وثلاثمائة وألف
للمؤتمر الوطني الهندي للمرة الثانية، وألقى خطبة بليغة في أسلوب أدبي.
ونشبت الحرب العالمية الثانية سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة وألف، وبدأ المؤتمر المقاومة السلمية،
وأسرت الحكومة أبا الكلام لسنة وثمانية أشهر، ولكن أطلقته قبل انتهاء هذا الميعاد، وأرسلت الحكومة
السياسي الإنجليزي المعروف استيفورد كريبس، وجرت بينه وبين أبي الكلام مذاكرات بصفته رئيس
المؤتمر، ظهر فيها ذكاؤه وحنكته، وأخفقت هذه المذاكرات، وفي رجب إحدى وستين وثلاثمائة وألف
قرر مجلس المؤتمر التنفيذي الطلب من الإنجليز بأن يغادروا البلاد في أسلوب مكشوف سافر، وكان
أبو الكلام رئيس هذا المجلس بحكم منصب الرئاسة، وألقت الحكومة القبض على جميع أعضاء
المجلس، وفيهم أبو الكلام على إثر هذا القرار، واعتقلتهم في قلعة أحمد نكر التاريخية الأثرية، ودام
هذا الاعتقال إلى رابع رجب سنة أربع وستين وثلاثمائة وألف ثلاث سنين إلا شهرين، اشتغل فيها
بالمطالعة وكتابة الرسائل الأدبية، التي وجهها إلى مولانا الأمير حبيب الرحمن الشيرواني، سجل فيها
خواطره ومشاعره في أسلوب أدبي رفيع، وصدر هذا الكتاب باسم غبار خاطر.
وانعقد مؤتمر في شمله حضره أبو الكلام كوكيل للمؤتمر، وأخفق هذا المؤتمر أيضاً، وقامت في سنة
خمس وستين وثلاثمائة وألف حكومة في المركز، كانت تتألف من ممثلي المؤتمر الوطني والعصبة
الإسلامية واختير أبو الكلام وزيراً للمعارف، وزارت الهند بعثة كانت تتألف من كبار وزراء
بريطانيا للوصول إلى اتفاق بين الحكومة البريطانية وأحزاب الهند السياسية في جانب وبين
الطوائف الهندية في جانب آخر، تقرر بعد ذلك مصير الهند وتمنحها الاستقلال الذي اقتضته
الظروف العالمية والأوضاع الداخلية في بريطانيا وفي الهند نفسها، ساهم في المذاكرات معها أبو
الكلام مساهمة ذات قيمة، وظهرت فيها لبقاته ومرونته، وأصرت العصبة الإسلامية تحت قيادة
رئيسها محمد علي جناح على المطالبة بالتقسيم، وتكوين دولة باكستان لا ترى عنها بديلاً ولا تجد
عنها محيصاً، وكان أبو الكلام من أشد المعارضين لهذه الفكرة، ولكن استسلم لها كبار زعماء المؤتمر
وجميع زملائه من الأكثرية، وقبل هذا المبدأ وتقرر التقسيم، وحدثت اضطرابات هائلة، وحروب
طاحنة، ومذابح طائفية تقشعر لها الأبدان، ويشمئز منها الوجدان، قصمت ظهر أبي الكلام، وهدأت
ثائرته، وفترت همته ونشاطه، فلزم البيت، وبقي عضواً في مجلس المؤتمر التنفيذي، ووزيراً
للمعارف الحكومية المركزية، منطوياً على نفسه، بعيداً عن المجامع الشيعية، حتى وافته المنية لليلة
خلت من شعبان سنة سبع وسبعين وثلاثمائة وألف في دهلي، وصلى عليه جمع كبير من المسلمين،
ودفن في الرحبة التي تواجه المسجد الجامع في مشهد شعبي عظيم وجم غفير.
إن أحمد أبا الكلام يحيط بشخصيته وحياته شيء كثير من الغموض والاضطراب وقد شاعت أخبار
عن أسفاره إلى بلاد العرب، ودراسته في الأزهر، يصعب تصديقها على المتعمق في مطالعة
التاريخ، والمتتبع لحوادث حياته ونشاطه، وقد روى في كتابه تذكرة، وروى عنه بعض خاصته
أخباراً وتفاصيل عن أسرته وأجداده، ومآثرهم ومواقفهم في الدعوة وقول الحق لا يعتمد عليه
المطلعون على تاريخ الهند وتراجم العلماء، وقد تناولها بعض النقاد بالبحث.
ولكن مما لا شك فيه أنه كان من نوابغ الرجال ونوادر العصر، فطنة وذكاء، وحدة ذهن وتوقد فكر،
وثقة بالنفس واعتداداً بها، واعتزازاً بكرامته، وتمسكاً برأيه وعقيدته، وثباتاً على المبدأ وإباء عن
الضيم، وترفعاً عن خسائس الأمور وسفاسفها، وكان جميلاً وسيماً أبيض اللون، مشرب الحمرة، فارع
القامة، قليل شعرات اللحية، حسن الملبس والشارة، لطيف العشرة، مليح الكلام، فصيحاً في كتابته
وخطبه وحديثه، ينتقي اللفظ الصحيح الفصيح، قوي الذاكرة كثير المحفوظ، حسن الاختيار للأبيات،
حسن الاقتباس من القرآن والاستشهاد بالآيات، خطيباً مصقعاً، كاتباً بليغاً، وصحافياً بارعاً، وسياسياً
ثاقب الفكرة سليم الذهن، مطلعاً على كتب التاريخ والأدب وأخبار الشعوب والبلاد، حسن التصرف
فيما وعته(8/1171)
ذاكرته، وحواه صدره، إذا تحدث في موضع ظن السامع أنه صاحب اختصاص فيه، سلفي
العقيدة، قد رفض التقليد وخالف أباه - الذي كان شيخ طريقة - في الرسوم والبدع، وآثر مذهب شيخ
الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ومع ذلك كان يأخذ البيعة من بعض الناس، ويرشدهم في
الطريق، وأثر في عقليته ما قرأه في ريعان شبابه من كتب العقليين والسيد أحمد خان وأصحابه،
فتأثر بها مع معارضته السياسية والعلمية لهذه المدرسة وأصحابها، ذكياً. جيد الفهم لكثير من الآيات
القرآنية، يفسرها بأسلوبه الأدبي القوي، فيعجب بها الشباب المتعلم، وذكاؤه يسبق علمه، وقوة بيانه
تغلب على تعمقه في العلم وسعة نظره في كتب المتقدمين، له كتاب تذكرة في ترجمة حياته، وذكر
مآثر أسلافه لم تمم، وغبار خاطر وكاروان خيال جمع فيهما رسائله الأدبية، وكلها وجهت إلى مولانا
الأمير حبيب الرحمن الشيرواني، ومجلدان من ترجمة القرآن وتفسيره، وله غير ذلك من الرسائل
والنشرات السياسية والاجتماعية.
الشيخ أحمد بن صبغة الله المدراسي
الشيخ العالم المحدث أحمد بن صبغة الله بن محمد غوث الشافعي المدراسي، أحد العلماء المشهورين
في بلاده، ولد بمدراس يوم الخميس لتسع بقين من ذي القعدة سنة سبع وستين ومائتين بعد الألف،
ونشأ في مهد العلم والمشيخة، وقرأ على السيد إسحاق ومولانا محمد سعيد وعلى غيرهما من العلماء،
وفرغ من تحصيله سنة ثلاثمائة وألف، واشتغل بالتدريس والتصنيف.
ومن مصنفاته: الفتاوي الصبغية، ومختصر في الفقه، وتحفة صلاح حاشية توشة فلاح في المناسك،
وقاطعة اللسان لمن أنكر قراءة نظم القرآن وتفضل العلوم، وتكملة تلقيح الأثر، وتخريج أحاديث
صفوة التصوف، وأسماء الرجال لشيوخ محمد بن طاهر المقدسي، والأربعين من سيد الأولين
والآخرين، وفهرس الأسماء المبهمة، وفهرس الأسماء المتشابهة في الرجال، والتاريخ الأحمدي.
مات في الثامن عشر من ذي الحجة سنة سبع وثلاثمائة وألف بمكة المباركة.
السيد أحمد بن عبد الرحمن الدهلوي
الشيخ الفاضل أحمد بن عبد الرحمن الحسيني الدهلوي صاحب المعجم المشهور فرهنك آصفيه، ولد
ونشأ بدهلي، وقرأ العلوم الآلية، وتفنن في الفضائل على أهل عصره، ثم ولي التدريس فدرس زماناً
بدهلي وشمله.
له مصنفات كثيرة أشهرها فرهنك آصفيه في أربعة مجلدات كبار في اللغة الهندية يسمونها أردو،
تلقاها محبوب علي خان ملك الدكن، وأعطاه خمسة آلاف ربية جائزة على هذا التصنيف، ورتب له
خمسين ربية شهرية، واشترى منه أربعمائة نسخة من ذلك الكتاب، وفرقها على أهل العلم، ومن
مصنفاته: رسوم دهلي.
توفي في التاسع عشر من رجب سنة ست وثلاثين وثلاثمائة وألف.
الشيخ أحمد بن عبد القادر الكوكني
الشيخ الفاضل العلامة أحمد بن عبد القادر الجيتكر الشافعي الكوكني، نسبة إلى كوكن، على ما قيل
طائفة من قريش خرجت من المدينة المنورة في زمن الحجاج بن يوسف الثقفي خوفاً منه، فوصلت
ساحل بحر الهند، وسكن بعض أفرادها في مدراس وحواليها، واشتهروا بالنوائط، وتوطن بعضهم في
كوكن، وهي منطقة معروفة على ساحل بحر الهند فانتسبوا إليها، وكلهم شافعيون.
والشيخ أحمد ولد عشية النصف من شعبان سنة اثنتين وسبعين ومائتين وألف، وسماه باسمه أحد
السادات الحضرمية كان نازلاً عند أبيه في مدينة بمبىء، وهو نشأ في عفاف وطهارة، وكان من
صغر سنه مشهوراً بالفطنة والذكاء، مجبولاً على الكرم والسخاء، قرأ القرآن على الشيخ آدم
الدهشني، والمختصرات على الحافظ محمد علي الكوكني وعلى غيره من علماء المعمورة، ثم لم يزل
مشمراً عن ساق الجد في طلب العلم حتى فاق أقرانه، فقرأ المنطق والحكمة والأصول(8/1172)
والكلام
والطب وغيرها على مولانا عبد الله الحنفي البدايوني، والقاضي محمد إسماعيل المهري الشافعي
الكوكني، والشيخ عبد الحميد باعكظه الشافعي الخطيب، والعلامة عبد الحي بن عبد الحليم اللكهنوي،
ومولانا نصر الله خان الخورجوي، والشيخ محمد شاه الحنفي المحدث نزيل دهلي، وبرع في كثير
من العلوم لا سيما الفنون الأدبية، ولكن الزمان احتال عليه بالداء العضال ورماه بوجع في ظهره،
حتى اشتد عليه المرض وانحنى ظهره، وحصلت له كلفة عظيمة من الجلوس والقيام والمشي، وكان
مع شدة مرضه يلقى الناس ببشاشة، ويراعي معهم الخلق الحسن، ويحافظ على الأوقات، وكان أكثر
وقته في المطالعة، وأكثر اشتغاله بنفع الخلائق من التدريس والمداواة والنصيحة، وشهد بفضله
وتبحره جماعة من الفضلاء، منهم: السيد علوي بن أحمد السقاف شيخ السادة في الحرم الشريف
المكي، قال فيه: إنه ممن يشد إليه الرحال، ولو لم يكن لنا قصد في دخول الهند والخروج من مكة
المشرفة سوى زيارته لكفى.
وله شعر رائق، غاية في حسن السبك، وجودة التركيب، وطلاوة الألفاظ، وجزالة المعنى، قد أرسل
إلى جملة صالحة من قصائده الغراء، ووصفني بأبيات رائقة لست أهلاً لذلك.
فمن قصيدة نبوية له:
يا شوق بلغ إلى جيران ذي سلم سلام صب سليم الهم والألم
واستمطرن من ندى ألطافهم شبما يطي لظى لاعج في القلب مضطرم
وقل لهم أرسلوا طيفاً فطيفهم روح المحبين يحيي ميت النسم
من لي به وسهادي ظل يمنعه أو بالكرى وهو مدفوع بينهم
لولاهم ما كلأت الليل مكتئباً أرعى النجوم حليف الوجد والسقم
ولا جرى دمع عيني كالعقيق على ذكر العقيق وذكر البان والعلم
لولا اضطراب فؤادي من مياسمهم ما زاده خفقاناً بارق الظلم
ولا صبا القلب أو هاج البكا وصبا إن هب ريح جرت من رقمتي اضم
يا لائمي وشراب الحب أسكرني لو ذقت لذة كأس الحب لم تلم
ألست تعلم أن العدل في مهج ال عشاق يفعل فعل الزيت في الضرم
أعان شوقي جوى قد شب في كبدي وخانني في الهوى صبري ومعتزمي
هوى سرى في دمي قدماً فلا عجب إن ضن عيني بدمعي وهو عين دمي
والدهر لم يكفه أني الجريح به حتى رماني بداء غير منحسم
لم يصف مشرب في عيشتي أبداً فمم عوفيت بالآلام والنقم
ضاعت بضاعتي المزجاة صفوتها وما اكتسبت سوى حمل من التهم
يا ليت شعري لم الخلاق أنشأني أللتحسر والآلام والندم
هبني ذنوبي قد جمت أليس لها من الرسول شفيع رحمة الأمم
محمد بهجة الدارين نورهما سر الوجود وعين الجود والكرم
ومن قصيدة يرثي بها شيخه عبيد الله:
الله أكبر كاد الخير ينعدم والموت أفضل ما في الخلق يخترم
كلا ولا حي ينجو من مخالبه سيان عند المنايا القرم والقزم
مالي أرى الأرض تبقى وهي تنقصها جزر ومد لبحر الهول ملتطم(8/1173)
أرى الليالي والأيام سودها سود النوائب حتى بيضها ظلم
يا ماشياً فوق وجه الأرض ذا ميل ما تحت رجل إلا أعظم رمم
يا ظامئاً ليس يروي ظماه شبم لقد وردت سراباً وهو مضطرم
كن حيث شئت فلا تنفك من حرق ما دام روحك في الأعضاء تحتدم
لحا المهيمن ذي الدنيا وطالبها في بعدها نكد في قربها تهم
والعمر لحظة عين لا قرار لها وما مضى مثل ما لم يمض منعدم
جئنا بكياً ورحنا حاسرين على اله امات يلقي عليها الترب والرجم
وللزمان غلو في تلاعبه يبني فيهدم ما يبنيه أو يضم
أين الصناديد من فرس ومن عرب لم ينج داراً ولا صخر ولا هرم
أين الذي شيد الأهرام يحسبها تحميه عن مهرمات دونها حطم
سل هل تنبىء عن أبنائها سباء أو هل تخبر عن آرامها إرم
وليسأل القلعة الحمراء طارقها كم من دموع جرت فيها وطل دم
عفى الديار ديار العلم قاطبة قحط الرجال وأيم الله قد عدموا
في غدوة شفعت صبح القيامة من نعى تزلزل منه الشم والأكم
رزء تدارك منه الدين منسلما وقد وهت عروة الإسلام تنفصم
ومن قصيدة أنشأها لندوة العلماء:
عفى ديار علوم الدين قاطبة نسج الدبور وأرياح جرت نقما
يا للمدارس أضحت وهي دارسة يا للمكاتب تبكي العلم والعلما
أما سمعتم بكاها وهي صارخة صراخ ثكلى على مولدها اخترما
هذي المشاعر ضيم الدهر عطلها ورد واردها غيظاً وما كظما
هذي الشعائر لم يبق الصروف بها مقدار عشر العشير الوزن والقيما
وارحمتاه لأرض الدين ينقصها ريب المنون ممدا سيلها العرما
وارحمتاه لدين قل عصبته من كل حام حماه راسخ قدما
وارحمتاه لدين لات عدته فمد بالنهب أيدي عصبها الخصما
وارحمتاه لدين قل نادبه والرجال وواسيفاه واقلما
يا للبقية صونوا الدين تنتصروا يصونكم ويرد المجد والحشما
إني محذركم من وقع واقعة يمسي الوليد لديها هيبة هرما
ألا خذوا حذركم في كل آونة فما اتقى النار إلا كيس حزما
ووثقوا عروة الإسلام أوهنها تفرق فيكم قد حل مخترما
هذي اختلافاتكم كم شخصت بكم وسفهت عرب الإسلام والعجما
أليس أكمل هذا الدين ربكم أما أتم عليكم فضله النعماء
يا ليت شعري ففيما ذا اختصامكم وما الذي بعده ترضونه حكما(8/1174)
كم ذا التنازع ريح العز أذهبها كم ذا التشاجر ويحاً أثمر السدما
كم ذي الفتاوي وكم تكفير إخوتكم كم ذا التشاتم واذلاه واندما
هذا الذي فتر الإسلام نهضته هذا الذي قصر الأعزام والهمما
هذا الذي حير الأحرار ترقية هذا الذي غير الأخلاق والشيما
الله الله كونوا أصدقاء كما كانت معاشرة أسلافنا القدما
الله الله إن كنتم لهم خلفا فتابعوهم مع الإحسان لا جرما
وثقفوا أود الأحداث تربية حتى تقوم بهم شوق الكمال نمى
ضيعتموهم إذا الأقوام غيركم حازوا الفنون وفاقوا في النهى حكما
غداً سيسأل كل عن رعيته فما جوابكم يا معشر العلماء
توفي إلى رحمة الله سبحانه ليلة العشرين من محرم سنة عشرين وثلاثمائة وألف بمدينة بمبىء،
أخبرني بذلك صنوه عبد الله الجيتكر.
الشيخ أحمد بن عثمان المكي
الشيخ العالم المحدث أبو الخير أحمد بن عثمان الحنفي المكي ثم الهندي المالوي، كان من العلماء
المبرزين في الرجال والسير، لم يكن مثله في زمانه أحد بعد شيخنا حسين بن محسن السبعي
الأنصاري اليماني.
ولد بمكة المباركة في ثاني ذي القعدة سنة سبع وسبعين ومائتين بعد الألف، وقرأ المختصرات في
البلدة المباركة ثم دخل الهند، وذلك في سنة ست وتسعين ومائتين وألف، فلازم شيخنا العلامة حسين
بن محسن المذكور، وأخذ عنه الحديث والرجال وأصول الحديث والتفسير وغيرهما، وصحبه مدة
طويلة حتى برع وفاق أقرانه، ثم سافر البلاد، وجاب الأغوار والأنجاد، ولقي المشايخ الأمجاد، وتتبع
المدارس والمكاتب، وصنف الكتب، وفي آخر أمره دخل مراد آباد ولازم شيخنا الإمام المحدث فضل
الرحمن بن أهل الله البكري المراد آبادي، وقرأ عليه الصحاح والسنن.
ومن مصنفاته: إتحاف الإخوان في أسانيد مولانا فضل الرحمن، وإتحاف البشر في أعيان القرن
الثالث عشر، والنفح المكي لمعجم شيوخ أحمد المكي، والهدية الأحمدية في أنساب ولد الشيخ أحمد بن
عبد الأحد السرهندي إمام الطريقة المجددية وهي بالفارسية، وقد طبع منها الأول والآخر، ونسخة من
معجمه في المكتبة الآصفية بحيدر آباد خطية.
مات سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وألف بمدينة بمبىء.
السيد أحمد بن المتقي الدهلوي المعروف بسيف أحمد خان
الرجل الكبير الشهير أحمد بن المتقي بن الهادي بن عماد بن برهان الحسيني التقوي الدهلوي.
كان من مشاهير الشرق، لم يكن مثله في زمانه في الدهاء ورزانة العقل، وجودة القريحة، وقوة
النفس والشهامة والفطنة بدقائق الأمور، وجودة التدبير، وإلقاء الخطبة على الناس، والمعرفة بمواقع
الخطبة على حسب الحوادث، والتفرس من الوجوه، وقد وقع له مع أهل عصره قلاقل وزلازل،
وصار أمره في حياته أحدوثة، وجرت فتن عديدة، والناس قسمان في شأنه: فبعض منهم مقصر به
عن المقدار الذي يستحقه، بل يريعه بالعظائم، وبعض آخر يبالغ في وصفه ويجاوز به الحد، ويلقبه
بالمجدد الأعظم والمجتهد الأكبر، ويتعصب له كما يتعصب القسم الأول عليه، وهذه قاعدة مطردة في
كل من يفوق أهل عصره في أمر، وهو ما بلغ رتبة العلماء، بل قصارى أمره ادلاجه في الفضلاء،
وهو ما أتقن فناً، وتصانيفه شاهدة بما قلته، فإن رأيت مصنفاته علمت أنه كان كبير العقل، قليل
العلم، ومع ذلك كان سامحه الله تعالى قليل العمل، لا يصلي ولا يصوم غالباً.(8/1175)
وشأنه عجيب كل العجب، فإنه كان في بداية أمره على مذهب المشايخ النقشبندية، لأنه نشأ فيهم،
وكان والده محمد المتقي من أصحاب الشيخ غلام علي الدهلوي، وأمه عزيز النساء بنت فريد الدين
الكشميري الوزير كانت بايعت السيد الإمام المجاهد السيد أحمد الشهيد السعيد البريلوي، فصنف
الرسائل في إثبات الرابطة وتصور الشيخ، وفي إثبات عمل المولد، وكان الناس يبدعونه في ذلك
الحال، ثم رغب إلى طائفة السيد الإمام ومختاراته، وصنف الرسائل في الانتصار له، فنسبه الناس
إلى الوهابية، ثم ارتقى إلى ذروة التحقيق والاجتهاد في المذهب، وصدرت منه الأقاويل في تفسير
القرآن الكريم، وفي تهذيب الأخلاق، فكفره الناس، وبعضهم بدعوه، ونسبوه إلى نيجر، وهي كلمة
انكليزية، معناه الفطرة، لقوله: الإسلام هو الفطرة، والفطرة هي الإسلام.
وكان مولده في خامس ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين بعد الألف بدهلي، وتربى في حجر
أمه وجده لأمه خواجه فريد الدين، وقرأ النحو والصرف وبعض رسائل المنطق إلى شرح التهذيب
لليزدي وقرأ شرح هداية الحكمة للميبذي ومختصر المعاني والمطول على علماء بلدته، ثم صرف
همته إلى الهيئة والهندسة وقرأ تحرير الأقليدس وشرح الجغميني وبعض الرسائل في الآلات
الرصدية للبرجندي وأعمال الكرة وأعمال الاصطرلاب وصنعة الاصطرلاب والربع المجيب والربع
المقنطر والهلزون وجريب الساعة وفرجاء التقسيم والفرجاء المتناسب كلها على خاله زين العابدين،
ثم قرأ القانونجه والموجز ومعالجات السديدي، وكليات النفيسي وشرح الأسباب والعلامات إلى
أمراض العين على الحكيم غلام حيدر خان الدهلوي وتطبب عليه برهة من الزمان، ثم تقرب إلى
بعض متوسلي الحكومة الإنكليزية، وولي التحرير في ديوان الحاكم لأقطاع آكره، وبعد مدة ولي
القضاء لفتحبور سيكري، فصار صدر امين واستقل بالقضاء أربع سنوات، ولقبه في هذه السنين
بهادر شاه بن أكبر شاه بن شاه عالم التيموري جواد الدولة عارف جنك ثم نقل من فتحبور إلى دهلي،
وسنحت له فرصة للأخذ والقراءة، فقرأ القدوري وشرح الوقاية وأصول الشاشي ونور الأنوار
وبعض كتب أخرى على مولانا نوازش على الدهلوي، وقرأ بعض المقامات من مقامات الحريري
وبعض القصائد من السبع المعلقات على مولانا فيض الحسن السهارنبوري، وقرأ مشكاة المصابيح
وقدراً صالحاً من جامع الترمذي وبعضاً من صحيح مسلم على مولانا مخصوص الله بن رفيع الدين
العمري الدهلوي وأسند عنه القرآن الكريم، وصنف آثار الصناديد كتاباً في تاريخ دهلي، وتجشم
الصعوبة في تصنيفه سنة 1264 هـ، فتلقاه الناس بالقبول، ونقل من دهلي إلى بجنور سنة 1272 هـ،
وصنف بها تاريخ بجنور، وجد في تصحيح آئين أكبري لأبي الفضل بن المبارك الناكوري، فصححه
بمقابلة النسخ العديدة، وكتب عليه الحواشي المفيدة.
وكان في بجنور إذ ثارت الفتنة العظيمة ببلاد الهند وثارت العساكر الإنكليزية على الحكومة سنة
1273 هـ، فقام على ساق لنصرة الحكومة الإنكليزية، فلما تسلطت الحكومة مرة ثانية رتبت له مائتي
ربية شهرية له إلى حياته، وبعده لولده الكبير حامد بن أحمد الدهلوي إلى حياته، وجعلته صدر
الصدور ببلدة مراد آباد، وهو عبارة عن نيابة القاضي في إحدى المتصرفيات، فسار إلى مراد آباد
سنة 1275 هـ، وصنف الرسائل في أسباب الثورة والخروج، واشتهر أمره في الهند، وظهر فضله
بين أهلها عند الحكومة الإنكليزية، ثم صنف تفسير الإنجيل وسماه تبيين الكلام، ولكنه لم يتم، واجتهد
فيه في تقريب دين الإسلام إلى دين النصارى، ثم نقل إلى غازيبور سنة 1279 هـ وأنشأ بها مجمعاً
علمياً لنقل الكتب العلمية والتاريخية من اللغة الإفرنجية إلى لغلة أهل الند يسمونها أردو، وحرض
أهل تلك البلدة من المسلمين والهنادك لإنشاء مدرسة إنكليزية، فأنشأوها وسموها وكلوريه اسكول
على اسم ملكة إنكلترا، ثم نقل من غازيبور إلى عليكزه سنة 1281 هـ، فنقل معه ما كان للمجمع
العلمي من الآلات والأدوات إلى عليكزه، وجمع الناس عليه، وجمع الإعانات له، وبنى بناء شامخاً
لإدارته، فنقل أكثر الكتب المفيدة إلى أردو من العربية والإنكليزية، وأنشأ من تلك الرابطة العلمية
صحيفة أسبوعية لإصلاح أهل الهند، ونقل من عليكزه إلى بلدة بنارس سنة 1284 هـ، وصنف كتاباً
في حلة طعام أهل الكتاب والمؤاكلة معهم سنة 1285 هـ، وسافر مع ولديه حامد ومحمود إلى جزائر
بريطانيا(8/1176)
سنة 1286 هـ وأقام في العاصمة سنة وخمسة أشهر، زار في خلالها المراكز الثقافية
والمجامع العلمية وبعض الجامعات الشهيرة والمصانع والمعامل الكبيرة، واطلع على المشاريع
التعليمية والفنية، ولقي الأساتذة الكبار وأعيان الدولة، وقابل الملكة فكتوريا واحتفت به الدوائر
الرسمية وصنف بها الخطبات الأحمدية في السيرة النبوية وشرح لعقيدة الإسلامية، ورد ما أورده
السر وليم ميور على السيرة ومهاجمته للاسلام وصاحب رسالته، في كتابه الشهير حياة محمد ورجع
إلى الهند سنة 1292 هـ، وأنشأ مجلة تهذيب الأخلاق.
وفشا أمره في الناس، فكفره قوم من العلماء لأقاويل صدرت منه في المجلة وتبعه الآخرون، وشرع
في تصنيف تفسير القرآن، واحتضن المدرسة التي أسسها المولوي سميع الله خان باتفاقه وتوجيهه
للمسلمين بعلي كزه، أصبحت بعده بمدة الجامعة الإسلامية سنة 1292 هـ وسكن بتلك البلدة، وطلب
من الحكومة أن يحال إلى المعاش، وأجيب إلى ذلك، فانتقل إلى عليكزه، ووهب لهذه المدرسة التي
توسعت بعد حياته واشتهرت باسم جامعة عليكزه الإسلامية ذكاءه ونفوذه ومواهبه كلها، وانصرف
إليها انصرافاً كلياً يرغب فيها جميع طبقات المسلمين، ويجمع لها التبرعات والإعانات بكل وسيلة
وحيلة، ويحتار لها الأساتذة الماهرين من الإنجليز وغيرهم، ويبني لها البنايات العظيمة، ويقوم
لتعريفها والدعوة إليها بالجولات في أنحاء الهند، ويقوم بالدعوة إلى التعليم العصري واقتباس
الحضارة الغربية وعادات الغربيين، ويكتب ويؤلف ويشير على الحكومة بما يراه صالحاً لها
وللمسلمين، ويشارك في تشريع بعض القوانين وتهذيبها، ويخطب في المجلس التشريعي.
وأسس في سنة 1304 هـ المؤتمر التعليمي الإسلامي لمساعدة المسلمين في الاستفادة بالتعليم الحديث
وتوجيههم، وعارض المؤتمر الوطني العام، ودعا المسلمين إلى التنحي عنه والعمل لوحدهم متمسكاً
بقلة عددهم، وتخلفهم في مجال السياسة والثقافة، وقرب العهد بالثورة التي أثارت حولهم الشبهات،
ومنحته الحكومة سنة 1306 هـ وساماً ممتازاً يسمى نجم الهند ولقبته ب كي. سي. ايس. آئي. ومنحته
جامعة ايدمبرا الدكتوراه الفخرية في سنة 1307 هـ، ونشأ بينه وبين أعضاء المجلس التأسيسي
للمدرسة خلاف في بعض القضايا الإدارية، وعارضه صديقه القديم، وعضده الأيمن في تأسيس
المدرسة المولوي سميع الله خان في اختياره نجله القاضي سيد محمود سكرتيراً مساعداً لللجنة،
فانفصل سميع الله وزملاؤه عن المجلس، واستقالوا عن العضوية، وكان لذلك الأثر العميق في نفس
السيد أحمد خان وأعصابه، وتأثرت صحته، وحدث أن الكاتب الهندكي الذي كان يثق به السيد أحمد
خان وجعله أمين الصندوق في الكلية تحققت عليه خيانة في مائة ألف وخمسة آلاف ربية بالتزوير،
فكانت ضربة قاضية لم تحتملها أعصاب السيد أحمد خان وصحته، وتكدرت أيامه الأخيرة، ومات
ابنه السيد حامد في سنة 1315 هـ، فانهارت صحته ولزم الصمت، واعتراه في غرة ذي القعدة 1315
هـ احتباس البول، وفي الرابع من ذي القعدة 1315 هـ أصابه الصداع الشديد والحمى، وفارق الحياة
في الليل، ودفن بجوار مسجده الذي بناه في وسط الجامعة.
كان السيد أحمد خان - رغماً عن المآخذ ومواضع النقد التي أشار إليها المؤلف - من الرجال
العصاميين، الذين أثروا في عصرهم وجيلهم تأثيراً لم يعرف لغيره من معاصريه، وقد أثر في عقلية
أبناء عصره ومن جاء بعدهم وفي السياسة والأدب والإنشاء وحركة التأليف، وتخرج في مدرسته
الفكرية - على ما فيها من ضعف وانحراف - رجال قادوا الحركة الفكرية والسياسية في شبة القارة
الهندية، كان قوي الشخصية، قوي النفوذ على أصحابه وجلسائه، عاملاً دؤباً، لا يتعب ولا يمل،
وكان نشاطه كثير الجوانب، متنوع الأغراض، واسع النطاق، وكان على رقة في الدين وشذوذ في
العقيدة شديد الحب للمسلمين، شديد التألم بما أصيبوا به، تواقاً إلى تقدمهم وسبقهم في مضمار العلم
والمدنية والرفاهية، يستخدم لذلك كل وسيلة وحيلة، وكان رجلاً مرهف الحس، حاد الذهن، عصبياً،
سريع الانفعال والقبول، كثير الاعتداد برأيه، كثير الاعتماد على غيره، إذا أعجب به ووثق، شديد
الإجلال للحضارة الغربية.(8/1177)
كان أبيض اللون تغلب عليه الحمرة، واسع الجبين، كبير الهامة في غير عيب، وكان في أنفه قصر
عن وجهه الكبير، كبير الأذنين، وكان في نحره غدة تغطيها لحيته الكبيرة، وكان جسيماً بديناً، وكان
في قامته طول قد عدله سمن جسمه وضخامة بدنه، وكان قوي الأعضاء ضخم الكراديس، وكان
يلبس لباس أهل وطنه قبل أن يسافر إلى انكلترا، وبقي بعد ذلك يلبس اللباس التركي، ويلبس
الطربوش، وكان يعيش كالغربيين في بيت منعزل، ويأكل على طريقتهم.
وأما مختاراته في المسائل الكلامية والعقائد الدينية، فمنها:
إن الله سبحانه علة العلل لجميع الكائنات إنه عالم بجميع ما كان وما يكون، وعلمه هذا هو التقدير
صفاته تعالى عين ذاته العقل يكفي في معرفة الله وفي التمييز بين الكفر والإسلام لا يقبل العدم ما
كان يبقى من الموجودات بعد انعدام العوارض نوعية كانت أو شخصية لا ينتقض قانون الفطرة لأن
أفعاله تعالى قانونه حسن الأشياء وقبحها عقلي الإنسان مجبور في فطرته وجبلته ومختار في قدرته
إجماع الأمة ليس بحجة شريعة لا يجب على أحد تقليد أحد غير النبي المعصوم صلى الله عليه وآله
وسلم الإيمان تصديق بالقلب، فإن أذعن أحد بالشهادتين في القلب فهو مؤمن ولو تشابه بقوم في
خصوصيات الدين وشعار الكفر كالزنار والصليب والأعياد أحكام الشريعة كلها مطابقة للفطرة النبوة
ملكة راسخة فطرية من بابن تهذيب الأخلاق ملكة النبوة هي الناموس الأكبر، ويقال لها بلسان الشرع
جبريل معجزات الأنبياء ليس من دلائل النبوة المعجزة ليست غير مطابقة للفطرة، ولكن خفيت على
الناس أسبابها فظنوا أنها خارقة للعادة، الملائكة والشياطين ليست بأشخاص متحيزة بالذات المراد
بالملائكة القوى الملكية، والمراد بالشياطين القوى البهيمية، فإنها موجودة في وجود الإنسان ليست
خارجة عنهم القرآن ليس بمعجز في الفصاحة والبلاغة، لأنه ليس مما ألقى في قلب النبي صلى الله
عليه وآله وسلم بلفظه، بل بمضمونه ومعناه، والمراد من قوله تعالى: " فاتوا بسورة من مثله" وقوله:
" فاتوا بعشر سور مثله" التحدي في الهداية والتعليمات رؤية الله سبحانه لأحد منا لإنسان محال، لا
يقبله العقل الجنة والنار غير موجودتين في الخارج، بل المراد تخييل الراحة والعذاب بقدر فهم
الإنسان السماء هو بعد غير متناه يتصل بعضه ببعض، ولذلك أطلق عليه سبع سماوات، فهو ليس
بأجرام فلكية، كما يزعمه الحكماء ليست في القرآن آية منسوخة، لا منسوخة التلاوة ولا منسوخة
الحكم لا رق في الإسلام الطوفان في زمن نوح عليه السلام ما كان عاماً لسائر الأرض معراج النبي
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ما كان جسمانياً، وكذلك شق الصدر، فإنهما كان على طريق الرؤيا نحن
مجبورون في اتباع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في الأمور الدينية، مختارون في الأمور الدنيوية
ما وقع التحريف اللفظي في الكتب السماوية الخلافة بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ما كانت
خلافة النبوة يحل أكل الطيور التي خنقها النصارى وطبخوها للأكل، وله مختارات في المذهب غير
ذلك، ذكرها ألطاف حسين في كتابه حياة جاويد.
الشيخ أحمد بن محمد السورتي
الشيخ الفاضل أحمد بن محمد بن هاشم اللونتي السامرودي السورتي أحد العلماء المبرزين في العلوم
العربية، ولد يوم الأربعاء لتسع خلون من جمادى الأولى سنة خمس وتسعين ومائتين بعد الألف،
وقرأ العلم على والده ولازمه مدة، ثم سافر إلى دهلي وأخذ الحديث عن شيخنا المحدث نذير حسين
الحسيني الدهلوي ثم رجع إلى بلدته وصرف عمره في الدرس والإفادة.
مات يوم الأحد لسبع عشرة خلون من شعبان سنة خمس عشرة وثلاثمائة وألف.
الشيخ أحمد بن نظام الحيدر آبادي
الشيخ الفاضل أحمد بن نظام النائطي المدراسي ثم الحيدر آبادي، شمس العلماء أحمد عبد العزيز
نواب عزيز جنك من الأفاضل المشهورين بمعرفة التاريخ والسير واللغة والحساب والشعر، ولد ونشأ
ببلدة حيدر آباد، وقرأ العلم على المولوي شهاب الدين والمولوي وجيه الدين وعلى غيرهما من أساتذة
دار(8/1178)
العلوم بحيدر آباد، وأخذ اللغة والشعر عن الشيخ محمد حسين المدراسي وحبيب الله النيلوري، ثم
تقرب إلى ولاة الأمر وخدم الدولة الآصفية في دواوين الحساب والمالية ثمانياً وعشرين سنة، وصنف
الكتب، منها منتخب المال وخزينة الحساب وعمدة القوانين وأعظم العطيات وشيرازه دفاتر - كلها
في المالية والحساب - فنال الصلات والجوائز من صاحب الدكن، ولقب بعزيز جنك.
ومن مصنفاته غير ما ذكرناها آصف اللغات في اللغة الفارسية، طبع منها إثنا عشر مجلداً حتى
اليوم.
مات يوم الجمعة في السابع عشر من ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة وألف.
القاضي أحمد الهزاروي
الشيخ الفاضل القاضي أحمد بن فلان الحنفي الهزاروي أحد العلماء الصالحين، ولد ونشأ بهزاره،
وقرأ أكثر الكتب الدرسية على والده، ثم سافر إلى ديو بند وأخذ عن أساتذتها في المدرسة العالية، ثم
رجع إلى بلاده وولي القضاء وحصل له القبول العظيم في بلاده، وهو اليوم مشتغل بالقضاء
والتدريس.
مات في السابع عشر من صفر سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف، وله سبعون سنة، كما وجد بخط
ولده الشيخ عبد السلام.
السيد أحمد حسن الأمروهوي
الشيخ العالم الفقيه أحمد بن حسن بن أكبر حسين الحسيني الحنفي الأمروهوي أحد العلماء
المشهورين بسعة التقرير والتبحر في الكلام، ولد ونشأ ببلدة أمروهه، واشتغل بالعلم أياماً في بلدته،
ثم سافر إلى ديو بند ولازم الشيخ قاسم بن أسد علي النانوتوي وأخذ عنه، وأخذ عن غيره من العلماء
أيضاً، وفاق أقرانه في كثير من العلوم والفنون، ثم أسند الحديث عن الشيخ أحمد علي بن لطف الله
السهارنبوري والشيخ عبد الرحمن بن محمد الأنصاري الباني بتي والشيخ الكبير عبد القيوم بن عبد
الحي البكري البرهانوي، وسافر إلى الحجاز فحج وزار وأخذ الطريقة عن الشيخ إمداد الله التهانوي
المهاجر إلى مكة المشرفة وأسند الحديث عن الشيخ عبد الغني بن أبي سعيد الدهلوي المهاجر إلى
المدينة المنورة، ثم رجع إلى الهند وولي التدريس في المدرسة العربية ببلدة أمروهه.
وكان حسن الصورة حلو الكلام، مليح الشمائل قوي العمل، كثير الدرس والإفادة، لقيته بأمروهه غير
مرة، مات لليلة بقيت من ربيع الأول سنة ثلاثين وثلاثمائة وألف.
مولانا أحمد حسن الطوكي
الشيخ العالم الفقيه أحمد حسن بن غلام حسين بن سعد الله الأفغاني النجيب آبادي ثم الطوكي أحد
العلماء الصالحين، ولد ونشأ ببلدة نجيب آباد وقرأ المختصرات على أبيه، ثم سافر إلى طوك وقرأ
على المولوي عبيد الله خان والقاضي عبد العلي بن خليل الرحمن الرامبوري وتطبب عليه، وكان
خطاطاً، له إكليل المدائح وجين كت.
مات لتسع خلون من شوال سنة ثمان عشرة وثلاثمائة وألف ببلدة طوك، فدفن بها.
السيد أحمد حسن النصير آبادي
السيد الشريف أحمد حسن بن محمد بن يسين الحسني الحسيني النصير آبادي كان من ذرية الأمير
الكبير بدر الملة المنير السيد قطب الدين محمد بن أحمد المدني المدفون بمدينة كزه.
ولد ونشأ ببلدة نصير آباد، واشتغل بالعلم على عمه السيد خواجه أحمد بن يسين النصير آبادي وقرأ
عليه جميع الكتب الدرسية، وأخذ عنه الطريقة ولازمه مدة طويلة، ثم درس وأفاد ببلدته زماناً، وفي
آخر عمره سار إلى جاوره عند والده وولي خدمة.
وكان عالماً بارعاً في الفقه والحديث والعربية، متعبداً مذكراً، زاهداً ناسكاً، له قدم راسخة في العفة
والقناعة والتوكل والتقلل من الدنيا.
مات لإثنتي عشرة خلون من شعبان سنة سبع عشرة وثلاثمائة وألف ببلدة نصير آباد، فقبر عند عمه
الشيخ الكبير مولانا خواجه أحمد النصير آبادي.(8/1179)
مولانا أحمد حسن الكانبوري
الشيخ الفاضل العلامة أحمد حسن الحنفي البطالوي ثم الكانبوري أحد العلماء المشهورين في كثرة
الدرس والإفادة، تخرج عليه خلق لا يحصون كثرة.
ولد ونشأ ببلدة بطاله من أعمال كورداس بور، وسافر للعلم فلازم المفتي لطف الله ببلدة عليكزه
وتخرج عليه، وولي التدريس بمدرسة مظاهر العلوم في سهارنبور فدرس بها زماناً، ثم ولي بفيض
عام في كانبور فسكن بها وتأهل وتدير ودرس بها مدة طويلة، ثم سافر إلى الحجاز فحج وزار وأخذ
الطريقة عن الشيخ إمداد الله التهانوي المهاجر إلى مكة المباركة، ثم رجع إلى الهند.
وكان إماماً علامة، خيراً ديناً، ورعاً متواضعاً، وافر العقل، حسن الاخلاق، متخلقاً بجميع الصفات،
جميل العشرة، كثير النصح والمحبة لأصحابه، ساكناً متجمعاً عن الناس، متعففاً عن التردد إلى بني
الدنيا، قانعاً باليسير، طارحاً للتكلف، كثير الإنصاف والبشر لمن يقصده للأخذ عنه، مواظباً على
الاشتغال، والإقبال على الإقراء، صبوراً، مديم التدريس من غير ملل ولا ضجر، وإني لا أعلم أحدا
اشتغل بالتدريس كما اشتغل به هذا الحبر، كان يدرس الكتب الدقيقة في المنطق والحكمة والأصول
والكلام ويباحث في المسائل العويصة من علوم متعددة زيادة على خمسة عشر درساً في كل يوم،
وفي ذلك عرضت له البواسير، يهرق الدم الكثير وهو لا يتعطل عن التدريس، حتى غلب عليه
الهزال، ومنعه الأطباء عن التدريس قاطبة، ولكنه ما ترك حتى توفي إلى رحمة الله سبحانه.
له حاشية مبسوطة على شرح السلم لحمد الله، وتعليقات على المثنوي المعنوي، ورسالة في مبحث
إمكان الكذب وامتناعه لله سبحانه، وأثبت بالدلائل الكلامية الامتناع.
مات في سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة ببلدة كانبور.
مولانا أحمد حسن الدهلوي
الشيخ العالم المحدث أحمد حسن الدهلوي أحد العلماء المشهورين، ولد ونشأ بمدينة دهلي وحفظ
القرآن، وقرأ العلم على أساتذة عصره، ثم لازم شيخنا السيد نذير حسين المحدث وأخذ عنه، ثم سافر
إلى الحجاز فحج وزار، ورجع إلى الهند وخدم الدولة الآصفية بحيدر آباد وولي على ميدك سنة
1294 هـ وأقام بها مدة، ثم أحيل إلى المعاش ورجع إلى دهلي.
وله مصنفات كثيرة ممتعة، منها أحسن التفاسير بالأردو في مجلدات كبار، وحاشية بسيطة على
بلوغ المرام للعسقلاني، وتخريج مشكاة المصابيح، وكان مشغولاً في آخر عمره بتخريج أحاديث مسند
الإمام أحمد بن حنبل الشيباني - رحمه الله ونفعنا ببركاته -.
مات في سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وألف.
الحكيم أحمد حسين الإله آبادي
الشيخ الفاضل أحمد حسين بن بدر الدين العثماني الحنفي الإله آبادي أحد الأفاضل المشهورين، ولد
ونشأ بسيد سراوان قرية من أعمال إله آباد، واشتغل بالعلم على مولانا محمد حسن بن تفضل حسين
العمري الإله آبادي، وقرأ عليه الفنون العربية وشيئاً من المنطق والحكمة، ثم سافر إلى كانبور وقرأ
سائر الكتب الدرسية على العلامة أحمد حسن الكانبوري، ثم دخل لكهنؤ وأخذ الصناعة الطبية عن
الحكيم حيدر حسين اللكهنوي، وسافر إلى كلكته فتطبب بها زماناً، ثم رجع إلى إله آباد واشتغل
بالمداواة والتصنيف.
وكان باهر الذكاء متوقد الذهن، اجتمعت به في أيام الطلب والتحصيل مدة، وله كتب في السير، منها
كتاب في سيرة نور الدين محمود الزنكي، وكتاب في سيرة صلاح الدين الأيوبي، وله ترجمة تاريخ
ابن خلدون المغربي.
مات لسبع خلون من ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة وألف.
المفتي أحمد رضا خان البريلوي
الشيخ العالم الفقيه أحمد رضا بن نقي علي بن(8/1180)
رضا علي الأفغاني الحنفي البريلوي المشهور بعبد
المصطفى.
ولد يوم الإثنين عاشر شوال سنة اثنتين وسبعين ومائتين بعد الألف ببلدة بريلي، واشتغل بالعلم على
والده ولازمه مدة طويلة حتى برع في العلم وفاق أقرانه في كثير من الفنون لا سيما الفقه والأصول،
وفرغ من تحصيله سنة ست وثمانين، وله أربع عشرة من عمره، وسافر للحج مع والده سنة خمس
وتسعين ومائتين وألف، ثم حج سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وألف.
وأسند الحديث - في الحجة الأولى - عن السيد أحمد زيني دحلان الشافعي المكي والشيخ عبد
الرحمن سراج مفتي الأحناف بمكة والشيخ حسين ابن صالح جمل الليل، وذاكر علماء الحجاز في
بعض المسائل الفقهية والكلامية، وألف بعض الرسائل أثناء إقامته بالحرمين، وأجاب عن بعض
المسائل التي عرضت على علماء الحرمين، وأعجبوا بغزارة علمه وسعة اطلاعه على المتون الفقهية
والمسائل الخلافية وسرعة تحريره وذكائه.
ورجع إلى الهند وأكب على التأليف وتحرير المسائل والرد على مخالفيه والإفتاء، وكان قد أخذ
الطريقة عن السيد آل رسول الحسيني المارهروي ونال الإجازة منه.
كان متشدداً في المسائل الفقهية والكلامية، متوسعاً مسارعاً في التكفير، قد حمل لواء التكفير
والتفريق في الديار الهندية في العصر الأخير وتولى كبره وأصبح زعيم هذه الطائفة تنتصر له
وتنتسب إليه وتحتج بأقواله، وكان لا يتسامح ولا يسمح بتأويل في كفر ومن لا يوافقه على عقيدته
وتحقيقه أو من يرى فيه انحرافاً عن مسلكه ومسلك آبائه، شديد المعارضة، دائم التعقب لكل حركة
إصلاحية، انعقدت حفلة مدرسة فيض عام سنة إحدى عشرة وثلاثمائة وألف في كانفور، وحضرها
أكثر العلماء النابهين، وهي الحفلة التي تأسست فيها ندوة العلماء، ومن أكبر أغراضها توحيد كلمة
المسلمين وإصلاح ذات البين بين علماء الطوائف وإصلاح التعليم الديني، وحضرها المفتي أحمد
رضا المترجم، وخرج منها وقد قرر محاربة هذه الجمعية، فأصدر صحيفة أسماها التحفة الحنفية
لمعارضة ندوة العلماء، وألف نحو مائة رسالة وكتاب في الرد عليها، وأخذ فتاوي العلماء في أنحاء
الهند، وتوقيعاتهم في تكفير علماء الندوة، وجمعها في كتاب سماه إلجام ألسنة لأهل الفتنة وأخذ على
ذلك توثيق علماء الحرمين، ونشره في مجموعة، سماها فتاوي الحرمين برجف ندوة المين في سنة
سبع عشرة وثلاثمائة وألف.
ثم انصرف إلى تكفير علماء ديو بند، كالإمام محمد قاسم النانوتوي والعلامة رشيد أحمد الكنكوهي
والشيخ خليل أحمد السهارنفوري ومولانا أشرف علي التهانوي ومن والاهم، ونسب إليهم عقائد، هم
منها برآؤ، ونص على كفرهم وأخذ على ذلك توثيقات علماء الحرمين الذين لا يعرفون الحقيقة،
ونشرها في مجموعة سماها حسام الحرمين على منحر أهل الكفر والمين قال فيها من شك في كفرهم
وعذابهم فقد كفر واشتغل بهذا الرد والنقض والمحاربة والمعارضة لا تأخذه في ذلك هوادة ولا يعتريه
وهن، حتى أصبح التكفير شغل الناس الشاغل، وكانت مضاربات ومحاكمات وفتن ومشاغبات.
وكان يعتقد بأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعلم الغيب علماً كلياً، فكان يعلم منذ بدء الخليقة
إلى قيام الساعة بل إلى الدخول في الجنة والنار جميع الكليات والجزئيات، لا تشذ عن علمه شاذة،
ولا تخرج من إحاطته ذرة، وكان يعبر عنه بقوله علم ما كان وما يكون وقد صنف في هذا الموضوع
عدة رسائل منها رسالة سماها إنباء المصطفى ورسالة أخرى باسم خالص الاعتقاد وله رسالة في هذا
المعنى بالعربية سماها الدولة المكية وعلق عليها حاشية زادت عليها أضعافاً مضاعفة وسماها
الفيوض الملكية، وكان ينتصر للرسوم والبدع الشائعة وقد ألف فيها رسائل مستقلة، وألف رسائل في
الاستمداد والاستعانة بأولياء الله وأهل القبور، وكان مع ذلك يرى حرمة سجدة التحية وألف فيها
رسالة سماها الزبدة الزكية لتحريم سجود التحية وهي رسالة جامعة تدل على غزارة علمه وقوة
استدلاله، وكذلك كان ينتصر للأعياد التي تقوم على القبور ويسميها أهل الهند الأعراس ومع ذلك
يحرم الغناء بالمزامير، ويحرم صنع الضرائح منسوبة إلى الحسين - عليه وعلى آبائه السلام -،
التي(8/1181)
يصنعها أهل الهند بالقرطاس ويسمونها تعزية.
كان عالماً متبحراً، كثير المطالعة واسع الاطلاع، له قلم سيال وفكر حافل في التأليف، تبلغ مؤلفاته
ورسائله على رواية بعض مترجميه إلى خمسمائة مؤلف، أكبرها الفتاوي الرضوية في مجلدات كثيرة
ضخمة، كان قوي الجدل، شديد المعارضة، شديد الإعجاب بنفسه وعلمه، قليل الاعتراف بمعاصريه
ومخالفيه، شديد العناد والتمسك برأيه، يندر نظيره في عصره في الاطلاع على الفقه الحنفي
وجزئياته، يشهد بذلك مجموع فتاواه وكتابه كفل الفقيه الفاهم في أحكام قرطاس الدراهم الذي ألفه في
مكة سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وألف، وكان راسخاً طويل الباع في العلوم الرياضية والهيئة
والنجوم والتوقيت، ملماً بالرمل والجفر، مشاركاً في أكثر العلوم، قليل البضاعة في الحديث والتفسير،
يغلو كثير من الناس في شأنه فيعتقدون أنه كان مجدداً للمائة الرابعة عشر.
مات لخمس بقين من صفر سنة أربعين وثلاثمائة وألف.
مولانا أحمد علي الجونبوري
الشيخ العالم الصالح أحمد علي بن كرامة علي الصديقي الجونبوري أحد المشايخ النقشبندية، ولد
ونشأ بجونبور، وتفقه على والده وأخذ عنه الطريقة، وقرأ العلم على الشيخ عبد الحليم بن أمين الله
اللكهنوي، وعلى غيره من العلماء، وتولى الشياخة بعد ما توفي والده في بنكاله، وسكن بجانكام، وكان
يعتزل في البحر على سفينة، ورزق من حسن القبول في تلك البلاد ما لم يرزق أحد من المشايخ.
وكان شيخاً متورعاً متواضعاً، حليماً جواداًن كثير العزلة كبير المنزلة، يسأل فيهب كل ما يرزق
حتى يهب ثيابه وفرش بيته، ويأتيه من التحف والهدايا ما لا يحصى بحد وعد فيفرق كل ذلك، ولا
يدخر شيئاً من النذور والفتوحات ولو كانت مآت وألوفاً، وسافر إلى الحجاز للحج والزيارة فصرف
في ذلك السفر على ما قيل أربعين ألفاً من النقود الفضية الإنكليزية.
مات سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف بجانكام فدفن بها.
السيد أحمد على الطوكي
الشيخ العالم الصالح أحمد علي بن محمد علي الحسيني الرامبوري ثم الطوكي أحد العلماء المبرزين
في الإنشاء والشعر والتاريخ والطب، ولد ونشأ في مهد العلم وقرأ على عمه العلامة حيدر علي
الطوكي، ثم سافر إلى دهلي، وأخذ عن المفتي صدر الدين الحنفي الدهلوي، ثم عاد إلى بلدة طوك
وتطبب على عمه المذكور.
وكان مداعباً مزاحاً، حلو المنطق، حسن المحاضرة، مليح الشمائل متين الديانة، له ترجمة تاريخ
الواقدي في ثلاثة مجلدات، وترجمة تزك جهانكيري في مجلد، وله غير ذلك من الكتب.
مات سنة ثمان عشرة وثلاثمائة وألف ببلدة طوك.
السيد أحمد علي الكانبوري
السيد الشريف أحمد علي بن محمد علي الحنفي الكانبوري كان من العلماء العاملين وعباد الله
الصالحين، ولد في سنة سبع وتسعين ومائتين وألف ونشأ بكانبور، واشتغل بالعلم من صباه، وقرأ
على المولوي غلام حسين والعلامة أحمد حسين الكانبوري وعلى غيرهما من العلماء، ثم سافر إلى
مراد آباد وقرأ الصحاح والسنن على مولانا عبد الكريم، ولازمه مدة وأخذ عنه.
وكان باهر الذكاء، قوي الإدراك سريع الحفظ، وله من محاسن الأخلاق ومكارم الصفات ما ليس
لغيره مع عقل رصين ودين متين، واشتغال بخاصة النفس، وتفويض للأمور، وزهد وعفاف، وعزة
نفس، وهو من بيت معمور بالآداب والعلوم، وسيأتي ذكر أبيه إن شاء الله تعالى، سافر إلى الحجاز
صحبة والده فحج وزار، ورجع إلى الهند.
ومات في رمضان يوم الجمعة وهو يصلي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وألف.
المولوي أحمد علي الفتحبوري
الشيخ الفاضل أحمد علي بن أمجد علي(8/1182)
الفتحبوري أحد العلماء المدرسين، ولد في ربيع الثاني سنة
اثنتين وتسعين ومائتين وألف بفتحبور قرية جامعة من أعمال باره بنكي، وقرأ المختصرات على
المولوي عابد حسين الفتحبوري وعلى غيره من العلماء، ثم سافر إلى كانبور ودخل بجامع العلوم
المدرسة الكبيرة بها، وقرأ الكتب الدرسية على مولانا أشرف علي بن عبد الحق التهانوي ولازمه مدة
من الزمان، ثم ولي التدريس بتلك المدرسة ودرس بها زماناً.
وكان من أوائل من أجازهم الشيخ أشرف علي التهانوي، وكانت له مناسبة تامة بالفقه، يدل على
ذلك الأجزاء الخمسة الأولى من كتاب بهشتي زيور الذي تلقى بالقبول وانتشر انتشاراً عظيماً في بلاد
الهند.
مات في عشرين من ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة وألف قبل شيخه مولانا أشرفي
علي التهانوي.
القاضي أحمد الله السورتي
الشيخ الفاضل أحمد الله بن رحمة الله الحسيني اللاجبوري السورتي أحد الأفاضل المشهورين، ولد
ونشأ بسورت، وقرأ العلم على أساتذة عصره، ثم ولي القضاء بقرية بارجول من أعمال سورت،
وكان شاعراً بليغاً، مجيد الشعر.
مات لتسع خلون من جمادى الأولى سنة تسع وثلاثمائة وألف.
مولانا أحمد الله الدهلوي
الشيخ العالم الصالح أحمد الله الدهلوي أحد الأفاضل الصلحاء، قرأ الكتب الدرسية على العلامة
محمد بشير السهسواني وتخرج عليه، ثم أخذ الحديث عن شيخنا حسين بن محسن السبعي الأنصاري
اليماني وعن غيره من المحدثين، ثم ولي التدريس بدهلي في مدرسة عليجان - بالجيم.
الحكيم أحد الدين اللاهوري
الشيخ الفاضل أحمد الدين بن علاء الدين الحنفي اللاهوري أحد العلماء المبرزين في الصناعة
الطبية، ولد ونشأ بلاهور، وقرأ العلم على مولانا غلام محمد البكوي والشيخ فيض الحسن
السهارنبوري وعلى غيرهما من العلماء، وقرأ الكتب الطبية على والده وتطبب عليه مدة، ثم تصدر
للتدريس والمداواة.
وله مصنفات عديدة، أشهرها كاشف الرموز، وهو شرح الموجز بالفارسي.
مولانا أحمد كل الهزاروي
الشيخ العالم الصالح المعمر أحمد كل الحنفي الهزاروي أحد الفقهاء الحنفية، ولد ونشا بهزاره - بفتح
الهاء - واشتغل بالعلم من صباه وتفقه على مشايخ عصره، حتى نبغ في العلم وصار المرجع
والمقصد في الفقه الحنفي، واشتغل بالتدريس ستين سنة وقد جاوز مائة وسبع عشرة سنة، ولكنه كان
مع كبر سنه لا يحتاج إلى المنظرة، وله الوجاهة العظيمة عند الأفاغنة، وتذكر له كشوف وكرامات.
مولانا إدريس النكرامي
الشيخ العالم الصالح إدريس بن عبد العلي الحنفي النكرامي أحد الفقهاء المتورعين، ولد بنكرام يوم
الإثنين الرابع عشر من شوال سنة خمس وسبعين ومائتين بعد الألف، وقرأ العلم على والده وتفقه
عليه، ثم دخل لكهنؤ وقرأ مسلم الثبوت في أصول الفقه على مولانا عبد الحي بن عبد الحليم
اللكهنوي، وأسند الحديث عن الشيخ عبد الحق بن محمد مير الدهلوي والشيخ عبد الرحمن ابن محمد
الباتي بتي المحدث وشيخنا الإمام فضل الرحمن بن أهل الله البكري المراد آبادي، وأخذ الطريقة عن
أبيه وعن الشيخ فضل الرحمن المذكور وعن خالي المرحوم عبد السلام بن أبي القاسم الحسيني
الواسطي وعن غيره من المشايخ، وتولى الشياخة بعد أبيه.
وكان صالحاً متورعاً، متين الديانة، حسن الأخلاق،(8/1183)
لطيف المعاشرة مع اشتغال بخاصة النفس،
وتفويض للأمور، وعفاف وعزة نفس، يدرس ويذكر.
وله مصنفات كثيرة، منها تحفة النبلاء في آداب الخلاء، والقول الموطا في تحقيق الصلاة الوسطى،
ومواهب القدوس في أحكام الجلوس، والتعليق النقي على رسالة الشيخ علي المتقي، وتحفة الحبيب
في تحقيق الصلاة والكلام بين يدي الخطيب، والعون لمن نفى إيمان فرعون، والتحقيق المبين في
مجددي المائتين، والكلام المسدد في رواة موطا محمد، وتحصيل المرام بتبويب مسند الإمام،
والأربعين من مرويات نعمان سيد المجتهدين، ونفحة الشمائم لأهل العمائم، والبرهان على حكم تقييل
الإبهامين عند الأذان، والدرة الزكية في تأييد مذهب الحنفية، وتطييب الإخوان بذكر علماء الزمان،
وله غير ذلك من الرسائل.
مات في عاشر رمضان سنة ثلاثين وثلاثمائة وألف بنكرام.
مولانا إرشاد حسين الرامبوري
الشيخ العالم الفقيه إرشاد حسين بن أحمد حسين بن محي الدين بن فيض أحمد ابن كمال الدين بن
درويش أحمد بن زين بن يحيى بن أحمد العمري السرهندي ثم الرامبوري أحد العلماء المشهورين
في الهند، كان من نسل الشيخ أحمد بن عبد الأحد السرهندي إمام الطريقة المجددية.
ولد ونشأ ببلدة رامبور، وقرأ على ملا نواب بن سعد الله الأفغاني المهاجر إلى مكة المباركة ولازمه
مدة طويلة حتى برع وفاق أقرانه في المعقول والمنقول، ثم سافر إلى دهلي ولازم الشيخ أحمد سعيد
بن أبي سعيد المجددي الدهلوي وأخذ الطريقة عنه وأسند الحديث، ثم رجع إلى رامبور وعكف على
الدرس والإفادة والإرشاد والتلقين، وانتهت إليه الفتيا ورئاسة المذهب الحنفي برامبور، وحصل له
القبول العظيم والمنزلة الجسيمة عند صاحبها كلب علي خان الرامبوري، كان يحترمه ويتلقى إشاراته
بالقبول.
وله مصنفات عديدة، منها انتصار الحق في الرد على معيار الحق، للمحدث الدهلوي.
مات يوم الإثنين منتصف جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وثلاثمائة وألف برامبور.
الشيخ إسحاق بن إبراهيم القنوجي
الشيخ العالم الفقيه إسحاق بن إبراهيم الحنفي القنوجي أحد العلماء المبرزين في الفنون الأدبية، ولد
ونشأ بقنوج، وقرأ العلم على أساتذة المدرسة العربية بديوبند وتخرج عليهم، ثم سافر إلى بهوبال
وتقرب إلى نواب صديق حسن القنوجي، فجعله عاملاً في قطعة من أقطاع بهوبال.
له قصائد في مدحه وفي مدح صاحبته نواب شاه جهان بكيم، ومن شعره قوله:
بشرى ففردوس النشاط قد أزهرا واهتز عنقود المنى فتنورا
والأرض كالأطلال مخصبة خضرة فإذا تشمس عاد يوماً مقمرا
ما أطيب الأحياء أزكى ما زهت يا للشباب يشق أعراق الثرى
وكأن آفاق السماء عشية محمرة في عكس ورد أحمرا
وترى الشقيق حبابة محمرة مقلبوة بثت ببحر أخضرا
والبيض لو قلبت ظهور قبيعها درر فرائد في الزمرد نشرا
وكأن عاجلة المسرة أثرت إن الثريا كالأقاح تكشرا
أبت الثمار غصونه فمججنها وكذا الأويرق والمعادن أثمرا
سال النضار على الجداول حقبة لا بد للأشجار أن تنتضرا
سيقانها مصفرة فكأنما ذهب سبيك قد نما فتشجرا(8/1184)
هذي الرياض وما ذكرت كأنها وجه الحبيب برائقً وزواهرا
ما للحدائق أخرجت أثقالها تشكو طلاها الياسمين وعبهرا
ماذا السؤال عن الرياض تضوعت أو ما ترى جو السماء معطرا
يا صاحبي لا باس إن لم تطلع أن تلك إلا عن حديق لن ترى
روض الكواعب كلها روض المنى روض الغواني اللابسات غدائرا
الفاترات المحدقات كحيلة الناعمات الرافلات تبخترا
الحاجبات وجوههن مدللاً والمبديات من الجمال مشاعرا
والفاحم الوجف الأثيث كمدجن متساحم قد غم روضا أزهرا
وكأنه شمس ضممت وراءها مخروط ظل الأرض فهو كما ترى
فهي الليالي لو تراه مدبرا وهو النهار أو الذكاء منورا
تعس الجوى مستأصلاً بالي وقد أفنى الهوى مهجاً فمالي لا أرى
ومع الحزين من الكآبة إذ جرى يعتل ما يلهي الطبيب فلو درى
همل الدموع كنظم در هالك شوقاً لنظم مياسم نفعت الكرى
إلى غير ذلك من الأبيات.
السيد إسحاق بن قاسم المدراسي
الشيخ الفاضل إسحاق بن قاسم المدراسي كان سبط الشيخ محمد غوث الشافعي النائطي، ولد سنة
ثلاثين ومائتين بعد الألف، وأخذ عن خاله الشيخ صبغة الله بن محمد غوث وعن القاضي ارتضا
علي خان العمري الكوباموي، وكان مفرط الذكاء متين الديانة كبير الشأن، أخذ عنه غير واحد من
العلماء.
وكان معدوداً في الشعراء، لقبه أمير بلدته طرازش خان بهادر، وله أبيات رائقة بالفارسية.
مات يوم السبت لثلاث ليال بقين من جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وثلاثمائة وألف.
الشيخ إسحاق بن لطيف الهدى البردواني
الشيخ العالم الفقيه إسحاق بن لطيف الهدى الحنفي الكيتهني البردواني أحد العلماء المشهورين، ولد
بكيتهن - بفتح الكاف وسكون التحتية وفتح الفوقية بعدها هاء - مختفية ونون - قرية من أعمال
بردوان من أرض بنكاله.
ولد سنة ثلاث وثمانين ومائتين بعد الألف، وقرأ المختصرات على أساتذة بلاده، ثم دخل آره وقرأ
على المولوي محمد حنيف الآروين، ثم سار إلى كانبور وقرأ سائر الكتب الدرسية على مولانا عبد
الغفار اللكهنوي والمولوي أشرف علي التهانوي، ثم ولي التدريس بالمدرسة العالية بكلكته، ومنحته
الحكومة لقب شمس العلماء، ثم رقى إلى درجة المعلم في مدرسة حكومية في ذهاكه وأحيل إلى
المعاش وعين معلماً في قسم الإسلاميات في جامعة ذهاكه.
مات في سنة سبع وخمسين وثلاثمائة وألف في كلكته في حادثة اصطدام وقد جاء في زيارة: لوطنه،
فنقلت جثته إلى قريته كيتهن ودفن بها.
الشيخ إسحاق بن أبيه الرامبوري
الشيخ الفاضل إسحاق بن أبيه الرامبوري ثم الدهلوي أحد العلماء المبرزين في المنطق والحكمة،
ولد ونشأ ببلدة رامبور وقرأ العلم على مولانا أمير أحمد ووالده العلامة أمير حسن السهسواني ثم
سافر إلى دهلي وأخذ الحديث عن شيخنا المحدث نذير(8/1185)
حسين الدهلوي، وتصدر للتدريس ببلدة دهلي،
أخذ عنه فقير الله البنكلوري، وخلق كثير.
الشيخ أسد الحق الخير آبادي
الشيخ الفاضل أسد الحق بن عبد الحق بن فضل حق بن فضل إمام العمري الخير آبادي أحد العلماء
المبرزين في المنطق والحكمة، ولد ونشأ برامبور، وقرأ العلم على والده ولازمه ملازمة طويلة، حتى
برع وفاق أقرانه في العلوم الحكمية، وولي التدريس بالمدرسة العالية برامبور، فدرس وأفاد بها
زماناً، ومات في شبابه لسبع خلون من ربيع الثاني سنة ثمان عشرة وثلاثمائة وألف برامبور.
مولوي أسد الله الموي
الشيخ الفاضل أسد الله بن لعل محمد الحنفي الموي الأعظم كدهي أحد العلماء الماهرين في الصناعة
الطبية، ولد ونشأ بمئو، وقرأ المختصرات على صنوه الحكيم عبد الله، ثم سافر إلى مرزا بور وقرأ
كبار الكتب على مولانا معين الدين الحسيني الكروي، ثم رجع إلى بلدته ولازم أخاه وأخذ عنه
الصناعة الطبية، ثم رجع إلى مرزابور، واشتغل بالتدريس والمداواة.
مات في سنة أربعين وثلاثمائة وألف.
مولوي أسد الله السندي
الشيخ الفاضل أسد الله بن الله بخش الحنفي السندي أحد العلماء المشهورين ببلاده، ولد في سنة
خمس وثمانين ومائتين وألف بقرية نكهر بالتاء العجمية من أعمال حيدر آباد السند، وقرأ أكثر الكتب
الدرسية على المولوي محمد حسن السندي بمدرسة العلوم في حيدر آباد، ثم سافر إلى ديوبند وقرأ
على مولنا السيد أحمد الدهلوي، والمولوي محمود الديوبندي وعلى غيرهما من العلماء، ثم حفظ
القرآن الكريم.
له مصنفات، منها جنة النعيم في استخراج لغات القرآن الكريم، وتحفية الحذاق في ترجمة الترياق،
ورسائل في التجويد وغيره.
المفتي إسماعيل بن إبراهيم البنارسي
الشيخ العالم الفقيه المفتي إسماعيل بن إبراهيم بن عمر الحنفي البنارسي أحد الفقهاء المبرزين في
العلوم الحكمية، ولد بمدينة بنارس سنة سبع عشرة ولازمه ملازمة طويلة، وأخذ الطب عن الحكيم
محمد علي الأصم اللكهنوي، وولي الإفتاء بلكهنؤ بعد أبيه، واستقل به نحو ثلاثين سنة، ثم رجع إلى
بنارس، واعتزل بها عن الناس، له مصنفات عديدة في الكلام.
مولانا إسماعيل بن عبد الجليل الكوئلي
الشيخ الفاضل العلامة إسماعيل بن عبد الجليل الإسرائيلي الكوئلي أحد العلماء المشهورين، ولد ببلدة
كوئل التي يسمونها اليوم عليكزه سنة ثلاث وستين ومائتين بعد الألف، وقرأ المختصرات على
المرحوم أحمد حسن وكان من تلامذة والده، ثم لازم الشيخ فيض الحسن السهارنبوري وأخذ عنه،
وجد في البحث والاشتغال حتى فاق أقرانه في كثير من العلوم والفنون، ثم قرأ الصحاح والسنن على
مولانا قاسم النانوتوي، وتصدر للتدريس.
وكان يعمل بنصوص الحديث والقرآن ولا يقلد أحداً وينشد - ع
إني أحب الحسن حيث وجدته للحق في وجه الملاح مواقع
له مصنفات جليلة، أشهرها القول الصريح في تكذيب مثيل المسيح، والقول الصواب في المولد
والقيام.
توفي لثلاث بقين من شوال سنة إحدى عشرة وعشرة(8/1186)
وثلاثمائة وألف ببلدة كوئل.
الشيخ إسماعيل الرانديري
الشيخ العالم الصالح إسماعيل بن حافظ محمد بن حافظ الصالح الحنفي الرانديري أحد العلماء
العاملين، ولد ونشأ براندير، وقرأ المختصرات على أهل بلدته، ثم سافر إلى بهوبال وقرأ الكتب
الدرسية على المولوي بديع الزمان اللكهنوي وعلى غيره من العلماء، ثم قرأ الصحاح والسنن على
شيخنا العلامة حسين بن محسن السبعي الأنصاري اليماني ولازمه مدة، ثم سافر إلى الحجاز فحج
وزار، وأخذ القراءة والتجويد عن الشيخ محمد الدمياطي، ثم رجع إلى راندير وولي الخطابة بها في
الجامع الكبير.
وكان صالحاً، فاضلاً، متورعاً، متين الديانة، حسن الأخلاق، لطيف المعاشرة مع انقطاعه إلى الزهد
والعبادة والتوكل والعفاف والصدق.
مات في السابع عشر من ربيع الأول سنة ثلاثين وثلاثمائة وألف براندير.
السيد أشرف الشمسي الحيدر آبادي
الشيخ الفاضل أشرف بن علي بن أشرف الحسيني الشمسي المهدوي الحيدر آبادي أحد الأدباء
المشهورين، ولد بحيدر آباد سنة ثمانين ومائتين بعد الألف، وقرأ المنطق والحكمة والأصول والكلام
وغيرها على مولانا عباس الجرياكوتي ومولانا عبد الصمد القندهاري، ولازمهما مدة من الزمان حتى
برز في الفضائل العلمية لا سيما الكلام والشعر، ومن قوله:
تعودت دهراً بالعباد الكرائب فأعيى فؤادي ازدحام المصائب
ولو صار عظمى في الرزايات إثمدا توطنت يوماً في عيون الحبائب
وهو من طائفة المهدوية، يعتقد بأن السيد محمد بن يوسف الجونبوري كان مهدياً.
مولانا أشرف علي الصادقبوري
الشيخ الفاضل أشرف علي بن أحمد الله بن إلهي بخش بن هداية علي الجعفري الصادقبوري العظيم
آبادي كان من العلماء المبرزين في العلوم الأدبية، ولد ونشأ بعظيم آباد، وقرأ المختصرات على أبيه،
ثم لازم صنوه عبد الحميد وأخذ عنه، ثم صحب عمه الشيخ فياض علي وسافر معه إلى أفغانستان
ولبث بها برهة من الدهر، ثم عاد ودخل لكهنؤ وقرأ العلوم الحكمية على من بها من العلماء، ثم توجه
إلى العلوم الغربية وجد في البحث والاشتغال ببلدة كلكته ونال الفضيلة التامة من كليتها، وولي
التدريس ببلدة بهاولبور ثم جوناكده، ثم ولي النظارة والتدريس في المدرسة الإنكليزية ببلدة بانده،
ولقبته الحكومة شمس العلماء، وكان صالحاً ديناً حسن العقيدة.
مات لليلتين خلتا من شوال سنة ست وعشرين وثلاثمائة وألف.
مولانا أشرف علي التهانوي
الشيخ العالم الفقيه أشرف علي بن عبد الحق الحنفي التهانوي الواعظ المعروف بالفضل والأثر.
ولد بتهانه قرية من أعمال مظفر نكر لخمس خلون من ربيع الآخر سنة ثمانين ومائتين بعد الألف،
وقرأ المختصرات على مولانا فتح محمد التهانوي والمولوي منفعت علي الديوبندي، وقرأ أكثر كتب
المنطق والحكمة وبعض الفقه والأصول على مولانا محمود حسن الديوبندي المحدث، وأكثر كتب
الفقه والأصول وبعض الحديث على مولانا محمود، والفنون الرياضية والمواريث على شيخنا السيد
أحمد الدهلوي، والحديث والتفسير على مولانا يعقوب بن مملوك العلي النانوتوي، كلها في المدرسة
العالية بديوبند.
ثم سافر إلى الحجاز فحج وزار وأخذ الطريقة عن الشيخ الكبير إمداد الله التهانوي المهاجر إلى مكة(8/1187)
المباركة، وصحبه زماناً ثم رجع إلى الهند ودرس مدة طويلة في مدرسة جامع العلوم بكانبور مع
اشتغاله بالأذكار والأشغال، حتى غلبت عليه الحالة فترك التدريس وسافر إلى أقطار الهند وراح إلى
الحجاز مرة ثانية وصحب شيخه مدة، ثم عاد إلى الهند وأقام بموطنه في آخر صفر سنة خمس عشرة
وثلاثمائة وألف، فلم يغادره إلا نادراً للتداوي أو لاضطرار، وصار مرجعاً في التربية والإرشاد
وإصلاح النفوس وتهذيب الأخلاق، تشد إليه الرحال ويقصده الراغبون في ذلك من أقاصي البلاد
وأدانيها، وانتهت إليه الرياسة في تربية المريدين وإرشاد الطالبين، والإطلاع على غوائل النفوس
ومداخل الشيطان، ومعالجة الأدواء الباطنة والأسقام النفسية، وهو ملتزم لمكانه، يقصد ولا يقصد،
ويؤتى ولا يأتي، وللإقامة في زاويته والاستفادة من مجالسه قيود والتزامات، يحتملها الطالبون، لا
يلتزم ضيافة القاصدين شأن الزوايا، بل يقومون بذلك بأنفسهم، ويخص بعض الفضلاء وخاصة
الزائرين بالضيافة، ومع ذلك يؤمه الطالبون من أنحاء بعيدة، ويتحملون نفقاتهم.
وكان أوقاته مضبوطة منظمة، لا يخل بها ولا يستثنى فيها إلا في حالات اضطرارية، وكان إذا
انصرف من صلاة الصبح اشتغل بذات نفسه، عاكفاً على الكتابة والتأليف منفرداً عن الناس، لا
يطمع فيه طامع إلى أن يتغدى ويقيل ويصلي الظهر، فإذا صلى الظهر جلس للناس يكتب الردود
على الرسائل، ويقرأ بعضها للناس ويتحدث إليهم، ويؤنسهم بنكته ولطائفه، وكان حديه نزهة
للأذهان، وفاكهة للجلساء، بحيث لا يملون ولا يضيقون، ويكتب بعض الحجب والتعويذات، فإذا
صلى العصر انفرد عن الناس واشتغل بشؤون بيته إلى أن يصلي العشاء، فلا يطمع فيه طامع.
وقد كان من كبار العلماء الربانيين الذين نفع الله بمواعظهم ومؤلفاتهم، وقد بلغ عدد مجالس وعظه
التي دونت في الرسائل وجمعت في المجاميع إلى أربعمائة مجلس، وقد كان نفع كتبه ومجالس وعظه
عظيماً في إصلاح العقيدة والعمل، واستفاد منها ألوف من المسلمين، ورفض عدد لا يحصيه إلا الله
العادات والتقاليد الجاهلية والرسوم والبدع التي دخلت في حياة المسلمين وفي بيوتهم وأفراحهم
وأحزانهم بسبب الاختلاط الطويل بالكفار وأهل البدع والأهواء، وقد كان له فضل كبير في تيسير
الطريقة وتقريبها، وتنقيح الغايات من الوسائل، واللباب من القشور والزوائد.
كانت له اليد الطولى في المعارف الإلهية، ومهارة جيدة في التصنيف والتذكير، ورزق من حسن
القبول ما لم يرزق غيره من العلماء والمشايخ في العصر الحاضر، قرأت عليه شطراً من أصول
الشاشي وجزءاً، من شرح الكافية للجامي، وبعضاً من شرح الشمسية للرازي.
وله مصنفات كثيرة ممتعة ما بين صغير وكبير وجزء لطيف ومجلدات ضخمة، أحصاها بعض
أصحابه فبلغت إلى نحو ثمانمائة، منها نحو اثنى عشر كتاباً بالعربية، منها أنوار الوجود في أطوار
الشهود، والتجلي العظيم في أحسن تقويم، وسبق الغايات في نسق الآيات، وغيرها، ومن مصنفاته في
غير العربية الإكسير في ترجمة التنوير، والتأديب لمن ليس له في العلم والأدب نصيب، وتحذير
الإخوان عن تزوير الشيطان، والقول البديع في اشتراط المصر للتجميع، والقول الفاصل بين الحق
والباطل، وتنشيط الطبع في إجراء القراءات السبع، وبيان القرآن في الترجمة والتفسير في ثلاثين
جزءاً، والتكشف عن مهمات التصوف، وتربية السالك وتنجية الهالك، وحياة المسلمين وتعليم الدين،
والبوادر والنوادر، وإصلاح الرسوم، ومجاميع كثيرة لمجالسه وكلامه ولمواعظه، وقد كان لكتابه
بهشتي زيور الذي ألفه أصلا لتعليم البنات وضمنه المسائل الفقهية التي تشتد إليها الحاجة رواج
وذيوع قلما بلغهما كتاب آخر من الكتب الدينية في هذا العصر، وطبع مراراً كثيرة يصعب
إحصاؤها.
وكان مشكلاً منور الشبيه، أبيض مشرب الحمرة ربعة من الرجال، حسن الثياب في غير إسراف
وتجمل، حلو المنطق، لطيف العشرة، فيه دعابة مع مهابة ووقار وسكينة ورزانة، كثير المحفوظ،
حسن الاستشهاد بالأبيات، كثير الإنشاد لأشعار المثنوي لمولانا جلال الدين الرومي في المواعظ
والمجالس في محالها، شديد العناية كثير الحسبة على أداء الحقوق إلى أصحابها وإصلاح المعاملات
مع الناس، لا يحتمل(8/1188)
في ذلك تساهلاً وتغافلاً.
توفي إلى رحمة الله تعالى لست عشرة خلون من رجب سنة اثنتين وستين وثلاثمائة وألف وقد بلغ
من العمر اثنتين وثمانين سنة، ودفن في تهانه بهون.
مولانا أشرف علي السلطانبوري
الشيخ العالم الصالح أشرف علي بن عبد الغفور الحنفي السلطانبوري أحد العلماء العاملين، ولد يوم
الأحد لسبع خلون من رمضان سنة ثمان وستين ومائتين وألف، وقرأ المختصرات على والده والحكيم
صادق علي والمولوي رحمة الله في بلدة كبورتهله وسافر إلى دهلي سنة إحدى وتسعين وأقام بها إلى
سنة ثلاث وتسعين، وقرأ في هذه المدة بعض الكتب على المفتي عبد الله الطوكي والكتب الطبية على
الحكيم عبد المجيد بن محمود الدهلوي، ثم سافر إلى سهارنبور، وقرأ الفقه والأصول على المولوي
أحمد سحن الكانبوري ومولانا محمد مظهر النانوتوي والحديث على الشيخ أحمد علي بن لطف الله
السهارنبوري، ثم دخل كنكوه وأخذ الطريقة عن الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي المحدث، واشتغل
بالتدريس والتصنيف.
له عناية تامة بالمناظرة، ومن مصنفاته تنبيه المغرور في الرد على القادياني، ورسالة في الرد على
الشيعة، ورسالة في تحقيق السيادة، ورسالة في شمائل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
السيد أشفاق حسين البريلوي
السيد الفاضل أشفاق حسين بن بشير الدين بن محمد أرزاني الحسيني النقوي السهسواني ثم
البريلوي أحد العلماء الصالحين.
ولد ونشأ بسهسوان، وقرأ العلم على الشيخ فضل رسول العثماني البدايوني، ثم تطبب على الحكيم
إمام الدين الدهلوي، وتقرب إلى ولاة الأمر وخدم الحكومة الإنكليزية مدة من الزمان، وناب الحكم في
قطر من أقطار جبلبور، وأحيل إلى المعاش، وكان بارعاً في كثير من العلوم والفنون، مداعباً مزاحاً
حلو المنطق، مليح الشمائل، حسن المعاشرة، بليغ العبارة، كان يحفظ جملة من الأدبيات، ويسرد ذلك
على محالها سرداً حسناً، وكان حريصاً على طلب العلم وجمع الكتب، يشتغل بمطالعتها، ويستخدم
العلماء ويحسن إليهم بالقرى ورواتب شهرية، فيذاكرهم في العلوم ويدرس بحضورهم، لقيته ببلدة
بريلي، وكان بين الستين والسبعين من العمر، فوجدته تذكاراً للسلف، حسن الصحبة والمعاشرة، طلق
الوجه ذا بشاشة للناس، يدرس في الجلالين، ويحضر في دروسه مولانا هداية علي البريلوي وكان
من يوظفه.
مات سنة ثمان عشرة وثلاثمائة وألف.
مولانا أصغر حسين الفرخ آبادي
الشيخ الفاضل العلامة أصغر حسين بن غلام غوث الحنفي الفرخ آبادي أحد العلماء المشهورين،
ولد في الثالث عشر من محرم سنة خمس وثلاثين ومائتين بعد الألف، وقرأ العلم على مولانا سراج
الدين المراد آبادي والشيخ مردان علي البدايوني وعلى غيرهما من العلماء، ثم تطبب وصار أوحد
عصره في العلوم الحكمية والفنون الأدبية، وتهافت عليه المحصلون من أقطار بعيدة، فدرس وأفاد
مدة طويلة ببلدته، ثم سافر إلى بهلوبال ونال الحظ والقبول من صاحبها نواب صديق حسن القنوجي
وكان من تلامذته، قرأ عليه في بداية حاله بعض الكب الدرسية، فجعله رئيس الأطباء ثم حاكم
المرافعة، فأقام بها مدة ثم حدثت بينهما المنافرة فعزله الأمير المذكور، فرجع إلى بيته واشتغل
بالتدريس والتصنيف، له مصنفات كثيرة ممتعة.
مات في سنة أربع عشرة وثلاثمائة وألف ببلدة فتح كده.
السيد إعجاز أحمد السهسواني
الشيخ الفاضل إعجاز أحمد بن عبد الباري بن سراج أحمد الحسيني النقوي السهسواني أحد العلماء
الصالحين، ولد في سنة أربع وتسعين ومائتين وألف، وقرأ الكتب الدرسية على الحكيم محمود عالم
بن إلهي(8/1189)
بخش السهسواني ولازمه مدة، ثم سافر إلى بهوبال وقرأ التوضيح والتلويح ومسلم الثبوت
وتفسير البيضاوي على العلامة محمد بشير السهسواني، وقرأ المطول وشرح السلم للقاضي مبارك
وشرح الهداية للصدر الشيرازي، على شيخنا القاضي عبد الحق الكابلي، ثم أخذ الحديث عن شيخنا
المحدث حسين بن محسن الأنصاري اليماني نزيل بهوبال، ثم رجع إلى سهسوان وأقام بها زماناً، ثم
سكن بقرية بسولي بفتح الموحدة والسين المهملة، يدرس ويتطبب.
وولي رياسة تدريس اللغة العربية والفارسية في مدرسة ببدايون، ثم عين نائب العميد في كلية في
فيض آباد، واشتغل هناك ستاً وعشرين سنة إلى أن أحيل إلى المعاش في سنة أربع وستين وثلاثمائة
وألف، واعتزل في وطنه منقطعاً إلى المطالعة والتصنيف والشعر والأدب.
كان السيد إعجاز أحمد متضلعاً من الفنون الأدبية، بصيراً بأصنافه ومذاهبه، شاعراً مكثراً مجيداً في
أردو على طريقة الشعراء المتأخرين، ويقول الشعر الرصين البليغ في العربية والفارسية وأردو.
توفي في إحدى عشرة خلون من شعبان سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة وألف بسهسوان وله من العمر
ثمان وثمانون سنة.
وله مصنفات كثيرة: منها تسلية الفؤاد بترجمة بانت سعاد، وتوقيع الفريد في تذكار أدباء الهند،
ورشحات الكرم في شرح فصوص الحكم للفارابي، والدراري المضيئة، ونقد وانتقاد، وشعر العرب،
وتذكرة شعراء سهسوان، وقند بارسي ديوان شعر له بالفارسية، وسحر وإعجاز ديوان شعر له في
أردو وديوان الشعر له بالعربية، ومن شعره قوله:
قد جبت في طلب العلوم مفاوزاً ومهالكاً كالهائم المتشوق
كم من أذى وسط الفلاة سئمته فلقيت آمالي بوجه مشرق
غرتني الدنيا كثيراً بالغنى وتركتها سخطاً لظاهر رونق
ومن قوله:
يهوى الفتى لذة الدنيا ويأملها ولا نصيب له منها سوى الألم
تباً لدار فناء لا بقاء لها ولا مصير لأهليها سوى العدم
فهب من رقدة الغفلات نل فرصاً فليس ينفع بعد الفوت من ندم
ومن قوله:
ولا أنسى سليمى يوم سارت بها الأجمال طائعة الزمام
أتتني كي تودعني فقامت تعض بنانها والطرف دامي
وغير وجهها وشك التنائي وأوجع قلبها روع انصرام
فأومت باللحاظ حذار واش وفي زفراتها حرق الغرام
مولانا أعظم حسين الخير آبادي
الشيخ العالم الصالح أعظم حسين بن لطف حسين الحنفي الخير آبادي أحد كبار العلماء، ولد ونشأ
بخير آباد، وقرأ العلم على العلامة عبد الحق بن فضل حق العمري الخير آبادي وعلى غيره من
العلماء، ثم سافر إلى بهوبال وقرأ الصحاح والسنن على مولانا عبد القيوم بن عبد الحي البكري
البرهانوي وأخذ عنه الطريقة ولازمه مدة، ولم يزل موظفاً في بهوبال إلى أن توفي، وفي كل عصر
كان مشاراً إليه في الفقه والديانة مع الاستقامة على الطريقة والصلاح الظاهر، لقيته غير مرة في
بهوبال، وكان هاجر إلى الحجاز في آخر عمره وأقام بها نحو عشر سنين.
مات في سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة وألف بالمدينة المنورة(8/1190)
المفتي أعظم علي الحيدر آبادي
الشيخ الفاضل المفتي أعظم علي الحسيني الحيدر آبادي أحد الفقهاء المعروفين بالصلاح، ولد ونشأ
بحيدر آباد، وقرأ العلم على أساتذة عصره، وولي الإفتاء بعد ما اعتزل جده لأمه المفتي مسيح الدين
لكبر سنه.
مولانا أفضل حسن الحيدر آبادي
الشيخ الفاضل أفضل حسن بن ظهور علي بن محمد حيدر بن محمد مبين الأنصاري اللكهنوي ثم
الحيدر آبادي كان من ذرية الشيخ الشهيد قطب الدين السهالوي، ولد ونشأ بحيدر آباد، وقرأ العلم على
والده وعلى الشيخ عبد الحليم ابن أمين الله الأنصاري اللكهنوي ببلدة حيدر آباد، وسافر إلى الحجاز
للحج والزيارة مرتين: مرة أولى مع والدته، ومرة ثانية في سنة ثمان وثلاثمائة وألف، وكان من
العلماء العاملين وعباد الله الصالحين.
مات سنة ثلاث عشرة، أو أربع عشرة وثلاثمائة بعد الألف بحيدر آباد.
مولانا إفهام الله اللكهنوي
الشيخ الفاضل إفهام الله بن إنعام الله بن ولي الله الأنصاري اللكهنوي أحد كبار العلماء، ولد ونشأ
ببلدة لكهنؤ، وقرأ المختصرات على الشيخ عبد الباسط بن عبد الرزاق اللكهنوي، ثم لازم العلامة عبد
الحي بن عبد الحليم وأخذ عنه، وأسند الحديث عن الشيخ عبد الرزاق وبايعه، ثم اشتغل بالتدريس
فدرس مدة بلكهنؤ، ثم ولي التدريس في مدرسة ويلور من أرض مدراس فدرس بها زماناً، ثم ولي
التدريس بمدرسة كلبركه من بلاد الدكن فدرس بها مدة.
وكان بارعاً في الأصول والكلام، له رسالة في تحقيق الروح، ورسالة في المعراج، وحاشية على
شرح العقائد، وحاشية على حاشية الخيالي، وحاشية على شرح الشمسية.
مات أول يوم من ذي القعدة سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف، وله ست وثلاثون سنة.
المولوي إلهي بخش الكوباكنجي
الشيخ الفاضل إلهي بخش بن عبد القادر الحنفي الكوباكنجي الأعظم كدهي، أحد العلماء المشهورين،
ولد سنة ثمان وخمسين ومائتين وألف بكوباكنج قرية من أعمال أعظمكده، وقرأ العلم على مولانا
سخاوة علي الجونبوري والشيخ تراب علي والشيخ عبد الحليم بن أمين الله، ثم درس وأفاد مدة
برسزا - بفتح الراء وسكون السين المهملتين بعدها راء هندية وألف - ثم تصدر بكهوسي في
مدرسة المولوي صاحب علي خان.
مات سنة تسع عشرة وثلاثمائة وألف.
مولانا إلهي بخش الفيض آبادي
الشيخ الفاضل العلامة إلهي بخش الحنفي الفيض آبادي، أحد العلماء المشهورين بجودة القريحة وقوة
الحفظ وسيلان الذهن، ولد ونشأ بفيض آباد ودخل لكهنؤ للعلم، فقرأ على مولانا أنور علي اللكهنوي
وعلى غيره من العلماء، ثم درس وأفاد مدة طويلة بلكهنؤ، ثم سافر إلى بهوبال، وجعله نواب صديق
حسن القنوجي معلماً لولديه، وبعد مدة يسيرة ولاه النظارة على مدراس بهوبال المحروسة، وسافر إلى
الحرمين الشريفين في آخر عمره، لقيته في بهوبال، وكان مفرط الذكاء، صالحاً عفيفاً، متين الديانة.
وله مصنفات ممتعة، منها تعليقاته على شرح السلم لحمد الله، وحاشية بسيطة على شريح التهذيب
لليزدي، وحاشية على شرح مائة عامل، وتعليقات على أكثر الكتب الدرسية وله عمدة المرام في
تحقيق الجملة والكلام، رسالة مبسوطة بالفارسية، ومن مخترعاته التراكيب المنطقية على منوال
التراكيب النحوية، ومن مصنفاته شرح المرقاة في المنطق بالفارسي، ونسبه إلى السيد علي حسن بن
نواب صديق حسن القنوجي.
توفي بمكة سنة ست وثلاثين وألف، ودفن في المعلاة.(8/1191)
خواجه ألطاف حسين حالي الباني بتي
الشيخ الفاضل خواجه ألطاف حسين بن ايزد بخش الأنصاري الباني بتي، أحد الأفاضل المشهورين
في الهند.
ولد في سنة ثلاث وخمسين ومائتين وألف، ببلدة باني بت، على ثلاثة وخمسين ميلاً من دهلي ونشأ
بها، وحفظ القرآن الكريم ثم اشتغل بالعلم على المولوي إبراهيم حسين الأنصاري الشيعي الباني بتي،
فقرأ عليه النحو والعربية، وبعض الكتب من المنطق، ثم سافر إلى دهلي وقرأ على مولانا نوازش
علي الدهلوي ولازمه مدة، ثم رجع إلى بلدته سنة اثنتين وسبعين، وأخذ عن المولوي قلندر علي
والمولوي محب الله والشيخ المحدث عبد الرحمن الأنصاري ولازمهم مدة، ثم سار إلى جهانكير آباد
وتقرب إلى نواب مصطفى خان الدهلوي وصاحبه مدة، وتتلمذ في الشعر على الشاعر المشهور أسد
الله خان غالب واختص به وبايع الشيخ عبد الغني بن أبي سعيد المجددي الدهلوي، وأقبل على الشعر
إقبالاً كلياً، ثم سافر إلى لاهور، وأقام بها زماناً، ثم ولي على التدريس في دهلي، واستمر عليه إلى
سنة تسع وثلاثمائة وألف، ووظف له الوزير آسمان جاه الحيدر آبادي، فاعتزل في بيته منصرفاً إلى
الكتابة والتأليف، ومساعدة حركة التعليم التي كان يتزعمها السيد أحمد خان.
وله مصنفات جليلة، منها حياة جاويد كتاب بسيط في سيرة السيد أحمد بن المتقي الدهلوي، وحياة
سعدي في سيرة المصلح السعدي الشيرازي، ويادكار غالب في سيرة أسد الله الدهلوي الغالب،
وترياق السموم في الذب عن الملة الإسلامية والرد على المسيحيين، ومجالس النساء ومناجاة بيوه
وشكوه هند وله أرجوزات كثيرة.
من أشهر مصنفاته المد والجزر في الإسلام المعروف بمسدس حالي منظومة تلقاها الناس بالقبول
وسارت مسير الأمثال في البلاد، وأولع الناس بها ولعاً عظيماً، وطبعت مراراً لا تحصى، وهي
ملحمة إسلامية ذكر فيها ظهور الإسلام وما له من فضل على الإنسانية، وذكر البعثة المحمدية
والشخصية النبوية في أسلوب معجب مطرب، وذكر الصحابة والعرب وما لهم من فضل في إحياء
العلوم والحضارة، ومآثر السلف وعلو همتهم، ثم ذكر ما نكب به المسلمون في الدور الأخير من
انحطاط في الأخلاق وانصراف عن معالي الأمور وسقوط في الهمة، وصور المجتمع الإسلامي
المعاصر تصويراً دقيقاً صادقاً، ويؤخذ عليه أنه بالغ في الثناء على الحكومة الانكليزية وعدلها
وفضلها وله مقدمة في الشعر وديوان الشعر بالأردو، وله أبيات رائقة رقيقة بالعربية والفارسية، وهو
أول من اخترع أسلوباً جديداً في الشعر.
وكان رقيق الشعور، مرهف الحس، سريع الانفعال، جيد القريحة في الشعر، له كعب عال في نقد
الشعر ومعرفة جيده من سقيمه، أحسن الاقتباس من الأساليب العصرية في النقد والتاريخ، رقيق
الذوق، متألماً بما أصيب به المسلمون، مبالغاً في حب السيد أحمد خان، شديد الإعجاب به، كريم
الطبع، متواضعاً، دمث الخلق، كثير الإنصاف مع معاصريه.
مات في الثالث عشر من صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة وألف بباني بت.
مولانا إمام الدين الطوكي
الشيخ العالم الفقيه المحدث إمام الدين بن يار محمد الكشميري الحنفي الطوكي أحد العلماء العاملين
وعباد الله الصالحين، ولد ببلدة بونجه - بضم الباء الفارسية والجيم المعقود - سنة خمس وعشرين
ومائتين وألف، واشتغل بالعلم أياماً في بلاده، ثم دخل دهلي وقرأ على المفتي صدر الدين وعلى غيره
من الأساتذة، وأخذ الحديث عن الشيخ المسند إسحاق بن أفضل العمري الدهلوي، ثم سافر إلى طوك
ولازم العلامة حيدر علي الحسيني الرامبوري وأخذ عنه في الفقه والأصول والطب والحديث وكثير
من العلوم والفنون، وسكن بطوك مدرساً مفيداً، أخذ عنه نواب محمد علي خان والقاضي عبد الغفار
ومحمد حسن ابن بيان خان وخلق كثير من العلماء، وأسند عليه الشيخ أبو الخير أحمد بن عثمان
المكي، وانتهت إليه رئاسة العلم ببلدة طوك، وفي آخر عمره ولي قضاء القضاة بها.
مات سنة تسع عشرة وثلاثمائة وألف.(8/1192)
مولانا أمان الحق اللكهنوي
الشيخ الصالح أمان الحق بن برهان الحق بن نور الحق بن أنوار الحق الحنفي الأنصاري اللكهنوي
أحد الفقهاء الحنفية، ولد ونشأ ببلدة لكهنؤ وحفظ القرآن وجوده، ثم اشتغل بالعلم، وقرأ على والده
وعلى الشيخ عبد الحكيم بن عبد الرب اللكهنوي، وبرع في الحساب والمواريث والفقه، ثم اشتغل
بالتدريس.
مات لإحدى عشرة بقين من ربيع الأول سنة خمس وثلاثمائة وألف ببلدة لكهنؤ.
مولانا أمانة الله الغازيبوري
الشيخ الصالح المعمر أمانة الله بن محمد فصيح الحنفي الغازيبوري أحد المشايخ المعروفين
بالصلاح، تفقه على والده، وأخذ عنه الطريقة وتولى الشياخة بعده.
وكان مرزوق القبول في الوعظ والتذكير، قليل العلم، شديد التعصب على من ينتمي إلى أهل
الحديث، مع الوجاهة العظيمة، والوقار والعفة، والاستقامة والصلاح، انتفع بمواعظه خلق كثير لا
يحصون بحد وعد.
مات في السادس عشر من رمضان سنة خمس عشرة وثلاثمائة وألف بغازيبور.
مولانا أمانة الله البلكهني
الشيخ الفاضل أمانة الله بن لطف الله الحنفي البلكهني أحد العلماء المشتغلين بالدرس والإفادة، ولد
حوالي سنة خمس وثمانين ومائتين وألف، ونشأ بعليكده، وقرأ العلم على والده ولازمه ملازمة طويلة،
ولما سافر والده إلى حيدر آباد تصدر للتدريس بعليكده، وكانت له مشاركة جيدة في العلوم الرياضية،
وكان كثير الصمت قليل الكلام، عاكفاً على الدرس والإفادة.
مات في شهر ذي الحجة سنة تسع وأربعين وثلاثمائة وألف.
المولوي أمجد علي الكاكوروي
الشيخ الفاضل أمجد علي بن أحمد علي بن غالب علي بن محمد نواز بن خليل الرحمن العلوي
الكاكوروي كان من نسل الشيخ نظام الدين بهيكه.
ولد ونشأ بكاكوري واشتغل بالعلم على الشيخ تقي علي بن تراب علي الكاكوروي القلندر، ولازمه
ملازمة طويلة وأخذ عنه الفقه والأصول والكلام والمنطق والحكمة وغيرها من العلوم المتعارفة في
الهند، وخدم الدولة الإنكليزية مدة طويلة حتى ناب الحكم في إحدى المتصرفيات وأحيل إلى المعاش،
لقيته غير مرة ببلدة لكهنؤ، فوجدته عالماً كبيراً بارعاً في العلوم الأدبية، والفنون الحكمية، ذا فكر نقاد
وذهن وقاد، لم يزل مشتغلاً بمطالعة الكتب والمذاكرة.
مات سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة وألف، بكاكوري.
السيد إمداد العلي الأكبر آبادي
الشيخ الفاضل إمداد العلي بن غلام مصطفى بن أحمد الله بن إلهام الله بن خليل الله بن فتح الله بن
إبراهيم بن الحسن الحسيني الجعفري الأكبر آبادي أحد العلماء المشهورين، ولد ونشأ بأكبر آباد
واشتغل بالعلم أياماً على أساتذة بلاده، ثم لازم القاضي بشير الدين العثماني القنوجي وأخذ عنه، وخدم
الدولة الإنكليزية حتى ناب الحكم في كانبور ومراد آباد وفي بلاد أخرى وأحيل إلى المعاش.
وكان فاضلاً كريماً محباً لأهل العلم، محسناً إليهم، ناصراً للسنة السنية، قامعاً للبدعة المخذولة، حج
وزار، وبايع الشيخ الكبير الحاج إمداد الله التهانوي المهاجر إلى مكة المكرمة وأسس مدرسة عظيمة
بأكبر آباد، وأسس أيام إقامته بمراد آباد مدرسة للعلوم الدينية بها سنة ثمان وتسعين ومائتين وألف
اشتهرت بالمدرسة الإمدادية وصنف الكتب، وجمع الكتب النفيسة.
ومن مصنفاته: إمداد الاحتساب على المداهنين في أحكام طعام أهل الكتاب، رد فيه على السيد أحمد
بن المتقي الدهلوي، ومنها إمداد الآفاق في الرد على تهذيب الأخلاق للسيد أحمد المذكور، وإمداد
السنة في التراويح وأنها ليست بسنة مؤكدة وأنها ثمان(8/1193)
ركعات، وفيه رد على المولوي محمد فصيح
الغازيبوري، وإمداد الغوي عن الصراط السوي في جواب توضيح السنن الهدى للمولوي عبد
الرحمن الصدر الأمين فيما رد على إمداد السنة ونور الهدى، رسالة ثالثة له في التراويح.
الشيخ إمداد الله الفاروقي التهانوي
الشيخ العارف الكبير الأجل إمداد الله بن محمد أمين العمري التهانوي المهاجر إلى مكة المباركة كان
من الأولياء السالكين العارفين، اتفقت الألسن على الثناء عليه والتعظيم له.
ولد يوم الإثنين لثمان بقين من صفر سنة ثلاث وثلاثين ومائتين بعد الألف بنانوته قرية من أعمال
سهارنبور، وقرأ الرسائل الفارسية على الوجه المرسوم، وقرأ الحصن الحصين على مولانا قلندر
بخش الجلال آبادي، وقرأ المثنوي المعنوي عليه أيضاً، وهو ممن قرأ على المفتي إلهي بخش
الكاندهلوي، ثم سافر إلى دهلي ولازم الشيخ نصير الدين الشافعي المجاهد وأخذ عنه الطريقة، وبعد
شهادته رجع إلى تهانه بهون فأقام بها زماناً، ثم دخل لوهاري ولازم الشيخ نور محمد الجهنجهانوي
وأخذ عنه الطريقة، وفتح الله سبحانه عليه أبواب المعرفة وجعله من العلماء الراسخين في العلم،
فتصدر للارشاد والتلقين بأمر شيخه.
وثار المسلمون وأهل البلاد على الحكومة الإنجليزية سنة أربع وسبعين ومائتين وألف، وقامت
جماعة من العلماء والصلحاء وأهل الغيرة من المسلمين في سهارنبور ومظفر نكر فأعلنوا الحرب
على الإنكليز واختاروا الشيخ إمداد الله أميراً لهم، واشتبك الفريقان في ميدان شاملي قرية من أعمال
مظفر نكر فقتل حافظ محمد ضامن شهيداً، وانقلبت الدائرة على المسلمين ورسخت أقدام الإنكليز،
واشتد بطشهم بكل من اتهم بالمشاركة في هذه الثورة، وضاقت على العلماء العاملين الغيارى
الأرض، وضاق مجال العمل في الهند، وقضى بعض الرفقة مدة في الاختفاء والانزواء، ولجأ بعضهم
إلى الهجرة ومغادرة البلاد، وآثر الشيخ إمداد الله الهجرة إلى مكة المكرمة، ودخل مكة سنة ست
وسبعين ومائتين وألف وألقى رحله بالبلد الأمين، وكان أول إقامته على الصفا ثم انتقل إلى حارة
الباب حيث قضى حياته ولقي ربه، وعاش أياماً طويلة في عسر شديد وفقر وفاقة، شأن الأولياء
المتقدمين، وهو صابر محتسب، راض بما قسم الله له من الحال، حتى جاء الله بالفرج، وأبدل العسر
باليسر، وجاءته الدنيا راغمة، واشتغل بالمجاهدات والعبادات متوجهاً إلى الله بقلبه وقالبه، دائم الذكر
والمراقبة، فائض القلب والباطن بالعلوم والأنوار مع هضم للنفس واطراح على عتبة العبودية،
وتواضع للعباد، وعلو همة وشهامة نفس، وإجلال للعلم والعلماء، وتعظيم للشريعة والسنة السنية،
حتى غرس الله حبه في قلوب عباده، وعطف قلوب العلماء الكبار والمشايخ الأجلاء إلى الرجوع إليه
والاستفادة منه، وأمه طلاب المعرفة واليقين من بلاد بعيدة، وبارك الله في تربيته وطريقته، فانتشرت
أنوارهما في الآفاق، وجدد به الطريقة الجشتية الصابرية، وانتمى إليها ودخل في سلكها كبار العلماء
والفضلاء ونفع الله به خلائق لا يحصون، أجلهم الشيخ قاسم والشيخ رشيد أحمد ومولانا يعقوب
والمولوي أحمد حسن والمولوي محمد حسين والمولوي أشرف علي، وكلهم صاروا شيوخاً، وانتفع
بهم خلق كثير.
وكان الشيخ إمداد الله مربوع القامة يميل إلى الطول، نحيف الجسم، أسمر اللون، كبير الهامة، واسع
الجبين، أزج الحاجبين واسع العينين، حلو المنطق ودوداً بشوشاً، قليل المنام، مقلاً من الطعام، قد
أضناه الحب الإلهي، وأنحفته المجاهدات والرياضات، رحب الأناة، واسع القلب، جامعاً للأشتات،
يلتقي على حبه والاستفادة منه المختلفون في الأذواق والمشارب، متسامحاً مع الناس، متوسعاً في
المسائل الجزئية والمذاهب الخلافية لا يتعصب فيها ولا يتشدد، مولعاً بالمثنوي المعنوي دائم الاشتغال
به تأملاً وتدريساً وتذوقاً وتلقيناً، ينصح أصحابه بقراءته والتأمل فيه، له مصنفات لطيفة كلا في
الحب الإلهي والمعرفة والتصوف، منها ضياء القلوب بالفارسية،(8/1194)
وإرشاد مرشد وكلزار معرفة وتحفة
العشاق وجهاد أكبر وغذاء روح ودردنامة غمناك كلها في أردو، وأكثرها في الشعر.
توفي يوم الأربعاء ثاني عشر جمادى الآخرة سنة سبع عشرة وثلاثمائة وألف بمكة المباركة، فدفن
بالمعلاة عند الشيخ رحمة الله الكيرانوي.
السيد أمير أحمد السهسواني
الشيخ الفاضل العلامة أمير أحمد بن أمير حسن النقوي السهسواني أحد كبار العلماء، ولد نحو سنة
ستين ومائتين وألف، واشتغل بالعلم على والده وأخذ عنه النحو والعربية وتفقه عليه، وقرأ العلوم
الحكمية على مولانا قلندر علي الباني بتي، ثم دخل دهلي وأخذ الحديث عن شيخنا المحدث نذير
حسين الدهلوي.
وكان غاية في الذكاء، سريع الإدراك قوي الحفظ، رأساً في معرفة العربية واللغة والاشتقاق،
واختلاف المذاهب والرجال، وسائر فنون الحديث، جيد المشاركة في المنطق والحكمة، كثير الادعاء
معجباً بنفسه، لا يرى أحداً مثله في العلوم كلها، عقلياً كان أو نقلياً، يحضر المجالس والمحافل، فيتكلم
ويناظر ويفحم الكبار، وكان ينصر السنة المحضة والطريقة السلفية، وله إقدام وشهامة وقوة نفس
توقعه في أمور صعبة، لقبته الدولة الإنكليزية بشمس العلماء.
ومن مصنفاته: نقض الأباطيل في الذب عن الشيخ إسماعيل في مسألة إمكان النظير وامتناعه،
ومنها نزو الحجلة في الصلاة على العجلة، وله غير ذلك من الرسائل.
مات سنة ست وثلاثمائة وألف، وله خمس وأربعون سنة.
الشيخ أمير أحمد اللكهنوي المعروف بأمير مينائي
الشيخ الفاضل أمير أحمد بن كرم محمد الصديقي المينائي اللكهنوي أحد الشعراء المفلقين، ولد ونشأ
ببلدة لكهنؤ، وقرأ العلم على المفتي سعد الله المراد آبادي وعلى غيره من العلماء، ثم أقبل إلى الشعر
إقبالاً كلياً وأخذ عن مظفر علي المتلقب في الشعر بأسير وجد فيه حتى فاق أقرانه، وطار صيته في
الآفاق، فاستقدمه نواب يوسف علي خان الرامبوري ووظفه، فطابت له الإقامة برامبور، وتتلمذ عليه
نواب كلب علي خان، وبعد موته سافر إلى بهوبال، وفي آخر عمره إلى حيدر آباد الدكن ومات بها.
له مصنفات أشهرها أمير اللغات في مجلدين، الأول في لغات الألف الممدودة، والثاني في الألف
المقصورة، وله خيابان آفرينش في مولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مأخوذ من بذل القوة في
سني النبوة للشيخ هاشم السندي، وله محامد خاتم النبيين، ديوان شعر في مدح النبي صلى الله عليه
وآله
وسلم
، وله مرآة الغيب، وصنم خانة عشق ديوانان في النسيب والغزل، والقصائد المدحية، وله
يادكار انتخاب تذكرة في تراجم الشعراء.
مات في تاسع عشر جمادى الآخرة سنة ثمان عشرة وثلاثمائة وألف بحيدر آباد.
مولانا أمير باز السهارنبوري
الشيخ الصالح المعمر أمير باز بن نامدار الحنفي السهارنبوري أحد العلماء المذكرين، ولد بقرية
بهوجبور من أعمال مظفر نكر في سابع عشر جمادى الآخرة نحو سنة سبع أو ثمان وخمسين
ومائتين بعد الألف، وقرأ على مولانا محمد بن أحمد الله التهانوي، ومولانا محمد مظهر ومولانا قاسم
ومولانا يعقوب بن مملوك العلي والشيخ سعادة علي والشيخ أحمد علي بن لطف الله وعلى غيرهم من
العلماء وبايع الشيخ عبد الرحيم السهارنبوري في الطريقة القادرية المجددية، وكان الشيخ عبد الرحيم
من خلفاء الشيخ الكبير عبد الغفور الصواتي المعروف باخوند صاحب وحصلت له الإجازة منه.
وكان حسن الملكة في التعليم، تأسست مدرسة مظاهر العلوم وهو يقرأ الكتب النهائية فدخل فيها
وقرأ فاتحة الفراغ سنة سبع وثمانين ومائتين وألف، وناب عن الشيخ محمد مظهر النانوتوي في
بعض دروسه في غيبته، واختير واعظاً في المسجد الجامع في سهارنبور وقضى مدة يعظ ويذكر،
وحصل بينه وبين أساتذة(8/1195)
مظاهر العلوم وأصحاب الإمام رشيد أحمد الكنكوهي خلاف حين قام بختم
القرآن على قبر شيخه في يوم وفاته، وكان متوسعاً في بعض المحدثات التي شاعت عند أهل
الطرق، وكان يدور في القرى يعظ ويذكر، وانتفع به خلق، وحصلت منه الإجازة في الطريقة
القادرية المجددية.
مات لتسع خلون من ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وألف.
الشيخ أمير الحق العظيم آبادي
الشيخ العالم الفقيه أمير الحق بن ظهور الحق بن نور الحق بن عبد الحق بن مجيب الله الجعفري
الحنفي العظيم آبادي أحد المشايخ المشهورين، ولد لست خلون من ذي القعدة سنة سبع وعشرين
ومائتين وألف ببلدة عظيمة آباد، وقرأ العلم على صنوه الكبير نصير الحق، وأخذ عنه الطريقة،
وتولى الشياخة بعده، وكان يدرس، ويذكر كل يوم، ويقتصر في تذكيره على تفسير القرآن ومعارف
الصوفية، أخذ عنه ولده رشيد الحق.
مات في منتصف المحرم سنة اثنتين وثلاثمائة وألف ببلدة عظيم آباد، وقبر عند أسلافه.
