876) والحميدي (1138) .
[ (4) ] أخرجه أحمد 3/ 75 والترمذي 4/ 679 (2540) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص 653 (2628) .
[ (5) ] انظر الإتقان (4/ 248) .
[ (6) ] أخرجه ابن ماجة (1579) وأحمد 6/ 320 وابن حجر في المطالب 3775 وانظر المجمع 70/ 123 في قوله تعالى في سورة المدثر «سأرهق صعودا» .
[ (7) ] أخرجه الترمذي (5/ 400) وانظر الإتقان 4/ 251.
[ (8) ] أخرجه أحمد 3/ 42 والدارمي 2/ 303 والبغوي في التفسير 7/ 181 وابن الجوزي في زاد المسير 8/ 414 والخطيب في التاريخ 5/ 52 والسيوطي في الدر 6/ 287 وابن كثير 8/ 299.(9/153)
تاب منها صقل قلبه، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك الرّان الذي ذكر الله كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ [ (1) ] [المطففين/ 14] .
وروى ابن جرير عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اليوم الموعود: يوم القيامة، وشاهد: يوم الجمعة، ومشهود: يوم عرفة، وله شواهد» [ (2) ] .
وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء، صفحاتها من ياقوتة حمراء، قلمه نور، وكتابه نور الله، فيه من كل يوم ستون وثلاثمائة لحظة يخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويعز ويذل، يفعل ما يشاء» [ (3) ] .
وروى البزار عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى/ 14] قال: من شهد أن لا إله إلا الله، وخلع الأنداد، وشهد أني رسول الله، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى/ 15] قال: هي الصلوات الخمس والمحافظة عليها والاهتمام بها [ (4) ] .
وروى البزار عن ابن عباس قال: لما نزلت إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى [الأعلى/ 18] قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كان هذا أو كلّ هذا في صحف إبراهيم وموسى» [ (5) ] .
وروى الترمذي عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الشفع والوتر، قال:
«الصلاة بعضها شفع وبعضها وتر» [ (6) ] .
وروى ابن أبي حاتم من طريق جرير عن الضحاك عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها [الشمس/ 9] أفلحت نفس زكّاها الله [ (7) ] .
وروى ابن أبي حاتم بسند ضعيف عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في قوله إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات/ 6] الكنود: الذي يأكل وحده ويضرب عبده ويمنع رفده [ (8) ] .
وروى عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ [التكاثر/ 1] عن الطاعة حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ [التكاثر/ 2] حتى يأتيكم الموت [ (9) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 2/ 297 والترمذي 5/ 434 (3334) وقال حسن صحيح وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (418) وابن ماجة (4244) والطبري 30/ 62 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2448) والحاكم 2/ 517.
[ (2) ] وأخرجه من حديث أبي هريرة أحمد 2/ 298، 299 والترمذي 5/ 436 (3339) والطبراني في الكبير 3/ 338 وأخرجه الطبري في التفسير 30/ 82 وانظر الدر المنثور 6/ 331، 332.
[ (3) ] الطبراني في الكبير 12/ 72 وانظر تفسير ابن كثير 8/ 394 واللآلي المصنوع 1/ 11.
[ (4) ] انظر المجمع 7/ 137 وانظر تفسير ابن كثير 8/ 403 والقرطبي 20/ 22.
[ (5) ] الإتقان 4/ 254.
[ (6) ] أخرجه أحمد 4/ 437 والإتقان 4/ 254.
[ (7) ] ذكره السيوطي في الدر 6/ 357 وابن كثير 8/ 435.
[ (8) ] أخرجه الطبراني في الكبير 8/ 222، 292 والسيوطي في الدر 9/ 209 وانظر فتح الباري 8/ 727 والقرطبي 20/ 160 وابن كثير 1/ 30، 3/ 313، 8/ 488.
[ (9) ] السيوطي في الدر المنثور 6/ 387 والإتقان عن ابن أبي حاتم 4/ 255.(9/154)
وروى الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله، قال: أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رطبا، وشربوا ماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا من النعيم الذي تسألون عنه [ (1) ] .
وروى ابن أبي حاتم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر/ 8] قال: الأمن والصّحّة [ (2) ] .
وروى ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ [الهمزة/ 8] قال مطبقة [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد والترمذي وصحّحه والنسائي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فأراني القمر حين طلع، وقال: تعوّذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب [ (4) ] .
وروى أبو يعلى عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله: «إن الشيطان واضع خرطومه على قلب ابن آدم» ، قال: «فإن ذكر الله خنس، وإن نسي التقم قلبه فذلك الوسواس، الخناس» [ (5) ] .
تنبيه: قال الشيخ: صرح ابن تيمية أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر لأصحابه جميع القرآن أو غالبه ويؤيد هذا ما أخرجه أحمد وابن ماجة عن عمر أنه قال: من آخر ما نزل آية الربا، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض قبل أن يفسرها [ (6) ] ، دلّ فحوى الكلام على أنه كان يفسّر لهم كل ما ينزل، وأنه إنما لم يفسر هذه الآية لسرعة موته بعد نزولها وإلا لم يكن للتخصيص بها وجه، وأما ما أخرجه البزار عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسّر شيئا من القرآن إلا آيا بعد أن علمه إيّاهنّ جبريل [ (7) ] ، فهو حديث منكر كما قاله ابن كثير وأولّه ابن جرير على أنها أشارت إلى آيات مشكلات أشكلت عليه، فسأل الله علمهن، فأنزل الله عليه على لسان جبريل عليه السلام.
__________
[ (1) ] أخرجه النسائي في الوصايا باب 4 وأخرجه أحمد 3/ 338، 351، 391 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2531) والطحاوي في المشكل 1/ 195 والطبراني في الصغير 1/ 69 والبيهقي في الدلائل 1/ 362 والطبراني في التفسير 30/ 185.
[ (2) ] انظر الإتقان (4/ 255) .
[ (3) ] الإتقان 4/ 256.
[ (4) ] أخرجه أحمد 6/ 61، 206 وابن السني (632) والطبري 30/ 227 وابن كثير 8/ 555.
[ (5) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 3/ 1044 وذكره الحافظ في المطالب (3384) وانظر المجمع 7/ 149 والسيوطي في الدر 6/ 420 وابن كثير 8/ 588 والقرطبي 20/ 262.
[ (6) ] انظر الإتقان 4/ 258.
[ (7) ] انظر الإتقان (4/ 258) .(9/155)
الباب الثالث في بعض مروياته عن ربه- عز وجل- وتسّمى الأحاديث القدسية
الأول:
روى الإمام أحمد وهناد والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلا به عمى، فقال: أبشر، فإن الله تعالى يقول: «هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا فتكون حظه من النار يوم القيامة» [ (1) ] .
الثاني:
روى الإمام أحمد وابن ماجة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أبشروا يا معشر المسلمين، أبشروا هذا ربكم، قد فتح عليكم بابا من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة» ، يقول: «انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة، وهم ينتظرون أخرى» [ (2) ] .
الثالث:
روى الطبراني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: «يا ابن آدم، اضمن لي ركعتين من أول النهار أكفك آخره» [ (3) ] .
ورواه الإمام أحمد وأبو داود عن نعيم بن همار والطبراني في الكبير عن النّواس بلفظ: «لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره» ورواه الإمام أحمد عن كثير بن مرة والترمذي عن أبي الدرداء بلفظ: «يا ابن آدم، صلّ أربع ركعات»
[ (4) ] .
الرابع:
روى عبد الرزاق وأحمد وعبد ابن حميد والترمذي والطبراني عن معاذ بن جبل والطبراني وابن مردويه عن أبي لبابة والطبراني وابن مردويه عن أبي رافع والطبراني وابن مردويه عن طارق بن شهاب والطبراني في السنة وابن مردويه عن جابر بن سمرة والحكيم الترمذي والطبراني في السنة، والخطيب عن أبي عبيدة عامر بن الجراح والحكيم والطبراني عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي والإمام أحمد عنه عن بعض الصحابة والحكيم والبزار والطبراني في السنة عن ثوبان قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني ربي- تبارك وتعالى- في أحسن صورة، أحسبه قال في المنام» ، فقال: يا محمد، انظر فيما يختصم الملأ الأعلى، قلت لا، فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي، فعلمت ما في السماوات والأرض، فقال: يا محمد، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم، في الكفارات والدّرجات،
__________
[ (1) ] أخرجه الترمذي (2088) وابن ماجة (3470) والحاكم 1/ 345 وأبو نعيم في الحلية 6/ 86.
[ (2) ] أخرجه أحمد 2/ 186، 187، 208 وأبو نعيم 6/ 54 وابن ماجة (801) وقال البوصيري في الزوائد إسناده ورجاله ثقات.
[ (3) ] تقدم.
[ (4) ] تقدم وانظر أحمد 4/ 53/ 55/ 286.(9/156)
والكفّارات: المكث في المساجد بعد الصلوات، والمشي على الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء على المكاره، قال: صدقت يا محمد، ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه، وقال: يا محمد، إذا صليّت، فقل: اللهم إني أسالك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحبّ المساكين، وأن تغفر لي، وترحمني، وتتوب عليّ، وإذا أردت بعبادك فتنة، فأقبضني إليك غير مفتون، قال: والدرجات: إفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام [ (1) ] .
الخامس:
روى الإمام أحمد والطبراني عن أبي واقد الليثي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله- عز وجل قال: «إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد لأحبّ أن يكون له ثان، ولو كان له واديان لأحب أن يكون إليهما ثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ثم يتوب الله على من تاب» [ (2) ] .
السادس:
روى الطبراني عن أبي مالك الأشعري- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: من انتدب خارجا في سبيلي غازيا ابتغاء وجهي، وتصديق وعدي، وإيمانا برسلي، فهو ضامن على الله- عز وجل- إما أن يتوفاه في الجيش بأي حتف شاء، فيدخله الجنة، وإما يسبح في ضمان الله- عز وجل- وإن طالت غيبته حتى يردّه إلى أهله مع ما نال من أجر وغنيمة» [ (3) ] .
السابع:
روى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه وإن استعاذني لأعيذنه» .
الثامن:
روي أيضاً عن أنس- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه- عز وجل- قال: «إذا تقرب إليّ العبد شبرا تقربت إليه ذراعا، وإذا تقرب إليّ ذراعا تقربت إليه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة» [ (4) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 1/ 368 و 375، 4/ 66 وابن أبي عاصم 1/ 204 والطبري 7/ 162 والترمذي (3234) والطبراني في الكبير 8/ 349 والسيوطي في الدر 5/ 319 وابن كثير 7/ 425 وانظر الكنز (44321) والمجروحين لابن حبان 3/ 135.
[ (2) ] أخرجه أحمد 5/ 219، 3/ 247 والطبراني في الكبير 5/ 208 وفي الصغير 1/ 139 وانظر المجمع 10/ 243.
[ (3) ] تقدم وانظر الحلية 5/ 190.
[ (4) ] تقدم.(9/157)
التاسع:
روى البزار بسند لا بأس والبيهقي والخطيب في المتفق والمفترق عن الضحاك بن قيس، قال الحافظ المنذري: لكنّ الضحاك مختلف في صحبته، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله- تبارك وتعالى- يقول: «أنا خير شريك، فمن أشرك معي شريكا فهو لشريكي.
يا أيها الناس، أخلصوا أعمالكم، فإن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما خلص له، ولا تقولوا:
هذا لله، وهذا للرّحم، فإنها للرّحم وليس لله منها شيء، ولا تقولوا هذا لله، ولوجوهكم، فليس لله فيها شيء» ورواه البغوي والدارقطني وابن عساكر والضياء [ (1) ] .
العاشر:
وروى عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى كتب الحسنات والسيئات، ثم بيّن ذلك فمن هم بحسنة، فلم يعملها كتبها الله تعالى عنده حسنة كاملة، فإذا همّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى ستمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن همّ بسيئة واحدة، فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن عملها كتبها الله سيئة واحدة» ، زاد في رواية: «ومحاها» «ولا يهلك على الله إلا هالك»
[ (2) ] .
روى الشيخان عن أبي هريرة وابن عباس- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عز وجل: إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة، فلا تكتبوها عليه حتّى يعملها، فإن عملها فاكتبوها عليه بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإن أراد أن يعمل حسنة، فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة» ،
وفي لفظ لمسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، ومن هم بحسنة فعملها كتب له إلى سبعمائة ضعف، ومن همّ بسيئة لم تكتب عليه، وإن عملها كتبت»
وفي لفظ له: قال عن محمد صلى الله عليه وسلم قال الله- عز وجل-: «إذا تحدّث عبدي أن يعمل حسنة، فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعملها، فإن عملها فأنا أكتبها له عشر أمثالها، وإذا تحدث أن يعمل سيئة، فأنا أغفر له ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها فإن تركها فأنا أكتبها له حسنة» [ (3) ] .
الحادي عشر:
روى البيهقي في الشعب وابن النجار عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يقول: «إني لأهمّ بأهل الأرض عذابا فإذا نظرت إلى عمّار بيوتي والمتحابين فيّ والمستغفرين بالأسحار صرفت عذابي عنهم» [ (4) ] .
__________
[ (1) ] انظر المجمع 10/ 122.
[ (2) ] أخرجه البخاري 8/ 128 ومسلم في كتاب الإيمان (208) وأحمد 1/ 310، 360 وانظر تفسير ابن كثير 1/ 504.
[ (3) ] انظر صحيح مسلم 1/ 145 (259/ 162) وأحمد 1/ 279، 361، 411، 2/ 234 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (31) وأبو عوانة (1/ 84، 128) والطبراني في الكبير 12/ 161 وأبو نعيم في الحلية 10/ 394.
[ (4) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 4/ 1379 وانظر جمع الجوامع (5292) والقرطبي 4/ 39.(9/158)
وروى حمزة السهمي في معجمه وابن النجار عن المهاجر بن حبيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يقول: «إني لست على كلام الحكيم أقبل ولكن أقبل على همّه وهواه، فإن كان همّه وهواه فيما يحب الله ويرضى جعلت همته لله ووقارا وإن لم يتكلم» [ (1) ] .
الثاني عشر:
روى ابن النجار عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: «لا إله إلا أنا خلقت الخير وقدّرته، فطوبى لمن خلقته للخير، وخلقت الخير له، وأجريت الخير على يديه، أنا الله الذي لا إله إلا أنا خلقت الشر وقدّرته، فويل لمن خلقته للشر، وخلقت الشر له، وأجريت الشر على يديه» [ (2) ] .
الثالث عشر:
روى الطبراني عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل يقول: يا عبادي، كلّكم ضالّ إلا من هديته، وضعيف إلا من قوّيته، وفقير إلا من أغنيته، فسلوني أعطكم فلو أن أوّلكم وآخركم وجنّكم وإنسكم وحيّكم وميّتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على قلب أتقى عبد من عبادي، ما زاد في ملكي جناح بعوضة، ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على قلب أفجر رجل ما نقص من ملكي جناح بعوضة، ذلك أنّي واحد، عذابي كلام، ورحمتي كلام، فمن أيقن بقدرتي على المغفرة لم يتعاظم في نفسي أن أغفر له ذنوبه ولو كثرت المعاصي» [ (3) ] .
الرابع عشر:
روى الإمام أحمد عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله- عز وجل- يقول: يا عبدي، ما عبدتني ورجوتني، فإني غافر لك على ما كان فيك، يا عبدي، إذا لقيتني بقراب الأرض خطيئة ما لم تشرك بي شيئا لقيتك بقرابها مغفرة» [ (4) ] .
الخامس عشر:
روى الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن واثلة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الله عز وجل يقول: أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ» [ (5) ] .
السادس عشر:
روى ابن عساكر عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أن الله تعالى يقول: أحبّ عبادة عبدي إليّ النّصيحة [ (6) ] .
__________
[ (1) ] انظر جمع الجوامع (5293) والمهاجر قال المناوي لم أره في الصحابة وفي المعجم الصغير للطبراني «صمته» بدلا من همته.
[ (2) ] انظر جمع الجوامع (5294) والكنز (587) .
[ (3) ] انظر المجمع 10/ 150 وجمع الجوامع (5295) والكنز (43599) .
[ (4) ] أخرجه أحمد 5/ 154 وجمع الجوامع (5298) والسيوطي في الدر 2/ 170 وابن كثير 2/ 287.
[ (5) ] أخرجه أبو نعيم في الحلية 9/ 306 وهو عند مسلم في الذكر والدعاء (19) وأحمد 2/ 391 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2393، 2394) وانظر جمع الجوامع (5300) .
[ (6) ] انظر جمع الجوامع (5299) .(9/159)
السابع عشر:
روى ابن عساكر عن مكحول مرسلاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يقول: «يا ابن آدم، قد أنعمت عليك، إن جعلت لك عينين، تبصر بهما، وجعلت لهما غطاء، فانظر بعينيك إلى ما أحللت لك، فإن رأيت ما حرّصت عليك فأطبق عليهما غطاءهما، وجعلت لك لسانا، وجعلت له غلّاقا فانطق بما أمرتك وأحللت لك، فإن عرض لك ما حرّمت عليك، فأغلق عليك لسانك، وجعلت لك فرجا، وجعلت لك سترا فأصب بفرجك ما أحللت لك، فإن عرض لك ما حرّمته عليك فأرخ عليك سترك، ابن آدم، إنك لا تتحمّل سخطي، ولا تطيق انتقامي» [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم، اكفني أوّل النهار أربع ركعات أكفك بهنّ آخر يومك [ (2) ] .
وروى البيهقي في الشعب عن الحسن مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يقول: أودع من كنزك عندي ولا حرق ولا غرق ولا سرق، أوفك أحوج ما تكون إليه [ (3) ] .
وروى نعيم بن حماد في الفتن عن عروة بن رويم مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أن الله تعالى يقول: أنا أرحب الأرض لعبادي في خيرها، فمن قبضت فيها من المؤمنين، كانت له رحمة، وكانت آجالهم التي كتبت عليهم، ومن قبضت من الكافرين كانت عذابا لهم، فكانت آجالهم التي كتبت عليهم [ (4) ] .
الثامن عشر:
روى الطبراني وأبو الشيخ في العظمة عن أبي مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل يقول: «ثلاث خلال غيّبتهن عن عبادي لو رآهنّ رجل ما عمل سوءا أبدا، لو كشفت غطائي، فرآني حتّى يستيقن ويعلم كيف أفعل بخلقي إذا أمتّهم، وقبضت السّماوات بيدي ثم قبضت الأرض، ثم الأرضين، ثم قلت أنا الملك، من ذا الذي له الملك من دوني؟ ثم أريهم الجنّة، وما أعددت لهم فيها من كل خير فيستيقنونها وأريهم النار وما أعددت لهم فيها من كل شرّ فيستيقنونها، ولكن عمدا ذلك غيبته عنهم، لأعلم كيف يعملون وقد بينته لهم» [ (5) ]
والله أعلم.
التاسع عشر:
روى الإمام أحمد وعبد بن حميد ومسلم والنسائي وابن خزيمة عن أبي هريرة وأبي سعيد معا والنسائي عن عليّ والنسائي عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن
__________
[ (1) ] انظر جمع الجوامع (5301) .
[ (2) ] أخرجه أحمد 4/ 153 وانظر المجمع 2/ 325 وجمع الجوامع 5325.
[ (3) ] انظر جمع الجوامع (5325) والكنز (16021) .
[ (4) ] انظر جمع الجوامع (5330) والكنز (588) .
[ (5) ] انظر جمع الجوامع (5303) والكنز (29858) .(9/160)
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل يقول إن الصوم لي وأنا أجزي به الحديث» [ (1) ] .
العشرون:
روى أبو داود والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإن خانه خرجت من بينهما» [ (2) ] .
الحادي والعشرون:
روى الترمذي وقال حسن غريب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يقول: إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة. ورواه الطبراني وابن السني في عمل يوم وليلة وابن عساكر عن أبي أمامة بلفظ: «يا ابن آدم، إني إذا أخذت كريمتك، فاصبر واحتسب عن الصدمة الأولى- لم أرض لك ثوابا إلا الجنة» [ (3) ] .
الثاني والعشرون:
روى الإمام أحمد وابن ماجة والحاكم والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أن الله تعالى يقول: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه» [ (4) ] .
الثالث والعشرون:
روى أبو سعيد والترمذي وضعفه والطبراني والبيهقي في الشعب عن عمارة بن زكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يقول: إن كل عبدي الذي يذكرني وهو ملاق قرنه- يعني- عند القتال [ (5) ] .
الرابع والعشرون:
روى أبو سعيد والترمذي وضعفه والطبراني والبيهقي في الشعب وأبو يعلى عن خباب وأبو يعلى والسّراج والبيهقي وابن حبان والضياء عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى قال: إن عبدا أصححت له جسمه، وأوسعت عليه في الرزق» ، وفي لفظ: «ووسّعت عليه في معيشته» ، فأتى عليه خمس حجج، لا يأتي إليّ فيهن، وفي لفظ «تمضي عليه خمسة أعوام لا يغدو إلى المحرم» [ (6) ] .
الخامس والعشرون:
روى الطبراني والبيهقي في الشعب عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تعالى للملائكة: انطلقوا إلى عبدي فصبوا عليه البلاء صبّا فيأتونه فيصبوا عليه
__________
[ (1) ] تقدم.
[ (2) ] أخرجه أبو داود 3/ 256 (3383) وقال الحافظ وأعلّه ابن القطان بالجهل بحال سعيد بن حيان والد أبي حيان وقد ذكره ابن حبان في الثقات وانظر جمع الجوامع (5305) والكنز (9295) .
[ (3) ] أخرجه ابن السني (623) وجمع الجوامع (5308) وانظر المجمع 2/ 309.
[ (4) ] أخرجه أحمد 2/ 540 والحاكم 1/ 496 وجمع الجوامع (5313) وابن ماجة (3792) وانظر الدر المنثور 1/ 149.
[ (5) ] جمع الجوامع (5316) وسعيد بن منصور (2878) والدولابي في الكنى 1/ 23.
[ (6) ] انظر جمع الجوامع (5317) (5319) والمطالب (1065) والدر المنثور 1/ 212 والمجمع 3/ 206 وذكره ابن الجوزي في العلل 2/ 75 وابن عدي في الكامل 3/ 933.(9/161)
البلاء فيحمد الله، فيرجعون فيقولون يا ربّنا صببنا عليه البلاء صبّا كما أمرتنا، فيقول: ارجعوا، فإني أحب أن أسمع صوته» [ (1) ] .
السادس والعشرون:
روى الطبراني وأبو نعيم في الطّبّ عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى يقول: من أهان لي وليا فقد بارزني بالعداوة، ابن آدم، لن تدرك ما عندي إلا بأداء ما افترضت عليك، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فأكون أنا سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، وقلبه الذي يعقل به، فإذا دعاني أجبته وإذا سألني أعطيته، وإذا نصرني نصرته، وأحب ما تعبد لي به عبدي النّصح لي [ (2) ] .
السابع والعشرون:
روى الطبراني عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى يقول: أن العزة إزاري والكبرياء ردائي، فمن نازعني فيهما عذّبته» [ (3) ] .
الثامن والعشرون:
روى الإمام أحمد والبيهقي في «الشعب» عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يقول: إن عبدي المؤمن عندي بمنزلة كلّ خير بحمدي، وأنا أنزع نفسه من بين جنبيه» [ (4) ] .
تنبيهات
الأول: قوله «أتاني ربي» وقوله «فوضع يده» ، وأمثال ذلك فيه مذهبان، فمذهب السلف: الإيمان به كما ورد وتفويض أمره إلى الله تعالى، ومذهب الخلف: التأويل بما يليق به تعالى مع اتفاقهم على استحالة ظاهرها عليه تعالى عن ذلك علوّا كبيرا، فيتأولون الإتيان بمجيء أمره ونهيه، واليد بالنعمة، وما أشبه ذلك من التأويلات اللّائقة به تعالى.
الثاني: قوله تعالى «إلى ستّمائة» وفي لفظ «إلى سبعمائة ضعف» المضاعفة التكثير، قال الجوهري وذكر الخليل أن التضعيف أن يزاد على أصل الشّيء فيجعل مثلين، والحسنة ما يحمد بها الإنسان شرعا، والمراد بمضاعفتها مضاعفة جزائها في الآخرة لمن جاء بها خالصة مقبولة، لأن الله تعالى قال: «من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها» ولم يقل: «من عمل حسنة» وقد تكون الحسنة لا مضاعفة فيها، كمن نوى حسنة ولم يفعلها وكان رجوعه عنها العذر، لا لرغبة عنها.
__________
[ (1) ] الطبراني 8/ 195 وجمع الجوامع (5318) انظر كنز العمال (6821) وشرح السنن 5/ 236 وقال السيوطي في سنده عفير بن معدان ضعفوه.
[ (2) ] انظر جمع الجوامع (5320) والكنز (1155) والعلل للرازي (1872) وانظر الحاوي للسيوطي 1/ 562، 563.
[ (3) ] انظر المجمع 1/ 99 والعلل للرازي (1795) والطبراني في الصغير 1/ 119.
[ (4) ] أخرجه أحمد 2/ 341 والمجمع 10/ 96 وجمع الجوامع (5424) .(9/162)
وللمضاعفة مراتب.
الأولى: إلى مثليه وهو من أدرك نبيّين فآمن بهما جميعا، وعبد أطاع الله ونصح سيده، وامرأة أطاعت الله وأحسنت عشرة زوجها.
الثانية: لمن عمل حسنة.
الثالثة: إلى خمسة عشر،
ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمرو بن العاص:
«صم يومين، ولك ما بقي من الشهر» [ (1) ]
فالحسنة بخمسة عشر.
الرابعة: إلى ثلاثين ففي الحديث نفسه: «صم يوما ولك بها ما بقي من الشهر» فالحسنة بثلاثين.
الخامسة: إلى خمسين
ففي الحديث أنه- عليه الصلاة والسلام- قال: من قرأ القرآن، فاعتبر به، فله بكل حرف خمسون لا أقول: آلم حرف، ولكن الألف حرف واللام حرف، والميم حرف.
السادسة: إلى سبعمائة وهي النفقة في سبيل الله، قال تعالى مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ [البقرة/ 261] .
السابعة: إلا ما لا يتناهى، وهو الصوم، لقوله- عليه الصلاة والسلام- فيما يرويه عن ربه- عز وجل- كلّ عمل ابن آدم له إلّا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، والصّبر، لقوله تعالى: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ [الزمر/ 10] وهو يتعدّد إلى الصبر على الطاعة، وإلى الصبر على المعصية، وإلى الصبر على المصيبة. (فإن الصلاة مثلا مشتملة على أنواع من العبادات كالقراءة والتسبيح والخشوع وغير ذلك وإنما المراد) .
الثالث: ليس المراد بالحسنة أجزاء العبادات، أن الصلاة بكمالها حسنة فمن أتى ببعض صلاته لم يدخل في هذا.
الرابع: في بيان غريب ما سبق:
الملأ- بميم فلام مفتوحتين فهمزة مضمومة- الأشراف والغلبة والجماعة.
الثّدي- بمثلثة مفتوحة.
إسباغ الوضوء- بسين مهملة وآخره معجمة- إتمامه.
الجوف- بجيم مفتوحة فواو ساكنة ففاء البطن.
آذنته: أعلمته أني محارب له.
استعاذني- يروى بالنون والياء والله تعالى أعلم.
__________
[ (1) ] تقدم.(9/163)
الباب الرابع في روايته عن أبيه إبراهيم الخليل عليه السلام
روى البخاري وغيره عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن أحقّ بالشكّ من إبراهيم إذ قال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى، قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟
قالَ: بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي» .
الباب الخامس في روايته عن بعض أصحابه قصة مشاهدة الدجّال والدابة
روى الترمذي عن فاطمة بنت قيس أنّ نبي الله صلّى الله عليه وسلم صعد المنبر فضحك فقال: إنّ تميما الدّاريّ حدّثني بحديث ففرحت. فأحببت أن أحدّثكم، حدّثني إن ناسا من أهل فلسطين ركبوا سفينة في البحر فجالت بهم حتّى قذفتهم في جزيرة من جزائر البحر، فإذا هم بدابّة لبّاسة ناشرة شعرها فقالوا: ما أنت؟ قالت: أنا الجسّاسة. قالوا: فأخبرينا، قالت: لا أخبركم ولا أستخبركم ولكن ائتوا أقصى القرية فإنّ ثمّ من يخبركم ويستخبركم، فأتينا أقصى القرية فإذا رجل موثق بسلسلة، فقال: أخبروني عن عين زعر قلنا ملأى تدفق. قال: أخبروني عن البحيرة؟
قلنا: ملأى تدفق، قال: أخبروني عن نخل بيسان الّذي بين الأردن وفلسطين هل أطعم؟ قلنا:
نعم، قال: أخبروني عن النّبيّ هل بعث؟ قلنا: نعم، قال: أخبروني كيف النّاس إليه؟ قلنا: سراع، قال: فنزّ نزوة حتّى كاد، قلنا: فما أنت؟ قال: إنّه الدّجّال، وإنه يدخل الأمصار كلّها إلا طيبة.
وطيبة: المدينة.
قال أبو عيسى: وهذا حديث صحيح غريب من حديث قتادة عن الشّعبيّ، وقد رواه غير واحد عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس.(9/164)
جماع أبواب أحكامه- صلى الله عليه وسلم- وأقضيته وفتاويه
ليس الغرض من ذلك ذكر التشريع العام، وإن كانت أقضيته الخاصة تشريعا عامّا، وإنما الغرض ذكر سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الحكومات الجزئيّة التي فصل بها بين الخصوم وكيف كانت سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الحكم بين الناس.
الباب الأول في أحكامه- صلى الله عليه وسلم- وأقضيته في المعاملات وما يتعلق بها
وفيه أنواع:
الأول: في تحذيره صلى الله عليه وسلم من القضاء بين اثنين:
روى الإمام أحمد والدارقطني والأربعة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جعل قاضيا بين الناس فقد ذبح بغير سكين» [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد والبيهقي في السنن عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من حاكم يحكم بين الناس إلا جاء يوم القيامة وملك آخذ بقفاه حتى يقف على جهنم ثم يرفع رأسه إلى الله فإن قال الله تعالى ألقه ألقاه في مهواه أربعين خريفا» [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليأتين على القاضي العدل يوم القيامة ساعة يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة قط» [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ابتغى القضاء، وسأل فيه شفعاء وكل إلى نفسه، ومن أكره عليه أنزل الله تعالى ملكا يسدده» [ (4) ] .
الثاني: في تقسيمه القضاء إلى ثلاثة أقسام:
روى أبو داود والبيهقي عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القضاء ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة: فرجل عرف الحق
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 2/ 230 وأبو داود 4/ 5 (3572) والترمذي 3/ 614 (1325) وابن ماجة 2/ 774 (2308) والحاكم 4/ 91.
[ (2) ] أخرجه الدارقطني 4/ 205 والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 97، وابن ماجه (2311) .
[ (3) ] أخرجه أحمد 6/ 75 وانظر الترغيب 3/ 157 والكنز (14989) .
[ (4) ] أخرجه أبو داود 4/ 8 (3578) والترمذي 3/ 614 (1324) وابن ماجة 2/ 774 (2309) .(9/165)
فقضى به فهو في الجنة، ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو في النار» [ (1) ] .
الثالث: في نهيه صلّى الله عليه وسلم عن الحكم في حال الغضب والجوع:
وروى البخاري عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان» [ (2) ] .
وروى الدارقطني عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريّان» [ (3) ] .
الرابع: في وعظه صلى الله عليه وسلم الخصمين:
روى الطبراني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: اختصم رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنما أنا بشر مثلكم إنّما أقضى بينكم بما أسمع منكم ولعل بعضكم [ (4) ] أن يكون ألحن بحجته من أخيه، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار.
وروى الأئمة عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع جلبة خصمين بباب حجرته فخرج إليهما فقال: «إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إليّ ولعلّ بعضكم وفي لفظ- وإنه ليأتيني الخصم فلعل بعضهم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا» وفي لفظ: «بحق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار» فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما لصاحبه: حقي لك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إما إذا فعلتما ذلك فاقتسماه وتوخيا الحق ثم استهما ثم تحللا» [ (5) ] .
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أن بشر، ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فمن قطعت له من حق أخيه قطعة فإنما أقطع له قطعة من النار» [ (6) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أبو داود 4/ 5 (3573) والترمذي 3/ 613 (1322) والنسائي كما في التحفة 2/ 94 (2009) وابن ماجة 2/ 776 (2315) والحاكم 4/ 90 والبيهقي 10/ 117.
[ (2) ] البخاري 13/ 136 وبنحوه أيضا أخرجه البخاري من حديث أبي بكرة 13/ 136 (7158) ومسلم 3/ 1342 (16/ 1717) .
أخرجه أبو داود 3/ 302 (3589) والترمذي 3/ 620 (1334) والنسائي 8/ 237 وابن ماجة 2/ 776 (2316) والطحاوي في المشكل 1/ 260.
[ (3) ] أخرجه الدارقطني 4/ 206 والبيهقي 10/ 106 والخطيب في التاريخ 6/ 277 وابن حجر في المطالب (2127) وانظر المجمع 4/ 195 والتلخيص 4/ 189.
[ (4) ] انظر المجمع 4/ 198.
[ (5) ] أخرجه من حديث عائشة البخاري 5/ 106 (2457) ومسلم 4/ 2054 (5/ 2668) من حديث أم سلمة البخاري.
[ (6) ] أخرجه أحمد 2/ 332، 6/ 307، 308 320 وابن أبي شيبة 7/ 235.(9/166)
وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقّه الله من سبع أرضيين» [ (1) ] .
الخامس: في حبسه صلى الله عليه وسلم في تهمة:
روى أبو داود، والحاكم عن معاوية بن حيدة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة [ (2) ] .
وروى النسائي والترمذي وزاد ثم خلا عنه سنده صحيح [ (3) ] .
وروى أبو يعلى والحاكم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة يوما وليلة استظهارا واحتياطا ورواه الطبراني ولم يقل: «يوما وليلة» [ (4) ] .
وروى الطبراني عن نبيشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة [ (5) ] .
وروى ابن أبي شيبة والحاكم مرسلا عن أبي مجلز- رحمه الله تعالى- أن عبدا بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه فحبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى باع فيه غنيمته له [ (6) ] .
وروى أبو داود عن معاوية بن حيدة أن أخاه أو عمه قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال جيراني بما أخذوا فأعرض عنه ثم ذكر شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خلوا له عن جيرانه» [ (7) ] .
السادس: في أمره صلى الله عليه وسلم رجلا في ملازمة غريمه:
روى أبو داود وابن ماجة عن الهرماس بن حبيب رجل من أهل البادية عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنه- قال أتيت [ (8) ] رسول الله صلى الله عليه وسلم بغريم لي فقال لي: «الزمه» ، ثم مربي آخر النهار فقال ما تريد أن تفعل بأسيرك وفي لفظ: «ما فعل أسيرك» .
السابع: في نفيه صلى الله عليه وسلم أهل المعاصي:
روى أبو داود والدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بمخنّث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال «ما بال هذا؟» فقالوا يا رسول الله يتشبه بالنساء
__________
[ (1) ] من حديث سعيد بن زيد أخرجه البخاري 6/ 293 (3198) ومسلم (3/ 1231) حديث (140/ 1610) .
[ (2) ] أخرجه أبو داود (3630) .
[ (3) ] النسائي (8/ 67) .
[ (4) ] أخرجه الحاكم 4/ 102 والعقيلي في الضعفاء 1/ 52.
[ (5) ] انظر المجمع 4/ 203.
[ (6) ] أخرجه ابن أبي شيبة 6/ 486.
[ (7) ] أخرجه أبو داود (3631) وأحمد 5/ 2، 4.
[ (8) ] أخرجه أبو داود (3629) وابن ماجة (2428) والبخاري في التاريخ 8/ 247 والرازي في العلل (1424) .(9/167)
فأمر به فنفي إلى النقيع، قالوا: يا رسول الله ألا تقتله؟ قال: إني نهيت عن قتل المصلين [ (1) ] .
النقيع بالنون ناحية من المدينة وليس البقيع بالباء.
الثامن: في امتناعه صلّى الله عليه وسلم عن كلام المجرمين وأهل المعاصي:
روى البخاري مختصرا عن كعب بن مالك- رضي الله تعالى عنه- أنه لما تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ... فذكر الحديث قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، وأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا.
التاسع: في سيرته صلّى الله عليه وسلم في التحكيم [ (2) ] :
روى الطبراني بسند ضعيف عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام فقال: «أجعل بيني وبينك عمرا» فقلت: لا، فقال: «اجعل بيني وبينك أباك» قلت: نعم [ (3) ] .
العاشر: في حجره صلى الله عليه وسلم على المفلس:
روى الطبراني عن كعب بن مالك- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ بن جبل ماله وباعه بدين كان عليه [ (4) ] .
وروى ابن أبي عمر عن عدي بن عديّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى على إنسان لم يوجد وفاء ووجد بعض غرمائه سلعته عنده وأقرّه، وقضى بأن يأخذ متاعه إن وجده.
وروى الإمام مالك عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيّما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقض الذي باعه من ثمنه شيئا، فوجده بعينه، فهو أحقّ به، فإن مات المشتري فصاحب المتاع فيه أسوة الغرماء.
وهو مرسل هنا، وقد وصله أبو داود عن إسماعيل بن عباس الزبيدي عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة والزبيدي هو محمد بن الوليد أبو الهذيل وحديث إسماعيل عن الشاميين صحيح» [ (5) ] .
وروى أبو داود عن عمرو بن خلدة قال: أتينا إلى أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- في صاحب لنا أفلس فقال: لأقضين فيكم بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من أفلس أو مات فوجد رجل متاعه فهو أحق به» [ (6) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أبو داود في كتابه الأدب باب (60) رقم (4928) والدارقطني 2/ 55 وانظر الفتح 9/ 335 واللسان (3/ 1001) وابن الجوزي في العلل 2/ 296 والميزان للذهبي (4084) .
[ (2) ] تقدم.
[ (3) ] مجمع (4/ 199) ورجاله ثقات.
[ (4) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 58، 4/ 101.
[ (5) ] ذكره ابن عبد البر في التمهيد 8/ 405 مالك في الموطأ (678) وأبو داود (3520) .
[ (6) ] أخرجه البخاري 5/ 62 (2402) ومسلم 3/ 1194 (24/ 1194) .(9/168)
وروى الطبراني من طرق عن كعب بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال كان معاذ بن جبل شابا جميلا من خير شباب قومه لا يسأل شيئاً إلا أعطاه حتى أدان دينا أغلق ماله وفي لفظ «أحاط ذلك بماله فقال معاذ: يا رسول الله ما جعلت في نفسي حين أسلمت أن أبخل بمال ملكته وإني أنفقت مالي في أمر الإسلام والمسلمين فأبقى ذلك عليّ دينا عظيما، فادع غرمائي فاسترفقهم فإن أرفقوني فسبيل ذلك فإن أبوا فاجعلني لهم من مالي فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم غرماءه فعرض عليهم أن يرفقوا به فقالوا: نحن نحب أموالنا، وفي لفظ: فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم غرمائه فلم يضعوا له شيئا، فلو ترك لأحد بكلام أحد لترك لمعاذ بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يبرح حتى باع ماله كله وقسمه بين غرمائه، فقام معاذ لا مال له، فلما حج بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن.
وفي لفظ: حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ بن جبل وباعه بدين كان عليه [ (1) ] .
الحادي عشر: في سيرته في المعاملات:
روى الإمام أحمد وأبو داود عن رجل من الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «الناس شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار» [ (2) ] .
وروى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بين أهل المدينة في النخل لا يمنع نقع بئر وقضى بين أهل البادية أن لا يمنع فضل ماء ليمنع به الكلأ [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمنع نقع البئر [ (4) ] .
وروى مسدد مرسلا برجال ثقات عن ابن المسيّب- رحمه الله تعالى- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «حريم قليب البئر العادية خمسون ذراعا، وحريم البديء خمسة وعشرون ذراعا
قال سعيد: ولم يرفعه وحريم قليب الزرع ثلاثمائة ذراع» [ (5) ] .
وروى ابن ماجه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حريم النخلة» [ (6) ] مد جريدها.
__________
[ (1) ] أخرجه عبد الرزاق 8/ 268 (15177) وأبو داود في المراسيل (152) وذكره الحافظ في المطالب 1/ 416 (1389) والبيهقي 6/ 48.
[ (2) ] أخرجه من طريق أبي خداش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحمد 5/ 364 وأبو داود 3/ 750 (3477) ومن حديث ابن عباس أخرجه ابن ماجة 2/ 826 (2472) وابن السكن كما في التلخيص 3/ 65 وفي إسناده عبد الله بن خداش متروك ولكبر الحديث طرق أخرى يقوي بعضها بعض.
[ (3) ] أحمد 2/ 273، 6/ 112، 252 والحميدي (1124) والحاكم 2/ 61 والبيهقي 6/ 152.
[ (4) ] أخرجه أحم 3/ 39، 268 وابن أبي شيبة 6/ 258 والبيهقي 6/ 152.
[ (5) ] أخرجه الحاكم 4/ 97 وانظر نصب الرابة 4/ 393 وابن حجر في المطالب (1399) .
[ (6) ] ابن ماجة (2489) .(9/169)
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حريم البئر أربعون ذراعا من حواليها» [ (1) ] .
وروى الشيخان عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي أعطيها لا ترجع إلى الذي أعطاها، لأنّه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث» [ (2) ] .
وروى الإمام مالك عن أبي سلمة عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن أعمر عمرى، فهي له بتلة لا يجوز للمعطي منها شرط ولا ثنيا قال أبو سلمة: لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث، فقطعت الميراث شرطه [ (3) ] .
وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال اختصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حريم نخلة [ (4) ] . في حديث أحدهما: فأمر بها فذرعت فوجد سبعة أذرع وفي حديث الآخر خمسة أذرع فقضى بذلك.
وروى النسائي عن سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحيا أرضا ميتة فهي له، وليس لعرف ظالم حق»
وللبخاري نحوه [ (5) ] .
وروى أبو داود عن عروة بن الزبير قال: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الأرض أرض الله والعباد عباد الله من أحيا مواتا فهو أحق به جاءنا بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم الذين جاءوا بالصلوات عنه [ (6) ] .
وروى ابن ماجة عن ثعلبة بن أبي مالك- رضي الله تعالى عنه- وابن ماجة عن عبد الله بن عمرو وابن ماجة عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنهم- قالوا: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيل مهذور الأعلى فوق الأسفل يسقى الأعلى إلى الكعبين، ثم يرسل إلى من هو أسفل منه وكذلك حتى تنقضي الحوائط أو يفنى الماء.
وروى البخاري عن عبد الله بن الزبير عن أبيه أن رجلا خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون فيها النخل فقال الأنصاري: سرح الماء يمر فأبى عليه فاختصما إلى النبي فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزبير «اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك» فغضب الأنصاري فقال: يا رسول الله
__________
[ (1) ] أحمد (2/ 494) .
[ (2) ] أخرجه مسلم 5/ 238 (2625) ومسلم 3/ 1245 (20/ 1625) .
[ (3) ] أخرجه النسائي 6/ 276.
[ (4) ] وأبو داود (2/ 340) (3640) .
[ (5) ] أخرجه أبو داود 3/ 453 (3073) والترمذي 3/ 662 (1378) .
[ (6) ] أخرجه أبو داود 4/ 3 (3639) وابن ماجة 2/ 830 (2482) والبيهقي 6/ 154.(9/170)
إن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال «يا زبير اسق ثم احبس الماء حتى يبلغ الجدر» ، قال ابن الزبير: والله إني لأحسب أن هذه الآية نزلت في ذلك فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ [ (1) ] .
وروى الإمامان الشافعي وأحمد والبخاري وأبو داود والنسائي والدارقطني عن الصعب بن جثامة- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع، وقال: «لا حمى إلا لله ولرسوله» [ (2) ] .
وروى أبو داود والنسائي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الوزن وزن أهل مكة والمكيال مكيال أهل المدينة»
وفي رواية عكسه [ (3) ] .
وروى البخاري تعليقا وأسنده الدارقطني عن عثمان- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا بعت فكل وإذا ابتعت فاكتل» [ (4) ] .
وروى ابن ماجه عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجرى فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري
[ (5) ] .
وروى البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن
[ (6) ] .
وروى الشيخان عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه» [ (7) ] .
وروى ابن ماجه عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحلّ بيع ما ليس عندك ولا ربح ما لم يضمن» [ (8) ] .
وروى الأئمة والشيخان عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثّمار حتّى يبدو صلاحها وفي لفظ: حتى تزهى، قيل: يا رسول الله، ما تزهى؟ قال: تحمرّ،
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 34 (2359) وفي التفسير (4585) ومسلم 4/ 1829 (129/ 2357) .
[ (2) ] أخرجه البخاري 5/ 44 (2370) .
[ (3) ] أخرجه أبو داود 3/ 633 (3340) والنسائي (5/ 54) و 7/ 284 والهيثمي في الموارد ص 271 (1105) .
[ (4) ] أخرجه البخاري معلقا 3/ 88 وفي التاريخ 8/ 18.
[ (5) ] أخرجه ابن ماجة (2228) والدارقطني 3/ 8 وابن أبي شيبة 7/ 197 والبيهقي 5/ 316.
[ (6) ] من حديث أبي مسعود الأنصاري أخرجه البخاري 4/ 426 (2237) ومسلم 3/ 1198 (39/ 1567) .
[ (7) ] أخرجه البخاري 4/ 344 (2126) ومسلم 3/ 1160 (32/ 1526) .
[ (8) ] أخرجه الطيالسي في المسند 298 (2257) وأحمد 2/ 178 وأبو داود 3/ 769 (3504) والترمذي 3/ 535 (1234) والنسائي 7/ 288 وابن ماجة (2188) .(9/171)
نهى البائع والمشتري، ولفظ البخاري: عن بيع النخل حتى يزهو وعن السنبل حتى يبيضّ ويأمن العاهة.
نهى البائع والمشتري عن بيعه [ (1) ] .
روى ابن ماجة وعبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من ابتاع نخلا قد أبرت، فثمرتها للّذي باعها إلّا أن يشترط المبتاع. ومن ابتاع عبدا فماله للذي باعه إلا أن يشرط المبتاع» [ (2) ] .
وروي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة، وأرخص في العرايا بخرصها تمرا ما دون خمسة أوسق
من حديث مالك [ (3) ] .
وروى البخاري عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر بالتمر قال: «تلك المزابنة»
[ (4) ] .
وروى البخاري عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الحوائج [ (5) ] .
وروي أيضا عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو بعت من أخيك تمرا، فأصابته جائحة، فلا يحلّ لك أن تأخذ منه شيئا وبم تأخذ مال أخيك بغير حقّ؟» [ (6) ] .
وروى أبو داود عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمرة النخل لمن أبرها إلا أن يشرط المبتاع.
وروى الترمذي واستغربه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسوّد وعن بيع الحب حتى يشتّد
[ (7) ] .
وروى مسلم عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء
[ (8) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 394 (2194) ومسلم 3/ 1165 (49، 50/ 1534، 1535) .
[ (2) ] وهو عند البخاري 5/ 49 (2379) ومسلم 3/ 1173 (80/ 1543) .
[ (3) ] من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري 4/ 387 (2190) (2382) ومسلم 3/ 1171 (71/ 1541) ومن حديث جابر مسلم 3/ 1175 (85/ 1536) .
[ (4) ] البخاري 4/ 403 (2205) ومسلم 3/ 1172 (76/ 1542) .
[ (5) ] أخرجه مسلم 3/ 1178 (101/ 1536) (17/ 1554) والشافعي في المسند 2/ 151 (522) .
[ (6) ] أخرجه مسلم 3/ 1190 (14/ 1554) .
[ (7) ] أخرجه أحمد 3/ 221، 250 والترمذي 3/ 530 (1228) وأبو داود 3/ 668 (3371) والحاكم 2/ 19 وابن ماجة 2/ 447 (2217) .
[ (8) ] أخرجه مسلم 3/ 1219 (106/ 1598) .(9/172)
وروى الإمامان مالك وأبو داود في مراسيله عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان
[ (1) ] .
وروى الشيخان عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين ولبستين ونهى عن الملامسة والمنابذة في البيع والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بالليل أو بالنهار ولا يقلبه إلا بذلك والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الآخر، إليه ثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراض
هكذا في مسلم وفي البخاري الملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه، والمنابذة طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى آخر قبل أن يقلبه أو ينظر إليه [ (2) ] .
وروى البخاري عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل أو في لفظ عسيب الفحل مثله الدارقطني عن أبي سعيد وزاد فيه وعن قفيز الطحان
[ (3) ] .
وروى مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ضراب الفحل وفي لفظ الجمل
[ (4) ] .
وروى النسائي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنه- عليه الصلاة والسلام- نهى عن ثمن الكلب وعسيب الفحل
[ (5) ] .
وروى الترمذي وقال حسن غريب عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا من كلاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عسيب الفحل فنهاه عن ذلك فقال: يا رسول الله إنا نطرق الفحل فنكرم فرخص [ (6) ] له في الكرامة.
وروى الترمذي وصحّحه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة
[ (7) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه مالك في الموطأ 2/ 655 (64، 65، 66) .
وروى من طريق الحسن عن سحرة عند أحمد 5/ 12، 19 والدارمي 2/ 254 وأبو داود 3/ 652 (3356) والترمذي 3/ 538 (1237) والنسائي 7/ 292 وابن ماجة 2/ 763 (2270) .
[ (2) ] أخرجه البخاري 10/ 278 (5820) ومسلم 3/ 1152 (3/ 1512) .
[ (3) ] أخرجه البخاري 4/ 461 (2284) والترمذي (1273) والنسائي 7/ 310، 311 والدارمي 2/ 273 وابن أبي شيبة 7/ 145 والدارقطني 4/ 47 وأبو نعيم في الحلية 9/ 61 والبيهقي 5/ 339.
[ (4) ] أخرجه مسلم 3/ 1197 (35/ 1565) .
[ (5) ] أخرجه النسائي 7/ 311 وابن ماجة (2160) .
[ (6) ] أخرجه الترمذي 3/ 573 (1274) وقال حسن غريب.
[ (7) ] أخرجه الترمذي 3/ 533 (1231) والنسائي 7/ 295 وأبو داود بنحوه 3/ 738 (3461) .(9/173)
وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة واحدة
قال سماك: هو الرّجل يبيع البيع فيقول هو ينسأ بكذا أو كذا وهو ينقد بكذا وكذا [ (1) ] .
وروى أيضا عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تبيعن بيعتين في بيعة واحدة» [ (2) ] .
وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر
[ (3) ] .
وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر» [ (4) ] .
وروى أبو بكر بن عاصم عن عمران بن الحصين- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما في ضروع الماشية، قبل أن تحلب وعن بيع الجنين في بطون الأنعام وعن بيع السمك في الماء وعن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة
[ (5) ] .
وروى الشيخان عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال كان أهل الجاهلية يتبايعون لحم الجزور إلى حبل الحبلة وحبل الحبلة أن ينتج الناقة ثم تحمل التي نتجت فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك
[ (6) ] .
وروى النسائي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغنائم حتى تقسم وعن الحبالى أن يوطأن حتى يضعن ما في بطونهن وعن كل ذي ناب من السباع
[ (7) ] .
وروى الدارقطني عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع ثمر، حتى تطعم أو صوف على ظهر أو لبن في ضرع أو سمن في لبن
[ (8) ] .
__________
[ (1) ] المجمع (4/ 87) .
[ (2) ] مجمع (4/ 134) .
[ (3) ] أخرجه مسلم 3/ 1153 (4/ 1513) .
[ (4) ] أحمد (1/ 388) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5/ 340 والطبراني في الكبير 10/ 258 وأبو نعيم في الحلية 8/ 214 والخطيب في التاريخ 5/ 369.
[ (5) ] أخرجه البيهقي 5/ 338 من حديث ابن عباس 5/ 340.
[ (6) ] أخرجه البخاري 4/ 356 (2143) ومسلم 3/ 1153 (5/ 1514) (6/ 1514) .
[ (7) ] النسائي 7/ 301 وأحمد 2/ 458، 472 والبيهقي 5/ 339 والحاكم 2/ 40 وسعيد بن منصور (2815) وابن أبي شيبة 12/ 436، 437.
[ (8) ] أخرجه الدارقطني 30/ 15 وابن أبي شيبة 6/ 535.(9/174)
وروى البخاري عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة، والمزابنة: أن يبيع ثمر النخل بالثمر كيلا وبيع الزبيب بالعنب كيلا وعن كل تمر يخرصه، وفي رواية عن بيع الزرع بالحنطة
[ (1) ] .
وروى الإمامان مالك وأحمد- رحمهما الله- وأبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العربان
قال مالك وذلك فيما نرى والله أعلم أن يشترى الرجل العبد أو يتكارى الدابة ثم يقول أعطيك دينارا على أني إن تركت السلعة فما أعطيت لك [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن سالم بن أبي أمية أبي النضر قال جلس إليّ شيخ من بني تميم في مسجد البصرة قال: قدمت المدينة مع أبي، وأنا غلام شاب بإبل لنا نبيعها، وكان أبي صديقا لطلحة بن عبيد الله التيمي، فنزلنا عليه، فقال أبي: اخرج معي فبع لي إبلي هذه،
فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يبيع حاضر لباد
[ (3) ] .
وروى عبد الرزاق عن الأسلمي عن عبد الله بن دينار قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ وهو الدين بالدين
لكن قال عبد الحق الأسلمي هو: إبراهيم بن محمد بن يحيى وهو متروك كان يرمى بالكذب وقال بعضهم: رواه الدارقطني من حديث موسى بن عقبة عن عبد الله بن دينار أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ وموسى بن عقبة مولى الزبير ثقة وروى له الجميع
وفي رواية عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ
[ (4) ] .
وروى الترمذي وقال حسن غريب والإمام أحمد والحاكم عن أبي أيوب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبائه يوم القيامة
[ (5) ] .
وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تلقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد، ولا تصروا الإبل، فمن ابتاعها فهو يخبر النظر من بعد أن يحلبها، فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها، وصاعا من تمر» ، وفي لفظ: من اشترى شاة مصرّاه فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها رد معها صاعا من
__________
[ (1) ] البخاري 4/ 403 (2205) .
[ (2) ] أخرجه مالك في الموطأ 2/ 609 (1) وأبو داود 3/ 768 (3502) وابن ماجة 2/ 738 (2192 و 2193) .
[ (3) ] أحمد في المسند 1/ 263 2/ 153، 238، 154.
[ (4) ] أخرجه ابن عدي في الكامل 6/ 2335 والدارقطني 3/ 71 والحاكم 2/ 57.
[ (5) ] أخرجه الترمذي (1283) والدارمي 2/ 228 وأحمد 5/ 414 والحاكم 2/ 55 والطبراني في الكبير 4/ 217 والدارقطني 3/ 67، 68 والبيهقي 9/ 126 وانظر التلخيص 3/ 15.(9/175)
طعام لا سمراء
[ (1) ] .
وروى مسلم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض» .
النّجش: بنون وجيم معجمة: أن يزيد في سلعة ينادي عليها لا رغبة له فيها ليغري غيره [ (2) ] .
وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تتلقى الركبان للبيع» [ (3) ] .
وروى مسلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تتلقوا الجلب، فمن تلقّاه فاشترى منه، فإذا أتى سيّده السّوق فهو بالخيار» [ (4) ] .
وروى الإمامان مالك وأحمد والخمسة عن حكيم بن حزام- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «البيعان، وفي لفظ: المتعاقدان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما» [ (5) ] .
وروى أبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع أحد طعاما اشتراه بكيل حتى يستوفيه
[ (6) ] .
وروى عنه قال كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله عن مكانه
[ (7) ] .
وروى الإمام أحمد والنسائي والبيهقي وابن ماجه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يستوفيه، زاد أبو داود: إلا ما كان من شركة أو تولية [ (8) ] .
وروى النسائي عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: إذا اختلف المتبايعان، وليس بينهما بيّنة، فهو ما يقول ربّ السلعة أو يتتاركا [ (9) ] .
وروى الشيخان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجدهم يسلفون في الثمار، فقال:
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 361 (2150) ومسلم 3/ 1155 (11/ 1515) .
[ (2) ] أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة باب 10 (32) وأحمد 2/ 277.
[ (3) ] البخاري 4/ 361 (2150) ومسلم 3/ 1155 (11/ 1515) .
[ (4) ] أخرجه مسلم 3/ 1157 (17/ 1519) .
[ (5) ] أخرجه البخاري 4/ 309 (2079) ومسلم 3/ 1164 (47/ 1532) .
[ (6) ] أخرجه أبو داود (3495) وهو بنحوه البخاري 4/ 344 (2126) ومسلم 3/ 1160 (32/ 1526) .
[ (7) ] أخرجه البخاري 4/ 375 (2167) ومسلم 3/ 1160 (33/ 1527) .
[ (8) ] أخرجه البخاري (2126) ومسلم 3/ 1160 (32/ 1526) .
[ (9) ] النسائي 7/ 302 والدارقطني 3/ 21 ابن ماجة (2186) وانظر نصب الراية 4/ 105 والتلخيص 3/ 30.(9/176)
اسلفوا في كيل معلوم، ووزن معلوم إلى أجل معلوم، وفي رواية: فليسلم في كيل معلوم [ (1) ] .
وروى أبو داود والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عندك
[ (2) ] .
وروى البخاري أن كعب بن مالك، كان له على عبد الله بن أبي حدرد دين فلزمه حتى ارتفعت أصواتهما، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضع الشطر ففعل [ (3) ] وأحاديث الصلح كثيرة.
وروي عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: جعل، وفي لفظ: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة
[ (4) ] .
وروى الطبراني عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشّفعة بين الشّركاء
[ (5) ] .
وروى أبو يعلى الموصلي وابن أبي الدنيا والبزار بسند ضعيف في «العزلة» والبيهقي عن القاسم بن مخوّل البهزي السلمي، قال: سمعت أبي وقد كان أدرك الجاهلية والإسلام، نصب حبائل لي بالأبواء، فوقع في حبل منها ظبي، قلت: فخرجت في أثره، فوجدت رجلا قد أخذه فتنازعنا فيه فتساوقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدناه نازلا بالأبواء تحت شجرة مستظل بنطع فاختصمنا إليه، فقضى فيه بيننا شطرين، الحديث [ (6) ] .
وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنه- قالت: إن رجلا اشترى غلاما، فاستعمله، فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم، ثم وجد به عيبا فخاصمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فردّه بالعيب، فقال البائع استغل عبدي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الغلة» ، وفي لفظ: «الخراج بالضّمان» [ (7) ] .
وروى الإمام الشافعي والترمذي وابن ماجة، واللفظ له، والدارقطني عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من رجل من الأعراب حمل خبط، فلما وجب البيع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اختر» ، فقال الأعرابي: عمرك الله بيّعا من أنت، قال: رجل من قريش [ (8) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري من حديث ابن عباس 4/ 428 (2239) (2240، 2241) ومسلم 3/ 1227 (127/ 1604) .
[ (2) ] أخرجه أبو داود (3503) .
[ (3) ] أخرجه البخاري 1/ 551 (457، 471) ومسلم 3/ 1192 (20/ 1558) .
[ (4) ] أخرجه البخاري 4/ 407 (2213) (2214، 2257) .
[ (5) ] انظر المجمع 4/ 162.
[ (6) ] انظر المجمع 7/ 307.
[ (7) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 80، 116 والحاكم في المستدرك 2/ 15 ولفظ الخراج.
أخرجه أحمد 6/ 49، 237 وأبو داود (35008) (3509) (3510) ابن ماجة (2243) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1126) والبيهقي في السنن 5/ 321 322 والحاكم 2/ 150 وانظر التلخيص 3/ 22.
[ (8) ] أخرجه ابن ماجة (2184) والدارقطني 3/ 21 وعبد الرزاق (14261) والطبري في التفسير 5/ 22 والحاكم 2/ 48.(9/177)
وروى الأئمة الثلاثة والشيخان والنسائي، وابن ماجة عن أبي سعيد والترمذي والنسائي عن أبي هريرة وأحمد والبخاري عن ابن عباس والأئمة الثلاثة والستة والدارقطني عن ابن عمر قالوا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة والمحاقلة [ (1) ] والمزابنة بيع، وفي لفظ: اشتراء التمر في رؤوس النخل والمحاقلة كراء الأرض.
وروى الإمام مالك: عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة.
وروى الإمام مالك مرسلا أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل من الأنصار فأفسدت فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي باللّيل ضامن على أهلها [ (2) ] .
وروى الأئمة عن حرام بن محيصة عن أبيه [ (3) ] أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطا فأفسدته عليهم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ على أهل الأموال حفظها بالنهار وعلى أهل المواشي حفظها بالليل.
وروى الدارقطني عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أصابت الإبل بالليل ضمن أهلها وما أصاب النّهار فلا شيء فيه، وما أصابت الغنم باللّيل والنهار غرمه أهلها والضواري يتقدم إلى أهلها ثلاث مرات ثم تعقر بعد ذلك» .
تنبيهات
الأول:
إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ثانيا للزبير: «اسق ثم احبس الماء حتى يبلغ» ،
لأنه- عليه الصلاة والسّلام- ندب الزبير أولا إلى إسقاط بعض حقه رعيا للمجاورة، وليس على وجه الحكم، فلما تكلم الأنصاري بما تكلّم استوفى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير، حقه فقضى- عليه الصلاة والسلام- أن يمسك الأهل الماء إلى الكعبين، ثم يرسله إلى الأسفل.
الثاني: إنما «نهى عن عسيب الفحل» ، لأنه إجارة مجهول إذ قد تحمل في زمن قريب فيغبن صاحب الأنثى، وقد تحمل فيغبن صاحب الذكر واختلف في العسيب والعسب، فقال القاضي عياض: عسيب الفحل المنهي عنه إنما هو كراء ضرابه والعسيب نفسه هو الضراب قاله أبو عبيدة، وقال غيره: لا يكون العسيب إلا الضراب بالكراء عليه، وقيل: العسيب ماؤه
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 403 (2205) ومسلم 3/ 1172 (76/ 1542) ومسلم من حديث جابر 3/ 1175 (85/ 1536) .
[ (2) ] أخرجه مالك في الموطأ حديث (1431) .
[ (3) ] أخرجه الدارقطني 3/ 113.(9/178)
وقال الجوهري: العسيب الكراء الذي يؤخذ على ضراب الفحل، يقال عسب فحله يعسبه أي أكراه وعسب أيضا ضرابه، وقيل، ماؤه، والعسيب يقال بالياء مع الباء الموحدة ويقال بالباء الموحدة فقط.
الثالث: المراد «ببيعتين في بيعة» أن يبيعها بعشرة نقدا وعشرين إلى أجل أو أن يبيع سلعتين مختلفتين بثمن واحد على سبيل اللزوم.
الرابع: قال الماوردي في السلم: اختلف في تفسير بيع الحصاة فقيل: المراد أن يبيع من أرضه قدر ما انتهت إليه رمي الحصاة.
وقيل معناه: أي ثوب وقعت عليه الحصاة فهو المبيع وقيل معناه: متى وقعت الحصاة وجب البيع.
وقيل معناه: ارم الحصاة فما خرج فلك بعدده دراهم أو دنانير.
الخامس: قال في الموطأ «المضامين» بيع ما في بطون إناث الإبل.
والملاقيح ما في ظهور الفحول. وصل الحبلة. بيع الجزور إلى أن ينتج نتاج الناقة.
السادس: قوله «أن يبيع حاضر لباد» ، لأن سلعهم ليس لها غالبا عليهم مشقة وهم جاهلون في الأسعار وقد
قال عليه الصلاة والسلام: «دع الناس في غفلاتهم يرزق الله بعضهم من بعض» .
السابع: الكلأ مهموز من الكلأة بالكسر وهي الحفظ وإطلاق هذا الاسم على الدّين مجاز، لأنه يكلأ الأكالئ وإنما الكالئ صاحبه لأن كلا من المتبايعين يكلأ صاحبه أي يحرضه لأجل ماله قبله ولهذا وقع النهي عنه، لأنه يؤدي إلى كثرة المنازعة والمشاجرة وقد ورد فاعل بمعنى مفعول كقوله تعالى مِنْ ماءٍ دافِقٍ [الطارق/ 6] أي مدفوق ويحتمل أن يكون المجاز في الإسناد إلى ملابس الفعل أي كالئ صاحبه ك عِيشَةٍ راضِيَةٍ [القارعة/ 7] ويقدر الإضمار في الحديث أي نهى عليه الصلاة والسلام عن بيع مال الكالئ بمال الكالئ.
وحقيقته أن يكون لشخص على آخر دين فيطالبه به فلا يجد معه شيئا أو يجد معه ولكن يبيعه به شيئا يتأخر قبضه كان يبيعه دارا غائبة أو أن يبيع الدّين بمنافع دابة معينة ونحوها أو أن يبيع ماله من الدّين لشخص بدّين لذلك الشخص على آخر وبدّين على ذلك الشخص نفسه، أو أن يؤخر شخص رأس مال السلم بشرط أكثر من ثلاثة أيام.
الثامن: إنما خص التفرقة بين الأم، لأن الولد لا يستغني عنها في أكله وشربه وقيامه وهو خاص بالآدميات وينتهي زمن الإسفار ومنتهاه عشر سنين.(9/179)
التاسع: اختلف في علة النهي عن التلقي فقال الشافعي لحق الطالب.
وقال مالك: الحق منه لأهل السوق.
وقال ابن العربي: لهما.
واختلف في حد القدر المنهي عنه إذا زاد عليه في البعد لا يتناوله النهي عن التلقي.
فقيل: لأحد في القرب والبعد لا في الزمان ولا في المكان.
وقيل: الميل.
وقيل: الفرسخان.
وقيل اليومان.
النجش: الزيادة ليغري غيره.
العاشر: في بيان غريب ما سبق:
«المخنث» بميم مضمومة فمعجمة مفتوحة فنون فمثلثة المتعطف.
«حريم البئر» بحاء مهملة مفتوحة فراء مكسورة فتحتية.
«القليب» بقاف مفتوحة فلام مكسورة.
«رشاء» براء فشين معجمة مفتوحتين ممدودا الذي يتوصل به إلى الماء.
«الكعب» كل مفصل والعظم الناشئ فوق القدم والناشرات من جانبها.
«المزابنة» بميم مضمومة فزاي فألف فموحدة فنون فتاء تأنيث هي بيع الرطب باليابس في رؤوس النخل من الزّبن، وهو الرفع كأن كل واحد من المتبايعين يزين صاحبه عن حقه، بما يزداد منه، وإنما نهى عنها لما يقع منها من الغبن والجهالة.
«الملاقيح» كمفاعيل الأمهات وما في بطونها.
«الجزور» بجيم مفتوحة فزاي فواو فراء البعير أو خاص بالناقة المجزورة والجزر القطع.(9/180)
الباب الثاني في أحكامه وأقضيته- صلى الله عليه وسلم- في الوصايا والفرائض
روى الطبراني عن عمران بن الحصين وسمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا أعتق ستة أعبد له عند موته ولم يكن له مال غيرهم، فجزأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أثلاثا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة [ (1) ] .
وروى الطبراني عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: أعتق رجل في وصيته ستة رؤوس ولم يكن له مال غيرهم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتغيظ عليه ثم أسهم، وأخرج ثلثهم وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن العقل ميراث بين ورثة القتيل على فرائضهم [ (2) ] .
وروى الشيخان عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من وجع أشرفت منه على الموت فقلت يا رسول الله بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة فأتصدق بثلثي مالي قال: لا قال: الثلث قال والثلث كثير أو كبير
الحديث [ (3) ] .
__________
[ (1) ] تقدم.
[ (2) ] انظر المجمع 4/ 230.
[ (3) ] أخرجه البخاري 5/ 363 (2742) (6733) ومسلم 3/ 1250 (5/ 1628) (8/ 1628) .(9/181)
الباب الثالث في أحكامه وأقضيته في النكاح والطلاق والخلع والرّجعة والإيلاء والظّهار واللّعان وإلحاق الولد وغير ذلك مما يذكر
وفيه أنواع:
الأول: في النكاح:
روى البيهقي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالغربال» [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد وابن حبان والطبراني والحاكم وأبو نعيم في «الحلية والبيهقي والضياء عن ابن الزبير- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أعلنوا النكاح [ (2) ] .
وروى البيهقي وضعفه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف، وليولم أحدكم ولو بشاة، وإذا خطب أحدكم امرأة وقد خضب بالسواد فليعلمها لا يغربها» [ (3) ] .
وروى الترمذي، وقال حسن غريب عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف» [ (4) ] .
وروى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن أثر صفرة قال: ما هذا؟ قال يا رسول الله إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب قال: «بارك الله لك أولم ولو بشاة» [ (5) ] .
وروى الإمام مالك عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه» [ (6) ] .
وروى البخاري عن الحسن قال حدثني معقل بن يسار أن قوله تعالى فَلا تَعْضُلُوهُنَّ نزلت فيه قال: زوجت أختا لي من رجل فطلقها حتى انقضت عدتها فجاء يخطبها فقلت له: زوجتك وقربتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها! لا والله لا تعود إليك
__________
[ (1) ] البيهقي في السنن الكبرى 7/ 290 وانظر نصب الراية 3/ 168.
[ (2) ] أحمد 4/ 5 والبيهقي 7/ 288.
أخرجه ابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1285) وأبو نعيم في الحلية 8/ 328 وانظر المجمع 4/ 289.
[ (3) ] انظر السنن الكبرى (7/ 290) وقال عيسى بن ميمون ضعيف.
[ (4) ] أخرجه الترمذي 3/ 398 (1089) وابن ماجة (1895) والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 290.
[ (5) ] أخرجه البخاري 9/ 204 (5148) ومسلم 2/ 1042 (79/ 1427) .
[ (6) ] تقدم.(9/182)
أبدا فأنزل الله الآية فَلا تَعْضُلُوهُنَّ فقلت الآن أفعل يا رسول الله قال فزوجتها إياه، زاد البزار «فأمرني أن أكفر عن يميني وأزوجها» [ (1) ] .
وروى الدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها»
[ (2) ] .
وروى أبو داود وأحمد وابن شيبة والترمذي وابن حبان والطبراني والحاكم في المستدرك والبيهقي عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نكاح إلا بولي» وفي رواية «وصداق، وشاهدي عدل» [ (3) ] .
وروى أبو يعلى والخطيب والضياء المقدسي عن جابر ورواه ابن ماجة عن ابن عباس والطبراني عن أبي أمامة وابن عساكر عن أبي هريرة ورواه الطبراني عن أبي موسى بلفظ «لا نكاح إلا بإذن ولي» [ (4) ] .
وعن أبي بكر الذهبي في جزئه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- بلفظ «لا نكاح إلّا بوليّ وشاهدي عدل، فمن تزوّج بغير وليّ وشاهدي عدل أبطلنا نكاحه» .
وروى أحمد وابن ماجة والبيهقي وابن عساكر والخطيب عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» .
وروى أحمد والطبراني عن ابن عباس لا نكاح إلا بولي والسلطان ولي من لا ولي له.
وروى سمويه من فوائده: «لا نكاح إلا بولي فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» .
وروى البيهقي عن عائشة «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» .
وروى ابن حبان عن عائشة «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل فإن تشاجروا فإن السلطان وليّ من لا ولي له» .
والبيهقي عن ابن عباس لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل فإن أنكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل.
والخطيب والبيهقي عن أبي هريرة «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل والسلطان ولي من لا ولي له» .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 8/ 40 (4529) .
[ (2) ] تقدم.
[ (3) ] تقدم.
[ (4) ] أخرجه الدارقطني 3/ 229 والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 124 وانظر المجمع 4/ 286.(9/183)
روى الطبراني والبيهقي عن عمران بن حصين والبيهقي والخطيب عن عائشة لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل.
والطبراني عن ابن عباس لا نكاح إلا نكاح رغبة لا نكاح دلية، ولا مستهزئ بكتاب الله تعالى ما لم يذق العسيلة.
والبيهقي عن عائشة «لا نكاح إلا بولي فإن لم يكن ولي فاشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» .
والبيهقي عن ابن عباس «لا نكاح إلا بإذن ولي مرشد أو سلطان» والديلمي عن أبي هريرة «لا نكاح إلا بولي والزانية هي التي تنكح نفسها بغير ولي» .
والحاكم في تاريخه عن أبي هريرة «لا نكاح إلا بإذن الرجل والمرأة» .
وروى الإمام أحمد وعائشة- رضي الله تعالى عنها- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يزوج بنتا من بناته جلس إلى خدرها، فقال: إن فلانا يذكر فلانة يسميها ويسمى الرجل الذي يذكرها فإن هي سكتت زوجها، وإن هي كرهت نقرت الستر، فإذا نقرته لم يزوجها
وروى مسلم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «البكر يستأمرها أبوها» .
وروى البخاري عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الثّيّب أحقّ بنفسها والبكر تستأمر وإذنها سكوتها» .
وروى أبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «تستأمر اليتيمة فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها» .
وروى البخاري عن عثمان- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينكح المحرم ولا يخطب» .
وروى الدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل زنى بامرأة فأبى أن يتزوجها أينكح ابنتها أو يتبع الابنة حراما فقال: «لا يحرم الحلال الحرام إنما يحرم ما كان بنكاح حلال» [ (1) ] .
وروى أيضا عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحرم الحرام الحلال» [ (2) ] .
وروى عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشرة نسوة في الجاهلية
__________
[ (1) ] ذكره ابن القيسراني في الموضوعات (1010) .
[ (2) ] أخرجه ابن ماجة (2015) والدارقطني 3/ 26 والبيهقي 7/ 168، 169 وعبد الرزاق (12766) وانظر المجمع 4/ 268 وابن عدي في الكامل 5/ 1808 والخطيب في التاريخ 7/ 182 وأبو نعيم في التاريخ 1/ 163 وذكره ابن الجوزي في العلل 2/ 136.(9/184)
فأسلمن معه فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخير أربعا منهن.
الأكثرون على ضعفه ومنهم من صححه.
وروى أبو داود بسند ضعيف عن الحارث بن قيس قال أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال اختر منهن أربعا
[ (1) ] .
وروى الإمام مالك والشيخان عن عائشة أن رفاعة طلق زوجته في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فنكحت عبد الرحمن بن الزبير فاعترض ولم يمسها ففارقها وأرادت الرجوع إلى رفاعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته»
[ (2) ] .
وروى الترمذي أن فيروز الديلمي أسلم على أختين، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار واحدة [ (3) ] .
وروى البخاري عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الشغار
[ (4) ] .
ويروى أيضا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا شغار في الإسلام» [ (5) ] .
وروى النسائي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ملعون من أتى امرأة في دبرها» [ (6) ] .
وروى النسائي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا ينظر الله إلى رجل أتى امرأة في دبرها» [ (7) ] .
الثاني: في الطلاق:
روى أبو داود والبيهقي والحاكم وروى الطبراني والبيهقي عن ابن عمر- رضي الله
__________
[ (1) ] أخرجه الشافعي في المسند 2/ 16 (43) والترمذي 3/ 435 (1128) وأحمد 2/ 44 وابن ماجة (1953) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1277) والدارقطني 3/ 269 والحاكم 2/ 192 والبيهقي 7/ 181.
[ (2) ] تقدم.
[ (3) ] أخرجه أبو داود 2/ 678 (2234) والترمذي 3/ 436 (1130) وابن ماجة 1/ 627 (1951) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص 310 (1276) والدارقطني 3/ 273 والبيهقي 7/ 184.
[ (4) ] تقدم.
[ (5) ] تقدم.
[ (6) ] أخرجه أحمد 2/ 444 وأبو داود 2/ 618 (2162) والنسائي ذكره المزي في التحفة 9/ 312 وابن ماجة 1/ 619 (1923) .
[ (7) ] أخرجه ابن أبي شيبة 4/ 25 والنسائي كما في التحفة 5/ 210 وأبو يعلى في المسند 4/ 266 (51/ 2378) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1302) .(9/185)
تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أبغض الحلال إلى الله الطّلاق» [ (1) ] .
روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيّما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة» [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث هزلهن جد وجدهن جد: النكاح والطلاق والرجعة» وفي لفظ «العتق» [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا طلاق إلا فيما تملك» وفي لفظ أبي داود «إلا فيما تملك، ولا بيع إلا فيما تملك، ولا وفاء نذر إلا فيما تملك» [ (4) ] .
وروى البخاري عن ابن عباس والدارقطني- رضي الله تعالى عنهما- قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الطلاق بعد النكاح.
وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ويذوق كل منهما عسيلة صاحبه» [ (5) ] .
وروى الدارقطني عن الحسن بن علي- رضي الله تعالى عنهما- وابن عساكر عنه عن أبيه- رضي الله تعالى عنهما- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أيما رجل طلّق امرأته ثلاثا عند الأقراء، أو ثلاثا مبهمة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره» [ (6) ] .
وروى الدارقطني وضعفه عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا طلق امرأته البتة فغضب، وقال: «يتخذون آيات الله هزوا ولعبا من طلق امرأته البتّة ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره» [ (7) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أبو داود 2/ 631 (2178) وابن ماجة 1/ 650 (2018) والحاكم 2/ 196 وانظر الدر المنثور 1/ 288.
[ (2) ] أخرجه أحمد 5/ 277 والدارمي 2/ 162 وأبو داود 2/ 667 (2226) والترمذي 3/ 493 (1187) وابن ماجة 1/ 662 (2055) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص 321 والحاكم 2/ 200.
[ (3) ] أخرجه أبو داود 2/ 643 (2194) والترمذي 3/ 490 (1184) وابن ماجة 1/ 658 (2039) والدارقطني 4/ 18 والحاكم 2/ 197.
[ (4) ] أخرجه أحمد 2/ 190 وأبو داود (2190) والترمذي 3/ 486 (1181) والنسائي 7/ 12 وابن ماجة 1/ 660 (2047) والحاكم 2/ 204.
[ (5) ] أخرجه الدارقطني 4/ 33 وانظر المجمع 4/ 339.
[ (6) ] أخرجه ابن عساكر كما في التهذيب 4/ 219 والسيوطي في الدر 1/ 279 وانظر جمع الجوامع (9439) والمجمع (4/ 342) .
[ (7) ] أخرجه الدارقطني 4/ 20 وانظر القرطبي 3/ 156.(9/186)
وروى أيضا مرفوعا وموقوفا عن ابن عباس وقال إنه أصح وضعف الأول عن عكرمة عن ابن عباس عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهم- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل الحرام يمينا.
وروى الأئمة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أنه طلق امرأته وهي حائض تطليقة واحدة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض عنده حيضة أخرى ثم يمسكها حتى تطهر من حيضتها قال: فإن أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء»
وفي رواية لمسلم «فراجعها فحسبت لها التطليقة وعند البخاري وحسبت عليّ تطليقة، وما رواه أبو داود عن الزبير أنه سمع ابن عمر قال: فردها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرها شيئا [ (1) ] قال عقبة والأحاديث على خلافه.
وروى الترمذي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه والمغلوب على عقله» [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي وابن ماجه والحاكم عن عائشة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رفع القلم عن ثلاث عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم» ورواه الإمام أحمد وأبو داود والحاكم عن عليّ وعمر بلفظ «عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النّائم حتى يستيقظ، وعن الصّبيّ حتى يحتلم» .
وروى البيهقي عن أبي ذر والطبراني والبيهقي والدارقطني في الإفراد والحاكم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تجاوز عن أمتي ثلاثا الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» [ (3) ] .
وروى الطبراني عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، وما أكرهوا عليه» .
وروى الإمام أحمد والبخاري والنسائي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها، ما لم تعمل أو تتكلم» [ (4) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 8/ 653 (4908) ومسلم 2/ 1093 (1/ 1471) (5/ 1471) .
[ (2) ] أخرجه الترمذي (1191) وابن عدي في الكامل 5/ 2003 وذكره ابن الجوزي في العلل 2/ 178.
[ (3) ] البيهقي 7/ 356 والدارقطني 4/ 171 والطبراني في الصغير 1/ 270 وأخرجه ابن عدي في الكامل 3/ 1172 وانظر المشاة (6284) وبلفظ رفع القلم عن ثلاث.
أخرجه أحمد 1/ 140، 155 والبيهقي 1/ 56، 57 وابن أبي شيبة 5/ 268 وابن خزيمة (3048) والطحاوي 2/ 74 وأبو داود (4402) والنسائي 6/ 156 وسعيد بن منصور (2080، 2081، 2082) والدارقطني 3/ 139 وانظر تلخيص الحبير 1/ 183.
[ (4) ] أخرجه البخاري 5/ 160 (2528، 6664) ومسلم 1/ 116 (201/ 127 و (202/ 127) .(9/187)
وروى الطبراني عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى تجاوز لأمتي عن النسيان وما أكرهوا عليه» .
وروى الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والطبراني وابن عساكر وابن ماجة عن عمران بن حصين والعقيلي عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله تجاوز لأمتي عما حدّثت به نفسها ما لم تتكلم به أو تعمل»
وروى ابن ماجه والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الله تعالى تجاوز لأمّتي عمّا توسوس به صدورهم ما لم تعمل أو تتكلم به وما استكرهوا عليه» .
وروى الإمام أحمد وابن ماجة والدارقطني مرفوعا وأبو داود موقوفا عن صفية بنت شيبة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق» [ (1) ] .
وروى أبو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني وضعف واستنكر عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان» [ (2) ] .
وروى ابن ماجه والدارقطني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طلاق الأمة اثنتان وعدتها حيضتان» [ (3) ] .
وروى البيهقي والدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا جاء للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنّي جعلت امرأتي عليّ حراما فقال: كذبت ليس عليك بحرام، عليك أغلظ الكفارات ثم تلا: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم/ 1] .
وروى الدارقطني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ادّعت المرأة» [ (4) ]
طلاق زوجها فجاءت على ذلك بشاهد عدل استحلف فإن حلف بطلت شهادة الشاهد وإن نكل فنكوله بمنزلة شاهد آخر وجاز طلاقه.
وروى الدارقطني عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها الخبر» [ (5) ]
وفي لفظ البيان.
وروى الطبراني برجال الصحيح وأبو داود مختصرا عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال كان زوج بربرة عبدا أسود يقال له مغيث كنت أراه في سكك المدينة يعصر عينيه
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 276، وأبو داود 2/ 642 (2193) وابن ماجة 1/ 660 (2046) والدّارقطني 4/ 36 والحاكم 2/ 198 وانظر التلخيص 3/ 210.
[ (2) ] أخرجه الدارمي 2/ 170 وأبو داود 2/ 639 (2189) والترمذي 3/ 488 (1182) وابن ماجة 1/ 672 (2080) .
[ (3) ] ابن ماجة 1/ 672 (2080) .
[ (4) ] أخرجه ابن ماجة (2038) والدارقطني 4/ 64، 166 والخطيب في التاريخ 2/ 45.
[ (5) ] الدّارقطني 3/ 312 ونصب الرابة 3/ 473 وجمع الجوامع (4403) .(9/188)
فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الولاء لمن أعتق وخيرها فاختارت نفسها وأمرها أن تعتد وتصدق عليها بصدقة فأهدت إلى عائشة منها فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هو عليها صدقة ولنا هدية» [ (1) ] .
وروى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما أمة كانت تحت عبد فعتقت فهي بالخيار ما لم يطأها زوجها» .
الثالث: في الخلع:
روى البخاري والنسائي وابن ماجة والدارقطني عن ابن عباس والأئمة الثلاثة وأبو داود والنسائي عن حبيبة بنت سهل وأبو داود عن عائشة والإمام أحمد عن سهل بن أبي خيثمة وابن ماجة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لصلاة الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس فقال عليه الصلاة والسلام «من هذه؟» فقالت أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله فقال: «ما شأنك؟» فقالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها، فلما جاء زوجها قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه حبيبة بنت سهل فذكرت ما شاء الله أن تذكر فقالت حبيبة يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم «خذ منها» فأخذ منها وجلست في أهلها وفي رواية عكرمة قال لها عليه الصلاة والسلام «أتردين عليه حديقته؟» قالت نعم [ (2) ] .
الرابع: في الرجعة:
روى الإمام مالك أن بريدة عتقت فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختارت نفسها فقال لها- عليه الصلاة والسلام- «لو راجعتيه» قالت يا رسول الله أبأمر منك؟ قال: «لا، إنما أنا شافع» فقالت: لا حاجة لي به [ (3) ] .
وروى الإمام مالك والشيخان أن رفاعة طلق زوجته في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فنكحت عبد الرحمن بن الزبير فأعرض عنها ولم يمسها ففارقها وأرادت الرجوع إلى رفاعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا، حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته» [ (4) ] .
__________
[ (1) ] انظر المجمع 4/ 342.
[ (2) ] أخرجه البخاري 9/ 395 (5273) وأحمد 6/ 434 (436) وأبو داود (2227) وابن ماجة (2056) (2057) (4238) وأحمد 4/ 3 وانظر المجمع 5/ 4 والدارقطني 3/ 255 والبيهقي 7/ 313 وانظر نصب الراية 3/ 244، 245 والنسائي 6/ 169 وعبد الرزاق (11759) وأحمد 4/ 3.
[ (3) ] أخرجه مالك في الموطأ (1) وانظر اتحاف السادة المتقين 6/ 274.
[ (4) ] أخرجه البخاري 5/ 249 (2639) ومسلم 2/ 1055 (111/ 1433) .(9/189)
وروى الدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلّق الرجل امرأته ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ويذوق كل منهم عسيلة صاحبه،
وتقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم فليراجعها.
الخامس: في الإيلاء:
ولا يقع منه صلى الله عليه وسلم لما فيه من إثم.. وقال سليمان بن يسار «أدركت بضعة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلّهم يقول: يوقف المولى» .
السادس: في الظهار:
روى أبو داود والإمام أحمد عن خولة بنت ثعلبة ويقال: بنت مالك بن ثعلبة أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها وتقول: ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت وجاءت للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول لها: اتقي الله فإنه ابن عمك فما برحت حتى نزل قوله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ [المجادلة/ 1] الآية: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ليعتق رقبة» قالت لا يجد، قال: «فيصوم شهرين متتابعين» قالت: يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام قال «فيطعم ستين مسكينا» قالت ما عنده من شيء يتصدق به قال فإني سأعينه بعرق من تمر، قلت يا رسول الله وأنا سأعينه بعرق آخر قال: قد أحسنت فاذهبي فأطعمي ستين مسكينا وأرجعي ابن عمك ويروى في حديثها أنها قالت: إنه أكل شبابي وفرشت له بطني، فلما كبر سني ظاهر مني، ولي صبية صغار إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا» [ (1) ] .
وروى الأربعة والدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يكفّر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال «ما حملك على ما صنعت؟» قال:
رأيت بياض ساقيها في القمر، قال: «فاعتزلها حتّى تكفّر عنك» .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والبيهقي والدارقطني عن سلمة بن صخر البياضي- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت رجلا قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئا يتّايع بي حتى أصبح، فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان، فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء فلم ألبث أن نزوت عليها فلما أصبحت خرجت إلى قومي فأخبرتهم الخبر، وقلت: امشوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: لا، والله، فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: «أنت بذاك يا سلمة؟»
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 411 وانظر نصب الراية 3/ 247.(9/190)
قلت: أنا بذاك يا رسول الله، مرتين، وأنا صابر لأمر الله- عز وجل- فاحكم فيّ بما أراك الله، قال: «حرّر رقبة» قلت: والذي بعثك بالحقّ ما أملك رقبة غيرها، وضربت صفحة رقبتي قال:
«فصم شهرين متتابعين» قال: وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصّيام؟ قال: «فأطعم وسقا من تمر بين ستين مسكينا» قلت: والذي بعثك بالحق، لقد بتنا وحشين ما لنا طعام، قال: «فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك، فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر، وكل أنت وعيالك بقيّتها»
فرجعت إلى قومي فقلت: وجدتّ عندكم الضيق وسوء الرّأي ووجدتّ عند النبي صلى الله عليه وسلم السّعة وحسن الرأي وقد أمر بي أو أمرني بصدقتكم [ (1) ] .
السابع: [في اللّعان] :
روى الشيخان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعن بين عويمر العجلاني وزوجته وبين هلال بن أمية وزوجته أيضا حين رماها بشريك بن سمحاء وفرق بين الزوجين فيهما وألحق الولد بأمه [ (2) ] .
وروى البخاري عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا آية اللعان على الملاعن ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة قال: لا والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها [ (3) ] .
وروى النسائي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا حين أمر المتلاعنين أن يتلاعنا أن يضع يده عند الخامسة على فيه وقال: إنها موجبة [ (4) ] .
وروى مسلم عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: ذهبت لتلعن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبت فلعنت [ (5) ] .
الثامن: في إلحاق الولد وغير ذلك:
روى ابن ماجة عن ابن عمر والنسائي عن ابن مسعود والشافعي وأحمد والستة إلا أبا داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- والأئمة إلا الترمذي عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر» [ (6) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أبو داود 1/ 672 (2213) .
[ (2) ] أخرجه البخاري 9/ 460 (5315) ومسلم 2/ 1132 (8/ 1494) .
[ (3) ] مسلم 2/ 1130 (4/ 1493) .
[ (4) ] أخرجه النسائي 6/ 175 وأبو داود (2254) والطبراني في الكبير 11/ 324 والشافعي في المسند 9/ 26 والبيهقي 7/ 405 وانظر المطالب (2842) .
[ (5) ] أخرجه مسلم في كتاب اللعان (10) .
[ (6) ] أخرجه البخاري من حديث عائشة 5/ 371 (2745) ومسلم 2/ 1080 (36/ 1457) وانظر أحمد 2/ 409 وسعيد بن منصور (425) وعبد الرزاق (7277) وابن أبي شيبة 4/ 415 والطحاوي في المعاني 3/ 114 وأبو داود (2273) والترمذي (2273) وابن ماجة (2006، 2007) .(9/191)
وروى الإمامان الشافعي والحميدي وابن أبي شيبة وأبو يعلى والبيهقي والطحاوي والضياء عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالولد للفراش [ (1) ] .
وروى الأئمة إلا الترمذي عن عائشة والإمام أحمد والنسائي والدارقطني عن عبد الله بن الزبير قال: قالت عائشة- رضي الله تعالى عنها-: أن عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص: أن ابن وليدة زمعة منّي فاقبضه إليك، فلما كان عام الفتح أخذه سعد فقال: إنه ابن أخي، وقال: عبد بن زمعة: إنه أخي،
فتساوقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد: يا رسول الله، إنّ أخي كان عهد إليّ فيه، وقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر [ (2) ] .
وروى الأئمة إلا الدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ولدي غلام أسود وهو يعرض بأن ينفيه فلم يرخص له في الانتفاء، فقال: «هل لك من إبل؟» قال: نعم [ (3) ] ، قال: «ما ألوانها» قال: حمر، قال: «هل فيها من أورق» قال: نعم، قال: «فأنى تراه» قال: عسى أن يكون نزعه عرق، قال: «وهذا عسى أن يكون نزعه عرق» .
وروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: قام رجل، فقال: يا رسول الله، إن فلانا ابني عاهر بأمة في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية، الولد للفراش، وللعاهر الحجر» [ (4) ] .
وروى أبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا مساعاة في الإسلام» [ (5) ] .
وروى السّتّة والدّارقطنيّ عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليهما مسرورا تبرق أسارير وجهه، فقال: «أي عائشة ألم تري أن مجزّزا المدلجيّ دخل فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رأسيهما وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها فوق بعض» [ (6) ] .
__________
[ (1) ] انظر مجمع الزوائد 5/ 13 وانظر تلخيص الحبير 4/ 3.
[ (2) ] أخرجه البخاري (2745) ومسلم 36/ 1457.
[ (3) ] أخرجه البخاري 13/ 296 (7314) ومسلم 2/ 1137 (18/ 1500) وأبو داود (2260) والترمذي (2128) والنسائي 6/ 178 وابن ماجة (2002) (2003) وأحمد 2/ 239، 409، 3/ 14 والبيهقي 4/ 186.
[ (4) ] أخرجه أبو داود (2274) وأحمد 2/ 207 وانظر المجمع 6/ 178 ونصب الراية 3/ 236 والتمهيد 8/ 182 وفتح الباري 2/ 34.
[ (5) ] أخرجه أبو داود (1/ 688) حديث (2264) .
[ (6) ] أخرجه البخاري 12/ 56 (6771) ومسلم 2/ 1082 (38/ 1459) .(9/192)
وروى عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أنّ كلّ مستلحق استلحق بعد أبيه الذي يدعى له ادعاه ورثته، فقضى أن كل من كان من أمة يملكها يوم أصابها فقد لحق بمن استلحقه، وليس له مما قسم قبله من الميراث شيء، وما أدرك من ميراث لم يقسم فله نصيبه، ولا يلحق إذا كان أبوه الذي يدعى له أنكره، وإن كان من أمة لم يملكها أو من حرّة عاهر بها فإنّه لا يلحق به ولا يرث، وإن كان الذي يدعى له هو ادعاه فهو ولد زنية من حرّة كان أو أمة.
وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي عن رافع بن سنان أنه عند ما أسلم أبت امرأته أن تسلم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ابنتي وهي فطيم أو شبهة، وقال رافع: ابنتي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «اقعد ناحية» وقال لها: «اقعدي ناحية» قال: وأقعد، الصّبيّة بينهما، ثم قال:
«ادعواها» فمالت الصبية إلى أمّها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم اهدها» فمالت الصبية إلى أبيها فأخذها.
وروى الشافعي وأحمد والأربعة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله، إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد نفعني وسقاني من عذب الماء وفي لفظ من بئر أبي عنبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا غلام، هذا أبوك، وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت» فأخذ بيد أمّه فانطلقت به [ (1) ] .
وروى الشيخان عن أم عطية- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحدّ المرأة على ميّت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوبا عصبا، ولا تكتحل، ولا تمسّ طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط وأظفار» ، وفي لفظ «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحدّ على ميّت إلا على زوج» [ (2) ] .
وروى النسائي وابن ماجة عن عائشة والإمام أحمد ومسلم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سبايا أوطاس: «ألا توطأ حامل، حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض» [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد والبيهقي وأبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يحرم من الرّضاع ما يحرم من النّسب» .
__________
[ (1) ] أخرجه عبد الرزاق 7/ 157 (12611) والدارمي 2/ 170 وأبو داود 2/ 708 (2277) والنسائي 6/ 185 وابن ماجة 2/ 787 (2351) والبيهقي 8/ 3.
[ (2) ] أخرجه البخاري 9/ 492 (5342) ومسلم 2/ 1127 (66/ 938) .
[ (3) ] أخرجه أحمد 3/ 62 والدارمي 2/ 170 وأبو داود 2/ 614 (2157) والحاكم 2/ 195.(9/193)
وروى البخاري عن عقبة بن الحارث أنه تزوّج ابنة لأبي إهاب بن عزيز، فأتته امرأة فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوّج، فقال عقبة: لا أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني، فأرسل إلى آل أبي إهاب، فاسألهم، فقالوا: ما علمنا أنها أرضعت صاحبتنا فركبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسألته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كيف وقد قيل؟ ففارقها فنكحت زوجا غيره» وفي لفظ: «إنّها كاذبة» ، قال: «كيف بها وقد زعمت أنها قد أرضعتكما دعها عنك» [ (1) ] .
وروى الإمام مالك وأحمد عنه ومسلم والأربعة عن جدامة بنت وهب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى سمعت أن فارس والروم يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم» [ (2) ] .
وروى الشيخان عن هند بنت عتبة أنها قالت: يا رسول الله، أن أبا سفيان رجل شحيح، ما يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيّ إلّا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل عليّ في ذلك جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف» [ (3) ] .
وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ابدأ بمن تعول، المرأة تقول: إما أن تعطيني، وإما أن تطلقني، ويقول العبد: أطعمني أو بعني ويقول الولد أطعمني إلى من تدعني» ،
قالوا: يا أبا هريرة، هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته قال: «لا هذا من كيس أبي هريرة» [ (4) ] .
ورواه النسائي: ابدأ بما تعول
فقيل: من أعول يا رسول الله؟ قال: «امرأتك تقول:
أطعمني أو فارقني، وخادمك يقول: أطعمني أو بعني، وولدك يقول: إلى من تتركني» .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
«فلا تعضلوهن» تمنعوهن.
«الخدر» بخاء معجمة مكسورة فدال مهملة ساكنة فراء ناحية من البيت عليها ستر فتكون فيه الجارية.
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 251 (2640) .
[ (2) ] أخرجه مسلم في كتاب النكاح (140، 141) وأبو داود (3882) والترمذي (2077) والنسائي 6/ 107 وأحمد 6/ 361، 434 والبيهقي 7/ 231، 465 ومالك (608) .
[ (3) ] تقدم وانظر البخاري (5364) ومسلم (7/ 1714)
[ (4) ] أخرجه البخاري 2/ 139 ومسلم في كتاب الزكاة 95، 97، 106 والنسائي 5/ 95 وأحمد 2/ 4، 94، 152، 230، 245، 278 وابن أبي شيبة 3/ 212 والدارمي 1/ 389 والطبراني في الكبير 3/ 228، 10/ 161، 230 والحميدي (1058) والهيثمي في الموارد (826) وابن خزيمة (2436، 439) (2444) والبيهقي 1/ 198، 4/ 180، 182.(9/194)
«الشغار» بشين مكسورة فغين معجمتين فألف فراء قال القاضي عياض: هو في اللغة الرفع من قولهن شغر الكلب برجله إذا رفعها ليبول ثم استعملوه فيما يشبهه فقالوا اشغر الرجل المرأة إذا فعل ذلك للجماع وشغرت هي أيضا إذا فعلته ثم استعملوه في النكاح بغير مهر.
«البتة» بموحدة ثم مثناتين من فوق من البت وهو القطع لقطعة العصمة.
«الحديقة» بحاء مفتوحة فدال مكسورة مهملتين فتحتية فقاف فتاء تأنيث كلما أحاط به البناء من البساتين وغيرهما، ويقال للقطعة من النخل حديقة وإن لم يكن محاط بها.
«العسيلة» بعين مهملة مضمومة فسين مهملة مفتوحة فمثناة تحتية فسره مالك بالإيلاج.
«العاهر» بعين مهملة وآخره راء الزاني.
«النّبذة» : بضم النون وسكون الموحدة وبالذال المعجمة القطعة [ (1) ] ...
«سبايا» بسين مهملة فموحدة مفتوحتين فألف فتحتية فألف جمع سبية المرأة المنهوبة، فعيلة بمعنى مفعولة.
«الغيلة» بغين معجمة مكسورة فمثناة تحتية وطىء المرضع وقيل إرضاع الحامل.
__________
[ (1) ] كلمتان غير واضحتان في الأصل.(9/195)
الباب الرابع في أحكامه وأقضيته- صلى الله عليه وسلم- في الحدود
وفيه أنواع:
الأول:.......:
الثاني: في الشفاعة في الحدود:
روى الإمام أحمد والستة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: إن قريشا أهمهم شأن المخزومية التي سرقت [ (1) ] قالوا ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتشفع في حد من حدود الله» ، ثم قام فاختطب ثم قال: «إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيه الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» وفي رواية: «فقد ضادّ الله» .
وروى أبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد حارب الله تعالى» [ (2) ] .
وروى الشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي والدارقطني عن صفوان بن أمية- رضي الله تعالى عنه- أنه توسّد رداءه في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فجاء سارق فأخذ رداءه، فأخذ صفوان السارق، فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقطع يده، فقال صفوان:
لم أرد هذا يا رسول الله، هو عليه صدقة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلا قبل أن تأتي به [ (3) ] .
وروى أبو داود والنسائي والدارقطني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ادرءوا الحدود ما وجدتم له مدفعا» .
الثالث: في درئه الحدود وسترها إذا أقيم الحد على الزاني كان كفارة له قال:
روى أبو داود والنسائي والدارقطني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب» [ (4) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 13 (3475) ومسلم 3/ 1315 (8/ 1688) .
[ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 2/ 70 وأبو داود 4/ 23 (3597) والطبراني في الكبير 12/ 270 (13084) والحاكم 4/ 383 والبيهقي 8/ 332.
[ (3) ] أخرجه مالك في الموطأ 2/ 834 (28) والشافعي 2/ 84 (278) وأحمد 3/ 401 وابن ماجه 2/ 865 (2595) والدارمي 2/ 172 وأبو داود 4/ 53 (4394) والنسائي 8/ 69- 70 والحاكم 4/ 380.
[ (4) ] أخرجه أبو داود 4/ 540 (4376) والنسائي 7/ 70 والحاكم 4/ 383 وصححه ووافقه الذهبي.(9/196)
وروى الترمذي والدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- وابن ماجة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعا» [ (1) ] .
وروى الإمام مالك عن سعيد بن المسيّب- رحمه الله تعالى- قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أسلم، يقال له: هزّال، «يا هزّال، لو سترته بردائك كان خيرا لك» [ (2) ] .
وروى مسلم عن عمران بن الحصين الخزاعي- رضي الله تعالى عنه- أن امرأة من جهينة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا فقالت: يا رسول الله، أصبت حدّا، فأقمه عليّ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليها فقال: أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني، ففعل، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فشدت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم صلّى عليها، فقال له عمر، تصلي عليها يا رسول الله، وقد زنت؟! قال: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل [ (3) ] .
وروى أبو داود عن يزيد بن نعيم عن أبيه أن ماغرا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرّ عنده أربع مرات، فأمر برجمه وقال لهزال [ (4) ] الحديث.
روى ابن ماجة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة» [ (5) ] .
وروى ابن ماجه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته، حتى يفضحه بها في بيته» [ (6) ] .
وروى الترمذي وابن ماجة والدارقطني عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أصاب في الدنيا ذنبا عوقب فيه فالله أعدل أن يثنّي عقوبته على عبده، ومن أذنب ذنبا فستره الله تعالى عليه في الدنيا فالله تعالى أكرم أن يعود في شيء قد عفا عنه» ،
وقال عبادة: فأمره إلى الله- عز وجل-[ (7) ] .
__________
[ (1) ] ابن ماجة (2545) .
[ (2) ] أخرجه مالك مرسلا في الموطأ 2/ 821 (3) وأخرجه موصلا أحمد في المسند 5/ 217 وأبو داود (4377) والحاكم 4/ 363.
[ (3) ] أخرجه مسلم في كتابه الحدود (24) وأبو داود (4440) والنسائي 4/ 66 والطحاوي في المشكل 1/ 177.
[ (4) ] تقدم.
[ (5) ] أخرجه ابن ماجه (2544) من حديث أبي هريرة.
[ (6) ] ابن ماجه (2546) من حديث ابن عباس.
[ (7) ] ابن ماجة (2604) والحاكم 4/ 262.(9/197)
الرابع: في حكمه صلى الله عليه وسلم في التعزير:
روى الإمام أحمد والنسائي ومسلم وأبو داود عن أبي بردة بن نيار- رضي الله تعالى عنه- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حدّ من حدود الله» [ (1) ] .
وروى ابن ماجة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تعزروا فوق عشرة أسواط» [ (2) ] .
الخامس: في نهيه صلّى الله عليه وسلم عن إقامة الحدود في المساجد:
روى الإمام أحمد وأبو داود والدارقطني عن حكيم بن حزام وابن ماجة عن ابن عباس وابن ماجه عن عمر- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقام الحدود في المساجد» [ (3) ] .
السادس: فيمن ذكر صلى الله عليه وسلم أنه لا يحلّ عليه حد:
روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: أتى عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناسا فأمر بها عمر أن ترجم فمرّ بها علي علي بن أبي طالب- رضوان الله عليه- فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة من بني فلان زنت، فأمر بها عمر أن ترجم. قال: فقال: ارجعوا بها، ثم أتاه فقال: يا أمير المؤمنين، أما علمت أن القلم رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصّبيّ حتى يعقل؟ قال: بلى، قال: فما بال هذه ترجم قال: لا شيء، قال: فأرسلها، قال: فجعل يكبر [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد والأربعة عن عطية القرظي- رضي الله تعالى عنه- قال: عرضنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فكانوا ينظرون فمن أنبت الشّعر قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكشفوا عانتي فوجدوها لم تنبت، فجعلوني في السبي [ (5) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم في الحدود باب 9 حديث (40) والترمذي (1463) وأبو داود (4491) (4492) أحمد 4/ 45 والدارقطني 3/ 208 وابن أبي شيبة 10/ 17 والحاكم 4/ 369 والطحاوي في المشكل 3/ 164.
[ (2) ] أخرجه ابن ماجة (2602) وانظر فتح الباري 12/ 178.
[ (3) ] أخرجه الترمذي (1401) وابن ماجة (2599) والدارمي 2/ 190 وابن أبي شيبة 10/ 42 والطبراني في الكبير 2/ 147 وانظر المجمع 2/ 25 والحاكم 4/ 369 وعبد الرزاق (1710، 18234) وأبو نعيم في الحلية 4/ 18 وانظر التلخيص 4/ 77.
[ (4) ] أخرجه أبو داود (2/ 545) (4399) .
[ (5) ] أخرجه أحمد 4/ 383 والدارمي 2/ 223 وأبو داود 4/ 561 (4404) والترمذي 4/ 145 (1584) والنسائي 6/ 155 وابن ماجة 2/ 849 (2541) .(9/198)
وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلي حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر» .
السابع: في كيفية إقامته صلى الله عليه وسلم الحدّ على الضعيف:
روى أحمد بن منيع والنسائي وابن ماجة عن أبي أمامة عن سهل بن حنيف عن سعيد بن سعد بن عبادة الأنصاري قال: كان بين أبياتنا رجل محدج ضعيف سقيم يجذم، فلم يرع أهل الدار إلا وهو على أمة من إمائهم يخبث بها، فذكر ذلك سعد بن عبادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان ذلك الرّويجل مسلما، فقال صلى الله عليه وسلم: «خذوا له عثكالا فيه مائة شمروخ فاضربوه به» ، ففعلوا [ (1) ] .
الثامن: في إشارته صلى الله عليه وسلم لمن أتى ما يوجب الحد بالرجوع عن الإقرار والإنكار:
روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي عن أبي أميّة المخزوميّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلصّ فاعترف اعترافا، ولم يوجد معه متاع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما أخالك سرقت» قال: بلى، فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا، فأمر به فقطع وجيء به فقال: «استغفر الله» وتب إليه، فقال: استغفر الله وأتوب إليه فقال «اللهم تب عليه» ثلاثا [ (2) ] .
وروى البزار عن أبي هريرة ومسدّد مرسلا بسند صحيح وأبو داود في المراسيل ورواه البزّار والدارقطني والبيهقي مرفوعا عن محمد بن عبد الرحمن بن توبان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بسارق سرق شملة فقال: سرقت، ما نخالك سرقت فقال: بلى، يا رسول الله، قال اذهبوا به، فاقطعوا يده ثم احسموه ثم ائتوني به فذهبوا به فقطعوه، ثم حسموه ثم أتوه به فقال: تب إلى الله تعالى فقال قد تبت إلى الله قال: اللهم تب عليه [ (3) ] .
التاسع: في عدم إقامته حدّا على من اعترف به ولم يذكر ما سبب الحد:
روى عن ابن أبي شيبة برجال ثقات عن أبي أمامة الباهلي- رضي الله تعالى عنه- قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال له رجل: يا رسول الله، إني أصبت حدّا فأقم عليّ الحدّ، وأقيمت الصّلاة، ثم خرج، فتبعه الرجل وتبعته فقال: يا رسول الله، أقم عليّ حدّي، فإنّي
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 222 وابن ماجة 2/ 859 (2574) .
[ (2) ] أخرجه أحمد 5/ 293 وأبو داود (4380) والنسائي 8/ 67 وابن ماجة (2597) والدارمي 2/ 173 والدولابي 1/ 14 والبخاري في التاريخ 9/ 3 والطحاوي في المعاني 4/ 323 وانظر نصب الراية 4/ 76.
[ (3) ] أخرجه عبد الرزاق (13583) والدارقطني 3/ 102 وانظر نصب الراية 3/ 371 والدولابي في الكنى 1/ 14.(9/199)
أصبته، قال: أليس خرجت من منزلك فتوضأت، فأحسنت الوضوء، وشهدت معنا الصلاة؟ قال نعم قال: أن الله تعالى قد غفر لك ذنبك أو حدّك [ (1) ] .
العاشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم في المحاربين والمرتدين:
روى الأئمة إلا مالكا والشافعيّ عن أنس وأبو داود والنسائي عن ابن عمر والنسائي وابن ماجة عن عائشة- رضي الله تعالى عنهم- وأبو داود عن أبي الزناد- بنون-- رحمه الله تعالى- مرسلا والنسائي عن ابن المسيّب- رحمه الله تعالى- إن أناسا من عرينة كان بهم سقم، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وتكلّموا بالإسلام، فقالوا: يا رسول الله، آونا وأطعمنا، فلما أصبحوا حضروا المدينة، فقالوا: يا رسول الله، إنا كنا أهل ضرع، ولم نكن أهل ريف وشكوا حمّى المدينة فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وأمرهم أن يخرجوا من المدينة وفي لفظ: أن يأتوا إبل الصدقة، فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فانطلقوا حتى كانوا أمام بيت من ناحية الحرة كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم وساقوا الزود فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول النهار فبعث الطالب في آثارهم، فما ارتفع النهار حتى جيء بهم فسمل أعينهم وقطع أيديهم وأرجلهم، وفي لفظ. وسمّر أعينهم زاد مسلم في رواية أنس وسملوا أعين الرّعاة وتركهم من ناحية الحرة يعضون الحجارة حتى ماتوا وفي لفظ: رأيت الرجل يكدم الأرض بلسانه، حتى يموت يستسقون، فلا يسقون حتى ماتوا على حالهم.
قال قتادة: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كان يحث على الصدقة، وينهي عن المثلة، قال قتادة: وحدثني ابن سيرين أن ذلك قبل أن تنزل الحدود وقال أبو قلابة: فهؤلاء قوم سرقوا أو قتلوا أو كفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله [ (2) ] .
وروى أبو داود والنسائي عن أبي الزناد- رحمه الله تعالى- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قطع أيدي الّذين سرقوا لقاحه وسمل أعينهم بالنار عاتبه الله- عز وجل- في ذلك فأنزل الله- تبارك وتعالى- إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (3) ] [المائدة/ 33] .
وروى الدارقطني عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: ارتدت امرأة عن الإسلام، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرضوا عليها الإسلام، فإن أسلمت وإلا قتلت فعرض عليها الإسلام، فأبت أن تسلم، فقتلت [ (4) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 252.
[ (2) ] أخرجه البخاري 12/ 109 (6813) ومسلم 3/ 1296 (9/ 1671) وأحمد 3/ 98.
[ (3) ] أخرجه أبو داود (4370) والنسائي 7/ 100.
[ (4) ] أخرجه الدارقطني 3/ 119 والبيهقي 8/ 203.(9/200)
وروى أبو يعلى بسند ضعيف عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استتاب رجلا ارتدّ عن الإسلام أربع مرات
[ (1) ] .
وروى النسائي وابن ماجة والدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من بدّل دينه فاقتلوه» [ (2) ] .
وروى الشيخان وأبو داود والنسائي عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن، ثم أرسل معاذ بن جبل بعد ذلك [ (3) ] .
فلما قدم عليه وجد عنده رجلا موثقا، قال: ما هذا؟ قال: هذا كان يهوديّا فأسلم، ثم راجع دينه دين السّوء فتهوّد، قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله ثلاث مرات فأمر به فقتل.
الحادي عشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم في الزاني
روى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن زنى ولم يحصن نفي عام وإقامة الحدّ عليه
[ (4) ] .
وروى الإمام أحمد عن سلمة بن المحبق والشافعي وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه الوحي أعرضنا عنه وتربد وجهه لذلك وكرب وأنزل الله عليه ذات يوم، فلما سري عنه قال:
خذوا عني، خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم
[ (5) ] .
وروى الأئمة والنسائي والدارقطني عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم ورجمنا بعده.
وروى الأئمة إلا النسائي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- والإمام أحمد وابن ماجة
__________
[ (1) ] أبو يعلى (3/ 320) .
[ (2) ] أحمد 1/ 217، 282، 283، 323، 5/ 231 أبو داود (4351) والترمذي (1458) ومن علي أخرجه البخاري 12/ 267 (6922) والنسائي 7/ 104، 105، وابن ماجة (2535) والطبراني في الكبير 10/ 330 والشّافعي كما في البدائع (1483) وابن أبي شيبة 10/ 139 والدارقطني 3/ 113 وانظر التلخيص 3/ 173، 4/ 48.
[ (3) ] البخاري (7/ 660) (4345) .
[ (4) ] أخرجه البخاري 10/ 523 (6633) ومسلم 3/ 1324 (25/ 1697- 1698) .
[ (5) ] أخرجه مسلم 3/ 1316 (12/ 1690) وأبو داود (4415) وأحمد 5/ 313، 317، 3/ 476 وانظر المجمع 6/ 264 والشافعي كما في البدائع (1492) والطحاوي في المعاني 3/ 134، 138 وابن أبي شيبة 10/ 8، 14 والدارمي 2/ 181 والبيهقي 8/ 210، 222.(9/201)
عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- والدارقطني عن عباد بن تميم عن عمه والإمام أحمد عن عبد الله بن مالك الأوسيّ- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة زنت ولم تحصن فقال صلى الله عليه وسلم: «إذا زنت أمة أحدكم فتبيّن زناها فليحدّها» - وفي رواية فليحدها الحدّ- ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليحدّها، ولا يثرب عليها ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل، وفي لفظ صغير من شعر.
