وورد في عدة أحاديث أنه شهدها. والقاعدة أن المثبت مقدم على النّافي.
عقبة بن وهب- ويقال ابن أبي وهب- ابن ربيعة الأسديّ.
عقبة بن وهب بن كلدة بن الجعد ويقال: كلدة بن وهب الغطفاني حليف بني سالم من الأنصار.
عكّاشة- بضم أوله وتشديد الكاف وتخفّف، قال النوويّ: والأول هو الأكثر- ابن محصن- بكسر الميم وفتح الصاد- ابن حرثان- بضم المهملة وسكون الراء بعدها مثلثة- ابن قيس الأسديّ، حليف بني عبد شمس.
علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشيّ الهاشميّ أمير المؤمنين أبو الحسن رضي الله عنه.
عمار بن ياسر بن مالك العنسيّ- بالنون- أبو اليقظان، حليف بني مخزوم.
عمارة بن حزم بن زيد الأنصاري الخزرجيّ.
عمارة بن أبي حسن الأنصاريّ. قال ابن حبان وابن السّكن: شهد بدرا واستدل لذلك بما رواه ابن قانع وابن السّكن من طريق حسين بن عبد الله الهاشميّ، عن عمرو بن يحيى بن عمارة بن حسن عن أبيه، عن جدّه، وكان عقيبا بدريا، ووقع عند البغويّ عن أبيه عن جدّه أبي حسن، فعلى هذا فالضمير في قوله: عن جدّه يعود على يحيى لا على عمرو، فيكون الحديث لأبي حسن، ولا خلاف في شهوده بدرا.
عمارة بن زياد بن السّكن الأنصاريّ الأوسيّ، قال ابن الكلبي: قتل يوم بدر وتعقّب بأنه استشهد بأحد.
عمر بن الخطاب بن نفيل أمير المؤمنين أبو حفص القرشيّ العدويّ رضوان الله عليه.
عمرو- بفتح العين وسكون الميم- ابن أنس الخزرجيّ، ذكره الباروديّ فيهم.
عمرو بن إياس بن تزيد- بالمثناة الفوقية والزاي- حليف الأنصار.
عمرو بن ثعلبة بن وهب الأنصاريّ الخزرجيّ.
عمرو بن الجلاس بن عوف الأنصاريّ الخزرجيّ.
عمرو بن الجموح الأنصاريّ الخزرجيّ.
عمرو- وقيل عمير- ابن الحارث الأنصاري الخزرجي.
عمرو بن الحارث بن زهير ذكره ابن عقبة.
عمرو بن خارجة بن قيس الأنصاريّ الخزرجيّ.(4/112)
عمرو بن أبي زهير بن مالك الأنصاريّ، ذكره ابن عقبة.
عمرو بن سراقة- بضم السين المهملة- ابن العنبر بن أنس القرشيّ العدويّ، ذكره ابن عقبة.
عمرو بن أبي سرح- بمهملات والراء ساكنة- ابن ربيعة بن هلال القرشيّ الفهريّ.
عمرو بن طلق بن زيد بن أميّة الأنصاريّ الخزرجيّ.
عمرو بن عبد عمرو بن نضلة ذو الشّمالين، استشهد يوم بدر.
عمرو- ويقال عمير- ابن عقبة الأنصاري، ذكره المستغفري.
عمرو بن عمير بن عدي بن نابي- بالنون- الأنصاريّ.
عمرو بن عمرو بن ضبّة، ذكره الواقديّ وأبو معشر.
عمرو- ويقال: عمير- مولى سهيل بن عمرو.
عمرو بن عنمة- بمهملة ونون مفتوحتين- ابن عديّ الأنصاريّ.
عمرو بن غزيّة- بغين معجمة مفتوحة فزاي مكسورة فمثناة تحتية مثقّلة- ابن عمرو بن ثعلبة الأنصاريّ.
عمرو بن قيس بن حزن بن عديّ الأنصاريّ الخزرجيّ، ذكره يونس عن ابن إسحاق.
عمرو بن قيس بن خارجة الأنصاري، ذكره أبو عبيدة معمر بن المثنّى.
عمرو بن قيس بن زيد بن سواد بن مالك الأنصاري الخزرجيّ، ذكره الواقديّ وأبو معشر.
عمرو بن مازن الأنصاريّ من بني الخنساء بن مبذول، ذكره يونس عن ابن إسحاق.
عمرو- ويقال عمير- ابن معبد بن الأزعر بن زيد الأنصاري الأوسيّ.
عمرو بن معاذ بن النّعمان الأنصاريّ الأوسيّ أخو سعد.
عمير- بالتصغير- ابن الحارث بن ثعلبة الأنصاريّ الخزرجيّ.
عمير بن حرام- براء- ابن عمرو الأنصاريّ الخزرجيّ، ذكره الواقدي وابن عمارة.
عمير بن الحمام- بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم- ابن الجموح الأنصاريّ الخزرجيّ.
عمير بن عامر بن مالك أبو داود- بتقديم الألف على الواو- المازنيّ.
عمير بن عامر بن نابي أخو عقبة، انفرد بذكره ابن الكلبيّ.
عمير بن عبد عمرو بن نضلة- بالنون والمهملة- الخزاعيّ، كان يعمل بيديه جميعا فقيل له: ذو اليدين. استشهد ببدر.(4/113)
عمير بن عوف مولى سهيل بن عمرو.
عمير بن أبي وقاص القرشيّ الزّهريّ، أخو سعد.
عنترة بن عمرو مولى سليم بن حديدة.
عوف بن أثاثة- بضم الهمزة وثاءين مثلثتين- ابن عباد بن عبد المطلب القرشيّ لقبه مسطح.
عوف بن الحارث الأنصاريّ الخزرجيّ وهو ابن عفراء.
عويم- بصيغة التصغير وليس في آخره راء- ابن ساعدة بن عايش- بالتحتية بلا هاء- الأنصاريّ الأوسيّ.
عويمر- آخره راء- ابن أشقر بن عديّ الأنصاريّ، وقع في بعض طرق حديثة أنه بدريّ.
عياش بن أبي ربيعة عمرو بن المغيرة، ذكر العسكريّ إنه شهد بدرا وغلّطوه.
عياض بن زهير القرشيّ الفهريّ.
حرف الغين المعجمة
غنّام- بتشديد النون- ابن أوس الأنصاريّ الخزرجيّ.
حرف الفاء
الفاكه بن بشر- بكسر الموحدة وإسكان الشين المعجمة، ويقال فيه نسر، بفتح النون وبالسين المهملة، وقيل فيه غير ذلك- ابن الفاكه بن زيد الأنصاري.
فروة بن عمرو بن ودقة- قاله ابن إسحاق بإعجام الذال، وابن هشام بإهمالها، ورجّحه في الروض وفسّر الودقة بالروضة الناعمة- ابن عبيد الأنصاريّ الخزرجيّ.
حرف القاف
قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد- بتخفيف الواو وبالدال المهملة- الأنصاريّ الأوسيّ.
قدامة بن مظعون القرشيّ الجمحيّ.
قطبة بن عامر بن حديدة- بالحاء المهملة- الأنصاريّ الخزرجيّ.
قيس بن البكير- بضم الباء وفتح الكاف- ابن عبد ياليل الليثي، ذكره ابن الكلبيّ.
قيس بن خالد الفزاريّ، ذكره في التجريد.
قيس بن الربيع الأنصاريّ، ذكر المبرّد في الكامل إنه شهد بدرا.(4/114)
قيس بن السكن بن عوف الأنصاريّ.
قيس بن عباية- بفتح العين وتخفيف الموحدة وبالمثناة التحتية- ابن عبيد بن الحارث الخولانيّ، ذكره عبد الجبار بن محمد بن مهني فيمن شهد بدرا.
قيس بن عمرو بن قيس بن زيد الأنصاري الخزرجي، قال أبو عمر: اختلف في شهوده بدرا.
قيس بن أبي بن كعب بن القين الأنصاريّ عمّ كعب بن مالك، ذكره ابن الكلبيّ.
قيس بن محصن- بكسر الميم وإسكان الحاء وفتح الصاد المهملة- ابن خلدة الأنصاريّ الخزرجيّ.
قيس بن مخلّد- بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام- ابن ثعلبة بن صخر الأنصاريّ الخزرجيّ.
حرف الكاف
كثير بن عمرو السّلميّ، روى أبو العباس السراج، عن محمد بن الحسن التّل- بالمثناة الفوقية وباللام- عن ابن إسحاق أنه ذكره فيمن شهد بدرا.
كعب بن جمّاز- بجيم فميم مشدّدة فزاي، ويقال: حمان بحاء مهملة مكسورة ونون ويقال: حمار بلفظ الحيوان- ابن ثعلبة الجهنيّ، ويقال: الغسّاني.
كعب بن زيد بن قيس الأنصاريّ الخزرجيّ.
كعب بن عامر الساعديّ، ذكره الباورديّ فيهم.
كعب بن عمرو الأنصاري الخزرجي أبو اليسر، بفتح التحتانية والمهملة.
كنّاز- بفتح الكاف وتشديد النون وبالزّاي- ابن الحصين الغنويّ- بفتح الغين المعجمة والنون- أبو مرثد، بمثلثة وزن جعفر.
حرف اللام
لبدة بن قيس بن النعمان بن حسّان الأنصاريّ الخزرجيّ، ذكره ابن الكلبيّ.
حرف الميم
مالك بن أمية بن عمرو السّلميّ.
مالك بن التّيّهان الأنصاريّ الأوسيّ أبو الهيثم.
مالك بن ثابت المزنيّ، يعرف بابن نملة أو نميلة وهي أمّه، حليف بني معاوية.(4/115)
مالك بن الدّخشم- بضم الدال المهملة والشين المعجمة بينهما خاء كذلك، ويقال بالنون بدل الميم، ويقال كذلك بالتصغير- الأنصاريّ الخزرجيّ.
مالك بن رافع الأنصاريّ الزّرقيّ.
مالك بن ربيعة بن البدن- بالدال المهملة والنون- ابن عامر الأنصاري الخزرجي أبو أسيد- بضم أوله- الساعديّ.
مالك بن رفاعة بن عمر الأنصاريّ الخزرجيّ.
مالك بن عمرو بن ثابت أبو حبّة- بالحاء المهملة المفتوحة والموحدة المشددة- الأنصاريّ.
مالك بن عمرو بن سميط أخو ثقف.
مالك بن عمرو السّلميّ ويقال: العدويّ حليف بني أسد.
مالك بن عميلة بن السّيّاق بن عبد الدار، كذا نقله أبو عمر، عن ابن عقبة، ونازعه في ذلك الحافظ بأنه لم يجد ذلك في مغازيه، ولا ذكر له في مغازي ابن إسحاق والواقدي، وذكره الزبير بن بكار في أنساب بني عبد الدار، ولم يصفه بإسلام فضلا عن شهوده بدرا.
مالك بن قدامة الأنصاريّ الأوسيّ.
مالك بن مسعود بن البدن الأنصاريّ الساعديّ.
مالك بن نميلة، تقدّم في مالك بن ثابت.
مالك بن عبد المنذر بن زنبر- بزاي فنون فموحّدة وزن جعفر- الأنصاريّ أخو أبي لبابة استشهد ببدر.
مبشّر بن عبد المنذر أخو مالك السابق المجذّر- بميم مضمومة فجيم مفتوحة فذال معجمة مشددة فراء- ابن دثار- بدال مهملة فمثلثة- ابن عمرو البلويّ حليف الخزرج.
محرز- بضم الميم وإسكان الحاء المهملة وكسر الراء بعدها زاي، وقيل بمهملتين، وزن محمد- ابن عامر بن مالك الأنصاري الخزرجي.
محرز- براء فزاي- ابن نضلة- بنون فضاد معجمة- ابن عبد الله بن الأسديّ يعرف بالأخرم.
محمد بن سلمة بن خالد الأنصاري الأوسيّ.
محمية- بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الميم وفتح المثناة التحتية- ابن(4/116)
جزء- بفتح الجيم وسكون الزاي ثم همزة- ابن عبد يغوث الزّبيديّ- بضم أوله- حليف بني سهم، كان عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأخماس، انفرد ابن الكلبيّ بذكره فيهم.
مدلاج: ويقال: مدلج بن عمرو الأسلمي أخو ثقف ومالك.
مرارة بن الربيع الأنصاري الأوسيّ، ذكره فيهم الزّهريّ، ونسب إلى الوهم، وربّما في الصحيح عن كعب بن مالك في قصّة توبته، وذكروا مرارة بن الرّبيع العمريّ وهلال بن أمية الواقفيّ رجلين صالحين شهدا بدرا. قال الحافظ: وكان البخاريّ عرف أن بعض الناس ينكر أن يكون مرارة وهلال بن أمية شهدا بدرا، ويثبت الوهم إلى الزّهريّ فردّ ذلك لنسبته إلى كعب بن مالك، وهو ظاهر السّياق، فإنّ الحديث عنه قد أخذ وهو أعرف بمن شهد بدرا. ممّن لم يشهدها ممّن جاء بعده، والأصل عدم الأخذ عند الإخراج فلا يثبت إلا بدليل. ويؤيّد كون وصفهما بذلك من كلام كعب أنّ كعبا ساقه في مقام التّأسّي بهما، فوصفهما بالصّلاح، وبشهود بدر التي هي أعظم المشاهد، فلما وقع لهما نظير ما وقع له من القعود عن غزوة تبوك، ومن الأمر بهجرهما، كما وقع له تأسّى بهما.
وأما قول بعض المتأخّرين كالدّمياطيّ: لم يذكر أحد مرارة وهلالا فيمن شهد بدرا فمردود عليه، فقد جزم البخاريّ هنا وتبعه جماعة، وقد ذكر هشام بن الكلبي أنّ مرارة وهلالا شهدا بدرا، واحتج ابن القيّم بأنهما لو شهدا بدرا ما عوقبا بالهجر الذي وقع لهما، بل كانا يسامحان بذلك كما سومح حاطب بن أبي بلتعة. قال الحافظ: وهو قياس مع وجود النصّ، ويمكن الفرق وبالله التوفيق. وقال في الإصابة: شهدا بدرا على الصحيح.
مرثد- بفتح الميم المثلثة- ابن أبي مرثد بن كنّاز- بكاف مكسورة فنون مشددة وزاي- ابن الحصين الغنوي البدريّ.
مرّة بن الحباب بن عدي بن الجدّ بن العجلان البلويّ حليف آل عمرو بن عوف، انفرد بذكره ابن الكلبيّ.
مسطح- بكسر الميم وبالسين وفتح الطاء وبالحاء المهملات- ابن أثاثة- بضم الهمزة وتخفيف المثلثة- ابن عباد بن عبد المطلب القرشيّ المطّلبيّ، اسمه عوف، وتقدّم.
مسعود بن أوس بن أحرم بن زيد الأنصاري الخزرجيّ.
مسعود بن الرّبيع، ويقال: ابن ربيعة.
مسعود بن زيد بن سبيع الأنصاري الخزرجي أبو محمد.
مسعود بن سعد بن قيس بن خلدة بن عامر الأنصاريّ الخزرجيّ.(4/117)
مسعود بن سعد، ويقال: ابن عبد سعد، ويقال: ابن عبد مسعود بن عامر بن عديّ بن جشم الأنصاريّ الأوسيّ.
مصعب بن عمير بن هاشم القرشيّ العبدريّ.
مضطجع بن أثاثة أخو مسطح.
معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاريّ الخزرجيّ الإمام المقدّم في علم الحلال والحرام، رضي الله عنه.
معاذ بن الحارث بن رفاعة بن الحارث الأنصاري الخزرجيّ المعروف بابن عفراء.
معاذ بن عمرو بن الجموح بن زيد الأنصاري الخزرجيّ.
معاذ بن ماعص، ويقال: معاص، ويقال: ناعص- بالنون والعين والصاد المهملتين- الأنصاريّ الزّرقيّ.
معبد بن عباد بن قشعر- بفتح القاف وسكون الشين المعجمة- ويقال: قشير بن الفدم- بالفاء وإسكان الدال المهملة وبالميم- الأنصاريّ الخزرجيّ، ووقع في العيون: عبادة بالهاء، وتعقّب.
معبد بن قيس الأنصاريّ الخزرجيّ.
معبد بن وهب العصريّ.
معتّب- بضم أوله وبفتح العين المهملة وكسر المثناة الفوقية المشددة بعدها موحدة- ابن عبيد- ويقال عبد- ابن إلياس البلويّ حليف بني ظفر من الأوس.
معتّب بن عوف السّلوليّ المعروف بابن الحمراء الخزاعيّ.
معتّب بن قشير- بقاف ومعجمة مصغّرا- الأنصاريّ الأوسيّ.
معقل- بعين مهملة وقاف- ابن المنذر الأنصاريّ السّلميّ.
معمر- بفتح الميمين- ابن الحارث بن معمر القرشيّ الجمحيّ أخو حاطب.
معمر بن حبيب.
معمر بن أبي سرح بن ربيعة بن هلال، ذكره الواقديّ وأبو معشر.
معن بن عدي بن الجدّ- بكسر الجيم- ابن العجلان البلويّ حليف الأوس.
معن بن يزيد، يقال: إنه شهد بدرا.
معوذ- بضم الميم وتشديد الواو مفتوحة ومكسورة- ابن الحارث الأنصاري(4/118)
الخزرجيّ، وهو ابن عفراء.
معوّذ بن عمرو بن الجموح بن زيد الأنصاري الخزرجيّ، ذكره ابن عقبة وأبو معشر والواقدي.
معيقيب- بقاف وآخره موحدة مصغّرا- ابن أبي فاطمة الدّوسيّ حليف بني عبد شمس، ذكره ابن حبان فيهم، وتبعه المزنيّ والذهبيّ وأبو الفتح.
المقداد بن الأسود الكنديّ هو ابن عمرو بن ثعلبة الأنصاريّ.
مليل- بلامين مصغّرا- ابن وبره- بفتح الموحّدة- الأنصاريّ الخزرجيّ.
المنذر بن عمرو بن خنيس الأنصاريّ الخزرجيّ.
المنذر بن قدامة بن عرفجة الأنصاريّ الأوسيّ.
المنذر بن محمد بن عقبة الأنصاريّ الأوسيّ.
مهجع- بكسر الميم وإسكان الهاء فجيم مفتوحة فعين مهملة- ابن صالح الكلبيّ مولى عمر بن الخطاب.
حرف النون
نضر- بالضاد المعجمة ويقال بالمهملة- ابن الحارث بن عبيد بن رزاح- بفتح الراء- الأنصاريّ، ذكروه.
النّعمان بن الأعرج بن مالك بن ثعلبة الأنصاريّ الخزرجيّ.
النعمان بن ثابت بن النعمان أبو الصّباح الأنصاريّ الأوسيّ.
النعمان بن خزيمة- بالخاء المعجمة، ويقال بالمهملة- الأنصاريّ الأوسيّ.
النعمان بن سنان مولى بني غنم بن عدي بن الخزرج.
النعمان بن عبد عمرو الأنصاريّ الخزرجيّ.
النعمان- في الأصحّ، ويقال: لقيط- ابن عصر- بالتحريك، وقيل بكسر العين، وقيل بفتحها وسكون الصاد فيهما وقيل غير ذلك- البلويّ حليف الأوس.
النعمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاريّ.
النعمان بن قوقل- بقافين مفتوحتين- ابن أحرم الأنصاريّ.
النعمان بن مالك بن ثعلبة بن عدي بن فهر بن ثعلبة بن غنم الأنصاريّ الخزرجيّ.(4/119)
نعيمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري.
نعيمان بن عمرو، أخّر ذكره ابن دريد في الاشتقاق وقال: إنه شهد بدرا واستشهد بأحد قال الحافظ: وهو غير الذي قبله، لأن ذلك له قصة مع مخرمة في زمن عثمان، وجزم ابن سعد بأنه بقي إلى زمن معاوية، ولعله النعمان بن عمرو، بغير تصغير، وقد مضى ذكره.
نهيك بن التّيّهان- بمثناة مفتوحة فتحتية مشددة مكسورة- الأنصاريّ أخو أبي الهيثم، نقل الأمويّ عن ابن إسحاق إنه شهد بدرا.
نوفل بن ثعلبة بن عبد الله بن ثعلبة بن نضلة بن مالك الأنصاري الخزرجيّ.
نوفل بن عبد الله بن نضلة، ذكره ابن الأثير: قال الحافظ: وأظنّ ابن الأثير صحّف جدّه، وإنما هو ثعلبة وتقدّم، قلت: قد سبق ابن الأثير إلى ذكره ابن الجوزي في التّلقيح، فلعلّه آخر.
حرف الهاء
هانئ بن نيار- بكسر النون وتخفيف التحتية وبالراء- ابن عمرو البلويّ أبو بردة حليف الأنصار.
هبيل- بضم أوله وفتح الموحّدة وسكون المثناة التحتية ثم لام- ابن وبرة الأنصاريّ الخزرجيّ.
هران- بنون بدل اللام- ابن عمرو بن قربوس الأنصاريّ.
هشام بن عتبة بن ربيعة، يقال هو اسم أبي حذيفة.
هلال بن أمية بن عامر الأنصاريّ، تقدم في ترجمة مرارة بن الربيع.
هلال بن أبي خوليّ بن عمرو الجعفيّ ذكره ابن عقبة وابن الكلبيّ.
هلال بن المعلّى بن لوذان الأنصاريّ الخزرجيّ حلفا.
همّام بن الحارث بن حمزة، ذكره أبو عمر.
حرف الواو
واقد بن عبد الله بن عبد مناف التميميّ اليربوعيّ حليف بني عدي بن كعب.
ودقة بن إياس بن عمرو الأنصاري الخزرجيّ، اختلف في ضبطه فقيل بالفاء. وقيل:
بالقاف، والأكثر أنه بالدال المهملة، وقيل بالمعجمة، وذكره ابن هشام بالرّاء، وكذا هو في(4/120)
بعض النسخ من كتاب ابن عقبة.
وديعة بن عمرو الجهنيّ حليف الخزرج.
وهب بن أبي سرح بن الحارث بن حبيب القرشيّ العامريّ، نقله أبو عمر عن مغازي ابن عقبة وتعقّب في ذلك.
وهب بن سعد بن أبي سرح بن ربيعة هلال القرشيّ الفهريّ.
وهب بن كلدة من بني عبد الله بن غطفان.
وهب بن محصن هو ابن عبد الله.
وهب بن محصن، هو أبو سنان أخو عكّاشة، وهو غير أبي سنان بن محصن الآتي في الكنى.
حرف الياء
يزيد بن الأخنس السّلميّ.
يزيد بن ثابت بن الضّحّاك الأنصّاري، ذكر خليفة إنه شهد بدرا، وأنكر ذلك غيره.
يزيد بن الحارث بن قيس الأنصاريّ الخزرجيّ.
يزيد بن حرام- بحاء مهملة فراء- بن سبيع- بموحّدة مصغّرا- الأنصاريّ الخزرجيّ، واختلفت نسخ مغازي موسى بن عقبة، ففي بعضها كذلك وفي بعضها حزام، وفي بعضها حدارة.
يزيد بن رقيش بن رياب- بكسر الراء فمثناة تحتيّة- الأسديّ.
يزيد بن السكن بن رافع الأنصاريّ الأوسيّ.
يزيد بن عامر بن حديدة الأنصاري الخزرجي أبو المنذر.
يزيد بن المنذر بن سرح- بمهملات- ابن خناس- بضم الخاء المعجمة وتخفيف النون- الأنصاريّ الخزرجيّ.
الكنى
حرف الألف
أبو الأعور الحارث بن ظالم بن عيسى بن حرام الأنصاريّ الخزرجيّ، سمّاه ابن إسحاق كعب بن الحارث. وقال العدويّ: اسمه الحارث بن ظالم. وقال ابن عقبة: أبو الأعور ابن الحارث.(4/121)
أبو أيوب خالد بن زيد.
حرف الباء الموحدة
أبو بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة، رضوان الله عليه.
حرف الحاء المهملة
أبو الحارث بن قيس بن خالد بن مخلّد الأنصاريّ.
أبو حبّة- بالباء الموحدة- البدريّ. قال أبو حاتم: اسمه عامر بن عبد عمرو.
أبو حبّة بن ثابت بن النعمان الأنصاري الخزرجي.
أبو حنّة- بالنون- ابن مالك بن عمرو بن ثابت بن كلفة بن ثعلبة الأنصاريّ.
أبو حبيب- بفتح الحاء المهملة وكسر الموحدة- ابن زيد بن الحباب الأنصاري الخزرجي.
أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة القرشيّ، تقدم الكلام على اسمه في السابقين إلى الإسلام.
أبو الحسن الأنصاريّ المازنيّ قيل: اسمه تيم بن عبد عمرو بن قيس بن محرّث- بحاء وراء مهملتين ومثلثة- وزن محمد- وقيل: تميم بن عمرو، وقيل: غير ذلك.
أبو الحمراء مولى الحارث بن رفاعة، ويقال: مولى الحارث بن عفراء.
حرف الخاء المعجمة
أبو خارجة عمرو بن قيس، تقدّم في الأسماء.
أبو خالد بن الحارث بن قيس، تقدّم.
أبو خزيمة بن أوس بن زيد بن أصرم أخو معوّذ الأنصاريّ الخزرجيّ.
حرف الدال المهملة
أبو داود- بتقديم الألف على الواو على المشهور- الأنصاريّ، قيل: اسمه عمرو، وقيل: عمير بن عامر.
أبو دجانة اسمه سماك بن خرشة.
حرف الزاي
أبو زعنة- بفتح الزاي والنون بينهما عين مهملة- الشاعر، مختلف في اسمه، قيل عامر بن كعب بن عمرو، وقيل غير ذلك. نقل أبو عمر عن الطبريّ إنه شهد بدرا.(4/122)
حرف السين المهملة
أبو سبرة بن أبي رهم القرشيّ العامريّ.
أبو السّبع بن عبد القيس الأنصاريّ، اسمه ذكوان، تقدّم.
أبو سفيان بن الحارث بن قيس بن زيد الأنصاريّ الأوسيّ، ذكره ابن الكلبيّ.
أبو سفيان بن وهب بن ربيعة الأسديّ، ذكره ابن حبان فيهم.
أبو سلمة بن عبد الأسد، اسمه عبد الله بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشيّ المخزوميّ.
أبو سليط الأنصاريّ، يقال: اسمه أسير- بالراء- وقيل: بزيادة هاء آخره، ويقال: أسيد، ويقال: أنيس مصغّرا، ويقال: سبرة الأنصاري الخزرجي.
أبو سنان بن وهب اسمه عبد الله، ويقال: وهب بن عبد الله الأسديّ.
أبو سنان بن صيفيّ بن صخر الأنصاريّ.
حرف الشين المعجمة
أبو شراك الفهريّ، ذكره الواقديّ وأبو معشر في أهل بدر، وأن اسمه عمرو بن أبي عمرو، وجوّز ابن سعد أنه عمرو بن الحارث السابق.
أبو شيخ اسمه أبي- بضم الهمزة- الأنصاريّ الخزرجيّ أخو حسّان.
حرف الصاد المهملة
أبو صرمة، بكسر أوله وسكون الراء.
حرف الضاد المعجمة
أبو ضيّاح- بفتح الضاد المعجمة فمثناة تحتية مشددة وقيل بتخفيفها- اسمه النعمان بن ثابت، تقدّم.
حرف الطاء المهملة
أبو طلحة، اسمه زيد بن سهل.
حرف العين
أبو عبيدة- بضم أوله- ابن الجرّاح، اسمه عامر بن عبد الله، أحد العشرة، رضي الله عنهم.
أبو عقيل- بفتح العين وكسر القاف- البلويّ، حليف الأوس. قيل: اسمه عبد الله بن(4/123)
عبد الرحمن- وقيل بالعكس- ابن ثعلبة.
أبو عمرو الأنصاريّ.
حرف الفاء
أبو فضالة الأنصاريّ.
حرف القاف
أبو قيس بن المعلّى بن لوذان الأنصاريّ الخزرجيّ، ذكره ابن الكلبيّ.
حرف الكاف
أبو كبشة- بفتح الكاف وإسكان الموحدة فشين معجمة- مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قيل: اسمه سليم، وقيل: أوس، وقيل: سلمة.
حرف اللام
أبو لبابة بن عبد المنذر، قال ابن عقبة: اسمه بشير- بمعجمة على وزن عظيم- وقيل بالمهملة، أوّله تحتانية. وقال ابن إسحاق: اسمه رفاعة، ردّه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرّوحاء، واستخلفه على المدينة، وضرب له بسهمه وأجره.
حرف الميم
أبو مخشيّ الطائيّ، حليف بني أسد.
أبو مرثد- بالثاء المثلثة- الغنويّ، اسمه كنّاز، تقدّم.
أبو مسعود البدري رضي الله عنه اسمه عقبة بن عمرو.
أبو مليل- بلامين- ابن الأزعر بن زيد الأنصاري الأوسيّ.
حرف النون
أبو نملة الأنصاريّ.
حرف الهاء
أبو الهيثم بن التيهان، قيل: اسمه مالك.
حرف الياء
أبو يحيى عبد الله بن كعب الأنصاريّ.
أبو اليسر- بفتحتين- الأنصاريّ اسمه كعب بن عمرو.(4/124)
ذكر بعض ما قاله الصحابة من الشعر في غزوة بدر
قال حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه. قال ابن هشام وأكثر أهل العلم ينكرها
ألم تر أمرا كان من عجب الدّهر ... وللحين أسباب مبيّنة الأمر
وما ذاك إلا أنّ قوما أفادهم ... فحانوا تواص بالعقوق وبالكفر
عشية راحوا نحو بدر بجمعهم ... فكانوا رهونا للرّكيّة من بدر
وكنّا طلبنا العير لم نبغ غيرها ... فثاروا إلينا فالتقينا على قدر
فلمّا التقينا لم تكن مثنويّة ... لنا غير طعن بالمثقّفة السّمر
وضرب ببيض يختلي الهام حدّها ... مشهّرة الألوان بيّنة الأثر
ونحن تركنا عتبة الغيّ ثاويا ... وشيبة في قتلى تجرجم في الجفر
وعمرو ثوى فيمن ثوى من مماتهم ... فشقّت جيوب النّائحات على عمرو
جيوب نساء من لؤي بن غالب ... كرام تفرّعن الذّوائب من فهر
أولئك قوم قتّلوا في ضلالهم ... وخلّوا لواء غير محتضر النّصر
لواء ضلال قاد إبليس أهله ... فخاس بهم، إنّ الخبيث إلى غدر
وقال لهم إذ عاين الأمر واضحا ... برئت إليكم ما بي اليوم من صبر
فإنّي أرى ما لا ترون وإنّني ... أخاف عقاب الله والله ذو قسر
فقدّمهم للحين حتّى تورّطوا ... وكان بما لم يخبر القوم ذا خبر
فكانوا غداة البئر ألفا وجمعنا ... ثلاث مئين كالمسدّمة الزّهر
وفينا جنود الله حين يمدّنا ... بهم في مقام ثمّ مستوضح الذّكر
فشدّ بهم جبريل تحت لوائنا ... لدى مأزق فيه إياهم تجري
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال ابن هشام: ولم أر أحدا من أهل العلم يعرفها لعليّ:
ألم تر أن الله أبلى رسوله ... بلاء عزيز ذي اقتدار وذي فضل
بما أنزل الكفّار دار مذلّة ... فلاقوا هوانا من إسار ومن قتل
فأمسى رسول الله قد عزّ نصره ... وكان رسول الله أرسل بالعدل
فجاء بفرقان من الله منزل ... مبيّنة آياته لذوي العقل
فآمن أقوام بذاك وأيقنوا ... فأمسوا بحمد الله مجتمعي الشّمل
وأنكر أقوام فزاغت قلوبهم ... فزادهم ذو العرش خبلا على خبل
وأمكن منهم يوم بدر رسوله ... وقوما غضابا فعلهم أحسن الفعل
بأيديهم بيض خفاف عصوا بها ... وقد حادثوها بالجلاء وبالصّقل(4/125)
فكم تركوا من ناشئ ذي حميّة ... صريعا ومن ذي نجدة منهم كهل
تبيت عيون النّائحات عليهم ... تجود بإسبال الرّشاش وبالوبل
نوائح تنعى عتبة الغيّ وابنه ... وشيبة تنعاه وتنعى أبا جهل
وذا الرّجل تنعى وابن جدعان فيهم ... مسلّبة حرّى مبيّنة الثّكل
ترى منهم في بئر بدر عصابة ... ذوي نجدات في الحروب وفي المحل
دعا الغيّ منهم من دعا فأجابه ... وللغيّ أسباب مرمّقة الوصل
فأضحوا لدى دار الجحيم بمعزل ... عن الشّغب والعدوان في أشغل الشّغل
وقال كعب بن مالك رضي الله عنه:
عجبت لأمر الله والله قادر ... على ما أراد، ليس لله قاهر
قضى يوم بدر أن نلاقي معشرا ... بغوا وسبيل البغي بالنّاس جائر
وقد حشدوا واستنفروا من يليهم ... من الناس حتى جمعهم متكاثر
وسارت إلينا لا تحاول غيرنا ... بأجمعها كعب جميعا وعامر
وفينا رسول الله والأوس حوله ... له معقل منهم عزيز وناصر
وجمع بني النّجّار تحت لوائه ... يمشّون في الماذيّ والنّقع ثائر
فلمّا لقيناهم وكلّ مجاهد ... لأصحابه مستبسل النّفس صابر
شهدنا بأنّ الله لا رب غيره ... وأن رسول الله بالحقّ ظاهر
وقد عرّيت بيض خفاف كأنّها ... مقاييس يزهيها لعينيك شاهر
بهنّ أبدنا جمعهم فتبدّدوا ... وكان يلاقي الحين من هو فاجر
فكبّ أبو جهل صريعا لوجهه ... وعتبة قد غادرنه وهو عاثر
وشيبة والتّيميّ غادرن في الوغى ... وما منهما إلا لذي العرش كافر
فأمسوا وقود النّار في مستقرّها ... وكلّ كفور في جهنّم صائر
تلظّى عليهم وهي قد شبّ حميها ... بزبر الحديد والحجارة ساجر
وكان رسول الله قد قال: أقبلوا ... فولّوا وقالوا: إنّما أنت ساحر
لأمر أراد الله أن يهلكوا به ... وليس لأمر حمّه الله زاجر
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
تبلت فؤادك في المنام خريدة ... تسقي الضّجيع ببارد بسّام
كالمسك تخلطه بماء سحابة ... أو عاتق كدم الذّبيح مدام
نفج الحقيبة بوصها متنضّد ... بلهاء غير وشيكة الأقسام(4/126)
بنيت على قطن أجمّ كأنّه ... فضلا إذا قعدت مداك رخام
وتكاد تكسل أن تجيء فراشها ... في جسم خرعبة وحسن قوام
أمّا النّهار فلا أفتّر ذكرها ... واللّيل توزعني بها أحلامي
أقسمت أنساها وأترك ذكرها ... حتّى تغيّب في الضّريح عظامي
يا من لعاذلة تلوم سفاهة ... ولقد عصيت على الهوى لوّامي
بكرت عليّ بسحرة بعد الكرى ... وتقارب من حادث الأيّام
زعمت بأنّ المرء يكرب عمره ... عدم لمعتكر من الأصرام
إن كنت كاذبة الّذي حدّثتني ... فنجوت منجى الحارث بن هشام
ترك الأحبّة أن يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرّة ولجام
تذر العناجيج الجياد بقفرة ... مرّ الدّموك بمحصد ورجام
ملأت به الفرجين فارمدّت به ... وثوى أحبّته بشرّ مقام
وبنو أبيه ورهطه في معرك ... نضر الإله به ذوي الإسلام
طحنتهم والله ينفذ أمره ... حرب يشبّ سعيرها بضرام
لولا الإله وجريها لتركنه ... جزر السّباع ودسنه بحوامي
من بين مأسور يشدّ وثاقه ... صقر إذا لاقى الأسنّة حامي
ومجدّل لا يستجيب لدعوة ... حتّى تزول شوامخ الأعلام
بالعار والذّلّ المبينّ إذ رأى ... بيض السيّوف تسوق كلّ همام
بيدي أغرّ إذا انتمى لم يخزه ... نسب القصار سميدع مقدام
بيض إذا لاقت حديدا صمّمت ... كالبرق تحت ظلال كلّ غمام
فأجابه الحارث بن هشام- وأسلم بعد ذلك- فقال:
القوم أعلم ما تركت قتالهم ... حتّى حبوا مهري بأشقر مزبد
وعرفت أني إن أقاتل واحدا ... أقتل ولا ينكل عدوّي مشهدي
فصددتّ عنهم والأحبّة فيهم ... طمعا لهم بعقاب يوم مفسد
وكان الأصمعي يقول: هذا أحسن ما قيل في الاعتذار عن الفرار. وكان خلف الأحمر يقول: أحسن ما قيل في ذلك أبيات هبيرة بن أبي وهب المخزوميّ:
لعمرك ما ولّيت ظهري محمّدا ... وأصحابه جبنا ولا خيفة القتل
ولكنّني قلّبت أمري فلم أجد ... لسيفي مساغا إن ضربت ولا نبلي
وقفت فلمّا خفت ضيعة موقفي ... رجعت لعود كالهزبر أبي الشّبل(4/127)
وإن تقاربا لفظا ومعنى فليس ببعيد من أن يكون الثاني أجود من الأول، لأنه أكثر انتفاء من الجبن ومن خوف القتل، وإنما علّل فراره بعدم إفادة وقوفه فقط، وذلك في الأول جزء علّته، والجزء الآخر قوله: أقتل، وقوله: رموا مهري بأشقر مزبد، يعني الدّم، ويحتمل أن يكون ذلك مقيّدا بكون مشهده لا يضرّ عدوّه، ومع ذلك فالثاني أسلم من ذلك معنى وأصرح لفظا ومعنى.
وقال حسّان أيضا:
قومي الّذين هم آووا نبيّهم ... وصدّقوه وأهل الأرض كفّار
إلّا خصائص أقوام هم سلف ... للصّالحين مع الأنصار أنصار
مستبشرين بقسم الله قولهم ... لمّا أتاهم كريم الأصل مختار
أهلا وسهلا ففي أمن وفي سعة ... نعم النّبيّ ونعم القسم والجار
فأنزلوه بدار لا يخاف بها ... من كان جارهم دارا هي الدّار
وقاسموهم بها الأموال إذ قدموا ... مهاجرين وقسم الجاحد النّار
سرنا وساروا إلى بدر لحينهم ... لو يعلمون يقين العلم ما ساروا
دلّاهم بغرور ثمّ أسلمهم ... إنّ الخبيث لمن والاه غدّار
وقال: إنيّ لكم جار، فأوردهم ... شرّ الموارد فيه الخزي والعار
ثمّ التقينا فولّوا عن سراتهم ... من منجدين ومنهم فرقة غاروا
وقالت عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني عن مصعب بن عبد الله وغيره من قريش، ورواه الأمويّ عن سعيد بن قطن:
ألمّا تكن رؤياي حقّا ويأتكم ... بتأويلها فلّ من القوم هارب
رأى فأتاكم باليقين الّذي رأى ... بعينيه ما تفري السّيوف القواضب
فقلتم- ولم أكذب- كذبت، وإنما ... يكذبني بالصّدق من هو كاذب
وما فرّ إلّا رهبة الموت هاربا ... حكيم وقد أعيت عليه المذاهب
أقرّ صياح القوم عزم قلوبهم ... فهنّ هواء والحلوم عوازب
أقامت سيوف الهند دون رؤوسكم ... وخطّيّة فيها الشّبا والثّعالب
كأنّ حريق النّار لمع ظباتها ... إذا ما تعاطتها اللّيوث المشاغب
ألا بأبي يوم اللّقاء محمّدا ... إذا عضّ من عون الحروب الغوارب
مروا بالسّيوف المرهفات نفوسكم ... كفاحا كما تمري السّحاب الجنائب
فكم بردت أسيافهم من مليكة ... وزعزع ورد بعد ذلك صالب(4/128)
فما بال قتلى في القليب ومثلهم ... لدى ابن أخي أسرى له ما يضارب
أكانوا نساء أم أتى لنفوسهم ... من الله حين ساق والحين جالب
فكيف رأى عند اللّقاء محمّدا ... بنو عمّه والحرب فيها التّجارب
ألم يغشكم ضربا يجار لوقعه ال ... جبان وتبدوا بالنّهار الكواكب
حلفت لئن عدتم ليصطلمنّكم ... بحارا تردّى حافتيها المقانب
كأنّ ضياء الشّمس لمع ظباتها ... لها من شعاع النّور قرن وحاجب
وقالت عاتكة أيضاً فيما نقله الأموي:
هلّا صبرتم للنّبيّ محمّد ... ببدر ومن يغشى الوغى حقّ صابر
ولم ترجعوا عن مرهفات كأنها ... حريق بأيدي المؤمنين بواتر
ولم تصبروا للبيض حتّى أخذتم ... قليلا بأيدي المؤمنين المشاعر
وولّيتم نفرا وما البطل الّذي ... يقاتل من وقع السّلاح بنافر
أتاكم بما جاء النّبيّون قبله ... وما ابن أخي البرّ الصّدوق بشاعر
سيكفي الّذي ضيّعتم من نبيّكم ... وينصره الحيّان: عمرو، وعامر
شرح غريب القصة
ندب الناس: دعاهم فانتدبوا: أجابوه.
المثقال وزنه درهم وثلاثة أسباع درهم، وكل سبعة مثاقيل عشرة دراهم.
العسيراء: تقدم الكلام عليها في غزوتها.
العير بالكسر: الإبل تحمل الميرة ثم غلبت على كل قافلة.
لم يلم- بضمّ التحتية- لم يعذل.
لم يحتفل لها: لم يهتمّ بها فلم يجمع النّاس.
الظّهر- بالفتح-: الإبل التي يحمل عليها ويركب. يقال: عند فلان ظهر: أي إبل.
التّحسّس- بحاء وسينين مهملات- قال في النهاية: التجسّس، بالجيم: التفتيش عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال في الشر، فالجاسوس صاحب سر الشر. والناموس: صاحب سر الخير. وقيل: التّجسّس بالجيم: أن يطلبه لغيره، وبالحاء أن يطلبه لنفسه، وقيل: بالجيم:
البحث عن العورات، وبالحاء: الاستماع، وقيل: معناهما واحد في معرفة تطلّب الأخبار، قلت: وجزم في الروض بالثاني.
الحوّار- بحاء مهملة مضمومة فواو مشددة فألف فراء-: موضع بالشام.(4/129)
ذو المروة: قرى واسعة من أعمال المدينة، بينها وبين المدينة ثمانية برد.
ينبع- بمثناة تحتية مفتوحة فنون ساكنة فموحدة مضمومة فعين مهملة-: قرية جامعة بين مكة والمدينة.
الزّرقاء: تأنيث الأزرق: موضع في بادية الشام ناحية معان.
معان- بميم مضمومة فعين مهملة-: حصن كبير على خمسة أيام من دمشق على طريق مكة.
الرّصد يقال للرّاصد الواحد والجماعة الراصدين، يقال: رصدته رصدا من باب قتل:
قعدت على الطريق.
الرّكب: أصحاب الإبل في السفر دون الدّواب، وهم عشرة فما فوقها، والرّكبان:
الجماعة منهم.
استنفر الناس: حثّهم على الخروج بسرعة.
حذر (بكسر الذال المعجمة) .
ضمضم- بضادين معجمتين- والظاهر أنه مات على شركه.
الغفاريّ (بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء) .
الجدع- بجيم فدال مهملة-: قطع الأنف، وقطع الأذن أيضا، وقطع اليد والشّفّة وهو بالأنف أخصّ.
شرح غريب رؤيا عاتكة
الرؤيا (بغير تنوين) أعظمتها: استكبرت أمرها.
أفظعتني- بفاء فظاء معجمة مشالة فعين مهملة- أي اشتدّت عليّ، يقال: فظع الأمر- بالضم- فظاعة فهو فظيع، أي شديد شنيع يجاوز المقدار، وكذلك أفظع الأمر فهو مفظع وأفظع الرجل بالبناء للمفعول لم يسمّ فاعله.
الأبطح: مسيل واسع فيه دقاق الحصى، وهو ما بين المحصّب ومكة، وليس الصّفا منه.
انفروا: أسرعوا.
يال (بفتح اللام) .(4/130)
غدر- بغين معجمة مضمومة- قال في النهاية: معدول عن غادر للمبالغة. يقال للذّكر غدر، وللأنثى غدار- بفتح أوله- وهما مختصّان بالنداء في الشّتم، وقال السّهيليّ: غدر جمع غدور ولا تصح رواية من رواه بفتح الدّال مع كسر الرّاء ولا فتحها، لأنه لا ينادي واحدا، ولأنّ لام الاستغاثة لا تدخل على مثل هذا البناء في النداء وإنما يقول: يال غدر، انفروا- تحريضا لهم- إن تخلّفتم غدر لقومكم. والغدر: ترك الوفاء.
المصارع: جمع مصرع- بفتح الميم والراء-: الموضع والمصدر.
في ثلاث، أي بعد ثلاثة أيام يكون نفرهم إلى مصارعهم، وكان كذلك.
مثل به بعيره- بالميم والثاء المثلثة المفتوحتين واللام-: انتصب قائما.
أبو قبيس: جبل مشهور بمكة.
نزعها: جذبها.
تهوي- بفتح أوله وكسر ثالثه-: تسقط وتنزل.
الفلقة- بكسر الفاء وإسكان اللام: - القطعة.
استكتمه إيّاها: أمره بكتمانها.
أقبل إلينا (بفتح الهمزة وكسر الموحدة) .
فرسي رهان، أي يتسابقان إلى غاية.
المجد: الشّرف.
تحاكّت الرّكب، تقدم في باب اعتراف أبي جهل بصدقه صلى الله عليه وسلم.
كبير (بالموحدة) .
ولا خرقا- بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء وبالقاف- من الخرق وهو الحمق.
مهلا: رفقا وتؤدة.
يا مصفّر استه: رماه بالأبنة- بضم الهمزة وسكون الموحدة- وهي التهمة بالفاحشة وأنه كان يزعفر استه، وقيل: هي كلمة تقال للمتنعّم المترفّه الذي لم تحنّكه التجارب والشدائد، وقيل: أراد يا مضرّط نفسه، من الصّفير وهو الصّوت بالفم، كأنه قال يا ضرّاط، نسبه إلى الجبن والخور. وقال ابن هشام: هذا مما يؤنّب الرّجل به وليس من الحبق. قلت: والحبق- بفتح الحاء المهملة والموحدة وبالقاف- وهو الضّرّاط. وقال في الإملاء: العرب تقول هذا للرّجل الجبان ولا تريد به التّأنيب، وهذا القول من العباس في أبي جهل يردّ ما ذكره السهيلي في قول عتبة هذا القول لأبي جهل، كما سيأتي.(4/131)
أفشى: أظهر.
غير- بكسر الغين المعجمة فمثناة تحتية مفتوحة فراء- وهو اسم من قولك: غيّرت الشيء فتغيّر.
وايم الله، أي يمين الله. وفيها اثنتا عشرة لغة.
لأكفيكنّه- بضم الكاف الثانية وفتح النون المشدودة- وهو خطاب لجماعة النّسوة.
حديد (بفتح الحاء وكسر الدال المهملتين) .
مغضب- بفتح الضاد المعجمة- اسم مفعول من الغضب.
خفيفا: سريعا.
حديد الوجه: قويّه.
يشتدّ: يعدو.
الفرق- بفتح الفاء والراء وبالقاف-: الخوف.
اللّطيمة اللّطيمة- بلامين الثانية مشدّدة وطاء مهملة مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فميم فتاء تأنيث-: الجمال التي تحمل العطر. ولطائم المسك: أوعيته، وهما منصوبان بفعل مقدّر، أي أدركوا.
الغوث الغوث، بنصبهما. يقال: غوّث الرجل إذا صاح: وا غوثاه، والاسم الغوث والغواث والغواث.
أشفقوا: خافوا.
الفلّ- بفتح الفاء وتشديد اللّام-: القوم المنهزمون.
جهاز المسافر- بفتح الجيم وكسرها-: أهبته وما يحتاج إليه في قطع المسافة.
ليعلمن- بضم الميم إن كان مسندا للواو المحذوفة لالتقاء الساكنين، وبفتحها إن كان مسندا لمحمد صلى الله عليه وسلم.
الصّباة: يأتي في شرح قتل أمية بن خلف.
العيرات: جمع عير، وتقدم بيانه.
الحملان- بالضم- مصدر حمل.
أشخصوه معهم: أخرجوه.
المقنب- بكسر الميم فقاف ساكنة فنون مفتوحة فموحدة وزن منبر-: الجماعة من(4/132)
الخيل مقدار ثلاثمائة أو نحوها.
لاط له بأربعة آلاف درهم. قال في النهاية: اللّياط: الرّبا لأن كلّ شيء ألصق بشيء وأضيف إليه فقد أليط به، والرّبا ملصق برأس المال. يقال: لاط حبّه بقلبي يليط ويلوط ليطا ولوطا ولياطا، وهو أليط وألوط. وقال أبو عبيد: سمّي الرّبا لياطا لأنه ملصق بالبيع وليس ببيع.
هبل- بضم الهاء وفتح الموحدة-: اسم صنم.
استقسم بالأزلام: ضرب بها لإخراج ما قسم الله له من أمر وتمييزه بزعمهم.
الآمر والناهي: القدح الذي فيه افعل، والقدح الذي فيه لا تفعل.
الأزلام: القداح واحدها زلم، بفتحتين ويضم الأول.
القدح- بكسر القاف وسكون الدال المهملة-: السّهم بلا ريش.
أجمعوا المقام، يقال: أجمعت المسير والأمر، وأجمعت عليه، يتعدى بنفسه وبالحرف: عزمت عليه.
أزعجهم: أزالهم عن رأيهم.
جليلا- بالجيم-: عظيما.
جسيما: عظيما.
بين ظهراني قومه- بفتح النون- أي بينهم.
المجمرة- بكسر الميم- وهي المبخرة والمدخنة. قال بعضهم: والمجمر كمنبر أيضا: ما يتبخّر به من عود وغيره، وهي لغة في المجمرة.
استجمر به، فعل أمر، أي تبخّر به.
تثبّطه- بفتح المثناة الفوقية والثاء المثلثة وضمّ الموحدّة- شغله عن التخلّف عن السّفر.
شرح غريب خروج قريش
الصّعب والذّلول، أي من الإبل الصّعب: الذي لا ينقاد. والذّلول- بفتح الذال المعجمة، من الذّل، بكسر الذّال: ضدّ الصّعب.
القيان- بفتح القاف وتخفيف المثناة التحتية- والقينات- بفتح القاف-: جمع قينة- بفتح القاف- وهي الأمة غنّت أم لم تغنّ، والماشطة. وكثيرا ما تطلق على المغنّية من الإماء، وهو المراد هنا.(4/133)
الدّفوف- بضم الدال المهملة جمع دفّ- بضمّ الدال وبفتحها- وهو معروف.
مناة- بفتح أوله- اسم صنم.
يثنيهم: يصرفهم عن السّفر.
تبدّى: ظهر.
سراقة (بضم أوله والتخفيف) .
جعشم- بضم الجيم والشين المعجمة وسكون العين المهملة بينهما، ويقال بفتح الجيم- حكاه في الصّحاح والمشهور ضمّها.
أنا جار لكم: الجار، الخفير، والذي يجير غيره أي يؤمّنه ممّا يخاف.
حشدوا: اجتمعوا.
البطر كالتّعب كالأشر والطّغيان في النّعمة. وغمطها، أي كفرها.
يصدّون عن سبيل الله: يعرضون عن الصراط المستقيم، وهو اتّباع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أوردهم: أحضرهم وأوقعهم.
الحين- بفتح المهملة-: الهلاك.
دلّاهم: أحفرهم.
الغرور: الخداع.
أسلمهم، يقال: أسلم فلانٌ فلاناً، إذا ألقاه في الهلكة ولم يحمه من عدوّه، وهو عامّ في كل من أسلمته إلى شيء، لكن دخله التّخصيص وغلب عليه الإلقاء في الهلكة.
السّراة- بفتح المهملة- جمع سريّ، وهو الذي جمع السّخاء والمروءة، وجمع السّراة سروات.
منجدين: قاصدين نجدا، وهو المرتفع من الأرض.
غاروا- بالغين المعجمة-: قصدوا الغور، وهو ما انخفض من الأرض.
مرّ- بفتح الميم والرّاء المشددة- مضاف إلى الظّهران- فتح الظاء المعجمة المشالة- ويقال: الظّهران من غير إضافة «مرّ» : مكان على بريد من مكّة، وقيل على ستة عشر ميلا.
الجزائر- بالجيم والزاي- جمع جزور، وهو البعير إذا كان ذكرا أو أنثى، إلا أنّ لفظه مؤنث، تقول: هذه جزور، وإن أردت ذكرا.
الخباء- بخاء معجمة فموحدة وبالمدّ- واحد الأخبية، وهو من وبر أو صوف، ولا(4/134)
يكون من شعر، وهو على عمودين أو ثلاثة، وما فوق ذلك فهو بيت.
عسفان- بعين مضمومة فسين ساكنة مهملتين-: قرية جامعة على نحو أربعة برد من مكة، وتسمى الآن: مدرج عثمان.
قديد- بضم القاف على لفظ التصغير-: قرية جامعة بقرب مكّة.
مياه: جمع ماء.
الأبواء- بفتح الهمزة وبالمدّ-: قرية جامعة بينها وبين المدينة ثماني مراحل.
الجحفة: قرية جامعة على طريق المدينة من مكة، وهي مهيعة، وسميت الجحفة، لأنّ السّيل أجحفها وحمل أهلها، وهي بقرب رابغ.
شرح غريب رؤيا جهيم بن الصلت
جهيم (بالجيم مصغّرا) .
الصّلت (بصاد مهملة ومثناة فوقية) .
أغفى- بغين معجمة- نام، وفيه لغة رديئة غفى.
فزع هنا: هب من نومه.
آنفا بالمدّ ويقصر، أي قريبا.
اللبة- بفتح اللام وتشديد الموحّدة-: المنحر.
شرح غريب خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم
السّقيا- بسين فقاف كحبلى-: قرية جامعة من عمل الفرع على طريق مكة، بينها وبين المدينة أربع مراحل.
خمّ- بخاء معجمة مضمومة فميم مشددة- على ثلاثة أميال من الجحفة.
لابتيها- تثنية لابة، وهي الحرّة، بفتح الحاء- وهي أرض ذات حجارة سود نخرة، كأنها أحرقت بالنار، والجمع ككلاب.
منجدا لقومه: ناصرا لهم.
أبلى بلاء حسنا: عمل عملا جيّدا في قتال الكفّار.
العالة جمع عائل؛ يقال: عال يعيل عيلة فهو عائل، إذا افتقر.
اللّواء، ككتاب جمعه ألوية: علم الجيش وهو دون الرّاية، قال في الإملاء: مستطيل.(4/135)
الرّاية: علم الجيش. قال أبو ذر: وهي مربّعة.
الروحاء- بفتح الراء وسكون الواو وبالحاء المهملة والمدّ-: قرية جامعة على ليلتين من المدينة.
ذات الفضول- بضم الفاء والضاد المعجمة- قيل سمّيت بذلك لفضلة كانت فيها.
توشّح- بالشين المعجمة-: جعل علاقته على كتفه الأيمن، وجعل السيف تحت إبط يده اليسرى.
العضب- بفتح العين المهملة وسكون الضاد المعجمة-: السّيف القاطع.
اعتقبوها: تناوبوها في الركوب واحدا بعد واحد.
أعيا: عجز.
البكر- بفتح الموحّدة-: الفتيّ من الإبل.
الحارك: فروع الكتفين، وهو أيضا الكاهل.
ينقز: يثب.
الزّميل- بفتح الزاي وكسر الميم-: العديل الذي حمله مع جملك على البعير، وقد زاملني، أي عادلني، وهو الرّديف أيضا، وهو المراد هنا.
السّاقة: جمع سائق، وهم الذين يسقون الجيش ويكونون من ورائه يحفظونه.
تربان- بضم المثناة الفوقية وسكون الرّاء فموحّدة-: واد به مياه كثيرة على ثمانية عشر ميلا من المدينة على طريق مكة.
فوّق- بتشديد الواو- له بسهم: وضع السّهم في الوتر ليرمي به.
سدّد رميّته: جعلها صائبة.
الرّمق- بفتحتين: بقية الرّوح.
عرق الظّبية، بعين مهملة مكسورة فراء ساكنة فقاف، والظّبية: تأنيث ظبي، كذا قال أبو عبيد البكري في معجمه، ثم قال: قال ابن هشام: وغير ابن إسحاق يقوله بضمّ الظاء- وهو على ثلاثة أميال من الرّوحاء.
قال في الروض: الظّبية: شجرة شبه القتاة يستظلّ بها، وجمعها ظبيان على غير قياس.
نزوت: كناية عن الوقاع. يقال: نزا الفحل الأنثى نزوا- من باب قتل- ونزوانا: وثب، والاسم النّزوّ، ومثل كتاب وغراب، يقال ذلك في ذي الحافر والظّلف والسّباع.(4/136)
السّخلة: الصّغير من ولد الغنم، استعارها لولد النّاقة.
سجسج- بفتح السين المهملة وسكون الجيم بعدها مثلهما-: بئر بالرّوحاء. قال في الروض: سمّيت سجسجا لأنها بين جبلين، وكل شيء بين شيئين فهو سجسج.
المنصرف- بميم مضمومة فنون ساكنة فصاد مفتوحة فراء ففاء- موضع بين الحرمين الشريفين.
النّازية- بنون وزاي على لفظ فاعلة، من نزا ينزو-: اسم موضع به عين. قال في الروض: وهي رحبة واسعة فيها عضاة ومروج.
رحقان- براء- قال أبو عبيد البكريّ مفتوحة، وقال السّيّد-: مضمومة فحاء مهملة ساكنة فقاف فألف فنون-: واد قرب المدينة.
الصّفراء على لفظ تأنيث أصفر: قرية فوق ينبع.
جزع واديا- بجيم فزاي-: قطعه عرضا.
ذفران- بذال معجمة ففاء مكسورة-: اسم واد بقرب المدينة.
عدد النّاس- بعين ودالين الأولى مفتوحة مهملات-: المعدود.
تعرّض (بتشديد الراء) .
مسلح [بميم فسين مهملة فلام فحاء مهملة] .
مخرئ [بميم فخاء معجمة فراء فمثناة تحتية مهموزة] .
حراق: بضم الحاء المهملة وتخفيف الرّاء.
غفار: بغين معجمة مكسورة ففاء.
أجل كنعم، وزنا ومعنى.
اظعن- بظاء معجمة مشالة- سافر.
الأسود: العرب، لغلبة السواد. والأحمر: العجم. أو الأحمر: الإنس، والأسود: الجنّ.
البرك- بفتح الموحدة والراء- قال في المطالع: فتح الباء أكثر الرّواة وبعضهم كسرها.
وقال النّوويّ: ذكره جماعة من أهل اللّغة بالكسر لا غير، قال الزّمخشريّ: هو من وراء مكة بخمس ليال بناحية السّاحل ممّا يلي البحر.
غمدان- بغين معجمة مضمومة فميم ساكنة فدال مهملة: قصبة صنعاء.
وفي رواية: برك الغماد- بضم الغين المعجمة وبالدال المهملة- وتقدم الكلام عليه(4/137)
مبسوطا في باب إرادة الصّدّيق الهجرة: «لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه» ، أي لو أتيت جانبه عرضا لتخوضه خضناه معك.
المجالدة: المضاربة بالسيوف.
لصبر (بفتح اللام وضم الصاد المهملة والموحدة) .
صدق (بضم الصّاد والدال المهملتين) .
أشرق وجهه. أضاء وتلألأ حسنا.
الطائفتان: العير المقبلة مع أبي سفيان وأصحابه، والنّفر من مكة، لاستنقاذه.
الشّوكة: هنا شدّة البأس والنّكاية في العدوّ.
الطاقة: القوّة.
الثنايا: جمع ثنية، وهي كلّ عقبة مسلوكة.
الأصافر- بصاد مهملة جمع أصفر-: جبال قريبة من الجحفة عن يمين الطّريق من المدينة إلى مكة.
الدّبّة- بفتح الدال المهملة وتشديد الموحّدة-: موضع قبل بدر.
الحنّان- بحاء مهملة فنون مشددة، وقد تخفف، قاله البكريّ، وفي القاموس: بالضم فألف فنون-: كثيب.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «من ماء» قال في النور: ظهر لي أنه أراد من ماء دافق، والشيخ المشار إليه حمله على المنهل. وقال أبو جعفر الغرناطيّ في شرح بديعته «رفيقة ابن جابر» : إنه تورية، وإنّه ماء قبيلة.
العراق: الإقليم المشهور، يسمى بذلك لأنه على شاطئ دجلة والفرات، والعراق في كلام العرب الشاطئ على طوله. وقال آخرون: العراق: فناء الدار، فهو متوسّط بين الدار والطريق. وكذلك العراق متوسّط بين الرّيف والبرّيّة.
الراوية: الإبل التي يستقى عليها الماء.
أذلقوهما- بذال معجمة فقاف-: بالغوا في ضربهما.
الكثيب: التّلّ من الرمل.
العدوة- بضم العين المهملة وكسرها-: الجانب المرتفع من الوادي.
القصوى- بضم القاف-: البعدى.(4/138)
العقنقل- بفتح العين المهملة والقاف الأولى وسكون النون وفتح القاف الثانية وباللام-: الكثيب المتداخل الرّمل، والجمع عقاقل.
ألقت: رمت.
الأفلاذ: جمع فلذ- بكسر الفاء وسكون اللام وذال معجمة- والفلذ: جمع فلذة، وهي القطعة المقطوعة طولا. والكبد معروف، وهو هنا استعارة، أراد صلى الله عليه وسلم صميم قريش ولبابها وأشرافها، كما يقال: فلان قلب عشيرته، لأن الكبد من أشرف الأعضاء. والمعنى أنّ مكة أخرجت رجالها المشهورين العظماء منها، شبّه ما يخرج منها بأكباد ذوات الكبد التي هي مستورة في أجوافها، ولرفعة ذلك ونفاسته شبّهه بأفلاذ الكبد، وهو أفضل ما يشوى من البعير عند العرب وأمراه.
أناخا البعير: برّكاه.
الشّنّ- بفتح الشين المعجمة وتشديد النون-: القربة البالية.
مجديّ: بفتح الميم وإسكان الجيم فدال مهملة فياء مشددة كياء النّسب.
الحاضر: القوم النّزول على ما يقيمون عليه ولا يرحلون عنه. ويقال للمناهل المحاضر للاجتماع والحضور عليها. قال الخطّابيّ: وربما جعلوا الحاضر اسما للمكان المحضور، فهو فاعل بمعنى مفعول.
يتلازمان: يتماسكان للخصومة.
جلسا على بعيرهما: ركباهما.
شرح غريب ذكر وصول أبي سفيان إلى قريب المدينة
النّفير: القوم النّافرون لحرب أو غيرها، تسمية بالمصدر.
ورد بدرا: حضرها.
العقل- بضم العين المهملة والقاف-: جمع عقال، وهو معروف.
ترجّع: تكرّر.
الحنين- بفتح الحاء المهملة-: الشّوق، يقال: حنّت النّاقة حنينا: مدّت صوتها على ولدها.
تواردا [إلى المساء: ورداه معا] .
مناخها- بضم الميم-: موضع الإناخة. يقال أناخ الجمل إناخة. قالوا: ولا يقال في المطاوع: فناخ، بل تبرّك وتنوّخ. وقد يقال: استناخ.(4/139)
ساحل: سلك طريق ساحل البحر.
تعزف: تلعب بالمعازف، وهي آلات يضرب بها، واحدها عزف مثل فلس على غير قياس. قال الأزهري: وهو نقل عن العرب، وإذا قيل: المعزف- بكسر الميم- فهو نوع من الطنابير يتّخذه أهل اليمن. وقال الجوهري: المعازف: الملاهي.
بكّتهم: غيّرهم وقبّح فعلهم.
الجبن- بضم الجيم وسكون الموحدة-: ضعف القلب.
الضّيعة بمعنى الضّياع.
رجز الشيطان: وساوسه.
اغتبط بكذا: سرّ به.
الطّلّ- بفتح الطاء المهملة-: المطر الخفيف، ويقال: أضعف المطر.
وطّأ به الأرض: مهّدها.
ربط الله على القلب: قوّاه.
القوز- بفتح القاف وسكون الواو وبالزاي-: العالي من الرمل كأنه جبل.
أدنى ماء: أقربه.
نغوّر ما وراءه: من رواه بالغين المعجمة فمعناه نذهبه وندفنه، ومن رواه بالمهملة فمعناه نفسده.
الآنية: جمع إناء وهو معروف.
القلب- بضمتين-: قليب البئر، وهو مذكور، قال الأزهريّ: القليب عند العرب البئر العاديّة القديمة مطويّة كانت أو غير مطويّة.
العريش: شبه الخيمة يستظلّ به. وقال في الرّوض: كلّ ما أظلّك وعلاك من فوقك، فإن علوته أنت فهو عرش لك لا عريش. قال في الزهر: وفيه نظر في موضعين: الأول تفرقته بين العرش والعريش لم أره عند لغويّ، والذي رأيت ما ذكره في الموعب عن صاحب العين: أن العرش والعريش ما يستظلّ به، وبسط الكلام على ذلك.
نعدّ (بضمّ النون وكسر العين وتشديد الدال المهملتين) .
الرّكائب- براء فكاف مفتوحتين فألف فهمزة فباء-: جمع الرّكاب، وهي الإبل، واحدتها راحلة.
المعركة- بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الراء-: موضع القتال.
تعدّى- بفتحات والدال مشددة-: تجاوز.(4/140)
حدّها- بفتح الحاء والدال المهملة المشددة-: غضبها.
تحادّ الله: تعاديه وتخالف أمره.
الحرد- بفتح الحاء والراء المهملتين وقد تسكّن الراء-: الغضب.
الحنق: الغيظ.
تصوّب: تقصد.
استجال بفرسه- بالجيم-: طاف به غير مستقرّ.
يتبوّأ منزلا: يتّخذه.
الخيلاء- بضم الخاء المعجمة وكسرها- التكبّر والإعجاب.
فنصرك- بالنّصب بفعل مقدّر- أي أنجز لي نصرك، أو أعطني، أو أنزل، أو نحو ذلك.
أحنهم- بفتح الهمزة وكسر الحاء المهملة وسكون النون- أي أهلكهم، من الحين والهلاك.
يرشدوا- بفتح أوله وثالثه وبضمّ- أي يهتدوا.
اعصبوها اليوم برأسي، أي اجعلوا عارها متعلّقا بي.
يأبى: يمتنع.
العمر- بفتح العين- الحياة.
الطاقة: القوة.
أمهلوني- بقطع الهمزة-: اتركوني.
الكمين: المستخفي في الحرب حيلة.
ضرب في الوادي: سار فيه.
البلايا: جمع بليّة، وهي الناقة أو الدّابّة التي تحفر بيدها حفرة ويشدّ رأسها، وتبلى، أي تترك على قبر الميّت، فلا تعلف ولا تسقى حتى تموت، وكان بعض العرب ممّن يقرّ بالبعث، يزعم أنّ صاحبها يحشر عليها راكبا، وإذا لم يفعل بها ذلك يحشر ماشيا.
النّواضح جمع ناضح- بضاد معجمة فحاء مهملة-: الإبل التي يستقى عليها الماء.
النّاقع: - بنون وقاف مكسورة فعين مهملة-: البالغ، ويقال: الثابت.
المنعة- بفتح النون وإسكانها- فبالفتح جمع مانع ككاتب وكتبة، وبالسكون على معنى منعة واحدة.(4/141)
الملجأ- بالهمز- ما يعتصم به.
يتلمّظون: التلمّظ: إدارة اللسان في الفم وتحريكه، يتتبّع أثر ما كان فيه.
جلدا- بالتحريك-: شدّة وقوة.
الحلقة: السّلاح.
الكراع- بضم الكاف- جماعة الخيل.
أن يؤوبوا: يرجعوا.
الحجف، جمع حجفة، بالتّحريك: التّرس.
مستميتين: مستقتلين، وهم الذين يقبلون على الموت.
العقل- بفتح العين والقاف- الدّية.
ألفاكم: وجدكم.
نثل درعه- بنون فمثلثة فلام مفتوحات- استخرجها من جرابها. ويقال للدّرع الواسعة النّثيلة، بفتح النون وكسر المثلثة وسكون التحتية.
الجراب- بكسر الجيم وتفتح- في لغيّة حكاها النّوويّ، وصاحب القاموس مع كثرة اطّلاعه لم يحكها إلا عنه.
يهنئها- بفتح التحتية وسكون الهاء بعدها نون فهمزة- أي يطليها ويتفقّدها.
انتفخ (بالفاء والخاء المعجمة) .
سحره: كلمة تقال للجبان. وفيها ثلاث لغات، وزان فلس وسبب وقفل، وجمع الأولى سحور كفلوس، وجمع الثانية والثالثة أسحار وهو الرئة، وقيل: ما لصق بالحلقوم والمريء من أعلى البطن، وقيل: هو سواد القلب.
وما بعتبة؟ أي ابن ربيعة. وفي نسخة من السيرة الهاشمية ما بغيته؟ بموحدة فغين معجمة ساكنة فمثناة تحتية مفتوحة ففوقية- وهي الحاجة.
أكلة- بفتح الهمزة والكاف واللام- جمع آكل، أي هم قليل يشبعهم جزور واحد.
ثأرك (بثاء مثلثة فهمزة ساكنة وتسهّل) .
انشد خفرتك، أي اطلب من قريش الوفاء بخفرتهم لك، لأنه كان حليفا لهم. قال في الإملاء: وهي- بضم الخاء المعجمة وفتحها- العهد. واقتصر في الصّحاح على الضّمّ.(4/142)
مصفّرا استه. قال في الروض: سادة العرب لا تستعمل الخلوق والطّيب إلا في الدّعة والخفض، وتعيبه في الحرب أشدّ العيب، وأحسب أن أبا جهل لمّا سلمت العير وأراد أن ينحر الجزور، ويشرب الخمر ببدر استعمل الطيب، أو همّ به، فلذلك قال له عتبة هذه المقالة، ألا ترى قول الشاعر في بني مخزوم:
ومن جهل أبو جهل أخوكم* غزا بدرا بمجمرة وتور وقوله: مصفّرا استه إنما أراد مصفّرا بدنه، ولكنه قصد المبالغة في الذّمّ فخصّ منه بالذّكر ما يسوؤه أن يذكر. وهذا الذي قاله مع مخالفته لظاهر اللّفظ سبق ردّه.
الاست همزته وصل ولامه محذوفة، والأصل سته بالتّحريك، وهو العجز، ويراد به حلقة الدّبر.
حميت الحرب: اشتدّت.
حقب الأمر: اشتدّ وضاقت فيه المسالك، وهو مستعار من حقب البعير، إذا اشتدّ عليه الحقب- وهو الحزام الأسفل- وراغ حتى بلغ وعاء قضيبه، فضاق عليه مسلك البول.
استوسقوا- بسينين مهملتين وقاف-: اجتمعوا واستقرّ رأيهم على ذلك.
البيضة: الخوذة.
الهامة- بتخفيف الميم- الرأس، والجمع هام.
الاعتجار- بالجيم والراء-: التّعمّم من غير أن يجعل تحت لحيته من العمامة شيء.
متن الفرس: ظهره.
النّصف- بفتح النون والصاد المهملة-: العدل والقسط.
شرح غريب ذكر ابتداء الحرب
القدح- بكسر القاف وسكون الدال وبالحاء المهملتين-: عود السهم إذا قوم واستوى قبل أن ينصل ويراش، فإذا ركّب فيه النّصل والرّيش فهو السّهم، وقيل: عود السّهم نفسه.
سواد (بتخفيف الواو) .
غزيّة (بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي وتشديد التحتية) .
مستنتل- بمثنّاتين فوقيتين: الأولى مفتوحة والثانية مكسورة بينهما نون ساكنة- أي يتقدّم أمام الصّفّ. يقال: استنتلت، إذا تقدّمت.
أقدني- بهمزة مفتوحة- أي اقتصّ لي من نفسك.(4/143)
استقد: اقتصّ.
البأس: الحرب.
المقت: أشدّ البغض.
ابلوا ربّكم: اختبروه.
شرسا- بفتح الشين المعجمة وكسر الراء وبالسين المهملة-: سيّء الخلق.
أطنّ قدمه: أسرع قطعها فطارت، أي طنّت. يقال: أطننتها، أي قطعتها، استعارة من الطّنين وهو صوت القطع.
تشخب- بضم الخاء المعجمة-: تتفجّر.
حبا: زحف.
المناوشة في القتال: تداني الفريقين وأخذ بعضهم بعضا.
نشبت الحرب: اشتبكت الرّجال بعضها مع بعض.
سلمت (بكسر اللام) .
أوذنكم: أعلمكم.
كثبوكم- بمثلّثة فموحّدة- قربوا منكم.
استبقوا- بسكون الموحدة- فعل أمر من الاستبقاء، أي طلب الإبقاء.
العنان- بكسر العين المهملة-: اللّجام، وسمي بذلك لأنه يعنّ، أي يعترض في الفم فلا يلجمه.
النّقع- بنون مفتوحة فقاف ساكنة فعين مهملة-: الغبار.
الشّوكة- بشين معجمة مفتوحة فواو ساكنة-: وهي هنا شدّة القتال وحدّته.
أخرج (بقطع الهمزة) .
أكفاء: جمع كفو، وهو النظير.
أثبت صاحبه: أصاب مقاتله.
كرّ عليه: عطف.
دفّفا عليه- بالدال المهملة وبالذال المعجمة- يقال: دففت على الأسير وداففته ودففت عليه، أي أجهزت عليه وحررت قتله.
حازاه- بالحاء المهملة والزاي-: ضمّاه.(4/144)
نبزى- بضم النون وسكون الموحدة وفتح الزاي- معناه لا يسلب ونغلب عليه.
نناضل: نرامي بالسّهام.
نذهل: نغفل.
الحلائل: - بالحاء المهملة-: الزّوجات.
برزوا: ظهروا.
أول من يجثو- بالجيم والمثلثة- أي يقعد على ركبتيه مخاصما، والمراد بهذه الأوّليّة تقييده بالمجاهدين من هذه الأمة، لأن المبارزة المذكورة أول مبارزة وقعت في الإسلام، كذا قيل، وفيه نظر.
شرح غريب ذكر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر.
يناشد ربّه: يسأله ويرغب إليه.
تهلك (بفتح الفوقية وكسر اللام) .
العصابة، بالرّفع، فاعل تهلك، وهي الجماعة من الناس.
المناشدة: المسألة.
شقّة قمر: تقدم بيان ذلك في أبواب صفاته الحسية صلى الله عليه وسلم.
الأكناف- جمع كنف، وهي الجوانب.
ألححت: ألحفت بالمسألة.
يهتف بربّه: يناديه ويدعوه.
كذاك مناشدتك لرّبك كذاك- بذال معجمة- يعني كفاك. قال قاسم بن ثابت: كذاك يراد بها الإغراء، والأمر بالكفّ عن الفعل، وهو المراد هنا. وأنشد لجرير:
كذاك القول إنّ عليك عينا أي حسبك من القول فدعه.
وفي البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأنجشة: يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير، وأورده مرة أخرى فقال: كذاك سوقك بالقوارير،
وإنّما دخله النّصب كما دخل في عليك زيدا وفي دونك، لأنّك إذا قلت: دونك زيدا وهو يطالبه فقد أعلمته بمكانه، فكأنك قلت: خذه.
ومسألة «كذاك» من هذا الباب، لأنك إذا قلت: كذاك القول أو السير فكأنك قلت: كذاك أمرت فاكفف ودع.(4/145)
خفق- بخاء معجمة فقاف-: حرّك رأسه وهو ناعس.
أبشر (بقطع الهمزة) .
أداة الحرب- بفتح الهمزة وبالدال المهملة-: آلتها.
الدّبرة- بفتحتين وتسكّن- وهي النّصرة والظّفر على العدوّ، والدّبرة أيضا الهزيمة.
الحمحمة- بحاءين مهملتين-: صوت الفرس دون الصّهيل.
أقدم- بضمّ الدال والهمزة، وبفتح الهمزة وكسر الدال، وعكسه، ورجّح النّوويّ وصاحب النهاية الثاني، وهو من التقدّم في الحرب. والإقدام: الشجاعة، واقتصر في البارع على الثالث، وقال في الإملاء: أقدم: كلمة تزجر بها الخيل.
حيزوم- بحاء مهملة مفتوحة فتحتية ساكنة فزاي مضمومة فواو فميم- وهو فيعول من الحزم. والحيزوم أيضا يطلق على الصّدر، فيجوز أيضا أن يكون سمي به لأنه صدر خيل الملائكة ومتقدّم عليها، وروي بالنّون عوض الميم، أي أقدم يا حيزوم- وقول من قال: إنه اسم فرس جبريل يردّه ما رواه البيهقي عن خارجة بن إبراهيم، عن أبيه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل: من القائل يوم بدر من الملائكة: أقدم حيزوم؟ فقال جبريل: ما كل أهل السماء أعرف.
قناع القلب- بكسر القاف وتخفيف النون وبالعين المهملة-: غشاؤه.
يشتدّ: يعدو.
إثر (بكسر الهمزة وإسكان الثاء المثلثة ويجوز فتحها وحكي تثليث الهمزة) .
انتعشت: ارتفعت وقمت.
رويدا: اسم فعل أمر، ويكون صفة، نحو ساروا سيرا رويدا، وحالا نحو: ساروا رويدا.
البنان: الأصابع، وقيل: أطرافها.
مجنّبة الجيش: هي التي تكون في الميمنة والمسيرة، وهي مجنّبتان- والنون مكسورة- وقيل: هي الكتيبة التي تأخذ ناحية الطريق. قال في النهاية: والأول أصحّ.
الماتح- بالفوقية-: المستقي من البئر بالدّلو من أعلى البئر، وبالتحتية الذي يملأ الدّلو، والأول المراد هنا.
رأيتنا (بضمّ التاء) .(4/146)
المدد: المعين.
البجاد- بكسر الموحّدة-: الكساء الأسود، أراد الملائكة الذين أمدّهم الله بهم.
مبثوث: متفرّق.
الأفق- بضمتين-: الناحية من الأرض ومن السماء.
الصّبا كالحصى: الرّيح الشّرقيّة.
الدّبور- بفتح الدال-: الرّيح التي تقابل الصّبا من جهة المغرب. ويقال: تقبل من جهة الجنوب ذاهبة نحو المشرق.
خطم بالبناء للمفعول، وأنفه نائب الفاعل. والخطم: الكسر.
يندر- بفتح التحتية وسكون النون وضم الدال المهمة- أي يسقط.
الكلم- بفتح الكاف- الجرح.
الجرف- بضمتين وبالسكون تخفيفا-: ما جرفته السيول وأكلته من الأرض.
زايله: فارقه.
تشبّث: تعلّق.
لا يلوي: لا يلتفت.
أسألك نظرتك، أشار إلى قوله تعالى: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ [الحجر 37، 38] ألفى: وجد.
الخذلان- بكسر الخاء: ضدّ النّصر.
نقرن- بنون فقاف فراء-: نجمع.
شرح غريب سيما الملائكة
السّيما- بالقصر ويجوز المدّ-: العلامة.
الرّيطة- بفتح الراء وسكون التحتية-: كلّ ملاءة ليست لفقتين، أي قطعتين.
سوّمت: علّمت.
نواصي الخيل: الشّعر المسترسل على الجبهة.
العهن: الصّوف.
.(4/147)
شرح غريب ذكر شعار المسلمين
الشّعار- بكسر الشين المعجمة وتخفيف العين المهملة-: العلامة التي يتعارفون بها للقتال.
يا منصور أمت: أمر بالموت، المراد به التّفاؤل بالنصر بعد الأمر بالإماتة، مع حصول الغرض للشّعار، فإنهم جعلوا هذه الكلمة علامة بينهم يتعارفون بها، لأجل ظلمة الليل.
شرح غريب ذكر التحام القتال
بخ بخ: كلمة تقال عند المدح والرّضا بالشيء وتكرّر للمبالغة، وهي مبنية على السكون، فإن وصلت جرّدت ونونت فيقال بخ بخ، وربما شدّدت. وبخبخت الرجل، إذا قلت له ذلك، ومعناهما تعظيم الأمر وتفخيمه وقال في المطالع: يقال بالإسكان وبالكسر مع التنوين وبالضم دون تنوين. وبخ بخ- بضم الخاء والتنوين والتخفيف- فمن سكّن شبّهها بهل وبل، ومن كسر ونوّنها أجراها مجرى مه وصه، وشبهها بالأصوات. قال الخطابي: والاختيار إذا كرّرت تنوين الأولى وتسكين الثانية. وقال في القاموس: بخ، أي عظم الأمر وفخم. تقال وحدها وتكرّر، ويقال: بخ الأوّل ينوّن والثاني يسكّن، وقل في الإفراد بخ ساكنة وبخ مكسورة، وبخ منوّنة مضمومة. ويقال: بخ بخ مسكنين، وبخّ بخّ مشدّدين: كلمة تقال عند الرضا والإعجاب بالشّيء، أو الفخر والمدح.
شرح غريب مقتل عوف بن الحارث
الحاسر: بحاء وسين مهملتين- الذي لا درع له، زاد بعضهم ولا مغفر.
غمس يده في دم العدوّ، أي أدخلها فيهم بالضّرب.
شرح غريب: وقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم
حرّضا- بحاء مهملة فراء مشددة فألف اثنين- بمعنى حثّا، بفتح الحاء المهملة والمثلّثة المشدّدة.
أمّنا- بفتح الهمزة والميم المشددة- أي تقدّمنا للعدوّ.
حمي البأس: اشتدّت الحرب.
نلوذ- بذال معجمة-: نلتجي.
شرح غريب ذكر دعاء أبي جهل على نفسه
أحنه- بهمزة مفتوحة فحاء مهملة مكسورة فنون فهاء ضمير-: أهلكه، من الحين وهو الهلاك.(4/148)
المستفتح: الحاكم على نفسه.
شرح غريب مقتل عدو الله أمية بن خلف
ألا أراك- بتخفيف اللام- للاستفتاح.
آويتم بالمدّ والقصر.
الصّباة- بضمّ المهملة وتخفيف الموحّدة- جمع صابي- بكسر الموحدة فتحتانية خفيفة بغير همز- وهو الذي ينتقل من دين إلى دين.
طريقك، بالنصب والرّفع. قال الحافظ: النصب أصحّ لأن عامله لأمنعنّك فهو بدل من قوله: ما هو أشد وأما الرّفع فيحتاج إلى تقدير.
استنفر الناس: استحثّهم على الخروج.
أجمع القعود: وعزم عليه.
ظهراني قومه: وسطهم.
أما لكم في اللّبن من حاجة؟ تقدم الكلام على أما، والمعنى من أسرني ولم يقتلني افتديت منه بإبل كثيرة اللّبن.
المعلّم- بضم الميم وفتح العين واللام المفتوحة المشددة- كما في نسخة صحيحة من العيون. وقال في النور: بسكون العين وكسر اللام.
رأس الكفر، يجوز في رأس الرفع والنصب، وكذا في أمية.
ابرك فبرك (بالموحّدة والكاف) .
الدّسكرة: بناء يشبه القصر حوله بيوت.
المسكة- بفتح الميم والكاف-: السّوار من الذّبل.
شرح غريب ذكر رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم الكفار بالحصباء
الحصباء بالمدّ: الحصا الصّغار.
شاهت الوجوه: قبحت.
لا يلوون: لا يلتفتون.
يأسرون بكسر السين.
الطّست: تقدم الكلام عليه في باب شق صدره الشّريف.(4/149)
الصّناديد: جمع صنديد، وهو السيّد الشريف الشجاع، أو الحليم الجواد، أو الشريف.
كرّة العدوّ: رجوعه.
لألجمنّه بالسيف- يروى بالجيم والحاء المهملة وهو فيهما رباعي، فمن رواه بالجيم فمعناه لأضربنّ به في وجهه، ومن رواه بالحاء فمعناه: لأقطعنّ لحمه بالسّيف ولأخالطنّه.
جنادة بضم الجيم والتخفيف.
مليحة: بميم مضمومة فلام مفتوحة فتحتية ساكنة فحاء مهملة.
يستأسر بكسر السين الثانية.
عظم الناس- بضم العين المهملة وإسكان الظاء المعجمة المشالة- أي أكثرهم.
شرح غريب ذكر مقتل أبي جهل
بين أضلع منهما- بضاد معجمة ساكنة فلام مفتوحة فعين مهملة- أي أقوى وأشدّ، وفي لفظ عند البخاريّ: أصلح. قال في المطالع: والأول أوجه.
غمزني: الغمز: الكبس باليد.
السّواد: هنا الشّخص.
لم أنشب- بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الشين المعجمة فموحّدة- أي لم ألبث.
الحرب العوان: التي قوتل فيها مرةً بعد مرة.
البازل- بالزاي واللام- من الإبل: الذي خرج نابه وهو في ذلك السّنّ به قوّته، ويقال:
هذا الرّجز ليس لأبي جهل وإنما تمثّل به.
الحرجة- بفتح الحاء المهملة والراء والجيم- وهي مجتمع شجر ملتفّ كالغيضة، والجمع حراج وحرج. وقال في الإملاء: الحرجة: الشّجرة الكثيرة الأغصان.
لا يخلص (بالبناء للمفعول) .
عمدت: قصدت.
طاح الشيء يطوح ويطيح، إذا سقط وهلك.
مرضخة النّوى، بالحاء المهملة والمعجمة. وقيل: الرّضح- بالحاء المهملة: كسر اليابس، وبالمعجمة كسر الرّطب. قال في الإملاء: المرضخة: الحجر الذي يكسر به النّوى.
أجهضني- بالجيم والضاد المعجمة بعد الهاء-: شغلني.
تمطّيت: مددت بين يديّ.(4/150)
برد- بموحّدة وراء مفتوحتين- أي مات، هكذا فسّروه. ووقع في رواية السّمرقنديّ في مسلم حتى برك- بكاف بدل الدال- أي سقط، وكذا رواه الإمام أحمد، قال القاضي:
وهذه الرواية أولى لأنه قد كلّم ابن مسعود، فلو كان مات كيف كان يكلّمه؟! قال الحافظ:
ويحتمل أن المراد بقوله برد أي صار في حاله من يموت ولم يبق فيه شيء سوى حركة المذبوح فأطلق عليه باعتبار ما سيئول إليه، ومنه قيل للسيوف: بوارد، أي قواتل، وقيل لمن قتل بالسيف: أصابه مسّ الحديد، لأن طبع الحديد البرودة. وقيل: معنى برّد: فتر، جدّ في الأمر حتى برد، أي فتر، وبرد النّبيذ: سكن غليانه.
بصق- بالصاد والزاي أيضا-: أخرج ريقه ورمى به.
عقير: قتيل.
أثبته: أصاب مقاتله.
الرّمق- بفتحتين-: بقية الحياة.
المأدبة- بضم الدال وفتحها- الطّعام.
جدعان (بجيم مضمومة فدال مهملة ساكنة فعين مهملة) .
جحش- بجيم فحاء مهملة فشين معجمة مبني للمفعول-: خدش.
مقنّعا (بميم مضمومة فقاف فنون مشددة مفتوحتين) .
أنقف رأسه: أهشمه.
أعمد- بالعين والدال المهملتين- أي هل زاد على رجل قتله قومه، وهل كان إلا هذا، أي أنّه ليس بعار: وقيل: أعمد بمعنى أعجب، أي أعجب من رجل قتله قومه، يقال: أنا أعمد من كذا أي أعجب منه، وقيل: أعمد بمعنى أغضب، من قولهم: عمد عليه، إذا غضب. وقيل:
معناه أتوجّع وأشتكي، من قولهم: عمدني الأمر فعمدت، أي أوجعني فوجعت، والمراد بذلك كله أن يهوّن على نفسه ما حلّ به من الهلاك، وأنه ليس بعار عليه أن يقتله قومه.
الأكّار- بتشديد الكاف-: الزّرّاع، يعني بذلك أن الأنصار أصحاب زرع، فأشار إلى تنقيص من قتله منهم بذلك. ووقع في مسلم: لو غيرك كان قتلني. قال الحافظ: وهو تصحيف.
الدّبرة: نقيض الدّولة، والظّفر والنّصرة (وتفتح الباء وتسكّن) .
الدائرة، الهزيمة.
سابغة البيضة: ما يوصل به إليها من حلق الدّرع فيستر العنق.(4/151)
أجهز عليه: أسرع قتله.
الله الذي لا إله إلا هو، قال في الروض: الاسم الجليل بالخفض عند سيبويه وغيره، لأن الاستفهام عوض عن الخافض عنده، وإذا كنت مخبرا قلت: الله بالنصب، لا يجيز المبرّد غيره، وأجاز سيبويه الخفض أيضا لأنه قسم، وقد عرف أن المقسم به مخفوض بالباء وبالواو، ولا يجوز إضمار حروف الجرّ إلا في هذا الموضع، أو ما كثر استعماله جدا، كما روى أن رؤبة كان يقول إذا قيل له: كيف أصبحت؟: خير عافاك الله.
الخدر، قال في النور الظاهر أنه بخاء معجمة فدال مهملة فراء. يقال: خدر الرجل يخدر خدورا: ورم من الضرب، والمعنى أن السياط قد بضعت جلده وادمته، وفي نسخة من العيون بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة، والخدر معروف ولا يناسب ذلك.
قتلة بكسر القاف.
حدجة حنظل- بفتح الحاء والدال المهملتين فجيم فتاء تأنيث-: الحنظلة الفجّة الصّلبة، وجمعها حدج.
المقمعة- بكسر الميم الأولى- سوط يعمل من حديد رأسها معوج.
شرح غريب ذكر انقلاب العرجون سيفا وغريب بركة أثر ريقه
العرجون- بضم العين المهملة-: أصل العذق الذي يعوجّ وينعطف ويقطع منه الشّماريخ فيبقى على النّخلة يابسا.
جذلا من حطب- بكسر الجيم وفتحها وإسكان الذال المعجمة-: واحد الأجذال، وهي أصل الحطب، والمراد هنا العرجون.
المتن: الظّهر.
يسمّى العون (بفتح العين المهملة وإسكان الواو وبالنون) .
الأعزل- بفتح الهمزة وسكون العين المهملة-: الذي لا سلاح معه.
من نخل ابن طاب- بطاء مهملة فألف فموحدة-: نوع من أنواع تمر المدينة منسوب إلى ابن طاب: رجل من أهلها.
جسر أبي عبيد بالجيم المكسورة.
لأمه بالهمز وزن جذبه، وفي لغة بالمدّ على وزن آذنه، أي جمعه وضمّ بعضه إلى بعض.(4/152)
الحدقة- بالتحريك-: سواد العين.
أجل: كنعم وزنا ومعنى.
كرّة العدوّ- بالتشديد-: رجوعه.
الوجنة- بالجيم مثلثة الواو، وبفتحتين، وكنبقة- والأجنة بالضم: ما نتأ من لحم الخدّ، وهما وجنتان. ومشرف الوجنتين: عالي عظام الخدّين.
الإثخان- بالثاء المثلثة والخاء المعجمة-: المبالغة في الشيء، والمراد هنا المبالغة في قتل الكفار.
شرح غريب ذكر انهزام المشركين
رئي بالبناء للمفعول.
مصلتا بالسيف: بارزا بالسيف من غمده.
الدّبر- بضم الدال المهملة والموحّدة- خلاف القبل.
يثب: يقفز.
لمه: استفهامية حذفت ألفها، لدخول حرف الجرّ والهاء للسّكت.
نفلّق: نشقّ.
الهام: جمع هامة: الرأس.
شرح غريب ذكر سحب الكفار إلى قليب بدر
الطّويّ- بفتح الطاء المهملة وكسر الواو وتشديد التحتية-: البئر المطويّة، فعيل بمعنى مفعول، وطيّها بناؤها بالحجارة.
فتزايل- بفاء فوقية فزاي فألف فتحتية فلام- أي تفرقت أعضاؤه.
العرصة- بإسكان الراء-: البقعة التي ليس فيها بناء.
شفا البئر- بفتح الشين المعجمة والفاء مقصورا-: حرفه.
الشّفير- بالشين المعجمة والفاء- من كل شيء: حرفه وجانبه.
الرّكيّ- بالراء المفتوحة- والرّكيّة- البئر.
يا عتبة بن ربيعة، يجوز في عتبة ضم التاء ونصب نون ابن، ونصبهما جميعا، وعلى الأول يكتب ابن بألف وعلى الثاني تحذف، لأنه جعل الابن مع ما قبله اسما واحدا، وإذا قلت:
يا أبا جهل ابن هشام، إن نوّنت اللام كتبت ابن بالألف، وإن لم تنون حذفتها.(4/153)
أجيفوا: صاروا جيفا.
الأماثل: الأخيار.
شرح غريب أبيات حسان رضي الله عنه
الكثيب-: بالمثلثة- التّلّ من الرّمل.
القشيب- بقاف مفتوحة فشين معجمة مكسورة فمثناة تحتية فموحدة-: الجديد.
والقشيب: الخلق- بكسر اللام- كما ذكره في المحكم والمنتهى، وهو المراد هنا، لأنهم إذا وصفوا الرسوم أو شبّهوها بالكتاب في الورق القشيب، فإنما يصفون الخطّ حينئذ بالدّروس والانمحاء، فإن ذلك أدلّ على إعفاء الدّيار وطموس الآثار.
الجون- بفتح الجيم هنا-: السّحاب الأسود.
الوسميّ- بفتح الواو-: مطر الخريف.
المنهمر: الذي ينصبّ بشدّة.
سكوب- بفتح السين المهملة- أي كثير السّيلان.
يبابا- بمثنّاة تحتيّة وموحّدتين- أي خرابا مقفرا.
الكئيب- بفتح الكاف وكسر الهمزة-: الحزين.
كأنّ: حرف تشبيه.
حراء: اسم جبل بمكة.
جنح الغروب: - بكسر الجيم وضمها وسكون النون وفتح الحاء المهملة- أي حين تميل الشمس للغروب.
الغاب- بالغين المعجمة- جمع غابة، وهو الشجر الملتفّ يكون فيه الأسود.
مردان جمع أمرد، وهو الذي أبطأ نبات وجهه.
الشّيب- بكسر الشين المعجمة- جمع أشيب، وهو الذي دخل في حدّ الشّيب.
وازروه: أعانوه.
اللّفح، يروى بالفاء، والمراد الحرّ، يقال: لفحته النّار، إذا أصابه حرّها وبالقاف، ومعناه الزّيادة والنّماء. يقال: لقحت الحرب، إذا زاد أمرها.
الصّوارم: السيوف.
المرهفات- بالفاء-: القاطعات.(4/154)
الخاظي- بخاء وظاء مشالة معجمتين- الغليظ الممتلئ.
الكعوب: عقد القناة.
الغطاريف- بغين معجمة-: السادة، واحدهم غطريف، وحذف الياء في النظم للوزن.
في الدّين الصّليب: الشّديد.
الجبوب- بفتح الجيم وضم الموحدة- قال في الإملاء: وجه الأرض. وقال في الرّوض: الجبوب: اسم للأرض، لأنها تجبّ أي تحفر، أو تجبّ من يدفن فيها، أي تقطعه، وهذا أولى. انتهى. وقال بعض اللغويّين: الجبوب: المدر، واحدته جبوبة.
قذفناهم: رميناهم.
الكباكب: الجماعات.
فسحب (بالبناء للمفعول) .
شرح غريب ذكر إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة
الأثيل- بضم أوله مصغّرا على وزن حميد-: موضع بالصّفراء.
العقيق: الوادي الذي شقّه السيل قديما وهو في بلاد العرب عدة مواضع، منها العقيق الأعلى عند مدينة النبي صلى الله عليه وسلم.
العالية: كل ما كان من جهة نجد من المدينة وقراها وعمائرها. وما دون ذلك من جهة تهامة فهي السافلة.
يشتدّون: يعدون.
الفلّ- بفتح الفاء- القوم المنهزمون، من الفلّ، وهو الكسر.
الهيعة- بفتح الهاء وسكون التحتية وفتح العين المهملة- كلّ ما أفزع من صوت أو فاحشة تشاع. وقال أبو عبيد: هي صيحة الفزع.
البقيع: المكان المتّسع، ويقال: الموضع الذي فيه شجر، والمراد هنا بقيع الغرقد بالمدينة الشّريفة، كان ذا شجر وبقي الاسم.
علية أصحابه- بكسر العين وسكون اللام-: أشرافهم.
المرجف: الخائض في الأخبار الكاذبة والفتن، ليضطرب أمر الناس.(4/155)
شرح غريب ذكر اختلاف الصحابة في الفيء وفيما يفعل بالأسرى
الفيء بالهمزة: الخراج والغنيمة.
يحوزونه- بالحاء المهملة والزاي-: يضمّونه ويجمعونه.
أحدقت: أحاطت.
الغرّة بالكسر: الغفلة.
المشيخة: اسم جمع للشّيخ، وجمعها مشايخ.
الشّبّان: جمع شاب، وهو غير المكتهل.
الرّدء وزن حمل: المعين.
يبلي بلائي: يفعل فعلي.
الضّنّ- بكسر المعجمة وتشديد النون-: البخل.
أفردت (بضم الهمزة وكسر الراء مبني للمفعول والتاء للمخاطب) .
المضيعة- بكسر الضاد المعجمة- مفعلة من الضّياع والاطّراح، كأنه قال فيه: ضائع، فلما كان عين الكلمة ياء وهي مكسورة نقلت حركتها إلى العين فسكّنت الياء فصار وزن معيشة.
القبض- بفتح القاف وبالموحّدة والضاد المعجمة- بمعنى المقبوض، وهو ما جمع من مال الغنيمة قبل أن يقسّم.
إصلاح ذات البين: إصلاح الفساد بين القوم، والمراد إسكان الثائرة.
العشيرة: القبيلة، ولا واحد لها من لفظها، وجمعها عشائر وعشيرات.
أدنى من هذه الشجرة: أقرب منها.
الظّفر: الفوز والفلاح.
العضد- بعين مهملة فضاد معجمة-: النّاصر والمعين.
أضرمه عليهم: أحرقه.
شرح غريب ذكر رحيل رسول الله صلى الله عليه وسلم
قافلا: راجعا.
قرير العين: مسرورا، يقال: قرّت عينه أي سرّ وفرح، وحقيقته: أبرد الله دمعة عينه، لأن دمعة الفرح والسرور باردة، وقيل: معنى أقرّ الله عينك: بلّغك أمنيتك حتى ترضى لنفسك، وتسكّن عينيك، فلا تستشرف إلى غيره.(4/156)
النّازية- بالزاي وتخفيف المثناة التحتية-: موضع واسع بين مسجد المنصرف بآخر الرّوحاء وبين المستعجلة.
سير- بسين مهملة فتحتية مفتوحتين-: كثيب بين النازية والصفراء، كانت به قسمة غنائم بدر، وقيل: بالموحّدة المشدّدة المكسورة، وقيل: بشين معجمة مفتوحة وتحتية مشددة مكسورة.
السّرحة: الشجرة العظيمة.
يضرب في إبله: يلقحها.
ثكلته: فقدته.
السّلب- بفتح اللام-: ما يسلب، أي يؤخذ، والجمع أسلاب. قال في البارع: وكلّ شيء على الإنسان من لباس فهو سلب.
أحذى مماليك- بالذال المعجمة- أعطى.
السّهمان- بضم السّين- والأسهم وهو النّصيب.
الصّفيّ والصّفيّة: ما يصطفيه الرئيس من المغنم قبل القسمة. ولهذا مزيد بيان في الخصائص.
مهريا- بفتح الميم وسكون الهاء وكسر الراء- قيل نسبته إلى مهرة وزن ثمرة: حيّ في قضاعة، وقيل إلى مهرة: بلدة من عمان.
المجد: الشرف.
السّؤدد: السيادة.
حلما أصيلا: ثابتا.
اللّبّ: العقل.
الأشعث: المتغيّر.
الجذل- بالجيم والذال المعجمة-: أصل كل شجرة ذهب رأسها، قال في التقريب:
وزاد أهل الغريب الفتح. ولم أره في كتاب لغة.
الأبرام: جمع برم، وهو الذي لا يدخل مع القوم في الميسر لبخله.
المحل: القحط.
الزّفزف- بزاءين معجمتين وفائين- الرّيح الشديدة السريعة المرور.(4/157)
التّشبيب: إيقاد النار تحت القدر ونحوها.
أزبدت: ألقت زبدها وهو رغوة غليانها.
يذكي بالذال المعجمة: يوقد.
الجزل- بفتح الجيم وكسرها وسكون الزّاي المعجمة-: الغليظ.
المستنبح: - بضم الميم وسكون السين المهملة وفتح الفوقية وسكون النون وكسر الموحدة وبالحاء المهملة- الرجل الذي يضلّ بالليل فينبح لتسمعه الكلاب، فيعلم بذلك موضع العمران فيقصده.
الرّسل- بكسر الراء-: اللّبن.
يا راكبا: نكرة غير مقصودة.
الأثيل: تقدّم.
مظنّة- بفتح أوله وكسر الظاء المعجمة المشالة وفتح النون المشددة المفتوحة-:
موضع إيقاع الظّنّ به.
ما إن تزال: إن زائدة.
تخفق- بفتح المثناة الفوقية وسكون الخاء المعجمة وكسر الفاء وآخره قاف- أي تسرع.
العبرة- بفتح العين المهملة-: الدّمعة.
مسفوحة: جارية.
الواكف: السائل.
تخنق (بخاء معجمة ساكنة فنون مضمومة) .
أمحمد: الهمزة للنّداء ونوّنت للوزن، وفي لفظ أمحمدا، أرادت يا محمداه، على النّدبة.
الضّنء- بفتح الضاد المعجمة فنون ساكنة فهمزة- وهو الأصل، يقال: هو كريم الضّنء، أي الأصل. والضّنء: الولد. يقال: ضنئت المرأة وأضنأت تضنأ، إذا ولدت.
الفحل: الذّكر.
المعرق- بضم أوله وبسكون المهملة وكسر الراء وفتحها-: الكريم.
مننت: أنعمت، المنّة: النّعمة. ومن رواه: صفحت فمعناه عفوت، والصّفح: العفو.
المغيظ- بفتح الميم وكسر الغين المعجمة وسكون التحتية وبالظاء المعجمة المشالة- وهو بمعنى المحنق: الشّديد الغيظ.(4/158)
النّضر أقرب من أسرت: أرادت أقرب منّي، لأن الأسارى كان فيهم العبّاس ونوفل وعقيل وهم أقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النّضر.
يعتق- بضم أوله وفتح ثالثه وروي بكسر ثالثه- ومعناه إن كان شرف ونجابة وكرم نفس وأصل يعتق صاحبه فهو أحقّ به.
تنوشه- بمثناة فوقية مفتوحة فنون مضمومة فواو فشين معجمة- أي تتناوله.
تشقّق- بضم الفوقية وفتح الشين المعجمة وتشديد القاف الأولى- أي تقطّع.
الصّبر هنا القتل في غير معركة ولا حرب ولا خطأ، ويروى: قسرا- بسين مهملة- أي قهرا.
متعبا: اسم مفعول من التّعب.
الرّسف- بفتح الراء وسكون السين المهملة وفتح الفاء-: المشي الثّقيل كمشي المقيّد ونحوه. يقال: هو يرسف في قيوده، إذا مشى فيها.
العاني- بالمهملة والنون-: الأسير.
اخضلّت: ابتلّت من الدموع.
رقّ لها: رحمها.
يغمز فيها: يتكلّم في صحّتها.
الصّبية والصّبيان: جمع صبيّ.
وقول عمر: حنّ قدح- بكسر القاف وسكون الدال المهملة- ليس منها، أي من قريش يعرّض بنسب عقبه، وذلك أن اسم أبي معيط أبان بن ذكوان بن أمية، وكان أمية قد ساغ أمة أو بغت له أمة فحملت بذكوان، فاستلحقه بحكم الجاهلية. وقداح الميسر ربما جعل معها قدح مستعار سمّي المنيح، فإذا حرّك في الرّبابة مع القدح تميّز صوته، لمخالفة جوهره جوهر القداح فيقال حينئذ: قدح ليس منها.
الرّوحاء: تقدّمت.
عجائز: جمع عجوز. قال ابن سيده: العجوز والعجوزة من النساء: الهرمة، الأخيرة قليلة، والجمع عجز وعجائز.
صلعا: جمع صلعاء- بفتح الصاد- والرجل أصلع. والصّلع- بالتحريك: - انحسار الشّعر عن مقدّم الرأس. والمعنى: ما قتلنا إلا مشايخ عجزة عن الحرب.(4/159)
الملأ: الأشراف.
ثنيّات الوداع: تقدم الكلام عليها في دخوله صلّى الله عليه وسلم المدينة.
شرح غريب أبيات أبي عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن جابر رحمه الله
بدا: ظهر.
المواكب: جمع موكب، وهو جماعة ركّاب يسيرون برفق، وهم أيضا القوم الركوب للزينة والتنزّه.
شرّدهم: طردهم.
المشرفيّ: قال في الصحاح: المشرفيّة: السّيوف نسبت لمشارف، أي بالفاء، وهي قرية من أرض العرب تدنو من الرّيف. يقال: سيف مشرفيّ، ولا يقال: مشارفيّ، لأن الجمع لا ينسب إليه إذا كان على هذا الوزن.
المجندل: المطعون والملقى على الجدالة، وهي الأرض.
العوالي: جمع عالية، وهي السّنان من القناة.
سلا عنهم: فعل أمر مسند لاثنين، من السؤال.
يوم السّلا: كالحصى الذي يكون فيه الولد، ويأتي الكلام على ذلك مبسوطا في جماع أبواب إجابة دعواته صلى الله عليه وسلم.
شرح غريب ذكر وصول الأسارى إلى المدينة الشريفة
الحجرة: واحدة الحجر، وهي البيوت.
السّريد- بسين مهملة- تعني به الثّريد، كذا ذكره البلاذريّ وغيره، وفيه نظر، لأن سيدنا أسامة بن زيد رضي الله عنهما كان من فصحاء العرب، ونشأ بينهم، فكيف يأتي بالثاء المثلثة سينا؟ وكيف يقرّ على ذلك في حالة الصّغر؟
شرح غريب ذكر وصول خبر مصاب أهل بدر إلى أهليهم
الخوالف: المخلّفون عن المرتحلين، وهو جمع خالفة لا جمع خالف، لأن فاعلا لا يجمع على فواعل إلا ما شذّ، والخالفة: تأنيث الخالف، وهو الذي قعد بعد خروج غيره.
الأبطح: مسيل واسع فيه دقاق الحصا، وهو هنا ما بين المحصّب ومكة.
ذو طوى- بتثليث الطاء-: واد بمكة يصرف ولا يصرف.(4/160)
وقيعة- بفتح الواو وكسر القاف فتحتية ساكنة فعين مهملة مفتوحة فتاء تأنيث-:
القتال، والجمع الوقائع، وهذا مجاز.
بأنفذ صوته: أبعده وأعلاه.
أبادت: أهلكت.
الخرائد جمع خريدة: اللؤلؤة التي لم تثقب، والمراد العذراء.
التّرائب: جمع تربية: عظام الصدر ما بين التّرقوة إلى الثّندوة.
ويح: كلمة تقال لمن وقع في هلكة.
جار- بالجيم والراء- وفي بعض النّسخ من العيون: حاد- بالمهملتين- أي مال.
كبته الله: أذلّه وأخزاه.
الطّنب- بضم الطاء المهملة والنون وبالموحدة- حبل الخباء، وطرف الحجرة.
منحناهم أكتافنا: أعطيناهم إيّاها.
ما تليق- بمثناة فوقية مضمومة فلام مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فقاف- أي ما تبقي شيئا.
وايم الله- بهمزة وصل، وفي لغة بالقطع، وفتح همزتها وتكسر- أي يمين الله قسمي.
يأسرون (بكسر السين) .
لقينا القوم- بإسكان المثناة التحتية- والقوم منصوب، ويجوز فتح الياء والقوم بالرفع، والأول أولى لقوله: منحناهم أكتافنا، ليتّسق الكلام.
ثاورته- بثاء مثلثة-: نهضت إليه.
العدسة- بفتح العين والدال والسين المهملات فتاء تأنيث-: بثرة تشبه العدسة تخرج في موضع من الجسد، تقتل صاحبها غالبا.
السّبّة- بسين مضمومة مهملة فموحّدة مشددة- أي فعل السّبّة. تقول: هذا رجل سبّة، أي يسبّه الناس.
شرح غريب نوح أهل مكة على قتلاهم
تستأنوا- بمثنّاة مفتوحة فسين مهملة ساكنة فمثناة فوقية فألف فنون- أي تؤخّرون فداهم.
لا يأرب عليكم في الفداء- بمثناة تحتية مفتوحة فهمزة ساكنة فموحدة- أي يشدّد.(4/161)
السّهود- بضم السين المهملة-: عدم النّوم.
البكر- بفتح الموحدة وسكون الكاف-: الفتيّ من الإبل.
تقاصرت الجدود- بضم الجيم- جمع جدّ بفتحها، وهو هنا البخت والسّعد.
شرح غريب ذكر فرح النجاشي
الأخلاق: جمع خلق بفتحتين، يقال: خلق الثوب بالضّم، إذا بلي، وخلق، بفتحتين، وأخلق الثوب، لغة.
شرح غريب ذكر إرسال قريش في فداء الأسارى
حذقوا- بحاء مهملة فذال معجمة- مهروا وعرفوا.
خندف: اسم قبيلة، وتقدم في الباب الأول الكلام عليه.
أحلّ (بالبناء للمفعول) .
النّحب- بفتح النون وإسكان المهملة- نائب الفاعل، وهو أشدّ البكاء.
يظّلم: يطلب ظلمه، ومن رواه يطّلم- بالمهملة- فهو كذلك، إلا أنه غلّب الطّاء المهملة على الظاء المعجمة حين أدغمها.
ذو الشّفر كلّ شيء: حدّه، ووقع في الرواية هنا بضمّ الشّين وفتحها.
الأعلم: المشقوق الشّفة العليا فلهذا قيّده. والأفلح: المشقوق الشّفة السّفلى.
يدلع لسانه- بفتح المثناة التحتية فدال مهملة ساكنة فلام مفتوحة فعين مهملة ساكنة- لأنه جواب شرط مقدر، أي يخرج. يقال: دلع لسانه وأدلعه.
ما بدا لهم: ما ظهر لهم.
شرح غريب بيتي أبي سفيان وبيتي حسان
الكبل- بكاف مفتوحة فموحدة ساكنة-: القيد.
العضب- بعين مهملة فضاد معجمة-: السّيف.
الحسام: السّيف القاطع أيضا.
صفراء، يعني قوسا.
النّبع: شجر ينبت بالجبال، واحده نبعة، وهو شجر تصنع منه القسيّ.
تحنّ- بمثناة فوقية فحاء مهملة فنون- أي يصوّت وترها.(4/162)
أنبضت- بضمّ وسكون النون وكسر الموحدة وفتح الضاد المعجمة- أي مدّ وترها.
والإنباض: أن يحرّك وتر القوس ويمدّ.
يأجج- بفتح المثناة التحتية وسكون الهمزة بعدها جيمين الأولى مثلّثة-: اسم واد بقرب مكة.
لا يظاهر عليه أحدا، أي لا يعين عليه أحدا.
الختن- بخاء معجمة فمثناة فوقية فنون- وهو عند العرب: كل من كان من قبل المرأة كالأب والأخ. وختن الرجل عند العامة: زوج ابنته. وقال الأزهريّ: الختن: أبو المرأة، والختنة:
أمّها.
قلادة- بقاف مكسورة ثم دال مهملة-: ما جعل في العنق.
وتقلّد: لبسها.
بنى بها: دخل عليها، وتقدم الكلام عليه مبسوطا.
شرح غريب أبيات أبي عزة الجمحي
بؤّئت: نزلت فينا منزلة. قال تعالى: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً [العنكبوت 58] .
يؤوب: يرجع. والأوب: الرّجوع.
شرح غريب ذكر عدد المسلمين
النّهر هنا نهر الأردنّ، وهو معروف ببلاد الشام.
النّيّف- بفتح النون وتشديد التّحتيّة، وقد تخفّف-: هو ما بين العقدين.
شرح غريب التنبيه الرابع والعشرين
حارثة- بالمهملة والمثلثة- وأمّه هي الرّبيّع- بالتّشديد- بنت النّضر، عمّة أنس.
أهبلت- بضم الهمزة بعدها هاء فموحّدة مكسورة- أي أثكلت، وهو بوزنه. وقد تفتح الهاء، فيقال: هبلته أمّه تهبل- بتحريك الباء-: ثكلته.
شرح غريب أبيات حمزة رضي الله عنه
الحين: الهلاك.
أفادهم: من رواه بالفاء فمعناه أهلكهم، يقال: فاد الرّجل وفاظ وفطس، إذا مات، ومن رواه بالقاف فهو معلوم.(4/163)
فحانوا- بالحاء المهملة والنون-: هلكوا.
الرّهون: جمع رهن.
الرّكيّة- بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد التحتية-: البئر التي لم تطو.
لم نبغ: لم نطلب.
ثاروا- بالمثلثة-: نهضوا.
القدر- بفتح القاف وسكون الدال وبفتحها-: ما يقدّره الله من القضاء.
مثنويّة- بميم مفتوحة فمثلثة ساكنة- أي رجوع وانصراف.
المثقّفة: الرّماح المقوّمة. والثّقاف- بالثاء المثلثة-: الخشبة التي تقوّم بها الرّماح.
بيض- بكسر الموحّدة وبالضّاد المعجمة- جمع، أبيض وهو السّيف.
يختلي- بالخاء المعجمة-: يقطع.
الهام: الرؤوس، جمع هامة.
الأثر- بضمّ الهمزة وسكون الثاء المثلثة- هو وشي السّيف وهو فرنده، أي ربده.
ثاويا: مقيما.
تجرجم- بضم المثناة الفوقية وفتح الجيمين بينهما راء ساكنة- أي تصرع. يقال فمعناه سقط.
الجفر: يروى بجيم مفتوحة وبالحاء المهملة وبالفاء معهما، والفاء في رواية الجيم مفتوحة وسكنت للضرورة، فمن رواه بالجيم أراد البئر المتّسعة، ومن رواه بالحاء فكذلك.
تفرّعن- بفوقية ففاء فراء مشددة-: علون.
الذّوائب- بالذال المعجمة- الأعالي هنا.
الحماة بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم- جمع حام وهو النّاصر.
فشقّت (بالبناء للمفعول) .
جيوب- بكسر الجيم وضمّها- جمع جيب. وجيوب الثاني مرفوع بدل من الأول.
قتّلوا (بالبناء للمفعول) .
محتضر- بفتح الضاد المعجمة- أي لم يحضره النّصر.
لواء ضلال (بالنّصب بدل من لواء الأول) .(4/164)
قاد: (بالقاف) .
خاس- بالخاء المعجمة والسين المهملة-: غدر. يقال: خاس بالعهد يخيس، إذا غدر به.
القسر- بفتح القاف وإسكان المهملة-: القهر والغلبة.
خبر (بضم الخاء المعجمة وإسكان الموحدة) .
تورّطوا: وقعوا في هلكة.
المسدّمة- بضم الميم الأولى وفتح السين والدال المشددة المهملتين-: الفحول من الإبل الهائجة التي سدّت أفواهها من شدّة هيجانها، شبّه جمعهم بالإبل الهائجة لاجتهادهم على الحرب وهيجانهم عليه رضي الله عنهم.
ثمّ- بفتح المثلثة-: هناك.
الزّهر- بضم الزاي والهاء-: البيض.
المأزق- بالزاي والقاف-: الموضع الضّيّق في الحرب.
شرح غريب أبيات علي بن أبي طالب رضي الله عنه
أبلى رسوله: منّ عليه وأنعم وصنع له صنيعا حسنا.
الإسار: الأسر.
راعت قلوبهم: مالت عن الحقّ.
الخبل- بفتح الخاء المعجمة وسكون الموحدة-: الفساد، وهو قطع بعض الأعضاء.
بيض خفاف- بخاء معجمة وفاءين- يعني السيوف.
عصوا- بعين فصاد مهملة-: ضربوا. يقال: عصيت بالسيف، إذا ضربت به. وقد يقال فيه: عصوت أيضا. وإذا أخبرت عن جماعة قلت: عصوا- بضم الصاد- كما يقال عموا، ومن العصا تقول: عصوا، كما تقول: غزوا.
حادثوها- بحاء فدال مهملتين فثاء مثلثة-: تعهّدوها.
الناشئ- بالشين المعجمة-: الصغير.
الحفيظة: الغضب.
الإسبال: الإرسال، يقال: أسبل دمعه، إذا أرسله.
الرّشاش: المطر الضعيف.(4/165)
الويل- بفتح الواو وسكون الموحّدة-: المطر الشديد، فاستعارهما هنا للدمع.
النّوائح: جمع نائحة.
ذا الرّجل- بكسر الجيم-: الأسود بن عبد الأسد، قطع حمزة رضي الله عنه رجله على الحوض.
ابن جدعان (بضم الجيم وإسكان الدال المهملة) .
المسلّبة- بميم مضمومة فسين مهملة فلام مشددة فموحّدة مفتوحات- وهي المرأة التي تلبس الحداد، وهي الثياب السّود التي تلبسها الثّكلى.
حرّى- بفتح الحاء والراء المشددة المهملتين-: محترقة الجوف من الحزن.
الثّكل- بضمّ المثلثة: - فقد الحبيب.
مرمّقة- بضم الميم وفتح الراء والميم الثانية المشددة والقاف-: الضّعيفة، من الرّمق وهو الشيء اليسير الضعيف.
الشّغب (بفتح الشين وسكون الغين المعجمتين) .
شرح غريب أبيات كعب بن مالك رضي الله عنه
المعقل- بميم مفتوحة فعين ساكنة فقاف مكسورة فلام-: الموضع الممتنع.
يمشّون (بمثناة تحتية مضمومة فميم فشين معجمة مشددة مفتوحتين) .
الماذيّ- بذال معجمة فتحتية مشددة-: الدّروع البيض اللّيّنة.
النّقع: الغبار.
ثائر: مرتفع.
مستبسل- بميم مضمومة فسين مهملة ساكنة فمثناة فوقية مفتوحة فموحّدة ساكنة فسين أخرى فلام-: موطّن نفسه على الموت.
عرّيت (بضم العين المهملة وكسر الراء المشددة وفتح المثناة التحتية) .
خفاف (بخاء معجمة وفاءين) .
المقابيس: جمع مقباس، وهي القطعة من النّار.
يزهلها: يستخفّها ويحرّكها، ومن رواه يزهيها فهو كذلك أيضا.
أبدنا: أهلكنا.
الحين- بفتح الحاء-: الهلاك.(4/166)
عاثر- بمهملة وثاء مثلثة-: ساقط، ومن عافر- بالفاء- فهو الذي لصق بالعفر، وهو التّراب.
التّيميّ: عبد الله بن جدعان.
الوغى- بالغين المعجمة والقصر-: الجلبة والأصوات في الحرب.
تلظّى: تلتهب.
شبّ: أوقد.
الزّبر (بفتح الباء إلا أنه سكّنها ضرورة) .
ساجر- بالجيم-: موقد، يقال: سجرت التّنور، إذا أوقدته.
حمّه الله- بفتح الحاء المهملة والميم المشددة- أي قدّره.
شرح غريب أبيات حسان بن ثابت رضي الله عنه
تبلت- بمثناة فوقية فموحدة فلام مفتوحات فتاء تأنيث-: أسقمت وأفسدت.
في المنام: يجوز أن يكون أراد بالمنام النّوم، وموضع النّوم، ووقت النّوم، لأن مفعلا يصلح في هذا كله في ذوات الواو، وقد تسمّى العين مناما لأنها موضع النّوم.
الخريدة- بالخاء المعجمة-: الجارية الحييّة الناعمة، واللؤلؤة التي لم تثقب.
العاتق بالقاف- الخمر القديمة. ويقال: التي لم يفضّ ختامها، ومن رواه بالكاف فهي أيضا الخمر القديمة التي احمرّت. والقوس إن قدمت واحمرّت قيل لها: عاتكة.
المدام: من أسماء الخمر.
نفج- بضم النون والفاء- فمن رواه بالجيم فمعناه مرتفعة، ومن رواه بالخاء المهملة فمعناه متّسعة الحقيبة، والأول أحسن.
الحقيبة- بفتح الحاء المهملة وكسر القاف وسكون التحتية وفتح الموحدة-: ما يجعله الراكب وراءه، فاستعاره هنا لردف المرأة.
البوص- بموحدة وصاد مهملة-: الرّدف.
متنضّد: علا بعضه بعضا، من قولك: نضدت المتاع، إذا جعلت بعضه فوق بعض.
بلهاء: - بفتح الموحدة وسكون اللام-: غافلة.
وشيكة: سريعة.
الأقسام: جمع قسم وهو اليمين، ومن رواه بكسر الهمزة أراد المصدر.(4/167)
القطن- بفتح القاف والطاء المهملة-: ما بين الوركين إلى ما بعد الظّهر.
أجمّ- بفتح الهمزة والجيم والميم المشددة-: ممتلئ باللّحم غائب العظام.
فضلا- بضم الفاء والضاد المعجمة- نصب على الحال، أي كأن قطنها إذا كانت فضلا، فهو حال من الهاء في كأنّه، وإن كان الفضل من صفة المرأة لا من صفة القطن، ولكن لما كان القطن بعضها صار كأنّه حال منها، ولا يجوز أن يكون حالا من المصدر في قعدت، لاحتمال أن يعمل ما بعد إذا فيما قبلها. والفضل من الرجال والنساء: المتوشّح في ثوب واحد.
المداك- بفتح الميم والدال المهملة والتخفيف-: الحجر الذي يسحق عليه الطّيب، قاله في الإملاء. وقال في الروض: صلاءة الطّيب.
الرّخام: نوع من الحجر الصّلب.
الخرعبة- بخاء معجمة مفتوحة فراء ساكنة فعين مهملة فموحدة مفتوحتين-: اللّيّنة الحسنة القوام. وأصل الخرعبة الغصن النّاعم.
توزعني- بمثناة مضمومة فواو ساكنة فزاي مكسورة فعين مهملة مضمومة-: تغويني وتولعني.
أقسمت أنساها، أي لا أنساها.
الضّريح: شقّ القبر. يقال: ضرح الأرض إذا شقّها.
الكرى: النّعاس.
يكرب: يحزن من الكرب، وهو الحزن.
عمره: مدّة حياته، ومن رواه بالغين المعجمة فالغمر: الكثير.
المعتكر- بضم الميم وسكون العين المهملة وفتح الفوقية وكسر الكاف-: الإبل التي يرجع بعضها على بعض فلا يمكن عدّها لكثرتها.
الأصرام- بصاد مهملة-: جمع صرم وهي القطعة من الإبل.
الطّمرّة- بكسر الطاء المهملة والميم وفتح الراء المشددة-: الفرس الكثيرة الجري.
تذر: تترك.
العناجيج جمع عنجوج، وهو الطّويل السّريع.
الدّموك- بالدال المهملة-: البكرة بآلتها. وقال في الرّوض: دمكه دمكا، إذا طحنه طحنا سريعا، وبكرة دموك، أي سريعة المرّ، وكذلك رحى دموك.(4/168)
المحصد- بميم مضمومة فحاء ساكنة فصاد مفتوحة فدال مهملات-: الحبل المحكم الفتل.
الرّجام- بكسر الراء- قال في الإملاء: حجر يربط في الدّلو ليكون أسرع لها عند إرسالها في البئر. وقال في الروض: الرّجام واحد الرّجامين، وهما الخشبتان اللتان تلقى عليهما البكرة.
الفرجان هنا: ما بين يديها وبين رجليها، يعني أنها ملأتهما جريا.
ارمدّت- بتشديد الدال المهملة- وفي الرواية: فارقدّت- بالقاف- والمعنى واحد.
قال بعض اللغويين: الإرقاد: السرعة بعد نفور.
ثوى- بالثاء المثلثة-: أقام.
المعرك والمعركة: موضع الحرب.
يشبّ: يوقد.
السّعير: النّار الملتهبة.
الضّرام- بكسر الضاد المعجمة-: ما توقد به النّار.
دسنه- بضم الدّال- من الدّوس.
وطيّنه ودرسنه.
الحوامي: جمع حامية وهي جانب الحافر.
يشدّ (بضم أوله) .
الصّقر- بصاد مهملة فقاف- وهو من سباع الطّير واحد الجوارح، سمّي به الشّجاع لما اشتهر عن الصقر من الشهامة والإقدام على الصّيد، ولأنه إذا تشبّث بشيء لم يفارقه حتى يأخذه.
مجدّل- بضم الميم وفتح الجيم والدال المشددة-: صريع بالأرض. واسم الأرض الجدالة.
الشّوامخ: الأعالي.
الأعلام: جمع علم، وهو الجبل العالي.
الهمام: السّيّد الذي إذا همّ بأمر فعله.
القصار هنا: الذين قصر سعيهم عن طلب المكارم، ولم يرد به قصار القدود.(4/169)
السّميدع- بفتح السين وفتح الميم وسكون التحتية وفتح الدال وبالعين المهملتين-:
السّيّد.
شرح غريب أبيات الحارث بن هشام رضي الله عنه
حبوا (بحاء مهملة فموحّدة مفتوحتين فواو ساكنة) .
بأشقر، يعني الدم.
مزبد- بضم الميم وإسكان الزاي وكسر الموحدة-: علاه الزّبد.
الأحبّة فيهم، يعني من قتل أو أسر من رهطه وإخوته.
شرح غريب أبيات حسان بن ثابت رضي الله عنه
آووه: ضمّوه إليهم ونصروه.
خصائص يأتي الكلام عليها في أبوابها.
السّلف: الجماعة المتقدّمون.
بقسم الله- بفتح القاف-: المصدر، وبكسرها: الحظّ والنّصيب.
أهلا، أي أتيت قوما أهلا.
سهلا: واسعا فابسط نفسك ولا تستوحش، وتقدّم شرح بقيتها.
شرح غريب أبيات عاتكة بنت عبد المطلب
تفري: تقطع.
القواضب: جمع قاضب، وهو السّيف القاطع.
حكيم، أي ابن حزام.
الخطّيّة: جمع خطّيّ وهو الرّمح المنسوب إلى الخطّ- بفتح الخاء المعجمة- وهو سيف البحر- بكسر السين- عند عمان والبحرين، لأنها تحمل إليه وتثقّف به.
الثّعالب- بالمثلثة-: جمع ثعلب، وهو بلفظ اسم الحيوان: طرف الرّمح الدّاخل في جبّة السّنان (بضم الجيم وتشديد الموحّدة) .
لمع ظباتها جمع ظبة- بضم الظاء المعجمة المشالة وفتح الموحدة-: حدّ السيّوف.
اللّيوث جمع ليث، الأسد.
المشاغب جمع مشغب، وهو الكثير الشّغب.(4/170)
رعن الحروب: جمع أرعن، وهو المضطرب. قال في الصحاح: يشبّه به الجيش فيقال:
جيش أرعن، ثم قال: ويقال: الجيش الأرعن: المضطرب لكثرته.
الغوارب: جمع غارب وهو أعلى كلّ شيء.
المرهفات: جمع مرهف، وهو السيف الذي رقّت حواشيه.
كفاحا: مواجهة ليس بينهما حجاب.
تمري: تستدرّ.
بردت، تقدّم في شرح غريب القصة.
الجنائب: جمع جنيبة وهي الفرس تقاد ولا تركب.(4/171)
الباب الثامن في غزوة بني سليم بالكدر، ويقال لها: قرقرة الكدر
قال ابن إسحاق، وأبو عمر، وابن حزم، وغيرهم: بلغه أنّ بهذا الموضع جمعا من سليم وغطفان، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاريّ أو ابن أم مكتوم، وحمل لواءه علي بن أبي طالب، وكان أبيض، فسار إليهم، فبلغ مأمن مياههم، يقال له: الكدر، فلم يجد في المحالّ أحدا، وأرسل نفرا من أصحابه في أعلى الوادي واستقبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في بطن الوادي: فوجد رعاء فيهم غلام يقال له: يسار، فسأله عن الناس، فقال: لا علم لي بهم، إنما أورد لخمس، وهذا يوم ربعيّ والناس قد ارتفعوا إلى المياه، ونحن عزّاب في النّعم، فأقام صلى الله عليه وسلم ثلاث ليال وقد ظفر بالنّعم، فانحدر إلى المدينة فاقتسموا غنائمهم بصرار، على ثلاثة أميال من المدينة، وكانت النّعم خمسمائة بعير، فأخرج خمسه وقسّم أربعة أخماسه على المسلمين، فأصاب كل رجل منهم بكران، وكانوا مائتي رجل، وصار يسار في سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه، لأنه رآه يصلّي، وغاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة، وأقام بالمدينة شوالا وذا القعدة، وأفدى في إقامته تلك جلّ الأسارى من قريش.
تنبيهان
الأول: فرّق في العيون بين هذه الغزوة وغزوة قرقرة الكدر، فذكر قبل غزوة أحد ستّ غزوات، على ذلك في المورد. والذي ذكره ابن إسحاق وتبعه أبو عمر، والبيهقيّ، وابن كثير، وابن القيّم، وغيرهم: خمسة، وكذلك ذكر ابن سعد، إلا أنه خالف في الترتيب، فعند ابن إسحاق: غزوة بني سليم بالكدر، فغزوة السويق، فغزوة ذي أمرّ، وهي غزوة غطفان، فغزوة الفرع من بحران، فغزوة بني قينقاع. وعند ابن سعد: غزوة بني قينقاع يوم السبت للنّصف من شوال بعد بدر. وقال ابن إسحاق: فغزوة السّويق يوم الأحد الخامس من ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا. وقال ابن سعد: فغزوة قرقرة الكدر في المحرم للنصف منه، على رأس ثلاثة وعشرين شهرا. وقال ابن إسحاق: في شوال سنة اثنتين. وقال ابن سعد: فغزوة غطفان في الثاني عشر من ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهرا. وقال ابن إسحاق وهي ذو أمرّ.
قال ابن سعد: في يوم الخميس الثامن عشر من ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهرا.
وقال ابن إسحاق: في شهر المحرم سنة ثلاث. قال ابن سعد: فغزوة بني سليم في السادس من جمادى الأولى على رأس سبعة وعشرين شهراً.
الثاني: في بيان غريب ما سبق:
سليم (بضم السين المهملة وفتح اللام) .(4/172)
غطفان- (بغين معجمة مفتوحة فطاء مهملة) .
قرقرة بفتح القاف وسكون الراء بعدها مثلها، ويقال: قرارة الكدر. والقرقرة: أرض ملساء. والكدر، (بضم الكاف وسكون الدال المهملة) . والكدر: طير في ألوانها كدرة وعرف بها ذلك الموضع، يعني أنها مستقرّ هذه الطّيور.
سباع (بسين مهملة مكسورة فموحدة فألف فعين مهملة) .
عرفطة (بعين مهملة مضمومة فراء ساكنة ففاء مضمومة فطاء مهملة) .
المحالّ- بفتح الميم وتشديد اللام- جمع محلّة وهي منزل القوم.
الرّعاء- بكسر الراء- جمع راع.
يسار (الياء التحتية والسّين المهملة) .
الخمس- بكسر الخاء المعجمة- من أظماء الإبل: أن ترد الماء وترعى ثلاثة أيام وترد في اليوم الخامس.
الرّبع- بكسر الراء- في أوراد الإبل، هو أن ترد يوما وتترك يومين لا تسقى، ثم ترد اليوم الرابع.
المياه- بالهاء- خلاف لمن غلط فقاله بالتاء.
صرار- بكسر الصاد المهملة ورائين بينهما ألف-: بئر قديمة. وقيل: موضع على ثلاثة أميال من المدينة، على طريق العراق، ووقع لبعض رواة الصحيح بالضاد المعجمة.(4/173)
الباب التاسع في غزوة السويق
وسببها أن فلّ المشركين لمّا رجعوا إلى مكة موتورين محزونين حرّم أبو سفيان على نفسه الدّهن، ونذر ألّا يمسّ رأسه ماء من جنابة، حتى يثأر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمن أصيب من المشركين يوم بدر، فخرج في مائتي راكب من قريش ليبرّ يمينه، فسلك النّجديّة حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال له: يتيب بالمدينة، على بريد أو نحوه، ثم خرج من الليل حتى أتى بني النّضير تحت الليل، فأتى حيي بن اخطب فضرب عليه بابه، فأبى أن يفتح له وخافه، فانصرف عنه إلى سلّام بن مشكم وكان سيد بني النضير في زمانه ذلك، وصاحب كنزهم، فاستأذن عليه، فأذن له، فقرأه وسقاه، وبطن له من خبر الناس، وخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه فبعث رجلاً من قريش فأتوا ناحية منها يقال لها:
العريض، فحرّقوا في أصوار من نخل بها، ووجدوا رجلا من الأنصار وحليفا له في حرث لهما فقتلوهما. قال في الإمتاع: وهذا الأنصاريّ هو معبد بن عمرو. ورأى أبو سفيان أن يمينه قد حلّت وقيل: إن أبا سفيان فعل ذلك لمّا رجع في ليلته من عند سلّام بن مشكم، وانصرفوا راجعين، ونذر بهم الناس، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم يوم الأحد الخامس من ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا. في مائتين من المهاجرين والأنصار. وفي الإشارة ثمانين، وجمع بأن الرّكبان ثمانون وعامة الجيش مائتان، واستعمل على المدينة بشير- وهو بفتح الموحدة- ابن عبد المنذر حتى بلغ قرقرة الكدر وجعل أبو سفيان وأصحابه يتخفّفون للهرب فيلقون جرب السّويق وهي عامة أزوادهم، فيأخذها المسلمون، فسمّيت غزوة السّويق ولم يلحقوهم، وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة، وكان غاب خمسة أيام،
وقال المسلمون لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجع بهم: يا رسول الله أتطمع أن تكون لنا غزوة؟ قال: نعم.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
السّويق- بالسين والصاد لغة-: قمح أو شعير يقلى ثم يطحن فيتزوّد ويستفّ تارة بما يثرى به أو بسمن أو بعسل وسمن.
الفلّ- بفاء مفتوحة فلام مشددة-: القوم المنهزمون.
موتورين- بالمثناة الفوقية بين الواوين- بنقص عددهم.
يثأر: يطلب ثأره، أي يطلب بدم من قتل من المشركين يوم بدر.
يمينه بالنصب مفعوله.(4/174)
النّجديّة: منسوبة إلى نجد، وهو ما ارتفع من الأرض.
قناة- بفتح القاف وتخفيف النون وفي آخره تاء تأنيث- وهو واد من أودية المدينة.
يتيب (بفتح التحتية فكسر المثناة الفوقية بعدها تحتية) .
بني النضير- بفتح النون وكسر الضاد المعجمة الساقطة-: حيّ من يهود، دخلوا العرب وهم على نسبهم إلى هارون نبي الله صلّى الله عليه وسلم.
حييّ- (بحاء مهملة مضمومة وتكسر وبمثناتين تحتيتين الأولى مفتوحة والثانية مشددة) .
أخطب (بهمزة مفتوحة فخاء معجمة ساكنة فطاء مهملة مفتوحة فموحدة) .
سلّام، الأشهر فيه تشديد اللّام.
مشكم (بميم مكسورة فشين معجمة ساكنة فكاف مفتوحة) .
صاحب كنزهم، يعني بالكنز هنا المال الذي كانوا يجمعونه لنوائبهم، وما يعرض لهم.
فقرأه- بلا همز- أي أضافه.
بطن له من خبر الناس- بموحدة فطاء مهملة فنون- أي علم له من سرّهم، ومنه: بطانة الرّجل، وهم خاصّته، وأصحاب سرّه.
عقب ليلته- بضم العين وإسكان القاف ويجوز ضمها مثل عسر وعسر، ويجوز أن يقال: عقب بفتح العين وكسر القاف- يقال: جئت في عقب رمضان وفي عقباته، إذا جئت بعد ما مضى كله. وجئت في عقبه- بكسر القاف- إذا جئت وقد بقي منه بقية.
العريض- بضم العين المهملة وفتح الراء وبالضاد المعجمة الساقطة مصغّرا- وهو واد بالمدينة به أموال لأهلها.
الأصوار- بهمزة مفتوحة فصاد مهملة ساكنة فواو فألف فراء-: جمع صور، بفتح الصاد المهملة وبسكون الواو: النّخل المجتمع الصّغار.
نذر بهم الناس- بفتح النون وكسر الذال المعجمة وبالراء-: علموا واستعدّوا لهم.
قرقرة الكدر: تقدّم.(4/175)
الباب العاشر في غزوة غطفان إلى نجد
وهي ذو أمرّ، وسببها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن جمعا من بني ثعلبة بن سعيد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان وبني محارب بن خصفة بن قيس بذي أمر قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجمعهم رجل منهم يقال له: دعثور بن الحارث بن محارب، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين، وخرج في أربعمائة وخمسين، معهم عدة أفراس، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان، فأصابوا بالمدينة رجلا منهم بذي القصّة يقال له: جبّار من بني ثعلبة، فقال له المسلمون: أين تريد؟ فقال: أريد يثرب لأرتاد لنفسي وأنظر، فأدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره من خبرهم، قال: قال لن يلاقوك ولو سمعوا بسيرك هربوا في رؤوس الجبال وأنا سائر معك، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وأسلم، وضمّه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بلال، فأخذ به جبّار طريقا، وهبط به عليهم، وسمع القوم بميسر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهربوا في رءوس الجبال، فبلغ ماء يقال له: ذو أمر، فعسكر به، وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مطر كثير، فابتلّت ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثياب أصحابه، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة ونشر ثيابه لتجفّ، واضطجع، وذلك بمرأى من المشركين، واشتغل المسلمون في شؤونهم،
فبعث المشركون رجلا شجاعا منهم يقال له: دعثور بن الحارث، وكان سيدها وأشجعها، ومعه سيف متقلّد به، فبادر دعثور وأقبل مشتملا على السيف، حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف مشهورا، فقال: يا محمد، من يمنعك مني اليوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله» . ودفع جبريل في صدره، فوقع السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له: «من يمنعك مني؟» فقال: لا أحد، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والله لا أكثر عليك جمعا أبدا، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه،
ثم أتى قومه فقالوا: مالك؟ ويلك! فقال: نظرت إلى رجل طويل، فدفع في صدري، فوقعت لظهري، فعرفت أنه ملك، وشهدت بأنّ محمدا رسول الله، والله لا أكثر عليه جمعا. وجعل يدعو قومه إلى الإسلام. وأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ [المائدة 11] . وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ولم يلق كيدا، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة، وقال أبو عمر: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بنجد صفر كلّه.
تنبيهان
الأول: قال البيهقيّ: سيأتي في غزوة ذات الرّقاع قصة تشبه قصة دعثور، فلعلّهما(4/176)
قصّتان. قال في البداية: إن كانت هذه محفوظة فهي غيرها قطعا، لأن ذلك الرجل اسمه غورث [ابن الحارث] أيضا ولم يسلم، بل استمرّ على دينه، لكن عاهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا يقاتله.
الثاني: في بيان غريب ما سبق.
أمرّ (بفتح الهمزة والميم وتشديد الراء) .
القصّة- بفتح القاف وتشديد الصاد المفتوحة بعدها تاء تأنيث-: واد على أربعة وعشرين ميلا من المدينة.
جبّار (بالجيم وتشديد الموحدة وبعد الألف راء) .
دعثور (بضم الدال وإسكان العين المهملتين وضم الثاء المثلثة) .(4/177)
الباب الحادي عشر في غزوة الفروع من بحران
وسببها أنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن بها جمعا كثيرا من بني سليم بن منصور. فخرج في ثلاثمائة رجل من أصحابه، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم ولم يظهر وجها للسير، حتى إذا كان دون نجران بليلة لقي رجلا من بني سليم فأخبرهم أنّ القوم افترقوا فحبسه مع رجل، وسار حتى ورد نجران وليس به أحد، فأقام أيّام. قال الواقديّ: عشرة. وقال ابن إسحاق: أقام شهر ربيع الآخر وجمادى الأولى، ثم رجع ولم يلق كيدا وأرسل الرجل. ثم انصرف راجعا إلى المدينة.
تنبيه في بيان غريب ما سبق
الفرع: قال السّهيلي: بضمّتين، وعليه جرى القاضي في المشارق، وقال في التنبيهات:
كذا قيّده الناس وكذا رويناه، وحكى عبد الحقّ عن الأحول أنه بإسكان الرّاء، ولم يذكره غيره، ونقل في الزهر أن الحازميّ وافقه. ووقع في العيون نقلا عن السّهيلي أنّه بفتح الفاء والراء، والسّهيلي إنّما نقل ذلك بعد أن ذكر أن الفرع الذي وقعت عنده الغزوة بضمتين، ثم قال:
والفرع- بفتحتين- موضع بين البصرة والكوفة، والظاهر أن نسخة أبي الفتح من الرّوض سقط منها شيء، أو انتقل نظره من الفرع السابق إلى الفرع الثاني.
بحران (بموحدة مضمومة، وقيل بفتحها، وسكون الحاء المهملة ثم راء مهملة) .(4/178)
الباب الثاني عشر في غزوة بني قينقاع
[وهم قوم عبد الله بن سلّام، وكانت يوم السبت للنصف من شوّال على رأس عشرين شهراً من مهاجره صلى الله عليه وسلم، وكانوا حلفاء عبد الله بن أبي ابن سلول وعبادة بن الصامت، وغيرهما من قومهما، وكانوا أشجع يهود، وهم صاغة، وكانت الكفار بعد الهجرة مع النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقسام: قسم وادعهم على ألّا يحاربوه ولا يوالوا عليه عدوّه، وهم طوائف اليهود الثلاثة:
[قريظة والنّضير وبني قينقاع] وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة، وهم قريش، وقسم تاركوه وانتظروا ما يؤول إليه أمره كطوائف من العرب، فمنهم من كان يحب ظهوره في الباطن كخزاعة، وبالعكس كبني بكر، ومنهم من كان معه ظاهرا ومع عدوّه وهم المنافقون.
ولمّا قدم النبي صلّى الله عليه وسلم المدينة مهاجرا وادعته يهود كلّها، وكتب بينه وبينهم كتابا، وألحق كلّ قوم بحلفائهم وجعل بينه وبينهم أمانا، وشرط عليهم شروطا: منها: ألّا يظاهروا عليه عدوّا، فلما كان يوم بدر كان بنو قينقاع أول يهود نقضوا العهد، وأظهروا البغي والحسد، وقطعوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد،
فجمعهم بسوق بني قينقاع وقال: «يا معشر يهود أسلموا، فو الله إنكم لتعلمون إني رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النّقمة فأسلموا، فإنكم قد عرفتم أنّي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم»
قالوا: يا محمد إنك ترى أنّا مثل قومك، لا يغرّنّك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة، إنا والله لئن حاربتنا لتعلمنّ أنّا نحن النّاس.
قال ابن عباس فيما رواه ابن إسحاق: ما أنزلت هؤلاء الآيات إلا فيهم: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [آل عمران 12، 13] أي أصحاب بدر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ فبينما هم على ما هم عليه من إظهار العداوة ونبذ العهد قدمت امرأة من العرب بجلب لها فباعت بسوق بني قينقاع وجلست إلى صائغ بها لحلي، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فلم تفعل، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها من ورائها فحلّه بشوكة وهي لا تشعر، فلما قامت بدت عورتها فضحكوا منها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهوديّا.
وشدّت اليهود على المسلم فقتلوه، ونبذوا العهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، وغضب المسلمون فوقع الشرّ بينهم وبين بني قينقاع.
وأنزل الله سبحانه وتعالى: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ [الأنفال 58]
فقال صلى الله عليه وسلم: «إنما أخاف من بني قينقاع» ،
فسار إليهم(4/179)
رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الآية، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب، وكان يومئذ أبيض.
قال ابن سعد: ولم تكن الرّايات يومئذ. واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر، فتحصّنوا في حصنهم فحاصرهم أشدّ الحصار، فأقاموا على ذلك خمس عشرة ليلة، حتى قذف الله في قلوبهم الرّعب، فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أنّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أموالهم، وأنّ لهم النّساء والذّرّيّة، فأمر بهم فكتّفوا، واستعمل على كتافهم المنذر بن قدامة السّلمي، بفتح السين المهملة واللام.
ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لهم من حلفه مثل الذي لهم من عبد الله بن أبي ابن سلول، فجعلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبرّأ إلى الله تعالى ورسوله من حلفهم، وقال: يا رسول الله: أتولّى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف هؤلاء الرّجال، فقام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي ابن سلول حين أمكنه الله منهم، فقال: يا محمد أحسن في مواليّ، وكانوا حلفاء الخزرج، فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد أحسن في مواليّ فأعرض عنه، فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلفه، وكان يقال لها: ذات الفضول، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ويحك أرسلني» ، وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظللا، ثم قال: ويحك أرسلني، قال: والله لا أرسلك حتى تحسن في مواليّ: أربعمائة حاسر، وثلاثمائة دارع، قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة، إنى والله امرؤ أخشى الدّوائر، فقال صلى الله عليه وسلم:
«خلّوهم لعنهم الله ولعنه معهم» .
وتركهم من القتل، وأمر بهم أن يجلوا من المدينة، فخرجوا بعد ثلاث، وولّي إخراجهم منها عبادة بن الصامت، وقيل: محمد بن مسلمة، فلحقوا بأذرعات، فما كان أقلّ بقاءهم بها، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاحهم ثلاث قسيّ: قوسا يدعى الكتوم كسرت بأحد، وقوسا يدعى الرّوحاء، وقوسا يدعى البيضاء، وأخذ درعين: درعا يقال له: الصّغديّة وأخرى فضة، وثلاثة أرماح، وثلاثة أسياف، سيف قلعيّ، وسيف يقال له:
بتّار، وآخر لم يسمّ. ووجد في منازلهم سلاحا كثيرا وآلة للصّياغة، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صفيّه والخمس، وفضّ أربعة أخماسه على أصحابه فكان أول خمس بعد بدر، وكان الذي قبض أموالهم محمد بن مسلمة، فانزل الله تعالى في شأن عبد الله بن أبيّ وفي شأن عبادة بن الصامت. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ، إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [المائدة 51، 52] أي عبد الله بن أبيّ وقوله: إنّي أخشى الدّوائر يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ:
نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ إلى قوله تعالى: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ [المائدة 55] وذلك لتولّي عبادة بن الصامت(4/180)
من الله تعالى ورسوله والذين آمنوا، وتبرّئه من بني قينقاع وحلفهم وولايتهم وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ [المائدة 56] .
تنبيهات
الأول: ذكر البيهقيّ وقبله البخاريّ خبر بني النّضير قبل وقعة أحد. قال في البداية:
والصواب إيرادها بعدها كما ذكر ذلك ابن إسحاق وغيره من أئمة المغازي، وبرهانه أن الخمر حرمت ليالي حصار بني النضير، وفي الصحيح أنه اصطبح الخمر جماعة ممّن قتل يوم أحد شهيدا، فدل على أن الخمر إذ ذاك كانت حلالا، وإنما حرّمت بعد ذلك، فتبيّن ما قلناه من أن قصة بني النضير بعد وقعة أحد.
الثاني: أعرب الحاكم أن إجلاء بني قينقاع وإجلاء بني النضير كانا في زمن واحد، ولم يوافق على ذلك، لأن إجلاء بني النضير كان بعد بدر بستة أشهر على قول عروة، كما علقه البخاريّ عنه، ووصله عبد الرزاق، أو بعد ذلك بمدة طويلة على قول ابن إسحاق، فإنّه ذكر أنها كانت بعد وقعة بئر معونة سنة أربع. وقصة بني قينقاع كانت في نصف شوال سنة اثنتين، كما تقدّم.
الثالث: في بيان غريب ما سبق قينقاع (بقاف مفتوحة فتحتية ساكنة فنون مثلثة والضم أشهر، فقاف، فألف فعين مهملة) .
الجلب: كل ما يجلب للأسواق ليباع فيها من إبل وغنم وغيرها.
استصرخ: استغاث.
الظّلل جمع ظلّة وهي السحابة في الأصل، واستعارها هنا لتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى السواد، حين اشتدّ غضبه، ويروى: ظلالا أيضا. قال في الروض: هذا في نسخة الشيخ، مصحّحا عليه، ومعنى الروايتين واحد. والظّلّة: ما حجبت عنك ضوء الشمس، وضوء صحو السّماء، وكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مشرقا بسّاما، فإذا غضب يكون ألوانا، فكانت تلك الألوان حائلة دون الإشراق والطّلاقة والضّياء المنتشر عند تبسّمه، وقد روى أنه كان يسطع على الجدر نور من ثغره إذا تبسم، وقال: تكلم كما في الشمائل للتّرمذيّ.
الحاسر- بالحاء- والسين المهملتين-: الذي لا درع له هنا.
والدّراع: الذي عليه درع.
كتّفوا (بالبناء للمفعول) .
يجلوا- بالجيم والبناء للمفعول- أي يخرجوا.
أذرعات- بفتح الهمزة وإسكان الذال المعجمة وكسر الراء بعدها عين مهملة-: بلد بالشام.(4/181)
الباب الثالث عشر في غزوة أحد
والسبب في ذلك أنه لما قتل الله تعالى من قتل من كفار قريش يوم بدر، ورجع فلّهم إلى مكّة، ورجع أبو سفيان بعيرهم فأوقفها بدار النّدوة، وكذلك كانوا يصنعون، فلم يحرّكها ولا فرّقها، فطابت أنفس أشرافهم أن يجهّزوا منها جيشا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشى عبد الله بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام، وحويطب بن عبد العزى، وصفوان بن أميّة- وأسلموا بعد ذلك- في رجال ممّن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر، فكلموا أبا سفيان ومن كانت له في تلك العير تجارة من قريش، فقالوا: إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلّنا ندرك منه ثأرنا بمن أصاب منّا، فقال أبو سفيان: أنا أول من أجاب إلى ذلك.
قال البلاذريّ: ويقال: بل مشى أبو سفيان إلى هؤلاء الذين سمّوا، فباعوها، وكانت ألف بعير، وخمسين ألف دينار، فسلّموا إلى أهل العير رؤوس أموالهم وأخرجوا أرباحهم، وكانوا يربحون في تجاراتهم لكلّ دينار دينارا، فأخرجوا خمسة وعشرين ألف دينار لأجل مسيرهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً، ثُمَّ يُغْلَبُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال 36]- فأجمعت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعثوا عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزّبعرى- وهو بكسر الزّاي والموحّدة وسكون المهملة فراء فألف مقصورة- وأسلما بعد ذلك- وهبيرة بن أبي وهب، ومسافع- بسين مهملة- ابن عبد مناف، وأبا عزّة- عمرو بن عبد الله الجمحيّ الذي منّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر- إلى العرب يستنفرونها لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألّبوا العرب وجمعوها. ورأس فيهم أبو سفيان بن حرب، لذهاب أكابرهم- وأسلم بعد ذلك- فأخذ يؤلّب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجمع الجموع، فجمع قريبا من ثلاثة آلاف من قريش والحلفاء والأحابيش، فيهم سبعمائة دارع ومائتا فارس. وكتب العباس رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه بذلك مع رجل من بني غفار، فقدم عليه وهو بقباء، فقرأه عليه أبي بن كعب، واستكتم أبيّا،
ونزل صلى الله عليه وسلم على سعد بن الرّبيع فأخبره بكتاب العباس، فقال: والله إني لأرجو أن يكون خيرا، فاستكتمه إياه، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند سعد أتته امرأته، فقالت: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما أنت وذاك، لا أم لك، قالت:
قد كنت أسمع عليكم، وأخبرت سعدا بما سمعت، فاسترجع وقال: أراك كنت تسمعين علينا، وانطلق بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدركه فأخبره خبرها، وقال: يا رسول الله إن خفت أن يفشو(4/182)
الخبر فترى أنّي المفشي له، وقد استكتمتني إيّاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلّ عنها.
ذكر خروج قريش من مكة
خرجوا منها لخمس من شوال، وخرجوا معهم بالظّعن التماس الحفيظة، لئلا يفرّوا، وخرج أبو سفيان بزوجته هند بنت عتبة، وكذلك أشراف قريش وكبراؤهم خرجوا معهم بنسائهم، ومعهنّ الدّفوف يبكين قتلى بدر، ودعا جبير بن مطعم غلاما له حبشيّا يقال له وحشيّ- وأسلما بعد ذلك- يقذف بحربة له قذف الحبشة قلّ ما يخطئ بها، فقال له: اخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزة عمّ محمد بعميّ طعيمة فأنت حرّ. وكانت هند بنت عتبة كلما مرّت بوحشيّ أو مرّ بها تقول: «ويها أبا دسمة، اشف واستشف» كان وحشيّ يكنى أبا دسمة.
وكان أبو عامر الفاسق [عبد] عمرو بن صيفيّ قد خرج في خمسين رجلاً من المنافقين إلى مكة، وحرّض قريشا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسار معها وهو يعدها أن قومه يؤازرونهم، وهمّت قريش وهي بالأبواء بنبش قبر آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كفّهم الله تعالى عن ذلك.
روى أبو الوليد الأزرقي عن هشام بن عاصم الأسلميّ، قال: لما خرجت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد فنزلوا بالأبواء قالت هند بنت عتبة لأبي سفيان: أو بحثتم قبر أمّ محمد فإنها بالأبواء، فإن أسر أحدا منكم فديتم كلّ إنسان بارب من آرابها، فذكر ذلك لقريش وقال: هذا الرأي، فقالت قريش: لا تفتح هذا الباب لئلا تفتح بنو بكر موتانا.
وشاع خبر قريش ومسيرهم في الناس، وأرجفت اليهود والمنافقون، وقدم عمرو بن سالم الخزاعيّ في نفر قد فارقوا قريشا من ذي طوّى، فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم الخبر وانصرفوا، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنسا ومؤنسا ابني فضالة الظّفريّين- ليلة الخميس ليال مضت من شوال- عينين، فاعترضا لقريش بالعقيق، وعادا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بخبرهم، وأنهم قد خلّوا إبلهم وخيلهم في الزّرع الذي بالعريض، حتى تركوه ليس به خضر، وترك المشركون ظاهر المدينة بعينين: جبل ببطن السّبحة من قناة على شفير الوادي، مقابل المدينة- يوم الأربعاء، فرعت إبلهم آثار الحرث والزرع يوم الخميس ويوم الجمعة، لم يتركوا خضراء، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الحباب- بضم المهملة وتخفيف الموحدة- ابن المنذر بن الجموح إليهم أيضا، فنظر إليهم وعاد وقد حزر عددهم وما معهم،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تذكر من شأنهم حرفا، حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهمّ بك أجول وبك أصول» .
وباتت وجوه الأوس(4/183)
والخزرج ليلة الجمعة عليها السلاح في المسجد بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم، خوفا من بيات المشركين، وحرست المدينة حتى أصبحوا.
ذكر منام رسول الله صلى الله عليه وسلم
روى ابن إسحاق والشيخان والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت- وفي لفظ أريت- أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنّها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة: يثرب، ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفا- وفي لفظ سيفي ذا الفقار- فانقطع صدره- وفي لفظ: رأيت في ذباب سيفي ثلما- فإذا هو ما أصيب به المؤمنون يوم أحد،
قال عروة: وكان الذي رأى بسيفه ما أصاب وجهه. وقال ابن هشام: وأما الثّلم في السيف فهو رجل من أهل بيتي يقتل، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع كلمة المؤمنين، ورأيت فيها والله خيرا، رأيت بقرا تذبح والله خير، فإذا هو النّفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بعد، وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد والنسائي والبيهقي، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: تنفّل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر، قال ابن عباس: وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد، قال: وكان مما
قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ قبل أن يلبس الأداة، إني رأيت أنّي في درع حصينة، فأوّلتها المدينة، وأنّي مردف كبشا فأولته كبش الكتبية، ورأيت أن سيفي ذا الفقار فلّ فأولته فلّا فيكم، ورأيت بقرا تذبح فبقر، والله خير، فبقر والله خير.
وروى الإمام أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي عن أنس رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت فيما يرى النائم كأني مردف كبشا، وكأن ظبة سيفي انكسرت، فأوّلت إرداف الكبش أنّنا نقتل كبش القوم، وأولت كسر ظبة سيفي قتل رجل من عترتي، فقتل حمزة، وقتل طلحة بن أبي طلحة وكان صاحب اللواء [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد والنّسائيّ والدّارميّ والضياء المقدسيّ بسند صحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت أني في درع حصينة، ورأيت بقرا تنحر. فأولت الدّرع الحصينة المدينة، وأن البقر بقر، والله خير» [ (3) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب التعبير (7035) ومسلم 4/ 1779 (20- 2272) .
[ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 267 وابن أبي شيبة في المصنف 11/ 69 وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 4/ 12 وذكره الهيثمي في المجمع 6/ 110.
[ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 271 وذكره الهيثمي في المجمع 110 وقال: ورجاله رجال الصحيح.(4/184)
وروى الطبراني والبزار، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لما نزل أبو سفيان وأصحابه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إنّي رأيت في المنام سيفي ذا الفقار انكسر، وهي مصيبة، ورأيت بقرا تذبح، وهي مصيبة، ورأيت عليّ درعا وهي مدينتكم لا يصلون إليها، إن شاء الله تعالى [ (1) ] .
وروى البيهقي عن ابن شهاب قال: يقول رجال: كان الذي رأى بسيفه الذي أصاب وجهه.
قال ابن عتبة وابن إسحاق وابن سعد وغيرهم: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الرّؤيا ليلة الجمعة،
فلما أصبح جاء أصحابه، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم ذكر الرؤيا لهم وقال: إن رأيتم أن تقيموا بالمدينة ونجعل النساء والذّرّيّة في الآطام، فإن أقاموا أقاموا بشرّ مقام، وإن دخلوا علينا قاتلناهم في الأزقّة فنحن أعلم بها منهم، ورموا من فوق الصّياصي والآطام،
وكانوا قد شبّكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية فهي كالحصن، وكان هذا الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي الأكابر من المهاجرين والأنصار، وكان عبد الله بن أبيّ يرى رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال جماعة من المسلمين غالبهم أحداث لم يشهدوا بدرا، وطلبوا الشهادة وأحبوا لقاء العدوّ، وأكرمهم الله تعالى بالشهادة يوم أحد: يا رسول الله اخرج بنا إلى أعدائنا، لا يرون أنّا جبنّا عنهم، فقال عبد الله بن أبي: يا رسول الله أقم بالمدينة ولا تخرج، فو الله ما خرجنا منها إلى عدوّ لنا قطّ إلا أصاب منّا، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه، فدعهم يا رسول الله، فإن أقاموا بشرّ مجلس، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم، ورماهم الصّبيان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا. فقال حمزة بن عبد المطلب، وسعد بن عبادة، والنعمان بن مالك في طائفة من الأنصار: أنا نخشى يا رسول الله أن يظنّ عدّونا أنّا كرهنا الخروج إليهم جبنا عن لقائهم، فيكون هذا جرأة منهم علينا، وقد كنت يوم بدر في ثلاثمائة رجل، فظفّرك الله تعالى عليهم، ونحن اليوم بشر كثير، قد كنا نتمنى هذا اليوم وندعو الله تعالى به، فساقه الله تعالى إلينا في ساحتنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرى من إلحاحهم كاره، وقد لبسوا السّلاح.
وقال إياس بن أوس بن عتيك، نحن بنو عبد الأشهل، إنا لنرجو أن نكون البقر المذبّح.
وقال غيره: هي إحدى الحسنيين: الظّفر أو الشهادة، والله لا تطمع العرب في أن تدخل علينا منازلنا. وقال حمزة: والذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم اليوم طعاما حتى أجالدهم بسيفي
__________
[ (1) ] أخرجه الطبراني في الكبير 11/ 394 وذكره الهيثمي في المجمع 6/ 110 وقال: فيه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان وهو متروك.(4/185)
خارج المدينة. وكان يوم الجمعة صائما ويوم السبت صائما.
وقال النعمان بن مالك: يا رسول الله لا تحرمنا الجنّة، فو الذي نفسي بيده لأدخلنّها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لمه؟» قال:
لأني أحب الله تعالى ورسوله- وفي لفظ: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله- ولا أفرّ يوم الزّحف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدقت» . فاستشهد يومئذ،
وحثّ مالك بن سنان الخدري وإياس بن عتيك وجماعة على الخروج للقتال فلما أبوا إلّا ذلك صلّى- صلى الله عليه وسلم- الجمعة بالناس فوعظهم، وأمرهم بالجدّ والاجتهاد، وأخبرهم أن لهم النصر ما صبروا، ففرح الناس بالشّخوص إلى عدوّهم، وكره ذلك المخرج بشر كثير. ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بالناس وقد حشدوا، وحضر أهل العوالي، ورفعوا النّساء في الآطام. ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته ومعه أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، فعممّاه وألبساه، وقد صفّ الناس له بين حجرته إلى منبره، ينتظرون خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء سعيد بن معاذ وأُسيد- بضم الهمزة وفتح السين المهملة- ابن حضير- بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة- فقالا للناس: استكرهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلتم له ما قلتم، والوحي ينزل عليه من السّماء، فردّوا الأمر إليه، فما أمركم به فافعلوه، وما رأيتم له فيه هوى ورأيا فأطيعوه. فبينما هم على ذلك إذ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد لبس الدّرع فأظهرها، وحزم وسطه بمنطقة من حمائل سيف من أدم، واعتمّ، وتقلّد السيف، وندم الناس على إكراهه،
فقالوا: يا رسول الله استكرهناك، ولم يكن لنا ذلك، فإن شئت فاقعد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم، ولا ينبغي لنبي إذ لبس لأمته أن يضعها، حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه- وفي رواية: حتى يقاتل- انظروا ما أمركم به فاتّبعوه، امضوا على اسم الله تعالى، فلكم النصر ما صبرتم.
ووجد مالك بن عمرو النّجّاريّ- ويقال:
بل هو محرّر بمهملات، قال الأمير: وزن محمّد، وقال الدارقطنيّ: آخره زاي معجمة وزن مقبل بن عامر النجاريّ- قد مات، ووضعوه عند موضع الجنائز، فصلى عليه، ثم دعا بثلاثة رماح فعقد ثلاثة ألوية، فدفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير، ولواء الخزرج إلى حباب بن المنذر، ويقال: إلى سعد بن عبادة، ودفع لواء المهاجرين إلى علي بن أبي طالب، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم على الصّلاة بمن بقي في المدينة.
ذكر خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه السّكب، وتقلّد القوس، وأخذ قناة بيده، والمسلمون عليهم السلاح، منهم مائة دارع، وخرج السّعدان أمامه يعدوان: سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، كلّ منهما دارع، والناس عن يمينه وشماله، حتى إذا انتهى إلى رأس الثّنيّة رأى كتيبة خشناء لها زجل
فقال: ما هذا؟ قالوا: هؤلاء حلفاء عبد الله بن أبيّ من يهود، فقال: أسلموا؟
فقيل: لا، فقال: إنا لا نستنصر بأهل الشّرك على أهل الشّرك.(4/186)
وسار صلى الله عليه وسلم فعسكر بالشّيخين، وهما أطمان، وعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عسكره، فاستصغر غلمانا فردّهم. قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه فيما نقله الشيخ نجم الدين القموليّ- بفتح القاف وضم الميم- في بحره: أنه صلى الله عليه وسلم رد سبعة عشر شابّا عرضوا عليه، وهم أبناء أربع عشرة سنة، لأنه لم يرهم بلغوا، وعرضوا عليه وهم أبناء خمس عشرة، فأجازهم.
انتهى.
وهم: عبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، وأسامة بن زيد، والنعمان بن بشير- وفي ذكره نظر، لأنه ولد في السنة الثانية قبل أحد بسنة- وزيد بن أرقم، والبراء بن عازب- وروى السّراج عنه أنه شهدها- ورافع بن خديج، وأسيد بن ظهير- بضمّ الهمزة، وأبوه ظهير بضم الظاء المعجمة- وعرابة بن أوس بن قيظيّ- بفتح القاف وسكون التحتية وبالظاء المعجمة المشالة، وأوس هذا كان منافقا- وأبو سعيد الخدري- بالخاء المعجمة والدال المهملة- وأوس بن ثابت الأنصاري، كذا رواه ابن فتحون عن ابن عمر بن الخطاب، وسعد بن بحير- بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة، قاله الدارقطنيّ. وقال ابن سعيد: بضم الموحدة وكسر الجيم- ابن معاوية البجليّ حليف الأنصار، وسعيد ابن حبتة بفتح الحاء المهملة وسكون الموحدة بعدها مثناة فوقية مفتوحة فتاء تأنيث- وهي أمّه، ولما كان يوم الخندق رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل قتالا شديدا، فدعاه ومسح على رأسه ودعا له بالبركة في نسله وولده، فكان عمّا لأربعين، وأخا لأربعين، وأبا لعشرين، ومن ولده أبو يوسف القاضي الإمام، وسعد بن عقيب- بعين مهملة مضمومة فقاف مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فموحدة وزن زبير- وزيد بن جارية- بالجيم والمثناة التحتية- ابن عمرو بن عوف، وهو أخو مجمع بن جارية، وجابر بن عبد الله، وليس بالذي يروى عنه الحديث. وسمرة بن جندب، ثم أجاز رافع بن خديج لما قيل له: إنه رام،
فقال سمرة بن جندب لزوج أمّه مريّ- بالتصغير- ابن سنان: أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن خديج وردّني وأنا أصرعه، فأعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
«تصارعا» ، فصرع سمرة رافعا فأجازه،
ونزل عبد الله بن أبي ابن سلول ناحية، فلما فرغ العرض وغابت الشمس أذّن بلال بالمغرب، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، ثم أذّن بالعشاء فصلّى بهم، وبات بالشّيخين، واستعمل على الحرس تلك الليلة محمد بن مسلمة في خمسين رجلا يطوفون بالعسكر.
وقال صلى الله عليه وسلم: «من يحفظنا الليلة؟» فقام ذكوان بن عبد قيس فلبس درعه، وأخذ درقته، فكان يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقه، ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان السّحر، فصلّى الصّبح، ثم قال: «أين الأدلّاء؟ من رجل يخرج بنا من كثب لا يمرّ بنا عليهم؟»
فقام أبو خيثمة الحارثيّ- كذا عند ابن إسحاق بخاء معجمة فتحتية فثاء مثلثة، وعند ابن سعد وغيره: حتمه، بفتح الحاء المهملة والمثناة الفوقية بعدها ميم فتاء تأنيث، وصوّبه أبو الفتح،(4/187)
قال الحافظ في الإصابة: ولم يأت على ذلك بدليل إلا قول أبي عمر: ليس في الصحابة أبي خيثمة سوى الجعفيّ والسّالميّ، وفي هذا الحصر نظر- فقال أبو خيثمة: أنا يا رسول الله، فسلك به في حرّة بني حارثة وبين أموالهم، حتى سلك في ماء مربع- بكسر الميم وفتح الموحدة- ابن قيظّي- بفتح القاف فمثناة تحتية فظاء معجمة مشالة- وكان منافقا ضرير البصر، فلما سمع حسّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين قام يحثو التراب في وجوههم، ويقول: إن كنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لا أحلّ لك أن تدخل حائطي،
وذكر أنّه أخذ حفنة من تراب في يده، ثم قال: والله لو أعلم أني لا أصيب غيرك فضربت بها وجهك. فابتدره القوم ليقتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقتلوه فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر» .
وقد بدر إليه سعد بن زيد الأشهليّ قبل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربه بالقوس فشجّه، فغضب له ناس من بني حارثة وهم قومه، وكانوا على مثل رأيه، فهمّ بهم أسيد بن حضير حتى أومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكفّ. وذبّ فرس أبي بردة بن نيار- بكسر النون وتخفيف المثناة التحتية وآخره راء- بذنبه، فأصاب كلّاب سيفه فاستلّه،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يحب الفأل الحسن ولا يعتاف: «يا صاحب السيف، شم سيفك، إني أخال السّيوف ستسلّ اليوم فيكثر سلّها» .
ذكر انخزال عدو الله ابن أبيّ بثلث العسكر
لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الشّوط انخزل عبد الله بن أبيّ بثلث النّاس كافّة كأنه هيق،
فقال: «أطاع الولدان ومن لا رأى له وعصاني، ما ندري علام نقتل أنفسنا أيها الناس هاهنا؟»
فرجع بمن اتّبعه من أهل النّفاق والرّيب، وتبعهم عبد الله بن حرام- بالراء- يقول: يا قوم أذكّركم الله ألّا تخذلوا قومكم ونبيّكم عند ما حضر عدوّهم، يا قوم تعالوا فقاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا، فقالوا: لو نعلم قتالا ما أسلمناكم، لا نرى أن يكون قتال، ولئن أطعتنا لترجعنّ معنا.
فلما استعصوا عليه وأبوا إلّا الانصراف قال: أبعدكم الله، أعداء الله، فسيغني الله تعالى نبيه عنكم. وأنزل الله تعالى: ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [آل عمران 179] قال مجاهد: «ميّزهم يوم أحد» وهم المرادون بقوله تعالى: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا، وَقِيلَ لَهُمْ: تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا، قالُوا: لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ، هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ [آل عمران 167] .
وذكر عروة وموسى بن عقبة: أن بني سلمة- بكسر اللام- وبني حارثة لمّا رجع عبد الله بن أبيّ سقط في أيديهما، وهمّا أن يقتتلا فثبّتهما الله تعالى، ولهذا قال تعالى: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما [آل عمران 122] .(4/188)
وروى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، والشيخان، والبيهقي، عن جابر بن عبد الله، قال: فينا نزلت، في بني حارثة وبني سلمة: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وما يسرّني أنها لم تنزل لقول الله تعالى: وَاللَّهُ وَلِيُّهُما [ (1) ] .
وروى ابن جرير عن السدي في الآية قال: هم بنو سلمة وبنو حارثة همّوا بالرّجوع، حين رجع عبد الله بن أبيّ فعصمهم الله.
وروى الشيخان عن زيد بن ثابت، وابن إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قالا: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد خرج معه بأناس، فرجعوا، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين، فقالت فرقة: نقتلهم، وقالت فرقة: لا نقتلهم، فانزل الله تعالى: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا [النساء 88] ردّهم إلى كفرهم بما كسبوا بأعمالهم،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّها طيبة وإنّها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضّة» .
وذكر الزّهريّ أن الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع ابن أبيّ في الاستعانة بحلفائهم من يهود المدينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حاجة لنا بهم» .
قال الجمهور:
بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة وفرسه، وفرس لأبي بردة. وقال ابن عقبة: لم يكن مع المسلمين فرس. ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل الشّعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد، واستقبل المدينة، وجعل عينين- الجبل- عن يمينه، وصفّ المسلمون بأصل أحد، وحانت الصّلاة يوم السبت والمسلمون يرون المشركين، فأذّن بلال، وأقام، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه الصّبح صفوفا.
ذكر خطبته صلى الله عليه وسلم وتهيئته للقتال
قال محمد بن عمر الأسلميّ: ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس فقال: «أيّها النّاس أوصيكم بما أوصاني الله تعالى به في كتابه، من العمل بطاعته، والتّناهي عن محارمه، ثم إنكم اليوم بمنزل أجر وذخر لمن ذكر الذي عليه، ثم وطّن نفسه له على الصّبر واليقين، والجدّ والنشاط، فإن جهاد العدو شديد كريه، قليل من يصبر عليه إلا من عزم الله تعالى رشده، فإن الله تعالى مع من أطاعه، وإن الشيطان مع من عصاه فافتتحوا أعمالكم بالصبر على الجهاد، والتمسوا بذلك ما وعدكم الله تعالى [وعليكم] بالذي أمركم به، فإني حريص على رشدكم،
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في التفسير (4558) .(4/189)
وإن الاختلاف والتّنازع والتّثبيط من أمر العجز، والضعف، ممّا لا يحبّ الله تعالى، ولا يعطي عليه النّصر ولا الظّفر يا أيها الناس [جدّد في صدري أنّ] من كان على حرام فرّق الله تعالى بينه وبينه، ومن رغب له عنه غفر الله له ذنبه، ومن صلى علي صلاة صلى الله عليه وملائكته عشرا، ومن أحسن من مسلم أو كافر وقع أجره على الله، في عاجل دنياه وآجل آخرته، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة إلا صبيّا أو امرأة أو مريضا أو عبدا مملوكا، ومن استغنى عنها استغنى الله عنه، والله غنيّ حميد، ما أعلم من عمل يقرّبكم إلى الله تعالى إلا وقد أمرتكم به، ولا أعلم من عمل يقرّبكم إلى النّار إلا وقد نهيتكم عنه، وأنه قد نفث في روعي الرّوح الأمين أنه لن تموت نفس حتى تستوفي أقصى رزقها لا ينقص منه شيء، وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله ربّكم، وأجملوا في طلب الرزق، ولا يحملنكم استبطاؤه أن تطلبوه بمعصية الله تعالى، فإنه لا يقدر على ما عنده إلا بطاعته، قد بيّن لكم الحلال والحرام غير أن بينهما شبها من الأمر، لم يعلمها كثير من الناس إلّا من عصم الله تعالى فمن تركها حفظ عرضه ودينه، ومن وقع فيها كان كالرّاعي إلى جنب الحمى أوشك أن يقع فيه، وليس ملك إلّا وله حمى، ألا وإنّ حمى الله تعالى محارمه، والمؤمن من المؤمنين كالرأس من الجسد إذا اشتكى تداعى عليه سائر جسده، والسلام عليكم» .
وتعبّى رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال، وقال: «لا يقاتلن أحد حتى نأمره بالقتال» .