السيد أمير علي اللكهنوي
السيد الفاضل العلامة أمير علي بن معظم علي الحسيني المليح آبادي ثم اللكهنوي أحد العلماء
المشهورين في الهند، ولد في سنة أربع وسبعين ومائتين وألف، وقرأ الرسائل الفارسية والفنون
الرياضية من الحساب وأقليدس والجبر والمقابلة وعلم المثلثات والمساحة ونحوها، ولما بلغ الخامس
عشر من سنه ترك الاشتغال بذلك وأقبل إلى العلوم العربية، فقرأ المختصرات على السيد عبد الله
الآروي وشيخه مولانا حيدر علي المهاجر، ثم لازم القاضي بشير الدين العثماني القنوجي وقرأ عليه
الأصول والكلام والمنطق والحكمة وغيرها، ثم سافر إلى دهلي وأخذ الحديث عن الشيخ المحدث
نذير حسين الدهلوي وقرأ عليه الصحاح والسنن قراءة تدبر وإتقان، وتطبب على الحكيم عبد المجيد
بن محمود الدهلوي، ثم رجع إلى بلدته وتزوج بلكهنؤ وسكن بها، وصرف شطراً من عمره في
تصحيح الكتب وتحشيتها وترجمتها في مطبعة نولكشور - بكسر النون وفتح الواو وكسر الكاف -
وفي آخر عمره استقدمه ناظر المدرسة العالية إلى كلكته وولاه التدريس، وبعد سنة أو سنتين استقدمه
أعضاء الندوة إلى لكهنؤ وولوه نظارة دار العلوم ورئاسة التدريس بها، فدرس وأفاد نحو ثلاث سنين
وتوفي إلى رحمة الله سبحانه.
وكان مفرط الذكاء جيد القريحة، قوي الحفظ سريع الإدراك، متين الديانة، شريف النفس، حسن
المعاشرة، سافر إلى الحجاز فحج وزار، وولي التدريس بجدة فدرس بها زماناً طويلاً، ورجع إلى
الهند، وكان أعلم العلماء في زمانه وأعرفهم بالنصوص والقواعد مع توسعه في الرجال والحديث،
مديم الاشتغال في كتبه، غير متصلب في المذهب الحنفي، يتتبع الدليل ويترك التقليد إذا وجد في
مسألة نصاً صريحاً مخالفاً للمذهب غير منسوخ، وهو من أشياخي، صحبته مدة وقرأت عليه تفسير
الجلالين من أوله إلى آخره قراءة تدبر وإتقان.
وله مصنفات عديدة، منها مواهب الرحمن في تفسير القرآن بالأردو في ثلاثين مجلداً، ومنها عين
الهداية شرح هداية الفقه بالأردو، ومنها ترجمة الفتاوي العالمكيرية، ومنها شرح صحيح البخاري
بالأردو في مجلدات كبار، ومنها حاشية بسيطة على التوضيح والتلويح، وحاشية على تقريب التهذيب
للحافظ، وتكملة التقريب المسماة بالتصقيب، وله المستدرك في الرجال، جمع فيه رواة الصحاح
والسنن، واستقراهم من أنساب السمعاني وغيره من الكتب، ولكنه لم يتم.
مات في شهر جب سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة وألف بلكهنؤ.
السيد أمين بن طه النصير آبادي
السيد الشريف أمين بن طه بن زين الحسني الحسيني النصير آبادي، أحد كبار العلماء، ولد لثمان
خلون من ذي الحجة سنة خمس وسبعين ومائتين وألف، ونشأ بنصير آباد من أعمال رائي بريلي،
واشتغل بالعلم أياماً ببلدته على مولانا أحمد حسن، ثم دخل لكهنؤ وقرأ(8/1196)
سائر الكتب الدرسية على
مولانا عبد الحي بن عبد الحليم بن أمين الله اللكهنوي، ثم سافر إلى سهارنبور وأخذ الحديث عن
الشيخ المحدث أحمد بن لطف الله السهارنبوري، ورجع إلى بلدته، وأقام بها زماناً، ثم دخل رائي
بريلي ولازم سيد الشيخ ضياء النبي بن سعيد الدين الحسني الحسين الرائي بريلوي وأخذ عنه
الطريقة، وسافر إلى الحجاز فحج وزار وأسند الحديث عن مشايخ الحرمين الشريفين، ثم رجع إلى
الهند وتصدر للتدريس والتذكير، يذكر في كل أسبوع يوم الجمعة، وربما يسافر إلى برتاب كده
وسلطانبور وأعظمكده وجونبور ويدور في عمالاتها وقراها، انتفع به خلق لا يحصون بحد وعد،
وصلحت أحوالهم، وهجروا البدع والعوائد الجاهلية والشعائر الوثنية والتزموا الصلاة والصيام،
وتابوا عن كثير من المحرمات الشرعية كالربا وأكل الحرام وصنع الضرائح من القرطاس تقليداً
للشيعة وبدع المحرم والأعمال الشركية والبدعية عند القبور، وكان شديداً على الروافض وأهل البدع،
متورعاً في الأكل، إذا عرف أن مضيفه عامل بالربا أو شهد عله امتنع هو وأصحابه عن الأكل عنده
حتى يتوب، وينقض المعاملة، وربما ينقضي فيه يوم، وإذا دخل بيتاً ورأى فيه صورة أبى الدخول
والجلوس فيه حتى يزال المنكر، وكان يأبى الدخول في المحاكم والمثول أمام الحكام الإنكليز، وكان
يقضي بنفسه في المعاملات وفق الشريعة المطهرة، وكان شديد العمل بالحديث المشهور: من رأى
منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان وسافر
إلى برما بدعوة من أهلها حوالي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة وألف، وجرى على طريقته من الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ومجانبة البدع والرسوم، وانتفع به العباد.
كان مربوع القامة، أبيض اللون والبشرة أدعج العينين، قوي البنية، عريض الجبهة، أشم الأنف،
طلق الوجه، قد ألقيت عليه المهابة وكسى الجمال، نظيف الأثواب، حسن الهندام.
مات يوم الإثنين في الثاني عشر من جمادى الآخرة سنة تسع وأربعين وثلاثمائة وألف، ودفن في
حظيرة ديوان خواجه أحمد النصير آبادي أمام مسجده في نصير آباد.
مولانا أمين الدين الدهلوي
الشيخ العالم الصالح أمين الدين بن محمد إسماعيل الأورنك آبادي ثم الدهلوي أحد العلماء العاملين
وعباد الله الصالحين، ولد ونشأ بإقليم الدكن، وسافر للعلم فدخل ديوبند سنة تسع وثلاثمائة وألف،
وقرأ الكتب الدرسية على أساتذة المدرسة العالية بها، ثم دخل دهلي سنة 1312 هـ وأسس بها المدرسة
الأمينية سنة خمس عشرة وثلاثمائة وألف بسنهري مسجد لروشن الدولة، ثم نقل المدرسة في مسجد
لطف الله الصادق الباني بتي في كشميري دروازه وبنى الأبنية الفاخرية بفناء المسجد، وأنفق على
العمارة ثلاثين ألفاً من النقود الإنكليزية حتى اليوم.
مات في التاسع عشر من رمضان سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وألف.
مولانا أنوار الله الحيدر آبادي المعروف بفضيلت جنك
الشيخ الفاضل العلامة أنوار الله بن شجاع الدين بن القاضي سراج الدين العمري الحنفي القندهاري
الحيدر آبادي أحد العلماء المشهورين.
ولد بقندهار قرية جامعة من أعمال نانديز من أرض الدكن لأربع خلون من ربيع الآخر سنة أربع
وستين ومائتين وألف، وحفظ القرآن وقرأ المختصرات على أساتذة بلاده، وقرأ على الشيخ عبد
الحليم الأنصاري اللكهنوي، ثم لازم ابنه الشيخ عبد الحي اللكهنوي ببلدة حيدر آباد، وأخذ التفسير
عن الشيخ عبد الله اليمني، وتخرج في التصوف والسلوك على والده، وحصلت له الإجازة منه،
وبرع في كثير من العلوم والفنون، وتوظف في الحكومة، واستقال بعد مدة قصيرة، وحج حجة
الإسلام في سنة أربع وتسعين ومائتين وألف، ولقي الشيخ الكبير الحاج إمداد الله المهاجر المكي
وبايعه، وحصلت له الإجازة منه.
واختير معلماً لصاحب الدكن سمو الأمير محبوب(8/1197)
علي خان النظام السادس سنة خمس وتسعين
ولقب بخان بهادر سنة إحدى وثلاثمائة وألف، وفي سنة إحدى وثلاثمائة وألف حج الحجة الثانية،
وفي سنة خمس وثلاثمائة وألف حج الحجة الثالثة وأقام بالمدينة المنورة ثلاث سنين، ورجع إلى
حيدر آباد سنة ثمان وثلاثمائة وألف، وعين معلماً لولي العهد الأمير عثمان علي خان، ولما مات
صاحب الدكن الأمير محبوب علي خان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وألف، وولي الأمير عثمان
علي خان النظام السابع ولاه الصدارة والاحتساب، وكان ذلك سنة ثلاثين وثلاثمائة وألف، وولاه
وزارة الأوقاف سنة اثنتين وثلاثين، ولقبه نواب فضيلت جنك وفي ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين
وثلاثمائة وألف عين معلماً لولي العهد وصنوه، وحصلت له الوجاهة العظيمة والكلمة النافذة في
الأمور الدينية والمسائل الشرعية، وقام باصلاحات كثيرة، وانتفع به البلاد والعباد.
وكان أوحد زمانه في العلوم العقلية والنقلية، شديد التعبد، مديم الاشتغال بالتدريس والمذاكرة ومطالعة
الكتب والتصنيف، شديد النكير على أهل البدع والأهواء، أسس المدرسة النظامية بحيدر آباد سنة
ثلاث وتسعين ومائتين وألف، وأسس مجمعاً علمياً للتأليف والنشر، سماه إشاعة العلوم.
وكان مديد القامة، عريض ما بين المنكبين، صدعاً من الرجال، قوي البنية، أبيض اللون مشرباً
بالحمرة، واسع العينين، كث اللحية، وكان قليل التكلف في الطعام واللباس، مواظباً على الرياضة
البدنية إلى آخر حياته، متورعاً في الأموال والمكاسب والوظيفة، حليماً متواضعاً، يعود المرضى
ويحضر الجنائز، وكان صاحب معروف وبر، لا يدخر المال ولا يهتم به، عف اللسان، بعيداً ن
الهجر والفحش، وكان يدرس الفتوحات المكية بعد المغرب إلى نصف الليل، وكان عظيم الاعتقاد في
الشيخ محي الدين ابن عربي، وفي آخر حياته كان يقضي ليله في الاشتغال العلمي، وكان ينام بعد
صلاة الفجر إلى أن يتعالى النهار، وكان مشغوفاً بجمع الكتب النادرة.
وله مصنفات كثيرة بالأردو والعربية، منها: إفادة الإفهام في مجلدين في الرد على القادياني، وكتاب
العقل في الفلسفة القديمة والجديدة، وحقيقة الفقه في مجلدين في وجوه ترجيح الفقه ومناقب أبي
حنيفة، وأنوار أحمدي في مولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ومقاصد الإسلام في أحد عشر
جزءاً، كلها في أردو، وله غير ذلك من المؤلفات.
مات سلخ جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وثلاثمائة وألف، ودفن في المدرسة النظامية التي أسسها.
مولانا أنور شاه الكشميري
الشيخ الفاضل العلامة أنور شاه بن معظم شاه الحسيني الحنفي الكشميري أحد كبار الفقهاء الحنفية
وعلماء الحديث الأجلاء ولد في ودوان قرية من أعمال كشمير لثلاث بقين من شوال سنة اثنتين
وتسعين ومائتين بعد الألف، وقرأ المختصرات على والده، ثم سافر إلى بكلي - بفتح الباء الفارسية
وسكون الكاف الهندية - وقرأ على أساتذتها شيئاً من الفقه والأصول والمنطق، ثم سافر إلى ديوبند
سنة عشر وثلاثمائة وألف وقرأ العلوم المتعارفة على مولانا إسحاق الأمرتسري والشيخ خليل أحمد
الأنبهلوي والعلامة محمود حسن الديوبندي، ثم ولي التدريس بالمدرسة الأمينية بدهلي فدرس وأفاد
بها زماناً، ثم سافر إلى الحجاز سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وألف، فحج وزار وأسند الحديث عن
الشيخ حسين بن محمد الجسر الطرابلسي صاحب الحميدية، ثم رجع إلى أرض الهند وأقام بديوبند
يدرس بها ابتغاء لوجه الله سبحانه.
ولما سافر شيخه العلامة محمود حسن إلى الحجاز سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة وألف وكان ينوي
الإقامة الطويلة هناك استخلفه في تدريس الحديث وولاه رئاسة التدريس في ديوبند، فاشتغل بتدريس
سنن الترمذي وصحيح البخاري، وانتهت إليه رئاسة تدريس الحديث في الهند، وبقي مشتغلاً به مدة
ثلاث عشرة سنة في تحقيق وإتقان وتوسع في نقل المذاهب، ودلائلها، واستحضار للنقول، واطلاع
على دواوين السنة وشروح الحدي وكتب المتقدمين، أكبر همه التطبيق بين(8/1198)
الحديث والفقه، ينتصر
للمذهب الحنفي ويقيم الدلائل على صحته وأرجحيته، وقد نفع الله بدرسه خلقاً كثيراً، وتخرج على
يده عدد كبير من الفضلاء اشتغلوا بتدريس الحديث ونشر العلم.
وظل الشيخ عاكفاً على الدرس والإفادة، منقطعاً إلى مطالعة الكتب، لا يعرف اللذة في غيرها، حتى
حدثت فتنة في المدرسة سنة ست وأربعين وثلاثمائة وألف ألجأته إلى الاعتزال عن رئاسة التدريس
وشياخة الحديث فيها، وغادر ديوبند بطلب من بعض تلاميذه وأصحابه فتوجه إلى ذابهيل قرية جامعة
من أعمال سورت في جماعة من أصحابه وتلاميذه، وأسس له بعض التجار مدرسة فيها سموها
الجامعة الإسلامية فعكف فيها على الدرس والإفادة، وانتفعت به هذه البلاد، وأمه طلبة علم الحديث
والعلماء من الآفاق، وبقي يدرس ويفيد حتى برح به داء البواسير وأنهكته الأمراض، فسافر إلى
ديوبند ووافاه الأجل لليلة خلت من صفر سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة وألف، وصلى عليه جمع
كبير من الطلبة والعلماء والمحبين له، ودفن قريباً من بيته عند مصلى العيد.
كان الشيخ أنور نادرة عصره في قوة الحفظ، وسعة الاطلاع على كتب المتقدمين والتضلع من الفقه
والأصول، والرسوخ في العلوم العربية الدينية والتفسير وعلوم الحكمة، يستظهره ما قرأه في ريعان
شبابه، وما طالعه في مكتبة يسرد منه العبارات وينقل منه فلا يخل بمعنى، نهماً بالعلم والمطالعة،
شغوفاً بالاطلاع الجديد، وكان دقيق النظر في طبقات الفقهاء والمحدثين ومراتب كتبهم، منصفاً في
الحكم عليهم، يعترف لشيخ الإسلام ابن تيمية بالفضل والنبوغ، ويصفه بالبحر الزخار الذي لا ساحل
له مع انتقاده له في تفرداته وحدته، ويعترف للحافظ ابن حجر بغزارة العلم وعلو الكعب في صناعة
الحديث، وكان كثير الإعجاب بكتابه فتح الباري دائم الثناء عليه، وكذلك كان كثير الإعجاب بالشيخ
محي الدين ابن عربي في بيان الحقائق والمعارف الإلهية، وكان نقي الذهن صافي الفكرة، سليم
الصدر، سمح النفس، شديد الغيرة على الإسلام، وعقيدة أهل السنة، شديد العداء والبغض للقاديانية،
كثير الرد عليهم، منصرفاً إلى تبيين ضلالهم وكفرهم، يحث أصحابه على ذلك ويوصيهم به، يكتب
ويؤلف ويخطب ويسافر لهذا الغرض.
وكان مربوع القامة يميل إلى القصر، أبيض اللون، صدعاً، تغشاه السكينة، ويعلوه الوقار، خافت
الصوت، لا يتكلم إلا فيما يعنيه، وفيما يتصل بالعلم والدين، مجالسه مجالس علم وإفادة، وقد غلبته
الرقة في آخر حياته، فكان سريع الدمعة كثير البكاء، وغلبه شغف بالحقائق الإلهية والعلوم الدقيقة.
ومن مصنفاته: تعليقات على فتح القدير لابن الهمام إلى كتاب الحج، وتعليقات على الأشباه
والنظائر، وتعليقات على صحيح مسلم وعقيدة الإسلام في حياة عيسى عليه السلام، وإكفار الملحدين
في ضروريات الدين، ونيل الفرقدين في مسألة رفع اليدين، ومشكلات القرآن، وقد جمع بعض
تلاميذه بعض إفاداته في درس سنن الترمذي، وسماه العرف الشذى في مجلد، وجمع بعض كبار
أصحابه بعض تحقيقاته وإفاداته في درس الجامع الصحيح للبخاري، وسماه فيض الباري في أربعة
مجلدات، تولى تأليفها وتحريرها الشيخ بدر عالم الميرتهي.
ومن شعره قوله في مدح شيخه رشيد أحمد الكنكوهي:
قفا يا صاحبي عن السفار بمرأى من عرار أو بهار
يسير بنشرها نفحات أنس وريا عند محى من قطار
يفيض لروحها رشحات قدس حياة للبراري والقفار
وقد عادت صباها من رباها بأنفاس يطيب بها الصحاري
فيسري في قلوب الصحب وجد بأطراف الحديث لدى اعتبار(8/1199)
أطيب لنشره نفساً ونفساً فأروى من رويات الكبار
أتابعهم ويمليني دموعي حديثي من شيوخي لأذكار
أجلهم وأبجلهم مقاماً أبو مسعودهم جبل الوقار
لقد فرع الورى عملاً وعلماً مكارم ساعدت كرم النجار
إمام قدوة عدل أمين ونور مستبين كالنهار
فقيه حافظ علم شهير كصبح مستنير هدى سار
إليه المنتهى حفظاً وفقهاً وأضحى في الرواية كالمدار
ففي التحديث رحلة كل راو وفي الأخبار عمدة كل قاري
فقيه النفس مجتهد مطاع وكوثر علمه بالخير جاري
وأحى سنة كانت أميتت وإذ وضح النهار فلا تماري
وأصبح في الورى صدراً وبدراً منيراً وارياً حلك التواري
وأصبح مفرداً علماً رفيعاً كرفع المفرد العلم المنار
وآية رحمة فضلاً وفيضاً عباباً مستطاباً للقواري
وغرة دهره علماً وديناً طراز زمانه مثل النضار
يقوم لشكره آثاره في مدارس أو مساجد كالدراري
متى ما جاد جود قام شكراً له العزمات من باد وقار
وأما فضله ذوقاً وحالاً ففرد فيه لا أحد يجاري
علو مقامه قدماً وسبقاً فلا من طائر فيه مطار
فضيل زمانه ورعاً وزهداً وحاتم عصره عند امتيار
كان جبينه بدر مبين تهلل نوره عند الزوار
وهمته كصبح مستطير أو الغيث المغيث لدى انتظار
لقد نفع الورى شرقاً وغرباً وأشرق نوره عند اعتكار
وزحزح عن حريم الحق نكراً فحصحص في البسيط على الجهار
ودار مع استقامته مداراً أصيل الأصل محمر الزمار
فرحمة ربه أبداً عليه وطاب ثراه من رضوان باري
القاضي أنور علي اللكهنوي
الشيخ الفاضل الكبير القاضي أنور علي الحسيني الحنفي اللكهنوي أحد كبار الأفاضل، قرأ العلم
على مولانا تراب علي اللكهنوي، وعلى غيره من العلماء، ثم أخذ الصناعة الطبية عن الحكيم مسيح
الدولة حسن علي خان اللكهنوي، وتصدر للتدريس بمدينة لكهنؤ، أخذ عنه خلق كثير من العلماء، ثم
سافر إلى جونبور، فولي التدريس في المدرسة الإمامية الحنفية، فدرس بها زماناً، ثم راح إلى
بهوبال، فولي القضاء بها، وإني لقيته ببلدة بهوبال في أيام الطلب والتحصيل، وبعد مدة يسيرة سافر
إلى الحرمين الشريفين فحج وزار، ورجع إلى بلدته واعتزل بها.
وله مصنفات عديدة، أشهرها أنوار الحواشي، وهي حاشية على شرح الموجز المشهور بالنفيسي،
والتبيان حاشية على أوقات البحران، وضوء السراج حاشية على السراجية في المواريث، وله
تعليقات على أكثر الكتب(8/1200)
الدرسية، مات سنة ثلاث وثلاثمائة وألف بكلهنؤ.
القاضي أيوب بن قمر الدين البهلتي
الشيخ العالم المحدث المفتي ثم القاضي أبو الصبر أيوب بن قمر الدين بن محمد أنور الصديقي
الحنفي البهلتي أحد كبار العلماء، كان أصله من سدهور - بكسر السين وتشديد الدال المهملتين قرية
من أعمال باره بنكي - من أرض أوده، وولد ببهلت - بضم الباء الفارسية - قرية من أعمال مظفر
نكر بين سنة إحدى وأربعين وأربع وأربعين من القرن الثالث عشر.
وقرأ المختصرات على مولانا نصر الله الخورجوري ببلدة مظفر نكر، ثم سافر إلى دهلي، وقرأ
على السيد محمد الدهلوي وعلى علي أكبر وعلي أصغر القاطنين بسوني بت، وعلى المولوي سديد
الدين بن رشيد الدين الدهلوي، وعلى مولانا نصير الدين اللكهنوي، وعلى الشيخ عمر بن إسماعيل
الدهلوي، والشيخ مملوك العلي النانوتوي، والشيخ عبد الغني بن أبي سعيد، وصنوه الكبير الشيخ
أحمد سعيد، وعلى العلامة ملا نواب، وعلى ابن خالته المفتي عبد القيوم بن عبد الحي البزهانوي،
وكان يتردد إلى مولانا إسحاق بن أفضل العمري المحدث ويحضر مجالس وعظه، وقرأ عليه شيئاً،
وسافر إلى الحرمين الشريفين مرتين، وأخذ الحديث عن الشريف محمد بن ناصر بن الحسين
الحازمي القشيري، والشيخ يعقوب بن أفضل العمري الدهلوي بمكة المباركة، ودخل بهوبال نحو سنة
ست وستين ومائتين بعد الألف فسكن بها، وولي الإفتاء مكان ابن خالته المرحوم المفتي عبد القيوم
نحو سنة سبع وتسعين ومائتين بعد الألف، وولي القضاء نحو سنة اثنتين وثلاثمائة وألف.
وكان شيخاً صالحاً، جليل القدر، كبير المنزلة، مرزوق القبول، حسن المعاشرة، طلق المحيا، ذا
بشاشة وتواضع للناس، يرد السلام مبتسماً ويحي بأحسن منها، وكان يشار إليه في تأويل الرؤيا،
يدرس ويفيد، لقيته ببلدة بهوبال وحضرت في دروسه، وكان يحبني - رحمه الله تعالى ونفعنا
ببركاته -.
مات نحو سنة خمس عشرة وثلاثمائة وألف ببلدة بهوبال.
مولانا أيوب بن يعقوب الكوئلي
الشيخ الفاضل أيوب بن يعقوب بن عبد الجليل الإسرائيلي الكوئلي أحد الأذكياء المبرزين في العلم،
ولد ونشأ ببلدة كوئل، واشتغل بالعلم أياماً على أبيه وعمه، ثم سار إلى بهوبال وقرأ المنطق والحكمة
على شيخنا القاضي عبد الحق الكابلي، وكان مشاركاً لي في الأخذ والقراءة في شرح القاضي مبارك
بن أدهم الكوباموي على السلم، وقرأ بعض الرسائل في الفنون الرياضية على شيخنا العلامة السيد
أحمد الدهلوي، وقرأ الأصول والكلام على العلامة محمد بشير السهسواني، كل ذلك في بهوبال، ثم
دخل لكهنؤ وأخذ الصناعة الطبية عن الحكيم عبد الولي ابن عبد العلي اللكهنوي، واشتغل أياماً
بتصحيح الكتب وتحشيتها في مطبعة نولكشور، ثم سار إلى دهلي وأقام بها مدة، وكان مديم الاشتغال
بالتدريس والتصنيف، وله ذكاء مفرط وذهن ثاقب وفطرة سليمة وقريحة جيدة وحسن أخلاق
وتواضع وبشاشة للناس مع لين الكنف، له حاشية على التوضيح والتلويح ومصنفات عديدة، مات
بدهلي.
مولانا أيوب البشاوري
الشيخ العالم الفقيه أيوب بن لطيف الله الحنفي البشاوري أحد كبار العلماء، له مصنفات بالعربية،
منها تحرير الفوائد في تقسيم العقائد. والعقود الدرية في الرد على الوجودية، وأسفار المسألة في
أسرار البسملة، وتعليم الغبي في إمامة الصبي، وبذل الهمة في نفع الميت، وضياء النبراس في حكم
شعر الرأس، ورحمة الأحد في سنة اللحد، والدرة المضيئة في ضيافة التعزية، والدر المصون في
حكم النفع بالمرهون، وتبيين المسألة في تحسين المشورة، ومصباح الضياء في حقيقة الرياء، والدر
النضيد في مصلى العيد، وتحقيق الإجابة في الدعوات المستجابة، ومختصر الكلام في سد ذرائع
الحرام، وعمدة النصر في تأخير العصر.(8/1201)
حرف الباء
السيد باقر مهدي الجرولي
السيد الفاضل باقر مهدي بن ظفر مهدي بن حسن ذكي الحسيني الموسوي الشيعي الجرولي أحد
الأفاضل المشهورين، ولد بقرية جرول - بفتح الجيم وسكون الراء المهملة - قرية من أعمال بهرائج
سنة ست وسبعين ومائتين بعد الألف، تفقه على والده، وعلى السيد علي محمد الشيعي اللكهنوي،
والسيد كلب باقر الجائسي الحائري، وأخذ عنهم الأصول والكلام، وأخذ المنطق والحكمة عن العلامة
عبد الحي بن عبد الحليم اللكهنوي والفنون الرياضية عن السيد تفضل حسين الفتحبوري.
وكان مفرط الذكاء، حسن المعاشرة، كبير المنزلة، مديم الاشتغال بمطالعة الكتب، حريصاً على
جمعها، له مجموع الخطب العربية، والمواعظ الباقرية، ورسالة في تجهيز الأموات، وعيد كا جاند
رسالة له بالأردو.
مات لتسع خلون من صفر سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف بجرول.
الشيخ بدر الدين البهلواروي
الشيخ العالم الفقيه الزاهد بدر الدين بن شرف الدين بن الهادي بن الأحمدي الحنفي الجعفري
البهلواروي أحد كبار المشايخ من نسل سيدنا جعفر الطيار ابن عم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحبه
وصاحبه، وهو صاحب السجادة المجيبية، وحافظ الآثار الحبيبية.
ولد سنة ثمان وستين ومائتين وألف ونشأ في مهد العلم والمشيخة، وأخذ عن والده، وعن الشيخ نعمة
مجيب، وعن صهره الشيخ علي الحبيب كلهم كانوا من تلامذة الشيخ محمد حسين تلميذ جده الشيخ
أحمدي الفاضل المشهور بالهند، تولى الشياخة بعد ما اعتزل عنها الشيخ عين الحق بن علي الحبيب
البهلواروي.
رزق قبولاً عظيماً في ولاية بهار، وقصده الطالبون لله من أنحاء البلاد، واشتهر علمه وزهده،
ونزاهة نفسه، وجرأته في قول الحق، وحرصه على نفع المسلمين، فاختاروه أميراً للشريعة في بهار،
واستقام على ذلك بصدق وعفة ونصيحة للمسلمين حتى لقي الله، ولقبته الحكومة الإنكليزية بشمس
العلماء، فقبله على كره حتى ظهر عداء الانجليز للاسلام والمسلمين وعنادهم في شأن الخلافة
الاسلامية والدولة العثمانية، فرده على الحكومة، علامة لاستنكاره لسياستها وجورها، لقيته ببهلواري
فوجدته شيخاً صدوقاً متودداً، حسن الأخلاق، حسن السمت والهدى، مليح الشمائل، شديد التعبد، مديم
الاشتغال بمطالعة الكتب، يلوح عليه آثار التوفيق والقبول.
توفي إلى رحمة الله في السادس عشر من صفر، سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة وألف.
الحكيم بدر الدين الدهلوي
الشيخ الفاضل المعمر بدر الدين بن قطب الدين الحكيم الحنفي الدهلوي أحد الأفاضل المشهورين،
ولد ونشأ بدهلي، وقرأ العلم على أساتذة دهلي، ثم لازم الحكيم أحسن الله خان وقرأ عليه الكتب
الطبية وتطبب عليه، ثم تولى الطبابة مكان والده، وكان فاضلاً متين الديانة حسن الأخلاق، عميم
الإحسان، رزق حسن القبول في المداواة.
مات سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف بدهلي.
مولانا بديع الزمان اللكهنوي
الشيخ العالم المحدث بديع الزمان بن مسيح الزمان بن نور محمد اللكهنوي أحد الفضلاء
المشهورين، ولد في سنة خمسين ومائتين وألف، وقرأ العلم على مولانا عبد الحي بن عبد الحليم
اللكهنوي ومولانا محمد زمان السهارنبوري ومولانا محمد عباس البشاوري بحيدر آباد، وبايع الشيخ
المجاهد ولاية على العظيم آبادي، وصحب السيد محمد قاسم الكوهيري زماناً، ثم سافر إلى الحجاز
فحج وزار، وأخذ الحديث عن الشيخ محمد بن عبد الرحمن السهارنبوري المهاجر ورجع إلى الهند،
وأسند الحديث عن شيخنا المحدث نذير حسين الدهلوي، ثم رحل إلى بهوبال واستخدمه نواب صديق
حسن القنوجي، فأقام بها مدة طويلة، ثم أخرج من بهوبال بوجوه ما وقفت عليها، فرحل إلى حيدر
آباد.(8/1202)
وكان من العلماء المشهورين برفض التقليد، شديد التعصب على مخالفيه، كثير البذاءة على الحنفية،
له مصنفات، منها ترجمة جامع الترمذي في مجلدين، وسبيكة الذهب الإبريز، وفتح المنان في لغات
القرآن، ومرآة الإيقان في قصص القرآن، ورياض الجنة، ورسالة في الاستواء على العرش، ورسالة
في تحقيق علم الغيب.
مات سنة أربع وثلاثمائة وألف.
مولانا بركة الله السورتي
الشيخ الفاضل بركة الله الحنفي السورتي أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول والعربية، قرأ
بعض الكتب الدرسية على مولانا فضل الرحمن الحنفي البندوي، وبعضها على العلامة واجد علي
البنارسي نزيل بردوان، وأخذ الفقه والحديث عن الشيخ محمد سعيد بن واعظ علي العظيم آبادي، ثم
أخذ عنه الطريقة، وسافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار، ورجع إلى الهند وسكن بمدينة سورت،
وكان يدرس ويفيد، أخذ عنه غير واحد من العلماء.
مولانا بركات أحمد الطوكي
الشيخ الفاضل الكبير بركات أحمد بن دائم علي الحنفي الطوكي أحد الأفاضل المشهورين في
المنطق والحكمة.
ولد ببلدة طوك نحو سنة تسع وسبعين ومائتين وألف، واشتغل بالعلم أياماً في بلدته على أبيه، وعلى
محمد حسن خان المعسكري، ثم سافر إلى رامبور، وقرأ على العلامة عبد الحق بن فضل حق
العمري الخير آبادي ولازمه مدة، ثم دخل دهلي وأخذ الصناعة الطبية عن الحكيم غلام نجف خان
الدهلوي ولازمه مدة، ثم سافر إلى بهوبال، وقرأ الصحاح الستة على مولانا أيوب بن قمر الدين
البهلتي، وقرأ فاتحة الفراغ عنده، وكنت في ذلك المشهد، ثم رجع إلى طوك وولي دار الشفاء بها،
فقصر همته على التدريس، ودرس مدة طويلة حتى صار معدوداً في الأساتذة المتبحرين.
وانتهت إليه رئاسة التدريس في العلوم العقلية، وأمه الطلبة من الآفاق، وتخرجت عليه جماعة من
الفضلاء، أصبحوا من بعد أساتذة كباراً، وصار يرحل إليهم من جهات بعيدة.
وهو شديد التعصب على أهل الحديث، طويل اللسان عليهم، وله توغل في الفلسفة، ولا يلمع على
جبينه أثر الحديث، وأقبل إلى المشايخ والصوفية وأهل القلوب في آخر حياته، وكانت تأخذه الجذبة
الإلهية والاستغراق في بعض الأحيان، وكانت له نهامة بالمطالعة، لم ينقطع عنها حتى في الليلة التي
توفي فيها.
له من المؤلفات: الأنهار الأربعة في التصوف، والقول الضابط في تحقيق الوجود الرابط، وإمام
الكلام في تحقيق الأجسام في الفلسفة، وحواش في الفلسفة وعلم الكلام، وحاشية على جامع الترمذي.
توفي غرة ربيع الأول سنة سبع وأربعين وثلاثمائة وألف.
مولوي بشير الدين الدهلوي
الشيخ الفاضل بشير الدين بن سعد الدين بن ركن الدين بن ذكاء الله الدهلوي، أحد الأفاضل
البارعين في الفنون الأدبية، ولد ببلدة دهلي سنة سبع وستين ومائتين وألف، وقرأ العلم على أساتذة
عصره ومصره، وجمع الطب بسائر العلوم، ثم سافر إلى حيدر آباد، فولي التدريس بالمدرسة العالية،
ثم انتقل من تلك الخدمة إلى غيرها من الخدمات الكثيرة في العدلية والمالية والعسكرية، حتى صار
ضابطاً سر عسكر للجنود غير المنتظمة سنة تسع عشرة وثلاثمائة وألف.
حكيم بنده حسن اللكهنوي
الشيخ الفاضل بنده حسن بن إمام بخش بن علي بخش بن خدا بخش بن رحيم بخش الشيعي
الأمروهوي ثم اللكهنوي كان من طائفة كنبوه، ولد في خامس ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثين ومائتين(8/1203)
وألف، وقرأ العلم على خاله العلامة تراب علي الحنفي اللكهنوي، ثم أخذ الطب عن الحكيم عبد الله
اللكهنوي، ثم تقرب إلى جودهري حشمت علي الحنفي السنديلوي، فاستخدمه وجعله من ندمائه، وكان
يدرس ويفيد، له حاشية على الأقصرائي وجامع المفردات، صنفه سنة ست وثمانين.
مات بكانبور لثلاث بقين من ربيع الأول سنة خمس وثلاثمائة وألف.
السيد بنده حسن الحيدر آبادي
السيد الفاضل بنده حسن بن نياز حسن الشيعي الحيدر آبادي أحد الأفاضل المشهورين في الفنون
الأدبية، ولد ونشأ بحيدر آباد، وأصله كان من ناحية باني بت، وقدم والده حيدر آباد وتزوج بها
وأعقب، وكان بنده حسن رابع أبناء والده وقائماً مقامه في التدريس.
مرزا بهادر علي الحيدر آبادي
الشيخ الفاضل بهادر علي بن محمد رضا بن غلام علي بن بيكلر جنك الشيعي الحيدر آبادي أحد
الفقهاء الإمامية.
ولد بحيدر آباد سنة أربع وتسعين ومائتين وألف، وقرأ العلم على السيد كاظم علي وغلام حسين
وعلى غيرهما من الأساتذة بدار العلوم، وفاق أقرانه في كثير من العلوم والفنون، ثم تصدر للتدريس
وأسس مدرسة كبيرة بحيدر آباد، سماها باب العلوم.
المولوي بردل الكابلي
الشيخ الفاضل بردل - بضم الباء العجمية - الحنفي الكابلي كان من مشاهير العلماء، ولد ونشأ
بحدود أفغانستان، وسافر للعلم فقدم الهند وقرأ على المفتي لطف الله بن أسد الله البلكهني الكوئلي
وعلى غيره من العلماء، ثم دخل رامبور وتزوج بها، ودرس زماناً، ثم سافر إلى طوك وولي
التدريس في المدرسة الخليلية بها، فدرس بها مدة ثم أخرجه أمير الطوك لخلاف وقع بينه وبين
الحكيم بركات أحمد، فسار إلى دهلي وولي التدريس في المدرسة النعمانية، فدرس بها إلى آخر
عمره.
وكان عالماً بارعاً في الفقه والأصول والكلام والمنطق، أخذ عنه غير واحد من العلماء.
مات في رمضان سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وألف.
حرف التاء
السيد تصدق حسين الكنتوري
السيد الفاضل تصدق حسين بن غلام حسنين الموسوي الشيعي الكنتوري أحد الفقهاء الشيعية
الإمامية، ولد سنة ثلاث وستين ومائتين وألف، وقرأ العلم على خاله السيد حامد حسين بن محمد قلي
الموسوي الكنتوري وعلى السيد عباس بن علي بن جعفر التستري والسيد محمد نقي اللكهنوي، ثم
سافر إلى حيدر آباد، فولي نظارة المكتبة الآصفية.
مولانا تلطف حسين الدهلوي
الشيخ العالم الصالح تلطف حسين الصديقي المحيي الدين بوري ثم الدهلوي أحد الأفاضل
المشهورين، ولد بمحيي الدين بور قرية من أعمال عظيم آباد سنة أربع وستين ومائتين وألف، وقرأ
العلم على الشيخ المحدث عبد الله الغازيبوري والقاضي بشير الدين العثماني القنوجي ومولانا عبد
الحي بن عبد الحليم الأنصاري اللكهنوي، ثم لازم الشيخ المحدث نذير حسين الدهلوي وأخذ عنه
الحديث، وأسند عن شيخنا العلامة حسين بن محسن السبعي الأنصاري اليماني، ولازم الدهلوي ستاً
وعشرين سنة.
له اليد الطولى في استخراج المواريث والمناظرة، وكان يسترزق بتجارة الكتب.(8/1204)
حرف الثاء
مولانا ثناء الله الأمرتسري
الشيخ الفاضل ثناء الله بن محمد خضرجو الكشميري ثم الأمرتسري أحد الفضلاء المشهورين
بالمناظرة، ولد في سنة سبع وثمانين ومائتين وألف، ونشأ بأمرتسر من بلاد بنجاب، أصله من
كشمير، أسلم آباؤه في القديم، واشتغل بالعلم أياماً على مولانا أحمد الله الأمرتسري، ثم قرأ الحديث
على الشيخ عبد المنان الضرير الوزير آبادي، ثم سار إلى ديوبند وقرأ المنطق والحكمة والأصول
والفقه على أساتذة المدرسة العالية بها، ثم دخل كانبور وقرأ على مولانا أحمد حسن الكانبوري كبار
الكتب الدرسية، وفرغ من تحصيله سنة إحدى عشرة وثلاثمائة وألف، ثم رجع إلى أمرتسر واشتغل
بالتصنيف والتذكير والمناظرة، وأسس دار الطباعة، وأنشأ صحيفة أسبوعية في سنة إحدى وعشرين
وثلاثمائة وألف تسمى أهل الحديث، استمرت في الصدور أربعاً وأربعين سنة.
له مصنفات كثيرة في الرد على مرزا غلام أحمد القادياني وعلى الآرية وهي طائفة من كفار الهنود،
رفضوا عبادة الأوثان وأقروا بالتوحيد، ولكنهم ذهبوا إلى نفي الصفات وقدم العالم وإنكار الرسالة
وإثبات التناسخ، وهم أكبر أعداء الإسلام في الهند، ومن مصنفاته: تفسير القرآن بكلام الرحمن في
تفسير القرآن بالعربية في مجلد، فسر فيه القرآن بالقرآن، وقد تعقب عليه بعض العلماء، ومنها
التفسير الثنائي بالأردو، في مجلدات، ومنها تقابل ثلاثة كتاب له بالأردو في المقابلة بين شرائع
الإسلام وشرائع الويد والإنجيل.
وكان قوي العارضة، حاد الذهن، قوي البديهة، سريع الجواب، عالي الكعب في المناظرة، له براعة
في الرد على الفرق الضالة وإفحام الخصوم، ذلق اللسان، سريع الكتابة، كثير الاشتغال بالتأليف
والتحرير، كثير الأسفار للمناظرة والانتصار للعقيدة الإسلامية، وكان أكثر رده على الآرية
والقاديانية، وكان عاملاً بالحديث، نابذاً للتقليد، يذهب مذهب الشيخ ولي الله الدهلوي في الأسماء
والصفات، وكان جميلاً وسيماً، أبيض اللون معتنياً بصحته وملبسه، محافظاً على الأوقات، مجتهداً
دؤوباً في العمل، عنده دماثة خلق، ومرونة في الأخلاق، وسعة في المعلومات، وحسن عشرة، ساهم
في الحركة السياسية الوطنية، وشارك في المؤتمر الوطني العام، وكان له فضل في تأسيس جمعية
العلماء وتقويتها، وفي تأييد ندوة العلماء التي ظل عضواً فيها طول حياته.
وقد تحداه المرزا غلام أحمد القادياني عام ست وعشرين وثلاثمائة وألف بأن من يكون كاذباً منهما
ويكون على باطل يسبق صاحبه إلى الموت ويسلط الله عليه داء مثل الهيضة والطاعون، وقد ابتلي
المرزا بهذا الداء بعد مدة قليلة ومات، أما الشيخ ثناء الله فقد عاش بعد هذا أربعين سنة.
انتقل من أمرتسر إلى كجرانواله في باكستان بعد ما انقسمت الهند، فلم يمكث إلا سنة ومات لأربع
خلون من جمادى الأولى سنة سبع وستين وثلاثمائة وألف في سركودها وله من العمر ثمانون سنة.
حرف الجيم
الحافظ جمال الدين الكلكتوي
الشيخ الصالح المحدث جمال الدين بن عبد الشكور بن محمد أشرف البهاري نزيل كلكته ودفينها
كان من كبار المشايخ من أصحاب سيدنا الإمام السيد أحمد الشهيد السعيد البريلوي - رحمه الله
ونفعنا ببركاته - ومن آثاره الباقية جامع كبير بكلكته في غاية الحصانة والمتانة، ومدرسة عظيمة
بفناء المسجد.
مات يوم الأحد لثمان خلون من ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثمائة وألف.
حرف الحاء
السيد حامد حسين الفيض آبادي
الشيخ الفاضل حامد حسين بن الحسين الحسيني الشيعي الفيض آبادي، أحد علماء الشيعة الإمامية،
ولد سنة سبع وثمانين ومائتين وألف، ولازم السيد حامد حسين بن محمد قلي الشيعي الكنتوري من
صغر سنه، وهو يحبه ويلاطفه ويملي عليه مصنفاته، ثم قرأ العلم(8/1205)
على السيد ناصر حسين بن حامد
حسين وبرع في الأدب والتاريخ والسير.
وله شعر جيد في المديح والحماسة والنسيب، وحتى الساعة بلغ ديوانه خمسة عشر حرفاً، وله
تخميس طويل على قصيدة السيد ناصر حسين المسماة بالبرد المفوف.
ومن شعره قوله في مدح سيدنا علي المرتضى رضي الله عنه:
ما للملاح أرى سعدى وسلماها ردينها وسعاداً ثم ليلاها
يمسن في حلل من سندس خضر زانت حلياً لها في السعر أغلاها
طوبى لكم أيها الهيام فاجتمعوا زوروا ربوعاً دمي نجد بأعلاها
كانت لنا حاجة في زورة ولها كمثل حاجة يعقوب قضيناها
أفق أيا قلب في ذا اليوم أن به تفوز من سرب الابكار سعداها
سود الفروع كأن الليل خمرها بيض الوجوه كأن الشمس غذاها
خدودها كبلخش في معادنه في الاحمرار فمن رباه رباها
شفاهها كيواقيت يشعشعها عند التبسم ضوء من ثناياها
قليلة القدر تحكي عن غدائرها ومطلع الفجر يبدو عن محياها
مثل القوارير للصهباء أعينها لا يستفيق ولا يصحو سكاراها
ألحاظها قضب والفرق متضح تبقى دهوراً بحال النزع قتلاها
تشبهت بزليخا مصر سطوتها تدوم في السجن والأقياد أسراها
كم من لبانات قلبي قد قضيت بها في جنح ليل إذا ما الليل يغشاها
ورب ليل سقتني طعم ريقتها تحكي مداق الطلا في الشرب أحلاها
كم من سلاف قبيل الصبح نلت وكم إذا تنفس صبح نلت أشهاها
قبل الممات أروى هامتي بدني ولا أخاف ولا أخشى لعقباها
تبدو فعال أناس في حياتهم وليس يعلم بعد الموت أشقاها
ما للرياض قد احمرت شقائقها ساب لعقل حليم طيب رياها
فالورد يفخر طوراً فوق نرجسها قد حدقت شزراً من ذاك عيناها
والسر ومنتصب الأفنان في عجب عن قد سعدى ولا يحكيه حاشاها
أرى زهور رياض قد تفتق من وجد ومن طرب في حب مولاها
طوبى لشهر أتانا واسمه رجب فيه ولادة نور من بني طه
أعني به حيدراً في المهد عهد صبي مولاي خير بني الدنيا وأزكاها
هو الذي كان بيت الله مولده وذي الرواية صحت فاعتقدناها
إلى غير ذلك من الأبيات.
السيد حامد حسين الكنتوري
الشيخ الفاضل العلامة حامد حسين بن محمد قلي بن محمد حسين بن حامد حسين بن زين العابدين
الحسيني الموسوي الكنتوري أحد الأفاضل المشهورين في أرض الهند.(8/1206)
ولد لأربع خلون من محرم سنة ست وأربعين ومائتين وألف في ميرله حيث كان والده صدر
الصدور، وقرأ عليه الكتب الابتدائية المتداولة، ومات أبوه وله خمس عشرة سنة من العمر، فقرأ
الأدب على المولوي بركة علي السني والمفتي محمد عباس اللكهنوي، والعلوم العقلية على السيد
مرتضى بن المولوي سيد محمد، وكتب العلوم الشرعية على السيد محمد بن دلدار علي وعلى السيد
حسين، وكان أكثر أخذه ودراسته عن الأخير، واشتغل بعد التحصيل بترتيب مؤلفات والده
وتصحيحها ومقابلتها بالأصول، وبدأ بتأليف استقصاء الإفحام في الرد على منتهى الكلام للشيخ حيدر
علي الفيض آبادي، وأكمل شوارق النصوص، وسافر في سنة اثنتين وثمانين ومائتين وألف للحج
والزيارة، واقتبس من الكتب النادرة في الحرمين ورجع إلى الهند، وانصرف إلى المطالعة والتأليف
واقتناص الكتب النادرة وكثير منها بخط مؤلفيها من كل مكان وبكل طريق، وأنفق عليها الأموال
الطائلة، حتى اجتمع عنده عشرة آلاف من الكتب، منها ما جلبت من مصر والشام والبلاد البعيدة،
وكان بارعاً في الكلام والجدل، واسع الاطلاع كثير المطالعة، سائل القلم سريع التأليف، وقد أضنى
نفسه في الكتابة والتأليف حتى اعترته الأمراض الكثيرة وضعفت قواه، وكان جل اشتغاله بالرد على
أهل السنة ومؤلفات علمائهم وأئمتهم، كالشيخ الإمام ولي الله الدهلوي وابنه الشيخ عبد العزيز والشيخ
حيدر علي الفيض آبادي وغيرهم.
ومن مؤلفاته استقصاء الإفحام في مجلدين ضخمين، وعبقات الأنوار في ثلاثين جزءاً، وشوارق
النصوص في خمسة أجزاء، وكشف المعضلات في حل المشكلات، وكتاب النجم الثاقب في مسألة
الحاجب في الفقه، والدرر السنية في المكاتب والمنشئات العربية، وله غير ذلك من المؤلفات.
مات في الثامن عشر من صفر سنة ست وثلاثمائة وألف في لكهنؤ، ودفن في حسينية العلامة السيد
دلدار علي المجتهد.
الشيخ حبيب أحمد الدهلوي.
الشيخ الفاضل حبيب أحمد بن حسن علي بن غلام حسين بن محمد أشرف الحنفي الدهلوي أحد
العلماء الصالحين، ولد بدهلي سنة سبعين ومائتين وألف، وقرأ العلم على المفتي عبد الله بن صابر
علي الطوكي وشيخنا السيد أحمد الدهلوي وعلى غيرهما من العلماء، ثم ولي التدريس بالمدرسة الفتح
بورية بدهلي، وهو اليوم مشتغل بالدرس والإفادة.
الشيخ حبيب حيدر الكاكوروي
الشيخ العالم الصالح حبيب حيدر بن علي أنور بن علي أكبر بن حيدر علي ابن تراب علي العلوي
الحنفي الكاكوروي، أحد المشايخ القلندرية، ولد بكاكوري في السابع عشر من شوال سنة تسع
وتسعين ومائتين وألف، ونشأ في مهد العلم والمشيخة، وقرأ على أبيه ولازمه ملازمة طويلة، وتولى
الشياخة بعده لست خلون من محرم سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وألف، لقيته بكاكوري فوجدته
فاضلاً، كريماً صالحاً، مديم الاشتغال بمطالعة الكتب والمذاكرة، والتصنيف والتدريس.
وكان متناسب الأعضاء، قوي الجسم، لونه بين السمرة والبياض، ربع القامة، واسع الجبين، واسع
العينين، أقنى الأنف، يحلق رأسه، ويواظب على الرياضة البدنية، له من المصنفات: الكلمة الباقية
في الأسانيد والمسلسلات العالية، وتنوير الهياكل بذكر إسناد الأوراد والسلاسل - كلاهما بالعربية،
والإيضاح تتمة الانتصاح بذكر أهل الصلاح للشيخ علي أنور، وله غير ذلك.
توف في السابع عشر من ربيع الأول سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وألف، ذكره أخوه الشيخ تقي
حيدر في النفحات العنبرية، وصنف أخوه الأصغر الشيخ علي حيدر رسالة بسيطة سماها الفكر
الغريب بذكر الحبيب في جزءين.
مولانا حبيب الرحمن السهارنبوري
الشيخ الفاضل حبيب الرحمن بن أحمد علي بن لطف الله الحنفي الماتريدي السهارنبوري أحد
الفقهاء المشهورين، ولد ونشأ بسهارنبور، وقرأ على(8/1207)
والده وعلى غيره من العلماء، وتصدر للتدريس
في حياة والده، وبعده ولي به في مدرسة مظاهر العلوم، فدرس بها مدة واعتزل عنها في ربيع الأول
سنة أربع عشرة وثلاثمائة وألف، وراح إلى حيدر آباد، وولي التدريس بدار العلوم.
وكان شاعراً قديراً من المكثرين والمجيدين، مات بحيدر آباد، في السادس عشر من محرم سنة سبع
وثلاثين وثلاثمائة وألف.
مولانا حبيب الرحمن خان الشرواني البهيكن بوري
المعروف بنواب صدر يار جنك
الشيخ الفاضل حبيب الرحمن بن محمد تقي الشرواني الحنفي البهيكن بوري أحد الفضلاء
المشهورين بالهند.
ولد لليلتين بقيتا من شعبان سنة ثلاث وثمانين ومائتين وألف بقرية بهكين يور من أعمال علي كده،
ونشأ بها في رفاهة من العيش بظل والده وعمه نواب عبد الشكور خان، وعمر والده قرية باسمه
حبيب كنج وأسس بها قلعة لمسكنه، وكان تلوح عليه علائم الرشد والسعادة في صغر سنه، فاشتغل
بالعلم أياماً على المولوي عبد الغني القائم كنجي وقرأ عليه العلوم المتعارفة، وأخذ عن شيخ شيخه
المفتي لطف الله الكوئلي أيضاً، وتعلم اللغة الإنكليزية في مدرسة العلوم بعليكده، وفي مدرسة كانت
بآكره، وأقبل إلى الإنشاء والشعر، ثم إلى العلوم الشرعية، واستقدم شيخنا المحدث حسين بن محسن
الأنصاري من بهوبال وقرأ عليه الصحاح قراءة تدبر وإتقان، وأجازه الشيخ، وإني أظن أنه ذكر لي
أن الشيخ عبد الرحمن بن محمد الأنصاري الباني بتي أيضاً أجازه في الحديث، ودخل في الحادي
والعشرين من رجب سنة خمس وثلاثمائة وألف في قرية مراد آباد، وبايع الشيخ الكبير فضل
الرحمن البكري المراد آبادي.
وبالجملة فإنه نال الفضيلتين، وجمع الكتب النفيسة من كل علم وفن وأكثرها خطية نادرة الوجود،
وصنف الكتب، وله مكارم وفضائل، وحسن خلق، واشتغال بالعلوم والعبادات، والقيام بوظائف
الطاعات، وقضاء حوائج المحتاجين، والسعي في صلاح المسلمين، قلما يقر على القيام به غيره.
ثم اختار الله سبحانه له الصدارة في بلاد الدكن الإسلامية مع ما منحه من غزير المال والرئاسة في
بلاده، فترك الأهل والوطن ابتغاء لوجه الله سبحانه في خدمة المملكة الإسلامية، تقبل الله منه وأيده
فيما أراد من الخيرات، ولقد طلبه المير عثمان علي خان صاحب الدكن بما توسم منه الخير من غير
أن يذكره لديه أحد، وذلك في سنة ست وثلاثين وثلاثمائة وألف، فعينه وزيراً للأمور الدينية،
والأوقاف الإسلامية، وخصه بالتكريم، واستقام على هذا المنصب الخطير نحو ثلاث عشرة سنة، مع
عفة ونزاهة وعزة نفس، واجتهاد في خدمة العباد والبلاد، وإعانة على المصالح الإسلامية والمشاريع
الخيرية، متمتعاً بثقة صاحب الأمر، وثناء أهل العلم والدين، كان له سهم وافر في تأسيس الجامعة
العثمانية في حيدر آباد، التي قررت تدريس العلوم والفنون في لغة أردو لأول مرة، وفي تكوين قسم
الدراسات الدينية في هذه الجامعة، الذي كانت له فائدة كبيرة في تخريج الشباب الجامعين بين العلوم
الدينية والعلوم المدنية، حتى اعتزل عنه وأحيل إلى المعاش حوالي سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة
وألف، ولزم بيته محفوفاً بالكرامة، منقطعاً إلى مطالعة الكتب، وجمع النفائس منها، متوفراً على خدمة
المراكز الدينية والجهود التعليمة، مشغولاً بالذكر وأنواع العبادات.
وقد وفقه الله للحج سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وألف، فسافر إلى الحجاز على قدم صدق وإخلاص،
لا يصرف وقتاً، ولا همة في غير مقاصد الحج وعباداته، وزار مدينة الرسول صلى الله عليه وآله
وسلم
، واستفاد من مكتباتها وعلمائها.
وكانت له عناية كبيرة بندوة العلماء من أول عهد قيامها إلى آخر يوم من أيام حياته، فكان عضواً
تأسيسياً في لجنتها في أول يوم، واختير ثلاث مرات رئيساً لحفلاتها السنوية، وكان من أبرز
أعضائها العاملين، شديد الاقتناع بمبادئها التعليمية والإصلاحية، ولما صدرت مجلة الندوة سنة اثنتين
وعشرين وثلاثمائة وألف كلسان حال ندوة العلماء اختير العلامة شبلي بن(8/1208)
حبيب الله النعماني والشيخ
حبيب الرحمن الشرواني مديري التحرير للمجلة، وحازت إعجاب أهل العلم والأدب بمقالاتها
التحقيقية، وأفكارها السليمة الراجحة، وكذلك كانت له صلة متينة قديمة بالكلية الإسلامية في علي كره
إلى أن أصبحت الجامعة الإسلامية الشهيرة، فظل رئيساً فخرياً لقسم الدراسات الدينية فيها مدة
طويلة، ومنحته الجامعة الدكتواره الفخرية في أصول الدين لست خلون من صفر سنة اثنتين وستين
وثلاثمائة وألف، اعترافاً بعلو منزلته وحسن خدمته للعلم والدين، وكان له اتصال دائم بالمجامع
العلمية والمراكز الثقافية في الهند، يشترك في لجانها، ويرأس حفلاتها، فكان الرئيس الدائم لدار
المصنفين في أعظم كره، والأمين العام للمؤتمر التعليمي الإسلامي في علي كره، واختير مراراً
رئيساً للمؤتمرات الأدبية وألقى فيها خطباً ومحاضرات نالت الإعجاب والتقدير.
وكان من أصحاب الأساليب الأدبية في أردو وكاتباً مترسلاً بليغاً، يمتاز إنشاؤه بالحلاوة والطلاوة،
والانسجام والرشاقة، والبعد عن التكلف والصناعة، ورسائله ومكاتيبه أنموذج للانشاء البليغ، تفيض
بالحياة، وتسيل رقة وعذوبة، هي أشبه بالحديث منها بالكتابة، وكان خطيباً مصقعاً، يؤثر في الناس،
وشاعراً مطبوعاً في اللغة الفارسية، ناقداً جهبذاً للشعر الفارسي والأردي وأدبهما، مؤرخاً واسع
الاطلاع، كثير المطالعة، مؤلفاً بارعاً، يلوح على كتاباته أثر القبول.
وبالجملة كان من نوادر العصر ومحاسن الدهر، في الجمع بين الفضائل المتشتتة، والمحاسن
المتنوعة، دين متين لا مغمز فيه وهمة عالية لا قصور فيها، وذوق أصيل في الأدب والشعر لا تكلف
فيه، سلامة ذهن وحصافة رأي، وقوة إرادة وحسن إدارة، وحلاوة منطق ونزاهة لسان، قد جمع بين
الرئاستين وفاز بالحسنيين.
كان شديد الغرام بجمع الكتب النادرة، وآثار السلف من مخطوطات وتوقيعات وغير ذلك، ينفق فيها
المال الجزيل، وقد جمع مكتبة تحوي العدد الكبير من الكتب المخطوطة النادرة، وكان يقضي فيها
وقتاً طويلاً، هو من أحب أوقاته إليه، ووضع له فهارس بنفسه وخطه، وقد ضمت هذه المكتبة إلى
مكتبة جامعة على كراه الإسلامية، وخصص لها جناح خاص باسمه.
وكان شديد الحب لشيخه سيدنا فضل الرحمن الكنج مراد آبادي، لا يفتأ عن ذكره، وكذلك كان شديد
الإعجاب بأستاذه مولانا لطف الله الكوئلي، وكلما ذكرهما جاشت نفسه، وتفتقت قريحته، وأرسل
النفس على سجيتها.
كان فارع القامة، أبيض اللون والبشرة، حسن الهندام والهيئة، جميل الملبس والبشارة، كأنه من بقايا
الأمراء الكبار في حكومة إسلامية سابقة، وقوراً مهيباً، موزون الكلام والمشي، لطيف العشرة
والصحبة إذا بدأ عملاً استقام عليه مدة حياته، وإذا نزل عند صديق أو خصه بتكريم حافظ عليه إلى
الأخير، صاحب بر ومواساة، شديد التكرم والبر بأهل الحرمين وجيران الرسول صلى الله عليه
وسلم، محافظاً على الصلاة في الجماعة في المسجد في السفر والحضر، مواظباً على قيام الليل
والصلاة على النبي عليه السلام، معتنياً بصحته وصفاء ذهنه، وحفظ أوقاته وأداء حقوق أصحابه.
له مصنفات في أردو انتفع بها الناس، من أحسنها علماء سلف وسيرة الصديق ومنها نابينا علماء
جمع فيها أخبار العلماء المكفوفين، تنشيطاً لطلبة العلم وأهل هذا الزمان، وأستاذ العلماء في سيرة
أستاذه مولانا لطف الله الكوئلي، وانتقد على ما كتبه الخطيب البغدادي عن الإمام أبي حنيفة في تاريخ
بغداد، وله مقالات كثيرة جمعت في مجموعة في حياته، وله شعر في الفارسية والأردو.
مات رحمه الله يوم الجمعة لسبع خلون من ذي القعدة سنة سبعين وثلاثمائة وألف في عليكره، ودفن
في قرية حبيب كنج.
الشيخ حبيب الله الدكني
الشيخ العالم الصالح حبيب الله بن صبغة الله الشطاري الدكني أحد كبار المشايخ من نسل الشيخ
حبيب الله بن خليل الله البيجابوري، أخذ الطريقة عن أبيه عن جده، وهلم جراً إلى الشيخ حبيب الله
المذكور، وتولى الشياخة.(8/1209)
له حبيب الحقائق في تفسير الدقائق كتاب كبير بالفارسي في تفسير بعض آيات القرآن الكريم،
صنفه سنة اثنتين وثلاثمائة وألف.
الشيخ حسن بن سليمان البهلواروي
الشيخ الصالح حسن بن سليمان بن داود الحنفي البهلواروي أحد العلماء العاملين، ولد ونشأ بقرية
بهلواري، وقدم لكهنؤ فقرأ بعض الكتب الدرسية على مولانا فاروق بن علي الجرياكوبي وعلى غيره
من العلماء، ثم رجع إلى موطنه وأخذ عن الشيخ علي نعمة الجعفري البهلواروي، وقرأ على والده
أيضاً وتفقه عليه وأخذ الطريقة عن الشيخ بدر الدين بن شرف الدين الجعفري، واشتغل عليه بالأذكار
والأشغال.
كان صالحاً عفيفاً حسن الأخلاق شديد التعبد كثير الخشية من الله سبحانه، له ميلاد الرسول رسالة
نفيسة، وحب الرسول والسيدة في سيرة سيدتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وله كتاب بسيط في
تذكرة الشيخ أبي النجيب السهروردي كلها بالأردو.
مات في شبابه سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف.
المولوي حسن بن شاه محمد الجلال بوري
الشيخ الفاضل حسن بن شاه محمد الجلال بوري أبو رحمة أحد الأفاضل المشهورين في المناظرة،
ولد سنة ثلاث وثمانين ومائتين وألف في جلال بور جدان من أعمال كجرات، بلدة من بلاد بنجاب،
وقرأ العلم على جده محمد بن مسعود الفقيه الحنفي، وأخذ الحديث عن الشيخ برهان الدين الجهيلمي
من تلامذة السيد نذير حسين المحدث، وتعلم لغة سنسكرت صرفها ونحوها من بندت تلسي رام
الوثني، وقرأ شاستر والويد على بندت بال رام ادوانسي البنارسي، فتفرد في معرفة العلوم الهندية
وفاق في ذلك على أبناء العصر، وهجر التقليد وأخذ المذهب بظواهر النصوص، ولذلك أوذي من
المخالفين في بلدته، فترك الأهل والوطن، والدار والسكن وساح البلاد مد، ثم سكن بميرته.
ومن مصنفاته كتاب في الرد على تكذيب البراهين ورد فطرة وويدون كي تعليم كا فوتو في حقيقة
ويد وتاريخه، وأنوار الهدى في الرد على التقليد بالعربية، طبعت في المطبعة الفاروقية سنة 1306
هـ، والتحقيق الحسن في الرد على التقليد بالأردو، وطبع في شوكة المطابع سنة 1305 هـ.
مولانا حسن بخش الكاكوروي
الشيخ العالم الفقيه حسن بخش بن حسين بخش بن مير محمد العلوي الحنفي الكاكوروي أبو المحسن
كان من العلماء الصالحين، ولد لسبع بقين من صفر سنة إحدى وعشرين ومائتين وألف، وقرأ أكثر
الكتب الدرسية على مولانا تقي علي والشيخ حيدر علي ابني الشيخ تراب علي الكاكوروي، ثم لازم
المرزا حسن علي المحدث اللكهنوي، وأخذ عنه ثم خدم الدولة الإنكليزية ببلدة مين بوري وسكن بها.
له مصنفات عديدة، منها تفريح الأذكياء في أحوال الأنبياء في مجلدين ضخمين، وتفريح العاشقين
في ميلاد سيد المرسلين، وتذكير العارفين في أحوال سيد الكاملين في سيرة الشيخ عبد القادر
الجيلاني، كلها بالأردو.
مات لإحدى عشرة بقين من جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثمائة وألف بمين بوري.
مولانا حسن الزمان الحيدر آبادي
الشيخ العالم المحدث حسن الزمان بن قاسم علي بن ذي الفقار علي بن إمام قلي التركماني الحيدر
آبادي أحد كبار العلماء ولد بحيدر آباد ونشأ بها وقرأ على أساتذتها، وأخذ الطريقة الجشتية النظامية
عن الشيخ محمد علي الخير آبادي، وهو أخذ عن الشيخ محمد سليمان التونسوي، وحصلت له
الإجازة منه، واشتغل بالذكر والعبادة والمطالعة والتأليف، وبايعه خلق كثير في الطريقة الجشتية
والقادرية، أخذ عنه الشيخ لطيف الزمان وغيره.(8/1210)
له مصنفات عديدة، منها نور العينين في فضيلة المحبوبين والقول المستحسن شرح فخر الحسن
للشيخ فخر الدين الجشتي الدهلوي، والتحقيق الجلي لنسب السيد الجيلي، وأشهر مصنفاته الفقه الأكبر
في علوم أهل البيت الأطهر، أوله الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، أللهم لك الحمد وإليك
المشتكى، إلخ.
توفي نحو سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وألف بحيدر آباد.
مولانا حسن شاه الرامبوري
الشيخ العالم المحدث حسن شاه بن سيد شاه الحسيني الحنفي الرامبوري أحد العلماء المشهورين
بالحديث، ولد ونشأ بمدينة رامبور وقرأ الكتب الدرسية على المفتي شرف الدين وعلى غيره من
العلماء، ثم لازم السيد عالم علي النكينوي بمراد آباد وقرأ عليه الصحاح والسنن، وأخذ الطريقة
القادرية عن السيد غلام جيلاني البلاسبوري، والنقشبندية عن الشيخ عبد الغني بن أبي سعيد
الدهلوي، والشيخ مرتضى الرامبوري، نزيل الطوك وآخرهم كان من أصحاب سيدنا الإمام السيد
أحمد الشهيد السعيد.
كان من خيار السادة النبلاء الفضلاء القادة، له من محاسن الأخلاق ومكارم الصفات ما ليس لغيره
مع عقل رصين ودين متين، واشتغال بخاصة النفس، وعفاف وعزة نفس، وجلالة في القلوب،
وفخامة رائدة عند جميع الناس، درس وأفاد ببلدته أربعين سنة، أخذ عنه ولده السيد محمد شاه وخلق
كثير من العلماء.
توفي لثمان بقين من صفر سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف ببلدة رامبور
مولانا حسين عطاء الله الحيدر آبادي
الشيخ العالم المحدث حسين عطاء الله بن صبغة الله بن محمد غوث الشافعي المدراسي ثم الحيدر
آبادي أحد كبار العلماء، ولد بمدراس لليلة بقيت من شعبان سنة ستين ومائتين وألف، واشتغل بالعلم
من صباه وتخرج على أهله، ثم سافر إلى حيدر آباد وأخذ عن عصابة العلوم الفاضلة، ثم ولي خدمة
جليلة، واستمر عليها مدة طويلة، ورتب له ستمائة من النقود الفضية كل شهر معاشاً، ثم ولي الرئاسة
في أقطاع الأمير الأكبر نواب آسمان جاه الحيدر آبادي.
وكان مفرط الذكاء متين الديانة، كبير الشأن رفيع الخطر، حسن الأخلاق صادق اللهجة، له الوجاهة
العظيمة عند الملوك والأمراء.
ومن مصنفاته فهرس اللغات والجمل للصحيحين كأنه مفتاحهما في مجلد ضخم، ومنها كتاب أشعار
السيرة النبوية، رتب فيها أشعار السيرة لابن هشام على الحروف، وأكمل بعض القصائد، وكان
مشتغلاً بجمع أشعار الأغاني وترتيبها على الحروف، ولا أدري هل رتبها أم لا.
مات سنة سبع وعشرين وثلاثمائة وألف بحيدر آباد.
السيد حسين البلكرامي المعروف بنواب عماد الملك
السيد الفاضل حسين بن كرامة حسين الحسيني الواسطي البلكرامي نواب عماد الدولة عماد الملك
سيد حسين البلكرامي علي يار خان بهادر مؤتمن جنك من مشاهير العصر الحاضر.
ولد بمدينة كيا - بفتح الكاف الفارسية، سنة ستين ومائتين وألف، واشتغل بالعلم من صغر سنه،
وقرأ العلوم العربية أياماً، ثم دخل في المدرسة الإنكليزية بمدينة بهاكلبور، ثم في المدرسة الإنكليزية
بعظيم آباد ونال الفضيلة بامتياز سنة ثلاث وثمانين ومائتين وألف، فأراد والده أن يشغله في
الوظائف الحكومية، فلم يرض بها لاشتغاله بالعلم، وتولى التدريس في المدرسة الكلية بمدينة لكهنؤ،
مع إكبابه على مطالعة الكتب والأخذ والقراءة على أهل العلوم العربية، ولم يزل مجداً في ذلك حتى
اشتهر فضله مع معرفة اللغتين الإنكليزية والعربية وطار صيته في الآفاق فاستقدمه نواب مختار
الملك الوزير الكبير إلى حيدر آباد، وقربه إلى نفسه، ورقاه درجة بعد درجة، حتى صار سكرتيراً
خصوصياً لصاحب الدكن، وناظراً(8/1211)
على المدارس كلها، ولقبه صاحبه علي يار خان بهادر مؤتمن
جنك وأعطاه المنصب ألفين لذاته وخمسمائة للخيل.
وفي سنة إحدى وثلاثمائة وألف لقبه عماد الدولة وفي سنة أربع وثلاثمائة وألف عماد الملك وأضاف
في منصبه، فصار ثلاثة آلاف وخمسمائة له، وألفين وخمسمائة للخيل، ثم أحيل إلى المعاش فسار إلى
لندن وصار عضواً خصوصياً في مجلس وزير الهند، فأقام بها زماناً يسيراً، ورجع إلى حيدر آباد
وسكن بها، ولما ولي الوزارة بحيدر آباد يوسف علي بن لائق علي بن مختار الملك جعله صاحب
الدكن مشيراً للوزير نظراً إلى حداثة سنه فاستقل بتلك الخدمة نحو سنتين، ثم اعتزل عنها وأفرغ
أوقاته لترجمة القرآن الكريم بالإنكليزية، وضعف بصره، وانحرفت صحته فلم يكمل منها إلا ستة
عشر جزءاً.
وكان السيد حسين نادرة عصره في معرفة اللغة الإنكليزية وآدابها، أديباً ضليعاً وكاتباً مترسلاً،
ومترجماً قديراً، يكتب ويقول الشعر البليغ في اللغة الإنكليزية، ماهراً في اللغة الفرنسية، مطلعاً على
الأدب العربي والشعر الجاهلي، يحفظ الكثير منه، ولوعاً بالمطالعة وجمع الكتب النادرة، مشغوفاً
بالبحوث العلمية والمعاني الدقيقة، كريماً متواضعاً، يحب طلبة العلم، ويجل العلماء، يجالسهم
ويذاكرهم في العلم.
مات لثمان بقين من ذي القعدة سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وألف.
شيخنا العلامة حسين بن محسن اليماني
الشيخ الإمام العلامة المحدث القاضي حسين بن حسن بن محمد بن مهدي ابن أبي بكر بن محمد بن
عثمان بن محمد بن عمر بن محمد بن مهدي بن حسين بن أحمد بن حسين بن إبراهيم بن إدريس بن
تقي الدين بن سبيع بن عامر بن عتبة ابن ثعلبة بن عوف بن مالك بن عمرو بن كعب الخزرج بن
سعد الأنصاري الصحابي.
كانت ولادته ببلدة الحديدة لأربعة عشر مضين من جمادى الأولى سنة خمس وأربعين ومائتين
وألف، وبعد بلوغه سن التمييز شرع في قراءة القرآن الكريم وختم في حياة والده وقد بلغ من العمر
ثلاث عشرة سنة، وبعد وفاة والده رحل إلى قرية المراوعة، ومكث بها ثماني سنين، اشتغل بعد إتقان
النحو وغيره بالفقه على مذهب الإمام الشافعي حتى أتقنه حق الإتقان، ثم شرع في قراءة علم الحديث
على الترتيب أولاً سنن ابن ماجة ثم النسائي ثم أبي داؤد ثم الترمذي ثم الجامع الصحيح للبخاري
ومسلم، وكل ذلك على شيخه السيد العلامة حسن بن عبد الباري الأهدل، ثم توجه بعد ذلك إلى مدينة
زبيد من أرض اليمن إلى مفتي زبيد وابن مفتيها السيد العلامة سليمان بن محمد بن عبد الرحمن
الأهدل، فقرأ عليه الصحاح الستة وغيرها، كحزب الإمام النواوي وابن العربي، وأجازه إجازة كاملة
عامة بخطه الشريف، والسيد سليمان بن محمد المذكور قد أدرك جده السيد عبد الرحمن بن سليمان
الأهدل صاحب النفس اليماني، وأخذ عنه وعن أبيه محمد بن عبد الرحمن، وأخذ عن جمع من
العلماء، ولم يزل شيخنا حسين يتردد إليه كل سنة للأخذ عنه، فإذا تأخر استدعاه إليه.
ومن نعم الله عليه أن الشيخ صفي الدين أحمد بن القاضي محمد بن علي الشوكاني وصل من مدينة
صنعاء إلى الحديدة لأمر اقتضى ذلك، فحضر شيخنا لديه ولازمه مدة إقامته، وقرأ عليه أطرافاً من
الأمهات الست، وأجازه إجازة خاصة وعامة، وكان يحبه حباً شديداً، ويقول له: أبوك تلميذ أبي وأنت
ابني وتلميذي! ومن نعم الله عليه أنه كان كثير التردد إلى الحرمين الشريفين لا سيما مكة - شرفها
الله تعالى - فاجتمع بالشريف العلامة الحافظ محمد ابن ناصر الحازمي، وكان الشريف المذكور
يمكث بمكة المشرفة من شهر رجب إلى تمام أشهر الحج، فكان شيخنا يلازمه كل سنة، وأول سنة
لقيه فيها سنة ثمانين ومائتين وألف، فأول ما قرأ عليه مسند الدارمي من أوله إلى آخره مع مشاركة
المفتي أيوب بن قمر الدين البهلتي نزيل بهوبال له في ذلك، وغيره في تلك السنة ومن بعدها، وكان
شيخنا يحضر عليه من غرة رجب إلى آخر أشهر الحج وأيامه، فقرأ عليه أطرافاً صالحة من
الأمهات الست وجميع المسلسلات للعلامة أحمد بن(8/1212)
عقيلة، وأجازه بخطه الشريف إجازة وافية كافية،
وأحبه محبة صافية، ودعا له بأدعية مرجوة القبول إن شاء الله تعالى.
وشيخنا حسين ولي القضاء ببلدة لحية - بضم اللام - بلدة من بلاد اليمن قريبة من الحديدة مسافة
ثلاثة أيام أو أكثر، وتولى بها القضاء نحو أربع سنين، ثم استعفى منها لواقعة وقعت عليه، وهي أن
رجلاً من نواب الحديدة ممن بيده الحل والعقد من الأتراك يقال له أحمد باشا طلب من تجار اللحية
مكساً غير معين على اللؤلؤ الذي يستخرجونه من البحر من غير أن يعلم مقداره وثمنه، وأحضر
العلماء على ذلك وأراد منهم الفتوى، فامتنع الشيخ حتى إن الباشا المذكور أحضر المدفع لتخويفه
وقال له: إن لم تكتب على هذه الفتوى أرميك بهذا المدفع حتى يصير جسمك أوصالاً، فقال: افعل ما
أردت هذا لا يضر قطعاً لا عند الله ولا عند الناس ولا في العرف ولا في الاصطلاح، ولا عندك من
مولانا السلطان في ذلك حكم تحتج به علينا، ولو فرضنا أن عندك في ذلك حكماً فطاعة السلطان إذا
أمر بما أمر الله به فأمره مطاع، وإن أمر بخلاف الكتاب والسنة فلا طاعة له علينا، وحاشاه أن يحكم
بغير كتاب أو سنة! وهذا الاستعفاء مقدم في خدمتكم من هذا المنصب فشدد عليه ثلاثة أيام، ومنعه
من الأكل والشرب، وأصهره في الشمس ثلاثة أيام حتى تغيرت صورته، وأنكره كل من عرفه،
فتحمل هذه المشاق، ولم يرض أن يحكم بخلاف الكتاب والسنة وأقوال الأئمة، وترك وطنه ومسقط
رأسه، فقدم أرض الهند، وذلك بعد خمس سنين من الفتنة العظيمة بالهند فدخل بهوبال في عهد سكندر
بيكم وأقام بها سنتين، ثم رجع إلى وطنه، ثم عاد بعد خمس سنين في عهد شاهجهان بيكم، وأقام ببلدة
بهوبال أربع سنوات، ثم رجع إلى وطنه.
ثم عاد إلى الهند بعد خمس سنين، وتوطن ببلدة بهوبال، وكان في مدة إقامته هنالك قد طار صيته
في جميع الأقطار الهندية، وأقر له بالتفرد في علم الحديث وأنواعه كل أحد من كبار العلماء، وإني
رأيتهم يتواضعون له ويخضعون لعلمه، ويستفيدون منه، ويعترفون بارتفاع درجته عليهم وأخذ عنه
جماعة من أعيانهم كالسيد صديق حسن بن أولاد حسن الحسيني البخاري القنوجي، والشيخ محمد
بشير بن بدر الدين السهسواني، والشيخ شمس الحق بن أمير علي الديانوي والشيخ عبد الله
الغازيبوري، والشيخ عبد العزيز الرحيم آبادي، والمولوي سلامة الله الجيراجبوري والمولوي وحيد
الزمان الحيدر آبادي، والشيخ طيب ابن صالح المكي، وأبو الخير أحمد بن عثمان المكي، والشيخ
الصالح إسحاق ابن عبد الرحمن النجدي، وخلق كثير من العلماء.
وهذا العبد الضعيف - أصلح الله شأنه وصانه عما شأنه - قد أخذ عنه شيئاً كثيراً في علم الحديث،
فقرأت عليه أوليات الشيخ محمد سعيد سنبل، والحصن الحصين، وجامع الترمذي وسنن أبي داؤد،
وصحيح مسلم بن الحجاج النيسابوري، وصحيح الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، قرأتها عليه كلها
من أولها إلى آخرها، وقرأت عليه جملة صالحة من بلوغ المرام وسمعت بقراءة غيري عليه سنن
النسائي، وسنن ابن ماجة ومسند الدارمي، والمؤطا، والمشكاة وغيرها، وسمعت منه كثيراً من
الأحاديث المسلسلة كالحديث المسلسل بالأولية والمسلسل بالمحبة والمسلسل بيوم العيد والمسلسل بيوم
عاشوراء والمسلسل بالمصافحة والمسلسل بالمشابكة والمسلسل بالصحبة وغيرها، وقد أجازني إجازة
عامة تامة نفعنا الله ببركاته.
وشيخنا حسين لم يكن له كثرة اشتغال بتأليف، ولو أراد ذلك لكان له في الحديث ما لا يقدر عليه
غيره، وله رسائل حافلة ومباحث مطولة هي مجموعة في مجلد، وقد فاته كثير وذهب، ولكنه لم
يحرص على جمع ذلك، وله تعليقات على سنن أبي داؤد.
وقد كان كثير التردد إلى بلدة لكهنؤ في آخر عمره، وكان ينزل عندي، ويحبني كحب الآباء للأبناء،
وقد دخل لكهنؤ قبل موته بنحو أربعة أشهر، وأقام بها نحو شهر أو أقل، ثم رحل عنها إلى حبيب
كنج قرية من أعمال عليكده، بعد طلب مولانا حبيب الرحمن بن محمد تقي الشرواني، فأقام عنده نحو
أربعة أشهر، وفي آخر جمادى الأولى قوض خيام الارتحال منها إلى مدينة بهوبال فلم يمكث بها إلا
نحو خمسة عشر يوماً،(8/1213)
ثم انتقل إلى رحمة الله سبحانه، وقبل وفاته بنحو عشر ساعات خرج من
البيت وكان يوم الثلاثاء عاشر جمادى الآخرة على أحسن حالة لملاقاة أحبابه، وطلب منهم الدعاء
لحسن الختام عن حلول الحمام، ثم دار على بيوت أولاده كالمودع لهم، وكان ذلك بعد صلاة الظهر
إلى بعد صلاة العصر في اليوم المذكور، وبعد أن صلى العصر ورجع إلى بيت ولده عبد الله بن
حسين عرضت له مذاكرة معه في أن خديجة رضي الله عنها كان لها ولد في الجاهلية يسمى بعبد
العزى أم لا، فأمر ولده المذكور بإحضار بعض الكتب التي كان يتخيل حل تلك المسألة منها
فأحضرها، وأملى عليه ما شاء الله أن يملي منها، فقارب ذلك غروب الشمس، فنهض عبد الله
للوضوء فتوضأ ورجع، وكان شيخنا متكئاً على وسادة له وإذا برأسه قد خفق وعلى تلك الوسادة قد
أطرق، فاستلقى على ظهره ممدودة يديه ورجليه مغمضة بلا تغميض عينيه وإن جبينه ليتفصد من
العرق، فظنه عبد الله نائماً فحركه وإذا بروحه قد فارقت جسده، وكانت تلك الليلة ليلة الأربعاء، وفي
صبيحتها، لعله قبيل الضحى، خرجوا بنعشه وأودعوه في رمسه، وكان ذلك في سنة سبع وعشرين
وثلاثمائة وألف، رحمه الله ونفعنا ببركاته.
مولانا حسين أحمد الفيض آبادي المشهور بالمدني
الشيخ العالم الصالح المحدث حسين أحمد بن حبيب الله الحنفي الفيض آبادي ولد في التاسع عشر
من شوال سنة ست وتسعين ومائتين وألف بقرية بانكر مئو من أعمال أناؤ وتلقى مبادي العلوم في
ثانده وسافر سنة تسع وثلاثمائة وألف وهو في الثالثة عشرة من عمره إلى المدرسة العربية بديوبند
ومكث سبع سنين وقرأ فاتحة الفراغ وأخذ الحديث عن العلامة محمود حسن الديوبندي، وتفقه عليه
ولازمه مدة طويلة، وقصد كنكوه وبايع الإمام العلامة المحدث رشيد أحمد الكنكوهي، وهاجر والده
إلى المدينة المنورة مع عياله سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف فرافقه، ولقي بمكة الشيخ الأجل إمداد
الله التهانوي المهاجر إلى مكة المباركة، وهو شيخ شيخه واستفاد منه واحتظ بصحبته، ودخل المدينة
وأقام هناك على قدم صدق وإخلاص وتوكل وتقشف، وطلبه شيخه العلامة رشيد أحمد إلى كنكوه سنة
ثمان عشرة وثلاثمائة وألف، ومكث سنتين، وأجازه الشيخ، ثم رجع إلى الحجاز سنة عشرين
وثلاثمائة وألف، وتصدر للتدريس في مدينة الرسول - صلى الله عليه وعلى صاحبها وسلم -
محتسباً متطوعاً، يدرس في الحديث والتفسير والفقه، يشتغل به من بعد العشاء إلى قيام الليل، ومكث
إلى سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة وألف، يزور في خلالها الهند، ويحضر دروس شيخه العلامة محمود
حسن، ويعود إلى المدينة المنورة، إلى أن سافر شيخه محمود حسن سنة ثلاث وثلاثين للحج
والزيارة، ودخل المدينة سنة أربع وثلاثين، فلازمه الشيخ حسين أحمد، وقدم مكة المباركة معه، وكان
ذلك في أثناء الحرب العالمية، وخروج الشريف حسين، وبغيه على الدولة المتبوعة العثمانية، ومعه
المولوي حسين أحمد، والمولوي عزيز كل، والحكيم نصرة حسين الكوروي وغيرهم من أصحابه،
وأسرهم ولاة الأمر في الحجاز، وأسلموهم إلى الحكومة الإنكليزية، فنقلتهم إلى مصر، ثم إلى مالطه،
حيث وصلوا سلخ ربيع الآخر سنة خمس وثلاثين، ولبثوا فيها ثلاث سنين وشهرين، ومات الحكيم
نصرة حسين بمالطه وجد الشيخ حسين أحمد في خدمة أستاذه، وفي العبادة والمطالعة، وحفظ القرآن
الكريم، وصدر الأمر باطلاق سراحهم لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة
وألف، وعادوا إلى الهند مكرمين، ومرض الشيخ محمود حسن مرضه الأخير، فكان بجانبه يخدمه
ويسهر عليه وأمره الشيخ بالتوجه إلى كلكته ليشتغل أستاذاً في المدرسة التي أسسها مولانا أبو
المكارم، وقد سأله أن يرسل أحد خاصته، فآثر الشيخ حسين أحمد رضا شيخه على هوى نفسه، فلم
يسافر بعيداً، إلا وفوجىء بنبأ وفاته، فعاد إلى ديوبند وقد دفن الشيخ، وتوجه إلى كلكته واشتغل مدة
في هذه المدرسة، ثم انتقل إلى سلهث عاصمة ولاية آسام ومكث ست سنين يدرس الحديث الشريف،
ويربي النفوس، وينفخ في الناس روح الأنفة والإباء وحب الحرية، وانتفع به خلائق لا تحصى.
وحميت حركة التحرير والثورة السياسية في الهند،(8/1214)
فخاض فيها وأفتى بحرمة العدل في الجيش
الإنجليزي وسجن في منتصف المحرم سنة أربعين وثلاثمائة وألف، وحوكم في كراجي محاكمة
مشهورة، وحكم عليه بسجن سنتين مع الاشتغال بالأعمال الشاقة، وأطلق سنة اثنتين وأربعين
وثلاثمائة وألف.
ولما اعتزل الشيخ العلامة أنور شاه الكشميري شياخة الحديث في ديوبند وانتقل إلى ذابهيل وقع
الاختيار على الشيخ حسين أحمد رئيساً للمعلمين وشيخاً للحديث في دار العلوم، فانتقل إلى ديوبند
سنة ست وأربعين وثلاثمائة وألف، واستقل بتدريس الحديث ورئاسة المدرسة، فحافظت على شهرتها
ومركزها وثقة الناس بها، وشمر عن ساق الجد والاجتهاد في تدريس الحديث الشريف وفي بث روح
النخوة والإباء في المسلمين، وجمع بين التدريس والعمل في المجال السياسي بهمة نادرة وقوة إرادة،
وجال في الهند طولاً وعرضاً يحضر الحفلات، ويلقي الخطب والمحاضرات، ويتحمل مشاق السفر،
ويسهر الليالي، وهو محافظ على أوقاته وأوراده، يجهد نفسه ويحى ليله في المطالعة والتدريس مع
بشاشة دائمة وتواضع مفرط وإكرام للوافدين وقضاء لحق الزائرين والسائلين.
وصرف همته إلى تأبيد القضية الوطنية ومساعدة جمعية العلماء التي كان من أكبر أعضائها، فقاد
حركة العصيان المدني سنة إحدى وخمسين، وسجن لستة أشهر ثم أطلق، ورأس عدة حفلات سنوية
لجمعية العلماء، وفي سنة إحدى وستين وثلاثمائة وألف قامت الحركة الوطنية على قدم وساق، وغلى
مرجلها، وطلب المؤتمر الوطني من الإنجليز أن يغادروا البلاد، وألقى الشيخ حسين أحمد خطباً
حماسية، فألقى القبض عليه لثمان خلون من جمادى الأولى سنة إحدى وستين وثلاثمائة وألف، وبقي
معتقلاً نحو ثلاث سنوات وهو صابر محتسب، متحمل للأذى، مشتغل بالعبادة والإفادة في السجن،
حتى جاء الأمر بالإطلاق في السادس من رمضان سنة ثلاث وستين، فعاد إلى ما كان عليه من كفاح
وجهاد، وتعليم وإرشاد، وخدمة للعباد والبلاد، وقويت حركة العصبة الإسلامية التي تنادي بتقسيم
الهند وتطالب بباكستان ودانت بها الجماهير من المسلمين بحماسة وتفان، وكان الشيخ حسين أحمد
يرى في هذه الفكرة الضرر العظيم على المسلمين، ويعتقد أنها تفقدهم مركزهم السياسي ووحدتهم
الملية، وأنها من وحي الدهاء السياسي الإنجليزي، فعارضها بإيمان وإخلاص، وذعر الهند جولة
ورحلة، وجهر بعقيدته، لا يخاف فيها لومة لائم، ولا إهانة مهين، فتعرض لسخط المتحمسين
والثائرين من أتباع العصبة الإسلامية وأصحاب فكرة التقسيم، ولقي منهم الشيء الكثير من الأذى
والإهانة وهو صابر محتسب، لا يفتر في عمله، ولا يكف عن نشاطه، يرشد المسلمين وأهل البلاد،
إلى ما يرى فيه الخير والسداد، غير مدفوع بطمع، ولا مبال بثناء أو نقد، حتى أعلن التقسيم في
رمضان سنة ست وستين وثلاثمائة وألف، فانفجرت الحروب الطائفية، ووقعت المذابح العظيمة في
مدن الهند وقراها، وافترس المسلمون في الهند الشمالية الغربية وحول دهلي ووقع ما كان يخافه
الشيخ وأصحابه، ونزج من نزح منهم إلى باكستان وبقي من بقي في اضطراب حال وتشتت بال،
وأصبحت المراكز الدينية والثقافية في الهند في خطر الزوال، وأصبحت البقية الباقية من المسلمين
في خطر الاستسلام أمام الأكثرية، فانقلب الشيخ واعظاً دينياً، يثير في المسلمين الإيمان والثقة بالله
والاعتزاز بالدين، ويدعوهم إلى الصبر والثبات والتوكل على الله، ومقاومة المهاجمين والمغيرين
بالإيمان واليقين، فقوت مواعظه وجولاته القلوب المنخلعة، وأرسخت الأقدام المتزلزلة، وزال
الخطر، وانقشع السحاب، وبقيت المراكز الثقافية والدينية على حالتها الأولى، وبدأ المسلمون يزاولون
حياتهم ونشاطهم باعتدال وثقة.
واعتزل الشيخ السياسة العملية بعد استقلال البلاد، وعكف على الدرس والإفادة، والدعوة إلى الله،
وتربية النفوس، لا يتصل بالحكومة ورجالها، حتى أنعم عليه رئيس الجمهورية في جمادى الأولى
سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وألف برتبة فخرية، فرفض ذلك قائلاً: إنه لا ينسجم مع طريقة أسلافه،
وبقي في ديوبند يدرس الحديث الشريف، ويتجول في الهند يدعو المسلمين إلى التمسك بالدين، واتباع
الشريعة الغراء، واقتفاء(8/1215)
السنن النبوية، وإصلاح الحال، والإكثار من ذكر الله، وقد عطف الله عليه
القلوب والنفوس، وغرس حبه في أهل الخير، فأقبلوا عليه زرافات ووحدانا، وتقاطر عليه الناس من
كل صوب، وانهالت عليه الدعوات، وهو يتقبلها بقلب طيب، ويتحمل في سبيلها المشاق، حتى
اعتراه مرض القلب وضغط الدم، فانقطع عن الأسفار مدة قليلة ولزم بيته وهو ملتزم للأوراد، جاد
في التربية والإرشاد، وإكرام الضيوف ولقاء الزوار، قد تغلب عليه الخشوع والرقة، والابتهال إلى
الله تعالى، والتهيؤ للقائه، حتى وافاه الأجل في الثالث عشر من جمادى الأولى سنة سبع وسبعين
وثلاثمائة وألف وصلى عليه الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي في جمع حاشد لا يحصى، ودفن بجوار
أستاذه الشيخ محمود حسن الديوبندي والإمام محمد قاسم النانوتوي.
كان الشيخ حسين أحمد من نوادر العصر وأفراد الرجال صدقاً وإخلاصاً، وعلو همة وقوة إرادة،
وشهامة نفس، وصبر على المكاره ومسامحة للأعداء، يشفع لهم ويسعى في قضاء حوائجهم، وثبات
على المبدأ ورحابة ذرع سعة صدر، وجمع للأشتات من الفضائل والمتناقضات من الأعمال، له
نزاهة لا ترتقي إليها شبهة، وهمة لا تعرف الفتور والكسل، واشتغال دائم لا يتطرق إليه الملل.
كانت له أوقات مشغولة منظمة، كان إذا صلى الصبح أفطر مع الضيوف الذين يكثر عددهم، ثم
توجه إلى دار الحديث، وقرأ درسين: درساً في صحيح البخاري، ودرساً في جامع الترمذي، وكان
يقرأ هو بنفسه في غالب الأيام بلحن عربي، وصوت واضح قوي، ويفيض في الشرح والإلقاء، ثم
ينصرف ويتغدى مع ضيوفه ويقيل، وبعد أن يصلي الظهر يجلس للوافدين ويشرب معهم الشاي،
ويكتب الرسائل والردود، ويقضي حاجة الزائرين والسائلين، وإذا صلى العصر جلس للضيوف
والزائرين يحدثهم ويؤنسهم، وإذا كان في آخر السنة قرأ درساً كذلك إلى صلاة المغرب، فإذا صلى
المغرب قام للنوافل وأطال القراءة والقيام ويتفرغ للمسترشدين وأصحاب السلوك، فإذا صلى العشاء،
قرأ درساً في صحيح البخاري إلى أن يمضي من الليل ثلثه أو نصفه، ثم دخل البيت وأخذ حظه من
الراحة، ثم قام يتطوع ويطيل القيام، ويشتغل بالذكر والمراقبة، ويكثر الدعاء والابتهال، وقد ينشد
الأبيات الرقيقة المرققة في المناجاة والعبودية إلى أن يصبح فيصلي، وإذا صلى إماماً في سفر
وحضر التزم السنن وقرأ من السور ما صح في الحديث وثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله
وسلم، لا يخل بذلك، وكان في آخر عمره غلبت عليه الحمية الدينية والغيرة للشرع والسنة النبوية،
فكان لا يتحمل تفريطاً فيها، وقد تعتريه الحدة في ذلك ويعلو صوته، ويشدد الإنكار على من خالف
السنة أو استخف بشعائر الإسلام، وكان شديد الحب لأساتذته ومشايخه، شديد الغيرة فيهم، وكانت له
ملاحظات في بعض آراء شيخ الاسلام ابن تيمية وما تفرد به في بعض المسائل والآراء.
كان مربوع القامة، كبير الهامة، عريض الجبهة واسع العينين، أسمر اللون، جسيماً مفتول الذراعين،
قوي البنية، وقوراً مهيباً في غير عبوس أو فظاظة، طلق الوجه دائم البشر، وكان يلتزم الملابس
الثخينة من النسج الوطني، وكان شديد البغض للإنجليز كشيخه محمود حسن، شديد الحب والبغض
في الله، وكان قد راض نفسه على النوم والانتباه، ينام إذا شاء وينتبه متى أراد، وكان شديد العبادة
والاجتهاد في رمضان، وكان يؤمه مئات من المريدين، ويصومون معه ويقومون، ويتحول المكان
الذي يقضي فيه رمضان إلى زاوية عامرة بالذكر والتلاوة، والسهر والعبادة.
كان قليل التصنيف، له الشهاب الثاقب......... وسفرنامة مالطه في وصف آيامه في أسر مالطه
وأخبار أستاذه شيخ الهند...... ونقش حياة في مجلدين، أكثره في التاريخ السياسي، وقد جمعت
رسائله في ثلاثة مجلدات.
الشيخ حسين علي السنديلوي
الشيخ الفاضل حسين علي بن غلام مرتضى العمري السنديلوي كان أصله من صفي بور، ولد
بسنديله سنة أربعين ومائتين وألف، وقرأ العلم على والده، ثم دخل لكهنؤ وأخذ عن علمائها، ثم تصدر
للتدريس.
وله مصنفات، منها ديوان الشعر، وشرح أربعين كافا(8/1216)
وغيرهما، توفي سلخ جمادى الآخرة سنة
إحدى عشرة وثلاثمائة وألف.
مولانا حسين علي ألواني
الشيخ العالم الصالح حسين علي ابن الحافظ ميان محمد بن عبد الله الحنفي النقشبندي ألواني أحد
كبار المشايخ النقشبندية.
ولد بقرية وان بجهران من أعمال بنون سنة ثلاث وثمانين ومائتين وألف، وقيل سنة خمس وثمانين
ومائتين وألف ونشأ بها، وقرأ الكتب الدرسية من ميزان الصرف إلى حمد الله على أساتذة بلاده، ثم
سافر إلى كانبور وقرأ سائر الكتب الدرسية على مولانا أحمد حسن الكانبوري معقولاً ومنقولاً، وقرأ
الحديث على الإمام رشيد أحمد بن هداية أحمد الكنكوهي، قرأ عليه الصحيحين، وسنن الترمذي،
وسنن أبي داود، وقيد دروسه وتحقيقاته أثناء الدرس في دقة وإيجاز، وأحبه وآثر طريقته وعقيدته ثم
رجع إلى بلاده ولازم الشيخ عثمان بن عبد الله النقشبندي وأخذ عنه الطريقة ونال منه الإجازة،
ودرس عنده زماناً، قرأ عليه الشيخ سراج بن عثمان النقشبندي وخلق آخرون.
ثم رجع إلى وطنه وتولى الشياخة بها وشمر عن ساق الجد والاجتهاد في الدعوة إلى التوحيد والدين
الخالص، وإخلاص العبادة لله تعالى والإنكار على الشرك بجميع أنواعه ومظاهره، وعبادة القبور،
وإتخاذ الأرباب من دون الله، والغلو في الأولياء والصالحين، وإعطائهم ما هو من صفات الله تعالى
وأفعاله، والرد على الاستغاثة بغير الله والاستعانة بهم، واعتقاد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ
كان يعلم الغيب، وأبلى في ذلك بلاء حسناً، وقاسى شدائد وأهوالاً،، وهو رابط الجأش راسخ القدم لا
يحابي ولا يداهن، ولا يوري ولا يكنى، بل يصدع بالحق الصريح والحكم الشرعي الصحيح، ولا
يخاف في الله لومة لائم، وكان على قدم الشيخ إسماعيل الشهيد الدهلوي، وأصحاب السيد الإمام أحمد
بن عرفان الشهيد، والعلامة رشيد أحمد بن هداية أحمد الكنكوهي، وكانت له طريقة خاصة في تفسير
القرآن تدور حول عقيدة التوحيد في القرآن، وما ورد فيها من آيات ونصوص، يشرحها ويوضحها
ويطبقها في حياة المسلمين، وعاداتهم وأعمالهم، وقد تخرجت عليه جماعة من العلماء، وانتفع به
خلائق لا يحصون، وتذكر له كشوف وكرامات، كان غاية في التقشف وترك التكلف، يعيش
كالفلاحين، ويلبس لباسهم، ويعمل بيده، كان أسمر مائلاً إلى البياض، ممشوق القامة، قوي الجسم،
كثير الصمت.
ومن مؤلفاته بلغة الحيران في ربط آيات الفرقان وتفسير بي نظير، وتحريرات حديث، وتلخيص
الطحاوي، وتحفة إبراهيمية.
توفي في شهر رجب سنة ثلاث وستين وثلاثمائة وألف.
مولانا حفيظ الله البندوي
الشيخ الفاضل الكبير حفيظ الله بن دين علي البندوي أحد العلماء المشهورين، ولد ونشأ بقرية بندي
- بفتح الموحدة - قرية من أعمال أعظمكده وسافر إلى غازيبور، فاشتغل بالعلم أياماً على مولانا عبد
الله الغازيبوري وعلى غيره من العلماء، ثم دخل لكهنؤ ولازم الشيخ عبد الحي بن عبد الحليم
الأنصاري اللكهنوي وتخرج عليه، وأخذ عنه الحديث، ثم ولي التدريس في المدرسة الإنكليزية
بكاكوري فدرس بها زماناً، ثم استقدمه شيخه عبد الحي المذكور إلى لكهنؤ، وجعله معلماً لختنه
يوسف بن قاسم بن مهدي بن يوسف الأنصاري، فدرس بلكهنؤ مدة طويلة، ثم سار إلى رامبور وولي
التدريس في المدرسة العالية، وحصلت له الوجاهة العظيمة عند أهل تلك البلدة، فدرس بها تسع
سنين، ثم رجع إلى لكهنؤ وولي التدريس بدار العلوم التي أسسها أعضاء الندوة، فدرس بها زماناً
طويلاً، ثم سار إلى ذهاكه وولي التدريس في المدرسة العالية، ولقبته الدولة الإنكليزية بشمس العلماء
ثم أحيل إلى المعاش سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وألف، وسافر للحج، وولي نظارة دار العلوم في
لكهنؤ ورئاسة التدريس فيها، فاستقام على ذلك نحو عشر سنين، ثم اعتزلها سنة ثمان وأربعين
وثلاثمائة وألف.
وله مشاركة جيدة في المعقول والمنقول ومعرفة(8/1217)
بالحديث، وهو يحب العمل بمقتضى ظاهر
النصوص وينصر أهل الحديث.
وله مصنفات، منها حاشية بسيطة على التصريح في الهيئة، وكنز البركات في سيرة مولانا أبي
الحسنات.
مات لسبع خلون من ذي الحجة سنة اثنتين وستين وثلاثمائة وألف.
مولانا حفيظ الله الدهلوي
الشيخ العالم الصالح حفيظ الله بن كاما خان السلفي الدهلوي أحد العلماء الصالحين، ولد ونشأ ببلدة
دهلي، وحفظ القرآن الكريم في صباه، فدعا له الشيخ الشهيد إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي بالبركة،
ووالده كان من أصحاب الشيخ عبد القادر بن ولي الله الدهلوي، فقرأ بعض الكتب الدرسية على
مولانا عبد الخالق الدهلوي، وبعضها على الشيخ إسحاق بن محمد أفضل سبط الشيخ عبد العزيز،
وبعد رحلته إلى الحجاز لازم السيد نذير حسين المحدث الدهلوي، وأخذ عنه الحديث والتفسير والفقه
الحنفي والأصولين، ثم اشتغل بالدرس والإفادة، وكان يذكر في كل أسبوع ضحوة يوم الإثنين، وكانت
مواعظه مقصورة على تفسير القرآن الكريم بالأحاديث الصحيحة تأخذ بمجامع القلوب، وإني
حضرت في مجلسه.
توفي لثلاث ليال خلون من رمضان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وألف بدهلي.
السيد حمزة بن أمير علي الدهلوي
الشيخ العالم الفقيه حمزة بن أمير علي الحسيني الدهلوي أحد العلماء الصالحين من نسل الشيخ
الكبير جلال الدين حسين بن أحمد الحسيني البخاري الأجي، ولد ونشأ بدهلي واشتغل بالعلم أياماً
على أساتذة مصره، ثم دخل لكهنؤ وأخذ عن الشيخ عبد الحي وشيخنا فضل الله بن نعمة الله اللكهنوي
وسافر في سنة اثنتين وثلاثمائة إلى كنكوه وأخذ الحديث عن الشيخ رشيد أحمد الحنفي الكنكوهي، ثم
سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار وأخذ الطريقة عن الشيخ الأجل إمداد الله بن محمد أمين
العمري التهانوي المهاجر إلى مكة المباركة، ثم رجع إلى الهند واشتغل بالتذكير والتلقين وتربية
المريدين.
مولانا حميد الدين الهزاروي
الشيخ الفاضل حميد الدين بن رحمة الله الحنفي الهزاروي أحد العلماء المبرزين في المعقول
والمنقول، ولد ونشأ بمانسهره قرية من أعمال هزاره، وقرأ العلم على أساتذة بلاده، ثم سافر إلى
ديوبند، ورامبور، وقرأ المنطق والحكمة على مولانا فضل حق الرامبوري وعلى غيره من العلماء،
ثم ولي التدريس ببلدة بريلي.
وهو باهر الذكاء، جيد القريحة، له اليد الطولى في الفنون الأدبية.
مولانا حيدر حسن خان الطوكي
الشيخ الفاضل حيدر حسن بن أحمد حسن بن غلام حسين خان الياغستاني الأفغاني الطوكي، صنو
الشيخ محمود حسن صاحب المصنفات، ولد حوالي سنة إحدى وثمانين ومائتين وألف، ونشأ ببلدة
طوك، وقرأ العلم على إخوته محمد حسن ومحمود حسن، وعلي محمد حسن خان، ومولانا عبد الكريم
ببلدته، ثم سافر إلى لاهور ولازم الشيخ غلام أحمد النعماني اللاهوري مدة من الدهر، وأخذ عنه في
المدرسة النعمانية، ثم أخذ الحديث عن شيخنا العلامة حسين بن محسن الأنصاري اليماني وشيخنا
المحدث نذير حسين الدهلوي، ورجع إلى بلدته فولي التدريس في المدرسة الناصرية.
له مشاركة جيدة في الفقه والأصول والكلام والحديث، يدرس ويفيد مع عفاف وعزة نفس، واشتغال
بخاصة النفس، وتفويض للأمور، وتوكل على الله سبحانه، وقناعة باليسير استقدمه مؤلف هذا الكتاب
لما يعلم من غزارة علمه ورسوخه في الدين وملكته القوية في التعليم إلى لكهنؤ، ليكون أستاذاً للحديث
في دار العلوم التابعة لندوة العلماء فاعتذر مراراً، إيثاراً للخدمة التي يقوم بها في بلده، وما يفتح الله
به عليه من رزق، ثم أجاب طلبه، لما بينه(8/1218)
وبين الداعي وعشيرته من الود القديم، وبدأ يدرس في
دار العلوم من ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وألف، ومكث في دار العلوم نحو سبع عشرة
سنة، يدرس كتب الصحاح ويخدم الحديث الشريف تدريساً وتحقيقاً، وكتابة وتعليقاً، وتربية وتخريجاً،
عاكفاً على الدرس والإفادة، والبحث والمطالعة، منقطعاً إلى ذلك بقلبه وقالبه، لا يعرف اللذة في
غيره، ولا يتصل بالدنيا وأسبابها، قانعاً باليسير! زاهداً في الكثير، مؤثراً للطلبة على نفسه وعياله،
ولإجهاد النفس، وتحمل التعب في الدرس والمطالعة على راحته، لا يدخر مالاً، ولا يطمع في مفقود،
ولا يطمح إلى جاه أو منصب، همه ولذته من العيش أن يعثر على كتاب جديد، أو بحث مفيد، أو أن
يجد حجة لمذهبه الذي ينصره، وولي نظارة دار العلوم في ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة
وألف، واستقام على ذلك جامعاً بين التدريس والإدارة بجد واجتهاد، وحسن قصد وإخلاص، حتى
دعته دواعي الشوق إلى وطنه، فاعتزل الخدمة في دار العلوم لثلاث خلون من ذي الحجة سنة ثمان
وخمسين وثلاثمائة وألف، وعاد إلى مسقط رأسه، واشتغل بتدريس الحديث الشريف والعلم النافع، مع
زهد وعبادة، وذكر تلاوة، حتى جاءه الطلب من ربه.
كان الشيخ حيدر حسن من العلماء الربانيين والمعلمين المربين، بايع الإمام إمداد الله التهانوي
المهاجر إلى مكة المكرمة في شبابه عند ما سعد بالحج والزيارة وأجازه الشيخ، واستقام على طريقته
وأوراده إلى آخر أيام حياته، وكان عابداً قواماً، يطيل القيام في صلاة الليل ويكثر القراءة ويطيل
السجود، ويكثر الدعاء والابتهال، وكان غزير الدمعة، كثير الخشوع، طويل القنوت في الصلاة،
يصلي بالناس بالغلس ويطيل القراءة، وكان يرى أن الأفضل والأصح أن يشرع في الغلس ويختم
بالأسفار، وكان يقرأ القرآن بلحن شجي، وتجويد وترتيل، وكانت له اليد الطولى في القراءات العشر،
يقرأ في الشاطبي قراءة تحقيق وإتقان، ويعني بتصحيح القرآن عناية عظيمة، ويحذق الفن كأساتذته،
أسس في بلده مدرسة خاصة بتعليم القرآن، واستقدم لها الأساتذة الكبار من لكهنؤ.
وكان متضلعاً من العلوم العقلية، درسها دراسة إتقان وإمعان، راسخاً في النحو وعلوم البلاغة، بارعاً
في الهيئة والهندسة، وعلم الاصطرلاب يدرس كتبه الكبار بمهارة وقوة، وكان متصلباً في المذهب
الحنفي، شديد الحب والإجلال للإمام أبي حنيفة، عظيم الانتصار له مع إجلال للأئمة الثلاثة، إلا أنه
قد تعتريه الحدة الأفغانية والغيرة المذهبية، فينتقد الشافعية انتقاداً شديداً، ويتكلم عن الإمام البخاري
وجامعه، مع اعترافه بفضله واشتغاله بتدريسه.
وكان منهجه في تدريس الحديث منهجاً علمياً، هو أشبه بمنهج المحدثين منه بمنهج الفقهاء، يذكر
المذاهب، ويذكر أدلتها وما يحتج به أصحابها من الحديث، ولا يقصر في ذلك، ثم يحاكم فيها محاكمة
مبنية على علم الأصول والرجال، أكثر من الدلائل المنطقية والتعليلات العقلية، وكان طريقه في ذلك
طريق العلامة محمد بن علي الشوكاني في نيل الأوطار وكان من أشياخ أشياخه، وكان مؤثراً لكتب
علماء اليمن كالعلامة السيد محمد بن إبراهيم الوزير، والأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني، والعلامة
المقبلي وغيرهم، وكان مع انتصاره للمذهب الحنفي كثير العطف على تلامذته من أهل الحديث،
شديد الود لأصدقائه الذين يذهبون هذا المذهب.
وكان غاية في التواضع، ولين العريكة ومجاراة الطلبة والفقراء، لا يتميز عنهم بشيء، ولا يترفع
بعلم أو زهد، يؤانسهم ويستأنس بهم ويشاركهم في أشغالهم، كان مع ذلك شديد الغيرة، أبي النفس
يثور إذا شعر بإهانة لنفسه أو استخفاف لدينه، متخففاً في ملابسه، ملتزماً للعمامة على الطريقة
الأفغانية، وكان ربع القامة، أحمر اللون، منور الشبيه، تلوح على وجهه آثار السهر والعبادة، من رآه
أجله وأحبه.
له رسائل قليلة في بعض المسائل الخلافية، منها: جزء في رفع اليدين، وجزء في بحث الصاع،
وجزء في مسألة الحجاب الشرعي.
كانت وفاته في الخامس عشر من جمادى الأولى سنة إحدى وستين وثلاثمائة وألف، ودفن في
المقبرة المعروفة بموتي باغ بطوك.(8/1219)
الحكيم حيدر حسين اللكهنوي
الشيخ الفاضل حيدر حسين.... اللكهنوي أحد العلماء المبرزين في العلوم الأدبية والصناعة الطبية،
ولد ونشأ بلكهنؤ، وقرأ العلم على المفتي عباس بن علي التستري وعلى غيره من العلماء، ثم لازم
الحكيم مظفر حسين اللكهنوي وأخذ عنه الصناعة الطبية، ثم ولي بدار الشفاء السلطاني بمدينة لكهنؤ،
وله مكارم وفضائل، وحسن خلق واشتغال بالعلوم والعبادات.
ومن شعره قوله يمدح به الحكيم مظفر حسين:
لأستاذي مناقب لست أحصى عسير جمعها في غير ذاته
مجيد ماجد فذ فريد بري عن عديل في صفاته
وهل أحد يدانيه لطب فذلك خير من هم من ولاته
مسيح ابن المسيح مليك حذق شفاء الداء أدنى معجزاته
فرب أدمه مقرونا بعز وزد بمزيد فضلك في حياته
ومن قوله ما كتب إلى السيد مهدي المصطفى آبادي:
من مبلغ عني سلام وداد خدناً صديقاً ساكناً بفؤادي
ملك الفؤاد وداده وفراقه أورى ضرام الوجد في الأكباد
أرجو إلهي أن ييسر وصله فلقاه أشهى مقصدي ووداد
ومن قوله ما كتب إليه:
يا حبذا أرق لطيف جاءني من عندكم غب الزمان الأطول
واها لرق كامل في حسنه كصفيحة البدر المنير الأكمل
بوروده قد زال ما قاسيته في بينكم من حسرة وتململ
الشيخ حيدر علي الجاندباري
الشيخ الفاضل حيدر عل بن بدل الجاندباري أحد العلماء الصالحين، ولد ونشأ بجاندبار قرية من
أعمال أعظم كده، وقرأ العلم على مولانا سلامة الله الجيراجبوري والشيخ المحدث عبد الله بن عبد
الرحيم الغازيبوري والشيخ شكر الله السرحدي وعلى غيرهم من العلماء، ثم سافر إلى دهلي وأخذ
الحديث عن عن شيخنا العلامة نذير حسين الدهلوي، ثم ولي التدريس في المدرسة المحمدية
بدانابور، ومن مصنفاته ضرب الختام في الرد على ظل الغمام، والحجة الساطعة في شرح الزبدة،
والموعظة الحسنة، وإطفاء الشرور.
السيد حيدر علي الرضوي
كان عالماً مجتهداً من علماء الشيعة، قرأ العلم على والده، وعلى المولوي تراب علي السني: وقرأ
الفقه وزبدة الأصول وتهذيب الأصول ومسلم الثبوت على المولوي أحمد علي المحمد آبادي، والأدب
على المفتي محمد عباس التستري اللكهنوي، وكان من أخص تلامذته، عينه النواب لطف علي خان
البتنوي إماماً للجمعة والجماعة عنده، ومكث هناك سنين، وكان يقضي نصف السنة في لكهنؤ
ونصفها في بتنه ودرس في المدرسة الإيمانية بلكهنؤ متطوعاً، وكان موصوفاً بالتورع والزهد
والعبادة.
كان عالي الكعب في المعقول والمنقول، له اليد الطولى في الشعر والأدب، وله من المصنفات
الحواشي على الصدرا بالعربية، وحاشية على شرح السلم بحمد الله، وحاشية على شرح السلم للملا
حسن، وشرح زبدة الأصول، وحاشية على شرح اللغة، وديوان شعر بالعربية ومجموع في الإنشاء
العربي.
ومن شعره ما كتب إلى المفتي عباس:(8/1220)
أسرت بسجن البعد في دار غربة به رق لي إنسان عيني باكيا
أقلب جنبي في المضاجع كربة بدمع سكيب أحمر اللون قانيا
أحس بصدري نار وجد تأججت نوائرها قد كاد تحرق باليا
ولكن جرى العين كالعين في النوى لأطفي ضراماً أوقدت بفؤاديا
وكلت إلى الله أموري جميعها رضيت به فليقض ما كان قاضيا
كفاني دنوي من مراحمه وإن أبت بقلي دهري عن الأهل نائيا
وثوقي بمن عم البرايا نواله ويدنو إلى من قد نأى عنه عاصيا
فربي كفيلي في رجائي وشدتي يجيب دعائي لا يخيب راجيا
ألا دمت للدين المبين مؤيدا مدى يبتغي أهل الوداد التلاقيا
بمن حبهم فرض على كل عاقل وذكرهم الأسنى يزين النواديا
عليهم سلام الله ما طار طائر فلاذ بأغصان الحدائق شاديا
مات لعشر بقين من المحرم سنة اثنتين وثلاثمائة وألف في لكهنؤ، كما في تذكرة بي بها، للمولوي
محمد حسين النوكانوي.