وفي لفظ إذا زنت فاجلدوها، ثم إذا زنت فاجلدوها، ثم بيعوها
[ (1) ] .
وروى الإمام أحمد والثلاثة والدارقطني عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن أجلدها، وفي لفظ: أن أقيم عليها الحدّ فقال عليّ: وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم
[ (2) ] .
الثاني عشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم في المكره:
روى الإمام أحمد والأربعة والدارقطني عن وائل حجر- رضي الله تعالى عنه- قال:
«استكرهت امرأة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فدرأ عنها الحد وأقامه على الذي أصابها ... » [ (3) ] .
الثالث عشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم وطء الشبهة:
روى عن حبيب بن سالم قال: رفع إلى النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنه- وهو أمير الكوفة فقال: لأقضين بقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان أحلتها لك جلدتك مائة، وإن لم تكن أحلتها لك رجمتك بالحجارة فوجدوه أحلتها له فجلده مائة.
الرابع عشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن تزوج امرأة أبيه:
روى ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن حبّان والإمام أحمد والأربعة والدارقطني عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- قال: رأيت خالي أبا بردة ومعه الراية، فقلت: إلى أين؟ فقال:
أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل تزوّج امرأة أبيه أن أضرب عنقه وآتي برأسه [ (4) ] .
الخامس عشر: في الذين حدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والدارقطني عن بريدة بن الحصيب وأحمد وأبو داود والنسائي عن نعيم بن هزال عن أبيه والشيخان وأبو داود والترمذي
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 421 (2234) ومسلم 3/ 1328 (30/ 1703) .
[ (2) ] أخرجه أبو داود 4/ 617 (4473) والنسائي في الكبرى كما في التحفة 7/ 448.
[ (3) ] أخرجه أحمد 4/ 318 والترمذي 4/ 55 (1453) وابن ماجة 2/ 886 (2598) .
[ (4) ] أخرجه أحمد 4/ 292 وأبو داود 4/ 602 (4456) والترمذي 3/ 643 (1362) والنسائي 6/ 109 وابن ماجة 2/ 869 والحاكم 2/ 191 والدارمي 2/ 153.(9/202)
والدارقطني عن ابن عباس والإمام أحمد عن أبي بكر الصديق وأحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والدارقطني عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنهم- أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أني زنيت فأقم على كتاب الله فأعرض عنه، ثم أتاه الثانية، فقال: يا رسول الله، إني زنيت، فأقم على كتاب الله، ثم أتاه الثالثة، فقال: يا رسول الله، إني زنيت فأقم على كتاب الله، ثم أتاه الرابعة، فقال يا رسول الله، إني زنيت فأقم على كتاب الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إنك قد قلتها أربع مرات فيمن» قال بفلانة، قال: هل ضاجعتها؟ قال: نعم، قال: هل باشرتها؟
قال: نعم، قال: هل جامعتها؟ قال: نعم، قال فأمر به أن يرجم، قال: فأخرج به إلى الحرة فلما رجم فوجد مس الحجارة جزع، فخرج يشتد فلقيه عبد الله بن أنيس، وقد أعجز أصحابه فنزع له بوظيف بعير فرماه به فقتله، قال: ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: «هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه» .
وروى أبو داود والدارقطني عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا زنى بامرأة، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلد الحدّ، ثم أخبر أنه محصن [ (1) ] فأمر به فرجم.
روى الإمام أحمد والأربعة والدارقطني عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنه- قال: إن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنها زنت وهي حبلى، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وليّا لها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحسن إليها، فإذا وضعت فجيء بها» فلما أن وضعت جاء بها فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم أمرهم فصلّوا عليها، فقال عمر: يا رسول الله، تصلي عليها وقد زنت؟ قال: «والذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدتّ أفضل من أن جادت بنفسها؟» .
وروى الدارقطنيّ عن جابر- رضي الله تعالى عنه- إن رجلا من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاعترف بالزنا فأعرض عنه، ثم اعترف فأعرض عنه، حتى شهد على نفسه أربع مرات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أبك جنون؟» قال: لا، قال: «أحصنت؟» قال: نعم، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، فرجم بالمصلى، فلما أذلقته الحجارة فر فأدرك، فرجم حتى مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم خيرا، ولم يصلّ عليه.
وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي بكرة- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة.
روى الأئمة عن زيد بن خالد وأبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنهما أخبراه أن رجلين
__________
[ (1) ] أخرجه أبو داود من حديث جابر 4/ 586 (4438) .(9/203)
اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: يا رسول الله، اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر:
وكان أفقههما: أجل يا رسول الله، فاقض بيننا بكتاب الله، وأذن لي أن أتكلم، قال: «تكلّم» قال: إن ابني كان عسيفا على هذا- والعسيف: الأجير- فزنى بامرأته، فأخبروني أن ما على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي، ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وإنما الرجل على امرأته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب الله، أما غنمك وجاريتك فردّ إليك» ، وجلد ابنه مائة وغرّبه عاما، وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها.
وروى الإمام وأبو داود والنسائي عن خالد بن اللجلاج عن أبيه: إنه كان قاعدا يعتمل في السوق، فمرّت امرأة تحمل صبيّا، فثار الناس معها وثرت فيمن ثار، وانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «من أبو هذا معك؟» فسكتت، فقال شاب حذوها: أنا أبوه يا رسول الله، فأقبل عليها فقال: «من أبو هذا معك؟» فقال الفتى: أنا أبوه يا رسول الله، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعض من حوله يسألهم عنه فقالوا: ما علمنا إلا خيرا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أحصنت» قال: نعم، فأمر به فرجم قال: فخرجنا به، فحفرنا له حتى أمكنّا ثم رميناه بالحجارة حتى هدأ، فجاء رجل يسأل عن المرجوم، فانطلقنا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: هذا جاء يسأل عن الخبيث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لهو أطيب عند الله من ريح المسك» فإذا هو أبوه، فأعناه على غسله وتكفينه ودفنه، وما أدري قال: والصلاة عليه أم لا.
السادس عشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم بمن عمل عمل قوم لوط:
روى الإمام أحمد والأربعة والدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما-، وروى البيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- وروى أبو داود والترمذي والدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به» [ (1) ] .
السابع عشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم في القذف:
روى أبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا من بني ليث أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقّر أنّه زنى بامرأة أربع مرّات وكان بكرا، فجلده مائة جلدة ثم سأله البيّنة على المرأة فقالت: كذب يا رسول الله، فجلد حد القذف ثمانين [ (2) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه من حديث ابن عباس أحمد 1/ 300 وأبو داود 4/ 607 (4462) والترمذي 4/ 57 (1456) وابن ماجة 2/ 856 (2561) والحاكم 4/ 355 والبيهقي 8/ 232.
[ (2) ] أخرجه أبو داود 4/ 618 (4474) والترمذي 5/ 336 (3181) وابن ماجة 2/ 857 (2567) .(9/204)
الثامن عشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم في حد السّرقة:
روى الإمام أحمد والشيخان والأربعة والدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع يد السارق، في ربع دينار فصاعدا [ (1) ] .
وروى الشيخان والنسائي عنها قالت: لم تقطع يد سارق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أدنى من ترس أو جحفة، وكان كل واحد منهما ذا ثمن [ (2) ] .
وروى الأئمة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع يد سارق في مجنّ قيمته وفي رواية ثمنه ثلاثة دراهم [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد والدارقطني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في قيمة خمسة دراهم.
وروى الثلاثة عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الثمر المعلّق؟ قال: «من سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجنّ فعليه القطع» [ (4) ] .
وروى النسائي عن رافع بن خديج قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا قطع في كثر ولا ثمر» [ (5) ] .
وروى الإمام مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا قطع في ثمر معلّق، ولا في حريسة جبل فإذا آواه المراح أو الجرين، فالقطع فيما يبلغ ثمن المجنّ» [ (6) ] .
وروى الإمامان الشافعي وأحمد والترمذي والدارقطني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا قطع في ثمر معلق فإذا آواه الجرين ففيه القطع» [ (7) ] .
وروى الطبراني والإمامان والشافعي وأحمد والأربعة ومحمد بن يحيى وابن حبان- رحمه الله تعالى- أن عبدا سرق وديا من حائط رجل فغرسه في حائط سيده فخرج صاحب الودي يلتمس وديه، فوجده، فاستعدى على العبد مروان بن الحكم فسجن العبد وأراد قطع
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 12/ 96 (6789) ومسلم 3/ 1312 (2/ 1684) .
[ (2) ] البخاري (12/ 99) (6794) .
[ (3) ] أخرجه البخاري 12/ 97 (6798) ومسلم 3/ 1313 (6/ 1686) .
[ (4) ] أخرجه أحمد 2/ 207 وأبو داود 2/ 335 (1710) والنسائي 8/ 84.
[ (5) ] أخرجه مالك 2/ 839 (32) والشافعي في المسند 2/ 83 (275) وأحمد 3/ 463 والدارمي 2/ 174 وأبو داود 4/ 549 (4388) والترمذي 4/ 52 (1449) والنسائي 8/ 87 وابن ماجة 2/ 865 (2593) والهيثمي في الموارد (1505) والبيهقي 8/ 263.
[ (6) ] أخرجه مالك 2/ 831 (22) وقال ابن البر «لم يختلف رواة الموطأ في إرساله ويتصل معناه من حديث عبد الله بن عمر قلت وحديث عبد الله قد تقدم.
[ (7) ] أخرجه الشّافعي كما في البدائع (1517) والبيهقي 8/ 263- 266.(9/205)
يده فانطلق سيد العبد إلى رافع بن خديج، فأخبره عن ذلك
فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «لا قطع في ثمر ولا كثر» [ (1) ] .
وروى أبو داود والنسائي والدارقطني عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال جيء رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق فقال: «اقتلوه» ، قالوا: يا رسول الله، إنّما سرق، فقال: «اقطعوه» فقطعوه ثم أتي به في الثانية فقال: «اقتلوه» ، قالوا: يا رسول الله، إنما سرق فقال: «اقطعوه» ، فقطعوه. ثم أتي به في الثالثة والرابعة، ففعل به كذلك، فأتى به في الخامسة فقال «اقتلوه»
قال جابر: فانطلقنا به إلى مربد الغنم، فاستلقى على ظهره ثم كشّر بيده ورجله، فانصدعت الإبل ثم حملوا عليه الثانية، ففعلوا به مثل ذلك ثم حملوا عليه الثالثة، فرميناه بالحجارة ثم ألقيناه في بئر ثم رمينا عليه بالحجارة.
قالوا وهذا الحديث لا يصح وكذا أحاديث قتل السارق [ (2) ] .
وروى البيهقيّ والحارث بن أبي أسامة عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وابن سابط الأحول- رحمهما الله تعالى- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بعبد قيل: هذا سرق، وقامت عليه البينة ووجدت معه سرقته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا عبد لأيتام ليس لهم مال غيره فتركه ثم أتى به الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة فتركه أربع مرات ثم أتى به الخامسة فقطع يده ثم أتى به السادسة فقطع رجله ثم السابعة فقطع يده، ثم الثامنة فقطع رجله قال الحارث أربع بأربع عافاه مع أربع وعقابه أربع»
قال البيهقي: كأنّه لم ير بلوغه في المراتب الأربع أو لم ير سرقته بلغت ما يوجب القطع ثم رآه توجبه في المرات الأخيرة [ (3) ] .
روى أبو يعلى والنسائيّ عن الحارث بن الحاطب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلصّ فقال:
اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله، إنما سرق فقال اقتلوه، قالوا: يا رسول الله، إنما سرق، قال: اقطعوا يده، قال: ثم سرق فقطعت رجله،
ثم سرق على عهد أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- حتى قطعت قوائمه كلّها، ثم سرق أيضا الخامسة فقال أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بهذا حين قال: «اقتلوه، ثم دفعه إلي فتية من قريش ليقتلوه منهم عبد الله بن الزبير، وكان يحب الإمارة» ، فقال: أمّروني عليكم فأمّروه عليهم، فكان إذا ضرب ضربوه حتى قتلوه [ (4) ] .
__________
[ (1) ] البيهقي (8/ 266) .
[ (2) ] أخرجه أبو داود 4/ 565 (4410) والدارقطني 3/ 181 وقال المنذري بعده أن عزاه للنسائي «وهذا منكر ومصعب بن ثابت ليس بالقوي في الحديث» .
[ (3) ] أخرجه البيهقي (8/ 273) .
[ (4) ] النسائي (8/ 90) .(9/206)
وروى الدّارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سرق السارق، فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله، فإن عاد فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله.
روى الحميدي وأبو يعلى عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: أول من قطع في الإسلام- أو من المسلمين- رجل من الأنصار أتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: يا رسول الله، إنه، سارق، فقال: اقطعوه، فكأنما أسف وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذر عليه رمادا فقيل: يا رسول الله، كأنك كرهت قطعه، قال: وما يمنعني، لا تكونوا من أعوان الشيطان، إن الله عفو يحب العفو، إنه لا ينبغي لولي أن يولّى بحدّ إلا أقامه [ (1) ] .
وروى أبو يعلى عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قد سرق فأمر بقطعه، ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: يا رسول الله، تبكي فقال: «وكيف لا أبكي وأمتي تقطع بين أظهركم» ؟ قالوا: يا رسول الله، ألا عفوت عنه، قال: ذلك سلطان سوء الذي يعفو عن الحدود، ولكن تعافوا بينكم [ (2) ] .
وروى أبو داود والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سرق العبد فبعه ولو بنشّ» [ (3) ] .
وروى ابن ماجه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن عبدا من رقيق الخمس سرق من الخمس فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقطعه وقال: «مال الله تعالى سرق بعضه بعضا» [ (4) ] .
وروى أبو داود عن أزهر بن عبد الله الحرازي عن النعمان بن بشير أنه رفع إليه نفر من الكلّاعين أن حاكة سرقوا متاعا، فحبسهم أياما، ثم خلّى سبيلهم، فأتوه فقالوا: خلّيت سبيل هؤلاء بلا امتحان ولا ضرب فقال النعمان: ما شئتم إن شئتم أضربهم، فإن أخرج الله متاعكم فذاك وإلّا أخذت من ظهوركم مثله قالوا هذا حكمك قال: هذا حكم الله- عز وجل- ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وروى النسائي والدارقطني عن عبد الرحمن بن عوف- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يغرم صاحب سرقة إذا أقيم عليه الحدّ» [ (5) ] .
__________
[ (1) ] انظر المجمع 6/ 278.
[ (2) ] مجمع الزوائد (6/ 262) وعزاه لأبي يعلى انظر فتح الباري 12/ 87.
[ (3) ] أخرجه أحمد 2/ 337 وأبو داود 4/ 568 (4412) والنسائي 8/ 91 وابن ماجة (2/ 864) (19/ 25) .
[ (4) ] أخرجه ابن ماجة (2590) وعبد الرزاق (18873) والبيهقي 8/ 282، 9/ 100 وانظر نصب الراية 3/ 368.
[ (5) ] أخرجه النسائي 8/ 93 والدارقطني 3/ 182 وأبو نعيم في الحلية 8/ 322 انظر نصب الراية 3/ 375، 376.(9/207)
وروى الأربعة والدارقطني عن فضالة بن عبيد الله- رضي الله تعالى عنه- قال: جيء رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق، فقطعت يده، ثم أمر بها فعلقت في عنقه [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد والنسائي والدارقطني عن أسيد بن الحضير- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أنّه إذا وجدناه يعني السرقة في يد الرّجل غير المتهم، فإن شاء أخذها بما اشتراها، وإن شاء أتبع سارقه وقضى بذلك أبو بكر وعمر وعثمان- رضي الله تعالى عنهم-.
وروى أبو داود والنسائي عن جنادة بن أبي أمية قال: كنا مع بسر بن أرطأة في البحر فأتى بسارق يقال له: مصدر، قد سرق بختية،
فقال: قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تقطع الأيدي في السّفر» ولولا ذلك لقطعته» .
وروى الدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى برجل يسرق الصبيان، ثم يخرج فيبيعهم في أرض أخرى فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعت يده.
التاسع عشر: في حد السكران:
روى أبو داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر أربعين، فلما ولى عمر دعا الناس من الريف فقال: ما ترون في حدّ الخمر فقال عبد الرحمن بن عوف أرى أن تجعلها كأخفّ الحدود قال: فجلد عمر ثمانين.
وروى أن الذي أشار عليه بذلك عليّ ففعل عمر [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد عن أبي سيعد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى برجل في شراب فضربه بنعلين أربعين.
وروى نحوه الترمذي وحسّنه.
وروى الإمام أحمد عنه قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل نشوان قال: إني لم أشرب خمرا إنما شربت زبيبا وتمرا في دباءة، فقال فأمر به فنهز بالأيدي، وخفق بالنعال
ونهى عن الدباء وعن الزبيب والتمر
يعني أن يخلطا [ (3) ] .
روى البيهقي والإمام وأبو داود والدارقطني عن عبد الرحمن بن أزهر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة الفتح إذ أتى برجل قد شرب الخمر، فقال الناس: اضربوه، فمنهم من ضربه
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 19 وأبو داود 4/ 567 (4411) والترمذي (1447) والنسائي 8/ 92 وابن ماجة 2/ 863 (2587) .
[ (2) ] أخرجه البخاري 12/ 63 (6773) ومسلم 3/ 1331 (36، 37/ 1706) .
[ (3) ] أخرجه أحمد 3/ 46، 4/ 87.(9/208)
بالنّعال، ومنهم من ضربه بالعصا، ومنهم من ضربه بالسّوط، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ترابا من الأرض فرمى به في وجهه [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة عن معاوية والإمام أحمد عن ابن عمر وأحمد والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة وأحمد وابن إدريس والشافعي وأبو داود عن قبيصة بن ذؤيب- رضي الله تعالى عنهم- قال: من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد، فاجلدوه، فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه [ (2) ] .
وروى الإمامان الشافعي وأحمد ومسلم وأبو داود والبيهقي والدارقطني عن حصين بن المنذر الرقاشي «هو أبو ساسان» قال شهدتّ عثمان بن عفان أتى بالوليد بن عقبة، فشهد عليه حمران ورجل آخر، فشهد أحدهما أنه رآه شربها يعني الخمر، وشهد الآخر أن رآه يتقيّئها، فقال عثمان: إنه لم يتقيّئها حتى شربها
فقال لعلي- رضي الله تعالى عنه-: أقم عليه الحدّ، فقال عليّ للحسن: أقم عليه الحدّ، فقال الحسن: ولّ حارّها من تولى قارسها، فقال عليّ لعبد الله بن جعفر: أقم عليه الحدّ، قال: فأخذ السوط فجلده وعليّ يعدّ فلمّا بلغ أربعين، أحسبه،
قال: وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكلّ سنّة، وهذا أحبّ إليّ.
وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل قد شرب الخمر، فجلد بجريدة نحو أربعين [ (3) ] .
وروى البخاري عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارا وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوما، فأمر به فجلد فقال رجل من القوم: اللهم، العنه، ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تلعنوه، فو الله ما علمت إنّه يحب الله ورسوله» .
وروى البخاري وأبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بسكران فأمر بضربه، فمنّا من يضربه بيده، ومنّا من يضربه بنعله، ومنّا من يضربه بثوبه، فلما انصرف، قال رجل: ما له، أخزاه الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم» .
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: رسول
__________
[ (1) ] أخرجه الشافعي في المسند 2/ 90 (292) وأحمد 4/ 88 وابن أبي حاتم في العلل (1344) وأبو داود 4/ 628 (4489) والنسائي كما في التحفة 7/ 191 والحاكم 4/ 375.
[ (2) ] أخرجه أبو داود (4485) والشافعي في المسند (164) والطبراني في الكبير 19/ 334 والطحاوي في المعاني 3/ 161 وابن سعد 7/ 146 والدر المنثور 2/ 325.
[ (3) ] أخرجه أبو داود (2/ 596) (4480) وابن ماجة (2571) 190 أخرجه البخاري 12/ 66 (6779) .(9/209)
الله صلى الله عليه وسلم لم يفت في الخمر حدّا قال ابن عباس: شرب رجل فسكر، فلقي يميل في الفجّ، فانطلق به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما حاذى دار العبّاس انفلت فدخل على العباس فالتزمه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك وقال أفعلها؟ ولم يأمر فيه بشيء [ (1) ] .
تنبيه:
في بيان غريب ما سبق:
العشكان [.....] .
«الشّمراخ» : بشين معجمة مكسورة فميم ساكنة فراء فألف فخاء معجمة- الغصن الذي عليه البسر.
أجووها: بهمزة فجيم ساكنة فواوين أولهما مفتوحة فهاء فألف أصابهم الجواء وهو المرض وداء الجوى إذا تطاول، إذا لم يوافقهم هواؤها.
سمل أعينهم: بسين مهملة فميم فلام مفتوحة [أي فقأها بحديدة محماة أو غيرها] .
الحرة: أرض ذات حجارة سوداء.
تدبر: بمثناة فوقية فموحدة فدال مهملة مفتوحة تغير إلى الغبرة، وقيل: المدبرة لون بين السواد والغبرة.
سراء: بسين مهملة مضمومة فراء مكسورة فتحتية كشف الصغير.
الضرية: الشقرة.
احسموا: بهمزة فحاء ساكنة فسين مكسورة مهملتين فميم فواو، فألف أي اكووه ليتقطع الدم.
الضرع: [.....] .
الذود: بذال معجمة مفتوحة فواو ساكنة فدال مهملة ثلاثة أبعرة إلى عشرة أو خمس عشرة أو عشرين أو ثلاثين وما بين الثنتين إلى التسع، مؤنّثة ولا واحد لها من لفظها كالنعم.
الريف: براء مكسورة فتحتية ساكنة ففاء، أرض فيها زرع ونخل وقيل: هو ما قارب الماء من أرض العرب ومن غيرها.
المجن: بميم مكسورة فجيم مفتوحة فنون: الترس لأنه بوادي جامعة الترس.
الجرين: الكثر.
الحريسة: بحاء مهملة مفتوحة فراء مكسورة فتحتية فسين فتاء تأنيث، فعيلة بمعنى مفعولة أي أن لها من يحرسها وقيل السرقة نفسها.
المراح: المربد كثير الجرين.
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 322 وأبو داود 4/ 619 (4476) والنسائي كما في التحفة 5/ 167.(9/210)
الباب الخامس في أحكامه وأقضيته- صلى الله عليه وسلم- في الجنايات والقصاص والدّيات والجراحات
وفيه أنواع:
الأول: في أمره صلى الله عليه وسلم بالعفو عن القصاص:
روى أبو يعلى عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرفع إليه قصاص إلا أمر فيه بالعفو.
وروى الشيخان عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل له قتيل فإما أن يودى، وإما أن يقاد» [ (1) ] .
الثاني: في أمره صلى الله عليه وسلم بالإحسان في استيفاء القصاص:
الثالث: في نهيه صلّى الله عليه وسلم أن يقتص من الجاني قبل برء المجني عليه وأن يقتص بالسيف ورضخه رأس اليهودي ولكل خطأ أرش:
وروى الدارقطني عن مسلم بن خالد الزنجي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقتص من الجرح حتى ينتهي
[ (2) ] .
وروى ابن ماجه عن النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا قود إلا بالسّيف ولكل خطأ أرش» [ (3) ] .
وروي عن أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا قود إلا بالسيف» [ (4) ] .
وروى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «رضخ رأس اليهودي الذي رضخ رأس المرأة» [ (5) ] .
الرابع: في حكمه صلى الله عليه وسلم في العهد والخطأ:
وروى عن ابن شريح خويلد بن عمرو الخزاعي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول
__________
[ (1) ] مسلم في الحج (447، 448) والترمذي (1405) وأبو داود (4505) والنسائي 8/ 38 وابن ماجة (2624) .
[ (2) ] أخرجه الدارقطني 3/ 88، 188.
[ (3) ] أخرجه ابن ماجة (2667، 2668) وابن أبي شيبة 9/ 354 والطبراني في الكبير 10/ 109 والدارقطني 3/ 7 والبيهقي 8/ 62، 63 وانظر التلخيص 4/ 19.
[ (4) ] انظر المصادر السابقة.
[ (5) ] أخرجه البخاري 12/ 213 (6884) ومسلم 3/ 1299 (15/ 1672) .(9/211)
الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أصيب بدم أو خبل- الخبل الجراج- فهو بالخيار بين أحدى ثلاث، إما أن يقتص، أو يأخذ العقل، أو يعفو، فإن أراد رابعة فخذوا على يديه فإن فعل شيئا من ذلك، ثم عدا بعد فقتل فله النار خالدا فيها مخلّدا» .
وروى مسدّد بسند ضعيف عن مجالد قال: حدثني عريف لجهينة إن ناسا من جهينة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسير في الشتاء، فقال: اذهبوا به فأدفئوه قال وكان الدفء بلسانهم القتل فذهبوا به فقتلوه، فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، أمرتنا أن نقتله، فقتلناه قال:
كيف قلت لكم؟ قالوا قلت لنا: اذهبوا به فادفوه قال قد شركتكم إذا أعقلوه، وأنا شريككم [ (1) ] .
الخامس: في حكمه صلى الله عليه وسلّم أن لا يقتل مسلم بكافر ولا حرّ بعبد:
روى الترمذي وابن ماجه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقتل مسلم بكافر» [ (2) ] .
وروى البيهقي في السّنن عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقتل حرّ بعبد» [ (3) ] .
السادس: في حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن شتمه:
روى أبو داود عن الشعبي عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن يهودية كانت تشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم دمها
[ (4) ] .
وروى أبو داود والنسائي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن أعمى كانت له أمّ ولد تشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فنهاها فلم تنته ... الحديث [ (5) ] .
السابع: في حكمه صلى الله عليه وسلم في القتل بالمثقل والسم:
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تردّى من جبل، فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردّى فيه خالدا مخلّدا فيها أبدا، ومن تحسّى سمّا فقتل نفسه، فسمّه في يده يتحسّاه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا» [ (6) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 459.
[ (2) ] أخرجه الترمذي (1412، 1413) وابن ماجة (2659، 2660) .
[ (3) ] أخرجه الدارقطني 3/ 133 والبيهقي 8/ 35 وانظر التلخيص 4/ 16.
[ (4) ] أخرجه أبو داود 4/ 129 (4362) .
[ (5) ] أخرجه أبو داود 4/ 129 (4361) .
[ (6) ] أخرجه البخاري 10/ 247 (5778) ومسلم 1/ 103 (175/ 109) .(9/212)
الثامن: في حكمه صلى الله عليه وسلم في الدية من الأربعة الذين سقطوا في بئر فتعلق بعضهم ببعض فهلكوا:
روى البيهقي في السّنن الكبرى وغيره عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- قال: لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن حفر قوم زبية للأسد، فازدحم النّاس على الزبية، ووقع فيها الأسد فوقع فيها رجل وتعلق برجل، وتعلق الآخر بآخر حتى صاروا أربعة فجرحهم الأسد فيها، فهلكوا، وحمل القوم السلاح فكاد أن يكون بينهم قتال، قال: فأتيتهم، فقلت:
أتقتلون مائتي رجل من أجل أربعة أناس، تعالوا، أقضي بينكم بقضاء فإن رضيتموه فهو قضاء بينكم، وإن أبيتم رفعتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحقّ بالقضاء، قال: فجعل للأوّل ربع الدّية وجعل للثاني ثلث الدية وجعل للثالث نصف الدية وجعل للرابع الدية وجعل الدّيات على من حضر الزّبية على القبائل الأربعة فسخط بعضهم ورضي بعضهم، ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصوا عليه القصة فقال: أنا أقضي بينكم، فقال قائل فإنّ عليا- رضي الله تعالى عنه- قد قضى بيننا فأخبره بما قضي علي- رضي الله تعالى عنه- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم القضاء كما يقضي عليّ.
التاسع: في حكمه صلى الله عليه وسلم في قصاص الأطراف والجراح:
روى أبو داود عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الأصابع سواء عشر عشر من الإبل» .
وروى عن ابن عبّاس أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الأصابع سواء والأسنان سواء الثّنيّة، والضّرس سواء هذه وهذه سواء» .
العاشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم في الديات وفيه مسائل:
الأولى: في حكمه في دية الحرّ المسلم الذّكر:
روى أبو داود عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن فحاض ذكر [ (1) ] .
الثانية: في دية المرأة والعبد والمكاتب والمعاهد والكافر والذمي:
روى النسائي عن ابن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «عقل المرأة مثل عقل الرّجل حتى يبلغ الثلث من ديتها» .
__________
[ (1) ] أخرجه أبو داود 4/ 680 (4545) والترمذي 4/ 10 (1386) والنسائي 8/ 43 وأخرجه ابن ماجة 2/ 879 (2631) والدارقطني 3/ 175 والبيهقي 8/ 75.(9/213)
وعن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا، ولا اعترافا ولا صلحا ولا ما دون الموضحة» .
الثالثة: في حكمه صلى الله عليه وسلم في دية الأعضاء والجراح:
روى أبو داود والنسائي [ (1) ] عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الأسنان خمس من الإبل [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والبيهقي في السنن عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الأنف إذا أجدع الدية كاملة مائة من الإبل، وفي اليد خمسون وفي الرجل خمسون، وفي العين خمسون، وفي المأمومة ثلث النّفس، وفي الجائفة ثلث العقل، وفي المنقلة خمس عشرة وفي الموضحة خمس وفي السّن خمس، وفي كل أصبع عشر من الإبل.
وروى البيهقي في السنن عن معاذ- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في السّمع مائة من الإبل، وفي العقل مائة من الإبل [ (3) ] .
وروى ابن عدي والبيهقي في السنن عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في اللّسان الدية، إذا منع الكلام، وفي الذكر الدية، إذا قطعت الحشفة، وفي الشفتين الدية [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد والأربعة عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «في المواضح خمس [ (5) ] خمس» .
والنّسائي عن عبد الله ابن عمرو- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في الأصابع عشر عشر [ (6) ] .
الرابعة: في حكمه في دية الجنين:
روى البخاري وغيره عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- أن ضرتين رمت
__________
[ (1) ] أخرجه النسائي 8/ 44، 45 (4805) وعبد الرزاق (17756) والدارقطني 3/ 91 وانظر التلخيص 4/ 25.
[ (2) ] أبو داود (4566) وأحمد 2/ 215 والدارمي 2/ 194 والترمذي 4/ 13 (1390) وابن ماجة 2/ 886 (2655) والنسائي 8/ 57.
[ (3) ] انظر كنز العمال (40082) غليل 7/ 321.
[ (4) ] أخرجه الدارمي 2/ 193 والبيهقي 8/ 89.
[ (5) ] أخرجه أبو داود (4566) والترمذي (1390) والنسائي 8/ 57 وأحمد 2/ 178، 207، 215 وابن ماجة (2655) والبيهقي 8/ 81، 92.
[ (6) ] أخرجه عبد الرزاق (17695، 17696) والنسائي 8/ 56 وأبو داود (4562) وأحمد 4/ 178، 189، 404 وابن أبي شيبة 9/ 192.(9/214)
إحداهما الأخرى بعمود فسطاط، فألقت جنينها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين غرة: عبدا أو أمة، وجعلها على عاقلة المرأة [ (1) ] .
الخامسة: في تقويمه صلى الله عليه وسلم بالدنانير والدراهم:
روى أبو داود عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه جعل الدّية اثني عشر ألفا» .
الحادي عشر: في شفاعته صلى الله عليه وسلم إلى من استحق القصاص بأخذ الدّية بالصبر ببعضها إلى ميسرة من هي عليه:
روى البيهقي في السّنن الكبرى عن علقمة بن وائل أن أباه أخبره، قال بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل في عنقه تسعة، فلما انتهى إليه، قال: إن هذا وأخي كانا في جب يحفرانها، فرفع المنقار، فضرب به رأس أخي فقتله قال: اعف عنه فأبى، قال: فخذ الدية فأبى ...
الحديث.
الثاني عشر في أحكام متفرقة:
روى البخاري عنه أنه جيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليهودية التي سمته في لحم الشاة التي صنعتها له، فسألها عن ذلك فقالت: فعلته لأقتلك فقال: ما كان الله ليسلطك علي ذلك وقال علي: ألا نقتلها قال: لا، فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ (2) ] .
وروى أبو داود عن أبي سلمة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلها وإن بشر بن البراء ممن أكل من لحم تلك الشاة، فمات [ (3) ] .
الثالث عشر: في حكمه- صلى الله عليه وسلم- في القسامة:
روى الإمام مالك والترمذي عن سهل بن أبي حثمة، أنه أخبره رجال من كبراء قومه، أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم، فأتى محيصة، فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح من فقير بئر أو عين فأتى يهود، فقالوا: أنتم والله قتلتموه، فقالوا: والله، ما قتلناه، فأقبل حتى قدم على قومه، فذكر لهم ذلك، ثم أقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه، وعبد الرّحمن فذهب محيصة ليتكلّم، وهو الذي كان بخيبر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «كبّر كبّر» يريد السّنّ فتكلّم حويصة ثم تكلّم محيصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إن يدوا صاحبكم، وإمّا أن يؤذنوا بحرب» فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فكتبوا إنا والله
__________
[ (1) ] أخرجه الدارمي 2/ 192 وأبو داود 4/ 681 (4546) والترمذي 4/ 12 (1388) والنسائي 8/ 44 وابن ماجة 2/ 879 (2632) .
[ (2) ] تقدم.
[ (3) ] تقدم.(9/215)
ما قتلناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرّحمن «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟» فقالوا: لا، قال «أفتحلف لكم يهود؟ قالوا: ليسوا بمسلمين فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده فبعث إليهم بمائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار.
قال سهل: لقد ركضتني منها ناقة حمراء.
الرابع عشر: في حكمه صلى الله عليه وسلم في قتل الوالد ولده والسيد عبده وبالعكس:
روى الإمام مالك عنه أن رجلا من بني مدلج، يقال له، قتادة حذف ابنه بالسّيف فأصاب ساقه فنزي في جرحه فمات فقدم سراقة بن جشم على عمر بن الخطاب، فذكر ذلك له فقال عمر اعدد على ماء قديد عشرين ومائة بعير حتّى أقدم عليك، فلمّا قدم إليه عمر أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقّه وثلاثين جذعة، وأربعين خلفة ثم قال أين أخو المقتول؟ فقال: ها أنا ذا فقال: خذها
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس لقاتل شيء»
وفي رواية غيره ثم دعا بأم المقتول وأخيه، فدفعا إليهما، ثم
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يرث القاتل شيئا ممّن قتله» [ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه مالك في الموطأ (2/ 867) حديث (10) .(9/216)
الباب السادس في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الدعاوي والبينات وفصل الخصومات:
روى الإمام أحمد والطبراني في الكبير برجال ثقات عن عمارة بن حزم والطبراني برجال ثقات عن بلال بن الحارث والطبراني بسند جيّد عن زيد بن ثابت والطبراني عن أبي سعيد والطبراني عن عبد الله بن عمر والإمامان الشافعي وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني عن عليّ، والدارقطني عن ابن عباس والشافعي وأبو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني عن أبي هريرة والشافعي وأحمد والترمذي وابن ماجة والدارقطني عن جابر والدارقطني عن علي والدارقطني عن ابن عمر وابن ماجة عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد مع اليمين [ (1) ] .
روى الترمذي والدارقطني بسند ضعيف عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: «البينة على المدّعي، واليمين على المدّعى عليه» [ (2) ] .
وروى الأئمة إلا مالكا عن ابن عباس وابن جرير عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعطى الناس بدعواهم لادّعى ناس دماء قوم وأموالهم، ولكن البينة على المدّعي، واليمين على من أنكر» [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة والدارقطني عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تجوز شهادة خائن، ولا خائنة، ولا ذو غمر على أخيه ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت وتجوز شهادتهم لغيرهم» [ (4) ] .
وروى الترمذي والدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تجوز شهادة خائن، ولا خائنة» [ (5) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه من حديث ابن عباس مسلم 3/ 1337 (3/ 1712) والترمذي (1344 و 1344) وابن ماجة (2368) والتمهيد لابن عبد البر 2/ 134، 135 وانظر المجمع 4/ 202.
[ (2) ] أخرجه الدارقطني 4/ 157، 218.
[ (3) ] أخرجه البخاري 8/ 213 (4552) ومسلم 3/ 1336 والبيهقي 10/ 252.
[ (4) ] أخرجه عبد الرزاق 8/ 320 (15364) وأحمد 2/ 181 وأبو داود 4/ 24 (3600، 3601) وابن ماجة 2/ 792 (2366) والدارقطني (4/ 244) .
[ (5) ] أخرجه الترمذي 5/ 545 (2298) وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن زياد الدمشقي، ويزيد يضعف في الحديث، وابن عدي 7/ 2714 والدارقطني 4/ 244 (145) .(9/217)
وروى أبو داود والدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تجوز شهادة بدويّ على صاحب قرية» [ (1) ] .
وروى أبو سعيد النّقّاش في القضاء عن ابن عباس أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهادة فقال: «هل ترى الشمس» قال: نعم، قال: «على مثلها فاشهد أو دع» [ (2) ] .
وروى الدارقطني والطبراني في الأوسط عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة.
وروى الشّيخان والدارقطني عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة رجل وامرأتين في النكاح.
وروى ابن ماجة عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة رجل وامرأتين من أهل الكتاب لبعضهم من بعض.
وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصدقوا أهل الكتاب فيما يحدثونكم عن كتاب الله ولا تكذبوهم» وقولوا: «آمنّا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم» [ (3) ] .
وروى الطبراني برجال الصحيح عن عدي بن عدي الكندي- رضي الله تعالى عنه- أنه أخبرهم قال: جاء رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يختصمان في أرض، فقال أحدهما: هي أرضي وقال الآخر: هي أرض حزتها فأقبضتها، أو قال وقبضتها، فأحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بيده الأرض [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن ماجة والنسائي والبيهقي عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- أن رجلين تنازعا في أرض أحدهما من حضرموت، فارتفعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمين أحدهما فضج الآخر وقال: إنه إذا يذهب بأرضي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هو اقتطع بيمينه ظلما كان ممن لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكّيه وله عذاب أليم» ،
فقال الآخر: لا أبالي وتورع الآخر عن اليمين [ (5) ] .
وروي عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اقتطع حقّ
__________
[ (1) ] أخرجه أبو داود 4/ 26 (3602) وابن ماجة 2/ 793 (2366) والبيهقي 10/ 250.
[ (2) ] أخرجه أبو نعيم في الحلية 4/ 18 وانظر كنز العمال (17782) .
[ (3) ] أخرجه البخاري 13/ 516 (7542) .
[ (4) ] ذكره الهيثمي في المجمع 4/ 206 وقال رواه الطبراني في ورجال أحدهما رجال الصحيح.
[ (5) ] أخرجه أحمد 4/ 394 وانظر المجمع 4/ 178 والسيوطي في الدر المنثور 2/ 45.(9/218)
امرئ مسلم بيمينه أوجب له النار وحرم عليه الجنة» ، فقال: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟
قال: «وإن كان قضيبا من أراك» [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد والطبراني في الكبير عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن صاحب الدابة أحق بصدرها» [ (2) ] .
وروى الطبراني بسند ضعيف عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى كل واحد منهما بشهود عدول وفي عدة واحدة فساهم بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «اللهم اقض بينهما» .
وروى الطبراني عن سمرة أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعير فأقام كل واحد منهما بيّنة أنّه له، فقضى به بينهما [ (3) ] .
وروى البيهقي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «اليمين على طالب الحقّ» .
وروى أحمد بن منيع والطبراني برجال ثقات عن موسى بن عمير- رضي الله تعالى عنه- قال: كان بين امرئ القيس ورجل من حضرموت خصومة فارتفعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للحضرمي: «بينتك وإلا قسمته» ، فقال: يا رسول الله، إن حلف ذهب بأرضي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف يمينا كاذبة ليقطع في حقّ أخيه لقي الله، وهو عليه غضبان» ، فقال امرؤ القيس من تركها وهو يعلم أنّها حقّ قال: فاشهد أني قد تركتها [ (4) ] .
وروى الطبراني برجال ثقات عن خزيمة بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى فرسا من سوار بن الحارث فجحده فشهد له خزيمة بن ثابت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما حملك على الشهادة ولم تكن معنا حاضرا» فقال: صدقك لما جئت به، وعلمت أنّك لا تقول إلا حقّا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شهد له خزيمة أو شهد عليه فحسبه» [ (5) ] .
وروى البخاري من طريق علي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سمحاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «البيّنة أوحدّ في
__________
[ (1) ] أخرجه مالك في الموطأ (727) والطبراني في الكبير 1/ 249 والسيوطي في الدر المنثور 2/ 45.
[ (2) ] انظر المجمع 4/ 203 ونصب الراية 4/ 108.
[ (3) ] انظر المجمع 4/ 206 وقال رواه الطبراني في الكبير وفيه ياسين الزيات وهو متروك.
[ (4) ] المجمع 9/ 323.
[ (5) ] أخرجه الحاكم 2/ 18 والطبراني في الكبير 4/ 101 وانظر المجمع 9/ 320 والبيهقي 10/ 320.(9/219)
ظهرك»
فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأى أحدنا مع امرأته رجلا ينطلق فيلتمس البينة» ، فأنزل الله تعالى وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ فقرأ حتى بلغ إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [ (1) ] [النور/ 6- 9] .
وروى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لعب بالنّرد شبرا، فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه»
[ (2) ] .
وروى أبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يتبع حمامة، فقال: «شيطان يتبع شيطانة»
[ (3) ] .
تنبيه:
الخائن: [....] .
ذي غمر: [أي حقد] .
القانع: [الأجير التابع مثل الأجير الخاصّ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 8/ 449 (4747) .
[ (2) ] أخرجه مسلم 4/ 1770 (10/ 2260) .
[ (3) ] أخرجه أبو داود (4940) وابن ماجة (3764/ 367) وأحمد 2/ 345 وابن حبّان ذكره الهيثمي في الموارد (2006) والبخاري في الأدب (1300) وعبد الرزاق (19731) وابن المبارك في الزهد (310) وانظر الدر المنثور 2/ 320 والبيهقي 10/ 19، 213 وأبو نعيم في تاريخ أصفهان 2/ 77.(9/220)
الباب السابع في قضايا شتى غير ما سبق:
روى أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السلاح في الفتنة
[ (1) ] .
روى البخاري عن معن بن يزيد، قال: كان أبي يزيد خرج بدنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها، فقال: والله، ما إياك أردتّ بها فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «لك ما نويت يا يزيد، ولك يا معن ما أخذت» [ (2) ] .
وروى البزار بسند وحسّنه الحافظ أبو الحسن الهيثمي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف في النّخل، فجعل النّاس يقولون: فيها وسق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها: «كذا وكذا» ، فقال: صدق الله ورسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا بشر مثلكم، فما حدّثتكم عن الله، فهو حق، وما قلت من قبل نفسي فإنما أن بشر أصيب وأخطئ» [ (3) ] .
روى عبد الله ابن الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: من قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن المعدن جبار والبئر جبار والعجماء جرحها جبار» والعجماء: البهيمة من الأنعام وغيرها.
والجبار هو الهدر الذي لا يغرم وقضى في الركاز الخمس وقضى أن تمرة النخل لمن أبرها، إلا أن يشترط المبتاع وقضى أن مال المملوك لمن باعه إلا أن يشترط المبتاع، وقضى أن الولد للفراش، وللعاهر الحجر، وقضى بالشّفعة بين الشركاء في الأرضين والدور، وقضى لحمل بن مالك الهذلي بميراثه عن امرأته التي قتلتها الأخرى، وقضى في الجنين المقتول بغرة عبد أو أمة قال: فورثها بعلها وبنوها قال: وكان له من امرأتيه كلتيهما ولد فقال أبو القاتلة المقضيّ عليه يا رسول الله، كيف أغرم من لا صاح ولا استهل، ولا شرب ولا أكل، فمثل ذلك بطل؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا من الكهّان من أجل سجعه الذي سجع،
قال: وقضى في الرحبة تكون بين الطريق لم يرد أهلها البنيان فيها فقضى أن يترك للطريق فيها سبعة أذرع قال: وكانت تلك الطريق تسمى الميتاء، وقضى في النخلة أو النخلتين أو الثلاث فيختلفون في حقوق ذلك فقضى أن في كل نخلة من أولئك مبلغ جريدتها حيّز لها، وقضى في شرب
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي 5/ 327 والطبراني في الكبير 18/ 137 والخطيب في التاريخ 3/ 278 وانظر المجمع 4/ 87، 108، 7/ 290 وابن عدي في الكامل (6/ 2269) والعقيلي في الضعفاء 4/ 139.
[ (2) ] البخاري 2/ 138 والطبراني في الكبير 19/ 441 والبيهقي 7/ 34.
[ (3) ] انظر مجمع الزوائد 1/ 178.(9/221)
النخل من السبيل، أن الأعلى يشرب قبل الأسفل، ويترك الماء إلى الكعبين، ثم يرسل الماء إلى الأسفل الذي يليه، فكذلك ينقضي حوائط أو يفنى الماء، وقضى أن المرأة لا تعطى من ماله شيئا إلا بإذن زوجها، وقضى للجدّتين من الميراث بالسدس بينهما بالسّواء، وقضى أن من أعتق شركاء في مملوك فعليه جواز عتقه إن كان له مال وقضى أن لا ضرر ولا ضرار، وقضى أنه ليس لعرق ظالم حقّ، وقضى بين أهل المدينة في النخل لا يمنع نفع بئر وقضى بين أهل المدينة أنه لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل الكلأ، وقضى في الدّية الكبرى المغلظة ثلاثين بنت لبون وثلاثين حقة وأربعين خلفة وقضى في الدية الصغرى ثلاثين بنت لبون، وثلاثين حقّة، وعشرين ابنة مخاض وعشرين بني مخاض ذكورا ثم غلت الإبل بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهانت الدّراهم فقوّم عمر- رضي الله تعالى عنه- إبل المدينة ستة آلاف درهم حساب أوقية لكل بعير ثم غلت، وهانت الورق فزاد عمر- رضي الله تعالى عنه- ألفين حساب أوقيتين لكل بعير، ثم غلت الإبل وهانت الدراهم فأتمها عمر- رضي الله تعالى عنه- اثني عشر ألفا حساب ثلاث أواق لكل بعير، قال: فزاد ثلث الدية في الشهر الحرام، وثلث آخر في البلد الحرام، قال: فتمت دية الحرمين عشرين ألفا، قال: فكان يقال يؤخذ من أهل البادية من ماشيتهم، ولا يكلفون الورق ولا الذهب، ويؤخذ من كل قوم ما لهم قيمة العدل من أموالهم.
تنبيهات
الأول:
قوله صلى الله عليه وسلم إنما أنا بشر أصيب وأخطئ:
الثاني: تنبيه في بيان غريب ما سبق:
المعدن: بميم مفتوحة فعين مهملة ساكنة فدال مهملة فنون الموضع الذي يستخرج منه جواهر الأرض كالذهب والفضة.
الجبار: بجيم مضمومة فموحدة فألف فراء أي هدر.
العجماء: بعين مهملة مفتوحة فجيم ساكنة فميم فألف الدابّة.
الرّكاز: براء مكسورة فكاف فألف فزاي عند أهل الحجاز كنوز الجاهلية المدفونة في الأرض وعند أهل العراق المعادن والقولان تحتملها اللغة لأن كلا منهما مركوز في الأرض، أي ثابت.
الحقّة: بحاء مهملة مكسورة فقاف مفتوحة فتاء تأنيث من الإبل ما دخل في السنة الرابعة إلى آخرها سمي بذلك لأنه استحق التحميل والركوب.
بنت مخاض: هي ما لها حول وطعنت في الثانية سميت بذلك لأن أمها تمخض بولد آخر.(9/222)
الباب الثامن في فتاويه- صلّى الله عليه وسلم-
الأول: في نهي الصحابة عن سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وروى مسلم عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله، ونحن نسمع، فبينما نحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ دخل رجل على جمل ثم أناخه في المسجد، ثم عقله ثم قال: يا محمد أتانا رسولك، فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك؟ قال:
«صدق» قال: فمن خلق السّماء؟ قال: «الله» ، قال: فمن خلق الأرض؟ قال: «الله» قال: فمن نصب هذه الجبال، وجعل فيها ما جعله؟ قال: «الله» ، قال: فبالذي خلق السماء، وخلق الأرض، ونصب هذه الجبال، الله أرسلك؟ قال: «نعم» قال: وزعم رسولك أنّ علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا قال: «صدق» قال: فبالذي أرسلك، الله أمرك بهذا؟ قال: «نعم» ، قال:
وزعم رسولك أنّ علينا زكاة في أموالنا قال: «صدق» ، قال: فبالّذي أرسلك، الله أمرك بهذا؟
قال: «نعم» ، قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا، قال: «صدق» ، قال:
فبالذي أرسلك، الله أمرك بهذا؟ قال: «نعم» ، قال: وزعم رسولك أنّ علينا حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا قال: «صدق» قال: ثمّ ولّى فقال: والذي بعثك بالحقّ، لا أزيد عليهنّ، ولا أنقص منهنّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لئن صدق ليدخلنّ الجنّة» [ (1) ] .
الثاني في مسائل شتى عن ما بعث به صلى الله عليه وسلم وعن حدود الأحكام:
روى عبد الرزاق عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت:
والله، ما جئتك حتى حلفت بعدد أصابعي هذه ألا أتّبعك، ولا أتّبع دينك، وإني أتيت امرا لا أعقل شيئاً إلا ما علّمني الله ورسوله، وإني أسألك بالله بما بعثك ربك إلينا؟ فقال: اجلس، ثم قال: للإسلام، ثم بالإسلام، فقلت: ما آية الإسلام؟ فقال: تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسوله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة وتفارق الشرك، وأن كل مسلم على مسلم محرم، أخوان نصيران، لا يضل الله من مشرك أشرك بعد إسلامه عملا: إن ربي داعيّ وسائلي هل بلّغت عباده؟ فليبلغ شاهدكم غائبكم، وإنكم تدعون مفدّم على أفواههم بالفدام فأول ما ينبئ عن أحدكم فخذه وكفه قال: فقلت يا رسول الله، فهذا ديننا؟ قال: نعم وأين ما تحسن يكفك، وإنكم تحشرون وإنكم تحشرون على وجوهكم، وعلى أقدامكم، وركبانا [ (2) ] .
وروى مسلم عن
__________
[ (1) ] مسلم (1/ 41) (10- 12) .
[ (2) ] أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (20115) .(9/223)
جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما الموجبتان فقال «من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله دخل النّار» .
وروى البخاري عن أبي أمامة أن رجلا قال: يا رسول الله، ما المسلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» [ (1) ] .
وروى البيهقي في الشّعب عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله، ما المسلم؟ وأيّ شيء أحب في الإسلام عند الله؟ قال: الصّلوات لوقتها، ومن ترك الصّلاة فلا ولي له، والصلاة عماد الدّين [ (2) ] .
وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المسلمون خير؟ فقال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» [ (3) ] .
وروى الشيخان والنسائي وأبو داود وابن ماجة: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المسلمين خير؟ فقال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» ، أيّ الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء وابن حبان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرّت عيني فأنبئني عن كل شيء، قال: كلّ نبيّ خلق من ماء، قلت: انبئني عن أمر إن عملت به دخلت الجنّة، قال: أفش السّلام، وأطعم الطّعام، وصل الأرحام، وقم بالليل والناس نيام، ثم ادخل الجنة بسلام [ (5) ] .
وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم؟ قال: «أكرمهم عند الله أتقاهم» ، قال: ليس عن هذه نسألك، قال: «فعن معادن
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 10 ومسلم في كتاب الإيمان (66) والترمذي (2504) (2627، 2628) والنسائي 8/ 107 وأحمد 2/ 191، 206، 215، 3/ 391، 4/ 385، 6/ 22 والدارمي 2/ 299 والحاكم 3/ 626 والطبراني في الكبير 8/ 1315، 17/ 49 وفي الصغير 1/ 253 والبيهقي 10/ 243 وابن أبي شيبة 9/ 64 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (94) وأبو نعيم في الحلية 3/ 357 وانظر المطالب (2859) والمجمع 1/ 54، 56، 61، 3/ 268، 5/ 261.
[ (2) ] انظر الدر المنثور 1/ 296.
[ (3) ] أخرجه البخاري 1/ 53 (10) ومسلم 1/ 65 (64/ 40) .
[ (4) ] أخرجه البخاري 1/ 10، 14، 8/ 65 ومسلم في الإيمان (63) (65) وأبو داود (5194) والنسائي في الإيمان باب (12) وابن ماجة (3253) والخطيب في التاريخ 13/ 326 وأبو نعيم في الحلية 1/ 287، 3/ 424، والبخاري في الأدب (1013) .
[ (5) ] أخرجه أحمد 2/ 295، 323 والحاكم 4/ 129، 160 والطبراني في الكبير 8/ 273.(9/224)
العرب تسألون» قالوا نعم، قال خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد وابن حبان والطبراني والحاكم والبيهقي عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال: إذا سرّتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن، قال: فالإثم؟ قال: فالإثم؟ قال: إذا حكّ في نفسك شيء فدعه [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد والدارميّ عن وابصة بن معبد- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «جئت تسأل عن البر والإثم» ؟ قلت: نعم، قال: «استفت قلبك» ، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في القلب وإن أفتاك الناس وأفتوك [ (3) ] .
وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بارز يوما للناس، فأتاه جبريل، فقال: ما الإيمان؟ قال: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، وبلقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث» ، قال: ما الإسلام؟ قال: «أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان» ، قال: ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك» ، قال: ما الساعة؟ قال: «ما المسؤول بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها، إذا ولدت الأمة رتبها، إذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان، في خمس لا يعلمهن إلا الله، ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم «أن الله عنده علم السّاعة.. الآية» ثم أدبر، فقال: ردوه، فلم يروا شيئا، فقال: «هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم» [ (4) ] .
وروى مسلم عن النّوّاس بنون مشددة فواو مشددة فألف فسين مهملة ابن سمعان- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «البرّ حسن الخلق، والإثم ما حاك في القلب والصدر، وكرهت أن يطلع عليه الناس» [ (5) ] .
وروى الشيخان عن معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- قال كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار فقال: يا معاذ، هل تدري ما حقّ الله على عباده، وما حقّ العباد على الله؟
قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن يغفر لمن لا يشرك به شيئاً قلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ فقال: «لا تبشرهم فيتكلوا» [ (6) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 525 (3493 و 3496) ومسلم 4/ 1958 (199/ 2526) .
[ (2) ] أخرجه أحمد 5/ 252 والطبراني في الكبير 8/ 138 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (103) والحاكم 1/ 14، 2/ 13 وانظر المجمع 1/ 86.
[ (3) ] أخرجه أحمد 4/ 228 والدارمي 2/ 245 وأبو يعلى في المسند 3/ 60 (1/ 1586) (2/ 1587) .
[ (4) ] أخرجه البخاري 1/ 114 (50) ومسلم 1/ 40 (7/ 10) .
[ (5) ] أخرجه مسلم 4/ 1980 (14/ 2553) .
[ (6) ] تقدم.(9/225)
وروى مسلم عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة، فقالوا إنا لنجد في أنفسنا شيئا، لأن يكون لأحدنا مهمة أو يخرمن السماء إلى الأرض أحبّ من أن يتكلم به، فقال: ذاك محض الإيمان [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أحدّث نفسي بالشّيء، لأن أخر من السماء أحب إلي من أتكلم به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر، الحمد لله، الذي رد كيده إلى الوسوسة» [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد والشيخان عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنؤخذ بما عملنا في الجاهلية؟ فقال: أما من حسن في الإسلام فلا يؤخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول، والآخر [ (3) ] .
وروى مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء سراقة بن مالك بن جشم، فقال: يا رسول الله، بيّن لنا ديننا كأنا خلقنا الآن فما العمل اليوم أفيما جفت به الأقلام، وجرت به المقادير [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أنعمل على أمر قد فرغ منه أو على أمر لم يفرغ منه؟ قال: بل على أمر قد فرغ منه، فاعمل يا ابن الخطاب، فكلّ ميسّر، فإن كان من أهل السعادة، فإنه يعمل بالسعادة، وإن كان من أهل الشقاء، فإنه يعمل بالشقاء.
ورواه الشافعي ومسدد إلى قوله «فرغ منه» ورواه عبد الرزاق والبيهقي، وزاد: فيم العمل؟ قال: لا يقال إلا بالعمل قلت: أن يجتهد
[ (5) ] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وسعيد بن منصور، قال: قال رجل من مزينة أو جهينة يا رسول الله ففيم نعمل في شيء قد خلا ومضى، أو شيء مستأنف الآن؟ قال: في شيء قد خلا ومضى، فقال الرجل، أو بعض القوم؟ ففيم العمل؟ قال: إن أهل الجنة ييسرون لعمل أهل الجنة، وأهل النار ييسرون لعمل أهل النار [ (6) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 2/ 456، 6/ 106 وأبو عوانة 1/ 79 وابن أبي عاصم 1/ 295 والطبراني في الكبير 10/ 101.
[ (2) ] وانظر المجمع 1/ 33، 34 والنسائي في عمل اليوم والليلة (667) وانظر البداية 1/ 60.
[ (3) ] البخاري (12/ 277) (6921) .
[ (4) ] أخرجه مسلم 4/ 2040 (8- 2648) .
[ (5) ] أخرجه أحمد 1/ 6 والترمذي (3111) وابن أبي عاصم 1/ 71، 74 والطبراني في الكبير 1/ 17 وأبو نعيم في الحلية 5/ 351 والمجمع 7/ 194.
[ (6) ] أخرجه أبو داود (4696) وأحمد 1/ 27 وانظر التمهيد 6/ 7.(9/226)
وروى الشيخان عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين، فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد والترمذي عن معاذ- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه، ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله: أخبرني عن عمل يدخلني الجنة قال النبي صلى الله عليه وسلم تعبد الله، ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة وتصل الرّحم [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأته، فأخذت بيده، فقلت: يا رسول الله، أخبرني بما هو أفضل الإيمان؟ قال: يا عقبة، صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعرض عمن ظلمك [ (3) ] .
وروى مسلم عن النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل: ما أبالي أن أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاجّ وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام. إلّا أن أعمّر المسجد الحرام، قال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم، فزجرهم عمر، وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوم الجمعة، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه فأنزل الله- عز وجل-:
أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [ (4) ] [التوبة/ 19] .
وروى البخاري عن مالك بن أنس عن عمه سهيل عن أبيه، إنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرّأس، يسمع دويّ صوته، ولا نفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات في اليوم والليلة فقال: هل عليّ غيرهن؟ فقال: لا، إلا أن تطوّع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصيام رمضان، قال: هل على غيره؟ قال: لا، إلا أن تطوّع، قال: وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزّكاة، قال: هل عليّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوّع، قال: فأدبر الرّجل، وهو يقول والله، لا أزيد على هذا، ولا أنقص منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أفلح إن صدق» [ (5) ] .
__________
[ (1) ] تقدم.
[ (2) ] أخرجه الترمذي (2616) .
[ (3) ] انظر المجمع 8/ 188 والترغيب 3/ 342 وابن كثير في التفسير 3/ 536، 8/ 546.
[ (4) ] أخرجه مسلم (3/ 1498) (111/ 1879) .
[ (5) ] تقدم.(9/227)
وروى ابن منده وابن عساكر عن ابن مرة أن مرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، شهدتّ أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله وأدّيت الخمس، وأديت الزّكاة، وصمت رمضان وقمته، فممن أنا؟ قال: من الصّدّيقين والشّهداء.
وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد ونعيم بن حماد والطبراني في الكبير والحاكم وابن عساكر عن كرز بن علقمة الخزاعي؟ قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل للإسلام من منتهى؟
قال: نعم أيما أهل بيت من العرب أو العجم أراد الله بهم خيرا أدخل عليهم الإسلام قال: ثم تقع الفتن كأنّها الظّلل، قال: كلا والله إن شاء الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلى، والذي نفسي بيده، ثم تعودون فيها أساود صبا يضرب بعضكم رقاب بعض فأفضل النّاس يومئذ مقتول في شعب من الشّعاب يتقي ربه تبارك وتعالى ويدع الناس من شرّه [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه، فقال له: إن أردتّ أن يلين قلبك، فأطعم المساكين، وامسح رأس اليتيم [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن حبشي الخثعمي- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: «طول القيام» ، قال: فأيّ الصّدقة أفضل؟ قال «جهد المقلّ» [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد والشيخان عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحبّ إلى الله؟ قال: «الصلاة لوقتها» ، قلت: ثم أيّ؟ قال:
«بر الوالدين» قلت: ثم أيّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله، حدّثني بهن ولو استزدته لزادني [ (4) ] .
وروى الإمام أحمد عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم من أين أتصدّق وليس لي مال؟ قال: إن من ثواب الصّدقة التكبير والتسبيح، وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، واستغفر الله.
وعن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، الرجل يعمل العمل، فيستره، فإذا أطلع عليه أعجبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أجران أجر السر، وأجر العلانية» . قال:
__________
[ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 19/ 199 وأحمد في المسند 3/ 477.
[ (2) ] أخرجه أحمد 2/ 263 والبيهقي 4/ 60، 61.
[ (3) ] أخرجه أبو داود (1325 و 1449) والبيهقي 3/ 9، 4/ 180 والطحاوي في المعاني 1/ 476.
[ (4) ] أخرجه البخاري 2/ 9 (527) ومسلم 1/ 90 (139/ 85) .(9/228)
فقد فسّر بعض أهل العلم الحديث إذا اطّلع عليه فأعجبه، إنما معناه يعجبه ثناء الناس عليه بهذا.
وروى ابن ماجة عن كلثوم الخزاعي- رضي الله تعالى عنه- قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا رسول الله، كيف لي أن أعلم إذا أحسنت، وإذا أسأت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا قال جيرانك قد أحسنت، فقد أحسنت، وإذا قال جيرانك قد أسأت، فقد أسأت» [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، كيف لي أن أعلم إذا أحسنت، وإذا أسأت؟ قال: «إذا سمعتهم يقولون: قد أحسنت، فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت، فقد أسأت» .
الثالث: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الطّهارة، وما يتعلق بها:
روى الإمام الشافعي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر، ومعنا القليل من الماء، إن توضأنا به عطشنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو الطّهور ماؤه الحلّ ميتته» .
وروى أبو داود والترمذي والإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قيل يا رسول الله، أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض والنتن ولحوم الكلاب؟ قال: «الماء الطّهور لا ينجسه شيء» .
وروى الدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحياض التي تكون بين مكة والمدينة، فقيل له: إن السباع والكلاب ترد عليها؟ فقال: «لها ما أخذت في بطونها، ولنا ما بقي طهور» .
وروى ابن ماجه عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والحمر وعن الطهارة بها، فقال: «لها ما حملت في بطونها، ولنا ما بقي طهور» .
روى الإمام الشافعي والدارقطني عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عما أفضلته الحمر أنتوضأ بما أفضلته الحمر؟ قال: «نعم، وبما أفضلت السباع» .
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول
__________
[ (1) ] أخرجه ابن ماجة (4222) والبيهقي 10/ 125.(9/229)
الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض، وفي لفظ بأرض فلاة، وما ينوبه من الدّوابّ والسّباع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا بلغ الماء قلّتين لم يحمل الخبث» .
وروى الشيخان عن عبد الله بن زيد الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- قال: شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخيّل أو يجد الشّيء في الصلاة قال: «لا ينصرف حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا» .
وروى أبو داود عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت رجلا مذّاء فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرت المقداد بن الأسود، فسأله فقال: فيه الوضوء، وفي رواية «توضأ واغسل ذكرك» .
وروى الإمام الشافعي والبيهقي عن المقداد- رضي الله تعالى عنه- أن عليا- رضي الله تعالى عنه- أمره أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم إذا دنا الرّجل من امرأته فخرج منه المذي ماذا عليه؟
فقال: ينضح الماء على فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة.
وروى الإمام أحمد والترمذي عن سهل بن حنيف- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت ألقى من المذي شدّة وعناء وكنت أكثر- وفي لفظ- فأكثر من الاغتسال، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنما يجزيك من ذلك الوضوء» ، فقال: يا رسول الله، فكيف ما يصيب ثوبي منه؟ فقال: «إنما يكفيك كف من ماء تنضح به من ثوبك» .
وروى البخاري عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: يا رسول الله، إذا جامع الرّجل المرأة، فلم ينزل قال: «يغسل ما مسته المرأة منه، ثم يتوضأ»
وفي رواية سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يصيب المرأة، ثم يكسل قال: «يغسل ما أصابه من المرأة ثم يتوضأ، ويصلي» .
وروى الإمام أحمد عن أسيد بن حضير- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن لحوم الإبل، فقال: «توضأ من لحومها، وسئل عن لحوم الغنم» ، فقال: لا تتوضأ من لحومها.
وروى الترمذي وصحّحه عن خزيمة بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن مسح الخفين، فقال: «للمسافر ثلاثة أيام، والمقيم يوم وليلة» .
وروى ابن أبي شيبة وأبو داود عن أبي عمارة- رضي الله تعالى عنه- قال: يا رسول الله، المسح على الخفين، قال: «نعم يوما ويومين» ، قال: وثلاثة قال: «نعم» .(9/230)
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أكون في الرّمل أربعة أشهر أو خمسة أشهر، فيكون النفساء والحائض والجنب فما ترى؟ قال: «عليك بالتراب» .
وروى ابن أبي شيبة والشيخان والنسائي عن عمران بن الحصين أن رجلا قال: يا رسول الله، أصابتني جنابة ولا ماء، قال: «عليك بالصّعيد، فإنّه يكفيك» .
وروى الدارقطني وعبد الرزّاق ابن أبي شيبة عن عمار بن ياسر- رضي الله تعالى عنه- قال أجنبت وأنا في الأبواء فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنّما يكفيك في ذلك التيمم» .
وروى ابن ماجه والدّارقطنيّ عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: انكسرت إحدى زنديّ فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أمسح على الجبائر.
وروى أبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد البلل ولا يذكر احتلاما، قال: يغتسل، وعن الرجل يرى أنه احتلم، ولا يجد بللا، قال: «لا غسل عليه» ، قالت أم سلمة فالمرأة ترى ذلك أعليها غسل؟ قال: «نعم، إنّ النساء شقائق الرجال» .
وروى الشيخان عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحقّ، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم، إذا رأت الماء» .
وروى أبو داود وابن أبي شيبة عن أبي ثعلبة الخشني- بالخاء والشين المعجمتين-- رضي الله تعالى عنه- أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنا نغزو إلى أرض العدو فنحتاج إلى آنيتهم، قال: «استغنوا عنها ما استطعتم، فإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها واشربوا» .
وروى الإمام أحمد والترمذي عن أبي ثعلبة الخشني، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قدور المجوس، فقال: «اتقوها غسلا واطبخوا فيها» .
وروى أحمد والترمذي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة عن امرأة من بني عبد الأشهل قالت: قلت: يا رسول الله، أن بيني وبين المسجد طريقا قذرا، قال: «أفبعدها طريق أنظف» ؟
قالت: نعم، قال: «هذه بهذه» .
وروى البيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قيل: يا رسول الله [.....] .
وروى أبو الشيخ في كتاب الفرائض عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنه- قال:(9/231)
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلالة فقال: ما خلا الولد والوالد.
وروى الطبراني وغيره عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الراسخين في العلم، قال من برئت يمينه وصدق لسانه، واستقام قلبه وعفّ بطنه وفرجه، فذلك من الراسخين في العلم.
وروى الحاكم وصححه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القناطير المقنطرة قال: «القنطار ألف أوقية» [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القنطار اثنا عشر ألف أوقية» [ (2) ] .
وروى الترمذي وصحّحه عن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني، فقال:
كيف نصنع بهذه الآية؟ قال: أيّ آية؟ قلت: قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة/ 105] قال: أما والله، لقد سألت عنها خبيرا قال:
سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحّا مطاعا وهوى متّبعا، ودنيا مؤثرة وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك ودع العوام» [ (3) ] .
روى الإمام أحمد والطبراني وغيرهما عن أبي عامر الأشعري: قال: إنه كان فيهم شيء فاحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما حبسك» قال: قرأت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة/ 105] فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «لا يضرّكم من ضل من الكفّار إذا اهتديتم» [ (4) ] [المائدة/ 105] .
وروى ابن مردويه عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عمن استوت حسناته وسيئاته، فقال: «أولئك أصحاب الأعراف» .
وروى الطبراني والبيهقي وسعيد بن منصور وغيرهم عن عبد الرحمن المدنيّ قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف؟ قال: هم ناس قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم
__________
[ (1) ] أخرجه الحاكم 2/ 178.
[ (2) ] أخرجه ابن ماجة (3360) وأحمد (36312) وابن حبان ذكره الهيثمي (663) والطبري في التفسير 3/ 33.
[ (3) ] أخرجه الترمذي (3058) وأبو داود (4341) وابن ماجة (4014) وأبو نعيم في الحلية 2/ 30 والبيهقي 10/ 92 والبغوي في التفسير 2/ 101 وانظر الدر المنثور 2/ 339.
[ (4) ] انظر مجمع الزوائد 7/ 19 والسيوطي في الدر 2/ 339.(9/232)
فمنعتهم الجنة، بمعصية آبائهم، ومنعتهم النّار قتلهم في سبيل الله [ (1) ] .
وروى ابن المبارك في الزهد والطبراني والبيهقي في الشعب عن عمران بن الحصين، وأبي هريرة- رضي الله تعالى عنهما- قالا: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ [الصف/ 12] قال: قصر من لؤلؤ في ذلك القصر سبعون دارا من ياقوتة حمراء في كل دار سبعون بيتا من زبر جدة خضراء في كل بيت سبعون سريرا على كل سرير سبعون فراشا من كل لون على كل فراش زوجة من الحور العين في كل بيت سبعون مائدة، على كل مائدة سبعون لونا من الطعام، في كل بيت سبعون وصيفة، ويعطى المؤمن في كل غداة من القوة، ما يأتي على ذلك كله
[ (2) ] .
وروى مسلم وغيره عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: اختلف رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى فقال أحدهما: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الآخر:
مسجد قباء، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن ذلك، فقال: «هو مسجدي» [ (3) ] .
وروى ابن مردويه- رضي الله تعالى عنه- عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس/ 62] . قال: الذين تحابّوا في الله.
وروى مثله في حديث جابر بن عبد الله.
وروى الإمام أحمد وسعيد بن منصور والترمذي وغيرهم عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- أنه سئل عن هذه الآيةهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
[يونس/ 64] قال: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرك هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم، أو ترى له فهي بشارة في الحياة الدنيا بشارة في الآخرة وله طرق كثيرة [ (4) ] .
وروى ابن جبير وابن أبي حاتم وابن مردويه والدارقطني والبيهقيّ في «الرؤية» عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يونس/ 26] قال: «الَّذين أحسنوا التّوحيد، والحسنى الجنة، والزيادة النّظر إلى وجه الله» .
__________
[ (1) ] انظر تخريج هذا مطولا في تحقيقنا على وسيط الواحدي.
[ (2) ] ابن المبارك في الزهد (550) والطبري في التفسير 10/ 124 والسيوطي في اللآلي 2/ 245 وابن عراق في تنزيه الشريعة 2/ 382 وابن الجوزي في الموضوعات 3/ 252 وانظر القرطبي 18/ 88.
[ (3) ] أخرجه مسلم في الحج (514) والترمذي (3099) وأحمد 3/ 8، 89 والبيهقي في السنن الكبرى 5/ 246 وابن أبي شيبة 2/ 372 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1037) الطبراني في الكبير 5/ 145، 6/ 254 وانظر زاد المسير 3/ 501 والدر المنثور 3/ 7.
[ (4) ] أخرجه أحمد 6/ 452 والحاكم 2/ 340 والترمذي (2273) .(9/233)
وروى الإمام أحمد عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت يا رسول الله، أوصني، قال: «إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها» ، قلت: يا رسول الله، أمن الحسنات لا إله إلا الله؟
قال: «هي أفضل الحسنات» .
وروى سعيد بن منصور وأبو يعلى والحاكم وصحّحه والبيهقي في «الدلائل» عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال: جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، أخبرني عن النّجوم التي رآها يوسف ساجدة له، وما أسماؤها؟ فلم يجبه بشيء، حتى أتاه جبريل، فأخبره، فأرسل إلى البستاني اليهودي، فقال: «هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها؟» قال: نعم، قال: «حرتان والطارق والذيال وذو الكفتان والفريخ ودنان وهودان وقابس والضروح والمصبح والفيلق والضياء» ، والنور يعني: أباه وأمه رآها في أفق السماء ساجدة له، فلمّا قصّ رؤياه على أبيه، قال: أرى أمرا مشتتا يجمعه الله تعالى فقال اليهوديّ: إي والله، إنها لأسماؤها [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد والترمذي وصححه النسائي عن ابن عباس قال: أقبلت يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: «ملك من ملائكة الله تعالى موكّل بالسّحاب، بيده مخاريق من نار يزجر بها السّحاب يسوقه حيث أمره الله تعالى» قال: فما هذا الصّوت الذي نسمعه؟ قال: صوته [ (2) ] .
وروى الترمذي وقال: حسن غريب وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: لما نزلت فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ [هود/ 105] سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبيّ الله، فعلى ما نعمل على شيء قد فرغ منه، أو على شيء لم يفرغ منه؟ قال: «بل على شيء قد فرغ منه، وجرت به الأقلام يا عمر، ولكن كل ميسر لما خلق له» [ (3) ] .
وروى ابن مردويه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ [الرعد/ 39] . قال: ذلك كل ليلة قد يرفع ويجبر ويرزق، غير الحياة والموت والشقاوة والسعادة، فإن ذلك لا يبدل [ (4) ] .
__________
[ (1) ] انظر الدر المنثور للسيوطي 4/ 4 وانظر الكلام على ذلك مفصلا في: البحر المحيط لأبي حيان.
[ (2) ] أخرجه الترمذي (3117) وأحمد 1/ 274 والطبراني في الكبير 12/ 46 وانظر المجمع 8/ 242 والدر المنثور 4/ 50.
[ (3) ] تقدم.
[ (4) ] انظر الدر المنثور 4/ 66.(9/234)
وروي عن علي أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: فقال: «لأقرنّ عينك بتفسيرها، ولأقرّنّ عين أمتي من بعدي بتفسيرها، الصّدق على وجهها، وبر الوالدين واصطناع المعروف يحول الشقاء سعادة، ويزيد في العمر [ (1) ] .
وروى مسلم عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء حبر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أين النّاس يوم تبدّل الأرض غير الأرض؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهم في الظلمة دون الجسر» [ (2) ] .
وروى مسلم والترمذي وابن حبّان وابن ماجة وغيرهم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أنا أول الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية قلت: أين الناس يومئذ؟ قال:
«هم على الصّراط» [ (3) ] .
وروى ابن مردويه عن البراء- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله تعالى: زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ [النحل/ 88] قال: عقارب أمثال النّخل الطّوال ينهشونهم في جهنم [ (4) ] .
وروى البيهقي في الدلائل عن سعيد المصري أن عبد الله بن سلّام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن السّواد الذي في القمر، فقال: كانا شمسين فقال الله تعالى وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ [الإسراء/ 12] فالسواد الذي رأيت هو المحو.
وروى الشيخان وغيرهما عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أنبئني عن كل شيء قال: «كلّ شيء خلق من الماء» .
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: يا رسول الله الَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون/ 60] والذي يسرق ويزني ويشرب وهو يخاف الله قال: لا يأتيه الصديق الذي يصلي، ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله.
وروى ابن أبي حاتم عن أبي سورة ابن أخي أبي أيوب قال: قلت: يا رسول الله، هذا
__________
[ (1) ] الدر المنثور 4/ 66.
[ (2) ] مسلم في كتاب الحيض (34) وأبو عوانة 1/ 294 والطبراني في الكبير 2/ 88 وأبو نعيم في الحلية 1/ 351 والبيهقي 1/ 169.
[ (3) ] مسلم في كتاب صفات المنافقين (29) وأحمد 6/ 251، 134 والدارمي 2/ 329 والترمذي (3121) (3242) .
[ (4) ] الدر المنثور 4/ 127.(9/235)
السّلام فما الاستئناس؟ قال: «يتكلّم الرّجل بتسبيحه وتكبيره وتحميده ويتنحنح، فيؤذن أهل البيت» [ (1) ] .
وروى ابن أبي حاتم عن يحيى بن سعيد ويرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن قوله تعالى: وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ [الفرقان/ 13] قال: «والذي نفسي بيده، إنّهم يستكرهون في النار كما استكره الوتد في الحائط» [ (2) ] .
وروى البزار بسند ضعيف وله شواهد موصولة ومرسلة عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أيّ الأجلين قضى موسى؟ قال: أوفاهما وأبرهما قال: وإن سئلت أي المرأتين تزوّج، فقل: «الصّغرى منهما» [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد والبزّار والترمذي وحسّنه وغيرهما عن أم هانئ- رضي الله تعالى عنها- قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ [العنكبوت/ 29] كانوا يحذفون أهل الطريق، ويسخرون منهم فهو المنكر الذي كانوا يأتون [ (4) ] .
وروى الشيخان عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها [يس/ 38] قال: «مستقرها تحت العرش» ،
وروي عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشّمس، فقال: يا أبا ذر، أتدري أين تغرب الشمس قلت:
الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فذلك قوله: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها [ (5) ] [يس/ 38] .
وروى ابن جرير عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن قوله تعالى: حُورٌ عِينٌ [الواقعة/ 22] قال: «العين الضخام العيون شفر الحوراء كمثل جناح النّسر» قلت: يا رسول الله، أخبرني عن قوله الله تعالى كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ [الصافات/ 49] قال: «رقتهن كرقة الجلدة التي داخل البيضة التي تلي القشرة» [ (6) ] .
وروى البغوي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
[ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 4/ 213 وابن ماجة (3707) وابن أبي شيبة 8/ 19 والسيوطي في الدر 5/ 38 وابن كثير في التفسير 6/ 41. وإسناد ابن ماجة ضعيف.
[ (2) ] انظر الدر المنثور 5/ 64.
[ (3) ] انظر المجمع 1/ 88 والطبري 2/ 44 والدر المنثور 5/ 127.
[ (4) ] أخرجه أحمد 1/ 341، 324 والطبري 20/ 93 والبغوي 5/ 192 والقرطبي 13/ 342.
[ (5) ] أخرجه البخاري 6/ 297 (3199، 4802، 4803) ومسلم 1/ 138 (250، 251/ 159) .
[ (6) ] أخرجه الطبري 23/ 27 والدر المنثور 6/ 150.(9/236)
هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ [الرحمن/ 60] وقال ربّكم: «هل تدرون ما قال ربّكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: يقول: «ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة» [ (1) ] .
وروى أبو بكر بن النجار عن سليم بن عامر قال أقبل أعرابي، فقال: يا رسول الله، ذكر الله في الجنّة شجرة تؤذي صاحبها قال: وما هي؟ قال: «السدر، فإن له شوكا مؤذيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أليس يقول الله تعالى في سِدْرٍ مَخْضُودٍ [الواقعة/ 28] يخضده الله من شوكه فيجعل له مكان كل شوكة ثمرة إنها تنبت ثمرا يفتق الثمر منها عن اثنين وسبعين لونا من الطعام، ما فيها لون يشبه الآخر» [ (2) ] .
وروى ابن أبي الدنيا في كتاب البعث عن عتبة بن عبيد السّلميّ ورواه الطبراني عن أم سلمة، قالت: قلت: يا رسول الله أخبرني عن قوله تعالى حُورٌ عِينٌ [الواقعة/ 22] قال:
«حور بيض عين ضخام العيون شفر الحوراء منزلة جناح النّسر» ، قلت: أخبرني عن قوله تعالى فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ [الرحمن/ 70] قال: خيرات الأخلاق، حسان الوجوه، قلت:
أخبرني عن قوله تعالى: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ [الصافات/ 49] قال: «رقتهن كرقّة الجلد المتداني في داخل البيضة ممّا يلي القشرة» ، قلت: أخبرني عن قوله تعالى: عُرُباً أَتْراباً [الواقعة/ 37] قال: «كأنّهنّ اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز رمصا شمطا خلقهن الله بعد الكبر، فجعلهن عذارى عربا متعشقات متحببات أترابا على ميلاد واحد» [ (3) ] .
وروى الترمذي عن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [الصافات/ 147] قال: «يزيدون عشرين ألفا» [ (4) ] .
وروى أبو داود والترمذي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قيل: يا رسول الله، ما الغيبة؟ قال: «ذكرك أخاك بما يكره» ، قال: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته» [ (5) ] .
وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج/ 4] ما أطول هذا اليوم؟ فقال: «والذي
__________
[ (1) ] البغوي في التفسير 7/ 26.
[ (2) ] انظر الدر المنثور 6/ 156.
[ (3) ] أخرجه العقيلي في الضعفاء 2/ 138 وانظر المجمع 7/ 119، 10/ 417 وانظر تفسير ابن كثير 8/ 10 والحاوي للسيوطي 2/ 180.
[ (4) ] السيوطي في الدر 5/ 291 وابن كثير 7/ 35 والكنز (4571) .
[ (5) ] أخرجه مسلم 4/ 2001 (70/ 2589) .(9/237)
نفسي بيده، إنه يخفف على المؤمن، حتى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا» [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد والشيخان وغيرهما عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من نوقش الحساب عذّب» وفي الضياء وعند ابن جرير «ليس يحاسب أحد إلا عذّب» قلت: أليس يقول فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً [الانشقاق/ 8] فقال: «ليس ذلك بالحساب ولكن ذاك العرض» [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد عنها قالت: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: الحساب اليسير؟ قال: «أن ينظر في كتابه، فيتجاوز له عنه إن من نوقش الحساب يومئذ هلك» .
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها [الزلزلة/ 4] قال: «أتدرون ما أخبارها» ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم؟
قال: «إن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها وأن تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا» [ (3) ] .
وروى ابن جرير وأبو يعلى عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ [الماعون/ 5] قال: «الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها» .
وروى ابن ماجه عن زينب بنت أم سلمة والطبراني في الأوسط عن سهلة بنت سهيل، وعن أبي هريرة والنّسائيّ عن خولة بنت حكيم قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها؟ قال: «إذا رأت الماء فلتغتسل» .
وروى مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها، ما يرى الرّجل؟ قال: «إذا رأت ذلك فأنزلت، فعليها الغسل» ، فقالت أمّ سلمة: يا رسول الله، أيكون هذا؟ قال: «نعم» ، قال: «ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر فأيّهما علا أو سبق يكون منه الشّبه» .
وروى الإمام أحمد وأبو يعلى عن أم سلمة قال: جاءت أم سليم فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ فقال: «الغسل» ، فقلت لها: «تربت يمينك فضجّت
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 3/ 75 وانظر المجمع 10/ 337 والدر المنثور 6/ 265.
[ (2) ] أخرجه البخاري 1/ 196 (103) (6536، 6537) ومسلم 4/ 2204 (79/ 2876) .
[ (3) ] أخرجه أحمد 2/ 374 والترمذي (3353) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2586) والحاكم 2/ 256 وانظر الدر 6/ 380.(9/238)
النساء، وهل تحتلم المرأة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «تربت يمينك، فبم يشبهها ولدها» .
وروى الإمام أحمد والطبراني في الكبير عن أم سلمة، قالت أم سليم: يا رسول الله، المرأة تحتلم؟ قال: «إذا رأت الماء الأصفر، فلتغتسل» .
وروى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله تعالى عنهما- قال: جاءت المرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة ماذا تصنع به؟ قال: «تحثّه ثم تقرضه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلّي فيه» .
وروى الشيخان وأبو داود عن أسماء قالت: يا رسول الله، نحيض في الثوب كيف نصنع؟ قال: تحثّينه ثم تقرضيه بالماء، ثم تنضحيه ثم تصلين فيه» .
وروى عبد الرزاق والإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان عن أم قيس بنت محصن- بكسر الميم-- رضي الله تعالى عنها- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثّوب؟ قال: «حكّيه بضلع، واغسليه بماء وسدر» .
وروى الدارقطني عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفأرة تقع في السمن والزيت؟ قال: «استصبحوا به ولا تأكلوا» .
وروى البخاري عن ميمونة- رضي الله تعالى عنها- أنها استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فأرة سقطت في سمن جامد؟ فقال: «ألقوها وما حولها، وكلوا سمنكم» .
وروى الدارقطني وابن جرير عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن فأرة وقعت في ودك لنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن كان جامدا فألقوها وما حولها، وكلوا ودككم» ، قالوا: يا رسول الله، إن كان مائعا، قال: «فلا تقربوه» .
روى الدارقطني وحسّنه عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الاستطابة؟ فقال: «أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجار حجران للصفحتين، وحجر للمسربة» .
وروى الدارقطني عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنّها قالت: مرّ سراقة بن مالك المدلجي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عن التغوط، فأمره أن يتنكب القبلة ولا يستقبلها ولا يستدبرها ولا يستقبل الريح، وأن يستنجي بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع أو ثلاثة أعواد أو ثلاثة حثيات من تراب.
التّغوّط: قضاء الحاجة.
يتنكب القبلة: أي لا يستقبلها ولا يستدبرها.(9/239)
الرجيع: الرّوث والعذرة تسمى رجيعا، لأنه صار الذي رجع إليه بعد أن كان طعاما أو علفا نجسا.
وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن لقيط بن صبرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أسألك عن الصلاة، قال: أسبغ الوضوء، وخلّل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما.
وروى أبو داود عن عمرو وبن شعيب عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف الطّهور؟ فدعا بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثا ثمّ غسل وجهه ثلاثا، ثم غسل ذراعيه ثلاثا، ثم مسح برأسه، وأدخل إصبعيه السّبّابتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه وبالسبابتين باطن أذنيه، ثم غسل رجليه ثلاثا ثلاثا، ثم قال: «هكذا الوضوء! فمن زاد على هذا، أو نقص، فقد أساء وظلم] .
وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن أبي شيبة عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه في ليلة فاغتسل عند كل امرأة منهنّ غسلا، فقلت: يا رسول الله، لو اغتسلت غسلا واحدا قال: هذا أطيب وأطهر وأنظف.
وروى البيهقي وابن ماجة عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني اغتسلت من الجنابة، وصلّيت الصّبح، فرأيت قدر موضع الظّفر لم تمسه الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو كنت مسحت عليه بيدك أجزأك» .
وروى مسلم وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة واللّفظ لهما عن عائشة- رضي الله تعالى عنهما- قالت: دخلت أسماء بنت شكل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، كيف تغتسل إحدانا إذا تطهّرت من الحيض، قال: تأخذ سدرها وماءها فتتوضأ وتغسل بدنها ورأسها، حتّى يبلغ الماء أصول شعرها، ثم تفيض الماء على جسدها، ثم تأخذ فرصتها فتتطهر بها فقلت: يا رسول الله، كيف أتطهر بها قال: سبحان الله تطهري بها؟ فاجتذبتها إليّ فقلت:
تتّبعي بها أثر الدم.
وروى عبد الرزاق والإمام أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجة عن عائشة أن أسماء سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل الحيض قال: تأخذ إحداكنّ ماءها وسدرها فتتطهر فتحسن الطّهور، ثم تصبّ الماء على رأسها، فتدلّكه دلكا شديدا، حتى يبلغ الماء أصول شعرها، ثم تفيض على جسدها ثمّ تأخذ فرصة ممسكة فتتطهر بها.
وروى الإمام مالك مرسلا عن زيد بن أرقم- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحل لي من امرأتي؟ وهي حائض؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تشدّ عليها إزارها، ثم شأنك بأعلاها» .(9/240)
وروى أبو نعيم في الحلية عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مواكلة الحائض، قال: وأكلها.
وروى الإمام الشافعي والبخاري عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن أم حبيبة- رضي الله تعالى عنها- استحيضت سبع سنين، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنّما هو عرق، وليست بالحيضة، فأمرها أن تغتسل وتصلّي، وكانت تغتسل وتصلي، وكانت تغتسل لكل صلاة وتجلس في المركن فيعلو الدم.
وروى البخاري عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت:
يا رسول الله، إني امرأة أستحاض، فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، إنّما هو عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصّلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي، وفي لفظ عند ابن أبي شيبة وليست بالحيض، اجتنبي الصلاة أيام حيضتك ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة، ثم صلي ولو بسط الدّم على الحصير.
وروى النسائي والحاكم عن عائشة أن أم حبيبة استحيضت فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق، فإذا أدبرت الحيضة، فاغتسلي وصلّي، وإذا أقبلت فاتركي لها الصّلاة» .
وروى مسلم والنسائي عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها قالت: يا رسول الله، إني لا أطهر، أفأدع الصّلاة فقال: «إنّما ذلك عرق فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصّلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدّم، ثم صلّي» .
وروى أبو داود والنسائي بلفظ: أنّها شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الدم فقال: «إنما ذلك عرق، انظري إذا أتى قرؤك فتطهري ثم صلّي ما بين القرء إلى القرء» .
وروى الدارقطني عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كم تجلس المرأة إذا ولدت؟ قال: «تجلس أربعين يوما، إلّا أن ترى الطّهر قبل ذلك» .
وروى أيضا عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- نحوه.
الرابع: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الصلاة وما يتعلق بها.
روى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أفضل الأعمال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصّلاة قال ثمّ مه؟ قال:
الصّلاة، قال: ثمّ مه؟ قال: الصلاة، قال: فلما غلب عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجهاد في سبيل الله، قال الرجل: فإنّ لي والدين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمرك بالوالدين خيرا» .
.. وساق الحديث.(9/241)
وروى البيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أيّ شيء أحبّ في الإسلام عند الله؟ قال:
«الصلاة لوقتها، ومن ترك الصلاة فلا دين له، والصلاة عماد الدّين» .
وروى البخاري عن عبد الله بن مسعود قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟
قال: الصلاة لميقاتها قلت ثم أيّ؟ قال: برّ الوالدين، قلت: ثم أيّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله،
فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني.
وروى الدارقطني عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ الأعمال أفضل؟ قال: «الصّلاة لميقاتها الأوّل» ورواه أيضاً عن ابن عبّاس.
وروى مسلم عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ونحن قعود معه، إذ جاء رجل، فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدا فأقمه عليّ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعاد فسكت عنه، وأقيمت الصلاة، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم تبعه الرّجل واتّبعته أنظر، ماذا يردّ عليه؟ فقال له: أرأيت حين خرجت من بيتك، أليس قد توضّأت فأحسنت الوضوء؟ قال: بلى، يا رسول الله، قال ثم شهدت الصلاة معنا. قال: نعم، يا رسول الله، قال: فإن الله تعالى قد غفر لك حدّك، أو قال ذنبك.
وروى الشيخان نحوه عن أنس.
قال النووي قوله: «أصبت حدّا» معناه معصية توجب التعزير، وليس المراد الحدّ الشّرعيّ الحقيقيّ كحدّ الزّنا والخمر وغيرها، فإن هذه الحدود لا تسقط بالصّلاة، ولا يجوز للإمام تركها.
وروى الإمام أحمد عن سمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الصّلاة الوسطى، قال: هي العصر.
وروى البيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سأل صفوان بن المعطل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني سائلك عن ساعات الليل والنهار وهل فيها شيء يكره فيه الصلاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم» .
وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن شيبة عن البراء- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصّلاة في مبارك الإبل، فقال: لا تصلوا فيها، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: صلّوا فيها، فإنّها بركة.
وروى الترمذي عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصلّي في معاطن الإبل؟ قال: لا، قال:(9/242)
أفنصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم ورواه ابن أبي شيبة بلفظ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي في مرابض الغنم، ولا نصلي في أعطان الإبل، وفي لفظ: كنّا نصلّي في مرابض الغنم، ولا نصلي في أعطان الإبل.
وروى الإمام أحمد والبخاري عن عمران بن الحصين- رضي الله تعالى عنه- قال: كانت بي بواسير فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعدا فقال: «إن صلّى قائماً فهو أفضل، ومن صلّى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلّى نائما فله نصف أجر القاعد» .
وروى أبو داود وعبد الرزاق واللفظ له عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني لا أستطيع أن أتعلّم القرآن، فماذا يجزؤني؟ قال: تقول: سبحان الله، والحمد لله والله أكبر، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، العلي العظيم، فقال الرجل هكذا، أو جمع أصابعه الخمس، قال: هذا لله، فما لي قال: تقول اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني، وقبض الرجل كفّه جميعا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد ملأ يديه من الخير.
وروى الدارقطني وضعف إسناده عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم أأقرأ خلف الإمام أو أنصت؟ قال: بل أنصت، فإنه يكفيك.
وروى ابن عدي والبيهقي في كتاب «الغزاة» عن أبي أمامة قال: قال رجل: يا رسول الله أفي كلّ صلاة قراءة؟ قال: «نعم، ذلك واجب» .
وروى البيهقي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه- رضوان الله عليهم- قال:
جاءت الحطّابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا لا نزال سفرا فكيف نصنع بالصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [.....] .
وروى الشيخان عن كعب بن عجرة- رضي الله تعالى عنه- قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله، قد علمتنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال:
قولوا: اللهم، صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم، بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد.
وروى مسلم عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشر بن سعد: أمرنا الله أن نصلّي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنّينا، أنه لم يسأله ثم قال صلى الله عليه وسلم: قولوا: «اللهم، صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد» .(9/243)
وروى الإمام أحمد ومسلم وعبد الرزاق وابن أبي شيبة عن عثمان بن أبي العاص الثقفي- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وبين قراءتي يلبّسها عليّ، فقال: ذلك شيطان، يقال له خنزب، فإذا أحسست به فاتفل على يسارك ثلاثا، وتعوّذ بالله من شره.
وروى الإمام أحمد عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رجلا يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أأصلي في الثوب الذي آتى فيه أهلي؟ قال: نعم، إلا أن ترى فيه شيئا تغسله.
وروى عبد الرزاق والإمام أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حسن وابن ماجة والحاكم والبيهقي عن معاوية بن حيدة- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: احفظ عليك عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك، قلت: يا رسول الله فإذا كان بعضنا ينظر في بعض، قال: إذا استطعت أن لا تنظر الأرض إلى عورتك، فافعل، قلت: أرأيت إذا كان أحدنا خاليا؟ قال: الله أحقّ أن تستحي منه من النّاس، ووضع يده على فرجه.
وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الثّوب الواحد، قال: أو كلّكم يجد ثوبين.
وروى الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الصّلاة في الثّوب الواحد، فقال: إن كان واحدا فليضمّه، وإن كان عاجزا فليأتزر به.
وروى ابن أبي شيبة والشيخان وأبو داود وابن ماجة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة في الثّوب الواحد فقال أو كلّكم يجد ثوبين؟ ورواه الإمام أحمد وأبو داود وابن حبان والطبراني في الكبير عن قيس بن طلق عن أبيه، وابن أبي شيبة والإمام أحمد والنّسائيّ وأبو يعلى وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والضياء عن سلمة بن الأكوع. قال: قلت: يا رسول الله، أكون أحيانا في الصّيد أفأصلي في قميص واحد؟ فقال: زره عليك ولو بشوكة.
وروى الإمام أحمد عن ثابت- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت جالسا مع عبد الرحمن بن أبي ليلى.
وروى الدارقطني وأبو داود والحاكم عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم أتصلّي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: إذا كان الدّرع سابغا يغطي ظهور قدمها.(9/244)
وروى الدارقطني عن سلمة بن الأكوع قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في القوس والقرن، قال: اطرح القرن وصلّ في القوس.
القرن بالتحريك: هو الجعبة يجعل فيها الثياب وإنما أمره بطرحها لاحتمال أن يكون من جلد غير مذكى ولا مدبوغ ولا تصح الصلاة مع حملها، لأنها نجسة، والقوس معروف.
وروى الشيخان عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أوّل مسجد وضع في الأرض قال: «المسجد الحرام» قلت ثم أيّ؟ قال: المسجد الأقصى؟
قلت كم بينهما؟ قال: أربعون عاما، ثم الأرض لك مسجدا، فحيث أدركت الصّلاة فصلّ فهو مسجد.
وروى عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله، أي مسجد في الأرض أوّل؟ قال: المسجد الحرام، قلت ثم أيّ؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟
قال: أربعون سنة قال: حيثما أدركت الصلاة فصلّ، فهو مسجد [ (1) ] .
وروى الدارقطني وضعّفه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب إلى أرض الحبشة، قال يا رسول الله، أصلي في السفينة؟
قال: صلّ فيها قائما إلا أن تخاف الغرق.
وروى الشيخان وعبد الرزاق عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كنّا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصّلاة فيرد علينا، فلمّا رجعنا من عند النّجاشيّ سلّمنا عليه، فلم يردّ علينا، وقال: إن في الصلاة شغلا، ولفظ عبد الرزّاق: فلمّا جئت من أرض الحبشة سلّمت عليه فلم يردّ علينا أحد في ما تقدّم وما تأخّر، ثم انتظرته، فلما قضى صلاته ذكرت ذلك له، فقال: أن الله تعالى يحدث من أمره ما يشاء، وإنه قد قضى، أو قال: أحدث أن لا تكلموا في الصلاة.
وروى الإمام أحمد عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل شيء حتى سألته عن مس الحصى فقال: واحدة أو دع.
وروى عبد الرزاق والإمام أحمد وابن خزيمة عن أبي ذر قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن كل شيء حتى سألته عن مسّ الحصى، فقال: واحدة أو دع.
وروى جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مس الحصى، فقال: واحدة، فلأن تمسك عنها خير لك من مائة نافلة، كلّها سود الحدق.
__________
[ (1) ] سقط في أ.(9/245)
وروى الترمذي عن معيقب- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مس الحصى في الصلاة، فقال: إن كان لا بدّ فاعلا مرة واحدة.
وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصّلاة، فقال: هو اختلاس يختلسه الشّيطان من صلاة العبد.
وروى عبد الله بن أحمد عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا قام أحدكم يصلّي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل أخرة الرجل، فإذا لم يكن بين يديه مثل أخرة الرّجل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود» ، قلت: يا أبا ذر، ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال: يا بن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال: «الكلب الأسود شيطان» .
وروى أبو داود عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال: سأله رجل فقال: يصلي أحدنا في منزله الصلاة، ثم يأتي المسجد وتقام الصّلاة فأصلّي معهم، فأجد في نفسي من ذلك شيئا، فقال أبو أيوب: سألنا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «فذلك له سهم جمع» .
وروى البيهقي في «الغزاة» عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تقرأون القرآن معي وأنا في الصّلاة؟ قالوا: نعم، يا رسول الله، نهذّه هذّا، أو قال ندرسه درسا، قال: فلا تفعلوا إلا بأم القرآن سرا في أنفسكم.
وروى عن عثمان بن عفان- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني صلّيت، فلم أدر أشفعت أم أوترت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم وأن يتلعب بكم الشيطان في صلاتكم، من صلّى منكم فلم يدر أشفع أم أوتر فليسجد سجدتين فإنهما إتمام صلاته» .
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأيّ شيء سميت يوم الجمعة؟ قال: «لأنّ فيها طبعت طينة أبيك آدم، وفيها الصعقة والبعثة، وفيها البطشة، وفي آخر ثلاث ساعات منها ساعة من دعا الله- عز وجل- فيها استجيب له» .
وروى الترمذي وحسنه عن عمرو بن عوف- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجمعة ساعة لا يسأل الله- عز وجل- العبد فيها شيئا إلا أتاه الله، قالوا: يا رسول الله، أي ساعة؟ قال: «هي من حين تقام الصلاة إلى الانصراف» .
وروى الإمامان الشافعي وأحمد عن سعد بن عبادة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أخبرنا عن يوم الجمعة ما فيها من الخير؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فيه خمس خلال، فيه خلق آدم، وفيه هبط عليه السلام إلى(9/246)
الأرض، وفيه توفىّ الله تعالى آدم، وفيه ساعة لا يسأل العبد فيها شيئاً إلا أعطاه إيّاه ما لم يسأل إثما أو قطيعة رحم، وفيه تقوم الساعة فما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا جبال» ، زاد أحمد: ولا حجر إلّا وهو يشفق من يوم الجمعة.
وروى الدّيلمي وابن عساكر عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الناس في العيدين: تقبل الله منا ومنكم، قال ذلك فعل أهل الكتاب وكرهه.
وروى الشيخان عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: يا رسول الله، كيف صلاة اللّيل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة اللّيل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصّبح، فأوتر بواحدة» .
وروى الترمذي واستغربه عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الشّفع والوتر، فقال: «هي الصّلاة بعضها شفع وبعضها وتر» .
وروى الدارقطنيّ عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوتر، فقال: افصل بين الثنتين والواحدة بالسلام.
وروى أبو داود عن عبد الله بن وحشي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أيّ الأعمال أفضل؟ قال: «طول القنوت»
القنوت هنا: القيام في الصلاة.
روى الإمام أحمد والنسائي عن أبي مسلم قال: قلت لأبي ذر: أيّ صلاة الليل أفضل؟
فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «نصف الليل وقليل فاعله» .
وروى النسائي وابن ماجة عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، من أسلم معك؟ قال: حرّ وعبد، قال: هل من ساعة أقرب إلى الله تعالى من الأخرى؟ قال: نعم، جوف الليل الأوسط.
وروى مسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وبحاجته، فقال سلني، فقلت إنّي أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذلك، قال: «فأعنّي عن نفسك بكثرة السجود» .
وروى مسلم عن معدان بن أبي طلحة قال: لقيني ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت:
أخبرني بعمل أعمله يدخلني الجنّة، أو قلت: بأحبّ الأعمال إلى الله تعالى فسكت، ثم سألته الثالثة، فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: عليك بكثرة السجود لله- عز وجل-، فإنك لا تسجد لله سجّدة إلا رفعك الله تعالى بها درجة وحطّ عنك خطيئة قال معدان: ثم لقيت أبا الدرداء- رضي الله تعالى عنه- فسألته، فقال مثل ما قال لي ثوبان.(9/247)
وروى البيهقي عن عبد الله بن سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة في أول وقتها.
.. الحديث.
وروى ابن ماجه عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم [ (1) ] عن صلاة الرّجل في بيته، فقال: «أما صلاة الرجل في بيته فنور فنوّروا قبوركم» .
وروي عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، كم فرض الله تعالى على عباده من الصّلوات؟ قال: افترض الله تعالى على عباده خمس صلوات..
. الحديث.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن فضالة بن عبيد الله- رضي الله تعالى عنه- قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلادة فيها ذهب وخرز تباع وهي من الغنائم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالذّهب الذي في القلادة فنزع وحده، ثم قال: الذهب بالذهب وزنا بوزن.
وروى أبو داود عن معاذ بن عبد الله بن حبيب الجهني- رضي الله تعالى عنه- أنه قال لامرأته: متى يصلي الصبيّ؟ فقالت: كان رجل منّا يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن ذلك، فقال: إذا عرف يمينه من شماله، فمروه بالصّلاة.
وروى أبو داود والدارقطني [.....] .
وروى أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي قتادة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر، فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم فملت معه، فقال: انظر فقلت: هذا راكب، هذان راكبان، هؤلاء ثلاثة، حتى صرنا سبعة، فقال: «احفظوا علينا صلاتنا» يعني صلاة الفجر، فضرب على آذانهم فما أيقظهم إلا حر الشمس فقاموا فساروا هنيهة، ثم نزلوا فتوضأوا وأذّن بلال فصلّوا ركعتي الفجر، ثم صلّوا الفجر وركبوا، فقال بعضهم لبعض: قد فرّطنا في صلاتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّه لا تفريط في النّوم إنّما التفريط في اليقظة، فإذا سها أحدكم عن صلاة، فليصلّها حين يذكرها ومن الغير للوقت» .
وروى الدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرّجل يغمى عليه [....] .
وروى مسلم عن بريدة بن الخصيب- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلوات، فقال له: صلّ معنا هذين اليومين.
__________
[ (1) ] سقط في أ.(9/248)
وروى ابن أبي شيبة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صلاة الفجر، فأمر بلالا، فأذن حين طلع الفجر، ثم من الغد حين أسفر، ثم قال: أين السّائل قال:
الوقت ما بين هذين الوقتين.
وروى ابن أبي شيبة أيضاً عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء ابن أمّ مكتوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رجل ضرير شاسع الدّار، وليس لي قائد يلازمني فهل لي من رخصة أن لا آتي إلى المسجد قال: لا.
وروى الإمام أحمد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» .
وروى الإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن موت الفجأة، قال: راحة للمؤمن وأخذة أسيف للفاجر.
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بجدار، أو حائط مائل، فأسرع المشي فقيل له، فقال: إني أكره موت الفوات وموت الفوات هو موت الفجأة من قولك فاتني فلان، أي سبقني.
روى الشيخان عن أنس- رضي الله عنه-: «دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين- وكان ظئرا لإبراهيم- فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبّله وشحّمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك، وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله تبكي؟ فقال: يا بن عوف، إنّها رحمة.
.. الحديث.
وروى مسلم عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تعدون الرّقوب فيكم؟» قلنا: الذي لا مولد له، قال: «ليس ذلك بالرّقوب، ولكن الرقوب الذي لم يقدم من ولده شيئا» [ (1) ] .
الرّقوب: بفتح الراء قال أبو عبيد: معناه في كلامهم فقد الأولاد في الدنيا، فجعل الله تعالى فقدهم في الآخره، فكأنه حول الموضع إلى غيره، وقال في النهاية: هو الرجل والمرأة إذا لم يعش لهما ولد، لأنّه يرقب موته ويرصده خوفا عليه فنقله صلى الله عليه وسلم إلى الذي لم يقدم من الولد شيئا، أي يموت قبله تعريفا أنّ الأجر والثّواب لمن قدم شيئا من الأولاد وأنّ الاعتداد به أكثر، والنّفع به أعظم، وأنّ فقدهم وإن كان في الدّنيا عظيما، فإنّ فقد الأجر والثّواب على الصّبر والتسليم للقضاء في الآخرة أعظم، وأن المسلم ولده في الحقيقة من قدّمه واحتسبه، ومن لم
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 2014 (106/ 2608) .(9/249)
يرزق من ذلك فهو الذي لا يولد له ولم يقله صلى الله عليه وسلم إبطالا لتفسيره اللّغويّ، وهذا كقوله: إنما المحروب من حرب دينه. ونقله كما قال الحافظ الدّمياطي ما تعدون المفلس؟ قالوا: الذي لا درهم له ولا متاع، قال: المفلس من أمّتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا من الألفاظ التي نقلها عن وضعها اللغوي لضرب من التّوسّع والمجاز، والسّائل: الفقير فنقله صلى الله عليه وسلم أيضا.
وروى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، تمرّ بنا جنازة الكافر، فنقوم؟ قال: نعم، فإنّكم لستم تقومون لها، إنما تقومون إعظاما للذي خلق النّفوس.
وروى الشيخان عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: مرّت جنازة، فقام لها رسول الله، فقمنا معه، فقلنا: يا رسول الله، إنها يهودية، فقال: «إنّ للموت فزعا، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا» .
وروى الإمام أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: لما مات عبد الله بن أبيّ بن سلول دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم للصّلاة عليه، فقام إليه فلمّا وقف عليه يريد الصّلاة، تحولت عنه فقمت في صدره، فقلت: يا رسول الله، أعلى عدوّ الله تصلّي؟ عبد الله بن أبي القائل يوم كذا وكذا، والقائل يوم كذا وكذا، أعدد أيامه الخبيثة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم حتى أكثرت عليه، فقال: أخر عنّي يا عمر، إنّي خيّرت فاخترت قد قيل لي اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة/ 80] فلو أعلم أني لو زدتّ على السبعين غفر لهم لزدتّ، ثم صلّى عليه ومشى معه وقام على قبره حتى فرغ منه
فتعجّبت لي ولجرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ورسوله أعلم، فو الله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ [التوبة/ 84] فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على منافق ولا قام على قبره حتى قبضة الله- عز وجل-.
وروى تمام وابن عساكر عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، إن أمي أصابها حمل فلم تفطر حتى ماتت قال: «اذهب فصلّ عليها فإن أمك قتلت نفسها» .
وروى الإمام أحمد والنسائي عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: [سمعت] رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان.
وروى أبو داود عن أبي أسيد- بضم الهمزة وفتح السين- هو مالك بن ربيعة الساعدي- رضي الله تعالى عنه- قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل من بني(9/250)
سلمة، فقال: يا رسول الله، هل بقي من برّ أبويّ شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: «نعم الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما [ (1) ] وصلة الرحم التي لا توصل إلّا بهما وإكرام صديقهما» .
وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد- رحمه الله تعالى- عن رجل شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وروى أبو داود والنسائي عن الشّريد بن سويد- رضي الله تعالى عنه- أنّ أمّه أوصت أن يعتق رقبة مؤمنة فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: عندي جارية سوداء أو نوبية فأعتقها؟
فقال: ائت بها فدعوتها فجاءت، فقال لها: من ربّك؟ قالت: الله، قال: من أنا؟ فقالت أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأعتقها، فإنّها مؤمنة.
روى الإمام أحمد عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فتان القبور، فقال عمر- رضي الله تعالى عنه-: أترد علينا عقولنا، يا رسول الله؟ فقال:
رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم، كهيئتكم اليوم،
فقال عمر: بفيه الحجر.
وروى الترمذي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخلت علي امرأة من اليهود، فقالت: إن أكثر عذاب القبر من البول.
الخامس: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالزّكاة.
عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، ناشدتك بالله، أنه أمرك أن تأخذ الصدقة من الأغنياء، وتعطيها للفقراء؟ قال: اللهم، نعم. رواه الإمام الشافعي- رضي الله تعالى عنه-
وهو طرف من حديث ضمام بن ثعلبة.
وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقّها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمى عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره» .
.. الحديث.
وروى الدارقطني عن عطاء- رحمه الله تعالى- قال: بلغني أن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- كانت تلبس أوضاحا من ذهب، فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: أكنز هو؟ فقال: إذا أديت زكاته فليس بكنز.
وروى الدارقطني عن فاطمة بنت قيس قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بطوق فيه سبعون مثقالا من ذهب فقلت: يا رسول الله، خذ منه الفريضة، فأخذ منه مثقالا وثلاثة أرباع مثقال قال الدارقطنيّ أبو بكر الهذلي متروك.
__________
[ (1) ] سقط في أ.(9/251)
وروى أبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: لما نزلت هذه الآية الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ [التوبة/ 34] كبر ذلك على المسلمين فقال: يا نبي الله [إنّه كبر على أصحابك هذه الآية فقال: إنّه ما فرض الزّكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم فكبّر عمر، ثم قال: ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصّالحة.
...
وروى الدارقطني عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن امرأة أتت نبي الله صلّى الله عليه وسلم فقالت: إن لي حليا، وإنّ زوجي خفيف ذات اليد، وإنّ لي ابن أخ أفيجزي عني أن أجعل زكاة الحليّ فيهم؟ قال: نعم.
وروى الدارقطني عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله كم [ ... ] .
وروى ابن ماجه عن أبي سيّارة- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، إنّ لي نخلا قال: أدّ العشر، قلت: يا رسول الله، احمها لي، فحماها لي.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- أن العباس- رضي الله تعالى عنه- سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل زكاته قبل أن يحول الحول فرخص له في ذلك.
روى أبو داود عن أبيض بن حمّال- رضي الله تعالى عنه- أنه كلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصّدقة حين وفد عليه، فقال: يا أخا سبأ، لا بد من صدقة
فقال إنّما زرعنا القطن يا رسول الله وقد تبدّدت سبأ ولم يبق إلا يبق إلا قليل بمأرب فصالح نبي الله صلّى الله عليه وسلم على سبعين حلّة بزّ من قيمة وفاء فلم يزالوا يؤدونها حتّى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن العمال انتفضوا عليهم بعد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صالح أبيض بن حمال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلل السبعين فردّ ذلك أبو بكر على ما وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات أبو بكر- رضي الله عنه- فلما مات أبو بكر انتقض ذلك وصارت على الصّدقة.
وروى الدارقطني عن علي- رضي الله تعالى عنه- أنّ بعض البادية جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالوا: هل علينا زكاة الفطر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي على كل مسلم صغير أو كبير حرّ أو عبد: صاعا من تمر أو شعير أو أقط.
وروى الشافعي والبيهقي عن طاوس- رحمه الله تعالى- مرسلا والطبراني وابن عساكر عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصّدقة، فقال: اتّق الله تعالى، يا أبا الوليد، لا تأت يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر لها نواح.(9/252)
فقال: يا رسول الله، وإنّ ذلك لكذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إي والذي نفسي بيده، إلّا من رحم الله» ، قال: والذي بعثك بالحق، لا أعمل على شيء أبدا.
وروى أبو داود عن بشر بن الخصاصية- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، إن أهل الصدقة يعتدون علينا، أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا؟ فقال: لا.