وقد سرّحت قريش الظّهر والكراع في زروع المسلمين، كانت بالصّمغة- بالصاد المهملة والغين المعجمة بينهما ميم- فقال رجل من الأنصار: أترعى زروع بني قيلة ولمّا تحارب وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرّماة عبد الله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف وهو معلم يومئذ بثياب بيض، والرّماة خمسون رجلا،
فقال: «انضحوا الخيل عنّا، لا يأتون من ورائنا، إن كانت لنا، اثبتوا مكانكم لا نؤتينّ من قبلكم، الزموا مكانكم لا تبرحوا عنه، وإذا رأيتمونا نهزمهم حتى ندخل في عسكرهم فلا تفارقوا مكانكم، وإن رأيتمونا تخطّفنا الطير فلا تبرحوا، حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا نقتل فلا تعنونا ولا تدفعوا عنّا، وارشقوهم بالنّبل فإن الخيل لا تقدم على النبل، إنّا لن نزال غالبين ما ثبتّم مكانكم. اللهم إني أشهدك عليهم» .
وجعل على إحدى المجنّبتين الزبير بن العوام، وعلى الأخرى المنذر بن عمر الغنويّ
وقال صلى الله عليه وسلم: «من يحمل لواء المشركين؟» قيل: طلحة بن أبي طلحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«نحن أحق بالوفاء منهم» .
فأخذه من عليّ ودفعه إلى مصعب بن عمير.
وروى أبو يعلى بسند رجال ثقات، عن معاذ- رجل من تيم- والحارث والبزار بسند حسن، كما قال الحافظ في زوائد البزار، عن سعد بن أبي وقاص، وأبو يعلى، عن طلحة بن(4/190)
عبيد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر يومئذ بين درعين، وكان شعار المسلمين يومئذ: «أمت أمت» .
ذكر تهيئ المشركين للقتال
وصفّ المشركون بالسّبخة، وتعبّئوا للحرب، وهم ثلاثة آلاف، معهم مائتا فرس قد جنّبوها، فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل، وعلى المشاة صفوان بن أمية، ويقال: عمرو بن العاص، وعلى الرّماة عبد الله بن أبي ربيعة- وأسلموا كلهم- ودفعوا اللواء إلى طلحة بن أبي طلحة بن عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصيّ. وقال أبو سفيان لأصحاب اللواء من بني عبد الدار يحرّضهم بذلك: يا بني عبد الدار، إنكم قد وليتم لواءنا ببدر فأصابنا ما قد رأيتم، فإنما يؤتى الناس من قبل راياتهم، إذا زالت زالوا، فإمّا أن تكفون لواءنا، وإما أن تخلّوا بيننا وبينه فنكفيكموه، فهمّوا به وتواعدوه وقالوا: أنحن نسلم إليكم لواءنا؟ ستعلم إذا التقينا كيف نصنع وذلك الذي أراد أبو سفيان.
ذكر ابتداء الحرب واشتداد القتال
أول من أنشب الحرب أبو عامر عبد عمرو بن صيفيّ الفاسق، طلع في خمسين من قومه ويقال: خمسة عشر، الذين ذهبوا معه إلى مكة، والأحابيش وعبدان أهل مكة، فنادى: يا معشر الأوس أنا أبو عامر، فقالوا: لا أنعم الله بك عينا يا فاسق، بذلك سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يسمى في الجاهلية الراهب، فلما سمع ردّهم عليه قال: لقد أصاب قومي بعدي شرّ، ثم قاتلهم قتالاً شديداً، ثم راضخهم بالحجارة.
ولمّا التقى الناس، ودنا بعضهم من بعض، قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها، وأخذن الدفوف يضربن بها، فقالت هند فيما تقول:
ويها بني عبد الدار ... ويها حماة الأدبار
ضربا بكلّ بتّار
وتقول أيضا:
نحن بنات طارق ... نمشي على النّمارق
الدّرّ في المخانق ... والمسك في المفارق
إن تقبلوا نعانق ... أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق
[ (1) ]
__________
[ (1) ] انظر مجمع الزوائد 6/ 112.(4/191)
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا سمع، ذلك يقول: «اللهم بك أجول، وبك أصول، وفيك أقاتل، حسبي الله ونعم الوكيل» . [ (1) ]
وروى الإمام أحمد ومسلم عن أنس والطبراني عن عبادة بن النّعمان، وإسحاق بن راهويه والبزّار، عن الزبير بن العوّام قالوا: عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا يوم أحد، فأخذه رجال فجعلوا ينظرون إليه- وفي لفظ: فبسطوا أيديهم- كلّ إنسان يقول: أنا، فقال: «من يأخذه بحقّه؟» فأحجم القوم، فقام رجال فأمسكه عنهم
[ (2) ] .
وعند ابن عتبة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا عرضه طلبه منه عمر، فأعرض عنه، ثم طلبه الزّبير فأعرض عنه، فوجدا في أنفسهما من ذلك.
وعند إسحاق بن راهويه عن عمرو بن يحيى المازني أن الزبير طلبه ثلاث مرات كل ذلك يعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعند الطّبرانيّ عن قتادة بن النعمان: أن عليّا قام فطلبه فقال له: اجّلس، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يأخذه بحقّه؟» فقام إليه أبو دجانة- بضم الدال المهملة وبالجيم والنون- فقال: يا رسول الله، وما حقه؟ قال: «أن تضرب به في العدوّ حتى ينحني» . قال: أنا آخذه يا رسول الله بحقّه. قال: «لعّلك إن أعطيتكه تقاتل في الكيّول» فأعطاه إياه،
وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب، وكان له غصابة حمراء يعلم بها عند الحرب، يعتصب بها، فإذا اعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل، فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عصابته تلك، فعصب بها رأسه، فقالت الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت. وهكذا كانت تقول إذا اعتصب بها، ثم جعل يتبختر بين الصّفّين،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين رآه يتبختر: «إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن» .
قال الزّبير: ولمّا أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف لأبي دجانة وجدت في نفسي حين سألته فمنعني وأعطاه إيّاه، وقلت: أنا ابن صفيّة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قمت إليه وسألته إيّاه قبله، فأعطاه إياه وتركني، والله لأنظرنّ ما يصنع به، فاتّبعته، فخرج وهو يقول:
أنا الّذي عاهدني خليلي ... ونحن بالسّفح لدى النّخيل
ألّا أقوم الدّهر في الكيّول ... أضرب بسيف الله والرّسول
قال: فجعل لا يمرّ بشيء إلا أفراه وفتكه، وفلق به هام المشركين، وكان إذا كلّ شحذه بالحجارة، ثم يضرب به العدو كأنه منجل، وكان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحا إلا
__________
[ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 133 وعزاه لأحمد والبزار وقال: ورجالهما ثقات.
[ (2) ] أخرجه مسلم 4/ 1917 (128- 2470) وابن أبي شيبة في المصنف 14/ 398 وابن سعد في الطبقات 3/ 2/ 101.(4/192)
ذفّف عليه، فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه، فدعوت الله تعالى أن يجمع بينهما، فالتقيا فاختلفا ضربتين، فضرب المشرك أبا دجانة فاتّقاه بدرقته فعضّت بسيفه، وضربه أبو دجانة فقتله.
قال ابن عقبة: قال كعب بن مالك: وخرج رجل من المشركين نحو المسلمين وهو يقول: استوسقوا كما استوسقت جزر الغنم، وإذا رجل من المسلمين قائم ينتظره وعليه لأمته، فمضيت ًحتى كنت من ورائه، ثم قمت أقدّر المسلم والكافر بنظري، فإذا الكافر أفضلهما عدّة وهيئة، قال: فلم أزل أنتظرهما حتى التقيا، فضرب المسلم الكافر على حبل عاتقه ضربة بالسيف، فبلغت ووركيه وانفرق فرقتين، ثم كشف المسلم عن وجهه وقال: كيف ترى يا كعب؟ أنا أبو دجانة.
قال الزّبير: ثم رأيته حمل على مفرق رأس هند بنت عتبة، ثم عدل السيف عنها، فقلت له: كلّ سعيك رأيته فأعجبني غير أنك لم تقتل المرأة، قال: إنها نادت: يا لصخر! فلم يجبها أحد، وفي لفظ: رأيت إنسانا يحمش الناس حمشا شديدا فصمدت إليه، فلما حملت عليه السيف ولول. فإذا امرأة فكرهت أن أضرب بسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة لا ناصر لها، فقلت:
الله ورسوله أعلم.
وذكر ابن إسحاق في رواية يونس والزبير بن بكار إن رجلا من المشركين خرج فدعا إلى البراز، فأحجم عنه الناس، حتى دعا ثلاثا وهو على جمل له، فقام إليه الزبير بن العوام فوثب حتى استوى معه على بعيره، فعانقه، فاقتتلا فوق البعير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذي يلي حضيض الأرض مقتول، فوقع المشرك» . ووقع عليه الزبير فذبحه، فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: «إن لكل نبيّ حواريّا، وإنّ حواريّ الزّبير» وقال: «لو لم يبرز إليه الزبير لبرزت إليه» [ (1) ] ،
لما رأى من إحجام الناس عنه.
واقتتل الناس يومئذ قتالا شديدا، وحميت الحرب، وأبلى أبو دجانة الأنصاريّ، وطلحة بن عبيد الله، وأسد الله، وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وأنس بن النّضر، وسعد بن الربيع، بلاء شديدا. وأنزل الله تبارك وتعالى نصره على المسلمين، وصدقهم وعده، فحسّوا المشركين بالسيف حتى كشفوهم عن العسكر، ونهكوهم قتلا، وقد حملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرات، كلّ ذلك تنضح بالنّبل فترجع مفلولة، وكانت الرماة تحمي ظهور المسلمين، ويرشقون خيل المشركين بالنّبل، فلا يقع إلا في فرس أو رجل، فتولّي هوارب، وقال عمر بن الخطاب يوم أحد لأخيه زيد بن الخطاب: يا أخي، خذ
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب الجهاد (2997) .(4/193)
درعي هذه، فقال له: إني أريد من الشهادة مثل ما تريد، فتركاها جميعا، رواه أبو نعيم.
ولما اشتدّ القتال يومئذ جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت راية الأنصار، وأرسل إلى علي بن أبي طالب أن قدّم الراية، فتقدم عليّ وقال: أنا أبو القصم، وصاح طلحة بن أبي طلحة صاحب اللواء: من يبارز؟ فلم يبرز إليه أحد، فقال: يا أصحاب محمد، زعمتم أن قتلاكم في الجنة، وقتلانا في النار، كذبتم، واللات لو تعلمون إن ذلك حقّ لخرج إلي بعضكم، فبرز إليه علي بن أبي طالب فالتقيا بين الصّفين فبدره عليّ فصرعه، ولم يجهز عليه، فقال له بعض أصحابه: أفلا أجهزت عليه؟ فقال: إنه استقبلني بعورته فعطفني عليه الرّحم، وعرفت أن الله تعالى قد قتله،
وكان قتل صاحب لواء المشركين تصديقا لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كأنّي مردف كبشا» ، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأظهر التّكبير وكبّر المسلمون، وشدّوا على المشركين يضربونهم حتى اختلّت صفوفهم. قال أبو عبيدة والزبير بن بكار: وفي ذلك يقول الحجاج بن علاط- بكسر العين المهملة وتخفيف اللام وآخره طاء مهملة- السّلميّ.
الله أيّ مذبّب عن حرمة ... أعني ابن فاطمة المعمّ المخولا
جادت يداك لهم بعاجل طعنة ... تركت طليحة للجبين مجدّلا
وشددت شدّة باسل فكشفتهم ... بالجرّ إذ يهوون أخول أخولا
وعللت سيفك بالدّماء ولم تكن ... لتردّه حرّان حتّى ينهلا
وصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتائب متفرقة فحاسوا العدوّ ضربا حتى أجهضوهم عن أثقالهم، فحمل لواءهم أبو شيبة عثمان بن أبي طلحة، فحمل عليه حمزة بن عبد المطلب [فضربه بالسيف على كاهله] فقطع يده ورجله حتى انتهى إلي مؤتزره وبدا سحره فقتله، فحمله أبو سعد بن أبي طلحة، فرماه سعد بن أبي وقاص، فأصاب حنجرته، فدلع لسانه، فقتله، فحمله مسافع بن طلحة [بن أبي طلحة] فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح- بالقاف- فقلته، فحمله الحارث بن طلحة فرماه عاصم بن ثابت فقتله، كلاهما يشعره سهما فيأتي أمّه سلافة فيضع رأسه في حجرها، فتقول: يا بنيّ: من أصابك؟ فيقول: سمعت رجلا رماني يقول: خذها وأنا ابن الأقلح، فنذرت إن أمكنها الله من رأس عاصم أن تشرب فيه الخمر، وجعلت لمن جاء به مائة من الإبل، فحمل اللواء كلاب بن طلحة بن أبي طلحة فقتله الزبير بن العوام، وقيل: قزمان، فحمله الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة- وهو بضم الجيم وتخفيف اللّام وفي آخره سين- فقتله طلحة بن عبيد الله، فحمله أرطاة بن شرحبيل، فقتله علي بن أبي طالب، فحمله شريح بن قارظ- وهو بضم الشين المعجمة وفتح الراء فمثناة تحتية ساكنة فحاء مهملة، وأبوه بقاف فألف فراء مكسورة فظاء معجمة مشالة- فليس يدري من(4/194)
قتله، فحمله أبو زيد بن عمير بن عبد مناف بن هاشم بن عبد الدار فقتله قزمان، فحمله قاسط بن شرحبيل بن هاشم بن عبد الدار فقتله قزمان أيضا فحمله صؤاب- غلام لهم حبشي- فقالوا: لا نؤتينّ من قبلك فقطعت يمينه، فأخذ اللواء بشماله فقطعت، فالتزم القناة بصدره وعنقه وقال: اللهم هل أعززت؟ فقالوا: نعم، فرماه قزمان فقتله، وهو أثبت الأقاويل، فتفرّق المشركون، فأخذت اللواء عمرة بنت علقمة الحارثيّة فأقامته فثابوا عليه، وفي لفظ:
لأثوابه.
ولما قتل أصحاب اللواء انكشف المشركون منهزمين، لا يلوون على شيء، ونساؤهم يدعون بالويل، وتبعهم المسلمون يقتلونهم حيث شاءوا، حتى أجهضوهم عن العسكر.
قال الزبير بن العوام، والبراء بن عازب: لقد رأيتنا ننظر إلى خدم هند بنت عتبة، وصواحبها مشمرات هوارب يرفعن عن سوقهنّ، حتى بدت خلاخلهنّ، وانهزم القوم ما دون أخذهن قليل ولا كثير، وكانت الهزيمة لا شك فيها، ودخل المسلمون عسكر المشركين فانتهبوه.
ذكر ترك الرماة مكانهم الذي أقامهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما حصل بسبب ذلك
لما رأى أصحاب عبد الله بن جبير وهم الرّماة ما حصل للمشركين قالوا: أي قوم، الغنيمة الغنيمة، لم تقيمون هاهنا في غير شيء، قد هزم الله تعالى العدوّ، وهؤلاء إخوانكم قد ظهروا، وهم ينتهبون عسكرهم، فادخلوا عسكر المشركين فاغنموا مع إخوانكم، فقال عبد الله بن جبير ومن وافقه: ألم تعلموا
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكم: «احموا ظهورنا ولا تبرحوا من مكانكم، وإذا رأيتمونا نقتل، فلا تنصرونا، وإن غنمنا فلا تشركونا، احموا ظهورنا؟!»
فقال الآخرون: لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا. وانطلقوا فلم يبق مع أميرهم عبد الله بن جبير إلا دون العشرة، وذهب الباقون إلى عسكر المشركين ينتهبون، فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين، ونظر خالد بن الوليد إلى الجبل وقلّة أهله، فكّرّ بالخيل وتبعه عكرمة بن أبي جهل- وأسلما بعد ذلك- فحملوا على من بقي من الرّماة فقتلوهم، وثبت أميرهم عبد الله، فقاتل حتى قتل، فجرّدوه ومثّلوا به أقبح مثله، وكانت الرماح قد شرعت في بطنه، حتى خرقت ما بين سرته إلى خاصرته إلى عانته، وخرجت حشوته، وأحاطوا بالمسلمين. فبينما المسلمون قد شغلوا بالنّهب والغنائم إذ دخلت الخيول تنادى فرسانها بشعارهم: يا للعزّى، يا لهبل، ووضعوا السيوف في المسلمين وهم آمنون وكلّ في يديه أو حضنه شيء قد انتهبه. ولما رأى المشركون خيلهم ظاهرة رجعوا فشدّوا على المسلمين فهزموهم، فقتلوا فيهم قتلا ذريعا، وتفرّق المسلمون(4/195)
في كل وجه، وتركوا ما انتهبوا، وخلّوا من أسروا، وانتقضت صفوف المسلمين، واستدارت رحاهم، وكانت الرّيح أول النهار صبا فصارت دبورا، وكرّ الناس منهزمين يحطم بعضهم بعضا، فصاروا ثلاثا: ثلثا جريحا، وثلثا منهزما، وثلثا مقتولا، وصرخ الشيطان- لعنه الله-: أي عباد الله، إخوانكم. فرجعت أولاهم، فاجتدلت هي وأخراهم، وهم يظنون أنهم من العدوّ. وكان غرض إبليس بذلك أن يقتل المسلمون بعضهم بعضا، وكان أول النهار للمسلمين على الكفار، كما قال تعالى: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ، مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ، وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران 152] .
فما كانت دولة أسرع من دولة المشركين. وصرخ الشيطان عند جبل عينين وقد تصوّر في صورة جعال بن سراقة رضي الله عنه: «إن محمدا قد قتل» ثلاث صرخات، ولم يشكّ فيه أنه حق وكان جعال إلى جنب أبي بردة يقاتل أشدّ القتال، فقال جماعة من المسلمين لما سمعوا ذلك:
إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل أفلا تقاتلون على دينكم، وعلى ما كان عليه نبيّكم، حتى تلقوا الله تعالى شهداء؟! وقال جماعة: ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبيّ لنا أمانا من أبي سفيان، يا قوم إن محمدا قد قتل فارجعوا إلى قومكم، قبل أن يأتوكم فيقتلوكم، واختلط المسلمون، فصاروا يقتلون على غير شعار، ويضرب بعضهم، بعضا، من العجلة والدّهش وما يدري.
وتفرّق المسلمون في كل وجه، وانهزمت طائفة منهم حتى دخلت المدينة، فلقيتهم أمّ أيمن فجعلت تحثو في وجوههم التراب وتقول لبعضهم: «هاك المغزل فاغزل به، وهلمّ سيفك» .
ولمّا انكشف المسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق منهم إلا نفر يسير لم يبق للمسلمين لواء قائم ولا فئة، وإن كانت خيل المشركين لتجوسهم مقبلة مدبرة في الوادي، يلتقون ولا يفترقون، ما يرون أحدا من الناس يردّهم، حتى رجعوا إلى معسكرهم، وأصعد بعض المسلمين في الجبل، واستشهد منهم من أكرمه الله تعالى بالشّهادة، ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صرخ به الشّيطان قال: هذا إزب العقبة.
ذكر ثبات رسول الله صلى الله عليه وسلم
روى البيهقي عن المقداد بن عمرو رضي الله عنه فذكر حديثا في يوم أحد وقال:
فأوجعوا والله قتلا ذريعا، ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نالوا، ألا والذي بعثه بالحق إن زال رسول الله صلى الله عليه وسلم شبرا واحدا، وإنه لفي وجه العدوّ ويفيء إليه طائفة من أصحابه مرّة، وتفترق(4/196)
مرّة عنه، فربما رأيته قائما يرمي عن قوسه، ويرمي بالحجر حتى تحاجزوا، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصابة ثبتت معه.
وقال محمد بن عمر: ثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانه ما يزول قدما واحدا، بل وقف في وجه العدو، وما يزال يرمي عن قوسه حتى تقطّع وتره، وبقيت في يده منه قطعة تكون شبرا في سية القوس، فأخذ القوس عكاشة بن محصن ليوتره له، فقال: يا رسول الله لا يبلغ الوتر، فقال:
«مدّه فيبلغ» ، قال عكّاشة: فو الذي بعثه بالحقّ لمددته حتى بلغ، وطويت منه ليّتين أو ثلاثا على سية القوس، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوسه، فما زال يرمي به وأبو طلحة يستره متترّسا عنه حتى تحطّمت القوس، وصارت شظايا، وفنيت نبله، فأخذ القوس قتادة بن النعمان، فلم تزل عنده، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة، وكان أقرب الناس إلى العدوّ، وثبت معه صلّى الله عليه وسلم خمسة عشر رجلا: ثمانية من المهاجرين: أبو بكر، وعمر، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح. وسبعة من الأنصار: الحباب بن المنذر، وأبو دجانة، وعاصم بن ثابت، والحارث بن الصّمّة، وسهل بن حنيف وسعد بن معاذ- وقيل: سعد بن عبادة- ومحمد بن مسلمة. ويقال: ثبت بين يديه يومئذ ثلاثون رجلا كلّهم يقول: وجهي دون وجهك، ونفسي دون نفسك، وعليك السلام غير مودّع!
وروى الطبراني عن ابن عباس: أن ابن مسعود ثبت يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا انكشف الناس عنه إلى الجبل لا يلوون يدعوهم في أخراهم يقول: «إليّ يا فلان، أنا رسول الله» ، فما يعرّج عليه أحد، وهذا النّبل يأتيه صلى الله عليه وسلم من كل ناحية، والله تعالى يصرف ذلك عنه.
وروي محمد بن عمر الأسلميّ عن نافع بن جبير قال: سمعت رجلاً من المهاجرين يقول: شهدت أحدا فنظرت إلى النّبل من كل ناحية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطها، كل ذلك يصرف عنه. ولقد رأيت عبد الله بن شهاب الزهريّ يقول يومئذ: دلّوني على محمد، لا نجوت إن نجا. ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ما معه أحد، ثم جاوزه فعاتبه صفوان بن أمية في ذلك، فقال: والله ما رأيته، أحلف بالله إنّه منّا ممنوع، أما والله خرجنا أربعة فتعاهدنا، وتعاقدنا على قتله، فلم نخلص إليه.
قال ابن سعد: قال أبو النّمر الكنانيّ وهو جدّ شريك بن عبد الله بن أبي نمر: شهدت أحدا مع المشركين، ورميت يومئذ بخمس مرماة، فأصبت منها بأسهم، وإني لأنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أصحابه لمحدقون به، وإنّ النّبل لتمر عن يمينه وعن شماله، [وتقصر] بين يديه، وتخرج من ورائه، ثم هداني الله للإسلام.(4/197)
وروى عبد الرزاق بسند مرسل قويّ عن الزهري قال: ضرب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد سبعين ضربة بالسيف، وقاه الله شرّها كلّها.
قال الحافظ: ويحتمل أنه أراد بالسبعين حقيقتها، أو المبالغة في الكثرة. انتهى.
وبايعه يومئذ على الموت ثمانية: ثلاثة من المهاجرين، وهم: عليّ، والزبير، وطلحة.
وخمسة من الأنصار: أبو دجانة، والحارث بن الصّمّة، والحباب بن المنذر، وعاصم بن ثابت، وسهل بن حنيف، فلم يقتل منهم أحد.
وروى أبو يعلى بسند حسن، عن علي رضي الله عنه قال: لما انجلى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد نظرت في القتلى، فلم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: والله ما كان ليفرّ وما أراه في القتلى، ولكن أرى الله تعالى غضب علينا بما صنعنا، فرفع نبيه صلى الله عليه وسلّم، فما لي خير من أن أقاتل حتى أقتل، فكسرت جفن سيفي، ثم حملت على القوم فأفرجوا لي، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، أي يقاتلهم صلى الله عليه وسلم.
ذكر تعظيم أجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعله معه المشركون
تكاثر المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرادوا قتله. رمى عتبة بن أبي وقاص- لعنه الله- رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أحجار فكسر حجر منها رباعيته اليمنى السّفلى وجرح شفته السّفلى.
قال الحافظ: والمراد بكسر الرّباعية- وهي السّنّ التي بين الثّنيّة والتّاب- أنها كسرت فذهب منها فلقة، ولم تقلع من أصلها.
وروى عبد الرزاق في تفسيره عن مقسم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة بن أبي وقاص حين كسر رباعيته ورمى وجهه، فقال: اللهم لا يحول عليه الحول حتى يموت- كافرا، فما حال عليه الحول حتى مات كافرا إلى النار، ورواه أبو نعيم من وجه آخر عن ابن عباس
[ (1) ] .
وروى الحاكم عن حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه: أنه لما رأى ما فعل عتبة برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله من فعل بك؟ قال: «عتبة بن أبي وقّاص» . قلت: أين توجه؟ فأشار إلى حيث توجّه، فمضيت حتى ظفرت به فضربته بالسيف فطرحت رأسه، فأخذت رأسه وفرسه، وجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [فسلم] ذلك إليّ، ودعا لي فقال:
«رضي الله عنك» ،
مرتين [ (2) ] .
__________
[ (1) ] انظر البداية والنهاية 4/ 30.
[ (2) ] أخرجه البيهقي في السنن 6/ 308 والحاكم في المستدرك 3/ 300.(4/198)
وروى الخطيب في تاريخ بغداد عن الحافظ محمد بن يوسف الفريابيّ قال: بلغني أن الذين كسروا رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يولد لهم صبيّ، فنبتت له رباعية.
قال السّهيليّ: ولم يولد من نسل عتبة ولد يبلغ الحلم إلّا وهو أهتم أبخر، يعرف ذلك في عقبه. وشجّه عبد الله بن شهاب الزّهريّ- وأسلم بعد ذلك- في وجهه، وسال الدم من الشّجّة حتى أخضل الدم لحيته الشريفة. نفسي له الفداء.
ورواه عبد الله بن قمئة- بفتح القاف وكسر الميم وبعدها همزة- فشجّ وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته. وعلاه بالسيف. وكان عليه درعان، فوقع صلى الله عليه وسلم في حفرة أمامه على جنبه، وهي من الحفر التي عملها أبو عامر الفاسق ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون، فأغمي عليه صلى الله عليه وسلم، كما رواه ابن جرير عن قتادة، فأخذ علي بن أبي طالب بيده، ورفعه طلحة حتى استوى قائما فجحشت ركبتاه، ولم يصنع سيف ابن قمئة شيئا إلا وهن الضربة بثقل السيف، ومكث يجد وهن الضّربة على عاتقه شهرا، أو أكثر من شهر. ورمته جماعة كثيرة بالحجارة حتى وقع لشقّه.
وروى الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه: أن ابن قمئة لمّا رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: خذها وأنا ابن قمئة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقمأك الله» ، فسلّط الله تعالى عليه تيس جبل، فلم يزل ينطحه حتى قطّعه قطعة قطعة [ (1) ] .
وروى أبو نعيم عن نافع بن عاصم قال: الذي أدمى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن قمئة رجل من هذيل، فسلّط الله تعالى عليه تيسا، فنطحه حتى قتله.
وروى أبو داود الطيالسي وابن حبان عن عائشة قالت: كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال: ذلك اليوم كلّه لطلحة، ثم أنشأ يحدّث قال: كنت ممن فاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فرأيت رجلا يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دونه- قال: وأراه قال يحميه- قال: قلت: كن طلحة حيث فاتني ما فاتني، فقلت: يكون رجلا من قومي أحبّ إليّ، وبيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا أعرفه، وأنا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، وهو يخطف خطفا لا أخطفه، فإذا هو أبو عبيدة بن الجراح، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كسرت رباعيته، وشجّ وجهه، وقد دخل في وجنته حلقتان من حلق المغفر،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكما صاحبكما، يريد طلحة،
وقد نزف الدّم فتركناه، وذهبت لأنزل ذلك من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو عبيدة:
أقسمت عليك بحقّي لما تركتني، فتركته، وكره أن يتناولها بيده فيؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأزم
__________
[ (1) ] انظر الشفاء للقاضي عياض 2/ 480 فتح الباري 7/ 373.(4/199)
عليها بفيه فاستخرج إحدى الحلقتين، ووقعت ثنيّته مع الحلقة، وذهبت لأصنع ما صنع، فقال: أقسمت عليك بحقي لما تركتني، ففعل كما فعل في المرة الأولى، فوقعت ثنيّته الأخرى مع الحلقة، فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتما، فأصلحنا من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتينا طلحة في بعض تلك الحفر، فإذا به بضع وسبعون أو أقل أو أكثر من طعنة وضربة ورمية، وإذا قد قطعت إصبعه فأصلحنا من شأنه [ (1) ] .
وذكر محمد بن عمر أن طلحة أصيب يومئذ في رأسه، فنزف الدم حتى غشي عليه، فنضح أبو بكر الماء في وجهه حتى أفاق فقال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: خيرا، هو أرسلني إليك، قال: الحمد لله، كلّ مصيبة بعده جلل.
وفي حديث أبي سعيد الخدري عن محمد بن عمر: أنّ الحلقتين لمّا نزعتا جعل الدم يسرب كما يسرب الشّنّ، فجعل مالك بن سنان يأخذ الدم بفيه ويمجّه منه ويزدرد منه، فقال له: «أتشرب الدّم؟» قال: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مسّ دمه دمي لم تصبه النّار» .
وترّس دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو دجانة بنفسه، يقع النّبل في ظهره وهو ينحني عليه، حتى كثر عليه النبل وهو لا يتحرك.
وقاتل عبد الرحمن بن عوف قتالا شديدا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصيب فوه فهتم، وجرح عشرين جراحة أو أكثر، وجرح في رجله، وكان يعرج منها. وروى ذلك الحاكم عن إبراهيم بن سعد. وقاتل سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتالا شديدا.
روى الحاكم عن عائشة بنت سعد عن أبيها قال: لما جال النّاس يوم أحد تلك الجولة تنحّيت فقلت: أذود عن نفسي، فإمّا أنجو وإما أن أستشهد، فإذا رجل محمرّ وجهه قد كاد المشركون أن يركبوه، فملأ يده من الحصا فرماهم به، وإذا بيني وبينه المقداد، فأردت أن أسأله عن الرّجل، فقال لي: «يا سعد هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك» فقمت ولكأنه لم يصبني شيء من الأذى، فأتيته فأجلسني أمامه فجعلت أرمي وأقول: «اللهم سهمك فارم به عدوّك»
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم استجب لسعد، اللهم سدّد لسعد رميته، إيها سعد، فداك أبي وأمي» ، فما من سهم أرمي به إلّا قال رسول الله: «اللهم سدد رميته، وأجب دعوته» ،
حتى إذا فرغت من كنانيّ نثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في كنانته فنبلني سهما نضيّا قال وهو الذي قد ريش وكان أسدّ من غيره [ (2) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 3/ 363 وأبو نعيم في الحلية 1/ 87 وذكره ابن حجر في المطالب (4327) والمتقي الهندي في الكنز (30025) .
[ (2) ] أخرجه الترمذي (3751) والحاكم في المستدرك 3/ 499 والطبراني في الكبير 1/ 105.(4/200)
قال الزّهريّ: «السّهام التي رمي بها سعد يومئذ كانت ألف سهم» .
وروى ابن عائذ عن يحيى بن حمزة مرسلا، عن سعد بن أبي وقاص قال: رميت بسهم فردّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسهمي أعرفه، حتى واليت بين ثمانية أو تسعة، كل ذلك يردّه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت هذا السهم في كنانتي لا يفارقني.
وروى البخاري والحسن بن عرفة، عن سعد قال: نثل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته يوم أحد، وقال: «ارم فداك أبي وأمّي» .
روى البخاري عن علي رضي الله عنه قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لأحد إلا لسعد بن مالك،
سمعته يقول يوم أحد: «يا سعد ارم فداك أبي وأمّي» .
وروى أيضا عن سعد قال: «لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بين أبويه كليهما، يريد حين
قال: «فداك أبي وأمي، وهو يقاتل»
[ (1) ] .
قال محمد بن عمر رحمه الله: كان رجال من المشركين قد أذلقوا المسلمين بالرّمي منهم حبان بن العرقة، وأبو أسامة الجشميّ.
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لسعد: «ارم فداك أبي وأميّ»
ورمى حبّان بسهم فأصاب ذيل أم أيمن وكانت تسقي الجرحى، فانكشف عنها فاستغرب عدوّ الله في الضحك، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فدفع إلى سعد [بن أبي وقّاص سهما] لا نصل له، فقال: «ارم به» ، فوقع السهم في ثغرة نحر حبّان، فوقع مستلقيا وبدت عورته، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال: «استقاد لها سعد أجاب الله دعوتك وسدّد رميتك» .
وكان مالك بن زهير أخو أبي أسامة الجشميّ وهو وحبّان بن العرقة قد أكثرا في المسلمين القتل بالنّبل، فرمى سعد مالكا بسهم أصاب عينه، حتى خرج من قفاه وقتله. وقاتلت أمّ عمارة نسيبة- وهي بمهملة وموحدة مصغر على المشهور، وعن ابن معين والفربري ككريمة- بنت كعب المازنيّة يومئذ، فلما انهزم المسلمون انحازت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وباشرت القتال، وجعلت تذبّ عنه بالسيف، وترمي عن القوس. ولما قصد ابن قمئة رسول الله صلى الله عليه وسلم اعترضت له ومصعب بن عمير، وضربت ابن قمئة ضربات، ولكن عدوّ الله كان عليه درعان، وضربها هو بالسيف فجرحها جرحا عظيما، صار له فيما بعد غور.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان» وقال: «ما التفتّ يمينا ولا شمالا إلا وأنا أراها تقاتل دوني» . وقال لابنها عبد الله بن زيد بن عاصم:
«بارك الله
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 124 وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 4/ 27.(4/201)
تعالى عليكم أهل بيت، مقام أمّكم خير من مقام فلان وفلان، ومقام زوج أمك غزيّة بن عمرو خير من مقام فلان وفلان، رحمكم الله أهل بيت» .
قالت أمّ عمارة: «ادع الله تعالى أن نرافقك في الجنة» ، قال: «اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة» .
قالت: «ما أبالي ما أصابني من أمر الدنيا» .
قال البلاذريّ: شهدت نسيبة يوم أحد وزوجها وابناها، وخرجت معها بشنّ لها تسقي الجرحى، فقاتلت وجرحت اثني عشر رجلا بسيف ورمي، وكانت أول النهار تسقي المسلمين، والدّولة لهم، ثم قاتلت حين كرّ المشركون، وقاتلت يوم اليمامة فقطعت يدها وهي تريد مسيلمة الكذاب لتقتله. قالت: «ما كانت لي ناهية حتى رأيت الخبيث مقتولا وإذا ابني عبد الله بن زيد يمسح سيفه بثيابه، فقلت: أقتلته؟ قال: نعم، فسجدت لله شكرا» .
وروى ابن سعد عن موسى بن ضمرة بن سعيد عن أبيه قال: أتى عمر بن الخطاب بمروط وفيها مرط جيّد واسع، فقال بعضهم: لو أرسلت به إلى زوجة عبد الله بن عمر صفية بنت أبي عبيد. فقال: «ابعثوا به إلى من هو أحق به منها، إلى أمّ عمارة نسيبة بنت كعب،
فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما التفتّ يمينا ولا شمالا يوم أحد إلا رأيتها تقاتل دوني» [ (1) ] .
وانحاز صلى الله عليه وسلم إلى الجبل لينظر أمر الناس، وليعرفه أصحابه، فيقصدوه، فأدركه المشركون يريدون ما الله تعالى حائل بينه وبينهم، فدثّه جماعة بالحجارة حتى وقع لشقّه.
وروى النسائي والبيهقي بسند جيد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وبقي معه أحد عشر رجلا من الأنصار، وطلحة بن عبيد الله، وهو يصعد في الجبل، فلحقهم المشركون، فقال: «ألا أحد لهؤلاء؟» فقال طلحة:
أنا يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كما أنت يا طلحة» ، فقال رجل من الأنصار: فأنا يا رسول الله. فقاتل عنه، وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بقي معه من أصحابه، ثم قتل الأنصاريّ، فلحقوه فقال: «ألا رجل لهؤلاء؟» فقال طلحة مثل قوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قوله، فقال رجل من الأنصار: فأنا يا رسول الله، فقاتل وأصحابه يصعدون في الجبل، ثم قتل الأنصاريّ، فلحقوه، فلم يزل يقول مثل قوله الأول، ويقول طلحة: أنا يا رسول الله فيحبسه، ويستأذنه رجل من الأنصار للقتال، فيأذن له، فيقاتل مثل من كان قبله حتى لم يبق معه إلا طلحة، فغشوهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لهؤلاء يا طلحة؟» فقال: أنا، فقاتل مثل قتال جميع من كان قبله، وأصيبت أنامله، فقال: حسّ، فقال: لو قلت: بسم الله لرفعتك الملائكة، والناس ينظرون إليك حتى تلج بك في جوّ السماء.
__________
[ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 8/ 303 وذكره المتقي الهندي في الكنز (37589) .(4/202)
وروى الإمام أحمد، ومسلم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن المشركين لما أرهقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سبعة من الأنصار ورجل من قريش قال: من يردّهم عنّا وهو رفيقي في الجنة؟ فجاء رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، ثم رهقوه أيضا، فقال: من يردّهم عنّا وله الجنة؟ - أو هو رفيقي الجنة؟ - فتقدّم رجل من الأنصار فقاتل، حتى قتل السبعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنصفنا أصحابنا» [ (1) ] .
وروى البخاري عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت يد طلحة بن عبيد الله شلّاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد.
وروى الدّارقطنيّ في الإفراد، والطبراني عن طلحة. والنسائيّ، والطبراني، والبيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم: أنّ طلحة أصابه سهم في أنامله فقال: حسّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو قلت بسم الله لطارت بك الملائكة والناس ينظرون حتى تلج بك في جوّ السماء، ولرأيت بناءك الذي بنى الله لك في الجنّة وأنت في الدنيا» [ (2) ] .
وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن النساء يوم أحد كنّ خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين، فلو حلفت يومئذ لرجوت أن أبرّ أنه ليس أحد منّا يريد الدنيا، حتى أنزل الله تعالى: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ [آل عمران 152] فلما خالف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصوا ما أمروا به أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسعة: سبعة من الأنصار، ورجلين من قريش، وهو عاشرهم، فلما رهقوه قال: رحم الله ردّهم عنّا فذكر نحو الحديث الذي قبله.
وقال ابن إسحاق: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غشيه القوم قال: «من رجل يشري لنا نفسه؟» فقام زياد بن السكن في خمسة من الأنصار- وبعض الناس يقول: إنما هو عمارة بن يزيد بن السّكن-، فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا رجلا يقتلون دونه، حتى كان آخرهم زيادا أو عمارة، فقاتل حتى أثبتته الجراحة، ثم فاءت فئة من المسلمين فأجهضوهم عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أدنوه منّي» ، فأدنوه منه فوسّده قدمه، فمات وخدّه على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه أربع عشرة جراحة.
وقاتل علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية، وأبو دجانة من ناحية، وسعد بن أبي وقاص من ناحية، وانفرد علي بن أبي طالب بفرقة فيها عكرمة بن أبي جهل،
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم في الجهاد (100) وأحمد في المسند 1/ 463 والبيهقي في السنن 9/ 44 وابن أبي شيبة في المصنف 14/ 399 والبيهقي في الدلائل 3/ 235.
[ (2) ] ذكره ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 7/ 77.(4/203)
فدخل وسطهم بالسّيف يضرب به وقد اشتملوا عليه، حتى أفضى إلى آخرهم، ثم كرّهم ثانيا حتى رجع من حيث جاء. وكان الحباب بن المنذر يجوس المشركين كما تجاس الغنم، ثم اشتملوا عليه حتى قيل قد قتل، ثم برز والسّيف في يده، وافترقوا عنه. وأبلى أبو طلحة يومئذ بلاء شديدا [ (1) ] .
وروى الشيخان ومحمد بن عمر الأسلمي، عن أنس رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو طلحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يجوب عنه بحجفته- وفي لفظ: يجوب عليه بحجفته- وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد الرّمي- وفي لفظ: النّزع- فنثر كنانته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يرمي بها، وكسر يومئذ قوسين أو ثلاثة، وكان الرجل يمرّ بالجعبة من النّبل،
فيقول صلى الله عليه وسلم: «انثرها لأبي طلحة» ،
ويشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم، فيقول أبو طلحة: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك! [ (2) ]
ذكر إرسال الله تعالى النعاس على المسلمين الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
روى الإمام أحمد والبخاريّ والحاكم عن أبي طلحة والبخاري عن أنس عن أبي طلحة، قال أبو طلحة: كنت فيمن يغشاه النّعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارا من النّعاس، الذي ألقاه الله تعالى عليهم أمنة منه، يسقط وآخذه، وجعلت أنظر وما منهم أحد إلا وهو يميد تحت حجفته من النّعاس.
وروى الطبراني في الأوسط عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: ألقي علينا النّوم يوم أحد.
وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: آمنهم الله تعالى يومئذ بنعاس غشّاهم، وإنما ينعس من يأمن.
وروى ابن جرير، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: النّعاس عند القتال أمنة من الله، والنّعاس في الصلاة من الشّيطان.
وروى محمد بن عمر الأسلمي عن أبي اليسر- بفتح التحتية والسين المهملة- واسمه كعب بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه قال: لقد رأيتني يومئذ في أربعة عشر رجلا من قومي
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 3/ 235.
[ (2) ] أخرجه البخاري 5/ 125 (دار الفكر) .(4/204)
إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصابنا النعاس أمنةً منه، ما منهم أحد إلا يغطّ غطيطا، حتى أن الحجف لتتناطح، ولقد رأيت سيف بشر بن البراء بن معرور سقط من يده، وما يشعر، حتى أخذه بعد ما تثلّم، وأن المشركين لتحتنا.
وروى الإمام إسحاق بن راهويه عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: والله إنّ النّعاس ليغشاني. وفي رواية: لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين اشتدّ علينا الخوف، وأرسل علينا النوم، فما منا أحد إلا وذقنه في صدره، فو الله إني لأسمع كالحلم قول معتّب بن قشير:
«لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا» فحفظتها، فانزل الله تعالى في ذلك: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً إلى قوله: ما قُتِلْنا هاهُنا [آل عمران 154] كقول معتّب بن قشير.
قال محمد بن إسحاق: أنزل الله تعالى النعاس أمنةً منه لأهل اليقين، فهم نيام لا يخافون، والذين أهّمتهم أنفسهم أهل النفاق في غاية الخوف والذّعر.
ذكر ما جاء في حضور الملائكة وقتالهم يوم أحد
روى أبو داود الطّيالسيّ والشيخان عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: رأيت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشدّ القتال، وما رأيتهما قبل ولا بعد، يعني جبريل وميكائيل. ورواه البيهقي. ثم روى مجاهد، قال:
لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر قال البيهقيّ: مراده لم يقاتلوا يوم أحد عن القوم حين عصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يصبروا على ما أمرهم به.
روى محمد بن عمر عن شيوخه في قوله تعالى: بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا الآية لم يصبروا وانكشفوا فلم يمدّوا.
وروي أيضا عنهم قالوا: قتل مصعب بن عمير فأخذ اللّواء ملك في صورة مصعب، وحضرت الملائكة يومئذ ولم تقاتل.
وروى الطبراني وابن منده وابن عساكر من طريق محمود بن لبيد، قال الحارث بن الصّمّة: سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في الشعب عن عبد الرحمن بن عوف، فقلت: رأيته إلى جنب الجبل، فقال: «إن الملائكة تقاتل معه» . قال الحارث: فرجعت إلي عبد الرحمن فوجدت بين يديه سبعة صرعى، فقلت: ظفرت يمينك، أكلّ هؤلاء قتلت؟ قال: «أما هذا وهذا فأنا قتلتهما، وأمّا هؤلاء فقتلهم من لم أره» . فقلت: صدق الله ورسوله.
وروى ابن سعد عن عبد الله بن الفضل بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن(4/205)
عبد المطلب، قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد مصعب بن عمير اللّواء فقتل مصعب، فأخذه ملك في صورة مصعب
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تقدّم يا مصعب» .
فالتفت إليه الملك فقال: لست بمصعب، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ملك أيّد به.
وقال ابن أبي شيبة في المصنف: حدّثنا زيد بن الحباب عن موسى بن عبيدة: حدثني محمد بن ثابت إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال يوم أحد: أقدم يا مصعب، فقال له عبد الرحمن بن عوف: يا رسول الله ألم يقتل مصعب؟ قال: «بلى، ولكن ملك قام مكانه، وتسمّى باسمه» [ (1) ] .
وروى ابن عساكر عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: لقد رأيتني أرمي بالسهم يوم أحد فيردّه عليّ رجل أبيض حسن الوجه لا أعرفه، حتى كان بعد فظننت أنّه ملك.
وروى ابن إسحاق والبيهقي وابن عساكر عن عبد الله بن عون عن عمير بن إسحاق قال: لما كان يوم أحد انكشفوا عن رسول الله وسعد يرمي بين يديه، وفتى ينبّل له، كلما ذهب نبله أتاه بها، قال: ارم أبا إسحاق، فلما فرغوا نظروا من الشّابّ فلم يروه، ولم يعرف.
وروى البيهقي عن عروة في قوله تعالى: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ [آل عمران 152] قال: كان الله تعالى وعدهم على الصّبر والتّقوى أن يمدّهم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين، وكان قد فعل، فلما عصوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوا مصافّهم، وتركت الرّماة عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألّا يبرحوا من منازلهم، وأرادوا الدّنيا، رفع عنهم مدد الملائكة، وأنزل الله تعالى: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ فصدق الله وعده وأراهم الفتح، فلما عصوا أعقبهم البلاء.
ذكر رجوع بعض المسلمين بعد توليهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
روى ابن المنذر عن كليب بن شهاب قال: خطبنا عمر فكان يقرأ على المنبر آل عمران ويقول: إنها أحديّة فلما انتهى إلى قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ [آل عمران 155] قال: لما كان يوم أحد هزمنا ونفرت، حتى صعدت في الجبل، فلقد رأيتني أنزو كأنّني أروي، فسمعت يهوديّا يقول: قتل محمد، فقلت: لا أسمع أحدا يقول: قتل محمد إلّا ضربت عنقه، فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يتراجعون إليه.
قال ابن إسحاق: وكان أول من أقبل من المسلمين بعد التّولية قيس بن محرّث، ويقال:
قيس بن الحارث بن عديّ بن جشم مع طائفة من الأنصار، فصادفوا المشركين فدخلوا
__________
[ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 14/ 397.(4/206)
حومتهم، فما أفلت منهم رجل حتى قتل، ولقد ضاربهم قيس حتى قتل نفرا، فما قتلوه إلا بالرّماح، نظموه، ووجد به أربع عشرة طعنة، قد جافته، وعشر ضربات في بدنه.
ونادى الحباب بن المنذر: يا آل سلمة، فأقبلوا عليه عنقا واحدا: لبيك داعي الله.
وكان عباس بن عبادة بن نضلة- بالنون والضاد المعجمة- وخارجة بن زيد، وأوس ابن أرقم، يرفعون أصواتهم، فيقول عباس: يا معشر المسلمين: الله ونبيّكم، هذا الذي أصابكم بمعصية نبيّكم، فوعدكم النصر ما صبرتم، ثم نزع مغفره وخلع درعه، وقال لخارجة بن زيد:
هل لك فيها؟ قال: لا، أنا أريد الذي تريد، فخالطوا القوم جميعا، وعبّاس يقول: ما عذرنا عند ربّنا إن أصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنّا عين تطرف؟ فيقول خارجة: لا عذر لنا عند ربّنا ولا حجّة. فقتل سفيان بن عبد شمس عبّاسا، وأخذت خارجة بن زيد الرماح فجرح بضعة عشر جرحا، وأجهز عليه صفوان بن أمية- وأسلم صفوان بعد ذلك- وقتل أوس بن أرقم رضي الله عنه.
ومر مالك بن الدخشم على خارجة بن زيد [بن أبي زهير] وهو قاعد في حشوته وبه ثلاثة عشر جرحا كلها خلصت إلى مقتل، فقال: أما علمت أن محمدا قد قتل؟ فقال خارجة:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل فإن الله حي لا يموت، فقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة ربّه، فقاتل عن دينك!.
ومرّ على سعد بن الرّبيع وبه اثنتا عشرة جراحة كلّها قد خلص إلى مقتل، فقال:
أعلمت إن محمدا قد قتل؟ فقال سعد: أشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد بلّغ رسالة ربه، فقاتل عن دينك، فإن الله تعالى حي لا يموت! قالوا: وكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن انهزم المسلمون وقول النّاس: قتل رسول الله- كما ذكر الزّهريّ- كعب بن مالك، قال: رأيت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم تزهران من تحت المغفر، فناديت بأعلى صوتي: يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إلي أن اسكت، ودعا بلأمة كعب، وكانت صفراء أو بعضها، فلبسها ونزع لأمته فلبسها كعب، وقاتل كعب حتى جرح سبع عشرة جراحة، لشدة قتاله.
وروى الطبراني بسند رجاله ثقات، عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد وصرنا إلى الشّعب كنت أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت:
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إلي بيده أن اسكت، ثم ألبسني لأمته ولبس لأمتي، فلقد ضربت حتى جرحت عشرين جراحة- أو قال: بضع وعشرين جراحة- كلّ من يضربني يحسبني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبلوا عليه. ولما رأوه سالما(4/207)
كأنهم لم يصبهم شيء حين رأوه، وفرحوا بذلك فرحا شديدا، فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به، ونهض معهم نحو الشّعب ومعه أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، والحارث بن الصّمّة، ورهط من المسلمين.
ذكر قتله صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف عدو الله تعالى
روى البيهقي عن سعيد بن المسيب، وأبو نعيم عن عروة: أن أبي بن خلف قال حين افتدى من الأسر ببدر: والله إن عندي العود- فرسا- أعلفها كلّ يوم فرقا من ذرة، ولأقتلنّ عليها محمدا،
فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «بل أنا أقتله إن شاء الله» .
انتهى. وقيل: إنه كان يقول ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة،
فلما كان يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:
«إني أخشى أن يأتي أبي بن خلف من خلفي، فإذا رأيتموه فآذنوني به» ،
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلتفت في القتال وراءه، فلما أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشّعب أدركه، وهو مقنّع في الحديد يركض على فرسه، وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: أين محمد؟ لا نجوت إن نجا. فاستقبله مصعب بن عمير يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، فقتل مصعبا، فقال القوم: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت صانعا حين يغشاك أبيّ فقد جاءك، فإن شئت يعطف عليه رجل منّا،
وفي رواية: فاعترض له رجال من المؤمنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوه وخلّوا طريقه» ،
فلما دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «يا كذاب، أين تفرّ؟» فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصّمّة، ويقال: من الزبير بن العوام، فلما أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم انتفض بها انتفاضة تطاير عنه أصحابه تطاير الشّعراء من ظهر البعير إذا انتفض بها، ولم يكن أحد يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جدّ الجدّ، ثم استقبله بها فطعنه في عنقه- وفي لفظ: في ترقوته من فرجة سابغة البيضة والدّرع- طعنة تدأدأ منها مرارا عن فرسه، وجعل يخور كما يخور الثّور، وفي لفظ: فخدشه في عنقه خدشا غير كبير فاحتقن الدم، وفي لفظ: أنه كسر ضلعا من أضلاعه فرجع إلى قومه، فقال: قتلني والله محمد! فقالوا: ذهب والله فؤادك، والله إن بك بأس، وما أجزعك، إنما هو خدش، ولو كان هذا الذي بك بعين أحدنا ما ضرّه. فيقول: لا واللّات والعزّى، لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز- وفي لفظ: بربيعة ومضر- لماتوا أجمعون، أنه قد كان قال لي بمكة: أنا أقتلك، فو الله لو بصق عليّ لقتلني. فمات عدوّ الله بسرف وهم قافلون.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: «اشتد غضب الله عز وجل على رجل قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسحقا لأصحاب السّعير» .
وروى محمد بن عمر الأسلمي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: مات أبي بن خلف ببطن رابغ، فإنّي لأسير بعد هويّ(4/208)
من الليل إذا نار تأجّج لي فهبتها فإذا رجل يخرج منها في سلسلة يجتذبها يصيح: العطش! وإذا رجل يقول: لا تسقه، فإن هذا قتيل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه في ذلك:
لقد ورث الضّلالة عن أبيه ... أبيّ يوم بارزه الرّسول
أتيت إليه تحمل رمّ عظم ... وتوعده وأنت به جهول
وقد قتلت بنو النّجّار منكم ... أميّة إذ يغوّث: يا عقيل
وتبّ ابنا ربيعة إذ أطاعا ... أبا جهل، لأمّهما الهبول
وأفلت حارث لمّا شغلنا ... بأسر القوم، أسرته قليل
وقال حسان أيضا في ذلك:
إلا من مبلغ عنّي أبيّا ... لقد ألقيت في حقّ السّعير
تمنّي بالضّلالة من بعيد ... وتقسم أن قدرت مع النّذور
تمنّيك الأماني من بعيد ... وقول الكفر يرجع في غرور
فقد لاقتك طعنة ذي حفاظ ... كريم البيت ليس بذي فجور
له فضلٌ على الأحياء طرّا ... إذا نابت ملمّات الأمور
ذكر مقتل عثمان بن عبد الله بن المغيرة المخزومي
قال محمد بن عمر: أقبل عثمان بن عبد الله [بن المغيرة المخزومي] على فرس أبلق وعليه، لأمة كاملة، يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوجّه إلى الشّعب وهو يصيح: لا نجوت إن نجوت. فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعثر بعثمان فرسه في بعض تلك الحفر، فوقع وخرج الفرس عائرا، فأخذه المسلمون، ومشى الحارث بن الصّمّة إليه فاصطدما ساعة بسيفيهما، ثم ضربه الحارث على رجله [وكانت الدّرع مشمّرة] فبرك وذفّف عليه، وأخذ الحارث يومئذ درعه ومغفره، ولم يسمع بأحد سلب يومئذ غيره،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي أحانه.
وكان عبد الله بن جحش رضي الله عنه أسره ببطن نخلة، فافتدى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاد إلى مكة حتى قدم، فقتله الله تعالى بأحد.
وأقبل عبيد بن حاجز العامريّ يعدو كأنه سبع فضرب الحارث بن الصّمّة فجرحه على عاتقه، فاحتمله أصحابه، ووثب أبو دجانة إلى عبيد فناوشه ساعة، ثم ذبحه بالسّيف ذبحا ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر انتهائه صلى الله عليه وسلم إلى الشعب وما داوى به جرحه
ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فم الشّعب خرج علي بن أبي طالب حتّى ملأ درقته(4/209)
من المهراس، فجاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- ليشرب منه، فوجد له ريحا، فعافه فلم يشرب منه، وغسل عن وجهه الدّم، وصبّ على رأسه
وهو يقول: «اشتد غضب الله على من أدمى وجه نبيه صلى الله عليه وسلم» .
وخرج محمد بن مسلمة يطلب من النّساء ماء فلم يجد عندهنّ ماء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عطش عطشا شديدا، فذهب محمد إلى قناة حتى استقى، فأتى بماء عذب فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا له بخير.
وروى الشيخان والبيهقي والطبرانيّ واللفظ له عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم جرح يوم أحد، وكسرت رباعيته، وهشّمت البيضة على رأسه، وانصرف المشركون، فخرج النساء إلى الصحابة، فكانت فاطمة فيمن خرج، فلما لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتنقته، وجعلت تغسل جراحته وعلي يسكب الماء بالمجنّ فتزايد الدّم، فلما رأت ذلك أخذت شيئا من حصير، فأحرقته بالنّار حتى صار رمادا، فأخذت ذلك الرّماد وكمّدته حتى لصق بالجرح، فاستمسك الدّم [ (1) ] .
وروى أبو سليمان الجوزجاني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله عنهما:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم داوى جرحه يوم أحد بعظم بال، قال في البداية: هذا حديث غريب.
ذكر إرادته صلّى الله عليه وسلم صعود صخرة في الشعب لينظر حال الناس
روى ابن إسحاق والإمام أحمد والترمذي، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه، قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذهب لينهض إلى الصّخرة من الجبل ليعلوها وقد كان بدّن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظاهر بين درعين، فلما ذهب لينهض لم يستطع، فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض به حتى استوى عليها،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوجب طلحة حين صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع» [ (2) ] .
ذكر استنصاره صلى الله عليه وسلّم ربه تبارك وتعالى
قال ابن إسحاق وابن جريج فيما رواه ابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو في الشعب مع أولئك النفر من أصحابه، إذ علت عالية من المشركين: خالد بن الوليد ونفر معه الجبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا قوّة لنا إلا بك، وليس أحد يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النّفر فلا تهلكهم، اللهمّ إنه لا ينبغي لهم أن يعلونا.
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 113 (2911) ومسلم 3/ 1416 (101- 1790) .
[ (2) ] أخرجه الترمذي (3738) وأحمد في المسند 1/ 165 والبيهقي في السنن 6/ 370 والحاكم في المستدرك 3/ 25 وابن حبان (2212) .(4/210)
وثاب نفر من المهاجرين رماة، منهم عمر بن الخطاب فرموا خيل المشركين حتى هزموهم، وعلا المسلمون الجبل» [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد ومسلم عن أنس رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول يوم أحد: «اللهم إن تشأ لا تعبد في الأرض»
[ (2) ] .
وذكر الأمويّ في مغازيه: أن المشركين صعدوا على الجبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد: «ارددهم» ، قال: كيف أردّهم وحدي؟ فقال ذلك ثلاثا، فأخذ سعد سهما من كنانته فرمى به رجلا فقتله قال: ثم أخذت سهمي أعرفه فرميت به آخر فقتلته، ثم أخذته أعرفه فرميت به آخر، فقتلته، فهبطوا من مكانهم.
وقال ابن جريج: وأنزل الله تعالى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران 139] .
وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظّهر يومئذ قاعدا من الجراحة التي أصابته، وصلّى المسلمون خلفه قعودا.
ذكر مقتل حسيل
وهو بضم الحاء وفتح السّين المهملتين ويقال مكبّرا، وهو اليمان والد حذيفة، ومقتل ثابت بن وقش- بفتح الواو وإسكان القاف، وبالشين المعجمة- رضي الله عنهما قالوا لمّا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد رفع حسيل وثابت بن وقش في الآطام مع النساء والصبيان، فقال أحدهما لصاحبه- وهما شيخان كبيران- لا أبا لك، ما تنتظر، فو الله ما بقي لواحد منا من عمرة إلا ظمء حمار، إنما نحن هامة اليوم أو غدا، أفلا نأخذ أسيافنا، ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله تعالى يرزقنا الشّهادة، فأخذا أسيافهما، ثم خرجا حتى دخلا في الناس من جهة المشركين، ولم يعلم المسلمون بهما. فأما ثابت فقتله المشركون، وأما حسيل فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولم يعرفوه، وقيل: إن الذي قتله عقبة بن مسعود رضي الله عنه، فقال حذيفة: أبي! فقالوا: ما عرفناه وصدقوا، فقال حذيفة يغفر الله تعالى لكم وهو أرحم الراحمين، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه، فتصدّق حذيفة بديته على المسلمين، فزاده ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا.
قال عروة: فو الله ما زالت في حذيفة بقية خير حتى لقي الله تعالى.
__________
[ (1) ] أخرجه الطبري في التفسير 4/ 67.
[ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 252 ومسلم (1363) والدارقطني 3/ 394.(4/211)
ذكر مقتل مخيريق النضري الاسرائيلي
من بني النضير- وهو بميم مضمومة فخاء معجمة مفتوحة فتحتية ساكنة فراء فتحتية فقاف- ذكر محمد بن عمر الأسلميّ أنه أسلم، ويقال أنه من بني قينقاع ويقال من بني ثعلبة بن الفطيون وكان عالما من أحبار يهود، وكان يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته وما يجد في علمه وغلب عليه إلف دينه، فلما كان يوم السبت قال: والله يا معشر يهود، إنكم لتعلمون أنّ نصر محمد عليكم لحقّ، قالوا: اليوم يوم السبت قال: لا سبت لكم، ثم عهد إلى من وراءه من قومه: إن قتلت هذا اليوم فأموالي إلى محمد يصنع فيها ما أراد، ثم أخذ سلاحه، فخرج، فلما اقتتل النّاس قاتل حتى قتل،
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مخيريق خير يهود» .
وروى الزبير بن بكّار عن ابن شهاب مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مخيريق سابق يهود، وسلمان سابق الفرس، وبلال سابق الحبشة» ،
وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمواله، وهي سبع خرائط، يأتي ذكرها في ذكر صدقاته صلى الله عليه وسلم
[ (1) ] .
ذكر مقتل الأصيرم عمرو بن ثابت بن وقش
ويقال: أقيش. روى ابن إسحاق عن محمود بن لبيد وأبو داود والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنهما: أن الأصيرم كان يأبى الإسلام على قومه، زاد الحاكم كان له رئي في الجاهلية، فكان يمنع ذلك الرّئيّ من الإسلام حتى يأخذه، فجاء ذات يوم ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأحد فقال: أين سعد بن معاذ؟ فقيل: بأحد، فقال: أين بنو أخيه؟ قيل: بأحد، فسأل عن قومه فقيل: بأحد، فبدا له في الإسلام فأسلم، وأخذ سيفه ورمحه وأخذ لأمته وركب فرسه فعدا حتى دخل في عرض الناس، فلما رآه المسلمون قالوا: إليك عنا يا عمرو، قال: أني قد آمنت. فقاتل حتى أثبتته الجراحة، فبينا رجال من بني عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به، فقالوا: والله إن هذا للأصيرم، ما جاء به؟ لقد تركناه وإنه منكر لهذا الحديث، فسألوه: ما جاء بك؟ أحدب على قومك أم رغبة في الإسلام؟ فقال: بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلم، وأسلمت ثم أخذت سيفي فغدوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قاتلت حتى أصابني ما أصابني، وإن متّ فأموالي إلى محمد يضعها حيث شاء- ولفظ أبي هريرة فجاءه سعد بن معاذ فقال لأخيه: سله: حميّة لقومه أو غضبا لله ورسوله؟ فقال: بل غضبا لله ورسوله، انتهى. ثم لم يلبث أن مات في أيديهم،
فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنه من أهل الجنة.
__________
[ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 2/ 183 وأبو نعيم في الدلائل 1/ 18 بلفظ «خبر يهود» .(4/212)
وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: حدّثوني عن رجل دخل الجنة ولم يصلّ قط فإذا لم يعرفه الناس سألوه من هو فيقول: هو أصيرم بني عبد الأشهل.
قال في الإصابة: فجمع بين الروايتين بأنّ الذين قالوا له أولا: «إليك عنا» قوم من المسلمين من غير قومه بني عبد الأشهل. وبأنّهم لمّا وجدوه في المعركة حملوا إلى بعض أهله.
ذكر مقتل حنظلة رضي الله عنه
روى ابن إسحاق عن محمود بن لبيد، وابن سعد عن عروة وأبو نعيم، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جده قالوا: لمّا انكشف المشركون ضرب حنظلة فرس أبي سفيان بن حرب فوقع على الأرض، فصاح وحنظلة يريد ذبحه، فأدركه الأسود بن شدّاد- ويقال له: ابن شعوب- بفتح الشين المعجمة وضم العين المهملة وآخره موحدة- ووقع في بعض نسخ العيون شداد بن الأسود وليس بصواب- فحمل على حنظلة بالرمح فأنفذه، ومشى إليه حنظلة في الرمح وقد أثبته، ثم ضرب الثانية فقتله، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: «إني رأيت الملائكة تغسّله بين السماء والأرض بماء المزن في صحاف الفضّة» [ (1) ] .
قال أبو أسيد الساعديّ- وهو بضم الهمزة- فذهبنا إليه فإذا رأسه يقطر ماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاسألوا أهله ما شأنه؟» فسألوا صاحبته عنه، فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلذلك غسّلته الملائكة» .
قال محمد بن عمر: وصاحبته أي زوجته وهي جميلة بنت أبي ابن سلول، دخلت عليه في تلك الليلة التي في صبيحتها أحد، وكان قد استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأذن له، فلما صلّى الصبح غدا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلزمته جميلة، فعاد فكان معها فأجنب منها، وقد أرسلت إلى أربعة من قومها فأشهدتهم على الدخول بها خشية أن يكون في ذلك نزاع، فقيل لها: لم أشهدت؟ فقالت: رأيت كأنّ السّماء قد فرجت فدخل فيها ثم أطبقت، فقلت: هذه الشّهادة. وعلقت بعبد الله بن حنظلة، رضي الله عنهما.
ذكر مقتل عمرو بن الجموح وعبد الله بن حرام رضي الله عنهما
كان عمرو أعرج شديد العرج، وكان له بنون أربعة مثل الأسد، يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد، وهم خلّاد ومعوّذ ومعاذ وأبو أيمن، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه
__________
[ (1) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (33257) .(4/213)
وقالوا: أن الله قد عذرك. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بنيّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه وللخروج معك فيه، فو الله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أنت فقد عذرك الله تعالى، فلا جهاد عليك» ،
وقال لبنيه: ما عليكم ألّا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشّهادة، فخرج وهو يقول مستقبل القبلة: اللهم لا تردّني إلى أهلي خائبا، فقتل شهيدا!
وروى الإمام أحمد عن قتادة بن الحارث بن ربعي الأنصاريّ قال: أتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل، أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة- وكانت رجله عرجاء- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم» ، فقتلوه يوم أحد وهو وابن أخيه ومولى لهم، فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنّة» ، فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلوا في قبر واحد.
انتهى. [ (1) ] .
واستشهد ابنه خلّاد بن عمرو، وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر فحملتهم هند بنت عمرو بن حرام زوجة عمرو بن الجموح على بعير لها تريد بهم المدينة، فلقتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما- وقد خرجت في نسوة تستروح الخبر، ولم يضرب الحجاب يومئذ، فقالت لها: هل عندك خبر؟ ما وراءك؟ قالت: أمّا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصالح وكلّ مصيبة بعده جلل. واتّخذ الله من المؤمنين شهداء وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً، وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً [الأحزاب 25] قالت عائشة:
من هؤلاء؟ قالت: أخي وابني خلّاد، وزوجي عمرو بن الجموح. قالت: وأين تذهبين بهم؟
قالت: إلى المدينة أقبرهم فيها، ثم قالت: حل حل، تزجر بعيرها، فبرك، فقالت لها عائشة: لما عليه؟ قالت: ما ذاك به لربّما حمل ما يحمل بعيران، ولكن أراه لغير ذلك، وزجرته فقام وبرك، فوجّهته راجعة إلى أحد،
فأسرع فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك، فقال: إنّ الجمل مأمور، هل قال عمرو شيئا؟ قالت: إن عمرا لمّا توجّه إلى أحد قال: اللهم لا تردّني إلى أهلي خائبا وارزقني الشهادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلذلك الجمل لا يمضي، إنّ منكم- معشر الأنصار- من لو أقسم على الله لأبره. منهم عمرو بن الجموح، ولقد رأيته [يطأ] بعرجته في الجنّة، يا هند، ما زالت الملائكة مظلّة على أخيك من لدن قتل إلى الساعة ينتظرون أين يدفن» ، ثم مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبرهم، ثم قال: «يا هند، قد ترافقوا في الجنة» قالت: يا رسول الله، ادع الله عسى أن يجعلني معهم.
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 299.(4/214)
قال جابر بن عبد الله: كان أبي أول قتيل قتل من المسلمين، قتله سفيان بن عبد شمس وهو والد أبي الأعور السّلميّ.
وروى محمد بن عمر عن شيوخه قالوا: قال عبد الله بن عمرو بن حرام- بالراء- رأيت في النوم قبل أحد مبشّر بن عبد المنذر يقول لي: أنت قادم علينا في أيام، فقلت: وأين أنت؟ قال: في الجنة، أسرح فيها كيف أشاء، قلت: ألم تقتل يوم بدر؟ قال: بلى، ثم أحييت،
فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «هذه الشهادة يا أبا جابر» .
ذكر مقتل قزمان
وهو بضمّ القاف وسكون الزاي وآخره نون، كان أتيّا لا يدري ممّن هو، وكان يعرف بالشجاعة
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول إذا ذكر له: أنه من أهل النّار،
فتأخّر يوم أحد فعيّرته نساء بني ظفر، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسوّي الصّفوف حتى انتهى إلي الصفّ الأول، فكان أول من رمى من المسلمين بسهم، فجعل يرسل نبلا كأنّها الرّماح ويكتّ كتيت الجمل ثم فعل بالسّيف الأفاعيل حتى قتل سبعة أو تسعة وأصابته جراحة، فوقع، فناداه قتادة بن النعمان: يا أبا الغيداق هنيئا لك الشهادة، وجعل رجال من المسلمين يقولون له: والله لقد أبليت اليوم يا قزمان فأبشر، قال: بماذا أبشر؟! فو الله ما قاتلت إلّا على أحساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلت.
ثم تحامل على سيفه- وفي لفظ: آخذ سهما من كنانته- فقتل نفسه،
فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنه من أهل النار، أن الله تعالى يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر
! ذكر مقتل أنس بن النضر رضي الله عنه
وهو بالنون والضاد المعجمة.
روى الطيالسي وابن أبي شيبة وابن سعد والشيخان والتّرمذي والبغويّ الكبير وغيرهم عن أنس بن مالك رضي الله عنه وابن إسحاق عن القاسم بن عبد الرحمن أن أنس بن النّضر عمّ أنس بن مالك رضي الله عنه وبه سمّي أنسا، غاب عن بدر فشقّ عليه وقال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه، لئن أشهدني الله تعالى قتال المشركين ليرينّ الله تعالى ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء- يعني أصحابه- وأبرأ إليك ممّا فعل هؤلاء- يعني المشركين- فانتهى إلى رجال من المهاجرين والأنصار قد ألقوا ما بأيديهم، فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: ما تصنعون بالحياة بعده؟! قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استقبل القوم، فلقيه سعد بن معاذ دون أحد، فقال سعد: أنا معك. قال سعد: فاستقبل أنس القوم فلم أستطع أن أصنع ما صنع، فقال: يا سعد بن معاذ- وفي لفظ يا أبا عمرو- واها لريح الجنّة، وربّ(4/215)
النضر إنّي لأجد ريحها من دون أحد. ثم تقدّم فقاتل حتى قتل، فوجدوا في جسده بضعا وثمانين ضربة من بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم: قال أنس: ووجدناه قد مثّل به المشركون فما عرفه أحد منّا إلّا أخته بشامة أو ببنانه، فكنّا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب 23] الآية.
ذكر مقتل حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء رضي الله عنه
روى ابن أبي عاصم عن عبد الله بن السائب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوم أحد آخر أصحابه، ولم يكن بينه وبين العدوّ غير حمزة يقاتل العدوّ، فرصده وحشيّ فقتله، وقد قتل الله تعالى بيد حمزة من الكفّار أحدا وثلاثين، وكان يدعى: «أسد الله» .
قال ابن إسحاق: وقاتل حمزة بن عبد المطلب حتى قتل أرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم، وكان أحد النّفر الذين يحملون اللواء، وكذلك قتل عثمان بن أبي طلحة وهو حامل اللواء وهو يقول:
إن على أهل الّلواء حقّا ... أن يخضبوا الصّعدة أو تندقّا
فحمل عليه حمزة فقتله. قال: وحشيّ كما رواه ابن إسحاق والطيالسيّ والبخاريّ وابن عائد عنه، وابن أبي شيبة عن عمر وابن إسحاق قال وحشيّ: أن حمزة قتل طعيمة بن عديّ ببدر، فلما سارت قريش إلى أحد قال لي مولاي جبير بن مطعم- وأسلم بعد ذلك-: إن أنت قتلت حمزة عمّ محمد بعميّ فأنت حرّ، فلما خرج الناس عام عينين- وعينين: جبل بجبال أحد بينه وبينه واد- فخرجت مع الناس إلى القتال، وكنت رجلا حبشيا أقذف بالحربة قذف الحبشة، قلّ أن أخطئ بها شيئا، فلما التقي الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصّره حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق، يهدّ الناس بسيفه هدّا، ما يقوم له شيء- وفي لفظ: ما يليق شيئا، وفي لفظ: ما وقع له أحد إلا قمعه بالسيف، وفي لفظ: رأيت رجلا لا يرجع حتى يهزمنا- فقلت: من هذا؟ قالوا: حمزة. قلت: هذا صاحبي، فو الله إني لأتهيأ له أريد منه ما أريد وأتستّر منه بشجرة أو بحجر ليدنو مني إذ تقدّمني إليه سباع- بكسر المهملة وتخفيف الموحدة- ابن عبد العزى الغبشاني- بضم الغين وإسكان الموحدة وبالشين المعجمة- فلما رآه حمزة قال: هلّم إليّ يا بن مقطّعة البظور- وكانت أمّه ختّانة بمكة- أتحادّ الله ورسوله صلّى الله عليه وسلم؟! ثم شدّ عليه فكان كأمس الذاهب- وفي لفظ: فضربه ضربة فكأنّما أخطأ رأسه- وأكبّ عليه ليأخذ درعه، وكمنت لحمزة تحت صخرة، فلمّا دنا مني- قال عمير بن إسحاق: فعثر حمزة فانكشف الدرع عن بطنه، فأبصره العبد الحبشي فرماه بالحربة. انتهى.
قال وحشيّ- كما عند الطيالسيّ-: جعلت ألوذ من حمزة بشجرة ومعي حربتي، حتى إذا(4/216)
استمكنت منه هززت حربتي حتّى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنّته- وفي لفظ:
في ثندوته- حتى خرجت من بين رجليه، وجعل ينوء نحوي فغلب فوقع فتركته وإيّاها، حتى إذا مات أتيته فأخذت حربتي، ورجعت إلى العسكر فقعدت فيه، ولم يكن لي بغيره حاجة، إنما قتلته لأعتق، فلما قدمت مكّة عتقت.
ثم أقمت حتى إذا فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكّة هربت إلى الطّائف فكنت بها، فلما خرج وفد أهل الطّائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تعيّت عليّ المذاهب، فقلت: ألحق بالشام أو اليمن أو ببعض البلاد، فو الله إني لفي ذلك من همّي إذ قال لي رجل: ويحك، والله إنّه ما يقتل أحدا من الناس دخل في دينه. فلما قال ذلك خرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة.
قال ابن إسحاق وفي رواية يونس: لمّا قدم وحشيّ المدينة قال الناس: يا رسول الله هذا وحشيّ، فقال: «دعوه، فلإسلام رجل واحد أحب إلي من قتل ألف رجل كافر» . قال وحشيّ:
فلم يرعه إلّا بي قائما على رأسه أشهد شهادة الحقّ، فلما رآني قال: «أوحشيّ؟» قلت: نعم، يا رسول الله، قال: «أقعد فحدّثني كيف قتلت حمزة؟» قال: فحدثته، فلما فرغت من حديثي، قال: «ويحك! غيّب وجهك عني فلا أراك!» .
وروى الطبراني بسند لا بأس به، وتمّام الرازيّ عن وحشيّ قال: لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قتل حمزة تفل في وجهي ثلاث تفلات، ثم قال: «لا ترني وجهك!» .
وروى الطبراني بسند حسن عن وحشيّ: قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا وحشيّ» ، قلت: نعم، قال: «قتلت حمزة؟» فقلت: نعم، والحمد لله الذي أكرمه بيدي ولم يهنّي بيده، فقالت له قريش: أتحبه وهو قاتل حمزة؟! فقلت: يا رسول الله استغفر لي، فتفل في الأرض ثلاثة، ودفع في صدري ثلاثة، وقال: «يا وحشيّ، اخرج فقاتل في سبيل الله كما قاتلت لتصدّ عن سبيل الله» [ (1) ] .
قلت: وكونه صلى الله عليه وسلم تفل في الأرض أصحّ من كونه تفل في وجهه، لما علم من حيائه صلى الله عليه وسلم ومحاسن أخلاقه. قال وحشيّ: فكنت أتنكّب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبضه الله تعالى، فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم، وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة، فلما التقى الناس رأيت مسيلمة قائما في يده السيف وما أعرفه، فتهيّأت له وتهيّأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى كلانا يريده، وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت فيه، وشدّ عليه الأنصاريّ فضربه بالسّيف، فربّك أعلم أيّنا قتله، فإن كنت قتلته فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قتلت شرّ النّاس.
__________
[ (1) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (33663) .(4/217)
قال محمد بن عمر في كتاب الرّدّة: والأنصاريّ المبهم عبد الله بن زيد بن عاصم المازنيّ، وبه جزم إسحاق بن راهويه والحاكم، وقيل: هو عديّ بن سهل، وجزم به سيف في الرّدّة، وقيل: أبو دجانة، وقيل: زيد بن الخطاب، قال الحافظ: والأول أشهر، ولعل عبد الله بن زيد هو الذي أصابته ضربته، وأما الآخران فحملا عليه في الجملة، وأغرب وثيمة في كتاب الردة فزعم أنّ الذي ضرب مسيلمة اسمه شنّ- بفتح المعجمة وتشديد النون- ابن عبد الله. وأغرب من ذلك ما حكاه أبو عمر أنّ الذي قتل مسيلمة هو الجلاس بن بشير بن الأصمّ، كذا في خطّ الحافظ: الجلاس بن بشير بن الأصمّ، ولم أر له ذكرا في التجريد، ولا في العجالة للبرهان النووي، ولا في الإصابة للحافظ، فالله أعلم.
وروى البخاري وابن إسحاق عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما- وكان قد شهد اليمامة- قال: سمعت صارخا يقول: وا أميراه قتله العبد الأسود.
وذكر محمد بن عمر، وتبعه في الإمتاع أن وحشيّا لما قتل حمزة شقّ بطنه وأخرج كبده، فجاء بها إلى هند بنت عتبة، فقال: هذه كبد حمزة، فمضغتها ثم لفظتها، ونزعت ثيابها وحليتها، فأعطته لوحشيّ، ووعدته إذا جاء مكة أن تعطيه عشرة دنانير، وقامت معه حتى أراها مصرع حمزة، فقطعت من كبده وجدعت أنفه، وقطعت أذنيه، ثم جعلت مسكتين ومعضدين وخدمتين، حتى قدمت بذلك مكة.
ومرّ الحليس- وهو بالحاء المهملة مصغّرا- ابن زبّان- بزاي فموحدة مشددة- وهو يومئذ سيد الأحابيش، بأبي سفيان وهو يضرب في شدق حمزة رضي الله عنه بزج الرّمح، وهو يقول: ذق عقق، فقال الحليس: يا بني كنانة، هذا سيد قريش يصنع بابن عمّه ما ترون لحما، فقال: ويحك، اكتمها عليّ، فإنّها كانت زلّة. وعلت هند صخرة مشرفة وصرخت بأعلى صوتها فقالت:
نحن جزيناكم بيوم بدر ... والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر ... ولا أخي وعمّه وبكري
شفيت نفسي وقضيت نذري ... شفيت وحشيّ غليل صدري
فشكر وحشيّ عليّ عمري ... حتّى ترمّ أعظمي في قبري
فأجابتها هند بنت أثاثة- بضم الهمزة وبثائين مثلثتين- ابن عبّاد بن المطلب فقالت:
خزيت في بدر وبعد بدر ... يا بنت وقّاع عظيم الكفر
صبّحك الله غداة الفجر ... م الهاشميّين الطّوال الزّهر
بكلّ قطّاع حسام يفري ... حمزة ليثي وعليّ صقري(4/218)
إذ رام شيب وأبوك غدري ... فخضّبا منه ضواحي النّحر
ذكر مقتل عبد الله بن جحش رضي الله عنه
روى محمد بن عمر الأسلمي عن شيوخه وابن وهب عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن عبد الله بن جحش قال له يوم أحد: ألا تأتي ندعو الله تعالى في ناحية، فدعا سعد فقال: يا رب إذا لقيت العدو غدا فلقني رجلا شديدا بأسه، شديدا حرده، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله، وآخذ سلبه، فأمن عبد الله بن جحش، ثم قال:
اللهم ارزقني رجلا شديدا بأسه، شديدا حرده، أقاتله فيك ويقاتلني، فيقتلني ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك قلت: يا عبدي، فيم جدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فيقول الله تعالى: صدقت، قال سعد: كانت والله دعوة عبد الله بن جحش خيرا من دعوتي، ولقد رأيته آخر النهار وإنّ أذنيه، وأنفه معلّقات في خيط. قال محمد بن عمر: وتولّى تركته رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشترى لابنه مالا بخيبر، ودفن هو وخاله حمزة بن عبد المطلب في قبر واحد.
ذكر مقتل أبي سعد خيثمة بن أبي خيثمة رضي الله عنه
وهو بخاء معجمة مفتوحة فتحتية ساكنة فثاء مثلثة.
ذكر محمد بن عمر أنّ خيثمة قال يوم أحد: يا رسول الله لقد أخطأتني وقعة بدر، وكنت والله حريصا عليها، حتى ساهمت ابني في الخروج فخرج سهمه فرزق الشّهادة، وقد رأيته البارحة في النّوم في أحسن صورة، يسرح في ثمار الجنّة وأنهارها، ويقول: الحق بنا ترافقنا في الجنة، فقد وجدت ما وعدني ربي حقّا، وقد والله يا رسول الله أصبحت مشتاقا إلى مرافقته في الجنة، فادع الله تعالى أن يرزقني الشّهادة، ومرافقته في الجنة، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل في أحد.
ذكر مقتل مصعب بن عمير رضي الله عنه
روى ابن سعد، عن محمد بن شرحبيل العبدريّ قال:
حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد فقطعت يده اليمنى، فأخذ اللواء بيده اليسرى وهو يقول: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران 144] الآية ... ، ثم قطعت يده اليسرى فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ الآية ... ثم قتل فسقط اللواء، قال محمد بن شرحبيل: وما نزلت هذه الآية: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ يومئذ حتى نزلت بعد.(4/219)
وكانت عائشة وأم سليم رضي الله عنهما تسقيان النّاس، كما في الصحيح عن أنس قال: لقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم، وإنّهما لمشمّرتان أرى خدم سوقهما تنقزان القرب، وفي لفظ تنقلان القرب على متونهما، تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتحلّانها، ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم.
وروى البخاري عن ثعلبة بن مالك رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم مروطا بين نساء أهل المدينة، فبقي منها مرط جيّد، فقال له بعض من عنده: يا أمير المؤمنين أعط هذا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك- يريد أم كلثوم بنت عليّ- فقال عمر: أمّ سليط أحقّ به، وأم سليط من نساء الأنصار ممّن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر: فإنّها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد. انتهى. وأمّ سليط هذه والدة أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
ذكر تمثيل نساء المشركين: هند بنت عتبة ومن معها بقتلى المسلمين
قال ابن إسحاق: حدّثني صالح بن كيسان قال: وقفت هند بنت عتبة والنسوة اللاتي معها يمثّلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجدعن الأذن والأنف، حتى اتّخذت هند من آذان الرجال وأنافيهم خدما وقلائد.
ذكر رجوع المشركين إلى مكة
قال ابن إسحاق ومحمد بن عمر وغيرهما: لمّا تحاجز الفريقان أراد أبو سفيان الانصراف، فأقبل على فرس حتى أشرف على المسلمين في عرض الجبل فنادى بأعلى صوته: أفي القوم محمد؟ ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجيبوه» ، فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجيبوه» ، فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجيبوه» ،
ولم يسأل عن هذه الثلاثة إلا لعلمه وعلم قومه أنّ قيام الإسلام بهم، فقال أبو سفيان بعد أن رجع إلى أصحابه: إن هؤلاء قد قتلوا فلو كانوا أحياء لأجابوا، فلم يملك عمر نفسه!
وفي حديث ابن عباس وعند الإمام أحمد والطبراني والحاكم: أن عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله، ألا أجيبه؟ قال: «بلى» . قال في الفتح: كأنه نهى عن إجابته في الأول وأذن فيها في الثّالثة، فقال عمر: كذبت يا عدو الله، قد أبقى الله لك ما يخزيك، إنّ الذين عددت لأحياء كلّهم، فقال أبو سفيان: اعل هبل، وأظهر دينك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: «قم يا عمر فأجبه» ، فقال: الله أعلى وأجلّ، فقال أبو سفيان: اعل هبل، وأظهر دينك، فقال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، ألا إنّ الأيّام دول، وإن الحرب سجال، وفي لفظ: سمال.
فيوم علينا ويوم لنا ... ويوم نساء ويوم نسرّ(4/220)
وحنظلة بحنظلة، وفلان بفلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: «قل: لا سواء، قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النّار» ، فقال أبو سفيان: إنكم لتقولون ذلك، لقد خبنا إذن وخسرنا، لنا العزّى ولا عزّى لكم، فقال رسول الله لعمر، قل: «الله مولانا ولا مولى لكم» ، فقال أبو سفيان:
إنها قد أنعمت فعال عنها، هلمّ يا عمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: «ائته فانظر ما شأنه» ، فجاءه، فقال أبو سفيان: أنشدك بالله يا عمر، أقتلنا محمدا؟ قال: اللهم لا، وإنه ليسمع كلامك الآن، قال: أنت أصدق من ابن قمئة وأبرّ- لقول ابن قمئة لهم: إني قتلت محمدا- ثم قال أبو سفيان: ورفع صوته: إنكم واجدون في قتلاكم مثلا، والله ما رضيت ولا نهيت ولا أمرت، إلّا أنّ موعدكم بدر الصفراء على رأس الحول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل: «نعم بيننا وبينكم موعد» .
وانصرف أبو سفيان إلى أصحابه وأخذ في الرّحيل، فأشفق رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون من أن يغير المشركون على المدينة، فتهلك الذّراريّ والنساء.
قال ابن إسحاق: فبعث عليّا- وقال عروة. ومحمد بن عمر، وابن عائذ: سعد بن أبي وقّاص- لينظر، فقال: إن ركبوا الإبل وجنّبوا الخيل فهو الظّعن وإن ركبوا الخيل وجنّبوا الإبل فإنهم يريدون المدينة، فهي الغارة، والذي نفسي بيده لئن ساروا إليها لأسيرنّ إليهم، ثم لأناجزنّهم. فسار عليّ أو سعد وراءهم إلى العقيق فإذا هم قد ركبوا الإبل وجنّبوا الخيل بعد ما تشاوروا في نهب المدينة، فقال صفوان بن أمية- وأسلم بعد ذلك-: لا تفعلوا، لا تدرون ما يغشاكم، فعاد فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقدم أبو سفيان مكة، فلم يصل إلى بيته حتى أتى هبل فقال: أنعمت ونصرتني، وشفيت نفسي من محمد ومن أصحابه، وحلق رأسه.
ذكر طلب المسلمين قتلاهم
روى البيهقي عن عروة قال: لما رحل المشركون انتشر المسلمون يطلبون قتلاهم فلم يجدوا قتيلا إلّا وقد مثّل به المشركون، إلّا حنظلة بن أبي عامر فإن أباه كان معهم فتركوه له.
وقال ابن إسحاق ومحمد بن عمر: لمّا انصرف المشركون أقبل المسلمون على موتاهم يطلبونهم.
وروى الحاكم والبيهقي، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه وابن إسحاق عن شيوخه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع، أفي الأحياء هو أم في الأموات، فإني رأيت اثني عشر رمحا شرعى إليه،
فقال رجل من الأنصار- قال محمد بن عمر: هو محمد بن مسلمة، وقال أبو عمر: هو أبي بن كعب- فنظر في القتلى، فناداه ثلاثا فلم يجبه، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر إلى خبرك، فأجابه بصوت ضعيف.
وفي(4/221)
حديث زيد: فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أحد، لطلب سعد بن الربيع، وقال: إن رأيته فأقره مني السلام، وقل له: كيف تجدك؟
قال: فأصبته وهو في آخر رمق، وبه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟ فقال: أنا في الأموات، فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنّي السلام، وقل له: أن سعد بن الرّبيع يقول: جزاك الله تعالى عنّا خير ما جزى نبيّا عن أمّته، وقل له: أني أجد ريح الجنّة، وأبلغ قومك عني السلام، وقل لهم: أن سعد بن الرّبيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن يخلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنكم عين تطرف، ثم لم يبرح أن مات، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره خبره [ (1) ] .
قال ابن هشام: وحدّثني أبو بكر الزّبيريّ: أنّ رجلا دخل على أبي بكر الصّدّيق، وبنتّ لسعد بن الربيع: جارية صغيرة على صدره يرشفها ويقبّلها، فقال له الرجل: من هذه؟ قال له:
بنت رجل خير منّي: سعد بن الربيع، كان من النّقباء يوم العقبة. وشهد بدرا، واستشهد يوم أحد.
قال ابن إسحاق: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم- فيما بلغني- يلتمس حمزة بن عبد المطلب. قال محمد بن عمر وغيره: وجعل يقول: «ما فعل عمّي؟» ويكرر ذلك. فخرج الحارث بن الصّمّة يلتمسه فأبطأ، فخرج عليّ فوجد حمزة ببطن الوادي مقتولا، فأخبر النبي صلّى الله عليه وسلم، فخرج يمشي حتى وقف عليه، فوجده قد بقر بطنه عن كبده، ومثّل به، فجدع أنفه وأذناه، فنظر إلى شيء لم ينظر إلى شيء قطّ كان أوجع لقلبه منه، ونظره قد مثّل به.
وفي حديث كعب بن مالك عن ابن أبي شيبة في سنده إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا قيل له: إن حمزة مثّل به، كره أن ينظر إليه. انتهى.
فقال: «أحتسبك عند الله!»
وروى البزار بسند لا بأس به، عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه قتل حمزة بكى، فلما نظر إليه شهق.
وروى الحاكم عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة حين فاء الناس من القتال، فقال رجل: رأيته عند تلك الصّخرات وهو يقول: أنا أسد الله وأسد رسوله، اللهمّ أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء- يعني أبا سفيان أصحابه- وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء بانهزامهم.
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه، فلما رأى جثّته بكى. ولمّا رأى ما مثّل به
__________
[ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 201.(4/222)
شهق ثم قال: «ألا كفن؟» فقام رجل من الأنصار فرمى بثوبه عليه، ثم قام آخر فرمى بثوبه عليه، فقال: «يا جابر هذا الثوب لأبيك وهذا لعمّي» ، وقال صلى الله عليه وسلم: «رحمة الله عليك، فإنك كنت كما علمتك، فعولا للخيرات، وصولا للرّحم، لولا أن تحزن صفيّة- وفي لفظ: نساؤنا، وفي لفظ: لولا حزن من بعدي عليك، وتكون سبّة من بعدي- لتركته، حتى يحشر من بطون السباع وحواصل الطير» ، ثم قال: «أبشروا، جاءني جبريل فأخبرني أن حمزة مكتوب في أهل السموات السبع: حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله» . وقال: «لئن ظفّرني الله تعالى علي قريش في موطن من المواطن لأمثّلنّ بسبعين منهم مكانك» ،
فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغيظه على من فعل بعمّه ما فعل، قالوا: والله لئن ظفّرنا الله تعالى بهم يوما من الدهر لنمثلنّ بهم مثلة لم يمثّلها أحد من العرب، قال أبو هريرة، كما رواه ابن سعد والبزار وابن المنذر والبيهقي: فنزل جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بخواتيم سورة النّحل وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل 126] فكفّر النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه، وأمسك عن الذي أراد وصبر [ (1) ] .
وروى ابن المنذر والطبرانيّ والبيهقيّ نحوه عن ابن عباس.
وروى الترمذي وحسنه، وعبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند، والنّسائيّ، وابن المنذر، وابن خزيمة في فرائده، وابن حبان والضياء في صحيحهما عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلا. ومن المهاجرين ستة، منهم حمزة، فمثّلوا به، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربينّ عليهم، فلما كان فتح مكة أنزل الله تعالى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نصبر ولا نعاقب، كفّوا عن القوم إلا أربعة» [ (2) ] .
وروى ابن إسحاق وابن جرير عن عطاء بن يسار قال: نزلت سورة النحل كلّها بمكة إلا ثلاث آيات من آخرها نزلت بالمدينة بعد أحد، حيث قتل حمزة ومثل به،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن ظهرنا عليهم لنمثّلنّ بهم مثلة لم يمثّلها أحد من العرب بأحد قطّ، فانزل الله تعالى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ إلى آخر السورة [ (3) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 199 وذكره السيوطي في الدر 2/ 97.
[ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 135 وذكره المتقي الهندي في الكنز (4476) وذكره السيوطي في الدر 4/ 135 وعزاه للترمذي وحسنه وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل.
[ (3) ] ذكره السيوطي في الدر 4/ 135 وعزاه لابن إسحاق وابن جرير.(4/223)
وروى ابن إسحاق عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام قطّ ففارقه، حتى أمر بالصدقة ونهى عن المثلة.
قال ابن إسحاق وغيره: وأقبلت صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها لتنظر إلى حمزة، وكان أخاها لأمها وأبيها، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن تراه، فقال: «المرأة المرأة» . فقال الزبير بن العوام: فتوسّمت أنها أمّي صفية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألقها فأرجعها لا ترى ما بأخيها» ، فخرج يسعى فأدركها قبل أن تنتهي إلى القتلى، فردّها فلكمت صدره، وكانت امرأة جلدة، وقالت: إليك عني، لا أرضى لك. فقال: يا أمه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أنت ترجعي.
قالت: ولم وقد بلغني أنه قد مثّل بأخي؟ وذلك في الله، فما أرضانا بما كان من ذلك، فلأصبرنّ وأحتسبنّ إن شاء الله. فجاء الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: «خلّ سبيلها» ، فأتته فنظرت إليه، فصلّت عليه، واسترجعت، واستغفرت له.
وروى الطبراني والبزار، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف على عقل صفية بنت عبد المطلب، فوضع يده على صدرها فاسترجعت، وبكت.
وروى الإمام أحمد وأبو يعلى والبزار عن الزبير والطبرانيّ بسند رجاله ثقات، عن ابن عباس: إن صفية رضي الله عنها أتت بثوبين معها فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة، فقد بلغني مقتله فكفّنوه فيهما. قال: فجئنا بالثوبين لنلفّه فيهما فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار، فعل به مثل ما فعل بحمزة، فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفّن حمزة في ثوبين، والأنصاريّ لا كفن له، فقلنا: لحمزة ثوب، وللأنصاريّ ثوب، فكان أحدهما أكبر من الآخر فأقرعنا بينهما فكفنّا كلّا منهما في الثوب الذي طاوله، وجعل أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه يريد أن ينال من قريش، لما رأى من غمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل حمزة ما مثّل به، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إليه أن اجلس وكان قائما،
ثم قال: «يا أبا قتادة. إن قريشاً أهل أمانة، من بغاهم العواثر أكبّه الله تعالى لفيه، وعسى إن طالت بك حياة أن تحقر عملك مع أعمالهم، وفعالك مع فعالهم، لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله تعالى» . فقال أبو قتادة: يا رسول الله، ما غضبت إلا لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، حين نالوا من حمزة ما نالوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدقت، بئس القوم كانوا لنبيّهم» .
وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قتل حمزة جنبا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غسّلته الملائكة» ،
وعند ابن سعد عن الحسن مرسلا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «لقد رأيت الملائكة تغسّل حمزة» [ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 2/ 175 وذكره الهيثمي في المجمع 2/ 105.(4/224)
وروى ابن أبي شيبة في سنده والطبراني برجال ثقات، عن أبي أسيد الساعديّ وابن أبي شيبة والحاكم عن أنس قالا: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة في نمرة، فمدّت النّمرة على رأسه وانكشف رجلاه، فمدّت على رجليه فانكشف رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مدّوها على رأسه واجعلوا على رجليه شيئا من الحرمل، وفي لفظ: من الإذخر»
[ (1) ] .
ذكر أمره صلى الله عليه وسلّم بدفن من استشهد يوم أحد
روى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بالشّهداء أن ينزع عنهم الحديد والجلود، وقال: «ادفنوهم بدمائهم وثيابهم» [ (2) ] .
وروى أبو داود عن هشام بن عامر الأنصاريّ قال: جاءت الأنصار يوم أحد فقالوا: يا رسول الله لقد أصابنا قرح وجهد، فكيف تأمرنا؟ فقال: «احفروا واعمقوا ووسعوا، واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر الواحد» ، قيل: يا رسول الله فأيّهم يقدّم؟ قال: «أكثرهم قرآنا» [ (3) ] .
وروى ابن أبي شيبة في سنده والطبراني برجال الصحيح، عن كعب بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقف يوم أحد بين ظهراني القتلى فقال: «أنا شهيد على هؤلاء، كفّنوهم بدمائهم، فإنه ليس جريح يجرح في الله إلا جاء يوم القيامة يدمى، لونه لون الدّم، وريحه ريح المسك، قدّموا أكثرهم قرآنا فاجعلوه في اللّحد» [ (4) ] .
وروى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: أيّهم أكثر أخذا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدّمه فيا للّحد، وقال: «أنا شهيد على هؤلاء» ، وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصلّ عليهم، ولم يغسّلهم
[ (5) ] .
قال جابر: وكفّن أبي وعمّي في نمرة واحدة.
وروى ابن إسحاق عن أشياخ من بني سليم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ حين أمر بدفن القتلى: «انظروا عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام، فإنهما كانا متصافيين في الدنيا فاجعلوهما في قبر واحد» .
__________
[ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 14/ 392 وابن سعد في الطبقات 3/ 1/ 5 وذكره ابن حجر في المطالب (4322) .
[ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 247.
[ (3) ] أخرجه أبو داود (3215) والبيهقي في السنن 4/ 34.
[ (4) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 1/ 7 وانظر البداية والنهاية 4/ 41.
[ (5) ] أخرجه البخاري في كتاب الجنائز (1343) .(4/225)
قال ابن إسحاق: وقد احتمل الناس قتلاهم إلى المدينة فدفنوهم بها، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: «ردّوهم وادفنوهم حيث صرعوا» .
قال محمد بن عمر فلم يردّ أحد إلا رجل واحد أدركه المنادي قبل أن يدفن، وهو شمّاس بن عثمان المخزوميّ.
وروى الإمام أحمد والأربعة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن قتلى أحد حملوا من أماكنهم فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن ردّوا القتلى إلى مضاجعهم [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد عنه قال: استشهد أبي بأحد فأرسلني أخواتي إليه بناضح لهنّ فقلن:
اذهب فاحتمل أباك على هذا الجمل، فادفنه في مقبرة بني سلمة. قال: فجئته وأعوان لي، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وهو جالس بأحد، فدعاني
فقال: «والذي نفسي بيده لا يدفن إلّا أصحابه [بأحد] »
[ (2) ] .
وروى أبو داود والنّسائيّ عنه أيضاً قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين ليقاتلهم، وقال لي أبي عبد الله: يا جابر، لا عليك أن تكون في النّظّارة من أهل المدينة، حتى تعلم ما يصير أمرنا، والله لولا أنّي أترك بنات بعدي لأحببت أن تقتل بين يدي. قال: فبينا أنا في النّظّارة إذ جاءت عمّتي بأبي وخالي عادلتهما على ناضح، فدخلت بهما المدينة، إذ لحق رجل ينادي: إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا بالقتلى فتدفنوها في مضاجعها، حيث قتلوا.
وروى الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه وابن مردويه عن خبّاب بن الأرتّ رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بمصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه فوقف عليه، فدعا له ثم قرأ: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب 23] الآية. ثم قال: لقد رأيتك بمكة وما بها أحد أرقّ حلّة ولا أحسن لمّة منك.
وروى البخاري: أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أتي بطعام وكان صائما فقال:
قتل مصعب بن عمير، وهو خير من كفّن في برده، إن غطّي رأسه بدت رجلاه، وإن غطّي رجلاه بدا رأسه.
وروى الخمسة عن خبّاب رضي الله عنه قال: هاجرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي رحمة الله، فوجب أجرنا على الله، فمنّا من قضى أو ذهب ولم يأكل من أجره شيئا، منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد فلم يترك إلا نمرة، وكنّا إذا غطّينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 297.
[ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 396.(4/226)
غطّينا بها رجليه خرج رأسه،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غطّوا بها رأسه، واجعلوا على رجليه من الإذخر. ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها» [ (1) ] .
ذكر دعائه صلى الله عليه وسلم، بعد الوقعة يوم أحد
روى الإمام أحمد والنّسائيّ، في كتاب عمل اليوم والليلة، والحاكم، وقال على شرط الشيخين، وأقرّه الذهبيّ ومحمد بن عمر الأسلمي، عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من دفن أصحابه ركب فرسه، وخرج المسلمون حوله، عامتهم جرحى، ولا مثل لبني سلمة وبني عبد الأشهل، ومعه أربع عشرة امرأة. فلما كانوا بأصل أحد قال: «اصطفّوا حتى أثني على ربي عز وجل» ، فاصطف الرجال خلفه صفوفا، خلفهم النساء، فقال: «اللهم لك الحمد كلّه، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضلّ لمن هديت، ولا معطي لما منعت، وما مانع لما أعطيت ولا مقرّب لما باعدت، ولا مباعد لما قرّبت. اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك، اللهم إنا نسألك النّعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إنا نسألك النعيم يوم العيلة، اللهم إنا نسألك الأمن يوم الخوف [والغنى يوم الفاقة] ، اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا، ومن شر ما منعتنا، اللهم حبّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. اللهمّ توفّنا مسلمين، وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين. اللهمّ قاتل الكفرة الذين يكذّبون رسلك، ويصدّون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك. اللهمّ قاتل الكفرة الّذين أوتوا الكتاب، إله الحقّ. آمين» .
ذكر رحيل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من دفن أصحابه، رضي الله عنهم، ركب فرسه وخرج المسلمون حوله راجعين إلى المدينة، فلقيته حمنة بنت جحش، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا حمنة: احتسبي» ، قالت: من يا رسول الله؟ قال: «خالك حمزة بن عبد المطلب» . قالت:
إن لله وإنا إليه راجعون، غفر الله له، هنيئا له الشهادة، ثم قال لها: «احتسبي» ، قالت: من يا رسول الله؟ قال: «أخوك عبد الله بن جحش» ، قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، غفر الله له، هنيئا له الشهادة، ثم قال لها: «احتسبي» ، قالت: من يا رسول الله؟ قال: «زوجك مصعب بن عمير» ، قالت: وا حزناه، وفي لفظ: وا عقراه، وصاحت وولولت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن زوج المرأة
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 122 وأبو داود (2876) والترمذي (3853) وأحمد في المسند 5/ 112 والطبراني في الكبير 4/ 79.(4/227)
منها لبمكان، لما رأى من تثبّتها على أخيها وخالها، وصياحها على زوجها» ، ثم قال لها: «لم قلت هذا؟» قالت: يا رسول الله، ذكرت يتم بنيه فراعني،
فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولولدها أن يحسن الله تعالى عليهم من الخلف.
وروى ابن ماجة عن إبراهيم بن أحمد بن عبيد الله بن جحش عن أبيه عن حمنة بنت جحش: أنّه قيل لها: قتل أخوك، فقالت: رحمه الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون، فقالوا: قتل زوجك، فقالت: وا حزناه!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن للزّوج من المرأة لشغفة ما هي لشيء!» [ (1) ] .
وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى طلع على بني عبد الأشهل وهم يبكون على قتلاهم، فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: لكنّ حمزة لا بواكي له!
فخرج النساء ينظرن إلى سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت أمّ عامر الأشهلية: كل مصيبة بعدك جلل!.
ومرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، بامرأة من بني دينار قد أصيب أبوها وزوجها وأخوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأحد، فلمّا نعوا إليها قالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خيرا يا أمّ فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه فأشير بها إليه، فلما رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل!
وروى الطبراني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد حاص أهل المدينة حيصة، وقالوا: قتل محمد، حتى كثر الصراخ في ناحية المدينة، فخرجت امرأة من الأنصار محزمة، فاستقبلت بأبيها ابنها وزوجها وأخيها، لا أدري أيّهم استقبلت به أولا، فلما مرّت على آخرهم قالوا: أبوك، زوجك، أخوك، ابنك، فتقول: ما فعل رسول الله؟ يقولون:
أمامك، حتى دفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذت بناحية ثوبه، ثم قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لا أبالي إذا سلمت من عطب! وروى ابن أبي حاتم، عن عكرمة مرسلا قال: لما أبطأ الخبر على النساء خرجن يستخبرن، فإذا رجلان مقتولان على دابة أو بعير، فقالت امرأة من الأنصار: من هذان؟ قالوا:
فلان وفلان: أخوها وزوجها أو زوجها وابنها. فقالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: حيّ، قالت: فلا أبالي، يتّخذ الله من عباده شهداء، وأنزل الله تعالى على ما قالت: وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ [آل عمران 140]
__________
[ (1) ] أخرجه ابن ماجة (1950) والبيهقي في السنن 4/ 66 والحاكم في المستدرك 4/ 61 وابن كثير في البداية والنهاية 4/ 47.(4/228)
وجاءت أم سعد بن معاذ، وهي كبشة بنت رافع تعدو نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وقف على فرسه، وسعد بن معاذ آخذ بعنان فرسه، فقال سعد: يا رسول الله! أمّي!، فقال: «مرحبا بها» ، فدنت حتى تأملت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت: أما إذ رأيتك سالما فقد أشوت المصيبة، فعزّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمرو بن معاذ ابنها، ثم قال: «يا أمّ سعد، أبشري وبشّري أهليهم: أنّ قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعا، وقد شفّعوا في أهليهم» قالت: رضينا يا رسول الله، ومن يبكي عليهم بعد هذا؟ ثم قالت: يا رسول الله ادع لمن خلّفوا فقال: «اللهم أذهب حزن قلوبهم، واجبر مصيبتهم، وأحسن الخلف على من خلّفوا» ، ثم قال: «خلّ يا أبا عمرو- يعني سعد بن معاذ- الدّابّة» ، فخلّى سعد الفرس، فتبعه النّاس، فقال: «أبا عمرو إنّ الجراح في أهل دارك فاشية، وليس منهم مجروح إلا يأتي يوم القيامة جرحه كأغزر ما كان، اللّون لون الدّم، والرّيح ريح المسك، فمن كان مجروحا فليقرّ في داره وليداو جرحه، ولا يبلغ معي بيتي، عزيمة منّي» . فنادى فيهم سعد: عزيمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ألّا يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم جريح من بني عبد الأشهل، فتخلّف كلّ مجروح، فباتوا يوقدون النّيران، ويداوون الجرحى، ومضى سعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء بيته، فما نزل نبي الله صلّى الله عليه وسلم، عن فرسه إلا حملا، واتّكأ على سعد بن عبادة وسعد بن معاذ، حتى دخل بيته، فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة، فقال: «اغسلي عن هذا دمه، فو الله لقد صدقني اليوم» ، وناولها علي بن أبي طالب سيفه، فقال: «وهذا، فاغسلي عنه دمه، فو الله لقد صدقني اليوم» ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لئن كنت صدقت القتال لقد صدقه معك سهل بن حنيف وأبو دجانة» .
وروى الحاكم بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء علي بسيفه يوم أحد وقد انحنى، فقال لفاطمة: هاك السيف حميدا، فإنه قد شفاني اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن أجدت الضّرب بسيفك لقد أجاد سهل بن حنيف، وأبو دجانة، وعاصم بن ثابت، والحارث بن الصّمّة» .
قال ابن هشام: وحدّثني بعض أهل العلم أنّ ابن أبي نجيح قال: نادى مناد يوم أحد:
لا سيف إلّا ذو الفقا ... ر ولا فتّى إلّا عليّ
يعني بذي الفقار سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي غنمه يوم بدر، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد.
ولما أذّن بلال بصلاة المغرب خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على تلك الحال، يتوكّأ على السّعدين، فصلّى بهم، ثم عاد إلي بيته. ومضى سعد بن معاذ إلى نسائه ونساء قومه، فساقهنّ حتى لم تبق امرأة إلا جاء بها إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يبكين حمزة بين المغرب(4/229)
والعشاء، والنّاس في المسجد يوقدون النيران، يتكمّدون بها من الجراح.
وأذّن بلال العشاء حتى غاب الشّفق الأحمر، فلم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ذهب ثلث الليل، ثم ناداه: الصّلاة يا رسول الله، فهبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه وخرج، فإذا هو أخفّ في مشيته منه حين دخل،
وسمع البكاء، فقال: «ما هذا؟» فقيل: نساء الأنصار يبكين على حمزة، فقال: «رضي الله عنكنّ وعن أولادكنّ» ، وأمر أن تردّ النّساء إلى منازلهنّ.
وذكر ابن هشام أنه صلى الله عليه وسلم خرج عليهنّ، وهنّ على باب المسجد يبكين على حمزة فقال: «ارجعن رحمكنّ الله، ولقد واسيتنّ، رحم الله الأنصار، فإن المواساة فيهم ما علمت قديمة» ،
فرجعن بليل مع رجالهنّ.
وروى أبو يعلى برجال الصحيح عن ابن عمر، وعن أنس، والإمام أحمد، وابن ماجة بسند صحيح، عن ابن عمر، والطبراني، عن ابن عباس رضي الله عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما رجع من أحد سمع نساء الأنصار يبكين على أزواجهنّ فقال: لكن حمزة لا بواكي له، فبلغ النساء، ذلك، فجئن فبكين على حمزة، فانتبه من الليل فسمعهنّ وهن يبكين، فقال:
ويحهنّ ما زلن يبكين منذ الليلة. مروهنّ ليرجعن ولا يبكين على هالك بعد اليوم» [ (1) ] .
وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم رجع إلى بيته وقد صفّ له الرّجال ما بين بيته إلى مصلّاه يمشي وحده حتى دخل، وباتت وجوه الأوس والخزرج على بابه في المسجد يحرسونه، فرقا من قريش أن تكرّ.
ذكر إظهار المنافقين واليهود الشماتة والسرور بما حصل للمسلمين
ولما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما حصل جعل عبد الله بن أبي ابن سلول والمنافقون يشمتون ويسرّون بما أصاب المسلمين، ويظهرون أقبح القول، فيقول ابن أبيّ لابنة عبد الله وهو جريح قد بات يكوي الجراحة بالنار: ما كان خروجك معه إلى هذا الوجه برأي، عصاني محمد وأطاع الولدان، والله لكأني كنت أنظر إلى هذا. فقال ابنه: الذي صنع الله تعالى لرسوله وللمسلمين خير. وأظهر اليهود القول السّيّئ، فقالوا: ما محمد إلا طالب ملك، ما أصيب هكذا نبيّ قطّ، أصيب في بدنه، وأصيب في أصحابه. وجعل المنافقون يخذّلون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، ويأمرونهم بالتفرّق عنه ويقولون: لو كان من قتل منكم عندنا ما قتل.
وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك في أماكن، فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليستأذنه
__________
[ (1) ] أخرجه ابن ماجة (1591) وأحمد في المسند 2/ 40- 84 والبيهقي في السنن 4/ 70 والحاكم 1/ 381 والطبراني في الكبير 3/ 159 وابن سعد في الطبقات 2/ 1/ 31 وابن أبي شيبة 3/ 394 وعبد الرزاق في المصنف (6694) .(4/230)
في قتل من سمع ذلك منه، من اليهود والمنافقين،
فقال صلى الله عليه وسلم: «يا عمر، أن الله تعالى مظهر دينه، ومعزّ نبيّه، ولليهود ذمّة فلا أقتلهم» ، قال: فهؤلاء المنافقون؟ قال: «أليس يظهرون شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟» قال: بلى يا رسول الله، وإنما يفعلون ذلك تعوّذا من السيف، فقد بان لنا أمرهم، وأبدى الله تعالى أضغانهم عند هذه النّكبة، فقال: «إني نهيت عن قتل من قال: لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، يا بن الخطاب إنّ قريشا لن ينالوا منّا مثل هذا اليوم، حتّى نستلم الرّكن» .
ذكر قيام عبد الله بن أبي وإرادته الخطبة ومنع المسلمين له من ذلك
قال ابن شهاب الزهري: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، المدينة كان عبد الله بن أبي ابن سلول يقوم كل جمعة، لا ينكر شيئا قاله في نفسه ولا في قومه، وكان شريفا في قومه، إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلّم، يوم الجمعة وهو يخطب الناس قام عبد الله فقال: أيها الناس هذا رسول الله بين أظهركم، أكرمكم الله تعالى، وأعزّكم به، فانصروه وعزّزوه واسمعوا له وأطيعوا، ثم يجلس حتى إذا صنع يوم أحد ما صنع، ورجع بالنّاس قام يفعل ذلك كما كان يفعل، فأخذ المسلمون بثوبه من نواحيه وقالوا له: اجلس أي عدوّ الله، لست لذلك بأهل، وقد صنعت ما صنعت، فخرج يتخطّى رقاب الناس ويقول: والله لكأنما قلت بجرا أن قمت لأشدّ أمره. فلقيه رجل من الأنصار بباب المسجد فقال: مالك؟ ويلك! قال: قمت أشدّ أمره فوثب رجال من أصحابه يجذبونني ويعنّفونني، لكأنني قلت بجرا أن قمت أشدّ أمره، قال: ويلك ارجع يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: والله ما أبتغي أن يستغفر لي.
ذكر ما نزل من القرآن في شأن أحد
قال ابن إسحاق: وكان مما أنزل الله تعالى في يوم أحد من القرآن ستون آية من آل عمران، فيها صفة ما كان في يومهم ذلك.
وروى أبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم عن المسور بن مخرمة قال: قلت:
لعبد الرحمن بن عوف: يا خال، أخبرني عن قصتكم يوم أحد، قال: اقرأ بعد العشرين ومائة من آل عمران تجد قصّتنا، أي من قوله تعالى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ [آل عمران 121] .
ذكر بعض ما قاله المسلمون من الشعر في غزوة أحد
قال حسان بن ثابت رضي الله عنه يجيب هبيرة بن أبي وهب عن كلمة قالها:(4/231)
سقتم كنانة جهلا من سفاهتكم ... إلى الرّسول فجند الله مخزيها
أوردتموها حياض الموت ضاحية ... فالنّار موعدها والقتل لاقيها
جمعتموهم أحابيشا بلا حسب ... أئمّة الكفر غرّتكم طواغيها
ألا اعتبرتم بخيل الله إذ قتلت ... أهل القليب ومن ألقينه فيها؟!
كم من أسير فككناه بلا ثمن ... وجزّ ناصية كنّا مواليها
وقال كعب بن مالك رضي الله عنه يجيبه أيضا:
ألا هل أتى غسّان عنّا ودونهم ... من الأرض خرق سيره متنعنع
صحار وأعلام كأنّ قتامها ... من البعد نقع هامد متقطّع
تظلّ به البزل العراميس رزّحا ... ويخلو به غيث السّنين فيمرع
به جيف الحسرى يلوح صليبها ... كما لاح كتّان التّجار الموضّع
به العين والأرآم يمشين خلفة ... وبيض نعام قيضه يتقلّع
مجالدنا عن ديننا كلّ فخمة ... مدرّبة فيها القوانس تلمع
وكلّ صموت في الصّوان كأنّها ... إذا لبست نهي من الماء مترع
ولكن ببدر سائلوا من لقيتمو ... من النّاس والأنباء بالغيب تنفع
وإنّا بأرض الخوف لو كان أهلها ... سوانا لقد أجلوا بليل فأقشعوا
إذا جاء منّا راكب كان قوله ... أعدّوا لما يزجي ابن حرب ويجمع
فمهما يهمّ النّاس ممّا يكيدنا ... فنحن له من سائر النّاس أوسع
فلو غيرنا كانت جميعا تكيده ال ... بريّة قد أعطوا يدا وتورّعوا
نجالد لا تبقى علينا قبيلة ... من الناس إلا أن يهابوا ويفظعوا
ولمّا ابتنوا بالعرض قال سراتنا: ... علام إذا لم تمنع العرض نزرع؟!
وفينا رسول الله نتبع أمره ... إذا قال فينا القول لا نتطلّع
تدلّى عليه الرّوح من عند ربّه ... ينزل من جو السّماء ويرفع
نشاوره فيما نريد وقصدنا ... إذا ما اشتهى أنّا نطيع ونسمع
وقال رسول الله لمّا بدوا لنا: ... ذروا عنكم هول المنيّات واطمعوا
وكونوا كمن يشري الحياة تقرّبا ... إلى ملك يحيا لديه ويرجع
ولكن خذوا أسيافكم وتوكّلوا ... على الله أن الأمر لله أجمع
فسرنا إليهم جهرة في رحالهم ... ضحيّا علينا البيض لا نتخشّع
بملمومة فيها السّنوّر والقنا ... إذا ضربوا أقدامها لا تورّع
فجئنا إلى موج من البحر وسطه ... أحابيش منهم حاسر ومقنع(4/232)
ثلاثة آلاف ونحن نصيّة ... ثلاث مئين إن كثرنا وأربع
نعاورهم تجري المنيّات بيننا ... نشارعهم حوض المنايا ونشرع
تهادى قسيّ النّبع فينا وفيهم ... وما هو إلّا اليثربيّ المقطّع
ومنجوفة حرميّة صاعديّة ... يذرّ عليها السّمّ ساعة تصنع
تصوب بأبدان الرّجال وتارة ... تمرّ بأعراض البصار تقعقع
وخيل تراها بالفضاء كأنّها ... جراد صبا في قرّة يتريّع
فلمّا تلاقينا ودارت بنا الرّحى ... وليس لأمر حمّه الله مدفع
ضربناهم حتّى تركنا سراتهم ... كأنّهم بالقاع خشب مصرّع
لدن غدوة حتّى استفقنا عشيّة ... كأنّ ذكانا حرّ نار تلفّع
وراحوا سراعا موجفين كأنّهم ... جهام هراقت ماءه الرّيح مقلع
ورحنا وأخرانا بطاء كأنّنا ... أسود على لحم ببيشة ظلّع
فنلنا ونال القوم منّا وربّما ... فعلنا ولكن ما لدى الله أوسع
ودارت رحانا واستدارت رحاهم ... وقد جعلوا كلّ من الشّرّ يشبع
ونحن أناس لا نرى القتل سبّة ... على كل من يحمي الذّمار ويمنع
جلاد على ريب الحوادث لا نرى ... على هالك عينا لنا الدّهر تدمع
بنو الحرب لا نعيا بشيء نقوله ... ولا نحن ممّا جرّت الحرب نجزع
بنو الحرب إن نظفر فلسنا بفحّش ... ولا نحن من أظفارها نتوجّع
وكنّا شهابا يتّقي النّاس شرّه ... ويفرج عنه من يليه ويسفع
فخرت عليّ ابن الزّبعرى وقد سرى ... لكم طلب من آخر اللّيل متبع
فسل عنك في عليا معدّ وغيرها ... من الناس من أخزى مقاما وأشنع
ومن هو لم تترك له الحرب مفخرا ... ومن خدّه يوم الكريهة أضرع
شددنا بحول الله، والنّصر شدّة ... عليكم وأطراف الأسنّة شرّع
نكرّ القنا فيكم كأنّ فروغها ... عزالى مزاد ماؤها يتهزّع
عمدنا إلى أهل اللّواء ومن يطر ... بذكر اللّواء فهو في الجذم أسرع
فخانوا وقد أعطوا يدا وتخاذلوا ... أبى الله إلا أمره وهو أصنع
قال ابن هشام: وقد كان كعب بن مالك قد قال: «مجالدنا عن جذمنا كلّ فخمة» ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيصلح أن نقول: مجالدنا عن ديننا؟» فقال كعب بن مالك: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهو أحسن» ، فهو أحسن،
فقال كعب: «مجالدنا عن ديننا» .(4/233)
وقال رضي الله عنه أيضا:
أبلغ قريشا وخير القول أصدقه ... والصّدق عند ذوي الألباب مقبول
أن قد قتلنا بقتلانا سراتكم ... أهل اللّواء ففيما يكثر القيل؟!
ويوم بدر لقيناكم لنا مدد ... فيه مع النّصر ميكال وجبريل
إن تقتلونا فدين الحقّ فطرتنا ... والقتل في الحقّ عند الله تفضيل
وإن تروا أمرنا في رأيكم سفها ... فرأي من خالف الإسلام تضليل
فلا تمنّوا لقاح الحرب واقتعدوا ... إنّ أخا الحرب أصدى اللّون مشغول
إنّ لكم عندنا ضربا يراح بكم ... عرج الضّباع له خذم رعابيل
إنّا بنو الحرب نمريها وننتجها ... وعندنا لذوي الأضغان تنكيل
إن ينج ابن حرب بعد ما بلغت ... منه التّراقي وأمر الله مفعول
فقد أفادت له حلما وموعظة ... لمن يكون له لبّ ومعقول
ولو هبطتم ببطن السّيل كافحكم ... ضرب بشاكلة البطحاء ترعيل
تلقاكم عصب حول النّبيّ لهم ... ممّا يعدّون للهيجا سرابيل
من جذم غسّان مسترخ حمائلهم ... لا جبناء ولا ميل معازيل
يمشون نحو عمايات القتال كما ... تمشي المصاعبة الأذم المراسيل
أو مثل مشي أسود الطّلّ ألثقها ... يوم رذاذ من الجوزاء مشمول
في كلّ سابغة كالنّهي محكمة ... قيامها فلج كالسّيف بهلول
تردّ حدّ قران النّبل خاسئة ... ويرجع السّيف منها وهو مفلول
ولو قذفتم بسلع عن ظهوركم ... وللحياة ودفع الموت تأجيل
ما زال في القوم وتر منكم أبدا ... تعفو السّلام عليه وهو مطلول
عبد وحرّ كريم موبق قنصا ... شطر المدينة مأسور ومقتول
كنّا نؤمّل أخراكم فأعجلكم ... منّا فوارس لا عزل ولا ميل
إذا جنى فيهم الجاني فقد علموا ... حقّا بأنّ الّذي قد جرّ محمول
ما يجن لا يجن من إثم مجاهرة ... ولا ملوم ولا في الغرم مخذول
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه يجيب ابن الزّبعرى:
ذهبت بابن الزّبعرى وقعة ... كان منّا الفضل فيها لو عدل
ولقد نلتم ونلنا منكم ... وكذاك الحرب أحيانا دول
نضع الأسياف في أكتافكم ... حيث نهوى عللا بعد نهل
نخرج الأصبح من أستاهكم ... كسلاح النّيب يأكلن العصل(4/234)
إذ تولّون على أعقابكم ... هرّبا في الشّعب أشباه الرّسل
إذ شددنا شدّة صادقة ... فأجأناكم إلى سفح الجبل
بخناطيل كأمذاق الملا ... من يلاقوه من النّاس يهل
ضاق عنّا الشّعب إذ نفرعه ... وملأنا الفرط منه والرّجل
برجال لستم أمثالهم ... أيّدوا جبريل نصرا فنزل
وعلونا يوم بدر بالتّقى ... طاعة الله وتصديق الرّسل
وقتلنا كلّ رأس منهم ... وقتلنا كلّ جحجاح رفل
وتركنا في قريش عورة ... يوم بدر وأحاديث المثل
ورسول الله حقّا شاهد ... يوم بدر والتّنابيل الهبل
في قريش من جموع جمّعوا ... مثل ما يجمع في الخصب الهمل
نحن لا أمثالكم ولد استها ... نحضر النّاس إذا البأس نزل
وقال حسان بن ثابت يبكي حمزة بن عبد المطلب ومن أصيب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، رضي الله عنهم:
يا ميّ قومي فاندبي بسحيرة شجو النّوائح ... كالحاملات الوقر بالثّقل الملحّات الدّوالح
المعولات الخامشات وجوه حرّات صحائح ... وكأنّ سيل دموعها الأنصاب تخضب بالذّبائح
ينقضن أشعارا لهنّ هناك بادية المسايح ... وكأنّها أذناب خيل بالضّحى شمس روامح
من بين مشذور ومجزور يذعذع بالبوارح ... يبكين شجو مسلّبات كدّحتهنّ الكوادح
ولقد أصاب قلوبها مجل له جلب قوارح ... إذ أقصد الحدثان من كنّا نرجّى إذ نشايح
أصحاب أحد غالهم دهر ألمّ له بوارح ... من كان فارسنا وحامينا إذا بعث المسالح
يا حمز لا والله لا أنساك ما صرّ اللّقائح(4/235)
لمناخ أيتام وأضياف وأرملة تلامح ... ولما ينوب الدّهر في حرب لحرب وهي لاقح
يا فارسا يا مدرها يا حمز قد كنت المصامح ... عنّا شديدات الأمور إذا ينوب لهنّ فادح
ذكّرتنى أسد الرّسول وذاك مدرهنا المنافح ... عنّا وكان يعدّ إذ عدّ الشّريفون الجحاجح
يعلو القماقم جهرة سبط اليدين أغرّ واضح ... لا طائش رعش ولا ذو علّة بالحمل آنح
بحر فليس يغبّ جارا منه سيب أو منادح ... أودى الشّباب أولوا الحفائظ والثّقيلون المراجح
المطعمون إذا المشاتي ما يصفّقهنّ ناضح ... لحم الجلاد وفوقه من شحمه شرائح
ليدافعوا عن جارهم ما رام ذو الضّغن المكاشح ... لهفي لشّبّان رزئناهم كأنّهم المصابح
شمّ بطارقة خضارمة مسامح ... المشترون الحمد بالأموال إنّ الحمد رابح
والجامزون بلجمهم يوما إذا ما صاح صائح ... من كان يرمى بالنّواقر من زمان غير صالح
ما إن تزال ركابه يرسمن في غبر صحاصح ... راحت تبارى وهو في ركب صدورهم رواشح
حتّى تؤوب له المعالي ليس من فوز السّفائح ... يا حمز قد أوحدتني شذّبه الكوافح
أشكو إليك وفوقك التّرب المكوّر والصّفائح ... من جندل نلقيه فوقك إذ أجاد الضّرح ضارح
في واسع يحشونه بالتّرب سوّته المماسح(4/236)
فغزاؤنا أنّا نقول وقولنا برح بوارح ... من كان أمسى وهو عمّا أوقع الحدثان جانح
فليأتنا فلتبك عيناه لهلكانا النّوافح ... القائلين الفاعلين ذوي السّماحة والممادح
من لا يزال ندى يديه له طوالع الدّهر مائح
وقال كعب بن مالك رضي الله عنه:
سائل قريشا غداة السّفح من أحد ... ماذا لقينا وما لاقوا من الهرب
كنّا الأسود وكانوا النّمر إذ زحفوا ... ما إن نراقب من إلّ ولا نسب
فكم تركنا بها من سيّد بطل ... حامي الذّمار كريم الجدّ والحسب
فينا الرسول شهابٌ ثم يتبعه ... نورٌ مضيءٌ له فضلٌ على الشّهب
الحقّ منطقه والعدل سيرته ... فمن يجبه إليه ينج من تبب
نجد المقدّم ماضي الهمّ معتزم ... حين القلوب على رجف من الرّعب
نمضي ويذمرنا عن غير معصية ... كأنّه البدر لم يطبع على الكذب
بدا لنا فاتّبعناه نصدّقه ... وكذّبوه فكنّا أسعد العرب
جالوا وجلنا فما فاءوا وما رجعوا ... ونحن نثفنهم لم نأل في الطّلب
لسنا سواء وشتّى بين أمرهما ... حزب الإله وأهل الشّرك والنّصب
وقال عبد الله بن رواحة يبكي حمزة رضي الله عنه:
بكت عيني وحقّ لها بكاها ... وما يغني البكاء ولا العويل
على أسد الإله غداة قالوا ... أحمزة ذاكم الرّجل القتيل
أصيب المسلمون به جميعا ... هناك وقد أصيب به الرّسول
أبا يعلى لك الأركان هدّت ... وأنت الماجد البرّ الوصول
عليك سلام ربّك في جنان ... مخلطها نعيم لا يزول
ألا يا هاشم الأخيار صبرا ... فكلّ فعالكم حسن جميل
رسول الله مصطبر كريم ... بأمر الله ينطق إذ يقول
ألا من مبلغ عنّي لؤيّا ... فبعد اليوم دائلة تدول
وقبل اليوم ما عرفوا وذاقوا ... وقائعنا بها يشفى الغليل
نسيتم ضربنا بقليب بدر ... غداة أتاكم الموت العجيل
غداة ثوى أبو جهل صريعا ... عليه الطّير حائمة تجول(4/237)
وعتبة وابنه خرّا جميعا ... وشيبة عضّه السّيف الصّقيل
ومتركنا أميّة مجلعبّا ... وفي حيزومه لدن نبيل
وهام بني ربيعة سائلوها ... ففي أسيافنا منها فلول
ألا يا هند لا تبدي شماتا ... بحمزة إنّ عزّكم ذليل
ألا يا هند فابكي لات تملّى ... فأنت الواله العبرى الهبول
وقال حسان بن ثابت يبكيه:
أتعرف الدّار عفا رسمها ... بعدك صوب المسبل الهاطل
بين السّراديح فأدمانة ... فمدفع الرّوحاء في حائل
ساءلتها عن ذاك فاستعجمت ... لم تدر ما مرجوعة السّائل
دع عنك دارا قد عفا رسمها ... وابك على حمزة ذي النّائل
المالئ الشّيزى إذا أعصفت ... غبراء في ذي الشّبم الماحل
والتّارك القرن لدى لبدة ... يعثر في ذي الخرص الذّابل
واللّابس الخيل إذا أحجمت ... كاللّيث في غابته الباسل
أبيض في الذّروة من هاشم ... لم يمر دون الحقّ بالباطل
مال شهيدا بين أسيافكم ... شلّت يدا وحشيّ من قاتل
أيّ امرئ غادر في ألّة ... مطرورة مارنة العامل
أظلمت الأرض لفقدانه ... واسودّ نور القمر النّاصل
صلى عليه الله في جنّة ... عالية مكرمة الدّاخل
كنّا نرى حمزة حرزا لنا ... من كل أمر نابنا نازل
وكان في الإسلام ذا تدرإ ... يكفيك فقد القاعد الخاذل
لا تفرحي يا هند واستحلبي ... دمعا وأذري عبرة الثّاكل
وابكي على عتبة إذ قطّه ... بالسّيف تحت الرّهج الجائل
إذ خرّ في مشيخة منكم ... من كلّ عات قلبه جاهل
أرداهم حمزة في أسرة ... يمشون تحت الحلق الفاضل
غداة جبريل وزير له ... نعم وزير الفارس الحامل
وقال كعب بن مالك يبكيه:
طرقت همومك فالرّقاد مسهّد ... وجزعت أن سلب الشّباب الأغيد
ودعت فؤادك للهوى ضمريّة ... فهواك غوريّ وصحبك منجد(4/238)
فدع التّمادي في الغواية سادرا ... قد كنت في طلب الغواية تفند
ولقد أنى لك أن تناهى طائعا ... أو تستفيق إذا نهاك المرشد
ولقد هددتّ لفقد حمزة هدّة ... ظلّت بنات الجوف منها ترعد
ولو أنّه فجعت حراء بمثله ... لرأيت راسي صخرها يتبدّد
قرم تمكّن في ذؤابة هاشم ... حيث النّبوّة والنّدى والسّؤدد
والعاقر الكوم الجلاد إذا غدت ... ريح يكاد الماء منها يجمد
والتّارك القرن الكميّ مجدّلا ... يوم الكريهة والقنا يتقصّد
وتراه يرفل في الحديد كأنّه ... ذو لبدة شثن البراثن أربد
عمّ النّبيّ محمّد وصفيّه ... ورد الحمام فطاب ذاك المورد
وأتى المنيّة معلما في أسرة ... نصروا النّبيّ ومنهم المستشهد
ولقد إخال بذاك هندا بشّرت ... لتميت داخل غصّة لا تبرد
ممّا صبحنا بالعقنقل قومها ... يوما تغيّب فيه عنها الأسعد
حتّى رأيت لدى النّبيّ سراتهم ... قسمين نقتل من نشاء ونطرد
وببئر بدر إذ يردّ وجوههم ... جبريل تحت لوائنا ومحمّد
فأقام بالعطن المعطّن منهم ... سبعون عتبة منهم والأسود
وابن المغيرة قد ضربنا ضربة ... فوق الوريد لها رشاش مزبد
وأميّة الجمحيّ قوّم ميله ... عضب بأيدي المؤمنين مهنّد
فأتاك فلّ المشركين كأنّهم ... والخيل تثفنهم نعام شرّد
شتّان من هو في جهنّم ثاويا ... أبدا ومن هو في الجنان مخلّد
وقالت صفية بنت عبد المطلب تبكي أخاها حمزة:
أسائلة أصحاب أحد مخافة ... بنات أبي من أعجم وخبير
فقال خبير: إنّ حمزة قد ثوى ... وزير رسول الله خير وزير
دعاه إله الخلق ذو العرش دعوة ... إلى جنّة يحيا بها وسرور
فذلك ما كنّا نرجّي ونرتجي ... لحمزة يوم الحشر خير مصير
فو الله لا أنساك ما هبّت الصّبا ... بكاء وحزنا محضري ومسيري
على أسد الله الّذي كان مدرها ... يذود عن الإسلام كلّ كفور
فيا ليت شلوي عند ذاك وأعظمي ... لدى أضبع تعتادني ونسور
أقول وقد أعلى النّعيّ عشيرتي: ... جزى الله خيراً من أخ ونصير(4/239)
تنبيهات
الأول:
وقع في غزوة أحد آيات:
منها: ردّ عين قتادة بن النعمان،
روى أبو يعلى وأبو نعيم من طريق عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه عن جدّه: أنه أصيبت عينه يوم أحد فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا قطعها، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «لا» ، فدعا به فغمز عينه براحته، فكان لا يدري أي عينيه أصيبت،
وله طرق تأتي في المعجزات.
ومنها إخباره عن رجل قاتل الكفار قتالا شديدا أنه من أهل النار قتل نفسه. وتقدم بيان ذلك.
ومنها: انقلاب العسيب سيفا، قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن سعيد بن عبد الرحمن الجحشيّ: أخبرنا أشياخنا إن عبد الله بن جحش جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يوم أحد، وقد ذهب سيفه فأعطاه النبي صلّى الله عليه وسلم عسيبا من نخل، فرجع في يد عبد الله سيفا. قال الزبير بن بكار في «الموفقيات» : إنّ قائمة منه، وكان يسمى العرجون، ولم يزل يتناقل حتى بيع من بغاء التركي بمائتي دينار.
ومنها: إجابة قسم عبد الله بن جحش.
ومنها: إخباره صلّى الله عليه وسلّم بأن الملائكة تقاتل مع عبد الرحمن بن عوف، وتقدم بيان ذلك.
ومنها: ردّ بصر أبي ذر رضي الله، روى أبو يعلى عن طريق عبد الرحمن بن الحارث ابن عبيدة عن جده قال: أصيبت عين أبي ذر يوم أحد، فبزق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت أصح عينيه. كذا في هذه الرواية والصحيح أن أبا ذر لم يشهد أحدا.
ومنها: وقاية الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم، من جماعة رموه بالسهام، وصرف عبد الله بن شهاب عنه حين أراد قتله، وتقدم بيان ذلك.
ومنها إخباره بأن الحارث بن سويد قتل مجذّر- بذال معجمة مشددة مفتوحة- ابن ذيّاد، بفتح الذال المعجمة في أوله وتشديد التحتية، وقيل بكسر الذال وهو أشهر.
روى ابن سعد عن الواقدي عن شيوخه قالوا: كان سويد بن الصامت قد قتل ذيّادا أبا المجذّر في وقعة التقوا فيها، فظفر المجذّر بسويد فقتله، وذلك قبل الإسلام، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم الحارث بن سويد، ومجذّر بن ذيّاد، وشهدا بدرا. وذكر ابن إسحاق أن الحارث كان منافقا. اهـ. فجعل الحارث يطلب مجذّرا يقتله بأبيه فلا يقدر عليه، فلما كان يوم أحد وجال المسلمون تلك الجولة أتاه الحارث من خلفه فضرب عنقه، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حمراء الأسد أتاه جبريل، فأخبره أن الحارث بن سويد قتل مجذّر بن ذيّاد(4/240)
غيلة وأمره أن يقتله، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء في ذلك اليوم، في يوم حارّ، فدخل مسجد قباء، فصلّى فيه، وسمعت به الأنصار فجاءت تسلّم عليه، وأنكروا إتيانه في تلك الساعة. وفي ذلك اليوم، حتى طلع الحارث بن سويد في ملحفة مورّسة- وقال ابن هشام في ثوبين مضرّجين وفي لفظ: مصرّين- فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعا عويم ابن ساعدة فقال: قدم الحارث بن سويد إلى باب المسجد فاضرب عنقه بمجذّر بن ذيّاد، فإنه قتله غيلة، فقال الحارث: قد والله قتلته، وما كان قتلي إيّاه رجوعا عن الإسلام ولا ارتيابا فيه، ولكنه حميّة من الشيطان، وأمر وكلت فيه إلى نفسي، وإن أتوب إلى الله ورسوله مما عملت، وأخرج ديته، وأصوم شهرين متابعين، وأعتق رقبة. قال: قدّمه يا عويم فاضرب عنقه، فقدّمه فضرب عنقه، فقال حسان بن ثابت:
يا حار في سنة من نوم أوّلكم ... أم كنت ويحك مغترّا بجبريل؟!
أم كنت بابن ذياد حين تقتله ... بغرّة في فضاء الأرض مجهول؟!
قلت: وذكر ابن هشام: أن عثمان بن عفان هو الذي ضرب عنقه، ثم قال: ويقال بعض الأنصار.
وذكر ابن إسحاق في قصة قتله ما يخالف بعض ما ذكر، وجزم العدويّ، وابن الكلبيّ، والقاسم بن سلّام، بأن القصة وقعت لأخيه جلاس بضم الجيم، والمشهور أن صاحب القصّة الحارث.
ومنها: قوله في مالك، وهو والد أبي سعيد الخدري: من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا. فاستشهد. رواه البيهقي عن عمر بن السّائب بلاغا.
ومنها: إجابة دعائه في موت عتبة بن أبي وقّاص ألّا يحول عليه الحول كذلك، كما تقدم.
ومنها: أنه لم يولد لعتبة ولد، كما تقدم.
ومنها: إجابة دعائه في تثبيت عمّته صفيّة، كما تقدم في القصّة.
ومنها: عدم استطاعة هند أكل شيء من كبد حمزة.
قال ابن سعد: أخبرنا هوذة بن خليفة، حدثنا عوف بن محمد قال: بلغني أن هندا بنت عتبة بن ربيعة جاءت يوم أحد، وكانت نذرت لئن قدرت على حمزة لتأكلنّ من كبده، فجاءوا بجزّة من كبد حمزة أخذتها تمضغها لتأكلها، فلم تستطع أن تبتلعها فلفظتها فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فقال: إن الله تعالى حرم على النار أن تذوق من لحم حمزة شيئا أبدا.
ومنها: أن رجلا قال: اللهم إن كان محمد على الحق فاخسف به، يعني نفسه، فخسف به، كما رواه البزار بسند حسن، عن بريدة.(4/241)
ومنها: طول الوتر القصير الذي بقوسه لمّا انقطع ولفّ عليه منه لفّات، كما تقدم.
ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم دعا الله تعالى إلا يفلت أبا عزّة الجمحيّ. روى البيهقي عن الإمام الشافعي رضي الله عنه قال: كان من الممنون عليهم بلا فدية يوم بدر أبو عزّة الجمحيّ، تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم لبناته، وأخذ عليه عهدا ألّا يقاتله، فأخفره وقاتله يوم أحد، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألّا يفلت، فما أسر من المشركين رجل غيره، فقال: يا محمد امنن عليّ ودعني لبناتي، وأعطيك عهدا ألّا أعود إلى قتالك.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمسح على عارضيك بمكة
وتقول: قد خدعت محمدا مرّتين، فأمر به فضربت عنقه.
ومنها: وجدان أنس بن النّضر وسعد بن الرّبيع رائحة الجنة، كما تقدم في القصّة.
ومنها: تغسيل الملائكة لحمزة وحنظلة، كما تقدّم.
ومنها: برء جرح كلثوم بن الحصين بريقه صلى الله عليه وسلم.
قال ابن سعد: رمي أبو رهم الغفاريّ يوم أحد كلثوم بن الحصين بسهم فوقع في نحره، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق عليه فبرأ، [وكان أبو رهم يسمى المنحور] .
ومنها: تظليل الملائكة لعبد الله والد جابر، كما رواه الشيخان.
ومنها: إخباره بأنّ المشركين لن يصيبوا منّا مثلها أبدا.
روى ابن سعد عن محمد بن عمر عن شيوخه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لن ينالوا منّا مثل هذا اليوم حتى نستلم الرّكن» [ (1) ] .
الثاني: كانت هذه الوقعة في شوال سنة ثلاث باتّفاق الجمهور. قال ابن إسحاق كما رواه الطبراني بسند رجال ثقات: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم الجمعة، فأصبح بالشّعب من أحد، فالتقوا يوم السبت في النصف من شوّال، وفي الفتح عنه أنّ الوقعة كانت لإحدى عشرة ليلة خلت منه، وقيل: لتسع ليال، وقيل: لثمان، وقيل: لسبع. قال الإمام مالك: أوّل النهار، وشذّ من قال سنة أربع.
الثالث: أحد- بضم الهمزة والحاء وبالدال المهملتين- قال ياقوت في معجمه وغيره:
هو جبل أحمر ليس بذي شناخيب، بينه وبين المدينة أقلّ من فرسخ، وهو في شماليّها.
روى الشيخان عن أنس بن مالك وابن أبي شيبة، والطبراني بسند جيد عن سويد بن عامر الأنصاريّ، والبخاري عن أبي حميد الساعديّ، والبخاريّ عن سهل بن سعد، والطبراني عن ابن عباس، والطبراني عن أبي هريرة، وعمر بن شبه، بسند جيد عن أبي قلابة، رضي الله
__________
[ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 1/ 31.(4/242)
عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأحد لمّا بدا له: «هذا جبل يحبّنا ونحبّه» .
وتكرر منه صلى الله عليه وسلم هذا القول مرّات. وسيأتي الكلام على هذا الحديث في المعجزات، إن شاء الله تعالى.
وروى الطبراني بسند ضعيف، عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «أحد ركن من أركان الجنة» .
وروى عمر بن شبة عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أحد على باب من أبواب الجنّة، فإذا مررتم به، فكلوا من شجره ولو من عضاهه» .
وروى عبد الرزاق عن أبي ليلى: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أحد على ترعة من ترع الجنة» [ (1) ] .
قال ياقوت: وهو اسم مرتجل لهذا الجبل.
وقال السّهيليّ: سمّي أحدا لتوحّده وانقطاعه عن جبال أخر هناك، أو لما وقع من أهله من نصرة التوحيد، ولا أحسن من اسم مشتق من الأحدية، وقد سمّى الله تعالى هذا الجبل بهذا الاسم تقدمة لما أراده سبحانه وتعالى من مشاكلة اسمه لمعناه، إذ أهله وهم الأنصار نصروا التوحيد والمبعوث بدين التّوحيد، عنده استقّرّ حيّا وميّتا وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يستعمل الوتر ويحبّه في شأنه إشعارا للأحدية، فقد وافق اسم هذا الجبل لأغراضه صلى الله عليه وسلم، ومقاصده في الأسماء، فقد بدّل كثيرا من الأسماء، استقباحا لها من أسماء البقاء وأسماء الناس، فاسم هذا الجبل من أوفق الأسماء له، ومع أنه مشتق من الأحدية، فحركات حروفه الرّفع، وذلك يشعر بارتفاع دين الأحد وعلوّه، فتعلّق الحبّ من النبي صلى الله عليه وسلم اسما ومسمّى، فخصّ من بين الجبال أن يكون معه في الجنّة.
الرابع: قال في الرّوض: البقر في الرّؤيا عبارة عن رجال مسلمين يتناطحون، وقد رأت عائشة رضي الله عنها مثل هذا، فكان تأويله قتل من قتل معها يوم الجمل. قال في الفتح: وفيه نظر، فقد رأى الملك بمصر البقر، وأوّلها يوسف صلى الله عليه وسلم بالسّنين. ووقع في حديث ابن عباس ومرسل عروة عند أبي الأسود في المغازي: «وتأوّلت البقر ببقر يكون فينا» . قال: وكان ذلك من أصيب من المسلمين. وقوله: بقرا- بسكون القاف- وهو شقّ البطن. وهذا أحد وجوه التفسير: أن يشتقّ من الاسم معنى مناسبا، ويمكن أن يكون ذلك لوجه آخر من وجوه التأويل، وهو التصحيف، فإن لفظ بقر مثل نفر بالنون والفاء خطأ.
وعند أحمد والنسائي وابن سعد من حديث جابر بسند صحيح في هذا الحديث:
__________
[ (1) ] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (17171) .(4/243)
«ورأيت نفرا منحّرة» ، وقال فيه: إن الدّرع المدينة، والنّفر نفر، هكذا بنون وفاء، وهو يؤيّد الاحتمال المذكور.
الخامس: لما ذبّ فرس بذنبه فأصاب كلّاب سيفه فسلّه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفاءل ولا يعتاف.
قال أبو القاسم الخثعميّ: وظاهر الكلام أن العيافة في المكروه خاصة، والفأل في المحبوب وقد يكون في المكروه والطّيرة تكون في المكروه والمحبوب. وفي الحديث: أنّه نهى عن الطّيرة
وقال: «خيرها الفأل»
فدلّ على أنها تكون على وجوه، والفأل خيرها. ولفظها يعطى أنها تكون في الخير والشرّ، لأنها من الطّير، تقول العرب: جرى له طائر بخير، وجرى له بشرّ. وفي التنزيل وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ [الإسراء 13]
وقوله في هذا الحديث: «إني أرى السيوف اليوم ستسلّ»
يقوّي ما قدمناه من التّوسّم والزجر المصيب، وأنّه غير المكروه، ولكنه غير مقطوع به إلا أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
السادس: دلّ مروره صلى الله عليه وسلم في أرض ذلك المنافق أنه يجوز للإمام السّلوك في بعض أملاك رعيّته، إذا صادف ذلك طريقه، وإن لم يرض المالك.
السابع: مظاهرته صلى الله عليه وسلم بين درعين وقع مرّتين في أحد، وفي حنين، لا غير فيما أعلم، وفي ذلك إشارة إلى الأخذ بالحزم والاحتياط، وأنّ ذلك لا ينافي التّوكّل.
الثامن: ليس تمنّي عبد الله بن جحش أن يقتل في سبيل الله من تمنّي الموت المنهيّ عنه.
التاسع: اختلف أهل العلم في الشّهيد إذا قتل جنبا: هل يغسّل كما غسّلت الملائكة حمزة وحنظلة رضي الله عنهما.
العاشر: قول أبي دجانة: «أنا الذي عاهدني خليلي» وكذا قول أبي هريرة: «حدثني خليلي» لا يدفع
بقوله صلى الله عليه وسلم: «لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر»
[ (1) ] ، لأن أبا دجانة وأبا هريرة يريدان به معنى الحبيب، وإنّما فيه إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليقولها لأحد من أصحابه، ولا خصّ بها أحدا، دون أن يمنع أحدا من أصحابه أن يقولها، وما كان في قلوبهم من المحبة يقتضي هذا أو أكثر منه، ما لم يكن الغلوّ والقول المكروه،
فقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح، وإنما أنا عبد الله ورسوله» [ (2) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 463 وعبد الرزاق (19049) وأبو نعيم في الحلية 3/ 343 والخطيب في التاريخ 3/ 134 وابن عدي في الكامل 7/ 2619.
[ (2) ] أخرجه البخاري 4/ 204 ومسلم في كتاب القدر (34) .(4/244)
الحادي عشر:
قول علي رضي الله عنه: «ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد: فداك أبي وأمي إلا لسعد يوم أحد» . رواه البخاري [ (1) ] وغيره،
وروي أيضا عنه: «ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبويه لأحد إلا لسعد»
[ (2) ] .
قال في الروض: والرواية الأولى أصحّ، والله أعلم، لأنه أخبر أنه لم يسمع، وقد قال الزبير بن العوام: أنه صلى الله عليه وسلم جمع له أيضا أبويه، كما رواه الزبير بن بكار في كتاب النسب.
قال السّهيليّ: وفقه هذا الحديث أن هذا الكلام جائز لمن كان أبواه غير مؤمنين، وأمّا إذا كانا مؤمنين فلا، لأنّه كالعقوق لهما، كذلك سمعت شيخنا أبابكر بن العربيّ يقول في هذه المسألة. قلت: قال الإمام النووي في كتابه «حلية الأبرار» : المذهب الصحيح المختار أنه لا يكره قول الإنسان لغيره: فداك أبي وأمي، أو جعلني الله فداك. وقد تظاهرت على جواز ذلك الأحاديث المشهورة في الصحيحين وغيرهما، وسواء كان الأبوان مسلمين أو كافرين، وكره ذلك بعض العلماء إذا كان مسلمين.
قال النحاس: وكره مالك بن أنس: «جعلني الله فداك» ، وأجازه بعضهم. قال القاضي عياض رحمه الله: ذهب جمهور العلماء إلى جواز ذلك، سواء كان المفدّى به مسلما أو كافرا. قال النّوويّ: قد جاء من الأحاديث الصحيحة في جواز ذلك ما لا يحصى. وقد نبّهت على جمل منها في شرح صحيح مسلم، والمراد بالتفدية التعظيم والإجلال، لأن الإنسان لا يفدّي إلا من يعظّمه، وكان مراده بذلك نفسي، أو من يعزّ عليّ في مرضاتك وطاعتك.
الثاني عشر: يأتي الكلام على شرب أبي سعيد الخدري دم النبي صلى الله عليه وسلم في الخصائص.
الثالث عشر: اختلف في سبب نزول قوله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران 128] فروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والشيخان عن أنس رضي الله عنه، وابن جرير، عن قتادة، وعبد الله بن حميد عن الحسن، وابن جرير عن الربيع: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد، وشجّ وجهه حتى سال الدّم على وجهه،
فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو عليهم فقال: «كيف يفلح قوم أدموا وجه نبيّهم، وهو يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى الشّيطان، ويدعوهم إلى الهدى ويدعونه إلى الضّلالة، ويدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار»
فهمّ أن يدعو عليهم، فنزلت، فكفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء عليهم [ (3) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب الأدب (6184) .
[ (2) ] أخرجه البخاري في كتاب المغازي (4059) .
[ (3) ] أخرجه البخاري في كتاب المغازي معلقا 5/ 223 ومسلم 3/ 1417 (104- 1791) .(4/245)
وروى الإمام أحمد والبخاري والترمذي والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أحد: «اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحارث بن هشام، اللهم العن سهيل بن عمرو، اللهم العن صفوان بن أمية» ، فنزلت فتيب عليهم كلهم [ (1) ] .
وروى الشيخان وابن جرير، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد، أو يدعو لأحد، قنت بعد الركوع: «اللهم انج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعيّاش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنين يوسف» ،
يجهر بذلك.
وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: «اللهم العن فلانا» ، لأحياء من العرب،
حتى أنزل الله تعالى لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ [ (2) ] الآية.
وفي لفظ: «اللهم العن بني لحيان ورعلا وذكوان وعصيّة، عصت الله ورسوله» ،
ثم بلغنا أنّه ترك ذلك لما نزلت هذه الآية [ (3) ] .
وروى ابن إسحاق والنحاس في ناسخه، عن سالم بن عبد الله، قال: جاء رجل من قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنك تنهى عن السّبّ، ثم تحوّل فحوّل قفاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكشف عن استه، فلعنه ودعا عليه، فنزلت ثم أسلم الرجل، فحسن إسلامه.
قال الحافظ: حديث أنس وحديث ابن عمر سيّان لنزول الآية، ويحتمل أن تكون نزلت في الأمرين جميعا، فإنهما كان في وقعة واحدة، والرواية الثانية عن أبي هريرة أن كانت محفوظة احتمل أن يكون نزول الآية تراخى عن وقعة أحد، لأنّ قصة رعل وذكوان كانت بعد أحد، والصّواب أنها نزلت في شأن الذين دعا عليهم. بسبب قصة أحد، والله أعلم. ويؤيد ذلك قوله في صدر الآية: لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ [آل عمران 127] أي يخزيهم ثم قال: أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أي فيسلموا أَوْ يُعَذِّبَهُمْ أي إن ماتوا كفّارا.
الرابع عشر: في مداواته صلى الله عليه وسلم جرحه إشارة إلى جواز التّداوي، وأنّ الأنبياء صلى الله عليه وسلم قد يصابون ببعض العوارض الدّنيوية من الجراحات والآلام والأسقام، ليعظم لهم بذلك الأجر، وتزداد درجاتهم، وليتأسّى بهم أتباعهم في الصّبر على المكاره، والعاقبة للمتقين.
الخامس عشر: قال العلماء: النّعاس في القتال أمنة، وفي الصلاة من الشيطان، وذلك لأنه في القتال لا يكون إلا من الوثوق بالله تعالى والفراغ من الدنيا، ولا يكون في الصلاة إلا من غاية البعد عن الله تعالى، ثم ذلك النّعاس كان فيه فوائد، لأنّ السّهر يوجب الضعف والكلال، والنّوم يفيد عود القوة والنشاط، ولأنّ المشركين كانوا في غاية الحرص على قتلهم،
__________
[ (1) ] أخرجه الترمذي (3004) والطبري في التفسير 4/ 58 والطبراني في الكبير 4/ 255.
[ (2) ] أخرجه البخاري 1/ 203 ومسلم 1/ 466 (294- 675) .
[ (3) ] أخرجه مسلم في الموضع السابق.(4/246)
فبقاؤهم في النّوم مع السلامة في تلك المعركة من أدلّ الدلائل على حفظ الله تعالى لهم، ذلك مما يزيل الخوف من قلوبهم، ويورثهم الأمن، ولأنهم لو شاهدوا قتل إخوانهم الذين أراد الله تعالى إكرامهم بالشهادة لاشتد خوفهم.
السادس عشر: قوله: ونهى عن المثلة، قيل: فقد مثّل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيّين فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، وتركهم بالحرّة، وأجيب عن ذلك بأمرين: أحدهما: أنه فعل ذلك بهم قصاصا، لأنهم قطعوا أيدي الرّعاء وأرجلهم، وسملوا أعينهم، كما ذكر أنس، كما سيأتي ذلك في أبواب أحكامه صلى الله عليه وسلم في الحدود. ثانيهما: أن ذلك كان قبل تحريم المثلة.
السابع عشر:
وقع في رواية أبي الوقت والأصيليّ من رواه البخاري في باب غزوة احد من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: «هذا جبريل آخذ برأس فرسه [عليه أداة الحرب] » .
قال الحافظ: وهو وهم من وجهين: أحدهما: أن هذا الحديث تقدّم سنده ومتنه في باب شهود الملائكة بدرا، ولهذا لم يذكره هنا أبو ذرّ ولا غيره من متقني رواة البخاريّ، ولا استخرجه الإسماعيلي ولا أبو نعيم. الثاني: أن المعروف في هذا المتن يوم بدر لا يوم أحد.
الثامن عشر: قول عبد الرحمن بن عوف: قتل مصعب بن عمير هو خير مني. لعلّه قاله تواضعا، ويحتمل أن يكون ما استقرّ عليه الأمر من تفضيل العشرة على غيرهم، بالنظر إلى من لم يقتل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد وقع من أبي بكر الصديق رضي الله عنه نظير ذلك، كما تقدم في قتل سعد بن الربيع.
التاسع عشر: قول أنس بن النّضر: إنّي لأجد ريح الجنّة دون أحد، يحتمل أن يكون ذلك على الحقيقة بأن يكون شمّ رائحة طيّبة زائدة على ما يعهده، فعرف أنها الجنّة، ويحتمل أن يكون أطلق ذلك باعتبار ما عنده من اليقين، حتى كأنّ الغائب عنه صار محسوسا عنده، والمعنى أنّ الموضع الذي قاتل فيه يؤول بصاحبه إلى الجنة.
العشرون: روى ابن إسحاق عمّن لا يتّهم عن مقسم عن ابن عباس قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فسجّي ببردة، ثم صلّى عليه فكبّر سبع تكبيرات، ثم أتي بالقتلى فوضعوا إلى حمزة فصلّى عليهم وعليه معهم ثنتين وسبعين صلاة.
قال السهيلي: هذا حديث ضعيف لضعف الحسن بن عمارة الذي أبهمه ابن إسحاق، وإن كان غيره فهو مجهول، ولم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى على شهيد في شيء من مغازيه إلا في هذه الرواية، في غزوة أحد، وكذلك لم يصل أحد من الأئمة بعده.
وروى الإمام أحمد من طريق عطاء بن السائب، عن الشعبيّ، عن ابن مسعود، نحو رواية ابن عباس، قال في البداية: سنده ضعيف من جهة عطاء بن السائب، ويرده ما رواه الستة:
إلا مسلما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين(4/247)
من قتلى أحد،
ثم يقول: «أيّهم أكثر أخذا للقرآن؟
فإذا أشير له إلى أحدهما قدّمه في اللّحد،
وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة،
وأمر بدفنهم، ولم يصلّ عليهم، ولم يغسّلوا» ولا يخالف هذا ما رواه الشيخان، وأبو داود والنّسائيّ، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين صلاته على الميت كالمودع للأحياء والأموات [ (1) ] . لأن المراد بالصلاة هنا الدّعاء، وقوله: صلاته على الميت المراد به كدعائه للميّت من غير نية ولا تكبير.
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: جاءت الأخبار كأنها عيان من وجوه متواترة: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على قتلى أحد، وما روي أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليهم وكبّر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصحّ، وقد كان ينبغي لمن عارض بذلك هذه الأحاديث الصحيحة أن يستحي على نفسه، قال: وأما حديث عقبة بن عامر فقد وقع في نفس الحديث أن ذلك كان بعد ثمان سنين، يعني والمخالف يقول: لا يصلي علي القبر إذا طالت المدة، قال: وكان صلى الله عليه وسلم دعا لهم واستغفر لهم، حين علم قرب أجله توديعا لهم بذلك، ولا يدلّ ذلك على نسخ هذا الحكم الثابت.
الحادي والعشرون: اختلف في عدّة من ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فروى البخاريّ وأبو نعيم، والإسماعيليّ واللفظ له، عن معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه قال: سمعت أبا عثمان يعني النّهديّ يقول: لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام- وفي رواية: التي يقاتل فيهنّ- غير طلحة وسعد، قال سليمان: فقلت لأبي عثمان: وما علمك بذلك؟ قال: عن حديثهما، يعني أنّ سعدا وطلحة أخبرا أبا عثمان بذلك.
قال الحافظ: وهذا قد يعكّر عليه ما ورد أنّ المقداد كان ممّن بقي معه، كما تقدم في القصّة في حديث سعد، لكن يحتمل أن المقداد إنما حضر بعد الجولة، ويحتمل أن يكون انفرادهما معه في بعض المقامات، وقد روى مسلم من طريق ثابت، عن أنس قال: أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في سبعة ورجلين من قريش، وكان المراد بالرجلين طلحة وسعد، وكان المراد بالحصر المذكور تخصيصه بالمهاجرين، كأنه قال: لم يبق معه من المهاجرين غير هذين، ويتعيّن حمله على ما أوّلته، وأن ذلك باعتبار اختلاف الأحوال، وأنهم تفرقوا في القتال، فلما وقعت الهزيمة فيمن انهزم وصاح الشيطان: «قتل محمد» ، اشتغل كلّ واحد بهمّه والذّبّ على نفسه، كما في حديث سعد، ثم عرفوا عن قرب ببقائه فتراجعوا إليه أولا فأوّلا، ثم بعد ذلك كان يندبهم إلى القتال فيشتغلون به.
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 404 (4042) ومسلم في كتاب الفضائل (31) .(4/248)
وفي حديث الزّبير عن ابن إسحاق بإسناد حسن قال: مال الرّماة يوم أحد يريدون النّهب، فأتينا من ورائنا وصرخ صارخ: «ألا إن محمدا قد قتل» ، فانكفأنا راجعين.
وروى ابن عائذ عن المطلب بن عبد الله بن خطب مرسلا: أن الصحابة رضي الله عنهم تفرقوا عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى بقي في اثني عشر رجلا من الأنصار.
وللنّسائيّ والبيهقي في الدلائل، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: تفرّق الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبقي معه أحد عشر رجلا من الأنصار وطلحة. وإسناده جيّد وهو كحديث أنس إلا أن فيه زيادة أربعة، فلعلّهم جاءوا بعد ذلك. وعند محمد بن سعد: أنه ثبت معه أربعة عشر رجلا: سبعة من المهاجرين، منهم أبو بكر. ويجمع بينه وبين حديث أبي عثمان بأن سعدا جاءهم بعد ذلك كما حديثه في القصة، وأن المذكورين من الأنصار استشهدوا، كما في حديث أنس عند مسلم: فلم يبق غير سعد وطلحة. ثم جاء من بعدهم. وأما المقداد فيحتمل أن يكون استمرّ مستقلّا بالقتال. وذكر الواقديّ أن جماعة غير من ذكر ثبتوا كما ذكرته في القصة، فإن ثبت حمل على أنهم ثبتوا فيمن حضر عنده في الجملة، وما تقدّم فيمن حضر عنده صلى الله عليه وسلّم، أولا فأولا.
وقال الحافظ في موضع آخر: صار الصحابة عند ترك الرّماة مواقعهم وقول الشيطان: «قتل محمد» ثلاث فرق: فرقة استمرّوا في الهزيمة إلى قرب المدينة، فما رجعوا حتى فرغ القتال، وهم قليل، وهم الذين نزل فيهم: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ [آل عمران 155] وفرقة صاروا حيارى لما سمعوا ذلك، فصارت غاية الواحد منهم أن يذبّ عن نفسه، أو يستمرّ على بصيرته في القتال إلى أن يقتل، وهم أكثر الصحابة، وفرقة ثبتت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تراجع إليه القسم الثاني شيئا فشيئا لمّا عرفوا أنه حيّ، وبهذا يجمع بين مختلف الأخبار في عدّة من بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثاني والعشرون: وقع في الهدى أن الفرسان من المسلمين يوم أحد كانوا خمسين رجلا، وهو سبق قلم، وإنما هذا عدد الرماة، وقد جزم موسى بن عقبة بأن المسلمين لم يكن معهم شيء من الخيل. وذكر الواقديّ أنه كان معهم فرسان: فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرس لأبي بردة.
الثالث والعشرون: اختلف في عدد المسلمين يومئذ، فقال الجمهور: منهم ابن شهاب في رواية: كان المشركون ثلاثة آلاف والمسلمون بعد انخذال ابن أبيّ سبعمائة. وروى البيهقي عن ابن شهاب في رواية أخرى قال: كان المسلمون قريبا من أربعمائة رجل. قال البيهقيّ: وقول ابن شهاب الأول أشبه بما رواه موسى بن عقبة، وأشهر عند أهل المغازي.(4/249)
الرابع والعشرون: قال العلماء رضي الله عنهم: كان في قصة أحد وما أصيب به المسلمون فيها من الفوائد والحكم الربّانيّة أشياء عظيمة، منها: تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية، وشؤم ارتكاب النّهي، لما وقع من ترك الرّماة موقعهم الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ألّا يبرحوا منه.
ومنها: أنّ عادة الرّسل أن تبتلى وتكون لها العاقبة، كما سيأتي في قصة هر قل مع أبي سفيان، وقوله له: هل قاتلتموه؟ قال: نعم، قال: كيف الحرب بينكم وبينه؟ قال: سجال يدال علينا المرّة وندال عليه الأخرى. قال هرقل: كذلك الرّسل، تبتلى ثم تكون لهم العاقبة، والحكمة في ذلك أنهم لو انتصروا دائما دخل في المؤمنين من ليس منهم، ولم يتميّز الصادق من غيره، فإن المسلمين لمّا أظهرهم الله على عدوّهم يوم بدر، وطار لهم الصّيت دخل معهم ظاهرا في الإسلام من ليس معهم فيه باطنا، ولو انكسروا دائما لم يحصل المقصود من بعثة الرسل، فاقتضت الحكمة الجمع بين الأمرين ليتميّز الصادق من الكاذب، وذلك أن نفاق جماعة ممّن يدّعي الإيمان كان مخفيّا عن المسلمين، فلما جرت هذه القصة، وأظهر أهل النّفاق ما أظهروا من الفعل والقول، عاد التّلويح تصريحا، وعرف المسلمون أنّ لهم عدوّا في دورهم فاستعدّوا لهم وتحرّزوا منهم.
ومنها: أنّ في تأخير النّصر في بعض المواطن هضما للنفس وكسرا لشماختها، فلما ابتلي المؤمنون صبروا، وجزع المنافقون.
ومنها: أن الله تعالى هيّأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لا تبلغها أعمالهم، فقيّض لهم أسباب الابتلاء والمحن، ليصلوا إليها.
ومنها: أنّ الشهادة من أعلى مراتب الأولياء فساقها الله تعالى إليهم.
ومنها: أنه تعالى إذا أراد إهلاك أعدائه قيّض لهم الأسباب التي يستوجبون بها ذلك، من كفرهم وبغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه، فمحّص بذلك ذنوب المؤمنين، ومحق به الكافرين.
ومنها: أنّ الأنبياء صلى الله عليهم وسلم إذا أصيبوا ببعض العوارض الدنيوية من الجراحات والآلام والأسقام، تعظيما لأجرهم، تأسّى بهم أتباعهم في الصّبر على المكاره، والعاقبة للمتقين.
الخامس والعشرون: في فضل شهداء أحد: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:
قال: لمّا أصيب أبي يوم أحد جيء به مسجّى وقد مثّل به، وفي رواية: جيء به مجزّعا فوضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي، وجعلوا ينهونني ورسول الله صلى الله عليه وسلم، لا ينهاني، وجعلت فاطمة بنت عمرة تبكيه،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا(4/250)
تبكيه، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع» [ (1) ] .
رواه البخاريّ. وعنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لجابر: «ألا أبشّرك بما لقي الله تعالى به أباك» ، قلت: بلى، قال: «ما كلّم الله تعالى أحدا قط إلا من وراء حجاب، وأنه أحيى أباك فكلّمه كفاحا» [ (2) ] وقال: «عبدي تمنّ عليّ أعطك» ، قال: يا رب تحييني فأقاتل فيك ثانية. قال الرّبّ سبحانه وتعالى: (قد سَبَق مِنِّي أَنهم لا يَرْجعون) . قال: «أي ربّ فأبلغ من ورائي» ، فنزلت وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً [آل عمران 169] الآية [ (3) ] ، رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحه،
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر: «ألا أبشّرك؟» قال:
بلى، قال: «شعرت أن الله تبارك وتعالى أحيى أباك فأقعده بين يديه، وقال: تمنّ على ما شئت أعطك، قال: يا رب ما عبدتك حقّ عبادتك، أتمنّى أن تردّني إلى الدنيا، فأقتل بين يدي نبيّك مرّة أخرى. قال: سبق منّي أنّك إليها لا ترجع» [ (4) ] .
وروى ابن المنذر من طريق طلحة بن نافع عن أنس قال: لما قتل حمزة وأصحابه يوم أحد قالوا: يا ليت لنا مخبرا يخبر إخواننا بالذي صرنا إليه من كرامة الله تعالى لنا، فأوحى إليهم ربهم تبارك وتعالى: إنا رسولكم إلى إخوانكم، فأنزل الله عز وجلّ: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً إلى قوله: لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «لمّا أصيب إخوانكم بأحد جعل الله تعالى أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظلّ العرش، فلما وجدوا طيب مشربهم وحسن مقيلهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله تعالى لنا، وفي لفظ: قالوا: من يبلّغ إخواننا أنّا أحياء في الجنة نرزق، لئلّا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا على الحرب. فقال الله عز وجل: أنا أبلّغهم عنكم، فانزل الله تعالى هؤلاء الآيات: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً إلى آخر الآيات» [ (5) ] ، رواه مسلم وأبو داود.
وروى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في المصنف والإمام أحمد ومسلم وابن المنذر عن
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 131 والنسائي 4/ 13 وانظر البداية والنهاية 4/ 33.
[ (2) ] كفاحا: أي مواجهة [انظر لسان العرب (كفح) ] .
[ (3) ] ذكره السيوطي في الدر 2/ 95 وعزاه للترمذي وحسنه وابن ماجة وابن أبي عاصم في السنة وابن خزيمة والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل.
[ (4) ] ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (11164) .
[ (5) ] ذكره السيوطي في الدر 2/ 95 وعزاه لأحمد وهناد وعبد بن حميد وأبي داود وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل.(4/251)
مسروق قال: سألنا عبد الله، يعني ابن مسعود، عن هذه الآيات فقال: إنّا قد سألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقال: «أرواحهم في جوف طير خضر» ،
وفي لفظ عبد الرزاق: «أرواح الشهداء عند الله كطير خضر، لها قناديل من ذهب، معلّقة بالعرض تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطّلع إليهم ربّهم اطّلاعة
فقال: هل تشتهون شيئا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا ربنا، نريد أن تردّ أرواحنا في أجسادنا حتى نقاتل في سبيلك مرّة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا» .
وروى عبد الرزاق عن أبي عبيدة، عن عبد الله: أنه قال الثالثة حين قال لهم: «ما تشتهون من شيء؟ قالوا: تقري نبيّنا السّلام، وتبلّغه إنا قد رضينا وارض عنّا» .
وروى هذا ابن السّريّ وابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري:
أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر ترعى في رياض الجنة، ثم يكون مأواها إلى قناديل معلقة بالعرش» [ (1) ] ،
فذكر نحو ما سبق.
وروى عبد الرزاق وسعيد بن منصور عن ابن عباس قال: «أرواح الشهداء تجول في أجواف طير تعلّق في ثمر الجنة» .
وروى ابن جرير نحوه عن السّدّيّ.
وروى ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: بَلْ أَحْياءٌ قال: في صور طير خضر يطيرون في الجنة حيث شاءوا.
وروى عمر بن شبة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي قبور الشهداء فإذا أتى فرضة الشّعب يقول: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار،
ثم كان أبو بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، وكذا عمر وعثمان [ (2) ] .
وروى البيهقي من طرق، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وابن سعد والبيهقي من طريق آخر عنه، ومحمد بن عمر عن شيوخه: قال جابر: استصرخنا إلى قتلانا يوم أحد حين أجرى معاوية العين، فأتيناهم فأخرجناهم رطابا تتثنّى أطرافهم. قال شيوخ محمد بن عمر:
وجدوا والد جابر ويده على جرحه، فأميطت يده عن جرحه، فانبعث الدم فردّت إلى مكانها فسكن الدّم، قال جابر: فرأيت أبي في حفرته كأنه نائم، والنّمرة التي كفّن فيها كما هي، والحرض على رجليه على هيئته، وبين ذلك ستّ وأربعون سنة، وأصابت المسحاة رجلا
__________
[ (1) ] أخرجه الترمذي (1641) وأحمد في المسند 6/ 386 وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (11107) .
[ (2) ] ذكره السيوطي في الدر 4/ 58 وعزاه لابن جرير.(4/252)
منهم. قال الشيوخ: وهو حمزة، فانبعث الدّم، فقال أبو سعيد الخدري: لا ينكر بعد هذا منكر، ولقد كانوا يحفرون التراب، فكلما حفروا نقرة من تراب فاح عليهم ريح المسك.
وروى الحارث بن أبي أسامة في سنده، عن سعد بن أبي وقاص، والحاكم عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أصحاب أحد يقول: «أما والله لوددت أنّي غودرت مع أصحابي بفحص الجبل» ،
يعني شهداء أحد [ (1) ] .
وروى الحاكم عن عبد الله بن أبي فروة مرسلا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار قبور الشهداء بأحد فقال: «اللهم إني عبدك ونبيّك، وأشهد أنّ هؤلاء شهداء، وأنّه من زارهم وسلّم عليهم إلى يوم القيامة ردّوا عليه» .
وروى البيهقي عن هاشم بن محمد العمريّ من ولد عمر بن علي بن أبي طالب قال: أخذني أبي بالمدينة إلى زيارة قبور الشّهداء، في يوم جمعة بين الفجر والشمس، فلما انتهى إلى المقابر رفع صوته فقال: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، فأجيب: وعليك السلام يا عبد الله، فالتفت أبي إليّ فقال: أنت المجيب، فقلت: لا، فجعلني عن يمينه، ثم أعاد السلام، فجعل كلّما سلّم يردّ عليه ثلاث مرات، فخرّ ساجدا شاكرا لله تعالى.
وروى ابن مندة، عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: أردت مالي بالغابة فأدركني الليل فأويت إلى قبر عبد الله بن حرام، فسمعت قراءة من القبر ما سمعت أحسن منها، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: «ذاك عبد الله ألم تعلم أن الله تعالى قبض أرواحهم فجعلها في قناديل من زبرجد وياقوت، ثم علّقها وسط الجنة، فإذا كان الليل ردت إليهم أرواحهم، فلا تزال كذلك، حتى إذا طلع الفجر ردّت أرواحهم إلى مكانها الذي كانت فيه!» .
وروى الحاكم والبيهقي بسند صحيح عن العطاف بن خالد قال: حدثتني خالتي أنها زارت قبور الشّهداء، قالت: وليس معي إلا غلامان يحفظان الدّابة، فسلمت عليهم، فسمعت ردّ السلام، قالوا: والله إنّا نعرفكم كما يعرف بعضنا بعضا، قالت: فاقشعرّ جلدي فقلت: يا غلام أدن البغلة فركبت.
وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد وابن حبان، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشهداء على بارق- نهر بباب الجنة- في قبّة خضراء يخرج إليهم
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 375 والبيهقي في الدلائل 3/ 304 والحاكم في المستدرك 3/ 28.(4/253)
رزقهم من الجنة غدوة وعشيّة» [ (1) ] .
والأحاديث والآثار في فضل شهداء أحد كثيرة، وفيما ذكر كفاية.
السادس والعشرون:
قوله صلى الله عليه وسلّم: «جعل الله تعالى أرواحهم في أجواف طير خضر» .
قال الحافظ أبو القاسم الخثعميّ رحمه الله تعالى: أنكر قوم هذه الرواية، وقالوا: لا تكون روحان في جسد واحد، وأن ذلك محال. قال: وهذا جهل بالحقائق، فإنّ معنى الكلام بيّن، فإنّ روح الشهيد الذي كان في جوف جسده في الدنيا يجعل في جوف جسد آخر كأنه صورة طائر، فيكون في هذا الجسد الآخر كما كان في الأول، إلى أن يعيده الله تعالى يوم القيامة كما خلقه. وهذه الرّواية لا تعارض ما رووه من قوله: في صور طير خضر، والشهداء طير خضر، وجميع الروايات كلها متفقة المعنى، وإنّما الذي يستحيل في العقل قيام حياتين بجوهر واحد، فيجيء الجوهر بهما جميعا، وأمّا روحان في جسد فليس بمحال إذا لم نقل بتداخل الأجسام، فهذا الجنين في بطن أمه وروحه غير روحها، وقد اشتمل عليهما جسد واحد، وهذا لو قيل: إن الطائر له روح غير روح الشهيد، وهما في جسد واحد، فكيف؟ وإنما قال في أجواف طير خضر، أو في صورة طير، كما تقول: رأيت ملكا في صورة إنسان، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم كما
رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان، عن كعب بن مالك:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة» .