حرف الخاء
الشيخ خليل بن محمد اليماني
الشيخ الفاضل خليل بن محمد بن حسين بن محسن السبعي الأنصاري اليماني ثم المالوي أحد
الأذكياء، ولد في بهوبال سنة أربع وثلاثمائة وألف، ونشأ بها وحفظ القرآن، واشتغل على والده مدة
طويلة وتعلم في دار العلوم التابعة لندوة العلماء، ونال الشهادة منها ثم أخذ الحديث عن شيخنا السيد
أمير علي الحسيني اللكهنوي، ولازم مدة حتى برع في الفنون الأدبية، ثم ولي التدريس في المدرسة
العالية بكلكته، وحاز إعجاب الطلبة، وثقة رحال الإدارة بملكته الراسخة في التعليم، واقتداره على
اللغة العربية وآدابها بحكم أصله العربي وذوقه الأدبي، ثم انتقل إلى جامعة ذهاكه ومكث مدة يدرس
ويفيد، حتى عين أستاذاً في جامعة لكهنؤ في ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة وألف، ومكث
بها أربع عشرة سنة، ينفع الطلبة ويرشدهم، ويحبب إليهم لغة القرآن، ويحثهم على دراستها وإتقانها،
مخلصاً في عمله، مشمراً في ذلك عن ساق الجد والاجتهاد، محبباً إلى الطلبة بحسن إلقائه للدروس،
ومبالغته في النصح، وسماحة نفسه وبعدها عن التكلف، مكرماً في الأساتذة ورجال الإدارة بجده
واجتهاده، وإخلاصه لمهنته، ودماثة خلقه وتواضعه، قد حبب إليهم العرب واللغة العربية، والأخلاق
الإسلامية، يألفه ويجله الوثنيون والإنجليز كما يألفه ويجله المسلمون، وهو في خلال ذلك يسعى في
نشر اللغة العربية، والدعوة الإسلامية في البلد، يعلم أبناء البيوتات محتسباً متطوعاً، ويفتح أذهانهم
لعقيدة التوحيد وحب السنة، ويستميل قلوبهم لتعلم اللغة العربية، فانتفع به عدد كبير، وكان بيته
مدرسة غير نظامية يؤمها طلبة العلم من الأطراف، ويسكنها بعضهم وهو يعطف عليهم كالأب،
فكانت مدرسة أكثر نفعاً وإنتاجاً من الجامعة التي يدرس فيها، فتخرج منها أساتذة ومؤلفون، وعلماء
خدموا اللغة العربية والعوم الدينية، واستقام على ذلك بجد ونشاط حتى اعتلت صحته، فاعتزل الخدمة
في الجامعة في شعبان سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وألف، وحدث له بعض الحوادث التي كدرت
صفو حياته، وأثرت في صحته، فاعتكف في بيته في لكهنؤ أعواماً إلى أن سافر إلى مولده بهوبال
حيث اختير عضواً في مجلس العلماء، ومعلماً لولي العهد، ولم ينقطع عن التعليم ونشر اللغة العربية،
والدعوة إلى الكتاب والسنة، إلى أن انتقل إلى باكستان سنة تسع وستين وثلاثمائة وألف.
وله اشتغال بالعلوم ومهارة في التدريس، ونجابة(8/1221)
كاملة وذهن وقاد وفكر نقاد، إلى إدراك الحقائق
منقاد وكان رقيق الذوق، أبي النفس، كريم الأخلاق، له قدم راسخة في علوم البلاغة وآداب اللغة
العربية، وطبع أصيل في الشعر والأدب، يعرف جيده من رديه، وصحيحه من سقيمه، كان إذا أنشد
شعراً حسناً من أشعار الأوائل، جاشت نفسه، وترنحت عواطفه، وعلا صوته، فكأنك بعكاظ أو ذي
المجنة وكان رقيق القلب، يمني الفطرة، إذا قرأ القرآن ذرفت عيناه، واختنق صوته، وكانت له ملكة
راسخة في تعليم اللغة العربية وتسهيلها، وتحبيبها إلى النفوس، وكان له منهج مبتكر في تعليم مبادي
العربية وآدابها في الهند، وكان يرجح كتب المتقدمين والأوائل على كتب المتأخرين في الأدب
العربي وعلوم البلاغة، وقد انتشرت بسعيه كتب كثيرة لم يألفها أهل الهند، وقبلتها الأوساط العلمية
والحلقات المدرسية، وكان له شغف عظيم بالدعوة إلى الإسلام ونشر فضائله، وتصلب في عقيدة
التوحيد، وقد نشأ فيه في آخر عمره غلو في نبذ التقليد، والأخذ من الكتاب والسنة رأساً.
كان مربوعاً من الرجال، مائلاً إلى القصر، شديد السمرة، عريض الجبهة، واسع العينين، سريع
الخطى، جهوري الصوت، واضح النبرات.
حج حجة الإسلام سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وألف، وحج وزار بعد ذلك مراراً، ولم يكن له
اشتغال بالتأليف، وليست له إلا رسائل صغيرة في مبادي اللغة العربية وقواعدها.
مات لتسع خلون من جمادى الأولى سنة ست وثمانين وثلاثمائة وألف.
مولانا خليل أحمد السنبهلي
الشيخ الفاضل خليل أحمد بن سراج أحمد الإسرائيلي الحنفي السنبهلي أحد العلماء المشهورين في
الهند، قرأ العلم على مولانا فيض الحسن السهارنبوري وعلى غيره من العلماء، ثم ولي التدريس
بمدرسة العلوم في عليكده، وله مكارم وفضائل وحسن خلق، واشتغال بالعلوم مع قناعة وعفاف، ومن
مصنفاته آيات الله الكاملة ترجمة حجة الله البالغة.
مات لخمس بقين من جمادى الأولى سنة أربعين وثلاثمائة وألف.
مولانا خليل أحمد الأنبيلهوي السهارن بوري
الشيخ العالم الفقيه خليل أحمد بن مجيد علي بن أحمد علي بن قطب علي بن غلام محمد الأنصاري
الحنفي الأنبيثهوي أحد العلماء الصالحين وكبار الفقهاء والمحدثين.
ولد في أواخر صفر سنة تسع وستين ومائتين وألف في خئولته في قرية نانوته من أعمال سهارنبور
ونشأ ببلدة انبيثهه من أعمال سهارنبور، وقرأ العلم على خاله الشيخ يعقوب بن مملوك العلي
النانوتوي والشيخ محمد مظهر النانوتوي وعلى غيره من العلماء في المدرسة العربية بديوبند، وفي
مظاهر العلوم بسهارن بور، والعلوم الأدبية على الشيخ فيض الحسن السهارنفوري، في لاهور قرأ
فاتحة الفراغ في سنة ثمان وثمانين ومائتين وألف، وعين أستاذاً مساعداً معين المدرسين في مظاهر
العلوم، وأقام مدة في بهوبال وسكندرآباد وبهاولبور وبريلي يدرس ويفيد، إلى أن اختير أستاذاً في دار
العلوم بديوبند في سنة ثمان وثلاثمائة وألف، ومكث ست سنين، ثم انتقل إلى مظاهر العلوم في سنة
أربع عشرة وثلاثمائة وألف، وتولى رئاسة التدريس فيها، واستقام على ذلك أكثر من ثلاثين سنة
منصرفاً إليهم انصرافاً كلياً، وتولى نظارتها سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وألف، وصرف همته إليها
ونالت به المدرسة القبول العظيم، وطبقت شهرتها أرجاء الهند، وأصبحت تضارع دار العلوم في
العلوم الدينية، والمكانة العلمية، وأمها الطلبة من الآفاق، إلى أن غادرها في سنة أربع وأربعين إلى
الحرمين الشريفين فلم يرجع إليها.
وكان قد بايع الشيخ الإمام العلامة رشيد أحمد الكنكوهي بعد ما فرغ من التحصيل واختص به،
وسعد بالحج والزيارة سنة سبع وتسعين ومائتين وألف، ولقي بمكة الشيخ الأجل الحاج إمداد الله
المهاجر، فأكرم وفادته، وخصه بالعناية، وأجازه في الطرق، ورجع إلى الهند، فأجازه الشيخ الإمام
العلامة رشيد أحمد الكنكوهي، واختص به الشيخ خليل أحمد اختصاصاً(8/1222)
عظيماً، وانتفع به انتفاعاً
كبيراً، حتى أصبح من أخص أصحابه، وأكبر خلفائه، ومن كبار الحاملين لعلومه وبركاته والناشرين
لطريقته ودعوته.
وكان قد درس الحديث دراسة إتقان وتدبر، وحصلت له الإجازة عن كبار المشايخ والمسندين كالشيخ
محمد مظهر النانوتوي والشيخ عبد القيوم البرهانوي، والشيخ أحمد دحلان مفتي الشافعية، والشيخ
عبد الغني بن أبي سعيد المجددي المهاجر، والسيد أحمد البرزنجي، وعني بالحديث عناية عظيمة
تدريساً وتأليفاً، ومطالعة وتحقيقاً، وكان من أعظم أمانيه أن يشرح سنن أبي داود، فبدأ في تأليفه سنة
خمس وثلاثين وثلاثمائة وألف، يساعده في ذلك تلميذه البار الشيخ محمد زكريا بن يحيى الكاندهلوي،
وانصرف إلى ذلك بكل همته وقواه، وعكف على جمع المواد وتهذيبها وإملائها، لا لذة له، ولا هم في
غيره، وأكب على ذلك إلى أن سافر إلى الحجاز السفر الأخير في سنة أربع وأربعين وثلاثمائة
وألف، ودخل المدينة في منتصف المحرم سنة خمس وأربعين، وانقطع إلى تكميل الكتاب حتى انتهى
منه في شعبان سنة خمس وأربعين، وتم الكتاب في خمسة مجلدات كبار، وقد صب فيه الشيخ مهجة
نفسه، وعصارة علمه، وحصيلة دراسته، وقد أجهد قواه، وأرهق نفسه في المطالعة والتأليف، والعبادة
والتلاوة، والمجاهدة والمراقبة، حتى اعتراه الضعف المضني، وقل غذاؤه، وغلب عليه الانقطاع،
وحبب إليه الخلاء، والشوق إلى اللقاء، يصرف أكثر أوقاته في تلاوة القرآن، ويحضر الصلوات في
المسجد الشريف، بشق النفس، وقد ودع تلاميذه، وخاصة أصحابه للهند، وبقي في جوار النبي صلى
الله عليه وآله وسلم نزيل المدينة وحلس الدار، مشغول الجسم بالعبادة والذكر مربوط القلب بالله
ورسوله، منقطعاً عما سواه حتى أجاب داعي الله في المدينة المنورة.
كان الشيخ خليل أحمد له الملكة القوية، والمشاركة الجيدة في الفقه والحديث، واليد الطولى في الجدل
والخلاف، والرسوخ التام في علوم الدين، والمعرفة واليقين، وكانت له قدم راسخة، وباع طويل في
إرشاد الطالبين، والدلالة على معالم الرشد ومنازل السلوك، والتبصر في غوامض الطريق وغوائل
النفوس، صاحب نسبة قوية، وإفاضات قدسية، وجذبة إلهية، نفع الله به خلقاً كثيراً، وخرج على يده
جمعاً من العلماء والمشايخ، ونبغت بتربيته جماعة من أهل التربية والإرشاد، وأجرى على يدهم
الخير الكثير في الهند وغيرها في نشر العلوم الدينية، وتصحيح العقائد وتربية النفوس، والدعوة
والإصلاح، من أجلهم المصلح الكبير الشيخ محمد إلياس بن إسماعيل الكاندهلوي الدهلوي صاحب
الدعوة المشهورة المنتشرة في العالم، والمحدث الجليل الشيخ محمد زكريا ابن يحيى الكاندهلوي
السهارنفوري صاحب أوجز المسالك ولامع الدراري والمؤلفات المقبولة الكثيرة، والشيخ عاشق إلهي
الميرتهلي وغيرهم.
كان جميلاً وسيماً، مربوع القامة مائلاً إلى الطول، أبيض اللون، يغلب في الحمرة، نحيف الجسم
ناعم البشرة، أزهر الجبين دائم البشر، خفيف شعر العارضين، يحب النظافة والأناقة، جميل الملبس
نظيف الأثواب في غير تكلف أو إسراف، وكان رقيق الشعر ذكي الحس، صادعاً بالحق صريحاً في
الكلام في غير جفاء، شديد الاتباع للسنة، نفوراً عن البدعة، كثير الإكرام للضيوف، عظيم الرفق
بأصحابه، يحب الترتيب والنظام في كل شيء والمواظبة على الأوقات، مشتغلاً بخاصة نفسه وبما
ينفع في الدين متنحياً عن السياسة مع الاهتمام بأمور المسلمين، والحمية والغيرة في الدين، حج سبع
مرات، آخرها في شوال سنة أربع وأربعين من الهجرة.
له من المصنفات: المهند على المفند، وإتمام النعم على تبويب الحكم ومطرقة الكرامة على مرآة
الإمامة، وهدايات الرشيد إلى إفحام العنيد، كلاهما في الرد على الشيعة الإمامية، وبذل المجهود في
شرح سنن أبي داود.
كانت وفاته بعد العصر من يوم الأربعاء في السادس عشر من ربيع الآخر سنة ست وأربعين
وثلاثمائة وألف في المدينة المنورة، وشيعت جنازته في جمع عظيم، ورؤيت له رؤى صالحة، ودفن
في البقيع لدى مدفن أهل البيت.(8/1223)
مولانا خليل الرحمن الملتاني
الشيخ العالم الصالح خليل الرحمن بن خدا بخش اللاهوري ثم الملتاني أحد العلماء المتورعين، قرأ
النحو والعربية على المولوي قمر الدين والحافظ نور محمد المراد آبادي، والمنطق والحكمة على
المولوي عبد العزيز الأمروهوي والسيد أمير أحمد بن أمير حسن السهسواني والمولوي عبد الكريم
الرامبوري، وقرأ الفقه والحديث على مولانا أكبر على المحدث برامبور، ثم رجع إلى بلاده وسكن
بقرية من أعمال ملتان، وهو ممن يعمل بالحديث ولا يقلد أحداً من الأئمة.
مولانا خليل الرحمن الهزاروي
الشيخ العالم الفقيه خليل الرحمن الحنفي المسوالي الهزاروي أحد الفقهاء الحنفية، اشتغل بالعلم من
صغر سنه، وسافر إلى رامبور فقرأ المنطق والحكمة في المدرسة العالية على أساتذتها، ثم سافر إلى
ديوبند وأخذ الفقه والحديث على أساتذة المدرسة العربية، ثم رجع إلى بلاده وسكن بمسوال - بكسر
الميم وسكون السين المهملة - قرية من أعمال هزاره وهو يدرس ويفيد.
حرف الدال
القاضي دلاور علي الحيدر آبادي
الشيخ العالم الفقيه القاضي دلاور علي الحنفي الحيدر آبادي أحد القضاة المشهورين، ولد ونشأ
بحيدر آباد، وولي القضاء الأكبر بعد ما توفي صهره القاضي ذو الفقار على الحيدر آبادي سنة ستين
ومائتين وألف، واستقل به خمسين سنة.
مات في سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف بحيدر آباد.
القاضي دوست محمد الطوكي
الشيخ الفاضل العلامة دوست محمد بن محمد أمير الحنفي الأفغاني الكابلي ثم الطوكي أحد كبار
العلماء، ولد ونشأ بمدينة كابل وقرأ العلم على أساتذة بلاده، ثم دخل الهند ولازم المفتي نعمة الله بن
نور الله الأنصاري اللكهنوي وأخذ عنه الهيئة والهندسة من الفنون الرياضية وغيرها، ثم سار إلى
مرادآباد وأخذ الحديث عن السيد عالم علي الحسيني النكينوي وصحبه مدة وقرأ عليه الصحاح
والسنن، ثم تصدر للتدريس بمدينة أكبر آباد ودرس بها مدة طويلة، ثم دخل طوك وتزوج بها، وولي
القضاء الأكبر، لقيته بمدينة لكهنؤ حين وفد علي للاستفتاء.
وكان فاضلاً جيداً، علامة في العلوم الحكمية، وله مشاركة جيدة في الفقه والأصول والكلام.
ومن مصنفاته حاشية على شرح هداية الحكمة، وعين الإصابة في رفع السبابة، وله كتاب بسيط في
إثبات عصمة الأنبياء بالعربية.
توفي لأربع خلون من شوال سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وألف ببلدة طوك.
حرف الذال
المولوي ذكاء الله الدهلوي
الشيخ الفاضل المعمر ذكاء الله بن ثناء الله الدهلوي صاحب المصنفات المشهورة، ولد بدهلي سنة
ثمان وأربعين ومائتين وألف ونشأ بها، واشتغل بالعلم على أساتذة عصره بكلية دهلي، ونال الفضل
والكمال في العلوم الرياضية، فولي التدريس في كلية حكومية سنة ثمان وستين ومائتين وألف، ونقل
إلى إله آباد بعد مدة، وأحيل إلى المعاش من كلية إله آباد، فسكن بدهلي وأفرغ أوقاته للتصنيف
والترجمة ونقل الكتب الإنكليزية والفارسية إلى أردو، ولم يكن في زمانه من يدانيه في كثرة
المصنفات، وله في الفنون الرياضية والتاريخ والسير مائة وستون كتاباً وقد ذكر في بعض مقالاته
أنه سطر بقلمه اثنين وخمسين ألفاً من الصفحات منها تاريخ الهند في أربعة عشر مجلداً، وآثين
قيصري، وعروج سلطنت انكلشية در هند في ذكر ارتقاء الحكومة الإنكليزية في الهند في أدوار
مختلفة، والكتاب في عدة أجزاء، وسوانح ملكة وكتوريه وفلسفة الأمثال ومنتخب الأمثال، ومحاسن
الأخلاق، ومحاربات(8/1224)
عظيم وترجم عدداً كبيراً من الكتب، منها أصول الهندسة، وكتاب في الجبر
والمقابلة، وحساب الكليات، وله غير ذلك من المؤلفات والتراجم.
مات سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وألف بدهلي.
مولانا ذو الفقار أحمد المالوي
الشيخ الفاضل الكبر ذو الفقار أحمد بن همت علي بن شاه ولي بن شاه عالم الحسيني النقوي
السارنكبوري ثم البهوبالي المالوي أحد كبار العلماء.
ولد لثمان بقين من صفر سنة اثنتين وستين ومائتين وألف بمدينة بهوبال، وقرأ العلم على المولوي
عبد الله، والمولوي جان محمد، والمفتي أحمد كل، والحكيم معز الدين، وشيخنا العلامة عبد الحق بن
محمد أعظم الكابلي، وشيخنا وبركتنا حسين بن محسن السبعي الأنصاري، والشيخ المحدث عبد
القيوم بن عبد الحي الصديقي البرهانوي وعلى غيرهم من العلماء في بهوبال ووفق للحج والزيارة
مرتين، وأدرك كبار المشايخ بمكة المباركة، وأخذ عنهم كالشيخ المهاجر يعقوب بن محمد أفضل
العمري الدهلوي، والشيخ محمد بن عبد الرحمن الأنصاري السهارنبوري، والسيد شريف محمد بن
ناصر الحازمي - والسيد أحمد بن زيني دحلان الشافعي المكي، فبلغ من العلم والكمال مبلغ الرجال
- وقربه نواب صديق حسن القنوجي إلى نفسه - وأدناه وأهله بالعناية والقبول - وكان يحبه حباً
مفرطاً.
وله مصنفات، منها المبتكر في المؤنث والمذكر، كتاب أجمع ما في الباب، وطي الفراسخ في منازل
البرازخ، والروض الممطر في تراجم علماء شرح الصدور، ومحاسن المحسنين في حكايات
الصالحين.
وله أبيات رقيقة رائقة بالعربية، منها قوله في دار بناها ملكة بهوبال:
لله دار ما أجل بناءها أكرم بها من منزل معطار
تلك القناديل التي فيها ترى شهب السماء تلوح للأنظار
منها نفائس ما رأت عين ولا سمعت بها أذن مدى الأعصار
وله:
رقع وما ربع منازل عشرة ناد وما ناد معاهد عزة
لا زال في عيش رغيد من بنى ونباهة وسخاوة وكرامة
مات لتسع بقين من محرم سنة أربعين وثلاثمائة وألف، ببلدة بهوبال.
مولانا ذو الفقار علي الديوبندي
الشيخ الفاضل ذو الفقار علي بن فتح علي الحنفي الديوبندي أحد العلماء المشهورين في الفنون
الأدبية.
ولد ونشأ بديوبند، وسافر للعلم إلى دهلي، فقرأ الكتب الدرسية على مولانا مملوك العلي النانوتوي
والمفتي صدر الدين الدهلوي، ولازمهما ملازمة طويلة، حتى برع وفاق أقرانه في المعاني والبيان
والنحو وقرض الشعر، وقلد تفتيش المدارس الابتدائية من تلقاء الحكومة، فاستمر على ذلك سنين
وأحيل إلى المعاش، لقيته بديوبند فوجدته حبراً ماهراً بالفنون الأدبية بين الكهولة والشيخوخة.
ومن مصنفاته شرح ديوان الحماسة، وشرح ديوان المتنبي، وشرح السبع المعلقات وكتاب في
البلاغة، كلها بالأردو، وله غير ذلك من المصنفات، ومن شعره قوله من قصيدة يمدح بها السلطان
عبد الحميد الثاني ملك الدولة العثمانية:
يا قاسي القلب يا من لج في عذلي إليك عني فإني عنك في شغل
وكيف تعرف حال المستهام أيا من لم تصبه سهام الأعين النجل
نام الخليون في خفض وفي دعة وقد أرقت بدمع سائل همل(8/1225)
قد صادني عرضاً روسية غنيت بحسنها عن جمال الحلي والحلل
سفاكة وحياة العاشقين بها فتاكة وهي مع ذا مرهم العلل
هيفاء ضامرة لعساء غادرة بيضاء ساحرة بالغنج والكحل
كالشمس تبدو جهاراً غير خافية ولا تستر بالأستار والكلل
رنت إلي بعيني جوذر فغدا قلبي جريحاً بجرح غير مندمل
فيا بني الأصفر التزوير شيمتكم تلقيكم خودكم في الشر والغيل
قولوا لها الآن إن شئتم فلا حكم أن صبك المبتلي لا تهجري وصلي
إن لم تتب من جفاها قد عزمت على أن أستغيث بسلطان الورى البطل
عبد الحميد أمان الخائفين مبي د الظالمين سديد القول والعمل
كهف الأنام مغيث المستضام له إفى أقاصي المعالي أقرب السبل
العادل الباذل المرهوب سطوته في الجود كالبحر بل كالعارض الهطل
غوث الورى خادم الحرمين معتصم ال مكروب غيث الندى يهمي بلا مطل
شهم همام أمير المؤمنين وسلطا ن السلاطين نجل السادة الأول
رأس الكماة إمام للغزاة ومقدا م الحماة لدين أشرف الملل
غشمشم ندس قرم أخي ثقة ماضي العزيمة من خمر العلى ثمل
لله جيشك أبطال النزال ومن في الكر كالليث في التمكين كالجبل
أبناء حرب قتال العلج بغيتهم آساد حرب لهم غاب من الأسل
الخائضون غمار الموت من طرب والقاهرون على الأقيال والبسل
قضوا حقوق المعالي بالسلاهب وال بيض القواضب والعتالة الذبل
عبد الكريم عظيم الجيش يقدمهم ثبت الجنان قوي القلب في الجلل
النصر يقدمه والفتح يخدمه والله يحميه من زلل ومن خلل
يا آل عثمان ويا فخر الكرام ويا خير الأنام لانتم منتهى أملي
صدي الملوك صناديد القروم أما ثيل السلاطين في الإعطاء كالنبل
جزاكم ربكم خير الجزاء عن الا سلام إذ قد نصرتم سيد الرسل
أغناكم الله بالنصر المبين لكم عن الإعانة بالأنصار والخول
ولو دعوتم أولي التقوى لخدمتكم لباكم الكل من حاف ومنتعل
من كل مصطدم لله منتقم ليث الوغى غير هياب ولا وكل
سلوا سيوفكم والله ناصركم على الطغاة من الأوغاد والسفل
حتام حلمكم يغريهم وإلى متى سيوفكم في الجفن والحلل
تباً لقوم بغوا كفراً بنعمتكم فأهلكوا لوبال المكر والدغل
فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم بين البلاقع والغابات والطلل
للهدم ما رفعوا للخرق ما رقعوا للنهب ما جمعوا بالزور والبخل(8/1226)
للسبي ما ولدوا للحرق ما حصدوا للسلب ما حشدوا بالغدر والدغل
لله دركم لله دركم إذ قد تداركتم العطشى على عجل
سقوا كؤوس الردى كرهاً وقد شربت طوعاً دماءهم الأسياف بالعلل
حماكم الله ما أمضى سيوفكم قطعتموهم وهم أكسى من البصل
يا أيها الملك الميمون طلعته أما ترى الرؤس في التزوير والحيل
وكيف دسوا وقد حثوا البغاة على ال غدر الشنيع فجوزوا الذل بالفشل
جاؤا لحربكم معهم فردهم ظبي سيوفكم بالويل والألل
لما رأوكم مدبرين ومخ ذولين ما اكترثوا بالأهل والثقل
فالكفر في خطر والدين في ظفر والروس في خجل والروم في جذل
أضحى سيوفهم أمسى مدافعهم في الغمد من عطل والحرس من صحل
يا بئس ما اقترحوه من وقاحتهم بدعاً فيأنف منه كل ذي نبل
وقد أصبتم إذا أعرضتم أنفاً عن قول كل سحيف الرأي مبتذل
أخزاهم الله ما أغباهم فنسوا قدماً هزيماتكم في الأعصر الأول
هذا وإذ جربوا فيكم مجربهم عادوا ندامى كما قد قيل في المثل
وقد دعاني إلى الإنشاد مجدكم فسرا فلست بأهل الشعر والغزل
أبقاكم الله في عز وفي شرف وفي علو وفي مجد وفي زعل
أعداؤكم في حضيض الذل من حيل أخبابكم من ذرى العلياء في قلل
بهاشمي كريم سيد سند هاد بشير نذير سيد الرسل
توفي سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وألف بديوبند.
حرف الراء
مولانا راغب الله الباني بتي
الشيخ العالم الصالح راغب الله بن محب الله الحنفي الباني بتي أحد الفقهاء الحنفية، ولد في السابع
عشر من رجب سنة تسع وستين ومائتين وألف، واشتغل بالعلم أياماً في بلدته، ثم سافر إلى
سهارنبور وقرأ على مولانا أحمد حسن الكانبوري والشيخ محمد مظهر والعلامة محمد قاسم
النانوتوي، ثم دخل عليكده ولازم المفتي لطف الله الكوئلي وقرأ أكثر الكتب الدرسية، ثم رجع إلى
بلدته وأخذ الحديث عن الشيخ عبد الرحمن بن محمد الأنصاري الباني بتي ولازمه زماناً، ثم ولي
التدريس في المدرسة العربية بباني بت.
لقيته سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف ببلدته فوجدته بين الكهولة والشيخوخة، عالماً متواضعاً كثير
الصمت، حسن الدل والسمت.
مولانا رحمان علي الناروي
الشيخ الفاضل رحمان علي بن شير علي الصديقي الحنفي الناروي أحد العلماء المشهورين، ولد يوم
الجمعة لليلتين خلتا من ذي الحجة سنة أربع وأربعين ومائتين وألف، وقرأ المختصرات على إخوته،
ثم دخل فتحبور، وقرأ على مولانا محمد شكور المجهلي شهري والشيخ ثابت علي البهكوي والفاضل
حسين علي الفتحبوري والمولوي عبد الله الزيد بوري، ثم سافر إلى بانده وقرأ على مولانا سلامة الله
الكانبوري، ثم أسند الحديث عن عبد الرحمن بن محمد الأنصاري الباني بتي، وسار إلى بلدة ريوان
- بكسر الراء(8/1227)
المهملة - سنة سبع وستين ومائتين وألف، صحبة أخيه الشيخ أمان علي، وخدم
الحكومة مدة طويلة، حتى صار عضواً من أعضاء الحكومة سنة إحدى وسبعين ومائتين وألف،
ولقبته الدولة الإنكليزية خان بهادر سنة أربع وتسعين، وكان مديم الاشتغال بمطالعة الكتب النافعة
والتصنيف.
ومن مصنفاته أمنية الإسلام - بالعربي، وقد طبع بمصر القاهرة، ومنها تذكرة علماء الهند
بالفارسي، ومنها تحفة مقبول في الشمائل - بالأردو، وآداب أحمد في السنن الزوائد، والطريقة
الحسنة في إثبات المولد والقيام، وكفارة الذنوب، ورياض الأمراء، ومنية اللبيب، وطب رحماني،
وصحت جسماني، ونخبة البحرين.
مات سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وألف.
مولانا رحمة الله السورتي
الشيخ الفاضل رحمة الله بن أحمد الله بن رحمة الله اللاجبوري السورتي أحد العلماء المبرزين في
الفنون الأدبية، ولد ونشأ بمدينة سورت، وسافر للعلم إلى بلاد الهند وقرأ على أساتذة عصره، وأخذ
الحديث بمدينة بهوبال عن شيخنا المحدث حسين بن محسن السبعي الأنصاري اليماني والقاضي
محمد بن عبد العزيز الجعفري المجهلي شهري وغيرهما، ثم رجع إلى بلدته وولي التدريس بمدرسة
الحاج إسماعيل أشرف السورتي براندير، له ترتيب المسائل على أقوى الدلائل وتحقيق المسائل من
عمدة الوسائل وسبع سنابل في تصريح المسائل وتلك عشرة كاملة وكحل العينين في ترك رفع اليدين
وهداية البرايا في أحكام الضحايا كلها في أردو.
توفي في عاشر جمادى الأولى سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة وألف.
مولانا رحمة الله الكيرانوي
الشيخ الفاضل العلامة رحمة الله بن خليل الله بن نجيب الله بن حبيب الله ابن عبد الرحيم بن قطب
الدين العثماني الكيرانوي من نسل الشيخ الكبير جلال الدين العثماني الباني بتي.
كان من العلماء المبرزين في الكلام والمناظرة، ولد في جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين
وألف بكيرانه - بكسر الكاف - قرية جامعة من أعمال مظفر نكر ونشأ بها، واشتغل بالعلم أياماً في
بلدته، ثم سافر إلى دهلي وقرأ العلوم المتعارفة على الشيخ عبد الرحمن الأعمى وشيخه محمد حياة،
ولازمهما مدة طويلة حتى أتقنها، ودرس وأفتى، وله ذكاء مفرط لم يكن في زمانه مثله، وله المقالات
التي طال بينه وبين أهل عصره من علماء النصارى البحث فيها، واضطرب بسببه للخروج من
الهند، فسار إلى الحجاز وأقام بمكة المباركة.
وقصة مناظرته بأحبار النصارى أن الدولة الإنكليزية لما تسلطت على أرض الهند تسلطاً قوياً لم
يظهروا دعوة الناس إلى ديانتهم بوسيلة علمائهم إلى ثلاث وأربعين سنة، وبعدها أخذوا في الدعوة
وكانوا يتدرجون فيها، حتى ألفوا الرسائل والكتب في الرد على أهل الإسلام، وقسموها في الأمصار،
وشرعوا في الوعظ في الأسواق ومجامع الناس، والمسلمون كانوا متنفرين عن استماع وعظهم
ومطالعة رسائلهم إلى مدة، فلم يلتفت أحد من علماء الهند إلى الرد على تلك الرسائل، لكن تطرق
الوهن بعد مدة في العوام، وخاف العلماء زلتهم، فتوجهوا إلى النظر في مصنفاتهم، وقاموا ببيان
الحق، فصنف السيد آل حسن الرضوي الموهاني كتباً ورسائل وطلب رحمة الله صاحب الترجمة من
فندر القسيس صاحب ميزان الحق الذي كان أعلى القسوس كعباً في معرفة العلوم الإسلامية أن
يناظره بمحضر الناس ليتضح الحق، فأجاب ذلك في المسائل الخمسة التي هي أمهات المسائل بين
الفريقين، أعني التحريف والنسخ والتثليث، وحقيقة القرآن ونبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله
وسلم، فانعقد المجس العام بأكبر آباد في شهر رجب سنة سبعين ومائتين وألف، وكان الدكتور محمد
وزيرخان معيناً لصاحب ميزان الحق، فظهرت الغلبة لرحمة الله في مسألتي النسخ والتحريف، فلما
رأى ذلك صاحب الميزان سد باب المناظرة، ووقع في(8/1228)
عرض الشيخ رحمة الله ونفسه، فخرج من
الهند وسافر إلى مكة المباركة وأقام بمحلة الخندريسة، وصنف بها إظهار الحق بأمر السيد أحمد بن
زيني دحلان الشافعي المكي سنة ثمانين ومائتين وألف، شرع في تصنيفه لست عشرة خلون من
رجب، وفرغ منه في آخر ذي الحجة.
وقد أثنى على الكتاب وعلو مكانته كبار العلماء في الشرق العربي لميزات يمتاز بها هذا الكتاب
وكان الاقبال على هذا الكتاب كبيراً والعناية به عظيمة ونقل إلى اللغة التركية وقامت الحكومة
العثمانية بترجمة الكتاب في عدة لغات أوروبية، وفزعت له الأوساط النصرانية الأوربية، وجاء في
تعليق كبرى صحف انجلترا على هذا الكتاب.
لو دام الناس يقرءون هذا الكتاب لوقف تقدم المسيحية في العالم.
وألقى الرحل في مكة، وأسس المدرسة الصولتية في رمضان سنة تسعين ومائتين وألف، وبارك الله
فيها، ونفع بها خلقاً كثيراً، وتخرج فيها عدد كبر من العلماء والقضاة.
وله مصنفات أخرى بعضه بالفارسية وبعضها بالأردو، أشهرها إزالة الأوهام وإزالة الشكوك
وإعجاز عيسوي وأصح الأحاديث في إبطال التثليث وقد استدعاه السلطان عبد الحميد العثماني إلى
قسطنطينية وكلفه الإقامة لديه فلم يجبه، ورجع إلى مكة المباركة، وكان ذلك ثلاث مرات، الأولى سنة
ثمانين ومائتين وألف، والثانية سنة إحدى وثلاثمائة وألف، والثالثة سنة أربع وثلاثمائة وألف، وكانت
الأخيرة لعلاج نزول الماء والعملية الجراحية في العين، فأقام مدة عمره بمكة مفيداً مدرساً.
توفي لسبع بقين من رمضان سنة ثمان وثلاثمائة وألف، فدفن بالمعلاة.
مولانا رحمة الله اللكهنوي
الشيخ العالم الفقيه رحمة الله بن نور الله بن محمد ولي بن غلام مصطفى ابن محمد أسعد بن قطب
الدين السهالوي اللكهنوي أحد العلماء المشهورين، ولد ونشأ بلكهنؤ في فرنكي محل، ولازم أخاه
المفتي نعمة الله بن نور الله من صغر سنه، وقرأ عليه العلوم المتعارفة ثم رحل إلى غازيبور، وأسس
بها مدرسة بمساعدة أملها، وأدخل فيها اللغة الإنكليزية، فساعدته الحكومة، وكان رجلاً حازماً، شهماً
كريماً متواضعاً، يدرس ويفيد، لقيته بلكهنؤ عند قدومه لتعزية الشيخ عبد الحي بن عبد الحليم
الأنصاري اللكهنوي.
له شرح على ميزان الصرف، وعلى المنشعب، وعلى بنج كنج، وشرح على خلاصة الحساب
للعاملي، ورسالة في الفقه، ومجموع لفتاواه.
مات لسبع عشرة خلون من جمادى الأولى سنة خمس وثلاثمائة وألف ببلدة غازيبور.
الشيخ العلامة رشيد أحمد الكنكوهي
الشيخ الإمام العلامة المحدث رشيد أحمد بن هداية أحمد بن بير بخش ابن غلام حسن بن غلام علي
بن علي أكبر بن القاضي محمد أسلم الأنصاري الحنفي الرامبوري ثم الكنكوهي أحد العلماء المحققين
والفضلاء المدققين، لم يكن مثله في زمانه في الصدق والعفاف، والتوكل والتفقه، والشهامة، والإقدام
في المخاطر، والصلابة في الدين، والشدة في المذهب.
ولد لست خلون من ذي القعدة سنة أربع وأربعين ومائتين وألف، ببلدة كنكوه في بيت جده لأمه،
ونشأ بين خؤولته، وكان أصله من رامبور قرية جامعة من أعمال سهارنبور، وقرأ الرسائل الفارسية
على حاله محمد تقي، والمختصرات في النحو والصرف على المولوي محمد بخش الرامبوري، ثم
سافر إلى دهلي، وقرأ شيئاً من العربية على القاضي أحمد الدين الجهلمي، ثم لازم الشيخ مملوك
العلي النانوتوي وقرأ عليه أكثر الكتب الدرسية، وبعضها على المفتي صدر الدين الدهلوي، وقرأ
كتب الحديث والتفسير(8/1229)
أكثرها على الشيخ عبد الغني، وبعضها على صنوه الكبير أحمد سعيد بن أبي
سعيد العمري الدهلوي، حتى برع وفاق أقرانه في المعقول والمنقول، ورجع إلى كنكوه، وتزوج
بخديجة بنت خاله محمد تقي، ثم حفظ القرآن في سنة واحدة، ثم أخذ الطريقة عن الشيخ الأجل إمداد
الله بن محمد أمين العمري التهانوي ولازمه مدة، ثم تصدر للتدريس بكنكوه، واتهموه بالثورة
والخروج على الحكومة الإنكليزية سنة ست وسبعين ومائتين وألف، فأخذوه ثم حبسوه في السجن
ستة أشهر ببلدة نظفر نكر، ولما ظهرت براءته أطلقوه في الأسر، فاشتغل بالدرس والإفادة زماناً
يسيراً، ثم سافر إلى الحجاز بنفقة رجل من أهل رامبور سنة ثمانين ومائتين وألف، وكان شيخه إمداد
الله المذكور خرج من الهند قبل ذلك نحو سنة ست وسبعين فلقيه بمكة وحج حجة الإسلام، ثم سافر
إلى المدينة المنورة فزار ولقي شيخه عبد الغني، ثم رجع إلى الهند واشتغل بالدرس والإفادة زماناً،
وسافر إلى الحجاز مرة ثانية سنة أربع وتسعين في جماعة صالحة، منهم الشيخ محمد قاسم والشيخ
محمد مظهر والشيخ يعقوب والشيخ رفيع الدين، والشيخ محمود حسن الديوبندي، ومولانا أحمد حسن
الكانبوري وجمع آخرون، فحج عن أحد أبويه، ورحل إلى المدينة المنورة وأقام بها عشرين يوماً،
ولقي شيخه عبد الغني، ثم رجع إلى مكة وأقام بها شهراً كاملاً، واستفاض من شيخه إمداد الله، ثم
رجع إلى الهند ودرس وأفاد مدة بكنكوه، ثم سافر إلى الحجاز سنة تسع وتسعين فحج عن أحد أبويه،
وسار إلى مدينة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لقي شيوخه وعاد إلى الهند، ولازم بيته فلم يخرج منه
إلا مرة أو مرتين إلى ديوبند للنظر في شؤون المدرسة العربية بها.
وكان قبل سفر الحجاز في المرة الثالثة يقرىء في علوم عديدة من الفقه والأصول والكلام والحديث
والتفسير، وبعد العود من الحجاز في المرة الآخرة أفرغ أوقاته لدرس الصحاح الستة، والتزم أن
يدرسها في سنة واحدة، وكان يقرىء جامع الترمذي أولاً، ويبذل جهده فيه في تحقيق المتن والاسناد،
ودفع التعارض وترجيح أحد الجانبين، وتشييد المذاهب الحنفي، ثم يقرىء الكتب الأخرى سنن أبي
داود فصحيحي البخاري ومسلم فالنسائي وفابن ماجة سردا مع بحث قليل فيما يتعلق بالكتاب ولم تكن
له كثرة اشتغال بالتأليف.
وكانت أوقاته موزعة مضبوطة يحافظ عليها صيفاً وشتاء، فإذا صلى الفجر اشتغل بالذكر والفكر في
الخلوة حتى يتعالى النهار، ثم يتطوع ويقبل على الطلبة، وهم كبار العلماء والمحصلين، يدرسهم في
الفقه والحديث والتفسير، واقتصر في آخر عمره على تدريس الصحاح الستة، فلما كف بصره ترك
التدريس وتوسع في الإرشاد والتحقيق، وبعد أن ينتهي من التدريس، يشتغل بكتابة الرسائل والردود،
يجيب المستفتين، ولما عجز عن الكتابة لنزول الماء في عينيه وكل كتابة الرسائل وتحرير الفتاوي
إلى تلميذه النجيب الشيخ محمد يحيى بن إسماعيل الكاندهلوي، وكان يحرص على أن ينتهي من
كتابة الرسائل والفتاوي في يومها، فإذا انتهى من الكتابة تغدى وانصرف يقيل ويستريح، فإذا صلى
الظهر اشتغل بتلاوة القرآن من المصحف، وبعد ما كف بصره كان يتلو حفظاً، ثم اشتغل بالدروس
إلى العصر، وكان يجلس للعامة بين العصر والمغرب، فإذا صلى المغرب قام يتطوع، ثم ينصرف
إلى البيت ويكون مع عياله ويتعشى، فإذا صلى العشاء - وكان يؤخره غالباً - انصرف إلى فراشه
ينام ويستريح، وكان هذا دأبه على مر الأيام.
وكان آية باهرة ونعمة ظاهرة في التقوى، واتباع السنة النبوية والعمل بالعزيمة والاستقامة على
الشريعة، ورفض البدع ومحدثات الأمور ومحاربتها بكل طريق، والحرص على نشر السنة وإعلاء
شعائر الإسلام، والصدع بالحق وبيان الحكم الشرعي، ثم لا يبالي بما يتقاول فيه الناس، لا يقبل
تحريفاً، ولا يتحمل منكراً، ولا يعرف المحاباة والمداهنة في الدين، مع ما طبعه الله عليه من
التواضع والرفق واللين، دائراً مع الحق حيث ما دار يرجع عن قوله إذا تبين له الصواب، انتهت
إليه الإمامة في العلم والعمل ورئاسة تربية المريدين، وتزكية النفوس، والدعاء إلى الله وإحياء السنة
وإماتة البدع.
وقد رزقه الله من التلاميذ والخلفاء ما يندر وجود(8/1230)
أمثالهم في هذا العصر في الاستقامة على الدين،
واتباع الشريعة الغراء، ونشر العلم النافع، وإحياء السنن وإصلاح المسلمين، ونفع بهم خلائق لا
تحصى بحد وعد.
كان الشيخ معتدل القامة، متناسب الأعضاء، صدعاً في الجسم، عريض الجبهة، أزهر الجبين، أزج
الحاجبين، أنجل العينين في حياء، مستوى الأنف في شمم، كث اللحية، عريض ما بين المنكبين، له
صوت عال في رفق ووضوح، دائم البشر، فصيح اللسان، جميل اللحن، وكان غاية في ذكاء الحس،
ودقة الشعور، مقتصداً في حياته متوسطاً بين الإفراط والتفريط، يحب النظافة والأناقة، طارحاً
للتكلف، قد أرسل النفس على سجيتها.
ومن كبار خلفائه الشيخ خليل أحمد السهارنفوري والشيخ محمود حسن الديوبندي والشيخ عبد الرحيم
الرئي بوري والشيخ حسين أحمد الفيض آبادي، ومن أشهر تلاميذه الشيخ محمد يحيى الكاندهلوي
والشيخ ماجد علي المانوي والشيخ حسين علي ألواني وآخرون.
له مصنفات مختصرة قليلة، منها تصفية القلوب، وإمداد السلوك وهداية الشيعة، وزبدة المناسك
وهداية المعتدي، وسبيل الرشاد، والبراهين القاطعة في الرد على الأنوار الساطعة، للمولوي عبد
السميع الرامفوري طبع باسم الشيخ خليل أحمد السهارنفوري، وبعض رسائل في المسائل الخلافية
والرد على البدع، وقد جمع بعض أصحابه رسائله في مجموعة، وجمعت فتاواه في ثلاثة مجلدات.
وقد جمع تلميذه النجيب الشيخ محمد يحيى بن إسماعيل الكاندهلوي ما أفاد به في درسه لجامع
الترمذي، وطبع باسم الكوكب الدري ودون ما أفاده في درس الجامع الصحيح، ونشره الشيخ محمد
زكريا بن الشيخ محمد يحيى الكاندهلوي مع تعليقاته، وسماه لامع الدراري.
وإني لقيته سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف ببلدة كنكوه وسمعت عنه المسلسل بالأولية وإنه أجازني
ودعا لي بالبركة.
كانت وفاته يوم الجمعة بعد الأذان لثمان خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة
وألف.
مولانا رضا علي البنارسي
الشيخ العالم الفقيه رضا علي بن سخاوت علي بن إبراهيم بن عمر الحنفي البنارسي أحد العلماء
الصالحين، ولد لست عشرة خلون من صفر سنة ست وأربعين ومائتين وألف، وقرأ العلم على أساتذة
عصره، وحصل له الفراغ من تحصيل العلوم المتعارفة سنة اثنتين وستين ومائتين وألف، وسافر
للحج سنة خمس وسبعين ومائتين وألف، فحج وزار وأخذ الطريقة عن الشيخ أحمد سعيد بن أبي
سعيد العمري الدهلوي المهاجر إلى المدينة المنورة، ثم رجع إلى الهند، واشتغل بالتدريس والتذكير،
وانتهت إليه رئاسة الفتيا ببلدته.
له مصنفات، منها مظاهر الحق في إثبات عمل المولد والقيام ورغائب الألباب رسالة له في القراءة،
وله مجموع في المسائل الفقهية.
توفي لتسع بقين من شعبان سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف بمدينة بنارس.
حكيم رضى الدين الدهلوي
الشيخ الفاضل رضى الدين بن ظهير الدين بن غلام نجف العمري البدايوني ثم الدهلوي أحد
الأفاضل المشهورين في الصناعة الطبية، ولد ونشأ بدهلي، وقرأ العلم على المولوي بركات أحمد
الطوكي وعلى غيره من العلماء، ثم اشتغل بمداواة الناس وتدريس الكتب الطبية، وكان بيته بيت
العلم والحكمة منذ مدة طويلة فصار المرجع والمقصد في الصناعة، ولقبته الدولة الإنكليزية شفاء
الملك، ثم خان بهادر.
مات لسبع خلون من ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة وألف بدهلي.
مولانا رفيع الدين البهاري
الشيخ العالم المحدث رفيع الدين بن بهادر علي بن نعمة علي الصديقي الشكرانوي البهاري أحد
العلماء المشهورين.(8/1231)
ولد في سنة إحدى وستين ومائتين وألف، وقرأ العلم على مولانا محمد أحسن الكيلانوي، ثم سافر
إلى دهلي، وأخذ الحديث عن الشيخ المحدث نذير حسين الدهلوي وقرأ عليه الصحاح الستة ومؤطا
مالك وتفسير الجلالين مشاركاً للسيد شريف حسين بن نذير حسين، ثم سافر إلى أمرتسر وصحب
الشيخ الأجل عبد الله بن محمد أعظم الغزنوي، ولبث عنده ثمانية أشهر واستفاض منه فيوضاً كثيرة،
ثم سافر إلى الحجاز فحج وزار.
وله مكارم وفضائل، وأخلاق حسنة، بذل الأموال الطائلة في تحصيل الكتب النفيسة، واستنسخها
وجلبها من العرب والعراق، ولا يقلد أحداً من الأئمة، ويفتي بما يقوم عنده دليله، وله يد بيضاء في
التفسير، تفسير القرآن بالقرآن، ويدرسه كل يوم بمحضر للناس، ويدرس الحديث.
مات سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وألف.
المولوي رياست حسين
الشيخ الفاضل رياست حسين بن خورشيد علي الحنفي المنجهلي بوري الرائي بريلوي أحد العلماء
المشهورين، ولد ونشأ، وسافر للعلم فقرأ الكتب الدرسية في المدرسة السبحانية بإله آباد على المولوي
عبد الكافي الإله آبادي، وعلى غيره من العلماء، ثم أسس مدرسة ببلدتنا رائي بريلي، وسماها
المدرسة الرحمانية، وساهم في حركة الخلافة، واشتغل بالوعظ والإفتاء في بلدته.
مات في الثامن عشر من جمادى الآخرة سنة سبع وسبعين وثلاثمائة وألف.
الشيخ رياست علي الشاهجهانبوري
الشيخ العالم الفقيه رياست علي الحنفي الشاهجهانبوري أحد المشايخ النقشبندية، ولد ونشأ
بشاهجهانبور، وقرأ بعض الكتب الدرسية على علماء بلدته، ثم سافر إلى رامبور ولازم الشيخ إرشاد
حسين العمري النقشبندي، وقرأ عليه الفقه والأصول والكلام والمنطق والحكمة، ثم أخذ عنه الطريقة
وصحبه زماناً، ثم رجع إلى بلدته وعكف على الدرس والإفادة.
له مصنفات كثيرة، منها الزلالين شرح الجلالين، ولباب التنزيل في حل مشكلات القرآن، كلاهما
في التفسير.
مات لسبع بقين من ربيع الثاني، سنة تسع وأربعين وثلاثمائة وألف.
حرف الزاي
السيد زين العابدين المحمد آبادي
الشيخ الفاضل زين العابدين بن حسين بخش الحسيني الشيعي المحمد آبادي أحد العلماء المبرزين
في الصناعة الطبية، ولد بمحمد آباد بلدة من أعمال أعظمكده سنة ثمان وعشرين ومائتين وألف، وقرأ
الكتب الدرسية على المولوي على أظهر الشيعي نظام آبادي، ثم سافر إلى لكهنؤ وقرأ الكتب الطبية
على الحكيم مرزا علي جان اللكهنوي ولازمه مدة، ثم رجع إلى بلدته واشتغل بمداواة الناس، وكان
مرزوق القبول، حسن المعالجة.
مات سنة ست وثلاثمائة وألف بمحمد آباد.
حرف السين
السيد سبط أحمد السهسواني
الشيخ الفاضل سبط أحمد بن أولاد أحمد بن آل أحمد الحسيني النقوي السهسواني أحد العلماء
المبرزين في الفنون الأدبية، ولد ونشأ بسهسوان، وقرأ العلم على العلامة أمير حسن الحسيني
السهسواني، ولازمه مدة طويلة، ثم سافر إلى بهوبال وتقرب إلى نواب صديق حسن الحسيني
البخاري.
وكان صالحاً، متين الديانة، حسن العقيدة، سافر إلى الحجاز فحج وزار، ورجع إلى بهوبال، له
مصنفات، منها إعلاء كلمة الحق في نصر السنة.
مات سنة سبع وثلاثمائة وألف بآسته.
السيد سبط حسين اللكهنوي
الشيخ الفاضل سبط حسين بن رمضان علي(8/1232)
الحسيني السبزواري الجائسي ثم اللكهنوي، سبط السيد
بنده حسين بن محمد بن دلدار علي الشيعي المجتهد، ولد ونشأ ببلدة لكهنؤ، وقرأ الكتب الدرسية في
المعقول والمنقول على الشيخ أبي الحسن بن بنده حسين وعلى السيد علي محمد والمولوي حبيب
حيدر، وكان أكثر أخذه من الشيخ أبي الحسن المذكور، واشتغل بالتدريس والتأليف، ثم سافر إلى
العراق وزار المشاهد، وأخذ الفقه والأصول والحديث والتفسير من الميرزا محمد حسين الشهرستاني
والميرزا محمد حسين الشيرازي والميرزا حبيب الله الرشتي والشيخ علي اليزدي، وقرأ فاتحة الفراغ
وأخذ الإجازة في الاجتهاد سنة تسع وثلاثمائة وألف، ورجع إلى الهند وأقبل على الدرس والإفادة
والتأليف مع قناعة، واختير مكان أستاذه الشيخ أبي الحسن المذكور سنة خمس وعشرين وثلاثمائة
وألف، وكانت له اليد الطولى في أصول الفقه، وتولى رياسة التدريس في المدرسة السليمانية في بتنه
وفي جونفور وله مشاركة في الطب.
له كتاب الزواهر وصفاح العقيان في تحريف القرآن وعرائس الأفكار وتحفة العوام ومناهج
الأصول وتاج الكرامة في إثبات الإمامة وغير ذلك.
مات في سنة سبع وستين وثلاثمائة وألف، كما في تذكرة بي بها.
حكيم سراج الحق البدايوني
الشيخ الفاضل سراج الحق بن فيض أحمد العثماني البدايوني أحد الأفاضل المشهورين، ولد في سنة
ست وأربعين ومائتين وألف، وقرأ بعض الكتب الدرسية على والده، وبعضها على خاله نور أحمد
البدايوني، ثم لازم الشيخ فضل رسول العثماني، وأخذ عنه الطرقة، وله مصنفات، منها سراج الحكمة
في الحكمة الطبعية، وشرح على ميزان المنطق، وحاشية على المعتقد والمنتقد، وديوان شعر بالعربي
والفارسي.
الشيخ سراج الدين الديروي
الشيخ الصالح سراج الدين بن عثمان الحنفي النقشبندي الديروي أحد المشايخ المشهورين، ولد يوم
الإثنين لخمس عشرة خلون من محرم سنة سبع وتسعين ومائتين وألف بقرية موسى زئي من أعمال
ديره إسماعيل خان، ونشأ في مهد العلم والمشيخة، وقرأ بعض الكتب الدرسية على مولانا محمود
الشيرازي، وبعضها على مولانا حسين علي ألواني، وأخذ الطريقة عن أبيه ولازمه إلى يوم وفاته، ثم
تولى الشياخة مكانه، أخذ عنه المولوي غلام حسين الكانبوري، وخلق كثير من العلماء والمشايخ.
وكان شيخاً جليلاً صاحب إفاضة قوية، واستقامة على الطريقة وآدابها شأن أسلافه الكرام، وكانت له
وجاهة عظيمة، وشغف بعلم الحديث، خرج الأحاديث الواردة في المبسوط للسرخسي، مات يوم
الجمعة لثلاث بقين من ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة وألف بموسى زئي.
مولانا سعادة حسين البهاري
الشيخ الفاضل سعادة حسين بن رحمة عل بن غلام علي الحنفي البهاري أحد كبار العلماء ولد سنة
ثمان وخمسين ومائتين وألف بكتها قرية من أعمال بهار - بكسر الموحدة - واشتغل بالعلم أياماً في
بلاده، ثم سافر إلى جونبور وقرأ على المفتي يوسف بن أصغر الأنصاري اللكهنوي، ثم سافر إلى
دهلي وأخذ الحديث عن الشيخ المحدث نذير حسين الدهلوي، ثم رجع إلى بلاده وولي التدريس بآره،
فدرس بها عشر سنين، وفي خلال ذلك أسند الحديث عن الشيخ أحمد علي بن لطف الله الحنفي
السهارنبوري عند قدومه بآره، وسافر إلى الحجاز سنة ست وتسعين ومائتين وألف، فحج وزار
ورجع إلى الهند فولي التدريس بالمدرسة العالية بكلكته، ولقبته الحكومة الإنكليزية شمس العلماء،
اجتمعت به في كلكته فوجدته شيخاً مشكلاً، منور الشبيه، حسن الأخلاق، كثير التواضع، قليل
الخلاف على أصحابه له حاشية على مير زاهد رسالة ورسالة في إبطال التناسخ.
عمر طويلاً، ومات في الثامن عشر من جمادى(8/1233)
الأولى سنة ستين وثلاثمائة وألف.
مولانا سكندر علي الخالصبوري
الشيخ الفاضل سكندر علي بن عبد الرحيم بن عبد الكريم بن عبد المجيد ابن عبد الرؤف بن محمد
يوسف القندهاري ثم الخالصبوري اللكهنوي أحد الأذكياء المشهورين.
ولد بلكهنؤ لخمس خلون من رجب سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف، ونشأ في عمومته وخؤولته،
وقرأ المختصرات على السيد أحمد يار الخالصبوري، ومن شرح الكافية إلى هداية الفقه على الشيخ
علي أكبر بن علي حيدر العلوي الكاكوروي، ثم سافر إلى بمبىء وقرأ أكثر الكتب الدرسية على
مولانا عبيد الله الحنفي البدايوني، والفرائض على الشيخ عبد الحميد باعكظه الشافعي السورتي
خطيب الجامع، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين، وأخذ الحديث عن الشيخ عبد الغني بن أبي سعيد
العمري الدهلوي المهاجر، بايع الشيخ مظهر بن أحمد سعيد الدهلوي المهاجر إلى المدينة المنورة، ثم
رجع إلى الهند ولازم خالي السيد عبد السلام بن أبي القاسم الحسيني الواسطي وصحبه سبع سنين
وأخذ عنه الطريقة، ثم سار إلى بمبىء وولي التدريس بها، فعكف على الدرس والإفادة.
وكان عالماً كبيراً لغوياً وجيهاً منور الشبيه حسن الشكل جميل الزي جهوري الصوت، لذيذ المآكل،
ذا قناعة وزهد وإيثار وتورع واستقامة، لم يتزوج قط، ولم يبن داراً، ووقف كتبه في آخر عمره
وفرقها على المدارس الإسلامية.
وله بعض الرسائل بالعربية والفارسية، منها تحفة العلماء في امتناع كذب الباري جل شأنه، وله
تنقيح المسائل ومعيار البلاغة وصحيفة العشق وديوان الشعر.
مات لسبع عشرة خلون من شعبان سنة أربع عشرة وثلاثمائة وألف ببلد بمبىء.
مولانا سلامة الله الجيراجبوري
الشيخ العالم المحدث سلامة الله بن رجب علي الجيراجبوري، نزيل بهوبال ودفينها، ولد ونشأ
بجيراج بور - بفتح الجيم - قرية من أعمال أعظمكده وقرأ بعض الكتب على المولوي عبد الله
الجيراجبوري والمولوي عبد الغني بن شاه مير الفرخ آبادي، ثم دخل جونبور وقرأ الكتب على
المفتي يوسف بن أصغر الأنصاري اللكهنوي، ثم سافر إلى سهارنبور وقرأ الحديث على الشيخ أحمد
علي بن لطف الله الحنفي السهارنبوري، ثم أسند الحديث عن شيخنا المحدث نذير حسين الدهلوي، ثم
سافر إلى بهوبال، وولي التدريس في المدرسة السليمانية، فدرس بها مدة، ثم ولي نظارة المدارس،
فاستقل بها مدة وأحيل على معاش تقاعد، ولما ماتت شاهجهان بيكم ملكة بهوبال جعلوه محصلاً
للخراج في بعض أقطاع المملكة.
وكان من كبار العلماء، لم يزل مشتغلاً بالدرس والإفادة، وإني سمعت عمن أثق به أنه كان ينسب
نفسه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأنه قرأ الحديث على شيخنا حسين بن محسن السبعي
الأنصاري اليماني بعد وروده بهوبال، وأجازه شيخنا إجازة خاصة في الأمهات الست، وعامة
بغيرها.
مات في ربيع الثاني سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وألف.
مولانا سلامة الله الرامبوري
الشيخ الصالح الفقيه سلامة الله الحنفي الرامبوري أحد الأفاضل المشهورين، قرأ العلم على الشيخ
إرشاد حسين الحنفي الرامبوري، وأخذ عنه الطريقة ولازمه مدة من الدهر، ولما مات شيخه قام مقامه
في التذكير والتلقين والتدريس، وهو يعرف بقناعة وعفاف وتوكل وتصلب في المذهب، لا يرد
السلام ولا يصافح من كان يتزيا بزي الأفرنج أو يأخذ من لحيته أو يطول شاربه، وله عجائب، منها
أنه أعلن أن من فاتته الجماعة فله تسعة وتسعون عذاباً، ومنها أنه بلغني بنقل الشيخ محمد بن يوسف
السورتي أنه يفسر الحمد لله رب العالمين في شأن سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ويجعل الله
ورب العالمين ونحوهما صفة له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ على تأويل وترقيم لم أحط به، وفي مثل
هذا من الجور الذي لا يرضاه مسلم غيور، مع كل هذا فلهذا الرجل فضل على نظرائه في القناعة
وقشف المعيشة.(8/1234)
مات لثمان خلون من جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وألف.
الحكيم سلامة الله المباركبوري
المعروف بعبد السلام
الشيخ الفاضل سلامة الله بن خان محمد المباركبوري أحد العلماء المدرسين، ولد بمباركبور من
أعمال أعظم كده سنة تسع وثمانين ومائتين وألف، وقرأ المختصرات على غير واحد من العلماء، ثم
أخذ عن العلامة عبد الله بن عبد الرحيم الغازيبوري والمولوي عبد الرحمن المباركبوري والمولوي
عبد الحق المدرس بالمدرسة الفتحبورية، ثم لازم شيخنا السيد نذير حسين الحسيني الدهلوي وأخذ
عنه الحديث والتفسير، وحصلت له الإجازة عن شيخنا المحدث حسين ابن محسن الأنصاري اليماني
والقاضي محمد بن عبد العزيز الجعفري المجهلي شهري وغيرهما، ثم قدم لكهنؤ وتطبب على الحكيم
عبد الولي بن عبد العلي اللكهنوي، ثم ولي التدريس في المدرسة الأحمدية بآره، فدرس بها زماناً
واختار لنفسه عبد السلام اسماً في كتبه، واشتهر به في المراكز العلية، له كتاب سيرة البخاري في
أردو.
مات في الثامن عشر من رجب سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة وألف.
مولانا سلطان أحمد اللكهنوي
الشيخ الفاضل سلطان أحمد بن الله بخش الحنفي القندهاري ثم اللكهنوي أحد العلماء المبرزين في
العلوم الحكمية، ولد ونشأ بقندهار، وقرأ الفقه والأصول على ملا مهر دل الفراهي القندهاري، وقرأ
النحو والصرف على ملا شير محمد القندهاري، وقرأ المنطق على القاضي محمد نور القندهاري
صاحب الحاشية على شرح السلم للكوباموي، ثم دخل بيشاور ودار البلاد والقرى وأخذ الفنون
الرياضية والطبعية عن بعض علماء الهند، ثم دخل آكره وقرأ الحديث على مولانا عبد الله القندهاري
نزيل آكره، وسافر معه إلى كشمير وصحبه مدة، ثم سافر إلى بهوبال وقرأ الشمس البازغة
للجونبوري على شيخنا القاضي عبد الحق الكابلي، وسمع عليه أكثر الكتب الدرسية، ثم سار إلى
جونبور وشرع إلهيات الشفاء على مولانا هداية الله الرامبوري، ولكنه لم يستحسن طريقته في
الدرس والإفادة فسار إلى خيرآباد وقرأ إلهيات الشفاء على العلامة عبد الحق الخيرآبادي، وسمع عليه
جميع الكتب الدرسية في المنطق والحكمة ولبث عنده خمس سنين، ثم ذهب إلى دهلي وإلى غيرها
من البلاد ودرس في عدة مدارس، وتزوج ببلدة لكهنؤ وسكن بها، وهو اليوم مدرس في المدرسة
النعمانية بدانابور سلمه الله تعالى.
مولانا سلطان محمود الملتاني
الشيخ العالم الصالح سلطان محمود بن فريد الدين الملتاني أحد العلماء المتورعين، ولد ونشأ بديره
إسماعيل خان، وقرأ بعض الكتب الدرسية على والده، وأكثرها على مولانا قادر بخش الديروي الذي
أخذ عن الشيخ خليل الرحمن الخوشابي تلميذ الشيخ الأجل عبد العزيز بن ولي الله العمري الدهلوي،
ولقي كبار المشايخ، منهم الشيخ يحيى الزاهد الفارسي، أدركه في الهرم واستفاد منه، وكان الزاهد من
أصحاب الشيخ عبد العزيز المذكور، واشتغل بالتدريس والتذكير مدة عمره بمدينة الملتان، وأوذي في
ذات الله سبحانه غير مرة.
وكان شيخاً كبيراً قانعاً عفيفاً متورعاً يعمل ويعتقد في الحديث ولا يقلد أحداً من الأئمة، ذكر الناس
ببلدة الملتان أربعين سنة، وكان لمنطقه حلاوة وعلى عبارته طلاوة.
مات في بضع وعشرين وثلاثمائة وألف بملتان، أخبرني بذلك قادر بخش الخليلي الملتاني.
السيد سليمان الندوي
الشيخ الفاضل سليمان بن أبي الحسن الحسيني الزيدي الدسنوي البهاري أحد العلماء المبرزين في
الفنون الأدبية ونوابغ الفضلاء والمؤلفين في القارة الهندية.(8/1235)
ولد لسبع بقين من صفر سنة اثنتين وثلاثمائة وألف، ونشأ بدسنه - بكسر الدال وسكون السين
المهملتين - قرية من أعمال بهار بكسر الموحدة، وقرأ مبادىء العلم على صنوه الشيخ أبي حبيب
النقشبندي، وسافر سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف إلى بهلواري ومكث هناك عاماً، وقرأ بعض
الكتب الدرسية على الشيخ الجليل محي الدين المجيبي البهلواروي، ثم سافر إلى المدرسة الإمدادية
في دربهنكه ومكث هناك سنة وقرأ بعض الكتب المتداولة، ثم سافر إلى لكهنؤ والتحق بدار العلوم
ندوة العلماء سنة ثماني عشرة وثلاثمائة وألف، وبقي فيها خمس سنوات، وقرأ فاتحة الفراغ ونال
الشهادة سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وألف، قرأ في دار العلوم على المفتي عبد اللطيف السنبهلي
والسيد علي الزينبي الأمروهوي والمولوي شبلي بن محمد علي الجيراجبوري والشيخ الفاضل حفيظ
الله البندولي والعلامة فاروق بن علي العباسي الجرياكوبي، وبعض الكتب الأدبية على مؤلف هذا
الكتاب.
وتأدب على العلامة شبلي ابن حبيب الله البندولي، واستفاد منه استفادة عامة واختص به ولازمه،
وتداول نيابة تحرير مجلة الندوة ثلاث مرات بين عام أربع وعشرين وثلاثمائة وألف وعام ثلاثين
وثلاثمائة وألف، ولفت الأنظار بمقالاته العلمية التي تدل على نبوغه وتبشر بمستقبل الكاتب، وعين
أستاذاً في دار العلوم سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وألف للغة العربية وأدبها، واستقدمه مولانا أبو
الكلام سنة ثلاثين وثلاثمائة وألف إلى كلكته فشاركه في تحرير صحيفة الهلال ومكث هناك سنة،
واختير أستاذاً للألسنة الشرقية في كلية بونا التابعة لجامعة بمبىء سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة
وألف، وأقام فيها نحو ثلاث سنوات يدرس آداب اللغة الفارسية، وحاز ثقة الأساتذة والطلبة.
وطلبه أستاذه العلامة شبلي بن حبيب الله النعماني حين حضرته الوفاة وشعر بدنو الأجل، وفوض
إليه إكمال سلسلة سيرة النبي - على صاحبها الصلاة والسلام - التي بدأ بها، ونظارة دار المصنفين
التي أسسها، وتوفي أستاذه على إثر ذلك، فنهض بأعباء هذه المؤسسة، وخلف أستاذه فيها وانقطع
إليها كلياً، وذلك في سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة وألف، وتولى رئاسة تحرير مجلة المعارفة
الشهرية، وعكف على التأليف والتحقيق مكباً على إكمال سيرة النبي مشاركاً في حركة الخلافة
مسايراً لعواطف المسلمين مع الاحتفاظ بأشغاله العلمية وذوقه الأدبي وطبعه الهادىء، فأحرز بذلك
مكانة خاصة من بين العلماء والمشتغلين بالسياسة، واختير عضواً في وفد الخلافة الذي قرر إرساله
إلى عاصمة الجزائر البريطانية سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وألف ليبلغ إلى أركان الدولة وجهة نظر
مسلمي الهند في الخلافة العثمانية وارتباطهم بقضيتها، فرافق الزعيم المسلم الشهير محمد علي
الرامبوري والسيد حسين البهاري وغيرهما، فقابل أركان الدولة وقادة الرأي في أوربا ورجال
السياسة في العالم الإسلامي، وزار لندن وباريس القاهرة، وقاد وفد الخلافة سنة اثنتين وأربعين
وثلاثمائة وألف إلى الحجاز للإصلاح بين الملك عبد العزيز والشريف حسين، وعقد الملك عبد
العزيز بن سعود مؤتمراً للعالم الإسلامي سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وألف، ودعا علماء المسلمين
وزعماءهم ليقرروا مصير البلاد، وقرر المسلمون إرسال وفد واختاروه رئيساً للبعثة، واختير نائب
الرئيس لحفلات المؤتمر، ودعاه الملك نادر خان ملك أفغانستان في رجب سنة اثنتين وخمسين
وثلاثمائة وألف ليستفيد من تجاربه ودراساته في سياسة البلاد التعليمية وتوجيه المعارف في
أفغانستان فرافق الدكتور محمد إقبال والسيد رأس مسعود، وزار كابل وغزنين وأكرمه الملك واحتفت
به البلاد، ومنحته جامعة علي كره الإسلامية الدكتوراة الفخرية في الآداب لست خلون من صفر سنة
اثنتين وستين وثلاثمائة وألف اعترافاً بمكانته العلمية وعلو كعبه في العلوم والآداب.
وكان مع انقطاعه إلى العلم والتحقيق وشهرته التي طبقت الآفاق يحن إلى إكمال نفسه ونيل درجة
الإحسان، ويشعر بحاجة إلى من يرشده في دقائق إصلاح النفس وكمال الإخلاص والتحقيق، وساقه
سائق التوفيق والمناسبة العلمية إلى مولانا أشرف علي التهانوي، وبايعه في رجب سنة سبع وخمسين
وثلاث(8/1236)
مائة وألف، وأذعن له بالثقة والاعتماد والتفويض والانقياد، ونال عند شيخه الزلفي في أقل مدة،
فأجازه واستخلفه لعشر خلون من شوال سنة إحدى وستين وثلاثمائة وألف.
واستقدمه النواب حميد الله خان والي بهوبال ليتولى رئاسة القضاء في الإمارة ورئاسة الجامعة
الأحمدية، والإشراف على التعليم الديني والأمور الدينية في بهوبال فأجابه إلى ذلك لميله إلى
الإعتزال عن دار المصنفين لمدة، وقصد بهوبال في رجب سنة خمس وستين وثلاثمائة وألف، وأقام
فيها ثلاث سنوات، واشتغل بالدرس والإفادة ونصح المسلمين، وحج سنة ثمان وستين وثلاثمائة وألف
الحجة الأخيرة، وألغيت إمارة بهوبال، وضمت إلى الحكومة الهندية، واضطربت الأحوال، فاستقال
من وظيفته في المحرم سنة تسع وستين وثلاثمائة وألف، وكان بعض أركان حكومة باكستان وقادتها
الذين يعرفون منزلته العلمية وتبصره في العلوم الدينية يدعونه إلى باكستان ليشارك في وضع
الدستور الاسلامي للحكومة الوليدة، وقد أجابهم إلى ذلك في شعبان سنة تسع وستين وثلاثمائة وألف،
وقرر الإقامة في باكستان واختير رئيساً للجنة التعليمات الاسلامية، إلا أن هذه اللجنة لم تستطع أن
تكمل مهمتها، وحلت بعد مدة قصيرة، ولم يجد السيد ما كان يؤمله من التشجيع والتقدير في مقاصده
الدينية والعلمية، وتعرض لحسد بعض العلماء واستهانة ولاة الأمر بقيمته ومكانته، وعاش بقية عمره
في عفاف وقناعة، وعزة نفس واشتغال بخاصة النفس، والمطالعة والبحوث العلمية، واختاره مجمع
فؤاد الأول في مصر عضواً مراسلاً في سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وألف، ورأس بعض الحفلات
العلمية الكبيرة، وكتب بحوثاً علمية، وأشار على ولاة الأمر وعلماء البلاد بما يرى فيه الخير والسداد
لسلامة البلاد ومستقبلها، وبقي مشغولاً بالذكر والعبادة والتربية والإفادة إلى أن وافاه الأجل غرة ربيع
الآخر سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وألف، وحضر جنازته كبار العلماء وأعيان البلاد وسفراء
الحكومات الإسلامية والعربية، ودفن بجوار الشيخ شبير أحمد العثماني.
كان السيد سليمان الندوي ربع القامة، مائلاً إلى القصر، له وجه مشرق، تلوح عليه أمارات الهدوء
والسكينة، ويعلوه الوقار والرزانة، له لحية كثة مستديرة، وجبين واسع زاهر، ممتلىء الوجنتين،
واسع العينين تشفان عن ذكاء وحياء، أزج الحاجبين، رقيق الشفتين، نقي اللون بين سمرة وبياض،
نظيف الملابس دائماً، لا يراه لناس قط في وسخ وتبذل، ملتزماً للعمامة في الأسفار والمجامع، مقلاً
من الكلام، كثير الصمت، دائم الفكرة، امتزج العلم بلحمه ودمه، فلا يعني إلا به، ولا يتحدث إلا عنه،
مديم الاشتغال بالمطالعة والبحث، دائم المذاكرة للعلماء في العلم والدين، سلس القريحة، سائل القلم في
التأليف والتصنيف، ليست الخطابة في المجامع العامة والخوض في السياسة من طبعه وذوقه، فلا
يتقدم إلى ذلك إلا متكلفاً أو مضطراً، راسخاً في العلوم العربية وآدابها، عالي الكعب، دقيق النظر في
علوم القرآن وعلم التوحيد والكلام، واسع الاطلاع، غزير المادة في التاريخ، وعلم الاجتماع والمدنية،
منشئاً صاحب أسلوب أدبي في اللغة الأردية، كاتباً مترسلاً في اللغة العربية، شاعراً مقلاً في اللغتين
مع إحسان وإجادة، حليماً صابراً يقهر النفس، ويتسامح مع الأعداء والمعارضين، ضعيف المقاومة
في شؤونه الشخصية، يتحمل ما يرهقه ويشق عليه.
كان من كبار المؤلفين في هذا العصر، ومن المكثرين من الكتابة والتأليف مع سعة علم ودقة بحث
وتنوع مقاصد، له تكملة سيرة النبي لأستاذه في خمسة مجلدات كبار، تعتبر دائرة المعارف في السيرة
النبوية والعقيدة الإسلامية، وخطبات مدراس من خير ما كتب في السيرة النبوية، ونقل إلى الإنكليزية
والعربية، وأرض القرآن في مجلدين في جغرافية القرآن، وسيرة عائشة وسيرة مالك وخيام ونقوش
سليماني في البحوث اللغوية والأدبية، وحياة شبلي في سيرة أستاذه، وعرب وهند كي تعلقات
الصلات بين العرب والهند وعربون كي جهاز راني الملاحة عند العرب وله غير ذلك من البحوث
العلمية والمقالات الكثيرة التي تحويها مجلدات المعارف الكثيرة.(8/1237)
ومن شعره الرقيق الرائق، وهو يصف الشمس عند مغيبها:
كأنما الشفق الممتد في الأفق خمر معتقة شجت لمغتبق
خمر يعتقها أعلى همالية شجت بماء غمام هامر غدق
كف الطبيعة تسقي الناس أكؤسها ويل لمن هذه الصهباء لم يذق
تحسو القلوب حمياها إذا نظرت إلى السماء بأقداح من الحدق
والطير تشربها حيناً تروح إلى أوكارها صافرات السجع في حلق
والريح سائرة في روضة أنف تهدي السرور إلى حوباه منتشق
دن من القهوة الصهباء في الأفق والكأس تطفو به لا الشمس في الشفق
بلى أنه برقع قان له شية والشمس وجه حبيب بالحجاب يقي
بل إنما الشمس للصواغ بوتقة قد ذاب عسجدها وانثج في طرق
بل إنما الشمس من أعمارنا قتلت يوماً فسال دم جار من العنق
فذلك الشفق المحمر من دمه وقبره ليله المستور بالغسق
ومن شعره وهو يذكر الرضا بالقضاء:
يا أيها الناس ما دمتم على الأرض لا تخلصون من الإبرام والنقض
فإن ما قدر الرحمن قاضيكم من شدة ورخاء كله يمضي
ويقول وهو يحث الصبر على المكاره.
لا تغتر بسرور ذاهب فان ولاتهم بهم نفس إنسان
فبعد ما أكل الإنسان أكلته حلو الضريب ومر الصبر سيان
ويذكر معنى الموت فيقول:
إن الحياة كتاب وهو متسق وكل يومك من أيامها ورق
لا الموت معناه إلا أن تفرقه الريح فتنتشر الأوراق تفترق
وينكر على خشية الموت ويقول:
حتام تخشى المنايا فهي آتية وينفد الموت أعداداً من النفس
إن الحياة ثياب والردى دنس حتى متى تتقي الأثواب من دنس
كانت وفاته في الرابع عشر من ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وألف في كراتشي وشيعت
جنازته بجمع حافل من العلماء والأعيان ودفن قريباً من ضريح العلامة شبير أحمد العثماني.
مولانا سليمان بن داود البهلواروي
الشيخ العالم الصالح سليمان بن داود بن وعظ الله بن محبوب بن بير نذر ابن فتح محمد البهلواروي
أحد المشايخ المشهورين، أصله من قرية كهكته قرية من أعمال سارن، ولد لعشر خلون من محرم
سنة ست وسبعين ومائتين وألف ببهلواري في بيت جده لأمه الشيخ اصطفا بن وعد الله بن سعد الله
العمري، ونشأ في خؤولته، واشتغل بالعلم أياماً على أساتذة بلدته، ثم سافر إلى لكهنؤ وقرأ على
العلامة عبد الحي بن عبد الحليم اللكهنوي، ثم سافر إلى دهلي وأخذ الحديث عن الشيخ المحدث نذير
حسين الدهلوي، وأسند عن الشيخ أحمد علي الحنفي السهارنبوري أيضاً، وأخذ الطريقة عن صهره
الشيخ علي حبيب الجعفري البهلواروي وسافر إلى كنج مراد آباد، واستفاد من بركة شيخنا فضل
الرحمن بن أهل الله البكري المراد آبادي وصحبه وأسند عنه وسافر إلى الحجاز فحج وزار، وأدرك
مشايخ عصره في(8/1238)
الحرمين الشريفين منهم الشيخ الكبير الحاج إمداد الله المهاجر المكي وبايعه وقرأ
عليه، وحصلت له الإجازة منه.
وكان في بداية حاله يعمل ويعتقد في الحديث ولا يقلد أحداً، يدل عليه تقريظه على معيار الحق
للمحدث الدهلوي، ثم رغب إلى المتصوفين، يقتدي برسوم المشايخ من حضور الأعراس واستماع
الغناء بالآلات والرقص والتواجد.
وله اليد الطولى في الموعظة والتذكير، والتفرس لعواطف الناس وأميالهم، بفصاحة وخلابة،
يضحكهم ويبكيهم كلما شاء، وربما يقرأ أبيات المثنوي المعنوي في أثناء الخطاب باللحن الشجي يأخذ
بمجامع القلوب ويؤثر في الناس كل تأثير.
وكان من كبار المؤيدين لندوة العلماء، يخطب في حفلاتها، وينتصر لأغراضها ومقاصدها، وقد طار
صيته في الهند، وأولع الناس بخطبه ومواعظه، وتنافست فيه الجمعيات والمؤتمرات التعليمية
والدينية، تتسابق في دعوته، وتستعين بخطابته، فأيد المؤتمر التعليمي الاسلامي، ورأس خمس
حفلات لندوة العلماء السنوية.
كان مفرط الذكاء، حاضر البديهة، لطيف النكتة، كثير الفكاهة طيع القريحة في النظم العربي والنثر
الأدبي، واسع المشرب في العقيدة والمذاهب الخلافية، شديد الانكار على الاعتزال والمعتزلة، غالياً
في حب أهل البيت، أثنى عليه السيد أحمد خان واعترف بفضله وكذلك خلفاؤه كمحسن الملك ووقار
الملك.
ومن مصنفاته شجرة السعادة وسلسلة الكرامة بالفارسي في أنساب السادة الصوفية، وله رسالة في
الصلاة والسلام وآداب الناصحين وذكر الحبيب وشرح القصيدة الغوثية، وشرح الحديث المسلسل
بالأولية بالعربي، وصلاح الدارين في بركات الحرمين، وصيانة الأحباب عن إهانة الأصحاب وله
عين التوحيد بالعربية، وله مجموع رسائل في التصوف والحقائق، في ثلاثة أجزاء، سماه شمس
المعارف وله أبيات بالعربية والفارسية، ومما أنشدنيه قوله مخمساً لقول المفتي عباس بن علي
الشيعي التستري:
قال الرسول السيد المقبول إن الصحابة كلهم لعدول
عجباً من الرفاض كيف تقول إن الصحابة منهم المجهول
الهالكون المهلكون الغول
توفي لثلاث بقين من صفر سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وألف.
المولوي سميع الله الدهلوي
الشيخ الفاضل سميع الله بن عزيز الله الحنفي الدهلوي أحد مشاهير العصر، ولد ونشأ بدهلي وقرأ
العلم على مولانا مملوك على النانوتوي والمفتي صدر الدين الدهلوي وعلى غيرهما من الأفاضل،
وتصدر للتدريس فدرس وأفاد زماناً، ثم ولي القضاء سنة خمس وسبعين ومائتين وألف، ونقل إلى
عليكزه سنة ثمان وسبعين، وعزل عن تلك الخدمة سنة تسع وسبعين، فاشتغل بالمحاماة في المحكمة
العالية بآكره وبعد مدة من الزمان جعل صدر الصدور بعليكزه وذلك في سنة ست وتسعين، وسافر
إلى مصر صحبة اللورد نارته بروك بالسفارة سنة اثنتين وثلاثمائة وألف، ولما رجع إلى الهند لقبته
الدولة الانكليزية سي - ايم - جي وولته القضاء الأكبر ببلدة رائي بريلي ثم رقته إلى خدمة أعلى
من تلك الخدمة فاستقل بها مدة، وأحيل إلى المعاش سنة عشر وثلاثمائة وألف، فسافر إلى الحجاز
للحج والزيارة فحج وزار، ورجع إلى الهند وسكن ببلدة عليكزه.
وكان فاضلاً جيداً، صحيح العقيدة، ملازماً للصلوات الخمس، محباً للعلم والعلماء، درس وأفاد مدة
من الزمان، وكان يوظف الطلبة، ويقرئهم في علوم عديدة، وأسس المدرسة العربية بدهلي سنة اثنتين
وثمانين ومائتين وألف على نفقته، ورتب العلماء، أجلهم مولانا محمد علي الجاند بوري وجعل
الأرزاق السنية للمحصلين، وكان شريكاً غالباً في تأسيس المدرسة الكلية بعليكزه وعضداً قوياً للسيد
أحمد بن المتقي الدهلوي، وكان السيد أحمد المذكور يريد أن(8/1239)
يجمع مليوناً ومائتي ألف أولاً ثم يؤسس
المدرسة، فخالفه في ذلك وأسس المدرسة قبل ذلك ببلدة عليكزه في ربيع الآخر سنة اثنتين وتسعين
ومائتين وألف، فاتفقا عليه مدة طويلة، ثم وقع الخلاف بينهما في ولاية العهد، فكان السيد أحمد
المذكور يريد أن يولي بعده ابنه محمود وسميع الله يخالفه فيه ويقول له: نترك ذلك لمن يخلفنا، فمن
يكون أصلح لهذا العمل ولوه عليها، واعتزل عنه وأسس دار إقامة للمحصلين، ببلدة إله آباد وهي
عامرة آهلة حتى اليوم.
مات سنة ست وعشرين وثلاثمائة وألف ببلدة دهلي.
مولانا سيف الرحمن الطوكي
الشيخ الفاضل سيف الرحمن بن غلام جان خان بن عبد المؤمن خان الحنفي الدراني الولايتي ثم
الطوكي أحد كبار العلماء، ولد سنة سبعين ومائتين وألف هجرية ونشأ بأفغانستان، وقرأ الفقه
والأصول والعربية في بلاده، ثم قدم الهند وأخذ الفنون الرياضية عن الشيخ لطف الله بن أسد الله
الكوئلي ولازمه مدة، ثم سافر إلى كنكوه وأخذ الحديث عن الشيخ المحدث رشيد أحمد الحنفي
الكنكوهي وقرأ عليه الصحاح الستة، ولازمه سنة كاملة ثم رحل إلى طوك وتزوج بابنة القاضي
دوست محمد الكابلي وسكن بها، وولي التدريس بالمدرسة الناصرية ببلدة طوك فدرس بها مدة طويلة،
ثم ولي التدريس بالمدرسة الفتحبورية بدهلي، وإني استقدمته لدار العلوم غير مرة فلم يتفق له القدوم
إلى لكهنؤ.
وفي حدود سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة وألف خرج من الهند وسافر إلى بلاده سراً باتفاق مع
العلامة الشيخ محمود حسن الديوبندي ومساعدته، وحرض أهل تلك البلاد على حمل السلاح إزاء
الحكومة الإنكليزية، وأثرت مواعظه وأحاديثه في الناس، حتى دخل في حرب مع الإنجليز تحت
إمارة الشيخ المعروف بحاجي ترنك زئي، ولما وقعت الهزيمة وانتصر الإنكليز هاجر إلى كابل وأقام
بها، ولما طلب الإنكليز من الأمير حبيب الله خان تسليمه، سفر إلى ياغستان ومكث مدة مع مستوفي
الممالك، ولما قتل الأمير حبيب الله خان وبويع أمان الله خان بالإمارة رجع إلى كابل، وشغل مناصب
خطيرة في المملكة إلى أن اعتزل.
كان الشيخ سيف الرحمن عالماً قوي العلم، ذكياً شديد الفطنة، شهماً عالي الهمة، شديد الغيرة في
الدين، شديد البغض للإنجليز، فصيحاً مفوهاً، كثير الخبرة بأمور الدنيا، عارفاً بالسياسة، واعياً
متيقظاً، رجع بعد ما تحررت الهند وقامت باكستان إلى وطنه بشاور وسكن في قريته متهرانو في
شمال بشاور، ومات بها لسبع خلون من جمادى الأولى سنة تسع وستين وثلاثمائة وألف، ودفن في
مقبرة أسلافه.
نواب سلطان جهان بيكم والية بهوبال
الملكة الفاضل نواب سلطان جهان بيكم بنت شاهجهان بيكم بنت سكندر بيكم ملكة بهوبال المحمية
من مشاهير الهند.
ولدت في بهوبال سنة أربع وسبعين ومائتين وألف، ونشأت في مهد السلطة، وقرأت القرآن
وترجمته على مولانا جمال الدين الوزير، وتعلمت الخط والكتابة، واللغة الفارسية والإنكليزية،
وقرأت المختصرات على المفتي أيوب ابن قمر الدين البهلتي، واستفادت السياسة والرئاسة من جدتها
سكندر بيكم، حتى برزت في كثير من العلوم والفنون، وتزوجت بأحمد علي خان اللوهاروي،
وجلست على مسند الرئاسة بعد ما توفيت أمها سنة تسع عشرة وثلاثمائة وألف، ومات زوجها سنة
تسع عشرة وثلاثمائة وألف فأخذت عنان السلطة بيدها الكريمة، وافتتحت الأمر بالكياسة والسياسة
والرفق وحسن المعاملة، وتقدمت الإمارة في عهدها في المدنية والرفاهة، والتنظيم، وشجعت على
نشر المعارف، وساعدت في المشاريع التعليمية وتأليف الكتب المفيدة، وكان لها فضل في تأليف
سيرة النبي للعلامة شبلي بن حبيب الله، واختيرت رئيسة الجامعة الإسلامية بعليكزه.
وكانت كاتبة، مؤلفة خطيبة، وقد بايعت الامام رشيد أحمد بن هداية الله الكنكوهي بالكتابة، وكان لها
حب بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ واحترام للعلماء وأصحاب الفضل.(8/1240)
مات في ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة وألف.
حرف الشين
المفتي شاه دين اللدهيانوي
الشيخ العالم الفقيه المفتي شاه دين بن محكم الدين الحنفي اللدهيانوي أحد كبار الفقهاء، ولد بقرية
جك مغلاني من أعمال جالندهر وقرأ المختصرات في بلاده، ثم دخل سهارنبور وقرأ بعض الكتب
الدرسية على مولانا محمد مظهر بن لطف علي النانوتوي وعلى غيره من العلماء بمدرسة مظاهر
العلوم، ثم دخل علي كزه ولازم المفتي لطف الله بن أسد الله الحنفي الكوئلي وأخذ عنه، ثم ولي
التدريس والإفتاء ببلدة لدهيانه فسكن بها.
العلامة شبلي بن حبيب الله البندولي
المعروف بمولانا شبلي النعماني
الشيخ الفاضل العلامة شبلي بن حبيب الله البندولي فريد هذا الزمان المتفق على جلالته في العلم
والشأن.
ولد سنة أربع وسبعين ومائتين وألف بقرية بندول من أعمال أعظمكده وقرأ أياماً في العربية على
مولانا فاروق بن علي العباسي الجرياكوبي، ثم أقبل إلى المنطق والحكمة وأخذ عنه وبرز فيه
ولازمه مدة طويلة، ثم سافر إلى رامبور وأخذ الفقه والأصول عن الشيخ إرشاد حسين العمري
الرامبوري، ثم ذهب إلى لاهور وأخذ الفنون الأدبية عن الشيخ فيض الحسن السهارنبوري شارح
الحماسة، ثم دخل سهارنبور وقرأ الحديث على الشيخ أحمد علي بن لطف الله الماتريدي السهانبوري،
حتى فاق أقرانه في الإنشاء والشعر والأدب والتاريخ وكثير من العلوم والفنون، وكان متصلباً في
المذهب في ذلك الزمان، صرف برهة من الدهر في المباحثة بأهل الحديث، وصنف إسكات المعتدي
رسالة في قراءة الفاتحة خلف الإمام.
ثم ولي التدريس بمدرسة العلوم في عليكده، فصحب الأساتذة الغربيين وأدار معهم كؤوس المذاكرة،
وصحب السيد أحمد بن المتقي الدهلوي وحزبه، حصل له نفور كلي عن المباحثة، ومال إلى التاريخ
والسير فصنف كتاباً في سيرة المأمون العباسي وسيرة النعمان في سيرة الإمام أبي حنيفة وكتابه
الجزية وحقوق الذميين وكتاباً في تاريخ العلوم الاسلامية وتعليماتهم وكلها تلقيت بالقبول، وحصلت له
شهرة عظيمة في بلاد الهند، وسافر إلى بلاد الروم والشام ومصر ولقي رجال العلم والدولة، وأعطاه
السلطان عبد الحميد العثماني النيشان من الطبقة الرابعة، ولما رجع إلى الهند لقبته الدولة الإنكليزية
شمس العلماء فأقام بعد ذلك زماناً يسيراً بمدرسة العلوم، ثم اعتزل وراح إلى حيدر آباد فرحب به
السيد علي البلكرامي وأكرم مثواه وولاه نظارة العلوم والفنون فأقام بها خمس سنين، ثم ترك الخدمة
وقنع بمائة ربية شهرية بدون شرط الإقامة بحيدر آباد، فقدم لكهنؤ.
وأقبل إلى ندوة العلماء وكان عضواً من أعضائها البارزين، فوله على دار العلوم التي أسسها
أعضاء الندوة سنة سبع عشرة وثلاثمائة وألف فاشتغل بالنظارة مدة ثمانية أعوام، وقد فدعت رجله
اليسرى من ضرب البندقية انطلقت من يده خطأ في بيته بأعظمكده سنة أربع وعشرين وثلاثمائة
وألف، فقطعها الجراح الانكليزي من الساق، ثم صنعت له رجل من أدم وخشب، فكان يدخل فيه
رجله المقطوعة ويربطها بالرباطات المحكمة ثم يمشي كالأصحاء.
كان قوي الحفظ، سريع الملاحظة، يكاد يكشف حجب الضمائر، ويهتك أسرار السرائر، دقيق النظر
قوي الحجة، ذا نفوذ عجيب على جلسائه فلا يباحثه أحد في موضوع إلا شعر بانقياد إلى برهانه،
وربما لا يكون البرهان مقنعاً، وكان واسع الاطلاع في تاريخ الاسلام والتمدن الاسلامي، كثير
المحفوظ بالأدب والشعر، كثير المطالعة لم يفته كتاب كتب في آداب الأمم وفلسفة أخلاقهم إلا طالعه،
ولم يكن له نظير في سرعة الجواب، والمجىء بالنادرة الغريبة على جهة البديهة، وسرد الأبيات
الفارسية والأردوية على محالها، وله عناية كاملة بالعلم، ورغبة ونشاط وإقبال على المذاكرة
والتصنيف وإلقاء الخطب.(8/1241)
وكان مع ذلك معجباً برأيه، لا ينقاد لأحد ولو كان برهانه مقنعاً، وفيه شيء من التلون، ومن عادته
أنه كلما يحدث في مسألة، يكثر في التعبير وإذا أنشد شعراً أتبعه بالشرح والترجمة، كان مخاطبه
أعجمي وهو عربي، أو مخاطبه جاهل لا يعرف اللغة العربية والفارسية وهو عارف باللغات
المتنوعة والمعاني الدقيقة يريد إفهامه، وكذلك كانت عادته أنه ربما يأخذ رأياً في أمر من الأمور من
رجل، ثم يعرض على الناس وينسبه إلى نفسه، وربما يعرضه على ذلك الرجل بعارضة وبلاغة،
ويمهد له المقدمات كأنه خصيمه في ذلك الأمر.
وكان معتزلياً في الأصول، شديد النكير على الأشاعرة، وله كتب ورسائل في ذلك، ككتابه في فن
الكلام، وكتابه في تاريخ الكلام، ومقالاته في رسائل شبلي ومقالات شبلي ومن مصنفاته غير ما
ذكرناها كتاب في سيرة الغزالي، وكتاب في سيرة العارف الرومي وفي نقد شعره والحكم عليه، وله
كتاب بسيط في سيرة سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه، وهو كتاب قوي ممتاز مؤثر، وله كتاب
في الموازنة بين الشاعرين الهنديين المعروفين من فرسان المراثي أنيس ودبير وله إزالة اللوم في
ذكر أعيان القوم وله شعر العجم في خمسة مجلدات وهو من أفضل مؤلفاته، أقر له علماء هذا الشأن
بالفضل والجودة وله كتاب في الانتقاد على مقالات جرجي زيدان بالعربي في التمدن الاسلامي، وله
مقالة في مكتبة الإسكندرية وله ديوان الشعر الفارسي، ومن مصنفاته المجلد الأول من السيرة النبوية،
وكان يريد أن يصنفه في خمسة مجلدات فلم يتم الأمر له، وقام بتدوينه بعض تلامذة دار العلوم على
رأسهم وفي مقدمتهم السيد سليمان الندوي فأسسوا له مؤسسة عظيمة بأعظمكده وسموها دار
المصنفين.
مات بالإسهال الدموي ضحوة يوم الأربعاء لليلة بقيت من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة
وألف، ببلدة أعظمكده.
مولانا شبلي بن سخاوة علي الجونبوري
الشيخ العالم الصالح الشبلي بن سخاوة علي العمري الجونبوري، كان ثالث أبناء والده، ولد في
عاشر شعبان سنة ثلاث وستين ومائتين وألف ببلدة جونبور، ونشأ في مهد جده لأمه القاضي ضياء
الله الجونبوري، وحفظ القرآن وقرأ العلم على المفتي يوسف بن أصغر الأنصاري اللكهنوي وعلى
غيره من العلماء، ثم سافر إلى دهلي، وأخذ الحديث عن السيد المحدث نذير حسين الدهلوي ثم رجع
وأخذ الطريقة عن السيد خواجه أحمد النصير آبادي ولازمه مدة من الدهر، وسافر إلى الحرمين
الشريفين سنة ست وثمانين ومائتين وألف.
وكان غاية في الذكاء والفطنة، حاد الذهن دقيق النظر في المسائل الحكمية، ويجمع إلى ذلك كله
آداب الأخلاق من حسن المعاشرة ولين الكنف، له رسالة في النحو.
مات لتسع بقين من رمضان سنة ثمان عشرة وثلاثمائة وألف بقرية مندياهو من أعمال جونبور.
المولوي شبلي بن عناية الله البمهوري
الشيخ الفاضل شبلي بن عناية الله البمهوري أحد الأفاضل المشار إليه في الذكاء والفطنة، قرأ العلم
في دار العلوم على مولانا حفيظ الله والشيخ شبلي الجيراجبوري، والسيد علي الزينبي وغيرهم، وقرأ
على ديوان المتنبي وغيره، وجد في البحث والاشتغال، حتى برع وفاق أقرانه، وولي التدريس بدار
العلوم فدرس بها زماناً، ثم ولي التدريس بمدرسة الإصلاح في سراي مير من أعمال أعظمكده،
يدرس ويفيد، وعسى أن يكون من كبار العلماء.
توفي في شهر محرم سنة أربع وتسعين وثلاثمائة وألف.
المولوي شبلي بن محمد علي الجيراجبوري
الشيخ الفاضل شبلي بن محمد علي الحنفي الجيراجبوري أحد العلماء الصالحين، اشتغل بالعلم أياماً
في بلدته، ثم سافر إلى رامبور، وقرأ على أساتذة المدرسة العالية، منهم الشيخ الفاضل حفيظ الله
البندوي، قرأ عليه ولازمه مدة، ثم ولي التدريس بدار(8/1242)
العلوم، يدرس ويفتي.
وله مشاركة جيدة في الفقه والأصول والحديث ونظر واسع على جزئيات المسائل.
مات لأربع بقين من رمضان سنة أربع وستين وثلاثمائة وألف.
مولانا شريف حسين الدهلوي
السيد الشريف العفيف شريف حسين بن شيخنا نذير حسين الحسيني الدهلوي المحدث، ولد بمدينة
دهلي سنة ثمان وأربعين ومائتين وألف واشتغل بالعلم من صباه، وقرأ على أبيه ولازمه مدة عمره
وتأهل للفتوى والتدريس فترك والده له الإفتاء، وكان يدرس الفقه والحديث بحضرة والده.
مات لست خلون من جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثمائة وألف ببلدة دهلي وكان والده حياً.
مولانا شكر الله الصبرحدي
الشيخ الفاضل شكر الله الصبرحدي الأعظمكدهي أحد العلماء المشهورين، ولد في سنة ثلاث
وأربعين ومائتين وألف بصبرحد، قرية من أعمال أعظمكده على ثمانية أميال من محمد آباد، وقرأ
العلم على المفتي يوسف بن أصغر الأنصاري اللكهنوي في المدرسة الإمامية الحنفية ببلدة جونبور،
وعلى غيره من العلماء، وصرف عمره في الدرس والإفادة، له العجالة في إزالة الإزالة في الرد على
إزالة الشكوك للمولوي فخر الدين الحسيني الإله آبادي.
مات سنة إحدى عشرة وثلاثمائة وألف
مولانا شمس الحق الديانوي
الشيخ العالم الكبير المحدث شمس الحق بن أمير علي بن مقصود علي بن غلام حيدر بن هداية الله
بن محمد زاهد بن نور محمد بن علاء الدين البكري الديانوي العظيم آبادي، أحد العلماء العاملين،
وعباد الله الصالحين.
ولد لثلاث بقين من ذي القعدة سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف ببلدة عظيم آباد، وقرأ المختصرات
على المولوي عبد الحكيم الشيخبوري ومولانا لطف العلي البهاري، ثم سافر إلى لكهنؤ سنة اثنتين
وتسعين، وقرأ بعض الكتب الدرسية على شيخنا فضل الله بن نعمة الله اللكهنوي ولازمه سنة كاملة،
ثم سافر إلى مراد آباد وقرأ على العلامة بشير الدين العثماني القنوجي، ولازمه إلى سنة خمس
وتسعين، ثم سافر إلى دهلي وأسند الحديث عن الشيخ المسند نذير حسين الدهلوي، ورجع إلى بلدته
ولبث بها إلى سنة اثنتين وثلاثمائة وألف، ثم سافر إلى دهلي، وقرأ على الشيخ المذكور القرآن
الكريم، والجلالين، والمؤطأ، وسنن الدارمي، وسنن الدارقطني والصحاح الست، ولازمه ثلاث سنين،
وأدرك هناك شيخنا العلامة حسين ابن محسن السبعي الأنصاري، وأسند عنه.
ثم رجع إلى بلدته، وعكف على التدريس والتصنيف، والتذكير، وبذل جهده في نصرة السنة،
والطريقة السلفية، ونشر كتب الحديث، وجمع كتبها التي كانت عزيزة الوجود في السنة المطهرة،
وأنفق مالاً في طبع بعض الكتب، وله منة عظيمة على أهل العلم بذلك.
وكان حليماً متواضعاً، كريماً عفيفاً، صاحب صلاح وطريقة ظاهرة، محباً لأهل العلم، سافر إلى
الحجاز سنة إحدى عشرة وثلاثمائة وألف، فحج وزار وأدرك المشايخ، فاستفاد منهم وأفاد، وكان
يحبني لله سبحانه وكنت أحبه، وكانت بيني وبينه من المراسلة ما لم تنقطع إلى يوم وفاته.
ومن مصنفاته: غاية المقصود شرح سنن أبي داؤد ولم يتم، ولو تم لكان في مجلدات كثيرة، ومنها
عون المعبود، شرح سنن أبي داؤد في أربعة مجلدات كبار، والمجلد الأول منها قد طبع باسم أخيه
محمد أشرف، وهو ملخص من غاية المقصود، ومن مصنفاته التعليق المغني عن سنن الدارقطني في
مجلدين، وإعلام أهل العصر بأحكام ركعتي الفجر، كلها بالعربية، والأقوال الصحيحة في الأحكام
النسكية والقول المحقق في تحقيق إخصاء البهائم والعقود الجمان في جواز الكتابة للنسوان وهذه
الثلاثة بالفارسية، والكلام المبين في الجهر بالتأمين(8/1243)
والتحقيقات العلى بإثبات فرضية الجمعة في
القرى ورسالة في الرد على الضرائح المتخذة من الخشب والثياب، وهذه الثلاثة بالأردو، وأما الكتب
التي لم تتم في حياته، فمنها النور اللامع في أخبار صلاة الجمعة عن النبي الشافع، وتحفة المتهجدين
الأبرار في أخبار صلاة الوتر وقيام رمضان عن النبي المختار، وتذكرة النبلاء في تراجم العلماء،
وتفريح المتذكرين في ذكر كتب المتأخرين وتنقيح المسائل، وهو مجموعة الفتاوي له.
توفي في التاسع عشر من ربيع الأول سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وألف.
ديوان شمس الدين الجيبوري
الشيخ الصالح الفقيه شمس الدين بن محمد الحنفي الجيبوري، أحد رجال الدولة، ولد ونشأ ببلدة
جيبور، واتجر مدة طويلة، وتقرب إلى وزير الدولة أمير بلدة طوك فاتخذه وزيراً له ومتولياً على
ديوان الخراج في ملكه.
وكان سريع الإدراك، قوي الحفظ، شديد الانهماك في مطالعة الكتب والمذاكرة، حريصاً على جمع
الكتب النفيسه، كثير الاستحضار للمسائل الجزئية، رأيته في كبر سنه ولقيته فوجدته منهمكاً في
المطالعة وبيده المصنف لابن أبي شيبة، وإني سمعت الشيخ محمود حسن الطوكي يقول: إنه ما قرأ
على أحد من الأساتذة غير المختصرات، انتهى.
مات في العشر الأول من القرن الرابع عشر الهجري.
جودهري شوكة علي السنديلوي
الشيخ الصالح الفقيه شوكة علي بن مسند علي بن منصب علي الحنفي السنديلوي أحد العلماء
المشهورين.
ولد يوم الخميس لتسع خلون من المحرم سنة أربع وثلاثين ومائتين وألف بسنديله من بلاه أوده،
ولما طعن في الثالثة من سنه حدثت له بثرة في خاصرته، فتشنجت بها الأعصاب فهزلت قدماه من
ذلك، فصار مقعداً لا يقدر أن يمشي، ولكنه كانت تلوح عليه مخائل الرشد والسعادة، فحفظ القرآن،
وقرأ المختصرات على السيد فقيه الله السنديلوي، والمولوي أسرار قل البخاري، ثم لازم العلامة
تراب علي اللكهنوي، استقدمه جده لتعليمه إلى سنديله فقرأ عليه سائر الكتب الدرسية، وفاق أقرانه
في الفقه والأصول والمنطق والحكمة والعربية، رأيته ببلدتنا راي بريلي حين قدومه لزيارة المشاهد
وكنت صغير السن، أنزله خادمه عن السرير وأخذه في حجره، فدخل في مقبرة السيد علم الله
النقشبندي.
وكانت له خزانة الكتب النفيسة، ومدرسة عالية بسنديله، أسسها بنفقته وأوقف عليها عروضاً
وعقاراً.
ومن مصنفاته حاشية على شرح الجامي، والاستقصاء في الاستفتاء، وعلم اليقين في مسائل
الأربعين، وثمرات الأنظار فيما مضى من الآثار، وغاية الإدراك في مسائل السواك، وأنوار الهدى
في تحقيق الصلاة الوسطى، وكشف المستور عن وجه السحور، وله غير ذلك من الرسائل.
مات في الثامن عشر من ربيع الأول سنة عشرين وثلاثمائة وألف في سنديله، وله من العمر ست
وثمانون، ولم يعقب.
مولانا شير علي الحيدر آبادي
الشيخ الفاضل الكبير شير علي بن رحم علي بن أنوار علي الحسيني الحيدر آبادي أحد العلماء
المشهورين.
ولد بقرية تركيا واس من أعمال ريوازي من أرض بنجاب، وتوفي والده في صغر سنه، فتربى في
مهد خاله نجف علي ببلدة بلندشهر، وتعلم الخط ومبادىء الفارسية وحفظ خمسة عشر جزءاً من
القرآن، ثم أقبل يبحث له عن وظيفة يقوت بها نفسه وأسرته، وسافر إلى جي بور وقدم طلباً
للوظيفة، وبينما كان ينتظر النتيجة إذ جاءه رجل وطلب منه أن ينتسخ له دعاء منظوماً باللغة
العربية، فقام له بذلك، ولما طلب منه أن يفسره له عجز عن ذلك واعتذر، وحرك ذلك همته وشحذ
عزمه على التحصيل، فسافر من غده إلى(8/1244)
أجمير، ومنها إلى أحمدآباد فسورت، ومكث في راندير
سنتين وقرأ على الشيخ محمد عيسى، ثم جاء إلى دهلي وقرأ على المفتي عبد الله الطوكي شيئاً من
المنطق، ثم جاء إلى لكهنؤ، وأقام بها شهرين، وحضر دروس الشيخ عبد الحي بن عبد الحليم
الأنصاري، ثم ذهب إلى جونبور ولازم العلامة هداية الله بن رفيع الله الرامبوري، وقرأ عليه سائر
الكتب الدرسية معقولاً ومنقولاً، وجد في البحث والاشتغال، ودرس بحضرة شيخه مدة طويلة، ثم ولي
التدريس بقرية كلاؤبي - بضم الكاف الفارسية - قرية جامعة من أعمال بلند شهر، ودرس بها
عامين، ثم ولي التدريس بمدرسة دار العلوم بكانبور وأقام بها نحو سنتين، ثم ذهب إلى وانمبازي من
بلاد مدراس وولي التدريس فأقام بها سنتين، ثم ذهب إلى حيدر آباد الدكن، وجعله نواب وقار
الأمراء وزير الدولة الآصفية معلماً لولده سلطان الملك، فسكن بحيدر آباد وتزوج بها، وبعد خمس
عشرة سنة من قدومه بحيدر آباد استقدمه العلامة شبلي بن حبيب الله النعماني إلى لكهنؤ، وولي
نظارة دار العلوم ورئاسة التدريس فيها فدرس بها عامين، ثم رجع إلى حيدر آباد وولي التدريس
بدار العلوم، ثم لما تأسست الجامعة العثمانية انتقل إليها وولي رئاسة القسم الديني فيها، ومكث بها مدة
يدرس ويفيد إلى أن أحيل إلى المعاش.
وهو من كبار الفضلاء، له مشاركة جيدة في الفنون الرياضية، واليد الطولى في التدريس وإلقاء
المطالب العلمية على أذهان المحصلين.
مات لسبع بقين من ذي القعدة سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وألف.
نواب شاهجهان بيكم ملكة بهوبال
نواب شاهجهان بيكم بنت نواب سكندر بيكم بنت نواب قدسية بيكم الملكة الفاضلة الباذلة.
ولدت بحصن إسلام نكر على ثلاثة فراسخ من بهوبال سنة أربع وخمسين ومائتين وألف، وجلست
مجلس أبيها نواب جهانكير محمد خان بالاستحقاق من غير شقاق وهي ابنة تسع سنين في الخامس
عشر من محرم سنة ثلاث وستين ومائتين وألف، وأتت إليها خلعة فاخرة من جهة ملكة بريطانيا
والهند، وربت في حجر أمها وحصلت الفنون، وتعلمت الخط والكتابة واللغة الفارسية والإنشاء
والشعر، واستفادت أدب الرئاسة والسياسة حتى برعت في ذلك الأقران، وامتازت بينهم في القدرة
على ترجمة القرآن، وتحرير الرسائل الدينية، وتقرير المسائل الدولية، وكان يضرب بها المثل في
الذكاء والحفظ والكرم والجود، ولما بلغت من العمر اثنتين وعشرين سنة فوضت عنان الرئاسة إلى
أمها، واكتفت لنفسها بولاية العهد.
ولما توفيت والدتها سنة خمس وثمانين ومائتين وألف جلست على مسند الرئاسة، ولما مات زوجها
نواب باقي محمد خان تزوجت بالسيد العلامة صديق حسن بن أولاد حسن الحسيني البخاري القنوجي
سنة ثمان وثمانين ومائتين وألف، ثم إنها سافرت إلى بمبىء سنة تسع وثمانين، وهناك حصل لها
الخطاب العالي من الدرجة الأولى والنيشان السلطاني، وسافرت بعد ذلك سنة اثنتين وتسعين إلى
كلكته، ولاقت بها برنس آف ويلز أكبر أولاد ملكة بريطانيا وولي عهدها، وسافرت إلى دهلي سنة
أربع وتسعين وحصل لها النيشان القيصري العظيم الشأن المكتوب عليه العز من الله وأعطاها حاكم
الهند العام سيفاً فرنجياً مع نطاق مطلي وصندوق محلى، ثم جاء لها خطاب آخر ترجمته تاج الهند
وفي سنة ست وتسعين ورد مثالان عظيمان على اسمها مع نشان من الدرجة العليا التي يقال لها شفقة
من جهة السلطان عبد الحميد خان الغازي ملك الدولة العثمانية.
وكانت صاحبة الفضل والكرم، وربة النعم، عمرت الديار، وأحيت المدارس العلمية، وبنت المساجد
العظيمة، وقررت الوظائف الفخيمة، وحفرت الآبار، وغرست الحدائق والأشجار، وأحدثت العمائر
الكبار، وأسبلت ذيول المنح والعطايا على أهل الفضل من أهل الهند، وأهل الحرمين الشريفين
واليمن، والعراق، والشام وغيرها من البلاد، وأعطت الطلبة ألوفاً من المصاحف والكتب الدينية،
وأوقفت أرزاقاً كثيرة على الفقراء والمحاويج، ولم تزل تمنح العفاة والواردين بمملكتها من الحجاج
والغزاة والمسافرين والطلبة والمساكين، من الأقمشة والأموال والبيوت والرواتب(8/1245)
الشهرية، وأنفقت
مالاً عظيماً على طبع المصحف والتفسير والحديث واللغة وغيرها من العلوم والفنون، وأسست
المدرسة الجهانكيرية على اسم أبيها بدار ملكه.
ولها كتب مشهورة، منها ديوان الشعر، وتهذيب النسوان.
ماتت لليلتين بقيتا من صفر سنة تسع عشرة وثلاثمائة وألف بدار ملكها بهوبال.
السيدة شمس النساء السهسوانية
السيدة الفاضلة شمس النساء بنت الفاضل الكبير السيد أمير حسن المحدث السهسواني إحدى
الصالحات القانتات، ولدت بسهسوان، وقرأت القرآن بالتجويد، ثم تعلمت الخط والكتابة، وقرأت
النحو والصرف والتفسير ومشكاة المصابيح ثم الصحاح الستة على أبيها وحازت الفضيلة.
وكانت سريعة الإدراك، قوية الحفظ، صالحة دينة، تحفظ المتون والأسانيد، وكانت تذكر في النساء،
وتهديهن إلى معالم الرشد والخيرات، توفيت بالصرع سنة ثمان وثلاثمائة وألف.
حرف الصاد
مولانا صادق اليقين الكرسوي
الشيخ العالم الصالح صادق اليقين بن سراج اليقين الحنفي الكرسوي أحد العلماء المبرزين في الفقه
والحديث.
ولد ونشأ بكرسي - بضم الكاف - قرية جامعة من أعمال لكهنؤ حفظ القرآن وقرأ المختصرات في
بلاده، ثم سافر إلى ديو بند، وقرأ الكتب الدرسية على مولانا محمود حسن الديوبندي وعلى غيره من
العلماء، ثم دخل كنكوه وأخذ الحديث عن الشيخ رشيد أحمد الحنفي الكنكوهي، وقرأ عليه أياماً ثم أخذ
عنه الطريقة، وحصلت له الإجازة منه وسافر إلى الحجاز للحج والزيارة مع والده سنة ثلاث
وعشرين وثلاثمائة وألف فحج وابتلى بالزحير بمكة المباركة ومات بها في ثالث محرم سنة أربع
وعشرين وثلاثمائة وألف فدفن بالمعلاة، وكان على قدم السلف الصالحين في الزهد والعفاف،
والصدق والإخلاص، وعلو الهمة في المجاهدة والعبادات، شديد الحب لشيخه، عظيم الأدب معه.
مولانا صابر الدين الجكوالي
الشيخ الفاضل صابر الدين بن برهان الدين الحنفي الجكوالي الجهلمي أحد العلماء الصالحين، ولد
في سنة ثمان وثمانين ومائتين وألف، وحفظ القرآن وقرأ الكتب الدرسية على والده وعلى القاضي
غلام محمد الجكوالي وعلى غيرهما من العلماء في بلاده، ثم سافر إلى كنكوه وأخذ الحديث عن الشيخ
المحدث رشيد أحمد الحنفي الكنكوهي، ثم رجع إلى بلاده وعكف على الدرس والإفادة.