وروى الإمام أحمد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: أتى رجل من بني تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني ذو مال كثير وذو أهل ومال وحاضرة فأخبرني كيف أصنع وكيف أنفق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهّرك وتصل أقرباءك، وتعرف حقّ المسكين، والجار والسائل» ، فقال: يا رسول الله، أقلل لي، فقال: آت ذا القربى حقّه والمسكين وابن السبيل، ولا تبذر تبذيرا، فقال: يا رسول الله، إذا أديت الزكاة إلى رسولك، فقد برئت منها إلى الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم، إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها، ولك أجرها وإثمها على من بدّلها» .
وروى الإمام أحمد عن يزيد بن أبي مريم عن أبي الحوراء السعدي- رحمه الله تعالى- قال: قلت للحسن بن علي- رضي الله تعالى عنهما- ما تذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أذكر أني أخذت ثمرة من ثمر الصّدقة، فألقيتها في فمي فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعبها من فمي فألقاها في التمر، فقال رجل ما عليك لو أكل هذه الثمرة؟ فقال: إنّا لا نأكل الصّدقة ...
الحديث.
وروى الإمام أحمد عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً من بني مخزوم على الصّدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما دون خمسة أوساق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة، ولا فيما دون خمس صدقة» .
وروى النسائي عن عبد الله بن زيد- رضي الله تعالى عنه- أنه تصدق بحائط له على أبويه ثم توفّيا، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرده إليه ميراثا.
وروي عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: إنّي أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قطّ أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ قال: إن شئت حبست أصلها، وتصدّقت بها فتصدّق بها عمر، أنّه لا يباع أصلها، ولا يوهب ولا يورث، وتصدّق بها في الفقراء، وفي القربي، وفي الرّقاب، وفي سبيل الله وابن السّبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم غير متموّل، قال ابن سيرين: غير متأثّل مالا.
وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أيّ الصدقة أفضل؟ قال: أن تتصدّق، وأنت صحيح حريص، تأمل الغنى،(9/253)
وتخشى الفقر، ولا تمهل حتّى إذا بلغت الحلقوم،
قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان.
وروى أبو داود والعسكري في الأمثال عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: يا رسول الله، أيّ الصّدقة أفضل؟ قال: جهد المقلّ وابدأ بمن تعول.
وروى الإمام أحمد والبيهقي عن سراقة بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضّالّة من الإبل تغشى حياضنا، هل من أجر؟ ولفظ العسكري قال: قيل:
يا رسول الله [.....] .
وروى أبو داود عن المسيّب أن سعد بن عبادة- رضي الله تعالى عنه- أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيّ الصّدقة أحب إليك؟ قال: الماء.
وروى الشيخان عن زينب امرأة ابن مسعود- رضي الله تعالى عنهما- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تصدّقن يا معشر النّساء، ولو من حلّيكنّ» ، قالت: فرجعت إلى عبد الله ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- فقلت أنك رجل خفيف ذات اليد، وإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصّدقة، فأته فاسأله، فإن كان ذلك يجزئ عنّي وإلا صرفتها إلى عويمر فقال عبد الله بن مسعود: - رضي الله تعالى عنه- بل ائتيه أنت فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتها مثل حاجتي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة فخرج علينا بلال، فقلنا له: أئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما؟ ولا تخبره من نحن، فدخل بلال- رضي الله تعالى عنه- على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الزيانب قال: امرأة عبد الله بن مسعود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لها أجران أجر القرابة، وأجر الصّدقة.
وروى البخاري عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت: «يا رسول الله، هل لي أجر في عيال سلمة أن أنفق عليهم؟ فقال: أنفقي عليهم، فلك أجر ما أنفقت عليهم» .
وروى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر الصديق- رضي الله تعالى عنهما- قالت: قلت: يا رسول الله، مالي مال إلا ما أدخل على الزبير، أفأتصدّق؟ قال: تصدّقي ولا توعي فيوعى عليك، وفي لفظ أنفقي أو أنفحي أو أنضحي، ولا تحصي فيحصى عليك ولا توعي فيوعى الله تعالى عليك.
وروى مسلم عن عمير مولى أبي اللّحم- رضي الله تعالى عنهما- قال: كنت مملوكا، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأتصدّق من مال مواليّ بشيء؟ قال: نعم، والأجر بينكما نصفان.
وروى الإمام أحمد من طريق أبي تميمة الهبيني عن رجل من قومه- رضي الله تعالى(9/254)
عنه- قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة الشريفة، فسألته عن المعروف وعليه إزار من قطن منتثر الحاشية فقلت: عليك السلام يا رسول الله، فقال: إنّ «عليك السلام» تحية الموتى، إنّ «عليك السلام» تحية الموتى، إنّ «عليك السلام» تحية الموتى، سلام عليكم، سلام عليكم مرتين أو ثلاثا، هكذا قال: سألت عن الإزار، فقلت: أين أتّزر، فأقنع ظهره بعظم ساقه، وقال: ههنا اتزر، فإن أبيت فههنا أسفل من ذلك، فإن أبيت فإن الله- عز وجلّ- لا يحب كل مختال فخور قال: وسألته عن المعروف، فقال لا تخفرنّ من المعروف شيئا لو أن تعطي صلة الحبل، ولو أن تعطي شسع النّعل ولو انتزع، ولو أن تنزع من دلوك في إناء المستسقي ولو أن تنحي الشيء من طريق الناس يؤذهم ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منطلق، ولو أن تلقى أخاك فتسلّم عليه، ولو أن تؤنس الوحشان في الأرض، وإن سبّك رجل بشيء يعلمه فيك وأنت تعلم فيه نحوه، فلا تسبّه فيكون أجره لك ووزره عليه، وما سرّ أذنك أن تسمعه فاعمل به وما تساء أذنك أن تسمعه فاجتنبه.
وروى الشيخان عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: حملت على فرس في سبيل الله تعالى فرأيته يباع، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم أشتريه؟ قال: لا تشتره ولا تعد في صدقتك، وفي لفظ:
فأضاعه الذي كان عنده، فأردتّ أن أشتريه فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تشتره إن أعطاكه بدرهم فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه.
وروى البخاري عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت قلت: يا رسول الله، هل لي أجر في بني أبي سلمة أن أنفق عليهم، ولست بتاركتهم هكذا؟ وإنما هم بنيّ، فقال: نعم، لك أجر ما أنفقت عليهم.
وروى الإمام الشافعي عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني تصدّقت على أمّي بعبد وإنّها ماتت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجبت صدقتك، وهو لك بميراثك.
وروى مسلم عنه قال: بينما أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتت امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية، وإنّها ماتت، قال: وجب أجرك وردّها عليك الميراث.
وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن سعد بن عبادة قال: يا رسول الله إنّ أمي ماتت، وعليها نذر؟ فقال: اقضه عنها، وفي لفظ توفّيت أمّه، وهو غائب عنها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أمي توفيت، وأنا غائب عنها فهل ينفعها شيء، إن تصدقت عنها؟ قال: نعم، قال: فإني أشهدك أنّ حائطي المجراف صدقة عليها.
وروى ابن خزيمة عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة،(9/255)
فقالت: أريد أن أتصدّق عن أمي، وقد توفّيت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرتك بذلك؟ قالت: لا، قال: فأمسكي عليك مالك، فهو خير لك، وفي لفظ: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنّ أمي توفّيت وتركت حليّا، ولم توص فهل ينفعها إن تصدقت عنها؟ قال احبس عليك مالك.
وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتلتت نفسها، وأراها لو تكلّمت تصدّقت، أفأتصدّق عنها؟ قال: نعم، تصدّق عنها.
وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أن أبي مات، ولم يوص أفينفعه، أن أتصدّق عنه، قال: نعم.
وروى الشيخان عن حكيم بن حزام- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أمور كنت أتحنث بها في الجاهلية من صلة وعتاقة وصدقة، هل كان لي فيها من أجر؟ قال حكيم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلمت على ما سلف من خير.
وروى مسلم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرّحم، ويطعم المساكين، فهل ذلك نافعة؟ قال: لا، يا عائشة، أنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سأل النّاس، وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش، أو خدوش، أو كدوح، قيل: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: خمسون درهما.
.. وروى الشيخان عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- والإمام مالك عن عطاء ابن يسار- رضي الله تعالى عنه- كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء، فأقول أعطه أفقر مني، فقال:
خذه فتموّله وتصدّق به.
.. الحديث.
السادس: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الصيام، وما يتعلق به.
روى الترمذي واستغربه وابن شاهين في الترغيب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصوم أفضل؟ قال: شعبان لتعظيم رمضان، قال: فأيّ الصدقة أفضل؟
قال صدقة رمضان.
وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة، قال: الصلاة في جوف الليل، قال:
فأي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال: شهر الله الذي تدعونه المحرم.(9/256)
وروى النسائي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: هل عندكم شيء؟ قلنا: لا، قال: «فإني صائم» .
وروى الإمام أحمد عن أم هانئ- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بشراب فشرب ثم ناولها فشربت، فقالت: يا رسول الله، أما إنّي كنت صائمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصّائم المتطوّع أمير نفسه إن شاء صام، وإن شاء أفطر» .
وروى الدارقطني عن إبراهيم بن عبيد، قال: صنع أبو سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- طعاما فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال رجل من القوم: إني صائم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنع لك أخوك، وتكلّف لك أخوك، أفطر وصم يوما مكانه» .
وروى الإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت أهديت لحفصة شاة، ونحن صائمتان ففطرتني فكانت ابنة أبيها فلما دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرنا ذلك له، فقال: «أبدلا يوما مكانه»
وروى البيهقي والدارقطني عن فضالة بن عبيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صائما فقاء، فأفطر، فسئل عن ذلك فقال: إني قئت.
وروى الدارقطني عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما في غير رمضان، فأصابه غمّ آذاه فتقيّأ فقاء، فدعا بوضوء فتوضّأ ثم أفطر، فقلت: يا رسول الله، أفريضة الوضوء من القيء؟ قال: لو كان فريضة لوجدته في القرآن، قال: ثم صام رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد، فسمعته يقول: «هذا مكان إفطاري أمس»
عتبة بن السكن متروك الحديث.
وروى الترمذي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قد اشتكيت عيني أفأكتحل وأنا صائم؟ قال: نعم.
وروى مسلم عن عمر بن أبي سلمة- رضي الله تعالى عنهما- أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيقبّل الصائم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: سل هذه «لأم سلمة» فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك.
.. وروى أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: هششت يوما فقبّلت وأنا صائم، فقلت: يا رسول الله، صنعت اليوم أمرا عظيما وأنا صائم، قال: أرأيت لو تمضمضت بالماء، وأنت صائم؟ قلت: لا بأس به قال: «فمه» .(9/257)
وروى ابن النجار عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنّ شيخا وشابا سألا رسول الله عن القبلة للصائم فنهى الشّاب ورخصّ للشّيخ.
وروى أبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخّص له، وأتاه آخر فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ والذي نهاه شاب» .
وروى الدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه-.
وروى ابن النجار عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنّي كنت صائما فأكلت وشربت ناسيا فقال: أطعمك الله وسقاك.
وروى الإمام أحمد عن أم إسحاق الغنوية- رضي الله تعالى عنها- قالت: إنها كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى بقصعة فأكلت معه، ومعه ذو اليدين فناولها رسول الله صلى الله عليه وسلم عرقا فقال: يا أم إسحق، أصيبي من هذا، فذكرت أنها كانت صائمة، فرددتّ يدي لا أقدمها ولا أؤخّرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مالك؟ قالت: كنت صائمة فنسيت، فقال ذو اليدين: آلان بعد ما شبعت؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتمّي صومك، فإنما هو رزق ساقه الله إليك.
روى البخاري والنسائي عن عدي بن حاتم- رضي الله تعالى عنه- أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة/ 187] أي الخيطان قال: إنّك لعريض القفا، إن أبصرت الخيطين ثم قال: لا بل إنّهما سواد اللّيل، وبياض النهار.
وروى البخاري عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، قالوا: إنك تواصل، قال: إني لست مثلكم، إني أطعم وأسقى.
وروى أبو داود الطيالسي والإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبّان والدارقطنيّ من طرق عن حمزة بن عمرو الأسلمي- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصّوم في السّفر فقال: إن شئت صم، وإن شئت فأفطر.
وروى أبو داود والحاكم عن حمزة بن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي عن أبيه عن حمزة عن جده قال: قلت: يا رسول الله، إني صاحب ظهر أعالجه، أسافر عليه، وأكرّ به وإنّه ربّما صادفني هذا الشّهر- يعني رمضان- وأنا أجد القوّة، وأنا شابّ، وأجد بأن أصوم يا رسول الله، أهون عليّ من أن أؤخره، فيكون دينا، أفأصوم يا رسول الله، أعظم لأجري أو أفطر؟
قال «أي ذلك شئت يا حمزة» .
وروى الإمام مالك والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة- رضي الله(9/258)
تعالى عنها- أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أصوم في السّفر؟ وكان كثير الصّيام، فقال: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر.
وروى الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك رجل من بني عبد الله بن كعب قال أغارت علينا خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يتغدّى فقال:
«ادن فكل» فقلت: إني صائم، فقال «ادن أحدّثك عن الصّوم، أو الصّيام. أن الله تعالى وضع عن المسافر الصّوم، وشطر الصلاة وعن الحامل أو المرضع الصوم أو الصيام.
وروى الدارقطني وابن أبي شيبة والبيهقي عن محمد بن المنكدر- رحمه الله تعالى- قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن تقطيع قضاء شهر رمضان، فقال: أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضاه الدرهم والدرهمين حتى يقضيه هل كان ذلك قضاء للدّين؟ قالوا: نعم، قال: فذلك نحوه.
ورواه الدارقطني عن جابر قال الدّارقطني: إسناده حسن إلا أنه مرسل، وهو أصحّ من المرسل ورواه البيهقي عن صالح بن كيسان.
وروى الدّارقطنيّ وضعّفه عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قضاء رمضان فقال: يقضيه متتابعا، فإن فرّقه أجزأه.
وروى الشيخان وأبو داود والنسائي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، أن أمّي ماتت، وعليها صوم شهر، فقال: أرأيت لو كان على أمّك دين أكنت قاضيته عنها؟ قالت: نعم، وفي لفظ للبخاري: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أمّي ماتت، وعليها صوم شهر أفأقضيه؟ قال: نعم، وفي لفظ: خمسة عشر يوما وفي لفظ: أن أختي ماتت.
.. الحديث.
وروى أبو داود الطيالسي ومسلم والترمذي وابن ماجة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا قال: يا رسول الله، إنّ أمّي ماتت وعليها صوم شهر، فقال: أرأيت لو كان على أمك دين، أفأنت قاضيه عنها؟ قال: نعم، قال: فدين الله أحقّ أن يقضى.
وروى الطبراني وأبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كنت وحفصة صائمتين، فأهدي لها طعام، فأفطرنا فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فسألته إحداهما أحسبه قال حفصة، قال: اقضيا يوما مكانه.
وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل فقال: يا رسول الله، هلكت قال: ما أهلك؟ قال: وقعت على امرأتي، وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تجد رقبة تعتقها؟» قال: لا، قال: «فهل تجد(9/259)
إطعام ستين مسكينا؟» قال: لا، قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينما نحن كذلك أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر. والعرق: المكتل قال: أين السّائل؟ قال: أنا، قال: خذ هذا فتصدّق به، فقال الرّجل أعلى أفقر مني يا رسول الله، وو الله ما بين لابتيها- يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك.
وروى ابن شاهين في التّرغيب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الصيام، فقال: صيام شعبان تعظيما لرمضان، قيل: فأيّ الصدقة أفضل؟ قال: صدقة في رمضان.
وروى الإمام أحمد والترمذي عن النعمان بن سعد قال: قال رجل لعلي- رضي الله تعالى عنه-: يا أمير المؤمنين، أيّ شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان؟ قال له: ما سمعت أحدا يسأل عن هذا إلا رجلا سمعته يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قاعد، فقال: يا رسول الله أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان؟ قال: «إن كنت صائما بعد شهر رمضان فصم المحرّم، فإنّه شهر الله فيه يوم تاب على قوم ويتوب فيه على قوم آخرين» .
وروى الإمام أحمد والنسائي وابن زنجويه وأبو يعلى وابن أبي عاصم والباوردي والضياء عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنهما- قال: قلت: يا رسول الله، ما رأيتك تصوم شهرا من الشّهور، ما تصوم من شعبان؟ قال: ذاك شهر يغفل النّاس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى ربّ العالمين، فأحبّ أن يرفع عملي وأنا صائم.
وروى مسلم عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين؟ فقال: «فيه ولدتّ، وفيه أنزل عليّ» .
وروى الإمام أحمد والنّسائي وابن زنجويه وسعيد بن منصور عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله، إنك تصوم حتى لا تكاد تفطر، وتفطر حتى لا تكاد أن تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما، قال: أيّ يومين؟ قلت: يوم الاثنين ويوم الخميس قال: ذاك يومان تعرض فيهما الأعمال على ربّ العالمين، فأحب أن يعرض عملي، وأنا صائم.
وروى مسلم والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم.
وروى مسلم عن أبي قتادة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى عمر- رضي الله عنه- غضبه قال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وبيعتنا بيعة قال: فسئل عن صيام الدّهر؟ فقال: «لا صام ولا(9/260)
أفطر (أو ما صام وما أفطر) » قال: فسئل عن صوم يومين وإفطار يوم؟ قال: «ومن يطيق ذلك» ؟
قال: وسئل عن صوم يوم وإفطار يوم؟ قال: «ذاك صوم أخي داود (عليه السلام) » قال: وسئل عن صوم يوم الاثنين، قال: «ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت (أو أنزل علي فيه) قال: فقال: «صوم ثلاثة من كل شهر ورمضان إلى رمضان صوم الدهر» قال: وسئل عن صوم يوم عرفة، فقال:
«يكفر السنة الماضية والباقية» قال: وسئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: يكفر السنة الماضية.
وروى الإمام أحمد عن بشر بن الخصاصية- رضي الله تعالى عنه- أنّه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصوم يوم الجمعة؟ قال: لا تصم يوم الجمعة إلا في أيام هو أحدها.
السابع: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الاعتكاف وليلة القدر.
روى الشيخان والترمذي والنسائي والدارقطني عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال صلى الله عليه وسلم أوف بنذرك.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الله بن أنيس- رضي الله تعالى عنه- قال: «قلت:
يا رسول الله، إن لي بادية أكون فيها، وأنا أصلي فيها بحمد الله، فمرني بليلة من هذا الشهر أنزلها إلى هذا المسجد قال: انزل ليلة ثلاث وعشرين قال: فكان إذا صلّى العصر دخل المسجد، فلم يخرج إلا في حاجة حتى يصلي الصبح.
وروى الإمام أحمد عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر وأنا أسمع فقال: هي في كل رمضان.
وروى الإمام أحمد والترمذي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: «قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنّك عفوّ تحبّ العفو فاعف عنّي» .
الثامن: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الحج والعمرة.
روى الإمام أحمد والبخاري والترمذي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: «حجّ مبرور» .
وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الحجّ المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، ورواه الإمام أحمد عن جابر وزاد قالوا: يا رسول الله، ما بر الحجّ؟ قال: إطعام الطعام وإفشاء السّلام.(9/261)
وروى الدارمي والترمذي وقال: غريب وابن ماجة وابن خزيمة والدارقطني في العلل والطبراني في الأوسط والحاكم والبيهقي والضياء عن أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الحج، قال: الحجّ والثّجّ.
وروى عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذّنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجّة المبرورة ثواب إلا الجنة.
وروى أبو داود عن أبي أمامة- التّيميّ- رضي الله تعالى عنه قال: كنت رجلا أكري في هذا الوجه، وكان ناس يقولون لي: إنّه ليس لك حج، فلقيت ابن عمر، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إني رجل أكري في هذا الوجه، وإن ناسا يقولون لي: إنه ليس لك حجّ فقال ابن عمر: أليس تحرم، وتلبّي، وتطوف بالبيت، وتفيض من عرفات، وترمي الجمار؟ قال: قلت:
بلى، قال: فإن لك حجا.
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن مثل ما سألتني عنه فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبه حتى نزلت هذه الآية لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة/ 198] فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ عليه هذه الآية، وقال: لك حجّ.
وروى الإمام الشافعي والبيهقي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما الحجّ؟ قال الشّعث التّفل، فقام آخر فقال: يا رسول الله، أي الحج أفضل؟ فقال: «العجّ والثّج، فقام آخر، فقال: يا رسول الله، ما السبيل؟ فقال: زاد وراحلة» .
وروى مسلم وغيره عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس، قد فرض الله- عز وجل- عليكم الحجّ فحجّوا فقال رجل: أكلّ عام يا رسول الله؟ فسكت حتّى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قلت: نعم، لوجبت، ولما استطعتم.
وروى أبو داود وابن ماجة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن الأقرع بن حابس سأل النبي صلى الله عليه وسلم: الحجّ في كل سنة أو مرة واحدة؟ فقال: بل مرّة واحدة، فمن زاد فقد تطوّع.
وروى الإمام أحمد والدارقطني عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحجّ فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ
[آل عمران/ 97] الآية.
وروى البيهقي والحاكم وصححه عن أنس.
وروى الدارقطنيّ عن علي وابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل(9/262)
ما السّبيل إلى الحجّ؟ فقال: الزاد والراحلة، وفي لفظ أن تجد ظهر بعير.
وروى الترمذي وحسنه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما يوجب الحجّ؟ قال: الزاد والراحلة.
وروى الدارقطني مثله عن ابن عمر.
وروى الإمام أحمد والتّرمذي والدّارقطني عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- قال: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلّم الحج، أذن في الناس، فاجتمعوا فلمّا أتى البيداء أحرم.
وروى البخاري عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا قام في المسجد، فقال:
يا رسول الله، من أين تأمرنا أن نهلّ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يهل أهل المدينة من ذي الخليفة، ويهل أهل الشام من الجحفة، ويهلّ أهل نجد من قرن،
وقال ابن عمر: تزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ويهلّ أهل اليمن من يلملم، وكان ابن عمر يقول: لم أفقه هذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى عن ابن الزبير- رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: جاء رجل من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الرّكوب، وأدركته فريضة الله في الحجّ فهل يجزئ أن أحجّ عنه قال: أنت أكبر ولده؟ قال نعم، قال: أرأيت لو كان عليه دين أكنت تقضيه؟ قال: نعم، قال: فحجّ عنه.
وروى الإمام أحمد والنسائي عن الفضل بن العباس- رضي الله تعالى عنهما- أنه كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة النحر فأتته امرأة من خثعم فقالت: يا رسول الله، إنّ فريضة الله- عز وجل- في الحجّ على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يركب إلا معترضا، أفأحجّ عنه؟ قال: نعم، حجّي عنه، فإنه لو كان عليه دين قضيته.
وروى الطبراني في الكبير عن حصين بن عوف قال: قلت: يا رسول الله، أأحجّ عن أبي؟ قال: أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم، قال: فدين الله أحقّ أن يقضى.
وروى أبو داود الطيالسي والإمام أحمد والترمذي وقال حسن صحيح والنسائي وابن حبان وابن ماجة والبيهقي عن أبي رزين قال: قلت: يا رسول الله، أن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحجّ ولا العمرة، ولا الظّعن، فقال: حجّ عن أبيك واعتمر.
وروى ابن جرير عن ابن عباس إن رجلا من خثعم، قال: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير وإنّه لا يثبت على الرّاحلة أفأحجّ عنه؟ قال: نعم، وفي لفظ عطاء عنه أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم(9/263)
فقال: إن أبي شيخ كبير أفأحجّ عنه؟ فقال: لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم، قال: فحجّ عنه.
روى الطبراني في الكبير عن الفضل بن عباس قال: كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة النّحر فأتت امرأة من خثعم، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله في الحجّ أدركت أبي شيخا كبيرا، لا يستطيع أن يركب أفأحجّ عنه؟ قال: نعم، حجّي عن أبيك.
وروى مسلم والترمذي وقال: حسن صحيح عن بريدة قال: أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمّي ماتت ولم تحجّ فقال: حجّي عن أمّك.
ورواه ابن جرير بلفظ، ولم تحجّ حجة الإسلام، أفأحج عنها؟ قال: نعم، فحجّي عنها، وفي لفظ أفيجزئ أن أحجّ عنها؟ قال: أرأيت إن كان على أمّك دين فقضيته عنها أكان يجزئ عنها؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحقّ أن يقضى.
وروى ابن جرير عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا قال: يا نبي الله، إن أبي مات ولم يحجّ، أفأحجّ عنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم، قال: فحقّ الله أحقّ.
وروى التّرمذي والإمام الشافعي والبيهقي عن عليّ بلفظ: إن أبي شيخ كبير قد أدرك فريضة الله على عباده في الحجّ لا يستطيع أداءها أفيجزئ عنه أن أؤديها عنه؟ قال: نعم، ورواه ابن جرير عن سليمان بن يسار عن ابن عباس بلفظ إنّها سألته في حجة الوداع، والفضل بن عباس رديفه، فقالت: يا رسول الله، فريضة الله في الحجّ على عباده، أدركت أبي شيخا كبيرا، لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، فهل يقضي أن أحجّ عنه؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم حجّي عن أبيك، أرأيت إن كان عليه دين فقضيته عنه، ألا ترين أنّك قد أدّيت عنه؟ قالت:
نعم، قال: فحقّ الله أحقّ.
وروى أيضا عن سعيد بن جبير.
وروى عنه قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من خثعم فقالت: إني امرأة من خثعم، يا رسول الله، أمي ماتت، ولم تحجّ أفأحجّ عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمّك دين أكنت تقضيه؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحقّ أن يقضى.
وروى الدارقطني عن أنس- رضي الله تعالى عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلك أبي ولم يحجّ قال: أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه، أيتقبّل منه؟ قال: نعم، قال:
فاحجج عنه.(9/264)
وروى عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجّ عن أبيه قال: احجج عنه ألا ترى أنه لو كان عليه دين فقضيته عنه، إنّ ذلك يجزئ عنه؟
قال: بلى، قال: حقّ الله أحقّ.
وروى مسلم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم قال:
إن امرأة رفعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم صبيا، فقالت: ألهذا حج؟ قال: «نعم، ولك أجر» .
وروى الشيخان والإمام أحمد وأبو داود والطّيالسي وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم فقال: لا يلبس القميص ولا العمامة ولا السّراويل ولا البرانس، ولا ثوبا مسّه الورد والزّعفران، ولا الخفّان إلّا أحد لا يجد النّعلين، فليلبس الخفّين وليقطعهما حتى يكون تحت الكعبين، وفي لفظ «من أسفل» .
وروى الإمام الشافعي والشيخان عن يعلى بن أمية- رضي الله تعالى عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة إذا جاءه رجل أعرابي عليه جبّة وهو متضمّخ بالخلوق. فقال: يا رسول الله، إني أحرمت بالعمرة وهذه عليّ. فقال: أما الطيب الذي بك، فاغسله ثلاث مرات، وأما الجبة فانزعها، ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجّتك.
وروي عن أبي قتادة الحارث بن ربعي أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتخلّف مع بعض أصحابه وهم محرمون، وهو غير محرم فرأوا حمارا، وحشيا قبل أن يراه فلما رأوه تركوه حتّى رآه أبو قتادة فركب فرسا له فسألهم أن يناولوه سوطه فأبوا، فتناوله فحمل عليه فعقره، ثم أكل فأكلوا فندموا، فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه قال: هل معكم منه شيء؟ قالوا: معنا رجله فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فأكلها، وفي لفظ فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هل منكم واحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟ قالوا: لا، قال: فكلوا ما بقي من لحمها.
وروى عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة» .
وروى النسائي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، ألا أدخل البيت، قال: ادخلي الحجر فإنّه من البيت.
وروي عن عروة بن مضرس الطّائي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموقف- يعني بجمع- قلت: جئت يا رسول الله، من جبل طيء أكللت مطيتي، وأتعبت نفسي والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حجّ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك معنا هذه الصّلاة، وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً، فقدتم حجّه وقضى تفثه» .(9/265)
وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قدمت بمكة وأنا حائض فقال النبي صلى الله عليه وسلم: افعلي بفعل الحاجّ غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري.
وروى الإمام أحمد والشيخان والترمذي والبيهقي عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس، يسألونه، فجاء رجل، فقال: يا رسول الله، لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، فقال: اذبح ولا حرج فجاءه آخر، وقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي فقال: ارم ولا حرج، فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلّا قال: افعل ولا حرج.
وروى الطبراني في الكبير وأبو داود الطيالسي والإمامان وابن ماجه وأبو يعلى والضياء عن جابر والإمام أحمد وابن أبي شيبة والشيخان وابن ماجة عن سعد أن رجلا قال: يا رسول الله، نحرت قبل أن أرمي، قال: ارم ولا حرج.
وروى ابن أبي شيبة عن جابر قال: قال رجل: يا رسول الله، حلقت قبل أن أنحر قال:
انحر ولا حرج.
وروى ابن جرير عنه قال: يا رسول الله، ذبحت قبل أن أرمي قال: ارم ولا حرج، وقال رجل: يا رسول الله، طفت بالبيت قبل أن أذبح، قال: أذبح ولا حرج، وفي لفظ: أنه صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة يوم النحر، ثم قصد الناس، فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، حلقت قبل أن أنحر قال:
لا حرج ثم جاءه آخر فقال: حلقت قبل أن أرمي، فقال: لا حرج، فما سئل شيء إلا قال: لا حرج، لا حرج.
وروى ابن جرير وأبو نعيم في تاريخه وابن النجار عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عمّن قدّم من نسكه شيئا قبل شيء، فجعل يقول: لا حرج لا حرج.
وروى ابن جرير عنه أيضاً قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: زرت قبل أن أرمي فقال: ارم ولا حرج، قال: يا رسول الله حلقت قبل أن أرمي قال: ارم ولا حرج.
وروى الدارقطني وأبو داود عن أسامة بن شريك، قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجّا، فكان الناس يأتونه، فمن قال: يا رسول الله، سعيت قبل أن أطوف، أو قدمت شيئا أو أخرت شيئا، فكان يقول: «لا حرج، لا حرج إلا على رجل اقترض عرض رجل مسلم وهو ظالم، فذلك الذي حرج وهلك» .
وروى الشيخان عن كعب بن عجرة- رضي الله تعالى عنه- «أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ به وهو بالحديبية قبل أن يدخل مكّة، وهو محرم وهو يوقد تحت قدر والقمّل يتهافت على وجهه فقال: أيؤذيك هو أمّك؟ قال: نعم، قال: فاحلق رأسك، وأطعم فرقا بين ستّة مساكين- والفرق ثلاثة آصع- أو صم ثلاثة أيام، أو انسك نسيكة» .(9/266)
وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة فقال: اركبها. فقال: إنها بدنة قال: اركبها، فقال: إنها بدنة. قال: اركبها، ويلك في الثانية أو الثالثة» .
وروى الإمام أحمد والترمذي وقال صحيح وابن حبان عن ناجية الخزاعي- رضي الله تعالى عنه- وكان صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلت: يا رسول الله، كيف أصنع بما عطب من البدن؟ قال: أنحرها ثم اغمس نعلها في دمها، ثم خلّ بين الناس وبينها فيأكلوها.
وروى عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن عمر أهدي بختيا فأعطى بها ثلاثمائة دينار فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أهديت بختية لي أعطيت بها ثلاثمائة دينار، فأنحرها أو أشتري بثمنها بدنا قال: لا، ولكن أنحرها إياها.
التاسع: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الأضحى والأضاحي.
وروى الترمذي عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يوم الحجّ الأكبر، فقال: هو يوم النحر.
وروى أبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النّحر بين الجمرات في الحجّة التي حجّ فيها، فقال: أي يوم هذا؟ فقالوا: يوم النّحر، فقال:
هذا يوم الحج الأكبر.
وروى الإمام أحمد والبيهقي وابن ماجه عن زيد بن أرقم- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، ما هذه الأضاحي؟ قال: سنة أبيكم إبراهيم صلى الله عليه وسلم قالوا: فما لنا فيها؟ قال:
بكل شعرة حسنة، قالوا: يا رسول الله، فالصّوف؟ قال: بكل شعرة من الصوف حسنة.
وروى الإمام أحمد والحاكم وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمرت بيوم الأضحى عيدا جعله الله تعالى لهذه الأمة قال الرجل: أرأيت إن لم أجد إلا منيحة أنثى أفأضحي بها؟ قال: «لا» ولكن تأخذ من شعرك وأظفارك وتقصّ شاربك وتحلق عانتك، فتلك تمام أضحيتك عند الله- عز وجل-.
وروى الإمام أحمد عن أبي الأسد السلمي عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرنا فجمع لكلّ منّا درهما فاشترينا أضحية بسبعة الدراهم، فقلنا: يا رسول الله، لقد أغلينا بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ أفضل الضحايا أغلاها وأسمنها» ،
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رجلا برجل ورجلا برجل ورجلا بيد ورجلا بيد ورجلا بقرن ورجلا بقرن وذبح السابع وكبرنا عليها جميعا.(9/267)
وروى الديلمي وابن عساكر عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الناس في العيدين: تقبّل الله منا ومنكم، قال: ذلك فعل أهل الكتاب وكرهه.
وروى الإمام أحمد والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال: يا رسول الله، أن عليّ بدنة، وأنا موسر بها ولا أجدها فأشتريها فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن زيد بن خالد الجهني- رضي الله تعالى عنه- قال: قسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه غنما للضحايا فأعطاني جذعا عتودا من المعز، فجئت به، فقلت: يا رسول الله، إنه جذع، فقال: ضحّ به، فضحيت به وحديث عقبة- رضي الله تعالى عنه- ذكر في باب سيرته صلّى الله عليه وسلم في الضّحايا.
وروى الإمام أحمد عن البراء عن خاله أبي بردة- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: يا رسول الله، إنا عجّلنا شاة لحم لنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقبل الصّلاة؟ قال: نعم، تلك شاة لحم، قال: يا رسول الله، عندي عناق جذعة، هي أحب إلينا من مسنة قال: تجزئ عنك، ولا تجزئ عن أحد بعدك.
وفي رواية عن أبي بردة، قال: إنه ذبح قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد، قال: عندي عناق جذعة، هي أحب إلي من مسنتين، قال: اذبحها.
وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: اشتريت كبشا أضحّي به فعدا الذّئب فأخذ أليته، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ضحّ به.
العاشر: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم بالمساجد.
وروى الإمام أحمد عن الأرقم بن أبي الأرقم- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أين تريد فقال: أردتّ يا رسول الله ههنا، وأشار إلى بيت المقدس قال: ما يخرجك إليك أتجارة؟ قلت: لا، ولكن أردت الصلاة فيه قال: فالصلاة ههنا، وأومأ بيده إلى مكة خير من ألف صلاة.
وروى الشيخان عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع للناس في الأرض، قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أيّ؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما، قال: أربعون عاما ثم الأرض لك مسجدا، فحيث أدركت الصلاة فصلّ.(9/268)
وروى الشيخان عن أبي ذرّ عن سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: اختلف رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى، فقال أحدهما: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الآخر، هو مسجد قباء، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن ذلك فقال: هو مسجدي.
الحادي عشر: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالقرآن.
روى الإمام أحمد عن عبد الله بن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أهراق الماء فقلت: السلام عليك يا رسول الله فلم يرد عليّ، فقلت:
السلام عليك يا رسول الله، فلم يردّ عليّ، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فلم يردّ عليّ فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وأنا خلفه حتى دخل على رحله، ودخلت أنا المسجد، وجلست كئيبا حزينا، فخرج على رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تطهّر فقال: «عليك السلام ورحمة الله وبركاته، وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، وعليك السلام ورحمة الله وبركاته» ، ثم قال: ألا أخبرك يا عبد الله بن جابر بخير سورة في القرآن؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: «اقرأ الحمد لله رب العالمين حتى تختمها» .
وروى الترمذي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا، وهم ذوو عدد، فاستقرأهم فاستقرأ كل رجل منهم ما معه من القرآن، فأتى على رجل منهم من أحدثهم سنا، فقال: ما معك يا فلان؟ قال: معي كذا وكذا وسورة البقرة قال: أمعك سورة البقرة؟ قال: نعم، قال: اذهب فأنت أميرهم، فقال رجل من أشرافهم: والله يا رسول الله، ما منعني أن أتعلم سورة البقرة إلا خشية ألا أقوم بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعلموا القرآن، فاقرأوه وأقرئوه، فإن مثل القرآن لمن تعلّمه فقرأه وقام به كمثل جراب محشوّ مسكا يفوح بريحه كل مكان، ومثل من تعلمه فيرقد وهو في جوفه كمثل جراب وكيء على مسك.
وروى أبو داود عن واثلة بن الأسقع- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءهم في صفّة المهاجرين فسأله إنسان: أيّ آية في القرآن أعظم؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة/ 255] .
وروى مسلم عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا المنذر، أتدري أيّ آية في كتاب الله تعالى معك أعظم؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: قلت: يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال: قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم قال:
فضرب صدري وقال: «والله ليهنك العلم أبا المنذر» .
وروى الترمذي، وقال: حديث حسن وأبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه-(9/269)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي سورة تبارك الذي بيده الملك.
وروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنه- قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقرئني يا رسول الله، فقال: «اقرأ ثلاثا من ذوات «الر» فقال: كبرت سنّي واشتد قلبي وغلظ لساني قال: «فاقرأ ثلاثا من ذوات حاميم» فقال مثل مقالته، فقال «اقرأ ثلاثا من المسبّحات» فقال مثل مقالته، فقال الرجل: يا رسول الله، أقرئني سورة جامعة، فأقرأه النبي صلى الله عليه وسلم: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها [الزلزلة/ 1] حتى فرغ منها فقال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها أبدا، ثم أدبر الرجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفلح الرّويجل» مرتين.
وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا استمع رجلا يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص/ 1] ويردّدها فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك وكان الرجل يتقالها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن» .
وفي رواية عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأصحابه أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ فشق ذلك عليهم، وقالوا: أيّنا يطيق ذلك يا رسول الله، فقال: «الله الواحد الصمد» ثلث القرآن
وفي رواية قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص/ 1] تعدل ثلث القرآن.
وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في «قل هو الله أحد» إنها تعدل ثلث القرآن»
قوله: «تعدل ثلث القرآن» قال بعض أهل العلم رحمهم الله تعالى إن القرآن ثلاثة أقسام قسم توحيد لله تعالى ومعرفة صفاته، وقسم قصص الماضي، وقسم تشريع وأحكام، ففيها التوحيد وليس فيها قصص ولا تشريع فصارت تعدل ثلث القرآن.
وروى ابن ماجه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أحب هذه السورة «قل هو الله أحد» قال: «إن حبها أدخلك الجنة» ورواه البخاري تعليقا.
وروى النسائي عن عقبه بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: اتّبعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب فوضعت يدي على قدمه، وقلت: اقرأ سورة هود أو سورة يوسف؟ فقال: لن تقرأ شيئا أبلغ عند الله تعالى من قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق/ 1] وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس/ 1]
وفي رواية قال: بينما أنا أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجحفة والأبواء إذ غشينا ريح وظلمة شديدة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوّذ ب قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ
[الفلق/ 1] وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس/ 1] ويقول: يا عقبة، تعوّذ بهما فما تعّوذ متعوّذ بمثلها.
وروى مسلم عن عقبه بن عامر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألم تر(9/270)
آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهنّ قطّ؟» قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ.
وروى البيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بشرار هذه الأمة؟ الثرثارون، المتشدّقون، المتفيهقون، أفلا أنبئكم بخيارهم؟ أحاسنهم أخلاقا.
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بخير البريّة؟ رجل آخذ بعنان فرسه في سبيل الله كلّما كانت هيعة استوى، ألا أخبركم بالذي يليه؟ رجل في بلة من غمّ يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، ألا أخبركم بشر البرية؟ الذي يسأل بالله تعالى، ولا يعطي به.
وروى الإمام أحمد وابن أبي الدنيا في ذم الغيبة عن أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بخياركم؟ قالوا: بلى، قال: فخياركم الّذين، إذا رؤوا ذكر الله تعالى، ألا أخبركم بشراركم، قالوا: بلى، قال: «فشراركم المفسدون بين الأحبّة المشاءون بالنميمة الباغون البراء العنت» .
وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدرني، فأخذ بيدي، ثم قال «يا أبا أمامة، إن من المؤمنين من يلين له قلبي» .
وروى الإمام أحمد عن الحسين- رحمه الله تعالى- عن شيخ أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر برجل يقرأ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [الكافرون/ 1] قال: أما هذا فقد برئ من الشّرك، قال: وإذا آخر يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص/ 1] فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وجبت له الجنة» .
وروى الرامهرمزي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا قال: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: عليك بالحالّ المرتحل قال: وما الحال المرتحل؟ قال «صاحب القرآن، يضرب من أوله حتى يبلغ آخره ويضرب في آخره حتى يبلغ أوله كلما حل ارتحل» [ (1) ] .
وروى الشيخان عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين فغشيته سحابة، فجعلت تدنو وتدنو وجعل فرسه ينفر فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: «تلك السكينة تنزلت بالقرآن» .
وروى الإمام أحمد والبيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
__________
[ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الحلية 6/ 174 وقال غريب وهو عند الترمذي من حديث ابن عباس 5/ 181 (2948) .(9/271)
إنّ لله- عز وجل- أهلين من الناس فقيل من أهل الله منهم؟ قال: «أهل القرآن هم أهل الله تعالى وخاصّته» [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد والترمذي عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: قلت: يا رسول الله، في كم أقرأ القرآن؟ قال: «اختمه في شهر» ، قلت: إنّي أطيق أفضل من ذلك قال: «اختمه في عشرين» ، قلت: إنّي أطيق أفضل من ذلك، قال: «اختمه في خمسة عشر» قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: «اختمه في عشر» ، قلت: إنّي أطيق أفضل من ذلك، قال: «اختمه في خمس» ، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: «فما رخص لي» [ (2) ] .
وروى الشيخان عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدتّ أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلّم، فلبّبته بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: كذبت، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت،
فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرسله، اقرأ يا هشام» ، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذلك أنزلت» ، ثم قال: اقرأ يا عمر، فقرأت للقراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسّر منه» .
الثاني عشر: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الذّكر والدعاء وما يتعلق بهما.
روى الإمام أحمد عن أبي ذر قال، قلت: يا رسول الله إذا عملت سيئة فأتبعها بالحسنة تمحها قال: قلت: يا رسول الله أمن الحسنات لا إله إلا الله قال: «هي أفضل الحسنات» [ (3) ] .
وروى الترمذي وابن ماجه والحاكم عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب، والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟» قالوا: بلى، قال: ذكر الله تعالى،
فقال معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه-: ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله [ (4) ] .
__________
[ (1) ] ابن ماجة (215) وأحمد 3/ 127، 128 والدارمي 2/ 433 والحاكم 1/ 556.
[ (2) ] الترمذي 5/ 180 (2946) .
[ (3) ] أخرجه أحمد 5/ 169 والمجمع 10/ 81 والسيوطي في الدر 3/ 354 وأبو نعيم في تاريخ أصفهان 1/ 94.
[ (4) ] أخرجه الترمذي (3377) وأحمد 5/ 195 وابن ماجة (3790) والحاكم 1/ 496.(9/272)
وروى الإمام أحمد عن معاذ بن أنس الجهني- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المجاهدين أعظم أجرا؟ قال: «أكثرهم لله- تبارك وتعالى- ذكرا» ، قال:
فأي الصائمين أعظم أجرا؟ قال: «أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا» ، فقال أبو بكر- رضي الله عنه-: لعمر- رضي الله عنه-: يا أبا حفص، ذهب الذاكرون بكل خير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أجل» .
وروى الترمذي وقال غريب والعقيلي عن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بخيار أمرائكم وشرارهم؟ خيارهم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتدعون لهم فيدعون لكم، وشرار أمرائكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم» [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد وعبد بن حميد والنسائي والحاكم والبيهقي في الشعب والضياء عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بخير الناس وشر الناس؟ إن من خير الناس في سبيل الله تعالى رجلا على ظهر فرسه، أو ظهر بعيره، أو على قدمه حتى يأتيه الموت، وإن من شر الناس رجلا فاجرا جريئا، يقرأ كتاب الله تعالى فلا يرعوي إلى شيء منه» [ (2) ] .
وروى العقيلي والبيهقي في الشعب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم عن الأجود؟ الأجود الله وأنا أجود ولد آدم، وأجودهم من بعدي رجل علم علما، فنشر علمه حتّى يبعث يوم القيامة أمة واحدة ورجل جاد بنفسه في سبيل الله حتى يقتل» [ (3) ] .
وروى عبد بن حميد وابن زنجويه والحاكم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بخياركم؟ خياركم أطولكم أعمارا وأحسنكم أعمالا» .
وروى الترمذي وقال حسن غريب والطبراني وابن حبان عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار؟ تحرم على كل قريب من الناس هيّن سهل» [ (4) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه الترمذي (2264) والكنز (14641) .
[ (2) ] البيهقي 9/ 160 والمجمع 10/ 304.
[ (3) ] ابن حجر في المطالب (3077/ 3828) وابن عبد البر في جامع بيان العلم 1/ 123 وانظر المجمع 1/ 166 وابن حبان في المجروحين 2/ 301.
[ (4) ] الطبراني في الكبير 10/ 285 والترمذي (2488) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1097) .(9/273)
وروى العقيلي والضياء عن جابر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بمن تحرم عليه النّار غدا؟ على كل هين لين قريب سهل» .
وروى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قلت: يا رسول الله ما غنيمة مجالس الذكر؟ قال: «غنيمة مجالس الذكر الجنة» [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا قبل نجد فغنموا....
وروى الإمام أحمد والبيهقي وابن ماجه وأبو نعيم في الحلية والحكيم والترمذي عن أسماء بنت يزيد- رضي الله تعالى عنهما- أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا أنبئكم بخياركم؟ خياركم الذين إذا رئى، ذكر الله- عز وجل-، ألا أخبركم بشراركم؟» قالوا: بلى، قال: «فشراركم المفسدون بين الأحبة المشاؤون بالنميمة، الباغون البراء العنت» [ (2) ] .
وروى العقيلي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- والطبراني عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم بخياركم؟ خياركم أطولكم أعمارا في الإسلام، إذا سددوا» .
وروى الحاكم والبيهقي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم بخياركم؟ خياركم أحاسنكم أخلاقا» [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم بخياركم من شراركم؟ خياركم أطولكم أعمارا وأحسنكم أخلاقا ولمسلم: أطولكم أعمارا» .
وروى عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم بشراركم؟ شراركم الثرثارون المتشدقون، وألا أنبئكم بخياركم؟ أحاسنكم أخلاقا» .
وروى الخرايطي في مكارم الأخلاق عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم بخياركم أحاسنكم أخلاقا» .
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم بخياركم خياركم أطولكم أعمارا. وأحسنكم أخلاقا» .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 2/ 177، 190 وانظر المجمع 10/ 78 والدر المنثور 1/ 152.
[ (2) ] أخرجه أحمد 6/ 459 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1919) والبخاري في الأدب (323) وأبو نعيم في الحلية 1/ 6 وانظر المطالب (3974) والمجمع 7/ 234، 8/ 93 والدر المنثور 3/ 110.
[ (3) ] ابن ماجة (4119) وابن حبّان ذكره الهيثمي في الموارد (2465) وانظر المجمع 8/ 21، 22 والبيهقي 10/ 246 والترغيب 4/ 254 والدر 2/ 74.(9/274)
وروى الإمام أحمد، والترمذي، وقال: حسن غريب والنسائي وابن حبان والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: ألا أخبركم بخير الناس منزلة؟ رجل تمسّك بعنان فرسه في سبيل الله، حتى يموت أو يقتل، ألا أخبركم بالذي يتلوه؟
رجل معتزل في شعب الجبال يقيم الصلاة، ويؤتي الزّكاة، ويعتزل شرور الناس وفي لفظ:
رجل معتزل في غنيمة له يؤدّي حق الله تعالى فيها، ألا أخبركم بشرّ النّاس؟ رجل يسأل بالله تعالى ولا يعطي به [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح وابن حبان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بخيركم من شرّكم؟ خيركم من يرجى خيره ويؤمن شرّه، وشرّكم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شرّه» [ (2) ] .
وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: ما من أحد يدعو بدعاء إلّا آتاه الله ما سأل أو كفّ عنه من السوء مثله ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم [ (3) ] .
وروى الترمذي وحسنه عن أنس- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد» قالوا: فما تقول يا رسول الله؟ قال: «اسألوا الله تعالى العافية في الدنيا والآخرة» .
وروى عبد الرزاق وابن أبي شيبة والإمام أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن خزيمة والبيهقي والضياء عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء لا يردّ بين الأذان والإقامة» .
وروى ابن أبي شيبة وابن حبان والعقيلي وابن السني عن أنس- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء لا يردّ بين الأذان والإقامة» .
وروى الحاكم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدّعاء لا يردّ بين الأذان والإقامة» .
وروى الحاكم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء مستجاب ما بين النداء والإقامة» .
وروي عن أبي زهير النميري، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأقمنا على
__________
[ (1) ] أخرجه الترمذي (1652) والدارمي 2/ 201 والحاكم 2/ 67 وابن أبي شيبة 5/ 294 والسيوطي في الدر 1/ 246.
[ (2) ] أخرجه الترمذي (2263) وأحمد 2/ 368، 378 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2068) .
[ (3) ] أخرجه أحمد من حديث جابر 3/ 360 والترمذي 5/ 462 (3381) .(9/275)
رجل في خيمة قد ألحف في المسألة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع منه، فقال: أوجب إن ختم، فقال له رجل من القوم: بأي شيء يختم؟ قال: بآمين، فأنه إن ختم بآمين، فقد أوجب فانصرف الرجل الذي سمعه فأتى الرجل فقال: اختم بآمين يا فلان في كل شيء وأبشر.
وروى البيهقي عن أبي موسى الأشعري- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول [....] .
وروى الترمذي وحسنه عن معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو، يقول: اللهم، إني أسألك تمام النّعمة، فقال: أي شيء تمام النعمة؟ قال:
دعوة دعوت بها أرجو بها الخير، قال: فإن تمام النعمة دخول الجنة والفوز من النار.
وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجّل» ، يقول: قد دعوت ربي، فلم يستجب وفي لفظ لمسلم:
لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل قيل: يا رسول الله، وما الاستعجال؟ قال يقول: قد دعوت فلم يستجب لي، فيستحسر عن ذلك، ويدع الدعاء
الحسر: أي يستنكف عن الدعاء والسؤال، وأصله من حسر الطّرف إذا كلّ وضعف يعني أن الداعي إذا دعا وتأخّرت إجابته تضجّر، وملّ وترك الدعاء واستنكف عنه.
«وقطيعة الرحم» الهجران للأهل والأقارب.
وروى الترمذي والبيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، ورجل قد صلّى وهو يدعو ويقول في دعائه اللهم، لا إله إلا أنت المنّان بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تدرون بم دعا الله؟ دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى» .
وروي عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أكثروا من الباقيات الصالحات» ، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: «التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد ولا حول ولا قوة إلا بالله» .
وروى مسلم عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: علمني كلاما أقوله قال: قل: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا سبحان الله رب العالمين، لا حول ولا قوة إلا بالله، العزيز الحكيم» قال: فهؤلاء لربي فما لي؟ قال: قل: «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني» .
وروى مسلم عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أيّ الكلام أفضل؟ قال: ما اصطفى الله تعالى لملائكته، سبحان الله وبحمده،
وفي رواية قال: قال(9/276)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبرك بأحبّ الكلام إلى الله- عز وجل-؟ إن أحبّ الكلام إلى الله- عز وجلّ- «سبحان الله وبحمده» ،
وفي رواية: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبرك بأحبّ الكلام إلى الله- عز وجل- «سبحان الله وبحمده» .
وروى الترمذي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: إنّه غريب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مررتم برياض الجنّة، فارتعوا» قيل: يا رسول الله وما رياض الجنّة؟
قال: المساجد، قيل: وما الرتع؟ قال: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» .
وروى الإمام أحمد، والترمذي وقال: حسن غريب والعقيلي في الضعفاء وابن شاهين في الترغيب والبيهقي في الشعب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مررتم برياض الجنّة فارتعوا» ، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: «مجالس العلم» .
وروى الطبراني عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مررتم برياض الجنّة فارتعوا» ، قالوا: يا رسول الله، ما رياض الجنّة؟ قال: «مجالس العلم» .
وروى ابن شاهين عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مررتم برياض الجنة فاجلسوا إليهم» ، قالوا: يا رسول الله، وما رياض الجنّة؟ قال: «أهل الذّكر» .
وروى أبو داود عن ابن أبي أوفى- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا فعلمني ما يجزئني منه، فقال:
قل: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، الله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» ، قال: يا رسول الله، هذا لله عز وجل فمالي؟ قال: قل: «اللهم ارحمني وارزقني وعافني واهدني» فلمّا قام، قال: هكذا بيده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمّا هذا فقد ملأ يده من الخير» .
وروى البيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ به وهو يفرش عرسا [.....] .
وروى مسلم عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيعجز أحدكم أن يكسب كلّ يوم ألف حسنة؟» .
فسأل سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: يسبح مائة تسبيحة، فيكتب له ألف حسنة أو يحطّ عنه ألف خطيئة.
وروى النسائي عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: دخلت المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، فجلست إليه، فقال: تعوّذ بالله من شياطين الأنس والجن، قلت: أو(9/277)
للإنس شياطين؟ قال: نعم، شياطين الأنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول عزورا.
وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما لقيت البارحة من عقرب لدغتني قال: «أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامّات من شر ما خلق لم تضرّك» .
وروى الترمذي عن شكل بن حميد- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، علّمني تعوّذا أتعوّذ به فأخذ بكفّي، وقال: قل: «الّلهم، إني أعوذ بك من شرّ سمعي ومن شرّ بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي ومن شرهن» ورواه النسائي وقال: «ومنيي» .
وروى الإمام أحمد والنسائي وابن سعد وسمويه والبغوي والباوردي وابن قانع والطبراني في الكبير عن زيد بن خارجة- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف الصلاة عليك، قال: صلّوا واجتهدوا، ثم قولوا: «اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد» .
وروى الشيخان عن ابن أبي ليلى- رحمه الله تعالى- قال: لقيني كعب بن عجرة- رضي الله تعالى عنه- فقال: ألا أهدي لك هدية؟ فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: قد عرفنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال: «قولوا اللهم، صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم، بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد» .
الثالث عشر: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الكسب والمعاش.
روى الإمام أحمد عن رافع بن خديج- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الكسب أفضل؟ قال: «عمل الرجل بيده، وكل عمل مبرور» [ (1) ] .
وروى البيهقي عن معاذ بن عبد الله بن حبيب عن أبيه عن عمّه- رضي الله عنه- قال: كنا في مجلس فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه أثر ماء وهو طيب النفس قال: فظننا أنّه ألمّ بأهله، فقلنا: يا رسول الله، نراك أصبحت طيّب النّفس، قال: «أجل، والحمد الله» ، قال: ثم ذكر الغنى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا بأس بالغنى لمن اتقى، والصّحّة لمن اتّقى خير من الغنى، وطيب النّفس من النّعيم» .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 141 والحاكم 2/ 20 والطبراني في الكبير 4/ 330 وانظر المجمع 4/ 60 والتلخيص 3/ 3 والعلل للرازي (1172، 2237) .(9/278)
وروى ابن ماجه عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، إنّ لي ولدا ومالا وإن أبي يريد أن يجتاح مالي قال: «أنت ومالك لأبيك» .
وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: أتى أعرابيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي يجتاح مالي، فقال: «أنت ومالك لأبيك، إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أموال أولادكم من كسبكم، فكلوه هنيئا» .
وروى البزّار والدارقطني في الإفراد عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي يريد أن يأخذ مالي، فقال: «أنت ومالك لأبيك» .
وروى أبو داود عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- أن امرأة جليلة كانت من نساء مضر، فقالت: يا رسول الله، أنأكل على آبائنا وأبنائنا وأزواجنا فما يحلّ لنا من أموالهم؟ قال: «الرطب تأكلنه وتهدينه» .
وروى البخاري والدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، مرّوا بماء فيهم لديغ- أو سليم- فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال:
هل فيكم من راق؟ إن في الماء رجلا لديغا أو سليما، فانطلق رجل منهم، فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك، وقالوا: أخذت على كتاب الله أجرا، حتى قدموا المدينة فقالوا: يا رسول الله، أخذ على كتاب الله أجرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحقّ ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله» .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والبيهقي عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: علّمت ناسا من أهل الصّفّة الكتاب والقرآن، وأهدى إليّ رجل منهم قوسا فقلت: ليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله- عز وجل- لآتينّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنّه فأتيته فقلت: يا رسول الله، رجل أهدى إليّ قوسا ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن، وليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله، قال: «إن كنت تحب أن تطوّق طوقا من نار فاقبلها» .
وروى ابن ماجه عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال: علمت رجلا القرآن، فأهدى إليّ قوسا، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن أخذتها أخذت قوسا من نار» .
وروى الإمام أحمد عن البراء- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم أموال السّلطان، قال: آتاك الله تعالى منها من غير مسألة ولا إشراف نفس، فكله وتموله.
وروى الإمامان الشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي عن محيصة بن مسعود الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجّام فنهاه عنها فلم يزل يسأله، ويستأذنه حتى أمره «أن اعلف ناضحك وأطعمه ورقيقك» .(9/279)
وروى الإمام أحمد عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن كسب الحجّام فقال: «اعلفه ناضحك» .
وروى الترمذي عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إيّاكم والقسامة» قلنا: وما القسامة؟ قال: «الشيء يكون بين النّاس فيجيء فينقص منه» ، وفي رواية ونحوه «الرّجل يكون على الفئام من الناس فيأخذ من حظّ هذا وحظّ هذا» [ (1) ] .
وروى البيهقي عن صفوان بن أمية- رضي الله تعالى عنه- قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه عرفطة فقال: يا رسول الله، قد كنت على شقوة فما أراني أرزق إلا من دفي وكفي فأذن لي فيه قال أحله ...
الرابع عشر: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في البيوع والمعاملات، وما يتعلق بها.
روى الإمام أحمد عن جبير بن مطعم- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي البقاع شرّ؟ فقال: لا أدري فلما أتاه جبريل عليه السلام قال يا جبريل، أي البلدان شر؟ قال: لا أدري حتّى أسأل ربي- عز وجل- فانطلق جبريل- عليه السلام- ثم مكث ما شاء الله أن يمكث، ثم جاء فقال: يا محمد، إنك سألتني أيّ البلدان شر؟
فقلت: لا أدري، وإني سألت ربي- عز وجل- أي البلدان شر؟ فقال. أسواقها.
وروى الشيخان عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: قيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنه [....] .
وروى أبو داود والطيالسي وعبد بن حميد والإمامان مالك وأحمد والشيخان وأبو داود والنسائي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، إني أخدع في البيع فقال له: «فقل من بايعت لا خلابة» .
وروى أبو داود والترمذي وصححه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا، فقال: أهرقها، قال: أفلا أجعلها خلا؟ قال: لا [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد والترمذي وحسنه عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: كان عندنا خمر ليتيم، فلما نزلت المائدة، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت: إنه ليتيم، قال:
«أهريقوه» .
وروى الإمام أحمد والترمذي وصححه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان عندنا خمر ليتيم قال: أهرقه.
__________
[ (1) ] أخرجه أبو داود (2783، 2784) .
[ (2) ] أخرجه أحمد 3/ 119 والدارمي 2/ 118 وأبو داود 4/ 82 (3675) والدارقطني 4/ 265.(9/280)
وروى أبو داود والترمذي عن أبي طلحة- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: يا نبي الله، إني اشتريت خمرا لأيتام في حجري قال: «أهرق الخمر واكسر الدنان» .
وروى الإمام أحمد والترمذي والثلاثة وحسّنه عن حكيم بن حزام- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، إن الرجل ليأتيني فيريد مني البيع، وليس عندي ما يطلب، فأبتاع له من السّوق؟ قال: «لا تبع ما ليس عندك» .
وروى الإمام أحمد والدارقطني عن حكيم بن حزام- رضي الله تعالى عنه- قال: ابتعت طعاما من طعام الصّدقة، وربحت فيه قبل ما قبضته، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إني أبتاع هذه البيوع، فما يحل لي منها، وما يحرم عليّ منها، قال: «يا بن أخي لا تبيعنّ شيئا حتى تقبضه» .
وروى الشيخان عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أن تباع الثمرة حتى تشقح قيل: وما تشقح، قال: تحمارّ وتصفارّ ويؤكل منها [ (1) ] .
وروى أبو داود عن امرأة يقال لها بهيسة عن أبيها- رضي الله تعالى عنه- قال: استأذن أبي النبي صلى الله عليه وسلم فدخل بينه وبين قميصه فجعل يقبل ويلتزم، ثم قال: يا رسول الله، حدّثني بالشيء الذي لا يحل منعه قال: الماء، قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما الشيء الذي لا يحل منعه قال: «الملح» قال: يا نبي الله، ما الشيء الذي لا يحلّ منعه؟ قال: «أن تفعل الخير خير لك» .
وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: يا رسول الله، ما الشّيء الذي لا يحلّ منعه؟ قال: [الماء ... ] .
وروى الإمام أحمد والترمذي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبتاع، وكان في عقله ضعف فأتى أهله النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، احجر عليه، فدعاه نبي الله صلّى الله عليه وسلم فنهاه، فقال: يا رسول الله، إني لا أصبر عن البيع، فقال: إذا بايعت، فقل: هاء وهاء ولا خلابة.
وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: إنّ رجلا ابتاع غلاما له....
وروى البيهقي عن قيلة أم بني أنمار- رضي الله تعالى عنها- قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض عمره، فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أبيع وأشتري فربّما أردتّ أن أشتري السّلعة فأعطى بها أقلّ ممّا أريد أن آخذها به ثمّ زدت ثمّ زدت حتى آخذها بالذي أريد أن آخذها به، ربّما أردتّ أن أبيع السّلعة فاستمت بها أكثر ممّا أريد أن أبيعها به ثم نقصت ثم
__________
[ (1) ] انظر سنن أبي داود (3370) وقد تقدم.(9/281)
نقصت حتى أبيعها بالذي أريد أن أبيعها به، فقال لي رسول الله: «لا تفعلي هكذا يا قيلة، ولكن إذا أردتّ أن تشتري شيئا فأعطي به الذي تريدين أن تبيعيه، أعطيت أو منعت» .
وروي عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء بلال- رضي الله تعالى عنه- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر برنيّ فقال من أين هذا يا بلال؟ فقال: كان عندنا تمر رديء، فبعت صاعين بصاع فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «أوّه عين الربا عين الربا لا تفعل ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتريه» .
وروي عن أبي سعيد وأبي هريرة- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر، فجاءهم بتمر جنيب فقال: أكلّ تمر خيبر هكذا؟ قال: لا، والله يا رسول الله، إنّا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فقال لا تفعل بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا.
وروى مسلم وعبد الرزّاق عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- وزيد بن أرقم قالا: كنا تاجرين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عن الصرف، فقال: «إن كان يدا بيد فلا بأس، وإن كان نسيئا فلا يصلح» وفي لفظ فلا يصلح نسيئة ورواه البخاري بلفظ: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصّرف فقال: «إن كان يدا بيد فلا بأس ... » .
وروى مسلم عن فضالة بن عبيد- رضي الله تعالى عنه- قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارا، فيها ذهب وخرز، ففصلتها فوجدتها أكثر من اثني عشر، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لا تباع حتى تفضل» .
وروى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدّرهم بالدّرهمين ولا الصاع بالصاعين، فإني أخاف عليكم الرما، والرما هو الربا» فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل؟ قال: «لا بأس إذا كان يدا بيد» .
وروى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم فقال: لا تبيعوا الدينار بالدينارين، والدرهم بالدرهمين.
وروى زيد بن عياش- رضي الله تعالى عنه- أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت فقال: أيتها أفضل؟ قال: البيضاء، قال: فنهاه عن ذلك
وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن شراء التّمر بالرّطب، فقال عليه السّلام: «أينقص الرطب إذا يبس؟» قال: نعم، فنهاه عن ذلك.
وروى البيهقي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا أسلف في نخل قبل أن(9/282)
يطلع؟ قال: لا، قلت: لم؟ فقال: لأن رجلا أسلم في حديقة نخل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يطلع النخل، فلم تطلع النخل شيئا ذلك العام، فقال المشتري: هو لي حتى يطلع، وقال البائع، إنما بعتك النخل هذه السنة، فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للبائع: «أخذ من نخلك شيئا؟» قال: لا، قال: «لم تستحلّ ماله؟ اردد عليه ما أخذت منه؟ ولا تسلموا في نخل حتى يبدو صلاحه» .
وروى عن محمد بن عبد الله بن جحش- رضي الله تعالى عنه- عن أبيه أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت إن جهدت بنفسي ومالي، فماذا لي؟ قال: الجنة، فلما ولى قال:
إلا الدين سارّني به جبريل- عليه السّلام- آنفا.
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن جحش- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ماذا لي إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل؟ قال: الجنة، فلما ولى قال: إلا الدين سارّني به جبريل، عليه السّلام- آنفا.
وروى الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت إن جاهدت بنفسي ومالي فقتلت صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر أدخل الجنة قال: نعم فأعاد ذلك مرتين أو ثلاثا قال: نعم أن لم يكن عليك دين ليس عندك وفاؤه.
وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أعوذ بالله من الكفر والدّين» ، فقال رجل: يا رسول الله، أيعدل الدين بالكفر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم.
وروى الإمام أحمد عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتي بجنازة فقالوا: يا نبي الله، صلّ عليها، قال: هل ترك شيئا؟ قالوا: لا، قال: هل ترك عليه دينا؟ قالوا: ألا نصلي عليه؟ ثم أتي بجنازة بعد ذلك، فقال: هل ترك عليه من دين؟ قالوا: لا، قال: هل ترك من شيء؟ قالوا: ثلاثة دنانير، قال: ثلاث كيات، قال: فأتى بالثالثة، فقال: هل ترك عليه من دين، قالوا: نعم قال: هل ترك من شيء؟ قالوا: لا، قال: صلوا على صاحبكم، فقال رجل من الأنصار يقال له أبو قتادة: يا رسول الله، على دينه فصّلّ عليه.
وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفّى عليه الدّين فيسأل هل ترك لدينه فضلا؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال: صلوا على صاحبكم، فلما فتح الله عليه الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم من توفي وعليه دين، فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته.
وروى البيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوبا: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر ... » .(9/283)
قال البخاري: حدثنا أبو نعيم حدّثنا سفيان عن سلمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم سنّ من الإبل، فجاءه يتقاضاه، فقال صلى الله عليه وسلم:
«أعطوه» . فطلبوا سنّه فلم يجدوا إلّا سنّا فوقها، فقال: «أعطوه» . فقال: أوفيتني أوفى الله بك.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أن خياركم أحسنكم قضاء» .
وروى الإمام أحمد والنسائي عن العرياض بن سارية- رضي الله تعالى عنه- قال: بعت من النبي صلى الله عليه وسلم بكرا، فأتيته أتقاضاه، فقلت: يا رسول الله، أقضني ثمن بكري؟ فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ جملا قد أسنّ، فقال: يا رسول الله، هذا خير من بكري قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن خير القوم أحسنهم قضاء» .
وروى الإمام أحمد والبيهقيّ عن سعد بن الأطول أنّ أخاه مات وترك ثلاثمائة دينار وترك عيالا فأردتّ أن أنفق عليهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن أخاك محبوس بدينه، فاذهب فاقض عنه» قال: فذهبت فقضيت عنه ثم جئت، فقلت: يا رسول الله قد قضيت عنه، ولم يبق إلا امرأة تدّعي دينارين، وليست لها بيّنة قال: «أعطها فإنها صدقة» .
وروى الإمام أحمد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: غلا السّعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، لو سعّرت، فقال: «إن الله هو الخالق القابض الباسط الرازق المسعّر، وإني لأرجو أن ألقى الله، ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال» .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، سعّر، فقال: «إن الله تعالى يسعّر ويخفض ويرفع، ولكن أرجو أن ألقى الله وليس لأحد عندي مظلمة» ، وفي لفظ: بل الله يخفض ويرفع وإني لأرجو أن ألقى ربّي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة بدم ولا مال.
وروى الإمام أحمد عن الشّريد بن سويد- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، أرض ليس لأحد فيها شراك ولا قسم ولا استئجار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجار أحقّ بسقبه» .
وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أيّ الظّلم أعظم؟ قال: «ذراع من الأرض ينتقصه من حقّ أخيه، فليست حصاة من الأرض أخذها إلّا طوّقها يوم القيامة، إلى قعر الأرض، ولا يعلم قعرها إلّا الذي خلقها» [ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 1/ 396.(9/284)
وروى أبو داود عن رجل من مزينة- رضي الله تعالى عنه- قال: صنعت امرأة من المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما [.....] .
وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قالت: الأنصار- رضي الله تعالى عنهم- يا رسول الله، أقسم بيننا، وبين إخواننا النّخيل، قال: لا، فقالوا: تكفوننا المئونة ونشرككم في الثمرة قالوا: سمعنا وأطعنا.
وروى الشيخان عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم خرج إلى أرض تهتز زرعا، فقال: لمن هذه؟ قالوا: اكتراها فلان، فقال: «أمّا إنه لو منحها إيّاه كان خيرا له من أن يأخذ عليها أجرا معلوما» .
الخامس عشر: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في اللقطة واللّقيط والهبة والهدية والوصية.
وروى الإمامان مالك وأحمد وابن ماجه وأبو داود والشيخان، عن زيد بن خالد الجهني- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن اللّقطة فقال: «اعرف وكاءها» ، أو قال:
وعاها وعفاصها ثم عرّفها سنة فإن جاء صاحبها فأدّها إليه قال: فضالّة الإبل؟ فغضب حتى احمرت وجنتاه أو قال: احمرّ وجهه، فقال: مالك ولها، معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء، وترعى الشّجر، فذرها حتّى يلقاها ربّها، قال: فضالّة الغنم، قال: هي لك أو لأخيك أو للذّئب، وقيل: فضالّة الإبل؟ قال: مالك ولها، معها سقاؤها، وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر، حتى يلقاها ربّها.
وروى الدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللّقطة قال: «لا تحل اللّقطة، من التقط شيئا، فليعرّفه، فإن جاء صاحبها فليردّها إليه، فإن لم يأت فليتصدّق بها، فإن جاء فليخيّره بين الأجر وبين الذي له» .
وروى البيهقي وأبو داود عن المقداد بن عمرو أنه خرج ذات يوم لحاجة، وكان الناس لا يذهب أحدهم في حاجة إلّا لليومين والثّلاثة [.....] .
وروى الإمام أحمد عن عياض بن حمار- رضي الله تعالى عنه- وكان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم معرفة قبل أن يبعث فلمّا بعث أهدى له هديّة- أحسبها إبلا- فأبى أن يقبلها، وقال: «إنّي لا أقبل زبد المشركين» ، قلت: وما زبد المشركين؟ قال: «رفدهم هديّتهم» .
وروى البخاري عن النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنهما- قال: إن أباه أتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما، فقال: «أكل ولدك نحلت ومثله؟» قال: لا، قال: «فأرجعه» وفي رواية: إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهذا قال: «ألك ولد سواه؟» قال: نعم، قال فأراه، قال: لا تشهدني على جور.(9/285)
وفي رواية: لا أشهد على جور.
وروى عبد بن حميد والإمام أحمد والبخاري وأبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، إن لي جارين فإلى أيّهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك بابا» .
وروى مسلم وأبو داود والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الصدقة خير وأفضل وأعظم أجرا؟ قال: «أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتّى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا أو لفلان كذا وقد كان لفلان» .
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدري أيّ الصّدقة أفضل؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «المنيحة أن يمنح أحدكم أخاه الدرهم أو ظهر الدّابّة أو لبن الشاة أو لبن البقرة» .
وروى الشيخان عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني في عام حجّة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت: يا رسول الله، قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بمالي كلّه؟ قال: لا، قلت فثلثي مالي؟ قال: لا، قلت فالشطر يا رسول الله؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: «الثلث، والثلث كثير، إن صدقتك من مالك صدقة، وإن نفقتك على عيالك صدقة وإنّما تأكل امرأتك من مالك صدقة وإنك أن تدع أهلك بخير خير لك من أن تدعهم يتكفّفون الناس» .
وروى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنهما- أنّ جدّه العاص بن وائل أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة، فأعتق عنه ابنه هشام خمسين رقبة فأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية فقال: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أبي أوصى بعتق مائة رقبة، وإنّ هشاما أعتق عنه خمسين، وبقيت عليه خمسون رقبة، أفأعتق عنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه لو كان مسلما فأعتقتم عنه، أو تصدقتم عنه أو حججتم عنه بلغه ذلك» .
وروى أبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني فقير، وليس لي شيء ولي يتيم، قال فقال:
«كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبادر ولا متأثل» .
السادس عشر: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الفرائض والمواريث.
روى الإمام أحمد والدارقطني عن عمران بن الحصين- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا(9/286)
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابني مات فما لي من ميراثه؟ فلما أدبر قال: لك السدس فلمّا أدبر قال: لك سدس آخر فلما ولى دعاه، قال: إن السدس الآخر طعمة.
وروى الطبراني في الأوسط وأبو الشيخ في الفرائض عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف قسّم الجدّة؟ قال: «ما سؤالك عن ذلك يا عمر؟
إني أظنك أن تموت قبل أن تعلم ذلك» ، قال: سعيد بن المسيّب- رحمه الله تعالى عليه- فمات قبل أن يعلم ذلك.
وروى ابن راهويه وابن مردويه قال الشيخ وهو صحيح عن ابن المسيب أن عمر- رضي الله تعالى عنه- سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تورث الكلالة؟ فقال: وليس قد بين الله تعالى ذلك ثم قال: وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً [النساء/ 12] إلى آخرها، فكأن عمر لم يفهم فأنزل الله تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [النساء/ 176] إلى آخر الآية، فكأن عمر لم يفهم فقال: لحفصة- رضي الله تعالى عنها- إذا رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم طيب نفس فاسأليه عنها، فرأيت منه طيب نفس فسألته عنها، فقال: أبوك ذكر لك هذا ما أرى أباك يعلمها أبدا فكان يقول: ما أراني أعلمها أبدا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قال.
وروى أبو الشيخ في كتاب الفرائض عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلالة فقال: «ما خلا الولد والوالد» .
وروي عن زيد بن أسلم- رضي الله تعالى عنه- مثله.
وروى الدارقطني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ميراث العمّة والخالة، فقال: «لا أدري حتى يأتيني جبريل» ، ثم قال: أين السّائل عن ميراث العمة والخالة؟ فأتى الرجل، فقال: سارّني جبريل أنه لا شيء لهما،
لم يسنده غير مسعدة عن محمد بن عمرو وهو ضعيف والصواب مرسل.
وروى أبو داود والترمذي عن تميم الداري- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله: ما السنة في الرجل يسلم على يدي الرجل من المسلمين قال: «هو أولى الناس بمحياه ومماته» .
وروى أبو داود والترمذي عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- أنّ امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كنت تصدّقت على أمّي بوليدة، وإنّها ماتت وتركت تلك الوليدة قال: «قد وجب أجرك ورجعت إليك في الميراث» .
روى الإمام أحمد عن ابن عمرو- رضي الله عنهما- أن رجلا قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني أعطيت أمي حديقة في حياتها. وإنها توفيت ولم تدع وارثا غيري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(9/287)
أحسبه قال: إن الله- تبارك وتعالى- رد عليك حديقتك وقبل صدقتك.
السابع عشر: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في العتق، وما يتعلق به
روى ابن ماجة والبيهقي عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أي الرقاب أفضل؟ قال: أنفسها عند أهلها [ (1) ] وأغلاها ثمنا، ولفظ الإمام أحمد والشيخان والنسائي وابن حبان أفضل الأعمال إيمان بالله تعالى، وجهاد في سبيل الله تعالى، قيل: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أنفسها عند أهلها وأغلاها ثمنا قيل: فإن لم أجد؟ قال: تعين صانعا أو تصنع لأخرق، قال: فإن لم أستطع؟ قال: كفّ أذاك عن الناس من الشر فإنها صدقة تصدّق بها على نفسك.
قوله أنفسها عند العلماء: النفيس الجيّد من كل شيء المرغوب فيه وحقيقة الشيء الذي يتنافس فيه النّاس. يعين صانعا أي ذو أتباع من فقر أو عيال، والخرق ضد الرفق يقال:
رجل أخرق إذا لم يتقن ما يحاول فعله والصانع بصاد مهملة فنون، وهو المشهور وروى ضائعا بالعجمة أي ذا ضياع من فقر وعيال ونحو ذلك.
وروى الشيخان عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أيّ الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيل الله، قلت: فأيّ الرقاب أفضل؟ قال: أنفسها عند أهلها، وأكثرها ثمنا قال: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعا، أو تصنع لأخرق، قال: قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل، قال: تكفّ أذاك عن الناس.
وروى الإمام أحمد عن البراء- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، علمني عملا يدخلني الجنة، فقال: لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النّسمة وفكّ الرقبة، قال: يا رسول الله، أو ليستا بواحدة؟
قال: «لا، إن عتق النسمة تفرد بعتقها، وفكّ الرّقبة أن تعين على عتقها» [ (2) ] .
وروى مسلم عن معاوية بن الحكم السّلمي- رضي الله تعالى عنه- قال: بينا أنا أصلّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: وثكل أمياه، ما شأنكم تنظرون إليّ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلمّا رأيتهم يصمّتونني، لكنّي سكتّ فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمّي ما رأيت معلّما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فو الله ما نهرني ولا ضربني، ولا شتمني، قال: «إن هذه الصّلاة لا
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 148 (2518) ومسلم 1/ 89 (136/ 84) .
[ (2) ] أخرجه أحمد 4/ 299 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص 294 (12009) والبيهقي 10/ 272.(9/288)
يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنّما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن.
وروى الشيخان عن ميمونة- رضي الله تعالى عنها- أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه، قالت: أشعرت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أعتقت وليدتي؟ قال: أو فعلت؟ قالت: نعم، قال أما لو أنّك أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كم أعفو عن الخادم؟ فصمت، ثم أعاد عليه الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال: «اعف عنه في كل يوم سبعين مرة» .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والبيهقي عن عمر- رضي الله تعالى عنهما- والبيهقي عن ميمونة بنت سعد مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم [......] .
وروى الطبراني والإمام أحمد عن سعد بن عبادة- رضي الله تعالى عنه- أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنّ أمي ماتت وعليها [ (1) ] نذر لم تقضه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقضه عنها» .
وروى الإمام الشافعي والشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها أرادت أن تشتري بريرة فتعتقها فقال أهلها: نبيعكها على أن ولاءها لنا، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا يمنعك ذلك، فإنما الولاء لمن أعتق» .
الثامن عشر: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في النكاح وما يتعلق به.
روى الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ النّساء خير؟ قال: «التي تسرّه إذا نظر وتطيعه، إذا أمر، ولا تخالفه فيما يكره في نفسها أو ماله» [ (2) ] .
وروى ابن النجار عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أيّ النساء أفضل؟ قال: «التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها وماله فيما يكره» .
وروى الترمذي عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- قال: لمّا نزل في الذّهب والفضّة ما نزل قالوا: لو علمنا أي المال خير فنتخذه، قال أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه.
__________
[ (1) ] سقط في أ.
[ (2) ] أخرجه النسائي 6/ 68 وأحمد 2/ 432 والبيهقي 7/ 72 وانظر المشاة (3272) .(9/289)
وروى أبو داود بسند حسن عن معاوية بن حيدة- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتست ولا تضرب الوجه ولا تقبّح ولا تهجر إلا في البيت [ (1) ] .
وروى أبو داود عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، قال: قلت: يا رسول الله، ما تقول في نسائنا: قال: أطعموهنّ مما تأكلون واكسوهنّ مما تكسون، ولا تضربوهن ولا تقبّحوهنّ [ (2) ] .
وروى الطبراني عن سعد بن مسعود الليثي قال: أتى عثمان بن مظعون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله، إني لا أحب أن ترى امرأتي عورتي، فقال: إن الله تعالى جعلها لك لباسا، وجعلك لها لباسا وأهلي يرون عورتي وأنا أرى ذلك منهم.
وروى عن معقل بن يسار- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسن وجمال، وإنّها لا تلد أفأتزوجها؟ قال: «لا» ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال: «تزوّجوا الودود الولود فإنّي مكاثر بكم الأمم» .
وروى الإمام أحمد عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي أن أختصي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خصاء أمتي الصيام والقيام» .
وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، إني رجل شابّ وأخاف العنت، ولا أجد ما أتزوج به النساء، فسكت عني ثم قلت مثل ذلك فسكت عنّي، ثمّ قلت له مثل ذلك، فسكت عنّي، ثم قلت مثل ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا هريرة، جفّ القلم بما أنت لاق، فاختصّ على ذلك أوذر» .
وروى مسلم عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وفي بضع أحدكم صدقة» ، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر، قال: «أرأيت لو وضعها في حرام؟ أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: دخل رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: عكاف بن بشر التيمي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عكاف، هل لك من زوجة؟» قال: لا، قال: «ولا جارية؟» قال: لا، قال: «وأنت موسر بخير؟» قال، وأنا موسر بخير، قال: «أنت إذن من إخوان الشياطين، لو كنت من النصارى كنت من رهبانهم، إنّ سنتنا
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 446 وأبو داود 2/ 606 (2142) والنسائي كما في التحفة 8/ 432 وابن ماجة 1/ 593 (1850) .
[ (2) ] أخرجه أبو داود (2144) .
[ (3) ] أخرجه مسلم في الزكاة (53) وأحمد 5/ 167، 168 والبيهقي 4/ 188.(9/290)
النكاح، شراركم عزّابكم، والأذل موتاكم عزابكم، أبالشياطين تمرسون، ما للشياطين سلاح أبلغ، وفي الصّالحين من النساء إلا المتزوجين، أولئك المطهرون المبرؤون من الخنا، ويحك يا عكاف، إنهنّ صواحب أيوب وداود ويوسف وكرسف» ، قال له بشر بن عطية: من كرسف يا رسول الله؟ قال «رجل كان يعبد الله بساحل من سواحل البحر ثلاثمائة عام يصوم النهار، ويقوم الليل، ثم إنّه كفر بالله العظيم في سبب امرأة عشقها، وترك ما كان عليه من عبادة الله- عز وجل- ثم استدركه الله- عز وجل- ببعض، ما كان منه فتاب عليه، ويحك يا عكاف تزوّج، وإلا فأنت من المذبذبين» قال: زوّجني يا رسول الله، قال: «زوجتك كريمة بنت كلثوم الحميري» .
وروى أبو داود الطيالسي والإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح والنسائي عن أبي بن زرعة بن عمرو بن جرير عن جده قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة؟ فأمرني أن أصرف بصري [ (1) ] .
وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنّه تزوّج امرأة من الأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنظرت إليها؟» قال: لا، قال: «فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئا» يعني حولا.
وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجارية ينكحها أهلها، أتستأمر أم لا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم تستأمر» قلت: فإنها تستحي.
وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنكح الأيّم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن» قالوا: يا رسول الله، كيف إذنها قال:
«تسكت» ورواه ابن ماجة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- مرفوعا.
وروى الدارقطني عن عبد الله بن معقل- رضي الله تعالى عنه- قال: تزوّج رجل من الأنصار امرأة في مرضه، فقالوا: لا يجوز، هذا من الثلث، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
«النكاح جائز، ولا يكون من الثّلث» [ (2) ] .
(وروى الدارقطني عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صداق المرأة النساء، قال: هو ما اصطلح عليه أهلوهم [ (3) ] ) [ (4) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم 3/ 1699 (45/ 2159) ،
[ (2) ] أخرجه الدارقطني 3/ 250 والخطيب في التاريخ 11/ 184 والكنز (44770) .
[ (3) ] أخرجه البيهقي 7/ 239.
[ (4) ] سقط في أ.(9/291)
وروى الدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنكحوا اليتامى ثلاثا» قيل: يا رسول الله، ما العلائق بينهم؟ قال: «ما تراضى عليه الأهلون، ولو قضيب من أراك» [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد عن أبي حدرد الأسلمي- رضي الله تعالى عنه- أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتيه في مهر امرأة فقال: أمهرها، قال: مائتان قال: «لو كنتم تغترفون من ماء بطحان ما زدتم» [ (2) ] .
وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل تزوّج امرأة، وفرض لها هل يدخل بها ولم يعطها شيئا؟ فقال: «لا يدخل بها حتى يعطيها شيئا ولو نعليه» .
وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها وهو عمها من الرّضاعة بعد أن نزل الحجاب، فأبيت أن آذن له، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذي صنعت «فأمرني أن آذن له» .
وروى مسلم عن أمّ الفضل- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخل أعرابي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيتي، فقال: يا نبي الله! إنّي كانت لي امرأة فتزوّجت عليها أخرى، فزعمت امرأتي الأولى، أنها أرضعت امرأتي الحدثى، رضعة أو رضعتين فقال نبي الله صلّى الله عليه وسلم:
«لا تحرّم الإملاجة ولا الإملاجتان» .
وروى عبد الرزاق عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: جاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن سالما كان يدعى لأبي حذيفة، وأن الله تعالى قد أنزل في كتابه العزيز ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ [الأحزاب/ 5] وكان يدخل عليّ، وأنا فضل ونحن في (مسوب) [ (3) ] ضيق فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أرضعيه تحرمي عليه» [ (4) ] ،
قال الزّهريّ: قال بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: لا تدرون لعل هذه كانت رخصة لسالم خاصّة، قال الزهري: - رحمه الله تعالى-: كانت عائشة- رضي الله تعالى عنها- تفتي بأن الرّضاع يحرّم بعد الفصال، حتى ماتت وعنها أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة كان بدريا، وكان قد تبنى سالما الذي يقال له
__________
[ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 12/ 239 والطبري 2/ 299 وانظر المجمع 4/ 280.
[ (2) ] أخرجه سعيد بن منصور (604) والحاكم 2/ 178 والدولابي 1/ 25 والبيهقي 7/ 235 وانظر المجمع 4/ 282 وابن سعد 4/ 2/ 42.
[ (3) ] في أتنور.
[ (4) ] عبد الرزاق في المصنف (13345) (13884) (13885) ومسلم في كتاب الرضاع (27، 28) وأحمد 1/ 201 والحاكم 3/ 226 والطبراني في الكبير 7/ 69، 70 وانظر المجمع 4/ 260.(9/292)
مولى أبي حذيفة كما تبنّى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا وأنكحه فكان أبو حذيفة يرى أنه ابنه فأنكحه ابنة أخته فاطمة بنت الوليد بن عتبة وهي من المهاجرات الأول، وهي يومئذ أفضل أيامي قريش، فلما أنزل الله تعالى ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ [الأحزاب/ 5] الآية ردّ كل واحد من أولئك إلى أبيه، فإن لم يعلم أبوه ردّ إلى مواليه،
فجاءت سهلة بنت سهيل وهي امرأة أبي حذيفة، فقالت: يا رسول الله، كنا نرى سالما وليدا أو كان يدخل على، وأنا فضل وليس لنا إلّا بيت واحد، فما ترى؟ قال الزّهريّ: فقال لها فيما بلغنا: أرضعيه، والله تعالى أعلم.
وروي عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأم سلمة أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس كان تبنّى سالما، وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهو مولى لامرأة من الأنصار كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا، وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه، وورث ميراثه، حتى أنزل الله- عز وجل- في ذلك: «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ» إلى قوله فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ [الأحزاب/ 5] فردّوا إلى آبائهم، فمن لم يعلم له أب كان مولى وأخا في الدين،
فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري، وهي امرأة أبي حذيفة فقالت: يا رسول الله، إنا كنا نرى سالما ولدا، فكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد، ويراني مقتلا، وقد أنزل الله- عزّ وجل- فيهم ما قد علمت فكيف ترى فيه؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم «أرضعيه»
فأرضعته خمس رضعات، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة فبذلك كانت عائشة- رضي الله عنها- تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يرضعن من أحبّت عائشة أن يراها، ويدخل عليها، وإن كان كبيرا خمس رضعات، ثم يدخل عليها، وأبت أم سلمة، وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهم بتلك الرضاعة أحدا من الناس حتى يرضع في المهد، وقلت لعائشة: والله ما ندري لعلها كانت رضعة من النبي صلى الله عليه وسلم لسالم دون الناس.
وروى الإمام أحمد والبخاري وأبو داود عن عقبة بن الحارث- رضي الله تعالى عنه- أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب، فجاءت أمة سوداء، فقالت: إني أرضعتكما، قالت: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولفظ البخاري أنّه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز فأتت امرأة
فقالت: إني أرضعت عقبة، والذي تزوّج بها فقال لها عقبة: لا أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني! فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف وقد قيل؟! ففارقها عقبة ونكحت زوجا غيره.
وروى الإمام أحمد والترمذي وصححه عن حجاج بن حجاج الأسلميّ عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، ما يذهب عني مذمّة الرضاع؟ قال: «غرّة عبد أو أمة» .(9/293)
وروى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الذي يجوز من الشهود في الرّضاع؟ فقال: «رجل وامرأة» .
وروى الدارقطني وضعفه عن كعب بن مالك- رضي الله تعالى عنه- أنه أراد أن يتزوج يهودية أو نصرانية فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فنهاه عنها، وقال: «إنها لا تحصنك» .
وروى الإمام الشافعي وأبو داود وابن ماجة عن الضحاك بن فيروز الدّيلميّ عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، إني أسلمت، وتحتي أختان، قال: «طلّق أيتهما شئت» .
وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: طلّق رجل زوجته ثلاثا فتزوجت زوجا غيره، فطلّقها قبل أنه يدخل بها فأراد زوجها، الأوّل أن يتزوجها فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا حتّى يذوق الآخر من عسيلتها ما ذاق الأول» .
وروى النسائي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يطلق امرأته، فيتزوجها الرجل، ويغلق الباب ويرخي الستر، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها قال: «لا تحل للأول حتى يجامعها الأخير» [ (1) ] .
وروى ابن جرير عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحلّل قال: «لا نكاح رغبة ولا نكاح ولا استهزاء بكتاب الله- تعالى- حتى يذوق العسيلة» .
وروى ابن ماجه والدّارقطنيّ عن علقمة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بالتّيس المستعار؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «هو المحلّل ثمّ لعن المحلّل والمحلّل له» [ (2) ] .
وروى الإمام الشّافعيّ وأبو داود والدارقطني والطحاوي والبغوي وابن قانع عن الحارث- رضي الله تعالى عنه- قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:
«اختر منهنّ أربعا، وفارق سائرهنّ» .
وروى الإمام الشافعي عن نوفل بن معاوية الرملي- رضي الله تعالى عنه- قال: أسلمت وعندي خمس نسوة، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «فارق واحدة وأمسك أربعا» فعمدت إلى أقدمهنّ عندي عاقرا منذ ستين سنة ففارقتها.
وروى الإمام أحمد والترمذي، وصححه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن
__________
[ (1) ] النسائي في الطلاق باب 12.
[ (2) ] أخرجه ابن ماجه (1936) والطبراني في الكبير 17/ 299 والدارقطني 3/ 251.(9/294)
رجلا جاء مسلما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاءت امرأته مسلمة بعده، فقال: يا رسول الله، إنها كانت أسلمت معي، فردّها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى الدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رجلا قال: يا رسول الله إن امرأتي لا تردّ يد لامس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «طلّقها» ، فقال: إني أحبها، قال: «فأمسكها إذن» [ (1) ] .
وروى الإمام الشافعي عن خزيمة بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن أو عن إتيان الرّجل امرأته في دبرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم حلال فلمّا ولّى الرّجل دعاه أو أمر به، فدعي فقال: كيف قلت في أي الخرقين أو في أيّ الخرزتين، أو في أيّ الحصفتين أمن دبرها في قبلها، فنعم أم من دبرها، في دبرها، فلا، فإن الله لا يستحي من الحقّ، لا تأتوا النّساء في أدبارهن.
وروى الترمذي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال جاء عمر- رضي الله تعالى عنه- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هلكت، قال: «وما أهلك؟» قال: حوّلت رحلي اللّيلة، قال: فلم يردّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا
قال: فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة/ 223] أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد- رضي الله تعالى عنها- أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود عنده فقال: «لعل الرّجل يقول ما يفعله بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها فارم القوم» فقلت: أي والله يا رسول الله، إنهن ليقلن، وإنهم ليفعلون قال: «فلا تفعلوا، فإنّما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون» .
وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والبيهقي عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل، ولفظ أحمد: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل، فقال:
«اصنعوا ما بدا لكم فما قضى الله- تعالى- فهو كائن، وليس كل الماء يكون الولد» [ (3) ] .
وروى عبد الرزاق والتّرمذيّ عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء ناس من
__________
[ (1) ] من حديث ابن عباس أخرجه أبو داود 2/ 541 (2049) والنسائي 6/ 169 والبيهقي 7/ 154 وابن أبي شيبة 4/ 184 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2024) والمطالب (1626) والطبراني في الكبير 19/ 216 والمجمع 4/ 335.
[ (2) ] الترمذي (2980) .
[ (3) ] أخرجه أحمد 3/ 26، 47.(9/295)
المسلمين، فقالوا: يا رسول الله، أفيكون لنا الإماء فنعزل عنهن؟ وزعمت يهود أنها الموءودة الصغرى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذبت يهود، كذبت يهود، ولو أراد الله تعالى أن يخلقه لم يردّه» ، وفي لفظ عند عبد الرزّاق: جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي جارية وأنا أعزل عنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يقدّر يكن» ، فما لبثت أن حملت فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إنها حملت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما قضى الله لنفس أن تخرج إلا هي كائنة» [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد ومسلم عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن العزل، فقال: «لا عليكم أن لا تفعلوا، فإن الله تعالى كتب من هو خالق إلى يوم القيامة» [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد بن السكن- رضي الله تعالى عنها- قالت: مر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في نسوة فسلم علينا وقال: إيّاكن وكفر المنعمين قال: لعلّ إحداكن أن تطول إقامتها بين أبويها، وتعنس فيرزقها الله- عز وجل- زوجا، ويرزقها منه مالا وولدا فتغضب الغضبة فراحت تقول: ما رأيت منه يوما خيرا قطّ وقال: مرّة خيرا قط.
وروى الإمام الشافعي والشيخان والدارقطني عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: أن هند بنت عتبة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم؟ فقال: «خذي ما يكفيك، وولدك بالمعروف» .
وروى البيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال جاء رجل، فقال: يا رسول الله، عندي دينار، قال: «أنفقه على نفسك» ، قال: عندي آخر قال: «أنفقه على ولدك» ، قال: عندي آخر؟ قال: «أنفقه على أهلك» .
وروى الإمام أحمد عن رائطة امرأة عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنها- وكانت امرأة صناعا، وكانت تبيع وتصدق، فقالت لعبد الله يوما: لقد شغلتني أنت وولدك، فما أستطيع أن أتصدق معكم، فقال: ما أحب أن لم يكن في ذلك أجر أن تفعلي فسألا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لك أجر ما أنفقت عليهم» .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 3/ 53 وابن أبي شيبة 4/ 222 وعبد الرزاق (4924) والطحاوي في المعاني 3/ 31 وابن أبي عاصم 1/ 160 وأبو داود (2171) والترمذي (1136) .
[ (2) ] أحمد 3/ 72 ومسلم في النكاح (129) (130، 131) .(9/296)
التاسع عشر: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في «الطلاق» «والخلع» «والإيلاء» «والظّهار» «واللّعان» «وإلحاق الولد» «والعدة» وما يتعلق بذلك.
روى أبو داود والترمذي والدارقطني عن عبد الله بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إني طلّقت امرأتي البتّة وو الله، ما أردتّ إلا واحدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله، ما أردتّ إلا واحدة؟» فقال ركانة:
والله، ما أردتّ إلا واحدة، فردّها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلّقها الثانية في زمان عمر، والثالثة في زمان عثمان.
وروى الدارقطني عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال: طلّق بعض الأنصار امرأته ألفا فانطلق بنوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، أن أبانا طلّق أمّنا ألفا، فهل له من مخرج؟ فقال: «إنّ أباكم لم يتّق الله فيجعل له من أمره مخرجا، بانت منه بثلاث على غير السّنّة وتسعمائة وسبعة وتسعون إثما في عنقه»
وقال الدارقطني: رواته مجهولون، وضعفاء إلا شيخنا وابن عبد الباقي.
وروى الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وأبو يعلى وابن مردويه والبيهقي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أنه طلق امرأته، وهي حائض، فذكر ذلك عمر- رضي الله تعالى عنه- لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيّظ فيه، ثم قال: «ليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر وإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسّها، فتلك العدّة التي أمر الله أن تطلق لها النساء» ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق/ 1] أي قبل عدتهن.
وروى الدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو، أن مولاه زوّجه، وهو يريد أن يفرق بينه وبين امرأته، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه ثم قال: «ما بال قوم يزوّجون عبيدهم إماءهم ثم يريدون أن يفرقوا بينهم؟ ألا، إنّما يملك الطلاق من أخذ بالسّاق.
وروى الإمام أحمد وغيره عن أبي ذر والدارقطني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال قال رجل: يا رسول الله، أرأيت قول الله تعالى الطَّلاقُ مَرَّتانِ [البقرة/ 229] فأين الثالثة قال: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ [البقرة/ 229] .
وروى الشيخان عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف لا يدخل على بعض أهله شهرا، فلمّا مضى تسعة وعشرون يوما- غدا عليهنّ أو راح- فقيل له: يا نبيّ الله، حلفت أن لا تدخل علينا شهرا، فقال: «إن الشهر يكون تسعة وعشرين يوما» .(9/297)
وروى البيهقي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قال: أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل على نسائه شهرا ... الحديث.
وروى الترمذي والبيهقي والدارقطني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ظاهر من امرأته، فوقع عليها فقال: يا رسول الله، إني قد ظاهرت من زوجتي، فوقعت عليها قبل أن أكفّر، فقال: «وما حملك على ذلك، يرحمك الله» ؟ قال: رأيت خلخلها في ضوء القمر. قال: «فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به» .
وروى ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا من الأنصار جاء فقال: لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا، فتكلم جلدتموه أو قال: قتلتموه، وإن سكت سكت على غيظ والله لأسألنّ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان من الغد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: لو أنّ رجلا وجد مع امرأته رجلا فتكلم جلدتموه أو قال: قتلتموه، أو سكت سكت على غيظ، فقال:
«اللهمّ افتح» وجعل يدعو، فنزلت آيتي اللعان: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ [النور/ 6] هذه الآيات فابتلى به ذلك الرجل من بين الناس، فجاء هو وامرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا فشهد الرّجل أربع شهادات بالله، إنّه لمن الصّادقين، ثمّ لعن الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، فذهبت لتلعن فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مه» فأبت، فلعنت فلمّا أدبرا قال «لعلّها أن تجيء به أسود جعدا» فجاءت به أسود جعدا.
وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنّ رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ولد لي غلام أسود، وإنّي أنكرته؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل لك من إبل؟» قال: نعم، قال: «فما ألوانها؟» قال: حمر، قال: «هل فيها من أورق؟» قال: إنّ فيها لورقا، قال: «فأنّى ترى ذلك جاءها؟» قال: عرق نزعها، قال: «ولعل هذا عرق نزعه» ! ولم يرخص له في الانتفاء منه.
وروى الإمام أحمد عن مولى آل الزبير قال: إن بنت زمعة قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أبي زمعة مات، وترك أمّ ولد له وإنا كنّا نظنها برجل، وإنها ولدت فخرج ولدها يشبه الرجل الذي ظننّاها به، قال: فقال لها: «أما أنت فاحتجبي منه، فليس بأخيك وله الميراث» .
وروى أبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قام رجل فقال: يا رسول الله، أن فلانا ابني عاهر بأمه في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية، الولد للفراش، وللعاهر الحجر» .
العاهر يعني الزاني والمعنى، أنه لا حظّ للزاني في الولد وإنّما هو لصاحب الفراش وهو الزوج أو السّيّد، ولها الحجر أي ترجم بالحجارة، أو ليس لها إلا الحجارة أي ليس له ولا لها(9/298)
إلا الخيبة ولحوق الولد، وذكره صلى الله عليه وسلم للحجر استعارة عن الرجم.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن رافع بن سنان- رضي الله تعالى عنه- أنه أسلم، وأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ابنتي، وهي فطيم أو شبهه وقال رافع: ابنتي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اقعد ناحية» وقال لها: «اقعدي ناحية» قال: وأقعد الصّبيّة بينهما، ثم قال:
«ادعواها» فمالت الصّبيّة إلى أمّها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم اهدها» فمالت الصّبيّة إلى أبيها فأخذها.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإنّ أباه طلقني وأراد أن ينتزعه منّي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت أحقّ به ما لم تنكحي» .
وروى أبو داود والترمذي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن امرأة ثابت بن قيس بن شمّاس اختلعت من زوجها فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدّتها حيضة.
وروى الإمامان الشافعي وأحمد والبخاري عن المسور بن مخرمة- رضي الله تعالى عنه- أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال فجاءت النبي، فاستأذنته أن تنكح فأذن لها فنكحت.
وروى الإمامان الشافعي وأحمد والبخاري عن المسور بن مخرمة- رضي الله تعالى عنه- أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذوات الأحمال قال: «أجلهنّ أن يضعن حملهنّ» .
وروى مسلم عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بامرأة مجحّ على باب فسطاط فقال: «لعلّه يريد أن يلمّ بها» فقالوا: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره. كيف يورّثه وهو لا يحلّ له؟ كيف يستخدمه، وهو لا يحلّ له؟» .
وتحجج بالجيم والحاء المهملة المشددة الحامل التي دنت ولادتها.
وروى البيهقي عن الزبير- رضي الله تعالى عنه- أنه كان عنده أم كلثوم بنت عقبة، فقالت له، وهي حامل إني أحب أن تطيب نفسي بتطليق ففعل، فذهب إلى المسجد فجاء وقد وضعت ما في بطنها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ما صنع، فقال: «بلغ الكتاب أجله، فاخطبها إلى نفسها» ، فقال خدعتني، خدعها الله.
وروى مسلم عن سلمة بن عبد الرحمن أن فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس(9/299)
أخبرته، أن أبا حفص بن المغيرة المخزوميّ طلّقها ثلاثا، ثم انطلق إلى اليمن، فقال لها أهله:
ليس لك علينا نفقة، فانطلق خالد بن الوليد في نفر. فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة، فقالوا: إن أبا حفص طلق امرأته ثلاثا، فهل لها من نفقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليست لها نفقة، وعليها العدّة» وأرسل إليها «أن لا تسبقيني بنفسك» وأمرها أن تنتقل إلى أمّ شريك، ثم أرسل إليها «أن أمّ شريك يأتيها المهاجرون الأوّلون. فانطلقي إلى ابن أم مكتوم الأعمى، فإنّك إذا وضعت خمارك، لم يرك» فانطلقت إليه. فلما مضت عدّتها أنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة.
وروى مسلم عن جابر بن عبد الله يقول: طلقت خالتي فأرادت أن تجدّ نخلها: فزجرها رجل أن تخرج. فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «بلى فجدّي نخلك. فإنّك عسى أن تصدّقي أو تفعلي معروفا» .
وروى البيهقي عن زينب بنت كعب بن عجرة- رضي الله تعالى عنهما- وكانت تحت سعيد أن أخته الفريعة بنت مالك كانت مع زوجها في قرية من قرى المدينة فتبع أعلاجا، فقتلوه فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فشكت الوحشة في منزله، وذكرت أنها في منزل ليس لها، واستأذنت أن تأتي منزل إخوتها بالمدينة، فأذن لها، ثم دعا أو دعيت له، فقال: «اسكني في البيت الذي أتاك فيه نعي زوجك حتّى يبلغ الكتاب أجله» .
وروى الشيخان عن زينب بنت أبي سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، أن ابنتي توفّي عنها زوّجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول: لا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول» .
وروى الشيخان والبيهقي عن زينب أنها سمعت أم سلمة وأم حبيبة تذكران أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له أنّ بنتا لها توفّي عنها زوجها، فاشتكت عينها، فهي تريد أن تكحلها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة عند رأس الحول، وإنما هي أربعة أشهر وعشر» .
وروى أبو داود عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة، وقد جعلت على عيني صبرا، فقال: «ما هذا يا أم سلمة؟» فقلت: إنما هو صبر ليس فيه طيب، قال: «إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل(9/300)
وتنزعيه بالنهار، ولا تمتشطي بالطيب، ولا بالحناء، فإنه خضاب» ، قلت: بأي شيء أمتشط يا رسول الله؟ قال: «بالسدر تغلفين به رأسك» .
العشرون: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الجنايات والحدود.
روى الإمام أحمد عن مربد بن عبد الله عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الآمر والقاتل قال: «قسمت النار سبعين جزءا فللآمر تسع وستون وللقاتل جزء وحسبه» .
وروى الشيخان عن عدي بن الخيار قال: إن المقداد بن عمرو الكنديّ أخبره أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن لقيت رجلا من الكفّار فاقتتلنا فضرب إحدى يديّ بالسّيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال: «لا تقتله» فقال: يا رسول الله، إنه قطع إحدى يدي، ثم قال ذلك بعد ما قطعها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال»
أي إباحة الدم، لأن الكافر قبل أن يسلم مباح الدم، فإذا أسلم فقتله أحد فإن قاتله مباح الدم. بحق القصاص، لأنه بمنزلته في الكفر.
وروى النسائي عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن هذا قتل أخي، قال: «اذهب، فاقتله كما قتل أخاك» ، فقال له الرجل: اتّق الله، واعف عني، فإنه أعظم لأجرك، وخير لك ولأخيك يوم القيامة، قال: «فخلّى عنه» ، قال: فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأخبره بما قال له قال: فأعنفه أما إنه كان خيرا مما هو صانع بك يوم القيامة يقول: يا رب سل هذا فيم قتلني.
وروى البيهقي عن ابن حارثة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا ضرب رجلا على ساعده.
وروى الإمام أحمد والشيخان والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- وزيد بن خالد الجهني قالا: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ قال: «إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها» . ثم بيعوها ولو بضفير.
وروى الإمام أحمد عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا من أسلم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه زنى بامرأة سماها فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فدعاها فسألها عما قال فأنكرت فحده وتركها.
وروى مسلم عن بريدة بن الحصيب- رضي الله تعالى عنه- قال: أتى ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، طهّرني، فقال: «ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه» ، قال:(9/301)
فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول الله، طهّرني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة، قال له رسول الله: «ممّ أطهّرك؟» قال: من الزنا، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبه جنون؟
فأخبر أنه ليس بمجنون، فقال: أشرب خمرا؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر، فقال: أزنيت؟ قال: نعم، فأمر به فرجم، فلبثوا يومين أو ثلاثة، ثمّ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
«استغفروا لماعز بن مالك، لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم» ، ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت: يا رسول الله، طهّرني، فقال: «ويحك ارجعي، فاستغفري الله وتوبي إليه» ، فقالت: تريد أن تردّني كما رددت ماعز بن مالك، إنها حبلى من الزنا! فقال: أنت؟ قالت:
نعم، قال لها: حتى تضعي ما في بطنك، قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد وضعت الغامدية، فقال: «إذن لا نرجمها، وندع ولدها صغيرا، ليس له من ترضعه؟» فقام رجل من الأنصار فقال: إليّ رضاعه يا نبي الله، قال فرجمها» .
وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال سعد بن عبادة- رضي الله تعالى عنه-: يا رسول الله، أرأيت إن وجدتّ مع أهلي رجلا لم أمسّه حتّى آتي بأربعة شهود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نعم» قال: كلّا، والذي بعثك بالحق إن كنت لأعاجله بالسّيف قبل ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا إلى ما يقول سيّدكم. إنّه لغيور وأنا أغير منه. والله أغير مني» .
وروى الشيخان عن سهل بن سعد، قال جاء عويمر إلى عاصم بن عدي- رضي الله تعالى عنه- فقال: أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله أيقتل به أم كيف يصنع؟ فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد أنزل القرآن فيك وفي صاحبتك، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملاعنة بما سمّى الله في كتابه فلاعنها، ثم قال: يا رسول الله، أن حبستها فقد ظلمتها، فطّلقها فكانت سنّة لمن بعدهما في المتلاعنين ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
انظروا فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين خدلج السّاقين، فلا أحسب عويمرا إلا قد صدق عليها، وإن جاءت به أحيمر كأنّه وحرة، فلا أحسب عويمرا إلا قد كذب عليها
فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر فكان بعد ينسب إلى أمّه.
وروى الشيخان عن زيد بن خالد الجهني وأبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس، فقال: يا رسول الله، اقض بكتاب الله فقام خصمه فقال: صدق، اقض له يا رسول الله بكتاب الله، إن ابني كان عسيفا على هذا، فزنى بامرأته، فأخبروني أن على ابني الرّجم، فافتديت بمائة من الغنم ووليدة، ثم سألت أهل العلم فزعموا إن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام. فقال: والذي نفسي بيده، لأقضيّن بينكما بكتاب الله،(9/302)
أمّا الغنم والوليدة فردّ عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، وأما أنت يا أنيس، فاغد على امرأة هذا، فارجمها فغدا أنيس فرجمها.
وروى أبو داود عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال جاءت اليهود برجل وامرأة منهما قد زنيا فقال: «ائتوني بأعلم رجلين منكم» فأتوه بابني صوريا، فنشدهما كيف أمر هذين في التوراة؟ قالا: نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنّهم رأوا ذكره في فرجها، مثل الميل في المكحلة رجما، قال: «فما يمنعكما أن ترجموهما؟» قالا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشّهود فجاءوا بأربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها، مثل الميل في المكحلة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمهما.
وروى أبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا من بكر بن ليث أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرّ بأنه زنى بامرأة أربع مرات فجلده مائة وكان بكرا، ثم سأله النبي صلى الله عليه وسلم فأقرّ أنه زنى بامرأة أربع مرات فجلده مائة، وكان بكرا، ثم سأله البيّنة على المرأة، فقالت: كذب والله يا رسول الله، فجلده رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّ الفرية ثمانين.
وروى الإمام أحمد عن أبي أمية المخزومي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلصّ فاعترف، ولم يوجد معه متاع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخالك سرقت؟ قال: بلى، مرتين أو ثلاثا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقطعوه، ثم جاءوا به قال فقطعوه، ثم جاءوا به، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قل: أستغفر الله، وأتوب إليه قال: أستغفر الله، وأتوب إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهمّ، تب عليه.
وروى الإمام أحمد والبيهقي عن مسعود بن الأسود- رضي الله تعالى عنه- أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المخزومية التي سرقت قطيفة: يفديها يعني بأربعين أوقية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن تطهر خير لها، فأمر بها، فقطعت يدها، وهي من بني عبد الأسد.
وروى الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كم تقطع يد السّارق، قال: لا تقطع في ثمرة معلّقة، فإذا ضمّه الجرين قطع في ثمن مجن ولا تقطع في حريسة الجبل فإذا ضمها المراح قطعت في ثمن مجن.
وروى أبو داود والنسائي عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثّمر المعلّق؟ قال: من سرق شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع.
وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن صفوان بن أمية- رضي الله تعالى عنه- قال: بينا أنا راقد إذ جاء سارق، فأخذ ثوبي فرفعناه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطعه، فقلت: يا(9/303)
رسول الله، أفي حميصة ثمن ثلاثين درهما أنا أهبها له أو أبيعها له قال: فهلّا كان قبل أن تأتيني به.
وروى أبو داود والنسائي عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار أنه اشتكى رجل حتى أضنى فعاد جلدة على عظم، فدخلت عليه جارية لبعضهم فهشّ لها، فوقع عليها، فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك، وقال: استفتوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني قد وقعت على جارية دخلت عليّ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: ما رأينا بأحد من الناس من الضّرّ مثل الذي هو به، لو حملناه إليك لتفسّخت عظامه، ما هو إلا جلد على عظم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا له مائة شمراخ، فيضربوه بها ضربة واحدة.
وروى النسائي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن قوما قتلوا، فأكثروا وزنوا فأكثروا وانتهكوا، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، إن الذي تقول وتدعونا إليه حسن لو تخبرنا أنّ لما عملنا كفّارة فأنزل الله عز وجل وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً [الفرقان/ 68] إلى آخر.. إلى فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ [الفرقان/ 70] قال يبدل الله شركهم إيمانا، وزناهم إحصانا ونزلت قُلْ: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ [الزمر/ 53] الآية.
الحادي والعشرون: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الأيمان والنذور.
روى الإمام أحمد والنسائي عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال: حلفت باللات والعزّى فقال: أصحابي قد قلت هجرا، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، واتفل عن يسارك ثلاثا، وتعوّذ بالله من الشيطان ثمّ لا تعد.
وروى مسلم عن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اقتطع حقّ مسلم بيمينه، حرم الله عليه الجنة، وأوجب له النّار، قالوا:
وإن كان شيئا يسيرا، قال: وإن كان قضيبا من أراك.
وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه قال: أعتم رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله (فوجد الصّبية قد ناموا) فأتاه أهله بطعام فحلف لا يأكل من أجل الصّبية، ثم بدا له فأكل فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين، فرأى غيرها خيرا منها فليأتها، وليكفّر عن يمينه» .