تأوّله بعضهم مخصوصا بالشهيد. وقال بعضهم: إنما الشهيد في الجنة يأكل حيث شاء، ثم يأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في العرش، وغير الشهيد من المؤمنين، ولكن الرّوح نفسه طائر يعلق بشجر الجنة، ويعلق- بضم اللام- أي يتشبث بها ويرى مقعده منها، ومن رواه يعلق- بفتح اللام- فمعناه يصيب منها العلقة، أي ينال منها ما هو دون نيل الشهيد، فضرب العلقة مثلا، لأن من أصاب العلقة من الطعام فقد أصاب دون ما أصاب غيره ممّن أدرك الرّغد، فهو مثل مضروب يفهم منه هذا المعنى، وإن أراد ب «يعلق» الأكل نفسه فهو مخصوص بالشّهيد، فتكون رواية الضم للشهداء، ورواية الفتح لمن دونهم، والله تعالى أعلم بما أراد رسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك، وإنما تأوي إلى تلك القناديل ليلا وتسرح نهارا، فيعلم بذلك الليل والنهار، وبعد دخولهم الجنة لا تأوي إلى تلك القناديل. والله أعلم. وإنما ذلك مدة البرزخ. هذا ما يدل عليه ظاهر الحديث.
قال مجاهد: الشهداء يأكلون من ثمر الجنّة، وليسوا فيها. وأنكر أبو عمر قول مجاهد
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 1/ 266 والحاكم في المستدرك 2/ 74 والطبراني في الكبير 10/ 405 وابن أبي شيبة في المصنف 5/ 290 وابن حبان (1611) والطبري في التفسير 2/ 34.(4/254)
وردّه، وليس بمنكر عندي، وقال الشيخ رحمه الله في شرح سنن أبي داود: إذا فسّرنا الحديث بأنّ الروح تتشكّل طائرا، فالأشبه أنّ المقصود بذلك القدرة على الطيران فقط، لا في صورة الخلقة، لأن شكل الآدميّ أفضل الأشكال، قلت: وصرّح بذلك ابن برجان في الإرشاد.
ويؤيّده كلام السّهيلي الآتي في غزوة مؤتة، ويشهد له حديث ابن عباس، أي الذي ذكرته آخر التنبيه الذي قبل هذا. انتهى كلام أبي القاسم رحمه الله تعالى.
وقال ابن كثير: كان الشهداء أقساما، منهم من تسرح أرواحهم في الجنة، ومنهم من يكون على هذا النهر، أي بارق بباب الجنة، كما سبق في حديث ابن عباس، وقد يحتمل أن يكون منتهى سيرهم إلى هذا النهر- أي بارق- فيجتمعون هناك ويغدى عليهم برزقهم ويراح.
وقال القاضي ناصر الدين البيضاوي رحمه الله تعالى في شرح المصابيح: قوله: أرواحهم في أجواف طير خضر، أي يخلق الله تعالى لأرواحهم، بعد ما فارقت أجسادها، هياكل على تلك الهيئة تتعلق بها وتكون خلفا عن أبدانهم، فيتوسّلون بها إلى نيل ما يشتهون من اللّذّات الحسّيّة. واطّلاع الله تعالى عليهم، واستفهامه عمّا يشتهون مرة بعد أخرى مجاز عن تلطفه بهم، وتضاعف تفضّله وإنّما قال: «اطّلاعه» ، ليدل على أنه ليس من جنس اطّلاعنا على الأشياء، وعدّاه بإلى، وحقه أن يعدّى بعلى، لتضمّنه معنى الانتهاء، والمراد بقوله: «فلما رأوا أنهم لن يتركوا ... إلخ» أنه لا يبقى لهم متمنّى ولا مطلوب أصلا، غير أن يرجعوا إلى الدنيا فيستشهدوا ثانيا، لما رأوا بسببه من الشرف والكرامة.
وأوّل بعضهم رواية في جوف طير خضر بأن جعل «في» بمعنى «على» ، والمعنى أرواحهم على جوف خضر كقوله تعالى: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه 71] أي على جذوع النخل، وجائز أن يسمى الطير جوفا، إذ هو محيط به ومشتمل عليه. قاله عبد الحق. قال القرطبي: وهو حسن جدا. وقال غيره: لا مانع من أن تكون في الأجواف حقيقة، ويوسعها الله تعالى حتى تكون أوسع من الفضاء.
وقال القاضي عياض رحمه الله: ليس للأقيسة والعقول في هذا حكم، فإذا أراد الله تبارك وتعالى أن يجعل الروح إذا خرجت من المؤمن أو الشهيد في قناديل أو جوف طير، أو حيث شاء كان ذلك وقع ولم يبعد، لا سيّما القول بأنّ الأرواح أجسام، فغير مستحيل أن يتصوّر جزء من الإنسان طائرا، أو يجعل في جوف طير في قناديل تحت العرش، وقد تعلق بهذا الحديث وأمثاله بعض القائلين بالتناسخ، وانتقال الأرواح وتنعيمها في الصور الحسان المرهفة، وتعذيبها في الصور القبيحة. وزعموا أن هذا هو الثواب والعقاب، وهذا باطل مردود، لإبطاله ما جاءت به الشرائع من إثبات الحشر والنشر والجنة والنار، ولهذا قال في حديث آخر:
«فيرجعه الله تعالى إلى جسده يوم بعثه الأجساد» .(4/255)
السابع والعشرون: في عدد الشهداء: روى الإمام أحمد. والشيخان والنسائي عن البراء رضي الله عنه، قال: أصابوا- أي المشركون- منّا يوم أحد سبعين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر مائة وأربعة وسبعين قتيلا.
وروى سعيد بن منصور عن أبي الضحى مرسلا قال: قتل يوم أحد سبعون: أربعة من المهاجرين: حمزة، ومصعب، وعبد الله بن جحش، وشماس بن عثمان، وسائرهم من الأنصار.
وروى ابن حبان والحاكم والبيهقي عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: أصيب يوم أحد من الأنصار أربعة وستّون ومن المهاجرين ستّة.
قال الحافظ: وكان الخامس سعد مولى حاطب بن أبي بلتعة، والسادس ثقف بن عمرو الأسلمي حليف بني عبد شمس.
وروى البخاري [ (1) ] عن قتادة قال: ما نعلم حيّا من أحياء العرب أكثر شهيدا أعزّ يوم القيامة من الأنصار وقال قتادة: وحدثنا أنس بن مالك قال: «قتل منهم يوم أحد سبعون، ويوم بئر معونة سبعون، ويوم اليمامة سبعون» . ونقل الحافظ محب الدين الطبريّ عن الإمام مالك رحمه الله: أن شهداء أحد خمسة وسبعون من الأنصار، أو أحد وسبعون.
وعن الإمام الشافعي رحمه الله أنهم اثنان وسبعون، سيرد في العيون أسماء الذين استشهدوا بأحد، فبلغوا ستة وتسعين- بتقديم الفوقية على المهملة- منهم من المهاجرين ومن ذكر معهم أحد عشر، ومن الأنصار خمسة وثمانون: من الأوس ثمانية وثلاثون، ومن الخزرج سبعة وأربعون، ونقل في العيون عن أبي عمرو عن الدمياطيّ أربعة أو خمسة، قال: فزادوا عن المائة، قال: ومن الناس من يقول التّسعين من الأنصار خاصة، وبذلك جزم ابن سعد، لكنهم في تراجم الطّبقات له زادوا.
الثامن والعشرون: في شرح غريب القصّة:
فلّهم- بفتح الفاء وتشديد اللّام- أي منهزمهم.
دار النّدوة- بفتح النون وإسكان الدال المهملة فتاء تأنيث- وهي دار قصيّ أدخلت في المسجد الحرام، وتقدّم ذكرها في ترجمة قصيّ من النسب النبويّ.
وتركم- بفتح الواو والفوقية- قال أبو ذر: ظلمكم، والموتور: الذي قتل له قتيل فلم يدرك دمه.
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب المغازي (4078) .(4/256)
الثّأر- بثاء مثلثة فهمزة ويجوز تسهيلها- وهو الذّحل- بفتح الذال المعجمة والحاء المهملة وتسكّن: الحقد. يقال: ثأرت القتيل وثأرت به، إذا قتلت قاتله.
أجمعت قريش: عزمت.
يستنفرونها- بتحتية فسين مهملة ففوقية فنون ففاء فراء-: يستعجلونها.
ألّبوا: جمعوا. والألب- بالفتح والكسر- القوم يجتمعون على عداوة إنسان.
الحلفاء- بالحاء المهملة- جمع حليف وهو المعاهد.
الأحابيش: الذين حالفوا قريشا، وهم بنو المصطلق: سعد بن عمرو، وبنو الهون بن خزيمة وبنو الحارث بن عبد مناف، اجتمعوا بذنبة حبشيّ- وهو بحاء مهملة مضمومة فموحدة ساكنة فشين معجمة مكسورة فتحتية مشددة كما في معجم البلدان لياقوت- وهو جبل بأسفل مكة، فتحالفوا: إنّا يد على غيرنا ما سجا ليل ووضح نهار، وما رئي حبشيّ مكانه، فسمّوا الأحابيش، باسم الجبل. وقيل: بل هو واد بمكة، وقيل: سموا أحابيش لاجتماعهم.
والتجمع في كلام العرب هو التحبّش. والحباشة- بالضم- الجماعة ليسوا من قبيلة واحدة، وكذلك الأحبوش والأحابيش.
دارع: لابس درع.
لا أم لك يأتي الكلام عليه في لا أبا لك.
خلّ عنها: فعل أمر، أي اتركها.
شرح غريب خروج قريش من مكة
الظّعن- بضم الظاء المعجمة المشالة، والعين المهملة وتسكن-: النّساء، واحدتها ظعينة، وأصل الظعينة الراحلة التي ترحل ويظعن عليها، وقيل للمرأة: ظعينة، لأنها تظعن مع الزوج حيثما ظعن، أو لأنها تحمل على الراحلة إذا ظعنت، وقيل: الظعينة: المرأة في الهودج، ثم للهودج قيل بلا امرأة وللمرأة بلا هودج: ظعينة، ويجمع على ظعائن وأظعان.
الالتماس: الطلب.
الحفيظة- بفتح الحاء المهملة وكسر الفاء وسكون التحتية وبالظاء المعجمة المشالة- وهي الأنفة والغضب للحرم، ويقال الحفيظة: الغضب في الحرب خاصة.
يخطئ (بضم أوّله وبالهمز) .
ويها: كلمة معناها الإغراء والتحضيض.(4/257)
حرّض على الشيء: حثّ عليه بكثرة التّزيين، وتسهيل الخطب فيه.
الأبواء- بفتح الهمزة وسكون الموحدة-: قرية من عمل الفرع.
يؤازرونهم: يعينونهم ويقوّونهم.
بحثتم- بحاء مهملة فمثلثة ففوقية-: حفرتم.
الإرب- بكسر الهمزة- يستعمل في الحاجة، وفي العضو، وهو المراد هنا، والجمع آراب مثل حمل وأحمال.
الإرجاف: الإكثار من نقل الأخبار السّيّئة، واختلاق الأقوال الكاذبة التي يضطرب الناس منها.
ذي طوّى- بتثليث الطاء، والفتح أشهر من الضّمّ، وهو أشهر من الكسر، وهو مقصور منوّن-: واد بمكة على فرسخ منها، يعرف الآن بالزّاهر، في طريق التّنعيم. ويجوز صرفه ومنعه.
عينين- بلفظ تثنية عين- وهو هنا الجاسوس الذي يتجسّس الأخبار.
العقيق- بفتح العين المهملة وكسر القاف- وهو في الأصل الوادي الذي يشقّه السّيل قديما، والمراد به هنا العقيق الذي بقرب المدينة الشّريفة.
العريض- بعين مهملة فراء فتحتيّة فضاد معجمة كزبير- واد بالمدينة.
قناة- بفتح القاف وبالنون-: واد كذلك.
شفير الوادي- بفتح الشين المعجمة ففاء مكسورة فتحتية فراء-: حرفه.
شرح غريب منام رسول الله صلى الله عليه وسلم
أريت (بضم الهمزة) .
الوهل- بفتح الواو والهاء وباللام-: الوهم، والاعتقاد. ذكره النووي. قال في التقريب:
وفيه نظر، والمناسب لتفسيره السّكون، كما اقتضاه ظاهر النهاية.
اليمامة- بفتح التحتية-: مدينة على يومين من الطائف، وعلى أربعة من مكة.
هجر- بفتح الهاء والجيم-: مدينة باليمن وهي قاعدة البحرين. قال الجوهريّ: مذكّر مصروف. وقال الزّجّاجيّ والبكريّ: يذكّر ويؤنّث، وهو فارسيّ معرّب، أصله أكر، وقيل: هكر.
هززت (بفتح الهاء والزاي الأولى) .
ذو الفقار: يأتي الكلام عليه في أبواب سلاحه صلى الله عليه وسلم.
ذباب السّيف- بذال معجمة فموحّدتين- وهو طرفه الذي يضرب به.(4/258)
الثّلم- بثاء مثلثة مفتوحة فلام ساكنة-: الكسر.
والله خير: مبتدأ وخبر، وفيه حذف تقديره: وضع الله خير، قال السهيلي: معناه رأيت بقرا تنحر والله عنده خير.
فهو رجل من أهل بيتي وهو حمزة رضي الله عنه.
النّفر- بفتح النون والفاء-: جماعة الرّجال من ثلاثة إلى عشرة، وقيل إلى سبعة، ولا يقال فيما زاد على العشرة.
الأداة: الآلة، وأصلها الواو، والجمع أدوات، ويقال للكامل السّلاح مؤذ.
الدّرع- بدال مهملة مكسورة- وهي مؤنثة في الأكثر ولهذا قال: حصينة.
مردف اسم فاعل من أردف، والرّديف: الذي تجعله خلفك على ظهر الدّابّة.
كبش القوم: سيّدهم.
الكتيبة- بمثنّاة فوقية فتحتية فموحّدة-: الجماعة من الجيش.
فلّ- بضمّ الفاء وتشديد اللّام-: كسر.
فلّا- بفتح الفاء واللام المشددة- أي كسرا.
فبقر والله خير فبقر والله خير (بالتكرير) .
الظّبة- بظاء معجمة مضمومة مشالة فموحّدة مخفّفة: حدّ السّيف، والجمع ظبات وظبون.
العترة- بعين مهملة مكسورة فمثنّاة فوقية ساكنة- وهي هنا رهط الرّجل الأدنون ويقال:
أقرباؤه.
وإن البقر بقر- بفتح الموحدة والقاف من الأول، وسكون القاف من الثاني- وهو الشّقّ.
الآطام- بالمدّ والمهملة- جمع أطم- بضم أوله- وهو بناء مرتفع.
الأزقّة- بالزاي والقاف- جمع زقاق- بضم أوله- دون السّكة نافذة كانت أو غير نافذة، وأهل الحجاز يؤنّثونه وتميم تذكّره.
الصّياصي جمع صيصية- بكسر الصّادين المهملتين بعد كلّ من التحتية الأولى ساكنة والثانية مفتوحة- وهو كلّ شيء امتنع به وتحصّن به.
جبنا- بفتح الجيم وضم الموحدة وتشديد النون- والجبن، بضم الجيم وسكون النون. والجبانة بالفتح: ضعف القلب عن الحرب.
الجرأة وزن غرفة: الإسراع والهجوم على الشيء.(4/259)
الظّفر- بظاء معجمة مشالة- الفوز بالمطلوب.
ساحة الدّار: الموضع المتسع أمامها والجمع ساحات وساح وسوح.
الإلحاح من ألحّ على الشيء، إذا لزمه وأصرّ عليه.
إحدى الحسنيين- بضم الحاء- أي الظّفر أو الشّهادة، وأنّث على معنى الخصلتين، أو القصّتين.
أجالدهم: أضاربهم بالسّيف.
لمه: اللّام للتّعليل ومه أصله ما، حذفت ألفها، وعوض عنها الهاء.
فرّ- بفتح الفاء والراء المشددة-: هرب.
يوم الزّحف، أي الجهاد ولقاء العدو. والزّحف: الجيش، يزحفون إلى العدو، أي يمشون.
حثّ على الشيء- بفتح الحاء المهملة والثاء المثلثة المشددة-: طلبه بسرعة.
أبوا: امتنعوا.
وعظهم: أمرهم بالطّاعة ووصّاهم بها.
بالجدّ- بكسر الجيم وتشديد الدال المهملة- نقيض الهزل.
الشّخوص: الخروج من موضع إلى آخر.
حشدوا، بفتح الشين المعجمة في الماضي وكسرها في المستقبل، أي اجتمعوا.
العوالي- بفتح العين المهملة-: القرى التي حول المدينة على أربعة أميال، وقيل: ثلاثة وذلك أدناها، وأبعدها ثمانية.
الحجرة: البيت، والجمع حجر وحجرات.
استكرهتم: أكرهتم.
الّلأمة- مهموز: - الدّرع، وقيل: السّلاح، ولأمة الحرب أداته، وقد يترك الهمز تخفيفا.
المنطقة- بكسر الميم-: اسم لما تسمّيه الناس بالحياصة.
حمائل السيف- بفتح الحاء المهملة- جمع حمالة بكسرها: علاقته.
الأدم- بفتحتين وبضمتين- جمع أديم، وهو الجلد المدبوغ.
تقلّد السيف: جعل علاقته على كتفه الأيمن، وهو تحت إبطه الأيسر.
ما ينبغي أن يكون لنا كذا، ما يحسن ويستقيم.(4/260)
شرح غريب خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد
القناة- بفتح القاف-: الرّمح، والجمع قنى، مثل حصاة وحصى.
يعدوان أمامه. يقال: عدا في مشيته عدوا، من باب قال: قارب الهرولة، وهو دون الجري.
الثّنيّة- بثاء مثلثة مفتوحة فنون فتحتية-: كل عقبة مسلوكة.
خشناء- بخاء فشين ساكنة معجمتين فنون فألف تأنيث- أي كثيرة السلاح.
الزّجل- بفتح الزاي والجيم-: الصّوت العالي.
الشّيخين بلفظ تثنية شيخ: أطمان، سمّيا بشيخ وشيخة كانا هناك على الطريق الشرقية إلى أحد مع الحرّة.
الدّرقة- بفتح الدال المهملة والراء-: الحجفة، والجمع درق.
الأدلّاء- بالدال المهملة- جمع دليل، وهو المرشد.
الكثب- بفتح الكاف والثاء المثلثة: القرب.
الحرّة- بفتح الحاء المهملة والراء المشددة-: أرض تركبها حجارة سود.
بنو حارثة (بالحاء المهملة والثاء المثلثة) .
يحثو- بالمثلثة- يرمي بيده.
الحائط: البستان، وجمعه حوائط.
الحفنة- بفتح الحاء المهملة وضمّها وسكون الفاء-: ملء الكفّ، وقيل: ملء الكفّين.
ابتدره: أسرع إليه.
همّ به: أراد قتله.
كفّ- بفتح الكاف والفاء المشددة-: امتنع.
ذبّ فرسي بذنبه- بفتح الذال المعجمة وتشديد الموحّدة-: حرّك ذيله ليطير الذّباب عنه.
كلّاب- بضم الكاف وتشديد اللام- وهو الحلقة أو المسمار الذي يكون في قائم السيف يكون فيه غلافه، وقال في الرّوض: هو الحديدة العقفاء، وهي التي تلي الغمد.
استلّه: أخرجه من غمده.(4/261)
الفأل- بسكون الهمزة ويجوز تخفيفها- وهو أن تسمع كلاما حسنا فتتيمّن به، وإن كان قبيحا فهو الطّيرة. وجعل أبو زيد الفأل في سماع الآدميين.
لا يعتاف، أي لا يتطيّر، يقال: عفت الطير، إذا تطيرت بها، والعيافة: زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأسواقها وممرّها، وهو من عادة العرب كثير. يقال: عاف يعيف عيفاً، إذا زجر وحدس.
شم سيفك: أغمده، وسلّه (ضدّ) ، والأول هو المراد هنا.
إخال- بكسر الهمزة على غير قياس- وهو أكثر استعمالا، وبنو أسد يفتحون على القياس، أي أظن.
شرح غريب انخزال عبد الله بن أبيّ بثلث العسكر
الشّوط- بشين معجمة فراء ساكنة فطاء مهملة-: اسم حائط بالمدينة.
انخزل- بخاء معجمة فزاي- أي انقطع عن النبي صلى الله عليه وسلم وتخلّف عنه.
الهيق- بفتح الهاء وسكون التحتية وبالقاف- وهو ذكر النّعام، يريد في سرعة ذهابه.
الولدان جمع وليد، يطلق على المولود والعبد والصّبيّ.
الرّيب: جمع ريبة مثل سدرة وسدر، وهي الشّكّ.
تخذلوا قومكم- بضم الذال المعجمة- أي تتركوا نصرتهم وإعانتهم.
أبعدكم الله تعالى: أهلككم.
أعداء الله- يجوز بفتح الهمزة على أنه منادى مضاف، ويجوز رفعها على أنه خبر مبتدأ محذوف أي أنتم.
لا نرى- بضم النون- أي لا نظنّ.
سقط في أيديهما- بضم السين وكسر القاف- أي ندما.
الفشل- بفتح الفاء والشين المعجمة-: الجبن وضعف القلب على الحرب.
عدوة الوادي- بضم العين وكسرها- جانبه وحافّته.
شرح غريب خطبة النبي صلى الله عليه وسلم
النّشاط- بالنون والمعجمة-: الإسراع.
التّثبيط: الأمر بالقعود عن الشيء والفشل عنه.(4/262)
نفث- بالنون والفاء والثاء المثلثة-: أوحى وألقى، من النّفث- بالضم- وهو شبيه بالنّفخ.
الرّوع- بضم الراء-: النّفس والخلد.
الحمى- بكسر الحاء وفتح الميم المخففة-: الممنوع الذي لا يقرب.
أجملوا في الطّلب- بقطع الهمزة- أي أحسنوا فيه، بأن تأتوه من وجهه.
أوشك: قرب.
سرّحت الإبل- بفتح الرّاء وتشديدها مبالغة-: تركتها ترعى.
الظهر- بالظاء المعجمة-: الإبل الي تحمل ويركب عليها.
الصّمغة- بفتح الصاد المهملة وإسكان الميم والغين المعجمة-: مزرعة بقناة.
الكراع- بضم الكاف وتخفيف الراء وبالعين المهملة- يقال لجماعة الخيل خاصّة.
قيلة- بفتح القاف وإسكان التحتية-: أم الأوس والخزرج.
أمّر على الرّماة- بتشديد الميم- من التأمير.
انضحوا- بهمزة وصل وضاد معجمة ساقطة مكسورة وقد تفتح- أي ادفعوا عنّا.
لا تبرحوا-: لا تفارقوا.
الاختطاف: الأخذ بسرعة، وهذا تمثيل لشدة ما يتوقع أن يلقى، أي لو رأيتمونا أخذتنا الطّير وأعدمتنا من الأرض فلا تفارقوا مكانكم.
الرّشق: الرّمي.
النّبل: السّهام العربية، وهي مؤنثة ولا واحد لها من لفظها، بل الواحد سهم، فهو مفرد اللفظ مجموع المعنى.
لا نؤتينّ (بضم النون وفتح الفوقية مبنيّا للمفعول) .
قبلكم (بكسر القاف وفتح الموحدة وكسر اللام) .
المجنّبتين: يمين الجيش ويساره.
معلم- بكسر اللام- أي جعل لنفسه علامة الشجعان.
الغنويّ (بفتح الغين المعجمة والنون وكسر الواو) .
ظاهر بين درعين- بالظاء المشالة- أي لبس درعا فوق درع.
الشّعار- بكسر الشين المعجمة والعين المهملة-: علامة ينادون بها في الحرب، ليعرف بعضهم بعضا.(4/263)
أمت أمت: أمر بالموت، المراد به التّفاؤل بالنّصر، يعني الأمر بالإماتة مع حصول الغرض للشّعار، فإنهم جعلوا هذه الكلمة علامة بينهم يتعارفون بها لأجل ظلمة اللّيل.
شرح غريب ذكر تهيئ المشركين للقتال
جنّبوها: قادوها والجنيب: الفرس الذي يقاد.
وليتم لواءنا (بفتح الواو وكسر اللام وسكون التحتية) .
تواعدوه وتوعّدوه: هدّدوه، من الوعد، وهو التّهديد.
شرح غريب ذكر ابتداء الحرب (واشتداد القتال)
أول من أنشب الحرب- بنون ساكنة فشين معجمة مفتوحة فموحدة- أي تعلق به ودخل فيه.
عبدان: جمع عبد، وقد بسطت الكلام على ذلك في أبواب المعراج.
راضخهم- بالضاد والخاء المعجمتين: راماهم، من الرّضخ وهو الشرخ. قال أبو ذر:
وأصل المراضخة: الرّمي بالسّهام، فاستعاره هنا للحجارة، وروي بالحاء المهملة، والمعنى واحد، إلّا أنّه بالمعجمة أشهر.
ويها: سبق شرحها.
حماة الأدبار: الذين يحمون أعقاب الناس.
البتّار: السيف القاطع.
وقول هند بنت عتبة: «نحن بنات طارق» إلى آخر الشعر ليس لها، وإنما هو لهند بنت بياضة بن رباح بن طارق الإياديّ، قالته حين لقيت إياد جيش الفرس بجزيرة الموصل، وكان رئيس إياد بياضة بن طارق، ووقع في شعر أبي دواد، وهو بضم الدال المهملة وفتح الواو المخففة. وذكر أبو رياش، وهو براء مكسورة فتحتية مخففة فألف فشين معجمة وغيره: أن بكر بن وائل لمّا لقيت تغلب- بمثناة فوقية، فغين معجمة- يوم قصّة- بفتح القاف وتشديد الصاد- وأقبل الفند الزّمّانيّ- وهو بفاء مكسورة فنون ساكنة فدال مهملة وهو في الأصل الجبل العظيم أو القطعة منه- لقّب بذلك لعظم خلقته.
والزّمّانيّ- بكسر الزاي وتشديد الميم وبعد الألف نون فياء نسب- ومعه ابنتاه، فكانت إحداهما تقول: نحن بنات طارق، فطارق على رواية من رواه لهند بنت عتبة، أو لبنت الزّمّانيّ تمثيل واستعارة لا حقيقة، شبّهت أباها بالنّجم الطّارق في شرفه، وعلوّه أي نحن شريفات رفيعات كالنجوم، وعلى رواية من رواه لهند بنت بياضة حقيقة لا استعارة، لأنه اسم جدّها.(4/264)
وقال البطليوسيّ- وهو بفتح الموحدة والطاء المهملة وسكون اللام وضم التحتية وبعد الواو سين مهملة-: الأظهر أنه لبنت بياضة، وإنما قاله غيرها متمثّلا. وقال أبو القاسم الخثعميّ على قول من قال: أراد النجم لعلوّه: هذا التأويل عندي بعيد، لأن طارقا وصف للنجم لطروقه فلو أرادته لقالت: نحن بنات الطارق، فعلى تقدير الاستعارة تكون بنات مرفوعة، وعلى تقدير أن يكون الشعر لابنة بياضة بن طارق يكون منصوبا على المدح والاختصاص.
النّمارق- بنون مفتوحة جمع نمرقة- بضم النون والراء وكسرهما- ويقال بضم النون وفتح الراء كما وجد بخط بعض المتقنين، والمراد هنا الوسادة الصغيرة.
الدّرّ- بضم الدال المهملة- جمع درّة.
المفارق جمع مفرق- بفتح الميم وسكون الفاء وكسر الراء- حيث يفرق منه الشّعر.
المخانق جمع مخنقة- بكسر الميم-: القلادة، سميت بذلك لأنها تطيف بالعنق، وهو موضع الخنق.
وامق: اسم فاعل من المقة وهي المحبة، والهاء عوض من الواو: يقال: ومقه يمقه بالكسر فيهما، أي أحبّه فهو وامق، والمفعول موموق، والمعنى فراق غير محبّ.
المعانقة: الضّمّ والالتزام.
أجول: أتحرّك أو أحتال أو أدفع وأمنع، من حال بين الشيئين، إذا منع أحدهما عن الآخر.
أصول: أسطو وأقهر، والصولة: الحملة، والوثبة.
بسطوا أيديهم: مدّوها.
أحجم القوم: نكصوا وتأخّروا وتهيّبوا أخذه.
يختال: يتكبّر.
عصب رأسه (يخفف ويشدّد) .
يتبختر: يعجب في مشيته تكبّرا.
الدّهر بالنصب: ظرف.
ألّا أقوم الدّهر في الكيّول- بكاف مفتوحة فمثناة تحتية مضمومة مشددة وتخفف فواو ساكنة فلام- آخر القوم، أو آخر الصفوف في الحرب، وهو فيعول، من كال الزّند يكيل كيلا، إذا كبا، وكبوه: سواده ودخان يخرج منه بعد القدح ولا نار فيه» ، وذلك شيء لا نفع فيه، أي لم يخرج نارا، فشّبّه مؤخّر الصفوف به، لأن من كان فيه لا يقاتل. وقيل: الكيّول: الجبان.
وقيل: هو ما أشرف من الأرض، يريد تقوم فوقه فتنظر ما يصنع غيرك.(4/265)
أضرب- بضم الموحدة وسكنّه. كما في الصّحاح بكثرة الحركات.
السّفح: جانب الجبل عند أصله.
لدى- بفتح اللام والمهملة-: ظرف بمعنى عند.
النّخيل: اسم جنس نخلة، الشجرة المعروفة.
أفراه: قطعه. وهتكه كذلك.
فلق: شقّ.
هام: جمع هامة، وهي الرأس.
شحذه- بشين معجمة فحاء مهملة فذال معجمة مفتوحات- أحدّه وسنّه.
المنجل بالكسر: آلة معروفة.
ذفّف- بذال معجمة وتهمل ففاءين الأولى مشددة مفتوحات- أي أسرع إلى قتله.
استوسقوا: اجتمعوا.
حبل العاتق: وصلة ما بين العاتق، وهو موضع الرداء من العنق، وقيل: ما بين العنق والمنكب.
السّعي في الأصل: التّصرّف في كل عمل.
يحمس النّاس- بحاء مهملة، ويروى بسين مهملة وبشين معجمة- فبالمهملة معناه يشجعهم من الحماسة، وهي الشجاعة. وبالمعجمة معناه يسوقهم بغضب. وقال أبو ذر:
يحضّهم ويهيّج غضبهم.
صمدت إليه: قصدت، والمعروف صمدته أصمده، إذا قصدته، فكأنه- والله أعلم- لما كان صمد بمعنى قصد، وقصد يتعدّى بنفسه وباللّام وبإلى، ضمّنه.
ولول: يقال: ولولت المرأة: قالت: يا ويلي، هذا قول أكثر اللغويين. وقال ابن دريد:
الولولة: رفع المرأة صوتها في فرح أو حزن.
الحضيض- بفتح الحاء المهملة-: قرار الأرض، وأسفل الجبل.
الحواريّ- بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية-: الذي أخلص في تصديقه ونصره.
حميت الحرب: اشتدّ أمرها.
أبلى أبو دجانة: قاتل قتالا شديدا.
نهكوهم: أثّروا فيهم ونالوا منهم، وأضعفوهم.(4/266)
مفلولة- بميم مفتوحة ففاء ساكنة-: منهزمة.
أبو القصم أي أبو الدّواهي العظيمة. والقصم- بالقاف-: كسر ببينونة. وبالفاء: كسر بغير بينونة.
من يبارز: من يظهر للقتال.
بدره: أسرع إلى ضربه.
جهزت على الجريح من باب نفع، وأجهزت إجهازا، إذا أتممت عليه وأسرعت إلى قتله. وجهّزت بالتشديد مبالغة.
الحنجرة- بحاء مهملة مفتوحة فنون ساكنة فجيم فراء مفتوحة- والحنجور بضم الحاء وإسكان النون-: الحلقوم.
اختلّت صفوفهم: حصل فيها الخلل والتفريق.
وأبوه [علاط] : بعين مكسورة وطاء مهملتين واللام مخففة.
قوله: «لله أيّ مذبّب» ، يجوز فتح أيّ على المدح، كأنه قال: لله أنت، لأنه لا ينصب على المدح إلا بعد جملة تامة، ويجوز ضمّها صفة لما قبلها، لله درّه أيّ مذبّب عن حرمه هو، ذكره السّهيليّ.
المذبّب- بذال معجمة فموحّدتين- الدّافع عن الشيء. يقال: ذبّ عن حرمه، إذا دافع عنها.
ابن فاطمة، يعني علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن أمّه.
المعمّ: الكريم الأعمام.
المخول: الكريم الأخوال.
المجدّل: اللاصق بالأرض.
الباسل- بالموحدة والسين المهملة-: الشّجاع.
يهوون: يسقطون.
أخول أخول- بالخاء المعجمة- أي واحدا بعد واحد.
العلل- بفتح العين المهملة-: الشّرب بعد الشّرب.
حاسوا- بالحاء والسين المهملتين-: قتلوا.
أجهضوهم- بالجيم والضاد المعجمة-: نحّوهم وأزالوهم عن مكانهم.
مؤتزره: أي وسطه.
بدا- بلا همز-: ظهر.(4/267)
سحره- بفتح السين وضمها وإسكان الحاء المهملة وبالواو- تقدم مبسوطا في غزوة بدر.
يشعر سهما: يرميه به حتى يدخل النّصل فيه.
سلافة- بضم السين المهملة والتخفيف وبالفاء- اسم امرأة مشركة.
فثابوا- بالثاء المثلثة-: رجعوا.
لا ثوابه- بمثلثة فواو وموحدة-: اجتمعوا حوله والتقوا.
أعززت- بعين مهملة فزاءين معجمتين. أي أعذرت، كانت في لسانه عجمة فغيّر الذال إلى الزاي.
انكشفوا: انهزموا.
لا يلوون: لا يلتفتون ولا يعطف بعضهم على بعض.
ويل: كلمة تقال لمن وقع في بليّة أو هلكة لا يترحّم عليه.
الخلاخيل: جمع خلخال وهو معروف.
السوق: جمع ساق الإنسان.
خدم هند- بخاء معجمة فدال مهملة- جمع خدمة وهي الخلخال، يعني أنهن شمّرن ثيابهنّ حتى بدت خلاخيلهنّ.
شرح غريب ذكر ترك الرماة مكانهم الذي أقامهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما حصل بسبب ذلك
صرفت وجوههم، كنى بصرف الوجوه عن الهزيمة، فإن المنهزم يلوي وجهه عن الجهة التي كان يطلبها وراءه.
كرّ بالخيل: رجع على العسكر.
جرّدوه: أزالوا عنه ما عليه.
مثّلوا به: جدعوه.
شرعت: أميلت.
السّرّة: الموضع الذي قطع منه السّرّ بالضم. والسّرر- بفتح السين- والسّرار بالفتح لغات، وهو ما تقطعه القابلة من السّرّة.(4/268)
الخاصرة- بخاء معجمة فألف فصاد مهملة مكسورة فراء-: الشاكلة، وما بين الحرقفة والقصيرى.
العانة: قيل: منبت الشّعر فوق قبل الرّجل، وقيل: الشّعر النابت فوقها.
العزّى (بضم العين وفتح الزاي المشددة) . وهبل- بضم الهاء وفتح الموحدة-: اسما صنمين.
الحضن: - بكسر الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة- ما دون الإبط إلى الكشح.
الذّريع- بذال معجمة مفتوحة فراء ساكنة-: السريع الكثير.
استدارت رحاهم. يقال: دارت رحى الحرب، إذا قامت على ساقها، وأصل الرّحى التي يطحن بها.
الصّبا- بفتح الصاد المهملة وبالموحدة-: الرّيح الشرقية.
الدّبور (بفتح الدال المهملة وضم الموحدة المخففة) .
يحطم بعضهم بعضا: يضرب، وأصل الحطم الكسر.
الدّهش- بفتح الدال المهملة والهاء بالشين المعجمة-: الحيرة.
الفئة: الجماعة.
لتجوسهم- بالجيم والسين المهملة-: تطوف فيهم: هل بقي أحد فيقتلونه؟! المعسكر- بلفظ اسم المفعول-: اسم لموضع اجتماع العسكر.
أصعدوا: طلعوا الجبل خوفا من القتل.
إزب العقبة. قال السّهيليّ: قيّد في هذا الموضع بكسر الهمزة وسكون الزاي، وتقدم في بيعة العقبة الثالثة أنه ضبط هناك بفتح الهمزة، وفي حديث ابن الزبير ما يشهد للأول حين رأى رجلا طوله شبران على بردعة رحله، فقال: ما أنت؟ قال: أزبّ، قال: ما أزبّ؟ قال: رجل من الجن، فضربه على رأسه بعود السّوط حتى باص أي هرب.
وقال ابن السّكّيت في [تهذيب] الألفاظ: الإزب: القصير، فالله أعلم أي الضبطين أصح.
شرح غريب ذكر ثبات رسول الله صلى الله عليه وسلم
نالوا منه: بلغوا مقصودهم منه.
إن زال نافية.
تفيء إليه: ترجع.(4/269)
تحاجزوا: تمانعوا.
العصابة- بكسر العين- الجماعة من الناس.
سية القوس- بسين مهملة مكسورة فتحتية مفتوحة فتاء تأنيث- وهي ما عطف من طرفيها وحكى فيها الهمز.
شظايا- بشين فظاء مشالة معجمتين- جمع شظيّة، وهي الفلقة. يقال: شظا الشيء إذا تطاير شظايا.
لا يلوون: تقدّم معناه.
بايعه على الموت [عاهده عليه] .
انجلى الناس: تفرقوا.
جفن السيف- بفتح الجيم وسكون الفاء- غلافه.
شرح غريب ذكر تعظيم أجر رسول الله صلى الله عليه وسلم
الرّباعية- بتخفيف الراء وزن ثمانية- وهي السّنّ.
النّاب من الإنسان يذكر ما دام له هذا الاسم، وهو الذي يلي الرّباعيات، قال ابن سينا:
ولا يجتمع في حيوان ناب وقرن معا.
الفلقة: القطعة وزنا ومعنى.
الشّجّة: الجراحة، وإنما تسمّى بذلك إذا كانت في الوجه أو الرأس، والجمع شجاج، مثل كلبة وكلاب وشجّات.
اخضل لحيته- بخاء وضاد معجمة- بلّها.
المغفر بالكسر: ما يلبس تحت البيضة شبيه بحلق الدّرع يجعل في الرأس، يتّقى به في الحرب.
الوجنة من الإنسان: ما ارتفع من لحم خدّه، والأشهر فتح الواو، وحكي التثليث، والجمع وجنات.
أقمأه- بهمزة مفتوحة في أوله فقاف فميم فهمزة-: صغّره وحقره.
جحش كعني: خدش.
وهن الضّربة: الضعف الذي حصل منها.
تيس الجبل: الذّكر من الظباء.(4/270)
فاء- بالمد-: رجع.
نزف الدم: خرج بكثرة حتى ضعف الخارج منه.
أزم على الشيء أزما من باب ضرب وأزوما: عضّ عليه.
الثّنيّة من الإنسان جمعها ثنايا وثنيات، وفي الفم أربع: ثنتان من فوق، وثنتان من أسفل.
الهتم: كسر الثنايا من أصلها.
النّضح- بالنون والضّاد المعجمة-: الرّشّ.
الجلل- بفتح الجيم واللام الأولى- من الأضداد، يكون للصّغير والعظيم، والمراد هنا الأول.
سرب الدّم- بفتح السين المهملة والراء-: جرى.
الشّنّ- بفتح الشين المعجمة وتشديد النون- الجلد البالي.
مجّ الشيء: رمى به.
ازدرده: بلعه.
فوه: فمه.
جال النّاس جولة: هزموا، والمراد كثير منهم، فقد ثبتت طائفة.
تنحّيت: اعتزلت.
أذود- بذال معجمة وأخرى مهملة-: أمنع.
فداك أبي وأمي- بكسر الفاء وتفتح- أي لو كان إلى الفداء سبيل لفديتك بأبويّ اللذين هما عزيزان عندي، والمراد من التّفدية لازمها وهو الرّضى، أي ارم مرضيّا.
سدّد لسعد رميته، أي اجعلها صائبة.
أذلقوهم بالرّمي: أصابوهم حتى قلقوا.
استغرب في الضحك: بالغ فيه.
النّحر: موضع القلادة من الصّدر.
النّواجذ- بالجيم والذال المعجمة- جمع ناجذ: السّنّ من الأضراس والنّاب. قال ثعلب: المراد الناب.
انحاز: مال إلى جماعة لا يقصد الفرار.
الغور: - بالفتح- من كل شيء: قعره.
كرّ: رجع.
ما كانت لي ناهية، أي مانعة.(4/271)
المروط جمع مرط- بكسر الميم وسكون الراي-: كساء من الصوف أو خزّ يؤتزر به ويتلفّع به.
الأنامل جمع أنملة. وهي بتثليث الهمزة والميم، قيل: هي عقدة الإصبع، وقيل: رأسها.
حسّ- بكسر الحاء وتشديد السين المهملتين- كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه ما أمضّه وأحرقه غفلة.
تلج بك: تدخلك.
الجوّ- بفتح الجيم وتشديد الواو-: ما اتّسع بين السماء والأرض.
أرهقوه: أدركوه.
أجهز عليه، وجهزتم عليه: أسرع إلى قتله، والتشديد مبالغة.
يشرى نفسه: يبيعها بالجنّة، أي يبذلها في الجهاد.
أثبتته: أصابت مقاتله.
وسدّه قدمه: جعلها له وسادة.
يجوب عنه: - بفتح التحتية وبالجيم والموحدة-: يكشف ويمنع الناس عنه.
الحجفة- بحاء مهملة فجيم ففاء مفتوحات- التّرس الصغير يطارق بين جلدين.
الجعبة-: بضم الجيم-: التي يكون فيها السهام تتّخذ من الجلود.
النّزع- بفتح النون وسكون الزاي بعدها عين مهملة- وهو مدّ القوس وشدّته عن استيفاء السّهم جميعه.
الكنانة- بكسر الكاف: الجعبة.
الإشراف: الاطّلاع على الشي.
شرح غريب إرسال الله تعالى النعاس على المسلمين وشرح غريب حضور الملائكة
الأمنة والأمان واحد.
يميد- بالدال-: يتحرّك من جانب إلى جانب.
غطّ النائم يغطّ غطيطا: يردّد نفسه صاعدا إلى حلقه حتى يسمعه من حوله.
انثلم السيف: انكسر جانبه.
الذّعر- بضم الذال المعجمة وبالعين المهملة-: الفزع.(4/272)
انكشفوا: انهزموا.
الشّعب- بالكسر-: الطريق في الجبل.
ظفرت يمينك- بظاء معجمة مشالة ففاء-: فازت وفلحت.
رأيتني، أي رأيت نفسي.
ينبّل له- بتحتية فنون فموحدة مشددة- أي يناوله النّبل ليرمي به، وذلك أنبلته. وروي:
ينبله، بفتح التحتية وسكون النون وضم الموحدة، قال أبو عمر الزاهد وهو صحيح. يقال: نبلته وأنبلته ونبّلته.
تحسّونهم: تقتلونهم.
شرح غريب رجوع المسلمين بعد توليهم
أحديّة- بضم الهمزة- نسبة إلى أحد، أي نزل كثير منها في شأن أحد.
هزمنا- بضم الهاء- من الهزيمة وهي الفرار.
أنزو: أثب.
الأروى- بفتح الهمزة-: تيس الجبل البرّيّ، وهو منصرف، لأنه اسم غير صفة.
حومة القتال- بحاء مهملة فواو-: معظمه.
جافته تجوفه، إذا وصلت الجوف، فلو وصلت إلى جوف عظم الفخذ لم تكن جائفة، لأن العظم لا يعد مجوفا.
عنقا واحدا: جماعة واحدة.
عين تطرف: تتحرك.
حشوته- بضم الحاء وكسرها- والحشاء: الأمعاء.
تزهران ويروى بالبناء للمفعول.
شرح غريب ذكر قتله صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف
العود (بضم العين المهملة، وسكون الواو وبالدال المهملة) .
الفرق، - بفتح الفاء والراء ويجوز إسكان الراء- قال في النهاية: مكيال يسع ستّة عشر رطلا وهو اثنا عشر مدّا وثلاثة آصع عند أهل الحجاز، فأما الفرق- بالسكون- فمائة وعشرون رطلا.
الذّرة- بضم الذّال وفتح الراء المخففة-: حبّ معروف.(4/273)
آذنوني: أعلموني.
أسند في الجبل: صعد فيه.
مقنّع بالحديد: متغطّ به، وقيل: هو الذي على رأسه بيضة، لأن الرأس موضع القناع.
يركض- بالضم- يسوق فرسه.
يغشاك: يأتيك.
الشّعراء- بشين معجمة فعين مهملة ساكنة فراء فألف تأنيث- وهو ذباب صغير له لذع يقع على ظهر البعير، فإذا انتفض طار عنه.
الجدّ في الأمر: الاجتهاد.
التّرقوة- بفتح الفوقية وسكون الراء وضم القاف وفتح الواو- وقال في الصحاح: ولا تقل: ترقوة، أي بضم الفوقية- وهي العظم الذي بين نقرة النّحر والعاتق من الجانبين والجمع التّراقي.
الفرجة في المحسوسات- بضم الفاء-: المفتوح بين شيئين. وفي المعاني: بتثليث الفاء.
سابغة البيضة: شيء من حلق الدّروع والزّرد يتعلق بالخودة، دائر معها، ليستر الرّقبة وجيب الدّرع.
الضّلع (بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام وتسكن) .
تدأدأ- بمثناة فوقية ودالين مهملتين وبالهمز-: مال.
يخور: يصوّت كما يخور الثور.
إن بك- بكسر الهمزة وسكون النون- حرف نفي، وبك جار ومجرور.
ذو المجاز، ضد الحقيقة: سوق كان عند عرفة.
سرف- بفتح السين المهملة وكسر الراء وبالفاء-: على ستة أميال من مكة أو سبعة أو تسعة أو اثني عشر، وناسبت هلاكه بها أنّه يسرف.
قافلون: راجعون.
سحقه الله تعالى سحقا وسحوقا، وأسحقه: أبعده، وأيضا أهلكه.
رابغ- بكسر الموحدة وبالغين المعجمة-: بطن واد عند الجحفة.(4/274)
الهويّ من الليل- بفتح الهاء وكسر الواو وتشديد التحتية-: الحين الطويل من الزمان وقيل: هو مختصّ باللّيل.
أجّت النار تؤجّ بالضم أجيجا: توقّدت.
يجتذبها- بالذال المعجمة-: يسحبها.
شرح غريب أبيات حسان رضي الله عنه
بارزه: ظهر لقتاله.
الرّمّ- بكسر الراء وتشديد الميم- والرّميم: العظم البالي.
توعده: تهدّده.
يغوّث. (بضم التحتية وفتح الغين المعجمة وكسر الواو المشددة) .
تبّ: خسر وهلك.
الهبول: المفقود: يقال: هبلته أمّه، إذا فقدته.
الأسرة- بضم الهمزة-: العشيرة والقرابة.
قليل: ويروى بالفاء أي مفلولون، أي منهزمون، وبالقاف، أراد ضد الكثرة.
شرح غريب مقتل عثمان بن المغيرة وذكر انتهائه صلى الله عليه وسلم إلى الشعب وإرادته صعود الصّخرة
عثر- بفتحتات ومثلثة-: سقط.
عائر- بعين مهملة فألف فهمزة فراء من عار، إذا أفلت وذهب على وجهه.
ذفّف عليه- بذال معجمة ففاءين: أسرع إلى قتله.
بطن نخلة: موضع بينه وبين مكة ليلة.
العاتق يذكر ويؤنث، وهو ما بين المنكب والعنق وهو موضع الرداء.
ناوشه: طاعنه بالرّمح.
الدّرقة- بالدال المهملة-: الجحفة.
ملأ (بهمزة مفتوحة) .
المهراس- بكسر الميم وسكون الهاء وآخره سين مهملة-: صخرة منقورة تسع كثيرا من الماء، وقد يعمل منه حياض للماء. وقيل: المهراس هنا اسم ماء بأحد، قاله الهرويّ، وتبعه في النهاية، وجزم به أبو عبيد البكري.(4/275)
عافه: كرهه.
قناة: واد من أودية المدينة.
الهشم: كسر اليابس والأجوف.
البيضة: الخوذة.
المجنّ- بكسر الميم- التّرس، سمي بذلك لأن صاحبه يستتر به. يقال: جنّه وأجن عليه: ستره.
كمّدته: التّكميد أن تسخّن خرقة وتوضع على العضو الوجع، ويتابع ذلك مرة بعد أخرى ليسكن.
البالي: الذي أبلته الأرض.
ينهض: يرتفع.
بدن، بفتح الدال المهملة. قال أبو عبيد: هكذا روي في الحديث- يعني بتخفيف الدال- وإنما هو بالتشديد أي كبر وأسنّ، والتخفيف، من البدانة وهي كثرة اللحم، ولم يكن صلى الله عليه وسلم، سمينا. قال في النهاية: قد جاء في صفته صلى الله عليه وسلم، في حديث هند بنت أبي هالة:
بادن متماسك، والبادن: الضخم، فلما قال: «بادن» أردفه بمتماسك وهو الذي يمسك بعض أعضائه بعضا، فهو معتدل الخلق. وقال أبو ذر: معناه أسنّ، وبدن، إذا عظم بدنه من كثرة اللحم.
بينما: أصله بين فأشبعت الفتحة فصارت ألفا فيقال: بينا وبينما، وهما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة.
ثاب- بثاء مثلثة وموحدة-: رجع.
الكنانة- بالكسر-: الجعبة.
لا أبا لك: أكثر ما يستعمل هذا اللفظ في المدح، أي لا كافي لك غير نفسك، وقد يذكر في معرض الذمّ كما يقال: لا أمّ لك، وقد يذكر في معرض التّعجّب ودفعا للعين كقولهم: لله درّك، وقد يكون بمعنى جدّ في أمرك وشمّر، لأن من له أب اتّكل عليه في بعض شأنه، وقد تحذف اللام فيقال لا أباك.
إن بقي: إن حرف نفي.
الظّمء- بكسر الظاء المعجمة المشالة وإسكان الميم فهمزة- وهو مقدار ما يكون بين الشربين، وأضافه للحمار لأنه أقصر الدوابّ ظمأ، وأطولها الإبل.
إنما نحن هامة اليوم أو غدا: يريد الموت. كانت العرب تقول: إن روح الميت تصير(4/276)
هامة وهو طائر، وتزعم العرب أنه يتكون من عظام الميت في قبره، وبعضهم يقول: هو طائر يخرج من رأس القتيل إذا قبل فلا يزال يصيح: اسقوني اسقوني حتى يأخذوا بثأره، فضربه مثلا للموت.
يديه: يعطى ديته.
الحوائط- بالحاء والطاء المهملتين- جمع حائط وهو هنا البستان.
بدا له- بلا همز-: ظهر له.
إليك: اسم فعل أمر بمعنى تنحّ.
أثبتته الجراحة: أصابت مقاتله.
يلتمسون: يطلبون.
عدا، يروى بالعين المهملة من العدو وهو الجري، وبالمعجمة، يقال: غدا غدوّا من باب قعد: ذهب غدوة، وهي ما بين صلاة الصبح وطلوع الشّمس، هذا أصله، ثم كثر حتى استعمل في الذّهاب والانطلاق في أي وقت كان.
عرض الناس- بعين مهملة مضمومة فراء ساكنة فضاد معجمة- أي جانبهم وناحيتهم، وقيل: عرض كل شيء: وسطه، وقيل عرض الشيء: ذاته ونفسه. وأما العرض- بفتح العين- فخلاف الطول.
أحدب- بهمزة استفهام فحاء فدال مهملتين وبالموحدة- أي تعطّف عليهم.
يلبث: يمكث.
شرح غريب مقتل حنظلة وعمرو بن الجموح وعبد الله بن حرام وقزمان وأنس بن النضر
انكشفوا: انهزموا.
أنفذه سهما- بالذال المعجمة- أصابه به.
المزن- بضم الميم- أي السحاب والواحدة مزنة.
الهاتفة- بالفوقية والفاء- أي الصائحة ويروى الهائعة- بالعين المهملة- من الهياع وهو الصّياح.
أمّا أنت (بفتح الهمزة وتشديد الميم) .
عذرك أي بقوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ [النور 61] .(4/277)
جلل: صغير قليل.
زجرته: ساقته وصاحت به.
حل حل- بفتح الحاء المهملة فيهما وكسرها وسكون اللام وتكسر بالتنوين وبعدمه- كلمة تزجر بها الإبل.
عيرته بكذا وعيّر به: قبّحته عليه ونسبته إليه.
يكتّ (بتحتية مفتوحة فكاف ففوقية) . كتّ- بفتح الكاف والفوقية المشددة-: هدر.
الأحساب جمع حسب وهو الشّرف بالآباء، وما يعدّه الإنسان من مفاخرهم، أي إنما قاتلت لأجل شرفنا ومفاخرنا، لا لأجل الإسلام وإعلاء كلمة الله تعالى.
الحفاظ: تقدم في الحفيظة أول الشرح.
أبليت: فعلت فعلا حسنا.
أعتذر إليك: أطلب قبول معذرتي.
ألقوا بأيديهم: استسلموا للعدو.
واهّا لريح الجنة: كلمة تعجب.
البنان: أطراف الأصابع.
شرح غريب ذكر مقتل حمزة رضي الله عنه
يخضبوا الصّعدة: يصبغوها بالدّماء، والصّعدة- بفتح الصاد وسكون العين وبالدال المهملات: - القناة المستوية تنبت كذلك لا تحتاج إلى تثقيف.
تندقّ: تنكسر.
أقذف- بالذال المعجمة-: أرمي.
الأورق: الأسمر.
يهدّ الناس- بتحتية فدال- روي إعجامها أي يسرع، وإهمالها أي يهدمهم ويهلكهم.
ما يليق شيئا: - بتحتية مضمومة فلام فتحتية أخرى فقاف- أي ما يبقى شيئا.
شدّ عليه: حمل وعدا إليه.
قمعه- بقاف فميم فعين- كمنعه: ضربه بالمقمعة كمكنسة: العمود من حديد- أو كالمحجن يضرب به رأس الفيل، أو خشبة يضرب بها الإنسان على رأسه.
هلمّ: كلمة بمعنى الدعاء إلى شيء، كما يقال: تعال، وتقدم الكلام عليه مبسوطا.(4/278)
البظور جمع بظر، مثل فلوس وفلس، وهي لحمة بين شفري المرأة، وهو القلفة التي تقطع في الختان.
المحادّة- بحاء فدال مشددة مهملتين-: المخالفة ومنع الواجب.
أخطأ رأسه يقال: أخطأ الشيء، إذا لم يتعمده، أي كان في إلقائه رأسه كأنه لم يعمد إليه ولا قصده.
كمنت كمونا من باب قعد، إذا توارى واستخفى.
دنا: قرب.
لاذ بكذا- بذال معجمة يلوذ لواذا- بكسر اللام وحكي التثليث: التجأ.
الثّنّة- بثاء مثلثة فنون مشددة-: ما بين السّرّة والعانة.
الثّندوة- ويفتح أوّله: لحم الثّدي أو أصله.
ينوء: يذهب.
المذاهب: طرق الجبل.
لم يرعه إلا كذا أو بكذا، أي لم يشعر إلا به، وإن لم يكن من لفظه، كأنه فجأه بغتة من غير موعد ولا معرفة.
أتنكّبه: أعدل عن طريقه وموضعه.
لفظتها: طرحتها.
جدعت أنفه- بالجيم- قطعته، وأكثر ما يقال فيه.
المسك- بفتحتين- أسورة من ذيل وعاج، هذا أصله.
المعضد- بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الضاد المعجمة-: الدّملج.
الشّدق: جانب الفم، بالفتح والكسر، وجمع المفتوح شدوق مثل فلس وفلوس، وجمع المكسور أشداق مثل حمل وأحمال.
الزّجّ- بضم الزاي وبالجيم المشددة-: الحديدة التي في أسفل الرمح.
ذق: فعل أمر.
عقق- بضم العين المهملة وفتح القاف الأولى- معدول عن عاقّ للمبالغة، كفسق من فاسق، أي ذق القتل يا عاقّ قومه، كما قتلت يوم بدر من قومك، يعني كفّار قريش.(4/279)
شرح غريب أبيات الهنديين
ذات سعر- بضم السين والعين المهملتين وسكّنت العين تخفيفا- أي ذات التهاب.
بكري- بكسر الباء- أي أول أولادي.
شفا الله تعالى المريض يشفيه من باب رمي شفاء، واشتفيت بالعدو وتشفّيت به من ذلك، لأنّ الغضب الكامن كالدّاء إذا زال بما يطلبه الإنسان من عدوّه، فكأنه بريء من دائه.
الغليل- بالغين المعجمة-: العطش، وهو أيضا حرارة الجوف.
ترمّ أعظمي- بفوقية مفتوحة فراء مكسورة فميم مشددة- تبلى وتتفتّت.
خزيت- بخاء معجمة فزاي مبنيّ للمفعول- والخزي: الذّلّة والإهانة.
الوقّاع- بتشديد القاف-: الكثير الوقوع في الدّنايا.
م الهاشميّين- بميم مكسورة، وأصله من الهاشميين فحذفت نون من لالتقاء الساكنين، ولا يجوز ذلك إلا في «من» ، وحدها لكثرة استعمالها، كما خصّت نونها بالفتح إذا التقت مع لام التعريف.
الزّهر- بضم الزاي المشددة- أي البيض، واحدها أزهر.
الحسام- بضم الحاء المهملة-: السيف القاطع.
يفري- بالتحتية المفتوحة والفاء الساكنة- أي يقطع.
رام: طلب.
شيب، أرادت شيبة فرحمته في غير النداء، وهو فاعل رام.
فخضّبا- بخاء فضاد معجمتين فألف- من الخضاب.
ضواحي النّحر- بضاد معجمة وحاء مهملة- ما ظهر منه.
شرح غريب مقتل عبد الله بن جحش ومصعب رضي الله عنهما
حرده- بحاء مفتوحة فراء فدال مهملات-: غضبه.
التّركة- بفتح الفوقية وكسر الراء، وبكسر الفوقية وسكون الراء، مثل كلمة وكلمة- وهي ما خلّفه الميّت.
حنا عليه: أكبّ.
السّوق جمع ساق الإنسان. وهو محمول على نظر الفجاءة، أو كان إذ ذاك صغيرا.
متن- بفتح الميم وسكون الفوقية وبالنون-: الظّهر.(4/280)
المروط: تقدّم بيانها.
زفر القربة- بالزاي فالفاء فالراء المفتوحات- يزفرها، بالكسر: حملها.
شرح غريب تمثيل المشركين بالقتلى وغريب رجوعهم
التمثيل بالقتيل: تشويه خلقته بجدع، أو قطع من أعضائه.
الجدع- بجيم مفتوحة فدال مهملة ساكنة-: قطع الأنف والأذن.
القلائد جمع قلادة بكسر القاف.
تحاجز الفريقان: كفّ بعضهم عن بعض.
أشرف عليه: وقف على مكان عال.
عرض الجبل- بضم العين-: ناحيته.
يخزيه: يذلّه ويهينه.
اعل: أمر بالعلوّ.
ألا: حرف تنبيه واستفتاح.
الأيام دول جمع دولة بفتحها، وهي في الحرب أن تدال إحدى الفئتين على الأخرى.
سجال- بكسر السين المهملة وتخفيف الجيم- جمع سجل، أي مرّة لنا ومرّة علينا، وأصله من سجال المستقي بالدّلو، وهو السّجل يكون لهذا دلوه ولهذا دلوه.
المولى هنا النّاصر.
الشأن- بالهمز-: الحال والأمر.
أنعمت: قال في الروض: قالوا أي الأزلام، وكان استقسم بها حين خروجه إلى أحد فخرج الذي يحبّ، وقال في الإملاء: «أنعمت» يخاطب نفسه. ومن رواه «أنعمت» يعني الحرب أو الوقعة.
فعال- بفاء فعين مهملة- قال في العيون: اسم للفعل الحسن. وقال في الروض: فعال:
أمر، أي عال عنها وأقصر عن لومها. تقول العرب: اعل عنّي وعال عنّي بمعنى أي ارتفع عنّي.
ودعني. وقال في الإملاء: عال من تعالى. وعال، أي ارتفع. وقد يجوز أن تكون الفاء من نفس الكلمة ويكون معدولا عن الفعل، كما عدلوا فجار عن الفجرة، أي بالغت هذه الفعلة، ويعني بها الوقعة.
أنشدك الله- بفتح الهمزة وسكون النون وضم الشين- أي أسألك به.(4/281)
لا سواء. قال في الروض: أي لا نحن سواء، ولا يجوز دخول لا على اسم معرفة إلّا مع التكرار، نحو: لا زيد قائم ولا عمرو خارج، ولكنه جاز في هذا الموضع، لأن القصد فيه نفي الفعل، أي لا نستوي.
مثل جمع مثلة.
بدر الصفراء، بالإضافة: بدر تقدمت، والصفراء- بفتح الصاد المهملة وسكون الفاء تأنيث الأصفر-: قرية فوق ينبع كثيرة النخل والمزارع.
الحول: السنة.
أشفق: حذر وخاف.
الذراريّ- بالذال المعجمة- جمع ذرّيّة- بضم الذال وبكسرها وبفتحها مع تخفيف الرّاء.
جنّبوا الخيل- بفتح الجيم والنون المخففة وبالموحدة- أي قادوها.
الغارة الاسم من الإغارة، وهي وقع الخيل.
الظّعن- بفتح الظاء المعجمة وبالعين المهملة-: الارتحال.
المناجزة في الحرب: المبارزة.
شرح غريب ذكر طلب المسلمين قتلاهم رضي الله عنهم والأمر بدفنهم
شرعى إليه: أنفذت فيه.
كيف تجدك، أي كيف تجد نفسك.
الرّمق- بفتحتين-: بقيّة الرّوح.
يخلص إليه- بضم أوله وفتح ثالثه- مبني للمجهول.
عين تطرف: تطبق إحدى جفنيها على الآخر، والمراد وفيكم حياة.
لم يبرح: لم يزل عن مكانه.
يرشفها، بالفاء: يمصّ ريقها.
بقر بطنة- بالبناء للمفعول- أي شقّ.
فاء- بالمد-: رجع.
الجثّة- بضم الجيم وفتح الثاء المثلثة المشددة- للإنسان شخصه إذا كان قاعدا أو نائما، فإن كان منتصبا فهو طلل.(4/282)
شهق: ردّد نفسه.
فعول للخيرات: مكثر لفعلها.
يرشفها: بالفاء: يمصّ ريقها.
السّبّة- بضم السين المهملة وفتح الموحدة المشددة-: العار.
عاقبتم: جازيتم.
لنربينّ عليهم- بنون فراء فموحدة فتحتية فنون تأكيد- أي لنزيدنّ.
المرأة المرأة، بالنصب بفعل محذوف.
توسّمت: تفرّست.
لكمه: ضربه بكفّه.
جلدة- بفتح الجيم وسكون اللام وفتح الدال- أي قويّة صلبة.
العواثر: جمع عاثر، وهو حباله الصّائد. أو جمع عاثرة وهي الحادثة التي تعثر بصاحبها، من قولهم: عثر بهم الزمان إذا أخنى عليهم.
أكبّه الله: ألقاه لوجهه.
النّمرة- بفتح النون وكسر الميم-: كساء فيه خطوط بيض وسود تلبسه الأعراب.
الحرمل- بحاء مفتوحة- من نبات البادية له حبّ أسود، وقيل: حبّ كالسّمسم.
الإذخر- بكسر الهمزة-: حشيشة طيّبة الرائحة تسقف بها البيوت.
ظهراني القوم: وسطهم، زيدت الألف والنون على ظهر عند التثنية للتأكيد والمبالغة، وكان معنى التثنية أن ظهرا منهم قدام، وآخر وراءه فهو مكتوف من جانبيه. هذا أصله، ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقا وإن لم يكن مكتوفا.
الناضح- بنون وضاد معجمة فحاء مهملة-: البعير الذي يستقى عليه الماء، تم استعمل في كل بعير.
النّظّارة- بتشديد الظاء المعجمة المشالة-: الذين ينظرون إلى العسكر.
الحلّة- بضم الحاء المهملة وفتح اللام المشددة- لا تكون إلا ثوبين من جنس واحد.
اللّمّة- بالكسر-: الشّعر يلمّ بالمنكب، أي يقرب، والجمع لمام.
أينعت ثمرته- بفتح الهمزة وسكون التحتية وفتح النون بعدها عين مهملة-: أدركت ونضجت.
يهدبها- بفتح التحتية وسكون الهاء وضم الدال المهملة وكسرها، بعدها موحدة- أي يجتنيها ويقطفها.(4/283)
شرح غريب ذكر دعائه صلى الله عليه وسلم بعد الوقعة ورحيله
جرحى جمع جريح.
لا يحول: لا يتحوّل.
العيلة- بفتح العين المهملة وسكون التحتية-: الفقر.
الخزايا: المذلّون المهانون.
احتسبي: ادّخري أجرك عند الله تعالى.
هنيئا له. يقال: هنأ الشيء- بالضم مع الهمزة- هناءة بالفتح والمد: تيسّر بلا مشقّة.
وا عقراه، أي أصابه بها ما يعقرها.
ولولت: قالت: يا ويلها.
راعني: أفزعني.
الشّغفة- بفتح الشين والغين المعجمتين والفاء-: المحبة.
ذرفت العين ذروفا من باب ضرب: دمعت.
البواكي: جمع باكية.
جلل- بفتح الجيم واللام-: قليل صغير.
نعوا لها- بضم النون والعين مبني للمفعول- أخبرت بقتلهم.
أشوت المصيبة، أي لم تبلغ المقتل.
لا أبالي: لا أهتمّ ولا أكترث.
عطب- بكسر الطاء-: هلك.
عنان الفرس- بكسر العين-: مقوده.
فاشية: ظاهرة كثيرة.
أغزر ما كان: أكثر.
يقرّ في داره: يقيم فيها.
عزيمة منّي: أمر أوجبته.
ذو الفقار- بفتح الفاء- اسم سيف النبي صلى الله عليه وسلم.
هبّ- بفتح الهاء والموحدة المشددة-: استيقظ.
ويح: كلمة ترحّم وتوجّع، تقال لمن وقع في هلكة.
فرقا- بفتح الفاء والراء-: خوفا.(4/284)
شرح غريب ذكر إظهار المنافقين واليهود الشماتة وإرادة ابن أبيّ الخطبة
صنع الله لرسوله: هيأ ولطف.
تعوّذا من السيف: خوفا منه.
بان لنا أمرهم: ظهر.
الأضغان- بالضاد والغين المعجمتين- جمع ضغن بفتحتين، وهو الحقد.
النّكبة- بالفتح- المصيبة.
عزّروه: عظّموه.
البجر- بموحدة مضمومة فجيم ساكنة فراء-: الأمر العظيم والداهية أيضا وروي أيضا هجرا، وهو الكلام القبيح.
اشدّ أمره: أصوّبه وأقوّمه.
عنّفه- بالفاء-: لم يرفق به.
شرح غريب قصيدة حسان رضي الله عنه
كنانة- بكسر الكاف- اسم قبيلة.
الحياض جمع حوض.
الضاحية- بالضاد المعجمة-: البارز للشّمس.
الطّواغي جمع طاغية وهي المتكبّر المتمرّد، وأراد بأهل القليب هنا من قتل ببدر من المشركين.
ألقيته: رميته.
النّاصية: قصاص الشّعر.
كنّا مواليها، يعني أهل النّعمة عليها.
شرح غريب قصيدة كعب بن مالك رضي الله عنه
غسّان- بغين معجمة مفتوحة فسين مهملة مشددة- ذكرهم لأنهم بنو عمّ الأنصار، والأنصار بنو حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، والذين نزلوا الشام بنو جفنة- بفتح الجيم- ابن عمرو بن عامر، والكلّ غسان، لأن غسان ما شربوا منه حين ارتحالهم فسموا به.
خرق (بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء وآخره قاف) .
متنعنع- بميم مضمومة فمثناة فوقية فنون فعينين مهملتين بينهما نون أخرى ويروى(4/285)
بثلاث تاءات فوقيات- فمن رواه بالنون فمعناه المضطرب، ومن رواه بالتاءات فهو المتردد، يقال: تتعتع في كلامه، إذا تردد فيه.
صحار: جمع صحراء وهي البرّيّة.
الأعلام: الجبال المرتفعة.
القتام هنا: ما مال لونه إلى السّواد.
النّقع: الغبار.
الهامد: المتلبّد الساكن.
تظلّ: تصير.
البزل- بضم الموحدة وسكون الزاي-: الإبل القوية، واحدها بازل.
العراميس- بعين مهملة مفتوحة فراء فألف فميم فتحتية فسين مهملة وزان جواميس-:
الناقة القوية على السّير.
الرّزّخ- براء مضمومة فزاي مفتوحة مشددة فحاء مهملة- أي المعيبة.
يمرع- بتحتية فراء مهملة- أي يخصب ويكثر فيه النبات.
الحسرى- بفتح الحاء وسكون السين المهملتين فراء فألف تأنيث- وهي هنا المعيبة.
الصّليب- وزن كريم-: الودك.
الموضّع- بميم مضمومة فواو فضاد معجمة مشددة مفتوحتين فعين مهملة- أي المبسوط المنفرش.
العين- بعين مهملة مكسورة فتحتية ساكنة فنون-: بقر الوحش.
الأرأم- بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الهمزة الثانية وبالميم-: الظّباء البيض البطون، السّمر الظّهور.
خلفة- بخاء معجمة مكسورة فلام ساكنة ففاء- أي يمشين قطعة خلف قطعة.
القيض- بقاف مفتوحة فتحتية ساكنة فضاد معجمة-: قشر البيض الأعلى.
يتقلّع- بتحتية ففوقية فقاف فلام فعين مهملة-: يتشقّق.
فخمة- بفاء مفتوحة معجمة- يعني كتيبة عظيمة.
مدرّبه، يروى بدال مهملة من الدّربة يعني أنهم دربوا للقتال، ويروى بالذال المعجمة، يعني محدّدة، والذّرب: الحادّ.(4/286)
القوانس- بقاف فواو مفتوحتين فألف فنون مكسورة فسين مهملة- جمع قونس وهي بيضة السّلاح. وقال أبو ذر: رؤوس بيض السّلاح.
تلمع: تضيء.
كلّ صموت، يعني درعا أحكم نسجها، وتقارب حلقها، فلا تسمع لها صوت.
الصّوان بكسر الصاد المهملة-: كل ما يصان فيه من الدروع والثياب وغيرها.
النّهي- بنون مكسورة وتفتح فهاء فتحتية-: كل موضع يجتمع فيه الماء، وجمعه أنهاء ونهاء. وقال السّهيليّ: سمّي لأن ماءه قد منع من الجريان بارتفاع الأرض فغادر السّيل فسمّي غديرا، ونهته الأرض فسمّي نهيا.
المترع- بميم مضمومة فمثناة فوقية ساكنة فراء مفتوحة فعين مهملة-: المملوء.
الأنباء: الأخبار.
فأقشعوا- بقاف فشين معجمة فعين مهملة فواو-: فرّوا وزالوا.
يزجي- بتحتية مضمومة فزاي ساكنة فجيم مكسورة-: يسوق.
تورّعوا- يروى براء بعد الواو أي ذلّوا، ويروى بالزّاي- يعني تقسّموا.
يهابوا: يحذروا.
ويفظع- بفاء فظاء معجمة فعين-: الشيء الفظيع وهو الهائل المنظر.
وابتنوا: ضربوا أبنيتهم، وهي القباب والأخبية.
العرض- بكسر العين المهملة-: موضع خارج المدينة.
سراة القوم- بفتح السين المهملة والراء-: أخبارهم.
نتطلّع- بنون ففوقية فطاء- روي إهمالها، أي لا ننظر إليه إجلالا وهيبة له، ويروى بالظاء المعجمة المشالة، أي لا نتكاسل عن أمره ولا نتوانى فيه، ويروى بالضاد المعجمة الساقطة، أي لا نميل عنه.
تدلّى عليه: نزل.
الروح هنا جبريل صلى الله عليه وسلم.
ينزل (بضم أوله وفتح ثانيه وثالثه وتشديده) .
الجوّ: ما بين السماء والأرض.
يرفع (بضم أوله) .(4/287)
قصرنا- بقاف مفتوحة فصاد مهملة فراء- أي غايتنا.
يشري الحياة: يبيعها.
جهرة: معاينة.
الرّحال- بكسر الراء وبالحاء المهملة- جمع رحل وهو المنزل.
ضحيّا- بضم الضاد المعجمة وكسر الحاء المهملة وتشديد التحتية- تصغير الضّحى.
وهو أول النهار.
البيض: السيوف- جمع بيضة وهي السلاح.
لا تتخشّع: لا تخضع ولا تذلّ.
بملمومة: أي كتيبة مجتمعة.
السّنوّر- بسين مهملة مشددة فنون فواو مشددة مفتوحات فراء-: السّلاح.
القنا: الرّماح.
أقدامها: جمع قدم.
لا تورّع- بمثناة فوقية فواو فراء مهملة وروي إعجامها مشددة مفتوحات فعين مهملة- فعل الإهمال معناه لا تكف، وعلى الإعجام معناه لا تفترق.
الحاسر- بحاء وسين مهملتين- وهو هنا الذي لا درع عليه.
المقنّع الذي على رأسه المغفر.
النصية- بنون مفتوحة فصاد مهملة مكسورة فتحتية مفتوحة مشددة-: الخيار من القوم.
نعاورهم، يقال: تعاور القوم إذا تناوبوا.
نشارعهم: نشاربهم.
نشرع: نشرب.
تهادى- بفتح الفوقية والدال المهملة-: تمايل بين رجلين معتمدا عليهما، من ضعفه وتمايله.
النّبع- بنون مفتوحة فموحدة-: شجر تصنع منه القسيّ.
اليثربيّ: الأوتار تنسب إلى يثرب.
المقطّع- بضم الميم وفتح القاف وتشديد الطاء المهملة-: المقطوع.(4/288)
منجوفة- بميم مفتوحة فنون ساكنة فجيم فواو ففاء- أي مقشورة منحوتة.
حرميّة: منسوبة إلى أهل الحرم، يقال: رجل حرميّ، إذا كان من أهل الحرم.
صاعدية: منسوبة إلى صانع اسمه صاعد.
تصوب: تقع.
الأعراض: الجوانب.
البصار- بكسر الموحدة-: حجارة تشبه الكدان.
تقعقع، بحذف التاء، أي تصوّت.
الفضاء- بالفاء- أي متّسع من الأرض.
الصّبا- بفتح الصاد المهملة- الرّيح الشرقية.
القرّة- بفتح القاف والراء المشددة-: البرد.
يتريّع- بتحتية ففوقية فراء فتحتية مشددة مفتوحات فعين مهملة- أي يجيء ويذهب.
الرّحى: معظم موضع القتال فيها.
حمّه الله- بفتح الحاء المهملة والميم المشددة-: قدّره.
سراتهم- بفتح السين المهملة- خيارهم.
القاع: المنخفض من الأرض.
خشب- بضم الخاء وسكون الشين المعجمتين-: جمع خشبة.
لدن: ظرف مكان بمعنى عند.
غدوة: ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس.
الذّكا- بالذل المعجمة المفتوحة-: الالتهاب في الحرب.
تلفّع- بتشديد الفاء- أي يشتمل حرّها على من دنا منها.
موجفين- بفتح الجيم وكسر الفاء- أي مسرعين.
الجهام- بفتح الجيم والهاء-: السحاب الرقيق الذي ليس فيه ماء.
هراقت: أراقت، أي صبّت.
مقلع (بضم الميم) .
بيشة- بموحدة مكسورة فتحتية فشين معجمة-: واد من أودية تهامة تنسب إليه الأسود.(4/289)
الذّمار- بذال معجمة مكسورة-: ما يجب على الرجل أن يحميه.
جلاد- بكسر الجيم- وهو هنا جمع جليد وهو الصّبور.
ريب الحوادث: صروفها.
لا نعيا بشيء نقوله: لا نقول خلاف البيان.
بفحّش (بضم الفاء وفتح الحاء المهملة المشددة) .
أظفار الحرب: [أي ويلاتها] .
الشّهاب: القطعة من النار.
فخرت عليّ (بتشديد الياء) .
ابن الزّبعرى (بفتح نون ابن وكسر الزاى) .
يسفع- بتحتية مفتوحة فسين ساكنة فعين مهملتين-: يحرق ويغيّر يقال: سفعته النار إذا غيّرت لونه.
متبع (بضم الميم وسكون الفوقية المخففة وكسر الموحدة) .
سل عنك: سل عن نفسك.
عليا معدّ: أشرافها، ومعدّ: اسم قبيلة.
أشنع: أقبح.
خدّه- بفتح الخاء المعجمة- المراد هنا شخصه.
أضرع- بضاد معجمة فراء فعين مهملة-: ذليل. يقال: أضرعته الحاجة، إذا أذلّته.
حول الله: قوته وعونه.
شرّع- بضم الشين المعجمة وفتح الراء المشددة-: مائلة المطعن، يقال: أشرعت الرمح قبله، إذا أملته إليه.
نكرّ (بفتح النون وضم الكاف والراء المشددة) .
الفروغ- بفاء فراء مضمومة فواو ساكنة فعين معجمة- هي هنا الطعن المتّسع.
العزالي- بفتح اللام وكسرها- جمع عزلاء وهو فم المزادة أو السّقاء.
يتهزّع- بتحتية ففوقية فهاء فزاي، ويروى بالراء، مفتوحات فعين مهملة. فبالزاء معناه يتقطع، وبالراء معناه يتفرّغ ويسرع سيلانه.
الجذم- بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة-: الأصل.(4/290)
شرح غريب قصيدته اللامية رضي الله عنه
الألباب: العقول واحدها لبّ.
سراة القوم- بفتح أوله وثانية- خيارهم.
القيل- بكسر القاف- والقول واحد، وقيل، القول المصدر، والقيل الاسم.
لقاح الحرب: زيادتها ونموها.
أصدى اللون بالهمزة وخفّفه هنا، والأصدأ: الذي لونه بين السواد والحمرة.
مشغول- بميم فشين معجمة، فعين روي إعجامها وإهمالها، فالأول معلوم، والثاني معناه متّقد متلهّب.
يراح- بمثناة تحتية مضمومة وبالراء والحاء المهملتين-: يفرح ويهتزّ.
عرج: جمع أعرج.
الضّباع: جمع ضبع: حيوان معروف يوصف بالعرج وليس به عرج.
خذم- بخاء معجمة روي فتحها وضمها فذال معجمة- فعلى الفتح هو مصدر بمعنى القطع، وعلى الضم معناه قطع اللّحم.
رعابيل- بفتح الراء والعين المهملة وكسر الموحدة-: متقطّعة.
نمريها: نستدرّها.
ننتجها من النّتاج.
الأضغان: العداوات، واحدها ضغن.
التّنكيل: الزّجر المؤلم.
التّراقي: عظام الصّدر.
ببطن السّيل، أي الوادي.
كافحكم: واجهكم.
شاكلة البطحاء: طرفها. والبطحاء: الأرض السهلة.
التّرعيل- بمثناة فوقية فراء فعين مهملة فتحتية فلام-: الضّرب السّريع.
العصب- بضم العين وفتح الصاد المهملتين- جمع عصبة، وهي من الناس، قال ابن فارس: نحو العشرة. وقال أبو زيد: العشرة إلى الأربعين.
الهيجا: الحرب.(4/291)
السّرابيل- بفتح السين- جمع سربال بكسرها: الدّرع هنا.
الجذم (بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة) [تقدم شرحه] .
غسّان: تقدم بيانه.
الحمائل هنا حمائل السيوف.
جبناء- بضم الجيم وفتح الموحدة وبالنون والمدّ جمع جبان، وهو الضعيف القلب.
الميل- بكسر الميم وسكون التحتية- جمع أميل، وهو الذي لا ترس له، وقيل:
الكسل الذي لا يحسن الركوب والفروسية.
المعازيل- بميم مفتوحة فعين مهملة فزاي مكسورة فتحتية- وهم الذين لا رماح معهم.
عمايات القتال-: ظلماته، وتروى غيابات، بغين معجمة وتكرير التحتية، أي سحابات.
المصاعبة- بفتح الميم وفتح الصاد وكسر العين المهملتين وفتح الموحدة- جمع مصعب، وهو الفحل من الإبل.
الأدم من الإبل: البيض.
المراسيل: التي يمشي بعضها في إثر بعض.
الطّلّ- بفتح الطاء المهملة وتشديد اللام-: المطر الضعيف هنا.
ألثقها- بثاء مثلثة فقاف- أي بلّها.
الرّذاذ- براء فذال فألف فذال معجمتين- وهو المطر الضعيف.
الجوزاء: اسم لنجم معروف.
مشمول- بالشّين المعجمة- اسم مفعول أي، هبّت فيه ريح الشّمال.
السابغة- بسين مهملة وموحدة وغين معجمة-: الدّرع الكاملة هنا.
النّهي- بنون مكسورة فهاء ساكنة فتحتية-: الغدير من الماء.
قيامها: ملاك أمرها ومعظمها.
فلج- بفتح الفاء واللام وبالجيم-: نهر.
البهلول- بضم الموحدة-: الأبيض.
قران النّبل- بكسر القاف جمع قرن بفتح القاف والراء-: الجعبة.
خاسئة: ذليلة.(4/292)
مفلول- بالفاء-: مثلوم.
قذفتم- رميتم.
سلع- بفتح السين المهملة وسكون اللام- اسم جبل متصل بالمدينة.
تأجيل: أجل.
وتر منكم: قتل.
تعفو: تدرس وتتغير.
السّلام- بكسر السين المهملة-: الحجارة.
مطلول- بالطاء المهملة- أي لم يؤخذ بثأره.
موبق- بالموحدة بعد الواو-: مهلك.
القنص- بالقاف والنون والصاد المهملة-: الصّيد.
شطر المدينة- بالمعجمة والمهملة: - نحوها وقصدها.
العزل- بضم العين المهملة وسكون الزاي-: الذين لا رماح لهم.
شرح غريب قصيدة حسّان اللاميّة رضي الله عنه
يجيب ابن الزّبعرى- بكسر الزاي وبفتح الموحدة وسكون العين المهملة وفتح الراء وآخره ألف تأنيث- وأسلم بعد ذلك.
العلل- بفتح العين المهملة واللام الأولى- الشّرب ثانيا.
النّهل- بفتحتين-: الشّرب الأوّل حتى يروى.
الأصبح: كذا في النسخ التي وقفت عليها من السّيرة، بصاد مهملة فموحدة فحاء مهملة. وفي نسخة أبي ذرّ «الأضياح» ، بضاد معجمة فتحتية: قال في الروض: يريد الضّيح وهو اللبن الممزوج بالماء وهو في معنى الأصبح، لأن الصّبحة بياض غير صالح فجعله وصفا للبّن الممزوج المخرج من بطونهم.
الأستاه- بهمزة مفتوحة فسين مهملة ساكنة ففوقية فألف فهاء- جمع است وهو الدّبر.
النّيب- بنون مكسورة فتحتية ساكنة فموحدة- جمع ناب، وهي النّاقة المسنّة.
العصل- بفتح العين والصاد المهملتين- نبات تأكله الإبل فتسلح إذا أكلته فيخرج منها أحمر.
أشباه الرّسل- بكسر الراء وفتح السين المهملة- قال أبو ذر: الإبل الرّسل: التي بعضها في إثر بعض. وقال بعض اللغويين: الرّسل: الجماعة من كل شيء. وقال السّهيلي: الرّسل:
الغنم إذا أرسلها الرّاعي، يقال لها حينئذ الرّسل.(4/293)
فأجأناكم: ألجأناكم ومنه قوله تعالى: فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ [مريم 23] أي ألجأها وفي رواية فأجأناهم.
سفح الجبل: جانبه المقارب لأصله.
الخناطيل- بخاء معجمة مفتوحة فنون فألف فطاء مهملة فتحتية فلام-: الجماعات.
الأمذاق- بالذال المعجمة-: الأخلاط من الناس هنا، ومن رواه الأشداق- بالشين المعجمة- فهي الأشخاص، ومن رواه كجنّان يعني به الجنّ.
الملا- بالقصر- المتّسع من الأرض.
يهل: قال أبو ذر: أي يرتاع، من الهول وهو الفزع. وقال السهيلي: أراد فيهال ثم جزم للشّرط فانحذفت الألف لالتقاء الساكنين، وهو من الهول، يقال: هالني الأمر يهولني هولا إذا أفزعك.
نجزعه- بنون فجيم فزاي فعين مهملة فهاء ضمير الغائب: أي نقطعه، وفي رواية:
نفرعه- بنون فراء.
الفرط- بفتح الفاء وسكون الراء وبالطاء المهملة- وهو هنا: ما علا من الأرض. قاله أبو ذرّ. وفي الروض: الفرط- بتحريك الراء- وهي الأكمة وما ارتفع من الأرض.
الرّجل- بكسر الراء المشددة وفتح الجيم هنا- جمع رجلة وهو المطمئن من الأرض.
أيّدوا جبريل أراد أيّدوا بجبريل فحذف حرف الجرّ وعدّى الفعل.
الجحجاح- بجيمين بينهما حاء مهملة- وهو السّيّد وجمعه جحاجحة وجحاجح.
رفلّ- براء مكسورة ففاء مفتوحة- وهو الذي يجرّ ثوبه خيلاء.
التّنابيل- بالفوقية والنون المفتوحين وبعد الألف موحدة فتحتية-: القصار، ومن رواه القنابيل- بالقاف بدل الفوقية- فهو جمع قنبلة وهي القطعة من الخيل.
الهبل- يروى بضم الهاء والموحدة- أي الذين ثقلوا لكثرة اللحم عليهم، ومنه يقال:
رجل مهبّل، إذا كثر لحمه. ويروى بفتحهما، وبضم الهاء وفتح الموحدة.
الهمل- بفتح الهاء والميم-: الإبل المهملة، وهي الإبل التي ترسل في المرعى بلا راع.
ولد- بضم الواو وسكون اللام- جمع ولد، كما يقال: أسد وأسد.
ولد استها: كلمة تقولها العرب عند السّبّ، تقول: يا ابن استها.(4/294)
شرح غريب قصيدة حسّان الحائية رضي الله عنه
الشّجو- بفتح الشين المعجمة-: الحزن.
الحاملات الوقر- بكسر الواو-: الحاملات الحمل من الماء.
الملحّات: الثابتات التي لا تبرح. يقال: لحّ الجمل.
الدّوالح جمع دالحة: المثقلة. وقال أبو ذر: التي تحمل الثّقل.
المعولات- بضم الميم وسكون العين المهملة-: الباكيات بصوت.
الخامشات: الخادشات.
الأنصاب: حجارة كانوا يذبحون لها ويطلونها بالدماء.
بادية: ظاهرة.
المسايح- بسين وتحتية وحاء مهملة- جمع مسيحة، وهي ما لم يمشّط من الشّعر يدهن ولا غيره. وقال أبو ذرّ: ذوائب الشعر.
شمس- بشين معجمة مضمومة فميم ساكنة فسين مهملة- جمع شموس، أي نوافر.
روامح، أي ترمح بأرجلها، أي تدفع عنها.
مجزور: مذبوح.
يذعذع- بذالين معجمتين وعين مهملة- أي يفرّق.
البوارح: الرياح الشديدة.
مسلّبات- بفتح اللام وكسرها وتشديدها- أي اللائي لبسن ثياب الحزن، وروي بتخفيف اللّام، والمعنى كذلك.
الكوادح هنا نوائب الدهر.
مجل- بالميم والجيم. قال في الإملاء: أي جرح فيه ماء. وقال السّهيلي: كالجرح:
يقال: مجلت يدي من العمل.
جلب- بجيم مضمومة فلام مفتوحة جمع جلبة، وهي قشرة الجرح التي تكون عند البرء.
قوارح- بالقاف-: موجعة.
أقصد: أصاب.
الحدثان: حادث الدهر.(4/295)
نشايح- بنون مضمومة فشين معجمة فألف فتحتية فحاء مهملة- أي نحذّر.
غالهم- بغين معجمة-: أهلكهم.
ألمّ- بتشديد الميم- نزل.
المسالح- بسين وحاء مهملتين-: القوم الذين يقدمون طليعة للجيش واشتقاقه من لفظ السّلاح.
صرّ- بصاد مهملة فراء مشددة- فعل ماض مبني للمفعول.
اللقائح جمع لقحة، وهي الناقة التي لها لبن، والمعنى ما ربطت أخلافها ليجتمع فيها اللبن، وخوفا على الفصيل أن يرضعها.
المناخ- المنزل.
تلامح: تنظر بعينها نظرا سريعا ثم تغمضها.
ينوب: ينزل.
اللاقح من الحروب: التي ترايد شرّها.
المدره- بميم مكسورة فدال مهملة ساكنة فراء فهاء-: المدافع عن القوم بلسانه ويده المصامح، بميم فصاد مهملة فألف فميم ويروى بالفاء بدلها، فحاء مهملة، فعلى الأول معناه المدافع الشديد، وعلى الثاني معناه الرادّ للشيء. تقول: صفحته عن حاجته، أي رددته عنها.
عنّا (بعين مهملة فنون مشددة) .
الفادح- بفاء ودال فحاء مهملتين-: الأمر العظيم.
الشريفون جمع شريف.
الجحاجح: تقدم الكلام عليه.
القماقم- بقافين-: السادة.
سبط اليدين، يعني جوادا، ويقال في البخيل جعد اليدين.
أغرّ- بغين معجمة فراء-: أبيض.
واضح: مضيء مشرق.
الطائش: الخفيف الذي ليس له وقار.
رعش- بفتح الراء-: جبان.(4/296)
الآنح- بكسر النون وبالحاء المهملة-: البعير الذي إذا حمل الشيء الثّقيل أخرج من صدره صوت المعتصر.
السّيب- بفتح السين المهملة-: العطاء.
المنادح- بفتح الميم وكسر الدال وبالحاء المهملتين-: الاتّساع. وقال السّهيلي:
يجوز أن يكون جمع مندوحة وهي السعة، وقياسه مناديح بالياء وحذفها ضرورة، ويجوز أن يكون من النّدح فيكون مفاعلا بضم الميم، أي مكاثرا، ويكون بفتح الميم فيكون جمع مندوحة وهي السعة مفعلة من الكثرة والسعة. انتهى. ويروى: المنائح، وهي العطايا.
أودى- بفتح الهمزة وسكون الواو وفتح الدال المهملة-: هلك.
الحفائظ جمع حفيظة، وهي الغضب.
المراجح: الذين يزيدون على غيرهم في الحلم.
المشاتي: جمع مشتاة- بفتح الميم- بمعنى المشتى.
ما يصفّقهنّ- بصاد مهملة ففاء مشددة مكسورة فقاف فهاء فنون مشددة- أي ما يحلبهنّ مرّة واحدة في اليوم، ويروى بضاد معجمة بدل المهملة أي ما يحلبهن بجميع الكف.
وأراد ما يصفّق فيهن، فحذف حرف الجر وأوصل الفعل. وحكى الفرّاء أن العرب تقول: أقمت ثلاثا لا أذوقهنّ طعاما، أراد لا أذوق فيهنّ.
الناضح هنا: الذي يشرب دون الرّيّ.
الجلاد- بكسر الجيم هنا- الإبل القوية.
الشّطب- بضم الشين المعجمة وفتح الطاء المهملة-: الطّرائق في السيف.
الضّغن- بكسر الضاد وسكون الغين المعجمتين-: العداوة.
المكاشح: المعادي.
لهفي: حزني.
الشّبّان (بضم المعجمة وتشديد الموحدة) .
الشّمّ: جمع الأشمّ، وهو الأعزّ.
البطارقة- بكسر الموحدة-: الرؤساء.
الغطارفة: السادة.
الخضارمة جمع خضرم: الذين يكثرون العطاء.(4/297)
المسامح: الأجواد.
الجامزون- بالجيم والزاي- أي الواثبون. يقال: جمز. إذا وثب.
اللّجم- بالجيم- جمع لجام.
ما إن تزال: بزيادة «إن» .
الرّكاب هنا: الإبل.
يرسمن من الرّسيم، وهو ضرب من السّير.
غبر «بضم الغين المعجمة وسكون الموحدة» .
الصّحاصح جمع صحصح: الأرض المستوية.
البواقر، يروى بالموحّدة قبل الواو، أي الداوهي، وبالنون بدلها، أي غوائل الدهر التي تنقر عن الإنسان، أي تبحث عنه.
راحت: سارت.
تبارى: أي تتبارى، حذفت تاؤه الأولى، أي تتعارض.
رواشح: ترشح بالعرق.
تؤوب: ترجع.
الفوز- بفاء فواو فزاي- النجاة والظّفر بالخير، والهلاك، ضدّ يقال: فاز: مات، وبه ظفر، ومنه: نجا.
السّفائح جمع سفيح وهو من قداح الميسر. وقال السّهيليّ: السفائح جمع سفيحة وهي كالجوالق ونحوه.
شذّبه- بفتح الشين والذال المشددة المعجمتين- أي أزال أغصانه.
الكوافح: الذين يتناولونه بالقطع.
المكوّر- بالواو والراء-: الذي بعضه فوق بعض.
الصّفائح: الحجارة العريضة.
الجندل: الحجارة.
الضّرح: الشّقّ، وأراد شقّ القبر، ومنه سمّي القبر ضريحا.
المماسح: ما يمسح به التراب.
البرح: الأمر الشّاقّ.(4/298)
الجانح: المائل إلى جهة.
النّوافح- بنون وفاء وحاء مهملة-: الذين كانوا ينفحون بالمعروف ويسمعون به.
المائح-: الذي ينزل في البئر فيملأ الدّلو إذا كان ماؤها قليلا. والماتح- بالفوقية-:
الذي يجذب الدلو إليه، ضربها مثلا للقاصدين له الذين ينتجعون معروفه.
شرح غريب قصيدة كعب بن مالك رضي الله عنه
السّفح: جانب الجبل ممّا يلي أصله.
النّمر بفتح النون وكسر الميم، ويجوز التخفيف بكسر النون وسكون الميم، والجمع نمور وأنمار، وهو ضرب من السباع.
ما إن- بكسر الهمزة وسكون النون- «ما» نافية و «إن» زائدة.
الإلّ- بكسر الهمزة وتشديد اللام-: العهد هنا.
حامي الذّمار- بكسر الذال المعجمة- أي حامي ما تجب حمايته، سمّي ذمارا لأنه يجب على أهله التّذمّر له.
الجد (بفتح الجيم) .
الحسب- بفتحتين-: ما يعدّ من المآثر.
ثمّ- بضم الثاء- حرف عطف، ويجوز فتح الثّاء، أي هناك.
التّبب والتّباب: الخسران.
النّجد هنا الشّجاع.
معتزم- بالزاي- والاعتزام: لزوم القصد في المشي.
الرّجف- بالراء والجيم والفاء-: التحرك.
الرّعب: الفزع، يقال: رعب، بضمّ الرّاء والعين، وبضم الراء وسكون العين.
يذمرنا: يحضّنا.
لم يطبع- بالبناء للمفعول-: لم يخلق.
بدا لنا: ظهر وتبيّن.
جالوا: تحركوا.
فاءوا: رجعوا.(4/299)
نثفنهم: يأتي الكلام عليه في شرح قصيدة كعب الدالية.
لم نأل: لم نقصّر.
شتّى: متفرّقون.
شرح غريب قصيدة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه
العويل: البكاء مع الصوت.
أبو يعلى كنية حمزة رضي الله عنه.
الماجد: الشريف.
البرّ- بفتح الموحدة-: الصادق، أو التّقيّ.
الوصول (بفتح الواو والصاد المهملة) .
مصطبر: أصله مصتبر فقلبت التاء طاء.
لؤيّ- بضم اللام- تقّدم في النسب النبوي.
دائلة تدول، أي دولة في الحرب بعد دولة.
الغليل- بالغين المعجمة-: حرارة العطش والحزن.
القليب: تقدّم في بدر.
الصّريع (بصاد وعين مهملتين) .
حائمة- بحاء مهملة فتحتية-: مستديرة، يقال: حام الطائر حول الماء، إذا استدار حوله.
تجول- بالجيم-: تجيء وتذهب.
خرّا- بفتح الخاء المعجمة والراء المشدّدة وضمير تثنية-: سقطا.
متركنا: تركنا.
مجلعبّا- بميم مضمومة فجيم ساكنة فلام مفتوحة فعين مهملة مكسورة فموحدة مشددة- أي ممتدّا مع الأرض.
الحيزوم- بحاء مهملة مفتوحة فياء تحتية ساكنة فزاي فواو فميم-: أسفل الصدر.
اللّدن- بلامين ودال مهملة-: الرّمح اللّيّن.
نبيل: عظيم.(4/300)
الهام جمع هامة، وهي من الشخص رأسه.
فلول: ثلوم.
الواله: الفاقد العقل من الحزن.
العبرى: الكثيرة الدّمعة.
الهبول- بفتح الهاء-: الفاقد العقل من الحزن أيضا.
شرح غريب قصيدة حسان رضي الله عنه
عفا- بفتح العين المهملة والفاء-: درس.
الرّسم- بفتح الراء وسكون السين المهملة-: الأثر، وهو هنا منصوب، مفعول عفا، والفاعل قوله: صوب- بفتح الصاد المهملة وإسكان الواو وبالموحدة-: المطر.
المسبل- بضم الميم وإسكان السين المهملة وكسر الموحدة وآخره لام-: المطر السائل.
الهاطل- بطاء مهملة-: الكثير السّيلان.
السّراديح- بسين مهملة مفتوحة فراء فألف فدال مهملة فتحتية فحاء مهملة-: جمع سرادح، وهو الوادي، وقيل: المكان المتسع.
أدمانة: اسم موضع.
المدفع حيث يندفع السّيل.
الروحاء- بفتح الراء وسكون الواو وبالحاء المهملة: قرية جامعة، على ليلتين من المدينة.
حائل- بحاء مهملة-: اسم جبل.
استعجمت: لم تردّ جوابا.
مرجوعة السائل، أي رجوع الجواب.
النائل- بنون وتحتية بعد الألف-: العطاء.
المالئ- بهمزة في آخره- اسم فاعل.
الشّيزى- بشين معجمة مكسورة فتحتية ساكنة فزاي فألف مقصورة-: جفان من خشب وقيل: القطعة من خشب الجوز.
أعصفت: اشتدّ هبوبها.(4/301)
الغبراء- بفتح الغين المعجمة وإسكان الموحدة-: الرّيح التي تثير الغبار.
الشّبم- بشين معجمة فموحدة مفتوحتين فميم-: البرد، وبكسر الموحدة- البارد.
الماحل- بحاء مهملة مكسورة- من المحل، وهو القحط.
القرن- بكسر القاف وإسكان الراء وبالنون- الكفء في الشجاعة، وفتحها ظاهر، ويجوز كسرها.
اللبد- بلامين- وهو هنا لبد السّرج، ويروى لبدة، بزيادة تاء، وهو الغبار الملبّد.
ذو الخرص (بخاء معجمة مضمومة، فراء ساكنة وتضم، فصاد مهملة) . قال في الصحاح: ما على الجبّة من السّنان، وربما سمّي الرّمح بذلك، والجبّة بضم الجيم والموحدة:
ما دخل فيه الرمح من السّنان. وقال في العيون: الخرص: الرمح القصير، والجمع خرصان.
وقال السّهيلي: الخرص: سنان الرمح.
الذابل- بذال معجمة فألف فموحّدة فلام-: الرقيق الشديد، من قولهم: ذبل الفرس إذا ضمر.
اللّابس الخيل (بكسر اللام وفتحها) .
أجحمت: يروى بجيم فحاء مهملة، وبتقديم المهملة على الجيم، والمعنى فيها:
تأخّرت وهابت. وبعضهم يقول بتقديم الجيم معناه: تأخرت وهابت، وبتقديم الحاء إذا تقدمت. قال أبو ذر: والأول هو المشهور ومدلولهما واحد.
الليث- بلامين وتحتية وثاء مثلثة-: الأسد.
الغابة: موضعه، وهو الشجر الملتف.
الباسل: الكريه الشديد.
الذّروة- بكسر الذال المعجمة وضمّها-: الأعلى.
لم يمر- بفتح التحتية وسكون الميم وكسر الراء- مراه: جحده، كذا في الصحاح والعيون. وقال في الإملاء: من المراء وهو الجدال.
شلّت (بشين معجمة فلام مشددة فتاء تأنيث) .
وحشيّ (بترك التّنوين للضّرورة) .
غادر: ترك.
ألّة- (بفتح الهمزة واللام المشددة) . قال الخشنيّ: حربة لها سنان طويل. وقال في الصحاح: الحربة في نصلها عرض، والجمع الألّ بالفتح، وإلال مثل جفنة وجفان.(4/302)
المطرورة. قال الخشنيّ: المحدّدة، وفي العيون: سنان طرير: ذو هيئة حسنة.
مارنة: ليّنة.
العامل- بالعين المهملة والميم المكسورة وباللام-: أعلى الرّمح.
الفقدان: الفقد.
النّاصل- بالنون والصاد المهملة المكسورة-: الخارج، وهو هنا الخارج من السحاب.
يقال: نصل القمر من السّحاب، إذا خرج عنه.
صلى عليه الله، الصحيح الذي عليه الأكثرون أنّ الصلاة على غير الأنبياء من الأل والأصحاب وغيرهم تجوز بطريق التّبع. قال في الشفاء: عامّة أهل العلم متفقون على جواز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم.
مكرمة (بفتح الرّاء) .
نرى- بضم النون- نظنّ ونعتقد.
حرزا: حافظا.
ذا، بمعنى حافظ.
تدرأ، أي مدافعة يقال: دارأه، إذا دافعه.
العبرة: الدّمعة.
الثاكل- بالمثلثة-: الفاقد.
قطّه- بقاف مفتوحة فطاء مهملة مشددة فهاء ضمير غيبة- أي قطعه.
الرّهج: الغبار.
الجائل- بالجيم. ذاهبا وراجعا.
خرّ: سقط.
المشيخة- بفتح الميم والتحتية-: اسم جمع للشيخ، وجمعها مشايخ.
العاتي: المتجبّر الذي خرج عن الطاعة.
أرادهم: أهلكهم.
الأسرة- بضم الهمزة: القرابة.
الحلق: الدّروع.
الفاضل: الذي يفضل منه وينجرّ على الأرض.(4/303)
شرح غريب قصيدة كعب بن مالك رضي الله عنه
المسهّد- بكسر الهاء المشددة- اسم فاعل: القليل النوم، وأراد هنا الرقاد. وقال السّهيليّ: مسهّد صاحبه، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وهو الضمير المجرور فصار الضمير مفعولا لم يسمّ فاعله فاستتر في المسهّد. وقال الخشنيّ: أراد بالرقاد رقادا مسّهدا على وجه المجاز.
سلخ- بضم السين المهملة- كذا في نسخة أبي ذرّ، وفي النسخ التي وقفت عليها من السيرة.
سلب- بضم المهملة وكسر اللام وفتح الموحدة- والسّلب: الأخذ.
الأغيد- بفتح الهمزة وسكون الغين المعجمة-: النّاعم.
ضمريّة: منسوبة إلى ضمرة وهي قبيلة.
غوريّ: منسوبة إلى الغور، وهو المنخفض من الأرض.
منجد-: منسوب إلى نجد، وهو المرتفع من الأرض.
السادر- بسين فألف فدال فراء مهملات-: المتحيّر الذي لا يهتم ولا يبالي ما صنع.
تفند- بضم الفوقية وسكون الفاء وكسر النون-: تلوم وتكذّب. والفند أيضا: الكلام الذي لا يعقل. يقال: أفند الشيخ، إذا خرف وتكلم بما لا يعقل.
أنى الشيء- بفتح الهمزة والنون وآخره ألف-: حان وقته.
تناهى- بحذف إحدى التّاءين- أي تتناهى.
هددت- بضم الهاء وكسر الدال- مبنيّ للمفعول والتاء للمتكلم.
هدّة (بفتحات والدال مشددة) .
ظلّت (بفتح الظاء المعجمة المشالة وسكون التاء) .
بنات الجوف- بالجيم والواو والفاء-: القلب وما اتصل به من كبده وأمعائه، وسمّاها بنات الجوف، لأن الجوف يشتمل عليها.
ترعد: (بفتح الفوقية وسكون الراء وفتح العين المهملة) .
حراء: اسم جبل، وتقدم الكلام عليه في شرح حديث بدء الوحي.
الرّاسي: الثابت.
القرم- بفتح القاف وسكون الراء-: الفحل.(4/304)
ذؤابة هاشم: عاليها.
النّدى- بفتح النون- مقصورا-: الجود والسّخاء.
السّؤدد: من ساد قومه يسودهم سيادة وسؤددا، فهو سيّدهم وهم سادة.
العاقر الكوم: بضم الكاف ويجوز نصب الميم وجرها جمع كوماء، وهي العظيمة السّنام من الإبل.
الجلاد- بجيم ولام ودال مهملة ككتاب- جمع جلدة، بفتح الجيم وسكون اللام، قال في العيون: أوسم الإبل لبنا. وقال الخشنيّ: الجلاد: القويّة. وقال في القاموس: الإبل الغزيرة اللبن كالمجاليد، وما لا لبن لها ولا نتاج. انتهى. والمراد هنا ما صدّر به أولا.
يجمد- بضم الميم- ضد يذوب.
القرن: تقدّم في التي قبل هذه.
الكميّ- بفتح الكاف وكسر الميم وتشديد التحتية- هو الشّجاع المتكمّي في سلاحه لأنه كمّى نفسه، أي سترها بالدّرع والبيضة، والجمع الكماة، كأنه جمع كام مثل قاض وقضاة، وهو صفة للقرن.
مجدّلا: مطروحا على الجدالة، وهي الأرض.
القنا- بقاف مفتوحة فنون- جمع قناة، وهي الرّمح.
يتقصّد- بفتح القاف والصاد المهملة المشددة- أي يتكسّر.
يرفل- بفتح أوله وضم الفاء- وفيه لغة أخرى تأتي، يقال: رفل- بفتح الفاء- في ثيابه، إذا أطالها وجرّها متبخترا.
ذو لبدة- بكسر اللام وسكون الموحدة- يعني أسدا، وهي الشّعر المترسّل من كتفيه.
شثن- بشين معجمة مفتوحة فثاء ساكنة فنون- أي خشن.
البراثن- بموحدة مفتوحة فراء فألف فثاء مثلثة مكسورة فنون- جمع برثن، وهو من السّباع والطير بمنزلة الأصابع من الإنسان.
أربد- بالراء الموحدة والدال-: أغبر يخالطه سواد.
معلما- بضم الميم وسكون العين وكسر اللام- أي مشهرا نفسه بعلامة يعرف بها في الحرب.
المستشهد- بفتح الهاء- اسم مفعول.(4/305)
إخال بكسر الهمزة على الأفصح، وبنو أسد يفتحونها وهو القياس، أي أظن.
هند: هي بنت عتبة.
لتميت: مضارع أمات.
الغصّة- بغين معجمة مضمومة فصاد مهملة-: ما يختنق به.
صبحنا- بتخفيف الموحدة- أي جئناهم صباحا.
العقنقل- بعين مهملة فقاف فنون فلام-: الكثيب من الرمل، وتقدم في غزوة بدر، وكعب أشار إليها.
سراتهم- بفتح السين المهملة وتخفيف الراء-: الأشراف والسادة، جمع سري.
والسرور: السخاء مع مروءة.
العطن: مبرك الإبل حول الماء.
المعطّن: الذي قد عوّد أن يتخذ عطنا.
عتبة بن ربيعة: والد هند، قتل كافرا ببدر.
الأسود، أي ابن عبد الأسد، قتله حمزة في بدر.
ابن المغيرة هو أبو جهل عمرو بن هشام بن المغيرة.
الوريد: عرق، قيل: هو الودج وقيل: بجنبه.
رشاش- بفتح الراء-: ما ترشّش من الدم.
أميّة، أي ابن خلف الجمحي (بضم الجيم وفتح الميم وبالحاء المهملة) .
عضب- بعين مهملة فضاد معجمة ساكنة فموحّدة- السيف، وعضبه، قطعه.
مهنّد بوزن محمد، وهو السّيف المصنوع من حديد الهند.
الفلّ- بفتح الفاء واللام المشددة-: المنهزم.
ثفنهم- بثاء مثلثة ففاء فنون- قال ابن القوطيّة: ثفن الرّجل- أي بفتح الثاء والفاء- ثفنا:
طرده. وثفن الكتيبة: طردها. وقال السّهيليّ: ثفنهم: تبع آثارهم، وأصله من ثفنات البعير، وهو ما حول الخفّ منه.
شتّان، قال في القاموس: شتّان بينهما وينصب، وما هما، وما بينهما، وما عمرو وأخوه، أي بعد ما بينهما، وتكسر النون مصروفة عن شتت. اهـ.
ومنع الأصمعيّ شتّان ما بين زيد وعمرو. وقال ابن مالك في شرح التسهيل: والصحيح الجواز، لسماعه.(4/306)
شرح غريب أبيات صفية رضي الله عنها
الأعجم: الذي لا يفصح.
الصّبا: الرّيح الشرقية.
المدره- بكسر الميم وسكون الدال المهملة وفتح الراء-: الذي يدفع عن القوم.
يذود: يدفع ويمنع.
الشّلو- بكسر الشين المعجمة وسكون اللام-: البقيّة.
أضبع: جمع ضبع: حيوان معروف.
تعتادني: تتعاهدني.
النّعيّ- بنون مفتوحة فعين مهملة مكسورة فتحتية مشددة، وروي ضمّها، وعليه فهو الذي يأتي بخبر الميت، وروي بفتحها، وعليه فهو النّوح والبكاء بصوت.(4/307)
الباب الرابع عشر في غزوة حمراء الأسد
اختلفوا في سببها، فقال ابن إسحاق ومتابعوه: إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، مرهبا للعدوّ، وليبلغهم أنه خرج في طلبهم، ليظنوا به قوة وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوّهم.
وقال موسى بن عقبة، ومحمد بن عمر الأسلمي: السّبب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه إن أبا سفيان وأكثر من معه يريدون أن يرجعوا ليستأصلوا من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحينئذ حثّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس على الخروج في طلب العدوّ.
ويؤيّد هذا ما رواه الفريابيّ والنّسائي والطبراني بسند صحيح، عن ابن عباس قال: لما رجع المشركون عن أحد قالوا: لا محمدا قتلتم، ولا الكواعب أردفتم، بئسما صنعتم، ارجعوا.
فسمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فندب المسلمين، فانتدبوا. وذكر الحديث.
قال محمد بن عمر: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أحد، يوم السبت، باتت وجوه الأوس والخزرج على بابه خوفا، من كرّة العدوّ، فلمّا طلع الفجر من يوم الأحد أذّن بلال، وجلس ينتظر خروج النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى عبد الله بن عمرو بن عوف المزنيّ يطلب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما خرج قام إليه وأخبره أنه أقبل من أهله، حتى إذا كان بملل [ (1) ] إذا قريش قد نزلوا، فسمع أبا سفيان وأصحابه يقولون: ما صنعتم شيئا، أصبتم شوكة القوم وحدّهم ثم تركتموهم ولم تبيدوهم، فقد بقي فيهم رؤوس يجمعون لكم، فارجعوا نستأصل من بقي. وصفوان بن أمية يأبى ذلك عليهم، ويقول: يا قوم، لا تفعلوا فإن القوم قد حربوا وأخاف أن يجتمع عليكم من تخلّف من الخروج، فارجعوا والدولة لكم، فإنّي لا آمن أن رجعتم أن تكون الدولة عليكم،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرشدهم صفوان وما كان برشيد، والذي نفسي بيده لقد سوّمت لهم الحجارة ولو رجعوا لكان كأمس الذّاهب» .
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فذكر لهما ما أخبره به المزنيّ، فقالا: يا رسول الله، اطلب العدوّ، ولا يقحمون على الذّرّيّة. فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصبح ندب الناس، وأمر بلالا أن ينادي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم بطلب عدوّكم، ولا يخرج معنا إلا من شهد القتال بالأمس. وقال أسيد بن حضير- وبه تسع جراحات وهو يريد أن يداويها لمّا سمع النّداء-: سمعا وطاعة لله ورسوله، ولم يعرّج على دواء جرحه، وخرج من بني سلمة أربعون جريحا، بالطّفيل بن النعمان ثلاثة عشر جرحا، وبخراش بن الصّمّة عشر
__________
[ (1) ] ملل: موضع في طريق بمكة بين الحرمين [انظر مراصد الاطلاع 3/ 1309] .(4/308)
جراحات وبكعب بن مالك بضعة عشر جرحا، وبقطبة بن عامر تسع جراحات، ووثب المسلمون إلى سلاحهم، وما عرّجوا على دواء جراحاتهم.
قال ابن عقبة: وأتى عبد الله بن أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أنا راكب معك.
فقال: «لا» .
قال ابن إسحاق وابن عمر: وأتى جابر بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن مناديك نادى ألّا يخرج معنا إلا من حضر القتال بالأمس، وقد كنت حريصا على الحضور، ولكنّ أبي خلّفني على أخوات لي سبع- وفي لفظ: تسع، وهو الصحيح- وقال: يا بني لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة ولا رجل معهنّ، وأخاف عليهنّ وهن نسيّات ضعاف، ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي، فتخلّف على إخوتك، وأنا خارج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعل الله تعالى يرزقني الشهادة، وكنت رجوتها فتخلّفت عليهنّ، فاستأثر عليّ بالشهادة، فأذن لي يا رسول الله أسر معك، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال جابر: فلم يخرج معه أحد لم يشهد القتال بالأمس غيري. واستأذنه رجال لم يحضروا القتال فأبى ذلك عليهم. ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلوائه، وهو معقود لم يحلّ من الأمس، فدفعه إلى علي بن أبي طالب، ويقال: دفعه إلى أبي بكر الصديق، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مجروح في وجهه إثر الحلقتين، وهو مشجوج في جبهته في أصول الشّعر ورباعيته قد شظيت، وشفته السفلى قد كلمت من باطنها، وهو متوهّن منكبه الأيمن، لضربة ابن قمئة- لعنه الله تعالى- وركبتاه مجحوشتان، فدخل صلى الله عليه وسلم المسجد، فركع فيه ركعتين والناس قد حشدوا، كما نزل أهل العوالي حيث جاءهم الخبر.
ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرسه «السّكب» على باب المسجد، ولم يكن مع أصحابه صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد فرس إلا فرس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلقّاه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وقد سمع المنادي فخرج ينظر: متى يسير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه الدّرع والمغفر، وما يرى منه إلا عيناه،
فقال: «يا طلحة، أين سلاحك؟» قال: قريب يا رسول الله فخرج فأتى بسلاحه، وإذا به في صدره تسع جراحات، وقال: ولأنا أهمّ بجراح رسول الله صلى الله عليه وسلم منّي بجراحي، ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على طلحة فقال: «أين ترى القوم الآن؟» ، قال: هم بالسّيّالة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذلك الذي ظننت، أما إنّهم يا طلحة لن ينالوا منّا مثلها حتى يفتح الله تعالى مكة علينا» .
وكان دليله صلى الله عليه وسلم، إلى حمراء الأسد ثابت بن ثعلبة الخزرجيّ.(4/309)
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسلم طليعة من آثار القوم: سليطا، ونعمان ابني سفيان بن طلق بن عوف بن دارم من بني سهم، ومعهما ثالث من بني عوير- بطن من أسلم- لم يسمّ لنا، فلحق اثنان منهم القوم، بحمراء الأسد، وللقوم زجل وهم يأتمرون بالرجوع، وصفوان بن أميّة ينهاهم عن ذلك، فبصروا بالرجلين فعطفوا عليهما فقتلوهما ومضوا.
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، حتى عسكر بحمراء الأسد، فدفن الرجلين في قبر واحد، وهما القرينان.
وذكر ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، واللفظ له: إن عبد الله بن سهل ورافع بن سهل من بني عبد الأشهل رجعا من أحد، وبهما جراح كثيرة، وعبد الله أثقلهما من الجراح، فلما سمعا بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره به، قال أحدهما لصاحبه، والله إنّ تركنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لغبن، والله ما عندنا دابة نركبها، وما ندري كيف نصنع؟ قال عبد الله: انطلق بنا، قال رافع: لا، والله ما بي مشي، قال أخوه: انطلق بنا نتجارّ ونقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجا يتزاحفان، فضعف رافع، فكان عبد الله يحمله على ظهره عقبة، ويمشي الآخر عقبة، ولا حركة به، حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند العشاء، وهم يوقدون النيران،
فأتي بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- وعلى حرسه تلك الليلة عباد بن بشر- فقال: «ما حبسكما؟» فأخبراه بعلّتهما، فدعا لهما بخير وقال: «إن طالت بكما مدة كانت لكم مراكب من خيل وبغال وإبل، وليس ذلك بخير لكم» .
ويقال: إن هذين أنس ومؤنس ابنا فضالة الظّفريّين، ولا مانع من أن يكون ذلك حصل للأولين والآخرين.
قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: وكان عامّة زادنا التمر، وحمل سعد بن عبادة رضي الله عنه ثلاثين بعيرا حتى وافت حمراء الأسد، وساق جزرا، فنحروا في يوم اثنين وفي يوم ثلاثة.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم في النهار بجمع الحطب فإذا أمسوا أمر أن توقد النّيران، فيوقد كلّ رجل نارا، فلقد أوقدوا خمسمائة نار حتى رئيت من مكان بعيد، وذهب ذكر معسكر المسلمين ونيرانهم في كل وجه، وكان ذلك مما كبت الله به عدوّه، فأقام بحمراء الأسد الاثنين والثلاثاء والأربعاء.
ولقي معبد بن أبي معبد الخزاعيّ وهو يومئذ مشرك.
وجزم عمرو بن الجوزي في التلقيح بإسلامه، وكانت خزاعة- مسلمهم وكافرهم- عيبة نصح للنبي صلى الله عليه وسلم، بتهامة، صفقتهم معه لا يخفون عنه شيئا كان بها، فقال: يا محمد، والله(4/310)
لقد عزّ علينا ما أصابك في نفسك وما أصابك في أصحابك، ولوددنا أن الله تعالى أعلى كعبك، وأنّ المصيبة كانت بغيرك.
ثم مضى معبد ورسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد، حتى أتى أبا سفيان بن حرب ومن معه الرّوحاء، وقد أجمعوا الرّجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أصبنا خير أصحابه وقادتهم وأشرافهم، ثم نرجع قبل أن نستأصلهم لنكرّنّ على بقيّتهم فلنفرغنّ منهم، فلما رأى أبو سفيان معبدا قال: هذا معبد وعنده الخبر: ما وراءك يا معبد؟ قال: تركت محمدا وأصحابه قد خرج يطلبكم في جمع لم أر مثله قطّ، يتحرّقون عليكم تحرّقا، وقد اجتمع معه من كان تخلّف عنه بالأمس، من الأوس والخزرج، وتعاهدوا ألّا يرجعوا حتى يلحقوكم، فيثأروا منكم، وغضبوا لقومهم غضبا شديدا، وندموا على ما فعلوا، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قطّ، قال:
ويلك! ما تقول! قال: والله ما أرى أن ترحل حتى ترى نواصي الخيل، قال: فو الله لقد أجمعنا الكّرة عليهم لنستأصل بقيتهم، قال: فإني أنهاك عن ذلك، وو الله لقد حملني على ما رأيت أن قلت فيهم أبياتا من شعر، قال: وما قلت؟ قال: قلت:
كادت تهدّ من الأصوات راحلتي ... إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل
تردى بأسد كرام لا تنابلة ... عند اللّقاء ولا ميل معازيل
فظلت عدوا أظنّ الأرض مائلة ... لمّا سموا برئيس غير مخذول
فقلت: ويل ابن حرب من لقائكم ... إذا تغطمطت البطحاء بالجيل
إنّي نذير لأهل البسل ضاحية ... لكلّ ذي إربة منهم ومعقول
من جيش أحمد لا وخش تنابلة ... وليس يوصف ما أنذرت بالقيل
فثنى ذلك، مع كلام صفوان، أبا سفيان ومن معه، وفتّ أكبادهم، فانصرفوا سراعا خائفين من الطّلب.
ومرّ ركب من عبد القيس بأبي سفيان فقال: أين تريدون؟ قالوا: نريد المدينة. قال:
ولم؟ قالوا: نريد الميرة، قال: فهل أنتم مبلّغون عنّي محمدا رسالة أرسلكم بها إليه وأوقر لكم أباعركم زبيبا غدا بعكاظ إذا وافيتموها؟ قالوا: نعم، قال: إذا وافيتم محمدا فأخبروه أنّا قد أجمعنا المسير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيّتهم وأنّا في آثاركم. فانطلق أبو سفيان، وقدم الراكب برسول الله صلى الله عليه وسلم، بحمراء الأسد، فأخبروه بالذي قال أبو سفيان وأصحابه،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران 173] .
وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه ذلك قبل رجوعه إلى المدينة معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية. وكان لجأ إلى عثمان بن عفان، فاستأمن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمّنه على إن(4/311)
وجد بعد ثلاث قتل، فأقام بعد ثلاث وتوارى، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وعمار بن ياسر رضي الله عنهما، وقال: إنكما ستجدانه بموضع كذا وكذا، فوجداه فقتلاه.
وأخذ أيضا أبا عزّة الجمحيّ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر، ثم منّ عليه، فقال: يا رسول الله أقلني،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «والله لا تمسح عارضيك بمكة»
وتقول: خدعت محمدا مرتين، أضرب عنقه يا زبير، فضرب عنقه.
قال ابن هشام: وبلغني عن سعيد بن المسيّب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين»
اهـ.
والحديث رواه البخاري وغيره عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا وزاد الكشميهنيّ والسّرجينيّ من رواة الصحيح: «من جحر واحد» [ (1) ] .
وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن أقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء.
وقال البلاذريّ: غاب عن المدينة خمسا، وأنزل الله سبحانه وتعالى:
الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ. دعاءه بالخروج للقتال لمّا أراد أبو سفيان العود.
وتواعدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم سوق بدر العام المقبل من يوم أحد.
مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ بأحد.
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا [آل عمران، 172] بطاعته.
أَجْرٌ عَظِيمٌ هو الجنة.
الَّذِينَ بدل من الذين قبله أو نعت.
قالَ لَهُمُ النَّاسُ أي نعيم بن مسعود والأشجعيّ.
إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ الجموع ليستأصلوكم.
فَاخْشَوْهُمْ ولا تأتوهم.
فَزادَهُمْ ذلك القول إِيماناً تصديقا بالله تعالى ويقينا.
وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ كافيا أمرهم.
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران 173] المفوّض إليه الأمر هو.
فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ بسلامة.
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 529 (6133) ومسلم 4/ 2295 (63- 2998) .(4/312)
لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ من قتل أو جرح.
وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ بطاعته ورسوله في الخروج.
وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران 174] على أهل طاعته.
إِنَّما ذلِكُمُ أي القائل لكم: إن الناس إلخ.
الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ الكفّار.
فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ في ترك أمري.
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران 175] حقّا.
روى البخاريّ والنسائي وابن أبي حاتم في الدلائل، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قالوا إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [ (1) ] .
تنبيهات
الأول: حمراء الأسد بالمدّ، قال أبو عبيد البكريّ: تأنيث أحمر مضاف إلى الأسد، وهي على ثمانية أميال من المدينة، على يسار الطّريق، إذا أردت «ذو الحليفة» .
الثاني: كان خروج النبي صلى الله عليه وسلم إليها صبيحة يوم الأحد لستّ عشرة مضت من شوّال، وعند ابن سعد لثمان خلون منه والخلاف عندهم في أحد، كما سبق.
الثالث: اختلفوا في سبب نزول هذه الآية السّابقة. فعن مجاهد وطائفة أنها نزلت في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة بدر الموعد. وذهب غيرهم إلى أنها نزلت لمّا خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد، واقتضاه صنيع البخاريّ ورجّحه ابن جرير، ورواه ابن مردويه والخطيب عن ابن عباس، وعبد بن حميد، وابن جرير، عن قتادة وغيرهم.
الرابع:
روى سعيد بن منصور والحميديّ والشيخان وابن ماجة والحاكم والبيهقي، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت لعروة: لمّا أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما أصابهم يوم أحد، وانصرف المشركون، خاف أن يرجعوا فقال: من يذهب في آثارهم؟ فانتدب سبعون رجلا كان فيهم أبو بكر والزّبير.
وعند الطبراني عن ابن عباس: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعمار بن ياسر، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو حذيفة، وابن مسعود.
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 8/ 77 (4563) .(4/313)
قال في البداية: هذا سياق غريب جدا، فإنّ المشهور عند أصحاب المغازي أنّ الذين خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد كلّ من شهد أحدا، وكانوا سبعمائة كما تقدم، قتل منهم سبعون وبقي الباقون.
قلت: الظاهر- والله أعلم- أنه لا تخالف بين قول عائشة وما ذكره أصحاب المغازي، لأنّ معنى قولها: «فانتدب منهم سبعون» أنهم سبقوا غيرهم، ثم تلاحق الباقون، ولم ينبّه على ذلك الحافظ في الفتح.
الخامس: في بيان غريب ما سبق:
مرهبا- بكسر الهاء- اسم فاعل أي مخيفا.
يوهنهم: يضعفهم.
استأصله: قلعه بأصوله، ومنه قيل: استأصل الله الكفّار، أي أهلكهم جميعا.
الكواعب: جمع كاعب وهي المرأة حين يبدو ثديها للنّهود.
أردفه: جعله خلفه على الدّابّة.
ندبه لكذا: دعاه إليه.
ملل- بميم فلام مفتوحتين فلام أخرى-: موضع قريب من المدينة.
شوكة القوم: شدّة بأسهم وقوّتهم.
حدّهم- بحاء مهملة- غضبهم.
باد: هلك.
حربوا- بالحاء المهملة والموحدة-: غضبوا.
سوّمت: علّمت أي جعلت لها علامة يعرف بها أنها من عند الله تعالى.
كأمس الذاهب ...
يقحمون: يدخلون.
لم يعرّج على كذا- بالتشديد-: لم يقف عنده بل عدل عنه.
مشجوج: مجروح.
شظيت- بفتح الشين وكسر الظاء المشالة المعجمتين- أي ذهب منها فلقة.
حشدوا: جمعوا.
كلمت: جرحت.(4/314)
المنكب: مجتمع رأس العضد والكتف.
السّيّالة- بسين مهملة مفتوحة فتحتية مشددة-: قرية جامعة، بينها وبين المدينة تسعة وعشرون ميلا.
الطليعة: الذي يتقدّم العسكر ليطّلع على أمر العدوّ.
الزّجل- بفتح الزاي والجيم-: الصّوت الرّفيع العالي.
يأتمرون: يأمر بعضهم بعضا.
عقبة: من الاعتقاب في الرّكوب.
عيبة- بفتح العين المهملة وسكون التحتية فموحدة فتاء تأنيث- أي موضع سره وأمانته، كعيبة الثّياب التي يوضع فيها المتاع.
تهامة- بكسر الفوقية- اسم لكلّ ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز، ومكة من تهامة.
صفقتهم معه، أي اتّفاقهم.
أعلى كعبك: شرّفك.
الروحاء- بفتح الراء وسكون الواو وبالحاء المهملة والمد-: قرية جامعة، وقد تقدم ذكرها.
أجمعوا الرّجعة: عزموا عليها.
يثأرون منكم: يقتلون.
الحنق: شدّة الغيظ.
كادت: قربت.
تهدّ- بضم الفوقية وفتح الهاء- أي تسقط لهول ما رأيت من أصوات الجيش وكثرته.
الجرد- بضم الجيم وسكون الراء وبالدال المهملة- جمع أجرد، وهو من الآدميّ من لا شعر عليه، ومن الخيل: ما رقّ شعره وقصر، وهو المراد هنا.
الأبابيل: الجماعات، واحد إبّيل.
تردي: تسرع.
التّنابلة: القصار.
الميل: جمع أميل، وهو الذي لا رمح معه: وقيل: هو الذي لا ترس معه، وقيل: هو الذي لا يثبت على السّرج.(4/315)
المعازيل- بالعين المهملة والزاي-: الذين لا سلاح معهم.
العدو: المشي السّريع.
سموا: علوا وارتفعوا.
ابن حرب هنا: أبو سفيان.
تغطمطت- بفوقية فغين معجمة فطاءين مهملتين بينهما ميم- أي اهتزّت وارتجّت.
البطحاء: السّهل من الأرض.
الجيل- بالجيم والتحتية-: الصّنف من النّاس.
البسل- بفتح الموحدة وسكون السين المهملة-: الحرام، وأراد بأهله قريشا لأنهم أهل مكّة، ومكة حرام.
الضاحية- بالضاد المعجمة-: البارزة للشّمس.
الإربة- بكسر الهمزة وبالموحدة-: هي هنا العقل.
الوخش- بفتح الواو وسكون الخاء وبالشين المعجمتين- رذالة النّاس وأخساؤهم.
التّنابلة تقدّم، ومن رواه قنابلة فهو جمع قنبلة، وقد تقدّم أيضا.
القيل والقول واحد، وقال بعضهم: القول: المصدر، والقيل: الاسم.
فثنى ذلك أبا سفيان- بثاء مثلثة فنون فألف مقصورة- أي صرفه وردّه.
فتّ- بفتح الفاء وتشديد الفوقية- أي كسر.
الميرة- بكسر الميم-: الطّعام.
أوقر: حمل.
الأباعر والأبعرة والبعران بالضّم: جمع بعير.
عكاظ- بضم العين المهملة وفتح الكاف وبالظاء المعجمة المشالة-: سوق كانت في الجاهلية قرب عرفات.
وافيتموها: أتيتموها.
حسبنا الله: كافينا.
لجأ إليه: اعتصم واستجار.
عارضيك: تثنية عارض، وهو صفحة الخدّ.
اللّدغ- بالدال المهملة والغين المعجمة-: ما يكون من ذوات السموم.
الجحر- بضم الجيم وسكون الحاء المهملة- الثّقب، والمراد هنا ثقب الجبة.(4/316)
الباب الخامس عشر في غزوة بني النّضير
اختلفوا في سببها، فروى عبد الرزاق وعبد بن حميد، وأبو داود، والبيهقي بإسناد صحيح، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنّ كفّار قريش كتبوا إلى ابن أبيّ ومن كان يعبد معه الأوثان من الأوس والخزرج، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر: «إنكم قد آويتم صاحبنا، وإنكم أكثر أهل المدينة عددا، وإنّا نقسم بالله لنقاتلنّه، أو لتخرجنّه، أو لنستعدينّ عليكم العرب، ثم لنسيرنّ إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح نساءكم، وأبناءكم» . فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبيّ ومن كان معه من عبدة الأوثان تراسلوا، واجتمعوا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما بلغه صلى الله عليه وسلم لقيهم في جماعة من أصحابه،
فقال: «لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت لتكيدكم بأكثر ممّا تريدون أن تكيدوا به أنفسكم، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم»
[ (1) ] . فلما سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم تفرّقوا وعرفوا الحق.
فبلغ ذلك كفّار قريش، فكتبوا بعد وقعة بدر إلى اليهود: «إنكم أهل الحلقة والحصون، وإنكم لتقاتلنّ صاحبنا أو لنفعلنّ كذا وكذا، ولا يحول بين خدم نسائكم شيء» ، فلما بلغ كتابهم اليهود اجتمعت بنو النّضير بالغدر، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخرج إلينا في ثلاثين من أصحابك، وليخرج منا ثلاثون حبرا، حتى نلتقي على أمر بمكان نصف بيننا وبينك، فيسمعوا منك، فإن صدّقوك وآمنوا بك آمنّا بك كلنا. فلما كان من الغد غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثين رجلا من أصحابه، وخرج إليه ثلاثون حبرا من يهود، حتى إذا برزوا في برازٍ من الأرض قال بعضهم لبعض: كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلا من أصحابه، كلّهم يحب أن يموت قبله، فأرسلوا إليه: كيف نفهم ونحن ستّون رجلا اخرج في ثلاثة من أصحابك ونخرج إليك في ثلاثة من علمائنا، فيسمعوا منك، فإن صدّقوك وآمنوا بك آمنّا بك، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم في ثلاثة من أصحابه وخرجت ثلاثة من اليهود، واشتملوا على الخناجر، وأرادوا الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها وهو رجل مسلم من الأنصار فأخبرته خبر ما أراد بنو النّضير من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أخوها سريعا حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسارّه بخبرهم قبل أن يصل إليهم، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فذكر الحديث.
__________
[ (1) ] أخرجه أبو داود 3/ 156 (3004) والبيهقي في الدلائل 3/ 179 وعبد الرزاق في المصنف (9733) .(4/317)
وقال ابن إسحاق وابن عمر وابن سعد وابن عائذ وجلّ أهل المغازي: إن عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه أقبل من بئر معونة حتى إذا كان بقناة لقي رجلين من بني عامر بن صعصعة، قد كان النبي صلى الله عليه وسلم وادعهما، فنسبهما فانتسبا، فقال معهما حتى إذا ناما وثب عليهما فقتلهما، ثم خرج حتى ورد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدر حلب شاة، فأخبره خبرهما،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بئس ما صنعت- قد كان لهم منّا أمان [وعهد] » فقال: ما شعرت، كنت أراهما على شركهما، وكان قومهما قد نالوا منّا ما نالوا من الغدر بنا، وجاء بسلبهما،
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلبهما فعزل، حتى يبعث به مع ديتهما. وكان بين بني النّضير وبين بني عامر عقد وحلف، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم السبت فصلّى في مسجد قباء، ومعه رهط من المهاجرين والأنصار، ثم جاء بني النّضير ومعه دون العشرة من أصحابه، فوجدهم في ناديهم، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمهم أن يعينوه في دية الكلابيّين اللّذين قتلهما عمرو بن أمية، فقالوا: نفعل يا أبا القاسم ما أحببت، قد إن لك أن تزورنا وأن تأتينا، اجلس حتى تطعم وترجع لحاجتك، ونقوم فنتشاور ونصلح أمرنا فيما جئتنا به، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مستند إلى بيت من بيوتهم، ثم خلا بعضهم ببعض فتناجوا، فقال حيي بن اخطب: يا معشر يهود قد جاءكم محمد في نفر من أصحابه لا يبلغون عشرة- ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والزّبير، وطلحة، وسعد بن معاذ، وأُسيد بن الحضير، وسعد بن عبادة- فاطّرحوا عليه حجارة من فوق هذا البيت الذي هو تحته فاقتلوه، ولن تجدوه أخلى منه الساعة، فإنه إن قتل تفرق عنه أصحابه، فلحق من كان معه [من قريش] بحرمهم، وبقي من كان هاهنا من الأوس والخزرج، فما كنتم تريدون أن تصنعوا يوما من الدهر فمن الآن، فقال عمرو بن جحّاش- بفتح الجيم وتشديد الحاء المهملة وآخره شين معجمة- النّضري: إذا أظهر على البيت فأطرح عليه صخرة، قال سلّام بن مشكم: يا قوم أطيعوني هذه المرة وخالفوني الدهر، والله لئن فعلتم ليخبرنّ بأنّا قد غدرنا به، وإن هذا نقض للعهد الذي بيننا وبينه، فلا تفعلوا، وهيّأ عمرو بن جحّاش الصّخرة ليرسلها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدحرجها، فلما أشرف بها جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما همّوا به، فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا، كأنه يريد حاجة، وتوجّه نحو المدينة، وجلس أصحابه يتحدّثون وهم يظنون أنه قام يقضي حاجة.
وروى عبد بن حميد عن عكرمة، قال: فبينما اليهود على ذلك إذ جاء جاء من اليهود من المدينة فلما رأى أصحابه يأتمرون بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، قال لهم: ما تريدون؟ قالوا: نريد أن نقتل محمدا ونأخذ أصحابه، فقال لهم: وأين محمد؟ قالوا: هذا محمد قريب، فقال لهم صاحبهم: والله لقد تركت محمدا داخل المدينة، فسقط في أيديهم. واستبطأ الصحابة الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم النبي صلّى الله عليه وسلم، وراث عليهم خبره، فلما يئسوا من ذلك قال أبو بكر: ما(4/318)
مقامنا هاهنا بشيء، لقد توجّه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر، فقاموا في طلبه، فقال حيي بن اخطب:
لقد عجّل أبو القاسم، كنا نريد أن نقضي حاجته ونقريه، وندمت يهود على ما صنعوا. فقال لهم كنانة بن صويراء: «هل تدرون لم قام محمد؟» قالوا: لا والله ما ندري، وما تدري أنت! قال:
بلى والتوراة إنّي لأدري، قد أخبر محمد بما هممتم به من الغدر، فلا تخدعوا أنفسكم، والله أنه لرسول الله، وما قام إلا أنه أخبر بما هممتم به من الغدر، وإنه لآخر الأنبياء، وكنتم تطمعون أن يكون من بني هارون، فجعله الله حيث شاء. وإن كتبنا والذي درسنا في التوراة التي لم تغيّر، ولم تبدّل: أنّ مولده بمكّة، وأن دار هجرته يثرب، وصفته بعينها ما تخالف حرفا مما في كتابنا، وما يأتيكم به أولى في محاربته إيّاكم، ولكأني أنظر إليكم ظاعنين يتضاغى صبيانكم قد تركتم دوركم خلوفا وأموالكم، وإنما هي شرفكم، فأطيعوني في خصلتين، والثالثة لا خير فيها» . قالوا: ما هما؟ قال: «تسلمون وتدخلون مع محمد، فتأمنون على أموالكم وأولادكم، وتكونون من علية أصحابه، وتبقى بأيديكم أموالكم، ولا تخرجون من دياركم» ، قالوا: لا نفارق التوراة وعهد موسى. قال: «فإنه مرسل إليكم: اخرجوا من بلدي فقولوا: نعم، فإنه لا يستحلّ لكم دما ولا مالا، وتبقى أموالكم لكم، إن شئتم بعتم، وإن شئتم أمسكتم» ، قالوا: أمّا هذا فنعم. قال سلّام بن مشكم: «قد كنت لما صنعتم كارها، وهو مرسل إلينا أن اخرجوا من داري، فلا تعقّب يا حييّ كلامه، وأنعم له بالخروج، واخرج من بلاده» . قال: افعل، أنا أخرج.
فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة تبعه أصحابه، فلقوا رجلا خارجا من المدينة، فسألوه: هل لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم، لقيته بالجسر داخلا. فلما انتهى إليه أصحابه وجدوه قد أرسل إلى محمد بن مسلمة يدعوه، فقال أبو بكر: يا رسول الله، قمت ولم نشعر،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «همّت يهود بالغدر بي، فأخبرني الله تعالى فقمت» .
قال ابن عتبة: وأنزل الله تعالى في ذلك قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المائدة 11] .
ورواه عبد بن حميد عن عكرمة.
ذكر إرساله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة إليهم واعترافهم برسالته
لمّا جاء محمد بن مسلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اذهب إلى يهود بني النضير فقل لهم:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسلني إليكم أن اخرجوا من بلدي» .
فلما جاءهم قال:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم برسالة، ولست أذكرها لكم حتى أعرّفكم بشيء تعرفونه في مجلسكم، فقالوا: ما هو؟ قال: أنشدكم بالتوراة، التي أنزل الله على موسى: هل تعلمون أني(4/319)
جئتكم قبل أن يبعث محمد وبينكم التوراة فقلتم لي في مجلسكم هذا: يا بن مسلمة إن شئت أن نغدّيك غدّيناك، وإن شئت أن نهوّدك هوّدناك، فقلت لكم: بل غدّوني ولا تهوّدوني، فإني والله لا أتهوّد أبدا، فغدّيتموني في صحفة لكم، وقلتم لي: ما يمنعك من ديننا إلا أنه دين يهود، كأنك تريد الحنيفية التي سمعت بها، أما إنّ أبا عامر الراهب ليس بصاحبها، أتاكم صاحبها الضّحوك القتّال في عينيه حمرة، ويأتي من قبل اليمن، يركب البعير، ويلبس الشّملة، ويجتزئ بالكسرة، وسيفه على عاتقه، ينطق بالحكمة كأنه وشيجتكم هذه، والله ليكوننّ في قريتكم هذه سلب، وقتل، ومثل، قالوا: اللهم نعم، قد قلنا ذلك وليس به. قال: قد فرغت،
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم يقول لكم: «إنكم قد نقضتم العهد الذي جعلت لكم، بما هممتم به من الغدر بي» .
وأخبرهم بما كانوا همّوا به وظهور عمرو بن جحّاش على البيت ليطرح الصخرة، فأسكتوا، فلم يقولوا حرفا.
ويقول: «اخرجوا من بلدي وقد أجّلتكم عشرا، فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه» ،
قالوا: يا محمد، ما كنا نرى أن يأتي بهذا رجل من الأوس.
قال محمد بن مسلمة: تغيّرت القلوب.
فمكثوا على ذلك أيّاما يتجهّزون، وأرسلوا إلى ظهرهم بذي الجدر يجلب لهم، وتكاروا من ناس من أشجع [إبلا] وجدّوا في الجهاز.
ذكر إرسال عبد الله بن أبيّ إليهم بعد الخروج من أرضهم
فبينما هم على ذلك إذ جاءهم رسولا عبد الله بن أبي ابن سلول: سويد، وداعس، فقالا: يقول عبد الله بن أبيّ: لا تخرجوا من دياركم وأموالكم، وأقيموا في حصونكم، فإنّ معي ألفين من قومي وغيرهم من العرب، يدخلون معكم حصنكم، فيموتون عن آخرهم قبل أن يوصل إليكم، وتمدّكم قريظة، فإنهم لن يخذلوكم، ويمدّكم حلفاؤكم من غطفان. وأرسل ابن أبيّ إلى كعب بن أسد القرظيّ يكلمه أن يمدّ أصحابه، فقال: لا ينقض رجل واحد منا العهد.
فيئس ابن أبيّ من بني قريظة، وأراد أن يلحم الأمر فيما بين بني النّضير ورسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يرسل إلى حيي بن اخطب، فقال حييّ: أنا أرسل إلى محمد أعلمه أنّا لا نخرج من دارنا وأموالنا، فليصنع ما بدا له. وطمع حييّ فيما قال ابن أبيّ.
فقال له سلّام بن مشكم: «منّتك نفسك والله- يا حييّ الباطل، ولولا أن يسفّه رأيك لاعتزلتك بمن أطاعني من يهود، فلا تفعل يا حييّ، فو الله إنك لتعلم- ونعلم معك- أنه لرسول الله، وأنّ صفته عندنا، وأنّا لم نتّبعه وحسدناه، حيث خرجت النبوة من بني هارون، فتعال فلنقبل ما أعطانا من الأمن ونخرج من بلاده، وقد عرفت أنّك خالفتني في الغدر به، فإذا كان أوان الثّمر، جئنا أو جاء أحد منّا إلى ثمره فباع أو صنع ما بدا له، ثم انصرف إلينا، فكأنّا لم(4/320)
نخرج من بلادنا إذا كانت أموالنا بأيدينا إنّا إنّما شرفنا على قومنا بأموالنا وفعالنا، فإذا ذهبت أموالنا من أيدينا كنّا كغيرنا من اليهود في الذّلة والإعدام وإن محمدا إن سار إلينا فحاصرنا في هذه الصياصي يوماً واحداً، ثم عرضنا عليه ما أرسل به إلينا لم يقبله، وأبى علينا» .
قال حيي بن اخطب: «إن محمدا لا يحصرنا إلّا إن أصاب منا نهزة، وإلا انصرف، وقد وعدني ابن أبيّ ما قد رأيت» .
قال سلّام: «ليس قول ابن أبيّ بشيء، إنما يريد ابن أبيّ أن يورطك في الهلكة حتى تحارب محمدا، ثم يجلس في بيته ويتركك، قد أراد من كعب بن أسد النّصر وأبى كعب، وقال: لا ينقض هذا العهد رجل من بني قريظة وأنا حي، وإلا فابن أبيّ قد وعد حلفاءه من بني قينقاع مثل ما وعدك حتى حاربوا ونقضوا العهد، وحصروا أنفسهم في صياصيهم، وانتظروا نصر ابن أبيّ، فجلس في بيته، وسار إليهم محمد فحصرهم، حتى نزلوا على حكمه، فابن أبيّ لا ينصر حلفاءه، ونحن لم نزل نضربه بسيوفنا مع الأوس في حروبهم كلها، إلى أن انقطعت حروبهم، وقدم محمد فحجز بينهم. وابن أبيّ لا هو على دين يهود، ولا هو على دين محمد، ولا هو على دين قومه، فكيف تقبل منه قوله؟ قال حييّ: «تأبى نفسي إلّا عداوة محمد وإلّا قتاله» . قال سلّام: «فهو والله جلاؤنا من أرضنا، وذهاب أموالنا وشرفنا، وسبي ذرارينا، مع قتل مقاتلتنا» فأبى حييّ إلّا محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال له ساموك- بالكاف- ابن أبي الحقيق- بحاء مهملة مضمومة فقاف مفتوحة فتحتية ساكنة ثم قاف أخرى- وكان ساموك ضعيفا عندهم في عقله، كانت به جنّة: «يا حييّ أنت رجل مشؤوم، تهلك بني النضير» ، فغضب حييّ وقال: كلّ بني النّضير قد كلّمني حتى هذا المجنون، فضربه إخوته، وقالوا لحييّ: أمرنا لأمرك تبع، لن نخالفك.
فأرسل حييّ أخاه جديّ- بضم الجيم وفتح الدال المهملة وتشديد التحتية- ابن أخطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: إنّا لا نبرح من ديارنا وأموالنا، فاصنع ما أنت صانع. وأمره أن يأتي ابن أبيّ فيخبره برسالته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأمره أن يتعجل ما وعد من النّصر.
فذهب جديّ بن أخطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أرسله حييّ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس بين أصحابه فأخبره، فأظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير، وكبّر المسلمون لتكبيره، وقال: حاربت يهود.
وخرج جديّ حتى دخل على ابن أبيّ وهو جالس في بيته، ومعه نفر من حلفائه، وقد نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم بالمسير إلى بني النضير، فدخل عبد الله بن عبد الله بن(4/321)
أبيّ على أبيه وعلى النّفر الذين معه، وعنده جديّ بن أخطب، فلبس درعه، وأخذ سيفه وخرج يعدو.
قال جديّ: لمّا رأيت ابن أبيّ جالسا في ناحية البيت، وابنه عليه السّلاح، يئست منه ومن نصره، فخرجت أعدو إلى حييّ، فقال: ما وراءك؟ قال: فقلت الشرّ، ساعة أخبرت محمدا بما أرسلت به إليه أظهر التكبير وقال: حاربت يهود، قال: وجئت ابن أبيّ فأخبرته، ونادى منادي محمد بالمسير إلى بني النضير، فقال حييّ: وما ردّ عليك ابن أبيّ؟ قال جديّ: لم أر عنده خيرا، قال: أنا أرسل إلى حلفائي من غطفان. فيدخلون معكم.
ذكر مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير
سار رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه إلى بني النضير.
واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وحملت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبّة من خشب الغرب، عليها مسوح أرسل بها سعد بن عبادة رضي الله عنه، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بفضاء بني النّضير، فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاموا على جدر حصونهم، معهم النّبل والحجارة، واعتزلتهم بنو قريظة، فلم يعينوهم بسلاح ولا رجال، ولم يقربوهم، فجعلت بنو النضير يرمون ذلك اليوم بالنّبل والحجارة. وقام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء رجع إلى بيته في عشرة من أصحابه، عليه الدّرع، وهو على فرس، واستعمل على العسكر علي بن أبي طالب، ويقال: أبو بكر، رضي الله عنهما، وبات المسلمون يحاصرونهم ويكبّرون حتى أصبحوا ثم أذّن بلال بالفجر، فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه الذين كانوا معه فصلّى بالناس في فضاء بني خطمة، وأمر بلالا فضرب القبّة في موضع المسجد الصغير الذي بفضاء بني خطمة، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبّة.
وكان رجل من يهود يقال له: عزوك، وكان أعسر راميا، فيرمي فتبلغ نبله قبّة النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر بقبّته فحوّلت إلى مسجد الفضيخ، فتباعدت من النّبل.
وأمسوا فلم يقربهم ابن أبيّ، ولا أحد من حلفائه، وجلس في بيته، ويئست بنو النّضير من نصره، وجعل سلّام بن مشكم وكنانة بن صويراء يقولان لحييّ: أين نصر بن أبيّ الذي زعمت؟ قال حييّ: ما أصنع؟! هي ملحمة كتبت علينا.
ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم حصارهم، فلما كانت ليلة من الليالي فقد علي رضي الله عنه قرب العشاء،
فقال الناس: يا رسول الله، ما نرى عليّا! قال: «دعوه، فإنه في بعض شأنكم!»
فعن قليل جاء برأس عزوك، وقد كمن له حين خرج يطلب غرّة من المسلمين، وكان شجاعا راميا، فشدّ عليه فقتله، وفرّ من كان معه، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عليّ أبا دجانة وسهل بن(4/322)
حنيف في عشرة من أصحابه فأدركوا اليهود الذين فرّوا من عليّ، فقتلوهم وطرحت رؤوسهم في بعض البئار.
وكان سعد بن عبادة- رضي الله عنه- يحمل التّمر إلى المسلمين.
ذكره أمره صلى الله عليه وسلم بقطع النخيل
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع نخل بني النّضير، واستعمل على قطعها أبا ليلى المازنيّ، وعبد الله بن سلّام، وكان أبو ليلى يقطع العجوة. وكان عبد الله بن سلام يقطع اللّون فقيل لهما في ذلك، فقال أبو ليلى: كانت العجوة أحرق لهم، وقال عبد الله بن سلام: قد عرفت أن الله سيغنمه أموالهم. وكانت العجوة خيرا لهم، فلما قطعت العجوة شقّ النساء الجيوب، وضربن الخدود، ودعون بالويل، فجعل سلّام بن مشكم يقول: يا حييّ، العذق [خير] من العجوة، يغرس فلا يطعم ثلاثين سنة يقطع! فأرسل حييّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يا محمد، إنك] كنت تنهى عن الفساد فلم تقطع النّخل؟ ووجد بعض المسلمين في أنفسهم من قولهم، وخشوا أن يكون فسادا، فقال بعضهم: لا تقطعوا، وقال بعضهم: بل نقطعه لنغيظهم بذلك.
وأرسل حييّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن نعطيك الذي سألت ونخرج من بلادك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أقبله اليوم، ولكن اخرجوا منها، ولكم ما حملت الإبل إلّا الحلقة» .
فقال سلّام بن مشكم: اقبل ويحك، من قبل أن تقبل شرّا من ذلك، فقال حييّ: ما يكون شرّا من هذا. قال سلّام بن مشكم: تسبى الذّرّيّة وتقتل المقاتلة مع الأموال. والأموال أهون علينا، فأبى حييّ أن يقبل يوما أو يومين، فلما رأى ذلك يامين بن عمير وأبو سعد بن وهب قال أحدهما لصاحبه: والله إنك لتعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما ننتظر أن نسلم فنأمن على دمائنا وأموالنا؟ فنزلا من الليل فأسلما وحرّزا أموالهما ودماءهما، ثم نزلت يهود على أن لهم ما حملت الإبل إلّا الحلقة.
وجعل يامين لرجل من قيس عشرة دنانير، ويقال: خمسة أوسق من تمر، حتى قتل عمرو بن جحّاش غيلة، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله.
وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن عمر وابن سعد، والبلاذري، وأبو معشر، وابن حبّان: خمسة عشر يوما.
وقال ابن إسحاق وأبو عمرو: ستّ ليال.
وقال سليمان التيمي: قريباً من عشرين ليلة.
وقال ابن الكلاع: ثلاث وعشرين ليلة.(4/323)
وعن عائشة: خمس وعشرين حتى أجلاهم.
وولي إخراجهم محمد بن مسلمة- رضي الله عنه- فقالوا: إنّ لنا ديونا على الناس إلى آجال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعجّلوا وضعوا» .
فكان لأبي رافع سلّام بن أبي الحقيق على أسيد بن حضير عشرون ومائة دينار إلى سنة، فصالحه على أخذ رأس ماله ثمانين دينارا، وأبطل ما فضل.
وكانوا في حصارهم يخربون بيوتهم ممّا يليهم، وكان المسلمون يخربون بيوتهم ممّا يليهم، ويحرقون، حتى وقع الصّلح.
ذكر خروج بني النضير من أرضهم
لما خرجوا حموا النّساء والذّريّة، وما استقلّت به الإبل من الأمتعة، فكان الرجل يهدم بيته عن نجاف بابه، وأظهروا تجلّدا عظيما، فخرجوا على بلحارث بن الخزرج، ثم على الجبليّة، ثم على الجسر، حتى مرّوا بالمصلّى ثم شقّوا سوق المدينة، والنساء في الهوادج وعليهنّ الدّيباج والحرير وقطف الخزّ الخضر والحمر وحلّي الذهب والفضّة، والمعصفر.
ونادى أبو رافع سلّام بن أبي الحقيق، ورفع مسك جمل وقال: هذا ممّا نعدّه لخفض الأرض ورفعها، فإن تكن النخل قد تركناها فإنا نقدم على نخل بخيبر.
ومرّوا ومعهم الدفوف والمزامير والقيان يعزفن خلفهم تجلّدا، وصفّ لهم الناس فجعلوا يمرّون قطارا في أثر قطار، تحمّلوا على ستمائة بعير. وحزن المنافقون لخروجهم أشدّ الحزن.
فنزل أكثرهم بخيبر، منهم حيي بن اخطب، وسلّام بن أبي الحقيق، وكنانة بن صويراء. فدان لهم أهلها، وذهبت طائفة منهم إلى الشّام.
وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال والحلقة فوجد خمسين درعا، وخمسين بيضة، وثلاثمائة وأربعين سيفا.
وقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ألا تخمّس ما أصبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أجعل شيئا جعله الله تعالى لي دون المؤمنين» بقوله: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى.. [الحشر 7] الآية،
كهيئة ما وقع فيه السّهمان.
وكانت بنو النّضير من صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، جعلها حبسا لنوائبه.
وكان ينفق على أهله منها، كانت خالصة له فأعطى منها من أعطى وحبس ما حبس.
وكان يزرع تحت النّخل، وكان يدّخر منها قوت أهله سنة من الشّعير والتّمر لأزواجه وبني عبد المطلب، وما فضل جعله في الكراع والسلاح.(4/324)
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا تحوّل من بني عمرو بن عوف إلى المدينة تحوّل المهاجرون، فتنافست فيهم الأنصار، فما إن ينزلوا عليهم حتى اقترعوا فيهم بالسّهمان، فما نزل أحد من المهاجرين على أحد من الأنصار إلا بقرعة بسهم، فكان المهاجرون في دور الأنصار وأموالهم.
فلما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النّضير دعا ثابت بن قيس بن شمّاس، فقال: ادع لي قومك، قال ثابت: الخزرج يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأنصار كلها!» فدعا له الأوس والخزرج، فتكلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله تعالى وأثنى عليه بما هو أهله، ثم ذكر الأنصار وما صنعوا بالمهاجرين وإنزالهم إيّاهم في منازلهم وإيثارهم على أنفسهم، ثم قال: «إن أحببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين مما أفاء الله تعالى على من بني النضير، وكان المهاجرون علي ما هم عليه من السّكنى في مساكنكم وأموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم» . فتكلّم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ- رضي الله عنهما- وجزاهما خيرا، فقالا: «يا رسول الله بل تقسمه بين المهاجرين، ويكونون في دورنا كما كانوا» ، ونادت الأنصار- رضي الله عنهم وجزاهم خيرا-: «رضينا وسلّمنا يا رسول الله» .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار» .
فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أفاء الله تعالى عليه، وأعطى المهاجرين، ولم يعط أحدا من الأنصار من ذلك الفيء شيئا إلا رجلين كانا محتاجين: سهل بن حنيف وأبا دجانة، وأعطى سعد بن معاذ رضي الله عنه سيف بن أبي الحقيق، وكان سيفا له ذكر عندهم.
وذكر البلاذريّ في كتاب فتوح البلدان إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار: «ليس لإخوانكم من المهاجرين أموال، فإن شئتم قسمتم هذه وأموالكم بينكم وبينهم جميعا، وإن شئتم أمسكتم أموالكم وقسمت هذه فيهم خاصة» .
قالوا: بل اقسم هذه فيهم واقسم لهم من أموالنا ما شئت فنزلت: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ [الحشر 9] .
قال أبو بكر رضي الله عنه: جزاكم الله يا معشر الأنصار خيرا، فو الله ما مثلنا ومثلكم إلّا كما قال الغنويّ- وهو بالغين المعجمة والنّون-:
جزى الله عنّا جعفرا حين أزلقت ... بنا نعلنا في الواطئين فزلّت
أبوا أن يملّونا ولو أمّنا ... تلاقي الّذي يلقون منّا لملّت
قلت: وروى الآجريّ في كتاب الشريعة عن قيس بن أبي حازم: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فذكر نحو ما تقدم.(4/325)
ذكر محاورة عمرو بن سعدى اليهودي في أمر النبي صلى الله عليه وسلم
قال محمد بن عمر: حدثني إبراهيم بن جعفر، عن أبيه قال:
لما خرجت بنو النضير من المدينة أقبل عمرو بن سعدى وطاف بمنازلهم فرأى خرابا، ففكّر ثم رجع إلى بني قريظة فوجدهم في الكنيسة لصلاتهم، فنفخ في بوقهم فاجتمعوا. فقال الزّبير- وهو بفتح الزاي وكسر الموحدة- ابن باطا القرظيّ: يا أبا سعيد، أين كنت منذ اليوم؟
لم أرك. وكان لا يفارق الكنيسة، وكان يتألّه في اليهودية. قال: «رأيت اليوم عبرا عبّرنا بها، رأيت دار إخواننا خالية بعد ذلك العزّ والجلد والشّرف الفاضل والعقل البارع قد تركوا أموالهم، وملكها غيرهم، وخرجوا خروج ذلّ، ولا والتّوراة ما سلط هذا على قوم قطّ، والله بهم حاجة، وقد أوقع قبل ذلك بابن الأشرف بياتا في بيته آمنا، وأوقع بابن سنينة سيّد يهود، وأنجدهم وأجلدهم، وأوقع ببني قينقاع، فأجلاهم وهم أهل جدّ يهود، وكانوا أهل عدّة وسلاح ونجدة، فحصرهم فلم يخرج إنسان رأسه حتى سباهم، فكلّم فيهم فتركهم على أن أجلاهم من يثرب، يا قوم، لقد رأيتم ما رأيتم فأطيعوني وتعالوا نتّبع محمدا، فو الله إنكم لتعلمون أنه نبيّ وقد بشّرنا به علماؤنا، آخرهم ابن الهيّبان أبو عمير، وابن جوّاس وهما أعلم يهود، جاءانا من بيت المقدس يتوكّفان قدومه، ثم أمرانا باتباعه، وأن نقرئه منهما السلام، ثم ماتا على دينهما ودفنا بحرّتنا هذه» ، فأسكت القوم فلا يتكلم منهم متكلم، فأعاد الكلام أو نحوه، وخوّفهم بالحرب والسّباء والجلاء.
فقال الزّبير بن باطا: «والتوراة قد قرأت صفته في التوراة، التي نزلت على موسى، ليس في المثاني التي أحدثنا» ، فقال له كعب بن أسد: ما يمنعك يا أبا عبد الرحمن من اتّباعه؟ قال:
أنت يا كعب، قال كعب: ولم؟ والتّوراة ما حلت بينك وبينه قطّ، قال الزّبير: بل أنت صاحب عهدنا وعقدنا، فإن اتبعته اتّبعناه، وإن أبيت أبينا.
فأقبل عمرو بن سعدى على كعب فقال: أما والتوراة التي أنزلت على موسى يوم طور سينا إنه للعزّ والشّرف في الدنيا، وأنه لعلى منهاج موسى، وينزل معه وأمته غدا في الجنة. قال كعب: نقيم على عهدنا وعقدنا فلا يخفر لنا محمد ذمّة، وننظر ما يصنع حييّ، فقد أخرج إخراج ذلّ وصغار، فلا أراه يقرّ حتى يغزو محمدا، فإن ظفر بمحمد فهو ما أردنا، وأقمنا على ديننا وإن ظفر بحييّ فما في العيش خير، وتحوّلنا من جواره.
قال عمرو بن سعدى: ولم نؤخّر الأمر وهو مقبل؟ قال كعب: ما على هذا فوق، متى أردت هذا من محمد أجابني إليه. قال عمرو، والتوراة، إن عليه لغوثا، إذا سار إلينا محمد فتخبأنا في حصوننا هذه التي قد خدعتنا، فلا نفارق حصوننا حتى ننزل على حكمه، فيضرب(4/326)
أعناقنا. قال كعب بن أسد: ما عندي في أمره إلا ما قلت، ما تطيب نفسي أن أصير تابعا لقول هذا الإسرائيليّ، ولا يعرف لي فضل النّبوّة ولا قدر الفعال. قال عمرو بن سعدى: بل لعمري ليعرفنّ ذلك.
فبينما هم على ذلك لم يرعهم إلا بمقدّمة النبي صلى الله عليه وسلم قد حلّت بساحتهم، فقال: هذا الذي قلت لك. وذلك أنهم نقضوا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاربوه في وقعة الخندق، كما سيأتي بيان ذلك. وأنزل الله سبحانه وتعالى غالب سورة الحشر في شأنهم.
وروى الشيخان عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة الحشر، قال، قل:
سورة النّضير، قال الله سبحانه وتعالى:
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أي نزّهه، فاللّام مزيدة، وفي الإتيان ب «ما» تغليب للأكثر.
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ في ملكه وصنعه.
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ هم بنو النّضير من اليهود.
مِنْ دِيارِهِمْ مساكنهم بالمدينة.
لِأَوَّلِ الْحَشْرِ هو حشرهم إلى الشّام، وآخره أن أجلاهم عمر في خلافته إلى خيبر.
ما ظَنَنْتُمْ أيها المؤمنون.
أَنْ يَخْرُجُوا، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ خبر أن حُصُونُهُمْ فاعله، به تمّ الخبر.
مِنَ اللَّهِ من عذابه.
فَأَتاهُمُ اللَّهُ أمره وعذابه.
مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا لم يخطر ببالهم من جهة المؤمنين.
وَقَذَفَ ألقى.
فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ بسكون العين وضمّها: الخوف، فقتل سيّدهم كعب بن الأشرف.
يُخْرِبُونَ بالتشديد والتخفيف من خرّب وأخرب بُيُوتَهُمْ لينقلوا ما استحسنوه منها من خشب وغيره.
بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ. وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ قضى عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ الخروج من الوطن.(4/327)
لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا بالقتل والسّبي، كما فعل بقريظة من اليهود.
وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا خالفوا.
اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ له.
ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ نخلة.
أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ أي خيّركم في ذلك.
وَلِيُخْزِيَ بالإذن في القطع.
الْفاسِقِينَ اليهود في اعتراضهم بأنّ قطع الشّجر المثمر فساد.
وَما أَفاءَ رد اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ أسرعتم يا مسلمين عَلَيْهِ مِنْ زائدة خَيْلٍ وَلا رِكابٍ إبل، أي لم تقاسوا فيه مشقّة.
وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فلا حقّ لكم فيه، ويختصّ به النبي صلى الله عليه وسلم، ويفعل فيه ما يشاء، فأعطى منه المهاجرين وثلاثة من الأنصار لفقرهم.
ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى كالصّفراء وادي القرى وينبع.
فَلِلَّهِ يأمر فيه بما يشاء.
وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي صاحب الْقُرْبى قرابة النبيّ من بني هاشم وبني المطلب.
وَالْيَتامى أطفال المسلمين الذين هلكت آباؤهم وهم فقراء.
وَالْمَساكِينِ ذوي الحاجة من المسلمين.
وَابْنِ السَّبِيلِ المنقطع في سفره من المسلمين، أي يستحقه النبيّ والأصناف الأربعة على ما كان يقسمه من أنّ لكل من الأربعة خمس الخمس وله الباقي.
كَيْ لا كي بمعنى اللام، وأن مقدّرة بعدها.
يَكُونَ دُولَةً متداولا.
بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ أعطاكم.
الرَّسُولُ من الفيء وغيره فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.(4/328)
لِلْفُقَراءِ متعلق بمحذوف أي اعجبوا الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ في إيمانهم.
وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ أي المدينة وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ حاجة إلى ما يؤثرون به.
وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ حرصها على المال.
فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ من بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة يَقُولُونَ:
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا حقدا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ. أَلَمْ تَرَ تنظر إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وهم بنو النّضير وإخوانهم في الكفر: لَئِنْ لام قسم في الأربعة أُخْرِجْتُمْ من المدينة لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ في خذلانكم أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ حذفت منه اللّام الموطّئة لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ، لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ أي جاءوا لنصرهم لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ واستغنى بجواب القسم المقدّر عن جواب الشرط في المواضع الخمسة ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ أي اليهود.
لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً خوفا فِي صُدُورِهِمْ أي المنافقين مِنَ اللَّهِ لتأخير عذابه.
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ. لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً أي اليهود مجتمعين إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَو مِنْ وَرَاءِ جِدار سور، وفي قراءة: جُدُرٍ.
بَأْسُهُمْ حربهم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً مجتمعين.
وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى متفرقة، خلاف الحسبان.
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ. مثلهم في ترك الإيمان كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً بزمن قريب وهم أهل بدر من المشركين ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ عقوبته في الدنيا من القتل وغيره وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ مؤلم مثلهم أيضا في سماعهم من المنافقين وتخلّفهم عنهم.
كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ: اكْفُرْ، فَلَمَّا كَفَرَ قالَ: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ، إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ كذبا منه ورياء فَكانَ عاقِبَتَهُما أي الغاوي والمغويّ، وقرئ بالرّفع أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ [الحشر من 1: 17] .(4/329)
ذكر بعض ما قيل في هذه الغزوة من الأشعار
قال كعب بن مالك رضي الله عنه يذكر إجلاء بني النّضير وقتل ابن الأشرف:
لقد خزيت بغدرتها الحبور ... كذاك الدّهر ذو صرف يدور
وذلك أنّهم كفروا بربّ ... عزير أمره أمر كبير
وقد أوتوا معا فهما وعلما ... وجاءهم من الله النّذير
نذير صادق أدّى كتابا ... وآيات مبيّنة تنير
فقالوا: ما أتيت بأمر صدق ... وأنت بمنكر منّا جدير
فقال: بلى، لقد أدّيت حقّا ... يصدّقني به الفهم الخبير
فمن يتبعه يهد لكلّ رشد ... ومن يكفر به يجز الكفور
فلمّا أشربوا غدرا وكفرا ... وجدّ بهم عن الحقّ النّفور
أرى الله النّبيّ برأي صدق ... وكان الله يحكم لا يجور
فأيّده وسلّطه عليهم ... وكان نصيره نعم النّصير
فغودر منهم كعب صريعا ... فزلّت بعد مصرعه النّضير
على الكفّين ثمّ وقد علته ... بأيدينا مشهّرة ذكور
بأمر محمّد إذ دسّ ليلا ... إلى كعب أخا كعب يسير
فماكره فأنزله بمكر ... ومحمود أخو ثقة جسور
فتلك بنو النّضير بدار سوء ... أبارهم بما اجترموا المبير
غداة أتاهم في الزّحف رهوا ... رسول الله وهو بهم بصير
وغسّان الحماة مؤازروه ... على الأعداء وهو لهم وزير
وقال: السّلم ويحكم فصدّوا ... وحالف أمرهم كذب وزور
فذاقوا غبّ أمرهم وبالا ... لكّلّ ثلاثة منهم بعير
وأجلوا عامدين لقينقاع ... وغودر منهم نخل ودور
تنبيهات
الأول: النضير- بفتح النون وكسر الضاد المعجمة السّاقطة-: حيّ من يهود دخلوا في العرب وهم على نسبهم إلى هارون نبيّ الله تعالى صلى الله عليه وسلم، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا، وكان الله تعالى قد كتب عليهم هذا الجلاء.
الثاني: قال في الهدي: زعم محمد بن شهاب الزّهريّ أنّ غزوة بني النّضير كانت بعد بدر بسّتة أشهر، وهذا وهم منه وغلط، بل الذي لا شك فيه أنّها كانت بعد أحد، انتهى.(4/330)
والزّهريّ إنما نقل ذلك عن عروة ورواه الحاكم وصححه، وأقرّه الذهبيّ والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها، لكن قال البيهقيّ: هكذا قال، أي أحد رواته عن الزهري، عن عروة عن عائشة وذكر عائشة غير محفوظ، وتقدّم كلام ابن كثير في ذلك، وفي آخر غزوة بني قينقاع فراجعه.
الثالث: روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: حرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النّضير وقطع، وهي البويرة، فنزلت ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ [ (1) ] [الحشر 5] .
وروي أيضا عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النّضير. قال ابن عمر: ولها يقول حسان بن ثابت:
وهان على سراة بني لؤيّ ... حريق بالبويرة مستطير
قال: فأجابه أبو سفيان بن الحراث، أي قبل إسلامه:
أدام الله ذلك من صنيع ... وحرّق في جوانبها السّعير
ستعلم أيّنا منها بنزه ... وتعلم أيّ أرضينا تضير
قال الحافظ: ونسبة هذه الأبيات لحسان بن ثابت وجوابها لأبي سفيان بن الحارث هو المشهور كما في الصحيح. ونقل أبو الفتح عن أبي عمرو الشيبانيّ أن الذي قال «وهان على سراة بني لؤيّ» هو أبو سفيان بن الحارث، وإنما قال: «عزّ» بدل «هان» وأن الذي أجابه بقوله: «أدام الله ذلك من صنيع» البيتين هو حسان، قال: وهو أشبه من الرواية التي وقعت في البخاري.
قال الحافظ ولم يذكر مستندا للترجيح: والذي يظهر أن الذي في الصحيح أصحّ، وذلك أن قريشا كانوا يظاهرون كلّ من عادى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعدونهم النصر والمساعدة، فلما وقع لبني النّضير من الخذلان ما وقع قال حسان الأبيات المذكورة، توبيخا لقريش، وهم بنو لؤيّ كيف خذلوا أصحابهم.
وقد ذكر ابن إسحاق أن حسان قال ذلك في غزوة بني قريظة، وإنما ذكر بني النّضير استطرادا، وستأتي الأبيات بكمالها في غزوة بني قريظة.
وفي جواب أبي سفيان بن الحارث في قوله «وتعلم أيّ أرضينا تضير» ما يرجّح ما وقع في الصحيح، لأن أرض بني النضير تجاور أرض الأنصار، فإذا خربت أضرّت بما جاورها بخلاف أرض قريش، فإنّها بعيدة منها بعدا شديدا، فلا نبالي بخرابها، فكأنّ أبا سفيان يقول:
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير (3021) .(4/331)
تخريب أرض بني النضير وتحريقها إنما يضرّ أرض من جاورها، وأرضكم التي تجاورها، فهي التي تتضرّر لا أرضنا، ولا يتهيأ مثل هذا في عكسه إلا بتكلّف.
وكان من أنكر استبعد أن يدعو أبو سفيان بن الحارث على أرض الكفرة مثله بالتحريق في قوله:
أدام الله ذلك من صنيع والجواب عنه أن اسم الكفر وإن جمعهم لكنّ العداوة الدّينيّة كانت قائمة بينهم، لما بين أهل الكتاب وعبدة الأوثان من التّباين، وأيضا فقوله:
وحرّق في نواحيها السّعير يريد بنواحيها المدينة، فيرجع ذلك الدعاء على المسلمين أيضا.
الرابع: في بيان غريب ما سبق:
البراز- بفتح الموحدة وكسرها-: الفضاء الواسع الخالي من الشجر.
الخناجر- بفتح الخاء المعجمة وبالجيم المكسورة- جمع خنجر، وهو السّكّين الكبير.
فتك به فتكا من بابي ضرب وقتل، وبعضهم يقول: فتكا بتثليث الفاء، أي بطش به، أو قتله على غفلة، وهذا هو المراد هنا.
معونة- بميم مفتوحة فعين مهملة مضمومة- اسم ماء لبني عامر بن صعصعة، وهو بفتح الصادين والعين الثانية المهملات وسكون العين الأولى.
قناة- بفتح القاف وبالنون- تقدّم في أحد.
وادعهما: صالحهما.
قال معهما: من قال يقيل قيلا وقيلولة، أي نام نصف النهار. والقائلة: اسم القيلولة.
شعرت: علمت.
الحلف- بكسر الحاء المهملة وسكون اللام- المعاقدة والمعاهدة على التّعاضد والاتّفاق.
تناجوا: تسارّوا الكلام.
النادي: مجلس القوم ومتحدّثهم.
النّضرى (بالنون والضاد المعجمة) .(4/332)
سلّام: المشهور ما قاله ابن الصّلاح فيه التشديد، مشكم (بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الكاف) .
ليخبرنّ (بفتح الموحدة مبني للمفعول) .
صويراء (بضم الصاد المهملة وفتح الواو وسكون التحتية وبألف التأنيث الممدودة) .
راث- بالثاء المثلثة- من باب باع: أبطأ.
كنانة (بكسر الكاف) .
«ظاعنين- بالظاء المعجمة المشالة- أي راحلين.
يتضاغى- بضاد وغين معجمتين-: يتباكى.
خلوفا- بضم الخاء المعجمة- أي غيّبا لم يبق منهم أحد.
علية أصحابه: أشرافهم.
أنعم له: قال له نعم.
الجسر- بكسر الجيم وفتحها وسكون السين المهملة-: القنطرة.
ذكر غريب إرساله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة
أنشدكم بالله: أسألكم به.
يجتزئ- بالجيم والزاي-: يكتفي.
سيفه على عاتقه، أي يجعله بعلاقته عليه، لا كما يفعل التّرك وغيرهم.