وكان عالماً كبيراً، صالحاً متعبداً، كثير الخيرات، كريم العشرة، حسن الأخلاق.
توفي لسبع خلون من رجب سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة وألف.
مولانا صدر الدين الكاكوروي
الشيخ الفاضل صدر الدين بن رشيد الدين بن المفتي خليل الدين بن القاضي نجم الدين علي
الكاكوروي أحد الأفاضل المشهورين.
ولد سنة ثلاث وستين ومائتين وألف بكاكوري، وقرأ العلم على الشيخ تقي علي بن تراب علي
القلندر ولازمه مدة، وأخذ الهيئة والهندسة عن جده المفتي خليل الدين.
وكان صالحاً متين الديانة، ملازماً للأوراد، له إنشاءات بليغة، مات في شهر رجب سنة اثنتين
وثلاثين وثلاثمائة وألف بكاكوري.
نواب صديق حسن خان القنوجي أمير بهوبال
علامة الزمان، وترجمان الحديث والقرآن، محيي العلوم العربية، وبدر الأقطار الهندية، السيد
الشريف(8/1246)
صديق حسن بن أولاد حسن بن أولاد علي الحسيني البخاري القنوجي، صاحب المصنفات
الشهيرة والمؤلفات الكثيرة.
ولد يوم الأحد لإحدى عشرة بقين من جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين ومائتين وألف ببلدة بانس
بريلي موطن جده لأمه المفتي محمد عوض العثماني البريلوي، ثم جاء مع أمه الكريمة من بريلي إلى
قنوج موطن آبائه الكرام، فلما طعن في السنة السادسة من عمره توفي أبوه، فصار في حجر والدته
يتيماً فقيراً، وقرأ بعض أجزاء القرآن ومبادي الفارسية في الكتاب، وقرأ مختصرات الصرف والنحو
والبلاغة والمنطق على أخيه أحمد حسن بن أولاد حسن، وأقام شهوراً في فرخ آباد وفي كانفور،
وقرأ على أساتذتهما في النحو والمنطق والفقه والحديث قراءة غير منتظمة، ولقي العلماء والشيوخ
ولقي بعض خلفاء السيد الإمام أحمد بن عرفان الشهيد ودعاته وهم يعطفون عليه لأن والده من
أصحاب السيد الشهيد.
وسافر سنة تسع وستين ومائتين وألف إلى دهلي، فاعتنى به المفتي صدر الدين خان صدر الصدور
وأستاذ الأساتذة في دهلي وأنزله في بيت السري الفاضل نواب مصطفى خان، وكان بيته ملتقى
العلماء والشعراء والفضلاء والوجهاء من كل صنف وطبقة، فاستفاد بصحبتهم كثيراً في العلوم
والآداب وحسن المحاضرة، وقرأ على المفتي صدر الدين قراءة منتظمة وقرأ الكتب الآلية درساً
درساً، فقرأ مختصر المعاني، وشرح الوقاية، وهداية الفقه، والتوضيح والتلويح، وسلم العلوم
وشروحه، والميبذي والصدرا، والشمس البازغة، ومير زاهد وحواشيه، وشرح المواقف، وأربعة
أجزاء من الجامع الصحيح للبخاري قراءة، والباقي سماعاً، وسورة البقرة من تفسير البيضاوي،
وتحرير الأقليدس، والعقائد النسفية، وديوان المتنبي، ومقامات الحريري، وغير ذلك من الكتب
المقررة في العلوم المتداولة، وقرأ فاتحة الفراغ وهو في الحادية والعشرين من عمره، وأجازه المفتي
صدر الدين إجازة خاصة، وكتب له شهادة بالتحصيل ثم سافر للاسترزاق وأنزله سائق التقدير ببلدة
بهوبال المحروسة، فولاه الوزير جمال الدين الصديقي الدهلوي تعليم أسباطه، فقرأ في تلك الفرصة
القليلة نبذة صالحة من كتب الحديث، كصحيح مسلم، وجامع الترمذي، وسنن ابن ماجة، وسنن
النسائي والدراري المضيئة شرح الدرة البهية للشوكاني، كلها على القاضي زين العابدين بن محسن
الأنصاري اليماني نزيل بهوبال وقاضيها، وحصلت له الإجازة عن صنوه الكبير شيخنا حسين بن
محسن السبعي الأنصاري اليماني، والشيخ المعمر عبد الحق بن فضل الله العثماني النيوتيني.
وكان في بهوبال والحالة هذه إذ أخرجه الوزير المذكور من تلك البلدة ونفاه فسار إلى بلدة طوك
وألقى عصا التسيار عند السيد زين العابدين، ابن السيد أحمد علي الشهيد النصير آبادي ابن أخت
الشهيد السعيد السيد أحمد المجاهد الغازي، فشفع له عند وزير الدولة، أمير تلك الناحية، فرتب له
ثمانين ربية في كل شهر، فما لبث بها إلا قليلاً حتى ألقى الله في روع الوزير المذكور رأفة ورحمة
له، ورأى مصلحة في طلبه، فقدم بهوبال سنة ست وسبعين ومائتين وألف، وولي على تحرير
الوقائع، وزوجه الوزير بابنته التي أولادها كانوا يتعلمون منه.
وسافر سنة خمس وثمانين ومائتين وألف للحج، ودخل لثلاث بقين من رمضان في هذه السنة في
الحديدة، ودخل في الثالث عشر من ذي القعدة في مكة وقضى مناسك الحج، وبقي مدة إقامته في
الحديدة ومكة عاكفاً على انتساخ الكتب النادرة في الحديث واشتغل بذلك في منى، ونقل بقلمه بعض
الكتب المبسوطة، واقتنى عدداً من كتب الحديث، وقرأ كتب السنة على محدثي اليمن، وأخذ منهم
الإجازة في الحديث، وحصلت له الإجازة عن الشيخ يعقوب بن محمد أفضل العمري المهاجر سبط
الشيخ عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي، ورجع إلى بهوبال وولي نظارة المعارف فيها سنة ست
وثمانين ومائتين وألف، ثم ولي النظارة بديوان الإنشاء في أوائل شعبان من سنة سبع وثمانين
ومائتين وألف، وخلع عليه ومنح لقب خان.
وكان يتردد بحكم منصبه إلى نواب شاهجهان بيكم ملكة بهوبال ويمثل بين يديها، فألقى الله في قلبها(8/1247)
محبته فقربته إلى نفسها، وكانت أيماً، مات زوجها النواب باقي محمد خان قبل سنوات وقد اقترحت
عليها الحكومة الإنجليزية بالزواج ليكون زوجها بجوارها ليساعدها في شؤون الحكومة والإدارة،
فتزوجت به لما علمت من شرف نسبه وغزارة علمه واستقامة سيرته سنة سبع وثمانين ومائتين
وألف، وجعلته معتمد المهام سنة ثمان وثمانين ومائتين وألف، ومنحته أقطاعاً من الأرض الخراجية
تغل له خمسين ألف ربية في كل سنة، وخلعت عليه ولقبته الدولة البريطانية الحاكمة بالهند لعشر
خلون من شعبان سنة تسع وثمانين ومائتين وألف نواب والا جاه أمير الملك سيد محمد صديق حسن
خان بهادر ومنحته حق التعظيم في أرض الهند بطولها وعرضها باطلاق المدافع سبع عشرة طلقة،
وخلعت عليه بالخلع الفاخرة، ومنحه السلطان عبد الحميد خان في سنة خمس وتسعين ومائتين وألف
الوسام المجيدي من الدرجة الثانية.
وكان في أحسن حال ورخاء بال، مشتغلاً بالعلم والمطالعة مكباً على التأليف والتصنيف جامعاً بين
الرئاستين العلمية والعملية، إذ حدث ما أزعج باله وشغل خاطره فقد وشيت له سعايات، ودبرت عليه
مؤامرات، واحتقد عليه وكيل الحكومة الإنجليزية لدى الإمارات الهندية، فاتهمه بأنه حرض في بعض
مؤلفاته على الجهاد، وأنه مشمر عن ساق الجد والاجتهاد في نشر المذهب الوهابي في الهند، وهو
مذهب اتهم أصحابه بالخروج على الحكومة الإنجليزية، وعرفوا بنزعتهم إلى الجهاد، واعترض عليه
بأنه ألزم شاهجهان بيكم ملكة بهوبال الحجاب الشرعي ليستبد بأمور الحكومة ويطلق يده فيها، وغير
ذلك من التهم، فانتزعت منه ألقاب الإمارة والشرف التي منحته إياها الحكومة الإنجليزية، وألغي
الأمر باطلاق المدافع تعظيماً وكان ذلك في الرابع عشر من ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثمائة وألف، ثم
منع في العام القابل من التدخل إلى إدارة الحكومة ونظمها، وتنكرت له الوجوه، وشمت به الأعداء
وهو صابر محتسب، وزوجته أميرة البلاد ثابتة على الإخلاص والوداد، والوفاء والاتحاد، تبذل
جهدها في نفي هذه التهم، وإزالة هذه المحنة، وكان في ذلك إذ اعتراه مرض الاستسقاء ونفذ فيه
قضاء الله، وردت إليه الحكومة لقب الإمارة نوبا في سلخ ذي الحجة سنة سبع وثلاثمائة وألف وقد
فارق الدنيا ولقي الرفيق الأعلى.
اشتد به المرض وأعياه العلاج واعتراه الذهول والإغماء، وكانت أنامله تتحرك كأنه مشغول
بالكتابة، ولما كان سلخ جمادى الآخرة في سنة سبع وثلاثمائة وألف أفاق قليلاً، فسأل صاحبه الشيخ
ذا الفقار أحمد المالوي عن كتابة مقالات الإحسان وهو تأليفه الأخير الذي ترجم فيه فتوح الغيب
لسيدنا عبد القادر الجيلي هل صدر من المطبعة؟ فقال: إنه على وشك الصدور، ولعله يصل في يوم
وليلة، فحمد الله على ذلك وقال: إنه آخر يوم من الشهر، وهو آخر كتاب من مؤلفاتنا، فلما كان
نصف الليل فاضت على لسانه كلمة أحب لقاء الله قالها مرة أو مرتين، وطلب الماء واحتضر
وفاضت نفسه، وكان ذلك في ليلة التاسع والعشرين من جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثمائة وألف، وله
من العمر تسع وخمسون سنة وثلاثة أشهر وستة أيام، وشيعت جنازته في جمع حاشد، وصلى عليه
ثلاث مرات، وقد صدر الأمر من الحكومة الانجليزية أن يشيع ويدفن بتشريف لائق بالأمراء وأعيان
الدولة كما كان لو بقيت له الألقاب الملوكية والمراسيم الأميرية، ولكنه كان قد أوصى بأن يدفن على
طريقة السنة، فنفذت وصيته.
وكان مع اشتغاله بمهمات الدولة كثير الاشتغال بمطالعة الكتب وكتابة الصحف وجمع ما لا تنحصر
بحد وعد.
وله مصنفات كثيرة ومؤلفات شهيرة في التفسير والحديث والفقه والأصول والتاريخ والأدب قلما
يتفق مثلها لأحد من العلماء، وكان سريع الكتابة حلو الخط، يكتب كراستين في مجلس واحد بخط
خفي في ورق عال، ولكنه لا تخلو تأليفاته عن أشياء، إما تلخيص أو تجريد، أو نقل من لسان إلى
لسان آخر، وكان كثير النقل عن القاضي الشوكاني وابن القيم وشيخه ابن تيمية الحراني وأمثالهم،
شديد التمسك بمختاراتهم، وكان له سوء ظن بأئمة الفقه والتصوف جداً، لا سيما أبي حنيفة، والعجب
أنه كان يصلي على طريقة الأحناف فلا يرفع الأيدي في المواضع غير تكبير(8/1248)
التحريمة ولا يجهر
بآمين بعد الفاتحة ولا يضع يده على صدره وإن كان ليوتر بواحدة ويصلي ثمان ركعات في
التراويح.
وكان غاية في صفاء الذهن وسرعة الخاطر، وعذوبة التقرير وحسن التحرير، وشرف الطبع وكرم
الأخلاف، وبهاء المنظر وكمال المخبر، وله من الحياء والتواضع ما لا يساويه فيه أحد، ولا يصدق
بذلك إلا من تاخمه وجالسه، فإنه كان لا يعد نفسه إلا كأحد الناس، وهذه خصيصة اختصه الله بها
سبحانه، ومزية شرفه بالتحلي بها، فإن التواضع مع مزيد الشرف أحب من الشرف مع التكبر، ثم له
من حسن الأخلاق أوفر حظ وأجل، قل أن يجد الإنسان مثل حسن خلقه عند أصغر المتعلقين بخدمته.
ومن أعظم ما منحه الله سبحانه أن ألقى في قلبه محبة العلماء الربانيين، والميل إلى معالي الأمور،
ولذلك كان يتطلع إلى أخبارهم ويتبرك بآثارهم، وكان له ميل عظيم ومحبة زائدة بشيخنا الإمام فضل
الرحمن بن أهل الله البكري المراد آبادي، كان يذكره بالخير ويقول: إنه أحد العلماء الربانيين، ليس
له نظير في اتباع السنة السنية والزهد والاستغناء عن الناس، ولذلك استقدمه إلى بهوبال ليبايعه،
فأبى شيخنا الدخول وأرسل إليه عمامته ودعا له بالبركة وحسن الخاتمة، وأوصاه أن يواظب على
الاستغفار، فأخذ السبحة ولازم الاستغفار، حتى أنه كان يشتغل به آناء الليل والنهار، وإني سمعت
ولده أخانا في الله السيد نور الحسن عفا الله عنه كان يقول: إني لما رأيت السبحة بيده أول مرة
عجبت وسألته عن ذلك فأجابني أنه ألزم نفسه الاستغفار منذ أوصاه الشيخ، وتلك كرامة جليلة
صدرت عن أنفاس شيخنا الزكية، فإن أنوار الاستغفار لاحت عليه وازدات حيناً بعد حين حتى قلعت
مكارهه في آخر عمره وغلبت عليه الحالات السنية ثم وثم، حتى أنه وفق بالتوبة عما كان عليه من
سوء الظن بأئمة الفقه والتصوف، وكتب ذلك في آخر مقالات الإحسان ومقامات العرفان وهو ترجمة
فتوح الغيب للشيخ الإمام عبد القادر الجيلي رضي الله عنه وهو آخر مصنفاته، ثم بعثه إلى دار
الطباعة فطبع، ووصل إليه في ليلة توفي إلى رحمة الله سبحانه في تلك الليلة، أخبرني بذلك صاحبه
السيد ذو الفقار أحمد الحسيني المالوي.
وكان محافظاً على الصلوات في الجماعة، يصليها في أوائل أوقاتها، محافظاً على أداء الزكاة في كل
حول، وقد تبلغ زكاة أمواله إلى ألوف كثيرة، مكثراً من الصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ،
محافظاً على الأدعية المأثورة عند أوقاتها، متورعاً في الأموال، قد تخلى عما لا يحل له أخذه أو ما
يشك فيه، دائم البشر، حلو المنطق، مقلاً من الكلام، غير جاف ولا عبوس، كثير الحلم قليل الغضب،
عفيف اللسان لا يقترح لنفسه شيئاً، مشغول الفكر بالمطالعة والتأليف، حتى قد كان في بعض الأحيان
لا يميز بين أنواع الطعام المختلفة، منصفاً يعرف لأقرانه ولكثير ممن يخالفه فضلهم، يقول ولده السيد
علي حسن خان: إنه لا بلغه نعي العلامة عبد الحي بن عبد الحليم اللكهنوي وقد جرت بينهما
مباحثات ومناظرات علمية، وألف كل واحد منهما في الرد على صاحبه كتباً ورسائل وضع يده على
جبهته وأطرق رأسه برهة ثم رفع رأسه وعيناه تدمعان وهو يدعو للشيخ ويسترحم، وقال: اليوم
غربت شمس العلم، وقال: إن اختلافنا كان مقصوراً على تحقيق بعض المسائل، ثم أعلن الصلاة
على الغائب، وكان كثر التعظيم لأهل العلم شديد الاعتناء بجمع الكتب النادرة، ونشر علوم السنة
وكتب السلف، أنفق عليها الأموال الطائلة، فأمر بطبع تفسير ابن كثير مع فتح البيان وفتح الباري
للعلامة ابن حجر العسقلاني، وقد اشترى نسخته من الحديدة وكانت بخط ابن علان وطبعه بمطبعة
بولاق في مصر، وكلف طبعه خمسين ألف ربية، وأهداه إلى أهل العلم والمشتغلين بالحديث في الهند
وخارجها، وقد انتسخ سنن الدارمي عند قفوله من الحج والبحر هائج والسفينة مضطربة.
كان يقوم قبل الفجر فإذا صلى اشتغل بتلاوة القرآن والدعاء والذكر وقراءة جزء من الحصن
الحصين للجزري، حتى إذا ارتفعت الشمس اشتغل بسماع أخبار الإمارة وطلبات رجال الإدارة
ساعة، ثم يقبل إلى التأليف ومطالعة الكتب من غير أن يضيع دقيقة حتى ينتصف النهار ويدخل
الظهر، فيتغدى ويقيل ساعة ثم يصلي الظهر، ويشتغل إلى المغرب بالأمور الإدارية،(8/1249)
وقد يركب
للنزهة قبل المغرب فيتفرج قليلاً، ثم يصلي المغرب ويسمع الأخبار المهمة التي حملتها البرقيات
والملتقطات من بعض مقالات الجرائد والصحف، ثم يدرس في كتاب من كتب القرآن والسنة،
ويحضره بعض أبنائه وخاصة طلبة العلم، ويحضر بعض الشعراء والأدباء فيتذاكر معهم في الشعر
والأدب، ويتساجل في اللطائف الشعرية والنكت الأدبية، ثم يصلي العشاء وينصرف إلى النوم
والراحة.
كان معتدل القامة مليح اللون، مائلاً إلى الصباحة يغلب فيه البياض، ممتلىء الوجنات، أقنى الأنف،
واسع الجبين، أسيل الوجه، جميل المحيا، عريض ما بين المنكبين، له لحية قصيرة.
أما مؤلفاته فقد بلغ عددها إلى اثنين وعشرين ومائتين، فإذا ضمت إليها الرسائل الصغيرة بلغت إلى
ثلاثمائة، وقد جاءت أسماؤها في كتب كثيرة من تأليفه وتأليف غيره، وكان يفضل من مؤلفاته فتح
البيان، وعون الباري، والسراج الوهاج، وحضرات التجلي، والتاج المكلل، ومسك الختام، ونيل
المرام، وإكليل الكرامة، وحصول المأمول، وذخر المحتي، والروضة الندية، وظفر اللاضي، ونزل
الأبرار، وإفادة الشيوخ، وبدور الأهلة، وتقصار حجج الكرامة، ودليل الطالب، ورياض المرتاض،
وضوء الشمس، وخيرة الخير، ولسان العرفان، والدرر البهية، وانتقاد الحطة، ورسالة ذم علم الكلام،
والأربعين في الأخبار المتواترة، والمعتقد المنتقد، وأجوبة بعض أسولة الأعلام، ورسالة الاحتواء،
ورسالة الناسخ والمنسوخ، وإتحاف النبلاء.
وقد ألف بعدها كتباً أهمها أبجد العلوم في ثلاثة مجلدات، وله غير ذلك من المؤلفات استقصى
أسماءها ولده الأكبر السيد نور الحسن في مقدمة كتاب نيل المرام واستوعبها ابنه علي حسن في
سيرة والده التي سماها بمآثر صديقي فليرجع إليه.
صالحة بنت عناية رسول العباسية
المرأة الفاضلة العفيفة صالحة بنت عناية رسول بن القاضي علي أكبر العباسي الجرياكوثي إحدى
الصالحات القانتات، ولدت سنة أربع وثمانين ومائتين وألف بجرياكوث، ونشأت في مهد أبيها،
وقرأت عليه الكتب الدرسية، ولازمت أباها ملازمة طويلة حتى برعت في العلوم كلها، عقلياً كان أو
نقلياً، وفاقت أقرانها في تدبير المنزل والخياطة، وطبخ الأطعمة وغيرها، زوجها أبوها سنة تسع
وثلاثمائة وألف، وماتت في حياة أبيها سنة ثمان عشرة وثلاثمائة وألف.
حرف الضاد
المولوي ضياء الدين الدهلوي
الشيخ الفاضل ضياء الدين بن محمد بخش بن غلام حسين الدهلوي أحد العلماء المشهورين، كان
أصله من قرية بسي - بفتح الموحدة - من أعمال دهلي، وقرأ العلم على مولانا مملوك علي والمفتي
صدر الدين والحكيم أحمد علي وعلى غيرهم من العلماء، ثم ولي التدريس في المدرسة الكلية بدهلي،
فاشتغل به مدة من الدهر، ثم ناب الحكم في إحدى المتصرفيات من جهة الحكومة الانكليزية، ولقبته
الدولة بشمس العلماء وبخان بهادر، وأحيل إلى المعاش بعد برهة من الدهر، له رسالة في الطبعيات
بالأردو.
مات في سنة سبع وعشرين وثلاثمائة وألف.
السيد ضياء النبي الحسني الرائي بريلوي
السيد الشريف العفيف ضياء النبي بن سعيد الدين بن غلام جيلاني بن محمد واضح بن محمد صابر
بن آية الله بن الشيخ الكبير علم الله الحسني الحسيني الشيخ الأجل قطب الأقطاب النقشبندي
البريلوي.
بركة الدنيا وسر الوجود، ولب لباب العرفان، كان آية من آيات الله، ولد بمدينة رائي بريلي في
زاوية جده السيد علم الله المذكور حوالي سنة ثلاث وأربعين ومائتين وألف، ونشأ في تصون تام
وعفاف وتأله، وقرأ شيئاً نزراً من العلوم في بلدته، ثم سافر إلى دهلي راجلاً في عشرين يوماً،
وأدرك بها الشيخ أحمد سعيد وصنوه عبد الغني بن أبي سعيد العمري الدهلوي، وأقام في زاوية الشيخ
أحمد سعيد المذكور، وقرأ بعض(8/1250)
الكتب الدرسية على مولانا حبيب الله في سنتين، ثم استقدمه والده
إلى بلدته فأجابه ورجع ولبث عنده زماناً، ثم سافر إلى لكهنؤ وأقام في مسجد دبير الدولة عند المفتي
سعد الله المرادآبادي، وقرأ بعض الكتب الدرسية عليه وعلى غيره من العلماء، ثم رجع إلى الوطن
وأخذ الطريقة عن السيد الشريف خواجه أحمد بن محمد ياسين النصيرآبادي، وصحبه مدة من الزمان
بنصيرآباد، ثم رجع إلى بلدته وأقام بها مدة، ولما توفي السيد خواجه أحمد المذكور وشعر بحاجة إلى
زيادة وتكميل لازم صاحبه الخواجه فيض الله الأورنك آبادي اللكهنوي، وأخذ عنه وصار مجازاً في
الطريقة عنه، وسافر إلى الحجاز فحج وزار ورجع إلى الهند سنة ثلاث وتسعين ومائتين وألف،
وكانت جدتي فاطمة بنت عمه السيد محمد ظاهر بن غلام جيلاني البريلوي أيضاً في ذلك الركب.
فلما رجع إلى بلدته كثرت الوفود عليه من العلماء والمشايخ فانتفعوا به وأخذوا عنه الطريقة، منهم
الشيخ أبو الخير بن سخاوة علي العمري الجونبوري، والسيد محمد أمين بن محمد طه النصيرآبادي،
والشيخ الفاضل محمد البردواني، والشيخ إبراهيم بن عبد العلي الآروي، والمولوي عبد القادر بن
عبد الله الموي، وإني أيضاً صحبته برهة من الدهر وأخذت عنه الطريقة الأحسنية، وقرأت عليه في
صباي بعض الرسائل، ولما من الله علي بالمثول بين أيدي أئمة الحديث وأخذت عنهم ورجعت إلى
الوطن قرأ علي الحصن الحصين واستجازني، وتلك مفخرة عظيمة، لعل الله سبحانه يتجاوز عن
خطيئاتي ويعفو ويسامحني بذلك السبب ولله الحمد، وكان يحبني حباً مفرطاً، وزوجني بابنته خير
النساء سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وألف بعد ما توفيت زوجتي زينب بنت خالي السيد عبد العزيز
بن سراج الدين الحسيني الواسطي سنة تسع عشرة وثلاثمائة وألف.
كان عاكفاً على الذكر والعبادة وأداء الفرائض ونوافل الطاعات، منقطعاً إلى الله بقلبه وقالبه،
منصرفاً عما سواه، لا يجد الراحة إلا في الصلاة، فإذا صلى الصبح انتظر الظهر وقس على ذلك،
معلق القلب بالمسجد عظيم الخشوع في الصلاة، طويل القنوت فيها، قلما رأى الناس مثل صلاته
خشوعاً وقنوتاً وسكينة وابتهالاً، وكانت في بدنه وقدمه رعشة شديدة، وكان قد علا سنه، فإذا مشى
خيف عليه من السقوط، ولكنه إذا قام في الصلاة فكأنه سارية نصبت، لا يميل ولا يتحرك ولا يمل
ولا يتعب، ربما سمع القرآن في ليلة واحدة وهو قائم لا تضطرب قدمه، لا هم له إلا الدين والاستعداد
للآخرة، وقد بسط الله له في الرزق وورث عن أبيه قرى وأملاكاً، ولكن اكتفى من الدنيا ببلغة عيش
يتبلغ بها، ومال يسير يقتني به كتاباً جديداً من كتب الدين، أو يؤاسي به ذا حق أو صاحب حاجة،
وكانت له اليد العليا دائماً، يضيف أصحابه الذين بايعوه ويكرمهم، ولا يطوف على أصحابه ومبايعيه
مثل كثير من الشيوخ بل يأتونه ويقيمون عنده في غالب الأحوال، وكان شديد الاتباع للسنة، شديد
الكراهة للبدع ومحدثات الأمور، قوي الإفاضة على المستفيدين والمسترشدين، قوي النسبة، يشعر
الذين يجالسونه ويستفيدون منه بحلاوة في الصلاة والدعاء وحب لله ورسوله، وتتغير أحوالهم، يوالي
من والى الله، ويهجر من هجر الله ورسوله، ولا يداهن في دين الله أحداً، ولا يرعى في ذلك حقاً
وحرمة، من رآه أو عاشره عرف أن لله خلقاً خلقهم للآخرة وصدق قوله تعالى:
"إنا أخلصنهم بخالصة ذكرى الدار".
توفي لخمس عشرة خلون من ذي القعدة سنة ست وعشرين وثلاثمائة وألف، ودفن في مقبرة آبائه
في الجهة الشمالية الغربية من المسجد.
حرف الطاء
القاضي طلا محمد البيشاوري
الشيخ العالم الكبير القاضي طلا محمد بن القاضي محمد حسن بن محمد أكبر ابن خان العلوم
الأفغاني البيشاوري أحد العلماء المشهورين في بلاد الهند، لم يكن مثله في زمانه في معرفة الفنون
الأدبية، وكان جده قاضي القضاة بأفغانستان، وكذلك صنوه عبد الكريم وابن أخيه عبد القادر، وكان
طلا محمد متولياً بديوان الإنشاء في كلكته، وولده محمد أسلم كان والياً من(8/1251)
تلقاء الإنكليز في بعض
المتصرفيات.
وبالجملة فإنه كان من بيت العلم والمشيخة، تأدب على ذويه وتفقه، ثم أخذ الحديث عن السيد نذير
حسين الدهلوي المحدث المشهور، ولازم الشيخ الصالح عبد الله بن محمد أعظم الغزنوي واستفاد
منه، له نشاء الطرب في أشواق العرب مجموع لطيف، وله قصائد غراء في نصر السنة ومدح
أهلها، منها قوله:
راحت سليمى فقلبي اليوم في قلق ومهجتي من لهيب الوجد في حرق
علياء في نسب غيداء في طرب لمياء في شنب كحلاء في الحدق
إذا بدت في أناس قال قائلهم سبحان من خلق الإنسان من علق
فبارك الله في حسن إذا طرحت على المناكب فوديها ذوي الحلق
كأنها الصبح في نور وفودتها سرادق الليل قد سيطت على الفلق
البيت أرقني والوجد أحرقني والقلب في دهق والعين في أرق
كأنني تحت أقدامي لفي جمر لا أستطيع على حال من القلق
وله من أخرى:
قاسي بمحمل سلمى وارتقى شجني وأسقم الهجر في أشواقها بدني
أضنى الهوى بنيتي في العشق يا أسفا لولا علي من الأثواب لم ترني
فما بجفني لم تنظر إلى أحد وما لقلبي لم يرغب إلى سكني
قد زاد همي وعيل الصبر أجمعه إذ طافني طيفها وافتر عن وسني
فلا أنيس إليه منتهى جذلي ولا صديق إليه مشتكى حزني
وله من أخرى:
قفا برياض الشعب خير المنازل بدمع غزير في الصبابات سائل
لبك ربوعاً شتت البين أهلها وأقفرها بالقطر تسكاب وابل
منازل حسن لا محا الله رسمها وعمرها عوداً بتلك القبائل
ألما على آثار ليلى وربعها ودار حموها بالرماح الذوابل
فداء لها نفسي وقلبي ومهجتي وخالص أموالي وسربي ونائلي
أيا سمرات الحي من أرض حاجز سقتكن وسمى الحيا بالهواطل
عهدت بكن الحي في خير منزل فيا طيبه أكرم به من منازل
وله من أخرى في مدح شيخه نذير حسين:
أئمة أيد الله الكريم بهم دين النبي نبي الجن والبشر
لولاهم ما عرفنا الدين من سفه وما أصبنا الهدى صفواً بلا كدر
فرحمة الله والرضوان يتبعها عليهم ما بكى ورق على سمر
قوم هم أيدوا الإسلام واتبعوا وحي السماء عن الجبار فادكر
فازوا من الله بالغفران وارتفعوا في الخلد واتكأوا فيه على السرر
هم في رياض التقى كالغيث في هطل هم في سماء العلا كالأنجم الزهر
ففي مودتهم نافس وطب وانل وقر عيناً بلا حقد ولا وغر
إن رمت فوزاً فخذ وارو حديث نبي عن معدن الرشد لا تترك ولا تذر(8/1252)
فمعدن الرشد في هذا الزمان أرى هو الهمام إمام العصر ذا القدر
محدث العصر داماء العلوم ومهدي الخ لائق في بدو وفي حضر
أعنى نذير حسين السيد السند الع لامة المرتضى من سادة الغرر
وكيف لا وهو من أولاد سيدنا الم بعوث شافع يوم البؤس والضرر
عون لغيث وشيخي في الحديث به تغيبت منكرات البدع في العصر
ومستقيم على درس الكتاب كت اب الله جل عن الأوهام والفكر
وبعده بأحاديث النبي بها له الهيام هيام الواله الضجر
وله من هذه القصيدة:
يا رب يا سيدي يا منتهى أملي ما لي سواك لكشف الضر والضرر
يا ربنا ارحم على فقري ومسكنتي هب لي ذنوبي وباعدني عن السقر
يا رب أكرم علي عبد سهى وأسى في الذنب منغمس في الإثم منغمر
فكم سهى في مشيب العمر واجبه وكم أسى في شباب غير معتكر
أنت الغني فلا يخشى احتياجك في شيء وأنت الغني عني وعن وزري
لا تنكرن بنا الدنيا بعونك يا منجي الغريق عن الداماء ذي الخطر
يا خالق الخلق ما لي من ألوذ به بغير فضلك عند الحادث الغير
يا سيدي يا إله العرش يا أملي ويا غياثي ويا كهفي ومدخري
سبحان ربك رب العز عز وجل عما يقول أولو الأهواء والنكر
وله من أخرى:
يا خالقي عبدك الخاطي الحزين لقد أتاك منكسراً فاجبر لمنكسر
مستغفراً من ذنوب لا عداد لها بعفوك الجسم يا رحمن لا تذر
فلا تدعني مليك العرش مطرحاً بين النوائب والأسدام والغير
حسبي لدى الموبقات الصم أنت فلا نرجو سواك لنيل السؤل والوطر
عليك يا ذا العطايا جرى معتمدي في كل خطب أتى بالضير والضرر
فاغفر وأكرم عبيداً ما له عمل من الصوالح يا رحمن في العمر
لكنه تائب مما جناه فقد أتاك مستغفراً يخشى من السقر
فإن رحمت على من جاء مفتقراً فأنت أهل به يا رب فاغتفر
وإن تعذب فإني أهل ذاك وذا عدل قويم بلا لوم ولا نكر
ثم الصلاة على خير الخليقة من كفاه معجزة أن شق في القمر
وآله الطيبين الطهر قاطبة وصحبه المكرمين السادة الغرر
ما هبت الريح واهتز النبات بها وما تغنت حمام الأيك في السحر
توفي إلى رحمة الله سبحانه سنة عشر وثلاثمائة وألف بمكة المباركة فدفن بالصلاة.
السيد طلحة بن محمد الطوكي الحسني
السيد الصالح طلحة بن محمد بن نور الهدى بن(8/1253)
محمد علي بن عبد السبحان الشريف الحسني
البريلوي ثم الطوكي أحد العلماء المبرزين في الحديث والرجال والعربية، ولد بطوك سنة ثمان
وثلاثمائة وألف ونشأ بها، وسافر للعلم إلى لكهنؤ سنة ثمان عشرة وثلاثمائة وألف حين سافرت إلى
طوك، فرافقني في ذلك السفر عند رجوعي إلى مدينة لكهنؤ، وقرأ العربية على مولانا محمد فاروق
الجرياكوثي وعلى غيره من العلماء بدار العلوم التابعة لندوة العلماء ولبث بها أياماً، ثم رجع إلى
طوك وقرأ الكتب الدرسية على مولانا حيدر حسن ومولانا سيف الرحمن في المدرسة الناصرية، ثم
سافر إلى لاهور ونال درجة الفضيلة في المدرسة الكلية بها، ثم دخل دهلي وتطبب على الحكيم غلام
رضا خان الشريفي، وأقام ببلدة طوك وبمبىء زماناً طويلاً، كان يدرس ويتطبب، ثم دخل بلدتنا رائي
بريلي وتزوج بأختي شمس النساء بنت والدي المرحوم فخر الدين بن عبد العلي، رحمهما الله تعالى.
وهو من عشيرتي وبني أعمامي، رزقه الله سبحانه الذكاء المفرط والذهن الثاقب والحفظ السريع
والعمل الصالح، حفظ القرآن بعد فراغه من التحصيل في أربعة أشهر وقد دخل في سلك المعلمين في
الكلية الشرقية التابعة لجامعة بنجاب في سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وألف، واستقام على ذلك خمساً
وعشرين سنة، مشتغلاً بالإفادة والاستزادة في العلم والاستكثار من الدراسة والمطالعة، ودخل في
اختبارات كثيرة في الإنجليزية، ونال شهادة ماجستير فيها، حتى اعتزل الوظيفة بطلبه سنة إحدى
وستين وثلاثمائة وألف، وله نهامة بالعلم وطلب للمزيد الجديد، وحرص على الإتقان والتثبت، لا يجد
كتاباً جديداً إلا ويعكف عليه مطالعة، ولا يجد صاحب اختصاص في فن إلا ويغترف من علمه، له
مشاركة في أكثر الفنون النقلية والعقلية والأدبية والرياضية، واسع الاطلاع في التاريخ والتراجم،
مستحضر للسنين والحوادث، وله شغف بالنجوم والمواقيت يعرف سيرها وبروجها، ويحفظ الكثير
من أسمائها ومواقعها، كثير المحفوظ في الشعر العربي والفارسي والأردي، لطيف العشرة كثير
الانبساط، طارحاً للتكلف، انتقل سنة سبع وستين وثلاثمائة وألف إلى باكستان وأقام في كراجي
وسافر في سنة سبع وسبعين وثلاثمائة وألف إلى مصر والشام وقسطنطينية وزار مكتباتها، وألف
كتاباً في الحضارة في عهد النبي وفي عهد الصحابة، استوعب فيه من العادات والأدوات ومرافق
الحياة وأشكال المدنية، وما بلغت إليه العلوم والآداب في عصرهم، وجمع من ذلك الشيء الكثير الذي
قلما يوجد مثله في كتاب آخر، وله كتاب وسيط ألفه في بهوبال في بداية حاله في سيرة سيدتنا أم
سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وله مقالات علمية في إعجاز القرآن وبلاغته وهو ممن
يعمل بنصوص الكتاب والسنة، ولا يرى التقليد واجباً إلا أنه يتبع المذهب الحنفي في أكثر شؤونه
وعباداته.
توفي لسبع بقين من رجب سنة تسعين وثلاثمائة وألف.
حرف الظاء
القاضي ظفر الدين اللاهوري
الشيخ الفاضل ظفر الدين بن إمام الدين الحنفي اللاهوري أحد الأدباء المشهورين، ولد يوم الجمعة
سنة خمس وسبعين ومائتين وألف بقرية كوث قاضي، واشتغل بالعربية أياماً، وقرأ الحديث على
المفتي علاء الدين محمد تلميذ السيد نذير حسين الدهلوي، وقرأ الكتب الدرسية على أبي أحمد مراد
على تلميذ العلامة فضل حق الخيرآبادي وعلى المولوي عبد الله تلميذ المفتي سعد الله المراد آبادي
وعلى المولوي محمد الدين تلميذ المفتي لطف الله الكوئلي، ثم تأدب على الشيخ فيض الحسن
السهارنبوري، وقرأ عليه الكتب الطبية وبعض المعقول والحديث، وأخذ الفقه والأصول عن الشيخ
غلام قادر البهيروي، ثم ولي التدريس في المدرسة العالية بلاهور فدرس وأفاد بها مدة حياته.
ومن مصنفاته الباكورة الشهية في شرح الألفية، ونيل المرام في أصول الأحكام، ونيل الأرب من
مصادر العرب، وسلك الجواهر، والعلق النفيس، وسبيل النجاة، وله غير ذلك من الرسائل.
وهو أصدر مجلة شهرية في العربية من بلدة لاهور سماها نسيم الصبا وله شعر حسن بالعربي.
توفي لست بقين من رمضان سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وألف.(8/1254)
السيد ظفر مهدي الجرولي
الشيخ الفاضل ظفر مهدي بن حسن ذكي الحسيني الموسوي الجرولي أحد علماء الشيعة، ولد بخمس
عشرة خلون من رجب سنة تسع وثلاثين ومائتين وألف بقرية جرول من أعمال بهرائج، وسافر للعلم
إلى مدينة لكهنؤ فقرأ في المدرسة السلطانية على المفتي محمد علي وعلى ولي محمد حسين
الجائسي، وتفقه على السيد محمد بن دلدار على المجتهد اللكهنوي، وبرع أقرانه في كثير من العلوم.
وله التآليف بالهندية والفارسية، منها حديقة السادات بالهندية، وروض الصادقين، وتهذيب الخصائل،
ونخبة الأخبار.
مات لسبع عشرة خلون من صفر سنة عشرين وثلاثمائة وألف، أخبرني بها محمد بن يوسف
السورتي.
مولانا ظهور الإسلام الفتحبوري
الشيخ الصالح ظهور الإسلام بن حسن علي الحسيني الكاظمي النيسابوري الفتحبوري أحد عباد الله
الصالحين.
ولد بدلمئو من أعمال رائي بريلي، ونشأ في خؤولته، واشتغل بالعلم وسافر إلى البلاد حتى دخل
عليكره وقرأ الكتب الدرسية على المفتي لطف الله الكوئلي، ثم جاء إلى لكهنؤ وقرأ الحديث وبعض
الكتب على العلامة عبد الحي ابن عبد الحليم الأنصاري اللكهنوي، وأسند الحديث عن القارىء عبد
الرحمن ابن محمد الأنصاري الباني بتي، وعن شيخنا وبركتنا الإمام فضل الرحمن البكري المراد
آبادي وبايعه وأخذ عنه الطريقة، ثم أسس مدرسة عربية ببلدة فتحبور ودرس وأفاد مدة.
وكان صاحب علم ظاهر وباطن، كثير التواضع والانكسار، كثر البر والإحسان، شديد الإيثار عميم
النفع، ذا خلق حسن، لا يتميز عن الناس بشيء ولا يتصدر في المجلس، وكان يقوم الليل، ويلازم
النوافل، ويواظب على الجماعة وحضور المسجد، وسافر إلى الحجاز مرتين فحج وزار غير مرة.
انتفع خلق كثير بمجالسه وصحبته، وقد غرس الإيمان وحب الإسلام في نفوس عدد من عظماء
الهنادك، وبعض الأسر الشريفة منهم، فرفضت الأوثان وآمنت بالتوحيد، وحافظت على الصلاة
والصيام وتلاوة القرآن، وكان من الأعضاء العاملين في ندوة العلماء، ومن الذين يرون الجمع بين
التعليم الديني والتعليم العصري.
توفي إلى رحمة الله سبحانه ليلة الجمعة لسبع ليال بقين من جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين
وثلاثمائة وألف ببلدة فتحبور.
مولانا ظهور الحسن الرامبوري
الشيخ الفاضل ظهور الحسن بن نياز الله الحنفي الرامبوري أحد الأفاضل المشهورين، ولد ونشأ
برامبور، وقرأ العلم على مولانا إرشاد حسين وعلى غيره من العلماء، ودرس زماناً في المدرسة
العالية برامبور، ثم سافر إلى راندير بقرب سورت فأقام هناك مدة، ثم تصدر بالمدرسة الحنفية في
جونبور ودرس بها، ثم رجع إلى رامبور وولي التدريس في المدرسة الإنكليزية، وكان يعتقد علم
الغيب في النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ويجوز الأذان على القبر ونحو ذلك من المسائل البدعية،
وكان يعتقد في مولوي أحمد رضا خان البريلوي خيراً كثيراً.
مات في الثاني عشر من جمادى الثانية سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة وألف.
مولانا ظهور أحسن النيموي
الشيخ العالم الفقيه ظهير أحسن بن سبحان علي الحنفي النيموي العظيم آبادي أحد العلماء المبرزين
في الفقه والحديث، ولد ونشأ بقرية نيمي - بكسر النون وسكون التحتية - قرية من أعمال عظيم
آباد، اشتغل بالعلم من صغره وسافر إلى لكهنؤ وقرأ على العلامة عبد الحي بن عبد الحليم اللكهنوي
وعلى غيره من العلماء، وبايع الشيخ الإمام فضل الرحمن بن أهل الله البكري المراد آبادي، واشتغل
بقرض الشعر مدة طويلة، ثم وفقه الله سبحانه لخدمة الحديث الشريف، وكان قد رأى ذات ليلة في
المنام أنه يحمل فوق رأسه جنازة(8/1255)
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فعبر هذا الرؤيا بأن يكون حاملاً
لعلمه، فشمر عن ساق الجد واشتغل بالحديث، وصنف آثار السنن وهو كتاب نادر غريب، ثم علق
عليه تعليقاً حسناً سماه التعليق الحسن على آثار السنن ثم علق على هذا التعليق تعليقاً سماه بتعليق
التعليق وكل ذلك من أول أبواب الطهارة إلى آخر أبواب الصلاة، أوله: نحمدك يا من جعل صدورنا
مشكاة لمصابيح الأنوار، ونور قلوبنا بنور معرفة معاني الآثار، إلخ، قال في خطبة الكتاب، إن هذه
نبذة من الأحاديث والآثار، وجملة من الروايات والأخبار انتخبتها من الصحاح والسنن والمعاجم
والمسانيد، وعزوتها إلى من أخرجها، وأعرضت عن الإطالة بذكر الأسانيد، وبينت أحوال الروايات
التي ليست في الصحيحين بالطريق الحسن، انتهى.
وللشيخ ظهير أحسن مصنفات غير ذلك الكتاب منها أوشحة الجيد في تحقيق الاجتهاد والتقليد
والحبل المتين وكان عالي الكعب، واسع الاطلاع دقيق النظر في الحديث والرجال ونقد الحديث
ومعرفة علله وطبقاته، تلقى كتابه آثار السنن بالقبول، وعنى به علماء هذا الشأن.
توفي نحو سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وألف.
حرف العين
مولانا عابد حسين الفتحبوري
الشيخ العالم الصالح عابد حسين بن محمد حسين الحنفي اللكهنوي ثم الفتحبوري من ذرية القاضي
حبيب الله العثماني الكهوسوي، جد الشيخ غلام نقشبند بن عطاء الله اللكهنوي، الأستاذ المشهور، كان
من العلماء المتورعين.
ولد ونشأ ببلدة لكهنؤ، وانتقل مع والده إلى فتحبور، قرية جامعة من أعمال باره بنكي من بلاد أوده،
واشتغل بالعلم على مولانا نذير علي اللكهنوي، فقرأ عليه الكتب الدرسية، ثم تصدى للدرس والإفادة
في حياة شيخه وصار من أكابر العلماء، لقيته في محمد بور من أعمال باره بنكي فوجدته شيخاً
منوراً وقوراً متواضعاً، حسن الشكل حسن الأخلاق، حلو المنطق.
مات يوم الوقوف من ذي الحجة سنة خمس وأربعين وثلاثمائة وألف، ودفن بفناء مسجده بفتح بور
بجوار شيخه الشيخ نذير علي.
أبو الفضل عباس بن أحمد الشرواني
الشيخ الفاضل عباس بن أحمد بن محمد بن علي بن إبراهيم الشيعي الشرواني ثم المالوي، كان من
العلماء المبرزين في التاريخ والإنشاء والشعر، أصله من همدان، انتقل جده منها إلى شروان وسكن
بها، ثم ورد الهند وانتفع بآصف الدولة أمير ناحية الأوده، ثم ذهب إلى اليمن وتزوج بها، وولد له
منها أحمد، وانتقل أحمد إلى أرض الهند وتزوج ببلدة لكهنؤ، فولد بها عباس بن أحمد لثمان بقين من
شوال سنة إحدى وأربعين ومائتين وألف، ونشأ في مهد والده وأخذ عنه وساح البلاد، ثم سكن بمدينة
بهوبال من بلاد مالوه، رأيته بها وجالسته وهو ما بين الكهولة والشيخوخة فوجدته بارعاً في التاريخ
والإنشاء مداعباً مليح القول، كثير الإعجاب بنفسه.
وله مصنفات في التاريخ منها فيروز نامه في تاريخ الدولة العثمانية، وجارجمن في تاريخ الدكن،
وقلائد الجواهر في أحوال البواهر.
لم يعثر على سنة وفاته، ومن المرجح أنه مات في العقد الأول من القرن الرابع عشر الهجري
ببهوبال، ودفن بها.
المفتي عباس بن علي اللكهنوي
الشيخ الفاضل المفتي عباس بن علي بن جعفر بن أبي طالب بن نور الدين ابن نعمة الله الموسوي
الحرائري التستري ثم اللكهنوي أحد كبار الأدباء.
قدم جده جعفر بن أبي طالب إلى الهند وسكن بلكهنؤ، وولد بها عباس في آخر ربيع الأول سنة أربع
وعشرين ومائتين وألف ونشأ بها، واشتغل على عبد القوي الحنفي تلميذ السيد محمد مخدوم الحسيني
اللكهنوي وقرأ عليه الرسائل المختصرة بالفارسية، ثم اشتغل على مولانا عبد القدوس الحنفي
اللكهنوي وقرأ عليه رسائل النحو والصرف وغيرهما، ثم تتلمذ على(8/1256)
مولانا قدرة علي الحنفي
اللكهنوي وقرأ عليه كتب المنطق والحكمة والحساب والهيئة والهندسة وسائر الفنون المتعارفة، وقرأ
الكتب الطبية على مرزا غوث علي تلميذ آقا صاحب، وعلى حكيم مرزا علي خان اللكهنوي وتطبب
عليه، ثم لازم السيد حسين بن دلدار علي المجتهد اللكهنوي وقرأ عليه الفقه والحديث وبعض الكتب
الدرسية، وصحبه مدة طويلة حتى صار صاحب سره، وجعله السيد حسين المذكور مجازاً عنه في
رواية الأخبار المأثورة عن الأئمة الأخيار وكتب له الإجازة، فاشتغل بالدرس والإفادة، وولي التدريس
في المدرسة السلطانية في عهد أمجد علي شاه، واستقام على تلك الخدمة ثلاث سنين، ثم ولي الإفتاء
في ديوان الوزارة سنة إحدى وستين ومائتين وألف، ولم يزل على تلك الخدمة مدة طويلة، ولقب من
قبل ملك أوده بتاج العلماء وافتخار الفضلاء، وكان واجد علي شاه آخر ملوك أوده يبالغ في إكرامه،
وطلبه إلى كلكته حيث كان منفياً، فأقام بها مدة ثم رجع بعد وفاته إلى لكهنؤ وانصرف إلى الدرس
والإفادة والتأليف، واستفاد منه خلق كثير في الأدب والإنشاء من الشيعة وأهل السنة.
وكان بارعاً في الأدب والإنشاء وقرض الشعر باللغة الفارسية والعربية، حافل القريحة حاضر
البديهة من المؤلفين المكثرين، يكاد يبلغ عدد مؤلفاته ما بين صغير وكبير إلى مائة وخمسين.
له من المؤلفات مزدوجات كثيرة طويلة، أشهرها من وسلوي وديوان رطب العرب وقصائد كثيرة،
ومعراج المؤمنين في مجلدين في الطهارة والصلاة، وبناء الإسلام في الصوم، والشريعة الغراء في
الفقه ورياض الإنشاء وأجزاء في التفسير، وخلاصة جامع الأصول، وحواش على شروح السلم،
وحواش على تحرير الأقليدس، والظل الممدود في الإنشاء العربي، وظل ممدود في الإنشاء الفارسي،
وغير ذلك من المؤلفات.
مات لأربع بقين من رجب سنة ست وثلاثمائة وألف في لكهنؤ، ودفن في حسينية العلامة السيد
دلدار على المجتهد، كما في تذكرة بي بها.
السيد عبد الأحد الكانبوري
الشيخ الصالح عبد الأحد بن عبد الرحمن بن آل نبي بن محمد همام بن بركة الله بن عبيد الله بن
مدينة الله بن أبي محمد بن فتح عالم بن القاضي السيد محمد ابن القاضي السيد محمود الحسني
الحسيني النصير آبادي، من ذرية محمد بن عبد الله ابن حسن بن حسن السبط، عليه وعلى جده
السلام، نسبه ونسبنا يجتمع في القاضي محمود المذكور، وكان من المشايخ الأعلام، أخذ العلم عن
خاله الشيخ سارج الدهر بن أمين الدهر الصديقي الجائسي، وعن الشيخ بهادر علي الكواليري، ثم
لازم الشيخ سلامة الله الصديقي البدايوني ببلدة كانبور، وسكن بها في بيت صهره السيد شجاعة علي
الدلموي، وصحب شيخه سلامة الله مدة طويلة حتى صار صاحب سره وحامل علمه في الطريقة
القادرية.
وكان شيخاً كبراً صالحاً، مشكلاً حسناً منور الشبيه، حلو اللفظ والمحاضرة، ذا بشاشة للناس، مشتغلاً
بالعبادة لا يراه أحد إلا في بيته أو في المسجد، وكان يحبني حباً مفرطاً، أخذت عنه بعض الأعمال.
وكانت وفاته في سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة وألف، وقبره في جاجمئو من أعمال كانبور.
القاضي عبد الأحد الخانبوري
الشيخ العالم الصالح عبد الأحد بن القاضي محمد حسن الخانبوري، أحد العلماء البارعين في الفقه
والحديث، ولد عشاء ليلة الاثنين لأربع عشرة خلون من جمادى الآخرة سنة ثمان وستين ومائتين
وألف، ونشأ في مهد العلم، وقرأ على أبيه، ثم أخذ الحديث عن السيد نذير حسين الدهلوي المحدث،
وصحب الشيخ الكبير عبد الله الغزنوي واستفاد منه.
الشيخ عبد الأول الجونبوري
الشيخ الفاضل عبد الأول بن كرامة علي بن إمام بخش بن جار الله بن كل محمد بن محمد دائم
الجونبوري، أحد الأدباء المشهورين.(8/1257)
ولد سنة أربع وثمانين ومائتين وألف بجزيرة سنديب - بضم السين المهملة - من أرض البلاد
الشرقية، ونشأ في حجر والده وحفظ القرآن، واشتغل بالعلم على تلامذة مولانا عبد الحي بن عبد
الحليم اللكهنوي، وقرأ أوائل التلويح على التوضيح على الشيخ الكبير مولانا محمد نعيم بن عبد
الحكيم النظامي اللكهنوي بمدينة لكهنؤ، وقرأ شرح العقائد، وشرح السلم لملا حسن، وشرح التهذيب
لملا جلال، والرسالة القطبية، وحاشيتي بحر العلوم على السيد شير علي البلند شهري بمدينة
جونبور، ثم سافر إلى الحجاز وأخذ عن الشيخ رحمة الله بن خليل الرحمن الكرانوي المهاجر،
والشيخ عبد الله بن السيد حسين المرحوم، قرأ عليه كتب الحديث، ثم لازم الشيخ عبد الحق بن شاه
محمد الإله آبادي المهاجر وقرأ عليه كتب التفسير والحديث والأوراد، وسمع منه وروى عنه، وله
إجازات عن محدثي الحرمين، وكان في بلاد العرب أقل من سنتين، وحج مرتين: مرة عن نفسه،
ومرة عن أمه.
وهو واعظ فصيح اللسان، ظاهر البيان، حسن العبارة، حلو الإشارة مجود القراءة، حسن الخطين،
سريع اليراع، أسمر اللون، مربوع القامة، كث اللحية، وله أشعار رائقة بالعربية، وقد جاوزت
مؤلفاته مائة كتاب ورسالة.
ومن مصنفاته الطريف للأديب الظريف، والمنطوق في معرفة الفروق، وعرائس الأفكار في مفاخرة
الليل والنهار، والتليد للشاعر المجيد، والرديف لتالي الطريف، وأحسن الوسائل في حفظ الأوائل،
والطريق السهل إلى حال أبي جهل، والمحاكمة بين فضيلة عائشة وفاطمة، والبسطى في بيان الصلاة
الوسطى.
ومن شعره قوله:
لعمرك ما الدنيا بذات تودد لا تبغ فيها عيشة قم ومهد
ألم تر أسلافاً مضوا لسبيلهم وما أخبروا عن حالهم مثل جلمد
وبانوا عن الدنيا وعن دورهم نأوا وأنت تلاقيهم فاعرض عن الدد
ولم أر مثل الموت للناس منهلاً ويأتي ولو كانوا بقصر مشيد
ألا فاذكرن ضيق القبور ووحشة وراقب منوناً بالتقى والتزود
ولا تفخرن بالجاه تلق الأسى به ألا فاعبدن وازهد لنفسك تسعد
مات لاثنتي عشرة خلون من شوال سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وألف في كلكته ودفن بها، وأرخ
لوفاته بعضهم بقوله: فله أجر عظيم.
مولانا عبد الباري العظيم آبادي
الشيخ الفاضل عبد الباري بن تلطف حسين بن روشن علي بن حسين علي ابن لطف علي بن
حبيب الله بن علي أكبر بن كمال الدين البكري النكرنهسوي العظيم آبادي أحد العلماء المبرزين في
العلوم العقلية.
ولد في نكرنهسة قرية من أعمال عظيم آباد، ونشأ في مهد العلم وقرأ المختصرات في بلاده، ثم قدم
لكهنو وقرأ الكتب الدرسية على العلامة عبد الحي ابن عبد الحليم الأنصاري اللكهنوي، وكان ذكياً
فطناً، حاد الذهن جيد القريحة، سريع الحفظ، برع أقرانه في العلوم الحكمية، وتطبب على شيخنا عبد
العلي بن إبراهيم اللكهنوي، ثم سافر إلى دهلي وأخذ الحديث عن شيخنا السيد نذير حسين الدهلوي
المحدث، ثم رجع إلى بلاده وتصدر للمداواة ببلدة عظيم آباد، ورزق من حسن القبول ما لم يرزق
أحد من الأطباء في بلاده غير الشيخ عبد الحميد بن أحمد الله الصادقبوري، لقيته غير مرة بعظيم
آباد، فوجدته في أول رحلتي إلى تلك البلدة من المتنعمين، لا يهمه إلا الأكل والنوم، ثم وجدته في
المرة الثانية والثالثة، كأنه انتبه من رقدة الغفلة وكان يدرس القرآن الكريم كل ليلة بعد صلاة
المغرب، مائلاً إلى الصلاح، حتى مرض بالاستسقاء، ولما أشرف على الموت استدعى السيد محمد
علي بن عبد العلي الكانبوري قدومه إلى عظيم آباد، وكان حينئذ ببلدة لكهنؤ، فذهب إليه وأدخله في
الطريقة، فتاب على يده وأتاب، تاب الله عليه.(8/1258)
وكانت وفاته نحو سنة ثمان عشرة وثلاثمائة وألف.
السيد علي الباري السهسواني
الشيخ العالم الكبير عبد الباري بن سراج أحمد بن آل أحمد الحسيني النقوي السهسواني أحد العلماء
المبرزين في العلوم العربية ولد بسهسوان سنة ست وستين ومائتين وألف، وقرأ العلم على مولانا
أمير حسن السهسواني ولازمه مدة من الزمان، ثم سافر إلى دهلي وأخذ الحديث عن شيخنا السيد
نذير حسين الدهلوي المحدث.
وكان مفرط الذكاء سريع الإدراك قوي الحفظ، جيد المشاركة في العلوم، له يد بيضاء في البحث
والمناظرة، يحضر المجالس والمحافل، يتكلم ويناظر ويفحم الكبار من أحبار الهنود والنصارى.
له تعليقات على الكتب الدرسية ومصنفات أخرى، منها إعلام الأحبار والأعلام أن الدين عند الله
الإسلام كتاب مبسوط في الرد على النصارى، وله هداية المبتدعين، وترجمة القائد إلى العقائد، وله
غير ذلك من الرسائل، مات بعد الحج والزيارة بمدينة بهوبال لتسع خلون من ذي الحجة سنة ثلاث
وثلاثمائة وألف، كما في حياة العلماء.
مولانا قيام الدين عبد الباري الفرنكلي محلي اللكهنوي
الشيخ الفاضل عبد الباري بن عبد الوهاب بن عبد الرزاق الأنصاري اللكهنوي أحد العلماء
المشهورين.
ولد في سنة خمس وتسعين ومائتين وألف بمدينة لكهنؤ، واشتغل بالعلم على مولانا عبد الباقي بن
علي محمد الأنصار اللكهنوي، وقرأ عليه أكثر الكتب الدرسية، وبعضها على مولانا عين القضاة بن
محمد وزير الحسيني الحيدرآبادي، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار سنة اثنتين وعشرين
وثلاثمائة وألف وأسند الحديث عن المشايخ الأجلاء، منهم السيد علي ظاهر الوتري المدني، والسيد
أمين رضوان، والسيد أحمد البرزنجي، والسيد عبد الرحمن الكيلاني نقيب الأشراف وغيرهم،
واشتغل بالتدريس بقوة وجد، ولما تأسست المدرسة النظامية في فرنكي محل بسعيه بدأ يدرس فيها
وفي خارجها، وأكثر اشتغاله في الأخير بالحديث والقرآن، وكان له درس في المثنوي للعارف
الرومي في بيته، وتخرج عليه عدد كبير من الفضلاء.
وكانت له عناية بالمؤسسات العلمية، والمشاريع التعليمية، واتصال بالحياة العامة، وعطف على
قضايا المسلمين، وانغماس زائد في الحركة السياسية، وكان من قادة حركة الخلافة المتحمسين، ومن
كبار المؤيدين لقضية الخلافة العثمانية، يحرض على تأييدها بكل وسيلة، ويجمع الإعانات ويعقد
الحفلات، ويقوم في سبيلها بالجولات والرحلات، ويهاجم الانجليز والحلفاء مهاجمة عنيفة سافرة،
وحصل له القبول العظيم، وذاع صيته في الآفاق، وبايعه محمد علي وشوكت علي من زعماء حركة
الخلافة، وأصبح منزله مركزاً كبيراً للندوات السياسية، ومضيفاً لكبار الزعماء والقادة، ومشاهير
العلماء والعظماء من المسلمين وغير المسلمين، أسس جمعية سماها خدام الكعبة لحماية المقدسات
الإسلامية، ولما نشبت الحرب العالمية الأولى وأفتى بعض العلماء بعدم إعانة الأتراك رفض الشيخ
عبد الباري أن يفتي بذلك، وكان من كبار أنصار جمعية الخلافة، ومن الدعاة إلى التعاون السياسي
بين المسلمين والهندوس واتحادهم لمحاربة العدو المشترك، وأيد حركة مقاطعة البضائع الأجنبية،
وأسس جمعية العلماء سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وألف، ولما دخل الملك عبد العزيز بن سعود في
الحجاز وأزال القباب والأبنية عن البقيع والمعلاة وأيدته لجنة الخلافة وهاجمت الشريف حسين والي
الحجاز اعتزل الشيخ لجنة الخلافة وخالفها، وأسس في سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وألف جمعية
سماها خدام الحرمين لمعارضة الحكومة السعودية وتصرفاتها، وعقد لذلك الحفلات العظيمة، وخطب
فيها الخطب المثيرة.
ودام على هذا النشاط السياسي والحركة الدائبة إحدى وعشرين سنة، لا يفتر ولا يهدأ، والناس بين
إقبال إليه وإدبار، وإطراء وانتقاد، حتى أصيب بالفالج لليلتين خلتا من رجب سنة أربع وأربعين
وثلاثمائة وألف وغشى عليه، وتوفي بعد يومين لأربع خلون من(8/1259)
رجب سنة أربع وأربعين وثلاثمائة
وألف.
كان جسيماً وسيماً، مربوع القامة ضارباً إلى القصر، وردي اللون، قوي البنية، مفتول الأعضاء،
مواظباً على الرياضة البدنية، سريع السير، كان سخياً جواداً مضيافاً، لا يخلو منزله من الضيوف،
مبالغاً في الإكرام، وكان شجاعاً جريئاً، دموي المزاج، تعتريه الحدة في أكثر الأحيان ويغلب عليه
الغضب، فيتجاوز حد الاعتدال، وكان وقوراً مهيباً، غيوراً فيما يتصل بالإسلام والمسلمين ويمس
حرمة علماء الدين، وكان شديد المحافظة على الصلاة بالجماعة سفراً وحضراً، لا يسافر إلا مع اثنين
من الرفاق، لئلا تفوته الجماعة حتى في القطار، وكان مواظباً على الأوراد والرواتب.
له مصنفات عديدة، منها آثار الأول من علماء فرنكي محل، وحسرة المسترشد بوصال المرشد،
والتعليق المختار على كتاب الآثار، وله رسالة في حلة الغناء، وتعليقات على السراجية في الفرائض
ورسالة في الهيئة القديمة والجديدة، ومؤلفات في الفقه، منها التعليق المختار، ومجموع فتاوي، وفي
أصول الفقه ملهم الملكوت شرح مسلم الثبوت، وفي الحديث الآثار المحمدية والآثار المتصلة،
والمذهب المؤيد بما ذهب إليه أحمد، وله غير ذلك من الرسائل وحواش على الكتب الدرسية.
مولانا عبد الباقي اللكهنوي
الشيخ العالم الصالح عبد الباقي بن علي محمد بن محمد معين بن ملا محمد مبين الأنصاري
اللكهنوي، أحد العلماء المبرزين في العلوم الآلية والعالية.
ولد في سنة ست وثمانين ومائتين وألف بمدينة لكهنؤ، وقرأ النحو والصرف على العلامة عبد الحي
بن عبد الحليم اللكهنوي مشاركاً لختنه محمد يوسف وقرأ بعض الكتب على مولانا حفيظ الله البندوي،
وبعضها على مولانا عين القضاة ابن محمد وزير الحيدر آبادي، وقرأ شرح هداية الحكمة للميبذي
على مولانا فضل الله ابن نعمة الله، وهداية الفقه على شيخنا محمد نعيم بن عبد الحكيم النظامي،
وكنت مشاركاً له في القراءة والسماع في شرح هداية الحكمة وهداية الفقه، وأخذ الطريقة عن الشيخ
عبد الرزاق بن جمال الدين اللكهنوي.
ودرس وأفاد مدة من الزمان ببلدته، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار وأخذ الحديث عن
المشايخ الأجلاء، ثم سكن بمدينة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع عفة وقناعة وتوكل على الله سبحانه
واشتغال بالتدريس ومطالعة الكتب.
وله مصنفات عديدة، منها حسرة الفحول بوفاة نائب الرسول، والمنح المدنية في مختارات الصوفية،
ورسالة في مبحث الغناء، ورسالة في تحقيق علم الغيب، وله غير ذلك من الرسائل.
توفي إلى رحمة الله لأربع بقين من ربيع الثاني سنة أربع وستين وثلاثمائة وألف، ودفن في جنة
البقيع.
مولانا عبد الجبار العمر بوري
الشيخ الفاضل عبد الجبار بن بدر الدين العمر بوري، أحد العلماء المبرزين في المعارف الأدبية.
ولد في جمادى الآخرة سنة سبع وسبعين ومائتين وألف بعمر بور قرية من أعمال مظفر نكر، وقرأ
النحو والصرف والبلاغة، وبعض رسائل المنطق على المولوي غلام علي القصوري والمولوي عبد
العلي الحنفي نزيل أمرتسر والمولوي إبراهيم الشيعي الباني بتي، وقرأ الفقه والأصول وبعضاً من
الحديث الشريف على مولانا محمد مظهر النانوتوي والشيخ أحمد علي بن لطف الله السهارنبوري،
والعلوم الحكمية على المولوي حسن أحمد، والفنون الأدبية على العلامة فيض الحسن السهارنبوري،
ثم لازم السيد نذير حسين الدهلوي المحدث وأخذ عنه الحديث، وولي التدريس في مقامات عديدة.
وله رسائل في الخلاف والمذهب، بعضها في إنكار مجلس المولد، وبعضها في إبطال التقليد، وله
ديوان الشعر العربي، ومن قصائده قوله في ندوة العلماء سنة 1318 هـ.
لحا الله دنيا فتنتني بزهرة وقد أوقعتني في بلاء وحيرة
بخضرتها أشواك يأس وحسرة بنضرتها أسقام روح ومهجة(8/1260)
غدائرها حيات حزن ووحشة عقارب أدواء وزور ونكبة
لقد لدغت من كان يهوى وصالها فلا زال في بؤس وكرب ونقمة
فليس له راق وواق ونافع ولم يسترح من كربة وصعوبة
زخارفها قد هيجت لوعة الهوى فاورت بنفسي والفؤاد بشعلة
فحدثت قلبي هل لنفسي مسكن يروحني من حر سوء وشدة
ولست بناج من حرور مشوش سوى أن يغيث الرب من غيث رحمة
فقال فؤادي لا تكونن قانطاً بلى قد سمعنا آنفاً بمسرة
نسيم الصبا جاءت بريا مفرح تهنئنا خيراً بفيضان ندوة
مولانا عبد الجبار الغزنوي
الشيخ العالم المحدث عبد الجبار بن عبد الله محمد أعظم الغزنوي ثم الأمرتسري، المتفق على
ولايته وجلالته.
ولد في سنة ثمان وستين ومائتين وألف بقرية صاحبزاده من أعمال غزني واشتغل بالعربية على
أخويه: الشيخ محمد بن عبد الله وأحمد بن عبد الله، ثم تفقه على أبيه، وكان والده زاهداً يعد من
الأبدال، له كشوف وكرامات ووقائع عجيبة، ثم دخل دهلي ولازم دروس السيد نذير حسين الدهلوي
المحدث المشهور وأخذ عنه، واستكمل العلوم وهو دون العشرين، وأيد بكثرة المطالعة وسرعة
الحفظ، وقوة الإدراك والفهم، فاشتغل بالحديث والقرآن ببلدة أمرتسر مع انقطاعه إلى الزهد والعبادة،
والإشتغال بالله تعالى، والتجرد عن أسباب الدنيا، ودعاء الخلق إلى الحق سبحانه، وله أوراد وأذكار
يداوم عليها بكيفية وجمعية، رأيته غير مرة في أمرتسر، فألفيته على قدم السلف الصالحين، من
العلماء الربانيين، وكان لا يلتزم المذهب المعين إذا أفتى، بل بما يقوم عنده دليله، ولكنه كان لا يسيء
الظن بالأئمة المجتهدين، ولا يذكرهم إلا بخير.
مات في الجمعة الأخيرة من رمضان لخمس بقين من ذلك الشهر سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة
وألف.
المولوي عبد الجليل السنديلوي
الشيخ الفاضل عبد الجليل بن نوازش علي بن بشارة علي السنديلوي أحد العلماء الماهرين
بالصناعة.
ولد في ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف، وحفظ القرآن، وقرأ المختصرات على والده،
وسائر الكتب الدرسية على جودهري شوكة علي والسيد محمد علي الدوكوهي والشيخ محمد كامل
العظيم آبادي والحكيم عبد الحميد الصادقبوري، ثم قدم لكهنؤ وتطبب على الحكيم عبد العلي بن
إبراهيم اللكهنوي وولي التدريس بمدرسة شوكة الإسلام في سنديله للجودهري شوكة علي المذكور،
فدرس وأفاد بها زماناً.
وله مصنفات منها البرق الخاطف في علوم النبض والمعارف، والهداية الكبرى لإنتقال الدوار من
درجة إلى أخرى، والشهاب الثاقب على منكري رؤية الله الواجب.
مات لأربع بقين من المحرم سنة أربع وستين وثلاثمائة وألف.
مولانا عبد الحسيب السهسواني
الشيخ العالم الصالح عبد الحسيب بن هداية علي الحسيني السهسواني أحد عباد الله الصالحين، ولد
ونشأ بسهسوان، وقرأ بعض الكتب الدرسية على مولانا تاج الدين السهسواني، ثم سافر إلى مراد
آباد، وأخذ عن المولوي أحمد حسن والمولوي قطب عالم وعن غيرهما من العلماء، ثم أخذ الحديث
عن الشيخ عالم علي النكينوي المحدث، ثم رجع إلى بلدته، ودرس وأفاد مدة طويلة.(8/1261)
وكان صالحاً عفيفاً قانعاً شديد التعبد، مات سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف، كما في حياة العلماء.
مولانا عبد الحق الإله آبادي
الشيخ العالم الكبير عبد الحق بن شاه محمد بن يار محمد البكري الحنفي الإله آبادي، المهاجر إلى
مكة المباركة.
ولد ونشأ بأرض الهند في قرية نيوان في ضواحي إله آباد واشتغل بالعلم من صغره، وقرأ على
مولانا تراب علي اللكهنوي، وبايع مولانا عبد الله الكوركهبوري وسافر إلى دهلي وقرأ على الشيخ
قطب الدين الحنفي الدهلوي المحدث وعلى غيره من العلماء، ثم هاجر إلى مكة المباركة سنة ثلاث
وثمانين ومائتين وألف وأخذ عن الشيخ عبد الغني بن أبي سعيد العمري الدهلوي، وحصلت له
الإجازة منه في الحديث والطريق وتصدر للتدريس، ومكث بمكة المكرمة خمسين سنة يدرس ويفيد،
ويربي ويجيز واشتهر بشيخ الدلائل، أخذ عنه الشيخ أبو الخير عبد الله بن عمر الدهلوي والمولوي
عبد الأول الجونبوري وخلق كثير من العلماء.
وله نهاية الأمل في مسائل الحج البدل، وتعليقات على الدر المختار، والإكليل على مدارك التنزيل
للنسفي في سبعة مجلدات كبار.
كانت وفاته لتسع عشرة خلون من شوال سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة وألف، ودفن بالمعلاة عند
الشيخ رحمة الله الكيرانوي.
الحكيم عبد الحق الأمرتسري
الشيخ الفاضل عبد الحق بن عبد العزيز الدينا نكري الأمرتسري، أحد العلماء المشهورين.
ولد بخواص بور من أعمال أمرتسر سنة خمس وثمانين ومائتين وألف، وحفظ القرآن، واشتغل على
والده زماناً، ثم دخل أمرتسر وقرأ مدة في مدرسة تأييد الاسلام، ثم سافر إلى سهارنبور وقرأ على
أساتذة مظاهر العلوم زماناً صالحاً، ثم سار إلى كانبور ولازم دروس الشيخ أحمد حسن الكانبوري، ثم
ذهب إلى دهلي وأخذ الحديث عن السيد نذير حسين الدهلوي المحدث، وقرأ الكتب الطبية على
الحكيم أجمل خان وصنوه واصل خان، ثم تطبب على نور محمد الطبيب الدهلوي، ثم رجع إلى
أمرتسر، واشتغل بالمداواة والتدريس، وأصدر صحيفة أسبوعية باسم أهل السنة والجماعة وأسس
كلية طبية في أمرتسر.
مات لأربع بقين من ذي القعدة سنة سبعين وثلاثمائة وألف في لاهور.
مولانا عبد الحق الكانبوري
الشيخ الفاضل عبد الحق بن غلام رسول النقشبندي الهتكامي ثم الكانبوري أحد العلماء المشهورين
في بلاد الهند.
ولد ونشأ بكانبور، واشتغل بالعلم من صغره، وقرأ على العلامة فضل حق بن فضل إمام العمري
الخير آبادي بمدينة لكهنؤ، ثم وفق للحج والزيارة فأسند الحديث عن الشيخ أحمد النجدي المحدث،
ولما عاد إلى بلاد الهند تصدر للتدريس ببلدته مدة مديدة.
وكان منجمعاً عن الناس، فصيح العبارة قوي المباحثة، حسن الخط، غاية في الذكاء، مشكلاً حسناً،
منور الشبيه، معجباً بصورته وعلمه وتقريره وتحريره وخطه ونسبه، حلو اللفظ والمحاورة، يفتتن به
من رآه، ولذلك استقدمه نواب كلب علي خان الرامبوري، واستقبله بالترحيب والإكرام، فأقام برامبور
مدة، ثم سافر إلى حيدر آباد فالتفت إليه نواب وقار الأمراء وزير الدولة الآصفية، وعقد له مجالس
التذكير في قصره الشامخ فلك نما وبايعه وقرر له الجراية، وجعلها نافذة لأبنائه بعده.
له ترجمة جذب القلوب إلى ديار المحبوب بالأردو، وفتاوي فقهية، توفي سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة
وألف بحيدر آباد.
العلامة عبد الحق الخير آبادي
الشيخ الفاضل العلامة عبد الحق بن فضل حق بن(8/1262)
فضل إمام العمري الخير آبادي، أحد العلماء
المبرزين في المنطق والحكمة، لم يكن مثله في زمانه، تخرج على والده ولازمه مدة طويلة، ثم قربه
نواب كلب علي خان الرامبوري إلى نفسه، ولم يتركه يذهب إلى بلاد أخرى، ولما توفي الأمير
المذكور قام مقامه ولده مشتاق علي خان، وكان معتوهاً فصر الحل والعقد بيد وزيره أعظم الدين
خان، فخرج عبد الحق من رامبور وأقام ببلدته زماناً، ثم سافر إلى حيدر آباد وتقرب إلى بعض
الأمراء، فنال المنصب وصار راتبه الشهري مائتين من النقود المروجة بحيدر آباد بدون شرط
الخدمة، فرجع إلى بلدته وأقام بها إلى أن توفي مشتاق علي خان المذكور وقتل أعظم الدين خان
واستقل بالملك حامد علي خان بن مشتاق علي خان، فاستقدمه حامد علي خان المذكور إلى رامبور،
وخصه بالعناية، فأقام برامبور إلى أن توفي إلى الله سبحانه.
وكان إماماً جوالاً في المنطق والحكمة، عارفاً بالنحو واللغة، ذا سكينة ووقار، ووفور ذكاء وحسن
تعبير، وخبرة بمسالك الاستدلال، ولطف الطبع وحسن المحاضرة، وملاحة النادرة إلى حد لا يمكن
الإحاطة بوصفه، ومجالسته هي نزهة الأذهان والعقول، بما لديه من الأخبار التي تشنف الأسماع،
والأشعار المهذبة للطباع، والحكايات عن الأقطار البعيدة وأهلها وعجائبها، حتى كان من سحر بيانه
يؤلف بين الماء والنار، ويجمع بين الضب والنون، وكان مداعباً مزاحاً ذا نفوذ عجيب على جلسائه،
فلا يباحثه أحد في موضوع إلا شعر بالانقياد إلى برهانه، وإن كان البرهان في حد ذاته غير مقنع.
وكان حسن الصورة جميل الوجه، كثير الإعجاب بنفسه، شديد التعصب على من خالفه، بسيط
اللسان على غيره من العلماء، لم يزل يشنع عليهم بشقشقة اللسان ويقول: لم يكن في بلاد الهند
علماء، بل كانوا معلمي الصبيان، لا يتجاوزون على الضمير والمرجع، وأنهم ما شموا روائح العلوم،
وكان يستثنى من هؤلاء الشيخ نظام الدين محمد السهالوي والشيخ كمال الدين الفتحبوري وبحر
العلوم عبد العلي محمد اللكهنوي ويقول: إنهم كانوا بحور العلم، وأذكياء العالم، وكانوا أمثال الدواني
والسيد الشريف، ويقول: إن الشيخ عبد العزيز ابن ولي الله الدهلوي كان متبحراً في العلوم الدينية،
عارفاً بالمنطق والحكمة، وإن أباه الشيخ ولي الله كان ناصبياً، ويقول: إن قطعة من أقطاع الهند
نهض منها رجال العلم في كل قرن، وهي تبتدىء من دهلي وتنتهي إلى بهار، لا يتجاوز العلم عنها،
ويقول: إني حين أتذكر الشيخ عبد الحكيم السيالكوثي، يتمثل لي في عالم الخيال رجل طويل القامة،
بقميص عريض مع قصر في الطول وسعة في الكمين، ومئزر أسود، وعمامة كبيرة على الرأس
ولحية مغبرة، فحين يتمثل لي هذا الشكل أقول: أين هذا من العلم؟ سمعت تلك الأقاويل وأمثالها من
فمه بمدينة لكهنؤ.
وله مؤلفات مقبولة عند العلماء، وفي عباراته قوة وفصاحة، وسلاسة تعشقها الأسماع وتلتذ بها
القلوب ولكلامه وقع في الأذهان، فمن مصنفاته المشهورة تسهيل الكافية معرب من شرح الكافية
للسيد الشريف، وشرح هداية الحكمة للأبهري، وحاشية على حاشية غلام يحيى علي مير زاهد
رسالة، وحاشية على حاشية مير زاهد على شرح المواقف، وحاشية على شرح السلم لحمد الله،
وحاشية على شرح السلم للقاضي، وشرح على مسلم الثبوت، وله غير ذلك من المصنفات.
توفي سنة ثمان عشر وثلاثمائة وألف.
القاضي عبد الحق الكابلي
الشيخ العالم الكبير العلامة المفتي ثم القاضي عبد الحق بن محمد أعظم الحنفي الكابلي، نزيل
بهوبال ودفينها.
ولد ونشأ بمدينة كابل، وقرأ القرآن وتعلم الخط واشتغل بالعلم زماناً في بلدته، ثم سافر وقرأ المنطق
والحكمة وغيرها على ملا سريج شارح حاشية السلم للقاضي، ثم دخل الهند ولقي الشيخ العلامة عبد
الحق بن فضل حق الخير آبادي بكلكته وقرأ عليه بضع دروس من الأفق المبين، ثم ترك الاشتغال
عليه ودخل جونبور ولقي الشيخ هداية الله بن رفيع الله الرامبوري ولم يقرأ عليه شيئاً، ثم ذهب إلى
رامبور وأدرك بها الشيخ عبد العلي الفاضل المشهور فقرأ عليه الأفق(8/1263)
المبين للسيد باقر داماد وكتاب
الشفاء لابن سيناء، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار وساح أكثر بلاد الشام والعراق، ثم
رجع إلى الهند ودخل بهوبال وأخذ بعض الفنون الرياضية عن الشيخ فتح الله نائب المفتي بها، وقرأ
الصحاح الستة على مولانا عبد القيوم بن عبد الحي البكري البزهانوي المفتي بها، وتزوج بابنة
الشيخ فتح الله المذكور، وولي التدريس في المدرسة الشاهجهانية فدرس وأفاد مدة مديدة، ولما توفي
شيخه وصهره فتح الله ولي نيابة المفتي مكانه، وولي الإفتاء سنة اثنتين وثلاثمائة وألف، وقلده
بالقضاء سنة خمس وثلاثمائة، فاستقل به مدة حياته.
وكان إماماً بارعاً في الفقه والأصول والكلام، عارفاً بدقائق المنطق والحكمة والهيئة والحساب،
مشاركاً في الحديث، ملازماً لأنواع الخير والعلوم، كثير الدرس والإفادة، مليح البحث، صحيح الدين،
قوي الفهم، كثير المطالعة لفنون العلم، حلو المذاكرة، طيباً بشوشاً، كريم الأخلاق، قرأت عليه أكثر
الكتب الدرسية في المنطق والحكمة والهندسة والهيئة بمدينة بهوبال حين كان مفتياً بها.
ومن مصنفاته: القول المسلم على شرح السلم للقاضي، والحاشية على حاشية القاضي على حاشية
مير زاهد على شرح المواقف، والحاشية على التلويح شرح التوضيح في أصول الفقه، فالحاشية على
خطبة القاموس، وله رسالة نفيسة في مبحث المثناة بالتكرير، ورسالة في الأصطرلاب، وله غير ذلك
من الرسائل.
توفي بالطاعون في بلدة بهوبال ودفن بها لثمان بقين من رمضان المبارك سنة إحدى وعشرين
وثلاثمائة وألف.
مولانا عبد الحق الدهلوي
صاحب تفسير حقاني
الشيخ العالم الفقيه عبد الحق بن محمد مير الحنفي الدهلوي المفسر المشهور، أصله كان من كمتهله
بفتح الكاف العجمي قرية من أعمال أنباله من أرض بنجاب.
وله بها في السابع والعشرين من رجب سنة سبع وستين ومائتين وألف، واشتغل أياماً في بلاده، ثم
سافر إلى كانبور وقرأ بعض الكتب الدرسية على مولانا عبد الحق بن غلام رسول الحسيني
الكانبوري، ومعظمها على مولانا لطف الله بن أسد الله الكوئلي، ثم سار إلى مراد آباد وقرأ بعض
الكتب من الصحاح الستة على مولانا عالم علي النكينوي، ثم سافر إلى دهلي وأخذ عن شيخنا السيد
نذير حسين الدهلوي المحدث، وولي التدريس بدهلي في المدرسة الفتحبورية فدرس وأفاد بها زماناً،
وسكن بدهلي وتزوج بها وتدير، ثم ترك المدرسة واشتغل بالتصنيف وجد في استحصال الوظيفة من
حيدر آباد وظفر بها بدون شرط الخدمة فصنف الكتب، وطار صيته في بلاد الهند.
وكان قوي المباحثة شديد الرغبة، مليح البحث حلو المذاكرة، مداعباً مزاحاً بشوشاً طيب النفس،
استقدمته أعضاء المدرسة العالية بكلكته في آخر عمره، ورتبوا له خمسمائة ربية شهرية، ولقبته
الدولة الإنكليزية بشمس العلماء.
ومن مصنفاته: التعليق النامي على الحسامي في أصول الفقه، وعقائد الإسلام بالأردو في أصول
الدين، والبرهان في علوم القرآن بالأردو، وفتح المنان في تفسير القرآن في مجلدات كبار بالأردو
وهو معروف بالتفسير الحقاني.
مات في الثاني عشر من جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وألف.
مولانا عبد الحكيم الصادقبوري
الشيخ العالم المحدث عبد الكريم بن أحمد الله بن إلهي بخش بن هداية علي الهاشمي الصادقبوري
العظيم آبادي، أحد العلماء الصالحين، ولد ونشأ بعظيم آباد، وقرأ العلم على صنوه الكبير عبد الحميد
بن أحمد الله، ثم أخذ الحديث عن عمه الشيخ يحيى علي العظيم آبادي المحدث، وأخذ عنه الطريقة
واشتغل بالذكر والفكر، والتذكير والتدريس، وله مهارة تامة في العلوم النافعة من الفقه والحديث
والتفسير والطب، وقبول عظيم في بعض الأقطار، وكان شديد التعصب في المذهب شديد الحمية في
الاسلام، لا(8/1264)
يخاف في الله لومة لائم، ولا يعتني بالمصالح الدنيوية، حتى أنه كان لا يخاف على نفسه
من عثرات اللسان وسقطات البيان، رأيته في عظيم آباد مراراً كثيرة.
مات في الخامس عشر من محرم سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة وألف.
مولانا عبد الحليم الويلوري
الشيخ العالم الصالح عبد الحليم بن إسماعيل بن الحسين بن إمام الدين بن نور الدين الويلوري
المدراسي أبو إسماعيل، ولد سنة سبع وخمسين ومائتين وألف ببلدة ويلور ونشأ بها، وقرأ في بلده
على الشيخ عبد القادر البرياكيمي، وسافر للعلم فقرأ الكتب الدرسية على العلامة عبد الحي بن عبد
الحليم اللكهنوي حين إقامته بحيدر آباد، ثم سافر إلى الحجاز فحج وزار، وأخذ الحديث عن الشيخ
محمد بن عبد الرحمن الأنصاري السهارنبوري المهاجر، والشيخ صالح بن عبد الله السناري، والسيد
محمد علي بن ظاهر الوتري المدني، وشيخنا حسين بن محسن اليماني نزيل بهوبال ودفينها.
وكان عالماً كبيراً، له رسوخ في العربية وقدرة على التحرير والإنشاء، وغوص في المسائل
الكلامية.
مات سنة ست وثلاثين وثلاثمائة وألف.
المولوي عبد الحليم شرر اللكهنوي
الشيخ الفاضل عبد الحليم بن تفضل حسين بن محمد بن نظام الدين بن معز الدين العباسي الكرسوي
ثم اللكهنوي، المتلقب في الشعر بشرر، أحد العلماء المشهورين في الفنون الأدبية.
ولد في شهر رجب سنة ست وسبعين ومائتين وألف ببلدة لكهنؤ وسافر إلى كلكته سنة خمس
وثمانين، وقرأ المختصرات على والده، ثم لازم المرزا محمد علي الشيعي اللكهنوي وقرأ عليه الكتب
الدرسية إلى شرح السلم لحمد الله، ثم رجع إلى لكهنؤ وقرأ سائر الكتب على العلامة عبد الحي ابن
عبد الحليم اللكهنوي، وأخذ الفنون الأدبية عن المفتي عباس بن علي الشيعي التستري، ثم سافر إلى
دهلي وأخذ الحديث عن السيد المحدث نذير حسين الحسيني الدهلوي وصحبه سنتين، ثم رجع إلى
لكهنؤ واشتغل مدة بالتحرير في أوده أخبار الجريدة الأسبوعية بلكهنؤ، ثم أنشأ صحيفة أسبوعية
بنفقته وسماها المحشر، وصنف رواية غرامية فتلقيت بالقبول، واشتغل بالتصنيف وظهر تقدمه في
الروايات، وصنف حتى اليوم زهاء تسع وعشرين، وأنشأ جريدة أخرى سماها المهذب، وأنشأ دلكداز
مجلة شهرية تختص للمباحث الأدبية وهي مستمرة في الظهور، وسافر إلى حيدر آباد غير مرة،
وبعثه نواب وقار الأمراء وزير الدولة الآصفية مع ولده ولي الدين إلى انكلترا سنة 1311 هـ، فأقام
بها سنتين وتعلم اللغة الإنكليزية، وصنف بأمره تاريخ السند، فأعطاه خمسة آلاف من النقود صلة،
وصنف بأمره تاريخ الأرض المقدسة، ومات الوزير فرجع إلى لكهنؤ سنة 1323 هـ، وبعد ثلاث
سنين طلبه المولوي عزيز مرزا أحد أركان الدولة إلى حيدر آباد، فأقام بها سنة ثم رجع إلى لكهنؤ
وأقام بها زماناً، ثم طلبه سنة 1336 هـ صاحب الدكن إلى حيدر آباد وأمره بتصنيف تاريخ الاسلام
ووظفه بخمسمائة ربية شهرية، ورجع بأمره إلى لكهنؤ واشتغل بتاريخ الاسلام.
له مصنفات كثيرة: كسيرة جنيد، وسيرة شبلي، وسيرة معين الدين الجشتي، وسيرة سكينة بنت
الحسين عليه السلام، وسيرة حسن بن الصباح، وسيرة قرة العين، وسيرة الملكة زنوبيا، وسيرة قيس
العامري وتذكرة المشاهير، وأما تاريخ السند فهو في مجلدين، وتاريخ الأرض المقدسة يشتمل على
خمسة أجزاء: الأول في تاريخ الأمم السالفة قبل المسيح، والثاني: في المسيح والمسيحية، والثالث في
تاريخ العرب قبل الاسلام، والرابع في تاريخ الهنود، والخامس في سيرة سيدنا محمد النبي الأمين
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
مات سنة خمس وأربعين وثلاثمائة وألف.
المفتي عبد الحميد الشافعي السورتي
الشيخ العالم الصالح عبد الحميد بن إبراهيم بن عبد الأحمد باعكظة الشافعي السورتي، أحد كبار
الفقهاء.(8/1265)
ولد ونشأ بمدينة سورت، وقرأ العلم على والده وعلى غيره من العلماء، ثم ولي التدريس في
المدرسة المحمدية والخطابة في الجامع الكبير بمعمورة بمبىء.
وكانت له يد بيضاء في الفرائض والحساب، درس وأفاد مدة طويلة، وأخذ عنه غير واحد من
الأعلام.
مات لعشرة ليال خلون من رمضان سنة ثمان وثلاثمائة وألف، فدفن بمقبرة سونابور من بلدة
بمبىء، كما في حقيقت سورت.
مولانا عبد الحميد الصادقبوري
الشيخ العالم الكبير العلامة عبد الحميد بن أحمد الله بن إلهي بخش بن هداية علي الهاشمي
الصادقبوري العظيم آبادي، أحد العلماء المبرزين في المعارف الأدبية.
ولد يوم الأربعاء لثمان خلون من شوال سنة خمس وأربعين ومائتين وألف ببلدة عظيم آباد وقرأ
المختصرات على عمه الشيخ فياض علي، ثم سافر إلى لكهنؤ ولازم دروس المفتي واجد علي
البنارسي، وأخذ عنه العلوم الحكمية، وأخذ الصناعة الطبية عن الحكيم طالب علي اللكهنوي، وكان
ببلدة لكهنؤ، إذ ثارت الفتنة العظيمة في بلاد الهند سنة ثلاث وسبعين، فنهبت أمواله وكتبه في تلك
الفتنة فرجع إلى عظيم آباد، ورزقه الله سبحانه قبولاً عظيماً في العلاج، لقيته بعظيم آباد غير مرة،
فألفيته بحراً زاخراً في العلوم الحكمية والمعارف الأدبية، منطقياً ذا محاضرة حسنة، ومناشدة طيبة،
ما رأيت أحداً مثله في قوة الحفظ وجودة القريحة، وسعة الاطلاع على أسفار القدماء، وطول الباع في
تمييز الصواب عن الخطأ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وكان ينظم القصيدة الفائقة في لحظة مختطفة بحيث لا يصدق بذلك إلا من له مزيد اختبار، فمنها
قوله من القصيدة الطويلة نظمها بمشهد منى ومسمع ارتجالاً:
فوا أسفاً ونحن بنو كرام توارث فيهم علم وجود
ذوي الأعلام والأقلام طراً يزينهم المكارم والجنود
وهم قد سخروا شرقاً وغرباً من الأقطار وافاهم وفود
وقد كانوا ملاذ الناس طراً لكل مصيبة خصوا ونودوا
وقد كانوا أولى طول وملك تطيعهم العساكر والجنود
وتخضع عند رؤيتهم رقاب وترتعد الهزابر والفهود
قصرنا نحن في وهن وهون يرق لنا المعاند والحسود
وسعى في الأرض طغياناً وعدواً مع الأحزاب شيطان عنود
يشيع البغض بين المؤمنين ففر الجمع وانهزم الجنود
وكان الناس قبلاً في شقاق ونار الضغن يوقدها الوقود
وشب ضرام نيران النفاق ونار البغي ليس لها خمود
وفي أعناقهم أغلال غل ومن حقد بأرجلهم قيود
وهم عن صالح الأعمال رغبوا وقد بعدوا كما بعدت ثمود
توفي إلى رحمة الله سبحانه لخمس خلون من جمادى الثانية سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وألف،
بعظيم آباد.
مولانا عبد الحميد اللكهنوي
الشيخ العالم الفقيه عبد الحميد بن عبد الحليم بن عبد الحكيم بن عبد الرب ابن بحر العلوم عبد العلي
محمد الأنصاري اللكهنوي، أحد العلماء المشهورين.
ولد ونشأ ببلدة لكهنؤ، واشتغل أياماً على صنوه(8/1266)
عبد المجيد، ثم لازم عمه شيخنا محمد نعيم النظامي
اللكهنوي، وتفقه عليه، ودرس مدة طويلة وصنف وذكر، حتى حصلت له الوجاهة العظيمة في عوام
أهل البلدة، ولقبته الدولة الإنكليزية بشمس العلماء.
ومن مصنفاته: الكلام القدسي في تفسير آية الكرسي، والحل الضروري حاشية القدوري، وله حاشية
على المجلد الثالث من شرح الوقاية وهو تكملة عمدة الرعاية للعلامة عبد الحي اللكهنوي، وله ضمين
الصرف، ورسائل عديدة بالأردو.
مات في الخامس عشر من شوال سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة وألف.
مولانا عبد الحميد الرامبوري
الشيخ الفاضل عبد الحميد بن محمد غفران الحنفي الرامبوري أحد العلماء الصالحين، ولد ونشأ
برامبور، وقرأ العلم على صنوه محمد عمران، وعلى مولانا إرشاد حسين الحنفي الرامبوري، ثم
تصدر للتدريس.
مولانا عبد الحميد الفراهي المعروف بحميد الدين الفراهي
الشيخ الفاضل عبد الحميد بن عبد الكريم بن قربان قنبر بن تاج علي، الأنصاري الفراهي
الأعظمكدهي، المعروف بحميد الدين الفراهي، أحد العلماء المشهورين.
ولد في جمادى الآخرة سنة ثمانين ومائتين وألف في قرية فريهه من قرى مديرية أعظم كده،
واشتغل بالعلم أياماً على المولوي محمد مهدي والعلامة شبلي النعماني، ثم سافر إلى لكهنؤ وأخذ عن
العلامة عبد الحي ابن عبد الحليم وشيخنا فضل الله بن نعمة الله، ثم سار إلى لاهور وتأدب على
مولانا فيض الحسن السهارنبوري، ثم تعلم الإنكليزية ونال الفضيلة في العلوم الغربية أيضاً وامتاز
في الفلسفة الحديثة، ثم ولي التدريس بمدرسة الإسلام بكراتشي فدرس بها زماناً، ثم ولي بالمدرسة
الكلية بعليكده ثم بإله آباد، ثم سافر إلى حيدر آباد وتصدر بدار العلوم وأقام بها مدة من الزمان، ثم
اعتزل عنها ولازم بيته ببلدة أعظم كده عاكفاً على المطالعة والتأليف، وأسس في سراي مير قريباً
من قريته مدرسة دينية سماها مدرسة الإصلاح من أكبر مقاصدها تحسين طريقة تعليم العربية
والاختصاص في علوم القرآن، وانتخب رئيساً للجنة دار المصنفين الإدارية.
وهو من كبار العلماء، له خبرة تامة بالعلوم الأدبية، وقدرة كاملة في الإنشاء والترسل، وتودد إلى
معارفه وأصحابه مع جودة فهم، ووفور ذكاء، وزهد وعفة، وشهامة نفس وانجماع، لا سيما عن بني
الدنيا وعدم اشتغال بما لا يعنيه، راسخ في العلوم العربية والبلاغة، متعمق فيها، متضلع من أشعار
الجاهليين، وأساليب بيانهم، واسع الاطلاع على الصحف السابقة، حسن النظر في كتب اليهود
والنصارى، عاكف على التدبر في القرآن، والغوص في معانيه وأساليبه، يعتقد أن القرآن مرتب
البيان، منسق النظام، ويذهب إلى ربط الآيات بعضها ببعض، وقد بنى على ذلك تفسيره نظام
الفرقان.
وله ديوان الشعر الفارسي، ومنظومة في اللسان الدرى لأمثال سليمان، ومنظومة بالأردو في
الإعراب سماها تحفة الإعراب، ورسالتان في النحو والصرف، ورسائل بالعربية في تفسير القرآن،
منها الإمعان في أقسام القرآن، والرأي الصحيح فيمن هو الذبيح، وبعض أجزاء من تفسيره المسمى
نظام الفرقان وتأويل القرآن بالقرآن منها تفسير سورة التحريم، والعصر، والذاريات، والشمس،
والقيامة، والتين، والكافرون، واللهب، وجمهرة البلاغة، وديوان شعر عربي، ومنها ما لم يطبع إلى
الآن.
مات في التاسع عشر من جمادى الآخرة سنة تسع وأربعين وثلاثمائة وألف في مدينة متهرا، ودفن
بها.
مولانا عبد الحي السورتي
الشيخ العالم الكبير عبد الحي بن أحمد الكفليتوي السورتي الكجراتي الخطيب بجامع رنكون، كان
من(8/1267)
الأفاضل المشهورين، له مصنفات كثيرة، منها كتاب البصائر في تذكير العشائر وكتاب المدافع
الإلهية في الرد على مذهب البابية ونسيم الصبا في حرمة الربا وسلعة القربة في توضيح شرح
النخبة وله نظم الدرر منظومة في التصريف، وشرح بسيط عليها سماه بالقول الأغر، أوله:
يقول عبد الحي ذو الآثام حمداً لمولى الحمد والإنعام
وله عقد الفرائد في نم العقائد، أوله:
يقول عبد الحي في ابتداء سبحان رب الأرض والسماء
وله نزهة الأنظار منظومة في المنطق، أوله:
يقول عبد الحي ذو العيوب حمداً لمن أحاط بالغيوب
وله شرح على عقد الفرائد وشرح على نزهة الأنظار.
توفي بمدينة رنكون سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف.
مولانا عبد الحي اللكهنوي
الشيخ العالم الكبير العلامة عبد الحي بن عبد الحليم بن أمين الله بن محمد أكبر بن أبي الرحم بن
محمد يعقوب بن عبد العزيز بن محمد سعيد بن الشيخ الشهيد قطب الدين الأنصاري السهالوي
اللكهنوي.
العالم الفاضل النحرير أفضل من بث العلوم فأروى كل ظمآن
ولد في سنة أربع وستين ومائتين وألف ببلدة باندا وحفظ القرآن، واشتغل بالعلم على والده وقرأ
عليه الكتب الدرسية معقولاً ومنقولاً، ثم قرأ بعض كتب الهيئة على خال أبيه المفتي نعمة الله بن نور
الله اللكهنوي، وفرغ من التحصيل في السابع عشر من سنه، ولازم الدرس والإفادة ببلدة حيدر آباد
مدة من الزمان، ووقفه الله سبحانه للحج والزيارة مرتين: مرة في سنة تسع وسبعين مع والده، ومرة
في سنة ثلاث وتسعين بعد وفاته، وحصلت له الإجازة عن السيد أحمد بن زين دحلان الشافعي،
والمفتي محمد بن عبد الله ابن حميد الحنبلي بمكة المباركة، وعن الشيخ محمد بن محمد الغربي
الشافعي، والشيخ عبد الغني بن أبي سعيد العمري الحنفي الدهلوي بالمدينة المنورة، ثم إنه أخذ
الرخصة من الولاة بحيدر آباد وقنع بمائتين وخمسين ربية بدون شرط الخدمة، وقدم بلدته لكهنؤ فأقام
بها مدة عمره، ودرس وأفاد وصنف وذكر.
وإني حضرت بمجلسه غير مرة، فألفيته صبيح الوجه أسود العينين، نافذ اللحظ، خفيف العارضين،
مسترسل الشعر، ذكياً فطناً، حاد الذهن، عفيف النفس، رقيق الجانب، خطيباً مصقعاً، متبحراً في
العلوم معقولاً ومنقولاً، مطلعاً على دقائق الشرع وغوامضه، تبحر في العلوم، وتحرى في نقل
الأحكام، وحرر المسائل، وانفرد في الهند بعلم الفتوى، فسارت بذكره الركبان، بحيث أن علماء كل
إقليم يشيرون إلى جلالته.
وله في الأصول والفروع قوة كاملة وقدرة شاملة، وفضيلة تامة، وإحاطة عامة، وفي حسن التعليم
صناعة لا يقدر عليها غيره، وكان إذا اجتمع بأهل العلم وجرت المباحثة في فن من فنون العلم لا
يتكلم قط، بل ينظر إليهم ساكتاً، فيرجعون إليه بعد ذلك، فيتكلم بكلام يقبله الجميع ويقنع به كل سامع،
وكان هذا دأبه على مرور الأيام، لا يعتريه الطبش والخفة في شيء كائناً ما كان، والحاصل أنه كان
من عجائب الزمن ومن محاسن الهند، وكان الثناء عليه كلمة إجماع والاعتراف بفضله ليس فيه
نزاع.
وكان على مذهب أبي حنيفة في الفروع والأصول، ولكنه كان غير متعصب في المذهب، يتتبع
الدليل ويترك التقليد إذا وجد في مسألة نصاً صريحاً مخالفاً للمذهب، قال في كتابه النافع الكبير: ومن
منحه أي منح الله سبحانه أني رزقت التوجه إلى فن الحديث وفقه الحديث، ولا أعتمد على مسألة ما
لم يوجد أصلها من حديث أو آية، وما كان خلاف الحديث الصحيح الصريح أتركه، وأظن المجتهد
فيه معذوراً بل(8/1268)
مأجوراً ولكني لست ممن يشوش العوام الذين هم كالأنعام، بل أتكلم الناس على قدر
عقولهم - انتهى، وقال بعيد ذلك: ومن منحه أنه جعلني سالكاً بين الافراط والتفريط، لا تأتي مسألة
معركة الآراء بين يدي إلا ألهمت الطريق الوسط فيها، ولست ممن يختار التقليد البحت بحيث لا
يترك قول الفقهاء وإن خالفته الأدلة الشرعية، ولا ممن يطعن عليهم ويهجر الفقه بالكلية - انتهى،
وقال في الفوائد البهية في ترجمة عصام بن يوسف: ويعلم أيضاً أن الحنفي لو ترك في مسألة مذهب
إمامه بقوة دليل خلافاً لا يخرج به عن ربقة التقليد، بل هو عين التقليد في صورة ترك التقليد، ألا
ترى أن عصام بن يوسف ترك مذهب أبي حنيفة في عدم الرفع، ومع ذلك هو معدود في الحنفية،
ويؤيده ما حكاه أصحاب الفتاوي المعتمدة من أصحابنا من تقليد أبي يوسف يوماً الشافعي في طهارة
القلتين، وإلى الله المشتكى من جهلة زماننا حيث يطعنون على من ترك تقليد إمامه في مسألة واحدة
لقوة دليلها، ويخرجونه عن مقلديه، ولا عجب منهم، فإنهم من العوام، إنما العجب ممن يتشبه بالعلماء
ويمشي مشيهم كالأنعام - انتهى.
وكان مع تقدمه في علم الأثر وبصيرته في الفقه له بسطة كثيرة في علم النسب والأخبار وفنون
الحكمية، وكان ذا عناية تامة بالمناظرة، ينبه كثيراً في مصنفاته على أغلاط العلماء، ولذلك جرت
بينه وبين العلامة عبد الحق بن فضل حق الخير آبادي مباحثات في تعليقات حاشية الشيخ غلام
يحيى على مير زاهد رساله، وكان الشيخ عبد الحق يأنف من مناظرته، ويريد أن لا يذاع رده عليه،
وكذلك جرت بينه وبين السيد صديق حسن الحسيني القنوجي فيما ضبط السيد في اتحاف النبلاء
وغيره من وفيات الأعلام نقلاً عن كشف الظنون وغيره، وانجرت إلى ما تأباه الفطرة السليمة، ومع
ذلك لما توفي الشيخ عبد الحي المترجم له تأسف بموته تأسفاً شديداً، وما أكل الطعام في تلك الليلة،
وصلى عليه صلاة الغيبة، نظراً إلى سعة إطلاعه في العلوم والمسائل، وكذلك جرت بينه وبين
العلامة محمد بشير السهسواني في مسألة شد الرحل لزيارة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومن مصنفاته في علم الصرف: التبيان شرح الميزان، وتكملة الميزان وشرحه، وامتحان الطلبة في
الصيغ المشكلة، ورسالة أخرى سماها جاركل، وفي النحو خير الكلام في تصحيح كلام الملوك ملوك
الكلام وإزالة الجمد عن إعراب أكمل الحمد، وفي المناظرة: الهدية المختارية شرح الرسالة العضدية.
وفي المنطق والحكمة: هداية الورى إلى سواء الهدى، ومصباح الدجى في لواء الهدى، وعلم الهدى،
كلها حواش على حاشية غلام يحيى علي مير زاهد رساله، والتعليق العجيب بحل حاشية الجلال على
التهذيب، وحل المغلق في بحث المجهول المطلق، والكلام المتين في تحرير البراهين، وميسر العسير
في بحث المثناة بالتكرير، والإفادة الخطيرة في بحث سبع عرض شعيرة، ودفع الكلال عن طلاب
تعليقات الكمال، والمعارف لما في حواشي شرح المواقف، وتعليق الحمائل على حواشي الزاهدية
على شرح الهياكل، وحاشية البديع الميزان - ولم تتم هذه الأربعة، والكلام الوهبي المتعلق بالقطبي،
وتكملة حاشية النفيسي لوالده.
وفي النسب والأخبار: حسرة العالم لوفاة مرجع العالم، والفوائد البهية في تراجم الحنفية، والتعليقات
السنية على الفوائد البهية، ومقدمة الهداية وذيله المسمى بمذيلة الدراية، والنافع الكبير لمن يطالع
الجامع الصغير، ومقدمة السعاية، ومقدمة التعليق الممجد، ومقدمة عمدة الرعاية، وإبراز الغي الواقع
في شفاه العي، وتذكرة الراشد في رد تبصرة الناقد، وخير العمل بذكر تراجم علماء فرنكي محل - لم
تتم، والنصيب الأوفر في تراجم علماء المائة الثالثة عشر - لم تتم، ورسالة أخرى في تراجم
السابقين من علماء الهند - لم تتم.
وفي الفقه والحديث: السعاية في كشف ما في شرح الوقاية - لم تتم، وعمدة الرعاية حاشية شرح
الوقاية، والتعليق الممجد على موطا محمد، وجمع الغرر في الرد على نثر الدرر، والقول الأشرف
في الفتح عن المصحف، والقول المنشور في هلال خير الشهور، وتعليقه المسمى بالقول المنثور،
وزجر أرباب الريان عن شرب الدخان، وترويح الجنان بتشريح حكم شرب(8/1269)
الدخان، والإنصاف في
حكم الاعتكاف، والافصاح عن حكم شهادة المرأة في الإرضاع، وتحفة الطلبة في مسح الرقبة،
وتعليقه تحفة الكملة، وسباحة الفكر في الجهر بالذكر، وإحكام القنطرة في أحكام البسملة، وغاية المقال
فيما يتعلق بالنعال، وتعليقه ظفر الأنفال، والهسهسة بنقض الوضوء بالقهقهة، وخير الخبر بأذان خير
البشر، ورفع الستر عن كيفية إدخال الميت وتوجيهه في القبر، وقوت المغتذين بفتح المقتدين، وإفادة
الخير في الاستياك بسواك الغير، والتحقيق العجيب في التثويب، والكلام الجليل فيما يتعلق بالمنديل،
وتحفة الأخبار في إحياء سنة سيد الأبرار، وتعليقه نخبة الأنظار، وإقامة الحجة على أن الاكثار في
التعبد ليس ببدعة، وتحفة النبلاء فيما يتعلق بجماعة النساء، وزجر الناس على إنكار أثر ابن عباس،
والفلك الدوار فيما يتعلق برؤية الهلال بالنهار، والفلك المشحون في انتفاع الراهن والمرتهن
بالمرهون، والأجوبة الكاملة للأسئلة العشرة الكاملة، وظفر الأماني بشرح المختصر المنسوب إلى
الجرجاني، وإمام الكلام فيما يتعلق بالقراءة خلف الامام، وتعليقه الفوائد العظام، وتدوير الفلك في
حصول الجماعة بالجن والملك، ونزهة الفكر في سبحة الذكر، وتعليقه النفحة، والقول الجازم في
سقوط الحد بنكاح المحارم، وآكام النفائس في أداء الأذكار بلسان الفارس، وتحفة الثقات في تفاضل
اللغات - لم تتم، وردع الاخوان عما أحدثوه في آخر جمعة رمضان، وزجر الشبان والشيبة عن
ارتكاب الغيبة، والآثار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة، وتبصرة البصائر في معرفة الأواخر -
لم تتم، وجمع المواعظ الحسنة لخطب شهور السنة، والآيات البينات على وجود الأنبياء في الطبقات،
ودافع الوسواس في أثر ابن عباس، والسعي المتكرر في رد المذهب المأثور، والكلام المبرور في رد
القول المنصور، والكلام المبرم في رد القول المحكم، ونفع المفتي ورسائل لجمع متفرقات المسائل،
ومجموعة الفتاوي في ثلاثة مجلدات، والرفع والتكميل في الجرح والتعديل.
وكانت وفاته لليلة بقيت من ربيع الأول سنة أربع وثلاثمائة وألف، وله من العمر تسع وثلاثون سنة
ودفن بمقبرة أسلافه، وكنت حاضراً في ذلك المشهد، وكان ذلك اليوم من أنحس الأيام، اجتمع الناس
في المدفن من كل طائفة وفرقة أكثر من أن يحصر، وقد صلوا عليه ثلاث مرات.
مولانا عبد الحي الحيدر آبادي
الشيخ الفاضل عبد الحي بن عبد الرحمن بن أحمد علي بن لطف الله الأنصاري الماتريدي
السهارنبوري ثم الحيدر آبادي، أحد العلماء المبرزين في العلوم الأدبية، قرأ العلم على والده وعلى
غيره من العلماء بحيدر آباد، ثم قدم لكهنؤ وأخذ عن الشيخ فاروق بن علي الجرياكوثي، وتطبب على
الحكيم عبد الولي اللكهنوي ثم رجع إلى حيدر آباد وولي التدريس بدار العلوم.
وله براعة في الشعر والأدب واللغة والنحو، شرع في تأليف كتاب كبير في أمثال العرب وتعبيراتهم
سماه معجم الأمثال طبع منه جزء لطيف، وقد حفظ القرآن في آخر حياته، وبايع مولانا أشرف علي
التهانوي ونال منه الإجازة.
مات لليلتين بقيتا من رمضان سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة وألف بالطاعون في حيدر آباد ودفن بها.
الشيخ عبد الحي الجانكامي
الشيخ الفاضل عبد الحي بن مخلص الرحمن الحنفي الصوفي الجانكامي، أحد الأفاضل المشهورين،
ولد ونشأ بجانكام، وسافر للعلم فقرأ أياماً في مدرسة جشمة رحمت بغازيبور، ثم قدم لكهنؤ ولازم
العلامة عبد الحي بن عبد الحليم اللكهنوي، وقرأ عليه أكثر الكتب الدرسية، ولما مات شيخه عبد
الحي لازم شيخنا محمد نعيم بن عبد الحكيم اللكهنوي، وقرأ عليه هداية الفقه، وتفسير البيضاوي،
ومسلم الثبوت، والفرائض الشريفية، والعقائد العضدية وغيرها، وكنت مشاركاً له في الأخيرين، ثم
تصدر للتدريس فدرس وأفاد مدة طويلة ببلدة لكهنؤ ثم سافر إلى بلاده وتولى الشياخة مكان والده،
وكان والده أخذ الطريقة عن الشيخ إمداد علي عن الشيخ مهدي حسن عن الشيخ مظهر حسين عن
الشيخ فرحة الله عن الشيخ(8/1270)
حسن علي عن الشيخ محمد منعم القادري المتوفي سنة 1185 هـ.
مات لست عشرة خلون من ذي الحجة الحرام سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وألف، كما في سيرة فخر
العارفين للسيد سكندر شاه.
مولانا عبد الخالق الراجكوثي
الشيخ العالم الصالح عبد الخالق الراجكوثي، أحد العلماء المبرزين في الحديث، سمعت أنه كان عالماً
بارعاً في الحديث والتفسير، وله أولاد.
مات سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وألف.
مولانا عبد الرب الدهلوي
مؤسس مدرسة عبد الرب
الشيخ العالم الصالح عبد الرب بن عبد الخالق الحسيني الدهلوي، أحد العلماء المشهورين، لم يكن
في زمانه مثله في الموعظة والتذكير، وكان له معرفة بمواقع الخطبة على حسب الحوادث، ويجودها
ببلاغة، ولكلامه وقع في أذهان الناس، وسلاسة تعشقها الأسماع، وتلتذ بها القلوب، وهو إذا شاء أبكى
الناس، وإذا شاء أضحكهم، ولقوة عارضته جمع مالاً خطيراً زهاء مائة ألف، وأسس بها جامعاً كبيراً
ببلدة سهارنبور جامعاً بين الحسن والحصانة من حمر الحجارة وبيضها المنحوتة على نهج الجامع
الشاهجهاني ببلدة دهلي، وأسس مدرسة في بلدة دهلي، وله رسائل بالأردو منها فردوس آسيه.
مات في محرم سنة خمس وثلاثمائة وألف، بدهلي.
مولانا عبد الرحمن الغازيبوري
الشيخ الفاضل عبد الرحمن بن جهجو الغازيبوري، أحد الأفاضل المشهورين، كان ابن أخت الشيخ
عبد الله بن عبد الرحيم الغازيبوري.