وروى النسائي عن أبي الأحوص الجشمي عن أبيه مالك بن نضلة- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت ابن عمّ لي أتيته أسأله فلا يعطيني ولا يصلني، ثم يحتاج(9/304)
إليّ فيأتيني، فيسألني وقد حلف أن لا أعطيه، ولا أصله؟ فأمرني أن آتي الذي هو خير، وأكفّر عن يميني.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن سويد بن حنظلة- رضي الله تعالى عنه- قال: خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر فأخذه عدوّ له فتحرّج الناس أن يحلفوا، وحلفت إنه أخي فخلى عنه، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: أنت كنت أبرهم وأصدقهم، صدقت، المسلم أخو المسلم.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البينة، فلم تكن له بينة، فاستحلف المطلوب فحلف بالله تعالى الذي لا إله إلا هو ما فعلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد فعلت، لكن الله تعالى قد غفر لك بإخلاص قول لا إله إلا الله.
وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه؟ فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظلّ ولا يتكلّم، ويصوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مروه فليتكلّم وليستظلّ وليقعد وليتمّ صومه» .
وروى الشيخان عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: يا رسول الله، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما أو قال: ليلة في المسجد الحرام قال: أوف بنذرك.
وروى ابن أبي شيبة عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: نذرت نذرا في الجاهلية فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما أسلمت فأمرني أن أفي بنذري.
وروى الشيخان والإمام أحمد والنسائي عن عقبه بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله الحرام حافية غير معتمرة، فأمرتني أن أستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته، فقال: مر أختك فلتركب، ولتختمر ولتصم ثلاثة أيام.
وروى البغوي وضعفه والإسماعيلي وابن قانع وأبو نعيم عن بشير الثقفي- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني نذرت في الجاهلية نذرا أن لا آكل لحم الجزور ولا أشرب الخمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما لحوم الإبل فكلها وأما الخمر فلا تشرب» .
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن أخت عقبه بن عامر- رضي الله تعالى عنه- نذرت أن تحج ماشية، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: إنها لا تطيق ذلك، فقال: إن الله لغني عن مشي أختك، فلتركب ولتهد بدنة.
وروى الإمام أحمد عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر،(9/305)
وهو يخطب إلى أعرابي قائم في الشمس، قال: ما شأنك؟ قال: قد نذرت يا رسول الله أن لا أزال في الشمس حتّى تفرغ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس هذا بنذر، إنما النّذر فيما ابتغي به وجه الله- عز وجل-.
وروى عن ابن عمرو أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك رجلين مقرنين يمشيان إلى البيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال القرآن؟ قالا: يا رسول الله، نذرنا بأن نمشي إلى البيت مقترنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس هذا نذرا، فقطع قرانهما،
قال سريج في حديثه: إنما النذر ما ابتغي به وجه الله- عز وجل-.
وروى البيهقي عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:
إنّ أمي توفّيت [.....] .
وروى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة قالت: يا رسول الله، إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدّفّ، قال: أوف بنذرك.
الثاني والعشرون: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الصّيد والذبائح.
روى الشيخان والنسائي عن عدي بن حاتم- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إنّا قوم نصيد بهذه الكلاب، فقال: إذا أرسلت كلبك المعلّم، فقتل فكل، وإذا أكل فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه، فقلت: أرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر، قال: فلا تأكل، فإنّما سميت على كلبك، ولم تسمّ على كلب آخر.
وروى الإمام أحمد والدارقطني عنه أنّه سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: أرمي بسهمي فأصيب، فلا أقدر عليه إلا بعد يوم أو يومين، فقال: إذا قدرت عليه، وليس فيه أثر ولا خدش إلا رميتك، فكل، وإن وجدت فيه أثر غير رميتك فلا تأكله، أو قال: لا تطعمه، فإنّك لا تدري أنت فعلته أو غيرك، وإذا أرسلت كلبك، فأخذ، فأدركته فذكّه، وإن وجدته قد أخذ، ولم يأكل شيئا منه فكله، وإن وجدته قد قتله، فأكل منه فلا تأكل منه شيئا أو قال: لا تأكله، فإنّما أمسك على نفسه،
قال عدي: فإنّي أرسل كلابي، وأذكر اسم الله، فتختلط بكلاب غيري، فيأخذن الصيد فيقتلنه، قال: لا تأكله، فإنّك لا تدري أكلابك قتلته، أو كلاب غيرك؟.
وروى البخاري عن أبي ثعلبة الخشفي- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله إنا بأرض قوم من أهل الكتاب، أفنأكل في آنيتهم؟ وبأرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلّم، وبكلبي المعلّم، فما يصلح لي؟ قال: أمّا ما ذكرت من آنية أهل الكتاب، فإن وجدتم غيرها، فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها، وما صدت بقوسك(9/306)
فذكرت اسم الله فكل، وما صدّت بكلبك المعلّم فذكرت اسم الله، فكل وما صدتّ بكلبك غير معلّم، فأدركت ذكاته فكل.
وروى الترمذي والنسائي وأبو داود عن عدي بن حاتم- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصّيد فقال: إذا رميت سهمك فاذكر اسم الله- عز وجل- فإن وجدته قد قتل فكل إلّا أن تجده قد وقع في ماء، ولا تدري الماء قتله أو سهمك.
وروى الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أبا ثعلبة الخشينيّ أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي كلابا مكلبة، فأفتني في صيدها، فقال: إن كانت لك كلاب مكلبة فكل مما أمسكت عليك، فقال: يا رسول الله، ذكيّ وغير ذكيّ؟ قال: ذكيّ وغير ذكيّ، قال: وإن أكل منه؟ قال: وإن أكل منه، قال: يا رسول الله، أفتني في قوسي، قال: كل ما أمسكت عليك قوسك، قال: ذكيّ وغير ذكيّ؟ قال: ذكي وغير ذكي، قال: وإن تغيّب عنّي؟
قال: وإن تغيّب عنك ما لم يصل يعني يتغير أو تجد فيه أثر غير سهمك، قال: يا رسول الله، أفتنا في آنية المجوس إذا اضطررنا إليها، قال: إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء واطحنوا فيها.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أبي العشراء عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، أما تكون الذكاة إلّا في الحلق واللبة؟ قال: لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك.
وروى الإمام أحمد والبيهقي وأبو داود عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنين يكون في بطن أمه أنلقيه، أم نأكله؟ قال: كلوه إن شئتم فإنّ ذكاته ذكاة أمّه.
وروى الإمام الشافعي عن رافع بن خديج- رضي الله تعالى عنهما- قال: قلنا: يا رسول الله، إنّا ملاقو العدو غدا، وليست معنا مدى أنذكّي باللّيط فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ما أنهر الدّم وذكر عليه اسم الله تعالى، فكلوا إلا ما كان من سن أو ظفر، فإن السّنّ عظم من الإنسان والظفر هذا من مدى الحبش» .
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عدي بن حاتم- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، إن أحدنا أصاب صيدا، وليس معه سكين أيذبح بالمروة وشقّة العصا؟ فقال: أمرر الدّم بما شئت؟ واذكر اسم الله.
وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: إن قوما قالوا: يا رسول الله، إن قوما يأتون باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليها، أم لم يذكروا، أنأكل منها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سمّوا الله وكلوا» وكانوا حديثي عهد بكفر.
وروى الدارقطنيّ عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سأل رجل(9/307)
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم الله على كل مسلم.
وروى أبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أنا نأكل مما قتلنا ولا نأكل مما قتل الله؟ فأنزل الله: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام/ 121] إلى آخر الآية.
وروى الترمذي عن خزيمة بن جزء- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال: أو يأكل الضّبع أحد؟ وسألته عن أكل الذّئب، فقال: أو يأكل الذّئب أحد فيه خير.
وروى ابن جرير عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر عن الضب، فقال: لا أحلّه ولا أحرّمه.
وروى الإمام أحمد والطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي عن أبي واقد أن رجلا قال: يا رسول الله، أنا بأرض تصيبنا بها مخمصة فماذا يصلح لنا من الميتة؟ قال: إذا لم تصطبحوا، أو لم تغتبقوا ولم تحتفوا فشأنكم بها.
وروى عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: دخلت أنا، وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتي بضب محنوذ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عن الضّبّ، فقال خالد: أحرام الضب يا رسول الله؟ قال: لا، ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه.
قال خالد: فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليّ.
روي أيضا بلفظ أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا آمر به ولا أنهي عنه، أو قال: لا أحله ولا أحرمه.
وروى الترمذي وحسنه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا قال: يا رسول الله إنّي إذا أصبت اللّحم انتشرت للنّساء، وأخذتني شهوتي، فحرّمت عليّ اللّحم فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً [المائدة/ 87، 88] .
وروى مسلم عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أكل منه، وبعث بفضلة إلي وإنه بعث إلي يوما بفضلة لم يأكل منها، لأن فيها ثوما.
فسألته: أحرام هو؟ قال: «لا ولكني أكرهه من أجل ريحه» .
وروى الإمام أحمد عنه قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصعة فيها بصل فقال: كلوا وأبى أن يأكل، وقال: إني لست كمثلكم.(9/308)
وروى ابن ماجة عن سلمان- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السّمن والجبن والفراء فقال: الحلال ما أحل الله تعالى في كتابه، والحرام ما حرم الله تعالى في كتابه، وما سكت عنه فهو ما عفا عنه.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن قبيصة بن هلب عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وسأله رجل فقال: إن من الطّعام طعاما أتحرّج منه فقال: طعام لا يختلجن في نفسك شيء ضارعت فيه النّصرانية.
المضارعة المشابهة والمقاربة، وذلك أنه سأله على طعام النصارى، فكأنه أراد أن لا يحركنّ في نفسك شك، أن ما شبهت فيه النصارى حرام أو مكروه.
وروى البخاري والترمذي عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقروننا فما ترى فيه؟ فقال لنا: إن نزلتم بقوم فأمر لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حقّ الضّيف.
وروى الترمذي عن عوف بن مالك الجشمي- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن مررت برجل، فلم يقرني ولم يضفني، ثمّ مرّ بي بعد ذلك أقريه أم أجزيه؟ قال: بل أقره.
وروى الإمامان مالك وأحمد عن رجل من ضمرة عن أبيه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة، قال: لا أحبّ العقوق، وكأنّه كره الاسم، وقال: من ولد له مولود فأحبّ أن ينسك عنه، فليفعل.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة، فقال: لا يحبّ الله تعالى العقوق، كأنه كره الاسم.
وقال: «من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فلينسك عن الغلام شاتين مكافئتين، وعن الجارية شاة» وسئل عن الفرع قال: «والفرع حق وأن تتركوه حتّى يكون بكرا شغزبّا ابن مخاض أو ابن لبون فتعطيه أرملة أو تحمل عليه في سبيل الله خير من أن تذبحه، فيلزق لحمه بوبره، وتكفئ إناءك وتولّه ناقتك» .
الثالث والعشرون: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الأشربة، وما يحل منها وما يحرم.
روى الطبراني والترمذي عن أبي المثنى الجهني قال: كنت عند مروان بن الحكم فدخل عليه أبو سعيد،
فقال له مروان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن النفخ في الشراب،
فقال رجل: القذاة أراها في الإناء؟ قال أهرقها قال: فإني لا أروي من نفس واحد؟ قال: فأبن القدح إذن عن فيك.(9/309)
وروى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع وهو نبيذ العسل، وكان أهل اليمن يشربونه، فقال: كلّ شراب أسكر فهو حرام.
البتع- بكسر الموحدة وسكون المثناة الفوقية- شراب يتخذ من العسل وفتحها لغة يمنية.
وروى الشيخان عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذا إلى اليمن فقال ادعوا النّاس فقال أبو موسى: يا نبي الله إن أرضنا بها شراب من الشّعير المزر، وشراب من العسل: البتع. فقال: كل مسكر حرام، فانطلقنا،
فقال معاذ لأبي موسى:
كيف تقرأ القرآن؟ قال: قائما وقاعدا وعلى راحلتي، وأتفوّقه تفوّقا. قال: أما أنا فأنام وأقوم، فأحتسب نومتي كما أحتسب راحلتي، وأتفوّقه تفوّقا. قال: أما أنا فأنام وأقوم، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي، وضربا فسطاطا فجعلا يتزاوران، فزار معاذ أبا موسى، فإذا رجل موثق فقال: ما هذا؟ فقال: أبو موسى: يهودي أسلم ثم ارتد فقال معاذ: لأضربن عنقه.
(جوامع الكلم: أراد بجوامع الكلم الإيجاز والبلاغة، فتكون ألفاظه قليلة ومعاني كلامه كثيرة، وكذلك كانت ألفاظه صلى الله عليه وسلم) [ (1) ] .
روى مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أنّ رجلا قدم من جيشان (وجيشان من اليمن) سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذّرة يقال له المزر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أو مسكر هو؟» قال: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر حرام، إن على الله- عز وجل- عهدا، لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال» قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: «عرق أهل النّار، أو عصارة أهل النار» .
وروى الإمام أحمد عن طلق بن علي- رضي الله تعالى عنه- أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فجاء عبد القيس فقال: ما لكم قد اصفرّت ألوانكم وعظمت بطونكم، وظهرت عروقكم قالوا: أتاك سيدنا، فسألك عن شراب كان لنا موافقا، فنهيته عنه وكنّا بأرض وبيئة وخمة، قال: فاشربوا ما بدا لكم [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد ومسلم والبيهقي عن طارق بن سويد- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول إن بأرضنا أعنابا نعتصرها، فنشرب منها قال: لا فعاودته فقال لا، فقلت إنا نستشفي بها للمريض، فقال: إن ذاك ليس شفاء ولكنه داء.
__________
[ (1) ] سقط في أ.
[ (2) ] لم أجده في المسند ولكن أخرجه الطبراني كما في المجمع 5/ 68 وفيه عجيبة بن عبد الحميد قال الذهبي لا يكاد يعرف وبقية رجاله ثقات.(9/310)
وروى مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر أتتّخذ خلّا قال: لا.
وروى الإمام أحمد عنه أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا فقال: أهرقها، قال: أفلا نجعلها خلّا؟ قال: لا.
وروى الدارقطني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال جاء قوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، إنا ننبذ النبيذ، فنشربه على غذائنا وعشائنا، قال: اشربوا، وكلّ مسكر حرام، فقالوا: يا رسول الله، إنا نكسره بالماء، فقال: «حرام قليل ما أسكر كثيره» .
وروى الإمام أحمد والنسائي عن عبد الله بن فيروز الدّيلمي عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إنا أصحاب أعناب وكرم، وقد نزل تحريم الخمر، فما نصنع بها قال: تتخذونه زبيبا قال فنصنع بالزبيب ماذا؟ قال: تنفقونه على غذائكم وتشربونه على عشائكم، وتنقعونه على عشائكم وتشربونه على غذائكم قال: قلت: يا رسول الله، نحن من قد علمت، ونحن نزول بين ظهراني من قد علمت فمن ولينا، قال: الله ورسوله قال: قلت: حسبي يا رسول الله.
الرابع والعشرون: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الإمارة وما يتعلق بها.
وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون عليكم أمراء تطمئن إليهم القلوب، وتلين لهم الجلود ويكون عليكم أمراء تشمئزّ منهم القلوب، وتقشعر منهم الجلود، قالوا: أفلا نقتلهم؟ قال: لا ما أقاموا الصلاة.
وروى مسلم عن عوف بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خيار أئمتكم الذّين تحبّونهم ويحبونكم وتصلّون عليهم، ويصلّون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم، قال: قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصّلاة إلا ما أقاموا فيكم الصلاة! ألا من ولّي عليه وال، فرآه يأتى شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة الله.
وروى مسلم عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، من كره فقد برئ، ومن أنكر، فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: يا رسول الله، ألا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلّوا. أي من كره بقلبه وأنكر بقلبه.
وروى الترمذي عن وائل بن حجر- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ورجل سأله فقال: أرأيت إن قامت علينا أمراء يمنعوننا حقّنا، يسألوننا حقّهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حمّلوا وعليكم ما حمّلتم.(9/311)
وروى الإمام أحمد والبخاري عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنّما ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها، قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟
قال: أدّوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم.
وروى الإمام أحمد وأبو يعلى وابن ماجه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قيل: يا رسول الله، متى ندع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: إذا ظهر فيكم مثل، ما ظهر في بني إسرائيل، قلنا: يا رسول الله، وما ظهر في بني إسرائيل؟ قال: إذا كانت الفاحشة في كبارهم، والملك في صغارهم والعلم في رذالتكم ولفظ أبي يعلى- رحمه الله تعالى- إذا ظهر الادّهان في خياركم والفاحشة في أشراركم، وتحول الملك في صغاركم والفقه في رذالكم.
الخامس والعشرون: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الجهاد والغزو وما يتعلق بذلك.
روى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، دلّني على عمل يعدل الجهاد قال: لا أجده، ثم قال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم، ولا تفطر، فقال: ومن يستطيع ذلك؟ قال: أبو هريرة، إنّ فرس المجاهد ليستنّ في طوله، فيكتب له حسنات.
وروى البخاري عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أي الجهاد أفضل؟ قال: أن يجاهد الرّجل نفسه وهواه [ (1) ] .
وروى الشيخان عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحبّ إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أيّ؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أيّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله تعالى.
وروى الشيخان وأبو داود والترمذي وأبو سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيّ النّاس أفضل؟ قال: مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله قالوا: ثم من؟ قال: مؤمن في شعب من الشّعاب يتقي الله ويدع الناس من شره.
وروى أبو داود الطيالسي عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده قبص من الناس، فقال: يا رسول الله، أي الناس خير عند الله منزلة يوم القيامة بعد أنبيائه وأصفيائه؟ قال: المجاهد في سبيل الله بنفسه، وماله حتى يأتيه دعوة الله، وهو على متن فرسه آخذا بعنانه فقال: ثم من؟ قال: امرؤ بناحية أحسن عبادة الله تعالى، وترك
__________
[ (1) ] لم أجده في مظانه من الصحيح.(9/312)
الناس من شره، قال: يا رسول الله، فأيّ النّاس شرّ منزلة عند الله تعالى يوم القيامة؟ قال:
المشرك، قال: ثم من؟ قال: إمام جائر يحول عن الحق، وقد بان له، وحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألغين، فقال اسألوني ولا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به، فقلت: رضيت بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبك نبيّا وحسبنا ما أتانا فسرّي عنه.
روى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب النّاس فذكر الإيمان بالله تعالى، والجهاد في سبيل الله من أفضل عند الله قال: فقام رجل، فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله مقبلا غير مدبر كفّر الله عني خطاياي؟ قال: نعم، إلّا الدّين فإنّ جبريل سارّني بذلك.
وروى النسائي عن أبي بن سعد- رضي الله تعالى عنه- عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلّا الشّهيد؟ قال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة.
وروى الإمام أحمد عن نعيم بن همار وقيل: هباء وقيل غير ذلك- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ الشّهداء أفضل؟ قال: الذين إن يلقوا في الصّف يلفتوا وجوههم، حتّى يقتلوا، أولئك ينطلقون في الغرف العلى من الجنة ويضحك إليهم ربهم، وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدّنيا فلا حساب عليه.
وروى الشيخان وأبو داود والنسائي عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حميّة، ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله تعالى هي العليا، فهو في سبيل الله.
وروى أبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله رجل يريد الجهاد في سبيل الله تعالى، وهو يبتغي عرضا من عرض الدّنيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا أجر له» فأعظم ذلك الناس، وقالوا للرجل: عد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلعلّك لم تفهمه فقال: يا رسول الله، رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضا من عرض الدنيا قال: «لا أجر له» فقال للرجل: عد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: له الثالثة فقال له: «لا أجر له» .
وروى النسائي عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذّكر ماله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شيء له، فأعادها ثلاث مرات، يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شيء له، ثم قال: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا، وابتغي به وجهه.(9/313)
وروى الإمام أحمد عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول الله تغزو الرجال ولا تغزو النساء، وإنما لنا نصف الميزان، فأنزل الله تعالى: وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ [النساء/ 32] .
وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تعدّون الشّهيد فيكم؟ قالوا: يا رسول الله، من قتل في سبيل الله فهو شهيد.
قال: «إن شهداء أمتي إذا لقليل» قالوا: فمن هم؟ يا رسول الله، قال: «من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد» .
قال ابن مقسم: أشهد على أبيك في هذا الحديث، أنه قال: «والغريق شهيد» .
السادس والعشرون: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الحبّ في الله تعالى والتضحية ومخالطة الناس.
وروى الإمام أحمد عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون أي الأعمال أحبّ إلى الله تعالى؟ قال قائل: الصّلاة والزّكاة، وقال قائل: الجهاد، قال: إنّ أحب الأعمال إلى الله- عز وجل- الحبّ في الله والبغض في الله.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، الرجل يحب القوم، ولا يستطيع أن يعمل بأعمالهم، قال: أنت يا أبا ذر مع من أحببت، قال: قلت: فإني أحبّ الله ورسوله، فقال: إنّك مع من أحببت يعيدها مرتين.
وروى الشيخان عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف تقول في رجل أحب قوما، ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحبّ.
وروى الترمذي وصحّحه عن صفوان بن عسال- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء أعرابي جهوري الصّوت، فقال: يا محمد، الرجل يحبّ القوم، ولم يلحق بهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحبّ.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت جالسا في المسجد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مرّ رجل فقال رجل من القوم: يا رسول الله، إني أحب هذا، قال: هل أعلمته بذلك؟ قال: لا، قال: قم، فأعلمه، فقام إليه، فقال: يا هذا، والله إنّي لأحبّك في الله قال: أحبّك الذي أحببتني له.(9/314)
وروى العسكري في الأمثال عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال قيل: يا رسول الله، من نجالس؟ وأي جلسائنا خير؟ قال: من ذكركم الله رؤيته، وزاد في علمكم منطقه، وذكّركم بالآخرة عمله [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله، إنّ فلانة تذكر من كثرة صيامها وصلاتها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها. قال: هي في النار، قال: يا رسول الله، فإنّ فلانة تذكر من قلة صيامها وصلاتها، وإنها تصدّق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي بلسانها، قال: هي في الجنة.
وروى البخاري عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول الله لي جارات فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك بابا.
وروى الإمام أحمد والترمذي وصححه عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة بنت الحارث فأقبل ابن أم مكتوم، وذلك بعد أن أمر بالحجاب، فدخل علينا، فقال: احتجبا فقلنا: يا رسول الله، أليس أعمى لا يبصر، ولا يعرفنا؟
قال: أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه.
وروى مسلم عن جرير- رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة، فقال: اصرف بصرك.
وروى الإمام أحمد عن أبي شريح بن عمرو الخزاعي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والجلوس على الصعدات، فمن جلس منكم على الصّعيد فليعله حقّه، قلنا: يا رسول الله، وما حقّه؟ قال: غضّ البصر، وأداء التحية، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر [ (2) ] .
وروى الشيخان عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا: يا رسول الله، مالنا من مجالسنا بدّ نتحدث فيها، قال: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقّه؟ قالوا: وما حقّ الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكفّ الأذى، وردّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
وروى أبو داود والحاكم والبزار والطبراني عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والجلوس بالطرقات، قالوا: يا رسول الله، ما بدّ لنا من مجالسنا، نتحدث فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حقّ الطريق يا
__________
[ (1) ] انظر المجمع 10/ 226 والمطالب (2773) (3233) والترغيب 1/ 112 والدر المنثور 3/ 310.
[ (2) ] ضعيف انظر المجمع 8/ 64.(9/315)
رسول الله؟ قال: «غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. زاد وفي رواية «وإرشاد السبيل» وفي رواية «وتغيثوا الملهوف وتهدوا الضالّ»
فهذه ثمانية آداب.
وزاد في حديث الحاكم- رحمه الله تعالى- «وتشميت العاطس إذا حمد» .
وفي حديث البزّار «وأعينوا على الحمولة» .
وفي حديث الطبراني وأعينوا المظلوم، واذكروا الله كثيرا فتحصل من ذلك ثلاثة عشر أدبا، وقد جمعها الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى في قوله:
جمعت آداب من رام الجلوس على الطّر ... يق من قول خير الخلق إنسانا
أفش السّلام وأحسن في الكلام تفز ... وشمّت العاطس الحمّاد إيمانا
في الحمل عاون ومظلوما أعن وأغث ... لهفان ردّ سلاما واهد حيرانا
وأمر بعرف إنه عن نكر وكفّ أذى ... وغضّ طرفا وأكثر ذكر مولانا
وروي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك، وفي رواية أمّك، ثم أمّك ثم أبوك ثم أدناك فأدناك.
وروى ابن ماجه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل، فقال: يا رسول الله، من أبرّ؟ قال: أمّك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟
قال: أبوك، قال: ثم من؟ قال الأدنى فالأدنى.
وروى أبو داود والبغوي وابن قانع والطبراني في الكبير والبيهقي عن كليب بن منفعة عن جدّه بكر بن الحارث الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أبرّ؟ قال: أمك وأبوك وأختك وأخوك ومولاك الذي يلي ذاك حق واجب ورحم موصولة.
وروى أبو داود والشيخان عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: يا رسول الله، ألي أجر أن أنفق على بني أبي سلمة؟ إنما هم بنيّ. فقال: أنفقي عليهم فلك أجر ما أنفقت عليهم [ (1) ] .
وروى أبو داود عن معاوية بن حيدة، قال: قلت: يا رسول الله، من أبرّ؟ قال: أمك، ثم أمك، ثم أمك ثم الأقرب فالأقرب.
__________
[ (1) ] سقط في أ.(9/316)
وروى أبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل، فقال: يا رسول الله، أن لي مالا وولدا، وإنّ أبي يحتاج مالي، فقال: أنت ومالك لوالدك وإن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم.
وروى الإمام الشافعي مرسلا عن محمد بن المنكدر أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي عيالا، وإن لأبي مالا وعيالا، وإنه يريد أن يأخذ مالي فيطعمه عياله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت ومالك لأبيك.
وروى مسلم عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: أقبل رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله- تعالى- فقال: هل من والديك أحد حيّ؟ فقال: نعم كلاهما حيّ، قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما.
وروى البيهقي عن معاوية بن جاهمة السّلمي- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إني كنت أردت الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه الله تعالى، والدار والآخرة قال: ويحك أحيّة أمك؟ قال نعم، يا رسول الله، قال: «ويحك! الزم رجلها، فثمّ الجنة» .
وروى الشيخان وأبو داود عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله تعالى عنها- قال: قدمت عليّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إن أمي قدمت عليّ، وهي راغبة، أفأصلها قال: نعم، صليها.
وروى الإمام أحمد عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل من الأنصار، فقال: يا رسول الله، هل بقي عليّ من برّ أبويّ شيء بعد موتهما أبرهما به؟ قال: نعم، خصال أربعة، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما فهو الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما.
وروى ابن ماجه عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، ما حق الوالد على الوالد؟ قال: هما جنتك ونارك يعني يوصيه بالإحسان إليهما، وكفّ الإساءة عنهما، فإنه إذا أحسن إليهما دخل الجنة، وإن أساء إليهما دخل النار.
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي ذوي أرحام أصل، ويقطعون وأعفو ويظلمون وأحسن ويسيئون، أفأكافئهم؟
قال: لا إذن تتركون جميعا ولكن خذ الفضل، وصلهم، فإنّه لن يزال معك ظهير من الله- عز وجل- ما كنت على ذلك.(9/317)
وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعون، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، فقال «لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفّهم الملّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
وروى ابن ماجة وأبو داود عن معاوية بن حيدة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حقّ الزوجة على الزّوج؟ قال: يطعمها إذا طعم ويكسيها إذا اكتسى؟ ولا يضرب لها وجها، ولا يقبّح ولا يهجر البيت.
وروى أبو داود عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما رأيت من ناقصات عقل ولا دين أغلب لذي لبّ منكنّ قالت: وما نقصان الدين والعقل؟ قال أما نقصان العقل: فشهادة امرأتين شهادة رجل، وأمّا نقصان الدّين فإنّ إحداكنّ تفطر رمضان وتقيم أيّاما لا تصلّي.
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصّبح يوما، فأتى النساء في المسجد، فوقف عليهن فقال: يا معشر النساء، ما رأيت من نواقص عقل ولا دين أذهب لقلوب ذوي الألباب منكن، وإني قد رأيتكنّ أكثر أهل النّار يوم القيامة فتقرّبن إلى الله ما استطعتنّ وكان في النساء امرأة عبد الله ابن مسعود فأتت إلى عبد الله بن مسعود، فأخبرته بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذت حليّا لها، فقال ابن مسعود: فأين تذهبين؟ فقالت: أتقرّب به إلى الله- عز وجلّ- ورسوله، لعلّ الله لا يجعلني من أهل النار، فقال: ويلك، هلمي فتصدقي به عليّ، وعلى ولدي، فإنا له موضع، فقالت: لا، والله، حتى أذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهبت تستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: هذه زينب، تستأذن يا رسول الله، فقال: أيّ الزّيانب هي؟ فقالوا: امرأة عبد الله بن مسعود، فقال:
ائذنوا لها، فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني سمعت منك مقالة، فرجعت إلى ابن مسعود، فحدّثته، وأخذت حليّا أتقرب به إلى الله وإليك، رجاء أن لا يجعلني الله من أهل النار، فقال لي ابن مسعود: تصدّقي به عليّ وعلى ولدي، فأنا له موضع، فقلت: حتى أستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تصدّقي به عليه وعلى بنيه، فإنهم له موضع، ثم قالت: يا رسول الله، ما سمعت منك حين وقفت علينا ما رأيت من نواقص العقول قطّ ولا دين أذهب بقلوب ذوي الألباب منكن، قالت: يا رسول الله، فما نقصان ديننا وعقولنا، فقال: أما ما ذكرت من نقصان دينكم فالحيضة التي تمكث إحداكنّ ما يشاء الله أن تمكث لا تصلي ولا تصوم فذلك من نقصان دينكن، وأمّا ما ذكرت من نقصان عقولكن وشهادتكن إنّما شهادة المرأة على نصف شهادة الرجل.(9/318)
وروى الإمام مالك عن عطاء بن يسار- رحمه الله تعالى- أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أستأذن على أمي؟ قال: نعم، فقال الرجل إني معها في البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
استأذن عليها فقال الرجل: إني أخدمها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استأذن عليها، أتحب أن تراها عريانة» قال: لا، قال: «فاستأذن عليها» .
وروى ابن ماجه عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال: قلنا: يا رسول الله، هذا السّلام فما الاستئذان؟ قال: يتكلّم الرّجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة ويتنحنح، ويؤذن أهل البيت.
وروى الإمام أحمد والبخاري في الأدب وابن حبان، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: عطس رجلان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما أشرف من الآخر، فعطس الشريف، فلم يحمد الله تعالى، فلم يشمته وعطس الآخر، فحمد الله، فشمته النبي صلى الله عليه وسلم فقال الشريف:
عطست عندك، فلم تشمتني، وعطس هذا فشمّته؟ فقال: إن هذا ذكر الله- عز وجل- فذكرته، وأنت نسيت الله تعالى فنسيتك.
وروى الشيخان أبو داود والترمذي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: عطس رجلان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشمّت أحدهما، ولم يشمّت الآخر، فقيل له فقال: هذا حمد الله تعالى، وهذا لم يحمد الله تعالى.
وروى الإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: عطس رجلان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قل: الحمد لله، قال القوم: ما نقول له يا رسول الله؟ قال: قولوا له:
يرحمك الله، قال: ما أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قل لهم: يهديكم الله، ويصلح بالكم والله تعالى أعلم.
السابع والعشرون: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في المرض والطب وما يتعلّق بهما.
روى الإمام أحمد والترمذي عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ النّاس أشدّ بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الصالحون.
وروى الحكيم الترمذي والطبراني في الكبير عن سرّاء بنت نبهان الغنوية- رضي الله تعالى عنها-:
سأل غلام النبي صلى الله عليه وسلم عن الحيات ما نقتله منها؟ قالت: فسمعته يقول اقتلوا الحيّات صغيرها وكبيرها أبيضها وأسودها، فإن من قتلها من أمتي كانت له فداء من النّار، ومن قتلته كان شهيدا.(9/319)
وروى أبو داود والطبراني في الكبير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن حيّات البيوت، فقال: إذا رأيتم منهن شيئا في مساكنكم، فقولوا:
أنشدكنّ العهد الذي أخذ عليكن نوح أنشدكنّ العهد الذي أخذ عليكن سليمان، أن لا تؤذونا فإن عدن فاقتلوهن.
وروى البيهقي عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وعك، فوضعت يدي [ (1) ] فقلت: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكا شديدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم» قال: فقلت: ذلك، أن لك أجرين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أجل» ثم قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من مسلم يصيبه أذى من مرض، فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها» .
وروى الإمام أحمد عن زينب بنت كعب بن عجرة عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله، أرأيت هذه الأمراض التي تصيبنا؟ قال كفارات قال أبي: وإن قلّت؟ قال: وإن شوكة فما فوقها، قال: فدعا أبي على نفسه ألا يفارقه الوعك حتى يموت في أن لا يشغله عن حج ولا عمرة ولا جهاد في سبيل الله ولا صلاة مكتوبة في جماعة فما مسّه إنسان إلّا وجد حرّه حتى مات.
وروى الطبراني في الأوسط وقال: حسن، وابن عساكر عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله ما جزاء الحمّى؟ قال تجدي الحسنات على صاحبها، ما اختلج عليه قدم أو ضرب عليه عرق،
فقال أبي: - رضي الله تعالى عنه- اللهم، إنّي أسألك حمّى لا تمنعني خروجا في سبيلك، ولا خروجا إلى بيتك، ولا إلى مسجد نبيك.
وروى الإمام أحمد- رحمه الله تعالى- عن ذكوان عن رجل من الأنصار قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا به جرح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع لي طبيب بني فلان، قال: فدعوه فجاءه، فقالوا: يا رسول الله، أو يغني الدواء شيئا فقال: سبحان الله، وهل أنزل الله تبارك وتعالى من داء في الأرض ألا جعل له شفاء.
وروى الإمام أحمد والبيهقي عن أبي خزامة عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: يا رسول الله أرأيت دواء نتداوى به؟ ورقى نسترقي بها، واتّقاء نتقيها هل يردّ ذلك من قدر الله من شيء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّه من قدر الله.
__________
[ (1) ] سقط في أ.(9/320)
وروى الشيخان والترمذي عن وائل بن حجر أنّ طارق بن سويد الجعفي- رضي الله تعالى عنه- سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه، أو كره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء فقال: إنه ليس بدواء ولكنه داء.
وروى مسلم عن عوف بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: كنا نرقى في الجاهلية فقلنا يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: «اعرضوا عليّ رقاكم، لا بأس بالرّقى ما لم يكن فيه شرك» .
وروى مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في رقية الحية لبني عمرو بن حزم، قال أبو الزبير: فسمعت جابرا- رضي الله تعالى عنه- يقول: لدغت رجلا عقرب ونحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: يا رسول الله أرقي؟ قال: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل، ورواه الإمام أحمد بلفظ كان خالي يرقى من العقرب فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرّقى فأتاه فقال: يا رسول الله، إنّك نهيت عن الرّقى، وإني أرقي من العقرب، فقال: من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل.
وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن عبيد الله بن رفاعة الزرقي- رضي الله تعالى عنه- أنّ أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنها- قالت: يا رسول الله، إن ولد جعفر تصيبهم العين أفأسترقي لهم؟ قال: نعم، فإنه لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين.
وروى الإمام مالك عن حميد بن قبيس قال: دخل رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابني جعفر بن أبي طالب، فقال لحاضنتهما: مالي أراهما ضارعين فقالت حاضنتهما: يا رسول الله، إنّه تسرع إليهما العين. ولم يمنعنا أن نسترقي لهما إلا أنّا لا ندري ما يوافقك من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استرقوا لهما، فإنه لو سبق شيء القدر لسبقته العين.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النّشرة، فقال: هي من عمل الشيطان النّشرة حل السّحر للمسحور، ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السّحر، وقد قال الحسن- رضي الله تعالى عنه-: لا يطلق السّحر إلا ساحر، فلا يجوز فعل ذلك وقد بسطت الكلام على ذلك في موضعه فيما تقدّم.
وروى ابن أبي شيبة عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، رأيت في المنام، كأن رأسي قطع فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه، فلا يحدّثنّ به الناس.
وروى البخاري عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن(9/321)
الطّاعون، فقال: كان عذابا يبعثه الله على من كان قبلكم، فجعله الله تعالى رحمة للمؤمنين، ما من عبد يكون في بلد، يكون فيه ويمكث فيه، لا يخرج من البلد صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه، إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد.
وروى الإمام أحمد، وأبو داود عن فروة بن مسيك قال: قلت: يا رسول الله، عندنا أرض يقال لها أبين، وهي أرض رفقتنا وميراثنا وإنها وبئة أو قال: إنّ بها وباء شديدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعها عنك فإنّ القرف التلف.
وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا طيرة، وخيرها الفأل، قيل: يا رسول الله، وما الفأل؟ قال: كلمة طيبة.
وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا عدوى ولا طيرة، وخيرها الفأل، قيل: يا رسول الله، وما الفأل؟ قال الكلمة الطيبة.
وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل قال: قيل: وما الفأل قال: الكلمة الطيبة.
وروى ابن عساكر عن النعمان بن الرازية- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: يا رسول الله إنّا كنّا نتغاول في الجاهلية، وقد جاء الله تعالى بالإسلام فما تأمرنا يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نفى الإسلام أحد من يتغوّل ولكن لا يمنعنّ أحدكم من سفر الفأل، هو مثل أن يكون مريضا فيسمع آخر يقول: يا سالم أو يكون طالب ضالة فيسمع يا واجد فيستبشر بذلك الكلام، فالفأل ترجى الخيرة، والطيرة ترجى الشر ووقوعه.
وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا طيرة ولا هامّة، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت البعير يكون فيه الجرب فتجرب به الإبل؟ قال: ذلك القدر فمن أجرب الأول.
وروي ابن النجار عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، النقبة تكون بمشفر البعير أو بعجمه فتشمل الإبل كلّها جربا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما أعدى الأوّل ثم قال: لا عدوى ولا هامّة ولا صفر، خلق الله تعالى كلّ نفس فكتب حياتها ومصيباتها ورزقها.
وروى الإمام مالك مرسلا عن يحيى بن سعيد الأنصاري- رحمه الله تعالى- قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: دار سكنّاها والعدد كثير والمال كثير وافر فقلّ العدد، وذهب المال فقال: دعوها ذميمة.(9/322)
وروى الإمام أحمد عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ردّته الطّيرة عن حاجته، فقد أشرك قالوا: يا رسول الله ما كفّارة ذلك؟ قال: أن يقول: اللهم، لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، والله تعالى أعلم.
الثامن والعشرون: في بعض فتاويه صلّى الله عليه وسلم في الرّقاق، وما يلتحق بها وغير ذلك.
روى الإمام أحمد والترمذي وصححه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنّي أصبت ذنبا عظيما، فهل لي من توبة؟ قال: هل لك من أمّ؟ قال: لا، قال: فهل لك من خالة؟ قال: نعم، قال: فبرّها.
وروى النسائي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رجل من الأنصار أسلم، ثم ارتد ولحق بالمشركين، ثمّ ندم فجاء قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هل له من توبة؟ فنزلت: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ [آل عمران/ 86] إلى قوله تعالى «غَفُورٌ رَحِيمٌ» فأرسل إليه، فأسلم.
وروى ابن أبي الدنيا في التوبة عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل كم للمؤمنين من ستر؟ قال: هي أكثر من أن يحصى، ولكن المؤمن إذا عمل خطيئة هتك منها سترا، فإذا تاب رجع إليه ذلك السّتر وتسعة معه، وإذا لم يتب هتك عنه منها ستر واحد حتى إذا لم يبق عليه منها شيء قال الله تعالى لمن يشاء من ملائكته: إنّ بني آدم يعيرون ولا يغفرون، فحفوه بأجنحتكم، فيفعلون به ذلك، فإن تاب رجعت إليه الأستار كلها، وإن لم يتب عجبت منه الملائكة، فيقول الله لهم، أسلموه، فيسلموه حتى لا يستر منه عورة.
وروى الطبراني والبزار عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، أحدنا يذنب قال: يكتب عليه، قال: ثمّ يستغفر منه، ويتوب، قال: يغفر له، ويتاب عليه، قال: فيعود فيذنب، قال: فيكتب عليه قال ثم يستغفر منه ويتوب. قال: يغفر له ويتاب عليه ولا يملّ الله حتّى تملّوا.
وروى البخاري عن سهل بن سعد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- قال: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لرجل عنده جالس ما رأيك في هذا؟ فقال رجل من أشراف الناس: هذا- والله حريّ- إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفّع، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مرّ رجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيك في هذا؟ فقال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حريّ إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفّع وإن قال أن لا يسمع لقوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا.(9/323)
وروى الإمام أحمد عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم له:
انظر أرفع رجل في المسجد، قال: فنظرت فإذا رجل عليه حلّة، قال: قلت هذا، قال: انظر أوضع رجل في المسجد، قال: فنظرت فإذا رجل عليه أخلاق، قال: قلت: هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لهذا عند الله أخير يوم القيامة من ملء الأرض من مثل هذا.
وروى الترمذي عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- قال: لمّا نزلت وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة/ 34] قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره. فقال بعض أصحابه: أنزل في الذّهب والفضّة ما أنزل، لو علمنا أي المال خير فنتخذه؟
فقال: أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه.
وروى ابن النجار عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، ما يكفيني من الدّنيا، قال: ما سدّ جوعتك ووارى عورتك، فإن كان لك بيت يظلّك فذاك وإن كانت لك دابة تركبها فبخ.
وروى الترمذي وقال: حسن وابن أبي الدنيا في العزلة والبيهقي في الشعب وأبو نعيم في الحلية عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال:
أملك عليك لسانك، وابك على خطيئتك، وليسعك بيتك.
وروى أبو نعيم عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جدّه إن رجلا من الأنصار، قال: يا رسول الله أوصني وأوجز قال: عليك بالإياس مما في أيدي الناس، وإيّاك والطّمع، فإنّه فقر حاضر، وصلّ صلاتك، وأنت مودّع، وإياك وما تعتذر منه.
وروى ابن ماجة بسند حسن عن سهل بن سعد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، دلّني على عمل إذا عملته أحبّني الله، وأحبّني الناس، قال: ازهد في الدّنيا يحبّك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبّك الناس.
وروى أبو نعيم وابن عساكر عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هل في الجنّة خيل؟ قال: إن يدخلك الله الجنّة فلا تشأ أن تركب على فرس من ياقوتة حمراء، يطير بك في الجنّة، حيث شئت، فجاء رجل آخر، فقال: يا رسول الله، هل في الجنّة إبل؟ فلم يقل: له مثل الذي قال لصاحبه، قال: إن يدخلك الله الجنّة يكن لك فيها، ما اشتهت نفسك ولذّت عينك.
وروى الإمام أحمد عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبي للغرباء، فقيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: ناس صالحون قليل من ناس سوء كثير من بعصيهم أكثر ممن يطيعهم.(9/324)
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين طلعت الشّمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيأتي ناس من أمتي يوم القيامة نورهم كضوء الشّمس، قلنا:
من أولئك يا رسول الله؟ فقال: فقراء المهاجرين الذين تتّقى بهم المكاره يموت أحدهم، وحاجته في صدره يحشرون من أقطار الأرض.
وروى الترمذي عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع مصعب بن عمير ما عليه إلّا بردة له مرقوعة بفرو فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى للذي كان فيه من النعمة، والذي هو اليوم فيه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف بكم إذا غدا أحدكم في حلّة، وراح في حلّة، ووضعت بين يديه صحفة ورفعت أخرى وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة؟ قالوا: يا رسول الله، نحن يومئذ خير منّا اليوم نتفرغ للعبادة، ونكفى المؤنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأنتم اليوم خير منكم يومئذ.
وروى الترمذي وابن النجار عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قلنا: يا رسول الله، مالنا إذا كنّا عندك رقّت قلوبنا، وزهدنا في الدنيا، ورغبنا في الآخرة، فقال: لو تكونون على الحال التي تكونون عندي لزارتكم الملائكة، ولصافحتكم في الطّرقات، ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون حتى تبلغ خطاياهم عنان السّماء، فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم على ما كان منهم ولا يبالي.
وروى الترمذي واستغربه عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: ذكر رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة واجتهاد وذكر آخر بورعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعدل بالرّعة.
وروي عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله، فقال: إنما أخاف عليكم بعدي، ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها فقال رجل: أو يأتي الخير بالشّرّ فسكت، فقيل له: ما شأنك تكلم النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكلّمك، ورأينا أنّه ينزل عليه، فأفاق يمسح عن الرّحضاء، فقال: أين السّائل، وكأنّه حمده، فقال: إنه لا يأتي الخير بالشّرّ، وإنّ ممّا ينبت الربيع ما يقتل أو يسلم الأكلة الخضر فإنها أكلت حتى امتلأت خاصرتها، ثم استقبلت عين الشمس فبالت وتلطّت وارتعت، وإنّ هذا المال خضر حلو، ونعم مال المسلم هو لمن أعطي منه المسكين واليتيم وابن السبيل أو كالذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنّه من يأخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون عليه شهيدا يوم القيامة.
وروى الترمذي واستغربه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ قال: اعقلها وتوكّل.(9/325)
وروى ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ النّاس أفضل؟
قال: «كلّ مخموم القلب صدوق اللّسان» . قالوا: صدوق اللسان، نعرفه، فما مخموم القلب؟
قال: «هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غلّ ولا حسد» .
وروى ابن عساكر عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن أبا ريحانة قال: يا رسول الله، إني لأحب الجمال، حتى إني أجعله في شراك نعلي وعلاق سوطي أفمن الكبر ذاك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله جميل يحبّ الجمال ويحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده.
وروى الإمام أحمد والترمذي وصححه عن أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: من طال عمره، وحسن عمله، قال: فأيّ الناس شرّ؟
قال: من طال عمره وساء عمله.
وروى ابن ماجه عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف آية لو أخذتم بها لكفتكم، قالوا: يا رسول الله، أيّ آية؟ قال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [الطلاق/ 2] .
وروى مسلم وأبو داود عن تميم الداري- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الدّين النّصيحة، زاد أبو داود: الدّين النّصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال:
لله، ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم.
وروى الترمذي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون/ 60] هم الذين يشربون الخمر ويسرقون، قال: لا، يا بنت الصديق، ولكن هم الذين يصومون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات.
وروى سعيد وابن أبي شيبة عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أيّ الأنبياء أوّل؟ قال: آدم قلت: أو كان نبيّا؟ قال: نعم، نبي مكلّم قلت: فكم المرسلون؟ قال:
ثلاثمائة وبضعة عشر.
وروى الإمام أحمد، والترمذي والبخاري في التاريخ عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استحيوا من الله حقّ الحياء، فإن الله تعالى قسّم بينكم أخلاقكم، كما قسّم بينكم أرزاقكم.
وروى الإمام أحمد والترمذي، وقال: غريب والطبراني والحاكم والبيهقي في الشعب(9/326)
عن ابن مسعود والخرائطي في مكارم الأخلاق عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: استحيوا من الله حقّ الحياء قلنا: يا رسول الله، إنا نستحي، والحمد لله، قال: ليس من استحيا من الله حق الحياء ذلك ولكن الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، ومن فعل ذلك فقد استحيا من الله حقّ الحياء.
وروى الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن الحكم بن عمير- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: استحيوا من الله حقّ الحياء، احفظوا الرّأس وما حوى، والبطن وما وعى، واذكروا الموت والبلى فمن فعل ذلك، ثوابه جنّة المأوى.
وروى الطحاوي والدارقطني عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: استحيوا، فإنّ الله لا يستحي من الحق.
وروى الإمام أحمد عن أسامة بن شريك- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عنده، وعليهم السّكينة كأنّما على رؤوسهم الطّير، فسلّمت ثمّ قعدت فجاءت الأعراب من هاهنا، ومن هاهنا يسألونه، فقالوا: يا رسول الله، ما خير ما أعطي النّاس؟ قال: حسن الخلق.
وروى الإمام أحمد عن معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل، وهو يقول: اللهم، إنّي أسألك الصّبر، قال: سألت البلاء فسل الله تعالى العافية ومرّ برجل، وهو يقول: يا ذا الجلال والإكرام، قال: قد استجيب لك فسل.
وروى الإمام أحمد عن محمود بن لبيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أخوف ما أخاف عليكم الشّرك الأصغر، قالوا: وما الشّرك الأصغر يا رسول الله؟ قال:
الرّياء، يقول الله- عز وجل- لهم يوم القيامة إذا جزي النّاس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟.
وروى الإمام أحمد والطبراني عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا ذات يوم، فقال: أيّها الناس، اتّقوا هذا الشّرك، فإنه أخفى من دبيب النمل قالوا: وكيف نتّقيه، يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم، إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه.
وروي عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد، فجلست فقال: يا أبا ذر، هل صليت، فقلت: لا، قال: قم، فصلّ قال: فقمت،(9/327)
فصليت، ثم جلست، فقال: يا أباذر، تعوّذ بالله من شر شياطين الأنس والجن، قال: قلت: يا رسول الله، أو للإنس شياطين؟ قال: نعم، قلت: يا رسول الله، الصّلاة، قال: خير موضوع من شاء أقلّ، ومن شاء أكثر، قال: قلت: يا رسول الله، فالصّوم؟ قال: فرض مجزيّ وعند الله مزيد، قال: قلت: يا رسول الله، الصّدقة؟ قال: أضعاف مضاعفة قال: قلت، فأيّها أفضل؟ قال: جهد من مقلّ أو سر إلى فقير، قلت: يا رسول الله، أيّ الأنبياء كان أوّل؟ قال: آدم، قلت: يا رسول الله، ونبيّا كان؟ قال: نعم، نبيّ مكلّم، قلت: يا رسول الله، كم المرسلون؟ قال: ثلاثمائة وبضعة عشر جمّا غفيرا أو قال مرة خمسة عشر، قلت: يا رسول الله، آدم نبي، قال: نعم، مكلّم قال: قلت: يا رسول الله، أيما أنزل عليك أعظم، قال: آية الكرسي اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة/ 255] .
وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث، أوّل منك لما رأيت من حرصك على الحديث: أسعد النّاس بشفاعتي من قال «لا إله إلا الله» مخلصا من قلبه أو نفسه.
الباب التاسع والعشرون: في بعض فتاويه- صلّى الله عليه وسلم- في التّفسير:
أخرج ابن مردويه عن أبي ذرّ: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المغضوب عليهم، قال: اليهود، قلت: الضالين؟ قال: النصارى.
وأخرج ابن مردويه والحاكم في مستدركه وصححه من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد الخدريّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ ... [البقرة/ 25] قال: «من الحيض والغائط، والنخامة والبزاق» .
وأخرج الطبراني وغيره عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرّاسخين في العلم، فقال: «من برّت يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه، وعفّ بطنه وفرجه، فذلك من الراسخين في العلم» .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:
ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا [النساء/ 3] قال: ألّا تجوروا،
وقال ابن أبي حاتم: قال أبي: هذا خطأ، والصحيح عن عائشة موقوف.
وأخرج أبو الشيخ في الفرائض عن البراء سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلالة، فقال:
ما عدا الولد والوالد.(9/328)
وأخرج الحاكم، وصححه عن عياض الأشعري قال: لما نزلت فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة/ 54] .
وأخرج أحمد والشيخان وغيرهم عن ابن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام/ 82] شقّ ذلك على الناس، فقالوا: يا رسول الله، وأينا لا يظلم نفسه! قال: إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان/ 13] ! إنما هو الشرك.
وأخرج ابن أبي حاتم وغيره بسند ضعيف، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ [الأنعام/ 103] ، قال: لو أنّ الجنّ والإنس والشياطين والملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا، صفّوا صفا واحدا، ما أحاطوا بالله أبدا.
أخرج ابن مردويه وغيره بسند ضعيف، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف/ 31] قال: «صلوا في نعالكم»
له شاهد من حديث أبي هريرة عند أبي الشيخ.
وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم وغيرهم عن البراء بن عازب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر العبد الكافر إذا قبضت روحه، قال: فيصعدون بها، فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا:
ما هذا الروح الخبيث؟ حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا، فيستفتح فلا يفتح له،
ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ [الأعراف/ 40] ، فيقول الله: اكتبوا كتابه في سجّين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحا، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ [الحج/ 31] .
وأخرج ابن مردويه، عن جابر بن عبد الله، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عمن استوت حسناته وسيئاته، فقال: «أولئك أصحاب الأعراف»
له شواهد.
وأخرج الطبراني والبيهقي وسعيد بن منصور وغيرهم، عن عبد الرحمن المزني، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف، فقال: «هم أناس قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم، فمنعهم من دخول الجنة معصية آبائهم، ومنعهم من النار قتلهم في سبيل الله» .
له شاهد من حديث أبي هريرة عند البيهقي، ومن حديث أبي سعيد عند الطبراني.
وأخرج البيهقي بسند ضعيف عن أنس مرفوعا أنهم مؤمنو الجن.
وأخرج ابن جرير عن عائشة، قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطوفان الموت» .
وأخرج أحمد والترمذي والحاكم- وصححه عن أنس- أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ فَلَمَّا تَجَلَّى(9/329)
رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا [الأعراف/ 143] ، قال: هكذا، وأشار بطرف إبهامه على أنملة إصبعه اليمني، فساخ الجبل، وخرّ موسى صعقاً.
وأخرج أبو الشيخ بلفظ «وأشار بالخنصر، فمن نورها جعله دكا» .
وأخرج أبو الشيخ من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «الألواح التي أنزلت على موسى كانت من سدر الجنة، كان طول اللوح اثني عشر ذراعا» .
وأخرج أحمد والنسائي والحاكم- وصححه عن ابن عباس- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان يوم عرفة» ، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرّاها فنشرها بين يديه، ثم كلمهم، فقال: «ألست بربّكم؟» قالوا بلى.
أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ [الأنفال/ 26] ، قيل: يا رسول الله، ومن الناس؟ قال: «أهل فارس» .
وأخرج الترمذي- وضعّفه- عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنزل الله عليّ أمانين لأمتي: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال/ 33] ، فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة» .
وأخرج مسلم وغيره عن عقبه بن عامر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وهو على المنبر: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال/ 60] ، إلا وإنّ القوة الرمي.
أخرج مسلم عن صهيب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يونس/ 26] الحسنى الجنة، والزيادة النّظر إلى ربهم.
وفي الباب عن أبي بن كعب وأبي موسى الأشعري وكعب بن عجرة وأنس وأبي هريرة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا [يونس/ 26] قال: شهادة أن لا إله إلا الله، الحسنى: الجنة، وزيادة النظر إلى الله تعالى.
وأخرج أبو الشيخ وغيره عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ [يونس/ 58] ، قال: القرآن، وَبِرَحْمَتِهِ، أن جعلكم من أهله.
أخرج ابن مردويه بسند ضعيف، عن ابن عمر، قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية:
لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هود/ 7] ، فقلت: ما معنى ذلك يا رسول الله؟ قال: «أيّكم أحسن عملا، وأحسنكم عقلا أورعكم عن محارم الله تعالى، وأعملكم بطاعة الله تعالى» .(9/330)
وأخرج الطبراني بسند ضعيف، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم لم أر شيئا أحسن طلبا، ولا أسرع إدراكا من حسنة حديثة لسيّئة قديمة، إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ [هود/
114] .
وأخرج أحمد عن أبي ذر، قال: قلت: يا رسول الله، أوصني، قال: «إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها» ، قلت: يا رسول الله، أمن الحسنات «لا إله إلا الله» ؟ قال: «هي من أفضل الحسنات» .
وأخرج الطبراني وأبو الشيخ عن جرير بن عبد الله، قال: لما نزلت وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ [هود/ 117] ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وأهلها ينصف بعضهم بعضا» .
أخرج سعيد بن منصور وأبو يعلى والحاكم- وصححه- والبيهقي في الدلائل، عن جابر بن عبد الله قال: جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، أخبرني عن النجوم التي رآها يوسف ساجدة له، ما أسماؤها؟ فلم يجبه بشيء، حتى أتاه جبريل، فأخبره، فأرسل إلى اليهودي، فقال: هل أنت مؤمن إن أخبرتك بها؟ قال: نعم، فقال: خرثان وطارق والذيال وذو الكيعان وذو الفرع ووثّاب وعمودان وقابس والضّروح والمصبّح والفيلق والضياء والنور- يعني أباه وأمه- رآها في أفق السماء ساجدة له فلما قصّ رؤياه على أبيه، قال: أرى أمرا متشتتا يجمعه الله.
وأخرج ابن مردويه عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما قال يوسف: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [يوسف/ 52] ، قال له جبريل: يا يوسف، اذكر همّك، قال: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي [يوسف/ 53] .
أخرج الترمذي- وحسنه- والحاكم- وصححه- عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ [الرعد/ 4] ، قال: الدّقل والفارسي والحلو والحامض.
وأخرج أحمد والترمذي- وصححه- والنسائي، عن ابن عباس، قال: أقبلت يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أخبرنا عن الرّعد ما هو؟ قال: «ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب، بيده مخراق من نار يزجر به السحاب، يسوقه حيث أمره الله» ، قالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟
قال: «صوته» .
وأخرج ابن مردويه، عن عمرو بن بجاد الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرعد ملك يزجر السحاب، والبرق طرف ملك يقال له روفيل» .(9/331)
أخرج ابن مردويه، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعطى الشكر لم يحرم الزيادة، لأن الله تعالى يقول: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم/ 7] .
وأخرج أحمد والترمذي والنسائي والحاكم- وصححه- وغيرهم، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ [إبراهيم/ 17] ، قال يقرب إليه فيتكرّهه، فإذا أدنى منه شوي وجهه، ووقع فروة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره، يقول الله تعالى: وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ [محمد/ 15] وقال تعالى: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ [الكهف/ 29] .
أخرج الطبراني وابن مردويه وابن حبان عن أبي سعيد الخدري أنّه سئل: هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الآية: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ [الحجر/ 2] ، قال: نعم، سمعته يقول: يخرج الله ناسا من المؤمنين من النار بعد ما يأخذ نقمته منهم، لما أدخلهم النار مع المشركين قال لهم المشركون: تدعون بأنكم أولياء الله في الدنيا، فما بالكم معنا في النار! فإذا سمع الله ذلك منهم أذن في الشفاعة لهم، فتشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون حتى يخرجوا بإذن الله تعالى، فإذا رأى المشركون ذلك، قالوا: يا ليتنا كنا مثلهم، فتدركنا الشفاعة فنخرج معهم، فذلك قول الله: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ.
[الحجر/ 2] وله شاهد من حديث أبي موسى الأشعري وجابر بن عبد الله وعلي.
وأخرج ابن مردويه، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [الحجر/ 44] قال: جزء أشركوا، وجزء شكّوا في الله تعالى، وجزء غفلوا عن الله تعالى.
وأخرج البخاري والترمذي عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم» .
أخرج ابن مردويه، عن البراء، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله: زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ [النحل/ 88] ، قال: عقارب أمثال النخل الطوال، ينهشونهم في جهنم.
أخرج البيهقي في الدلائل، عن سعيد المقبري، أن عبد الله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن السواد الذي في القمر، فقال: كانا شمسين، فقال الله: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ [الإسراء/ 12] ، فالسواد الذي رأيت هو المحو.
وأخرج الحاكم في التاريخ، والديلمي عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ [الإسراء/ 70] ، قال: الكرامة الأكل بالأصابع.
وأخرج ابن مردويه عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَ(9/332)
أُناسٍ بِإِمامِهِمْ [الإسراء/ 71] ، قال: يدعى كل قوم بإمام لهم وكتاب ربهم.
وأخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الإسراء/ 78] ، قال: لزوال الشمس.
أخرج أحمد والترمذي، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لسرداق النار أربعة أجدر، كثافة كلّ جدار مثل مسافة أربعين سنة» .
وأخرجا عنه أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: بِماءٍ كَالْمُهْلِ [الكهف/ 29] قال: «كعكر الزيت، فإذا قرّبه إليه سقطت فروة وجهه فيه» .
وأخرج أحمد عنه أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ [الكهف/ 46] ، التكبير والتهليل والتسبيح، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أخرج مسلم وغيره عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران، فقالوا:
أرأيت ما تقرؤون: يا أُخْتَ هارُونَ [مريم/ 28] ، وموسى قبل عيسى بكذا وكذا! فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم» .
أخرج ابن أبي حاتم والترمذي عن جندب بن عبد اللَّه البجلي، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إذا وجدتم الساحر فاقتلوه» ، ثم قرأ: وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى [طه/ 69] ، قال: «لا يؤمّن حيث وجد» .
وأخرج البزار بسند جيد عن أبي هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه/ 124] ، قال: عذاب القبر.
أخرج أحمد عن أبي هريرة، قال قلت: يا رسول اللَّه، أنبئني عن كل شيء، قال: «كل شيء خلق من الماء» .
أخرج ابن أبي حاتم، عن يعلى بن أمية، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «احتكار الطعام بمكة إلحاد» .
أخرج ابن أبي حاتم، عن مرة البهزي، قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول لرجل: «إنك تموت بالربوة فمات بالرملة» ،
قال ابن كثير: غريب جدا.
وأخرج أحمد عن عائشة، أنها قالت: يا رسول اللَّه وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون/ 60] ، هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف اللَّه؟ قال: «لا يا(9/333)
بنت الصديق، ولكنه الذي يصوم ويصلي ويتصدّق ويخاف اللَّه» .
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي سورة ابن أخي أيوب، قال: قلت: يا رسول اللَّه، هذا السلام، فما الاستئناس؟ قال: يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة، ويتنحنح فيؤذن أهل البيت.
أخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أبي أسيد برفع الحديث إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سئل عن قوله: وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ [الفرقان/ 13] ، قال: «والذي نفسي بيده إنهم ليستكرهون في النار، كما يستكره الوتد في الحائط» .
أخرج البزار عن أبي ذرّ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سئل: أي الأجلين قضى موسى؟ قال: «أوفاهما وأبرّهما» ، قال: وإن سئلت، أيّ المرأتين تزوّج؟ فقل: الصغرى منهما» .
إسناده ضعيف، ولكن له شواهد موصولة ومرسلة.
أخرج أحمد والترمذي- وحسنه- وغيرهما عن أم هانئ، قالت: سألت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن قوله: وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ [العنكبوت/ 29] ، قال: كانوا يحذفون أهل الطريق ويسخرون منهم، فهو المنكر الذي كانوا يأتون.
أخرج الترمذي وغيره عن أبي أمامة، عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: «لا تبيعوا القينات ولا تشتروهنّ ولا تعلموهنّ، ولا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام» ،
في مثل هذا أنزلت: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ... [لقمان/ 6] الآية إسناده ضعيف.
أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم في قوله: أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، قال: «أما إن است القردة ليست بحسنة، ولكنه أحكم خلقها» .
وأخرج الترمذي عن معاوية: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: «طلحة ممن قضى نحبه» .
أخرج أحمد وغيره عن ابن عباس، أن رجلا سأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن سبأ، أرجل هو، أم امرأة، أم أرض؟ فقال: «بل هو رجل، ولد له عشرة، فسكن اليمن منهم ستة وبالشام منهم أربعة» .
أخرج أحمد والترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: في هذه الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ [فاطر/ 32] ، قال: هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة، وكلهم في الجنة.
وأخرج أحمد وغيره عن أبي الدرداء، قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: قال اللَّه:
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ(9/334)
سابِقٌ بِالْخَيْراتِ، [فاطر/ 32] فأما الذي سبقوا فأولئك يدخلون الجنة بغير حساب، وأما الذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حسابا يسيرا، وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك الذين يحبسون في طول المحشر، ثم هم الذين تلافاهم اللَّه برحمته، فهم الذين يقولون: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ...
الآية [فاطر/ 34] .
أخرج الشيخان، عن أبي ذر، قال: سألت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن قوله: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها [يس/ 38] ، قال: «مستقرها تحت العرش» .
أخرج ابن جرير عن أم سلمة، قالت: قلت: يا رسول اللَّه، أخبرني عن قوله: وَحُورٌ عِينٌ [الواقعة/ 22] ، قال: «العين: الضخام العيون شفر الحوراء، مثل جناح النّسر» ، قلت: يا رسول اللَّه، أخبرني عن قول اللَّه: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ [الصافات/ 49] ، قال: «رقتهن كرقة الجلدة التي في داخل البيضة التي تلي القشر» .
أخرج أبو يعلى وابن أبي حاتم، عن عثمان بن عفان، أنه سأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن تفسير لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الزمر/ 63] ، فقال: تفسيرها: «لا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر، وسبحان اللَّه وبحمده، أستغفر اللَّه، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه، هو الأول والآخر والظاهر والباطن، بيده الخير يحيى ويميت» .
الحديث غريب وفيه نكارة شديدة.
أخرج أحمد وأصحاب السنن والحاكم وابن حبان عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أن الدعاء هو العبادة،
ثم قرأ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ [غافر/ 60] .
أخرج النسائي والبزار وأبو يعلى وغيرهم عن أنس، قال: قرأ علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا [فصلت/ 30] ، قد قالها ناس من الناس ثم كفر أكثرهم، فمن قالها حتى يموت فهو ممن استقام عليها.
أخرج أحمد وغيره عن عليّ، قال: ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب اللَّه، وحدثنا به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى/ 30] ، «وسأفسرها لك يا علي، ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم، واللَّه أحلم من أن يثنّي عليه العقوبة في الآخرة، وما عفا اللَّه عنه في الدنيا، فاللَّه أكرم من أن يعود بعد عفوه» .
أخرج أحمد والترمذي وغيرهما عن أبي أمامة، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل» ،
ثم تلى: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [الزخرف/ 58] .(9/335)
أخرج الطبراني وابن جرير بسند جيد، عن أبي مالك الأشعري، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إن ربكم أنذركم ثلاثا: الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة، ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه، والثانية الدابة، والثالثة الدجال» .
له شواهد.
أخرج أحمد، عن ابن عباس، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ [الأحقاف/ 4] قال: الخط.
أخرج الترمذي وابن جرير، عن أبي بن كعب، أنه سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى [الفتح/ 26] قال: لا إله إلا اللَّه.
أخرج أبو داود والترمذي، عن أبي هريرة، قال: قيل: يا رسول اللَّه ما الغيبة؟ قال: «ذكرك أخاك بما يكره» ، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته» .
أخرج البخاري عن أنس، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: «يلقى في النار وتقول: هل من مزيد، حتى يضع قدمه فيها فتقول: قط قط» .
أخرج البزار عن عمر بن الخطاب، قال: الذَّارِياتِ ذَرْواً [الذاريات/ 1] هي الرياح، فَالْجارِياتِ يُسْراً [الذاريات/ 3] هي السفن، فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً هي الملائكة، ولولا إني سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقوله ما قلته.
أخرج عبد اللَّه بن أحمد في زوائد المسند، عن علي، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إن المؤمنين وأولادهم في الجنة وإن المشركين وأولادهم في النار»
ثم قرأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ... [الطور: 21] الآية.
وأخرجا عن معاذ بن أنس، عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ألا أخبركم لم سمّى اللَّه إبراهيم خليله الَّذِي وَفَّى؟ أنه كان يقول كلما أصبح وأمسى: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ... [الروم/ 17] حتى ختم الآية.
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم في قوله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن/ 29] ، قال: من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا، ويرفع قوما، ويضع آخرين.
أخرج أبو بكر النجار، عن سليم بن عامر، قال: أقبل أعرابي فقال: يا رسول اللَّه، ذكر اللَّه في الجنة شجرة تؤذي صاحبها، قال: وما هي؟ قال: السّدر، فإن له شوكا مؤذيا، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «أليس يقول اللَّه: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ [الواقعة/ 28] ؟ خضد اللَّه شوكه،(9/336)
فجعل مكان كل شوكة ثمرة» .
وله شاهد من حديث عتبة بن عبد السلمي أخرجه ابن أبي داود في البعث.
أخرج الترمذي- وحسّنه- وابن جرير عن أم سلمة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في قوله: وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ [الممتحنة/ 12] قال: النّوح.
أخرج الطبراني عن ابن عباس، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «أن أول ما خلق اللَّه القلم والحوت» ، قال: اكتب: قال ما أكتب؟ قال: كل شيء كائن يوم القيامة،
ثم قرأ ن وَالْقَلَمِ [ن/ 1] والنون الحوت، والقلم القلم.
أخرج أحمد عن أبي سعيد، قال: قيل لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج/ 4] ما أطول هذا اليوم! فقال: والذي نفسي بيده إنه ليخفّف عن المؤمن حتى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا.
أخرج الطبراني عن ابن عباس، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل/ 20] ، قال: مائة آية،
قال ابن كثير: غريب جدا.
أخرج أحمد والترمذي عن أبي سعيد، عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «الصعود: جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفا، ثم يهوي به كذلك» .
أخرج البزار عن ابن عمر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: «واللَّه لا يخرج من النار أحد حتى يمكث فيها أحقابا، والحقب بضع وثمانون سنة، كل سنة ثلاثمائة وستون يوما مما تعدون» .
أخرج ابن أبي حاتم، عن أبي بريد بن أبي مريم عن أبيه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال في قوله تعالى: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير/ 1- 3] قال: كورت في جهنم وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ [التكوير/ 2] ، قال: في جهنم.
أخرج ابن جرير والطبراني بسند ضعيف، من طريق موسى بن عليّ بن رباح، عن أبيه عن جده، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال له: «ما ولد لك؟» قال: ما عسى أن يولد لي! إما غلام أو جارية! قال: «فمن يشبه؟» قال: من عسى أن يشبه! إما أباه وإما أمه! فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «مه لا تقولن هذا، إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها اللَّه تعالى كل نسب بينها وبين آدم، أما قرأت:
فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ [الانفطار/ 8] قال: سلكك» .
أخرج الشيخان عن ابن عمر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [المطففين/ 6] ، حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه.(9/337)
أخرج أحمد والشيخان وغيرهما عن عائشة، قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «من نوقش الحساب عذّب» ، وفي لفظ عند ابن جرير: «ليس يحاسب أحد إلا عذّب» قلت: أليس يقول اللَّه: فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً [الانشقاق/ 8] ؟ قال: «ليس ذلك بالحساب ولكن ذاك العرض» .
أخرج ابن جرير عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «اليوم الموعود يوم القيامة وشاهد يوم الجمعة، ومشهود يوم عرفة» .
له شواهد.
أخرج البزار عن جابر بن عبد اللَّه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى/ 14] ، قال: «من شهد أن لا إله إلا اللَّه وخلع الأنداد، وشهد أني رسول اللَّه، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى/ 15] ، قال: هي الصلوات الخمس والمحافظة عليها والاهتمام بها.
وأخرج أحمد والترمذي عن عمران بن حصين أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سئل عن الشفع والوتر، فقال: «الصلاة بعضها شفع وبعضها وتر» .
أخرج أحمد عن البراء، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: علّمني عملا يدخلني الجنة قال: «عتق النسمة، وفك الرقبة» ، قال: أو ليستا بواحدة؟ قال: إن عتق النسمة أن تفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها.
أخرج ابن أبي حاتم من طريق جويبر، عن الضحاك عن ابن عباس، سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول في قول اللَّه: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها [الشمس/ 9] أفلحت نفس زكاها اللَّه تعالى.
أخرج أبو يعلى وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد، عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «أتاني جبريل فقال: إن ربك يقول: أتدري كيف رفعت ذكرك؟ قلت: اللَّه أعلم، قال: إذا ذكرت ذكرت معي» .
أخرج أحمد عن أبي هريرة، قال: قرأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم هذه الآية يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها [الزلزلة/ 4] ، قال: أتدرون، ما «أخبارها» ؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم، قال: «أن تشهد على كلّ عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، أن تقول: عمل كذا وكذا في يوم كذا وكذا» .
أخرج ابن أبي حاتم بسند ضعيف، عن أبي أمامة، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات/ 6] قال: «الكنود الذي يأكل وحده، ويضرب عبده، ويمنع رفده» .(9/338)
أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم مرسلا، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «ألهاكم التكاثر عن الطاعة، حتى زرتم المقابر حتى يأتيكم الموت» .
أخرج ابن مردويه، عن أبي هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ [الهمزة/ 8] قال: مطبقة.
أخرج ابن جرير وأبو يعلى عن سعد بن أبي وقاص قال: سألت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ [الماعون/ 5] ، قال: «هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها» .
أخرج أحمد ومسلم عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «الكوثر نهر أعطانيه ربّي في الجنة»
له طرق لا تحصى.
أخرج أحمد عن ابن عباس قال: لما نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، [النصر/ 1] قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «نعيت إليّ نفسي» .
أخرج ابن جرير عن بريدة لا أعلمه إلا رفعه، قال: «الصمد الذي لا جوف له» .
وأخرج أحمد والترمذي، وصححه النسائي عن عائشة، قالت: أخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيدي، فأراني القمر حين طلع، وقال: «تعوّذي باللَّه من شر هذا، هذا الغاسق إذا وقب» .
أخرج أبو يعلى عن أنس، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إن الشيطان واضع خرطومه على قلب ابن آدم، فإن ذكر اللَّه خنس أي سكن، وإن نسى التقم قلبه، فذلك الوسواس الخناس» .
تنبيهات
الأول: قوله صلى اللَّه عليه وسلم فيمن سرّه أن يطلع على عمله له أجران أجر لسّر وأجر لعلانية قال الترمذي: قد فسّر بعض أهل العلم هذا الحديث، إذا اطّلع عليه، وأعجبه إنما معناه يعجبه ثناء الناس عليه بالخير،
لقول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «أنتم شهداء اللَّه تعالى في الأرض»
فيعجبه ثناء الناس عليه بهذا، فأما إذا أعجبه ليعلم الناس منه الخير فيكرم ويعظّم على ذلك فهو رياء.
وقال بعض أهل العلم: إذا اطلع عليه فأعجبه رجاء أن يعمل به من الخير، فيكون له مثل أجورهم، فهذا له مذهب أيضا. انتهى.
الثاني:
قوله صلى اللَّه عليه وسلم فيمن جامع ولم ينزل «يغسل ما مسّ المرأة منه ثم يتوضأ»
قال العلماء رحمهم اللَّه تعالى أنه منسوخ بحديث التقاء الختانين.
الثالث: قول الرجل لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «أصبت حدا» قال النووي- رحمه اللَّه تعالى-(9/339)
معناه معصية توجب التّعزير وليس المراد الحد الشرعيّ الحقيقيّ كحد الزنا والخمر وغيرهما، فإن هذه الحدود لا تسقط بالصّلاة، ولا يجوز للإمام تركها.
الرابع: الرّقوب براء مفتوحة فقاف فواو موحدة قال أبو عبيد: معناه في كلامهم إنما هو على فقد الأولاد في الدنيا فجعل اللَّه تعالى فقدهم في الآخرة فكأنّه حوّل الموضع إلى غيره.
قال في النهاية: هو الرجل والمرأة، إذا لم يعش لهما ولد، لأنه يرقب موته ويرصده خوفا عليه فنقله صلى اللَّه عليه وسلم إلى الذي لم يقدّم من الولد شيئا: أي يموت قبله، تعريفا أن الأجر والثواب لمن قدّم شيئا من الأولاد، وأنّ الاعتداد به أكثر والنّفع به أعظم، وأنّ فقدهم وإن كان في الدنيا عظيما، فإنّ فقد الأجر والثواب على الصبر والتسليم للقضاء في الآخرة أعظم، وأنّ المسلم ولده في الحقيقة من قدّمه، واحتسبه، ومن لم يرزق ذلك فهو كالذي لا ولد له، ولم يقله صلى اللَّه عليه وسلم إبطالا لتفسيره اللّغوي كما قال: إنّما المحروب من حرب دينه. ومثله كما قال الحافظ الدمياطي رحمه اللَّه تعالى: «ما تعدّون المفلس؟ قالوا: الذي لا درهم له ولا متاع، قال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأخذ مال هذا» .
وهذا ومن الألفاظ التي نقلها عن وضعها اللّغويّ لضرب من التّوسّع والمجاز.
والعائل: الفقير، فنقله صلى اللَّه عليه وسلم أيضا [ (1) ] .
الخامس: أمره صلى اللَّه عليه وسلم بالقيام للجنازة منسوخ بما تقدّم في جماع أبواب سيرته صلى اللَّه عليه وسلم في المريض والمحتضرين.
السادس:
قوله صلى اللَّه عليه وسلم في قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص/ 1] إنها تعدل ثلث القرآن
قال بعض أهل العلم رحمهم اللَّه تعالى: إن القرآن ثلاثة أقسام: قسم توحيد اللَّه تعالى ومعرفة صفاته، وقسم قصص الماضين، وقسم تشريع وأحكام، فهي قسم التوحيد وليس فيها قصص ولا تشريع، فصارت تعدل ثلث القرآن.
السابع: قوله صلى اللَّه عليه وسلم في المعتدة ترمي بالبعرة إلى آخره «كانت المرأة المتوفّى عنها زوجها في الجاهليّة تدخل بيتا مظلما ضيّقا، وتلبس شر ثياب ولا تمسّ طيبا حتى يمرّ عليها سنة، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها، ثمّ ترجع بعدها فتضع من طيب أو غيره» .
الثامن: في قوله صلى اللَّه عليه وسلم فيمن قتل من قال لا إله إلا اللَّه بعد ما أسلم فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته، قبل أن يقول كلمته التي قال: أي في إباحة الدم، لأن الكافر قبل أن يسلم مباح الدّم فإذا أسلم، فقتله أحد فإن قاتله مباح الدم بحق القصاص فكأنه بمنزلته في الكفر.
__________
[ (1) ] أعاد المصنف هذا الكلام برمّته في موضع سابق قريب.(9/340)
التاسع: في قوله «يعجبه الفأل» هو مثل أن يكون مريضا، فيسمع آخر يقول: يا سالم أو يكون طالب ضالّة، فيسمع من يقول: يا واجد، فيستبشر بذلك الكلام، فالفأل يرجي الخير، والطّيرة ترجي الشّرّ ووقوعه.
العاشر: قال بعض العلماء رحمهم الله تعالى في الجمع بين حديثي سهل بن سعد وأبي ذر [ (1) ] : أن الحديث الذي تقدم فيه سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبه والجواب، وهذا الحديث يقصد ذلك، فإن بعض الناس يقول: إن ذلك الغني كان كافرا فهؤلاء كانوا في المسجد، ولا يجلس في المسجد إلا المسلم، قلت: الظاهر والله تعالى أعلم أن من قال كان كافرا أراد به أنه كان منافقا والله أعلم.
الحادي عشر: في بيان غريب ما سبق:
البهم بموحدة مضمومة فهاء ساكنة فميم جمع بهيم (وهو في الأصل الذي لا يخالط لونه لون سواه، قال الخطابي- رحمه الله تعالى-: أراد برعاة الإبل والبهم الأعراب، وأهل البوادي وجاء في رواية البهم- بضم الموحدة والهاء- على الرّعاة، وهم السود والبهم جمع البهم) [ (2) ] وهو المجهول الذي لا يعرف.
الحممة: بحاء مهملة فميمين مفتوحات الفحمة.
جهد المقل- بجيم مضمومة فهاء ساكنة فدال مهملة- أي قدر ما يحتمله حال القليل المال.
غبر- بغين معجمة فموحدة فراء- أي بقي.
كسل: بكاف فسين مهملة فلام إذا جامع أدركه الفتور ولم ينزل ومعناه صار ذا كسل. [ (3) ]
الاستطابة- بهمزة مكسورة فسين مهملة فمثناة ففوقية فطاء فألف فموحدة الاستنجاء فإن الإنسان إذا فعل ذلك طابت نفسه.
التّغوّط- بمثناة ففوقية فغين معجمة فواو فطاء مهملة: قضاء الحاجة.
يتنكّب القبلة- أي لا يستقبلها ولا يستدبرها.
الرّجيع- براء فجيم فمثناة تحتية فعين مهملة- الرّوث والعذرة سمّي رجيعا، لأنه صار للذي رجع إليه بعد أن كان طعاما أو علفا.
__________
[ (1) ] هما حديثا أبي ذر وسهل في باب الرقائق (الثامن والعشرون) .
[ (2) ] سقط في أ.
[ (3) ] ثبت في الأصل تقرضه، ضلع السرية تقدمت.(9/341)
الحيضة- بحاء مهملة فتحتية ساكنة فضاد معجمة مفتوحة فتاء تأنيث- المرة من الحيض وبكسر الحاء الاسم من الحيض والحال التي تلزمها الحائض من التجنب.
المركن- بميم مكسورة فراء ساكنة فكاف فنون- الإجانة التي يغسل فيها الثياب، والميم زائدة.
الدّرع- بدال وعين مهملتين بينهما راء القميص.
القرن- بقاف فراء مفتوحتين فنون: الجعبة يجعل فيها النشاب، وإنما أمره بطرحها لاحتمال أن تكون من جلد غير مزكي ولا مدبوغ، فلا تصح الصلاة مع حملها لأنها نجسة والقوس معروف.
الحدق- بحاء فدال مهملتين مفتوحتين- فقاف: جمع حدقة، وهي العين.
الاختلاس- بخاء معجمة فمثناة وآخره سين مهملة سلب الشّيء بسرعة.
الخلال- بخاء معجمة مكسورة فلامين بينهما ألف أولاهما مفتوحة- الخصلة.
الشّفع- بشين معجمة ففاء فعين مهملة الزوج، والوتر الفرد الواحد.
القنوت- بقاف فنون فواو آخره مثناة ففوقية- المراد به هنا القيام في الصلاة.
الفجاءة بفاء مضمومة فجيم مفتوحة فألف فهمزة فتاء تأنيث: الهجوم على غفلة.
الفوات- بفاء فواو فألف وآخره تاء مثناة ففوقية هو موت الفجأة، من قولك فاتني فلان بكذا، أي سبقني به.
انفحي: بالحاء المهملة، وانفحي بمعني أنفقي المنيحة- بميم فنون مكسورة فتحتية- هي الشاة التي تقاد لينتفع بلبنها، وتعاد إلى صاحبها، إذا طلبها، وهذا هو المراد، ولها معنى آخر أن يهب له أصلها فيملّكه إيّاها.
العتود: بعين مهملة ففوقية فواو فدال مهملة: الشابّ من أولاد المعز وقد دخل في السنة الثانية.
أوجب- أي عمل عملا توجب له به الجنة والله تعالى أعلم.
يستحسر: أي يستنكف عن السؤال، وأصله من حسر الطرف إذا كلّ وضعف يعني أن الداعي إذا دعا وتأخّرت إجابته، تضجّر وملّ، وترك الدعاء، واستنكف عنه.
وقطيعة الرحم: الهجران، للأهل، والأقارب.(9/342)
رياض الجنّة- براء مكسورة فتحتيّة مفتوحة فألف فضاد معجمة- المراد به الذّكر.
ارتعوا: بهمزة فراء ساكنة فمثناة فوقية فعين مهملة فواو خوضوا شبه الخوض بالرّتع في الخصب وهو الطواف حوله والإشباع منه.
«الهن» - بفتح الهاء وتخفيف النون- من ألفاظ الكنايات، وأكثر ما يطلق على ما يستحي من التلفظ به هنا الفرج، ولذا قال مني يريد به النّطفة.
مبرور: مقبول ليس فيه إثم يقال بر وإثم.
يحتاج- يهلك ويتلف في الإنفاق.
الإشراف: بالشين المعجمة التطلع إلى العطاء والرغبة فيه.
القسامة- بضم القاف- ما يأخذه القسام من رأس المال عن أجرته لنفسه كما يأخذ السماسرة رسما مرسوما، لا أجرا معلوما، وقيل: إنما هو من يأخذ سهم من ولي عليه بغير إذنه، فيستأمر به عليه [ (1) ] .
التعيل: أريد به القوى على الشيء وقطع الأرض والسقاء.
أهويت بيدك أي: مددت يدك إليه والمعنى: أنه لو فعل ذلك كان قد صار ذلك ركازا لا يكون قد أخذه بشيء من فعله، فحينئذ كان يجب فيه الخمس وإنما جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم اللقطة لما لم يباشر الحجر بيده، والحجر هو الثقب وترك أخذ الزكاة منها، لأنه لم يكن نصابا، ولو كان نصابا لم يكن حال عليها الحول.
الحلقوم- بحاء مهملة مضمومة فلام ساكنة فقاف مضمومة فواو- فميم الخلق المبادر.
المنابل- بميم الذي يدخر المال ويقنيه، أنفسها عند أهلها، النفيس الجيد من كل شيء المرغوب فيه، وحقيقته الشيء الذي يتنافس فيه الناس.
قوله «يعين ضائعا» أي: ذا ضياع من فقر وعيال، أو نحو ذلك أو حال فقير عن القيام به، والخرق ضد الرفق، يقال: رجل أخرق إذا لم يتيقن ما يحاول.
والصنائع- بصاد مهملة فنون- هو المشهور.
وروي «ضايعا» بالمعجمة أي ذا ضياع من فقر وعيال ونحو ذلك.
__________
[ (1) ] ثبت في الأصل الوضية الحذاء بحاء مهملة مكسورة فذال معجمة مفتوحة فألف مهدوة.(9/343)
الوليدة: الأمة والحديث محمول على أن أخوالها كان بهم حاجة شديدة إلى الخادم، وهم فقراء البضع.
الغصن: الأراك.
العلائق- بعين مهملة وآخره قاف المهور وأحدها علاقة.
مذّمة الرضاع- بتثليث الذال المعجمة وبالكسر من الذمام وبالضم من الذم والمذمة الحق والحرمة التي يذّم مضيعها، والمراد بمذمّة الرّضاع الحقّ اللّازم بسبب الرّضاع، أو حق ذات الرضاع فحذف المضاف، قال النخعي: - رحمه الله تعالى- كانوا يستحبون أن يعطوا عند فصال الصبي للمرضعة شيئا سوى الأجرة.
الغرة: خيار المال وأصله غرة الوجه، فكنى بالغرة عن الذات فكأنه قال: عبد أو أمة.
التيس- بمثناة فوقية فمثناة تحتية فسين مهملة- معروف في المعز، يقال: العاهر بعين مهملة وآخره راء الزاني، والمعنى أنه لا حظ للزاني في الولد، وإنما هو لصاحب الفراش، وهو الزوج والسيد وله الحجر أي يرجم بالحجارة، أو ليس له إلا الحجارة أو ليس له شيء، ولا له إلا الخيبة من لحوق الولد من لعنه وذكر الحجر استعارة أي لا منفعة له فيه.
يسلم بها: أي يطأها.
الحجّ- بالجيم والحاء المهملة المشددة هي الحامل التي دنت ولادتها.
«تجد» بمثناة فجيم فدال مهملة يقطع ويجني.
أعلاج: جمع علج الرجال من كبار العجم.
القدوم: بالتشديد موضع بينه وبين المدينة ستة أميال.
النّعي: بنون فعين مهملة النداء على الميت وإخبار الناس بموته.
المجس: تقدم الحريسة: تقدمت.
أعتم: أظلم الليل عليه، ومضى منه طائفة.
الدف: تقدم.
المروة: حجر أبيض يبرق والمراد به جنس الحجر أي بأي حجر كان إذا كان له حد يذبح، وكذلك شق العصا.(9/344)
المضارعة: بالضاد المعجمة المشابهة والمقاربة، وذلك أنه سأله عن طعام النصارى فكأنه أراد لا يتحركن في نفسك شك، أن ما شبهت فيه النصارى حرام، ومكروه.
جوامع الكلم: أي لا يجاوز البلاغة فتكون ألفاظه قليلة ومعاني كلامه كثيرة، وكذلك كانت ألفاظه صلى الله عليه وسلم.
الصعدات: [ ... ] .
إنفاذ عهدهما: أي إمضاء وصيتهما، وما عهدا إليه قبل موتهما.
الملّ- بفتح الميم وتشديد اللام الحجارة التي تخير عليها العرب، أي تلقي في أفواههم.
تقبّح: أي تقول قبحك الله.
الحرج: الإثم والضيق والجناح الإثم والميل.
والهرم: الضعف من كبر السن.
النّشرة: بنون مضمومة فشين معجمة ساكنة فراء حل السحر عن المسحور، ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر، وقد قال الحسن: - رحمه الله تعالى- لا يطلق السحر إلا ساحر، فلا يجوز فعل ذلك، ولهذا نهى عنه، وقد بسطت الكلام على ذلك في «لا عدوى ولا طيرة» .
طوبى- بطاء مهملة فواو فموحدة الطيب وجمع الطيبة، وتأنيث الأطيب- والحسنى والخير والخيرة شجرة في الجنة والجنة بالهندية.
الرّعة: بكسر الراء مع الورع، وهو الكف.
مخموم: بالخاء المعجمة، وذكر تفسيره في الحديث، وأصله من خميت البيت إذا كنسته، ونظفته.
النصيحة: تفعيلة نصح له، أخلص له، ولم يغشه.
عاجلته بالسيف: ضربته، وهو من المعالجة، وهي مزاولة الشيء ومحاولته والله تعالى أعلم.(9/345)
جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلم- في الشعر
الباب الأول في مدحه- صلى الله عليه وسلم- لحسن الشعر وذمّه لقبيحه وتنفيره من الإكثار منه
روى الإمام الشافعي وأبو يعلى عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- والإمام الشافعي عن عروة مرسلا والدارقطني مرسلا بذكر عائشة قالت: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الشعر فقال:
كلام فحسنه حسن، وقبيحه قبيح.
وروى البخاري في الأدب والدارقطني عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشعر بمنزلة الكلام، حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام» .
وروى الحارث بن أبي أسامة عن رجل من أهل اليمن عن رجل من هذيل عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذا الشّعر جزل من كلام العرب، به يعطي السّائل، وبه يكظم الغيظ، وبه يتبلّع القوم في ناديهم» .
وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجة عن أبي بن كعب وابن عباس- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من الشعر لحكمة» .
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم بكلام بيّن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكمة.
وروى البخاري عن كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ من الشعر لحكمة» .
وروى مسدد والدارقطنيّ عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- والإمام أحمد والبخاري عن ابن عمر والإمام أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجة عن سعد بن أبي وقاص، والإمام أحمد ومسلم عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير من أن يمتلئ شعرا» .
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «امرؤ القيس صاحب لواء الشعر إلى النار» .(9/346)
وروى إسحاق بن راهويه بسند حسن عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم بعض القوم بكلام «فيه شبه» الرجز، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قم يا سلمة» .
وروى أبو الحسن بن الضّحّاك وابن جرير عن كعب بن مالك- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: يا رسول الله، ماذا ترى في الشعر؟ فقال: «إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه» .
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن مالك بن عمير- رضي الله تعالى عنه- قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتح وخيبر والطائف، فقلت: يا رسول الله إني امرؤ شاعر فأفتني في الشّعر فقال: «لأن يمتلئ ما بين لبتك إلى عاتقك قيحا خير لك من أن تمتلئ شعرا» قال: قلت:
يا رسول الله، فامسح عنّي الخطيئة، قال: فوضع يده على رأسي ثمّ أمرّها على كبدي، ثم على بطني، حتّى إنّي لأحتشم من مبلغ يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «إن أتاك منه شيء فشبّب بامرأتك، وامدح راحلتك» ، قال: فما قلت شيئا بعد ذاك
ومالك الذي يقول:
ومن ينتزع ما ليس من شوس نفسه ... يدعه ويغلبه على النّفس خيمها
فشاب بن مالك رأسه ولحيته غير موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.(9/347)
الباب الثاني في استماعه- صلى الله عليه وسلم- لشعر أصحابه في المسجد وخارجه
روى الإمام أحمد والترمذي وصحّحه وأبو بكر بن أبي خيثمة عن سماك بن حرب- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت لجابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه-: أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم كان أصحابه يتناشدون الشّعر، ويتذاكرون شيئاً من أمر الجاهليّة، وهو ساكت وربما تبسّم معهم.
وروى الإمام أحمد والشيخان عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طويل الصّمت، قليل الضّحك، وكان أصحابه- رضي الله تعالى عنهم- يذكرون عنده الشّعر، وأشياء من أمورهم فيضحكون، وربما تبسّم.
وروي أيضا عنه قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة في المسجد وأصحابه يتذاكرون الشّعر، وأشياء من الجاهلية، فربما تبسّم معهم.
وروى الإمام أحمد وأبو داود موصولا عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن عمر- رضي الله تعالى عنه- مر بحسّان، وهو ينشد الشّعر في المسجد، فلحظ إليه شرارا فقال: قد كنت أنشد الشّعر فيه، وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- فقال: أنشدك الله، أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أجب عني، اللهم أيّده بروح القدس، قال:
اللهم نعم.
وروى الإمام أحمد والنسائي عن الأسود بن سريع- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إنّي حمدتّ ربي- عز وجل- بمحامد ومدح وإياك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إن ربّك يحب المدح، هات ما حمدت به ربك تعالى، قال: فجعلت أنشده
وذكر الحديث ويأتي بتمامه في مناقب عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه-
عن الحسن بن عبيد الله، قال: حدثني من سمع النّابغة الجعدي، يقول: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشدني قولي:
وإنّا لقوم ما نعوّد خيلنا ... إذا ما التقينا أن نحيد وتنفرا
وننكر يوم الرّوع ألوان خيلنا ... من الطّعن حتّى نحسب الجون أشقرا
وليس بمعروف لنا أن نردّها ... صحاحا ولا مستنكر أن تعقّرا
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ... وإنّا لنبغي فوق ذلك مظهرا
قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إلى أين؟» قلت: إلى الجنة، قال: «نعم! إن شاء الله» قال: فأنشدته:(9/348)
ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... أريب إذا ما أورد الأمر أصدرا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يفضض الله فاك» قال: فكان أحسن الناس ثغرا، فكان إذا سقطت له سنّ نبت له مكانها أخرى.
وروى البيهقي من طريق يعلى بن الأشدق، قال: سمعت النابغة الجعديّ يقول: أنشدت النبي صلى الله عليه وسلم:
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
فقال: أين المظهر يا أبا ليلى؟ قلت الجنة، قال: أجل إن شاء الله تعالى ثم قال:
ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يفضض الله فاك مرّتين» .
وروى أبو يعلى بسند صحيح عن الأعشى المازني- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأنشدته:
يا مالك النّاس وديّان العرب ... إنّي لقيت ذربة من الذّرب
غدوت أبغيها الطّعام في رجب ... فخلّفتني بنزاع وحرب
اخلفت العهد ولطّت بالذّنب ... وهنّ شرّ غالب لمن غلب
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يتمثّلها ويقول: «وهنّ شرّ غالب لمن غلب» .
وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أخا لكم لا يقول الرّفث-
يعني بذلك ابن رواحة- قال:
فينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشقّ معروف من الفجر ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أنّ ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالمشركين المضاجع(9/349)
الباب الثالث في أمره- صلى الله عليه وسلم- بعض أصحابه بهجاء المشركين
روى الإمام أحمد والشيخان عن البراء بن عازب- رضي اللَّه تعالى عنهما- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال يوم قريظة لحسان- رضي اللَّه تعالى عنه-: اهج المشركين وفي لفظ:
هاجهم وجبريل معك وفي لفظ: فإن روح القدس معك.
وروى ابن سعد عن جابر- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من يحمي أعراض المسلمين؟ فقال عبد اللَّه بن رواحة: أنا، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إنك لا تحسن الشعر» ، فقال حسان بن ثابت- رضي اللَّه تعالى عنه- أنا، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «اهجهم، فإنّ روح القدس سيعينك» .
وروى ابن سعد عن ابن سيرين مرسلا أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «إذا نصر القوم بسلاحهم أنفسهم، فألسنتهم أحقّ» فقام رجل فقال: يا رسول اللَّه، أنا، فقال: لست هناك، فجلس فقام آخر فقال: يا رسول اللَّه أنا، فقال بيده: يعني لا أجلس
فقام حسان- رضي اللَّه تعالى عنه- فقال: يا رسول اللَّه، ما يسرني به مقولا بين صنعاء وبصرى، وإنك واللَّه، ما سببت قوما قطّ هو أشد عليهم من شيء يعرفونه فمرّ بي إلى من يعرف أيامهم وبيوتاتهم حتى أضع لساني فأمر به إلى أبي بكر- رضي اللَّه تعالى عنه-.
وروى مسلم والبرقاني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنّه سمع حسان بن ثابت يستشهد بأبي هريرة، أنشدك اللَّه، هل سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: يا حسّان أجب عني، اللهم، أيّده بروح القدس؟ قال أبو هريرة- رضي اللَّه تعالى عنه-: نعم.
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن حسان- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «إذا حارب أصحابي بالسّلاح، فحارب أنت بلسانك» .
وروى الإمام أحمد عن عمار بن ياسر- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: لما هجانا المشركون شكونا ذلك إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: «قولوا لهم كما يقولون لكم» قال: فلقد رأيتنا تعمله إماء أهل المدينة.
وروى أبو الحسن بن الضّحاك، وقال هذا غريب من حديث يسار من مسند حسان بن ثابت ورجاله ثقات، والمحفوظ أنه من مسند البراء بن عازب- رضي اللَّه تعالى عنهما- قال: سمعت حسان بن ثابت- رضي اللَّه تعالى عنه- يقول: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «اهجهم، أو هاجمهم يعني المشركين، وجبريل- عليه السلام- معك» .(9/350)
وروى مسلم عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنهما- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «اهجوا قريشا، فإنه أشدّ عليها من رشق النّبل» فأرسل إلى ابن رواحة، قال: اهجهم فهاجهم، فلم يرض فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت فلما دخل عليه حسّان، قال: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم أدلع لسانه، فجعل يحرّكه، فقال: والذي بعثك بالحق لأفرينّهم بلساني فري الأديم، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «لا تعجل، فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها وإن لي فيهم نسبا حتى يخلص لك نسبي» فأتاه حسّان، ثم رجع، فقال: يا رسول اللَّه، قد محّص لي نسبك، والذي بعثك بالحق، لأسلّنّك منهم كما تسلّ الشعرة من العجين، قالت عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- فسمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول لحسان بن ثابت- رضي اللَّه تعالى عنه-: «إن روح القدس لا يزال يؤيّدك ما نافحت عن اللَّه ورسوله» قالت:
وسمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: هجاهم حسان فشفى وأشفى
قال حسان- رضي اللَّه تعالى عنه-:
هجوت محمّدا فأجبت عنه ... وعند اللَّه في ذاك الجزاء
وروى ابن وهب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن- رحمه اللَّه تعالى- أن قريشا لما هجت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أرسل إلى ابن رواحة فذكر نحو ما تقدم وزاد، فكان لا يحسن إلا في الحرب فهجاهم، فلم يرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثم أرسل إلى حسّان، وكان يكره أن يرسل إليه، فما جاء الرّسول، قال: «أما واللَّه لأفرينهم بلساني فري الأديم» فقالت عائشة: - رضي اللَّه تعالى عنهما- فأخرج لسانه كأنه لسان حيّة على طرفه خال أسود، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «كيف لي بهم» فقال: والذي نفسي بيده، لأسلّنّك منهم سلّ الشعرة من العجين،
وذكر نحو ما تقدم.
وروى مسدد وابن أبي شيبة والنسائي في السنن الكبرى عن الأسود بن سريع- رضي اللَّه تعالى عنه- أنه قال: يا رسول اللَّه، إني مدحت اللَّه- عز وجل- مدحة ومدحتك بأخرى، فقال: «هات وابدأ بمدحة اللَّه عز وجل» .
وروى مسدد عن محمد بن علي- رحمه اللَّه تعالى- أن رجلا مدح اللَّه تعالى، ومدح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأعطاه لمدحه اللَّه تعالى الذي خلقه، ولم يعطه لمدحه نفسه، واللَّه تعالى أعلم.(9/351)
الباب الرابع فيما تمثل به رسول اللَّه- صلى اللَّه عليه وسلم- من الشعر
روى الإمام أحمد والشيخان والطبراني عن جندب بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تعالى عنه- قال أصابت أصبع النبي صلى اللَّه عليه وسلم شيئا فدميت،
وفي لفظ قال: بينما نحن جلوس مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بعض المشاهد إذ أصابه حجر فعثر فدميت أصبعه فقال:
هل أنت إلا أصبع دميت ... وفي سبيل اللَّه ما لقيت
وروى بن سعد عن الحسن البصري- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يتمثل بهذا:
............... ........ ... كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا
فقال أبو بكر- رضي اللَّه تعالى عنه- يا رسول اللَّه إنما قال الشاعر:
............... ....... ... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: «كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا»
فقال أبو بكر: - رضي اللَّه تعالى عنه- أشهد أنك رسول اللَّه ما علّمك اللَّه الشعر وما ينبغي لك.
وروى الإمام أحمد والترمذي وصححه عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- والطبراني في الأوسط عن عكرمة قال: سئلت عائشة- رضي اللَّه عنها- هل سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتمثل شعرا قطّ؟ قالت: كان أحيانا إذا دخل بيته وفي لفظ إذا استراث الخبر تمثل فيه ببيت طرفة.
............... .... ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
وروى أنشد «من لم تزوّده الأخبار» .
رواه البزار عن ابن عباس- رضي اللَّه تعالى عنهما-.
وروى الإمام أحمد وابن ماجة والشيخان عن أبي هريرة- رضي اللَّه تعالى عنه- قال:
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد:
ألا كل شيء ما خلا اللَّه باطل............... ......
وللشيخين وللترمذي أشعر كلمة قالتها العرب كلمة لبيد.
ألا كل شيء ما خلا اللَّه باطل................
وكاد أميّة بن أبي الصلت أن يسلم.
وروى الإمام أحمد وابن السكن عن ابن عباس- رضي اللَّه تعالى عنهما- أن(9/352)
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنشد قول أميّة بن أبي الصلت:
زحل وثور تحت رجل يمينه ... والنّسر للأخرى وليث موصد
فقال: صدق هذا. صفة حمله العرش فقال:
والشّمس تطلع كلّ آخر ليلة ... حمراء يصبح لونها يتورّد
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: صدق.
وروى البخاري عن أبي هريرة- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ... الحديث.
الباب الخامس فيما طلب إنشاده من غيره- صلى اللَّه عليه وسلم-
روى الإمام أحمد والبخاري في الأدب ومسلم وابن ماجه عن الشريد بن سويد الثقفي- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: أردفني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوما خلفه فقال هل معك من شعر أميّة بن أبي الصّلت؟ قلت: نعم قال أنشدني فأنشدته بيتا فقال: هيه فلم يزل يقول هيه حتى أنشدته مائة بيت وفي لفظ مائة قافية، فقال: لقد كاد أن يسلم، واللَّه أعلم [ (1) ] .
__________
[ (1) ] سقط في أ.(9/353)
جماع أبواب هديه- صلى اللَّه عليه وسلم- وسمته ودله غير ما سبق
الباب الأول في استحبابه- صلّى اللَّه عليه وسلّم- التيامن
روى الجماعة عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعجبه التّيمّن في ترجّله وتنعّله وطهوره وفي شأنه كلّه، وفي رواية كان يحبّ التّيمّن ما استطاع وذكر بعضهم «وفي سواكه» .
وروى ابن الجوزي عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أخذ شيئا أخذ بيمينه، وإذا أعطى شيئا أعطاه بيمينه، ويبدأ بميامينه في كل شيء.
وروى أبو داود عنها قالت: كانت يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه وكانت يده اليسرى لخلائه، وما به من أذّى.(9/354)
الباب الثاني في محبته- صلى اللَّه عليه وسلم- للفأل الحسن وتركه الطيرة
روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن بريدة- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يتطير من شيء، ولكنّه كان إذا أراد أن يأتي أرضا سأل عن اسمها، فإن كان حسنا فرح به، ورؤي البشر في وجهه، وإن كان قبيحا رؤي كراهية ذلك في وجهه، فكان إذا بعث رجلا وفي لفظ عاملا سأل عن اسمه فإن كان حسن فرح له، ورؤي البشر في وجهه، وإن كان قبيحا رؤي كراهية ذلك في وجهه [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس- رضي اللَّه تعالى عنهما- قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتفأل ولا يتطير، ويعجبه كلّ اسم حسن.
وروى أبو داود وابن حبان عن أبي هريرة- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سمع كلمة فأعجبته فقال: «أخذنا فألك من فيك» .
وروى الترمذي وصحّحه عن أنس- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يعجبه إذا خرج لحاجة أن يسمع يا راشد، يا نجيح.
وروى البخاري في الأدب عن أبي حدرة- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من يسوق إبلنا هذه؟ أو قال: من يبلغ هذه؟ قال رجل: أنا فقال ما اسمك؟
قال: فلان. قال: اجلس ثمّ قام آخر، فقال فلان فقال اجلس ثم قام آخر، فقال: ما اسمك؟ قال:
ناجية، قال: أنت لها فسقها.
وروى محمد بن يحيى بن أبي عمر عن الحضرمي بن لاحق والبزار عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «إذا أبردتم بريدا، فأبردوه حسن الوجه حسن الاسم» .
وروى الطبراني- رحمه اللَّه تعالى- برجال ثقات غير سعيد بن أسد بن موسى فيحرر حاله عن عقبة بن عامر- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «من يبلغنا من لقاحنا؟» فقام رجل، فقال: أنا، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما اسمك؟ قال: صخر أو جندل، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: اجلس، ثم قال: «من يبلّغنا من لقاحنا؟» فقام رجل آخر، فقال: أنا، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما اسمك؟ قال: يعيش، قال: «بلغنا من لقاحنا» .
وروى الإمام مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد موقوفا عليه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دعا ناقة يوما فقال من يحلب هذه؟ فقام رجل، فقال: أنا، فقال له: ما اسمك؟ فقال الرجل: مرة فقال له: اجلس، ثم قال: «من يحلب هذه؟» فقال رجل آخر: أنا، فقال: «ما اسمك؟» فقال:
__________
[ (1) ] سقط في أ.(9/355)
جمرة، فقال له: اجلس، ثم قال: «من يحلب هذه؟» فقال رجل: أنا فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:
ما اسمك؟ فقال: يعيش، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «احلبها» .
وروى الحكيم الترمذي والقاسم بن أصبع عن عبد اللَّه بن بريدة نحوه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يتطير ولكن يتفاءل، وكانت قريش جعلت مائة من الإبل لمن يأخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حيث توجه إلى المدينة، فرد إليهم، فركب بريدة في سبعين راكبا من قريش، فتلقّى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال له نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من أنت؟ قال: أنا بريدة، فالتفت إلى أبي بكر- رضي اللَّه تعالى عنه- فقال: يا أبا بكر، برّد أمرنا وصلّح قال وممن أنت؟ قال: من أسلم، فقال لأبي بكر: سلمنا، قال: وممن؟ قال: من بني سهم، قال: خرج سهمك، فأسلم بريدة، وأسلم الذين معه،
وتقدمت القصة في حديث الهجرة.
وروى الطبراني برجال ثقات غير كثير بن عبد اللَّه ضعيف، وحسّن له الترمذي عن عمرو بن عوف المزني- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سمع رجلا يقول: هاكها خضرة، فقال رسول اللَّه: «يا لبّيك، نحن أخذنا ذلك من فيك اخرجوا بنا إلى خضرة» ، فخرجوا إليها فما سلّ فيها سيف ورواه أبو نعيم في الطّبّ من حديث عبد اللَّه بن كثير المزني عن أبيه عن جدّه.
وروى الشيخان عن أنس- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصّالح، والكلمة الطّيّبة» .
تنبيهات
الأول: قال ابن القيّم في المفتاح في قوله «لا عدوى» هذا يحتمل أن يكون نفيا وأن يكون نهيا أي: لا تطيّروا، ولكن قوله في الحديث «لا عدوى ولا صفر ولا هامّة يدل على أن المراد النّهي وإبطال هذه الأمور التي كانت الجاهلية تعنيها، والنفي في هذا أبلغ، لأن النفي يدل على بطلان ذلك، وعدم تأثيره، والنهي يدل على المنع منه انتهى.
وروي: والفأل الصالح أي هو من تتمة الحديث المرفوع، وليس مدرجا بذلك الأثر قاله الخطابي وابن الأثير.
قال الخطابي: قد أعلم النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن الفأل هو أن يسمع الإنسان الكلمة الحسنة، فيفأل بها أي يتبرّك بها، ويتأوّلها على المعنى الذي يطابق اسمها وأن الطّيرة بخلافها، وإنما أخذت من اسم الطّير، وذلك أن العرب كانت تتشاءم ببروح الطّير إذا كانت في سفر أو مسير(9/356)
ومنهم من كان يتطير بسنوحها فيصدهم ذلك عن المسير ويردهم عن بلوغ ما يتمنّونه من مقاصدهم، فأبطل ذلك صلى اللَّه عليه وسلم أن يكون لشيء منها تأثير في اجتلاب ضرر أو نفع، واستحب الفأل بالكلمة الحسنة يسمعها من ناحية حسن الظّنّ باللَّه- عز وجل-.
وروى عن الأصمعي- رحمه اللَّه تعالى عليه- أنه قال: سألت بن عون عن الفأل فقال:
هو أن تكون مريضا، فتسمع يا سالم، أو تكون طالب ضالّة، فتسمع يا نجيح، أو يا واجد قال:
في النهاية: فيقع في ظنّه أن يبرأ من مرضه وأنه يجد ضالته قال: وإنما أحبّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الفأل، لأن الناس إذا أمّلوا فائدة من اللَّه تعالى ورجوا عائدته عند كلّ سبب ضعيف أو قويّ، فهم على خير، ولو غلطوا في جهة الرجاء فإنّ الرّجاء لهم خير، فإذا قطعوا أملهم ورجاءهم من اللَّه تعالى كان ذلك من الشر.
وأما الطّيرة فإنّ فيها سوء الظّنّ باللَّه تعالى وتوقّع البلاء.
الثاني في بيان غريب ما سبق:
«الفأل» بالهمزة وتركه من تفاءلت بالشيء.
وتفألت على التخفيف والقلب: استعمل فيما يسرّ ويسوء.(9/357)
الباب الثالث في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الأسماء والكنى وتسميته بعض أولاد أصحابه وتغييره الاسم القبيح
وفيه أنواع:
الأول: في دعائه الرّجل بأحبّ أسمائه إليه.
روى البخاري في الأدب وأبو نعيم عن حنظلة بن حذيم- بكسر الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة وفتح التحتانية- رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن يدعى الرّجل بأحبّ أسمائه إليه وأحبّ كناه.
الثاني: في تغييره الاسم إلى اسم آخر.
روى الترمذي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير الإسم القبيح، إلى ما هو أحسن منه.
وروى الإمام أحمد والبخاري في الأدب ومسلم وأبو داود والترمذي، وابن أبي شيبة وابن سعد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن بنتا لعمر كانت: يقال لها عاصية فسمّاها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جميلة.
وروى الشيخان وابن ماجة عن أبي هريرة- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: أن زينب بنت أبي سلمة كان اسمها برّة، فقال: تزكّي نفسها، فسماها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم زينب.
وروى مسلم عن زينب بنت أم سلمة أن زينب بنت جحش دخلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم واسمها برّة فسماها زينب.
وروى البخاري في الأدب ومسلم عن سعد وابن أبي شيبة عن ابن عباس- رضي اللَّه تعالى عنهما- قال: كان اسم جويرية بنت الحارث برّة، فحول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اسمها إلى جويرية وكان يكره أن يقال خرج من عند برّة.
وروى البخاري في الأدب عن محمد بن عمرو بن عطاء- رحمهم اللَّه تعالى- أنه دخل على زينب بنت أبي سلمة فسألته عن اسم أخت له عنده، فقال: اسمها برّة، قالت: غيّر اسمها، فإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نكح زينب بنت جحش، واسمها برّة فغير اسمها إلى زينب فدخل على أم سلمة حين تزوجها واسمي برّة فسمعها تدعوني برّة فقال: لا تزكوا أنفسكم، فإن اللَّه تعالى هو أعلم بالبرّة منكنّ والفاجرة، سميها زينب، فقلت لها: اسمي فقالت: غير إلى ما غيّر إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فسمّاها زينب.(9/358)
وروى البخاري في الأدب وابن أبي شيبة عن أبي هريرة- رضي اللَّه تعالى عنه- قال:
كان اسم ميمونة برّة، فسمّاها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ميمونة.
وروى الإمام أحمد والبخاري في الأدب عن علي- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: لما ولد الحسن فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟ قلنا: حربا قال: بل هو حسن فلما ولد الحسين سميته حربا قال: هو حسين فلما ولد محسنا سميته حربا، قال: هو محسن، ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:
«إنّي سميت بني هؤلاء بتسمية هرون بنيه شبر وشبير ومشبر» ، وفي رواية أخرى لما ولد الحسن سمّاه جعفرا فلما ولد الحسين سمّاه بعمه جعفر، فدعاني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إني أمرت أن أغير اسم هذين فقلت: اللَّه ورسوله أعلم، فسماهما حسنا وحسينا.
وروى البخاري- رحمه اللَّه تعالى- في الأدب وأبو داود وابن السكن والطبراني والحاكم وابن أبي شيبة عن أسامة بن أخدري- رضي اللَّه تعالى عنه- أنه ابتاع عبدا حبشيا، فقال: يا رسول اللَّه، سمّه وادع له، قال: ما اسمك؟ قال: أحرم قال: بل زرعة.