اسكتوا (بضم أوله) .
نرى: نظنّ.
الجدر (بفتح الجيم وسكون الدال المهملة وبالراء) .
تكاروا: اكتروا.
شرح غريب إرسال عبد الله بن أبيّ إليهم ومسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ... وشرح غريب خروجهم
يلحم الأمر- بالحاء-: يجعله يشتدّ.
حييّ (بلفظ تصغير حيّ) .
بدا له- بلا همز-: ظهر له.(4/333)
النّهزة- بضم النون وسكون الهاء وبالزاي-: الفرصة، وهي النّوبة.
الورطة- بفتح الواو-: الهلاك والأمر الشاقّ.
الجلاء-: ترك المنزل من خوف.
الصّياصي: الحصون، الواحدة صيصية (بكسر المهملتين وفتح التحتية المخففة) .
الغرب- بفتح الغين المعجمة والراء وبالموحدة-: ضرب من الشجر.
خطمة (بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة) .
مسجد الفضيخ (بفاء مفتوحة فضاد وخاء معجمتين بينهما تحتية) .
الملحمة- بالفتح-: القتل.
استقلّت به الإبل: رفعته وطاقت حمله.
نجاف الباب- بكسر النون وبالجيم-: أسكفّته.
الجبليّة- بالجيم فموحّدة مفتوحتين فلام مكسورة فتحتية مشددة- اسم مكان الهوادج، جمع هودج: من مراكب النساء.
قطف- بضمتين- وقطائف جمع قطيفة: دثار له خمل.
المسك- بالفتح وسكون السين المهملة-: الجلد، والجمع مسوك.
الحلقة- بفتح الحاء وسكون اللام-: السّلاح كله.
السّهمان- بالضّمّ- والأسهم والسّهام جمع سهم وهو النّصيب.
الكراع- بضم الكاف وتخفيف الراء- اسم لجماعة الخيل.
تنافست: يقال: نفست به- بكسر الفاء- مثل ضننت به وزنا ومعنى.
أزلقت، قال في النور- بالزّاي والقاف- يقال: أزلقت الحامل، إذا رمت ولدها. انتهى.
والذي في نسخه من العيون مقروءة على مصنّفها وغيره- بالفاء- أي دنت وقربت.
شرح غريب محاورة عمرو بن سعد اليهودي
البوق بالضمّ معروف.
يتألّه: يتعبّد.
العبر- بكسر العين المهملة وفتح الموحدة-: التّذكّر والاتّعاظ.
عبّرنا بها (بضم العين المهملة وتشديد الموحدة المكسورة) .(4/334)
الجلد- بفتح الجيم واللام-: القوة.
أهل جدّ يهود: الجدّ: المكانة العظيمة والغنى.
النّجدة: الشجاعة.
الهيّبان (بفتح الهاء وتشديد التحتية بعدها موحّدة) .
جوّاس (بفتح الجيم والواو المشددة وآخره سين مهملة) .
يتوكّفان: ينتظران.
يخفر- بالخاء المعجمة-: ينقض عهدهم.
لم يرعهم: لم يفزعهم.
شرح غريب قصيدة كعب بن مالك رضي الله عنه
خزيت- بالخاء المفتوحة والزاي المكسورة المعجمتين-: ذلّت.
الحبور جمع حبر، وهو العالم، ويقال في جمعه أحبار، وأراد بالحبور هنا علماء يهود المدينة.
صرف: تغيّر.
يدور: يتحوّل وينتقل.
جدير: حقيق وخليق.
جدّ بهم: مال بهم.
مشهّرة- بالراء- من الشّهرة.
ذكور- بذال معجمة- يعني السّيوف.
أبارهم- بالراء-: أهلكهم.
اجترموا: اكتسبوا.
الرّهو- بالراء- مشي في سكون.
السّلم- بفتح السين وكسرها-: الصّلح.
حلف: صاحب، والحليف: الصاحب.
غبّ أمرهم- بالغين المعجمة والموحدة- أي أبعد أمرهم.
الوبال: النكال والقتل.(4/335)
شرح غريب أبيات حسان بن ثابت وأبي سفيان بن الحارث
السّراة: الأشراف.
لؤيّ (بالهمزة وتركه) .
البويرة- بموحدة مضمومة فواو مفتوحة فتحتية ساكنة فراء فتاء تأنيث-: موضع من بلد بني النّضير قاله ابن قرقول. وقال غيره: البويرة: نخل قرب المدينة.
مستطير: منتشر متفرّق كأنه طار في نواحيها.
السّعير: النار الملتهبة.
بنزه- بموحدة فنون مضمومة فزاي ساكنة وبالهاء- أي ببعد وزنا ومعنى، وقد تفتح النّون.
أرضينا- بفتح الضاد، وروي بكسرها- الأول تثنية أرض والثاني جمعها.
تضير- بفتح الفوقية وكسر الضاد من الضّير- أي تتضرّر بذلك، ومنهم من رواه بالصاد المهملة.(4/336)
الباب السادس عشر في غزوة بدر الموعد
وسببها إن أبا سفيان بن حرب لما أراد أن ينصرف يوم أحد نادى: موعد ما بيننا وبينكم بدر الصّفراء، رأس الحول، نلتقي فيها فنقتتل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: قل:
نعم إن شاء الله، فافترق الناس على ذلك، ورجعت قريش فخبّروا من قبلهم بالموعد.
وكانت بدر الصفراء مجمعا للعرب، وسوقا تقوم لهلال ذي القعدة إلى ثمان ليال خلون منه، فإذا مضت ثمان ليال تفرق الناس إلى بلادهم.
فلما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحبّ ألا يوافى رسول الله صلى الله عليه وسلم الموعد، وكان أبو سفيان يظهر أنه يريد أن يغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمع كثيف، فيبلغ أهل المدينة عنه أنه يجمع الجموع، وتسير في العرب، فيهاب المسلمون ذلك.
وقدم نعيم بن مسعود الأشجعيّ مكة- وأسلم بعد ذلك- فبصّر أبا سفيان وقريشا بتهيّؤ المسلمين لحربهم. وكان عام جدب، فأعلمه أبو سفيان بأنه كاره للخروج إلى لقاء المسلمين، واعتلّ بجدب الأرض، وجعل لنعيم عشرين فريضة توضع تحت يد سهيل بن عمرو، على أن يخذّل المسلمين عن المسير لموعده، وحمله على بعير. فقدم المدينة وأرجف بكثرة جموع أبي سفيان حتى أرعب المسلمين، وهو يطوف فيهم حتى قذف الرعب في قلوبهم، ولم يبق لهم نيّة في الخروج، واستبشر المنافقون واليهود، وقالوا: محمد لا يفلت من هذا الجمع، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى خشي ألّا يخرج معه أحد، وجاءه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وقد سمعا ما سمعا، وقالا: يا رسول الله أن الله تعالى مظهر دينه، ومعزّ نبيّه، وقد وعدنا القوم موعدا لا نحبّ أن نتخلّف عنه، فيرون أن هذا جبن، فسر لموعدهم، فوالله إن في ذلك لخيرة، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، ثم
قال: والذي نفسي بيده لأخرجنّ وإن لم يخرج معي أحد.
فنصر الله تعالى المسلمين، وأذهب عنهم ما كان الشيطان رعّبهم.
ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
استخلف على المدينة عبد الله بن عبد الله ابن أبي ابن سلول فيما قاله ابن إسحاق.
وقال محمد بن عمر: استخلف عبد الله بن رواحة.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ألف وخمسمائة، فيهم عدّة أفراس، فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرس لأبي بكر، وفرس لعمر بن الخطاب، وفرس لأبي قتادة، وفرس لسعيد بن زيد، وفرس للمقداد بن الأسود، وفرس للحباب بن المنذر، وفرس للزبير بن العوام، وفرس لعبّاد بن بشر.(4/337)
وحمل لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وخرج المسلمون بتجارات لهم إلى بدر فربحت ربحا كثيرا.
قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: ربحت للدّينار دينارا.
فانتهوا إلى بدر ليلة هلال ذي القعدة، وقام السّوق صبيحة الهلال، فأقاموا ثمانية أيام، والسوق قائمة، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على بدر ينتظر أبا سفيان لميعاده.
فأتاه مخشيّ بن عمرو الضّمريّ، وهو الذي كان وادعه على بني ضمرة في غزوة ودان، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر أهل الموسم، فقال: يا محمد، لقد أخبرنا أنه لم يبق منكم أحد، فما أعلمكم إلا أهل الموسم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإن شئت مع ذلك رددنا ما كان بيننا وبينك، فقال: لا والله ما لنا بذلك من حاجة، بل نكفّ أيدينا عنكم، ونتمسّك بحلفك.
وقال أبو سفيان لقريش: قد بعثنا نعيم بن مسعود لأن يخذّل أصحاب محمد عن الخروج، وهو جاهد، ولكن نخرج نحن فنسير ليلة أو ليلتين ثم نرجع، فإن كان محمد لم يخرج بلغه أنّا خرجنا فرجعنا، لأنه لم يخرج، فيكون هذا لنا عليه، وإن كان خرج أظهرنا أن هذا عام جدب، ولا يصلحنا إلا عام عشب. قالوا: نعم ما رأيت. فخرج في قريش وهم ألفان ومعهم خمسون فرسا، حتى انتهوا إلى مجنّة من ناحية الظّهران، ثم قال: ارجعوا لا يصلحنا إلا عام خصب غيداق، نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن، وإن عامكم هذا عام جدب، وإني راجع فارجعوا، فسمّى أهل مكة ذلك الجيش «جيش السّويق» ، ويقولون: خرجوا يشربون السّويق.
وانطلق معبد بن أبي معبد الخزاعيّ سريعا، بعد انقضاء الموسم إلى مكة، فأخبر بكثرة المسلمين، وأنهم أهل ذلك الموسم، وأنهم ألفان، وأخبر بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للضّمريّ، فقال صفوان بن أمية لأبي سفيان: قد والله نهيتك يومئذ أن تعد القوم، وقد اجترأوا علينا، ورأوا أنّا قد أخلفناهم، وإنما خلّفنا الضّعف عنهم، وأخذوا في الكيد والنّفقة في قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستجلبوا من حولهم من العرب، وجمعوا الأموال وضربوا البعث على أهل مكة، فلم يترك أحد منهم إلا أن يأتي بمال، ولم يقبل من أحد منهم أقلّ من أوقيّة لغزو الخندق.
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.(4/338)
ذكر بعض ما قيل في هذه الغزوة من الأشعار
قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:
وعدنا أبا سفيان بدرا فلم نجد ... لميعاده صدقا وما كان وافيا
فأقسم لو وافيتنا فلقيتنا ... لأبت ذميما وافتقدت المواليا
تركنا به أوصال عتبة وابنه ... وعمرا أبا جهل تركناه ثاويا
عصيتم رسول الله أفّ لدينكم ... وأمركم السّيء الّذي كان غاويا
فإنّي وإن عنّفتموني لقائل ... فدى لرسول الله أهلي وماليا
أطعناه لم نعذله فينا بغيره ... شهابا لنا في ظلمة اللّيل هاديا
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
دعوا فلجات الشّام قد حال دونها ... جلاد كأفواه المخاض الأوارك
بأيدي رجال هاجروا نحو ربّهم ... وأنصاره حقّا وأيدي الملائك
إذا سلكت للغور من بطن عالج ... فقولا لها: ليس الطّريق هنالك
أقمنا على الرّسّ النّزوع ثمانيا ... بأرعن جرّار عريض المبارك
بكلّ كميت جوزه نصف خلقه ... وقبّ طوال مشرفات الحوارك
ترى العرفج العاميّ تذري أصوله ... مناسم أخفاف المطيّ الرّواتك
فإن نلق في تطوافنا والتماسنا ... فرات بن حيان يكن رهن هالك
وإن تلق قيس بن امرئ القيس بعده ... يزد في سواد لونه لون حالك
فأبلغ أبا سفيان عنّي رسالة ... فإنّك من غرّ الرّجال الصّعالك
تنبيهان
الأول: قال في البداية: قال الواقديّ: خرج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مستهلّ ذي القعدة، يعني سنة أربع، والصحيح قول ابن إسحاق أن ذلك في شعبان من هذه السنة، ووافق موسى بن عقبة أنّها في شعبان لكن قال سنة ثلاث. وهذا وهم فإنّ هذه تواعدوا إليها من أحد، وكانت أحد في شوال سنة ثلاث.
الثاني: في بيان غريب ما سبق:
كثيف: كثير.
عام جدب: قحط.
الفريضة هنا. البعير.(4/339)
أرجف: خوّف.
بصّر- بالموحدة والصاد المهملة المشددة-: أعلم.
مجنّة- بميم فجيم فنون مشددة مفتوحات ويجوز كسر الميم والنون-: سوق بقرب مكة.
الظّهران: تقدم الكلام عليه.
غيداق: كثير النبات والأمطار.
استجلبوا العرب- بالحاء المهملة-: جمعوهم وألّبوهم.
افتقدت: فقدت.
الموالي هنا. القرابة.
الثّاوي: المقيم.
أفّ: كلمة تقال عند تقذّر الشّيء.
وأمركم السّيء: أراد السّيّئ فخفّف، كما يقال: هيّن وهين وميّت وميت، ويروى بالشين المعجمة.
عنّفتموني: لمتموني.
لم نعدله، أي لم نسوّه مع غيره.
الفلجات: الأودية، واحدها فالج وفلج. وفلج أيضا: اسم نهر بعينه.
المخاض: الحوامل من الإبل.
الأوارك: التي ترعى الأراك، وهو شجر.
الغور: المنخفض من الأرض.
عالج: اسم مكان فيه رمل كثير.
الرّس: البئر.
النّزوع: التي يخرج ماؤها بالأيدي.
الأرعن: الجيش الكثير الذي له أتباع وفضول.
جرّار (بالجيم والراء) .
عريض: متسع.(4/340)
جوزه- بالجيم والزاي- يعني وسطه، وأراد به هنا بطنه.
قبّ: جمع أقبّ وهو الضّامر.
الحوارك جمع حارك وهو أعلى الكتفين من الفرس.
العرفج- بعين مهملة فراء ففاء فجيم-: نبات.
العاميّ: الذي أتى عليه عام.
تذري أصوله- بفوقية فذال معجمة- أي تقلعه وتطرحه.
مناسم: جمع منسم وهو طرف خفّ البعير، والخفّ للبعير بمنزلة الحافر للدّابّة.
الرّواتك: المسرعة. والرّتك والرّتكان: ضرب من المشي فيه إسراع.
الحالك- بالحاء المهملة-: الشّديد السّواد.
الغرّ: البيض.
الصّعالك: جمع صعلوك، حذفت الياء من الجمع هنا لإقامة وزن الشعر، وهو الفقير الذي لا مال له.(4/341)
الباب السابع عشر في غزوة دومة الجندل
وسببها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يدنو إلى أدنى الشّام، وقيل له: إنها طرف من أفواه الشّام، فلو دنوت لها لكان ذلك مما يفزع قيصر، وذكر له أن بها جمعا كثيرا، وأنّهم يظلمون من مرّ بهم، ويريدون أن يدنوا من المدينة، فندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس.
واستخلف على المدينة سباع- بمهملة مكسورة فموحّدة فألف فعين مهملة- ابن عرفطة بضم العين المهملة والفاء- الغفاريّ، بكسر الغين المعجمة.
وخرج صلى الله عليه وسلم في ألف من أصحابه، فكان يسير اللّيل ويكمن النّهار، ومعه دليل له من بني عذرة يقال له: «مذكور» رضي الله عنه، هاد خرّيت، وسار مغذّا للسّير، ونكّب عن طريقهم، فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من دومة الجندل
قال له الدّليل: يا رسول الله، إن سوائمهم ترعى عندك فأقم لي حتّى أطّلع لك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم» ،
فخرج العذريّ طليعة وحده حتى وجد آثار النّعم والشّاء وهم مغرّبون، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره وقد عرف مواضعهم، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى هجم على ماشيتهم ورعائهم، فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وفرّ باقيهم فتفرق أهل دومة الجندل، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم فلم يجد بها أحدا، فأقام بها أيّاما، وبثّ السّرايا فعادت كلّ سريّة بإبل ولم تلق أحدا، إلّا إن محمد بن مسلمة أخذ رجلا منهم، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله عن أصحابه فقال: هربوا أمس لمّا سمعوا أنك أخذت نعمهم، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أياما فأسلم، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، في العشرين من ربيع الآخر، ووادع صلى الله عليه وسلم في طريقه عيينة بن حصن الفزاريّ أن يرعى بتغلمين وما والاها إلى المراض، وكانت بلاده قد أجدبت.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
دومة الجندل- بدال مهملة مضمومة، ويجوز فتحها فواو ساكنة-: بلد بينها وبين دمشق خمس ليال.
أدنى الشام: أقربها إلى المدينة.
هاد: دليل.
الخرّيت: الماهر الذي يهتدي لأخرات المفازة، وهي طرقها الخفيّة ومضايقها.
نكّب- بالنون- عدل.
السّوائم جمع سائمة.(4/342)
الطّليعة: القوم يبعثون أمام الجيش.
مغرّبون (بغين معجمة مفتوحة فراء مكسورة مشددة) .
الساحة: الموضع المتّسع أمام الدّار.
وادع: صالح.
تغلمين- بفوقية فغين معجمة ساكنة فلام مفتوحة فتحتية ساكنة فنون-: موضع في بني فزارة.
المراض كسحاب: موضع، أو واد، على ستة وثلاثين ميلا من المدينة.(4/343)
الباب الثامن عشر في غزوة بني المصطلق
وهي غزوة المريسيع، وسببها أن الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن مالك بن جذيمة بن كعب بن خزاعة سيّد بني المصطلق جمع لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قدر عليه من قومه ومن العرب، فتهيّأوا للمسير إليه، وكانوا ينزلون ناحية الفرع، فبلغ خبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث بريدة- بضم الموحدة- ابن الحصيب- بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين- الأسلميّ يعلم ذلك، واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول، فأذن له، فخرج حتى ورد عليهم ماءهم، فوجد قوما مغرورين قد تألّبوا وجمعوا الجموع، فقالوا: من الرّجل؟
قال: رجل منكم قدمت لمّا بلغني عن جمعكم لهذا الرّجل، فأسير في قومي ومن أطاعني، فنكون يدا واحدة حتى نستأصله. قال الحارث بن أبي ضرار: فنحن على ذلك فعجّل علينا، فقال بريدة: أركب الآن فآتيكم بجمع كثيف من قومي، فسرّوا بذلك منه، ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبر القوم، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، وأخبرهم خبر عدوّهم، فأسرع الناس الخروج.
ذكر خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع
استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة زيد بن حارثة، فيما قال محمد بن عمر، وابن سعيد. وقال ابن هشام: أبا ذرّ الغفاريّ، ويقال: نميلة بن عبد الله الليثيّ، وهو بضم النون تصغير نملة.
وقاد المسلمون ثلاثين فرسا، للمهاجرين عشرة، منها فرسان لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لزاز- بلام فزاي فألف فزاي أخرى- والظّرب- بظاء معجمة مشددة مفتوحة فراء مكسورة فموحدة.
وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر كثير من المنافقين لم يخرجوا في غزاة قطّ مثلها، ليس بهم رغبة في الجهاد إلا أن يصيبوا من عرض الدنيا، ولقرب السّفر عليهم.
فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سلك على الخلائق فنزل بها،
فأتي يومئذ برجل من عبد القيس فسلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: أين أهلك؟ قال: بالرّوحاء، فقال: أين تريد؟ قال: إياك جئت لأؤمن بك، وأشهد أن ما جئت به حق، وأقاتل معك عدوّك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الحمد لله الذي هداك إلى الإسلام، وسأل: أيّ الأعمال أحب إلى الله؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
الصلاة لأوّل وقتها.
وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عينا للمشركين، فسأله عنهم، فلم يذكر من شأنهم شيئا،(4/344)
فعرض عليه الإسلام فأبى، فأمر عمر بن الخطاب فضرب عنقه.
وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع، وقد بلغ القوم مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتله عينهم، فتفرّق عن الحارث من كان قد اجتمع عليه من أفناء العرب.
وضرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبّة من أدم.
وكان معه من نسائه عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، وتهيّأ الحارث للحرب، فصفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، ودفع راية المهاجرين إلى أبي بكر، ويقال: إلى عمار بن ياسر، وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة.
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب فنادى في الناس: قولوا: لا إله إلا الله، تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم، ففعل عمر ذلك، فأبوا، فتراموا بالنّبل ساعة، فكان أول من رمى رجل منهم بسهم، فرمى المسلمون ساعة بالنّبل، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحملوا، فحملوا حملة رجل واحد، فما أفلت من المشركين إنسان، وقتل عشرة منهم، وأسر سائرهم، وسبا رسول الله صلى الله عليه وسلم الرّجال والنّساء والذّرّيّة والنّعم والشاء.
وفي الصحيحين أنه صلّى الله عليه وسلم هجم عليهم وهم غارّون وما قتل من المسلمين إلا رجل واحد يقال له: هشام بن صبابة- بصاد مهملة مضمومة فموحدة مخففة فألف فموحدة أخرى- أصابه رجل من الأنصار يقال له: أوس من رهط عبادة بن الصامت، يرى أنه من المشركين فقتله خطأ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج ديته، فقبضها أخوه مقيس بن صبابة، وعدا على قاتل أخيه فقتله، فارتدّ ولحق بقريش فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه، فقتل يوم الفتح.
قال أبو قتادة: حمل لواء المشركين يومئذ صفوان ذو الشّقرة، فلم تكن لي ناهية حتى شددت عليه، وكان الفتح.
وكان شعار المسلمين يومئذ: «يا منصور أمت» .
وروى محمد بن عمر عن جويرية رضي الله عنها قالت: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن على المريسيع، فأسمع أبي يقول: أتانا ما لا قبل لنا به، قالت: فكنت أرى من الناس والسّلاح والخيل ما لا أصف من الكثرة، فلما أن أسلمت وتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجعنا جعلت أنظر إلى المسلمين فليسوا كما كنت أرى، فعلمت أنه رعب من الله تعالى يلقيه في قلوب المشركين.
وكان رجل منهم قد أسلم وحسن إسلامه يقول: كنّا نرى رجالا بيضا على خيل بلق ما كنا نراهم قبل ولا بعد.(4/345)
ذكر أمره صلى الله عليه وسلم بتكتيف الأسارى وقسمة الغنيمة
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسارى فكتّفوا، واستعمل عليهم بريدة بن الحصيب وأمر بما وجد في رحالهم من متاع وسلاح فجمع، وسيقت النّعم والشاء، واستعمل على ذلك شقران مولاه، وهو بضم الشين المعجمة وإسكان القاف. وجمع الذّرّيّة ناحية. واستعمل على مقسم الخمس وسهمان المسلمين محمية- بفتح الميم وإسكان الحاء المهملة وكسر الميم وفتح التحتانية- ابن جزء، بفتح الجيم وسكون الزاي فهمزة- الزّبيديّ- بضم أوله- فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس من جميع المغنم، وكان يليه محمية بن جزء وكان يجمع إليه الأخماس، وكانت الصّدقات على حدتها وأهل الفيء بمعزل عن الصّدقة، وأهل الصدقة بمعزل عن الفيء. وكان يعطي من الصدقة اليتيم والمسكين والضّعيف، فإذا احتلم اليتيم نقل إلى الفيء وأخرج من الصدقة، ووجب عليه الجهاد، فإن كره الجهاد وأباه لم يعط من الصّدقة شيئا، وخلّى بينه وبين أن يكتسب لنفسه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع سائلا، فأتاه رجلان يسألانه من الخمس فقال: إن شئتما أعطيتكما منه، ولا حظّ فيه لغنيّ ولا لقويّ مكتسب. وفرّق السّبي فصار في أيدي الرّجال، وقسّم المتاع والنّعم والشّاء، وعدلت الجزور بعشر من الغنم.
وبيعت رثّة المتاع فيمن يريد.
وأسهم للفرس سهمان، ولصاحبه سهم، وللرّاجل سهم.
وكانت الإبل الفي بعير، والشاء خمسة آلاف شاة.
وكان السّبي مائتي أهل بيت.
وصارت جويرية بنت الحارث سيّد القوم في سهم ثابت بن قيس بن شمّاس وابن عمّ له، فكاتبها على تسع أواق من ذهب.
ذكر تزوجه صلى الله عليه وسلم بجويرية رضي الله عنها وبركة ذلك
قال أبو عمر رحمه الله: كان اسمها برة فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية.
وروى محمد بن إسحاق والإمام أحمد وأبو داود ومحمد بن عمر عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت جويرية امرأة حلوة ملاحة، لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فبينما النبي صلى الله عليه وسلم عندي ونحن على الماء إذ دخلت عليه جويرية تسأله في كتابتها، فو الله ما هو إلا أن رأيتها فكرهت دخولها على النبي صلى الله عليه وسلم، وعرفت أنه سيرى منها مثل الذي رأيت، فقالت:(4/346)
يا رسول الله إني امرأة مسلمة أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وأنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيّد قومه، أصابنا من الأمر ما قد علمت ووقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس- أو ابن عم له فتخلّصني من ابن عمّه بنخلات له بالمدينة- فكاتبني على ما لا طاقة لي به ولا يدان، وما أكرهني على ذلك إلا أنّي رجوتك صلى الله عليك فأعنّي في مكاتبتي،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو خير من ذلك؟ فقالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: أؤدّي عنك كتابتك وأتزوجك، قالت: نعم يا رسول الله قد فعلت،
فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثابت بن قيس فطلبها منه، فقال ثابت: هي لك يا رسول الله بأبي وأمّي، فأدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان عليها من كتابتها، وأعتقها وتزوّجها، وخرج الخبر إلى الناس ورجال بني المصطلق قد اقتسموا وملكوا ووطئت نساؤهم، فقال المسلمون:
أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتقوا ما بأيديهم من ذلك السّبي. قالت عائشة رضي الله عنها:
فأعتق مائة أهل بيت بتزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم إيّاها، فلا أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها [ (1) ] .
ذكر منام أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها
روى هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت جويرية: رأيت قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث ليال كأنّ القمر يسير من يثرب حتى وقع في حجري، فكرهت أن أخبرها أحدا من الناس، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سبينا رجوت الرؤيا، فلما أعتقني وتزوّجني والله ما كلمته في قومي، حتى كان المسلمون هم الذين أرسلوهم، وما شعرت إلا بجارية من بنات عمّي تخبرني الخبر، فحمدت الله تعالى.
ذكر افتداء من بقي من السبي
روى الشيخان وأبو داود والنّسائيّ ومحمد بن عمر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، فأصبنا سبايا، وبنا شهوة إلى النساء، واشتدت علينا العزوبة، وأحببنا الفداء، فقلنا: نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟
فسألناه عن ذلك، فقال: ما عليكم ألّا تفعلوا، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة
[ (2) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 179 والبيهقي في السنن 9/ 75 والحاكم في المستدرك 4/ 26 وابن حبان (1547) وابن سعد في الطبقات 8/ 83 وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (39708) .
[ (2) ] أخرجه البخاري 3/ 194 وأبو داود (2172) وأحمد في المسند 3/ 68 وأبو نعيم في الحلية 5/ 146.(4/347)
قال محمد بن عمر رحمه الله: فكان أبو سعيد يقول: فقدم علينا وفدهم فافتدوا الذّرّيّة والنّساء، ورجعوا بهم إلى بلادهم، وخيّر من خيّر منهنّ أن تقيم عند من صارت في سهمه فأبين إلا الرجوع. وافتديت المرأة والذرية بست فرائض،
وخرجت بجارية أبيعها في السوق، فقال لي يهودي: يا أبا سعيد، لعلك تريد بيعها وفي بطنها منك سخلة، فقلت: كلا إني كنت أعزل عنها، قال: تلك الموءودة الصّغرى، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ذلك، فقال: كذبت يهود، كذبت يهود.
ذكر ما ظهر من ابن أبي في هذه الغزوة من النفاق
بينما المسلمون على ماء المريسيع وقد انقطع الحرب، وهو ماء ظنون إنما يخرج في الدّلو نصفه، أتى سنان بن وبر الجهنيّ وعلى الماء جمع من المهاجرين والأنصار، فأدلى دلوه وأدلى جهجاه بن مسعود الغفاريّ أجير عمر بن الخطاب، فالتبست دلو سنان ودلو جهجاه، وتنازعا فضرب جهجاه سنانا فسال الدم، فنادى سنان: يا للأنصار، ونادى جهجاه: يا للمهاجرين، وفي لفظ: يا لقريش،
فأقبل جمع من الحيّين، وشهروا السلاح حتى كادت أن تكون فتنة عظيمة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوى الجاهلية؟! فأخبر بالحال فقال:
«دعوها فإنها منتنة، ولينصر الرجل أخاه ظالما كان أو مظلوما، فإن كان ظالما فلينهه، وإن كان مظلوما فلينصره» .
وإن جماعة من المهاجرين كلموا عبادة بن الصامت، وجماعة من الأنصار كلموا سنانا فترك حقّه، وكان عبد الله بن أبيّ جالسا مع عشرة مع المنافقين: [منهم] مالك، وسويد، وداعس، وأوس بن قيظيّ، ومعتّب بن قشير، وزيد بن اللّصيت وعبد الله بن نبتل، وفي القوم زيد بن أرقم رضي الله عنه وهو غلام لم يبلغ الحلم أو قد بلغ، فبلغ ابن أبيّ صياح جهجاه: يا آل قريش، فغضب ابن أبيّ غضبا شديدا، وقال: والله ما رأيت كاليوم قطّ، والله إن كنت لكارها لوجهي هذا، ولكنّ قومي غلبوني، أو قد فعلوها؟ لقد نافرونا وكاثرونا في بلدنا، وأنكروا منّتنا، والله ما صرنا وجلابيب قريش هذه إلّا كما قال القائل: «سمن كلبك يأكلك» ، والله لقد ظننت أنّي سأموت قبل أن أسمع هاتفا يهتف بما هتف به جهجاه، وأنا حاضر لا يكون لذلك منّي غير، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذلّ. ثم أقبل علي من حضر من قومه، فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم: أنزلتموهم بلادكم فنزلوا، وأسهمتموهم في أموالكم حتى استغنوا، أما والله لو أمسكتم ما بأيديكم لتحوّلوا إلى غير بلادكم، ثم لم يرضوا بما فعلتم حتى جعلتم أنفسكم أغراضا للمنايا، فقتلتم دونه، فأيتمتم أولادكم وقللتم وكثروا.
فقام زيد بن أرقم بهذا الحديث كلّه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده نفرا من المهاجرين والأنصار، فأخبره الخبر، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وتغيّر وجهه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا(4/348)
غلام لعلك غضبت عليه! قال: لا والله يا رسول الله، فقد سمعته منه، قال: لعله أخطأ سمعك، قال: لا والله يا رسول الله، قال: فلعله شبّه عليك، قال: لا والله يا رسول الله.
وشاع في العسكر ما قال ابن أبي، وليس للناس حديث إلا ما قال، وجعل الرّهط من الأنصار يؤنّبون الغلام ويلومونه، ويقولون: عمدت إلى سيّد قومك تقول عليه ما لم يقل، وقد ظلمت وقطعت الرّحم! فقال زيد: والله لقد سمعت ما قال، والله ما كان في الخزرج رجل واحد أحب إلي من عبد الله بن أبيّ، ولو سمعت هذه المقالة من أبي لنقلتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني لأرجو أن ينزل الله على نبيّه ما يصدّق حديثي.
فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، مر عباد بن بشر- ويقال: محمد بن مسلمة- فليأتك برأسه، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المقالة، وقال: لا يتحدّث الناس إن محمدا يقتل أصحابه،
وقام النفر من الأنصار الذين سمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلّم ورده على الغلام، فجاءوا إلى ابن أبيّ فأخبروه. وقال أوس بن خوليّ. يا أبا الحباب، إن كنت قلته فأخبر النبي صلّى الله عليه وسلم فليستغفر لك. ولا تجحده، فينزل فيك ما يكذّبك، وإن كنت لم تقله فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذر له، واحلف له ما قلته. فحلف بالله العظيم ما قال من ذلك شيئا.
ثم مشى ابن أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بن أبيّ إن كانت منك مقالة فتب، فجعل يحلف بالله ما قلت ما قال زيد، ولا تكلّمت به.!
فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثة ولم يحفظ ما قال الرّجّل» ، حدبا علي ابن أبي ودفعا عنه، وكان شريفا في قومه عظيما، فظانّ يظن أنه قد صدق، وظانّ يظن به السوء.
ذكر تكبيس ظهره صلى الله عليه وسلم
روى محمد بن عمر عن زيد بن اسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال: لما كان من أمر ابن أبيّ ما كان جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في فيء شجرة عنده غلام أسود يغمز ظهره، فقلت: يا رسول الله كأنك تشتكي ظهرك! فقال: تقحّمت بي النّاقة الليلة، فقلت: يا رسول الله ائذن لي أن أضرب عنق ابن أبيّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو كنت فاعلا؟» قلت:
نعم والذي بعثك بالحق. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذن لأرعدت له آنف بيثرب كثيرة، لو أمرتهم بقتله قتلوه، قلت: يا رسول الله فمر محمد بن مسلمة يقتله، قال: لا يتحدّث الناس أنّي أقتل أصحابي، قلت: فمر الناس بالرّحيل، قال: نعم، قال: فأذّنت بالرّحيل في الناس،
ويقال: لم يشعر أهل العسكر إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم قد طلع على ناقته القصواء، وكانوا في حر شديد، وكان لا يروح حتى يبرد، إلا أنّه لمّا جاءه خبر ابن أبيّ رحل في تلك الساعة، فكان أول من لقيه(4/349)
سعد بن عبادة، ويقال: أسيد بن حضير، وبه جزم ابن إسحاق. وقال محمد بن عمر: إنه الثّبت،
فقال: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. قال: يا رسول الله قد رحلت في ساعة منكرة لم تكن ترحل فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أولم يبلغك ما قال صاحبكم؟» قال: أيّ صاحب يا رسول الله؟ قال:
ابن أبي، زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل، قال: فأنت يا رسول الله تخرجه إن شئت، فهو الأذلّ وأنت الأعزّ، والعزّة لله ولك وللمؤمنين.
ثم قال: يا رسول الله: ارفق به، فو الله لقد جاء الله تعالى بك وإنّ قومه لينظمون له الخرز فما بقيت عليهم إلا خرزة واحدة عند يوشع اليهوديّ، قد أرب بهم فيها لمعرفته بحاجتهم إليها، فجاء الله تعالى بك على هذا الحديث، فلا يرى إلا أن قد سلبته ملكه.
وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبيّ [ (1) ] مقالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله، إن كنت تريد أن تقتل أبي فيما بلغك عنه فمرني به، فو الله لأحملنّ إليك رأسه قبل أن تقوم من مجلسك هذا، والله لقد علمت الخزرج ما كان فيها رجل أبرّ بوالديه منّي، وما أكل طعاما منذ كذا وكذا من الدهر ولا شرب شرابا إلا بيدي، وإني لأخشى يا رسول الله أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس، فأقتله فأدخل النار. وعفوك أفضل، ومنّك أعظم» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الله ما أردت قتله ولا أمرت به، ولنحسننّ له صحبته ما كان بين أظهرنا»
فقال عبد الله: «يا رسول الله، إن أبي كانت أهل هذه البحيرة قد اتّسقوا عليه ليتوّجوه عليهم، فجاء الله تعالى بك، فوضعه الله ورفعنا بك، ومعه قوم يطوفون به يذكّرونه أمورا قد غلب الله تعالى عليها.
ثم متن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشّمس، ثم نزل بالناس فلم يلبثوا أن وجدوا مسّ الأرض، فوقعوا نياما، ولم ينزل أحد عن رحلته إلا لحاجة أو لصلاة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحثّ راحلته ويخلفها بالسّوط في مراقّها، وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس، من حديث عبد الله بن أبي.
ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، وسلك الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فويق النّقيع- بالنون- ويقال نقعاء- بالنون المفتوحة والقاف الساكنة والمدّ.
__________
[ (1) ] (عبد الله) بن عبد الله بن أبي بن مالك بن الحر بن مالك بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج الأنصاري الخزرجي ... وهو ابن أبي ابن سلول وكانت سلول امرأة من خزاعة وكان أبوه رأس المنافقين وكان اسم هذا الحباب بضم المهملة والموحدتين وبه يكنى أبوه فسماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله وشهد عبد الله هذا بدرا وأحدا والمشاهد قال ابن أبي حاتم صحبة وذكره ابن شهاب وعروة. [الإصابة 4/ 95، 96] .(4/350)
ذكر إخباره صلّى الله عليه وسلم بموت كبير من المنافقين وإخباره عن موضع ناقته حين فقدت وبما قاله بعض أهل النفاق
روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر، فلما كان قرب المدينة هاجت ريح تكاد تدفن الراكب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعثت هذه الريح لموت منافق.
فلما قدمنا المدينة أذّن: قد مات عظيم من عظماء المنافقين [ (1) ] .
قال محمد بن عمر: لما سرّح الناس ظهرهم أخذتهم ريح شديدة حتى أشفق الناس منها وقالوا: لم تهج هذه الرّيح إلا لأمر قد حدث، وإنما بالمدينة الذّراريّ والصّبيان، وكان بين النبي صلى الله عليه وسلم وعيينة بن حصن مدّة، وكان ذلك حين انقضائها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس عليكم فيها بأس، ما بالمدينة من نقب إلا عليه ملك يحرسه، وما كان ليدخلها عدوّ حتى تأتوها، ولكن مات اليوم بالمدينة منافق عظيم النفاق، فلذلك عصفت هذه الريح، وكان موته للمنافقين غيظا شديدا، وهو زيد بن رفاعة بن التابوت، مات ذلك اليوم، كان كهفا للمنافقين» .
وروى محمد بن عمر، عن جابر رضي الله عنه قال: كانت الريح [يومئذ] أشدّ ما كانت قطّ إلى أن زالت الشمس، ثم سكنت آخر النهار، وذكر أهل المدينة أنهم وجدوا مثل ذلك من شدة الريح حتى دفن عدوّ الله فسكنت الريح.
وقال محمد بن عمر: حدثني عبد الحميد بن جعفر عن أبيه: قال عبادة بن الصامت يومئذ لابن أبيّ: يا أبا الحباب، مات خليلك؟ قال: أيّ خليل؟ قال: من موته فتح للإسلام وأهله، قال: من؟ قال زيد بن رفاعة بن التابوت، قال: يا ويلاه، كان والله وكان! فقال عبادة:
اعتصمت والله بالذّنب الأبتر، قال: من أخبرك يا أبا الوليد بموته؟ قال: قلت: رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنه مات هذه الساعة. فسقط في يديه، وانصرف كئيبا حزينا.
وروى ابن إسحاق والبيهقي وأبو نعيم عن موسى بن عقبة، وعروة وابن إسحاق عن محمد بن عمر عن ابن رومان وعاصم بن عمر بن قتادة واللفظ لابن عمر قالوا: فقدت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء من بين الإبل، فجعل المسلمون يطلبونها في كل وجه، فقال زيد بن اللّصيت، وكان منافقا وهو في جماعة من الأنصار، منهم عباد بن بشر بن وقش، وسلمة بن سلامة بن وقش، وأسيد بن حضير، فقال: أين يذهب هؤلاء في كل وجه؟ قالوا:
يطلبون ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضلّت، قال: أفلا يخبره الله بمكانها؟ فأنكر عليه القوم، فقالوا:
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم 4/ 2145 (15- 2782) .(4/351)
قاتلك الله، يا عدو الله، نافقت. ثم أقبل عليه أسيد بن حضير فقال: والله لولا أني لا أدري ما يوافق رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك لأنفذت خصيتك بالرّمح يا عدو الله فلم خرجت معنا وهذا في نفسك؟ قال: خرجت لأطلب من عرض الدنيا، ولعمري إن محمدا ليخبرنا بأعظم من شأن الناقة، يخبرنا عن أمر السماء. ووقعوا به جميعا، وقالوا: والله لا يكون منك سبيل أبدا، ولا يظلّنا وإياك ظلّ أبدا، ولو علمنا ما في نفسك ما صحبتنا [ساعة من نهار] فوثب هاربا منهم أن يقعوا به، ونبذوا متاعه، فعمد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس معه فرارا من أصحابه متعوّذا به،
وقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما قال من السماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمنافق يسمع: «إن رجلا من المنافقين شمت أن ضلّت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، وقال: «ألا يخبره الله بمكانها؟، فلعمري إن محمدا ليخبرنا بأعظم من شأن الناقة» ، ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى، وأن الله تعالى قد أخبرني بمكانها، وإنها في هذا الشّعب مقابلكم، قد تعلّق زمامها بشجرة، فاعمدوا نحوها
(3) .
فذهبوا فأتوا بها من حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما نظر المنافق إليها سقط في يده، فقام سريعا إلى رفقائه الذين كانوا معه، فإذا رحله منبوذ، وإذا هم جلوس لم يقم رجل منهم من مجلسه، فقالوا له حين دنا: لا تدن منّا! فقال: أكلّمكم، فدنا فقال: أنشدكم الله- وفي لفظ:
أذكركم الله- هل أتى أحد منكم محمدا فأخبره بالذي قلت؟ قالوا: لا، والله، ولا قمنا من مجلسنا، قال: فإني قد وجدت عند القوم ما تكلّمت به، وتكلّم به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخبرهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه قد أتي بناقته، وقال: إني قد كنت في شك من شأن محمد، فأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأني لم أسلم إلا اليوم. قالوا: فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك. فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستغفر له، واعترف بذنبه. قال ابن عمر: ويقال: إنه لم يزل فشلا حتى مات، وصنع مثل هذا في غزوة تبوك.
ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي العقيق تقدّم عبد الله بن عبد الله بن أبيّ، فجعل يتصفّح الرّكاب حتى مرّ أبوه، فأناخ به، ثم وطئ على يد راحلته فقال أبوه: ما تريد يا لكع؟
قال: والله لا تدخل حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتعلم أيهما الأعزّ من الأذلّ: أنت أم رسول الله صلى الله عليه وسلم! فمن مرّ به من المسلمين يرفده عبد الله بن عبد الله ويمنع غير ذلك، فيقول:
تصنع هذا بأبيك؟!
حتى مرّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنه، فقيل: عبد الله بن عبد الله بن أبيّ يأبى أن يأذن لأبيه حتى تأذن له، فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله واطئ على يد راحلة أبيه، وابن أبي يقول: لأنا أذلّ من الصّبيان، لأنا أذلّ من النّساء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلّ عن أبيك» ، فخلّى عنه.
ولمّا مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنّقيع- وهو بالنون- منصرفه من المريسيع ورأى سعة وكلأ(4/352)
وغدرانا كثيرة، فسأل عن الماء، فقيل: يا رسول الله إذا صفنا قلّت المياه، وذهبت الغدر، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة أن يحفر بئرا، وأمر بالنّقيع أن يحمى، واستعمل عليه يومئذ بلال بن الحارث المزني- بضم الميم وفتح الزاي وقبل ياء النسب نون- فقال بلال: يا رسول الله وكم أحمي منه؟ فقال: أقم رجلا صيّتا إذا طلع الفجر، ثم أقمه على هذا الجبل- يعني مقمّلا- فحيث انتهى صوته فاحمه لخيل المسلمين وإبلهم التي يغزون عليها، فقال بلال: يا رسول الله، أفرأيت ما كان من سوائم المسلمين؟ فقال: «لا يدخلها» ، قلت: يا رسول الله أرأيت المرأة والرجل الضعيف تكون له الماشية اليسيرة وهو يضعف عن التحوّل؟
قال: «دعه يرعى» .
ذكر مسابقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل والإبل
قال محمد بن عمر: سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل والإبل، فسبقت القصواء الإبل، وسبق فرسه الخيل، وكان معه صلّى الله عليه وسلم فرسان: لزاز وآخر يقال له الظّرب، فسبق يومئذ على الظّرب، وكان الذي سبق عليه أبو أسيد الساعدي رضي الله عنه، والذي سبق على ناقته بلال بن رباح.
ذكر نهيه صلّى الله عليه وسلم عن طروق النساء وإخباره بعض أصحابه بما وقع له
روى محمد بن عمر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنت رفيق عبد الله بن رواحة في غزوة المريسيع، فأقبلنا حتى إذا انتهينا إلى وادي العقيق في وسط الليل، فإذا الناس يعرّسون فقلنا: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: تقدّم الناس وقد نام، فقال لي عبد الله بن رواحة: يا جابر، هل لك بنا في التقدّم والدخول على أهلنا؟ فقلت: يا أبا محمد، لا أحب أن أخالف الناس، لا أرى أحدا تقدّم. قال ابن رواحة: والله ما نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التّقدّم. قال جابر: فقلت: أما أنا فلست ببارح. فودّعني وانطلق إلى المدينة، فأنظر إليه على ظهر الطريق ليس معه أحد، فطرق أهله بني الحارث بن الخزرج، فإذا مصباح في وسط بيته، وإذا مع امرأته إنسان طويل، فظنّ أنه رجل، وسقط في يديه، وندم على تقدّمه، وجعل يقول: الشيطان مع الغرّ، فاقتحم البيت رافعا سيفه وقد جرّده من غمده يريد أن يضربهما، ثم فكّر، فغمز امرأته برجله فاستيقظت فصاحت وهي توسن فقال: أنا عبد الله فمن هذا؟ قالت: رجيلة ماشطتي، سمعنا بقدومكم فباتت عندي، فبات، فلما أصبح خرج معترضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيه ببئر أبي عنبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسير بين أبي بكر الصّدّيق وبشير- بوزن أمير- ابن سعد،
فالتفت(4/353)
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بشير فقال: «يا أبا النّعمان» ، قال: لبيك إن وجه عبد الله ليخبرك أنه قد كره طروق أهله. فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خبرك يا بن رواحة؟» فأخبره كيف تقدّم، وما كان من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تطرقوا النساء ليلا» [ (1) ] .
قال جابر: فكان ذلك أول ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مؤيّدا منصورا، [وكانت مدة غيبته شهرا إلّا ليلتين] .
ذكر قدوم الحارث بن أبي ضرار، وسبب إسلامه
قال الحافظ ابن عائذ: أخبرني محمد بن شعيب، عن عبد الله بن زياد قال: أفاء الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم عام المريسيع في غزوة بني المصطلق جويرية بنت الحارث فأقبل أبوها في فدائها، فلما كان بالعقيق نظر إلى إبله التي يفدي بها ابنته، فرغب في بعيرين منها كانا من أفضلها، فغيّبهما في شعب من شعاب العقيق، ثم أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسائر الإبل،
فقال: يا محمد، أصبتم ابنتي، وهذا فداؤها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأين البعيران اللذان غيّبت بالعقيق بشعب كذا؟»
فقال الحارث: أشهد أنك رسول الله، ولقد كان منّي في البعيرين، وما اطلع على ذلك إلا الله تعالى، فأسلم.
ذكر ما نزل في ابن أبيّ في هذه الغزوة
روى محمد بن عمر، عن رافع بن خديج قال: سمعت عبادة بن الصامت يقول يومئذ لابن أبيّ قبل أن ينزل فيه القرآن: ايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك، قال: فرأيته يلوي رأسه معرضا، يقول عبادة: أما والله لينزلنّ الله تعالى في ليّ رأسك قرآنا يصلّى به. قال: فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير من يومه ذلك، وزيد بن أرقم يعارض رسول الله صلى الله عليه وسلم براحلته يريد وجهه في المسير، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستحثّ راحلته «حل حل» وهو مغذّ في السّير، إذ نزل عليه الوحي. قال زيد بن أرقم: فما هو إلا أن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخذه البرحاء ويعرق جبينه، وتثقل يدا راحلته حتى ما تكاد تنقلهما عرفت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه، ورجوت أن ينزل الله تعالى تصديقي قال زيد: فسرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بأذني وأنا على راحلتي حتى ارتفعت من مقعدي، ورفعها إلى السماء، وهو يقول: وفت أذنك يا غلام، وصدّق الله حديثك. ونزلت سورة المنافقين في ابن أبيّ من أولها إلى آخرها، وجعل بعد ذلك ابن أبيّ إذا أحدث حدثا كان قومه هم الذين يعاقبونه ويأخذونه ويعنّفونه،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن
__________
[ (1) ] أخرجه الدارمي 1/ 118 والطبراني في الكبير 11/ 245 والحاكم في المستدرك 4/ 293 والبيهقي في الدلائل 4/ 271.(4/354)
الخطاب حين بلغه شأنهم: «كيف ترى يا عمر، إنّي والله لو قتلته يوم قلت لي: اقتله لأرعدت له آنف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته» .
قال عمر: قد والله علمت، لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري!
تنبيهات
الأول: المصطلق- بضم الميم وسكون الصاد وفتح الطاء المهملتين وكسر اللام بعدها قاف- مفتعل من الصّلق وهو رفع الصوت، وهو لقب، واسمه جذيمة- بجيم فذال معجمتين مفتوحة فتحتية ساكنة- ابن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة: بطن من بني خزاعة.
والمريسيع- بضم الميم وفتح الراء وسكون التحتانيتين بينهما سين مهملة مكسورة وآخره عين مهملة- وهو ماء لبني خزاعة بينه وبين الفرع مسيرة يوم، مأخوذ من قولهم: رسعت عين الرجل، إذا دمعت من فساد.
الثاني: اختلف في زمن هذه الغزوة، فقال ابن إسحاق: في شعبان سنة ست، وبه جزم خليفة بن خياط والطبريّ.
وقال قتادة وعروة: كانت في شعبان سنة خمس.
ووقع في صحيح البخاري نقلا عن ابن عقبة إنها كانت في سنة أربع. قال الحافظ: وكأنه سبق قلم، أراد أن يكتب سنة خمس فكتب سنة أربع. والذي في مغازي موسى بن عقبة من عدة طرق أخرجها الحاكم وأبو سعيد النيسابوري والبيهقي في الدلائل وغيرهم: سنة خمس.
ولفظه عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب: ثم قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس. ويؤيده ما أخرجه البخاريّ في الجهاد عن ابن عمر أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم بني المصطلق.
وقال الحاكم في الإكليل: قول عروة وغيره إنها كانت في سنة خمس أشبه من قول ابن إسحاق. قال الحافظ: ويؤيده ما ثبت في حديث الإفك أن سعد بن معاذ تنازع هو وسعد بن عبادة في أصحاب الإفك، أي المذكور في الحوادث، فلو كانت هذه الغزوة في شعبان سنة ست، مع أن الإفك كان فيها، لكان ما وقع في الصحيح من ذكر سعد بن معاذ غلطا، لأن سعد بن معاذ مات أيام قريظة وكانت سنة خمس على الصحيح، كما سيأتي تقريره، وإن كانت سنة أربع فهو أسدّ، فظهر أن غزوة بني المصطلق كانت سنة خمس في شعبان، فتكون وقعت قبل الخندق، لأن الخندق كانت في شوال من سنة خمس، فتكون بعدها، فيكون سعد بن معاذ موجودا في المريسيع. ورمي بعد ذلك بسهم في الخندق، ومات من جراحته بعد أن حكم في بني قريظة.(4/355)
ويأتي لهذا مزيد بيان في الكلام على حديث الإفك في الحوادث، ويؤيده أيضا أن حديث الإفك كان سنة خمس، إذ الحديث فيه التصريح بأن ذلك كان بعد نزول الحجاب، والحجاب كان في ذي القعدة سنة أربع عند جماعة، فتكون المريسيع بعد ذلك، فيترجّح أنه سنة خمس. أما قول الواقديّ: إن الحجاب كان في ذي القعدة سنة خمس، فمردود. وقد جزم خليفة وأبو عبيدة وغير واحد أن الحجاب كان سنة ثلاث، فحصلنا في الحجاب على ثلاثة أقوال: أشبههما سنة أربع.
الثالث: روى الشيخان عن ابن عون قال: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال، فكتب إليّ: إنما كان ذلك في أول الإسلام، قد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق، وهم غارّون وأنعامهم تسعى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريّهم، الحديث. وعنه حدثني هذا الحديث عبد الله بن عمر، وكان في ذلك الجيش.
غارّون، بتشديد الراء، أي غافلون.
وذكر جل أهل المغازي أنه حصل بين الفريقين قتال، وذكر جماعة منهم إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر أن يدعوهم إلى توحيد الله تعالى. قال في الفتح: فيحتمل أن يكونوا حين الإيقاع بهم تثبّتوا قليلا، فلما كثر فيهم القتال انهزموا، بأن يكون لما دهمهم وهم على الماء ثبتوا وتصافّوا، ووقع القتال بين الطائفتين، ثم بعد ذلك وقعت الغلبة عليهم.
وأشار ابن سعد إلى حديث نافع ثم قال: والأول أثبت، وأقرّه في العيون، والحكم بكون الذي في السّير أثبت مما في الصحيح مردود، لا سيّما مع إمكان الجمع.
الرابع: جهجاه، وقيل: اسم أبيه مسعود، وقيل: سعيد: قال الطبريّ: المحدّثون يزيدون فيه الهاء، والصواب جهجا، دون هاء.
وسنان اختلف في اسم أبيه أيضا فقيل: وبر بسكون الموحّدة، وقيل: بفتحها- وقيل أبير- بوزن [زبير] ، وقيل: وبرة واحدة الوبر، وقيل: عمرو، وقيل: تيم.
الخامس:
قوله صلّى الله عليه وسلم: «دعوها فإنها منتنة» .
قال أبو القاسم الخثعميّ: يعني «يا لفلان» ، لأنها من دعوى الجاهلية. وقد جعل الله تعالى المؤمنين إخوة، وحزبا واحدا، فإنما ينبغي أن تكون الدعوة: يا للمسلمين، فمن دعا في الإسلام بدعوى الجاهلية فيتوجّه فيها للفقهاء ثلاثة أقوال:
أحدها: أن يجلد من استجاب لها بالسلاح خمسين سوطا، اقتداء بأبي موسى الأشعري في جلده النابغة الجعديّ خمسين سوطا، حين سمع: يا لعامر! فأقبل يشتدّ بعصبة له.(4/356)
القول الثاني: إن فيها الجلد دون العشرة، لنهيه صلى الله عليه وسلم أن يجلد أحد فوق عشرة أسواط، إلا في حد.
والقول الثالث: اجتهاد الإمام في ذلك حسب ما يراه من سدّ الذريعة، وإغلاق باب الشرّ بالوعيد، وإما بالسّجن، وإما بالضرب. فإن قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعاقب الرجلين حين دعوا بها، قلنا: قد قال: دعوها فإنها منتنة، فقد أكّد النهي، فمن عاد إليها بعد هذا النهي، وبعد وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالإنتان، وجب أن يؤدّب حتى يشمّ نتنها، كما فعل أبو موسى بالجعديّ، ولا معنى لنتنها إلا سوء العاقبة فيها، والعقوبة عليها.
السادس: في استئذان عبد الله بن عبد الله بن أبيّ في قتل أبيه المنافق، من أجل المقالة الخبيثة التي قالها.
وفي هذا العلم العظيم والبرهان النّيّر من أعلام النبوة، فإن العرب كانت أشدّ خلق الله حميّة وتعصّبا، فبلغ الإيمان منهم ونور اليقين من قلوبهم إلى أن يرغب الرجل منهم في قتل أبيه وولده، تقرّبا إلى الله تعالى وتزلّفا إلى رسوله، مع إن النبي صلى الله عليه وسلم أبعد الناس [نسبا] منهم، أي الأنصار، وما تأخّر إسلام قومه وبني عمّه وسبق إلى الإيمان به الأباعد إلا لحكمة عظيمة، إذ لو بادر أهله وأقربوه إلى الإيمان به لقيل: قوم أرادوا الفخر برجل منهم، وتعصّبوا له، فلما بادر إليه الأباعد وقاتلوا على حبّه من كان منهم، أو من غيرهم، علم أن ذلك عن بصيرة صادقة، ويقين قد تغلغل في قلوبهم، ورهبة من الله تعالى أزالت صفة قد كانت [سدكت] في نفوسهم من أخلاق الجاهلية، لا يستطيع إزالتها إلا الذي فطر الفطرة الأولى، وهو القادر على ما يشاء.
السابع: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لجويرية حتى عرف من حسنها ما عرف، وذلك لأنها كانت أمة مملوكة، ولو كانت حرة ما ملأ عينه منها، لأنه لا يكره النظر إلى الإماء. وجائز أيضا أن يكون نظر إليها لأنه نوى نكاحها، أو أن ذلك قبل أن تنزل آية الحجاب.
الثامن: وقع في هذه الغزوة حديث الإفك، وسيأتي الكلام عليه في الحوادث في سنة خمس. قيل: وفيها نزلت آية التيمم، وسيأتي الكلام عليه في الحوادث.
التاسع: في بيان غريب ما سبق:
الفرع- بالفاء والراء والعين المهملة وزن قفل- من أعمال المدينة.
تألّبوا: تجمّعوا.
استأصله: أهلكه.
كثيف- بكاف فمثلثة فتحتية ففاء- اسم يوصف به العسكر والسحاب والماء وكثف:
غلظ.(4/357)
عرض الدنيا- بفتحتين- المتاع، وكل شيء فهو عرض سوى الدّراهم والدنانير فإنها عين.
الخلائق- بالخاء والقاف جمع خليقة-: مكان به مزارع وآبار قرب المدينة.
الروحاء- بفتح الراء وسكون الواو وبالحاء المهملة وألف-: من عمل الفرع.
العين هنا الجاسوس.
الأدم (بفتحتين) .
يرى- بضم التحتية وفتح الراء-: يظنّ.
أفناء العرب: قال في النهاية: رجل من أفناء الناس، أي لم يعلم من هو، الواحد فنو.
وقيل: هو من الفناء، وهو المتّسع أمام الدار.
النّبل- بفتح النون وسكون الموحدة- السّهم العربيّ.
أفلت (بضم أوله) .
عدا عليه. من العدوان.
ذو الشّقرة (بشين معجمة فقاف فراء) .
«يا منصور أمت» : أمر بالموت، والمراد به التفاؤل بالنصر بعد الإماتة مع حصول الغرض للشّعار، فإنهم جعلوا هذه الكلمة علامة بينهم يتعارفون بها، لأجل ظلمة الليل.
الرّعب- براء وعين مهملتين مضمومتين وبضم الراء وسكون العين-: الفزع.
شرح غريب أمره صلى الله عليه وسلم بتكتيف الأسارى
سيقت (بكسر السين المهملة وبالبناء للمفعول) .
سهمان- بالضّمّ- وأسهم وسهام: جمع سهم.
رثّة بالمثلثة وزن هرّة: خلقة.
شرح غريب تزوجه صلى الله عليه وسلم بجويرية رضي الله عنها
ملّاحة قال في المصباح: ملح الشّيء بالضمّ ملاحة بالفتح: بهج وحسن منظره فهو مليح والأنثى مليحة، والجمع ملاح.
لا طاقة بكذا ولا يدان، أي لا قوة لي ولا قدرة عليه.
شرح غريب ذكر افتداء من بقي من السبي وما يذكر معه
العزوبة- بضم العين المهملة والزاي-: عدم الزّوجة.(4/358)
العزل- بفتح العين المهملة وسكون الزاي-: ترك الإنزال في الفرج.
النّسمة: النّفس والروح.
السّخل- بفتح السين المهملة وسكون الخاء المعجمة-: الولد المحبّب إلى أبويه، وهو في الأصل ولد الغنم.
الموؤدة: يقال: وأد ابنته وأدا من باب وعد: دفنها حيّة، فهي موؤودة.
شرح غريب ما ظهر من ابن أبي من النفاق
الماء الظّنون: الذي تتوهّمه ولست منه على ثقة، فعول بمعنى مفعول، وقيل: هي البئر التي يظنّ أن فيها ماء وليس فيها ماء، وقيل: البئر القليلة الماء، وهو المراد هنا.
شهروا السلاح: أظهروه.
يال فلان [......]
دعوها- بدال فعين مهملتين فواو فألف-: اتركوها.
منتنة- بميم مضمومة فنون ساكنة فمثناة فوقية فنون- أي مذمومة في الشّرع، مجتنبة مكروهة كما يجتنب الشّيء المنتن، يريد قولهم: يا لفلان.
نافرونا- بنون فألف ففاء مفتوحة فراء فواو فنون فألف-: غلبونا. يقال: نافره إذا غلبه.
منّتنا: نعمتنا.
الجلابيب- بفتح الجيم-: لقب لكل من أسلم من المهاجرين، لقّبهم بذلك المشركون. والجلابيب في الأصل الأزر الغلاظ، كانوا يلتحفون بها فلقّبوهم بذلك.
الغير- بكسر الغين المعجمة وفتح التحتية- الاسم من قولك: غيّرت الشيء فتغيّر.
أسهمتموهم: أعطيتموهم نصيبا من أموالكم.
الغرض- بالغين والضاد المعجمة بينهما راء-: الهدف الذي يرمى إليه.
الرّهط: ما دون العشرة من الرجال ليس فيهم امرأة، وسكون الهاء أفصح من فتحها.
يؤنّبون: يبالغون في التّوبيخ والتّعنيف.
عمدت: قصدت.
سلف منك: صدر ووقع.
حدبا علي ابن أبي- بفتح الحاء والدال المهملتين وبالموحّدة-: عطفا عليه.(4/359)
شرح غريب ذكر تكبيس ظهره صلى الله عليه وسلم
في فيء: الأولى حرف جر، والثانية من الفيء، وهو الظلّ.
يغمز ظهره- بغين معجمة فزاي-: يعصره، وهو التّكبيس.
تقحّمت بي الناقة: ألقتني.
أرعدت: بضم الهمزة وكسر العين المهملة وبالبناء للمفعول.
آنف- بفتح الهمزة- وآناف وأنوف جمع أنف: العضو المعروف.
يشعر: يعلم.
الرّواح. قال الأزهري وغيره: قد يتوهّم بعض الناس أن الرّواح لا يكون إلا في آخر النهار، وليس كذلك، بل الرّواح والغدوّ عند العرب يستعملان في المسير أي وقت كان من ليل أو نهار، وأما راحت الإبل فهي رائحة، فلا يكون إلا بالعشيّ، إذا أراحها راعيها على أهلها.
يقال: سرحت بالغداة إلى المرعى وراحت بالعشيّ على أهلها، أي رجعت من المرعى إليهم.
وقال ابن فارس: الرّواح: رواح العشيّ وهو من الزّوال إلى الليل.
الخرز- بخاء مفتوحة معجمة فراء فزاي-: الذي ينضمّ، الواحدة خرزة.
أرب بهم: اشتدّ عليهم في ثمنها.
البحيرة: اسم للمدينة الشريفة، وتقدم في أسمائها.
اتّسقوا عليه: اجتمعوا.
يتوّجوه: يلبسوه التاج ويسوّده. والتاج: ما يصاغ للملوك من الذهب والجوهر.
متن- بميم ففوقية مخففة فنون مفتوحات- فإذا بالغت شدّدت: سار حتّى أضعف الإبل.
ليشغل الناس: بفتح التحتية وسكون الشين وفتح الغين المعجمتين.
مسّ الأرض: أول ما ينال منها.
الحجاز- بحاء مهملة فجيم فألف فزاي-: مكة والمدينة والطائف ومخاليفها، كأنها حجزت بين نجد وتهامة، أو بين نجد والسّراة، أو لأنها احتجزت بالحداء.
النّقيع [ (1) ]- بفتح النون وكسر القاف وهو على أربعة برد من المدينة.
نقعاء: بفتح النون وإسكان القاف وبالعين المهملة والمد.
__________
[ (1) ] نقيع بالفتح، ثم الكسر وياء ساكنة، وعين مهملة.(4/360)
شرح غريب ذكر إخباره صلّى الله عليه وسلم بموت منافق وما يذكر معه
هاجت: ثارت وتحركت.
عصفت الريح: اشتدّت.
كئيبا: حزن أشدّ الحزن.
قاتله الله: لعنه الله وأهلكه.
الحصن: بكسر الحاء المهملة وسكون الصاد المعجمة.
نبذوه- بالذال المعجمة-: رموه.
العمر- بفتح العين المهملة-: الحياة.
الشّعب- بكسر الشين المعجمة-: الطريق في الجبل.
عمد- بعين مفتوحة فميم مفتوحة فدال مهملتين-: قصد.
شمت به: فرح بمصيبة نزلت به.
الزّمام- بكسر الزاي-: المقود.
سقط في يده (بضم السين المهملة وكسر القاف) .
أنشدكم الله، أي أسألكم الله. قال في النهاية: وتعديته إلى مفعولين إمّا لأنه بمنزلة دعوت، حيث قالوا: نشدتك الله وبالله، كما قالوا: دعوت زيدا أو بزيد، أو لأنهم ضمّنوه معنى ذكرت. فأما أنشدتك بالله فخطأ.
الفشل- بفتح الفاء وكسر الشين المعجمة-: الجبان الضعيف القلب.
تصفّح وجوه الناس: نظر في صفحات وجوههم.
الرّكاب- بالكسر- المطيّ، الواحدة: راحلة من غير لفظها.
يا لكع- بضم اللام وفتح الكاف- وهو في الأصل العبد، ثم استعمل في الحمق والذّمّ.
يرفده: يعينه.
الكلأ- بفتحتين وبالهمز-: العشب رطبا كان أو يابسا، قاله ابن فارس وغيره.
الغدران: جمع غدير وهو القطعة من الماء.
مقمّل- بميم فقاف مفتوحة فميم مشددة-: جبل قرب المدينة.(4/361)
شرح غريب ذكر نهيه صلّى الله عليه وسلم عن طروق النساء
طرق أهله يطرقهم بالضم طروقا: أتاهم ليلا.
المعرّس- بميم مضمومة فعين مهملة فراء مشددة فسين مهملة-: النازل بمكان ليلا.
ببارح- بموحدتين فألف فراء فحاء مهملة- بذاهب.
الغمد (بكسر الغين المعجمة وسكون الميم) .
توسن [بفتح المثناة فواو ساكنة- شدة النوم- أو أوله] .
الماشطة: مسرّحة الشّعر.
بئر أبي عنبة: بلفظ واحدة العنب.
شرح غريب ذكر ما نزل في ابن أبي المنافق
حل حل- بفتح الحاء المهملة وسكون اللام فيهما، ويقال بكسرها فيهما بالتنوين وبغير تنوين-: كلمة زجر للإبل.
مغذ في السير: مجدّ.
البرحاء (بضم الموحدة وفتح الراء) .(4/362)
الباب التاسع عشر في غزوة الخندق
وتسمّى غزوة الأحزاب، وهي الغزوة التي ابتلى الله فيها عباده المؤمنين، وبعث الإيمان في قلوب أوليائه المتقين، وأظهر ما كان يبطنه أهل النفاق، وفضحهم وفزّعهم، ثم أنزل الله تبارك وتعالى نصره ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، وأعزّ جنده، وردّ الكفرة بغيظهم، ووقى المؤمنين شرّ كيدهم، وحرّم عليهم شرعا وقدرا أن يغزوا المؤمنين بعدها، بل جعلهم المغلوبين، وجعل حزبه هم الغالبين.
وسببها إن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا أجلى بني النّضير، وساروا إلى خيبر، وبها من يهود قوم أهل عدد وجلد، وليس لهم من البيوت والأحساب ما لبني النضير، فخرج حيي بن اخطب وكنانة بن أبي الحقيق وهوذة- بفتح الهاء وبالذال المعجمة- ابن قيس الوائليّ، وأبو عامر الفاسق، في جماعة سواهم، إلى مكة فدعوا قريشا وأتباعها إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين حزّبوا الأحزاب، فقالوا لقريش: نحن معكم حتى نستأصل محمدا، جئنا لنحالفكم على عداوته وقتاله، ونشطت قريش لذلك، وتذكروا أحقادهم ببدر، فقال أبو سفيان: مرحبا وأهلا، أحبّ الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد. وأخرج خمسين رجلاً من بطون قريش كلّها، وتحالفوا وتعاقدوا وألصقوا أكبادهم بالكعبة، وهم بينها وبين أستارها، لا يخذل بعضهم بعضا، ولتكوننّ كلمتهم واحدة على محمد، ما بقي منهم رجل.
وقال أبو سفيان: يا معشر يهود، أنتم أهل الكتاب الأوّل والعلم، أخبرونا عمّا أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد: أديننا خير أم دينه؟ فنحن عمّار البيت، ننحر الكوم، ونسقي الحجيج، ونعبد الأصنام. فقالت يهود: اللهم أنتم أولى بالحقّ منه، إنكم لتعظّمون هذا البيت، وتقومون على السّقاية، وتنحرون البدن، وتعبدون ما كان يعبد آباؤكم، فأنتم أولى بالحقّ منه.
فأنزل الله سبحانه وتعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ، وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا: هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا، أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ، وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً. أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ، فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً. أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ، وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً. فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ، وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً [سورة النساء من 51: 55] .
فلما قالوا ذلك لقريش سرّهم، ونشطوا إلى ما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتّعدوا لذلك وقتا أقّتوه.(4/363)
ثم خرجت يهود إلى غطفان فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن عمر: وجعلوا لهم تمر خيبر سنة، إن هم نصروهم، وأخبروهم أنّ قريشا قد تابعوهم على ذلك، واجتمعوا معهم فيه.
ثم خرجت يهود إلى بني سليم فوعدوهم المسير معهم إذا خرجت قريش.
ذكر خروج قريش ومن ذكر معهم
ثم إن قريشا تجهّزت، وسيّرت تدعو العرب إلى نصرها وألّبوا أحابيشهم ومن تبعهم، وخرجوا في أربعة آلاف، وعقدوا اللّواء في دار النّدوة، وحمله عثمان بن طلحة- وأسلم بعد ذلك- وقادوا معهم ثلاثمائة فرس، وكان معهم ألف وخمسمائة بعير.
ولاقتهم بنو سليم بمرّ الظّهران في سبعمائة، يقودهم سفيان بن عبد شمس وهو أبو أبي الأعور السّلميّ، الذي كان مع معاوية بصفّين.
وخرجت بنو أسد بن خزيمة وقائدها طلحة بن خويلد الأسديّ، وأسلم بعد ذلك.
وخرجت بنو فزارة [وأوعبت] وهم ألف يقودهم عيينة بن حصن، وأسلم بعد ذلك.
وخرجت أشجع، وقائدها مسعود بن رخيلة- بضمّ الرّاء وفتح الخاء المعجمة- وأسلم بعد ذلك- وهم أربعمائة.
وخرجت بنو مرّة في أربعمائة، يقودهم الحارث بن عوف المرّيّ- بميم مضمومة فراء مشددة مكسورة، وأسلم بعد ذلك.
قالوا: وكان القوم الذين وافوا الخندق من قريش وسليم وأسد وغطفان عشرة آلاف.
وعناج الأمر إلى أبي سفيان بن حرب. هذا ما كان من أمر المشركين.
وأما ما كان من أمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنّ خزاعة عند ما تهيّأت قريش للخروج أتى ركبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربع ليال حتى أخبروه، فندب الناس، وأخبرهم خبر عدوّهم، وشاورهم في أمرهم: أيبرز من المدينة أم يكون فيها، ويحاربهم عليها وفي طرقها؟ فأشار سلمان رضي الله عنه بالخندق، وقال: يا رسول الله إنا كنّا بأرض فارس إذا تخوّفنا الخيل خندقنا علينا، فأعجبهم ذلك، وأحبّوا الثّبات في المدينة، وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجدّ، ووعدهم النّصر، إذا هم صبروا واتّقوا، وأمرهم بالطّاعة، ولم تكن العرب تخندق عليها.
وروى البزار عن مالك بن وهب الخزاعيّ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سليطا وسفيان بن عوف الأسلميّ طليعة يوم الأحزاب، فخرجا حتى إذا كانا بالبيداء التفّت عليهما خيل لأبي(4/364)
سفيان، فقاتلا حتى قتلا، فأتي بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفنا في قبر واحد، فهما الشّهيدان القرينان.
وركب فرسا له ومعه عدّة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، فارتاد موضعا ينزله، فكان أعجب المنازل إليه أن يجعل سلعا الجبل خلف ظهره، ويخندق من المذاد إلى ذباب إلى راتج، فعمل يومئذ في الخندق، وندب النّاس وخبّرهم بدنوّ عدوّهم وعسكرهم إلى سفح سلع وجعل المسلمون يعملون مستعجلين، يبادرون قدوم العدوّ عليهم، واستعاروا من بني قريظة آلة كثيرة من مساحي وكرازين ومكاتل للحفر.
ووكّل رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلّ جانب من الخندق قوما يحفرونه، فكان المهاجرون يحفرون من ناحية راتج إلى ذباب، وكانت الأنصار يحفرون من ذباب إلى جبل أبي عبيدة.
وروى الطبراني بسند لا بأس به عن عمرو بن عوف المزنيّ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطّ الخندق من أجم الشّيخين طرف بني حارثة حتى بلغ المذاد فقطع لكل عشرة أربعين ذراعا.
وتنافس المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسيّ، وكان رجلا قويّا، فقال المهاجرون:
سلمان منّا! وقالت الأنصار: سلمان منّا،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سلمان من أهل البيت» .
وكان سلمان يعمل عمل عشرة رجال» ، حتّى عانه قيس بن أبي صعصعة فلبط به،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مروه فليتوضأ له، وليغتسل به سلمان، وليكفأ الإناء خلفه، ففعل فكأنما حل من عقال» .
قال أنس بن مالك: وحفر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمل التّراب على ظهره، حتى أن الغبار علا ظهره وعكنة.
وقالت أم سلمة رضي الله عنها: ما نسيت يوم الخندق، وهو يعاطيهم اللّبن، وقد اغبرّ شعره، تعني النبي صلى الله عليه وسلم. رواه الإمام أحمد برجال الصحيح وأبو يعلى.
وروى محمد بن عمر عن البراء رضي الله عنه قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل التّراب على ظهره، حتى حال التّراب بيني وبينه، وإني لأنظر إلى بياض بطنه.
وكان من فرغ من المسلمين من حصّته عاد إلى غيره فأعانه حتى كمل الخندق.
ولم يتأخّر عن العمل في الخندق أحد من المسلمين، وكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ينقلان التّراب في ثيابهما- إذ لم يجدا مكاتل- من العجلة، وكانا لا يفترقان في عمل، ولا مسير ولا منزل.(4/365)
ذكر ما كان المسلمون يرتجزون به من الشعر في عمل الخندق
قال ابن إسحاق وابن عمر: وارتجز المسلمون في الخندق برجل يقال له: جعيل- بضم الجيم- أو جعالة بن سراقة، وكان رجلا دميما صالحا، وكان يعمل في الخندق، فغيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه يومئذ فسمّاه عمرا، فجعل المسلمون يرتجزون ويقول:
سمّاه من بعد جعيل عمرا ... وكان للبائس يوما ظهرا
وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقول شيئاً من ذلك، إلا إذا قالوا: عمرا، وإذا قالوا: ظهرا، قال: ظهرا.
وروى الشيخان [ (1) ] وغيرهما عن سهل بن سعد والبخاري عن أنس رضي الله عنهما قالا: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نحفر في الخندق، وننقل التّراب على أكتادنا وفي لفظ:
أكتافنا، وفي لفظ عن متوننا.
وفي رواية: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون يحفرون في غداة باردة، ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك، فلما رأى ما هم فيه من النّصب والجوع قال: «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر» ،
وفي لفظ: فأصلح، وفي لفظ: فأكرم المهاجرين والأنصار، وفي لفظ: فاغفر للأنصار والمهاجرة، فقالوا مجيبين له:
نحن الّذين بايعوا محمّدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا
قال أنس: ويؤتونه بملء كفّي شعير، فيصنع لهم بإهالة سنخة، توضع بين يدي القوم، وهم جياع وهي بشعة في الحلق ولها ريح منتن.
وروى الشيخان وأبو يعلى وابن أبي أسامة عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى وارى التراب بياض بطنه، وفي لفظ: حتى أغمر بطنه، أو قال اغبرّ بطنه، وفي لفظ: حتى وارى الغبار جلده، وكان كثيف الشعر، فسمعته يرتجز بكلمات لابن رواحة:
والله لولا ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا
والمشركون قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا
ورفع بها صوته: أبينا أبينا، وفي رواية يمدّ صوته بآخرها، ولفظ أبي يعلى: «اللهم لولا أنت» ، وقد بدّل بتصدّقنا «صمنا» .
وروى البيهقي عن سلمان رضي الله عنه، وابن أبي أسامة عن أبي عثمان النهدي رحمه الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في الخندق وقال:
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 1/ 117 ومسلم في كتاب الطهارة (126- 127) .(4/366)
باسم الإله وبه هدينا ... ولو عبدنا غيره شقينا
يا حبّذا ربّا وحبّ دينا
قال محمد بن عمر: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة اجتهاده في العمل يضرب مرّة بالمعول ومرّة يغرف بالمسحاة التراب، ومرة يحمل التراب في المكتل، وبلغ منه التّعب يوما مبلغا فجلس، ثم اتّكأ على حجر على شقّه الأيسر فنام: فقام أبو بكر وعمر رضي الله عنهما على رأسه ينحّيان النّاس عنه، أن يمرّوا به، فينبّهوه، ثم استيقظ ووثب فقال: أفلا أفزعتموني! وأخذ الكرزن يضرب به ويقول:
اللهمّ إن العيش عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة
الّلهمّ العن عضلا والقارة ... فهم كلّفوني أنقل الحجارة
وعمل المسلمون في الخندق حتى أحكموه.
قال محمد بن عمر، وابن سعد: في ستّة أيّام.
وكان الخندق بسطة أو نحوها.
وأعقب بين عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش، فتكون عائشة عنده أياما، ثم تكون أمّ سلمة عنده أياما، ثم تكون زينب عنده أياما، فهؤلاء الثلاث اللّاتي يعقب بينهنّ في الخندق، وسائر نسائه في أطم بني حارثة، وكان حصينا، ويقال: كنّ في النّسر أطم في بني زريق، ويقال: كان بعضهنّ في فارع.
ذكر الآيات التي وقعت عند ظهور الصّخرة في الخندق
روى الإمام أحمد والشيخان وغيرهم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، والإمام أحمد بسند جيد عن البراء بن عازب، وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عمرو بن عوف، وأبو نعيم عن أنس، والحارث والطبراني عن ابن عمر، والطبراني بسند جيد، عن ابن عباس، والبيهقي وأبو نعيم من طريقين عن ابن شهاب، ومحمد بن عمر عن شيوخه، وابن إسحاق عن شيوخه:
أنّ المسلمين عرض لهم في بعض الخندق صخرة، وفي لفظ كدية عظيمة شديدة بيضاء مدوّرة، لا تأخذ فيها المعاول، فكسرت حديدهم، وشقّت عليهم، وفي حديث عمرو بن عوف: أنّها عرضت لسلمان.
وذكر محمد بن عمر أنّها تعرّضت لعمر بن الخطاب، فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبة تركية فقال: أنا نازل، ثم قام، وبطنه معصوب بحجر من الجوع، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا، فدعا بإناء من ماء فتفل فيه، ثم دعا بما شاء الله أن(4/367)
يدعو به، ثم نضح من ذلك الماء عليها، فيقول من حضرها: والذي بعثه بالحق إنها عادت كالكثيب المهيل ما تردّ فأسا ولا مسحاة، فأخذ المعول من سلمان، وقال: «بسم الله» ، وضرب ضربة فكسر ثلثها، وبرقت برقة فخرج نور من قبل اليمن فأضاء ما بين لابتي المدينة حتى كأنّ مصباحا في جوف ليل مظلم، فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «أعطيت مفاتيح اليمن، إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني السّاعة، كأنّها أنياب الكلاب» ، ثم ضرب الثانية فقطع ثلثا آخر، وبرق منها برقة فخرج نور من قبل الرّوم فأضاء ما بين لابتي المدينة فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني الساعة» . ثم ضرب الثالثة فقطع بقية الحجر وبرق برقة من جهة فارس أضاءت ما بين لابتي المدينة، فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنّها أنياب الكلاب من مكاني هذا، وأخبرني جبريل أنّ أمّتي ظاهرة عليها، فأبشروا بالنّصر» . فاستسرّ المسلمون، وقالوا: الحمد لله موعد صادق، بأن وعدنا النصر بعد الحصر، وجعل يصف لسلمان، فقال سلمان: صدقت يا رسول الله، هذه صفته، أشهد أنك رسول الله.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه فتوح يفتحها الله تعالى بعدي يا سلمان، لتفتحنّ الشّام، ويهرب هرقل إلى أقصى مملكته، وتظهرون على الشام فلا ينازعكم أحد، وليفتحنّ هذا المشرق، ويقتل كسرى فلا يكون كسرى بعده»
[ (1) ] .
قال سلمان: فكلّ هذا قد رأيت.
قال أبو هريرة- فيما رواه بن إسحاق- حين فتحت هذه الأمصار زمان عمر، وزمان عثمان ومن بعده: «افتحوا ما بدا لكم، فو الذي نفس أبي هريرة بيده ما فتحتم من مدينة ولا تفتحونها إلى يوم القيامة إلا وقد أعطى الله تعالى محمدا مفاتيحها قبل ذلك» .
فقال المنافقون: يخبركم محمد أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق، ولا تستطيعون أن تبرزوا، فأنزل الله تبارك وتعالى:
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [الأحزاب: 12] .
ذكر الآيات التي وقعت لما أصابتهم المجاعة في حفر الخندق
روى الشيخان، ومحمد بن عمر، والحاكم، والبيهقي عن جابر بن عبد الله، والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهم:
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 303.(4/368)
أن جابرا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عاصبا بطنه بحجر من الجوع وأنهم لبثوا ثلاثة أيام لا يذوقون ذواقا. قال جابر: فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنزل فأذن لي، فذهبت فقلت لامرأتي: أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا، ما في ذلك صبر، فعندك شيء؟
قالت: عندي صاع من شعير وعناق، فأخرجت إناء فيه صاع من شعير، وذبحت العناق، وطحنت الشعير، وجعلنا اللّحم في البرمة، فلما انكسر العجين وكادت البرمة أن تنضج وأمسينا، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الانصراف- قال: وكنا نعمل نهارا، فإذا أمسينا رجعنا إلى أهلنا- قالت لي: لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فساررته فقلت: طعيّم لي، فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان. فشبّك أصابعه في أصابعي وقال:
كم هو؟ فذكرت له، فقال: كثير طيّب لا تنزلنّ برمتكم ولا تخبزنّ عجينكم حتى أجيء، وصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أهل الخندق إن جابرا قد صنع لكم سورا فحيّ، هلا بكم» ، وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس، ولقيت من الحياء ما لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، وقلت:
جاء الخلق، والله إنها للفضيحة على صاع من شعير وعناق، فدخلت على امرأتي فقلت:
ويحك! جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم، فقالت: بك وبك، وفي رواية: هل سألك؟ قلت: نعم. وفي رواية: قالت: أنت دعوتهم أو هو؟ قلت: بل هو دعاهم. قالت: دعهم، الله ورسوله أعلم، نحن قد أخبرناه بما عندنا. فكشفت عنّي. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:
«ادخلوا عشرة عشرة، ولا تضاغطوا» ، فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك، فقال لنا: «اخبزوا واغرفوا وغطّوا البرمة، ثم أخرجوا الخبز من التّنّور، وغطّوا الخبز» ، ففعلنا، فجعلنا نغرف ويغطّي البرمة، ثم يفتحها فما نراها نقصت شيئا، ويخرج الخبز من التّنّور، ثم يغطّيه فما نراه نقص شيئا، فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم، ويقرّب إلى أصحابه ويقول لهم: «كلوا» . فإذا شبع قوم قاموا، ثم دعا غيرهم حتى أكلوا وهم ألف، وانحرفوا وإن برمتنا لتغطّ كما هي، وإنّ عجيننا ليخبز كما هو، فقال: «كلوا واهدوا، فإنّ الناس أصابتهم مجاعة شديدة» . فلم نزل نأكل ونهدي يومنا ذلك أجمع، فلّما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب ذلك [ (1) ] .
وروى ابن إسحاق، وأبو نعيم عن أبنة لبشير- بفتح الموحدة- ابن سعد أخت النعمان ابن بشير رضي الله عنه، قالت: بعثتني أمّي بجفنة تمر في طرف ثوبي إلى أبي وخالي عبد الله بن رواحة، وهم يحفرون في الخندق، فناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته فأخذ التّمر منّي في كفّه فما ملأها، وبسط ثوبا فنثره عليه فتساقط- وفي لفظ فتبدّد- في جوانبه، ثم قال
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 456 (4101) .(4/369)
لإنسان عنده: اصرخ: يا أهل الخندق أن هلمّ إلى الغداء. فاجتمعوا وأكلوا منه، وجعل يزيد حتى صدروا عنه، وإنّه ليسقط من أطراف الثوب
[ (1) ] .
وروى ابن عساكر عن عبيد الله بن أبي بردة قال: أرسلت أمّ عامر الأشهلية بقعبة فيها حيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في قبّته عند أم سلمة، فأكلت أمّ سلمة حاجتها، ثم خرج بالقعبة، ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عشائه، فأكل أهل الخندق حتى نهلوا منها، وهي كما هي.
وروى أبو يعلى وابن عساكر، عن عبد الله بن أبي رافع، عن أبيه رضي الله عنه، قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق بشاة في مكتل فقال: «يا أبا رافع، ناولني الذّراع» ، فناولته، ثم قال: «ناولني الذراع» فناولته ثم قال: «ناولني الذراع» ، فناولته، ثم قال: «ناولني الذراع» ، فناولته، فقلت: يا رسول الله أللشاة إلا ذراعان؟! قال: «لو سكتّ ساعة لناولتنيه ما سألتك» [ (2) ] .
ذكر بركة يده صلى الله عليه وسلم
روى الطبراني وأبو القاسم البغوي عن معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال: لما أجرى أخي علي بن الحكم فرسه، فدق جدار الخندق ساقه، فأتينا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرسه، فقال: «بسم الله» . ومسح ساقه فما نزل عنها حتى برأ.
ذكر تخلف جماعة من المنافقين عن مساعدة المسلمين
قال ابن إسحاق: وأبطأ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن المسلمين في عملهم ذلك رجال من المنافقين، وجعلوا يورّون بالضّعيف من العمل، ويتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا إذن، وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بدّ منها يذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، ويستأذنه في اللّحوق بحاجته، فيأذن له، فإذا قضى حاجته رجع إلى ما كان فيه من عمله، رغبة في الخير، واحتسابا له.
فانزل الله تعالى في أولئك المؤمنين: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [سورة النور 62] .
__________
[ (1) ] انظر البداية والنهاية 6/ 133.
[ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 8 وأبو نعيم في الدلائل (156) وانظر البداية والنهاية 6/ 139.(4/370)
وأنزل الله سبحانه وتعالى قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ، وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور 63، 64] .
ذكر عرضه صلّى الله عليه وسلم الغلمان
روى محمد بن عمر، عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعرض الغلمان وهو يحفر الخندق، فأجاز من أجاز وردّ من ردّ، وكان الغلمان الذين لم يبلغوا يعملون معه ولم يجزهم، ولكن لمّا لحم الأمر أمر من لم يبلغ أن يرجع إلى أهله إلى الآطام مع الذراريّ والنساء.
وممّن أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم: - عبد الله بن عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت وأبا سعيد الخدري، والبراء بن عازب، وهم أبناء خمس عشرة سنة.
ذكر تهيؤ رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرب المشركين ووصولهم إلى المدينة
لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمل الخندق، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم- فيما قال ابن هشام- ونزل أمام سلع فجعله خلف ظهره، والخندق أمامه، وكان عسكره فيما هنالك، وضربت له قبّة من أدم كانت عند المسجد الأعلى الذي بأصل الجبل- جبل الأحزاب- وكان المسلمون فيما قالوا: ثلاثة آلاف، ووهم من قال: إنهم كانوا سبعمائة.
وكان لواء المهاجرين مع زيد بن حارثة، ولواء الأنصار مع سعد بن عبادة.
وجعل النساء والذّراريّ بين الآطام، وشبّكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية فهي كالحصن.
روى ابن سعد، عن المهلب بن أبي صفرة، قال: حدثني رجل من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليلة الخندق: إني لأرى القوم الليلة فإن شعاركم: هُمْ لا يُنْصَرُونَ.
وكان حسان بن ثابت مع النّساء والذّراريّ في الآطام.
فروى محمد بن إسحاق عن عباد بن عبد الله بن الزّبير، ومحمد بن عمر عن شيوخه، وأبو يعلى والبزار بسند حسن، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه، والطبراني برجال الصحيح، عن عروة بن الزبير مرسلا:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الخندق فجعل نساءه وعمّته صفيّة في أطم يقال له:(4/371)
فارع، وجعل معهم حسان بن ثابت. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فأقبل عشرة من يهود، فجعلوا ينقمعون ويرمون الحصن، ودنا أحدهم إلى باب الحصن، وقد حاربت قريظة.
وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نحر العدوّ، لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إذ أتانا آت، فقلت لحسّان: يا حسّان قم إليه فاقتله، فقال: يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا، ولو كان ذلك في لخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت صفيّة: فلما قال ذلك، ولم أر عنده شيئا احتجزت ثم أخذت سيفا فربطته على ذراعي، ثم تقدّمت إليه حتى قتلته، وفي لفظ: فأخذت عمودا، ثم نزلت من الحصن فضربته بالعمود ضربة شدخت فيها رأسه، فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن، فقلت: يا حسّان، انزل إليه فاسلبه، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنّه رجل، قال:
ما لي بسلبه من حاجة يا بنت عبد المطلب. فقلت له: خذ الرّأس وارم به على اليهود، قال:
ما ذاك في، فأخذت هي الرّأس فرمت به على اليهود، فقالوا: قد علمنا إن محمدا لم يترك له خلوفا ليس معهم أحد، فتفرّقوا. زاد أبو يعلى: فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضرب لصفيّة بسهم كما يضرب للرّجال.
ومرّ سعد بن معاذ على عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها وهي في الحصن، وعليه درع مقلّصة قد خرجت منها أذرعه كلّها وفي يده حربته يرقدّ بها وهو يقول:
لبّث قليلا يشهد الهيجا حمل ... لا بأس بالموت إذا حان الأجل
فقالت له أمه وكانت مع النساء في الحصن: الحق بنيّ فقد والله أخّرت، فقالت لها عائشة: يا أمّ سعد، والله لوددت أنّ درع سعد كانت أوسع ممّا هي عليه، قالت: وخفت عليه حيث أصاب السهم منه فقالت أمّ سعد: يقضي الله ما هو قاض، فقضى الله أن أصيب يومئذ.
ذكر وصول المشركين بعد فراغ الخندق
وأقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة في أحابيشها، ومن ضوى إليها من بني كنانة وأهل تهامة.
وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أل نجد حتى نزلوا بذنب نقمي إلى جانب أحد، فسرّحت قريش ركابها في عضاه وادي العقيق، ولم تجد لخيلها هناك شيئاً إلا ما حملت من علفها من الذّرة.
وسرّحت غطفان إبلها إلى الغابة في أثلها وطرفائها، وكان الناس قد حصدوا زرعهم قبل ذلك بشهر، وأدخلوا حصادهم وأتبانهم، وكادت خيل غطفان تهلك.(4/372)
ذكر ما قاله المؤمنون لما رأوا الأحزاب
روى ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس، والطيالسي وعبد الرزاق وابن جرير والبيهقي عن قتادة: أن الله تعالى قال لهم في سورة البقرة: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ، أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة 214] فلمّا مسّهم البلاء حيث رابطوا الأحزاب في الخندق قالُوا: هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً [الأحزاب 22] للقضاء، رضي الله عنهم.
ذكر نقض بني قريظة العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما نزل المشركون فيما ذكر، خرج عدوّ الله حيي بن اخطب النّضريّ حتى أتى كعب ابن أسد القرظيّ صاحب عقد بني قريظة وعهدهم، وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه، وعاهده على ذلك، فلما سمع كعب بحييّ أغلق دونه باب حصنه، فاستأذن عليه، فأبى أن يفتح له، فناداه حييّ: ويحك يا كعب! افتح، قال: ويحك يا حييّ! إنك امرؤ مشؤوم، وإنّي قد عاهدت محمدا، فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلا صدقا ووفاء. قال: ويحك! افتح لي أكلّمك، قال: والله ما أنا بفاعل، قال: والله، إن أغلقت دوني إلا خوفا على جشيشتك أن آكل معك منها. فأحفظ الرّجل، ففتح له، فقال: ويحك يا كعب! جئتك بعزّ الدهر، وبحر طام، جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة، وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى إلى جانب أحد، قد عاقدوني وعاهدوني على ألّا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه. قال له كعب: جئتني والله بذلّ الدّهر وبجهام قد أهرق ماؤه، فهو يرعد ويبرق، وليس فيه شيء، ويحك يا حييّ! خلّني وما أنا عليه، فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء. فلم يزل حييّ بكعب يفتله في الذّروة والغارب حتى سمح له على أن أعطاه عهدا وميثاقا: لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك، فنقض كعب بن أسد عهده وبرئ ممّا كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ووعظهم عمرو بن سعدى وخوّفهم سوء فعالهم، وذكّرهم ميثاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده، وقال لهم: إذا لم تنصروه فاتركوه وعدوّه، فأبوا.
وخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني قريظة بنو سعنة: أسد وأسيد وثعلبة فكانوا معه، وأسلموا.(4/373)
وأمر كعب بن أسد حيي بن اخطب أن يأخذ لهم من قريش وغطفان رهائن تكون عندهم. فبلغ عمر بن الخطاب خبر نقض بني قريظة العهد، فأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبرهم، فبعث سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة وهما سيّدا قومهما، ومعهما عبد الله بن رواحة وخوّات بن جبير- زاد محمد بن عمر: وأسيد بن حضير- فقال: انطلقوا حتى تنظروا أحقّ ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا، فإن كان حقّا فالحنوا إليّ لحنا أعرفه ولا تفتّوا في أعضاد النّاس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس.
فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم قد نقضوا العهد، فناشدوهم الله والعهد الذي كان بينهم أن يرجعوا إلى ما كانوا عليه قبل ذلك، قبل أن يلتحم الأمر، ولا يطيعوا حيي بن اخطب، فقال كعب: لا نردّه أبدا، قد قطعته كما قطعت هذا القبال- لقبال نعله- وقال: من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؟ لا عهد بيننا وبينه. فشاتمهم سعد بن عبادة، كما قال ابن عقبة ومحمد بن عمر وابن عائذ وابن سعد- وقال ابن إسحاق: أنه سعد بن معاذ- وشاتموه وكان رجلا فيه حدّة، فقال له سعد بن معاذ- أو سعد بن عبادة إن كان الأول سعد بن معاذ-: دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة. وقال أسيد بن حضير لكعب: أتسبّ سيدك يا عدو الله ما أنت له بكفء يا بن اليهوديّة، ولتولّينّ قريش إن شاء الله منهزمين، وتتركك في عقر دارك فنسير إليك، فننزلك من جحرك هذا على حكمنا. ورجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال سعد بن عبادة: عضل والقارة، يعني كغدر عضل والقارة بأصحاب الرّجيع. وسكت الباقون، ثم جلسوا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشروا يا معشر المؤمنين بنصر الله تعالى وعونه، إني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق وآخذ المفتاح، وليهلكنّ كسرى وقيصر ولتنفقنّ أموالهم في سبيل الله.
يقول ذلك حين رأى ما بالمسلمين من الكرب. قال ابن عقبة:
ثم تقنّع رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوبه حين جاءه الخبر عن بني قريظة، فاضطجع ومكث طويلا، وانتهى الخبر إلى المسلمين بنقض بني قريظة العهد، فاشتد الخوف وعظم البلاء، وخيف على الذراريّ والنساء، وكانوا كما قال الله تعالى: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ [الأحزاب 10] .
ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قبالة عدوّهم، لا يستطيعون الزّوال عن مكانهم، يعتقبون خندقهم يحرسونه.
ونجم النفاق من بعض المنافقين، فقال معتّب بن قشير: كان محمد يعدنا أن نأخذ كنوز كسرى وقيصر وأن أموالهما تنفق في سبيل الله، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [الأحزاب 12] وقال رجال ممّن معه: يا أَهْلَ(4/374)
يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا [الأحزاب 13] وهمّت بنو قريظة بالإغارة على المدينة ليلا، فبلغ ذلك المسلمين، فعظم الخطب، واشتدّ البلاء، ثم كفهّم الله تعالى عن ذلك لمّا بلغهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل سلمة بن أسلم بن حريش الأشهليّ في مائتي رجل، وزيد بن حارثة في ثلاثمائة يحرسون المدينة، ويظهرون التكبير، فإذا أصبحوا أمنوا.
واجتمعت جماعة من بني حارثة فبعثوا أوس بن قيظيّ- بالتحتية والظاء المعجمة المشالة- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن بيوتنا عورة، وليس دار من دور الأنصار مثل دورنا، ليس بيننا وبين غطفان أحد يردّهم عنّا، فأذن لنا فلنرجع إلى دورنا، فنمنع ذرارينا ونساءنا فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرحوا بذلك وتهيّئوا للانصراف.
قال محمد بن عمر: فبلغ سعد بن معاذ، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: لا تأذن لهم، إنا والله ما أصابنا وإيّاهم شدّة قطّ إلا صنعوا هكذا، ثم أقبل عليهم فقال: يا بني حارثة، هذا لنا منكم أبدا، ما أصابنا وإياكم شدة إلا صنعتم هكذا. فردّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان المسلمون يتناوبون حراسة نبيّهم، وكانوا في قرّ شديد وجوع، وكان ليلهم نهارا.
روى محمد بن عمر عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يختلف إلى ثلمة في الخندق يحرسها، حتى إذا آذاه البرد جاءني فأدفأته في حضني، فإذا دفئ خرج إلى تلك الثّلمة، ويقول: «ما أخشى أن يؤتى الناس إلّا منها» فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حضني قد دفئ وهو يقول: ليت رجلا صالحا يحرس هذه الثّلمة الليلة، فسمع صوت السّلاح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من هذا؟» فقال سعد بن أبي وقاص: سعد يا رسول الله، فقال: «عليك هذه الثّلمة فاحرسها» .
قالت: فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى سمعت غطيطه.
قال ابن سعد: وكان عباد بن بشر، والزبير بن العوام، على حرس رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
وروى محمد بن عمر عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الخندق، وكنا في قرّ شديد، فإني لأنظر إليه ليلة قام فصلّى ما شاء الله أن يصلي في قبّته، ثم خرج فنظر ساعة فأسمعه يقول: «هذه خيل المشركين تطيق بالخندق» ، ثم نادى عباد بن بشر، فقال عبّاد: لبيك! قال: «أمعك أحد؟» قال: نعم، أنا في نفر من أصحابي حول قبّتك.
قال: «انطلق في أصحابك فأطف بالخندق، فهذه خيل المشركين تطيف بكم، يطمعون أن يصيبوا منكم غرّة، اللهمّ فادفع عنّا شرّهم، وانصرنا عليهم، واغلبهم، فلا يغلبهم أحد غيرك» .
فخرج عبّاد في أصحابه فإذا هو بأبي سفيان بن حرب في خيل المشركين يطوفون بمضيق من الخندق، وقد نذر بهم المسلمون فرموهم بالحجارة والنّبل، حتى أذلقهم المسلمون بالرّمي،(4/375)
فانكشفوا منهزمين إلى منازلهم، قال عبّاد: ورجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدته يصلي فأخبرته. قالت أم سلمة: يرحم الله عباد بن بشر، فإنه كان ألزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لقبّته يحرسها أبدا. فلما أصبح المشركون ورأوا الخندق قالوا: إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تصنعها، ولا تكيدها. وقال بعضهم: إنّ معه رجلا فارسيّا فهو الذي أشار عليه به. قالوا: فمن هناك إذا؟ ونادوا المسلمين، وكان بينهم الرميّ بالنّبل والحجارة، والخندق حاجز بين الفريقين.
وكان المشركون يتناوبون بينهم فيغدو أبو سفيان بن حرب في أصحابه يوما، ويغدو خالد بن الوليد يوما، ويغدو عكرمة بن أبي جهل يوما، ويغدو ضرار بن الخطاب الفهريّ يوما، فلا يزالون يجيلون خيلهم، ويتفرّقون مرة، ويجتمعون أخرى، ويناوشون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقدمون رماتهم.
ذكر أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم مصالحة غطفان
لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم نقض بني قريظة العهد أرسل إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف، وهما قائدا غطفان- وأسلما بعد ذلك- فلما جاءا في عشرة من قومهما قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرأيتما إن جعلت لكما ثلث تمر المدينة أترجعان بمن معكما، وتخذّلان بين الأعراب؟»
فقالا: تعطينا نصف تمر المدينة، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزيدهما على الثلث، فرضيا بذلك، فأحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصّحيفة والدّواة، وأحضر عثمان بن عفان فأعطاه الصّحيفة، وهو يريد أن يكتب الصلح بينهما، وعباد بن بشر قائم على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، مقنّع في الحديد، فأقبل أسيد بن حضير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه الرّمح، ولا يدري بما كان من الكلام، فلما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعيينة بن حصن مادّ رجليه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وعلم ما يريدون قال: يا عين الهجرس اقبض رجليك، أتمدّهما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله لولا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنفذت خصيتيك بالرمح! ثم أقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن كان أمراً من السماء فامض له، وإن كان غير ذلك فو الله لا نعطيهم إلا السيف، متى طمعوا بهذا منّا؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، فاستشارهما في ذلك وهو متكئ عليهما، والقوم جلوس، فتكلم بكلام يخفيه، وأخبرهما الخبر.
وقال ابن إسحاق: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشارهما في ذلك فقالا: يا رسول الله إن كان الأمر من السماء فامض له، وإن كان أمرا لم تؤمر به ولك فيه هوى فامض له سمعا وطاعة، وإن كان إنّما هو الرأي فما لهم عندنا إلا السيف. وأخذ سعد بن معاذ الكتاب،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب،(4/376)
فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر مّا» ، فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنّا نحن وهؤلاء القوم على الشّرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله تعالى نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة واحدة إلا قرى أو بيعا، أفحين أكرمنا الله تعالى بالإسلام، وهدانا له، وأعزّنا بك وبه، نعطيهم أموالنا؟! ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلّا السيف، حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت وذاك. فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: ليجهدوا علينا.
وروى البزار والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه نحو ذلك مختصرا قال: [جاء الحارث] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد ناصفنا تمر المدينة وإلا ملأتها عليك خيلا ورجالا، فقال حتى أستأمر السّعود: سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ، وسعد بن الرّبيع، وسعد بن خيثمة، وسعد بن مسعود، فكلّمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقالوا: لا، والله ما أعطينا الدّنيّة في أنفسنا في الجاهلية، فكيف وقد جاء الله تعالى بالإسلام، فرجع إلى الحارث فأخبره، فقال: غدرت يا محمد [ (1) ] .
ذكر قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عمرو بن عبد ود العامري
روى البيهقي عن ابن إسحاق، ومحمد بن عمر عن شيوخه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أقام مرابطا والمشركون يحاصرونه. قال ابن إسحاق: بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر، ولم يكن بينهم قتال لأجل ما حال من الخندق، إلا الرّمي بالسهام والحجارة، ثم إن رؤساء المشركين وسادتهم أجمعوا على أن يغدوا جميعا لقتال المسلمين فغدا أبو سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل، وضرار بن الخطّاب، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص ونوفل بن معاوية الدّيلميّ- وأسلموا بعد ذلك- ونوفل بن عبد الله المخزومي، وعمرو بن عبد ود، في عدّة ومعهم رؤساء غطفان: عيينة بن حصن، والحارث بن عوف، ومسعود بن رخيل- بالخاء المعجمة والتصغير- وأسلم الثلاثة بعد ذلك. ومن بني أسد رؤوسهم، وتركوا الرجال خلوفا فجعلوا يطوفون بالخندق يطلبون مضيقا، يريدون أن يقحموا خيلهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فتيمّموا مكانا من الخندق ضيّقا قد أغفله المسلمون، فجعلوا يكرهون خيلهم ويضربونها حتى اقتحمت، فعبر عكرمة، ونوفل بن عبد الله، وضرار بن الخطاب، وهبيرة بن أبي وهب، وعمرو بن عبد ود، وأقام سائر المشركين من وراء الخندق، ولم يعبروا، فقيل لأبي سفيان: ألا تعبر قال: قد عبرتم، فإن احتجتم لنا عبرنا، فجالت بالذين دخلوا خيلهم في السّبخة بين
__________
[ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 6/ 135 وعزاه للبزار والطبراني.(4/377)
الخندق وسلع، وخرج نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثّغرة التي أقحموا منها خيلهم، وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم، وكان عمرو بن عبد ودّ قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة، وارتثّ فلم يشهد أحدا، فحرّم الدّهن حتى يثأر من محمد وأصحابه، وهو يومئذ كبير. قال ابن سعد: إنه بلغ تسعين سنة، وكان من شجعان المشركين وأبطالهم المسمّين،
فلما كان يوم الخندق خرج ثائر الرأس معلما ليرى مكانه، فلما وقف هو وخيله دعا إلى البراز، فقام علي بن أبي طالب، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاه سيفه وعمّمه، وقال:
«اللهمّ أعنه عليه» ، فمشى إليه وهو يقول:
لا تعجلنّ فقد أتا ... ك مجيب صوتك غير عاجز
ذو نيّة وبصيرة ... والصّدق من خير الغرائز
إني لأرجو أن أقي ... م عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء يب ... قى ذكرها عند الهزاهز
ثم قال له: يا عمرو إنك كنت تقول في الجاهلية: لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلا قبلتها، قال: أجل، فقال على: فإني أدعوك إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتسلم لرب العالمين، قال: يا بن أخي أخّر عنّي هذه، قال: وأخرى ترجع إلى بلادك، فإن يك محمد صادقا كنت أسعد الناس به، وإن يك كاذبا كان الذي تريد. قال: هذا ما لا تحدّث به نساء قريش أبدا، وقد نذرت ما نذرت، وحرّمت الدّهن، قال: فالثالثة؟ قال:
البراز. فضحك عمرو وقال: إن هذه لخصلة ما كنت أظن أن أحدا من العرب يرومني عليها، فمن أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب. قال: يا بن أخي من أعمامك من هو أسنّ منك، فإني أكره أن أهريق دمك، فقال علي رضي الله عنه: لكنّي والله لا أكره أن أهريق دمك.
فغضب عمرو، فنزل عن فرسه وعقرها، وسلّ سيفه كأنه شعلة نار، ثم أقبل نحو عليّ مغضبا، واستقبله عليّ بدرقته، ودنا أحدهما من الآخر وثارت بينهما غبرة، فضربه عمرو فاتّقى عليّ الضّربة بالدّرقة فقدّها، وأثبت فيها السيف، وأصاب رأسه فشجّه.
قال البلاذريّ: ويقال: إن عليّا لم يجرح قطّ وضربه عليّ على حبل عاتقه فسقط وثار العجاج، وقيل: طعنه في ترقوته حتى أخرجها من مراقّه، فسقط. وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير فعرف أنّ عليّا قد قتله.
فثمّ علي رضي الله عنه يقول:
نصر الحجارة من سفاهة رأيه ... ونصرت ربّ محمّد بصوابي
فصدرت حين تركته متجدّلا ... كالجذع بين دكادك وروابي(4/378)
وعففت عن أثوابه ولو أنّني ... كنت المقطّر بزّني أثوابي
لا تحسبنّ الله خاذل دينه ... ونبيّه يا معشر الأحزاب
قال ابن هشام: وأكثر أهل العلم بالشّعر يشكّ فيها لعلي رضي الله عنه.
ثم أقبل علي رضي الله عنه نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجهه يتهلّل، ولم يكن للعرب درع خير من درعه، ولم يستلبه لأنه اتّقاه بسوءته، فاستحياه، وخرجت خيولهم منهزمة حتى اقتحمت الخندق. قال ابن هشام: وألقى عكرمة بن أبي جهل رمحه يومئذ وهو منهزم عن عمرو. فقال حسان بن ثابت في ذلك:
فرّ وألقى لنا رمحه ... لعلّك عكرم لم تفعل
وولّيت تعدو كعدو الظّليم ... ما إن تجور عن المعدل
ولم تلق ظهرك مستأنسا ... كأنّ قفاك قفا فرعل
ورجع المشركون هاربين، وخرج في آثارهم الزبير بن العوام وعمر بن الخطاب فناوشوهم ساعة، وحمل الزبير بن العوام على نوفل بن عبد الله بالسيف حتى شقّه باثنين، وقطع أبدوج سرجه، حتى خلص إلى كاهل الفرس، فقيل: يا أبا عبد الله ما رأينا مثل سيفك، فقال: والله ما هو السيف، ولكنها الساعد.
وحمل الزّبير أيضا على هبيرة بن أبي وهب فضرب ثفر فرسه، فقطع ثفره، وسقطت درع كان محقبها الفرس، فأخذها الزّبير، فلما رجعوا إلى أبي سفيان قالوا: هذا يوم لم يكن لنا فيه شيء فارجعوا.
قال الحاكم: سمعت الأصمّ، قال: سمعت العطارديّ، وقال: سمعت الحافظ يحيى بن آدم يقول: ما شبّهت قتل عليّ عمرا إلا بقوله تعالى: فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ [البقرة 251] .
قال ابن إسحاق، كما رواه البيهقي عنه: وبعث المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشترون جيفة عمرو بن عبد ودّ بعشرة آلاف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو لكم لا نأكل ثمن الموتى» [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد والتّرمذيّ والبيهقي عن ابن عباس قال: قتل المسلمون يوم الخندق رجلا من المشركين، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ابعث إلينا بجسده، ونعطيكم اثني عشر ألفا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا خير في جيفته ولا في ثمنه، ادفعوه إليهم فإنه خبيث الجيفة، خبيث الدّية» ، فلم يقبل منهم شيئا.
__________
[ (1) ] انظر البداية والنهاية 4/ 107.(4/379)
وروى أبو نعيم: إن رجلا من آل المغيرة قال: لأقتلنّ محمدا، فأوثب فرسه في الخندق، فوقع، فاندقّت عنقه، فقالوا: يا محمد ادفعه إلينا نواريه، وندفع إليك ديته، فقال: «خذوه فإنه خبيث الدّية»
[ (1) ] .
وذكر ابن عقبة: أنّ المشركين لمّا بعثوا يطلبون جسد نوفل بن عبد الله المخزوميّ حين قتل، وعرضوا عليه الدّية، فقال: إنه خبيث الدّية، فلعنه الله ولعن ديته، فلا أرب لنا في ديته، ولسنا نمنعكم أن تدفنوه.
وذكر أبو جعفر بن جرير: أنّ نوفلا لما تورّط في الخندق رماه الناس بالحجارة، فجعل يقول: قتلة أحسن من هذه يا معشر العرب، فنزل إليه عليّ فقتله، وطلب المشركون رمّته، فمكّنهم من أخذه. وهذا غريب.
قال ابن سعد: ولم يكن لهم بعد ذلك قتال جميعا حتى انصرفوا، إلا أنّهم لا يدعون الطلائع باللّيل يطمعون في الغارة.
ذكر اتفاق المشركين على محاصرة المسلمين من جميع جوانب الخندق
لما قتل الله عمرا، وانهزم من كان معه، اتّحد المشركون أن يغدوا جميعا، ولا يتخلف منهم أحد، فباتوا يعبّئون أصحابهم، ثم وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق، قبل طلوع الشمس، وعبّأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وجمعهم على القتال ووعدهم النّصر إن ثبتوا. والمشركون قد جعلوا المسلمين في مثل الحصن من كتائبهم، فأحدقوا بكل وجه من الخندق ووجّهوا نحو خيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبة غليظة، فيها خالد بن الوليد فقاتلهم يومه ذلك إلى هوي من الليل، وما يقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من المسلمين أن يزولوا من مواضعهم، ولا قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه على صلاة ظهر ولا عصر ولا مغرب ولا عشاء،
فجعل أصحابه يقولون: يا رسول الله ما صلّينا، فيقول صلى الله عليه وسلم: «والله ما صلّيت حتى كشفهم الله تعالى» ،
فرجعوا متفرّقين، ورجع كل فريق إلى منزله وأقام أسيد بن حضير على الخندق في مائتين [من المسلمين فهم] على شفير الخندق، فكرّت خيل المشركين، وعليها خالد بن الوليد يطلبون غرّة، فناوشهم ساعة، فزرق وحشي بن حرب الطّفيل بن النّعمان، وقيل: الطّفيل بن مالك بن النعمان الأنصاري بمزراقه فقتله، كما فعل بحمزة سيّد الشهداء بأحد.
ذكر رمي بعض المشركين سعد بن معاذ رضي الله عنه
روى ابن سعد، عن عاصم بن عمرو بن قتادة أن حبّان بن قيس بن العرقة رمى سعد بن معاذ بسهم، فقطع أكحله، فلما أصابه، قال: خذها وأنا ابن العرقة. فقال له سعد- ويقال
__________
[ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 14/ 423 وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (30102) .(4/380)
رسول الله صلى الله عليه وسلم-: عرّق الله وجهك في النّار. وقال سعد: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك، وأخرجوه، وكذّبوه، اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة. وقيل: إن الذي أصاب سعدا أبو أسامة الجشميّ، وقيل: خفاجة بن عاصم فالله أعلم. وسيأتي لهذا مزيد بيان في حوادث سنة خمس.
وخرجت طليعتان للمسلمين فالتقتا، ولا يشعر بعضهم ببعض، ولا يظنون إلا أنهم العدوّ، فكانت بينهم جراحة وقتل، ثم نادوا بشعار المسلمين: «بحم لا ينصرون» ، فكفّ بعضهم عن بعض،
وجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «جراحكم في سبيل الله، ومن قتل منكم فهو شهيد» ،
فكانوا بعد ذلك إذا دنا المسلمون بعضهم من بعض نادوا بشعارهم.
وكان رجال يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يطلعوا إلى أهلهم،
فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إني أخاف عليكم من بني قريظة» ، فإذا ألحّوا يقول: «من يذهب منكم فليأخذ بسلاحه» .
وكان فتى حديث عهد بعرس، فأخذ سلاحه وذهب، فإذا امرأته قائمة بين البابين فهيّأ لها الرّمح ليطعنها فقالت: اكفف حتى ترى ما في بيتك فإذا بحيّة على فراشه، فركز فيها الرّمح فانتظمها فيه، ثم خرج به فنصبه في الدار، فاضطربت الحيّة في رأس الرّمح، وخرّ الفتى ميّتا، فما يدري أيهما كان أسرع موتا: الفتى أم الحية؟ فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقال: إن بالمدينة جنّا قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان.
ذكر قضائه صلى الله عليه وسلم ما فاته من الصلوات
روى الخمسة عن علي رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال يوم الخندق: «ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا، كما شغلونا عن الصّلاة الوسطى، حتى غابت الشمس»
[ (1) ] .
وروى الشيخان والترمذي والنسائي عن جابر بن عبد الله، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس، جعل يسبّ كفّار قريش، وقال: يا رسول الله ما كدت أن أصلّي حتى كادت الشمس أن تغرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والله ما صلّيتها» ، فنزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بطحان، فتوضأ للصلاة، وتوضّأنا لها، فصلّى العصر بعد ما غربت الشمس، وصلّى بعدها المغرب
[ (2) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب الجهاد (2931) ومسلم 1/ 436 (202- 627) وابن ماجه (684) وأحمد في المسند 1/ 79 وابن أبي شيبة في المصنف 2/ 503.
[ (2) ] أخرجه البخاري في كتاب الأذان (641) .(4/381)
وروى الإمام أحمد والنسائي عن أبي سعيد الخدري، والإمام أحمد عن ابن مسعود، والبزار عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم، قال أبو سعيد: حبسنا. وقال جابر وابن مسعود:
إن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فلما ذهب هويّ من الليل أمر بلالا فأذّن وأقام، فصلّى الظّهر كما كان يصلّيها في وقتها، ثم أمره فأقام فصلّى العصر كذلك، ثم أمره، فأقام فصلّى المغرب كذلك، ثم أمره فأقام فصلّى العشاء كذلك،
ثم قال: «ما على وجه الأرض قوم يذكرون الله تعالى في هذه الساعة غيركم» .
قال أبو سعيد: وذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً [البقرة 239] .
وروى ابن سعد من طريق ابن لهيعة عن أبي جمعة رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم عام الأحزاب صلّى المغرب، فلما فرغ قال: «هل أحد منكم علم أنّي صلّيت العصر؟» قالوا: يا رسول الله ما صلّيت، فأمر المؤذّن فأقام الصّلاة فصلّى العصر، ثم أعاد المغرب
[ (1) ] .
ذكر ما غنمه المسلمون من المشركين
قال محمد بن عمر: حدثني محمد بن عمر بن رفاعة بن ثعلبة بن أبي مالك عن أبيه عن جده أن أبا سفيان قال لحييّ بن أخطب: قد نفدت علافتنا فهل عندكم من علف؟ فقال حييّ: نعم، فكلّم كعب بن أسد، فقال: مالنا مالك فاصنع ما رأيت، مر القوم يأتوا بحمولة فيحملوا ما أرادوا، فأرسل إليهم حييّ أن ابعثوا بحمولتكم تحمل العلف، فأرسلوا عشرين بعيرا، فحمّلوها شعيرا وتمرا وتبنا، وخرجوا بها إلى قريش، حتى إذا كانوا بصفنة وهم يريدون أن يسلكوا العقيق جاءوا جمعا من بني عمرو بن عوف، وهم يريدون منازلهم بأنصاف النهار يطلبونهم، وهم عشرون رجلا، فيهم أبو لبابة بن عبد المنذر، وعويم بن ساعدة، ومعن بن عديّ، خرجوا لميت لهم مات منهم في أطمهم ليدفنوه، فناهضوا الحمولة، وقاتلهم القريشيون ساعة، وكان فيهم ضرار بن الخطاب فمنع الحمولة، ثم جرح وجرح، ثم أسلموها، وكثرهم المسلمون، وانصرفوا بها يقودونها، حتى أتوا بني عمرو بن عوف، فدفنوا ميّتهم، ثم ساروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، فكان أهل الخندق يأكلون منها، فتوسّعوا بذلك، وأكلوه حتى نفد، ونحروا من تلك الإبل أبعرة في الخندق، وبقي منها ما بقي حتى دخلوا به المدينة، فلما رجع ضرار بن الخطاب أخبرهم الخبر، فقال أبو سفيان: إن حييّا لمشئوم، ما أعلمه إلا قطع بنا، ما نجد ما نتحمّل عليه إذا رجعنا.
__________
[ (1) ] ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 2/ 7 وعزاه للبزار والطبراني في الأوسط.(4/382)
ذكر اشتداد الأمر على المسلمين ودعائه صلى الله عليه وسلم على الأحزاب وكيف صرفهم الله تعالى وقدوم نعيم بن مسعود رضي الله عنه
أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما وصف الله تعالى من الخوف والشّدة، لتظاهر عدوّهم عليهم، وإتيانهم إيّاهم من فوقهم ومن أسفل منهم.
روى الإمام أحمد وابن سعد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى مسجد الأحزاب يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء بين الصلاتين الظهر والعصر، فوضع رداءه، وقام فرفع يديه يدعو عليهم. قال جابر: فعرفنا البشر في وجهه.
وروى البخاري وابن سعد وأبو نعيم عن عبد الله بن أبي بن أوفى رضي الله عنه قال:
دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي الأحزاب-
زاد أبو نعيم: انتظر حتى زالت الشمس ثم قام في الناس- فقال: «يا أيها الناس لا تتمنّوا لقاء العدوّ، واسألوا الله العافية، فإن لقيتم العدوّ فاصبروا، واعلموا أنّ الجنة تحت ظلال السيوف» . اه.
ثم قال: «اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب. اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم»
[ (1) ] .
وروى ابن سعد، عن سعيد بن المسيّب قال: حصر النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه بضع عشرة ليلة حتى خلص إلى كل امرئ منهم الكرب،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك. اللهم إن تشأ لا تعبد» .
وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وعن أبيه قال: قلنا يا رسول الله هل من شيء نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر، قال: «نعم، قولوا: اللهم استر عوراتنا وآمنا روعاتنا» ، قال: فصرف الله تعالى ذلك
[ (2) ] .
وروى محمد بن عمر عن عبد الله بن عاصم الأشجعيّ، عن أبيه، وأبو نعيم عن عروة وابن شهاب: أن نعيم بن مسعود كان صديقا لبني قريظة، فلما سارت الأحزاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، سار مع قومه وهو على دينهم، فأقامت الأحزاب ما أقامت، حتى أجدب الجناب، وهلك الخفّ والكراع، فقذف الله تعالى في قلبه الإسلام وكتم قومه إسلامه،
فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين المغرب والعشاء، فوجده يصلي، فلما رآه جلس، ثم قال: «ما جاء بك يا نعيم؟» قال: جئت أصدقك، وأشهد أنّ ما جئت به حقّ، فأسلم، وأخبره أن قريشا
__________
[ (1) ] أخرجه ابن ماجة (2796) وأحمد في المسند 4/ 351.
[ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 3 والطبري في التفسير 21/ 8 وانظر البداية والنهاية 4/ 111.(4/383)
تحزّبوا عليه، وأنهم بعثوا إلى قريظة: أنه قد طال ثواؤنا وأجدب ما حولنا، وقد جئنا لنقاتل محمدا وأصحابه، فنستريح منه، فأرسلت إليهم قريظة: نعم ما رأيتم فإذا شئتم، فابعثوا بالرّهن، ثم لا يحبسكم إلّا أنفسكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لنعيم: «فإنهم قد أرسلوا إليّ يدعونني إلى الصلح، وأردّ بني النّضير إلى ديارهم وأموالهم» ، فقال نعيم: يا رسول الله فمرني بما شئت، والله لا تأمرني بأمر إلا مضيت له، قال: وقومي لا يعلمون بإسلامي ولا غيرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أنت فينا رجل واحد فخذّل عنّا الناس ما استطعت، فإنّ الحرب خدعة» . قال: أفعل، ولكن يا رسول الله إنّي أقول فأذن لي فأقول، قال: «قل ما بدا لك، فأنت في حلّ» .
قال: فذهبت حتى جئت بني قريظة فلما رأوني رحّبوا بي وأكرموني، وعرضوا عليّ الطعام والشراب، فقلت: إني لم آت لطعام وشراب، إنما جئتكم نصبا بأمركم وتخوّفا عليكم، لأشير عليكم برأي، وقال: قد عرفتم ودّي إيّاكم وخاصة ما بيني وبينكم، فقالوا: قد عرفنا ولست عندنا بمتّهم، وأنت عندنا على ما نحبّ من الصّدق والبرّ، قال: فاكتموا عنّي. قالوا:
نفعل. قال: إنّ أمر هذا الرجل بلاء- يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم- صنع ما رأيتم ببني قينقاع وبني النّضير، وأجلاهم عن بلادهم بعد قبض الأموال، وإنّ ابن أبي الحقيق قد سار فينا، فاجتمعنا معه لننصركم، وأرى الأمر قد تطاول كما ترون، وإنكم والله ما أنتم وقريش وغطفان من محمد بمنزلة واحدة، أما قريش وغطفان فإنهم قوم جاءوا سيّارة حتى نزلوا حيث رأيتم، فإن وجدوا فرصة انتهزوها، وإن كانت الحرب فأصابهم ما يكرهون انشمروا إلى بلادهم، وأنتم لا تقدرون على ذلك، البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، وقد كبر عليهم جانب محمد، أجلبوا عليه بالأمس إلى الليل، فقتل رأسهم عمرو بن عبد ودّ، وهربوا منه مجروحين، لا غنى بهم عنكم، لما يعرفون عندكم، فلا تقاتلوا مع قريش ولا غطفان حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم، تستوثقون به منهم ألا يبرحوا حتى يناجزوا محمدا. قالوا: أشرت علينا بالرّأي والنّصح، ودعوا له وشكروه، وقالوا: نحن فاعلون. قال: ولكن اكتموا عليّ، قالوا: نفعل.
ثم أتى نعيم أبا سفيان بن حرب في رجال من قريش. فقال: أبا سفيان جئتك بنصيحة، فاكتم عليّ. قال: أجل. قال: تعلم أنّ بني قريظة قد ندموا على ما فعلوا فيما بينهم وبين محمد، فأرادوا إصلاحه ومراجعته، أرسلوا إليه وأنا عندهم، إنّا سنأخذ من قريش وغطفان من أشرافهم سبعين رجلا، نسلمهم إليك تضرب أعناقهم، وتردّ جناحنا الذي كسرت إلى ديارهم- يعنون بني النضّير- ونكون معك على قريش حتى نردّهم عنك. فإن بعثوا إليكم يسألونكم رهنا فلا تدفعوا إليهم شيئا، واحذروهم على أشرافكم، ولكن اكتموا عليّ، ولا تذكروا من هذا حرفا، قالوا: لا نذكره.(4/384)
ثم أتى إلى غطفان. فقال: يا معشر غطفان، قد عرفتم أني رجل منكم فاكتموا عليّ، واعلموا أن بني قريظة بعثوا إلى محمد- وقال لهم مثل ما قال لأبي سفيان- فاحذروا أن تدفعوا إليهم أحدا من رجالكم. فصدّقوه.
وأرسلت يهود عزّال- وهو بعين مهملة فزاي مشددة- ابن سموأل إلى قريش: إنّ ثواءكم قد طال، ولم تصنعوا شيئا، فليس الذي تصنعون برأي، إنكم لو وعدتمونا يوما تزحفون فيه إلى محمد، فتأتون من وجه، وتأتي غطفان من وجه، ونخرج نحن من وجه آخر، لم يفلت محمد من بعضنا، ولكن لا نخرج معكم حتى ترسلوا إلينا برهان من أشرافكم، ليكونوا عندنا، فإننا نخاف إن مسّتكم الحرب أو أصابكم ما تكرهون أن تشمّروا إلى بلادكم، وتتركونا في عقر دارنا، وقد نابذنا محمدا بالعداوة. فلما جاء الرسول لم يرجع إليه أبو سفيان بشيء، وقال- بعد أن ذهب-: هذا ما قال نعيم.
وخرج نعيم إلى بني قريظة، فقال: يا معشر بني قريظة بينا أنا عند أبي سفيان إذ جاء رسولكم إليهم يطلب منه الرّهان، فلم يرد عليه شيئا، فلما ولى قال: لو طلبوا منّي عناقا ما رهنتها، أنا أرهنهم سراة أصحابي يدفعونهم إلى محمد يقتلهم، فارتأوا رأيكم، ولا تقاتلوا مع أبي سفيان وأصحابه حتى تأخذوا الرّهن، فإنكم إن لم تقاتلوا محمدا، وانصرف أبو سفيان، تكونوا على مواعدتكم الأولى. قالوا: نرجو ذلك يا نعيم. وقال كعب بن أسد: أنا والله لا أقاتله، لقد كنت لهذا كارها، ولكن حييّا رجل مشؤوم. قال الزبير بن باطا: إن انكشفت قريش وغطفان عن محمد لم يقبل منا إلا السيف، لنخرجنّ إلى محمد ولا تطلبوا رهنا من قريش، فإنها لا تعطينا رهنا أبدا، وعلى أي وجه تعطينا قريش الرّهن وعددهم أكثر من عددنا، ومعهم الكراع ولا كراع معنا؟ وهم يقدرون على الهرب، ونحن لا نقدر عليه، وهذه غطفان تطلب إلى محمد أن يعطيها بعض ثمار المدينة فأبى أن يعطيهم إلا السيف، فهم ينصرفون من غير شيء. فلم يوافق الزّبير غيره من قومه على مساعدة قريش إلا برهن.
فلما كان ليلة السبت أرسل أبو سفيان ورؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل ونفرا من قريش وغطفان، فقالوا لهم: إنا لسنا بدار مقام، قد هلك الخفّ والحافر، فأعدّوا للقتال حتى نناجز محمدا، ونفرغ ممّا بيننا وبينه، فأرسلوا إليهم: إنّ اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا، وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثا فأصابه ما لم يخف عليكم، وإنّا لسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم، يكونون بأيدينا، ثقة لنا، حتى نناجز محمدا، فإنا نخشى أن ضربتكم الحرب، واشتد عليكم القتال، أن تشمّروا إلى بلادكم وتتركونا، والرجل في بلادنا، فلا طاقة لنا بذلك منه.(4/385)
فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة، قالت قريش وغطفان: إن الذي ذكر نعيم لحقّ فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله ما ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا.
فقالت بنو قريظة لما سمعوا ذلك: إن الذي ذكر لكم نعيم لحقّ، ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا، فإن رأوا فرصة انتهزوها، وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم، وخلّوا بينكم وبين الرجل في بلدكم.
وتكرّرت رسل قريش وغطفان إلى بني قريظة، وهم يردّون عليهم بما تقدّم، فيئس هؤلاء من نصر هؤلاء، فاختلف أمرهم، وخذّل الله تعالى بينهم على يد نعيم بن مسعود رضي الله عنه.
ذكر انهزام المشركين وإرسال الله تعالى عليهم البرد والريح والملائكة تزلزلهم
قال ابن إسحاق: وبعث الله الرّيح في ليلة باردة شاتية. فجعلت تكفأ قدورهم، وتطرح آنيتهم.
وروى ابن سعد، عن سعيد بن جبير قال: لما كان يوم الخندق أتى جبريل ومعه الرّيح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى جبريل: «ألا أبشروا!»
ثلاثا، فأرسل الله تعالى عليهم الريح، فهتكت القباب، وكفأت القدور، ودفنت الرجال، وقطعت الأوتاد، فانطلقوا لا يلوي أحد على أحد، وأنزل الله تعالى: إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها [الأحزاب 9] .
وروى ابن أبي حاتم وأبو نعيم والبزار برجال الصحيح، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما كانت ليلة الأحزاب جاءت الشّمال إلى الجنوب فقالت: انطلقي فانصري الله ورسوله، فقالت الجنوب: إن الحرة لا تسري باللّيل، فغضب الله تعالى عليها فجعلها عقيما، وأرسل الصّبا، فأطفأت نيرانهم، وقطّعت أطنابهم،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور» .
وروى الإمام أحمد والشيخان والنسائي عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدّبور»
[ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب المغازي (4105) .(4/386)
وروى البيهقي عن مجاهد في قوله تعالى: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً قال: يعني ريح الصّبا، أرسلت على الأحزاب يوم الخندق، حتى كفأت قدورهم على أفواهها، ونزعت فساطيطهم حتى أظعنتهم. وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها قال: الملائكة. قال: ولم تقاتل يومئذ.
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال: بعث الله تعالى عليهم الرّيح والرّعب كلما بنوا قطع الله أطنابه، وكلما ربطوا دابّة قطع الله رباطها، وكلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، حتى لقد ذكر لنا: أن سيّد كلّ حيّ يقول: يا بني فلان، هلمّ إلي حتى إذا اجتمعوا عنده قال: «النّجاة النجاة، أتيتم» ! لما بعث الله تعالى عليهم من الرّعب.
قال البلاذريّ: ثم إن الله تعالى نصر المسلمين عليهم بالريح، وكانت ريحا صفراء فملأت عيونهم، فداخلهم الفشل والوهن وانهزم المشركون، وانصرفوا إلى معسكرهم، ودامت عليهم الرّيح، وغشيتهم الملائكة تطمس أبصارهم، فانصرفوا وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً [الأحزاب 25] .
قال أبو الخطاب بن دحية: هذه الملائكة بعثها الله تعالى فنفثت في روعهم الرّعب والفشل، وفي قلوب المؤمنين القوّة والأمل، وقيل: إنّما بعث الله الملائكة تزجر خيل العدو وإبلهم، فقطعوا مدة ثلاثة أيام في يوم واحد. فارّين منهزمين.
ذكر إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ليكشف له خبرهم
روى الحاكم وصححه ابن مردويه، وأبو نعيم والبيهقيّ كلاهما في الدلائل من طرق عن حذيفة ومسلم، وابن عساكر عن إبراهيم بن يزيد التيمي عن أبيه، وابن إسحاق عن محمد بن كعب القرظيّ، وأبو نعيم مختصرا عن ابن عمر: أن حذيفة رضي الله عنه ذكر مشاهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال جلساؤه: أما والله لو شهدنا ذلك لكنا فعلنا وفعلنا- وفي لفظ: فقال رجل: لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلت معه وأبليت- فقال حذيفة: لا تتمنّوا ذلك، لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافّون قعود، وأبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا، وقريظة اليهود أسفل منّا نخافهم على ذرارينا، وما أتت علينا ليلة قطّ أشدّ ظلمة، ولا أشدّ ريحا منها، وفي أصوات ريحها أمثال الصّواعق، وهي ظلمة ما يرى أحدنا إصبعه، فجعل المنافقون يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون: إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ [الأحزاب 13] فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له، فيتسلّلون، ونحن ثلاثمائة أو نحو ذلك، فاستقبلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا رجلا،
يقول: ألا رجل يأتيني بخبر القوم يكون معي يوم القيامة- وفي لفظ: جعله الله رفيق إبراهيم يوم القيامة-
فلم يجبه منا أحد، ثم الثانية، ثم الثالثة مثله. فقال(4/387)
أبو بكر: يا رسول الله ابعث حذيفة، فقلت: دونك والله، فمرّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عليّ جنّة من العدو ولا من البرد إلا مرطا لامرأتي ما يجاوز ركبتي،
قال: فأتاني وأنا جاث على ركبتي فقال: «من هذا؟» فقلت: حذيفة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حذيفة» . فقال حذيفة:
فتقاصرت للأرض، فقلت: بلى يا رسول الله، كراهية أن أقوم، قال: «قم» ، فقمت، فقال: «إنه كائن في القوم خبر، فأتني بخبر القوم» . فقلت: والذي بعثك بالحق، ما قمت إلا حياء منك من البرد. قال: «لا بأس عليك من حر ولا برد حتى ترجع إليّ» . قال: «وأنا من أشد الناس فزعا وأشدّهم قرّا» ، فقلت: والله ما بي أن أقتل، ولكن أخشى أن أوسر، فقال: «إنك لن تؤسر» ، قال:
فخرجت، فقال: «اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته» . قال: فو الله ما خلق الله تعالى في جوفي فزعا ولا قرّا إلا خرج، فما أجد فيه شيئا، فمضيت كأنما أمشي في حمّام، فلما ولّيت، دعاني فقال: «يا حذيفة، لا تحدثنّ في القوم شيئا حتى تأتيني» .
وفي رواية: فقلت: يا رسول الله مرني بما شئت، فقال صلى الله عليه وسلم: «اذهب حتى تدخل بين ظهري القوم، فأت قريشا، فقل: يا معشر قريش، إنما يريد الناس إذا كان غدا أن يقولوا: أين قريش؟ أين قادة الناس؟ أين رؤوس الناس؟ فيقدّموكم، فتصلوا القتال فيكون القتل فيكم، ثم ائت بني كنانة فقل: يا معشر بني كنانة، إنما يريد الناس إذ كان غدا أن يقولوا: أين بني كنانة؟
أين رماة الحدق فيقدّموكم، فتصلوا القتال، فيكون القتل فيكم، ثم ائت قيسا فقل: يا معشر قيس، إنما يريد الناس إذا كان غدا أن يقولوا: أين قيس؟ أين أحلاس الخيل؟ أين الفرسان؟
فيقدّموكم، فتصلوا القتال، فيكون القتل فيكم» .
فقال حذيفة: فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت في ضوء نار لهم توقد، وإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ويمسح خاصرته، وحوله عصبة، قد تفرق عنه الأحزاب، وهو يقول: الرّحيل الرّحيل ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك فانتزعت سهما من كنانتي أبيض الرّيش فوضعته في كبد القوس لأرميه في ضوء النار، فذكرت
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحدثن في القوم شيئا، حتى تأتيني»
فأمسكت ورددت سهمي. فلما جلست فيهم أحسّ أبو سفيان أن قد دخل فيهم غيرهم، فقال: ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه، وفي لفظ: فلينظر من جليسه. فضربت بيدي على يد الذي عن يميني فأخذت بيده، فقلت: من أنت؟ قال: معاوية بن أبي سفيان، ثم ضربت بيدي على يد الذي عن شمالي فقلت: من أنت؟ قال: عمرو بن العاص، فعلت ذلك خشية أن يفطن بي فبدرتهم بالمسألة، ثم تلبّثت فيهم هنيهة. وأتيت بني كنانة وقيسا، وقلت ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دخلت في العسكر، فإذا أدنى الناس منّي بنو عامر، ونادى عامر بن علقمة بن علاثة: يا بني عامر، إن الريح قاتلتي وأنا على ظهر، وأخذتهم ريح شديدة، وصاح(4/388)
بأصحابه. فلما رأى ذلك أصحابه جعلوا يقولون: يا بني عامر، الرحيل الرحيل، لا مقام لكم.
وإذا الريح في عسكر المشركين ما تجاوز عسكرهم شبرا، فو الله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم، وفرشهم والريح تضرب بها، فلما دنا الصبح نادوا: أين قريش؟ أين رؤوس الناس؟
فقالوا: أيهات، هذا الذي أتينا به البارحة. أين كنانة؟ فقالوا: أيهات، هذا الذي أتينا به البارحة، أين قيس؟ أين أحلاس الخيل؟ فقالوا: أيهات، هذا الذي أتينا به البارحة. فلما رأى ذلك أبو سفيان أمرهم بأن تحمّلوا فتحمّلوا، وإن الريح لتغلبهم على بعض أمتعتهم حتى رأيت أبا سفيان وثب على جمل له معقول، فجعل يستحثّه ولا يستطيع أن يقوم، حتى حلّ بعد. ثم خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انتصف بي الطريق أو نحو ذلك إذا أنا بعشرين فارسا أو نحو ذلك معتمّين، قالوا: - وفي لفظ: فارسين، فقالا-: أخبر صاحبك أن الله تعالى كفاه القوم بالجنود والرّيح، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشتمل في شملة يصلّي، فو الله ما عدا أن رجعت راجعني القرّ، وجعلت أقرقف، فأومأ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، [وهو يصلي] فدنوت منه، فسدل عليّ من فضل شملته- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمرٌ صلّى- فأخبرته خبر القوم، وأنّي تركتهم يرحلون.
فلم أزل نائما حتى جاء الصبح فلما أن أصبحت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«قم يا نومان» .
وذكر ابن سعد إن عمرو بن العاص وخالد بن الوليد أقاما في مائتي فارس ساقة للعسكر، وردءا لهم مخافة الطلب.
ذكر انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخندق بعد رحيل أعدائه وإخباره بأن قريشا لا تغزوه أبدا وأنه هو الذي يغزوهم
روى الإمام أحمد والبخاريّ عن سليمان بن صرد والبزار برجال ثقات وأبو نعيم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم، والبيهقي عن قتادة رحمه الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أجلى الله تعالى عنه الأحزاب: «الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم» .
قال ابن إسحاق: فلم تعد قريش بعد ذلك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم بعد ذلك حتى فتح مكة.
وروى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا إله إلا الله وحده، أعزّ جنده، ونصر عبده، وغلب- وفي لفظ: وهزم- الأحزاب وحده، فلا شيء بعده»
[ (1) ] .
قالوا: وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق، وليس بحضرته أحد من عساكر المشركين، قد هربوا وانقشعوا إلى بلادهم، فأذن للمسلمين في الانصراف إلى منازلهم، فخرجوا مبادرين
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 142 ومسلم في كتاب الذكر (77) والترمذي (3428) وأحمد في المسند 2/ 307.(4/389)
مسرورين بذلك، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعلم بنو قريظة حبّ رجعتهم إلى منازلهم، فأمر بردّهم، فبعث من ينادي في إثرهم، فما رجع منهم رجل واحد.
روى الطبراني من طريقين رجالهما ثقات، ومحمد بن عمر، عن عبد الله بن عمر، ومحمد بن عمر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بردّهم، قالا:
فجعلنا نصيح في إثرهم في كل ناحية: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا» ، فما رجع منهم رجل واحد، من القرّ والجوع. قالا: وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم سرعتهم، وكره أن يكون لقريش عيون. قال جابر: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيته في بني حرام منصرفا فأخبرته، فضحك صلى الله عليه وسلم.
وكان المنافقون بناحية المدينة يتحدثون بنبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويقولون: ما هلكوا بعد، ولم يعلموا بذهاب الأحزاب، وسرّهم أن جاءهم الأحزاب وهم بادون في الأعراب، مخافة القتال.
واستشهد من المسلمين ثمانية: سعد بن معاذ- وتأتي ترجمته في حوادث سنة خمس- وأنس بن أوس، وعبد الله بن سهل- رماه رجل من بني عوف أو عويف من بني كنانة- والطّفيل بن النعمان- قتله وحشيّ- وثعلبة بن عنمة- بعين مهملة ونون مفتوحتين- ابن عديّ- قتله هبيرة بن أبي وهب المخزوميّ- وكعب بن زيد [النجاريّ] ، وكان قد ارتثّ يوم بئر معونة فصحّ حتى قتل يوم الخندق، قتله ضرار بن الخطّاب. هذا ما ذكره ابن إسحاق، ومحمد بن عمر.
وزاد الحافظ الدمياطي في الأنساب: قيس بن زيد بن عامر، وعبد الله بن أبي خالد، وأبو سنان بن صيفيّ بن صخر، ذكر الحافظ في الكنى إنه شهد بدرا، واستشهد في الخندق.
وقتل من المشركين ثلاثة: عمرو بن عبد ودّ قتله علي بن أبي طالب. ونوفل بن عبد الله بن المغيرة، قتله الزبير بن العوام، ويقال: علي بن أبي طالب. وعثمان بن منبه، مات بمكة من رمية رميها يوم الخندق.
ذكر كتاب أبي سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم
روى محمد بن عمر عن أبي وجزة السّعديّ- بفتح الواو وسكون الجيم وفتح الزّاي- واسمه يزيد بن عبيد، قال: لمّا ملّت قريش المقام، وأجدب الجناب وضاقوا بالخندق، وكان أبو سفيان على طمع أن يغيروا على بيضة المدينة كتب كتابا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه:
باسمك اللهمّ فإنى احلف باللات والعزى: لقد سرت إليك في جمع، وأنا أريد ألّا أعود(4/390)
إليك أبدا حتى أستأصلكم. فرأيتك قد كرهت لقاءنا، واعتصمت بالخندق، ولك منّي يوم كيوم أحد، تبقر فيه النّساء.
وبعث بالكتاب مع أبي أسامة الجشميّ، فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب، وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أما بعد، فقد أتاني كتابك، وقديما غرّك بالله الغرور، وأما ما ذكرت من أنك سرت إلينا [في جمعكم] ، وأنّك لا تريد أن تعود حتى تستأصلنا، فذلك أمر يحول الله تعالى بينك وبينه، ويجعل لنا العاقبة، وليأتينّ عليك يوم أكسر فيه اللّات والعزّى وإساف ونائلة وهبل، حتى أذكّرك ذلك يا سفيه بني غالب!»
ذكر ما أنزل الله تبارك وتعالى في شأن هذه الغزوة من سورة الأحزاب
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ من الكفار فتحزّبوا أيّام حفر الخندق فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها ملائكة وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بالتاء من حفر الخندق وبالياء من تخريب المشركين بَصِيراً إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ من أعلى الوادي ومن أسفله، من المشرق والمغرب وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ مالت عن كل شيء إلا عدوّها من كل جانب وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ جمع حنجرة، وهي منتهى الحلقوم من شدّة الخوف وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا المختلفة بالنّصر واليأس هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً
من شدّة الفزع وَاذكر إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ضعف اعتقاد ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ بالنصر إِلَّا غُرُوراً باطلا. وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أي المنافقون يا أَهْلَ يَثْرِبَ هي المدينة ولم تنصرف للعلمية ووزن الفعل لا مُقامَ لَكُمْ بضم الميم وفتحها أي لا إقامة ولا مكانة فَارْجِعُوا إلى منازلكم من المدينة، وكانوا خرجوا مع النبي إلى سلع: جبل خارج المدينة، للقتال وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ في الرجوع يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ غير حصينة نخشى عليها. قال تعالى: وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ ما يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً من القتال وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ أي المدينة مِنْ أَقْطارِها نواحيها ثُمَّ سُئِلُوا أي سألهم الداخلون الْفِتْنَةَ الشّرك لَآتَوْها بالمدّ والقصر أي أعطوها وفعلوها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا عن الوفاء به قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً إن فررتم لا تُمَتَّعُونَ في الدنيا بعد فراركم إِلَّا قَلِيلًا بقية آجالكم قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ يجيركم مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً هلاكا وهزيمة أَوْ يصيبكم بسوء إن أَرادَ الله بِكُمْ رَحْمَةً خيرا(4/391)
وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي غيره وَلِيًّا ينفعهم وَلا نَصِيراً يدفع الضّرّ عنهم قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ المثبّطين مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ تعالوا إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ القتال إِلَّا قَلِيلًا رياء وسمعة أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ وبالمعاونة جمع شحيح وهو حال من ضير يأتون فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي كنظر أو كدوران الذي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ أي سكراته فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ وحيزت الغنائم سَلَقُوكُمْ آذوكم وضربوكم بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أي الغنيمة يطلبونها أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا حقيقة فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ الإحباط عَلَى اللَّهِ يَسِيراً بإرادته يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ من الكفار لَمْ يَذْهَبُوا إلى مكة لخوفهم منهم وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ كرّة أخرى يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ أي كائنون في الأعراب يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ أخباركم مع الكفار وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ هذه الكرّة ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا رياء وخوفا عن التّعبير لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ بكسر الهمزة وضمها حَسَنَةٌ اقتداء به في القتال والثّبات في مواطنه لِمَنْ بدل من لكم كانَ يَرْجُوا اللَّهَ يخافه وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً بخلاف من ليس كذلك وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ من الكفّار قالُوا: هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ من الابتلاء والنصر وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ في الوعد وَما زادَهُمْ ذلك إِلَّا إِيماناً تصديقا بوعد الله وَتَسْلِيماً لأمره. مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ من الثّبات مع النبي فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ مات أو قتل في سبيل الله وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ذلك وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا في العهد وهم بخلاف حال المنافقين لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ بأن يميتهم على نفاقهم أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً لمن تاب رَحِيماً به وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا أي الأحزاب بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً مرادهم من الظّفر بالمؤمنين وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ بالريح والملائكة وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا على إيجاد ما يريده عَزِيزاً [الأحزاب من 9: 25] غالبا على أمره.
ذكر بعض ما قيل فيها من أشعار المسلمين
قال كعب بن مالك رضي الله عنه يجيب ضرار بن الخطاب عن قصيدة قالها:
وسائلة تسائل ما لقينا ... ولو شهدت رأتنا صابرينا
صبرنا لا نرى لله.. عدلا ... على ما نابنا.. متوكّلينا
وكان لنا النّبيّ وزير صدق ... به نعلوا البريّة أجمعينا
نقاتل معشرا ظلموا وعقّوا ... وكانوا بالعداوة مرصدينا(4/392)
نعاجلهم إذا نهضوا إلينا ... بضرب يعجل المتسرّعينا
ترانا في فضافض سابغات ... كغدران الملا متسربلينا
وفي أيماننا بيض خفاف ... بها نشفي مراح الشّاغبينا
بباب الخندقين كأنّ أسدا ... شوابكهنّ يحمين العرينا
فوارسنا إذا بكروا وراحوا ... على الأعداء شوسا معلمينا
ويعلم أهل مكّة حين ساروا ... وأحزاب أتوا متحزّبينا
لننصر أحمد والله حتّى ... نكون عباد صدق مخلصينا
بأنّ الله ليس له شريك ... وأنّ الله مولى المؤمنينا
فإمّا تقتلوا سعدا سفاها ... فإنّ الله خير القادرينا
سيدخله جنانا طيّبات ... تكون مقامة للصّالحينا
كما قد ردّكم فلّا شريدا ... بغيظكم خزايا خائبينا
خزايا لم تنالوا ثمّ خيرا ... وكدتم أن تكونوا دامرينا
بريح عاصف هبّت عليكم ... وكنتم تحتها متكمّهينا
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه يجيب عبد الله بن الزّبعرى عن قصيدة قالها:
هل رسم دارسة المقام يباب ... متكلّم لمحاور بجواب
قفر عفا رهم السّحاب رسومه ... وهبوب كلّ مطلّة مرباب
ولقد رأيت بها الحلول يزينهم ... بيض الوجوه ثواقب الأحساب
فدع الدّيار وذكر كلّ خريدة ... بيضاء آنسة الحديث كعاب
وأشك الهموم إلى الإله وما ترى ... من معشر ظلموا الرّسول غضاب
ساروا بجمعهم إليه وألّبوا ... أهل القرى وبوادي الأعراب
جيش عيينة وابن حرب فيهم ... متخمّطين بحلبة الأحزاب
حتّى إذا وردوا المدينة وارتجوا ... قتل الرّسول ومغنم الأسلاب
وغدوا علينا قادرين بأيدهم ... ردّوا بغيظهم على الأعقاب
بهبوب معصفة نفرّق جمعهم ... وجنود ربّك سيّد الأرباب
فكفى الإله المؤمنين قتالهم ... وأثابهم في الأجر خير ثواب
من بعد ما قنطوا ففرّق جمعهم ... تنزيل نصر مليكنا الوهّاب
وأقرّ عين محمّد وصحابه ... وأذلّ كلّ مكذّب مرتاب
عاتي الفؤاد موقّع ذي ريبة ... في الكفر ليس بطاهر الأثواب
علق الشّقاء بقلبه ففؤاده ... في الكفر آخر هذه الأحقاب(4/393)
وقال كعب بن مالك رضي الله عنه يجيبه أيضا:
أبقى لنا حدث الحروب بقيّة ... من خير نحلة ربّنا الوهّاب
بيضاء مشرقة الذّرى ومعاطنا ... حمّ الجذوع غزيرة الأحلاب
كاللّوب يبذل جمّها وحفيلها ... للجار وابن العمّ والمنتاب
ونزائعا مثل السّراح نما بها ... علف الشّعير وجزّة المقضاب
عري الشّوى منها وأردف نحضها ... جرد المتون وسائر الآراب
قودا تراح إلى الصّياح إذا غدت ... فعل الضّراء تراح للكلاب
وتحوط سائمة الدّيار وتارة ... تردي العدا وتؤوب بالأسلاب
حوش الوحوش مطارة عند الوغى ... عبس اللّقاء مبينة الإنجاب
علفت على دعة فصارت بدّنا ... دخس البضيع خفيفة الأقصاب
يغدون بالزّغف المضاعف شكّه ... وبمترصات في الثّقاف صياب
وصوارم نزع الصّياقل غلبها ... وبكلّ أروع ماجد الأنساب
يصل اليمين بمارن متقارب ... وكلت وقيعته إلى خبّاب
وأغرّ أزرق في القناة كأنّه ... في طخية الظّلماء ضوء شهاب
وكتيبة ينفي القران قتيرها ... وتردّ حدّ قواحز النّشّاب
جأوى ململمة كأنّ رماحها ... في كل مجمعة ضريمة غاب
يأوي إلى ظلّ اللّواء كأنّه ... في صعدة الخطّيّ فيء عقاب
أعيت أبا كرب وأعيت تبّعا ... وأبت بسالتها على الأعراب
ومواعظ من ربّنا نهدي بها ... بلسان أزهر طيّب الأثواب
عرضت علينا فاشتهينا ذكرها ... من بعد ما عرضت على الأحزاب
حكما يراها المشركون بزعمهم ... حرجا ويفهمها ذوو الألباب
جاءت سخينة كي تغالب ربّها ... فليغلبنّ مغالب الغلّاب
قال ابن هاشم: حدّثني من أثق به قال: حدثني عبد الملك بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: لمّا قال كعب بن مالك:
جاءت سخينة كي تغالب ربّها ... فليغلبنّ مغالب الغلّاب
قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد شكرك الله يا كعب على قولك هذا» .
وقال كعب بن مالك رضي الله عنه:
من سرّه ضرب يرعبل بعضه ... بعضا كمعمعة الأباء المحرق(4/394)
فليأت مأسدة تسنّ سيوفها ... بين المذاد وبين جزع الخندق
دربوا بضرب المعلمين فأسلموا ... مهجات أنفسهم لربّ المشرق
في عصبة نصر الإله نبيّه ... بهم وكان بعبده ذا مرفق
في كلّ سابغة تخطّ فضولها ... كالنّهي هبّت ريحه المترقرق
بيضاء محكمة كأنّ قتيرها ... حدق الجنادب ذات شكّ موثق
جدلاء يحفزها نجاد مهنّد ... صافي الحديدة صارم ذي رونق
تلكم مع التّقوى تكون لبأسنا ... يوم الهياج وكلّ ساعة مصدق
نصل السّيوف إذا قصرن بخطونا ... قدما ونلحقها إذا لم تلحق
فترى الجماجم ضاحيا هاماتها ... بله الأكفّ كأنّها لم تخلق
نلقى العدوّ بفخمة ملمومة ... تنفي الجموع كفصد رأس المشرق
ونعدّ للأعداء كلّ مقلّص ... ورد ومحجول القوائم أبلق
تردي بفرسان كأنّ كماتهم ... عند الهياج أسود طلّ ملثق
صدق يعاطون الكماة حتوفهم ... تحت العماية بالوشيح المزهق
أمر الإله بربطها لعدوّه ... في الحرب إن الله خير موفّق
لتكون غيظا للعدوّ وحيّطا ... للدّار إن دلفت خيول النّزّق
ويعيننا الله العزيز بقوّة ... منه وصدق الصّبر ساعة نلتقي
ونطيع أمر نبيّنا ونجيبه ... وإذا دعا لكريهة لم نسبق
ومتى ينادي للشّدائد نأتها ... ومتى نرى الحومات فيها نعنق
من يتّبع قول النّبيّ فإنّه ... فينا مطاع الأمر حقّ مصدّق
فبذاك ينصرنا ويظهر عزّنا ... ويصيبنا من نيل ذاك بمرفق
إنّ الّذين يكذّبون محمّدا ... كفروا وضلّوا عن سبيل المتّقي
وقال كعب بن مالك رضي الله عنه أيضا:
ألا أبلغ قريشا أنّ سلعا ... وما بين العريض إلى الصّماد
نواضح في الحروب مدرّبات ... وخوض ثقّبت من عهد عاد
رواكد يزخر المرّار فيها ... فليست بالجمام ولا الثّماد
كأنّ الغاب والبرديّ فيها ... أجش إذا تبقّع للحصاد
ولم نجعل تجارتنا اشتراء ال ... حمير لأرض دوس أو مراد
بلاد لم تثر إلّا لكيما ... نجالد إن نشطتم للجلاد(4/395)
أثرنا سكّة الأنباط فيها ... فلم تر مثلها جلهات واد
قصرنا كلّ ذي حضر وطول ... على الغايات مقتدر جواد
أجيبونا إلى ما نجتديكم ... من القول المبيّن والسّداد
وإلّا فاصبروا لجلاد يوم ... لكم منّا إلى شطر المذاد
نصبّحكم بكلّ أخي حروب ... وكلّ مطهّم سلس القياد
وكلّ طمرّة خفق حشاها ... تدفّ دفيف صفراء الجراد
وكلّ مقلّص الآراب نهد ... تميم الخلق من أخر وهادي
خيول لا تضاع إذا أضيعت ... خيول النّاس في السّنة الجماد
ينازعن الأعنّة مصغيات ... إذا نادى إلى الفزع المنادي
إذا قالت لنا النّذر: استعدّوا ... توكّلنا على ربّ العباد
وقلنا: لن يفرّج ما لقينا ... سوى ضرب القوانس والجهاد
فلم نر عصبة فيمن لقينا ... من الأقوام من قار وباد
أشدّ بسالة منّا إذا ما ... أردناه وألين في الوداد
إذا ما نحن أشرجنا عليها ... جياد الجدل في الأزب الشّداد
قذفنا في السّوابغ كلّ صفر ... كريم غير معتلث الزّناد
أشمّ كأنّه أسد عبوس ... غداة ندى ببطن الجزع غادي
يغشّي هامة البطل المذكّى ... صبيّ السّيف مسترخي النّجاد
ليظهر دينك اللهمّ إنّا ... بكفّك فاهدنا سبل الرّشاد
تنبيهات
الأول: كانت غزوة الخندق- كما قال ابن إسحاق ومتابعوه- في شوال. وقال محمد بن عمر وابن سعد: في ذي القعدة. وقال الجمهور: سنة خمس. قال الذهبيّ: هو المقطوع به. وقال ابن القيم: إنه الأصح، وقال الحافظ: هو المعتمد. وروى ابن عقبة عن الزهري والإمام أحمد عن الإمام مالك: أنها كانت سنة أربع، وصححه النووي في الروضة.
قالوا: وهو عجيب، لأنه صحّح أن قريظة كانت في الخامسة، وكانت عقب الخندق، ومال البخاريّ إلى قول الزهريّ، وقوّاه بما رواه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزه، ثم عرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجازه، فيكون بينهما سنة واحدة. وكان سنة ثلاث، فيكون الخندق سنة أربع.
قال.. الحافظ وغيره: ولا حجّة إذا ثبت أنها كانت سنة خمس، لاحتمال أن يكون ابن(4/396)
عمر في أحد كان أول ما طعن في الرابعة عشرة، وكان في الأحزاب قد استكمل الخمسة عشرة. وبهذا أجاب البيهقيّ.
ويؤيده قول ابن إسحاق: إن أبا سفيان قال للمسلمين لما رجع من أحد: موعدكم العام المقبل ببدر. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من السنة المقبلة إلى بدر، وتأخر مجيء أبي سفيان تلك السنة للجدب الذي كان حينئذ. كما تقدم بيان ذلك. ووافق ابن إسحاق على ذلك غيره من أهل المغازي.
وقد بيّن البيهقي رحمه الله تعالى سبب هذا الاختلاف، وهو أن جماعة من السلف كانوا يعدّون التاريخ من المحرّم الذي وقع بعد الهجرة، ويلغون الأشهر التي قبل ذلك إلى ربيع الأول، وعلى ذلك جرى الحافظ يعقوب بن سفيان في تاريخه، فذكر أنّ غزوة بدر الكبرى كانت في السنة الأولى، وأنّ غزوة أحد كانت في الثانية، وأن الخندق كانت في الرابعة، وهذا عمل صحيح على ذلك البناء، لكنه بناء واه مخالف لما عليه الجمهور من جعل التأريخ من المحرم سنة الهجرة، وعلى ذلك تكون بدر في الثانية، وأحد في الثالثة، والخندق في الخامسة وهو المعتمد.
الثاني: اختلف في مدة إقامة المشركين على الخندق، فقال سعيد بن المسيب في رواية يحيى بن سعيد: أقاموا أربعا وعشرين ليلة، وقال في رواية الزّهريّ: بضع عشرة ليلة.
وروى محمد بن عمر عن جابر بن عبد الله أنها كانت عشرين يوما.
وقال محمد بن عمر: أثبت الأقاويل أنها كانت خمسة عشر يوما، وجزم به ابن سعد والبلاذريّ والنوويّ في الروضة والقطب وقال في زاد المعاد: شهرا، وقال ابن إسحاق: بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر.
الثالث:
قوله صلى الله عليه وسلم: «سلمان منا أهل البيت» ،
بنصب أهل على الاختصاص، أو على إضمار أعني، وأما الخفض على البدل فلم يره سيبويه جائزا من ضمير المتكلم ولا من ضمير المخاطب، لأنه في غاية البيان، وأجازه الأخفش.
الرابع:
روى البخاري عن جابر رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال يوم الأحزاب:
«من يأتينا بخبر القوم؟» قال الزبير: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لكل نبي حواريّا، وإن حواريّ الزّبير» [ (1) ] .
قال في العيون: كذا في الخبر، والمشهور أن الذي توجّه ليأتي بخبر القوم حذيفة بن
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب المغازي (3720) .(4/397)
اليمان، كما رويناه عن طريق ابن إسحاق وغيره.
قال الحافظ رحمه الله: وهذا الحصر مردود، فإن القصّة التي ذهب الزّبير لكشفها غير القصة التي ذهب حذيفة لكشفها، فقصّة الزبير كانت لكشف خبر بني قريظة: هل نقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما صرح بذلك محمد بن عمر، وقصة حذيفة كانت لمّا اشتدّ الحصار على المسلمين بالخندق، وتمالت عليهم الطّوائف، ووقع بين الأحزاب الاختلاف، وحذرت كلّ طائفة من الأخرى، وأرسل الله تعالى عليهم الرّيح، فندب النبي صلى الله عليه وسلم، من يأتيه بخبر قريش، فانتدب حذيفة، كما تقدم بيان ذلك في القصة.
الخامس:
قوله صلّى الله عليه وسلم: «اللهم إن العيش عيش الآخرة»
إلخ، قال ابن بطال: هو مقول ابن رواحة تمثّل به النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ولو كان ذلك من لفظه لم يكن بذلك شاعرا لعدم القصد، كما سيأتي تحقيقه في الخصائص.
وقوله: «فاغفر للمهاجرين والأنصار» ، وفي رواية بتقديم الأنصار على المهاجرين، وكلاهما غير موزون، ولعله صلى الله عليه وسلم تعمّد ذلك، وقيل. أصله «فاغفر للأنصار والمهاجرة» بجعل الهمزة همزة وصل. وقوله: «والعن عضلا والقارة» إلخ غير موزون، ولعله كان:
والعن إلهي عضلا والقارة وقوله: «إن الألى بقد بغوا علينا» ليس بموزون، وتحريره:
إنّ الّذين قد بغوا علينا فذكر الراوي «الألى» بدل «الذين» ، قد قاله الحافظ. وقال ابن التّين: والأصل: «إنّ الألى هم قد بغوا علينا» .
السادس: ظاهر قول البراء: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كثير الشّعر: أنه كان كثير شعر الصّدر وليس كذلك، فإن في صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان دقيق المسربة، أي الشعر الذي في الصّدر إلى البطن، فيمكن الجمع بأنه كان مع دقّته كثيرا، أي لم يكن منتشرا، بل كان مستطيلا، وتقدّم ذلك مبسوطا في أبواب صفاته.
السابع: سبق في القصة عن ابن إسحاق وغيره وصف حسان بن ثابت رضي الله عنه بالجبن، وأنّه روي عن عروة بسند صحيح، وأنه روي عن أبيه الزّبير، وصرّح بذلك خلائق.
وأنكر ذلك أبو عمر وجماعة، واحتجّوا لذلك بأن ما ذكره ابن إسحاق منقطع الإسناد، وبأنّه لو صحّ لهجي به حسّان، فإنه كان يهاجي الشعراء كضرار بن الخطّاب، وابن الزّبعرى، وغيرهما،(4/398)
وكانوا يناقضونه، ويردّونه، عليه، فما عيّره أحد بجبنه، ولا وسمه به، فدلّ على ضعف حديث ابن إسحاق.
قلت: لفظ ابن إسحاق في رواية البكائيّ: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه، وقال في رواية يونس، كما رواه الحاكم عن يونس، عنه قال: حدثني هشام عن أبيه أي عروة عن صفيّة، قال عروة: سمعتها تقول: أنا أوّل امرأة قتلت رجلا، كنت في فارع حسان بن ثابت، فكان حسّان معنا في النّساء والصّبيان، فإن كان عروة أدرك جدّته فسند القصّة جيّد قويّ، وتقدم لها طرف في القصّة.
ولعلّ حسّان- كما في الروض- أن يكون معتلّا في ذلك اليوم بعلّة منعته من شهود القتال. قال: وهذا أولى ما يؤوّل عليه.
وقال ابن الكلبي: كان حسان بن ثابت لسنا شجاعا، فأصابته علة أحدثت فيه الجبن، فكان لا ينظر إلى قتال ولا يشهده.
وقال ابن سراج: إن سكوت الشعراء عن تعييره بذلك من علامة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكون حسّان شاعره.
الثامن: في الصحيح أن الذين أكلوا الطعام عند جابر في الخندق كانوا ألفا.
ووقع عند أبي نعيم في مستخرجه كما نرى تسعمائة أو ثمانمائة.
وعند الإسماعيليّ: كانوا ثمانمائة أو ثلاثمائة، وفي رواية ابن الزبير: كانوا ثلاثمائة.
قال الحافظ: والحكم للزائد لمزيد علمه، ولأن القصة متحدة.
التاسع: الصحيح المشهور أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا في غزوة الخندق ثلاثة آلاف، ونقل في زاد المعاد عن ابن إسحاق أنهم كانوا سبعمائة. قلت: ولا دليل في قول جابر في قصة الطعام: «وكانوا ألفا» لأنه أراد الآكلين فقط لا عدّة من حضر الخندق، والله تعالى أعلم.
العاشر: دلّهم النبي صلى الله عليه وسلم بعرضه إعطاء غطفان ثلث ثمار المدينة على جواز إعطاء المال للعدو: إذا كان فيه مصلحة للمسلمين وحياطة لهم.
الحادي عشر: في شرح غريب القصة:
الخندق- بفتح الخاء المعجمة وسكون النون-: حفير حول المدينة، وهي في شاميّ المدينة من طرف الحرّة الشرقية إلى طرف الحرة الغربية. وذكر الطبري إن أول من خندق الخنادق منو شهر بن إيرج، وإلى رأس ستين سنة من ملكه بعث موسى عليه السلام. ومنو شهر(4/399)
في نسخة صحيحة من الروض والعيون قرئتا على مصنّفيهما- بميم مفتوحة فنون فواو فشين معجمة فهاء ساكنة فراء. وإبيرج- بهمزة في أوله مكسورة- وفي نسخة الروض: فتحتية فراء فجيم.
الأحزاب: جمع حزب، وهو الطائفة من الناس. وتحزّب القوم: صاروا أحزابا.
خيبر: يأتي الكلام عليها في غزوتها.
يهود: لا ينصرف للعلمية والتأنيث.
أهل عدد (بفتح العين المهملة) .
الجلد- بفتح الجيم واللام-: القوّة والشّدّة.
البيوت جمع بيت، وهو هنا الشّرف.
الأحساب جمع حسب- بفتحتين-: ما يعدّ من المآثر. وتقدم الكلام عليه مبسوطا.
استأصله: أهلكه.
نحالفكم- بالحاء المهملة-: نعاقدكم.
نشطت (بنون فشين معجمة فطاء مهملة) .
الأحقاد جمع حقد: الانطواء على العداوة والبغضاء.
مرحبا: أي أتيت رحبا وسعة، وقال الفراء: منصوب على المصدر.
أهلا: أي أتيت أهلا، فابسط نفسك واستأنس ولا تستوحش.
الكرم تقدم شرحها.
الجبت: الصّنم، والكاهن، والساحر. وقال الراغب: يقال لكل ما عبد من دون الله جبت. وقال الفراء: المراد بالجبت هنا حيي بن اخطب.
الطاغوت- يذكّر ويؤنّث- وقال الفراء: المراد به هنا كعب بن الأشرف.
النّقير- بالنون والقاف-: النّقرة في ظهر النواة منها تنبت النّخلة.
صدّ عنه- بفتح الصاد وتشديد الدّال-: أعرض عنه.
الأحابيش: سبق الكلام عليها في غزوة أحد.
دار الندوة ومرّ الظهران: تقدم الكلام عليهما.
عناج الأمر- بعين مهملة مكسورة فنون مخففة فألف فجيم- أي ملاكه- بكسر الميم وفتحها- وهو ما يقوم به، ومعناه أنه كان صاحبهم ومدبّر أمرهم والقائم بشأنهم، كما يحمل(4/400)
ثقل الدّلو عناجها، وهو الحبل الذي يشدّ تحت الدّلو، ثم يشدّ في العروة، ليكون عونا لعراها فلا ينقطع.
خزاعة (بضم الخاء المعجمة فزاي) .
يبرز: يظهر.
فارس: جيل من الناس، وإقليم معروف.
الثّبات: الإقامة.
الجدّ في الأمر: - بالفتح- الاجتهاد.
ارتاد الرجل الشيء: طلبه وأراده.
سلع- بفتح السين المهملة وسكون اللام وبالعين المهملة-: جبل بالمدينة.
المذاد- بميم مفتوحة فذال معجمة فألف فدال مهملة- من ذاده إذا طرده.
أطم: لبني حرام غربي مساجد الفتح.
ذباب- بذال معجمة وموحدتين كغراب وكتاب-: جبل بالمدينة.
راتج- براء فألف ففوقية مكسورة فجيم-: أطم، سمّيت به الناحية.
دنا: قرب.
المساحي: جمع مسحاة- بكسر الميم وبالسين المهملتين- وهي المجرفة من الحديد. والميم زائدة لأنه من السّحو، وهو الكشف والإزالة.
الكرازين- بكاف فراء فألف فزاي فتحتية جمع كرزين بالكسر- الفأس.
المكاتل- بالفوقية- جمع مكتل بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الفوقية.
الشّيخان- تثنية شيخ ضدّ شابّ- أطمان.
تنافس في كذا: رغب فيه وتسابق.
لبط به- بلام مضمومة فموحدة مكسورة فطاء مهملة-: صرع فجأة من عين أو علّة وهو يلتوي.
يكفأ الإناء- بالهمز- يقلبه ويميله.
عقال- بالكسر-: الحبل الذي يعقل به البعير يمنعه من الشّرود.
العكن (بضم العين المهملة وفتح الكاف) والأعكان كلاهما جمع عكنة- بسكون الكاف-: وهي الطيّ في البطن من السّمن.(4/401)
شرح غريب ذكر ما كان المسلمون يرتجزونه
الأكتاد- بالفوقية والدال المهملة- جمع كتد بفتحتين وبكسر الفوقية أيضا.
البائس- بهمزة مكسورة-: الذي نزل به الضرر من فقر وغيره.
الأكتاف- بالفاء- جمع كتف، يجوز في الفوقية الكسر والسكون.
الظّهر- بفتح الظاء المعجمة المشالة- هنا القوة، والضمير المستتر- في قوله سمّاه وفي كان- راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
المتون: جمع متن- بفتح الميم وسكون الفوقية-: الظّهر.
النّصب- بفتحتين-: التّعب والمشقّة.
يؤتون (بالبناء للمفعول) .
بملء كفّ (بكسر الفاء على الإفراد وبفتحتها على التثنية مضافا إلى ياء المتكلم) .
يصنع- بصاد فنون فعين مهملتين-: يطبخ.
الإهالة- بكسر الهمزة-: الشحم والزيت.
سنخة- بفتح السين المهملة وكسر النون وفتح الخاء المعجمة-: المتغيّرة الرّيح.
بشعة- بموحدة مفتوحة فشين معجمة مكسورة فعين مهملة- كريهة المطعم.
المنتن- (بضم الميم وسكون النون وكسر الفوقية) .
أبينا، أي أبينا الفتنة، أي امتنعنا منها، وإذا صيح بنا لنفزع أبينا الفرار. وفي رواية: «أتينا» بفوقية بدل الموحدة، أي جئنا وأقدمنا على عدوّنا.
السّكينة: الرحمة، أو الطمأنينة، أو النصر، أو الوقار، أو كلها.
المعول- بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو بعدها لام- المسحاة.
عضل (بعين مهملة فضاد معجمة فلام) .
والقارة- بالقاف والراء- يأتي الكلام عليها في السّرايا.
البسطة- بموحدة مفتوحة ثم مهملة ساكنة ثم طاء مهملة-: المنبسطة المستوية من الأرض.
أعقب بين امرأتيه: ناوب بينهما لهذه وقت ولهذه وقت.
النّسر: أطم باسم الطائر المعروف.
فارع- بفاء وعين مهملة كصاحب- اسم أطم مواجه لباب الرحمة من المدينة الشريفة.(4/402)
شرح غريب ذكر الآيات التي وقعت عند ظهور الصخرة في الخندق
الكدية- بضم الكاف وإسكان الدال المهملة وفتح التحتية- وهي الأرض الصّلبة.
القبّة من الخيام بيت صغير ومستدير.
تركية من لبود منسوب إلى التّرك: جبل من الناس.
لبثنا: أقمنا.
الذّواق: المأكول والمشروب. وما ذقت ذواقا، أي شيئا.
تفل-: بالفوقية والفاء-: بصق قليلا.
نضح- بنون فضاد معجمة فحاء مهملة-: رشّ.
الكثيب- بالثاء المثلثة-: المجتمع من الرمل.
لابتا المدينة- تثنية لابة، وهي الحرّة، وهي أرض ذات حجارة سود.
السهيل- بميم مفتوحة فهاء مكسورة فتحتية فلام-: الرمل السائل الذي لا يتماسك.
صنعاء هنا بلد من قواعد اليمن، والأكثر فيها المد.
الحيرة- بحاء مكسورة مهملة فتحتية ساكنة فراء- مدينة كائنة على ثلاثة أميال من الكوفة.
هرقل- بكسر الهاء وفتح الراء وإسكان القاف، ويقال بكسر الهاء وإسكان الراء وفتح القاف- اسم ملك الروم.
أقصى مملكته: أبعدها.
تبرزوا: تخرجوا.
شرح غريب ذكر الآيات التي وقعت لما أصابتهم المجاعة في الخندق
الخمص- بخاء معجمة فميم مفتوحتين فصاد مهملة وقد تسكن الميم- وهو ضمور البطن من الجوع.
الصّاع: مكيال، وهو خمسة أرطال وثلث بالبغداديّ.
العناق- بفتح العين المهملة- الأنثى من ولد المعز قبل استكمالها الحول.
البرمة- بموحّدة مضمومة فراء ساكنة فميم-: القدر من الحجر، والجمع برم.
انكسر العجين: اختمر.
طعيّم لي (بتشديد التحتية على طريق المبالغة في تحقيره) .
السّور- بضم السين المهملة وسكون الواو بغير همز- وهو هنا الصّنيع بالفارسية، كما جزم به البخاريّ، وقيل بالحبشية.(4/403)
حيّ هلا- بحاء مهملة فتحتية مشددة وهلا بفتح الهاء واللام المنونة مخففة-: كلمة استدعاء فيها حثّ، أي هلمّوا مسرعين.
بك وبك، أي جعل الله بك كذا، وفعل بك كذا، والموحّدة تتعلق بمحذوف.