ولد لخمس بقين من رجب سنة إحدى وثمانين ومائتين وألف، وحفظ القرآن، ثم قرأ العربية أياماً
على المولوي عبد الأحد اللكهنوي، ثم اشتغل على خاله عبد الله المذكور وقرأ عليه سائر الكتب
الدرسية ثم ولي التدريس بمدرسة جشمة رحمت في بلدة غازيبور فدرس بها مدة من الزمان، ثم ترك
الخدمة واشتغل بالتدريس بدون أخذ الأجرة عليها، له شرح بسيط ممتع على شرح التهذيب بالأردو،
وله ديوان شعر بالأردو وقصائد بالعربية، منها قوله:
ظعنت سليمى فالسرور قبيح والعين تذرف والفؤاد جريح
الصبر في يوم الفراق محرم أو ما ترى ورق الأراك تنوح
تسعى العواذل في سلو صبابتي أو ما علمن بأنني لجموح
سأموت تبريحاً وما من عاشق إلا ويفنى بالجوى ويطوح
العشق أمر لو أبوح بسره تالله لم يك في الدنيا مريح
لا عيب فيها غير أن فؤادها إذ قيل جودي بالوصال شحيح
هي شادن أحوى وأن غذاءها قلب المشوق المبتلي لا الشيح
شمس بها شمس السماء مضيئة مسك إذا مرت عليك تفوح
وعيونها من وحش وجرة مطفل ولها ترائب كالصباح تلوح
في حبها قد جبت قفر أموره في أرجل الخريت فيه يذوح
ما جاء مقو فيه قبلي واحد تعوي الذئاب به ولي تسبيح
يا ويلتي ما فزت قط بمقصدي بل مسنى من قطعه التبريح
لم يسمح الزمن المعاند بالذي أغدر له متأسفاً وأروح
فالآن يا نفسي اشغلي بثناء من ذكراه للقلب الحزين مريح(8/1271)
إلى غير ذلك من الأبيات.
المولوي عبد الرحمن المباركبوري
صاحب تحفة الأحوذي
الشيخ العالم الصالح عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركبوري الأعظم كدهي، أحد العلماء
المشهورين، ولد ببلدة مبارك بور من أعمال أعظم كده سنة ثلاث وثمانين ومائتين وألف، وقرأ
المختصرات على والده، ثم اشتغل على مولانا عبد الله الغازيبوري وقرأ عليه، ثم سافر إلى دهلي
وأخذ الحديث عن شيخنا السيد نذير حسين الدهلوي المحدث، وأسند عن شيخنا حسين بن محسن
الأنصاري اليماني والقاضي محمد بن عبد العزيز الجعفري المجهلي شهري، ثم ولي التدريس
بالمدرسة الأحمدية ببلدة آره فدرس وأفاد زماناً، ثم انتقل إلى مدرسة دار القرآن والسنة في كلكته
فدرس بها مدة، ثم اعتزل التدريس وانقطع إلى التأليف، وأقام عند العلامة الشيخ شمس الحق العظيم
آبادي ثلاث سنين، وأعانه في تكميل عون المعبود، ثم عاد إلى وطنه مباركبور ولزم بيته عاكفاً على
التصنيف والتأليف، والردس والإفادة، والذكر والعبادة، وقد نفع الله به جماعة من الطلبة والفضلاء،
وأسس مدارس دينية في مباركبور وفي بلرام بور وبستي وكوند واستفاد الناس بصحبته وإخلاصه
ومواعظه، وخدم علم الحديث تدريساً وتأليفاً، وشرحاً وبحثاً.
كان متضلعاً من علوم الحديث، متميزاً بمعرفة أنواعه وعلله، وكان له كعب عال في معرفة أسماء
الرجال، وفن الجرح والتعديل، وطبقات المحدثين، وتخريج الأحاديث، ألف تحفة الأحوذي في شرح
جامع الترمذي في ثلاثة مجلدات كبار، وأفرد جزءاً بالمقدمة، وقد وقع هذا الكتاب من علماء هذا
الشأن موقعاً كبيراً، وكان شديد الانتصار لأهل الحديث كثير الرد على الحنفية.
وكان من العلماء الربانيين، عالماً عاملاً، خاشعاً متواضعاً، رقيق القلب، سريع الدمعة، كثير البكاء
سخياً صاحب إيثار وكرم، وبر بطلبة العلم، بعيداً عن التكلف في الملبس والمأكل، والمظهر والمخبر،
زاهداً متقللاً من الدنيا، قانعاً باليسير، زاهداً في المناصب والرواتب الكبيرة، مكباً على العلم
والتأليف، والمطالعة، ذاكراً لله تعالى في كل حال، سليم الصدر، نزيه اللسان، كثير الصمت، كف
بصره في آخر عمره، ثم عاد بعملية القدح، واعترته أمراض أخرى، ووافته المنية في السادس عشر
من شوال سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة وألف.
الشيخ عبد الرحمن الملتاني
الشيخ الفاضل عبد الرحمن بن عبيد الله بن قدرة الله الجشتي الملتاني، أحد العلماء المبرزين في
الفقه والأصول، أخذ عن والده وعن غيره من العلماء، ثم أخذ الطريقة عن أبيه، ولازمه ملازمة
طويلة، ودرس وأفاد، وكان على قدم أبيه في العلم والعمل.
الحافظ عبد الرحمن الأمروهي
الشيخ الفاضل عبد الرحمن بن عناية الله الحنفي البمبوي الأمروهي أحد العلماء المبرزين في الفقه
والحديث، وأصله من سنديله من أسرة ينتهي نسبها إلى سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله تعالى
عنه، ولد ونشأ بمعمورة بمبئ، وحفظ القرآن بمكة وتفقه على والده وعلى أساتذة مكة المباركة
وديوبند، وأدرك بها الإمام محمد قاسم بن أسد علي النانوتوي وقرأ عليه السنن الترمذي، وكان من
آخر تلاميذه، وقرأ الحديث على العلامة أحمد حسن المحدث الأمروهي في مراد آباد، ثم على الإمام
رشيد أحمد الكنكوهي، وأسند الحديث عن شيخنا العلامة حسين بن محسن الأنصاري اليماني ثم ولي
التدريس بمراد آباد في المسجد الشاهي، فدرس بها مدة من الزمان، ثم استقدمه أهل بمبئ بمدرسة
كمو سيته - بفتح الكاف وتشديد الميم - فدرس بها زماناً، ثم ولي رئاسة التدريس وشياخة الحديث
في المدرسة الإسلامية بجامع أمروهه، واشتغل بضع سنين بتدريس الحديث الشريف بالجامعة
الإسلامية بدابهيل.
له حاشية على تفسير البيضاوي، وحواش على المطول ومختصر المعاني، وكان على قدم الصلاح(8/1272)
والعفاف، مقتدياً بأساتذته وسلفه، بايع الشيخ الأجل إمداد الله المهاجر المكي وحصلت له الإجازة منه،
كثير الدرس والإفادة.
مات لسبع بقين من جمادى الآخرة سنة سبع وستين وثلاثمائة وألف بأمروهه، ودفن بجوار شيخه
العلامة أحمد حسن الأمروهي في المسجد الجامع بأمروهه.
مولانا عبد الرحمن الكثهوي
الشيخ العالم الصالح عبد الرحمن بن فتح الدين بن عبد الله الكثهوي، أحد العلماء المشهورين، حفظ
القرآن وقرأ العلم على الشيخ عبد الله الجكزالوي، والشيخ نظام الدين البهكوازوي، والمولوي محمد
إسحاق الرامبوري، وأخذ الحديث عن الشيخ عبد المنان الضرير الوزير آبادي، ثم أسند عن السيد
نذير حسين الدهلوي المحدث، كما في تطييب الإخوان.
وإني سمعت الشيخ محمد بن يوسف السورتي يقول: إنه عالم بالحديث والنحو، وله معرفة بالأدب،
وله مسائل في النحو وأمثاله، يقلد فيها بعض المتقدمين، كمثل ما يقول في أبي هريرة وأبي بكرة إنه
ينصرف جزءه الأخير، وله ولبعض تلامذته فيه رسائل، منها إزاحة الحيرة في صرف أبي هريرة،
قال: وقد كتبت في ذلك كتاباً حافلاً سميته حسام الكلام على صارفي أبي هريرة وأشباهه من الأعلام،
ضمنته خلاصة كلام الأئمة النحويين واللغويين، وبينت لغط المخالفين، قال: وهذا الرجل مع ورع
فيه مبتلي بوسواس، فتراه يغتسل مرات ويتوضأ مراراً، وربما فاتته الجماعة وهو يتوضأ قبلها
بنصف ساعة، انتهى.
الشيخ عبد الرحمن الباني بتي
المعروف بقارىء عبد الرحمن الباني بتي
الشيخ العالم الفقيه المجود عبد الرحمن بن محمد الأنصاري الباني بتي، المشهور بالقارىء، كان
أفضل عصره في الفقه وأعرفهم بطرقه، أخذ القراءة والتجويد عن السيد إمام الدين الأمروهي، وقرأ
عليه الشاطبي والمشكاة، والطريقة المحمدية والفرائض، وأخذ عنه السبعة، وقرأ على والده الرسائل
المختصرة في النحو والعربية، وقرأ شيئاً منها على العلامة رشيد الدين الدهلوي، وقرأ شرح العقائد
للتفتازاني مع حاشيته للفاضل الخيالي على السيد محمد الدهلوي، وقرأ سائر الكتب الدرسية من
المعقول والمنقول على مولانا مملوك العلي النانوتوي، ثم لازم دروس الشيخ المحدث أبي سليمان
إسحاق بن محمد أفضل الدهلوي سبط الشيخ عبد العزيز بن ولي الله، وخصه الشيخ بأنظار العناية
والقبول حتى صار صاحب سره، وتأهل للإفتاء والتدريس، ودخل باندا بلدة مشهورة من أرض
بنديلكهند، فوظف له نواب ذو الفقار الدولة أمير تلك الناحية، فأقام بها إلى سنة ثلاث وسبعين، ثم
رجع إلى بلدته واعتزل بها عاكفاً على الدرس والإفادة وانتهت إليه رئاسة المذهب الحنفي.
وكان ورعاً تقياً، قانعاً فصيحاً، مستحضر الفروع للمذهب مع الخبرة التامة بالفقه والأصول، صارفاً
جميع أوقاته بخدمة القرآن والحديث، عم نفعه لأهل العلم، ما من عالم من علماء الحنفية في عصره
إلا أخذ عنه، رحلت سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف وسمعت المسلسل بالأولية منه، وقرأت عليه
أوليات الشيخ محمد سعيد سنبل في نسخة عليه خاتم الشيخ المحدث إسحاق بن محمد أفضل الدهلوي،
فأجازني بجميع مروياته من مقروءاته ومسموعاته إجازة عامة تامة، ودعا لي بالبركة - نفعنا الله
ببركاته - آمين.
وله رسائل في الخلاف والمذهب، توفي بخمس ليال خلون من ربيع الثاني سنة أربع عشرة
وثلاثمائة وألف بباني بت.
المولوي عبد الرحمن السلهثي
الشيخ العالم الفقيه عبد الرحمن بن محمد إدريس بن محمد محمود بن محمد كليم العمري الحنفي
السلهثي، أحد العلماء المشهورين بأرض بنكاله، ولد ونشأ ببلدة سلهث - بكسر السين المهملة وسكون
اللام بعدها تاء عجمية - قرأ العلم على صنوه الكبير عبد القادر، ثم تصدر للتصنيف والتدريس.
ومن مصنفاته أحسن العقائد - رسالة بالأردو، وسيف الأبرار المسلول علي الفجار - رسالة
بالفارسية، وهي في الرد على ثبوت الحق الحقيق، أثبت فيها(8/1273)
وجوب تقليد الشخص المعين على
الناس، وشنع فيها تشنيعاً بالغاً على السيد المحدث نذير حسين الدهلوي صاحب ثبوت الحق الحقيق،
وعلى الشيخ الشهيد المجاهد الغازي في سبيل الله إسماعيل بن عبد الغني بن ولي الله العمري
الدهلوي صاحب تقوية الإيمان، وكفر الشيخ الشهيد رحمه الله تعالى.
المولوي عبد الرحمن راسخ الدهلوي
الشيخ العالم الصالح عبد الرحمن بن محمد حسين بن محمد إسماعيل البنتي الدهلوي المشهور
براسخ، ولد ونشأ بمدينة دهلي، وقرأ الكتب الدرسية على مولانا عبد العلي الميرلهي في مدرسة
المرحوم حسين بخش الدهلوي، ثم عكف على التذكير والتدريس، وأقبل على الشعر وصار معدوداً
في الشعراء، وتولى في شبابه إنشاء عدة جرائد ومجلات، منها: أفضل الأخبار ودهلي بنج وخير
خواه عالم وكان من الشعراء المكثرين، له ديوان شعر بالأردو، طبع باسم مرآة الخيال سنة ثلاث
عشرة وثلاثمائة وألف، وديوان لم يطبع، وشرح المثنوي المعنوي، وكان من الراسخين في اللغة
والأدب، وصحة الكلمات بصيراً بمواضع استعمالها، وأقلع في آخر عمره عن النسيب والغزل،
وعكف على التدريس والتذكير.
مات لثمان بقين من شعبان سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وألف وله أربع وأربعون سنة كما في
خمخانة جاويد.
المولوي عبد الرحمن الدهلوي
الشيخ الفاضل عبد الرحمن الولايتي الدهلوي أحد الأفاضل المشهورين في العلوم الآلية، أخذ الحديث
عن السيد نذير حسين الدهلوي المحدث، والشيخ حسين بن محسن السبعي الأنصاري اليماني، ودرس
بدهلي في صدر بازار ثم كشن كنج زماناً طويلاً، ثم تصدر بمدرسة السيد نذير حسين المذكور، وهو
الآن حي.
مولانا عبد الرحمن السهارنبوري
الشيخ العالم الكبير عبد الرحمن بن أحمد علي بن لطف الله الحنفي الأنصاري السهارنبوري ثم
الحيدر آبادي، أحد كبار العلماء.
ولد ونشأ بسهارنبور وقرأ الحديث على والده، واللغة والأدب على الشيخ فيض الحسن
السهارنبوري، وبايع الشيخ الكبير الحاج إمداد الله التهانوي المهاجر، ودرس وأفاد مدة بمدينة
سهارنبور، واشتغل بالمداواة مدة في إثاوه وتعرف هنا بالسيد مهدي علي المعروف بمحسن الملك
فحثه على الرحلة إلى حيدر آباد حيث كان معتمداً للمالية، فسافر إلى حيدر آباد، وعين طبيباً خاصاً
للأمير الكبير خورشيد جاه، ثم اعتزل عن ذلك واشتغل بمداواة المرضى، وصار مرزوق القبول
فيها، ورتب له المير عثمان علي خان صاحب الدكن مائتي ربية شهرية، وألف كتاباً سماه الطب
العثماني وقدمه إلى سمو النظام، فمنح عليه مكافأة عشرة آلاف ربية، كان بارعاً في الحديث والأدب
والطب، سلس القريحة في الشعر العربي، له التحفة العثمانية منظومة بالعربية، ذكر فيها أخباره وما
جرى له.
مات في سنة ست وأربعين وثلاثمائة وألف.
القاضي عبد الرحيم الكرنولي
الشيخ العالم الفقيه القاضي عبد الرحيم بن عبد القادر الشافعي الكرنولي المدراسي، أحد الأفاضل
المشهورين بمدراس.
ولد ببلدة كرنول من أرض مدراس سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف، وقرأ العلم على عبد الكريم
الكرنولي، وقادر بادشاه المدراسي، وبديع الزمان بن مسيح الزمان اللكهنوي، والمودودي المدراسي،
والسيد عباس الولايتي بحيدر آباد الدكن، ثم تصدر للتدريس، وله رغبة إلى العمل بنصوص الكتاب
والسنة، ورفض التقليد، أسس مدرسة لتعليم البنات، ومدرسة لتعليم العلوم الدينية، وتولى منصب
القضاء الذي توارثه عن آبائه.
مات لسبع خلون من جمادى الأولى سنة تسع(8/1274)
وأربعين وثلاثمائة وألف.
مولانا عبد الرحيم الصادقبوري
الشيخ العالم المحدث عبد الرحيم بن فرحة حسين بن فتح علي بن محمد سعيد الهاشمي الصادقبوري
العظيم آبادي أحد المجاهدين في سبيل الله.
ولد سنة اثنتين وخمسين ومائتين وألف ببلدة عظيم آباد، ونشأ في مهد العلم والمشيخة، وقرأ العلم
على مولانا إرادة حسين والعلامة عبد الحميد ووالده أحمد الله وصنوه فياض علي وعلى غيرهم من
العلماء، فدرس وأفاد مدة من الزمان، وأسرته الحكومة الإنكليزية واتهمته بالإعانة لمن كانوا في حدود
أفغانستان من غزاة الهند، وألقت عليه من المصائب ما تقشعر منه الجلود وتذوب القلوب، ثم أجلته
إلى جزائر أندمن في المحيط الهندي فمكث بها عشرين سنة، ثم أطلقته سنة ثلاثمائة وألف، فعاد إلى
بلدته وأقام بها زماناً قليلاً، ثم سافر إلى الحجاز فحج وزار سنة إحدى وثلاثمائة، ثم عاد وسافر للحج
والزيارة مرة ثانية سنة عشر وثلاثمائة.
مات يوم النحر سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة وألف.
مولانا عبد الرحيم الدهلوي
الشيخ الصالح عبد الرحيم القادري الدهلوي، أحد المشايخ المعروفين في الهند.
ولد ونشأ بدهلي، وسافر في صغر سنه إلى بنير - بضم الموحدة وكسر النون - ناحية في حدود
أفغانستان، فأدرك بها الشيخ عبد الغفور القادري أحد الأولياء المشهورين وبايعه وصحبه، وحفظ
القرآن وقرأ النحو والفقه، ثم رجع إلى بلاد الهند بأمر شيخه، وأخذ العلم عن أساتذة دهلي، وتطبب
على بعض الأطباء ثم رجع إلى بنير، وصحب شيخه مدة من الزمان، فلما أجازه الشيخ رجع إلى
الهند وعكف على الإفادة والعبادة.
ومن مصنفاته رسالة في الصرف، ومرآة القرآن رسالة له في القرآءة والتجويد، وروضة النعيم في
الموعظة، ورحمة الرحيم في ذكر النبي الكريم، وتزويج الأيامي، وفتح سنة الإسلام، وله غير ذلك
من الرسائل.
مات لثلاث عشرة خلون من ذي القعدة سنة خمس وثلاثمائة وألف بدهلي، وأرخ لوفاته بعض أحبابه
من قوله قد رضي الله عنه كما في يادكار دهلي.
الشيخ عبد الرزاق اللكهنوي
الشيخ العالم الفقيه عبد الرزاق بن جمال الدين بن علاء الدين الأنصاري اللكهنوي أحد العلماء
المشهورين.
ولد في سنة سبع وثلاثين ومائتين وألف ببلدة لكهنؤ، واشتغل بالعربية أياماً على مولانا نور كريم
الدريابادي، ثم قرأ بعض الكتب على المفتي محمد أصغر اللكهنوي وسائر الكتب الدرسية على ولده
المفتي محمد يوسف، ثم أسند الحديث عن الشيخ حسين أحمد المليح آبادي والشيخ محسن بن بدر
المدني، وأخذ الطريقة القادرية عن خاله عبد الوالي بن أبي الكرم اللكهنوي سنة أربع وخمسين
ومائتين وألف، واشتغل مدة من الزمان بالإفتاء والتدريس على طريقة أسلافه ثم اعتزل، وقصت أن
الشيخ الشهيد أمير علي الأميلهوي لما خرج على الهنادك الذين حرقوا المصحف وهدموا المسجد
وقتلوا المسلمين ببلدة أجودهيا أفتاه للخروج خلافاً على نقي الشيعي الخبيث، وكان الشيخ متفرداً في
الإفتاء بين أهل السنة والجماعة، وكذلك السيد محمد بن دلدار علي اللكهنوي المجتهد كان متفرداً في
إفتائه بين علماء الشيعة وسائر العلماء مالوا إلى الوزير ونالوا منه الصلات والجوائز، وكان المجتهد
بعيداً من منال الوزير، والشيخ عبد الرزاق كان مسكيناً فخوفه الحكام ورهبوه بالأسر، فاختفى منهم،
وترك الافتاء من ذلك اليوم، وتصدر للمشيخة، وعاش عمراً طويلاً، أدركته ببلدة لكهنؤ وحضرت في
مجلسه مراراً، وسمعت شيخنا محمد نعيم بن عبد الحكيم اللكهنوي يقول: إن هذا الرجل أول من عقد
المجلس للسماع في الأعراس وسمع الغناء بالآلات بمشهد من الناس، انتهى.
وكان من أعداء الشيخ إسماعيل بن عبد الغني(8/1275)
الدهلوي الشهيد الغازي في سبيل الله ينتصر لما
يخالفه من الرسوم والأهواء كل انتصار.
ومن مصنفاته حاشية على شرح الوقاية، ومنهج الرضوان، وكشف القناة عن أحوال الأموات،
والأنوار الغيبية، وله رسالة في مقامات الصوفية، ورسالة في السعد والنحس، ورسالة في آداب
المطالعة، ورسائل في مولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ورسائل في ترجمة الشيخ عبد القادر
الجيلاني، ورسائل في تراجم الخلفاء الراشدين، ورسالتان في تراجم السبطين، وله رسائل غير ذلك.
مات لخمس بقين من صفر سنة سبع وثلاثمائة وألف بمدينة لكهنؤ، فدفن بمقبرة أسلافه.
السيد عبد الرؤف الحيدر آبادي
الشيخ الفاضل عبد الرؤف بن فيض أحمد بن محمد حسين البكلوي الحيدر آبادي أحد العلماء
المبرزين في العلوم العربية، ولد بحيدر آباد سنة ثمان وسبعين ومائتين وألف، وقرأ العلم على الشيخ
نياز محمد الحيدر آبادي وعلى غيره من العلماء.
المولوي عبد السبحان البهاري
الشيخ الفاضل عبد السبحان بن إسماعيل الحنفي البهاري أحد الفضلاء المبرزين في العلوم الحكمية،
اشتغل بالعربية مدة من الزمان على أساتذة دار العلوم ببلدة لكهنؤ، ثم سافر إلى طوك وأخذ المنطق
والحكمة عن المولوي بركات أحمد بن دائم علي الطوكي، ثم ولي التدريس ببلدة كانبور فدرس وأفاد
بها زماناً، ثم سار إلى إله آباد ودرس بها في مصباح العلوم مدة، ثم ولي التدريس بدار العلوم.
المولوي عبد السبحان الناروي
الشيخ العالم الفقيه عبد السبحان بن محمد محسن الحنفي الناروي الإله آبادي أحد الفقهاء، ولد بناره
ويقال لها أحمد آباد، وهي قرية جامعة من أعمال إله آباد، نشأ بها وتعلم الخط والكتابة ثم سافر إلى
إله آباد وقرأ العلم على السيد فخر الدين الحسيني الإله آبادي، وأخذ عنه الطريقة ولازمه مدة طويلة
ثم تصدر للتدريس، أخذ عنه المولوي عبد الكافي الناروي وعبد الحميد بن حيدر حسين الجونبوري
وخلق آخرون.
وكان عفيفاً قانعاً ديناً شديد التصلب في المذهب شديد النكير على غيره، له مصنفات، منها التهديد
في وجوب التقليد، والدلائل القاطعة في تحقيق الفرقة الناجية، وخير المقالة في إزالة العجالة، ورسالة
في أسرار الصلاة.
مات بإله آباد يوم الجمعة لتسع بقين من محرم سنة ثلاث وثلاثمائة وألف، وله ثلاث وستون سنة.
المولوي عبد السلام الندوي
الشيخ الفاضل عبد السلام بن دين محمد البتوي الأعظم كدهي، أحد الأفاضل المشهورين، ولد ونشأ
بقرية بلو من أعظم كده واشتغل بالعلم زماناً على أساتذة بلاده، ثم قدم لكهنؤ وقرأ على السيد علي
الزينبي والمولوي شبلي بن محمد علي والمولوي حفيظ الله وعلى غيره من الأساتذة بدار العلوم،
وتخرج فيها، ثم ولي التدريس بها فدرس زماناً وكان يكتب في مجلة الندوة مقالات علمية نالت
إعجاب أهل العلم وحاز بها ثقة العلامة شبلي النعماني ورضاه وناب في تحريرها عدة شهور ثم سار
إلى أعظم كده وصار رفيقاً من رفقاء دار المصنفين.
له كتاب في سيرة عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي رضي الله عنه ومجلد من مجلدات سيرة
النبي، وانقلاب الأمم ترجمة سر تطور الأمم، وأسوة صحابه في جزئين تلقى بالقبول، وشعر الهند
وإمام رازي.
وكان من الكتاب المترسلين في الأردو، وجيز العبارة في رصانة ورشاقة، يكتب عن طبع وسليقة،
وكان من كبار تلاميذ العلامة شبلي بن حبيب الله البندولي، ومن الذين قلدوا أسلوبه في البحوث
العلمية، فنجحوا، وكان غراً غمراً لا يحسن أمور الدنيا، صاحب فطنة وذكاء في الكتابة والتأليف،
جيد المشاركة في العلم، بصيراً بالشعر.(8/1276)
مات لليلتين بقيتا من صفر سنة ست وسبعين وثلاثمائة وألف، ودفن بجوار العلامة شبلي النعماني
في دار المصنفين بأعظم كره.
مولانا عبد الشكور الكاكوروي اللكهنوي
الشيخ العالم الفقيه عبد الشكور بن ناظر علي بن فضل علي الحنفي الكاكوروي، أحد العلماء
المشهورين، ولد لست بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين ومائتين وألف بقرية كاكوري ونشأ
بفتحبور حيث كان والده محصلاً للخراج من تلقاء الحكومة، وقرأ المختصرات على مولانا نور محمد
الفتحبوري، ثم سافر إلى لكهنؤ وقرأ سائر الكتب الدرسية على مولانا عين القضاة بن محمد وزير
الحيدر آبادي بين سنة عشر وثلاثمائة وألف وسبع عشرة وثلاثمائة وألف ولازمه مدة طويلة، ثم أخذ
الصناعة الطبية عن الحكيم عبد الولي المرحوم، ثم ولي التدريس بدار العلوم لندوة العلماء فدرس بها
زماناً، ثم ذهب إلى دهلي وأقام بها مدة في دار الطباعة لمزرا حيرة وترجم القرآن الكريم وصحيح
البخاري من قبل مرزا حيرة المذكور، ثم رجع إلى لكهنؤ وولي التدريس بالمدرسة الفرقانية لمولانا
عين القضاة المذكور فدرس بها مدة من الزمان واعتزل عنه سنة أربع وثلاثين.
وانقطع إلى التأليف والمناظرة والرد على الشيعة الإمامية والانتصار لأهل السنة والدفاع عن
الصحابة والخلفاء الراشدين، وإثبات الحق والفضل لهم، ونشر مناقبهم وإعلان محاسنهم وفضلهم على
الإسلام والمسلمين، والرد على الأهواء والبدع والعقائد التي انتشرت في أهل السنة بطول اختلاطهم
بالشيعة وحكمهم ونفوذهم في هذه البلاد، مشمراً في سبيل ذلك عن ساق الجد والاجتهاد، معتبراً ذلك
أعظم قربة وأفضل جهاد، يؤلف ويناظر ويخطب ويحاضر ويكشف اللثام عن عقائد الشيعة ومذاهبهم
وآرائهم وما ذهبوا إليه في كتبهم التي لا يتوصل إليها أفراد الناس وعامة العلماء ولا يعلمها إلا
خاصة الخاصة، حتى صار في ذلك العلم المفرد في الديار الهندية وفي غيرها، وانتهت إليه الإمامة
في هذا الشأن في عصره لا يدانيه في الإحاطة بهذا الغرض أحد من معاصريه إلا أن يكون عند الله
علم بذلك.
نفع الله به خلائق لا يحصون بحد وعد، وأقلع من لا يحصيه إلا الله عن البدع والرسوم المنتشرة
في الهند بتأثير الشيعة من صنع الضرائح من الورق التي يسمونها تعزيه ومن سوء الظن بالصحابة
رضي الله عنهم، ومن بسط اللسان فيهم والوقوع في أعراضهم، وتمسكوا بالعقيدة السنية الخالصة
ورسخ حبهم والتعظيم لهم في قلوبهم، وأسس لهذا الغرض مدرسة سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة
وألف سماها دار المبلغين.
هذا مع الورع وحسن السمت والتواضع والاشتغال بخاصة النفس وإيثار الانقطاع وترك التكلف
ودوام الابنهال والزهد والتوكل والاشتغال بالذكر والمراقبة.
كان متوسط القامة أقرب إلى القصر، على وجهه سيماء الصالحين، أسمر اللون شديد السمرة متخففاً
في اللباس طارحاً للتكلف نشيطاً قوياً في العمل والاشتغال دائم البشر مهيباً وقوراً لا يتكلم إلا يما
يعنيه كثير الصمت والحياء، وكان كلامه فصلاً لا فضول فيه ولا مبالغة، بايع الشيخ أبا أحمد
البهوبالي بن الشيخ خطيب أحمد بن الشيخ رؤف أحمد المجددي، واختص به وداوم على أشغال
القوم.
وكان شديد الاعتقاد عظيم الحب والإجلال لشيخ أبيه مولانا عبد السلام الهنسوي وهو خال المؤلف
دائم الذكر له والحديث عنه ولمشايخه وأئمته لا سيما الإمام الرباني الشيخ أحمد بن عبد الأحد
السرهندي، وكان دائم الاشتغال برسائله وقد يدرسها للخاصة، وكذلك الشيخ غلام علي النقشبندي
الدهلوي، وكان قوي الرسوخ جيد النظر في الفقه دقيق الفهم للقرآن دائم الاشتغال به، قد حفظه في
كبر سنه في مدة قصيرة، وفي الأيام التي قضاها في السجن، وقد كان ذلك لقيامه بحركة مدح
الصحابة علناً وجهاراً ومعارضته للحكومة في ذلك القانون الذي أصدرته.
ومن أحسن مصنفاته علم الفقه في سبعة مجلدات وقد انتهى إلى كتاب النكاح، وهو كتاب عظيم
يمتاز بالدقة والتنقيح وله ترجمة أسد الغابة وترجمة تاريخ(8/1277)
الطبري وترجمة إزالة الخفاء عن خلافة
الخلفاء انتهى إلى المقصد الأول، ومجموعة تفسير آيات الإمامة والخلافة تشتمل على اثنتين
وعشرين رسالة، وكتاب في سيرة الخلفاء الراشدين، وكتاب في السيرة النبوية سماها النفحة العنبرية،
وسيرة الحبيب الشفيع من الكلام العزيز الرفيع.
توفي إلى رحمة الله في السابع عشر من ذي القعدة سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة وألف.
السيد عبد الصمد السهسواني
الشيخ العالم الفقيه عبد الصمد بن غالب حسين الحسيني السهسواني أحد الفقهاء الحنفية، ولد ونشأ
بسهسوان وسافر للعلم إلى بدايون، وقرأ أكثر الكتب الدرسية على الشيخ عبد القادر بن فضل رسول
العثماني وبعضها على غيره من العلماء، وكان حفظ القرآن الكريم ثم اشتغل صحيح البخاري فحفظ
معظمه ولم يزل باذلاً جهده في ذلك إلى أن توفي.
وكان على مسلك شيخه في الخلافيات شديد التعصب على مخالفيه ولكنه قليل البذاءة عليهم حسن
المعاشرة ذا بشاشة للناس لين الكنف، رأيته غير مرة ببلدة فتحبور يأتي على مسترشديه، وكان يسكن
في بهبوند من أعمال اثاوه، مات بها سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وألف.
مولانا عبد العزيز الرحيم آبادي
الشيخ الفاضل عبد العزيز بن أحمد الله السلفي الرحيم آبادي المظفربوري أحد العلماء المشهورين.
ولد سنة سبعين ومائتين وألف بقرية رحيم آباد من أعمال مظفربور، وقرأ العلم على المولوي
محمود عالم الرامبوري والحكيم عبد السلام الدهلوي ثم العظيم آبادي ومولانا محمد يحيى بن منور
حسين الهرني العظيم آبادي، ثم سافر إلى دهلي وأخذ الفقه والحديث عن شيخنا المحدث نذير حسين
الحسيني الدهلوي سنة اثنتين وتسعين ومائتين وألف، ثم رجع إلى بلدته، وجد في البحث والاشتغال
حتى حصلت له ملكة راسخة في الخلافة والمذهب، له صيانة المؤمنين عن شر المبتدعين، وحسن
البيان في الرد على سيرة النعمان.
مات برحيم آباد نحو سنة ثلاثين وثلاثمائة وألف.
الحكيم عبد العزيز اللكهنوي
الشيخ الفاضل عبد العزيز بن إسماعيل بن يعقوب الحنفي اللكهنوي، أحد الأفاضل الماهرين في
الصناعة الطبية، قرأ الكتب الدرسية على شيخنا محمد نعيم ابن عبد الحكيم الأنصاري اللكهنوي
وعلى غيره من الأساتذة، وقرأ الكتب الطبية على جده الحكيم يعقوب وعمه إبراهيم، ثم صرف عمره
في الدرس والإفادة حتى اشتهر ذكره وبعد صيته وفاق الأقران في الفنون النظرية، قرأت عليه طرفاً
من كليات القانون للشيخ الرئيس، وكان صالحاً ملازماً للصوم والصلاة، ووفقه الله سبحانه بالحج
والزيارة سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وألف.
ول رسالة في إبطال حس جوهر الدماغ، رد فيها على معاصره الحكيم عبد المجيد بن محمود
الدهلوي، وله رسالة في مبحث الطاعون عزاها إلى ولده عبد الرشيد.
مات بالفالج ليلة الجمعة لإحدى عشرة بقين من شوال سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وألف بلكهنؤ
فدفن بمقبرة أسلافه.
الحكيم عبد العزيز الحيدرآبادي
الشيخ الفاضل عبد العزيز بن بهاء الدين بن محمد حسن بن محمد عمر الآركاني ثم الحيدر آبادي،
أحد العلماء المبرزين في الصناعة الطبية، ولد ونشأ بمحمدبور آركاث، وقرأ العلم على أساتذة
المدرسة الإسلامية ببلدة بنكلور، وقرأ الكتب الطبية على خاله الحكيم غلام مصطفى المدراسي، ثم
تطبب على والده ودخل حيدرآباد سنة إحدى وثمانين ومائتين وألف فتصدر بها للدرس والإفادة، ثم
جعله محبوب علي خان صاحب الدكن طبيباً خاصاً له.(8/1278)
مولانا عبد العزيز اللكهنوي
الشيخ العالم الفقيه عبد العزيز بن عبد الرحيم بن عبد السلام بن عبد القدوس الأنصاري اللكهنوي
أحد الفقهاء الحنفية، قرأ أكثر الكتب الدرسية على العلامة عبد الحي بن عبد الحليم اللكهنوي وبعضها
على غيره من العلماء، ثم أخذ الطريقة عن الشيخ عبد الرزاق بن جمال الدين اللكهنوي، وولي
التدريس في المدرسة الإنكليزية كالون اسكول ببلدة لكهنؤ.
ومن مصنفاته تعليقات على تخريج الهداية للزيلعي، وحاشية على المجلد الرابع من شرح الوقاية
مات لأربع بقين من صفر سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وألف
مولانا عبد العزيز المالوي
الشيخ العالم الصالح عبد العزيز بن حمزة الحنفي المالوي نائب المفتي في بهوبال المحروسة، ولد
ونشأ بها، وقرأ العلم على أساتذة بهوبال، ثم لازم دروس المفتي عبد القيوم بن عبد الحي البكري
البزهانوي نزيل بهوبال، وأخذ عنه الحديث والتفسير واستفاض منه فيوضاً كثيرة، ثم عكف على
الدرس والإفادة، وكان يدرس القرآن الكريم بعد الظهر كل يوم، انتفع بمجلسه وبركة دعائه وطهارة
أنفاسه خلق كثير في بهوبال، وكان آية ظاهرة في القناعة وقلة الأمل وكثرة العمل، رأيته في بهوبال
وتمتعت بصحبته.
مات يوم الأحد لست ليال بقين من ربيع الأول سنة ست وعشرين وثلاثمائة وألف بمدينة بهوبال.
مولانا عبد العزيز اللكهنوي
الشيخ العالم المحدث عبد العزيز بن غلام أحمد الكشميري اللكهنوي أحد العلماء المشهورين.
ولد ببلدة فرخ آباد سنة أربعين ومائتين وألف، وقرأ النحو والصرف وشطراً من مشكاة المصابيح
على المولوي هداية الله الصفي بوري، وقرأ بلوغ المرام على المولوي عبد الحق بن فضل الله
النيوتيني، وقرأ شطراً من صحيح البخاري على مولانا حسين أحمد المليح آبادي، وقرأ النصف من
السنن لأبي داود علي مولانا سراج أحمد السنبهلي، وقرأ بعض رسائل المنطق، فلما بلغ إلي قال
أقول عافه وكره وترك الاشتغال به، وحصلت له الإجازة عن الشيخ عبد الحق ابن فضل الله المذكور
وعن الشيخ أحمد بن زيني دحلان الشافعي المكي.
وكان من أكابر العلماء ببلدة لكهنؤ، رأيته غير مرة، وكان نقي اللون ربع القامة ثائر الرأس.
الحكيم عبد العزيز الدريابادي
الشيخ الصالح عبد العزيز بن نور كريم الحنفي الدريابادي أحد الأطباء المشهورين، ولد بلكهنؤ سنة
إحدى وستين ومائتين وألف، وقرأ العلم على شيخنا محمد نعيم ووالده عبد الحكيم اللكهنوي والمفتي
سعد الله المراد آبادي والمولوي مظهر علي الرامبوري، والكتب الطبية على الحكيم إبراهيم بن
يعقوب ووالده يعقوب الحنفي ومرزا مظفر حسين الشيعي، ثم ولي التدريس بالمدرسة الكلية كينك
كالج مقام والده المرحوم، وكان يدرس الكتب الطبية في بيته، أخذ عنه غير واحد من الأطباء، وكان
وجيهاً مشكلاً منور الشبيه أبيض اللون، مات في رجب سنة أربع عشرة وثلاثمائة وألف.
المولوي عبد العزيز الرامبوري
الشيخ الفاضل عبد العزيز الحنفي الرامبوري المعروف بعلم المنطق، كان من أهل أمبيلها من أعمال
سهارنبور، تعلم أولاً من بعض العلماء، ثم لازم دروس العلامة عبد الحق بن فضل حق الخيرآبادي،
أظنه خمس عشرة سنة، حتى ضبط أكثر تقاريره ولا يعرف له في غير المنطق والحكمة أثر، وقد
دخل في زمرة المعتقدين للمشايخ والقبور حتى أنه ربما يسجد وقلما يفوته سفر زيارة لعرس قبر من
قبور المشايخ، وله شغف بالسماع ونحوه، وكان تصدر بالمدرسة العالية برامبور زماناً وتتلمذ عليه
أمير تلك البلدة النواب حامد علي خان في المنطق ثم استقال لعله مات في سنة ثمان وثلاثين
وثلاثمائة وألف، ولم يعرف له تأليف.(8/1279)
مولانا عبد العزيز الهزاروي
الشيخ العالم المحدث عبد العزيز بن عبد السلام بن إلياس بن عبد اللطيف العثماني الهزاروي أحد
العلماء الصالحين، له استجلاء البصر من شرح نخبة الفكر بالأردو.
الحكيم عبد العلي اللكهنوي
الشيخ الفاضل عبد العلي بن إبراهيم بن يعقوب الحنفي اللكهنوي أحد العلماء المبرزين في الصناعة
الطبية.
ولد ونشأ ببلدة لكهنؤ وحفظ القرآن، ثم اشتغل بالعلم وقرأ على العلامة عبد الحي بن عبد الحليم
الأنصاري اللكهنوي وعلى شيخنا محمد نعيم بن عبد الحكيم الأنصاري، وقرأ الكتب الطبية على جده
وأبيه ولازمهما مدة من الزمان حتى برع وفاق الأقران في الفنون العلمية والعملية سيما المعالجات،
فاشتهر اسمه وبعد صيته وجعله نواب كلب علي خان الرامبوري طبيباً خاصاً له مقام والده المرحوم،
ولم يزل مجتهداً في إكرامه ويحبه حباً مفرطاً، فأقام برامبور إلى وفاة الأمير المذكور، ثم رجع إلى
بلدته ومكث بها برهة من الزمان، ثم استقدمه واجد علي شاه اللكهنوي إلى كلكته فذهب إليه ومكث
عنده إلى وفاته، ثم رجع إلى لكهنؤ وأقام بها زماناً، ثم استقدمه نواب شاهجهان بيكم ملكة بهوبال
وكنت حينئذ في بهوبال فقرأت عليه بعض الكتب الطبية وتطببت عليه.
وكان حسن الصورة مشكلاً ضخماً سمياً ذا بشاشة للناس وتواضع كثير الاعتناء بالمساكين، وكان لا
يرجح الغني على الفقير في المعالجة، توفي بمدينة لكهنؤ في ضعف المعدة يوم وضع حجر أساس
كلية الطب الحديث مذيكل كالج بلكهنؤ على يد جورج الخامس ملك جزائر بريطانيا والهند وما وراء
البحار، وكنت إذ ذاك في ذلك المجلس فسمعت أنه توفي الآن فظنت أن الطب اليوناني قد مات
بوفاته حتى قام مقامه الطب الغربي، وكان ذلك سلخ شوال سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وألف.
السيد عبد العلي بن عبد الحي الحسني اللكهنوي
ولد مؤلف الكتاب، ولد لسبع بقين من جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وثلاثمائة وألف بهنسوه -
قرية جامعة من أعمال فتحبور - في بيت جده لأمه السيد عبد العزيز بن سراج الدين الحسيني
الواسطي، وقرأ في علم الآلات على شيخه السيد علي الزينبي والمولوي شبلي الجيراجبوري، وأخذ
الهيئة عن المولوي سلطان محمد الكابلي، والهندسة عن العلامة شير علي الحيدرآبادي وحضر
الدروس في دار العلوم لندوة العلماء، وقرأ على بعض الكتب الدرسية ولازمني مدة وأخذ عني
الصناعة الطبية، وقرأ على شيخنا العلامة حسين بن محسن الأنصاري اليماني حين وفد علي من
بهوبال كتاب الأوليات للشيخ محمد سعيد سنبل وأجازه شيخنا المذكور، ثم سافر إلى ديوبند سنة تسع
وعشرين وثلاثمائة وألف، وقرأ الصحاح والسنن على السيد أنور شاه الكشميري وعلى العلامة
محمود حسن الديو بندي المحدث ولازمهما سنة كاملة، ثم رجع إلى مدينة لكهنؤ، فزوجته بابنة خاله
السيد أبي القاسم بن عبد العزيز الحسيني الواسطي.
وأقبل على دراسة اللغة الإنجليزية والعلوم العصرية، وانتسب إلى إحدى مدارسها الرسمية وخرج
ناجحاً، ودخل في كلية لكهنؤ وجد في البحث والاشتغال حتى نال الفضيلة بتفوق في علم الكيمياء
وعلم الحيوان وعلم النبات وغيرها، وذلك سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة وألف، وحصلت له وسامتان
عاليتان، إحداهما من الذهب المسكوك مع الكتب النفيسة من جامعة إله آباد على يد الحاكم العام
للولايات الشمالية المتحدة.
وقرأ الطب القديم على مؤلف هذا الكتاب، وسافر في هذه السنة إلى دهلي ومكث عند طبيب الهند
المشهور وزعيمها حاذق الملك الحكيم أجمل خان ومكث عنده ستة أشهر يرافقه ويستفيد منه، ثم
التحق بكلية الطب الحكومية في لكهنؤ سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وألف، واستقام على طريقته
وشارته محافظاً على الشعائر الدينية والآداب الاسلامية متقشفاً في(8/1280)
اللباس والوضع، جاداً في البحث
والدراسة حتى نال إعجاب أساتذته وثقتهم وتقدير زملائه واحترامهم، وتوفي والده مؤلف هذا الكتاب
سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة وألف، وأكمل المترجم دراسته في كلية الطب وأخذ الشهادة من جامعة
لكهنؤ سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة وألف، ثم بدأ حياته المستقلة كطبيب ليكفل أسرته، وكان زاهداً
في الوظائف الحكومية.
وانتخب عضواً في لجنة ندوة العلماء التنفيذية سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة وألف، وانتخب نائب
المدير سنة ست وأربعين وثلاثمائة وألف ومديراً أو الأمين العام سنة تسع وأربعين وثلاثمائة وألف،
وقد قطعت ندوة العلماء ودار العلوم التابعة لها أشواطاً بعيدة زمن إدارته وإشرافه، وجلب لها بعض
الأساتذة الكبار وفاقت في تحسين طريقة تعليم اللغة العربية وإصلاح مناهج الدرس، وحج وزار سنة
أربع وأربعين وثلاثمائة وألف على جناح شوق وحب، وطابت له الأيام في الحرمين الشريفين، وظل
مشتغلاً ثلاثين سنة بإدارة ندوة العلماء وخدمة الناس عن طريق المداواة والبر والمؤاساة، مهتماً بأمور
المسلمين مساهماً في تأييد القضايا الإسلامية والمشاريع الإصلاحية بقدر الإمكان، مشتغلاً بذات نفسه
معتزلاً في بيته، قليل الحديث إلا فيما ينفعه وينفع الناس، زاهداً في الجاه والشهرة والظهور.
وكان رحمه الله مثالاً نادراً للجمع بين محاسن القديم والجديد وفضائل الدين والدنيا رسوخ في العقيدة
واستقامة في الدين، وتضلع في العلوم القديمة والحديثة وسعة آفاق الفكر وتصلب في المبادىء
والغايات، وتوسع في الوسائل والآلات، وقد اجتمع فيه حب الواقعية وعدم التعصب مع الإتقان
والتعمق، متوسطاً بين الجمود والتجدد وبين التقليد ورفض التقليد، وكانت له فطرة سليمة بعيدة عن
الإفراط والتفريط، كان متقشفاً في حياته الشخصية، زاهداً في معيشته، ولكنه كان واسع النظر، رحب
الصدر في العلم والدراسة، متتبعاً للحديث الأحدث، من العلوم والتجارب، وكان حريصاً على اتباع
السنة بعيداً عن الإسراف وعن تقليد العادات الهندية، وكان جاداً في كل أعماله، متقناً لكل ما درسه
من قديم وجديد، إماماً في مسجد الحي، عالماً فقيه النفس، قد بايع مولانا حسين أحمد الفيض آبادي،
وكان شديد الحب كثير الإجلال له، وكان بيته منزله الدائم في البلد، وكان أثيراً كبير المنزلة عنده،
وكان قوي الحمية للاسلام، مقدراً للجهاد أينما كان، حريصاً على المساهمة فيه، واسع الاطلاع على
شؤون العالم الإسلامي، شديد التعلق بجزيرة العرب والحجاز والحرمين الشريفين، عميق الحق شديد
التعظيم للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه وأهل بيته، شديد الحب للعرب يسوؤه ويؤلمه ذمهم،
وانتقاص حقهم وفضلهم، خبيراً بجغرافية الجزيرة العربية، ألف كتاباً بالعربية في هذا الموضوع في
شبابه، كبر الاعتناء بالحديث النبوي الشريف، وكان له شغف بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه
العلامة ابن قيم الجوزية، حسن الاعتقاد شديد الإجلال للشيخ أحمد بن عبد الأحد السرهندي والشيخ
ولي الله الدهلوي والسيد أحمد بن عرفان الشهيد، وكان له شغف عظيم واهتمام كبير بالدعوة إلى
الإسلام ونشر الدين والعلم في الطبقات المتخلفة وأصحاب الحرف والمهن.
وكان واسع الذرا رحيب الصدر لإخوته الصغار وأهل بيته، وكان قد غلب عليه الاحتساب، لا يتكلم
إلا فيما يعنيه، ويكتفي بقدر ما يلزمه، ولا ينفق إلا فيما يرجو ثوابه، مقتصداً فيما يتفاخر به الناس،
منبسطاً فيما يدخره عند الله، رزقه الله القبول العام، وقد بلغ الغاية في بر والده وطاعته، ونال رضاه
وأدعيته الوافرة، وقد ختم رحمه الله ترجمت في هذا الكتاب بقوله: وهو حسن الفهم جيد التصور
قوي الإدراك، قد أخذ العلوم الآلية والعالية بنصيب وافر، فتح الله سبحانه عليه أبواب معارفه، وجعله
من العلماء العاملين، ورفع شأنه وبارك فيه، وجعل لي قرة عين بحوله وطوله، وإني أجزته بجميع
ما تجوز لي روايته، وتصح عني درايته بحق ما أجازني جمع من المشايخ الأجلاء، وأرجو الله
تعالى أن ينفعه وينفع به، ويجعله من عباده الصالحين ومن العلماء الناشرين للدين القويم بحق النبي
الكريم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كان مربوع القامة مائلاً إلى القصر أبيض اللون والبشرة جميلاً، وسيماً، من رآه أحبه وأجله، طلق
الوجه وقوراً، ضحكه التبسم في غالب الأحوال، وإذا(8/1281)
ضحك دمعت عيناه، عريض الجبهة واسع
العينين، نظيف الأثواب في غير تكلف وإسراف، يحب النظافة والنظام في كل شيء، يؤثر من
اللباس والطعام ما خف وعم، وكان جيد الخط، بارعاً في الكتابة، متقناً للحساب، يجيد اللغة الفارسية
والعربية والإنجليزية، وإذا كتب باللغة الأردوية أوجز وأجاد، وكان يباشر أموره بنفسه، وكان يحسن
شيئاً كثيراً من الأمور المنزلية، ويعرف الخياطة والطبخ، وكان صبوراً دؤوباً في المداواة
والتمريض، ناصحاً مخلصاً للمرضى، ولا يستحيي من قوله: ما فهمت ولا يصر على خطاء، ويحب
الفقراء والمساكين، ويؤثر مساكنتهم ومجالستهم، ويكره المبالغة في كل شيء، قد فطر على الاقتصاد
والتوسط في أمور الدين والدنيا.
ولم يزل على ذلك حتى انحرفت صحته في الزمن الأخير، وأصيب بضغط الدم وأمراض القلب،
حتى وافاه الأجل المحتوم لتسع ليال بقين من ذي القعدة سنة ثمانين وثلاثمائة وألف، وصلى عليه
مولانا عبد الشكور اللكهنوي في جمع حاشد، ونقل جثمانه إلى وطنه رائي بريلي حيث دفن بجوار
والده وأجداده بمقبرة شيخ المشايخ الشيخ علم الله النقشبندي رحمه الله تعالى.
المولوي عبد العلي الحيدر آبادي
الشيخ الفاضل عبد العلي بن محمد مهدي بن عارف الدين بن محمد معروف البرهانبوري المدراسي
ثم الحيدر آبادي أحد العلماء المبرزين في العلوم الأدبية، ولد سنة ثمان وأربعين ومائتين وألف، وقرأ
العلم على أساتذة عصره، ثم ولي التدريس بدار العلوم في حيدر آباد الدكن، واستقل به مدة حياته،
أخذ عنه جمع كثير.
مات في سنة إحدى عشرة وثلاثمائة وألف بحيدر آباد.
المولوي عبد العلي آسي المدراسي
الشيخ الفاضل عبد العلي بن مصطفى الحنفي الجتوري المدراسي، ثم اللكهنوي أحد العلماء
المبرزين في النحو واللغة.
ولد ونشأ ببلدة جتور - بكسر الجيم المعقود وتشديد التاء الفوقية - قدم لكهنؤ في شبابه وقرأ معظم
الكتب الدرسية على مولانا إلهي بخش الفيض آبادي، وبعضها على العلامة عبد الحي بن عبد الحليم
اللكهنوي، ثم استخدمه عبد الرحمن خان صاحب المطبعة النظامية لتصحيح الكتب، وكان له يد
بيضاء في التصحيح والتحشية والإنشاء والشعر.
له مصنفات، منها: التبصرة النظامية في الرؤس الثمانية، وتبصرة الحكمة في حفظ الصحة، وتكملة
واجب الحفظ، وحل التصاريف المشكلة، وميزان اللسان، وتنبيه الوهابيين، وله غير ذلك من
الرسائل.
وأسس مطبعة في لكهنؤ كان لها فضل كبير في نشر الكتب العربية والدينية.
مات في سنة سبع وعشرين وثلاثمائة وألف.
المولوي عبد العلي الجانكامي
الشيخ الفاضل عبد العلي بن منة علي الجانكامي أحد الرجال المعروفين بالفضل والصلاح، ولد في
سنة اثنتين وستين ومائتين وألف، وقرأ المختصرات على أساتذة مصره، ثم سافر إلى كلكته وقرأ
على أساتذة المدرسة العالية بها، وتعلم اللغة الإنكليزية، ثم ولي التدريس بمدرسة هوكلي، ومن
مصنفاته صحيفة الأعمال ومرآة الأحوال.
مولانا عبد العلي الرامبوري
الشيخ الفاضل العلامة عبد العلي الحنفي الرامبوري أحد الأفاضل المشهورين في المنطق والحكمة
وسائر الفنون الرياضية، درس وأفاد مدة عمره، وأخذ عنه غير واحد من العلماء، منهم القاضي عبد
الحق بن محمد أعظم الكابلي صاحب القول المسلم.
توفي سنة ثلاث وثلاثمائة وألف ببلدة رامبور.
مولانا عبد العلي الميرلهي
الشيخ العالم الفقيه عبد العلي بن نصيب علي(8/1282)
الحنفي الميرلهي أحد العلماء المشهورين، ولد ونشأ
بقرية عبد الله بور من أعمال ميرله، وقرأ العلم على العلامة محمد قاسم النانوتوي، ومولانا أحمد
علي السهارنبوري، والشيخ فيض الحسن السهارنبوري، وعلى غيره من العلماء.
درس في المدرسة العربية بديوبند، ثم تصدر للتدريس في مدرسة المرحوم حسين بخش بدهلي في
سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف، لقيته ببلدة دهلي سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف كان كثير
التواضع، طارحاً للتكلف، أليفاً ودوداً، كثير الضيافة موسراً، تخرجت عليه جماعة من العلماء الكبار،
وقرأ عليه الشيخ محمد أشرف علي التهانوي، والشيخ أنور شاه الكشميري والشيخ حسين أحمد
الفيض آبادي المدني وغيرهم.
توفي لإثنتي عشرة خلون من جمادى الأولى سنة سبع وأربعين وثلاثمائة وألف، ودفن في مقبرة
الشيخ ولي الله الدهلوي.
المفتي عبد الغفار الكواليري
الشيخ العالم الفقيه عبد الغفار بن أحمد حسن الخير آبادي ثم الكواليري أحد الفقهاء الحنفية، ولد ونشأ
ببلدة كواليار، وحفظ القرآن في صغر سنه، ثم اشتغل بالعلم على جده لأمه الشيخ بهادر علي
الكواليري فقرأ عليه الكتب الدرسية، وسافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار، ورجع إلى الهند
وولي الإفتاء بكواليار.
له مصنفات، منها: تبصره حق نما، وفضائل القرآن، والباقيات الصالحات، ومرج البحرين في
فضائل الحرمين، ونور العينين في تقبيل الإبهامين، وكنز الفرائض.
مولانا عبد الغفار الكانبوري
الشيخ العالم الفقيه عبد الغفار بن عالم علي بن غلام مخدوم الصديقي اللكهووي ثم الكانبوري أحد
الفقهاء الحنفية.
ولد في سنة سبع وأربعين ومائتين وألف بمدينة لكهنؤ، واشتغل بالعلم على مولانا محمد علي بن
عبد العزيز اللكهنوي، ثم على الشيخ سراج الدين السنبهلي، والمفتي سعد الله المراد آبادي، ثم حفظ
القرآن الكريم وقرأ فاتحة الفراغ وله خمس وعشرون سنة، فدرس وأفاد بلكهنؤ مدة من الزمان، ثم
ذهب إلى كانبور سنة أربع وسبعين وقدم بها في المطبعة النظامية مدة عمره، وكان حسن الأخلاق
كثير الصمت مديم الاشتغال بالدرس والإفادة شديد التعبد، له هداية العباد إلى آداب محفل الميلاد
وبدر الكمال وفتاوى بي نظير، ومنظومة في الدعاء.
مات لعشر ليال خلو من ذي الحجة الحرام سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف، ببلدة كانبور.
مولانا عبد الغفار الرامبوري
الشيخ العالم الفقيه عبد الغفار الحنفي الرامبوري أحد العلماء المشهورين، أخذ عن الشيخ إرشاد
حسين الأحمدي الرامبوري ولازمه مدة مديدة ودرس وأفاد ولما توفي شيخه إرشاد حسين صار خليفة
له في العلم والطريقة، وهو الذي قرأ عليه الشيخ محمد طيب المكي أول ما نزل رامبور شيئاً من
المعقول، وإني سمعت محمد بن يوسف السورتي يقول: إني كلمته فوجدته غير ضابط لما يقول،
وسمعت عنه أخباراً تدل على أنه قليل المعرفة، قال: وشيخنا محمد طيب يصفه بذلك أيضاً، انتهى.
القاضي عبد الغفار الطوكي
الشيخ العالم المفتي ثم القاضي عبد الغفار ابن جهوثي خان الحنفي الطوكي أحد العلماء المشهورين
ببلدة طوك، كان من الهنادك، أسلم والده، وقرأ عبد الغفار على مولانا حيدر علي بن عناية علي
الحسيني الرامبوري ثم الطوكي وعلى تلميذه القاضي إمام الدين، ثم خدم الحكومة حتى صار أكبر
قضاتها.
مات لتسع خلون من صفر سنة سبع وثلاثمائة وألف.(8/1283)
الملوي عبد الغفار الموي
الشيخ الفاضل عبد الغفار بن عبد الله الموي الأعظم كدهي أحد العلماء المشهورين، ولد سنة ثلاث
وثمانين ومائتين وألف، وقرأ العلم على المولوي فيض الله الموي والمولوي عبد الأحد الإله آبادي
وعلى غيرهما من العلماء، ثم تأدب على السيد مهدي بن نوروز على المصطفى آبادي، وتطبب على
الحكيم باقر حسين اللكهنوي، ثم سافر إلى كنكوه وأخذ الحديث عن الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي، ثم
ولي التدريس بسراج كنج من بلاد بنكاله فدرس بها زماناً، ثم ولي التدريس بمدرسة أنوار العلوم في
نوانكر من أعمال بليا.
وسعد بالحج والزيارة سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة وألف، فأجازه الشيخ عبد الحق الإله آبادي
المهاجر بمكة المشرفة.
ومن مؤلفاته المطبوعة: غرائب البيان في مناقب النعمان، ومسلك البردة في منسك الحج والعمرة،
وقصوى الذرى لمن تمسك بأوثق العرى في عدم إقامة الجمعة في القرى، وخمس رسائل منها طيب
الأقاحي في مسائل الأضاحي، وكشف الحقيقة في مسائل العقيقة، وتحقيق قول الطرفين في الكلام بين
الخطبتين، وكشف المكنون في الخروج من الطاعون، وغير ذلك مما لم يطبع بعد، إلجام المتعنتين
في الذب عن الإمام أبي حنيفة والرد على جارحيه.
توفي في سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة وألف.
المولوي عبد الغفور الجيراجبوري
الشيخ الفاضل عبد الغفور بن سخاوة علي الجيراجبوري الأعظم كدهي أحد العلماء المشهورين، ولد
ونشأ بجيراج بور - قرية من أعمال أعظم كده - وسافر للعلم، فقرأ الكتب الدرسية على مولانا
حفيظ الله البندوي، وعلى غيره من الأساتذة برامبور، وولي التدريس في المدرسة المعينية بأجمير
فدرس بها مدة من الزمان، ثم سار إلى كلكته وولي التدريس بالمدرسة العالية فدرس بها قليلاً، ثم قدم
لكهنؤ وولي التدريس بدار العلوم لندوة العلماء يدرس بها، وله كثرة اشتغال بالتدريس.
مات سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وألف.
المولوي عبد الغفور المحمد آبادي
الشيخ الفاضل عبد الغفور بن محمد إكرام العمري المحمد آبادي الأعظم كدهي أحد العلماء
الصالحين، ولد بمحمد آباد سنة خمس وستين ومائتين وألف، وقرأ مدة على كريم الدين الغالببوري
والمولوي واجد النتهوبوري، ثم سافر إلى جونبور ولازم دروس المفتي يوسف بن محمد أصغر
اللكهنوي وأخ عنه، ثم اشتغل بمهمات المعيشة وخدم الحكومة الإنكليزية مدة، حتى نال الصدارة
وأحيل إلى المعاش، له مصنفات ممتعة.
المولوي عبد الغفور الطوكي
الشيخ الفاضل عبد الغفور الحنفي الطوكي كان أصله من بنكاله، ولد ونشأ بها، وسافر للعلم فقرأ
على أساتذة عصره، ثم قدم طوك ودرس وأفاد بها مدة حياته.
وكان فاضلاً كبيراً بارعاً في النحو والعربية، أخذ عنه السيد مصطفى بن يوسف الطوكي وصنوه
السيد محمد عرفان وخلق كثير من العلماء.
مات ودفن ببلدة طوك.
المولوي عبد الغفور الرمضانبوري
الشيخ العالم الفقيه عبد الغفور الحنفي الرمضانبوري البهاري أحد العلماء المشهورين، ولد في سنة
سبعين ومائتين وألف بقرية رمضان بور من أعمال مونكير، واشتغل أياماً على المولوي إسماعيل
الرمضانبوري والشيخ محمد أحسن الكيلاني، ثم سافر إلى لكهنؤ وأخذ عن العلامة عبد الحي ابن عبد
الحليم الأنصاري اللكهنوي، ثم سار إلى سهارنبور وأخذ الحديث عن الشيخ أحمد علي بن لطف الله
السهارنبوري المحدث، ثم رجع إلى بلاده.(8/1284)
وله مصنفات منها: الإسعاف حاشية الإنصاف، وتسهيل المتأمل وشرح التهذيب، وعمدة المقاصد،
ومفيد الأحناف في مبحث السلام، ورسالة في سجود السهو، وخلاصة المفردات، وله غير ذلك من
الرسائل.
المولوي عبد الغفور الدانابوري
الشيخ الفاضل عبد الغفور الدانابوري أحد العلماء العاملين بالحديث، قرأ العلم على مولانا فيض الله
الموي وعلى غيره من العلماء، ثم أسند الحديث عن السيد نذير حسين الدهلوي المحدث، وكان من
أصدقائي، له مصنفات كثيرة وشعر حسن، منها قوله:
بانت سلمى فما شيء يسلينا ولوعة البين يشوينا ويصلينا
قامت تودعني والهجر يمنعها وقمت عانقتها والحزن يبكينا
تقول صبراً جميلاً لا تمت أسفاً أعطاك ربي غداة البين تسكينا
فيا لها تركتني هائماً قلقاً وودعتني وداعاً لا تبالينا
القلب ملتهب والعين ذارفة وشب نار الهوى والدمع يروينا
غيداء فاتنة هيفاء ناعمة تحكي نسمي الصبا أعضائها لينا
شمس إذا طلعت برق إذا برزت فتانة بسهام العين ترمينا
كأنها في ظلام الليل إذ خرجت برق تنور من تلقاء بلقينا
خود غدائرها طالت إلى قدم والفرع يحكي سواداً من ليالينا
تفديك شوقاً تعالى واسمحي كرما اللحظ من طرفك الممراض يشفينا
حتام نشكو بقلب نازح قلق متنا وإن لقاء منك يحيينا
ماذا جنينا وليس الحب معصية بأي ذنب هداك الله تقلينا
مالت إلينا فولت بعد ما ركنت صدت فسلت لنا سيفاً وسكينا
إلى غير ذلك من الأبيات.
مولانا عبد الغني اللعلبوري
الشيخ الفاضل عبد الغني بن شهامة علي بن مظهر علي بن دائم علي الصديقي اللعلبوري البهاري
أحد العلماء الصالحين، ولد في سنة تسع وخمسين ومائتين وألف، وقرأ المختصرات على والده، ثم
اشتغل على مولانا لطف العلي البهاري ومولانا عليم الدين النكرنهسوي، وقرأ عليهما سائر الكتب
الدرسية، ثم سافر إلى دهلي وقرأ الصحاح الست وهداية الفقه على شيخنا المحدث نذير حسين
الدهلوي، وحصلت له الإجازة منه.
مات سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة وألف كما في تذكرة النبلاء.
مولانا عبد الغني الرامبوري
الشيخ الفاضل عبد الغني بن عبد العلي بن عبد الرحمن بن محمد سعيد الحنفي الرامبوري أحد
العلماء المبرزين في العلوم الأدبية.
ولد برامبور سنة ثلاث وأربعين ومائتين وألف، وقرأ العلم على والده، وعلى المفتي شرف الدين،
والمولوي محمد غفران، والمولوي غلام فرح، والمولوي محمد علي، والمولوي جلال الدين، والعلامة
عبد العلي، والعلامة عبد الحق بن فضل حق الخير آبادي، وعلى غيرهم من العلماء برامبور، وقرأ
فاتحة الفراغ سنة ثلاث وستين ومائتين وألف، وأقام برامبور زماناً ثم سافر للاسترزاق، فولي
التدريس في(8/1285)
المدرسة الإنكليزية بمين بوري - بفتح الميم - وأقام بها مدة، ثم سافر إلى أوديبور
وخدم الحكومة مدة عمره.
له مصنفات: منها شرح على مجموع الصيغ، وشرح على شرح الميزان للمفتي شرف الدين،
وشرح على تشريح الأفلاك.
توفي برامبور لعشرة ليال بقين من ذي القعدة سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف، أخبرني بها ولده نجم
الغني.
مولانا عبد الغني الفرخ آبادي
الشيخ الفاضل عبد الغني بن محمد مير بن نصرة مير بن فتح مير الأفغاني الفرخ آبادي أحد العلماء
المشهورين، ولد ونشأ بفرخ آباد، وسافر للعلم فقرأ العلوم الآلية والعالية كلها على المفتي لطف الله
بن أسد الله البلكهني - بكسر الباء العجمية - ثم ولي التدريس بقرية بهيكن بور من أعمال عليكزه
فدرس بها مدة من الزمان، ثم سافر إلى حيدر آباد مع شيخه المفتي لطف الله، فولي التدريس في دار
العلوم.
وله المقال الطريف في البلاغة، وموارد المصادر والأفعال، وحوار العرب في اللغة العربية،
وأرمغان آصفي في مجلدات باللغة الفارسية.
مات سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة وألف بعليكزه.
السيد عبد الفتاح الكلشن آبادي
الشيخ العالم الفقيه عبد الفتاح بن عبد الله الحسيني النقوي الحنفي الكلشن آبادي أحد الفقهاء
المشهورين.
ولد سنة أربع وثلاثين ومائتين وألف، وقرأ العلم على سيد ميان السورتي، وشان عالم البرودوي،
وبشارة الله الكابلي، وعبد القيوم الكابلي، والمفتي عبد القادر التهانوي، وخليل الرحمن الرامبوري،
والشيخ فضل رسول العثماني البدايوني، وعلى خلق آخرين، وحصل سند الإفتاء سنة أربع وستين
ومائتين وألف، فولي الإفتاء بخانديس واستقام به مدة، ثم ولي التدريس بالمدرسة الكلية الفنستن كالج
بمعمورة بمبىء سنة أربع وثمانين ومائتين وألف، فدرس بها مدة طويلة حتى أحيل على معاش
تقاعد، ولقبته الحكومة الإنكليزية خان بهادر فاعتزل في بيته بكلشن آباد ناسك.
وله مصنفات كثيرة: منها جامع الفتاوي في أربعة مجلدات، وخزينة العلوم في مجلدين، وتاريخ
الأولياء في مجلدين، والتحفة المحمدية في رد الفرقة المرتدية، وتأييد الحق وأشراف الإنشاء وكليد
دانش وصد حكاية وديوان شعر.
المولوي عبد القادر الموي
الشيخ الفاضل عبد القادر بن عبد الله الموي الأعظمكدهي كان من عشيرة الحائكين، ولد سنة تسع
وسبعين ومائتين وألف ببلدة مئو ناته بهنجن من أعمال أعظمكده، وقرأ أياماً على المولوي حسام
الدين، والمولوي محمد علي الموي، ثم أخذ عن الشيخ فيض الله الموي وقرأ عليه سائر الكتب
الدرسية، وفرغ سنة ثلاث وثلاثمائة وألف، ثم سافر إلى دهلي وأخذ الحديث عن شيخنا المحدث
مولانا نذير حسين الدهلوي، ثم قدم بلدتنا رائي بريلي وأخذ الطريقة عن سيدنا ضياء النبي بن سعيد
الدين النقشبندي، ثم تصدر للتدريس فدرس وأفاد أربع سنين في بلدته مئو وثلاث سنين في مدرسة
المسلمين ببلدة كامثي، وبضع سنين في المدرسة الأحمدية بآره.
وله حل المغلقات في بيان الطلقات وتفريح الجنان بأحكام القيام في رمضان وعمدة الكلام في الرد
على درة النظام والروضة الناضرة من علم المناظرة، وكتاب في سيرة عمر بن عبد العزيز رضي
الله عنه.
توفي سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف.
الشيخ عبد القادر الكجراتي
الشيخ الفاضل عبد القادر بن عبد الله بن نور الله الحسيني الكجراتي أحد الأفاضل المشهورين، ولد
في سنة أربع وستين ومائتين وألف، وقرأ العلم على عمه(8/1286)
السيد محمد بن نور الله الحسيني، وعلى
الشيخ محمود باعكظه السورتي، وأخذ العروض عن السيد علوي العيدروس السورتي، وبرع في كل
علم وفن.
الشيخ عبد القادر البدايوني
الشيخ العالم الفقيه عبد القادر بن فضل رسول العثماني الحنفي الماتريدي البدايوني أحد العلماء
المشهورين في بلاد الهند.
ولد ببلدة بدايون سنة ثلاث وخمسين ومائتين وألف ونشأ بها، وقرأ العلم على مولانا نور أحمد
البدايوني، والعلامة فضل حق بن فضل إمام الخير آبادي، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج
وزار، وأسند الحديث عن الشيخ جمال عمر المكي، ثم رجع إلى الهند.
وكان فقيهاً أصولياً جدلياً ذا عناية تامة بالبحث والمناظرة، وكان على قدم والده في إثبات نذور
الأولياء، وأعراس المشايخ، والستور على القبور، وإيقاد السرج عليها، وإثبات عمل المولد بالهيئة
المروجة، والقيام عند ذكر الولادة والمبادرة إلى تكفير المسلمين وتبديعهم وتفسيقهم، أعاذنا الله من
ذلك.
وله مصنفات منها: سيف الإسلام المسلول على المناع لعمل المولد والقيام، وأحسن الكلام في تحقيق
عقائد الإسلام، وحقيقة الشفاعة على أهل السنة والجماعة، وشفاعة السائل بتحقيق المسائل.
مات سنة تسع عشرة وثلاثمائة وألف ببلدة بدايون.
الشيخ عبد القادر الحيدر آبادي
الشيخ العالم الفقيه عبد القادر بن فضل الله بن محمد علي بن عبد القادر البكري الحنفي الحيدر
آبادي أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول، ولد لتسع خلون من ربيع الثاني سنة إحدى وخمسين
ومائتين وألف ببلدة حيدرآباد واشتغل أياماً على والده، ثم قرأ على مولانا محمد زمان الشاهجهان
بوري، والشيخ نياز محمد البدخشي، والشيخ محمد حسن علي الحيدر آبادي، والشيخ فضل رسول
العثماني البدايوني، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار، وأسند الحديث عن الشيخ عبد الغني
بن أبي سعيد العمري الدهلوي المهاجر، وولي خدمات جليلة بحيدر آباد، فاستقل بها مدة ثم اعتزل
عنها.
وله مصنفات كثيرة، منها تبليغ الأحكام في آداب الطعام، وسوط الرحمن على ظهر الشيطان، وتحفة
العاشقين، والتذكرة القادرية، ونور الهدى، وبدر الدجى، وشمس الضحى، ونور الإيمان، وكوهر
مقصود وغير ذلك.
توفي لليلتين خلتا من ذي الحجة سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وألف.
الشيخ عبد القادر السورتي
الشيخ العالم الفقيه عبد القادر بن محمود بن عبد القادر بن عبد الأحمد باعكظه الشافعي السورتي
كان من العلماء الأتقياء، ولد في السابع عشر من رجب سنة ثلاث وتسعين ومائتين وألف، واشتغل
بالعلم وقرأ على الأساتذة المشهورين، ثم أسند الحديث عن الشيخ محمد بن عبد العزيز المجهلي
شهري، وسافر إلى الحرمين الشريفين سنة ثمان وثلاثمائة وألف، وأخذ عن المشايخ الأجلاء، ثم
رجع إلى الهند وأقام ببلدة بمبىء، وله مصنفات، منها تحفة الفقير إلى من اجترأ على المسلم بالتكفير
وتحفة المشتاق في أحكام النكاح والإنفاق.
الشيخ عبد القادر السلهثي
الشيخ الفاضل عبد القادر بن محمد إدريس بن محمد محمود بن محمد كليم العمري الحنفي السلهثي
أحد العلماء المشهورين بأرض بنكاله، ولد ونشأ ببلدة سلهث - بكسر السين المهملة وسكون اللام،
آخرها تاء عجمية - قرأ العلم على المولوي رمضان الله تلميذ القاضي فضل الرحمن، ثم تصدر
للدرس والإفادة.(8/1287)
له مصنفات كثيرة في الفقه والعقائد، منها الدر الأزهر في شرح الفقه الأكبر والفوائد القادرية في
شرح العقائد النسفية والرد المعقول على النهج المقبول والجوامع القادرية.
المفتي عبد القادر الرامبوري
الشيخ العالم الفقيه عبد القادر الحنفي الرامبوري مفتي المحكمة حالاً، يعرف بمعرفة جزئيات الفقه
والفتاوي، وهو رجل معمر يذكره الناس بكل خير وصلاح من عدم قبول الرشوة والتداهن في الحكم،
ولكني سمعت محمد بن يوسف السورتي يقول: إنه لا رأي له، وهو لا يزال يتتبع الخلاف ولو من
جانب بعض أعوانه، فإنه قد أفتى غلطاً في أحكام شتى، ثم روجع فلم يزل يصر عليه حتى أفحم،
انتهى.
الشيخ عبد القدير الحيدر آبادي
الشيخ الفاضل عبد القدير بن عبد القادر بن فضل الله البكري الحيدرآبادي أحد العلماء المبرزين في
العلوم الأدبية والدينية ولد بحيدر آباد سنة ثمان وثمانين ومائتين وألف، وقرأ الكتب الدرسية على
المولوي إلهي بخش والسيد ناظر الدين والشيخ محمد سعيد وغيرهم بدار العلوم في حيدر آباد، وأخذ
العلوم الأدبية عن السيد أبي بكر بن شهاب الحضرمي الحيدر آبادي، والقراءة عن السيد محمد عمر
الحسيني عن السيد محمد التونسي، والحديث عن السيد محمد عمر القادري، والطريقة عن خاله السيد
محمد صديق الحسيني القادري، حتى برز في الفضائل الكثيرة ولما تأسست الجامعة العثمانية حوالي
سنة سبع وثلاثين هجرية، تعين أستاذاً فيها، ثم تولى رئاسة القسم الديني وأحيل إلى المعاش وله
مصنفات في الأدب والتفسير والتصوف وعلم الكلام ومن شعره الرقيق الرائق قوله:
جد الهوى والجوى والسقم والألم والغم عم وحبل الصبر ينفصم
الجسم فيه ضنى والقلب فيه هوى والصدر فيه جوى والنار تضطرم
حباً لأحمد خير الخلق كلهم المصطفى المجتبي طابت له الشيم
الشمس غرته والليل طرته تبدو نجوم الليالي حين يبتسم
غوث غياث وغيث الملومات به يستشفع العرب عند الله والعجم
يا سيدي يا رسول الله خذ بيدي فالهند ضاقت وزاد الهم والألم
مات لسبع عشرة خلون من شوال سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة وألف بحيدر آباد، ودفن بها وله
ثلاث وتسعون من العمر.
المولوي عبد القدير الديوبندي
الشيخ العالم الفقيه عبد القدير الحنفي الديوبندي أحد العلماء الصالحين، ولد ونشأ ببلدة ديوبند من
أعمال سهارنبور، ودخل في المدرسة العربية بها سنة سبع وثمانين ومائتين وألف، وقرأ العلم على
أساتذتها الشيخ يعقوب بن مملوك العلي النانوتوي والسيد أحمد الدهلوي والمولوي محمود حسن
الديوبندي وغيرهم وفرغ سنة أربع وتسعين، ثم دخل سهارنبور وأخذ الحديث عن الشيخ أحمد علي
ابن لطف الله السهارنبوري، ثم قدم لكهنؤ وولي خدمة التصحيح في دار الطباعة للمنشي نولكشور.
مولانا عبد القدوس الموي
الشيخ الفاضل عبد القدوس بن حسام الدين الموي الإله آبادي أحد العلماء المشهورين، ولد ببلدة مئو
قاضي طيب من أعمال إله آباد سنة ثمان وستين ومائتين وألف، وقرأ العلم على مولانا لطف الله
الكوئلي والمفتي عنايت أحمد الكاكوروي وعلى غيرهما، ثم سافر إلى دهلي وأخذ الحديث عن شيخنا
السيد نذير(8/1288)
حسين الدهلوي المحدث، ثم تصدر للتدريس، وله مصنفات، منها كشف الرموز.
ملا عبد القيوم الحيدر آبادي
الشيخ الفاضل عبد القيوم بن عبد الباسط بن محمد مهدي الصديقي الحنفي الحيدر آبادي أحد العلماء
المشهورين.
ولد ونشأ بحيدر آباد، وقرأ العلم على حياة خان المدراسي والمولوي حنيف الحيدر آبادي ومولانا
علي عباس الجرياكوثي والمولوي شجاعة حسين الكوركهبوري والسيد معين الدين بن خيرات علي
الكاظمي الكزوي، وسافر إلى البلاد وصرف شطراً من عمره في البحث والاشتغال حتى صار بارعاً
في كثير من الفنون، ثم رجع إلى حيدر آباد وخدم الدولة الآصفية مدة من الزمان وأحيل إلى المعاش.
وكان شهماً حازماً سخياً ذا جرأة ونجدة، فصيح اللسان حسن المحاضرة، كثير المحفوظ بالأدبيات، له
رسالة في التعليم الإلزامي، وأبيات بالعربية والفارسية.
مات في رمضان المبارك سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وألف بحيدر آباد، فنقلوا جسده إلى كلبركه،
ودفنوه في مقبرة المشايخ الجنيدية المعروفة بروضة الشيخ.
مولانا عبد الكافي الإله آبادي
الشيخ العالم الفقيه عبد الكافي بن عبد الرحمن الحنفي الناروي الإله آبادي أحد عباد الله الصالحين،
ولد ونشأ بناره، بفتح النون، قرية جامعة من أعمال إله آباد، وقرأ العلم على الشيخ عبد السبحان بن
محمد محسن الحنفي الناروي، ثم تصدر للتدريس، وأسس مدرسة للعلوم العربية بمدينة إله آباد،
وسماها السبحانية على اسم شيخه المذكور، لقيته غير مرة، ووجدته شيخاً صالحاً منوراً متعبداً، على
وجهه سيماء الصالحين.
مات لتسع بقين من شعبان سنة خمسين وثلاثمائة وألف.
مولانا عبد الكريم الهزاروي
الشيخ الفاضل عبد الكريم بن عبد الرزاق بن كمال الدين بن كرم مير العلوي الحنفي الهزاروي أحد
العلماء المبرزين في المعقول والمنقول، ولد ونشأ في لبركوث - بفتح اللام والموحدة وسكون الراء
- قرية من أعمال هزاره، قرأ بعض الكتب من النحو والعربية على المولوي نور عالم الهزاروي، ثم
سافر إلى ديوبند وقرأ في المدرسة العربية بها الفقه والحديث والأصول والكلام وشيئاً من المنطق
والحكمة، ثم سافر إلى رامبور وقرأ على العلامة عبد الحق بن فضل حق الخير آبادي، وصاحبه
مولانا فضل حق بن عبد الحق الرامبوري، وجد في البحث والاشتغال حتى برز في العلوم وتأهل
للفتوى والتدريس، فدرس مدة برامبور، ثم ولي التدريس بشاهجهانبور فدرس بها بضع سنين، ثم
ولي التدريس في المدرسة المحبوبية بحيدر آباد فدرس بها مدة، ثم ولي التدريس بدار العلوم لندوة
العلماء في بلدة لكهنؤ.
وكان من العلماء المبرزين في العلوم عقلياً كان أو نقلياً، سليم الذهن جيد القريحة، صالحاً عفيفاً ديناً
جواداً كريماً صاحب غيرة دينية وحمية إسلامية، له اليد الطولى في المناظرة له رسالة في إبطال
حركة الأرض، ورسائل أخرى.
مات سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة وألف ببلدة لكهنؤ، ولم يجاوز ستاً وثلاثين سنة.
مولانا عبد الكريم البنكلوري
الشيخ العالم الفقيه عبد الكريم بن فخر الدين البنكلوري أحد العلماء المبرزين في العلم والعمل، لقيته
ببلدة مدراس فوجدته شيخاً صالحاً بارعاً في كثير من العلوم، وهو ذكر لي أنه قرأ العلم على أساتذة
حيدر آباد الدكن وسافر له إلى بلادشتي، وأهدى لي بعض مؤلفاته، وكان ممن لا يتقيد بمذهب ولا
يقلد في شيء من أمور دينه بل يعمل بنصوص الكتاب والسنة ويجتهد برأيه.(8/1289)
مولانا عبد الكريم الطوكي
الشيخ الفاضل عبد الكريم الحنفي الطوكي الخطاط، كان من العلماء المبرزين في العربية وقرض
الشعر، له مصنفات عديدة، منها شرح على رسالة الشيخ إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي في أصول
الفقه، وله منظومة في البلاغة.
مولانا عبد الكريم البنارسي
الشيخ الفاضل عبد الكريم البنارسي ثم الطوكي أحد العلماء المبرزين في النحو واللغة، ارتحل
أسلافه إلى سورت، لعله في ثورة الهند سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف، فتعلم العلم على بعض
علماء سورت، ثم قرأ بعض الكتب الدرسية على الشيخ محمد بن أبي محمد الجوناكدهي، ثم سافر
إلى دهلي أو غيرها من البلاد وقرأ على أساتذتها، ثم دخل بنارس وتقرب إلى نواب محمد علي حان
الطوكي نزيل بنارس ودخيلها، وصاحبه مدة حياته ثم رحل إلى طوك.
مولانا عبد الكريم الدهلوي
الشيخ العالم الفقيه عبد الكريم الدهلوي أحد العلماء الصالحين، أخذ الحديث عن الشيخ رشيد أحمد بن
هداية أحمد الحنفي الكنكوهي وصحبه مدة، ثم سكن بدهلي عاكفاً على الدرس والإفادة، وحصل له
القبول العظيم من أهل تلك البلدة.
مولانا عبد الكريم الكنج مراد آبادي
الشيخ العالم المحدث عبد الكريم الكنج مراد آبادي أحد المشايخ الأعلام، أصله من بنجاب، ولد ونشأ
بها، وقرأ العلم على مولانا أمير أحمد بن أمير حسن السهسواني وعلى غيره من العلماء، ثم دخل
كنج مراد آباد حوالي سنة سبع وتسعين ومائتين وألف وصحب الشيخ العارف فضل الرحمن بن أهل
الله البكري الكنج مراد آبادي المحدث وأخذ عنه الحديث وتفقه عليه، وسكن كنج مراد آباد وتزوج
بها ببنت بنت الشيخ، له أرجوزة في لغة أهل الهند سماها منكابيتي.
استقام على الشياخة مدة، مشغولاً بالذكر والإفادة والتربية والإرشاد بعيداً عن البدع وما تقيد به
المشايخ من الرسوم والأعياد والأعراس.
مات لليلتين بقيتا من ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة وألف وله من العمر ثمانون سنة.
مولانا عبد اللطيف السنبهلي
الشيخ الفاضل عبد اللطيف بن إسحاق الحنفي السنبهلي أحد العلماء المشهورين ولد ونشأ بقرية
أفضل كده واشتغل بالعلم أياماً على والده، ثم سافر إلى كانبور وقرأ الكتب الدرسية على مولانا أحمد
حسن الكانبوري وبعض الكتب على المفتي لطف الله الكوئلي، ثم ولي التدريس بدلمئو - بفتح الدال
المهملة - بلدة من أعمال رائي بريلي فدرس بها زماناً طويلاً، ثم ولي الإفتاء بندوة العلماء فاشتغل به
زماناً، ثم ولي التدريس بدار العلوم في لكهنؤ فدرس بها مدة مديدة، ثم سافر إلى الحجاز فحج وزار
وأقام بها ثلاث سنين، ثم رجع وسكن مدة طويلة بزاوية الشيخ محمد علي بن عبد العلي الحسيني
الكانبوري ببلدة مونكير وكان يدرس ويفيد بها، ثم سافر إلى حيدر آباد وولي التدريس بالجامعة
العثمانية سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وألف ومكث بها مدة طويلة يدرس ويفيد حتى آلت إليه رئاسة
القسم الديني في الجامعة، ثم أحيل إلى المعاش وانتخب رئيساً للقسم الديني في جامعة عليكزه
الإسلامية حوالي سنة سبع وخمسين وثلاثمائة وألف، ومكث نحو عشر سنوات حتى أحيل إلى
المعاش مرة ثانية في سنة سبع وستين وثلاثمائة وألف، فاعتزل في بيته يدرس في الحديث ويشتغل
بالمطالعة والتأليف.
كان ذكياً حاد الذهن، له مشاركة جيدة في الفقه والحديث وعناية بالتجارة وتنمية الأموال وكان من
العلماء الذين بسط الله لهم في الرزق ووسع لهم، وكان ذا خبرة وإطلاع وممارسة للأمور، لطيف
العشرة، فكه المحاضرة، له شرح على جامع الترمذي سماه شرح اللطيف إذا طبع كان في عدة
مجلدات(8/1290)
كبار، وله لطف الباري في شرح تراجم أبواب البخاري، وله رسالة في أصول الحديث -
كلها بالعربية، وله مشكلات القرآن وتاريخ القرآن وتذكرة أعظم في سيرة الإمام أبي حنيفة وصرف
لطيف ونحو لطيف كلها في أردو، وبعض رسائل علمية.
مات لإثني عشر خلون من جمادى الآخرة سنة تسع وسبعين وثلاثمائة وألف بعليكزه ودفن بها.
مولانا عبد الله البلكرامي
الشيخ الفاضل الكبير عبد الله بن آل أحمد الحسيني الواسطي البلكرامي أحد العلماء المشهورين في
بلاد الهند، ولد لتسع بقين من جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين ومائتين وألف ببلدة بلكرام، وقرأ
العلم على مولانا سلامة الله البدايوني ثم الكانبوري والعلامة فضل حق الخير آبادي والمفتي نور
الحسن الكاندهلوي وعلى غيرهم من العلماء، وسافر إلى الحجاز فحج وزار وأسند الحديث عن السيد
أحمد بن زين دحلان الشافعي المكي بمكة المباركة.
وكانت له اليد الطولى في العلوم الأدبية والمعارف الحكمية، أخذ عنه خلق كثير، وله فيض
الصرف، وتشريح النحو، وعين الإفادة في كشف الإضافة، والتحفة العلية حاشية الهدية السعيدية، وله
حاشية على هداية الفقه من كتاب اليبوع إلى كتاب الشفعة.
مات سنة خمس وثلاثمائة وألف.
مولانا عبد الله الأنصاري الأنبهلوي
الشيخ العالم الفقيه عبد الله بن أنصار علي بن أحمد علي بن قطب علي بن غلام محمد الأنصاري
الحنفي الأنبهلوي أحد عباد الله الصالحين، ولد ونشأ بأنبهله قرية من أعمال سهارنبور، وقرأ العلم
على خاله الشيخ يعقوب بن مملوك العلي وصهره الشيخ قاسم بن أسد علي النانوتوي، وقرأ فاتحة
الفراغ سنة سبع وثمانين ومائتين وألف، وأسند الحديث عن الشيخ أحمد علي بن لطف الله
السهارنبوري والسيد عالم علي النكينوي والقاري عبد الرحمن الباني بتي، وقرأ المثنوي المعنوي
على الشيخ الأجل إمداد الله العمري التهانوي المهاجر، وولي الخطابة والموعظة في مدرسة العلوم
بعليكزه لانتسابه إلى الشيخ قاسم المذكور سنة إحدى عشرة وثلاثمائة وألف، وهو قليل الخبرة بالعلوم
مع صلاح في الطريقة الظاهرة.
مات في نحو أربع وأربعين وثلاثمائة وألف في بومبائي.
مولانا عبد الله الطوكي
الشيخ العالم الفقيه عبد الله بن سكندر الأفغاني الطوكي أحد العلماء الصالحين ولد ونشأ بطوك، وقرأ
العلم على المولوي عبد الغفور والمولوي محمد حسن والمولوي محمد حسين ببلدة طوك، ثم سافر إلى
بهوبال وأخذ الحديث عن المفتي عبد القيوم بن عبد الحي البرهانوي وعن شيخنا حسين بن محسن
السبعي الأنصاري اليماني نزيل بهوبال.
المفتي عبد الله الطوكي
الشيخ الفاضل الكبير عبد الله بن صابر علي الحنفي الطوكي أحد العلماء المشهورين في بلاد الهند.
ولد ونشأ ببلدة طوك وسافر للعلم، وأخذ عن المفتي لطف الله ابن أسد الله الكوئلي وعن غيره من
العلماء، وأخذ الحديث عن الشيخ أحمد علي بن لطف الله السهارنبوري المحدث، ثم ولي التدريس
بدهلي في مدرسة مولانا عبد الرب فدرس وأفاد بها مدة، ثم ولي التدريس في كلية العلوم الشرقية
اورنتيل كالج بلاهور فدرس بها مدة طويلة، وحصلت له الوجاهة العظيمة من أهل تلك البلدة، ثم
ولي التدريس بدار العلوم في بلدة لكهنؤ فتصدر بها زماناً، ثم ولي بالمدرسة العالية بكلكته وابتلى
بالفالج في زمان يسير، فاعتزل عن ذلك وسار إلى بهوبال عند ولده أنوار الحق ومات بها.
له تعليقات على شرح السلم المسمى بحمد الله، وعجالة الراكب في امتناع كذب الواجب بالعربية،
وله(8/1291)
غير ذلك من المصنفات، ومن شعره الرقيق الرائق قوله مادحاً للوزير عبيد الله خان الطوكي.
طال الأصيل وطابت الأسحار واخضرت الأنجاد والأغوار
في كل نحو روضة وقرارة جادت عليها ديمة مدرار
در الغمام على الخمائل والربى فزكى النجوم وأوشع الأشجار
وعلا الفروع لرندها وعرارها واهتزت الأنوار والأزهار
فشقائق النعمان تحسب أنها قبسات نار فوقهن أوار
ويفوح جاديها ونشر بهارها ويروق ذاك الدلب والدر دار
والياسمين قد ازدهى بجماله والورد في ألوانه مفخار
والأقحوان منور بجنوبها والآس قد ملئت به الأقتار
فترى النسيم إذا تهب خلالها سكران خمراً وعليه دوار
وترى على أوراقها وغصونها تتغرد الذبان والأطيار
والناس في دعة وعيش مخضل ورفاهة لا يحتوي المقدار
وتنعم حتى تقول كأنهم في جنة تجري بها الأنوار
فسألتهم ما بال ذا العيش الهني ومن الذي انقادت له الأقدار
فالأرض ما بخلت بحسن نباتها والمزن ما انقطعت له الأقطار
قالوا ألم تشعر بقيلهم الذي نضرت بحسن نظامه الأمصار
ومن الذي ازدخر الفضائل كلها وله على كل المديح خيار
كهف الورى هذا عبيد الله من خشعت له الأصوات والأبصار
ذلت صروف الدهر في سطواته وتهيبته السهل والأغوار
إلى غير ذلك من الأبيات الرائقة، توفي سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وألف بمدينة بهوبال.
مولانا عبد الله الغازيبوري
الشيخ الصالح العلامة عبد الله بن عبد الرحيم بن دانيال الموي الأعظمكدهي ثم الغازيبوري أحد
العلماء المبرزين في الفقه والحديث.
ولد بمئو - بفتح الميم بلدة من أعمال أعظمكده - سنة إحدى وستين ومائتين وألف وحفظ القرآن، ثم
سافر للعم إلى غازيبور وقرأ العلم على المولوي رحمة الله اللكهنوي وصنوه الكبير المفتي نعمة الله،
ثم سافر إلى جونبور وقرأ على المفتي يوسف بن محمد أصغر اللكهنوي في المدرسة الإمامية
الحنفية، ثم سار إلى دهلي وأخذ الحديث عن شيخنا السيد نذير حسين الدهلوي المحدث وتفقه عليه،
ثم سافر إلى الحجاز سنة سبع وتسعين ومائتين وألف فحج وزار وأدرك الشيخ المعمر عباس بن عبد
الرحمن بن محمد ابن الحسين بن القاسم الميني الشهاري تلميذ القاضي محمد بن علي الشوكاني
صاحب نيل الأوطار فأسند عنه الحديث، ورجع إلى الهند وسكن غازيبور ودرس أكثر من خمس
وعشرين سنة في العلوم كلها بغازيبور وذيانوان قرية من أعمال عظيم آباد وبلدة آره، أخذ عنه خلق
لا يحصون بعد وعد.
وكان مع غزارته في العلم وكثرة الدرس والإفادة فقيهاً زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة، يعمل
ويعتقد في الحديث ولا يقلد أحداً، وقد أوذي في ذات الله وأخرج من بلدته، فعاش ببلدة آره مدة من
الزمان سعيداً حميداً، ثم استقدمه الناس إلى مدينة دهلي بعد وفاة الشيخ المحدث محمد بشير
السهسواني فدرس بها زماناً، ثم قدم لكهنؤ وسكن بها لتربية أسباطه الأيتام(8/1292)
ومات بها، وكان يحبني
حباً مفرطاً ويأتيني في كل أسبوع مرة أو مرتين ويصلي الجمعة خلفي، وكنت معالجاً له في مرض
موته - نفعنا الله ببركاته آمين.
وله مؤلفات عديدة، منها رسالة في الصرف ورسالة في النحو ورسالة في المنطق ورسالة في
المواريث ورسالة في تحقيق التراويح، وله غير ذلك من الرسائل.
مات يوم الثلاثاء لتسع بقين من صفر سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة وألف ببلدة لكهنؤ، وكان ذلك في
آخر النهار ودفن بعد العشاء بمقبرة عيش باغ.
مولانا عبد الله الجيراج بوري
الشيخ الفاضل عبد الله بن عبد الله الجيراج بوري الأعظم كدهي أحد الأفاضل المشهورين، ولد ونشأ
بجيراج بور من أعمال أعظم كده، وسافر إلى جونبور فقرأ الكتب الدرسية على المفتي يوسف بن
محمد أصغر اللكهنوي وعلى غيره من العلماء في المدرسة الإمامية الحنفية، ثم سافر إلى دهلي وأخذ
الحديث عن السيد نذير حسين الدهلوي المحدث وأخذ الصناعة الطبية عن الحكيم محمود بن الصادق
الشريفي، ثم رجع إلى بلاده وعكف على الدرس والإفادة، أخذ عنه المولوي سلامة الله والمولوي
شبلي وخلق كثير من العلماء.
مولانا عبد الله البرهانبوري
الشيخ الفاضل عبد الله بن عبد الله الحنفي البرهانبوري أحد العلماء المبرزين في العلوم العربية، ولد
ونشأ بديول كهاث قرية من أعمال أورنك آباد وسافر للعلم إلى بلاد شتي وقرأ على كبار الأساتذة، ثم
دخل حيدر آباد وولي التدريس في دار العلوم فدرس وأفاد بها مدة عمره.
مات سنة اثنتين وثلاثمائة وألف ببلدة حيدر آباد.
الشيخ عبد الله الجكزالوي
الشيخ الفاضل عبد الله بن عبد الله الجكزالوي نزيل لاهور، الذي دعا الناس إلى مذهب جديد سماهم
أهل الذكر، دعاهم إلى القرآن وأنكر الأحاديث قاطبة، وصنف الرسائل في ذلك وقال: إن الناس
افتروا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورووا عنه الأحاديث وما كان ينبغي له أن يقول ويفعل شيئاً
ليس له ذكر في القرآن، وأما ما ورد في القرآن "وأطيعوا الرسول" فالمراد به القرآن فليس القرآن
والرسول شيئين متغايرين يجب اتباع كل واحد منهما على حدة على حدة، فالمراد بالرسول في قوله
تعالى: " قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم" وقوله: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول" وقوله: " إذا دعوا
إلى الله ورسوله" وقوله: " ما حرم الله ورسوله" وقوله: " إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله"
وغيرها من الآيات الكريمة في القرآن، وقال: إن المراد بالنبي في قوله تعالى: " إن الله وملئكته
يصلون على النبي" الأنبياء كلهم، وهذه الآية ليست مختصة بنبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذلك أنكر
الفضل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على سائر الأنبياء وأنكر الشفاعة له، وأنكر ثواب العبادة المالية
والجسمانية للموتى، وكذلك شرع لأهل الذكر طريقة الصلاة فقال: إن الأذان والإقامة بدعة،
والتحريمة أن يرفع الرجل يديه إلى الأذن ويمسه، ثم يضع اليمنى على اليسرى على القلب ويقول:
هو العلي الكبير - مقام: الله أكبر، ولا يتقدم الإمام على المؤتمين، بل يقوم في صفهم، ويقرأ في
الركعة الأولى: إني وجهت وجهي للذي فطرني - إلخ، ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا - إلى - أنت
العزيز الحكيم، وعلى الله توكلنا ربنا - إلى - مع القوم الظالمين، ويقرأ في كل ركعة: بسم الله
وسورة الفاتحة وقل هو الله أحد، وفي الركوع: سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً الحمد لله الذي
لم يتخذ ولداً - إلى - من الذل، وربنا اصرف عنا عذاب جهنم - إلى - مقاماً، وربنا وسعت كل
شيء رحمة وعلماً - إلى - الفوز العظيم، وفي القومة: ربنا ما خلقت هذا باطلاً - إلى - إنك لا
تخلف الميعاد، وكذلك يقرأ في السجدة ما قرأ في الركوع، ويقرأ في الجلسة ما يقرأ في القومة، ويقرأ
في القعدة: ربنا لا تؤاخذنا - إلخ، ربنا أفرغ علينا صبراً - إلخ، ربنا لا نزغ قلوبنا - إلخ، ربنا إنك
جامع الناس ليوم - إلخ، وسع ربنا كل شيء علماً - إلخ، ربنا آتنا من لدنك رحمة - إلخ، ربنا آتنا
في الدنيا حسنة - إلخ، ويقرأ: سبحان ربك رب العزة - إلخ مقام(8/1293)
الصلاة، وقال في رسائله: إن تلاوة
القرآن للجنب جائز، وكذلك للحائض والنفساء، وتعيين مدة الحيض والنفاس تشريع من الناس.
مات سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة وألف.
الشيخ عبد الله الجيتكر الكوكني
الشيخ الفاضل عبد الله بن المفتي عبد القادر الجيتكر الشافعي الكوكني، نسبة إلى كوكن على ما قيل
طائفة من قريش خرجت من العرب في زمن الحجاج بن يوسف الثقفي خوفاً منه فوصلت ساحل
بحر الهند، وسكن بعض أفرادها في مدراس وحواليها واشتهروا بالنوائط، وتوطن بعضهم في كوكن
وهي خطة معروفة فانتسبوا إليها، وكلهم شافعيون، والشيخ ولد ونشأ بمعمورة بمبىء، وقرأ العلم على
صنوه الكبير الشيخ أحمد وعلى غيره من العلماء، وأسس دار الطباعة ببلدته لنشر الكتب العربية.
وكان من أجواد الناس مشهوراً في الفطنة والذكاء، له قصائد غراء بالعربية، منها ما أنشأ لندوة
العلماء سنة 1320 هـ:
يا شوق بلغ إلى ساداتي العلما سلام عبد كئيب كابد الألما
والثم ثراهم وأخبرهم بحالته عسى يزيلون عنه ما به كرما
قد زاد عود ربيع في لواعجه وشق عن قلبه زهر إذا ابتسما
أبكاه حزناً غناء العندليب على ورد الرياض وقد سال العيون دما
شد المطوق فوق البان هيجه شجوا على ألفه قد بان منصرما
ألف به كان حبل الأنس متصلا فراغم الدهر حتى جثه جذما
والدهر يحجز بين اثنين ما اجتمعا ولا يزال مجداً في فراقهما
حتى ترى ما مضى كالطيف مدته أو لم يكن قبل قط الثمل ملتئما
قد ضاع من يده الدر النفيس وإذ ما اعتاض منه بديلاً هام وهو غمى
وما له أحد يشفيه من كرب إلا أراكين ناد ندوة العلماء
ومن تلك القصيدة:
ألم تروا فات من تشاجركم فوائد واستفاد الغير مغتذما
قد حيرتني أمور منكم صدرت وقد تركتم وراء الظهر ما لزما
كان اختلافكم للقوم رحمتهم فصحفت لنزاع بينكم دهما
أما لديكم كتاب جل منزله هدى ونور وتفصيل حوى حكما
كم آية خاطبتكم في إقامة ما أتى البشير وقد أحيى به أمما
والصلح خير وبالإصلاح آمرة آيات حق فمن يعمل بها سلما
فاصلحوا ما استطعتم ذات بينكم وأرعوا حقوق إخاء واحفظوا ذمما
حكم ذا الخصام وكم ذا الخلف بينكم لقد فشلتم ورزء فيكم عظما
كم ذي الفتاوي وكم تكفير بعضكم بعضاً وكيف إذا شددتم الرضما
قوموا فكونوا كنفس وهي واحدة إن التفرق منكم ضيع الحرما
وقوله من قصيدة أنشأها سنة 1321 هـ:
دع ذكر ربات الكليل وذر الصبابة والغزل(8/1294)
القلب مشغول فما للعشق فيه من محل
يا للرجال ألم تروا ماذا بقومكم نزل
هل عد مع عدة نرجوا بها دفع الجلل
قد عمنا الداء العضا ل من البطالة والكسل
داء أخل بعقلنا والجسم منه قد اضمحل
داء به فسد المزاج وفي الطباع بدأ الخلل
داء لقد سلب القوى عنا وعوض بالشلل
داء تعطل منه إحسا ساتنا والخطب جل
خطب أباد جموعنا حتى وصفنا بالفشل
خطب لهول وقوعه ال ولدان والسهم اشتغل
خطب تزلزلت الأرا ضي منه واندك القلل
خطب أقام قيامة قبل القيامة منذ حل
وارحمتاه لحالنا إذ نجم عزتنا أفل
واخيبتاه لقد أحا ط من الذل الظلل
يا للحمية اسعدي فتسددي فينا الوصل
هل تستقيم شؤوننا والحبل منا منفصل
قد زال شمس نهارنا في غفلة وبدأ الطفل
فالآن إن لم ننتبه هل بعد فينا من أمل
لله يا قوم اتركوا كل التشاجر والجدل
ماذا التجاهل والتغا فل والتساهل والمطل
ماذا التراخي في التق دم والتكاسل والمطل
بتعصب منكم لقد ضاقت ... جل الحيل
أودى تأخر كم عن ال أقران في شر الغيل
ما عندكم غير اللسا ن وليس يتبعه عمل
إن الكلام بغير شغل كالبكاء على الطلل
ومن تلك القصيدة:
فالعمر أقصر مدة والوقت يمضي بالعجل
لا ينفعنكم التأسف بعد ما يقضي الأجل
والله ليس نفوسكم تركت سدى لا تشتغل
فغدا سيسأل كلكم عما جنى عما فعل
ماذا يكون جوابه أم لم يجب عما يسل
ما الدين إلا النصح وا لله الموفق للعمل
وله غير ذلك من القصائد.(8/1295)
مات ببلدة بمبىء نحو سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وألف.
الشيخ عبد الله السورتي
الشيخ الفاضل عبد الله بن عبد الوهاب السورتي أبو عبد الله المحدث الحافظ السلفي المعروف
باكمارو، كان غاية في الذكاء والحفظ وذلاقة اللسان، وكان قرأ أولاً في سورت ثم رحل إلى الحجاز
فقرأ الحديث، ويغلب أنه تخرج على الشيخ المحدث محمد بن عبد الرحمن الأنصاري السهارنبوري
المهاجر الذي وقف نفسه على تعليم الحديث بمكة المباركة، وكان الشيخ عبد الله في أول أمره من
المتعصبين في التقليد وإن الله تعالى ألهمه محبة أهل الحديث، ورجع إلى ترك التقليد بصحبة شيخه
محمد بن عبد الرحمن المذكور، وكان رجلاً زاهداً لا يليق درهماً، وكان إذا لبس جديداً رقعه ببعض
الخرق، وكان يقول بجواز المتعة حتى ألجىء في هذه المسألة إلى مناظرات في راندير، وجرى في
بهوبال مع الشيخ محمد بشير السهسواني، ولكن لم يبلغ إلى زيادة كلام لصد بعض الأحبة عن ذلك،
وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولا يخاف في الله لومة لائم، وكان يذهب في العرس
والوليمة، فإذا ما رأى شيئاً يخالف الشرع رجع لوقته من غير مبالاة، ولقبه باكمارو كلمة هندية
معناها قاتل الأسد، لأن باك في الهندية الأسد، والسبب في شهرته بذلك أن مبتدعة الهند يصنعون في
محرم أسداً من كاغذ وخشب وغيره مع ما يصنعون من الضرائح، ويطوفون الأسواق والشوارع
المعروفة ومعهم رايات وتصاوير وغير ذلك، فجاؤوا على باب الشيخ وكانوا يعرفون جلادته وبغضه
لذلك، فخرج عن بيته وأحرق الأسد، فضربوه حتى تضرج بالدم، ثم كانت فيه مرافعة إلى المحكمة،
تخلص منها الشيخ بفضل الله سبحانه، ولذلك سمى باكمارو.
توفي في حدود سنة عشر وثلاثمائة وألف.
مولانا عبد الله البايزيد بوري
الشيخ العالم الفقيه عبد الله بن فرزند علي الصديقي البايزيد بوري أحد عباد الله الصالحين، ولد
ونشأ ببايزيد بور من أعمال كيا، وسافر للعلم فقرأ على مولانا نور الحسن بن أبي الحسن الكاندهلوي
والمفتي صدر الدين الدهلوي، ثم أخذ الحديث عن شيخنا السيد نذير حسين الدهلوي المحدث وتفقه
عليه، ثم سافر إلى الحجاز فحج وزار وأخذ الحديث والتجويد عن السيد أحمد بن عفيف بن أسعد
الدهان الحضرمي، ومكث بمكة المباركة زائداً على سنتين وسعد بالحج ثلاث مرات، ثم رجع إلى
الهند وأسس بلدته مدرسة لتجويد القرآن، وكان ممن لا يلتزم المذهب المعين بل يعمل بظواهر
النصوص، ولذلك أوذي من أهل بلدته فخرج من البلد وتدير خارجها، وأوقف على تلك المدرسة
خمسة وسبعين فداناً من الأرض الخراجية.
مات في جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وألف.
مولانا عبد الله الموي
الشيخ الفاضل عبد الله بن لعل محمد الموي الأعظم كدهي أحد العلماء الصالحين، ولد بمئو سنة
اثنتين وخمسين ومائتين وألف، وقرأ الكتب الدرسية بعضها على الشيخ عناية الله الواعظ والشيخ
الكبير سخاوة علي العمري الجونبوري، وأكثرها على مولانا تراب علي ومولانا عبد الحليم بن أمين
الله اللكهنوي، وأخذ الصناعة الطبية عن غير واحد من الأطباء، أجلهم الحكيم يعقوب اللكهنوي،
وسافر معه للحج والزيارة سنة أربع وثمانين، وسافر للحج مرة ثانية سنة تسعين وأخذ الحديث عن
الشيخ عبد الغني بن أبي سعيد العمري الدهلوي المهاجر، ثم رجع إلى الهند وأقام ببلدة نوانكر، كان
يدرس ويفيد، ولما كبر سنه رجع إلى بلدته واعتزل عن الناس.
توفي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة وألف.(8/1296)
مولانا عبد الله الصادقبوري
الشيخ العالم المحدث عبد الله بن ولاية علي الهاشمي الصادقبوري العظيم آبادي أحد العلماء
الصالحين والأبطال المجاهدين، ولد سنة ست وأربعين ومائتين وألف، وقرأ الكتب الدرسية على
العلامة عبد الحميد والشيخ فياض علي، ثم صحب والده وأخذ عنه الحديث وسافر معه إلى أفغانستان
ورافقه في الجهاد والغزو، وبعد وفاة والده لازم عمه عناية علي ومكث عنده ثلاث سنين، ثم قدم
عظيم آباد ولازم عمه فرحة حسين ولما توفي عمه سافر إلى الحرمين الشريفين بأهله وعياله فحج
وزار، وسافر إلى صوات - بضم الصاد المهملة قطعة من أرض ياغستان - ووصل إلى مركز
المجاهدين في ملكا وهم بقية أصحاب السيد الإمام أحمد بن عرفان الشهيد، والمرابطون في سبيل الله
وكان ذلك سنة ست وسبعين ومائتين وألف، وبويع بالإمارة على إثر وفاة مولانا مقصود على الدانا
فوري أمير المجاهدين، واستمر في الإمارة وقيادة الجيوش وشن الحروب والرباط الدائم في سبيل
الله، منقطعاً إلى العبادة وأنواع الطاعات، والدعوة إلى التوحيد والجهاد، مع زهد وتقشف في الحياة،
وعزوف عن الشهوات، وفقر وفاقة مدة أربعين سنة، وقد خاض في حروب مع الإنجليز تشيب
لهولها الولدان، وأتى فيها بصبر واستقامة، واستهانة بالحياة، ومجازفة بالنفس والنفيس، وحنين إلى
الشهادة، وشدة على أعداء الله، ومثابرة على الشدائد تحار منها العقول وتتجدد بها ذكرى المجاهدين
الأولين، وكان رحمه الله آية من آيات الله في قوة النفس وشدة الشكيمة، واقتحام المعارك وتوكل على
الله، وكثرة الدعاء وكان مستجاب الدعوات.
توفي إلى رحمة الله لثلاث بقين من شعبان سنة عشرين وثلاثمائة وألف في تلوائي في صوات ودفن
بها.
مولانا عبد الله الأعظم كدهي
الشيخ الفاضل عبد الله بن همة علي الجاند باري الأعظم كدهي أحد العلماء الصالحين، ولد ونشأ
بجاند بار قرية من أعمال أعظم كده، وقرأ العلم على مولانا سلامة الله الجيراج بوري، ومولانا شكر
الله السبرحدي وغيرهما من العلماء، ثم لازم دروس العلامة عبد الحي بن عبد الحليم اللكهنوي وأخذ
عنه، وولي التدريس بويلور فدرس بها مدة من الزمان، وسعد بالحج والزيارة وحفظ القرآن، وكان
مفرط الذكاء سريع الإدراك قوي الحفظ، مات لليلة بقيت من ربيع الأول سنة إحدى وعشرين
وثلاثمائة وألف.
مولانا عبد الله العمادي
الشيخ الفاضل عبد الله بن محمد أفضل بن الحسين بن الحسين بن الحيدر ابن محمد وارث بن خير
الدين بن معين بن طيب بن داود بن قطب بن عماد العمادي البكري التيمي اليماني ثم الهندي
الأمرتوائي - بفتح الهمزة وسكون الميم وكسر الراء المهملة وسكون التاء الفوقية قرية من أعمال
جون بور - وهو من مشاهير العصر.
ولد سنة خمس وتسعين ومائتين وألف، وقرأ على والدته أياماً، ثم على والده وأخذ عنه الفقه
والأصول والكلام، وأخذ اللغة والعربية والحديث والتفسير عن جده، ثم لازم العلامة هداية الله بن
رفيع الله الرامبوري، وأخذ عنه المنطق والحكمة، ثم ورد لكهنؤ وتولى إنشاء مجلة البيان العربية
فاشتغل بالإنشاء مدة، ثم سار إلى أمرتسر وتولى إنشاء جريدة الوكيل الغراء، فأقام بتلك البلدة مدة، ثم
سار إلى حيدر آباد الدكن ووظف بدار الترجمة.
وله مصنفات كثيرة، منها شرح المفصل للزمخشري بالفارسي، والمحكمات وعلم الحديث وتاريخ
العرب القديم وصناعة العرب وفلسفة القرآن وكتاب الزكاة وابن عربي وبدعات المحرم كلها بالأردو
وكلها طبعت، وأما ما لم تطبع إلى الآن فمنها ترجمة الطبقات الكبرى لابن سعد بالأردو، وترجمة
كتاب التنبيه والاشراف بالأردو، وترجمة تاريخ جون بور للشيخ عبد القادر العمادي بالأردو،
ومعاريف الهند بالعربي، وكتاب الحرية والاستبداد في أن المسلم لا ينبغي أن يقبل الضيم بل يجب
عليه أن يغير منكرات الاضطهاد مهما استطاع، بالعربي، وقول فيصل في(8/1297)
الرد على الشيعة، وأما ما
ترجمه من العربية إلى الأردوية فمنها مروج الذهب للمسعودي، والمجلدان الأخيران من تاريخ الأمم
والملوك للطبري، والملل والنحل لابن حزم الأندلسي، والمعارف لابن قتيبة، وغير ذلك من
المصنفات والتراجم.
وكان الشيخ عبد الله العمادي متفنناً في العلوم والآداب، له مشاركة جيدة في الحديث والتفسير، والفقه
والأصول، وعلم الكلام، منشئاً مترسلاً في العربية والفارسية والأردية، له طبع ريان في الشعر وقلم
سيال في الكتابة والترجمة، قوي الذاكرة كثير المحفوظ، حسن المحاضرة، ناقداً للشعر والأدب، واسع
الاطلاع على الكتب والمؤلفات.
مات ليلة الخميس لتسع خلون من شوال سنة ست وستين وثلاثمائة وألف ودفن بجوار السيد أحمد
بادبا رحمه الله في حيدر آباد، وله شعر حسن رائق بالعربي.
مولانا عبد الله بن عمر أبو الخير المجددي الدهلوي
الشيخ العالم الفقيه أبو الخير عبد الله بن عمر بن أحمد سعيد الحنفي النقشبندي الدهلوي أحد كبار
المشايخ، من ذرية الشيخ الإمام أحمد بن عبد الأحد العمري السرهندي إمام الطريقة المجددية.