وقال لمولاه: فما تريده؟ قال: راعيا، فقبض أصابعه، وفي لفظ: وقبض كفه وقال: هو عاصم.
وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود وابن سعد عن سعيد بن المسيب والبخاري عن الزهري عن سعيد بن المسيّب- رحمه اللَّه تعالى- عن أبيه أن جدّه حزنا قدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: ما اسمك؟ قال: حزن، قال: بل أنت سهل، قال: ما أنا بمغيّر اسما سمّانيه أبي، السّهل يوطأ ويمتهن قال سعيد: فظننت أنه سيصيبنا بعده حزونة.
وفي لفظ قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لجدي حزن، أنت سهل قال: يا رسول اللَّه اسم سماني به أبواي فعرفت به في الناس قال: فسكت عنه النبي عليه السلام فتعرف فينا الحزونة.
وروى الإمام أحمد عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال لرجل:
ما اسمك؟ قال: شهاب قال: «أنت هشام» .
وروى الإمام أحمد وابن سعد وابن أبي شيبة عن خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة أن أباه عبد الرحمن ذهب مع جدّه إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما اسم ابنك؟ قال: عزيز، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «لا تسمّه عزيزا، ولكن سمّه عبد الرحمن» ، قال: خير الأسماء عبد اللَّه وعبد الرّحمن، وفي لفظ قال: لا عزيز إلا اللَّه.
وروى الإمام أحمد والبخاري في الأدب وفي تاريخه وابن أبي شيبة عن بشير ابن الخصاصية- رضي اللَّه تعالى عنه- وكان قد أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم واسمه زحم «فسماه النبي صلى اللَّه عليه وسلم بشيرا» .(9/359)
وروى الشيخان عن سهل بن سعد قال «أتى بالمنذر بن أبي أسيد إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم حين ولد فوضعه على فخذه فقال: ما اسمه؟ قال: فلان، قال: لكن اسمه المنذر» .
وروى الإمام أحمد عن سعيد بن جهمان قال: لقيت سفينة ببطن نخلة فقلت له: ما اسمك؟ قال: ما أنا بمخبرك عن اسمي، سماني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سفينة قلت: ولم سمّاك سفينة؟ قال: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعه أصحابه، فثقل عليهم متاعهم، فقال: ابسط رداءك فبسطه، فحطّوا فيه متاعهم، ثم حملوه عليّ، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم احمل، فإنما أنت سفينة، فلو حملت يومئذ، وقر بعير وبعيرين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة ما ثقل عليّ.
وروى البزار بسند حسن عن بريدة- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: كنت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سفر فكان كلّما بقي شيء حمله عليّ وسماني الزّاملة.
وروى البخاري في الأدب وأبو يعلى والبزار عن رائطة بنت مسلم عن أبيها- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: شهدت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حنينا، فقال: ما اسمك؟ قلت غراب، قال: لا بل اسمك مسلم.
وروى البخاري في الأدب والإمام أحمد برجال ثقات وابن أبي شيبة عن مطيع بن الأسود- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: كان اسمي العاص فسماني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مطيعا.
وروى الطبراني عن زيادة عن جدّه مسعود- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سماه مطاعا وقال: يا مطاع، أنت مطاع في قومك وحمله على فرس أبلق وأعطاه الراية، وقال:
يا مطاع امض إلى أصحابك، فمن دخل تحت رايتي هذه، فقد أمن من العذاب.
وروى محمد بن أبي عمر برجال ثقات عن أنس- رضي اللَّه تعالى عنه- أن أمّة لعمر بن الخطاب- رضي اللَّه تعالى عنه- كان لها اسم من أسماء العجم، فسماها عمر- رضي اللَّه تعالى عنه- جميلة
فقال عمر: بيني وبينك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأتيا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال لها:
أنت جميلة،
فقال عمر- رضي اللَّه تعالى عنه-: خذيها على رغم أنفك.
وروى الطبراني بسند ضعيف عن عبد الرحمن بن أبي سبرة قال: دخلت أنا وأبي على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال لأبي: هذا ابنك؟ قال: نعم، قال: ما اسمه؟ قال: الحباب، قال: «لا تسمه الحباب، فإن الحباب شيطان، ولكن هو عبد الرحمن» ،
الحديث.
وقد غير النبي صلى اللَّه عليه وسلم أسماء جماعة: منهم عبد اللَّه بن أبيّ بن سلول وكان يسمى الحباب وقال: حباب اسم شيطان رواه ابن سعد، والحصين بن سلّام الحبر عالم أهل الكتاب سماه عبد اللَّه رواه ابن أبي شيبة، والحكم بن سعيد بن العاص سماه عبد اللَّه، وعبد الحجر سماه عبد اللَّه رواه البخاري في الأدب ورواه الإمام أحمد والبخاري في تاريخه، وجبار بن(9/360)
الحارث سماه عبد الجبار رواه أبو نعيم في المعرفة، وعبد عمرو ويقال عبد الكعبة أحد العشرة سمّاه عبد الرحمن رواه ابن سعد وابن مندة، وغراب سماه مسلما رواه ابن أبي شيبة، وعبد شرّ من ذوي ظليم سمّاه عبد خير رواه أبو نعيم، وأبو الحكم بن هانئ بن يزيد سماه أبا شريح بأكبر أولاده رواه ابن أبي شيبة، وحرب سماه مسلما، والمضجع سمّاه المنبعث.
وروى أبو يعلى برجال ثقات عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرّ بأرض، يقال لها غدرة فسمّاها خضرة.
وشعب الضلالة: شعب الهدى وبني الزّينة: بني الرشدة.
وبني مغويّة- بالمعجمة- بني رشدة رواها أبو داود.
وأرضا تسمى بجدبة مخضرة رواه بقي بن مخلد عن عائشة.
الثالث: في تسميته صلى اللَّه عليه وسلم بعض أولاد أصحابه.
روى الطبراني عن ياسر بن سويد الجهني- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجّهه في خيل أو سرية وامرأته حامل، فولدت مولودا فحملته أمه إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالت:
يا رسول اللَّه، قد ولد هذا المولود، وأبوه في الخيل فسمّه فأخذه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأمر يده عليه وقال: «اللهمّ، أكثر رجالهم، وأقل أياماهم، ولا تحوجهم، ولا تر أحدا منهم خصاصة» ، فقال:
سميه مسرعا قد أسرع في الإسلام فهو مسرع بني ياسر.
وروى الترمذي عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- قالت: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رأى في بيت الزّبير صياحا، فقال: يا عائشة [ (1) ] ما أرى أسماء إلّا قد نفست، فلا تسموه حتى أسمّه فسمّاه عبد اللَّه، وحنّكه بتمر بيده.
وروى الشيخان عن أبي موسى الأشعري- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: ولد لي غلام فأتيت به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فسمّاه إبراهيم وحنّكه بتمر، ودعا له بالبركة ودفعه إليّ، وكان أكبر ولد أبي موسى.
وروى مسلم وأبو داود عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يؤتى بالصبيان، فيدعو لهم بالبركة، ويحنّكهم.
وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود عن أنس- رضي اللَّه تعالى عنه- أن أمة ولدت غلاما من أبي طلحة، فقال أبو طلحة: احتمله حتّى تأتي به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبعث معه
__________
[ (1) ] الطبراني في الصغير والأوسط وقال الهيثمي وفي اسناده من لم أعرفهم.(9/361)
بتمرات فقال: أمعه شيء؟ فقلت: نعم فأخذها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فمضغها، ثم أخذها في فيه، فجعلها في في الصّبيّ، ثم حنكّه، وسماه عبد اللَّه وفي لفظ ذهبت بعبد اللَّه بن أبي طلحة إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم ولد والنبي صلى اللَّه عليه وسلم في عباءة يهنأ بعيرا له فقال: أمعك تمرات؟ قلت:
نعم، فناولته تمرات فألقاهن في فيه فلاكهن ثم فغرنا الصّبي فمجّه في فيه فجعل الصبي يتلمظه فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حب الأنصار التمر وسماه عبد اللَّه.
وروى الإمام أحمد عن يوسف بن عبد اللَّه بن سلام- رضي اللَّه تعالى عنهما- قال أجلسني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حجره، ومسح على رأسي، وسمّاني يوسف.
الرابع: في سيرته صلّى اللَّه عليه وسلم في الكنى.
روى البخاري في الأدب عن هانئ بن يزيد- رضي اللَّه تعالى عنه- أنه لما وفد إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعه قومه فسمعهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهم يكنونه بأبي الحكم، فدعا النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إن اللَّه هو الحكم وإليه الحكم كلّه، فلم تكنّيت بأبي الحكم؟ قال: لا، ولكن قومي إذا اختلفوا في شيء فأتوني فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين، قال: ما أحسن هذا ثم قال مالك من الولد، قلت له: شريح وعبد اللَّه ومسلم بنو هانئ فقال: من أكبرهم؟
قلت: شريح، قال: فأنت أبو شريح، ودعا له ولولده، وسمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يسمّون رجلا منهم عبد الحجر، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما اسمك؟ فقال عبد الحجر قال: لا أنت عبد اللَّه.
قال شريح: وإنّ هانئ لما حضر رجوعه إلى بلاده أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: أخبرني أيّ شيء يوجب لي الجنة، قال: عليك بحسن الكلام، وبذل الطّعام.
وروى الشيخان عن أبي حازم أن رجلا جاء إلى سهل بن سعد- رضي اللَّه تعالى عنه- فقال: هذا فلان، لأمير المدينة يذكر عليا عند المنبر، فقال: فماذا يقول. قال: يقول، أبو تراب، فضحك وقال: واللَّه ما سمّاه به إلا النبي صلى اللَّه عليه وسلم وذكره بتمامه في مناقب سيدنا علي- رضي اللَّه تعالى عنه-. [ (1) ]
وروى البخاري في الأدب عن سهل بن سعد- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: إن كان أحبّ أسماء علي إليه لأبا تراب، وكان ليفرح أن يدعى بها،
وما كنّاه أبا تراب، إلا النبي صلى اللَّه عليه وسلم غاضب يوما فاطمة فاضطجع إلى جدار المسجد، وجاءه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتبعه فقال: هوذا مضطجع في الجدار فجاء إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وقد امتلأ ظهره ترابا، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يمسح
__________
[ (1) ] سقط في أ.(9/362)
التراب عن ظهره ويقول: اجلس أبا تراب.
وروى أبو داود عن المغيرة بن شعبة- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كنّاه (بأبي عيسى) [ (1) ] .
وروى أحمد والترمذي عن أنس- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: كنّاني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أبا حمزة ببقلة كنت أجتنيها.
وروى ابن ماجه عن صهيب- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كنّاه بأبي يحيى.
وروى الإمام أحمد عن حمزة بن صهيب- رضي اللَّه تعالى عنه- أن صهيبا كان يكنى أبا يحيى فقال عمر بن الخطاب، - رضي اللَّه تعالى عنه-: يا صهيب، مالك تكنى أبا يحيى، وليس لك ولد؟ فقال صهيب: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كنّاني بأبي يحيى.
وروى البخاري في الأدب عن أنس- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يدخل علينا، ولي أخ صغير، يكنى أبا عمير، وكانت له نغر يلعب به، فمات فدخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم علينا فرآه حزينا، فقال: ما شأنه؟ فقال: مات نغيره، فقال: يا أبا عمير، ما فعل النّغير؟.
وروى البخاري في الأدب عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول اللَّه كنيّت نساءك، وما كنّيتني؟ فقال: تكني بابن أختك عبد اللَّه يعني ابن الزبير،
وكانت تكنى بأمّ عبد اللَّه.
وروى البزّار برجال ثقات غير أبي المنهال البكراوي فيحرر رجاله عن أبي بكرة- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: لما كان يوم الطائف، تدليت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ببكرة فقال: أنت أبو بكرة.
روى البخاري عن أسامة بن زيد- رضي اللَّه تعالى عنهما- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ركب على حمار على إكاف على قطيفة فدكية، وأردف أسامة وراءه، يعود سعد بن عبادة قبل واقعة بدر، فسار حتى مرّ بمجلس فيه عبد اللَّه بن أبيّ بن سلول، وذلك قبل أن يسلم عبد اللَّه وفي المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين وعباد الأوثان واليهود، وفي المجلس عبد اللَّه بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمّر عبد اللَّه بن أبي أنفه بردائه قال: لا تغيروا علينا. فسلم النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووقف ونزل، فدعاهم إلى اللَّه، فقرأ عليهم القرآن فقال له عبد اللَّه بن أبي: يا أيها المرء، إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا، فلا تؤذنا به في مجالسنا وارجع إلى
__________
[ (1) ] في أأبي يحيى.(9/363)
رحلك فمن جاءك منّا فاقصص عليه. قال ابن رواحة: بلى يا رسول اللَّه، فاغشنا به في مجالسنا، فإنّا نحبّ ذلك. فاستبّ المسلمون والمشركون واليهود حتّى كادوا يتثاورون فلم يزل النبي صلى اللَّه عليه وسلم يخفّضهم حتى سكتوا،
فركب النبي صلى اللَّه عليه وسلم دابّته حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له: أي سعد، ألم تسمع ما قال أبو حباب- يريد عبد اللَّه ابن أبيّ-
قال سعد: يا رسول اللَّه، اعف عنه، واصفح، فلقد أعطاك اللَّه ما أعطاك، ولقد اجتمع أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبوه، فلما ردّ ذلك بالحق الذي أعطاك اللَّه شرق بذلك، فذلك الذي فعل به ما رأيت.
الخامس: في اختصاره صلى اللَّه عليه وسلم بعض أسماء أصحابه.
روى البخاري في الأدب عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: يا عائش، هذا جبريل، يقرأ عليك السلام
قالت: وعليه السلام ورحمة اللَّه وبركاته [ (1) ] .
وروى البخاري في الأدب عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال لعثمان- رضي اللَّه تعالى عنه- اكتب يا عثم [ (2) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 1896، وأحمد 6/ 88 والبخاري في الأدب المفرد (827، 1036) .
[ (2) ] أخرجه البخاري في الأدب (828) وانظر المجمع 9/ 86.(9/364)
الباب الرابع في آدابه- صلّى اللَّه عليه وسلم- عند العطاس والبزاق والتثاؤب
روى أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح عن أبي هريرة- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا عطس وضع يده، أو ثوبه على وجهه وخفّض، أو قال: غضّ بها صوته. ورواه ابن سعد بلفظ «إذا عطس غض صوته، وغطّى وجهه» .
وروى الإمام أحمد عن عبد اللَّه بن جعفر- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا عطس حمد اللَّه تعالى، فيقال له: يرحمك اللَّه، فيقول: يهديكم اللَّه ويصلح بالكم.
وروى الترمذي والبخاري في الأدب ومسلم وأبو داود عن سلمة بن الأكوع- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رجلا عطس عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال له: «يرحمك اللَّه» ثم عطس أخرى، فقال له: «يرحمك اللَّه» ثم عطس أخرى، فقال: «الرجل مزكوم»
وعند غير الترمذي أنه قال له «ذلك في الثانية» .
وروى البخاري في الأدب وأبو داود والترمذي والحاكم عن أبي موسى- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: كان اليهود يتعاطسون عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رجاء أن يقول لهم: يرحمكم اللَّه، فكان يقول «يهديكم اللَّه، ويصلح بالكم» .
وروى البخاري في الأدب وأبو نعيم عن الحارث بن عامر السهمي- رضي اللَّه تعالى عنه- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان بمنى أو بعرفات، فذهب يبزق فقام بيده فأخذ بها بزاقه، فمسح بها نعله كراهة أن يصيب أحدا من إخوانه.
وروى بن سعد عن يزيد بن الأصم قال ما رأى النبي صلى اللَّه عليه وسلم متثائبا في صلاة قطّ.
وروى البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «أن اللَّه يحب العطاس، ويكره التثاؤب» ،
الحديث.
وفيه أن التثاؤب إنما هو من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليردّه ما استطاع، فإن أحدكم إذا تثاءب يضحك منه الشّيطان.
وروى مسلم والإمام أحمد والبيهقي وأبو داود عن أبي سعيد- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في التثاؤب: «إذا تثاءب أحدكم، فليضع يده على فمه، فإن الشيطان يدخل» .(9/365)
وروى الحكيم الترمذي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حدّث حديثا، فعطس فهو حقّ» .
تنبيهات
الأول: الظاهر أن اليهود كانوا يحمدون وإلا لما شمّتهم النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: قال النوري: - رحمه الله تعالى- يستحب وضع اليد على الفم إذا حصل التثاؤب في الصلاة، أو خارجها، وإنما يكره للمصلي وضع يده على فمه إذا لم يكن حاجته لها كالتثاؤب ونحوه.
الثالث: قوله «فإن الشيطان يدخل» : قال الحافظ: يحتمل أن يراد به الدخول حقيقة، ويحتمل أن يراد بالدخول: التمكن منه.
الرابع: قال ابن بطال: إضافة التثاؤب إلى الشيطان بمعنى إضافة الرضى والإرادة أي: أن الشيطان يحبّ أن يرى الإنسان متثائبا، لأنها حالة تتغير فيها صورته، فيضحك منه إلا أن المراد أن الشيطان فعل التثاؤب.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: قد بيّنا أن كل فعل مكروه أضافه الشرع إلى الشيطان، لأنه واسطة، وأن كل فعل حسن نسبه الشرع إلى الملك، لأنه واسطة، قال: والتثاؤب من الامتلاء وينشأ عنه التكاسل، وذلك بواسطة الشيطان، والعطاس من تقليل الغذاء وينشأ عنه النّشاط، وذلك بواسطة الملك.
وقال النووي: - رحمه الله تعالى- أضيف التثاؤب إلى الشيطان، لأنه يدعو إلى الشّهوات إذ يكون عن ثقل البدن، واسترخائه وامتلائه، والمراد التحذير من السبب الذي يتولد عنه ذلك، وهو التوسع في المآكل.
قال العلماء: ومعنى «إن الله يحبّ العطاس» أن سببه محمود، وهو خفّة الجسم التي تكون لقلة الأخلاط وتخفيف الغذاء، وهو أمر مندوب إليه، لأنه يضعّف الشّهوة، ويسهّل الطاعة والتثاؤب بضد ذلك، وفي فتاوى شيخنا- رحمه الله تعالى- الجمع بين
قوله صلى الله عليه وسلم «العطاس في الصلاة والنعاس والتثاؤب من الشيطان» كما رواه الترمذي
وحديث
«إن الله يحبّ العطاس في الصلاة» رواه ابن أبي شيبة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- موقوفاً
بسند ضعيف بأن المقام مقامان مقام إطلاق ومقام نسبي، فأما مقام الإطلاق، فإن التثاؤب والعطاس في الصلاة كلاهما من الشيطان، وعليه يحمل حديث الترمذي الأول، وأما المقام النسبي، فإذا وقعا في الصلاة مع كونهما من الشيطان فالعطاس أحبّ إلى الله تعالى من التّثاؤب، والتثاؤب(9/366)
فيها أكره إلى الله تعالى من العطاس فيها، وعلى هذا يحمل أثر ابن أبي شيبة، فهو راجع إلى تفاوت رتب بعض المكروه على بعض، هذا على تقدير ثبوت لفظ في الصلاة في الأثر.
الخامس: قال الحافظ أبو الفضل العراقيّ: أكثر الروايات فيها أن التثاؤب من الشيطان، ووقع في رواية تقيدها بحالة الصلاة فيحتمل أن يحمل المطلق على المقيد في الأمر لا في النهي، ويحتمل أن يكون كراهته في الصلاة أشد، ولا يلزم من ذلك أن لا يكره في غير حالة الصلاة، ويؤكد ذلك كونه من الشيطان، وقد صرح النووي- رحمه الله تعالى- في «التحقيق» بكراهة التثاؤب أيضا في غير الصلاة ويؤيد ذلك لكونه من الشيطان.
السادس: قال القاضي أبو بكر بن العربي: ينبغي كظم التثاؤب في كل حال ما استطاع وإنما خص الصلاة، لأنها أولى الأحوال بدفعه لما فيه من الخروج عن اعتدال الهيئة واعوجاج الخلقة انتهى.
السابع: قال الحافظ أبو الفضل العراقيّ: قد جاء في الأثر نسب الشيطان في التثاؤب للمصلّي.
روى ابن أبي شيبة في المصنف بسند صحيح عن عبد الرحمن بن زيد أحد التابعين عن كعب قال: نبّئت أنّ للشّيطان قارورة يشمها القوم في الصلاة كي يتثاءبوا، وفي رواية قال:
إن للشيطان قارورة فيها تفوح، فإذا قاموا للصلاة تنشقوها، فأمروا عند ذلك بالانتشار.
الثامن: من الخصائص النبوية عدم التثاؤب.
روى البخاري في الأدب وفي التاريخ وابن أبي شيبة في مصنّفه عن يزيد بن الأصم- رضي الله تعالى عنه- قال: «ما تثاءب النبي صلى الله عليه وسلم قطّ» .
وروى الخطّابيّ عن سلمة بن عبد الملك بن مروان وقد أدرك بعض الصحابة، وهو صدوق «ما تثاءب نبيّ قطّ» .
التاسع: في بيان غريب ما سبق.
يكظم: - بفتح الياء التحتية، وكسر الظاء المعجمة- أي: يحبسه ما أمكنه.(9/367)
الباب الخامس في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في الأطفال ومحبته لهم ومداعبته إياهم وسيرته في النساء غير نسائه
وفي أنواع:
الأول: في سيرته صلّى الله عليه وسلم في المولود.
روى الطبراني عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذّن في أذن الحسن والحسين حين ولدا وأمر به.
وروى الطبراني عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: أما حسن وحسين ومحسن، فإنما سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقّ عنهم، وحلق رؤوسهم وتصدّق بوزنها وأمر بهم فسروا وختنوا.
وروى الطبراني والبزار بسند جيد عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر برأس الحسن والحسين يوم سابعة أن يحلق ويتصدق بوزنه فضّة وسبق لهذا مزيد بيان في باب سيرته صلّى الله عليه وسلم في العقيقة.
الثاني: في سيرته صلّى الله عليه وسلم في الأطفال.
روى البخاري في الأدب المفرد عن البراء- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن بن علي على عاتقه وهو يقول: «اللهم، إني أحبه فأحبه» .
وروى أحمد بن منيع برجال ثقات عن الحسن بن علي أو الحسين بن علي قال حدثتنا امرأة من أهلي، قالت: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيا على ظهره يلاعب صبيا على صدره، إذ بال فقامت لتأخذه فقال: دعوه ... الحديث.
وروى ابن أبي شيبة عن أبي ليلى- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى صدره أو بطنه الحسن، والحسين فبال: فرأيت بوله أساريع فقمت إليه فقال: دعوا ابني، فلا تفزعوه.
وعن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
أتقبّلون صبيانكم؟ فقال: فما نقبلهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة» .
وعن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الحسن بن علي- رضي الله تعالى عنه- وعنده الأقرع بن حابس التيمي، فقال الأقرع: إن لي عشرةً من الولد ما قبّلت أحدا منهم فنظر إليه صلى الله عليه وسلم ثم قال: «إن من لا يرحم لا يرحم» .(9/368)
وعنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيديه جميعا بكفّي الحسن والحسين وقدماهما على قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ارق، فرقى الغلام» حتى وضع الغلام قدميه على صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم افتح فاك، ثم قبله ثم قال: «اللهمّ، أحبّه، فإنّي أحبّه» رواه البخاري في الأدب.
وروى الإمام أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة عن محمود بن الربيع- رضي الله تعالى عنه- قال: عقلت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجة مجّها في وجهي من دلو، وفي لفظ: «بئر» في دارنا وأنا ابن خمس سنين.
روى الطبراني عن موسى بن طلحة- رضي الله تعالى عنهما- قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وعلقمة معي، فوجدناه يأكل تمرا في قناع، ومعه ناس من أصحابه فقبض لنا من ذلك قبضة، ومسح على رؤوسنا، وروى الطبراني عن كثير بن العباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمعنا أنا وعبد الله وعبيد الله فيفرّج يديه هكذا يمد باعه ويقول: «من سبق إليّ فله كذا وكذا» .
وروى الإمام أحمد بسند جيد عن عبد الله بن الحارث- رضي الله تعالى عنه- قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف عبد الله وعبيد الله، وكثير بن العباس ثم يقول «من سبق إليّ فله كذا وكذا» فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره، فيقبلهم ويلتزمهم.
وروى البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: ما رأيت حسنا- رضي الله تعالى عنه- إلا فاضت عيناي دموعا، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما فوجدني في المسجد فأخذ بيدي، فانطلقت معه فما كلمني حتى جئنا سوق بني قينقاع فطاف فيه ونظر ثم انصرف وأنا معه حتى جئنا المسجد فجلس فينا، فقال: أين لكاع، ادع لي لكاع فجاء حسن يشتد، فوقع في حجره، ثم أدخل يده في لحيته، ثم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتح فاه فيدخل فاه في فيه ثم قال: «اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبّه» .
وروى البخاري عن أمّ خالد- رضي الله تعالى عنهما- قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي وعليّ قميص أصفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سنه سنه. وهي بالحبشيّة: حسنة حسنة قالت:
فذهبت ألعب بخاتم النّبوّة فزبرني أبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعها. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي»
قال عبد الله: فبقيت حتى ذكر.
وروى البخاري في الأدب عن يعلى بن مرة- رضي الله تعالى عنه- قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعينا إلى طعام فإذا بحسين يلعب في الطريق، فأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام(9/369)
القوم ثم بسط يديه، فجعل يمره مرا هاهنا، مرة هاهنا يضحكه حتى أخذه، فجعل إحدى يديه في ذقنه، والأخرى بين رأسه ثم اعتنقه فقبّله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حسين مني وأنا منه، أحب الله من أحبّ الحسين، والحسن والحسين سبطان من الأسباط» .
وروى الطبراني بسند حسن عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كانت لي ذؤابة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمدّها، ويأخذ منها.
وروى أبو يعلى بسند حسن عن أبي يحيى الكلاعيّ، قال: أتيت المقدام بن معد يكرب في المسجد، فقلت له: يا أبا كريمة، إن الناس يزعمون أنّك لم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
سبحان الله! لقد رأيته وإني لأمشي مع عم لي فأخذ بأذني هذه، وقال لعمي: أترى هذا يذكر أمّه وأباه؟
الحديث.
وروى مسلم عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أنه كان يمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمر بصبيان، فيسلم عليهم.
وروى النّسائيّ عنه أيضاً قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار فيسلم على صبيانهم، ويمسح رؤوسهم، ويدعو لهم.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن الوليد بن عقبة قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جعل أهل مكّة يأتونه بصبيانهم، فيمسح على رؤوسهم، ويدعو لهم.
وروى ابن مردويه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو يخطب النّاس على المنبر، خرج حسين بن علي فوطئ في ثوب كان عليه فسقط، فبكى فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر، فلما رآه الناس سعوا إلى الحسين يتعاطونه بعطيّة بعضهم بعضا، حتى وقع في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «قاتل الله الشّيطان، إن الولد لفتنة، والذي نفسي بيده، ما دريت أنّي نزلت عن منبري» .
وروى ابن المنذر عن يحيى بن أبي كثير مرسلا قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بكاء حسن أو حسين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الولد فتنة، لقد قمت إليه، وما أعقل» .
الثالث: في سيرته صلّى الله عليه وسلم مع النّساء غير زوجاته.
روى الترمذي عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ في المسجد وعصبة من النساء قعود فألوى بيده بالتّسليم، وأشار عبد الحميد بيده.
وروى الحميديّ عنها قالت: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في نسوة، فسلّم علينا.
وروى ابن أبي شيبة ومسلم والبرقاني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن امرأة أتت(9/370)
رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقلها شيء فقالت: إن لي إليك حاجة، فقال: يا أم فلان، انظري أيّ الطريق شئت قومي فيه، حتى أقوم معك فقام معها، فناجاها حتى قضى حاجتها
وروى البخاري عنه أيضا قال: إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة تأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت.
وروى عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين في قضاء الحاجة.
وروى عبد بن حميد عن عدي بن حاتم- رضي الله تعالى عنه- قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد، فقال القوم: هذا عدي بن حاتم، وجب بغير أمان ولا كتاب، فلما دفعت إليه أخذ بيدي، وقد كنت قبل ذلك لا أرجو أن يجعل الله تعالى يده في يدي، قال: فقام إلى بيته فلقيته امرأة وصبيّ معها، فقالا: إن بنا إليك حاجة فقام معها، حتّى قضى حاجتها.
وروى النسائي عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وامرأة بين يديه، فقلت: الطريق للنبي صلى الله عليه وسلم قالت: الطريق معترض إن شاء أخذ يمينا، وإن شاء أخذ شمالا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعها فإنّها جبّارة»
انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم.(9/371)
الباب السادس في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- عند الغضب
وفيه أنواع:
الأول: فيما يقال ويفعل.
روي عن سليمان بن صرد- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد استبّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما يغضب وقد احمرّ وجهه، وانتفخت أوداجه، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم [ (1) ] فقال: «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه، «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» فقام رجل إلى ذلك الرجل، فقال: أتدري ما قال؟ قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقال الرجل: أمجنونا تراني؟.
وعن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «علّموا ويسّروا، علّموا ويسّروا» ، قالها: ثلاثا، وإذا غضبت فاسكت رواهما البخاري في الأدب.
وروى أبو داود وابن حبان عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا غضب أحدكم، وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلّا فليضطجع» .
وروى أبو داود عن ابن المسيب- رحمه الله تعالى- قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، ومع أصحابه، وقع رجل بأبي بكر فأذاه، فصمت عنه أبو بكر.
ثم آذاه الثانية، فصمت عنه أبو بكر، ثم آذاه الثّالثة، فانتصر منه أبو بكر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتصر أبو بكر، فقال أبو بكر: أوجدتّ علي يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نزل ملك من السماء يكذبه بما قال لك، فلما انتصرت وقع الشيطان فلم أكن لأجلس، إذ وقع الشّيطان» .
__________
[ (1) ] سقط فى أ.(9/372)
الباب السابع في شفاعته- صلى الله عليه وسلم- والشفاعة إليه
وفيه أنواع:
الأول: في ردّ بريرة- رضي الله تعالى عنها- بشفاعته وعدم غضبه عليها، وعدم مؤاخذته لها.
الثاني: في أمره بالشفاعة إليه صلى الله عليه وسلم.
روى مسدد عن معاوية- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اشفعوا تؤجروا، فإني لأريد الأمر فأؤخره كيما تشفعوا فتؤجروا» .
الثالث: في شفاعته صلى الله عليه وسلم.
روى الطبراني برجال الصحيح عن ابن كعب بن مالك قال: كان معاذ بن جبل شابا جميلا سمحا من خير شباب قومه لا يسأل شيئاً إلا أعطاه حتى ادّان دينا أغلق ماله قال: فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلّم غرماءه ففعل، فلم يضعوا له شيئا، فلو ترك لأحد بكلام أحد لترك لمعاذ بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبرح حتى باع ماله وقسّمه بين غرمائه، فقام معاذ لا مال له فلمّا حجّ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ليجبر قال وكان أول من بحر في هذا المال معاذ فقدم على أبي من اليمن وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.(9/373)
الباب الثامن في زيارته- صلّى الله عليه وسلم- لأصحابه وإصلاحه بينهم
روى الإمام أحمد وأبو داود عن قيس بن سعد بن عبادة- رضي الله تعالى عنهما- قال:
زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا.... وتقدم بتمامه في أبواب هديه في الاستئذان.
وروى أبو إسحاق وأبو يعلى والطبراني بسند صحيح عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم.
وروى الإمام أحمد وأبو داد وعن جابر- رضي الله تعالى عنه- فقال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرا في منزلنا..... وذكر الحديث.
وروى الإمام أحمد والنسائي عن أبي رافع- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلّى العصر ذهب إلى بني عبد الأشهل فيتحدث عندهم حتّى ينحدر للمغرب.
وروى أبو داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يزور أم سليم فتدركه الصلاة، فيصلي أحيانا على بساط لنا، وهو حصير لنا ننضحه بالماء.
وروى الإمام أحمد والنسائيّ والدّارقطني وأبو داود عن الفضل بن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: زار رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس في بادية له، الحديث.
وروى الإمام أحمد وأبو داود والدّارقطني عن أم ورقة بنت نوفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غزا بدرا قالت: قلت له: يا رسول الله، ائذن لي في الغزو معك أمرّض مرضاكم، لعل الله أن يرزقني شهادة، قال: «قري في بيتك، فإن الله- عز وجلّ- يرزقك الشهادة»
قال: فكانت تسمى الشهيدة، قال: وكانت قد قرأت القرآن، فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في دارها مؤذّنا، فأذن لها، قال: وكانت قد دبرت غلاما لها وجارية، فقاما إليها باللّيل فغماها بقطيفة لها حتّى ماتت وذهبا، فأصبح عمر، فقام في الناس فقال: من كان عنده من هذين علم، أو من رآهما فليجئ بهما، فأمر بهما فصلبا، فكانا أول مصلوب بالمدينة.
وروى ابن أبي شيبة عن أم بشر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها، وهي تطبخ حشيشا، الحديث.
وروى البخاري عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اذهبوا بنا نصلح بينهم»
.(9/374)
الباب التاسع في سؤاله الدعاء من بعض أصحابه وتأمينه على دعاء بعضهم- صلى اللَّه عليه وسلم-
روى الحاكم في المستدرك عن زيد بن ثابت- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: كنت أنا وأبو هريرة وآخر عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: ادعوا فدعوت أنا، وصاحبي وأمّن النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثم دعا أبو هريرة- رضي اللَّه تعالى عنه- فقال: «اللهم، إني أسألك مثل ما سألك صاحبي، وأسألك علما لا ينسى» فأمّن النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقلنا: ونحن كذلك يا رسول اللَّه، قال: سبقكما الغلام الدّوسيّ.
الباب العاشر في تهنئته- صلى اللَّه عليه وسلم-
وفيه أنواع:
الأول: في تمنيه صلى اللَّه عليه وسلم الشهادة.
روى البخاري وغيره عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: «والذي نفسي بيده، لولا أن رجالا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلّفت عن سريّة تغدو في سبيل اللَّه، والذي نفسي بيده لوددتّ أنّي أقتل في سبيل اللَّه ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا، ثمّ أقتل» .
الثاني: في قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت» .
روى البخاري عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي وأهللت مع الناس» .
الثالث: في قوله صلى اللَّه عليه وسلم ذات ليلة ليت رجلا من أصحابي يحرسني اللّيلة
قال: فبينا أنا على ذلك، إذ سمعت صوت السّلاح فقال: من هذا قال: أنا سعد يا رسول اللَّه، جئت أحرسك فنام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتّى سمعنا غطيطه.(9/375)
الباب الحادي عشر في سيرته- صلّى اللَّه عليه وسلم- في العذر والاعتذار
وفيه أنواع:
الأول: في تحذيره صلى اللَّه عليه وسلم من عدم قبول العذر.
روى ابن ماجة عن جوذان قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «من اعتذر إلى أخيه بمعذرة، فلم يقبلها، كان عليه مثل خطيئة صاحب مكس» .
والثاني: في اعتذاره صلى اللَّه عليه وسلم إلى بعض أصحابه- رضي اللَّه تعالى عنهم-.
وروى الشيخان عن جابر- رضي اللَّه تعالى عنه- أنه سلّم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يصلي فلم يرد عليه فلما انصرف، قال: إنّه لم يمنعني أن أرّد عليك إلا أني كنت أصلّي.
الثالث: في قبوله صلى اللَّه عليه وسلم عذر من اعتذر إليه.
[روى مسلم عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك، أن عبد اللَّه بن كعب كان قائد كعب، من بنيه، حين عمي. قال: سمعت بن مالك يحدّث حديثه حين تخلّف عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في غزوة تبوك. قال كعب بن مالك: لم أتخلف عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في غزوة غزاها قطّ. إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر. ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه. إنّما خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش. حتّى جمع اللَّه بينهم وبين عدوّهم، على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليلة العقبة. حين تواثقنا على الإسلام. وما أحبّ أنّ لي بها مشهد بدر. وإن كانت بدر أذكر في النّاس منها. وكان من خبري، حين تخلّفت عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، في غزوة تبوك، أني لم أكن قطّ أقوى ولا أيسر مني حين تخلّفت عنه في تلك الغزوة. واللَّه! ما جمعت قبلها راحلتين قطّ. حتّى جمعتهما في تلك الغزوة. فغزاها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حر شديد. واستقبل سفرا بعيدا ومفازا. واستقبل عدوّا كثيرا. فجلا للمسلمين أمرهم ليتأهّبوا أهبة غزوهم. فأخبرهم بوجههم الذي يريد. والمسلمون مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كثير. ولا يجمعهم كتاب حافظ، يريد بذلك الدّيوان. قال كعب: فقلّ رجل يريد أن يتغيّب، يظنّ أنّ ذلك سيخفى له، ما لم ينزل فيه وحي من اللَّه عز وجلّ. وغزا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثّمار والظّلال. فأنا إليها أصعر. فتجهّز رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والمسلمون معه. وطفقت أغدو لكي أتجهّز معهم. فأرجع ولم أقض شيئا.
وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك، إذا أردت. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى استمرّ بالنّاس الجدّ. فأصبح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غاديا والمسلمون معه. ولم أقض من جهازي شيئا. ثمّ غدوت(9/376)
فرجعت ولم أقض شيئا. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى أسرعوا وتفارط الغزو. فهممت أن أرتحل فأدركهم. فيا ليتني فعلت. ثمّ لم يقدّر ذلك لي. فطفقت، إذا خرجت في النّاس، بعد خروج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، يحزنني أنّي لا أرى لي أسوة. إلّا رجلا مغموصا عليه في النّفاق. أو رجلا ممّن عذر اللَّه من الضعفاء.
ولم يذكرني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتّى بلغ تبوكا فقال وهو جالس في القوم بتبوك: «ما فعل كعب بن مالك؟» قال رجل من بني سلمة: يا رسول اللَّه! حبسه برداه والنّظر في عطفيه. فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت. واللَّه! يا رسول اللَّه! ما علمنا عليه إلّا خيرا. فسكت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فبينما هو على ذلك رأى رجلا مبيّضا يزول به السّراب فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «كن أبا خيثمة» فإذا هو أبو خيثمة الأنصاريّ.
وهو الذي تصدّق بصاع التّمر حين لمزه المنافقون.
فقال كعب بن مالك: فلمّا بلغني أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد توجّه قافلا من تبوك، حضرني بثّي. فطفقت أتذكّر الكذب وأقول: بم أخرج من سخطه غدا؟ وأستعين على ذلك كل ذي رأي من أهلي. فلمّا قيل لي: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد أظلّ قادما، زاح عنّي الباطل. حتّى عرفت أنّي لن أنجو منه بشيء أبدا. فأجمعت صدقه. وصبّح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قادما. وكان إذا قدم من سفر، بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثمّ جلس للنّاس. فلمّا فعل ذلك جاءه المخلّفون.
فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له. وكانوا بضعة وثمانين رجلا. فقبل منهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم علانيتهم. وبايعهم واستغفر لهم. ووكل سرائرهم إلى اللَّه. حتى جئت.
فلمّا سلّمت، تبسّم تبسّم المغضب ثمّ قال «تعال» فجئت أمشي حتى جلست بين يديه. فقال لي «ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟» قال قلت: يا رسول اللَّه! إني، واللَّه! لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أنّي سأخرج من سخطه بعذر. ولقد أعطيت جدلا. ولكنيّ، واللَّه! لقد علمت، لئن حدّثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنّي، ليوشكنّ اللَّه أن يسخطك عليّ. ولئن حدّثتك حديث صدق تجد عليّ فيه، إنّي لأرجو فيه عقبى اللَّه. واللَّه! ما كان لي عذر. واللَّه! ما كنت قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنك. قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «أمّا هذا، فقد صدق. فقم حتى يقضي اللَّه فيك» فقمت.
وثار رجال من بني سلمة فاتّبعوني. فقالوا لي: واللَّه! ما علمناك أذنبت ذنبا قبل هذا. لقد عجزت في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، بما اعتذر به إليه المخلّفون. فقد كان كافيك ذنبك، استغفار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لك.
قال: فو اللَّه! ما زالوا يؤنّبونني حتّى أردت أن أرجع إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فأكذّب نفسي.
قال ثمّ قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد؟ قالوا: نعم. لقيه معك رجلان. قالا مثل ما قلت.
فقيل لهما مثل ما قيل لك. قال قلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن ربيعة العامري، وهلال بن أميّة(9/377)
الواقفيّ. قال فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا، فيهما أسوة. قال فمضيت حين ذكروهما لي.
قال ونهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المسلمين عن كلامنا، أيّها الثّلاثة، من بين من تخلّف عنه.
قال، فاجتنبنا النّاس. وقال، تغيّروا لنا حتّى تنكّرت لي في نفسي الأرض. فما هي بالأرض التي أعرف. فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأمّا صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان. وأمّا أنا فكنت أشبّ القوم وأجلدهم. فكنت أخرج فأشهد الصّلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلّمني أحد. وأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأسلّم عليه، وهو في مجلسه بعد الصّلاة. فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه بردّ السّلام، أم لا؟ ثم أصلّي قريبا منه وأسارقه النّظر. فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليّ. وإذا التفتّ نحوه أعرض عنّي حتى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين، مشيت حتّى تسوّرت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمّي، وأحبّ النّاس إليّ. فسلّمت عليه.
فو اللَّه! ما ردّ عليّ السّلام. فقلت له: يا أبا قتادة! أنشدك باللَّه! هل تعلمنّ أنّي أحبّ اللَّه ورسوله؟
قال فسكت. فعدت فناشدته. فسكت فعدت فناشدته. فقال: اللَّه ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتولّيت، حتى تسوّرت الجدار.
فبينا أنا أمشي في سوق المدينة، إذا نبطيّ من نبط أهل الشّام، ممّن قدم بالطّعام يبيعه بالمدينة. يقول: من يدل على كعب بن مالك. قال فطفق النّاس يشيرون له إليّ. حتّى جاءني فدفع إليّ كتابا من ملك غسّان. وكنت كاتبا. فقرأته فإذا فيه: أمّا بعد. فإنّه قد بلغنا إن صاحبك قد جفاك. ولم يجعلك اللَّه بدار هوان ولا مضيعة. فالحق بنا نواسك. قال فقلت، حين قرأتها:
وهذه أيضا من البلاء. فتياممت بها التّنور فسجرتها بها. حتى إذا مضت أربعون من الخمسين، واستلبث الوحي، إذا رسول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأتيني فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك. قال فقلت: أطلّقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا. بل اعتزلها. فلا تقربنّها. قال فأرسل إلى صاحبيّ بمثل ذلك. قال فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي اللَّه في هذا الأمر. قال
فجاءت امرأة هلال بن أميّة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فقالت له: يا رسول اللَّه! إنّ هلال بن أميّة شيخ ضائع ليس له خادم. فهل تكره أن أخدمه؟ قال «لا. ولكن لا يقربنّك»
فقالت: إنّه، واللَّه! ما به حركة إلى شيء. وو اللَّه! ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان. إلى يومه هذا.
قال فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في امرأتك؟ فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه. قال فقلت: لا أستأذن فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وما يدريني ماذا يقول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شاب. قال فلبثت بذلك عشر ليال. فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهي عن كلامنا. قال ثمّ صلّيت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة، على(9/378)
ظهر بيت من بيوتنا. فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر اللَّه عز وجل منّا. قد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على سلع يقول، بأعلى صوته: يا كعب بن مالك! أبشر. قال فخررت ساجدا. وعرفت أن قد جاء فرج.
قال فآذن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم النّاس بتوبة اللَّه علينا، حين صلّى صلاة الفجر، فذهب النّاس يبشّروننا. فذهب قبل صاحبيّ مبشّرون. وركض رجل إليّ فرسا. وسعى ساع من أسلم قبلي.
وأوفى الجبل. فكان الصّوت أسرع من الفرس. فلمّا جاءني الّذي سمعت صوته يبشّرني.
فنزعت له ثوبيّ فكسوتهما إيّاه ببشارته. واللَّه! ما أملك غيرهما يومئذ،. واستعرت ثوبين فلبستهما. فانطلقت أتأمّم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتلقّاني النّاس فوجا فوجا، يهنّئوني بالتّوبة ويقولون:
لتهنئك توبة اللَّه عليك. حتّى دخلت المسجد، فإذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جالس في المسجد، وحوله النّاس. فقام طلحة بن عبيد اللَّه يهرول حتّى صافحني وهنّأني. واللَّه! ما قام رجل من المهاجرين غيره.
قال فكان كعب لا ينساها لطلحة.
قال كعب: فلمّا سلّمت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال، وهو يبرق وجهه من السّرور ويقول:
«أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» قال فقلت: أمن عندك؟ يا رسول اللَّه! أم من عند اللَّه؟ فقال: «لا. بل من عند اللَّه»
وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا سرّ استنار وجهه. كأنّ وجهه قطعة قمر. قال وكنّا نعرف ذلك.
قال فلمّا جلست بين يديه قلت: يا رسول اللَّه! إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى اللَّه وإلى رسوله صلى اللَّه عليه وسلم. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «أمسك بعض مالك. فهو خير لك» قال فقلت: فإنّي أمسك سهمي الذي بخيبر.
قال وقلت: يا رسول اللَّه! إنّ اللَّه إنّما أنجاني بالصّدق وإنّ من توبتي أن لا أحدّث إلّا صدقا ما بقيت. قال فو اللَّه! ما علمت أنّ أحدا من المسلمين أبلاه اللَّه في صدق الحديث، منذ ذكرت ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى يومي هذا، أحسن ممّا أبلاني اللَّه به. واللَّه! ما تعمّدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، إلى يومي هذا. وإني لأرجو أن يحفظني اللَّه فيما بقي.
قال: فأنزل اللَّه عز وجلّ لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ، إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ [التوبة/ 117 و 118] حتّى بلغ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة/ 119] .(9/379)
قال كعب: واللَّه! ما أنعم اللَّه على من نعمة قطّ، بعد إذ هداني اللَّه للإسلام، أعظم في نفسي، من صدقي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا. إنّ اللَّه قال للّذين كذبوا، حين أنزل الوحي، شرّ ما قال لأحد. وقال اللَّه: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ، فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ، إِنَّهُمْ رِجْسٌ، وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ، فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ [التوبة/ 95 و 96] .
قال كعب: كنّا خلّفنا، أيّها الثّلاثة، عن أمر أولئك الّذين قبل منهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين حلفوا له. فبايعهم واستغفر لهم. وأرجأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمرنا حتّى قضى اللَّه فيه. فبذلك قال اللَّه عز وجلّ: وعلى الثّلاثة الذين خلّفوا. وليس الذي ذكر اللَّه ممّا خلّفنا، تخلّفنا عن الغزو.
وإنّما هو تخليفه إيّانا، وإرجاؤه أمرنا، عمّن حلف له واعتذر إليه فقبل منه.(9/380)
الباب الثاني عشر في صفة دخوله بيته وخروجه منه ومخالطته الناس وحديث أصحابه بين يديه واستماعه لهم وحديثه معهم وسمره- صلى اللَّه عليه وسلم-
وفيه أنواع:
الأول: في سيرته صلّى اللَّه عليه وسلم وسلم- في دخوله بيته وخروجه منه.
روى الترمذي والبيهقي عن الحسن بن علي- رضي اللَّه تعالى عنهما- قال: سألت أبي عن مدخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: كان مدخله لنفسه مأذونا له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء، جزءا للَّه تعالى، وجزءا لأهله، وجزءا لنفسه ثم جزّأ جزأه بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامّة والخاصّة، ولا يدّخر عنهم شيئا، وكان من سيرته صلّى اللَّه عليه وسلم في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسمه على قدر فضلهم في الدين فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم، ويشغلهم فيما يصلحهم والأمة من مساءلتهم عنه وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول: ليبلّغ الشّاهد منكم الغائب وبلّغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي عن حاجته وفي لفظ «إبلاغها» «فإن من بلّغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبّت اللَّه تعالى قدميه يوم القيامة» لا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون عليه روّادا ولا يتفرقون إلا عن ذواق، ويخرجون أدلة يعني على الخير وفي لفظ يعني فقها.
وقوله: «فيرد ذلك على العامة والخاصة أراد أن العامة كانت لا تصل إليه في هذا الوقت، وكانت الخاصة غير العامة بما سمعت منه فكأنه أوصل الفوائد إلى العامّة بالخاصّة.
وقيل: إن الباء في «بالخاصّة» بمعنى من أي: فجعل وقت الخاصة بعد وقت العامة، وبدلا منهم.
والروّاد: جمع رائد، وهو الذي يتقدم القوم يكشف لهم حال الماء والمرعى قبل وصولهم له.
ويخرجون أدلة أي: يدلون الناس بما قد علموه منه وعرفوه، يريد أنهم يخرجون من عنده فقهاء.
ومن قال: «أذلّة» بذال معجمة جمع ذليل أي: يخرجون من عنده متواضعين.
وقوله: «ولا يتفرّقون من عنده إلا عن ذواق» ضرب الذّواق مثالا لما ينالون عنده من(9/381)
الخير أي لا يتفرقون إلا عن علم يتعلّمونه يقوم لهم مقام الطّعام والشّراب، لأنّه يحفظ الأرواح كما يحفظ الأجسام.
وروى الطبراني عن زيد بن عبد اللَّه بن خصيفة عن أبيه عن جده- رضي اللَّه تعالى عنه- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا خرج من بيته قال: «بسم اللَّه ولا حول ولا قوة إلا باللَّه ما شاء اللَّه توكّلت على اللَّه، حسبي اللَّه ونعم الوكيل» .
روى الطبراني عن ميمونة- رضي اللَّه تعالى عنها- قالت: ما خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من بيتي قطّ إلا رفع طرفه إلى السماء، فقال: «اللهم إني أعوذ بك من أن أضلّ أو أضلّ أو أزلّ أو أزلّ أو أجهل أو يجهل عليّ أو أظلم أو أظلم» .
وروى الشيخان عن أنس- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رجلا اطّلع في بعض حجر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقام إليه بمشقص أو بمشاقص، وجعل يختله ليطعنه.
وروي عن سهل بن سعد الساعدي- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رجلا اطّلع في حجر في باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مدرى يحكّ به رأسه- فلما رآه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: لو أعلم أنّك تنتظرني لطعنت به في عينيك قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إنّما جعل الإذن من قبل البصر» .
الثاني: في مخاطبته صلى اللَّه عليه وسلم للناس.
وروى أبو داود وأبو الشيخ عن ابن مسعود- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «لا يبلّغني أحد عن أحد من أصحابي شيئا، فإنّي أحبّ أن أخرج إليهم، وأنا سليم الصّدر» . ورواه التّرمذيّ وزاد «قال عبد اللَّه: فأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمال فقسّمه النبي صلى اللَّه عليه وسلم فانتهيت إلى رجلين جالسين وهما يقولان: ما أراد محمد بالقسمة التي قسمها، وجه اللَّه تعالى، ولا الدّار الآخرة فتثبّت حين سمعتها فأتيته فأخبرته فقال: «دعني عنك فقد أوذى موسى بأكثر من ذلك فصبر» .
وروى البيهقي عن علي- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أجود الناس كفا وأصدقهم لهجة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبّه يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلى اللَّه عليه وسلم.
وروى الترمذي عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يخزن لسانه إلّا فيما يعنيه دائم البشر، سهل الخلق، ليّن الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخّاب، ولا فحّاش، ولا عيّاب ولا مشاحّ، يتغافل عمّا لا يشتهي، ولا يؤيس منه راجيه، ولا يخيب فيه قد ترك نفسه من ثلاث:
المراء، والإكثار، وما لا يعنيه.(9/382)
وترك النّاس من ثلاث: كان لا يذمّ أحدا ولا يعيره ولا يعيبه، ولا يطلب عورته، ولا يتكلّم إلّا فيما رجا ثوابه، إذا تكلّم أطرق جلساؤه، وكأنما على رؤوسهم الطّير، فإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده الحديث، ومن تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، يضحك ممّا يضحكون منه، ويتعجّب مما يتعجّبون منه.
ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم ويقول: «إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فأرفدوه ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتّى يجوز فيه فيقطعه بنهي أو قيام» ويؤلّفهم ولا ينفرهم ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ويحذّر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه، ويتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسّن الحسن ويقويه، ويقبّح القبيح ويوهيه معتدل الأمر غير مختلف، ولا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمهم نصيحة وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة لا يقوم من مجلسه إلّا على ذكر، وإذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك ولا يوطّن المواطن وينهى عن إيطانها، يعطي كلّ جلسائه بنصيبه ولا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، ومن سأله حاجة لم يردّه إلّا بها، أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس علم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تنثى فلتاته متعادلين، يتفاضلون فيه بالتّقوى، متواضعين يوقرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصغير ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب» .
وروى الإمام أحمد وابن سعد عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طويل الصّمت، وكان أصحابه يتناشدون الأشعار في المسجد وأشياء من أمور الجاهلية فيضحكون ويتبسم.
وروى ابن سعد والترمذي في الشمائل عن زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكرنا الدّنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا.
وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجال من قريش، فذكروا النّساء فتحدثوا فيهن، فتحدث معهم حتى أحببت أن يسكت.
وروى الخرائطي عن أبي حازم وحفص بن عبد الله بن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحدث أصحابه عن أمر الآخرة، فإذا رآهم قد كسلوا عرف ذلك فيهم(9/383)
حدّثهم في بعض أحاديث الدّنيا، حتى إذا نشطوا أقبل يحدثهم في حديث الآخرة.
شرح غريب ما سبق.
البشر: بكسر الباء الموحدة طلاقة الوجه وبشاشته.
الصخاب: من الصخب وهو الضجة، واختلاط الأصوات للخصام.
الفحاش والعياب: فعال من الفحش في القول وعيب الناس والوقيعة فيهم.
تؤبن: بضم المثناة الفوقية وبهمزة ساكنة وموحدة ونون أي لا يقذف، ولا يرمي بعيب.
الحرم: جمع حرمة وهي المرأة.
لا تنثى فلتاته: بضم المثناة الفوقية ونون فمثلثة أي لا يتحدث بهفوة أو نزلة كانت في مجلسه من بعض القوم، يقال: نثوت الحديث أنثوه نثوا إذا ادعيته والفلتات جمع فلتة، وهو ها هنا السقطة والزلة.
وقوله: كأنما على رؤسهم الطير يريد أنهم يسكنون ولا يتحركون ويغضّون أبصارهم، والطير لا تسقط إلا على ساكن.
وقوله: «لا يقبل الثناء إلا من مكافئ» إلى آخره يريد أنه إذا ابتدأ بثناء ومدح عرف ذلك إذا اصطنع معروفا فاثنى عليه مثن، وشكر له قبل ثناء وأنكر ابن الأعرابي هذا التأويل، وقال:
المعنى لا يقبل الثناء عليه ممن يعرف حقيقة إسلامه، ويكون من المنافقين الذين يقولون بأفواههم، ما ليس في قلوبهم.
وقال الأزهري: معناه لا يقبل إلا من مقارب غير مجاوز حد مثله، ولا يقتصر عما دفعه الله تعالى إليه.
والمكافأة: المجاوزة على الشيء.
وروى ابن ماجه عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، كيف أصبحت؟ قال: «بخير من رجل لم يصبح صائما، ولم يعد سقيما» .
الثالث: في حديث أصحابه بين يديه واستماعه لهم صلى الله عليه وسلم.
روى ابن أبي شيبة وأبو الحسن بن الضحاك عن سماك بن حرب- رحمه اللَّه تعالى- قال قلت: لجابر بن سمرة أكنت تجالس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: نعم كثيرا: كان يطيل الصّمت، وكان يصلي الصبح، فيجلس ونجلس معه، فيتذاكرون الشّعر وأمر الجاهليّة فيضحكون، ويتبسم الرسول صلى اللَّه عليه وسلم ورواه الإمام احمد وابن سعد عن جابر.
وروى الحارث بن أبي أسامة وأبو الحسن بن الضحاك عن خارجة بن زيد بن ثابت- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: دخل نفر على أبي زيد بن ثابت، فقالوا: حدّثنا عن بعض أخلاق(9/384)
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: كنت جاره، وكان إذا نزل عليه الوحي بعث إليّ فأكتب الوحي، وكنّا إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا فكل هذا أحدثكم عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ورواه ابن سعد والترمذي عن زيد مختصرا.
وروى الإمام أحمد عن عمران بن حصين والبزّار عن ابن عمر- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحدّثنا ليلة عامّة عن بني إسرائيل حتى يصبح، لا يقوم فيها إلا لعظم صلاة.
وروى أبو بكر بن أبي خيثمة عن عثمان بن عبد اللَّه بن أوس عن جده أنه كان في الوفد الذين قدموا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من بني مالك فأنزلهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في قبة له بين المسجد وأهله، فكان يختلف إليهم فيحدثهم، بعد العشاء الآخرة.
وروى أبو داود الطيالسي عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأتينا فيحدّثنا بعد عشاء الآخرة، فاحتبس عنّا ليلة عن الوقت الذي كان، يأتينا فيه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إنه طرأ عليّ حزبي من القرآن، فأحببت أن لا أخرج حتّى أقرأه» ، أو قال أقضيه ...
الحديث.
وروى أبو سعيد بن الأعرابي عن عبد اللَّه بن عمرو- رضي اللَّه تعالى عنهما- قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كثيرا ما يحدثنا هذا الحديث، عن امرأة كانت ترضع صبيا لها على سفح جبل، فقال: يا أمّه من خلقك؟ قالت: اللَّه؟ قال: فمن خلق أبي؟ قالت: اللَّه قال: فمن خلق السّماء؟ قالت: اللَّه، قال: فمن خلق الأرض؟ قالت: اللَّه، قال: فمن خلق الجبل؟ قالت: اللَّه، قال: فمن خلق البقر؟ قالت: اللَّه، قال: فمن خلق الغنم؟ قالت: اللَّه، قال الطفل: إنّي لا أسمع للَّه شأنا فألقى نفسه من الجبل فتقطع انتهى.(9/385)
الباب الثالث عشر في وفائه بالعهد والوعد- صلى اللَّه عليه وسلم-
روى البخاري عن أبي سفيان بن حرب- رضي اللَّه تعالى عنه- أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش ... الحديث، وفيه: وسألتك: هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرّسل لا تغدر.
وروى ابن أبي خيثمة وأبو داود والخرائطيّ عن عبد اللَّه بن أبي الحسماء- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: بايعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ببيع قبل أن يبعث، وبقيت له بقية فوعدتّه أن آتيه بها في مكانه، فنسيت، ثم ذكرت بعد ثلاث، فجئت فإذا هو في مكانه فقال: يا أخي وفي لفظ يا فتى «لقد شفقت عليّ أنا ها هنا من منذ ثلاث أنتظرك» .
وروى ابن العربي والحاكم، وقال على شرطهما وأقرّه الذهبي عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- قالت: جاءت عجوز إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو عندي، فقال لها: من أنت؟ فقالت: أنا جثامة المزنيّة، قال: «بل أنت حسّانة المزنية كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟» قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه، فلما خرجت، قلت: يا رسول اللَّه، تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ فقال: «إنّها كانت تأتينا زمن خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان» .
وروى الشيخان والترمذي عنها قالت: ما غرت على أحد من أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلم ما غرت على خديجة، وما رأيتها ولقد هلكت قبل أن يتزوجني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بثلاث سنين لما كنت أسمعه يذكرها، وفي لفظ «وما بي أن أكون أدركتها، وما ذاك إلا لكثرة ذكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لها» وقد أمره ربه- تبارك وتعالى- أن يبشرها ببيت في الجنّة من قصب وإن كان ليذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائلها، وفي لفظ: «في صدائقها» ، وفي لفظ: «فيتبع بها صدائق خديجة فيهديها لهنّ» فربما قلت: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة فيقول:
إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد فأغضبته يوما فقلت: «لقد أبلغك اللَّه» وفي لفظ «لقد أعقبك اللَّه من عجوز من عجائز قريش حمراء الشّدقين هلكت في الدهر الأول، قالت: فتغيّر وجهه ما كنت أراه إلا عند نزول الوحي وإذا رأى مخيلة الرعد حين ينظر أرحمة هي أم عذاب؟ وفي لفظ: «كأن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا ذكر خديجة أحسن الثّناء عليها فقلت: ما تريحني منها، وقد أبد لك اللَّه خيرا منها، قال صلى اللَّه عليه وسلم: «ما أبدلني اللَّه خيرا منها آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذّبني النّاس، وواستني بما لها إذ حرمني الناس، ورزقني منها اللَّه الولد، إذ لم يكن لي من غيرها» .(9/386)
وروى الحاكم وصححه عن أنس- رضي اللَّه تعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أتى بشيء يقول: «اذهبوا به إلى فلانة، فإنها كانت صديقة خديجة اذهبوا به إلى فلانة فإنها كانت تحب خديجة» .
«وروى البخاري عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- أنها قالت: استأذنت هالة بنت خويلد» [ (1) ]- أخت خديجة- على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فعرف النبي صلى اللَّه عليه وسلم استئذان خديجة، فارتاع لذلك، وفي لفظ «فارتاح لذلك» فقال: اللهمّ، هالة بنت خويلد
قالت: فغرت فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر، قد أبدلك اللَّه خيرا منها.
__________
[ (1) ] سقط فى أ.(9/387)
الباب الرابع عشر في إكرامه- صلى اللَّه عليه وسلم- من يستحق إكرامه وتألّفه أهل الشّرف
روى الإمام أحمد برجال الصحيح عن حميد بن هلال، قال: كان رجل من الطفاوة طريقه علينا يأتي على الحي، فحدثهم قال: أتيت المدينة مع عير لنا، فبعنا بضاعتنا، ثم قلت:
لأنطلق إلى هذا الرجل فلآتينّ من بعدي بخبره فانتهيت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فإذا هو يريني بيتا قال: أن امرأة كانت فيه فخرجت في سرية من المسلمين، وتركت اثنتي عشرة عنزا لها وصيصتها كانت تنسج بها، قال: ففقدت عنزا من غنمها وصيصتها، فقالت: يا رب، إنك قد ضمنت لمن خرج في سبيلك أن تحفظ عليه، وإني قد فقدت عنزا من غنمي وصيصتي، وإنّي أنشدك عنزي وصيصتي، قال: فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يذكر شدة منا شدتها لربها- تبارك وتعالى- قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: فأصبحت عنزها ومثلها وصيصيتها ومثلها وهاتيك فائتها فاسألها إن شئت قال: قلت: بل أصدّقك.
وروى أبو الحسن بن الضحاك وأبو الشيخ والخرائطي عن جرير بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: لما بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أتيت لأبايعه، قال: ما جاء بك يا جرير، قلت:
لأسلم على يديك، قال: فألقى إليّ كساء، ثم أقبل على أصحابه فقال: «إن أتاكم كريم قوم فأكرموه» ورواه أبو الشيخ والخرائطي عنه، قال: دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعض بيوته فامتلأ البيت فقعد جرير خارج البيت، فأبصره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخذ ثوبه ورمى به إليه، وقال: اجلس على هذا فأخذه جرير فوضعه على وجهه وقبّله.
وروى ابن سعد عن أشياخ من طيء قالوا: أن عدي بن حاتم قدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فسلّم عليه، وهو في المسجد، فقال: من الرّجل؟ قال عدي بن حاتم: فانطلق به إلى بيته وألقى إليه وسادة محشوّة بليف، وقال: «اجلس عليها» فجلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على الأرض، وعرض عليه الإسلام، فأسلم عديّ، واستعمله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على صدقات قومه.
وروى الترمذي عن عكرمة بن أبي جهل- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يوم جئته «مرحبا بالرّاكب المهاجر»
وذكر الرشاطي إن أبرهة بن شرحبيل بن أبرهة بن الصباح الأصبحي الحميري، وفد على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ففرش له رداءه، وكان يعد من الحكماء.(9/388)
وروى الإمام أحمد والترمذي وابن جرير في التهذيب وأبو يعلى وابن منده وابن عساكر عن صفوان بن أمية، قال: لقد أعطاني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم حنين وإنه لمن أبغض النّاس إليّ، فما زال يعطيني حتى إنّه لأحبّ الناس إليّ قال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي في التحقيق:
أعلم أن من المؤلفة قلوبهم ما تألفوا في بدء إسلامهم ثم تمكن الإسلام من قلوبهم، فخرجوا بذلك عن حدّ المؤلّفة، وإنما ذكرهم العلماء في المؤلفة باعتبار ابتداء أحوالهم، وفيهم من لم يعلم منه حسن إسلامه والظاهر بقاؤه على حال الناس، ولا يمكننا أن نفرق بين من حسن إسلامه وبين من لم يحسن إسلامه، لجواز أن يكون من ظننّا به الشّرّ على خلاف ذلك، وأن الإنسان قد يتغيّر حاله، ولا ينقل إلينا أمره فالواجب أن نظن بكل من سمعنا عنه الإسلام خيرا، ومما يقوي ما ذكرت ما رواه الإمام أحمد عن أنس- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: كان الرجل يأتي النبي صلى اللَّه عليه وسلم فيسلم لشيء يعطاه من الدنيا، فلا يمشي حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما فيها، قال: وأسماء من بلغنا منهم.
الأقرع بن حابس التميمي.
والمجاشعي جبير بن مطعم بن عدي.
المجد بن قيس السهمي والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي.
وحويطب بن عبد العزى.
حكيم بن حزام بن خويلد.
حكيم بن طليق بن سفيان.
خالد بن قيس السّهمي.
سعيد بن يربوع بن عنكشة.
سهيل بن عمرو وأبو سفيان العباس بن مرداس السلمي.
عبد الرحمن بن يربوع من بني مالك.
علقمة بن علاثة.
عمير بن وهبة الجمحي.
عمرو بن مرداس السلمي.
عمرو بن بعكك أبو السنابل، ويقال اسمه: لبيد.
عيينة بن حصن الفزاري.
قيس بن عدي السهمي.(9/389)
قيس بن مخرمة.
مالك بن عوف البصريّ.
مخرمة بن نوفل الزّهريّ.
معاوية بن أبي سفيان.
وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب واسمه المغيرة والنضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة.
هشام بن عمرو بن ربيعة بن الحرث بن حنيف بن جذيمة بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي.(9/390)
الباب الخامس عشر في ربطه- صلى اللَّه عليه وسلم- الخيط في خاتمه وأصبعه إذا أراد أن يتذكر حاجة أن صح الخبر
وروى ابن سعد وابن أبي أسامة وأبو سعيد بن الأعرابي وابن عدي وأبو يعلى من طريق عقبة بن عبد الرحمن وابن عمر والطبراني عن رافع بن خديج وابن عدي عن واثلة بن الأسقع وأبو سعيد بن الأعرابي وابن عدي عن علي- رضي اللَّه تعالى عنه- قالوا: «كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أشفق من الحاجة أن ينساها ربط في خنصره أو في خاتمه خيطا
وسندها ضعيف كما اقتصر عليه الحافظ في تخريج أحاديث الإحياء ففي سند حديث ابن عمر، وفي سند حديث واثلة بن الأسقع، وفي سند حديث رافع غياث بن إبراهيم وهو ضعيف جدا.(9/391)
الباب السادس عشر في احتياطه- صلى اللَّه عليه وسلم- في نفيّ التهمة عنه
روى الإمام أحمد عن حبة وسواء خالد ابني الخزاعي- رضي اللَّه تعالى عنهما- قال: أتينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يعمل عملا أو يبني بناء، فأعناه فلما فرغ دعا بنا، وقال: «لا تيأسا من الخير ما تهززت رؤوسكم إنّ الإنسان ولدته أمه أحمر ليس عليه قشر، ثمّ يرزقه اللَّه عز وجل» .
وروى الشيخان عن صفية بنت حيي قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم معتكفا فأتيت أزوره ليلا فحدّثته، ثم قمت فانقلبت، فقام معي يقبّلني، وكان مسكنها في دار أم أسامة بن زيد فمرّ رجلان من الأنصار، فلما رأيا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أسرعا فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «على رسلكما، إنها لصفية بنت حييّ» ، فقالا: سبحان اللَّه! يا رسول اللَّه وكبر عليهما فقال: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدّم، وإنّي خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا أو شيئا» .
وروى الإمام أحمد ومسلم والبخاري في الأدب وأبو الحسن بن الضحاك عن أنس- رضي اللَّه تعالى عنه- قال: بينما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مع امرأة من نسائه إذ مر به رجل فدعاه النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: «يا فلان هذه زوجتي فلانة» قال: من كنت أظنّ به، فلم أظنّ بك قال: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدّم» .
وروى البخاري عن عائشة- رضي اللَّه تعالى عنها- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية بقول اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا النَّبي إِذَا جَاءك الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ إلى قوله غَفُورٌ رَحِيمٌ [الممتحنة/ 12] فمن أقرت بهذا الشرط من المؤمنات [قال لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «قد بايعتك كلاما ولا واللَّه ما مست يده امرأة قطّ في المبايعة ما بايعهن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك» ] .
وروى أبو الحسن بن الضحاك بسند ضعيف عن الشّعبي مرسلاً- رحمه اللَّه تعالى- قال: وفد عبد قيس على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وفيهم غلام أمرد ظاهر الوضاءة، فأجلسه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وراء ظهره.(9/392)
الباب السابع عشر في خروجه- صلى الله عليه وسلم- لبساتين بعض أصحابه ومحبته لرؤية الخضرة وإعجابه
روى ابن السّنيّ وابن عدي وأبو نعيم عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال:
كان أحب الألوان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخضرة، والماء الجاري، والوجه الحسن.
وروى ابن السني وأبو نعيم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان أحبّ الألوان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخضرة، وكان يعجبه النظر إلى الخضرة، والماء الجاري والوجه الحسن.
وروى أبو نعيم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه النّظر إلى الخضرة.
وروى الطبراني وابن السني وأبو نعيم عن كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: يا خضرة فقال: لبيك أخذنا فألنا من فيك.
وروى أبو داود الطيالسي والترمذي عن معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه، وفي لفظ «يستحب» الصلاة في الحيطان قال أبو داود: يعني:
البساتين.
وروى البخاري في الأدب عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: سألت عائشة- رضي الله تعالى عنها- عن البدو قلت: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو؟ قالت: نعم، كان يبدو إلى هؤلاء التلاع.
وروى الإمام مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء ماشيا وراكبا.
قال أبو عمر- رحمه الله في التمهيد: قيل: كان يأتي يتفرج في حيطانها، ويستريح عندهم.
لطيفة: قال بعض العلماء: - رحمهم الله تعالى-: إنّ الطبيعة لتمل الشّيء الواحد إذا دام عليها، ولذلك اتّخذت ألوان الأطعمة وأصناف الشّراب وأنواع الطيب وأطلق التزويج بأربع نسوة ورسم البيت ويتحول من مكان إلى مكان، والاستكثار من الإخوان والتفنن في الأدب والجمع بين الجدّ والهزل والزهد واللهو، وقيل: لأبي سليمان الدّارنيّ- رحمه الله-: ما بالكم يعجبكم الخضرة؟ فقال: لأن القلوب إذا غاصت في بحار الفكرة غشيت الأبصار فإذا نظرت(9/393)
إلى الخضرة عاد إليها نسيم الحياة. رواه أبو نعيم
وقال ابن المقري في فوائده: حدثنا عبد الصمد بن سعيد بن العباس بن السعدي، حدثنا محمد بن كثير، حدثنا أبو الطاهر حدثنا الموقري عن الزهري عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «روّحوا القلوب ساعة فساعة»
وقال وهب بن منبه من حكم آل داود: حق على العاقل أن يشتغل بأربع ساعات: ساعة يناجي ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يفضي فيها إلى إخوانه الذين يجبرونه ويعينونه وينفّسوا عن نفسه، وساعة يخلى بين نفسه ولذاتها فيما يحلّ فإن هذه الساعة عون على باقي الساعات وإجمام للقلوب، حق على العاقل أن لا يطعن إلا في إحدى ثلاث زاد لمعاد أو مرمّة لمعاش أو لذّة في غير محرم رواه البيهقي في الشعب وفي وصية بعض الحكماء: فراغ العلماء إنما يكون في إجمام أنفسهم، إذا كلّت خواطرهم، وضاق ذرعهم في استخراج دقائق الحكمة، فحينئذ يروّح العالم قلبه بالنّزهة، حتى يعود نشاطه ويجتمع رأيه، ويصفو فكره.
وقال أبو عبيدة: ليس شيء أحسن عند العرب من الرياض في المعيشة، ولا أطيب ريحا قال الأعشى:
ما روضة من رياض الحزن معشبة ... خضراء جاد عليها مسبل هطل
يوما بأطيب منها نشر رائحة ... ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل
وقال بعضهم: ما استدعى عن شارد الشعر بمثل الماء الجاري والشرف والمكان الخضر الخالي.(9/394)
الباب الثامن عشر في إعجابه بالأترج والحمام الأحمر إن صح الخبر
روى الطبراني بسند ضعيف عن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه النظر إلى الأترجّ، وكان يعجبه النّظر إلى الحمام الأحمر [ (1) ] .
وروى أبو القاسم البغوي وقاسم بن أصبع وأبو بكر بن أبي خيثمة والدارقطني في غرائب مالك عن أبي كبشة الأنماري- رضي الله تعالى عنه- قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب وفي لفظ «كأن يعجبه» النظر إلى الأترجّ وإلى الحمام الأحمر.
وهذه الأسانيد ضعيفة جدا.
وروى الطبراني وابن قانع وابن السّني وأبو نعيم كلاهما في الطّبّ النّبويّ بسند ضعيف عن حبيب بن عبيد الله عن أبي كبشة عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه النظر إلى الأترج ويعجبه النظر إلى الحمام الأحمر [ (1) ] .
وروى الحاكم في التاريخ وأبو نعيم في الطب النبوي بسند ضعيف عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه النظر إلى الخضرة وإلى الحمام الأحمر.
وروى ابن حبان في الضعفاء وابن السني وأبو نعيم معا في الطب عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه النظر إلى الحمام الأحمر وإلى الأترج.
شرح غريب ما سبق.
التّلاع: بمثناة ففوقية فلام فألف وعين مهملة مسائل الماء من علو إلى أسفل واحدها تلعة، وقيل: هو من الأضداد، يقع على ما انحدر من الأرض، وأشرف منها.
الأترج- بهمزة مضمومة ومثناة ساكنة وراء وجيم- والأترج والترنجة والترنج معروف.
__________
[ (1) ] أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات 3/ 9 والسيوطي في اللآلي 2/ 124 وانظر المجمع 4/ 67 والعقيلي في الضعفاء 4/ 413 والدولابي في الكنى 1/ 50 وابن القيسراني (558) .(9/395)
الباب التاسع عشر في عومه- صلى الله عليه وسلم-
وروى ابن سعد عن الزهري عن عاصم بن عمر بن قتادة عن ابن عباس دخل حديث بعضهم في بعض قالوا: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ستّ سنين خرجت به أمّه إلى أخواله من بني عدي بن النّجّار بالمدينة يزورهم ومعه أم أيمن، فنزلت به في دار النابغة، فأقامت به عندهم شهرا،
فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أمورا كانت في مقامه ذلك، ونظر إلى الدّار فقال: «ها هنا نزلت بي أمي، وأحسنت العوم في بئر بني عدي بن النّجّار» .
وروى أبو القاسم البغوي حدثنا أبو داود عمرو حدثنا عبد الجبار بن الورد عن ابن أبي مليكة قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم غدير ماء، فقال: يسبح كلّ رجل إلى صاحبه، فسبح كل رجل منهم إلى صاحبه، حتى بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فسبّح رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر حتّى اعتنقه، وقال: لو كنت متخذاً خليلا حتّى ألقى الله- عز وجل- لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكنه صاحبي.
تابعه وكيع عن عبد الجبار رواه ابن عساكر في تاريخه وعبد الجبّار ثقة، وكذا شيخه إلا أنه مرسل، وقد روي موصولا قال ابن شاهين: في السّنّة: حدثنا عبد الله بن سليمان حدثنا محمد بن عثمان حدثنا عبد الله بن مروان بن معاوية حدثنا أبي حدثنا سليمان بن جرير عن عكرمة عن ابن عباس بن نحوه، وقال الطبراني: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عبد العزيز بن مروان بن معاوية الفزاري (حدثني ابن أبي غريب بن حديرية) [ (1) ] وقال: في آخره أنا إلى صاحبي.
__________
[ (1) ] في أحدثني أبي عن سليمان بن حويرية.(9/396)
الباب العشرون في مسابقته- صلى الله عليه وسلم- بنفسه على الأقدام
روى النسائي عن أنس بن مالك قال: سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابيّ، فسبقه فكأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدوا في أنفسهم من ذلك، فقيل له في ذلك: فقال «حقّ على الله أن لا يرفع شيء نفسه في الدنيا إلا وضعه الله» .
الباب الحادي والعشرون في جلوسه- صلى الله عليه وسلم- على شفير البئر وتدليته رجليه وكشفه عن فخذيه
روى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم خيبر فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب، - وقد قتل زوجها، وكانت عروسا- فاصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه، فخرج بها، حتى بلغنا سدّ الروحاء حلّت، فبنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صنع حيسا في نطع صغير، ثم قال لي: آذن من حولك، فكانت تلك وليمته على صفية ثم خرجنا إلى المدينة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحوّي لها وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته، وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب.
وروى مسلم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيته كاشفا عن فخذيه وساقيه.
وروى الإمام أحمد عن حفصة- رضي الله تعالى عنها- قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع ثوبه بين فخذيه، فجاء أبو بكر يستأذن فأذن له.
وروى البخاري عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قاعدا في مكان فيه ماء قد كشف عن ركبتيه، فلما دخل عثمان غطاهما.
وروى عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع من رجع وعقب من عقب.(9/397)
الباب الثاني والعشرون في آداب متفرقة صدرت منه- صلى الله عليه وسلم- غير ما تقدم
وفيه أنواع:
الأول: روي في مشاورته صلى الله عليه وسلم أصحابه
قال تعالى: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ الآية [آل عمران 159] .
وروى سعيد بن منصور وابن المنذر عن الحسن في الآية قال: قد علم الله أنّ ما به إليهم من حاجة، ولكن أراد ليستن به من بعده.
وروى ابن جرير وابن أبي خيثمة عن قتادة قال: أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه- رضي الله تعالى عنهم- في الأمور، وهو يأتيه الوحيّ من السّماء- لأنّه أطيب لأنفس القوم، وأن القوم إذا شاور بعضهم بعضا، وأرادوا بذلك وجه الله تعالى عزم عليهم على أرشده.
وروى ابن أبي شيبة عن الضّحّاك قال: ما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالمشاورة لما فيها من الفضل والبركة.
وروى ابن أبي حاتم والخرائطي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: ما رأيت من الناس أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى الطبراني بسند جيد عن عمر، وقال كتب أبو بكر الصديق إلى عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشاور في الحرب فعليك به.
وقد تقدم في باب الجهاد شيء من ذلك.
وروى ابن سعد عن يحيى بن سعد- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار النّاس يوم بدر، فقام الحباب بن المنذر، فقال: نحن أهل الحرب أرى أن تعوّر المياه إلا ماء واحدا نلقاهم عليه قال: واستشارهم يوم قريظة والنضير، فقام الحباب بن المنذر فقال: أرى أن ننزل بين القصور، فنقطع خبر هؤلاء عن هؤلاء، وخبر هؤلاء عن هؤلاء، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله.
وروى الحاكم عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كنت مستخلفا أحدا من غير مشورة لاستخلفت ابن أمّ عبد» .
قال العلامة شرف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد المرسي، الأمور الممكنة على ضربين الضرب الأول: ما جعل الله فيه عادة مطردة لا تنخرم، فهذا مالا يستشار فيه بل من علم السيادة كان أعلم ممن لا يعلمها.(9/398)
والضرب الثاني: ما كانت العادة فيه أكثرية، فهذا الذي يستشار فيه، فإن من حاول تلك الأمور أكثر كان عليه بها أكثر ورأيه فيها صواب، ألا ترى أن من حاول التجارة علم وقت رخصها وغلائها وما يصلح منها للنشر وما لا يصلح فهذا يستشار فيها، لأن علمه بها أكثر.
الثاني: في أنه صلى الله عليه وسلم كان كثير الصمت، كثير الذكر، قليل اللّغو.
وروى أبو بكر بن أبي خيثمة والبيهقي عن هند بن أبي هالة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان دائم الذكر، ليست له راحة لا يتكلم في غير حاجة طويل السكوت.
وروى مسلم والبيهقي عن سماك بن حرب- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طويل الصّمت، قليل الضّحك انتهى.
وروى الإمام أحمد والشيخان عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طويل الصّمت، قليل الضّحك.
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله تعالى عنه- قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الذّكر، ويقلّل اللّغو، ويطيل الصّلاة، ويقصّر الخطبة ولا يأنف، ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين.
الثالث: في عدم مواجهته أحدا بما يكره وأدابه مع خدمه وما كان يقوله، ويفعله إذا اهتم، وما يطرأ عليه من السرور عند فرحه، وأنه كان يلمح الأشياء بمؤخر عينه، ولا يلتفت ولا يصرف وجهه عن أحد إذا استقبله، وصافحه، وأنّه لا يبثّ بصره في وجه أحد، ومصافحته، وما كان يقوله إذا أراد دخول قرية وغير ذلك غير ما سبق.
روى النسائي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قل ما يواجه أحدا بشيء يكرهه، ودخل عليه رجل يوما، وعليه أثر خلوف، فلما خرج الرجل قال: لو أمرتم هذا بغسله.
وروى ابن عدي عن محمد بن سلمة- رضي الله تعالى عنه- قال: قدمت من سفر فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فما ترك يدي حتى تركت يده.
وروى أبو داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: ما رأيت أحدا التقم أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فينحي رأسه حتّى يكون الرجل، هو الذي ينحي رأسه، وما رأيت رجلا أخذ بيده فترك يده حتى يكون الرّجل هو الذي يدع يده.
وروى عنه أيضاً قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صافح الرّجل لم ينزع يده حتى يكون(9/399)
الرجل هو الذي ينزع يده، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرف وجهه.
روى الطيالسي والنّسائي في الكبير وابن حبان عن ابن مسعود وابن أبي شيبة عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خط خطا هكذا أمامه فقال: «هذا سبيل الله- عز وجل- ثم خطّ خطوطا» ، ولقط جابر وخط عن يمينه وخط عن شماله فقال: «هذا سبيل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم وضع يده في الخطّ الأوسط
ثم تلا هذه الآية وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ، ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ذكره أبو الحسن بن الضّحّاك عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلمح بمؤخّرة عينه، ولا يلتفت.
وروى عبد الله بن المبارك عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استقبل الرّجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرّجل هو الذي ينزع ولا يصرف وجهه حتّى يكون الرّجل هو الذي يصرف، ولم ير مقدما ركبتيه بين يدي جليس.
وروى الطبراني بسند جيد عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى قرية يريد دخولها، قال: «اللهم بارك لنا فيها» ثلاثا «اللهم ارزقنا حياها وحببنا إلى أهلها، وحبب صالحي أهلها إلينا» .
وروى الطبراني بسند جيد عن أبي لبابة بن عبد المنذر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد دخول قرية لم يدخلها، حتى يقول: «اللهم، رب السموات السبع وما أظلت وربّ الأرضين السّبع وما أقلت ورب الرّياح وما أذرت ورب الشياطين وما أضلّت إنّي أسألك خيرها وخير ما فيها وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها» .
وروى النسائي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: والله ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة ولا خادما ولا ضرب بيده شيئا قطّ. ورواه الخلعيّ وزاد «إلا أن يجاهد في سبيل الله» .
وروى الترمذي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع:
وفي لفظ عشر سنين فما قال لي أفّ، وما قال لشيء صنعته: لم صنعته ولا بئس ما صنعت وفي لفظ «ما قال لي: لم فعلت؟ وألا فعلت هذا» .
وروى أبو داود عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً فأرسلني يوما لحاجة فقلت: والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت أمّر على صبيان، وهم يلعبون في السّوق فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قابض بقفاي من ورائي فنظرت إليه، وهو(9/400)
يضحك، فقال: يا أنس، اذهب حيث أمرتك، قلت: نعم يا رسول الله.
وروى الشيخان عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أخذ أبو طلحة بيدي، فانطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أن أنسا غلاما كيّسا، فليخدمك، قال:
فخدمته في السفر والحضر فو الله، ما قال لي لشيء قد صنعته: لم صنعت كذا؟ ولا لشيء لم أصنعه لم لم تصنع هذا. هكذا رواه الإمام أحمد بلفظ «أخذت أم سليم بيدي مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله هذا ابني وهو غلام يخدمك قال: فخدمته تسع سنين، فما قال لي لشيء قطّ صنعته، أسأت أو بئس ما صنعت.
وروى أبو ذر الهرويّ وأبو الحسن بن الضحاك عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصيفة له فأبطأت عليه، فقال: «لولا مخافة القصاص لأوجعتك بهذا السّواك» .
وروى أبو بكر بن أبي خيثمة عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اهتمّ أكثر من مسّ لحيته وفي رواية: يقبض عليها أو يخللها.
وروي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اهتمّ أكثر من مس لحيته، وفي رواية «يقبض عليها أو يخللها» .
وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اهتمّ أكثر، أدخل يده في لحيته.
وروى أبو بكر بن أبي شيبة والبزّار والحسن بن عرفة عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: شهدت مع المقداد مشهدا لأن أكون أنا صاحبه أحب إلي من ملء الأرض من شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غضب احمرّت وجنتاه فجأة وهو على تلك الحال، فقال: يا رسول الله، لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل «اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون» ولكن، والذي بعثك بالحق لنكونن من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك، أو يفتح الله لك فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرق لذلك.
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسرّه خرّ ساجدا لله تعالى.
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الرّجل مغيّر الخلق خرّ ساجدا وإذا رأى القرد خرّ ساجدا وإذا قام من منامه خرّ ساجدا شكراً لله تعالى.(9/401)
وروى النسائي عن كعب بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استبشر استنار وجهه كأنه قطعة من القمر.
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ما يحب قال: «الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات» وإذا رأى ما يكره قال:
«الحمد لله على كل حال» .
وروى ابن أبي خيثمة وأبو الحسن بن الضحاك عن عبد الله بن بريدة عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يتطيّر من شيء، وكان إذا بعث عاملا سأله عن اسمه، فإن أعجبه اسمه فرح به ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسما رؤي كراهية ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها، فإن أعجبه اسمها فرح بها، ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رؤي كراهية ذلك في وجهه.
وروى الطبراني بسند جيد عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة، فسقطت على لحيته ريشة، فابتدر إليه أبو أيوب فأخذها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «نزع الله عنك ما تكره» .
وروى الإمام أحمد عن نافع أن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- سمع مزمار راع، فوضع إصبعيه في أذنيه وعدل براحلته عن الطّريق «وهو يقول: يا نافع، هل تسمع شيئا فأقول:
نعم، فيمضي حتى قلت: لا، فوضع يديه، وأعاد راحلته إلى الطريق» [ (1) ] وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع مزمار راع ففعل مثل هذا، رواه أبو داود وزاد الترمذي، قال: نافع وكنت إذ ذاك صغيرا.
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن محمد بن عجلان قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب قدمه شوكة أو شيء، فاسترجع لذلك، فقال له بعض أصحابه، ما هذا يا رسول الله؟
قال: «إن الله إذا أراد أن يكبر الصغير كبر» .
وروى الإمام أحمد عن عمير بن إسحق قال: كنت مع الحسن بن علي فلقينا أبو هريرة فقال: اكشف لي عن بطنك حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل منك فقال فكشف له عن بطنه فقبّله.
وروى مسدد وابن أبي شيبة وأبو يعلى والإمام أحمد بسند صحيح عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- أن امرأة الوليد بن عقبة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو الوليد أنّه ضربها فقال: «ارجعي، فقولي له: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجارني» قال: فانطلقت فمكثت ساعة، ثم جاءت فقالت: يا رسول الله، ما أقلع عنّي، قالت: فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم هدبة من ثوبه
__________
[ (1) ] سقط فى أ.(9/402)
فأعطاها إياها، فقال: «قولي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجارني، هذه هدبة من ثوبه» فمكثت ساعة، ثم إنّها رجعت، فقالت: يا رسول الله ما زادني إلا ضربا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال:
«اللهم عليك بالوليد مرتين أو ثلاثا» .
وروى الطبراني برجال ثقات عن واثلة بن الأسقع- رضي الله تعالى عنه- قال: خرجت مهاجرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس من بين خارج وقائم، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرى جالسا إلا دنا إليه فسأله «هل لك من حاجة» وبدأ بالصف الأول، ثم الثاني، ثم الثالث حتى دنا إليّ فقال: «هل لك من حاجة» فقلت: نعم، يا رسول الله، قال: «وما حاجتك» ؟ قلت: الإسلام، قال: «هو خير لك» .
.. الحديث والله سبحانه وتعالى أعلم.(9/403)
جماع أبواب معجزاته- صلى الله عليه وسلم- السماوية
الباب الأول
وفيه فصول
الأول: في الكلام على المعجزة والكرامة والسّحر
قال القاضي- رحمه الله تعالى-: إذا تأمل المنصف ما قدمناه من جميل أثره وحميد سيره وبراعة علمه ورجاحة عقله، وجملة كمالاته وجميع خصاله المرضية وشاهد حاله وصواب مقاله لم يمتر في صحّة نبوّته وصدق دعوته الخلق إلى الحقّ، وقد كفى هذا غير واحد في إسلامه والإيمان به، روى الترمذي وابن قانع عن عبد الله بن سلام- رضي الله تعالى عنه- قال: لمّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جئته لأنظر إليه، فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب.
وعن أبي رمثة- رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي ابن لي فأريته فلمّا رأيته قلت: هذا نبي الله صلّى الله عليه وسلم رواه ابن سعد قال ذلك لما ظهر عليه من ملابس الصّدق، وعلامات الحق.
وروى مسلم وغيره أن ضمادا لمّا وفد عليه فقال له صلى الله عليه وسلم- وقد سمع بعض قريش وفي لفظ «بعض الكفّار» يقول: محمد مجنون فقال: يا محمد، إنّي راق هل بك شيء أرقيك؟
فقال صلى الله عليه وسلم نفيا لما نسب إليه: «إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وان محمداً عبده ورسوله» ،
قال له: أعد عليّ كلماتك هؤلاء فلقد بلغني قاموس البحر، هات يدك أبايعك، قال ذلك تعجبا من بلاغتها، وإيرادها مطابقة لمقتضى الحال.
وروى البيهقي عن جامع بن شدّاد، قال: كان رجلا منافقا يقال له: طارق، فأخبر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل معكم شيء تبيعونه؟» فقلنا هذا البعير قال:
بكم؟ قلنا: بكذا وكذا وسقا من تمر، فأخذ بخطامه وسار إلى المدينة فقلنا بعنا من رجل، ما ندري من هو ومعنا ظعينة، فقالت: أنا ضامنة لثمن البعير، رأيت وجه رجل مثل القمر ليلة البدر لا يخيس فيكم، فأصبحنا، فجاء رجل بتمر فقال: أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يأمركم أن تأكلوا من هذا التّمر، وتكتالوا حتى تستوفوا ففعلنا
انتهى. قالت ذلك لما ظهر لها عليه من مخائل الصدق، وملابس الوفاء.
وروى ابن موسى في كتاب الرّدّة عن ابن إسحاق في خبر الجلندى ملك عمان لما بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، فقال الجلندى: والله لقد دلّني على هذا النبي(9/404)
الأميّ أنه لا يأمر بخير إلا كان أوّل آخذ به، ولا ينهى عن شيء إلا كان أوّل تارك له وأنّه يغلب فلا يبطر، ويغلب فلا يفجر، ويفي بالعهد وينجز الوعد، وأشهد أنه نبي جمّلته هذه المحاسن، فتأمله لها على الإقرار بنبوّته.
وقال نفطويه في قوله تعالى يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ [النور/ 35] هذا مثل ضربة الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يقول: يكاد منظره يدل على نبوته وإن لم يتل قرآنا كما قال ابن رواحة- رضي الله تعالى عنه-.
لو لم تكن فيه آياتٌ مبيّنةٌ ... لكان منظره ينبيك بالخبر
قال المحققون: المعجزة هي الأمر الخارق للعادة المقرون بالتّحدّي الدّالّ على صدق الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- الواقع على وفق دعوى المتحدّى بها مع أمن المعارضة وسميت معجزة لعجز البشر عن الإتيان بمثلها فعلم أن لها شروطا:
أحدها:
أن تكون خارقة للعادة كانشقاق القمر، وانفجار الماء من بين الأصابع، وقلب العصا حية، وإخراج ناقة من صخرة، فخرج غير الخارق للعادة كطلوع الشمس كل يوم.
الثاني:
أن تكون مقرونة بالتّحدّي، ولم يشترط بعضهم التحدي، قال: لأن أكثر الخوارق الصادرة من النبي صلى الله عليه وسلم خالية من التحدي، وعلى القول بالتحدي يسمى معجزة وذلك باطل، وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم لما ادّعى النبوة استجيب على هذا الخارق دعوى النبوة من حين ابتداء الدعوة فكلما وقع له من الخوارق كان معجزة لاقترانه بدعوى النبوة حكما وكأنه يقول في كل وقت أنا رسول الله إلى الخلق، وأنه يقول في كل وقت وقع فيه الخارق للعادة هذا دليل صدقي ذكره الشيخ كمال الدين بن الهمام في المسايرة وتلميذ الشيخ كمال الدين بن أبي شريف في شرحهما.
الثالث:
أن لا يأتي أحد بمثل ما أتى به المتحدّي مع أمن المعارضة، وهو أحسن من التعبير بعدم المعارضة، لأنه لا يلزم من عدم المعارضة امتناعها، والشرط إنما هو عدم إمكانها وخرج بقيد «التحدي» الخارق من غير تحدّ، وهو الكراهة للوليّ، وبالمقارنة الخارق المتقدم على التحدّي كإظلال الغمام وشق الصدر الواقعين لنبينا صلى الله عليه وسلم قبل دعوى الرسالة، وكلام عيسى صلى الله عليه وسلم في المهد، فإنها ليست معجزات وإنما هي كرامات ظهورها على الأولياء جائز، والأنبياء قبل نبوتهم لا يقتصرون عن درجة الأولياء فيجوز ظهورها عليهم أيضا، وحينئذ يسمى إرهاصا أي تأسيسا للنبوة، وخرج أيضا بالمقارن المتأخر عن التحدي بما يخرجه عن المقارنة العرفيّة، نحو ما رؤي بعد وفاته صلّى الله عليه وسلم من نطق بعض الموتى بالشهادتين، بما تواترت به الأخبار.(9/405)
وخرج أيضا بأمن المعارضة، السحر المقرون بالتّحدّي، فإنّه تمكن معارضته بمثله من المرسل إليهم.
الرابع:
أن تقع عليّ وفق دعوى المتحدي بها، فلو قال مدعي الرسالة آية نبوتي أن تنطق يدي أو هذه الدابة، فنطقت يده أو الدابة بكذبه، فقالت: كذب وليس هو نبي، فإن الكلام الذي خلقه الله- عز وجل- دالّ على كذب ذلك المدّعي، لأن ما فعله الله تعالى لم يقع على وفق دعوى المدّعي كما روي أن مسلمة الكذاب لعنه الله تعالى، تفل في بئر ليكثر ماؤها فغارت، وذهب ما فيها من الماء.
فمتى اختل شرط من هذه الشروط لم تكن معجزة، ولا يقال: قضية ما قلتم أنّ ما توفرت فيه الشروط الأربعة من المعجزات، لا يظهر إلا على أيدي العارفين، وليس كذلك أن المسيخ الدجّال يظهر على يديه من الآيات العظام ما هو مشهور كما وردت به الأخبار الصحيحة، لأن ما ذكره فيمن يدعي الرسالة، وهذا يدعي الربوبية وقد قام الدليل العقلي على أن بعثته بعض الخلق غير مستحيل، فلم يبعد أن يقيم الله- عز وجل- الأدلة على صدق مخلوق أتى عنه بالشرع والملة ودلت القواطع على كذب المسيخ الدجال فيما يدعيه للتغير من حال إلى حال، وغير ذلك من الأوصاف التي تليق بالمحدثات، ويتعالى عنها ربّ البريات- سبحانه وتعالى- وها هنا فصول من كلام القاضي- رحمه الله تعالى-.
الفصل الأول ويؤخر هذا عنه الفصل الثاني.
قال القاضي- رحمه الله تعالى-: أعلم أن الله- عز وجل- قادر على خلق المعرفة في قلوب عباده، والعلم بذاته أي كونها موجودة وأسمائه الحسنى الدالة على أحسن المعاني، وصفاته وجميع تكليفاته التي ألزمها عباده، فيعلمون أن لهم ربا موجودا ذا أسماء وصفة كمال ابتداء دون واسطة، لو شاء خلق ذلك فيهم ابتداء بلا مرشد إليه ومبين لهم إياه كما حكي عن سنة بعض الأنبياء إذ خلق فيهم ذلك إلهاما أو إلقاء في الرّوع أو رؤيا، كما رأى إبراهيم مناما يذبح ولده ورؤياهم وحي وذكره بعض أهل التفسير في قوله تعالى وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ [الشورى 51] أي وحي إلهام أو رؤيا بشهادة وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ أي يلقيه في قلبها دون واسطة وكما هو تعالى قادر على خلق ما ذكر في قلوبهم ابتداء بدون واسطة جائز أن يوصل إليهم جميع ذلك بواسطة تبلّغهم ما أمر بتبليغه إليهم مما يدل على ذلك من كلام يهدى إليه، ويكون ذلك الواسطة، إما بغير البشر كالملائكة مع الأنبياء- عليهم السلام- يوحون إليهم ما أرسلوا به أو من جنسهم كالأنبياء مع الأمم ينبئونهم ما أنزل إليهم، ولا مانع لهذا الذي ذكر يمنع وصوله إلى عباده بواحدة من حالتي(9/406)
الابتداء والواسطة من دليل العقل بتجويزه إياه إذا جاز هذا ولم يستحل، وجاءت الرسل- عليهم الصلاة والسلام- بما دل على صدقهم من معجزات وجب على المرسل إليهم تصديقهم في جميع ما أتوا به مما كلفوا بتبليغه لأن المعجزة مع التحدي من النبي قائم مقام قول الله: صدق عبدي فأطيعوه واتّبعوه وشاهد على صدقه فيما يقوله من دعواه النبوة والرسالة إلى من أرسل إليهم، وهذا كان في قضائه بإمكان ما ذكر وأن المعجز مؤذن بصدق النبي صلى الله عليه وسلم لقيامه مقام إخبار الله تعالى بأنه صادق تجري عادته في خلق العلم بصدقهم علما ضروريا.
الفصل الثالث
قال القاضي- رحمه الله تعالى-: أعلم أن تسميتنا ما جاءت به الأنبياء من الآيات الخارقة للعادة معجزة هو أنّ الخلق عجزوا عن الإتيان بمثلها، فكان عجزهم عنها سببا لتسميتها معجزة من العجز المقابل للقدرة، وحقيقة الإعجاز إثبات عجز المرسل إليهم، استعير لإظهار عجزهم ثم استند إلى ما هو سبب لإظهاره من الخوارق، والمعجزة على ضربين: من حيث كونها مقدورة للبشر وغير مقدورة، وله ضرب هو من نوع ما يمكن دخوله تحت قدرة البشر ويمكنهم الإتيان به فعجزوا عنه فتعجيز الله إياهم عنه فعل لله تعالى دل على صدق نبيه صلى الله عليه وسلم لأنه كصريح قوله: صدق عبدي في دعواه الرسالة لجري العادة بخلقه تعالى علما ضروريا بصدقه كمن قال لجمع أنا رسول الله- تعالى- إليكم ثم نتق فوقهم جبلا، ثم قال: إن كذبتموني وقع عليكم وإلا انصرف عنكم فكلما هموا بتصديقه بعد عنهم أو تكذيبه قرب منهم، فإنهم يعلمون ضرورة صدقه مع قضاء العادة بامتناع صدور ذلك من الكاذب منهم، كصرف اليهود عن تمني الموت إذ يعجزهم عن تمنيه مع إمكانه فيعلمون ضرورة أنه صادق.
وضرب من المعجزة وهو خارج عن قدرتهم، فلم يقدروا على الإتيان بمثله كإحياء الموتى، إذ ليس من جنس أفعالهم وأما إحياؤهم على يد عيسى صلى الله عليه وسلم معجزةً له، فكأنما كان من الله تعالى لأمّته شهادة، وإحياء الموتى بإذن الله تعالى «وأن تخرج الموتى بإذني» وقلب العصا حية تسمى معجزة لموسى صلى الله عليه وسلم، وإخراج ناقة من صخرة بلا واسطة وأسباب معهودة معجزة لصالح صلى الله عليه وسلم، وكلام الشجرة، ونبع الماء من بين الأصابع وانشقاق القمر معجزات لنبينا صلى الله عليه وسلم مما لا يمكن أن يفعله أحد إلا الله فيكون ذلك على يد النبي صلى الله عليه وسلم من فعل الله تعالى حقيقة وتحدّيه من يكذبه إن طلب منه أن يأتي بمثله تعجيز له عن ذلك.
واعلم أن المعجزات التي ظهرت على يد نبينا صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته وبراهين صدقه من هذين النوعين معا أي لما هو من نوع قدرة البشر، وما هو خارج عنها، وهو صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء معجزة، وأبهرهم آية وأظهرهم برهانا، وهي مع كثرتها لا يحيط بها ضبط فإن واحدا منها وهو(9/407)
القرآن لا يحصي عدد معجزاته بألف ولا ألفين ولا أكثر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تحدى بسورة منه فعجزوا عنها قال أهل العلم: وأقصر سور القرآن إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر/ 1] لأنها ثلاث آيات حروفها أقل من حروف آيات سورة هي ثلاث مثل قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص/ 1] وكل آية منه طويلة بعدد آياتها كلمات وحروفا أو آيات منه بعددها آيات وحروفا كلمات معجزة لا تتعارض موازاة ومداناة ثم في سورة الكوثر نفسها معجزات على ما سنفصله فيما اشتمل عليه القرآن من المعجزات التي فاقت الحصر.
الفصل الرابع
قال القاضي- رحمه الله تعالى- أيضا: معجزاته صلى الله عليه وسلم علي قسمين.
الأول: ما علم قطعا، ونقل إلينا متواترا كالقرآن فلا مرية ولا خلاف في مجيء النبي صلى الله عليه وسلم به وظهوره من قبله واستدلاله به على ثبوت نبوته صلى الله عليه وسلم وكونه رسولا إلى الناس كافة ونحو ذلك، وإن أنكر مجيئه به وظهوره من قبله واستدلاله به معاند حائر عن منهج القصد باغ يردّ الحق مع علمه جاحد له منكر، فإنكاره كإنكاره وجود محمد صلى الله عليه وسلم في الدنيا، وإنما جاء اعتراض الجاحدين في كونه حجة صلى الله عليه وسلم كما ورد في كونه كلام الله إذ قالوا: «أساطير الأوّلين» «ما أنزل على بشر من شيء» «هذا سحر مبين» فالقرآن في نفسه وجميع ما تضمنه من معجز معلوم ضرورة، وكما شهدت به الأعداء كالوليد بن المغيرة، إذ قال حين تلي عليه منه: إنّ له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة، وإنّ أسفله مغدق، وإن أعلاه لمثمر، وما هو من كلام البشر. ووجه إعجازه معلوم ضرورة بجزالة لفظه، وفخامة تأليفه، وبلوغه أقصى درجات مراتب البلاغة والفصاحة وحسن التئام كلماته ونظم آياته وبراعة إيجازه وغرابة فنونه وفصاحة وجوه فواتحه وخواتمه، فلا يحتاج العلم به إلى دليل.
قال بعض الأئمة- رحمهم الله تعالى-: ويجري هذا القسم من معجزاته الذي علم قطعا ونقل إلينا متواترا أنه قد جرى على يديه صلى الله عليه وسلم آيات وخوارق عادات إن لم يبلغ واحد منها معيّنا القطع فيبلغه جميعها، فلا مرية في جريان جميع معانيها على يديه صلى الله عليه وسلم ناطقة بصدقه شاهدة بنبوته، ولا يختلف مؤمن ولا كافر أنه قد جرت على يديه صلى الله عليه وسلم عجائب، وإنما صدر خلاف المعاند في كون العجائب فائضة من قبل الله تعالى من حيث أن ذلك المعجز مع التّحدّي من النبي صلى الله عليه وسلم بمثابة قوله تعالى: يا عبدي، صدقت فيما تدّعيه من الرّسالة! فقد علم وقوع مثل هذا من نبينا صلى الله عليه وسلم ضرورة لاتّفاق معانيها في كونها خوارق عادات مفحم من تصدّى لمعارضتها كما يعلم ضرورة جود حاتم الطائي وشجاعة عنترة العبسي وحلم أحنف بن قيس- رضي الله تعالى عنه- لاتّفاق الأخبار الواردة عن كل واحد منهم على كرم(9/408)
حاتم وشجاعة عنترة وحلم أحنف، وإن كان كل خبر من أخبارهم الثلاثة لا يوجب العلم، ولا يقطع بصحته لعدم تواتر كل واحد منها منفردا في كل عصر.
القسم الثاني من معجزاته صلى الله عليه وسلم لم يبلغ مبلغ الضرورة والقطع وهو على نوعين:
الأول: ما اشتهر وانتشر ورواه العدد الكثير، وشاع الخبر به عند المحدثين والرواة، ونقلته السير والأخبار كنبع الماء من بين أصابعه صلّى الله عليه وسلم وتكثير الطعام.
الثاني: ما لم يشتهر ولا ينتشر اختص به الواحد والاثنان ورواه العدد اليسير واشتهر اشتهار غيره لكنه إذا جمع إلى مثله، اتفقا في المعنى المقصود به الإعجاز، واتفقا على الإتيان بالمعجزة كما قدمنا من أنه لا مرية في جريان معانيها على يديه، وأنه إذا انضم بعضها إلى بعض أفاد القطع.
تنبيهات
الأول: قال ابن الصلاح- رحمه الله تعالى- في «فتاويه» : انتدب بعض العلماء لاستقصاء معجزاته صلى الله عليه وسلم فجمع منها ألف معجزة، وعددناه مقصرا إذ هي فوق ذلك بأضعاف لا تحصى فإنّها ليست محصورة على ما وجدناه منها في عصره صلى الله عليه وسلم بل لم تزل تتجدّد بعده صلى الله عليه وسلم علي تعاقب العصور وتتلاحق كرامات الأولياء من أمته وإجابات المتوسلين به في حربهم ومعوناتهم عقب توسلهم به في شدائد براهين له قواطع ومعجزات له سواطع لا يعدّها عادّ ولا يحصرها حاصر.
الثاني: فرق جماعة بين المعجزة والسحر والكرامة قال الإمام المازري: الفرق بينهما أنّ السحر يكون بمعاناة أقوال وأفعال حتى يتم للسّاحر ما يريد، والكرامة لا تحتاج إلى ذلك بل إنّما تقع غالبا اتفاقا، أمّا المعجزة فتمتاز عن الكرامة بالتحدي، ونقل إمام الحرمين الإجماع على أن السّحر لا يظهر إلّا من فاسق، وأن الكرامة لا تظهر على فاسق. ونقل النووي في زيادات الروضة عن المتولي نحو ذلك، وينبغي أن يعتبر بحال من يقع الخارق منه، فإن كان متمسّكا بالشريعة متجنبا للموبقات فالذي يظهر على يديه من الخوارق كرامة وإلّا فهو سحر، لأنّه ينشأ عن أحد أنواعه كإعانة الشياطين غير أنها لدقتها لا يتوصّل إليها إلا آحاد الناس، ومادّته الوقوف على خواصّ الأشياء، والعلم بوجوه تركيبها وأوقاته، وأكثرها تخييلات بغير حقيقة وإيهامات بغير ثبوت، فيعظم عند من لا يعرف ذلك كما قال الله تعالى عن سحرة فرعون وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف/ 116] مع أن حبالهم وعصيّهم لم تخرج عن كونها حبالا وعصيا، ثم قال: والحق أن لبعض أصناف السحر تأثيرا في القلوب كالحبّ والبغض وإلقاء(9/409)
الخير والشّرّ، وفي الأبدان بالألم والسّقم، وإنما المنكور أن الجماد ينقلب حيوانا أو عكسه بسحر السّاحر ونحو ذلك.
وقال القرطبي: السحر حبل صناعية يتوصل إليها بالاكتساب.
الثالث: التحدي بطلب المعارضة والمقابلة.
قال الجوهري: تحدّيت فلانا إذا باريته في فعل ونازعته الغلبة وحدأ حدوا هو حادي الإبل، وأحدى بها حداء إذا غنّى، ومن المجاز: تحدّى أقرانه إذا باراهم ونازعهم الغلبة، وأصله في الحدا يتبارى فيه الحاديان ويتعارضان فيتحدى كل واحد منهما صاحبه أي طلب حداه، وفي حواشي الكشاف: كانوا عند الحدو يقوم حاد عن يمين العطّار، وحاد عن يساره يتحدّى كل واحد منهما صاحبه المعنى يمتحديه أي يطلب منه حداه ثم اتسع فيه، حتى استعمل في كل مباراة ذكره الإمام الطيبي- رحمه الله تعالى-.
الرابع: الهاء في المعجزة للمبالغة وتوكيد الصفة، كما في علاّمة ونسابة، وأضيفت الهاء لهذا المعنى دون باقي الحروف، لأنّها كما قال السهيلي في روضه: غاية الصّوت ومنتهاه، لأنها من أقصى الحلق، إمّا قبلها أو معها أو بعدها، وقبل الألف أو معها أو بعدها أيضا كما هو مذهب سيبويه، ومن ثمّ لا يكسّر لما هي فيه فلا يقال في علاّمة ونسابة، علاليم ونساسيب لئلّا يذهب اللفظ الدالّ على المبالغة كما لم يكسّر المصغّر لذلك، وقيل: الهاء فيه للنّقل من الوضعيّة كما في الحقيقة، لأنّها مأخوذة من العجز وجعل الدلالة.
الخامس: قال بعضهم: إنّ كبار الأئمة يسمّون معجزات الأنبياء دلائل النبوة، وآيات النبوة، ولم يرد في القرآن ولا في السنة لفظ المعجزة، وإنّما فيهما لفظ الآية والبيّنة والبرهان، فأمّا لفظ الآية فكثير ولفظ المعجزة إذا أطلق لا يدل على كون ذلك آية إلّا إذا فسّر المراد به، وذكرت شرائطه، والحاكم في توجيه ذلك وتصنيف التعيين بالمعجزة.
قلت: لفظ المعجزة وضعه المتكلمون على ما اشتمل على الشروط الأربعة السابقة من آيات الأنبياء صلى الله عليهم وسلم ولا صيغة لذلك خلافاً لما زعمه والتعيين بالآية والبرهان والبينة لا ينافس ذلك. وكل معجزة آية وبرهان وبينة ولا عكس كما يظهر في الكلام على حدّ المعجزة.
السادس: أنه صلى الله عليه وسلم كون الحمد لله في خبر ضماد بأن اسمية الجملة التي هي في الأصل إخبارية أريد بها الإنشاء تنزيلا للسلامة منزلة المذكر كونه «الحمد لله» بالذات لله إزالة لما عسى يكون عنده من الإنكار وأردف صلى الله عليه وسلم بكل الجملة بجملة فعلية تلويحا بأنه مقام تجديد نعم يؤذّن الحمد بازديادها، فناسب أن يورد ما يدل على تجدّد، والحدوث أو حمد الله- تبارك وتعالى- بهما مبالغة من حمده لما مرّ عليه من شرائف النعم وكرائم التتميم أو حملا(9/410)
للأولى على الخبر، وهذه على الإنشاء، وهي بكون العظمة إخطار لملزومها الذي هو ما أنعم عليه ربّه به، تعظيما وتبجيلا امتثالاً لقوله تعالى وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى/ 11] فلم يقل وشهّد ليجري على ما قبله تفنّنا من الكلام، فإنّه نقله من أسلوب إلى آخر يزيده حسن نظرته، أي إحداثا وتجديدا لنشاط السّامع وإيقاظا لإصغائه أكثر.
السابع: في بيان غريب ما سبق:
آثر وجمع أثرة- بفتح الهمزة والمثلثة- وتقدم تفسيرها.
برع: بموحدة وراء وعين مهملتين فاق أقرانه.
رجاحة:.....
لم يمتر:....
أبو رمثة: براء مكسورة فميم ساكنة فمثلثة فتاء تأنيث اسم.
ضماد: بضاد معجمة مكسورة فميم فألف فدال مهملة أصله الشد.
قابوس البحر: وسطه والجّنة.
الوسق: بفتح الواو وكسرها ستون صاعا.
الخطام: بكسر الخاء المعجمة وبالطاء المهملة ما يقاد به البعير.
الظعينة: بفتح الظاء المعجمة وكسر العين المهملة وسكون التحتية وبالنون وتاء التأنيث.
الجلندى: بضم الجيم وفتح اللّام والدال المهملة بينهما نون ساكنة.
عمّان: بفتح العين المهملة وتشديد الميم مدينة قديمة بالشام في أرض البلقاء فأما عمان: بالضم والتخفيف فموضع عند البحرين.
لا يبطر: لا يبغي إذا انتصر عليهم بل يسلك فيهم ما أمر به.