ويح: كلمة ترحّم وتوجّع، تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها، وقد تقال بمعنى المدح والتعجب، وهي منصوبة على المصدر، وقد ترفع وتضاف ولا تضاف، فيقال: ويح زيد وويحا له، وويح له.
لا تضاغطوا- بضاد وغين معجمتين وطاء مهملة- أي لا تزدحموا.
انحرفوا: مالوا ورجعوا.
لتغطّ: - بفتح اللام والفوقية وكسر الغين المعجمة- أي لتمتلئ بحيث يسمع لها صوت.
هلمّ: اسم فعل في لغة الحجاز فلا يبرز فاعلها، وفعل في لغة تميم فيقولون: هلمّي هلمّا هلمن إلخ.
القعبة- بقاف مفتوحة فعين مهملة- والقعب: إناء ضخم كالقصعة.
الحيس- بحاء مهملة مفتوحة فتحتية ساكنة فسين مهملة-: تمر ينزع نواه ويدقّ مع أقط، ويعجنان بالسّمن باليد حتى يبقى كالثّريد، وربّما جعل معه سويق.
نهلوا: شبعوا.
شرح غريب ذكر تخلف جماعة من المنافقين وعرضه الغلمان
يورّون- بتحتية مضمومة فواو فراء مشددة مفتوحة-: يستترون.
يتسللون: يذهبون في خفية.
نابه كذا: أصابه.
اللّحوق- بضمّ اللّام-: الإدراك.
أمر جامع، أي أمر له خطر، اجتمع له الناس كأن الأمر نفسه جمعهم.
الشأن- بالهمز- الأمر والحال.
اللّواذ- بذال معجمة-: مصدر لاوذه ملاوذة ولواذا: استتر به، أي يتسللون منكم استتارا، يستتر بعضهم ببعض عند التسلل.
لحم الأمر- بالحاء المهملة-: اشتبك واختلط.
الذّراري بذال معجمة جمع ذرّيّة، ويجوز في ياء الجمع التشديد والتخفيف.(4/404)
شرح غريب ذكر تهيئه صلى الله عليه وسلم لحرب المشركين شبّكوا المدينة بالبنيان: جعلوه مصطفّا متقاربا متصلا.
الشّعار: تقدم في بدر وأحد.
احتجرت- بحاء مهملة ففوقية فجيم فراء-: استترت.
سلبه- بالسين المهملة-: نزع عنه ثيابه أو درعه.
شدخه- بشين وخاء معجمتين بينهما دال مهملة-: كسره.
مقلّصة- بميم مضمومة فقاف فلام مشددة مفتوحتين-: مرتفعة غير سابغة.
خلوف- بخاء معجمة مضمومة-: ليس عندهنّ رجال.
يرقدّ بها- بفتح التحتية وسكون الراء وفتح القاف وتشديد الدال المهملة- أي يسرع.
لبّث- بفتح اللام وكسر الموحدة المشددة فثاء مثلثة- فعل أمر من اللّبث وهو الإقامة.
الهيجا- بفتح الهاء وسكون التحتية وتمد وتقصر- وهي الحرب.
حمل- بفتح الحاء المهملة والميم- وهو حمل بن سعد بن حارثة الكلبيّ فيما ذكره بعضهم وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال في الإملاء: حمل: اسم رجل، وهذا الرجز قديم تمثّل به سعد.
حان الشيء: قرب.
أخّرت- بضم الهمزة وكسر الخاء المعجمة المشددة وسكون الراء- من التأخير.
شرح غريب ذكر وصول المشركين
مجتمع (بضم الميم وسكون الجيم وفتح الفوقية والميم الثانية) .
الأسيال: جمع سيل.
رومة- براء مضمومة فواو ساكنة فميم مفتوحة-: أرض بالمدينة، وفيها بئر رومة التي سبّلها سيدنا عثمان رضي الله عنه.
ضوى- بالضاد المعجمة والقصر-: مال.
كنانة- بكسر الكاف- وغطفان- بغين معجمة فطاء مهملة ففاء مفتوحات فألف فنون-: قبيلتان.
تهامة- بكسر الفوقية- اسم لكل ما ينزل عن نجد من بلاد الحجاز. ومكة من تهامة.
نجد- بفتح النون وإسكان الجيم- ضد تهامة.
ذنب نقمى (بنون فقاف فميم فألف تأنيث، ويقال فيه نقم) .(4/405)
العضاة- بعين مهملة مكسورة فضاد معجمة فألف فهاء-: شجر أمّ عيلان وكل شجر عظيم له شوك، الواحدة عضة بالتاء وأصلها عضهة. وقيل: واحدته عضاهة.
الغابة (بغين معجمة مفتوحة) .
شرح غريب ذكر نقض بني قريظة العهد
أكلّمك بالجزم: جواب شرط محذوف ويجوز الرفع.
الجشيشة- بجيم مفتوحة فشينين معجمتين بينهما تحتية- وهي أن تطحن الحنطة أو غيرها طحنا جليلا، ثم تلقى في القدر ويلقى عليها لحم أو تمر، وتطبخ، وقد يقال لها:
دشيشة- بالدال المهملة- قال المحب الطبري: وهذا هو الجاري على ألسنة الناس اليوم.
وقال في الإملاء: والصواب فيه الجيم.
أحفظ الرجل- بالحاء المهملة والفاء والظاء المعجمة المشالة-: أغضبه.
ببحر طام- بطاء مهملة-: مرتفع.
القادة: الكبراء، من قاد الأمير الجيش قيادة فهو قائد، وجمعه قادة.
الجهام- بجيم مفتوحة فهاء مخففة فميم-: السحاب الذي لا ماء فيه.
أهرق- بضم الهمزة وسكون الهاء وكسر الراء-: صبّ وأفرغ.
يفتله في الذّروة والغارب- قال في الروض: هذا مثل، وأصله في البعير يستصعب عليك، فتأخذ الفراد من ذروته وغارب سنامه، وتفتل هناك فيجد البعير لذة، فيستأنس عند ذلك، فضرب هذا الكلام مثلا في المراوضة والمخاتلة. قال الحطيئة:
لعمرك ما قراد بني بغيض* إذا نزع القراد بمستطاع يريد أنهم لا يخدعون ولا يستذلّون.
وقال أبو ذر: الذّروة والغارب أعلى ظهر البعير، وأراد بذلك أنه لم يزل يخدعه كما يخدع البعير إذا كان نافرا، فيمسح باليد على ظهره حتى يستأنس، فيجعل الخطام على رأسه.
بنو سعنة- بسين وعين مهملتين فنون وقيل بالتحتية- وبسط الكلام عليه في باب «حسن خلقه» .
أسيد: قال الحافظ عبد الغني بن سعيد المصريّ: إنه بفتح الهمزة وزن أمير، وقيل:
بضم الهمزة.
اللّحن هنا: العدول بالكلام عن الوجه المعروف إلى وجه لا يعرفه إلا صاحبه.(4/406)
تفتّوا- بضم الفاء وتشديد الفوقية- يقال: فتّ في عضده إذا أضعفه وكسر قوّته.
وضرب العضد مثلا:
في أعضاد الناس، ولم يقل: أعضاد الناس، لأنه كناية عن الرّعب الداخل في القلوب، ولم يرد كسرا حقيقيا، ولا العضد الذي هو العضو، وإنما هو عبارة عما يدخل في القلب من الوهن، وهو من أفصح الكلام.
ناشده الله: سأله به.
القبال (بكسر القاف وبالموحدة واللام) .
الشّتم كالضرب: السّبّ.
أربى: أزيد وأعظم.
عقر الدّار- بفتح العين المهملة وضمها وبالقاف-: أصلها.
الرّجيع- بفتح الراء وبالجيم-: ماء لبني هذيل بين مكة وعسفان.
تقنّع: غطّى رأسه بثوب.
نجم النّفاق- بفتحات-: ظهر وطلع.
القرّ- بضم القاف-: البرد.
الثّلمة- بالضّمّ- في الحائط وغيره: الخلل.
الحضن- بالكسر-: ما دون الإبط إلى الكشح.
الغطيط: الصوت الذي يخرج مع نفس النائم، وهو تزيّده حيث لا يجد مساغا.
الغرّة- بكسر الغين المعجمة- الغفلة.
نذر- بذال معجمة-: علم، وزنا ومعنى.
المكيدة: المكر والاحتيال.
يجيلون خيلهم- بجيم فتحتية مشدّدة- يطلقونها.
يغدو، يقال: غدا إلى كذا: أصبح إليه.
يناوشون- بتحتية فنون فألف فواو فشين معجمة فواو فنون-: يتدانون إلى القتال.(4/407)
شرح غريب ذكر إرادته صلّى الله عليه وسلم مصالحة غطفان
المقنّع- بضم الميم وفتح القاف والنون المشددة-: الذي على رأسه البيضة، وهي الخوذة.
الهجرس- بكسر الهاء وسكون الجيم وكسر الراء وآخره سين مهملة-: ولد الثعلب والقرد أيضا.
رمتكم عن قوس واحدة: هذا مثل في الاتفاق.
الشّوكة: - بالواو- شدة البأس والحركة في السّلاح.
كالبوكم: اشتدّوا عليكم.
القرى- بكسر القاف-: ما يصنع للضيف.
يجهدوا: يبلغوا أقصى ما يقدرون عليه.
شرح غريب ذكر قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عمرو بن عبد ود
الرّباط- بكسر الراء-: مرابطة العدوّ وملازمة الثّغر، وهو في الأصل في مرابطة الخيل، وهو ارتباطها بإزاء العدوّ في بعض الثّغور.
يقحمون خيلهم: يدخلونها.
السّبخة (بسين مهملة فموحدة فخاء معجمة مفتوحات) .
تيمّموا: قصدوا.
الثّغرة- بضم المثلثة وسكون الغين المعجمة- وهي الثّلمة.
تعنق بهم خيلهم- بفوقية فعين مهملة فنون-: تسرع.
أثبتته الجراحة: أصابت مقاتله.
ارتثّ- بهمزة وصل وسكون الراء وضم الفوقية وبالمثلثة-: حمل جريحا من المعركة قد أثخنته الجراحة.
يثأر من زيد، أي يقتله مقتلة قريبة.
ثائر الرأس: منتشر الشعر.
معلما- بعين مهملة وفتح اللام وكسرها- جعل لنفسه علامة يعرف بها.
البراز: الظّهور للحرب.
الهزاهز- بفتح الهاء الأولى وكسر الثانية بعد كل منها زاي معجمة-: الفتن يهتز فيها الناس ...(4/408)
الغرائز: جمع غريزة وهي الطبيعة.
النائحة: الرافعة صوتها بالنّدب.
النّجلاء- بنون مفتوحة فجيم ساكنة وبالمدّ-: الواسعة.
يرومني عليها، من رام يروم: طلب.
أجل كنعم وزنا ومعنى.
عقر دابّته: ضرب قوائمها بالسيف، وربما قيل: عقرها إذا ذبحها.
الدّرقة بالدال المهملة-: التّرس.
العاتق: موضع الرّداء من العنق، وقيل: بين العنق والمنكب، وقيل: هو عرق أو عصب هناك.
التّرقوة- بفتح الفوقية وسكون الراء وضم القاف-: الموضع الذي بين ثغرة النحر والعاتق من الجانبين.
الفرار: - بكسر الفاء- التّولّي عن القتال.
صدرت: رجعت.
متجدّلا: لاصقا بالجدالة وهي الأرض.
الجذع- بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة وبالعين المهملة- واحد جذوع النّخل.
الدّكادك- بدالين مهملتين وكافين- والدكاديك: جمع دكداك، وهو من الرّمل ما تلبّد بالأرض ولم يرتفع.
الرّوابي: جمع رابية، وهي الأرض المرتفعة.
المقطّر- بميم فقاف فطاء مهملة مشددة- وهو الملقى على أحد قطريه، وهما الجانبان. كأنه يقول: لو طعنني فقطرني، أي ألقاني على أحد قطري أي جانبي.
ولو انّني- بوصل الهمزة- لأجل الوزن.
بزّني- بموحدة فزاي مشددة فنون-: سلبني وجرّدني.
تهلّل وجهه: استنار وظهرت عليه أمارات السّرور.
استلبه: نزع ثيابه.
السّوءة- بالفتح-: الفرج.
الظّليم- بفتح الظاء المعجمة المشددة-: ذكر النّعام.(4/409)
المعدل: مكان العدول، وهو الميل عن الشيء.
الفرعل- بفاء مضمومة فراء ساكنة فعين مهملة مضمومة- وهو ولد الضّبع.
ناوشه: دنا منه وطاعنه.
الأبدوج- بضم أوله وبالموحدة والدال المهملة- أي لبد السّرج. قال الخطابي: هكذا فسّره أحد رواته، ولست أدري ما صحته قلت: قال في القاموس: أبدوج السّرج بالضمّ: لبد بداديه معرّب أبدود.
الكاهل: ما بين الكتفين.
محقبها الفرس: جعلها وراءه على الفرس.
الغارة- بغين معجمة-: كبس العدوّ، وهم غارّون لا يعلمون.
أحدق به- بحاء فدال مهملتين-: أحاط به.
الهويّ- بفتح الهاء وكسر الواو وتشديد التحتية-: الحين الطويل من الزمان.
شفير الخندق: جانبه.
شرح غريب ذكر رمي بعض المشركين سعد بن معاذ وقضائه صلى الله عليه وسلّم الصلاة وما غنمه المسلمون
حبّان (بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة) .
العرقة (بفتح العين المهملة وكسر الرّاء) .
الأكحل- يقال له نهر الحياة في كل عضو منه شعبة لها اسم على حدة. قال أبو حاتم:
هو عرق في اليد، وفي الفخذ النّسا، وفي الظّهر الأبهر.
عرّق الله وجهه في النار (بعين مهملة) .
خفاجة (بخاء معجمة ففاء فألف فجيم) .
ركزه: أثبته على الأرض.
انتظمها: أدخلها فيه وسلكها.
آذنوه- بالمد-: أعلموه.
بطحان- بموحدة مضمومة فطاء مهملة ساكنة- هكذا يرويه المحدّثون أجمعون، وقال أهل اللغة: هو بفتح الموحدة وكسر الطاء. قال البكريّ: لا يجوز غيره، وهو واد بالمدينة.
العلافة: العلف.(4/410)
الحمولة- بفتح الحاء المهملة: - ما تطيق أن يحمل عليها من الإبل وغيرها، سواء أكانت عليها أحمال أم لا، وهي في القرآن الإبل خاصة، كما بسطته في القول الجامع الوجيز.
صفنة- بصاد مهملة مفتوحة ففاء فنون وزن جفنة وفي القاموس أنه محرّك-: منزل بني عطية برحبة مسجد قباء.
يطلبونهم: يعلمون خبرهم.
ناهضه: أزاله عن مكانه.
جرح وجرح: الأول بضم الجيم والثاني بفتحها.
شرح غريب ذكر اشتداد الأمر على المسلمين
الجنة تحت ظلال السيوف: أي أنّ ثواب الله تعالى، والسبب الموصل إلى الجنة عند الضّرب بالسّيف في سبيل الله، وهو من المجاز البليغ، لأن ظلّ الشيء ما كان ملازما له، ولا شك أن ثواب الجهاد الجنة، فكأن ظلال السيوف المشهورة في الجهاد تحتها الجنة أي ملازمها استحقاق ذلك، وخصّ السيوف لأنها أعظم آلات القتال وأنفعها، لأنها أسرع إلى الزّهوق.
بلغت القلوب الحناجر: روى ابن أبي حاتم عن قتادة قال: شخصت مكانها، فلولا أن ضاق الحلقوم عنها لخرجت. انتهى. والحناجر: جمع حنجرة، وهي مجرى النّفس.
الجدب: القحط.
الجناب- بالجيم والنون والموحدة-: الناحية، وجناب كل شيء: ناحيته.
الخفّ- بالخاء المعجمة والفاء-: الإبل.
الكراع- بضم الكاف وتخفيف الراء وبالعين المهملة-: اسم لجمع الخيل.
الثّوى- بثاء مثلثة فواو وبالمدّ والقصر-: الإقامة.
الحرب خدعة- بفتح الخاء المعجمة وإسكان الدال المهملة- يقال هذه لغة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها لغات أخر.
ما بدا لك: ما ظهر لك.
السّيّارة- بسين مهملة فتحتية مشددة-: القافلة.
الفرصة- بضم الفاء وسكون الراء- في الأصل النّوبة في السّقي، ثم أطلقت على أخذ الشيء بسرعة.(4/411)
نصبا بأمركم- بكسر الصاد المهملة-: مهتمّا به.
انتهزوها: اختلسوها.
انشمروا: انقبضوا وأسرعوا.
أجلبوا: تجمّعوا وتعاونوا.
نابذه: طرح عهده.
الزبير (بفتح الزاي) .
الجنوب: الريح التي تقابل الشمال.
الريح العقيم: التي لا خير فيها. لا تلقح سحابا ولا شجرا. ولا تحمل مطرا بل تهبّ للهلاك خاصّة.
الصّبا- بفتح الصاد المهملة وتخفيف الموحدة- وهي الرّيح الشرقية، ويقال لها:
القبول.
الدّبور- بفتح الدال المهملة: الريح القريبة، ومن لطيف المناسبة كون القبول نصرت أهل القبول، وكون الدّبور أهلكت أهل الإدبار.
تكفأ القدور: تميلها وتقلبها.
الأطناب: جمع طنب- بضمتين وسكون النون- لغة: حبل الخيمة.
الفساطيط جمع فسطاط- بضم الفاء وكسرها-: بيت من شعر.
النّجاة: النجاة بالنّصب على الإغراء.
أتيتم (بالبناء للمفعول) .
الفشل- بالفاء والشين المعجمة المفتوحتين-: الجبن والضّعف في الحرب.
شرح غريب ذكر إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه ليكشف له خبر القوم وانصرافه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
دونك: اسم فعل أمر بمعنى خذ.
المرط- بالكسرة-: كساء من صوف أو خزّ، أو كتّان. والمراد هنا الأول.
القرّ- بضم القاف-: البرد.
جثا- بالجيم والمثلثة-: برك.
ظهري القوم: وسطهم.(4/412)
فتصلوا القتال- بفتح الصاد-: فتدخلوا فيه.
رماة الحدق- بفتحتين- جمع حدقة وهي سواد العين، قال في مختصر الأساس: هم رماة الحدق، أي المهرة في النّضال.
كبد القوس: مقبضها.
الأحلاس: جمع حلس- بكسر الحاء المهملة-: كساء يجعل على ظهر البعير، أراد أنهم ملازمون لركوب الخيل.
الشّملة: كساء صغير يؤتزر به.
أقرقف: أرعد من البرد.
حزبه أمر- بالزاي والموحدة-: نزل به.
يا نومان- بفتح النون وسكون الواو- أي يا كثير النّوم.
الساقة: جمع سائق، وهم الذين يسوقون الجيش يكونون من ورائه يحفظونه.
انقشعوا: انكشفوا.
شرح غريب أبيات كعب بن مالك رضي الله عنه
العدل- بكسر العين المهملة-: المثل.
نابه كذا: نزل به.
المرصد: المعدّ للأمر. يقال: أرصدت لهذا ال. مر كذا: أعددته.
الفضافض- بفاءين وضادين معجمتين- وهي هنا الدّروع المتسعة.
سابغات ومسبغات: كاملات.
الغدران: جمع غدير.
الملا- بالقصر-: المتسع من الأرض.
المتسربلون: لابسو الدّروع.
المراح- بكسر الميم وبالحاء المهملة-: النشاط.
الشاغبين- بغين معجمة فموحدة مكسورتين فتحتية- جمع شاغب وهو المهيّج للشّرّ.
الشّوابك: التي تتشبث بما تأخذه فلا يفلت منها.
العرين: بعين مهملة مفتوحة- مأوى الأسد الذي يألفه.(4/413)
الشّوس- بشين معجمة مضمومة فواو فسين مهملة- جمع أشوس، وهو الذي ينظر نظر المتكبّر بمؤخّر عينه.
المعلم- بفتح اللام وكسرها-: الذي أعلم نفسه بعلامة في الحرب ليشتهر بها.
الفلّ- بفتح الفاء وتشديد اللام-: القوم المنهزمون.
الشّريد- بالشين المعجمة والراء-: الطريد.
دامرين: هالكين، من الدمار، وهو الهلاك.
العاصف: الريح الشديدة.
المتكمّه: الذي يولد أعمى.
شرح غريب أبيات حسان رضي الله عنه
الرّسم: ما بقي من آثار الشيء الدارس البالي.
اليباب- بتحتية مفتوحة فموحدة فألف فموحدة أخرى-: القفر، وهو المفازة، أي الأرض التي لا ماء فيها ولا نبات.
المحاور: الذي يراجعك ويتكلم معك.
عفا: درس.
رهم- براء مكسورة جمع رهمة- بالكسر- وهو المطر الضعيف.
مطلّة- بضم الميم وكسر الطاء المهملة-: مشرفة.
مرباب- بميم فراء وموحدتين- أي دائمة ثابتة.
الحلول- بضم الحاء المهملة-: البيوت المجتمعة.
ثواقب: نيّرة مشرقة.
الخريدة: المرأة الناعمة الحبيبة.
آنسة الحديث- بهمزة مفتوحة ممدودة فنون فسين مهملة-: طيبة.
الكعاب: الجارية التي بدا ثديها للنّهود.
ألبّوا- بفتح اللام المشددة-: جمعوا.
متخمّطين- بميم مضمومة ففوقية فخاء معجمة مفتوحة فميم مكسورة مشددة فطاء مهملة فتحتية- أي مختلطين. ويقال: المتخمّط: الشديد الغضب المتكبر.
الحلبة- بفتح الحاء المهملة وسكون اللام-: جماعة الخيل التي تعدّ للسّباق.
الأيد: القوة.(4/414)
المعصفة: الرّيح الشديدة.
عاتي الفؤاد: قاسيه.
موقّع: ذو عيب، وأصله من التّوقيع في ظهر الدابة وهو انسلاخ يكون فيه.
شرح غريب أبيات كعب بن مالك رضي الله عنه
النّحلة- بكسر النون وسكون الحاء المهملة-: العطاء.
مشرقة- بالميم والقاف-: مضيئة.
الذّرى: الأعالي.
المعاطن: مبارك الإبل حول الماء.
حمّ- بحاء مهملة مضمومة-: سود.
الجذوع هنا أعناق الإبل.
غزيرة- بغين فزاي معجمتين فتحتية فراء-: كثيرة.
الأحلاب: ما يحلب فيه منها.
اللّوب- بضم اللام جمع لوبة- وهي الحرّة، ويقال فيها اللّابة أيضا، جمعها لاب.
والحرّة: أرض ذات حجارة سود.
جمّها- بجيم فميم مشددة-: ما اجتمع من لبنها.
وحفيلها (بحاء مهملة ففاء فتحتية) .
المنتاب- بضم الميم وسكون النون ففوقية وموحدة-: القاصد الزائر.
نزائعا- بنون فزاي فألف-: الخيل العربية التي جلبت من أرضها إلى غيرها.
السّراح- بسين فراء فألف فحاء مهملات- وهو هنا الذّئاب واحدها سرحان، ويقال في جمعه سراحين، والسّرحان في لغة هذيل: الأسد.
وجزّة المقضاب: يعني ما يجزّ أيّ يقطع لها من النّبات فتطعمه.
المقضاب: من القضب والقطع.
الشّوى- بفتح الواو-: القوائم.
النّحض- بنون مفتوحة فحاء مهملة ساكنة فضاد معجمة-: اللحم.
الجرد- بالجيم-: الملس.
الآراب جمع إرب وهو العضو.(4/415)
المتون جمع متن: الظّهر.
قود: طوال، جمع أقود وقوداء.
تراح- بفوقية وراء وحاء مهملتين-: تنشط.
الضّراء- بضاد معجمة فراء- وهي هنا الكلاب الضارية بالصيد.
الكلّاب- بفتح الكاف واللام المشددة-: الصائد صاحب الكلاب.
تحوط: تحفظ.
السّائمة: الماشية المرسلة في المرعى، إبلا كانت أو غيرها.
تردي: تهلك.
تؤوب: ترجع.
حوش: نافرة.
مطارة- بميم فطاء مهملة-: مستخفة.
الوغى- بالواو والغين المعجمة-: الحرب.
الإنجاب- بكسر الهمزة-: الكرام.
علفت (بالبناء للمفعول) .
الدّعة- بفتح الدال والعين المهملتين-: الراحة وخفض العيش.
البدّن- بضم الموحدة وفتح المهملة المشددة-: السّمان.
دخس- بدال مهملة فخاء معجمة فسين مهملة-: كثيرة اللحم.
البضيع- بموحدة فضاد معجمة فتحتية-: اللحم.
الأقصاب- بالصاد المهملة جمع قصب- وهو المعى.
الزّعف- بزاي فغين معجمة ففاء-: الدّروع اللّيّنة.
الشّكّة والشّكّ هنا النّسج.
المترصات- بميم مضمومة فمثناة فوقية ساكنة فراء فصاد مهملة-: الشّديدات، يعني رماحا.
الثّقاف- بثاء مثلثة مكسورة فقاف وفاء-: الخشبة التي تقوّم بها الرماح.
صياب: صائبة.(4/416)
صوارم: سيوف قاطعة.
غلبها: خشونتها وما عليها من الصدأ.
الأروع: الذي يروع بكماله وجماله.
الماجد: الشريف.
المارن- بالراء-: الرّمح الليّن.
وكلت (بالبناء للمفعول) .
وقيعته- بواو فقاف فتحتية فعين مهملة- أي صنعته وتطريقه والوقيعة: المطرقة التي يطرق بها الحديد.
خبّاب- بفتح المعجمة وتشديد الموحدة- اسم قين، والظاهر أنه أراد به خبّاب بن الأرتّ رضي الله عنه فإنه كان قينا، أي حدّادا.
أغرّ أزرق: يعني سنانا.
الطخية- بطاء مهملة فخاء معجمة فتحتية-: شدّة السّواد.
القران- بكسر القاف هنا-: تقارب النّبل.
القتير- بقاف مفتوحة ففوقية مكسورة هنا-: مسامير حلق الدّرع.
القواحز- بقاف مفتوحة فألف فحاء مهملة فزاي معجمة-: الحلق.
الجأواء- بالجيم والمد- التي يخالط سوادها حمرة. وقصرها هنا ضرورة.
ململمة: مجتمعة.
الضّريمة- بضاد معجمة فراء مهملة-: اللهب المتوقّد.
الغاب- بالغين المعجمة والموحدة-: الشجر الملتفّ.
الصّعدة- بصاد فعين مهملتين-: القناة المستوية.
الخطّيّ: الرمح، منسوب إلى الخطّ- بفتح الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة-:
مكان.
الفيء: الظّل.
أبو كرب: ملك من ملوك اليمن، وتبّع كذلك.
البسالة: الشّدة.
الأزهر: الأبيض.(4/417)
الحرج- بحاء فراء مفتوحتين فجيم-: الحرام.
الألباب: العقول.
سخينة: لقب لقريش. قال في الروض: ذكروا أن قصيّا كان إذا ذبحت قريش ذبيحة أو نحرت نحيرة بمكة أتى بعجزها فصنع منه خزيرة- وهو بفتح الخاء المعجمة وكسر الزاي وسكون التحتية بوزن جزيرة- وهي لحم يطبخ ببرّ فيطعمه الناس فسمّيت قريش بهما سخينة.
وقيل: إن العرب كانوا إذا أسنتوا أكلوا العلهز وهو الوبر والدّم، كان يتّخذ في المجاعة، وتأكل قريش الخزيرة، واللفيفة فنفست عليهم العرب بذلك فلقبوهم سخينة. قال: ولم تكن قريش تكره هذا اللقب، ولو كرهته لما استجاز كعب أن يذكره ورسول الله صلى الله عليه وسلم منهم. ولتركه أدبا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ كان قرشيّا، ولقد استنشد عبد الملك بن مروان ما قاله الهوازنيّ في قريش:
يا شدّة ما شددنا غير كاذبة ... على سخينة لولا اللّيل والحرم
فقال: ما زاد هذا على أن استثنى، ولم يكره سماع التّلقيب بسخينة، فدل على أن هذا اللقب لم يكن مكروها عندهم، ولا كان فيه تعيير لهم بشيء يكره.
وقال في المزهر: وفي كلامه نظر في موضعين:
الأول: كلّ من تعرض لنسب أو تاريخ وشبههما- فيما رأيت- يزعمون أن قريشا كانت تعاب بأكل السّخينة، هذا كلام الكلبي- والبلاذريّ وأبو عبيد والمدائنيّ وأبو الفرج وابن دريد وابن الأعرابيّ وأبو عبيدة ومن لا يحصى، قالوا ذلك.
الثاني: قوله: «ولو كرهته» إلخ. ليس فيه دلالة على قوله لأمور: الأول: يحتمل أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسمع ذلك، أو سمعه وأنكره ولم يبلغنا نحن ذلك. قلت: وهذان الأمران ليسا بشيء،
لقوله صلى الله عليه وسلم لكعب لما قال: «جاءت سخينة كي تغالب ربها: لقد شكرك الله تعالى علي قولك هذا يا كعب» ، كما رواه ابن هشام
والله أعلم. أو أنه صلى الله عليه وسلم أراد نكايتهم فأعرض عن ذلك، لأن الذي بينهم كان أشد من ذلك.
وقال السّهيليّ: «ولقد استنشد عبد الملك» إلخ فيه نظر من حيث إن المرزبانيّ ذكر هذا الشعر لخداش بن زهير بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن صعصعة، وليس من هوازن في ورد ولا صدر، وإنّ عبد الملك تنازع إليه قوم من بني عامر بن صعصعة في العرافة، فنظر إلى فتى منهم شعشاع فقال: يا فتى قد ولّيتك العرافة، فقاموا وهم يقولون: قد أفلح ابن خداش، فسمعها عبد الملك فقال: كلا والله لا يهجونا أبوك في الجاهلية بقوله: «يا شدة ما شددنا» إلخ ونسوّدك في الإسلام، فولّاها غيره.(4/418)
شرح غريب قصيدة كعب رضي الله عنه
يرعبل- بضم التحتية وفتح الرّاء وسكون العين المهملة وكسر الموحدة وباللام- أي يقطع.
المعمعة: التهاب النّار وحريقها، ثم استعملت في اختلاف الأصوات وفي شدّة القتال.
الأباء- بالفتح والمد- القصب- بالقاف والصاد المهملة- الواحدة أباءة، ويقال: هو أجمة الحلفاء والقصب خاصة.
المأسدة: موضع الأسد، وأراد بها هنا موضع الحرب.
المذاد- بميم مفتوحة فذال معجمة فألف فدال مهملتين، من ذاده أي طرده-: أطم لبني حرام غربيّ مسجد الفتح سمّيت به الناحية.
الجزع- بجيم تفتح وتكسر فزاي ساكنة فعين مهملة- وهو منعطف الوادي، قال في الإملاء: وهو هنا جانب الخندق.
دربوا: حذقوا وتمرّنوا.
المعلمون: الذين يعلمون أنفسهم بعلامة في الحرب يعرفون بها.
المهجات- بضم الميم والهاء وبالجيم- جمع مهجة، وهي النّفس. ويقال: خيال النفس وذكاؤها.
لربّ المشرق، أراد المشرق والمغرب فحذفه للعلم به.
العصبة: الجماعة.
المرفق- بفتح الميم-: الرّفق.
السابغة- بالغين المعجمة-: الدرع الكاملة.
تخطّ فضولها-: ينجرّ على الأرض ما فضل منها.
النّهي- بفتح النون وكسرها وسكون الهاء وبالتحتية-: الغدير: وكل موضع يجتمع فيه الماء، وجمعها أنهاء ونهيّ.
هبّت: تحركت.
المسترقرق: صفة نهي، وهو الذي تصفّفه الرّيح فيجيء ويذهب، ومن رواه المترفّق من الرّقّة.
القتير: هنا مسامير حلق الدرع، وقد تقدّم.
الحدق: جمع حدقة.(4/419)
الجنادب: ذكر الجراد.
الشّكّ هنا إحكام السّرد وهو متابعة نسج حلق الدّرع وموالاته شيئا فشيئا حتى تتناسق.
الموثق: المثبت.
الجدلاء- بالجيم المفتوحة والدال الساكنة والمد-: الدّرع المحكمة النّسج.
يحفزها- بتحتية مفتوحة فحاء مهملة ساكنة ففاء مكسورة فزاي-: يرفعها ويشمرها.
النّجاد- بكسر النون وبالجيم المهملة-: حمائل السيف.
المهنّد: السيف.
صارم- بالمهملة-: قاطع.
الرّونق: اللمعان.
الهياج: يوم القتال.
قدما- بضم القاف وسكون الدال المهملة وضمها- أي يتقدم ولم يعرّج.
نلحقها (بضم النون وسكون اللام وكسر الحاء المهملة وضم القاف) .
الجماجم: جمع جمجمة الرأس.
ضاحيا- بضاد معجمة فحاء مهملة- أي بارزا كالشمس.
الهامات- بهاء فألف فميم فتاء تأنيث- جمع هامة وهي الرأس وهي المراد.
بله: اسم سمّي به الفعل، ومعناه اترك ودع. والأكفّ منصوب به، ومن رواه بخفض الأكفّ جعل بله مصدرا أضافه إلى ما بعده كما قال تعالى: فَضَرْبَ الرِّقابِ [محمد 4] .
الفخمة- بالفاء والخاء المعجمة- يعني بها الكتيبة.
المذمومة: المجتمعة.
المشرق هنا جبل. ومن رواه: كرأس قدس المشرق- بقاف فدال فسين مهملة- القدس هنا جبل. والمشرق نعت له.
المقلّص: الفرس الخفيف المشمر.
الورد- بفتح الواو-: الفرس الذي تضرب حمرته إلى الصّفرة.
المحجول: الفرس الذي ابيضّت قوائمه.
تردي: تسرع.
الكماة- بضم الكاف-: الشّجعان.(4/420)
الطّلّ- بطاء مهملة- الضّعيف من المطر.
الملثق- بميم مضمومة فلام ساكنة فثاء مثلثة مكسورة فقاف- أي الذي يبلّ. واللّثق:
البلل.
الحتوف: جمع حتف. الهلاك.
العماية هنا: السّحابة.
الوشيح- بفتح الواو وكسر الشين المعجمة وبالحاء المهملة- الرّمح.
المزهق- بالزاي والهاء والقاف-: المذهب للنّفوس.
الحيّط: جمع حائط. وهم اسم فاعل من حاط يحوط.
دلفت- بفتح الدال المهملة واللام والفاء- أي قربت.
النّزّق- بنون مضمومة فزاي مفتوحة مشددة- جمع نازق وهو الغاضب السّيء الخلق.
الحومات: جمع حومة وهي موضع القتال.
نعنق- بنون مضمومة فعين مهملة ساكنة فنون مكسورة فقاف- أي نسرع.
شرح غريب قصيدة كعب بن مالك رضي الله عنه
سلع والعريض تقدما.
الصّماد- بصاد ودال مهملتين- اسم موضع، يحتمل أن يكون جمع ضمد، وهو المرتفع من الأرض.
النّواضح: الإبل التي يستقي عليها الماء.
مدرّبات: جمع مدرّبة أي مخرّجة مدرّبة قد ألفت الركوب والسير، أي تعودت المشي في الدروب، فصارت تألفها وتعرفها فلا تنفر منها.
وخوص- بخاء معجمة فواو فصاد مهملة- أي ضيّقة.
ثقّبت- بالثاء المثلثة والقاف والموحدة-: حفرت.
رواكد: ثابتة دائمة.
يزخر- بالزاي والخاء المعجمة-: يعلو ويرتفع. يقال: زخر البحر والنهر، إذا ارتفع ماؤه وعلا.
المرّار- بالراء- الماء الذي يمر فيها. ومن رواه بالدال المهملة، أراد الماء الذي يمدها.
الجمام- بكسر الجيم- جمع جمّة وهي البئر الكثيرة الماء.(4/421)
الثّماد جمع ثمد، وهو الماء القليل.
الغاب- بالغين المعجمة- الشجر الملتف.
البرديّ- بموحدة-: نبات ينبت في البرك تصنع منه الحصر الغلاظ.
أجشّ- بالجيم والشين المعجمة-: عالي الصوت. وقال في الروض: الأبحّ.
تبقّع: صارت فيه بقع صفر. وفي الروض: بيض من اليبس.
دوس ومراد: قبيلتان.
لم تثر- بضم الفوقية وفتح الثاء المثلثة-: لم تحرث.
الجلاد- بكسر الجيم-: الضرب بالسيف في القتال.
السّكّة- بالسين المهملة والكاف-: الصّفّ من النخل.
الأنباط: قوم من العجم، أي حرسناها وغرسناها كما تفعل الأنباط في أمصارها لا نخاف عليها كائدا.
الجلهات: جمع جلهة، وهو ما استقبلك من الوادي إذا نظرت إليه من الجانب الآخر.
الحضر بحاء مهملة مضمومة فضاد معجمة فراء-: الجري بين الخيل واشتداد الفرس في عدوه، ويروي: خطر- بالخاء المعجمة والطاء المهملة- أي القدر. يقال: لفلان خطر في الناس أي قدر.
الطّول- بفتح الطاء-: الفضل، وبضمّها: خلاف العرض.
الغايات: جمع غاية وهي حيث ينتهي طلق فرسه.
نجتديكم- بالدال المهملة-: نطلب منكم.
الشّطر- بالشين المعجمة-: الناحية والقصد.
المذاد تقّدم أولا.
المطهّم- بالطاء المهملة وتشديد الهاء-: الفرس التامّ الخلق.
الطّمرّ- بكسر الطاء المهملة والميم وفتح الراء المشددة-: الفرس الخفيف.
خفق: مضطرب:
تدفّ- بالدال المهملة والفاء-: تطير في جريها، يقال: دفّ الطائر إذا حرّك جناحيه ليطير.
المقلّص: المشمّر الشّديد.(4/422)
الآراب جمع أربة بضم الهمزة، وهي القطعة من اللحم.
النّهد: الغليظ العنق، وأراد أنّه تامّ الخلق من مؤخّر ومقدّم.
السّنة الجماد- أي سنة القحط.
الأعنّة جمع عنان، وهو سير اللّجام.
مصغيات: مستمعات.
القوانس: أعالي بيض الحديد.
القاري: من أهل القرى.
البادي: من كان من أهل البادية.
البسالة: الشدة والشجاعة.
أشرجنا- بشين معجمة فراء فجيم-: ربطنا.
الجدل- بضم الجيم وبالدال المهملة واللام- جمع جدلاء، وهي الدّروع المحكمة النّسج.
الأزب- بالزاي-: جمع أزبة: الشّدة والضيق، ومن رواه الأرب فهو جمع أربة، وهي العقدة الشديدة.
السّوابغ: الدّروع الكاملة.
الصّقر (بفتح الصاد المهملة) .
المعتلث: الذي لا يورى نارا. ويقال: المعتلث: الذي يقطع من شجر لا يدري: أيورى نارا أم لا.
الأشمّ: العزيز.
غداة ندى: من رواه بالنون فهو من الندا وهو المجلس، ومن رواه «بدا» - بالموحدة فظاهر، ومن رواه بالتحتية والراء فهو معلوم.
الجزع- بكسر الجيم وسكون الزاي-: جانب الوادي، أو ما انعطف منه.
المذكّي: الذي بلغ الغاية في القوة.
صبيّ السيف: وسطه، وذبابه: طرفه.
النّجاد- بالنون: حمائل السيف.(4/423)
[المجلد الخامس]
بسم الله الرحمن الرّحيم
[تتمة جماع أبواب المغازي التي غزا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة]
الباب العشرون في غزوة بني قريظة
تقدم في غزوة الخندق أنّهم ظاهروا قريشا وأعانوهم على حرب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ونقضوا العهود والمواثيق التي كانت بينهم وبين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فما أجدى ذلك عنهم شيئا وباءوا بغضب من الله ورسوله، والصّفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة. قال الله سبحانه وتعالى: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ- أَي أَعانوهم- مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ- أَي حصونهم- وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً.
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً [الأحزاب 25: 27] .
قال محمد بن عمر عن شيوخه: لما تفرّق المشركون عن الخندق خافت بنو قريظة خوفا شديدا، وقالوا: محمد يزحف إلينا، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لم يأمر بقتالهم حتّى جاءه جبريل يأمره به.
روى الإمام أحمد والشّيخان- مختصرا- والبيهقي والحاكم في صحيحه مطوّلا عن عائشة، وأبو نعيم، والبيهقي من وجه آخر عنها، وابن عائذ عن جابر بن عبد الله، وابن سعد عن حميد بن هلال، وابن جرير عن عبد الله بن أبي أوفى والبيهقي وابن سعد عن الماجشون، والبيهقيّ عن عبيد الله بن كعب بن مالك، وسعيد بن جبير وابن سعد عن يزيد بن الأصم، ومحمد بن عمر عن شيوخه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما رجع عن الخندق، والمسلمون وقد عضّهم الحصار، فرجعوا مجهودين، فوضعوا السلاح، ووضعه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ودخل بيت عائشة ودعا بماء فأخذ يغسل رأسه- قال ابن عقبة قد رجّل أحد شقّيه. قال محمد بن عمر:
غسل رأسه واغتسل، ودعا بالمجمرة ليتبخّر، وقد صلّى الظّهر، قالت عائشة: فسلّم علينا رجل ونحن في البيت. قال محمد بن عمر: وقف موضع الجنائز، فنادى عذيرك من محارب! فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فزعا فوثب وثبة شديدة، فخرج إليه، وقمت في أثره أنظر من خلل الباب، فإذا هو دحية الكلبيّ فيما كنت أرى- وهو ينفض الغبار عن وجهه، وهو معتمّ، وقال ابن إسحاق: معتجر بعمامة، قال الماجشون- كما رواه أبو نعيم عنها، سوداء من إستبرق، مرخ من عمامته بين كتفيه، على بغلة شهباء- وفي لفظ: فرس- عليها رحالة وعليها قطيفة من ديباج- قال الماجشون: أحمر- على ثناياه أثر الغبار،
وفي رواية: قد عصّب رأسه الغبار، عليه لأمته،(5/3)
فاتكأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على عرف الدّابّة، فقال: يا رسول الله، ما أسرعتم ما حللتم، عذيرك من محارب! عفا الله عنك، وفي لفظ غفر الله لك، أوقد وضعتم السّلاح قبل أن نضعه؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «نعم قال: فو الله ما وضعناه، وفي لفظ: «ما وضعت الملائكة السّلاح منذ نزل بك العدوّ. وما رجعنا الآن إلّا من طلب القوم حتّى بلغنا حمراء الأسد- يعني الأحزاب- وقد هزمهم الله تعالى، وإن الله- تعالى- يأمرك بقتال بني قريظة، وأنا عامد إليهم بمن معي من الملائكة لأزلزل بهم الحصون، فاخرج بالنّاس» .
قال حميد بن هلال: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «فإنّ في أصحابي جهدا فلو أنظرتهم أيّاما
قال جبريل: انهض إليهم، فو الله لأدقّنهم كدقّ البيض على الصّفا لأضعضعنّها، فأدبر جبريل ومن معه من الملائكة حتّى سطع الغبار في زقاق بني غنم من الأنصار. قال أنس- رضي الله عنه- فيما رواه البخاري: كأني أنظر إلى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم- موكب جبريل حين سار إلى بني قريظة [ (1) ] .. انتهى.
قالت عائشة: فرجعت، فلمّا دخل قلت يا رسول الله- من ذاك الرجل الّذي كنت تكلّمه؟ قال: «ورأيته» ؟ قلت نعم، قال، «لمن تشبّهت» ؟ قلت: بدحية بن خليفة الكلبي، قال:
«ذاك جبريل أمرني أن أمضي إلى بني قريظة» .
قال قتادة فيما رواه ابن عائذ: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم بعث يومئذ مناديا ينادى «يا خيل الله اركبي» وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بلالا فأذّن في الناس: «من كان سامعا مطيعا فلا يصلّين العصر إلّا ببني قريظة» .
وروى الشيخان عن ابن عمر، والبيهقي عن عائشة، والبيهقي عن الزهري وعن ابن عقبة، والطبراني عن كعب بن مالك: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه: «عزمت عليكم ألّا تصلّوا صلاة العصر» .
ووقع في مسلم في حديث ابن عمر صلاة الظّهر فأدرك بعضهم صلاة العصر، وفي لفظ الظهر في الطّريق، فقال بعضهم: لا نصلّيها حتّى نأتي بني قريظة، إنّا لفي عزيمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وما علينا من إثم، فصلّوا العصر ببني قريظة حين وصلوها بعد غروب الشمس. وقال بعضهم: بل نصلّي، لم يرد منّا أن ندع الصّلاة، فصلّوا، فذكر ذلك لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلم يعنّف واحدا من الفريقين، ودعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب فدفع إليه لواءه، وكان اللّواء على حاله لم يحلّ من مرجعه من الخندق، فابتدره النّاس [ (2) ] .
__________
[ (1) ] انظر البخاري 7/ 470 (4117) .
[ (2) ] أخرجه البخاري 1/ 471 (4118) وأخرج عبد الرزاق في المصنف (9737) والبيهقي في دلائل النبوة 4/ 8 وابن كثير في البداية 4/ 117، وانظر مجمع الزوائد 6/ 143.(5/4)
ذكر مسيرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى بني قريظة
قال محمد بن عمر، وابن سعد، وابن هشام، والبلاذري: فاستعمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على المدينة ابن أم مكتوم.
قال محمد بن عمر: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إليهم لسبع بقين من ذي القعدة، ولبس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- السّلاح والدّرع [ (1) ] والمغفر والبيضة وأخذ قناة بيده، وتقلّد التّرس، وركب فرسه اللّحيف [ (2) ] ، وحفّ به أصحابه، قد لبسوا السّلاح وركبوا الخيل، وكانت الخيل ستّة وثلاثين فرسا وسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في أصحابه، والخيل والرّجّالة حوله قال ابن سعد:
وكان معه- صلّى الله عليه وسلم ثلاثة آلاف، قلت: كذا ذكر محمد ابن عمر: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم. ركب فرسا. وروى الطبراني في الأوسط بسند رجاله ثقات عن أبي رافع، وابن سعد عن البيهقي وغيره والطبراني عن ابن عباس: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: لما أتى بني قريظة ركب على حمار عري يقال له يعفور، والنّاس حوله [ (3) ] .
وروى الحاكم، والبيهقي وأبو نعيم عن عائشة وابن إسحاق عن..... ومحمد ابن عمر عن شيوخه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مر بنفر من بني النجار بالصّورين فيهم حارثة بن النعمان قد صفّوا عليهم السّلاح فقال: «هل مرّ بكم أحد؟» قالوا: نعم، دحية الكلبي مر على بغلة عليها رحالة عليها قطيفة من إستبرق وأمرنا بحمل السلاح سلاحنا فأخذنا وصففنا، وقال لنا: هذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يطلع عليكم الآن،
قال حارثة بن النعمان: وكنا صفّين، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «ذاك جبريل بعث إلى بني قريظة ليزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم»
[ (4) ] .
وسبق عليّ في نفر من المهاجرين والأنصار فيهم أبو قتادة- إلى بني قريظة.
روى محمد بن عمر عن أبي قتادة قال: انتهينا إلى بني قريظة، فلمّا رأونا أيقنوا بالشّرّ، وغرز عليّ الرّاية عند أصل الحصن، فاستقبلونا في صياصيهم يشتمون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأزواجه. قال أبو قتادة: وسكتنا، وقلنا: السّيف بيننا وبينكم، وانتهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى
__________
[ (1) ] الدّرع: قميص من حلقات من الحديد متشابكة يلبس وقاية من السلاح، يذكر ويؤنث، انظر المعجم الوسيط 1/ 280.
[ (2) ] قال في النهاية: كان اسم فرسه- صلى الله عليه وسلّم- اللحيف لطول ذنبه، فعيل بمعنى مفعول، كأنه يلحف الأرض بذنبه أي يغطيها به، انظر النهاية 4/ 238.
[ (3) ] الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 6/ 144 رجاله ثقات.
[ (4) ] أخرجه عبد الرزاق (9737) والبيهقي في الدلائل 4/ 9 وابن كثير في البداية 4/ 118 والحاكم 4/ 118، 3/ 34، 35 وأبو نعيم في الدلائل (437) .(5/5)
بني قريظة، فنزل قريبا من حصنهم على بئر أنّا بأسفل حرّة بني قريظة، فلمّا رآه علي- رضي الله عنه- رجع إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأمرني أن ألزم اللّواء، فلزمته، وكره أن يسمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أذاهم وشتمهم.
فقال لرسول الله- صلى الله عليه وسلم: «لا عليك ألا تدنو من هؤلاء الأخابيث، فإن الله- تعالى- كافيك اليهود. فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «لم تأمرني بالرّجوع؟ فكتمه ما سمع، فقال: «أظنّك سمعت منهم لي أذى» فقال: نعم يا رسول الله. قال: «لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئاً» . فسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إليهم، وتقدّمه أسيد بن الحضير- فقال: يا أعداء الله: لا نبرح عن حصنكم حتّى تموتوا جوعا، إنما أنتم بمنزلة ثعلب في جحر، فقالوا: يا ابن الحضير:
نحن مواليك دون الخزرج، وخاروا، فقال: لا عهد بيني وبينكم ولا إلّا وذمة، ودنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم. وترّسنا عنه، ونادى بأعلى صوته نفرا من أشرافهم، حتى أسمعهم فقال: «أجيبوا يا إخوة القردة والخنازير وعبدة الطّاغوت هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته؟ أتشتمونني؟! فجعلوا يحلفون ما فعلنا، ويقولون: يا أبا القاسم ما كنت جهولا، وفي لفظ ما كنت فاحشا. واجتمع المسلمون عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عشاء، وبعث سعد بن عبادة- رضي الله عنه- بأحمال تمر لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- والمسلمين. فكان طعامهم، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم يومئذ «نعم الطّعام التّمر» .
ذكر محاصرة المسلمين لبني قريظة
غدا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سحرا، وقدّم الرماة وعبّأ أصحابه فأحاطوا بحصون يهود، ورموهم بالنّبل والحجارة، وهم يرمون من حصونهم حتّى أمسوا، فباتوا حول الحصون، وجعل المسلمون يعتقبون، يعقب بعضهم بعضا، فما برح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يراميهم حتى أيقنوا بالهلكة، وتركوا رمي المسلمين، وقالوا: دعونا نكلمكم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «نعم» فأنزلوا نبّاش بن قيس، فكلم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم على أن ينزلوا على ما نزلت عليه بنو النّضير من الأموال والحلقة وتحقن دماءنا، ونخرج من بلادك بالنّساء والذّراري، ولنا ما حملت الإبل إلّا الحلقة، فأبى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: تحقن دماءنا وتسلّم لنا النّساء والذّريّة ولا حاجة لنا فيما حملت الإبل، فأبى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلا أن ينزلوا على حكمه، وعاد نبّاش إليهم بذلك.
ذكر اعتراف كعب بن أسد كبير بني قريظة وغيره بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما عاد نبّاش إلى قومه، وأخبرهم الخبر، قال كعب بن أسد: يا معشر بني قريظة، والله قد نزل بكم من الأمر ما ترون وإنّي عارض عليكم خلالا ثلاثا، فخذوا ما شئتم منها، قالوا: وما هي؟ قال: نتابع هذا الرّجل ونصدّقه. فو الله لقد تبيّن لكم أنه نبي مرسل، وأنّه الّذي تجدونه في(5/6)
كتابكم فتأمنون به على دمائكم وأموالكم ونسائكم، والله إنكم لتعلمون أنّ محمّدا نبي، وما منعنا من الدّخول معه إلّا الحسد للعرب حيث لم يكن نبيا من بني إسرائيل، فهو حيث جعله الله، ولقد كنت كارها لنقض العهد والعقد ولكنّ البلاء والشؤم من هذا الجالس- يعني حيي بن اخطب- ولقد كان حيي بن اخطب دخل معهم في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان، وفاء لكعب بن أسد، بما كان عاهده عليه- أتذكرون ما قال لكم ابن جوّاس حين قدم عليكم: تركت الخمر والخمير والتمير، وأجئت إلى السّقاء والتّمر والشّعير، قالوا: وما ذاك؟ قال: إنّه يخرج بهذه القرية نبيّ، فإن يخرج وأنا حيّ أتبعه وأنصره، وإن خرج بعدي، فإياكم أن تخدعوا عنه، واتّبعوه، فكونوا أنصاره وأولياءه، وقد آمنتم بالكتابين، كليهما الأوّل والآخر، وأقرئوه منّي السّلام، وأخبروه أنّي مصدّق به. قال كعب: فتعالوا فلنتابعه ونصدّقه، فقالوا: لا نفارق حكم التّوراة أبدا، ولا نستبدل به غيره، قال: فإذا أبيتم علىّ هذه فهلمّ فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثمّ نخرج إلى محمّد وأصحابه رجالا مصلتين السّيوف ولم نترك وراءنا ثقلا حتّى يحكم الله بيننا وبين محمّد، فإن نهلك نهلك، ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه، إن نظهر فلعمري لنجدنّ النّساء والأبناء. قالوا: أنقتل هولاء المساكين؟! فما خير العيش بعدهم؟
قال: فإن أبيتم علىّ هذه فإن اللّيلة ليلة السّبت، وأنّه عسى وأن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها فانزلوا، لعلّنا نصيب من محمّد وأصحابه غرّة، قالوا: نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يحدث فيه من كان قبلنا إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ! فقال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمّه ليلة واحدة من الدّهر حازما، فقال ثعلبة وأسيد ابنا سعية، وأسد بن عبيد ابن عمّهم، وهم نفر من هذيل ليسوا من بني قريظة، ولا النّضير، نسبهم فوق ذلك وهم بنو عمّ القوم: يا معشر بني قريظة، والله إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنّ صفته عندنا، وحدّثنا بها علماؤنا وعلماء بني النّضير، هذا أولهم: يعني حيي بن اخطب مع جبير بن الهيبان- أنه أصدق النّاس عندنا، هو خبّرنا بصفته عند موته. قالوا: لا نفارق التّوراة. فلمّا رأى هولاء النّفر إباءهم نزلوا تلك الليلة التي في صبحها نزلت بنو قريظة فأسلموا وأمنوا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم.
وقال عمرو بن سعدى: يا معشر يهود، إنكم قد حالفتم محمّدا على ما حالفتموه عليه، فنقضتم عهده الذي كان بينكم وبينه، فلم أدخل فيه، ولم أشرككم في غدركم، فإن أبيتم أن تدخلوا معه فاثبتوا على اليهودية وأعطوا الجزية فو الله ما أدري يقبلها أم لا، قالوا: فنحن لا نقرّ للعرب بخرج في رقابنا يأخذونه، القتل خير من ذلك، قال: فإنّي بريء منكم. وخرج في تلك الليلة مع ابني سعية، فمرّ بحرس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعليهم محمد بن مسلمة، فقال محمد:
من هذا؟ قال: عمرو بن سعدى، قال محمّد: مرّ اللهمّ لا تحرمني إقالة عثرات الكرام، وخلّى(5/7)
سبيله، وخرج حتّى أتى مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فبات به حتّى أصبح فلما أصبح غدا فلم يدر أنّى هو حتّى السّاعة فذكر شأنه لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-.
فقال: «ذاك رجل نجّاه الله بوفائه»
[ (1) ] .
ذكر طلب يهود أبي لبابة وما وقع له ونزول توبته
قال أهل المغازي وجدّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حصارهم، فلمّا اشتدّ عليهم الحصار أرسلوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليلة السبت أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر [ (2) ] فنستشيره في أمرنا فأرسله إليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما رأوه قام إليه الرّجال وبهش إليه النّساء والصّبيان يبكون في وجهه، فرقّ لهم، فقال كعب بن أسد: يا أبا لبابة، إنّا قد اخترناك على غيرك، إن محمدا قد أبى إلّا أن ننزل على حكمه أفترى أن ننزل على حكمه؟ قال نعم، وأشار بيده إلى حلقه أي أنه الذّبح. قال أبو لبابة: فو الله ما زالت قدماي عن مكانهما حتّى عرفت أنّي قد خنت الله ورسوله. فندمت واسترجعت فنزلت وإنّ لحيتي لمبتلّة من الدّموع، والنّاس ينتظرون رجوعي إليهم حتّى أخذت من وراء الحصن طريقا أخرى، حتى جئت إلى المسجد، ولم آت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فارتبطت وكان ارتباطي على الأسطوانة المخلقة التي يقال لها أسطوانة التّوبة، وقلت لا أبرح من مكاني حتّى أموت أو يتوب الله عليّ ممّا صنعت، وعاهدت الله تعالى بألا أطأ أرض بني قريظة أبدا ولا أرى في بلد خنت الله تعالى ورسوله- صلى الله عليه وسلّم- فيه أبدا،
وبلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذهابي وما صنعت، فقال: «دعوه حتّى يحدث الله تعالى- فيه ما شاء، لو كان جاءني استغفرت له، فإذا لم يأتني وذهب، فدعوه» .
وأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال 27] قال أبو لبابة: فكنت في أمر عظيم، في حر شديد عدّة ليال لا آكل فيهنّ ولا أشرب، وقلت: لا أزال هكذا حتّى أفارق الدّنيا، أو يتوب الله عليّ. وأذكر رؤيا رأيتها في النّوم ونحن محاصرون بني قريظة. كأنّي في حمأة آسنة، فلم أخرج منها حتّى كدت أموت من ريحها، ثمّ أرى نهرا جاريا فأراني اغتسلت فيه حتّى استنقيت وأراني أجد ريحا طيّبة فاستعبرتها أبا بكر فقال: لتدخلنّ في أمر تغتمّ له، ثمّ يفرج عندئذ، فكنت أذكر قول أبي بكر وأنا مرتبط، فأرجو أن ينزل الله تعالى- توبتي. قال: فلم أزل كذلك حتّى ما أسمع الصّوت من الجهد- ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- ينظر إليّ.
قال ابن هشام: أقام مرتبطا ستّ ليال تأتيه امرأته كلّ صلاة فتحلّه حتّى يتوضّأ ويصلي ثمّ يرتبط.
__________
[ (1) ] ذكره الحافظ ابن كثير في البداية 4/ 121.
[ (2) ] أبو لبابة، الأنصاري المدني، اسمه بشير، وقيل رفاعة بن عبد المنذر، صحابي مشهور، وكان أحد النقباء، وعاش إلى خلافة عليّ، ووهم من سماه مروان. التقريب 2/ 467.(5/8)
وقال ابن عقبة: زعموا أنّه ارتبط قريباً من عشرين ليلة. قال في البداية: وهذا أشبه الأقاويل، وقال ابن إسحاق: أقام مرتبطا خمسا وعشرين ليلة. قال أبو عمر: روى ابن وهب عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن أبا لبابة ارتبط بسلسلة ربوض والرّبوض الثّقيلة- بضع عشرة ليلة حتّى ذهب سمعه فما يكاد يسمع، ويكاد يذهب بصره. وكانت ابنته تحلّه إذا حضرت الصّلاة أو أراد أن يذهب لحاجته فإذا فرغ أعادت الرباط. والظّاهر أنّ زوجته كانت تباشر حلّه مرّة وابنته مرّة.
وأنزل الله تعالى- في توبة أبي لبابة وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة 102] قال ابن إسحاق: حدّثني يزيد بن عبد الله بن قسيط: إن توبة أبي لبابة نزلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم من السحر وهو في بيت أم سلمة،
قالت أمّ سلمة: فسمعت رسول اللَّه- صلى الله عليه وسلم من السّحر وهو يضحك، قالت: فقلت: يا رسول الله ممّ تضحك؟ أضحك الله سنّك، قال: «تيب على أبي لبابة» قالت: فقلت أفلا أبشّره يا رسول الله؟ قال: بلى إن شئت»
قال:
فقامت على باب حجرتها- وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب- فقالت: يا أبا لبابة، أبشر فقد تاب الله عليك قالت: فسار النّاس إليه ليطلقوه، فقال: لا والله حتّى يكون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هو الّذي يطلقني بيده. فلمّا مرّ عليه خارجا إلى صلاة الصّبح أطلقه. قال السّهيليّ
وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن علي بن الحسين- رضوان الله عليهم أجمعين- قال: أن فاطمة- رضي الله عنها. جاءت تحلّه فقال إنّي حلفت ألا يحلّني إلا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال النبي- صلى الله عليه وسلّم: «إن فاطمة بضعة مني»
قلت: علي بن زيد هو ابن جدعان ضعيف، وعلي بن الحسين روايته مرسلة-
قال أبو لبابة: يا رسول الله إنّ من توبتي أن أهجر دار قومي الّتي أصبت فيها الذنب، وأن أنخلع من مالي كلّه صدقة إلى الله وإلى رسوله. قال: «يجزئك الثّلث يا أبا لبابة»
[ (1) ] .
ذكر نزول بني قريظة على حكم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ورده الأمر إلى سعد بن معاذ- رضي الله عنه-
فلمّا جهدهم الحصار، نزلوا على حكم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم بأسراهم فكتّفوا رباطا، وجعل على كتافهم محمد بن مسلمة، ونحّوا ناحية، وأخرجوا النّساء والذّرّية من الحصون فكانوا ناحية واستعمل عليهم عبد الله بن سلام، وجمعت أمتعتهم وما
__________
[ (1) ] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9745) والطبري 9/ 46 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص (214) حديث (841) .(5/9)
وجد في حصونهم من الحلقة والأثاث والثّياب، ووجدوا فيها ألفا وخمسمائة سيف وثلاثمائة درع، وألفي رمح، وألفا وخمسمائة ترس وحجفة [ (1) ] وأثاثا كثيرا، وآنية كثيرة، وخمرا، وجرارا، وسكرا فهريق ذلك كله. ولم يخمّسه ووجد من الجمال النّواضح عدّة، ومن الماشية شيئا كثيرا، فجمع هذا كله.
وتنحّى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجلس وتواثبت الأوس إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله حلفاؤنا دون الخزرج، وقد رأيت ما صنعت ببني قينقاع بالأمس حلفاء ابن أبيّ وهبت له ثلاثمائة حاسر، وأربعمائة دارع. وقد ندم حلفاؤنا على ما كان من نقضهم العهد فهبهم لنا، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- ساكت لا يتكلّم حتّى أكثروا عليه وألحّوا ونطقت الأوس كلّها،
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «أما ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم» ؟ قالوا:
بلى. قال: «فذلك إلى سعد بن معاذ»
[ (2) ] .
وقال ابن عقبة: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «اختاروا من شئتم من أصحابي»
فاختاروا سعد بن معاذ، فرضي بذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وسعد يومئذ في المسجد بالمدينة، في خيمة كعيبة بنت سعيد- بالتّصغير فيهما- الأسلميّة، وكانت تداوي الجرحى وتلّمّ الشّعث، وتقوم على الضّائع الذي لا أحد له، وكان لها خيمة في المسجد، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- جعل سعد بن معاذ فيها ليعوده من قريب فلمّا جعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الحكم إلى سعد خرجت الأوس حتّى جاءوه فحملوه على حمار بأعرابي بشندة من ليف وعلى الحمار قطيفة فوق الشّندة، وخطامه من ليف، وكان رجلا جسيما، فخرجوا حوله يقولون: يا أبا عمرو، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد ولّاك أمر مواليك لتحسن فيهم، فأحسن فقد رأيت ابن أبيّ وما صنع في حلفائه، وأكثروا من هذا وشبهه، وهو لا يتكلم، حتّى إذا أكثروا عليه قال سعد: قد آن لسعد ألّا تأخذه في الله لومة لائم، فقال الضّحّاك بن خليفة بن ثعلبة بن عدي بن كعب بن عبد الأشهل الأنصاري: وا قوماه! وقال غيره منهم نحو ذلك ثم رجع الضّحّاك إلى الأوس فنعى لهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد، عن كلمته الّتي سمع منه، وأقبل سعد إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم والنّاس حول رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس، فلمّا طلع سعد بن معاذ-
وفي الصّحيحين- فلما دنا من المسجد: أي الذي كان فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أعدّه ببني قريظة أيام حصارهم- للصلاة، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «قوموا إلى سيدكم» وفي لفظ «خيركم»
فأمّا المهاجرون من قريش فإنّما يقولون: إنّما أراد الأنصار، وأمّا الأنصار فيقولون: قد عمّم بها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-
__________
[ (1) ] الحجفة: الترس من جلود بلا خشب ولا رباط من عصب، انظر المعجم الوسيط 1/ 158.
[ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 475 (4121) .(5/10)
المسلمين، وعند الإمام أحمد «قوموا إلى سيدكم» فأنزلوه، وكان رجال من بني عبد الأشهل يقولون: قمنا له على أرجلنا صفّين، يحيّيه كلّ رجل منّا حتى انتهى إلي رسول الله- صلى الله عليه وسلم. [ (1) ]
وفي حديث جابر- رضي الله عنه: عند ابن عائذ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: - احكم فيهم يا سعد، فقال: الله ورسوله أحق بالحكم. قال: «قد أمرك الله أن تحكم فيهم» .
وقالت الأوس الذين بقوا عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم: يا أبا عمرو: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد ولاك الحكم في أمر مواليك فأحسن فيهم، واذكر بلاءهم عندك، فقال سعد: أترضون حكمي لبني قريظة؟ قالوا:
نعم، قد رضينا بحكمك، وأنت غائب عنا، اختيارا منا لك، ورجاء أن تمنّ علينا كما فعل غيرك بحلفائه بني قينقاع، وأثرنا عندك أثرنا، وأحوج ما كنا اليوم إلى مجازاتك. فقال سعد: ما آلوكم جهدا، فقالوا: ما يعني بقوله هذا؟ ثم قال سعد: عليكم عهد الله وميثاقه، أنّ الحكم فيهم ما حكمت؟ قالوا: نعم،
ثم قال سعد للنّاحية الّتي فيها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو معرض عنها إجلالا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعلى من هاهنا مثل ذلك؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومن معه:
«نعم»
قال سعد: فإنّي أحكم فيهم أن يقتل كلّ من جرت عليه الموسى، وتسبى النّساء والذّرّية، وتقسّم الأموال وتكون الدّيار للمهاجرين دون الأنصار. فقالت الأنصار. إخواننا كنّا معهم، فقال: أحببت أن يستغنوا عنكم»
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: لقد حكمت فيهم بحكم الله الّذي حكم به من فوق سبع سموات
[ (2) ] .
وذكر ابن إسحاق في غير رواية البكّائي: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال في حكم سعد: «بذلك طرقني الملك سحرا» ،
وكان سعد بن معاذ في الليلة التي في صبيحتها نزلت بنو قريظة على حكم
رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد دعا فقال: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فإنّه لا قوم أحب إلي أن أقاتلهم من قوم كذبوا رسولك آذوه وأخرجوه، وإن كانت الحرب قد وضعت أوزارها عنّا وعنهم فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة، فأقرّ الله تعالى عينه منهم
[ (3) ] .
ذكر قتلهم وأخذ أموالهم وسبي ذراريهم
فلما حكم سعد، بما حكم، وانصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الخميس لتسع ليال كما
__________
[ (1) ] انظر التخريج السابقة وانظر أحمد 3/ 22 وابن أبي شيبة 14/ 425 والبيهقي في دلائل النبوة 4/ 18 ومسلم في الجهاد باب 22 رقم (64) وأبو داود (5215) والترمذي 856 والطبراني في الكبير 6/ 6 وانظر المجمع 6/ 138 وابن أبي شيبة 14/ 425 وابن سعد 3/ 2/ 4.
[ (2) ] وأخرجه ابن سعد 3/ 2/ 4، 5 وأبو نعيم في تاريخ أصفهان 1/ 97 ومن حديث أبي سعيد البخاري 6/ 165 (3043) ومسلم 3/ 1388 (64/ 1769) والبخاري (7/ 123) .
[ (3) ] ذكره السيوطي في الدر المنثور 3/ 178، والقرطبي في التفسير 7/ 395.(5/11)
ذكر محمد بن عمر وابن سعد، وجزم به الدّمياطي، وقيل لخمس- كما جزم به في الإشارة- خلون من ذي الحجة، وأمر بهم فأدخلوا المدينة، وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالسّبي فسيقوا إلى دار أسامة بن زيد، والنّساء والذّرّية إلى دار رملة بنت الحارث، ويقال حبسوا جميعا في دار رملة، وأمر لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بأحمال تمر فنثرت لهم، فباتوا يكدمونها كدم الحمر، وأمر بالسّلاح والأثاث والمتاع والثياب فحمل إلى دار ابنة الحارث وبالإبل والغنم ترعى هناك في الشّجر، فلما أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- غدا إلى السّوق، فأمر بأخدود فخدّت في السّوق ما بين موضع دار أبي الجهم العدوي إلى أحجار الزّيت، فكان أصحابه هناك يحفرون، وجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومعه علية أصحابه ودعا برجال بني قريظة، فكانوا يخرجون أرسالا، تضرب أعناقهم في تلك الخنادق، فقالوا لكعب بن أسد- وهم يذهب بهم إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أرسالا: يا كعب، ما ترى محمدا يصنع بنا؟ قال: ما يسوءكم، ويلكم! على كل حال لا تعقلون!! ألا ترون الدّاعي لا ينزع، وأنّه من ذهب منكم لا يرجع؟ هو والله السّيف، قد دعوتكم إلى غير هذا فأبيتم عليّ قالوا: ليس هذا بحين عتاب، لولا أنّا كرهنا أن نزرى برأيك ما دخلنا في نقض العهد الّذي كان بيننا وبين محمّد، قال حيّ بن أخطب: اتركوا ما ترون من التّلاوم، فإنه لا يردّ عنكم شيئا، واصبروا للسيف، وكان الذين يلون قتلهم علي ابن أبي طالب والزبير بن العوام وجاء سعد بن عبادة والحباب بن المنذر، فقالا: يا رسول الله، إن الأوس قد كرهت قتل بني قريظة لمكان حلفهم، فقال سعد بن معاذ: ما كرهه من الأوس أحد فيه خير، فمن كرهه فلا أرضاه الله. فقام أسيد بن الحضير- رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله: لا تبقين دارا من دور الأوس إلّا فرّقتهم فيها، فمن سخط فلا يرغم الله إلّا أنفه، فابعث إلى داري أوّل دورهم، ففرّقهم في دور الأوس فقتلوهم، ثمّ أتي بحييّ بن أخطب [ (1) ] مجموعة يداه إلى عنقه، عليه حلّة شقحيّة.
وقال ابن إسحاق: فقاحيّة قد لبسها للقتل، ثمّ عمد إليها فشّقها أنملة أنملة لئلّا يسلبه أيّاها أحد. فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين طلع: «ألم يمكّن الله منك يا عدو الله: قال بلى والله، أما والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولقد التمست العزّ في مكانه فأبى الله إلا أن يمكنك. ولقد قلقلت كل مقلقل، ولكنه من يخذل الله يخذل. ثم أقبل علي الناس فقال: أيها الناس، لا بأس بأمر الله، قدر وكتاب وملحمة كتبت على بني إسرائيل! ثمّ جلس فضربت عنقه، وأتي بنبّاش بن قيس وقد جابذ الذي جاء به حتى قاتله فدقّ الذي جاء به أنفه فأرعفه.
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- للذي جاء به «لم صنعت هذا به. أما كان في السّيف كفاية؟» فقال: يا
__________
[ (1) ] حيي بن اخطب النضري: جاهلي. من الأشداء العتاة. كان ينعت بسيد الحاضر والبادي. أدرك الإسلام وآذى المسلمين. فأسروه يوم قريظة. ثم قتلوه. توفي سنة 5 هـ، الأعلام 2/ 292.(5/12)
رسول الله، جابذني لأن يهرب، فقال نبّاش: كذب والتّوراة يا أبا القاسم، لو خلّاني ما تأخرت عن موطن قتل فيه قومي حتّى أكون كأحدهم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «أحسنوا إسارهم وقيّلوهم واسقوهم، حتّى يبردوا، فتقتلوا من بقي، لا تجمعوا عليهم حرّ الشّمس وحرّ السّلاح» وكان يوما صائفا، فقيّلوهم وسقوهم، فلما أبردوا راح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقتل من بقي، وأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بكعب بن أسد، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «كعب» ؟ قال: نعم يا أبا القاسم قال: ما انتفعتم بنصح ابن جوّاس لكم، وكان مصدّقا بي، أما أمركم باتّباعي، وإن رأيتموني أن تقروني منه السلام» ؟ قال: بلى والتّوراة يا أبا القاسم، ولولا أن تعيّرني يهود بالجزع من السّيف لاتّبعتك ولكني على دين يهود، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «قدّمّه فاضرب عنقه» فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بقتل كلّ من أنبت منهم.
وروى ابن إسحاق، والإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي في صحيحه، والنسائي عن عطية القرظيّ قال: كنت غلاما فوجدوني لم أنبت، فخلّوا سبيلي [ (1) ] .
وروى الطبراني عن أسلم الأنصاري قال: جعلني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أسارى قريظة، فكنت أنظر إلى فرج الغلام فإن رأيته أنبت ضربت عنقه، وأن لم أره جعلته في مغانم المسلمين [ (2) ] .
وكان رفاعة بن شموال القرظيّ رجلا قد بلغ، فلاذ بسلمى بنت قيس أم المنذر، أخت سليط بن قيس، وكانت إحدى خالات النبي- صلى الله عليه وسلم- قد صلّت القبلتين مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وبايعته مع بيعة النّساء، فقالت: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، هب لي رفاعة، فإنّه زعم أنه سيصليّ، ويأكل لحم الجمل، فوهبه لها فاستحيته فأسلم بعد.
ولم يزل ذلك الدأب حتّى فرغ منهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقتّلوا إلى أن غاب الشّفق، ثمّ ردّ عليهم التّراب في الخندق، كلّ ذلك بعين سعد بن معاذ فاستجاب الله دعوته وأقرّ عينه- رضي الله عنه ولم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة من بني النضير يقال لها نباتة تحت رجل من بني قريظة يقال له الحكم، وكان يحبّها وتحبّه، فلمّا اشتدّ عليهم الحصار بكت إليه وقالت إنّك لمفارقي، فقال: هو والتّوراة، ما ترين فأنت امرأة، فدلّي عليهم هذه الرّحى، فإنّا لم نقتل منهم أحدا بعد، وأنت امرأة، وإن يظهر محمد علينا فإنّه لا يقتل النّساء، وإنّما كره أن تسبى، فأحبّ
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 4/ 383 والدارمي 2/ 223 وأبو داود 4/ 561 (4404) والترمذي 4/ 145 (1584) وقال حسن صحيح والنسائي 6/ 155 وابن ماجة 2/ 849 (2541) .
[ (2) ] الطبراني في الصغير والأوسط قال الهيثمي 6/ 144 فيه جماعة لم أعرفهم.(5/13)
أن تقتل، وكانت في حصن الزّبير بن باطا فدلّت رحى من فوق الحصن، وكان المسلمون ربّما جلسوا تحت الحصن يستظلّون في فيئه، فأطلعت الرّحى فلمّا رآها القوم انفضّوا، وتدرك خلّاد بن سويد فتشدخ رأسه، فحذر المسلمون أهل الحصن، فلما كان اليوم الّذي أمر بهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يقتلوا فيه دخلت على عائشة- رضي الله عنها- فجعلت تضحك ظهرا لبطن، وهي تقول: سراة بني قريظة يقتلون إذ سمعت صوت قائل يا «نباتة» ، قالت أنا والله الّتي أدعى، قالت عائشة ولم؟ قالت: قتلني زوجي، وكانت جارية حلوة الكلام فقالت عائشة:
وكيف قتلك زوجك؟ قالت: في حصن الزّبير بن باطا فأمرني فدلّيت رحى على أصحاب محمد فشدخت رأس رجل منهم فمات، وأنا أقتل به، فانطلق بها، فأمر بها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقتلت، بخلّاد بن سويد. فكانت عائشة تقول: لا أنسى طيب نفس نباتة، وكثرة ضحكها، وقد عرفت أنّها تقتل.
وروى أبو داود قصّتها مختصرة.
ذكر خبر ثابت بن قيس ومنّ الزّبير بن باطا
كان الزّبير بن باطا منّ على ثابت بن قيس بن شمّاس [ (1) ] يوم بعاث، فأتى ثابت الزّبير فقال: يا أبا عبد الرّحمن هل تعرفني؟ قال: وهل يجهل مثلك مثلي؟ قال ثابت: إنّ لك عندي يدا، وقدرت أن أجزيك بها، قال الزّبير: إنّ الكريم يجزي الكريم وأحوج ما كنت إليك اليوم،
فأتى ثابت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: إنه كان للزّبير عندي يد خير جزّ ناصيتي يوم بعاث، فقال: أذكر هذه النّعمة عندك، وقد أحببت أن أجزيه بها، فهبه لي، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «هو لك» فأتاه ثابت فقال: «إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد وهبك لي، قال الزّبير: شيخ كبير لا أهل لي ولا مال بيثرب ما أصنع بالحياة؟ فأتى ثابت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله: اعطني ماله وأهله، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «هو لك» فرجع إلى الزّبير، فقال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد أعطاني ولدك وأهلك ومالك،
فقال الزبير: يا ثابت أما أنت فقد كافأتني وقد قضيت الّذي عليك يا ثابت: ما فعل بالّذي كأن وجهه مرآة صينيّة تتراءى عذارى الحي في وجهه، كعب بن أسد؟ قال: قتل، قال: فما فعل المجلسان؟ يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة. قال: قتلوا، قال: يا ثابت: ما في العيش خير بعد هؤلاء، أرجع إلى دار قد كانوا حلولا فيها فأخلد فيها بعدهم؟ لا حاجة لي في ذلك، ولكن يا ثابت انظر إلى امرأتي
__________
[ (1) ] ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري الخزرجي الخطيب من كبار الصحابة وصح في (م) أنه من أهل الجنة. انفرد له البخاري بحديث. وعنه ابنه إسماعيل ومحمد بن قيس وأنس شهد أحدا وما بعدها، وقتل يوم اليمامة ونفذت وصيته بعد موته بمنام رآه خالد بن الوليد. له عند (خ) حديث واحد. الخلاصة 1/ 150.(5/14)
وولدي فإنهم جزعوا من الموت فاطلب إلى صاحبك فيهم أن يطلقهم، وأن يردّ أموالهم، فطلب ثابت من النبي- صلى الله عليه وسلم- أهل الزّبير وماله وولده، فرد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أهله وماله إلّا السّلاح. قال الزّبير: يا ثابت أسألك بيدي عندك إلّا ألحقتني بالقوم فما أنا بصائر لله فتلة دلو ناضح حتّى ألقى الأحبّة، قال ابن إسحاق: فقدّمه ثابت فضربت عنقه، وقال محمد بن عمر:
قال ثابت: ما كنت لأقتلك، قال الزبير: لا أبالي من قتلني، فقتله الزبير بن العوام. ولمّا بلغ أبا بكر الصديق قوله: «ألقى الأحبّة» قال: يلقاهم والله في نار جهنّم خالدا مخلّدا!
ذكر اصطفاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ريحانة بنت زيد النضرية لنفسه
كانت ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة من بني النضير متزوّجة في بني قريظة، اصطفاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لنفسه، وكانت جميلة، فعرض عليها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الإسلام فأبت إلّا اليهوديّة، فعزلها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ووجد في نفسه فأرسل إلى ابن سعيّة، فذكر له ذلك، فقال ابن سعيّة: فداك أبي وأمي هي تسلم؟ فخرج حتّى جاءها، فجعل يقول لها: لا تتّبعي قومك، فقد رأيت ما أدخل عليهم حيي بن اخطب، فاسلمي يصطفيك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لنفسه، فأجابت إلى ذلك، فبينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في أصحابه، إذ سمع وقع نعلين فقال: «إنّ هاتين لنعلا ابن سعيّة يبشرني بإسلام ريحانة» ، فجاءه، فقال: يا رسول الله، قد أسلمت ريحانة، فسر بذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم-[ (1) ] وسيأتي في ترجمتها نبذة من أخبارها وتحرير نسبها.
ذكر قسم المغنم وبيعه
لمّا اجتمعت المغانم أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالمتاع فبيع فيمن يريد، وبيع السّبي وقسّمت النّخل أسهما، وكانت الخيل ستّة وثلاثين فرسا، فأسهم للفرس بسهمين، ولصاحبه سهم، وللرّاجل سهم. وقاد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أفراس فلم يضرب إلّا سهما واحدا.
وأسهم لخلّاد بن سويد وقد قتل تحت الحصن، وأسهم لأبي سنان بن محصن، مات ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحاصرهم. وكان يقاتل مع المسلمين، وكان المسلمون ثلاثة آلاف، وكانت سهمان الخيل والرجال على ثلاثة آلاف واثنين وسبعين سهما، للفرس سهمان، ولصاحبه سهم وكان السّبي ألفا من النّساء والصّبيان، فأخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خمسه قبل بيع المغنم، فجزّأ السّبي خمسة أجزاء، فأخذ خمسا، وكان يعتق منه ويهب منه، ويخدم منه
__________
[ (1) ] أخرجه ابن عساكر كما في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 312 وابن كثير في البداية 5/ 305.(5/15)
من أراد وكذلك النخل عزل خمسه، وكلّ ذلك يسهم عليه خمسة أجزاء، ويكتب في سهم منها لله ثم يخرج السهم، فحيث صار سهمه أخذه ولم يتخيّر، وصار الخمس إلى محمية بن جزء الزبيدي، ثم فضّ أربعة أسهم على الناس وأحذى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- النّساء اللّائي حضرن القتال ولم يسهم لهنّ، وهنّ صفية بنت عبد المطلب، وأم عمارة نسيبة، وأم سليط، وأم العلاء الأنصاريّة، والسّميراء بنت قيس، وأم سعد بن معاذ، وكبشة بنت رافع.
ولمّا بيعت السّبايا والذّرية، بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بطائفة- قال محمد بن عمر- إلى الشام مع سعد بن عبادة ببيعهم ويشتري بهم سلاحا وخيلا.
وقال ابن إسحاق وغيره: بعث سعد بن زيد الأنصاري الأشهلي بسبايا من بني قريظة إلى نجد، فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا، واشترى عثمان بن عفان وعبد الرحمن ابن عوف- رضي الله عنهما- طائفة فاقتسما، فسهمه عثمان بمال كثير، وجعل عثمان على كل من اشتراه من سبيهم شيئا موفيا، فكان يوجد عند العجائز المال ولا يوجد عند الشّواب فربح عثمان مالا كثيرا، وذلك أنّ عثمان صار في سهمه العجائز، ويقال لمّا قسّم جعل الشّوابّ على حدة والعجائز على حدة، ثمّ خيّر عبد الرحمن عثمان، فأخذ العجائز.
قال ابن أبي سبرة: وإنما لم يؤخذ ما جاءت به العجائز فيكون في الغنيمة لأنه لم يوجد معهن إلا بعد شهر أو شهرين، فمن جاء منهن بالّذي وقّت لهنّ عتق، فلم يتعرّض لهن، واشترى أبو الشّحم اليهودي امرأتين مع كل واحدة منهن ثلاثة أطفال بمائة وخمسين دينارا، وجعل يقول: ألستم على دين يهود؟ فتقول المرأتان: لا نفارق دين قومنا حتّى نموت عليه، وهنّ يبكين.
ونهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يفرق في القسم والبيع بين النّساء والذّرية وقال: «لا يفارق بين الأمّ وولدها حتّى يبلغ» . قيل يا رسول الله وما بلوغه؟ قال: «تحيض الجارية ويحتلم الغلام»
[ (1) ] وكانت الأم وأولادها الصّغار تباع من المشركين من العرب ومن يهود. وإذا كان الولد صغيرا ليس معه أمّ لم يبع من المشركين ولا من اليهود إلّا من المسلمين.
واستشهد يوم بني قريظة خلّاد بن سويد، ومنذر بن محمد.
ذكر بعض ما قيل من الأشعار في هذه الغزوة
روى البخاري والنسائي عن البراء بن عازب- رضي الله عنه- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال
__________
[ (1) ] انظر التلخيص للحافظ ابن حجر (3/ 16) .(5/16)
لحسّان يوم قريظة: اهجهم أو هاجهم وجبريل معك.
[ (1) ]
وروى ابن مردويه عن جابر- رضي الله عنه، قال: لما كان يوم الأحزاب، وردّهم الله بغيظهم. قال النبي- صلى الله عليه وسلم- «من يحمي أعراض المسلمين؟» فقام كعب، وابن رواحة، وحسّان، فقال لحسّان: «اهجهم أنت فإنّه سيعينك عليهم روح القدس» ،
فقال حسان- رضي الله عنه:
لقد لقيت قريظة ما أساها ... وما وجدت لذلّ من نصير
أصابهم بلاء كان فيه ... سوى ما قد أصاب بني النّضير
غداة أتاهم يهوي إليهم ... رسول الله كالقمر المنير
له خيل مجنبّة تعادى ... بفرسان عليها كالصّقور
تركناهم وما ظفروا بشيء ... دماؤهم عليهم كالعبير
فهم صرعى تحوم الطّير فيهم ... كذاك يدان ذو العند الفجور
فأنذر مثلها نصحا قريشا ... من الرّحمن إن قبلت نذيري
وقال أيضا:
لقد لقيت قريظة ما أساها ... وحلّ بحصنها ذلّ ذليل
وسعد كان أنذرهم بنصح ... بأنّ إلهكم ربّ جليل
فما برحوا بنقض العهد حتّى ... فلاهم في بلادهم الرّسول
أحاط بحصنهم منّا صفوف ... له من حرّ وقعتهم صليل
وقال أيضا:
تفاقد معشر نصروا قريشا ... وليس لهم ببلدتهم نصير
هم أوتوا الكتاب فضيّعوه ... وهم عمي عن التّوراة بور
كفرتم بالقران وقد أتيتم ... بتصديق الّذي قال النّذير
فهان على سراة بني لؤيّ ... حريق بالبويرة مستطير
وقال أيضا
لقد سجمت [ (2) ] من دمع عينيّ عبرة ... وحقّ لعيني أن تفيض على سعد
قتيل ثوى في معرك فجعت به ... عيون ذواري الدّمع دائمة الوجد
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 236، 5/ 144، 82/ 45 ومسلم في الفضائل (153، 157) وأحمد 4/ 302 والطبراني في الكبير 4/ 48 والبيهقي 10/ 237 والطحاوي في معاني الآثار 4/ 298.
[ (2) ] سجمت فاضت، انظر المعجم الوسيط 1/ 419.(5/17)
على ملّة الرّحمن وارث جنّة ... مع الشّهداء وفدها أكرم الوعد
فإن تك قد ودّعتنا وتركتنا ... وأمسيت في غبراء مظلمة اللّحد
فأنت الّذي يا سعد أبت بمشهد ... كريم وأثواب المكارم والحمد
بحكمك في حيّي قريظة بالّذي ... قضى الله فيهم ما قضيت على عمد
فوافق حكم الله حكمك فيهم ... ولم تعف إذ ذكّرت ما كان من عهد
فإن كان ريب الدّهر أمضاك في الألى ... شروا هذه الدّنيا بجنّاتها الخلد
فنعم مصير الصّادقين إذا دعوا ... إلى الله يوما للوجاهة والقصد
وقال أيضا يبكي سعد بن معاذ ورجالا من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم:
إلا يا لقومي هل لما حمّ دافع ... وهل ما مضى من صالح العيش راجع
تذكّرت عصرا قد مضى فتهافتت ... بنات الحشا وانهلّ منّي المدامع
صبابة وجد ذكّرتني أخوّة ... وقتلى مضى فيها طفيل ورافع
وسعد فأضحوا في الجنان وأوحشت ... منازلهم فالأرض منهم بلاقع [ (1) ]
وفوا يوم بدر للرّسول وفوقهم ... ظلال المنايا والسّيوف اللّوامع
دعا فأجابوه بحقّ وكلّهم ... مطيع له في كل أمر وسامع
فما نكلوا حتّى توالوا جماعة ... ولا يقطع الآجال إلّا المصارع
لأنّهم يرجون منه شفاعة ... إذا لم يكن إلّا النّبيّون شافع
فذلك يا خير العباد بلاؤنا ... إجابتنا لله والموت ناقع
لنا القدم الأولى إليك وخلفنا ... لأوّلنا في ملّة الله تابع
ونعلم أنّ الملك لله وحده ... وأنّ قضاء الله لا بدّ واقع
تنبيهات
الأوّل: قريظة بضم القاف وفتح الراء وسكون التحتية وبالظاء المعجمة المشالة فتاء تأنيث، قال السمعاني هو اسم رجل نزل أولاده قلعة حصينة بقرب المدينة فنسبت إليهم.
وقريظة والنضير أخوان من أولاد هارون- عليه الصلاة والسلام.
الثّاني:
روى البخاري في جميع الروايات عن شيخه عبد الله بن محمد بن أسماء قال: حدّثنا جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله
__________
[ (1) ] بلاقع: جمع بلقع وهو الخالي من كلّ مكان، انظر المعجم الوسيط 1/ 69.(5/18)
- صلى الله عليه وسلّم: «لا يصلّينّ أحد العصر إلّا في بني قريظة» [ (1) ] . إلخ. ووافق البخاري على لفظ العصر من طريق جويرية الإسماعيليّ، وأبو نعيم من طريق أبي حفص السلمي عن جويرية وأصحاب المغازي. ورواه الطبراني، والبيهقي في الدّلائل بإسناد صحيح إلى الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن عمّه عبيد الله بن كعب. ورواه الطبراني أيضا من هذا الوجه موصولا بذكر كعب بن مالك والبيهقي عن عائشة- رضي الله عنها- ورواه مسلم عن عبد الله بن محمد بن أسماء بسنده وقال: «لا يصلّينّ أحد الظّهر إلّا في بني قريظة» [ (2) ] . ووافقه ابن سعد، وأبو يعلى، وابن حبان، وأبو نعيم من غير طريق أبي حفص السابق،
قال الحافظ: ولم أره عن جويرية- من غير طريق أبي حفص السلمي إلّا بلفظ الظهر، وجمع بينهما باحتمال أن يكون بعضهم قبل الأمر كان صلّى الظّهر، وبعضهم لم يصلّها. فقيل لمن لم يصلّها، لا يصلّينّ أحد الظّهر، ولمن صلّاها لا يصلّينّ أحد العصر. أو أن طائفة منهم راحت بعد طائفة، فقيل للطّائفة الأولى الظّهر، والتي بعدها العصر.
قال الحافظ: وهو جمع لا بأس به، لكن يبعده اتحاد مخرج الحديث، لأنّه عند الشيخين كما بيناه بإسناد واحد من مبدئه إلى منتهاه، فيبعد أن يكون كل من رجال إسناده حدّث به.
على الوجهين إذ لو كان كذلك لحمله واحد منهم عن بعض رواته، وسبق الكلام على ذلك، ثم قال: هذا كلّه من حيث حديث ابن عمر، أما بالنظر إلى حديث غيره فالاحتمالان المتقدمان في كونه قال «الظّهر» لطائفة متجه فيحتمل أن رواية «الظهر» هي التي سمعها ابن عمر، ورواية «العصر» هي التي سمعها كعب بن مالك، وعائشة- رضي الله عنهما- وقيل في وجه الجمع أيضا
أن يكون- صلى الله عليه وسلم- قال لأهل القوّة، أو لمن كان منزله قريبا «لا يصلّين أحد الظّهر»
وقال لغيرهم: «لا يصلّين أحد العصر» .
الثّالث: أغرب ابن التين فادّعى أن الذين صلوا «العصر» صلّوا على ظهور دوابهم، واستند إلى أن النزول إلى الصلاة ينافي مقصود الإسراع في الوصول. قال: فأما الذين لم يصلّوها عملوا بالدليل الخاصّ وهو الأمر بالإسراع فتركوا عموم إيقاع «العصر» في وقتها إلى أن فات، والذين صلّوا جمعوا بين دليلي وجوب الصّلاة ووجوب الإسراع فصلّوا ركبانا، لأنهم لو صلّوا نزولا لكان مضادا لما أمروا به من الإسراع، ولا يظن ذلك بهم مع ثقوب أفهامهم قال الحافظ: وفيه نظر، لأنه لم يأمرهم بترك النّزول، فلعلهم فهموا أن المراد بأمرهم ألا يصلّوا العصر إلّا في بني قريظة المبالغة في الأمر بالإسراع، فبادروا إلى امتثال أمره وخصوا وقت
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في صلاة الخوف حديث (946) .
[ (2) ] مسلم في الجهاد باب 23 رقم (69) وابن سعد 2/ 1/ 54 والبيهقي في دلائل النبوة 4/ 6.(5/19)
الصلاة من ذلك لما تقرر عندهم من تأكيد أمرها فلا يمتنع أن ينزلوا فيصلوا، ولا يكون في ذلك مضادة لما أمروا به. ودعوى أنهم صلّوا ركبانا يحتاج إلى دليل، ولم أره صريحا في شيء من طرق هذه القصة.
الرّابع: يستفاد من حديث ابن عمر، وكعب بن مالك، وعائشة ترك تعنيف من بذل وسعه واجتهد، فيؤخذ منه عدم تأثيمه، وحاصل ما وقع في القصّة أن بعض الصحابة حملوا النّهي على حقيقته، ولم يبالوا بخروج الوقت ترجيحا للنّهي الثّاني على الأول، وهو ترك تأخير الصّلاة على وقتها واستدلوا بجواز التّأخير لمن اشتغل بأمر الحرب، ولا سيّما الزّمان زمان التشريع، والبعض الآخر حملوا النّهي على غير الحقيقة وأنه كناية عن الحثّ والاستعجال والإسراع إلى بني قريظة: وقال في «زاد المعاد» ما حاصله: كل من الفريقين مأجور بقصده إلا أنّ من صلى حاز الفضيلتين: امتثال الأمر في الإسراع، وامتثال الأمر في المحافظة على الوقت ولا سيّما في هذه القصة بعينها من الحث على المحافظة عليها، وأن من فاتته حبط عمله، وإنما لم يعنّف الذين أخروها لقيام عذرهم في التمسك بظاهر الأمر، ولأنهم اجتهدوا فأخروا امتثالا للأمر، لكنهم لم يصلوا إلى أن يكونوا في أصوب من اجتهاد الطائفة الأخرى.
الخامس: قال السهيلي: قوله «من فوق سبع سموات» معناه أنّ الحكم نزل من فوق.
قال: ومثله قول زينب بنت جحش، رضي الله عنها-: زوّجني الله تعالى من نبيّه من فوق سبع سموات، أي أنزل تزويجها من فوق، قال: ولا يستحيل وصفه- تعالى- بالفوق، على المعنى الّذي يليق بجلاله لا على المعنى الذي يسبق إلى الوهم من التّحديد الّذي يفضي إلى التّشبيه.
السّادس: اختلف في مدة الحصار فقال ابن عقبة: بضع عشرة ليلة، وقال ابن سعد:
خمس عشرة ليلة، وروى ابن سعد عن علقمة بن وقاص خمسا وعشرين ليلة: ورواه ابن إسحاق عن أبيه عن معبد بن كعب، ورواه الإمام أحمد والطبراني عن عائشة- رضي الله عنها.
السّابع: اختلف في عدد من قتل من بني قريظة: فعند ابن إسحاق: أنهم كانوا ستمائة، وبه جزم أبو عمر في ترجمة سعد بن معاذ، وعند ابن عائذ من مرسل قتادة: كانوا سبعمائة.
وقال السّهيلي: المكثر يقول: إنّهم ما بين الثمانمائة إلى التسعمائة، وفي حديث جابر عند الترمذي والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح أنهم كانوا أربعمائة مقاتل، فيحتمل في طريق الجمع، أن يقال إن الباقين كانوا أتباعا، وقد حكى ابن إسحاق أنه قيل: إنهم كانوا تسعمائة.
الثّامن: في شرح غريب القصة.
«رجّل رأسه» بفتح الراء والجيم المشددة: سرّحه.
المجمرة- بكسر الميم الأولى: المبخرة.(5/20)
عذيرك- بفتح العين المهملة وكسر الذال المعجمة وسكون التّحتيّة وفتح الرّاء أي هات من يعذرك، فعيل بمعنى فاعل.
دحية- بكسر الدال المهملة وفتحها: وهو الريش.
إثره- بكسر الهمزة وسكون الثاء المثلثة ويجوز فتحها، وحكى تثليث الهمزة.
الاعتجار بالعمامة: هو أن يلفها على الرأس، ويرد طرفها على وجهه ولا يعمل منها شيئا تحت ذقنه.
أرى- بضم الهمزة: أظن.
الرّحالة- بكسر الراء وتخفيف الحاء المهملة: سرج من جلود ليس فيه خشب، كانوا يتّخذونه للرّكض الشّديد، والجمع الرّحائل.
اللّأمة- بالهمزة: الدّرع، وقيل: السلاح. ولأمة الحرب آلته، وقد يترك الهمز للتخفيف.
الإستبرق: ضرب من الديباج غليظ.
الدّيباج: فارسيّ معرّب، وقد تكسر الدال وقد تفتح.
القطيفة: كساء له خمل الماجشون- بكسر الجيم وضم الشين المعجمة: ومعناه الورد.
الثنايا- جمع ثنية: وهي الثّنى.
حمراء الأسد: تقدمت في غزوتها.
الجهد: المشقّة والتّعب.
الصّفا- بالقصر: الحجارة، ويقال: الحجارة الملس.
لأضعضعنّها: لأحركنّها وأزلزلنها.
ساطعا: مرتفعا.
الزّقاق- بضم الزاي وتخفيف القاف وبعد الألف قاف أخرى.
بني غنم- بغين معجمة مفتوحة وسكون النّون: بطن من الخزرج من ولد غنم بن مالك بن النجار.
كأني أنظر إلى الغبار: أي أنه مستحضر القصة حتّى كأنه ينظر إليها مشخّصة له بعد تلك المدّة الطويلة.
موكب جبريل- بتثليث الباء، الفتح بتقدير انظر، والجرّ بدل من الغبار، والضمّ خبر(5/21)
مبتدأ محذوف تقديره هذا موكب جبريل. والموكب: نوع من السّير، وجماعة الفرسان أو جماعة يسيرون وكان السير برفق.
يا خيل الله اركبي» فيه حذف مضاف تقديره: يا فرسان خيل الله اركبي.
شرح غريب ذكر مسير رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
لواء الجيش: علمه، وهو دون الراية.
ابتدره الناس: سارعوا إليه.
المغفر- بكسر الميم: ما يلبس تحت البيضة.
القناة: الرّمح.
اللّحيف: بالضم: يأتي الكلام عليه في خيله- صلى الله عليه وسلّم.
البهي- بفتح الباء وكسر الهاء وتشديد الياء: لقب عبد الله بن يسار لبهائه.
يعفور: يأتي الكلام عليه في حمره- صلى الله عليه وسلّم الصّوران- تثنية صور- بالفتح ثم السكون. اسم للنخل المجتمع الصغار موضع في أقصى بقيع الغرقد مما يلي طريق بني قريظة.
يقذف الرعب: يرميه ويجعله في قلوبهم.
الصّياصيّ: الحصون.
بئرأنا- بالضّم وتخفيف النون كهنا، وقيل بالفتح وبالتّشديد كحتّى وقيل كحتى لكن بالموحدة بدل النون، وقيل غير ذلك.
الحرّة: أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار الأخابيث: جمع أخبث.
أسيد- بضم الهمزة وآخره دال مهملة.
الحضير- بضم الحاء المهملة الجحر- بضم الجيم: الثقب.
خاروا: ضعفوا وجبنوا.
«الطاغوت» : ما عبد من دون الله.(5/22)
شرح غريب ذكر محاصرة المسلمين لبني قريظة
«النّبل» : السّهام.
يتعاقبون: يتناوبون.
الحلقة- بفتح الحاء وسكون اللّام: السلاح كله.
إلّا أن ينزلوا على حكمه: على قضائه فيهم.
شرح غريب ذكر اعتراف كعب بن أسد بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
خلالا- بكسر الخاء المعجمة، وتخفيف اللّام: أي خصالا، جمع خلّة بفتح المعجمة وتشديد اللّام.
إسرائيل: يعقوب.
حيي- بضم الحاء المهملة وتكسر وتحتيتين ثانيهما مشددة.
أخطب- بفتح الهمزة فخاء معجمة ساكنة، فطاء مهملة فموحدة.
«عليّ هذه» - بتشديد التحتية.
وهذه: اسم إشارة، محلها النصب مفعول أبيتم.
جوّاس- بجيم فواو مشددة فألف فسين مهملة.
النّسل: الولد.
لعمري- بفتح اللّام والعين: أي وحياتي.
غرّة- بكسر الغين المعجمة وتشديد الراء: الغفلة.
مصلتين- جمع مصلت بكسر اللّام، وبالصّاد المهملة الساكنة: أي مجرّدين السيوف من أغمادها.
أسيد- بفتح الهمزة وكسر المهملة، وقيل إنه بضمّ الهمزة وبفتح السين.
سعية- بسين فعين ساكنة مهملتين فتحتية مفتوحة، فتاء تأنيث.
الهيّبان- بفتح الهاء وكسر التحتية المشدّدة بعدها موحدة.
هدل- بفتح الهاء وإسكان الدال المهملة وباللام.
الخرج- بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء بعدها جيم والخراج: ما يؤدّى كل سنة.(5/23)
شرح غريب ذكر طلبهم أبا لبابة- رضي الله عنه-
جهشت إليه- بفتح الجيم والهاء: أسرعت متباكية.
الأصطوانة:
العمد- بالدال ويجوز فتح العين والميم ويكون مفردا وجمعا. ويجوز ضم العين والميم أيضا: والمراد هنا: سوارى المسجد.
المخلّقة: التي طليت بالخلوق وزن رسول، وهو ما يتخلّق به من الطّيب. وقيل: هو مائع فيه صفرة.
أرى- بفتح الهمزة.
حمأة: طين أسود.
آسنة: متغيّرة.
ربوض- بفتح الراء وتخفيف الموحدة المضمومة وبعد الواو ضاد معجمة: أي عظيمة غليظة.
قسيط: تصغير قسط.
ثار الناس: نهضوا.
بضعة منّي- بفتح الموحدة وسكون الضاد المعجمة: قطعة منّي.
أطأ- بهمز آخره.
أنخلع من مالي: أخرج منه لله.
شرح غريب ذكر نزول بني قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
جهدهم: اشتد عليهم.
كتّفوا: بالبناء للمفعول.
الأثاث- بفتح الهمزة: متاع البيت، الواحد، أثاثة، وقيل: لا واحد له من لفظه.
الجرار- بكسر الجيم وتخفيف الراء: جمع جرّة.
السّكر- بفتح السين المهملة والكاف: نبيذ التمر، وفي التنزيل تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً [النحل 67] أهريق- بضم الهمزة وفتح الهاء وتسكن.(5/24)
حلفاؤنا: أراد الذين حالفناهم على المناصرة.
فينقاع: تقدم ضبطها في غزوتها.
الحاسر- بالحاء والسين المهملتين: الذي لا درع عليه.
دارع: صاحب درع.
ألحّوا عليه: تمادوا على قولهم.
الشّعث: التّفرّق والانتشار.
الضّائع: الذي ليس له من يقوم بأمره، وفي لفظ الضّيعة: بفتح الضاد المعجمة، وسكون التحتية، وفتح العين المهملة، وتاء تأنيث، أي ترك وضيّع، وهو أيضا: مصدر ضاع الشيء ضيعة وضياعا، وأضعتهم: تركتهم.
أعرابي: منسوب إلى الأعراب، وهم سكان بالبادية.
الشّنذة- بشين معجمة، فنون، فذال معجمة مفتوحات، تشبه الإكاف يجعل لمقدمته حنو وهو بالكسر واحد أحناء. السّرج والقتب، وحنو كل شيء اعوجاجه.
الخطام- بكسر الخاء المعجمة: ما تقاد به الدّابّة.
آن- بالفتح والمدّ: قرب ودنا.
اللّائم: العاذل.
النّعي: خبر الموت.
تمنّ علينا: تنعم.
ما آلوكم جهدا: أي ما أدع جهدا ولا أقصّر في ذلك.
الجهد: الطّاقة.
الموسى: آلة الحديد التي يحلق بها.
تسبى النّساء، السّبي: النّهب وأخذ الناس عبيدا وإماء.
أرقعة: أي السّموات، قال ابن دريد: كذا جاء على لفظ التّذكير على معنى السّقف قال ابن الأعرابي: سمّوها «الرقيع» لأنّها مرقوعة بالنّجوم.
الملك- بكسر اللام.
وضعت الحرب أوزارها: الأوزار: هنا السلام وآلة الحرب وهو كناية عن الانقضاء، وفيه حذف، أي حتى يضع أهل الحرب أثقالهم، فأسند الفعل إلى الحرب مجازا.(5/25)
شرح غريب ذكر قتلهم
فسيقوا: من السّوق بالفتح، وهو الإسراع.
الكدم: القضّ.
الحمر: الحمير.
غدا- سار غدوة، أي أول النّهار.
الأخدود: شقّ في الأرض مستطيل.
أحجار الزّيت: مكان بالمدينة الشريفة.
أرسالا- بفتح الهمزة: أي طائفة بعد طائفة.
علية أصحابه: أشرافهم.
يذهب بهم- بضم أوله وفتح ثالثه.
لا ينزع: لا يرجع.
أزرى به: قصّر في حقه.
الحباب- بحاء مهملة وموحدتين. وزن غراب.
الحلّة: إزار ورداء، وأصل تسميتهما بها إذا كان الثوبان جديدين لمّا يحل طيّهما، فقيل له حلّة بهذا الاسم، ثم استمر عليها.
شقحيّة بضم الشين المعجمة، من شقح البسر إذا تلوّن.
فقاحيّة- بفاء مضمومة، فقاف، فحاء مهملة، فتحتية مشدّدة، نسب إلى الفقاح، وهو الزّهر إذا انشقّت أكمامه.
عمد إليها: قصد.
الأنملة: طرف الإصبع.
التمس بمثناة فوقية فميم فسين مهملة: طلب.
قلقلت: حرّكت.
من يخذل الله يخذل بفتح الهاء من الاسم الكريم قاله السّهيلي. والضم الظاهر كما في نسخ صحيحة من السيرة.
الملحمة: القتال وموضعه أيضا.
جابذه: لغة في جاذبه، وقيل: مقلوب منه. إذا جره إليه.(5/26)
الإسار- بالكسر: القيد قيّلوهم: من القيلولة.
تبردوا: تكسر شدة الحر.
الجزع- بفتحتين: نقيض الصّبر.
لم أنبت- بضمّ الهمزة وسكون النون وكسر الموحدة.
لاذ به: استجار.
سلمى بفتح السين المهملة: إحدى خالات النبي- صلى الله عليه وسلم، أي خالات جده عبد المطلب، لأن أمه من بني عدي بن النجار من الأنصار.
الدّأب- بالسكون والتحريك: العادة والتأني.
بنانة- بموحدة ونونين بينهما ألف، نقله النّوويّ في مبهماته عن الخطيب. وقال في المورد: رأيته بخط الحافظ السلفي بثاء مثّلثة، فموحدة، فألف، ففوقية، قلت: وكذا رأيته في نسخه من العيون صحيحة جدا قرئت على مصنفها مرّات، وقرئت على الحافظ ابن حجر وغيره من المتقنين.
الزّبير بن باطا- بفتح الزّاي، وأبوه، بموحدة، فألف، فطاء مهملة فألف مقصورة.
شدخه: كسره.
انطلق به- بالبناء للمفعول.
شرح غريب ذكر خبر ثابت بن قيس- رضي الله عنه-
منّ عليه- بفتح الميم وتشديد النون.
بعاث- تقدم الكلام عليه في أبواب إسلام الأنصار.
له عندي يد: نعمة أنعمها عليّ.
جزّ- بفتح الجيم وتشديد الزاي.
مرآة- بكسر الميم، وإسكان الراء فهمزة مفتوحة ممدودة فتاء تأنيث.
صينيّة: منسوبة إلى الصين.
العذارى: جمع عذراء، سمّيت البكر لذلك لضيقها.
الحيّ: القبيلة البادي: خلاف الحاضر.(5/27)
المحل: الجدب.
مقدّمتنا- بكسر الدال المهملة المشددة، مقدمة الحرب: أوله.
عزّال- بعين مهملة مفتوحة فزاي مشدّدة فألف فلام.
سموال- بسين مهملة مكسورة وتفتح، فميم وآخره لام.
المجلس- بكسر اللّام: موضع الجلوس، وبفتح: المصدر.
فتلة دلو ناضح- قال ابن إسحاق: بالفاء والفوقيّة أي مقدار ما يأخذ الرّجل الدّلو التي خرجت من البئر فيصبّها في الحوض، ثمّ يفتلها أي يردها إلى موضعها. وقال ابن هشام: إنما هو بالقاف والموحدة، وقابل الدّلو: هو الذي يأخذها من المسقى، ولفظ الخبر عند أبي عبيد:
فلست صابرا عنهم إفراغة دلو.
ما أبالي: ما أهتم ولا أكترث.
شرح غريب ذكر اصطفائه- صلى الله عليه وسلّم- ريحانة رضي الله عنها-
خنافة: بالخاء والنون.
وجد في نفسه: غضب ولم يظهر ذلك.
شرح غريب قسم المغنم
قاد ثلاثة أفراس: جنّبها.
محصن- بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين ثم نون.
السّهمان- بالضم والأسهم والسهام: النّصيب.
الرثّة- بكسر الراء وتشديد الثاء المثلثة: وهي متاع البيت الدون.
أحذى بحاء مهملة فذال معجمة: أعطى.
سهمه- فعل ماض: أي غلبه.
محمية- بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الميم الثانية وتخفيف التحتية.
جزء- بجيم مفتوحة فزاي ساكنة فهمزة.
سبرة- بفتح السين المهملة وسكون الموحدة.
شرح غريب قصيدتي حسان- رضي الله عنه-
ما أساها: أراد ما ساءها، فقلب، والعرب تفعل ذلك في بعض الأفعال، يقولون: رأى(5/28)
وأرى في معنى واحد على جهة القلب.
المجنّبة: التي تجنب، أي تقاد.
تعادى: تجري وتسرع.
العبير: هنا الزّعفران.
تحوم- بحاء مهملة: تستدبر.
يدان- بضم التحتية: يجزى.
العند- بفتح العين المهملة والنون والدال المهملة: الخروج عن الحق.
الفجور: بفتح الفاء من الفجور وخفضه على الجواد وقد كان يجوز فيه الرفع على الإقواء في القوافي. وكذلك من رواه «الفخور» .
نذيري هنا مصدر. قال تعالى: كَيْفَ نَذِيرِ [الملك 17] أي إنذاري.
تفاقد: فقد بعضهم بعضا، وهو دعاء عليهم.
بور: ضلّال، أو هلكى من البوار: وهو الهلاك.
السّراة- بفتح السين المهملة: الخيار.
البويرة: موضع ببني قريظة. وتقدم الكلام عليها في غزوة بني النّضير.
الطّوائف: النواحي.
السّعير: النّار الملتهبة.
النّزه: بضم النون: البعد، يقال فلان ينزّه نفسه عن الأقذار أي يباعد نفسه عنها.
يضير- بالضاد المعجمة: بمعنى يضر. يقال: ضارّه بمعنى ضرّه، ومن رواه بالصّاد المهملة فمعناه تشقق وتقطع.(5/29)
الباب الحادي والعشرون في غزوة بني لحيان بني هذيل بن مدركة بناحية عسفان
وجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على عاصم بن ثابت، وخبيب بن عديّ وأصحابهما المقتولين بالرّجيع الآتي ذكره في السّرايا والبعوث. وجدا شديدا، فأظهر أنه يريد الشّام، ليصيب من القوم غرّة، فعسكر من ناحية الجرف، وخرج في مائتي رجل، ومعهم عشرون فرسا.
قال محمد بن عمر، وابن سعد، وابن هشام: واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم.
فخرج من المدينة فسلك على غراب ثم على محيص ثم على البتراء، ثم صفّق ذات اليسار، فخرج على يين ثم على صخيرات الثمام، ثم استقام به الطريق على السّيالة، فأغذّ السّير سريعا حتى نزل بطن غران وبينها وبين عسفان خمسة أميال حيث كان مصاب أصحابه فترحّم عليهم، ودعا لهم فسمعت به بنو لحيان فهربوا في رؤوس الجبال فلم يقدر منهم على أحد، فأقام يوما أو يومين، فبعث السرايا في كل ناحية، فلم يقدروا على أحد.
فلمّا أخطأه من غرّتهم ما أراد، قال: «لو أنّا هبطنا عسفان لرأى أهل مكّة أنا قد جئنا مكّة»
فهبط في أصحابه حتى نزلوا عسفان. قال ابن إسحاق: ثم بعث فارسين، وقال ابن عمر، وابن سعد: بعث أبا بكر- رضي الله عنه- في عشرة فوارس لتسمع به قريش فيذعرهم، فأتوا كراع الغميم، ثم رجعوا ولم يلقوا أحدا وراح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قافلا
قال جابر فيما رواه ابن سعد: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول حين رجع: «آئبون تائبون- إن شاء الله تعالى- لربّنا حامدون»
وفي رواية «لربّنا عابدون، أعوذ بالله من وعثاء السّفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال» [ (1) ] . زاد محمد بن عمر: «اللهم بلّغنا بلاغا صالحا يبلغ إلى خير مغفرتك ورضوانك»
قالوا: وهذا أول ما قال هذا الدّعاء.
وغاب صلى الله عليه وسلّم عن المدينة أربع عشرة ليلة، وقال كعب بن مالك- رضي الله عنه- في هذه الغزوة:
لو أنّ بني لحيان كانوا تناظروا ... لقوا عصبا في دارهم ذات مصدق
لقوا سرعان يملأ السّرب روعه ... أمام طحون كالمجرّة فيلق
ولكنّهم كانوا وبارا تتبّعت ... شعاب حجان غير ذي متنفّق
تنبيهات
الأوّل: اختلفوا في أي شهر وفي أي سنة كانت هذه الغزوة فقال ابن سعد: كانت هذه
__________
[ (1) ] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9240) ، وابن سعد 2/ 1/ 57 وابن أبي شيبة 12/ 519 والبيهقي في السنن الكبرى 5/ 259.(5/30)
الغزوة لهلال ربيع الأول سنة ست، وصحح شيخه محمد بن عمر: أنها في سنة ست في رجب، وقال ابن إسحاق في رواية البكائي، وسلمة بن الفضل: على رأس ستة أشهر في جمادى الأولى وقال في رواية يونس كما ذكره الحاكم: في شعبان، وقال ابن حزم: الصحيح أنها في السّنة الخامسة، وذكرها بعضهم أنها في السنة الرابعة، وجزم الذهبي في تاريخ الإسلام وغيره من العلماء: بأنها في السادسة، وصححه في البداية.
الثاني: في بيان غريب ما سبق لحيان- بكسر اللام وسكون المهملة: نسبة إلى لحيان بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر.
هذيل- بضم الهاء وفتح الذال المعجمة وباللام.
عسفان- بضم العين المهملة وسكون السين المهملة وبالفاء والنون.
غرّة: غفلة.
وجد على عاصم: حزن.
خبيب- بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة.
الرّجيع- بفتح الراء وكسر الجيم وزن رضيع: من ناحية الشام على ثلاثة أميال من المدينة.
الجرف- بضم الجيم والراء وبالفاء: موضع قرب مكة، وآخر قرب المدينة واليمن واليمامة.
غراب- بلفظ الطائر المعروف: جبل شأمى المدينة.
محيص بفتح الميم وكسر الحاء وبالصّاد المهملتين كقليل: موضع بالمدينة. البتراء:
تأنيث أبتر.
صفّق- بتشديد الفاء: عدل.
يين- بتحتانيتين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة وآخره نون. وضبطه الصغاني بفتحهما:
واد من أودية المدينة.
صخيرات- بضم الصاد المهملة وبالخاء المعجمة المفتوحة وسكون التحتية جمع صخيرة بالتصغير.
الثّمام- بثاء مثلثة مضمومة، ورواه المغاربة بالمثناة الفوقية.(5/31)
السّيالة- كسحابة: مكان على ثلاثين ميلا من المدينة.
أغذّ السّير يغذّه إغذاذا- بغين وذال معجمتين: أي أسرع.
غران- بضم الغين المعجمة وتخفيف الراء وآخره نون: وادي الأزرق.
يذعرهم: يخوفهم.
قافلا: راجعا.
آئبون: راجعون وعثاء السّفر- بالمثلثة: مشقته.
الكآبة: الحزن.
تناظروا: أي انتظر بعضهم بعضا.
العصب- بضم العين وفتح الصاد المهملتين: وآخره موحدة: الجماعات.
السّرعان- بفتح السّين والراء المهملتين، أول القوم.
السّرب- بسين مهملة مفتوحة فراء ساكنة: الطريق، وبكسر السين: النّفس.
الرّوع: الفزع.
طحون: كثيفة تطحن كل ما تمر به.
المجرّة- هنا مجرّة السماء، وهي البياض المستطيل بين النجوم.
الفيلق: الكتيبة الشديدة.
الوبار: جمع وبر، دويبة على قدر الهرّ تشبه بها العرب الضّعفاء.
الشّعاب: جمع شعب وهو المنخفض بين الجبلين.
الحجان- بحاء مهملة فجيم فألف فنون: المعوج، والأحجن: المعوج، ومن رواه الحجاز بالزاي عنى أرض مكة وما يليها، ومن رواه حجار بالراء فهو جمع حجر.
غير ذي متفق: أي ليس له باب يخرج منه، وأصله من النّافقاء، وهو أحد أبواب جحرة اليربوع إذا أخذ عليه من باب الجحر خرج عليه.(5/32)
الباب الثاني والعشرون في غزوة الحديبية
والسبب في ذلك ما رواه الفريابيّ، وعبد بن حميد وابن جرير، والبيهقي عن مجاهد، وعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة، وابن جرير عن ابن زيد، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: أرى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنّه دخل مكة هو وأصحابه آمنين محلّقين رؤوسهم ومقصرين، وأنه دخل البيت، وأخذ مفتاحه وعرّف مع المعرّفين.
قال ابن سعد، ومحمد بن عمر، وغيرهما: واستنفر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العرب ومن حوله من أهل البوادي من الأعراب، ليخرجوا معه وهو يخشى من قريش للذي صنعوا أن يعرضوا له بحرب أو يصدّوه عن البيت. فأبطأ عليه كثير من الأعراب.
قال محمد بن عمر: وقدم عليه بسر- بضم الموحدة وسكون المهملة. وأعجمها ابن إسحاق، وكسر الموحدة- ابن سفيان بن عمرو الخزاعي في ليال بقيت من شوال مسلما، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «يا بسر لا تبرح حتى تخرج معنا، فإنّا إن شاء الله معتمرون» ،
فأقام وابتاع لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- بدنا فكان يبعث بها إلى ذي الجدر حتّى حضر خروجه، فأمر بها فجلبت إلى المدينة، وسلّمها إلى ناجية بن جندب الأسلمي فقدّمها إلى ذي الحليفة.
واستخلف على المدينة- قال محمد بن عمر، وابن سعد-: ابن أم مكتوم. وقال ابن هشام: ومن تبعه: نميلة- بالنون تصغير نملة- بن عبد الله اللّيثي، وقال البلاذري بعد أن ذكر ابن أم مكتوم ويقال: أبو رهم كلثوم بن الحصين قال: وقوم يقولون: استخلفهم جميعا وكان ابن أم مكتوم على الصّلاة.
ذكر خروجه- صلى الله عليه وسلم-
روى عبد الرزاق، والإمام أحمد، وعبد بن حميد، والبخاري وأبو داود، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر عن معمر عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وابن إسحاق عن الزّهري عن عروة بن الزبير عن المسور- بكسر الميم وسكون السين المهملة- ابن مخرمة- بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة، ومروان بن الحكم: أنهما حدثاه ومحمد بن عمر عن شيوخه، يزيد بعضهم على بعض- قال محمد بن عمر: دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بيته فاغتسل، ولبس ثوبين من نسج صحار، وركب راحلته القصواء من عند بابه، وخرج بأم سلمة معه، وأم عمارة وأم منيع أسماء بنت عمرو، وأم عامر الأشهلية، وخرج بمن معه من المهاجرين والأنصار، ومن لحق به من العرب لا يشكّون في الفتح للرؤيا المذكورة، وليس معهم سلاح إلا(5/33)
السّيوف في القرب، وساق قوم الهدي فسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين لهلال ذي القعدة حتى نزل ذا الحليفة فصلى الظهر، ثم دعا بالبدن- وهي سبعون- فجلّلت، ثم أشعر منها عدّة وهي موجهات إلى القبلة في الشّق الأيمن، ثم أمر ناجية بن جندب فأشعر ما بقي وقلّدهن نعلا نعلا، وأشعر المسلمون بدنهم وقلدوها، وكان معهم مائتا فرس، وبعث- صلى الله عليه وسلّم- بسر بن سفيان عينا له، وقدم عباد بن بشر طليعة في عشرين فارسا، ويقال جعل أميرهم سعد بن زيد الأشهلي [ (1) ] .
ذكر إحرامه- صلى الله عليه وسلّم-
ثم صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ركعتين، وركب من باب المسجد بذي الحليفة، فلما انبعثت به راحلته مستقبلة القبلة أحرم بالعمرة، ليأمن النّاس حربه، وليعلم الناس أنّه إنّما خرج زائرا لهذا البيت، ومعظّما له.
ولفظ تلبية «لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك» .
وأحرم غالب أصحابه، وأم المؤمنين أم سلمة بإحرامه، ومنهم من لم يحرم إلا «بالجحفة» وسلك طريق البيداء ومرّ فيما بين مكة والمدينة بالأعراب من بني بكر، ومزينة، وجهينة فاستنفرهم، فتشاغلوا بأموالهم، وقالوا فيما بينهم: يريد محمّد يغزو بنا إلى قوم معدّين في الكراع والسّلاح، وإنّما محمد، وأصحابه أكلة جزور، لن يرجع محمد وأصحابه من سفرهم هذا أبدا، قوم لا سلاح معهم ولا عدد.
ثم قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ناجية بن جندب بالهدي مع فتيان من أسلم، ومعهم هدي المسلمين، ولقى طائفة من بني نهد فدعاهم إلى الإسلام فأبوا، وأهدوا له لبنا من نعمهم، فقال: «لا أقبل هديّة مشرك»
فابتاعه المسلمون منهم، وابتاعوا منهم ثلاثة أضبّ فأكل قوم أحلّة
وسأل المحرمون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عنها فقال: «كلوا فكل صيد البرّ لكم حلال في الإحرام تأكلونه إلّا ما صدتم أو صيد لكم» .
وعطب من ناجية بن جندب بعير من الهدي، فجاء بالأبواء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأخبره، فقال: «انحره واصبغ قلائده في دمه، ولا تأكل أنت ولا أحد من أهل رفقتك منه، وخلّ بين النّاس وبينه» [ (2) ] .
ذكر حديث أبي قتادة والصعب بن جثامة وبعض من اهدى له
روى الإمام مالك والستة عن أبي قتادة رضي الله عنه- قال: كنت يوما جالسا مع رجال من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلّم- أمامنا، والقوم محرمون وأنا غير محرم عام الحديبية، فأبصروا حمارا
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 509 (4157، 4158) .
[ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 187.(5/34)
وحشيا- وأنا مشغول أخصف نعلى- فلم يؤذنوني، وأحبّوا لو أنّي أبصرته، وفي رواية فرأيت أصحابي يتراءون شيئا، وفي رواية: يضحك بعضهم إلى بعض، فنظرت فإذا حمار وحشيّ فقمت إلى فرسي فأسرجته، ثم ركبت ونسيت السّوط والرّمح، فقلت لهم: ناولوني السّوط والرّمح، قالوا: والله لا نعينك عليه، فغضبت فنزلت فأخذتهما، ثم ركبت فشددت على الحمار فعقرته، ثم جئت به وقد مات فوقعوا فيه يأكلونه، ثم إنّهم شكّوا في أكلهم إيّاه وهم حرم، فرحنا وخبّأت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- العضد معي، فأدركنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسألناه عن ذلك
فقال لهم: هل منكم أحد أمره أن يحمل عليه أو أشار إليه؟ قالوا: لا، فقال: «كلوا ما بقي من لحمه إنّما هي طعمة أطعمكموها الله، هو حلال، هل معكم منه شيء؟ فقلت نعم، فناولته العضد فأكلها وهو محرم
[ (1) ] .
وروى الإمام مالك والشيخان والترمذي والنسائي عن الصعب بن جثّامة- رضي الله عنه- أنه أهدى لرسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بودّان فردّه عليه، فلما رأى ما في وجهه قال: إنّا لم نردّه عليك إلا أنّا حرم
[ (2) ] .
وأهدى له إيماء بن رحضة الغفاري مع ابنه خفاف بن إيماء- رضي الله عنه- مائة شاة وبعيرين يحملان لبنا، فقال: «بارك الله فيكم»
وفرّق ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأهدى له بعض الأعراب من ودّان معيشا وعترا وضغابيس [ (3) ] فجعل يأكل الضّغابيس والعتر وأعجبه، وأدخل على أم سلمة منه، وجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يعجبه هذه الهدية، ويري أصحابه أنّها طريفة.
ذكر أمره كعب بن عجرة بحلق رأسه لعذر
روى الإمام أحمد، وعبد بن حميد، والشيخان والترمذي، وابن جرير، والطبراني عن كعب بن عجرة [ (4) ]- رضي الله تعالى عنه- قال: «كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالحديبية ونحن محرمون- قد حصرنا المشركون، وكانت لي وقرة فجعلت الهوامّ تسّاقط على وجهي، فمر بي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «أيؤذيك هو امّ رأسك» ؟ قلت: نعم، قال: «ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا» !! فأمرني أن أحلق، وأنزل الله- تعالى- هذه الآية: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة 196] فقال رسول الله
__________
[ (1) ] البخاري 4/ 29 (1824) ومسلم 2/ 854 (60/ 1196) .
[ (2) ] أخرجه البخاري 4/ 31 (1825) (2573) ، ومسلم 2/ 850 (50/ 1193) .
[ (3) ] الضغابيس جمع ضغبوس وهو صغار القثاء، انظر ترتيب القاموس 3/ 28.
[ (4) ] كعب بن عجرة بن أمية بن عدي بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن عوف ابن غنم بن سواد بن مرة بن أرشة بن عامر بن عبيلة بن قسميل بن فران بن بليّ بن عمرو ابن الحارث بن قضاعة القضاعي البلوي حليف القواقل أبو محمد المدني. روى سبعة وأربعين حديثاً اتفقا على حديثين، وانفرد (م) بمثلهما. وعنه بنوه محمد، وإسحاق، وعبد الملك.
قال خليفة: مات سنة إحدى وخمسين. الخلاصة 2/ 365، 366.(5/35)
- صلى الله عليه وسلّم-: «صم ثلاثة أيام، أو تصدّق بفرق بين ستة مساكين أو انسك ما تيسّر لك» .
ولمّا بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الجحفة أمر بشجرة فقمّ ما تحتها، فخطب الناس فقال:
«إني كائن لكم فرطا، وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلّوا أبدا، كتاب الله وسنة نبيه» - صلى الله عليه وسلم-
[ (1) ]
ذكر بلوغ خبر خروج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المشركين
روى الخرائطي في الهواتف عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: لمّا توجّه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يريد مكة عام الحديبية، قدم عليه بشر- بكسر الموحدة والمعجمة- بن سفيان العتكي، فقال له: «يا بشر هل عندك علم أن أهل مكة علموا بمسيري؟»
فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله إني لأطوف بالبيت في ليلة كذا وقريش في أنديتها، إذ صرخ صارخ من أعلى جبل أبي قبيس- ليلة أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالمسير بصوت أسمع أهل مكة:
هيوا لصاحبكم مثلي صحابته ... سيروا إليه وكونوا معشرا كرما
بعد الطّواف وبعد السّعي في مهل ... وأن يحوزهم من مكّة الحرما
شاهت وجوهكم من معشر تكل ... لا ينصرون إذا ما حاربوا صنما
فارتجت مكة، واجتمع المشركون، وتعاقدوا ألّا يدخل عليهم بمكة في عامهم هذا، فبلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
فقال: «هذا الهاتف سلفع. شيطان الأصنام يوشك أن يقتله الله- تعالى- أن شاء الله عز وجل»
فبينما هم كذلك إذ سمعوا من أعلى الجبل صوتا وهو يقول:
شاهت وجوه رجال حالفوا صنما ... وخاب سعيهم ما قصّر الهمما
إنّي قتلت عدوّ الله سلفعة ... شيطان أوثانكم سحقا لمن ظلما
وقد أتاكم رسول الله في نفر ... وكلّهم محرم لا يسفكون دما
قالوا: ولما بلغ المشركين خروج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- راعهم ذلك فاجتمعوا وتشاوروا فقالوا:
أيريد محمد أن يدخلها علينا في جنوده معتمرا فتسمع العرب أنّه قد دخل علينا عنوة، وبيننا وبينه من الحرب ما بيننا؟! والله لا كان هذا أبدا ومنّا عين تطرف.
ثم قدّموا خالد بن الوليد في مائتي فارس إلى كراع الغميم، واستنفروا من أطاعهم من الأحابيش، وأجلبت ثقيف معهم وخرجوا إلى بلدح، وضربوا بها القباب والأبنية، ومعهم النساء والصّبيان، فعسكروا هناك، وأجمعوا على منع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من دخول مكة ومحاربته، ووضعوا العيون على الجبال، وهم عشرة أنفس يوحي بعضهم إلى بعض الصوت الخفي فعل
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 12 (1814، 1815) ، ومسلم 2/ 861 (83/ 1201) .(5/36)
محمد كذا وكذا، حتى ينتهي إلى قريش ببلدح ورجع بشر بن سفيان [ (1) ] الذي بعثه عينا له من مكّة وقد علم خبر مكّة والقوم، فلقي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بغدير الأشطاط [ (2) ] وراء عسفان فقال:
يا رسول الله!! هذه قريش سمعت بمسيرك، فخرجوا ومعهم العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النّمور، وقد نزلوا بذي طوّى يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدّمها إلى كراع الغميم،
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلّوا بيني وبين سائر العرب، فإن هم أصابوني كان ذلك الّذي أرادوا، وإن أظهرني الله تعالى عليهم دخلوا في الإسلام وافرين وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوّة، فما تظن قريش؟ فو الله لا أزال أجاهدهم على الّذي بعثني الله تعالى به حتّى يظهره الله- تعالى- أو تنفرد هذه السّالفة» .
ذكر مشاورته- صلى الله عليه وسلّم- وصلاته صلاة الخوف
ثم قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في المسلمين فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال:
«أما بعد: يا معشر المسلمين أشيروا عليّ أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الّذين أعانوهم فنصيبهم» وقال: «فإن قعدوا قعدوا موتورين محروبين وإن يأتونا تكن عنقا. وفي لفظ: عينا- قطعها الله، أم ترون أن نؤمّ البيت فمن صدّنا عنه قاتلناه؟»
فقال أبو بكر- رضي الله عنه-: الله ورسوله أعلم، يا رسول الله إنّما جئنا معتمرين ولم نجئ لقتال أحد، ونرى أن نمضي لوجهنا، فمن صدّنا عن البيت قاتلناه، ووافقه على ذلك أسيد بن الحضير.
وروى ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة عن أبيه ومحمد بن عمر عن شيوخه. أن المقداد بن الأسود- رضي الله عنه- قال بعد كلام أبي بكر: إنّا والله يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها: اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكم مقاتلون» انتهى.
__________
[ (1) ] (بشر) بن سفيان العتكي ... ذكر الخرائطي في الهواتف من طريق عبد الله بن العلاء عن الزهري عن عبد الله بن الحارث عن أبيه عن ابن عباس قال لما توجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يريد مكة في عام الحديبية قدم عليه بشر بن سفيان العتكي فسلم عليه فقال له يا بشر هل عندك علم أن أهل مكة علموا بمسيري فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله إني لأطوف بالبيت في ليلة كذا وسمى الليلة التي أنشئوا لها السفر وقريش في أنديتها إذ صرخ صارخ في أعلى أبي قبيس بصوت أسمع قاصيهم ودانيهم يقول
سيروا فصاحبكم قد سار نحوكم ... سيروا إليه وكونوا معشرا كرما
فذكر أبياتا فارتجت مكة واجتمعوا عند الكعبة فتحالفوا وتعاقدوا أن لا تدخلها عليهم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا شيطان الأصنام يوشك أن يقتله الله ثم ذكر إرساله إلى مكة يتجسس أخبارهم وذكر بقية القصة، الإصابة 1/ 156.
[ (2) ] غدير الأشطاط: اسم موضع قريب من عسفان، انظر مراصد الإطلاع 1/ 81.(5/37)
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «فسيروا على اسم الله» .
ودنا خالد بن الوليد في خيله حتى نظر إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فصف خيله فيما بين رسول الله صلى الله عليه وسلّم وبين القبلة- فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عباد بن بشر- رضي الله عنه- فتقدّم في خيله، فقام بإزائه، فصفّ أصحابه، وحانت صلاة الظهر، فأذّن بلال، وأقام، فاستقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم القبلة- وصفّ النّاس خلفه، فركع بهم ركعة وسجد، ثم سلّم، فقاموا على ما كانوا عليه من التّعبئة. فقال خالد بن الوليد: قد كانوا على غرّة لو حملنا عليهم أصبنا منهم ولكن تأتي الساعة صلاة أخرى هي أحب إليهم من أنفسهم وأبنائهم، فنزل جبريل بين الظهر والعصر بهذه الآية: وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً، وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً [النساء 102] فحانت صلاة العصر، فصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلاة الخوف، وستأتي كيفيتها في أبواب صلواته- صلى الله عليه وسلّم.
ذكر مسير رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الحديبية من غير طريق خالد بن الوليد وما وقع في ذلك من الآيات
روى البزار بسند رجاله ثقات عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- مختصرا، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: لمّا أمسى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «تيامنوا في هذا العصل وفي رواية اسلكوا ذات اليمين بين ظهور الحمض، فإن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة» كره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يلقاه وكان بهم رحيما، فقال: «تيامنوا فأيكم يعرف «ثنيّة ذات الحنظل» ؟ فقال بريدة بن الحصيب: بحاء مضمومة فصاد مفتوحة مهملتين فتحتية فموحدة مهملتين فتحتية- الأسلمي: أنا يا رسول الله عالم بها، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-:
«اسلك أمامنا»
فأخذ بريدة في العصل- قبل جبال سراوع قبل المغرب، فو الله ما شعر بهم خالد حتّى إذا هم بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيرا لقريش، فسلك بريدة بهم طريقا وعرا أجرل [ (1) ] بين شعاب، وسار قليلا تنكّبه الحجارة وتعلّقه الشجر، وصار حتى كأنه لم يعرفهما قط. قال: فو الله إني كنت أسلكها في الجمعة مرارا، فنزل حمزة بن عمرو الأسلمي، فسار بهم قليلا، ثم سقط في خمر الشجر فلا يدرى أين يتوجّه، فنزل عمرو بن عبدنهم الأسلمي فانطلق
__________
[ (1) ] أجرل: الجرل الحجارة وقيل الشجر مع الحجارة، انظر لسان العرب 1/ 603.(5/38)
أمامهم
حتى نظر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الثنية، فقال: هذه ثنية ذات الحنظل؟»
فقال عمرو:
نعم يا رسول الله، فلما وقف به على رأسها تحدر به، قال عمرو: فو الله إن كان لتهمّني نفسي وحدها إنما كانت مثل الشّراك فاتسعت لي حين برزت، فكانت فجاجا لاجبة ولقد كان الناس تلك الليلة يسيرون جميعا معطفين من سعتها يتحدثون، وأضاءت تلك الليلة حتى كأنّا في قمر [ (1) ] .
وروى مسلم عن جابر مختصراً، وأبو نعيم عن أبي سعيد، وابن إسحاق عن الزهري، ومحمد بن عمر عن شيوخه.
قال أبو سعيد: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية حتى إذا كنا بعسفان سرنا من آخر اللّيل حتى أقبلنا على «عقبة ذات الحنظل» قال جابر: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: من يصعد ثنيّة المرار فإنّه يحط عنه ما حطّ عن بني إسرائيل، فكان أول من صعد خيل من الخزرج، ثم تبادر النّاس بعد.
وقال أبو سعيد فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «مثل هذه الثّنيّة الليلة كمثل الباب الذي قال الله تعالى لبني إسرائيل وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ) [البقرة 58]
وقال ابن إسحاق: إنّ المسلمين لما إن خرجوا من الأرض الصّعبة وأفضوا إلى أرض سهلة، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «قولوا نستغفر الله ونتوب إليه» . فقالوا ذلك، فقال: «والله إنها للحطّة التي عرضت علي بني إسرائيل فلم يقولوها» قال أبو سعيد: ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لا يجوز هذه الثّنيّة اللّيلة أحد إلا غفر له» فلمّا هبطنا نزلنا فقلت يا رسول الله نخشى أن ترى قريش نيراننا، فقال: لن يروكم، فلما أصبحنا صلى بنا صلاة الصبح، ثم قال: «والذي نفسي بيده لقد غفر للرّكب أجمعين إلّا رويكبا واحدا على جمل أحمر التقت عليه رحال القوم ليس منهم،
وقال جابر: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر» .
قال أبو سعيد: فطلب في العسكر فإذا هو عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، والرّجل من بني ضمرة من أهل سيف البحر يظن أنه من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقيل لسعيد: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم قال: كذا وكذا، فقال له سعيد: ويحك!! اذهب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم يستغفر لك [ (2) ] .
وقال جابر: فقلنا له: تعال يستغفر لك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: والله لأن أجد ضالّتي أحب إلي من أن يستغفر لي صاحبكم. وقال أبو سعيد: فقال بعيري والله أهم من أن يستغفر
__________
[ (1) ] ذكره الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية 4/ 165.
[ (2) ] مسلم في صفات المنافقين رقم (12) والبيهقي في دلائل النبوة 4/ 109 وذكر ابن كثير في التفسير 7/ 318 وصاحب الجمل المنافق الجدّين قيس.(5/39)
لي، إذا هو قد أضل بعيرا له، فانطلق يطلب بعيره بعد أن استبرأ العسكر وطلبه فيهم، فبينا هو في جبال سراوع إذ زلقت به نعله فتردّى فمات، فما علم به حتى أكلته السباع،
قال أبو سعيد:
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يومئذ: «سيأتيكم أهل اليمن كأنّهم قطع السّحاب. هم خير أهل الأرض.
ذكر نزول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالحديبية وما وقع في ذلك من الآيات
قال مسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم سار فلما دنا من الحديبية وقعت يدا راحلته على ثنيّة تهبط في غائط القوم، فبركت به راحلته، فقال، وفي رواية: فقال الناس «حل حل» فأبت أن تنبعث وألحّت، فقال المسلمون: خلأت القصواء،
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «ما خلأت القصواء وما ذاك لها بعادة، وفي لفظ: بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة» ثم قال: «والذي نفس محمد بيده لا يسألوني اليوم خطّة فيها تعظيم حرمات الله تعالى إلا أعطيتهم إيّاها»
ثم زجرها فقامت، فولّى راجعا عوده على بدئه. وفي رواية فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد [ (1) ] من ثماد الحديبية ظنون [ (2) ] قليل الماء يتبرّض [ (3) ] النّاس ماءه تبرّضا، فلم يلبثه النّاس حتى نزحوه، فاشتكى الناس إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قلة الماء، وفي لفظ «العطش» فانتزع سهما من كنانته فأمر به فغرز في الماء فجاشت بالرّواء حتّى صدروا عنها بعطن [ (4) ] قال المسور: وإنهم ليغترفون بآنيتهم جلوسا على شفير البئر.
قال محمد بن عمر: والذي نزل بالسّهم ناجية بن الأعجم- رجل من أسلم، ويقال:
ناجية بن جندب وهو سائق بدن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد روى أن جارية من الأنصار قالت لناجية وهو في القليب:
يا أيّها الماتح دلوي دونكا ... إني رأيت النّاس يحمدونكا
يثنون خيرا ويمجّدونكا
فقال ناجية وهو في القليب:
قد علمت جارية يمانيه ... أنّي أنا الماتح واسمي ناجيه
__________
[ (1) ] ثمد الماء ثمدا: قل، انظر المعجم الوسيط 1/ 100.
[ (2) ] الظنّون: البئر لا يدري فيها ماء أم لا، انظر الصحاح 6/ 2160.
[ (3) ] تبرّض: يقال: يتبرّض الماء من العين إذا خرج وهو قليل، انظر الصحاح 3/ 1066.
[ (4) ] العطن: مبرك الإبل، انظر المعجم الوسيط 2/ 615.(5/40)
وطعنة ذات رشاش واهيه ... طعنتها تحت صدور العادية
قال محمد بن عمر: حدثني الهيثم بن واقد عن عطاء بن مروان عن أبيه قال: حدثني أربعة عشر رجلا ممّن أسلم من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه ناجية بن الأعجم، يقول: دعاني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين شكي إليه قلّة الماء فأخرج سهما من كنانته، ودفعه إليّ، ودعا بدلو من ماء البئر فجئته به، فتوضأ فمضمض فاه، ثم مج في الدّلو- والنّاس في حر شديد- وإنما هي بئر واحدة قد سبق المشركون إلى بلدح فغلبوا على مياهه فقال: «انزل بالدّلو فصبّها في البئر وأثر ماءها بالسّهم» ففعلت،
فو الذي بعثه بالحق ما كدت أخرج حتى يغمرني وفارت كما تفور القدر، حتى طمّت واستوت بشفيرها، يغترفون من جانبها حتى نهلوا من آخرهم. وعلى الماء يومئذ نفر من المنافقين، منهم عبد الله بن أبيّ، فقال أوس بن خولي: ويحك يا أبا الحباب!! أما إن لك أن تبصر ما أنت عليه؟ أبعد هذا شيء؟ فقال: إني قد رأيت مثل هذا. فقال أوس:
قبّحك الله وقبح رأيك فأقبل ابن أبي يريد رسول الله- صلى الله عليه وسلم
فقال «يا أبا الحباب: أنّى رأيت مثلما رأيت اليوم» ؟ فقال: ما رأيت مثله قط. قال: «فلم قلته» ؟ فقال ابن أبي: يا رسول الله استغفر لي،
فقال ابنة عبد الله بن عبد الله- رضي الله عنه- يا رسول الله استغفر له، فاستغفر له [ (1) ] .
وروى ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: أنا نزلت بالسّهم. والله أعلم.
قصة أخرى: روى الإمام أحمد، والبخاري، والطبراني، والحاكم في الإكليل، وأبو نعيم عن البراء بن عازب، ومسلم عن سلمة بن الأكوع، وأبو نعيم عن ابن عباس، والبيهقي عن عروة، قال البراء: كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالحديبية أربع عشرة مائة، والحديبية: بئر فقدمناها وعليها خمسون شاة ما ترويها فتبرضها فلم نترك فيها قطرة، قال ابن عباس: وكان الحرّ شديدا، فشكا النّاس العطش، فبلغ ذلك النبي- عليه الصلاة والسلام- فأتاه فجلس على شفيرها، ثم دعا «بإناء» وفي لفظ «بدلو» فتوضأ في الدلو، ثم مضمض ودعا، ثم صبّه فيها، فتركناها غير بعيد ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا. قال البراء: ولقد رأيت آخرنا أخرج بثوب خشية الغرق حتى جرت نهرا [ (2) ] .
وقال ابن عباس وعروة ففارت بالماء حتى جعلوا يغترفون بأيديهم منها وهم جلوس على شفيرها.
__________
[ (1) ] انظر تفسير الطبري 6/ 177 وابن كثير 3/ 125.
[ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 505 (4150) .(5/41)
قصة أخرى: روى البخاري في المغازي وفي الأشربة، عن جابر بن عبد الله، عن سلمة ابن الأكوع- رضي الله عنهما- قالا: عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين يديه ركوة،
وقال جابر في رواية: وقد حضر العصر، وليس معنا ماء غير فضلة، فجعل في إناء فأتى به رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فتّوضأ منها، ثم أقبل الناس نحوه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ما لكم؟» قالوا: يا رسول الله، ليس عندنا ماء نتوضّأ به، ولا نشرب إلا ما في ركوتك فأفرغتها في قدح، ووضع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يده في القدح، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضّأنا،
فقال سالم بن أبي الجعد: فقلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: لو كنّا مائة ألف لكفانا، كنّا خمس عشرة مائة. [ (1) ]
ذكر نزول المطر في تلك الأيام وما قاله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في صبيحة المطر
روى الشيخان وأبو عوانة، والبيهقي عن زيد بن خالد- رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية فأصابنا مطر ذات ليلة، فصلى بنا النبي- صلى الله عليه وسلّم- الصبح، ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: أتدرون ماذا قال ربّكم؟ قلنا: الله ورسوله أعلم: قال: قال الله عز وجل:
«أصبح من عبادي مؤمن وكافر، فأما المؤمن من قال: مطرنا برحمة الله وبفضل الله فهو مؤمن بي وكافر بالكواكب، وأما من قال مطرنا بنجم كذا- وفي رواية: بنوء كذا وكذا- فهو مؤمن بالكواكب كافر بي» .
[ (2) ]
قال محمد بن عمر: وكان ابن أبيّ بن سلول قال: هذا نوء الخريف مطرنا بالشّعري.
وروى ابن سعد عن أبي المليح عن أبيه قال: أصابنا يوم الحديبية مطر لم يبلّ أسافل نعالنا، فنادى منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن صلّوا في رحالكم.
وأهدى عمرو بن سالم وبسر بن سفيان الخزاعيّان- رضي الله عنهما- بالحديبية لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- غنما وجزورا، وأهدى عمرو بن سالم لسعد بن عبادة- رضي الله عنه- جزرا- وكان صديقا له- فجاء سعد بالجزر إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأخبره أن عمرا أهداها له، فقال: «وعمرو قد أهدى لنا ما ترى، فبارك الله في عمرو» ثم أمر بالجزر تنحر وتقسم في أصحابه، وفرّق الغنم فيهم من آخرها
وشرك فيها فدخل على أم سلمة من لحم الجزور كنحو ما دخل على رجل من القوم، وشرك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في شاته، فدخل على أم سلمة بعضها، وأمر- صلى الله عليه وسلّم- للّذي جاء بالهدية بكسوة.
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في المصدر السابقة (4152) .
[ (2) ] أخرجه البخاري 5/ 259 (4147) وأخرجه مسلم في الإيمان (125) والبيهقي في دلائل النبوة 4/ 131.(5/42)
ذكر قدوم بديل بن ورقاء الخزاعي ورسل قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلّم
لما اطمأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالحديبية: جاءه بديل بن ورقاء- وأسلم بعد ذلك- في رجال من خزاعة، منهم: عمرو بن سالم، وخراش بن أميّة وخارجة بن كرز، ويزيد بن أميّة وكانوا عيبة نصح لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- بتهامة، منهم المسلم ومنهم الموادع. لا يخفون عنه بتهامة شيئا. فلما قدموا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سلّموا، فقال بديل بن ورقاء: جئناك من عند قومك، كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي، قد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعهم، قد نزلوا أعداد مياه الحديبية، معهم العوذ المطافيل والنساء والصبيان، يقسمون بالله لا يخلّون بينك وبين البيت حتى تبيد خضراؤهم،
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «إنّا لم نأت لقتال أحد، إنما جئنا لنطوف بهذا البيت، فمن صدّنا عنه قاتلناه، إنّ قريشا قد أضرّت بهم الحرب ونهكتهم فإن شاءوا ماددتهم مدّة يأمنون فيها، ويخلّون فيما بيننا وبين النّاس، - والنّاس أكثر منهم- فإن أصابوني فذلك الّذي أرادوا وإن ظهر أمري على النّاس كانوا بين أن يدخلوا فيما دخل فيه النّاس أو يقاتلوا وقد جمّوا، وإن هم أبو فو الله لأجهدن على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ولينفذنّ الله تعالى أمره» .
فوعى بديل مقالة رسول الله وقال: سأبلّغهم ما تقول، وعاد وركبه إلى قريش، فقال ناس منهم: هذا بديل وأصحابه، وإنّما يريدون أن يستخبروكم فلا تسألوهم عن حرف واحد، فلما رأى بديل أنّهم لا يستخبرونه قال: إنّا جئنا من عند محمد، أتحبّون أن نخبركم عنه؟ فقال عكرمة بن أبي جهل، والحكم بن العاص- وأسلما بعد ذلك- مالنا حاجة بأن تخبرونا عنه، ولكن أخبروه عنّا إنه لا يدخلها علينا عامه هذا أبدا حتى لا يبقى منّا رجل، فأشار عليهم عروة بن مسعود الثّقفي- وأسلم بعد ذلك- بأن يسمعوا كلام بديل فإن أعجبهم قبلوه وإلا تركوه، فقال صفوان ابن أميّة والحارث بن هشام- وأسلما بعد ذلك- أخبرونا بالذي رأيتم وسمعتم، فقال بديل لهم: إنكم تعجلون على محمد- صلى الله عليه وسلم- إنه لم يأت لقتال إنما جاء معتمرا وأخبرهم بمقالة النبي- عليه الصلاة والسلام- فقال عروة: يا معشر قريش أتتّهمونني؟ قالوا: لا.
قال: ألستم بالوالد! قالوا: بلى. قال: ألست بالولد؟ قالوا: بلى وكان عروة لسبيعة بنت عبد شمس القرشية. قال: «ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ لنصركم فلمّا تبلّحوا عليّ نفرت إليكم بنفسي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: قد فعلت، ما أنت عندنا بمتّهم. قال: إني لكم ناصح، وعليكم شفيق، لا أدّخر عنكم نصحا، فإن بديلا قد جاءكم خطة رشد لا يردّها أحد أبدا إلا أحد شرّ منها. فاقبلوها منه، وابعثوني حتّى آتيكم بمصداقها من عنده، وأنظر إلى من(5/43)
معه، وأكون لكم عينا آتيكم بخبره، فبعثته قريش إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد، تركت كعب ابن لؤي وعامر بن لؤي على أعداد مياه الحديبية، معهم العوذ المطافيل قد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعهم، قد لبسوا جلود النّمور، وهم يقسمون بالله لا يخلّون بينك وبين البيت حتى تجتاحهم، وإنما أنت ومن قاتلهم بين أحد أمرين أن تجتاح قومك ولم يسمع برجل اجتاح قومه وأهله قبلك. أو بين أن يخذلك من ترى معك، وإني والله لا أرى معك وجوها وإني لا أرى إلا أوباشا، وفي رواية: فإني لأرى أشوابا [ (1) ] من الناس، لا أعرف وجوههم ولا أنسابهم، وخليقا أن يفرّوا ويدعوك. وفي رواية: وكأني بهم لو قد لقيت قريشا أسلموك فتؤخذ أسيرا، فأيّ شيء أشدّ عليك من هذا؟ فغضب أبو بكر- وكان قاعدا خلف رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: أمص بظر اللّات، أنحن نخذله أو نفرّ عنه؟! فقال عروة: من ذا؟ قالوا: أبا بكر. فقال عروة: أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجيبنّك.
وكان عروة قد استعان في حمل دية فأعانه الرجل بالفريضتين والثلاث، وأعانه أبو بكر بعشر فرائض فكانت هذه يد أبي بكر عند عروة، وطفق عروة كلّما كلّم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسّ لحية رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- والمغيرة ابن شعبة قائم على رأس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالسيف، - على وجهه المغفر- لمّا قدم عروة لبسها، فطفق المغيرة كلّما أهوى عروة بيده ليمسّ لحية النّبيّ- عليه الصلاة والسلام- يقرع يده بنعل السّيف ويقول: أكفف يدك عن مسّ لحية رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قبل ألّا تصل إليك، فإنّه لا ينبغي لمشرك أن يمسّه. فلما أكثر عليه غضب عروة وقال: ويحك!! ما أفظّك وأغلظك! وقال: ليت شعري!! من هذا الذي آذاني من بين أصحابك؟ والله لا أحسب فيكم ألأم منه ولا أشرّ منزلة.
فتبسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: «هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة»
فقال عروة: وأنت بذلك يا غدر، والله ما غسلت عنك غدرتك بعكاظ إلّا أمس، لقد أورثتنا العداوة من ثقيف إلى آخر الدهر- وسيأتي في ترجمة المغيرة بيان هذه الغدرة.
وجعل عروة يرمق أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- بعينه، فو الله ما يتنخّم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلوا على وضوئه، ولا يسقط شيء من شعره إلا أخذوه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه، تعظيما له.
فلما فرغ عروة من كلام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وردّ عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مثل ما قال لبديل بن ورقاء وكما عرض عليهم من المدة. فأتى عروة قريشا، فقال: يا قوم إني وفدت إلى
__________
[ (1) ] الأوشاب الأوباش، والأخلاط من الناس، انظر المعجم الوسيط 2/ 1045.(5/44)
الملوك: كسرى وقيصر والنجاشي وإني والله ما رأيت ملكا قط أطوع فيما بين ظهرانيه من محمد في أصحابه، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، وليس بملك والله ما تنخّم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه أيّهم يظفر منه بشيء، ولا يسقط شيء من شعره إلّا أخذوه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيما له، ولا يتكلّم رجل منهم حتى يستأذن، فإن هو أذن له تكلم، وإن لم يأذن له سكت، وقد عرض عليكم خطّة رشد فاقبلوها، قد حرزت القوم، واعلموا أنكم إن أردتم منهم السيف بذلوه لكم، وقد رأيت قوما لا يبالون ما يصنع بهم إذا منعتم صاحبهم، والله لقد رأيت معه نساء ما كنّ ليسلمنه أبدا على حال، فروا رأيكم فأتوه يا قوم، واقبلوا ما عرض عليكم، فإني لكم ناصح، مع إني أخاف أن لا تنصروا على رجل أتى زائرا لهذا البيت معظّما له، معه الهدى ينحره وينصرف، فقالت قريش: لا تتكلم بهذا يا أبا يعفور، أو غيرك تكلم بهذا؟ ولكن نردّه عامنا هذا، ويرجع إلى قابل، فقال: ما أراكم تصيبكم قارعة. فانصرف هو ومن تبعه إلى الطّائف.
فقام الحليس وهو بمهملتين- مصغّر- ابن علقمة الكناني وكان من رؤوس الأحابيش ولا أعلم له إسلاما فقال: دعوني آتيه. فقالوا: ائته. فلما أشرف على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «هذا فلان من قوم يعظّمون البدن وفي لفظ «الهدى، ويتألّهون، فابعثوها له» فبعثت له، فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي عليها قلائدها، قد أكلت أوبارها من طول الحبس، ترجّع الحنين، واستقبله الناس يلبّون قد أقاموا نصف شهر، وقد تفلوا وشعثوا، صاح وقال: سبحان الله «ما ينبغي لهؤلاء أن يصدّوا عن البيت أبى الله أن تحج لخم وجذام وكندة وحمير ويمنع ابن عبد المطلب، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت هلكت قريش وربّ الكعبة. إنّ القوم إنما أتوا عمّارا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أجل يا أخا بني كنانة» .
وذكر ابن إسحاق ومحمد بن عمر، وابن سعد: أنه لم يصل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لمّا رأى ذلك إعظاما لما رأى فيحتمل إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خاطبه من بعد، فرجع إلى قريش فقال: إني رأيت ما لا يحل منعه، رأيت الهدي في قلائده قد أكل أوباره معكوفا عن محلّه والرّجال قد تفلوا وقملوا أن يطوفوا بهذا البيت، والله ما على هذا حالفناكم، ولا عاقدناكم، على أن تصدوا عن البيت من جاءه معظّما لحرمته مؤدّيا لحقه. وساق الهدى معكوفا أن يبلغ محلّه. والذي نفسي بيده لتخلّنّ بينه وبين ما جاء له، أو لأنفرنّ بالأحابيش نفرة رجل واحد.
فقالوا: كفّ عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به، وفي لفظ اجلس فإنما أنت أعرابي لا علم لك، كلّ ما رأيت من محمد مكيدة.(5/45)
فقام مكرز بكسر الميم، وسكون الكاف، وفتح الراء، بعدها زاي، ابن حفص. فقال:
دعوني آته.
فلمّا طلع ورآه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «هذا رجل غادر»
وفي لفظ «فاجر» فلما انتهى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كلّمه بنحو ما كلّم به بديلا وعروة، فرجع إلى أصحابه فأخبرهم بما ردّ عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم.
ذكر إرساله- صلى الله عليه وسلّم- خراش بن أمية وبعده عثمان بن عفان إلى قريش
قال محمد بن إسحاق ومحمد بن عمر وغيرهما: بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى قريش خراش بن أميّة على جمل لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقال له الثّعلب، ليبلّغ عنه أشرافهم بما جاء له، فعقر عكرمة بن أبي جهل- وأسلم بعد ذلك- الجمل، وأرادوا قتله فمنعه الأحابيش، فخلّوا سبيله حتى أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ولم يكد فأخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بما لقي.
وروى البيهقي عن عروة قال: لما نزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الحديبية فزعت قريش لنزوله إليهم، فأحبّ أن يبعث إليهم رجلا من أصحابه، فدعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى قريش، فقال: يا رسول الله إنّي أخاف قريشا على نفسي وقد عرفت قريش عداوتي لها، وليس بها من بني عدي من يمنعني، وإن أحببت يا رسول الله دخلت عليهم. فلم يقل له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شيئا، فقال عمر: يا رسول الله ولكني أدلّك على رجل أعزّ بمكة منيّ، وأكثر عشيرة وأمنع، وأنه يبلغ لك ما أردت، عثمان بن عفان.
فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عثمان فقال: «اذهب إلى قريش وأخبرهم أنّا لم نأت لقتال وإنّما جئنا عمّارا، وادعهم إلى الإسلام» .
وأمره أن يأتي رجالا بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات فيدخل عليهم ويبشّرهم بالفتح، ويخبرهم أن الله تعالى- وشيكا أن يظهر دينه بمكّة حتى لا يستخفى فيها بالإيمان. فانطلق عثمان إلى قريش فمرّ عليهم ببلدح فقالوا: أين تريد؟ فقال: بعثني رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إليكم لأدعوكم إلى الإسلام، وإلى الله جل ثناؤه، وتدخلون في الدّين كافة، فإن الله- تعالى- مظهر دينه ومعزّ نبيّه، وأخرى: تكفون ويكون الذي يلي هذا الأمر منه غيركم، فإن ظفر برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذلك ما أردتم، وإن ظفر كنتم بالخيار بين أن تدخلوا فيما دخل فيه الناس، أو تقاتلوا وأنتم وافرون جامّون. إن الحرب قد نهكتكم وأذهبت الأماثل منكم. وأخرى إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يخبركم إنه لم يأت لقتال أحد، إنّما جاء معتمرا، معه الهدي، عليه القلائد ينحره وينصرف. [ (1) ]
فقالوا: قد سمعنا ما تقول، ولا كان هذا أبدا، ولا دخلها علينا عنوة، فارجع إلى صاحبك فأخبره أنّه لا يصل إلينا.
__________
[ (1) ] أخرجه ابن سعد 2/ 1/ 70 والبيهقي في الدلائل 4/ 133.(5/46)
ولقيه أبان بن سعيد [ (1) ]- وأسلم بعد ذلك، فرحّب به أبان وأجاره، وقال: لا تقصر عن حاجتك، ثم نزل عن فرس كان عليه فحمل عثمان على السّرج وردف وراءه وقال:
أقبل وأدبر لا تخف أحدا ... بنو سعيد أعزّة الحرم
فدخل به مكّة، فأتى عثمان أشراف قريش- رجلا رجلا- فجعلوا يردّون عليه: إنّ محمّدا لا يدخلها علينا أبدا، ودخل على قوم مؤمنين من رجال ونساء مستضعفين بمكة فقال:
إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: قد أظلّكم حتى لا يستخفى بمكة اليوم بالإيمان،
ففرحوا بذلك، وقالوا: اقرأ على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- السّلام.
ولمّا فرغ عثمان من رسالة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى قريش قالوا له: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف، فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأقام عثمان بمكة ثلاثا يدعو قريشا.
وقال المسلمون- وهم بالحديبية، قبل أن يرجع عثمان-: خلص عثمان من بيننا إلى البيت فطاف به،
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما أظنّه طاف بالبيت ونحن محصورون» ،
وقالوا:
وما يمنعه يا رسول الله وقد خلص إليه قال: «ذلك ظنيّ به ألّا يطوف بالكعبة حتى نطوف» ، وعند ابن جرير وابن أبي حاتم عن سلمة بن الأكوع- مرفوعا- «لو مكث كذا كذا سنة ما طاف حتى أطوف» فلمّا رجع عثمان إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال المسلمون له: اشتفيت من البيت يا أبا عبد الله!! فقال عثمان: بئس ما ظننتم بي! فو الذي نفسي بيده لو مكثت مقيما بها سنة ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- مقيم بالحديبية ما طفت حتى يطوف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولقد دعتني قريش إلى أن أطوف بالبيت فأبيت. فقالوا: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أعلمنا وأحسننا ظنا.
وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يأمر أصحابه بالحراسة باللّيل، فكانوا ثلاثة يتناوبون الحراسة:
أوس بن خولي- بفتح الخاء المعجمة والواو- وعباد بن بشر، ومحمد بن مسلمة- رضي الله عنهم- وكان محمد بن مسلمة على حرس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليلة من الليالي، وعثمان بن عفان بمكة. وقد كانت قريش بعثت ليلا خمسين رجلا، عليهم مكرز بن حفص، وأمروهم أن يطوفوا بالنبي- صلى الله عليه وسلّم- رجاء أن يصيبوا منهم أحدا، أو يصيبوا منهم غرّة، فأخذهم محمد بن
__________
[ (1) ] أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي ... قال البخاري وأبو حاتم الرازي وابن حبان له صحبة وكان أبوه من أكابر قريش وله أولاد نجباء أسلم منهم قديما خالد وعمرو فقال فيهما أبان الأبيات المشهورة التي أولها.
ألا ليت ميتا بالظّريبة شاهد ... لما يفتري في الدين عمرو وخالد
الإصابة 1/ 10.(5/47)
مسلمة، فجاء بهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأفلت مكرز فخبّر أصحابه وظهر قول النبي- صلى الله عليه وسلم- كما تقدم أنه رجل غادر، وكان رجال من المسلمين قد دخلوا مكّة بإذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهم: كرز بن جابر الفهري، وعبد الله بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس، وعبد الله بن حذافة السّهمي، وأبو الرّوم بن عمير العبدريّ، وعيّاش بن أبي ربيعة، وهشام ابن العاص بن وائل، وأبو حاطب بن عمرو من عبد شمس وعمير بن وهب الجمحيّ وحاطب بن أبي بلتعة، وعبد الله بن أبي أميّة. قد دخلوا مكة في أمان عثمان، وقيل: سرا، فعلم بهم فأخذوا، وبلغ قريشا حبس أصحابهم الذين مسكهم محمد بن مسلمة، فجاء جمع من قريش إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه حتى تراموا بالنّبل والحجارة، وأسر المسلمون من المشركين- أيضا- اثني عشر فارسا، وقتل من المسلمين ابن زنيم- وقد أطلع الثّنية من الحديبية- فرماه المشركون فقتلوه، وبعثت قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى- وأسلما بعد ذلك، ومكرز بن حفص،
فلمّا جاء سهيل ورآه النبي- صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه: سهل أمركم
فقال سهيل: يا محمد إن الذي كان من حبس أصحابك وما كان من قتال من قاتلك لم يكن من رأي ذوي رأينا بل كنّا له كارهين حين بلغنا، ولم نعلم به، وكان من سفهائنا، فابعث إلينا بأصحابنا الذين أسرت أوّل مرّة، والذين أسرت آخر مرّة.
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «إنّي غير مرسلهم حتّى ترسلوا أصحابي» ،
فقالوا: أنصفتنا، فبعث سهيل ومن معه إلى قريش بالشّييم- بشين معجمة مصغّر- بن عبد مناف التّيميّ، فبعثوا بمن كان عندهم: وهم عثمان والعشرة السابق ذكرهم- رضي الله عنهم- وأرسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصحابهم الذين أسرهم، وقبل وصول عثمان ومن معه بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إن عثمان ومن معه قد قتلوا، فكان ذلك حين دعا إلى البيعة.
ذكر مبايعته- صلى الله عليه وسلّم- بيعة الرضوان وفضل من بايع
قالوا: لما بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إن عثمان قد قتل دعا الناس إلى البيعة، وقال: «لا نبرح حتّى نناجز القوم» وأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- منازل بني مازن بن النجار، وقد نزلت في ناحية من الحديبية، فجلس في رحالهم تحت شجرة خضراء ثم قال: «إن الله- تعالى- أمرني بالبيعة»
فأقبل الناس يبايعونه حتى تداكوا فما بقي لبني مازن متاع إلا وطئ، ثم لبسوا السّلاح وهو معهم قليل، وقامت أم عمارة إلى عمود كانت تستظل به فأخذته بيدها وشدّت سكينا في وسطها وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن سلمة بن الأكوع والبيهقي عن عروة، وابن إسحاق عن الزهري، ومحمد بن عمر عن شيوخه، قال سلمة: بينا نحن قائلون إذ نادى منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أيها النّاس البيعة البيعة، نزل روح القدس فاخرجوا على اسم الله» قال(5/48)
سلمة: «فسرنا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه [ (1) ] .
وفي صحيح مسلم عنه قال: فبايعته أوّل الناس، ثم بايع وبايع حتى إذا كان في وسط من الناس قال: «بايع يا سلمة» قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أوّل الناس [ (2) ] قال: «وأيضا» قال: ورآني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عزلا فأعطاني حجفة- أو درقة- ثم بايع حتى إذا كان في آخر النّاس قال: «ألا تبايعني يا سلمة؟» قال: قلت: يا رسول الله قد بايعتك في أوّل الناس، وفي وسط الناس، قال: «وأيضا» فبايعته الثالثة، ثم قال لي: «يا سلمة أين حجفتك- أو درقتك- التي أعطيتك؟» قال: قلت: يا رسول الله، لقيني عمّي عامر عزلا فأعطيته إياها، قال: فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: إنك كالذي قال الأول: اللهم ابغني حبيبا هو أحب إلي من نفسي،
وفي صحيح البخاري عنه قال:
بايعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تحت الشجرة، قيل: على أي شيء كنتم تبايعون قال: على الموت [ (3) ] . وفي صحيح البخاري عن نافع قال: أن ابن عمر أسلم قبل أبيه، وليس كذلك، ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله إلى فرس له عند رجل من الأنصار يأتي به ليقاتل عليه ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يبايع عند الشجرة وعمر لا يدري بذلك، فبايعه عبد الله، ثم ذهب إلى الفرس فجاء به إلى عمر وعمر يستلئم للقتال فأخبره أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يبايع تحت الشجرة، قال: فانطلق فذهب معه حتى بايع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فهي التي يتحدث الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر [ (4) ] .
وفيه أيضا عن نافع عن ابن عمر إن الناس كانوا مع النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم الحديبية تفرّقوا في ظلال الشجر فإذا الناس محدقون بالنبي- صلى الله عليه وسلم- فقال عمر: يا عبد الله انظر ما شأن الناس أحدقوا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذهب فوجدهم يبايعونه فبايع، ثم رجع إلى عمر فخرج فبايع [ (5) ] .
وروى الطبراني عن عطاء بن أبي رباح قال: قلت لابن عمر: أشهدت بيعة الرضوان مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قلت: فما كان عليه؟ قال: قميص من قطن، وجبّة محشوة، ورداء وسيف، ورأيت النعمان بن مقرّن- بميم مضمومة فقاف مفتوحة فراء مشددة مكسورة- المازنيّ قائم على رأسه، قد رفع أغصان الشجرة عن رأسه يبايعونه.
وفي صحيح مسلم عن جابر قال: بايعنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعمر آخذ بيده تحت شجرة- وهي سمرة- فبايعناه غير الجدّ بن قيس الأنصاري اختفى تحت بطن بعيره. وعند ابن إسحاق
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 136.
[ (2) ] أخرجه مسلم في الجهاد 3/ 1434 (132) وأحمد 4/ 54، والبيهقي في الدلائل 4/ 138.
[ (3) ] أخرجه البخاري (4169) والبيهقي 4/ 138.
[ (4) ] أخرجه البخاري 7/ 521 (4186) .
[ (5) ] البخاري (4187) واحمد في المسند 5/ 324.(5/49)
عن جابر بن عبد الله: فكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته قد خبأ إليها يستتر بها من الناس بايعناه على ألا نفرّ، ولم نبايعه على الموت [ (1) ] .
وفيه- أيضا- عنه: لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي- صلى الله عليه وسلم- يبايع الناس وأنا رافع غصن من أغصانها عن رأسه ولم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على ألا نفرّ.
وروى الطبراني عن ابن عمر، والبيهقي عن الشعبي، وابن منده عن زر بن حبيش قالوا: لمّا دعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الناس إلى البيعة كان أول من انتهى إليه أبو سنان الأسدي، فقال:
ابسط يدك أبايعك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «علام تبايعني» قال: على ما في نفسك. زاد ابن عمر: فقال النبي: وما في نفسي؟ قال: أضرب بسيفي بين يديك حتى يظهرك الله أو أقتل.
فبايعه، وبايعه الناس على بيعة أبي سنان [ (2) ] .
وروى البيهقي عن أنس وابن إسحاق عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: لما أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ببيعة الرّضوان كان بعث عثمان- رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى أهل مكة، فبايع الناس، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «اللهم إنّ عثمان في حاجتك وحاجة رسولك، فضرب بإحدى يديه على الأخرى، فكانت يد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لعثمان خيرا من أيديهم لأنفسهم
[ (3) ] .
وروى البخاري وابن مردويه عن طارق بن عبد الرحمن قال: انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلّون فقلت: ما هذا؟ قالوا: هذه الشجرة حيث بايع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بيعة الرضوان.
فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته، فقال سعيد: حدّثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تحت الشجرة، فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها، فقال سعيد: إنّ أصحاب محمد لم يعلموها وعلمتموها أنتم، فأنتم أعلم. [ (4) ]
وروى ابن سعد بسند جيد عن نافع قال: خرج قوم من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك بأعوام فما عرف أحد منهم الشجرة، واختلفوا فيها. قال ابن عمر: كانت رحمة من الله.
وروى ابن أبي شيبة في المصنف وابن سعد عن نافع قال: بلغ عمر بن الخطاب أن ناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها فيصلّون عندها فتوعّدهم، ثم أمر فقطعت.
وروى البخاري وابن مردويه عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيّب: كم كان الذين
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم 3/ 1483 (267، 69/ 1856) .
[ (2) ] أخرجه ابن أبي شيبة 14/ 87، 600 وذكره السيوطي في الدر المنثور 6/ 74.
[ (3) ] أخرجه الدولابي من الكنى 1/ 133، والطبراني في الكبير 1/ 41 وابن أبي شيبة 12/ 46 والحاكم 3/ 98 وانظر الدر المنثور 6/ 74.
[ (4) ] أخرجه البخاري 7/ 512 (4163) .(5/50)
شهدوا بيعة الرّضوان؟ قال: خمس عشرة مائة، قلت فإنّ جابر بن عبد الله قال: أربع عشرة مائة، قال: يرحمه الله توهّم، هو حدّثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة [ (1) ] .
وروى الشيخان، وابن جرير عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان أصحاب الشجرة ألفا وثلاثمائة، وكانت أسلم ثمن المهاجرين [ (2) ] .
أفاد الواقديّ أنّ أسلم كانت في الحديبية مائة رجل.
وروى سعيد بن منصور والشيخان عن جابر بن عبد الله قال: كنّا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة فقال لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أنتم خير أهل الأرض»
[ (3) ] .
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي عن جابر بن عبد الله، ومسلم عن أم مبشّر- رضي الله عنهما- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة»
[ (4) ]
وروى الإمام أحمد بسند- رجاله ثقات- عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: لما كان يوم الحديبية قال لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا توقدوا نارا باللّيل» فلما كان بعد ذلك قال: «أوقدوا واصطنعوا فإنه لا يدرك قوم بعدكم صاعكم ولا مدّكم»
[ (5) ] .
فلمّا نظر سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى، ومكرز بن حفص، ومن كان معهم من عيون قريش من سرعة الناس إلى البيعة وتشميرهم إلى الحرب اشتدّ رعبهم وخوفهم، وأسرعوا إلى القضية.
ثم أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل» .
ذكر الهدنة وكيف جرى الصلح يوم الحديبية
روى ابن إسحاق وأبو عبيد وعبد الرزاق والإمام أحمد وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن مردويه، ومحمد بن عمر عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، والشيخان عن سهيل بن حنيف أن عثمان لما قدم من مكة هو ومن معه رجع سهيل بن عمرو وحويطب ومكرز إلى قريش فأخبروهم بما رأوا من سرعة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 507 (4153) .
[ (2) ] البخاري في المصدر السابق (4155) ومسلم 3/ 1485 (75/ 1857) .
[ (3) ] أخرجه البخاري 7/ 507 (4154) ، وأخرجه مسلم 3/ 1484 (71/ 1856) .
[ (4) ] أخرجه أبو داود (4653) والترمذي (3860) وأحمد 3/ 350 وابن المبارك في الزهد (498) وابن سعد 2/ 1/ 73 ومسلم في الفضائل باب 37 (163) .