ولد لثلاث بقين من ربيع الآخر سنة اثنتين وسبعين ومائتين وألف بدار الملك دهلي، وسماه جده
محي الدين ووالده عبد الله، وسافر في صغر سنه إلى الحرمين الشريفين مع أبيه وجده فأقام بمكة
المباركة مدة طويلة وقرأ الكتب الدرسية على الشيخ عبد الحق بن شاه محمد الإله آبادي والشيخ
رحمة الله بن خليل الرحمن العثماني الكرانوي والشيخ حبيب الرحمن الردولوي والسيد أحمد الدهان
المكي وعلى غيرهم من العلماء، وأخذ الطريقة عن والده ولازمه وسافر معه إلى الهند، ثم سكن
بدهلي في زاوية الشيخ غلام علي النقشبندي الدهلوي واعتزل بها عن الناس مدة طويلة، ثم فتح
الباب ولازم الدرس والإفادة، لقيته ببلدة دهلي، وحصل له القبول العظيم والوجاهة العظيمة عند
الأمراء وأهل الرياسة وطالبي الطريقة النقشبندية المجددية خصوصاً في الحدود الشمالية وأفغانستان
وبلوجستان، وأقبل الناس إليه من البلاد البعيدة، واستقام على الطريقة مدة طويلة وكان صاحب جذبة
إلهية ونسبة قوية، تروى له كشوف وكرامات.
كانت وفاته ليلة الجمعة لليلة بقيت من جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة وألف، وصلى
عليه جمع كبير، ودفن في زاوية جده.
مولانا عبيد الله الميدني بوري
الشيخ الفاضل عبيد الله بن أمين الدين الشهابي الصديقي الجيتوي الميدني بوري أحد الأفاضل
المشهورين في عصره، ولد بجيتوا - بكسر الجيم المعقود بعدها تحتية ثم فوقية من أعمال ميدني بور
في إقليم بنكاله - لست خلون من جمادى الآخرة سنة خمسين ومائتين وألف، ودخل كلكته فقرأ العلم
على أساتذة المدرسة العالية بها، ثم ولي التدريس بكلية هوكلي فدرس بها مدة، ثم ولي النظارة لكلية
ذهاكه سنة إحدى وتسعين، وكان يعرف اللغات الإنكليزية والفارسية والبنكله وسنسكرت مع مهارته
في اللغة العربية.
له مصنفات ممتعة، منها طراز الأزهار في سير الفلاسفة الكبار، وتشحيذ الإدراك في حقيقة حركة
الأرض ووجود الأفلاك، ودراية الأدب في لسان العرب، ومفتاح الأدب في علمي النحو والصرف،
والمناهل الصافية في مسائل الجغرافية، وديوان الشعر.
وله مخمس يعارض به الشيخ الرئيس:
من بعد ما سكنت بعش امنع من فوق رأس القد روض ممرع
بألد عيش أرغد متبرع هبطت إليك من المحل الأرفع
ورقاء ذات تعزز وتمنع
من كل ساجعة هدير معارف في كل لحن تالد أو طارف
مستورة في ستر ظل وارف محجوبة عن كل مقلة عارف
مع أنها سفرت ولم تتبرقع(8/1298)
إلى غير ذلك، مات سنة ثلاث وثلاثمائة وألف بدهاكه.
القاضي عبيد الله المدراسي
الشيخ العالم الفقيه القاضي عبيد الله بن صبغة الله الملقب بقاضي الملك بدر الدولة بن محمد غوث
الشافعي المدراسي أحد الفقهاء المشهورين في بلاده، ولد لأربع خلون من شعبان سنة سبعين ومائتين
وألف ونشأ بمدراس، ومات والده في صغر سنه فقرأ العلم على عمه الشيخ عبد الوهاب الملقب بمدار
الأمراء ثم على الشيخ السيد علي رضا، وقرأ فاتحة الفراغ على شمس العلماء مولانا السيد محمد
إسحاق، وأسس مدرسة كبيرة بداره سماها المدرسة المحمدية وبقي يدرس فيها مدة عمره وانتفع به
خلق كثير، وأمه الطلبة من الآفاق، وكانت له اليد الطولى في الفقه والحديث، وضعف بصره لشدة
اشتغاله بالمطالعة، فكان يدرس الصحاح الستة عن ظهر قلب في آخر عمره، وولي القضاء، ولقبته
الحكومة بشمس العلماء، وكان الاعتماد على فتاواه في المنطقة الجنوبية وخارجها، وقد بايع الشيخ
الكبير أبا أحمد بن الشيخ خطيب أحمد المجددي البهوبالي، وحصلت له الإجازة في الطرق الأربعة،
وكانت عنده دماثة خلق ولين عريكة وتواضع نفس وبر ومواساة، تشرف بالحج والزيارة مع أهله،
وزار الشام والقدس ومصر، لقيته بمدراس سنة 1335 هـ فوجدته شيخاً وقوراً منوراً حسن الأخلاق.
له مصنفات يبلغ عددها إلى اثنتين وعشرين كتاباً، منها رسالة في النحو، ورسالة في الفقه الشافعي،
ورسالة في سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ورسالة في تكفير منكري المعراج الجسماني
ومنكري نزول عيسى على نبينا وعليه السلام، ومجموع فتاوي وتحفة الزائرين وغيرها.
مات يوم الاثنين في الخامس عشر من ربيع الأول سنة ست وأربعين وثلاثمائة وألف، وصلى عليه
جمع كبير، وتعطلت الأسواق والإدارات الحكومية، ودفن في المقبرة الوالاجاهية.
الشيخ عبيد الله الملتاني
الشيخ الصالح عبيد الله بن قدرة الله الحنفي الملتاني أحد المشايخ الجشتية، ولد ونشأ بالملتان وقرأ
العلم على والده، ثم أخذ عن المولوي كل محمد وقرأ عليه سائر الكتب الدرسية، ودرس وأفاد مدة
طويلة بمدينة الملتان، ثم أخذ الطريقة عن الشيخ خدا بخش الخير بوري وتولى الشياخة بعده، أخذ
عنه خلق كثير من العلماء والمشايخ، وكان شيخاً جليلاً مهاباً رفيع القدر كبير المنزلة عظيم الورع
والعزيمة، له مصنفات عديدة.
توفي يوم الجمعة لست خلون من جمادى الأولى سنة خمس وثلاثمائة وألف بمدينة الملتان.
مولانا عبيد الله البدايوني
الشيخ الفاضل عبيد الله الحنفي البدايوني نزيل بمبىء ودفينها كان من كبار الفقهاء، قرأ العلم على
مولانا حبيب الرحمن الردولوي ومولانا آل أحمد البهلواروي المهاجرين وعلى الشيخ جمال الدين
المكي مفتي الأحناف بمكة المباركة، ثم رجع إلى الهند ودخل بدايون وأخذ الطريقة عن الشيخ فضل
رسول العثماني البدايوني وقرأ عليه بعض الكتب الدرسية، ثم ولي التدريس بالمدرسة المحمدية في
بلدة بمبىء فدرس وأفاد بها ثلاثين سنة، أخذ عنه خلق كثير من العلماء.
مات لتسع خلون من جمادى الأولى سنة خمس عشرة وثلاثمائة وألف بمرض السل ونزف الدم.
مولانا عبيد الله البائلي
الشيخ العالم الصالح عبيد الله السلفي البائلي صاحب تحفة الهند، كان اسمه في الجاهلية اننت رام
واسم أبيه كوني مل، من الله سبحانه عليه السلام، وأظهر إسلامه سنة أربع وستين ومائتين وألف
ببلدة مالير كونله وصلى بالجماعة في المصلى يوم عيد الفطر، وحسن إسلامه، وصنف رسالة لطيفة
في تحقيق ديانة الهنود سنة تسع وستين ومائتين وألف تسمى بتحفة الهند، فهدي الله سبحانه بها كثيراً
من الناس.
كان الشيخ عبيد الله من السعداء الذين شرح الله صدرهم للاسلام، وملأ قلوبهم حباً وإيماناً وحكمة،(8/1299)
وهدى بهم خلقاً كثيراً من عباده، وكان راسخاً في الاسلام وعقيدة التوحيد، حريصاً على اتباع الكتاب
والسنة، واقتفاء الآثار النبوية والطريقة المرضية، شديد الكراهة للكفر والشرك والبدعة، ولما
حضرته الوفاة أوصى أصحابه بأن يجعلوه في الحجر حتى يفارق الدنيا، كما لحق النبي صلى الله
عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلى وهو في حجر عائشة بين سحرها ونحرها، ودعا بنته وضمها إلى
صدره، كما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مع فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله
وسلم، ولم يزل لاهجاً بذكر الله إلى آخر عهده بالدنيا، وقال بعض أصحابه وهو يجود بنفسه: لا إله
إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فقال: لم يرد هذا في الحديث عند الموت، وإنما ورد: لا إله
إلا الله، وكان متعلق القلب برمضان كثير السؤال عنه، يتمنى أن يموت فيه، ومات في سلخ شعبان
سنة عشر وثلاثمائة وألف، ودفن بعد ما أهل رمضان، كما جاء في كتاب للشيخ عبد الحق إلى الشيخ
أحمد حسن منشىء صحيفة شحنة هند.
مولانا عبيد الله السندي
الشيخ العالم الصالح عبيد الله الحنفي السندي أحد العلماء المشهورين، ولد في بيت من بيوت
الوثنيين في تاسع محرم سنة تسع وثمانين ومائتين وألف في بلدة سيالكوث وتوفي والده قبل ولادته
فتربى في حجر خاله الوثني، وتعلم الخط والحساب والتاريخ وغيرها في المدرسة إنكليزية، ورأى
ذات يوم في اليقظة أن نقطة من النور حاذت بين عينيه ثم دخلت في قلبه، فوجد برداً وسكينة في
قلبه، وألقى في روعه أنه سيدخل في دين الإسلام، فرغب إليه وحصل بعض الكتب الاسلامية كتحفة
الهند للشيخ عبيد الله البائلي وتقوية الايمان للشيخ الشهيد إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي، واشتغل
بها مدة حتى رسخ في قلبه الايمان، فهاجر من بلدته إلى أرض السند سنة أربع وثلاثمائة وألف وأسلم
على يد الشيخ الحاج محمد صديق السندي وبايعه في الطريقة القادرية، واشتغل بالعلم فقرأ رسائل
النحو والصرف إلى كافية ابن الحاجب، ثم سافر إلى الملتان ومنها إلى ديوبند وقرأ على أساتذة
المدرسة بعض رسائل المنطق، ثم سافر إلى كانبور وقرأ أكثر اكبت الدرسية لعله على مولانا أحمد
حسن الكانبوري، ثم رجع إلى ديوبند وأخذ الحديث عن العلامة محمود حسن الديوبندي وتفقه عليه،
ثم ولي التدريس بمدرسة دار الرشاد في أرض سند فدرس بها زماناً، ثم رجع إلى ديوبند وأقام بها
مدة من الزمان وأسس جمعية مؤتمر الأنصار، وخالفه أعضاء المدرسة العربية في بعض الأمور
واتهموه بسوء الاعتقاد، فسار إلى دهلي وأسس نظارة المعارف بفناء المسجد الفتحبوري، وأعلن أنه
يدرس القرآن الكريم وحجة الله البالغة وبعض كتب الحديث في سنتين لمن يريد الأخذ ممن نالوا
درجة الفاضلية في الإنكليزية فدرس بها أعواماً.
ثم لما نشبت الحرب الكبرى سافر إلى حدود أفغانستان مختفياً متستراً بايعاز من شيخه العلامة
محمود حسن الديوبندي، يحمل رسالة الجهاد والثورة على الإنجليز إلى خاصة تلاميذه، وليحمل أمير
أفغانستان على محاربة الإنجليز والهجوم على الحكومة الإنجليزية في الهند، فورد في كابل في
خامس ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة وألف، وقابل الأمير حبيب الله خان والي أفغانستان
ونائبه، واقترح عليهما زحف الجنود الأفغانية إلى الهند، ووعد الأمير، واتفقوا على أنه إذا نجحت
هذه المهمة وتحقق الجلاء فإنه سيجلس على عرش دهلي ابن من أبناء الأمير كملك دستوري للبلاد،
وقامت في كابل حكومة هندية موقتة كان رئيسها راجه مهندر برتاب أحد الثوار من الولاية الشمالية
الهندية، وكان الشيخ عبيد الله وزير الداخلية في هذه الحكومة، وبدأ عبيد الله يشكل فرقة من
المتطوعة لهذا الغرض سماها جنود الله، وأرسل في هذه المدة رسائل سرية إلى شيخه، اشتهرت فيما
بعد بالرسائل الحريرية، لأنها كانت كتبت على منادل من الحرير، وأصبحت الشغل الشاغل
للإنجليز، وجرت حولها مباحثات وتحقيقات.
وتنكرت الحكومة الأفغانية للشيخ عبيد الله لعل ذلك بايعاز من الإنجليز وفرضت عليه رقابة وألزمته(8/1300)
داراً، كان يشتغل فيها بتعليم القرآن لزملائه المعتقلين الذين كان أكثرهم من تلاميذ الكليات والجامعات
الذين هاجروا من الهند، وفي سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة وألف اغتيل الأمير حبيب الله خان وخلفه
في الملك ابنه الأمير أمان الله خان، ونشط الشيخ عبيد الله واستطاع أن يسرب إلى الهند إعلانات
سرية فيها تحريض للجهاد وقتل الإنجليز ونشبت الحرب بين أفغانستان والإنجليز، كانت فيها الشيخ
ورفقته جولة وصولة، وتوجيه وإشراف، وحصلت الهدنة في الخامس والعشرين من شعبان سنة سبع
وثلاثين وثلاثمائة وألف، واستفادت أفغانستان من هذه الحرب ونالت الاستقلال، وبقي عبيد الله ينتهز
الفرصة لتحقيق غايته وإثارة الحكومة الأفغانية على تأييد القضية الهندية، قابل لهذا الغرض القائد
التركي المعروف بجمال باشا، الذي زار كابل في أوائل سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وألف، وبدأ نفوذ
الإنجليز يقوي في بلاط الأمير أمان الله خان، وبدأ مجال العمل يضيق ويقصر للشيخ عبيد الله
وزملائه وتلاميذه، فغادر كابل لثمان بقين من صفر سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة وألف مع زملائه
الشباب وتجشم المشاق في هذه الرحلة ومر ببخارا وتاشقند حتى وصل في التاسع عشر من ربيع
الأول من هذه السنة في ماسكو عاصمة البلاد السوفيتية ومكث هناك نحو تسعة أشهر، درس في
خلالها فلسفة الشيوعية ونظامها بمساعدة تلميذه وزميله ظفر حسن أيبك، وقابل بعض زعماء الحركة،
من بينهم وزير الخارجية في المملكة ووافق على مساعدة أهل الهند في إجلاء الإنجليز، وشاهد
الضغط الموجود على الديانات، وإرهاق الأقليات، ووضع خطة للحكومة الحرة الهندية تقوم على
الوفاق، وطبعها وأرسلها تهريباً إلى الهند، وصودرت هناك.
فلما يئس من الروس توجه في شهر ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة وألف إلى تركيا
لإكمال خطته التحريرية الجهادية، وقضى نحو خمسة أشهر في أنقره، ثم دخل استنبول في ربيع
الأول سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة وألف، وقابل عصمت باشا رئيس وزراء تركيا، ولم يزل في
حل وعقد، ومداولات ومخابرات، حتى يئس من الوصول إلى نتيجة، فعزم على التوجه إلى مكة ملجأ
العاملين ومثابة المسلمين، وقد أعيت به الحيل، وضاقت عليه السبل، فسافر من أستنبول في الثالث
والعشرين من ذي القعدة سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وألف بالباخرة عن طريق إيطاليا، وكان العام
الذي انعقد فيه المؤتمر الإسلامي بدعوة الملك عبد العزيز ابن سعود، ولم يدرك الحج والمؤتمر بتأخر
الباخرة، وألقى رحله في جوار البيت، ومكث نحو خمس عشرة سنة يدرس التفسير للراغبين فيه من
العلماء والقاصدين لبيت الله الحرام، ويقضي أوقاته في الدرس والمطالعة، والعبادة والإفادة، معتزلاً
في بيته، زاهداً متوكلاً، متقشفاً في الحياة يتبلغ بلقمة من العيش وبما يقيم صلبه، لا يطمع في الدخول
في الهند والاجتماع بالأحبة والتلاميذ، حتى جاء الله بالفرج، وسعى بعض أصدقائه من أصحاب
النفود في منحه السماح للعودة إلى الهند، فسمح له بذلك، فعاد إلى وطنه ووصل إلى كراتشي في
منتصف محرم سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة وألف بعد أربع وعشرين سنة، واستقبله تلاميذه وزملاؤه
والمقدرون لفضله وجهاده باخلاص وحماس، وقد مات أكثر شيوخه، وانقرض جيل وجاء جيل جديد،
وتطورت البلاد، وتغيرت الأحوال، فلقي جواً جديداً، وشعر بشيء من الغربة، وأبدى من الآراء
الغريبة، والأفكار الشاذة في السياسة والاجتماع، والثقافة والإصلاح ما لم توافق أكثر أصدقائه، وقادة
المسلمين وزعمائهم، واتسعت الفجوة بينه وبين العلماء والزعماء، وكان يرى اقتباس الخط اللاطيني،
واتخاذ اللباس الإفرنجي تفادياً من فرض لباس وطني، يغلب فيه تابع اللباس البرهمي، والحروف
السنسكيريتيا، وكان يرى أنه الحل الوحيد لوقاية المسلمين من الوقوع تحت عبودية الأكثرية الفكرية
والثقافية، وانزعجت من ذلك الطبقات الدينية، وقضى أيامه الأخيرة في الهند في تناس وقلة إقبال
يقضي مدة في دهلي ومدة في السند يدرس فيها حجة الله البالغة على طريقته الخاصة، ويشكل بعض
اللجان السياسية، حتى وافاه الأجل في الثالث من رمضان سنة ثلاث وستين وثلاثمائة وألف، ودفن
بجوار شيخه العارف الكبير الشيخ غلام محمد في قرية دين بور من توابع بهاولبور.(8/1301)
وكان الشيخ عبيد الله من نوادر الرجال في قوة الإرادة وشهامة النفس واقتحام المخاطر، والبعد في
التخيل، والاعتماد على النفس، والعزوف عن الشهوات، وكان مفرط الذكاء قوي المناسبة في العلوم،
جيد النظر في طبقات العلماء، وتاريخ العلوم وتدوين الحديث، وكان مفرط الحب والانتصار لشيخ
الإسلام ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي، عظيم الشغف بكتبه وعلومه وتحقيقاته، لا يكاد يعدل به
أحداً من حكماء الإسلام والعلماء الأعلام، جعل كتابه حجة الله البالغة وتحقيقاته في كتبه أساس فكره
وجهده، يطبقها على العصر الجديد ونظمه، بذكاء يغلب عليه التخيل والتقعر، وكان له مذهب في
تفسير القرآن، يستنبط منه دقائق السياسة العصرية، والمذاهب الاقتصادية، ويتوسع في الاعتبار
والتأويل، وقد تخرج عليه في هذا الأسلوب من التفسير بعض كبار العلماء الذين نفع الله بهم خلقاً
كثيراً، أشهرهم الشيخ أحمد علي اللاهوري، وقد انتقد على هذا الأسلوب الشيخ أشرف علي
التهانوي، وألف رسالة سماها التقصير في التفسير.
وكان شديد الانتقاد لزعيم الهند المشهور غاندي وسياسته، ويراها خطراً على شخصية المسلمين،
وكان شديد الانتقاد لكمال أتاترك، شديد المعارضة للشيوعين والملاحدة، وكانت تعتريه حدة في بعض
الأحيان، فيثور وينفجر ولا يبالي بشيء، وكان لا يبالي بقالة الناس ونقدهم، وكانت له أذكار قلبية،
وأوراد يديمها.
وكان مربوع القامة أسمر اللون، زاهداً في اللباس والطعام، ولم يكن له كبير اشتغال بالتأليف، ومن
أحسن ما كتب التمهيد في أئمة التجديد بالعربية ألفه بمكة، ومقالة عن الشيخ ولي الله الدهلوي في
العدد الخاص بذلك لمجلة الفرقان الشهرية، تدل على سعة نظره وعمق فكرته.
المولوي عبيد الله الدهلوي
الشيخ الفاضل عبيد الله الاثاوي ثم الدهلوي الطبيب، قرأ العلم وأخذ الإجازة عن شيخنا حسين بن
محسن الأنصاري اليماني والشيخ عبد الوهاب الملتاني ثم الدهلوي ثم تطبب بالمدرسة الطبية في
دهلي، وهو الآن بدهلي يدرس ويتطبب.
المولوي عبد الماجد البهاكلبوري
الشيخ الفاضل عبد الماجد بن عبد الواجد البهاكلبوري أحد العلماء المشهورين، ولد ونشأ ببلدة
بهاكلبور، وقرأ العلم على أساتذة عصره، ثم لازم دروس العلامة عبد الحي بن عبد الحليم اللكهنوي
وأخذ عنه، ثم أقام بكلكته يدرس بها ويذكر، لقيته غير مرة في تلك البلدة فشفعت له إلى نواب محسن
الملك، فاستقدمه إلى عليكزه واستخدمه للتذكير بمدرسة العلوم، فأقام بها سنة كاملة ثم رجع إلى بلاده،
وولي التدريس في المدرسة الإنكليزية ببلدته بهاكلبور، وأنه تمذهب بعد ذلك بمذهب القادياني وصار
من دعاة ذلك المذهب.
مات في نحو خمس وستين وثلاثمائة وألف في قاديان ودفن بها.
مولانا عبد المجيد اللكهنوي
الشيخ الفاضل عبد المجيد بن عبد الحليم بن عبد الحكيم بن عبد الرب ابن بحر العلوم عبد العلي
محمد الأنصاري اللكهنوي، أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول.
ولد ونشأ ببلدة لكهنؤ، واشتغل أياماً على عمه شيخنا محمد نعيم، ثم لازم العلامة عبد الحي بن عبد
الحليم اللكهنوي وقرأ عليه أكثر الكتب الدرسية، ولما مات العلامة عبد الحي لازم صاحبه مولانا عين
القضاة الحيدر آبادي وأخذ عنه، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار وأخذ القراءة والتجويد
بمكة المباركة، ثم رجع إلى الهند وولي التدريس في المدرسة الكلية كيننك كالج بلكهنؤ.
وله خبرة تامة بالفقه والأصول وبعض العلوم الحكمية مع التواضع وحسن الأخلاق، ولذلك حبب
إلى الناس وصار المرجع والمقصد ببلدته بعلم الفتوى(8/1302)
والخطابة في المصلى، ولقبته الحكومة بشمس
العلماء، له مصنفات.
مات لسبع بقين من جمادى الأولى سنة أربعين وثلاثمائة وألف بمدينة لكهنؤ.
الحكيم عبد المجيد الدهلوي
الشيخ الفاضل عبد المجيد بن محمود بن صادق بن شريف الشريفي الدهلوي الحكيم المشهور بحاذق
الملك كان من كبار الأطباء، ولد ونشأ بدهلي، وقرأ العلم على مولانا محمد علي الجاند بوري وعلى
غيره من العلماء، ثم أخذ الحديث عن شيخنا السيد نذير حسين الحسيني الدهلوي المحدث، وتطبب
على أبيه، وقرأ الكتب الطبية على ابن عمه غلام رضا خان، ثم تصدر للتدريس وظهر فضله بين
الأطباء في حياة والده، ولما مات والده قام مقامه، وأسس مدرسة طبية بدهلي سنة ست وثلاثمائة
وألف، ثم لقبته الدولة الإنكليزية بحاذق الملك.
وكان مفرط الذكاء سريع الإدراك، قوي الحفظ، له يد بيضاء في المعالجة، وقدرة كاملة في الدرس
والإفادة، ودراية بمؤلفات القدماء، وخبرة بمسالك الاستدلال، قل أن يوجد له نظير في ذلك، والحاصل
أنه كان من عجائب الزمن ومحاسن الهند، سارت بذكره الركبان، وطار صيته في الآفاق، فصار
المرجع والمقصد في أمر المعالجة.
مات لسبع بقين من ربيع الأول سنة تسع عشرة وثلاثمائة وألف.
مولانا عبد المقتدر البدايوني
الشيخ الفاضل عبد المقتدر بن عبد القادر بن فضل رسول العثماني الحنفي البدايوني أحد العلماء
المشهورين، ولد سنة ثلاث وثمانين ومائتين وألف بمدينة بدايون ونشأ بها، وقرأ العلم على مولانا
نور محمد البدايوني، وبعد وفاته قرأ هداية الفقه وتفسير البيضاوي والصحاح الستة على والده، وفرغ
من التحصيل سنة ثمان وتسعين، وسافر للحج والزيارة مع أبيه، وجلس على مسند مشيخته بعده،
وكان على قدم أبيه وجده في التعصب على مخالفيه والانتصار للرسوم المروجة في المشايخ.
مات في بضع وعشرين من محرم سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة وألف بمدينة بدايون.
مولانا عبد الملك الطوكي
الشيخ الفاضل عبد الملك بن محيي الدين الحنفي الطوكي أحد العلماء المشهورين، ولد ونشأ ببلدة
طوك، وقرأ بعض الكتب الدرسية على أساتذة مصره وعصره، ثم سافر إلى رامبور وقرأ على
المفتي سعد الله بن نظام الدين المراد آبادي، ثم رجع إلى طوك وتصدر للدرس والإفادة، وله
مصنفات.
مات ودفن ببلدة طوك.
مولانا عبد المنان الوزير آبادي
الشيخ العالم الكبير المحدث عبد المنان بن شرف الدين الوزير آبادي الفاضل المشهور، ولد سنة
سبع وستين ومائتين وألف بقرية قرولي من أعمال جهلم، وكف بصره في صغر سنه وتوفي والده
ولكنه مع ذلك شرع الاشتغال بالعلم وحفظ القرآن الكريم، وقرأ المختصرات على المولوي برهان
الدين الهتاروي والمولوي قل أحمد الجكوي، ثم رحل إلى سهارنبور ولازم الشيخ محمد مظهر
النانوتوي مدة من الزمان وأخذ عنه، ثم سافر إلى بهوبال وأقام بها مدة، وأخذ القرآن وسنن ابن ماجة
عن الشيخ عبد الجبار الناكبوري، وقرأ سنن الترمذي وأبي داؤد والنسائي والدارمي على الحكيم
محمد أحسن الحاجبوري، ثم ذهب إلى دهلي وأخذ عن الشيخ المسند نذير حسين الدهلوي وقرأ عليه
تفسير الجلالين وهداية الفقه والصحاح الستة، وأجازه الشيخ إجازة عامة، وحصلت له الإجازة عن
الشيخ المعمر عبد الحق بن فضل الله النيوتيني أيضاً، ثم سار إلى أمرتسر ولازم الشيخ الكبير عبد
الله الغزنوي سنتين كاملتين، واستفاض منه فيوضاً كثيرة، ثم ذهب إلى وزير آباد سنة اثنتين وتسعين
وسكن بها وعكف على الدرس والإفادة، فدرس الصحاح الستة أكثر من خمس وثلاثين مرة.(8/1303)
وكانت له اليد الطولى في النحو واللغة، وخبرة تامة بالرجال وجرحهم وتعديلهم وطبقاتهم، وبفنون
الحديث، وبالعالي والنازل والصحيح والسقيم مع حفظه لمتون الدين، انفرد به في تلامذة السيد نذير
حسين المذكور، فلم يبلغ أحد رتبته في كثرة الدرس والإفادة ولم يقاربه، قال الشيخ شمس الحق
الديانوي: لا أعلم أحداً في تلامذة السيد نذير حسين المحدث أكثر تلامذة منه، قد ملأ بنجاب بتلامذته،
كأنه هو حافظ الصحاح في هذا العصر، وقد أناط السيد نذير حسين عمامته على رأسه سنة عشرين
وثلاثمائة وألف، واستخلفه في بنجاب، انتهى.
إني رأيته في بلدة أمرتسر وتمتعت بصحبته، مات سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة وألف.
مولانا عبد المنعم الجانكامي
الشيخ الفاضل عبد المنعم الحنفي الجانكامي أحد العلماء المبرزين في الفنون الأدبية، قرأ العلم على
أساتذة المدرسة العالية بكلكته، وولي التدريس في مدرسة ذهاكه، ثم جانكام، ثم جعل ناظور المدرسة
المحسنية بذهاكه.
وكان فاضلاً كبيراً، بارعاً في النحو واللغة، والمعاني والبيان، والعروض والشعر، له تصويب البيان
في شرح الديوان، وهو شرح ديوان المتنبي، وله ديوان الشعر العربي وبعض رسائل في الأخلاق
بالفارسية.
فمن شعره قوله من قصيدة يمدح بها عبيد الله:
جرى دمعي المهراق شجواً بمنزل رأينا به داراً ترأت كعوكل
وروضا بهوج الريح صارت غصونه أيادي ندب فوق رأس لعيطل
ذكرت بها سلمى أؤمل وصلها وكيف الرجا يا قلب لي في عقنقل
فقلت لعيني سامحيني بعبرة فلبت فجاءتني بدمع مسلسل
رأينا بها عيناً تولت فلم تعد كدابك مذ هاجرتني لم تحول
فهل بعد صد زورة منك خفية تداوي بها قلب الكئيب المذلل
أعيني بسجع يا حمامة ضارعاً معنى وقد أعياه نوح التعزل
تراكمت الأحزان والقلب واحد تزاحمت الأثقال في كور محمل
وما عيش من قد بات يبكي تقطعاً بناب جديد انشبت أم رنقل
وكيف التلذاذ الراح ممن تصادمت عليه مراز لم يطق صدر أعبل
صعود العلى همي وما كنت خائباً تنفس صعدائي ترى غير أسفل
تقلبني الأيام تقليب قلب تحولني الأحوال تحويل حول
أيا دهر هل منك لطف تداركا لبلبال بال المستهام المقتل
فاما تدارك أو أشد مراجعاً زمامي إلى باب النبيل المبجل
وقوله من قصيدة يمدح بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إليك رسول الله أهدي ثنائيا وأبغي به قرباً وإن كنت نائيا
أقرب نفسي من جنابك سيدي عسى أن أرى روحاً على البعد دانيا
عسى تكشف البلوى وكم بك فرجت غوائل إذ نوديت أدرك غياثيا
أؤمل منك العطف عطف عواطف وإن كنت عما يجلب العطف قاصيا
فإنك شمس يستضاء بنورها وما كل شيء يقبس الضوء صافيا
أتيتك أرجو من نوالك رشحة وما خاب مستسق أتى البحر صاديا
ومن قصيدة أخرى(8/1304)
يا ليت لي بمراتع الآرام من نزلة تطفي اضطرام غرامي
كانوا الضياء وفارقوا فبقاعهم بعد الضياء تبرقعت بظلام
رحلوا وقد رحل الحبيب لظعنهم وخلف الأكباد بالآلام
رحلوا وقد سلبوا العقول وأضرموا نار الجوى بجوانحي وعظام
لهفي على دار ترى بقطابهم قطبت بعيد تهلل بسام
لا خير في عيش الفتى وحبيبه مستنكر لمودة الأحلام
لاموا المشوق واشفقوا من حبيبه لضني به وكآبة وسقام
أوكل من عشق استحق ملامة لا والذي بيديه كل زمام
ما لي ألام على الهوى ووددت لو أفحمت فيه عواذلي وندامي
أألام فيه على الحمام وإنني أحببت لو لاقيت فيه حمامي
لو يعلمون من الذي أحببته ما لامني على الهوى لوامي
مات في سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة وألف.
مولانا عبد المؤمن الديو بندي
الشيخ الفاضل عبد المؤمن بن فهيم الدين العثماني الحنفي الديو بندي أحد العلماء الصالحين، ولد
ونشأ بديو بند، وقرأ العلم على أساتذة المدرسة العربية بها، منهم الشيخ يعقوب بن مملوك العلي
النانوتوي، وجد في البحث والاشتغال حتى برع في العلم وتأهل للفتوى والتدريس، وقرأ فاتحة
الفراغ ومنح الشهادة ونيطت على رأسه العمامة في رهط من العلماء والمتخرجين، منهم الشيخ
أشرف علي التهانوي والشيخ ناظر حسن الديو بندي، وكان ذلك سنة إحدى وثلاثمائة وألف فولوه في
المدرسة القومية ببلدة ميرله، ومكث بها زماناً يدرس ويفيد، وتخرجت عليه جماعة من الفضلاء،
منهم مولانا عاشق إلهي الميرلهي والشيخ إعزاز علي الديو بندي، ثم انتقل إلى مدرسة إمداد الإسلام
وولي رئاسة التدريس بها، وبقي يدرس التفسير والحديث فيها مدة، وكان جيد التدريس موجز
العبارة، قانعاً بالكفاف، محتسباً في تعليمه.
مات في سنة سبع وأربعين في دهلي ودفن في مقبرة العارف الكبير الشيخ عبد الباقي النقشبندي.
مولانا عبد الواسع الأميثهوي
الشيخ الفاضل عبد الواسع بن يوسف علي بن يعقوب علي الحنفي الأميثهوي أحد العلماء المبرزين
في المنطق والحكمة.
ولد لسبع خلون من ذي القعدة سنة تسعين ومائتين وألف بمدينة بهوبال ونشأ بها، وقرأ المنطق
والحكمة والكلام والأصول على شيخنا القاضي عبد الحق الكابلي، والفنون الأدبية على مولانا ذو
الفقار أحمد المالوي، والفقه والحديث على الشيخ يوسف بن عبد القيوم البكري البرهانوي، وقرأ على
غيرهم من العلماء، ثم سار إلى حيدر آباد وولي التدريس بدار العلوم ثم في الجامعة العثمانية.
وله مصنفات: منها شرح على عروض المفتاح، وتعليقات على شرح السلم المسمى بحمد الله،
وكتاب في الهيئة القديمة والجديدة، وكتاب مبسوط في المنطق القديم والجديد، ومعيار الأوقات لأداء
الصيام والصلوات، ثلاثتها باللغة الأردوية.
المولوي عبد الودود الندوي الأعظم كدهي
الشيخ الفاضل عبد الودود بن عبد الغفور بن سخاوة علي الجيراجبوري الأعظم كدهي أحد العلماء
الصالحين، ولد ونشأ بجيراج بور من أعمال أعظم كده، وقدم لكهنؤ في صباه فقرأ الكتب الدرسية
بدار العلوم لندوة العلماء على مولانا حفيظ الله البندوي(8/1305)
وعلى غيره من الأساتذة، ونال الفضيلة من
تلك المدرسة ثم ولي التدريس بها، وبقي سنين يدرس فيها، ثم انتقل إلى باره جنار في الحدود
الشمالية الغربية قاضياً ومفتياً، ثم إلى رامبور حيث درس مدة في المدرسة العالية بها، وكان عاقلاً
وقوراً متين الديانة، حسن الإلقاء والتقرير للمسائل العلمية.
مات في ذي الحجة سنة ست وسبعين وثلاثمائة وألف.
الحكيم عبد الولي اللكهنوي
الشيخ الفاضل عبد الولي بن عبد العلي بن إبراهيم بن يعقوب الحنفي اللكهنوي كان من الأطباء
المشهورين، ولد ونشأ ببلدة لكهنؤ وحفظ القرآن، ثم اشتغل بالعربية أياماً على السيد محمد مقيم بن
محمد معين الحسني البريلوي، وكان من بني أعمام السيد الوالد، ثم أخذ المنطق والحكمة عن المولوي
إفهام الله اللكهنوي، وقرأ الكتب على عمه الحكيم عبد العزيز وتطبب عليه وعلى جده، ثم تصدر
للدرس والإفادة، أخذ عنه غير واحد من الأعلام، وإني قرأت عليه حميات القانون، وصحبته قريباً
من سنة ببلدة لكهنؤ.
مات في الرابع عشر من ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة وألف وله ثمان وأربعون سنة.
مولانا عبد الوهاب البهاري
الشيخ الفاضل عبد الوهاب بن إحسان علي السريندوي البهاري أحد الأفاضل المشهورين في
عصره، ولد ونشأ بقرية سرينده من أعمال بهار، واشتغل بالعلم على أساتذة بلاده مدة، ثم دخل لكهنؤ
وقرأ على العلامة عبد الحي ابن عبد الحليم الأنصاري اللكهنوي، ثم تصدر للتدريس فدرس مدة مديدة
ببلدة كانبور ثم بحيدر آباد الدكن، ثم ولي بالمدرسة العالية في كلكته.
وكان فاضلاً بارعاً في المنطق والحكمة، كثير الدرس والإفادة، أخذ عنه غير واحد من الأعلام، وله
مصنفات: منها الصحيفة الملكوتية حاشية على مير زاهد رسالة، ومنها شرح على هداية الحكمة،
تعقب فيها على العلامة عبد الحق الخير آبادي.
توفي لليلتين بقيتا من ربيع الآخر سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وألف.
مولانا عبد الوهاب الويلوري
مؤسس مدرسة الباقيات الصالحات
الشيخ العالم الصالح عبد الوهاب بن عبد القادر القادري الحنفي الويلوري أحد كبار العلماء
والمشايخ، صرف عمره في الدرس والإفادة، وأسس مدرسة عظيمة بمدينة ويلور، وهو أول من نشر
العلم الشريف بعد اندراسه في بلاد المعبر والمليبار وأكثر بلاد الدكن، وكان مولده سنة سبع وأربعين
ومائتين وألف بمدينة ويلور، ونشأ في حب العلم، وقرأ بعض الكتب الدرسية على الحكيم زين
العابدين المائل والمولوي غلام قادر وعلى غيرهما، ثم سافر إلى مكة المباركة وأخذ عن الشيخ رحمة
الله بن خليل العثماني الكرانوي والعلامة ملا محمد نواب الهندي المهاجرين إلى مكة، وأخذ الحديث
عن الشيخ أحمد دحلان الشافعي مدرس الحرم الشريف والسيد حسين المهاجر، ثم رجع إلى الهند
وصحب الشيخ محي الدين عبد اللطيف الويلوري وأخذ عنه الطريقة، ثم عكف على الدرس والإفادة،
وأسس مدرسة عظيمة بمدينة ويلور، سنة تسع وتسعين ومائتين وألف وسماها الباقيات الصالحات
وهي مدرسة مباركة في تلك البلاد، تخرج منها خلق كثير من العلماء.
مات لثمان بقين من ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة وألف، فصلى عليه الشيخ عبد اللطيف
بن ركن الدين بن عبد اللطيف الويلوري، ودفن بويلور، نفعنا الله ببركاته.
الحكيم عبد الوهاب الغازيبوري المعروف بحكيم نابينا
الشيخ الفاضل الكبير عبد الوهاب بن عبد الرحمن الأنصاري اليوسف بوري الغازيبوري أحد
العلماء المبرزين في المعقول والمنقول، حفظ القرآن الكريم وهو في العاشرة من عمره، وقرأ مبادي
الصرف والنحو في وطنه ثم سافر إلى ديوبند وهو في الخامسة عشرة(8/1306)
من عمره قرأ الكتب الدرسية
على أساتذة المدرسة العربية بديوبند، وأصابه الجدري قبل أن يكمل الدراسة فأضر بذلك وكف
بصره، ورجع إلى ديوبند وأكمل الدراسة وقرأ فاتحة الفراغ، واشتغل بالتدريس سنتين متطوعاً ثم
سار إلى دهلي وأخذ الصناعة الطبية عن الحكيم محمود بن صادق الشريفي الدهلوي، ثم سافر إلى
حيدر آباد واشتغل بالطبابة، وحصل له القبول العظيم عند أهل البلدة والوجاهة العظيمة عند الأمراء
فأقام بحيدر آباد مدة مديدة، ثم دخل بمبىء وأقام بها أعواماً، ثم سار إلى شوله بور وأقام بها زماناً، ثم
وظف في حيدر آباد مرة ثانية، ثم أحيل إلى المعاش وحج وزار، ثم أقام بدهلي يعالج المرضى
مشتغلاً بالذكر والعبادة.
وكان من سوانح الدهر وعجائب الزمن في قوة الحفظ وسرعة الإدراك وصدق الفراسة، وآية في
معرفة النبض وتشخيص الأمراض المتشابهة في الأعراض، وإني سمعت بعض الثقات يقول: إنه
عرفه بحبس النبض فقط، وتروى له غرائب في هذا الباب، له رسالة في الأسرار الشريانية، في
الأردو.
وكان وجيهاً منور الشبيه، كث اللحية، صاحب دين وعبادة ووقار.
توفي لسبع خلون من ربيع الآخر سنة ستين وثلاثمائة وألف، ودفن بكنكوه بجوار شيخه الشيخ
رشيد أحمد الكنكوهي حسب وصيته.
المولوي عبد الوهاب الرامبوري
الشيخ الصالح عبد الوهاب بن محمد عمر خان الحنفي الرامبوري أحد العلماء الصالحين، كان عالماً
زاهداً كثير القناعة، آمراً بالمعروف ناهياً عن الشرك والبدعة، ملازماً لقيام الليل في جماعة في
مسجده، محافظاً على الصلوات في أول وقتها، له معرفة بالحديث والتفسير والفقه، كان يدرس في
مدرسة السيد حامد شاه قاضي البلد ويتقاضى راتباً زهيداً، مات لثلاث خلون من جمادى الآخرة سنة
ست وخمسين وثلاثمائة وألف وله نحو خمس وسبعين سنة.
المولوي عثمان الجتاروي
الشيخ العالم الفقيه عثمان بن أشرف علي الحنفي الجتاروي أحد الأفاضل المشهورين، ولد بقرية
جتاره من أعمال أعظم كده سنة ثلاث وثمانين ومائتين وألف، وقرأ العلم على المولوي محمد سليم
السمروي والمولوي راحت علي الجون بوري، ثم دخل لكهنؤ وأخذ عن العلامة عبد الحي بن عبد
الحليم الأنصاري اللكهنوي، وقرأ الكتب الطبية على المولوي عبد العزيز بن نور كريم الدريابادي
والحكيم سيد محمد بن محمد ولي المهاني، ثم ولي التدريس بكاكوري فدرس بها مدة عمره.
وله تخريج الجواهر العبقرية من الذخيرة الاسكندرية، والصواعق المشتعلة على تنبيه الجهلة،
وجاموس النواميس بحكم الاسطماخيس.
المولوي عثمان العليكدهي
الشيخ الفاضل عثمان بن إسماعيل بن عبد الجليل الاسرائيل الكوئلي العليكدهي أحد العلماء
الصالحين، ولد ونشأ بعليكده، واشتغل بالعلم أياماً على أساتذة مصره، ثم سافر إلى بهوبال وقرأ بعض
الكتب على مولانا محمد بشير السهسواني، ثم سافر إلى بلدة طوك وتخرج على المولوي بركات أحمد
ابن دائم علي الطوكي، ثم رجع إلى بلدته.
الشيخ عثمان بن عبد الله الديروي
الشيخ الصالح عثمان بن عبد الله الحنفي الديروي أحد كبار المشايخ النقشبندية، ولد ببلدة لوني من
أعمال ديره إسماعيل سنة أربع وأربعين ومائتين وألف، وسافر للعلم فقرأ على أساتذة عصره، ثم
لازم الشيخ دوست محمد القندهاري سنة ست وستين وأخذ عنه الحديث والسير والأخلاق والتصوف،
ولازم الذكر والفكر على طريقة السادة النقشبندية، وصحبه مدة طويلة حتى بلغ رتبة الكمال، وتولى
الشياخة بعده سنة أربع وثمانين، ثم سافر إلى الحجاز فحج وزار، ورجع إلى الهند فسكن بموسى
زئي قرية من أعمال ذيره،(8/1307)
وصرف عمره في نشر العلوم والمعارف، أخذ عنه خلق كثير.
توفي لثمان بقين من شعبان سنة أربع عشرة وثلاثمائة وألف.
المفتي عزيز الرحمن الديوبندي
الشيخ الفاضل عزيز الرحمن بن فضل الرحمن العثماني الديوبندي أحد الفقهاء الحنفية، ولد سنة
خمس وسبعين ومائتين وألف ونشأ بديوبند، وقرأ العلم على عصابة العلوم الفاضلة بالمدرسة العربية
بها، وقرأ فاتحة الفراغ سنة ثمان وتسعين ومائتين وألف، وقضى مدة في ميرله يدرس ويفيد ثم ولي
التدريس والإفتاء بالمدرسة العالية بديوبند سنة تسع وثلاثمائة وألف، وناب في الإدارة، وداوم على
التدريس والإفتاء إلى سنة خمس وأربعين وثلاثمائة وألف، فغادر المدرسة مع العلامة محمد أنور شاه
الكشميري وأخيه الشيخ شبير أحمد العثماني وتوجه إلى ذابهيل في ولاية كجرات، حيث أقام يدرس
ويفيد إلى أن توفي إلى رحمة الله.
وقد بايع الشيخ رفيع الدين الديوبندي خليفة الشيخ عبد الغني المجددي المهاجر إلى المدينة المنورة
في الطريقة النقشبندية، وداوم على أشغال القوم بجد واجتهاد، وصدق وإخلاص، وأجازه الشيخ في
الطريقة واستخلفه وتوجه إلى الحرمين الشريفين سنة خمس وثلاثمائة وألف، ومكث هناك سنتين
واستفاد من شيخ المشايخ الحاج إمداد الله المهاجر المكي وحصلت له الإجازة، وسافر حوالي سنة
تسع وثلاثمائة وألف إلى كنج مراد آباد، وأسند الحديث عن شيخنا فضل الرحمن البكري المراد
آبادي.
وكانت له ملكة راسخة في الافتاء، وخبرة تامة بالفقه، واستحضار لمتونه وجزئياته، يكتب الجواب
عفو الساعة فيض الخاطر، ولا يحتاج إلى المراجعة أو التغيير في أكثر الأحيان، هذا مع تحر
للصواب، ودقة في تحرير المسائل، وإلمام بالحوادث والنوازل، وقد داوم على ذلك أربعين سنة،
وكتب من الأجوبة، وأصدر من الفتاوي ما يملأ بطون الدفاتر.
وكان غاية في التواضع، وهضم النفس وستر الحال، والحرص على إيصال النفع، وكان يدور بعد
صلاة العصر على البيوت ويسأل الأرامل والعجائز عن حاجاتهن، ثم يذهب إلى السوق بنفسه
ويشتري لهن ما خف وثقل ويحمله بنفسه، ويطلع على سطوح بيوت الفقراء أيام المطر ويعالجها
بنفسه بالترميم والتطيين، وقد غلبت عليه الرأفة بالناس والشفقة على الخلق، هذا مع حلم زائد وصبر
على المكاره، وهم الآخرة، ودوام التوجه إلى الله، وتعظيم الشرع، وكان كثير الإفاضة قوي النسبة،
يداوم على حلقة الذكر والتوجه، وتذكر له كشوف وكرامات.
توفي في السابع عشر من جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين وثلاثمائة وألف، ودفن بجوار الإمام
محمد قاسم النانوتوي والعلامة محمود حسن الديوبندي، رحمة الله عليه.
كان قليل الاشتغال بالتأليف، له حاشية على ميزان البلاغة للشيخ عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي،
ومجموعة فتاوي في مجلدات كبار، وله منحة الجليل ببيان ما في معالم التنزيل للبغوي - طبع على
هامش المصحف في مطبع لامع النور بآكره سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف.
القاضي عزيز الرحمن الهزاروي
الشيخ العالم الفقيه عزيز الرحمن الحنفي الهزاروي أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول، ولد
ونشأ بداته قرية من أعمال هزاره وقرأ العلم بها، ثم ولي القضاء بقرية بزره، وهو مع اشتغاله
بمهمات القضاء يدرس ويفيد.
المولوي عصمة الله البختاور كنجي
الشيخ الفاضل عصمة الله بن غلام حسين البختاور كنجي أحد العلماء الصالحين، ولد بقرية بختاور
كنج من أعمال أعظم كده سنة ثمان وثمانين ومائتين وألف، وقرأ أياماً على المولوي عبد الأحد الإله
آبادي وعلى غيره من العلماء بمرزا بور، ثم سافر إلى(8/1308)
كانبور وتخرج على العلامة أحمد حسن
الكانبوري بمدرسة فيض عام، وقرأ فاتحة الفراغ سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف، ثم أسند الحديث
عن الشيخ الإمام فضل الرحمن بن أهل الله البكري المراد آبادي وبايعه، ثم ولي التدريس بالمدرسة
الأحمدية ببلدة آره وكان مرافقاً ومساعداً للشيخ محمد علي المنوكيري في رده على القاديانية.
مات في جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة وألف بالطاعون.
المولوي عطاء الرحمن الطوكي
الشيخ الفاضل عطاء الرحمن بن عبد الرحمن الحنفي الطوكي، أحد العلماء الصالحين، ولد ببلدة
طوك سنة تسع وتسعين ومائتين وألف، وقرأ المختصرات على أساتذة مصره، ثم سافر إلى لاهور
وقرأ على مولانا غلام أحمد في المدرسة النعمانية، ثم قدم رامبور وأخذ عن المولوي ماجد علي
المانوي، ثم سافر إلى دهلي وتطبب على الفاضل الكبير أجمل بن محمود الشريفي، ثم رجع إلى
طوك ودرس بها قليلاً، له تعليقات على حميات القانون.
توفي سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف.
المولوي عظمة الله اللكهنوي
الشيخ الفاضل عظمة الله بن أحمد الله بن المفتي نعمة الله الأنصاري اللكهنوي أحد الفقهاء الحنفية،
ولد ونشأ ببلدة لكهنؤ وقرأ العلم على المولوي عبد الحميد بن عبد الحليم والمولوي إفهام الله بن إنعام
الله والمولوي عبد الباقي ابن علي محمد وعلى مولانا عين القضاة بن محمد وزير الحيدر آبادي
ومولانا محمد فاروق بن علي أكبر الجرياكوثي، ثم ولي التدريس بدار العلوم لندوة العلماء فدرس بها
زماناً، ثم ذهب إلى سيتابور وولي التدريس في المدرسة الإنكليزية.
مات في الثالث والعشرين من محرم سنة ست وخمسين وثلاثمائة وألف.
السيد علي التستري
الشيخ الفاضل علي بن أبي الحسن الشيعي التستري ثم الحيدر آبادي، أحد الأطباء المشهورين في
الهند، ولد بحيدر آباد، وأخذ عن والده، وتقرب إلى شجاع الدولة مختار الملك نواب تراب علي خان
الحيدر آبادي الوزير فجعله معلماً لولده لائق علي خان، ووظف له خمسمائة ربية فلما مات مختار
الملك ونال الوزارة ولده المذكور وظف له ألف ربية شهرية، ولقبه صاحب الدكن بسلطان العلماء،
وكانت بينه وبين العلامة علي عباس الجرياكوثي من المطارحات ما تفعم بها بطون الصفحات.
ومن قصائده ما أرسل إلى نواب صديق حسن القنوجي:
أمير الهند ليس له نظير وهل من مثله فيها أمير
أمير في الامارة لا يضاهي له العليا نديم أو سمير
كبير في المعارف والمزايا إذا ما قيل في الدنيا كبير
دبير في المهام بأصغريه كما الدنيا عطاردها دبير
أبى كفوا سوى العليا قدما لذا ازدوج العلا فهو القدير
هو السلطان في بهوبال إلا متى رتق المهام هو الوزير
رووا عنه المحامد في المعالي ثقاة لا يردهم الخبير
إليه تشد من عرب رحال خوال وهي ملائي إذ تسير
إلى غير ذلك من الأبيات، مات بحيدر آباد لست بقين من ذي القعدة سنة أربع وعشرين وثلاثمائة
وألف، فأرخ لوفاته الحكيم نوازش على من قوله: مضجعه دار النعيم.(8/1309)
السيد علي البلكرامي المعروف بشمس العلماء
الشيخ الفاضل علي بن زين الدين بن كرامت حسين الحسيني الواسطي البلكرامي، أحد الأفاضل
المشهورين في معرفة اللغات المتنوعة، لم يكن له نظير في عصره في أرض الهند كلها.
ولد سنة ثمان وستين ومائتين وألف، واشتغل بالعلم من صغره، وقرأ العربية من الثامن إلى الرابع
عشر من سنه، ثم اشتغل بالإنكليزية ونال درجة الفضيلة فيها سنة ثلاث وثمانين ومائتين وألف في
ثماني سنين، وتعلم لغة سنسكرت في خلال ذلك، ثم اشتغل بالحقوق ونال درجة منها في ثلاث سنين،
ثم دخل في كلية الهندسة ببلدة رزكي - بضم الراء المهملة بعدها راء هندية - وأراد أن يشتغل بها
وينال الدرجة القصوى منها فلم يمهله الزمان، وطلبه شجاع الدولة مختار الملك نواب تراب علي
خان الحيدر آبادي الوزير إلى حيدر آباد، واستصحبه إلى إنجلترا وأدخله في المدرسة السلطانية
المختصرة بعلم طبقات الأرض والمعادن، فاشتغل بها سنتين ونال الدرجة القصوى منها، ونال
درجات من علم الكيمياء وعلم الطبيعة وعلم الحياة وعلم المعادن وغيرها، وتعلم في خلال ذلك اللغة
الألمانية والفرنسية واللاتينية وغيرها، وقدم الهند بعد سنتين فجعله مختار الملك ناظراً على السكك
الحديدية والمعادن وغيرها، فاشتغل بها مدة وتعلم اللغات المروجة في أقطار الهند كالمرهتية والتلنكية
والكجراتية والبنكالية والهندية وغيرها، وحصل شهادة المحاماة من كلكته، ولقبته الدولة الإنكليزية
شمس العلماء سنة إحدى عشرة وثلاثمائة وألف، وفي سنة تسع عشرة اعتزل عن الخدمة وأحيل إلى
المعاش بثمانمائة ربية شهرية، وسافر إلى لندن عاصمة الجزائر البريطانية سنة عشرين، وولي تعليم
اللغة المرهتية بجامعة كيمبرج فأقام بها مدة من الزمان، ثم رجع إلى الهند وسكن بمدينة هردوئي من
بلاد أوده على ستة عشر ميلاً من بلكرام.
وكان مفرط الذكاء، جيد القريحة، قوي الحفظ، يحفظ كل ما يقرأ مرة فلا ينساه أبداً، وكان حسن
الصورة، كبي العزم، سخياً باذلاً، كريماً بارعاً في التاريخ والسير والأنساب وكثير من العلوم
والفنون، لكم يكن له نظير في زمانه في معرفة اللغات، وإنه جمع الكتب النفيسة من كل علم وفن،
وأنفق عليها مالاً خطيراً، وكان كثير الاشتغال بمطالعة الكتب، مولعاً بها، محباً لأهل العلم محسناً
إليهم، قليل التعصب على أهل السنة والجماعة.
له مصنفات، منها كتابه في أصول القانون التي تتعلق بالطب، ترجمها من كتاب الهير الإنكليزي،
وله رسالة في تحقيق كليلة ودمنة، ونقلها من لغة إلى لغة، وله رسالة في مزية اللغة الفارسية على
سنسكرت، ورسالة في مستعمرات ايلوره ورسالة في طبقات الأرض مما يتعلق باقليم حيدر آباد
المحروسة، وله تمدن العرب وتمدن الهند، كلاهما منقولان من الفرنسية إلى اللغة الأردوية.
مات سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وألف ببلدة هردوئي.
السيد علي الكجراتي
الشيخ الفاضل علي بن عبد الله بن نور الحسيني الكجراتي، أحد العلماء الصالحين، ولد غرة محرم
سنة ثمان وأربعين ومائتين وألف، وقرأ العلم على الشيخ محمود باعكظه وعلى عمه محمد بن نور
الله، ثم أخذ الطريقة عن الشيخ محمد حسين الشاهجهانبوري، وصرف عمره في الإفادة والعبادة،
توفي لخمس خلون من ربيع الأول سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة وألف.
الشيخ علي بن محمد السورتي
الشيخ الفاضل علي بن محمد بن هاشم اللونتي السامرودي السورتي، أحد الأفاضل المشهورين في
عصره، ولد ليلة الجمعة لثمان بقين من جمادى الأولى سنة اثنتين وثمانين ومائتين وألف، وقرأ العلم
على أبيه وعلى غيره من العلماء، ثم صرف عمره في الدرس والإفادة.
مات يوم الخميس لثلاث عشرة خلون من شعبان سنة خمس عشرة وثلاثمائة وألف.(8/1310)
الشيخ علي أحمد البهروي
الشيخ العالم الصالح علي أحمد بن نعمة الله بن محمد أطهر بن محمد واجد العمري البهروي سبط
الشيخ أبي إسحاق بن محمد غوث، ولد في سنة تسع وثلاثين ومائتين وألف، وقرأ العلم على أبيه
وعلى الشيخ محمد سليم المجهلي شهري ومولانا أحمد علي الجرياكوثي، ثم تولى الشياخة مكان جده
لأمه الشيخ أبي إسحاق.
وكان آية ظاهرة ونعمة باهرة في التقوى والعزيمة، صواماً قواماً، ذاكر لله سبحانه، وكان لا يغتاب
ولا يحتمل أن يستمع الغيبة، وكانت مجالسه محفوفة بذكر الله سبحانه في كل وقت.
مات لست عشرة خلون من صفر سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف.
الشيخ علي أكبر الشرواني
الشيخ الفاضل علي أكبر بن مصطفى بن محمود الشرواني الشماخي ثم الحيدر آبادي، أحد العلماء
المبرزين في الفنون الأدبية، له مصنفات عديدة، منها المسائل التمرينية في الصرف، ومسألة الإخبار
بالذي في النحو، والشكوك الموردة في المسائل المنطقية مع الأجوبة الشافية في المنطق، والتحفة
النظامية في الفروق الإصطلاحية في اللغة، صنفه سنة 1310 هـ.
الشيخ علي أكبر الكاكوروي
الشيخ العالم الصالح علي أكبر بن حيدر علي بن تراب علي العلوي الحنفي الكاكوروي، أحد
المشايخ القلندرية، ولد لإحدى عشرة خلون من ربيع الأول سنة تسع وأربعين ومائتين وألف
بكاكوري، وقرأ العلم على عمه الشيخ تقي علي بن تراب علي بن محمد كاظم الكاكوروي، ولبس
الخرقة منه، وجلس على مسند الإرشاد مقام أبيه وجده، أسند الحديث عن الشيخ آل أحمد البهلواروي
وكان عالماً بارعاً في الفقه والأصول، أخذ عنه المولوي سكندر علي الخالصبوري وخلق آخرون،
لقيته بكاكوري فأكرمني وأضافني بالحلوى والأنبج - الثمر المعروف في الهند - ومن مصنفاته
أصل الأصول في بيان السلوك والوصول، وهدية المتكلمين.
كان فصيح اللسان، عارفاً بمواضع الكلام، حلو المنطق، دمث الخلق، بشوشاً، كثير الإنبساط، قليل
الاعتراض على الناس، كثير التواضع كان مربوع القامة، أبيض اللون، حسن الملاح، كثير الحياء.
مات يوم الأربعاء لسبع عشرة خلون من رجب سنة أربع عشرة وثلاثمائة وألف بكاكوروي.
الشيخ علي أنور الكاكوروي
الشيخ العالم الفقيه علي أنور بن علي أكبر بن حيدر علي العلوي الحنفي الكاكوروي، أحد العلماء
المتصوفين، ولد لتسع خلون من ربيع الآخر سنة تسع وستين ومائتين وألف، وحفظ القرآن، ثم
اشتغل بالعلم على عم والده الشيخ تقي علي، ولازمه مدة طويلة حتى برز في كثير من العلوم
والفنون، فدرس وأفاد مدة، وجلس على مسند الإرشاد مقام أبيه وجده، كان كثير الرأفة متودداً، يحب
النظافة والأناقة، محبباً إلى الناس، جواداً.
ومن مصنفاته التحرير الأنور في تفسير القلندر، والإنتصاح بذكر أهل الصلاح، والحوض الكوثر
في تكملة الروض الأزهر لشيخه تقي علي المذكور، وشهادة الكونين في مقتل سيدنا الحسين السبط
عليه وعلى جده السلام، وفيض التقي في حل مشكلات ابن عربي، والقول الموجه في تحقيق من
عرف نفسه فقد عرف ربه، والتصفية في شرح التسوية، وتنوير الأفق في شرح تبيين الطرق،
وكشف الدقائق عن رموز الحقائق، وزواهر الأفكار في شرح جواهر الأسرار، والدرر الملتقة في
شرح التحفة المرسلة، والدر اليتيم في إيمان آباء النبي الكريم، والرشحات في شرح اللمعات، والدر
المنظم في مناقب الغوث الأعظم، والدرة البيضاء في تحقيق صداق فاطمة الزهراء.
مات يوم الجمعة لعشر ليال بقين من محرم سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وألف بكاكوري.(8/1311)
المولوي علي بخش البدايوني
الشيخ العالم الفقيه علي بخش بن خدا بخش الحنفي البدايوني، أحد الأفاضل المشهورين، ولد ونشأ
ببلدة بدايون وقرأ العلم على المولوي فيض أحمد العثماني البدايوني، ثم خدم الحكومة الإنكليزية حتى
نال الصدارة في المحكمة العدلية، وكان مع اشتغاله بمهمات القضاء كثير الدرس والإفادة، له مباحثات
مع السيد أحمد بن المتقي الدهلوي رئيس الطائفة، وغالب تأليفاته في الرد عليه، منها الشهاب الثاقب،
وتأييد الإسلام، وله رسالة في الرد على الشيعة.
مات سنة ثلاث وثلاثمائة وألف.
الشيخ علي حسن الجائسي
الشيخ الفاضل علي حسن بن ظهور أشرف بن هداية أشرف الأشرفي الجائسي، أحد العلماء
المتصوفين، ولد ونشأ بجائس، واشتغل أياماً على أبيه، ثم دخل لكهنؤ وأخذ عن المولوي فضل الله
بن نعمة الله اللكهنوي وعن غيره من الأساتذة، ثم رجع إلى جائس وتولى الشياخة بها مع اشتغاله
بالطبابة، وكان - سامحه الله - مبتلى بأنواع البدع والخرافات من اتخاذ الضرائح وغيرها في
المحرم، بنى الحسينية بمدينة جائس، وبذل عليها مالاً خطيراً، وكان يفعل في المحرم كل ما يفعله
جهال الشيعة، رأيته، كان ضليعاً في اللغة الفارسية شاعراً باللغتين، مات لست بقين من ذي القعدة
سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وألف، ودفن في مقبرة الشيخ جهانكير أشرف السمناني بكجهوجهه.
السيد علي حسن الجائسي
الشيخ الفاضل علي حسن بن غلام إمام الحسيني، الجائسي، أحد علماء الشيعة وكبرائهم، ولد ونشأ
بجائس، وقرأ العلم على السيد حسين بن دلدار على اللكهنوي وكان من بني أعمامه، فجد في البحث
والإشتغال حتى بلغ رتبة الإجتهاد، وسافر في كبر سنه إلى العراق فلقبه علماء الشيعة بسيد
المجتهدين، قارب عمره خمساً وتسعين سنة.
مات لليلتين خلتا من رجب سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة وألف، ببلدة جائس وتأسف بموته خلق
كثير من الشيعة.
مولانا علي عباس الجرياكوثي
الشيخ الفاضل علي عباس بن إمام علي بن غلام حسين العباسي الجرياكوثي، أحد الأدباء
المشهورين، ولد بجرياكوث - بتشديد الياء التحتية والتاء العجمية - قرية جامعة من أعمال أعظم
كده اشتغل بالعلم أياماً على عمه مولانا أحمد علي الجرياكوثي، وقرأ شرح هداية الحكمة للميبذي على
الشيخ المعمر أبي الحسن المنطقي، وترك الإشتغال في أثناء الدرس وعكف على مطالعة الكتب،
وكان مفرط الذكاء، عجباً في سرعة الحفظ وقوة الجنان، قلما يدخل في باب من أبواب العلم إلا وهو
يتمكن منه ويفحم كبار العلماء في مسائلها، سافر في بداية حاله إلى حيدر آباد وأنشأ قصيدة في مدح
الأمراء، ثم رجع خائباً وأنشأ قصيدة أخرى في هجوهم، منها قوله:
من حيدر آباد اهربن ولا تقم فيها فؤاد أولي المكارم يصدأ
وأقام ببلدة بهوبال مدة من الزمان في عهد سكندر بيكم واحظ بصلاتها، ثم رجع إلى بلدته وأقام بها
زماناً حتى طلبه شجاعة الدولة مختار الملك نواب تراب علي خان الحيدر آبادي الوزير إلى حيدر
آباد فسافر ونال الخدمة الجليلة، فخدم الدولة الآصفية مدة طويلة حتى أحيل إلى المعاش بحق التقاعد.
ومن مصنفاته نبراس الفطانة، في المنطق، والقيطون، في المناظرة، وخلاصة الصرف وأبحاث
الصرف، في التصريف، ورقية النجاة وحل الكافية، في النحو، والإيجاد في الإرشاد، وميزان
الأوزان، ووسواس الخناس، والهلالية والمكاتيب وغيرها.
ومن شعره قوله مقرظاً:
يا من لقد كان يشكو ضيعة الأدب أبشر فقد زاح ما بالنفس من وصب
أشكاك تأليف شفن لوذع فطن من لا ضهى له في العجم والعرب(8/1312)
أعطاه قي ذا الزمان الله جل وعلا من المفاخر ما الإنسان لم يهب
إن شئت حب رسول الله فادل به لا بد للصرح والأفلاك من عتب
فيالها من كتاب جامع سير ال رسول أرسله بالصارم الذرب
لا تعجبوا إن علا كتب الذين مضوا فإن في الخمر معنى ليس في العنب
إلى غير ذلك، توفي سنة اثنتين وثلاثمائة وألف بجرياكوث.
السيد علي محمد اللكهنوي
الشيخ الفاضل علي محمد بن محمد بن دلدار علي الشيعي النقوي النصير آبادي ثم اللكهنوي، أحد
علماء الشيعة وكبرائهم.
ولد ببلدة لكهنؤ في شوال سنة ستين ومائتين وألف، وقرأ العلم على أساتذة عصر ومصره، ثم سافر
إلى العراق فأجازه السيد علي بن محمد رضا بن محمد مهدي الطباطبائي الفروي المجتهد في النجف
والسيد علي نقي الطباطبائي وغيرهما، فرجع إلى الهند ودرس وأفاد مدة من الزمان، ثم سافر إلى
الحرمين الشريفين فحج وزار، ورحل إلى العراق مرة ثانية فزار المشاهد، ثم رجع إلى الهند وحصل
له القبول العظيم ببلدة جون بور وعظيم آباد لقيته ببلدة لكهنؤ فوجدته بين الكهولة والشيخوخة.
ومن مصنفاته، المثالية في إباحة التصاوير العكسية، والدر الثمين في نجاسة الغسالة، وتحفة
الواعظين في مجلد، ونصر المؤمنين في الرد على مرزا محمد الأخباري، وإيقاظ الراقدين في بعض
ما رأى من الأحلام والرؤى، وشرح زبدة الأردبيلي في مبحث الصوم، وتصديق الصدوق في
المنطق، وإرشاد اللبيب في شرح تهذيب النحو، وفصل الخطاب في حلة شرب القليان، والصولة
العلوية للذب عن الملة المحمدية، وعماد الدين، كلاهما في الرد على النصارى، وغيث الله المدرار
لإطفاء ثائرة أهل النار وغيرها من الرسائل.
توفي يوم الجمعة لأربع خلون من ربيع الثاني سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف بلكهنؤ، فدفن
بحسينية جده عند والده السيد محمد.
مولانا علي نعمة البهلواروي
الشيخ العالم المحدث على نعمة بن عناية رسول الجعفري البهلواروي، كان من أهل بيت العلم
والمشيخة، ولد سنة اثنتين ومائتين وألف ونشأ ببهلواري من أعمال عظيم آباد وسافر للعلم فقرأ
الكتب الدرسية على مولانا عبد الله الغازيبوري ولازمه مدة، ثم أسند الحديث عن السيد المحدث نذير
حسين الدهلوي وأخذ عنه، ثم درس وأفاد، أخذ عنه خلق كثير من العلماء، وكان يعمل ويعتقد
بالحديث الشريف ولا يقلد أحداً من الأئمة، لقيته ببهلواري فوجدته رجلاً بشوشاً طيب النفس كريم
الأخلاق، له شعر حسن، منها قوله:
أسقي على طلل درست معالمه مذ هاجرت هنداته وفواطمه
طوراً أحن وتارة أبكي إذا تبكي لهن بذي الأراك حمائمه
قد زال عقلي في الهوى حتى بدا ما كنت أخفيه وكنت أكاتمه
يا عاذلي رفقاً بصب هائم ومدنف قد أسقمته لوائمه
فأنا الذي لعب الفراق بقلبه قد قطعته بيضه وصوارمه
وقوله:
الحب لا يستطيع الصب يكتمه حل الغرام به ودمعه ودمه
وقلبه حزن والعين باكية تفيض في الخد هتانا وتسجمه
وإن يكن صامتاً وليس يظهره فحاله كل ما يخفى يترجمه
أضناه سقماً فما أبقى سوى رمق منه فراق الحبيب وهو يظلمه(8/1313)
وعيشه بات مراً في الهوى فغدا نهاره مثل ليل جن مظلمه
ممس وخوف النهار دام يسهره ومصبح وسهاد الليل يسقمه
الوحش أصحابه والفقر مربعه والدمع مونسه والهم محرمه
مه لا تلمه فلم تنظر بناظره ولا شعرت بماذا فيه يعلمه
ولم تذق ما يعاني من شدائده فكيف تعذله جهلاً وترغمه
مات لتسع بقين من شوال سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف.
السيد علي نقي الحيدر آبادي
الشيخ الفاضل علي نقي بن محمد علي الحسيني الشيعي الحيدر آبادي، أحد علماء الشيعة وكبرائهم،
ولد في الثالث عشر من رجب سنة سبع وسبعين ومائتين وألف وتفقه على والده وقام مقامه في
الدرس والإفادة حتى صار المرجع والمقصد في المذهب بحيدر آباد، مات في الرابع والعشرين من
ذي الحجة سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وألف.
مولانا عليم الدين النكرنهسوي
الشيخ العالم المحدث عليم الدين حسين بن تصدق حسين بن عبيد الله بن غلام بدر بن سليم الله
الأنصاري النكرنهسوي العظيم آبادي، أحد العلماء المشهورين.
ولد في سنة ستين ومائتين وألف، واشتغل أياماً على أساتذة بلاده، ثم سافر إلى لكهنو وأخذ العلوم
الحكمية عن المفتي نعمة الله بن نور الله اللكهنوي، ثم سافر إلى دهلي وأخذ الفقه والأصول عن
المفتي صدر الدين، والحديث عن شيخنا السيد نذير حسين المحدث، وتطبب على صحة الدولة
بهادر، ورجع إلى بلدته بعد عشر سنين فدرس وأفاد، وصرف عمره في نشر العلوم الدينية
والمعارف اليقينية، وسافر إلى الحجاز سنة ثلاث وثلاثمائة وألف فحج وزار.
وكان ملازماً لأنواع الخير قوياً في دينه، جيد التفقه كثير المطالعة لفنون العلم، حلو المذاكرة، مع
الدين والتقوى، وإيثار الإنقطاع وترك التكلف، لم يزل يدرس وينفع بمواعظه الناس، ويجتهد في
محق الرسوم والأهواء، انتفع به خلق كثير، وله مصنفات، منها سلم الأفلاك في الهيئة، وله أجزاء
في التفسير ورسائل في الخلافيات.
مات يوم الجمعة لعشر بين من محرم سنة ست وثلاثمائة وألف.
السيد عماد الدين السورتي
الشيخ العالم الصالح عماد الدين بن شاهجهان بن زين العابدين الرفاعي السورتي الكجراتي، أحد
العلماء المبرزين في النحو والعربية والفقه والكلام، ولد سنة ست وأربعين ومائتين بمدينة سورت
ونشأ بها، وقرأ العلم على أساتذة عصره، ثم دخل بمبىء وسكن بها.
مات لأربع خلون من صفر سنة عشر وثلاثمائة وألف بمدينة بمبىء.
الشيخ عمر بن فريد الدهلوي
الشيخ الصالح عمر بن فريد الدين الحنفي الصوفي الدهلوي، كان سبط الشيخ عبد العزيز القادري
الدهلوي، ولد ونشأ في بيت العلم والمشيخة، وقرأ العلم على مولانا كريم الله الدهلوي، وأخذ الطريقة
عن جده لأمه، ثم تولى الشياخة، لقيته ببلدة دهلي فوجدته حليماً متواضعاً مقيماً على سنن المشايخ، لم
يكن يتجاوز عنها قدر شعرة.
له مصنفات، منها أحسن البضاعة في إثبات النوافل بالجماعة، والإستشفاع والتوسل بآثار الصالحين
وسيد الرسل، ورياض الأنوار في ملفوظات جده عبد العزيز.(8/1314)
المولوي عناية الله الكوئلي العليكدهي
الشيخ الفاضل عناية الله بن لطف الله الحنفي الكوئلي، أحد العلماء المشهورين، ولد حوالي سنة ست
وسبعين ومائتين وألف ونشأ ببلدة عليكده ولازم أباه من صغر سنه وتخرج عليه، وقرأ الطب
وتطبب، ثم درس وأفاد مدة مديدة بمدرسته في عليكده، ثم سافر إلى بهوبال وخدم الحكومة زماناً،
حتى جعل عضواً من أعضاء مجلس العلماء، وتشرف بالحج والزيارة مع الأميرة سلطان جهان بيكم
والية بهوبال، وأسند الحديث عن علماء الحرمين.
مات حوالي سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة وألف.
المولوي عناية الله السندي
الشيخ العالم الفقيه عناية الله بن محمود الحنفي الماروي السندي، أحد العلماء الصالحين، ولد ببلدة
ماري - بفتح الميم - من بلاد السند في ليلة البراءة سنة ست وسبعين ومائتين وألف، وقرأ العلم
على الحاج عبد الولي والشيخ بير محمد والقاضي عبد الحميد والمفتي عبد الواحد والمولوي لعل
محمد والمولوي محمد حسين بحيدر آباد السند، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار وأخذ عن
القارىء أحمد والقارىء عبد الله الهندي المكي، وحصلت له الإجازة عن الشيخ محمد مراد القزاني
المكي والشيخ محمد أمين رضوان المدني والسيد محمد علي بن ظاهر الوتري المدني، ثم رجع إلى
الهند ودرس وأفاد مدة من الزمان، وسافر إلى الحرمين الشريفين مرة أخرى فحج وزار ورجع ظافراً
بمزيد الفضيلة، له تعليقات شتى على الكتب الدرسية.
مولانا عناية رسول الجرياكوثي
الشيخ الفاضل العلامة عناية رسول بن علي أكبر العباسي الجرياكوثي أحد العلماء المحققين، لم يكن
له نظير في زمانه في الفنون الرياضية وفي معرفة اللغة العبرانية.
ولد سنة أربع وعشرين ومائتين وألف، ببلدة جرياكوث - بتشديد الياء التحتية آخرها تاء عجمية -
قرأ المختصرات على أبيه، ثم لازم الشيخ أحمد علي العباسي الجرياكوثي وأخذ عنه الفنون الحكمية،
ثم سافر إلى بلدة طوك وأخذ الفقه والحديث عن السيد حيدر علي الحسيني الرامبوري ثم الطوكي
ولازمه مدة مديدة، ثم رجع إلى بلدته وتاقت نفسه إلى معرفة اللغة العبرانية فسار إلى كلكته سنة ثمان
وستين ومائتين وألف وتهود، ثم صحب أحبار اليهود ست سنين وأخذ عنهم اللغة العبرانية، ورجع
إلى بلدته سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف واعتزل عن الناس في بيته.
وله مختارات في المذهب، منها أنه كان يقول لا يجوز نكاح الصغيرة ولو كان بولاية أبيها، ولا
يجوز نكاح الفضولي، وكان يقول بحرمة الخمر قاطبة سواء كان من عنب أو شعير أو غير ذلك
خلافاً للأحناف، وكان لا يجوز التحريف في التوراة، وكان يقول إن المراد بعصمة الأنبياء عصمتهم
في فهم الوحي، وكان يقول إن المعراج كان جسمانياً إلى المسجد الأقصى وروحانياً إلى ما فوق ذلك،
وكان يقول بإباحة اللعب بالشطرنج.
ومن مصنفاته البشرى في مجلدين، كتاب جليل القدر عظيم النفع في مبحث النبوة، ومنها المقولات
العضدية في الهندسة في ثلاثة مجلدات، وفي كل مجلد ست مقالات، أضاف فيها شيئاً واسعاً على
تحرير أقليدس، ومنها كتاب في الجبر والمقابلة، وكتاب في الحساب، ونور الأنظار في علم الأبصار،
والفصول العضدية في القراءة، وميزان الكافي في الصرف، وبداية الصرف في تصريف اللغة
الفارسية، والزندية، والكلدية، وكتاب في تصريف العبرانية، وكتاب في إعجاز القرآن، وكتاب في
مبحث الرضاعة، وله غير ذلك من المصنفات، مات غرة شوال سنة عشرين وثلاثمائة وألف.
مولانا عناية العلي الحيدر آبادي
الشيخ العالم الفقيه عناية العلي بن كرامة العلي(8/1315)
الإسرائيلي الدهلوي ثم الحيدر آبادي، أحد العلماء
الصالحين، ولد بدهلي سنة اثنتين وأربعين ومائتين وألف، وذهب إلى حيدر آباد مع أبيه في صغر
سنه، ولازم أباه وتخرج عليه، ثم خدم الدولة الآصفية مدة مديدة، أحيل إلى المعاش، لقيته بحيدر آباد
سنة تسع عشرة وثلاثمائة وألف، فوجدته شيخاً منور الشبيه، حسن الأخلاق حسن المحاضرة.
له مصنفات: منها رسالة في التراويح، ورسالة في رؤية الهلال، ورسالة في العقائد، ورسالة في
سماع الموتى والنذور، والذبيحة، والاستعانة والشفاعة، والتبرك، ورسالة في تقبيل الإبهامين عند
الأذان، وله فتاوى كثيرة لم تجمع.
مات لإحدى عشرة خلون من ربيع الآخر سنة سبع وعشرين وثلاثمائة وألف.
مولانا عين الحق البهلواروي
الشيخ العالم المحدث عين الحق بن علي حبيب بن أبي الحسن بن نعمة الله الجعفري البهلواروي،
أحد العلماء الربانيين، كان من أهل بيت العلم والمشيخة، ولد ونشأ ببهلواري، وقرأ أكثر الكتب
الدرسية على مولانا علي نعمة البهلواروي وبعضها على مولانا عبد الله الغازيبوري، وولي الشياخة
في صغر سنه، ثم سافر إلى الحجاز فحج وزار، ولما رجع إلى الهند اعتزل عن الشياخة.
وكان عالماً صالحاً، متعباً حسن العقيدة، يعمل بالنصوص، لقيته غير مرة، مات بمدينة لكهنؤ بالفالج
يوم الثلاثاء لإحدى عشرة خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة وألف، فنقل جسده
إلى بهلواري.
مولانا عين القضاة الحيدر آبادي اللكهنوي
الشيخ الفاضل عين القضاة بن محمد وزير بن محمد جعفر الحسيني الحنفي النقشبندي الحيدر آبادي
ثم اللكهنوي، أحد الأفاضل المشهورين.
ولد بحيدر آباد عاصمة بلاد الدكن سنة أربع وسبعين ومائتين وألف كما أخبرني بها والده، واشتغل
بالعلم أياماً في بلدته، ثم قدم لكهنؤ وقرأ بعض الكتب الدرسية على تلامذة العلامة عبد الحي بن عبد
الحليم اللكهنوي، ثم تتلمذ عليه ولازمه وقرأ عليه سائر الكتب الدرسية وبرز في العلوم الحكمية،
وصنف حاشية بسيطة على شرح هداية الحكمة للميبذي، ودرس زماناً قليلاً بلكهنؤ، ثم أخذته الجذبة
الربانية فسار إلى بلدة سورت ولازم الشيخ موسى جي التركيسري وأخذ عنه الطريقة النقشبندية، ثم
قدم لكهنؤ وأقام بدار شيخه عبد الحي المذكور على جسر فرنكي محل ومعه والده، وعكف على
الدرس والإفادة، لا يراه أحد إلا في بيته أو في المسجد، وبعد مدة طويلة سافر إلى الحرمين الشريفين
وأقام بهما سنتين، ثم قدم لكهنؤ وبنى له والده داراً ببلدة لكهنؤ، وهو لم يتزوج ولا تسرى، ووالده كان
يقوم بمصالحه مدة حياته، وهو صاحب بر ومؤاساة لأصحابه وسعى في مصالحهم، وملبوسه كأحاد
الفقهاء، وهو ربع القامة، نقي اللون، محلوق الرأس، طويل اللحية، يصلي مع الناس في المسجد
ولكنه لا يؤمهم.
وفي سنة سبع وعشرين وثلاثمائة وألف سافر مع والده إلى الحرمين الشريفين مرة ثانية فحج وزار،
ورجع إلى بلدة لكهنؤ، وأسس والده المدرسة الفرقانية لتدريس القرآن وتعليم القراءة والتجويد وأوقف
عليها عروضه وعقاره، ومات سنة 1331 هـ فقام مقامه ولده السعيد الرشيد يحمل أعباء المدرسة،
وزاد فيها بمقدار كثير، وبنى العمارات العالية للمدرسة، ورتب الأساتذة، ووظف الطلبة، حتى بلغت
مصارفه نحو ثلاثة آلاف شهرية وهو فقير لا مال له ولا يأخذ عن أحد درهماً ولا ديناراً، والله أعلم
من أين يصل إليه المال الخطير للمدرسة، وللاعطاء كل يوم صباحاً ومساء، لكل من يفد عليه من
العرب والعجم، فإنه في إنفاق المال كالريح المرسلة.
وقد نفع الله بهذه المدرسة نفعاً كبيراً وتخرج منها مئات من الحفاظ والقراء المجودين وانتشروا في
الهند وما جاورها من البلاد ونشروا علم القراءة والتجويد وخرجوا، وكان يطعم الناس طعام الإمارة
مرتين في كل سنة، ويصنع وليمة عظيمة بمناسبة مولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يؤذن فيها لكل
وارد وصادر من أهل البلد وغيره، ويذبح لها مائتان من النعاج والتيوس المخصية الفارهة.(8/1316)
توفي إلى رحمة الله في الثاني من رجب سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة وألف وقد زاره رجل من
إيران وأنشده أبياتاً منسوبة إلى سيدنا علي كرم الله وجهه، فأخذته الجذبة وخر ساجداً ومات في تلك
الحالة.
حرف الغين
مولانا غلام أحمد الكوثي
الشيخ العالم الفقيه غلام أحمد بن شيخ أحمد الحنفي الكوثي، أحد العلماء المشهورين، ولد في سنة
ثلاث وسبعين ومائتين وألف بقرية كوث إسحاق من أعمال كجرانوله من بلاد بنجاب، وكان من
طائفة الزط أسلم أسلافه، وهو قرأ النحو والعربية على أساتذة بلاده، ثم سافر وأخذ المنطق والحكمة
عن المولوي عبد الله الهوشيار بوري، وأخذ بعض الفنون الرياضية عن المولوي شاه دين
اللودهيانوي، وأخذ الفقه والأصول عن المولوي غلام قادر البهروي، ثم سافر إلى دهلي وأخذ الحديث
عن السيد نذير حسين الدهلوي المحدث، لقيته غير مرة ببلدة لاهور، وكان فاضلاً كبيراً جيد التفقه،
حليماً متواضعاً شديد التعبد كثير الصمت حسن السمت، له مهارة في استخراج المسائل الجزئية
ومهارة في التدريس، درس في المدرسة النعمانية نحو عشرين سنة، وله تعليقات على
أكرثاؤذوبيوش، وعلى كتاب المناظر للأقليدس.
مات ليلة الأربعاء لثلاث خلون من ربيع الأول سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وألف بلاهور.
مرزا غلام أحمد القادياني
الرجل الشهير غلام أحمد بن غلام مرتضى بن عطاء محمد بن كل محمد برلاس القادياني المتمهدي
ثم المتنبي المشهور في بلاد الهند، كان يظهر الزهد والتصوف والكرامات، ويباحث أحبار الآرية
والنصارى ويفحمهم في مباحثاته، ويصرف آناء الليل والنهار في الذب عن الإسلام، ويبذل جهده كل
الجهد، ويصنف الكتب في ذلك، حتى إنه ادعى أنه مهدي موعود، ثم ادعى أنه مسيح معهود، وسمى
نفسه مثيل المسيح، ثم ادعى أنه بروز أحمد ثم قال إنه بروز كرشن عظيم الهنود، وكان يخبر الناس
بما يكون، فافتتن به خلق كثير، واعتقدوا فيه الخير، وأنكره الآخرون فقالوا: إنه مشعبذ ومتكهن
وساحر وكذاب، وكفره السيد نذير حسين المحدث الدهلوي والشيخ حسين بن محسن اليماني والعلامة
محمد بشير السهسواني وغيرهم من العلماء الربانيين، ولهم رسائل في الرد عليه والذب عن أهل
السنة والجماعة.
وكان مولده نحو سنة ست وخمسين ومائتين وألف، قرأ النحو والصرف وبعض رسائل المنطق
والحكمة على المولوي كل علي شاه، واشتغل بالدنيا زماناً وخدم الدولة الإنكليزية، ثم ترك ذلك وقام
بالذب عن الملة الإسلامية وإبطال الأديان الأخرى، وصنف الكتب أشهرها براهين أحمديه، وادعى
أن الله سبحانه ألهمه: والسماء والطارق، وكان ذلك في حياة والده، ثم ادعى أنه ألهم: أليس الله بكاف
عبده، وهذا كان أول أمره ثم تتابع الوحي والإلهام، ولما تم القرن الثالث عشر ادعى أنه مجدد لهذه
المائة وقد ألهمه الله: الرحمن علم القرآن، لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم: لتبين سبيل المجرمين، قل إني
أمرت وأنا أول المؤمنين، ثم بعد ذلك ادعى: أنه مهدي موعود، ثم قال: إنه مسيح معهود وقد ألهمه
الله: جعلناك المسيح ابن مريم، وألهمه: الحمد لله الذي جعلك المسيح ابن مريم، أنت شيخ المسيح
الذي لا يضاع وقته، كمثلك در لا يضاع، انتهى.
وقال: إن عيسى ابن مريم توفى ولم يرفعه الله إلى السماء كما يزعم الناس، قال: إن امرأة بيلاطوس
الذي أراد قتل عيسى ابن مريم رأت في المنام أن قتله يجلب البلاء عليهم، فتدبرت الحيلة لخلاصه،
واليهود ظنوا أنه قتل وأنه لم يقتل، وجاء إلى أنصاره وأراهم(8/1317)
الجراحة بيده وتناول منهم الخبر
والسمك فأكلها، وعالجه الحواريون بمرهم الرسل أو مرهم عيسى الذي ذكره الشيخ في القانون
والأطباء في أقراباذيناتهم، ثم سافر إلى البلاد ومنع أنصاره بكشف أخباره، فقدم نصيبين ثم أفغانستان
وسكن بجبل نعمان مدة، ثم دخل الهند وقدم بنجاب ودار بلاد الهند، ثم رجع إلى بنجاب وسار إلى
كشمير واعتزل على جبل سليمان، ثم صرف شطراً من عمره في سري نكر ومات بها ودفن قريباً
من محلة خان يار وله خمس وعشرون سنة، وفي سنة ثمان وثلاثمائة وألف ادعى أنه مثيل المسيح
وقال: لقد أرسلت كما أرسل الرجل المسيح بعد كليم الله موسى الذي رفعت روحه بعد تعذيب وإيذاء
شديد في عهد هيروديس إلى آخر ما جاء في كتاب فتح الإسلام، وصرح بذلك بأساليب مختلفة في
كتبه فتح الإسلام وتوضيح مرام وإزالة أوهام، وطبق على نفسه الأحاديث التي وردت في نزول
المسيح عليه السلام والتفاصيل التي جاءت فيها في تطرف وتقعر، وأبعد النجعة في تأويلها، ففسر
كلمة دمشق التي جاءت في الأحاديث بأنها قرية يسنها رجال طبيعتهم يزيدية وأنها قاديان، وقال: إن
قرية قاديان مشابهة بدمشق، وأما الرداءان الأصفران اللذان ينزل فيهما المسيح فالمراد منهما علتان:
أولاهما في أعلى الجسم وهو دوار الرأس، وأخراهما في أسفل الجسم وهي كثرة البول، وأما المنارة
الشرقية المذكورة في الأحاديث فقد تخلص منها ببناء منارة في شرقي قاديان، وطلب لها الإعانات من
أصحابه، وبدأها في حياته، ونمت بعد وفاته، وجال وصال في هذا الموضوع، وفي سنة ثمان عشرة
وثلاثمائة وألف أعلن النبوة بصراحة، وبدأ يؤلف لذلك الرسائل ووعد بأنها ستبلغ أربعين، ولذلك
سماها الأربعين، ثم اقتصر على الأربعة تأسياً بالله تعالى في إبدال خمسين صلاة بخمس، وألف
رسالة سنة عشرين وثلاثمائة وألف، أسماها تحفة الندوة قدمها إلى حفلة ندوة العلماء المنعقدة في
أمرتسر، قال فيها:
فكما ذكرت مراراً أن هذا الكلام الذي أتلوه هو كلام الله بطريق القطع واليقين كالقرآن والتوراة،
وأنا نبي ظلي وبروزي من أنبياء الله، وتجب على كل مسلم إطاعتي في الأمور الدينية، ويجب على
كل مسلم أن يؤمن بأني المسيح الموعود، وكل من بلغته دعوتي فلم يحكمني ولم يؤمن بأني المسيح
الموعود ولم يؤمن بأن الوحي الذي نزل علي من الله هو مسؤل ومحاسب في السماء وإن كان مسلماً،
لأنه قد رفض الأمر الذي وجب عليه قبوله في وقته، إنني لا أقتصر على قولي أن لو كنت كاذباً
لهلكت، بل أضيف إلى ذلك أنني صادق كموسى وعيسى وداؤد ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد أنزل
الله لتصديقي آيات سماوية تربى على عشرة آلاف، وقد شهد لي القرآن، وشهد لي الرسول، وقد عين
الأنبياء زمان بعثتي، وذلك هو عصرنا هذا، والقرآن يعين عصري، وقد شهدت لي السماء والأرض،
وما من نبي إلا وقد شهد لي.
وادعى فيما بعد أنه نبي مستقل، صاحب أمر ونهي، وكفر من لا يؤمن بنبوته، وأغلظ القول فيهم،
وقال بالتناسخ والحلول، وادعى التفوق على كثير من الأنبياء، وشذ وأغرب في الأقوال والعقائد،
وانتصر للحكومة الإنجليزية، وأيدها بكل جهده، وألف في هذا الموضوع عدداً كبيراً من الكتب
والرسائل، وادعى أنه نشر خمسين ألف كتاب ورسالة وإعلان في الهند وفي البلاد الإسلامية في هذا
الموضوع، وأفتى بنسخ الجهاد وتحريمه، وأعلن أن الإنجليز هم أولو الأمر الذين تفترض طاعتهم
على المسلمين، وقال في آخر كتابه شهادة القرآن:
إن عقيدتي التي أكررها أن للاسلام جزءين: الجزء الأول إطاعة الله، والجزء الثاني إطاعة الحكومة
التي بسطت الأمن وآوتنا في ظلها من الظالمين، وهي الحكومة البريطانية.
وصرح في رسالة قدمها إلى نائب حاكم المقاطعة الإنجليزي في غرة ذي القعدة سنة خمس عشرة
وثلاثمائة وألف بأنه من الأسرة التي هي من غرس الإنجليز ومن صنائعهم.
وفي سنة خمس وثلاثمائة وألف أخبر أن الله أمره أن يخطب فتاة إسمها محمدي بيكم وقال: إن
زوجها(8/1318)
أبوها بشاب آخر مات هذا الشاب خلال عامين ونصف وأبوها خلال ثلاث سنوات، وقال:
إنه وحي نازل عليه، وقال: إن الله سيحقق وعده ويمنحها له بكراً كانت أو ثيباً، ويزيل العراقيل
وينجز هذا العمل، ولا راد لما قضى الله، وقال مرة أخرى.
وقد ألهمني الله: ويسئلونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين، زوجناكها لا مبدل
لكلماتي، وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مسترم، انتهى بلفظه.
وقال: والقدر قدر مبرم من عند الرب العظيم.... وقال: وإني أجعل هذا النبأ معياراً لصدقي وكذبي،
وما قلت إلا بعد ما أنبئت من ربي إلى غير ذلك من التحديات والتصريحات، ولكن أهل الفتاة
رفضوا طلبه وزوجوها شاباً من أهل قرابتهم، ولم ييئس المرزا من تحقيق هذه النبوة فقال حلفاً في
المحكمة: إنها ستدخل يوماً من الأيام في زواجه، وإنه من أخبار الله ولا مبدل لكلمات الله، ولكنه
فارق الدنيا ولم تدخل في زواجه، وعاش زوجها سلطان محمد زمناً طويلاً بعده.
وقد تحدى عام ست وعشرين وثلاثمائة وألف الشيخ ثناء الله الأمرتسري بأن الكاذب المفتري من
الرجلين سيموت، ودعا الله تعالى أن يقبض المبطل في حياة صاحبه، ويسلط عليه داء مثل الهيضة
والطاعون يكون فيه حتفه، وفي ربيع الآخر سنة ست وعشرين وثلاثمائة وألف أصيب بالهيضة
الوبائية وهو في لاهور ومات لليلة بقيت من ربيع الآخر سنة ست وعشرين وثلاثمائة وألف، ونقلت
جثته إلى قاديان حيث دفن في المقبرة التي سماها بمقبرة الجنة بهشتي مقبره.
كان مرزا غلام أحمد تغلب عليه في بداية أمره الغرارة وقلة الفطنة والاستغراق، وكان لا يحسن ملأ
الساعة، وكان يعد الأرقام عداً، وقد لا يميز الأيمن من الحذاءين من الأيسر، حتى اضطر إلى وضع
العلامة عليها بالحبر، وقد أصيب في شبابه بالنوبات العصبية العنيفة، ونقل عنه الاشتغال بالعبادات
والمجاهدات، ومواصلة الصيام شهوراً، وقد بدأ حياته في تقشف وزهادة، فلما تبوأ الزعامة الدينية
اتسع له العيش، وأقبلت عليه الدنيا، وأغدقت عليه الأموال، وأصبح يعيش هو وأهله في نعيم وبذخ،
وتصرف في الأموال تصرفاً مطلقاً، وتوسع في المطاعم والمشارب والأبنية، وكان سليطاً طويل
اللسان، هجاءاً مقذعاً للمخالفين، والعلماء المعاصرين، لعاناً بذي القول، كثير التهكم والاستهزاء.
وكان مربوع القامة بديناً، أحمر اللون كث اللحية، وكان سريع الكتابة سيال القلم، يبلغ عدد مؤلفاته
أربعة وثمانين كتاباً، منها ما يحتوي على أكثر من ألف صفحة، أكبرها وأشهرها براهين أحمديه، وقد
بلغ الكتاب إلى ثلاثمائة ملزمة، كلها تحتوي على ست عشرة صفحة، والأربعين وسرمة جشم آريه
وفتح إسلام وإزالة أوهام وتوضيح مرام، وآئينة كمالات إسلام وتبليغ رسالت والدر الثمين وغير
ذلك.
الحكيم غلام جيلاني اللاهوري
الشيخ الفاضل غلام جيلاني بن سلطان محمود الأنصاري اللاهوري، أحد الأطباء الماهرين في
الصناعة الطبية، ولد سنة تسعين ومائتين وألف، واشتغل أياماً بالعربية، وأخذ الصناعة الطبية، ثم
تعلم اللغة الإنكليزية، ودخل في كلية الطب الحديث مديكل كالج ببلدة لاهور، وأخذ الصناعة الطبية
الحديثة في بضع سنين، ثم ولي الطبابة في السفارة الإنكليزية بكرمان، فسار إليها وأقام بها مدة، ثم
نقل إلى قائنات من بلاد الفرس واستقل بها زماناً، ثم نقل إلى سيستان فأقام بتلك النواحي نحو ثمان
سنين، ولقبته الدولة الإنكليزية خانصاحب، ودولة إيران شمس الأطباء ومنحته نيشان شير خورشيد،
ثم دعته الدواعي المنزلية إلى رجوعه بأرض الهند، فرجع إلى لاهور سنة أربع وعشرين وثلاثمائة
وألف، وترك الخدمة واشتغل بالتصنيف والتأليف.
له كتاب مبسوط مفيد في مفردات الأدوية ومركباتها، صنفه بتحقيق وتدقيق، وله كتاب في تاريخ
الطب والأطباء، وله كتاب في لغات الأدوية.
مات لتسع خلون من شعبان سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وألف.(8/1319)
المولوي غلام حسين الكانبوري
الشيخ العالم الفقيه غلام حسين بن الشيخ محمد ابن الشيخ إبراهيم الحنفي العيسى خيلي ثم
الكانبوري، أحد المشايخ النقشبندية، ولد بعيسى خيل من أعمال بنون في الحدود الشمالية الغربية،
وقرأ الصرف والنحو ومبادي العلوم في بلده على الشيخ ولايت، وسافر إلى سهارن بور لطلب العلم
راجلاً، ثم ركب القطار إلى كانبور وقرأ الكتب الدرسية على مولانا أحمد حسن الكانبوري وقرأ
فاتحة الفراغ سنة ثمان وثلاثمائة وألف ولازمه مدة طويلة، ثم سكن بكانبور ودرس وأفاد زماناً طويلاً
في مسجد السيد محمد علي ابن عبد العلي الكانبوري، ولما سار السيد المذكور إلى الحرمين الشريفين
سار معه وحج وزار، وقرأ المثنوي على الشيخ الكبير إمداد الله المهاجر المكي درساً درساً وقد كان
سافر إلى موسى زي، وأخذ الطريقة عن الشيخ سراج الدين بن عثمان النقشبندي، ولازمه مدة حتى
صار مجازاً عنه في الطريقة فرجع إلى كانبور وتولى الشياخة بها، وحصل له القبول العظيم من
أهل تلك البلدة، وكان يزور شيخنا فضل الرحمن الكنج مراد آبادي ويقيم عنده ويستفيد منه، وقد أسند
الحديث عنه.
كان جامعاً للعلوم متميزاً في النحو والفقه، اقتصر على التدريس وتربية المريدين، ولم يكن له
اشتغال بالتأليف، توفي لأربع خلون من صفر سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة وألف.
الحكيم غلام حسنين الكنتوري
الشيخ الفاضل غلام حسنين بن السيد محمد بخش الحسيني الموسوي الكنتوري، أحد علماء الشيعة
وكبرائهم، ولد بكنتور - بكسر الكاف - لسبع عشرة خلون من ربيع الأول سنة تسع وأربعين
ومائتين وألف، وقرأ العلم على المولوي السيد أحمد علي المحمد آبادي والمولوي السيد حسين
والمولوي السيد محمد تقي، وتطبب على أطباء لكهنؤ، ثم سافر إلى جودهبور للاسترزاق وأقام بها
زماناً.
وكان فاضلاً بارعاً في الفنون العربية والصناعية، معجباً بنفسه، يدعي أنه يعلم الكيمياء والسيمياء
والريمياء، وأن له اليد الطولى في سبعين علماً، سمعته من فيه سنة 1311 هـ، له ترجمة القانون
للشيخ الرئيس، وترجمة كامل الصناعة، ورسائل في الطب، وكتاب انتصار الإسلام في مجلد ضخم
في علم الكلام.
مات بفيض آباد سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة وألف.
مولانا غلام رسول القلعوي
الشيخ العالم المحدث غلام رسول القلعوي - نسبة إلى قلعة مهياسنكه - من بلاد بنجاب، كان من
العلماء الراسخين في العلم، قرأ على مولانا نظام الدين البكوي وعلى غيره من العلماء، ثم دخل دهلي
وأخذ الحديث عن الشيخ المحدث نذير حسين الحسيني الدهلوي مشاركاً للشيخ الأجل عبد الله بن
محمد أعظم الغزنوي في القراءة والسماع، وأقبل على الحديث إقبالاً كلياً، ورجع إلى بلدته وجد في
البحث والاشتغال ثم في التدريس والتذكير.
وكان آية ظاهرة ونعمة باهرة في كثرة العمل وقلة الأمل وتأثير الوعظ، ما رأى الناس مثله في
دياره علماً وعملاً وجمالاً وخلقاً واتباعاً وكرماً وحكماً في حق نفسه، وقياماً في حق الله عند انتهاك
حرمته، هابته الحكومة الإنكليزية، فمنعته عن التذكير وعن السفر بدون الإذن.
له رسالة في إثبات رفع السبابة عند التشهد في الصلاة، ورسالة في إبطال أربع ركعات في الجمعة
الأخيرة من رمضان المشهورة بقضاء العمر، كما في تذكرة النبلاء.
المفتي غلام رسول الأمرتسري
الشيخ العالم الفقيه المفتي غلام رسول الحنفي الأمرتسري، أحد العلماء الصالحين، لقيته غير مرة
ببلدة أمرتسر، كان يدرس في المدرسة الإسلامية بها،(8/1320)
وأظن أنه كان يقول إنه قرأ العلم على مولانا
حبيب الله.
وكان فقيهاً أصولياً متكلماً حليماً متواضعاً، منور الشبيه أميل إلى الحق، وعلى جبينه سيماء
الصالحين، له مصنفات عديدة.
مولانا غلام رسول المدراسي
الشيخ العالم الفقيه غلام رسول الحنفي المدراسي، أحد كبار العلماء، أدركته بمدراس سنة 1319 هـ،
وأظن أنه كان يقول أنه قرأ العلم بحيدر آباد في مدرسة المولوي محمد زمان الشاهجهانبوري، وكان
المرجع والمقصد بمدراس على سجادة الفقيه عبد الرحمن، وكان بارعاً في الفقه والأصول، متكلماً
على مذهب الماتريدية، شديد التعصب على مخالفيه.
مات يوم الأربعاء لسبع عشرة خلون من صفر سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وألف بمدراس.
الحكيم غلام رضا الدهلوي
الشيخ الفاضل غلام رضا بن غلام مرتضى بن محمد صادق بن محمد شريف الشريفي الدهلوي،
أحد عباد الله الصالحين، ولد ونشأ ببلدة دهلي، وقرأ العلم على عصابة العلوم الفاضلة ثم تطبب،
وعمر، وكان صالحاً تقياً ديناً، كبير المنزلة جليل الشأن، درس وأفاد مدة عمره، وأخذ عنه خلق
كثير، أدركته ببلدة دهلي وهو بين الكهولة والشيخوخة، وكان طويل القامة منور الشبيه.
توفي لليلتين بقيتا من رمضان سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف ببلدة دهلي وله خمس وسبعون
سنة.
مولانا غلام قادر البهيروي
الشيخ العالم الفقيه غلام قادر الحنفي البهيروي، أحد العلماء المشهورين، لم يكن له نظير في بنجاب
في كثرة الدرس والإفادة، قرأ العلم على المفتي صدر الدين الحنفي الدهلوي وعلى غيره من العلماء،
ثم ولي الخطابة في المسجد بيكم شاهي ببلدة لاهور، فدرس وأفاد بها مدة عمره، أخذ عنه الحكيم نور
الدين البهيروي والمولوي غلام أحمد الكوتي وخلق كثير لا يحصون.
مات سنة ست وعشرين وثلاثمائة وألف وله ثمانون سنة.
المولوي غلام محمد الكوثي
الشيخ الفاضل غلام محمد بن خان محمد الحنفي الكوثي الفتحبوري، أحد العلماء الصالحين، ولد
ونشأ بكوث - قرية من أعمال فتحبور - وقرأ العلم على مولانا سلامة الله البدايوني ولازمه مدة من
الزمان، ثم سكن ببلدته وهدى الله سبحانه به أهل بلدته.
مات لأربع عشرة خلون من ربيع الأول سنة إحدى وثلاثمائة وألف بقرية كوث.
القاضي غلام محمد الجكوالي
الشيخ الفاضل القاضي غلام محمد بن غلام رسول الحنفي الجكوالي الجهياسي - نسبة إلى جكوال
بفتح الجيم المعقود قرية من أعمال جهيلم من بلاد بنجاب - ولد سنة اثنتين وثمانين ومائتين وألف،
وقرأ المختصرات على والده والمتوسطات على المولوي برهان الدين في بلاده، ثم سافر إلى
سهارنبور وقرأ سائر الكتب الدرسية على مولانا أحمد حسن الكانبوري بمدرسة مظاهر العلوم، وأخذ
الحديث عن الشيخ أحمد علي بن لطف الله السهارنبوري المحدث، ثم رجع إلى بلاده ودرس بها
زماناً، ثم استقدمه شيخه أحمد حسن المذكور فناب التدريس عنه سنتين، ثم رجع إلى بلاده وولي
القضاء من تلقاء الحكومة الإنكليزية، وكان كثير العلم قوي العمل حسن الأخلاق، له شرح على المتن
المتين في النحو وحاشية على حاشية القاضي مبارك.
مات سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وألف.
مولانا غلام نبي السوهدروي
الشيخ العالم المحدث غلام نبي بن محبوب عالم السوهدروي، أحد العلماء الراسخين في العلم.(8/1321)
ولد في رمضان سنة خمس وستين ومائتين وألف بقرية سوهدره من أرض بنجا، وقرأ المختصرات
على أساتذة عصره، ثم دخل وزير آباد وقرأ النحو والصرف والمنطق والفقه وأصوله والكلام على
مولانا قادر بخش الفقيه، ثم سار إلى جلالبور ما وراء نهر جناب وأخذ عن الشيخ عبد الباقي
الجلالبوري، ثم ذهب إلى سيالكوث وقرأ حاشية الخيالي والمطول والتوضيح والتلويح وتفسير
البيضاوي وشيئاً من الحديث الشريف على مولانا غلام مرتضى السيالكوثي، ثم رجع إلى سوهدره
واشتغل بمطالعة الكتب بالمراجعة إلى الشروح والحواشي، ودرس وأفاد، وأقام الجمعة في وطنه،
وولي الخطابة والتذكير، وأسند الحديث عن الشيخ محمد اللكهنوي صاحب التفسير المحمدي، ثم ذهب
إلى أمرتسر سنة إحدى وتسعين ومائتين وألف ولازم الشيخ الأجل عبد الله ابن محمد أعظم الغزنوي
ثلاثة أشهر، واستفاض منه فيوضاً كثيرة، ثم حصلت له الإجازة عن الشيخ المحدث نذير حسين
الدهلوي.
وكان دائم الابتهال كثير الاستعانة، قوي التوكل ثابت الجأش، لا يلتزم المذهب المعين، بل يفتي بما
يقوم عنده دليله، فأوذي في ذلك من الأحناف، وقام عليه المشايخ قياماً لا مزيد عليه، بدعوه وناظروه
وكابروه وهو ثابت لا يداهن ولا يبالي.
له شعر بالفارسي، ومصنفات في تحذير الناس عن الابتداع، بعضها طبعت وبعضها لم تطبع.
مولانا غلام نبي اللهي
الشيخ العالم الصالح غلام نبي الحنفي النقشبندي اللهي الجهيلي، أحد المشايخ الأعلام، ولد سنة أربع
وثلاثين ومائتين وألف بلله قرية من أعمال جهيلم، وقرأ النحو والصرف والفقه والمنطق على والده،
ثم سافر إلى بيشاور وقرأ سائر الكتب الدرسية على المفتي محمد أحسن البيشاوري المعروف بحافظ
دراز، ثم أخذ الطريقة عن الشيخ محي الدين النقشبندي القصوري، وتولى الشياخة بعده، أخذ عنه
ولده دوست محمد الجهيلي والشيخ غلام حسين والشيخ غلام مرتضى ومولانا إمام الدين الجمؤلي،
بتشديد الميم، وكلهم قرؤا عليه الكتب الدرسية وأخذوا الطريقة عنه.
مات يوم الأحد لتسع بقين من ربيع الأول سنة ست وثلاثمائة وألف، كما في أخبار المشايخ
المجددية.
حرف الفاء
مولانا فتح محمد التهانوي
الشيخ العالم الفقيه فتح محمد الحنفي التهانوي، أحد الفقهاء الصالحين، ولد ونشأ بتهانه بهون - قرية
جامعة من أعمال مظفر نكر - واشتغل بالعلم، وقرأ أكثر الكتب على ملا محمود الديوبندي والشيخ
يعقوب بن مملوك العلي النانوتوي، وبعضها على مولانا قطب الدين الحنفي الدهلوي ومولانا عبد
الرحمن الباني بتي والشيخ أحمد علي بن لطف الله السهارنبوري، ثم لازم الشيخ إمداد الله العمري
التهانوي المهاجر إلى مكة المباركة وأخذ عنه الطريقة، وكان حليماً متواضعاً، زاهداً متعبداً مجوداً،
يقرأ القرآن بلحن شجي يأخذ بمجامع القلوب، ويتلطف بمن له رغبة في الاشتغال بالعلوم، ويدرس
في علوم عديدة، ويحسن إليهم ويخدمهم في كثير من الأمور، ومن خصائصه أنه سافر مدة عمره
راجلاً، لم يركب قط على عربة ولا على غيرها من المراكب، إني قرأت عليه شيئاً من شرح الكافية
للجامي وطرفاً من أصول الشاشي ببلدة كانبور.
مات سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وألف ببلدة تهانه وله سبعون سنة.
مولانا فتح محمد اللكهنوي
الشيخ العالم الفقيه فتح محمد الحنفي اللكهنوي، أحد الفقهاء المبرزين في الفقه والأصول، كان والده
وثنياً ووالدته مسلمة فنشأ على دين أمه، فلما بلغ سن الرشد لازم الشيخ العلامة عبد الحي بن عبد
الحليم اللكهنوي وأخذ عنه الفقه والأصول والكلام والحديث وغيرها، ثم عكف على الدرس والإفادة،
وأسس رفاه المسلمين مدرسة ببلدة لكهنؤ.(8/1322)
وله مصنفات منها تفسير القرآن الكريم بالأردو في أربعة مجلدات وهو المسمى بخلاصة التفاسير،
ومنها كتابه تطهير الأموال في معاملات الفقه، كتاب مفيد، ومنها إصلاح الأعمال، ومنها القول
الثابت، رسالة له في الكلام، والقول السديد في إثبات التقليد، كلاهما بالعربية، ورسالة في المواريث،
ورسالة في الحساب، وضروريات دين، رسالة في مسائل الصوم والصلاة.
مات في جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وثلاثمائة وألف.
مولانا فخر الحسن الكنكوهي
الشيخ العالم الصالح فخر الحسن بن عبد الرحمن الحنفي الكنكوهي، أحد العلماء المشهورين ممن
اشتغل بالعلم وتميز وكتب واشتهر بالفضل والكمال من تلامذة الشيخ محمد قاسم النانوتوي وأصدقائه
وملازميه في الظعن والإقامة، أخذ الصناعة الطبية عن الحكيم محمود بن صادق الشريفي الدهلوي،
واشتغل بمداواة الناس في آخر عمره بكانبور وقرأ الحديث على الشيخ العلامة رشيد أحمد الكنكوهي.
وكان حسن الشكل ضخماً ظريفاً بشوشاً، حلو اللفظ والمحاضرة، موصوفاً بالصدق والصفاء،
صاحب حميد وشجاعة، متصلباً في المذهب ذا نجدة وجرأة، يصرف أوقاته كثيراً في المناظرة
بالهنود والنصارى، ويتلذذ بذكرها وفكرها، له تعليقات بسيطة على سنن أبي داود سماها بالتعليق
المحمود، وله حاشية على تلخيص المفتاح، وحاشية مختصرة على سنن ابن ماجه.
مات سنة خمس عشرة وثلاثمائة وألف بكانبور.
السيد فخر الدين البريلوي
والد جامع هذا الكتاب غفر الله لهما، وسياق نسبه هكذا: فخر الدين ابن عبد العلي بن علي محمد بن
أكبر شاه بن محمد شاه بن محمد تقي بن عبد الرحيم ابن هداية الله بن إسحاق بن محمد معظم بن
القاضي أحمد بن القاضي محمود الشريف الحسني النصيرآبادي، من سلائل الأمير الكبير شيخ
الإسلام قطب الدين محمد ابن أحمد المدني المدفون بمدينة كزه.
وكان مولده سنة ست وخمسين ومائتين وألف في زاوية الشيخ علم الله ابن محمد فضيل النقشبندي
البريلوي من بلدة رائي بريلي، وكان الشيخ علم الله يلحق بأجداده في محمد معظم بن القاضي أحمد
بن محمود النصيرآبادي، لأن محمد معظم له ولدان: إسحاق وهو من أجداد والدي، وفضيل -
مصغراً - وهو أبو علم الله، وكان الشيخ علم الله جد السيد محمد تقي بن عبد الرحيم من جهة الأم
وهو جد سيدي الوالد من جهة الأب، وأما جد والدي من جهة الأم فهو السيد محمد ظاهر بن غلام
جيلاني بن محمد واضح بن محمد صابر بن آية الله بن الشيخ علم الله المذكور.
وبالجملة فإن والدي ولد ببلدة رائي بريلي ونشأ بها، وقرأ القرآن وتعلم الخط والحساب، وقرأ
الفارسية أياماً، ثم رحل مع أمه وأبيه إلى ناكود، وكان والده بها محصلاً للخراج، ومتولي القضايا من
تلقاء الحكومة الإنكليزية، فأقام بناكود مدة، وقرأ المختصرات على والده وعلى المولوي علي بخش
الجائسي والمولوي طه بن زين النصيرآبادي، وبعض الكتب الطبية على الحكيم أحمد جان بن أبو
جان الدهلوي - بتشديد الموحدة - ولما توفي والده سنة تسع وستين ومائتين وألف رجع إلى بلدته
وقرأ شيئاً على جده لأمه السيد محمد ظاهر ولازمه مدة، ثم سافر إلى لكهنؤ سنة ثلاث وثمانين فتفقه
على مولانا محمد نعيم بن عبد الحكيم الأنصاري اللكهنوي، وقرأ عليه شرح الوقاية ومشكاة المصابيح
وتفسير الجلالين، وقرأ السديدي والنفيسي وشرح الأسباب وكليات القانون وحمياتها على الحكيم
يعقوب اللكهنوي ولازمه ثلاث سنين من ثلاث وثمانين إلى خمس وثمانين، وأقبل على قرض الشعر
وأخذ عن أمير الله اللكهنوي المتلقب في الشعر بتسليم ثم رجع إلى بلدته ولازم السيد خواجه أحمد بن
محمد ياسين النصير آبادي، وكان ابن خالة أبيه وزوج عمته، وكان نسبه يتصل بجدوده في السيد
إسحاق بن أحمد بن محمود النصيرآبادي فأخذ عنه الطريقة، وأجازه الشيخ بجميع مروياته
ومسموعاته(8/1323)
ومقرواته كما أجازه الشيخ سخاوت علي العمري الجونبوري والشيخ يعقوب بن محمد
أفضل الدهلوي سبط الشيخ عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي والسيد محمد بن أعلى شاه النصير
آبادي ومشايخه الآخرون، ثم سافر للاسترزاق إلى أوديبور وحيدر آباد وبهوبال وطوك وغيرها،
وأقام بحيدر آباد ثمان سنين، وكذلك في بهوبال، ثم اعتزل في بلدته في آخر عمره.