لا يفجر: لا ينهي عن شيء من مكروه ببنيته بالبناء للفاعلية أو المفعولية.(9/411)
الباب الثاني في إعجاز القرآن واعتراف مشركي قريش بإعجازه، وأنه لا يشبه شيئاً من كلام البشر، ومن أسلم لذلك
قال الله سبحانه وتعالى قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ [الإسراء/ 88] منهم العرب العاربة وأرباب البيان وتفانوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن من بلاغته وحسن نظمه وقوله لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ [الإسراء: 88] جواب قسم محذوف وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء: 88] معينا على الإتيان بمثله، ولم يدرج الملائكة في الفريقين مع عجزهم أيضا عنه، لأنهما هما المتحدّيان، ومن ثمّ تعجبت الجنّ من حسن نظمه وبلاغته البالغة أقصى درجاتها، فقالوا: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ [الجن: 1- 2]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من الأنبياء نبيّ إلا أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله- عز وجل- فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا» رواه الشيخان.
قال الحافظ- رحمه الله- قوله: «ما من الأنبياء نبي إلا أعطى» هذا دالّ علي أن النبي صلى الله عليه وسلم لا بد له من معجزة تقتضي إيمان من شاهدها بصدقه، ولا يضرّه من أصرّ على المعاندة قال ابن قرقول: «من» الأولى بيانية والثانية زائدة، و «ما» موصولة أو نكرة موصوفة، ووقعت مفعولا ثانيا «لأعطى» و «مثله» مبتدأ آمن خبره، والجملة صفة للنكرة صلة الموصول والراجع إلى الموصول ضمير المجرور في «عليه» أي مغلوبا عليه في التحدّي والمباراة، والمراد بالآيات المعجزات وموقع المثل هنا موقعه في قوله فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة/ 23] أي ممّا يبيّن عليه صفته في البيان وعلوّ الطبقة في حسن النظم، والمثل يطلق ويراد به عين الشّيء وما يساويه، والمعنى إن كل نبي من الأنبياء قد أعطاه الله تعالى من المعجزات الدالة على نبوته الشيء الذي من صفته، أنه إذا شوهد اضطر الشاهد إلى الإيمان به.
وتحريره: إن كل نبي اختص بما يثبت دعواه من خوارق العادات حسب زمانه، فإذا انقطع زمانه انقطعت تلك المعجزة فكانت تلقف ما صنعوا كقلب العصا ثعبانا في زمن موسى فخصّ كل نبي بما أثبت به دعواه من خوارق العادات المناسبة لحال قومه، وإخراج اليد بيضاء وإنما كان كذلك، لأنه الغالب في زمانه السحر، إذ كان ماشيا عند فرعون فأتاهم بما هو فوقه فاضطرّهم إلى الإيمان به ولم يقع ذلك لغيره، وفي زمن عيسى الطب، فجاءهم بما هو أعلى منه من إبراء الأكمه والأبرص بما ليس في قدرة بشر وهو إحياء الميّت، وأمّا النبي صلى الله عليه وسلم فأرسله في العرب العرباء أصل الفصاحة والبلاغة وتأليف الكلام على أعلى طبقاتها ومحاسن بدايتها باسم القرآن فأعجزهم عن الإتيان بأقصر سورة منه وقوله «آمن» وقع في رواية حكاها ابن قرقول(9/412)
«أومن» بضم الهمزة ثم واو وقوله «عليه» هنا بمعنى اللّام أو الباء الموحدة والنكتة في التعبير بها تضمنها معنى الغلبة، أي يؤمن بذلك مغلوبا عليه بحيث لا يستطيع دفعه عن نفسه لكنه قد يجحد فيعاند، كما قال الله تعالى: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً [النمل/ 14] وقال الطّيبيّ: المجرور في «عليه» حال، أي مقلوبا عليه في التحدي، وموقع المثل موقعه من قوله فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة/ 23] أي من صفته من البيان وعلوّ الطبقة في البلاغة، وقوله: «وإنّما كان الّذي أوتيته وحيا» إلخ معناه معظم الذي أوتيته وإلّا فقد أوتي من المعجزات مالا ينحصر والمراد به القرآن وقد تقدم أنه المعجزة الباقية على وجه الدوام إلى يوم القيامة لبلوغه أعلى طبقات البلاغة وأقصى غايات الإعجاز، فلا يتأتى لأحد أن يأتي بأقصر سورة منه لجزالة تركيبه، وفخامة ترتيبه الخارج عن طوق البشر، وليس المراد حصر معجزاته فيه ولا أنّه لم يؤت من المعجزات ما أوتي من تقدّمه، المراد به المعجزة العظمى التي اختصّه بها دون غيره، لأنّ كل نبي أعطي معجزة خاصة به لم يعطها بعينها غيره تحدّى بها قومه، ولذلك رتب على قوله: «وأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» يريد لاضطرار الناس إلى الإيمان به إلى يوم القيامة وذكر ذلك على وجه الرجاء لعدم العلم بما في الأقدار السابقة وقيل المعنى أن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعمارهم، فلم يشاهدها إلّا من حضرها ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة، وخرق العادة في أسلوبه وبلاغته وإخباره بالمغيبات، فلا يمرّ عصر من الأعصار إلّا ويظهر فيه شيء مما أخبر أنه سيكون يدل على صحة دعواه، ولهذا قال «وأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» .
قال الحافظ: هذا أقوى المحتملات وتكميله في الذي بعده.
وقيل: المعنى أنّ المعجزات الماضية كانت حسّيّة تشاهد بالأبصار كناقة صالح وعصا موسى، ومعجزة القرآن تشاهد بالبصيرة مرّة فيكون من يتبعه لأجلها أكثر، لأن الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده، والذي يشاهد بعين العقل يشاهده كل من جاء بعد الأوّل مستمرا، قال الحافظ- رحمه الله تعالى-: ويمكن نظم هذه الأقوال كلها في كلام واحد، فإنّ محصلها لا ينافي بعضه بعضا، رتب صلى الله عليه وسلم قوله: «فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» على ما تقدم من معجزة القرآن المستمرة لكثرة فائدته وعموم نفعه، لاشتماله على الدّعوة والحجة والإخبار بما سيكون فعمّ نفعه من حضر ومن غاب ومن وجد ومن سيوجد، فحسن ترتيب الرجوى المذكورة على ذلك وهذه الرجوى قد تحقّقت فيه فإنّه أكثر الأنبياء تابعا ولا خلاف بين الفقهاء أنّ كتاب الله- عز وجل- معجز لم يقدر أحد على معارضته مع تحديهم بذلك قال تعالى وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة: 6] فلولا(9/413)
أنّ سماعه حجّة عليه لم يقف أمره على سماعه ولا يكون حجّة وإلّا فهو معجزة.
وقال الله تعالى: وقالوا: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ، قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ، وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ [العنكبوت/ 50] أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ [العنكبوت/ 51] فأخبر أنّ الكتاب آية من آياته كان في الدّلالة قائم مقام معجزات غيره، وآيات من سواه من الأنبياء وقد جاءهم به النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، وكانوا أفصح الفصحاء ومصاقع الخطباء، وتحدّاهم على أن يأتوا بمثله، وأمهلهم طول السّنين، فلم يقدروا ثم تحداهم بعشر سور منه، ثم تحدّاهم بسورة، فلما عجزوا عن معارضته والإتيان بسورة تشبهه على كثرة الخطباء فيهم والبلغاء نادى عليهم بإظهار العجز وإعجاز القرآن، هذا وهم الفصحاء الذين كانوا أحرص شيء على إطفاء نوره، وإخفاء أمره، فلو كان في مقدرتهم معارضته لعدلوا إليها قطعا للحجّة، ولم ينقل عن أحد منهم أن حدّث نفسه بشيء من ذلك ولا رامه بل عدلوا إلى العناد تارة وإلى الاستهزاء أخرى، فتارة قالوا: «سحر» للطافته، وتارة قالوا: «سحر» لحسن نظمه وفصاحته، وقال آخرون إنّه أساطير الأولين، لاستغرابهم معانيه، وقال آخرون: «قول الكهنة» لتحيّرهم فيه، كل ذلك من التحيّر والانقطاع، ثم رضوا بتحكيم السيف في أعناقهم وسبي ذراريهم وحرمهم واستباحة أموالهم، وقد كانوا آنف شيء وأشدّه حمية، فلو علموا أن الإتيان بمثله من قدرتهم لبادروا إليه، لأنّه كان أهون عليهم.
وقال بعض العلماء: الذي أورده صلى الله عليه وسلم على العرب من الكلام الذي أعجزهم عن الإتيان بمثله أعجب في الآية وأوضح في الدلالة من فلق البحر وإحياء الموتى وإبراء الأكمه، لأنّه أتى أهل البلاغة وأرباب الفصاحة ورواد البيان والمتقدمة في اللغز بكلام مفهوم المعنى وكان عجزهم عنه أعجب من عجز من شاهد عيسى صلى الله عليه وسلم عند إحياء الموتى لأنّهم كانوا لا يطمعون فيه، ولا في إبراء الأكمه والأبرص ولا يتعاطون علمه، وقريش كانت تتعاطى الكلام الفصيح والبلاغة والخطابة، وقال القاضي: معجزات الرسل كانت واردة على أيديهم بقدر أحوال أهل زمانهم، وكانت بحسب المعنى الذي علا واشتهر فيه، فلما كان زمن موسى صلى الله عليه وسلم غاية علم أهل السّحر بعث إليهم بمعجزة تشبه ما يدعون قدرتهم عليه، فجاءهم على يديه صلى الله عليه وسلم منها ما خرق عادتهم من انقلاب العصا حيّة واليد السمراء يدا بيضاء من غير سوء لم يكن ذلك المعجز في قدرتهم، وقد أبطل ما جاءهم منها بسحرهم، وكذلك زمن عيسى صلى الله عليه وسلم كان انتهاء ما كان عليه أهل الطب، وأوفر ما كان في أهله فجاءهم على يديه صلى الله عليه وسلم أمر لا يقدرون عليه لاستحالة إتيانهم كغيرهم به وأتاهم بما لم يخطر لهم ببال من إحياء الموتى وإبراء الأكمه الذي ولد ممسوح العين والأبرص، وهو الذي بيده بياض فكان يأتيه من أطاق(9/414)
الإتيان، ومن لم يطق ذهب به إليه فربما اجتمع عنده الألفان يظهر لهم ذلك، فيداويهم من دون معالجة، وذلك بالدعاء، وهكذا سائر معجزات الأنبياء بقدر علم أهل زمانهم، فإن كان نبي مرسل إلى قومه بمعجزة من جنس ما عاينوه من علم وصناعة وغيرها. ثم بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم، وجملة معارف العرب وعلومها أربعة: البلاغة: وهي ملكة يبلغ بها المتكلّم من تأدية المعاني حدا يوزن بتوفيته خاصية كل تركيب حقّها.
والشّعر: وهو كلام موزون مقفى مراد به الوزن.
والخبر والكهانة: الخبر عن الكائنات وادّعاء معرفة الأسرار كان متفشيا فأنزل الله سبحانه عليه القرآن الخارق لهذه الأربعة الفصول من أجل الفصاحة والإيجاز والبلاغة الخارجة عن نوعه وطريقته، وكان العرب يتباهون بالفصاحة، ويتباهون في تحبير الشّعر والبلاغة، وكانوا أفصح الفصحاء ومصاقع الخطباء، فأنزله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم قرآنا عربيا مبينا يشتمل على مذاهب لغة العرب، فتلا عليهم كلاما متشابه الرصف متجانس الوصف، سهل الموضوع، عذب المسموع، خارجا عن موضوع القريض والأسماع مستعذبا لأفهام الأسماع فلما سمعوه استبعدوه فقالوا فيه ما قالوا، فتحدّاهم على أن يأتوا بمثله فعجزوا، ثم تحدّاهم بعشر سور من مثله فعجزوا، ثمّ تحدّاهم بسورة من مثله، فآلوا عند العجز إلى القتل والقتال، وسبقوا العصور إلى الجحود والجدال، فلمّا عدلوا عن معارضته التي لو تمّت كان يدل على كذبه إلى قتاله الذي لو تم موضعهم فيه لم يدلّ على كذبه كان الإعجاز باديا ظاهرا وعجزهم عن معارضته وانتحاله معلوم، فالقرآن أفضل المعجزات لبقائه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يبق معجز غيره بعد وفاته، آمنّا به، ولأن الأحكام الشرعيّة مستنبطة منه ولم تستنبط من معجز سواه، فالقرآن بحر لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا وحكى أبو عبيد: أنّ أعرابيا سمع رجلا يقول فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ [الحجر: 94] ضحك وقال: سجدت لفصاحة هذا الكلام، وسمع رجلا آخر يقرأ فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا [يوسف: 80] فقال: أشهد أن مخلوقا لا يقدر على مثل هذا الكلام.
وحكى الأصمعي: أنّه سمع كلام جارية، وهي تقول: أستغفر الله من ذنوبي، فقلت لها:
لم تستغفرين، ولم يجر عليك القلم؟ قال: فقالت: أستغفر الله لذنبي كلّه: قتلت إنسانا لغير حلّه مثل غزال نائم في دلّه، انتصف اللّيل ولم أصلّه فقلت لها: لماذا تبكي، ما أفصحك، فقالت: أو يعد هذا فصاحة، بعد قوله تعالى وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ، فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(9/415)
[القصص: 7] فجمع في آية واحدة بين أمرين، ونهيين، وخبرين وبشارتين، والآثار في هذا النوع كثيرة.
وقال القاضي- رحمه الله تعالى-: وحقا، إن العرب قد خصّوا من البلاغة والحكم بما لم يخصّ به غيرهم من الأمم وأتوا من ذرابة اللسان ما لم يؤت إنسان، ومن فصل الخطاب ما يقيد الألباب عن أن تلهج بتراكيب صناعتهم وتبهيج أساليب صياغتهم أفانين الكلام، فجعل الله- تعالى- ذلك لهم طبعا وخلقة وفيهم غريزة وقوة يأتون منه على البديهة بالعجب، ويدلون به إلى كلّ سبب، فيخطبون بديهة في المقامات شديد الخطب، ويرتجزون به بين الطّعن والضّرب، ويمدحون ويقدحون، ويتوسّلون به إلى ما يرومونه من نجاح مآربهم، ويتوصّلون به إلى الفوز بمطالبهم، ويرفعون ويضعون من أرادوا، فيأتون من ذلك بالسّحر الحلال الّذي انسجم لفظه، ولطف معناه في مواسمهم ومقاصدهم، ويطوّقون من أوصافهم الحميدة وسماتهم الحميدة ما رأوه أهلا من أوصافهم أجمل سمط اللآل، فيخدعون الألباب، ويذلّلون الصّعاب، ويذهبون الأحن، ويهجون الرتن ويجرّئون الجبان، ويبسطون الجعد البنان، ويصيرون الناقص كاملا، ويتركون النّبيه خاملا، منهم البدويّ ذو اللّفظ الجزل، والقول الفصل والكلام الفخم، والطبع الجوهريّ والمنزع القويّ، ومنهم الحضري، ذو البلاغة البارعة، والألفاظ التابعة، والكلمات الجامعة، والطبع السهل، والتصرف في القول، القليل الكلفة، الكثير الرونق، الرقيق الحاشية، وكلا البابين لهما في البلاغة الحجّة البالغة، والقوة الدامغة، والقدح الفالج، والمهيع الناهج، لا يشكون أن الكلام طوع مرادهم، والبلاغة ملك قيادهم، يتصرفون في معاني أفانين الكلام، فيقلدون بجوز الأذهان روائع طرائفه، ويسترقون الأسماع ببدائع عوارفه، وقد حووا فنونها، واستنبطوا عيونها، ودخلوا من كل باب من أبوابها، وعلوا صرحا لبلوغ أسبابها فقالوا في الخطير والمهين، وتفننوا في الغث والسمين وتفاولوا في القلّ والكثير وتساجلوا في النظم والنثر، فما راعهم إلا رسول كريم منهم، بكتاب عزيز بلسانهم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، أحكمت آياته وفصّلت كلماته، وبهرت بلاغته العقول، وظهرت فصاحته على كلّ مقول، وتظاهر إيجازه، وإعجازه، وتظاهرت حقيقته ومجازه، وتبارت في الحسن مطالعه، ومقاطعه، وحوت كلّ البيان جوامعه، وبدائعه واعتدل مع إيجازه، حسن نظمه، وانطبق على كثرة فوائده، مختار لفظه أزلا لله تعالى، فارقا لعلومهم الأربعة، من الفصاحة والإيجاز والبلاغة الخارجة عن نوع كلامهم، ومن النّظم الغريب، والأسلوب العجيب، الذي لم يهتدوا في المنظوم إلى طريقته، ولا علموا في أساليب الكلام والأوزان مثلا، ومن الإخبار عن الكوائن والحوادث والأسرار والمجنات والضمائر، فيوجد على ما كانت عليه ويعترف المخبر عنها نصحه ذلك وصدقه، وإن كان أعدى العدو(9/416)
إذا أبطل الكهانة الذي تصدق مرة وتكذب عشرا، ثم ليجتثّها من أصلها برجم الشّهب ورسل النجوم، وجاء من القرآن من الأخبار عن القرون السّالفة، عن الأنبياء والأمم البائدة من الحوادث الماضية ما ينجز من تفرّغ لهذا العلم عن بعضه، وهم أفسح ما كانوا في هذا الباب مجالا، وأشهر في الخطابة رجالا، وأكثر في السجع والشعر سجالا، وأوسع في اللّغة والغريب مقالا، بلغتهم التي بها يتحاورون، ومنازعهم التي عنها يناضلون صارخين بها في كل حين ومقرعا لهم بضعا وعشرين عاما على رءوس أشرافهم ورؤسائهم أجمعين، فتحدّاهم أوّلا بكلّ القرآن، ثم تحدّاهم بعشر سور، فقال تعالى: أَمْ يَقُولُونَ: افْتَراهُ [يونس: 38] أي بل يقولون اختلقه، والهمزة إشارة لقولهم، أو تقرير لإلزام الحجّة عليهم، وهما متقاربان، لأنّ مآلهما واحد وهو إبطال قولهم وتثبيت التقرير بما يؤذن به قل على سبيل التهكّم عليهم، والتقريع لهم، والمناداة على كمال عجزهم، وإلزام الحجّة عليهم، إن كان الأمر كما زعمتم على وجه الافتراء بعشر سور مثله في البيان وحسن النظم مفتريات مختلفات من عند أنفسكم، «وادعوا من استطعتم من دون الله» أي استعينوا بغير الله ممّن يمكن استعانتكم به على الإتيان بذلك، لأنّه تعالى هو القادر عليه وحده «إن كنتم صادقين» في أنّه افتراه، فعجزوا عن ذلك فتحدّاهم بسورة واحدة منها، كما قرّ عليهم، فقال الله- عزّ وجلّ-: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا [البقرة/ 23] أي مماثلة للقرآن في البلاغة وحسن النّظم وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ [البقرة/ 23] أي استظهروا لمعارضته من حضركم، أو ارجوا معونة غير الله تعالى، فإنّه هو القادر عليه إن كنتم صادقين في أنّنا لم ننزله عليه، فلمّا عجزوا عن معارضته والإتيان بسورة تشهد عليهم بإظهار العجز وإعجاز القرآن، وكانوا أحرص شيء على إخفاء نوره، فلو كان في مقدرتهم معارضته، لعدلوا إليها قطعا للحجّة، فلم يزل صلى الله عليه وسلم يقرعهم أشد التقريع، ويوبّخهم غاية التوبيخ، ويسفه أحلامهم، ويحطّ أعلامهم، ويشتت نظامهم، ويذم آلهتهم، ويستبيح أرضهم، وديارهم، وأموالهم، وهم في كلّ هذا ناكصون عن معارضته، محجمون عن مماثلته يخادعون أنفسهم بالتشغيب، والتكذيب، والإغراء بالافتراء، كقولهم إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ [المدثر/ 24] وسِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر/ 2] وإِفْكٌ افْتَراهُ [الفرقان/ 4] وأساطير الأوّلين والمباهتة، والرضا بالدنية كقولهم قُلُوبُنا غُلْفٌ [البقرة/ 88] فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ [فصلت/ 5] ، لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه بخرافات وسواقط الكلم رافعين أصواتهم بها، تشويشا على قارئه، والادّعاء مع العجز بقولهم: لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا [الأنفال/ 31] وقاحة وفرحا وعنادا وإلا فما منعكم لو ساعدتهم الاستطاعة إن شاءوا ذلك أن تحدّاهم وقرعهم بالعجز ليفوزوا للغلبة فرحا بأنفسهم واستنكافهم أن يغلبوا فيها في باب البيان وقد قال تعالى وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة/ 24] فما فعلوا،(9/417)
وما قدروا على أن يأتوا بمقدار سورة توازيه وتدانيه، مع علمهم في مضادّته ومضارعته.
فصل: لما أثبت كون القرآن معجزة لنبينا صلى الله عليه وسلم وجب الاهتمام بمعرفة وجه الإعجاز، وقد خاض النّاس في ذلك كثيرا بين محسن ومسيء فزعم قوم أنّ التحدّي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذّات وأنّ العرب كلّفت في ذلك ما لا يطاق، وبه وقع عجزها وهو مردود، لأن ما لا يمكن الوقوف عليه لا يتصوّر التحدي به والصّواب ما قاله الجمهور أنه وقع بالدّالّ على القديم الذي يوصف به الذّات، وأنّ العرب كلّفت في ذلك مالا يطاق، وهو الألفاظ، ثم زعم النظّام من «المعتزلة» أنّ إعجازه بالصّرفة أي أن الله تعالى صرف العرب عن معارضته وسلب عقولهم، وكان مقدورا لهم، لكن عاقهم أمر خارجي فصار كسائر المعجزات، وهذا قول فاسد، بدليل قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ [الإسراء/ 88] الآية، فإنه على عجزهم مع بقاء قدرتهم، ولو سلبوا القدرة لم يبق لهم فائدة لاجتماعهم لمنزلة منزلة اجتماع الموتى، وليس عجز الموتى ممّا يحتفل بذكره، هذا مع أن الإجماع منعقد على أنّ الإضافة للإعجاز إلى القرآن، فكيف يكون معجزا، وليس فيه صفة إعجاز، بل المعجز هو الله تعالى، حيث سلبهم القدرة على الإتيان بمثله، وأيضا فيلزم من القول بالصّرفة زوال الإعجاز بزوال زمان التّحدّي وخلوّ القرآن من الإعجاز، وفي ذلك خرق إجماع الأمة، فإن معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم العظمى باقية ولا معجزة له باقية سوى القرآن، قال قاضي أهل الحقّ أبو بكر الباقلاني: وممّا يبطل القول بالصّرفة أنّه لو كانت المعارضة ممكنة، وإنما منع عنها الصّرف لم يكن الكلام معجزا، وإنّما يكون بالمنع معجزا فلا يتضمّن الكلام فضيلة على غيره في نفسه قال: وليس هذا بأعجب من قول فريق منهم أنّ الكلّ قادرون على الإتيان بمثله، وإنّما تأخّروا عنه لعدم العلم بوجه ترتيبه، ولو تعلّموه لوصلوا إليه به، ولا أعجب من قول آخرين أنّ العجز وقع منهم، وأما من بعدهم ففي قدرته الإتيان بمثله، وكلّ هذا لا يعتدّ به، ومن الأول قول القاضي أبي بكر: وجه إعجازه ما فيه من النّظم والتأليف والتّرصيف وأنه خارج عن جميع وجوه النّظم المعتاد في كلام العرب، ومباين لأساليب خطاباتهم، قال: ولهذا لم يمكنهم معارضته.
قال: ولا سبيل إلى معرفة إعجاز القرآن من أصناف البديع التي أودعوها في الشّعر، لأنّه ليس مما يخرق العادة، بل يمكن استدراكه بالعلم والتّدريب والتّصنّع به، كقول الشّعر ورصف الخطب، وصناعة الرسالة، والحذق في البلاغة، وله طريق تسلك، فأما شأو نظم القرآن فليس له مثال يحتذي عليه، ولا إمام يقتدى به، ولا يصح وقوع مثله اتّفاقا، ونحن نعتقد أنّ الإعجاز في بعض القرآن أظهر، وفي بعض أدقّ وأغمض.
وقال الإمام الرّازيّ: وجه الإعجاز الفصاحة، وغرابة الأسلوب، والسلامة من جميع العيوب.(9/418)
وقال الزّملكانيّ: وجه الإعجاز راجع إلى التأليف الخاصّ به، لا مطلق التّأليف، بأن اعتدلت مفرداته تركيبا وزنة وعلت مركباته معنى بأن يوقّع كلّ فنّ في مرتبته العليا في اللفظ والمعنى.
وقال حازم في «منهاج البلغاء» : وجه الإعجاز في القرآن، من حيث استمرت الفصاحة والبلاغة فيه من جميع أنحائها في جميعه استمرارا لا يوجد له فترة، ولا يقدر عليه أحد من البشر، وكلام العرب ومن تكلّم بلغتهم لا تستمرّ الفصاحة والبلاغة في جميع أنحائها في العالي منه إلّا في الشّيء اليسير المعدود ثمّ تعرض الفترات الإنسانية فينقطع طيب الكلام ورونقه، فلا تستمرّ لذلك الفصاحة في جميعه، بل توجد في تفاريقه وأجزاء منه.
وقال ابن عطية الصحيح والّذي عليه الجمهور والحذّاق في وجه إعجازه، أنّه وصحّة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه، وذلك بأنّه- عزّ وجلّ- أحاط بالكلام كلّه علما، فإذا ترتّبت اللفظة من القرآن علم بإحاطته أيّ لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعنى بعد المعنى ثم كذلك من أوّل القرآن إلى آخره، والبشر يعمّهم الجهل والنّسيان والذّهول، ومعلوم ضرورة أنّ أحدا من البشر لا يحيط بذلك، فبهذا جاء نظم القران في الغاية القصوى من الفصاحة، وبهذا يبطل قول من قال: إنّ العرب كان في قدرتها الإتيان بمثله فصرفوا عن ذلك، والصّحيح أنه لم يكن في قدرة أحد قطّ، ولهذا ترى البليغ ينقّح القصيدة أو الخطبة حولا ثمّ ينظر فيها فيغيّر فيها، وهلمّ جرّا، وكتاب الله سبحانه لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم يوجد، ونحن تتبيّن لنا البراعة في أكثره ويخفى علينا وجهها في مواضع لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذّوق وجودة القريحة، وقامت الحجّة على العالم بالعرب، إذ كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة، كما قامت الحجة في معجزة موسى بالسحرة، وفي معجزة عيسى بالأطبّاء، فإن الله- عز وجل- إنّما جعل معجزات الأنبياء بالوجه الشّهير أبرع ما يكون في زمن النبي الذي أراد إظهاره، فكان السحر قد انتهى في مدّة موسى إلى غايته، وكذلك الطّبّ في زمن عيسى، والفصاحة في زمن محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال الخطّابيّ: ذهب الأكثرون من علماء النظر إلى أنّ وجه الإعجاز فيه من جهة البلاغة لكن صعب عليهم تفصيلها، وصغوا فيه إلى حكم الذوق، قال: والتحقيق أن أجناس الكلام مختلفة، ومراتبها في درجات البيان متفاوتة، فمنها البليغ الرصين الجزل، ومنها الفصيح الغريب السّهل، ومنها الجائز الطلق الرّسل، وهذه أقسام الكلام الفاضل المحمود، فالأول أعلاها، والثاني أوسطها، والثالث أدناها وأقربها، فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصّة، وأخذت من كل نوع شعبة، فانتظم لها بانتظام هذه الأوصاف نمط من الكلام،(9/419)
بجمع صفتي الفخامة والعذوبة وهما على الانفراد في نعوتهما، كالمتضادين، لأن العذوبة تتابع السهولة، والجزالة والمتانة يعالجان نوعا من الزعورة، فكان اجتماع الأمرين في نظمه مع نبوّ كل واحد منهما على الآخر فضيلة خصّ بها القرآن، ليكون آية بينة لنبيه صلى الله عليه وسلم وإنما تعذّر على البشر الإتيان بمثله لأمور.
منها: أنّ علمه لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية، وأوضاعها التي هي ظروف المعاني ولا تدرك أفهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ ولا تكمل معرفتهم باستيفاء جميع وجوه النظوم التي بها يكون ائتلافها وارتباط بعضها ببعض فيتوصلوا باختيار الأفضل من الأحسن من وجوهها إلى أن يأتوا بكلام مثله، وإنّما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة، لفظ حاصل ومعنى به قائم ورباط لهما ناظم، وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة حتى لا ترى شيئا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه، ولا ترى نظما أحسن تأليفا، وأشد تلاؤما، وتشاكلا من نظمه، وأما معانيه فكل ذي لب يشهد له بالتقدم في أبوابه والتّرقي إلى أعلى درجاته، وقد توجد هذه الفضائل الثلاثة، على التفرّق في أنواع الكلام، فأمّا أن توجد مجموعة في نوع واحد منه فلم توجد إلّا في كلام العليم القدير، فخرج من هذا أن القرآن إنّما صار معجزا، لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التآليف مضمنا أصحّ المعاني، من توحيد الله تعالى، وتنزيهه له في صفاته، ودعاء إلى طاعته وبيان لطريق عبادته، في تحليل وتحريم وحظر وإباحة، ومن وعظ وتقويم وأمر بالمعروف، ونهي عن منكر وإرشاد إلى محاسن الأخلاق، وزجر عن مساويها، واضعا كلّ شيء منها موضعه الذي لا يرى شيئا أولى منه، ولا يتوهّم في صورة العقل أليق به منه مودعا أخبار القرون الماضية وما نزل منه مثلات الله تعالى بمن مضى وعاند منهم منبئا عن الكوائن المستقبلة في الأعصار الآتية من الزمان جامعا في ذلك بين الحجّة والمحتجّ له، والدليل والمدلول عليه، ليكون ذلك أكبر للزوم ما دعا عليه وإنباء عن وجوب ما أمر به، ونهى عنه، ومعلوم أن الإتيان بمثل هذه الأمور والجمع بين أشتاتها حتّى تنتظم وتتسق أمر تعجز عنه قوى البشر ولا تبلغه قدرتهم فانقطع الخلق دونه، وعجزوا عن معارضته بمثله، أو مناقضته في شكله، ثم صار المعاندون له يقولون مرّة إنه شعر لمّا رأوه منظوما، ومرّة إنّه سحر لمّا رأوه معجوزا عنه غير مقدور عليه، وقد كانوا يجدون له وقعا في القلوب، وفزعا في النفوس يريبهم ويحيرهم، فلم يتمالكوا أن يعترفوا به نوعا من الاعتراف، ولذلك قالوا إنّ له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة، وكانوا مرّة بجهلهم، يقولون أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفرقان: 5] مع علمهم أنّ صاحبهم أمّيّ وليس بحضرته من يملي أو يكتب في نحو ذلك، من الأمور التي أوجبها العناد والجهل والعجز، ثم قال: وقد قلت في إعجاز القرآن وجها ذهب عنه الناس، وهو صنيعه في(9/420)
القلوب، وتأثيره في النفوس، فإنّك لا تسمع كلاما غير القرآن منظوما، ولا منثورا إذا قرع السّمع خلص له إلى القلب من اللّذّة والحلاوة في حال، ومن الروعة والمهابة في حال آخر، ما يخلص منه إليه قال الله- سبحانه وتعالى- لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر: 21] وقال نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ [الزمر/ 23] .
وقال ابن سراقة اختلف أهل العلم في وجه إعجاز القرآن، فذكروا في ذلك وجوها كثيرة كلّها حكمة وصواب، وما بلغوا في وجوه إعجازه جزءا واحدا من عشر معشاره.
فقال قوم: هو الإيجاز مع البلاغة. وقال آخرون: هو البيان والفصاحة.
وقال آخرون: هو الرّصف والنّظم وقال آخرون: فهو كونه خارجا عن جنس كلام العرب من النّظم والنّثر والخطب والشّعر مع كون حروفه في كلامهم ومعانيه في خطابهم وألفاظه من جنس كلماتهم، وهو بذاته قبيل غير قبيل كلامهم، وجنس آخر متميز عن أجناس خطابهم، حتى إن من اقتصر على معانيه، وغيّر حروفه، أذهب رونقه، ومن اقتصر على حروفه وغير معانيه، أبطل فائدته، فكان في ذلك أبلغ دلالة على إعجازه، وقال آخرون: هو كون قارئه لا يكلّ، وسامعه لا يملّ، وإن تكرّرت عليه تلاوته.
وقال آخرون: هو ما فيه من الإخبار عن الأمور الماضية.
وقال آخرون: هو ما فيه من علم الغيب، والحكم على الأمور بالقطع.
وقال آخرون: هو كونه جامعا لعلوم يطول شرحها ويشق حصرها. قال الزركشي في «البرهان» : أجمع أهل التحقيق على أنّ الإعجاز وقع بجميع ما سبق من الأقوال لا بكل واحد على انفراده، فإنه جمع ذلك كلّه، فلا معنى لنسبته إلى واحد منها بمفرده مع اشتماله على الجميع، بل وغير ذلك مما لم يسبق، فمنها الرّوعة التي له في قلوب السّامعين وأسماعهم سواء المقرّ والجاحد، ومنها: أنه لم يزل ولا يزال غضا طريّا في أسماع السامعين وعلى السنة القارئين، ومنها: جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة وهما كالمتضادّين لا يجتمعان غالبا في كلام البشر.
ومنها جعله آخر الكتب غنيا عن غيره، وجعل غيره من الكتب المتقدمة قد يحتاج إلى بيان يرجع فيه إليه، كما قال سبحانه وتعالى إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النمل/ 76] وقال القاضي وغيره من العلماء: [....] اختلف الناس في الوجه الذي وقع به إعجاز القرآن على أقوال حاصلها: أنّه وقع بعدّة وجوه منها: يخصّ حسن تأليفه، ومنها: التئام كلمه، وفصاحته ووجوه إيجازه، من قصر وحذف جزء جملة مضاف أو موصوف أو صفة في نحو «واسأل القرية» أي أهلها ومنادون أي برجال، و «يأخذ كلّ(9/421)
سفينة غصبا» أي سفينة صالحة وغير ذلك مما استدل عليه من وجوه الإعجاز، وبلاغته الخارقة لعادة العرب في عجائب تراكيبهم ومنها صورة نظمة العجيب، والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب، ومنهاج نظمها ونثرها، الذي جاء عليه ووقفت عليه مقاطع آياته، وانتهت إليه فواصل كلماته، ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له، ومنها: ما انطوى عليه من الإخبار بالمغّيبات، وما لم يكن موجوداً فوجد كما ورد.
ومنها إنباؤه عن أخبار القرون الماضية والأمم البائدة والشرائع السالفة ما كان لا يعلم منه القصّة الواحدة إلا الفذّ من إخبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلّم ذلك، فيورده سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على وجهه، ويأتي به على نصّه، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب.
ومنها: ما تضمّنه عن الأخبار بالضمائر كقوله تعالى إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ [آل عمران/ 122] وقوله: يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ [المجادلة: 8] .
ومنها آي وردت بتعجيز قوم في قضايا وإعلامهم أنّهم لا يفعلونها، فما فعلوا، ولا قدروا على ذلك كقوله في اليهود: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً [البقرة/ 95] .
ومنها ترك المعارضة مع توفّر الدواعي وشدة الحاجة.
ومنها: الرّوعة التي تلحق قلوب سامعيه عند سماعهم والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته، كما وقع لجبير بن مطعم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب والطور، فلما بلغ هذه الآية أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ إلى قوله الْمُصَيْطِرُونَ [الطور/ 35- 37] كاد قلبي [....] أن يطير، قال: وذلك أوّل ما وقر الإسلام في قلبي، وقد سمع غير واحد آيات منه، فمات لوقته، وألّف بعضهم كتابا فيمن قتله القرآن.
ومنها: أن قارئه لا يملّه، وسامعه لا يمجّه، بل الإكباب على تلاوته، يزيده حلاوة، وترديده يوجب له محبّة وغيره من الكلام يعادى إذا أعيد، ويملّ مع الترديد، ولهذا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن بأنّه لا يخلق على كثرة «الترداد» .
ومنها: كونه آية باقية لا يعدم ما بقيت الدنيا مع تكفّل الله عز وجل بحفظه، ومنها جمعه لعلوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الكتب، ولا أحاط بعلمها أحد، في كلمات قليلة، وأحرف معدودة.
ومنها جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة، وهما كالمتضادين لا يجتمعان في كلام البشر غالبا.
ومنها جعله آخر الكتب غنيّا عن غيره، وجعل غيره من الكتب قد يحتاج إليه كما قال(9/422)
تعالى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النمل/ 76] قال القاضي: والوجوه الأربعة الأول هي المعتمد عليها في الإعجاز والباقي يعدّ في خصائصه، وبقي من خصائصه كونه نزل على سبعة أحرف، وكونه نزل مفرّقا منجّما، وكونه ميسّرا للحفظ، وسائر الكتب بخلاف ذلك في الثّلاثة.
قال القاضي: وإذ عرفت ما ذكر من وجوه إعجاز القرآن عرفت أنّه لا تحصى عدد معجزاته بألف ولا ألفين ولا أكثر، لأنه صلى الله عليه وسلم قد تحدّى به بسورة منه فعجزوا عنها.
قال أهل العلم: وأقصر الصّور «إنا أعطيناك الكوثر» فكل آية أو آيات منه بعددها وقدرها معجزة، ثم فيها نفسها معجزات على ما سبق.
قال الشيخ- رحمه الله تعالى ورضي الله عنه- وإذا أعددتّ كلمات سورة الكوثر وجدتّها بضع عشرة كلمة، وقد عدّ قوم كلمات القرآن سبعا وسبعين ألف كلمة وتسعمائة وأربعا وثلاثين تقريبا فالقدر المعجز منه يكون في العدد نحو: سبعة آلاف تقريبا تضرب في ثمانية أوجه الأوّلان، والسابع والثامن، والتّاسع، والعاشر، والحادي عشر، والثاني عشر تبلغ ستة وخمسين ألف معجزة، ثمّ تضمّ إلى ذلك ما في بعضه من الثالث، والرابع، والخامس، والسادس جملة وافرة فتصل معجزات القرآن بذلك إلى ستين ألف معجزة أو أكثر. انتهى.
وقال القاضي أيضا: معجزات الرّسل، ويرحم الله سيدي محمد وفا حيث قال:
له معجز القرآن في غير جمعه ... جوامع آيات بها أفصح الرّشد
حديث ثرية عن حدوث منزه ... قديم صفات الذّات ليس له ضدّ
بلاغ بلاغ للبلاغة معجز ... له معجزات لا يعدّ لها حدّ
تحلّت بروح الوحي حلّت نسجه ... عقود اعتقاد لا يحلّ لها عقد
وغاية أرباب البلاغة عجزهم ... لديد وإن كانوا هم الألسن اللدّ
ورحم الله السرقسطي حيث قال:
عجّزت بالوحي أرباب البلاغة في ... عصر البيان فضلّت أوجه الحيل
سألتهم سورة في مثل حكمته ... قتلهم عنه العجز حين تلي
ورام رجس كذوب أن يعارضه ... بغي عييّ فلم يحسن ولم يطل
مشيح بركيك الإفك ملتبس ... ملهج بذوي الزّور والخطل
يمجّ أوّل حرف سمع سامعه ... ويعتريه كلال العجز والملل
كأنّ منطق أنورها شدّ به ... لبس من الخيل أو مسّ من الخبل
أمرت البين وأعوزت محبته ... فيها وأعمى بصير العين بالنّقل(9/423)
وأبيض الدّرع من شؤم راحته ... من بعد إرساله رسل منه منهل
برئت من دين قوم لا قوام له ... عقولهم من وقاف الفيّ في عقل
يستخبرون فتى الغيب من حجر ... صلد ويرجون غوث النّصر من هبل
الأولى: اختلف في قدر المعجزة من القرآن فذهبت بعض المعتزلة إلى أنّه يتعلق بجميع القرآن، والآيتان السابقتان تردّه.
وقال القاضي أبو بكر: يتعلق الإعجاز بسورة طويلة كانت أو قصيرة، تشبثا بظاهر قوله:
«بسورة» .
وقال في موضع آخر: يتعلّق بسورة أو قدرها من الكلام، بحيث يتبين فيه تفاضل قوى البلاغة.
قال: فإذا كانت آية بقدر حرف سورة، وإن كانت سورة كسورة الكوثر، فذلك معجز قال: ولم يقم دليل على عجزهم عن المعارضة في أقل من هذا القدر.
قال قوم: لا يحصل الإعجاز بآية بل يشترط الآيات الكثيرة.
وقال آخرون: يتعلق بقليل القرآن وكثيره لقوله تعالى فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ [الطور/ 34] قال القاضي أبو بكر: ولا دلالة في الآية، لأنّ الحديث التامّ لا يتحصل حكايته في أقل من كلمات سورة قصيرة.
الثانية: اختلف في أنّه هل يعلم إعجاز القرآن ضرورة.
قال القاضي: فذهب الشيخ أبو الحسن الأشعريّ إلى أنّ ظهور ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ضرورة وكونه معجزا يعلم بالاستدلال، قال: والذي تقوله: أن الأعجميّ لا يمكنه أن يعلم إعجازه إلا استدلالا، وكذلك من ليس ببليغ، فأمّا البليغ الذي قد أحاط بمذاهب العرب، وغرائب الصّنعة، فإنه يعلم من نفسه ضرورة عجزه وعجز غيره عن الإتيان بمثله.
الثالثة: اختلف في تفاوت القرآن في مراتب الفصاحة، بعد اتفاقهم على أنّه في أعلى مراتب البلاغة بحيث لا يوجد في التراكيب ما هو أشدّ تناسبا ولا اعتدالا في إفادة ذلك المعنى منه، فاختار القاضي المنع، وأن كلّ كلمة فيه موصوفة بالذّروة العليا، وإن كان بعض النّاس أحسن إحساسا له من بعض، واختار أبو النصر القشيري وغيره التّفاوت، فقال: لا ندّعي أن كل ما في القرآن على أرفع الدّرجات في الفصاحة وكذا قال غيره: في القرآن الأفصح والفصيح، وإلى هذا نحا الشيخ عز الدين بن عبد السلام، ثم أورد سؤالا، وهو إنه لم يأت القرآن جميعه(9/424)
بالأفصح؟، وأجاب عنه الصّدر موهوب الجزريّ بما حاصله أنّه لو جاء القرآن على ذلك لكان على غير النّمط المعتاد في كلام العرب من الجمع بين الأفصح والفصيح، فلا تتم الحجّة في الإعجاز فجاء على نمط كلامهم المعتاد، ليتمّ ظهور العجز عن معارضته، ولا يقولوا مثلا أتيت بما لا قدرة لنا عليه أو على جنسه كما لا يصح للبصير أن يقول للأعمى: قد غلبتك بنظري، لأنّه يقول له: إنّما تتمّ لك الغلبة، لو كنت قادرا على النّظر، وكان نظرك أقوى من نظري، فأمّا إذا فقد أصل النّظر، فكيف يصح من المعارضة والله أعلم.
الرابعة: قيل: الحكمة من تنزيه القرآن عن الشّعر الموزون، مع أن الموزون من الكلام رتبته فوق رتبة غيره، أنّ القرآن منبع الحقّ ومجمع الصدق، وقصارى أمر الشاعر التخييل، بتصوير الباطل في صورة الحقّ والإفراط في الإطراء والمبالغة في الذّمّ والإيذاء دون إظهار الحقّ وإثبات الصدق، ولهذا نزه الله- سبحانه وتعالى- نبيّه عنه، ولأجل شهرة الشّعر بالكذبة سمّى أصحاب البرهان القياسات المؤدية في أكثر الأمر إلى البطلان والكذب شعريّة.
وقال بعض الحكماء: لم ير متدين صادق اللهجة مغلقا في شعره، وأما ما وجد في القرآن مما صورته صورة الموزون، فالجواب عنه إن ذلك لا يسمّى شعرا، لأنّ شرط الشّعر القصد، ولو كان شعرا لكان كل من اتّفق في كلامه شيء موزون شاعرا، ولكان الناس كلّهم شعراء، لأنه قلّ أن يخلو كلام احد عن ذلك، وقد ورد ذلك على الفصحاء، فلو اعتقدوه شعرا لبادروا إلى معارضته والطعن عليه، لأنّهم كانوا أحرص شيء على ذلك، وإنّما يقع ذلك لبلوغ الكلام الغاية القصوى في الانسجام. وقيل: البيت الواحد وما كان على وزنه لا يسمّى شعرا، وأقلّ الشّعر بيتان فصاعدا.
وقيل: الرّجز لأنه لا يسمى شعرا أصلا، وقيل: أقل ما يكون من الرّجز شعرا أربعة أبيات، وليس ذلك في القرآن بحال.
الخامسة: قال بعضهم: التحدي إنما وقع للإنس دون الجنّ، لأنهم ليسوا من أهل اللسان العربيّ الذي جاء القرآن على أساليبه وإنّما ذكروا في قوله قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ [الاسراء: 88] تعظيما لإعجازه، لأنّ للهيئة الاجتماعية من القوّة ما ليس للأفراد فإذا فرض اجتماع الثّقلين فيه، وظاهر بعضهم بعضا وعجزوا عن المعارضة، كان الفريق الواحد أعجز.
وقال غيره: بل وقع للجن والملائكة منويون في الآية، لأنّهم لا يقدرون أيضا على الإتيان بمثل هذا القرآن.(9/425)
وقال الكرماني في «غرائب التفسير» : إنّما اقتصر في الآية على ذكر الإنس والجنّ، لأنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثا إلى الثقلين دون الملائكة، قلت: وسيأتي بسط الكلام عن ذلك في الخصائص.
السادسة: قال القاضي أبو بكر: فإن قيل هل تقولون: إن غير القرآن من كلام الله تعالى معجز كالتّوراة والإنجيل؟ قلنا: ليس شيء من ذلك بمعجز في النظم والتأليف، وإن كان معجزا كالقرآن فيما يتضمن من الأخبار بالغيوب وإنما لم يكن معجزا، لأن الله تعالى لم يصفه بما وصف به القرآن، ولأنّا قد علمنا أنه لم يقع التّحدي إليه، كما وقع في القرآن، ولأنّ ذلك اللسان لا يتأتى فيه من وجوه الفصاحة ما يقع به التّفاضل الذي ينتهي إلى حدّ الإعجاز.
وقد ذكر ابن جني في «الخاطريّات» في قوله تعالى: يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى [طه: 65] إن العدول عن قوله «إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ» لغرض أحدهما: لفظيّ وهو المزاوجة لرؤوس الآي، والآخر معنويّ، وهو أنّه سبحانه أراد أن يخبر عن قوّة نفس السّحرة، واستهانتهم على موسى فجاء عنهم باللّفظ أتمّ وأوفى منه إسنادهم الفعل إليه، ثم أورد سؤالا، وهو أنّا نعلم أنّ السّحرة لم يكونوا أهل لسان، فيذهب هذا المذهب من صنعة الكلام، وأجاب بأن جميع ما ورد في القرآن حكاية عن غير أهل اللّسان من القرون الخالية إنّما هو معرب عن معانيهم وليس بحقيقة ألفاظهم، ولهذا لا يشكّ في أن قوله تعالى: قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى [طه:
63] أنّ هذه الفصاحة لم تجر على لغة العجم.
السابعة: سئل الغزاليّ عن معنى قوله تعالى: وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء/ 82] .
فأجاب: الاختلاف لفظ مشترك بين معان، وليس المراد نفي اختلاف الناس فيه، بل نفي الاختلاف عن ذات القرآن، يقال: هذا كلام مختلف، أي لا يشبه أوله آخره في الفصاحة، أو هو مختلف الدّعوى، أي بعضه يدعو إلى الدين، وبعضه يدعو إلى الدنيا، وهو مختلف النظم، فبعضه على وزن الشعر، وبعضه منزحف، وبعضه على أسلوب مخصوص في الجزالة، وبعضه على أسلوب يخالفه، وكلام الله منزّه عن هذه الاختلافات، فإنه على منهاج واحد في النظم مناسب أوله آخره، وعلى درجة واحدة في غاية الفصاحة، فليس يشتمل على الغثّ والسمين، ومسوق لمعنى واحد، وهو دعوة الخلق إلى الله تعالى، وصرفهم عن الدنيا إلى الدّين، وكلام الآدميين تتطرق إليه هذه الاختلافات إذ كلام الشعراء والمترسّلين إذا قيس عليه، وجد فيه اختلاف في منهاج النظم، ثم اختلاف في درجات الفصاحة، بل في أصل الفصاحة،(9/426)
حتى يشتمل على الغثّ والسمين، فلا تتساوى رسالتان ولا قصيدتان، بل تشتمل قصيدة على أبيات فصيحة وأبيات سخيفة، وكذلك تشتمل القصائد والأشعار على أغراض مختلفة، لأن الشعراء والفصحاء في كل واد يهيمون، فتارة يمدحون الدنيا، وتارة يذمونها، وتارة يمدحون الجبن ويسمونه حزما، وتارة يذمونه ويسمونه ضعفا، وتارة يمدحون الشجاعة ويسمونها صرامة، وتارة يذمّونها ويسمّونها تهوّرا، ولا ينفك كلام آدمي عن هذه الاختلافات، لأن منشأها اختلاف الأغراض والأحوال، والإنسان تختلف أحواله فتساعده الفصاحة عند انبساط الطبع وفرحه، وتتعذر عليه عند الانقباض، وكذلك تختلف أغراضه، فيميل إلى الشيء مرّة، ويميل عنه أخرى، فيوجب ذلك اختلافا في كلامه بالضرورة، فلا يصادف إنسان يتكلم في ثلاث وعشرين سنة- وهي مدة نزول القرآن- فيتكلم على غرض واحد ومنهاج واحد، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بشرا تختلف أحواله. فلو كان هذا كلامه أو كلام غيره من البشر لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.
الثامنة: قال البارزي في أول كتابه «أنوار التحصيل في أسرار التنزيل» : اعلم أنّ المعنى الواحد قد يخبر عنه بألفاظ بعضها أحسن من بعض، وكذلك كل واحد من جزأي الجملة، قد يعبّر عنه بأفصح ما يلائم الجزء الآخر، ولا بد من استحضار معاني الجمل، أو استحضار جميع ما يلائمها من الألفاظ، ثم استعمال أنسبها وأفصحها، واستحضار هذا متعذّر على البشر في أكثر الأحوال، وذلك عتيد حاصل في علم الله تعالى، فلذلك كان القرآن أحسن الحديث وأفصحه، وإن كان مشتملا على الفصيح والأفصح، والمليح والأملح، ولذلك أمثلة، منها قوله تعالى: وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ، [الرحمن/ 54] لو قال مكانه: «وثمر الجنتين قريب» ، لم يقم مقامه من جهة الجناس بين الجني والجنتين، ومن جهة أن الثمر لا يشعر بمصيره إلى حال يجنى فيها، ومن جهة مؤاخاة الفواصل. ومنها قوله تعالى: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ [العنكبوت/ 48] ، أحسن من التعبير ب «تقرأ» لثقله بالهمزة. ومنها لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة/ 2] أحسن من «لا شك فيه» لثقل الإدغام، ولهذا كثر ذكر الريب منها. وَلا تَهِنُوا [آل عمران/ 139] ، أحسن من «ولا تضعفوا» لخفته. ووَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي [مريم/ 4] أحسن من «ضعف» لأن الفتحة أخف من الضمة. ومنها آمَنَ أخفّ من «صدق» ، ولذا كان ذكره أكثر من ذكر التصديق وآثَرَكَ اللَّهُ [يوسف/ 91] أخفّ من «فضلك» وآتَى أخف من «أعطى» . وأُنْذِرَ [يس/ 6] أخفّ من «خوف» . وخَيْرٌ لَكُمْ [البقرة/ 54] أخفّ من «أفضل لكم» ، والمصدر في نحو هذا خَلْقُ اللَّهِ [لقمان/ 11] ، يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة/ 3] ، أخف من «مخلوق» و «الغائب» ، وتَنْكِحَ [البقرة/ 230] أخف من «تتزوج» ، لأن «تفعل» أخف من «تفعّل» ، ولهذا كان ذكر النكاح فيه أكثر.(9/427)
التاسع في بيان غريب ما سبق.
الخطباء: بالمد جمع خطيب وهو الحسن الخطبة من الكلام المنثور.
الرّصف: براء مفتوحة فصاد مهملة ساكنة ففاء: الشّد والضم.
العذبة: القريض وهو الشعر.
ذرابة اللّسان: من ذرب ككتف حدّته.
الألباب: جمع لب بضم اللام والموحدة العقل.
المآرب: كفاعل جمع مأرب الحاجة.
أنسجم: بهمزة فنون ساكنة فسين مهملة فجيم فميم مفتوحات.
سمط اللآل: أصل السمط السلك ما دام فيه الخرز.
إحن: بهمزة مكسورة فحاء مهملة مفتوحة فنون جمع إحنة وهي الحقد.
الدّمن: بدال مهملة مكسورة فميم مفتوحة فنون جمع دمنة وهي مبارك الإبل وهي في الأصل ما في مبارك الإبل من بعرها المتلبد.
الجعد: بجيم مفتوحة فعين مهملة الندم فدال للمجتمع.
البنان: بموحدة تنوين بينهما ألف الأصابع، وقيل: أطرافها وواحدها بنان.
الجزل: بجيم مفتوحة فراء ساكنة الكلام التام القوي الشديد.
الرونق: الحسن واللطافة.
الدامغة: بدال مهملة وألف فميم مكسورة غير معجمة فتاء تأنيث المهلك من دمغه إذا أصاب دماغه.
ألهمه: ما ألقى في روعه.
بدايع- بموحدة فدال مهملة مفتوحتين فألف فتحتية فعين مهملة- أي نجائهم بغتة من غير موعد ومعرفة فراعهم ذلك وأفزعهم.
المجال....
الاتجال....
التوبيخ....
الإحجام: بهمزة مكسورة فحاء مهملة ساكنة فجيم فألف فميم التأخر عن الشيء والهيبة من أخذه.(9/428)
بهرت- بموحدة فهاء فراء مفتوحات فتاء تأنيث- غلبت بلاغتها.
ناكصون:....
تلهم- بمثناة فوقية فلام مفتوحتين فهاء فميم- التهمه.
حين- بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية- الهلاك.
الرجز: براء مكسوة فجيم ساكنة فمهملة كالنجس.
بعي- بعين مهملة مكسورة- العجز.
الغي- بغين معجمة مفتوحة فمثناة تحتية مشددة.
يزرى- بزاء فراء التحقير.
الخطل- بخاء معجمة فطاء مهملة مفتوحتين فلام- المنطق الفاسد.
الكلال: العي والتعب.
الورهاء- بواو مفتوحة فراء ساكنة فهاء ممدودة ذا الخرقاء.
شذّبه- بشين وذال معجمتين فموحدة- فرّقه ونقبه.
لبس- بلام مفتوحة فموحدة ساكنة فسين مهملة اختلاط.
الخبل- بخاء معجمة وموحدة ساكنة- الفساد وبفتحها الجنون.
أمرّت- بهمزة وميم مفتوحتين وراء شدت أي صار ماؤها مرّ أو أعمى بصير العين.
والتفل: بمثناة مفتوحة وفاء محركة: هو البصاق.(9/429)
في سؤال قريش- رسول الله صلى الله عليه وسلم- أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر
قال الله- سبحانه وتعالى-: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر/ 1] أي وقع انشقاقه ويؤيده قول الله- سبحانه وتعالى- بعد ذلك بآية: يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر/ 2] ، فإنّ ذلك ظاهر في أن المراد وقوع انشقاقه، لأنّ الكفار لا يقولون ذلك يوم القيامة، وإذا تبيّن أنّ قولهم ذلك إنما هو في الدّنيا يتبيّن وقوع الانشقاق وأنه المراد بالآية التي زعموا أنّها سحر.
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود، وكان يقول: خمس قد مضين: الروم، واللزوم والبطشة، والدّخان، والقمر، وقد وردت قصّة انشقاق القمر من حديث ابن مسعود، رواه الإمام أحمد والشيخان والبيهقي وأبو نعيم من طرق عن ابن عمر، ورواه الشيخان والبيهقي عن جبير بن مطعم ورواه الإمام أحمد والترمذي وابن جرير والحاكم والبيهقي عن حذيفة بن اليمان ورواه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم ببعض هذه القصة عن ابن عباس ورواه الإمام أحمد والشيخان وابن جرير وأبو نعيم من طرق وأنس بن مالك ورواه الإمام أحمد والشيخان وأبو نعيم من طرق متقاربة المعنى أدخلت بعضها في بعض عن أهل مكة قال ابن عباس رضي الله عنهما كما عند أبي نعيم اجتمع المشركون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل هشام والعاصي ابن وائل والأسود بن حبر يغوث والأسود بن عبد المطلب والنضر بن الحرث ونظراؤهم فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية،
وقالوا: إن كنت صادقا فشقّ لنا القمر فرقتين نصفا على أبي قبيس ونصفا على قعيقعان وفي لفظ: حتى راوحوا من بينهما قدر ما بين العصر إلى الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«اشهدوا» ،
فنظر الكفّار ثم مالوا بأبصارهم فمحوها ثم أعادوا النّظر فنظروا ثم مسحوا أعينهم ثم نظروا فقالوا: سحر محمد أعيننا، فقال بعضهم لبعض: لئن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر النّاس كلّهم، فانظروا إلى السّفّار، فإن أخبروكم أنّهم رأوا مثل ما رأيتم، فقد صدق فكانوا يلتقون الرّكب فيخبرونهم أنّهم رأوا مثل ما رأوا فيكذبونهم فأنزل الله عز وجلّ «اقتربت السّاعة» .
تنبيهات
الأول: لم ينشقّ القمر لأحد غير نبينا صلى الله عليه وسلم.
الثاني: وقع في بعض الروايات عن أنس: فأراهم انشقاق القمر بمكة مرّتين رواه الإمام أحمد ومسلم.(9/430)
قال الحافظ ابن كثير: في ذلك نظر، والظّاهر أنّه أراد فرقتين وتكلم ابن القيم على هذه الرّواية فقال: المرات يراد بها الأفعال تارة والأعيان أخرى والأوّل أكثر ومن الثّاني «انشقّ القمر مرّتين» أي شقّتين وفرقتين، وقد خفي على بعض النّاس فادّعى أنّ انشقاق القمر وقع مرّتين، وهذا مما يعلم أهل الحديث والسّير أنه غلط، لأنه لم يقع إلّا مرّة واحدة وقال البيهقي: قد حفظ ثلاثة من أصحاب قتادة وهم سعيد بن أبي عروبة ومعمر بن راشد، وشعبة لكن اختلف عن كلّ منهم في هذه اللّفظة، ولم يختلف على شعبة وهو أحفظهم، ولم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود بلفظ مرتين، إنّما فيه «فرقتين أو فلقتين» بالراء أو اللام وكذا في حديث ابن عمر «فلقتين» وفي حديث جبير بن مطعم «فرقتين» وفي لفظ عنه «فانشقّ باثنتين» وفي رواية عن ابن عباس عن أبي نعيم في «الدلائل» «فصار قمرين» وفي لفظ: «شقّتين» وعند الطبراني من حديثه «حتّى رأوا شقّين» قال: ووقع في النّظم لشيخنا الحافظ أبي الفضل: وانشقّ مرّتين بالإجماع، ولا أعرف من جزم من علماء الحديث بتعدد الانشقاق في زمنه صلى الله عليه وسلم ولم يتعرض لذلك أحد من شرّاح الصحيحين ثم ذكر كلام ابن القيم وابن كثير قال: وهذا لا يتجه غيره جمعا بين الروايات قال: ثم راجعت نظم شيخنا فوجدته يحتمل التأويل المذكور ولفظه:
فصار فرقتين فرقة علت ... وفرقة للطود منه نزلت
وذاك مرتين بالإجماع ... والنص والتواتر السّماع
فجمع بين قوله «فرقتين» وبين قوله «مرتين» فيمكن أن يتعلق قوله بالإجماع بأصل الانشقاق لا بالتعدد، ووقع في بعض الروايات عن ابن مسعود «وانشقّ القمر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى جزأين» وهذا لا يعارض قول أنس أنّه كان بمكة، لأنّه لم يصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ليلة بمكة، وعلى تقدير تصريحه فمنى من جملة مكة، فلا تعارض وقد وقع عند الطبراني من طريق زر بن حبيش عن ابن مسعود رضي الله عنه قال «فرأيته فرقتين» .
قال الحافظ: وإنما قال انشق القمر بمكة يعني أن الانشقاق كان وهم بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة، وقول ابن مسعود «انشق القمر نصفين نصفا على جبل أبي قبيس ونصفا على قعيقعان.
قال الحافظ: وهو محمول على ما ذكرت، وكذا ما وقع في غير هذه الرّواية ومثله روايته عن عبد الله بن مسعود وقد وقع عند ابن مردويه بيان المراد فأخرج من وجه آخر عن ابن مسعود وقال: «انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمكة قبل أن نصير إلى المدينة فوضع أنّ مراده بذكر مكة الإشارة إلى أن ذلك وقع قبل الهجرة، ونحرر أن ذلك وقع وهم ليلتئذ بمنى.(9/431)
وقال في موضع آخر في الكلام على الجمع بين روايتي ابن مسعود والجمع بين قول ابن مسعود تارة بمنى وتارة بمكة إمّا باعتبار التعدد إن ثبت، وإمّا بالجمل على أنه كان بمنى ومن قال كان بمكة لا ينافيه لأن من كان بمنى كان بمكة من غير عكس، ويؤيده أن الرواية التي فيها بمنى قال فيها: «ونحن بمنى» ، والرواية التي فيها «مكة» لم يقل فيها ونحن وإنما قال: «انشق بمكة» يعني أن الإنشقاق كان وهم بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة، وقول ابن مسعود رضي الله عنه انشق القمر نصفين نصف على أبي قبيس ونصف على قعيقعان وأن لفظ السويد قال الحافظ: كان ليلتئذ بمكة، وعلى تقدير تصريحه فمنى من جملة مكة فلا تعارض، وقد وقع عند الطبراني من طريق ذر بن حبيش عن ابن مسعود قال: «انشق القمر بمكة فرأيته فرقتين، وفي لفظ «السويداء» قال الحافظ: يحتمل أن يكون رآه كذلك وهو بمنى كأن يكون على جبل مرتفع بحيث رأى طرف جبل أبي قبيس، قال: ويحتمل أن يكون القمر استمر منشقا حتى رجع ابن مسعود من منى إلى مكة فرآه كذلك وفيه بعد، والذي يقتضيه غالب الروايات أنّ الإنشقاق كان قرب غروبه يؤيد ذلك إسنادهم الرواية إلى جهة الجبل ثم قال الحافظ:
ويحتمل أن يكون الإنشقاق وقع أول طلوعه فإن في بعض الروايات أن ذلك كان ليلة البدر، أو التعبير بأبي قبيس من تغيير الرواة، لأن الفرض ثبوت رؤيته منشقا إحدى الشقتين على جبل والأخرى على جبل آخر ولا يغير ذلك قول الراوي الآخر «رأيت الجبل بينهما» أي بين الفرقتين، لأنه إذا ذهبت فرقة عن يمين الجبل وفرقة عن يساره مثلا صدق أن بينهما أي جبل آخر كان من جهة يمينه أو يساره صدق أنّها عليه أيضا.
قال: وقد أنكر جمهور الفلاسفة انشقاق القمر متمسكين أن الآيات العلوية لا يتهيأ فيها الانخراق والالتئام وكذا قالوا في فتح أبواب السّماء ليلة الاسراء إلى غير ذلك من إنكارهم ما يكون يوم القيامة من تكوير الشمس وغير ذلك وجواب هؤلاء إن كانوا كفارا أن يناظروا أولا على ثبوت دين الإسلام ثم يشركوا مع غيرهم ممن أنكر ذلك من المسلمين، ومتى سلم المسلم بعض ذلك دون بعض ألزم التناقض ولا سبيل إلى انكار ما ثبت في القرآن من الانخراق والالتئام في القيامة فيستلزم جواز وقوع ذلك معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم فقد أجاب القدماء عن ذلك فقال أبو إسحاق الزجاج في المعاني: أنكر بعض المبتدعة الموافقين لمخالفي الملة انشقاق القمر ولا انكار للعقل فيه، لأن القمر مخلوق لله يفعل فيه ما يشاء كما يكوره يوم البعث ويفنيه. وأما قول بعضهم لو وقع لجاء متواترا واشترك أهل الأرض في معرفته ولما اختص بها أهل مكة فجوابه أن ذلك وقع ليلا وأكثر الناس نيام وقل من يراصد السماء إلا النادر وقد يقع بالمشاهدة في العادة أي ينكشف القمر وتبدو الكواكب العظام وغير ذلك في الليل ولا(9/432)
يشاهدها إلا الآحاد فكذلك الانشقاق كان آية وقعت في الليل لقوم سألوا واقترحوا فلم يتأهب غيرهم لها.
قال ذهب بعض أهل العلم من القدماء إلى أن المراد بقوله تعالى «وانشق القمر» أي سينشق.
كما قال تعالى أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النحل/ 1] أي سيأتي والنكتة في ذلك إرادة المبالغة في تحقق وقوع ذلك فنزل منزلة الواقع الذي ذهب إليه الجمهور أصح، كما جزم به ابن مسعود وحذيفة وغيرهما ويؤيده قوله تعالى بعد ذلك وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر/ 2] كما تقدم تقريره في أول الباب، وذكر الإمام الحليمي أنّ القمر انشقّ في عصره وأنّه شاهد الهلال في الليلة الثالثة منشقا نصفين عرض كل واحد كعرض القمر ليلة أربع أو خمس ثم اتّصل فصار في شكل أترجه إلى أن غاب.(9/433)
الباب الرابع حبس الشمس له- صلى الله عليه وسلم-
روى الطبراني وحسنه الحافظ أبو الحسن الهيثمي في «مجمع الزوائد» وأبو الفضل بن حجر في فتح الباري وأبو زرعة العراقي في شرح تقريب والده عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الشمس أن تتأخر ساعة في النهار فتأخرت ساعة من النهار.
روى البيهقي من طريق يونس بن بكير عن أسباط بن نصر عن إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي قال: «لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر قومه بالرفقة والعلامة في العير، قالوا فمتى يجيء قال: يوم الأربعاء فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينظرون وقد ولى النهار ولم يجيء فدعا النبي صلى الله عليه وسلم فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه الشمس فلم تردّ الشمس على أحد إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ وعلى يوشع بن نون حين قاتل الجبارين يوم الجمعة فلما أدبرت الشمس فخاف أن تغيب قبل أن يفرغ منهم ويدخل السبت فلا يحل له قتالهم فيه فدعا الله فرد عليه الشمس حتى فرغ من قتالهم» وقد قال الحافظ أبي الفتح ابن سيّد الناس في قصيدة من كتابه «بشرى اللبيب بذكرى الحبيب» .
وقفت له شمس النهار كرامة ... كما وقفت شمس النّهار ليوشعا
وروّت عليه الشمس بعد غروبها ... وهذا من الإتقان أعظم موقعا
والعلّامة بهاء الدين بن السبكي رحمهما الله تعالى في قصيدته المسماة بهدية المسافر إلى الفور المسافر فقال شعرا:
وشمس الضحى طاعته وقت مغيبها ... فما غربت بل وافقتك بوقفة
وردت عليك الشمس بعد مغيبها ... كما أنّها قدما ليوشع ردت(9/434)
الباب الخامس في ردّ الشمس بعد غروبها ببركة دعائه- صلى الله عليه وسلم-
قال الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني في «معجمه الكبير» حدثنا جعفر بن أحمد بن سنان الواسطي حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى الجرادي بالموصل حدثنا علي بن المنذر حدثنا محمد بن فضيل حدثنا الفضيل بن مرزوق عن إبراهيم بن الحسن عن فاطمة بنت الحسين بن علي عن أسماء بنت عميس قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل الوحي يكاد يغشى عليه فأنزل عليه يوما ورأسه في حجر علي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم صليت العصر يا علي قال: لا يا رسول الله فدعى الله عز وجل فرد عليه الشمس حتى صلى العصر قالت:
فرأيت الشمس طلعت بعدها غابت حين ردت حتى صلّى العصر.
قال الحافظ أبو الحسن الهيثمي ورجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن الحسن وهو ثقة وثقه ابن حبان، قلت: وذكره ابن أبي حاتم فلم يذكر فيه حرجا وأورده الذهبي في المغني في الضعفاء وقال الحافظ ابن حجر في «تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الاربعة» ولم يذكر لذكره فيه مستندا قلت: إنّما ذكره لأجل الحديث ولم ينفرد به إبراهيم بل تابعه عليه عروة بن عبد الله بن قشير عن فاطمة بنت علي كما سيأتي وقال الهيثمي وفاطمة بنت علي بن أبي طالب لا أعرفها قلت: فاطمة هذه روى لها النسائي وابن ماجة في التفسير ووثقها الحافظ ابن حجر في «تقريب التهذيب» وتابعها أبو جعفر بن محمد وجعفر بن أبي طالب، وقال الطبراني حدثنا الحسين بن إسحاق التستري حدثنا عثمان بن أبي شيبة (ح) وحدثنا عبيد بن سنام حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قالا: حدثنا عبيد الله بن أبي موسى عن فضيل بن مرزوق عن إبراهيم بن الحسن عن فاطمة بنت الحسين عن أسماء بنت عميس فذكر نحوه الحسين بن إسحاق قال الذهبي في تاريخ الإسلام: محدث ثقة، وعبيد بن غنام وهو ابن حفص بن غياث وثقّه مسلم بن قاسم، وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة من رجال الصحيحين، وعبيد الله بن موسى من رجال الصحيحين وثقوه، وفضيل بن مرزوق روى له مسلم والأربعة.
قال الحافظ ابن حجر في تقريبه صدوق بهم، وإبراهيم بن الحسن ثقة وأنّ ابن حبّان وثّقه وفاطمة بنت الحسين روى لها أبو داود في المراسيل وثقها الحافظ في التقريب.
تنبيه
قال في الرواية السابقة عن إبراهيم بن الحسن عن فاطمة بنت علي عن أسماء وفي هذه عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها وقد جمع كل من فاطمة بنت علي وفاطمة بنت الحسين عن(9/435)
أسماء وفاطمة بنت الحسين هي أم إبراهيم بن الحسن بن الراوي عنهما فكأنه سمعه من أمّه وعمته فاطمة بنت عليّ فرواه مرة عن أمّه ومرة عن عمتها وقد عد ذاك ابن الجوزي وغيره اضطرابا وليس كذلك.
وقال الطبراني: حدثنا إسماعيل بن الحسن الخفاف حدثنا شاذان بن الفضل حدثنا أبو الفضل محمد بن عبيد الله القصار بمصر حدثنا يحيى بن أيوب العلاف قال حدثنا أحمد بن صالح عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك أخبرني محمد بن محمد بن موسى القطري عن عون بن محمد عن أمه أم جعفر عن أسماء بنت عميس فذكر نحوه.
وقال شاذان حدثنا أبو الحسن أحمد بن عمير حدثنا أحمد بن الوليد بن برد الأنطاكي حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك به عن إسماعيل بن الحسن بن الخفاف وثّقه ابن يونس، ويحيى بن أيوب من رجال النسائي قال الحافظ في «التقريب» : صدوق وأحمد بن صالح من رجال البخاري وأبو داود، وقال في التقريب ثقة حافظ، تكلم فيه النسائي بلا حجة، وأبو الحسن أحمد بن عمير بن جوصاء وثقّه الطبراني وقال أبو علي الحافظ: كان ركنا من أركان الحديث. واماما من أئمة المسلمين قد جاز القنطرة وقال الحافظ في الكشاف: صدوق وقال الدارقطني: ليس بالقوي، قال الذهبي في «تاريخ الإسلام هو ثقه ليس له غرائب فما للضعف عليه من علة.
علة أحمد بن الوليد بن برد وثقه ابن حبان وذكره ابن أبي حاتم فلم يذكر فيه حرجا وقال كتب عن أبي محمد بن إسماعيل بن أبي فديك نعم القاص روى عنه الأئمة والأربعة وذكره البخاري في التاريخ ولم يخرجه، وقال الحافظ في التقريب صدوقا رمي بالتشيع.
وعون بن محمد بن علي بن أبي طالب وثقه ابن حبان وذكره البخاري في «التاريخ» ولم يضعفه وأم جعفر ويقال لها أم عون بنت محمد بن جعفر بن أبي طالب من رجال ابن ماجة قال في «التقريب» مقبولة ولهذا أورد الذهبي هذا الطريق في مختصر الموضوعات وابن الجوزي قال غريب عجيب تفرد به ابن أبي فديك وهو صدوق، شيخه القطري صدوق واعترض على هذا فذكر حديث «لم تحبس الشمس لأحد إلا ليوشع بن نون» وسيأتي الجواب عنه ولم يذكر علة غير ذلك.
وقال شاذان الفضلي حدثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن إسماعيل بن كعب الدقاق بالموصل ثنا علي بن جابر الأودي حدثنا عبد الرحمن بن شريك حدثنا أبي حدثنا عروة بن قشير دخلت على فاطمة بنت علي الأكبر فقالت حدثتني أسماء بنت عميس فذكره.(9/436)
علي بن إبراهيم وثّقه الأزدي نقله الخطيب في التاريخ وعلي بن جابر الأودي بفتح الألف وسكون الواو ودال مهملة وثقه ابن حبان وعبد الرحمن بن شريك روى له البخاري في الأدب المفرد قال الحافظ في التقريب صدوق وأبوه من رجال مسلم والأربعة، وروى له البخاري تعليقا قال في «التقريب» صدوق يخطئ كثيرا، وعروة بن قشير: بضم القاف وفتح الشين المعجمة من رجال أبي داود والترمذي في الشمائل ووثّقه الحافظ في التقريب، وفاطمة بنت علي تقدمت ولهذا الحديث طرق أخرى عن أسماء أوردت بعضها في كتابي «مزيل اللبس عن حديث رّدّ الشمس» وورد من حديث علي ورواه شاذان ومن حديث ابن الحسين بن علي رواه الدولابي في «الذرية الطاهرة» والخطيب في «تلخيص المتشابه» ومن حديث أبي سعيد رواه الحافظ أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن أحمد بن حسكان بمهملتين وفتح أوله الفقيه الحنفي القاضي النيسابوري فيما أملاه من طرق هذا الحديث نقله الذهبي في موضوعات ابن الجوزي من حديث أبي هريرة وابن مردويه وابن شاهين وابن مندة وحسنه شيخنا في «الدر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة» وقد سبقت أحاديثهم وتكلمت على رجالها في كتابي «مزيل اللبس من حديث رد الشمس» وحديثا مما رواه الطحاوي من طريقين في كتابه «مشكل الآثار» وقال هذان الحديثان ثابتان ورواتهما ثقات، ونقله عن القاضي عياض في الشفاء والحافظ به سير الناس في كتابه «بشرى اللبيب» .
وقال في قصيدة ذكرها في شعره.
ورد عليه الشمس بعد غروبها ... وهذا من الإيقان أعظم موقعا
والحافظ علاء الدين بن مغلطاي في كتابه «الزهر الباسم» واللاذري في «توثيقه عرى الإيمان» والنووي في «شرح مسلم» في باب حل الغنائم لهذه الأمة ونقله عنه الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي في باب الآذان كما في النسخ المعتمدة وأقره وصححه الحافظ أبو الفتح الأزدي ونقله ابن العديم في تواريخ حلب وحسنه الحافظ أبو زرعة ابن الحافظ أبي الفضل العراقي في تكملته لشرح تقريب والده وقال الإمام أحمد وناهيك ولا ينبغي لمن سبيله العلم التخلف عن حديث اسماء لأنه من أجل علامات النبوة رواه الطحاوي فقد أنكر الحفاظ على ابن الجوزي إيراده لهذا الحديث في الموضوعات فقال الحافظ ابن حجر: في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم «أحلت لكم الغنائم» من «فتح الباري» بعد أن أورد الحديث أخطأ ابن الجوزي بإيراده له في الموضوعات انتهى. ومن خطّه نقلت وقال الحافظ مغلطاي في الزهر الباسم بعد أن أورد الحديث من عند جماعة لا يلتفت إليهم لما أغل به ابن الجوزي من حيث إنه لم يقع له الإسناد الذي وقع لهؤلاء وقال شيخنا في مختصر الموضوعات أفرط بإيراده له هنا.(9/437)
تنبيهات
الأول: نقل ابن كثير عن الإمام أحمد وجماعة من الحفاظ أنّهم صرحوا بوضع هذا الحديث. قلت: والظاهر أنّه وقع له من طريق بعض الكذابين ولم يقع له من الطرق السابقة وإلا فالطرق السابقة يتعذر معها الحكم عليه بالضعف فضلا عن الوضع، ولو عرضت عليهم أسانيدها لاعترفوا بأنّ للحديث أصلا وليس هو بموضوع وما مهدوه من القواعد وذكر جماعة من الحفاظ في كتبهم المعتمدة أو تقوية من قواه كما تقدم ويردّ على من حكم عليها بالوضع.
التنبيه الثاني: قد علمت رحمني الله وإياك ما أسلفنا من كلام الحفاظ في حكم هذا الحديث وتبيّن لك ثقات رجاله وأنّه ليس فيهم متهم ولا من أجمع على تركه ولا لك ثبوت الحديث وعدم بطلانه فلم يبق إلا الجواب عما أعل به وقد أعل بأمور.
الأمر الأول: من جهة بعض رجال طرقه فرواه ابن الجوزي من طريق فضيل بن مرزوق وأعله به ثم نقل عنه ابن معين تضعيفه وان ابن حبان قال فيه كان يخطئ على الثقات ويأتي بالموضوعات انتهى، وفضيل من رجال مسلم ووثقه السفيانيين وابن معين كما نقله عن ابن أبي خثيمة وقال عبد الخالق بن منصور أنه قال فيه صالح الحديث، وقال الإمام أحمد لا أعلم إلا خيرا وقال العجلي جائز الحديث صدوق.
وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وذكره البخاري في التاريخ ولم يضعفه وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: صالح الحديث صدوق يهم كثيرا نقل جميع ذلك شيخ الإسلام ابن حجر في «تهذيب التهذيب» ومن قيل فيه ذلك لا يحكم على حديثه بالوضع ثم ذكر ابن الجوزي ان ابن شاهين رواه عن شيخه ابن عبده من طريق عبد الرحمن شريك قال وعبد الرحمن قال فيه أبو حاتم واهي الحديث انتهى، وعبد الرحمن هذا ذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ، وقال الحافظ ابن حجر في «التقريب» صدوق ثم قال ابن الجوزي وأنا لا أتهم بهذا إلا ابن عقدة أنه كان رافضيا انتهى، فإن كان يتهمه بأصل الحديث فالحديث معروف قبل وجود ابن عقدة وقال الذهبي في مختصر منهاج الاعتدال لشيخه ابن تيمية لا ريب أن ابن شريك حدّث به وجاء من وجه آخر قوي عنه انتهى. أراد الطريق الذي رواه ابن شاهين منه فابن عقدة لم ينفرد به بل تابعه غيره، قال شاذان: حدثنا أبو الحسن عليّ بن سعيد بن كعب الدقاق بالموصل حدثنا علي بن جابر الأودي حدثنا عبد الرحمن بن شريك به حدثنا علي بن سعيد، وعلي بن سعيد، وعليّ بن جابر ثقتان، وثق الأول أبو الفتح الأسدي، والثاني ابن حبان.
الأمر الثاني: قال الجوزقاني وابن الجوزي وغيرهما يقدح في صحة هذا الحديث ما في الأحاديث الصحيحة أنّ الشمس لم تحبس إلّا ليوشع بن نون. انتهى..(9/438)
وأجاب الطحاوي في مشكل الآثار، وأقرها ابن رشد في مختصره بأن حبسها غير ما في حديث أسماء من ردها بعد الغروب، وقال الحافظ: في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم «أحلت لكم الغنائم» من «فتح الباري» بعد أن أورد حديث حبس الشمس صبح ليلة الإسراء ولا يعارضه ما رواه أحمد بسند صحيح عن أبي هريرة «لم تحبس الشمس إلّا ليوشع بن نون» إلى آخره، ووجه الجمع أن لمصر محمول على ما معنى للأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم، وقوله: «لم تحبس الشمس إلّا ليوشع بن نون فيه نفي، إنّما قد تحبس بعد ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم» .
الأمر الثالث: في الاضطراب، وتقدم ردّ ذلك في التنبيه المتقدم أول الكتاب.
الأمر الرابع: قال الجوزقاني ومن تبعه لو ردت الشمس لكان ردها يوم الخندق للنبي صلى الله عليه وسلم بطريق الأولى. قلت: رد الشمس لعليّ إنما كان بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجيء في خبر قط أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في واقعة الخندق أن تردّ فلم تردّ بل لم يدع على أن القاضي عياض ذكر في الإكمال أن الشمس ردّت على النبي صلى الله عليه وسلم في واقعة الخندق فالله أعلم، وقد بينت ضعفه في كتاب «مزيل اللبس» .
الأمر الخامس: أعل ابن تيمية حديث أسماء بأنها كانت مع زوجها بالحبشة وقلت:
هو وهم بلا شك، وبلا أدنى خلاف أن جعفر قدم من الحبشة هو وامرأته اسماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بعد فتحها، وقسم لهما ولأصحاب سفينتهما.
الأمر السادس: قال ابن الجوزي: ومن تغفيل واضع هذا الحديث أنه نظر إلى صورة فضيلة ولم يتلمح إلى عدم الفائدة فإن صلاة العصر لغيبوبة الشمس صارت قضاء ورجوع الشمس لا يعيدها أداء. انتهى.
قلت: لثبوت الحديث على أنّ الصلاة وقعت أداء بذلك صرح القرطبي في التذكرة قال: فلو لم يكن رجوع الشمس نافعا وأنه لا يتجدد الوقت لما ردّها عليه ذكره في باب «ما يذكر الموت والآخرة» من أوائل التذكرة ووجهه أن الشمس لما عادت كأنها لم تغب والله سبحانه وتعالى أعلم.
التنبيه الثالث: ليحذر من يقف على كلامي هنا أن يظن بي أني أميل إلى التشيع والله يعلم أن الأمر ليس كذلك والحامل لي على هذا الكلام أن الذهبي ذكر في ترجمة الحافظ الجسكاني أنّه كان يميل إلى التشيع، لأنه أملى جزءا في طرق حديث رد الشمس وهذا الرجل ترجمه تلميذه الحافظ عبد الغفار بن إسماعيل الفارسي في «ذيل تاريخ نيسابور» فلم يسعفه بذلك بل أثنى عليه ثناء حسنا وكذلك غيره من المؤرخين نسأل الله تعالى السلامة من الخوض في أعراض الناس بما نعلم وبما لا نعلم.(9/439)
الباب السادس في استسقائه- صلّى الله عليه وسلم- ربه- عز وجل- لأمته حين تأخر عنهم المطر وكذلك استصحاؤه- صلى الله عليه وسلم-
قال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقي فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب.
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
رواه البخاري وابن ماجه وقال أنس أنّ رجلا دخل المسجد يوم جمعة من باب كان وجاه منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله عز وجل أن يغيثنا قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: اللهم أغثنا اللهم أغثنا مرتين قال أنس وأيم الله لا نرى في السماء من سحاب ولا قرحة وما بينا وبين سلع من بيت ولا دار قال فطلعت من ورائه سحابة كأمثال الجبال ثم لم ينزل عن المنبر حتى رأيت الماء يتحادر على لحيته متوالية وما رأيت الشمس صبحا وما زالت تمطر إلى الجمعة المقبلة ثم دخل ذلك الرجل من ذلك الباب ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب واستقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما وقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل ادع الله عز وجل أن يمسكها قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال:
اللهمّ حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والجبال والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر فما جعل يسير إلى ناحية من السحاب إلّا تمزقت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة حتى سال الوادي شهرا ولم يجيء أحد إلا حدث بالجود رواه الإمام أحمد والشيخان من طرق.
قصة أخرى.
قال أنس: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، لقد أتيناك وما لنا بعير يئط، ولا صبي يصيح وأنشد:
أتيناك والعذراء يدمى لبانها ... وقد شغلت أمّ الصبيّ عن الطّفل
وألقى بكفّيه الصّبيّ استكانة ... من الجوع ضعفا ما يمرّ وما يحلي
ولا شيء ممّا يأكل النّاس عندنا ... سوى الحنظل القاميّ والعلهز الغسل
وليس لنا إلّا إليك فرارنا ... وأين فرار النّاس إلّا إلى الرسل
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد المنبر ثم رفع يديه فقال: اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا غدقا طبقا عاجلا غير رائث نافعا غير ضار تملأ به الضّرع وتنبت به الزرع وتحيي به الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون فو الله ما ردّ يديه إلى نحره حتى ألقت السماء بأردافها وجاء أهل(9/440)
الوطابة يضجون يا رسول الله الغرق فرفع يديه إلى السماء وقال: اللهم حوالينا ولا علينا فانجاب السحاب من المدينة فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال لله در أبي طالب لو كان حيا قرت عيناه فقال علي كأنك أردت يا رسول الله قوله.
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
وقام رجل من كنانة فقال:
لك الحمد والحمد لمن شكر ... سقينا بوجه النّبيّ المطر
دعا الله خالقه دعوة ... إليه وأشخص منه البصر
أغاث به الله عليا مضر ... وهذا العيان لذاك الخبر
فلم تك إلّا ككفّ الرّدا ... وأسرع حتّى رأينا الدّرر
وكان كما قال عمه أبو طالب: أبيض ذو غرر.
به الله يسقي صوب الغمام ... ومن يكفر الله يلقى الغير
فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن يك شاعرا يحسن فقد أحسنت رواه البيهقي وابن عساكر.
قصة أخرى.
قال أبو أمامة- رضي الله تعالى عنه- قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى في المسجد فكبر ثلاث تكبيرات ثم قال: اللهم ارزقنا سمنا ولبنا وشحما ولحما وما نرى في السماء من سحاب فثارت ريح وغبرة ثم اجتمع السحاب فصبت السماء فصاح أهل الأسواق ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم فسالت في الطرق فما رأيت عاما كان أكثر لبنا وسمنا وشحما ولحما منه إن هو إلا في الطرق ما يشتريه أحد رواه أبو نعيم والبيهقي.
قصة أخرى.
قالت الربيع بنت معوذ بن عفراء: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره إذا احتاج الناس إليّ فالتمسوا في الركب ماء فلم يجدوا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمطرت حتى استقى النّاس وسقوا رواه أبو نعيم.
قصة أخرى.
قالت عائشة: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فخرج إلى المصلى وقعد على المنبر ورفع يديه حتى رأى بياض إبطيه فأنشأ الله سبحانه وتعالى سبحانه فرعدت وبرقت ثم أمطرت فلم يأت المسجد حتى سالت السّيول فقال: أشهد أن الله على كل شيء قدير وأني عبد الله ورسوله. رواه أبو نعيم.(9/441)
قصة أخرى.
قال كعب بن مرة أو مرة بن كعب البهزي: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر فأتاه أبو سفيان فقال: إنّ قومك قد هلكوا فادع الله لهم فقال: اللهم اسقنا غيثا مغيثا غدقا طبقا مريعا نافعا غير ضار، عاجلا غير رائث، فما لبثنا إلّا جمعة حتى مطرنا فأتوه فشكوا إليه المطر فقالوا:
لقد تهدمت البيوت فقال: اللهمّ حوالينا ولا علينا فجعل السحاب يتقطع يمينا وشمالا رواه ابن ماجة والبيهقي.
قصة أخرى.
روى أبو الشيخ عن يزيد بن عبيد الله السّلمي والبيهقي بإسناد حسن عن أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري: أن وفد بني فزارة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فصل من غزوة تبوك مقرين بالإسلام، وقدموا على إبل ضعاف عجاف فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بلادهم فقالوا: يا رسول الله أسنت بلادنا، وأجدبت جنانا، وعزر عيالنا، وهلكت مواشينا فادع الله لنا أن يغيثنا، واشفع لنا إلى ربك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله!! ويلك أن اشفع إلى ربي فمن ذا الذي يشفع ربنا إليه لا إله إلا الله العليّ العظيم، وسع كرسيه السموات والأرض، تئط من عظمته وجلاله كما يئط الرجل الحديد.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليضحك من شعثكم، وقرب غياثكم» ، فقال الأعرابيّ:
أو يضحك ربنا يا رسول الله قال: نعم فقال الأعرابيّ: لن نعدم من ربّ يضحك خيرا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد المنبر وتكلم بكلمات، ورفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه وكان مما حفظ من دعائه قال: «اللهم اسق بلدك وبهائمك وانشر رحمتك، وأحيي بلدك الميت. اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا طبقا واسعا عاجلا غير آجل، نافعا غير ضارّ.
اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق ولا محق اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء» فقام أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصاري فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن التمر في المرابد ثلاث مرات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره قال فلا والله ما في السماء سحاب ولا قزعة وما بين المسجد وبين سلع من بناء ولا دار فطلعت من وراء سلع سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت وهم ينظرون ثم أمطرت فو الله ما رأوا الشمس ستا وقام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره لئلا يخرج التمر منه فجاء ذلك الرّجل أو غيره فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فدعا ورفع يديه مدا حتى رؤي بياض إبطيه ثم قال: «اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر» فانجابت السحابة عن المدينة كانجياب الثوب.(9/442)
قصة أخرى.
قال ابن عباس: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لقد جئتك من عند قوم ما يتزود لهم راع ولا يحصد لهم فحل فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا طبقا مريعا غدقا عاجلا غير رائث ثم نزل فما يأتيه أحد من وجه من وجوه إلا قالوا أحينا رواه ابن ماجة.
قصة أخرى.
قال عمر بن الخطاب خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستقطع حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربها به ويجعل ما بقي على كبده فقال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله أن الله قد عوّدك في الدعاء خيرا فادع الله لنا فقال أتحب ذلك قال نعم فرفع يديه نحو السماء فلم يرجعها حتى قالت السماء فأظلت ثم سكبت فملأوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جازت العسكر. رواه ابن خزيمة وابن جرير وابن حبان والحاكم وصححه.
قال الواقدي كان مع المسلمين في هذه الغزوة اثنا عشر ألف بعير ومثلها من الخيل وكانوا ثلاثين ألفا من المقاتلة.
قصة أخرى.
روى ابن سعيد وأبو نعيم عن عبد الرحمن بن إبراهيم المزي عن أشياخهم قالوا قدم وفد بني مرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف البلاد قالوا: والله إنّا لمسنتون وما في المال مخ فادع الله لنا فقال اللهم اسقهم الغيث فرجعوا إلى بلادهم فوجدوها قد مطرت في اليوم الذي دعى لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم عليه قادم وهو متجهز لحجة الوداع فقال يا رسول الله: رجعنا إلى بلادنا فوجدناها مصبوبة مطرا لذلك اليوم الذي دعوت لنا فيه ثم قلدتنا أقلاد الزرع في كل خمسة عشرة مطيرة جودا وقد رأيت الإبل تأكل وهي برك وإنّ غنمنا ما توارى من أبياتها، فترجع، فتقيل في أهلنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله الذي هو صنع ذلك» رواه أبو نعيم.
قصة أخرى.
قال ابن عباس: إن ناسا من مضر أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه أن يدعو الله أن يسقيهم فقال: «اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا طبقا نافعا غير ضار عاجلا غير رائث فأطبقت عليهم حتى مطروا سبعا» رواه أبو نعيم.(9/443)
قصة أخرى.
روى أبو نعيم عن محمد بن عمر الأسلمي عن أشياخه: أن وفد سلامان قدموا في شوال سنة عشر فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف البلاد عندكم؟ قالوا: مجدبة فادع الله أن يسقينا في أوطاننا فقال: «اللهم اسقهم الغيث في بلادهم» فقالوا: يا رسول الله ارفع يديك فإنه أكثر وأطيب فتبسم ورفع يديه حتى بدا بياض إبطيه ثم رجعوا إلى بلادهم فوجدوها قد مطرت في اليوم الذي دعا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الساعة
وفي هذا الباب أحاديث كثيرة، وفيما ذكر كفاية ويرحم الله- عز وجل- السرقسطي فلقد أحسن حيث قال:
دعوت للخلق عام الحل مبتهلا ... أفديك بالخلق من داع ومبتهل
صعّدت كفّيك إذ كفّ الغمام فما ... صوّبت إلّا بصوب الواكف الهطل
أراق بالأرض شجا صوب ريقته ... فحلّ بالأرض شجا رائق الحلل
زهو من النّور حلّت روض أرضهم ... زهرا من النّور صافي النّبت مكتمل
من كلّ عصر نضير مورق خضر ... وكلّ نور نضيد موثق خضل
تحية أحيت الأحياء من مضر ... بعد المضرّة تروي السّبل بالسّيل
دامت على الأرض سبعا غير مقلعة ... لولا دعاؤك بالإقبال لم تزل
تبيه في غريب ما سبق.
السبل: بسين مهملة فموحدة فلام مضمومات جمع سبيل، وهو في الأصل الطريق الموصل إلى المراد من كل شيء، والمراد به هنا طريق التقرّب إلى الله تعالى.
وأيم الله:....
القزعة: بقاف فزاي فعين مهملة مفتوحات واحده القزع، وهي قطع من السحاب دقيقة، وقيل: هي السحاب المتفرق.
سلع الإكام: بهمزة مكسورة فكاف فألف فميم جمع أكمه وهي الرابية.
الظراب: جمع ظرب ككتف ما اقنا من الحجارة، وحد طرفه، أو الجبل المنبسط أو الصغير.
الجوبة: بجيم مفتوحة بواو ساكنة فموحدة فتاء تأنيث: الحفرة المستديرة الواسعة، وكل منفتح بلا بناء أي حتى صار الغيم والسحاب محيطا بآفاق المدينة.
الجود: بجيم مفتوحة فواو ساكنة فدال مهملة المطر الغزير.(9/444)
يئط: بمثناة تحتية مفتوحة فهمزة مكسورة فطاء أي تصوت.
وأطيط الإبل: صوتها وحنينها.
العذراء تدمى لبانها: أي يدمى صدرها لامتهانها نفسها في الخدمة، لا تجد ما تعطيه من يحذنها من الجدب وشدة الزمان، وأصل اللبان موضع اللبيب ثم استعير للناس.
وقوله «وما يجر وما يحلى» : أي ما ينطق بخير ولا شر من الجوع والضعف.
وقوله: «سوى الحنظل العاص» نسبة إلى العام لأنه يتخذ في عام الجدب كما قالوا للجدب سنة. انتهى.
الاستكانة: بهمزة فسين مهملة ساكنة ففوقية مكسورة فكاف فنون فتاء تأنيث:
الخضوع.
العلهز: بالكسر طعام كانوا يتخذونه من الدم ووبر الإبل في سني المجاعة.
الغياسة: بكسر الغين المعجمة وسكون السين المهملة واللام الرذل.
الدرر: بدال مكسورة فراءين أولاهما مفتوحة.
غير رائث: براء مفتوحة فهمزة مكسورة فمثلثة غير محبوس ولا متفرق.
أسنت بلادنا: بهمزة مفتوحة فمهملة ساكنة فنون فتاء تأنيث أي أجدبت.
أجدبت جنانا: بهمزة فجيم فدال مهملة فموحدة فتاء تأنيث.
الفرث: بفاء مفتوحة فراء ساكنة فمثلثة المسرجين من الكرش.
مسنتون: مجدبون.
الابتهال: بهمزة فموحدة ساكنة فمثناة فوقية فهاء فألف فلام التضرع والمبالغة في السؤال، والمراد به كل مدّ اليدين جميعا لذلك.
صعدت بكفيك: رفعتهما.
صوبت: جاءت بالمطر كمجيء السماء بالمطر.
الواكف: [ ... ] .
الهطل: [ ... ] .
الثج: بمثلثة مفتوحة فجيم أي سائلا كثيرا.
الزهر: بزاي مضمومة فهاء ساكنة فراء جمع أزهر وهو الأبيض المستنير.
النور الزهر: بفتح الزاي والزهرة الحسن والبهجة وكثرة الخير.(9/445)
الخضل: بخاء معجمة مفتوحة فضاد معجمة مكسورة فلام.
السبل: جمع سبيل، السبل: بسين مهملة فموحدة مفتوحتين فلام المراد به هنا المطر الهاطل الغزير والسبل الثياب المسبلة.(9/446)
جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في المياه وعذوبة ما كان منها مالحا
الباب الأول في نبع الماء الطّهور من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم
وهو أشرف المياه كما قال البلقيني في «التدريب» قال: قال أبو العباس القرطبي: قصة نبع الماء من بين أصابعه [ (1) ]- صلّى الله عليه وسلم- تكررت منه في عدة مواطن في مشاهد عظيمة ووردت عنه من طرق كثيرة يفيد عمومها العلم القطعي المستفاد من التواتر المعنوي، قال: ولم يسمع بمثل هذه المعجزة العظيمة من غير نبينا- صلى الله عليه وسلم- حيث نبع الماء من بين عظمه وعصبه ولحمه ودمه.
ونقل ابن عبد البر عن المزني أنه قال: نبع الماء من بين أصابع النبي- صلى الله عليه وسلم- أبلغ في المعجزة من نبع الماء من الحجر حيث ضربه موسى- صلى الله عليه وسلم- بالعصا [ (2) ] فتفجرت منه المياه، لأن خروج (الماء) [ (3) ] من الحجارة معهود، بخلاف خروجه من بين اللحم والدم.
قال قتادة وغيره عن أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالزوراء وحانت صلاة العصر والتمس الناس الوضوء فلم يجدوا ماء، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم- بوضوء، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في ذلك الإناء فحين بسط يده فيه فضمّ أصابعه فأمر الناس أن يتوضأوا منه فرأيت الماء ينبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأوا من عند آخرهم.
قال قتادة: قلت لأنس: كم كنتم؟ قال: كنا زهاء ثلاثمائة رواه الشيخان [ (4) ] .
قصة أخرى.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس معنا ماء، فقال: اطلبوا من معه فضل ماء، فأتى بماء فوضعه في إناء، فوضع يده فيه، فجعل الماء يجري، وفي لفظ يخرج من بين أصابعه، ثم قال: «حيّ على الطّهور المبارك، البركة من الله» فتوضأوا
__________
[ (1) ] في ج أصابع النبي صلى الله عليه وسلم.
[ (2) ] سقط في ج.
[ (3) ] في ج المياه.
[ (4) ] أخرجه البخاري 6/ 580 (3572) ومسلم 4/ 1783 (7/ 2279) .(9/447)
وشربوا،
قال عبد الله: كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل رواه النسائيّ والبيهقيّ وابن مردويه [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى الحسن البصري: عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم لبعض مخارجه، معه ناس من أصحابه، فانطلقوا يسيرون، فحضرت الصلاة فلم يجد القوم ماء يتوضئون به، فقالوا: يا رسول الله: والله ما نجد ماء نتوضأ به، ورأى في وجوه أصحابه كراهية ذلك، فانطلق رجل من القوم فجاء بقدح فيه ماء يسير، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ منه ثم مدّ أصابعه الأربع في القدح ثم قال: «هلموا فتوضأوا» فتوضأ القوم حتى بلغوا ما يريدون،
قال الحسن: سئل أنس كم بلغوا؟ قال: سبعين أو ثمانين رواه الإمام أحمد والشيخان [ (2) ] .
قصة أخرى.
قال زياد بن الحارث: أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال له: «هل معك من ماء؟» فقلت: لا إلا شيء قليل لا يكفيك، فقال: «اجعله في إناء وائتني به» ، ففعلت فوضع كفه في الماء، فرأيت الماء بين أصبعين من أصابعه عينا تفور، فقال: «ناد في أصحابي من كان له حاجة في الماء» ، فناديت فيهم فأخذ من أراد منهم رواه الحارث بن أبي أسامة والطبراني [ (3) ] وأبو نعيم والبيهقي.
قصة أخرى.
روى الشيخان من طريق سالم بن أبي الجعد ومن طريق الأعمش عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: عطش النّاس يوم الحديبية، وكان الذي بين يديه ركوة يتوضّأ منها وجهش الناس نحوه، قال: «ما لكم؟» قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ به ولا ماء نشربه إلا ما بين يديك، فوضع يده في الرّكوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا، قال سالم: قلت لجابر: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة [ (4) ] ، قال بعضهم: وحديث جابر هذا مخالف لما رواه البخاري عن البراء بن عازب قال: كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة، والحديبية بئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة ماء فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
[ (1) ] أخرجه الدارمي 1/ 15 والنسائي 1/ 60 وابن أبي شيبة 11/ 474 وأبو نعيم في الدلائل (144) وأحمد 1/ 460 وابن عبد البر في التمهيد 1/ 219 والطحاوي في المشكل 4/ 332 والبيهقي في الدلائل 4/ 129، 6/ 62.
[ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 216 والبيهقي في الدلائل 4/ 124.
[ (3) ] أخرجه أحمد 4/ 244، 250 والبيهقي 1/ 58.
[ (4) ] أخرجه البخاري 6/ 581 (3576) (4152) ومسلم 3/ 1484 (73/ 1856) .(9/448)
فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فمضمض وبخّ في البئر، فمكث غير بعيد ثم استقينا حتى روينا وصررنا ركائبنا [ (1) ] وجمع ابن حبّان بينهما بأن ذلك في وقتين.
قال الحافظ: ويحتمل أن يكون الماء لما انفجر من بين أصابعه ويده في الرّكوة وتوضئوا كلهم وشربوا أمر حينئذ بصبّ الماء الذي بقي في الركوة في البئر، فتكاثر الماء فيها.
وفي صحيح البخاري عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الحديبية الطويل فعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمد قليل الماء يتربص الماء تربصا فلم يلبثه الناس حتى نزحوه، وشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش، فانتزع سهما من كنانته، وأمرهم أن يجعلوه فيه، فو الله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه.
والجمع بينه وبين حديث البراء بأن الأمرين وقعا معا.
وقد روى الواقديّ من طريق أوس بن خولي أنه صلى الله عليه وسلم توضأ في الدلو، ثم أفرغه فيها وانتزع السهم، فوضعه فيها هكذا ذكر أبو الأسود في روايته عن عروة أنه صلى الله عليه وسلم توضأ في الدلو، وصبه في البئر، ونزع سهما من كنانته، فألقاه فيها ودعا ففارت، زاد ابن سعد «حتى اغترفوا بآنيتهم جلوسا على شفير البئر» كذا في رواية الأسود عن عروة.
قال الحافظ: وهذه القصّة غير حديث جابر وكان ذلك قبل قصة البئر.
قصة أخرى.
قال أبو قتادة: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نسير في الجيش إذ لحقهم عطش كاد يقطع أعناق الرجال والخيل والركاب عطشا فدعا بركوة فيها ماء فوضع أصابعه عليها، فنبع الماء من بين أصابعه، فاستقى النّاس، وفاض الماء حتى رووا خيلهم وركابهم، وكان من العسكر اثنا عشر ألف بعير، والناس ثلاثون ألفا، والخيل اثنا عشر ألف فرس رواه أبو نعيم.
قصة أخرى.
قال ابن عباس رضي الله عنه: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وليس في العسكر ماء، فقال رجل: يا رسول الله، ليس في العسكر ماء، قال: هل عندك شيء؟ قال: نعم فأتي بإناء فيه شيء من ماء فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه في الإناء وفتح أصابعه، قال: فرأيت العيون تنبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بلالا ينادي في الناس بالوضوء المبارك.
رواه الإمام أحمد والبزّار وروى الدّارميّ وأبو نعيم عنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا،
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 581 (3577، 4150، 4151) .(9/449)
فطلب الماء، فقال: لا والله ما وجدتّ. قال: «هل من شيء؟» فأتاه بشيء فبسط كفه فيه، فانبعث تحت يده عين فكان ابن مسعود يشرب وغيره يتوضأ [ (1) ] .
قصة أخرى.
قال أبو ليلى الأنصاري: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصابنا عطش فشكونا إليه، فأمره بحفرة فوضع عليها نطعا ووضع يده عليها، وقال: «هل من ماء؟» فأتي بماء، فقال لصاحب الإداوة: «صبّ الماء على كفّي واذكر اسم الله» ، ففعل.
قال أبو ليلى: فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم حتى روى القوم وسقى ركابهم رواه الطبراني وأبو نعيم [ (2) ] .
قصة أخرى.
قال جابر أيضا: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن يومئذ بضع عشرة مائة فحضرت الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وهل في القوم من ماء؟» فجاءه ماء وعبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدح وتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن الوضوء، ثم انصرف وترك القدح فركب الناس القدح وقالوا:
تمسحوا تمسحوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلكم حين سمعهم يقولون ذلك، قال:
فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم كفه في الماء ثم قال: «سبحان الله» ، ثم قال: «أسبغوا الوضوء»
قال جابر: والذي ابتلاني ببصري، فلقد رأيت العيون عيون الماء يومئذ تخرج من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم فما رفعهما حتى توضئوا أجمعون رواه الإمام أحمد والشيخان [ (3) ] .
قال الحافظ ابن كثير: وظاهره أنها قصة أخرى غير ما تقدم.
قصة أخرى.
قال أبو رافع: أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال: «يا قوم كلّ رجل يلتمس من إداوته» ، فلم يجدوا غير واحد فصبه في إناء ثم قال: «توضئوا» فنظرت إلى الماء وهو يفور من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم حتى توضأ الركب أجمعون ثم جمع كفيه فما خلتها إلا النطفة التي صب أول مرة رواه أبو نعيم.
قصة أخرى.
قال: أبو عمرة الأنصاري رضي الله عنه: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها وأصاب الناس مخمصة ثم دعا بركوة فوضعت بين يديه، ثم دعا بماء، وصبه فيها، ثم مسح فيها بما شاء الله أن يتكلم، ثم أدخل خنصره فيها، فأقسم بالله لقد رأيت أصابع النبي صلى الله عليه وسلم
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 426 والمجمع 8/ 10.
[ (2) ] انظر المجمع 1/ 217، 320.
[ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 292 والبيهقي في الدلائل 4/ 117 والدارمي 1/ 13.(9/450)
تفجر ماء مع الماء، ثم أمر الناس فشربوا وملأوا قربهم وإداواتهم،
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال: «أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله لا يلقى الله بهما أحد يوم القيامة إلا دخل الجنة» رواه أبو نعيم.
قصة أخرى.
قال جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له في غزوة ذات الرّقاع: «يا جابر، ناد بوضوء» ، فقلت: ألا وضوء، ألا وضوء، قلت: يا رسول الله، ما وجدت في الرّكب من قطرة، وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول الله صلى الله عليه وسلم الماء، فقال لي: «انطلق إلى فلان الأنصاري فانظر هل في أشجابه من شيء» ، فانطلقت إليه فنظرت فيها فلم أجد فيها إلا قطرة من عزلاء شجب منها لو أني أفرغه لشربة يابسة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: «اذهب فأتيني به، فذهبت فأتيته به فأخذه بيده فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو ويغمزه بيده، ثم أعطانيه، فقال: «يا جابر، ناد بجفنة الركب» فقلت يا جفنة الركب فأتيته بها فوضعت بين يدي رسول الله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في الجفنة هكذا، فبسطها في الجفنة وفرّق بين أصابعه ثم وضعها في قعر الجفنة وقال: «خذ يا جابر، فصبّ عليّ، وقل: بسم الله» ، فرأيت الماء يفور من بين أصابعه ففارت الجفنة، ودارت حتى امتلأت، فقال: «يا جابر، ناد من كانت له حاجة بماء» فأتى الناس فاستقوا حتى رووا ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة وهي ملأى رواه مسلم والبيهقي وأبو نعيم
[ (1) ] .
روي عن حبّان- وهو بكسر المهملة وفتح الباء المشددة- ابن بحّ- بضم الباء الموحدة وتشديد الحاء- الصدائيّ قال: كفر قومي، فأخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم جهز جيشا لهم، فأتيته، فقلت: إن قومي على الإسلام، قال: كذلك، قلت: نعم، واتبعته ليلتي إلى الصباح، فأذنت بالصلاة لما أصبحت وأعطاني إناء فتوضأت منه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه في الإناء فنبع عيون، فقال: «من أراد منكم أن يتوضأ فليتوضأ» ، فتوضأت وصلّيت فأمرني عليهم وأعطاني صدقتهم، فقال رجل: يا رسول الله أن فلانا ظلمني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا خير في الإمارة لرجل مسلم» ، ثم جاء رجل يسأل الصدقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدقة صداع في الرأس وحريق في البطن أو داء» فأعطيته صحيفتي أو صحيفة أمرتي وصدقني، فقال: «ما شأنك؟» فقلت: كيف أقبلها وقد سمعت منك ما سمعت فقال: «هو ما سمعت [ (2) ] » .
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم في كتاب الزهد (74) وابن ماجة (3549) .
[ (2) ] أخرجه أحمد 4/ 169 والطبراني في الكبير 4/ 42 والطبراني 4/ 542/ 203 والبيهقي في 10/ 86 وفي الدلائل 5/ 356 وانظر المجمع 5/ 204.(9/451)
تنبيهان
الأول: حديث نبع الماء جاء من حديث ابن عباس رواه الإمام أحمد والطبراني من طريقين، ومن حديث ابن مسعود رواه البخاريّ والتّرمذي، ومن حديث أبي ليلى والد عبد الرحمن رواه الطبراني، وجابر بن عبد الله عن قصة الحديبية رواه مسلم وحبان رواه الإمام أحمد وأبي رافع رواه أبو نعيم، وأبي عمرة الأنصاري رواه أبو نعيم وتقدمت أحاديثهم.
الثاني: في بيان غريب ما سبق:
الزوراء- بزاي فواو فراء-: موضع بالمدينة قرب المسجد.
حانت الصلاة بحاء مهملة فألف فنون: قربت أي قرب وقتها، ودخل إذ الحين: الوقت.
من عند آخرهم: أي جميعهم.
زهاء ثلاثمائة (بزاي مضمومة فهاء فهمزة ممدودة) : قدر، من زهوت القوم إذا حذرتهم وهو ملازم البناء للمفعول ك [دعى] .
بينما نحن: بين بالنون زيدت عليها «ما» عوضا عن المضاف إليه أي أوقات أو أحيان.
حالون منبع بتثليث الباء، أي جميعهم.
الثّمد: بفتح المثلثة والميم: أي حفرة فيها ماء قليل وقوله «قليل الماء» تأكيد، لدفع توهم أن يراد لغة من يقول: إن الثمد الماء الكثير قيل: الثمد ما يظهر من الماء في الشتاء، ويذهب في الصيف، وقوله: «فيتربصّنه الناس» (بالموحدة والتشديد والضاد المعجمة) هو الأخذ قليلا قليلا، وقوله: «فلم تلبث» (بضم أوله وسكون اللام) من الإلباث، وقال ابن التّين (بفتح التاء وكسر الموحدة) أي لم يتركوه، ويلبث: أي يقيم وقوله: «يجش» (بفتح أوله وكسر الجيم وآخره معجمة) أي: يفور، وقوله: «بالرّيّ» بكسر الراء ويجوز فتحها وقوله: «صدروا عنه» أي نهلوا بعد ورودهم.
الرّكاب: ككتاب لا واحد له من لفظه، وواحده راحلة.
«الرّكوة» (براء مهملة مثلثة فكاف فواو) وزورق صغير إذا الأنياب والتي تلي الأنياب أو الأضراس كلها واحدها ناجذ إذا جعلته قيد.
وفي رواية قال لأبي قتادة: احفظ عليّ مضابك، فإنه سيكون لها شأن.(9/452)
«نفث» بنون ففاء فمثلثة حذفت همزته تخفيفا وحى وألقى من النّفث بالفم، وهو أقل من التفل، لأن التفل لا يكون إلا معه شيء من الريق.
«النبأ» بنون فموحدة الخبر العظيم.
«الإداوة» : بهمزة مكسورة فمهملة فألف فواو المطهرة.
«المخمصة» : (بميم فمعجمة فميم فمهملة: المجاعة.
«الخنصر» (بفتح الصاد) الأصبع الصغرى أو الوسطى.
«النواجذ» (بنون فواو فألف فجيم فدال معجمة) أقصى [الأسنان] :
«أشجابه» جمع شجب (بفتح المعجمة وسكون الجيم) سقاء يقطع نصفه، فيتخذ أسفله دلوا.
عزلاء (بعين مهملة فزاي فلام فألف ممدودة كجفنة) .
«الشّربة» (بشين معجمة مفتوحة فراء ساكنة فموحدة) شيء يسقى به.
«جفنة الركب» (بجيم مفتوحة ففاء فنون) القصعة.(9/453)
الباب الثاني في تكثيره صلى الله عليه وسلّم ماء الميضاة والقدح
روى الإمام أحمد والشيخان وأبو محمد بن جرير الطبريّ (عن أبي قتادة والبيهقي عن أنس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر، فقال لأبي قتادة: «أمعكم ماء؟» قلت:
نعم، في ميضاة فيها شيء من ماء، قال: «ائت بها» قال: فأتيته بها فقال لأصحابه: «تعالوا مسّوا منها فتوضئوا» ، وجعل يصبّ عليهم، فتوضأ القوم، وبقيت جرعة، فقال: «يا أبا قتادة، احفظها، فإنها ستكون لها نبأ» فذكر الحديث إلى أن قال: فقالوا: يا رسول الله، هلكنا عطشنا، انقطعت الأعناق، فقال: «لا هلك عليكم» ثم قال: «يا أبا قتادة، ائت بالميضاة» فأتيته بها، فقال:
«أطلقوا لي غمري» - يعني قدحي- فحللته فأتيته به، فجعل يصب فيه ويسقي الناس، فازدحم الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس [ (1) ] أحسنوا الملأ، فكلكم سيروى» ، فشرب القوم، وسقوا دوابّهم وركابهم وملئوا ما كان معهم من إداوة وقربة ومزادة حتى لم يبق غيري وغيره، قال: «اشرب يا أبا قتادة» ، قلت: اشرب أنت يا رسول الله، قال: «ساقي القوم آخرهم شربا» فشربت، وشرب بعدي، وبقي في الميضاة نحو مما كان فيها وهم يومئذ ثلاثمائة [ (2) ] .