[ (5) ] أخرجه أحمد 3/ 26 والحاكم 3/ 36 وابن أبي شيبة 8/ 481، 14/ 443 وأبو نعيم في تاريخ أصفهان 2/ 169.(5/51)
إلى البيعة وتشميرهم إلى الحرب اشتدّ رعبهم، فقال أهل الرأي منهم: ليس خير من أن نصالح محمدا على أن ينصرف عنّا عامه هذا، ولا يخلص إلى البيت حتى يسمع من سمع بمسيره من العرب أنّا قد صددناه، ويرجع قابلا فيقيم ثلاثا وينحر هديه وينصرف، ويقيم ببلدنا ولا يدخل علينا، فأجمعوا على ذلك. فلما أجمعت قريش على الصلح والموادعة بعثوا سهيل بن عمرو وحويطب ومكرز وقالوا لسهيل: ائت محمدا فصالحه وليكن في صلحك ألّا يدخل عامه هذا، فو الله لا تحدّث العرب أنه دخل علينا عنوة فأتى سهيل رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
فلما رآه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «قد أراد القوم الصّلح حين بعثوا هذا» وفي لفظ: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «سهل أمركم»
وجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- متربعا، وكان عباد بن بشر وسلمة بن أسلم بن حريش على رأسه- وهما مقنّعان في الحديد- فبرك سهيل على ركبتيه فكلم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأطال الكلام وتراجعا، وارتفعت الأصوات وانخفضت، وقال عباد بن بشر لسهيل: اخفض من صوتك عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- والمسلمون حول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جلوس، فجرى بين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وبين سهيل القول حتى وقع الصلح على أن توضع الحرب بينهما عشر سنين، وأن يأمن الناس بعضهم بعضا، وأن يرجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عامه هذا، فإذا كان العام المقبل قدمها فخلّوا بينه وبين مكة، فأقام فيها ثلاثا فلا يدخلها إلا بسلاح الراكب والسيوف في القرب لا يدخلها بغيره، وأنّه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليّه- وإن كان على دين محمّد- ردّه إلى وليّه، وأنه من أتى قريشا ممن اتّبع محمدا لم يردوه عليه، وأن بينهم وبين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عيبة مكفوفة، وأنه لا إسلال [ (1) ] ولا إغلال، وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحبّ أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل، فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن في عقد محمد وعهده، وتواثبت بنو بكر فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم.
فكره المسلمون هذه الشروط وامتعضوا منها، وأبى سهيل إلّا ذلك فلما اصطلحوا ولم يبق إلا الكتاب
وثب عمر بن الخطاب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله ألست نبيّ الله حقا؟ قال: بلى. قال: ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: بلى، قال: أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى. قال: علام نعطي الدّنيّة في ديننا؟ ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «إني عبد الله ورسوله ولست أعصيه ولن يضيّعني وهو ناصري» قال: أو ليس كنت تحدثنا أنّا سنأتي البيت فنطوف حقا؟ قال: «بلى، أفأخبرتك أنّك تأتيه العام؟ قال: لا: قال: «فإنّك آتيه ومطوّف به» ،
فذهب عمر إلى أبي بكر متغيّظا ولم يصبر،
__________
[ (1) ] الإسلال: السّرقة، انظر المعجم الوسيط 1/ 448.(5/52)
فقال: يا أبا بكر: أليس هذا نبيّ الله حقا؟ قال: بلى. قال: ألسنا على الحق وهم على الباطل؟
أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الدّنيّة في ديننا ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم؟ قال: أيّها الرّجل أنه رسول الله وليس يعصي ربّه، وهو ناصره فاستمسك بغرزه حتى تموت، فو الله إنه لعلى الحق. وفي لفظ فإنّه رسول الله. فقال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله، قال: أو ليس كان يحدّثنا أنّه سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنّك تأتيه العام؟ قال: لا. قال: فإنّك آتيه ومطوّف به. فلقي عمر من هذه الشّروط أمرا عظيما [ (1) ] . وقال كما في الصحيح: والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ، وجعل يردّ على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الكلام فقال أبو عبيدة بن الجراح- رضي الله عنه-: ألا تسمع يا ابن الخطاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول ما يقول، تعوّذ بالله من الشّيطان واتّهم رأيك، قال عمر:
فجعلت أتعوذ بالله من الشيطان حياء فما أصابني شيء قط مثل ذلك اليوم وعملت بذلك أعمالا- أي صالحة- لتكفر عني ما مضى من التوقف في امتثال الأمر ابتداء كما عند ابن إسحاق وابن عمر الأسلمي. قال عمر: فما زلت أتصدّق وأصوم وأصلّي وأعتق من الّذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الّذي تكلمت به حتّى رجوت أن يكون خيرا.
وروى البزار عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: اتهموا الرأي على الدين فلقد رأيتني أردّ أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- برأيي، وما ألوت على الحق، قال: فرضي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبيت حتى قال: «يا عمر تراني رضيت وتأبى»
[ (2) ] .
فقال سهيل: هات، اكتب بيننا وبينك كتابا،
فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عليّا- كما في حديث البراء عند البخاري في كتاب الصّلح وكتاب الجزية، ورواه إسحاق بن راهويه من حديث المسور ومروان، وأحمد، والنسائي، والبيهقي والحاكم- وصححه عن عبد الله بن مغفل [ (3) ] ، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «اكتب بسم الله الرحمن الرّحيم» ، فقال سهيل- وأسلم بعد ذلك- أمّا الرّحمن الرّحيم فو الله ما أدري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب اكتب في قضيّتنا ما نعرف. فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلّا بسم الله الرحمن الرّحيم. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- «اكتب باسمك اللهمّ» ثم قال: «هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم» فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن
__________
[ (1) ] البخاري 4/ 26، 125، أخرجه مسلم 3/ 1412 (94/ 1785) والطبراني في الكبير 6/ 109 وابن سعد 1/ 1/ 20، وانظر المجمع 3/ 312، 5/ 67.
[ (2) ] أخرجه الدولابي في الكنى 2/ 69.
[ (3) ] عبد الله بن مغفل: بمعجمة وفاء ثقيلة، ابن عبيد بن نهم: بفتح النون وسكون الهاء، أبو عبد الرحمن المزني، صحابي، بايع تحت الشجرة، ونزل البصرة، مات سنة سبع وخمسين، وقيل بعد ذلك، التقريب 1/ 453.(5/53)
البيت، ولا قاتلناك، اكتب في قضيّتنا ما نعرف، اكتب محمد بن عبد الله. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لعلي امحه، فقال على: ما أنا بالّذي «أمحاه» وفي لفظ «أمحاك» وفي حديث محمد ابن كعب القرظيّ: فجعل عليّ يتلكّأ، وأبى أن يكتب إلّا محمد رسول الله، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: اكتب فإنّ لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد
[ (1) ] انتهى.
وذكر محمد بن عمر أن أسيد بن الحضير وسعد بن عبادة أخذا بيد علي ومنعاه أن يكتب إلّا «محمد رسول الله» ، وإلّا فالسّيف بيننا وبينهم، فارتفعت الأصوات، فجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخفضهم ويومئ بيده إليهم: اسكتوا. فقال: أرنيه، فأراه إياه فمحاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بيده وقال: اكتب محمد بن عبد الله. قال الزهري: وذلك لقوله- صلى الله عليه وسلم- لا يسألوني خطّة يعظّمون بها حرمات الله إلّا أعطيتهم إياها، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لسهيل على أن تخلّوا بيننا وبين البيت، فنطوف، فقال سهيل: لا والله لا تحدّث العرب أنّا أخذنا ضغطة، ولكن لك من العام المقبل، فكتب. فقال سهيل: على أنه لا يأتيك منّا أحد بغير إذن وليّه- وإن كان على دينك إلّا سددته إلينا فقال المسلمون: سبحان الله، أيكتب هذا؟ كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: نعم إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاء منهم إلينا سيجعل الله له فرجا ومخرجا» [ (2) ] .
وفي حديث عبد الله بن مغفل عند الإمام أحمد، والنسائي، والحاكم بعد أن ذكر نحو ما تقدم، قال فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابا عليهم السّلاح فثاروا إلى وجوهنا، فدعا عليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخذ الله بأسماعهم- ولفظ الحاكم بأبصارهم- فقمنا إليهم فأخذناهم،
فقال لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «هل جئتم في عهد أحد وهل جعل لكم أحد أمانا» ؟
فقالوا: لا. فخلّى سبيلهم فانزل الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ [سورة الفتح 24]
[ (3) ] .
وروى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد، وعبد بن حميد، ومسلم، والثلاثة عن أنس قال:
لما كان يوم «الحديبية» هبط على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأصحابه ثمانون رجلا من أهل مكّة في
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 357 (2699) ، وأحمد 4/ 328، 4/ 86، 5، 23، 33 والبيهقي 9/ 220، 227 وعبد الرزاق في المصنف (9720) ، والطبري في التفسير 26/ 59، 63 وابن كثير في التفسير 7/ 324 وانظر المجمع 6/ 145، 146.
[ (2) ] انظر التخريج السابق وأخرجه أبو داود في الجهاد باب (167) واحمد 4/ 329، 330 والسيوطي في الدّر المنثور 6/ 76.
[ (3) ] أخرجه أحمد 4/ 87 والبيهقي 6/ 319 والحاكم في المستدرك 2/ 461 وابن الجوزي في زاد المسير 7/ 438 وانظر الدر المنثور 6/ 78.(5/54)
السّلاح من قبل جبل التّنعيم يريدون غرّة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فدعا عليهم، فأخذوا فعفا عنهم [ (1) ] .
وروى عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلاً من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقال له ابن زنيم اطلع الثنية «يوم الحديبية» فرماه المشركون فقتلوه، فبعث نبي الله- صلّى الله عليه وسلم- خيلا، فأتوا باثني عشر فارسا، فقال لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «هل لكم عهد أو ذمّة» ؟ قالوا: لا. فأرسلهم
[ (2) ] .
وروى الإمام أحمد، وعبد بن حميد، ومسلم، عن سلمة بن الأكوع. رضي الله عنه قال: إن المشركين من أهل مكة أرسلونا في الصّلح فلما اصطلحنا واختلط بعضنا ببعض أتيت شجرة فاضطجعت في ظلّها، فأتاني أربعة من مشركي أهل مكة، فجعلوا يقعون في رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأبغضهم وتحوّلت إلى شجرة أخرى، فعلّقوا سلاحهم واضطجعوا، فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي يا للمهاجرين، قتل ابن زنيم فاخترطتّ سيفي فاشتددت على أولئك الأربعة وهم رقود، فأخذت سلاحهم، وجعلته في يدي، ثم قلت: والّذي كرّم وجه محمد- صلى الله عليه وسلم- لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي في عينيه، ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وجاء عمّي عامر برجل من العبلات يقال له مكرز من المشركين يقوده حتّى وقفناه على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: دعوهم يكون لهم بدء الفجور وثنياه فعفا عنهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنزل الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ [الفتح 24] فبينما الناس على ذلك إذ أبو جندل- بالجيم والنّون وزن جعفر- بن سهيل ابن عمرو يرسف في قيوده قد خرج من أسفل مكّة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، وكان أبوه سهيل قد أوثقه في الحديد وسجنه، فخرج من السّجن واجتنب الطّريق وركب الجبال حتّى أتى «الحديبية- فقام إليه المسلمون يرحّبون به ويهنّئونه، فلما رآه أبوه سهيل قام إليه فضرب وجهه بغصن شوك وأخذ بتلبيبه
ثم قال: «يا محمد، هذا أوّل ما أقاضيك عليه أن تردّه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «إنّا لم نقض الكتاب بعد» قال فو الله إذا لا أصالحك على شيء أبدا. قال: «فأجزه لي» قال: ما أنا بمجيزه لك. قال: «بلى فافعل» . قال:
ما أنا بفاعل.
فقال مكرز وحويطب: بلى قد أجزناه لك. فأخذاه فأدخلاه فسطاطا فأجازاه وكفّ عنه أبوه. فقال أبو جندل أي معاشر المسلمين أردّ إلى المشركين وقد جئت مسلما؟ ألا
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم 3/ 1442 (133/ 1808) ، وأحمد 3/ 124 والغرة هي الغفلة أي يريدون أن يصادفوا منه ومن أصحابه غفلة عن التأهب لهم ليتمكنوا من غدرهم والفتك بهم.
[ (2) ] أخرجه الطبري 26/ 59 وذكره السيوطي في الدر المنثور 6/ 76.(5/55)
ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذّب عذابا شديدا،
فرفع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صوته وقال: يا أبا جندل، اصبر واحتسب فإنّ الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، إنّا قد عقدنا مع القوم صلحا وأعطيناهم وأعطونا على ذلك عهدا، وإنّا لا نغدر»
ومشى عمر بن الخطاب إلى جنب أبي جندل، وقال له: اصبر واحتسب فإنّما هم المشركون وإنّما دم أحدهم دم كلب، وجعل عمر يدنى قائم السّيف منه. قال عمر: رجوت أن يأخذ السّيف فيضرب به أباه. قال فضنّ الرّجل بأبيه. [ (1) ]
وقد كان أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد خرجوا وهم لا يشكّون في الفتح لرؤيا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فلمّا رأوا ما رأوا من الصّلح والرجوع وما تحمل عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في نفسه دخل علي الناس من ذلك أمر عظيم حتّى كادوا يهلكون. فزادهم أمر أبي جندل على ما بهم، ونفذت القضية وشهد على الصلح رجال من المسلمين ورجال من المشركين:
أبو بكر وعمر، وعبد الرحمن ابن عوف، وعبد الله بن سهيل بن عمرو، وسعد بن أبي وقاص، ومحمود بن مسلمة وعلي بن أبي طالب- رضي الله عنهم- ومكرز بن حفص وهو مشرك.
فلما فرغ من قضيّة الكتاب
قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «قوموا فانحروا ثم احلقوا» فو الله ما قام رجل منهم، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فاشتدّ ذلك عليه، فدخل على أم سلمة فقال:
«هلك المسلمون، أمرتهم أن ينحروا ويحلقوا فلم يفعلوا» . وفي رواية: «ألا ترين إلى النّاس أمرهم بالأمر فلا يفعلونه- وهم يسمعون كلامي وينظرون وجهي» .
فقالت: يا رسول الله، لا تلمهم فإنّهم قد دخلهم أمر عظيم ممّا أدخلت على نفسك من المشقّة في أمر الصّلح، ورجوعهم بغير فتح يا نبي الله اخرج ولا تكلّم أحدا كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك فجلى الله- تعالى- عن الناس بأم سلمة- فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- واضطبع [ (2) ] بثوبه، فخرج فأخذ الحربة ويمّم هديه وأهوى بالحربة إلى البدن رافعا صوته «بسم الله والله أكبر» ونحر، فتواثب المسلمون إلى الهدي وازدحموا عليه ينحرونه حتى كاد بعضهم يقع على بعض، وأشرك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه في الهدي، فنحر البدنة عن سبعة، وكان هدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سبعين بدنة، وكان الهدي دون الجبال التي تطلع على وادي الثّنيّة، فلما صدّه المشركون ردّ وجوه البدن [ (3) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 330 والبيهقي في دلائل النبوة 5/ 331.
[ (2) ] اضطبع: أخذ الإزار أو البرد فيجعل وسطه تحت إبطه الأيمن ويلقي طرفيه على كتفه الأيسر من جهتي صدره وظهره، انظر النهاية 3/ 73.
[ (3) ] أخرجه البخاري 3/ 257 وأبو داود في الجهاد باب 167 واحمد 4/ 331 والبيهقي في الدلائل 4/ 106 وعبد الرزاق (9720) والطبري 26/ 63 وابن أبي شيبة 14/ 450.(5/56)
قال ابن عباس: لما صدّت عن البيت حنّت كما تحنّ إلى أولادها. رواه الإمام أحمد والبيهقي [ (1) ] . فنحر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بدنه حيث حبسوه وهي الحديبية، وشرد جمل أبي جهل من الهدي وهو يرعى وقد قلد وأشعر. وكان نجيبا مهريا في رأسه برّة من فضة، أهداه ليغيظ بذلك المشركين، فمر من الحديبية حتى انتهى إلي دار أبي جهل بمكة، وخرج في أثره عمرو بن عنمة بن عديّ الأنصاري، فأبى سفهاء مكّة أن يعطوه حتّى أمرهم سهيل بن عمرو بدفعه إليه، قيل: ودفعوا فيه عدّة نياق،
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم «لولا أن سمّيناه في الهدي فعلنا» ،
ونحره عن سبعة، ونحر طلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، بدنات ساقوها.
وروى ابن سعد عن أبي سفيان عن جابر قال: نحر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سبعين بدنة عام الحديبية، البدنة عن سبعة، وكنّا يومئذ ألفا وأربعمائة، ومن لم يضح أكثر ممن ضحى، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مضطربا في الحل وإنّما يصلّي في الحرم. وبعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من هديه بعشرين بدنة لتنحر عنه عند «المروة» مع رجل من أسلم، فلما فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من نحر البدن دخل قبة له من أدم حمراء ودعا بخراش- بمعجمتين- بن أمية بن الفضل الكعبي، فحلق رأسه ورمى شعره على شجرة كانت إلى جنبه من سمرة خضراء، فجعل الناس يأخذون الشّعر من فوق الشّجرة فيتحاصونه، وأخذت أمّ عمارة طاقات من شعره فكانت تغسلها للمريض وتسقيه فيبرأ، وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غمّا.
وحلق بعض المسلمين وقصّر بغض،
فأخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأسه من قبته وهو يقول: رحم الله المحلقين، قيل: يا رسول الله والمقصرين قال: «رحم الله المحلّقين ثلاثا» . ثم قال و «المقصرين»
[ (2) ] .
وروى ابن أبي شيبة عن ابن عباس أنهم قالوا: يا رسول الله ما بال المحلّقين ظاهرت عليهم الترحيم؟ قال: لأنّهم لم يشكّوا [ (3) ] . ورواه البيهقي موقوفا.
وبعث الله تعالى ريحا عاصفة فاحتملت أشعارهم فألقتها في الحرم كما رواه ابن سعد عن مجمع بن يعقوب عن أبيه، وأقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «بالحديبية تسعة عشر يوما، ويقال عشرين ليلة، ذكره محمد بن عمر، وابن سعد. قال ابن عائذ: وأقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوته هذه شهرا ونصفا.
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 152.
[ (2) ] أخرجه الحاكم 4/ 230 والبيهقي 5/ 236 والدعاء للمحلّفين متفق عليه من حديث ابن عمر البخاري 3/ 561 (1727) ومسلم 2/ 945 (317/ 1301) .
[ (3) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 151.(5/57)
ذكر رجوع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-
روى مسلم عن سلمة بن الأكوع، والبيهقي عن ابن عباس، وابن سعد، والبيهقي، والحاكم عن أبي عمرة الأنصاري، والبزار، والطبراني، والبيهقي عن أبي خنيس الغفاري، ومحمد بن عمر عن شيوخه، يزيد بعضهم على بعض: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما انصرف من «الحديبية» نزل بمرّ «الظّهران» ثم نزل «بعسفان» وأرملوا من الزّاد، فشكا الناس إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنهم قد بلغوا من الجوع الجهد، وفي الناس ظهر، فقالوا: ننحره يا رسول الله، وندهن من شحومه ونتّخذ من جلوده أحذية فأذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبر بذلك عمر ابن الخطاب فجاء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله لا تفعل، فإن يكن في النّاس بقيّة ظهر يكن أمثل، كيف بنا إذا نحن لقينا العدوّ غدا جياعا رجالا؟! ولكن إن رأيت أن تدعو النّاس ببقايا أزوادهم فتجمعها ثمّ تدعو فيها بالبركة فإنّ الله سيبلّغنا بدعوتك، ودعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- النّاس ببقايا أزوادهم وبسط نطعا فجعل النّاس يجيئون بالحفنة من الطّعام وفوق ذلك، فكان أعلاهم من جاء بصاع تمر، فاجتمع زاد القوم على النّطع، قال سلمة: فتطاولت لأحرّركم هو فحررته كربضة عنز ونحن أربع عشرة مائة، فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فدعا بما شاء الله أن يدعو، فأكلوا حتّى شبعوا، ثم حشوا أوعيتهم، وبقي مثله،
فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه، وقال: «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، والله لا يلقي الله- تعالى- عبد مؤمن بهما إلّا حجب من النار» .
ثم إذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الرّحيل، فلما ارتحلوا أمطروا ما شاءوا وهم صائفون، فنزل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ونزلوا، فشربوا من ماء السماء.
ثم قام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فخطبهم، فجاء ثلاثة نفر فجلس اثنان مع النبي- صلى الله عليه وسلم- وذهب واحد معرضا،
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ألا أخبركم عن الثّلاثة؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: أما واحد فاستحيا فاستحيا الله منه، وأمّا الآخر فتاب فتاب الله عليه، أمّا الثّالث فأعرض. فأعرض الله عنه» .
وروى البيهقي عن عروة قال: قفل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- راجعا فقال رجل من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ما هذا بفتح، لقد صددنا عن البيت وصدّ هدينا. وردّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجلين من المؤمنين كانا خرجا إليه، فبلغ ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «بئس الكلام، بل هو أعظم الفتح، قد رضي المشركون أن يدفعوكم بالراح عن بلادهم. ويسألوكم القضيّة، ويرغبون إليكم في الأمان، ولقد رأوا منكم ما كرهوا، وأظفركم الله- تعالى- عليهم وردّكم سالمين مأجورين فهو أعظم الفتح، أنسيتم يوم أحد؟ إذ تصعدون ولا تلوون على أحد، وأنا(5/58)
أدعوكم في أخراكم!! أنسيتم يوم الأحزاب؟ إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنّون بالله الظّنونا
!! فقال المسلمون: صدق الله ورسوله، فهو أعظم الفتوح، والله يا نبي الله ما فكّرنا فيما فكّرت فيه، ولأنت أعلم بالله وبالأمور منا.
ذكر نزول سورة الفتح ومرجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وما ظهر في ذلك من الآيات
روى الإمام أحمد، والبخاري، والترمذي، والنسائي، وابن حبان وابن مردويه عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سفر يعني «الحديبيّة» فسألته عن شيء ثلاث مرّات، فلم يرد على، فقلت في نفسي: ثكلتك أمك يا ابن الخطّاب، نزّرت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرات فلم يردّ عليك، فحركت بعيري، ثم تقدّمت أمام النّاس، وخشيت أن ينزل فيّ القرآن، فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي، فرجعت وأنا أظنّ أنه نزل في شيء،
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- «لقد أنزلت عليّ اللّيلة سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ
[الفتح 1، 2] .
وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد، وابن سعد، وأبو داود، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم- وصححه- وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، عن مجمع بن جارية الأنصاري- رضي الله عنه- قال: شهدنا «الحديبية» مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فلمّا انصرفنا عنها إلى كراع الغميم إذا الناس يوجفون الأباعر، فقال الناس بعضهم لبعض: ما للنّاس؟ قالوا: أوحى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فخرجنا مع الناس نوجف، فإذا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- على راحلته عند «كراع الغميم»
فاجتمع النّاس إليه فقرأ عليهم إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً الفتح [ (1) ] فقال رجل من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- أو هو فتح؟ فقال: «أي والذي نفسي بيده إنَّه فتح»
زاد ابن سعد: فلما نزل بها جبريل قال: ليهنئك يا رسول الله، فلما هنأه جبريل هنّأه النّاس [ (1) ] .
وروى عبد الرازق والإمام أحمد، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والشيخان والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم عن أنس- رضي الله عنه- قال: لما رجعنا من «الحديبية» قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أنزلت عليّ ضحّى آية هي أحب إلي من الدّنيا جميعا»
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 420 وأخرجه أبو داود في الجهاد باب فيمن أسهم له سهما وذكره الحافظ بن كثير في التفسير 7/ 308 والبيهقي في الدلائل 4/ 155.(5/59)
ثلاثا- قلنا- وفي لفظ قالوا- هنيئا مريئا لك يا رسول الله قد بين الله لك ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فنزلت، وفي لفظ فنزلت عليه: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ [الفتح 5] حتّى بلغ فَوْزاً عَظِيماً [ (1) ] .
وروى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد، والبخاري في تاريخه، وأبو داود والنسائي، وابن جرير، وغيرهم عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: «أقبلنا من الحديبية» مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فبينا نحن نسير إذ أتاه الوحي، وكان إذا أتاه اشتدّ عليه، فسرّي عنه وبه من السرور ما شاء الله، فأخبرنا أنّه أنزل عليه إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً [ (2) ] .
وروى البيهقي من طريق المسعودي عن جامع بن شداد عن عبد الرحمن بن أبي علقمة عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: لمّا أقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من «الحديبية» جعلت ناقته تثقل فانزل الله تعالى إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً فأدركنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من السرور ما شاء، فأخبرنا أنها أنزلت عليه،
فبينا نحن ذات ليلة إذ عرّس بنا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «من يحرسنا» ؟ فقلت أنا يا رسول الله، فقال: «إنّك تنام» ثم قال: «من يحرسنا» فقلت:
أنا. فقال: أنت، فحرستهم، حتى إذا كان وجه الصبح أدركني قول رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إنّك تنام، فما استيقظت إلّا بالشمس، فلما استيقظنا قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن الله لو شاء أن لا تناموا عنها لا تناموا، ولكنّه أراد أن يكون ذلك لمن بعدكم» ، ثم قام فصنع كما كان يصنع، ثم قال: «هكذا لمن نام أو نسي من أمّتي» ثم ذهب القوم في طلبهم رواحلهم فجاءوا بهن غير راحلة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: فقال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «اذهب هاهنا» ووجّهني وجها فذهبت حيث وجّهني فوجدت زمامها قد التوى بشجرة ما كانت تحلها الأيدي.
قال البيهقي:
كذا قال المسعودي عن جامع بن شداد: أن ذلك كان حين أقبلوا من الحديبية [ (3) ] ، ثم روى من طريق شعبة- وناهيك به عن جامع بن شداد عن عبد الرحمن بن أبي علقمة عن ابن مسعود قال: أقبلنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من غزوة تبوك قال البيهقي: يحتمل أن يكون مراد المسعوديّ بذكر الحديبية تاريخ نزول السّورة حين أقبلوا من الحديبية فقط، ثم ذكر معه حديث النّوم عن الصّلاة، وحديث الراحلة، وكانا في غزوة تبوك قلت لم ينفرد المسعوديّ بذلك، قال ابن أبي شيبة في المصنّف: حدثنا منذر عن شعبة عن جامع بن شداد به، ولا مانع من التعدد.
__________
[ (1) ] أخرجه ابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص (436) (1760) ، والبيهقي 5/ 217 وأحمد 4/ 152، والحاكم 4/ 460 وذكره السيوطي في الدر المنثور 6/ 71 والخطيب في التاريخ 3/ 319، البيهقي في الدلائل 4/ 155.
[ (2) ] أخرجه البخاري في التفسير 8/ 582 (4833) ، والبيهقي في الدلائل 4/ 155.
[ (3) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 155.(5/60)
ذكر قدوم أبي بصير على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ورده إليهم وما حصل له ولأصحابه من الفرج
روى عبد الرزاق والإمام أحمد وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود والنسائي عن المسور بن مخرمة، والبيهقي عن ابن شهاب الزّهريّ [ (1) ] . إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما قدم المدينة من الحديبية أتاه أبو بصير عتبة- بضم العين المهملة- ابن أسيد- بوزن أمير- بن جارية- بجيم- الثقفي، حليف بني زهرة- مسلما قد أفلت من قومه- فسار على قدميه سعيا، فكتب الأخنس بن شريق، وأزهر بن عبد عوف الزّهريّ إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كتابا وبعثا خنيس- بمعجمة ونون وآخره مهملة- مصغّر- ابن جابر من بني عامر بن لؤيّ، استأجراه ببكر بن لبون، وحملاه على بعير، وكتبا يذكران الصّلح الذي بينهم، وأن يردّوا إليهم أبا بصير، فخرج العامريّ ومعه مولّى له يقال له كوثر دليلا، فقد ما بعد أبي بصير بثلاثة أيام فقرأ أبي بن كعب الكتاب على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فإذا فيه: قد عرفت ما شارطناك عليه، وأشهدنا بينك وبيننا من ردّ من قدم عليك من أصحابنا فابعث إلينا بصاحبنا.
فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أبا بصير أن يرجع معهما، ودفعه إليهما فقال: يا رسول الله تردّني إلى المشركين يفتنونني في ديني؟ فقال: «يا أبا بصير إنّا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت، ولا يصلح لنا في ديننا الغدر وأن الله- تعالى جاعل لك ولمن معك من المسلمين فرجا ومخرجا» ، فقال: يا رسول الله تردّنّي إلى المشركين؟!! قال: «انطلق يا أبا بصير، فإنّ الله سيجعل لك فرجا ومخرجا» فخرج معهما،
وجعل المسلمون يسرّون إلى أبي بصير: يا أبا بصير أبشر فإن الله جاعل لك فرجا ومخرجا، والرّجل يكون خيرا من ألف رجل، فافعل وافعل: يأمرونه بقتل اللذين معه، وقال له عمر: أنت رجل، ومعك السيف، فانتهيا به عند صلاة الظهر بذي الحليفة، فصلى أبو بصير في مسجدها ركعتين، صلاة المسافر، ومعه زاد له من تمر يحمله، يأكل منه. ودعا العامري وصاحبه ليأكلا معه فقد ما سفرة فيها كسر فأكلوا جميعا وقد علّق العامريّ سيفه في الجدار وتحادثا. ولفظ عروة: فسلّ العامريّ سيفه ثمّ هزّه فقال: لأضربنّ بسيفي هذا في الأوس والخزرج يوما إلى الليل. فقال له أبو بصير: أصارم سيفك هذا؟ قال: نعم، قال: ناولنيه أنظر إليه إن شئت، فناوله إيّاه، فلمّا قبض عليه ضربه به حتى برد. قال ابن عقبة: ويقال بل تناول أبو بصير السّيف بفيه وصاحبه نائم، فقطع إساره ثمّ ضربه به حتّى برد، وطلب الآخر فجمز مذعورا مستخفيا، وفي لفظ: وخرج كوثر هاربا يعدو نحو المدينة وهو عاضّ على أسفل ثوبه قد بدا طرف ذكره،
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 329 في الشروط وأبو داود في الجهاد باب 167 وأحمد 4/ 331 والبيهقي في الدلائل 4/ 107 وفي السنن 9/ 221 وعبد الرزاق في المصنف (9720) وانظر البداية والنهاية 4/ 176.(5/61)
والحصى يطير من تحت قدميه من شدّة عدوه، وأبو بصير في أثره، فأعجزه
وأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو جالس في أصحابه بعد العصر، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حين رآه: «لقد رأى هذا ذعرا فلما انتهى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: «ويحك مالك» قال: قتل والله صاحبكم صاحبي وأفلت منه ولم أكد، وإني لمقتول. واستغاث برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأمّنه، وأقبل أبو بصير فأناخ بعير العامريّ. ودخل متوشّحا سيفه. فقال: يا رسول الله قد وفت ذمّتك وأدّى الله عنك، وقد أسلمتني بيد العدو، وقد امتنعت بديني من أن أفتن، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ويل أمّه مسعر حرب [ (1) ] » وفي لفظ «محشّ حرب، لو كان معه رجال» وفي لفظ له أحد
قال عروة ومحمد بن عمر: وقدّم سلب العامريّ لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليخمسه، فقال: «إني إذا خمسته رأوني لم أوف لهم بالّذي عاهدتهم عليه، ولكن شأنك بسلب صاحبك، واذهب حيث شئت» وفي الصحيح أن أبا بصير لما سمع
قول رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «ويل امّه مشعر حرب لو كان معه أحد»
عرف أنّه سيرده، فخرج أبو بصير ومعه خمسة كانوا قدموا معه مسلمين من مكة حين قدم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلم يكن طلبهم أحد حتى قدموا سيف البحر، ولمّا بلغ سهيل بن عمرو قتل أبو بصير العامريّ اشتدّ عليه وقال: ما صالحنا محمدا على هذا. فقالت قريش: قد برئ محمد منه قد أمكن صاحبكم منه فقتله بالطريق، فما على محمد في هذا؟ فأسند سهيل ظهره إلى الكعبة وقال: والله لا أؤخّر ظهري حتّى يودى هذا الرجل، قال أبو سفيان بن حرب: إنّ هذا لهو السّفه، والله لا يودى ثلاثا- وأنّى قريش تديه وإنما بعثته بنو زهرة؟ فقال الأخنس بن شريق: والله ما نديه، ما قتلناه ولا أمرنا بقتله، قتله رجل مخالف فأرسلوا إلى محمد يديه. فقال أبو سفيان بن حرب: لا، ما على محمد دية ولا غرم قد برئ محمد. ما كان على محمد أكثر مما صنع، فلم تخرج له دية فأقام أبو بصير وأصحابه بسيف البحر، وقال ابن شهاب: بين العيص وذي المروة من أرض جهينة على طريق عيرات قريش.
قال محمد بن عمر: لما خرج أبو بصير لم يكن معه إلّا كفّ تمر فأكله ثلاثة أيام، وأصاب حيتانا قد ألقاها البحر بالسّاحل فأكلها، وبلغ المسلمين الذين قد حبسوا بمكّة خبر أبي بصير، فتسللوا إليه.
قال محمد بن عمر: كان عمر بن الخطاب هو الذي كتب إليهم بقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأبي بصير «ويل أمّه محش حرب لو كان له رجال» وأخبرهم أنه بالسّاحل، وانفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو الذي ردّه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المشركين بالحديبية، فخرج هو وسبعون راكبا ممّن أسلموا فلحقوا بأبي بصير، وكرهوا أن يقدموا على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في
__________
[ (1) ] مشعر حرب أي موقدها، انظر المعجم الوسيط 1/ 432.(5/62)
هدنة المشركين، وكرهوا الثواء بين ظهراني قومهم، فنزلوا مع أبي بصير، ولمّا قدم أبو جندل على أبي بصير سلم له الأمر، لكونه قرشيا فكان أبو جندل يؤمّهم، واجتمع إلى أبي جندل- حين سمع بقدومه- ناس من بني غفار وأسلم وجهينة، وطوائف من الناس حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل- كما عند البيهقي عن ابن شهاب- لا تمرّ بهم عير لقريش إلّا أخذوها وقتلوا من فيها، وضيّقوا على قريش، فلا يظفرون بأحد منهم إلّا قتلوه.
ومما قاله أبو جندل بن سهيل في تلك الأيام:
أبلغ قريشا عن أبي جندل ... أنّا بذي المروة في السّاحل
في معشر تخفق راياتهم ... بالبيض فيها والقنا الذّابل
يأبون أن تبقى لهم رفقة ... من بعد إسلامهم الواصل
أو يجعل الله لهم مخرجا ... والحقّ لا يغلب بالباطل
فيسلم المرء بإسلامه ... ويقتل المرء ولم يأتل
فأرسلت قريش إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبا سفيان بن حرب يسألونه ويتضرعون إليه أن يبعث إلى أبي بصير وأبي جندل ومن معهم، وقالوا من خرج منّا إليك فأمسكه فهو لك حلال غير حرج أنت فيه. وقال: فإن هؤلاء الرّكب قد فتحوا علينا بابا لا يصلح إقراره، فكتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى أبي بصير وأبي جندل يأمرهما أن يقدما عليه، ويأمر من معهما ممّن اتّبعهما من المسلمين أن يرجعوا إلى بلادهم وأهليهم فلا يتعرضوا لأحد مر بهم من قريش وعيراتها، فقدم كتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- على أبي بصير وهو يموت. فجعل يقرؤه، ومات وهو في يديه، فدفنه أبو جندل مكانه، وجعل عند قبره مسجدا.
وقدم أبو جندل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعه ناس من أصحابه ورجع سائرهم إلى أهليهم، وأمنت بعد ذلك عيرات قريش.
قال عروة: فلمّا كان ذلك من أمرهم علم الذين كانوا أشاروا على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أن يمنع أبا جندل من أبيه بعد القضيّة أنّ طاعة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خير لهم فيما أحبّوا وفيما كرهوا من رأى من ظن أن له قوّة هي أفضل مما خص الله تعالى به رسوله من الفوز والكرامة- صلى الله عليه وسلّم-
ولمّا دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عام القضية وحلق رأسه قال: «هذا الذي وعدتكم» .
ولمّا كان يوم الفتح أخذ المفتاح
وقال: «ادعوا لي عمر بن الخطاب. فقال: «هذا الّذي قلت لكم» .
ولما كان في حجة الوداع وقف بعرفة وقال: «أي عمر هذا الذي قلت لكم إني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والله ما كان فتح في الإسلام أعظم من صلح الحديبية، وكان الناس قصر(5/63)
رأيهم عمّا كان،
وكان أبو بكر- رضي الله عنه- يقول: ما كان فتح في الإسلام أعظم من صلح الحديبية، وكان النّاس قصر رأيهم عمّا كان بين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وبين ربّه، والعباد يعجلون، والله- تعالى- لا يعجل لعجلة العبد حتى يبلغ الأمور ما أراد، لقد رأيت سهيل بن عمرو في حجة الوداع قائما عند المنحر يقرّب لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- بدنه ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- ينحرها بيده، ودعا الحلّاق فحلق رأسه فأنظر إلى سهيل يلقط من شعره، وأراه يضعه على عينيه، وأذكر امتناعه أن يقرّ يوم الحديبية بأن يكتب: «بسم الله الرحمن الرّحيم» فحمدت الله- تعالى- الذي هداه للإسلام.
ذكر ما أنزل الله سبحانه وتعالى في شأن غزوة الحديبية: قال الله سبحانه وتعالى «إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً»
بيّنا وظاهرا، وهذا إخبار عن صلح الحديبية، وسمّاه فتحا لأنه كان بعد ظهوره على المشركين حتّى سألوه الصّلح، وتسبب عنه فتح مكة، وفرغ به- صلى الله عليه وسلّم- لسائر العرب فغزاهم، وفتح مواضع.
وروى البخاري عن أنس- رضي الله عنه- في الآية قال: الفتح صلح الحديبية [ (1) ] .
وروى أيضا عن البراء رضي الله عنه- قال: تعدّون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكّة فتحا، ونحن نعدّ الفتح بيعة الرّضوان يوم الحديبية.
قال الحافظ رحمه الله يعني قوله تعالى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً وهذا موضع وقع فيه اختلاف قديم: والتحقيق: أنه يختلف باختلاف المراد من الآيات. فقوله- تعالى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً المراد بالفتح هنا الحديبية، لأنها كانت مبدأ الفتح المبين على المسلمين لما ترتّب على الصلح الذي وقع من الأمن ورفع الحرب وتمكّن من كان يخشى الدخول في الإسلام والوصول إلى المدينة من ذلك، كما وقع لخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص وغيرهما، ثم تبعت الأسباب بعضها بعضا، إلى أن كمل الفتح.
قال الزهري: لم يكن في الإسلام فتح قبل فتح الحديبية أعظم منه إنما كان الكفر حيث القتال، فلمّا أمن الناس كلّهم، كلّم بعضهم بعضا، وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، ولم يكلّم أحد بالإسلام يعقل شيئا إلّا بادر إلى الدخول فيه، فلقد دخل في تينك السّنتين مثل من كان دخل في الإسلام قبل ذلك أو أكثر.
__________
[ (1) ] البخاري 8/ 447 (4834) .(5/64)
قال ابن هشام: ويدل عليه أنه- صلى الله عليه وسلم- خرج في الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج بعد سنتين إلى فتح مكّة في عشرة آلاف انتهى.
وأما قوله- تعالى- في هذه السّورة: وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً فالمراد به فتح خيبر على الصحيح، لأنها وقعت فيها المغانم الكثيرة، وقسمت خيبر على أهل الحديبية، وأما قوله- تعالى: فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً فالمراد به الحديبية، وأما قوله- تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وقوله- صلى الله عليه وسلم «لا هجرة بعد الفتح» [ (1) ] فالمراد به فتح مكّة باتّفاق، فبهذا يرتفع الإشكال وتجتمع الأقوال بعون الله.
وقال في موضع آخر: ومما ظهر من مصلحة الصلح المذكور غير ما ذكره الزّهري، أنه كان مقدمة بين يدي الفتح الأعظم الذي دخل الناس عقبه في دين الله أفواجا» فكانت الهدنة معناها كذلك، ولمّا كانت قصة الحديبية مقدمة للفتح سميّت فتحا، لأنّ الفتح في اللغة فتح مغلق، والصّلح كان مغلقا حتّى فتحه الله- تعالى. وكان من أسباب فتحه صدّ المسلمين عن البيت، فكان في الصورة الظاهرة ضيماً للمسلمين، وفي الصورة الباطنة عزاً لهم، فإن الناس لأجل الأمن الذي وقع بينهم اختلط بعضهم ببعض من غير نكير، وأسمع المسلمون المشركين القرآن وناظروهم على الإسلام جهرة آمنين، وكانوا قبل لا يتكلمون عندهم بذلك إلّا خفية.
وظهر من كان يخفى إسلامه، فذلّ المشركون من حيث أرادوا العزّة، وقهروا من حيث أرادوا الغلبة، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ اللام للعلة الغائيّة، جعل الغفران علة للفتح من حيث إنه سبب عن جهاد الكفّار والسّعي في إعلاء الدين، وإزاحة الشّرك وتكميل النّفوس النّاقصة قهرا، ليصير ذلك بالتّدريج اختيارا، وتخليص الضّعفة من أيدي الظّلمة، وتقدم الكلام على هذه الآية في أواخر تنبيهات المعراج، ويأتي له تتمة في الخصائص وَيُتِمَّ بالفتح المذكور نِعْمَتَهُ إنعامه بإِعلاء الدين وضم الملك إِلى النُّبُوّة عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ في تبليغ الرسالة وإقامة مراسيم الديانة صِراطاً طريقا مُسْتَقِيماً يثبّتك عليه، وهو دين الإسلام وَيَنْصُرَكَ الله به نَصْراً عَزِيزاً ذا عز لا ذلّ معه هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ الثّبات والطّمأنينة فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ حتى يثبتوا، حتى لا تقلق النفوس وتدحض الأقدام لِيَزْدادُوا إِيماناً يقيناً مَعَ إِيمانِهِمْ يقينهم برسوخ العقيدة واطمئنان النفس عليها، أو أنزل فيه السّكون إلى ما جاء به رسول الله- صلى الله عليه وسلم لِيَزْدادُوا إِيماناً بالشرائع مَعَ إِيمانِهِمْ بالله واليوم الآخر وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فلو أراد نصرَ دينه بغيركم لفعل وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً بخلقه حَكِيماً في صنعه، أي لم يزل متّصفاً بذلك، ثم ذكر- تعالى- القصة في
__________
[ (1) ] أخرجه من حديث ابن عباس البخاري 6/ 3 (2783) ومسلم 2/ 986 (445/ 1353) .(5/65)
رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفي أصحابه حتى انتهى إلي ذكر البيعة فقال عز وجل إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ بيعة الرضوان بالحديبية إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ أي ما يبايعون أحدا إلّا الله، أي ليست تلك المبايعة مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بل مع الله- تعالى- وكما روعيت المشاكلة بين قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ وبين قوله إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ بنى عليها قوله يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ على سبيل الاستعارة التخييلية تتميما لمعنى المشاكلة، وهو كالترشيح للاستعارة، أي إذا كان اللَّه- تعالى- مبايعا، ولا بدّ للمبايع- كما تقرّر واشتهر- من الصّفقة لليد فتخيّل اليد لتأكيد المشاكلة، وإلّا، فجلّ جنابه الأقدس عن الجارحة، والمعنى أن الله تعالى- مطّلع على مبايعتهم فيجازيهم عليها فَمَنْ نَكَثَ نقض البيعة فَإِنَّما يَنْكُثُ يرجع وبال نقضه على نفسه وَمَنْ أَوْفى ثبت بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ في مبايعته فَسَنُؤْتِيه بالفوقية والنون أَجْراً عَظِيماً وهو الجنة، ثم ذكر تعالى ما المنافقون يعتلّون به إذا لقوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال تبارك وتعالى: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ من الأَعراب حول المدينة، الذين خلّفهم الله- تعالى- عن صحبتك لمّا طلبتهم ليخرجوا معك إلى مكة، خوفا من تعرّض قريش لك عام الحديبية إذا رجعت منها شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا عن الخروج معك فَاسْتَغْفِرْ لَنا اللَّه- تعالى- من ترك الخروج معك، قال سبحانه وتعالى مكذبا لهم يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ أي من طلب الاستغفار والاعتذار ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ فهم كاذبون في اعتذارهم قُلْ فَمَنْ استفهام بمعنى النّفي، أي لا أحد يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا بفتح الضّاد- ما يضركم كقتل، وخلل في المال والأهل وعقوبة عن التخلف- وبضمها- أي [الهزال وسوء الحال] أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً ما يضاد ذلك، لأنهم ظنّوا أنّ تخلفهم عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يدفع عنهم الضّرر، ويعجّل لهم النّفع بالسلامة في أنفسهم وأموالهم، فأخبرهم تبارك وتعالى أنه إن أراد بهم شيئاً من ذلك لم يقدر أحد على دفعه بَلْ هنا وفيما يأتي للانتقال من غرض إلى آخر كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً فيعلم تخلفكم وقصدكم فيه بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً أي ظننتم أن العدو يستأصلهم فلا يرجعون، وَزُيِّنَ ذلِكَ عدم الانقلاب فِي قُلُوبِكُمْ فتمكنّ فيها وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ هذا وغيره وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً بواو وراء جمع بائر أي هالكين عند الله- تعالى- بهذا الظّن وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا أعددنا وهيّئنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً نارا شديدة وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يديره كيف يشاء يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ إذ لا وجوب عليه وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ولم يزل متّصفا بذلك، ثم ذكر إن النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إذا انطلقوا إلى مغانم ليأخذوها التمس المخلّفون الخروج لعرض من الدنيا، فقال تبارك وتعالى سَيَقُولُ لك الْمُخَلَّفُونَ المذكورون إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ(5/66)
لِتَأْخُذُوها هي مغانم خيبر، فإنه- صلى الله عليه وسلم- لما رجع من الحديبية أقام بالمدينة مدة ثم غزا خيبر بمن شهد الحديبية ففتحها، وغنم أموالا كثيرة فخصّها بهم ذَرُونا اتركونا نَتَّبِعْكُمْ لنأخذ منها يُرِيدُونَ بذلك أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ وقرأ حمزة والكسائيّ بكسر الكاف، وهو جمع كلام- أي مواعيده بغنائم خيبر أهل الحديبية خاصة قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا نفي بمعنى النهي كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ أي من قبل عودنا فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا أن نصيب معكم من الغنائم فقلتم ذلك بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ يعلمون من الدين إِلَّا قَلِيلًا منهم قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ المذكورين اختيارا سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ أصحاب شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ حال مقدّرة- هي المدعو إليها في المعنى أَوْ هم يُسْلِمُونَ فلا يقاتلون فَإِنْ تُطِيعُوا إلى قتالهم يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً هو الغنيمة في الدنيا، والجنة في الآخرة وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ عن الحديبية يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً مؤلما لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ إثم في ترك الجهاد وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ بالياء والنون جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فصّل الوعد وأجمل الوعيد مبالغة في الوعد لسبق رحمته ثم جمل ذلك بالتكرار على سبيل التّعميم فقال: وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ كذلك عَذاباً أَلِيماً إِذ الترهيب هنا أنفع من التّرغيب.
ثم ذكر- تعالى- من بايع تحت الشجرة فقال عز وجل لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ بالحديبية تَحْتَ الشَّجَرَةِ هي سمرة كما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم عن سلمة، أو سدرة كما رواه مسلم عن جابر فَعَلِمَ اللَّه تعالى ما فِي قُلُوبِهِمْ من الصدق والوفاء فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ الطمأنينة وسكون النفس بالتشجيع عَلَيْهِمْ ثم ذكر ما أثابهم عن ذلك فقال: وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً هو فتح خيبر بعد انصرافهم من الحديبية وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها من يهود خيبر، وكانت خيبر ذات عقار وأموال، فقسّمها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بينهم وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً غالبا حَكِيماً أي لم يزل متّصفا بذلك وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها من الفتوحات التي تفتح لكم إلى يوم القيامة فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ غنيمة خيبر، ثمّ ذكّرهم نعمته عليهم بكفّ أيدي العدوّ عنهم فقال تعالى: وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ في عيالكم لمّا خرجتم وهمّت بهم اليهود، فقذف الله- عز وجل- في قلوبهم الرّعب، وقيل:
كفّ أيدي أهل مكّة بالصلح وَلِتَكُونَ هذه الكفّة أو الغنيمة المعجلة- عطفا على مقدّر أي لتشكروه آيَةً علامة لِلْمُؤْمِنِينَ يعرفون بها أنهم من الله- تعالى- بمكان، أو صدق رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في وعدهم فتح خيبر حين رجوعه من الحديبية وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً أي طريق التّوكل عليه، وتفويض الأمر إليه- تعالى- وَأُخْرى صفة مغانم،(5/67)
فيقدّر مبتدأ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها بعد، لما كان فيها من الجولة، والمراد: فارس والرّوم قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها علم إنها ستكون لكم وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً لأن قدرته دائمة لا تختصّ بشيء دون شيء وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا بالحديبية ولم يصالحوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ لانهزموا ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا يحرسهم وَلا نَصِيراً ينصرهم سُنَّةَ اللَّهِ مصدر مؤكَّد بمضمون الجملة قبله من هزيمة الكافرين ونصر المؤمنين، أي سنّ الله- تعالى- ذلك سنّة الَّتِي قَدْ خَلَتْ مضت في الأمم كما قال- تعالى- لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة 21] مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا تغييرا منه وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ أي كفار مكة وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ بالحديبية مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ فإن ثمانين طافوا بعسكركم ليصيبوا منكم غرّة فأخذوا، فأتى بهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فعفا عنهم، وخلّى سبيلهم، فكان ذلك سبب الصّلح وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ من مقاتلتهم، وقرأ أبو عمرو بالتحتية بَصِيراً فيجازيهم عليه هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ عن الوصول إليه وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً عليكم، معكوفا: محبوسا، حال أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ الذي ينحر فيه عادة وهو الحرم بدل اشتمال وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ موجودون بمكة مع الكفار لَمْ تَعْلَمُوهُمْ بصفة الإيمان أَنْ تَطَؤُهُمْ تقتلوهم مع الكفار لو أذن لكم في الفتح، بدل اشتمال فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ من جهتهم مَعَرَّةٌ مكروه، بوجوب الدّية، أو الكفارة بقتلهم، أو التأسف عليهم، أو غير ذلك بِغَيْرِ عِلْمٍ منكم به، وضمائر الغيبة به للصنفين بتغليب الذكور، وجواب لولا محذوف أي لأذن لكم في الفتح لكن لم يؤذن فيه حينئذ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ كالمؤمنين المذكورين لَوْ تَزَيَّلُوا تميزوا عن الكفار لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ من أهل مكة حينئذ بأن نأذن لكم في فتحها عَذاباً أَلِيماً مؤلماً إِذْ جَعَلَ متعلق بِعذَّبنا الَّذِينَ كَفَرُوا فاعل فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ الأنفة من الشيء حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ بدل من حميّة، وهي صدّهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه عن المسجد الحرام فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ فصالحوهم، على أن هذا يعود من قابل، ولم يلحقهم من الحميّة ما لحق الكفّار حتّى يقاتلوهم وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأضيفت إلى التقوى لأنها سببها وَكانُوا أَحَقَّ بِها من الكفار وَأَهْلَها عطف تفسير وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً أي لم يزل متّصفا بذلك، ومن معلومه تعالى أن المؤمنين أهلها لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في النوم عام الحديبية قبل خروجه أنه يدخل مكة هو وأصحابه آمنين ويحلقون رؤوسهم ويقصرون، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا، فلّما خرجوا معه وصدّهم الكفّار بالحديبية ورجعوا، وشقّ عليهم ذلك، وراب بعض المنافقين(5/68)
نزلت، وقوله تعالى: بِالْحَقِّ متعلق بصدق، أو حال من الرّؤيا، وما بعدها تفسير لها لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ أي جميع شعورها وَمُقَصِّرِينَ شعورها، وهما حالان مقدرتان لا تَخافُونَ حال مؤكدة أو استئناف: أي لا تخافون بعد ذلك فَعَلِمَ في الصلح ما لَمْ تَعْلَمُوا من الصلاح فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ أي الدخول فَتْحاً قَرِيباً هو فتح خيبر، وتحقّقت الرّؤيا في العام القابل، ويأتي الكلام على تفسير بقيّة السّورة في الخصائص أن شاء الله تعالى.
تنبيهات
الأول: الحديبية: بحاء مهملة مضمومة، فدال مهملة مفتوحة فموحدة مكسورة فتحتية مفتوحة. قال الإمام الشافعي- رحمه الله- وأهل اللغة وبعض أهل الحديث- رحمهم الله- التّحتيّة مخففة. وقال أكثر أهل الحديث مشددة. قال النووي- رحمه الله- فهما وجهان مشهوران.
وقال في المطالع: ضبطنا التخفيف عن المتقنين وأما عامة الفقهاء والمحدّثين فيشدّدونها. وقال البكري- رحمه الله- أهل العراق يشدّدون، وأهل الحجاز يخففون.
وقال النحّاس- رحمه الله- سألت كلّ من لقيت ممّن أثق بعلمه عن «الحديبية» فلم يختلفوا عن قراءتها مخففة.
قال أحمد بن يحيى [ (1) ]- رحمه الله- لا يجوز فيها غيره، ونصّ في البارع على التخفيف. وحكى التّشديد ابن سيده- رحمه الله- في المحكم، قال في تهذيب المطالع: ولم أره لغيره، وأشار بعضهم إلى أنّ التثقيل لم يسمع حتى يصح، ووجهه أن التّثقيل إنما يكون في المنسوب، نحو الإسكندريّة فإنها منسوبة إلى الإسكندر وأمّا الحديبية فلا تعقل فيها النّسبة، وياء النسبة في غير منسوب قليلة، ومع قلته موقوف على السماع. والقياس أن يكون أصلها حدباء بزيادة «ألف للإلحاق ببنات الأربعة، فلما صغرت انقلبت الألف ياء» ، وقيل: حديبة، وشهد لصحة هذا أقوالهم لييلة بالتّصغير، ولم يرد لها مكبّر فقدّره الأئمة ليلة لأن المصغّر فرع المكبّر، ويمتنع وجود فرع بدون أصله.
قال المحب الطبري- رحمه الله-: هي قريبة من مكة أكثرها في الحرم.
وفي صحيح البخاري عن البراء «الحديبية» بئر. قال الحافظ- رحمه الله- يشير إلى أنّ
__________
[ (1) ] أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار الشيباني بالولاء، أبو العباس، المعروف بثعلب: إمام الكوفيين في النحو واللغة. كان راوية للشعر، محدثا، مشهورا بالحفظ وصدق اللهجة، ثقة حجة. ولد ومات في بغداد. وأصيب في أواخر أيامه بصمم فصدمته فرس فسقط في هوة، فتوفي على الأثر سنة 291 هـ من كتبه «الفصيح و «قواعد الشعر» و «شرح ديوان زهير» ، انظر الأعلام 1/ 267.(5/69)
المكان المعروف بالحديبية سمي ببئر كانت هنالك، هذا اسمها، ثم عرف المكان كلّه بذلك، وبينها وبين مكة نحو مرحلة واحدة، وبين المدينة تسع مراحل الثاني: قالوا: كانت سنة ست، قاله الجمهور، في ذي القعدة، وقال هشام ابن عروة عن أبيه- رحمهما الله- في شوال، وشذّ بذلك هشام عن الجمهور. وقد وافق أبو الأسود عن عروة الجمهور. وفي البخاري عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلّا في ذي القعدة، وفيه عن أنس- رضي الله عنه- اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أربع عمر كلهن في ذي القعدة، فذكر منها عمرة الحديبية [ (1) ] .
الثالث: اختلفت الروايات في عدّة من كان مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فيها، ففي رواية عبد العزيز الأفاقي عن الزّهري في حديث المسور، ومروان: ألف وثمانمائة.
وفي رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء: كنّا أربع عشرة مائة.
وفي رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق كانوا ألفا وأربعمائة أو أكثر.
وفي رواية لسالم بن أبي الجعد عن جابر: أنّهم كانوا خمس عشرة مائة، وكذلك رواية سعيد بن المسيّب عنه، وكذلك رواية ابن أبي شيبة عن مجمع بن جارية.
قال الحافظ- رحمه الله- والجمع بين هذا الاختلاف أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، فمن قال ألف وخمسمائة جبر الكسر، ومن قال ألف وأربعمائة ألغاه. ويؤيده قول البراء في رواية عنه: كنّا ألفا وأربعمائة أو أكثر، واعتمد على هذا الجمع النووي- رحمه الله.
وأما البيهقي- رحمه الله- فمال إلى التّرجيح، وقال: إن رواية من قال ألفا وأربعمائة أرجح، ثم روى من طريق أبي الزبير ومن طريق سفيان بن عمر بن دينار، كلاهما عن جابر كذلك.
ومن رواية معقل بن يسار عن سلمة بن الأكوع، والبراء بن عازب ومن طريق قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبيه، ومعظم هذه الطرق عن مسلم.
ووقع عند ابن سعد- رحمه الله- في حديث معقل بن يسار: زهاء ألف وأربعمائة، وهو أيضا في عدم التحديد.
وأما قول عبد الله بن أبي أوفى- رحمه الله-: كنّا ألفا وثلاثمائة كما رواه البخاري، فيمكن حمله على ما أطلع عليه، واطلع غيره على زيادة أناس لم يطّلع هو عليهم، والزيادة من الثّقة مقبولة. أو العدد الّذى ذكره عدد المقاتلة. والزّيادة عليها من الأتباع ومن الخدم والنّساء والصّبيان الّذين لم يبلغوا الحلم.
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 439 (4148) ومسلم 2/ 916 (217/ 1253) وسيأتي في هديه- صلّى الله عليه وسلم- في الحج.(5/70)
وأمّا قول ابن إسحاق- رحمه الله- إنّهم كانوا سبعمائة فلم يوافقه أحد عليه، لأنه قاله استنباطا من قول جابر- رضي الله عنه-: نحرنا البدنة عن عشرة، وكانوا نحروا سبعين بدنة.
وهذا لا يدل على أنّهم لم ينحروا غير البدن، مع أنّ بعضهم لم يكن أحرم أصلا. وقال ابن القيم: ما ذكره ابن إسحاق غلط بيّن، واستدلّ به من أنّهم نحروا سبعين بدنة، والبدنة جاء إجزاؤها عن سبعة وعن عشرة، وهذا لا يدل على ما قاله فإنّه قد صرّح أن البدنة في هذه العمرة عن سبعة، فلو كانت السّبعون عن جميعهم كانوا أربعمائة وتسعين رجلا، وقد قال في تمام الحديث بعينه: إنّهم كانوا ألفا وأربعمائة.
وأما ما وقع في حديث المسور ومروان عن البخاري أنهم خرجوا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بضع عشرة مائة، فيجمع أيضا بأنّ الّذين بايعوا كانوا كما تقدم. وأما الّذين زادوا على ذلك فكانوا غائبين عنها، كمن توجّه مع عثمان- رضي الله عنه- إلى مكة، على أنّ لفظ البضع يصدق على الخمس والأربع، فلا تخالف.
وجزم ابن عقبة بأنّهم كانوا ألفا وستمائة، وفي حديث سلمة بن الأكوع عند ابن أبي شيبة ألفا وسبعمائة. وحكى ابن سعد: أنهم كانوا ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين. وهذا إن ثبت تحرير بالغ.
وزاد ابن مردويه عن ابن عبّاس، وفيه ردّ على ابن دحية، حيث زعم أنّ سبب الاختلاف في عددهم، أنّ الّذي ذكر عددهم لم يقصد التّحديد، وإنما ذكره بالحدس والتّخمين.
الرابع: في أخذه- صلى الله عليه وسلّم- ذات اليمين عن خالد وجيشه، جواز الاستتار عن طلائع المشركين ومفاجأتهم بالجيش طلبا لغرّتهم.
الخامس: في استشارته- صلى الله عليه وسلّم- أصحابه، استحباب مشورة الإمام رعيّته وجيشه استخراجا لوجه الرأي، واستطابة لنفوسهم، وأن يخصّص به بعضهم دون البعض.
السادس:
في قوله- صلى الله عليه وسلم-: ما خلأت وما ذاك لها بخلق،
جواز الحكم على الشّيء بما عرف من عادته، وإن جاز أن يطرأ عليه، وإذا وقع من شخص هفوة لا يعهد مثلها منه لا تنسب إليه ويردّ على من نسبه إليها ممّن، لا يعرف صورة حاله، لأن خلأ القصواء لولا خارق العادة لكان ما ظنّه الصّحابة جميعا صحيحا، ولم يعاتبهم النبي- صلى الله عليه وسلّم- بعذرهم في ظنّهم.
السابع:
قوله- صلى الله عليه وسلّم- حبسها حابس الفيل:
أي حبسها الله عز وجل عن دخول مكة كما حبس الفيل عن دخولها، وقصة الفيل مشهورة، وتقدّمت الإشارة إليها. ومناسبة ذكرها أن الصّحابة لو دخلوا مكّة على تلك الصّورة وصدّتهم قريش عن ذلك لوقع بينهم قتال قد يفضي إلى سفك الدّماء ونهب الأموال، كما لو قدّر دخول الفيل وأصحابه مكة، لكن سبق في علم(5/71)
الله- تعالى- في الموضعين أنّه سيدخل في الإسلام خلق منهم، وسيخرج من أصلابهم ناس يسلمون ويجاهدون. وكان بمكة في الحديبية جمع كثير مؤمنون من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، فلو طرق الصحابة مكّة لما أمن أن يصاب منهم ناس بغير عمد كما أشار إلى ذلك تبارك وتعالى- في قوله: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ [الفتح 25] الآية.
الثامن: استبعد المهلب جواز إطلاق حابس الفيل على الله عز وجل، وقال: المراد حبسها أمر الله سبحانه وتعالى. وتعقّب بأنه يجوز إطلاق ذلك في حق الله- تعالى- فيقال:
حبسها الله حابس الفيل، وإنما الذي يمكن أن يمنع تسميته- تعالى- حابس الفيل ونحوه، كما أجاب به بن المنير، وهو مبني على الصحيح من أن الأسماء توقيفيّة.
وقد توسّط الغزاليّ وطائفة فقالوا: محلّ المنع ما لم يرد نص بما يشتقّ منه بشرط ألّا يكون ذلك الاسم المشتقّ منه مشعرا بنقص، فيجوز تسميته بالواقي وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ [غافر 9] ولا يجوز تسميته البنّاء وإن ورد في قوله تعالى: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ [الذاريات 47] التاسع:
في قوله- صلى الله عليه وسلم-: «حبسها حابس الفيل»
جواز التّشبيه من الجهة العامّة، وإن اختلفت الجهة الخاصّة، لأن أصحاب الفيل كانوا على باطل محض، وأصحاب هذه النّاقة كانوا على حقّ محض، ولكن جاز التّشبيه من جهة أراده الله- تعالى- منع الحرم مطلقا، أما من أهل الباطل فواضح، وأمّا من أهل الحقّ فللمعنى الذي تقدم ذكره في الرابع.
العاشر:
قوله- صلى الله عليه وسلم-: «والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم خطّة..
. إلى آخره» . قال السهيلي رحمه الله: لم يقع في شيء من طرق الحديث، أنه قال إن شاء الله- تعالى- مع أنّه مأمور في ذلك في كلّ حال.
قال: والجواب عن ذلك إنه كان أمرا واجبا حتما، فلا يحتاج معه للاستثناء، وتعقب بأنّه- تعالى- قال في هذه القصّة لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ فقال: إن شاء الله، مع تحقيق وقوع ذلك تعليما وإرشادا، فالأولى أن يحمل على أنّ الاستثناء سقط من الراوي، أو كانت القصّة قبل نزول الأمر بذلك، ولا يعارضه كون الكهف مكّية، إذ لا مانع من أن يتأخّر نزول بعض السّورة،
وفي قوله- صلّى الله عليه وسلم- «والذي نفسي بيده»
إلخ تأكيد القول باليمين ليكون أدعى إلى القبول. وقد حفظ عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الحلف في أكثر من ثمانين موضعا، كما سيأتي بسط ذلك في بابه.
الحادي عشر: في حديث البراء في شفير بئر الحديبية أنه- صلى الله عليه وسلّم- توضّأ فمضمض(5/72)
ودعا ثم صبّه فيها، وفي حديث المسور، ومروان إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- انتزع سهما من كنانته ثمّ أمرهم أن يجعلوه فيها، ويمكن الجمع بأن الأمرين وقعا معا، ويؤيّد ذلك ما رواه محمد بن عمر من طريق أوس بن خولي أنه- صلى الله عليه وسلّم- توضأ في الدّلو ثمّ أفرغه فيها وانتزع السّهم ثمّ وضعه فيها، وهكذا ذكر أبو الأسود عن عروة أنه- صلى الله عليه وسلّم- تمضمض في الدّلو وصبّه في البئر، ونزع سهما من كنانته فألقاه فيها ففارت.
الثاني عشر: اختلف في النّازل بالسّهم، فعند ابن إسحاق عن رجال مِن أسلم: أنّه ناجية بن جندب. قال ابن إسحاق: وزعم بعض أهل العلم أنّه البراء بن عازب.
وروى محمد بن عمر عن خالد بن عبادة الغفاريّ قال: أنا الذي نزلت بالسّهم، ويمكن الجمع بأنّهم تعاونوا على ذلك.
الثالث عشر: في حديث جابر- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان بين يديه بالحديبية ركوة فتوضّأ فيها ثمّ أقبل النّاس نحوه فقال «ما لكم؟ فقالوا: يا رسول الله: ليس عندنا ما نتوضّأ ولا نشرب إلا ما في ركوتك. قال: فوضع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يده في الرّكوة، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، قال: فشربنا وتوضّأنا.
وجمع ابن حبّان بين حديث جابر هذا وبين ما تقدم بأنّ ذلك وقع مرّتين في وقتين، وقال ما تقدم في حديث البراء والمسور ومروان غير ما في حديث جابر، وكان حديثه قبل قصّة البئر، وقال في موضع آخر في حديث جابر في الأشربة من كتاب البخاريّ أنّ نبع الماء كان حين حضرت صلاة العصر عند إرادة الوضوء، وحديث البراء كان لإرادة ما هو أعم من ذلك، ويحتمل أن الماء انفجر من أصابعه ويده في الرّكوة وتوضّأ كلهّم وشربوا، وأمر حينئذ بصب الماء الّذي في الرّكوة في البئر فتكاثر الماء فيها.
الرابع عشر: اقتصر بديل بن ورقاء على قوله: تركت كعب بن لؤي، وعامر بن لؤيّ، لكون قريش الذين كانوا بمكّة أجمع ترجع أنسابهم إليهما، وبقي من قريش بنو سامة بن لؤي، ولم يكن بمكّة منهم أحد، وكذلك قريش الظّواهر، وتقدّم بيانهم في من اسمه القريشي.
قال هشام بن الكلبي: بنو عامر بن لؤي وكعب بن لؤي هما الصريحان لا شكّ فيهما، بخلاف سامة وعوف، أي ففيهما خلاف، قال: وهم قريش البطاح، بخلاف قريش الظّواهر وفي موالاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
الخامس عشر:
قوله- صلى الله عليه وسلم- «إن أظهر فإن شاءوا»
إلخ إنّما ردّد- صلى الله عليه وسلّم- الأمر مع أنّه جازم بأنّ الله سينصره ويظهره، لوعده- تعالى- له بذلك على طريق التّنزّل مع الخصم وفرض الأمر على ما زعم الخصم، ولهذه النكتة حذف القسم الأوّل وهو التّصريح بظهور غيره،
وقوله(5/73)
- صلّى الله عليه وسلم- بعد ذلك «ولينفذنّ الله أمره»
- بضم أوله وكسر الفاء، أي ليمضينّ الله- تعالى- أمره في نصر دينه، وحسن الإتيان بهذا الجزم بعد ذلك التّرديد للتنبيه على أنه لم يورده إلا على سبيل الفرض، ووقع التصريح بذكر القسم الأول في رواية ابن إسحاق كما في القصة، فالظّاهر أنّ الحذف وقع من بعض الرواة.
السادس عشر: قول عروة لقريش ألستم بالوالد وأ لست بالولد هو الصّواب، ووقع لبعض رواة الصّحيح عكس ذلك، وزعم أن كل واحد منكم كالولد، وقيل: معناه أنتم حي قد ولدني، لكون أمّي منكم، وهذا هو الصحيح، لأنه كان لسبيعة بنت عبد شمس.
السابع عشر: في قيام المغيرة على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالسّيف، جواز القيام على رأس الأمين له بقصد الحراسة، ونحوها من ترهيب العدوّ ولا يعارضه النّهي عن القيام على رأس الجالس، لأن محلّه إذا كان على وجه العظمة والكبر.
الثامن عشر: كانت عادة العرب أن يتناول الرجل لحية من يكلمه ولا سيما عند الملاطفة، وفي الغالب إنّما يفعل ذلك النظير، بالنظير لكن كان الرسول- صلى الله عليه وسلّم- يغضي لعروة عن ذلك استمالة له وتأليفا له، والمغيرة يمنعه إجلالا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وتعظيما.
التاسع عشر: في تعظيم الصحابة رضوان الله عليهم- رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما ذكره يعد إشارة منهم إلى الرد على ما خشيه عروة من فرارهم، وكأنّهم قالوا بلسان حالهم: من يحبّ إمامه هذه المحبّة ويعظّمه هذا التّعظيم كيف يظنّ به أنّه يفرّ عنه ويسلمه لعدوّه بل هم أشدّ اغتباطا به وبدينه ونصره من القبائل التي يراعي بعضها بعضا بمجرد الرحم.
العشرون: استشكل قوله- صلى الله عليه وسلم- في مكرز هذا رجل فاجر أو غادر مع أنه لم يقع منه في قصة الحديبية فجور ظاهر، بل فيها ما يشعر بخلاف ذلك كما سبق في القصّة، وفي إجازته أبا جندل لأجل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لمّا امتنع سهيل بن عمرو- رضي الله عنه- قبل إسلامه، وأجيب: قال محمد بن عمر في مغازيه في غزوة «بدر» أن عتبة بن ربيعة قال لقريش:
كيف نخرج من مكة وبنو كنانة خلفنا لا نأمنهم على ذرارينا؟ قال: وذلك أنّ حفص بن الأخيف- بخاء معجمة فتحتية وبالفاء- والد مكرز كان له ولد وضيء فقتله رجل من بني بكر ابن عبد مناة بدم لهم، كان في قريش، فتكلّمت قريش في ذلك، ثم اصطلحوا، فعدا مكرز بن حفص بعد ذلك على عامر بن يزيد، سيّد بني بكر غرّة فقتله، فنفرت من ذلك كنانة، فجاءت وقعة بدر في أثناء ذلك، وكان مكرز معروفا بالغدر وتقدّم في القصة أنه أراد أن يبيّت للمسلمين بالحديبية، فكأنه- صلّى الله عليه وسلم- أشار إلى هذا.
الحادي والعشرون: في صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه: إنه أول من بايع.(5/74)
وروى الطبراني وغيره كما في القصّة عن الشّعبي [ورواه] ابن منده عن ذر بن حبيش- رحمهما الله- إن أول من بايع أبو سنان الأسدي، والجمع [ممكن] بينهما.
الثاني والعشرون: في حديث سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- أنهم بايعوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على الموت، وفي حديث جابر وغيره: على أنّهم لا يفرّوا، وقال الحافظ:
لا تنافي بينهما، لأن المراد بالمبايعة على الموت ألّا يفرّوا ولو ماتوا، وليس المراد أن يقع الموت ولا بدّ، وهو الّذي أنكره نافع وعدل إلى قولهم، بل بايعهم على النّصر، أي على الثّبات، وعدم الفرار، سواء أفضى ذلك إلى الموت أم لا. وقال في موضع آخر: من أطلق أن بيعته كانت على الموت أراد لازمها لأنّه إذا بايع على ألّا يفرّوا لزم من ذلك أن يثبت، والّذي يثبت إمّا أن يغلب وإمّا أن يؤسر، والذي يؤسر إمّا أن ينجو وإما أن يموت، ولمّا كان الموت لا يؤمن في مثل ذلك أطلقه الرّاوي، وحاصله أنّ أحدهما حكى صورة البيعة والآخر حكى ما تؤول إليه.
الثالث والعشرون: من الصحابة رضي الله عنهم من بايع مرّتين، وهو عبد الله بن عمر، وقد اختلف في سبب مبايعته قبل أبيه رضي الله عنهما، كما تقدم في القصة عن نافع عنه.
وجمع بأنه بعثه يحضر الفرس ورأى الناس مجتمعين فقال أنظر ما شأنهم فغدا يكشف حالهم فوجدهم يبايعون فبايع وتوجّه إلى الفرس فأحضرها، وأعاد حينئذ الجواب على أبيه فخرج وخرج معه فبايع عمر وبايع ابن عمر مرة أخرى.
الرابع والعشرون: من الصحابة رضي الله عنهم من بايع ثلاث مرات، وهو سلمة ابن الأكوع رضي الله عنه- طلب ذلك منه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مع علمه بأنه بايع قبل.
قال المهلب: أراد صلى الله عليه وسلّم أن يؤكّد بيعته لسلمة لعلمه بشجاعته وغنائه في الإسلام وشهرته بالثبات، فلذلك أمره بتكرير المبايعة ليكون له في ذلك فضيلة.
قال الحافظ: ويحتمل أن يكون سلمة لما بدر إلى المبايعة ثم قعد قريبا، واستمرّ الناس يبايعون إلى أن خفوا، أراد صلى الله عليه وسلّم منه أن يبايع لتتوالى المبايعة معه ولا يقع فيها تخلّل، لأن العادة في مبدإ كل أمر أن يكثر من يباشره فيتوالى، فإذا تناهى قد يقع بين من سيجيء آخرا تخلّل ولا يلزم من ذلك اختصاص سلمة بما ذكره، والواقع أن الذي أشار إليه المهلب من حال سلمة في الشجاعة وغيرها لم يكن ظهر بعد» لأنه إنّما وقع منه بعد ذلك في غزوة ذي قرد كما سيأتي، حيث استعاد الصرح الّذي كان المشركون أغاروا عليه، فاستلب ثيابهم، وكان آخر أمره أن أسهم له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سهم الفارس والرّاجل.(5/75)
فالأولى أن يقال تفرّس فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ذلك فبايعه مرتين، وأشار إلى أنه سيقوم في الحرب مقام رجلين فكان كذلك.
قلت: ولم يستحضر الحافظ ما وقع عند مسلم: أنه- صلى الله عليه وسلم- بايعه ثلاث مرّات، ولو استحضره لوجّهه.
الخامس والعشرون: الحكمة في قطع عمر الشّجرة في إخفاء مكانها أنه لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير، فلو بقيت لما أمن من تعظيم الجهّال لها حتّى ربّما أفضى بهم أنّ لها قوّة نفع وضرّ كما نراه الآن شاهدا فيما دونها، وإلى ذلك أشار عمر بقوله: «كانت رحمة من الله» ، أي كان إخفاؤها بعد ذلك رحمة من الله تعالى، ويحتمل أن يكون معنى قوله «رحمة من الله» أي كانت الشجرة موضع رحمته ومحل رضوانه لانزاله الرضى على المؤمنين عندها. وقول المسيّب والد سعيد أنسيناها، وفي لفظ نسيناها، أي نسينا موضعها بدليل قوله:
فلم نقدر عليها.
وفي رواية عند الإسماعيلي فعمى علينا مكانها. وقول المسيّب وابن عمر: أنهما لم يعلما مكانها، لا يدل على عدم معرفتها أصلا، فقد قال جابر كما في الصحيح: لو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة، فهذا يدل على أنّه كان يضبط مكانها بعينه، وإذا كان في آخر عمره بعد الزمان الطويل يضبط موضعها، ففيه دلالة على أنه كان يعرفها بعينها، قبل أن يقطعها عمر- رضي الله عنه.
السادس والعشرون: جزم ابن إسحاق وابن سعد والجمهور بأن مدّة الصّلح عشر سنين، ورواه الحاكم عن علي- رضي الله عنه- ووقع في مغازي ابن عائذ في حديث ابن عباس وغيره أنّها كانت سنتين، وكذا وقع عند ابن عقبة، ويجمع بأنّ الذي قاله ابن إسحاق هي المدة الّتي وقع الصّلح فيها حتّى وقع نقضه على يد قريش كما سيأتي بيانه في غزوة الفتح.
وأما ما وقع في كامل ابن عديّ ومستدرك الحاكم، والأوسط للطّبراني من حديث ابن عمر أنّ مدّة الصّلح كانت أربع سنين، فهو مع ضعف إسناده منكر مخالف للصّحيح.
السابع والعشرون: الذي كتب كتاب الصّلح بين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وبين سهيل، علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- كما رواه البخاري في كتاب الصلح عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما-، وعمر بن شبه من حديث سلمة بن الأكوع، وإسحاق بن راهويه عن الزّهيري. وروى عمر بن شبة عن عمرو بن سهيل بن عمرو عن أبيه قال: الكتاب عندنا كتبه محمد بن مسلمة، ويجمع بأن أصل كتاب الصلح، بخطّ علي- رضي الله عنه- كما في الصحيح، ونسخ مثله محمد بن مسلمة لسهيل بن عمرو، وقال الحافظ: ومن الأوهام ما ذكره(5/76)
عمر بن شبة بعد أن روى أن اسم كاتب الكتاب بين المسلمين وقريش علي بن أبي طالب من طرق، ثمّ روى من طريق آخر أنّ اسم الكاتب محمد بن مسلمة، ثم قال: حدثنا يزيد بن عائشة يزيد بن عبيد الله بن محمد التيمي قال: كان اسم هشام بن عكرمة بغيضا، وهو الذي كتب الصحيفة فشلّت يده فسماه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هشاما.
قال الحافظ: وهو غلط فاحش، فإنّ الصّحيفة الّتي كتبها هشام بن عكرمة هي التي اتّفقت عليها قريش لما حصروا بني هاشم وبني عبد المطلب في الشّعب، وذلك بمكة قبل الهجرة- أي كما سبق، فتوهّم عمر بن شبة أن المراد بالصحيفة كتاب القصة التي وقعت بالحديبية، وليست كذلك، بل بينهما نحو عشر سنين.
الثامن والعشرون: وقع في بعض طرق حديث البراء بعد أن ذكر امتناع علي- رضي الله عنه- من محو «هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم» فأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب «هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله» إلى آخره، وسيأتي الكلام على ذلك في الخصائص إن شاء الله تعالى.
التاسع والعشرون: امتناع علي- رضي الله عنه- من محو لفظ «رسول الله صلى الله عليه وسلم» من باب الأدب المستحبّ، لأنّه لم يفهم من النبي- صلى الله عليه وسلم- تحتيم محو عليّ بنفسه، ولهذا لم ينكر عليه، ولو تحتّم محوه بنفسه لم يجز لعلىّ تركه، ولما أقرّه النبي- صلى الله عليه وسلم- على المخالفة. وفي قوله- صلّى الله عليه وسلم- «فإن لك مثلها- تعظيما- وأنت مضطهد» : أي مقهور، معجزة ظاهرة لما وقع لعلي- رضي الله عنه- في التحكيم كما سيأتي في ترجمته.
الثلاثون: قال الخطابي- رحمه الله- تعالى: تأوّل العلماء ما وقع في قصّة أبي جندل على وجهين.
أحدهما: أن الله- تعالى- قد أباح «التّقيّة» إذا خاف الهلاك، ورخصّ له أن يتكلم بالكفر مع إضمار الإيمان إن [كان] يمكنه التورية، فلم يكن ردّه إليهم إسلاما لأبي جندل إلى الهلاك مع وجود السّبيل إلى الخلاص من الموت بالتّقيّة.
والوجه الثاني: أنّه إنما ردّه إلى أبيه، والغالب أنّ أباه لا يبلغ به الهلاك، وإن عذّبه أو سجنه فله مندوحة بالتّقية أيضا، وأمّا ما يخاف عليه من الفتنة فإن ذلك امتحان من الله- تعالى- يبتلي به صبر عباده المؤمنين.
الحادي والثلاثون: اختلف العلماء رحمهم الله، هل يجوز الصلح مع المشركين على أن يرد إليهم من جاء مسلما من عندهم إلى بلاد المسلمين أم لا؟ فقيل: نعم، على ما دلت عليه قصّة أبي جندل وأبي بصير. وقيل: لا. وإن الذي وقع في القصّة: منسوخ، وإن ناسخه «أنا(5/77)
بريء من مسلم بين المشركين» وهو قول الحنفية، وعند الشّافعية ضابط جواز الرّد أن يكون المسلم بحيث لا تجب عليه الهجرة من دار الحرب الثاني والثلاثون: قال النووي- رحمه الله- وافق النبي- صلى الله عليه وسلم- في ردّ من جاء من المشركين في ترك كتابته بسم الله الرحمن الرحيم وكتب باسمك اللهم، وفي ترك كتابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفي ردّ من جاء منهم إلى المسلمين دون من جاء من المسلمين إليهم وإنما وافقهم في هذه الأمور للمصلحة المهمة الحاصلة بالصلح مع أنه لا مفسدة في هذه الأمور، أما البسملة وباسمك اللهم فمعناها واحد، وكذلك قوله: «محمد بن عبد الله» هو أيضا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وليس في ترك وصف الله تعالى في هذا الموضع بالرحمن الرحيم ما ينفى ذلك ولا في ترك وصفه- صلى الله عليه وسلّم- هنا بالرسالة لا ينفيها، ولا مفسدة فيما طلبوه، وإنما كانت المفسدة تكون لو طلبوا أن يكتبوا ما لا يحل من تعظيم آلهتهم ونحو ذلك، وإنما شرط ردّ من جاءنا منهم ومنع من ذهب إليهم فقد بين النبي- صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث الحكمة فيه بقوله:
«من ذهب منّا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا» . ثم كان كما قال- صلى الله عليه وسلم- فجعل الله للذين جاءونا منهم وردّهم إليهم فرجا ومخرجا. ثم كان كما قال- صلى الله عليه وسلم.
الثالث والثلاثون: في إتيان عمر أبا بكر رضي الله عنهما وإجابة أبي بكر لعمر بمثل ما أجاب به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دلالة على أنه أكمل الصحابة وأعرفهم بأحوال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأعلمهم بأمور الدّين وأشدهم موافقة لأمر الله- تعالى- وسبق في باب إرادة الصّديق الهجرة قبل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وردّ ابن الدغنة له، وقوله لقريش، إن مثله لا يخرج، ووصفه بنظير ما وصفت به خديجة- رضي الله عنها- رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من كونه يصل الرّحم ويحمل الكلّ ويعين على نوائب الحق وغير ذلك. فلما كانت صفاتهما متشابهة من الابتداء، استمر ذلك إلى الانتهاء، ولم يذكر عمر أنّه راجع أحدا بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- غير أبي بكر، وذلك لجلالة قدره وسعة علمه عنده.
الرابع والثلاثون: قول عمر- رضي الله عنه- فعملت لذلك أعمالا، قال بعض الشراح- رحمهم الله: أي من الذّهاب والمجيء والسؤال والجواب، لم يكن ذلك شكّا من عمر، بل طلبا من كشف ما خفي عليه، وحثا على إذلال الكفّار، لما عرف من قوّته في نصرة الدّين.
انتهى.
قال الحافظ: وتفسير الأعمال بما ذكر مردود، بل المراد الأعمال الصالحة ليكفر عنه ما مضى من التّوقّف في الامتثال ابتداء. وقد ورد عن عمر التّصريح بمراده بقوله: «أعمالا(5/78)
لأتقى» ، ورواية ابن إسحاق: فكان عمر يقول: ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به. وعند الواقدي من حديث ابن عباس: قال عمر:
لقد أعتقت بسبب ذلك رقابا وصمت دهرا، وأما قوله: ولم يكن شكّ، فإن أراد نفي الشّكّ فواضح، وقد وقع في رواية ابن إسحاق أن أبا بكر لما قال له الزم غرزه فإنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، قال عمر: أنا أشهد أنه رسول الله، وإن أراد نفي الشك في وجود المصلحة وعدمها فمردود، وقد قال السهيلي- رحمه الله- هذا الشّكّ ما لا يستمر صاحبه عليه، وإنما هو من باب الوسوسة، كذا قال الحافظ. والذي يظهر أنه توقّف معه ليقف على الحكمة في القصّة، وتنكشف عنه الشبهة، ونظيره قصته في الصلاة على عبد الله بن أبيّ، وإن كان في الأول لم يطابق اجتهاده الحكم، بخلاف الثّانية، وهي هذه القصة، وإنما عمل الأعمال المذكورة لهذه، وإلا فجميع ما صدر منه كان معذورا فيه، بل هو مأجور، لأنه مجتهد فيه.
الخامس والثلاثون: إنّما توقّف المسلمون في النّحر والحلق بعد الأمر بهما، لاحتمال أن يكون الأمر بذلك للنّدب، أو لرجاء نزول الوحي بإبطال الصلح المذكور، وتخصيصه بالإذن بدخولهم مكة ذلك العام لإتمام نسكهم، ويسوغ لهم ذلك، لأنه كان زمان وقوع التشريع. ويحتمل أن يكونوا أبهتهم صورة الحال فاستغرقوا في الفكر لما لحقهم من الذّل عند أنفسهم مع ظهور قوّتهم واقتدارهم- في اعتقادهم- على بلوغ غرضهم وقضاء نسكهم بالقهر والغلبة، وأخّروا الامتثال لاعتقادهم أن الأمر المطلق لا يقضي الفور، ويحتمل مجموع هذه الأمور لمجموعهم كما سبق في القصة من كلام أم سلمة- رضي الله عنها- في قولها «لا تلمهم» إلخ.
السادس والثلاثون: في كلامه- صلى الله عليه وسلّم- لأم سلمة في توقف الناس عن امتثال أمره، جواز مشاورة الأمر المرأة الفاضلة، وفضل أم سلمة ووفور عقلها، حتى قال إمام الحرمين: لا نعلم امرأة أشارت برأي فأصابت إلا أمّ سلمة، كذا قال وقد استدرك بعضهم عليه بنت شعيب في أمر موسى.
السابع والثلاثون: لا يعدّ ما وقع من أبي بصير من قتله الرّجل الذي جاء في طلبه غدرا لأنه لم يكن في جملة من دخل في المعاقدة التي بين النبي- صلى الله عليه وسلّم- وبين قريش، إلا أنه إذ ذاك كان محبوسا بمكة، لكنه لمّا خشي أنّ المشرك يعيده إلى المشركين درأ عن نفسه بقتله، ودافع عن دينه بذلك، ولم ينكر عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذلك.
الثامن والثلاثون: في حديث المسور، ومروان بعد ذكر قصة أبي بصير، فانزل الله- تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ [الفتح 24] ظاهره أنها نزلت في(5/79)
شأن أبي بصير، وفيه نظر، والمشهور في سبب نزولها ما رواه مسلم من حديث سلمة بن الأكوع، ومن حديث أنس بن مالك، وأحمد، والنسائي بسند صحيح من حديث عبد الله بن مغفل أنها أنزلت بسبب القوم الذين أرادوا من قريش أن يأخذوا من المسلمين غرّة فظفر المسلمون بهم، فعفا عنهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقيل في سبب نزولها غير ذلك.
التاسع والثلاثون: قال البلاذري- رحمه الله- قال العلماء: والمصلحة المترتبة على إتمام هذا الصلح ما ظهر من ثمراته الباهرة وفوائده الظاهرة التي كانت عاقبتها فتح مكّة وإسلام أهلها كلهم ودخول النّاس في دين الله أفواجا، وذلك أنهم قبل الصّلح لم يكونوا يختلطون، ولا يتظاهر عندهم أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كما، هو ولا يخلون بمن يعلمهم بها مفصّلة، فلما حصل صلح الحديبية اختلطوا بالمسلمين وجاءوا إلى المدينة، وذهب المسلمون إلى مكة وخلوا بأهلهم وأصدقائهم وغيرهم ممن يستنصحونهم، وسمعوا منهم أقوال النبي- صلى الله عليه وسلّم- مفصلّة بجزئياتها، ومعجزاته الظّاهرة، وأعلام نبوته المتظاهرة، وحسن سيرته، وجميل طريقته، وعاينوا بأنفسهم كثيرا من ذلك، فمالت نفوسهم إلى الإيمان حتّى بدر خلق منهم إلى الإسلام قبل فتح مكة فأسلموا بين صلح الحديبية وفتح مكة، وازداد الآخرون ميلا إلى الإسلام، فلما كان يوم الفتح أسلموا كلّهم لما كان تمهّد لهم من الميل، وكانت العرب في البوادي ينتظرون بإسلامهم إسلام قريش فلما أسلمت قريش أسلمت العرب في البوادي.
الأربعون: في بيان غريب ما سبق المعرفين: الواقفين بعرفة.
استنفروا: استنجدوا واستنصروا.
يعرضوا له بحرب- بفتح التحتية وكسر الراء.
فأبطأ عليه: بفتح الهمزة أوله وآخره.
ذو الجدر: فتح الجيم وسكون الدال المهملة: سرح على ستة أميال من المدينة. بناحية فيها كانت فيه لقاح رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
ذو الحليفة- بضم الحاء المهملة، وفتح اللام، وسكون التحتية بعدها فاء.
صحار- بصاد مضمومة فحاء مهملتين فألف: قرية باليمن.
قلّد بدنه: علق في عنقها قطعة من حبل ليعلم أنه هدي فيكفّ الناس عنها.
أشعرها- بالشين المعجمة: وخز سنامها حتى يسيل الدم فيعلم أنه هدي.
البيداء: الشرف الذي قدام ذي الحليفة في طريق مكة.(5/80)
الأبواء: بفتح الهمزة وسكون الموحدة وبالمد: قرية من عمل الفرع.
القلائد: جمع قلادة.
جثّامة: بفتح الجيم وتشديد الثّاء المثلثة.
إيماء: بكسر أوله وسكون التحتية وبالمد.
رحضة: براء مفتوحة فحاء مهملة تفتح وتسكن فضاد معجمة مفتوحة.
خفاف- بخاء معجمة مضمومة وفاءين الأولى مخففة.
العتر: بكسر العين المهملة وسكون الفوقية وبالراء: نبت ينبت متفرّقا فإذا قطع أصله خرج منه شيء شبه اللبن، وهو المرزجوش.
الضّغابيس- بضاد فغين معجمة فألف فموحدة: وهو صغار القثاء وقيل: هو نبت ينبت في أصول الثمام يصلق بالخل والزيت ويؤكل. والثمام: بالثاء المثلثة.
الهوام: جمع هامّة بالتشديد، يطلق على ما يدبّ من الحيوان كالقمل ونحوه.
الجحفة- بجيم مضمومة، فحاء مهملة، ففاء، فتاء تأنيث: تقدم الكلام عليها في غزوة [بدر] قمّ بالبناء للمفعول، أي كنس.
الفرط- بفتحتين، المتقدم في طلب الماء.
شاهت وجوههم: قبحت تكل- بضم الفوقية وفتح الكاف: أي يتكل بعضكم على بعض.
ارتجت مكة: اضطربت.
راعهم: أفزعهم.
عنوة- بفتح العين المهملة، وسكون النون، وفتح الواو: أخذ الشيء قهرا وكذا إذا أخذ صلحا فهو من الأضداد، والمراد هنا الأول.
عين تطرف: تنظر وتتحرك.
كراع- بكاف مضممومة فراء مخففة فألف فعين مهملة: وهو طرف الغميم بغين معجمة مفتوحة، وهو واد بين رابغ والجحفة، وكراع كل شيء طرفه.
الأحابيش: بحاء مهملة، فألف، فموحدة مكسورة فتحتية فشين معجمة: واحدها(5/81)
أحبوش بضمتين، وهم: بنو الهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو الحرث وبنو عبد مناة ابن كنانة، وبنو المصطلق من خزاعة، وتقدم الكلام على ذلك مبسوطا في غزوة بدر.
أجلبت: استحثثت الناس لطلب العدو.
بلدح- بموحدة مفتوحة، فلام ساكنة، فدال مفتوحة، فحاء مهملتين: وهو واد في طريق التنعيم إلى مكة.
غدير: بغين معجمة مفتوحة، فدال مهملة مكسورة.
الأشطاط- بشين معجمة، وطاءين مهملتين: جمع شط وهو جانب الوادي، ووقع في بعض نسخ الصحيح لأبي ذر الهروي بإعجام الطاءين.
عسفان- بعين مضمومة، فسين ساكنة مهملتين، ففاء: قرية بينها وبين مكة ثلاثة مراحل.
العوذ- بعين مهملة مضمومة فواو ساكنة، فذال معجمة: جمع عائذ: وهي الناقة ذات اللّبن.
المطافيل: الأمهات اللّاتي معهن أطفالهن، يريد أنهم خرجوا بذوات الألبان ليتزوّدوا ألبانها، ولا يرجعوا حتى يمنعوه، أو كنّى بذلك عن النساء معهن الأطفال، والمراد خرجوا معهم نساؤهم وأولادهم لإرادة طول المقام، وليكون أدعى إلى عدم الفرار.
قال ابن فارس- رحمه الله-: كل أنثى وضعت فهي إلى سبعة أيام عائذ، والجمع عوذ، كأنها سميت بذلك لأنها تعوذ ولدها وتلتزم الشغل به، وقال السّهيلي: سميت بذلك وإن كان الولد هو الذي يعوذ بها لأنها تعطف عليه بالشفقة والحنوّ، كما قالوا تجارة رابحة وإن كانت مربوحا فيها.
لبسوا جلود النمور: كناية على شدّة الحقد والغضب، تشبيها بأخلاق النمور، وقيل:
هو مثل يكنى به عن إظهار العداوة والتنكير، ويقال للرجل الذي يظهر العداوة لبس لي جلد نمر.
ذي طوى- بتثليث الطاء المهملة والفتح: أشهر واد بمكة.
ويح: كلمة تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها.
وافرين: كاملين.
تنفرد هذه السّالفة- بسين مهملة، ولام مكسورة بعدها فاء: صفحة العنق، كنّى بذلك عن القتل، لأن القتيل تنفرد مقدمة عنقه. وقال الداودي الشارح: المراد الموت، أي حتّى أموت ويحتمل أن يكون أراد أنه يقاتل حتى ينفرد وحده في مقاتلتهم.(5/82)
وقال ابن المنير- رحمه الله- لعله- صلى الله عليه وسلّم- نبّه بالأدنى على الأعلى، أي أن لي من القوة بالله- تعالى- والحول به ما يقتضي أني أقاتل عن دينه، لو انفردت فكيف لا أقاتل عن دينه مع وجود المسلمين وكثرتهم؟
شرح غريب ذكر مشاورته- صلى الله عليه وسلّم
موتورين- بالفوقية: اسم مفعول، جمع موتور، وهو الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه.
محروبين- بحاء مهملة، فراء فواو فموحدة: مسلوبين منهوبين، يقال حربه إذا أخذ ماله وتركه بلا شيء نؤمّ- بنون فهمزة: نقصد.
تكن عنقا- بضم العين المهملة والنون، وفي لفظ «عينا قطعها الله» . قال في المطالع:
وكلاهما صحيح، والعنق أوجه لذكر القطع معه، أي أهلك الله- تعالى- جماعة منهم. والعنق:
الشيء الكثير، ولقوله: «عينا» وجه أيضا، أي كفى الله- تعالى- منهم من كان يرصدنا ويتجسس على أخبارنا. والعين: الجاسوس، وتبعه على ذلك في التّقريب- وما ذكرناه هو الوجه، بخلاف ما قدّره الكرماني وتبعه شيخنا أبو الفضل ابن الخطيب القسطلّاني- رحمهما الله- وقد ذكر في القصة أن العين الذي أرسله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان مسلما وهو بسر- بضم الموحدة وسكون المهملة- ابن سفيان الخزاعي.
الغرّة- بكسر الغين المعجمة: الغفلة.
حانت الصلاة: دخل وقتها.
شرح غريب ذكر مسيرته- صلى الله عليه وسلّم- إلى الحديبية
العصل- بفتح العين والصاد المهملتين: جمع عصلة، وهي شجرة إذا أكل منها البعير سلحته.
ظهري كذا: بينه ووسطه.
الحمض- بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وبالضاد المعجمة: ما ملح وأمرّ من النبات كالأثل والطرفاء، وذكر في الإملاء أنه هنا اسم موضع، فالله أعلم.
الطليعة: القوم يبعثون أمام الجيش يتعرفون طلع العدو، وبالكسر، أي خبره، والجمع طلائع.
أجرل- بفتح الهمزة وسكون الجيم وفتح الراء وآخره لام: أي كثير الحجارة. والجرل:
- بفتح الجيم والراء: الحجارة. ويروى بدال مهملة عوضا عن اللام، أي ليس به نبات.(5/83)
الشّعاب- بكسر الشين المعجمة: جمع شعب بكسرها أيضا: ما انفرج بين جبلين.
تنكبه الحجارة: تصيبه.
حار- بحاء مهملة: لم يدر وجه الصّواب.
ثنيّه ذات الحنظل: ثنية في شعب ما بين مكة وجدة.
سراوع: جمع سروعة- بفتح السين المهملة، وسكون الراء، وفتح العين المهملة- وهي الرابية من الرمل كذا في النهاية. وفي مصنف ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة عن أبيه فأخذ بهم بين سروعتين، أي بين شجرتين، هذا لفظه، فالله أعلم.
قبل المغرب: بكسر القاف: ناحيته.
ما شعر: ما علم.
قترة الجيش: بفتح القاف والفوقية: الغبار الأسود الذي تثيره حوافر الدّواب.
وعر- بكسر العين: أي غليظ حزن يصعب الصعود إليه.
الشّراك للنعل: سيرها الذي على ظهر القدم.
الفجاج: بكسر الفاء: جمع فجّ: الطريق الواضح الواسع.
لاحبة- بالحاء المهملة والموحدة واضحة.
ثنية المرار: بضم الميم على المشهور، وبعضهم يكسرها، وتخفيف الراء: طريق في الجبل يشرف على الحديبية، وليست الثنيّة التي أسفل مكة.
قولوا حطّة- بكسر الحاء وفتح الطاء المشددة المهملتين، أي حطّ عنّا ذنوبنا، ويروى بإعجام الحاء وضمها، أي الخصلة والفضيلة.
سيف البحر- بكسر السين: ساحله.
استبرأ العسكر: تأمّله وفتّشه.
شرح غريب ذكر نزول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالحديبية
الغائط: هنا المطمئن الواسع من الأرض، والجمع غيطان وأغواط وغوط.
حل حل- بفتح الحاء المهملة وسكون اللام: كلمة تقال للناقة إذا تركت السّير. قال الخطابي- رحمه الله- إن قلت «حل» واحدة فبالسكون وإن أعدتها نوّنت الأولى وسكّنت الثانية. وحكى غيره السكون فيهما والتنوين كنظيره في نخ نخ، يقال: حلحلت فلانا إذا أزعجته عن موضعه.(5/84)
ألحّت- بتشديد الحاء المهملة: تمادت على عدم القيام، وهو من الإلحاح، وهو الإصرار على الشيء.
خلأت: الخلأ- بخاء معجمة والمد، للإبل كالحران للخيل. قال ابن قتيبة: لا يكون الخلأ إلّا للنّوق خاصة. وقال ابن فارس: لا يقال للجمل خلأ ولكن ألحّ.
القصواء: بقاف مفتوحة فصاد مهملة وبالمد، وبعض رواة الصحيح كحبلى وغلط.
بخلق- بضم الخاء المعجمة، واللام والقاف: أي بعادة.
خطّة: بضم الخاء المعجمة: أي خصلة يعظمون فيها حرمات الله تعالى. ومعنى قوله يعظم حرمات الله تعالى في هذه القصة ترك القتال في الحرم والجنوح إلى المسالمة والكف عن إراقة الدماء.
أعطيتهم إياها: أجبتهم إليها.
وثبت- بالمثلثة: قامت.
عوده على بدئه: أي لم يقطع ذهابه حتى وصله برجوعه.
الثّمد- بثاء مثلثة فميم مفتوحتين فدال مهملة: حفيرة فيها ماء قليل، يقال ماء مثمود قليل الماء.
الظّنون: الذي تتوهّمه، ولست منه على ثقة فعيل بمعنى مفعول. وقيل: هو البئر التي يظن أن فيها ماء وقوله قليل الماء تأكيد لرفع توهم أن يراد لغة من يقول: إن الثمد: الماء الكثير. وقيل: الثمد ما يظهر في الشتاء، ويذهب في الصيف.
يتبرّضه النّاس- بالموحدة المشددة والضاد المعجمة: يأخذونه قليلا قليلا. والبرض- بالفتح والسكون: اليسير من العطاء. وقال صاحب العين: هو جمع الماء بالكفّين.
لم يلبثه الناس- بتحتية مضمومة فلام ساكنة فمثلثة: من الإلباث. وقال ابن التين: بفتح اللام وكسر الموحدة المثقلة، أي لم يتركوه أن يقيم.
نزحوه- بنون فزاي فحاء مهملة، وفي لفظ نزفوه بالفاء بدل الحاء: ومعناهما واحد، وهو أخذ الماء شيئاً بعد شيء.
صدروا: رجعوا.
بعطن: أي رووا ورويت إبلهم حتى بركت، وعطن الإبل: مباركها حول الماء لتعاد للشرب، وقد يكون عند غير الماء.(5/85)
القليب- بفتح القاف وكسر اللام- عند العرب: البئر العادية القديمة مطوية كانت أو غير مطوية.
شفير البئر: حرفها.
تجيش- بفتح الفوقية وكسر الجيم وآخره شين معجمة: تفور.
الرّي: بكسر الراء وفتحها.
المائح- بالتحتية، والحاء المهملة: الذي انحدر في الركية يملأ الدلو وذلك حين يقلّ ماؤها، ولا يمكن أن يستسقى منها إلا بالاغتراف باليد.
ومن كلامهم المائح أعرف باست الماتح: وهو الذي يستسقى بالدّلو، فالنقط من أسفل لمن يكون أسفل ومن فوق لمن يكون فوق.
يمجّد كونك: يشرفونك، والتمجيد: التشريف.
الرّشاش- براء مفتوحة فشينين معجمتين.
واهية: مسترخية واسعة الشق.
العادية: القوم الذين يعدون ويسرعون الجري.
طمت: بفتح الطاء المهملة: ارتفع ماؤها.
نهلوا: رووا.
الركائب: المطي، الواحدة راحلة من غير لفظها.
ان الشيء- بالمد: قرب.
الرّكوة- بفتح الراء: إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء، والجمع ركاء وركوات بالتحريك.
شرح غريب نزول المطر في تلك الأيام
النّوء: سقوط نجم من المنازل في الغرب مع الفجر. وطلوع رقيبه من الشرق، كانوا يعتقدون إنه لا بد عند ذلك من مطر، أو ريح، فمنهم من يجعله للطالع لأنه ناء، ومنهم من ينسبه للغارب، فنفى النبي- صلى الله عليه وسلم- ذلك عنه، وكفّر من اعتقد أن النجم فاعل ذلك، ومن جعله دليلا فهو جاهل بمعنى الدلالة، قال في النهاية: فمن أسند ذلك إلى العادة التي يجوز انخرامها فقد كرّهه قوم وجوّزه آخرون.
الخريف- بالخاء المعجمة: الفصل الذي تخترف فيه الثمار، أي تقطع.(5/86)
الشّعري- بكسر الشين المعجمة وسكون العين المهملة: كوكب معروف ليس في السماء كوكب يقطعها عرضا غيره.
الجزور: بفتح الجيم من الإبل خاصّة، يقع على الذكر والأنثى، والجمع جزر
شرح غريب ذكر قدوم بديل بن ورقاء ورسل قريش
بديل: بضم الموحدة وفتح المهملة والتصغير.
ورقاء: بفتح الواو وبالقاف.
خزاعة: بضم الخاء المعجمة وبالزاي.
عيبة- بفتح العين المهملة وسكون التحتية بعدها موحدة: ما يوضع فيه الثياب لحفظها، أي أنهم موضع النصح له والأمانة على سرّه، كأنه شبه الصدر الذي هو مستودع السّر بالعيبة التي هي مستودع الثياب.
نصح- بضم النون، وحكى ابن التين فتحها.
تهامة- بكسر الفوقية: وهي مكة وما حولها، وأصلها من التهم، وهو شدة الحر وركود الرّيح.
الأعداد- بالفتح جمع عدّ بالكسر والتشديد وهو الماء الذي لا انقطاع له.
تبيد: تهلك خضراؤهم بخاء فضاد معجمتين: معظم قريش أو جماعتهم.
نهكتهم الحرب- بفتح النون وكسر الهاء: أي بلغت بهم حتى أضعفتهم، إما أضعفت قواهم، وإما أضعفت أموالهم.
ماددتهم جعلت بيني وبينهم مدّة بترك الحرب بيني وبينهم. قوله: فإن ظهر أمري، وقوله فإن شاءوا شرط بعد شرط، والتقدير: فإن ظهر غيرهم من الكفار عليّ كفاهم المؤونة، وإن أظهر أنا على غيرهم فإن شاءوا أطاعوني وإلّا فقد جمّوا- بفتح الجيم وتشديد الميم المضمومة، أي قووا واستراحوا.
لينفذنّ- بضم التحتية وسكون النون وكسر الفاء وبالذال المعجمة: فعل مضارع مؤكد بالنون، استنفرت أهل عكاظ: دعوتهم إلى نصركم، وعكاظ بعين مهملة مضمومة فكاف مخففة فألف فظاء معجمة مشالة: سوق بقرب عرفات.
بلّحوا: بموحدة فلام مشددة مفتوحتين فمهملة مضمومة: امتنعوا من الإجابة، وانبلح:
امتنع من الإجابة.(5/87)
أسيتكم- بهمزة مفتوحة: يقال أسيه بمالي مؤاساة، أي جعلته أسوتي فيه.
تجتاحهم- بجيم وحاء مهملة: تهلكهم بالكلية.
أوباش: بتقديم الواو: الأخلاط من السّفلة، وهم أخصّ من قوله في رواية أشواب بتقديم الشين المعجمة على الواو، وهم الأخلاط من أنواع شتى.
خليقا- بالخاء المعجمة والقاف: حقيقا وزنا ومعنى، ويقال خليق للواحد والجمع.
يدعوك: يتركوك.
امصص- بألف وصل ومهملتين، الأولى مفتوحة، زاد في التقريب ويجوز ضمها: فعل أمر.
البظر- بفتح الموحدة وسكون الظّاء المعجمة المشالة: قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة.
واللات: اسم أحد الأصنام التي كانت قريش وثقيف يعبدونها، وكانت عادة العرب الشتم بذلك، لكن بلفظ الأمر، فأراد أبو بكر المبالغة في سبّ عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمّه، وحمله على ذلك ما أغضبه من نسبة المسلمين إلى الفرار، وفيه جواز النطق بما يستشنع من الألفاظ لإرادة زجر من بدا منه ما يستحقّ به ذلك.
أما- بفتح الهمزة وتخفيف الميم: حرف استفتاح.
المغفر: بكسر الميم، وسكون الغين المعجمة.
الفظّ- بالفاء وتشديد الظاء المعجمة المشالة: الشديد الخلق بضمتين.
الغليظ: السّيّئ القول.
اليد: النعمة والإحسان.
لم أجزك بها: لم أكافئك بها.
طفق- بفتح الطاء، وكسر الفاء: جعل.
أهوى بيده: مدّها.
نعل السيف: ما يكون أسفل القراب من فضة أو غيرها.
غدر- بغين معجمة- وزن عمر، ومعدول عن غادر: مبالغة في وصفه بالغدر، وهو ترك الوفاء.
يرمق- بضم الميم: يلحظ.(5/88)
يحدّون بضم أوله وكسر المهملة: يدعون.
وضوءه- هنا بالفتح: الماء.
كسرى: بكسر الكاف وبفتحها.
يتألّهون: يعظّمون أمر الإله، وقيل التألّه: التعبّد.
ابعثوها له: أثيروها دفعة واحدة.
عرض الوادي- بضم العين المهملة وسكون الرّاء، وبالضّاد المعجمة: جانبه وناحيته، وقيل: عرض كل شيء: وسطه، وليس المراد ضّد الطول، ذاك بفتح العين.
تفلوا- بالمثنّاة الفوقيّة وكسر الفاء: تغيّرت رائحتهم.
الشّعث- بالشين المعجمة، والعين المهملة المفتوحتين وبالثاء المثلثّة: الانتشار والتفرّق للشعر.
لخم: بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة.
وجذام: بجيم مضمومة، فذال معجمة.
كندة: بكسر الكاف حمير- بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وفتح التحتية وبالراء: أسماء قبائل.
أجل- كنعم وزنا ومعنى.
معكوف: محبوس.
شرح غريب ذكر إرساله- صلى الله عليه وسلّم- خراش بن أمية، وبعده عثمان، ومبايعته- صلى الله عليه وسلّم- بيعة الرضوان، وذكر الهدنة، وكيف جرى الصلح
الثّعلب- بلفظ اسم الحيوان المعروف.
عقر الدابّة: ضرب قوائمها.
وشيكا- بالشّين المعجمة والتّحتيّة: قريبا.
كافة: جميعا.
الأماثل: الخيار من قومهم.
وافرون: كثيرون.
جامّون- بتشديد الميم: مستريحون كثيرون(5/89)
المناجزة في الحرب: المبادرة والمقاتلة.
مازن- بكسر الزّاي: أبو قبيلة.
البيعة البيعة: بنصبها على الإغراء.
روح القدس: جبريل- صلى الله عليه وسلم- وتقدم الكلام على ذلك في ترجمته في أبواب المعراج.
ثرنا- بالمثلثة: نهضنا.
سمرة- بفتح المهملة وضم الميم: من شجر الطّلح، وهو نوع من العضاه الحجفة- بحاء فجيم ففاء مفتوحات: التّرس الصغير يطارق بين جلدين الدّرقة: الحجفة.
عزلا- بكر الزّاي مع فتح العين، وبضمّها: أي لا سلاح معه يقاتل به فيعتزل الحرب.
أبغني: أعطني.
محدقون به: محيطون ناظرون إليه بأحداقهم.
الجدّ بن قيس: بفتح الجيم وتشديد الدال المهملة.
ضبأ إليها- بفتح الضاد المعجمة والموحدة مهموز: اختبأ بها.
اصطنعوا- بصاد ساكنة فطاء مفتوحة مهملتين، فنون مكسورة، فعين مهملة: اتّخذوا صنيعا، يعني اتخذوا طعاما تنفقونه في سبيل الله.
لن يدرك قوم بعدكم صاعكم ولا مدّكم، الصّاع: أربعة أمداد، والمد: ربع صاع وهو رطل وثلث بالعراقي عند الشّافعي وأهل الحجاز، ورطلان عند أبي حنيفة وأهل العراق، أي ما يبلغ ثواب صاع أحدكم ولا مدّه في الثواب إذا تصدّق به.
تشميرهم إلى الحرب: إسراعهم إليه.
القضية [ (1) ] ...
الهدنة- بضم أوله وسكون ثانيه وبضمه أيضا: الصلح والموادعة بين المتحاربين.
مقنّعان في الحديد- بتشديد النون: عليهما بيضه.
العنوة- بفتح العين المهملة وسكون النون: أخذ الشيء قهرا.
عيبة مكفوفة- بفتح العين المهملة وسكون التحتية: أي أمر مطويّ في صدور سليمة، وهو إشارة إلى ترك المؤاخذة بما تقدم بينهم من أسباب الحرب وغيرها، والمحافظة على العهد الذي وقع بينهم.
__________
[ (1) ] بياض في الأصول بمقدار كلمتين، ولعل المراد «الصلح» أو «الموادعة» .(5/90)
لا إغلال- بغين معجمة: لا خيانة، تقول أغل الرجل إذا خان، وأما في الغنيمة فيقال غلّ بغير ألف.
ولا إسلال: لا سرقة، من السلة وهي السرقة، والمراد أن يأمن بعضهم من بعض في نفوسهم وأموالهم سرا وجهرا، وقيل: الإسلال من سلّ السّيوف، والإغلال من لبس الدرع.
ووهّاه أبو عبيد.
امّعضوا- بميم مشددة فعين مهملة فضاد معجمة، ولبعض رواة الصحيح امتعضوا- بإظهار الفوقية: أي شقّ عليهم.
الدنيّة- بدال مهملة مفتوحة فنون مكسورة فتحتية مشددة: الخصلة المذمومة، والأصل فيه الهمز وقد يخفف.
أو لسنا- بفتح الواو، والاستفهام للإنكار، وكذا ما بعده.
الغرز- بفتح الغين المعجمة فراء ساكنة فزاي: ركاب كور البعير إذا كان من جلد أو خشب.
يتلكأ: يبطئ.
هات: فعل أمر من باب رامى يرامى.
مضطهد: بميم مضمومة فضاد معجمة ساكنة فطاء مهملة.
لا تحدّث العرب- بفتح الفوقية، وتشديد الدال المهملة المفتوحة حذف منه إحدى التائين. ضغطة- بضم الضاد، وسكون الغين المعجمتين، فطاء مهملة: مقهور.
التّنعيم- على لفظ المصدر، من نعمته تنعيما: مكان على ثلاثة أميال من مكة من جهة المدينة.
الغرّة- بالكسر: الغفلة.
زنيم: بضم الزّاي وفتح النون.
اخترط السيف: استلّه.
العبلات- بفتح المهملة والموحدة: وهم من قريش أمية الصغرى، نسبوا إلى أمهم عبلة بنت عبيد.
بدء الفجور- بفتح الموحدة، وسكون الدال المهملة وبالهمز: ابتداؤه وأوله وسكون النون فتحتية، أي عودة ثانية، وفي رواية ثناه بكسر المثلثة.(5/91)
ثنياه- بضم الثاء المثلثة وإسقاط التحتية.
أبو جندل- بالجيم: وزن جعفر.
يرسف في قيوده- بفتح التحتية وضم السين المهملة وبالفاء: يمشي مشيا بطيئا بسبب القيد.
لم نقض الكتاب بعد: لم نفرغ من كتابته.
أجزه لي- بالجيم والزّاي: امض لي فعلي ولا أردّه عليك أو استثنه من القضية، ووقع في الجمع للحميدي بالراء، ورجّح أبو الفرج الزّاي.
ضنّ بأبيه- بالضّاد المعجمة، والنّون المشددة: بخل، أي لم يسمح بقتله.
التأم- بهمزة مفتوحة: انسد.
يمّم هديه: قصده.
شرد جمل: ندّ ونفر.
النّجيب: الفاضل من كل حيوان.
المهريّ- بفتح الميم وسكون الهاء: نسبة إلى بني مهرة كتمرة: قبيلة من قضاعة سمّوا باسم أبيهم مهرة بن حيدان، وبلد بعمان، والإبل المهريّة تنسب إلى أحدهما.
البرة- بضم الموحدة وتخفيف الراء المخففة: حلقة تجعل في أنف البعير ليذل، وأكثر ما تكون من صغر، فإن كانت من شعر فهي خزامه، وإن كانت من خشب خشاش بخاء وشينين معجمات.
مضطربا في الحل، أي كانت قبّته مضروبة في الحل، وكانت صلاته في الحرم لقرب الحديبية من الحرم.
اضطبع بثوبه: أدخله تحت إبطه اليمنى وألقاه على عاتقه الأيسر.
شرح غريب ذكر رجوعه- صلى الله عليه وسلّم- ونزول سورة الفتح
مرّ- بفتح الميم وتشديد الرّاء، مضاف إلى الظّهران، بالظاء المعجمة المشالة المفتوحة، وبين مرّ والبيت الشريف ستة عشر ميلا.
أرملوا من الزّاد- بالرّاء: نفذ زادهم.
النطع: المتخذ من الأديم معروف، وفيه أربع لغات. فتح النون وكسرها ومع كل واحد فتح الطاء وسكونها.(5/92)
ربضة عنز: قدرها رابضة، أي باركة.
النّواجذ- بالنون والجيم المكسورة وبالذال المعجمة: جمع ناجذ، وهو السنّ بين الضّرس والناب، وأواخر الأضراس. والمراد هنا الأنياب.
الجهد: المشقة.
يدفعوكم بالرّاح- بالحاء المهملة والراء: جمع راحة وهي الكفّ.
لا يلوون على أحد: لا يلتفتون إليه، ولا يعطفون عليه.
ثكلته أمه: كلمة تقولها العرب للإنكار، ولا يريدون حقيقتها.
نزّرت- بنون فزاي مشدّدة فراء: ألححت.
نشب- بنون فشين معجمة فموحدة: لبث.
يرجفون الأباعر: يحثونها على الإسراع في السير.
هنيئا: طيبا.
مريا: سائغا.
عرّسنا- بعين فراء مشددة فسين مهملات فنون: نزلنا ليلا، أو آخر الليل.
شرح غريب ذكر قدوم أبي بصير- رضي الله عنه- على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم
أبو بصير- بفتح الموحدة وكسر المهملة وسكون التحتية فراء.
البكر من الإبل- بالفتح: وهو الفتى من الدّواب خلاف المسنّ، كالشاب من الناس.
حتى برد- بموحدة فراء مفتوحتين فدال مهملة: خمدت حواسّه، وهي كناية على الموت، لأن الميت تسكن حركته. وأصل البرد السكون.
الإسار: وزن كتاب: القيد بفتح القاف.
جمز- بالجيم والزاي- أسرع.
الذّعر- بضم الذال المعجمة وسكون المهملة: الخوف.
ويل امّه- بضم اللّام ووصل الهمزة وكسر الميم المشددة: وهي كلمة ذمّ تقولها العرب في المدح ولا يقصدون معنى ما فيها من الذّم، لأنّ الويل الهلاك، فهو كقولهم: لامّه الويل قال الفّراء: أصل ويل وي لفلان، أي حزن له: فكثر الاستعمال، فألحقوا بها اللام، فصارت كأنها منها، وأعربوها، وتبعه ابن مالك، إلا أنه قال تبعا للخليل إن وي كلمة تعجب، وهي من أسماء الأفعال، واللام بعدها مكسورة، ويجوز ضمّها إتباعا للهمزة، وحذفت الهمزة تخفيفا.(5/93)
مسعر حرب- بكسر الميم، وسكون السّين، وفتح العين المهملتين وبالنّصب على التمييز، وأصله من مسعر حرب. أي مسعرها، قال الخطابي: كأنّه يصفه بالإقدام في الحرب، والتّسعير لنارها.
محشّ- بحاء مهملة وشين معجمة: وهو بمعنى مسعر حرب.: وهو العود الذي تحرّك به النّار.
العيص- بكسر العين المهملة، وسكون التحتية، وبالصاد المهملة: موضع قرب المدينة على ساحل البحر.
ذو المروة: موضع في أرض جهينة مما يلي سيف البحر بين مكة والمدينة.
الثواء- بثاء مثلثة مفتوحة وبالمد: الإقامة.
صناديد قريش: عظماؤها.
المعشر- واحد المعاشر: وهي الجماعات من الناس.
تخفق- بخاء معجمة ساكنة ففاء مكسورة وبالقاف: تضرب.
أيمانهم- بفتح الهمزة.
القنا- بفتح القاف وبالقصر: جمع قناة: الرمح.
الذّابل- بذال معجمة، فألف فموحدة، أشار إلى أن رماحهم رقاق.
لم يأتل: لم يحلف.(5/94)
الباب الثالث والعشرون في غزوة ذي قرد- وهي الغابة
والسّبب فيها إغارة عيينة بن حصن بن حذيفة الفزاري في خيل غطفان على لقاح رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
روى الشيخان، والبيهقي عن يزيد بن أبي عبيد، ومسلم وابن سعد، والبيهقي عن إياس بن سلمة بن الأكوع كلاهما عن سلمة- رضي الله عنه. وابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر ومن لا يتّهم عن عبد الله بن كعب بن مالك، ومحمد بن عمر عن شيوخه، وابن سعد عن رجاله، أن لقاح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كانت عشرين لقحة وكانت ترعى البيضاء ودون البيضاء إلى الجبل، وهو طريق خيبر، فأجدب ما هنالك فقرّبوها إلى الغابة تصيب من أثلها وطرفائها وتغدو في الشجر، وكان الرّاعي يؤوب بلبنها كل ليلة عند المغرب [ (1) ] .
قال محمد بن عمر: وكان أبو ذرّ قد استأذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى لقاحه، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إني أخاف عليك من هذه الضاحية أن تغير عليك» . ونحن لا نأمن من عيينة بن حصن وذويه وهي في طرف من أطرافهم، فألحّ عليه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-:
«لكأني بك قد قتل ابنك وأخذت امرأتك، وجئت تتوكأ على عصاك» فكان أبو ذرّ يقول:
عجبا لي، إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول: «لكأني بك» وأنا ألحّ عليه،
فكان- والله- ما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال أبو ذر: والله إني لفي منزلنا، ولقاح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد روّحت وعطّفت وحلبت عتمتها، ونمنا، فلما كان الليل أحدق بنا عيينة بن حصن في أربعين فارسا، فصاحوا بنا وهم قيام فأشرف لهم ابني فقتلوه، وكانت معه امرأته وثلاثة نفر فنجوا، وتنحيت عنهم، وشغلهم عني إطلاق عقل اللّقاح، ثم صاحوا في أدبارها، فكان آخر العهد بها، ولمّا قدمت على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأخبرته تبسّم.
وقال سلمة بن الأكوع: خرجت قبل أن يؤذن بالأولى، وكانت لقاح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذي قرد، فبعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بظهره مع رباح- بفتح الراء وبالموحدة- غلام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا معه، وخرجت بفرس طلحة أندّيه مع الظّهر، فلقيت غلاما لعبد الرحمن بن عوف كان في إبل لعبد الرحمن بن عوف فأخطئوا مكانها، واهتدوا للقاح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبرني أن لقاح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد أغار عليها عيينة بن حصن في أربعين فارسا من غطفان.
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 526 (4194) ومسلم 3/ 1432 (131/ 1806) والبيهقي في الدلائل 4/ 180.(5/95)
قال محمد بن عمر وابن سعد: ليلة الأربعاء، قال سلمة: فقلت: يا رباح اقعد على هذا الفرس، فالحق بطلحة، وأخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن قد أغير على سرحه، وقمت على تلّ بناحية سلع، فجعلت وجهي من قبل المدينة، ثم ناديت ثلاث مرات يا صباحاه أسمع ما بين لابتيها ثم انبعث القوم ومعي سيفي ونبلي، فجعلت أردّهم، وفي لفظ: أرميهم، وأعقر بهم، وذلك حين يكثر الشجر، فإذا رجع إليّ فارس جلست له في أصل شجرة، ثم رميت، فلا يقبل عليّ فارس إلا عقرت به، فجعلت أرميهم وأنا أقول:
أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع
فألحق رجلا فأرميه وهو على رحله فيقع سهمي في الرحل حتى انتظمت كتفه فقلت:
خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع فإذا كنت بالشجر أحرقتهم بالنّبل، وإذا تضايقت الثّنايا علوت الجبل فرميتهم بالحجارة، فما زال ذلك شأني وشأنهم أتبعهم وأرتجز حتّى ما خلق الله- تعالى- شيئا من ظهر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلا خلفته وراء ظهري واستنقذته من أيديهم.
قال ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا، وأكثر من ثلاثين بردة يستخفّون منها، ولا يلقون من ذلك شيئاً إلا جعلت عليه الحجارة، وجمعته على طريق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى إذا اشتد الضحى أتاهم عيينة بن بدر الفزاري ممدا لهم. وهم في ثنيّة ضيقه، ثم علوت الجبل، فأنا فوقهم. فقال عيينة: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح [ (1) ] ما فارقنا بسحر حتى الآن، وأخذ كل شيء في أيدينا وجعله وراء ظهره، فقال عيينة: لولا أن هذا يرى أن وراءه طلبا لقد ترككم، وقال: ليقم إليه نفر منكم، فقام إليّ أربعة منهم فصعدوا في الجبل، فلما أسمعتهم الصوت قلت لهم: أتعرفونني؟ فقالوا: ومن أنت، قلت: أنا ابن الأكوع، والذي أكرم وجه محمد- صلى الله عليه وسلم- لا يطلبني رجل منكم فيدركني، ولا أطلبه فيفوتني. فقال رجل منهم:
إني أظن فرجعوا.
ذكر حث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في طلب العدو وتقديمه جماعة أمامه
قال ابن إسحاق: وبلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صياح ابن الأكوع يصرخ بالمدينة «الفزع الفزع» . فترامت الخيول إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فكان أول من انتهى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من الفرسان المقداد بن عمرو، وهو الذي يقال له ابن الأسود حليف بني زهرة، زاد محمد بن عمر- نقلا عن عمارة بن غزية، وابن سعد- فنودي «يا خيل الله اركبي» ، وكان أول ما نودي
__________
[ (1) ] البرح: الشّدة والأذى، انظر المعجم الوسيط 1/ 47.(5/96)
بها- كذا قال، وزاد ابن عائذ عن قتادة: أن أول ما نودي «يا خيل الله اركبي» في غزوة بني قريظة، وهي قبل هذه عندهم.
قال محمد بن عمر: وكان المقداد يقول: لما كانت ليلة السّرح جعلت فرسي سبحة لا تقرّ ضربا ضربا بيدها، وصهيلا، فأقول: والله إنّ لها لشأنا، فأنظر إلى آريّها [ (1) ] فإذا هو مملوء علفا، فأقول: عطشى فأعرض عليها الماء فما تريده. فلما طلع الفجر أسرجتها ولبست سلاحي، ثم خرجت حتّى أصلّي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الصبح، فلم أر شيئاً، ودخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بيته، ورجعت إلى بيتي، والفرس لا تقرّ، فوضعت سرجها والسّلاح واضطجعت، فأتاني آت فقال: إن الخيل قد صيح بها، فخرجت.
قال ابن إسحاق: ثم كان أول فارس وقف على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد المقداد من الأنصار عبّاد بتشديد الموحدة ابن بشر- بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة، وسعد بسكون العين- بن زيد، وأسيد- بضم أوله وفتح ثانيه- ابن ظهير- وهن- تصغير ظهر- بظاء معجمة مشالة، ومحرز [ (2) ] بضم الميم وسكون الحاء المهملة فراء مكسورة فزاي ابن نضلة بالنون وسكون الضاد المعجمة، وربيعة بن أكثم بالثاء المثلثة، وعكاشة بتشديد الكاف وتخفيفها ابن محصن بكسر الميم وسكون الحاء المهملة وأبو عيّاش بالتحتية والشين المعجمة الزّرقي، وأبو قتادة فلما اجتمعوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أمّر عليهم سعد بن زيد، ثم قال: «اخرج في طلب القوم حتّى «ألحقك بالناس» .
وقال محمد بن عمر، وابن سعد: عقد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- للمقداد لواء في رمحه، وقال: «أمض حتّى تلحقك الخيول، وأنا على أثرك»
قالا: والثّبت عندنا إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أمّر على هذه السّرية سعد ابن زيد الأشهليّ، ولكن الناس نسبوها للمقداد، لقول حسّان.. غداة فوارس المقداد. فعاتبه سعد بن زيد فقال: اضطرني الوزن إلى المقداد.
قال ابن إسحاق: وقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيما بلغني عن رجل من بني زريق- لأبي عيّاش: «يا أبا عياش لو أعطيت هذا الفرس رجلا هو أفرس منك فلحق بالقوم» [ (3) ] ، قال أبو عياش فقلت يا رسول الله أنا أفرس النّاس، وضربت الفرس، فو الله ما جرى بي خمسين ذراعا حتى طرحني، فعجبت إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول: «لو أعطيته أفرس منك» وأنا أقول: أنا أفرس
__________
[ (1) ] آريها: الآرى الحبل الذي تشد به الدّابة إلى محبسها، انظر الصحاح 6/ 2267.
[ (2) ] محرز بن نضلة بن عبد الله بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الاسدي أبو نضلة ويعرف بالأخرم..
ذكره موسى بن عقبة وابن اسحق وغيرهما فيمن شهد بدرا. انظر الإصابة 6/ 48.
[ (3) ] أخرجه الطبراني في الكبير 7/ 32 وانظر المجمع 6/ 143.(5/97)
الناس،
فزعم رجال من بني زريق إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما أعطى فرس أبي عيّاش معاذ بن ماعص وكان ثامنا، أو عائذ- بالتحتية والمعجمة ابن ماعص بعين مكسورة فصاد مهملتين.
وذكر الطبري أن معاذ بن ماعص وأخاه قتلا يوم بئر معونة شهيدين كما سيأتي في السرايا، وبعض النّاس يعد سلمة بن الأكوع أحد الثمانية ويسقط أسيد بن ظهير- والله أعلم أي ذلك كان، فخرج الفرسان حتّى تلاحقوا، وكان أول من لحق بالقوم محرز بن نضلة، وكان يقال له الأخرم بخاء معجمة ساكنة وراء، ويقال له قمير- بضم القاف وفتح الميم.
وإنّ الفزع لمّا كان جال فرس لمحمود بن مسلمة في الحائط حين سمع صاهلة الخيل وكان فرسا صنيعا جامحا، فقال نساء من نساء بني عبد الأشهل- حين رأين الفرس يجول في الحائط بجذع نخل هو مربوط به: يا قمير هل لك في أن تركب هذا الفرس؟ فإنه كما ترى، ثم تلحق برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وبالمسلمين؟ قال: نعم، فأعطيته إيّاه، فخرج عليه، فلم يلبث أن بذّ الخيل بجماحة حتى أدرك القوم، فوقف بين أيديهم، ثم قال: قفوا يا معشر بني اللّكيعة حتّى يلحق بكم من وراءكم من أدباركم من المهاجرين والأنصار، فحمل عليه رجل منهم فقتله، وجال الفرس فلم يقدر عليه حتى وقف على آريّة في بني عبد الأشهل.
قال سلمة بن الأكوع: فما برحت من مكاني حتّى رأيت فوارس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتخلّلون الشّجر، فإذا أوّلهم الأخرم الأسدي، وعلى أثره أبو قتادة، وعلى أثره المقداد بن الأسود الكندي، فولى المشركون مدبرين، قال سلمة: فنزلت من الجبل، وأخذت بعنان فرس الأخرم، وقلت: يا أخرم احذرهم لا يقتطعوك حتّى يلحق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، قال: يا سلمة، إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أنّ الجنّة حقّ والنّار حق، فلا تحل بيني وبين الشّهادة. فخلّيته، فالتقى هو وعبد الرحمن بن عيينة فعثر بعبد الرحمن فرسه، وطعنه عبد الرحمن فقتله. وتحوّل على فرسه، ولحق أبو قتادة فارس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعبد الرحمن فاختلفا طعنتين، فعقر بأبي قتادة، وقتله أبو قتادة، وتحول أبو قتادة إلى الفرس.
وروى محمد بن عمر عن صالح بن كيسان، قال محرز بن نضلة قبل أن يلقى العدوّ بيوم: رأيت السّماء فرجت لي حتى دخلت في السماء الدنيا، حتى انتهيت إلى السماء السابعة، ثم انتهيت إلى سدرة المنتهى، فقيل لي: هذا منزلك، فعرضتها على أبي بكر الصّديق- وكان من أعبر النّاس- فقال: أبشر بالشهادة. فقتل بعد ذلك بيوم.
قال سلمة: ثم خرجت أعدو في أثر القوم فو الذي أكرم وجهه حتى ما أرى من ورائي من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا غبارهم شيئا، ويعرضون قبل غيبوبة الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له ذو قرد، فأرادوا أن يشربوا منه فأبصروني أعدو وراءهم فعطفوا عنه، وأسندوا في(5/98)
الثنية «ثنيّة ذي بئر» وغربت الشّمس، وألحق رجلا فأرميه وقلت:
خذها وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع
قال: فقال يا ثكل أم الأكوع بكرة فقلت: نعم أي عدو نفسه.
وكان الذي رميته بكرة، فأتبعته بسهم آخر فعلق به سهمان، وخلّفوا فرسين، فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: ولمّا تلاحقت الخيل قتل أبو قتادة حبيب بن عيينة بن حصن وغشاه ببرده، ثم لحق بالناس، وقال محمد بن عمر، وابن سعد: وقتل المقداد بن عمرو حبيب بن عيينة بن حصن. وقرفة بن مالك بن حذيفة بن بدر، فالله أعلم. وأدرك عكّاشة بن حصن أوبارا، وابنه عمرو بن أوبار وهما على بعير واحد فانتظمهما بالرمح فقتلهما جميعا، واستنقذوا بعض اللقّاح.
وروى البيهقي عن عبد الله بن أبي قتادة: أن أبا قتادة اشترى فرسه من دوابّ دخلت المدينة. فلقيه مسعدة الفزاري فقال: يا أبا قتادة، ما هذا الفرس؟ فقال أبو قتادة: فرس أردت أن أربطها مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال ما أهون قتلكم وأشد حربكم، قال أبو قتادة: أما إني أسال الله- تعالى- أن يلقينيك وأنا عليها فقال أمين وكان أبو قتادة ذات يوم يعلف فرسه تمرا في طرف بردته إذ رفعت رأسها وأصرت أذنيها؟ فقال: أحلف بالله لقد أحسّت بريح خيل: فقالت له أمه: والله يا بني ما كنا نرام في الجاهلية، فكيف حين جاء الله بمحمد- صلى الله عليه وسلم- ثم رفعت الفرس أيضا رأسها، وأصرت أذنيها، فقال: أحلف بالله لقد أحست بريح خيل. فوضع سرجها فأسرجها، وأخذ بسلاحه، ثم نهض حتى أتى مكانا يقال له الزّوراء فلقيه رجل من أصحابه، فقال له: يا أبا قتادة، تشوّط دابتك، وقد أخذت اللقاح. وقد ذهب النبيّ في طلبها وأصحابه؟! فقال: أين؟ فأشار إليه نحو الثنيّة. فإذا بالنبي- صلى الله عليه وسلم- في نفر من أصحابه جلوس عند ذباب، فقمع دابّته، ثم خلّاها،
فمرّ بالنبي- صلى الله عليه وسلم- فقال له: «امض يا أبا قتادة صحبك الله»
قال أبو قتادة: فخرجت فإذا بإنسان يحاكيني فلم ننشب أن هجمنا على العسكر، فقال لي: يا أبا قتادة ما تقول؟ أمّا القوم فلا طاقة لنا بهم، فقال له أبو قتادة: تقول: إني واقف حتّى يأتي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أريد أن تشدّ في ناحية وأشدّ في ناحية، فوثب أبو قتادة فشقّ القوم. فرموه بسهم، فوقع في جبهته، قال أبو قتادة: فنزعت قدحي، وأظنّ أني قد نزعت الحديدة. ومضيت على وجهي فلم أنشب أن طلع عليّ فارس على فرس فاره وعليه مغفر له فأثبتني ولم أثبته. قال: لقد ألقانيك الله يا أبا قتادة وكشف عن وجهه وأداة كليلة. على وجهه فإذا هو مسعدة الفزاريّ، فقال: أيّما أحبّ إليك مجالدة أو مطاعنة أو مصارعة؟ قال: فقلت: ذاك(5/99)
إليك، قال فقال: صراع، فأجال رجله على دابته، وأجلت رجلي على دابتي، وعقلت دابّتي وسلاحي إلى شجرة، وعقل دابته وسلاحه إلى شجرة، ثمّ تواثبنا، فلم أنشب أن رزقني الله- تعالى- الظّفر عليه، فإذا أنا على صدره، فو الله إني لمن أهمّ الناس من رجل متأبط قد هممت أن أقوم فآخذ سيفي، ويقوم فيأخذ سيفه، وإنّا بين عسكرين لا آمن أن يهجم على أحدهما، إذا بشيء مسّ رأسي، فإذا نحن قد تعالجنا، حتّى بلغنا سلاح مسعدة فضربت بيدي إلى سيفه، فلمّا رأى أنّ السّيف وقع بيدي قال: يا أبا قتادة، استحيني، قلت: لا، والله أو ترد أمّك الهاوية.
قال: فمن للصّبية؟ قلت: النّار. قال: ثمّ قتلته وأدرجته في بردي، ثم أخذت ثيابه فلبستها، ثم أخذت سلاحه، ثم استويت على فرسه، وكانت فرسي نفرت حين تعالجنا فرجعت إلى العسكر، قال: فعرقبوها.
قال: ثم مضيت على وجهي فلم أنشب أنا حتى أشرفت على ابن أخيه وهو في سبعة عشر فارسا، قال فألحت إليهم فوقفوا، فلمّا أن دنوت منهم حملت عليهم حملة وطعنت ابن أخيه طعنة دققت عنقه، وانكشف من كان معه. وحبست اللّقاح برمحي [ (1) ] .
ذكر خروج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لطلب العدو
قال محمد بن عمر، وابن سعد:
خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- غداة الأربعاء راكبا مقنعّا في الحديد.
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم.
قال: وخلف سعد بن عبادة- رضي الله عنه- في ثلاثمائة من قومه يحرسون المدينة.
قال ابن إسحاق: ولمّا مر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- والمسلمون بحبيب مسجّى ببرد أبي قتادة استرجعوا، وقالوا: قتل أبو قتادة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ليس بأبي قتادة، ولكنّه قتيل لأبي قتادة، وضع عليه برده لتعرفوا أنّه صاحبه»
[ (2) ] .
قال ابن سعد قال سلمة لحقنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والخيول عشاء قال أبو قتادة- رضي الله عنه- في حديثه السّابق: وأقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومن معه من أصحابه، فلمّا نظر إليهم العسكر فروا قال: فلما انتهوا إلى موضع المعسكر إذا بفرس أبي قتادة قد عرقبت
فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله!! قد عرقبت فرس أبي قتادة، قال: فوقف عليها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم فقال:
«ويح أمك، ربّ عدو لك في الحرب» مرتين. ثم أقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأصحابه حتّى إذا
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 191.
[ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير 7/ 31 وانظر المجمع 6/ 143 والبداية والنهاية 4/ 151.(5/100)
انتهوا إلى الموضع الّذي تعالجنا فيه إذا هم بأبي قتادة- فيما يرون مسجّى في ثيابه، فقال رجل من الصّحابة: يا رسول الله، قد استشهد أبو قتادة، قال، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «رحم الله أبا قتادة، والّذي أكرمني بما أكرمني به أن أبا قتادة على آثار القوم يرتجز» . فدخلهم الشّيطان أنهم ينظرون إلى فرسي قد عرقبت، وينظرون إليه مسجى عليه ثيابي [ (1) ] .
قال: فخرج عمر بن الخطاب وأبو بكر- رضي الله عنهما- يسعيان حتى كشف الثوب، فإذا وجه مسعدة، فقالا: الله أكبر، صدق الله ورسوله، مسعدة يا رسول الله. فكبّر الناس، ولم ينشب أن طلع عليهم أبو قتادة يحوش اللّقاح،
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أفلح وجهك يا أبا قتادة، أبو قتادة سيّد الفرسان، بارك الله فيك يا أبا قتادة» [ (2) ] .
قال: قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، سهم أصابني، والّذي أكرمك بما أكرمك، وفي ولدك وفي ولد ولدك- وأحسب عكرمة قال وفي ولد ولد ولدك. ما هذا بوجهك يا أبا قتادة؟ قد ظننت أنّي قد نزعته، قال: «ادن مني يا أبا قتادة» قال: فدنوت منه. قال: فنزع النّصل نزعا رفيقا، ثم بزق فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ووضع راحته عليه، فو الذي أكرم محمدا- صلى الله عليه وسلّم- بالنبوة ما ضرب عليّ ساعة قط، ولا قرح قط عليّ.
وروى محمد بن عمر وابن سعد عن أبي قتادة قال: لمّا أدركني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: اللهم بارك له في شعره وبشره، وقال: أفلح وجهك، قلت: ووجهك يا رسول الله، قال:
«قتلت مسعدة» ؟ قلت: نعم، وذكر نحو ما تقدم قال: فمات أبو قتادة وهو ابن سبعين سنة وكأنه ابن خمس عشرة سنة.
وذهب الصّريخ إلى بني عمرو بن عوف، فجاءت الإمداد، فلم تزل الخيل تأتي والرجال على أقدامهم والإبل، والقوم يعتقبون البعير والحمار حتى انتهوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بذي قرد قال ابن إسحاق: واستنقذوا عشر لقاح زاد- فيها جمل لأبي جهل، وأفلت القوم بعشر.
وكانت راية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العقاب، يحملها سعد بن زيد، وكان شعارهم أمت أمت.
وصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يومئذ صلاة الخوف، وسيأتي بيانها في أبواب صلاته- صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف.
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 193.
[ (2) ] انظر الشفاء 1/ 628.(5/101)
وقال سلمة: ولحقني عمّي بسطيحة فيها مذقة من لبن، وسطيحة فيها ماء فتوضأت وشربت.
وروى ابن سعد عنه قال: لحقنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والخيول عشاء انتهى.
قال سلمة: فأتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو على الماء الذي أجليتهم عنه، فإذا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قد أخذ تلك الإبل، وكلّ ما قد استنقذته من المشركين، وكل رمح وبردة، وإذا بلال نحر ناقة من الإبل التي استنقذت من القوم، وشوى لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- من سنامها وكبدها فقلت: يا رسول الله!! قد حميت القوم الماء، وهم عطاش خلفي، فانتخب من القوم مائة رجل فأتبع القوم فلا يبقى مخبر إلا قتلته. فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه في ضوء النّار، وقال: «يا سلمة أتراك كنت فاعلا؟» قلت: نعم. والذي أكرمك. فقال: «ملكت فأسجح، إنهم ليغبقون» [ (1) ] وفي لفظ ليقّرون في أرض غطفان» ،
فجاء رجل من غطفان وقال:
نحر لهم فلان جزورا، فلما كشطوا جلدها رأوا غبارا، قالوا: أتاكم القوم، فخرجوا هاربين.
قال ابن إسحاق: وقسّم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في أصحابه في كل مائة جزورا.
وأقام- صلى الله عليه وسلّم- بذي قرد يوما وليلة يتحسّب الخبر.
وفي حديث سلمة أنهم كانوا خمسمائة.
قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد: ويقال سبعمائة، وبعث سعد بن عبادة- رضي الله عنه- بأحمال تمر، وبعشر جزائر فوافت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذي قرد،
قال سلمة: فلمّا أصبحنا قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجّالتنا سلمة»
[ (2) ] .
ثم أعطاني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سهم الفارس والراجل فجمعهما لي جميعا، ثم أردفني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة، فلما كان بينها وبينه قريب من ضحوة، وفي القوم رجل من الأنصار كان لا يسبق، فجعل ينادي: هل من يسابق؟ إليّ رجل يسابق إلى المدينة، فعل ذلك مرارا،
وأنا وراء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مردفي، قلت له: أما تكرم كريما، ولا تهاب شريفا؟ قال: لا، إلا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي خلّني فلأسابق الرّجل، قال: «إن شئت» قلت: أذهب، فطفر عن راحلته، وثنيت رجلي، فطفرت عن الناقة، ثم ارتبطت عليه شرفا أو شرفين، يعني استبقيت نفسي، ثمّ عدوت حتّى ألحقه، فأصكّ بين كتفيه بيدي، وقلت: سبقتك والله، فضحك وقال: والله إن أظن، فسبقته حتى قدمنا المدينة، فلم نلبث إلا ثلاثا حتى خرجنا إلى خيبر.
__________
[ (1) ] الغبوق ما يشرب بالعشي، انظر المعجم الوسيط 2/ 649.
[ (2) ] ذكره ابن عساكر في تهذيب دمشق 60/ 232.(5/102)
قال محمد بن عمر وابن سعد: ورجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة يوم الاثنين، وقد غاب خمس ليال.
وروى الزبير بن بكار عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي قال: مر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة ذي قرد على ماء يقال له بيسان، فسأل عنه، فقيل: اسمه يا رسول الله بيسان- وهو مالح- فقال: «بل هو نعمان وهو طيب» فغيّر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الاسم- وغير الله عز وجل الماء، فاشتراه طلحة، فتصدّق به
ذكر قدوم امرأة أبي ذر على ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
روى الإمام أحمد، ومسلم وأبو داود عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- فذكر الحديث، وفيه «فكانت المرأة في الوثاق، وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم.
فانفلتت ذات ليلة من الوثاق، فأتت الإبل، فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه، حتى انتهت إلى العضباء فلم ترغ، قال: وهي ناقة مدربة، فقعدت في عجزها، ثم زجرتها فانطلقت، وقد رأوها فطلبوها فأعجزتهم، قال: ونذرت إن نجّاها الله- عز وجل- لتنحرنها، فلما قدمت المدينة رآها الناس، فقالوا: العضباء ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-
فقالت: إنّها نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرّنها، فأتوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذكروا ذلك له فقال: «سبحان الله، بئس ما جزتها نذرت إن نجّاها الله لتنحرنّها، لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم» . زاد ابن إسحاق من مرسل الحسن «إنما هي ناقة من إبلي، ارجعي إلى أهلك على بركة الله»
[ (1) ] .
وقدم ابن أخي عيينة بلقحة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- السّمراء فبشرته بها سلمى، فخرج- صلى الله عليه وسلّم مستبشرا، وإذا رأسها بيد ابن أخي عيينة، فلما رآها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عرفها، ثم قال:
أيم بربك فقال: يا رسول الله أهديت لك هذه اللقحة، فتبسم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقبضها منه، ثم أقام عنده يوما أو يومين، ثم أمر له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بثلاث أواق من فضّة، فجعل يتسخّط، قالت سلمى: فقلت: يا رسول الله أتثيبه على ناقة من إبلك؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم» : نعم وهو يتسخّط عليّ» .
ثم صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الظهر، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إن الرّجل ليهدي إليّ النّاقة من إبلي أعرفها كما أعرف بعض أهلي، ثمّ أثيبه عليها فيظلّ يتسخّط
__________
[ (1) ] أبو داود 3/ 807 (3537) والترمذي 5/ 730 (3945) ، وأخرجه الطبراني في الكبير 11/ 18 وانظر المجمع 4/ 148 والحميدي (1051، 1053) وعبد الرزاق في المصنف (19920) وأحمد 2/ 292 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1145، 1146) والنسائي 6/ 280.(5/103)
عليّ، لقد هممت أن لا أقبل هديّة إلّا من قرشي أو أنصاري أو ثقفيّ أو دوسيّ» .
ذكر من قتل في هذه الغزوة
فمن المسلمين محرز بن نضلة، أحد بني أسد بن خزيمة، وابن وقّاص بن مجزّز- بميم مضمومة فجيم فزايين معجمتين، الأولى مشددة مكسورة المدلجيّ- فيما نقل ابن هشام عن غير واحد من أهل العلم.
ومن الكفار مسعدة بن حكمة- بفتحتين، وأوثار- بضم الهمزة وبالثاء المثلثة عند محمد بن عمر، وابن سعد، وبالموحدة عند ابن إسحاق، وقال ابن عقبة: أوبار- بفتح الهمزة وسكون الواو فموحدة والله أعلم.
وابنه عمرو بن أوبار، وحبيب بن عيينة، وقرفة بن مالك بن حذيفة بن بدر، ووقع عند ابن عقبة: وقرفة امرأة مسعدة.
ذكر بعض ما قيل من الشعر في غزوة ذي قرد
قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
لولا الّذي لاقت ومسّ نسورها ... بجنوب ساية أمس في التّقواد
للقينكم يحملن كلّ مدجّج ... حامي الحقيقة ماجد الأجداد
ولسرّ أولاد اللّقيطة أنّنا ... سلم غداة فوارس المقداد
كنّا ثمانية وكانوا جحفلا ... لجبا فشكّوا بالرّماح بداد
كنّا من القوم الّذين يلونهم ... ويقدّمون عنان كلّ جواد
كلّا وربّ الرّاقصات إلى منّى ... يقطعن عرض مخارم الأطواد
حتّى نبيل الخيل في عرصاتكم ... ونؤوب بالملكات والأولاد
رهوا بكلّ مقلّص وطمرّة ... في كلّ معترك عطفن وواد
أفنى دوابرها ولاح متونها ... يوم تقاد به ويوم طراد
وكذا الرّعان جيادنا ملبونة ... والحرب مشعلة بريح غواد
وسيوفنا بيض الحدائد تجتلي ... جنن الحديد وهامة المرتاد
أخذ الإله عليهم بحرامه ... أيام ذي قرد وجوه عباد
فلما قالها حسان بن ثابت غضب عليه سعد بن زيد، وحلف أن لا يكلمه أبدا، ثم قال: انطلق إلى خيلي وفوارسي فجعلها للمقداد، فاعتذر إليه حسّان، وقال: ما ذاك أردت ولكن الرّوي وافق اسم المقداد، وقال أبياتا يرضي بها سعدا(5/104)
إذا أردتّم الأشدّ الجلدا ... أو ذا غناء فعليكم سعدا
سعد بن زيد لا يهدّ هدّا
فلم يقبل منه سعد ولم يغن شيئا.
وقال كعب بن مالك في يوم ذي قرد للفوارس:
أتحسب أولاد اللّقيطة أنّنا ... على الخيل لسنا مثلهم في الفوارس
وإنّا أناس لا نرى القتل سبّة ... ولا ننثني عند الرّماح المداعس
وإنّا لنقري الضّيف من قمع الذّرى ... ونضرب رأس الأبلج المتشاوس
نردّ كماة المعلمين إذا انتخوا ... بضرب يسلّي نخوة المتقاعس
بكلّ فتى حامي الحقيقة ماجد ... كريم كسرحان الغضاة مخالس
يذودون عن أحسابهم وتلادهم ... ببيض تقدّ الهام تحت القوانس
فسائل بني بدر إذا ما لقيتهم ... بما فعل الإخوان يوم التّمارس
إذا ما خرجتم فاصدقوا من لقيتم ... ولا تكتموا أخباركم في المجالس
وقولوا زللنا عن مخالب خادر ... به وحر في الصّدر ما لم يمارس
قال ابن إسحاق:
وقال شدّاد بن عارض الجشميّ في يوم ذي قرد، يعني لعيينة بن حصن، وكان عيينة يكنى بأبي مالك:
فهلّا كررت أبا مالك ... وخيلك مدبرة تقتل
ذكرت الإياب إلى عسجد ... وهيهات قد بعد المقفل
وطمّنت نفسك ذا ميعة ... مسحّ النّضال إذا يرسل
إذا قبّضته إليك الشّما ... ل جاش كما اضطرم المرجل
فلمّا عرفتم عباد الإل ... هـ لم ينظر الآخر الأوّل
عرفتم فوارس قد عوّدوا ... طراد الكماة إذا أسهلوا
إذا طردوا الخيل تشقى بهم ... فضاحا وإن يطردوا ينزلوا
فيعتصموا في سواء المقا ... م بالبيض أخلصها الصّيقل
تنبيهات
الأول: ذو قرد- بفتح القاف والراء، وحكي الضّم فيها، وحكي ضم أوله وفتح ثانيه.
قال الحازمي- رحمه الله-: الأوّل ضبط أصحاب الحديث، والضّم عن أهل اللغة، وقال(5/105)
البلاذري- رحمه الله- الصّواب الأول.: وهي على نحو بريد مما يلي بلاد غطفان، وقيل على مسافة يوم، قال السهيلي: والقرد في اللغة الصّوف.
الثاني: قال البخاري في صحيحه في غزوة ذي قرد: كانت قبل خيبر بثلاث، وذكرها بعد الحديبية قبل خيبر.
قال الحافظ: ويؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد ومسلم من حديث إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه فذكر قصة الحديبية، ثم قصة ذي قرد، وقال في آخرها: فرجعنا- أي من الغزوة- إلى المدينة، فو الله ما لبثنا بالمدينة إلّا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر.
وأما ابن إسحاق، ومحمد بن عمر وابن سعد فقالوا: كانت غزوة ذي قرد في سنة ستّ قبل الحديبية.
قال محمد بن عمر وابن سعد في ربيع الأول.
وقيل في جمادى الأولى.
وقال ابن إسحاق في شعبان فيها، فإنه قال: كانت غزوة بني لحيان في شعبان سنة ست، فلما رجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة لم يقم إلّا ليالي حتى أغار عيينة بن حصن على لقاحه- صلى الله عليه وسلم- قال ابن كثير: وما ذكره البخاريّ أشبه بما ذكره ابن إسحاق.
وقال أبو العباس القرطبي- وهو شيخ صاحب التذكرة والتفسير- تبعا لأبي عمر- رحمهم الله: لا يختلف أهل السير أنّ غزوة ذي قرد كانت قبل الحديبية، يكون ما وقع في حديث سلمة وهم من بعض الرّواة.
قال: ويحتمل أن يجمع بأن يقال يحتمل أن يكون- صلى الله عليه وسلّم- أغزى سريّة فيهم سلمة بن الأكوع إلى خيبر قبل فتحها، فأخبر سلمة عن نفسه وعمّن خرج معه، يعني حيث قال: خرجنا إلى خيبر قال: ويؤيده أن ابن إسحاق ذكر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أغزى إليها عبد الله بن رواحة قبل فتحها مرّتين. انتهى.
قال الحافظ- رحمه الله- تعالى: وسياق الحديث يأبى هذا الجمع، فإن فيه بعد قوله:
خرجنا إلى خيبر مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فجعل عمّي يرتجز بالقوم، وفيه قول النبي- صلى الله عليه وسلم- من السّائق وفيه مبارزة عمه لمرحب وقتل عامر، وغير ذلك مما وقع في غزوة خيبر حيث خرج إليها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فعلى هذا ما في الصحيح أصحّ مما ذكره أهل السير.
قال الحافظ: ويحتمل في طريق الجمع أن تكون إغارة عيينة بن حصن على اللّقاح وقعت مرّتين، الأولى التي ذكرها ابن إسحاق وهي قبل الحديبية، والثانية بعد الحديبية قبل الخروج إلى خيبر.(5/106)
وكان رأس الذين أغاروا عبد الرحمن بن عيينة كما في سياق سلمة عند مسلم، ويؤيّده أنّ الحاكم ذكر في الإكليل أنّ الخروج إلى ذي قرد تكرّر، ففي الأولى خرج إليها زيد بن حارثة قبل أحد، وفي الثانية خرج إليها النبي- صلى الله عليه وسلم- في ربيع الآخر سنة خمس، والثّالثة هذه المختلف فيها- انتهى. فإذا ثبت هذا قوي الجمع، الذي ذكرته، والله أعلم.
الثالث: في حديث سلمة عند مسلم: إن عبد الرحمن بن عيينة بن حصن أغار على اللّقاح، وفي حديثه عند الطبراني أنه عيينة بن حصن، ولفظ ابن عقبة: أنه عيينة بن بدر، ويقال إن مسعدة كان رئيسا للقوم في هذه الغزوة، ولا منافاة بين ما ذكر، فإن كلا منهما كان رئيسا فيهم، وكان حاضرا.
الرابع: حديث سلمة- رضي الله عنه- أنه استنقذ جميع ظهر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعبارة بن عقبة: استنقذوا السّرح. والذي ذكره ابن إسحاق، وابن عمر، وابن سعد وغيرهم أنه استنقذ من اللّقاح عشرة فقط، وما في حديث سلمة- رضي الله عنه- هو المعتمد، لصحة سنده.
الخامس: في حديث سلمة- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ركب في رجوعه إلى المدينة العضباء، وأردف سلمة وراءه، وفي حديث عمران بن حصين السّابق: إن امرأة أبي ذرّ أخذتها من العدو وركبتها.
السادس: في بيان غريب ما سبق:
حصن- بكسر الحاء الفزاريّ- بفاء مفتوحة فزاي فألف فراء: قبيلة من غطفان.
غطفان: بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة المشالة، وبالفاء.
اللّقاح- بكسر اللام، وتخفيف القاف فمهملة: ذوات اللّبن من الإبل، واحدها لقحة- بكسر اللام وفتحها، واللّقوح: الحلوب.
عيينة- بضم العين المهملة وكسرها.
البيضاء- تأنيث أبيض: اسم موضع عند الجبل.
الغابة- بالغين المعجمة، والموحدة: مال من أموال عوالي المدينة.
الأثل: شجر عظيم لا ثمر له، الواحدة أثلة.
الطّرفاء: شجر من شجر البادية وشطوط الأنهار، واحدتها طرفة بفتح الطاء والرّاء مثل قصبة وقصباء.
يئوب: يرجع.(5/107)
الضاحية: الناحية البارزة.
ذويه: أصحابه.
أحدق به- بهمزة مفتوحة فحاء مهملة ساكنة فدال مهملة فقاف: أطاف.
قبل أن يؤذّن بالأولى: يعني صلاة الصّبح.
الظّهر: الرّكاب التي تحمل الأثقال في السّفر.
أندّية- بضم أوّله وبالنّون وتشديد الدال المهملة، والتّندية أن يورد الماء ساعة، ثم يرد إلى المراعي ساعة ثم الماء، كذا قال أبو عبيد والأصمعي وقال ابن قتيبة: إنما هو أبدّيه- بالموحدة، أي أخرجه إلى البدو، وأنكر الأوّل. وقال: ولا يكون إلا للإبل خاصة وقال الأصمعي التندية تكون للإبل والخيل، أو هو الصحيح وهذا الحديث يشهد له. وخطّأ الأزهري ابن قتيبة وصوّب الأوّل.
السّرح- بفتح السين وسكون الراء وبالحاء المهملات: المال السّائم المرسل في المرعى.
سلع بفتح السين المهملة، وسكون اللّام، وبالعين المهملة: جبل بالمدينة يا صباحاه: كلمة تقال عند استنفار من كان غافلا عن عدوّه، لأنهم أكثر ما يغيرون عند الصّباح، ويسمّون يوم الغارة يوم الصّباح.
اللّبّتان: تثنية لابّة: وهي الحرّة، وهي الأرض ذات الحجارة السّود.
أردّيهم- بضم الهمزة، وفتح الرّاء، وتشديد الدال المهملة: يرميهم.
أعقر بهم: أقتل دوابهم.
الأكوع- بهمزة مفتوحة، فكاف ساكنة، فواو مفتوحة، فعين مهملة العظيم الكاع:
الكوع، وهو طرف الزند ممّا يلي الرّسغ، والكوع طرفه الذي يلي الإبهام، والكاع طرفه الذي يلي الخنصر وهو الكرسوع والكوع أخفاهما وأشدهما، درمة، والدّرم أن لا يظهر للعظم حجم.
اليوم يوم الرّضّع- بالرفع فيهما، وينصب الأول ويرفع الثاني على جعل الأوّل ظرفا.
قال: وهو جائز إذا كان الظّرف واسعا ولم يضق عن الثاني.
الرّضّع- بضمّ الرّاء كركّع، ورضاع: وهو اللئيم. قال السهيلي: قال أهل اللّغة: يقال في اللؤم- رضع- بالفتح- يرضع بالضّمّ رضاعة لا غير. ورضع الصّبيّ ثدي أمّه يرضع بالفتح- رضاعا مثل سمع. يسمع سماعا، والمعنى اليوم يوم هلاك اللئام، والأصل فيه أن شخصا كان(5/108)
شديد البخل، فكان إذا أراد حلب ناقته ارتضع من ثديها لئلا يحلبها، فيسمع جيرانه ومن يمرّ به صوت الحلب فيطلبون منه اللّبن. وقيل: بل صنع ذلك لئلّا يتبدد من اللّبن شيئا إذا حلب في الإناء، ويبقى في الإناء شيء إذا شربه، فقالوا في المثل: «ألأم من راضع» . وقيل غير ذلك.
الثنايا: جمع ثنية، وهي العقبة المسلوكة.
البرح- بفتح الموحدة وسكون الراء: المشدة والأذى.
ذكر حث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في طلب العدو، وشرح غريبه
الفزع الفزع: منصوبان بفعل محذوف.
يا خيل الله اركبي: على حذف مضاف، أي يا فرسان خيل الله.
الأريّ- بفتح الهمزة وسكون الراء، وتشديد التحتية: مربط الدابة، وقيل: معلفها. قال في العين: وقال الأصمعي: هو حبل مربوط في الأرض ويبرز طرفه يربط به الدابة، وأصله من الحبس والإقامة، من قولهم: تأرّى بالمكان: أقام به.
الحائط: البستان المحوط عليه.
فرسا صنيعا- بفتح الصاد المهملة وكسر النون فتحتية ساكنة فعين مهملة، فعيل بمعنى مفعول، يقال منه صنعت فرسي صنعا، وصنعة: إذا أحسنت القيام عليه، فهو صنيع.
جامّا- بجيم وميم مشدّدة: مرتاحا له مدة لم يركب.
بذّ الخيل- بفتح الموحدة وتشديد الذّال المعجمة: سبقها. بجماحه: بفتح الجيم.
اللكيعة- بفتح اللام، وكسر الكاف، فتحتية ساكنة، فعين مهملة مفتوحة، اللئيمة.
من أدباركم: من ورائكم.
جال الفرس- بالجيم: نفر من مكانه يقتطعوك: يحول بيننا وبينك.
ثكلته أمه: فقدته.
أكوعه، وفي لفظ: أكوعي، برفع العين في الأوّل لفظا، وفي الثاني تقديرا، أي أنت الأكوع الذي كنت بكرة هذا النهار، ولهذا قال: نعم. لأنه كان أول ما لحق بهم صاح بهم: أنا ابن الأكوع، فلما لحق بهم آخر النهار- وقال هذا القول قالوا: أنت الذي كنت معنا بكرة؟
قال: نعم.
انتظمهما: نفذ رمحه أو سهمه فيهما.
الجرء- بضم الجيم، وسكون الراء، وبالهمزة والجرأة. بفتحتين، وبالمد- على(5/109)
الشيء: الهجوم، والإسراع بالهجوم عليه من غير توقف.
أصرت أذنيها: جمعتهما.
الزّوراء: بفتح الزّاي وبالمد: موضع عند سوق المدينة قرب المسجد.
الشّوط- بالشين المعجمة والطاء المهملة: مسافة يعدوها الفرس كالميدان ونحوه.
ذباب- بذال معجمة تضم وتكسر وموحدتين: جبل بالمدينة.
قمع دابّته: ذلّلها.
يحاكيني: يساويني في المشي.
فنشب- بنون فشين معجمة فموحدة: لبث.
القدح: بكسر القاف وسكون الدّال وبالحاء المهملتين: السهم.
الفاره- بفاء وراء مكسورة: الخفيف النشيط.
كليلة: محيطة من جميع جوانبه.
المغفر- بكسر الميم، وسكون الغين المعجمة، وفتح الفاء وبالراء: زرد ينسج من الدّروع على قدر الرأس يجعل تحت القلنسوة.
أثبتني: عرفني.
المجالدة: المضاربة بالسيوف.
المطاعنة: المضاربة بالرماح.
متأبّط: أخذ شيئا تحت إبطه.
ألحت- بتخفيف الحاء المهملة: أشرت.
شرح غريب ذكر خروج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لطلب العدو
المقنّع- بضم الميم، وفتح القاف، وفتح النون المشددة، وبالعين المهملة،: الذي لبس بيضة.
عدو: جري.
يجوس: أصل الجوس شدّة الاختلاط ومداركة الضرب.
الصّريخ: بالمهملة، وبالخاء المعجمة: الاستغاثة.
الأمداد- جمع مدد، وهم الأعوان والأنصار.
الشعار- بكسر الشين المعجمة: العلامة في الحرب.(5/110)
أمت أمت: أمر بالإماتة، وتقدم بيانه في غزوتي بدر وأحد.
السّطيحة: المزادة التي تكون من أديمين، قوبل أحدهما بالآخر فسطح عليه، وهي من أواني المياه.
المذقة- بفتح الميم، وسكون الذال المعجمة القليل من لبن ممزوج بماء (أجليتهم عنه) بفتح الهمزة وسكون الجيم طردتهم (حميت القوم الماء) منعتهم من الشرب (النواجذ) جمع ناجذ بالذال المعجمة. السن بين الأضراس، والمراد هنا الأنياب.
العضباء: ناقة النبي- صلى الله عليه وسلّم.
عدا: عدوا على الرجلين.
أسجح- بقطع الهمزة، وسكون السين المهملة، وكسر الجيم، وبالحاء المهملة: أرفق وسهّل واعف واسمح، والإسجاح: حسن العفو.
يغبقون- بتحتيّة مضمومة، فغين معجمة ساكنة، فموحدة مفتوحة، الغبوق: الشرب بالعشيّ، أي يسقون اللبن بالعشيّ.
يقرون- بضم التحتية، وسكون القاف، وفتح الراء يضيّفون.
يتحسّب- بفتح الحاء والسين المشددة المهملتين فموحدة يتعرّف ويستخبر.
طفرت- بالطاء والراء المهملتين بينهما فاء: وثبت ونفرت.
ربطت نفسي: حبستها عن الجري.
الشرف: ما ارتفع عن الأرض.
أصكّ بين كتفيه: أضرب.
شرح غريب شعر حسان- رضي الله عنه-
النسور- بنون، فسين مهملة: جمع نسر، وهو هنا ما يكون في بطن حافر الدابة كأنها نواة أو حصاة، وأضمر ذكر الخيل وإن لم يتقدم لها ذكر، لأن الكلام يدل عليها، وفي الفرس عشرون عضوا كل عضو منهما، سمي باسم طائر.
ساية- بسين مهملة، فألف فتحتية، اسم قرية جامعة من عمل الفرع بها أكثر من سبعين عينا.
التّقواد- بفوقية مفتوحة مشددة، فقاف ساكنة، وآخره دال مهملة، أي جرّها بالمقود من أمام. والسّوق: من خلف.
المدجج- بضم الميم، وفتح الدال، وفتح الجيم الأولى وتشديدها وتكسر: الكامل السلاح.(5/111)
الحامي: المانع.
الحقيقة: بحاء مهملة، وقافين بينهما تحتية: ما يحقّ على الرجل أن يحميه.
الماجد: الشريف.
بنو اللّقيطة: هم الملتقطون الذين لا يعرف آباؤهم.
السلم- بفتح السين المهملة، وكسرها: الصلح.
الجحفل- بجيم مفتوحة، فحاء مهملة ساكنة، ففاء مفتوحة، فلام، الجيش الكثير.
اللّجب- بفتح الهمزة واللام الثانية: وكسر الجيم، وبالموحدة: الكثير الأصوات.
شكّوا: بشين معجمة، فكاف مشددة، والشّك- بالفتح هنا الطعن، وروي باللّام، وهو الطرد.
بداد- بموحدة مفتوحة فدالين مهملتين من التّبدّد، وهو التّفرّق، بني على الكسر، وهو في موضع نصب، كانتصاب المصدر في قولك: مشيت القهقرى، وقعدت القرفصاء، كأنه قال: طعنوا الطّعنة التي يقال لها بداد.
الجواد: من الخيل السريع.
الرّقصات. هنا الإبل، والرّقص والرّقصان، ضرب من مشيها.
المخارم- بالخاء المعجمة جمع مخرم: وهو ما بين الجبلين.
الأطواد: الجبال المرتفعة.
نبيل الخيل، من لفظ التبول، أي نجعلها تبول.
نؤوب: بفتح الفوقية، وبالهمزة: نرجع.
الملكات: النساء اللّاتي أملكن.
الرّهو: بفتح الراء المشي في سكون.
المقلّص: المشمر.
طمرّة فرس: وثّابة سريعة.
المعترك: موضع الحرب.
رواد: من رواه بفتح الراء فمعناه: سريعات، من ردى الفرس يردي: أسرع، أي تردي بفرسانها، أي تسرع. ومن رواه بكسر الراء فهو من المشي الرّويد، وهو الذي فيه فتور.
دوابرها: أواخرها.(5/112)
لاح: غيّر وأضعف.
متونها: ظهورها.
الطّراد: مطاردة الأبطال بعضهم بعضا.
الجياد: جمع جواد، تقدم.
ملبونة: تسقي اللّبن.
مشعلة: موقدة.
غواد- جمع غادية.
تجتلي- بفوقية مفتوحة، فجيم معجمة ساكنة، فموحدة، فلام مكسورة، تقطع.
الجنن- بضم الجيم، ونونين جمع جنّة كذلك السلاح.
الهامة: الرأس.
المرتاد: الطالب للحرب هنا.
الأسداد: جمع سدّ، بفتح السين: ما يسد به على الإنسان فيمنعه عن وجهه.
عباد- بكسر المهملة: أحد جمع عبد.
شرح غريب قصيدة كعب بن مالك- رضي الله عنه-
ننثني: نرجع.
المداعس: المطاعن، واحدها مدعس، يقال دعسه بالرمح إذا طعنه.
القمع- بقاف، فميم مضمومتين فعين مهملة جمع قمعة، وهي أعلى سنام البعير.
الذّرى- بضم الذال المعجمة، وفتح الراء: الأسنمة.
الأبلخ- بفتح الهمزة، وسكون الموحدة، وبالخاء المعجمة: المتكبر.
المتشاوس- بفوقية فشين معجمة، وآخره سين مهملة: الذي ينظر بمؤخر عينه نظر المتكبر.
المعلمين- بسكون العين، وكسر اللام.
الكماة- بضم الكاف: الشجعان.
انتخوا: تكبروا.
يسلّي- بضم أوله، وفتح ثانيه، وتشديد اللام.
النّخوة- بفتح النون، وسكون الخاء المعجمة: العظمة والتكبر.
المتقاعس: الذي لا يلين ولا ينقاد.
السّرحان: الذئب.(5/113)
الغضاة: شجرة، وجمعها غضى: ويقال: أخبث الذئاب ذئاب الغضى.
المخالس: الذي يخطف الشيء سرعة على غفلة.
يذودون: يمنعون ويدفعون.
الأحساب: جمع حسب بفتحتين: ما يعدّ من الماثر.
التّلاد: بكسر الفوقية: المال القديم.
تقدّ: تقطع.
القوانس- بالقاف: أعالي بيض الحديد، واحدها قونس.
التّمارس: المضاربة في الحرب والمقاربة المخالب- بميم فخاء معجمة مفتوحتين: جمع مخلب- بكسر الميم، ظفر كل سبع من الماشي والطائر، أو هو لما يصيد من الطير، والظفر لما لا يصيد.
الخادر: الأسد في خدره، وهي الأجمة.
الوحر: بالحاء والراء المهملتين: الحقد.
شرح غريب قصيدة شداد بن عارض الحشمي- رضي الله عنه-
الإياب: الرجوع.
عسجد: بلفظ اسم الذهب: اسم موضع.
وهيهات: اسم فعل بمعني بعد.
المقفل: الرجوع.
ذو ميعة: فرس ذو نشاط.
المسحّ- بكسر الميم، وفتح السين، والحاء المشددة، المهملتين، الكثير الجري.
الفضاء- بالفاء المعجمة: المتسع من الأرض.
جاش- بالجيم، والشين المعجمة: تحرك وغلى.
اضطرم: ويروى بالباء، أي في جريه، وبالموحدة، أي تحرّك.
المرجل: بكسر الميم: القدر.
لم ينظر: لم ينتظر.
أسهلوا: أخذوا في سهل الأرض.
الفضاح: الفاضحة- بالفاء، والضاد المعجمة والمهملة.
الصيقل: الذي يزيل ما على السلاح من الصدأ.(5/114)
الباب الرابع والعشرون في غزوة خيبر
قال ابن عقبة، وابن إسحاق: ولمّا قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المدينة من الحديبية- زاد ابن إسحاق في ذي الحجة- مكث بها عشرين ليلة أو قريبا منها، ثم خرج غاديا إلى خيبر- زاد ابن إسحاق في المحرم- وكان الله- عز وجل- وعده إيّاها وهو بالحديبية، فنزلت عليه سورة الفتح فيما بين مكة والمدينة، فأعطاه الله- تعالى- فيها خيبر: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ [الفتح 20]- خيبر.
قال محمد بن عمر: أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أصحابه بالخروج فجدّوا في ذلك، واستنفر من حوله ممّن شهد الحديبية يغزون معه، وجاءه المخلّفون عنه في غزوة الحديبية ليخرجوا معه رجاء الغنيمة،
فقال: «لا تخرجوا معي إلّا راغبين في الجهاد، فأمّا الغنيمة فلا» .
قال أنس- رضي الله عنه-: وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأبي طلحة- رضي الله عنه- حين أراد الخروج إلى خيبر: «التمسوا إليّ غلاما من غلمانكم يخدمني» فخرج أبو طلحة مردفي وأنا غلام، قد راهقت، فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا نزل خدمته-، فسمعته كثيرا ما يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال» رواه سعيد بن منصور.
[ (1) ]
واستخلف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على المدينة. قال ابن هشام: نميلة أي بضم النون، وفتح الميم، وسكون التحتية، ابن عبد الله الليثي. - كذا قال والصحيح سباع- بكسر السين بن عرفطة- بعين مهملة مضمومة فراء ساكنة ففاء مضمومة، فطاء مهملة كما رواه الإمام أحمد، والبخاري في التاريخ الصغير، وابن خزيمة، والطحاوي، والحاكم، والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله عنهم [ (2) ] .
وأخرج معه أم المؤمنين أم سلمة- رضي الله عنها.
ولمّا تجهز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والناس شق على يهود المدينة الّذين هم موادعو رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعرفوا أنّه إن دخل خيبر أهلك أهل خيبر، كما أهلك بني قينقاع، والنّضير وقريظة. ولم يبق أحد من يهود المدينة له على أحد من المسلمين حقّ إلا لزمه.
وروى محمد بن عمر عن شيوخه، وأحمد، والطبراني عن ابن أبي حدرد بمهملات
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 11/ 177 (6363) ، وأحمد في المسند 3/ 159 والنسائي 8/ 274، والبيهقي 9/ 125.
[ (2) ] أخرجه البخاري في التاريخ الصغير 1/ 43، والبيهقي قي الدلائل 4/ 198.(5/115)
وزن جعفر- بسند صحيح أنه كان لأبي الشّحم اليهودي خمسة دراهم، ولفظ الطبراني: أربعة دراهم في شعير أخذه لأهله فلزمه. فقال: أجّلني فإني أرجو أن أقدم عليك فأقضيك حقّك إن شاء الله، قد وعد الله- تعالى- نبيه أن يغنمه خيبر، فقال أبو الشّحم حسدا وبغيا: أتحسبون أنّ قتال خيابر مثل ما تلقون من الأعراب، فيها- والتّوراة- عشرة آلاف مقاتل،
وترافعا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «أعطه حقّه» قال عبد الله: والذي بعثك بالحق ما أقدر عليها قال: أعطه حقه. قال وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا قال ثلاثا لم يراجع.
قال عبد الله: فخرجت فبعت أحدا ثوبي بثلاثة دراهم، وطلبت بقية حقّه فدفعت إليه ولبست ثوبي الآخر. وأعطاني ابن أسلم بن حريش بفتح الحاء وكسر الراء وبالشين المعجمة ثوبا آخر [ (1) ] .
ولفظ الطّبراني: فخرج به ابن أبي حدرد إلى السّوق وعلى رأسه عصابة وهو يأتزر بمئزر، فنزع العمامة عن رأسه فأتزر بها، ونزع البردة فقال: اشتر منّي هذه، فباعها منه بالدراهم فمرتّ عجوز فقالت: مالك يا صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأخبرها، فقالت: هادونك هذا البرد، فطرحته عليه، فخرجت في ثوبين مع المسلمين، ونفلني الله- تعالى- من خيبر، وغنمت امرأة بينها وبين أبي الشحم قرابة، فبعتها منه.