وكان محمود السيرة والسريرة، متعففاً قانعاً باليسير، طارحاً للتكلف، متجمعاً عن الناس، مشتغلاً
بخاصة نفسه، صابراً على نوائب الزمن وحوادث الدهر مع كثرة ما يطرقه من ذلك، محافظاً على
أمور دينية، متواضعاً على الطاعة، غير متصنع في كلامه ولا في ملبسه، لا يبالي بأي ثوب برز
للناس ولا بأي هيئة لقيهم، وكان سليم الصدر، لا يعتريه غل ولا حقد، ولا سخط ولا حسد، ولا يذكر
أحداً بسود كائناً من كان، محسناً إلى أهله، قائماً بما يحتاجون إليه متعباً نفسه في ذلك، ولقد كان
تغشاه الله برحمته ورضوانه فكان من عجائب الزمن، ومن عرفه حق المعرفة تيقن أنه من أولياء الله
سبحانه، ولقد بلغ بي إلى حد من البر والشفقة والإعانة على طلب العلم والقيام بما احتاج إليه بحيث
لم يكن لي شغل بغير الطلب فجزاه الله خيراً وكافاه بالحسنى.
وكان زاهداً في الدنيا راغباً إلى الآخرة، ليس له نهمة في جمع ولا كسب، بل غاية مقصوده منها ما
يقوم بكفاية من يعوله، ولم يزل مستمراً على حاله الجميل، معرضاً عن القال والقيل، ماشياً على
أهدى سبيل، حتى توفاه الله سبحانه، ولم يباشر شيئاً مما يتعلق بالدنيا قبيل موته نحو خمس سنين،
بل تجرد للاشتغال بالطاعة، والمواظبة على الجمع والجماعة، وتلاوة القرآن، ومطالعة الكتب،
والتصنيف والتدريس.
وترك ولدين، أكبرهما عبد الحي وهو جامع هذا الكتاب، ومحمد صابر، وهما من بطنين مختلفين،
أما هذا العبد فإنه ولد لثمان عشرة خلون من رمضان سنة ست وثمانين ومائتين وألف من بطن
عزيز النساء بنت السيد العلامة سراج الدين الحسيني الواسطي، وأما محمد صابر فإنه ولد من بطن
حكيمة بنت السيد عبد القادر بن عبد الباقي بن محمد جامع بن محمد واضح الحسني البريلوي، ومات
في صغره سنة ثلاثين وثلاثمائة وألف ببلدة لكهنؤ، وقد أجاز لي والدي رحمه الله تعالى بجميع
مقرواته ومسموعاته ومروياته كما أجازه جده السيد محمد ظاهر وعمه السيد خواجه أحمد المذكوران،
ووهب لي جميع كتبه.
وأما مصنفاته فهي كثيرة ممتعة، أحسنها مهر جهانتاب بالفارسي في ثلاثة مجلدات كبار، كتاب
عجيب، لا يكاد يوجد مثله في كثرة الفوائد وهو كموسوعة علمية، ودائرة معارف في العلوم والفنون
والتراجم والسير المجلد الأول منها مرتب على ثلاثة دفاتر الدفتر الأول في مسائل العلوم والفنون
المتعارفة وغير المتعارفة، كما فعل السيوطي في النقاية وشرحها، والدفتر الثاني في سير الأنبياء
وأئمة أهل البيت، والصحابة التابعين، والمحدثين والعلماء والحكماء، وشيوخ الطريقة، والدفتر الثالث
في تراجم شعراء العربية والفارسية، والأردية والهندية، وقد تم المجلد الأول في ألف وثلاثمائة
صفحة بالقطع الكبير، أما المجلد الثاني فقد أراد المؤلف أن يذكر فيه جغرافية العالم وتاريخه، وقد
انتهى من جزء كبير من جغرافية قارة آسيا، ولما وصل إلى نصف الكتاب شعر بأن اللغة الفارسية
قد أشرفت على الزوال والانقراض في الهند، فجمدت قريحته، وانصرف عن الكتابة فترة من
الزمان، ثم استأنف التأليف في أردو، ولكن الأجل لم يمهله ولبى داعي الحق.
وله من المؤلفات سيرة السادات وهو كتاب كامل شامل في سرد أنساب السادة والأشراف، ولا سيما
أنساب السادة الحسنية القطبية، وله السيرة العلمية في سيرة شيخ المشايخ السيد علم الله الحسني، كلها
بالفارسية، ومنها سبيل النجاة في الأدعية والأذكار، ومجربات خيالي ومنها مسدس خيالي في جواب
مسدس حالي ونثر خيالي في الإنشاء الفارسي، ومنجيات خيالي وله ديوان شعر كبير في الفارسية
والأردية يحتوي على آلاف من الأبيات، ومنظومات ومزدوجات كثيرة.
مات لعشر خلون من رمضان سنة ست وعشرين وثلاثمائة وألف، ودفن في مقبرة آبائه في الجهة
الشمالية الغربية من المسجد في زاوية جده الشيخ(8/1324)
علم الله الحسني رحمه الله في رائي بريلي.
السيد فخر الدين الإله آبادي المعروف بحكيم بادشاه
الشيخ العالم الفقيه فخر الدين بن محمد زمان بن رفيع الزمان القادري النقشبندي الإله آبادي، أحد
العلماء المشهورين، ولد ونشأ بإله آباد، واشتغل بالعلم أياماً على أساتذة بلدته، ثم سافر إلى لكهنؤ وقرأ
على المفتي نعمة الله بن نور الله والشيخ محمد معين الفرنكي محلي والمفتي محمد ولي الله وأخوند
شير الولايتي وعلى المفتي يوسف بن محمد أصغر ووالده المفتي محمد أصغر، وأسند الحديث عن
الشيخ حسين أحمد الميلح آبادي، ثم سافر إلى الحجاز فحج وزار، ورجع إلى إله آباد وعكف على
الدرس والإفادة، وكان أعلم العلماء في عصره ومصره، يدرس ويتطبب، ويعرف بحكيم بادشاه.
أخذ الطريقة عن والده، وبعد وفاته عن أخيه الأكبر الشيخ محمد أحسن أشرف القادري، وجلس على
سجادة أبيه، وأجازه صهره السيد محمد عاشق الكروي في الطريقة النقشبندية المجددية.
له مصنفات، منها كف الألسنة عن تكفير الرفضة، والفائحة في جواز الفاتحة، وإزالة الشكوك
والأوهام رداً على تقوية الإيمان للشيخ الشهيد إسماعيل ابن عبد الغني العمري الدهلوي، ورسالة في
تفرقة البدعة والسنة.
توفي لست بقين من ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثمائة وألف كما في أرمغان عثمان شاهي.
مولانا فدا حسين الدربهنكوي
الشيخ العالم الفقيه فدا حسين الحسيني الحنفي الدربهنكوي، أحد العلماء الصالحين، اشتغل بالعلم من
صغر سنه، وقرأ أكثر الكتب الدرسية على مولانا لطف الله الكوئلي، وبعضها في الفنون الرياضية
على المفتي نعمة الله اللكهنوي، وقرأ أصول الفقه وشرح الجغميني والجلد الرابع من هداية الفقه على
مولانا عبد الحي بن عبد الحليم اللكهنوي، والتوضيح والتلويح وسنن الترمذي وشطراً من الهداية
على الشيخ محمد قاسم النانوتوي، والحديث على مولانا أحمد علي الحنفي السهارنبوري المحدث،
وأخذ الطريقة عن الشيخ إمداد الله التهانوي المهاجر وعن صاحبه الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي ثم
قصر همته على الدرس والإفادة، فدرس مدة بأكبرآباد وآره وبلنه ورسول بور وبلاد أخرى، أخذ عنه
خلق كثير.
الحكيم فرزند علي الشاه آبادي
الشيخ الفاضل فرزند علي بن ضامن علي الحسيني الحنفي الشاه آبادي، أحد العلماء الماهرين في
الصناعة الطبية، ولد ونشأ بشاه آباد، واشتغل بالعلم أياماً في بلدته ثم دخل لكهنؤ وقرأ على المفتي
سعد الله المراد آبادي، ثم لازم العلامة محمد نواب الخالصبوري المهاجر وأخذ عنه، ثم تطبب على
الحكيم إمام الدين الدهلوي وصحبه زماناً، ثم سافر إلى بهوبال في عهد شاه جهان بيكم فجعلته طبيباً
خاصاً لها سنة سبع وسبعين ومائتين وألف، فأقام بها مدة من الدهر، وسار إلى نرسنكه كده من بلاد
مالوه سنة سبع وتسعين فأقام بها زماناً، ثم رجع إلى بلدته وأقام بها مدة، فلما توليت المملكة سلطان
جهان بيكم بنت شاهجهان بيكم المذكورة طلبته إلى بهوبال مرة ثانية سنة تسع عشرة وثلاثمائة
وألف، فسافر إليها ولم يلبث بها إلا قليلاً.
وكان صالحاً تقياً ديناً، كريم النفس، طيب الأخلاق، لقيته بمدينة لكهنؤ في كبر سنه.
مات لثلاث ليال بقين من رجب سنة عشرين وثلاثمائة وألف بمدينة بهوبال.
مولانا فريد الدين الكاكوروي
الشيخ العالم المحدث فريد الدين بن مسيح الدين بن عليم الدين بن القاضي نجم الدين الكاكوروي،
أحد العلماء المشهورين، ولد بكاكوري غرة ربيع الأول سنة تسع وخمسين ومائتين وألف، وقرأ
بعض الكتب الدرسية على المولوي محمد حسين البزاكانوي وأكثرها على عمه المفتي رياض الدين(8/1325)
الكاكوروي والمفتي سعد الله المراد آبادي، وأسند الحديث عن عمه رياض الدين والمفتي سعد الله
وعمه وجيه الدين والشيخ آل أحمد بن محمد إمام البهلواروي والشيخ تقي علي ابن تراب علي
الكاكوروي والسيد حسن شاه بن سيد شاه الرامبوري وسيدنا فضل الرحمن بن أهل الله المراد آبادي،
وكلهم أجازوه إجازة عامة، وعلى بعضهم قرأ الصحاح والسنن، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج
وزار، ورجع إلى الهند فلازم بيته بكاكوري.
مات سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة وألف.
المولوي فضل حسين المهدانوي
الشيخ الفاضل فضل حسين بن فرخ حسين بن واجد علي المهدانوي المنيري، أحد العلماء
المشهورين، ولد لثلاث بقين من محرم سنة إحدى وسبعين مائتين وألف، وقرأ العلم على ملا محمد
عارف البشاوري والمولوي عبد الحميد البهاري، ثم سافر إلى دهلي وأخذ الحديث عن السيد نذير
حسين الدهلوي المحدث، وتطبب على الحكيم عبد المجيد بن محمود الشريفي الدهلوي، ثم سكن
بمهدانوان، وله تأليفات في الفقه والحديث، منها رسالة في القنوت في النازلة، والحياة بعد الممات،
كتاب في سيرة شيخه وشيخنا السيد نذير حسين.
مولانا فضل حق الرامبوري
الشيخ الفاضل الكبير فضل حق بن عبد الحق الحنفي الرامبوري، أحد العلماء المبرزين ف العلوم
الحكمية.
ولد بمدينة رامبور سنة ثمان وسبعين ومائتين وألف، وحفظ القرآن الكريم في صغر سنه، ثم قرأ
النحو والصرف على المولوي عبد الرحمن القندهاري، ثم سافر إلى بهيكن بور وقرأ بعض الكتب
الدرسية على المولوي عبد الكريم الرامبوري، ثم دخل عليكزه وقرأ المطولات على المفتي لطف الله
الكوئلي، ثم رجع إلى بلدة بريلي وقرأ مصنفات القدماء على مولانا هداية علي البريلوي، ثم ولي
التدريس في المدرسة الطالبية ببلدة بريلي فدرس بها زماناً ثم ولي التدريس في المدرسة العالية
برامبور فدرس بها زماناً، وقرأ في خلال ذلك بعض مصنفات القدماء على العلامة عبد الحق بن
فضل حق الخير آبادي، ثم سافر إلى بهوبال وولي التدريس بها في المدرسة السليمانية فأقام بها سنة،
وأسند الحديث عن شيخنا المحدث حسين بن محسن السبعي اليماني، ثم رجع إلى رامبور واشتغل
بالتدريس في المدرسة العالية زماناً، ثم سار إلى كلكته وولي التدريس في المدرسة العالية بها وأقام
بها سنة، ثم رجع إلى رامبور ونال الصدارة في التدريس بالمدرسة العالية، قد أخذ عنه خلق كثير من
العلماء، وانتهت إليه الرياسة العلمية بمدينة رامبور.
ومن مصنفاته حاشية على حاشية السيد الشريف علي إيساغوجي، وحاشية على حاشية مير زاهد
على شرح المواقف، وحاشية على شرح السلم لحمد الله، وحاشية على التلويح، وشرح على دروس
البلاغة، ومن مصنفاته ظفر حامدي وأفضل التحقيقات في مسألة الصفات.
مات لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة وألف برامبور ودفن بها.
مولانا فضل الرحمن الكنج مراد آبادي
الشيخ العلامة المحدث المسند المعمر صاحب المقامات العلية والكرامات المشرقة الجلية شرف
الإسلام فضل الرحمن بن أهل الله بن محمد فياض بن بركة الله ابن عبد القادر بن سعد الله بن نور
الله المعروف بنور محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحيم بن محمد الصديقي الملانوي ثم الكنج مراد
آبادي، كان من العلماء الربانيين.
ولد سنة ثمان ومائتين وألف بملانوان، بتشديد اللام، وقرأ العلم على مولانا نور بن أنوار الأنصاري
اللكهنوي وعلى غيره من العلماء، ثم سافر إلى دهلي صحبة الشيخ حسن علي اللكهنوي المحدث
فأدرك بها الشيخ عبد العزيز بن ولي الله والشيخ غلام علي والشيخ محمد آفاق وغيرهم من كبار
المشايخ، وأخذ الحديث المسلسل بالأولية والمسلسل بالمحبة عن(8/1326)
الشيخ عبد العزيز المذكور، وسمع
منه شطراً من صحيح البخاري، ثم رجع إلى بلدته ولبث بها برهة من الزمان، ثم سافر إلى دهلي ما
توفي الشيخ عبد العزيز، فلازم سبطه الشيخ إسحاق بن محمد أفضل العمري وقرأ عليه الصحاح
الستة، وأخذ الطريقة عن الشيخ محمد آفاق النقشبندي الدهلوي، وصحبه مدة حتى نال حظاً وافراً من
العلم والمعرفة، ثم عاد إلى بلدته وأقام بها زماناً، ولما توقيت أم عياله انتقل إلى كنج مراد آباد على
أربعة أميال من ملا نوان وتزوج بها وسكن، ولكنه كان في ذلك الزمان يؤثر السفر على الإقامة،
فربما يسير إلى لكهنؤ وكانبور وبنارس وقنوج وغيرها من البلاد، وربما يشتغل بتصحيح المصاحف
في دور الطباعة، ويشتغل بتدريس الحديث الشريف.
ثم لما كبر سنه ترك السفر واعتزل بمراد آباد، فتهافت عليه الناس تهافت الظمآن على الماء،
وتواترت عليه التحف والهدايا، وخضع له الوجهاء وسراة الناس، يأتون إليه من كل فج عميق
ومرمى سحيق، حتى صار علماً مفرداً في الديار الهندية، ورزق من حسن القبول ما لم يرزق أحد
من المشايخ في عصره.
وكان أكبر من رأيت وأعلمهم بهدى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ودله وسمته، لا يتجاوز عنه في
أمر من الأمور مع العفاف والقناعة، والاستغناء والسخاوة، والكرم والزهد، لا يدخر مالاً، ولا يخاف
عوزاً، تحصل له الألوف من النقود فيفرقها على الناس في ذلك اليوم، حتى كان لا يبيت ليلة وفي
بيته درهم أو دينار، وكان لا يحسن الملبس والمأكل، ولا يلبس لبس المتفقهة من العمامة والطيلسان
فضلاً عن تكبير العمامة وتطويل الأكمام، ولا يهاب أحداً في قول الحق وكلمة الصدق ولو كان جباراً
عنيداً، قد انتهت إليه الإمامة في العلم والعمل، والزهد والورع، والشجاعة والكرم، والجلالة والمهابة،
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع حسن القصد والإخلاص والابتهال إلى الله تعالى، ودوام
المراقبة له والدعاء إليه، وحسن الأخلاق ونفع الخلق والإحسان إليهم، فإن حلفت بين الركن والمقام
أني ما رأيت في العالم أكرم منه ولا أفرغ منه عن الدينار والدرهم ولا أطوع منه للكتاب والسنة ما
حنثت، وإني ما رأيت أعلم بكتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ منه.
وكان ربع القامة نقي اللون، عظيم الهامة مرسل اللحية قصيرها، يصلي بالناس في المسجد، ويسكن
في حجرة بفنائه ويسعى مع أصحابه في مصالحهم، وملبوسه كأحاد الناس، يدرس القرآن الحكيم
والحديث الشريف قبل الظهيرة، وبعد الظهر وبعد العصر في أغلب الأوقات، سمعت منه المسلسل
بالأولية والمسلسل بالمحبة وشطراً من صحيح البخاري، كان يقرأ رضي الله عنه ويتكلم في أثناء
القراءة على الأحاديث.
وأما كشوفه وكراماته فلا تسئل عن ذلك! فإنها بلغت حد التواتر، وإني ما وجدت في الأولياء
السالفين من يكون مثله غير الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه.
توفي لثمان بقين من ربيع الأول سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة وألف بمراد آباد فدفن بمقبرة مراد
خان، وقد صنف في أخباره وأقواله الشيخ محمد علي المونكيري ارشاد رحماني والسيد تجمل حسين
البهاري فضل رحماني وكمالات رحماني والمولوي عبد الغفار الآسيوني هديه عشاق رحماني.
مولانا فضل الله اللكهنوي
الشيخ الفاضل فضل الله بن المفتي نعمة الله الأنصاري اللكهنوي، كان من ذرية الشيخ الشهيد قطب
الدين محمد السهالوي، ولد ونشأ بلكهنؤ في ظل والده وأخذ عنه وكان والده يجتهد كل الاجتهاد في
تدريسه، ويقرر المسألة ويبالغ فيها حتى يحفظ كلها، ولما برز في الفنون الحكمية ولي التدريس في
المدرسة الكلية كيننك كالج بلكهنؤ، فدرس وأفاد بها مدة عمره.
وكان رجلاً غراً كريماً، مسرفاً مقيداً برسوم المشايخ، يخالط الأمراء ويخضع للفقهاء والمتصوفة،
ويجنح للقبور، وكان قليل الخبرة بالعلوم الشرعية، ملازماً لتدريس المنطق والحكمة لا سيما الزواهد
الثلاثة(8/1327)
وتحرير الأقليدس وخلاصة الحساب وشرح الجغميني وغيرها، قرأ عليه شرح هداية الحكمة
للميبذي وحاشية غلام يحيى علي مير زاهد رساله.
مات لأربع عشرة خلون من ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف ببلدة لكهنؤ.
المولوي فقير الله الكثهوي
الشيخ الفاضل فقير الله بن فتح الدين بن عبد الله الكثهوي، أحد العلماء العاملين بالحديث، ولد نحو
سنة ثمانين ومائتين وألف بقرية كله مسرال - بتشديد التاء الهندية وفتح الميم - من أعمال شاه بور
من بلاد بنجاب، قرأ على الشيخ عبد المنان الوزير آبادي المحدث والشيخ عبد الجبار بن عبد الله
الغزنوي، ثم أسند الحديث عن شيخنا نذير حسين الحسيني الدهلوي وشيخنا حسين بن محسن
الأنصاري اليماني والعلامة محمد بشير السهسواني، فلما برز في العلم ولي التدريس بنصرة الإسلام
في بنكلور من البلاد الجنوبية، فدرس وأفاد بها مدة عمره.
له مصنفات، منها القول المصدوق في إثبات التشهد للمسبوق، والتبري من افتراء المفتري،
والموعظة الحسنة في خطبة الجمعة بكل لسان من الألسنة، ورسالة في إثبات الجهر بالفاتحة في
صلاة الجنازة، وله غير ذلك من الرسائل.
مات سنة أربع وثلاثين وثلاث مائة وألف.
المولوي فقير محمد الجهيلمي
الشيخ العالم الفقيه فقير محمد بن محمد سفارش الحنفي الجهيلمي، أحد العلماء المشهورين، ولد بقرية
جتن - بكسر الجيم المفقودة وتشديد التاء الفوقية - قرية من أعمال جهيلم سنة ستين، مائتين وألف،
واشتغل بالعلم على أساتذة بلاده مدة من الزمان، ثم سافر إلى دهلي وقرأ أكثر الكتب الدرسية على
المفتي صدر الدين الدهلوي، وعاد إلى بلاده سنة سبع وسبعين وأقام بوطنه مدة، ثم دخل لاهور
واستفاد عن الشيخ كرم إلهي المتوفي سنة 1282 هـ وعن الشيخ ولي الله اللاهوري، ورغب إلى
المناظرة بالنصارى وصنف في ذلك كتباً ورسائل، منها زبدة الأقاويل في ترجيح القرآن على
الأناجيل، ومن مصنفاته حدائق الحنفية في طبقات المشايخ الحنفية بالأردو مأخوذ من الفوائد البهية
مع زيادات مفيدة.
مات سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وألف.
مولانا فيض الحسن السهارنبوري
الشيخ العالم الكبير العلامة فيض الحسن بن علي بخش بن خدا بخش القرشي الحنفي السهارنبوري،
كان من أعاجيب الزمان ذكاء وفطنة وعلماً، لم يكن في عصره أعلم منه بالنحو واللغة والأشعار وأيام
العرب وما يتعلق بها متوفراً على العلوم الحكمية، قرأ المختصرات على والده، ثم سافر إلى رامبور
وأخذ عن العلامة فضل حق بن فضل إمام الخير آبادي وعلى غيره من العلماء، ثم دخل دهلي وأخذ
الحديث عن الشيخ أحمد سعيد بن أبي سعيد العمري الدهلوي، وتطبب على الحكيم إمام الدين، ثم
صرف عمره في الدرس والإفادة، وولي التدريس في آخر عمره في الكلية الشرقية اورينلل كالج
بلاهور، وانتهت إليه رئاسة الفنون الأدبية.
له مصنفات جليلة ممتعة، منها حاشية على تفسير البيضاوي، وحاشية على تفسير الجلالين، وحاشية
على مشكاة المصابيح، وشرح بسيط على ديوان الحماسة، وشرح بسيط على المعلقات السبع،
ومصنف جليل في الأنساب وأيام العرب، والتحفة الصديقية رسالة في شرح حديث أم زرع، سماها
باسم السيد صديق حسن بن أولاد حسن القنوجي وأهداها إليه، وله ديوان شعر يشتمل على قصائد
غراء.
ومن قصائده فيما جرى بين السلطان المرحوم عبد الحميد ملك الدولة العثمانية وبين روسيا من
الحرب سنة 1294 هـ.
ما لي بذي الأرض من وال ولا واق ولا طبيب ولا آس ولا راق
ولا حميم ولا جار ولا سكن ولا نديم ولا كأس ولا ساق(8/1328)
أبكي على بكاء غير منقطع فلينظر الناس أجفاني وآماقي
حولي كثير من الأعداء همهم قتلي ومالي دون الله من واقي
قوم غلاظ شديد شيط من دمهم شراسة وعتوا في سوء أخلاقي
جفت نفوسهم قست قلوبهم فلا تميل بشيء من تملاقي
إني أخاف على نفسي تألبهم على أشفق منهم كل إشفاق
فسوف آوي إلى جلد أخي ثقة ادم كمى إلى التقتال مشتاق
حامي الذمار حمى الأنف ذي أنف طلق اليدين طويل الباع سواق
عاد إلى قتل قتل غير مكترث إذ تكشف الحرب للأبطال عن ساق
شاكي السلاح إلى الرايات مبتدرا صدق المقام إلى الغايات سباق
عن آل عثمان سامي الطرف مبتسم إلى الطعان شديد البأس مشتاق
قوم إذا ما غزوا فازوا ببغيتهم ولا يعودون في شيء بإخفاق
فتيان صدق أولو بأس ذوو كرم لا يجلسون لدى قوم بإطراق
هينون لينون لا يرمون في خلق بسوءة وتراهم حسن أخلاق
بيض كرام لهم مجد ومكرمة غراء يثني عليهم كل ملاق
لا يرغبون إذا نالوا منالهم في المال والخيل والأحمال والناق
إن سيم أصغرهم خسفاً ومظلمة يغضب إلى السيف فرداً غير مفتاق
لا يصبرون إلى ما لا يليق بهم وإن تمالى عليهم جمع فساق
يسقون عذباً فراتاً طاب مورده لا يشربون بغسلين وغساق
يوفون بالعهد إن يرموا بمنقصة فلا يخاف لديهم نقض ميثاق
لا يبخلون على من جاء يسألهم وما لأبوابهم عهد بإغلاق
جادوا بأموالهم جادوا بأنفسهم ولا يزالون في جود وإنفاق
نثني عليهم وما نثني وقد كبروا عن الثناء بتبليغ وإغراق
أعزة سادة سيد ذوو شرف بيض كرام بنو عيص بن إسحاق
أمر جلي وشأن غير ملتبس قبل اعتصام ببرهان ومصداق
يعولهم ملك برندندس مدار أعطية مفتاح أرزاق
رأس السلاطين عرنين الملوك به مجد أثيل وعز باسق باق
ليث إذا الدهر في خوف ومضطرب غيث إذا الناس في بؤس وإملاق
فك الرقاب وإطلاق العتاة به يرى فلا زال في فك وإطلاق
يا أيها الملك العرنين أنت لنا مولى وأنت مفدى كل آفاق
لله درك إذ أنكرت ما نطقت به الأعادي ولم ترنق بإزلاق
باؤا بذل على غيض فقيل لهم أخزاكم الله في مصر ورستاق
كذاك يفعل من يبغي العلى وله عرق كريم يباري كل أعراق(8/1329)
زان الإله بك الدنيا فما برحت تربو وتهتز في نور وإشراق
نثني عليك ولا تحصى مناقبكم بذكر ما فيه من سم وترياق
تحيي الحبيب بإكرام يليق به تردى العدو بإغراق وإحراق
قلب قوي ورأي صائب ويد تهوي إلى السيف في ميل ومشتاق
وبأس عبد الكريم الباسل البطل الآتي بما شاء من نفع وإرهاق
لمن يوالي ومما شاء من ضرر لمن يعادي بإيثاق وإيباق
لا بارك الله في قوم طغوا وبغوا عليك ثم عتوا في بعد آفاق
بغوا عليك فخابوا إذ لقيتهم بكل ضرب شديد الضرب مخراق
بكل ذي مصدق أخي صدق إذا دعى صدقه يأتي بمصداق
يبغي البراز فيعدو غير مكترث بهم فيضرب منهم فوق أعناق
ويل أمه من شديد العدو حيث أتى يعدو ويزري عمر بن براق
جاهدتهم واثقاً بالله فانهزموا خوفاً ومن قتلوا ألقوا باضلاق
تهشهم اصبع فيها وتأكلهم طير ولو أسروا بيعوا بأسواق
أتيتهم فتولوا حين صار لهم نفع السوابق حشو الأنف والماق
سقيت من جاءكم منهم على ظما كأس الحمام جزاك الله من ساق
ويل لهم وعليهم إذ أتوا فلقوا فأرهقوا سوء ذل شر إرهاق
مات العدو مغيظاً محنقاً وترى أعدى عدوك في غيظ وإخفاق
أنتم جيد بأن تملي لكم كتب من المديح فلا تزروا بأوراق
إنا نحبك حباً لا يماثله ولا يدانيه شيئاً حب عشاق
ندعو لكم ولمن فيكم لكم ولمن يثني عليكم ولا يثني بإملاق
هذا ونرجو لكم خيراً ونحمدكم بذكر ما شاء منكم ملء أشداق
توفي لإثنتي عشرة خلون من جمادى الأولى سنة أربع وثلاثمائة وألف.
المولوي فيض الله الموي
الشيخ الفاضل فيض الله الموي الأعظم كدهي، أحد العلماء المتمكنين من الدرس والإفادة، وفقه الله
سبحانه في صغر سنه بالاشتغال في العلم، فلازم الشيخ سخاوة علي العمري الجونبوري، قرأ عليه
الكتب الدرسية، وبرز في المعقول والمنقول، ثم أخذ الطريقة عن السيد خواجه أحمد بن محمد يسين
الحسني النصير آبادي، وكان على قد شيوخه في اتباع السنة السنية واقتفاء آثار السلف، يدرس
ويفيد.
توفي سنة ست وثلاثمائة وألف.
فاطمة الخانبورية
السيدة الفاضلة فاطمة بنت القاضي محمد حسن بن محمد كل الخانبوري الهزاروي، كانت من
الصالحات القانتات، ولدت بخانبور، وقرأت العلم على والدها وعلى إخوتها الفاضلين القاضي عبد
الأحد والقاضي محمد، مشاركة لأخيها القاضي يوسف حسين، توفيت سنة اثنتين وثلاثمائة وألف.
حرف القاف
مولانا قادر بخش السهسرامي
الشيخ العالم الفقيه قادر بخش بن حسن علي(8/1330)
الحنفي السهسرامي، أحد العلماء المذكرين، ولد سنة
ثلاث وسبعين ومائتين وألف ببلدة سهسرام، وقرأ على والده وعلى المولوي أحمد حسين السهسرامي
والقاضي نور الحسين الكهاثوي ثم سافر إلى مرزابور وأخذ عن السيد معين الدين الكاظمي الكروي،
ثم دخل لكهنؤ ولازم العلامة عبد الحي بن عبد الحليم الأنصاري اللكهنوي وقرأ عليه أكثر المطولات
من الكتب الدرسية، وبعضها على مولانا محمد نعيم ابن عبد الحكيم الأنصاري اللكهنوي، ثم سافر
إلى باني بت ومراد آباد وأسند عن شيخنا القارىء عبد الرحمن الباني بتي وشيخنا الإمام فضل
الرحمن بن أهل الله البكري المراد آبادي، ثم سافر إلى الحجاز فحج وزار وأسند عن السيد أحمد بن
زين دحلان الشافعي المكي وعن الشيخ حبيب الرحمن الردولوي المهاجر، ثم رجع إلى الهند وولي
التدريس والموعظة بكهكزه - بفتح الكاف وسكون الهاء بعدها كاف عجمية ثم راء هندية - وهي
قرية جامعة من أعمال بورنيه.
ومن مصنفاته التقرير المعقول في فضل الصحابة وأهل بيت الرسول، والأربعين في إشاعة مراسم
الدين، وضرب القادر على رقبة الواعظ الفاجر، ورفع الارتياب عن المغترين بشرف الأنساب،
وغاية المقال في رؤية الهلال، وتحفة الأتقياء في فضائل آل العباء، وجور الأشقياء على ريحانة سيد
الأنبياء.
مات في رجب سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة وألف.
مرزا قاسم علي الحيدر آبادي
الشيخ الفاضل قاسم علي الشيعي الرشتي الحيدر آبادي، أحد العلماء المبرزين في العلوم الحكمية، لم
يكن له نظير في زمانه في الهيئة والهندسة والنجوم والخط، أخذ عنه جمع كثير ببلدة حيدر آباد.
مات لعشرة خلون من جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثمائة وألف بحيدر آباد.
مولانا قاسم يار الكروي
الشيخ الفاضل قاسم يار بن جعفر يار الحنفي الكروي، أحد العلماء المبرزين في المعقول والمنقول،
ولد ببلدة كزه سنة ثمان وسبعين ومائتين وألف، وحفظ القرآن في صغر سنه، ثم اشتغل بالعلم على
السيد حسن الكروي وقرأ عليه بعض الكتب، ثم سافر إلى لكهنؤ وقرأ أكثر الكتب الدرسية على
العلامة عبد الحي بن عبد الحليم اللكهنوي، ولما توفي العلامة المذكور قرأ هداية الفقه وتفسير
البيضاوي وشرح العقائد للمحقق الدواني وكتاباً آخر لعله مسلم الثبوت على شيخنا محمد نعيم بن عبد
الحكيم اللكهنوي، وتطبب على الحكيم عبد العزيز بن إسماعيل اللكهنوي، ثم سافر إلى كنكوه وأخذ
الحديث عن الشيخ المحدث رشيد الكنكوهي.
وكان مفرط الذكاء قوي الحافظة لم يكن مثله في زمانه.
المولوي قمر الدين الأجميري
الشيخ الفاضل قمر الدين الحنفي الأجميري، أحد العلماء المشهورين في زمانه، قرأ العلم على المفتي
لطف الله بن أسد الله الكوئلي، وعلى غيره من العلماء، ثم أسس مدرسة عربية ببلدة أجمير، فدرس
بها مدة من الزمان، ومن مصنفاته الميزان، والمحاورة، وهداية الأدب.
حرف الكاف
المولوي كاظم علي الدريا آبادي
الشيخ الفاضل كاظم علي بن قاسم علي الحسيني الدريا آبادي، أحد العلماء المبرزين في الفنون
الأدبية.
مات لأربع عشرة من ربيع الأول سنة خمس وثلاثمائة وألف، كما في تذكرة العلماء.
المولوي كرامت حسين الكنتوري
الشيخ الفاضل كرامت حسين بن سراج حسين بن المفتي محمد قلي الحسيني الشيعي الكنتوري، أحد
العلماء المشهورين في العلوم الأدبية، ولد في سنة تسع وستين ومائتين وألف ببلدة جهانسي واشتغل
بالعلم(8/1331)
أياماً على والده وعلى المفتي أنور علي الحسيني التهانوي، وقرأ عليهما المختصرات من الفقه
والتفسير والنحو والعربية وبعض الفنون الرياضية ببلدة جركهاري ثم سافر للحج مع عميه السيد
إعجاز حسين والسيد حامد حسين سنة اثنتين وثمانين ومائتين وألف بعد ما توفي والده، وقرأ في
أثناء السفر عليهما بعض الكتب الأدبية، ولما رجع إلى الهند أقام بلكهنؤ، وقرأ الكتب الدرسية كلها
على السيد محمد تقي بن حسين النقوي اللكهنوي والسيد أحمد علي المحمد آبادي والمفتي عباس بن
علي التستري وعمه السيد حامد حسين الكنتوري، ولازم عمه مدة طويلة، ثم سافر إلى جركهاري عند
صنوه الكبير عناية حسين سنة إحدى وتسعين وتعلم اللغة الإنكليزية، ثم ولي التدريس بكلية نيا كانون
راجكمار كالج ووظف له خمسون ربية شهرية سنة اثنتين وتسعين فدرس بها نحو ثلاث سنين، وفي
خلال ذلك كان يتعلم اللغة الإنكليزية ويطالع الكتب الإنكليزية في العلوم والفنون، ثم ولي الإنشاء
ورتب له مائتان من النقود شهرية سنة خمس وتسعين، وولي النظارة في باوني سنة تسع وتسعين،
وولي النيابة في نرسنكه كده سنة ثلاثمائة وألف، وسافر مع صاحبها سنة أربع وثلاثمائة وألف إلى
لندن عاصمة الجزائر البريطانية، فاشتغل بها بالحقوق بإذن من صاحبه وأخذ شهادة الحقوق، ورجع
إلى الهند بعد ثلاث سنين واشتغل بها في إله آباد، وبعد بضعة أشهر ولي التدريس بمدرسة العلوم في
عليكده، وكان ذلك سنة تسع وثلاثمائة وألف، فاستقل به إلى سنة أربع عشرة وثلاثمائة وألف، ثم
رجع إلى إله آباد وولي القضاء في محكمة الاستئناف بإله آباد هائي كورث سنة خمس وعشرين
وثلاثمائة وألف، فاستقل به أربع سنين وأحي إلى المعاش سنة تسع وعشرين، فقدم لكهنؤ وسكن بها،
وأسس مدرسة لتعليم البنات وأوقف عليها كل ما له من عروض وعقار.
وكان مفرط الذكاء جيد القريحة، قوي الحفظ سريع الإدراك، سليم الذهن حلو المذاكرة، كثير
الاشتغال بالتدريس والتصنيف، شديد الانهماك بمطالعة الكتب، غير متعصب على مخالفيه، غير
متصلب في المذهب، له مصنفات كثيرة، منها كتابه الحقوق والفرائض، وكتابه علم القانون، وكتابه
في مبحث الهبة - ثلاثتها بالإنكليزية - وكتابه فقه اللسان بالعربية في ثلاثة مجلدات، وكتابه في
الأمور العامة بالعربية، وكتابه علم الأخلاق بالفارسي وبالأردو، وكتابه الأفراد الكاسبة بالأردو،
وكتابه الدين والكون بالأردو، وله غير ذلك من الكتب والرسائل.
مات بلكهنؤ سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وألف وله خمس وستون سنة.
مولانا كرامة الله الدهلوي
الشيخ العالم الفقيه كرامة الله الحنفي الدهلوي، أحد العلماء الصالحين، حفظ القرآن، وسافر للعلم فقرأ
المنطق والحكمة على مولانا عبد العلي الرامبوري ومولانا محمد حس السنبهلي، وأخذ الفنون
الرياضية عن مولانا سديد الدين وشيخنا السيد أحمد الدهلويين، وأخذ الفقه والحديث عن الشيخ
يعقوب بن مملوك العلي ومولانا قاسم بن أسد علي النانوتويين، ثم ولي التدريس في مدرسة المرحوم
حسين بخش بدهلي فدرس بها خمس سنين، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار سنة أربع
وثلاثمائة، وأخذ الطريقة عن الشيخ إمداد الله العمري التهانوي المهاجر، ثم رجع إلى الهند واشتغل
بالتدريس زماناً، ثم ترك البحث والاشتغال.
وكان يدرس المثناوي المعنوي كل يوم بعد صلاة الفجر، ويجلس للتذكير في كل أسبوع يوم الجمعة،
حضرت في مجلس سنة 1311 هـ فوجدته خطيباً مصقعاً يلوح عليه أثر القبول.
مولانا كفاية الله الدهلوي المعروف بمفتي كفاية الله
الشيخ العالم الصالح كفاية الله بن عناية الله بن فيض الله الحنفي الشاهجهانبوري ثم الدهلوي، أحد
كبار العلماء، ولد في سنة اثنتين وتسعين ومائتين وألف بشاهجهانبور، ودخل في المدرسة الإعزازية
ومكث بها سنتين، ثم سافر إلى مراد آباد والتحق بمدرسة شاهي وقرأ على أساتذتها، منهم مولانا عبد
العلي الميرلهي والمولوي محمد حسن والمولوي محمود(8/1332)
حسن السهسواني وكان يتكسب بصناعة
القلانس وكان يخيطها ويبيعها وينفق على نفسه، ثم سافر إلى ديوبند سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة
وألف، وقرأ في المدرسة العالية بها على مولانا منفعت علي الديوبندي والحكيم محمد حسن والشيخ
غلام رسول والشيخ خليل أحمد الأنبيثهوي، والحديث على مولانا عبد العلي الميرلهي والعلامة
محمود حسن الديوبندي، وقرأ فاتحة الفراغ في سنة خمس عشرة وثلاثمائة وألف، ثم رجع إلى
شاهجهانبور وأقام في مدرسة عين العلم خمس سنين يدرس ويباشر الإدارة، ثم توجه إلى دهلي على
طلب من الشيخ أمين الدين مؤسس المدرسة الأمينية ومديرها، ودخل في سلك أساتذتها في سنة إحدى
وعشرين وثلاثمائة وألف، حتى آلت إليه إدارتها ونظارتها على وفاة الشيخ أمين الدين في سنة ثمان
وثلاثين وثلاثمائة وألف، واستقام على ذلك أربعاً وثلاثين سنة ثابتاً مثابراً، محتسباً، رابط الجأش،
يدرس ويفيد، ويفتي ويعلم، ويخرج ويربي، وقد توسعت في عهده المدرسة الأمينية وبلغت أوجها من
بين مدارس البلد ومعاهده.
وكانت للشيخ كفاية الله عناية بالقضايا الإسلامية، وميل إلى السياسة، يتألم بما يؤلم المسلمين، ويحط
من شأنهم، قد ورث ذلك عن أستاذه العلامة محمود حسن الديوبندي، كان من كبار أنصاره، ومن
أوفى تلاميذه في الانتصار للخلافة العثمانية، والسعي لتحرير البلاد ونفي الإنجليز، وكان له الفضل
الكبير في تأسيس جمعية العلماء التي تأسست في سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وألف وتشييد بنيانها،
وقد بقي الرئيس لها لمدة عشرين سنة، وكان من كبار أنصار الحركة الوطنية التحريرية، ومن كبار
المؤيدين للمؤتمر الوطني من بين علماء المسلمين وقادتهم، وقد سجن مرتين، أولاهما في السابع
عشر من جمادى الأولى سنة تسع وأربعين وثلاثمائة وألف، وحكم عليه بالسجن لستة أشهر،
وثانيتهما في ذي القعدة سنة خمسين وثلاثمائة وألف، وحكم عليه بسجن ثمانية عشر شهراً، ولما
ظهرت حركة الردة في بعض الأسر التي أسلمت في الماضي وعودتها إلى دينها السابق واستفحلت
هذه الحركة قام الشيخ كفاية الله، وقاومها بارسال الوفود من العلماء وغيرهم لتثبيت المسلمين على
دينهم، وسافر رئيساً لوفد جمعية العلماء لحضور المؤتمر الإسلامي الذي انعقد بدعوة الملك عبد
العزيز بن سعود في ذي القعدة سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وألف، وظهرت حصافة رأيه وعمق
نظره في المباحثات التي دارت في هذا المؤتمر والقرارات التي اتخذت فيه، وسافر مرة ثانية
لحضور مؤتمر فلسطين، الذي عقد في القاهرة في شعبان سنة سبع وخمسين وثلاثمائة وألف، ولقي
حفاوة واستقبالاً في الأوساط الإسلامية والعلمية في مصر، وتلقاه العلماء والزعماء بصفة المفتي
الأكبر للديار الهندية ومن كبار علمائها وقادتها.
وقد استقلت الهند سنة ست وستين وثلاثمائة وألف، وقامت الحكومة الوطنية، وقد آلمه ما رأى من
خيبة الأمل في الذين كافح معهم في تحرير البلاد، وفي تعايش الشعوب المختلفة في البلاد تعايشاً
سلمياً ودياً، فكسر ذلك خاطره، وانصرف عن المحافل السياسية، واعتزل في البيت عاكفاً على العلم
والإفتاء والذكر والعبادة حتى وافته المنية.
كان الشيخ كفاية الله قوي العلم عالماً متقناً ضليعاً طويل الباع، راسخ القدم في الفقه، عظيم المنزلة
في الإفتاء وتحرير المسائل وتنقيحها، يكتبها بعبارة وجيزة متينة، وكان دقيق النظر في المسائل
والنوازل، جيد المشاركة في الحديث وصناعته، له ذوق في الأدب العربي، وقدرة على قرض الشعر،
بارعاً في الحساب والعلوم الرياضية، جيد الخط، كثير التواضع قليل التكلف، وقوراً رزيناً، يحب
الترتيب والنظام في كل شيء، يخدم نفسه ويكون في مهنة أهله في البيت، له سلامة فكر وصفاء
ذهن، وتورع عن الغيبة وفحش الكلام، قد بايع في شبابه الإمام الشيخ رشيد أخمد الكنكوهي، واستقام
على صلاح وصدق وعفاف، واشتغال بما ينفع الناس، له أربعة أجزاء من من تعليم الإسلام لتعليم
الدين لأطفال المسلمين، تلقى بالقبول وطبع مراراً، وكان قليل الاشتغال بالتصنيف، منصرفاً إلى
الإفتاء والتدريس، له مجموع فتاواه باسم كفاية المفتي في مجلدات كبار.(8/1333)
ومن شعره العربي ما قاله عن شيخه العلامة محمود حسن الديوبندي حين كان أسيراً في مالطة:
ألا يا مالطة طوبى وبشرى ثوى بك من محا آثار كفر
ولم تك قبله إلا خرابا خمولاً غير معروف بخير
فلما حلها عادت رياضاً منضرة من التقوى وذكر
مكللة بأزهار المزايا وأزهار المزايا خير زهر
ألا يا مالطة كوني سلاما على محمودنا الراضي بقدر
إمام الخلق قدوتهم جميعاً له كرم إلى الآفاق يسري
جنيد العصر سري الزمان غيوث فيوضه تهمي وتجري
فريد في خلائقه العذاب وحيد في التقى من غير فخر
أشد الناس أمثلهم بلاء فيا شمس الهدى يا طود صبر
ذكرنا يوسف الصديق لما أسرت بغير استحقاق أسر
لحر البين في صدر الكئيب تفيض دموعه حمراً كجمر
سينزلك العزيز محل عز ويضرك النصير أعز نصر
سيكفيك الإله فأنت مرء
كفاك الله قدماً كل شر
توفي في الثالث عشر من ربيع الثاني ليلة الخميس سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة وألف، وصلى
عليه جمع كبير، ودفن أمام مقبرة العارف الكبير الشيخ قطب الدين بختيار الكعكي في دهلي.
السيد كلب باقر النصير آبادي
السيد الشريف كلب باقر بن كلب حسين بن محمد حسين الحسيني النقوي النصير آبادي، أحد علماء
الشيعة وكبرائهم، ولد ونشأ بنصير آباد، وسافر إلى لكهنؤ للعلم، فقرأ بها على أساتذة عصره، ثم
سافر إلى العراق فزار المشاهد وصحب العلماء ولازمهم مدة طويلة حتى برع في العلم وفاق أقرانه،
وشهد بفضله وأدبه علماء العراق، منهم الشيخ محمد سعيد بن محمود سعيد النجفي، له قصائد في
مدحه، ومنهم مرزا محمد تقي الشيرازي والشيخ عباس ابن الحسن النجفي والسيد محمد كاظم اليزدي
وخلق آخرون.
له دلائل الخيرات في العقائد، يشتمل على ألفي بيت، يشهد ببراعته في العلوم الأدبية، أولها:
الحمد لله العلي الشأن ذي المن والآلاء والإحسان
رب الأنام الباري المصور والخالق المحيي المميت المنشر
مات سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف.
نواب كلب علي خان الرامبوري والي رامبور
الأمير الفاضل كلب علي بن يوسف علي بن محمد سعيد الحنفي السني الرامبوري، أحد الأمراء
المشهورين.
ولد بدهلي سنة إحدى وخمسين ومائتين وألف، ونشأ في نعمة جده وأبيه، وقرأ العلم على المولوي
محمد حياة والمولوي جلال الدين والمولوي عبد العلي والمولوي غياث الدين وعلى العلامة فضل
حق بن فضل إمام الخير آبادي، وتولى الإمارة سنة إحدى وثمانين ومائتين وألف بعد ما توفي والده
واستقدم الشيخ أحمد سعيد بن أبي سعيد العمري الدهلوي إلى رامبور، فلم يجبه وبعث ولده الشيخ
عبد الرشيد إليه فبايعه، ولازم الشيخ إرشاد حسين العمري وأخذ عنه الطريقة، وسافر إلى الحرمين
الشريفين سنة تسع وثمانين فحج وزار، وبذل أموالاً طائلة في الحرمين.(8/1334)
وكان فاضلاً باذلاً يحب العلماء يجالسهم ويذاكرهم في العلوم، وربما يطالع الكتب، فاجتمع لديه كبار
العلماء والشعراء، وخصهم بالصلات والجوائز وبذل مالاً وافراً على تحصيل الكتب، فصارت
خزانته ملآنة من الكتب النفيسة النادرة الوجود.
وله تاج فرخي ديوان الشعر الفارسي، وأربعة دواوين باللغة الأردوية، أولها نشيد خسرواني، وثانيها
دستنبوي خاقاني، وثالثها درة الإنتخاب، ورابعها توقيع سخن.
مات لثلاث بقين من جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثمائة وألف.
حرف اللام
المفتي لطف الله الكوئلي العليكدهي
الشيخ العالم الكبير العلامة المفتي لطف الله بن أسد الله بن فيض الله بن لعل محمد الحنفي الكوئلي،
أحد الأساتذة المشهورين في الهند.
ولد سنة أربع وأربعين ومائتين وألف بقرية بلكهنه - بكسر الباء العجمية - من أعمال كوئل
ويسمونها عليكده وقرأ المختصرات على أساتذة وطنه، ثم سافر ولازم المفتي عناية أحمد الحنفي
الكاكوروي وقرأ عليه الكتب الدرسية، وبرع في كثير من العلوم والفنون، وإني سمعت عمن أثق به
- لعله المولوي حبيب الرحمن الشرواني - أنه أسند الحديث عن القارىء عبد الرحمن الباني بتي،
ثم درس وأفاد مدة طويلة بمدرسة فيض عام في بلدة كانبور ثم سار إلى بلدته كوئل وسكن بها،
واشتغل بالتدريس، قرأ عليه ألوف من رجال الهند وخراسان، وانتشروا في الآفاق، وأسسوا
المدارس، فانتهت إليه الرئاسة العلمية، وصار المرجع والمقصد، يأتون إليه من كل فج عميق ومرمى
سحيق، استقدمه في كبر سنه نواب وقار الأمراء وزير الدولة الآصفية إلى حيدر آباد في سنة اثنتي
عشرة وثلاثمائة وألف، وولاه الصدارة في دار العلوم ثم الإفتاء في محكمة الإستئناف، فاستقل به مدة
من الزمان، ولما كف بصره رجع إلى بلدته وأحيل إلى المعاش.
وكان مع غزارته في العلوم كثير الصمت حسن الأخلاق، كريم النفس سليم الباطن من الحقد
والغيظ، لا يذكر أحداً بسوء، ويحسن إلى من يسيء إليه، ولا يظهر لأحد مقتاً ولا عبوساً، كثير
التواضع والرفق بالناس، يجالس الفقراء ويحادثهم، ويبذل لهم العطايا، ويحب العلماء والأفاضل
ويعتقد في الأولياء والمشايخ، ويلازم الفرائض والسنن، وكان يحبني حباً مفرطاً.
وكان من المؤيدين لندوة العلماء المنتصرين لها، ورأس حفلتها السنوية الأولى في كانبور سنة إحدى
عشرة وثلاثمائة وألف، وحفلتها المنعقدة في بريلي سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة وألف.
كان مديد القامة جسيماً، أبيض اللون والبشرة، عريض ما بين المنكبين، واسع الجبين، أدعج
العينين، ضخم الأنف، رقيق الشفتين، في عنقه طول، دائم البشر، وقوراً متأدباً، غضيض الطرف،
بعيداً عن التكلف، له معرفة بالشعر الجيد، وذوق رفيع، عفيف اللسان نزيه الكلام، ورزق من التلاميذ
النجباء الذين أصبحوا من بعد كبار العلماء ونشروا العلوم في الآفاق ما لم يرزق إلا القليل من
الأساتذة والمدرسين، في عصره.
مات لتسع خلون من ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة وألف ببلدة عليكده وله تسعون سنة.
المفتي لطف الله الرامبوري
الشيخ العالم الفقيه المفتي لطف الله بن المفتي سعد الله بن نظام الدين الحنفي المراد آبادي ثم
الرامبوري، أحد العلماء الصالحين، ولد سنة أربع وتسعين ومائتين وألف في لكهنؤ، وقرأ الكتب
الدرسية على والده وتفقه عليه، وولي الإفتاء ببلدة رامبور بعد ما توفي والده، لقيته فوجدته حليماً
متواضعاً، منور الشبيه قليل العلم كثير العلم.
مات لثمان بقين من ربيع الآخر سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف برامبور، ودفن في مقبرة شاه
بغدادي.(8/1335)
المولوي لعل محمد السندي
الشيخ العالم الفقيه لعل محمد بن القاضي رحمة الله المتاروي السندي، أحد العلماء الصالحين، ولد
بقرية متاري - بفتح الميم والتاء العجمية - من أعمال حيدر آباد السند لليلة بقيت من شوال سنة
أربع وسبعين ومائتين وألف، وقرأ الكتب الدرسية على المولوي عبد الولي المتاروي السندي في سبع
سنين، وحفظ القرآن في سبعة أشهر، ثم تصدر للتدريس في ننده غلام علي خان قرية من أعمال
حيدر آباد السند، وسافر إلى الحرمين الشريفين سنة ثلاثمائة وألف فحج وزار وأقام بها سنة كاملة،
وأخذ الطريقة النقشبندية عن الشيخ عبد الرحمن السندي، ثم رجع إلى الهند واشتغل بالتدريس، أخذ
عنه غير واحد من الأعلام.
المولوي لمعان الحق اللكهنوي
الشيخ العالم الفقيه لمعان الحق بن برهان الحق بن نور الحق الأنصاري اللكهنوي، أحد الفقهاء
الحنفية، ولد ونشأ ببلدة لكهنؤ وقرأ العلم على مولانا عبد الحكيم بن عبد الرب، ثم على ولده شيخنا
محمد نعيم بن عبد الحكيم اللكهنوي، وأخذ الطريقة عن أبيه، ثم تولى الشياخة، وكان يذكر ويعظ.
مات لخمس عشرة خلون من رمضان سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وألف.
لحاظ النساء السهسوانية
الست الفاضلة لحاظ النساء بنت الشيخ صابر حسين الصديقي السسواني، إحدى النساء الفاضلات،
ولدت في شعبان سنة تسعين ومائتين وألف، ببلدة رامبور ونشأت في نعمة أبيها، وسافرت معه إلى
بهوبال وتعلمت الخط والكتابة والرسائل المختصرة بالفارسية من أبيها، ثم قرأت النحو والصرف
وغيرهما من العلوم الآلية، ثم قرأت بلوغ المرام وبعض الصحاح والسنن على مولانا محمد بشير
السهسواني، ثم أخذت بعض كتب الأحاديث عن شيخنا وبركتنا حسين بن محسن اليماني، وحصلت
لها الإجازة عنهما وعن الشيخ المحدث نذير حسين الحسيني الدهلوي.
وكانت سريعة الحفظ جيدة الفهم، صرفت عمرها في مطالعة الحديث والتفسير مع اشتغالها بتلاوة
القرآن وإحياء الليل بالعبادة، ماتت في شبابها لإثنتي عشرة خلون من صفر سنة تسع وثلاثمائة
وألف، بمراد آباد.
حرف الميم
مولانا ماجد علي الجونبوري
الشيخ الفاضل الكبير ماجد علي الحنفي المانوي، أحد الأفاضل المشار إليهم في سعة الإطلاع وكثرة
الدرس والإفادة، ولد بماني كلان من أعمال جونبور وقرأ المختصرات في بلاده، ثم سافر وأخذ عن
العلامة عبد الحق ابن فضل حق الخير آبادي ولازمه مدة من الزمان، ثم دخل عليكده ولازم دروس
المفتي لطف الله الكوئلي زماناً، ثم سار إلى بهوبال وقرأ على القاضي عبد الحق بن محمد أعظم
الكابلي شرح الجغميني، وسمع بعض الكتب الدرسية عليه، وكنت مشاركاً له في شرح الجغميني، ثم
سافر إلى كنكوه وأخذ الحديث عن الشيخ المحدث رشيد أحمد الحنفي الكنكوهي، ثم ولي التدريس
بالمدرسة العربية في كلاوثي فدرس بها زماناً، ثم ولي التدريس بالمدرسة العربية في ميندهو، كلاهما
من أعمال بلند شهر فدرس وأفاد بميندهو مدة طويلة، ثم سافر إلى بهار - بكسر الموحدة - وولي
بالمدرسة العزيزية، ولم يلبث بها إلا قليلاً فرجع إلى ميندهو ثم سافر إلى كلكته وولي الصدارة
بالتدريس في المدرسة العالية بها.
وكان من كبار الأفاضل يدرس الكتب الدقيقة في العلوم الحكمية بغاية التحقيق والتدقيق، وله نظر
واسع على مصنفات القدماء.
توفى يوم العيد غرة شوال سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة وألف.(8/1336)
الشيخ محمد بن أحمد الطوكي
الشيخ الفاضل الكبير محمد بن أحمد الطوكي أبو الرضاء، كان من العلماء المشهورين، ولد ببلدة
طوك سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف ونشأ بها، وحفظ القرآن، وقرأ المختصرات على أساتذة
بلدته، ثم سافر إلى بلاد شتى وقرأ الكتب الدرسية على المفتي لطف الله بن أسد الله الكوئلي على
غيره من العلماء، ثم لازم الشيخ فيض الحسن السهارنبوري، وتأدب عليه، ثم دخل دهلي وأخذ
الحديث عن السيد نذير حسين الدهلوي المحدث.
وكان مفرط الذكاء جيد القريحة، قوي الحفظ سريع الكتابة، يكتب النسخ والتعليق بغاية الحلاوة،
وكان حسن المحاضرة كثير المحفوظ بالأدب والشعر يسرد على محالها، ولكنه كان شديد التعصب
على الأحناف، بذاء اللسان يهجوهم ويشنع عليهم على رؤس الأشهاد، ولذلك غضب عليه نواب
إبراهيم علي خان أمير ناحية طوك وأمر بحبسه، ثم أطلقه بشفاعة عمه عبيد الله خان فذهب إلى
بهوبال فوظف له نواب صديق حسن القنوجي فأقام بها مدة طويلة، رأيته بها وجالسته، ثم رجع إلى
بلدته طوك سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة وألف، وكان مريضاً بالإستسقاء، فمات بها.
ومن مصنفاته شرح بسيط على ديوان الحماسة، وشرح على ديوان المتنبي، وحاشية على لامية
العرب للشنفري، وله الدراسة الوافية في العروض والقافية والقصيدة البديعة في ذم المقلدة الشنيعة
تشتمل على اثنتين وثمانين ومائتين بيت، وأخرى تربو على مائة وخمسين بيتاً، وله قصائد غيرها،
وشعره جيد حسن السبك سهل المأخذ، منها قوله:
هواكم بقلبي والجوى في تمدد وشوقي للقياكم مقيمي ومقعدي
أبى القلب أن يسلو الأحبة صابراً وأن يرتضي نوماً بجفن مسهد
أناجي نجوماً طول ليلي كأنني أطارت كرى عيني ليلة أرمد
لقاؤكم المطلوب أحلى من الكرى وأشهى من العيش اللذيذ المرغد
وكم بت أبكي من تذكر جيرتي وأرعى عهوداً كن في خير معهد
بكت عين قلبي بالدماء تحزنا إذا ذكرت أيام وصل مبعد
وما لي لا أبكي وقد حازني النوى ولم أعط منكم نظرة المتزود
أطارت تباريح الحوى كل بنيتي ومل طيبي طول سقمي وعودي
إلى كم أقاسي شدة من فراقكم أذوب بنار في الحشا متوقد
رحلتم فبالله كم من حبائل تصيد فؤادي من أغاني المغرد
سلبت لذيذ العيش لا عيش بعدكم أعيش وعيشي عيش جيران أكمد
أقاسي أواماً في هجير غرامكم ولم أرض غير الوصل والدهر موردي
وأنتم شفائي لا دوائي غيركم ومنكم أرجي الفوز في نيل مقصدي
فمنوا على من يرتجي بقدومكم حياة فؤاد بالسرور المجدد
وإن لم تلاقوني بأنس ورغبة فيا وجد لا تذهب ويا حسرة اشهدي
وقوله من أخرى:
إلى الله أشكو المشركين ببلدة بليت بها منكم بكرب وغربة
أقمت لديهم مدة في ديارهم كئيباً حزيناً من أذاهم وجفوة
أصبت بحقد منهم وقلائهم فكم شدة قاسيتها وبلية(8/1337)
أقضي الليالي ساهراً متفكراً مخافة كيد منهم وخديعة
وضاقت على الأرض جداً برحبها هجوماً لأنواع الخطوب الملمة
وجدتهم عمياً عن الحق والهدى ومقتحمي لج الضلال وبدعة
فنبهتهم عن غفلة ودعوتهم إلى دين رب العالمين وشرعة
وذكرت بالقرآن سراً وجهرة ورغبتهم في الاتباع بسنة
نصحتهم باللين كي يأخذوهما ويصغوا إلى قولي بأنس ورغبة
وأخبرت عن بطلان تقليد مذهب وعرفتهم ما جاءنا بالأدلة
وكررت تذكيري رجاء لنفعه ورددت نصحي مرة بعد مرة
واسمعتهم فيما أمرنا بأخذه أحاديث ترغيب وآثار رتبة
فلم يذعنوا للحق بل زاد زيغهم وطغيانهم دون الرجوع وتوبة
ولم ينتهوا عن غيهم وضلالهم وساءتهم مني مذمة بدعة
وأغضبهم إنكار تقليد مذهب وعزهم إنكار زور بكثرة
فأعرض عني كلهم وتأخروا وقد ألفوا عن أخذ نهج طريقة
ولو كان من يدعو إلى الزيغ والهوى أجابوا إلى التقليد من غير فترة
وكيف تلقوا بالقبول هدايتي وقد آمنوا بالجبت من طول مدة
أصروا على ما ضل آباؤهم به ولم يأخذوه عن دليل وحجة
مذاهب اختاروا برأي معوج على الملة الغراء غير محجة
مات نحو سنة أربع عشرة وثلاثمائة وألف، ببلدة طوك.
السيد محمد المحمد آبادي
الشيخ الفاضل محمد بن أحمد علي الحسيني الشيعي المحمد آبادي، أحد الأفاضل المشهورين في
الصناعة الطبية، ولد بمحمد آباد سنة خمسين ومائتين وألف، ونشأ في نعمة أبيه، وتخرج عليه، وكان
والده من كبار العلماء، ثم لازم الحكيم محمد علي بن غلام نبي اللكهنوي، وأخذ عنه الصناعة الطبية
بلكهنؤ، ثم رجع إلى بلدته واشتغل بالطبابة، وكان مرزوق القبول حسن المعالجة.
السيد محمد السورتي
الشيخ الصالح محمد بن أحمد الله بن رحمة الله الحسيني اللاجبوري السورتي، نزيل بهوبال ودفينها،
ولد ونشأ بمدينة سورت وحفظ القرآن، ثم قرأ العلم على أساتذة عصره وسافر إلى بهوبال فولى
نظارة المساجد بها، رأيته في بهوبال ولقيته غير مرة، وكان صالحاً ديناً عفيفاً متعبداً.
مات لإحدى عشرة خلون من ربيع الثاني سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة وألف بدق الشيخوخة في
بهوبال.
الشيخ محمد بن إسماعيل السندي
الشيخ الفاضل محمد بن إسماعيل بن دين محمد الهالوي السندي، أحد العلماء الصالحين، ولد بقرية
هالا كنده من أعمال حيدر آباد السند، لثلاث بقين من رمضان سنة ست وسبعين ومائتين وألف، وقرأ
المختصرات على المولوي عبد اللطيف الهالوي، ثم دخل حيدر آباد وأخذ عن المولوي محمد حسن
الكنيدي، ثم تصدر للإفادة فدرس بها نحو ثلاث سنين، ودرس بوطنه مدة طويلة، وسافر إلى الحرمين(8/1338)
الشريفين سنة تسع وثلاثمائة وألف، فحج وزار وأسند الحديث عن الشيخ عبد الحق بن شاه محمد
الإله آبادي المهاجر، ثم رجع إلى الهند، واشتغل بالدرس والإفادة، له خلاصة الأصول ومجموع
الفتاوي.
الشيخ محمد بن حسين الأنصاري
الشيخ العالم المحدث محمد بن حسين بن محسن بن محمد الأنصاري الخزرجي السعدي اليماني، أحد
الأدباء المشهورين، ولد ببلدة حديدة سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف تقريباً كما أخبرني بها، وقرأ
على والده بعض رسائل النحو والفقه الشافعي، وكذلك على عمه الأكبر الشيخ محمد بن محسن
اليماني، وقدم بهوبال نحو سنة إحدى وتسعين ومائتين وألف، فلازم عمه وصنو أبيه الشيخ ازين
العابدين وتأدب عليه، وأخذ عنه الفقه والحديث، وقرأ على المولوي عبد الله البلكرامي نائب قاضي
بهوبال بعض رسائل النحو والمنطق والفقه والأصول، وعلى مولانا عبد الحق بن محمد أعظم
الكابلي بعض رسائل المنطق، وعلى مولانا يوسف علي الكوباموي بعض الكتب الدرسية في الفقه
والأصول والحكمة، وأخذ عنه العروض والقافية، وقرأ على المفتي عبد القيوم بن عبد الحي البكري
البرهانوي، المجلد الأول من صحيح البخاري وبعضاً من جامع الصغير وأجازه بما قرأه إجازة
خاصة، وقرأ على نجله يوسف بن عبد القيوم مسند الإمام أحمد وأوليات الشيخ محمد سعيد سنبل
وإجازات والده وجده، فأجازه برواية ذلك عنه، وقرأ على القاضي محمد بن عبد العزيز المجهلي
شهري جملة صالحة من صحيح البخاري وبلوغ المرام وقد أجازه بكل ما تجوز له روايته وتصح
عنه درايته، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار، وأجازه الشيخ عبد الله بن إدريس السنوسي
الحسني الفاسي بروايته عن الشيخ عبد الغني بن أبي سعيد العمري الدهلوي المهاجر عن الشيخ
محمد عابد بن أحمد علي السندي صاحب حصر الشارد، ولما رجع إلى بهوبال ولي التدريس في
مدرسة والده، فدرس وأفاد بها مدة طويلة، وسافر إلى الحجاز ثم إلى الشارقة من بلاد عمان ثم قدم
لكهنؤ وولي التدريس بدار العلوم لندوة العلماء، وإني قرأت عليه ببلدة بهوبال الوافي بعلمي العروض
والقوافي مع شرحه الصغير للدمنهوري والمقامات للحريري وديوان المتنبي وكتاب الحماسة
والمعلقات السبع وغيرها.
وله مصنفات منها الطرز الموشى بفوائد الإنشاء في مجلد، والمورد الصافي في العروض والقوافي،
والنور الساطع المقتبس من محاسن البدع الطالع ومن قصائده ما أنشده في ندوة العلماء سنة 1320
هـ
:
دعاها إذا غنت على الروضة الغنا فإنا وجدنا في المغاني لها مغنى
وقولاً لحادي العيس فليحمد السرى فإنا سمعنا في الأغاني لها لحنا
وقولاً لغزلان النقاء لك البقا لقد طبتما عيشاً بعيش هو الأهنى
ولا تسألا غير الصبا عن صبابتي فعنها رويت اللطف لطفاً له معنى
سرت وعليل الطرف لا يعرف الكرى ومهجته حرى وقتب له مضنى
وما اشتاق لا والله للمدح ناظري ولا لغزال الريم والغادة الرعنا
ولا نظرت عيني إلى ما يسرها ولا شاهدت في الربع جلاله يغنى
رعى الله ذات الطوق كم حركت هوى وكم بذلت صوتاً وكم أخذت منا
وساق صبيح الوجه راق صبوحه كما راق ماء الحسن في الروضة الغناء
أتاني بها صرفاً وأومى بطرفه فقلت له بالله من هذه زدنا
فما الراح إلا الروح عند بزوغها فعجل بها صرفاً ودع فرجها عنا(8/1339)
شربنا على ذكر الحبيب مدامة سكرنا بها من قبل أن نعرف الدنا
لها الكأس بدر وهي شمس يديرها هلال وكم يبدو إذا مزجت معنى
وقائلة ما بال قلبك مولع بعالمها الأعلى ورفرفها الأسنى
وحتام تسعى لابتناء معالم من العلم قد أسهرت في حوزها الجفنا
لعمرك من يسعى لنيل فضائل فقد حارب الدنيا ومات بها حزنا
يرى شربه فيها سراباً وعقله عقالاً لما يبغي وقوته وهنا
فقلت دعيني من حديث خرافة فإنا أناس نعشق المجد مذ كنا
لنا أنفس تأبى الهوان وترتقي إلى المنهج الأعلى ولم تطلب الأدنى
لنا سلف ساروا على خير شرعة ونحن على آثار شرعهم سرنا
ولا خير في الدنيا إذا لم تجد بها حبيباً وتجني من جداك بها عدنا
ولا خير فيمن يجمع المال للغنا فأوزاره تبقى وصاحبه يفنى
وليس الغنى إلا التعفف والتقى ومأثرة تنمى ومكرمة تجنى
وما أنشأه سنة 1334 هـ بندوة العلماء:
يا سعد كرر حديثاً صار أعذبه من أصدق القول لا ما قيل أكذبه
أهد المسامع حلياً من فرائده فإنه الدر والدارية يرغبه
بالله لا تهده إلا أخا ثقة مهذب طبعه قد راق متربه
ما كل جيد نظيم الدر حليته ما كل من ينشد الأشعار تطربه
وصن بديع المعاني عن سوى فطن صافي السجية حر حين تنسبه
فإنه أنفس الأشياء يضن به من كان في الذروة العلياء منصبه
أليس معناه قد سار الزمان به سير الصبا وذووه عنه تكتبه
والبدر في أفقه ما شام منه سنا إلا سرى نحوه للنور يرقبه
لا تعجبن فهذي ندوة العلماء سارت وعيسهم للقلب تجذبه
ساروا وقلبي فيهم واجب وله يريد سيراً فلولا الذئب يعقبه
ساروا لبونا ستاراً طاب مقدمهم فيها وهان من المقصود أصعبه
أتوا يقودهم شهم أبو شرف من نسل عبد مناف فاق منصبه
السيد الندب عبد الحي ناظمها أجل شخص فنون العلم مشربه
فتى أرى قدره أهلاً لكل على لم يسع إلا لمجد طاب مذهبه
ومما أنشأه عند ذهاب أركان الندوة إلى مدراس سنة 1335 هـ للاحتفال:
شكت بلسان الحال طول جفاها ونادت ولكن من يجيب نداها
وشدت إلى مدراس أمراس رحلها لتبلغ منهم ما يزيل عناها
وجاءت إليهم تستغيث من الأولى جفوها ولم يعنوا برفع بناها
ولم يكملوا ما قد بقي غير كامل ولم يعبأوا بالطالبين ولاها(8/1340)
ولم يجهدوا فيا لتتميمها فقد شكت بلسان الحال طول جفاها
عسى أهل مدراس ومن حل قربهم أولى همة عليا تشيد سماها
فيا ندوة قد كدر الدهر صوفها وطاب عليها كربها وعناها
خليلي لم يبق الجفاء لناظري بكاء فهل عين تعير بكاها
فأبكي من هجر طويل وغربة بدار متى أدعو أجاب صداها
أحاط بها الإفلاس من كل جانب فطلابها من لومها وصداها
يصيحون فيها كل يوم وليلة جياعاً وأظمأهم شديد صداها
فيا أهل دين الله قوموا فبادروا لنصر عباد الله من علماها
فجاؤا إلى مدراس يستنجدونهم يقودهم ابن الوصي وطاها
يقودهم حبر نبيل معظم وذلك عبد الحي بدر سماها
فتى همه التقوى وهمة نفسه أنافت على مريخها وسهاها
فتى قد جنى من كل فن ثماره وحاز من العليا رفيع ذراها
قريب إلى أهل الشريعة والتقى بعيد بمن يهدي بغير هداها
عفيف عن الأموال إلا بحقها يرى زهرة الدنيا يطير هباها
ومما أنشأه سنة 1336 هـ عند ذهابي إلى ناكبور للاحتفال السنوي:
دعاني من هوى سعدى دعاني فداعي الشوق للندوى دعاني
دعاني أن أقول مقال صدق حقيق أن يفوه به جناني
بأن الله لا يخفى عليه خفي حيث كان بلا تواني
فأوجب في الزكاة على ذويها حقوقاً ليس يحصرها لساني
وندوتنا غدت علقاً نفيساً تحلت بالبيان وبالمعاني
وقد شدت إلى نكبور تبغي ندى من أهل ثروتها يداني
تحث السير نحوهم سريعاً إليهم تمتطي ظهر الأماني
أنادي عيسهم عوجوا لداري فقالوا لا إلى دار التهاني
ومعهم جملة العلماء حثوا ركائبهم لتشييد المباني
بوعظ يصدع الصخرات حقاً ونصح كالمثالث والمثاني
يقودهم فتى من آل طاها كريم ما له في الناس ثاني
بعبد الحي يسمى طاب أصلاً وفرعاً لا يدانيه مداني
ذكي أريحي ألمعي فريد فاق بالشم الحسان
تراه دائماً طلق المحيا لذي الحاجات من قاص ودان
ومما أنشأه مهنئاً بولادة ولدي الرشيد عبد العلي سلمه الله تعالى سنة 1310 هـ:
سر قلبي بذلك المولود لصفي خل وفي ودود
فاضل كامل تقي نقي سعيد عاقل لبيب مجيد(8/1341)
هذه الغانيات اطربن بال دف وباللحن والغنا والنشيد
كل حوراء ناظرات بطرف كعيون المها وطرف غيد
كسهام أهدابها راشقات ونقد القلوب قبل الجلود
بقدود كأنها غصن البا ن ترنحن للمحب العميد
ذات فرع كأنها الليل إذ يسجو على قلب عاشق معمود
حسى الله كم أقاسي صعاباً من هواها ولم أنل مقصودي
فلذا رمت أن أخلص نفسي بمديحي لسبط خير الوجود
فلعلي أرجو النجاة بمدحي لأهل الكساء أهل الجود
قام في منبر القلوب خطيباً فسر طيب نشره في جلودي
جدد العهد بالسرور وأضحى يتجلى بكل سعد جديد
هي بشرى لسيدي ذي نجار بشرته بنجله المولود
كوكب لاح في سماء علاء درة رصعت بعقد فريد
مستهلاً أتى فكان هلالاً قد رأينا كماله يوم عيد
غير بدع إذا سما وهو طفل فهو من عنصر الكرام الصيد
كم يوم علاهم في ازديار للمعالي ومجدهم في الصعود
فهنيئاً لك البشارة عبد الحي بالقادم الكريم الرشيد
أبد الله عمره وحماه وحباه بحلة التأييد
لم يزل سيداً حليماً رشيداً فهو جزء من الحليم الرشيد
بدر سعد لأجل ذا أرخوه بدر تم بدى بوقت سعود
ومما كتب إلى من بهوبال سنة 1340 هـ:
كتبت كتاباً بالسلام وبالود وبالمسك والكافور والعطر والند
وعفرته بالزعفران كرامة لما فيه من ذكر الأحبة والسود
إلى قمر الدنيا إلى غاية المنى إلى عند من لا عنده بعض ما عندي
إلى الفاضل النحرير والعالم الذي يسمى بعبد الحي يا لك من عبد
هو ابن رسول الله وابن وصيه وابن الحسين السبط واسطة العقد
عليهم سلام الله ما ذر شارق وما سح ودق في خمائل من ورد
سلام عليهم كلما لاح بارق وما غنت الورقا على ورق الرند
سلام عليهم كلما هبت الصبا وما جاءت الأخبار منهم إلى عندي
سلام على عبد العلي وصنوه علي ومن يأوي إليهم على بعد
سلام محب قلبته يد النوى من الشوق في نار مسعرة الوقد
فوالله ما طابت حياتي بعدكم ترى أنتم طابت حياتكم بعدي(8/1342)
حرام على النوم حتى أراكم ولو كنت في الفردوس أو جنة الخلد
ومما أنشأه مهنئاً بولادة حسن المثنى بن عبد العلي سلمهما الله تعالى سنة 1339 هـ.
حسن المثنى دمت ترقى في العلى درجاً رقاها والداك وجدكا
ولدتك واضحة الجبين وأصلها فرع السماء به تعالى قدركا
عبد العلى أبوك نجل السيد المنطيق عبد الحي جدك قد زكا
من عصبة قرشية نالوا العلى بالمصطفى المختار يعلو مجدكا
فافخر على هام السماك برتبة جلت وفاقت في الورى أن تدركا
فلذا الغواني بالأغاني أطربت والورق قد صدحت بعالي مدحكا
فاسلم ودم في نعمة وسلامة ورغيد عيش مع أبيك وجدكا
مات غرة ذي الحجة سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وألف في بهوبال ودفن بها.
الشيخ المحدث محمد بن عبد الرحمن السهارنبوري
الشيخ العالم المحدث المسند محمد بن عبد الرحمن الأنصاري السهارنبوري المهاجر إلى حرم الله
المكي، كان من كبار المحدثين، ولد ونشأ ببلدة سهارنبور، وسافر إلى دهلي في صباه، فلازم الشيخ
نصير الدين المجاهد ختن الشيخ إسحاق بن محمد أفضل العمري الدهلوي، وقرأ عليه وعلى الشيخ
إسحاق وصنوه الشيخ يعقوب قراءة غير منتظمة، ثم سافر إلى شيخه نصير الدين إلى بلاد السند،
وجاهد معه في سبيل الله، وقرأ على بعض تلامذة الشيخ محمد حياة السندي المحدث مشكاة المصابيح
بالتدبر والإتقان، وحصلت له بها ملكة راسخة في الحديث ثم سافر إلى مكة المباركة وله اثنتان
وعشرون سنة، فلازم الشيخ عبد الله سراج الحنفي المكي، وقرأ عليه صحيح البخاري في عشر
سنين، ولما نزل بمكة المباركة الشيخ إسحاق المذكور وتدير بها قرأ عليه الصحاح الستة كلها من
أولها إلى آخرها، وسافر إلى بلاد نجد وعسير واليمن والشام راجلاً، وأخذ عن مشايخ عصره، وكلهم
أجازوه، وأخرج من مكة ثلاث مرات، وأوذي في ذات الله سبحانه غير مرة، وكان يعمل ويعتقد
بالحديث ولا يقلد أحداً من الأئمة، درس بمكة مدة عمره، وقيل إنه درس في الحديث سبعين سنة،
وجاوز عمره تسعين سنة.
مات بمكة المباركة سنة ثمان وثلاثمائة وألف.
القاضي محمد بن عبد العزيز المجهلي شهري
الشيخ العالم المحدث شمس الدين أبو عبد الله القاضي محمد بن عبد العزيز الجعفري المجهلي
شهري، أحد العلماء المشهورين في الهند.
ولد لخمس بقين من شوال سنة اثنتين وخمسين ومائتين وألف، قرأ العلم على مولانا سخاوة علي
العمري الجونبوري، وأخذ الحديث عن غير واحد من الشيوخ، منهم الشيخ المعمر عبد الحق بن
فضل الله العثماني النيوتيني، سمع منه المسلسل بالأولية عند أول قدومه عليه من لفظه، وذلك في
ربيع الأول سنة سبع وسبعين ومائتين وألف، وقرأ عليه الكثير، وأجازه بجميع مروياته، وكتب له
الإجازات أكثر من عشر مرات، ومنهم الشيخ أحمد البخراوي المكي، قرأ عليه أبواباً من سنن أبي
داود، وكان شديد الرواية، لا يجيز كل من لاذ به، ومنهم الشيخ المعمر سليمان مرداد الإمام لمسجد
الحرام، قرأ عليه من أول الصحيح أبواباً، ومنهم الشيخ محمد بن عمر المكي الإمام لمسجد الحرام،
سمع منه المسلسل بالأولية على شرطه، وأضافه على التمر والماء، وسمع منه أوائل الصحيح من
لفظه على أصل أصيل عليه خطوط أبيه، وأجازه بجميع مروياته عن أبيه وعن الشيخ عبد الملك
مفتي مكة وغيرهما من المشايخ، وكان ذلك مرة سنة سبع وثمانين ومرة أخرى سنة خمس وتسعين،
ومنهم السيد عبد الله بن محمد كوجك البخاري ثم المكي،(8/1343)
سمع منه أول البخاري من لفظه في أصله،
وهو يروي عن أبيه وعن الشي محمد عابد السندي، وكتب الإجازة بخطه، ومنهم الشيخ المعمر السيد
محمد المدني أجازه بجميع مروياته، وكتب له الإجازة بخطه، وهو يروى عن السيد السنوسي ثم
المكي وغيره، ومنهم الشيخ المعمر محمد أمين بن حسن البوسنوي المدني، وهو عمر طويلاً وأدرك
المشايخ الأجلاء، منهم الشيخ عمر المكي وأبوه الشيخ حسن البوسنوي، أسند له حديثاً من الصحيح
لمسلم من طريق عن الشيخ صالح الفلالي بسنده المتصل إلى الإمام مسلم، ومنه إلى النبي صلى الله
عليه وسلم، وجل روايته عن أهل المدينة، وأجاز له بذلك السند جميع الصحيح لمسلم، ثم أجازه
بجميع مروياته عن جميع مشايخه، ومنهم السيد أحمد بن المهدي الحسني المغربي نزيل مكة، وهو
يروى عن مشايخ أجلة، منهم السيد محمد المغربي المكي عن الشيخ أحمد بن إدريس المغربي المكي
وغيره من المشايخ، وأجازه وصافحه، ومنهم السيد محبوب علي الجعفري الدهلوي، سمع منه
الحديث المسلسل بالأولية بشرطه، وكذا المسلسل بسورة الصف، وكذا الأربعين المروية عن أهل
البيت عليهم السلام من لفظه، وأجازه إجازة عامة، وكتبها له بخطه، ومنهم الشيخ يعقوب بن محمد
أفضل الدهلوي برواية كتاب الانتباه في سلاسل أولياء الله، ولكنه توفي قبل أن يرتحل إلى مكة، فلم
يحصل له منه لقاء ولا سماع، ومنهم الشيخ عبد الغني ابن أبي سعيد العمري الدهلوي المهاجر، سمع
منه وأجازه إجازة عامة، ومنهم الشيخ سخاوة علي العمري الجونبوري، أجازه بمروياته إجازة عامة،
وأجازه برواية القويم من مصنفاته خاصة، ولعله منفرد برواية هذا الكتاب عن مصنفه لا يشاركه فيه
أحد.
وكان عالماً كبيراً، بارعاً في الحديث، يعمل ويعتقد بالنصوص الظاهرة من الكتاب والسنة، وكان
شديد التعصب على مخالفيه، طويل اللسان على الأحناف، عفيفاً ديناً، صالح العمل، سافر إلى الحجاز
مرتين، مرة سنة سبع وثمانين، ومرة أخرى في سنة خمس وتسعين ومائتين وألف، وولي القضاء
ببلدة بهوبال، فاستقل به مدة من الزمان، سمعت منه المسلسل بالأولية بشرطه في مدينة لكهنؤ،
وناولني بلوغ المرام، وكتب لي بالإجازة، له مصنفات.
توفي يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلون من جمادى الآخرة سنة عشرين وثلاثمائة وألف وله نحو سبع
وستين سنة.
الشيخ محمد بن عبد الله الجوناكدهي
الشيخ العالم الصالح محمد بن عبد الله الجوناكدهي ثم السورتي، أحد الأفاضل المشهورين بكجرات،
قرأ العلم على الشيخ سليمان الجوناكدهي، وأقام ببلدة يعظ ويدرس، ثم هاجر منها لأسباب تطاولت
من شقاق الناس وعداوتهم وضيق ذات اليد إلى سورت سنة سبع عشرة وثلاثمائة وألف، فأقام
بسكرامبوره، وطابت له الإقامة به حتى انتقل بجميع متاعه وبيته، قرأ عليه الشيخ محمد بن يوسف
السورتي والشيخ عبد الكريم البنارسي وخلق آخرون.
وسمعت الشيخ محمد بن يوسف السورتي يقول إنه كان سلفي العقيدة، ولم يكن في العلم بمرتبة
عالية، بل كان قليل العلم بالحديث وغيره، ولم يكن عارفاً بالأصول والعربية.
توفي سنة اثنتين وعشرين أو ثلاث وعشرين وثلاثمائة وألف.
الشيخ محمد بن عيسى البكنوي
الشيخ العالم المحدث محمد بن عيسى الكورني البكنوي، أحد العلماء الصالحين، ولد في سنة خمس
وستين ومائتين وألف بقرية كيكي من أعمال حافظ آباد، وانتقل مع والده إلى جهانيا ثم إلى بكنه -
بضم الموحدة - فأقام بها ما شاء الله، وشرع على جده الاشتغال بالعلم، وحفظ القرآن، وحفظ أبواب
الصرف بتعليلاتها في عدة أيام، حتى فرغ عن رسائل النحو والصرف ومتون الفقه، وشرع كافي ابن
الحاجب وفتح الرحمن، وكان أحرص الغلمان على اللهو واللعب، فذهب به جده إلى قلعة مهياسنكه
وفوضه إلى أستاذه الشيخ غلام رسول القلعوي، فلبث عنده ثلاث سنين وقرأ عليه شرح الشمسية مع
حاشيته للسيد(8/1344)
الشريف ومشكاة المصابيح، وكان الحرص على كثرة الدروس، والقلعوي كان كثير
الاشتغال بتدريس الكتب الدقيقة، ولذلك لم يستطع أن يكثر له الدروس، فسافر إلى البلاد وقرأ حاشية
السيد الزاهد على الرسالة مع حاشيته لغلام يحيى وشرح السلم المسمى بحمد الله وتحرير الأقليدس
وشرح الجغميني والتصريح شرح التشريح والمختصر والمطول ومقامات الحريري على المفتي
لطف الله بن أسد الله الكوئلي، وقرأ شرح السلم لملا حسن وشرح الهداية للصدر الشيرازي والشمس
البازغة ومعاملات هداية الفقه والحسامي والتوضيح مع حاشيته التلويح والتفسير البيضاوي على
العلامة محمد بشير بن بدر الدين السهسواني، وقرأ شرح تهذيب لملا جلال وشرح المواقف للسيد مع
حاشيتهما للسيد الزاهد وشرح السلم للقاضي ومسلم الثبوت للبهاري على القاضي بشير الدين العثماني
القنوجي، وقرأ السديدي والنفيسي وشرح الأسباب وقانون الشيخ على مولانا نور كريم الدريابادي
ببلدة لكهنؤ، ثم تطبب على الحكيم محمد بن محمد ولي المهاني، ثم سافر إلى دهلي وقرأ جامع
الترمذي وصحيح البخاري على مولانا السيد نذير حسين الدهلوي المحدث، وسمع عليه غيرهما من
الصحاح والسنن، فأجازه الشيخ إجازة عامة، وأجازه الشيخ قطب الدين الحنفي الدهلوي ثم رجع إلى
موطنه وسكن بكجرات من بلاد بنجاب وعكف على الدرس والإفادة ومداواة الناس، له تعليقات شتى
على الكتب الدرسية ورسائل في الخلاف والمذهب، وكان ممن لا يلتزم المذهب المعين ولا يقلد أحداً
من الأئمة.
الشيخ محمد بن غلام رسول السورتي
الشيخ العالم الصالح محمد بن غلام رسول السورتي، أحد الأفاضل المشهورين، ولد ونشأ ببلدة
سورت، وسافر للعلم، فقرأ على المفتي نعمة الله اللكهنوي والشيخ محمد سعيد العظيم آبادي وعلى
غيرهما من العلماء، ثم دخل سهارنبور وأخذ الحديث عن مولانا أحمد علي بن لطف الله
السهارنبوري المحدث، ثم سافر إلى الحجاز فحج وزار وأخذ عن الشيخ رحمة الله بن الخليل
الكرانوي والشيخ إمداد الله العمري التهانوي وعن السيد أحمد بن زين دحلان الشافعي المكي، وكان
يسترزق بالتجارة في معمورة بمبىء.
مات لسبع بقين من محرم سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وألف.
القاضي محمد أبو عبد الله الخانبوري
الشيخ العالم الصالح محمد بن القاضي محمد حسن الخانبوري أبو عبد الله، كان من العلماء المبرزين
في الفقه والحديث والعربية، ولد يوم الأربعاء في العشرة الأولى من رمضان سنة سبعين ومائتين
وألف، وقرأ العلم على والده وعلى غيره من العلماء، ثم أخذ الحديث عن السيد نذير حسين الدهلوي
المحدث، واستفاض عن الشيخ عبد الله الغزنوي فيوضاً كثيرة، وكان تلو أخيه القاضي عبد الأحد في
القراءة والسماع، إلا أنه صحب السيد نذير حسين المذكور أكثر منه بسنتين، كما في تذكرة النبلاء.
الحكيم السيد محمد المهاني
الشيخ الفاضل السيد محمد بن محمد ولي بن واجد علي الحسيني الشيعي المهاني، أحد العلماء
المشهورين في الصناعة الطبية، ولد ونشأ بمهان - بضم الميم - بلدة من بلاد أوده، واشتغل بالعلم
أياماً على أساتذة بلدته، ثم دخل لكهنؤ وقرأ الفنون الحكمية على مولانا تراب علي الحنفي اللكهنوي،
وتطبب على بعض الأطباء، ثم ولي الطبابة في مارستان السلطاني بلكهنؤ، لقيته به، وكان يقول إنه
يحفظ ألف أدوية متفق الأثر ومختلف الخواص، تتلمذ عليه كثير من الناس وانتفعوا به.
مات سنة أربع وثلاثمائة وألف.
السيد محمد الحسيني الكالبوي
السيد الشريف محمد بن محمد هادي بن علي(8/1345)
أحمد بن خيرات علي الحسيني الترمذي الكالبوي، أحد
السادة القادة، ولد ونشأ بكالبي، واشتغل بالعلم أياماً في بلدته، ثم دخل كانبور وقرأ على مولانا محمد
علي الحسيني الكانبوري وعلى غيره من العلماء، ثم سار إلى غازيبور وقرأ على مولانا محمد فاروق
العباسي الجرياكوثي، ثم سار إلى لاهور وتأدب على مولانا فيض الحسن السهارنبوري، ثم ولي
التدريس في المدرسة العربية سيهور من بلاد مالوه فأقام بها زماناً، ثم نقل إلى أجين فدرس بها مدة
عمره.
وكان فاضلاً أديباً شريف النفس حسن الأخلاق، صالح العقيدة والعمل، له قصائد غراء، منها ما
أنشدني في مدح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
ماذا علي بدمع خالط العلقا أم ارتدى علقاً أو أليس الشفقا
هيجت طوفان إذا سحت له أجفان عيني والآماق والحدقا
اخترت حباً ولم أدرك عواقبه يا رب سهل ويسر كيف ما اتفقا
بئس الذي هو دون العشق مصطبر وبئس دون عزاء القلب من عشقا
قصدي لقاء سليمى قصد مفتقد عندي النوى وغراب البين قد نعقا
إلى عنى جزاها الله إذ نظرت ترمي بسهم أصاب القلب فانفلقا
لا الصدر لا القلب لا الأحشاء لا كبدي ما كان من لوعة الأشواق محترقا
يحكي الجحيم معاذ الله من خلدي ما دمت حياً فلي قد شاء مرتفقا
ما بال صب وكتم الحب مقصده أجفانه ذرفت والقلب قد خفقا
ماذا يفيد ملام الناس في رجل لم يترك الحب إلا روحه رمقا
تباً للائم صب لا يزال به حب النبي رسول الله ملتصقا
بدر سراج منير نير قمر قد نور الأرض والأفلاك والأفقا
أنور بوجهك يا من حسنه عجب كأن وجهك شمس ضوؤها شرقا
أمسى جبينك من آثار مكرمة برقاً بريقاً ضياء لؤلؤاً فلقا
نور الظلام ففي أنوار عزته إليه في الليل يمشي الطارق الطرقا
ما نمت شوقاً إلى أنوار عارضه خياله في عيوني ألزم الأرقا
ألفيت ارزي فاق رائحة في جسمه عرق ما أطيب العرقا
لو كان ربق الأعناق طاعته لكان أحسن مما زين العنقا
يعفو عن الناس من حلم ومن كرم عن الرقاب يفك الغل والربقا
ويكظم الغيظ عند الغيظ مرحمة ولا يقول سوى وحي إذا نطقا
للمؤمنين جناح الرفق يخفضه مثل الأب البر بالأولاد قد رفقا
روحي فداه ومن مالي ومن ولدي من جاءه خائفاً قد صانه ودقا
من جاءه مؤمناً بالذنب معترفا فلا يخاف به بخساً ولا رهقا
قد أصبح الفاخر الأثواب ملبسه وكان يلبس ثوباً واهناً خلقا
زينت مثل عروس كل أرملة كان الرداء عليها الصوف والخرقا(8/1346)
فياض نافلة مدرار أعطية بحر المراحم لا طرقاً ولا رنقا
ما لي أراك لدى عهد وموعدة أوفى وأصدق من أوفى ومن صدقا
نال المكارم والأخلاق قاطبة فاق الكرام عن الغايات قد سبقا
إذ يفتق الناس شيئاً فهو يرتقه ولا مجال لغير رتق ما فتقا
وما وجدت رجالاً خيرة شرفاً ولا حياء ولا حلماً ولا خلقا
لولا أحبك حب الماء في ظماً لم يسقني الله ماء بارداً غدقا
لا يرتدي جاره خسفاً ومظلمة ولا يرى مهناً إليه من أبقا
إنا عرفناك إذ أنبت معجزة في يابس الشجر الأغصان والورقا
يا سيدي يا رسول الله خد بيدي إني امرؤ مذنب ممن علا رنقا
يا سيدي أنت لي كهف وملتحد إذ لا أرى في إلا الخوف والفرقا
إذا وجدت ذنوبي لا انتهاء لها فأنت شافع ذنبي عند من خلقا
كيف اضطرابي إذ آتيك ملتجئاً تبقى علي إذا لم يبق من ومقا
أنت الشفيع فرب العرش يغفر لي إني أعوذ به من شر ما خلقا
في بحر معصية أرجو النجاة به ولا أخاف به الطوفان والغرقا
يوم القيامة لا ترجى شفاعته لمن يكون على البدعات مرتفقا
يجر ذيل فؤادي حب روضته بالرأس كيف إليها لست منطلقا
صلوا عليه صلاة فاح نفحتها وسلموا بسلام طيبه عبقا
الشيخ محمد بن نور الله الكجراتي
الشيخ الفاضل محمد بن نور الله الحسيني الكجراتي، أحد الأفاضل المشهورين في عصره، ولد سنة
ست وعشرين ومائتين وألف، وقرأ العلم على الشيخ إبراهيم بن عبد الأحمد باعكظه الشافعي
السورتي، ولازمه مدة من الزمان وتفقه عليه وأسند الحديث عنه، ثم لازم الدرس والإفادة.
مات غرة جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثمائة وألف وله ست وسبعون سنة كما حقيقت سورت.
الشيخ محمد بن هاشم السورتي
الشيخ الفاضل محمد بن هاشم بن محمد بن علي بن أحمد بن علي اللونتي السامرودي السورتي،
أحد العلماء المبرزين في العلوم الأدبية والقراءة والحديث والفقه والنجوم والخط والإنشاء وغيرها.
ولد أوان الضحى لعشر ليال بقين من رجب سنة ست وخمسين ومائتين وألف، وقرأ العلم على
الشيخ رحيم الدين بن محي الدين المشهور بفقير الله شاه والشيخ عبد الله بن عبد الوهاب السورتي
والشيخ حسين بن محسن اليماني والسيد علي أحمد السوندي والشيخ منصور الرحمن المعمر العالي
الإسناد الذي أجازه القاضي محمد بن علي الشوكاني لما حج إلى بيت الله الحرام والشيخ نصير الدين
أحمد المشهور بغلام علي مولى النكينوي والشيخ المحدث نذير حسين الدهلوي وخلق آخرين، ثم
صرف عمره بالدرس والإفادة، وجمع الكتب النادرة للقدماء، وصنف وخرج.
وله من التصانيف نيل المنى في تقصير الصلاة(8/1347)
بمنى والأقوال الإيمانية في شرح أربعين
السليمانية، بالأردو نثراً، والأقاويل الإيمانية في شرح أحاديث السليمانية، بالأردو نظماً، وترجمة
صحيح البخاري، إلى سبعة أجزاء، وتحريم الرجعة في تحريم المتعة، وتسيير السير في وجوب
التقليد على السعة والتخيير، بالعربي، وجواهر النظم في الفرائض، وهي أرجوزة لطيفة وجيزة
وكتاب بسيط في الفرائض - بالأردو، وكتاب بسيط في الصرف، بالفارسي، وترجمة القصيدة التائية
للعلامة ابن أبي بكر المقري الواعظ، بالأردو، وقصيدة في مدح خير النساء، وارجوزة في علم
النحو، ومصباح المجالس في مدح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وله قصيدة في مدح شيخه جمال الدين
موسى السورتي، منها قوله:
قد كنت من بعد سمعت صفاته فوجدتها أضعاف وصف فخام
ورأيته علماً دليلاً حجة ولسالكي المنهاج خير إمام
لما بلغت الأربعين بغفلة وابيض راسي شيبة كثغام
أنا غافل متكاسل متساهل مترهل مستأهل لملام
فصرفت في لعب ولهو كلها وبنوم أو شرب وأكل طعام
نفسي جموح سرحة أمارة بالسوء لا تلوى بغير حرام
حتى تسود واقتسى لذنوبها قلبي بسود نكاتها كسخام
وعليه ران بشؤمها فاشتد كال حجر الصليب على سواد فحام
فكأنه حجر بحجري محجر الشيط ان بالوسواس والإيهام
فمتى الرقى يجوب عقبات لها لغلي بعير الجاذب المحرام
فأخذته شيخ الطريق ومقتدي أسلمت في يده يدي وزمام
مات بالطاعون لسبع بقين من شعبان سنة خمس عشرة وثلاثمائة وألف.
الشيخ محمد بن يوسف السورتي
الشيخ الفاضل أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن إبراهيم ابن أحمد بن علي اللونتي
السامرودي السورتي، أحد العلماء المبرزين في النحو واللغة وسائر الفنون الأدبية.
ولد في شهر شعبان سنة سبع وثلاثمائة وألف بسامرود ونشأ بها، وقرأ المختصرات على الشيخ
محمد بن عبد الله الجوناكدهي والمولوي محمد جعفر البمبوي، ثم سافر إلى دهلي سنة إحدى
وعشرين وقرأ بعض الكتب على المولوي عبد السلام الدهلوي والمولوي عبد الوهاب الملتاني
والمولوي شرف الدين، ثم قرأ الأدب والعروض والقافية واللغة على المولوي يوسف حسين
الخانبوري، ثم سافر إلى حيدر آباد سنة سبع وعشرين ولازم الشيخ محمد طيب بن محمد صالح
الكاتب المكي، وقرأ عليه المنطق والحكمة والأدب، وصحبه مدة من الزمان.
وكان نادرة عصره في قوة الحفظ وكثرة المحفوظات، وسعة المطالعة، والتضلع من العلوم الأدبية
ومقالات القدماء، كان له باع طويل وقدم راسخة في الصرف والنحو، واللغة والأدب، والأخبار
والأنساب والرجال، قلما يدانيه أحد في ذلك، وكان صاحب إتقان وتحقيق في المسائل النحوية والعلوم
اللغوية، يحفظ الآلاف من الأبيات، ويروي الشيء الكثير من الشعر والأدب والمتون والنصوص،
وقد انصرف في آخر عمره إلى علم الحديث، وكان عصبي المزاج تعتريه حدة، ويثور في كثير من
الأحيان، وقد أدركته صناعة الأدب، وعاش ككثير من أصحاب النبوغ والتفوق متنقلاً من بلد إلى بلد،
لم ينتفع الناس بعلمه كما كان ينبغي، لفضل ذكائه وكثرة اعتداده بنفسه، فأقام في الجامعة الملية
الإسلامية بدهلي مدرساً، ثم انتقل إلى الجامعة الرحمانية ببنارس، ثم تحول إلى بمبىء ودرس في
مدرسة لأهل الحديث، وكان كثير التردد إلى طوك وقد تزوج بها، وكان له غرام بجمع الكتب
النادرة، ينتسخها ويبيعها، وكان عاملاً(8/1348)
بالحديث، شديداً في مذهبه، شديد النكير على الحنفية
والمقلدين، وكان قليل التكلف كثير المؤاساة بالأصدقاء، سخياً كريم النفس، له جسم ممتلي وهامة
كبيرة، وكان ضخم القوائم.
ومن مصنفاته مقدمة في الصرف، ومقرب في النحو، والزيادات الوافية على الكافية الشافية، وشرح
ديوان حسان، والإنصاف فيما جرى في نحو أبي هريرة من الخلاف، وكتاب ذكاة الصيد في أن ما
أصابه الرصاص ونحوه بحيوان محرمة وشق جلده حلال.
ومن أبياته ما كتب إلى من جرول يشكو فيها فتية من الأنصار:
أقول لنفسي في الخلاء ألومها لك الويل ما هذا التخشع والذكر
ومن أجل أن خانت عهودك عصبة يهمهم الدنيا وما إن لهم عذر
هم بسطوا تلك الأماني حقبة فلما اطمأن الأمر واستحصد الأمر
وبانت بنات الشوق يحنن نزعا وضم الحشا منها الحباب فلا صبر
وكانوا طويلاً يأملون خيانتي فما خنت يوماً لا ولا غالهم مكر
على غير شيء قلبوا لي مجنهم وضحوا بقلبي ضحية ما لها نكر
ولم يرقبوا ولا الدين راعهم ولا سطوة الله العزيز ولا العذر
ولا رحموني إذ منيت بشقوة ولا حفظوا في الوداد فما دروا
أتشكو فما الشكوى تفيد ولا البكا بمغن فتيلاً لا ولا شأنك الختر
ولا أنت ممن يكثر القيل في الخنى ولا دأبك التملاق يوماً ولا الهجر
أم السلو والهجران من غير بغضة أحب بلى إن السلو له أصر
وكم قد منيت من زمان بغصة وفجع ونقض فاصطبرت لها صخر
فلا تشمتي الأعداء يا نفس إنني صبور على العسراء إن غرني دهر
وله يذم قثاء الطوك ويمدح خربزه وهو البطيخ:
لا تأكلن إما مررت التوكا قثاءه فإن فيه النوكا
اقبح به من منظر يدهوكا يظل في الإعياء منه فوكا
واخضم من البطيخ ما يزهيكا فإنه السردي الذي يدعوكا
للأكل والتطراب قد يندوكا
مات في الخامس عشر من رجب سنة إحدى وستين وثلاثمائة وألف بعليكره ودفن بها.
مولانا محمد أحسن النانوتوي
الشيخ العالم الفقيه محمد أحسن بن لطف علي بن محمد حسن الصديقي الحنفي النانوتوي، أحد
الفقهاء المشهورين، ولد ونشأ بنانوته، وسافر للعلم إلى دهلي فقرأ على مولانا مملوك العلي وعلى
غيره من العلماء، ثم أخذ عن الشيخ عبد الغني ابن أبي سعيد العمري الدهلوي، ثم ولي التدريس في
المدرسة الكلية ببلدة بريلي قصبة بلاد روهيلكهند، وسافر إلى الحجاز سنة ثلاث وثمانين ومائتين
وألف فحج وزار واستفاض من شيخه عبد الغني المذكور بالمدينة المنورة فيوضاً كثيرة، ثم رجع إلى
الهند ودرس وأفاد، وخرج وصنف.
له مذاق العارفين ترجمة إحياء علوم الدين، وأحسن المسائل ترجمة كنز الدقائق، وتكملة غاية
الأوار، وترجمة الدر المختار، وأحسن البضاعة في مسائل الرضاعة، وغير ذلك، ومن مآثره الجميلة
تصحيحه وتحشيته حجة الله البالغة، وإزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء للشيخ ولي الله بن عبد الرحيم
العمري(8/1349)
الدهلوي المحدث، ثم نشرهما من دار الطباعة الصديقية له، جزاه الله عن المسلمين خير
الجزاء.
توفي لتسع خلون من شعبان سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف.
مولانا محمد أحسن الكيلانوي
الشيخ الفاضل محمد أحسن بن السيد شجاعة علي الواسطي الحنفي الكيلانوي البهاري، كان من
ذرية الشيخ أبي الفرح الواسطي الحسيني البهاري، ولد بكيلاني قرية في ولاية بهار سنة اثنتي عشرة
وثلاثمائة وألف، وأقبل على العلم في كبر سنه، ورحل في طلبه بعد ما تزوج وولد له، فقرأ
المتوسطات على مولانا نعمة الله النبي نكري في مظفر بور، والمعقولات على المفتي واجد علي بن
إبراهيم البنارسي، والهيئة والهندسة على المفتي نعمة الله بن نور الله اللكهنوي وأتقنهما، واشتغل
بتصحيح المقالة الأولى للطوسي في الأقليدس وتحشيتها، وطبع هذا الكتاب للمرة الأولى بعنايته
وتحت إشرافه، وأخذ عن الشيخ فضل حق بن فضل إمام الخير آبادي، كما صرح به في حاشيته
على حاشية بحر العلوم يقول: هذا مما استفدته عن الشيخ فضل حق، انتهى.
وأخذ الفقه والحديث عن مولانا أكبر علي الرامبوري المحدث ومولانا عالم علي الحسيني النكينوي،
واشتغل بالتدريس في مدرسة حكومية في مدينة كيا ثم استقال عن الوظيفة واعتزل في قريته كيلاني
وتصدر للتدريس، أخذ عنه خلق كثير من العلماء، وقصده الطلبة من البلاد البعيدة، وكان جل اشتغاله
بالعلوم الحكمية وتدريسها.
له رسالة في ستة عشر جزءاً في مبحث الوجود الرابطي، وحاشية على حاشية بحر العلوم، وحل
العقود في بعض مسائل التصوف.
توفي سنة إحدى وثلاثمائة وألف بكيلاني ودفن بها.
الشيخ محمد أشرف الديانوي
الشيخ العالم الصالح محمد أشرف بن أمير علي الصديقي الديانوي، هو شقيق الشيخ شمس الحق
المحدث صاحب عون المعبود، ولد لثلاث خلون من ربيع الثاني سنة خمس وسبعين ومائتين وألف،
وقرأ العلم مشاركاً لصنوه شمس الحق المذكور على المولوي عبد الحكيم الشيخبوري والمولوي لطف
العلي البهاري ومولانا فضل الله بن نعمة الله اللكهنوي والقاضي بشير الدين العثماني القنوجي، ثم
أخذ الحديث عن شيخنا وشيخ الكل السيد نذير حسين الدهلوي المحدث، ثم لازم بيته وعكف على
العبادة والإفادة، لقيته ببلدة عظيم آباد، فوجدته رجلاً صالحاً تقياً صابراً، قانتاً، صادق القول صحيح
الاعتقاد، متواضعاً، له رسالة في القراءة خلف الإمام وقد عزا إليه صنوه شمس الحق المجلد الأول
من عون المعبود، أخبرني بذلك الشيخ شمس الحق.
مات لخمس عشرة خلون من محرم سنة ست وعشرين وثلاثمائة وألف بديانوان.
الحكيم محمد أعظم الرامبوري
الشيخ الفاضل الحكيم محمد أعظم بن شاه أعظم بن محمد رضى بن إسماعيل السيستاني ثم
الرامبوري، أحد العلماء المبرزين في الصناعة الطبية.
ولد سنة تسع وعشرين ومائتين وألف، وقرأ العلم على المولوي عبد الرحيم بن محمد سعيد والمفتي
شرف الدين الرامبوري وعلى غيرهما من الأساتذة، ثم تطبب على والده ولازمه مدة ثم سافر إلى
بهوبال سنة إحدى وخمسين وله اثنتان وعشرون سنة، فتقرب إلى نواب جهانكير محمد خان، وأقام
في بهوبال مدة طويلة، ثم دخل أجين وأقام به ثلاث سنين عند بيجابائي، ثم دخل اندور وتقرب إلى
تكوجي راؤ هلكر أمير تلك الناحية، وولي خدمات جليلة بها، ولم يخرج من اندور مدة حياته.
وكان فاضلاً كبيراً، واسع النظر، متين الديانة، رفيع المنزلة عند الأمراء، له مصنفات كثيرة في
الطب، منها اكسير أعظم في أربعة مجلدات كبار في المعالجات،(8/1350)
ورموز أعظم في مجلدين في
المعالجات، ومحيط أعظم في مفردات الأدوية، وقرابادين أعظم في مركباتها، ونير أعظم في دلائل
النبض، وركن أعظم في معرفة البحرانات، كلها بالفارسي.
توفي يوم الإثنين لأربع خلون من محرم سنة عشرين وثلاثمائة وألف ببلدة اندور، أخبرني بها ابن
أخته نجم الغنى.
المولوي محمد أعظم الجرياكوثي
الشيخ الفاضل محمد أعظم بن نجم الدين بن أحمد علي العباسي الجرياكوثي أحد العلماء الصالحين،
لقيته بكلبركه، وسمعت ولده أحمد المكرم يقول: إن والده ولد لأربع عشرة خلون من صفر سنة سبع
وستين ومائتين وألف، وقرأ المختصرات على المولوي دلدار علي وعمه عناية رسول، وعلى عمه
الآخر علي عباس وسافر معه إلى حيدر آباد وتأدب عليه، ثم سافر إلى دهلي وأخذ الحديث عن السيد
نذير حسين الحسيني الدهلوي، ثم سافر إلى رامبور وأخذ الفنون الرياضية عن العلامة عبد العلي،
والعلوم الطبعية عن الشيخ سديد الدين، والصناعة الطبية عن الحكيم علي حسين اللكهنوي، ثم سار
إلى حيدر آباد وولي الخدمة الملوكية، فخدمها مدة من الدهر وحصل له المعاش.
ومن مصنفاته رسالة وجيزة في المواريث، ورسالة في تغذية الشاي، ورسالة في العروض، ورسالة
في التصريف، ورسالة في النحو، وله شرح على أطباق الذهب، وكتاب في الحيوان، وكتاب في
اللغات الصرفية، ومكاتب بالعربية والفارسية، مات لأربع عشرة خلون من محرم سنة اثنتين وثلاثين
وثلاثمائة وألف.
مولانا محمد أكرم اللكهنوي
الشيخ العالم الفقيه محمد أكرم بن مولانا محمد نعيم بن عبد الحكيم الأنصاري اللكهنوي أحد العلماء
المبرزين في الفقه والأصول، ولد ونشأ ببلدة لكهنؤ، ولازم أباه من صغر سنه وتخرج عليه، وسافر
معه إلى الحرمين الشريفين فحج وزار، ورجع إلى الهند فدرس وأفاد مدة ببلدة لكهنؤ، ثم ولي
التدريس بالمدرسة العالية برامبور، فلبث بها مدة من الزمان، ثم رجع إلى بلدته ولازم بيته.
وكان صالح العمل كثير الاشتغال بمطالعة الكتب والفتيا والتدريس، مات في حياة والده سنة إحدى
عشرة وثلاثمائة وألف ببلدة لكهنؤ.
مولانا محمد أمير الفتحبوري
الشيخ العالم الصالح محمد أمير بن عبد الله الحنفي الفتحبوري، أحد العلماء المبرزين في المعقول
والمنقول، كان أصله من ناحية دهلي، دخل بلاد أوده في صباه واشتغل بالعلم على مولانا سلامة الله
البكري البدايوني وقرأ عليه الكتب الدرسية، ثم تطبب على الحكيم هداية الله الصفي بوري، وكان
رجلاً ذكياً فطناً حاد الذهن، سريع الإدراك قوي الحفظ، سليم الطبع، تزوج ببلدة فتحبور في إحدى
العائلات الكريمة وسكن بها، ثم سافر للاسترزاق وخدم الحكومة بجهالاوار مدة عمره، وكان مع
اشتغاله بمهمات الأمور كثير الاشتغال بالتدريس والفتيا والمداواة مع الكرم والاستغناء.
توفي سنة ثمان وثلاثمائة وألف بجهالاوار من بلاد راجبوتانه.
المولوي محمد أمين الجرياكوثي
الشيخ الفاضل محمد أمين بن محمد فاروق بن علي أكبر العباسي الجرياكوثي، أحد العلماء المبرزين
في الفنون الأدبية، ولد سنة ست وتسعين ومائتين وألف، ونشأ في مهد جده لأمه الشيخ محمد كامل،
وقرأ العلم على أبيه وعمه عناية رسول، وسافر مع جده إلى الحجاز سنة إحدى عشرة وثلاثمائة
وألف فيحج وزار، ورجع معه إلى الهند وولي التدريس في المدرسة الإنكليزية ببلدة رائي بريلي،
فدرس بها زماناً ثم اعتزل عنها، وولوه على ترجمة القانون المسعودي لأبي ريحان محمد بن أحمد
البيروني، فاشتغل به زماناً.
السيد محمد باقر اللكهنوي
السيد الشريف محمد باقر بن أبي الحسن الحسيني(8/1351)
الرضوي اللكهنوي، أحد علماء الشيعة وكبرائهم،
ولد ليلة الجمعة لثمان خلون من صفر سنة ست وثمانين ومائتين وألف ببلدة لكهنؤ، ونشأ في حجر
والده وقرأ العلم عليه وعلى غيره من العلماء ثم سافر إلى العراق وزار الطف والنجف، ثم أقام
بالنجف لأنه في هذا العصر مناخ للتفقه والاجتهاد، فقرأ الفقه والأصول على مشايخ عصره ونال
الاجتهاد في مدة قليلة، فرجع إلى الهند وولي درجة الاجتهاد في مدرسة حسين آباد، وله قريحة طيعة
في الفنون الأدبية وإن كان لاشتغاله بما هو أهم قليل الاشتغال بانشاء القريض.