قصة أخرى.
روى عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن فأصابنا جهد شديد فأتى بشيء من ماء في إداوة، فأمر بها فصبّت في قدح، فجعلنا نتطهّر حتى تطهرنا جميعا، وفي لفظ: فأفرغها في قدح فتوضأنا كلّنا ندغفقه دغفقة وكنا أربع عشرة مائة [ (3) ] .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
الميضاة: بكسر الميم والقصر وقد تمد وزنها مفعلة ومفعال وميمها زائدة: مطهرة كبيرة.
الجرعة: بجيم مضمومة فراء ساكنة فعين مهملة: الاسم من الشرب اليسير وبفتح الجيم المرة الواحدة منه.
غمري: بضم الغين المعجمة أي احلل لي قدحي.
__________
[ (1) ] سقط في ب.
[ (2) ] مسلم 1/ 472 (311/ 681) وأبو داود في الأدب باب (130) والنسائي 1/ 76 وأحمد 1/ 398 والدارمي 1/ 358.
[ (3) ] الدلائل للبيهقي (4/ 119) .(9/454)
الملء: بفتح الميم وكسرها وسكون اللام والهمز.
نطفة: بنون مهملة ففاء شيء يسير من الماء وقد يقال للكثير.
ودغفقة: بمعجمة ففاء فقاف يدفعه ويصبه صبا كثيرا.
سيصدر: سيرجع.
المزادة: بميم فزاي مفتوحة فألف فدال وعاء الزاد.(9/455)
الباب الثالث في تكثيره صلى الله عليه وسلّم ماء عين تبوك
روى مسلم عن جابر والإمامان مالك وأحمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في غزوة تبوك: «إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار فمن جاءها فلا يمسّ من مائها شيئا حتى آتي» فجئنا وقد سبق إليها رجلان والعين مثل الشراك تبضّ بشيء من ماء، فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل مسيتما من مائها شيئا؟» قالا: نعم، فسبهما وقال لهما: «ما شاء الله أن يقول» ، ثم غرفوا من العين قليلا قليلا حتى اجتمع في شيء، ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه ويديه، ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير، فاستقى الناس، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ، يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ماء ههنا قد ملئ جنانا» [ (1) ] .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
شراك: بكسر المعجمة ثم راء فكاف أحد سور النعل التي تكون على وجهه شبه به لقلته لا للتحديد.
تبض: بمثناة فوقية فموحدة فمعجمة: تقطر وتسيل.
يوشك: أي يسرع ويدنو ويقرب، والوشيك السريع القريب [ (2) ] .
الجنان: بجيم مكسورة جمع جنّة وهي البستان الكثير الأشجار من الاجتنان وهو الستر أو لتكاثر أشجارها وتظليلها لاتفاق أصولها وأغصانها، سميت جنّة.
__________
[ (1) ] أحمد (5/ 237، 238) .
[ (2) ] في د التقرب.(9/456)
الباب الرابع في تكثيره صلى الله عليه وسلّم ماء بئر بقباء
روى ابن [ (1) ] سعد والبيهقي عن يحيى بن سعيد [ (2) ] أن أنس بن مالك أتاهم بقباء، فسأله عن بئر هناك قال: فدللته عليها فقال: لقد كانت هذه وإن الرجل لينضح على حماره فتنزح، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بذنوب فسقى فإما أن يكون توضأ منه وإما أن يكون تفل فيه ثم أمر به فأعيد في البئر فما نزحت بعد.
وروى البيهقي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سكب من فضل وضوئه في بئر قباء فما نزحت بعد.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
نزح: بفتح النون والزاي: فني أي لم يفنى بعد.
الباب الخامس في تكثيره صلى الله عليه وسلّم ماء بئر باليمن
روى الحارث بن أبي أسامة وأبو نعيم البيهقي عن زياد بن الحارث الصّدائيّ قال: قلت: يا رسول الله، أن بئرنا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا عليها، وإذا كان في الصيف قل: ماؤها وتفرقنا عن مياه حولنا وقد أسلمنا وكل من حولنا لنا عدوّ، فادع الله لنا في بئرنا فيسقينا ماؤها فنجتمع عليها ولا نتفرق فدعا بسبع حصيات فعرّكهن بيده ودعا فيهن، ثم قال:
«اذهبوا بهذه الحصيات، فإذا أتيتم البئر فألقوا واحدة واحدة واذكروا اسم الله عز وجل» ، قال:
ففعلنا ما قال لنا، فما استطعنا أن ننظر إلى قعرها- يعني البئر-[ (3) ] .
__________
[ (1) ] في د أبو والصواب ما ذكر.
[ (2) ] سقطت في د.
[ (3) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 127، 5/ 357 وابن كثير في البداية 5/ 84.(9/457)
الباب السادس في تكثيره صلى الله عليه وسلّم ماء قطيعة برهاط باليمن
روى أبو نعيم عن راشد بن عبد ربّه السّلميّ قال: كان الصنم الذي يقال له سواع بالمعلاة قال: فأرسلتني بنو ظفر بهدية إليه فألفيت مع الفجر إلى صنم قبل صنم سواع، وإذا صارخ يصرخ من جوفه العجب كل العجب من خروج نبيّ من بني عبد المطلب يحرم الزنا والرّبا والذبح للأصنام وحرست السّماء ورمينا بالشّهب، ثم هتف هاتف من جوف صنم آخر ترك الضماد وكان يعبد خرج أحمد نبي يصلي الصلاة ويأمر بالزكاة والصيام والبر والصّلة للأرحام، ثم هتف من جوف صنم آخر هاتف إنّ الذي ورث النبوة والهدى بعد ابن مريم من قريش مهتدي نبي يخبر بما سبق، وما يكون في غد، قال راشد: فألقيت سواعا مع الفجر وثعلبان يلحسان ما حوله ويأكلان ما يهدى له ثم يعرجان عليه ببولهما فعند ذلك أقول في ذلك:
أربّ يبول الثعلبان برأسه ... لقد ذلّ من بالت عليه الثّعالب
وذلك عند مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
فخرج راشد حتى أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأسلم وبايعه، ثم طلب منه قطيعة برهاط فأقطعه إيّاها وأعطاه إداوة مملوءة من ماء، وتفل فيها، وقال له: «أفرغها في أعلى القطيعة ولا تمنع الناس فضولها» ففعل فجاء الماء عينا جمة إلى اليوم فغرس عليها النّخل
ويقال: إن رهاط كلّها تشرب منه وسماه الناس ماء الرسول وأهل رهاط يغتسلون منه ويستقون به [ (1) ] .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
القطيعة: طائفة من أرض الخراج.
رهاط: اسم موضع.
__________
[ (1) ] أبو نعيم في الدلائل (81) .(9/458)
الباب السابع في تكثيره صلى الله عليه وسلّم ماء بئر أنس بن مالك رضي الله عنه
روى أبو نعيم البزار عن أنس رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلنا فسقيناه من بئر كانت لنا في دارنا وكانت تسمى في الجاهلية «النزور» فتفل فيها فكانت لا تنزح بعد.
الباب الثامن في تكثيره صلى الله عليه وسلّم ماء بئر الحديبية
روى البخاري عن البراء ومسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديبية ونحن أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة، فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على شفيرها، قال البراء: وأتي بدلو فيه ماء فبصق ودعا. ثم قال: «دعوها ساعة» وقال سلمة: فجاشت فأرووا أنفسهم وركابهم بالماء فسقينا واستقينا.
وفي غير هاتين الروايتين من طريق ابن شهاب فأخرج سهما من كنانته فوضعه في قليب بئر ليس فيه ماء فروّى النّاس حتى ضربوا بعطن خيامها.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
خيامها: بالفتح ما حول البئر، وبالكسرة جميع ما فيها من الماء.
فجاشت: بجيم معجمة: فارت وارتفعت.
القليب: بئر لم تطو تذكر وتؤنث.
العطن: بفتح المهملتين مبرك الإبل حول الماء فإما دعا وإما بزق فيها فجاشت فسقينا واستقينا [ (1) ] .
وروى الدارميّ في مسنده عن أنس عن جابر مثله وقد تقدم في غزوتها بأبسط مما هنا.
__________
[ (1) ] في د وأسقينا.(9/459)
الباب التاسع في تكثيره صلى الله عليه وسلّم ماء بئر غرس
روى ابن سعد عن سعيد بن رقيش عن أنس رضي الله عنه قال: جئنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء فانتهى إلى بئر غرس وإنه ليستقى منه على حمار ثم نقوم عامّة النّهار ما نجد فيها ماء فمضمض في الدلو ورده فجاشت بالرواء.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
بئر غرس: بغين معجمة فراء ساكنة فسين مهملة: بئر بالمدينة.(9/460)
الباب العاشر في تكثيره صلى الله عليه وسلّم ماء المزادتين
روى الإمام أحمد والشيخان [ (1) ] والطبراني والبيهقي عن عمران بن حصين رضي الله عنه: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فاشتكى إليه الناس العطش، فنزل ثم دعا عليّا، ورجلا آخر وفي رواية: وعمران بن حصين، فقال: «اذهبا فابغيا الماء فإنّكما ستجدان امرأة بمكان كذا وكذا معها بعير عليه مزادتان فأتيا بها» فانطلقا فلقيا امرأة بين مزادتين من ماء على بعير لها فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة. فقالا لها: انطلقي إذا، قالت: إلى أين؟
قالا: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: الذي يقال له الصّابئ؟ قالا: هو الذي تعنين، فانطلقا فجاءا بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحدثاه بالحديث، قال: فاستنزلوها عن بعيرها ودعا النبي صلى الله عليه وسلم بإناء، فأفرغ فيه من أفواه المزادتين فمضمض في الماء وأعاده في أفواه المزادتين وأوكأ أفواههما، وأطلق الغرارتين ونودي في الناس اسقوا واستقوا فسقى من شاء واستقى من شاء وملأنا كل قربة معنا وإداوة وهي قائمة تنظر ما يفعل بمائها وأيم الله، لقد أقلع عنها وإنها ليخيل إليها أنها أشد ملئة منها حيث ابتدأ فيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اجمعوا لها طعاما» فجمعوا لها ما بين عجوة ودقيقة وسويقة حتى جمعوا لها طعاما فجعلوه في ثوب وحملوها على بعيرها ووضعوا الثوب بين يديها
وقالوا لها: تعلمين ما رزأنا من مائك شيئا ولكن الله هو الذي أسقانا الحديث وفيه أنها أسلمت وقومها بعد ذلك.
تنبيهات
الأول: في قول سيدنا عليّ ورفيقه لها لما قالت: الصّابئ: (هو الذي تعنين) أدب حسن ولو قالا لها: لا، لفات المقصود أو نعم لما يحسن بهما إذ فيه طلب تقرير ذلك فتخلّصا أحسن تخليص.
الثاني: قال بعض العلماء: إنما أخذوها واستجازوا أخذ ما بها لأنها كانت كافرة حربية وعلى تقدير أن يكون لها عهد فضرورة العطش تبيح للمسلم إمّا المملوك لغيره على عوض وإلّا فنفس الشّارع تفدى بكل شيء على سبيل الوجوب.
الثالث: في بيان غريب ما سبق:
ابغيا: بغين معجمة: اطلبا.
__________
[ (1) ] تقدم.(9/461)
المزادتان: بفتح الميم والزاي تثنية مزادة وهي قربة كبيرة يزاد فيه جلد من غيرها ويسمى أيضا السطيحة والمراد بها الرواية.
البعير: بموحدة فمهملة فتحتية فراء يطلق على الذكر والأنثى وجمعه أبرعة وبعران.
أمس: خبر المبتدأ.
السّاعة: بالنصب على الظرفية.
النّفر: ما دون العشرة وعن كراع الناس قال الحافظ وهو اللاتي هنا، لأنها أرادت أن رجالها تخلفوا لطلب الماء.
الخلوف: بضم المعجمة واللام جمع خالف قال ابن فارس: الخالف المستقي ويقال أيضا غاب ولعله المراد هنا أي أن رجالها غابوا عن الحي ويكون قولها معربا خلوف جملة مستقلة زائدة على جواب السؤال.
الصابئ: بلا همز المائل وبالهمز من صبا يصبو إذ خرج من دين إلى دين.
أوكأ: أي ربط.
أطلق: فتح.
العزالي: بفتح المهملة والزّاي وكسر اللام ويجوز فتحها: جمع عزلا بإسكان الزاي هي مصب الماء من الرواية ولكل مزادة عزلاوان من أسفلها.
أشد ملئه: بكسر الميم وسكون اللام بعدها همزة أي إنهم يظنون أن ما بقي من الماء أكثر مما كان أوّلا.
تعلمي: بفتح أوله وثانية وتشديد اللام: أي اعلمي.
ما رزأنا: بفتح الراء وكسر الزاي ويجوز فتحها وبعدها همزة ساكنة أي نقصنا، وظاهره أن جميع ما أخذوه من ماء زاده الله تعالى، وأوجده وأنه لم يختلط فيه شيء من مائها في الحقيقة وإن كان في الظاهر مختلطا، وهذا أبدع وأغرب في المعجزة، وهو ظاهر قوله: «ولكن الله سقانا» ويحتمل أن يكون المراد ما نقصنا من مائك شيئا.(9/462)
الباب الحادي عشر في عذوبة ماء بئر باليمن ببركته صلى الله عليه وسلم
روى ابن السّكن عن همّام بن نقيد السّعديّ قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت:
يا رسول الله: حفرنا لنا بئرا فخرجت مالحة فدفع إليّ إداوة فيها ماء، فقال: «صبّه» ، فصببته فيها، فعذبت فهي أعذب ماء بئر باليمن.
الباب الثاني عشر في نبع الماء من الأرض له صلى الله عليه وسلم
روى ابن سعد [ (1) ] عن عمرو بن سعيد قال: قال أبو طالب: أن أول ما أنكرت من ابن أخي أنا كنا بذي المجاز في إبلنا، وكان رديفي في يوم صائف فأصابني عطش شديد فقلت له: يا ابن أخي أذاني العطش فثنى رجله، فنزل، فقال: «يا عمّ، أتريد ماء؟ قلت: نعم، فقال:
«انزل» فنزلت، فانتهيت إلى صخرة فركضها برجله، وقال شيئا فنبعت ماء لم أر مثله فشربت حتى رويت فقال: «أرويت» ، قلت: «نعم، فركضها ثانية فعادة كما كانت [ (2) ] .
قصة أخرى.
روى أبو نعيم عن خديج بن سدرة بن عليّ السّلميّ من أهل قباء عن أبيه عن جدّه قال:
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا القاحة وهي التي تسمى اليوم السّقيا، لم يكن بها ماء، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مياه بني غفار على ميل من القاحة ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر الوادي واضطجع بعض أصحابه ببطن الوادي فبحث بيده في البطحاء فنديت فجلس ففحص، فانبعث عليه الماء، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فسقى واستقى جميع من معه حتى اكتفوا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه سقيا سقاكموها الله عز وجل»
فسمّيت السّقيا.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
ذو المجاز: بفتح الميم فجيم فألف فزاي سوق على فرسخ من عرفة.
يوم صائف: بصاد مهملة فهمزة مكسورة ففاء: حارّ.
ركضها: براء فكاف فضاد معجمة فهاء مفتوحات: ضربها برجله.
__________
[ (1) ] في د أبو سعيد.
[ (2) ] أخرجه الديلمي (6955) وانظر جمع الجوامع 2/ 572.(9/463)
القاحة: بقاف فألف فحاء مهملة.
الميل: بميم مكسورة فتحتية ساكنة فلام: مد البصر ومسافة من الأرض متراخية بلا حدّ أو مائة ألف أصبع إلا أربعة آلاف أصبع أو ثلاثة أو أربعة آلاف ذراع بحسب اختلافهم في الفرسخ هل هو ستة آلاف كل أصبع ذراع بذراع القدم أو اثنا عشر ألف ذراع بذراع المحدثين.
بحث: بموحدة فمهملة مفتوحتين فمثلثة: نبش.
فحص: بفاء فحاء فصاد مهملتين مفتوحتين: بحث.
السّقيا: تقدّمت.(9/464)
جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلّم في الأطعمة
الباب الأول في تكثيره صلى الله عليه وسلّم اللبن في القدح
روى الإمام أحمد والشيخان والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع وإني كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع ولقد قعدتّ يوما على طريقهم الذي يخرجون فيه فمر بي أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله عز وجل ما سألته إلّا ليستتبعني فمرّ ولم يفعل ثم مر عمر فسألته عن آية من كتاب الله عز وجل ما سألته إلا ليستتبعني فمر ولم يفعل، فمر أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: «يا أبا هرّ» فقلت: لبيك يا رسول الله، فقال:
«الحق» ومضى فتبعته، فدخل واستأذنت فأذن لي، فدخلت فوجدت لبنا في قدح، فقال: «من أين هذا اللّبن؟» فقالوا: أهدى ذلك فلان أو فلانة، فقال: «يا أبا هرّ» ، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «الحق بأهل الصّفّة فادعهم لي» وقال: وأهل الصّفّة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا مال، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم، فأصاب منها وأشركهم فيها فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللّبن في أهل الصّفّة؟ كنت أرجو أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها بقية يومي وليلتي، وإني لرسول فإذا جاءوا أمرني أن أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد، فأتيتهم، فدعوتهم، فأقبلوا وأخذوا مجالسهم من البيت، فقال: «يا أبا هرّ» ، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «خذ فأعطهم فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرّجل فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح أعطيه الآخر فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح حتى انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلّهم فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إليّ وتبسّم، وقال: «يا أبا هرّ» ، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «بقيت أنا وأنت» ، قلت: صدقت يا رسول الله، قال: «اقعد فاشرب» فشربت فقال: «اشرب» فشربت حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا فأعطيته القدح فحمد الله عز وجل وسمّى وشرب الفضلة [ (1) ] .
__________
[ (1) ] البيهقي 7/ 83، 88، 8/ 55 والحاكم 3/ 15 والبيهقي في الدلائل 6/ 101 وأخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم.(9/465)
الباب الثاني في تكثيره صلى الله عليه وسلّم لبن الشاة
روى الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي وابن سعد والطّبرانيّ عن ابنة خبّاب بن الأرثّ قالت: خرج خبّاب في سريّة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعاهدنا حتى كان يحلب عنزا لنا، فكان يحلبها في جفنة لنا فتمتلئ فلما قدم خبّاب حلبها، فعاد حلابها كما كان، فقالت أمي:
أفسدتّ علينا شاتنا، قال: وما ذاك؟ قالت: إن كانت لتحلب ملء هذه الجفنة، قال: ومن كان يحلبها؟ قالت: رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وقد عدلتيني به؟ هو والله أعظم بركة [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى البيهقيّ عن نضلة بن عمر والغفاري أنه حلب لرسول الله صلى الله عليه وسلم إناء فشرب ثم شرب نضلة فامتلأ، فقال: يا رسول الله، إني كنت لأشرب السقية فما أمتلئ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ المؤمن ليشرب في معاء واحد، وإنّ الكافر ليشرب في سبعة أمعاء» [ (2) ] .
قصة أخرى.
روى البيهقي عن أبي العالية قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أزواجه التّسع يطلب طعاما، وعنده ناس من أصحابه، فلم يوجد، فنظر إلى عناق في الدار ما نتجت [ (3) ] قطّ فمسح مكان الضّرع، قال: فدفعت بضرع مليء بين رجليها فدعى بقف فحلب فيه فبعث إلى أبياته بعثا ثم حلب فشرب وشربوا.
تنبيهان الأول: معنى قوله: إنّ الكافر ليشرب في سبعة أمعاء.
الثاني: في بيان غريب ما سبق:.
الجفنة: بجيم ففاء ساكنة فنون فتاء تأنيث [القصعة] .
المعا: [هذا مثل ضربه للمؤمن وزهده في الدنيا والكافر وحرصه عليها وليس معناه كثرة الأكل دون الاتساع في الدنيا] .
الضرع: [تقدم] .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 111 والمجمع 8/ 312.
[ (2) ] مسلم (3/ 1632) .
[ (3) ] والبيهقي في الشعب 5/ 23.(9/466)
الباب الثالث في معجزاته صلى الله عليه وسلم في عكّة أم سليم وأم أوس البهزية وأم شريك الدوسية ونحى حمزة الأسلمي وأم مالك البهزية الأنصارية رضي الله عنهم.
روى أبو يعلى والطبراني وأبو نعيم وابن عساكر عن أم أنس رضي الله عنهما، قالت: كانت لنا شاة فجمعت من سمنها في عكّة فملأتها العكّة وبعثت بها مع الجارية فقالت: أبلغي هذه العكّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله هذه عكة سمن بعثت بها إليك أمّ سليم، قال:
«فرّغوا لها عكّتها» ففرغت العكّة فدفعت إليها فانطلقت وجاءت أم سليم، فرأت العكّة ممتلئة تقطر فقالت أم سليم: أليس قد أمرتك أن تنطلقي بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: قد فعلت فإن لم تصدّقيني فانطلقي فسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت أم سليم، فقالت: يا رسول الله إني بعثت إليك بعكّة سمن قال: «قد فعلت جاءت بها» ، قالت: والذي بعثك بالهدى ودين الحق إنها للممتلئة تقطر سمنا فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أمّ سليم أتعجبين إن كان الله أطعمك كما أطعمت نبيه كلي وأطعمي» ، فجاءت إلى البيت، ففتت لنا كذا وكذا وتركت فيها ما ائتدمنا شهرا أو شهرين [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى الطبراني والبيهقي عن أمّ أوس البهزيّة رضي الله عنها قالت: سليت سمنا لي فجعلته في عكة فأهديته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله، وترك في العكّة قليلا ونفخ فيه، ودعا بالبركة، ثم قال: «ردّوا عليها عكّتها» فردوها عليها وهي ممتلئة سمنا، قالت: فظننت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبلها فجاءت ولها صراخ فقالت: يا رسول الله إنما سلّيته لك لتأكله فعلم أنه قد استجيب له، فقال: «اذهبوا فقولوا لها لتأكل سمنها وتدعو بالبركة» ،
فأكلت بقية عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاية أبي بكر وولاية عمر وولاية عثمان حتى كان من أمر عليّ ومعاوية ما كان [ (2) ] .
قصة أخرى.
روى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كانت امرأة من دوس يقال لها أمّ شريك أسلمت فأقبلت تطلب من يصحبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيت رجلاً من اليهود، فقال: تعالي
__________
[ (1) ] المجمع (8/ 311) انظر البداية والنهاية 6/ 120 وأبو نعيم في الدلائل 148 والكنز (35444) .
[ (2) ] ابن كثير في البداية والنهاية 6/ 120.(9/467)
أنا أصحبك، قالت: انظرني حتى أملأ سقائي ماء، قال: معى ماء فانطلقت معه، فساروا حتى أمسوا، فنزل اليهودي ووضع سفرته وتعشّى، وقال: يا أم شريك، تعالي إلى العشاء، قالت:
اسقني، فإني عطشى ولا أستطيع أن آكل حتى أشرب، قال: لا أسقيك قطرة حتى تهوّدي، قالت: والله لا أتهوّد أبدا فأقبلت إلى بعيرها فعقلته ووضعت رأسها على ركبته، قالت: فما أيقظني إلا برد دلو قد وقع على جبيني فرفعت رأسي فنظرت إلى ماء أشدّ بياضاً من اللبن وأحلى من العسل فشربت حتى رويت ثم نضحت على سقائي حتى ابتلّ ثم ملأته ثم رفع بين يديّ وأنا أنظر حتى توارى منّي في السماء فلما أصبحت جاء اليهوديّ، فقال: يا أم شريك قلت: والله قد سقاني الله. قال: من أين؟ أنزل عليك من السماء ماء؟ قالت: نعم، والله لقد أنزل على من السماء ماء ثم رفع بين يدي حتى توارى عنّي في السماء
ثم أقبلت حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبت نفسها له فزوجها زيدا وأمر لها بثلاثين صاعا وقال: «كلوا ولا تكيلوا» ، وكان معها عكّة سمن هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرت جاريتها أن تحملها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت فأخذوها، فأفرغوها، وأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ردّتها أن تعلّقها ولا توكئها فدخلت أمّ شريك فوجدتها ملأى، فقالت: للجارية: ألم آمرك أن تذهبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: قد فعلت ثم أقبلت بها ما ينظر منها شيء، ولكنه قال: «علّقوها ولا توكئوها» ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن لا يوكئوها،
فلم تزل حتى أوكأتها أمّ شريك ثم كالوا الشعير فوجدوه ثلاثين صاعا لم ينقص منه شيء.
قصة أخرى.
روى الطبراني والبيهقي وأبو نعيم عن محمد بن عمرو بن حمزة الأسلميّ عن أبيه عن جدّه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، وخرجت على خدمته ذلك السّفر، فنظرت إلى نحي السّمن قد قلّ ما فيه وهيّأت للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما ووضعت السمن في الشمس ونمت فانتبهت بخرير النحي فقمت فأخذت برأسه بيدي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو تركته لسال واديا سمنا» [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى الإمام أحمد ومسلم عن جابر رضي الله عنه قال: إن البهزية أم مالك كانت تهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم في عكّة لها سمنا، فيأتيها بنوها يسألونها عن إدام وليس عندها شيء فعمدت إلى العكة التي كانت تهدي فيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت فيها سمنا فما زال يقيم لها إدام بنيها
__________
[ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل (155) وانظر المجمع (6/ 194) .(9/468)
حتى عصرته فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أعصرتيها؟» قالت: نعم، قال: «لو تركتها ما زال قائما» [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى ابن أبي شيبة عن رجل عن أم مالك الأنصارية قالت: جاءت أمّ مالك بعكة سمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا بعصرها، ثم دفعها إليه فرجعت فإذا هي مملوءة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، نزل في شيء؟ قال: «وما ذاك يا أم مالك؟» قالت: رددت هديتي فدعا بلالا، فسأله عن ذلك، فقال: والذي بعثك بالحق لقد عصرتها حتى استحييت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هنيئا لك يا أم مالك، هذه بركة عجّل الله تعالى لك ثوابها» .
الحديث [ (2) ] .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
العكّة: بمهملة مضمومة فكاف مشددة: إناء من جلد.
الوتد: بفتح الواو والمثناة الفوقية ودال مهملة ككتف: بارز في الأرض والحائط من خشب.
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 1784 (8/ 2280) .
[ (2) ] ابن أبي شيبة 11/ 495 وانظر المجمع 10/ 102.(9/469)
الباب الرابع في تكثيره صلى الله عليه وسلّم الشعير
روى الإمام أحمد ومسلم عن جابر رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال يأكل منه هو وامرأته ومن ضيفهما حتى كالوه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم» [ (1) ] .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
شطر: بمعجمة فمهملة نصف، والوسق بفتح الواو: ستون صاعا ثلاثمائة وعشرون رطلا حجازية وأربعمائة وثمانون رطلا عراقية على اختلافهم في قدر زنة الصاع والمدّ.
قصة أخرى.
روى الحاكم والبيهقي عن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أنه استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم في التزويج فأنكحه امرأة فالتمس شيئا فلم يجده فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع وأبا أيّوب بدرعه فرهناه عند يهوديّ بثلاثين صاعا من شعير، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، قال: فطعمنا منه نصف سنة ثم كلناه فوجدناه كما أدخلناه، قال نوفل: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لو لم تكله لأكلت منه ما عشت» [ (2) ] .
قصة أخرى.
روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلّا شطر وسق من شعير في رف لي فأكلت منه حتى طال عليّ فكلته ففني [ (3) ] .
وتقدمت قصة أم شريك في الباب قبله.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
الشّطر: بشين معجمة مفتوحة فطاء ساكنة فراء: الشطر النصف.
والوسق: بواو مفتوحة فسين مهملة ساكنة فقال: ستون صاعا أو حمل البعير.
الرّف: براء ففاء مفتوحتين: خشب يرفع عن الأرض إلى جنب الجدار يرقى له ما يوضع عليه، وجمعه رفوف ورفاف.
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 337، 347 ومسلم في الفضائل باب (3) حديث (9) والبيهقي في الدلائل 6/ 114.
[ (2) ] الحاكم في المستدرك 3/ 346 والبيهقي في الدلائل 6/ 114.
[ (3) ] تقدم.(9/470)
الباب الخامس في تكثيره صلى الله عليه وسلّم التمر
روى الإمام أحمد وابن سعد والترمذي وابن حبّان والبيهقي من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أصبت بثلاث مصيبات في الإسلام لم أصب بمثلهن: موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتل عثمان، والمزود
قال زيد بن أبي منصور عن أبيه: فقلت: وما المزود يا أبا هريرة؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فأصابهم عوز من الطعام فقال: «يا أبا هريرة عندك شيء؟» قلت: شيء من تمر في مزود لي قال: «جيء به» قال فجئت بالمزود، قال: «هات نطعا» ، فجئت بالنّطع فبسطته، فأدخل يده فقبض على التمر، فإذا هو إحدى وعشرون تمرة فجعل يضع كلّ تمرة ويسمّي الله عز وجل حتى أتى على التّمر، فقال به هكذا فجمعه فقال:
«ادع عشرة» ، فدعوت عشرة، فأكلوا حتى شبعوا وكذلك حتى أكل الجيش كله وفضل تمرات، فقلت: يا رسول الله، ادع لي فيهنّ بالبركة فقال: فقبضهنّ ثم دعا فيهنّ بالبركة ثم قال:
«خذهنّ فاجعلهنّ في المزود، وإذا أردتّ أن تأخذ منهن شيئا فأدخل يدك فيه ولا تكفأ فيكفأ عليك»
قال: فما كنت أريد تمرا إلا أدخلت يدي فأخذت منه، ولقد حملت منه خمسين وسقا في سبيل الله، ونأكل ونطعم منه حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وحياة عثمان وكان معلّقا خلف رحلي فلما قتل عثمان انتهب ما في بيتي وانتهب المزود وفي رواية فلم نزل نأكل منه حتى كان آخر إصابة أهل الشام حين غاروا بالمدينة ألا أخبركم كم أكلت منه أكثر من مائتي وسق [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى أبو نعيم وابن عساكر عن العرباص بن سارية رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك، فقال ليلة لبلال: «هل من عشاء؟» فقال: والذي بعثك بالحقّ لقد نفضنا جرابنا، قال: «انظر عسى تجد شيئا» ، فأخذ الجرب ينفضها جرابا جرابا. فتقع التمرة والتمرتان حتى رأيت في يده سبع تمرات ثم دعا بصحفة فوضع التمر فيها ثم وضع يده على التمرات وقال: «كلوا باسم الله» فأكلنا ثلاثة أنفس فأحصيته أربعا وخمسين تمرة أعدها عدّا ونواها في يدي الأخرى وصاحبيّ يصنعان كذلك فشبعنا ورفعنا أيدينا فإذا التمرات السبع كما هن فقال:
«يا بلال ارفعهن، فإنه لا يأكل منها أحد إلا نهل منها شبعا» فلما كان من الغد دعا بلالا بالتمرات فوضع يده عليها ثم قال «كلوا باسم الله» ، فأكلنا حتى شبعنا وإنا لعشرة ثم رفعنا أيدينا
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 6/ 110.(9/471)
وإذا التمرات كما هي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أني مستح من ربي لأكلنا من هذه التمرات حتى نرد إلى المدينة عن آخرنا» فأعطاهن غلاما فولّى يلوكهنّ [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى أبو نعيم معضلا عن محمد بن عمرو الأسلمي قال: قال رجل من بني سعد: جئت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في نفر من أصحابه وهو سابعهم، فأسلمت، فقال: «يا بلال، أطعمنا» ، فبسط نطعا ثم جعل يخرج شيئا له فأخرج شيئا من تمر معجون بالسّمن والأقط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلوا» فأكلنا حتى شبعنا فقلت: يا رسول الله، إني كنت آكل هذا وحدي، ثم جئته من الغد، فإذا عشرة نفر حوله فقال: «أطعمنا يا بلال» ، فجل يخرج من جراب تمرا بكفّه قبضه قبضة، فقال: «أخرج ولا تخف من ذي العرش إقلالا» فجاء بالجراب فنثره فحزرته مدّين فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على التمر ثم قال: «كلوا باسم الله» ، فأكل القوم، وأكلت معهم حتى ما أجد له مسلكا وبقي على النّطع مثل الذي جاء به كأنا لم نأكل منه تمرة واحدة ثم غدونا من الغد وعاد نفر عشرة يزيدون رجلا أو رجلين، فقال: «يا بلال، أطعمنا» فجاء بذلك الجراب بعينه فنثره فوضع يده عليه، وقال: «كلوا باسم الله» فأكلنا، ثم رفع مثل الذي صب ففعل ذلك ثلاثة أيام [ (2) ] .
قصة أخرى.
روى الإمام أحمد وأبو داود وابن حبان عن دلين بن سعيد الخثعمي والنعمان بن مقرن قالا: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربعون وأربعمائة نسأله الطعام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: «قم فأعطهم» ، فقال: يا رسول الله، ما عندي إلا ما يقيظني والصبية، قال: «قم فأعطهم» ، قال: يا رسول الله، سمعا وطاعة،
فقام عمر وقمنا معه وصعد بنا إلى غرفة له فإذا فيها من التمر مثل الفصيل الرابض قال: شأنكم. فأخذ كلّ رجل منا حاجته ما شاء قال: وإني لمن آخرهم فكأنّا لم نرزأ منه تمرة [ (3) ] .
قصة أخرى.
روى الطبراني وأبو نعيم وابن عساكر بسند لا بأس به عن أبي رجاء قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل حائطا لبعض الأنصار فإذا هو يسنو فيه فقال: «ما تجعل لي إن أرويت حائطك هذا» ، قال: إني أجهد أن أرويه فلا أطيق ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تجعل
__________
[ (1) ] انظر الجامع الكبير للسيوطي 2/ 566 والبداية والنهاية (6/ 122- 123) .
[ (2) ] انظر جمع الجوامع 2/ 566 والكنز (16189) وانظر المجمع 3/ 126، 10/ 241 وكشف الخفاء 1/ 243.
[ (3) ] أخرجه البخاري في التاريخ 3/ 255.(9/472)
لي مائة تمرة أختارها من تمرك» قال: نعم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الترب فما لبث أن أرواه حتى قال الرجل: غرقت على حائطي فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم من تمره مائة تمرة، قال: فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى شبعوا ثم رد عليه مائة تمرة كما أخذها [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى الإمام أحمد والشيخان من طرق وألفاظه متقاربة هذا حاصلها عن جابر رضي الله عنه أن أباه توفّي وعليه ديون ليهوديّ منها ثلاثون وسقا فاستعنت بالنبي صلى الله عليه وسلم علي غرمائه أن يضعوا من دينه، فطلب إليهم فلم يفعلوا فاستنظرهم فلم يفعلوا فعرضت عليهم أن يأخذوا تمري كله فأبوا ولم يروا أن فيه وفاء، فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في النّخل ودعا في تمره بالبركة، ثم قال: «إذا جددته فوضعته في المربد فاجعله أصنافا، العجوة على حدة، وعذق ابن زيد على حدة» ، ثم أرسل إليّ» ففعلت فلما وضعته في المربد أرسلت إليه فجاء أبو بكر وعمر فطاف حول أعظمها بيدرا ثلاث مرات ثم جلس عليه ودعا بالبركة ثم قال: «ادع غرماءك فأوفهم» فما تركت أحدا له عليّ دين إلا قضيته وأنا أرضى أن يرد الله عز وجل أمانة والدي ولا أرجع إلى إخوتي منه بتمرة فسلم والله البيادر كلّها، حتى إني لأنظر إلى البيدر الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنّه لم تنقص منه تمرة واحدة فقلت: يا رسول الله ألا ترى أنى كلت لغريمي تمره فوفاه الله عز وجل وفضل من التمر كذا وكذا فقال ابن عمر بن الخطاب: فجاء يهرول فقال: سل جابر بن عبد الله عن غريمه وغيره، فقال: ما أنا بسائله قد علمت أن الله عز وجل سوف يوفيه إذا أجزت فيه فكرر عليه الكلمة ثلاث مرات كل ذلك يقول: ما أنا بسائله، وكان لا يراجع بعد المرة الثالثة، فقال: «يا جابر، ما فعل غريمك وتمرتك» ، قال: قلت: وفّاه الله عز وجل وفضل لنا من التمر كذا وكذا [ (2) ] .
قصة أخرى.
روى ابن سعد عن ابنة بشير بن سعد قالت: دعتني أمي فأعطتني جفنة من تمر في ثوبي ثم قالت: يا بنيّة، اذهبي إلى أبيك وخالك عبد الله بغدائهما، قالت: فأخذته ثم انطلقت بها فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «تعالي ما معك؟» فقلت: يا رسول الله هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد وخالي عبد الله بن رواحة يتغدّيانه فقال: «هاتيه» ، فصببته في كفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ملأها ثم أمر بثوب فبسط ثم دعا بالتمر فصبه فوق الثّوب ثم قال لإنسان
__________
[ (1) ] الطبراني في الكبير 18/ 244 والمجمع 8/ 301 والبداية لابن كثير 6/ 141.
[ (2) ] أخرجه البخاري 4/ 344 (2127، 2709، (2781، 4053) والنسائي 6/ 46، وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2152) وابن عساكر كما في التهذيب 3/ 391.(9/473)
عنده: «اخرج في أهل الخندق أن هلمّوا إلى الغداء فاجتمع أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه وإنّه ليسقط من أطراف الثوب
[ (1) ] .
قصة أخرى.
روى ابن سعد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرجت يوما من بيتي إلى المسجد لم يخرجني إلا الجوع فوجدت نفرا قالوا: ما أخرجنا إلا الجوع فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه فدعا بطبق فيه تمر فأعطى كلّ رجل منّا تمرتين فقال: «كلوا هاتين التمرتين واشربوا عليهما فإنهما ستجزيانكم يومكم هذا» [ (2) ] .
قصة أخرى.
روى البيهقي عن عبد الله بن أبي أوفى قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه غلام فقال: بأبي أنت يا رسول الله غلام يتيم وأخت له يتيمة وأمّ له أرملة أطعمنا أطعمك الله مما عنده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «انطلق إلى أهلنا فأتنا بما وجدت عندهم» فأتى بواحدة وعشرين تمرة فوضعها في كفّ النبي صلى الله عليه وسلم فأشار النبي صلى الله عليه وسلم بكفّه إلى فيه، ونحن نرى أنه يدعو بالبركة ثم قال: «يا غلام، سبعا لك وسبعا لأمك، وسبعا لأختك فتعشى بتمرة وتغدى بأخرى» [ (3) ] .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
المزود: بميم مكسورة فزاي فواو مفتوحة وعاء من جلد يجعل فيه الزاد.
البيدر: بموحدة فمثناة تحتية فمهملة فراء الموضع الذي يداس فيه الطعام ليخلص من تينه.
القبضة: بقاف مفتوحة فموحدة ساكنة فمعجمة مفتوحة: المقبوضة كالفرقة بمعنى المفروقة وهو الأخذ بجميع الكف وبالضم اسم للمقبوض.
يلوكهنّ: من اللّوك بفتح اللام وسكون الواو: أهون المضغ أو مضغ صلب أو علك نيء.
النّطع: بكسر النون وفتح الطاء.
جربا: بجيم فراء مضمومة فموحدة فألف جمع جراب.
الصحفة: بصاد مفتوحة فحاء مهملتين ساكنة ففاء دون الجفنة وفوق الكيلة.
__________
[ (1) ] ابن كثير في البداية 6/ 133.
[ (2) ] ابن سعد 4/ 2/ 55.
[ (3) ] وانظر المجمع (8/ 164.(9/474)
الإقفار: بهمزة مكسورة فقاف ساكنة ففاء فألف فراء: ذهاب الطعام.
حزرته: بحاء مهملة فزاي مفتوحتين فراء: قدّرته.
الفصيل: بفاء مفتوحة فصاد مهملة مكسورة فتحتية فلام: ولد الناقة إذا فصل عن أمه.
الرّابض: براء فألف فموحدة مكسورة فضاد معجمة: الجالس المقيم.
شأنكم: بشين معجمة فألف فنون الحظر من الأمر والحال.
نرزأ: بنون مفتوحة فمهملة ساكنة فزاي فهمزة ساكنة: ننقص.
جذذته: بجيم فذالين معجمتين: قطعته.
المربد: بميم مفتوحة فراء ساكنة فموحدة مفتوحة فدال مهملة: الجرين.
العجوة: ضرب من التمر.
عذق زيد: بعين مهملة مكسورة فذال معجمة ساكنة فقاف: نوع من التمر وأطم بالمدينة لبني أمية بن زيد.(9/475)
الباب السادس في تكثيره صلى الله عليه وسلّم البيض
روى أبو نعيم عن جابر رضي الله عنهما قال: لمّا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو ذات الرّقاع جاء له علبة زيد بثلاث بيضات أداحي، فقال: يا رسول الله، وجدت هذه البيضات في مفحص نعام، فقال: «دونك يا جابر، فاعمل هذه البيضات»
فعملتهن ثمّ جئت بهنّ في قصعة، فجعلت أطلب خبزا فلا أجده، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون من ذلك البيض بغير خبز حتى انتهى إلى حاجته، والبيض في القصعة كما هو ثمّ قام فأكل منه عامّة أصحابه ثم رحلنا مبردين قال ابن سعد: وكانوا أربعمائة ويقال: سبعمائة.
الباب السابع في تكثيره صلى الله عليه وسلّم اللحم
روى ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي وأبو نعيم من طرق عن علي وابن مردويه وأبو نعيم عن البراء رضي الله عنهما ان الله تعالى لما أنزل وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [سورة الشعراء 214] جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلا يأكلون المسنة ويشربون العس فأمر عليّا أن يصنع لهم طعاما وأن يجعل عليه رجل شاة فصنعها ثم قربها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ منها بضعة فأكل منها ثم تتبع بها جوانب القصعة ثم قال:
«ادنوا باسم الله» فدنا القوم فأكلوا عشرة عشرة، فأكلوا حتى صدروا ما نرى إلا أثر أصابعهم، والله إن كان الرّجل ليأكل مثل ما قدم لجميعهم، ثم قال: «يا عليّ، اسق القوم» فجاءهم بذلك العس فشرب منه ثم ناولهم، وقال: «اشربوا باسم الله» فشربوا حتى رووا عن آخرهم، وايم الله، إن كان الرجل منهم ليشرب مثله فذكر الحديث [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى الحسن بن سفيان والنّسائيّ في الكنى والطبراني والبيهقي عن خالد بن عبد العزى بن سلامة أن النبي صلى الله عليه وسلم أجزره شاة وكان عيال خالد كثيرا يذبح الشّاة فلا يبدّ عياله عظما عظما وأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل منها ثمّ قال: «أرني دلوك يا أبا حباش» فوضع فيه فضلة الشّاة، ثم قال: «اللهم بارك لأبي حباش» فانقلب به، فنثره لهم، وقال: «تواسوا فيه فأكل منه عياله وأفضلوا [ (2) ] .
__________
[ (1) ] السّيوطي في الدر المنثور 5/ 97.
[ (2) ] أخرجه الدولابي في الكنز 1/ 68 والبيهقي في الدلائل 6/ 116 وانظر الكنز (35687) .(9/476)
قصة أخرى.
روى الطبراني عن مسعود بن خالد، قال: بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة ثم ذهبت في حاجة فردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شطرها فرجعت فإذا لحم فقلت: يا أمّ خناس ما هذا اللحم؟ قالت:
رد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشاة التي بعثت بها إليه شطرها، قلت: ما لك لا تطعمينه عيالك، قالت: هذا سؤرهم، وكلّهم قد أطعمت، وكانوا يذبحون الشاتين والثلاثة فلا تجزئهم [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى الحاكم عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: لما قتل أبي ترك دينا.. الحديث وفيه:
فقلت لامرأتي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب النوم نصف النهار فدخلت وفرشت له فنام فذبحت له عناقا فلما استيقظ وضعتها بين يديه، فقال: «ادع أبا بكر» ، ثم دعا الذين كانوا معه، فدخلوا فأكلوا حتى شبعوا وفضل منا لحم كثير [ (2) ] .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
العس: بمهملتين الأولى مضمومة: قدح كبير من خشب.
القصعة: بفتح القاف ولا تكسر.
__________
[ (1) ] انظر المجمع (8/ 313.
[ (2) ] تقدم.(9/477)
الباب الثامن في تكثيره صلى الله عليه وسلّم طعام أبي طلحة رضي الله تعالى عنه
روى الإمام أحمد والشيخان وأبو يعلى والبغوي من طرق كثيرة متواترة عن مبارك بن فضالة عن ثابت عن أنس أنه كان شاهد أبا طلحة قال لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ فقالت: ما عندنا إلا نحو من مدّ شعير، قال: فاعجنيه وأصلحيه، عسى أن ندعو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل عندنا، قالت:
فعجنته وخبزته، فجاء قرصا، فقال: ادع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنس: فذهبت فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس، قال مبارك بن فضالة، فأحسبه قال: بضعة وثمانون، فقمت عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرسلك أبو طلحة؟» فقلت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: «قوموا» فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة:
فضحتنا، قلت: إني لم أستطع أن أرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا، فتلقّاه أبو طلحة فدهش لمن أقبل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى جنبه، فقال: يا رسول الله، إنما هو قرص فقال: «إن الله عز وجل سيبارك فيه» ، فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الباب قال لهم: «اقعدوا» ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو طلحة: يا أمّ سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليس عندنا ما نطعمهم، فقالت: الله ورسوله أعلم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرص، ودعا بجفنة فوضعه فيها، وقال: «هل من سمن» قال أبو طلحة: قد كان في العكّة شيء قال: فجاء بها فجعل هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعصرانها حتى خرج شيء مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم به سبابته ثم مسح القرص فانتفخ، وقال: «باسم الله» فانتفخ فلم يزل يصنع كذلك والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص في الجفنة ثم قال: «ادع عشرة من أصحابي» ، فدعوت له عشرة، قال: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وسط القرص، وقال: «كلوا باسم الله» فأكلوا من حوالي القرص حتى شبعوا فلم يزل يدعو عشرة بعشرة يأكلون من ذلك القرص حتى أكل منه بضعة وثمانون من حوالي القرص حتى شبعوا، وإنّ وسط القرص حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده كما هو، وأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة وأم سليم وأنا حتى شبعنا وفضلت فضلة أهديناها لجيران لنا [ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 115، 7/ 89 ومسلم في كتاب الأشربة (142) والترمذي (3630) والبيهقي 7/ 273 وفي الدلائل 6/ 89 وأبو نعيم في الدلائل 147 ومالك في الموطأ 927.(9/478)
الباب التاسع في تكثيره صلى الله عليه وسلّم طعام جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما
روى الإمام أحمد والبخاري والإسماعيليّ والبيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا يوم الخندق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرضت كدية شديدة فجاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هذه كدية من الجبل عرضت فقال: «أنا نازل» ثم قام وبطنه معصوب بحجر ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المعول فضرب فعادت كثيبا مهيلا. فقلت: يا رسول الله، ائذن لي إلى البيت، فأذن لي فقلت لامرأتي: إني رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا ما في ذلك صبر فعندك شيء؟ فأخرجت لي جرابا فيه صاع من شعير ولنا عناق فذبحتها وطحنت ففرغت إلى فراغي وقطعتها في برمتها والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافي قد كادت أن تنضج ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم وبمن معه، فجئته فساررته فقلت: اطعم لي فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان قال: «كم هو؟» فذكرت له، قال: «كثير طيب» ، قل لها: لا تنزع البرمة والخبز من التّنّور حتى آتيكم واستعر صحافا» ثم صاح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أهل الخندق إن جابرا صنع لكم سؤرا فحيهلا بكم» ، فلقيت من الحياء ما لا يعلمه إلّا الله عز وجل فجئت وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس حتى جئت امرأتي فقلت: ويحك جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم فقالت: هل سألك؟ قلت: نعم، فقالت: الله ورسوله أعلم، قال: فكشفت عنّي غمّا شديدا، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ادخلوا ولا تضاغطوا فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك ثم قال: «يا جابر، ادع خبازة فلتخبز معك واقدح من برمتكم ولا تنزلوها» وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبرد ويغرف اللحم ويخمر هذا ويخمر هذا فما زال يقرب إلى الناس حتى شبعوا أجمعين ويعود التنور والقدر أملأ ما كانا فكلما فرغ قوم جاء قوم حتى صدر أهل الخندق وهم ألف حتى تركوه، وانحرفوا وإن برمتنا لتغطّ كما هي، وإن عجيننا ليختبز كما هو ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلي وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة» فلم نزل نأكل ونهدي يومنا [ (1) ] .
تنبيهان
الأول: وقوله «وهم ألف» كذا في الصحيح وفي غيره تسعمائة أو ثمانمائة أو ثلاثمائة، قال الحافظ والحكم الزائد لمزيد علمه ولأن القصة متحدة.
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 395 والبغوي في الشرح 14/ 5 وابن كثير في البداية 4/ 97.(9/479)
الثاني: في بيان غريب ما سبق:.
كدية: بضم الكاف وهي القطعة الصلبة الصّمّاء.
الذواق: بذال معجمة مفتوحة فواو فألف فقاف: أي ما ذيق منها.
المعول: كبير الحديدة ينقر بها في الجبال.
كثيبا مهيلا: رملا سائلا.
والعجين قد انكسر أي لان ورطب وتمكن من الخبز.
البرمة: بموحدة فراء فميم إناء من حجر أو مدر يطبخ فيه الطعام.
الأثافي: بمثلثة وفاء: الحجارة التي توضع عليها القدر.
سورا: بضم السين المهملة وسكون الواو بغير همزة هو ها هنا ما يصنع بالحيسة.
فحيهلا بكم: كلمة استدعاء فيها حث أي هلموا مسرعين بكّ وبكّ.
ولا تضاغطوا: بضاء وغين معجمتين وطاء مهملة مشالة أي لا تزدحموا.
اقدحي: اغرفي والمقدحة: المغرفة.
خمّر البرمة: غطّاها.
انحرفوا: أي مالوا عن الطعام.
تغط: بكسر الغين المعجمة وتشديد الطاء أي تغلي وتفور.(9/480)
الباب العاشر في تكثيره صلى الله عليه وسلّم حيس أم سليم رضي الله تعالى عنها
روى أبو يعلى وأبو نعيم وابن عساكر عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش قالت لي أمي: يا أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح عروسا ولا أدري أصح له (غذاء) فهلمّ تلك العكّة فأتيتها بالعكّة وبتمر فجعلت منه حيسا فقالت: يا أنس:
اذهب بهذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وامرأته، فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بتور من حجارة فيه ذلك الحيس قال: «دعه ناحية البيت وادع أبا بكر، وعمر وعليّا وعثمان ونفرا من أصحابه ثم ادع لي أهل المسجد ومن رأيت في الطّريق» فجعلت أتعجب من قلة الطعام وكثرة ما يأمرني أن أدعو النّاس وكرهت أن أعصيه حتى امتلأ البيت والحجرة، فقال: «هات ذلك التور» فجئت به فوضعه قدّامه فعمس ثلاث أصابع في التور فجعل التّمر يربو فجعلوا يتغدّون ويخرجون حتى إذا فرغوا أجمعون، وبقي في التور نحو ما جئت به، فقال: «ضعه قدّام زينب» ، قال ثابت: يا حمزة، كم ترى كان الذين أكلوا من ذلك التور؟ قال: واحدا وسبعين أو اثنين وسبعين [ (1) ] .
الحيس- بمهملة فمثناة تحتية فمهملة- سمن وأقط وربما جعل عوض الأقط دقيق.
التور: بمثناة فوقية إناء من مدر أو حجارة.
__________
[ (1) ] ابن كثير في البداية والنهاية 6/ 127.(9/481)
الباب الحادي عشر في تكثيره صلى الله عليه وسلّم طعام أبي أيّوب
روى جعفر الفريابي والبيهقي وأبو نعيم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر طعاما قدر ما يكفيهما، فأتيتهما به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«اذهب فادع ثلاثين من أشراف الأنصار،» قال: فشقّ ذلك علي، وقلت: ما عندي شيء أزيده، قال: فكأني تثاقلت، فقال: «اذهب فأدع لي ثلاثين من أشراف الأنصار [ (1) ] » فدعوتهم فجاؤوا، فقال: أطعموا فأكلوا حتىّ صدروا ثمّ شهدوا أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعوه قبل أن يخرجوا ثم قال: اذهب فادع لي ستين من أشراف الأنصار، قال أبو أيوب: فو الله لأنا بالستين أجود مني بالثلاثين، قال: فدعوتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أطعموا فأكلوا حتى صدروا» ثم شهدوا أنه رسول الله وبايعوه قبل أن يخرجوا، ثم قال: «اذهب فادع لي تسعين من الأنصار فلأنا أجود بالتسعين مني بالثلاثين» ،
قال: فدعوتهم فأكلوا حتّى صدروا ثم شهدوا أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعوه قبل أن يخرجوا فأكل من طعامي ذلك مائة وثمانون رجلا كلهم من الأنصار [ (2) ] .
__________
[ (1) ] هذه الزيادة سقطت من د.
[ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير 4/ 221، 222 والبيهقي في الدلائل 6/ 94 وابن عبد البر في التمهيد 1/ 294 وابن كثير في البداية 6/ 127.(9/482)
الباب الثاني عشر في تكثيره صلى الله عليه وسلّم طعام ابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها
روى أبو يعلى عن جابر رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما لم يطعم طعاما حتى شق ذلك عليه فطاف في منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة منهن شيئاً، فأتى فاطمة، فقال: «يا بنية، هل عندك شيء أكلة، فإني جائع» فقالت: لا والله، فلما خرج من عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وغطت عليها، وقالت: والله، لأوثرنّ بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي ومن عندي فكانوا جميعا محتاجين إلى شبعة طعام فبعثت حسنا أو حسينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليها فقالت له: قد آتى الله بشيء فخبأته لك، قال: «هلمي يا بنية» ، فكشفت عن الجفنة، فإذا هي مملؤة خبزا ولحما، فلما نظرت إليها بهتت وعرفت أنها بركة من الله عز وجلّ، فحمدت الله عز وجل وصلت على نبيه- صلى الله عليه وسلم وقدّمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه حمد الله عز وجل، وقال: «من أين لك هذا يا بنيّة؟» قالت: يا أبت، هذا من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فقال: «الحمد لله الذي جعلك شبيهة بسيدة نساء بني إسرائيل فإنها كانت إذا رزقها الله عز وجل شيئا فسئلت عنه قالت هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب،» فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى وفاطمة وحسن وحسين وجميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته حتى شبعوا وبقيت الجفنة كما هي فأوسعت بقيّتها على جميع جيرانها، وجعل الله عز وجل فيها بركة وخيراً كثيراً [ (1) ] .
__________
[ (1) ] ذكره السيوطي في الدر المنثور 2/ 20 وابن كثير في التفسير 2/ 29.(9/483)
الباب الثالث عشر في تكثيره صلى الله عليه وسلّم فضلة أزواد أصحابه رضي الله تعالى عنهم
روى الشيخان عن سلمة بن الأكوع والإمام أحمد ومسلم عن أبي هريرة وأحمد عن أبي الحسين الغفاريّ وابن سعد والحاكم وصححه عن أبي عمرة الأنصاريّ والبزّار والطبراني والبيهقي عن أبي الحسين العبديّ وإسحاق بن راهويه وأبو يعلى وأبو نعيم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم- قالوا:.
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة بتبوك فأصاب الناس مخمصة شديدة، فاستأذن الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحر بعض ظهورهم، وقالوا يبلغنا الله عز وجل فأذن لهم، فأخبر عمر رضي الله عنه- فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبيّ الله، ماذا صنعت؟ أمرت الناس أن ينحروا ظهورهم فعلى ماذا يركبون؟، قال: «فما ترى يا ابن الخطّاب؟» قال: أرى أن تأمرهم أن يأتوا بفضل أزوادهم فتجمعه في ثوب، ثم تدعو الله عز وجل بالبركة، فإن الله عز وجلّ سيبلغنا بدعوتك، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ببقايا أزوادهم، فجعل الناس يجيئون بالحثية من الطعام وفوق ذلك فكان أعلاهم من جاء بالصّاع من التمر، فجمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب ثم دعا لهم، ثم قال: «ائتوني بأوعيتكم» فملأ كلّ إنسان وعاءه ولم يبق في الجيش وعاء إلّا ملؤوه حتى إن الرجل ليعقد قميصه فيأخذ فيه وبقي مثله، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، وقال: «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله لا يلقى الله عبد مؤمن بها إلا حجبت عنه النّار [ (1) ] » .
قصة أخرى.
روى الطبرانيّ عن صفية أمّ المؤمنين رضي الله عنها قالت: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فقال: «هل عندك شيء، فإني جائع» ، قلت لا، إلا مدّين من طحين قال: «فاسخنيه» فجعلته في القدر وأنضجته، فقلت: قد نضج ثم دعا ينحي ليس فيه إلا القليل فعصر حافتيه في القدر موضع يده فقال: «بسم الله ادعي أخواتك، فإني أعلم أنهن يجدن مثل ما أجد» فدعوتهنّ فأكلنا حتى شبعنا ثم جاء أبو بكر فدخل ثم عمر فدخل ثم جاء رجل فأكلوا حتى شبعوا وفضل عنهم [ (2) ] .
قصة أخرى.
روى الإمام أحمد والبيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لمّا نزل
__________
[ (1) ] تقدم انظر الدر المنثور 2/ 20 وابن كثير في التفسير 2/ 29.
[ (2) ] انظر مجمع الروائد 8/ 309.(9/484)
رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران في عمرته بلغ أصحابه أن قريشا تقول ما يتباعثون من العجف، فقال أصحابه: لو انتحرنا من ظهورنا، فأكلنا من لحمه وحسونا من مرقة لاصبحنا غدا ندخل على القوم وبنا جمامة فقال: «لا تفعلوا ولكن اجمعوا لي من أزوادكم» فجمعوا له وبسطوا الأنطاع، فأكلوا حتى تولّوا وحثا كل واحد منهم في جرابه [ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 1/ 305 وانظر المجمع 3/ 278 والبداية لابن كثير 4/ 231.(9/485)
الباب الرابع عشر في تكثيره صلى الله عليه وسلّم أطعمة مختلفة غير ما تقدم
روى أبو جعفر الفريابي وابن سعد وابن أبي شيبة والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع لي أصحابك فجعلت أتتبعهم رجلا رجلا، فجئنا باب النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنا فأذن لنا، قال أبو هريرة فوضعت بين أيدينا صحفة صنيع قدر مدّ من شعير فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها يده وقال: «كلوا باسم الله» فأكلنا ما شئنا وكنا ما بين السّبعين إلى الثمانين، ثم رفعنا أيدينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضعت الصحفة: «والذي نفسي بيده ما أمسى لآل محمد طعام» .
قيل لأنس: كم كانت حين فرغتم منها؟ قال مثلها حين وضعت إلّا أن فيها أثر الأصابع [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى الطّبراني والحاكم وصححه وأبو نعيم وابن عساكر عن واثلة بن الأسقع، قال: بعثني أهل الصّفّة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون الجوع فالتفت في بيته، فقال: «هل من شيء؟» قالوا:
نعم، كسرة أو كسرتين وشيء من لبن فأتي به ففتوه فتا دقيقا، ثم صبّ عليه اللّبن ثم حلبه بيده حتى جعله كالثريد ثم قال: «يا واثلة، ادع عشرة من أصحابك» ففعلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلوا باسم الله من حواليها، وأبقوا رأسها فإن البركة تأتيها من فوقها وإنها تمدّ» فرأيتهم يأكلون ويتخلّلون أصابعه حتى تمثلوا شبعا ثم ذهبوا، فقال: «جيء بعشرة» ، فقال لهم مثل ذلك، فأكلوا حتى شبعوا ثم قال: «هل بقي أحد» ، قلت: نعم، عشرة، قال: «جى بهم» ، فقال لهم مثل ما قال لمن قبلهم فأكلوا حتى شبعوا، وحتى انتهوا وإن فيها فضلة، فقمت متعجبا مما رأيت [ (2) ] .
قصة أخرى.
روى ابن سعد عن علي رضي الله عنه قال: نمنا ليلة بغير عشاء فأصبحت فالتمست فأصبت ما أشتري به طعاما ولحما بدرهم ثم أتيت به فاطمة فخبزت وطبخت فلما فرغت، قالت: لو أتيت أبي، فدعوته، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «أعوذ بالله من الجوع ضجيعا» ، فقلت: يا رسول الله، عندنا طعام فهلمّ، فجاءوا والقدر تفور، فقال: «اغرفي لعائشة في صحفة» حتى غرفت لجميع نسائه، ثم قال: «اغرفي لأبيك وزوجك» ، فغرفت، فقال:
«اغرفي فكلي،» ، فغرفت ثم رفعت القدر، وإنها لتفيض فأكلنا منها ما شاء الله عز وجل [ (3) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة 11/ 470 وابن سعد 1/ 2/ 13.
[ (2) ] أبو نعيم في الحلية 2/ 23 وفي الدلائل 150 وانظر جمع الجوامع 2/ 619.
[ (3) ] أخرجه ابن سعد 1/ 1/ 124.(9/486)
قصة أخرى.
روى الطبراني وأبو نعيم والبيهقي عن حمزة بن عمرو الأسلمي، قال: عملت طعاما للنبي صلى الله عليه وسلم ثم ذهبت به فتحرّك به النّحي فأهريق ما فيه فقلت: على يدي أهريق طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادنه» فقلت: يا رسول الله لا أستطيع فرجعت مكاني فإذا النّحي يقول قب قب، فقلت: مه قد أهريق فضلة فضلت فيه، فاجتذبته، فإذا هو قد ملي إلى يديه فأوكيته ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال: «أما إنك لو تركته لمليء إلى فيه ثم أوكى [ (1) ] » .
قصة أخرى.
روى الطبراني بسند حسن عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: صنعت أميّ طعاما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ادعه، فجئت فساررته، فقال لأصحابه: «قوموا» ، فقام معه خمسون رجلا، فقال: «ادخلوا عشرة عشرة» فأكلوا حتى شبعوا وفضل نحو ما كان
[ (2) ] .
قصة أخرى.
روى أبو نعيم عن صهيب رضي الله عنه قال: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فأتيته وهو في نفر من أصحابه فقمت حياله، فلما نظر إلى أومأت إليه، فقال: «وهؤلاء» قلت لا مرتين يفعل ذلك أو ثلاثا فقلت: نعم، وهؤلاء وإنما كان شيئا يسيرا صنعته لك فأكلوا وفضل منهم [ (3) ] .
قصة أخرى.
روى ابن سعد عن أم عامر أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في مسجدنا المغرب، فجئت إلى منزلي فجئته بعرق وأرغفة فقلت: بأبي وأمي تعشّ، فقال: لأصحابه: «كلوا باسم الله» ، فأكل هو وأصحابه الذين جاءوا معه، ومن كان حاضرا من أهل الدار، فو الذي نفسي بيده [ (4) ] لرأيت بعض العرق لم يتعرقه وعامّة الخبز وإنّ القوم أربعون رجلا.
قصة أخرى.
روى الإمام احمد وابن سعد وأبو نعيم عن عبد الله بن طهفة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمع الضيفان قال: «لينقلب كل رجل مع جليسه» ، فكنت أنا ممّن انقلب مع
__________
[ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 8/ 313 وقال رواه الطبراني.
[ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 8/ 310 وقال رواه الطبراني في الأوسط ورجاله وثقوا.
[ (3) ] ذكره الهيثمي في المجمع 4/ 58 وقال رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح إلا أن ضريب بن نضير لم يسمع من صهيب.
[ (4) ] ابن سعد 1/ 2/ 110.(9/487)
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا عائشة، هل من شيء» ، قالت: حويسة كنت أعددتّها لإفطارك، فأتي بها في قعبة فأكل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ثم قدمها إلينا ثمّ قال: «بسم الله كلوا» فأكلنا منها حتى والله ما ننظر إليها، ثم قال: «هل من شراب؟» فقالت لبينة: أعددتّها لإفطارك، فجاءت بها فشرب منها شيئاً، ثم قال: «باسم الله اشربوا» ، فشربنا حتى والله ما ننظر إليها [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى الطبراني بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فانطلق إلى المنزل فقال: «هلموا إلى الطعام الذّي عندكم فأعطوني صحفة فيها عصيدة بتمر» فأتيته بها، فقال: «ادع أهل المسجد» فقلت في نفسي: الويل لي مما أرى من قلة الطعام والويل لي من المعصية، فدعوتهم، فاجتمعوا، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه فيها وغمز نواحيها وقال: «كلوا بسم الله» فأكلوا حتى شبعوا وأكلت حتّى شبعت ورفعتها فإذا هي كهيئتها حين وضعتها إلا أن فيها أثر الأصابع [ (2) ] .
قصة أخرى.
روى ابن عساكر عن عبد الله بن مغيث أبي بردة الأنصاري قال: أرسلت أم عامر الأشهليّة بقصعة فيها حيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبته وعنده أم سلمة فأكلت أمّ سلمة حاجتها ثم خرجت بالقعبة، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عشائه فأكل أهل الخندق وهي كما هي.
قصة أخرى.
روى ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتت عليّ ثلاثة أيام لم أطعم فجئت أريد الصّفّة فجعلت أسقط فجعل الصبيان يقولون: جنّ أبو هريرة، قال فجعلت أناديهم، وأقول: بل أنتم المجانين حتى انتهينا إلى الصّفّة، فوافقت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بقصعة من ثريد، فدعا عليها أهل الصّفّة وهم يأكلون منها، فجعلت أتطاول كي يدعوني حتى قام القوم وليس في القصعة إلا شيء في نواحي القصعة،
فجمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت لقمة فوضعه على أصابعه، فقال لي: «كل باسم الله» ، فو الذي نفسي بيده ما زلت آكل منها حتى شبعت [ (3) ] .
قصة أخرى.
روى مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته جالسا
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 526 وأبو نعيم في الدلائل (153) وانظر المجمع 8/ 101.
[ (2) ] الطبراني في الكبير 18/ 138 وانظر المجمع 8/ 311.
[ (3) ] أخرجه ابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2148) والسيوطي في الدر المنثور 4/ 216.(9/488)
مع أصحابه يحدثهم قد عصب بطنه بعصابة، فقلت لبعض أصحابه: لم عصب رسول الله صلى الله عليه وسلم بطنه فقالوا: من الجوع، فذهبت إلى أبي طلحة فأخبرته فدخل على أمي فقال: هل من شيء؟
قالت: نعم عندي كسر من خبز وتمرات، فإن جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده أشبعناه وإن جاء معه بأحد قلّ عنهم، فقال لي أبو طلحة: قم قريبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قام فدعه حتى يتفرق عنه أصحابه ثم اتبعه حتى إذا قام على عتبة بابه، فقل: أبي يدعوك، ففعلت ذلك، فلما قلت:
أبي يدعوك، قال لأصحابه: «يا هؤلاء تعالوا» ثم أخذ بيدي فشدها، ثم أقبل بأصحابه حتى إذا دنونا من بيتنا أرسل يدي فدخلت وأنا حزين لكثرة من جاء به، فقلت: يا أبتاه، قد قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قلت لي فدعا أصحابه، وقد جاء بهم، فخرج أبو طلحة، فقال: يا رسول الله، إنما أرسلت أنسا يدعوك وحدك ولم يكن عندي ما يشبع من أرى، فقال:
رسول الله صلى الله عليه وسلم ادخل، فإن الله سيبارك فيما عندك، فدخلت فقال: «اجمعوا ما عندكم ثم قربوه» فقرّبنا ما كان عندنا من خبز وتمر، فجعلناه على حصير فدعا فيه بالبركة، فقال: «يدخل عليّ ثمانية» فأدخلت عليه ثمانية، فجعل كفّه فوق الطعام، فقال: «كلوا وسمّوا الله عز وجل» فأكلوا من بين أصابعه حتى شبعوا، ثم أمرني أن أدخل عليه ثمانية فما زال ذلك أمره حتى دخل عليه ثمانون رجلا كلّهم يأكل حتى يشبع، ثم دعاني وأمي وأبا طلحة، فقال: «كلوا» ، فأكلنا حتى شبعنا، ثم رفع يده، فقال: يا أمّ سليم، أين هذا من طعامك حين قدّمتيه؟ فقالت:
بأبي أنت وأمي، لولا أني رأيتهم يأكلون لقلت: ما نقص من طعامنا شيء [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى الإمام أحمد في الزهد والبزار والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسأله عن شيء فدخل يطلب له فأصابه لقمة في بعض حجره، فأخذها، ففتها أجزاء، ووضع يده عليها ثم قال: «كل» ، فأكل الأعرابي حتى شبع وفضلت منه فضلة فجعل الأعرابي ينظر إليه ويقول: إنك لرجل صالح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسلم» فجعل يأبى الإسلام ويقول إنك لرجل صالح [ (2) ] .
تنبيه في بيان غريب ما سبق:.
العرق [.....] .
الأرغفة [قطعة من العجين تخبز] .
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم (143/ 2040) والبيهقي في الدلائل 1/ 963 وأبو نعيم في الدلائل 148 وانظر المجمع 8/ 306.
[ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 8/ 313، 314 وقال رواه البزار وفيه السري بن عاصم وهو كذاب.(9/489)
الباب الخامس عشر في قصة الذراع
روى الإمام أحمد وأبو يعلى من طرق عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أهديت لنا شاة، فجعلتها في قدر، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما هذا يا أبا رافع؟ فقلت: شاة أهديت لنا، فطبختها في القدر، فقال: «ناولني الذراع» فناولته ثم قال: «ناولني الذراع يا أبا رافع» ، فناولته ثم قال: «ناولني الذراع الآخر» فقلت: يا رسول الله، إنما للشاة ذراعان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنك لو مسكت لناولتني ذراعا ما دعوت به [ (1) ] » .
قصة أخرى.
روى الإمام أحمد وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن شاة طبخت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطني الذراع» ، فناولته إياه، ثم قال: «الذراع» زاد أبو نعيم من وجه آخر فناولته إياه، ثم دعا بذراع آخر، فقلت: يا رسول الله، إنما للشاة ذراعان، قال: «أما إنك لو التمستها لوجدتها» [ (2) ] .
قصة أخرى.
روى أبو يعلى وأبو نعيم بسند حسنه الحافظ ابن حجر عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن امرأة جاءت بابن لها فذكر الحديث وفيه: فأهدت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة مشوية، فقال: «خذ الشاة منها» ، ثم قال: «ناولني ذراعها» ، فناولته ثم قال: «ناولني ذراعها» ، فقلت يا رسول الله إنما هما ذراعان، وقد ناولتك فقال: «والذي نفسي بيده، لو سكتّ ما زلت تناولني ذراعا ما قلت لك ناولني ذراعا [ (3) ] » .
قصة أخرى.
روى الإمام أحمد والدّراميّ عن أبي عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه طبخ للنبي صلى الله عليه وسلم قدرا فيه لحم، فقال: «ناولني ذراعها» فناوله ثم قال: «ناولني ذراعها» فناوله، ثم قال: «ناولني ذراعها» ، فقلت: يا رسول الله، كم للشاة من ذراع، فقال: «والذي نفسي بيده، لو سكتّ لأعطتك ذراعا ما دعوت به» [ (4) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 392 وانظر المجمع 8/ 311 والمشكلة (327) .
[ (2) ] أحمد في المسند 2/ 517 وابن كثير في البداية 6/ 140.
[ (3) ] انظر المجمع 8/ 314.
[ (4) ] أحمد 3/ 484، 485 وانظر المجمع 8/ 311 وابن كثير في البداية 5/ 322.(9/490)
الباب السادس عشر في تكثيره صلى الله عليه وسلّم سواد البطن
روى الشيخان عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة فقال: «هل مع أحد منكم من طعام؟» فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه، فعجن ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها، فاشترى منه رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة، فصنعت، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسواد البطن أن يشوى،
قال: وايم الله، ما من الثلاثين ومائة إلا وقد حز له رسول الله صلى الله عليه وسلم حزّة حزّة من سواد بطنها. إن كان شاهدا أعطاه، وإن كان غائبا خبّأ له، وجعل منها قصعتين فأكلنا منها أجمعون، وشبعنا وفضل في القصعتين، فحملته على البعير [ (1) ] .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
سواد البطن: بسين مهملة فواو مخففة: الكبد، وقيل حشوه كله.
مشعان: بضم أوله وسكون الشين المعجمة بعدها مهملة وآخره نون: فسره البخاري بأنه الطويل جدا فوق الطّول ونحوه، زاد غيره: مع إفراط في الطّول، شعث في الرّأس قال الحافظ:
ويحتمل أن قوله أقوى لأن في الأطعمة من وجه آخر بلفظ مشعان طويل، وقال القزاز:
المشعان: الطويل الجافي الثائر الرأس.
__________
[ (1) ] البخاري 3/ 14، 213 ومسلم في الأشربة (175) وأحمد 1/ 197، 198 والبيهقي في الكبرى 9/ 215 وفي الدلائل 6/ 95.(9/491)
الباب السابع عشر في الطعام الذي أتاه صلى الله عليه وسلّم من السماء
روى الإمام أحمد والنّسائيّ والدّارميّ والحاكم وصححه، وقال الذهبي في مختصر المستدرك: إنه من غرائب الصّحاح عن أبي سلمة بن نفيل السكوني رضي الله تعالى عنه قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال له قائل: يا رسول الله هل أتيت بطعام من السماء، وفي لفظ: من الجنة؟ قال: «نعم» ، قال: وبماذا؟ قال: «بطعام مسخنة» ، قالوا: فهل كان فيها فضل عنك؟ قال: «نعم» ، قال: فما فعل به؟ قال: «رفع إلى السماء» [ (1) ] .
وروى ابن عساكر عن الحراث بن عجد حدثني رجل يقال له أبو سعيد، قال: قدمت المدينة، فسمعت رجلا يقول لصاحبه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرى الليلة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله بلغني أنك قريت الليلة، قال: «أجل» ، قلت: وما ذاك؟ قال: «طعام فيه مسخنة» ، قلت: فما جعل في فضله؟ قال: «رفع» [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد والنّسائيّ والتّرمذيّ وابن حبان والحاكم والبيهقيّ وصححوه والذهبيّ عن سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بقصعة فيها ثريد، فأكل وأكل القوم، فلم يزالوا يتداولونها إلى قريب من الظهر، يأكل قوم ثم يقومون، ويجيء قوم فيتعاقبونه. فقال له رجل: هل كانت تمدّ بطعام؟ قال: أمّا من الأرض فلا، إلا أن تكون كانت تمدّ من السماء [ (3) ] .
تنبيهان
الأول: خبر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أتى جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ربك يقرئك السلام، وأرسلني إليك بهذا القطف لتأكله، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه ابن عساكر من طريق حفص بن عمر الدّمشقيّ عرف بصاحب القطف، قال البخاري: لا يتابع عليه، وقال الذهبيّ: خبر منكر، وأما
خبر حوط بن مرّة، قيل: يا رسول الله هل أتيت من طعام الجنة بشيء؟ قال: «نعم، أتاني جبريل بخبيصة من خبيص الجنة فأكلتها» ،
قال الحافظ بن حجر في الإصابة: هذا حديث موضوع.
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 104.
[ (2) ] أخرجه ابن عساكر كما في التهذيب 3/ 464 والبخاري في التاريخ 9/ 34 والكنز (31379.
[ (3) ] أخرجه الدارمي 1/ 30 والترمذي 5/ 553 (3625) وقال حسن صحيح وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2149) والحاكم 2/ 618.(9/492)
الثاني: في بيان غريب ما سبق:.
مسخنة: وهي قدر كالتّور يسخّن فيها الطعام.
قريت الليلة: قريت الضيف قرا أي أحسنت إليه.
الباب الثامن عشر في تسبيح الطعام والشراب بين يديه صلى الله عليه وسلم
روى الشيخان والترمذيّ وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كنا نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسمع تسبيح الطعام، وهو يؤكل [ (1) ] .
وروى أبو الشيخ عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بطعام ثريد، فقال: «إن هذا الطعام يسبّح» ، قالوا: يا رسول الله، وتفقه تسبيحه، قال: «نعم» ، ثم قال لرجل: «ادن هذه القصعة من هذا الرجل» ، فأدناها منه فقال: نعم، يا رسول الله، هذا الطعام يسبح فقال: «ادنها من آخر» وأدناها منه فقال: هذا الطعام يسبح ثم قال: «ردها» فقال رجل: يا رسول الله، لو أمرّت على القوم جميعا، فقال: «لا إنها لو سكتت عند رجل لقالوا: من ذنب ردّها» ، فردّها،
وروى أبو الشيخ عن خيثمة قال: كان أبو الدرداء يطبخ قدرا، فوقعت على وجهها فجعلت تسبح [ (2) ] .
وروى البيهقي وأبو نعيم عن قيس، قال: بينا أبو الدرداء وسلمان يأكلان من صحفة إذ سبّحت وما فيها.
وروى النّسائيّ وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: كنا نسمع صوت الماء وتسبيحه وهو يشرب، الحديث وتقدم في باب نبع الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
[ (1) ] تقدم.
[ (2) ] ذكره السيوطي في الدر المنثور 4/ 185.(9/493)
جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلّم في الأشجار
الباب الأول في حنين الجذع شوقاً إليه صلى الله عليه وسلم
روى الإمام الشافعيّ حنين الجذع أكبر من إحياء الموتى، زاد البيهقي [ما أعطى الله- عز وجل- نبيا ما أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم الجذع الذي كان يخطب إلى جنبه حتى هيّء له المنبر حن الجذع حتى سمع صوته فهذا أكبر من ذاك] وسيأتي توجيهه في الخصائص أن شاء الله تعالى.
وقد روى القصة أبي بن كعب رواه الإمام الشافعي وأحمد وابن ماجة والبغوي وابن عساكر وأنس بن مالك رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه وأبو يعلى والبزار وابن ماجه وأبو نعيم من طرق على شرط مسلم وبريدة، رواه الدارميّ، وجابر بن عبد الله، رواه الإمام أحمد والبخاري والترمذي، والمطلب بن أبي وداعة، رواه الزبير بن بكار، وأبو سعيد الخدري، رواه عبد بن حميد وابن أبي شيبة، وأبو يعلى وأبو نعيم بسند على شرط مسلم، وعائشة رواه الطبراني والبيهقي، وأم سلمة رواه أبو نعيم والبيهقي بإسناد جيد بألفاظ متقاربة المعنى أدخلت بعضها في بعض أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع نخلة، فاتّخذ له منبر، فلما فارق الجذع، وغدا إلى المنبر الذي صنع له جزع الجذع فحنّ له كما تحنّ الناقة، وفي لفظ: فخار كخوار الثّور، وفي لفظ: فصاحت النخلة صياح الصبيّ حتى تصدع وانشق فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضنه فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكن فسكن وقال: «اختر أن أغرسك في المكان الذي كنت فيه فتكون كما كنت، وإن شئت أن أغرسك في الجنة، فتشرب من أنهارها وعيونها، فيحسن نبتك وتثمر فيأكل منك الصالحون» فاختار الآخرة على الدنيا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو لم أحتضنه لحنّ إلى يوم القيامة» ،
وقال: لا تلوموه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفارق شيئا إلا وجد [ (1) ] ، ولقد أبدع من قال:
وألقى له الرحمن في الجمد حبّه ... فكانت لإهداء السّلام له تهدا
وفارق جذعا كان يخطب عنده ... فأنّ أنين الأمّ إذ تجد الفقدا
__________
[ (1) ] أخرجه من حديث جابر البخاري 2/ 397 (918، 2095، 3584، 3585) وأخرجه الدارمي 1/ 16، 19 وأحمد 1/ 249، 267، 363 وابن ماجة (1415) والبخاري في التاريخ 7/ 26 والطبراني في الكبير 12/ 187 وأبو نعيم في الدلائل (142) وانظر البداية 6/ 145، 147، 148 والكنز (31784، 32084) .(9/494)
يحنّ إليه الجذع يا قوم هكذا ... أما نحن أولى أن نحنّ له وجدا
إذا كان جذع لم يطق بعد ساعة ... فليس وفاء أن نطيق له بعدا(9/495)
الباب الثاني في انقياد الشجر له صلى الله عليه وسلم
روى مسلم وأبو نعيم والبيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا نزلنا واديا أفيح فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فاتّبعته بإداوة من ماء، فنظر فلم ير شيئا يستتر به، فإذا شجرتان بشاطئ الوادي، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: «انقادي علي بإذن الله» ، فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حتى أتى إلى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها، وقال:
«انقادي عليّ بإذن الله تعالى» ، فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده كذلك، حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما لأم بينهما يعني جمعهما: فقال: «التئما عليّ بإذن الله» ، فالتأمتا،
قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله صلى الله عليه وسلم بقربي فيبتعد وقال محمد ابن عباد فيتبعد فجلست أحدّث نفسي، فحانت مني لفتة فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا، وإذا الشجرتان قد افترقتا. فقامت كلّ واحدة منهما على ساق، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف وقفة، فقال برأسه هكذا يمينا وشمالا [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى أبو نعيم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر فأراد أن يتبرّز، فقال: «يا عبد الله، انظر هل ترى شيئا» ، فنظرت فإذا شجرة واحدة، فأخبرته، فقال: «انظر هل ترى شيئا؟» فنظرت شجرة أخرى متباعدة عن صاحبتها فأخبرته، فقال: «قل لهما: رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركما أن تجتمعا» ، فقلت لهما، فاجتمعتا ثم أتاهما فاستتر بهما ثم قام فانطلقت كلّ واحدة منهما إلى مكانها. رواه ابن سعد عن عطاء مرسلا
[ (2) ] .
قصة أخرى.
روى الإمام احمد وابن سعد وابن أبي شيبة برجال ثقات والحاكم وصححه عن يعلى بن مرة رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزل منزلا فقال لي: «ائت تلك الأشاءتين (يعني نخلتين) فقل لهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركما أن تجتمعا» ، فأتيتهما، فقلت لهما ذلك، فوثبت إحداهما إلى الأخرى، فاجتمعتا، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستتر بهما فقضى حاجته ثم وثبت كل واحدة منهما إلى مكانها [ (3) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 2306 (74/ 3012) والبيهقي في السنن 1/ 94 وفي الدلائل 6/ 8 وأبو نعيم في الدلائل (139) وابن عبد البر في التمهيد 1/ 222.
[ (2) ] البداية والنهاية 6/ 159.
[ (3) ] أخرجه أحمد 4/ 172 وابن ماجة (339) وابن سعد 1/ 1/ 112 وانظر المجمع 9/ 6.(9/496)
قصة أخرى.
روى أبو نعيم وابن عساكر عن غيلان بن سلمة الثقفي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأينا منه عجبا، مررنا بأرض فيها إشات متفرق فقال: «يا غلام، ائت هاتين الأشاءتين فمر إحداهما تنضم إلى صاحبتها» ، فانطلقت، فقمت بينهما، فقلت: إن نبي الله صلّى الله عليه وسلم يأمر إحداكما أن تنضم إلى صاحبتها فنزل فتوضأ خلفهما ثم ركب وعادت تخد في الأرض إلى موضعها
[ (1) ] .
قصة أخرى.
روى أبو يعلى وأبو نعيم عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع: «انظر هل ترى من نخل أو حجارة؟» فقلت: رأيت شجرات متفرقات ورضخا من حجارة، قال: «انطلق إلى النّخلات فقل لهنّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركن أن تدانين لمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقل للحجارة مثل ذلك» ، فأتيتهن، فقلت لهن ذلك، فو الذي بعثه بالحق لقد جعلت أنظر إلى النخلات يخددن الأرض خدّا حتى اجتمعن وإلى الحجارة يتقافزن حتى صرن رضخا خلف النخلات، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته، وانصرف قال: «عد للنخلات والحجارة، فقل لهن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركنّ أن ترجعن إلى مواضعكنّ» [ (2) ] .
قصة أخرى.
روى الإمام أحمد والدارمي والبيهقيّ واللفظ له ورجاله ثقات عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وكان إذا أراد البراز تباعد حتى لا يراه أحد، فنزلنا منزلا بفلاة من الأرض ليس فيها علم ولا شجر ولا حجر، فقال لي: «يا جابر، خذ الإداوة وانطلق بنا» فملأت الإداوة ماء وانطلقنا، فمشينا حتى لا نكاد نرى فإذا شجرتان بينهما أربعة أذرع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انطلق، فقل لهذه الشجرة: يقول لك رسول الله الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما» ، ففعلت فرجفت حتى لحقت بصاحبتها فجلس خلفهما حتى قضى حاجته ثم رجعتا إلى مكانهما [ (3) ] .
__________
[ (1) ] انظر جمع الجوامع 2/ 587.
[ (2) ] جمع الجوامع 2/ 349.
[ (3) ] تقدم وانظر البيهقي 1/ 93 وأبو داود حديث (2) والبداية والنهاية 6/ 160.(9/497)
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
الإداوة: إناء صغير يحمل فيه الماء.
شاطئ الوادي: بمعجمة فألف فطاء طرفه وجانبه.
الغصن: ما شبّ من ساق الشجرة دقيقة وغليظه.
البعير المخشوش: بخاء معجمة ومعجمتين بينهما واو: جعل في أنفه خشاش، وهو عود يجعل في أنفه ويشتد به الزمام لينقاد بسهولة.(9/498)
الباب الثالث في نزول العذق من الشجرة ومشي شجرة أخرى إليه وشهادتهما له بالرسالة صلّى الله عليه وسلم
روى البخاري في التاريخ والترمذي وصححه وأبو يعلى وابن حبان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بم أعرف أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «أرأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله صلى الله عليه وسلم» قال: نعم، فدعا العذق، فجعل العذق ينزل من النخلة حتى سقط على الأرض، فأقبل إليه، وهو يسجد ويرفع ويسجد ويرفع حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له: «ارجع» فرجع إلى مكانه، فقال: والله لا أكذبك بشيء تقوله بعد أبدا أشهد أنك رسول الله وآمن [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى الإمام أحمد والبخاري في تاريخه والترمذي والحاكم وصححاه وأبو نعيم عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من بني عامر فقال: يا رسول الله، أرني الخاتم الذي بين كتفيك فإني من أطيب الناس، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أريك آية؟» قال: بلى، قال: فنظر إلى نخلة، فقال: ادع ذلك العذق، قال: فدعاه، فأقبل يخدّ الأرض ويسجد ويرفع رأسه حتى وقف بين يديه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارجع» فرجع إلى مكانه فقال: أشهد أنك رسول الله وآمن [ (2) ] .
قصة أخرى.
روى الدّارميّ وابن حبان والحاكم وصححاه وقال الذهبيّ إسناده جيد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا في سفر، فأقبل أعرابي فلما دنا منه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أين تريد؟» قال: إلى أهلي، قال: «هل لك في خير؟» قال: وما هو؟ قال: «تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله» ، قال: هل لك من شاهد على ما تقول؟ قال:
«هذه الشجرة» ، فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بشاطئ الوادي، فأقبلت تخد الأرض خدّا فقامت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشهدها ثلاثا، فشهدت أنه كما قال، ثم رجعت إلى منبتها، ورجع الأعرابي إلى قومه، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يتبعوني آتك بهم، وإلا رجعت إليك فكنت معك [ (3) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه الترمذي 5/ 554 (3628) والحاكم في المستدرك 2/ 620 ابن كثير في البداية 6/ 143، 311 وابن سعد 1/ 1/ 121.
[ (2) ] أخرجه أحمد 1/ 223 والدارمي 1/ 13 وابن كثير في البداية 6/ 142.
[ (3) ] أخرجه الطبراني في الكبير 12/ 432 والطحاوي في المعاني 3/ 21 وانظر المطالب (3836) والمجمع 8/ 295.(9/499)
قصة أخرى.
روى البيهقي عن الحسن رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعض شعاب مكة وقد دخله من الغمّ ما شاء الله تعالى من تكذيب قومه إياه، فقال: «يا رب، أرني ما أطمئنّ إليه ويذهب عنّي هذا الغمّ» فأوحى الله عز وجل ادع إليك أيّ أغصان هذه الشجرة شئت، قال: فدعا غصنا فانتزع من مكانه ثم خد الأرض حتى جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارجع إلى مكانك» فرجع الغصن فخدّ في الأرض حتى استوى كما كان فحمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم وطابت نفسه [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى البيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على الحجون كئيبا لما آذاه المشركون، فقال: «اللهم أرني اليوم آية لا أبالي من كذبني بعدها» ، فأمر فنادى شجرة من قبل الوادي، فأقبلت تخد الأرض حتى انتهت إليه ثم أمرها فرجعت إلى موضعها، فقال: «ما أبالي من كذبني بعد هذا من قومي» [ (2) ] .
قصة أخرى.
روى الإمام احمد وابن ماجة بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزين قد خضّب بالدماء ضربه بعض أهل مكة، فقال له:
مالك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فعل بي هؤلاء وفعلوا» فقال له جبريل: كم تحبّ أن أريك آية؟
فقال: «نعم» ، فنظر إلى شجرة من وراء الوادي، فقال: ادع تلك الشجرة فدعاها فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه، قال: مرها فلترجع، فأمرها، فرجعت إلى مكانها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«حسبي» ، ورواه ابن سعد عن عمر
وفيه: فسلّمت عليه [ (3) ] .
تنبيه:
في بيان غريب ما سبق:.
العذق: العرجون بما فيه من الشماريخ.
__________
[ (1) ] البداية لابن كثير 6/ 142.
[ (2) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 6/ 13 وابن سعد 1/ 1/ 112 وانظر المطالب (3837) .
[ (3) ] أخرجه ابن ماجة (4028) وأحمد 3/ 113 وابن كثير في البداية 6/ 142.(9/500)
الباب الرابع في إعلام الشجرة بمجيء الجنّ إليه وسلام شجرة أخرى عليه زاده الله فضلا وشرفا لديه
روى الشيخان عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود قال: سألت مسروقا من إذن النبي صلّى الله عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا القرآن، فقال: حدّثني أبوك، قال: آذنته بهم شجرة.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
آذنته: بهمزة ممدودة: أعلمته.
قصة أخرى.
روى الإمام أحمد والبيهقي وأبو نعيم عن يعلى بن مرة رضي الله عنه قال: بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلنا منزلا، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت شجرة استأذنت تشق الأرض حتى غشيته، ثم رجعت إلى مكانها، فلما استيقظ ذكرت له ذلك، فقال: «هي شجرة استأذنت ربها عز وجل إن تسلم عليّ فأذن لها» [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى البزار وأبو نعيم عن بريدة رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قد أسلمت فأرني شيئا أزداد به يقينا، قال: «ما الذي تريد؟» قال: ادع تلك الشجرة، فلتأتك، قال: «اذهب فادعها» ، فأتاها الأعرابيّ، فقال: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فمالت على جانب من جوانبها، فقطعت عروقها، ثم مالت على الجانب الآخر فقطعت عروقها حتى أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: السلام عليك يا رسول الله، فقال: «بم تشهدين، يا شجرة؟» قالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك عبد الله ورسوله، قال: «صدقت» ، فقال الأعرابي: حسبي حسبي، مرها فلترجع إلى مكانها، فقال: «ارجعي إلى مكانك، وكوني كما كنت» ، فرجعت إلى حفرتها، فجلست على عروقها في الحفرة، فوقع كل عرق مكانه الذي كان فيه، ثم التأمت عليها الأرض، فقال الأعرابي: أتأذن لي يا رسول الله أن أقبّل رأسك ورجليك، ففعل، ثم قال: أتأذن لي أن أسجد لك؟ فقال: «لا يسجد أحد لأحد» [ (2) ] .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
آذنته: بهمزة ممدودة: أعلمته.
غشيته: غطّيته.
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 173 وأبو نعيم في الدلائل 139 وانظر المجمع 9/ 6 والبداية 6/ 158.
[ (2) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل (138) .(9/501)
فمالت. [....]
حسبي حسبي. [....]
الباب الخامس في الآية في النخل الذي غرسه لسلمان رضي الله تعالى عنه لما كاتب سيده عليه
روى البيهقي عن أبي يزيد عن أبيه أن سلمان أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لمن أنت؟» قال:
لقوم، قال: «فاطلب إليهم أن يكاتبوك» ، قال: فكاتبوني على كذا وكذا نخلة أغرسها لهم، وأقوم عليها حتى تطعم، قال: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فغرس النخل كلّه إلا نخلة واحدة غرسها عمر ابن الخطاب فأطعم النخل من سنته إلا تلك النخلة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من غرسها؟» قالوا: عمر ابن الخطاب، فغرسها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فحملت من عامها
وقد تقدم مبسوطا في أول الكتاب والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وفيما ذكر كفاية لمن وفّق [ (1) ] ويرحم الله الشيخ شرف الدين البوصيري حيث قال:
جاءت لدعوته الأشجار ساجدة ... تمشي إليه على ساق بلا قدم
كأنّما سطرت سطرا لما كتبت ... حروفها من بديع الخطّ في اللّقم
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
اللّقم: بفتح اللام والقاف: وسط الطريق.
__________
[ (1) ] انظر المجمع 9/ 46 والبيهقي 10/ 351.(9/502)
جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلّم في الجمادات
الباب الأول في تسبيح الحصى في كفه صلى الله عليه وسلم
روى الطبراني والبيهقي عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: كان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع حصيات أو قال: تسع حصيات، فأخذهن في كفه، فسبّحن، حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل ثم وضعهن فخرسن ثم أخذهن فوضعهن في كف أبي بكر فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، ثم تناولهنّ فوضعهن في يد عمر فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، ثم تناولهنّ فوضعهنّ في يد عثمان فسبّحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذه خلافة النبوة» [ (1) ] .
ورواه البزّار والطبراني والبيهقي ورواه محمد بن يحيى الذهبي والبيهقي وابن عساكر عن أنس نحوه.
قصة أخرى.
روى أبو نعيم والحكيم الترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قدم ملوك حضرموت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم الأشعث بن قيس، فقالوا إنا قد خبأنا لك خبأ فما هو؟
قال: «سبحان الله! إنما يفعل هذا الكاهن والكهانة في النار» ، فقالوا: فكيف نعلم أنك رسول الله عز وجل فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفّا من حصى، فقال: «هذا يشهد أني رسول الله» فسبح الحصى في يده، فقالوا: نشهد أنك رسول الله عز وجل [ (2) ] .
قصة أخرى.
روى ابن عساكر عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: تناول النبي صلى الله عليه وسلم من الأرض سبع حصيات، فسبّحن في يده، ثم ناولهنّ أبا بكر فسبّحن كما سبّحن في يد النبي صلى الله عليه وسلم ثم ناولهنّ النبي صلى الله عليه وسلم عمر فسبّحن في يده كما سبّحن في يد أبي بكر، ثم ناولهنّ عثمان فسبّحن في كفّه كما سبحن في يد أبي بكر وعمر.
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 6/ 65 وانظر الكنز (35409) والبداية 6/ 151، 7/ 206.
[ (2) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل 1/ 78 وانظر الدر المنثور 4/ 201، 5/ 270.(9/503)
قصة أخرى.
روى عن ثابت البنانيّ عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حصيات في يده فسبّحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيّرهنّ في يد أبي بكر فسبحن حتى سمعنا التّسبيح، ثم صيّرهنّ في يد عمر فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيّرهنّ في يد عثمان فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيّرهنّ في أيدينا رجلا رجلا فما سبّحت حصاة منهنّ.
الباب الثاني في تكثيره صلى الله عليه وسلم الذهب الذي دفعه لسلمان
روى الإمام أحمد وابن سعد والحاكم من طرق عن سلمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل من بعض المعادن بمثل بيضة الدجاجة من ذهب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذ هذه يا سلمان، فأدبها ما عليك» ، فقلت: يا رسول الله، وأين تقع هذه مما علي؟ فقلّبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على لسانه ثم قذفها إلي، ثم قال: «انطلق بها، فإن الله سيؤدّي بها عنك، فوالذي نفسي بيده، لو وزنت لهم منها أربعين أوقية فأديتها إليهم وبقي عندي مثل ما أعطيتهم» ،
الحديث [ (1) ] .
وتقدم في قصة إسلامه أول الكتاب في باب ما أخبرته الأحبار والرهبان والكهان بأنه النبي المبعوث آخر الزمان.
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 444 والطبراني في الكبير 6/ 277 أخرجه البيهقي 10/ 322 والخطيب في التاريخ 6/ 169 وابن عساكر كما في التهذيب 6/ 197 وأبو نعيم في الدلائل 1/ 89 وابن سعد 1/ 1/ 123 وانظر المجمع 9/ 336.(9/504)
الباب الثالث في تأمين أسكفّة الباب وحوائط البيت على دعائه صلى الله عليه وسلم
روى البيهقي وأبو نعيم عن أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب: «يا أبا الفضل، لا ترمّ منزلك غدا أنت وبنوك حتى آتيكم فإنّ لي فيكم حاجة» ، فانتظروه، حتى جاء بعد ما أضحى، فدخل عليهم، فقال: «السلام عليكم» فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، ثم قال لهم: «تقاربوا يزحف بعضكم إلى بعض» حتى إذا أمكنوه اشتمل عليهم بملاءته وقال: «يا رب، هذا عمّي وصفو أبي وهؤلاء أهل بيتي فاسترهم من النار كستري إياهم بملاءتي هذه» ، قال: فأمّنت أسكفّة الباب وحوائط البيت فقالت: آمين آمين آمين [ (1) ] .
ورواه ابن ماجة مختصرا وليس في سنده متّهم.
ورواه أبو نعيم من حديث عبد الله بن الغسيل.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
ملاءته: ملحفته.
صفو أبي: مثل أبي.
أسكفّة الباب: عتبته.
__________
[ (1) ] ابن عساكر كما في التهذيب 7/ 238 والبيهقي في الدلائل 6/ 71 وابن كثير في البداية 6/ 153.(9/505)
الباب الرابع في تحرك الجبل فرحاً به صلى الله عليه وسلم
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فضربه النبي صلى الله عليه وسلم برجله وقال: «اثبت، عليك نبيّ وصدّيق وشهيدان» [ (1) ] .
وروى أبو يعلى والبيهقي من حديث سهل بن سعد بلفظ أحد فقط، وروى مسلم من حديث أبي هريرة مثله، وزاد (وعليّ وطلحة والزبير) فقال: «اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد» رواه أحمد من حديث بريدة بلفظ حراء فقط [ (2) ] .
وروى أبو نعيم عن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حراء فتحرك فضربه برجله، ثم قال: «اسكن حراء، فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد» ،
ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وأنا [ (3) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 42 (3686) .
[ (2) ] أخرجه مسلم في الفضائل (50) وأحمد 2/ 419 والترمذي (3696) والبيهقي في الدلائل 6/ 352 والبغوي في التفسير 1/ 74 وانظر الكنز (33098، 36719) .
[ (3) ] أخرجه البيهقي 6/ 167 والدارقطني 4/ 198 والبخاري في التاريخ 8/ 105 وابن عساكر كما في التهذيب 5/ 363، 7/ 80، 435، 6/ 102 وانظر البداية والنهاية 7/ 179.(9/506)
الباب الخامس في تنكيس الأصنام حين أشار إليها صلّى الله عليه وسلم
روى الشيخان عن ابن مسعود والإمام أحمد وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس وابن إسحاق والبيهقي عن عليّ وأبو نعيم والبيهقي من طريق نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا دخل مكة وجد بها ثلاثمائة وستين صنما فأشار إلى كل صنم بعصا، فقال: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [ (1) ] [سورة الإسراء 81] جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد فكان لا يشير إلى صنم إلا سقط من غير أن يمسّه بعصا
وفي لفظ: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم فتح مكة وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما فأخذ بقوسه فجعل يهوي إلى صنم صنم وهو يهوي حتى مرّ عليها كلّها وفي ذلك يقول تميم بن أسد الخزاعيّ:
وفي الأصنام معتبر وعلم ... لمن يرجو الثّواب أو العقابا
وأخرجه ابن مندة من وجه ثالث عن ابن عباس وقال: حديث غريب تفرد به يعقوب بن محمد الزّهريّ.
قال البيهقي في حديث ابن عمر إسناده إن كان ضعيفا فحديث ابن عباس يؤكده.
__________
[ (1) ] تقدم.(9/507)
الباب السادس في تحرك المنبر حين أمعن في وعظ الناس عليه زاده الله فضلا وشرفا لديه
روى الإمام أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: «يأخذ الجبار سماواته وأرضه بيده ثم يقول: أنا الجبار، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟»
ويعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وعن يساره حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إنّي أقول: أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم [ (1) ] .
وروى الحاكم وصححه عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر 67] قال: «يقول أنا الجبّار، ويمجّد الربّ نفسه» ،
فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم منبره حتى قلنا: ليخرّنّ [ (2) ] .
وروى البزار وابن عديّ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية على المنبر: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ حتى بلغ: عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر 67] فقال المنبر هكذا فجاء وذهب ثلاث مرات.
الباب السابع في إلانة الصخرة التي عجز الناس عنها له صلى الله عليه وسلم
روى البخاري عن جابر بن عبد الله، وأبو نعيم عن عبد الله بن عمر، والبيهقي وأبو نعيم عن البراء بن عازب، وابن سعد وابن جرير والبيهقي وأبو نعيم عن كثير بن عبد الله بن عمر وابن عوف عن أبيه عن جدّه، وأبو نعيم عن أنس رضي الله عنهم قالوا: عرض لنا في بعض الخندق صخرة عظيمة شديدة لا تأخذها المعاول، فشكونا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنا نازل» ، ثم قال: فلما رآها أخذ المعول وقال: «باسم الله» وضربها ضربة تكسر ثلثها وبرقت برقة أضاءت ما بين لابتي المدينة حتى كأنّ مصباحا في جوف ليلة مظلمة، فقال: «الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إنيّ لأبصر قصر المدائن الأبيض» ثم ضربه التالية فقطع بقية الحجر، وبرق منها برقة أضاء ما بين لابتيها، فقال «الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر صنعاء من مكاني السّاعة» [ (3) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 2148، 2149 والطبراني في الكبير 12/ 355.
[ (2) ] أخرجه أحمد 2/ 88.
[ (3) ] أخرجه البخاري 7/ 395 والبغوي في الشرح 14/ 5 وابن كثير في البداية 4/ 97 وأخرجه أحمد 4/ 303 وابن أبي شيبة 14/ 422 والبيهقي في الدلائل 3/ 421 والخطيب في التاريخ 1/ 131، 4/ 131.(9/508)
الباب الثامن في سلام الأحجار عليه زاده الله فضلا وشرفا لديه
روى مسلم والإمام أحمد عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني لأعرف حجرا كان يسلّم عليّ قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن [ (1) ] » ،
وروى الترمذي، وحسنه عن علي رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجر إلا قال: السلام عليك، يا رسول الله
[ (2) ] .
وروى أبو نعيم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «لما كانت ليالي بعثت ما مررت بشجر ولا حجر إلا قال: السلام عليك، يا رسول الله،» وتقدّم ذلك مبسوطا في أبواب البعثة.
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 1782 وأحمد 5/ 89، 95 والطبراني في الكبير 2/ 257 وفي الصغير 1/ 6 وأبو نعيم في الدلائل (142) والبيهقي في الدلائل 2/ 153 وابن أبي شيبة 11/ 464.
[ (2) ] الدارمي 1/ 12 والترمذي 5/ 593 (3626) والحاكم 2/ 65 والبيهقي في الدلائل 2/ 153.(9/509)
جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلّم في الحيوانات
الباب الأول في انقياد الإبل له صلى الله عليه وسلم
روى الطبراني والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء قوم من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، أن لنا بعيرا فطم في حائط فجاء إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «تعال» ، فجاء مطأطئا رأسه حتى خطمه، وأعطاه أصحابه، فقال له أبو بكر: يا رسول الله، كأنه علم أنك نبيّ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بين لابتيها أحد إلا يعلم أني نبيّ إلا كفرة الإنس والجن [ (1) ] » .
وروى الإمام أحمد عن حماد بن سلمة، قال: سمعت شيخا من قيس يحدّث عن أبيه، قال: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندنا بكرة صعبة لا نقدر عليها، فدنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح ضرعها فاحتفل فحلب.
وروى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر حتى إذا دفعنا إلى حائط من حوائط بني النّجار إذا فيه جمل لا يدخل أحد إلا شدّ عليه، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حتى أتى الحائط فدعا البعير، فجاء واضعا مشفره إلى الأرض حتى برك بين يديه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هاتوا خطامه» ، ودفعه إلى صاحبه ثم التفت إلى الناس، فقال: «إنه ليس شيء بين السماء والأرض إلا يعلم أني رسول الله إلا عاصي الإنس والجن [ (2) ] » .
وروى أبو بكر بن أبي شيبة برجال ثقات والإمام أحمد وعبد الله بن حميد والبزّار عنه، قال: أقبلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر حتى إذا دفعنا إلى حائط من حيطان بني النّجّار إذا فيه جمل هائج لا يدخل الحائط أحد إلا شدّ عليه قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الحائط، فدعا البعير فجاءه ووضع مشفره في الأرض حتى برك بين يديه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«هاتوا خطامه» فخطمه ودفعه إلى أصحابه ثم التفت إلى الناس، فقال: «ليس شيء بين السماء والأرض إلا يعلم أني رسول الله غير عصاة الجن والإنس [ (3) ] » .
__________
[ (1) ] انظر المجمع 9/ 4.
[ (2) ] أخرجه الدارمي 1/ 11 وأحمد 3/ 310 وأبو نعيم في الدلائل (135) وابن كثير في البداية 6/ 155 وانظر المجمع 7/ 9، 9/ 7.
[ (3) ] انظر المجمع 7/ 9، 9/ 7.(9/510)
الباب الثاني في سجود الإبل له وشكواها إليه صلى الله عليه وسلم
روى الإمام أحمد والنسائي بسند جيد عن أنس رضي الله عنه قال: كان أهل بيت من الأنصار، لهم جمل يستقون عليه الماء، وإنّه استصعب عليهم فمنعهم ظهره، وإنّ الأنصار جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنه كان لنا جمل نستقي عليه، وإنّه استصعب علينا، ومنعنا ظهره، وقد عطش الزّرع والنّخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «قوموا» ، فقاموا فدخل الحائط، والجمل من ناحية، فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه فقال الأنصار: يا رسول الله، قد صار مثل الكلب، وإنما نخاف عليك صولته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس عليّ منه بأس» ، فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل نحوه حتى خرّ ساجدا بين يديه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته أذلّ ما كانت قطّ حتى أدخله في العمل، فقال أصحابه: يا رسول الله، هذه بهيمة لا تعقل، تسجد؟ فنحن أحقّ أن نسجد لك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو صح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، من عظم حقّه عليها، والذي نفسي بيده، لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه تنبجس بالقيح والصّديد ثم استقبلته فلحسته ما أدّت حقه [ (1) ] » .
قصة أخرى.
روى الإمام أحمد والبيهقي واللّفظ له، ورجاله ثقات، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن جملا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان قريبا منه خر الجمل ساجدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس، من صاحب هذا الجمل؟» فقال فتية من الأنصار: هو لنا يا رسول الله، قال: «فما شأنه؟» قالوا: سنونا عليه عشرين سنة فما كبرت سنّه، أردنا نحره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تبيعونه؟» فقالوا: هو لك يا رسول الله، فقال: «أحسنوا إليه حتى يأتيه أجله» ، فقالوا يا رسول الله، نحن أحقّ أن نسجد لك من البهائم، فقال: «لا ينبغي لبشر أن يسجد لبشر ولو كان النساء لأزواجهنّ» [ (2) ] .
قصة أخرى.
روى الإمام أحمد وأبو نعيم والطبراني بسند جيد عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم في نفر فجاء بعير فسجد له، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد لك البهائم والشجر، فنحن أحقّ أن نسجد لك، قال: «اعبدوا ربكم، وأكرموا أخاكم ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» .
. الحديث [ (3) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 3/ 150 وأبو نعيم في الدلائل (137) وانظر المجمع 9/ 4 والبداية 6/ 155.
[ (2) ] أخرجه ابن عبد البر في التمهيد 1/ 224 انظر البداية والنهاية 1/ 261.
[ (3) ] أخرجه أحمد 6/ 76 وانظر المجمع 4/ 310، 9/ 9.(9/511)
قصة أخرى.
روى البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطا فجاء بعير فسجد..... الحديث.
قصة أخرى.
روى الإمام أحمد والبيهقي، وقال الذهبي: على «شرط» مسلم عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا من حيطان الأنصار فإذا جمل قد أتاه فجرجر وذرفت عيناه، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم من رأسه إلى سنامه وزفر له فسكن، فقال: «من صاحب هذا الجمل؟» فجاء فتى من الأنصار قال: هو لي يا رسول الله، قال: «أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكتها، إنه شكا لي أنك تجيعه وتدئبه» [ (1) ] .
قصة أخرى.
وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رجلا من الأنصار كان له فحلان فاغتلما فأدخلهما حائطا، فسدّ عليهما الباب، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يدعو له، والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد معه نفر من الأنصار فقال: يا رسول الله، إني جئت في حاجة، وإن فحلين لي اغتلما، وإني أدخلتهما حائطا، وسددتّ عليهما الباب، فأحب أن تدعو لي أن يسخّرهما الله عز وجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «قوموا معنا» فذهب حتى أتى الباب، فقال: «افتح» ، فأشفق الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «افتح» ، ففتح، فإذا أحد الفحلين قريب من الباب، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ائتني بشيء أشد به رأسه وأمكّنك منه» ، فجاء بخطام فشد رأسه وأمكنه منه ثم مشى إلى أقصى الحائط إلى الفحل الآخر، فلما رآه وقع ساجدا له، فقال للرجل: «ائتني بشيء أشدّ به رأسه» ، فشدّ رأسه وأمكنه منه، فقال: «اذهب فإنهما لا يعصيانك» [ (2) ] .
قصة أخرى.
روى أبو نعيم عن بريدة رضي الله عنه أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنّ لنا جملا صئولا في الدّار وليس أحد منا يستطيع أن يقربه فقام معه النبي صلى الله عليه وسلم وقمنا معه، فأتى ذلك الباب ففتحه فلما رآه الجمل جاء إليه فسجد له ووضع جرانه فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأسه فمسحه ثم دعا بالخطام فخطمه ثم دفعه إلي صاحبه، فقال له أبو بكر، وعمر
__________
[ (1) ] أحمد في المسند 1/ 204 وابن كثير في البداية 6/ 157.
[ (2) ] الطبراني في الكبير 11/ 356 وانظر المجمع 9/ 4.(9/512)
وقد عرفك، يا رسول الله، إنك نبيّ، قال: «ليس شيء إلا يعرف أني رسول الله غير كفرة الجنّ والإنس [ (1) ] » .
قصة أخرى.
روى الإمام أحمد أبو عبد الله محمد بن حامد الفقيه في كتابه (الدلائل) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: انطلقنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء فأشرفنا على حائط فإذا نحن بناضح فلما أقبل الناضح، رفع رأسه فأبصر بالنبي صلى الله عليه وسلم فوضع جرانه على الأرض، فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فنحن أحقّ أن نسجد لك من هذه البهيمة، فقال: «سبحان الله أدون الله؟ ما ينبغي لأحد أن يسجد لشيء دون الله عز وجل، ولو أمرت أحدا أن يسجد لشيء من دون الله عزّ وجلّ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» .
قصة أخرى.
روى أبو نعيم عن ثعلبة بن أبي مالك قال: اشترى انسان من بني سلمة جملا ينضح عليه، فأدخله في مربد فجرّد كيما يحمل عليه فلم يقدر أحد أن يدخل عليه إلا يخبطه فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: «افتحوا عنه» ، فقالوا: إنّا نخشى عليك منه، قال: «افتحوا عنه» ، ففتحوا فلما رآه الجمل خر ساجدا، فسبّح القوم، فقالوا: يا رسول الله، كنا أحقّ بالسّجود من هذه البهيمة، قال: «لو ينبغي لشيء من الخلق أن يسجد لشيء دون الله لا نبغى للمرأة أن تسجد لزوجها [ (2) ] » .
قصة أخرى.
روى الطبراني عن عصمة رضي الله عنه قال: شرد علينا بعير ليتيم من الأنصار فلم يقدر على أخذه فذكرنا ذلك له فقام معنا حتى جاء الحائط الذي فيه البعير فلما رأى البعير رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقبل حتى سجد له فقلنا: يا رسول الله، لو أمرتنا أن نسجد لك كما يسجد للملوك! فقال: «ليس ذاك في أمتي، لو كنت فاعلا لأمرت النّساء أن تسجد لأزواجهن [ (3) ] » .
قصة أخرى.
روى الإمام أحمد والبيهقي من طرق عن يعلى بن مرة قال: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ جاء جمل يرغو حتى ضرب بجرانه بين يديه ثم ذرفت عيناه حتّى بلّ ما حوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما يقول البعير؟ إنه يزعم أن صاحبه يريد نحره» ، ثم قال: «ويحك أنظر لمن هذا الجمل» فخرجت ألتمس صاحبه فوجدته لرجل من الأنصار
__________
[ (1) ] تقدم.