وجاء أبو عبس- بموحدة- ابن جبر- بفتح الجيم وسكون الموحدة، فقال يا رسول الله ما عندي نفقة ولا زاد ولا ثوب أخرج فيه، فأعطاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شقة سنبلانيّة: جنس من الغليظ شبيه بالكرباس.
قال سلمة: خرجنا مع النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع ألا تسمعنا من هنيهاتك وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم يقول:
اللهمّ لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فاغفر فداء لك ما اتّقينا ... وألقين سكينة علينا
وثبّت الأقدام إن لاقينا ... إنّا إذا صيح بنا أتينا
وبالصّياح عوّلوا علينا
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من هذا السّائق؟ قالوا: عامر بن الأكوع قال: «يرحمه الله» وفي رواية «غفر لك ربك» .
قال: وما استغفر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لإنسان يخصّه إلّا استشهد.
فقال عمر- وهو على جمل: وجبت يا رسول الله: لولا أمتعتنا بعامر [ (2) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 423 والطبراني في الصغير (234) وانظر المجمع 4/ 129 وقال رجاله ثقات إلا إن محمد بن أبي يحيى لم أجد له رواية عن الصحابة فيكون مرسلا صحيحا.
[ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 530 (4196) وأخرجه مسلم 3/ 1427 (123/ 1802) ، والبيهقي في الدلائل 4/ 201.(5/116)
روى الحارث بن أبي أسامة عن أبي أمامة، والبيهقي عن ثوبان- رضي الله عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال في غزوة خيبر: «من كان مضعّفا أو مصعّبا فليرجع» . وأمر بلالا فنادى بذلك، فرجع ناس، وفي القوم رجل على صعب، فمر من اللّيل على سواد فنفر به فصرعه فلما جاءوا به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما شأن صاحبكم؟» فأخبروه، فقال: «يا بلال، ما كنت أذّنت في الناس، من كان مضعّفا أو مصعّبا فليرجع» ؟ قال: نعم. فأبى أن يصلي عليه. زاد البيهقي، وأمر بلالا فنادى في الناس «الجنة لا تحل لعاص» ثلاثا
[ (1) ] .
قال محمد بن عمر: وبينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الطريق في ليلة مقمرة إذ أبصر رجلا يسير أمامه عليه شيء يبرق في القمر كأنه في شمس وعليه بيضة فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:
«من هذا» ؟ فقيل: أبو عبس بن جبر فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أدركوه قال: فأدركوني فحبسوني، فأخذني ما تقدم وما تأخر، فظننت أنّه قد أنزل في أمر من السماء، فجعلت أتذكّر ما فعلت حتى لحقني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «ما لك تقدّم النّاس لا تسير معهم» ؟ قلت: يا رسول الله: إنّ ناقتي نجيبة، قال: فأين الشّقيقة التي كسوتك» قلت يا رسول الله: بعتها بثمانية دراهم، فتزودت بدرهمين وتركت لأهلي درهمين، وابتعت هذه البردة بأربعة دراهم،. فتبسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم قال: «أنت والله يا أبا عبس وأصحابك من الفقراء والذي نفسي بيده، لئن سلمتم وعشتم قليلا ليكثرنّ زادكم، وليكثرنّ ما تتركون لأهليكم ولتكثرنّ دراهمكم وعبيدكم وما ذلك لكم بخير» .
قال أبو عبس: فكان والله كما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.
قال سويد بن النعمان- رضي الله عنه-: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لمّا وصل إلى الصّهباء- وهي أدنى خيبر- صلّى العصر، ثمّ دعا بالأزواد، فلم يؤت إلّا بالسويق، فأمر به فثرّي فأكل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأكلنا معه، ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا ثم صلى ولم يتوضأ.
رواه البخاري، [ (2) ] والبيهقي.
زاد محمد بن عمر: ثم صلى بالناس العشاء، ثم دعا بالأدلاء فجاء حسيل بن خارجة وعبد الله بن نعيم الأشجعي فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لحسيل: يا حسيل:
امض أمامنا حتى تأخذ بنا صدور الأودية حتى تأتي خيبر من بينها وبين الشام، فأحول بينهم وبين الشام وبين حلفائهم من غطفان» فقال حسيل: أنا أسلك بك، فانتهى به إلى موضع له طرق، فقال: يا رسول الله إن لها طرقا تؤتى منها كلها. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «سمّها لي» وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يحبّ الفأل الحسن والاسم الحسن، ويكره الطّيرة، والاسم القبيح، فقال: لها طريق يقال لها حزن، وطريق يقال لها: شاش، وطريق يقال لها حاطب، فقال
__________
[ (1) ] الطبراني في الكبير 7/ 227.
[ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 529 (4195) .(5/117)
رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لا تسلكها» . قال: لم يبق إلا طريق واحد يقال له: مرحب، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم «أسلكها» .
ذكر دعاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما أشرف على خيبر
روى ابن إسحاق عن أبي مغيث بن عمرو- رضي الله عنه- وهو بغين معجمة، وثاء مثلثة عند ابن إسحاق، وبعين مهملة مفتوحة ففوقية مشدّدة فموحدة عند الأمير، ومحمد بن عمر عن شيوخه، قالوا: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما أشرف على خيبر، قال لأصحابه: «قفوا» فوقفوا.
فقال: اللهم رب السموات السّبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، وربّ الرّياح وما أذرين فإنا نسألك من خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها، أقدموا بسم الله» . وكان يقولها لكل قرية يريد دخولها. ورواه النسائي وابن حبان عن صهيب
[ (1) ] .
ذكر وصول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر
قال محمد بن عمر: ثم سار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى انتهى إلي المنزلة، وهي سوق لخيبر، صارت في سهم زيد بن ثابت- رضي الله عنه- فعرّس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بها ساعة من الليل، وكانت يهود لا يظنّون قبل ذلك إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يغزوهم لمنعتهم وسلاحهم وعددهم، فلما أحسّوا بخروج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إليهم قاموا يخرجون كل يوم عشرة آلاف مقاتل صفوفا، ثم يقولون: محمّد يغزونا هيهات هيهات!! وكان ذلك شأنهم، فلما نزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة ولم يصح لهم ديك حتى طلعت الشمس، فأصبحوا وأفئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم غادين معهم المساحي، والكرازين والمكاتل، فلمّا نظروا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ولّوا هاربين إلى حصونهم.
وروى الإمام الشافعي، وابن إسحاق، والشيخان من طرق عن أنس- رضي الله عنه- قال: سار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر، فانتهى إليها ليلا، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا طرق قوما بليل لم يغر عليهم حتى يصبح، فإذا سمع أذانا أمسك، وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم حتى يصبح، فصلينا الصّبح عند خيبر بغلس، فلم نسمع أذانا، فلما أصبح ركب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وركب معه المسلمون وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى نبي الله- صلّى الله عليه وسلم- فانحسر عن فخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فإني لأرى بياض فخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وإنّ قدمي لتمسّ قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
__________
[ (1) ] أخرجه ابن خزيمة (2565) والبخاري في التاريخ الكبير 6/ 472 والطبراني في الكبير 8/ 39، والبيهقي في الدلائل 4/ 204 وابن السني (518) .(5/118)
وخرج أهل القرية إلى مزارعهم بمكاتلهم ومساحيهم، فلمّا رأوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالوا: محمّد والخميس. فأدبروا هربا.
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ورفع يديه: «الله أكبر، خربت خيبر، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين»
[ (1) ] .
وروى الترمذي وابن ماجة والبيهقي، بسند ضعيف عن أنس- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر على حمار مخطوم برسن من ليف، وتحته إكاف من ليف [ (2) ] .
قال ابن كثير: الذي ثبت في الصحيح، إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- جرى في زقاق خيبر حتى انحسر الإزار عن فخذه فالظاهر أنه كان يومئذ على فرس لا على حمار، قال: ولعلّ هذا الحديث- أن كان صحيحا- محمول على أنه ركبه في بعض الأيام، وهو محاصرها.
قال محمد بن عمر- رحمه الله- وجاء الحباب- بضم الحاء المهملة، وموحدتين ابن المنذر- رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله إنك نزلت منزلك هذا، فإن كان من أمر أمرت به فلا نتكلم، وإن كان الرأي تكلّمنا. فقال- صلى الله عليه وسلم- «هو الرأي» فقال: يا رسول الله. دنوت من الحصون، ونزلت بين ظهري النخل، والنّزّ مع أنّ أهل النّطاة لي بهم معرفة، ليس قوم أبعد مدى سهم منهم، ولا أعدل رمية منهم، وهم مرتفعون علينا، ينالنا نبلهم، ولا نأمن من بياتهم، يدخلون في خمر النخل فتحوّل يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى موضع بريء من النزّ ومن الوباء نجعل الحرة بيننا وبينهم حتى لا تنالنا نبالهم ونأمن من بياتهم ونرتفع من النزّ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أشرت بالرّأي، ولكن نقاتلهم هذا اليوم»
[ (3) ] .
ودعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- محمد بن مسلمة- رضي الله عنه- فقال: انظر لنا منزلا بعيدا من حصونهم بريئا من الوباء، نأمن فيه من بياتهم، فطاف محمد حتى أتى الرّجيع، ثم رجع إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله وجدت لك منزلا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «على بركة الله»
[ (4) ] .
ذكر ابتدائه- صلى الله عليه وسلّم- بأهل النطاة
صفّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصحابه ووعظهم وأنهاهم عن القتال حتى يأذن لهم، فعمد رجل من أشجع فحمل على يهودي وحمل عليه اليهودي فقتله،
فقال الناس: استشهد فلان،
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 89 (610، 2991) ، ومسلم 3/ 1426 (120/ 1365) .
[ (2) ] أخرجه الترمذي 3/ 337 (1017) وابن ماجة (4178) ، الحاكم في المستدرك 2/ 466 والبيهقي في الدلائل 4/ 204، وانظر الدر المنثور 6/ 111.
[ (3) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 2/ 109.
[ (4) ] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9291) .(5/119)
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «أبعد ما نهيت عن القتال؟. قالوا: نعم. فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مناديا فنادى في الناس «لا تحل الجنة لعاص» .
وروى الطبراني في الصغير عن جابر- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال يومئذ: «لا تتمنّوا لقاء العدوّ، واسألوا الله تعالى العافية، فإنكم لا تدرون ما تبتلون به منهم، فإذا لقيتموهم فقولوا: اللهمّ أنت ربّنا وربهم، ونواصينا ونواصيهم بيدك، وإنما تقتلهم أنت، ثمّ الزموا الأرض جلوسا، فإذا غشوكم فانهضوا، وكبّروا» ،
وذكر الحديث [ (1) ] .
قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد: وفرّق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الرايات، ولم تكن الرّايات إلّا يوم خيبر، وإنما كانت الألوية.
وكانت راية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سوداء من برد لعائشة- رضي الله عنها- تدعى العقاب، ولواؤه أبيض، دفعه إلى علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- ودفع راية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سعد بن عبادة، وكان شعارهم «يا منصور أمت» [ (2) ] .
وأذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في القتال، وحثّهم على الصّبر، وأوّل حصن حاصره حصن ناعم بالنّون، والعين المهملة، وقاتل- صلى الله عليه وسلّم- يومه ذلك أشدّ القتال، وقاتله أهل النّطاة أشد القتال، وترّس جماعة من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يومئذ، وعليه- كما قال محمد بن عمر- درعان وبيضة ومغفر، وهو على فرس يقال له الظّرب، وفي يده قناة وترس.
وتقدم في حديث أنس: أنه كان على حمار فيحتمل أنّه كان عليه في الطريق، ثم ركب الفرس حال القتال. والله أعلم.
فقال الحباب: يا رسول الله لو تحولت؟ فقال: «إذا أمسينا- إن شاء الله- تحوّلنا» .
وجعلت نبل يهود تخالط العسكر وتجاوزه، والمسلمون يلتقطون نبلهم ثم يردّونها عليهم- فلما أمسى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تحوّل إلى الرّجيع وأمر النّاس فتحوّلوا، فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يغدو بالمسلمين على راياتهم حتى فتح الله الحصن عليهم.
ذكر أخذ الحمى المسلمين ورفعها عنهم ببركته- صلّى الله عليه وسلم-
وروى البيهقي عن طريق عاصم الأحول عن أبي عثمان الفهري وعن أبي قلابة وأبي نعيم، والبيهقي عن عبد الرحمن بن المرقع- رضي الله عنه- ومحمد بن عمر عن شيوخه
__________
[ (1) ] بنحوه أخرجه مسلم في الجهاد باب 6 رقم (20) ، وهو عند البخاري بنحوه أيضا في الصحيح حديث (7237) ، والدارمي 2/ 216 وعبد الرزاق (9513) (9518) وأبو داود في الجهاد باب 97.
[ (2) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 48 وذكره ابن حجر في المطالب (4202) والواقدي في المغازي 1/ 407.(5/120)
- رحمهم الله تعالى- أن المسلمين لمّا قدموا خيبر أكلوا الثّمرة الخضراء وهي وبيئة وخيمة، فأكلوا من تلك الثمرة. فأهمدتهم الحمّى، فشكوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: «قرسوا الماء في الشّنان، فإذا كان بين الأذانين فاحدروا الماء عليكم حدرا، واذكروا اسم الله- تعالى» ففعلوا فكأنّما نشطوا من العقل [ (1) ] .
ذكر فتحه- صلى الله عليه وسلّم- حصن الصعب بن معاذ بن النطاة وما وقع في ذلك من الآيات
لم يكن بخيبر حصن أكثر طعاما وودكا وماشية ومتاعا منه، وكان فيه خمسمائة مقاتل، وكان الناس قد أقاموا أيّاما يقاتلون ليس عندهم طعام إلّا العلق.
وروى محمد بن عمر عن أبي اليسر كعب بن عمر- رضي الله عنه-: أنّهم حاصروا حصن الصّعب بن معاذ ثلاثة أيام، وكان حصنا منيعا، وأقبلت غنم لرجل من يهود ترتع وراء حصنهم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «من رجل يطعمنا من هذه الغنم» ؟ فقلت: أنا يا رسول الله فخرجت أسعى مثل الظّبي، وفي لفظ: مثل الظّليم، فلما نظر إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مولّيا قال: «اللهم متّعنا به» فأدركت الغنم
- وقد دخل أوّلها الحصن- فأخذت شاتين من آخرها فاحتضنتهما تحت يدي، ثم أقبلت أعدو كأن ليس معي شيء، حتى انتهيت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأمر بهما فذبحتا، ثم قسّمهما، فما بقي أحد من العسكر الذين معه محاصرين الحصن إلّا أكل منهما، فقيل لأبي اليسر: كم كانوا؟ قال: كانوا عددا كثيرا.
وروى ابن إسحاق عن بعض من أسلم، ومحمد بن عمر- رحمه الله- عن معتّب- بكسر الفوقية المشددة- الأسلمى- رضي الله عنه- واللّفظ له، قال: أصابتنا معشر أسلم مجاعة حين قدمنا خيبر، وأقمنا عشرة أيام على حصن النّطاة لا نفتح شيئا فيه طعام، فأجمعت أسلم أن أرسلوا أسماء بن حارثة- بالحاء المهملة والثاء المثلثة، فقالوا ائت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقل له: إن أسلم يقرئونك السّلام، ويقولون: إنا قد جهدنا من الجوع والضعف، فقال بريدة بن الحصيب- بضم الحاء، وفتح الصاد المهملتين: والله إن رأيت كاليوم قط من بين العرب يصنعون هذا، فقال زيد بن حارثة أخو أسماء: والله إني لأرجو أن يكون هذا البعث إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مفتاح الخير
فجاءه أسماء فقال: يا رسول الله إنّ أسلم تقرأ عليك السّلام، وتقول إنّا قد جهدنا من الجوع والضّعف، فادع الله لنا فدعا لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم قال:
__________
[ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة 7/ 454.(5/121)
«والله ما بيدي ما أقوّيهم به، قد علمت حالهم، وأنّهم ليست لهم قوة، ثم قال: «اللهم فافتح عليهم أعظم حصن فيها، أكثرها طعاما، وأكثرها ودكا» .
ودفع اللّواء إلى الحباب بن المنذر- رضي الله عنه- وندب النّاس، فما رجعنا حتى فتح الله علينا حصن الصّعب بن معاذ.
قالت أم مطاع الأسلمية- رضي الله عنها- لقد رأيت أسلم حين شكوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ما شكوا من شدّة الحال، فندب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الناس فنهضوا، فرأيت أسلم أوّل من انتهى إلى حصن الصّعب بن معاذ، فما غابت الشمس من ذلك اليوم حتى فتح الله- تعالى- وما بخيبر حصن أكثر طعاما وودكا منه، وكان عليه قتال شديد.
برز رجل من يهود يقال به يوشع، يدعو إلى البراز، فبرز له الحباب بن المنذر، فاختلفا ضربات فقتله الحباب، وبرز له آخر يقال له الزّيال، فبرز له عمارة بن عقبة الغفاريّ، فبادره الغفاري فضربه ضربة على هامته وهو يقول: خذها وأنا الغلام الغفاريّ، فقال الناس «بطل جهاده» ، فبلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ذلك فقال: ما بأس به يؤجر ويحمد» .
وروى محمد بن عمر عن محمد بن مسلمة- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رمى بسهم فما أخطأ رجلا منهم، وتبسّم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إليّ، وانفرجوا ودخلوا الحصن.
وروى محمد بن عمر عن جابر- رضي الله عنه- أنهم وجدوا في حصن الصّعب من الطّعام ما لم يكونوا يظنّون أنه هناك من الشّعير والتّمر والسّمن والعسل والزّيت والودك.
ونادى منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: كلوا واعلفوا ولا تحملوا، يقول: لا تخرجوا به إلى بلادكم.
ذكر محاصرته- صلى الله عليه وسلّم- حصن الزبير بن العوام- رضي الله عنه- الذي صار في سهمه بعد
روى البيهقي عن محمد بن عمر قال: لمّا تحولت يهود من حصن ناعم وحصن الصّعب بن معاذ إلى قلة الزّبير حاصرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو حصن في رأس قلة، فأقام محاصرهم ثلاثة أيام، فجاء يهوديّ يدعى غزال فقال: يا أبا القاسم تؤمنني على أن أدلك على ما تستريح به من أهل النّطاة وتخرج إلى أهل الشّق، فإن أهل الشّق قد هلكوا رعبا منك؟ فأمّنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أهله وماله، فقال اليهودي: إنك لو أقمت شهرا ما بالوا، لهم دبول(5/122)
تحت الأرض يخرجون بالليل فيشربون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمتنعون منك، فإن قطعت عنهم شربهم أصحروا لك، فسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى دبولهم فقطعها، فلما قطع عليهم مشاربهم خرجوا وقاتلوا أشد قتال [ (1) ] .
وقتل من المسلمين يومئذ نفر، وأصيب من اليهود في ذلك اليوم عشرة، وافتتحه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان هذا آخر حصون النّطاة.
فلما فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من النّطاة تحوّل إلى الشّق.
ذكر انتقاله- صلى الله عليه وسلم- إلى محاصرة حصون الشق وفتحها
روى البيهقي عن محمد بن عمر- رحمه الله- عن شيوخه- رحمهم الله- قالوا: لما تحوّل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الشّق وبه حصون ذوات عدد، فكان أوّل حصن بدأ به حصن أبيّ، فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- على قلعة يقال لها سموان فقاتل عليها أهل الحصن، قتالا شديدا، وخرج رجل من يهود يقال له غزول، فدعا إلى البراز، فبرز له الحباب بن المنذر، فاقتتلا فاختلفا ضربات، ثم حمل عليه الحباب، فقطع يده اليمنى من نصف الذراع، فوقع السيف من يد غزول، فبادر راجعا منهزما إلى الحصن، فتبعه الحباب، فقطع عرقوبه، فوقع فذفّف عليه، فخرج آخر، فصاح: من يبارز؟ فبرز له رجل من المسلمين من آل جحش، فقتل الجحشيّ، وقام مكانه يدعو إلى البراز، فبرز له أبو دجانة، وقد عصب رأسه بعصابته الحمراء، فوق المغفر، يختال في مشيته، فبدره أبو دجانة- رضي الله عنه- فضربه فقطع رجله ثم ذفّف عليه، وأخذ سلبه، درعه وسيفه، فجاء به إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فنفله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذلك، وأحجم اليهود عن البراز، فكبّر المسلمون، ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه، يقدمهم أبو دجانة، فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما، وهرب من كان فيه من المقاتلة، وتقحّموا الجدر كأنهم الظباء حتى صاروا إلى حصن النّزال بالشّق، وجعل يأتي من بقي من فلّ النّطاة إلى حصن النّزال، فغلّقوه، وامتنعوا فيه أشدّ الامتناع، وزحف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إليهم في أصحابه، فقاتلهم، فكانوا أشد أهل الشّق رميا للمسلمين بالنّبل والحجارة، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- معهم حتى أصابت النّبل ثياب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعلقت به، فأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- النّبل فجمعها، ثم أخذ لهم كفا من حصى فحصب به حصنهم، فرجف الحصن بهم، ثم ساخ في الأرض، حتى جاء المسلمون فأخذوا أهله أخذا [ (2) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 224 والواقدي في المغازي 2/ 646.
[ (2) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 224 والواقدي 2/ 666.(5/123)
ذكر انتقاله- صلى الله عليه وسلم- إلى حصون الكتيبة وبعثه السرايا لوجع رأسه وما وقع في ذلك من الآيات
لما فتح رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حصون النّطاة، والشّق انهزم من سلم منهم إلى حصون الكتيبة، وأعظم حصونها القموص، وكان حصنا منيعا.
ذكر موسى بن عقبة: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حاصره قريباً من عشرين ليلة، وكانت أرضا وخمة.
وروى الشيخان عن سهل بن سعد، والبخاريّ وابن أبي أسامة، وأبو نعيم عن سلمة بن الأكوع، وأبو نعيم، والبيهقي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه. وأبو نعيم عن ابن عمر، وسعد بن أبي وقاص، وأبي سعيد الخدري، وعمران بن حصين، وجابر بن عبد الله، وأبو ليلى، ومسلم، والبيهقي عن أبي هريرة، والإمام أحمد وأبو يعلى والبيهقي عن علي- رضي الله عنهم- قال بريدة- رضي الله عنه-: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تأخذه الشّقيقة فيمكث اليوم واليومين لا يخرج، فلما نزل خيبر أخذته الشّقيقة فلم يخرج إلى الناس، فأرسل أبا بكر- رضي الله عنه- فأخذ راية رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ثم نهض فقاتل قتالاً شديداً، ثم رجع، ولم يكن فتح. وقد جهد، ثم أرسل عمر- رضي الله عنه- فأخذ راية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الأول، ثم رجع، ولم يكن فتح. وفي حديث عن علي عند البيهقي: إن الغلبة كانت لليهود في اليومين [ (1) ] . انتهى.
فأخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذلك فقال: «لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله عليه، ليس بفرار، يحب الله ورسوله، يأخذها عنوة» وفي لفظ «يفتح الله علي يديه»
قال بريدة: فبتّنا طيّبة أنفسنا أن يفتح غدا، وبات النّاس يدوكون ليلتهم أيّهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كلهم يرجو أن يعطاها، قال أبو هريرة قال عمر: فما أحببت الإمارة قطّ حتى كان يومئذ [ (2) ] .
قال بريدة: فما منّا رجل له من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- منزلة إلا وهو يرجو أن يكون ذلك الرّجل، حتى تطاولت أنالها، ورفعت رأسي لمنزلة كانت لي منه، وليس منّة.
وفي حديث سلمة، وجابر: وكان عليّ تخلف عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لرمد شديد كان به لا يبصر، فلما سار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: لا، أنا أتخلف عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-!! فخرج
__________
[ (1) ] البيهقي في الدلائل 4/ 209.
[ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 544 (4209) (4210) والبيهقي في الدلائل 4/ 205.(5/124)
فلحق برسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال بريدة: وجاء علي- رضي الله عنه- حتى أناخ قريبا، وهو رمد، قد عصب عينيه بشقّ برد قطري، قال بريدة: فما أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلّى الغداة، ثمّ دعا باللّواء، وقام قائما. قال ابن شهاب: فوعظ الناس، ثم قال: «أين على» ؟ قالوا: يشتكي عينيه، قال: «فأرسلوا إليه» قال سلمة: فجئت به أقوده، قالوا كلهم: فأتى به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «مالك؟» قال: رمدت حتى لا أبصر ما قدّامي. قال: «ادن مني» وفي حديث علي عند الحاكم: فوضع رأسي عند حجره، ثم بزق في ألية يده فدلك بها عيني، قالوا: فبرأ كأن لم يكن به وجع قط، فما وجعهما علي حتى مضى لسبيله، ودعا له وأعطاه الراية، قال سهل فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا. فقال: «انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم. ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى- وحق رسوله. فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النّعم» وقال أبو هريرة: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لعلي: «اذهب فقاتلهم حتى يفتح الله عليك ولا تلتفت» قال: علام أقاتل الناس؟ قال: «قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله» فخرجوا، فخرج بها والله يؤج يهرول هرولة. حتى ركزها تحت الحصن فاطّلع يهودي من رأس الحصن فقال: من أنت؟ قال: علي، فقال اليهودي غلبتهم والذي أنزل التوراة على موسى، فما رجع حتى فتح الله تعالى على يديه.
قال أبو نعيم: فيه دلالة على أن فتح علي لحصنهم مقدم في كتبهم بتوجيه من الله وجهه إليهم، ويكون فتح الله- تعالى- على يديه.
ذكر قتل علي- رضي الله عنه- الحارث وأخاه مرحبا، وعامرا وياسرا فرسان يهود وسبعانها
روى محمد بن عمر عن جابر- رضي الله عنه- قال: أول من خرج من حصون خيبر- مبارزا- الحارث أخو مرحب في عاديته فقتله علي- رضي الله عنه- ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن، وبرز عامر، وكان رجلا جسيما طويلا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حين برز وطلع عامر «أترونه خمسة أذرع؟» وهو يدعو إلى البراز، فخرج إليه علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- فضربه ضربات، كل ذلك لا يصنع شيئاً، حتى ضرب ساقيه فبرك، ثم ذفّف عليه، وأخذ سلاحه.
قال ابن إسحاق: ثم برز ياسر وهو يقول:
قد علمت خيبر أنّي ياسر ... شاكي السّلاح بطل مغاور(5/125)
إذا اللّيوث أقبلت تبادر ... وأحجمت عن صولة المساور
إنّ حسامي فيه موت حاضر
قال محمد بن عمر: وكان من أشدّائهم، وكان معه حربة يحوس النّاس بها حوسا، فبرز له علي بن أبي طالب، فقال له الزبير بن العوام: أقسمت ألا خلّيت بيني وبينه، ففعل،
فقالت صفيّة لمّا خرج إليه الزبير- رضي الله عنها-: يا رسول الله يقتل ابني؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «بل ابنك يقتله- إن شاء الله»
فخرج إليه الزّبير وهو يقول:
قد علمت خيبر أنّي زبّار ... قرم لقرم غير نكس فرّار
ابن حماة المجد، ابن الأخيار ... ياسر لا يغررك جمع الكفّار
فجمعهم مثل السّراب الختّار
ثمّ التقيا فقتله الزّبير، قال ابن إسحاق: وذكر أن عليا هو الذي قتل ياسرا.
قال محمد بن عمر: وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- للزّبير لما قتل ياسرا فداك عم وخال ثم قال: «لكل نبي حواري وحواريّ الزبير ابن عمتي» .
حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم، والبيهقيّ أن مرحبا- وهو بفتح الميم، والحاء المهملة، وسكون الراء- بينهما- وبالموحدة- خرج وهو يخطر بسيفه، وفي حديث ابن بريدة عن أبيه: خرج مرحب وعليه مغفر معصفر يماني وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه، وهو يرتجز ويقول:
قد علمت خيبر أنّي مرحب ... شاكي السّلاح بطل مجرّب
إذا اللّيوث أقبلت تلهّب
قال سلمة: فبرز له عامر وهو يقول:
قد علمت خيبر أنّي عامر ... شاكي السّلاح بطل مغامر
قال: فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، فذهب عامر يسفل له، وكان سيفه فيه قصر، فرجع سيفه على نفسه، فقطع أكحله، وفي رواية عين ركبته، وكانت فيها نفسه، قال بريدة: فبرز مرحب وهو يقول:
قد علمت خيبر أنّي مرحب ... شاكي السّلاح بطل مجرّب
إذا اللّيوث أقبلت تلهّب ... وأحجمت عن صولة المغلّب
فبرز له علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- وعليه جبّة أرجوان حمراء قد أخرج خملها، وهو يقول:(5/126)
أنا الذي سمتني أمي حيدره ... كليث غابات كريه المنظرة
أو فيهم بالصّاع كيل السّندره
فضرب مرحبا ففلق رأسه، وكان الفتح.
وفي حديث بريدة، فاختلفا ضربتين، فبدره علي- رضي الله عنه- بضربة فقد الحجر والمغفر ورأسه ووقع في الأحراش وسمع أهل العسكر صوت ضربته وقام النّاس مع عليّ حتى أخذ المدينة.
وروى الإمام أحمد عن علي- رضي الله عنه- قال: لما قتلت مرحبا، جئت برأسه إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم.
ذكر من زعم من أهل المغازي وغيرهم إن محمد بن مسلمة- رضي الله عنه- هو الذي قتل مرحبا
روى البيهقي عن عروة، وعن موسى بن عقبة، وعن الزّهريّ، وعن ابن إسحاق، وعن محمد بن عمر عن شيوخه، قالوا: واللفظ لابن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن سهل بن عبد الرحمن بن سهل أخو بني حارثة عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: خرج مرحب اليهودي من حصن خيبر، وقد جمع سلاحه يقول من يبارز ويرتجز
قد علمت خيبر أنّي مرحب ... شاكي السّلاح بطل مجرّب
أطعن أحيانا وحينا أضرب ... إذا اللّيوث أقبلت تحرّب
إنّ حماي للحمى لا يقرب
فأجابه كعب بن مالك فقال:
قد علمت خيبر أنّي كعب ... مفرّج الغمّى جريء صلب
إذا شبّت الحرب تلتها الحرب ... معي حسام كالعقيق عضب
نطأكم حتّى يذلّ الصّعب ... نعطي الجزاء أو يفيء النّهب
بكفّ ماض ليس فيه عتب
قال ابن هشام: وأنشدني أبو زيد- رحمه الله:
قد علمت خيبر أنّي كعب ... وأنّني متى تشبّ الحرب
ماض على الهول جريء صلب ... معي حسام كالعقيق عضب
بكفّ ماض ليس فيه عتب ... ندكّكم حتّى يذلّ الصّعب
قال: ومرحب بن عميرة.(5/127)
قال جابر: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «من لهذا؟» قال محمد بن مسلمة: أنا له يا رسول الله، أنا والله الموتور الثائر، قتل أخي بالأمس، قال: «فقم إليه، اللهمّ أعنه عليه»
قال: فلمّا دنا أحدهما من صاحبه، دخلت بينهما شجرة عمريّة من شجر العشر، فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه، فكلما لاذ منه بها اقتطع صاحبه ما دونه منها، حتى برز كل واحد منهما لصاحبه، وصارت بينهما كالرّجل القائم، ما فيها فنن، ثمّ حمل مرحب علي محمد بن مسلمة فضربه، فاتّقاه بالدّرقة، فوقع سيفه فيها، فعضّت به فأمسكته، وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله. والله أعلم.
قلت: جزم جماعة من أصحاب المغازي: بأن محمد بن مسلمة هو الذي قتل مرحبا.
ولكن ثبت في صحيح مسلم كما تقدم عن سلمة بن الأكوع أن عليا- رضي الله عنه- هو الذي قتل مرحبا.
وورد ذلك في حديث بريدة بن الحصيب، وأبي نافع مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعلى تقدير صحة ما ذكره جابر، وجزم به جماعة، فما في صحيح مسلم مقدّم عليه من وجهين:
أحدهما أنه أصحّ إسنادا، الثاني. أن جابرا لم يشهد خيبر كما ذكره ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وغيرهما، وقد شهدها سلمة وبريدة، وأبو رافع- رضي الله عنهم- وهم أعلم ممن لم يشهدها، وما قيل من إن محمد بن مسلمة ضرب ساقي مرحب فقطعهما ولم يجهز عليه، ومر به علي فأجهز عليه، يأباه حديث سلمة وأبي رافع، والله أعلم. وصحح أبو عمر- رحمه الله- أن عليا- رضي الله عنه- هو الذي قتل مرحبا، وقال ابن الأثير: إنه الصّحيح.
ذكر قلع علي- رضي الله عنه- باب خيبر
قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن حسن عن بعض أهله، عن أبي رافع مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: خرجنا مع علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- حين بعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- برايته، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من يهود، فطرح ترّسه من يده فتناول علي بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل، حتى فتح الله- تعالى- عليه، ثمّ ألقاه من يده حين فرغ، فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم، نجهد على أن نقلب ذلك الباب، فما نقلبه.
وروى البيهقي من طريقين عن المطلب بن زياد، عن ليث بن أبي سليم، عن أبي جعفر محمد بن علي- رضي الله عنه- عن آبائه، قال: حدثني جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-: أن عليا- رضي الله عنه- حمل الباب يوم خيبر، حتى صعد عليه المسلمون(5/128)
فافتتحوها، وأنه جرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا- رجاله ثقات إلا ليث بن أبي سليم- وهو ضعيف [ (1) ] .
قال البيهقي: وروي من وجه آخر ضعيف عن جابر قال: اجتمع عليه سبعون رجلا، وكان أجهدهم أن أعادوا الباب، قلت: رواه الحاكم.
ذكر إسلام العبد الأسود وما وقع في ذلك من الآيات
روى البيهقي عن جابر بن عبد الله، والبيهقي عن أنس- رضي الله عنهم- والبيهقي عن عروة، وعن موسى بن عقبة: أنّ عبدا حبشيا لرجل من أهل خيبر كان يرعى غنما لهم، لما رآهم قد أخذوا السّلاح واستعدوا لقتال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سألهم: ما تريدون؟ قالوا: نقاتل هذا الرجل، الذي يزعم أنه نبي. فوقع في نفسه ذكر النبي- صلى الله عليه وسلم- فخرج بغنمه ليرعاها، فأخذه المسلمون، فجاءوا به لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفي لفظ ابن عقبة: أنه عمد بغنمه إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فكلمه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما شاء الله أن يكلّمه،
فقال الرّجل: ماذا تقول، وماذا تدعو إليه؟ قال: «أدعوك إلى الإسلام وأن تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وإن لا تعبد إلا الله» . قال العبد: وماذا يكون لي إن شهدت بذلك، وآمنت بالله تعالى؟ قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لك الجنّة إن آمنت على ذلك» فأسلم العبد، وقال: يا رسول الله إني رجل أسود اللون قبيح الوجه، منتن الرّيح، لا مال لي، فإن قاتلت هؤلاء حتّى أقتل، أدخل الجنة؟ قال:
«نعم» . قال: يا رسول الله إنّ هذه الغنم عندي أمانة فكيف بها؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أخرجها من العسكر، وارمها بالحصباء فإن الله- عز وجلّ- سيؤدي عنك أمانتك» ففعل، وأعجب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كلمته، فخرجت الغنم تشتد مجتمعة كأنّ سائقا يسوقها حتّى دخلت كلّ شاة إلى أهلها، فعرف اليهوديّ أنّ غلامه قد أسلم، ثم تقدّم العبد الأسود إلى الصفّ، فقاتل فأصابه سهم فقتله، ولم يصلّ لله- تعالى- سجدة قطّ، فاحتمله المسلمون إلى عسكرهم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أدخلوه الفسطاط» ، وفي لفظ «الخباء» فأدخلوه خباء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتّى إذا فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل عليه، ثم خرج فقال «لقد حسن إسلام صاحبكم، لقد دخلت عليه، وإنّ عنده لزوجتين له من الحور العين»
[ (2) ] .
وفي حديث أنس: فأتى عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو مقتول، فقال: «لقد حسّن الله وجهك، وطيبّ ريحك، وكثر مالك، لقد رأيت زوجتيه من الحور العين ينزعان جبّته يدخلان فيما بين جلده وجبّته» .
__________
[ (1) ] البيهقي في الدلائل 4/ 212 وابن هشام 3/ 290 وابن كثير 4/ 189، وفيه جهالة وانقطاع ظاهر.
[ (2) ] البيهقي في الدلائل 4/ 22 وابن كثير 4/ 190 وابن هشام 2/ 344.(5/129)
وعند ابن إسحاق «ينفضان التّراب عن وجهه، ويقولان: «ترّب الله وجه من ترّبك وقتل من قتلك» .
ذكر نهيه- صلّى الله عليه وسلم- عن أكل لحوم الحمر الإنسية وغيرها مما يذكر
روى الشيخان عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنه- قال: أصابتنا مجاعة ليالي خيبر، فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الإنسية، فانتحرناها، فلما غلت القدور، ونادى منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أن أكفئوا القدور، ولا تأكلوا من لحوم الحمر شيئا [ (1) ] .
وعن أنس- رضي الله عنه- قال: لما كان يوم خيبر، جاء فقال: يا رسول الله، فنيت الحمر، فأمر أبا طلحة فنادى «إن الله ورسوله ينهاكم عن لحوم الحمر» رواه عثمان بن سعيد الدّارميّ بسند صحيح. [ (2) ]
وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر عن بيع الغنائم حتّى تقسم، وعن الحبالى أن توطأ حتى يضعن ما في بطونهنّ، قال: «لا تسق زرع غيرك» ، وعن لحوم الحمر الأهلية، وعن كل ذي ناب من السباع- رواه الدارقطني
[ (3) ] .
وعن أبي ثعلبة الخشني- رضي الله عنه- قال: غزوت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خيبر، والناس جياع، فأصبنا بها حمرا إنسيّة فذبحناها، فأخبر النبي- صلّى الله عليه وسلم- فأمر عبد الرحمن بن عوف فنادى في الناس (أن لحوم الحمر لا تحل لمن يشهد إني رسول الله) رواه الإمام أحمد، والشيخان [ (4) ] .
وعن سلمة- رضي الله عنه- قال: أتينا خيبر فحاصرناها حتى أصابتنا مخصمة شديدة:
يعني الجوع الشديد، ثم إن الله- تعالى- فتحها علينا. فلمّا أمسى الناس مساء اليوم الّذي فتحت عليهم، أوقدوا نيرانا كثيرة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «ما هذه النيران؟ على أي شيء توقدون؟» قالوا: على لحم، قال: «على أي لحم» ؟ قالوا: لحم حمر إنسيّة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «أهرقوها، واكسروا الدّنان» فقال رجل: أو نهريقوها ونغسلها؟ قال «أو ذاك» رواه الشيخان، والبيهقي
[ (5) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 550 (4221، 4223، 4225، 4226، 5525) .
[ (2) ] أخرجه عبد الرزاق (8725) والطبراني في الكبير 5/ 316 وانظر التمهيد لابن عبد البر 10/ 127.
[ (3) ] وأخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 56 وانظر التلخيص الكبير 3/ 7.
[ (4) ] أخرجه البخاري 9/ 653 (5527) ومسلم 3/ 1538 (23/ 1936) .
[ (5) ] أخرجه البخاري (6331) ومسلم 3/ 1540 (33/ 1802) ، واحمد 4/ 383 والبيهقي في الدلائل 4/ 200.(5/130)
وروى محمد بن عمر- رحمه الله- تعالى- عن شيوخه: أن عدة الحمر التي ذبحوها، كانت عشرين أو ثلاثين، كذا رواه على الشّك.
ذكر فتحه- صلى الله عليه وسلّم- الوطيح والسلالم وكانا آخر حصون خيبر فتحا
قال ابن إسحاق: وتدنّى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالأموال يأخذها مالا مالا، ويفتحها حصنا حصنا، حتّى انتهوا إلى ذينك الحصنين، وجعلوا لا يطلعون من حصنهم حتى هم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن ينصب عليهم المنجنيق، لما رأى من تغليقهم، وأنه لا يبرز منهم أحد، فلما أيقنوا بالهلكة- وقد حصرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أربعة عشر يوما- سألوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الصّلح،
فأرسل كنانة بن أبي الحقيق إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجلا من اليهود يقال له شماخ يقول (أنزل فأكلمك؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «نعم» فنزل كنانة بن أبي الحقيق، فصالح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة، وترك الذريّة لهم، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم، ويخلّون بين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وبين ما كان لهم من مال وأرض، وعلى الصّفراء والبيضاء والكراع والحلقة، وعلى البزّ إلّا ثوبا على ظهر إنسان، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتموني شيئا»
فصالحوه على ذلك، فأرسل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى الأموال فقبضها الأوّل فالأوّل، ووجد في ذينك الحصنين مائة درع وأربعمائة سيف، وألف رمح، وخمسمائة قوس عربيّة بجعابها [ (1) ] .
ذكر سؤال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حلي حيي بن اخطب وماله اللذين حملهما لما أجلي عن المدينة، وما وقع في ذلك من الآيات
قال محمد بن عمر: كان الحلي في أول الأمر في مسك حمل، فلما كثر، جعلوه في مسك ثور، ثم في مسك جمل، وكان ذلك الحلي يكون عند الأكابر من آل أبي الحقيق وكانوا يعيرونه العرب.
وروى ابن سعد والبيهقي عن ابن عمر، وابن سعد- بسند رجاله ثقات- عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى- وهو صدوق سيء الحفظ- عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس- رضي الله عنهما-: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما ظهر على أهل خيبر صالحهم على أن يخرجوا بأنفسهم وأهليهم، وللنبي- صلى الله عليه وسلّم- الصفراء والبيضاء والحلقة والسّلاح، ويخرجهم، وشرطوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- إن لا يكتموه شيئا، فإن فعلوا فلا ذمّة لهم [ (2) ] .
__________
[ (1) ] البيهقي في الدلائل 4/ 204.
[ (2) ] البيهقي في الدلائل 4/ 229.(5/131)
قال ابن عباس: فأتي بكنانة، والربيع، وكان كنانة زوج صفية، والربيع أخوه أو ابن عمه، فقال لهما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أين آنيتكما التي كنتم تعيرونها أهل مكة؟» .
وقال ابن عمر: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لعمّ حيي «ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير؟»
فقال: وقال ابن عباس: قالا: «هربنا، فلم نزل تضعنا أرض وترفعنا أخرى، فذهب في نفقتنا كلّ شيء.
وقال ابن عمر: أذهبته النّفقات والحروب، فقال «العهد قريب، والمال أكثر من ذلك» .
وقال ابن عباس: فقال لهما رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «إنكما إن تكتماني شيئا فاطلعت عليه استحللت به دماء كما وذراريكما» . فقالا: نعم.
وقال عروة ومحمد بن عمر فيما رواه البيهقي عنهما: فأخبر الله عز وجل رسوله- صلى الله عليه وسلّم- بموضع الكنز، فقال لكنانة «إنك لمغتر بأمر السماء» .
قال ابن عباس: فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجلا من الأنصار فقال: «اذهب إلى قراح كذا وكذا، ثم ائت النخل فانظر نخلة عن يمينك، أو عن يسارك مرفوعة فأتني بما فيها»
فجاءه بالآنية والأموال، فقومت بعشرة آلاف دينار، فضرب أعناقهما، وسبي أهليهما بالنّكث الذي نكثاه.
وقال ابن إسحاق: أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بكنانة بن الرّبيع، وكان عنده كنز بني النضير، فسأله عنه فجحد أن يكون يعلم مكانه، فأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- برجل من يهود، قال ابن عقبة: اسمه ثعلبة وكان في عقله شيء، فقال لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كلّ غداة،
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لكنانة: «أرأيت إن وجدناه عندك، أقتلك؟» قال: نعم، فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالخربة فحفرت، وأخرج منها بعض كنزهم، ثم سأله عما بقي، فأبى أن يؤدّيه، فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الزبير بن العوام، فقال: «عذّبه حتى تستأصل ما عنده»
فكان الزبير- رضي الله عنه- يقدح بزنده في صدره حتى أشرف على نفسه، ثم دفعه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى محمد بن مسلمة، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة.
ذكر إرادته- صلّى الله عليه وسلّم- إجلاء يهود خيبر عنها كما وقع شرطهم، ثم إقراره إياهم يعملون فيها ما أقرهم الله وإخراج عمر ابن الخطاب لهم لما نكثوا العهد
روى البخاري والبيهقي عن ابن عمر، والبيهقي عن عروة وعن موسى بن عقبة: أن خيبر لما فتحها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سألت يهود رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يقرّهم فيها على نصف ما(5/132)
خرج منها من التّمر، وقالوا: دعنا يا محمد نكون في هذه الأرض. نصلحها، ونقوم عليها، ولم يكن لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها، وكانوا لا يفرغون أن يقوموا عليها، فأعطاهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خيبر على أن لهم الشّطر من كلّ زرع ونخل وشيء ما بدا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وفي لفظ،
قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم «نقركم فيها على ذلك ما شئنا، وفي لفظ «ما أقركم الله»
[ (1) ] .
وكان عبد الله بن رواحة يأتيهم كلّ عام فيخرصها عليهم، ثم يضمنهم الشطر، فشكوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- شدة خرص ابن رواحة، وأرادوا أن يرشوا ابن رواحة، فقال: يا أعداء الله، تطعموني السّحت؟ والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلى، ولأنتم أبغض إلي من عدّتكم من القردة والخنازير ولا يحملني بغضي إيّاكم وحبيّ إياه على أن لا أعدل عليكم فقالوا: بهذا قامت السّموات والأرض، فأقاموا بأرضهم على ذلك.
فلما كان زمان عمر، غشّوا المسلمين، وألقوا عبد الله بن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه، ويقال بل سحروه باللّيل وهو نائم على فراشه، فكوع حتى أصبح كأنه في وثاق، وجاء أصحابه، فأصلحوا من يديه، فقام عمر خطيبا في النّاس، فقال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عامل يهود خيبر على أموالها، وقال: نقركم ما أقركم الله، وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك فعدي عليه من الليل، ففدعت يداه، وليس لنا هناك عدو غيرهم، وهم تهمتنا، وقد رأيت إجلاءهم. فمن كان له سهم بخيبر فليحضر حتى نقسمها، فلما أجمع على ذلك، قال رئيسهم، وهو أحد بني الحقيق: لا تخرجنا ودعنا نكون فيها كما أقرّنا أبو القاسم وأبو بكر، فقال عمر لرئيسهم: أتراني سقط عنّي
قول رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «كيف بك، إذا ارفضّت بك راحلتك تؤم الشّام يوما، ثم يوما؟»
وفي رواية: أظننت أنّي نسيت
قول رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «كيف بك إذا خرجت من خيبر يعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة»
فقال: تلك هزيلة من أبي القاسم، قال: كذبت، وأجلاهم عمر، وأعطاهم قيمة مالهم من التمر: مالا، وإبلا، وعروضا من أقتاب وحبال، وغير ذلك، وسيأتي في أبواب الوفاة النبوية
قوله- صلى الله عليه وسلّم-: «أخرجوا اليهود من جزيرة العرب»
[ (2) ] .
ذكر قصة الشاة المسمومة وما وقع في ذلك من الآيات
روى الشيخان عن أنس، والإمام أحمد، وابن سعد، وأبو نعيم عن ابن عباس، والدارمي، والبيهقي عن جابر، والبيهقي بسند صحيح- عن عبد الرحمن بن كعب ابن مالك، والطّبرانيّ
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 327 (2730) ، والبيهقي في الدلائل 4/ 234.
[ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 170 (3053) (3168، 4431) ومسلم 3/ 1257 (20/ 1637) .(5/133)
عنه عن أبيه، والبزار والحاكم، وأبو نعيم عن أبي سعيد، والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله عنهم- والبيهقي عن ابن شهاب- رحمه الله تعالى-: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما افتتح خيبر، وقتل من قتل، واطمأن الناس، أهدت زينب ابنة الحارث امرأة سلام بن مشكم، وهي ابنة أخي مرحب- لصفيّة امرأته شاة مصليّة، وقد سألت: أيّ عضو الشّاة أحب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟
فقيل لها الذراع، فأكثرت فيها من السّمّ، ثم سمّت سائر الشاة، فدخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور- بمهملات- فقدّمت إليه الشّاة المصليّة، فتناول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الكتف، وفي لفظ: الذّراع، وانتهس منها فلاكها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وتناول بشر ابن البراء عظما، فانتهس منه [ (1) ] .
قال ابن إسحاق، فأما بشر فأساغها، وأما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلفظها، وقال ابن شهاب:
فلما استرط رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لقمته استرط بشر بن البراء ما في فيه
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ارفعوا ما في أيديكم، فإنّ كتف هذه الشّاة تخبرني أني نعيت فيها.
قال ابن شهاب: فقال بشر بن البراء: والذي أكرمك لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلت فما منعني أن ألفظها إلا أني أعظمت أن أنغصك طعامك، فلمّا سغت ما في فيك لم أكن لأرغب بنفسي عن نفسك ورجوت ألا تكون استرطّتها، وفيها نعي. فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه كالطّيلسان، وماطله وجعه حتى كان لا يتحول إلا أن حوّل. قال الزهري قال جابر: واحتجم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- على كاهله يومئذ، حجمه أبو هند مولى بني بياضة بالقرن والشفرة، وبقي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي توفي فيه.
فقال: «ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشّاة يوم خيبر عوادا حتى كان هذا وانقطع أبهري»
فتوفي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- شهيدا بلفظ ابن شهاب.
وذكر محمد بن عمر: أنه ألقى من لحم تلك الشّاة لكلب فما تبعت يده رجله حتّى مات.
وقال الصحابة السابق ذكرهم- رضي الله عنهم- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أرسل إلى اليهودية، فقال: «أسممت هذه الشاة؟» فقالت: من أخبرك؟ قال: «أخبرتني هذه الّتي في يديّ وهي الذراع، قالت: نعم، قال: «ما حملك على ما صنعت؟» قالت: بلغت من قومي ما لم
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 272 (2617) ومسلم 4/ 1721 (45/ 2190) ، وأحمد 2/ 451، وأخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 259، وأخرجه البخاري من حديث أبي هريرة (3169، 4249، 5777) وأبو داود في الديات (6) ، وابن ماجة في الطبراني (45) والدارمي في المقدمة 11، وانظر المغازي للواقدي 2/ 677 والسيرة لابن هشام 3/ 293 وشرح المواهب 2/ 239 وابن كثير في البداية 4/ 208 والسيرة 3/ 394.(5/134)
يخف عليك. فقلت: إن كان ملكا استرحنا منه، وإن كان نبيا فسيخبر، فتجاوز- وفي لفظ- فعفا عنها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومات بشر من أكلته الّتي أكل ولم يعاقبها.
وذكر محمد بن عمر: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لها: «ما حملك على هذا؟» قالت:
قتلت أبي وعمّي وزوجي وأخي- فأبوها الحارث وعمها يسار وأخوها رحب وزوجها سلام بن مشكم.
وعن أبي سلمة عن جابر- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما مات بشر بن البراء أمر باليهودية فقتلت. رواه أبو داود، ووقع عند البزار من حديث أبي سعيد الخدري: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد سؤاله للمرأة اليهودية واعترافها- بسط يده إلى الشّاة
وقال لأصحابه:
«كلوا باسم الله» قال: فأكلنا وذكرنا اسم الله، فلم يضرّ أحد منا.
قال الحافظ عماد الدين بن كثير: وفيه نكارة وغرابة شديدة. قلت: وذكر محمد بن عمر: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أمر بلحم الشّاة فأحرق.
ذكر قدوم جعفر بن أبي طالب- رضي الله عنه- ومن معه من الأشعريين من أرض الحبشة
روى الشيخان، والإسماعيلي، وابن سعد، وابن حبان، وابن منده عن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- قال: لما بلغنا مخرج النبي- صلى الله عليه وسلم- ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وإخوان لي، أنا أصغرهم، أحدهم أبو رهم- بضم الراء، وسكون الهاء- والآخر أبو بردة، إما قال: في بضع، وإما قال: في ثلاثة أو اثنين وخمسين رجلا من قومي فركبنا سفينة- قال ابن منده: حتى جئنا مكة- ثم خرجنا في برّ حتى أتينا المدينة- فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة: فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده، فقال جعفر: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعثنا، وأمرنا بالإقامة، فأقيموا معنا، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافقنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين فتح خيبر قال: فأسهم لنا، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر شيئا إلا من شهد معه، إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، قسم لهم معنا، وذكر البيهقي- رحمه الله- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سأل الصحابة أن يشركوهم ففعلوا ذلك [ (1) ] ، انتهى.
قال: فكان أناس يقولون لنا: «يعني أصحاب» السفينة: سبقناكم بالهجرة.
ودخلت أسماء- بنت عميس- بعين وسين مهملتين، وبالتصغير- وهي ممّن قدم معنا
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 553 (4230) ، أخرجه مسلم 3/ 1946، 1947 حديث (169/ 2502) ، والبيهقي في الدلائل 4/ 244، وانظر السيرة لابن هشام 2/ 359 والمغازي للواقدي 2/ 683، والبداية 4/ 205.(5/135)
يومئذ- على حفصة زوج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه، فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء- رضي الله عنهم- من هذه؟ فقالت: أسماء بنت عميس فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، نحن أحقّ برسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: فغضبت وقالت: كلّا والله يا عمر، كنتم مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يطعم جياعكم، ويعلّم جاهلكم، وكنا في دار، أو أرض البعداء البغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسوله، وأيم الله لا أطعم طعاما، ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأسأله، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك،
فلما جاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالت: يا نبي الله!! إن رجالا يفخرون علينا، ويزعمون إنا لسنا من المهاجرين الأولين، فقال: «من يقول ذلك؟» قلت: أن عمر قال كذا وكذا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «ما قلت له؟» قالت: قلت له كذا وكذا، قال: «ليس بأحقّ لي منكم، له ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة- هجرتان»
قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحابه يأتوني أرسالا يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم أفرح، ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال أبو بريدة: قالت أسماء: ولقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني، وقال لكم الهجرة مرتين.
وروى البيهقي عن جابر- رضي الله عنه- قال: لما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من خيبر، وقدم جعفر من الحبشة، تلقاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقبّل جبهته، ثم قال: «والله ما أدري بأيّهما أفرح، بفتح خيبر، أم بقدوم جعفر [ (1) ] » .
وروى البيهقي، بسند فيه من لا يعرف حاله- عن جابر- رضي الله عنه- قال: لما قدم جعفر بن أبي طالب تلقاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما نظر جعفر إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «حجل» قال أحد رواته: يعني مشى على رجل واحدة إعظاما منه لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين عينيه [ (2) ] .
ذكر قدوم أبي هريرة وطائفة من أوس على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو بخيبر
روى الإمام أحمد، والبخاري في التاريخ، وفي مجمع الزوائد للهيثمي في أول خيبر عن خزيمة، والطحاويّ، والحاكم، والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قدمنا المدينة، ونحن ثمانون بيتا من أوس، فصلينا الصبح خلف سبّاع بن عرفطة الغفاريّ، فقرأ في الركعة الأولى بسورة: «مريم» ، وفي الآخرة «ويل للمطفّفين» فلمّا قرأ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 246 وابن كثير في البدآية 4/ 306.
[ (2) ] انظر المصدرين السابقين.(5/136)
[المطففين 2] قلت: تركت عميّ بالسّراة له مكيلان، إذا اكتال اكتال بالأوفى، وإذا كال كال بالناقص، فلما فرغنا من صلاتنا، قال قائل: رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بخيبر، وهو قادم عليكم، فقلت: لا أسمع به في مكان أبدا إلا جئته، فزوّدنا سبّاع بن عرفطة، وحملنا حتى جئنا خيبر فنجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد فتح النّطاة، وهو محاصر الكتيبة، فأقمنا حتى فتح الله علينا [ (1) ] .
وفي رواية فقدمنا على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقد فتح خيبر، وكلّم المسلمين فأشركنا في سهمانهم.
وروى البخاري، وأبو داود عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قدمت المدينة ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- بخيبر حين افتتحها، فسألته أن يسهم لي، قال: فتكلّم بعض ولد سعيد بن العاص فقال: لا تسهم له يا رسول الله، قال: فقلت: هذا والله هو قاتل ابن قوقل، فقال: وأظنه أبان بن سعيد بن العاص سميا عجبا لوبر تدلّى علينا من قدوم ضأن يعيرني بقتل امرئ مسلم أكرمه الله على يديّ. ولم يهنى على يديه [ (2) ] .
وروى البخاري، وأبو داود عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبانا على سريّة من المدينة، قبل نجد، قال أبو هريرة:
فقدم أبان وأصحابه على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بخيبر بعد ما افتتحها، وإنّ حزم خيلهم لليف، فقال: يا رسول الله أرضخ لنا فقال أبو هريرة: يا رسول الله لا تقسم لهم، فقال أبان وأنت بهذا يا وبر تحدّر من رأس خال- وفي لفظ- فإن، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «يا أبان اجلس» فلم يقسم لهم
[ (3) ] .
ذكر قدوم عيينة بن حصن وبني فزارة على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خيبر بعد فتحها وما وقع في ذلك من الآيات
روى البيهقي عن موسى بن عقبة عن الزّهريّ- رحمهما الله- تعالى-: أنّ بني فزارة ممّن قدم على أهل خيبر ليعينوهم فراسلهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن لا يعينوهم وسألهم أن يخرجوا عنهم ولكم من خيبر كذا وكذا، فأبوا عليه، فلما إن فتح الله خيبر أتاه من كان هناك من بني فزارة، فقالوا: حظنا والذي وعدتنا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «حظكم- أو قال «لكم ذو الرّقيبة» جبل من جبال خيبر- فقالوا: إذا نقاتلك، فقال: «موعدكم جنفا» . فلما أن سمعوا ذلك من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خرجوا هاربين
[ (4) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 247، وذكره الهيثمي في المجمع 6/ 158
[ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 561 (4237) ، والبيهقي في الدلائل 4/ 247 وانظر البداية والنهاية 4/ 208.
[ (3) ] البخاري 7/ 561 (4238) .
[ (4) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 248.(5/137)
وروى البيهقي عن محمد بن عمر عن شيوخه، قالوا: كان أبو شييم المزني- رضي الله عنه قد أسلم فحسن إسلامه يحدّث ويقول: لما نفرنا إلى أهلنا مع عيينة بن حصن فرجع بنا عيينة، فلما كان دون خيبر عرسنا من الليل، ففزعنا، فقال عيينة: أبشروا، إني رأيت الليلة في النوم أني أعطيت ذو الرّقيبة- جبلا بخيبر- قد والله أخذت برقبة محمد- صلى الله عليه وسلم- فلما أن قدمنا خيبر- قدم عيينة، فوجدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد فتح خيبر،
فقال عيينة: يا محمد! أعطني مما غنمت من حلفائي، فإني قد خرجت عنك وعن قتالك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «كذبت ولكن الصّياح الذي سمعت أنفرك إلى أهلك قال: أحذني يا محمد؟ قال: «لك ذو الرّقيبة» قال عيينة: وما ذو الرّقيبة؟ قال «الجبل الذي رأيت في منامك أنّك أخذته»
فانصرف عيينة، فلما رجع إلى أهله جاءه الحارث بن عوف، وقال: ألم أقل لك توضع في غير شيء، فالله، ليظهرنّ محمد على ما بين المشرق والمغرب، يهود كانوا يخبروننا بهذا أشهد لسمعت أبا رافع سلام بن مشكم يقول: إنّا لنحسد محمدا على النّبوة، حيث خرجت من بني هارون، وهو نبيّ مرسل، ويهود لا تطاوعني على هذا، ولنا منه ذبحان واحد بيثرب وآخر بخيابر [ (1) ] .
ذكر مصالحة أهل فدك رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
لما أقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر فدنا منها بعث محيّصة بن مسعود الحارثي إلى فدك يدعوهم إلى الإسلام ويخوفهم أن يغزوهم كما غزا أهل خيبر. ويحل بساحتهم، قال محيّصة فجئتهم فأقمت عندهم يومين، فجعلوا يتربّصون ويقولون بالنّطاة عامر وياسر والحارث، وسيد اليهود مرحب، ما نرى محمدا بقرب حراهم، إن بها عشرة آلاف مقاتل، قال محيّصة:
فلما رأيت خبثهم أردت أن أرجع، فقالوا: نحن نرسل معك رجالا منّا يأخذون لنا الصّلح، ويظنّون أن يهود تمتنع، فلم يزالوا كذلك حتى جاءهم قتل أهل حصن ناعم، وأهل النجدة منهم، ففتّ ذلك أعضادهم، فقدم رجل من رؤسائهم يقال له نون بن يوشع في نفر من يهود، فصالحوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أن يحقن دماءهم ويجليهم، ويخلّوا بينه وبين الأموال، ففعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويقال: عرضوا على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أن يخرجوا من بلادهم، ولا يكون للنبي- صلى الله عليه وسلم- عليهم من الأموال شيء، فإذا كان أوان جذاذها جاءوا فجذّوها، فأبى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يقبل ذلك، وقال لهم محيّصة: ما لكم منعة ولا حصون ولا رجال، ولو بعث إليكم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مائة رجل لساقوكم إليه، فوقع الصّلح بينهم بأن لهم نصف الأرضين بتربتها، ولرسول الله- صلى الله عليه وسلم- نصفها، فقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذلك، يقول محمد بن عمر:
وهذا أثبت القولين، وأقرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على ذلك، ولم يأتهم، فلمّا كان عمر بن
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 249 والمغازي للواقدي 2/ 675.(5/138)
الخطاب وأجلى يهود خيبر بعث إليهم من يقوّم أرضهم، فبعث أبا الهيثم مالك بن التّيّهان- بفتح الفوقية وكسر التحتية المشددة، وبالنون، وفروة بن عمرو بن جبّار- بتشديد الموحدة بن صخر، وزيد بن ثابت، فقوّموها لهم، النخل والأرض، فأخذها عمر، ودفع إليهم نصف قيمة النخل بتربتها، فبلغ ذلك خمسين ألف درهم أو يزيد، وكان ذلك المال جاء من العراق، وأجلاهم إلى الشام.
ذكر المراهنة التي كانت بين قريش في أن أهل خيبر يغلبون رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
روى البيهقي عن عروة، وعن موسى بن عقبة، وعن محمد بن عمر عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم- رحمهم الله تعالى- قالوا-: واللفظ لمحمد بن عمر-: كان حويطب- بضم الحاء المهملة، وسكون التحتية، وكسر الطاء المهملة- ابن عبد العزى- رضي الله عنه- يقول: انصرفت من صلح الحديبية، وأنا مستيقن أن محمدا- صلى الله عليه وسلم- سيظهر على الخلق، وتأبى حميّة الشيطان إلّا لزوم ديني، فقدم علينا عبّاس- بالموحدة المشددة- ابن مرداس- بكسر الميم- السلمي يخبرنا أن محمدا- صلى الله عليه وسلم- قد سار إلى خيابر، وأن خيابر قد جمعت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فمحمّد لا يفلت إلى أن قال عباس بن مرداس: من شاء بايعته إن محمدا لا يفلت قلت: أنا أخاطرك، فقال صفوان بن أمية: أنا معك يا عباس، وقال نوفل بن معاوية الدّيلمي أنا معك يا عبّاس، وضوى إليّ نفر من قريس فتخاطرنا مائة بعير أخماسا إلى مائة بعير، أقول أنا وحزبي: يظهر محمد- صلى الله عليه وسلّم- ويقول عباس وحزبه: تظهر غطفان، وجاء الخبر بظهور رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخذ حويطب وحزبه الرّهن.
ذكر استئذان الحجاج بن علاط- رضي الله عنه- من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعد فتح خيبر أن يذهب إلى مكة لأخذ ماله قبل وصول الخبر إليها
روى الإمام أحمد عن أنس- رضي الله عنه- والبيهقي عن ابن إسحاق، ومحمد ابن عمر عن شيوخه، قالوا: كان الحجاج بن علاط بكسر العين المهملة، وتخفيف اللّام، السلمي بضم السين، خرج يغير في بعض غاراته، فذكر له إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بخيبر، فأسلم، وحضر مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وكانت أمّ شيبة ابنة عمير بن هاشم- أخت مصعب بن عمير العبدريّ- امرأته،
وكان الحجّاج مكثرا، له مال كثير، وله معادن الذهب التي بأرض بني سليم- بضم السين، فقال: يا رسول الله، ائذن لي، فأذهب فآخذ مالي عند امرأتي، فإن علمت بإسلامي لم أخذ منه شيئا، ومال لي متفرق في تجّار أهل مكة، فأذن له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول(5/139)
الله، أنه لا بد لي من أن أقول، قال «قل»
قال الحجاج: فخرجت فلما انتهيت إلى الحرم، هبطت فوجدتهم بالثنية البيضاء، وإذا بها رجال من قريش يتسمّعون الأخبار قد بلغهم إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قد سار إلى خيبر، وعرفوا أنها قرية الحجاز أنفة ومنعة وريفا ورجالا وسلاحا، فهم يتحسّبون الأخبار، مع ما كان بينهم من الرّهان، فلمّا رأوني قالوا: الحجاج بن علاط عنده- والله- الخبر- ولم يكونوا علموا بإسلامي- يا حجاج، إنّه قد بلغنا أن القاطع قد سار إلى خيبر بلد يهود، وريف الحجاز، فقلت: بلغني أنه قد سار إليها وعندي من الخبر ما يسرّكم فالتبطوا بجانبي راحلتي، يقولون: إيه يا حجاج؟! فقلت: لم يلق محمد وأصحابه قوما يحسنون القتال غير أهل خيابر، كانوا قد ساروا في العرب يجمعون له الجموع، وجمعوا له عشرة آلاف فهزم هزيمة لم يسمع بمثلها قط، وأسر محمّد أسرا، فقالوا: لا نقتله حتّى نبعث به إلى مكة فنقتله بين أظهرهم بمن قتل منّا ومنهم، ولهذا فإنهم يرجعون إليكم يطلبون الأمان في عشائرهم، ويرجعون إلى ما كانوا عليه، فلا تقبلوا منهم، وقد صنعوا بكم ما صنعوا، قال: فصاحوا بمكة، وقالوا: قد جاءكم الخبر، هذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم فيقتل بين أظهركم، وقلت: أعينوني على جمع مالي على غرمائي فإني أريد أن أقدم فأصيب من غنائم محمد وأصحابه، قبل أن تسبقني التّجار إلى ما هناك، فقاموا فجمعوا إليّ مالي كأحثّ جمع سمعت به، وجئت صاحبتي فقلت لها: مالي، لعلّي ألحق بخيبر فأصيب من البيع قبل أن يسبقني التّجار.
وفشا ذلك بمكة، وأظهر المشركون الفرح والسرور، وانكسر من كان بمكة من المسلمون، وسمع بذلك العباس بن عبد المطلب، فقعد وجعل لا يستطيع أن يقوم فأشفق أن يدخل داره فيؤذى وعلم أنه يؤذى عند ذلك فأمر بباب داره أن يفتح وهو مستلق فدعا بقثم، فجعل يرتجز ويرفع صوته لئلا يشمت به الأعداء، وحضر باب العباس بين مغيظ ومحزون، وبين شامت، وبين مسلم ومسلمة مقهورين بظهور الكفر، والبغي، فلمّا رأى المسلمون العباس طيّبة نفسه، طابت أنفسهم، واشتدت منتهم [ (1) ] ، فدعا غلاما له يقال له أبو زبيبة، بلفظ واحدة زبيب العنب، ولم أجد له ذكرا في الإصابة، فقال: اذهب إلى الحجاج فقل له: يقول لك العباس: الله أعلى وأجلّ من أن يكون الذي جئت به حقا، فقال له الحجاج: اقرأ على أبي الفضل السلام، وقل له: ليخل لي في بعض بيوته، لآتيه بالخبر على ما يسره، واكتم عنّي، وأقبل أبو زبيبة يبشر العباس، فقال: أبشر يا أبا الفضل، فوثب العباس فرحا كأن لم يمسّه شيء، ودخل عليه أبو زبيبة، واعتنقه العباس، وأعتقه، وأخبره بالذي قاله.
__________
[ (1) ] المنّة: القوة، انظر المعجم الوسيط 2/ 896.(5/140)
فقال العباس: لله عليّ عتق عشر رقاب، فلما كان ظهرا، جاءه الحجاج، فناشده الله:
لتكتمنّ على ثلاثة أيام، ويقال: يوما وليلة، فوافقه العباس على ذلك، فقال: إني قد أسلمت، ولي مال عند امرأتي، ودين على الناس، ولو علموا بإسلامي لم يدفعوه إليّ وتركت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد فتح خيبر، وجرت سهام الله- تعالى- ورسوله- صلّى الله عليه وسلم- فيها وانتشل ما فيها، وتركته عروسا بابنة مليكهم حيي بن اخطب، وقتل ابن أبي الحقيق فلما أمسى الحجاج من يومه خرج وطالت على العباس تلك الليالي، ويقال: إنما انتظره العباس يوما وليلة، فلما كان بعد ثلاث، والناس يموجون في شأن ما تبايعوا عليه، عمد العباس إلى حلّة فلبسها، وتخلّق بخلوق، وأخذ بيده قضيبا، ثم أقبل يخطر، حتى وقف على باب الحجاج بن علاط فقرعه، فقالت زوجته: ألا تدخل يا أبا الفضل؟ قال: فأين زوجك؟ قالت: ذهب يوم كذا وكذا، وقالت: لا يحزنك الله يا أبا الفضل، لقد شق علينا الذي بلغك، قال: أجل، لا يحزنني الله، لم يكن بحمد الله إلا ما أحببنا، فتح الله على رسوله خيبر، وجرت فيها سهام الله ورسوله، واصطفى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صفية لنفسه، فإن كانت لك حاجة في زوجك فالحقي به، قالت: أظنك والله صادقا.
ثم ذهب حتى أتى مجلس قريش وهم يقولون إذا مر بهم: لا يصيبك إلا خير يا أبا الفضل!! هذا والله التجلد لحرّ المصيبة، قال: كلّا والله الّذي حلفتم به، لم يصبني إلا خير بحمد الله، أخبرني الحجاج بن علاط أن خيبر فتحها الله على رسوله، وجرى فيها سهام الله وسهام رسوله، فرد الله- تعالى- الكآبة التي كانت بالمسلمين على المشركين، وخرج المسلمون من كان دخل في بيته مكتئبا حتى أتوا العباس فأخبرهم الخبر، فسر المسلمون.
وقال المشركون [يا لعباد الله] انفلت عدوّ الله، - يعني الحجاج أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن، ولم ينشبوا أن جاءهم الخبر بذلك.
ذكر مغانم خيبر ومقاسمها على طريق الاختصار
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام خيبر، فلم يغنم ذهبا ولا فضة إلا الإبل والبقر والمتاع والحوائط. وفي رواية ألا الأموال والثياب والمتاع. رواه مالك والشيخان، وأبو داود، والنسائي [ (1) ] . وقال ابن إسحاق: وكانت المقاسم على أموال خيبر على الشّق ونطاة والكتيبة، وكانت الشّق، ونطاة في سهمان المسلمين، وكانت الكتيبة خمس الله، وسهم النبي- صلى الله عليه وسلّم- وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين، وطعم أزواج
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 557 (4234) .(5/141)
النبي- صلى الله عليه وسلم- وطعم رجال مشوا بين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وبين أهل فدك بالصّلح، منهم محيّصة بن مسعود، أعطاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منها ثلاثين وسقا من شعير، وثلاثين وسقا من تمر، وقسّمت خيبر على أهل الحديبية، من شهد خيبر ومن غاب عنها، ولم يغب عنها إلّا جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام- رضي الله عنهما- فقسم له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كسهم من حضرها، وكان وادياها- وادي السّريرة، ووادي خاص، وهما اللذان قسّمت عليهما خيبر.
وكانت نطاة والشّق ثمانية عشر سهما، نطاة من ذلك خمسة أسهم، والشّق ثلاثة عشر سهما، وقسّمت الشّق ونطاة على ألف سهم وثمانمائة سهم، وكانت عدّة الّذين قسّمت عليهم خيبر من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ألف سهم وثمانمائة سهم برجالهم وخيلهم، للرجال أربع عشرة مائة، والخيل مائتا فرس، فكان لكل فرس سهمان، ولفارسه سهم، وكان لكلّ راجل سهم، وكان لكل سهم رأس جمع إليه مائة رجل، فكانت ثمانية عشر سهما، جمع.
فكان علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- رأسا، والزبير بن العوام رأسا، وسرد ذكر ذلك ابن إسحاق. ثم قال: ثم قسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الكتيبة، وهي وادي خاص بين قرابته وبين نسائه وبين رجال مسلمين ونساء أعطاهم منها، ثم ذكر كيفيّة القسمة.
وروى أبو داود عن سهل بن أبي خيثمة- بخاء معجمة، فثاء مثلثة ساكنة- رضي الله عنه- قال: قسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خيبر نصفين، نصفا لنوائبه وخاصّته، ونصفا بين المسلمين، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما [ (1) ] .
روي أيضاً عن بشير- بضم الموحدة- بن يسار- رحمه الله- تعالى عن رجال من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنهم: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما ظهر على خيبر قسّمها على ستة وثلاثين سهما، جمع كلّ سهم مائة سهم، فكان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وللمسلمين النّصف من ذلك، وعزل النصف الباقي لمن نزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس، زاد في رواية أخرى عنه مرسلة بيّن فيها نصف النوائب: الوطيح والكتيبة وما حيز معهما زاد في رواية والسلالم، وعزل النصف الآخر الشق والنطاة وما حيز معهما، وكان سهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيما حيز معهما كسهم أحدهم [ (2) ] .
قال ابن إسحاق- رحمه الله- تعالى-: وكان المتولّي للقسمة بخيبر جبّار- بفتح الجيم، وتشديد الموحدة وبالراء المهملة- ابن صخر الأنصاري من بني سلمة- بكسر اللّام،
__________
[ (1) ] أخرجه أبو داود (3010) ، والتمهيد لابن عبد البر 6/ 450.
[ (2) ] أخرجه أبو داود (3012) .(5/142)
وزيد بن ثابت من بني النجار، وكانا حاسبين قاسمين.
وقال ابن سعد- رحمه الله- تعالى- أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالغنائم فجمعت، واستعمل عليها فروة بن عمرو البياضي، ثم أمر بذلك فجزئ خمسة أجزاء، وكتب في سهم منها، الله، وسائر السّهمان أغفال، وكان أول ما خرج سهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يتحيّز في الأخماس، فأمر ببيع الأربعة الأخماس فيمن يريد، فباعها فروة، وقسّم ذلك بين أصحابه وكان الذي ولي إحصاء الناس، زيد ابن ثابت فأحصاهم ألفا وأربعمائة، والخيل مائتي فرس، وكانت السّهمان على ثمانية عشر سهما، لكل مائة سهم، وللخيل أربعمائة سهم، وكان الخمس الذي صار لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعطي منه ما أراه الله من السلاح والكسوة، وأعطى منه أهل بيته، ورجالا من بني المطلب، ونساء، واليتيم والسائل.
ثم ذكر قدوم الدّوسيين والأشعريين واصحاب السفينتين، وأخذهم من غنائم خيبر، ولم يبين كيف أخذوا.
قال في العيون: وإذا كانت القسمة على ألف وثمانمائة سهم وأهل الحديبية ألف وأربعمائة، والخيل مائتي فرس بأربعمائة سهم، فما الذي أخذه هؤلاء المذكورون؟
وما ذكره ابن إسحاق من أن المقاسم كانت على الشّق، والنّطاة والكتيبة أشبه، فإنّ هذه المواضع الثلاثة مفتوحة بالسيف عنوة من غير صلح، وأما الوطيح والسّلالم فقد يكون ذلك هو الذي اصطفاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما ينوب المسلمين، ويترجح حينئذ قول موسى بن عقبة ومن قال بقوله: إنّ بعض خيبر كان صلحا، ويكون أخذ الأشعريين ومن ذكر معهم من ذلك، ويكون مشاورة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أهل الحديبية في إعطائهم ليست استنزالا لهم عن شيء من حقهم، وإنما هي المشورة العامة، وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران 159] .
روى الشيخان عن عبد الله بن مغفل- بضم الميم، وفتح الغين المعجمة، والفاء المشددة، وباللام- رضي الله عنه- قال أصبت جرابا، وفي لفظ: دلّي جراب من شحم يوم خيبر فالتزمته، وقلت: لا أعطي أحداً منه شيئا، فالتفتّ فإذا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فاستحييت منه، وحملته على عنقي إلى رحلي وأصحابي فلقيني صاحب المغانم الّذي جعل عليها، فأخذ بناحيته وقال: هلمّ حتّى نقسمه بين المسلمين، قلت: لا والله لا أعطيك، فجعل يجاذبني الجراب، فرآنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نصنع ذلك، فتبسّم ضاحكا، ثم قال لصاحب المغانم: «لا أبالك، خلّ بينه وبينه» فأرسله، فانطلقت به إلى رحلي وأصحابي، فأكلناه
[ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 255 (3153) ومسلم 3/ 1393 (72/ 1772) .(5/143)
قال ابن إسحاق: وأعطى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ابن لقيم- بضم اللام، قال الحاكم: واسمه عيسى العبسي- بموحدة- حين افتتح خيبر ما بها من دجاجة وداجن.
ذكر إهداء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- النساء والعبيد من المغانم
قال ابن إسحاق: وشهد خيبر مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من نساء المسلمين فرضخ لهن [ (1) ] من الفيء، ولم يضرب لهن بسهم.
روى ابن إسحاق، والإمام أحمد، وأبو داود، كلاهما من طريقه عن امرأة من غفار قالت: أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في نسوة من بني غفار- بكسر الغين المعجمة- فقلن: يا رسول الله قد أردنا الخروج معك إلى وجهك هذا- وهو يسير إلى خيبر- فنداوي الجرحى، ونعين المسلمين ما استطعنا، فقال: «على بركة الله تعالى» . قالت: فخرجنا معه، وذكرت الحديث [ (2) ] .
قالت: فلما فتح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خيبر رضخ لنا من الفيء.
وعن عبد الله بن أنيس [ (3) ]- رضي الله عنه- قال: خرجت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر ومعي زوجتي- وهي حبلى، فنفست في الطريق، فأخبرت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: انقع لها تمرا، فإذا أنعم بلّه فامرثه لتشربه» . ففعلت فما رأت شيئا تكرهه، فلمّا فتحنا خيبر أحذى النساء ولم يسهم لهن، فأحذى زوجتي وولدي الذي ولد. رواه محمد بن عمر
[ (4) ] .
وروى أبو داود عن عمير مولى أبي اللّخم- بالموحدة بلفظ اسم الفاعل- رضي الله عنه- قال شهدت خيبر مع سادتي فكلموا في رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأمر بي فقلّدت سيفا- فإذا أنا أجرّه، فأخبر أني مملوك، فأمر لي بشيء من خرثيّ المتاع [ (5) ] .
ذكر من استشهد بخيبر من المسلمين
أسلم الحبشي الراعي، ذكره أبو عمر واعترضه ابن الأثير بأنه ليس في شيء من السياقات أن اسمه أسلم، قال الحافظ: وهو اعتراض متجه، قلت: قد جزم ابن إسحاق في السيرة برواية ابن هشام بأن اسمه أسلم الأسود الرّاعي، تقدم أن اسمه أسلم. وقال محمد بن عمر: اسمه يسار.
__________
[ (1) ] الرضخ: العطية القليلة، انظر النهاية 2/ 228.
[ (2) ] أحمد 6/ 380 والبيهقي 2/ 407 وابن سعد 8/ 214 وانظر البداية والنهاية 4/ 204.
[ (3) ] عبد الله بن أنيس الجهني، أبو يحيى المدني، حليف الأنصار، صحابي، شهد العقبة وأحدا، ومات بالشام في خلافة معاوية، سنة أربع وخمسين، ووهم من قال سنة ثمانين. بخ م ع التقريب 1/ 402.
[ (4) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 243 وابن كثير في البداية 4/ 205.
[ (5) ] أخرجه أبو داود 3/ 75 (2730) .(5/144)
أنيف- تصغير أنف- بن حبيب بن عمرو بن عوف.
أنيف- كالذي قبله بن واثلة بالمثلثة، أو التحتية.
أوس بن جبير- بالجيم- الأنصاري من بني عمرو بن عوف، قتل على حصن ناعم، أورده ابن شاهين، وتبعه أبو موسى: أوس بن حبيب الأنصاري. ذكره أبو عمر، وقيل هو الذي قبله.
أوس بن فايذ- بالتحتيّة والذّال المعجمة الأنصاري، ذكره أبو عمر: أوس بن فايد- بالفاء والدال المهملة، أو ابن فاتك أو الفاكه من بني عمرو بن عوف.
أوس بن قتادة الأنصاري.
بشر- بكسر الموحدة وسكون المعجمة ابن البراء بتخفيف الراء- ابن معرور، بفتح الميم، وسكون العين المهملة، وضم الراء الأولى.
ثابت بن إثلة- بكسر الهمزة، وسكون الثاء المثلثة، وزاد أبو عمر واوا في أوّله، ولم يوافقوه.
ثقف- بثاء مثلثة- مفتوحة، فقاف ساكنة ففاء، وقال محمد بن عمر ثقاف بن عمرو بن سميط الأسدي.
الحارث بن حاطب، ذكره ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد، وقالا: شهد بدرا، ولم يتعرض له أبو عمر، ولا الذهبي، ولا الحافظ: لكونه استشهد بخيبر. وهو أخو ثعلبة بن حاطب بن عمر بن عبيد الأنصاري الأوسي.
ربيعة بن أكثم بن سخبرة- بفتح السين المهملة، وسكون الخاء المعجمة، وبالموحدة ابن عمرو الأسدي، قتل بالنّطاة، قتله الحارث اليهودي.
رفاعة بن مسروح- بمهملات- الأسدي حليف بني عبد شمس، قتله الحارث اليهودي.
سليم بن ثابت بن وقش الأنصاري الأشهلي، ذكره ابن الكلبي، وأبو جعفر بن جرير الطبري.
طلحة: ذكره ابن إسحاق، ولم ينسبه، ولم يقف كثير من الحفّاظ على نسبه، ولم يذكره محمد بن عمر ولا ابن سعد، وقال أبو ذر في الإملاء: هو طلحة بن يحيى بن إسحاق بن مليل.
قال أبو علي الغساني- رحمه الله- لم يخبر ابن إسحاق باسم طلحة هذا، قلت: ولم أر لطلحة بن يحيى بن إسحاق هذا ذكرا في الإصابة للحافظ، ولا في الكاشف للذهبي.(5/145)
عامر بن الأكوع، واسم الأكوع: سنان بن عبد الله بن قشير الأسلمي المعروف بابن الأكوع عم سلمة بن عمرو بن الأكوع،
روى الشيخان، والبيهقي عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: لما تصافّ القوم يوم خيبر، وكان سيف عامر فيه قصر، فتناول به ساق يهودي ليضربه فرجع ذباب سيفه، فأصاب عين ركبته فمات منه، فلما قفلوا سمعت نفرا من أصحاب محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقولون: بطل عمل عامر، قتل نفسه، فأتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا أبكي فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: لمّا رآني شاحبا: مالك؟ قلت: فداك أبي وأمي، زعموا أن عامرا حبط عمله. قال: «من قال؟» قلت: فلان وفلان، وأسيد بن الحضير الأنصاري فقال: «كذب من قاله، إنّ له لأجرين» وجمع بين أصبعيه «إنّه لجاهد مجاهد، قلّ عربيّ مشى- وفي لفظ نشأ بها مثله»
ووقع في حديث، أنه عم سلمة بن عمرو بن الأكوع، وفي حديث آخر أنه أخوه، ولا تنافي بينهما، لأنه عمّه وأخوه في الرضاعة.
عبد الله بن أبي أمية بن وهب الأسدي بالحلف، قتل بالنّطاة، وذكره محمد بن عمر، وابن سعد ولم يذكره ابن إسحاق.
عبد الله بن هبيب- بموحدتين- مصغر- ابن أهيب، ويقال: وهيب بن سحيم اللّيثي حليف بني أسد، ذكره ابن إسحاق في رواية البكائي، وجرير بن حازم، ويونس بن بكير، لكن عنده عبد الله بن فلان بن وهب، وكذا سمّاه أبو عمر وجماعة وذكر محمد بن عمر: أنه استشهد هو وأخوه عبد الرحمن بأحد قال الحافظ: والأول أولى.
عديّ بن مرة بن سراقة البلوي بفتح الموحدة واللام- حليف الأنصار طعن بين ثدييه بحربة فمات منها- ذكره محمد بن عمر، وابن سعد، وأبو عمر.
عروة بن مرة بن سراقة الأوسي: ذكره أبو عمر.
عمارة بن عقبة بن حارثة الغفاريّ، رمي بسهم ذكره ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد، وأبو عمر، وتعقبه الحافظ في كونه استشهد بخيبر بكلام يدل على أنه لم يراجع السّيرة في هذا المحل، ولا شك في صحة ما ذكره أبو عمر.
فضيل بن النّعمان الأنصاري السّلمي- بفتح السين، ذكره ابن إسحاق في رواية يونس وابن سلمة وزياد، وجزم بذلك محمد بن عمر، وابن سعد هنا، وقال ابن سعد في موضع آخر:
كذا وجدناه في غزوة خيبر، وطلبناه في نسب بني سلمة فلم نجده، ولا أحسبه إلّا وهما، وإنما أراد الطّفيل بن النعمان بن خنساء بن سنان، والطّفيل ذكره ابن عقبة فيمن شهد خيبر.
بشر بن المنذر بن زنبر- بزاي، ونون موحدة وزن جعفر- بن زيد بن أمية الأنصاري، ذكره ابن إسحاق.(5/146)
محمود بن مسلمة [ (1) ] : قتل عند حصن ناعم، ألقيت عليه صخرة، قيل ألقاها عليه مرحب، وقيل: كنانة بن الربيع، ولعلهما اشتركا في الفعل.
ومدعم الأسود [ (2) ] مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قتل بخيبر- وهو الذي غلّ الشملة يومئذ، وجاء الحديث أنها تشتعل عليه نارا.
مرة بن سراقة الأنصاري [ (3) ] ، ذكره أبو عمر، وتعقبه ابن الأثير بأن الذي ذكروا أنه شهد خيبر ابنه عروة بن مرة. قال الحافظ: ولا مانع من الجمع، قلت: ويؤيّد كلام ابن الاثير أن أبا عمر لم يذكره في الدّر، بل ذكر ابنه عروة.
مسعود بن ربيعة [ (4) ]- ويقال: ربيع بن عمرو القاريّ بالتشديد ممن استشهد بخيبر.
مسعود بن سعد بن قيس الأنصاري الزّرقي: ذكره ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد، ونقل أبو نعيم عن ابن عمارة أنه ذكره فيهم، وخالفه الواقديّ- اه. نقله الحافظ وأقرّه.
والذي في مغازي الواقدي أنه استشهد بخيبر، وأنّ مرحبا قتله، فالله أعلم.
يسار: اسم الأسود الراعي، ذكره محمد بن عمر، وابن سعد وسمّاه ابن إسحاق، أسلم.
أبو سفيان بن الحارث، كذا في نسخة سقيمة عن الزهري نقلا عن رواية يونس عن ابن إسحاق، ولم أره في الإصابة.
أبو ضيّاح- بضاد مفتوحة، فتحتية مشدّدة، فألف، فحاء مهملة- الأنصاري، اسمه النّعمان، وتقدم في البدريين رجل من أشجع ذكره محمد بن عمر، وابن سعد.
وروى النسائي والبيهقي عن شداد بن الهاد- رضي الله عنه- إن رجلا من الأعراب جاء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فآمن واتّبعه، فقال: أهاجر معك، فأوصى به النبي- صلى الله عليه وسلم- بعض أصحابه، فلما كانت غزوة خيبر غنم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شيئا قسّمه لهم، وقسم له، فأعطى أصحابه ما قسم
__________
[ (1) ] محمود بن مسلمة بن سلمة الأنصاري ذكروه في الصحابة واستشهد في حياة النبي- صلى الله عليه وسلم. وذكر ذلك موسى بن عقبة في المغازي وقال: ابن سعد شهد محمود أحدا والخندق والحديبية وخيبر وقتل يومئذ شهيدا أدلى عليه مرحب رحى فأصابت رأسه فهشمت البيضة رأسه، الإصابة 6/ 67.
[ (2) ] مدعم الأسود مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم.. كان مولدا من حسمى أهداه رفاعة بن زيد الجذامي لرسول الله- صلى الله عليه وسلم. الإصابة 6/ 74.
[ (3) ] مرة بن سراقة الأنصاري.. ذكر أبو عمر انه استشهد بحنين وتعقبه ابن الأثير بأن الذي ذكروا أنه شهد حنينا عروة بن مرة قلت ولا مانع من الجمع، قال الحافظ انظر الإصابة 6/ 81.
[ (4) ] مسعود بن ربيعة بن عمرو بن سعد بن عبد العزى بن حمالة بن غالب بن عائدة بن نثيع بن مليح بن الهون وهو القارة بن خزيمة بن مدركة القاري.. ويقال مسعود بن عامر بن ربيعة بن عمير بن سعد ابن مخلد بن غالب وهذا قول ابن الكلبي وأفاد ان من ذريته محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، الإصابة 6/ 89.(5/147)
له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ فقالوا قسم قسمه لك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فخذه، فجاء به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: ما هذا؟ قال: «قسم قسمته لك» قال: ما على هذا أتبعك، ولكن اتبعتك على أن أرمى ههنا، وأشار إلى حلقه- بسهم- فأموت، فأدخل الجنة. فقال: «إن تصدق الله يصدقك» ثم نهضوا إلى قتال العدو، فأتى به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحمل وقد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «هو هو» قالوا: نعم. قال: «صدق الله فصدقه» فكفّنه النبي- صلى الله عليه وسلم- في جبّته، ثم قدمه. فصلّى عليه، وكان مما ظهر من صلاته:
«اللهمّ هذا عبدك وابن عبدك خرج مهاجرا في سبيلك، قتل شهيدا، أنا عليه شهيد» .
وقتل من يهود ثلاثة وتسعون رجلا.
ذكر انصراف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن خيبر وتوجهه إلى وادي القرى
قال أبو هريرة: نزلناها أصيلا مع مغرب الشّمس، رواه ابن إسحاق.
قال البلاذري: قالوا: أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منصرفه من خيبر وادي القرى فدعا أهلها إلى الإسلام، فامتنعوا من ذلك وقاتلوا، ففتحها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عنوة، وغنّمه الله أموال أهلها، وأصاب المسلمون منهم أثاثا ومتاعا، فخمّس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذلك، وتركت الأرض، والنخل في أيدي يهود، وعاملهم على نحو ما عامل عليه أهل خيبر.
قال محمد بن عمر: لما انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن خيبر، وأتى الصّهباء سلك على برمة، حتى انتهى إلي وادي القرى، يريد من بها من يهود، وكان أبو هريرة- رضي الله عنه- يحدث فيقول، - خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من خيبر إلى وادي القرى، وكان رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي قد وهب لرسول الله- صلى الله عليه وسلم عبدا أسود يقال له مدعم- بميم مكسورة فدال ساكنة فعين مفتوحة مهملتين، وكان يرحّل لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلمّا نزلنا بوادي القرى انتهينا إلى يهود، وقد ضوى إليها ناس من العرب، فبينما مدعم يحطّ رحل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد استقبلتنا يهود بالرّمي حيث نزلنا، ولم نكن على تعبئة، وهي يصيحون في أطامهم،
فيقبل سهم عائر فأصاب مدعما فقتله، فقال الناس: هنيئا له الجنة، فقال: رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كلّا والذي نفسي بيده إنّ الشّملة الّتي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم يصبها المقسم تشتعل عليه نارا» . فلما سمع الناس بذلك جاء رجل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بشراك أو شراكين، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «شراك من نار أو شراكان من نار»
[ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 11/ 592 (6707) ومسلم 1/ 108 (183/ 115) .(5/148)
وعبّأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصحابه للقتال، وصفّهم، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حنيف- بضم الحاء المهملة وفتح النون، وسكون التحتية، وراية إلى عبّاد- بتشديد الموحدة، وبالدّال المهملة- ابن بشر.
ثم دعاهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الإسلام وأخبرهم أنهم إن أسلموا أحرزوا أموالهم، وحقنوا دماءهم، وحسابهم على الله- تعالى.
فبرز رجل منهم، فبرز له الزبير بن العوام فقتله، ثم برز آخر، فبرز له الزّبير فقتله، ثم برز آخر، فبرز إليه علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه أبو دجانة فقتله، ثم برز آخر فبرز له أبو دجانة فقتله، حتى قتل منهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحد عشر رجلا كلّما قتل رجل دعا من بقي إلى الإسلام.
ولقد كانت الصّلاة تحضر يومئذ فيصلي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بأصحابه، ثم يعود فيدعوهم إلى الله ورسوله، فقاتلهم حتى أمسوا، وغدا عليهم فلم ترتفع الشّمس حتى أعطوا بأيديهم، وفتحها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عنوة، وغنّمه الله- تعالى أموالهم، وأصابوا أثاثا ومتاعا كثيرا، وأقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بوادي القرى أربعة أيام، وقسم ما أصاب على أصحابه بوادي القرى، وترك الأرض والنخيل بأيدي يهود، وعاملهم عليها.
قال البلاذري: وولّاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عمرو بن سعيد بن العاص، وأقطع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جمرة- بالجيم- ابن هوذه- بفتح الهاء، والذّال المعجمة- العذريّ رمية بسوطه من وادي القرى.
ذكر نومهم عن الصلاة حين انصرفوا من خيبر وما ظهر في ذلك الطريق من الآيات
روى مسلم، وأبو داود عن أبي هريرة. وأبو داود عن ابن مسعود، وابن إسحاق عن سعيد بن المسيب، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من وادي القرى راجعا بعد أن فرغ من خيبر ووادي القرى، فلما كان قريبا من المدينة سرى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليلته حتى إذا كان قبيل الصّبح بقليل نزل وعرّس، وقال: ألا رجل صالح حافظ لعينه يحفظ علينا الفجر لعلنا ننام؟ قال بلال: يا رسول الله أنا أحفظه عليك، فنزل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقام بلال يصلّي ما شاء الله أن يصلّي. ثم استند إلى بعيره، واستقبل الفجر يرقبه، فغلبته عينه، فنام، فلم يستيقظ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا أحد من أصحابه حتّى ضربتهم الشمس [ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم 1/ 471 (309/ 680) ، وأبو داود في الصلاة باب (11) والترمذي في التفسير، وابن ماجة في الصلاة (10) ومالك في الموطأ (25) .(5/149)
وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أول أصحابه هبّ، فقال: «ما صنعت بنا يا بلال» ؟ قال: يا رسول الله، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، قال: «صدقت» ثم اقتاد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعيره غير كثير، ثم أناخ وأناخ الناس فتوضّأ، وتوضّأ النّاس، وأمر بلالا فأقام الصّلاة، فلما فرغ، قال:
إِذَا نَسِيْتُم الصَّلَاةَ فَصَلُّوهَا إِذَا ذَكَرْتُمُوهَا فإِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَ يَقُول: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي
[طه 14] .
ذكر رجوع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة مؤيدا منصورا
روى الأئمة السّتَّة عن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- قال: أشرف الناس على واد، فرفعوا أصواتهم بالتكبير: «الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله»
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «اربعوا على أنفسكم إنّكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، وهو معكم» وأنا خلف دابّة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسمعني وأنا أقول لا حول ولا قوّة إلّا إلا بالله العلي العظيم، فقال: «يا عبد الله بن قيس» قلت: لبيك يا رسول الله فداك أبي وأمي، قال: «ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة؟» قلت: بلى يا رسول الله، فداك أبي وأمي، قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله»
[ (1) ] .
ولما انتهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الجرف ليلا، نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا، فذهب رجل فطرق أهله، فرأى ما يكره فخلى سبيله ولم يهجر، وضنّ بزوجته أن يفارقها، وكان له منها أولاد، وكان يحبها، فعصى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ورأى ما يكره.
ولما نظر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى جبل أحد، قال: هذا جبل يحبّنا ونحبّه، اللهم إني أحرم ما بين لابتي المدينة»
[ (2) ] .
ذكر رد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على الأنصار ما منحوه للمهاجرين
روى الشيخان، والحافظ، ويعقوب بن سفيان عن أنس- رضي الله عنه- قال: لما قدم المهاجرون من مكة إلى المدينة قدموا وليس بأيديهم شيء، وكان الأنصار أهل أرض وعقار، فقاسمهم الأنصار على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم كل عام، ويكفوهم العمل والمؤنة، وكانت أم أنس أعطت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أعذاقا لها، فأعطاهن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أم أيمن مولاته أم أسامة بن زيد، فلما فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أهل خيبر، وانصرف إلى المدينة، ردّ
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري (4205) ، وأخرجه مسلم في الذكور والدعاء (44) وأحمد 4/ 402، والبيهقي 2/ 184 وابن أبي عاصم 1/ 274، والطبري 8/ 147 وابن السني (512) وعبد الرزاق (9244) وانظر البداية 4/ 213.
[ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 83 (2889) (2893) (4084) (7333) ومسلم 2/ 993 (462/ 1365) .(5/150)
المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا قد منحوهم من ثمارهم، وردّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى أمّي أعذاقها.
وفي رواية: فسألت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأعطانيهن، فجاءت أمّ أيمن فجعلت الثوب في عنقي، وجعلت تقول: كلا والله الذي لا إله إلا هو لا يعطيكهن وقد أعطانيهن، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «يا أم أيمن اتركي ولك كذا وكذا» وهي تقول: كلّا- والله الذي لا إله إلا هو، فجعل يقول: لك كذا وكذا، ولك كذا» وهي تقول: كلّا والله الذي لا إله إلا هو حتى أعطاها عشرة أمثالها أو قريبا من عشرة أمثالها
[ (1) ] .
ذكر بعض ما قيل من الشعر في غزوة خيبر
قال كعب بن مالك- رضي الله عنه:
ونحن وردنا خيبرا وفروضه ... بكلّ فتى عاري الأشاجع مذود
جواد لدى الغايات لاواهن القوى ... جريء على الأعداء في كلّ مشهد
عظيم رماد القدر في كلّ شتوة ... ضروب بنصل المشرفيّ المهنّد
يرى القتل مدحا إن أصاب شهادة ... من الله يرجوها وفوزا بأحمد
يذود ويحمي عن ذمار محمّد ... ويدفع عنه باللّسان وباليد
وينصره من كل أمر يريبه ... يجود بنفس دون نفس محمّد
يصدّق بالأنباء بالغيب مخلصا ... يريد بذاك العزّ والفوز في غد
وقال حسان- رضي الله- تعالى- عنه:
بئس ما قاتلت خيابر عمّا ... جمّعوا من مزارع ونخيل
كرهوا الموت فاستبيح حماهم ... وأقرّوا فعل اللّئيم الذّليل
أمن الموت تهربون فإنّ ال ... موت موت الهزال غير جميل
تنبيهات
الأول: خيبر- بخاء معجمة، فتحتية، فموحدة، وزن جعفر: وهي اسم ولاية تشتمل على حصون ومزارع، ونخل كثير، على ثلاثة أيام من المدينة على يسار حاجّ الشّام. والخيبر بلسان اليهود، الحصن، ولذا سمّيت خيابر أيضا- بفتح الخاء، قاله ابن القيم مما ذكر ابن إسحاق، وقال ابن عقبة ومحمد بن عمر وأبو سعد النيسابوري في الشرف: أنها بجبلة- بفتح الجيم والموحدة ابن جوال بفتح الجيم وتشديد الواو، بعدها ألف ولام، وقيل: سمّيت بأول
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 474 (4120) ، مسلم 3/ 1391 (70/ 1771) (71) ، والبيهقي الدلائل 4/ 288.(5/151)
من نزلها، وهو خيبر أخو يثرب ابنا قانية بن مهلايل بن آدم بن عبيل، وهو أخو عاد.
وذكر جماعة من الأئمة: أنّ بعضها فتح صلحا، وبعضها فتح عنوة. وبه يجمع بين الرّوايات المختلفة في ذلك.
وروى عن الإمام مالك- رحمه الله تعالى- أن الكتيبة أربعون ألف عذق. ولابن زبالة حديث «ميلان في ميل من خيبر مقدس، وحديث «خيبر مقدسة، والسوارقية [ (1) ] مؤتفكة، وحديث «نعم القرية في سنيّات الدجال خيبر» وتوصف خيبر بكثرة التمر.
قال حسان بن ثابت- رضي الله عنه:
وإنّا ومن يهدي القصائد نحونا ... كمستبضع تمرا إلى أهل خيبر
وروى البخاري عن عائشة- رضي الله عنها- قال: لما فتحت خيبر: قلنا: الآن نشبع من التمر. وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: ما شبعنا من التّمر حتّى فتحت خيبر، وتوصف خيبر بكثرة الحمّى، قدم خيبر أعرابي بعياله فقال:
قلت لحميّ خيبر استقري ... هاك عيالي فاجهدي وجدّي
وباكري بصالد وورد ... أعانك الله على ذا الجند
فحمّ ومات، وبقي عياله.
قال أبو عبيد البكري- رحمه الله- في معجمه وفي الشّق عين تسمى الحمّة، وهي الّتي سماها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قسمة الملائكة، يذهب ثلثا مائها في فلج والثلث الآخر في «فلج» والمسلك واحد وقد اعتبرت منذ زمان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى اليوم يطرح فيها ثلاث خشبات أو ثلاث تمرات فتذهب اثنتان في الفلج الذي له ثلثا مائها، وواحدة في الفلج الثاني، ولا يقدر أحد أن يأخذ من ذلك الفلج أكثر من الثلث، ومن قام في الفلج الذي يأخذ الثلثين ليردّ الماء إلى الفلج الثاني غلبه الماء وفاض، ولم يرجع إلى الفلج الثاني شيء يزيد على قدر الثلث وتشتمل خيبر على حصون كثيرة، ذكر منها في القصّة كثير.
الثاني: اختلف في أي سنة كانت غزوتها: قال ابن إسحاق: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في بقية المحرم سنة سبع، فأقام يحاصرها بضع عشرة ليلة إلى أن فتحها في صفر.
وقال يونس بن بكير في المغازي عن ابن إسحاق من حديث المسور ومروان، قالا:
«انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الحديبية، فنزلت عليه سورة الفتح فيما بين مكة والمدينة»
__________
[ (1) ] السّوارقية بفتح أوله وضمه، وبعد الراء قاف، وياء النسبة. ويقال: السّويرقية بلفظ التصغير: قرية أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بين مكة والمدينة، وهي نجديّة بها مزارع ونخل كثير. مراصد الاطلاع 2/ 751.(5/152)
فأعطاه الله فيها خيبر بقوله: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ [الفتح 20] ويعني خيبر، فقدم المدينة في ذي الحجة فأقام بها حتى سار إلى خيبر في المحرم.
وذكر ابن عقبة عن ابن شهاب أنه- صلى الله عليه وسلّم- أقام بالمدينة عشرين ليلة أو نحوها ثم خرج إلى خيبر.
وعند ابن عائذ عن ابن عباس: أقام بعد الرجوع من الحديبية عشر ليال.
وعند سليمان التيمي خمسة عشر يوما.
قال الإمام مالك رحمه الله- تعالى-: كان فتح خيبر سنة ست.
والجمهور- كما في زاد المعاد: أنها في السابعة، وقال الحافظ: إنه الراجح قالا:
ويمكن الجمع بأن من أطلق سنة ست بناه على ابتداء السّنة من شهر الهجرة الحقيقي، وهو ربيع الأول.
وابن حزم- رحمه الله- يرى أنه من شهر ربيع الأول.
الثالث: قال الحافظ: نقل الحاكم عن الواقدي، وكذا ذكره ابن سعد إنها كانت في جمادى الأولى. فالذي رأيته في مغازي الواقدي: إنها كانت في صفر، وقيل: في ربيع الأول، وأغرب من ذلك ما رواه ابن سعد، وابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: خرجنا إلى خيبر لثمان عشرة من رمضان، الحديث. وإسناده حسن، إلا أنه خطا، ولعلها كانت إلى حنين فتصحفت، وتوجيهه بأن غزوة حنين كانت ناشئة عن غزوة الفتح، وغزوة الفتح خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فيها في رمضان جزما، وذكر الشيخ أبو حامد- رحمه الله- تعالى، في التعليق: أنها كانت سنة خمس، وهو وهم، ولعله انتقال من الخندق إلى خيبر، وأجاب بعضهم بأنه أسقط سنة المقدم أي وقطع النظر عن سنة الغزوة.
الرابع: قول عامر: اللهمّ لولا أنت ما اهتدينا، قال الحافظ في هذا: القسم زحاف الخزم بالمعجمتين، وهو زيادة سبب خفيف، وفي الصحيح في الجهاد عن البراء بن عازب: أنه من شعر عبد الله بن رواحة، فيحتمل أن يكون هو وعامر تواردا على ما توارد عليه بدليل ما وقع لكل منهما مما ليس عند الآخر واستعان عامر ببعض ما سبقه إليه ابن رواحة.
الخامس: استشكل قول عامر: «فداء» بأنه لا يقال في حق الله- تعالى، إذ معنى «فداء» نفديك بأنفسنا، فحذف متعلق الفعل للشهرة، وإنما يتصور الفداء لمن يجوز عليه الفناء، وأجيب عن ذلك بأنها كلمة لا يراد ظاهرها، بل المراد بها المحبة والتعظيم، مع قطع النّظر عن ظاهر اللّفظ، وقيل: المخاطب بهذا الشعر النبي- صلى الله عليه وسلم- والمعنى، لا تؤاخذنا بتقصيرنا في(5/153)
حقّك ونصرك، وعلى هذا فقوله: «اللهم» لم يقصد به الدعاء، وإنما افتتح بها الكلام، والمخاطب بقوله: لولا أنت النبي- صلى الله عليه وسلّم- ويعكر عليه قوله بعد ذلك: فأنزلن سكينة علينا:
وثبت الأقدام إن لاقينا، فإنه دعاء لله، ويحتمل أن يكون المعنى، فاسأل ربك أن ينزل ويثبت.
السادس: في بيان الروايات التي وردت في هذا الرجز ومعانيها.
وما اتّقينا بتشديد الفوقية بعدها قاف، أي، ما تركنا من الأوامر، «وما» ظرفية، وللأصيلي والنسفي من رواية الصحيح بهمزة قطع، فموحدة ساكنة، أي ما خلفنا وراءنا مما كسبناه من الآثام، أو ما أبقينا وراءنا من الذنوب، فلم نتب منه وللقابسي: ما لقينا بلام وكسر القاف، أي ما وجدنا من المناهي. ووقع في الأدب ما اقتفينا بقاف ساكنة، ففوقية، وفاء مفتوحتين، فتحتية ساكنة، أي اتّبعنا من الخطايا، من قفوت الأثر إذا تبعته، وكذا عند مسلم، وهو أشهر الروايات في هذا الرجز.
ألقين سكينة علينا. وفي رواية النسفي و «ألقي» بحذف النون، وبزيادة ألف ولام في السكينة بغير تنوين، وليس بموزون السكينة: الوقار، والتثبت.
أتينا: بفوقية: أي جئنا إذا دعينا إلى القتال أو الحق، وروي بالموحدة أي إذا دعينا إلى غير الحق امتنعنا وبالصياح عوّلوا علينا: أي قصدونا بالدعاء والصوت العالي، واستعانوا علينا، يقال:
عولت على فلان وعولت بفلان.
السابع: أختلف في فتح خيبر، هل كان عنوة أو صلحا، وفي حديث عبد العزيز بن صهيب عند البخاري في الصلاة: التصريح بأنه كان عنوة، وبه جزم أبو عمر، وردّ على من قال فتحت صلحا، قال: وإنما دخلت الشّبهة على من قال فتحت صلحا، بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما لحقن دمائهم، وهو ضرب من الصلح، لكنه لم يقع ذلك إلّا بحصار، وقتال، قال الحافظ- رحمه الله تعالى: والذي يظهر أنّ الشبهة في ذلك قول ابن عمر: إن النبي- صلى الله عليه وسلم- قاتل أهل خيبر، فغلب على النخل فصالحوه على أن يجلوا منها وله الصفراء والبيضاء والحلقة، ولهم ما حملت ركابهم، على ألا يكتموا ولا يغيبوا الحديث. وفي آخره:
فسبى نساءهم وذراريهم، وقسّم أموالهم للنكث الذي نكثوا، وأراد أن يجليهم، فقالوا: دعنا في هذه الأرض نصلحها.. الحديث، ورواه أبو داود والبيهقي وغيرهما، وكذلك أخرجه أبو الأسود في المغازي عن عروة. فعلى هذا كان وقع الصلح، ثم حصل النقض منهم فزال أمر الصلح، ثم منّ عليهم بترك القتل وإبقائهم عمّالا بالأرض، ليس لهم فيها ملك، ولذلك(5/154)
أجلاهم عمر، فلو كانوا صولحوا على أرضهم لم يجلوا منها.
وجنح غير واحد من العلماء إلى أن بعضها فتح عنوة، وبعضها فتح صلحا، وليس بنا ضرورة إلى بسط الكلام على ذلك.
الثامن: زعم الأصيليّ- رحمه الله تعالى- أنّ حديث نومهم عن الصلاة إنّما كان بحنين لا بخيبر، وأن ذكر خيبر خطأ، ورد عليه أبو الوليد الباجي، وأبو عمر فأجادا.
التاسع: اختلف في إسلام زينب بنت الحارث التي أهدت الشّاة المسمومة وفي قتلها، أما إسلامها، فروى عبد الرزاق في مصنّفه عن معمر عن الزّهريّ أنها أسلمت، وأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تركها. قال معمر: والناس يقولون قتلها. وجزم بإسلامها سليمان التيمي في مغازيه ولفظه بعد قولها: «وإن كنت كاذبا أرحت النّاس منك، وقد استبان لي أنّك صادق، وأنا أشهدك ومن حضرك أنّي على دينك، وأن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، قال: وانصرف عنها حين أسلمت.
وأما قتلها وتركها، فروى البيهقي عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنه- صلى الله عليه وسلم- ما عرض لها، وعن جابر قال: فلم يعاقبها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وروى ابن سعد عن شيخه محمد بن عمر بأسانيد له متعددة هذه القصة، وفي آخرها فدفعها إلى أولياء بشر بن البراء فقتلوها قال محمد بن عمر: وهو أثبت وروى أبو داود من طريق الزّهري عن جابر نحو رواية معمر عنه، والزهري لم يسمع من جابر، ورواه أيضاً عن أبي هريرة.
قال البيهقي- رحمه الله- يحتمل أن يكون تركها أولا، ثم لما مات بشر بن البراء من الأكلة قتلها، وبذلك أجاب السهيلي- رحمه الله تعالى- وزاد: أنه تركها، لأنه كان لا ينتقم لنفسه، ثم قتلها ببشر قصاصا.
قال الحافظ- رحمه الله تعالى-: يحتمل أن يكون تركها أولا، ثم لما مات بشر لكونها أسلمت، وإنما أخّر قتلها حتى مات بشر لأنّ بموته يتحقق وجوب القصاص بشرطه.
وروى أبو سعد النّيسابوري: أنه- صلى الله عليه وسلّم- قتلها وصلبها، فالله أعلم العاشر: وقع في سنن أبي داود أنها أخت مرحب، وبه جزم السهيلي، وعند البيهقي في الدلائل: بنت أخي مرحب، وبه جزم الزّهري كما في مغازي موسى بن عقبة الحادي عشر: إن قيل ما الجمع بين قوله- تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة 67] وبين حديث الشاة المسمومة المصلية بالسّم الصادر من اليهودية؟ والجواب:
إن الآية نزلت عام تبوك، والسم كان بخيبر، قبل ذلك.(5/155)
الثاني عشر: اختلف في مدّة إقامته- صلى الله عليه وسلّم- بأرض خيبر، فروى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس- رضي الله عنه- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أقام بخيبر ستة أشهر، يجمع بين الصّلاتين. وروى البيهقي عنه: أربعين يوما، وسنده ضعيف.
وقال ابن إسحاق.....
الثالث عشر: في بيان غريب ما سبق.
استنفر: استنجد واستنصر.
عسكر: جمع عسكره: أي جيّشه.
ثنيّة الوداع: تقدم الكلام عليها مبسوطا في دخوله- صلّى الله عليه وسلم- المدينة. في أبواب الهجرة.
الزّغابة- بالزاي والغين المعجمتين وبالموحدة كسحابة، وضبطه أبو عبيد البكري- رحمه الله تعالى- بالضم: مجتمع السيول بأرض العقيق، غربي مشهد حمزة، وهو أعلى إضم، ووهم من قال إنه لا يعرف، وإنما المعروف الغابة.
نقمى- بنون فقاف فميم مفتوحات فألف تأنيث: اسم واد بالمدينة كجمزى ونسكى، ويروى- بضم أوله وثانيه: اسم واد بها.
المشلّل- بضم الميم، وفتح الشين المعجمة، واللام الأولى وتشديدها: ثنية تشرف على قديد.
الوطاة: الأرض السهلة.
راهق- بالراء والقاف: قارب.
الجبن- بضم الجيم، وسكون الموحدة، وتضم أيضا: صفة الجبان.
ضلع الدّين، قال القاضي- بفتح الضاد المعجمة، واللام. شدته، وثقل حمله.
قينقاع، والنضير، وقريظة: تقدم الكلام عنها في غزوتها.
سنبلانيّة- بضم السين المهملة، والموحدة بينهما نون، أي سابغة من الطول، يقال ثوب سنبلاني، وسنبل ثوبه إذا أسبله من خلفه، أو أمامه، وقال اليعمري: منسوبة إلى موضع من المواضع. قلت: سنبلاني محلة، بأصبهان، والمراد هنا الأول.
الكرباس- بالكسر: الثوب الخشن.
عصر- بمهملات فالكسر: فالسكون، أو بفتحتين: جبل بقرب المدينة من جهة خيبر، ومن الغرائب قول ابن الأثير مع ذكر ذلك أنه بين المدينة ووادي الفرع.(5/156)
حدو الإبل: سوقها بالشّعر.
الصّهباء- بفتح الصاد المهملة وسكون الهاء وبالمد: موضع قرب المدينة.
أدنى خيبر: أسفلها.
هنيهاتك- جمع هينهة، وهي تصغير هنة كما قالوا في تصغير سنة سنيهة، والهنة: كناية عن كل شيء لا يعرف اسمه، أو يعرف فيكنى عنه، كذا في الصحيح بالتصغير، وفي أخرى هنيّاتك، وفي السيرة: هناتك جمع هنة، أي من أخبارك وأشعارك، فكنّى عن ذلك كله، والمراد هنا الحداء للإبل.
وجبت: أي الجنة.
لولا: حرف عرض بمعنى هلا.
أمتعتنا- بفتح أوله: أبقيته لنا لنستمتع: أي بشجاعته، والتمتع: الترفه إلى مدة.
على بكر- بفتح الموحدة: الفتيّ من الإبل.
السويق- بفتح السين، وكسر الواو، قمح أو شعير يقلى ثم يطحن.
ثرى السويق: بله.
الرجيع- بالجيم كأمير، واد قرب خيبر.
غطفان- بغين معجمة، فطاء مهملة، ففاء مفتوحات.
الفأل. والطّيرة: يأتي بيانهما في باب محبته- صلى الله عليه وسلم- الفأل الحسن.
شرح غريب ذكر إرادة غطفان مساعدة يهود، ودعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم- لما أشرف على خيبر
قوله: مظاهرين: معاونين.
المنقلة- بميم مفتوحة، فنون ساكنة، فقاف مفتوحة، فلام: المرحلة من مراحل السّفر.
خالفوا إليهم: جاءوا إلى أهلهم بعد خروج قومهم.
تبلون- بضم الفوقية، وسكون الموحدة، وفتح اللام.
غشوكم- بفتح الغين، وضمّ الشين المعجمة.
النبأ: الخبر.
أظللن- بظاء معجمة مشالة، من الظل.
أقللن: حملن.(5/157)
أضللن- بضاد معجمة ساقطة: من الإضلال، ضد الإرشاد.
ذرين- بذال معجمة: حملن، وقال: أزرين لمزاوجة أضللن.
شرح غريب ذكر دعاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما أشرف على خيبر
قوله: عرّس: بعين، فراء مشدّدة، فسين مهملات مفتوحات، نزل ليلا، أو آخره.
منعتهم: قوّتهم وعددهم، بفتح العين.
هيهات: اسم فعل ماض بمعنى بعد.
الساحة: الموضع المتسع أمام الدار، وقال الأزهري: هو فضاء بين دور الحيّ.
الأفئدة: جمع فؤاد، وهو القلب.
غدا إلى كذا: سار إليه صباحا.
المساحي بمهملتين، جمع مسحاة: وهي من آلة الحرث، والميم زائدة، لأنه من السّحو، وهو الكشف والإزالة.
الكرازن: جمع كرزن- بفتح الكاف والزّاي وبكسرهما وبالنون ويقال بالميم عوضا عن النون: وهو الفأس.
المكاتل- جمع مكتل، بكسر الميم، وفتح الفوقية: القفّة الكبيرة التي يحمل فيها التراب وغيره، سميت بذلك لتكتل الشيء فيها، وهو تلاصق بعضه ببعض.
لم يغر- بضم التحتية، وكسر الغين المعجمة: أي لم يسرع في الهجوم عليهم.
انحسر- انكشف.
محمد- صلى الله عليه وسلم- خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هو أو هذا محمد.
الخميس- بلفظ اسم أحد الأيام يروى- بضم السين وبفتحها على أنه مفعول معه، وسمّي الجيش خميسا لأنه ينقسم خمسة أقسام، لأنّ له ساقة، ومقدمة، وجناحين، وقلبا، لا من أجل تخميس الغنيمة لأن في تخميسها سنة الإسلام، وقد كان الجيش يسمّى خميسا في الجاهلية.
النّزّ- بفتح النون، وتشديد الزاي: السائل من المائع.
النّطاة- بنون فطاء مهملة بوزن: حصاة.
الخمر- بخاء معجمة- فميم مفتوحتين فراء، ما واراك من شجر أو بناء أو غيره.(5/158)
البريء- بفتح الموحدة، وكسر الراء المخففة، وبالمد: السالم.
الرجيع- بالراء، والجيم والعين المهملتين وزن أمير، واد قرب خيبر، وهو غير الذي توجه إليه عاصم حمى الدّبر.
شرح غريب ذكر ابتداء القتال وأخذ الحمى المسلمين
قوله: من أشجع- بشين معجمة، فجيم، فعين مهملة.
الشعار- بكسر الشين المعجمة، وبالعين المهملة: العلامة التي كانوا يتعارفون بها في الحرب يا منصور أمت: أمر بالموت، والمراد به التفاؤل بالنصر بعد الأمر بالإماتة مع حصول الغرض. بالشعار، فإنهم جعلوا هذه الكلمة علامة يتعارفون بها لأجل ظلمة الليل.
ترّس- بفوقية، فراء مشددة فسين مهملة.
ناعم- بالنون، والعين المهملة كصاحب: حصن من حصون خيبر.
أهمدتهم: أذهبت قوتهم.
قرّسوا- بفتح القاف وكسر الرّاء المشددة، وضم السين المهملة فعل أمر، أي: برّدوا، يوم قارس البرد.
شنان- بكسر الشين المعجمة: الأسقية.
أحدروا- بالحاء، والدال المهملتين: صبوا الماء.
نشطوا- بنون مضمومة: خلصوا، وليس إسقاط الهمزة من أوله بلحن بل لغة صرح بها في البارع:
العقل- بضمتين: جمع عقال.
شرح غريب ذكر فتحه- صلى الله عليه وسلّم- حصن الصعب
الصعب: ضد السهل.
الودك- بفتح الواو، والدال المهملة: دسم اللحم ودهنه العلقة من العيش- بضم العين المهملة: القليل منه.
الظّبيّ- جمع ظبي: حيوان معروف.
الظّليم- بفتح الظاء المعجمة المشالة، وكسر اللّام: الذّكر من النّعام.
احتضن الشّيء: جعله تحت حضنه، وهو ما تحت الإبط إلى الخاصرة.
المعشر: جماعة الرجل، دون النساء.(5/159)
جهدنا- بالبناء للمفعول: حصل لنا جهد ومشقة.
غناء- بفتح الغين المعجمة، وتخفيف النون، وبالمد: الكفاية.
البراز- بفتح الموحدة، والراء، الأرض الواسعة الفضاء.
الغفاري- بكسر الغين المعجمة.
الزّيال: بزاي معجمة وياء وألف ثم لام.
بادره: سارع إلى قتله.
على هامته: رأسه.
ذباب السّيف- بضم الذال المعجمة وبالموحدتين: طرفه.
الدّعموص- بضمّ الدّال، وسكون العين وآخره ضاد: دويبة تغوص في الماء.
شرح غريب ذكر محاصرته- صلى الله عليه وسلّم- حصن الزبير بن العوام وحصون الشق
الشق- بفتح الشين المعجمة، أعرف من كسرها، وبالقاف المشددة عند أهل اللغة.
قوله قلة الزّبير: هي القلعة التي صارت إليه من قسمة الغنائم.
الرّعب: الخوف.
الدّبول: جمع دبل، نهيرات وقنوات وجداول.
أصحروا: خرجوا إلى الصحراء.
أبي بضم الهمزة وفتح الباء مصغر سموان.
ذفف عليه- بدال، روي إعجامها وإهمالها: أي أجهز عليه، وحزّ رقبته.
أبو دجانة- بضم الدال المهملة: وتخفيف الجيم وبالنون سماك بن خرشة يختال: يمشي مشية المتكبر.
الأثاث- بثاءين مثلثتين: المتاع.
الجدر: جمع جدار، وهو الحائط.
ساخ في الأرض- بالخاء المعجمة: انخسف فيها.
شرح غريب انتقاله- صلى الله عليه وسلم- إلى حصون الكتيبة
قوله: الكتيبة: بكاف مفتوحة، ففوقية، وقال أبو عبيدة: بثاء مثلّثة مكسورة فتحتية ساكنة فموحدة، وقيل: إنها بالتصغير.(5/160)
القموص بالقاف والصاد المهملة كصبور. وقيل: بغين فضاد معجمتين.
الوخم- بفتح الواو، والخاء المعجمة: الوباء.
الشّقيقة: وجع يأخذ نصف الرأس والوجه.
نهض: تحرك.
الفتح: النصر.
قد جهد: أصابه جهد، وهو المشقة.
الأرمد: الذي أصابه الرّمد في عينيه، وهو وجع فيها.
الفرّار- بفتح الفاء والراء المشددة: الهرّاب.
تفل: بصق.
العنوة- بفتح العين المهملة: أخذ الشيء قهرا.
بات الناس يدوكون- بتحتية، فدال مهملة مضمومة، أي باتوا في اختلاط واختلاف، والدوكة: الاختلاط.
غدوا عليه- بالمعجمة: أتوا صباحا.
تطاولت لها: رفعت عنقي كي يراني.
ثم: بفتح المثلثة.
أناخ: برك براحلته.
شقّ برد- بكسر الشين المعجمة: قطعة منه.
قطري- بكسر القاف، وسكون الطاء المهملة: نوع من البرود فيه حمرة، ولها أعلام، فيها بعض الخشونة، وقيل: هي حلل تحمل من قبل البحرين، قال الأزهري: في أعراض البحرين قرية يقال لها قطر، وأحسب الثياب القطرية تنسب إليها، فكسروا القاف للنسبة، وخفّفوا.
برأ- بفتح الراء، والهمزة، بوزن ضرب، ويجوز كسر الراء، بوزن علم: خلص من وجعه.
مضى لسبيله: مات.
أنفذ- بضم الهمزة، والفاء، بينهما نون ساكنة، وإعجام الذال،: امض. على رسلك- بكسر الراء: على هيئتك.
حمر- بضم الحاء المهملة، وسكون الميم: النّعم بفتح النون، والعين المهملة، الحمر(5/161)
من ألوان الإبل المحمودة، قيل: المراد خير لك من أن تكون لك فتصدق بها، وقيل: بل تقتنيها وتملكها، وكانت مما يتفاخر به علام، «على» حرف الجر، دخل على «ما» الاستفهامية فحذفت ألفها لدخوله.
يأنح- بتحتية، فألف، فنون مكسورة، فحاء مهملة: أي به نفس شديد من الإعياء في العدو.
يهرول: يسرع، والهرولة: فوق المشي ودون الجري.
غلبتم- بالبناء للمفعول.
الرّضم- بفتح الراء، وسكون الضاد المعجمة، ويجوز تحريكها: الحجارة المجتمعة
شرح غريب ذكر قتل علي رضي الله عنه- الحارث وأخاه مرحبا وعامرا وياسرا إلخ
قوله في عاديته ...
جسيما: عظيم الجسم.
شاك السلاح- بشين معجمة، وأصله شائك بحذف الهمزة، ومن رواه شاك أو شاكي فإنه أخذ الهمزة إلى آخر الكلمة وقلبها ياء.
الحمى- بكسر الحاء، وفتح الميم المخففة: كل ما حميته ومنعته.
المساور: المعاجل خصمه.
يحوس الناس بحاء وسين مهملتين يجهضهم عن أثقالهم، أي يبلغ في النكاية فيهم، وأصل الحوس شدة الاختلاط، ومداركة الضرب.
زبّار: أراد زبير.
القرم- بفتح القاف: السيد، وأصله الفحل من الإبل الذي أقرم، أي ترك من الركوب والعمل ووضع للفحلة.
النّكس- بكسر النون: الرجل الضعيف.
الحواري: الناصر والمعين.
الليوث: جمع ليث، الأسد.
تلهب أصله: تتلهب.
مغامر: يقتحم المهالك.(5/162)
يسفل له- بفتح التحتية، وسكون السين المهملة، وضم الفاء، أي يضربه في أسافله.
الأكحل: عرق.
عين الركبة: طرفهما الأعلى.
الأرجوان- بضم الهمزة، والجيم: اللون الأحمر.
وقول علي- رضي الله عنه-:
* أنا الذي سمتني أمّي حيدره* قال ثابت بن قاسم- رحمهما الله- تعالى- في تسميته بذلك ثلاثة أقوال، أحدها أن اسمه في الكتب المتقدمة أسد، والأسد هو الحيدرة، الثاني أن أمه فاطمة بنت أسد- رضي الله عنها- حين ولدته، كان أبوه غائبا، فسمته باسم أبيها، فقدم أبوه فسمّاه عليّا، الثالث: أنه كان لقّب في صغره بحيدرة، لأن الحيدرة الممتلئ لحما مع عظم بطن، وكذلك كان علي- رضي الله عنه- وذكره الشيخ كمال الدين الدّميري- رحمه الله- تعالى- في شرح المنهاج» .
مجرّب- بفتح الراء: اسم مفعول.
أكيلهم: أجزيهم بالياء.
السندرة: شجرة يصنع منها مكاييل عظيمة.
الخمل- بفتح الخاء المعجمة، وسكون اللام: الهدب.
أقبلت تحرّب: تغضب، يقال حرّب الرجل إذا غضب، وحربته: إذا أغضبته.
الغمّى: الكرب.
جريء- بالجيم، والهمزة: شجاع مقدام.
صلب: شديد.
شبّت الحرب: أوقدت، وهيجت.
العقيق- هنا جمع عقيقة، وهي شعاع البرق، شبّه السيف به.
عضب- بعين مهملة، فضاد معجمة: قاطع.
الجزا- بالقصر والمد: الجزية التي تؤخذ.
يفيء: يرجع.
النّهب: ما انتهب من الأموال.
ليس فيه عتب: ليس فيه ما يلام عليه.(5/163)
ندككم: نطويكم ونلصقكم بالأرض.
حمير- بكسر الحاء المهملة، وسكون الميم، وفتح التحتية.
الموتور- بالفوقية: الذي قتل له قتيل فلم يؤخذ ثأره.
الثائر- بالثاء المثلثة: الطّالب بالثأر، وهو طلب الدم.
عمرية- بعين مهملة مضمومة، فميم ساكنة، فراء مكسورة: أي قديمة، التي أتى عليها عمر طويل.
العشر- بعين مهملة مضمومة فشين معجمة مفتوحة: شجر له صمغ، وهو من العضاة، وثمرته نفاخة كنفاخة القثاء الأصفر، الواحدة عشيرة، والجمع عشر، وعشرات- بضم العين، وفتح الشين.
يلوذ: يستتر.
الفنن- بفتح الفاء، والنون الأولى: الغصن.
ورأيتني- بضم التاء: رأيت نفسي.
شرح غريب ذكر إسلام العبد الأسود ونهيه- صلى الله عليه وسلّم- عن لحوم الحمر الإنسية
قوله عمد إليه: قصد.
حفنة- بفتح الحاء المهملة، وسكون الفاء: ملء الكفين.
خرجت تشتد: تعدو.
سجّي- بسين مهملة، والجيم، بالبناء للمفعول: غطّي:
الحمر- بضم الحاء، والميم: الحمير الأهليّة.
الإنسية- بكسر الهمزة، وسكون النون وفتحها: وهي التي تألف البيوت، الإنسية منسوبة إلى الإنس.
أكفئت القدور، قال ابن التين: صوابه فكفئت، قال الأصمعي: كفأت الإناء قلبته، ولا يقال أكفأته، ويحتمل أن يكون المراد أميلت حتّى أمال ما فيها، قال الكسائي: أكفأت الإناء:
أملته.
الخشني- بضم الخاء، وفتح الشين المعجمتين.
المخمصة: المجاعة.(5/164)
أهريقوها، يقال هراق الماء يهريقه- بفتح الهاء: صبّه، والأصل الإراقة، وأهرق يهرق ساكنا، وأهراق يهريق كاسطاع يسطيع، كأنّ الهاء عوض من حركة الياء.
الدنّان- بكسر الدال المهملة الخوابي، جمع دنّ- بفتحها.
شرح غريب فتحه- صلى الله عليه وسلّم- الوطيح والسّلالم
قوله. حاز ماله: ضمه إلى ملكه.
الوطيح- بواو مفتوحة، فطاء مكسورة، فتحتية ساكنة، فحاء مهملة السّلالم- بسين مهملة مضمومة، وقيل بفتحها، وكسر اللام التي قبل الميم، ويقال فيه السلاليم.
تدنّى- بفوقية، فدال مهملة، فنون مشددة مفتوحات معتل: أي أخذه مالا مالا وحصنا حصنا.
الأدنى فالأدنى: أي الأقرب.
المنجنيق- بفتح الميم، وتكسر: آلة من آلات الحصار يرمى بها.
كنانة بكسر الكاف، ونونين.
حييّ- بحاء مضمومة، فتحتية مفتوحة، فأخرى مشددة.
أخطب: بالخاء المعجمة فالطاء المهملة وبالموحدة.
الحقيق- بضم الحاء المهملة، وفتح القاف الاولى، وسكون التحتية.
حقن دمه: امتنع من قتله وإراقته، أي جمعه له وحبسه عليه.
الصفراء: الذهب.
البيضاء: الفضة.
الكراع- بضم الكاف: اسم لجماعة الخيل خاصة.
الحلقة- بسكون اللام: السلاح أجمع، أو الدروع خاصة.
البزّ- بفتح الموحدة، وبالزاي: نوع من الثياب.
ذمة الله- بكسر المعجمة: عهده وميثاقه.
المسك- بفتح الميم، وسكون السين المهملة: الجلد.
خربة: أي مكان خرب ضد العامرة.(5/165)
شرح غريب ذكر إرادته- صلّى الله عليه وسلّم- إجلاء يهود
قوله: الجلاء- بفتح الجيم، وبالمد: الخروج من البلد.
بدا- غير مهموز: ظهر.
الشطر هنا- النّصف كما في الرواية الأخرى.
الخرص- بفتح الخاء المعجمة، وبكسرها هنا: حزر ما على النخل من الرطب تمرا.
السّحت- بضمتين ويسكن: المال الحرام، لا يحل لبسه، ولا أكله.
الفدع- بفتح الفاء، والدال، وبالعين المهملتين، أي اعوجاج الرسغ من اليد أو الرجل فينقلب الكف، أو القدم إلى الجانب الآخر، وذلك الموضع.
انفدعت- بفتحات، قال في التقريب: فدع اليهود يد عبد الله، ففدع: غير معروف في اللغة، ويحتمل أن يكون بغين معجمة. قال الأزهري: الفدغ: كسر شيء أجوف كالنقع، قلت:
وفيه نظر، لأن الوارد أن يد عبد الله اعوجت فقط لا أنها كسرت. والله تعالى أعلم.
والإنسي- قال أبو زيد: الأيسر من كل شيء، وقال الأصمعي هو الأيمن، وقال كل اثنين من الإنسان مثل الساعدين والزندين، والقدمين، فما أقبل منهما على الإنسان فهو إنسي، وما أدبر عنه فهو وحشي.
الكوع- بالتحريك: أن تعوج اليد من قبل الكوع، وهو رأس اليد مما يلي الإبهام، والكرسوع رأسه مما يلي الخنصر.
عدي عليه بالبناء للمفعول.
ارفضّت: سال عرقها.
تؤم: تقصد.
القلوص- بفتح القاف، وضم اللام من الإبل: بمنزلة الجارية من النساء، وهي الشابة، الجمع قلص بضمتين، وقلاص- بالكسر، وقلائص.
هزيلة- بفتح الهاء وسكون الزاي: وهي المرة من الهزل ضد الجدّ.
شرح غريب قصة الشاة المسمومة
قوله سلام: وزن كلام.
مشكم: بكسر الميم، وسكون الشين المعجمة.
مصلية- بفتح الميم، وسكون الصاد المهملة، أي المشوية.(5/166)
انتهس اللحم: أخذه بمقدم الأسنان للأكل.
لاك: مضغ.
ساغ اللقمة: بلعها.
لفظها: طرحها.
استرط: ابتلع.
الأكلة- بضمتين: المأكول.
الطيلسان- بفتح الطاء، واللام، وتكسر.
ماطله وجعه: طالت مدته.
الكاهل: مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق.
لهوات- بثلاث فتحات، جمع لهاة، وهي اللحمة المعلقة في أقصى الفم.
العداد- بعين مكسورة، فدال مهملتين: اهتياج وجع اللديغ، فإنه إذا تم له سنة من حين لدغ عاوده هياج الألم.
يعاودني- بضم أوله، ورابعه، وتشديده، أي يراجعني ألم سمّها.
قال الداودي: الألم الذي حصل له- صلى الله عليه وسلم- من الأكلة هو نقص لذة ذوقه. قال ابن الأثير: وليس بيّن لأن نقص الذّوق ليس بألم.
الأبهر- بفتح الهمزة، وسكون الموحدة: عرق يكتنف الصّلب إذا انقطع مات صاحبه.
تجاوز عنها: عفا.
شرح غريب ذكر قدوم جعفر وأبي هريرة- رضي الله عنهما-
كلا- هنا: حرف ردع وزجر.
الحبيشية والبحرية- بهمزة الاستفهام والتصغير لبعض رواة الصحيح، والباقين بعدمها، فنسبها عمر للحبشة لسكناها بها، وإلى البحر لركوبها إياه.
البعداء عن الدين: البغضاء له، وهما جمع بعيد، وبغيض.
وايم الله: أي يمين الله، قسم، وفيه اثنا عشر لغة.
أهل السفينة- بالنصب على الاختصاص، وعلى النداء بحذف أداته، ويجوز الجر على البدل من الضمير.
أرسالا- بفتح الهمزة: أفواجا، يتبع بعضهم بعضا.(5/167)
الحجل- بحاء مهملة مفتوحة، فجيم ساكنة، فلام، أي يرفع رجلا ويقفز على الأخرى من الفرح، وقد يكون بالرجلين.
التطفيف: نقص المكيال.
اكتال منه وعليه: أخذ يتولى الكيل بنفسه، ويقال: كال الدافع، واكتال الآخذ.
السّراة- بفتح السين المهملة: أعظم جبال العرب.
السهمان- بالضم، والأسهم، والسهام، جمع سهم: وهو النصيب.
الحزم- بضم الحاء المهملة، والزاي، جمع حزام.
لليف: بلام التأكيد، وهو معروف.
ابن قوقل- بقافين بينهما واو- وزن جعفر، النعمان بن مالك بن ثعلبة بن أصرم- بصاد مهملة، وزن أحمد- ابن فهم بن ثعلبة بن غنم- بفتح الغين المعجمة وسكون النون، بعدها ميم- ابن عمر بن عوف الأنصاري، الأوسي. وقوقل: لقب ثعلبة، وقيل أصرم، قتله أبان في أحد- رضي الله تعالى عنهما-.
أكرمه الله على يدي: أي استشهد بأن قتل فأكرمه الله- تعالى- بالشهادة.
ولم يهنّي على يديه- بتشديد النون- أصله يهينني فأدغمت إحدى النونين في الأخرى.
يا عجبا لوبر: الوبر- بفتح الواو، وسكون الموحدة- دابّة كالسنّور وحشية، ونقل أبو علي القالي- بالقاف- عن أبي حاتم: أن بعض العرب تسمّي كل دابّة من حشرات الجبال وبرا، قال الخطابي: أراد بأن يحقّر أبا هريرة، وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا منع، وأنه قليل القدرة على القتال، قال الكرماني- رحمه الله تعالى- وفيه تعريض بكنية أبي هريرة.
تدلى: تحدر- وفي رواية: تدأدأ بدالين مهملتين بينهما همزة ساكنة- قيل: أصله تدهده، فأبدلت الهاء همزة، وقيل: الدأدأة: صوت الحجارة في السيل: أي هجم علينا بغتة.
قدّوم- بقاف مفتوحة للأكثر، فدال مهملة مشدّدة، وضم بعضهم القاف: اسم ثنية ببلاد دوس.
ضأل- باللام المخففة: فسره البخاري في رواية المستملي، بالسدر، وكذا قال أهل اللغة: إنه السّدر البرّي، وتوهيم صاحب المطالع للبخاري ليس بشيء.
ضان: بغير همزة- قيل هو رأس الجبل، إلا أنه في الغالب موضع مرعى الغنم، وقيل: هو جبل الدّوس: قوم أبي هريرة.
ينعى- بفتح التحتية وسكون النون، وفتح العين المهملة: أي يعيب على، وفي رواية يعيّرني.(5/168)
وأنت بهذا: أي أنت تقول بهذا، أو قائل بهذا، أو أنت بهذا المكان والمنزلة من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مع كونك لست من أهله، ولا من قومه ولا من بلاده.
قبل- بكسر القاف، وفتح الموحدة.
نجد- بفتح النون، وسكون الجيم.
شرح غريب ذكر قدوم عيينة بن حصن وبني فزارة ومصالحة أهل فدك
قوله: عيينة: تصغير عين.
فزارة- بفتح الفاء، والزاي المخففة.
ذو الرّقيبة- تصغير رقبة، وقيل: كسفينة: جبل مطلّ على خيبر.
جنفا- بفتح الجيم والنون، والفاء، والمد والقصر، وقد يضم أوّله في الحالين: ماء من مياه بني فزارة بين خيبر وفدك.
أحذاه- بالحاء المهملة، والذال المعجمة: أعطاه.
توضع: تسرع.
محيّصة- بميم فحاء مهملة مفتوحة، فتحتية مشددة مكسورة، فصاد مهملة.
فدك- بفتح الفاء، والدال المهملة، وبالكاف: بينها وبين المدينة كما قال ابن سعد:
ستة أميال.
النّجدة: القوة.
نرى- بنون، فراء مهملة مبنيا للمفعول: نظن.
حراهم- جمع حرّة- بالحاء المهملة، والراء المشدّدة: وهي أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار.
فتّ أعضادهم: كسر قوتهم، والعضد: الناصر والمعين.
شرح غريب ذكر المراهنة وخبر الحجاج بن علاط- رضي الله تعالى عنه-
يفلت- بضم التحتية، وسكون الفاء، وبالفوقية بعد اللام: يخلص نجاة.
خاطره- بالخاء المعجمة، والطاء المهملة: راهنه.
ضوى إليه- بالضاد المعجمة الساقطة: أي مال.
يغير- بغين معجمة: من الإغارة وهي كبس العدو.(5/169)
الثّنية البيضاء: عقبة تهبطك إلى فخ- بالخاء المعجمة- وأنت مقبل من المدينة تريد أسفل مكة قبل ذي طوى.
الريف- بالكسر: الخصب والسعة في المطعم، وحيث تكون الخضرة والحياة.
يتحسّبون الأخبار- بفتح التحتية والفوقية والحاء، والسين المشددة المهملتين وضم الموحدة، أي يتطلبونها.
التبطوا لجنب ناقتي: مشوا إلى جنبها كمشي العرجاء لازدحامهم حولها.
الحجاز: ما بين نجد والسّراة.
الأنفة- بفتح الهمزة، والنون: الحميّة.
المنعة- بالتحريك: جمع مانع، ككاتب وكتبة، ويسكن على معنى منعة واحدة، وهي العشيرة فالحماة.
الرّيع- بكسر الراء، والتحتية وسكون: المكان المرتفع.
الفل- بفتح الفاء: القوم المنهزمون.
يقدّم- بضم أوله، وفتح الدال.
أحثّ- بالثاء المثلثة: أسرع.
الشامت: الذي يفرح ببلاء ينزل على غيره.
وبين مسلم ومسلمة: أي ومؤمن ومؤمنة.
المؤنة- بضم الميم: القوة.
ليخل لي في بعض بيوته: أي لينفرد فيه.
ناشده الله: ذكّره به.
انتثل ما فيها- بهمزة، فنون ساكنة ففوقية فثاء مثلثة: استخرج.
العروس: وصف يستوي فيه الذكر والأنثى.
الخلوق: نوع من الطيب.
خطر في مشيته: أقبل بيده وأدبر كثيرا.
التجلد: التصبر.
الكآبة: الحزن.
أولى له: كلمة معناها الوعيد من ولي الأمر أي تداوله شر.(5/170)
ينشبوا: يلبثوا.
شرح غريب ذكر غنائم خيبر ومقاسمها
قوله: أحذى النساء: أعطاهن.
الحوائط- جمع حائط: وهو هنا البستان.
شريق- بالشين المعجمة، والقاف.
وادي خاص- بالخاء المعجمة، فألف، فصاد مهملة، كذا عند ابن إسحاق، وجرى عليه ياقوت والسيد وغيرهما، وقال أبو الوليد الوقشي: إنما هو وادي خلص باللام. قال البكري: وهو بضم أوله، وإسكان ثانيه، وبالصاد المهملة.
الجراب- بكسر الجيم، ويجوز فتحها في لغة نادرة.
لا أبالك: هو أكثر ما يستعمل في المدح: أي لا كافي لك غير نفسك، وقد يذكر في معرض الذم، وقد يكون بمعنى جدّ في أمرك وشمّر، لأن من له أب اتّكل عليه في بعض شأنه.
رضخ- بالخاء- والضاد المعجمتين: أعطى.
خرثيّ المتاع- بخاء معجمة، مضمومة، فراء ساكنة فثاء مثلثة مكسورة فتحتية مشددة:
هو أثاث البيت ومتاعه، فالإضافة بيانية.
الدجاج- بتثليث الدال: الطائر المعروف.
الداجن: ما ألف الناس في بيوتهم كالشاة التي تعلف، والدجاج، والحمام، وسمّي داجنا لإقامته مع الناس، يقال: دجن بالمكان إذا أقام به.
شرح غريب من استشهد بخيبر
قوله: قفلوا: رجعوا.
شاحبا- بشين معجمة فحاء مهملة، فموحدة: أي متغير اللون.
كذب من قاله: أخطأ.
إنه لجاهد مجاهد- كذا للأكثر باسم الفاعل فيهما، وكسر الهاء، وبالتنوين، والأول مرفوع على الخبر والثاني إتباع، ولأبي ذرّ عن الجمحي والمستملي- بفتح الهاء والدال، قال القاضي- رحمه الله- تعالى: والأول هو الوجه، قال ابن دريد- رحمه الله تعالى-: رجل جاهد، أي مجدّ في أموره، وقال ابن التّيه- رحمه الله تعالى: الجاهد: من يرتكب المشقة لأعداء الله تعالى.(5/171)
مشى- بشين معجمة- كذا في رواية بالميم والقصر من المشي. والضمير في بها للأرض أو للمدينة أو للحرب أو للخصلة، وفي رواية نشأ- بنون وهمزة، وحكى السّهيلي: أنه وقع في رواية مشابها- بضم الميم، اسم فاعل من الشبه: أي ليس مشابها في صفات الكمال في القتال، وهو منصوب بفعل محذوف تقديره رأيت مشابها أو على الحال، من قوله عربي، قال السهيلي: والحال من النكرة يجوز إذا كان في تصحيح معنى.
شرح غريب ذكر انصراف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومصالحة أهل تيماء
قوله: أصلا- بضم أوله وثانيه: جمع أصيل وهو العشيّ.
وادي القرى- بضم القاف [ (1) ] .
العنوة- بفتح العين المهملة: القهر.
الجذامي- بضم الجيم، وذال معجمة.
الشّملة: كساء غليظ يلتحف به.
ضوى- بفتح الضاد المعجمة، والواو: مال.
الآطام- جمع أطم: الحصن.
مدعم- بكسر الميم، وسكون الدال، وفتح العين المهملتين.
يرحّل- بضم التحتية، وفتح الراء، وكسر الحاء المهملة المشددة: أي يضع الرّحل على الدابة ويشدّه.
سهم عائر- بعين مهملة فألف فهمزة مكسورة: لا يدرى من رمى به.
سهم غرب بفتح الغين المعجمة، وسكون الرّاء، وتحرّك، يضاف ولا يضاف: أي لا يدرى من رماه.
هنيئا له الشهادة: أي جاءته بلا مشقّة.
الشراك- بكسر الشين المعجمة: أحد سيور النعل التي تكون على وجهها.
تيماء- بفتح الفوقية- وسكون التحتية: بلد بين المدينة والشام.
شرح غريب نومهم عن الصلاة ورجوعه- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة
قوله: سرى ليلته: سار فيها.
عرّس- بفتح العين، والرّاء المشددة والسين المهملات: نزل آخر الليل.
__________
[ (1) ] وادي القرى واد بين المدينة والشام، من أعمال المدينة كثير القرى. مراصد الاطلاع 3/ 1417.(5/172)
هبّ- بفتح الهاء، والموحدة المشددة: استيقظ.
اقتاد بعيره: قاده.
من كنز الجنة، أي أجرها يدّخر لقائلها كما يدّخر الكنز.
الجرف- بضم الجيم، والراء وبالفاء: موضع بينه وبين المدينة ثلاثة أميال إلى جهة الشام.
طرق أهله: أتاهم ليلا.
ضنّ بكذا- بضاد معجمة ساقطة، فنون مشددة، مفتوحتين: بخل.
لابتا المدينة: حرّتاها، وهما جانباها.
شرح غريب ذكر رد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على الأنصار ما منحوه للمهاجرين، وغريب شعر كعب بن مالك- رضي الله عنه
فروضه- بضم الفاء والراء وبالواو والضاد المعجمة: المواضع التي فيها الأنهار.
الأشاجع: عروق ظهر الكفّ.
مذود- بميم مكسورة، فذال معجمة ساكنة، فواو مفتوحة، فدال مهملة: مانع الواهن قال في الإملاء الواهن: الضعيف.
المشرفي: السّيف.
يذود: يمنع ويحمي.
الذّمار- بذال معجمة مكسورة، وراء: ما تجب حمايته.
الأنباء- بفتح الهمزة: الأخبار.
الغيب: هنا بالياء ويروى بالميم من الغنيمة.
شرح غريب أبيات ابن القيم- رضي الله تعالى عنه
رميت نطاة من الرسول بفيلق ... شهباء ذات مناكب وفقار
واستيقنت بالذل لما شيعت ... ورجال أسلم وسطها وغفار
صبحت بني عمرو بن زرعة غدوة ... والشق أظلم أهله بنهار
جرت بأبطحها الذيول فلم تدع ... إلا الدجاج تصيح بالأسحار
ولكل حصن شاغل من خيلهم ... من عبد الأشهل أو بني النجار
ومهاجرين قد اعلموا سيماهم ... فوق المغافر لم ينو القرار(5/173)
ولقد علمت ليغلبن محمد ... وليثوين بها إلى أصفار
فرت يهود عند ذلك في الوغى ... تحت العجاج غمائم الأبصار
الفيلق- بفتح الفاء، وسكون التحتية، وفتح اللام، وبالقاف شهباء: كثيرة السلاح.
المناكب- جمع منكب كمسجد: مجتمع رأس العضد والكتف.
الفقار- بالفتح: مفاصل عظم الصّلب. جعل لها مناكب وفقارا: يريد بذلك شدّتها.
شيّعت: فرقت.
أسلم، وغفار- بكسر الغين المعجمة: قبيلتان.
الأبطح: المكان السّهل.
عبد الأشهل- بالشين المعجمة، وبنو النجار، من الأنصار.
سيماهم: علائمهم.
المغافر- جمع مغفر: وهو الذي يجعل على الرأس.
لم ينو- بتحتية، فنون: لم يضعفوا أو لم يفتروا.
يثوينّ- بالثاء المثلثة: يقمن.
أصفار: جمع صفر-، وهو الشهر.
فرّت يهود: هربت.
الوغى- بفتح الواو، وبالغين المعجمة: الحرب.
العجاج: الغبار.
الغمائم- بالغين المعجمة: جفون العيون.
الأبصار- بالموحدة. قال ابن سراج: ويصح أن تكون عمائم بالمهملة، جمع عمامة، ويكون الأنصار بالنون، وقال السهيلي: قوله فرت يهود «هو بيت مشكل، غير أن بعض النسخ، وهي قليلة عند ابن هشام، إنّه قال: فرّت: فتحت، من قولك: فرت الدّابة إذا فتحت فاها وغمائم الأبصار، مفعول فرّت، وهي جفون أعينهم، قال السهيلي: هذا قول. وقد يصح أن يكون فرّت من الفرار. وغمائم الأبصار من صفة العجاج، وهو الغبار، ونصبه على الحال من العجاج، وإن كان لفظه لفظ المعرفة عنده، وليس بشاذ في النحو، ولا مانع في العربية، وأمّا عند أهل التحقيق فهو نكرة لأنه لم يرد الغمائم، حقيقة، وإنما أراد مثل الغمائم، استدل السهيلي على ذلك بأشياء ذكرها.(5/174)
الباب الخامس والعشرون في غزوة ذات الرقاع
وهي غزوة محارب، وبني ثعلبة، وسببها أنّ قادما قدم بجلب إلى المدينة، فاشتراه منه أهلها، فقال للمسلمين: إنّ بني أنمار بن بغيض، وبني سعد بن ثعلبة قد جمعوا لكم جموعا، وأراكم هادئين عنهم، فبلغ ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فاستخلف على المدينة- قال ابن إسحاق:
أبا ذرّ الغفاري، وقال محمد بن عمر وابن سعد وابن هشام: عثمان بن عفان، وخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من المدينة ليلة السبت لعشر خلون من المحرم. في أربعمائة أو سبعمائة، أو ثمانمائة، وسلك على المضيق، ثم أفضى إلى وادي الشّقرة، فأقام فيها يوما، وبثّ السّرايا، فرجعوا منها مع الليل وخبّروه أنهم لم يروا أحدا، ووطئوا آثارا حديثة، فسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في أصحابه حتى أتى نخلا، وأتى مجالسهم، فلم يجد فيها أحدا إلا نسوة، فأخذهن وفيهن جارية وضيئة، وقد هربت الأعراب في رؤوس الجبال، وهم مطلّون على المسلمين.
قال ابن إسحاق: فلقي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جمعا من غطفان، فتقارب الناس، ولم يكن بينهم قتال، فخاف الفريقان بعضهم من بعض، خاف المسلمون أن يغير المشركون عليهم، وهم غارّون، وخاف المشركون أن لا يبرح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى يستأصلهم.
ولما حانت الصلاة- صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بأصحابه صلاة الخوف.
وروى البيهقي عن جابر- رضي الله عنه- قال: صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الظهر، فهمّ به المشركون، فقالوا: دعوهم فإن لهم صلاة بعد هذه أحبّ إليهم من أبنائهم، فنزل جبريل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبره، فصلى العصر صلاة الخوف.
قال ابن سعد: وكان ذلك أول ما صلّاها، ثم انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- راجعا إلى المدينة.
وبعث بجعال- بضم الجيم، وبالعين المهملة، واللام، ابن سراقة- رضي الله عنه- بشيرا إلى أهل المدينة بسلامة المسلمين.
وغاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خمس عشرة ليلة.
وقد وقع في هذه الغزوة آيات كثيرة: روى أكثرها جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه-.
روى البزار والطبراني في الأوسط عنه، قال: كانت غزوة ذات الرقاع تسمّى غزوة الأعاجيب- انتهى. منها ما وقع عند إرادة غوث بن الحرث الفتك برسول الله- صلى الله عليه وسلم-.(5/175)
روى الشيخان وغيرهما من طرق عن جابر- رضي الله عنه- قال: غزونا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قبل نجد- وفي رواية ذات الرقاع، فلمّا قفل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أدركته القائلة يوما بواد كثير العضاة فنزل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وتفرق الناس يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تحت ظل شجرة فعلّق بها سيفه، فنمنا نومة، فإذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعونا فجئناه، فإذا عنده أعرابي جالس، فقال: «إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتا، فقال لي: من يمنعك مني؟ قلت: الله. قال: من يمنعك مني؟ قلت: الله، قال: من يمنعك مني؟ قلت: الله- ثلاث مرّات، فشام السيف وجلس، ولم يعاقبه رسول الله- صلى الله عليه وسلم
[ (1) ] .
ولهذه القصة طرق تأتي مع بعض ما يتعلّق بها من الفوائد في أبواب عصمته- صلى الله عليه وسلم- ممن أراد الفتك به.
ومنها قصة الصبيّ الذي به جنون،
روى البزار والطبراني في الأوسط، وأبو نعيم عن جابر- رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة ذات الرقاع حتى إذا أتى حرّة وأقم، حضرت امرأة بدويّة بابن لها، فقالت: يا رسول الله، هذا ابني قد غلبني عليه الشيطان، ففتح فاه فبزق فيه، فقال: «اخسأ عدو الله أنا رسول الله ثلاثا، ثم قال: «شأنك بابنك لن يعود الله بشيء، مما كان يصيبه»
[ (2) ] ومنها قصة البيضات الثلاث:
روى محمد بن عمر، وأبو نعيم عن جابر- رضي الله عنه- قال في غزوة ذات الرقاع: جاء علبة بن زيد الحارثي- رضي الله عنه- بثلاث بيضات أداحي، فقال يا رسول الله: وجدت البيضات هذه في مفحص نعام، فقال: دونك يا جابر، فاعمل هذه البيضات فعملتهن، ثم جئت بهنّ في قصعة فجعلت أطلب خبزا فلا أجده، فجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يأكلون من ذلك البيض بغير خبز حتى انتهى إلي حاجته والبيض في القصعة كما هو، ثم قام فأكل منه عامة أصحابه، ثم رحنا مبردين
[ (3) ] .
ومنها قصة الرجل الذي دعا عليه- صلى الله عليه وسلّم- بضرب رقبته:
روى محمد بن عمر، والحاكم، وأبو نعيم عن جابر- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأى على رجل ثوبا مخروقا، فقال: ما له غيره؟ فقالوا له ثوبان جديدان في العيبة، فأمره بلبسهما، فلما ولّى الرجل، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أليس هذا أحسن؟ ماله ضرب الله عنقه؟» فسمعه الرجل فقال: يا
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 490 (4134، 4135) .
[ (2) ] انظر مجمع الزوائد 9/ 10.
[ (3) ] الواقدي في المغازي 1/ 399.(5/176)
رسول الله في سبيل الله تعالى، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في سبيل الله فقتل الرجل في وقعة اليمامة
[ (1) ] .
ومنها قصة الجمل الّذي شكا إليه حاله.
روى البزار، والطبراني في الأوسط، وأبو نعيم عن جابر- رضي الله عنه- قال: رجعنا من غزوة ذات الرقاع، حتى إذا كنا بمهبط الحرة، أقبل جمل يرقل، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:
«أتدرون ما قال هذا الجمل؟» هذا جمل يستعديني على سيّده، يزعم أنه كان يحرث عليه منذ سنين، وأنه أراد أن ينحره، اذهب يا جابر إلى صاحبه فأت به، فقلت: لا أعرفه. فقال: إنه سيدلّك عليه» فخرج بين يديّ مقنعا، حتى وقف على صاحبه، فجئت به فكلمه- صلى الله عليه وسلم- في شأن الجمل
[ (2) ] .
ومنها قصة جمل جابر- رضي الله عنه-
روى الإمام أحمد عن جابر- رضي الله عنه- قال: فقدت جملي في ليلة مظلمة، فمررت على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: «مالك» . فقلت يا رسول الله!! فقدت جملي، فقال: «ذاك جملك، اذهب فخذه» . فذهبت نحو ما قال فلم أجده، فرجعت إليه، فقال مثل ذلك، فذهبت فلم أجده، فرجعت إليه، فانطلق معي حتّى أتينا الجمل، فدفعه إليّ
[ (3) ] .
قصة أخرى:
روى الإمام أحمد، وأبو نعيم والشيخان، ومحمد بن إسحاق ومحمد بن عمر من طرق عن جابر- رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة بني ثعلبة، وخرجت على ناضح لي، فأبطأ عليّ، وأعياني حتى ذهب الناس، فجعلت أرقبه، وهمّني شأنه فأتى على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «ما شأنك» ، فقلت: يا رسول الله!! أبطأ عليّ جملي، فأناخ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعيره، فقال: «معك ماء» ؟ فقلت: نعم. فجئته بقعب من ماء، فنفث فيه ثم نضح على رأسه وظهره، وعلى عجزه. ثم قال: «أعطني عصا» ، فأعطيته عصا معي، أو قال: قطعت له عصا من شجرة، ثم نخسه نخسات، ثم قرعه بالعصا، ثم قال: «اركب» فركبت فخرج- والذي بعثه بالحق- يواهق [ (4) ] ناقته مواهقة ما تفوته ناقته، وجعلت أكفّه عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حياء منه، وجعلت أتحدث مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وبقية الحديث يأتي في باب مزاحه ومداعبته- صلى الله عليه وسلم- وفي باب كرمه وجوده، وفي باب بيعه وشرائه.
__________
[ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 183.
[ (2) ] قال الهيثمي 9/ 11 فيه عبد الحكيم ابن سفيان ذكره ابن أبي حاتم ولم يخرجه أحد، وبقية رجاله ثقات.
[ (3) ] انظر مجمع الزوائد 9/ 14- 15.
[ (4) ] يواهق أي يباريها في السير ويماشيها، ومواهقة الإبل: مدّ أعناقها في السير، انظر النهاية 5/ 233.(5/177)
ومنها قصة الشجرتين، وقصة تخفيف العذاب عن ميتين، وقصة نبع الماء من بين أصابعه، وقصة الدّابة التي ألقاها البحر لمّا شكا المسلمون من الجوع.
روى مسلم، وأبو نعيم، والبيهقي: عن جابر- رضي الله عنه- قال: سرنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة ذات الرّقاع، حتى نزلنا واديا أفيح، وذهب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقضي حاجته، واتبعته بإداوة من ماء، فنظر فلم ير شيئاً يستتر به، وإذا شجرتان بشاطئ الوادي، فانطلق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى إحداهما، فأخذ بغصن من أغصانها، وقال: «انقادي عليّ بإذن الله تعالى» فانقادت منه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده، حتى أنّت الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها وقال: «انقادي عليّ بإذن الله تعالى» فانقادت معه كذلك حتى إذا كان بالنصف فيما بينهما لأم بينهما، يعني جمعهما فقال: «التئما عليّ بإذن الله تعالى» . فالتأمتا، قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحسّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقدمي فيبتعد فجلست أحدّث نفسي، فحانت منّي لفتة، فإذا أنا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- مقبل، وإذا الشجرتان قد افترقتا، فقامت كل واحدة منهما على ساق، فرأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقف وقفة فقال برأسه: «هكذا يمينا وشمالا» . ثم أقبل، فلما انتهى إلى قال: «يا جابر! هل رأيت مقامي؟» قلت: نعم يا رسول الله.
قال: «فانطلق إلى الشّجرتين فاقطع من كلّ واحدة منهما غصنا وأقبل بهما، حتّى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك» . قال جابر: فقمت، فأخذت حجرا فكسرته وحسرته فانزلق لي، ثم أتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا، ثم أقبلت أجترهما حتّى إذا قمت مقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري، ثم لحقت برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقلت: قد فعلت يا رسول الله، فعمّ ذلك؟ قال: إني مررت بقبرين يعذّبان، فأحببت بشفاعتي أن يرحه عنهما ما دام القضيبان رطبين فأتينا العسكر، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: يا جابر، ناد بالوضوء، فناديت: ألا وضوء ألا وضوء؟ يا رسول الله ما وجدت في الركب من قطرة، وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- الماء في أشجاب له على حمازة من جريد، فقال: «انطلق إلى فلان بن فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شيء؟
فانطلقت إليه فنظرت فلم أجد فيها قطرة ماء إلّا قطرة في عزلاء شجب منها، لو انّي أفرغه بشربة يابسة؟ فأتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبرته، قال: «اذهب فاتني به، فأتيته به، فأخذه بيده، فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو، ويغمزه بيده، ثم أعطانيه، فقال: «يا جابر، ناد بجفنة» ، فقلت: يا جفنة الركب فأتيت بها تحمل، فوضعت بين يديه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بيده هكذا، فبسطها في الجفنة، ففرّق بين أصابعه، ثم وضعها في قعر الجفنة، وقال: «خذ يا جابر، فصبّ عليّ، وقل بسم الله» فرأيت الماء يفور من بين أصابعه، ففارت الجفنة، ودارت حتّى امتلأت. فقال: «يا جابر ناد من كانت له حاجة بماء فأتى الناس فاستقوا(5/178)
حتّى رووا، فقلت: هل بقي أحد له حاجة؟ ورفع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يده من الجفنة، وهي ملأى.
وشكا الناس الجوع، فقال: «عسى الله أن يطعمكم بسيف البحر» فأتينا سيف البحر، فألقى دابة فأورينا على شقّها النّار، فشوينا، وأكلنا وطبخنا، وشبعنا.
قال جابر: فدخلت أنا وفلان وفلان، حتى عدّ خمسة في حجاج عينها، ما يرانا أحد حتّى خرجنا، وأخذنا ضلعا من أضلاعها، فقوسناه، ثم دعونا بأعظم رجل في الركب وأعظم جمل فدخل تحته ما يطأطئ رأسه.
ذكر قصة الطائر الذي سقط على فرخه لما صاده بعض الصحابة رضي الله عنهم
روى محمد بن عمر، وأبو نعيم- رحمه الله تعالى- عن جابر- رضي الله عنه- قال: إنّا لمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذ جاء رجل من أصحابه بفرخ طائر، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- ينظر إليه، فأقبل أبواه أو أحدهما حتّى طرح نفسه في يدي الذي أخذ فرخه، فرأيت النّاس يعجبون من ذلك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أتعجبون من هذا الطّائر؟ أخذتم فرخه، فطرح نفسه رحمة بفرخه، والله لربّكم أرحم بكم من هذا الطّائر بفرخه» .
ذكر منقبة لعباد بن بشر- رضي الله عنه
روى ابن إسحاق عن جابر- رضي الله عنه- ومحمد بن عمر عن شيوخه- رحمهما الله تعالى إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أصاب في نخل المشركين في هذه الغزوة امرأة، وكان زوجها غائبا، فلما أتى أخبر الخبر، وقفل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فحلف زوجها لا ينتهي حتّى يهريق في أصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم- دما، فخرج يتبع أثر رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
فنزل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- منزلا ليلة ذات ريح في شعب استقبله. فقال: «من رجل يكلأنا» ؟ فقام عباد بن بشر، وعمار بن ياسر- رضي الله عنهما- فقالا، نحن يا رسول الله نكلؤك،
وجعلت الريح لا تسكن، وجلس الرّجلان على فم الشّعب، فقال أحدهما لصاحبه: أيّ الليل أحب إليك أن أكفيك أوّله، وتكفيني آخره؟ قال: اكفني أوّله، فنام عمار بن ياسر، وقام عبّاد يصلّي، فأقبل زوج المرأة يطلب غرّة، وقد سكنت الرّيح، فلما رأى سواد عباد من قريب قال: يعلم الله إن هذا ربيئة القوم، ففوّق سهما فوضعه فيه، فانتزعه عبّاد، فرماه بآخر فوضعه فيه، فانتزعه، فرماه بآخر فانتزعه، فلمّا غلبه الدّم ركع وسجد، ثم قال لصاحبه: اجلس فقد أتيت، فجلس عمار، فلما رأى الأعرابي عمّارا قد قام علم أنه قد تذرا به، فهرب، فقال عمار: أي أخي، ما منعك أن(5/179)
توقظني في أول سهم رمي به؟ قال: كنت في سورة أقرأها وهي سورة الكهف، فكرهت أن أقطعها حتى أفرغ منها، ولولا أني خشيت أن أضيّع ثغرا أمرني به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما انصرفت، ولو أتي على نفسي.
ويقال إن المرميّ عمار، قال محمد بن عمر: وأثبتها عندنا عباد بن بشر- رضي الله عنه.
وروى ابن إسحاق عن جابر- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لمّا قدم صرارا نزل به، وأمر بذبح جزور، وأقام عليها والمسلمون يومهم ذلك، فلما أمسى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل المدينة ودخلنا معه.
تنبيهات
الأول: اختلف في تسمية هذه الغزوة بذات الرّقاع- بكسر أوله، فقيل: هي اسم شجرة سميت الغزوة بها، وقيل: لأن أقدامهم نقبت فلقوا عليها الخرق كما في صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري، وقيل: بل سمّيت برقاع كانت في ألويتهم. قال في تهذيب المطالع:
والأصح أنه موضع، لقوله: حتى إذا كنا بذات الرقاع. وكانت الأرض التي نزلوها ذات ألوان تشبه الرقاع، وقيل: لأن خيلهم كان بها سواد وبياض.
قال محمد بن عمر الأسلمي: سميت بجبل هناك فيه بقع، ورجّح السّهيلي، والنّوويّ السّبب الّذي ذكره أبو موسى الأشعري.
قال النووي- رحمه الله تعالى- ويحتمل أنها سمّيت بالمجموع، وبه جزم صاحب تهذيب المطالع. في التقريب.
الثاني: اختلف متى كانت هذه الغزوة فقال البخاري ومن تبعه: أنها كانت بعد خيبر، لأن أبا موسى الأشعري جاء من الحبشة سنة سبع بعد خيبر، كما في الصحيح في باب غزوة خيبر. وتقدّم ذكره هناك. وصح أيضا كما في الصحيح أنه شهد ذات الرّقاع، وإذا كان ذلك كذلك لزم أن غزوة ذات الرقاع بعد خيبر، وقال أبو هريرة- رضي الله عنه- صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة نجد صلاة الخوف. رواه البخاري تعليقا، وأبو داود، والطحاوي، وابن حبان موصولا.
قال البخاري، وأبو هريرة: إنما جاء إلى النبي- صلى الله عليه وسلّم أيام خيبر أي فدل على أن غزوة ذات الرقاع بعد خيبر، وتعقب بأنه لا يلزم من كون الغزوة كانت في جهة نجد، أي لا تتعدد، فإن نجدا وقع القصد إلى جهتها في عدة غزوات. وذكرت في باب صلاته- صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف ما يغنى عن إعادته، فيحتمل أن يكون أبو هريرة حضر التي بعد خيبر، لا التي قبلها،(5/180)
والجواب أن غزوة نجد إذا أطلقت فالمراد بها غزوة ذات الرقاع، كما جاء ذلك في أحاديث كثيرة.
وكذلك عبد الله بن عمر، ذكر أنه- صلى مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلاة الخوف بنجد، وتقدم أن أول مشاهده الخندق، فتكون ذات الرقاع بعد الخندق.
وفي الصحيح عن جابر- رضي الله عنه- قال: صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف في غزوة السابعة، غزوة ذات الرقاع. قال الحافظ: قوله في غزوة السابعة، من إضافة الشيء إلى نفسه على رأي، أو فيه حذف تقديره: غزوة السفرة السابعة.
وقال الكرماني [ (1) ] وغيره: تقديره غزوة السنة السابعة، أي من الهجرة، وفي هذا التقدير نظر، إذ لو كان مرادا لكان هذا نصا في أن غزوة ذات الرقاع تأخرت بعد خيبر، نعم التنصيص بأنها سابع غزوة من غزوات النبي- صلى الله عليه وسلّم- تأييد لما ذهب إليه البخاري من أنّها كانت بعد خيبر، فإنه إذا كان المراد الغزوات التي خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فيها بنفسه مطلقا، سواء قاتل أو لم يقاتل، فإن السابعة منها تقع قبل أحد، ولم يذهب أحد إلى أنّ ذات الرقاع قبل أحد إلّا ما سيأتي من تردد ابن عقبة، وفيه نظر، لأنهم متفقون على أن صلاة الخوف متأخرة عن غزوة الخندق، فتعيّن أن يكون ذات الرقاع بعد قريظة، فتعيّن أنّ المراد الغزوات التي وقع فيها القتال.
والأولى منها بدر، والثانية أحد، والثالثة الخندق، والرابعة قريظة، والخامسة المريسيع، والسادسة خيبر، فيلزم من هذا أن تكون ذات الرقاع بعد خيبر للتّنصيص على أنها السابعة، فالمراد تاريخ الوقعة لا عدد المغازي، وهذه العبارات أقرب مما وقع عند الإمام أحمد بلفظ كانت صلاة الخوف في السابعة، فإنه يصح أن يكون التقدير في الغزوة السابعة، كما يصح في غزوة السنة السابعة، قلت: لا مزيد على هذا التحقيق البليغ، فرحم الله الحافظ وجزاه خيرا.
وجزم أبو معشر: بأنها كانت بعد بني قريظة، وهو موافق لما ذهب إليه البخاري، قال في الزهر- وأبو معشر [ (2) ] من المعتمدين في المغازي.
وقال ابن القيم بعد أن ذكر الخلاف في تاريخها: الصواب تحويل غزوة ذات الرقاع من
__________
[ (1) ] محمد بن يوسف بن علي بن سعيد، شمس الدين الكرماني: عالم بالحديث، أصله من كرمان. اشتهر في بغداد، له «الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري- ط» قال ابن قاضي شهبة: فيه أوهام وتكرار كثير ولا سيما في ضبط أسماء الرواة. وله ايضا «ضمائر القرآن» و «النقود والردود في الأصول» مختصره، و «شرح لمختصر ابن الحاجب» سماه «السبعة السيارة» لأنه جمع فيه سبعة شروح. و «أنموذج الكشاف تعليق عليه. توفي 786 هـ، الأعلام 7/ 153.
[ (2) ] نجيح بن عبد الرحمن السّندي بكسر المهملة وسكون النون الهاشمي مولاهم أبو معشر المدني. عن ابن المسيب. قال الذهبي: لم يلقه، ونافع. وعنه الليث والثوري وابن مهدي وطائفة. ضعفه القطان وابن معين وأبو داود والنسائي وابن عدي. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال أبو زرعة: صدوق وليس بقوي. توفي سنة سبعين ومائة. الخلاصة 3/ 104.(5/181)
هذا الموضع، يعني كونه ذكرها بعد غزوة بني النّضير، وقبل غزوة بدر الموعد إلى بعد الخندق، بل بعد خيبر.
قال: وإنما ذكرته ههنا تقليدا لأهل المغازي والسير، ثم تبيّن لنا وهمهم الثالث: قال ابن عقبة: لا ندري هل كانت ذات الرقاع قبل بدر أو بعدها، أو قبل أحد أو بعدها. قال الحافظ: وهذا التردّد لا حاصل له، بل الذي ينبغي الجزم به أنها بعد غزوة بني قريظة، لأن صلاة الخوف في غزوة الخندق لم تكن شرعت، وحديث وقوع صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع يدل على تأخرها بعد الخندق.
الرابع: قال أبو الفتح- رحمه الله تعالى- جعل البخاريّ حديث أبي موسى حجة في أن غزوة ذات الرقاع متأخرة عن خيبر، وليس في خبر أبي موسى ما يدل على شيء من ذلك. قال الحافظ- رحمه الله تعالى- وهذا النّفي مردود، والدّلالة من ذلك واضحة كما تقدم تقريره.
وقال الإمام علاء الدين الخازن- رحمه الله تعالى- وهذا الذي ذكره البخاري ظاهر الوضوح لأن سياق الأحاديث يدل على ما قاله.
الخامس: ادعى الحافظ الدمياطي غلط الحديث الصحيح، فإن جميع أهل السير على خلافه، والجواب أن الاعتماد على ما في الحديث أولى، لأن أصحاب المغازي مختلفون في زمانها، فعند ابن إسحاق، أنها بعد بني النّضير، وقبل الخندق في سنة أربع.
وعند ابن سعد، وابن حبّان: إنها كانت في المحرم سنة خمس وجزم أبو معشر بأنها كانت بعد بني قريظة والخندق، وجزم ابن عقبة بتقديمها، لكن تردّد في وقتها كما تقدم.
وأيضا فقد ازداد حديث أبي موسى قوة بحديث أبي هريرة، وبحديث ابن عمر كما تقدم تقريره.
السادس: قيل: إنّ الغزوة التي شهدها أبو موسى، وسمّيت ذات الرقاع غير غزوة ذات الرقاع التي وقعت فيها صلاة الخوف، لأن أبا موسى قال في روايته: أنهم كانوا ستة أنفس، والغزوة التي وقعت فيها صلاة الخوف. كان المسلمون فيها أضعاف ذلك، والجواب عن ذلك أن العدد الذي ذكره أبو موسى محمول على من كان مرافقا له من إلزامه، إلا أنّه أراد من كان مع النبي- صلى الله عليه وسلم.
السابع: وقع في الصحيح «باب غزوة ذات الرقاع» وهي غزوة محارب بن خصفة من بني ثعلبة بن غطفان. قال الحافظ- رحمه الله تعالى- وهو يقتضي أن ثعلبة جدّ لمحارب، وليس كذلك، ووقع عند القابسي: خصفة بن ثعلبة، وهو أشد في الوهم. والصواب ما وقع عند ابن إسحاق وغيره، وبني ثعلبة بواو العطف، فإن ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن(5/182)
ريث بن غطفان، وغطفان بن سعد بن قيس عيلان، ومحارب بن خصفة بن قيس عيلان، فمحارب وغطفان ابنا عم!! فكيف يكون الأعلى منسوبا إلى الأدنى؟! وفي الصحيح في حديث جابر بلفظ محارب وثعلبة بواو العطف على الصحيح، وفي قوله ثعلبة من غطفان بميم فنون نظر أيضا كما يعلم مما تقدم، وقد يكون نسبه لجده الأعلى، وفي الصحيح من رواية بكر بن سوادة يوم محارب وثعلبة، فغاير بينهما ومحارب بضم الميم، وبالحاء المهملة والموحدة، وخصفة بفتح الخاء المعجمة، والصاد المهملة، ثم فاء، أضيف إليه محارب للتمييز عن غيره من المحاربين، فإن في مضر محارب بن فهر، وفي المغتربين محارب بن صباح، وفي عبد القيس محارب بن عمرو.
الثامن: غورث: وزن جعفر، وقيل بضم أوله، وهو بغين معجمة وواو وثاء مثلثة، مأخوذ من الغرث وهو الجوع، ووقع عند الخطيب بالكاف بدل المثلثة، وحكى الخطابي فيه غويرث بالتصغير. وحكى القاضي عن بعض رواة الصحيح: من المعارثة بالعين المهملة. قال القاضي:
وصوابه بالمعجمة.
وذكر غويرث هذا الذهبي في التجريد من جملة الصحابة، ولفظ غورث بن الحرث الذي قال: من يمنعك مني؟ قال: الله تعالى- فوقع السيف من يده، قاله البخاري من حديث جابر. ا. هـ.
وتعقبه الحافظ بأنه ليس في شيء من طرق أحاديثه في الصحيح تعرض لإسلامه، ثم أورد الطّرق. ثم قال: رويناه في المسند الكبير عن مسدّد الخزرجي وفيه ما يصرح بعدم إسلامه، ولفظه بعد أن ذكر وقوع السيف من يده، وقول النبي- صلى الله عليه وسلم- من يمنعك مني قال:
كن خير آخذ. قال: لا إلا أن تسلم. قال: لا ولكن أعاهدك ألا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك. فخلى سبيله، فجاء إلى قومه وقال: جئتكم من عند خير الناس، وكذا رواه الإمام أحمد، ونقله الثعلبي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، ثم قال الحافظ: هذه الطرق ليس فيها أنه أسلم، وكأن الذهبي لما رأى في ترجمة دعثور بن الحرث أن الواقدي ذكر له شبيها لهذه القصة، وأنه ذكر أنه أسلم، فجمع بين الروايتين، فأثبت إسلام غورث. فإن كان كذلك ففيما صنعه نظر من حيث إنه عزاه للبخاري، وليس فيه أنه أسلم من حيث إنه يلزمه الجزم بكون القصتين واحدة، ومع احتمال كونهما واقعتين إن كان الواقدي أتقن ما نقل. وفي الجملة فهو على الاحتمال. قلت: سبق الذهبيّ في نقل إسلام غورث عن البخاري الأمير أبو نصر ابن ماكولا في الإكمال. وجزم به الذّهبي في مشتبه النّسبة، وأقره الحافظ في التبصرة على ذلك ولم يتعقبه. والذّهبي لم يغير ذلك للصحيح حتى يرد عليه بما قاله الحافظ.(5/183)
والظاهر أن البخاري ذكر ذلك في أحد تواريخه فتراجع، ولم أقف الآن فيها إلا على ربع التاريخ الكبير ولم يصل إلى حرف الغين المعجمة. ولم أر من حرّر هذا الموضع. ويحتمل إن صح إسلامه أن يكون أسلم في غير هذا اليوم ووقع للحافظ في الفتح في إسلام غورث كلام غير محرر يأتي الكلام عليه في الحادي عشر.
التاسع: قول غورث للنبي- صلى الله عليه وسلم- من يمنعك منّي على سبيل الاستفهام الإنكاري، أي لا يمنعك منّي أحد لأن الأعرابي كان قائما بالسيف على رأس رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- والسيف في يد الأعرابي والنبي- صلى الله عليه وسلم- جالس لا سيف معه، ويؤخذ من مراجعة الأعرابي في الكلام أن الله- سبحانه وتعالى- منع نبيّه منه، وإلا فما الذي أحوجه إلى مراجعته وتكرارها ثلاث مرات كما عند البخاري في الجهاد، مع احتياج غورث إلى الحظوة عند قومه بقتله، وفي قول النبي- صلى الله عليه وسلم- في جوابه: «الله يمنعني منك» إشارة إلى ذلك، ولذلك أعاده الأعرابي فلم يزده على ذلك الجواب غاية الثبات للنبي- صلى الله عليه وسلم- وعدم مبالاته به أصلا.
العاشر: في رواية يحيى بن أبي كثير: فتهدّده أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال الحافظ- رحمه الله تعالى- فظاهرها مشعر بأنهم حضروا القصة وأنه إنما رجع عما كان عزم عليه بالتهديد، وليس كذلك، بل وقع في رواية إبراهيم بن سعد في الجهاد بعد قوله: قلت الله!! فشام السّيف أي أغمده، وكان الأعرابي لما شاهد ذلك الثّبات العظيم وعرف أنه حيل بينه وبينه، تحقق صدقه، وعلم أنه لا يصل إليه ألقى السلاح، وأمكن من نفسه.
الحادي عشر:
في حديث جابر فإذا هو جالس، ووقع في رواية ابن إسحاق بعد قوله: «قال الله» فدفع جبريل في صدره، فوقع السيف من يده فأخذه النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: من يمنعك أنت مني؟ قال: لا أحد، قال: قم فاذهب لشأنك، فلما ولى قال: أنت خير مني.
ويجمع بين ما في الصحيح وبين ما ذكره ابن إسحاق من قوله: «فاذهب» أنه بعد ما أخبر أصحابه بقصته، ولشدة رغبته- صلى الله عليه وسلّم- في ائتلاف الكفار ليدخلوا في الإسلام، لم يؤاخذه وعفا عنه. قال الحافظ: وقد ذكر الواقدي في نحو هذه القصة أنه أسلم، وأنه رجع إلى قومه فاهتدى به خلق كثير، ووقع في رواية ابن إسحاق- التي أشرت إليها- ثم أسلم ... بعد.
قلت: وعلى الحافظ في هذا الكلام مؤاخذات.
الأولى: قوله «ووقع» في رواية ابن إسحاق بعد قوله «فدفع جبريل في صدره» صوابه:
وقع عند الواقدي، لابن إسحاق، فإن ابن إسحاق لم يذكر ذلك أصلا.
الثانية: أن الواقدي، إنما ذكر ذلك في غزوة غطفان التي تعرف بذي أمر لا في ذات الرّقاع، وسمّى الرّجل دعثورا.(5/184)
الثالثة قوله: وذكر الواقدي في نحو هذه القصة إلخ. قد يوهم أن الرجل غورث، وليس كذلك، بل هو دعثور.
الرابعة قوله: ووقع في رواية ابن إسحاق التي أشرت إليها أنه أسلم ليس في كلام ابن إسحاق أنه أسلم بلا ريب، ومن راجع كلام ابن إسحاق، والواقدي في مغازيهما تبيّن له صحة ما قلته. والله- تعالى- أعلم.
الثاني عشر: قول ابن إسحاق: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- استعمل على المدينة في غزوة ذات الرّقاع أبا ذر، لا يستقيم على مذهبه أن ذات الرقاع قبل الخندق، فإن أبا ذر أسلم قديما، ورجع إلى بلاده، فلم يجيء إلّا بعد الخندق، كما ذكره محمد بن عمر.
الثالث عشر: وقع في الوسيط للإمام حجة الإسلام الغزالي- رحمه الله تعالى- أنّ غزوة ذات الرقاع آخر الغزوات. قال الحافظ: وهو غلط واضح. وقد بالغ ابن الصلاح في إنكاره، وقال بعض من انتصر للغزالي: لعله أراد آخر غزوة صلّيت فيها صلاة الخوف، وهو انتصار مردود أيضا، لما رواه أبو داود، والنسائي، وصححه ابن حبان من حديث أبي بكر أنه- صلى مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف، وإنما أسلم أبو بكرة في غزوة الطّائف بالاتفاق، وذلك بعد غزوة ذات الرقاع قطعا.
الرابع عشر: جمهور أهل المغازي على أن غزوة ذات الرقاع هي غزوة محارب، كما جزم به ابن إسحاق.
وعند محمد بن عمر، أنها اثنتان وتبعه القطب في المورد.
الخامس عشر: قول ابن سعد أن صلاة الخوف أول ما صلّيت «بذات الرقاع» محمول على ما ذكره هو وغيره من تقدمها على غزوة الحديبية، أما على تأخير ذات الرقاع عن خيبر فتكون أول ما صلّيت صلاة الخوف في عسفان.
السادس عشر: في بيان غريب ما سبق.
الجلب- بفتح الجيم واللام، وبالموحدة: ما يجلب من بلد إلى بلد للبيع.
بنو أنمار ... بفتح الهمزة.
بغيض- بموحدة، فغين، فضاد، معجمتين بينهما تحتية.
هادين: غافلين عن أمرهم.
المضيق- بفتح الميم، وكسر الضاد المعجمة، ومثناة تحتية وقاف: قرية.
أفضى إلى كذا: وصل إليه.
الشّقرة- بضم الشين المعجمة، وسكون القاف: اسم موضع على يومين من المدينة.(5/185)
أتى نخلا- بالخاء المعجمة بلفظ اسم جنس النخلة: موضع على يومين من المدينة أيضا.
وضيئة- بالضاد المعجمة: أي حسنة.
غارون: غافلون.
يستأصلهم: يهلكهم جميعا.
حانت الصلاة: دنا وقتها.
شرح غريب ذكر حديث جابر في قصة غورث
قوله- قفل: رجع.
العضاه- بكسر العين المهملة، وبالضاد المعجمة، وبالهاء: شجر أم غيلان، وكل شجر عظيم له شوك.
اخترط السّيف: سلّه من غمده.
صلتا- بفتح الصاد المهملة، وسكون اللام، وبالفوقية: أي مجردا من غمده.
شام السّيف- هنا- أدخله في غمده.
فتك به: أتاه ليقتله.
وهو غار: غافل.
في حرة- بفتح الحاء وكسرها. الحرّة: أرض ذات حجارة سود كأنها أحرقت بالنار والجمع [حرار] ككلاب.
وأقم- بالواو، والقاف، والميم، وزن أطم، من آطام المدينة، تنسب إليه حرة وأقم.
بيضات أداحي- بالدال، والحاء المهملتين جمع أدحي بضم الهمزة، وهو الموضع الذي تبيض فيه النعامة وتفرخ.
المفحص- بفتح الميم، وسكون الفاء، وفتح الحاء، وبالصاد المهملتين: اسم الموضع الذي يحفره الطائر ليبيض فيه.
العيبة- بفتح العين المهملة، وسكون التحتية، وبالموحدة: ما تجعل فيه الثياب.
اليمامة: مدينة على يومين من الطائف، وأربعة من مكة.
يرفل- بسكون الراء، وبالفاء: يمشي مشي المختال.
يستعديني: يطلب مني نصره.(5/186)
مقنعا- بالقاف، والنون، والعين المهملة: أي ذليلا.
الناضح: الذي يسقى عليه، ثم استعمل في كل بعير القعب- بقاف مفتوحة، فعين مهملة: قدح من خشب.
يواهق- بتحتية مضمومة، فواو، فهاء مكسورة، فقاف: أي يباري ناقة النبي- صلى الله عليه وسلم- في السير ويماشيها.
شرح غريب حديث جابر الطويل
قوله: واد أفيح: واسع.
الإداوة- بالكسر: المطهرة.
شاطئ الوادي: جانبه.
الغصن- بضم الغين المعجمة.
البعير المخشوش- بالخاء والشين المعجمتين هو الذي يجعل في أنفه الخشاش. بكسر الخاء: وهو عود يجعل في أنف البعير يشدّ به الزمام ليكون أسرع في انقياده.
وانقاد فلان للأمر: أعطى القياد إذا أذعن طوعاً أو كرهاً.
التأمتا عليه: انطبقتا عليه وسترتاه.
أحضر- بضم الهمزة، وإسكان الحاء، وكسر الضاد المعجمة: أي أعدو وأسعى سعيا شديدا.
دانت- بالنون، وروي باللّام: أي وقعت واتّفقت.
لفتة: نظرة.
حسرته- بحاء وسين مهملتين: حددته ونحيت عنه ما يمنع حدّته بحيث صار مما يمكن القطع به.
انذلق- بذال معجمة، أي صار حادا.
أمّمت الشيء: قصدته.
أجترهما: أجرّهما.
فعمّ ذاك- أدغمت النون في ما الاستفهامية، وحذفت ألفها لدخول الجار.
يرفه عنهما- بفتح التحتية، وسكون الراء، وفتح الفاء وبالهاء: تخفيف.
الأشجاب- جمع شجب: وهو السّقاء الذي خلق وبلى، وصار سيئا.(5/187)
الحمازة- بكسر الحاء، وتخفيف الميم والزاي: وهي أعواد يعلق عليها أسقية الماء.
القطرة: الشيء اليسير.
العزلاء- بفتح العين المهملة وسكون الزاي، وبالمد: وهي فم القربة الأسفل.
شربة يابسة: أي قليل جدا، فلقلته مع شدة يبس باقي الشجب يذهب ما فيه.
يغمزه: يعصره.
الجفنة- بفتح الجيم: إناء كالقصعة، والجمع الجفان بالكسر والجفنات بالتحريك.
وناد يا جفنة الركب: أي التي تشبعهم أو يا صاحب جفنتهم فحذف المضاف، أي من كان عنده جفنة تشبعهم فليحضرها.
سيف البحر- بكسر السين المهملة، وإسكان التحتية: جانبه.
حجاج عينها- بفتح الحاء المهملة، وكسرها، وبجيمين: العظم المستدير، وقال ثابت:
الحجاجان، العظمان المشرفان على العينين، وفي المخصص: الحجاج العظم الذي عليه الحاجب.
الكفل- بكسر الكاف، وسكون الفاء: وهو هنا- الكساء الذي يدار حول سنام البعير ثم يركب.
شرح غريب ذكر منقبة عباد بن بشر- رضي الله عنه
يهريق- بضم التحتية، وفتح الهاء، وكسر الراء: يصب ويسيل.
يكلؤنا: يحفظنا ويحرسنا.
الشّعب- بالكسر: الطريق في الجبل.
الرّبيئة- بفتح الراء المشددة، والموحدة المكسورة، وبالهمزة، والمفتوحة:
طليعة القوم وعينهم، الذي يكشف لهم الخبر.
الثغر- بالثاء المثلثة، والغين المعجمة: ما يلي دار العدو.
صرار- بصاد وراءين مهملتين: اسم أطم بالمدينة شرقيها.(5/188)
الباب السادس والعشرون في عمرة القضاء
لما دخل هلال ذي القعدة سنة سبع، وهو الشهر الذي صده فيه المشركون عن البيت، وأنزل الله تبارك وتعالى: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ [البقرة 194] الآية. أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أصحابه أن يتجهزوا للعمرة، ولا يتخلف أحد ممن شهد الحديبية، فلم يتخلف أحد شهدها، إلّا رجال استشهدوا بخيبر، ورجال ماتوا، فقال رجال من حاضري المدينة من العرب: يا رسول الله، والله مالنا زاد، وما لنا أحد يطعمنا، فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم المسلمين أن ينفقوا في سبيل الله- تعالى، وأن يتصدقوا، وألا يكفوا أيديهم فيهلكوا، فقالوا: يا رسول الله، بم نتصدق وأحدنا لا يجد شيئا؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «بما كان ولو بشق تمرة»
[ (1) ] .
وروى وكيع وابن عيينة وابن سعيد، ومنصور، وعبد بن حميد، والبخاري، والبيهقي في سننه عن حذيفة، ووكيع، وعبد بن حميد، والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله- تعالى عنهم- وابن جرير عن عكرمة، ووكيع عن مجاهد- رحمهما الله- تعالى- قالوا في قوله تعالى:
وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة 195] إن التهلكة ترك النفقة في سبيل الله، ليس التهلكة أن يقتل الرجل في سبيل الله، ولكن الإمساك في سبيل الله، أنفق ولو مشقصا [ (2) ] .
قال محمد بن عمر، وابن سعد [ (3) ] : واستعمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على المدينة أبا رهم- بضم الراء، وسكون الهاء- الغفاري- رضي الله عنه- وقال ابن هشام: واستعمل عويف- بالواو والفاء، تصغير عوف، ويقال فيه عويث- بتحتية فمثلثة ابن الأضبط- بضاد معجمة، فموحدة، فطاء مهملة- رضي الله تعالى عنه- وقال البلاذري: استعمل أبا ذرّ. ويقال: عويف بن الأضبط والله أعلم.
ذكر ما ساقه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الهدي وتقديمه السلاح والخيل أمامه
روى محمد بن عمر عن عبد الله بن دينار- رحمه الله تعالى- قال: جعل رسول
__________
[ (1) ] انظر فتح الباري 7/ 571.
[ (2) ] انظر فتح القدير 1/ 194.
[ (3) ] انظر الطبقات الكبرى 2/ 92.(5/189)
الله- صلى الله عليه وسلّم- ناجية بن جندب الأسلمي على هديه، يسير به أمامه، يطلب الرّعي في الشجر، معه أربعة فتيان من أسلم، زاد غيره: وأبو هريرة [ (1) ] .
وروى محمد بن عمر عن محمد بن إبراهيم بن الحرث قال: ساق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في القضية ستين بدنة وروى أيضا عن شعبة مولى ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قلّد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هديه بيده [ (2) ] .
وروى أيضا عن عاصم بن عمر عن قتادة- رحمه الله تعالى- قال: حمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- السلاح، والبيض، والدروع، والرماح وقاد مائة فرس عليها محمد بن مسلمة، فلما انتهى إلى ذي الحليفة قدّم الخيل أمامه، واستعمل على السلاح بشير بن سعد، بالموحدة والشين المعجمة، وزان أمير،
فقيل يا رسول الله: حملت السّلاح وقد شرطوا أن لا ندخلها عليهم بسلاح إلّا سلاح المسافر، السيوف في القرب! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «إنّا لا ندخله عليهم الحرم، ولكن يكون قريبا منّا، فإن هاجنا هيج من القوم كان السّلاح منّا قريبا
[ (3) ] .
فمضى بالخيل محمد بن مسلمة- رضي الله عنه- إلى مرّ الظهران، فوجد بها نفرا من قريش فسألوه فقال: هذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصبّح هذا المنزل غدا إن شاء الله- تعالى- ورأوا سلاحا كثيرا مع بشير بن سعد، فخرجوا سراعا، حتّى أتوا قريشا، فأخبروهم بالذي رأوه من الخيل والسلاح، ففزعت قريش، وقالوا والله ما أحدثنا حدثا، وإنّا على كتابنا، ومدّتنا، ففيم يغزونا محمد في أصحابه.
قال ابن عقبة- رحمه الله تعالى-: بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة بنت الحرث يخطبها عليه، قلت: وسيأتي بيان ذلك في ترجمتها.
ذكر خروجه- صلى الله عليه وسلّم- من المدينة وإحرامه
روى محمد بن عمر- رحمه الله- تعالى- عن جابر- رضي الله- تعالى عنه- قال: أحرم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من باب المسجد، لأنه سلك طريق الفرع، ولولا ذلك لأهلّ من البيداء.
قالوا: وسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يلبي والمسلمون معه يلبّون، حتى انتهى إلي مرّ الظّهران، وقدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- السلاح إلى بطن يأجج حيث نظر إلى أنصاب الحرم، وبعثت قريش مكرز- بكسر الميم، وسكون الكاف، وكسر الراء، وبالزاي- بن حفص في نفر من قريش حتى لقوه ببطن يأجج، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- في أصحابه، والهدي والسلاح قد تلاحق، فقالوا له: والله يا
__________
[ (1) ] انظر المغازي للواقدي 2/ 71 والبيهقي في الدلائل 4/ 320 وابن كثير في البداية 4/ 230.
[ (2) ] المغازي 2/ 733.
[ (3) ] المصدر السابق.(5/190)
محمد ما عرفت صغيرا ولا كبيرا- بالغدر، تدخل بالسلاح في الحرم على قومك، وقد شرطت لهم ألّا تدخل إلّا بسلاح المسافر، السيوف في القرب!!
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إني لا أدخل عليهم بسلاح.»
فقال مكرز: هو الذي تعرف به، البرّ والوفاء، ثم رجع مكرز سريعا إلى مكة بأصحابه، فقال: إن محمدا لا يدخل بسلاح، وهو على الشرط الذي شرط لكم [ (1) ] .
روى الإمام أحمد عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: لما نزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مرّ الظّهران في عمرته، بلغ أصحابه أن قريشا تقول ما يتباعثون من العجف، فقال أصحابه: لو انتحرنا من ظهرنا فأكلنا من لحمه وحسونا من مرقه، أصبحنا غدا حين ندخل على القوم وبنا جمامة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «لا تفعلوا، ولكن اجمعوا إليّ من أزوادكم» ، فجمعوا له، وبسطوا الأنطاع فأكلوا حتّى تركوا، وحشا كلّ واحد في جرابه
[ (2) ] .
ذكر دخول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة
قال ابن عباس- رضي الله عنهما- قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مكة صبيحة الرابع من ذي الحجة، ولمّا جاء مكرز قريشا بخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- استنكف رجال من أشراف المشركين أن ينظروا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- غيظا وحنقا، ونفاسة، وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالهدي أمامه حتى حبس بذي طوى، ودخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على راحلته القصواء وأصحابه محدقون به، قد توشّحوا السيوف يلبّون، فلما انتهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى ذي طوى وقف على راحلته والمسلمون حوله، ثم دخل من الثنية التي تطلعه على الحجون.
وروى البخاري تعليقا، وعبد الرّزاق، والترمذي، والنسائي، وابن حبان عن أنس- رضي الله عنه- وابن عقبة عن الزهري، وابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل مكة عام القضيّة على ناقته وعبد الله بن رواحة آخذ بزمامها، وهو يقول:
خلّوا بني الكفّار عن سبيله ... نحن ضربناكم على تأويله
ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله
قد أنزل الرّحمن في تنزيله ... في صحف تتلى على رسوله
يا رب إني مؤمن بقيله ... إنّي رأيت الحقّ في قبوله
فقال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يا ابن رواحة؟ بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-
__________
[ (1) ] انظر الطبقات الكبرى 2/ 92 والبيهقي في الدلائل 4/ 321 والواقدي في المغازي 2/ 734.
[ (2) ] أخرجه أحمد 1/ 305 وذكره الهيثمي في المجمع 3/ 278 وانظر البداية 4/ 231.(5/191)
وفي حرم الله- تعالى- تقول الشعر؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «خل عنه يا عمر» فلهي أسرع فيهم من نضح النبل» . وفي رواية «يا عمر إني أسمع، فاسكت يا عمر» فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا ابن رواحة قل: «لا إله إلا الله وحده، نصر عبده، وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب وحده» . فقالها ابن رواحة فقالها الناس كما قالها
[ (1) ] .
ذكر طواف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ماشيا وما جاء انه طاف راكبا
روى الإمام أحمد، والشيخان، وابن إسحاق عن ابن عباس- رضي الله- تعالى عنهما- قال: «قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مكّة، وقد وهنتهم حمّى يثرب، فقال المشركون: إنه يقدم غدا قوم قد وهنتهم الحمّى، ولقوا فيها شدّة، فجلسوا على قعيقعان مما يلي الحجر، فأطلع الله- تعالى- نبيه على ما قالوا، فلما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المسجد اضطبع بردائه وأخرج عضده الأيمن، ثم قال: «رحم الله امرأ أراهم من نفسه قوّة» . وفي رواية: «أروهم ما يكرهون»
وأمرهم أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا بين الرّكنين، ليرى المشركون جلدهم، ثم استلم الركن، وخرج يهرول وأصحابه معه، حتى إذا واراه البيت منهم، واستلم الرّكن اليماني مشى حتى استلم الركن الأسود ثم هرول كذلك ثلاثة أشواط ومشى سائرها. قال ابن عباس: ولم يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها للإبقاء عليهم، فقال المشركون: «هؤلاء الذين زعمتم أن الحمّى قد وهنتهم؟ هؤلاء أجلد من كذا وكذا، ما يرضون بالمشي، أما إنهم لينقزون نقز الظّبي» وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يكايدهم كلّما استطاع [ (2) ] .
قال محمد بن عمر، وابن سعد وغيرهم: ولم يزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يلبّي حتّى استلم الركن بمحجنه.
وروى الحميديّ والبخاريّ [ (3) ] ، والإسماعيلي عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنه- قال: لما اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- سترناه من غلمان المشركين، وفي رواية من السّفهاء والصبيان مخافة أن يؤذوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وروى يونس ابن بكير- رحمه الله تعالى- عن زيد بن أسلم- رحمهما الله تعالى- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- دخل عام القضية مكّة، فطاف على
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري معلقا 7/ 570 وانظر كلام الحافظ ابن حجر 7/ 572 وانظر مغازي الواقدي 2/ 736 والبيهقي في الدلائل 4/ 323.
[ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 581 (4256) ومسلم 2/ 923 (240/ 1266) ، وأحمد 1/ 373 وأبو داود (1885) والطحاوي في المعاني 2/ 179 والطبراني في الكبير 11/ 386، وانظر البداية 4/ 227 والبيهقي في الدلائل 4/ 326 والتمهيد لابن عبد البر 2/ 71.
[ (3) ] أخرجه البخاري 7/ 581 (4255) ، والبيهقي في الدلائل 4/ 328.(5/192)
ناقته، واستلم الركن بمحجنه. قال هشام، وابن سعد: من غير- علّة- والمسلمون يشتدّون حول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وابن رواحة يقول الرجز السابق: وذكر محمد بن عمر، وابن سعد: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- طاف راكبا، وتبعهما القطب في المورد.
ذكر دخوله- صلّى الله عليه وسلّم- البيت
روى البيهقي من طريق محمد بن عمر عن سعيد بن المسيب- رحمه الله تعالى- قال:
لما قضى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- طوافه في عمرة القضاء دخل البيت، فلم يزل فيه حتّى أذّن بلال بالصبح، فوق ظهر الكعبة، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أمره بذلك، فقال عكرمة بن أبي جهل- وأسلم بعد ذلك- لقد أكرم الله- تعالى- أبا الحكم، حيث لم يسمع هذا العبد يقول ما يقول.
وقال صفوان بن أمية- وأسلم بعد ذلك- الحمد لله الذي أذهب أبي قبل أن يرى هذا.
وقال خالد بن أسيد- كأمير- وأسلم بعد ذلك: الحمد لله الذي أمات أبي ولم يشهد هذا اليوم حين يقوم بلال ابن أم بلال ينهق فوق الكعبة وأمّا سهيل بن عمرو- وأسلم بعد ذلك- ورجال معه لما سمعوا ذلك غطوا وجوههم، كذا في هذه الرّواية: إن النبي- صلى الله عليه وسلم- دخل البيت.
وروى البخاري عن إسماعيل بن أبي خالد- رحمه الله تعالى- أن رجلا سأل ابن أبي أوفى- رضي الله عنه- كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- دخل في القضيّة الكعبة؟ قال: لا [ (1) ] .
وقال محمد بن عمر بعد أن روى ما سبق عن ابن عباس: حدثني إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين قال: لم يدخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الكعبة في القضيّة. وقد أرسل إليهم، فأبوا وقالوا: لم يكن في شرطك.
ذكر سعيه- صلى الله عليه وسلّم- بين الصفا والمروة
روى محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- عن ابن عباس- رضي الله عنهما- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- طاف بين الصّفا والمروة على راحلته، فلما كان الطّواف السّابع عند المروة عند فراغه- وقد وقف الهدي عند المروة- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر، فنحر عند المروة»
[ (2) ] .
قال محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- وقد كان اعتمر مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قوم لم
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 328 والواقدي في المغازي 2/ 737.
[ (2) ] أخرجه ابن سعد: 2/ 1/ 88 والموطأ (393) وأحمد (1/ 76) والترمذي (885) ، وابن خزيمة (2889) .(5/193)
يشهدوا الحديبية فلم ينحروا، فأمّا من شهدها وخرج في القضيّة فإنهم اشتركوا في الهدي. وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مائتين من أصحابه حين طافوا بالبيت وسعوا أن يذهبوا إلى أصحابه ببطن يأجج فيقيمون على السّلاح، ويأتي الآخرون فيقضوا نسكهم ففعلوا.
ذكر خروجه- صلى الله عليه وسلّم- من مكة
روى محمد بن عمر عن عمر بن علي بن أبي طالب- رحمه الله تعالى- قال: لما كان عند الظهر يوم الرابع أتى سهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى- وأسلما بعد ذلك قال ابن إسحاق: وكانت قريش قد وكّلت حويطب بإخراج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأتياه وهو في مجلس من الأنصار يتحدث مع سعد بن عبادة، فقالا: قد انقضى أجلك، فاخرج عنا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم فصنعت طعاما؟!» فقالا: لا حاجة لنا في طعامك اخرج عنّا، ننشدك الله يا محمد، والعقد الذي بيننا وبينك إلّا خرجت من أرضنا، فهذه الثلاثة قد مضت
[ (1) ] .
وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لم ينزل بيتا، إنّما ضربت له قبّة من أديم بالأبطح، فكان هناك حتى خرج منها، ولم يدخل تحت سقف بيت من بيوتها، فغضب سعد بن عبادة- رضي الله عنه- لما رأى من غلظة كلامهم للنبي- صلى الله عليه وسلم- فقال لسهيل بن عمرو: كذبت لا أم لك ليست بأرضك ولا أرض أبيك، والله لا يخرج منها إلّا طائعا راضيا، فتبسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال يا سعد: لا تؤذ قوما زارونا في رحالنا، وأسكت الرجلان عن سعد.
وفي الصحيح عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أن الأجل لما مضى أتى المشركون عليا- رضي الله عنه- فقالوا: قل لصاحبك: اخرج عنّا فقد مضى الأجل، فذكر ذلك علي- رضي الله عنه- لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أبا رافع- بالرحيل، وقال: لا يمسين بها أحد من المسلمين» وركب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى نزل بسرف، وتتامّ الناس، وخلّف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبا رافع ليحمل إليه زوجته ميمونة حين يمسي، فأقام أبو رافع حتّى أمسى، فخرج بميمونة ومن معها، ولقيت من سفهاء مكة عناء،
وسيأتي الكلام على دخول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بها في ترجمتها.
ذكر خروج ابنة حمزة- رضي الله عنها
روى الشيخان عن البراء بن عازب، والإمام أحمد عن علي، ومحمد بن عمر عن ابن عباس- رضي الله عنهم- قال ابن عباس: أن عمارة بنت حمزة بن عبد المطلب، وقيل اسمها
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي 4/ 330 وانظر السيرة لابن هشام 3/ 321.(5/194)
أمامة قال الحافظ: وهو المشهور وأمها سلمى بنت عميس، كانت بمكّة،
فلما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة كلّم علي بن أبي طالب- رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: علام نترك ابنة عمّنا يتيمة بين ظهراني المشركين؟، فلم ينهه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فخرج بها.
وقال البراء: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما خرج تبعته ابنة حمزة تنادي يا عمّي يا عمّي، فتناولها عليّ فأخذ بيدها. وقال لفاطمة- رضي الله عنها-: دونك ابنة عمك، فاختصم فيها.
زيد وعلي وجعفر، أي بعد أن قدموا المدينة
كما سيأتي.
وكان زيد وصيّ حمزة، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قد واخى بينهما حين واخى بين المهاجرين. فقال علي: أنا أحق بها، وهي ابنة عمّي، وأنا أخرجتها من بين أظهر المشركين، وقال جعفر: بنت عمّي وخالتها أسماء بنت عميس تحتي. وقال زيد: بنت أخي. فقضى فيها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لخالتها، وقال: «الخالة بمنزلة الأم» وقال لعلي: «أنت مني وأنا منك» . وفي حديث ابن عباس- رضي الله عنه- «وأما أنت يا عليّ فأخي وصاحبي» وقال لجعفر: «أشبهت خلقي وخلقي» . وقال لزيد: «أنت أخونا ومولانا» . وفي حديث ابن عباس- رضي الله عنه- «أنت مولى الله ورسوله»
[ (1) ] .
قال محمد بن عمر: فلمّا قضى بها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لجعفر قام جعفر فحجل حول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ما هذا يا جعفر» ؟ قال: يا رسول الله، كان النجاشي إذا أرضى أحدا قام فحجل.
قال ابن إسحاق- رحمه الله تعالى- ثم انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ذي الحجة.
وكان عدّة المسلمين سوى النّساء والصّبيان ألفين.
قال ابن هشام- رحمه الله- تعالى-: فانزل الله- تعالى- فيما حدّثني أبو عبيدة: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً [الفتح 27] يعني خيبر.
تنبيهات
الأول: يقال لهذه العمرة عمرة القصاص. قال السهيلي- رحمه الله- تعالى- وهذا الاسم أولى بها لقوله تعالى: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ [البقرة
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 570 (4251) ومسلم 3/ 1409 (90/ 1783) ، وأبو داود (2280) والترمذي 4/ 338 والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 6 والدلائل 4/ 338.(5/195)
194] ورواه عبد بن حميد بسند صحيح عن مجاهد، وبه جزم سليمان التيمي في مغازيه وهذه الآية نزلت فيها كما تقدم.
ويقال لها: عمرة القضاء، واختلف في تسميتها بذلك، فقال السّهيلي: لأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قاضى قريشا عليها. لأنه قضى العمرة الّتي صدّ عن البيت فيها، فإنها لم تكن فسدت بصدّهم له عن البيت، بل كانت عمرة تامّة متقبلة، حتّى إنهم حين حلقوا شعورهم بالحلّ احتملتها الريح فألقتها بالحرم، فهي معدودة في عمر النبي- صلى الله عليه وسلم- زاد القاضي: فالمراد بالقضاء الفصل الذي وقع عليه الصّلح، ولذلك يقال لها عمرة القضية.
قال أهل اللغة: قاضى فلان فلانا: عاهده، وقاضاه: عاوضه، فيحتمل تسميتها بالأمرين، ويرجح الثاني تسميتها قصاصا.
وقال آخرون: بل كانت قضاء عن العمرة الأولى، وعدّ عمرة الحديبية في العمر لثبوت الأجر فيها لا لأنّها كملت، وهذا خلاف مبني على الاختلاف في وجوب القضاء على من اعتمر فصدّ عن البيت. فقال الجمهور: يجب عليه الهدي، ولا قضاء عليه.
وعن الإمام أبي حنيفة- رحمه الله- تعالى- عكسه، وعن الإمام أحمد رواية: أنه لا يلزمه هدي ولا قضاء وأخرى أنه يلزمه الهدي والقضاء، وبيان حجج كلّ ليس من غرضنا.
وقال ابن إسحاق: تسمّى أيضا عمرة الصّلح اه.
فتحصّل من أسمائها أربعة: القضاء، والقضيّة، والقصاص والصّلح.
الثاني: وجهوا كون هذه العمرة غزوة بأن موسى بن عقبة ذكر في المغازي عن ابن شهاب أنه- صلى الله عليه وسلم- خرج مستعدّا بالسّلاح والمقاتلة خشية أن يقع من قريش غدر، ولا يلزم من إطلاق الغزوة وقوع المقاتلة.
وقال ابن الأثير- رحمه الله تعالى- في الجامع: هذه العمرة ليست من الغزوات، وذكرها البخاري في الغزوات حيث تضمنت ذكر المصالحة مع المشركين.
الثالث: قال ابن هشام- رحمه الله تعالى- قوله: «نحن قتلناكم على تأويله» إلى آخر الأبيات لعمار بن ياسر في غير هذا اليوم، قال السّهيلي: يعني يوم صفين. قال ابن هشام:
والدليل على ذلك أنّ ابن رواحة إنما أراد المشركين، والمشركون لم يقرّوا بالتنزيل، وإنّما يقاتل على التأويل من أقرّ بالتنزل. قال في البداية: وفيما قاله ابن هشام نظر، فإن البيهقيّ روى من غير وجه عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس قال: لما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة في عمرة القضاء مشى عبد الله بن رواحة بين يديه وفي رواية وهو آخذ بغرزه وهو يقول(5/196)
الأبيات السابقة. ورواه عن يزيد بن أسلم- كما سبق- وقد تابع ابن إسحاق على ذلك ابن عقبة وغيره، وقال الحافظ- رحمه الله تعالى- إذا ثبتت الرّواية فلا مانع من إطلاق ذلك، فإنّ التقدير على رأي ابن هشام: نحن ضربناكم على تأويله أي حتى تذعنوا إلى ذلك التأويل، ويجوز أن يكون التقدير: نحن ضربناكم على تأويل ما فهمنا منه حتى تدخلوا فيما دخلنا فيه، وإذا كان ذلك محتملا، وثبتت الرّواية سقط الاعتراض. نعم الرواية التي جاء فيها.
«فاليوم نضربكم على تأويله» يظهر أنه قول عمار، ويبعد أن يكون من قول ابن رواحة، لأنه لم يقع في عمرة القضاء ضرب ولا قتال، وصحيح الرّواية.
«نحن ضربناكم على تأويله. كما ضربناكم على تنزيله.
يشير بكل منهما إلى ما مضى، ولا مانع من أن يتمثل عمار بن ياسر بهذا الرجز ويقول:
هذه اللفظة، ومعنى قوله: «نضربكم على تأويله» أي الآن، وجاز تسكين الباء لضرورة الشّعر، بل هي لغة قرئ بها في المشهور.
الرابع: قال الحافظ أبو عيسى الترمذي- رحمه اللَّه تعالى- بعد أن ذكر رجز ابن رواحة، ثم قال: وفي غير هذا الحديث أن هذه القصّة لكعب بن مالك، وهو الأصح، لأن عبد الله بن رواحة قتل بمؤتة، وكانت عمرة القضاء بعد ذلك، قال الحافظ- رحمه الله- وهو ذهول شديد، وغلط مردود، وما أدري كيف وقع الترمذي في ذلك، ومع أنّ في قصّة عمرة القضاء اختصام جعفر وأخيه، علي، وزيد بن حارثة في بنت حمزة، أي كما سبق وجعفر قتل هو وزيد وابن رواحة في موطن واحد، فكيف يخفى على التّرمذي مثل هذا. ثم وجدت عند بعضهم أن الّذي عند التّرمذي من حديث أنس: أنّ ذلك كانت في فتح مكة. فإن كان كذلك اتجه اعتراض التّرمذي، لكن الموجود بخطّ الكروخي راوي الترمذي على ما تقدم. قلت:
وكذلك رأيته في عدة نسخ من جامع الترمذي.
الخامس: مجيء سهيل، وحويطب يطلبان رحيل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نصف النهار، الظاهر أنه- صلى الله عليه وسلم- دخل في أوائل النهار، فلم تكمل الثلاث إلا في مثل ذلك الوقت من النّهار الرابع الذي دخل فيه بالتلفيق، وكان مجيئهم في أول النهار قريب مجيء ذلك الوقت.
السادس: «قول ابنة حمزة يا عم كأنها خاطبت النبي- صلى الله عليه وسلّم- بذلك إجلالا، وإلّا فهو ابن عمها، أو بالنسبة إلى كون حمزة- وإن كان عمه من النسب- فهو أخوه من الرضاعة.
وكانت خصومة علي وجعفر، وزيد في ابنة حمزة بعد أن قدموا المدينة، كما صح ذلك من حديث عليّ عند أحمد، والحاكم.
السابع: أقر النبي- صلّى الله عليه وسلم- عليا على أخذها من مكة مع اشتراط المشركين ألّا يخرج(5/197)
بأحد من أهلها أراد الخروج، لأنهم لم يطلبوها، وأيضا فإنّ النّساء المؤمنات لم يدخلن في ذلك، لكن إنّما نزل القرآن بعد رجوعهم إلى المدينة.
الثامن: في بيان غريب ما سبق:
التّهلكة: الهلاك، وهو من نوادر المصادر.
المشقص- بكسر الميم، وسكون الشين المعجمة، وفتح القاف، سهم فيه نصل عريض، والجمع مشاقص.
تقليد الهدي: أي تعلّق بعنق البعير قطعة من جلد ليعلم أنّه هدي فيكفّ الناس عنه.
ذو الحليفة- بضم الحاء المهملة تصغير الحلفة بفتحات، واحد الحلفاء، وهو النبات المعروف.
هاجه: حركه، الهيج- بفتح الهاء، والتحتية، وبالجيم: الحرب.
مرّ الظّهران: تقدم الكلام عليه غير مرّة.
شرح غريب ذكر خروجه- صلى الله عليه وسلّم- من المدينة
قوله الفرع- بضم الفاء، والراء، وبالعين المهملة: عمل واسع من أعمال المدينة.
البيداء: في الأصل المفازة، وهنا الشرف الذي قدام ذي الحليفة إلى جهة مكة.
يأجج- بتحتية، فهمزة ساكنة، فجيمين، الأولى مفتوحة- وقد تكسر: واد قريب من مكة.
أنصاب الحرم: الأعلام على حدوده.
العجف، وزان التّعب: الضعف.
حسونا- بحاء فسين مهملتين مفتوحتين، فواو ساكنة، فنون: شربنا.
الحنق- بفتح الحاء المهملة، والنون وبالقاف: الغيظ.
النفاسة- يقال نفس الشيء بالكسر نفاسة: حسده عليه ولم يره أهلا له.
ذي طوى- بتثليث الطاء: واد بقرب مكة، يصرف ولا يصرف.
القصواء: كحمراء.
محدقين: محيطين.
توشح السيف: ألقى طرف علاقته على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى، ويأخذ طرفه الذي ألقاه على منكبه الأيسر من تحت يده. اليمنى، ثم يعقدهما على صدره.(5/198)
الثنيّة: كل عقبة مسلوكة.
الحجون- بفتح الحاء المهملة، وضم الجيم، وبالواو، والنون: جبل بمكة.
الهام، جمع هامة، وهي الرأس.
وهنتهم الحمّى: أضعفتهم.
اضطبع بثوبه: جعل وسط الثوب تحت الإبط اليمنى، وطرفه على الكتف اليسرى.
العضد- بفتح العين المهملة، وضم الضاد المعجمة وتسكن، وبفتح العين، وكسر الضاد، وبضمهما، وبضم العين وسكون الضاد: خمس لغات، وهي مؤنثة عند أهل تهامة، وتذكّر عند بني تميم: وهي ما بين المرفق والكتف.
رمل في طوافه- بالراء: هرول.
الأشواط- بالشين المعجمة جمع شوط: وهو الجري إلى الغاية، وهي هنا من الحجر إلى الحجر.
جلدهم- بفتح الجيم واللام: قوّتهم وصبرهم.
واراه: ستره.
أبقى عليه: رفق به وأشفق عليه.
قعيقعان- بقافين، الأولى مضمومة، بعد كل منهما عين مهملة وبعد الأولى تحتية: جبل بمكة.
نقز- بالقاف والزاي: وثب.
الظّبى- جمع ظبي: حيوان معروف.
المحجن- بكسر الميم، وسكون الحاء المهملة وفتح الجيم: عصا مقنعة الرأس يلتقط بها الراكب ما سقط منه.
يشتدون: يعدون.
المروة: جبل معروف بمكة.
الفجاج- بكسر الفاء جمع فج، وبالفتح: هو الطريق الواسع.
ننشدك الله: نذكرك به ونستعطفك، أو نسألك به، مقسمين عليك.
الأبطح: كل مسيل فيه دقاق الحصى، والمراد هنا مكان معروف بمكة.
سرف- بفتح السين المهملة وكسر الرّاء، وبالفاء: ما بين التّنعيم وبطن مرو، وهو إلى التنعيم أقرب.
حجل- بحاء مهملة، فجيم، فلام مفتوحات: رفع رجلا وقفز على الأخرى من الفرح، وقد يكون بالرّجلين، إلّا انه قفز، وقيل الحجل: المشي المقيد.(5/199)
الباب السابع والعشرون في غزوة الفتح الأعظم الذي أعز الله تعالى به دينه ورسوله وجنده وحرمه الأمين
وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء، وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجا، وكان في شهر رمضان سنة ثمان. قال ابن عباس- رضي الله عنهما- غزا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- غزوة الفتح في رمضان.
قال الزّهري: وسمعت سعيد بن المسيب يقول مثل ذلك، رواه البخاري [ (1) ] .
ذكر الأسباب الموجبة للمسير إلى مكة
كانت خزاعة في الجاهلية أصابوا رجلا من بني الحضرميّ واسمه مالك بن عبّاد، وحلف الحضرميّ يومئذ إلى الأسود بن رزن، خرج تاجرا، فلمّا توسّط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه وأخذوا ماله فمر رجل من خزاعة على بني الدّيل بعد ذلك فقتلوه، فوقعت الحرب بينهم، فمرّ بنو الأسود بن رزن. وهم ذؤيب، وسلمى، وكلثوم على خزاعة فقتلوهم بعرفة عند أنصاب الحرم، وكان قوم الأسود منخر بني كنانة يودون في الجاهلية ديتين لفضلهم في بني بكر، ونودى دية، فبينا بنو بكر وخزاعة على ذلك بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم فحجز بالإسلام بينهم، وتشاغل الناس به- وهم علي ما هم عليه من العداوة في أنفسهم- فلمّا كان صلح الحديبية بين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وبين قريش، ووقع الشّرط «ومن أحبّ أن يدخل في عقد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فليدخل، ومن أراد أن يدخل في عقد قريش فليدخل» فدخلت خزاعة في عقد رسول- صلى الله عليه وسلم- وكانت خزاعة حلفاء عبد المطلب بن هاشم، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بذلك عارفا، ولقد جاءته خزاعة يومئذ بكتاب عبد المطلب فقرأه عليه أبي بن كعب- رضي الله عنه- وهو: «باسمك اللهمّ، هذا حلف عبد المطلب بن هاشم لخزاعة، إذ قدم عليه سرواتهم وأهل الرأي، غائبهم مقرّ بما قاضى عليه شاهدهم، إنّ بيننا وبينكم عهود الله وعقوده، وما لا ينسى أبدا، اليد واحدة، والنصر واحد ما أشرف ثبير، وثبت حراء مكانه وما بل بحر صوفة ولا يزداد فيما بيننا وبينكم ألا تجددا أبد الدهر سرمدا» .
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ما أعرفني بخلقكم وأنتم على ما أسلمتم عليه من الحلف! فكلّ حلف كان في الجاهلية فلا يزيده الإسلام إلّا شدة ولا حلف في الإسلام»
[ (2) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 595 (4275) .
[ (2) ] انظر فتح الباري 7/ 592.(5/200)
ذكر نقض قريش العهد
لما دخل شعبان على رأس اثنين وعشرين شهرا من صلح الحديبية، كلمت بنو نفاثة وبنو بكر أشراف قريش أن يعينوهم بالرّجال والسّلاح على عدوّهم من خزاعة، وذكّروهم القتلى الذين أصابت خزاعة منهم، وأرادوا أن يصيبوا منهم ثأر أولئك النّفر الذين أصابوا منهم في بني الأسود بن رزن، وناشدوهم بأرحامهم، وأخبروهم بدخولهم في عقدهم وعدم الإسلام، ودخول خزاعة في عقد محمد وعهده، فوجدوا القوم إلى ذلك سراعا، ألا إن أبا سفيان بن حرب لم يشاور في ذلك ولم يعلم، ويقال إنهم ذاكروه فأبى ذلك، فأعانوا بالسّلاح والكراع والرّجال، ودسّوا ذلك سرا لئلّا تحذر خزاعة، وخزاعة آمنون غارون لحال الموادعة، ولما حجز الإسلام بينهم.
ثم اتّعدت قريش وبنو بكر وبنو نفاثة الوتير، وهو موضع أسفل مكة، وهو منازل خزاعة فوافوا للميعاد فيهم رجال من قريش من كبارهم متنكرون منتقبون، صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وحويطب بن عبد العزى، وشيبة بن عثمان- وأسلموا بعد ذلك- ومكرز بن حفص، وأجلبوا معهم أرقاءهم، ورأس بني بكر نوفل بن معاوية الدّئلي- وأسلم بعد ذلك- فبيّتوا خزاعة ليلا وهم غارون آمنون- وعامّتهم صبيان ونساء وضعفاء الرّجال، فلم يزالوا يقتلونهم حتى انتهوا إلى أنصاب الحرم، فقال أصحاب نوفل بن معاوية له: يا نوفل إلهك إلهك قد دخلت الحرم! فقال: كلمة عظيمة، لا إله لي اليوم، يا بني بكر، لعمري إنكم لتسرقون الحاج في الحرم، أفلا تدركون ثأركم من عدوكم، ولا يتأخر أحد منكم بعد يومه عن ثأره؟! فلمّا انتهت خزاعة إلى الحرم دخلت دار بديل بن ورقاء، ودار مولى لهم يقال له رافع الخزاعيين، وانتهوا بهم في عماية الصّبح، ودخلت رؤساء قريش منازلهم وهم يظّنون أنهم لا يعرفون، وأنه لا يبلغ هذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصبحت خزاعة مقتّلين على باب بديل ورافع.
وقال سهيل بن عمرو لنوفل بن الحرث: قد رأيت الّذي صنعنا بك وبأصحابك ومن قتلت من القوم، وأنت قد حصدتهم تريد قتل من بقي، وهذا ما لا نطاوعك عليه، فاتركهم فتركهم، فخرجوا وندمت قريش، وندموا على ما صنعوا، وعرفوا أن هذا الذي صنعوه نقض للذّمة والعهد الذي بينهم وبين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وجاء الحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي ربيعة إلى صفوان بن أمية، وإلى سهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل فلاموهم بما صنعوا من عونهم بني بكر على خزاعة- وقالوا: إنّ بينكم وبين محمد مدّة وهذا نقض لها.
ذكر إعلامه- صلّى الله عليه وسلم- بما حصل لخزاعة يوم أصيبوا
روى محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة صبيحة كانت وقعة بني نفاثة وخزاعة بالوتير: «يا عائشة: لقد حدث في خزاعة أمر» فقالت عائشة: يا(5/201)
رسول الله، أترى قريشا تجترئ على نقض العهد الذي بينك وبينهم، وقد أفناهم السيف؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ينقضون العهد لأمر يريده الله تعالى» فقالت: يا رسول الله «خير» قال:
«خير»
[ (1) ]
وروى الطبراني في الكبير والصغير عن ميمونة بنت الحارث- رضي الله عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بات عندها ليلة، فقام ليتوضأ إلى الصّلاة، فسمعته يقول في متوضّئه:
«لبّيك لبّيك لبّيك- ثلاثا- نصرت نصرت نصرت- ثلاثا-» فلما خرج، قلت: يا رسول الله، سمعتك تقول في متوضئك «لبّيك لبّيك- ثلاثا- نصرت نصرت» ثلاثا، كأنك تكلّم إنسانا، فهل كان معك أحد؟ قال: «هذا راجز بني كعب يستصرخني، ويزعم أنّ قريشا أعانت عليهم بكر بن وائل» قالت ميمونة: فأقمنا ثلاثاً ثم صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الصبح بالناس [ (2) ] فسمعت الرّاجز ينشد:
يا رب إني ناشد محمّدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا
فذكرت الرجز الآتي.
ذكر قدوم عمرو بن سالم على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يخبره بما وقع لهم
روى الطبراني في الكبير والصّغير عن ميمونة بنت الحارث، [ (3) ] والبزّار بسند جيد عن أبي هريرة- رضي الله عنه- وابن أبي شيبة في المصنف عن عكرمة، والبيهقي عن ابن إسحاق، ومحمد بن عمر عن شيوخه: إن عمرو بن سالم الخزاعي خرج في أربعين راكبا من خزاعة يستنصرون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويخبرونه بالذي أصابهم، وما ظاهرت عليهم قريش ومعاونتهم لهم بالرجال، والسّلاح، والكراع، وحضور صفوان بن أمية وعكرمة، ومن حضر من قريش، وأخبروه بالخبر ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- جالس في المسجد بين أظهر الناس، ورأس خزاعة عمرو ابن سالم، فلما فرغوا من قصّتهم، قام عمرو بن سالم فقال:
يا رب إنّي ناشد محمّدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا
قد كنتم ولدا وكنّا والدا ... ثمّت أسلمنا فلم ننزع يدا
__________
[ (1) ] المغازي للواقدي 2/ 788.
[ (2) ] ذكره الهيثمي في المجمع 6/ 166.
[ (3) ] (ع) ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال، العامريّة الهلالية أم المؤمنين. لها ستة وأربعون حديثاً اتفقا على سبعة، وانفرد (خ) بحديث، و (م) بخمسة. عنها ابن عباس، ويزيد بن الأصم، وجماعة.
قال الزهري: هي التي وهبت نفسها. قال المزّي: توفيت بسرف سنة إحدى وخمسين. قاله خليفة. الخلاصة 3/ 392.(5/202)
إنّ قريشا أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكّدا
وزعموا أن لست أدعو أحدا ... وهم أذلّ وأقلّ عددا
هم بيّتونا بالوتير هجّدا ... وقتّلونا ركّعا وسجّدا
وجعلوا لي في كداء رصّدا ... فانصر رسول الله نصرا أيّدا
وادع عباد الله يأتوا مددا ... فيهم رسول الله قد تجرّدا
أن سيم خسفا وجهه تربّدا ... في فيلق كالبحر يجري مزبدا
قرم لقرم من قروم أصيدا
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «نصرت يا عمرو بن سالم» فما برح حتى مرت عنانة من السماء فرعدت، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن هذه السحابة لتستهلّ بنصر بني كعب»
[ (1) ] .
وروى أبو يعلى بسند جيد عن عائشة- رضي الله عنهما- قالت: لقد رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- غضب مما كان من شأن بني كعب غضبا لم أره غضبه منذ زمان. وقال: «لا نصرني الله- تعالى- أن لم أنصر بني كعب»
[ (2) ] .
وروى محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- عن ابن عباس- رضي الله عنهما- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما سمع ما أصاب خزاعة، قام- وهو يجرّ رداءه- وهو يقول: «لا نصرت إن لم أنصر بني كعب ممّا أنصر منه نفسي» .
وروى عبد الرزاق وغيره عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لمّا بلغه خبر خزاعة قال: «والذي نفسي بيده لأمنعنّهم ممّا أمنع منه نفسي وأهلي وبيتي»
[ (3) ] .
قال ابن إسحاق وغيره: وقدم بذلك ورقاء الخزاعي في نفر من قومه على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأخبروه بما حصل لهم.
قال ابن عقبة، ومحمد بن عمر: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لعمرو بن سالم وأصحابه: «أرجعوا وتفرقوا في الأودية» .
فرجعوا وتفرقوا، وذهبت فرقة إلى السّاحل بعارض الطّريق، ولزم بديل بن ورقاء في نفر من قومه الطّريق [ (4) ] .
__________
[ (1) ] وأخرجه البيهقي 9/ 234 والدلائل 5/ 7.
[ (2) ] أبو يعلى 7/ 343 (24/ 4380) ، ذكره الهيثمي في المجمع 6/ 164 وعزاه لأبي يعلى عن حزام بن هشام بن حبيش عن أبيه عنهما وقد وثقهما ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح وذكره ابن حجر في المطالب (4356) .
[ (3) ] أخرجه عبد الرازق في المصنف (9739) .
[ (4) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 7/ 10.(5/203)
وروى محمد بن عمر عن محجن بن وهب قال: لم يرم بديل بن ورقاء مكّة من حين انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الحديبية حتى لقيه في الفتح بمر الظهران. قال محمد بن عمر وهذا أثبت [ (1) ] .
وأخبر عمرو بن سالم ومن معه أن أنس ابن زنيم هجا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأهدر دمه.
ذكر ما قيل أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما بلغه خبر خزاعة أرسل الى قريش يخيرهم بين أمور ثلاثة
روى ابن عائذ عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما، ومحمد بن عمر عن حزام بن هشام الكعبيّ ومسدد في مسنده بسند صحيح عن محمد بن عباد بن جعفر أحد ثقات التّابعين وأئمّتهم- رحمهم الله تعالى- واللفظ لمحمد بن عمر، قال حزام: إن قريشا ندمت على عون بني نفاثة، وقالوا: محمد غارينا، فقال عبد الله بن أبي سرح- وهو يومئذ عندهم حال ردّته عن الإسلام- وأسلم بعد ذلك- إنّ عندي رأيا، إن محمدا لن يغزوكم حتى يعذر إليكم، ويخيّركم في خصال كلها أهون عليكم من غزوه، قالوا ما هي؟ قال: يرسل إليكم أن أدوا قتلى خزاعة وهم ثلاثة وعشرون قتيلا، أو تبرؤوا من حلف من نقض الصّلح وهم بنو نفاثة، أو ينبذ إليكم على سواء، فما عندكم في هذه الخصال؟ فقال القوم: أحر بما قال ابن أبي سرح- وقد كان به عالما- قال سهيل بن عمرو: ما خلة أهون علينا من أن نبرأ من حلف بني نفاثة.
فقال شيبة بن عثمان العبدري حفظت أخوالك، وغضبت لهم قال سهيل: وأي قريش لم تلده خزاعة؟ قال شيبة: ولكن ندي قتلى خزاعة فهو أهون علينا، وقال قرظة بن عبد عمرو: لا والله لا يودون ولا نبرأ من حلف بني نفاثة، ولكنا ننبذ إليه على سواء. وقال أبو سفيان: ليس هذا بشيء، وما الرأي إلّا جحد هذا الأمر، أن تكون قريش دخلت في نقض عهد أو قطع مدة وإنه قطع قوم بغير رضى منّا ولا مشورة فما علينا. قالوا: هذا الرأي لا رأي غيره [ (2) ] .
وقال عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما-: إن ركب خزاعة لما قدموا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأخبروه خبرهم، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «فمن تهمتكم وظنّتكم؟» قالوا:
بنو بكر، قال: «أكلها؟» قالوا: لا، ولكن بنو نفاثة قصرة ورأس القوم نوفل بن معاوية النّفاثي.
قال: «هذا بطن من بني بكر، وأنا باعث إلى أهل مكة فسائلهم عن هذا الأمر ومخيّرهم في خصال ثلاث» ، فبعث إليهم ضمرة
- لم يسم أباه محمد بن عمر- يخيّرهم بين إحدى خلال، بين أن يدوا قتلى خزاعة أو يبرؤوا من حلف بني نفاثة، أو ينبذ إليهم على سواء. فأتاهم ضمرة
__________
[ (1) ] البيهقي في الدلائل 4/ 9.
[ (2) ] الواقدي في المغازي 2/ 788.(5/204)
رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأناخ راحلته بباب المسجد، فدخل وقريش في أنديتها، فأخبرهم أنه رسول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأخبرهم بالذي أمره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- به فقال قرظة بن عبد عمرو الأعمى: أمّا أن ندي قتلى خزاعة فإن نفاثة فيهم عرام فلا نديهم حتى لا يبقى لنا سبد ولا لبد، وأما أن نتبرأ من حلف نفاثة فإنه ليس قبيلة من العرب تحجّ هذا البيت أشد تعظيما له من نفاثة، وهم حلفاؤنا، فلا نبرأ من حلفهم، أو لا يبقى لنا سبد ولا لبد، ولكن ننبذ إليه على سواء، فرجع ضمرة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذلك من قولهم.
وندمت قريش على ردّ رسول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وبعثت أبا سفيان فذكر قصة مجيئه إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كما سيأتي.
ذكر إخباره- صلّى الله عليه وسلّم- بأن أبا سفيان سيقدم ليجدد العهد فكان كما أخبر
روى محمد بن عمر عن حزام بن هشام عن أبيه- رحمهما الله- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: «لكأنّكم بأبي سفيان قد جاء يقول: جدّد العهد وزد في الهدنة، وهو راجع بسخطه» .
وروى عبد الرزاق عن نعيم مولى ابن عباس، وابن أبي شيبة عن عكرمة، ومحمد بن عمر عن شيوخه، واللفظ له: أن الحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي ربيعة مشيا إلى أبي سفيان بن حرب، فقالا: هذا أمر لا بد له من أن يصلح، والله لئن لم يصلح هذا الأمر لا يروعكم إلا محمد في أصحابه، فقال أبو سفيان: قد رأت هند بنت عتبة رؤيا كرهتها وأفظعتها.
وخفت من شرّها، قالوا: وما هي؟ قال: رأت دما أقبل من الحجون يسيل حتّى وقف بالخندمة مليا، ثم كأن ذلك الدّم لم يكن، فكره القوم الرّؤيا.
وقال أبو سفيان: لما رأى ما رأى من الشّر: هذا والله أمر لم أشهده، ولم أغب عنه، لا يحمل هذا إلا عليّ، ولا والله ما شوورت فيه، ولا هويته حين بلغني، والله ليغزونا محمد إن صدقني ظني، وهو صادقي، وما بد من أن آتي محمدا فأكلمه أن يزيد في الهدنة ويجدّد العهد. فقالت قريش: قد والله أصبت، وندمت قريش على ما صنعت من عون بني بكر على خزاعة، وتحرّجوا إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لم يدعهم حتى يغزوهم. فخرج أبو سفيان، وخرج معه مولى له على راحلتين، فأسرع السّير وهو يرى إنه أول من خرج من مكة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلقي بديل بن ورقاء بعسفان، فأشفق أبو سفيان أن يكون بديل جاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بل كان اليقين عنده، فقال للقوم: أخبرونا عن يثرب متى عهدكم بها؟ قالوا: لا علم لنا بها، فعلم أنهم كتموه، فقال: أما معكم من تمر يثرب شيء تطعموناه، فإن لتمر يثرب فضلا على تمور تهامة؟(5/205)
قالوا: لا. فأبت نفسه أن تقرّه حتى قال: يا بديل: هل جئت محمدا؟ قال: لا ما فعلت، ولكن سرت في بلاد بني كعب وخزاعة من هذا السّاحل في قتيل كان بينهم فأصلحت بينهم. فقال أبو سفيان: إنك- والله- ما علمت برّ وأصل، ثم قايلهم أبو سفيان حتّى راح بديل وأصحابه، فجاء أبو سفيان منزلهم ففتّ أبعار أباعرهم فوجد فيها نوى من تمر عجوة كأنها ألسنة الطّير، فقال أبو سفيان: أحلف بالله لقد جاء القوم محمّدا [ (1) ] .
وكان القوم لما كانت الوقعة خرجوا من صبح ذلك اليوم فساروا ثلاثا، وخرجوا من ذلك اليوم فساروا إلى حيث لقيهم أبو سفيان ثلاثا، وكانت بنو بكر قد حبست خزاعة في داري بديل ورافع ثلاثة أيام يكلمون فيهم، وائتمرت قريش في أن يخرج أبو سفيان، فأقام يومين. فهذه خمس بعد مقتل خزاعة، وأقبل أبو سفيان حتى دخل المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- فأراد أن يجلس على فراش رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فطوته دونه. فقال: يا بنية!! أرغبت بهذا الفراش عنى أو بي عنه؟ قالت: بل هو فراش رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنت امرؤ مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس على فراش رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: يا بنية لقد أصابك بعدي شر، فقالت: بل هداني الله للإسلام. وأنت يا أبت سيّد قريش وكبيرها، كيف يسقط عنك الدّخول في الإسلام، وأنت تعبد حجرا لا يسمع ولا يبصر؟ فقام من عندها،
فأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد، فقال: يا محمد!! إنّي كنت غائبا في صلح الحديبية فاشدد العهد، وزدنا في المدّة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «فلذلك جئت يا أبا سفيان؟» قال: نعم. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «هل كان من قبلكم من حدث؟» قال معاذ الله نحن على عهدنا وصلحنا يوم الحديبية لا نغيّر ولا نبدّل، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «فنحن على مدّتنا وصلحنا يوم الحديبية لا نغيّر ولا نبدّل» فأعاد أبو سفيان على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- القول، فلم يرد عليه شيئا.
فذهب إلى أبي بكر- رضي الله عنه- فكلمه وقال: تكلم محمدا أو تجير أنت بين الناس، فقال أبو بكر: جواري في جوار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زاد ابن عقبة: والله لو وجدت الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم.
فأتى عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فكلمه بمثل ما كلّم به أبا بكر، فقال: أنا أشفع لكم عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم!! فو الله لو لم أجد إلّا الذرّ لجاهدتكم به، ما كان من حلفنا جديدا فأخلقه الله، وما كان منه متينا فقطعه الله، وما كان منه مقطوعا فلا وصله الله. فقال أبو سفيان جوزيت من ذي رحم شرا.
__________
[ (1) ] المغازي 2/ 792.(5/206)
فأتى عثمان بن عفان- رضي الله عنه- فقال أنه ليس في القوم أحد أقرب رحما منك، فزد في المدة، وجدّد العهد، فإنّ صاحبك لا يردّه عليك أبدا، فقال عثمان: جواري في جوار رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
فأتى عليا- رضي الله تعالى عنه- فقال: يا علي إنك أمسّ القوم بي رحما، وإني جئت في حاجة فلا أرجع كما جئت خائبا، فاشفع لي إلى محمد. فقال: ويحك يا أبا سفيان! والله لقد عزم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه، فأتى سعد بن عبادة- رضي الله تعالى عنه- فقال: يا أبا ثابت أنت سيد هذه البحيرة فأجر بين الناس، وزد في المدة، فقال سعد: جواري في جوار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وما يجير أحد على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأتى أشراف قريش والأنصار فكلهم يقول جواري في جوار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما يجير أحد على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فما أيس ممّا عندهم، دخل على فاطمة الزهراء- رضي الله عنها- والحسن غلام يدبّ بين يديها فقال: يا بنت محمد، هل لك أن تجيري بين النّاس؟ فقالت: إنّما أنا امرأة، وأبت عليه، فقال: مري ابنك هذا- أي الحسن بن علي- رضي الله عنهما- فيجير بين النّاس، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر. قالت: والله ما بلغ ابني ذلك أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم.
فقال لعلي: يا أبا الحسن!! إن أرى الأمور قد اشتدّت عليّ فانصحني، قال: والله ما أعلم شيئا يغنى عنك شيئا، ولكنك سيّد بني كنانة وقال: صدقت، وأنا كذلك. قال: فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك، قال: أو ترى ذلك مغنيا عنّي شيئا؟ قال: لا والله، ولكن لا أجد لك غير ذلك، فقام أبو سفيان في المسجد، فقال: أيها الناس إني قد أجرت بين الناس ولا والله ما أظن أن يخفرني أحد،
ثم دخل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد إني قد أجرت بين الناس فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة!!» ثم ركب بعيره وانطلق.
وكان قد احتبس وطالت غيبته، وكانت قريش قد اتّهمته حين أبطأ أشدّ التهمة، قالوا:
والله إنّا نراه قد صبأ، واتّبع محمدا سرا وكتم إسلامه.
فلما دخل على هند امرأته ليلا، قالت: لقد احتبست حتّى اتّهمك قومك، فإن كنت مع الإقامة جئتهم بنجح فأنت الرجل، ثم دنا منها فجلس مجلس الرجل من امرأته. فقالت ما صنعت؟ فأخبرها الخبر، وقال: لم أجد إلّا ما قال لي عليّ، فضربت برجلها في صدره وقالت:
قبّحت من رسول قوم، فما جئت بخير.
فلما أصبح أبو سفيان حلق رأسه عند إساف ونائلة، وذبح لهما، وجعل يمسح بالدم(5/207)
رؤوسهما ويقول: لا أفارق عبادتكما حتّى أموت على ما مات عليه أبي، إبراء لقريش مما اتهموه به، فلما رأته قريش، قاموا إليه فقالوا: ما وراءك؟ هل جئت بكتاب من محمد أو زيادة في مدة ما نأمن به أن يغزونا محمد؟ فقال: والله لقد أبي علي، وفي لفظ: لقد كلمته، فو الله ما ردّ على شيئا، وكلمت أبا بكر فلم أجد فيه خيرا، ثم جئت ابن الخطاب- رضي الله عنه- فوجدته أدنى العدو، وقد كلمت علية أصحابه، فما قدرت على شيء منهم إلا أنّهم يرمونني بكلمة واحدة، وما رأيت قوما أطوع لملك عليهم منهم له، إلّا أن عليا لما ضاقت بي الأمور قال: أنت سيد بني كنانة، فأجر بين النّاس، فناديت بالجوار، فقال محمد «أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة!!» لم يزدني قالوا: رضيت بغير رضى، وجئت بما لا يغنى عنّا ولا عنك شيئا، ولعمر الله ما جوارك بجائز، وإنّ إخفارك عليهم لهيّن، ما زاد على من أن لعب بك تلعبا. قال: والله ما وجدت غير ذلك.
ذكر مشاورته- صلى الله عليه وسلم- أبا بكر وعمر- رضي الله عنهما- في غزوة قريش
روى ابن أبي شيبة عن محمد بن الحنفية- رحمه الله- عن أبي مالك الأشجعي- رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من بعض حجره فجلس عند بابها- وكان إذا جلس وحده لم يأته أحد حتى يدعوه-، فقال «ادع لي أبا بكر» . فجاء فجلس أبو بكر بين يديه، فناجاه طويلا، ثم أمره فجلس عن يمينه، ثم قال: «ادع لي عمر» فجاء فجلس إلى أبي بكر فناجاه طويلا، فرفع عمر صوته فقال: «يا رسول الله هم رأس الكفر، هم الذين زعموا أنّك ساحر، وأنك كاهن، وأنك كذّاب، وأنك مفتر» ، ولم يدع عمر شيئاً، مما كان أهل مكة يقولونه إلّا ذكره، فأمره أن يجلس إلى الجانب الآخر، فجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله ثم دعا الناس فقال: «ألا أحدّثكم بمثل صاحبيكم هذين؟ فقالوا: نعم يا رسول الله، فأقبل بوجهه إلى أبي بكر فقال: «إنّ إبراهيم كان ألين في الله تعالى من الدّهن الليّن، ثم أقبل علي عمر، فقال: «إنّ نوحا كان أشد في الله من الحجر، وإنّ الأمر أمر عمر، فتجهزوا وتعاونوا، فتبعوا أبا بكر
فقالوا: يا أبا بكر، إنا كرهنا أن نسأل عمر عمّا ناجاك به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: قال لي:
«كيف تأمرني في غزو مكة؟» قال: قلت يا رسول الله!! هم قومك، حتّى رأيت أنّه سيطيعني، ثم دعا عمر فقال عمر: هم رأس الكفر، حتّى ذكر له كل سوء كانوا يقولونه، وأيم الله وأيم الله لا تذلّ العرب حتى تذل أهل مكة، وقد أمركم بالجهاد ليغزوا مكة [ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة 14/ 506 وأحمد 3/ 398.(5/208)
ذكر جهاز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- واجابة دعائه بأن لا تعلم قريش بمسيره، وأمره بحفظ الطرق
ذكر ابن عقبة، وابن إسحاق، ومحمد بن عمر- رحمهم الله تعالى- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مكث بعد خروج أبي سفيان ما شاء الله أن يمكث ثم قال لعائشة: «جهّزينا واخفي أمرك» . وقال: «اللهم خذ على أسماعهم وأبصارهم فلا يرونا إلّا بغتة، ولا يسمعون بنا إلّا فجأة» وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- جماعة أن تقيم بالأنقاب، وكان عمر بن الخطاب يطوف على الأنقاب، فيمر بهم فيقول: لا تدعوا أحدا يمر بكم تنكرونه إلا رددتموه، وكانت الأنقاب مسلمة- إلا من سلك إلى مكة فإنه يتحفظ به ويسأل عنه
[ (1) ] .
ذكر كتاب حاطب بن أبي بلتعة [ (2) ]- رضي الله عنه- إلى قريش ليعلمهم بغزو رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إياهم، وما وقع في ذلك من الآيات
روى الإمام أحمد، والخمسة عن أبي رافع عن علي. وأبو يعلى، والحاكم والضياء عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- والإمام أحمد، وعبد بن حميد عن جابر، وابن مردويه عن أنس- رضي الله عنهم- وابن مردويه عن سعيد بن جبير، وابن إسحاق عن عروة، وابن مردويه عن عبد الرحمن عن حاطب بن أبي بلتعة، ومحمد بن عمر عن شيوخه- رحمهم الله تعالى:
إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لمّا أجمع السّير إلى مكة، كتب حاطب بن أبي بلتعة- رضي الله عنه- كتابا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من الأمر في المسير إليهم، ثم أعطاه امرأة، قال ابن إسحاق، زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة- قال محمد بن عمر: يقال لها كنود، قال ابن إسحاق: وزعم لي غير ابن جعفر: أنّها سارة مولاة لبعض بني المطلب، وجعل لها جعلا، قال محمد بن عمر دينارا، وقيل عشرة دنانير، على أن تبلغه أهل مكة، وقال لها: أخفيه ما استطعت، ولا تمري على الطريق، فإن عليه حرسا، فجعلته في رأسها، ثم فتلت عليه قرونها، ثم خرجت به، فسلكت غير نقب عن يسار المحجّة في الفلوق حتّى لقيت الطريق بالعقيق.
وذكر السهيلي- رحمه الله- تعالى- إنه قد قيل أنه كان في كتاب حاطب: إن رسول
__________
[ (1) ] المغازي للواقدي 2/ 796.
[ (2) ] (حاطب) بن أبي بلتعة مفتوحات بن عمرو بن عمير بن سلمة بن صعب بن سهل اللخمي حليف بني أسد بن عبد العزى.. يقال إنه حالف الزبير وقيل كان مولى عبيد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد فكاتبه فأدى مكاتبته اتفقوا على شهوده. الإصابة 1/ 314.(5/209)
الله- صلى الله عليه وسلم- قد توجّه إليكم بجيش كالليل، يسير كالسّيل، وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لنصره الله تعالى عليكم، فإنه منجز له ما وعده فيكم، فإن الله- تعالى- ناصره ووليّه.
وفي تفسير ابن سلام أنه كان فيه: أن محمدا- صلى الله عليه وسلم- قد نفر فإمّا إليكم، وإما إلى غيركم، فعليكم الحذر. انتهى.
وذكر ابن عقبة أن فيه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد آذن بالغزو، ولا أراه إلا يريدكم، وقد أحببت، أن يكون لي يد بكتابي إليكم.
وأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام- زاد أبو رافع: المقداد بن الأسود وفي رواية عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي: أبا مرثد، بدل المقداد،
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أدرك امرأة قد كتب معها حاطب بكتاب إلى قريش، يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم» ، ولفظ أبي رافع «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب» فخرجوا [ (1) ]- وفي لفظ: فخرجا، حتى إذا كان بالخليقة، خليقة بني أحمد
وقال ابن عقبة: أدركاها ببطن ريم، فاستنزلاها فالتمساه في رحلها، فلم يجدا شيئاً، فقال لها علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-: إني أحلف بالله ما كذب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وما كذبنا، ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنّك، فلما رأت الجدّ، قالت: أعرضا. فحلّت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب منها، فدفعته إليه فأتي به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فدعا حاطبا، فقال: يا حاطب، ما حملك على هذا؟ قال: يا رسول الله. إني والله لمؤمن بالله ورسوله، ما غيّرت، ولا بدّلت، ولكني كنت امرء ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل، فصانعتهم عليهم.
ولفظ أبي رافع- فقال: يا رسول الله لا تعجل علي، إني كنت امرء ملصقا في قريش، ولم أكن من أنفسهم، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابة يحمون أموالهم بها وأهليهم بمكة، ولم يكن لي قرابة، فأحببت إذ فاتني ذلك من بينهم أن أتّخذ فيهم يدا أحمي بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرا بعد إسلام. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أنه قد صدقكم» . فقال عمر لحاطب: قاتلك الله!! ترى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يأخذ بالأنقاب وتكتب إلى قريش تحذرهم؟
دعني يا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أضرب عنقه، فإن الرجل قد نافق، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ما
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 6/ (3007) (4890) ومسلم ص (3/ 1941) حديث (161) وأبو داود في الجهاد وأحمد 1/ 79 والترمذي في تفسير سورة الممتحنة والبيهقي في الدلائل 5/ 16.(5/210)
يدريك يا عمر إن الله عز وجل اطّلع إلى أصحاب بدر يوم بدر فقال: «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» فاغرورقت عينا عمر، وقال: الله ورسوله أعلم، حين سمعه يقول في أهل بدر ما قال.
وأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أي كفار مكة أَوْلِياءَ تُلْقُونَ توصلون إِلَيْهِمْ قصد النبي غزوه الذي أسره إليكم- وروي بخبر بِالْمَوَدَّةِ بينكم وبينهم وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ دين الإسلام والقرآن يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ من مكة بتضييقهم عليكم لأجل أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً للجهاد فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي وجواب الشّرط دلّ عليه ما قبله: أي فلا تتخذوهم أولياء تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ أي إسرار خبر النبي إليهم فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ أخطأ طريق الهدى، والسواء في الأصل: الوسط إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يظفروا بكم يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ بالقتل والضرب وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ بالسّب، والشتم وَوَدُّوا تمنوا لَوْ تَكْفُرُونَ. لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ قراباتكم وَلا أَوْلادُكُمْ المشركون، الذين لأجلهم أسررتم الخبر من العذاب في الآخرة يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بالبناء للمفعول والفاعل بَيْنَكُمْ وبينهم فتكونون في الجنة، وهم في جملة الكفّار في النار وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الممتحنة 1: 3] .
ذكر إجماع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المسير إلى مكة
قال ابن عقبة، وابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وغيرهم: لما أراد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المسير إلى مكة، بعث أبا قتادة بن ربعي إلى بطن إضم، ليظنّ الظّانّ إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- توجّه إلى تلك الناحية، وأن لا تذهب بذلك الأخبار وأبان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المسير إلى قريش، وأرسل إلى أهل البادية، ومن حولهم من المسلمين، يقول لهم «من كان يؤمن بالله وباليوم الاخر فليحضر رمضان بالمدينة» وبعث رسلا في كل ناحية حتى قدموا على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم.
وقال حسان بن ثابت- رضي الله عنه تعالى- يحرّض الناس ويذكر مصاب رجال خزاعة:
عناني ولم أشهد ببطحاء مكّة ... رجال بني كعب تحزّ رقابها
بأيدي رجال لم يسلّوا سيوفهم ... وقتلى كثير لم تجنّ ثيابها
ألا ليت شعري هل تنالنّ نصرتي ... سهيل بن عمرو حرّها وعقابها
فلا تأمننها يا ابن أمّ مجالد ... إذا احتلبت صرفا وأعصل نابها(5/211)
ولا تجزعوا منها فإنّ سيوفنا ... لها وقعة بالموت يفتح بابها
قال ابن إسحاق: وقول حسان- رضي الله عنه: بأيدي رجال لم يسلّوا سيوفهم: يعني قريشا، وابن أم مجالد، عكرمة بن أبي جهل.
واستخلف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين الغفاري، ويقال ابن أم مكتوم، وذكره ابن سعد، والبلاذري، والأوّل هو الصحيح، وقد رواه الإمام أحمد والطبراني بسند حسن عن ابن عباس- رضي الله عنهما [ (1) ] .
ذكر خروجه- صلى الله عليه وسلّم- من المدينة قاصدا مكة
قال محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يوم الأربعاء بعد العصر لعشر خلون من رمضان، ونادى مناديه: «من أحب أن يصوم فليصم، ومن أحبّ أن يفطر فليفطر» وصام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فما حلّ عقدة حتى انتهى إلي الصلصل، وخرج في المهاجرين والأنصار، وطوائف من العرب، وقادوا الخيل، وامتطوا الإبل، وقدّم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمامه الزبير بن العوام في مائتين من المسلمين،
ولما بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- البيداء قال فيما رواه محمد بن عمر عن أبي سعيد الخدريّ: «إني لأرى السّحاب يستهل بنصر بني كعب»
[ (2) ] .
ولما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- العرج [ (3) ] وهو صائم، صبّ الماء على رأسه ووجهه من العطش- كما رواه الإمام مالك، ومحمد بن عمر عن رجل من الصحابة- وروى الحاكم في الإكليل بسند صحيح عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالعرج يصبّ الماء على رأسه من الحرّ وهو صائم» ، ولما سار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن العرج- وكان فيما بين العرج والطّلوب- نظر إلى كلبة تهرّ عن أولادها، وهنّ حولها يرضعنها، فأمر جميل بن سراقة- رضي الله عنه- أن يقوم حذاءها، لا يعرض لها أحد من الجيش، ولا لأولادها.
وقدم- صلى الله عليه وسلّم- بمائة جريدة تكون أمام المسلمين، فلما كانوا بين العرج والطّلوب أتوا بعين من هوازن، فاستخبره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبره أنّ هوازن تجمع له
فقال: «حسبنا الله ونعم الوكيل»
فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد أن يحبسه لئلا يذهب فيحذر الناس، ولما بلغ قديدا [ (4) ] لقيته سليم هناك، فعقد الألوية والرّايات، ودفعها إلى القبائل.
__________
[ (1) ] قال الهيثمي في المجمع 6/ 167 رجاله رجال الصحيح.
[ (2) ] انظر المغازي للواقدي 2/ 801.
[ (3) ] (العرج) بفتح أوله، وسكون ثانيه، وجيم: قرية جامعة في واد من نواحي الطائل. وقيل: واد به. مراصد الإطلاع 2/ 928.
[ (4) ] (قديد) تصغير قدّ: اسم موضع قرب مكة. مراصد الإطلاع 3/ 1070.(5/212)
وروى محمد بن عمر عن يزيد بن أسلم، وأبي الحويرث- رحمهما الله تعالى- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما انتهى إلى قديد قيل له: يا رسول الله هل لك في بيض النساء، وأدم الإبل؟ بني مدلج، فقال: - صلى الله عليه وسلم-: «إن الله عز وجل حرّمهن عليّ بصلة الرّحم» . وفي لفظ «ببر الوالد، ووكزهم في لبّات الإبل» .
وقدم العباس على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسلما. قال ابن هشام: لقيه بالجحفة فأرسل ثقله إلى المدينة، وسار مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال البلاذري: وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «هجرتك يا عمّ آخر هجرة، كما أنّ نبوّتي آخر نبوّة»
وأبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة لقياه بنقب العقاب، وستأتي قصة إسلامهما في ترجمتهما.
ذكر فطره- صلى الله عليه وسلّم- وأمره به
روى مسلم، والترمذي عن جابر، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، والطحاويّ عن ابن عباس- رضي الله عنهم- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خرج من المدينة في غزوة الفتح في رمضان يصوم ويصومون، حتى بلغ الكديد [ (1) ] بين عسفان وقديد، وفي رواية بين عسفان وأمج [ (2) ] ، وفي حديث جابر: كراع الغميم، بلغه أنّ الناس شقّ عليهم الصيام، وقيل له: إنما ينظرون فيما فعلت، فلما استوى على راحلته بعد العصر دعا بإناء من لبن، أو ماء، وجزم جابر بأنه ماء. وكذا ابن عباس، وفي رواية: فوضعه على راحلته ليراه الناس، فشرب فأفطر، فناوله رجلا إلى جنبه فشرب فقيل له بعد ذلك: أن بعض الناس صام، فقال: «أولئك العصاة، أولئك العصاة» فلم يزل مفطرا حتّى انسلخ الشهر [ (3) ] .
وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال سافرنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ونحن صيام، فنزلنا منزلا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «إنكم قد دنوتم من عدوّكم، والفطر أقوى لكم» وكانت رخصة، فمنّا من صام، ومنّا من أفطر، ثم نزلنا منزلا آخر، فقال:
«إنكم مصبحوا عدوّكم، والفطر أقوى لكم، فأفطروا» فكانت عزيمة، فأفطرنا
[ (4) ] .
__________
[ (1) ] (الكديد) قيل بالفتح، وبالكسر، وآخره دال أخرى: موضع بالحجاز على اثنين وأربعين ميلا من مكة، بين عسفان وأمج. مراصد الإطلاع 3/ 1152.
[ (2) ] (أمج) بفتحتين، والجيم: بلد من أعراض المدينة. مراصد الإطلاع 1/ 115.
[ (3) ] مسلم من حديث ابن عباس 2/ 784 (88/ 1113) ومن حديث جابر أخرجه مسلم في الصيام 2/ 785 (90/ 1114) والبخاري (4275) ، والترمذي (710) والنسائي في الصيام باب (47) والطيالسي كما في المنحة (912) والطحاوي في معاني الآثار 2/ 65 والشافعي في المسند (158) والبيهقي في الدلائل 5/ 25 وفي السنن 4/ 241، وانظر التلخيص 2/ 203.
[ (4) ] مسلم 2/ 789 (102/ 1120) .(5/213)
ذكر نزوله- صلى الله عليه وسلّم- بمر الظهران
قالوا: ونزل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم والمسلمون مرّ الظّهران عشاء، وأمر أصحابه أن يوقدوا عشرة آلاف نار، وجعل على الحرس عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال عروة كما عند ابن عائذ، وبه جزم ابن عقبة وابن إسحاق، ومحمد بن عمر وغيرهم، وعميت الأخبار عن قريش، فلم يبلغهم حرف واحد عن مسير رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا يدرون ما هو فاعل، وهم مغتمّون لما يخافون من غزوة إيّاهم، فبعثوا أبا سفيان بن حرب.
وروى إسحاق بن راهويه، والحاكم، والبيهقي بسند صحيح عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: مضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام الفتح حتى نزل مرّ الظّهران في عشرة آلاف من المسلمين، وقد عميت الأخبار عن قريش فلا يأتيهم خبر عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ولا يدرون ما هو صانع [ (1) ] .
وفي الصحيح عن عروة قال: لما سار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام الفتح بلغ ذلك قريشا، فخرج أبو سفيان بن حرب يتحسّس الأخبار. وقالت قريش: لأبي سفيان: إن لقيت محمدا فخذلنا منه أمانا، فخرج هو وحكيم بن حزام، فلقيا بديل بن ورقاء، فاستتبعاه، فخرج معهما يتحسّسون الأخبار، وينظرون هل يجدون خبرا، أو يسمعون به، فلما بلغوا الأراك من مرّ الظّهران، وذلك عشيا رأوا العسكر والقباب والنيران كأنها نيران عرفة، وسمعوا صهيل الخيل، ورغاء الإبل، فأفزعهم ذلك فزعا شديدا. قال عروة كما في الصحيح-: فقال بديل بن ورقاء:
هؤلاء بنو كعب- وفي رواية بنو عمرو: يعني بها خزاعة- حمشتها الحرب. فقال أبو سفيان:
بنو عمرو وأقلّ من ذلك [ (2) ] .
ذكر المنام الذي رآه أبو بكر الصديق- رضي الله عنه
روى البيهقي عن ابن شهاب- رضي الله تعالى عنه- أن أبا بكر قال: يا رسول الله!! أراني في المنام وأراك دنونا من مكة، فخرجت إلينا كلبة تهرّ، فلما دنونا منها استلقت على ظهرها، فإذا هي تشخب لبنا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ذهب كلبهم وأقبل درّهم، وهم سيأوون بأرحامهم وإنكم لاقون بعضهم فإن لقيتم أبا سفيان فلا تقتلوه» .
ذكر إعلامه- صلّى الله عليه وسلّم- بالليل بأن أبا سفيان في الأراك وأمره بأخذه
روى الطبراني عن أبي ليلى- رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمرّ
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 27.
[ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 597 (4280) .(5/214)
الظّهران، فقال: «إن أبا سفيان بالأراك فخذوه» فدخلنا، فأخذناه
[ (1) ] .
قال ابن عقبة: فبينما هم، يعني أبا سفيان، وحكيم بن حزام، وبديلا بن ورقاء كذلك لم يشعروا حتى أخذهم نفر كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعثهم عيونا له، فأخذوا بخطم أبعرتهم فقالوا: من أنتم؟ فقالوا: هذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فقال أبو سفيان: هل سمعتم بمثل هذا الجيش، نزلوا على أكباد قوم لم يعلموا بهم.
وروى ابن أبي شيبة عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب- رحمهما الله تعالى- قالا: أخذ أبو سفيان وأصحابه وكان حرس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نفر من الأنصار، وكان عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- تلك الليلة على الحرس، فجاؤوا بهم إليه، فقالوا: جئناك بنفر أخذناهم من أهل مكة، فقال عمر وهو يضحك إليهم: والله لو جئتموني بأبي سفيان ما زدتم. قالوا: قد والله آتيناك بأبي سفيان. فقال: احبسوه فحبسوه حتى أصبح. فغدا به على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال ابن عقبة: لما دخل الحرس بأبي سفيان وصاحبيه، لقيهم العباس بن عبد المطّلب، فأجارهم.
وروى ابن أبي شيبة عن عكرمة: أن أبا سفيان لما أخذه الحرس قال: دلّوني على العبّاس، فأتى العباس فأخبره الخبر، وذهب به إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
وروى إسحاق بن راهويه- بسند صحيح عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما نزل مرّ الظهران، رقّت نفس العبّاس لأهل مكة فقال: واصباح قريش، والله لئن دخلها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة، إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر،
قال العبّاس: فأخذت بغلة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الشّهباء فركبتها، وقلت:
ألتمس حطّابا، أو صاحب لبن، أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم بمكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة، فو الله إني لفي الأراك ألتمس ما خرجت إليه إذ سمعت كلام أبي سفيان، وبديل بن ورقاء، وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول: ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا! فقال بديل بن ورقاء: هذه والله خزاعة حمشتها الحرب، فقال أبو سفيان: خزاعة أقلّ وأذلّ من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها، قال العباس: فعرفت صوت أبي سفيان، فقلت: يا أبا حنظلة، فعرف صوتي، فقال: لبّيك يا أبا الفضل، مالك فداك أبي وأمي!! وعرف صوتي، فقلت: ويلك!! هذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في عشرة آلاف فقال: واصباح قريش والله بأبي أنت وأمي فما تأمرني، هل من حيلة؟ قلت: نعم، اركب عجز هذه البغلة،
__________
[ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 5/ 172.(5/215)
فأذهب بك إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأستأمنه لك، فإنه والله إن ظفر بك دون رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لتقتلن، فركب خلفي، ورجع صاحباه- كذا في حديث ابن عباس وعند ابن إسحاق، ومحمد بن عمر: أنهما رجعا- وذكر ابن عقبة، ومحمد بن عمر في موضع آخر:
أنهما لم يرجعا، وأنّ العباس قدم بهم إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- انتهى.
قال العبّاس: فجئت بأبي سفيان، كلّما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا: من هذا؟
فإذا رأوا بغلة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأنا عليها قالوا: عم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- على بغلته، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فلما رآني، قام، فقال: من هذا؟ قلت: العباس، فذهب ينظر، فرأى أبا سفيان خلفي، فقال: أي عدوّ الله!! الحمد للَّه الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتدّ نحو رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وركضت البغلة فسبقته كما تسبق الدّابة البطيئة الرجل البطيء، فاجتمعنا على باب قبّة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فاقتحمت عن البغلة فدخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ودخل عمر على أثري، فقال عمر: يا رسول الله!! هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني فلأضرب عنقه، قال قلت: يا رسول الله إني قد أجرته، ثم التزمت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخذت برأسه، فقلت: والله لا يناجيه اللّيلة دوني رجل. فلما أكثر عمر في شأنه، فقلت: مهلا يا عمر، فو الله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف، فقال: مهلاً يا عبّاس، وفي لفظ يا أبا الفضل، فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلى من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من إسلام الخطاب لو أسلم [ (1) ] .
وذكر ابن عقبة، ومحمد بن عمر في موضع آخر: قال العباس، فقلت: يا رسول الله!! أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء قد أجرتهم، وهم يدخلون عليك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم «أدخلهم» فدخلوا عليه، فمكثوا عنده عامّة اللّيل يستخبرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ودعاهم إلى الإسلام، فقالوا: نشهد أن لا إله إلا الله، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:
«اشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله» ، فشهد بديل، وحكيم بن حزام،
وقال: أبو سفيان: ما أعلم ذلك، والله إنّ في النّفس من هذا لشيء بعد، فأرجئها.
وعند أبي شيبة عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أنّه قيل لحكيم بن حزام: بايع، فقال: أبايعك ولا أخر إلّا قائما. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أما من قبلنا فلن تخرّ إلا قائما» . انتهى.
__________
[ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة 14/ 475.(5/216)
وقيل لأبي سفيان ذلك، فقال: كيف أصنع باللات والعزى؟ فقال عمر بن الخطاب- وهو خارج القبّة: اخرأ عليها، أما والله لو كنت خارج القبة ما قلتها، فقال أبو سفيان: من هذا؟
قالوا: عمر بن الخطاب
قال العبّاس: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «اذهب به يا عبّاس إلى رحلك، فإذا أصبحت فأتني به» قال: فذهبت به إلى رحلي.
وعند ابن عقبة، ومحمد بن عمر: فلما أذّن الصّبح أذّن العسكر كلهم: أي أجابوا المؤذن- ففزع أبو سفيان من أذانهم، فقال: ما يصنع هولاء؟ قال العباس، فقلت: الصّلاة. قال:
كم يصلون؟ قلت: خمس صلوات في اليوم والليلة، ثم رآهم يتلّقون وضوء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: ما رأيت ملكا قط كاليوم لا ملك كسرى ولا قيصر، قال العباس: فلما صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الصبح غدوت به. وعند ابن عقبة، ومحمد بن عمر: إن أبا سفيان سأل العبّاس في دخوله على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-، وعند ابن أبي شيبة عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: فلمّا أصبحوا قام المسلمون إلى طهورهم، فقال أبو سفيان: يا أبا الفضل!! ما للنّاس أمروا فيّ بشيء؟ قال: لا ولكنهم قاموا إلى الصّلاة، فأمره العبّاس فتوضأ، وذهب به إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الصلاة كبّر وكبّر النّاس، ثم ركع، فركعوا، ثمّ رفع، فرفعوا، ثم سجد فسجدوا، فقال أبو سفيان: ما رأيت كاليوم طاعة، قوم جمعهم من ههنا وههنا، ولا فارس الأكارم، ولا الروم ذات القرون بأطوع منهم له، يا أبا الفضل أصبح ابن أخيك والله عظيم الملك، فقال العبّاس: إنه ليس بملك، ولكنها النبوة، قال: أو ذاك.
قال العباس: فلما فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟! قال: بأبي أنت وأمي!! ما أحلمك وأكرمك وأعظم عفوك! إنه لو كان مع الله إله لقد أغنى عنّي شيئا بعد، لقد استنصرت إلهي، واستنصرت إلهك، فو الله ما لقيتك من مرة، إلا نصرت عليّ، فلو كان إلهي محقّا وإلهك مبطلا لقد غلبتك، فقال: «ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم إني رسول الله؟ قال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأعظم عفوك! أمّا هذه فو الله إنّ في النّفس منها شيئا حتى الآن،
فقال العبّاس: ويحك! أسلم قبل أن تضرب عنقك فشهد شهادة الحقّ، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله. وظاهر كلام ابن عقبة ومحمد بن عمر في مكان آخر إن أبا سفيان قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله من غير أن يعرض ذلك عليه أحد.
قال: قال أبو سفيان، وحكيم بن حزام: يا رسول الله جئت بأوباش النّاس من يعرف ومن لا يعرف إلى أهلك وعشيرتك! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أنتم أظلم وأفجر، قد غدرتم بعهد الحديبية، وظاهرتم على بني كعب بالإثم والعدوان في حرم الله- تعالى- وأمنه» فقال حكيم وأبو سفيان: صدقت يا رسول الله: ثمّ قالا:
يا رسول الله!! لو كنت جعلت جدّك ومكيدتك لهوازن، فهم أبعد رحما، وأشد عداوة لك؟(5/217)
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إني لأرجو من ربّي أن يجمع لي ذلك كله. فتح مكة، وإعزاز الإسلام بها، وهزيمة هوازن، وغنيمة أموالهم وذراريهم، فإنّي أرغب إلى الله- تعالى- في ذلك
[ (1) ] » .
قال ابن عقبة: قال أبو سفيان، وحكيم بن حزام: يا رسول الله ادع النّاس بالأمان، أرأيت إن اعتزلت قريش وكفّت أيديها آمنون هم؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «نعم»
قال العبّاس، قلت:
يا رسول الله!! قد عرفت أبا سفيان وجه الشرف والفخر، فاجعل له شيئا.
وعند ابن أبي شيبة عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن: أن أبا بكر قال: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحبّ السّماع، يعني الشّرف- انتهى. فقال «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» فقال: وما تسع داري؟ زاد ابن عقبة «ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن» ودار أبي سفيان بأعلى مكّة، ودار حكيم بأسفلها «ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن» فقال أبو سفيان: وما يسع المسجد؟ قال: «ومن أغلق بابه فهو آمن» فقال أبو سفيان: هذه واسعة [ (2) ] .
ذكر ارادة أبي سفيان وحكيم بن حزام الانصراف إلى قومهما ليعلماهم بذلك ووقوفهما ليريا جنود الله تبارك وتعالى
قال ابن عقبة: لما توجهوا ذاهبين، قال العبّاس: يا رسول الله إني لا آمن أبا سفيان إن يرجع عن إسلامه فاردده حتى يفقه، ويرى جنود الله- تعالى- معك.
وروى ابن أبي شيبة عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: إن أبا سفيان لما ولّى، قال أبو بكر: يا رسول الله، لو أمرت بأبي سفيان فحبس على الطريق؟
وقال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر: إن أبا سفيان لمّا ذهب لينصرف، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- للعبّاس: «احبسه بمضيق الوادي» .
قال ابن عقبة، ومحمد بن عمر: فأدركه العبّاس فحبسه، فقال أبو سفيان أغدرا يا بني هاشم؟ فقال العباس: إن أهل النّبوّة لا يغدرون. ولفظ ابن عقبة: إنّا لسنا بغدر، ولكن أصبح حتّى تنظر جنود الله، وإلى ما أعد الله للمشركين، قال ابن عقبة فحبسهم بالمضيق دون الأراك إلى مكّة حتّى أصبحوا.
__________
[ (1) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (30173) .
[ (2) ] أخرجه الطبراني في الكبير 8/ 9 وانظر المجمع 6/ 172 وأخرج صدره مسلم في الجهاد باب (31، 84، 86) وأبو داود في الخراج باب (25) وأحمد 2/ 292، 538 والبيهقي 6/ 234، 9/ 117، 118، 171 والطبراني في الكبير 8/ 9 وابن أبي شيبة 14/ 475 وعبد الرزاق (9739) والطبراني في الصغير 2/ 72 والدارقطني 3/ 60 والطحاوي في المعاني 3/ 321، والبيهقي في الدلائل 5/ 32، 37، 56.(5/218)
وروى ابن عساكر عن عطاء قال: لا أحسبه إلا رفعه إلى ابن عباس- رضي الله- تعالى- عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليلة قربه من مكة في غزوة الفتح «إنّ بمكة لأربعة نفر من قريش أربأ بهم عن الشّرك، وأرغب لهم في الإسلام» قيل: ومن هم يا رسول الله؟ قال:
«عتاب بن أسيد، وجبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، وسهيل بن عمرو»
[ (1) ] .
ذكر تعبئة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصحابه رضوان الله عليهم ونزولهم بأبي سفيان، وما وقع في ذلك من الآيات
قال ابن عقبة- رحمه الله تعالى- وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مناديا ينادي، لتصبح كل قبيلة قد أرحلت، ووقفت مع صاحبها عند رايته، وتظهر ما معها من الأداة والعدّة. فأصبح النّاس على ظهر، وقدّم بين يديه الكتائب. قالوا: ومرّت القبائل على قادتها. والكتائب على راياتها.
قال محمد بن عمر: وكان أول من قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد في بني سليم- بضم أوله، وفتح ثانيه، وسكون التحتية، وهم ألف، ويقال: تسعمائة، ومعهم لواءان وراية، يحمل أحد اللواءين العباس بن مرداس بكسر الميم، والآخر يحمله خفاف- بخاء معجمة مضمومة- بن ندبة- بنون مضمومة، فدال مهملة- ويحمل الراية الحجاج بن علاط- بعين مضمومة فطاء مهملتين، فلمّا مرّوا بأبي سفيان، كبّروا ثلاث تكبيرات، ثم مضوا، فقال أبو سفيان: يا عبّاس!! من هولاء؟ فقال: هذا خالد بن الوليد، قال: الغلام؟ قال: نعم قال: ومن معه؟ قال: بنو سليم، قال: ما لي وبني سليم! ثم مرّ على أثره الزبير بن العوام في خمسمائة من المهاجرين وأفناء العرب، ومعه راية سوداء. فلما مرّوا بأبي سفيان كبّروا ثلاثا، فقال أبو سفيان: من هؤلاء؟ قال: هذا الزبير بن العوام، قال: ابن أختك؟ قال: نعم، ثم مرّت بنو غفار- بكسر الغين المعجمة- في ثلاثمائة، يحمل رايتهم أبو ذرّ، ويقال: إيماء- بكسر الهمزة، وفتحها، وسكون التحتية، ممدود مصروف، وقد يقصر مع الفتح- بن رحضة- بحاء، فضاد معجمة مفتوحات، وأجاز ابن الأثير: سكون الحاء، واقتصر النّوويّ على الفتح، وقال السهيلي: بضم الرّاء- فلمّا حاذوه، كبّروا ثلاثا، فقال أبو سفيان من هؤلاء؟ قال: بنو غفار، قال: مالي ولبني غفار؟ ثم مرت أسلم في أربعمائة، فيهما لواءان يحمل أحدهما بريدة- بلفظ تصغير البرد- بن الحصيب- بضم الحاء، وفتح الصاد المهملتين، فتحتية فموحدة- والآخر ناجية- بالنون، والجيم- بن الأعجم، فلما حاذوه كبّروا
__________
[ (1) ] أخرجه ابن عساكر كما في التهذيب 4/ 419، والحاكم 3/ 595.(5/219)
ثلاثا، فقال: من هؤلاء؟ قال العباس: أسلم، قال: مالي ولأسلم؟ ثم مرت بنو كعب بن عمرو في خمسمائة، يحمل رايتهم بسر- بضم الموحدة، وسكون السين المهملة- بن سفيان فلما حاذوه، كبّروا ثلاثا، فقال: من هؤلاء؟ قال العباس: بنو عمرو بن كعب بن عمرو، إخوة أسلم، قال: نعم، هؤلاء حلفاء محمد، ثم مرت مزينة- بضم الميم، وفتح الزاء، في ألف فيها ثلاثة ألوية ومائة فرس، يحمل ألويتها النعمان بن مقرن- بضم الميم، وسكون القاف، [وبالراء] والنون، وعبد الله بن عمرو بن عوف، وبلال بن الحارث، فلما حاذوه كبّروا ثلاثا، قال: من هؤلاء؟ قال: العباس: مزينة، قال: مالي ولمزينة؟ قد جاءتني تقعقع من شواهقها، ثم مرّت جهينة- بضم الجيم، وفتح الهاء وسكون التحتية، وبالنون- في ثمانمائة، فيها أربعة ألوية، يحملها أبو روعة- بفتح الراء، وسكون الواو- معبد بن خالد، وسويد بن صخر، ورافع بن مكيث- بفتح الميم، وكسر الكاف، وبالمثلثة- وعبد الله بن بدر- بالموحدة- فلما حاذوه كبّروا ثلاثا، فقال من هؤلاء؟ قال: جهينة، قال: مالي ولجهينة؟ ثم مرّت كنانة- بكسر الكاف- بنو ليث وضمرة، وسعد بن بكر في مائتين، يحمل لواءهم أبو واقد- بالقاف- اللّيثي، فلمّا حاذوه كبّروا ثلاثا، فقال: من هؤلاء؟ قال العبّاس: بنو بكر، قال: نعم، أهل شؤم والله! هؤلاء الّذين غزانا محمّد بسببهم، قال العبّاس: قد خار الله- تعالى- لكم في غزو محمد- صلى الله عليه وسلم- أتاكم أمنكم، ودخلتم في الإسلام كافة، ثم مرّت أشجع- بالشين المعجمة، والجيم- وهم آخر من مرّ، وهم ثلاثمائة معهم لواءان، يحمل أحدهما معقل- بالعين المهملة، والقاف- ابن سنان، والآخر: نعيم بن مسعود. فلمّا حاذوه كبّروا ثلاثا قال أبو سفيان: من هؤلاء؟ قال العبّاس: هؤلاء أشجع، قال أبو سفيان: هؤلاء كانوا أشدّ العرب على محمد، قال العبّاس وأدخل الله- تعالى- الإسلام في قلوبهم، فهذا فضل من الله، ثم قال أبو سفيان: أبعد ما مضى محمد؟ فقال العباس: لا، لم يمض بعد، لو أتت الكتيبة التي فيها محمد رأيت فيها الحديد والخيل والرجال، وما ليس لأحد به طاقة، قال: ومن له بهؤلاء طاقة؟ وجعل الناس يمرّون، كل ذلك يقول أبو سفيان ما مرّ محمد؟ فيقول العبّاس: لا، حتّى طلعت كتيبة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الخضراء الّتي فيها المهاجرون والأنصار، وفيها الرّيات والألوية، مع كل بطن من بطون الأنصار لواء وراية، وهم في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق، ولعمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فيها زجل بصوت عال وهو يزعها ويقول: رويدا حتى يلحق أولكم آخركم- يقال: كان في تلك الكتيبة ألفا دارع، وأعطى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رايته سعد بن عبادة، فهو أمام الكتيبة، فلما مرّ سعد براية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نادى أبا سفيان فقال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحلّ الحرمة اليوم أذلّ الله قريشا قال أبو سفيان: يا عباس، حبّذا يوم الذّمار. فمرت القبائل، وطلع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو على ناقته القصواء. قال محمد بن عمر: بين أبي بكر(5/220)
الصّدّيق، وأسيد بن الحضير- وهو يحدثهما- فقال العبّاس: هذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم [ (1) ] .
وفي الصحيح عن عروة أنّ كتيبة الأنصار جاءت مع سعد بن عبادة، ومعه الرّاية، قال:
ولم ير مثلها، ثم جاءت كتيبة هي أقل الكتائب، فيهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وراية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مع الزّبير، قال في العيون: كذا وقع عند جميع الرّواة. ورواه الحميديّ في كتابه: هي أجلّ الكتائب، وهو الأظهر انتهى.
فقال أبو سفيان: لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيما قال العباس: قلت: يا أبا سفيان إنها النّبوّة، قال: فنعم إذا [ (2) ] .
وروى الطبراني عن العباس- رضي الله عنه- قال: لما بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قلت لأبي سفيان بن حرب: أسلم بنا، قال: لا والله حتى أرى الخيل تطلع من كداء، قال العباس:
قلت ما هذا؟ قال شيء طلع بقلبي، لأنّ الله لا يطلع خيلا هناك أبدا، قال العباس: فلما طلع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من هناك ذكّرت أبا سفيان به فذكره [ (3) ] .
فلما مر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بأبي سفيان، قال: يا رسول الله أمرت بقتل قومك؟! ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة قال: «ما قال» قال: كذا وكذا، وإني أنشدك الله في قومك، فأنت أبرّ الناس، وأوصل الناس، وأرحم الناس، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «كذب سعد يا أبا سفيان، اليوم يوم المرحمة، اليوم يوم يعظم الله فيه الكعبة، اليوم يوم تكسى فيه الكعبة، اليوم يوم أعز الله فيه قريشاً» .
وعند ابن إسحاق: أن سعدا لما قال ما قال، سمعه رجل من المهاجرين، قال ابن هشام:
هو عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله ما نأمن أن يكون له في قريش صولة: واستبعد ذلك الحافظ من عمر هنا لكونه كان معروفا بشدة البأس عليهم.
وعند محمد بن عمر: إن عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، قالا ذلك لرسول الله- صلى الله عليه وسلّم.
وقال ضرار- بضاد معجمة- بن الخطاب الفهري- فيما ذكره محمد بن عمر، وأبو عثمان سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي- شعرا يستعطف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أهل مكة حين سمع قول سعد، قال أبو الربيع وهو من أجود شعر قاله.
__________
[ (1) ] أخرجه ابن عبد البر في الدرر (216) والبيهقي في الدلائل 5/ 38 وابن كثير في البداية 4/ 290.
[ (2) ] انظر المجمع 6/ 173.
[ (3) ] انظر المصدر السابق.(5/221)
وعند ابن إسحاق وعند ابن عساكر من طريق أبي الزبير عن جابر- رضي الله عنه- أن امرأة من قريش عارضت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بهذا الشّعر، فكأنّ ضرارا أرسل به المرأة ليكون أبلغ في انعطاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على قريش:
يا نبيّ الهدى إليك لجا ... حيّ قريش ولات حين لجاء
حين ضاقت عليهم سعة الأر ... ض وعاداهم إله السّماء
والتقت حلقتا البطان على القو ... م ونودوا بالصّيلم الصّلعاء
إنّ سعدا يريد قاصمة الظّه ... ر بأهل الحجون والبطحاء
خزرجيّ لو يستطيع من الغي ... رمانا بالنّسر والعوّاء
وغر الصّدر لا يهمّ بشيء ... غير سفك الدّما وسبي النّساء
قد تلظّى على البطاح وجاءت ... عنه هند بالسّوءة السّواء
إذ ينادي بذلّ حيّ قريش ... وابن حرب بذا من الشّهداء
فلئن أقحم اللّواء ونادى ... يا حماة الأدبار أهل اللّواء
ثمّ ثابت إليه من بهم الخز ... رج والأوس أنجم الهيجاء
لتكوننّ بالبطاح قريش ... فقعة القاع في أكفّ الإماء
فأنهينه فإنّه أسد الأس ... د لدى الغاب والغ في الدّماء
إنّه مطرق يريد لنا الأم ... ر سكوتا كالحيّة الصّمّاء
فأرسل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى سعد، فنزع اللواء من يده، وجعله إلى ابنه قيس بن سعد، ورأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن اللواء لم يخرج من يد سعد، حتى صار إلى ابنه.
قال محمد بن عمر: فأبى سعد أن يسلم اللّواء إلّا بأمارة من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأرسل النبي- صلى الله عليه وسلم- بعمامته، فدفع اللّواء إلى ابنه قيس، ويقال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أمر عليا فأخذ الرّاية، فذهب بها إلى مكة حتى غرزها عند الركن.
قال أبو عمر- رحمه الله تعالى-: قد روي إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أعطى الرّاية للزبير إذ نزعها من سعد.
وروى أبو يعلى عن الزبير- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دفعها إليه فدخل بلواءين، وبه جزم موسى بن عقبة [ (1) ] .
قال الحافظ: والذي يظهر في الجمع أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أرسل عليّا لينزعها، وأن
__________
[ (1) ] انظر المصدر السابق.(5/222)
يدخل بها. ثم خشي تغيّر خاطر سعد، فأمر بدفعها لابنه قيس، ثم إنّ سعدا خشي أن يقع من ابنه شيء يكرهه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يأخذها، فحينئذ أخذها الزبير، ويؤيّد ذلك ما رواه البزار بسند على شرط البخاري عن أنس- رضي الله عنه- قال: كان قيس في مقدمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لمّا قدم مكة، فكلم سعد النبي- صلى الله عليه وسلم- إن يصرفه عن الموضع الذي هو فيه مخافة أن يقدم على شيء فصرفه عن ذلك. انتهى.
وروى ابن أبي شيبة عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، والطبراني عن عروة: أن العبّاس قال: يا رسول الله!! لو أذنت لي فأتيتهم. أي أهل مكة- فدعوتهم فأمنتهم، فركب العباس بغلة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الشهباء، وانطلق، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «ردّوا عليّ أبي، ردّوا عليّ أبي، فإن عم الرجل صنو أبيه- «إني أخاف أن تفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود، دعاهم إلى الله- تعالى- فقتلوه، أما والله لئن ركبوها منه لأضر منّها عليهم نارا» فكره العباس الرجوع، وقال: يا رسول الله، إن ترجع أبا سفيان راغبا في قلّة النّاس، فيكفر بعد إسلامه فقال «احبسه» فحبسه، فذكر عرض القبائل ومرورها بأبي سفيان، وفيه فقال أبو سفيان: امض يا عبّاس. فانطلق العباس حتى دخل مكة فقال: يا أهل مكة!! أسلموا تسلموا قد استبطنتم بأشهب بازل
[ (1) ] . انتهى.
وفي حديث عروة عند الطبراني: وكفهم الله عز وجل- عن العباس- انتهى. قال العباس، فقلت لأبي سفيان بن حرب: أنج ويحك- فأدرك قومك قبل أن يدخل عليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فخرج أبو سفيان، فتقدّم الناس كلّهم حتى دخل مكة من كداء فصرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به، أسلموا تسلموا، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قالوا: قاتلك الله! وما تغني دارك؟! قال: ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن. فقامت إليه هند بنت عتبة زوجته، فأخذت بشاربه، وقالت: اقتلوا الحميت الدّسم الأحمس، قبّح من طليعة قوم. فقال أبو سفيان: ويلكم! لا تغرنّكم هذه من أنفسكم، فإنّه قد جاءكم ما لا قبل لكم به.
ذكر من أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بقتله يوم الفتح، ولا يدخل فيما عقد من الأمان
وهم: عبد العزى ابن خطل- بفتح الخاء المعجمة، والطّاء المهملة، وآخره لام وكان قد أسلم، وسماه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عبد الله وهاجر إلى المدينة، وبعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
__________
[ (1) ] ابن أبي شيبة 14/ 484 والطحاوي في معاني الآثار 3/ 315 وابن عساكر كما في التهذيب 7/ 236.(5/223)
ساعيا، وبعث معه رجلا من خزاعة، وكان يصنع له طعامه ويخدمه فنزلا في مجمع- والمجمع حيث تجتمع الأعراب يؤدون فيه الصدقة- فأمره أن يصنع له طعاما، ونام نصف النهار، واستيقظ، والخزاعي نائم، ولم يصنع له شيئا، فعدى عليه فضربه فقتله، وارتدّ عن الإسلام، وهرب إلى مكة، وكان يقول الشعر يهجو به رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وكان له قينتان، وكانتا فاسقتين، فيأمرهما ابن خطل أن يغنيا بهجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
وعن أنس قال: دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة يوم الفتح على رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «اقتلوه» رواه الإمام مالك والشيخان
[ (1) ] .
قال محمد بن عمر [ (2) ] : لمّا دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى ذي طوى، أقبل ابن خطل من أعلى مكة مدجّجا في الحديد على فرس وبيده قناة، فمرّ ببنات سعيد بن العاص فقال لهن: أما والله لا يدخلها محمّد حتى ترين ضربا كأفواه المزاد،
ثم خرج حتى انتهى إلى الخندمة، فرأى خيل الله، ورأى القتال فدخله رعب، حتّى ما يستمسك من الرّعدة، فرجع حتى انتهى إلي الكعبة، فنزل عن فرسه، وطرح سلاحه وأتى البيت فدخل تحت أستاره، فأخذ رجل من بني كعب سلاحه وأدرك فرسه عائرا فاستوى عليه، ولحق برسول الله- صلى الله عليه وسلم بالحجون.
وعبد الله بن سعد بن أبي سرح- بفتح السين، وإسكان الرّاء، وبالحاء المهملات- كان أسلم، ثم ارتد، فشفع فيه عثمان يوم الفتح، فحقن دمه، وأسلم بعد ذلك فقبل إسلامه، وحسن إسلامه بعد ذلك، وولّاه عمر بعض أعماله، ثم ولاه عثمان، ومات وهو ساجد في صلاة الصبح، أو بعد انقضائها، وكان أحد النّجباء الكرماء العقلاء من قريش، وكان فارس بني عامر بن لؤي المقدم فيهم، وسيأتي خبره مبسوطا في أبواب كتابه- صلى الله عليه وسلّم.
وعكرمة بن أبي جهل، أسلم فقبل إسلامه.
والحويرث- بالتصغير- بن نقيدر بضم النون، وفتح القاف، وسكون التحتية، فدال مهملة، فراء مهملة، كان يؤذي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ونخس بزينب بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما هاجرت إلى المدينة، فأهدر دمه. فبينما هو في منزله قد أغلق عليه بابه، فسأل عنه علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- فقيل هو بالبادية، فأخبر الحويرث أنّه يطلب، فتنحى عليّ عن بابه، فخرج الحويرث يريد أن يهرب من بيت إلى آخر، فتلقّاه عليّ، فضرب عنقه.
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 4/ 59 (1846، 4286) ، ومسلم 2/ 989 (450/ 1357) .
[ (2) ] انظر المغازي 2/ 827.(5/224)
قال ابن هشام: وكان العباس بن عبد المطلب حمل فاطمة، وأم كلثوم بنتي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من مكّة يريد بهما المدينة، فنخس بهما الحويرث فرمى بهما الأرض.
قال البلاذري- رحمه الله تعالى- وكان يعظم القول في رسول الله- صلى الله عليه وسلّم، وينشد الهجاء فيه، ويكثر أذاه وهو بمكة.
ومقيس. بميم، فقاف، فسين مهملة- بن صبابة، بصاد مهملة، وموحدتين، الأولى خفيفة-، كان أسلم، ثم أتى على رجل من الأنصار فقتله، وكان الأنصاري قتل أخاه هشاما خطأ في غزوة ذي قرد، ظنّه من العدوّ، فجاء مقيس، فأخذ الدّية، ثم قتل الأنصاري، ثم ارتد، فقتله نميلة- تصغير نملة- بن عبد الله يوم الفتح.
وهبّار- بفتح الهاء، وتشديد الموحدة بن الأسود، أسلم، وكان قبل ذلك شديد الأذى للمسلمين، وعرض لزينب بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لمّا هاجرت فنخس بها، فأسقطت، ولم يزل ذلك المرض بها حتّى ماتت، فلما كان يوم الفتح، وبلغه إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أهدر دمه، فأعلن بالإسلام، فقبله منه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعفا عنه.
والحويرث بن الطلاطل الخزاعي، قتله علي- رضي الله عنه- ذكره أبو معشر.
وكعب بن زهير، وجاء بعد ذلك فأسلم، ومدح. ذكره الحاكم.
ووحشيّ بن حرب، وتقدّم شأنه في غزوة أحد، فهرب إلى الطائف، فلما أسلم أهلها جاء فأسلم.
وسارة مولاة عمرو بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف، وكانت مغنية نوّاحة بمكة، وكانت قدمت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل الفتح، وطلبت منه الصّلة وشكت الحاجة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم «ما كان في غنائك ما يغنيك؟» فقالت: إنّ قريشا منذ قتل من قتل منهم ببدر تركوا الغناء، فوصلها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأوقر لها بعيرا طعاما، فرجعت إلى قريش.
وكان ابن خطل يلقي عليها هجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فتغني به. وهي التي وجد معها كتاب حاطب ابن أبي بلتعة، فأسلمت وعاشت إلى خلافة عمر بن الخطاب وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان بن حرب، وهي الّتي شقّت عن كبد حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأسلمت، فعفا عنها.
وأرنب مولاة ابن خطل، وقينتان لابن خطل، كانتا تغنيان بهجو رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اسم إحداهما فرتنى- بفتح الفاء، وسكون الرّاء وفتح الفوقية، فنون، فألف تأنيث مقصورة، والأخرى قريبة- ضدّ بعيدة، ويقال: هي أرنب السابقة، فاستؤمن لإحداهما فأسلمت، وقتلت الأخرى،(5/225)
وذكر عن ابن إسحاق أن فرتنى هي التي أسلمت، وأن قريبة قتلت.
وأم سعد قتلت فيما ذكره ابن إسحاق، ويحتمل كما قال الحافظ- رحمه الله- تعالى- أن تكون أرنب، وأم سعد القينتان. واختلف في اسمهما باعتبار الكنية واللّقب.
ذكر دخوله- صلّى الله عليه وسلم- مكة وإرسال طائفة من أصحابه أمامه وارادة بعض المشركين صدهم عن دخولهم، وقتل المسلمين لهم
قال ابن إسحاق- رحمه الله تعالى- وغيره: لمّا ذهب أبو سفيان إلى مكة بعد ما عاين جنود الله- تعالى- تمرّ عليه، فانتهى المسلمون إلى ذي طوى، فوقفوا ينتظرون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتّى تلاحق النّاس، وأقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في كتيبته الخضراء، وهو على ناقته القصواء، معتجرا بشقّ برد حبرة حمراء.
وعن أنس- رضي الله عنه- قال: لما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- استشرفه الناس، فوضع رأسه على رحله متخشّعا، رواه الحاكم بسند جيد قوي، ورواه أبو يعلى من طريق آخر [ (1) ] ، وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يومئذ وعليه عمامة سوداء، ورايته سوداء، ولواؤه أسود حتّى وقف بذي طوى، وتوسّط الناس، وإنّ عثنونه ليمسّ واسطة رحله، أو يقرب منها تواضعا لله عز وجل حين رأى ما رأى من فتح الله تعالى، وكثرة المسلمين،
ثم قال: «اللهم إن العيش عيش الآخرة»
قال: وجعلت الخيل تمعج بذي طوى في كل وجه، ثمّ ثابت وسكنت حين توسطهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رواه محمد بن عمر [ (2) ] .
وعن أنس- رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام، رواه الإمام أحمد، ومسلم، والأربعة [ (3) ] .
وعن عمرو بن حريث- رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى رسول الله- صلّى الله ليه وسلّم يوم فتح مكة، وعليه عمامة سوداء خرقانيّة، وقد أرخى طرفها بين كتفيه، رواه مسلم [ (4) ] ، وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح من كداء من أعلى مكة، رواه البخاري، والبيهقيّ.
وعن جابر- رضي الله عنه- قال: كان لواء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم دخل مكة أبيض، رواه الأربعة [ (5) ] .
__________
[ (1) ] الحديث عند ابن عدي في الكامل 4/ 571، وانظر المجمع 6/ 196.
[ (2) ] ابن سعد 3/ 1/ 180.
[ (3) ] مسلم 2/ 990 (451/ 1358) ، والبيهقي في الدلائل 5/ 67 وابن أبي شيبة 8/ 234.
[ (4) ] أخرجه مسلم 2/ 990 (453/ 1359) .
[ (5) ] البخاري 7/ 611 (4290) .(5/226)
وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان لواء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح أبيض، ورايته سوداء تسمّى العقاب، وكانت قطعة مرط مرحّل، رواه ابن إسحاق [ (1) ] .
وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: لما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة عام الفتح، رأى النّساء يلطمن وجوه الخيل بالخمر، فتبسّم إلى أبي بكر، فقال: «يا أبا بكر كيف قال حسان» فأنشده أبو بكر، قول حسان- رضي الله عنهما:
عدمت بنيّتي إن لم تروها ... تثير النّقع من كتفي كداء
ينازعن الأعنّة مسرجات ... يلطّمهنّ بالخمر النّساء
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ادخلوها من حيث قال حسّان»
[ (2) ] .
وفي الصحيح وغيره عن عروة: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمر الزبير بن العوام أن يدخل من كداء من أعلى مكة، وأن يغرز رايته بالحجون، ولا يبرح حتّى يأتيه» [ (3) ] . وفي الصحيح أيضا عن العبّاس أنّه قال للزبير بن العوام: يا أبا عبد الله ها هنا أمرك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن تركز الراية؟
قال: نعم [ (4) ] .
قال: وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد- وكان على المجنّبة اليمنى، وفيها أسلم، وسليم، وغفار، ومزينة، وجهينة، وقبائل من العرب- أن يدخلوا من اللّيط، وهو أسفل مكة، وأمره أن يغرز رايته عند أدنى البيوت وأمّر أبا عبيدة بن الجراح- رضي الله عنه- على الحسّر، كما عند الإمام أحمد.
وفي صحيح مسلم [ (5) ] عن عبد الله بن رباح أن أبا عبيدة كان على البياذقة، يعني الرجالة.
وعند ابن إسحاق وعبد الله بن أبي نجيح أن أبا عبيدة بن الجراح أقبل بالصّف من المسلمين ينصبّ لمكة بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالوا: وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أمراءه أن يكفوا أيديهم، ولا يقاتلوا إلّا من قاتلهم، قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر رحمهما الله تعالى: إنّ صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمر، - وأسلموا بعد ذلك- دعوا إلى قتال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجمعوا أناسا
__________
[ (1) ] أخرجه أبو داود في الجهاد باب (76) ، والحاكم 2/ 104 وابن أبي شيبة 12/ 514، والبيهقي 6/ 392.
[ (2) ] البيهقي في الدلائل 5/ 66 والطحاوي في المعاني 4/ 296.
[ (3) ] أخرجه البخاري 7/ 598 (4280) .
[ (4) ] انظر المصدر السابق.
[ (5) ] مسلم في الجهاد (86) .(5/227)
بالخندمة وضوى إليهم ناس من قريش، وناس من بني بكر، وهذيل، ولبسوا السلاح، يقسمون بالله لا يدخلها محمد عنوة أبدا، وكان رجل من بني الدّيل يقال له جماش- بكسر الجيم وتخفيف الميم- وبالشين المعجمة- بن قيس بن خالد لمّا سمع بدخول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جعل يصلح سلاحه، فقالت له امرأته: لمن تعدّ هذا؟ قال: لمحمد وأصحابه، قالت: والله ما أرى يقوم لمحمد وأصحابه شيء. قال: والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم فإنّك محتاجة إليه قالت: ويلك: لا تفعل، ولا تقاتل محمدا والله ليضلن عنك رأيك، لو قد رأيت محمدا، وأصحابه، قال ستري ثم قال:
إن يقبلوا اليوم فمالي علّه ... هذا سلاح كامل وألّه
وذو غرارين سريع السّلّه
ثم شهد الخندمة مع صفوان، وسهيل بن عمرو، وعكرمة، فلما دخل خالد بن الوليد من حيث أمره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجد الجمع المذكور، فمنعوه الدّخول، وشهروا له السّلاح، ورموه بالنبّل، وقالوا: لا تدخلها عنوة، فصاح في أصحابه فقاتلهم، وقتل منهم أربعة وعشرون رجلاً من قريش، وأربعة من هذيل.
وقال ابن إسحاق: أصيب من المشركين قريب من اثني عشر أو ثلاثة عشر، وانهزموا أقبح الانهزام، حتّى قتلوا بالحزورة، وهم مولّون في كل وجه، وانطلقت طائفة منهم فوق رؤوس الجبال، وأتبعهم المسلمون.
قال محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- وجعل خالد- رضي الله عنه- يتمثّل بهذه الأبيات:
إذا ما رسول الله فينا رأيته ... كلجّة بحر نال فيها سريرها
إذا ما ارتدينا الفارسيّة فوقها ... ردينية يهدي الأصمّ خريرها
رأينا رسول الله فينا محمّدا ... لها ناصرا عزّت وعزّ نصيرها
قال ابن هشام: وكان شعار المهاجرين من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكّة وحنين والطّائف: يا بني عبد الرحمن، وشعار الخزرج: يا بني عبد الله، وشعار الأوس: يا بني عبيد الله.
وجعل أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام يصيحان يا معشر قريش علام تقتلون أنفسكم؟! من دخل داره فهو آمن، ومن وضع السّلاح فهو آمن، فجعل النّاس يقتحمون الدّور ويغلقون عليهم، ويطرحون السّلاح في الطرق حتّى يأخذه المسلمون، ورجع جماش منهزما حتى انتهى إلي بيته، فدقّه، ففتحت له امرأته، فدخل وقد ذهبت روحه، فقالت له: أين الخادم(5/228)
الذي وعدتني؟ ما زلت منتظرة لك منذ اليوم- تسخر منه- فقال: دعي هذا عنك، واغلقي عليّ بابي، ثم قال:
إنك لو شهدت يوم الخندمة ... إذ فرّ صفوان وفرّ عكرمه
وأبو يزيد كالعجوز المؤتمه ... واستقبلتهم بالسّيوف المسلمه
يقطعن كلّ ساعد وجمجمة ... ضربا فلا تسمع إلّا الغمغمة
لهم نهيت خلفنا وهمهمه ... لم تنطقي في اللّوم أدنى كلمه
وأقبل الزبير- رضي الله عنه- بمن معه من المسلمين حتى انتهى إلي الحجون عند منزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولم يقتل من المسلمين إلا رجلان من أصحاب الزّبير، أخطأ الطّريق فسلكا غيره فقتلا، وهما كرز بن جابر الفهريّ [ (1) ] وحبيش- بحاء مهملة مضمومة، فموحّدة مفتوحة، فتحتية ساكنة فشين معجمة- بن خالد بن ربيعة بن الأشعر- بشين معجمة، وعين مهملة- الكعبي- رضي الله عنهما- ومضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فدخل مكة من أذاخر، [ (2) ] فلما ظهر على أذاخر، نظر إلى البارقة مع فضض المشركين، فقال: «ما هذه البارقة؟! ألم أنه عن القتال؟» قالوا: يا رسول الله، خالد بن الوليد قوتل ولو لم يقاتل ما قاتل، وما كان يا رسول الله ليعصيك، ولا يخالف أمرك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «قضاء الله خير» .
وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله عنهما- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خطب، فقال: «إن الله حرّم مكّة» الحديث [ (3) ] ، فقيل: هذا خالد يقتل، فقال: «قم يا فلان فقل له فليرفع يديه من القتل» فأتاه الرّجل، فقال له: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول لك، أقتل من قدرت عليه، فقتل سبعين، فأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذكر له ذلك، فأرسل إلى خالد «ألم أنهك عن القتل؟!» فقال: جاءني فلان فأمرني أن أقتل من قدرت عليه، فأرسل إليه «ألم آمرك أن تنذر خالدا؟» قال:
أردت أمرا فأراد الله أمرا، فكان أمر الله فوق أمرك، وما استطعت إلّا الذي كان، فسكت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما ردّ عليه.
وروى الإمام أحمد، ومسلم، والبيهقي، وغيرهم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لما كان يوم فتح مكة، وبّشت قريش أوباشا لها وأتباعا، فقالوا: نقدّم هؤلاء، فإن كان لهم شيء
__________
[ (1) ] كرز بن جابر بن حسل بن لاحب بن حبيب بن عمرو بن سفيان بن محارب بن فهر القرشي الفهري.. كان من رؤساء المشركين قبل أن يسلم وأغار على سرح المدينة مرة فحرج النبي- صلى الله عليه وسلم في طلبه حتى بلغ سفوان وفاته كرز وهذه هي غزوة بدر الاولى ثم أسلم، الإصابة 5/ 297.
[ (2) ] أذاخر بالفتح، والخاء المعجمة مكسورة: موضع بأعلى مكة، منه دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-، وضربت هناك قبّته. مراصد الإطلاع 1/ 46.
[ (3) ] أخرجه الطبراني في الكبير 11/ 48 وانظر المجمع 3/ 284، 7/ 34 والسيوطي في الدر المنثور 3/ 271، 272.(5/229)
كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا فرآني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا أبا هريرة» قلت:
لبيك، قال: «اهتف بالأنصار، ولا يأتيني إلّا أنصاري» قال: ففعلت ما أمرني به، فأتوه، فقال:
«انظروا قريشا وأوباشهم فاحصدوهم حصدا» ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى، فانطلقنا فما أحد يوجّه إلينا شيئا، وما منا أحد يريد أحداً منهم إلا أخذه، فجاء أبو سفيان ابن حرب فقال: يا رسول الله- أبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السّلاح فهو آمن» فألقى الناس سلاحهم
[ (1) ] .
وروى محمد بن عمر عن جابر- رضي الله عنه- قال: كنت ممن لزم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فدخلت معه يوم الفتح فلمّا أشرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أذاخر، ورأى بيوت مكّة، وقف عليها فحمد الله- وأثنى عليه، ونظر إلى موضع قبّته فقال: هذا منزلنا يا جابر حيث تقاسمت قريش علينا في كفرها» قال جابر: فذكرت حديثا كنت سمعته منه قبل ذلك بالمدينة، «منزلنا إذا فتح الله علينا مكة في خيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر»
[ (2) ] .
ذكر قراءته- صلى الله عليه وسلّم- سورتي الفتح والنصر في يومه
عن عبد الله بن مغفل- بضم الميم، وفتح الغين المعجمة، والفاء المشددة، وباللّام- رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة على ناقته، وهو يقرأ سورة الفتح، يرجّع صوته بالقراءة، قال معاوية بن قرة: لولا أن يجتمع الناس حولي لرجّعت كما رجّع عبد الله بن مغفّل يحكي قراءة النبي- صلى الله عليه وسلم- قال شعبة: فقلت لمعاوية: كيف كان ترجيعه؟
قال: ثلاث مرّات، رواه البخاري في التفسير وفضائل القرآن والمغازي والتوحيد، ومسلم في الصّلاة، والنسائي، والحاكم.
وروى الطبراني عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح «هذا ما وعدني ربي» ثم قرأ: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ
[النصر 1]
ذكر منزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح
روى محمد بن عمر عن أبي جعفر- رحمه الله تعالى- قال: كان أبو رافع قد رب لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبّة بالحجون من أدم، فأقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى انتهى إلي القبّة، ومعه أمّ سلمة، وميمونة زوجتاه.
وروى البخاري وغيره عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- أنه قال: يا رسول الله: انّى
__________
[ (1) ] سيأتي في هديه- صلّى الله عليه وسلم- في قراءة القرآن.
[ (2) ] انظر المجمع 9/ 23.(5/230)
تنزل غدا؟ تنزل في دارك؟ قال: «وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دار؟»
وكان عقيل ورث أبا طالب هو وأخوه طالب، ولم يرثه جعفر ولا علي- رضي الله عنهما- لأنّهما كانا مسلمين، وكان عقيل وطالب كافرين، أسلم عقيل بعد [ (1) ] .
وروى البخاري، والإمام أحمد عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «منزلنا إن شاء الله تعالى إذا فتح الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر»
يعني بذلك المحصّب، وذلك أن قريشا وكنانة تحالفت على بني هاشم، وبني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتّى يسلموا إليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم [ (2) ] .
وروى محمد بن عمر عن أبي رافع- رضي الله عنه- قال: قيل للنبي- صلى الله عليه وسلم- إلا تنزل منزلك من الشّعب؟ فقال: «وهل ترك لنا عقيل منزلا؟» وكان عقيل قد باع منزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومنزل إخوته من الرجال والنساء بمكة، فقيل لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فانزل في بعض بيوت مكّة غير منازلك، فأبى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: «لا أدخل البيوت» ولم يزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مضطربا بالحجون لم يدخل بيتا، وكان يأتي المسجد لكل صلاة من الحجون.
ذكر اغتساله- صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح وصلاته وقت الضحى شكرا لله تعالى
عن أم هانئ- رضي الله عنها- قالت: لما كان عام يوم الفتح فرّ إليّ رجلان من بني مخزوم فأجرتهما، قالت: فدخل على علي فقال: أقتلهما، قالت: فلما سمعته يقول ذلك أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو بأعلى مكة، فلما رآني رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- رحّب وقال: «ما جاء بك يا أم هانئ، قالت: قلت يا رسول الله، كنت أمّنت رجلين من أحمائي، فأراد عليّ قتلهما، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «قد أجرنا من أجرت» ، ثم قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى غسله فسترته فاطمة، ثم أخذ ثوبا فالتحف به، ثم صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ثمان ركعات سبحة الضّحى، رواه مسلم والبيهقي
[ (3) ] .
وعنهما إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يوم فتح مكة اغتسل في بيتها، وصلّى ثمان ركعات،
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 3/ 526 في الحج (1588) (3058، 4282، 6764) ، ومسلم في الحج (439، 440) وأبو داود حديث (2010) وفي الفرائض باب (10) وابن ماجة (2730) والطحاوي في معاني الآثار 4/ 49، وأحمد 5/ 202 والدارقطني 3/ 62.
[ (2) ] أخرجه البخاري (4284) (1589) ، ومسلم في الحج (355) والبيهقي في الدلائل 5/ 93 وأحمد 2/ 263، 322، 353، والطبراني في الكبير 11/ 62 وانظر المجمع 3/ 250.
[ (3) ] مسلم صلاة المسافرين (82) ، وأبو داود (2763) وأحمد 6/ 341، 342، 343 والبيهقي 9/ 75، والحاكم 4/ 45.(5/231)
قالت: لم أره صلّى صلاة أخف منها، غير أنّه يتم ركوعها وسجودها. رواه البخاري والبيهقي [ (1) ] .
ذكر رن إبليس وحزنه وكيد الجن لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وزجرهم عنه ودعاء نائلة بالويل
روى أبو يعلى، وأبو نعيم عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال لما فتح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة رن إبليس رنّة فاجتمعت إليه ذرّيته، فقال: ايأسوا أن تردّوا أمّة محمد إلى الشرك بعد يومكم هذا، ولكن أفشوا فيها- يعني مكة- النّوح والشّعر.
وروى ابن أبي شيبة عن مكحول- رحمه الله- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما دخل مكّة تلقّته الجنّ يرمونه بالشّرر، فقال جبريل- صلى الله عليه وسلم- تعوّذ يا محمد بهؤلاء الكلمات: «أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما ينزل من السّماء وما يعرج فيها، ومن شرّ ما بثّ في الأرض، وما يخرج منها، ومن شرّ الليل والنهار، ومن شر كل طارق يطرق إلّا بخير يا رحمن» .
وروى البيهقي عن ابن أبزى- بفتح الهمزة، وسكون الموحدة وبالزاي، وألف تأنيث مقصورة- رحمه الله تعالى- قال: لما فتح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكّة جاءت عجوز حبشيّة شمطاء تخمش وجهها، وتدعو بالويل، فقال: «تلك نائلة، أيست أن تعبد ببلدكم هذا أبدا»
[ (2) ] .
ذكر إسلام أبي قحافة عثمان بن عامر والد أبي بكر الصديق- رضي الله عنهما
روى الإمام أحمد، والطبراني برجال ثقات، ومحمد بن عمر، والبيهقي عن أسماء بنت أبي بكر الصديق- رضي الله عنهما- قالت: لما كان عام الفتح، ونزل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بذي طوى، قال أبو قحافة لابنة له- قال البلاذري-- اسمها أسماء، قال محمد بن عمر تسمى:
قريبة- ضدّ بعيدة، كانت من أصغر ولده: يا بنيّة، أشرفي بي على أبي قبيس- وقد كفّ بصره- فأشرفت به عليه، فقال: أي بنيّة!! ماذا ترين؟» قالت: أرى سوادا مجتمعا كثيرا، وأرى رجلا يشتدّ بين ذلك السواد مقبلا ومدبرا، فقال: ذلك الرجل الوازع، ثم قال: ماذا ترين؟ قالت: أرى السواد قد انتشر وتفرّق، فقال: والله إذن انتشرت الخيل، فأسرعي بي إلى بيتي، فخرجت سريعا حتى إذا هبطت به الأبطح لقيتها الخيل، وفي عنقها طوق لها من ورق، فاقتلعه إنسان
__________
[ (1) ] سيأتي ذلك في هديه- صلّى الله عليه وسلم- في صلاة الضحى.
[ (2) ] البيهقي في الدلائل 5/ 75.(5/232)
من عنقها،
فلما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المسجد، خرج أبو بكر بأبيه- رضي الله عنهما- يقوده، وكان رأس أبي قحافة ثغامة، فلما رآه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «هلّا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه» ؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه، فأجلسه بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فمسح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صدره، وقال: أسلم تسلم، فأسلم، ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته فقال: أنشدكم بالله والإسلام طوق أختي، فو الله ما جاء به أحد، ثم قال الثالثة فما جاء به أحد، فقال: يا أخيّة، احتسبي طوقك، فو الله إنّ الأمانة في الناس اليوم لقليل
[ (1) ] .
وروى البيهقي بسند جيد قوي عن ابن وهب قال: أخبرني ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر: أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أخذ بيد أبي قحافة، فأتى به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما وقف به على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: غيّروه ولا تقربوه سوادا [ (2) ] .
قال ابن وهب: وأخبرني عمر بن محمد عن زيد بن أسلم: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- هنأ أبا بكر بإسلام أبيه.
وروى الإمام أحمد، وابن حبان عن أنس- رضي الله عنه- قال: جاء أبو بكر بأبيه أبي قحافة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يوم فتح مكة يحمله حتّى وضعه بين يديه فقال لأبي بكر: «لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه» - تكرمة لأبي بكر- فأسلم ورأسه ولحيته كالثّغامة، فقال غيروهما قال قتادة هو أول مخضوب في الإسلام. وروى مسلم عن جابر قال: أتى بأبي قحافة عام الفتح ورأسه ولحيته مثل الثغامة فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «غيّروا هذا بشيء وجنبوه السواد» .
قال البلاذريّ: ورمى بعض المسلمين أبا قحافة فشجّه، وأخذت قلادة أسماء ابنته، فأدركه أبو بكر وهو يستدمي، فمسح الدم عن وجهه انتهى.
قالوا: وجاء خالد بن الوليد إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال له: «لم قاتلت، وقد نهيت عن القتال» ؟ قال: هم يا رسول الله بدءونا بالقتال، ورشقونا النّبل، ووضعوا فينا السلاح، وقد كففت ما استطعت، وقد دعوتهم إلى الإسلام، وأن يدخلوا فيما دخل فيه الناس، فأبوا، حتى إذا لم أجد بدا قاتلتهم فظفّرنا الله- تعالى- عليهم، فهربوا في كل وجه يا رسول الله، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «كفّ عن الطّلب» قال: قد فعلت: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «قضاء الله خير» ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «كفّوا السّلاح إلا خزاعة عن بني بكر إلى صلاة العصر» فخبطوهم
__________
[ (1) ] أخرجه الواقدي في المغازي 2/ 824، والبيهقي في الدلائل 4/ 95.
[ (2) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 96.(5/233)
ساعة، وهي الساعة التي أحلّت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولم تحل لأحد قبله.
[ (1) ]
ذكر دخوله- صلّى الله عليه وسلّم- المسجد وطوافه وما وقع في ذلك من الآيات
قالوا: مكث رسول الله- صلى الله عليه وسلم في منزله ساعة من النهار حتّى اطمأن النّاس، فاغتسل، ثم دعا براحلته القصواء، فأدنيت إلى باب قبّته، وعاد للبس السّلاح والمغفر على رأسه، وقد حف الناس به، فركب راحلته والخيل تمعج بين الخندمة إلى الحجون، ومرّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وإلى جنبه أبو بكر الصديق يسير معه يحادثه، فمرّ ببنات أبي أحيحة وقد نشرن شعورهنّ- يلطمن وجوه الخيل بالخمر، فنظر رسول- صلى الله عليه وسلم- إلى أبي بكر فتبسم وذكر بيت حسان بن ثابت، فأنشده أبو بكر رضي الله عنه:
تظلّ جيادنا متمطّرات ... يلطّمهنّ بالخمر النّساء
فلما انتهى- صلى الله عليه وسلّم- إلى الكعبة فرآها ومعه المسلمون تقدّم على راحلته، واستلم الركن بمحجنه، وكبر، فكبّر المسلمون بتكبيره، فرجّعوا التكبير حتّى ارتجّت مكة تكبيرا حتى جعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يشير إليهم أن اسكتوا- والمشركون فوق الجبال ينظرون- وطاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالبيت، آخذا بزمام النّاقة محمد بن مسلمة، فأقبل على الحجر فاستلمه، ثم طاف بالبيت.
وروى أبو نعيم، والبيهقي من طريق عبد الله بن دينار، وأبو نعيم من طريق نافع كلاهما عن ابن عمر- رضي الله عنهما- وأبو نعيم والبيهقي من طريق سعيد بن جبير وابن إسحاق والبيهقي وأبو نعيم، وابن مندة، ومحمد بن عمر عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل مكّة يوم فتح مكة، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما مرصّعة بالرّصاص، وكان هبل أعظمها وهو وجاه الكعبة، وإساف ونايلة حيث ينحرون ويذبحون الذّبائح، وفي يد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قوس وقد أخذ بسية القوس،
فجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كلّما مرّ بصنم منها يشير إليه ويطعن في عينه ويقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [الإسراء 81]
فما يشير إلى صنم إلا سقط لوجهه. وفي لفظ لقفاه، من غير أن يمسّه [ (2) ] . وفي ذلك يقول تميم بن أسد الخزاعي [ (3) ] .
__________
[ (1) ] ابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1699) ، وانظر المجمع 6/ 177 وابن أبي شيبة 14/ 487.
[ (2) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 71 وهو عند البخاري في كتاب المظالم باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر.
[ (3) ] تميم بن أسيد وقيل أسد بن عبد العزى بن جعونة بن عمرو بن القين بن رزاح بن عمرو بن سعد بن كعب بن عمرو الخزاعي ... قال ابن سعد أسلم وصحب قبل فتح مكة وبعثه النبي- صلى الله عليه وسلم يجدد أنصاب الحرم ثم ساق بذلك سندا الى ابن خيثم عن أبي الطفيل عن ابن عباس إن النبي- صلى الله عليه وسلم فذكره، الإصابة 1/ 191.(5/234)
ففي الأصنام معتبر وعلم ... لمن يرجو الثّواب أو العقابا
قال أئمة المغازي- رحمهم الله تعالى-: فطاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سبعا على راحلته يستلم الرّكن الأسود بمحجنه كل طواف، فلما فرغ من طوافه نزل عن راحلته.
وعند ابن أبي شيبة عن ابن عمر، قال: فما وجدنا مناخا في المسجد حتّى أنزل على أيدي الرجال، ثم خرج بها، قالوا: وجاء معمر بن عبد الله بن نضلة- بالنون، والضاد المعجمة- فأخرج الرّاحلة فأناخها بالوادي، ثم انتهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، إلى المقام- وهو لاصق بالكعبة، والدّرع عليه والمغفر وعمامته بين كتفيه، فصلى ركعتين
ثم انصرف إلى زمزم فاطلع فيها وقال: «لولا أن تغلب بنو عبد المطلب لنزعت منها دلوا» ،
فنزع له العباس بن عبد المطلب- ويقال الحرث بن عبد المطلب- دلوا، فشرب منه وتوضأ والمسلمون يبتدرون وضوء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصبّونه على وجوههم، والمشركون ينظرون إليهم ويتعجّبون ويقولون: ما رأينا ملكا قط أبلغ من هذا ولا سمعنا به.
وأمر بهبل فكسر وهو واقف عليه، فقال الزبير بن العوام لأبي سفيان بن حرب: يا أبا سفيان قد كسر هبل، أما إنك قد كنت منه يوم أحد في عزور حين تزعم أنه أنعم، فقال أبو سفيان: دع عنك هذا يا بن العوام، فقد أرى لو كان مع إله محمد غيره لكان غير ما كان، ثم انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجلس ناحية من المسجد والناس حوله. وعن أبي هريرة رضي الله عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح قاعدا، وأبو بكر قائم على رأس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالسيف. رواه البزار [ (1) ] .
ذكر أكله- صلى الله عليه وسلم- عند أم هانئ رضي الله عنها
روى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لأم هانئ يوم الفتح: «هل عندك من طعام نأكله؟» : قالت: ليس عندي إلّا كسر يابسة، وإني لأستحي أن أقدّمها إليك. فقال: «هلمّي بهنّ» فكسّرهن في ماء، وجاءت بملح، فقال: «هل من أدم» ؟
فقالت: ما عندي يا رسول الله إلّا شيء من خلّ، فقال: «هلمّيه» ، فصبه على الطّعام وأكل منه ثم حمد الله ثم قال: «نعم الأدم الخل، يا أمّ هانئ لا يفقر بيت من أدم فيه خل»
[ (2) ] .
ذكر اطلاعه- صلى الله عليه وسلم- على ما هم به فضالة بن عمير بن الملوح
قال ابن هشام: حدثني بعض أهل العلم أنّ فضالة بن عمير بن الملوّح اللّيثي أراد قتل
__________
[ (1) ] انظر المجمع 6/ 176.
[ (2) ] انظر المجمع 6/ 176.(5/235)
رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يطوف بالبيت- عام الفتح- فلما دنا منه قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أفضالة؟» قال: نعم. قال: «ماذا كنت تحدّث به نفسك؟» قال: لا شيء، كنت أذكر الله، فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم قال: «استغفر الله» . ثم وضع يده على صدره فسكن،
وكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتّى ما خلق شيء أحب إلى منه، ورجع فضالة إلى أهله، قال: فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها، فقالت: هلمّ إلى الحديث، فقال لا. وانبعث فضالة يقول:
قالت هلّمّ إلى الحديث فقلت لا ... يأبى عليّ الله والإسلام
إذا ما رأيت محمّدا وقبيله ... بالفتح يوم تكسّر الأصنام
لرأيت دين الله أضحى بيّنا ... والشّرك يغشى وجهه الإظلام
ذكره أبو عمر في الدّرر، ولم يذكره في الاستيعاب، وهو على شرطه، وذكره القاضي في الشفاء بنحوه.
ذكر الآية في رفعه- صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب رضي الله عنه- لالقاء صنم قريش
روى ابن أبي شيبة، والحاكم عن علي- رضي الله عنه- قال: انطلق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتّى أتى بي الكعبة، فقال: «اجلس» فجلست بجنب الكعبة، فصعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على منكبي فقال: «انهض» فنهضت، فلمّا رأى ضعفي تحته قال: «أجلس» فجلست، ثم قال: «يا عليّ، اصعد على منكبي» ففعلت، فلما نهض بي خيّل إليّ لو شئت نلت أفق السماء، فصعدت فوق الكعبة، وتنحّى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «ألق صنمهم الأكبر» وكان من نحاس موتّد بأوتاد من حديد إلى الأرض، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «عالجه» ويقول لي: «إيه إيه» «جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا» . فلم أزل أعالجه حتّى استمكنت منه
[ (1) ]
ذكر طلبه- صلى الله عليه وسلّم- المفتاح من عثمان بن طلحة رضي الله عنه
روى محمد بن عمر عن عبد الله بن عمر، وابن أبي شيبة عن أبي هريرة- رضي الله عنهما- ومحمد بن عمر عن علقمة بن أبي وقاص اللّيثي- رحمه الله تعالى- ومحمد بن عمر عن شيوخه يزيد بعضهم على بعض، قال عبد الله: كان عثمان قد قدم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالمدينة مسلما مع خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص قبل الفتح، فلما فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 1/ 74 وابن أبي شيبة 14/ 488، والحاكم 2/ 367، 3/ 5،(5/236)
من طوافه أرسل بلالا إلى عثمان بن طلحة يأتيه بمفتاح الكعبة، فجاء بلال إلى عثمان، فقال:
إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يأمرك أن تأتي بالمفتاح، فقال: نعم هو عند أمي سلافة، فرجع بلال إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأخبره أنّه قال نعم، وأن المفتاح عند أمّه، فبعث إليها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رسولا فجاء، فقالت: لا، واللّات والعزّى، لا أدفعه إليك أبدا، فقال عثمان يا رسول الله أرسلني أخلصه لك منها، فأرسله، فقال: يا أمه ادفعي إليّ المفتاح، فإن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قد أرسل إليّ، وأمرني أن آتيه به، فقالت أمّه: لا. واللّات والعزّى لا أدفعه إليك أبدا فقال: لا لات ولا عزى أنه قد جاء أمر غير ما كنا عليه، وإنّك إن لم تفعلي قتلت أنا وأخي فأنت قتلتينا، فو الله لتدفعنّه أو ليأتينّ غيري فيأخذه منك، فأدخلته في حجزتها، وقالت: أي رجل يدخل يده ههنا؟ [ (1) ] .
قال الزهري فيما رواه عبد الرزاق، والطبراني: فأبطأ عثمان ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- قائم ينتظره حتّى إنه لينحدر منه مثل الجمان من العرق، ويقول: «ما يحبسه فيسعى إليه رجل» انتهى. فبينما هما على ذلك وهو يكلمها إذ سمعت صوت أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما- في الدّار، وعمر رافع صوته حين أبطأ عثمان ... يا عثمان اخرج، فقالت أمّه: يا بنيّ خذ المفتاح، فإن تأخذه أنت أحب إلي من أن يأخذه تيم وعدي، فأخذه عثمان، فخرج يمشي به حتى إذا كان قريبا من وجه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عثر عثمان فسقط منه المفتاح، فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى المفتاح فحنى عليه بثوبه [ (2) ] .
وروى الفاكهي عن ابن عمر: إن بني أبي طلحة كانوا يقولون: لا يفتح الكعبة إلّا هم، فتناول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المفتاح، ففتح الكعبة بيده.
وروى ابن أبي شيبة بسند جيد عن أبي السفر- رحمه الله تعالى- قال: لما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة دعا شيبة بن عثمان بالمفتاح- مفتاح الكعبة- فتلكأ، فقال لعمر: قم فاذهب معه فإن جاء به وإلّا فأجلد رأسه» فجاء به فأجاله في حجره.
ذكر أمره- صلى الله عليه وسلّم- بإزالة الصور عن البيت قبل دخوله إياه
روى أبو داود، وابن سعد، ومحمد بن عمر، واللفظ له: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمر عمر بن الخطاب- وهو بالبطحاء- أن يأتي الكعبة فيمحو كلّ صورة فيها، فلم يدخلها حتّى
__________
[ (1) ] المغازي للواقدي 2/ 833.
[ (2) ] أخرجه أبو داود (2027) ، وانظر المطالب للحافظ ابن حجر (4364) .(5/237)
محيت الصّور، وكان عمر قد ترك صورة إبراهيم
فلما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأى صورة إبراهيم، فقال يا عمر: «ألم آمرك ألّا تدع فيها صورة؟، قاتلهم الله، جعلوه شيخا يستقسم بالأزلام» . ثم رأى صورة مريم، فقال: «امسحوا ما فيها من الصّور، قاتل الله قوما يصوّرون مالا يخلقون» .
وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله عنهما- وابن أبي شيبة عن عكرمة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما قدم مكّة أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة يعني الأصنام، فأمر بها فأخرجت صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما الأزلام، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «قاتلهم الله لقد علموا أنّهما لم يستقسما بهما قط»
[ (1) ] . زاد ابن أبي شيبة: ثم أمر بثوب فبلّ ومحا به صورهما.
وعند ابن أبي شيبة عن ابن عمر: أن المسلمين تجرّدوا في الأزر وأخذوا الدّلاء، وانجروا على زمزم يغسلون الكعبة ظهرها وبطنها، فلم يدعوا أثرا من المشركين إلا محوه وغسلوه.
ذكر دخول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- البيت وصلاته فيه
روى البخاري في الصّلاة، ومسلم في الحج، عن الإمام مالك بن أنس والبخاري في الصّلاة والمغازي عن جويرية بن أسماء، والبخاري في الصّلاة، ومسلم في الحج عن يونس ابن يزيد عن أيوب، والبخاري في الصّلاة والمغازي عن موسى بن عقبة، والبخاري في المغازي عن فليح بن سليمان، ومسلم في الحج عن عبد الله بن عمر، ومسلم في الحج، والنسائي في الصلاة عن خالد بن الحرث عن ابن عون، وابن عوانة، وابن ماجة في الحج عن حسان بن عطية كلّهم عن نافع، والبخاري في الحج عن سالم بن عبد الله بن عمر، وفي كتاب الصلاة عن مجاهد، والإمام أحمد عن ابن عمر، وابن دينار، والإمام أحمد والنسائي عن ابن أبي مليكة والإمام أحمد، والطبراني عن أبي الشعثاء كلهم عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وابن أبي شيبة بسند حسن وأبو جعفر الطحاوي عن جابر بن عبد الله، وابن قانع عن أبي بشر ومسافع بن شيبة عن أبيه شيبة بن عثمان، وأبو جعفر الطحاوي من طريقين عن عبد الله بن الزجاج، والإمام أحمد، والأزرقي عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير، والطبراني برجال الصحيح عن عبد الرحمن بن صفوان، والإمام أحمد والطحاوي، وابن قانع بسند حسن، وأبو داود بسند ضعيف عن عمر بن الخطاب. والبزار بسند ضعيف عن أبي هريرة، والحاكم في صحيحه، والبيهقي عن عائشة- رضي الله تعالى عنهم- قال يونس بن يزيد: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته، زاد فليح: القصواء
__________
[ (1) ] البخاري (3352) ، أحمد 1/ 365، وأخرجه ابن أبي شيبة 14/ 487 والبيهقي في الدلائل 5/ 73.(5/238)
- وهو مردف أسامة، ومعه بلال، وعثمان بن طلحة، حتى أناخ في المسجد. ولفظ فليح: عند البيت. وقال لعثمان: ائتني بالمفتاح، قال أيوب: فذهب إلى أمّه، فأبت أن تعطيه المفتاح فقال: والله لتعطينه أو لأخرجنّ هذا السّيف من صلبي، فلما رأت ذلك أعطته إياه، فجاء به، ففتح عثمان له الباب، ثم اتفقوا، فدخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأسامة وبلال وعثمان بن طلحة وقال ابن عوف- كما عند النسائي- والفضل بن عباس، ولأحمد نحوه عن ابن عباس- بعد أن ذكر الثلاثة الأول- ولم يدخلها أحد معهم، زاد مسلم فأغلقوا عليهم الباب [ (1) ] .
وعند محمد بن عمر عن شيوخه: فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالكعبة فأغلقت. ولفظ الإمام مالك: فأغلقاها عليه، وفي رواية ابن عوف: فأجاف عليهم عثمان الباب. زاد حسان بن عطية: من داخل.
وفي حديث صفية بنت شيبة عند ابن إسحاق، فوجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في البيت حمامة من عيدان، فكسرها بيده، ثم طرحها.
وفي حديث جابر إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لمّا دخل البيت رأى فيه تمثال إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، وقد جعلوا في يد إبراهيم الأزلام يستقسم بها، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-:
«قاتلهم الله، لقد علموا ما كان إبراهيم يستقسم بالأزلام» . ثم دعا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بزعفران فلطخه بتلك التماثيل.
وعند ابن أبي شيبة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، ويحيى بن عبد الرحمن ابن حاطب- رحمهما الله تعالى- قالا: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما دخل الكعبة كبّر في زواياها وأرجائها، وحمد الله تعالى، ثم صلّى ركعتين بين أسطوانتين، قال يونس: فمكث نهارا طويلا، ولفظ فليح: زمانا طويلا، ولفظ جويرية: فأطال، ولفظ ابن عوف: فمكث فيها مليا، ولفظ أيوب: فمكث فيها ساعة. وفي رواية ابن أبي مليكة عن نافع: فوجدت شيئا فذهبت ثم جئت سريعا فوجدت النبي- صلى الله عليه وسلّم- خارجا، ولفظ سالم: فلما فتحوا الباب وكنت أول والج، وفي رواية فليح: فتبادر الناس الدّخول فسبقتهم. وفي رواية أيوب: وكنت رجلا شابا قويا فبادرت الناس فبدرتهم، وفي رواية ابن عوف: فرقيت الدرجة فدخلت البيت، وفي رواية مجاهد، وابن أبي مليكة عن ابن عمر: وأجد بلالا قائما بين البابين. وفي رواية سالم: فلقيت بلالا فسألته:
زاد مالك فقلت: ما صنع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفي رواية سالم. هل صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فيه؟ قال: نعم. وفي رواية مجاهد، وابن أبي مليكة: فقلت هل صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-، في
__________
[ (1) ] انظر البخاري في المغازي 7/ 611 (4289) .(5/239)
الكعبة؟ قال: نعم، وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن عن ابن عمر: أنه سأل بلالا، وأسامة وفي رواية أبي الشعثاء عن ابن عمر قال: أخبرني أسامة بن زيد أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلى فيه ههنا. وفي رواية خالد بن الحرث عن ابن عوف عن مسلم، والنسائي عن ابن عمر: فرقيت الدرجة فدخلت البيت، فقلت أين صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-؟ قالوا: ههنا. وفي رواية جويرية.
ويونس، وجمهور أصحاب نافع: فسألت بلالا: أين- صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ قال: بين العمودين اليمانيين- ولفظ جويرية: المقدّمين- وفي رواية مالك: جعل عمودا عن يمينه، وعمودا عن يساره. وفي رواية: عمودا عن يمينه وعمودين عن يساره، وجعل ثلاثة أعمدة وراءه، وفي رواية عنه: عمودا عن يساره، وعمودين عن يمينه. قال البيهقي: وهو الصحيح، وفي رواية فليح: صلّى بين ذينك العمودين المقدّمين من السطر وكان البيت على ستة أعمدة سطرين.
صلى بين العمودين من السطر المقدم، وجعل باب البيت خلف ظهره، وعند المكان الذي صلّى فيه مرمرة حمراء، وفي رواية موسى بن عقبة عند البخاري، ومالك في رواية ابن قاسم عن النسائي عن نافع: أن بين موقف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وبين الجدار نحو ثلاثة أذرع. وفي رواية ابن مهدي عند أبي داود، وابن وهب عند الدارقطني في الغزوات- كلاهما عن مالك، وهشام، وابن سعد عن أبي عوانة عن نافع: صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وبينه وبين الجدار ثلاثة أذرع.
قال الحافظ أبو الفضل العراقي- رحمه الله تعالى- ملخّصا من طرق الأحاديث-: أن مصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من البيت أن الدّاخل من الباب يسير تلقاء وجهه حين يدخل إلى أن يجعل بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع أو ذراعين أو ما بينهما لاختلاف الطّرق. قال: ولا ينبغي أن يجعل بينه وبين الجدار أقل من ثلاثة أذرع، فإن كان الواقع أنه ثلاثة أذرع فقد صادف مصلّاه، وإن كان ذراعين فقد وقع وجه المصليّ وذراعاه في مكان قدمي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهذا أولى من المتقدم.
ذكر قدر صلاته- صلى الله عليه وسلم- في الكعبة
في رواية يحيى بن سعيد عند الشيخين. وفي رواية أبي نعيم الفضل بن دكين [ (1) ] عند البخاري والنسائي، ورواية أبي عاصم الضحاك بن مخلد عند ابن خزيمة، ورواية عمر بن علي
__________
[ (1) ] الفضل بن دكين واسمه عمرو بن حمّاد بن زهير التيمي، مولى آل طلحة أبو نعيم الكوفي الملائي الأحول الحافظ العلم. عن الأعمش وزكريا بن أبي زائدة وجعفر بن برقان وأفلح بن حجير وخلق وعنه البخاري وأحمد وإسحاق ويحيى بن معين وخلق. قال أحمد: ثقة يقظان عارف بالحديث. وقال القسوى: أجمع أصحابنا على أن أبا نعيم كان عناية في الإتقان، قال يعقوب بن شيبة مات سنة تسع عشرة ومائتين، الخلاصة 2/ 335.(5/240)
عند الإسماعيلي، ورواية عبد الله بن نمير [ (1) ] عند الإمام أحمد، كلهم عن سيف بن أبي سليمان [ (2) ] عن مجاهد عن ابن عمر: أنه قال: سألت بلالا، أصلّى النبي- صلى الله عليه وسلم- في الكعبة؟
فقال: نعم: ركعتين. وتابع سيفا عن مجاهد خصيف عند الإمام أحمد، وتابع مجاهدا عن ابن عمر بن أبي مليكة عند الإمام أحمد والنسائي وعمرو بن دينار عند الإمام أحمد [ (3) ] ، وفي حديث جابر: دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- البيت يوم الفتح، فصلى فيه ركعتين، ورواه الإمام أحمد برجال الصحيح، والطبراني عن عثمان بن طلحة. ورواه الإمام أحمد، والأزرقي عن عبد الله بن الزبير ورواه الطبراني بسند جيد، وابن قانع وأبو جعفر الطّحاويّ من طريقين عن عثمان.
ورواه الطبراني برجال الصّحيح، والبزار عن عبد الرحمن بن صفوان- رضي الله عنه- قال: لما فتح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكّة انطلقت فوافقت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خرج من الكعبة، وأصحابه قد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم، وقد وضعوا خدودهم على البيت ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسطهم، فسألت من كان معه، فقلت: كيف صنع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين دخل الكعبة؟ قال: صلّى ركعتين. ورواه أبو داود والطحاوي عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- والبزار عن أبي هريرة، وأنس بن مالك، رواه الطبراني- ووقع في رواية فليح وأيوب عن نافع، وأبو الشعثاء عن ابن عمر قال: ونسيت أن أسأله أي بلالا، كم صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفي رواية ابن عون عن نافع بعد أن ذكر أن أسامة وبلالا وعثمان بن شيبة دخلوا معه. فدخلت البيت، فقلت: أين صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-؟ قالوا: ههنا، ونسيت أن أسألهم كم صلّى، وسيأتي الجواب عن ذلك في التنبيهات.
ذكر خروج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من البيت وصلاته قبل الكعبة
روي إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما خرج من البيت صلى ركعتين قبل الكعبة، وقال: «هذه القبلة»
[ (4) ] .
__________
[ (1) ] عبد الله بن نمير الهمداني الخارفي بمعجمة ثم ألف ثم مهملة أبو هشام الكوفي. عن إسماعيل بن أبي خالد وهشام والأعمش وخلق. وعنه أحمد وابن معين وابن المديني وخلق. وثقة ابن معين. قال ابنه محمد: مات سنة تسع وتسعين ومائة. الخلاصة 2/ 106.
[ (2) ] سيف بن سليمان المخزومي مولاهم المكي نزيل البصرة. عن مجاهد وعدي بن عدي، وعنه ابن المبارك وأبو نعيم، وثقه القطان والنسائي. قال ابن معين: توفي سنة إحدى وخمسين ومائة. الخلاصة 1/ 436.
[ (3) ] أخرجه البخاري 1/ 688 (504، 505) ، ومسلم 2/ 966 (388، 389/ 1329) (390/ 1329) ومالك 1/ 398 (193) .
[ (4) ] أخرجه البخاري 1/ 501 (398) ومسلم 2/ 968 (395/ 1230) .(5/241)
قال محمد بن عمر: ثم خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من البيت والمفتاح في يده، وخالد بن الوليد يذبّ الناس عن الباب حتى خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ثم روي عن برة بنت أبي تجراة بفتح الفوقية، وكسر الجيم، وبالراء- رضي الله عنها- قالت: نظرت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفي يده المفتاح ثم جعله في كمه [ (1) ] .
ذكر خطبته- صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح
روى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة عن عبد الله بن عمر بن الخطاب والبخاريّ في صحيحه عن مجاهد. وابن أبي شيبة ... وابن إسحاق عن صفية بنت شيبة، والبيهقي عن عبد الله بن عمر، وابن أبي شيبة عن عبد الله ابن عبيدة قالوا: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما خرج من البيت استكفّ له الناس، وأشرف على الناس وقد ليط بهم حول الكعبة- وهم جلوس- قام على بابه فقال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده» ولفظ الإمام أحمد، ومحمد بن عمر: «الحمد لله الذي صدق وعده، ثمّ اتّفقوا «ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، يا معشر قريش ماذا تقولون؟ ماذا تظنّون؟» قالوا: نقول خيرا ونظن خيرا، نبي كريم، وأخ كريم، وابن أخ كريم، وقد قدرت. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «فإنّي أقول كما قال أخي يوسف: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ؟ [يوسف 92] «اذهبوا فأنتم الطّلقاء» فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا في الإسلام، ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إلا إنّ كلّ ربا في الجاهليّة أو دم أو مأثرة أو مال يدّعى فهو تحت قدميّ هاتين- وأوّل دم أضعه دم ربيعة بن الحارث إلا سدانة البيت وسقاية الحاجّ، ألا وفي قتيل العصا والسّوط والخطأ شبه العمد الدّية مغلّظة مائة ناقة، منها أربعون في بطونها أولادها، ألا وأن الله تعالى- قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتكبرها بآبائها، كلّكم لآدم وآدم من تراب» [ (2) ] . ثم تلا هذه الآية: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات 13] «يا أيها الناس!! النّاس رجلان، فبرّ تقيّ كريم وكافر شقي هيّن على الله، إلا أن الله- تعالى- حرّم مكة يوم خلق السّموات والأرض، ووضع هذين الأخشبين، فهي حرام بحرام الله، لم تحل لأحد كان قبلي، ولن تحلّ لأحد كائن بعدي، لم تحلّ لي إلا ساعة من نهار يقصّرها- صلى الله عليه وسلّم- بيده هكذا- ولا ينفر صيدها، ولا يعضد عضاهها، ولا تحلّ لقطتها إلا لمنشد، ولا يختلى خلاها» فقال العباس،
__________
[ (1) ] المغازي للواقدي 2/ 835.
[ (2) ] أخرجه البيهقي 9/ 118 من حديث أبي هريرة.(5/242)
وكان شيخا مجربا: إلّا الإذخر يا رسول الله فإنه لا بدّ لنا منه- للقين وظهور البيوت، فسكت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ساعة ثم قال: «إلاّ الإذخر فإنه حلال، ولا وصيّة لوارث، وإنّ الولد للفراش وللعاهر الحجر، ولا يحلّ لامرأة أن تعطي من مال زوجها إلّا بإذن زوجها، والمسلم أخو المسلم، والمسلمون إخوة، والمسلمون يد واحدة على من سواهم، تتكافأ دماؤهم، وهم يردّ عليهم أقصاهم، ويعقل عليهم أدناهم، ومشدّهم على مضعفهم ومثريهم على قاعدهم، ولا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده، ولا يتوارث أهل ملّتين مختلفتين، ولا جلب ولا جنب، ولا تؤخذ صدقات المسلمين إلّا في بيوتهم وبأفنيتهم، ولا تنكح المرأة على عمّتها ولا على خالتها. والبيّنة على من ادعّى، واليمين على من أنكر، ولا تسافر امرأة مسيرة ثلاث إلّا مع ذي محرم، ولا صلاة بعد العصر، وبعد الصّبح، وأنهاكم عن صيام يومين يوم الأضحى ويوم الفطر، وعن لبستين ألا يحتبي أحدكم في ثوب واحد يفضي بعورته إلى السّماء، وألا يشتمل الصّماء، فقام رجل فقال: يا رسول الله إنّي قد عاهرت في الجاهلية، فقال: من عاهر بامرأة لا يملكها- أو أمة قوم آخرين لا يملكها- ثم ادّعى ولده بعد ذلك فإنه لا يجوز له، ولا يرث ولا يورّث ولا أخالكم إلّا قد عرفتموها يا معشر المسلمين كفّوا السّلاح إلّا خزاعة، عن بني بكر من ضحوة نهار الفتح إلى صلاة العصر منه- فخبطوهم ساعة- وهي السّاعة التي أحلّت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولم تحل لأحد قبله، ثم قال لهم: «كفوا السّلاح فقام أبو شاة فقال: اكتب لي يا رسول الله، فقال «اكتبوا لأبي شاة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم»
[ (1) ] .
قال الزهري- فيما رواه عبد الرزاق، والطّبراني: ثم نزل- ونزل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ومعه المفتاح، فتنحّى ناحية من المسجد، فجلس عند السقاية.
قال شيوخ محمد بن عمر: وكان- صلى الله عليه وسلم- قد قبض مفتاح السّقاية من العبّاس، ومفتاح البيت من عثمان.
وروى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عبيدة: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بعد خطبته عدل إلى جانب المسجد فأتي بدلو من ماء زمزم، فغسل منها وجهه ما يقع منه قطرة إلا في يد إنسان إن كانت قدر ما يحسوها حساها وإلا مسح جلده. والمشركون ينظرون فقالوا: ما رأينا ملكا قط أعظم من اليوم. ولا قوما أحمق من القوم.
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري (2434) ، مسلم في الحج (447، 448) ، وأبو داود (2017) (3649، 4505) والترمذي (2667) وأحمد 2/ 238 والبيهقي 8/ 52 والدارقطني 973.(5/243)
ذكر تصديقه- صلى الله عليه وسلّم- لعثمان بن طلحة قبل الهجرة بأن المفتاح سيصير بيده- صلى الله عليه وسلّم- يضعه حيث شاء ونزل قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها
[النساء 58]
روى ابن سعد عن إبراهيم بن محمد العبدريّ عن أبيه، محمد بن عمر عن شيوخه، قالوا: قال عثمان بن طلحة: لقيني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمكة قبل الهجرة، فدعاني إلى الإسلام فقلت: يا محمد العجب لك حيث تطمع أن أتبعك، وقد خالفت دين قومك وجئت بدين محدث، وكنا نفتح الكعبة في الجاهلية الاثنين والخميس، فأقبل يوما يريد أن يدخل الكعبة مع النّاس فأغلظت عليه ونلت منه، فحلم عني، ثم قال: «يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت» فقلت، لقد هلكت قريش وذلت. قال: «بل عمرت يومئذ وعزّت» ، ودخل الكعبة، فوقعت كلمته منّي موقعا فظننت أن الأمر سيصير كما قال، فأردت الإسلام فإذا قومي يزبرونني زبراً شديداً، فلما كان يوم الفتح قال لي يا عثمان: «ائت بالمفتاح» فأتيته به. فأخذه مني، ثم دفعه إليّ وقال: «خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم، يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته، فكلوا مما وصل إليكم من هذا البيت بالمعروف» فلما وليت ناداني، فرجعت إليه، فقال: «ألم يكن الذي قلت لك؟ فذكرت قوله لي بمكة قبل الهجرة «لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت» فقلت: بلى. أشهد أنك رسول الله، فقام علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة بيده فقال: يا رسول الله- اجمع لنا الحجابة مع السّقاية! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أين عثمان بن طلحة؟ فدعا فقال: «هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء» قالوا: وأعطاه المفتاح ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- مضطبع بثوبه عليه، وقال «غيّبوه. أن الله تعالى رضي لكم بها في الجاهلية والإسلام»
[ (1) ] .
وروى الفاكهي عن جبير بن مطعم: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لمّا ناول عثمان المفتاح قال له «غيبه»
قال الزهري: فلذلك يغيّب المفتاح.
وروى ابن عائذ، وابن أبي شيبة من مرسل عبد الرحمن ابن سابط: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دفع مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة، فقال: «خذوها خالدة مخلّدة، إنّي لم أدفعها إليكم، ولكن الله- تعالى- دفعها إليكم، ولا ينزعها منكم إلا ظالم» .
وروى ابن عائذ أيضا، والأزرقي عن ابن جريح- رحمه الله- تعالى- أن عليا- رضي الله عنه- قال للنبي- صلى الله عليه وسلّم-: اجمع لنا الحجابة والسقاية فنزلت: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها
__________
[ (1) ] انظر البدآية والنهاية 4/ 301.(5/244)