[ (2) ] أبو نعيم في الدلائل (136) .
[ (3) ] انظر المجمع 4/ 311.(9/513)
فدعوته إليه، فقال: «ما لبعيرك يشكوك زعم أنك أفنيت شبابه حتى إذا كبر تريد أن تنحره؟» قال: صدقت والذي بعثك بالحق لقد هممنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه، قال: «فلا تفعل هبه لي أو بعنيه» ، فقال يا رسول الله، مالي مال أحب إلي منه» ، قال: «فاستوص به خيرا» ، فقال لا جرم، لا أكرم مالا لي كرامته يا رسول الله، وفي رواية: أنه وهبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فوسمه بسمة الصدقة ثم بعث به [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى ابن سعد عن علي بن محمد عن الحسن بن دينار عن الحسن قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده [ (2) ] إذا أقبل جمل نادّ حتى وضع رأسه في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وجرجر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «إن هذا الجمل يزعم أنه لرجل وأنه يريد أن ينحره في طعام عن أبيه الآن فجاء يستغيث» فقال رجل: يا رسول الله هذا جمل فلان، وقد أراد ذلك، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الرجل فسأله عن ذلك فأخبره أنه أراد ذلك، فطلب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن لا ينحره ففعل [ (3) ] .
قصة أخرى.
روى البزار والطبراني عن جابر رضي الله عنه قال: لما رجعنا من غزوة ذات الرقاع حتى إذا كنا بمهبط الحرّة، أقبل جمل يرغل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما قال هذا الجمل هذا جمل يستعديني على سيده يزعم أنّه يحرث عليه منذ سنين، وأنه أراد أن ينحره، اذهب يا جابر إلى صاحبه فأت به» ، فقلت: لا أعرفه قال: «إنه سيدلك عليه» فخرج بين يديه مقنعا حتى وقف على صاحبه فجئت به..»
الحديث.
قصة أخرى.
روى البيهقي وأبو نعيم عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: بينا نحن قعود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه آت، فقال: إنّ ناضح آل فلان قد أبق عليهم، فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهضنا معه فقلنا يا رسول الله، لا تقربه، فإنّا نخافه عليك، فدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من البعير فلما رآه البعير سجد ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح في غرّة البعير من الماء ثم ضربه ودعا له ووضع يده على رأسه، فقال: «هاتوا السفار» ، فجيء بالسفار فوضعه في رأسه وقال: «ادعوا لي صاحب البعير» ، فدعي، فقال: «أحسن علفه ولا تشقّ عليه في العمل [ (4) ] » .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 172 وانظر المجمع 9/ 6.
[ (2) ] في مجلسه في المسجد.
[ (3) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 124.
[ (4) ] أبو نعيم في الدلائل (137) .(9/514)
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
مفرق رأسه: حيث يفرق الشّعر.
القيح [....] .
الصّديد [....] .
جرجر: من الجرجرة وهي صوت البعير عند الضجر.
ذرفت عيناه [....] .
مقنّعا: المستور وجهه.
السّفار.
الزمام والحديدة: التي يخطم بها البعير ليذلّ وينقاد.
الباب الثالث في بركته صلى الله عليه وسلم في جمل جابر وناقة الحكم بن أيوب وناقة رجل آخر
روى الشيخان وأبو نعيم عن جابر رضي الله عنه قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاحق بي وتحتي ناضح أعيا ولا يكاد يسير حتى ذهب الناس فجعلت أرقيه ويهمّني شأنه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في آخر الناس فقال لي: «ما لبعيرك؟» قلت: عليل فمسح في نحره من الماء ثم ضربه ودعا له، فوثب ثم قال: «اركب باسم الله» ، قلت: إنيّ أرضى أن يساق معنا قال: «اركب» فركبت، فو الذي نفسي بيده، لقد رأيتني وإني لأكفّه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إرادة ألا يسبقه فما ركبت دابّة قبله ولا بعده أوسع ولا أوطأ منه، وما زال بين الإبل يسير قدّامها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف ترى بعيرك؟» قلت: بخير، قد أصابته بركتك [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا فأتاه، فقال: يا رسول الله أعيتني ناقتي أن تنبعث، فأتاها فضربها برجله، قال أبو هريرة والذي نفسي بيده، لقد رأيتها تسبق القائد.
وروى ابن حبان في تاريخه والحسن بن سفيان والطّبراني عن الحكم بن أيوب، ويقال ابن الحارث السّلمي، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ حلب ناقتي فرجّها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدّمت الرّكاب.
__________
[ (1) ] تقدم وانظر البخاري 4/ 320 (2097، 2718، 2967) ومسلم 3/ 1221 (110/ 715) .(9/515)
الباب الرابع في بركته صلى الله عليه وسلم في ظهر المسلمين في غزوة تبوك
روى الطبراني بسند صحيح عن فضالة بن عبيد، قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، فجهد الظّهر جهدا شديدا فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورآهم رجالا لا يزجون ظهرهم، فوقف في مضيق، والناس يمرّون فيه فنفخ فيها نفخا وقال: «اللهم بارك فيها واحمل عليها في سبيلك، فإنك تحمل على القويّ والضعيف والرّطب واليابس في البرّ والبحر» ،
فاستمرت فما دخلت المدينة إلا وهي تنازعنا أزمّتها [ (1) ] .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
يزجّون: بزاي وجيم: يسرقون.
الباب الخامس في سجود الغنم له صلى الله عليه وسلم- ذكرنا ذلك-
روى أبو نعيم وأبو عبد الله بن حامد الفقيه عن أنس رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا للأنصار ومعه أبو بكر وعمر، ورجل من الأنصار وفي الحائط غنم فسجدت له ... الحديث.
__________
[ (1) ] الطبراني في الكبير 11/ 376 وانظر المجمع 6/ 196 وفيه يرحون بدل من يزجون.(9/516)
الباب السادس في شهادة الذئب له صلى الله عليه وسلم بالرسالة
روى الإمام أحمد والترمذي والحاكم وصححاه عن أبي سعيد والبيهقي عن ابن عمر، وأبو نعيم عن أنس وابن مسعود، والإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنهم بينما أعرابيّ ببعض نواحي المدينة في غنم له إذ عدا ذئب على شاة، فأخذها، فطلبها الراعي، فاستنقذها منه فصعد الذّئب على تلّ فاقع واستقرّ، وقال: ألا تتقي الله عز وجل، تنزع مني رزقا ساقه الله عز وجل إليّ؟ فقال: يا عجبا لذئب يقع على ذنبه يكلّمني بكلام الإنس! فقال الذئب: أتعجب منّي؟ فقال الرجل: كيف لا أعجب من ذئب مستذفر ذنبه يتكلّم! فقال الذئب: والله إنك تصادف أعجب من هذا، وفي لفظ: إنا أخبرك بأعجب من كلامي، قال: وماذا أعجب من هذا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في النّخلات بين الحرّتين يحدث الناس عن نبأ ما سبق وما يكون بعد ذلك، وفي لفظ: يدعو الناس إلى الهدى، وإلى دين الحق وهم يكذّبونه، فأقبل الراعي يسوق حتى دخل المدينة، فزواها إلى زاوية من زوايا المدينة، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره وفي حديث أبي هريرة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلّيت الصّبح معنا غدا فأخبر الناس بما رأيت» ، فلما أصبح الرجل وصلّى الصّبح فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودي الصلاة جامعة، ثم خرج فقال للأعرابي: «أخبرهم» ، فأخبرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدق، والذي نفسي بيده، لا تقوم الساعة حتى يخرج من أهله فيخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أحدث أهله من بعده» .
روى ابن عساكر عن محمد بن جعفر بن خالد الدّمشقيّ، قال رافع بن عمير الطائيّ فيما يزعمون: كلّمه الذئب وهو في ضأن له يرعاها، فدعاه الذئب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره باللّحوق بالنبي صلى الله عليه وسلم وله شعر قاله في ذلك يرحمه الله تعالى آمين:
دعيت الضّأن أجمعها بكلبي ... من اللّصّ الخفيّ وكلّ ذيب
فلمّا أن سمعت الذّئب نادى ... يبشّرني بأحمد من قريب
سعيت إليه قد شمّرت ثوبي ... على السّاقين في الوفد الرّكيب
فألفيت النّبيّ يقول قولا ... صدوقا ليس بالقول الكذوب
فبشّرني بدين الحقّ حتّى ... تبيّنت الشّريعة للمنيب
وأبصرت الضّياء يضيء حولي ... أمامي إن سعيت وعن جنوبي
ألا بلّغ بني عمرو بن عوف ... وأخبرهم جديدا أن أجيبي
دعاء المصطفى لا شك فيه ... فإنّك إن أجبت فلن تجيبي(9/517)
قصة أخرى.
قال القاضي في الشفاء روى ابن وهب مثل هذا أنّه جرى لأبي سفيان بن حرب وصفوان بن أميّة مع ذئب وجداه أخذ ظبيا، فدخل الظّبي الحرم، فانصرف الذئب، فعجبا من ذلك، قال الذئب: أعجب من ذلك محمد بن عبد الله بالمدينة يدعوكم إلى الجنّة وتدعونه إلى النار؟ فقال: واللات والعزى لئن ذكرت هذا بمكة لتتركنّها خلوفا.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
التّل.
الزّاوية: الرّكن.
اللّصّ [....] .
حديدا [....] .
الباب السابع في خشية الوحش الداجن إياه صلى الله عليه وسلم
روى الإمام أحمد [ (1) ] ومسدد وأبو يعلى والبزّار والطّبراني بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحش، وفي لفظ: داجن فإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب واشتدّ وأقبل وأدبر، فإذا أحسّ برسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل ربض فلم يترمرم ما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت كراهية أن يؤذيه.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
الدّاجن: بمهملة فألف فجيم ما يألف البيوت من الحشرات كالشاة والطير.
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 112 والبيهقي في الدلائل 6/ 31.(9/518)
الباب الثامن في خدمة الأسد لسفينة مولاه صلّى الله عليه وسلم
روى ابن سعد وأبو يعلى والبزار والحاكم وصححه والبيهقي عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ركبت سفينة في البحر فانكسرت، فركبت لوحا منها، فأخرجني إلى أجمة فيها أسد فأقبل الأسد، فلما رأيته قلت: يا أبا الحارث، أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل إليّ فدفعني بمنكبه حتى ضربني بجنبه كأنما سمعت صوتا أهوى إليه ثم أقبل يمشي إلى جنبي خراقا حتى أقامني على الطريق ثم همّهم ساعة فرأيت أنّه يودّعني [ (1) ] .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
الأجمة: الشجر الكثير الملتف.
الباب التاسع في استجارة الغزالة به وشهادتها له بالرسالة صلى الله عليه وسلم
روى الطبراني والبيهقي وأبو نعيم عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن زيد بن أرقم والبيهقي من طريق عليّ بن قادم وأبو العلاء خالد بن طهمان عن عطيّة عن أبي سعيد الخدري، والطبراني وأبو نعيم عن أم سلمة، وأبو نعيم عن أنس بن مالك وهو غريب، ورجاله خرّج لهم في الكتب الستة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على قوم قد اصطادوا، ولفظ أنس: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينة فمررنا بخبأ أعرابي وإذا بظبية مشدودة إلى الخباء، فقالت: يا رسول الله، إن هذا الأعرابي اصطادني. وفي لفظ
مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم صادوا ظبية فشدوها على عمود فسطاط فقالت: يا رسول الله أخذت ولي خشفان في البرّيّة، وقد انعقد اللّبن في أخلافي، فلا هو يذبحني فأستريح، ولا يدعني، فأرجع إلى خشفي في البريّة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن تركتك ترجعين؟» قالت: نعم، وإلّا عذبني الله عذابا أليما، وفي لفظ: فاستأذن لي أرضعهما وأعود إليهم، قال: «وتفعلين؟» قالت: عذّبني الله عذاب العشار إن لم أفعل، فقال: «أين صاحب هذه؟» فقال القوم: نحن يا رسول الله، قال: «خلّو عنها حتى تأتي خشفها ترضعها وترجع إليكم» ، فقالوا: من لنا بذلك؟ قال: «أنا» ، فأطلقوها فذهبت فأرضعت ثم رجعت إليهم فأوثقوها، فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أين صاحب هذه؟» قالوا:
__________
[ (1) ] انظر المجمع 9/ 369.(9/519)
هوذا نحن يا رسول الله، قال: «تبيعونها؟» فقالوا: هي لك يا رسول الله، فقال: «خلّوا عنها» وأطلقوها، فذهبت، وهي تضرب برجلها الأرض فرحا وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله،
قال زيد بن أرقم: فأنا والله رأيتها تسبح في البريّة وهي تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله [ (1) ] ، قال القطب الحضرميّ في خصائصه: هذا الحديث ضعّفه بعض الحفّاظ لكن طرقه يتقوى بعضها ببعض، انتهى.
وقال الشيخ: لهذا الحديث طرق كثيرة تشهد أن للقصّة أصلا، انتهى.
وقال الحافظ في أماليه على مختصر ابن المهلّب بعد أن أورده من حديث أبي سعيد حديث غريب وعلي بن قادم، وشيخه وشيخ شيوخه كوفيّون فيهم مقال، وأشدّهم ضعفا عطيّة ولو توبع حكمت بحسنه.
تنبيهان
الأول: تسليم الغزالة على النبي صلى الله عليه وسلم مشهور على الألسنة، وفي المدائح ولم أقف لخصوص السلام على سند وإنّما ورد الكلام في الجملة.
الثاني: في بيان غريب ما سبق:.
الظّبية.
الخشفان: بكسر الشين بعيران.
الباب العاشر في شهادة الضب له بالرسالة صلّى الله عليه وسلم
روى البيهقي عن عمر بن الخطاب، أن أعرابيّا صاد ضبّا فقال: لا آمنت بك حتى يؤمن هذا الضّبّ، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الضّبّ، فقال: «يا ضبّ» ، قال: لبّيك وسعديك يا رسول الله يا زين من وافى القيامة، قال: «من تعبد؟» قال: الذي في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه، وفي البحر سبيله، وفي الجنة رحمته، وفي النار عقابه، قال: «من أنا؟» قال: رسول ربّ العالمين وخاتم النبيين، قد أفلح من صدّقك، وخاب من كذّبك، فقال الأعرابي: والله لا أبتغي أثرا بعد عين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله [ (2) ] .
قال البيهقي وروي في ذلك عن عائشة وأبي هريرة وما ذكرناه هو أمثل أسانيده، وهو
__________
[ (1) ] انظر المجمع 8/ 294.
[ (2) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 6/ 37 وأبو نعيم في الدلائل (134) .(9/520)
أيضا ضعيف والحمل فيه علي محمد بن عليّ بن الوليد السّلميّ البصريّ، قال الذّهبيّ: صدق والله البيهقي فإنه خبر باطل، وقال المزنيّ: لا يصح إسنادا ولا متنا، وبالغ رفيقه ابن تيمية، فقال: وضعه بعض قصاص البصرة، ولفظه متبيّن عليه شواهد الوضع.
قال الحيضريّ: رجال أسانيده وطرقه ليس فيهم من يتّهم بالوضع، وأما الضعف ففيهم، ومثل ذلك لا يتجاسر على دعوى الوضع فيه، ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم عظيمة فيها ما هو أبلغ من هذا، فليس فيه ما ينكر شرعا خصوصا مع رواية الأئمّة له فيها، وهو ضعيف لا ينتهي إلى درجة الوضع. انتهى.
ولحديث عمر طريق آخر ليس في السّلميّ، رواه أبو نعيم وقد ورد أيضا مثله من حديث عليّ، رواه ابن عساكر ومن حديث ابن عباس رواه ابن الجوزي.
الباب الحادي عشر في شكوى الحمّرة إليه صلى الله عليه وسلم
روى أبو داود الطّيالسيّ وأبو نعيم وأبو الشيخ في كتاب العظمة والبيهقيّ واللفظ له عن ابن مسعود، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فررنا بشجرة فيها فرخان لحمرة، فأخذناهما، فجاءت الحمرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقرس يعني تقرب من الأرض وترفرف بجناحها، فقال: «من فجع هذه بفرخيها؟» قال: فقلنا: نحن، قال: «ردوهما» فرددناهما إلى موضعهما، فلم ترجع
[ (1) ] انتهى.
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 6/ 33 والحاكم 4/ 239.(9/521)
الباب الثاني عشر في مجيء الشاة في البرّية إليه صلّى الله عليه وسلم
روى ابن سعد والبيهقي وأبو نعيم وابن السّكن وغيرهم عن نافع بن الحارث بن كلدة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وكنّا زهاء أربعمائة، فنزلنا منزلا في موضع ليس فيه ماء فشقّ على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فجاءت شاة لها قرنان فقامت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلبها، فشرب حتى روي وسقى أصحابه حتى رووا ثم قال: «يا نافع احفظها الليلة وما أراك تملكها» قال: فأخذتها فوتدتّ لها في الأرض ثم أخذت رباطا فربطتها فاستوثقت منها، ثم قمت بعض الليل فلم أر الشاة، ورأيت الحبل مطروحا فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ذهب بها الذي جاء بها» [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى الطبراني وأبو نعيم والبيهقي عن سعد مولى أبي بكر قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلا، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا سعد احلب تلك العنز» ، قال: وعهدي بذلك الموضع لا عنز فيه فجئته، فإذا بعنز حافل فاحتلبتها لا أدري كم مرة واحتفظت بالعنز وأوصيت بها فاشتغلنا بالرحلة ففقدتّ العنز، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذهب بها ربّها» انتهى.
الباب الثالث عشر في قصة الكلب الأسود
روى ابن عدي عن محمد بن كعب القرظيّ رحمه الله تعالى قال: عدا كلب أسود على رجل من أهل الذّمّة فدخل البحر، فمكث الكلب قائما عليه ينتظره، فلما أبطأ عليه، قال: يا كلب، إني في ذمّة محمد صلى الله عليه وسلم فولّى الكلب يعدو.
__________
[ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 211 والبيهقي في الدلائل 6/ 137 وابن كثير في البداية 6/ 119.(9/522)
الباب الرابع عشر في بركته صلى الله عليه وسلم في فرس جعيل وفرس أبي طلحة
روى النّسائي في الكبرى والطبراني برجال ثقات والبيهقي بسند صحيح عن جعيل الأشجعي رضي الله عنه قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على فرس لي عجفاء ضعيفة فكنت في آخر الناس، فلحقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع مخفقة فضربها بها وقال: «اللهم، بارك فيها» ،
قال: فلقد رأيتني ما أمسك رأسها أن أتقدم الناس، ولقد بعت من بطنها باثني عشر ألفا [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه أن أهل المدينة فزعوا مرّة فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة كان يقطف به أو به قطاف.
وفي رواية بطيئا فلما رجع، قال: «وجدنا فرسك بحرا» ، فكان بعد لا يجارى
[ (2) ] .
تنبيه:
في بيان غريب ما سبق:.
جعيل: بجيم مضمومة فمهملة مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة: الأشجعيّ.
مخفقة: بميم مكسورة فمعجمة ساكنة ففاء فقاف مفتوحتين: درّة.
يقطف: يقارب خطاه والقطاف بكسر القاف.
يبطّأ: بمثناة تحتية مضمومة فموحدة فمهملة مشددة مفتوحتين فهمزة: أي يضيق الخطا.
__________
[ (1) ] ابن سعد 1/ 2/ 39 والطبراني في الكبير 11/ 376.
[ (2) ] تقدم.(9/523)
الباب الخامس عشر في بركته صلى الله عليه وسلم حماري عصيمة بن مالك وأبي طلحة رضي الله عنهما
روى الطبراني عن عصمة بن مالك الخطميّ قال: زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء فلما أراد أن يرجع جئناه بحمار يتجافى قطوف فركبه، وردّه علينا فهو هملاج ما يساير [ (1) ] .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
الهملجة: سرعة السير شبه الهرولة فارسيّ معرّب ويسمّى الآن رهوانا.
قصة أخرى.
روى ابن سعد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال: زار رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدا، فقال عنده فلما برد جاءوا بحمار قطوف فوطئوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقطيفة عليه، فركب، فرده، وهو هملاج فزيع لا يساير [ (2) ] .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
هملاج: الهملجة سرعة السير فارسيّ معرب ويسمى الآن رهوانا.
فزيغ: بفاء وغين معجمة أي واسع المشي.
__________
[ (1) ] تقدم.
[ (2) ] تقدم.(9/524)
الباب السادس عشر في قصة الطائر الذي حلّق بإحدى خفيه صلّى الله عليه وسلم
روى الطبراني، وأبو نعيم والبيهقي والخرائطيّ في المكارم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بخفيه فلبس إحداهما فجاء طائر أخضر فأخذ الخفّ الآخر فحلّق به في السماء فاستلب أسود سالخ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه كرامة أكرمني الله عز وجل بها» زاد الخرائطيّ: «اللهم إني أعوذ بك من شر ما يمشي على أربع» [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى أبو نعيم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخفّيه، فلبس أحدهما ثم جاء غراب فاحتمل الآخر فرمى به فخرجت منه حية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما» [ (2) ] .
الباب السابع عشر في ازدلاف البدنات لما أراد نحرهن إليه صلى الله عليه وسلم
روى أبو داود والنسائي وأبو مسلم (الكجي) عن عبد الله بن قرط رضي الله عنه قال: قرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس أو ستّ بدنات ينحرهنّ يوم عيد فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن [ (3) ] يبدأ، فلما وجبت جنوبها، قال: فتكلم بكلمة لم أفهمها، فسألت الذي يليه فقال: قال: «من شاء فليقتطع» .
تنبيه:
في بيان غريب ما سبق:.
يزدلفن: أي يقربن.
__________
[ (1) ] انظر المجمع 1/ 203 والبداية والنهاية 6/ 173.
[ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير 8/ 162 والمجمع 5/ 140.
[ (3) ] أخرجه أبو داود 2/ 369 (1765) والنسائي في الكبير كما في التحفة 6/ 405.(9/525)
[المجلد العاشر]
بسم الله الرحمن الرحيم
جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في رؤيته المعاني في صورة المحسوسات
الباب الأول في رؤيته صلى الله عليه وسلم الرحمة والسكينة وإجابة الدعاء
روى الحاكم وصححه عن سلمان رضي الله عنه أنه كان في عصابة يذكرون الله عز وجل فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء نحوهم قاصدا حتى دنا منهم، فكفوا عن الحديث إعظاما لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما كنتم تقولون؟ فأني رأيت الرحمة تنزل عليكم فأحببت أن أشارككم فيها» [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى ابن أبي حاتم وابن عساكر مرسلا عن سعد بن مسعود الصدفي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس فرفع طرفه إلى السماء ثم طأطأ نظره، ثم دفعه، فسئل عن ذلك، فقال: «إن هؤلاء القوم كانوا يذكرون الله» يعني أهل مجلس أمامه، «فنزلت عليهم السكينة تحملها الملائكة كالقبة فلما دنت تكلم رجل منهم بباطل فرفعت عنهم» [ (2) ] .
قصة أخرى.
روى البخاري في التاريخ عن أنس رضي الله عنه قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد وفيه قوم رافعو أيديهم يدعون، فقال: «ترى ما بأيديهم ما أرى؟» قلت: وما بأيديهم؟
قال: «بأيديهم نور» ، قلت: ادع الله عز وجل أن يرينيه، فدعا الله عز وجل فأرانيه.
قصة أخرى.
روى الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط فتغشته سحابة، فجعلت تدنو وجعل فرسه ينفر، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له، فقال: «تلك السكينة تنزلت للقرآن» [ (3) ] .
__________
[ (1) ] الحاكم (1/ 122) .
[ (2) ] السيوطي في الدر المنثور 1/ 317 وانظر كنز العمال (1879) .
[ (3) ] أخرجه البخاري 6/ 170، 232 ومسلم في كتاب صلاة المسافرين (241) أخرجه الترمذي (2885) وأحمد 4/ 293، 298 والطيالسي كما في المنحة (1892) والبيهقي في الدلائل 7/ 82.(10/3)
قصة أخرى.
روى أبو نعيم من طريق عاصم بن زرارة وأبي وائل قال أسيد بن حضير: كنت أصلي إذ جاءني شيء فأظلني ثم ارتفع، فغدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: «تلك السكينة نزلت تسمع القرآن» [ (1) ] .
__________
[ (1) ] أبو نعيم في الحلية 4/ 342.(10/4)
الباب الثاني في رؤيته صلى الله عليه وسلم الحمى وسماع كلامها
روى البيهقي عن جابر بن عبد الله وابن سعد والبيهقي عن أم طارق مولاة سعد، والبيهقي عن سلمان رضي الله عنهم إذ الحمى أتت النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنت عليه فأذن لها، فقال: «من أنت؟» قالت: أم ملدم، ولفظ سلمان، الحمى أبري اللحم وأمص الدم، انتهى، زادت أم طارق: قال: «لا مرحبا بك، ولا أهلا انهدين إلى أهل قباء» ولفظ جابر: «أتريدين أهل قباء؟» قالت: نعم، قال: «اذهبي» فأتتهم، فحموا، ولقوا منها شدة، فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصفرت وجوههم فشكوا إليه الحمى، قال: «إن شئتم دعوت الله عز وجل، فكشفها عنكم، وإن شئتم كانت لكم طهورا فأسقطت ذنوبكم» ، قالوا: بل ندعها تكون لنا طهورا [ (1) ] .
وروى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءت الحمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ابعثني إلى أحب قومك إليك، فقال: «اذهبي إلى الأنصار» ، فذهبت فضمت عليهم فصرعتهم، فقالوا: يا رسول الله، ادع الله لنا بالشفاء فدعا فكشفت عنهم، قال البيهقي: يحتمل أن هذا في قوم آخرين من الأنصار [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد برجال الصحيح وأبو يعلى وابن حبان عن جابر قال: استأذنت الحمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من هذه؟» فقالت: أم ملدم فأمرها لأهل قباء فلقوا ما لا يعلمه إلا الله، فأتوه فشكوا ذلك إليه، فقال: «ما شئتم إن شئتم دعوت الله ليكشفها عنكم، وإن شئتم تكون لكم طهورا» ، قالوا: أو تفعل؟ قال: «نعم» ، قالوا: دعها.
وروى البخاري والترمذي وابن ماجه والطبراني في الأوسط عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت امرأة ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى نزلت مهيعة، فأولتها أن وباء المدينة نقل إليها [ (3) ] .
تنبيهات
الأول:
روى الإمام أحمد بسند رجاله ثقات قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل بالحمى والطاعون فأرسلت الحمى بالمدينة، وأرسلت بالطاعون إلى الشام، فالطاعون شهادة لأمتي ورحمة لهم ورجز على الكافرين» [ (4) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 28، 6/ 378 والحاكم 1/ 346.
[ (2) ] ابن كثير في البداية 6/ 183.
[ (3) ] أحمد 5/ 28، 6/ 378.
[ (4) ] أخرجه أحمد 5/ 81 والدولابي 2/ 141 وابن عساكر كما في التهذيب 1/ 79 وانظر المجمع 2/ 310 وفتح الباري 10/ 191.(10/5)
قال السيد نور الدين: والأقرب أن هذا كان في آخر الأمر بعد نقل الحمى بالكلية لكن قال الحافظ: لما رحل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان في قلة من أصحابه فاختار الحمى، لقلة الموت بها على الطاعون، لما فيها من الأجر الجزيل وقضيتها (إضعاف الأجساد) فلما أمر بالجهاد دعا بنقل الحمى إلى الجحفة، ثم كانوا من حينئذ من فاتته الشهادة بالطاعون ربما حصلت له بالقتل في سبيل الله، ومن فاته ذلك حصلت له الحمى التي هي حظ المؤمن من النار، ثم استمر ذلك بالمدينة، يعني بعد كثرة المسلمين تمييزا لها عن غيرها قال السيد: وهو يقتضي عود شيء من الحمى إليها بآخرة الأمر، والمشاهد في زماننا عدم خلوها عنها أصلا لكنه ليس كما وصف أولا بخلاف الطاعون، فإنها محفوظة بالكلية، فالأقرب أنه صلى الله عليه وسلم لما سأل ربه تعالى لأمته أن لا يلبسهم شيعا ولا يذيق بعضهم بأس بعض، فمنعه ذلك، فقال في دعائه:
فحمى إذا أو طاعونا أراد بالدعاء بالحمى للموضع الذي لا يدخله الطاعون، فيكون ما بالمدينة اليوم ليس هو حمى الوباء بل حمى رحمة بدعائه صلى الله عليه وسلم.
الثاني: إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم بنقل الحمى إليها، لأنها كانت دار شرك، ولم تزل من يومئذ أكثر بلاد الله حمى.
قال بعضهم: وإنه ليتقي شرب الماء من عينها التي يقال عين حم، فقل من شرب منها إلا حم.
وروى البيهقي عن هشام بن عروة قال: كان وباء بالمدينة معروفا في الجاهلية، وكان إذا كان بالوادي وباء فأشرف عليه الإنسان قيل له: انهق نهيق الحمار، فإذا فعل لم يضره وباء ذلك الوادي.
وروى ابن شيبة عن عامر بن جابر، قال: كان لا يدخل المدينة أحد من طريق واحد من ثنية الوداع فإن لم يعشر بها أي ينهق كالحمار عشرة أصوات في طلق واحد مات قبل أن يخرج منها، فإذا وقف على الثنية قبل أن يدخل ودع فسميت ثنية الوداع حتى قدم عروة بن الورد العبسي فقيل له: عشر بها فلم يعشر وأنشأ يقول:
لعمري لئن عشرت من خشية الردى ... نهاق حمير إنني لجزوع
ثم دخل فقال: يا معشر يهود، ما لكم وللتعشير؟ قالوا: إنه لا يدخلها أحد من غير أهلها، فلم يعشر بها إلا مات، أو لا يدخلها أحد من غير ثنية الوداع إلا قتله الهزال، فلما ترك عروة التعشير تركه الناس ودخلوا من كل ناحية.
الثالث: في بيان غريب ما سبق:
السكينة: الطمأنينة والوقار.
ثائرة الرأس هاج وانتشر تقول: ثار الدخان والغبار وثار الدم بفلان وثارت به الحصبة.(10/6)
الباب الثالث في رؤيته صلى الله عليه وسلم الفتن
روى الشيخان عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: أشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي أطم من آطام المدينة، فقال: «هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن [تقع خلال بيوتكم كوقع المطر] » [ (1) ] .
وروى الطبراني عن بلال رضي الله عنه قال: رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره إلى السماء فقال: «سبحان الذي يرسل عليهم الفتن إرسال القطر» [ (2) ] .
الباب الرابع في رؤيته الدنيا وسماع كلامها
روى البيهقي والحاكم وصححه عن أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يدفع عن نفسه شيئا، ولم أر معه أحدا، فقلت: يا رسول الله، ما الذي تدفع؟ قال: «هذه الدنيا مثلت لي، فقلت لها: إليك عني، ثم رجعت فقالت: إن أفلت مني فلن ينفلت مني من بعدك» [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد في الزهد عن عطاء بن يسار مرسلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتتني الدنيا خضرة حلوة ورفعت لي رأسها وتزينت لي، فقلت: لا أريدك، فقالت: إن انفلت مني لم ينفلت مني غيرك» .
الباب الخامس في رؤيته صلى الله عليه وسلم الجمعة والساعة
روى البزار وأبو يعلى والطبراني وابن أبي الدنيا من طرق جيدة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل وفي يده مرآة بيضاء فيها نكتة سوداء، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال هذه الجمعة، يعرضها عليك ربك، لتكون لك عيدا ولقومك، قلت: ما هذه النكتة السوداء فيها؟ قال: هذه الساعة» [ (4) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 94 (1878) (7060) ومسلم 4/ 2211 (9/ 2885) .
[ (2) ] انظر المجمع 7/ 307 وكنز العمال (31029) (31030) .
[ (3) ] أخرجه الحاكم 4/ 309 والخطيب في التاريخ 10/ 268.
[ (4) ] أخرجه الآجرى في الشريعة (265) وابن أبي شيبة 2/ 150 والطبري في التفسير 26/ 209 وانظر المجمع 10/ 421 وابن أبي حاتم في العلل (593) والعقيلي في الضعفاء 1/ 292 وانظر الدر المنثور 6/ 108.(10/7)
جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في انقلاب الأعيان له
الباب الأول في انقلاب الماء لبنا وزبدا ببركته صلى الله عليه وسلم
روى ابن سعد مرسلا عن سالم بن أبي الجعد، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين في بعض أمره فقالا: يا رسول الله، ما معنا ما نتزوده، فقال: «ابتغيا لي سقاء» فجاءاه بسقاء، قالا:
فأمرنا فملأناه ماء ثم أوكأه وقال: «اذهبا حتى تبلغا مكان كذا وكذا فإن الله عز وجل سيرزقكما» فانطلقا حتى أتيا ذلك المكان الذي أمرهما به رسول الله صلى الله عليه وسلم فانحلّ سقاؤها فإذا لبن وزبد فأكلا حتى شبعا [ (1) ] .
الباب الثاني في انقلاب العصا سيفا ببركته صلى الله عليه وسلم
روى ابن سعد عن زيد بن أسلم ويزيد بن رومان وغيرهما والبيهقي عن ابن إسحاق أن عكاشة بن محصن انقطع سيفه في يوم بدر فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جذلا من شجرة فصار في يده سيفا صارما صافي الحديد شديد المتن فقاتل بها حتى فتح الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل في الردة وهو عنده وكان ذلك يسمى القويّ.
__________
[ (1) ] ابن سعد 1/ 1/ 114.(10/8)
الباب الثالث في انقلاب العرجون سيفا ببركته صلى الله عليه وسلم
روى عبد الرزاق عن معمر عن عبد الرحمن الجرشي قال: أخبرنا أشياخنا أن عبد الله بن جحش جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذهب سيفه فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم عسيبا من نخل فرجع في يد عبد الله سيفا.
قصة أخرى.
روى الزبير بن بكار في الموافقيات عن عبد الله بن جحش أن سيفه انقطع فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرجونا فصار في يده سيفا فكان يسمى العرجون ولم يزل بعد يتوارث حتى بيع من التركي بمائتي دينار.
قصة أخرى.
روى البيهقي عن داود بن الحصين عن رجال من بني عبد الأشهل عدة، قالوا: انكسر سيف سلمة بن حريش يوم بدر فبقي أعزل لا سلاح معه فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيبا كان في يده من عراجين ابن طاب فقال: «اضرب به» ، فإذا هو سيف جيد، فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد [ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 2/ 370، 3/ 99.(10/9)
جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في تجلي ملكوت السموات والأرض واطلاعه على أحوال البرزخ والجنة والنار وأحوال يوم القيامة
الباب الأول في تجلي ملكوت السموات والأرض له صلى الله عليه وسلم
روى الإمام أحمد والطبراني عن رجل من الصحابة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة وهو طيب النفس، مسفر الوجه فسألناه فقال: «وما يمنعني، وأتاني الليلة ربي في أحسن صورة فقال: يا محمد، قلت: لبيك ربي وسعديك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟
قلت: لا أدري، فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي حتى تجلى لي ما في السموات والأرض ثم قرأ وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [ (1) ]
[الأنعام 75] .
تنبيهات
الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: «أتاني ربي» مجاز أي أتاني أمر ربي، وقوله: «فوضع يده بين كتفي» قال البيضاوي: هو مجاز عن تخصصه إياه ومزيد الفضل عليه، وإيصاله فضله إليه، لأن من عادة الملوك إذا أرادوا أن يدنوا إلى أنفسهم بعض خدمهم في بعض أحوال مملكتهم، يضعون يدهم على ظهره تلطفا به وتعظيما لشأنه وتنشيطا له من فهم ما يقول، فحصل ذلك حيث لا يد ولا وضع حقيقة كناية عن التخصيص لهم بمزيد الفضل والتأييد وتمكين الملهم في الروع.
الثاني: قوله: «فعلمت ما في السموات» إلى آخره يدل على أن وصول ذلك الفيض صار سببا لعلمه، وأورد الآية على سبيل الاستشهاد والمعنى: أنه تعالى كما أرى إبراهيم عليه الصلاة والسلام ملكوت السموات والأرض وكشف له ذلك، كذلك فتح علي أبواب الغيوب حتى علمت ما فيها من الذوات والصفات والظواهر والمغيبات.
الثالث: في بيان غريب ما سبق:
[ ... ] .
__________
[ (1) ] تقدم.(10/10)
الباب الثاني فيما اطلع عليه من أحوال البرزخ والجنة والنار صلى الله عليه وسلم
روى ابن ماجة عن الحسين بن علي رضي الله عنه قال: لما توفي القاسم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت خديجة رضي الله عنها: وددت لو كان الله أبقاه حتى يستكمل رضاعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن تمام رضاعه في الجنة» ، قالت: لو أعلم ذلك يا رسول الله يهون علي أمره قال: «إن شئت دعوت الله عز وجل يسمعك صوته» ، قالت: بل أصدق الله ورسوله [ (1) ] .
وروى مسلم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط بني النجار على بغلة له ونحن معه إذ جادت به فكادت تلقيه، وإذا بقبر ستة أو خمسة، فقال: «من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟» فقال رجل: أنا، فقال: قوم هلكوا في الجاهلية فقال: «إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن تدافنوا لدعوت الله عز وجل أن يسمعكم من عذاب القبر» [ (2) ] .
وروى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: «إنهما ليعذبان، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة بين الناس» [ (3) ] .
وروى البخاري عن أسماء رضي الله عنها قالت: كسفت الشمس فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: «ما من شيء لم أكن رأيته إلا رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار» [ (4) ] .
وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ثم انصرف فقالوا: يا رسول الله، رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا ثم رأيناك تكعكعت قال: «إني رأيت الجنة، فتناولت عنقودا، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع ورأيت أكثرها النساء» .
وروى الحاكم عن أنس رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة صلاة، فمد يده ثم أخرها فسألناه، فقال: «إنه عرضت علي الجنة، فرأيت قطوفها دانية، فأردت أن أتناول منها شيئا، وعرضت علي النار فيما بينكم وبيني كظلي وظلكم فيها» [ (5) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه ابن ماجة (1512) .
[ (2) ] أخرجه مسلم في كتاب الجنة (67) وأحمد 5/ 190 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (785) .
[ (3) ] تقدم.
[ (4) ] تقدم.
[ (5) ] تقدم.(10/11)
وروى الحاكم عنه، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال يمشيان فقال: «يا بلال، هل تسمع ما أسمع؟» قال: لا والله يا رسول الله، ما أسمع شيئا، قال: «ألا تسمع أهل القبور يعذبون؟» [ (1) ] ورواه الإمام أحمد برجال الصحيح بلفظ قال: صاحب القبر يعذب، فسئل عنه، فوجده يهوديا.
وروى ابن خزيمة في كتاب السنة عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيع الغرقد فوقف على قبرين ثريين، قال: «أدفنتم هاهنا فلانا وفلانة؟» أو قال: «فلانا وفلانا؟» قالوا: نعم، قال: قد أقعد فلان الآن يضرب» ، ثم قال: «والذي نفسي بيده، لقد ضرب ضربة سمعها الخلائق إلا الثقلين ولولا تمريج قلوبكم وتزيدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع» ، ثم قال: «الآن يضرب هذا» ، ثم قال: «والذي نفسي بيده، لقد ضرب ضربة ما بقي منه عظم إلا انقطع» ، وقال: «تطاير قبره نارا» ، قالوا: يا رسول الله، وما ذنبهما؟ قال: «أما هذا فإنه كان لا يستبرئ من البول، وأما هذا فكان يأكل لحوم الناس» [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أطفال المشركين، فقال: «إن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار» [ (3) ] .
وروى الإمام أحمد بإسناد جيد عن عبد الله بن عمر والطبراني برجال ثقات عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الضعفاء والفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء» وفي رواية عمران: «النساء» ، وفي رواية ابن عمرو: «الأغنياء» [ (4) ] .
وروى الطبراني بإسناد جيد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فأطال القيام وكان إذا صلى لنا خفف فرأيته أهوى بيده ليتناول شيئا ثم ركع بعد ذلك، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «علمت أنه راعكم طول صلاتي وقيامي» ، قلنا: أجل، يا رسول الله، وسمعناك تقول: «أي رب، وأنا فيهم؟» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«والذي نفسي بيده، ما من شيء وعدتموه في الآخرة إلا قد عرض علي في مقامي هذا حتى عرضت علي النار، فأقبل منها حتى حاذى خبائي هذا فخشيت أن تغشاكم فقلت: أي رب، وأنا فيهم؟ فصرفها الله تعالى عنكم فأدبرت قطعا كأنها الزرابي فنظرت نظرة، فرأيت عمران بن حرثان بن الحارث أحد بني غفار متكئا في جهنم على قوسه، ورأيت فيها الحميريّة صاحبة
__________
[ (1) ] أخرجه الحاكم 1/ 40 وأحمد 3/ 151، 259.
[ (2) ] الترغيب والترغيب 3/ 513.
[ (3) ] أحمد 6/ 208.
[ (4) ] أخرجه أحمد 1/ 234، 359، 2/ 173، 297، 4/ 429 وانظر المجمع 10/ 261 والطبراني في الكبير 12/ 162، 18/ 134.(10/12)
القطة التي ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي سقتها» [ (1) ] .
قال أحمد بن صالح: الصواب حرمان.
وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت جهنم يحطم بعضها على بعض ورأيت عمرا بن عامر الخزاعي يجر قصبه وهو أول من سيب السوائب» [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله وأبي بن كعب رضي الله عنهما قالا: بينما نحن صفوفا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر أو العصر إذ رأيناه يتناول شيئا بين يديه في الصلاة ليأخذه ثم يتناوله ليأخذه ثم حيل بينه وبينه، ثم تأخر وتأخرنا ثم تأخر الثانية وتأخرنا فلما سلم، قال أبي بن كعب: يا رسول الله، رأيناك اليوم تصنع في صلاتك شيئا لم تكن تصنعه، قال: «إني عرضت لي الجنة بما فيها من الزهرة والنضرة، فتناولت قطفا منها لآتيكم به ولو أخذته لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقصونه فحيل بيني وبينه، ثم عرضت علي النار فلما وجدت حر شعاعها، تأخرت، وأكثر من رأيت فيها النساء اللاتي إن ائتمن أفشين وإن سئلن أخفين وإن أعطين لم يشكرن، ورأيت فيها لحي بن عمرو يجر قصبه في النار وأشبه من رأيت به معبد بن أكتم» قال معبد: أي رسول الله يخشى على من شبهه فإنه والد، قال: «لا، أنت مؤمن وهو كافر، وهو أول من جمع العرب على عبادة الأصنام» .
ورواه أيضاً عن أبي بن كعب [ (3) ] رضي الله عنهما.
__________
[ (1) ] انظر المجمع 2/ 88 وهو عند الطبراني في الكبير 17/ 315.
[ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 69 والبيهقي في الكبرى 3/ 341 وانظر ذار المسير لابن الجوزي 2/ 437 والدر المنثور 2/ 338.
[ (3) ] انظر المجمع 2/ 87، 88 وابن كثير في التفسير 4/ 386.(10/13)
جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في إحياء الموتى وإبراء المرضى
الباب الأول في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إحياء الموتى وسماع كلامهم
روى ابن أبي الدنيا وأبو نعيم والبيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: كنا في الصفة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتته عجوز عمياء مهاجرة ومعها ابن لها قد بلغ فلم يلبث أن أصابه وباء المدينة فمرض أياما ثم قبض فغمضه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بجهازه، فلما أردنا أن نغسله، قال: «يا أنس، ائت أمه فأعلمها» ، قال: فأعلمتها فجاءت حتى جلست عند قدميه، فأخذت بهما، ثم قالت: اللهم، إني أسلمت لك طوعا وخلعت الأوثان زهدا وهاجرت إليك رغبة، اللهم لا تشمت بي عبدة الأوثان، ولا تحملني من هذه المصيبة ما لا طاقة لي بحملها، قال: فو الله ما انقضى كلامها حتى حرك قدميه وألقى الثوب عن وجهه، وطعم وطعمنا معه، وعاش حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم حتى هلكت أمه
[ (1) ] وفي لفظ عند البيهقي، قال: عدنا شابا من الأنصار وعنده أم له عجوز، فما برحنا أن فاض يعني مات ومددنا على وجهه الثوب، وقلنا لأمه: يا هذه، احتسبي مصابك عند الله، قالت: أمات ابني؟ قلنا: نعم، قالت: اللهم إن كنت تعلم أني هاجرت إليك، وإلى نبيك رجاء أن تعينني عند كل شدة، فلا تحمل علي هذه المصيبة اليوم، قال أنس: فو الله، ما برحت حتى كشف الثوب عن وجهه وطعم وطعمنا معه.
وروى أبو نعيم ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا عبد الرحمن بن محمد بن حماد ثنا أبو برة محمد بن أبي هاشم مولى بني هاشم ثنا أبو كعب البداح بن سهل الأنصاري عن أبيه ثنا عن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن كعب عن أبيه كعب بن مالك قال: أتى جابر بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى وجهه متغيرا فرجع إلى امرأته، فقال: قد رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم متغيرا وما أحسب إلا متغيرا من الجوع، فذكر الحديث السابق في باب تكثيره صلى الله عليه وسلم الأطعمة وزاد فقال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلوا ولا تكسروا عظما» ثم جمع العظام في وسط الجفنة فوضع يده عليها ثم تكلم بكلام لم أسمعه فإذا الشاة قد قامت تنفض أذنيها، فقال: «خذ شاتك يا جابر بارك الله لك» ، قال: فأخذتها ومضيت، وإنها لتنازعني أذنها حتى أتيت المنزل فقالت المرأة: ما هذا يا جابر، فقلت: والله، هذه شاتنا التي ذبحناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الله تعالى فأحياها لنا، فقالت: أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 6/ 52 وابن كثير في البداية 6/ 293.(10/14)
ورواه الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن محمد بن المنذر والمعروف بشكر في كتاب العجائب والغرائب
فقال: [ ... ] .
وروى أبو نعيم عن ضمرة قال: كان لرجل غنم وكان له ابن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بقدح من لبن إذا حلب ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم افتقده فجاء أبوه، فأخبره أن ابنه هلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتريد أن أدعو الله تعالى أن ينشره لك أو تصبر، فيؤخره لك إلى يوم القيامة فيأتيك فيأخذ بيدك فينطلق بك إلى الجنة، فتدخل من أي أبواب الجنة شئت؟» فقال الرجل: من لي بذلك يا رسول الله؟ قال: «هو لك ولكل مؤمن» .
وروى البيهقي وصححه عن إسماعيل بن خالد عن أبي سبرة النخعي قال: أقبل رجل من اليمن، فلما كان ببعض الطريق نفق حماره فقام وتوضأ وصلى ركعتين، ثم قال: اللهم إني جئت مجاهدا في سبيلك، وابتغاء مرضاتك، وأنا أشهد أنك تحيي الموتى، وتبعث من في القبور لا تجعل لأحد علي اليوم منة، أطلب إليك أن تبعث حماري، فقام الحمار ينفض أذنيه.
قال البيهقي: ومثل هذا يكون كرامة لصاحب الشريعة حيث يكون في أمته، ثم رواه هو وابن أبي الدنيا من وجه آخر عن إسماعيل بن خالد عن الشعبي مثله.
زاد الشعبي: أنا رأيت الحمار يباع في الكناسة، قال البيهقي: فكان إسماعيل بن أبي خالد سمعه منهما ثم رواه هو وابن أبي الدنيا أيضاً عن مسلم بن عبد الله بن شريك بن النخعي قال: خرج ابن يزيد رجل من النخع في زمن عمر بن الخطاب غازيا فذكر نحوه، وزاد فقال رجل من رهطه أبياتا منها:
ومنا الذي أحيا الإله حماره ... وقد مات منه كل عضو ومفصل
وروى الشيخان والبيهقي وأبو نعيم عن أبي هريرة، والشيخان عن أنس، والإمام أحمد وابن سعد وأبو نعيم عن ابن عباس، والدارمي والبيهقي عن جابر بن عبد الله، والبيهقي بسند صحيح عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، والطبراني عن كعب بن مالك، وابن سعد عن أبي سلمة، والبزار وأبو نعيم والحاكم عن أبي سعيد الخدري أن خيبر لما فتحت أهدت يهودية للنبي صلى الله عليه وسلم شاة مصلية فأخذ الذراع فلما بسط القوم أيديهم قال: «كفوا أيديكم، فإن عضوها يخبرني أنها مسمومة» ودعا اليهودية، فقال: «أسممت هذه الشاة؟» قالت: من أخبرك؟
قال: «هذا العظم لساقها وهو في يده» ، قالت: نعم، قال: «فما حملك على هذا؟» قالت: قلت:
إن كان نبيا، فلا يضره، وإن الله سيطلعه عليه، وإن لم يكن نبيا استرحنا منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما كان الله ليسلطك علي» فعفا عنها ولم يعاقبها [ (1) ] .
__________
[ (1) ] تقدم وانظر الدارمي 1/ 33 وأبو داود 4/ 648 (4510) .(10/15)
قصة أخرى.
روى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أقبلت يوم بدر من قتال المشركين وأنا جائع، ثم استقبلتني امرأة يهودية على رأسها جفنة فيها جدي مشوي، فقالت: الحمد لله يا محمد، الذي سلمك، كنت نذرت لله إن سلمك الله وقدمت المدينة سالما لأذبحن هذا الجدي فلأشوينه ولأحملنه إليك لتأكل منه، فاستنطق الله تعالى الجدي، فقال: يا محمد لا تأكلني فإني مسموم.
قصة أخرى.
روى أبو الشيخ وابن حبان من مرسل عبيد بن مرزوق قال: كانت امرأة بالمدينة تقم المسجد، فماتت، فلم يعلم بها النبي صلى الله عليه وسلم فمر على قبرها فقال: «ما هذا القبر؟» قالوا له: أم محجن قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كانت تقم المسجد؟» قالوا: نعم، فصف الناس، فصلى عليها، ثم قال: «أي العمل وجدت أفضل» قالوا: يا رسول الله، أتسمع ما تقول؟ قال: «ما أنتم بأسمع منها» فذكر أنها أجابته: قم المسجد [ (1) ] .
ثم قم المسجد: تنظيفه مما لا ينبغي أن يكون فيه، وقد تقدم في غزوة بدر أن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب أهل القليب، وقول عمر رضي الله عنه يا رسول الله كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟
وقول قتادة: أحياهم الله تعالى حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا وحسرة وندامة.
قصة أخرى.
روى الإمام أحمد عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم تبوك: «لا يخرجن أحد منكم إلا ومعه صاحب له» ، ففعل الناس ما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم به إلا رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته، وخرج الآخر في طلب بعير له، فأما الذي خرج لحاجته فإنه خنق على مذهبه- أي موضعه- ثم دعا له صلى الله عليه وسلم فشفي،
الحديث وتقدم بتمامه في غزوة تبوك.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
قم المسجد: تنظيفه مما لا ينبغي أن يكون فيه.
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 3/ 287 والسيوطي في الدر المنثور 5/ 157، 249.(10/16)
الباب الثاني في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إبراء الأعمى والأرمد ومن فقئت عينه
روى ابن أبي شيبة والبيهقي وأبو نعيم عن حبيب بن فديك أن أباه خرج به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه مبيضتان لا يبصر بهما شيئا، فسأله: «ما أصابك؟» فقال: وقعت رجلي على بيضة حية فأصيب بصري، فنفث رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه فأبصر فرأيته وهو يدخل الخيط في الإبرة وإنه لابن ثمانين سنة، وإن عينيه لمبيضتان [ (1) ] .
وروى الشيخان عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: «لأعطين «هذه» الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه» ، فلما أصبح، قال: «أين علي بن أبي طالب؟» قالوا: يشتكي عينيه، قال: «فأرسلوا إليه» فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع [ (2) ] .
وروى الطبراني عن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فقلت:
إني رمد فتفل في عيني فما وجدت حرا ولا بردا ولا رمدت عيناي.
وروى أبو يعلى والبيهقي من طريق عاصم بن عمرو بن أبي سعيد الخدري عن قتادة، والبيهقي وابن سعد عن زيد بن أسلم، وأبو نعيم عن أبي سعيد الخدري عن قتادة بن النعمان، وكان أخوه لأمه وأبو ذر الهروي أن قتادة بن النعمان أصيبت عينه يوم أحد، فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا أن يقطعوها، فقالوا: حتى تستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمروه، فقال: «لا» ، فدعي به فرفع حدقته ثم غمزها براحته، وقال: «اللهم اكسبه جمالا، وبزق فيها» ، فكانت أصح عينيه وأحسنها [ (3) ] .
وفي لفظ: فكان لا يدري أي عينيه أصيبت.
قال عمر بن عبد العزيز: كنا نتحدث أنها تعلقت بعرق فردها النبي صلى الله عليه وسلم قال السهيلي:
وكانت لا ترمد إذا رمدت الأخرى.
وروي إن رجلا من ولد قتادة وفد إلى عمر بن عبد العزيز فلما قدم عليه، قال: ممن الرجل؟ فقال:
أنا ابن الذي سالت على الخد عينه ... فردت بكف المصطفى أحسن الرّدّ
__________
[ (1) ] البداية والنهاية 6/ 334.
[ (2) ] تقدم.
[ (3) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 3/ 252.(10/17)
فعادت كما كانت لأول أمرها ... فيا حسنها عينا ويا حسن ماجد
فقال عمر بن عبد العزيز:
تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
ووصله وأحسن جائزته.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
في بعض طرق القصة: أن ذلك كان في بدر، وفي بعضها في أحد، وبعضها في وقعة الخندق، وفي بعضها أن عينيه أصيبتا معا، وصحح ابن الأثير القول بسقوط إحدى عينيه.
روى الحاكم والبيهقي وأبو نعيم بسند جيد عن رفاعة بن رافع بن مالك قال: رميت بسهم يوم بدر، ففقئت عيني، فبصق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لي فما آذاني منها شيء.
وروى أبو نعيم عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبيدة عن جده قال: أصيبت عين أبي ذر يوم أحد، فبزق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت أصح عينيه.(10/18)
الباب الثالث في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إبراء الأبكم والرتة واللقوة
روى البيهقي عن شمر بن عطية عن بعض أشياخه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة بصبي قد شب فقالت: يا رسول الله إن ابني هذا لم يتكلم منذ ولد، فقال: «من أنا؟» قال: أنت رسول الله.
وروى البيهقي من طريق محمد بن يونس الكديمي ثنا معرض بن عبد الله بن معرض بن معيقيب اليمامي عن أبيه عن جده قال: حججت حجة الوداع، فدخلت دارا بمكة، فرأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت منه عجبا جاءه رجل من أهل اليمامة بغلام يوم ولد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أنا؟» قال: أنت رسول الله، قال: «صدقت، بارك الله فيك» ، ثم إن الغلام لم يتكلم بعد ذلك حتى شب فكنا نسميه مبارك اليمامة [ (1) ] .
قال الحافظ بن كثير: وهذا الحديث مما تكلم الناس في محمد بن يونس بسببه، وأنكروه عليه واستغربوا شيخه، وليس هذا مما ينكر عقلا بل ولا شرعا، على أنه قد ورد هذا الحديث من غير طريق محمد بن يونس، فرواه البيهقي من طريق أبي الحسين محمد أحمد بن جميع.
حدثنا العباس بن محبوب بن عثمان بن عبيد الله بن الفضل حدثنا أبي حدثنا جدي شاصونة بن عبيد قال حدثنا معرض بن عبد الله بن معيقيب عن أبيه عن جده، قال: حججت حجة الوداع فدخلت دارا بمكة فرأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه كدارة القمر، فسمعت منه عجبا أتاه رجل من أهل اليمامة بغلام يوم ولد وقد لفه في خرقة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا غلام من أنا؟» قال: أنت رسول الله، فقال له: «بارك الله فيك» ثم إن الغلام لم يتكلم بعدها.
وروى الحاكم عن أبي عمر الزاهد قال: لما دخلت اليمن دخلت إلى حرة فسألت عن هذا الحديث فوجدته ودخلت إلى قبره فزرته.
وروى الإمام إسحاق بن إبراهيم الرملي في فوائده عن بشير بن عقربة الجهني قال: أتى عقربة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من هذا معك، يا عقربة؟» قال: ابني بحير قال: «ادن» فدنوت حتى قعدت عن يمينه، فمسح على رأسي بيده، فقال: «ما اسمك؟» قلت: بحير يا رسول الله، قال: «لا، ولكن اسمك بشير» وكانت في لساني عقدة فنفث النبي صلى الله عليه وسلم في في فانحلت من لساني وأبيض كل شيء من رأسي ما خلا ما وضع يده عليه فكان أسود [ (2) ] .
__________
[ (1) ] والخطيب في التاريخ 3/ 443 وانظر الشفاء 1/ 613.
[ (2) ] انظر المجمع 8/ 54.(10/19)
بحير: بفتح أوله وكسر المهملة كما وجد بخط الحافظ السلفي.
روى ابن سعد عن عكرمة والزهري وعاصم بن عمرو بن قتادة مرسلا أن مخوس بن معدي كرب، قال: يا رسول الله، ادع الله أن يذهب عني الرتة، فدعا له، فذهبت.
وروى أيضاً عن ابن أبي عبيد من ولد عمار بن ياسر، قال: وفد مخوس بن معدي كرب فيمن معه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرجوا من عنده، فأصابت مخوسا اللقوة، فرجع منهم نفر، فقالوا: يا رسول الله، سيد العرب ضربته اللقوة، فادللنا على دوائه، فقال رسول الله:
«خذوا بخيط فاحموه في النار ثم اقلبوا شفرة عينه ففيها شفاؤه وإليها مصيره» فصنعوه به فبرأ [ (1) ] .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
الرتة: العجمة في اللسان وهي اللثغة والتردد في النطق.
اللقوة: داء يعرض للوجه يعوج منه الشدق.
__________
[ (1) ] ابن سعد 1/ 2/ 80.(10/20)
الباب الرابع في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إبراء القرحة والسلعة والحرارة
روى البيهقي عن محمد بن إبراهيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى برجل في رجله قرحة قد أعيت الأطباء فوضع أصبعه على ريقه، ثم رفع طرف الخنصر فوضعها على التراب ثم رفعها، فوضعها على القرحة، ثم قال: «باسمك اللهم ريق بعضنا بتربة أرضنا ليشفى سقيمنا بإذن ربنا» [ (1) ] .
وروى البخاري في التاريخ والطبراني والبيهقي عن شرحبيل الجحفي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكفي سلعة فقلت: يا رسول الله هذه السلعة قد آذتني وتحول بيني وبين قائم السيف أن أقبض عليه، وعنان الدابة فنفث في كفي ووضع كفه على السلعة، فما زال يطحنها بكفه حتى رفعها [ (2) ] عنها، وما أرى أثرها.
وروى البيهقي عن الواقدي وابن سعد عن الوليد بن عبد الله الجحفي عن أبيه عن أشياخهم، قالوا: إن أبا سبرة قال: يا رسول الله، إن بظهر كفي سلعة، قد منعتني من خطام راحلتي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فجعل يضرب به على السلعة يمسحها فذهبت.
السلعة: بفتح السين المهملة: الغدة تكون في العنق.
يصرخ [ (3) ] .
وروى الطبراني برجال ثقات وأبو نعيم والبيهقي وأبو داود والترمذي والنسائي في الكبرى وابن ماجه وابن حبان عن أبيض بن حمال أنه كان بوجهه جدرة، وفي لفظ حذارة وهي وقد التقمت وجهه.
وفي لفظ: التقمت أنفه فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح وجهه فلم يمس من ذلك اليوم منها أثر.
وروى أبو نعيم [ (4) ] والواقدي عن عروة أن ملاعب الأسنة أرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشفيه من وجع كان به الدبيلة، فتناول النبي صلى الله عليه وسلم مدرة من الأرض، فتفل فيها ثم ناولها لرسوله، فقال: «دفها بماء ثم اسقها إياه» ، ففعل فبرأ،
ويقال: إنه بعث إليه بعكة عسل فلم يزل يلعقها حتى برا.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
الدبيلة: خراج ودمل كبير تظهر في الجوف فتقتل صاحبها غالبا.
__________
[ (1) ] البيهقي في الدلائل 6/ 170.
[ (2) ] في حرضها.
[ (3) ] ما بين القوسين سقط.
[ (4) ] ما بين القوسين سقط في ح.(10/21)
الباب الخامس في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إبراء الحرق
روى البخاري في التاريخ والنسائي والطيالسي وابن أبي شيبة ومسدد وأبو يعلى وابن حبان والحاكم والبيهقي عن محمد بن حاطب عن أمه أم جميل، قالت: أقبلت بك من أرض الحبشة حتى إذا كنت من المدينة بليلة طبخت طبيخا، ففني الحطب، فخرجت أطلب الحطب، فتناولت القدر، فانكفأت على ذراعك، فأتيت بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يتفل على يدك وهو يقول: «اذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما» فما قمت بك من عنده حتى برأت يدك [ (1) ] .
الباب السادس في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إبراء وجع الضرس والرأس
روى البيهقي عن يزيد بن ذكوان أن عبد الله بن رواحة قال: يا رسول الله، أشتكي ضرس آذاني واشتد علي فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على الخد الذي فيه الوجع فقال: «اللهم أذهب عنه سوء ما يجد وفحشه بدعوة نبيك المبارك المكين عندك» سبع مرات. فشفاه الله تعالى قبل أن يبرح [ (2) ] .
وروى البيهقي عن أسماء بنت أبي بكر أنها أصابها ورم في رأسها ووجهها، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسها ووجهها من فوق الثياب، فقال: «باسم الله، أذهب عنها سوءه وفحشه بدعوة نبيك الطيب المبارك المكين عندك» ، ففعل ذلك ثلاث مرات، فذهب الورم.
وروى البيهقي إن رجلا من ليث يقال له فراس بن عمرو أصابه صداع شديد، فذهب به أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بجلدة ما بين عينيه فجذبها فنبتت في موضع أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبينه شعرة فذهب عنه الصداع فلم يصدّع.
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في التاريخ 1/ 17 وابن حبان وذكره الهيثمي في الموارد (1415، 1416، 1417) والطيالسي في المنحة (1767) والبيهقي في الدلائل 6/ 174، 175 والحاكم 4/ 62.
[ (2) ] جمع الجوامع 2/ 718.(10/22)
الباب السابع في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إبراء الجراحة والكسر
روى أبو القاسم البغوي والطبراني عن عبد الله بن أنيس قال: ضرب المستنير بن رزام اليهودي وجهي فشجني منقلة أو مأمومة، فأتيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكشف عنها ونفث فيها فما آذاني منها شيء.
ورواه أبو نعيم والبيهقي عن عروة وابن شهاب وزاد فلم يعم ولم تؤذه حتى مات.
وروى ابن أبي السكن وأبو نعيم عن معاوية بن الحكم، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزى أخي علي بن الحكم فرسه خندقا فقصر الفرس فدق جدار الخندق ساقه، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم علي فرسه، فمسح ساقه فما نزل عنها حتى برأت.
ورواه ابن القاسم البغوي بلفظ: فأصاب رجل أخي علي بن الحكم جدار الخندق فدقتها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فمسحها وقال: «باسم الله» فما آذاه منها شيء.
وروى البخاري عن البراء بن عبد الله بن عتيكة: لما قتل أبو رافع ونزل من درجة بيته سقط إلى الأرض فانكسرت ساقه، قال: فحدثت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ابسط رجلك» ، فبسطتها فمسحها فكأنما لم أشكها قط [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد وعبيد بن حميد عن أبي أزهر قال: إن خالد بن الوليد أثقل بالجراحة يوم حنين فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن هزم الله الكفار ورجع المسلمون إلى رحالهم يمشي، يقول: «من يدل على رحل خالد بن الوليد» ، قال: فمشيت أو قال: سعيت بين يديه، وأنا محتلم أقول: من يدل على رحل خالد بن الوليد، حتى دللنا على رحله، فإذا بخالد بن الوليد مستند إلى مؤخرة رحله، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى جرحه فنفث فيه فبرأ [ (2) ] .
وروى البيهقي عن عبد الله بن الحارث بن أوس أن الحارث بن أوس أصابه في قتل كعب بن الأشرف بعض أسيافهم فجرح في رأسه وفي رجله فاحتملوه فجاؤوا به النبي صلى الله عليه وسلم فتفل على جرحه فلم يؤذه.
وروى ابن وهب فيما ذكره السهيلي أن أبا جهل قطع يوم بدر يدع معوذ بن عفراء فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يحمل يده فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها وألصقها فلصقت.
وروى البخاري عن يزيد بن أبي عبيد، قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة، يعني ابن
__________
[ (1) ] البيهقي في الدلائل 4/ 38.
[ (2) ] أخرجه أحمد (4/ 88، 351) والحميدي (897) والبيهقي في الدلائل 5/ 140.(10/23)
الأكوع، فقلت: يا أبا مسلم، ما هذه الضربة؟ قال: هذه ضربة أصابتها يوم خيبر، فقال الناس:
أصيب سلمة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فنفث فيها ثلاث نفثات، فما اشتكيتها حتى الساعة [ (1) ] .
وذكر القاضي أن كلثوم بن حصين رمي يوم أحد في نحره فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فبرأ.
وروى البيهقي عن حبيب بن يساف قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهدا فأصابتني ضربة على عاتقي فتعلقت يدي فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فتفل فيها وألزقها فالتأمت وبرأت وقتلت الذي ضربني.
وروى أبو نعيم والبيهقي عن عروة وابن شهاب قالا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين رجلا فأقبل المستنير بن رزام اليهودي فضرب المستنير وجه عبد الله بن أنيس فشجه مأمومة، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق في شجته، فلم يؤذه حتى مات.
وروى الحاكم وأبو نعيم وابن عساكر عن عائذ بن عمرو رضي الله عنه قال: أصابتني رمية يوم حنين في وجهي فسال الدم على وجهي وصدري فتناول النبي صلى الله عليه وسلم الدم بيده عن وجهي وصدري إلى ثندوتي ثم دعا لي قال: جئت مع والد عبد الله فرأيت أثر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منتهى ما مسح صدره فإذا غرة سائلة كغرة الفرس.
وروى عبد الرزاق وابن عساكر عن عبد الرحمن بن أزهر رضي الله عنه قال: كان خالد بن الوليد خرج يوم حنين، وكان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما هزم الله الكفار ورجع المسلمون إلى رحالهم يمشي في المسلمين، ويقول: «من يدلني على رحل خالد بن الوليد»
فسعيت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا غلام محتلم أقول: من يدل على رحل خالد بن الوليد، حتى دللنا عليه فإذا خالد مستند إلى مؤخرة رحله، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى جرحه فتفل فيه.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
الشجة: [ ... ] .
منفكة: الشجة التي تخرج منها كسر العظام.
مأمومة: الشجة التي تصيب أم الرأس.
النفث: شبيه بالنفخ وهو أقل من التّفل.
__________
[ (1) ] البخاري 7/ 475 (4206) .(10/24)
الباب الثامن في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إذهاب التعب وحصول القوة في الرمي
روى الإمام أحمد وابن سعد والبيهقي عن سفينة أنه قيل له ما اسمك؟ قال: سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة قيل: ولم؟ قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه فثقل عليهم متاعهم فحملوه على ظهري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احمل، فإنما أنت سفينة» ، فلو حملت يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة ما ثقل علي [ (1) ] .
وروى البيهقي عن سلمة بن الأكوع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على الناس ينتضلون فقال: «ما أحسن هذا اللهو! ارموا وأنا معكم جميعا» ، فلقد رموا عامة يومهم ذلك ثم تفرقوا على السواء ما نضل بعضهم بعضا [ (2) ] .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
وقر بعير: الوقر الحمل الثقيل.
ينتضلون: يرتمون بالسهام للسبق.
الباب التاسع في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إذهاب النسيان وحصول العلم والفهم وإذهاب البذاء وحصول الحياء
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: «من يبسط ثوبه حتى أفرغ فيه من حديثي ثم يقبضه إليه؟» فبسطت ثوبي ثم حدثنا فقبضته إليّ، فو الله ما نسيت شيئا سمعته منه [ (3) ] .
وروى الحارث عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: كنت أنسى القرآن، فقلت: يا رسول الله، إني أنسى القرآن، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدري ثم قال: «اخرج، يا شيطان، من صدر عثمان» ، فما نسيت شيئا بعد أريد حفظه [ (4) ] .
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، إني أسمع منك حديثا
__________
[ (1) ] أحمد 5/ 221 أخرجه الطبراني في الكبير 7/ 97 وأبو نعيم في الحلية 1/ 369 والحاكم 3/ 606.
[ (2) ] أخرجه البيهقي 10/ 17.
[ (3) ] البخاري 9/ 133 أخرجه مسلم في فضائل الصحابة (159) وأحمد 2/ 274 والبيهقي في الدلائل 6/ 201.
[ (4) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 308.(10/25)
كثيرا فأنساه، قال: «ابسط رداءك» ، فبسطت، فغرف بيده فيه، ثم قال: «ضمه» فضممته فما نسيت حديثا بعده [ (1) ] .
وروى البيهقي والحاكم وصححه عن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله، تبعثني، وأنا شاب أقضي بينهم، ولا أدري ما القضاء؟ فضرب بيده في صدري وقال: «اللهم اهد قلبه، وثبّت لسانه» فو الذي فلق الحبة، ما شككت في قضاء بين اثنين [ (2) ] .
وروى الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: كانت امرأة ترافث الرجال، وكانت بذيئة فمرت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل ثريدا فطلبت منه فناولها، فقالت: أطعمني مما في فيك، فأعطاها، فأكلت، فعلاها الحياء، فلم ترافث أحدا حتى ماتت.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
الرفث: التصريح بالكلام القبيح.
الحياء [ ... ] .
الباب العاشر في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إبراء الجنون
روى أبو نعيم عن الوازع أنه انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن له مجنون، فمسح وجهه ودعا له فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم أعقل منه.
وروى الشيخان عن جابر رضي الله عنه قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني سلمة، فوجدني لا أعقل، فدعا بماء فتوضأ فرش منه علي فأفقت.
وروى الدارمي والطبراني عن ابن عباس أن امرأة جاءت بابن لها، فقالت: يا رسول الله، إن بابني هذا جنونا، وإنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا فيفسد علينا، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا له، فثغ ثغة فخرج من جوفه مثل الجرو الأسود فشفي [ (3) ] .
وروى البيهقي بسند جيد عن محمد بن سيرين مرسلا أن امرأة جاءت بابن لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: هذا ابني، وقد أتى عليه كذا وكذا، وهو كما ترى، فادع الله تعالى أن
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 41، 4/ 253 والترمذي (3835) وابن سعد 2/ 2/ 118، 4/ 2/ 56.
[ (2) ] أخرجه ابن ماجة (2310) وابن أبي شيبة 10/ 176 وابن سعد 2/ 2/ 100 والبيهقي في الدلائل 5/ 397 والخطيب في التاريخ 12/ 444 وانظر نصب الراية 4/ 61.
[ (3) ] أخرجه أحمد 1/ 254، 268 والدارمي 1/ 11- 12.(10/26)
يميته، قال: «أدعو الله تعالى أن يشفيه ويشب ويكون رجلا صالحا فيقاتل في سبيل الله، فيقتل فيدخل الجنة» ، فدعا الله تعالى فشفاه الله تعالى، وشب وكان رجلا صالحا فقاتل في سبيل الله فقتل [ (1) ] .
وروى البزار بسند حسن عن الوازع أنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه:
فقال الوازع: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي جئت بابن أخ لي مصابا لتدعو الله تعالى له وهو في الركاب قال: «فائت به» ، فأتيته فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينظر نظر المجنون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعل ظهره من قبلي» ، فأقمته فجعلت ظهره من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه من قبلي، فأخذه ثم جره بجامع ثيابه، فرفع يده حتى رأيت بياض إبطه، ثم ضرب بيديه ظهره، وقال: «اخرج عدو الله» ، فالتفت، وهو ينظر نظر الصحيح، فأقعده بين يديه، ودعا له ومسح وجهه، وقال: فلم تزل تلك المسحة في وجهه، وهو شيخ كبير، وكان وجهه وجها عذرا شبابا وما كان في القوم رجل يفضل عليه بعد دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورواه الإمام أحمد والطبراني بلفظ: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركب ومعنا رجل مصاب، فقلت: يا رسول الله، إن معي رجلا مصابا، فادع الله له، فقال: «ائتني به» ، فأتيته به، فأخذ طائفة من ردائه فرفعها حتى رأيت بياض إبطه، ثم ضرب ظهره وقال: «اخرج عدو الله» ، فأقبل ينظر نظر الصحيح ليس بنظره الأول، ثم أقعده بين يديه فدعا له ومسح وجهه، فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضل عليه [ (2) ] .
وروى الحاكم عن أبي بن كعب، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: يا نبي الله، إن لي أخا أصابه وجع، قال: «وما وجعه؟» قال: به لمم. قال: «فأتني به» فأتاه به فوضعه بين يديه [فعوذه النبي صلى الله عليه وسلم بفاتحة الكتاب، وأربع آيات من آخر سورة البقرة وهاتين الآيتين: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ [البقرة 163] ، وآية الكرسي وآية من آل عمران: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ... [آل عمران 18] وآية من الأعراف: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [الأعراف 54] وآخر سورة المؤمنين: فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ [المؤمنون 116] ، وآية من سورة الجن: وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً [الجن 3] ، وعشر آيات من أول الصافات وثلاث آيات من آخر سورة الحشر وقل هو الله أحد والمعوذتين فقام الرجل كأنه لم يشك شيئا قط] .
وروى أبو نعيم وابن عساكر عن غيلان بن سلمة الثقفي، قال: خرجنا مع
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 6/ 182.
[ (2) ] انظر المجمع 8/ 6 والدلائل للبيهقي 6/ 21، 22.(10/27)
رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلنا منزلا، فأقبلت امرأة بابن لها، فقالت: يا نبي الله ما كان في الحي غلام أحب إلي من ابني هذا، فأصابته الموتة، فأنا أتمنى موته، فادع الله له، فأدنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلام منه، ثم قال: «باسم الله، أنا رسول الله، اخرج عدو الله» ، ثلاثا، ثم قال: «اذهبي بابنك لن تري بأسا إن شاء الله» ، ثم رجعنا، فجاءت أم الغلام، فقالت: والذي بعثك بالحق ما زال من أعقل غلمان الحي.
وروى أحمد بن منيع عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة جاءت بولدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابني هذا به جنون، وإنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا فيفسد علينا قال: فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا له فثغ ثغة فخرج من فيه. وفي لفظ: من منخره مثل الجرو الأسود فشفي.
وروى الإمام أحمد وابن أبي شيبة وأبو نعيم عن أم جندب قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من جمرة العقبة جاءته امرأة ومعها ابن لها به مس قالت: يا نبي الله، هذا به بلاء لا يتكلم، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت بتور من حجارة فيه ماء فأخذه فمج فيه، ودعا فيه وأعاده فيه ثم أمرها، فقال: «اسقيه واغسليه فيه» قال: فتبعتها، فقلت: صبي لي من هذا الماء، قالت: خذي منه، فأخذت منه جفنة فسقيته ابني عبد الله فعاش فكان من بره ما شاء الله أن يكون، ولقيت المرأة فزعمت أن ابنها برئ وعقل عقلا ليس كعقول الناس [ (1) ] .
وروى إسحاق بن راهويه وابن أبي شيبة عن جابر رضي الله عنه أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فإذا نحن بامرأة قد عرضت لرسول الله صلى الله عليه وسلم معها صبي تحمله، فقالت: يا رسول الله، إن ابني هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرات لا يدعه فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناوله فجعله بينه وبين مقدمة الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اخسأ عدو الله أنا رسول الله» ثلاثا ثم ناولها إياه فلما رجعنا عرضت لنا المرأة كبشان تقودهما، والصبي تحمله فقالت: يا رسول الله، اقبل مني هذين، فو الذي بعثك بالحق، ما عاد إليه بعد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذوا أحدهما» [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد وابن سعد والحاكم وصححه عن يعلى بن مرة قال: سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فرأيت منه شيئا عجبا فذكر الحديث، وفيه: فأتته امرأة فقالت: يا نبي الله إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين يأخذه في كل يوم مرتين فقال: «أدنيه» ، فتفل في فيه وقال: «اخرج عدو الله، أنا رسول الله» ، ثم قال لها: «إذا رجعنا فأعلمينا ما صنع» فلما
__________
[ (1) ] البيهقي في الدلائل 5/ 444.
[ (2) ] أخرجه الدارمي 1/ 10 وابن عبد البر في التمهيد 1/ 223.(10/28)
رجعنا استقبلتنا، فقالت: والذي أكرمك ما رأينا به شيئا منذ فارقتنا [ (1) ] .
ورواه إبراهيم الحربي بلفظ، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فتلقته امرأة، معها صبي قد عرض به جنون ففتح فاه، فبزق فيه فبرأ.
وعن طاوس مرسلا قال: لم يؤت النبي صلى الله عليه وسلم بأحد به مس، فصك في صدره إلا ذهب.
ورواه الحافظ إبراهيم الحربي في غريبه وقال: المس: الجنون.
وروى أبو يعلى وأبو نعيم بسند جيد عن أسامة بن زيد قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحجة التي حجها حتى إذا كان ببطن الروحاء نظر إلى امرأة تؤمه، فحبس راحلته فلما دنت منه، قالت: يا رسول الله، هذا ابني ما أفاق من يوم ولادته إلى يومي هذا، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه فيما بين صدره وواسطة الرحل ثم تفل فيه وقال: «اخرج يا عدو الله» ، فأتى رسول الله ثم ناولها إياه، وقال: «خذيه، فلا بأس به» ، قال أسامة: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجته وانصرف حتى إذا نزل ببطن الروحاء، أتت تلك المرأة بشاة، قد شوتها فقالت: أنا أم الصبي، قال: «وكيف هو؟» قالت: ما رأيت منه شيء بعد، قال: «خذ منها الشاة» [ (2) ] .
والأحاديث في ذلك كثيرة وفيما ذكر كفاية.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
بطن الروحاء: الروحاء من الفرع، على نحو أربعين ميلا من المدينة وفي صحيح مسلم على ستة وثلاثين ميلا.
__________
[ (1) ] الدلائل للبيهقي 6/ 61.
[ (2) ] البيهقي في الدلائل 6/ 25.(10/29)
الباب الحادي عشر في إبراء أمراض شتى
روى أبو نعيم والبيهقي عن رفاعة بن رافع قال: أخذت شحمة فازدردتها، فاشتكيت منها سنة ثم إني ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بطني فألقيتها خضراء، فو الذي بعثه بالحق، ما اشتكيت بطني حتى الساعة، ورواه الطبراني برجال وثقوا إلا أبا أمية الأنصاري فسموا رجاله عن رافع بن خديج.
وروى الطبراني عن جرهد بن خويلد أنه أكل بيده الشمال، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«كل باليمين» ، فقال: إنها مصابة، فنفث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فما اشتكى حتى مات [ (1) ] .
وروى الحاكم وصححه عن علي قال: أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شاك، فقال:
«اللهم اشفه» أو قال: «عافه» ، فما اشتكيت وجعي ذلك بعد [ (2) ] .
وروى الشيخان عن جابر قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة فوجدني لا أعقل فدعا بماء فتوضأ فرش منه علي فأفقت.
__________
[ (1) ] الطبراني في الكبير 2/ 306 وانظر الكنز (35373) .
[ (2) ] أخرجه الحاكم 2/ 620 وأحمد 1/ 84، 128 والبيهقي في الدلائل 6/ 179 وأبو نعيم في الدلائل (161) .(10/30)
جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم وأثر يده الشريفة وريقه الطيب غير ما تقدم
الباب الأول في بركة يده صلى الله عليه وسلم في شاة أبي قرصافة
روى الطبراني برجال ثقات عن أبي قرصافة رضي الله تعالى عنه قال: كان بدء إسلامي أني كنت يتيما بين أمي وخالتي وكان أكثر يلي لخالتي، وكنت أرعى شويهات لي وكانت خالتي كثيرا ما تقول لي: يا بني، لا تمر على هذا الرجل فيغويك ويضلك فكنت أخرج حتى آتي المرعى، وأترك شويهاتي وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسمع منه ثم أروح غنمي ضمرا يابسات الضروع فقالت لي خالتي: ما لغنمك يابسات الضروع؟ قلت: لا أدري، ثم عدت إليه اليوم الثاني، ففعل كما فعل اليوم الأول، ثم إني رحت بغنمي كما رحت في اليوم الأول، ثم عدت إليه في اليوم الثالث، فلم أزل عنده أسمع منه حتى أسلمت وبايعته وصافحته، وشكوت إليه أمر خالتي، وأمر غنمي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جئني بالشياة» فجئته بهن، فمسح ظهورهن وضروعهن ودعا فيهن بالبركة، فامتلأت لحما ولبنا، فلما دخلت على خالتي بهن قالت: يا بني هكذا فارع، قلت: يا خالة، ما رعيت إلا حيث أرعى كل يوم ولكن أخبرك بقصتي، وأخبرتها بالقصة، وإتياني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرتها بسيرته وبكلامه، فقالت أمي وخالتي: اذهب بنا إليه فذهبت أنا وأمي وخالتي فأسلمنا، وبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصافحهن [ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 3/ 1 وأبو نعيم في الدلائل 162 وانظر الكنز (37578) .(10/31)
الباب الثاني في بركة يده الشريفة صلى الله عليه وسلم في نبات الشعر والشعر الذي لم ينبت
روى البيهقي عن أبي الطفيل أن رجلا ولد له غلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى به فدعا له بالبركة، وأخذ بجبهته، فنبت شعره في جبهته كأنها هلبة فرس، فشب الغلام، فلما كان زمن الخوارج أجابهم فأخذه أبوه فأوثقه وحبسه، فسقطت تلك الشعرة فشق عليه سقوطها، فقيل له: هذا مما هممت به، ألم تر بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعت، فلم نزل به حتى تاب، فرد الله تعالى عليه الشعرة بعد في وجهه، قال أبو الفضل: فرأيتها بعد ما نبتت قد سقطت ثم رأيتها قد نبتت.
قال الحافظ محمد بن سعد في طبقاته الهلب بن يزيد بن عدي وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقرع فنبت شعره فسمي الهلب [ (1) ] .
وروى الطبراني بسند جيد عن أبي عطية البكري، قال: انطلق بي أهلي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شاب فمسح رأسي، قال: فرأيت أبا عطية أسود الرأس واللحية وكانت قد أتت عليه مائة سنة [ (2) ] .
وروى الطبراني بسند حسن عن عبد الله بن هلال الأنصاري قال: ذهب بي أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ادع الله له فما أنسى. وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي حتى وجدت بردها فدعا لي، وبارك علي، فرأيته أبيض الرأس واللحية ما يستطيع أن يفرق رأسه من الكبر، وكان يصوم النهار ويقوم الليل [ (3) ] .
وروى البغوي في معجمه والبيهقي عن أبي الوضاح بن سلمة الجهني عن أبيه عن عمرو بن تغلب، والطبراني عن عمرو بن ثعلبة الجهني رضي الله عنه قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسالة فأسلمت فمسح رأسي، قال الراوي: فأتت على عمرو مائة سنة، وما شاب موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم من رأسه.
وروى ابن سعد والبيهقي والطبراني في الثلاثة إلا أنه قال في الكبير: كان وسط رأس السائب أسود، وبقيته أبيض، وذكر الحديث عن عطاء مولى السائب بن يزيد رحمه الله تعالى
__________
[ (1) ] انظر الطبقات (6/ 106) .
[ (2) ] انظر المجمع (9/ 401) .
[ (3) ] انظر المجمع (9/ 402) .(10/32)
قال: رأيت السائب لحيته بيضاء، ورأسه أسود فقلت: يا مولاي، ما لرأسك لا تبيض؟ فقال: لا تبيض رأسي أبدا!، وذلك
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مضى وأنا غلام ألعب مع الغلمان، فسلم عليهم وأنا فيهم، فرددت عليه السلام، من بين الغلمان، فدعاني، فقال: «ما اسمك؟» فقلت: السائب بن يزيد بن أخت النمر فوضع يده على رأسي، وقال: «بارك الله فيك» ، فلا يبيض موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ (1) ] .
وروى البخاري في التاريخ وابن سعد والبيهقي عن آمنة بنت أبي الشعثاء وقطبة كلاهما عن مدلوك أبي سفيان قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع موالي فأسلمت فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي قال: فرأينا مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم من رأسه أسود وقد شاب ما سوى ذلك.
وروى البخاري في تاريخه والبيهقي عن يونس بن محمد بن أنس الظفري عن أبيه قال:
قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن أسبوعين، فأتي بي فمسح رأسي، ودعا لي بالبركة وحج حجة الوداع، وأنا ابن عشرين سنة.
قال يونس: ولقد عمر أبي حتى شاب كل شيء منه، وما شاب موضع يد النبي صلى الله عليه وسلم من رأسه، ولا من لحيته.
وروى الزبير بن بكار عن محمد عبد الرحمن بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأس عبادة بن سعد بن عثمان الزرقي، ودعا له، فمات وهو ابن ثمانين سنة، وما شاب.
وروى ابن عساكر وإسحاق بن إبراهيم الرملي وأبو يعلى في فوائده عن بشير بن عقربة الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه، فكان أثر يده من رأسه أسود، وسائره أبيض.
وروى الترمذي وحسنه والبيهقي وصححه عن أبي زيد الأنصاري قال: مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رأسي وقال: «اللهم جمله وأدم جماله» قال: فبلغ بضعا ومائة سنة وما في لحيته بياض، ولقد كان منبسط الوجه، ولم ينقبض وجهه حتى مات [ (2) ] .
وروى البيهقي عن أنس أن يهوديا أخذ من لحية النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم جمله» فاسودت لحيته بعد ما كانت بيضاء [ (3) ] .
وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن قتادة، قال: حلب يهودي للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة، فقال:
__________
[ (1) ] انظر المجمع 2/ 181، 5/ 32، 106، 7/ 194، 8/ 32، 47، 50.
[ (2) ] أخرجه أحمد 5/ 77، 340 وعبد الرزاق (19462) وابن حبان ذكره الهيثمي (2273) والبيهقي في الدلائل 6/ 210 وما بعدها.
[ (3) ] انظر الدلائل المصدر السابق.(10/33)
«اللهم جمله» فاسود شعره، حتى صار اشد سوادا من كذا وكذا، قال معمر: وسمعت قتادة يذكر أنه عاش تسعين سنة فلم يشب [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد عن الذيال بن عبيد أنه سمع جده حنظلة بن جذيم بن حنيفة التميمي أن أباه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي بنين ذوي لحى وإن هذا أصغرهم، فادع الله له، فمسح رأسه، وقال: «بارك الله فيك» أو قال: «بورك فيك» ، قال الذيال:
(فلقد رأيت حنظلة) يؤتى بالإنسان الوارم وجهه فيتفل على يديه ويقول: باسم الله، ويضع يده على رأسه موضع كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يمسح موضع الورم، فيذهب الورم [ (2) ] .
رواه الإمام احمد وابن سعد والحسن ويعقوب بن سفيان وأبو يعلى وصححه والضياء في المختارة عن حنظلة برجال ثقات.
__________
[ (1) ] المصنف (19462) .
[ (2) ] البيهقي في الدلائل 6/ 214.(10/34)
الباب الثالث في بركة يده الشريفة صلى الله عليه وسلم في مسحه وجه بعض أصحابه
روى ابن سعد وابن شاهين وعبد الله بن عامر البكائي عن أبيه، والبخاري في تاريخه، وأبو نعيم وأبو القاسم البغوي في معجمه من طريق الجعد عن صاعد بن العلاء بن بشر عن أبيه عن جده بشر بن معاوية بن ثور أنه وفد من بني البكاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر، معاوية بن ثور، وابنه بشر، والفجيع بن عبد الله، ومعهم عبد عمرو البكائي فقال معاوية: يا رسول الله، إني أتبرك بمسك فامسح وجه ابني بشر، فمسح وجهه، ودعا له، فكانت في وجهه مسحة النبي صلى الله عليه وسلم كالغرة، وكان لا يمسح شيئا إلا برأ وأعطاه أعنزا عفرا قال الجعد: فالسنة ربما أصابت بني البكاء ولا تصيبهم.
قال محمد بن بشر بن معاوية:
وأبي الذي مسح الرسول برأسه ... ودعا له بالخير والبركات
أعطاه أحمد إذ أتاه أعنزا ... عفرا نواجل ليس باللجبات
يملأن وفد الحي كل عشية ... ويعود ذاك الملء بالغدوات
بورك في منح وبورك مانحا ... وعليه مني ما حييت صلاتي
وروى ابن سعد عن محمد بن صالح عن أبي وجزة السعدي قال: قدم وفد محارب سنة عشر في حجة الوداع وهم عشرة نفر منهم سواء بن الحارث، وابنه خزيمة، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه خزيمة، فصارت له غرة بيضاء، وروى ابن شاهين عن خزيمة بن عاصم البكائي أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه فما زال جديدا حتى مات.
وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن أبي العلاء بن عمير قال: كنت عند قتادة بن ملحان حيث حضر فمر رجل من أقصى الدار فأبصرته في وجه قتادة، قال: وكنت إذا رأيته كأن على وجهه الدهان، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح وجهه [ (1) ] .
وروى الطبراني عن عائذ بن عمرو رضي الله عنه قال: أصابتني رمية- وأنا أقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر- في وجهي، فلما سالت الدماء على وجهي وجبيني وصدري، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فسلت الدم عن وجهي وصدري إلى ثندوتي ثم دعا لي.
قال حشرج: فكان عائذ يخبرنا بذلك حياته، فلما هلك وغسلناه نظرنا إلى ما كان
__________
[ (1) ] أحمد (5/ 28) .(10/35)
يصف لنا من أثر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم التي مسها ما كان يقول لنا من صدره، فإذا غرة سائلة كغرة الفرس [ (1) ] .
وروى البيهقي عن أبي العلاء قال: عدت قتادة بن ملحان في مرضه، فمر رجل في مؤخرة الدار، فرأيته في وجه قتادة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح وجهه، وكنت فلمّا رأيته إلا رأيت كأن على وجهه الدهان.
وروى المدائني عن خاله أن أسيد بن أبي إياس رضي الله عنه مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه وألقى يده على صدره فكان أسيد يدخل البيت المظلم فيضيء.
وروى الطبراني بسند جيد عن أم عاصم امرأة عتبة بن فرقد قالت: كنا عند عتبة أربع نسوة ما منا امرأة إلا وهي تجتهد في الطيب، لتكون أطيب من صاحبتها، وما يمس عتبة الطيب، وهو أطيب منا، وكان إذا خرج إلى الناس قال: ما شممنا ريحا أطيب من ريح عتبة، فقلنا له في ذلك، فقال: أخذني السرى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكوت ذلك إليه فأمرني أن أتجرد من أثوابي فتجردت، وقعدت بين يديه، وألقيت ثوبي على فرجي فنفث في يده، ثم وضع يده على ظهري وبطني فعلق هذا الطيب من يومئذ [ (2) ] .
وروى البيهقي وابن عساكر عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: كنت أصافح النبي صلى الله عليه وسلم أو يمس جلدي جلده فأعرف في يدي بعد ثالثة أصيب من ريح المسك.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
الغرة: بياض في جبهة الفرس.
الثندوة: رأس الثدي.
__________
[ (1) ] مجمع (9/ 415) .
[ (2) ] مجمع (8/ 285) .(10/36)
الباب الرابع في تبرك أصحابه رضي الله تعالى عنهم بكل شيء منه صلى الله عليه وسلم أو اتصل به ومحافظتهم على ذلك كله واغتباطهم به وتعظيمهم له صلى الله عليه وسلم
روى الشيخان والبرقاني وأبو سعيد بن الأعرابي رضي الله عنه عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة فأتي بوضوء فتوضأ، فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به.
وروى البخاري تعليقا وأسنده الإسماعيلي عن أبي موسى رضي الله عنه قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجعرانة فذكر حديثا وفيه ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه ومج فيه، ثم قال لهما: «اشربا منه، وافرغا على وجوهكما ونحوركما ... » [ (1) ]
الحديث.
وروى البخاري تعليقا وأسنده الإسماعيلي عن عروة عن مروان والمسور بن مخرمة يصدق كل واحد منهما صاحبه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه.
وروى البخاري وغيره عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت، ولا يريد قتالا، فذكر الحديث، وفيه: أن قريشا بعثت إليه عروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه فجعل عروة يرمق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينيه قال: فو الله ما نخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، ما يحدون النظر إليه تعظيما له، فرجع إلى أصحابه، وقد رأى ما يصنع برسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إلى قريش فقال: يا معشر قريش، إني جئت كسرى في ملكه، وجئت قيصر والنجاشي في ملكهما، فو الله ما رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا [ (1) ] والله إن يتنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وكفه، وإن أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيما له ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا، فروا رأيكم فيه [ (2) ] .
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 59، 5/ 199 والبداية والنهاية 4/ 360.
[ (2) ] أخرجه البخاري (5/ 389) (2731) .(10/37)
صلى الغداة جاء خدم أهل المدينة بآنيتهم فيها الماء فلم يؤت بإناء إلا غمس يده فيه فربما في الغداة جاءوا الباردة فيغمس يده فيها.
وروى أبو القاسم البغوي أن أبا محذورة كانت له قصة في مقدم رأسه يرسلها فتبلغ الأرض إذا جلس فقلنا له: ألا تحلقها؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح عليها بيده، فلم أكن لأحلقها حتى أموت، فما حلقها حتى مات.
وروى أبو سعيد بن الأعرابي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنت يوما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بتمر يفرقه علينا وكنا ندنيه منه ليمسه لما نرجو من بركة يده، فإذا رآه قد اجتمع فرقه بيننا.
وروى البخاري عن عروة عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وقع فمسح رأسي، ودعا لي بالبركة ثم توضأ فشربت من وضوئه ... الحديث.
وروى البخاري عن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما قال: فو الله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه.
وروى الطبراني عن الأسلع بن شريك قال: كنت أرحل ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابتني جنابة في ليلة باردة وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحلة، وكرهت أن أرحل ناقته، وأنا جنب وخشيت أن أغتسل بالماء البارد، فأمرض، فأموت فأمرت رجلا من الأنصار فرحلها ووضعت أحجارا فأسخنت بها ماء فاغتسلت ثم لحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال لي: «يا أسلع مالي أرى راحلتك قد تغيرت؟» فقلت: يا رسول الله، لم أرحلها، رحلها رجل من الأنصار [ (1) ] .
وروى أبو نعيم عن أم إسحاق قالت: هاجرت مع أخي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي:
نسيت نفقتي بمكة، فرجع ليأخذها فقتله زوجي، فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له:
أخي قتل، فأخذ كفا من ماء فنفخه في وجهي، فكانت تصيبها المصيبة، فترى الدموع في عينيها ولا تسيل على خدها.
وروى عبد الرزاق عن الزهري، قال: حدثني من لا أتهم من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أو تنخم ابتدروا نخامته، فمسحوا بها وجوههم وجلودهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لم تفعلون هذا؟» فقالوا: نلتمس البركة [ (2) ] .
__________
[ (1) ] الطبراني في الكبير 1/ 277 وانظر المجمع 1/ 261.
[ (2) ] انظر جمع الجوامع 2/ 713.(10/38)
وروى ابن عدي عن أبي العشراء عن أبيه قال: لما مرض أبي أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرنه إلى قدمه ثلاث مرات بريقه إلى جسده.
وروى أبو نعيم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كحل علي ببزاقه.
وروى عبد الله ابن الإمام أحمد عن العطاف بن خالد بن أمية أن زينب بنت أبي سلمة دخلت. وهي صغيرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغتسله فنضح في وجهها الماء وقال:
«ارجعي» ، قال عطاف: قالت أمي: ورأيت زينب وهي عجوز كبيرة ما نقص من وجهها شيء.
وروى أبو الحسن بن الضحاك وأبو يعلى بسند صحيح عن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال: اعتمرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلق شعره فاستبق الناس إلى شعره، فسبقت إلى الناصية فأخذتها فاتخذت قلنسوة فجعلتها في مقدمة القلنسوة فما وجهت في وجه إلا فتح لي.
وروى أبو علي بن السكن ثنا عبد الملك بن عبد الرحمن أنبأنا محمد بن إسماعيل أنبأنا إبراهيم بن المنذر ثنا عياش بن أبي شملة عن موسى بن يعقوب عن مصعب بن الأسقع عن رشح بن عبد الله بن إسماعيل عن أبي سعيد أن أباه مالك بن سنان لما أصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه يوم أحد مص دم رسول الله صلى الله عليه وسلم وازدرده فقال له: «أتشرب الدم؟» قال: أشرب دم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من خالط دمي دمه لا يضره الله» [ (1) ] .
وروى أبو القاسم البغوي ثنا صلت بن مسعود حدثنا موسى بن محمد بن علي الأنصاري حدثني أبي حدثتني أمي أم سعد بنت مسعود بن حمزة بن أبي سعيد الخدري أنها سمعت أم عبد الرحمن ابنة أبي سعيد تحدث عن أبيها وقال في آخره، وقال: من أحب أن يخالط ينظر إلى من خالط دمي دمه فلينظر إلى مالك بن سنان.
وقال البزار أنبأنا إسحاق أنبأنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك قال حدثنا إبراهيم بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده سفينة قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «وغيب عني الدم» ، فذهبت فشربته، ثم جئته فقال: «ما صنعت؟» قلت: غيبته، قال: «أشربته؟» قلت: نعم [ (2) ] .
رواه بقي بن مخلد عبد الله بن عمر الخطابي عن ابن فديك قال: حدثتني برثة بنت عمير بن سفينة عن أبيه عن جده، قال: حجم رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاما فأمر أن يواري الدم من الطير والدواب فذهبت فشربته ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فضحك ولم يقل لي شيئا.
__________
[ (1) ] انظر المجمع (8/ 273) .
[ (2) ] انظر المجمع (8/ 273) .(10/39)
وقال أبو القاسم البغوي أنبأنا ابن حميد الداري حدثنا مجاهد ثنا رباح النوني وأبو محمد مولى آل الزبير، قال: سمعت أسماء بنت أبي بكر تقول للحجاج: إن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم، فدفع دمه إلى ابني فشربه فأتاه جبريل فأخبره فقال: «ما صنعت؟» قال: كرهت أن أصب دمك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تمسك النار» ، ومسح على رأسه، وقال: «ويل للناس منك، وويل لك من الناس» [ (1) ] .
وروى أبو يعلى عن عمرو بن حريث رضي الله عنه قال: ذهبت بي أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح برأسي ودعا لي بالرزق.
وروى أبو يعلى والبزار بإسناد حسنه الأبو صيري في التحفة عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم، فلما فرغ قال: «يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراه أحد فلما برزت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمدت إلى الدم فحسوته فلما رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما صنعت يا عبد الله؟» قال: جعلته في مكان ظننت أنه خاف عن الناس، قال: «فلعلك شربته؟» قال: نعم قال: «ومن أمرك أن تشرب الدم ويل لك من الناس وويل للناس منك» .
قال أبو سلمة فحدثت أبا عاصم بهذا الحديث فقال: كانوا يرون أن القول ألقى به من ذلك اليوم [ (2) ] .
وروى أبو يعلى عن سفينة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم ثم قال: «خذ هذا الدم فادفنه من الدواب والناس» قال: فذهبت فتغيبت فقال لي: «ما صنعت؟» ، قلت: شربته، فتبسم، في سنده مجهول [ (3) ] .
وروى أبو يعلى عن أم أيمن رضي الله عنها قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فخارة في جانب البيت، فبال فيها فقمت من الليل، وأنا عطشانة فشربت ما فيها وأنا لا أشعر، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا أم أيمن قومي فأهريقي ما في تلك الفخارة» قالت: قد والله شربت ما فيها فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال: «أما إنك لن تشتكي بطنك بعد يومك» [ (4) ] .
__________
[ (1) ] انظر كنز العمال 37234 والدارقطني 1/ 228 وانظر الشفاء 1/ 659 وابن عساكر كما في التهذيب 7/ 401.
[ (2) ] انظر المجمع 8/ 270 والحاكم 3/ 554 والكنز (37226) .
[ (3) ] البيهقي 7/ 67 والطبراني في الكبير 7/ 95 والبخاري في التاريخ 4/ 29 وابن حجر في المطالب (3848) وانظر المجمع 8/ 270.
[ (4) ] ابن كثير في البداية 5/ 326 انظر المجمع (8/ 274) .(10/40)
الباب الخامس في بركة ريقه الطيب صلى الله عليه وسلم
روى الطبراني عن أبي عقيل الديلي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمنت به، وصدقت وسقاني رسول الله صلى الله عليه وسلم- شربة سويق، شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أولها وشربت آخرها فما زلت أجد بلتها على فؤادي إذا ظمئت، وبردها إذا أضحيت [ (1) ] رواه قاسم بن ثابت في الدلائل عن حنش وهو بفتحتين ثم شين معجمة ابن عقيل بفتح أوله، قال: دعاني النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فأسلمت فسقاني فضلة سويق فما زلت أجد ريها إذا عطشت، وشبعتها إذا جعت.
وروى ابن سعد قال: (أخبرنا) الواقدي حدثني أبي بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي عن أبيه سمعت عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أبو أسيد وأبو حميد وأبو سهل بن سعد يقولون: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بئر بضاعة، فتوضأ في الدلو، ورده في البئر ومج مرة أخرى في الدلو، وبصق فيها وشرب من مائها،
وكان إذا مرض المريض في عهده يقول: «اغسلوه من ماء بضاعة» ، فيغسل، فكأنما حل من عقال [ (2) ] .
وروى الحاكم عن حنظلة بن قيس أن عبد الله بن عامر بن كريز أتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفل عليه وعوده فجعل يتسرع ريق النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إنه ليشفى» وكان لا يعالج أرضا إلا ظهر له فيها الماء ...
وروى الحاكم وصححه وأقره الذهبي عن ثابت بن قيس بن شماس أنه فارق جميلة بنت عبد الله بن أبي وهي حامل بمحمد، فلما ولدته حلفت لا تلبنه من لبنها، فدعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فبزق في فيه، وحنكه بتمرة عجوة، وسماه محمدا، وقال: اختلف به، فإن الله رازقه، فأتيته في اليوم الأول والثاني والثالث، فإذا أنا بامرأة من العرب، تسأل عن ثابت بن قيس ابن شماس فقلت: ما تريدين منه؟ فقالت: رأيت أني أرضع ابنا له، يقال له: محمد، قال: فأنا ثابت، وهذا ابني محمد، قال: وإذا درعها ينعصر من لبنها [ (3) ] .
وروى البيهقي عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق على أثر سهم في وجهه في يوم ذي قرد، قال: فما ضرب علي قط ولا قاح.
__________
[ (1) ] انظر المجمع (9/ 400) .
[ (2) ] ابن سعد 1/ 2/ 185.
[ (3) ] البيهقي في الدلائل 6/ 227.(10/41)
وروى عبد بن حميد عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تفل على رجل زيد بن معاذ حين أصابها السيف أي العلب حين قتل ابن الأشرف فبرأت.
ورواه الواقدي لكن قال: الحارث بن أوس، بدل زيد بن معاذ، وروى ابن عساكر عن بشير بن عقربة، قال: لما قتل أبي يوم أحد، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: «أما ترضى أن أكون أبوك [ (1) ] ، وعائشة أمك» ، فمسح رأسي فكان أثر يده من رأسي أسود وسائره أبيض، وكانت بي رثة فتفل فيها فانحلت [ (2) ] .
وروى الطبراني عن جرهد رضي الله عنه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يديه طعام، (فأدنى) جرهد يده الشمال وكانت يده اليمنى مصابة، فنفث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فما شكا حتى مات.
وروى الحميدي برجال ثقات عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء زمزم، فشرب، ثم توضأ، ثم مجه في الدلو مسكا أو أطيب من المسك، واستنثر خارجا من الدلو.
وروى الطبراني وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا ببعض الطريق سمع صوت الحسن والحسين، وهما يبكيان، فقال لفاطمة: «ما شأن ابني؟» قالت: العطش، فنادى في الناس «هل أحد منكم معه ماء؟» فلم يجد أحد منهم قطرة، فقال: «ناوليني أحدهما» فناولته إياه من تحت الخدر، فأخذه فضمه إلى صدره وهو يضغو لم يسكت، فادلع لسانه فجعل يمصه حتى هدأ، وسكن فلم أسمع له بكاء، والآخر يبكي كما هو ما يسكت، فقال: «ناوليني الآخر» فناولته إياه ففعل به كذلك فسكتا فما سمع لهما صوتا.
والأحاديث في هذا الباب كثيرة وتقدم بعضها.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
مجّ: لفظ.
__________
[ (1) ] على المشهور (أباك) وبعض العرب ترفع بكان الجزءين فجاء على ذلك قول الشافعي:
إذا سبّني نذل تزايدت رفعة ... وما العيب إلّا أن أكون مساببه
ولو لم تكن نفسي عليّ عزيزة ... لمكّنتها من كلّ نذل تحاربه
[ (2) ] البخاري في التاريخ 2/ 78 وانظر الكنز (36862) وابن عساكر كما في التهذيب 3/ 269، 389، 10/ 160.(10/42)
جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في إضاءة العرجون والعصا والأصابع والبرقة
الباب الأول في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إضاءة العرجون وما وقع في ذلك من الآيات
روى الطبراني والإمام أحمد في حديث طويل، والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح، وأبو نعيم بسند صحيح عن قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال: خرجت ليلة من الليالي مظلمة، فقلت: لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت معه الصلاة، وآنسته بنفسي، وفي لفظ:
فقلت: لو أني اغتنمت شهود العتمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلت، فلما دخلت المسجد برقت السماء، فرآني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا قتادة، ما هاج عليك؟» قلت: يا رسول الله، أردت بأبي أنت وأمي أن أؤنسك وفي لفظ: فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عرجون، قال: «خذ هذا العرجون فتحصن به، فإنك إذا خرجت أضاء لك عشرا أمامك، وعشرا خلفك» .
وفي لفظ: فقال: «إن الشيطان قد خلفك في أهلك، فاذهب بهذا العرجون، فاستك به حتى تأتي بيتك، فخذه من زاوية البيت» ، ثم قال لي: «إذا دخلت بيتك مثل الحجر الأخشن في أستار بيتك، فإن ذلك الشيطان» ، قال: فخرجت فأضاء لي العرجون مثل الشمعة فاستضأت به، فأتيت البيت فوجدتهم قد رقدوا، فنظرت في الزاوية، فإذا فيها قنفذ فلم أزل أضربه بالعرجون حتى خرج.
وفي لفظ: ثم ضربت مثل الحجر الأخشن حتى خرج من بيتي.(10/43)
الباب الثاني في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إضاءة العصا
روى الحاكم وأبو نعيم والبيهقي عن أبي عبس بن جبر رضي الله عنه أنه كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات ثم يرجع إلى بني حارثة، فخرج في ليلة مظلمة، فنور له في عصاه حتى دخل على [ (1) ] بني حارثة.
وروى ابن سعد والبيهقي والحاكم وصححه عن أنس رضي الله عنه قال: كان عباد بن بشر وأسيد بن حضير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة حتى ذهب من الليل ساعة، وهي ليلة شديدة الظلمة ثم خرجا، وبيد كل واحد منهما عصا، فأضاءت لهما عصا أحدهما، فمشيا في ضوئها، حتى إذا افترقت بهم الطريق، أضاءت للآخر عصاه حتى بلغ أهله. رواه الشيخ مختصرا.
وروى أبو نعيم من وجه آخر عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وعمر سمرا عند أبي بكر يتحدثان عنده حتى ذهب الليل، ثم خرجا، وخرج أبو بكر معهما جميعا في ليلة مظلمة مع أحدهما عصا، فجعلت تضيء لهما، وعليهما نور حتى بلغوا المنزل.
الباب الثالث في معجزاته صلى الله عليه وسلم في إضاءة الأصابع
روى البخاري في التاريخ والبيهقي وأبو نعيم والطبراني بسند جيد عن حمزة بن عمرو الأسلمي قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فتفرقنا في ليلة مظلمة، فأضاءت أصابعي حتى جمعوا عليها ظهرهم، وما هلك منهم وإن أصابعي لتنير.
الباب الرابع في معجزاته صلى الله عليه وسلم في البرقة التي برقت للحسن والحسين
روى الحاكم وصححه والبيهقي وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، فكان يصلي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه أخذهما فوضعهما وضعا رقيقا، فإذا عاد عادا، فلما صلى جعل واحدا هاهنا وواحدا هاهنا فجئت فقلت: يا رسول الله، ألا أذهب بهما إلى أمهما؟ قال: «لا» فبرقت برقة، فقال: «الحقا بأمكما» ، فما زالا يمشيان في ضوئها حتى دخلا.
__________
[ (1) ] سقط في ب.(10/44)
جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في رؤية بعض أصحابه الملائكة والجن وسماع كلامهما
الباب الأول في معجزاته صلى الله عليه وسلم في رؤية بعض أصحابه الملائكة وسماع كلامهم إكراما له صلى الله عليه وسلم
روى مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت الملائكة تسلم علي فلما اكتويت، انقطع عني فتركت الكي، فعادوا يسلمون، وكان يراهم عيانا.
وروى الشيخان من طريق أبي عثمان النهدي قال: نبئت أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة، فجعل يتحدث، ثم قام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من هذا؟» قالت: هذا دحية الكلبي، قالت: ما حسبته إلا إياه حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يخبر جبريل قلت لأبي عثمان: ممن سمعت هذا؟ قال: من أسامة.
وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوما بارزا للناس، فأتاه رجل، فقال: ما الإيمان؟ قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وبكتابه ورسله، وتؤمن بالبعث» ، قال: ما الإسلام؟ قال: «أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة، وتصوم رمضان» ، قال: ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنّه يراك» ، قال:
متى الساعة؟ قال: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها إذا ولدت المرأة ربتها، وإذا تطاول رعاء الإبل إليهم (في البنيان) في خمس لا يعلمهن إلا الله» ، ثم أدبر فقال:
ردوه فلم يروا شيئا، فقال: «هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم» .
وروى أحمد والطبراني والبيهقي بسند صحيح أن حارثة بن النعمان قال: مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل، فسلمت عليه ومررت، فلما رجعنا وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هل رأيت الذي كان معي؟» قلت: نعم، قال: «فإنه جبريل قد رد عليك السلام» .
وروى أبو موسى المديني في المعرفة عن تميم بن سلمة، قال: بينما أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ انصرف من عنده رجل، فنظرت إليه موليا معتما بعمامة قد أرسلها من ورائه، قلت: يا رسول الله، من هذا؟ قال: «جبريل» .
وروى الإمام أحمد والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت مع أبي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده رجل يناجيه، فكان كالمعرض عن أبي فخرجنا، فقال: أي بني، ألم تر أن ابن عمك كالمعرض عني؟ قلت: نعم، يا أبت! إنه كان عنده رجل يناجيه، فرجع، فقال: يا(10/45)
رسول الله، قلت لعبد الله كذا وكذا فقال: إنه كان عندك رجل يناجيك، هل كان عندك أحد؟
قال: «وهل رأيته، يا عبد الله؟» قلت: نعم، قال: «ذاك جبريل هو الذي كان يشغلني عنك» .
وروى ابن سعد عنه قال: رأيت جبريل مرتين ودعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين.
وروى الحاكم عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لما رأيت جبريل لم يره خلق إلا عمي إلا أن يكون نبيا ولكن أن يجعل ذلك في آخر عمرك» .
وروى البيهقي عنه قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأنصار فلما دنا من منزله سمعته يتكلم في الداخل، فلما دخل لم ير أحدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كنت تكلم؟» قال: يا رسول الله، دخل علي داخل ما رأيت رجلا قط بعدك [ (1) ] أكرم مجلسا ولا أحسن حديثا منه، قال: «ذاك جبريل وإن منكم لرجالا لو أن أحدهم (يقسم) [ (2) ] على الله لأبره» .
وروى الطبراني والبيهقي عن محمد بن مسلمة، قال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واضع خده على خد رجل فلم أسلم ثم رجعت، فقال: «ما منعك أن تسلم؟» قلت: يا رسول الله، رأيتك فعلت بهذا الرجل شيئا ما فعلته بأحد من الناس فكرهت أن أقطع عليك حديثك، فمن كان يا رسول الله؟ قال: «جبريل» .
وروى الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت: «رأيت جبريل واقفا في حجرتي هذه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناجيه، فقلت: يا رسول الله، من هذا؟ قال: «بمن تشبهينه؟» قالت: بدحية، فقال: «لقد رأيت جبريل» ، قالت فما لبثت إلا اليسير حتى قال: «يا عائشة، هذا جبريل يقرئك السلام» ، قلت: وعليه السلام جزاه الله من دخيل خيرا.
وروى ابن أبي الدنيا في كتاب الذكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال أبي بن كعب رضي الله عنه: لأدخلن المسجد ولأحمدن الله بمحامد لم يحمده بها أحد، فلما صلى وجلس ليحمد الله، ويثني عليه إذا هو بصوت عال من خلفه يقول: اللهم لك الحمد كله ولك الأمر كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله علانيته وسره، لك الحمد إنك على كل شيء قدير، اغفر ما مضى من ذنوبي، واعصمني فيما بقي من عمري، وارزقني أعمالا زاكية، ترضى بها عني، وتب علي. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقص عليه، فقال: «ذاك جبريل عليه السلام» .
وروى البيهقي وابن عساكر عن حذيفة بن اليمان، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ
__________
[ (1) ] سقط في ح.
[ (2) ] في ح أقسم.(10/46)