فمن قصائده ما أنشأ في مدح سيدنا علي رضي الله عنه:
صحى القلب عن حب الحسان العواتق وأصبحت في شغل عن اللهو عائق
أأبغي وصال البيض والشيب شامل كفى وازعاً عنهن شيب المفارق
وصاح نهار الشيب في ليل عارضي وحلق غربان الشباب الغرانق
وجربت هذا الناس حتى مللتهم فلم أر فيهم من صديق موافق
ولم ألف منهم غير وغد مماكر ولم ألق منهم غير خب مماذق
يجاذبني العلياء قوم سفاهة وهيهات أين النجم من كف رامق
وكم أشقوني فانثنيت مكرماً وأثر عودي في النبال الرواشق
وأعيت قناتي أن تلين لغامز وما ثوب مجدي بالدثور الشيارق
وما وجد الأقوام ذيلي مدنساً لدن رمقوني بالعيون الروامق
وما أنا إلا البدر في الليل طالعاً وهم كالكلاب العاديات الزواعق
فقل للأولى أموا اللحاق إلا اربعوا على ظلعكم لا تدحضوا في المزالق
وقل للعدى موتوا بغيظ نفوسكم فما الفضل إلا للكرام المعارق
ونحن ورثنا المجد عن كل ماجد وآباء صدق كالشموس الشوارق
بهاليل ازوال تناخ ببابهم صدور الأماني أو صدور الأيانق
وكل فتى تعشو إلى ضوء ناره ثمال الأيامي موئل للدرادق
ربيع اليتامى ينعش الناس سيبه إذا اخلفت قطر الغيوم الدوافق
طويل عماد البيت أبلج لم يزل لدن شب حتى شاب مأوى لطارق
وأبيض ميمون النقيبة ماجد خلائقه مسك لعرنين ناشق
وكل لبيق بالطعان حزور طويل نجاد السيف حامي الحقائق
وكل فتى لا يرهب الطعن قلبه محشش لنار الحرب في كل مازق
ذريني أنل ما لا ينال من العلى بكف طويل الباع أبلج حادق
إلى آخر القصيدة:
له القول المصون في فسخ عقد نكاح المجنون ورسائل في الفقه، وحواش وتعليقات على الكتب
الدرسية.
كانت وفاته في السادس عشر من شعبان سنة ست وأربعين وثلاثمائة وألف في كربلا ودفن بها، كما
في تذكرة بي بها للمولوي محمد حسين النوكانوي.
مولانا حمد بشير السهسواني
الشيخ الفاضل العلامة المحدث محمد بشير بن بدر الدين بن صدر الدين العمري السهسواني، أحد(8/1352)
العلماء المشهورين ببلاد الهند.
ولد ببلدة سهسوان سنة أربع وخمسين ومائتين وألف، واشتغل أياماً على علماء بلدته، ثم دخل لكهنؤ
سنة ثلاث وسبعين ولازم المفتي واجد علي ابن إبراهيم الحنفي البنارسي، وقرأ عليه الزواهد وشرح
السلم للقاضي والشمس البازغة وإلهيات الشفاء وغيرها، وثم سافر إلى متهرا وقرأ على الحكيم نور
الحسن السهسواني، ثم دخل دهلي وأخذ الحديث عن السيد المحدث نذير حسين الحسيني الدهلوي، ثم
لازم الدرس والإفادة، فدرس سنة كاملة ببلدة سلهث، - بكسر السين المهملة آخرها تاء عجمية -
وهي بلدة مشهورة من آسام، ودرس سنة كاملة ببلدة سهسرام، وخمس عشرة سنة ببلدة أكبر آباد،
وثلاثين سنة ببلدة بهوبال، وبعد ذلك إلى سنة ست وعشرين وثلاثمائة وألف ببلدة دهلي.
وكان من كبار العلماء، ورعاً صالحاً، تقياً نقياً، مفرط الذكاء جيد القريحة، له مهارة تامة في أصول
الفقه، ولي التدريس في بهوبال أول قدومه بها، ثم ولي نظارة المدارس كلها، وكان السيد صديق
حسن القنوجي يحترمه غاية الاحترام، وهو قرأ بها على شيخنا حسين بن محسن الأنصاري اليماني،
وسافر إلى مكة المباركة فحج وأخذ بمكة عن الشيخ محمد بن عبد الرحمن السهارنبوري، والشيخ
أحمد بن عيسى الشرقي.
وله مصنفات، منها صيانة الإنسان في الرد على الشيخ أحمد بن زين دحلان، والقول المحكم،
والقول المنصور، والسعي المشكور، ثلاثتها في شد الرحل لزيارة قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
والسيف المسلول، والبرهان العجاب في فرضية أم الكتاب، ورسالة في تحقيق الربا، ورسالة في الرد
على القادياني، ورسالة في إثبات البيعة المروجة، ورسالة في جواز الأضحية إلى آخر ذي الحجة،
وكان في تلك المسألة طرفاً لشيخه حسين بن محسن المذكور، ولكن الشيخ كان يحبه ويعترف بفضله،
وقد كتب في بعض مكاتيبه إلى الشيخ شمس الحق صاحب عون المعبود وقد رأيته بخطه، قال:
ورحم الله أخانا العلامة محمد بشير! فقد كان عالماً محققاً متمسكاً بالكتاب والسنة، وقد مضى رحمه
الله إلى رحمة الله رحمة الابرار، وأسكنه جنات تجري من تحتها الأنهار، انتهى.
مات بدهلي في جمادى الآخرة سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وألف.
مولانا محمد جان البحري آبادي
الشيخ الفاضل محمد جان بن يعقوب العمري الحنفي البحري آبادي، أحد العلماء المبرزين في
الفنون الأدبية، ولد ونشأ بقرية بحري آباد من أعمال أعظم كده وحفظ القرآن، وقرأ المختصرات
على أهل تلك الناحية، ثم تأدب على مولانا محمد فاروق بن علي أكبر العباسي الجرياكوثي، ثم لازم
دروس الشيخ عين القضاة ابن محمد وزير الحيدر آبادي وأخذ عنه الفقه والأصول والكلام وغيرها،
ثم ولي التدريس بجوناكده في مدرسة مهابت خان، فأقام بها مدة طويلة، ثم اعتزل عنه وولاه
التدريس شيخه مولانا عين القضاة المذكور في المدرسة الفرقانية، وله شعر بالعربي والفارسي ومن
شعره قوله يمدح الإمام الرباني مولانا الشيخ أحمد السرهندي:
بركاته عمت فوافت كل ما ذرت عليه الشمس من بحر وبر
عم الورى طراً سنا آثاره قرت لرؤيتها عيون ذوي البصر
الشد ظل بسعيه متهللاً من بعد ما قد كان منطمس الأثر
والشرك والإلحاد قد محيا به والغي أدبر والضلال نأى وفر
كم محدث نيرانه خمدت به إذ طار من نيرانه شرر وشر
بحر خضم منه كم نبعت وكم سالت عيون أو جرى منه النهر
كم من موات القلب نال حياته من فيضه فزها وراق به النظر(8/1353)
سلسال عرفان به قد ميزوا ما كان منه صفا وما منه انكدر
كم جاهر غر أتاه لرشده فالجهل زال برشده وكذا الغرر
كم من أتى سعياً إليه بقلبه ال قاسي وروح قد أحاط به الكدر
أو نفسه قهرت فجاء ونفسه مقهورة أما هواه فقد هجر
والروح منه بنظرة منه انجلى القلب لان وكان أصلد من حجر
توفي لليلتين خلتا من شعبان سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وألف.
المولوي محمد حسن الطوكي
الشيخ الفاضل محمد حسن بن أحمد حسن بن غلام حسين بن سعد الله الأفغاني النجيب آبادي ثم
الطوكي، أحد العلماء الصالحين، ولد ونشأ ببلدة طوك، وقرأ المختصرات على علماء بلدته، ثم سافر
إلى رامبور وقرأ على مولانا أكبر علي والمفتي سعد الله والعلامة عبد العلي المهندس، ثم سافر إلى
بهوبال وأخذ الحديث عن المفتي عبد القيوم بن عبد الحي البكري البزهانوي وشيخنا القاضي حسين
بن محسن الأنصاري اليماني، ثم رجع إلى بلجته وولي الإفتاء في المحكمة العدلية، له رسائل
بالأردو.
مات سنة سبع وأربعين وثلاثمائة وألف.
المولوي محمد حسن النيوتيني
الشيخ الفاضل محمد حسن بن أسد الله بن تبارك الله بن مبارك الله بن ثناء الله بن معظم بن أبي
الخير بن القاضي ضياء الدين العثماني النيوتيني، أحد الأفاضل المشهورين.
ولد لعشر ليال خلون من ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين ومائتين وألف يوم الجمعة بقرية نيوتيني
من أعمال مهان، وقرأ بعض الكتب الدرسية بوطنه، ثم دخل لكهنؤ وقرأ الكتب الدرسية كلها على
أساتذة المدرسة السلطانية، ثم خدم الحكومة الإنكليزية، وترقى درجة بعد درجة حتى نال الصدارة في
المحكمة العدلية بفرج آباد واستقل بتلك الخدمة مدة من الزمان حتى أحيل إلى المعاش، فسافر إلى
الحرمين الشريفين فحج وزار، وسافر بعد رجوعه من الحج إلى حيدر آباد، وولي القضاء في العدالة
العالية، وبعد مدة ولي القضاء الأكبر، ولما حصل له المعاش رجع إلى بلاده.
وكان مع اشتغاله بالقضاء كثير الاشتغال بالدرس والإفادة، وكان يقرى المحصلين ويحسن إليهم،
وكان شديد التعبد كثير الإحسان كثير الصلة، مات سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وألف.
المولوي محمد حسن الطوكي
الشيخ العالم الفقيه محمد حسن بن بيان الأفغاني الطوكي، أحد العلماء الصالحين، قرأ العلم على
مولانا السيد حيدر علي الحسيني الرامبوري ثم الطوكي وعلى صاحبه القاضي إمام الدين الحنفي
الطوكي، ولازمهما مدة طويلة حتى برع في كثير من العلوم والفنون، وكان كثير الدرس والإفادة، أخذ
عنه المولوي حيدر حسن بن أحمد حسن والمولوي بركات أحمد بن دائم علي والمولوي عبد الكريم
وخلق كثير من العلماء.
مات في سنة خمس عشرة وثلاثمائة وألف.
مولانا محمد حسن السنبهلي
الشيخ الفاضل الكبير محمد حسن بن ظهور حسن بن شمس علي الإسرائيلي السنبهلي كان من كبار
العلماء.
ولد ونشأ ببلدة سنبهل، وقرأ المختصرات على أساتذة عصره ومصره، ثم سار إلى رامبور وقرأ
الكتب الدرسية على مولانا سديد الدين الدهلوي وعلى غيره من العلماء، ثم ولي التدريس في بعض
المدارس العربية.(8/1354)
لقيته بلكهنؤ، فوجدته ذكياً فطناً، حاد الذهن سريع الملاحظة، ذا حافظة عجيبة وفكرة غريبة، تفرد
في قوة التحرير وغزارة الإملاء، وجزالة التعبير، وكلامه عفو الساعة وفيض القريحة، ومسارعة
القلم ومسابقة اليد، وكان شديد التعصب على من لا يقلد الأئمة.
طالعت من مصنفاته شرح مختصر على إيساغوجي، صنفه في يوم واحد، وشرح بسيط على ميزان
المنطق، سماه بالمنطق الجديد وهو مشتمل على نتائج تحقيقات كثيرة، والقول الوسيط في الجعل
المؤلف والبسيط، وسوانح الزمن على شرح السلم للمولوي حسن، ونظم الفرائد على شرح العقائد،
وشرح بالقول على أصول الشاشي، وتعليقات مبسوطة على هداية الفقه، وتنسيق النظام لمسند الإمام،
حاشية بسيطة على مسند الإمام أبي حنيفة برواية الحصكفي مع مقدمتها المبسوطة، كلها طبعت
وشاعت في الهند، وأما ما لم تطبع فمنها صرح الحماية على شرح الوقاية مع المقدمة وهي أحسن
مؤلفاته رأيته عند المرحوم عبد العلي المدراسي، وله غير ذلك من المصنفات عدها في مقدمة صرح
الحماية مائة كتاب وكتاب ما بين المجمل والمفصل والصغير والكبير.
توفي يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلون من صفر سنة خمس وثلاثين وألف.
المولوي محمد حسن السندي
الشيخ العالم الصالح محمد حسن بن عبد الرحمن الحنفي النقشبندي السندي، أحد العلماء الصالحين،
ولد في شوال سنة ثمان وسبعين ومائتين وألف ببلدة قندهار، وقرأ المختصرات ببلدته، ثم سافر مع
والده إلى الحرمين الشريفين فحج وزار، ومكث بمكة المباركة خمس سنين وقرأ أكثر الكتب الدرسية
في المدرسة الصولتية للعلامة رحمة الله بن الخليل الكرانوي المهاجر، ثم دخل الهند وقرأ على
المولوي لعل محمد السندي، وسكن بقرية تنده محمد خان من أعمال حيدر آباد السند.
الشيخ محمد حسن الأمروهوي
الشيخ الفاضل محمد حسن بن كرامة علي بن رستم علي الحسيني النقوي الأمروهوي، أحد العلماء
المبرزين في معرفة الكتب السماوية، ولد سنة تسع وأربعين ومائتين وألف، واشتغل بالعلم أياماً في
بلدته، ثم سافر إلى بلاد أخرى، وقرأ الفنون الحكمية على العلامة فضل حق بن فضل إمام الخير
آبادي، والعلوم الدينية على المفتي صدر الدين الدهلوي، ثم تطبب على الحكيم إمام الدين، وأخذ
الطريقة عن السيد حضرت شاه الشطاري الرامبوري، ثم ولي التدريس بكلية أجمير، فدرس بها
زماناً، ثم اعتزل عن الخدمة وسكن بأجمير مجاوراً لقبر الشيخ الكبير معين الدين حسن السجزي.
ومن مصنفاته معالمات الأسرار بالفارسي في مجلد ضخم في التفسير سماه تفسير حضرت شاهي،
وله تفسير في أردو سماه غاية البرهان، ومقدمته في كتاب مستقل، والدر الفريد في مسألة التوحيد،
وكشف الأسرار، وتلخيص التواريخ، وناموس الأديان، والمعراج المسيحي وغيرها.
مات يوم الجمعة لإحدى عشرة بقين من رمضان سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وألف ببلدة أجمير.
الشيخ محمد حسن البهيني
الشيخ العالم الفقيه محمد حسن بن نور الحسن البهيني الجكوالي أحد العلماء المشهورين في بلاده،
ولد في سنة سبع وسبعين ومائتين وألف بقرية بهين من أعمال جكوال، وقرأ العلم على جده لأمه
المولوي عبد الحليم وعلى غيره من العلماء، ثم ولي التدريس براولبندي في المدرسة الإنكليزية،
فدرس بها زماناً، ثم ولي التدريس بالمدرسة النعمانية بلاهور، ودرس بها ستة أعوام.
وله من المصنفات روض الربى في حقيقة الربوا والفرائض الفيضية في الولاء والوصية، وكتاب
في النحو، وقصيدة على نهج البردة.
مات سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف.(8/1355)
القاضي محمد حسن الخانبوري
الشيخ العالم الصالح القاضي محمد حسن بن محمد كل بن هداية الله الخانبوري أحد العلماء المبرزين
في الفقه والحديث، ولد سنة ثمان وثلاثين ومائتين وألف أو مما يقرب ذلك، وقرأ العلم على صهره
القاضي عبد الصمد القرشي الخانبوري، وأدرك الشيخ إسماعيل بن عبد الغني العمري الدهلوي في
صباه، أخذ عنه أبناؤه عبد الأحد ومحمد ويوسف حسين وخلق آخرون.
توفي لثلاث خلون من رمضان سنة إحدى وثلاثمائة وألف.
الشيخ محمد حسن العظيم آبادي
الشيخ العالم الصالح محمد حسن بن ولايت علي الهاشمي الصادقبوري العظيم آبادي، أحد عباد الله
الصالحين.
ولد سنة أربع وستين ومائتين وألف، واشتغل بالعلم على مولانا عبد الحميد بن أحمد الله
الصادقبوري والشيخ يحيى علي المحدث، وكاد يقرأ فاتحة الفراغ إذ دهمت عشيرته الدهماء وقامت
عليهم القيامة بسبب إعانة من كان بحدود أفغانستان من غزاة الهند، وذلك في سنة ثمانين ومائتين
وألف، فشد المئزر للدفاع عنهم مع حداثة سنه وجد في ذلك، ولكن القدر يسبق والقضاء يمضي، فأمر
بالجلاء للشيخ أحمد الله والشيخ يحيى علي والشيخ عبد الرحيم وغيرهم، وصودرت أموالهم من
عروض وعقار، ودمرت دورهم وقصورهم وحدائقهم، إلى غير ذلك من المصائب، فصبر عليه
وتصدى أن يلم شعث العائلة ويرتق فتق العشيرة، فاجتهد في تحسين ظنون الولاة بتلك العشيرة،
وأصدر لذلك جريدة مفيدة، ثم أسس مدرسة للعلوم الغربية، فحصل له جاه وثقة عند الولاة، ولقبوه
بشمس العلماء.
وكان مع اشتغاله بتلك المهمات يشتغل بالعلوم النافعة ويدرس، وربما يطالع الكتب، وكان يستحسن
مصنفات الشيخ ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي والقاضي محمد بن علي الشوكاني.
توفي لست خلون من ربيع الثاني سنة سبع وثلاثمائة وألف، كما في الدر المنثور.
السيد محمد حسين النصير آبادي
الشيخ الفاضل محمد حسين بن أحمد حسين بن محمد بن يسين الحسني الحسيني النصير آبادي، أحد
العلماء الصالحين، ولد ونشأ في حجر عم والده السيد خواجه أحمد النصير آبادي، وقرأ عليه وعلى
والده، ثم سافر إلى لكهنؤ وأخذ عن العلامة عبد الحي بن عبد الحليم الأنصاري، وقرأ بعض الكتب
على شيخنا محمد نعيم بن عبد الحكيم الأنصاري، ثم تطبب على الحكيم مظفر حسين اللكهنوي، ثم
سافر إلى بهوبال وتزوج بها في عشيرة السيد صديق حسن القنوجي، وسكن بتلك البلدة.
وكان فاضلاً بارعاً في الفقه والأصول والعربية، جواداً كريماً، منور الشيبه ربع القامة، نقي اللون
يهب كل ما يقع بيده من الدراهم والدنانير والأطعمة والألبسة، وكان يدرس ويذكر.
توفي سنة ثلاث وثلاثمائة وألف ببلدة بهوبال.
الشيخ محمد حسين فقير الدهلوي
الشيخ العالم الصالح محمد حسين بن إسماعيل الحنفي البنتي ثم الدهلوي المتلقب في الشعر بفقير،
كان من عباد الله الصالحين، ولد بقرية بنت - بفتح الموحدة والنون بعدها تاء فوقية - من أعمال
مظفر نكر سنة ثلاث وأربعين ومائتين وألف، وقرأ العلم على الشيخ محبوب علي الجعفري الدهلوي
والشيخ أحمد علي بن لطف الله السهارنبوري وعلى غيرهما من العلماء، وتتلمذ في الشعر على
الشاعر الشهير محمد إبراهيم ذوق ثم لازم الشيخ مظفر حسين الكاندهلوي وأخذ عنه، وسافر إلى
قسطنطينية سنة أربع وتسعين ومائتين وألف، وأخذ الطريقة عن السيد محمد ظافر الشاذلي، وصحبه
سنتين ثم رجع إلى الهند.
ومن مصنفاته تعليم الحياء لجماعة النساء وراحة أرواح المؤمنين في مآثر الخلفاء الراشدين وديوان
شعر بالأرجو تلقى بالقبول.
مات لثمان بقين من رمضان سنة أربع وعشرين(8/1356)
وثلاثمائة وألف وله إحدى وثمانون سنة.
المولوي محمد حسين آزاد الدهلوي
الشيخ الفاضل محمد حسين بن باقر علي الشيعي الدهلوي المتلقب في الشعر بآزاد، كان من الشعراء
المشهورين والكتاب المترسلين، أحد أصحاب الأساليب الأدبية، ولد ونشأ بدهلي، وأخذ عن أبيه وعن
غيره من العلماء في المدرسة الكلية بدهلي، وأخذ الشعر عن محمد إبراهيم ذوق الدهلوي، وخرج من
دهلي بعد الفتنة العظيمة بها سنة أربع وسبعين ومائتين وألف، فساح البلاد ودخل لاهور سنة إحدى
وثمانين وتدير بها، وكان خرج منها سنة اثنتين وثمانين، فسافر إلى كلكته، ثم إلى كابل وبخارا بأمر
الدولة الإنكليزية، وخرج من لاهور سنة إحدى وثلاثمائة وألف، وسافر إلى إيران وساح بلاد العراق
لإتقان اللغة الفارسية، ولقبته الحكومة الإنكليزية بشمس العلماء سنة خمس وثلاثمائة وألف، واعتراه
الجنون سنة سبع وثلاثمائة وألف أو مما يقرب ذلك.
ومن مصنفاته المشهورة آب حيات كتاب عجيب في طبقات شعراء الهند لم ينسج على منواله وهو
على ما فيه من مآخذ وتسامحات تاريخية مثل للإنشاء البليغ وتلقى بقبول عظيم، وهام به الناس،
ومنها سخندان فارس في تاريخ اللغة الفارسية، ومها دربار أكبري في سيرة السلطان أكبر شاه
التيموري ورجاله، ونيرنكئ خيال، في جزءين.
مات سنة ست وعشرين وثلاثمائة وألف في لاهور.
السيد محمد حسين اللكهنوي
الشيخ الفاضل محمد حسين بن بنده حسين بن محمد بن دلدار علي الحسيني النقوي النصير آبادي
ثم اللكهنوي، مجتهد الشيعة الإمامية، ولد بلكهنؤ غرة رجب سنة سبع وستين ومائتين وألف، وقرأ
الكتب الدرسية على المولوي نقي والمولوي سيد حسن والمولوي كمال الدين الموهاني، وقرأ الفقه
والأصول والكلام والتفسير على والده، ودرس الطلبة سنين، ثم سافر سنة تسع وتسعين ومائتين
وألف إلى العراق وزار المشاهد، وحضر دروس العلم هناك، وأكرموه لأنه من بيت علم واجتهاد في
الهند، وأجازوه في الاجتهاد، وكان ذلك في إحدى وثلاثمائة وألف، وقرأ الأدب على المفتي محمد
عباس، وأخذ الطب من أطباء لكهنؤ.
وكان وجيهاً مهيباً، قوي الذاكرة كثير المحفوظ، كثير الدرس، قوي البدن، يركب الخيل، توفي لليلة
بقيت من رجب سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وألف.
وله من المؤلفات بناء الإسلام، والتحرير الرائق في حل الدقائق والروض الأبيض في منجزات
المريض، وشرح زبدة الأصول، كما في تذكرة بي بها.
مولانا محمد حسين الإله آبادي
الشيخ الفاضل الكبير محمد حسين بن تفضل حسين العمري المحبي الإله آبادي أحد كبار العلماء
والمشايخ ولد ونشأ بإله آباد، وقرأ المختصرات على مولانا شكر الله المحبي الإله آبادي ثم سافر إلى
لكهنؤ، وقرأ بعض الكتب الدرسية على مولانا محمد نعيم بن عبد الحكيم، وسائر الكتب على العلامة
عبد الحي بن عبد الحليم اللكهنوي، وتأدب على المفتي عباس بن علي التستري، وتطبب على الحكيم
مظفر حسين اللكهنوي، ثم رجع إلى إله آباد، فدرس وأفاد بها مدة، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين
فحج وزار، وأسند الحديث عن الشيخ أحمد بن زين دحلان الشافعي المكي، وأخذ الطريقة عن الشيخ
الكبير إمداد الله العمري التهانوي المهاجر، ثم رجع إلى الهند وأقام ببلدته مدرساً مفيداً إلى مدة من
الزمان، ثم سافر إلى الحجاز فحج وزار، وأخذ عن شيخه إمداد الله المذكور، وصحبه مدة إقامته بمكة
المباركة، كذلك سافر إلى الحجاز أربع مرات، ولم تزل تزداد به الحال في أسفاره إلى الحجاز حتى
أنه صار مغلوب الكيفية.(8/1357)
وكان في بداية حاله يقتدي بأصحاب سيدنا الإمام السيد أحمد الشهيد السعيد في جميع أقواله وأفعاله
واشتهر في ذلك، فتعصب الناس في شأنه ولقبوه بالوهاب، نسبة إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب
النجدي، كما لقبوا تلك الفئة الصالحة بالوهابية، مع أنهم كانوا لا يعرفون نجداً ولا صاحب نجد، بل
هم بيت علم الحنفية وقدوة الملة الحنيفية، وأصحاب النفوس الزكية، وأهل القلوب القدسية، وبالجملة
فإن محمد حسين صاحب الترجمة مال في نهاية حاله إلى استماع الغناء والمزامير، وحضور
الأعراس، والقيام في مولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والقول بوحدة الوجود وإفشائها على عامة
الناس، والرقص والتواجد في أندية الغناء، والقول بإيمان فرعون وغير ذلك من الأقوال والأفعال،
واقتفى بها جده الكبير محب الله الإله آبادي، فرضى عنه المشايخ وسخط عليه أهل الجد والاتباع ثم
أقبل العامة على استماع الغناء والتواجد، فازداد البهاء في الأعراس ومحافل المولد، وأحدث محفلاً
في ليلة السابع والعشرين من رجب في كل عام بإله آباد بكل تزيين وتحسين، فاقتدى به الناس
وروجوه في بلاد أخرى، وكان يفتخر بذلك ويقول: إني مبدع لذلك المحفل في الهند، واقتصر في
آخر أمره بتلك الأشغال، وترك التدريس، وصار كثير الأسفار، يرتحل تارة إلى رودولي وتارة إلى
بيران كلير، وتارة إلى باك يثن، وتارة إلى أجمير، وإلى دهلي وإلى غير ذلك من البلاد، يدور على
مزارات الأولياء.
ومع ذلك كان نادرة من نوادر الدهر بصفاء الذهن وجودة القريحة، وسرعة الخاطر وقوة الحفظ،
وعذوبة التقرير وحسن التحرير، وشرف الطبع وكرم الأخلاق، وبهاء المنظر وكمال المخبر، وحسن
السيرة وحلم السريرة، كنت قرأت عليه في بداية حالي وأول رحلتي لطلب العلم طرفاً من شرح كافية
ابن الحاجب للجامي، وشطراً من شرح تهذيب المنطق لليزدي.
وكان موته عجيباً، فإنه راح إلى أجمير أيام العرس فعقد مرزا نثار علي بيك مجلساً للسماع، فحضر
ذلك المجلس بدعوته، وأمر المغني أن يقول:
خشك تار وخشك جنك وخشك بوست از كجا مي آيد اين آواز دوست
فأخذته الحالة فأمره أن يقول:
ني زتار وني زجنك وني ز بوست خود بخود مي آيد اين آواز دوست
ثم أمره أن يتغنى بأبيات الشيخ عبد القدوس الكنكوهي أولها:
آستين بر رو كشيدي همجو مكار آمدي با خودي خود در تماشا سوي بازار آمدي
وكان يفسر الأبيات حتى قال المغني:
كفت قدوسي فقيري در فنا ودر بقا خود بخود آزاد بودي خود كرفتار آمدي
فقال إن الفناء والبقاء كليهما من شئون التنزيه، فكرر المغني ذلك البيت، فقال: ورد علم جديد خود
بخود آزاد قال: وأشار إلى نفسه وكرر ثلاث مرات ثم أطرق رأسه، فحمله الشيخ واجد علي
السنديلوي أحد المشايخ، ولم يلبث إلا قليلاً وطارت روحه من الجسد، وكان في ذلك يوم الإثنين لثمان
خلون من رجب سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وألف.
المولوي محمد حسين البطالوي
الشيخ الفاضل أبو سعيد محمد حسين بن رحيم بخش بن ذوق محمد الهندي البطالوي، أحد كبار
العلماء، كان من طائفة كايسة طائفة من الهنود، أسلم أحد أسلافه، وكان مولده في السابع عشر من
محرم سنة ست وخمسين ومائتين وألف، اشتغل بالعلم أياماً في بلاده، ثم سافر إلى دهلي وعليكده
ولكهنؤ وغيرها من البلاد، وقرأ على المفتي صدر الدين الدهلوي والعلامة نور الحسن الكاندهلوي
وعلى غيرهما من العلماء، ثم لازم السيد نذير حسين المحدث وقرأ عليه الموطأ والمشكاة والصحاح
الستة وصحبه مدة، ثم رجع إلى بلدته واشتغل بالتصنيف(8/1358)
والتدريس والتذكير، وشرع في إلقاء
التفسير بكرة كل يوم في المسجد على طريق شيخه نذير حسين، حتى اشتهر ذكره وظهر فضله،
فأنشأ مجلة شهرية سماها إشاعة السنة وكان يبحث فيها عن مذاهب المبتدعة، ويرد على السيد أحمد
بن المتقي الدهلوي، وكذلك يرد على مرزا غلام أحمد القادياني، وكذلك يرد على عبد الله الجكزالوي،
ويرد على كل من يخالفه، فأفرط في ذلك وجاوز عن حد القصد والاعتدال، وشدد النكير على مقلدي
الأئمة الأربعة لا سيما الأحناف، وتعصب في ذلك تعصباً غير محمود، فثارت به الفتن، وازدادت
المخالفة بين الأحناف وأهل الحديث، ورجعت المناظرة إلى المكابرة والمجادلة بل المقاتلة.
ثم لما كبر سنه ورأى أن هذه المنازعة صارت سبباً لوهن الإسلام ورجع المسلمون إلى غاية من
النكبة والذلة رجع إلى ما هو أصلح لهم في هذه الحالة، وأما ما كان عليه من المعتقد والعمل فهو
على ما قال في بعض الرسائل، إن معتقده معتقد السلف الصالح مما ورد به الأخبار وجاء في صحاح
الأخبار، ولا يخرج عما عليه أهل السنة والجماعة، ومذهبه في الفروع مذهب أهل الحديث
المتمسكين بظواهر النصوص، وأما شغله في غالب الأوقات فهو عرض أقاويل العلماء على
النصوص الصحيحة، فقبول ما يوافقها، ورد ما يخالفها، وكتب هذه المباحث على هوامش متون
الصحاح كما علق أشياء على كتاب الصلاة والمغازي والتفسير من صحيح البخاري، والنصف الأول
من المشكاة، وكثيراً ما أفرد المسائل في الرسائل سماها باسم، أو تركها بلا علم ورسم، فمن المسميات
بالأسماء البرهان الساطع، المشروع في ذكر الاقتداء بالمخالفين في الفروع، ومنح الباري في ترجيح
صحيح البخاري، والبيان في رد البرهان، في مبحث الاجتهاد والتقليد، وهداية الرب لإباحة الضب،
والاقتصاد في بيان الاعتقاد، في صفات الباري جل مجده، والاقتصاد في حكم الشهادة والميلاد،
والمفاتيح في بحث التراويح، وكشف الأستار عن وجه الاظهار، وأما ما لم يسم باسم ولم يعلم بعلم
فهو أكثر من أن يذكر.
مات سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وألف.
المولوي محمد حسين الطوكي
الشيخ العالم الفقيه محمد حسين بن عبد الله الحنفي الطوكي، كان من المشتغلين بالدرس والإفادة، قرأ
العلم على أخيه محمد يار والقاضي إمام الدين الحنفي الطوكي، ثم سافر إلى دهلي وأخذ عمن بها من
العلماء، ثم رجع وتصدر للتدريس، أخذ عنه غير واحد من العلماء، وكان متورعاً عفيفاً صدوقاً، متين
الديانة، مات ببلدة طوك.
المولوي محمد رشيد الكانبوري
الشيخ العالم الفقيه محمد رشيد بن عبد الغفار بن عالم علي الحنفي اللكهنوي ثم الكانبوري أحد
العلماء الصالحين، ولد ونشأ بكانبور، وقرأ العلم على والده وعلى مولانا أشرف علي العمري
التهانوي وعلى غيرهما من العلماء، ثم ولي التدريس بمدرسة جامع العلوم في كانبور، فدرس وأفاد
زماناً، ثم سار إلى كلكته وولي التدريس بالمدرسة العالية، فدرس بها سنتين ومات بها.
وكان صالحاً صدوقاً، ديناً ملازماً للخير والطاعات، لقيته غير مرة، وكان من أصدقائي، مات سنة
أربع وثلاثين وثلاثمائة وألف.
المفتي محمد سعيد المدراسي
الشيخ العالم المحدث المفتي محمد سعيد بن صبغة الله محمد غوث الشافعي المدراسي ثم الحيدر
آبادي أحد كبار العلماء، ولد بمدراس لثلاث خلون من جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين ومائتين
وألف، وقرأ المختصرات على صنوه عبد الله، ثم لازم دروس القاضي ارتضا علي الكوباموي، وقرأ
عليه العلوم الحكمية، ثم تفقه على والده وأخذ عنه الحديث، وسافر إلى الحجاز فحج وزار، وأجازه
الشيخ محمد مظهر بن أحمد سعيد العمري الدهلوي(8/1359)
المهاجر، ثم دخل حيدر آباد الدكن سنة ست
وثمانين ومائتين وألف، واختير عضواً من أعضاء العدلية، فاستقل بخدمته مدة، ثم ولي الإفتاء في
المحكمة العالية، فاستقل به مدة حياته.
وكان عالماً كبيراً، حريصاً على جمع الكتب النادرة، مديم الاشتغال بمطالعتها، له مصنفات، منها
كتابه التنبيه على التنزيه، في العقائد، وكتابه هداية الثقات إلى نصاب الزكاة، ونور الكريمتين في
رفع اليدين بين الخطبتين، وتشييد المباني في تخريج أحاديث مكتوبات الإمام الرباني، وتخريج
أحاديث الأطراف، والقول الجلي في معنى قدمي هذه على رقبة كل ولي كلها بالعربية، وله غير ذلك
من الرسائل بالفارسي والأردو.
توفي لعشر خلون من شعبان سنة أربع عشرة وثلاثمائة وألف بحيدر آباد.
مولانا محمد سعيد العظيم آبادي
الشيخ العالم المحدث محمد سعيد بن واعظ علي بن عمر دراز الجعفري الزينبي العظيم آبادي أحد
العلماء المشهورين، ولد لثلاث بقين من ذي القعدة سنة إحدى وثلاثين ومائتين وألف بعظيم آباد، وقرأ
المختصرات على والده وعلى المولوي مظهر علي والمولوي أبو الحسن المنطقي، ثم سافر إلى
كانبور ولازم دروس العلامة سلامة الله البدايوني وتخرج عليه، ثم أخذ الطريقة عن الشيخ نذر محمد
البلهوري أحد أصحاب السيد الإمام السيد أحمد الشهيد، ورجع إلى بلاده سنة خمس وخمسين ومائتين
وألف، ودرس بها مدة من الزمان، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار سنة اثنتين وستين
ومائتين وألف، وأسند الحديث عن السيد محمد بن علي الحسيني السنوسي الخطابي والشيخ عبد
الغني الدمياطي والسيد محمد العطوشي المدني والشيخ يعقوب بن محمد أفضل العمري الدهلوي
المهاجر.
وكان ذا سخاء وإيثار وحلم وتواضع يقرىء الطلبة ويقريهم، ويعطي الوارد والصادر، وكان يحترز
عن مجالسة الأغنياء وعن الغيبة والنميمة، وكان يدرس العلوم الأدبية والحكمية من الصباح إلى
الظهيرة، والمعارف الدينية من بعد الظهر إلى المساء، وأسس مدرسة عظيمة بعظيم آباد اشتهرت
بالسعيدية.
له مصنفات، منها قسطاس البلاغة ومقصد البلاغة، وشرح ميزان المنطق، وتحفة الإخوان في
المناظرة، وإشمام العطر في أحكام عيد الفطر وزاد الفقير في الحج متوكلاً على اللطيف الخبير،
والحلاوة العلية في الرد على من أحدث الحلو والرطب موجبة كلية، وله تعليقات على شرح كافية
ابن الحاجب للجامي وعلى حاشية غلام يحيى على الرسالة.
توفي لأربع خلون من شعبان سنة أربع وثلاثمائة وألف وله ثلاث وسبعون سنة، كما في الدر
المنثور.
مولانا محمد سعيد البنارسي
الشيخ العالم المحدث محمد سعيد البنارسي أحد العلماء المشهورين، كان أصله من قرية كنجاه في
بلاد بنجاب، واسم والده كهزك سنكه بن كاهن سنكه من الهنادك الوثنيين، ولد سنة أربع وسبعين
ومائتين وألف، فلما قارب سنة عشرين سنة وفقه الله بالإسلام، وكان بارعاً في الفنون الرياضية
عارفاً باللغة الفارسية وبهاكا، أشهر لغات أهل الهند، فسافر إلى ديوبند وقرأ النحو والعربية والفقه
وشيئاً من المنطق والحكمة على أساتذة المدرسة العربية، ثم سافر إلى دهلي وأخذ الحديث عن السيد
المحدث نذير حسين الحسيني الدهلوي، ثم لازم الشيخ عبد الله الغازيبوري وقرأ عليه ما بقي له من
الكتب الدرسية، وسافر معه إلى الحجاز فحج وزار وأسند الحديث عن الشيخ المعمر عباس بن عبد
الرحمن الشهابي اليماني، ثم رجع إلى الهند وسكن بمدينة بنارس، وأسس بها دار الطباعة سماها
الصديقية فأعانه نواب صديق حسن القنوجي ووظف له، فأنشأ مجلة شهرية سماها نصرة السنة،
لقيته ببلدة بنارس، ووجدته كثير الاشتغال بالمباحثة، ذا عناية تامة بالمسائل الخلافية، شديد النكير
على مخالفيه، له رسائل عديدة في هذا الباب.
توفي لإثنتي عشرة بقين من رمضان سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وألف.(8/1360)
محمد شاه آغا خان الكجراتي
إمام الفرقة الآغاخانية
الرجل الكبير محمد شاه بن آغا علي بن حسن علي الإسماعيلي القرمطي الفارسي ثم الهندي
الكجراتي أحد الرجال المشهورين في العصر الحاضر، تولى الإمامة في صغر سنه، وسافر إلى
الجزائر البريطانية، ولقبه الإنكليز سنة 1315 هـ سي، ايس، آئي، وفي سنة 1320 هـ جي، سي،
ايس، آئي ويلقبونه بسمو الأمير هزهائنس، وهذا اللقب مما يلقبون به الملوك الذين تحت سيادة
الإنكليز، وهو الإمام الثامن والثلاثون عند القرامطة، ويسمونه الإمام الحاضر ومن معتقداته ما نص
عليه في نطقه في المحكمة في مدينة بمبىء، إني أعتقد أن الله ظهر في جسم علي وأن محمداً رسول
علي، وإني لا أصلي ولا أصوم، ولا أسافر إلى مكة والمدينة وسامرا والكاظمين، ولا أسير للحج
والزيارة، وإني لا أعتقد أن القرآن كلام الله ولا أتدين به، إلى غير ذلك من الخرافات، نعوذ بالله
منها.
وله أتباع كثيرة في أرض الهند وفي بلاد أفريقية يدعون خوجه وله أتباع من كفار الهنادك يقال لهم
شمسيون، وكلهم يرونه الإمام الحاضر ويزعمون أنه مظهر من مظاهر الله سبحانه، ولذلك يسجدون
بين يديه ويقبلون رجليه، ويعرضون عليه كل ما يخرجون من أموالهم في كل سنة، وهو يعيش في
غاية الرفاهة، وله كلمة نافذة في الدولة، ملبوسه ومطعمه إفرنجيان، يسكن بأوربا غالباً ويأتي الهند
كل سنة ويقيم بها مدة قليلة، وربما يخدم الدولة الإنكليزية بلسانه وجنانه، حتى أنه سافر إلى بلاد
مصر في الحرب الكبرى لإصلاح الأمور، وسافر إلى العرب والعراق، وهو الذي حرض الشريف
حسين أمير مكة على مساعدة الإنكليز والخروج على الدولة المتبوعة على ما قيل، وإني سمعت أن
الأتراك أسروه سنة 1334 هـ وأطلقوه بعد مدة، فأقام بلندن مدة طويلة.
وورد الهند سنة 1339 هـ واحتفل أتباعه سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وألف بعيده الذهبي، فوزنوه
بالذهب مرة في بومباي، ومرة في أفريقيا وفي سنة أربع وستين وثلاثمائة وألف احتفلوا بعيده
الألماسي، فوزنوه بألماس مرتين كذلك، وقد ظهرت له عناية بالقضايا السياسية الإسلامية في الهند في
العهد الأخير، ومثل دوراً فيها، وقاد بعض الوفود من ممثلي المسلمين إلى الحاكم العام، وظهر له
نشاط في مشروع الجامعة الإسلامية في عليكزه، وقام بجولة لجمع الإعانات لها في سنة تسع
وعشرين وثلاثمائة وألف، وحضر مؤتمر المائدة المستديرة في لندن ممثلاً لمسلمي الهند، ويبدو من
بعض ما نشر من مذكراته وخواطره أنه عدل بعض العدول عن تطرفه وشذوذه عن جماعة
المسلمين، واتجه بعض الاتجاه إلى الجامعة الإسلامية، والله أعلم بالسرائر والنيات.
مات في الثالث عشر من ذي الحجة سنة ست وسبعين وثلاثمائة وألف
مولانا محمد شاه الرامبوري
الشيخ العالم المحدث محمد شاه بن حسن شاه بن سيد شاه الحسيني الحنفي الرامبوري، أحد كبار
العلماء، ولد سنة ست وخمسين ومائتين وألف ببلدة رامبور، وقرأ العلم على والده وعلى المولوي
طيب والمولوي كريم الله والمولوي عزيز الله والمولوي معظم شاه الأفاغنة ببلدة طوك، وأخذ الحديث
عن أبيه وسمع المسلسل بالأولية، وقرأ صحيح مسلم على شيخ أبيه السيد عالم علي النكينوي ثم
المراد آبادي، وحصلت له الإجازة عن شيخنا فضل الرحمن بن أهل الله البكري المراد آبادي، وبايع
أباه وأخذ عنه الطريقة القادرية، ثم أخذ الطريقة النقشبندية عن الشيخ كرامة علي الجونبوري،
وصحبه زماناً واستفاض منه، ورجع إلى بلدة رامبور ودرس بها ثلاثين سنة، وله رواية عن والده
عن غلام حسين عن سراج الحق عن الشيخ سلام الله الرامبوري صاحب المحلي والكمالين عن أبيه
عن جده عن الشيخ المسند عبد الحق ابن سيف الدين الدهلوي، كما أخبرني بلفظه ببلدة رامبور إذ
لقيته بها، وأجازني بذلك الطريق وأعطاني ثبت الشيخ عبد الحق المذكور.
وهو منور الشيبه، حسن الأخلاق، حلو الكلام، قد غشيه نور الإيمان وسيماء الصالحين، انتهى إليه
الورع وحسن السمت والتواضع والاشتغال بخاصة النفس، واتفق الناس على الثناء عليه والمدح
لشمائله.(8/1361)
كانت وفاته لسبع بقين من شعبان سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وألف.
مولانا محمد شاه الحيدر آبادي
الشيخ العالم الفقيه محمد شاه القميصي القادري الحيدر آبادي أحد العلماء المشهورين، ولد ونشأ
بحيدر آباد، وقرأ العلم على مولانا محمد زمان الشاهجهانبوري وعلى غيره من العلماء، له أحسن
الذريعة للسد عن الأقوال الشنيعة صنفه في الرد على الفقه الأكبر للشيخ حسن الزمان محمد الحيدر
آبادي، وله تبيين كذب المفتري في نسب السيد البشتري في الرد على التحقيق الجلي في نسب الشيخ
عبد القادري الجيلي للمولوي حسن الزمان المذكور، وله ترجمة خير المواعظ بالفارسية في مجلدين.
مات بحيدر آباد سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وألف.
الشيخ محمد طيب المكي
الشيخ الفاضل العلامة محمد طيب بن حمد صالح الكاتب المكي ثم الهندي الرامبوري، أحد العلماء
المبرزين في العلوم الأدبية والمعارف الحكمية، قرأ العلم على والده وعلى غيره من العلماء، وقدم
الهند في شبابه، فاشتغل مدة على مولانا إرشاد حسين العمري الرامبوري، ثم لازم العلامة عبد الحق
بن فضل حق الخير آبادي ببلدة رامبور وأخذ عنه العلوم الحكمية، ثم أخذ الحديث عن شيخنا المحدث
حسين بن محسن الأنصاري اليماني بمدينة بهوبال، ثم ولي التدريس في المدرسة العالية برامبور،
فدرس وأفاد بها مدة عمره وأقام بعض الوقت مدرساً في دار العلوم التابعة لندوة العلماء بلكهنؤ.
وكانت له يد بيضاء في العلوم الأدبية والمعارف الحكمية، وكان يحفظ جملة من أخبار العرب
وأنسابها وأشعارها لا يحفظها غيره، وكان سليم الطبع حاضر الذهن ذكياً يتوقد ذكاء غير أن فيه
شدة، وله إنصاف في العلم بحيث لا يصر على أمر إذا عرف الدليل على خلافه، بل يذعن للحجة
وينقاد للحق أينما كان.
له رياض الأدب، والنفحة الأجملية في الصلاة الفعلية، وكتاب الملاطفة في الرد على المولوي أحمد
رضا في التقليد، وكتاب الانتقاد على العلامة محمد محمود الشنقيطي التركزي في رده على عاكش
اليمني شارح لامية العرب للشنفري، وهذا الكتاب أدبي لطيف في بابه، وكتاب القبسة في الفنون
الخمسة: المعاني والبيان والبديع والعروض والقوافي، وكتاب المكالمة في اللغة الدارجة، وكتاب
الأحاجي الحامدية، وكتاب ما جرى من الفضول، وكتاب الحسن والأحسن، وكتاب في القراءة خلف
الإمام، وكتاب في معنى لا إله إلا الله، ورسالة في معنى أولي الأمر في قوله تعالى "أطيعوا الله
وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" وله رسائل كثيرة في المعقول، وحواش على شرح السعد على
القطبية، وحواش على المفصل.
ومن شعره ما كتب إلى الشيخ محمد بن الحسين اليماني:
ماس الجبين والاجزعة الحدق أبهى من الورد لولا لؤلؤ العرق
ومزنة الريق في برق سحائبه من العقيق يحاكي العقد في نسق
والسحر مقلتها والشعر ريقتها والسيمياء لجفر دق عن خلق
وفضة الكف فيها القوس من ذهب كالشمس فيها هلال صيغ عن شفق
جاءت إلي وعيني قط ما نظرت شخصاً سواها ولم ترحل عن الأرق
في روضة وقفت أغصانها عجباً من ميلها واجتماع الصبح والغسق
فالقد يرقص بين البان من فرح والفرع يلثم خد الروض من شبق
بتنا وللراح حكم في جوانحنا وللعناق أياد طلن عن حدق
لمست ياقوت حق العاج من غصن وقلت للصدر داو الصدر من حرق(8/1362)
وبت أشكر صنع الدهر منبسطاً كما فرحت بمكتوب من الرشق
كتبت يا شمس بل والشمس دونكم وإن وضعتك فوق الرأس من شفق
آمنت أنك قطب الشعر بل قمر لكل علم ومحي الفضل من رمق
فلم بعثت بأبيات ومعجزة وجيش فهمي لكم منقاد بالخلق
أنا الممد لأن الاسم اسمكم فالفضل منكم ومن علياكم سبق
وما أتيت بهذا الشعر ممتدحاً بل جئت ممتثلاً بالطوع متسق
فكيف أمدح من جلت مدائحه عن البديع وعن شعري وعن لبقي
فأجابه الشيخ محمد المذكور:
فيروزج الحسن أم ذا فيلق الفلق أم بدر تم يحاكي طلعة الأفق
أم تلك شمس بدت في الناس ظاهرة فأشرقت ببهاها ظلمة الأفق
أتلك غانية أمست مداعبة فقد جلت بسناها حندس الغسق
السحر فعلتها والخمر ريقتها والبدر صيغ لها من فضة يقق
تلك العقيق يحاكي في تلونه برق إذا لاح لولا لؤلؤ العرق
رشيقة القد هيفاء القوام على صفحات وجنتها ضرب من الشفق
جاءت تبختر في حلي وفي حلل والليل معتكر والصب في أرق
وشافهتني فخلت الدر متسقاً فقلت وصلاً فأومت لي على الحدق
فعانقتني فخلت الروح قد رجعت وبت ألثم حق العاج من شبقي
بتنا ضجيعين في أنس وفي فرح وفي اجتماع بلا خوف ولا قلق
فبينما نحن في لهو وفي لعب والكوس مرصوصة كالعقد في العنق
جاءت كشمس الضحى في الظهر قائلة في طلعة الشمس ما يغني عن الفلق
فقلت حياً هلا بالوصل يا أملي روحي الفداء لمن وافت على فشق
وقلت من فرحي طوراً بمقدمها وتارة كونها جاءت على وفق
أهذه الدر أم عقد الجمان أم ال تبر المنظم يحلي الدر في النسق
أم البلابل في البانات ساجعة تشدو فهيجت الورقا على الورق
فالورق تسجع والأغصان راقصة والبدر ينفط بالإبريز والورق
في روضة رقصت باناتها طرباً واستمرت فرحاً بالوابل الغدق
وأفصحت بلسان الحال قائلة من عند بدر الدجى والنجم في الأفق
أعني به العالم النحرير حجتنا محمد طيب الأخلاق والخلق
من فاق جل الورى في علمه وزكا أصلاً وطاب فروعاً طيب العرق
هو ابن صالح من طابت عناصره بالفضل والعلم والآداب واللبق
كتبت يا بدر بل والبدر دونكم وإن رفعتك فوق الرأس من شفق
يا بدر دين الهدى رفقاً على دنف أمس طريح الهوى ما فيه من رمق(8/1363)
أهذه معجزات قد بعثت بها لله درك ما أعلاك من لبق
أبقاك ربي في عز وفي دعة تخوض بحراً من الآداب في دفق
فأجابه محمد طيب بهذه الأبيات:
تقنعت بدم شمس بلا شفق فهل لشمس الضحى يا صاح من شفق
فتانة كلما تفتر عن برد تبسم العشق عن نار وعن أرق
وكلما كتبت أقلام بانتها سحراً يحدث حرف العين بالرشق
وعند ما خجلت أزهار وجنتها جاءت وقاحة موج الردف بالشنق
بها لبست ثياب الوحد مذ لبست ثلجاً بجسم لقد هنته بالحرق
فكلما طفل دمعي شد مئزره جسمي استحال وعظمي صار كالعلق
وما استبيح دمي إلا بمبسمها ففيه للدر أكنان وللورق
وفي برق ولكن لاح من شفق وفيه شبه مقال الفاضل الحذق
محمد بن حسين من محاسنه كالجوهر الفرد أو كالقطر في نسق
ماذا أقول وباعي في أنامله يغوص دهراً فظن البحر في الأفق
العلم فيه انتهى والفضل دان له وحلقة الصبح محفوظ من الغسق
توفي في شهر ذي القعدة سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة وألف بمدينة رامبور فدفن بها.
مولانا محمد عادل الكانبوري
الشيخ العالم الفقيه محمد عادل بن محي الدين الحنفي الناروي ثم الكانبوري أحد العلماء المبرزين
في الفقه والأصول، ولد لإحدى عشرة خلون من ربيع الثاني سنة إحدى وأربعين ومائتين وألف بناره
من أعمال إله آباد، وقرأ العلم على المولوي غلام محمد الكوثي ومولانا عبد الله الحسيني الواسطي
البلكرامي وعلى العلامة سلامة الله البدايوني ببلدة كانبور، ثم أخذ الطريقة عن الشيخ عبد العزيز
القادري الدهلوي ببلدة دهلي، وهو غير الشيخ الأجل عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي المحدث، ثم
عاد إلى كانبور وجلس على مسند الشيخ سلامة الله المذكور، وصرف عمره في الإفتاء والتدريس.
وكان فقيهاً مشاركاً في العلوم الحكمية، حسن الأخلاق متواضعاً غراً كريماً، يدرس ويفتي، ويذكر
بعد صلاة الجمعة كل أسبوع، وكان يصلي الصلوات الخمس في آخر أوقاتها، كما كان يفعل شيخه
سلامة الله.
ومن مصنفاته تنزيه الفؤاد عن سوء الاعتقاد، وتحقيق الكلام في التداوي بالشيء الحرام، واكتساب
الثواب ببيان حكم أبدان المشركين والمؤاكلة مع أهل الكتاب.
توفي لتسع خلون من ذي الحجة سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وألف.
السيد محمد عرفان الطوكي
السيد الشريف محمد عرفان بن يوسف بن يعقوب بن إبراهيم بن عرفان الحسني الحسيني البريلوي
ثم الطوكي، سبط السيد الإمام الشهيد السعيد المجاهد في سبيل الله السيد أحمد بن عرفان البريلوي
رحمه الله ونفعنا ببركاته.
ولد ببلدة طوك سنة خمس وستين ومائتين وألف، ونشأ في عفاف وطهارة، وقرأ المختصرات ببلدته
على المولوي عبد الغفور والشيخ عبد الملك والشيخ عبد المالك والقاضي إمام الدين وغيرهم من
علماء بلدته، ثم سافر إلى ديوبند وقرأ بعض الكتب الدرسية على مولانا محمود حسن الديوبندي
ومولانا يعقوب بن مملوك العلي النانوتوي، ثم سافر إلى بهوبال وقرأ ما بقي له من الكتب الدرسية
على شيخنا القاضي عبد(8/1364)
الحق الكابلي، وقرأ الصحاح الستة على المفتي عبد القيوم بن عبد الحي
البكري البرهانوي، وحصلت له الإجازة عن شيخنا القاضي حسين بن محسن الأنصاري اليماني، ثم
سار إلى دهلي وأخذ عن السيد نذير حسين الدهلوي المحدث، وحصلت له الإجازة منه، ثم سافر إلى
سهارنبور وتأدب على مولانا فيض الحسن السهارنبوري، وجمع العلم والعمل، والشعر والزهد
والفصاحة، والورع، وقيام الليل والعبادة، والسداد في الرواية، وقلة الكلام فيما لا يعنيه، وتلاوة
الكتاب العزيز، وكان في حفظه عن ظهر قلبه آية باهرة، قل أن يرتج في قراءته مع ما منحه الله
سبحانه من الصوت الحسن، إذا سمع المار في طريقه وقف، وكان لا يقلد أحداً في الفروع ويعمل
بالحديث، وله شعر رقيق، سهل التركيب منسجم الألفاظ، عذب النظم، ومن خصائصه أنه لم يبالغ في
مدح أحد ولا أطرى فيه، فإن اتفق له فكان بالدعاء والثناء الجميل لا يتجاوز عن الواقع، وكان له
منزلة جسيمة عند أمير بلدته نواب إبراهيم علي خان الطوكي.
ومن شعره ما كتب إلى القاضي زين العابدين اليماني معاتباً له:
مالي أراك نسيتني وتركتني من بعد حب خلته مستحكما
وعيادة مسنونة وزيارة منكم أخي تلطفا وترحما
أظننت أني قد برئت فصدكم وزعمت شيئاً لم يكن أن يزعما
يا صاح إن اشتد دائي بعدكم يوماً فبت توجعاً وتألما
وشربت يوماً مسهلاً لي ثالثاً قد كان أمر الله أمراً مبرما
وقعدت ضعفاً بعده ونقاهة قد صد أن أمشي وأن أتعلما
ما كان ضرك لو أتيت فزرتني وجلست عندي ساعة أتكلما
وله شاكراً إلى نواب إبراهيم علي خان:
أعطيتني علماً نفيساً نافعاً طوبى لمن يدعي بذلك عالما
علم يفرق بين حق ثابت والباطل الموضوع فرقاً ناعما
علم به علم الحديث وأهله في عصمة أكرم بذلك عاصما
لولاه ما امتاز الظلام من الضيا ولصار أصل الدين خر دعائما
أعطيت ما لا أستطيع ثناءه فحياك ربي كل خير دائما
بلغت كل مناك تتبع الهدى ترضي إلهك والرسول مداوما
لا زلت فينا سيداً ومسوداً زين الرئاسة والإمارة حاكما
ووقيت ريب الدهر تفرح دائماً وبقيت في حفظ المهيمن سالما
وحييت تعلو فوق كل عزيمة ووجدت تبني في الأنام مكارما
ودعاء خير للأمير خليلنا حق قعوداً بالدوام وقائما
قد نلت من هذا ومن آبائه نعماً وأرجو منه بعد مراهما
وله في الحث على العدل والإحسان:
بقيت بعز واقتدار وإمرة يصاحبها الإقبال والنصر دائما
بقيت بروح للأنام وراحة ولا زلت في نعماء ربك سالما
نراك تقوي الدين من بعد ضعفه فأصبح مخدوماً وأصبحت خادما
تقدم حكم الشرع ما اسطعت دائماً تعظمه قلباً وتكرم عالما(8/1365)
نظنك شمس الدين والخير إننا رأيناك مما جانب الشرق قادما
فينصرك الرحمن نصراً مؤزراً فكنت بأعباء الوزارة قائما
تدبر تدبيراً تسوس سياسة وتعمر ما قد خربوه فطالما
وأدرك عباد الله من قد وجدتهم أضربهم من كان من قبل حاكما
فكن أنت جباراً لكسر أصابهم قديماً وأيضاً للجروح مراهما
وتأخذ للمظلوم من كل ظالم وتنصر مظلوماً وجدت وظالما
وكنت لأهل البغي حرباً محارباً وكنت لأهل الرشد سلماً مسالما
تقوي ضعيفاً قد أتا بضعفه وتضعف من قد كان للخلق هاضما
وصدق ظنون الناس فيك جميعهم فإنهم يرجون منك مراحما
وقال يرثي ابن عمه السيد أحمد سعيد:
لقد مات إذ مات ابن عمي وعمتي مكارم أخلاق وحسن الشمائل
طلاقة وجه للقاء وتبسم وحسن بيان لاجتماع المحافل
وما رزئت عثمان قط بمثله نساء بني عرفان شر الثواكل
وكان ضحوك السن أطيب ليناً ولم يك بالفظ الغليظ ولا يلي
تراه جبال الحلم عند سكوته وإن يتكلم كان سحبان وائل
وكان رزيناً زينة القوم والندى لمشهده النادي كروض البلابل
وقال يرثي ابن عمه السيد محمود مهدي:
جل المصاب وعم خطب فادح حزن القلوب وفاضت العينان
إنا رزئنا خير إخوان لنا من آل عثمان ومن عرفان
إنا رزئنا من يعز نظيره فينا ومن هو نحبة الأخوان
قد كان محموداً ومهدياً ومن آل النبي خلاصة الإنسان
قد كان ذا رفق بنا وطبيبنا عضد العشيرة عمدة الجيران
قد كان ذا خلق يمازح دائماً طلق المحيا ضاحك الأسنان
فليبكه المرضى الذين إذا أتوا ذهبوا به معهم بكل أوان
قد كان يخدم من يداوي خدمة بيديه والرجلين ثم لسان
ولربما أعطى الدواء من عنده لله محتسباً ليوم ثان
وقال مضمناً لقوله تعالى "إنه كان وعده مأتيا":
يا خليلي لا تيأسن وترجى وإن أجرمت بكرة وعشيا
وتناهيت في فجور وفسق وضلال تكبراً وعتيا
وتنحيت وانصرفت علوا إذ هوى الناس سجداً وبكيا
رحمة الله وارج منه نجاة يمح ما جئت ذاكراً ونسيا
وتجد ربنا حفا بك حفواً إنه كان بالعباد حفيا
وعد الله ربنا الذي تاب ثواباً يوم الجزاء وفيا(8/1366)
فتيقن لوعد ربك وارح إنه كان وعده ماتيا
وكتب إلى الشيخ محمد بن حسين اليماني يعزى بابنه:
إن العزيز أعزه الرحمن فمقامه فيما نظن جنان
فرطا لكم عند الإله الباري أمحمد بن حسين الأنصاري
حمداً وشكراً في قضاء الله ما فيه مزدجر لقلب لاه
إن كان فارقكم لأمر منزل فهو السبيل وليس فيه بأول
وقال يناجي فيه:
يا سيدي يا سيدي ارحم وخذ كرماً يدي
أنت الكريم المرتجى ذو رحمة بالأعبد
وفق لما ترضى لنا يا ربنا وتهجد
واغفر لعبدك ما جنى بخطائه وتعمد
توفي ببلدة طوك يوم الجمعة لسبع بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة وألف.
مولانا محمد عزيز البهيروي
الشيخ العالم الصالح محمد عزيز بن علي أحمد بن نعمة الله الحنفي العمري البهيروي، أحد عباد الله
الصالحين، ولد ونشأ بقرية بهيره، وقرأ بعض الكتب الدرسية على أبيه، ثم سافر إلى جونبور وقرأ
المعقول والمنقول على مولانا عبد الحليم بن أمين الله الأنصاري اللكهنوي في المدرسة الإمامية
الحنفية، ثم سار إلى سهارنبور وأخذ الحديث عن الشيخ أحمد علي بن لطف الله السهارنبوري، ثم
دخل دهلي وأسند عن الشيخ المحدث نذير حسين الحسيني الدهلوي، ثم سافر إلى لكهنؤ وأخذ
الصناعة الطبية عن الحكيم إبراهيم بن يعقوب الحنفي اللكهنوي، وكان رح صالحاً ديناً، مفرط الذكاء
مليح القول حسن الصورة، مات سنة عشر وثلاثمائة وألف.
المفتي محمد عظيم الطوكي
الشيخ العالم الفقيه المفتي محمد عظيم بن المولوي محمد وسيم الحنفي الطوكي، أحد الفقهاء
المشهورين ببلدة طوك، ولد ونشأ بها، وقرأ العلم على مولانا محمد حسن المعسكري الطوكي وعلى
غيره من العلماء، ثم ولي الإفتاء ببلدة طوك، فصرف عمره في الإفتاء والتدريس.
مات بالطاعون سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وألف.
المفتي محمد علي البنارسي
الشيخ العالم الفقيه المفتي محمد علي بن إسماعيل بن إبراهيم بن عمر الحنفي البنارسي، أحد العلماء
المبرزين في الصناعة الطبية، وله بلكهنؤ، وقرأ العلم على والده وعمه المفتي واجد علي، وأخذ
الصناعة الطبية عن مسيح الدولة الحكيم حسن علي بن مرزا علي اللكهنوي وولي الإفتاء بمدينة
لكهنؤ، فاستقل به مدة، ثم سافر إلى جهبره مع عمه المذكور وسكن بها، وكان يدرس ويداوي الناس،
له تعليقات على تحرير الأقليدس، وكتاب في الطب.
توفي سنة ثلاث وثلاثمائة وألف ببلده جهبره.
المولوي محمد علي الحيدر آبادي
الشيخ الفاضل محمد علي بن أكبر علي بن إبراهيم المدني السورتي ثم الحيدر آبادي، أحد العلماء
المذكرين، ولد لأربع خلون من جمادى الآخرة سنة أربع وستين ومائتين وألف، وقرأ العلم على والده
وعلى غيره من العلماء بحيدر آباد، ثم قام مقام والده في الموعظة والتذكير، ورتب له صاحب الدكن
ثلاثمائة(8/1367)
ربية شهرية على وجه المنصب.
الشيخ محمد علي الحيدر آبادي
الشيخ الفاضل محمد علي بن صفر علي بيك الطبسي الشيعي الحيدر آبادي، أحد علماء الشيعة
ومجتهديهم، ولد بقرية طبس من أعمال المشهد سنة خمس وخمسين ومائتين وألف، وقرأ العلم على
علماء العراق والنجف، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار، وقدم الهند وأقام ببلدة بمبىء
سنتين، ثم دخل حيدر آباد فوظفه نواب مختار الملك بمائة ربية، ووظفه إمداد جنك من خزانته
ثلاثمائة شهرية، فسكن بحيدر آباد وطلبت له الإقامة بها.
له تبيان المسائل ومجمع المسائل، ورسالة في الطهارة، ومنظومة كلها بالفقه، ومفاتيح الأصول في
أصول الفقه، وأنوار الأبصار، وإثبات النبوة بالدلائل العقلية في الكلام، ورسالة في تفسير آية النور،
وله غير ذلك من الرسائل.
السيد محمد علي الكانبوري المونكيري
مؤسس ندوة العلماء
الشيخ العالم الفقيه الزاهد محمد علي بن عبد العلي بن غوث علي الحنفي النقشبندي الكانبوري، أحد
الأفاضل المشهورين في الهند.
ولد بكانبور لثلاث خلون من شعبان سنة اثنتين وستين ومائتين وألف، وقرأ المختصرات على
المفتي عنايت أحمد الكاكوروي، ثم أخذ عن السيد حسين شاه الكشميري، ثم لازم المفتي لطف الله
الحنفي الكوئلي ببلدة كانبور، وقرأ عليه سائر الكتب الدرسية، ثم ولي التدريس بمدرسة فيض عام
فدرس بها زماناً، ثم اعتزل وسافر إلى سهارنبور وأخذ الحديث عن الشيخ أحمد علي الحنفي
السهارنبوري المحدث، ولازم دروسه سنة كاملة، ولما حصلت الإجازة منه رجع إلى كانبور.
وكان في شبابه أخذ الطريقة عن الشيخ كرامة علي القادري الكالبوي، ثم أخذ عن شيخنا الشيخ
الكبير فضل الرحمن بن أهل الله البكري المراد آبادي واستفاض منه فيوضاً كثيرة، فنال الإجازة
منه، فاشتغل بالأذكار والأشغال مدة، وسافر إلى الحجاز فحج وزار، وأقام بمكة المباركة سنة كاملة،
ورجع إلى الهند سنة عشرين وثلاثمائة وألف، وذهب إلى بلدة مونكير فسكن بها، وحصل له القبول
العظيم، وسافر إلى الحجاز مرة ثانية وأقام بها سنتين، ثم رجع إلى مونكير واشتغل بالعبادة والإفادة.
وهو الذي أسس ندوة العلماء سنة إحدى عشرة وثلاثمائة وألف لإحياء المدارس العربية وإصلاح
نظام الدرس، ورفع النزاع من الفرق الإسلامية والذب عن الإسلام، فبارك الله سبحانه في مساعيه،
وأسس أعضاء الندوة مدرسة عظيمة بمدينة لكهنؤ سنة سبع عشرة وثلاثمائة وألف، وهي التي
اشتهرت بدار العلوم، نفع الله بها المسلمين.
وكان للشيخ محمد علي منذ أيام الطلب والتدريس إلمام بما يجري حوله من حوادث وتيارات، وكان
يتتبعها بعقل واع ونفس حساسة، ورأى نشاط القسوس المسيحيين ودعاة التبشير في نشر النصرانية
وتشكيك المسلمين في عقيدتهم ودينهم، ورأى خطر ذلك على الشباب وأبناء المسلمين، فأقبل على
دراسة النصرانية ومراجعها وحججها، وشمر عن ساق الجد للرد على القسوس والمبشرين، وأصدر
صحيفة لهذا الغرض سماها منشور محمدي واستمرت في الصدور نحو خمسة أعوام، وألف في رد
المسيحية كتباً قيمة، منها مرآة اليقين وآئينة إسلام ودفع التلبيسات ومن أهمها بيغام محمدي.
وكان قد اطلع في أثناء رده على المسيحية، ومناظرته مع القسوس والمبشرين على مواضع الضعف
في صفوف العلماء والذين تقع عليهم مسؤلية الدفاع عن الإسلام، وعلى مداخل الفساد والزيغ والإلحاد
بانتشار التعليم الجديد في البلاد، وكانت فتنة التكفير وخصومات العلماء المذهبية، وتنازع الطوائف
الإسلامية قد بلغت أوجها في هذه الفترة، وقد أصبحت المدارس والمساجد مركز حروب داخلية،
وازدحمت المحاكم(8/1368)
بالقضايا الخلافية التي يرفعها المسلمون، ويحكم فيها القضاة المسيحيون والحكام
الوثنيون، ورأى جمود العلماء على المنهج الدراسي القديم الذي يسمى بالدرس النظامي، وعضهم
عليه بالتواجد مع شدة حاجة العصر إلى تطويره وتنقيحه فحمله كل ذلك على تأسيس ندوة للعلماء
لتبادل الفكر والرأي، وتنسيق الجهود في إصلاح التعليم والمسلمين، ووهب نفسه وعقله، وعنايته
لهذه الحركة ومركزها، وأصبحت له الشغل الشاغل، اشتغل بإدارة ندوة العلماء وتحقيق مشاريعها
وأهدافها، ووقع بينه وبين بعض زملائه من أعضاء الندوة خلاف في بعض المسائل التعليمية
والإدارية ولجت به الأمراض واعتراه الضعف، وجذبته دواعي الشوق وتربية النفوس، وحب
العزلة، فقدم استقالته عن إدارة ندوة العلماء، وقبلت مع التأسف لسبع بقين من ربيع الآخر سنة إحدى
وعشرين وثلاثمائة وألف، واعتزل في زاويته، في مدينة مونكير في ولاية بهار فأقبلت عليه الدنيا،
وقصده الراغبون في الإصلاح والتربية من كل جانب، وصار المقصد والمرجع في هذا الشأن.
وفي هذه الفترة زحفت القاديانية على ولاية بهار بقوة وعزم، واضطربت عقيدة كثير من المتعلمين
والموظفين، فنهض مولانا محمد علي وصمد لها يقاومها بالدعوة والمناظرة، وأصبح لا يهدأ له بال
ولا يقر له قرار، يؤلف الرسائل والكتب في الرد عليها، ويكتب الكتب إلى أصحابه، ويحثهم على
مقاومة هذه الفتنة، وبذل النفس والنفيس في هذا الشأن في سبيلها، ويؤثر ذلك على النوافل
والطاعات، والأوراد والأذكار، ويعتقده أفضل الأعمال وأعظم القربات، وقد ألف نحو مائة مؤلف بين
رسالة وكتاب كبير، طبع منها أربعون كتاباً باسمه، وطبع أكثرها باسم غيره، ووقعت مناظرة بين
علماء القاديانية وبين علماء أهل السنة في سنة ثلاثين وثلاثمائة وألف، واهتم لها مولانا محمد علي
اهتماماً كبيراً، ولقيت القاديانية في هذه المناظرة هزيمة منكرة، وتراجعت وخلا الجو.
وعكف مولانا محمد علي على الذكر والعبادة وتربية النفوس، وانقطع إلى الإرشاد والتعليم، وتأليف
الكتب في الرد على أهل الأهواء والبدع مع استغناء وتوكل، وزهد وقناعة، وبذل وسخاء، ومالت
إليه قلوب العباد، وتهافت عليه الناس وبايعه خلق لا يحصون بحد وعد، وقد قدر بعض الناس أن
عدد من بايعه يبلغ إلى أربعمائة ألف، وتغيرت أخلاق الناس وصلحت أحوالهم، وقد غلب عليه الحب
والاستغراق في آخر حيات، وقوي تأثيره، وانتشرت بركته.
كان مولانا محمد علي عالماً ربانياً، ومصلحاً كبيراً، صاحب جذبة إلهية ونسبة قوية، أثنى عليه
شيخه مولانا فضل الرحمن الكنج مراد آبادي، ثناء بالغاً، وقال إن روحه من بقية أرواح المتقدمين،
وإن أمثاله قليلة في كل عصر، وكان من العلماء المطلعين العاملين الذين عملوا لنهضة الإسلام
والمسلمين، وإعلاء شأن العلم والدين، وكان شديد الغيرة على الإسلام، شديد الحمية قوي الدفاع عن
العقيدة الصحيحة وحرمات الدين، شديد الاشتغال بما ينفع الإسلام والمسلمين، قوي الإفاضة على
الطالبين المسترشدين، شديد الاتباع للسنة شديد المحبة لله وللرسول، تروى له كشوف وكرامات،
ووقائع في التأثير، واسع الصدر سمح النفس، كثير التعاون مع أصحابه، كثير الاحتمال للآراء
المختلفة، متصلباً في الأصول والمحكمات، متوسعاً في الجزئيات والخلافيات.
كان ممدود القامة، مكتنز اللحم، أسمر اللون، عريض ما بين المنكبين، وساع الجبين، أسيل الوجه،
له معرفة بالرياضيات البدنية، يجيد السباحة، دائم البشر، واضح الصوت، له لحن شجي في قراءة
القرآن، وقوراً مهيباً، يحب النظافة والأناقة في كل شيء، لا يراه أحد في وسخ أو تبذل، كثير
الحياء، يحسب كل جليس أنه أحب إليه من غيره.
وكان إذا صلى الفجر جلس لأولاده، وخاصة أصحابه، ثم اشتغل بالذكر والتسبيح، ثم يتناول الشاي
ويحضره خواص ضيوفه، ثم يقبل على التأليف والتحرير، ثم يتناول الغداء ويقيل، ثم يصلي الظهر
ويجلس بعد الظهر للمريدين والطالبين، ويبايع من يرغب في ذلك، ويتناول الشاي، ويتفقد الضيوف
ويؤانسهم، ويتحدث في العلم والدين، ثم يصلي العصر، ويشتغل بالذكر والتسبيح، وقد يتنزه في
حديقة البيت، ويشتغل بعد صلاة المغرب بالأذكار والأوراد(8/1369)
ويتعشى، ثم يصلي العشاء وينصرف إلى
الراحة مبكراً، ثم يقوم في الليل ويطيل القراءة، وكان هذا دأبه على مر الأيام بعد ما أقام بزاويته في
مونكير.
له مؤلفات كثيرة، من أحسنها: بيغام محمدي في الرد على المسيحية وفيصلة آسماني في الرد على
القاديانية، وقد ظهرت فيه قوة استدلاله وإحكام عبارته وإرشاد رحماني في أحوال مولانا فضل
الرحمن الكنج مراد آبادي وأقواله وتعاليمه، وله مقالات وكتب في الانتصار لندوة العلماء.
توفي لثمان خلون من ربيع الأول سنة ست وأربعين وثلاثمائة وألف، ودفن في زاويته بمونكير.
المولوي محمد علي الموي
الشيخ الفاضل محمد علي بن فيض الله الموي أبو المكارم كان من العلماء المشهورين في رفض
التقليد، ولد ونشأ ببلدة مئو من أعمال أعظم كده، وقرأ العلم على مولانا عبد الله بن عبد الرحيم
الغازيبوري، ثم سافر إلى دهلي وأخذ الحديث عن السيد نذير حسين الدهلوي المحدث، ثم قدم لكهنؤ
وأخذ الصناعة الطبية عن الحكيم عبد العزيز بن إسماعيل الحنفي اللكهنوي، وجد في البحث
والاشتغال حتى برع في كثير من العلوم، وكان يدرس ويصنف، وله عناية بالمناظرة، وظف له
نواب صديق حسن القنوجي، فصرف عمره في العلم برفاهة من العيش، له مصنفات كثيرة.
توفي سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة وألف.
القاضي محمد علي الكوكني
الشيخ العالم القاضي محمد علي بن القاضي محمد حسن بن القاضي محمد يوسف الشافعي الكوكني
المشهور مركهي - بكسر الميم والكاف العجمية آخرها ياء مجهول - ولد في اثنتي عشرة خلون من
شعبان سنة تسع وسبعين ومائتين وألف، وولي القضاء ببلدة بمبىء بعد ما توفي والده سنة خمس
وتسعين ومائتين وألف، وانتهت إليه رئاسة المذهب والصدارة بتلك البلدة.
السيد محمد علي الدوكوهي
الشيخ الفاضل محمد علي بن محي الدين الحسيني الحنفي الدوكوهي أحد العلماء المبرزين في الفقه
والعربية، قرأ العلم على مولانا أحمد حسن الكانبوري والعلامة لطف الله الكوئلي وعلى غيرهما من
العلماء، ثم سافر إلى عظيم آباد وتطبب على الحكيم عبد الحميد الصادقبوري، ثم تصدر للدرس
والمداواة بعظيم آباد.
نواب محمد علي خان الطوكي والي إمارة طوك
الأمير الكبير نواب محمد علي بن وزير الدولة بن مير خان الحنفي الطوكي يمين الدولة أمين الملك
نواب محمد علي خان بهادر نصرت جنك، ولي الملك بعد أبيه سنة إحدى وثمانين ومائتين وألف
بمدينة طوك، وعزله الإنكليز لسبع بقين من شعبان سنة أربع وثمانين ومائتين وألف بعد ثلاث سنين
من ولايته ونقموا عليه قتله أنوب سنكه عم دهرت سنكه صاحب لاوه، فوظفوا له خمسة آلاف ربية
شهرية، فأقام بدينة بنارس واشتغل بالعلم، وأخذ الحديث الشريف عن المفتي عبد القيوم بن عبد الحي
البكري البرهانوي، وقرأ عليه الصحاح الستة قراءة تدبر وإتقان، وصنف الكتب، منها قرة العيون في
شرح سرور المحزون بالأردو في ستة مجلدات كبار، وبذل أموالاً طائلة في جمع الكتب النفيسة
النادرة، ووظف العلماء، فصنفوا له الكتب، وأنفق على طبع الكتب النافعة ونشرها أموالاً، منها
الشروح الأربعة لجامع الترمذي، والشروح الثلاثة للبخاري.
وكان مولعاً بسيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وحليته وغزواته وغزوات الصحابة رضي الله
عنهم، ينفق كثيراً من أمواله في ذلك، وقد أسس مسجداً كبيراً بمدينة بنارس، وعنده مدرسة عالية
للعلوم العربية، ووظف العلماء والطلبة فيها.
مات سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة وألف ببلدة بنارس، وقبره بفناء المسجد الذي أسسه بتلك البلدة.(8/1370)
مولانا محمد فاروق الجرياكوثي
الشيخ الفاضل العلامة محمد فاروق بن علي أكبر العباسي الجرياكوثي أحد الأفاضل المشهورين في
الهند.
ولد ونشأ بجرياكوث - بتشديد التحية والجيم المعقود - قرأ المنطق والحكمة على صنوه الكبير
عناية رسول وعلى الشي المعمر أبي الحسن المنطقي، وأخذ الهيئة عن الشيخ رحمة الله بن نور الله
اللكهنوي ببلدة غازيبور، والفقه والأصول عن المفتي يوسف بن محمد أصغر اللكهنوي في المدرسة
الإمامية الحنفية ببلدة جونبور، وسافر إلى الحجاز فحج وزار، ثم درس وأفاد في بلاد كثيرة، وفي
آخر عمه ولي التدريس بدار العلوم لندوة العلماء في مدينة لكهنؤ، فدرس بها بضع سنين، احتظظت
بصحبته وصادقته في المودة، له رسائل عديدة في بعض الفنون، وله شعر بالفارسي والعربي، منها
قوله:
هنيئاً للذي جاب الموامي ورام رقى الأعلام الكمال
على ظهر الخيول يقيم يوماً وأياماً على قتد الجمال
وكم بحر يسيح بغير زاد وكم أرض يجوب بلا انتعال
تحامي زهرة الدنيا نفوراً وأنكر جمع مال والموالي
ودام معاقراً كرب الرزايا وعاش مواظباً سهر الليالي
من الأظعان من طابت سراهم إلى أخذ العلوم من الرجال
رجال عارجين ذرى التسامي بأقدام علت قلل التعالي
فنالوا منزلاً ولقد ترقوا إلى ما لا ينال من المنال
مات لثلاث عشرة خلت من شوال سنة سبع وعشرين وثلاثمائة وألف.
الشيخ محمد فاضل السورتي
الشيخ الفاضل محمد فاضل بن محي الدين بن ياسين بن أبي بكر السعدي الكجراتي السورتي أحد
العلماء المبرزين في الفقه والأصول والعربية، ولد سنة سبع عشرة ومائتين وألف بمدينة سورت،
واشتغل بالعلم أياماً على أساتذة بلدته، ثم سافر إلى دهلي وأخذ عن أساتذتها، ثم ردع إلى بلدته وتولى
الشياخة بها مكان والده المرحوم، أخذ عنه خلق كثير من العلماء والمشايخ.
توفي لتسع خلون من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثمائة وألف بمدينة سورت كما في حقيقت سورت.
الشيخ محمد كامل الوليد بوري
الشيخ العالم الصالح محمد كامل بن إمام علي الحنفي الوليد بوري أحد المشايخ النقشبندية، ولد بوليد
بور سنة خمس وثلاثين ومائتين وألف، وقرأ بعض الكتب على الشيخ علي أحمد البهيروي، ثم سافر
إلى جون بور وقرأ على مولانا عبد الحليم بن أمين الله اللكهنوي في المدرسة الإمامية الحنفية وعلى
غيره من العلماء، وأخذ الطريقة عن الشيخ عبد العليم الحسني القادري، ثم عن الشيخ أمير علي
الجائسي، والشيم كلزار شاه الكشنوي، بكسر الكاف، وخدم الدولة الإنكليزية مدة طويلة حتى أحيل إلى
المعاش، له صراط التكميل بالعربي في التصوف، وله عدة رسائل في السلوك.
توفي سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وألف.
مولانا محمد كمال العلي بوري
الشيخ الفاضل محمد كمال بن كريم الدين بن خير الله الحنفي العليبوري العظيم آبادي، أحد الأفاضل
المشهورين، ولد سنة تسع وأربعين ومائتين وألف، وقرأ العلم على المفتي واجد علي البنارسي
والمفتي صدر الدين الدهلوي والمفتي سعد الله المراد آبادي والسيد معين الدين الكاظمي الكروي
وعلى غيرهم من العلماء، ثم لازم السيد عالم علي الحسيني النكينوي، وأخذ عنه الحساب والفرائض
والحديث، وولي التدريس في المدرسة العربية ببلدة عظيم آباد سنة(8/1371)
تسعين ومائتين وألف، فدرس بها
ثلاثين سنة، وانتهت إليه الرئاسة العلمية بتلك البلدة.
لقيته بها، فوجدته كثير الاشتغال بالتدريس، حليماً متواضعاً، حسن الأخلاق، له تعليقات على شرح
كافية ابن الحاجب للجامي، وعلى حاشية غلام يحيى على الرسالة.
مات سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وألف، كما في تذكرة النبلاء.
الشيخ محمد مظهر الدهلوي
الشيخ العالم الصالح محمد مظهر بن أحمد سعيد بن أبي سعيد العمري الحنفي الدهلوي المهاجر إلى
مدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
ولد لثلاث خلون من جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين ومائتين وألف بمدينة دهلي، ونشأ بها في مهد
العلم والمشيخة، وقرأ العلم على مولانا حبيب الله وعلى غيره من العلماء، ثم لازم أباه، وقرأ عليه
مكتوبات جده الإمام الرباني مرتين قراءة تدبر وإتقان، وأخذ عنه الطريقة، ثم سافر إلى الحرمين
الشريفين باذنه فحج وزار، ورجع إلى الهند وصحب والده، وهاجر معه إلى الحجاز سنة أربع
وسبعين ومائتين وألف، فسكن بالمدينة المنورة، وجلس على مسند أبيه بعد وفاة صنوه الكبير عبد
الرشيد، فحصل له القبول العظيم.
وكان من العلماء الربانيين جامعاً بين المعقول والمنقول، حاوياً للفروع والأصول، مطلعاً على دقائق
المعارف وحقائق الحكم، ترجم له الشيخ مراد ابن عبد الله القزاني في ذيل الرشخات ترجمة حسنة،
قال: وكان طريقته في تربية السالكين مثل طريقة آبائه من غير تبديل وتغيير بزيادة أو نقصان،
سالكاً فيه طريق الاقتصاد، شاخصاً بصره إلى سددوا وقاربوا وملاحظاً معنى بشروا ولا تنفروا وكان
يأمر كلا من الطالبين بما يناسبه من وظائف الأذكار، فمنهم من يأمره بالإكثار، ومنهم من يأمره
بالمجاهدة والرياضة والعزلة عن الأغيار، ومنهم من يفوض إلى يده زمام الاختيار، وكان اعتناؤه
بالعلماء وطلبة العلوم أكثر، والتفاته إليهم أوفر، وكان كثير الحث على طلب العلوم بما شاهد من فشو
الجهل وأنواع البدع في العالم، وكان لا يكلفهم بكثرة الأذكار على وجه يفضي إلى ترك التحصيل،
وبنى مدرسة عالية في المدينة المنورة بباب البقيع ثلاث طبقات مشتملة على جميع ما يحتاج إليه من
خزانة الكتب ومحل التدريس ومحل اجتماع الإخوان للذكر، انتهى، له المقامات السعيدية، رسالة
بالفارسية في حالات أبيه ومقاماته.
توفي لليلة الاثنين لاثنتي عشرة خلون من محرم سنة إحدى وثلاثمائة وألف، فدفن بالبقيع بجنب قبر
والده.
مولانا محمد مظهر النانوتوي
الشيخ العالم المحدث محمد مظهر بن لطف علي بن محمد حسن الصديقي الحنفي النانوتوي أحد
العلماء المبرزين في الفقه والحديث.
ولد ونشأ بنانوته قرية من أعمال سهارنبور وسافر للعلم إلى دهلي فقرأ على مولانا مملوك العلي
النانوتوي وعلى الشيخ صدر الدين الدهلوي والشيخ رشيد الدين، وقرأ بعض كتب الحديث على
الشيخ الأجل الشيخ محمد إسحاق بن محمد أفضل الدهلوي، واشتغل بالتصحيح في مطبعة نولكشور
زماناً، وأخذ عنه الطلبة الفقه والأصول والكلام، وكان ممن قرأ عليه الإمام محمد قاسم النانوتوي، قرأ
عليه بعض الكتب الابتدائية ثم تصدر للتدريس وأفنى قواه في تدريس الكتاب والسنة، ونشر العلوم
والفنون بمدرسة مظاهر العلوم في بلدة سهارنبور في شوال سنة ثلاث وثمانين ومائتين وألف، وهذه
المدرسة المباركة أسسها مولانا سعادت علي السهارنبوري، وكان من رهط سيدنا الإمام الشهيد السيد
أحمد بن عرفان البريلوي.
وكان عالماً متبحراً متقناً للفنون، بايع الإمام رشيد أحمد بن هداية أحمد الكنكوهي، وأجازه، وكان
كثير القراءة للقرآن، دائم الذكر رطب اللسان باسم الذات، بعيداً عن التكلف، زاهداً متقشفاً، وقوراً، قد
ألقيت عليه المهابة.(8/1372)
مات يوم الأحد لست بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثمائة وألف وله من العمر سبعون سنة،
فأرخ لوفاته مولانا محمد سعيد:
زين جهان نقل مكان كرد بدار جنات
الشيخ محمد معصوم الدهلوي
الشيخ العالم الصالح محمد معصوم بن عبد الرشيد بن أحمد سعيد العمري السرهندي ثم الدهلوي أحد
العلماء المبرزين في الفقه والحديث.
ولد ببلد دهلي لتسع خلون من شعبان سنة ثلاث وستين ومائتين وألف، وقرأ العلم على العلامة محمد
نواب بن سعد الله الخالصبوري وعلى والده، ثم أخذ الحديث والتفسير وغيرهما عن عم والده الشيخ
عبد الغني بن أبي سعيد العمري الدهلوي، وأخذ الطريقة عن جده الشيخ أحمد سعيد، وسافر معه إلى
الحرمين الشريفين سنة أربع وسبعين ومائتين وألف، ولما مات جده لازم أباه بالمدينة المنورة وأخذ
عنه، ولما مات والده قدم الهند وسكن برامبور، فأكرم وفادته نواب كلب علي خان الرامبوري،
ووظفه أربعمائة ربية شهرية فطابت له الإقامة بها، وأقام إلى مدة طويلة، ثم سافر إلى الحجاز وسكن
بالمدينة المنورة، لقيته برامبور.
وكان شيخاً صالحاً وقوراً عظيم المنزلة كبير الشأن، يدرس ويلقن الذكر على أصحابه صباحاً
وسماء، وله مصنفات عديدة، توفي في العاشر من شعبان سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة وألف.
مولانا محمد مكي الجونبوري
الشيخ العالم الصالح محمد مكي أبو الخير بن سخاوت علي العمري الجونبوري كان رابع أبناء
والده، ولد بمكة المباركة لإحدى عشرة بقين من جمادى الأولى سنة أربع وسبعين ومائتين وألف،
ولما توفي والده بمكة المشرفة قدم الهند مع والدته، وقرأ العلم على صنوه شبلي بن سخاوت علي
وعلى المولوي عبد الله الكوباوي ومولانا سعادت حسين البهاري، ثم قدم لكهنؤ وأخذ عن العلامة عبد
الحي بن عبد الحليم اللكهنوي، ثم دخل بلدتنا رائي بريلي وأخذ الطريقة عن سيدنا ضياء النبي بن
سعيد الدين البريلوي، وصحبه مدة، ثم رجع إلى بلدته وعكف على التدريس والتذكير، انتفع به كثير
من الناس.
مات سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وألف ببلدة جونبور.
السيد محمد مهدي المصطفى آبادي
الشيخ الفاضل محمد مهدي بن نوروز علي الحسيني الشيعي المصطفى آبادي البريلوي أحد علماء
الشيعة وكبرائهم، ولد ونشأ بمصطفى آباد قرية جامعة من أعمال رائي بريلي ودخل لكهنؤ في صباه،
فقرأ العلم على السيد حامد حسين بن محمد قلي الموسوي الكنتوري ولازمه مدة، وأخذ الفنون الأدبية
على المفتي عباس بن علي التستري، وصحبه برهة من الدهر حتى برع في الإنشاء والشعر، وفاق
أقرانه في ذلك، وكان عباس يفتخر به ويقول إنه أصدق خل من بطانتي، وأوثق سهم في كنانتي،
انتهى، له الكواكب الدرية مجموع في الإنشاء والشعر.
ومن شعره قوله يرثي به شيخه المفتي عباس المتوفي سنة 1306 هـ:
قفا بديار دارسات بلاقع عفت من رياح عاصفات زعازع
طلول علوم أوحشتها يد الفنا وما غاب من آثارها غير راجع
تعفى العلوم بالخطوب فأصبحت قفار الديار خاويات المراتع
خوالد صماء بالإكام كما ترى أثافي سفعاً في فناء المرابع
لقد لعب الدهر المشت بأهلها فأظعنهم تباً له من مخادع
فقد ظعنوا عنها جميعاً وغادروا معالم من أقلامهم والأصابع
بذا اليوم قد صاروا رهين مقابر وبالأمس قد كانوا رؤس المجامع
فجعنا بقوم شيدوا دين ربهم وما قصروا في ذاك قيد الأكارع(8/1373)
ولا سيما حبر فصيح ومفلق فقيه نبيه قائم الليل خاضع
وقوله من قصيدة أخرى المسماة بشقائق النعمان:
طار الكرى من بينكم عن مآقي فترفقاً بالهائم المشتاق
يا حبذا يوم تحملتم به نحو الغرى على متون عتاق
يوم تحملتم وفي وجناتكم أثر الجوى بالمدمع المهراق
يوم تحملتم فهيج لي البكا مبكاكم قلتم فهل من واق
يوم تحملتم وفي آثاركم سمحت بدمع ساكب آماقي
فحشاي قد أودعتم جمر الغضا فمنيت بالإقلاق والإيراق
ودعتموني مستهاماً بعد ما أحرزت حظاً وافراً بتلاق
ظعنوا عن الصب المشوق ومعهم سحبوا الحشا بأعنة الأشواق
غادرتم الصب العميد وسرتم أو ما رضيتم عنه باسترقاق
منوا على المأسور بالهند التي شدت فأضحى في أشد وثاق
بالسوق والإطلاق والإذها ب والإخلاص والإنقاذ والإعتاق
وقوله من قصيدة سماها فتيت العقيان:
كلفت بها مذ ميط عني تمائمي فليس بمغن عنه لومة لائم
فلما رنت نحو الطلول ركائبي وقفن ولا يسمعن زجر اللوائم
وذكر حبيبي في الفؤاد عواذلي فما نفعكم من حل عقد الرتائم
إليك فإني لست مني بغادر وفي طرقات الحب لست بهائم
شكوت إليها حر وجد لهيبه بدمع غزير كالسيول وساجم
ولست بسال عن مودتها التي منيت بها ما بين واش وشاتم
وإن سلوا عن صبابة فرعها أعز علينا من عضاض الأراقم
غدائرها طول الليالي ذكرتها إذا ما رأيت كل أسود فاحم
لعمري فدت نفسي وعيني ومهجتي على كل ذي وجه منير وباسم
خليلي قد سرق الفؤاد فاطلبا من الظبي ذي جيد تليع وناعم
على كل باك في الفضيلة سابق فهيج مبكانا بكاء الحمائم
لقد سلبت طيب الكرى عن كريمتي عقيلة غيد الدهر فخر الكرائم
وقوله من قصيدة سماها شفاء الأسقام:
قد قام عني عودي لغرامي أعيى الطبائب كلهم أسقامي
صار الأقارب والأجانب كلهم في لوعتي ومدامعي وسقامي
دنف كئيب لا يمن سهاده صب شج يبكي بدمع دام
جاءت تخافت من سماع مراقب ذهبت تجنب أعين اللوام
بيضاء يلمع في البراقع وجهها أفلت متى برزت من الحمام
وبركتم في كلة وقرام فغدوتم كالزهر في الأكمام(8/1374)
أودعتها قلبي وهن ظعائن والدمع في التسكاب والتسجام
وبدار آنسة وقفت وإنني أبكي على الأطلال كابن حزام
توفي لليلتين بقيتا من صفر سنة سبع عشرة وثلاثمائة وألف.
مولانا محمد نعيم اللكهنوي
الشيخ الفاضل الكبير محمد نعيم بن عبد الحكيم بن عبد الرب بن ملك العلماء بحر العلوم عبد العلي
محمد الأنصاري اللكهنوي، أحد كبار العلماء.
ولد ونشأ بلكهنؤ وحفظ القرآن، ثم اشتغل بالعلم على والده وتخرج عليه، ثم تصدر للتدريس فدرس
وأفاد مدة من الزمان ببلدته، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار، وأسند الحديث عن السيد
أحمد بن زين دحلان الشافعي المكي ومن في طبقته من المحدثين، ثم رجع إلى الهند واعتزل في بيته
مفيداً مدرساً، قرأت عليه هداية الفقه والسراجية وشرح العقائد للدواني ونخبة الفكر، وسمعت عنه
المسلسل بالأولية، وأجازني بمقرواءته ومسموعاته.
وكان عالماً كبيراً فقيهاً أصولياً، متكلماً ناصحاً مفيداً، مع البر والدين، والتودد والتواضع، والحلم
والأناة والاستقامة، وله أتم خبرة بأحوال الناس وما يليق لكل أحد منهم وما يناسبه وما لا يناسبه،
ومجالسته هي نزهة الأذهان والعقول بما لديه من الأخبار التي تنشف الأسماع.
وكان غاية في الزهد والقناعة، والتوكل على الله والتبتل إليه، والتسليم والرضا والصبر، ذا سخاء
وإيثار، يطعم الأضياف، ويعيش طلقاً ذا بشاشة للناس، لم يطلع أحد قط على فقره وفاقته، وكان يقنع
بقدر يسير يصل إليه من ولاة رامبور وكان لا يقبل النذور والفتوحات من عامة الناس، لا سيما عن
مريديه، وإنه رد ما يبلغ ثمنه خمساً وعشرين ألفاً من النقود الفضية الإنكليزية عرضتها عليه فضلو
بيكم، وأمرها أن يصرفها في الخيرات، لوجه شبهة في تلك الأموال، وكان حريصاً على جمع الكتب
النفيسة، يقبل هدايا الكتب، وإنه باع داره التي كانت على جسر فرنكي محل، واشترى بثمنها حاشية
الطحطاوي على الدر المختار بستين ربية.
وإني ما رأيت أصبر منه على البلاء، مات ابنه الوحيد مولانا محمد أكرم، وكنت حينئذ في بهوبال
فلما نعيت به حضرت لديه للتعزية، فلقيني طلقاً ذا بشاشة على دأبه وقال: إن أم عيالي ربما تضجر
عن صنك العيش فتشكوا إلي فكنت أسليها وأقول لها: إن المولوي محمد أكرم سيسافر للاسترزاق،
فيفتح الله سبحانه على أبواب الرزق، ولما كان فيه مظنة الاعتماد على غير الله قطعه الله بفضله
ومنه، قال ذلك ورأيت على وجهه الكريم ملامح الامتنان، فعجبت من ذلك.
توفي إلى رحمة الله سبحانه لتسع بقين من ربيع الثاني سنة ثمان عشرة وثلاثمائة بلكهنؤ.
العلامة محمد نواب الخالصبوري
الشيخ الفاضل الكبير العلامة محمد نواب بن سعد الله بن عبيد الله الحنفي الأفغاني الخالصبوري،
أحد الأفاضل المشهورين في الهند.
ولد ونشأ بأفغانستان، ودخل الهند في شبابه، فلازم العلامة فضل حق ابن فضل إمام العمري الخير
آبادي، وقرأ عليه جميع الكتب الدرسية عقلياً كان أو نقلياً، وقرأ الكتب الطبية على الحكيم إمام الدين
الدهلوي، ثم أخذ الطريقة النقشبندية عن الشيخ أحمد سعيد العمري الدهلوي، ثم قدم لكهنؤ وتزوج
بخالصبور في إحدى العائلات الكريمة، وتطبب على مسيح الدولة الحكيم حسن علي بن مرزا علي
الشيعي اللكهنوي، وكان يدرس العلوم الآلية والعالية بغاية التحقيق والتدقيق، درس مدة من الزمان
بلكهنؤ، ثم سافر إلى بهوبال وأقام به سنتين، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار، وسكن بمكة
المباركة.
وكان مفرط الذكاء جيد القريحة، سريع الإدراك قوي الحفظ معدوم النظير في زمانه، رأساً في الفقه
والأصول، وله يد بيضاء في المنطق والحكمة والطب،(8/1375)
وسائر الفنون الحكمية، حصل له القبول
العظيم في زمانه، وأخذ عنه خلق لا يحصون بحد وعد، مات في جمادى الأولى سنة تسع وثلاثمائة
وألف بمكة المباركة، أخبرني به ولده.
الحكيم محمد ياسين الآروي
الشيخ العالم الفقيه محمد ياسين بن ناصر علي الحنفي الغياثبوري ثم الآروي، أحد العلماء
المشهورين، ولد ببلدة آره في الثاني عشر من شوال سنة ثمانين ومائتين وألف، وقرأ الكتب الدرسية
على والده وعلى مولانا سعادة حسين البهاري، وعلى مولانا وحيد الحق الأستهانوي، والمولوي فدا
حسين الدربهنكوي ببلدة آره ثم سافر إلى كلكته وأخذ عن الشيخ سعادة حسين المذكور ولازمه زماناً،
ثم سافر إلى لكهنو وتخرج على العلامة عبد الحي ابن عبد الحليم اللكهنوي، وأخذ الصناعة الطبية
عن الحكيم عبد العلي بن إبراهيم الحنفي اللكهنوي، ثم رجع إلى بلدته آره وتصدر للتدريس.
له مصنفات عديدة منها معين المعالجين، مختصر في الطب بالفارسي، ورسالة في جهر التأمين
وسره في الصلاة، وتنبيه الشياطين، رسالة في المناظرة، ورسالة في مناقب الإمام أبي حنيفة.
الشيخ محمود بن حسام الدين الكجراتي
الشيخ العالم الفقيه محمود بن حسام الدين الأحمد آبادي الكجراتي، أحد المشايخ الجشتية، ولد بأحمد
آباد لخمس عشرة خلون من جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وألف، وقرأ العلم على أساتذة
عصره، ثم لازم أباه وأخذ عنه الطريقة، ولما مات والده جلس على مشيخة الإرشاد، واشتغل بالدرس
والإفادة مدة من الزمان، وسافر إلى حيدر آباد سنة ثمان وسبعين ومائتين وألف، وأقام بها نحو سنتين
وانتفع به ناس كثيرون، ثم رجع إلى أحمد آباد وسافر إلى حيدر آباد مرة ثانية سنة إحدى وثلاثمائة
وألف، وأقام بها نحو سنة، ثم رجع إلى أحمد آباد ومات بها، وكان شيخاً كريماً عميم النفع كثير
الإحسان، له تبصرة التوحيد كتاب في مقامات الأولياء ومكاشفاتهم.
مولانا محمود الشيرازي
الشيخ الفاضل محمود بن عبد الله الحنفي النقشبندي أحد العلماء الصالحين، ولد ونشأ بشيراز،
واشتغل بالعلم أياماً في بلدته، ثم سافر إلى قسطنطينية وأخذ عن أهلها، وصار بارعاً في القراءة
والتجويد والحديث والعلوم العربية والمعارف الحكمية، ثم قدم الهند ولازم الشيخ عثمان بن عبد الله
النقشبندي بموسى زي من أعمال ذيره إسماعيل خان، وأخذ عنه الطريقة، وسكن بزاويته مدرساً
مفيداً.
مولانا محمود الموي
الشيخ العالم الفقيه محمود بن غلام محمد بن دوست محمد الموي الأعظم كدهي، أحد العلماء
الصالحين، ولد بمئو سنة خمس وسبعين ومائتين وألف، ونشأ بها، وقرأ شطراً من العلم على أساتذة
بلدته، ثم قدم لكهنؤ وأخذ عن العلامة عبد الحي بن عبد الحليم الأنصاري اللكهنوي، ولازمه مدة ونال
منه الإجازة، ثم أخذ الصناعة الطبية عن الحكيم عبد العزيز بن إسماعيل الحنفي اللكهنوي، ثم سافر
إلى دربهنكه ثم إلى بهوبال، ورجع إلى بلدته بعد مدة، وكان يدرس ويتطبب، ويسترزق بالحياكة.
توفي يوم الجمعة لثلاث مضين من صفر سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة وألف.
الشيخ محمود بن محمد السورتي
الشيخ الفاضل محمود بن محمد بن هاشم بن محمد بن علي بن أحمد اللونتي السامرودي السورتي،
أحد العلماء البارعين في المعقول والمنقول، ولد يوم الجمعة لسبع بقين من رجب سنة ثلاث وسبعين
ومائتين وألف، وقرأ العلم على العلامة محمد بشير السهسواني وعلى غيره من العلماء، ثم أخذ
الحديث عن القاضي(8/1376)
حسين بن محسن الأنصاري اليماني، ثم صرف عمر في الدرس والإفادة.
مات يوم السبت لليلتين بقيتا من شعبان سنة خمس عشرة وثلاثمائة وألف وله اثنتان وأربعون سنة.
الشيخ محمود بن محمد الكيلاني
الشيخ الفاضل الكبير محمود بن محمد الشيعي الكيلاني أحد العلماء المبرزين في العلوم الأدبية، ولد
سنة ثلاث وستين ومائتين وألف بقرية دويشل بمقربة لاهجان من بلاد كيلان، واشتغل بالعلم على
أساتذة بلاده زماناً، ثم سافر إلى العراق وأخذ عن كبار العلماء والمجتهدين، ثم ورد الهند وأقام زماناً
ببلدة بمبىء، ثم وفد إلى كلكته سنة تسع وثمانين ومائتين وألف، وتزوج بها وتدير، لقيته بكلكته
فوجدته شيخاً فاضلاً، عظيم القدر جليل المنزلة، له وجاهة عظيمة عند عامة أهل البلد، وله
مصنفات.
مات سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة وألف بكلكته.
المولوي محمود حسن السهسواني
الشيخ الفاضل محمود حسن بن محمد إمام الزبيري السهسواني، أحد العلماء المتمكنين من الدرس
والإفادة، ولد ونشأ بسهسوان، وسافر للعلم، فقرأ الكتب الدرسية في المدرسة العربية بديوبند، ثم دخل
كنكوه وأخذ الحديث عن الشيخ رشيد أحمد الحنفي الكنكوهي المحدث، ثم ولي التدريس في المدرسة
العربية بالجامع الكبير في مراد آباد، فانتفع به خلق كثير، وكان درس بها خمساً وثلاثين سنة.
توفي سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وألف ببلدة سهسوان وله ستون سنة كما في حياة العلماء.
مولانا محمود حسن خان الطوكي
الشيخ العالم الكبر محمود حسن بن أحمد حسن بن غلام حسين الحنفي الأفغاني النجيب آبادي ثم
الطوكي أحد العلماء المشهورين.
ولد ونشأ ببلدة طوك، واشتغل أياماً على القاضي إمام الدين والقاضي دوست محمد، ثم سافر إلى
رامبور وقرأ على مولانا أكبر علي والعلامة عبد العلي، ثم سافر إلى بهوبال وأخذ الحديث عن شيخنا
القاضي حسين بن محسن الأنصاري اليماني، ثم ساح أكبر بلاد الهند، وأسند عن القاري عبد الرحمن
بن محمد الأنصاري الباني بتي، وسافر إلى الحجاز فحج وزار، وسافر إلى القاهرة وبيروت، ورجع
إلى الهند.
له مصنفات عديدة، منها الرسالة الصيدية طبعت في بيروت، ومنها معجم المصنفين جمع فيه شيئاً
كثيراً، واستوعب المصنفين من علماء الإسلام في الشرق والغرب، فأحاط بهم إحاطة، وذكر منهم
جمعاً عظيماً من المتأخرين والمتقدمين، وقد استتب الكتاب في ستين مجلداً، وجاء في عشرين ألفاً من
الصفحات، واشتمل على تراجم أربعين ألفاً من المصنفين، ويبلغ عدد من سمى منهم بأحمد إلى الفين،
وقد طبعت منه أربعة أجزاء، على نفقة الحكومة الآصفية في حيدر آباد، في بيروت.
وكان مولانا محمود حسن عالماً متضلعاً من العلوم العقلية والنقلية، متفنناً في الفضائل العلمية،
راسخاً في علم الأصول، واسع الاطلاع على كتب التاريخ والتراجم، كثير القراءة، دائم الاشتغال
بالعلم، بشوشاً طيب النفس، خفيف الروح ذا دعابة، لطيف العشرة، متواضعاً، لا يتكلف في الملبس،
يعيش كأحاد الناس، ثم أقام مدة في حيدر آباد، مشتغلاً بالتأليف والمطالعة، ثم انتقل إلى مسقط رأسه
طوك حيث توفى في السابع عشر من شوال سنة ست وستين وثلاثمائة وألف.
مولانا محمد حسن الديوبندي
المعروف بشيخ الهند
الشيخ العالم الكبير العلامة المحدث محمود حسن بن ذو الفقار علي الحنفي الديو بندي، أعلم العلماء
في العلوم النافعة، وأحسن المتأخرين ملكة في الفقه وأصوله، وأعرفهم بنصوصه وقواعده.
ولد سنة ثمان وستين ومائتين وألف في بريلي ونشأ بديوبند، وقرأ العلم على مولانا السيد أحمد
الدهلوي ومولانا يعقوب بن مملوك العلي وعلى العلامة محمد قاسم وعلى غيرهم من العلماء،
وصحب مولانا محمد قاسم المذكور مدة طويلة، وانتفع به كثيراً، حتى صار(8/1377)
بارعاً في العلوم، وولي
التدريس في المدرسة العربية بديوبند سنة اثنتين وتسعين ومائتين وألف، ثم أخذ الطريقة عن الشيخ
رشيد أحمد الكنكوهي، وكان يتردد إليه غير مرة في السنة، وحصلت له الإجازة منه، حتى كبره
موت الكبراء، لقيته بديوبند غير مرة، ووجدته ملازماً للعبادة والورع، وقيام الليل والسداد في
الرواية، سريع الإدراك شديد الرغبة في المذاكرة بالعلم، ذا عناية تامة بالفقه وأصوله، يحفظ متون
الأحاديث، وانتهت إليه رئاسة الفتيا والتدريس في آخر أمره.
وكان سافر إلى الحجاز للحج والزيارة غير مرة، سافر في سنة أربع وتسعين ومائتين وألف في
جماعة صالحة من الشيوخ: الشيخ محمد قاسم والشيخ رشيد أحمد والشيخ يعقوب والشيخ رفيع الدين
والشيخ محمد مظهر والمولوي أحمد حسن الكانبوري وخلق آخرين، فحج وزار، وأدرك بمكة
المباركة الشيخ الكبير إمداد الله العمري التهانوي والعلامة رحمة الله بن خليل الرحمن الكرانوي،
وبالمدينة المنورة الشيخ عبد الغني بن أبي سعيد العمري الدهلوي، واستفاض منهم فيوضاً كثيرة.
ولما توفي مولانا محمد يعقوب النانوتوي وسافر مولانا السيد أحمد الدهلوي إلى بهوبال ولي الشيخ
محمود حسن رئاسة التدريس سنة خمس وثلاثمائة وألف، وشمر عن ساق الجد والاجتهاد في تعليم
علوم السنة وتخريج الطلبة، وتربية الطالبين، ونفع الله به في هذه الفترة نفعاً عظيماً.
وكان قد وضع خطة لتحرير الهند من حكم الإنجليز، كان يريد أن يستعين فيها بالحكومة الأفغانية
والخلافة العثمانية، وهيأ لها جماعة من تلاميذه وممن يثق بهم من أصحابه، وكان في مقدمتهم
المولوي عبيد الله السندي، وأرسله إلى أفغانستان، وكان الاتصال بينه وبين تلاميذه وأصحابه في
الحدود الشمالية وفي أفغانستان، ولما تم لهم بعض ذلك ومهدوا الأرض للثورة واشتدت عليه الرقابة
في الهند سافر إلى الحجاز سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة وألف، وأقام بمكة وقابل غالب باشا الوالي
التركي سراً، ثم سافر إلى المدينة المنورة وقابل أنور باشا وزير الحربية وجمال باشا القائد العام
للجيش العثماني الرابع حين زار المدينة المنورة، وفاوضهما في طرق إعانة المسلمين في الهند ونفي
الإنجليز منه، وأخذ منهما رسالة سرية إلى الشعب الهندي، والوعد بتأييد القضية الهندية، وحمل أهل
الهند على مساعدة الشيخ محمود حسن والاعتماد عليه، وأخذت صور هذه الوثيقة، وقرر تسريبها إلى
الهند وأفغانستان بطريقة سرية، واشتهرت فيها بعد بالرسائل الحريرية وصلت إلى الهند، وأراد
الشيخ محمود حسن أن يصل إلى الحدود الشمالية الحرة بين أفغانستان والهند عن طريق إيران فسافر
إلى الطائف، ورجع إلى مكة وأقام بها مدة، ودرس في صحيح البخاري وحج، وكان ذلك سنة أربع
وثلاثين وثلاثمائة وألف.
واكتشفت الحكومة الإنجليزية المؤامرة، وعرفت قضية الرسائل الحريرية، فصرفت عنايتها إلى
القبض على زعيم هذه الحركة وقطب رحاها، وكان الشريف حسين أمير مكة قد خرج عن الدولة
المتبوعة العثمانية، وثار عليها بتحريض الدولة الإنكليزية فأوعزت إلى الشريف بإلقاء القبض عليه
وتسليمه إلى الحكومة الإنجليزية، فألقي القبض عليه في صفر سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وألف،
ومعه المولوي حسين أحمد الفيض آبادي والحكيم نصرت حسين الكوروي والمولوي عزيز كل
والمولوي وحيد أحمد، وسفر هؤلاء في الثامن عشر من ربيع الأول سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة
وألف إلى مصر ومنها إلى مالطه حيث وصلوا سلخ ربيع الآخر سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وألف.
ولبث الشيخ في مالطه نحو ثلاث سنوات وشهرين صابراً محتسباً، عاكفاً على الذكر والعبادة،
منصرفاً إلى التربية والإفادة، راضياً بقضاء الله وقدره، ومات الحكيم نصرت حسين في المنفى،
وأطلق سراحهم لليلة خلت من جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وألف، ووصل إلى الهند
في عشرين من رمضان سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وألف مكرماً مبجلاً، قد مالت إليه القلوب،
وتطلعت إليه النفوس، وقد غلب لقب شيخ الهند على اسمه، فاشتهر في العامة والخاصة، واستقبل
استقبالاً(8/1378)
عظيماً في كل بقعة نزل فيها أو مر بها، وتقاطر الناس لاستقباله وزيارته، واحتفل به أهل
وطنه احتفالاً كبيراً، وكان قد أضناه الأسر، ووهنت قواه لمقاساته للأمراض ومعاناته للمشقة
والمجاهدة، ولكنه لم يستجم من عنائه، ولم يستقر في وطنه، بل قام بجولة في مدن الهند، وسافر إلى
علي كزه، ووضع حجر أساس الجامعة الملية الإسلامية، وألقى الخطب وأصدر الفتاوي، ودعا إلى
مقاطعة الحكومة الإنجليزية، ورجع إلى دهلي، واشتد به المرض والضعف، حتى وافاه الأجل في
الثامن عشر من ربيع الأول سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وألف في دهلي، ونقل جسده إلى ديو بند،
وصلى عليه جمع كبير، ودفن بجوار أستاذه الإمام قاسم النانوتوي.
كان مولانا محمود حسن آية باهرة في علو الهمة وبعد النظر، والأخذ بالعزيمة، وحب الجهاد في
سبيل الله، قد انتهت إليه الإمامة في العصر الأخير في البغض لأعداء الإسلام والشدة عليهم، مع
ورع وزهادة، وإقبال إلى الله بالقلب والقالب، والتواضع والإيثار على النفس، وترك التكلف، وشدة
التقشف، والانتصار للدين والحق، وقيام في حق الله، وكان دائم الابتهال، قوي التوكل ثابت الجأش،
سليم الصدر، جيد التفقه، جيد المشاركة في جميع العلوم العقلية والنقلية، مطلعاً على التاريخ كثير
المحفوظ في الشعر والأدب، صاحب قريحة في النظم، واضح الصوت، موجز الكلام في إفصاح
وبيان، تمتاز دروسه بالوجازة والدقة، والاقتصار على اللب، كثير الأدب مع المحدثين والأئمة
المجتهدين، لطيفاً في الرد والمناقشة، كان قصير القامة، نحيف الجثة، أسمر اللون، كث اللحية في
توسط، غير متكلف في اللباس، عامته من الكرباس الثخين، وقور في المشي والكلام، تلوح على
محياه أمارات التواضع والهم، وتشرق أنوار العبادة والمجاهدة، في وقار وهيبة مع بشر وانبساط مع
التلاميذ والإخوان.
وكان قليل الاشتغال بالتأليف بالنسبة إلى غزارة علمه وكثرة درسه، له تعليقات لطيفة على سنن أبي
داؤد، وجهد المقل في تنزيه المعز والمذل كتاب له بالأردو في مسألة إمكان الكذب وامتناعه، والأدلة
الكاملة في جوانب السؤالات العشرة للشيخ محمد حسين البتالوي، وإيضاح الأدلة في جواب مصباح
الأدلة لدفع الأدلة الأذلة للسيد محمد أحسن الأمروهي.
الحكيم محمود عالم السهسواني
الشيخ الفاضل محمود عالم بن إلهي بخش الحسيني السهسواني، أحد العلماء المبرزين في العلوم
الحكمية، ولد ونشأ بسهسوان، وسافر للعلم إلى رامبور فقرأ على العلامة عبد الحق بن فضل حق
الخير آبادي وعلى غيره من العلماء، وأخذ الصناعة الطبية عن الحكيم عبد العلي بن إبراهيم
اللكهنوي ولازمه مدة، وأخذ الحديث عن السيد محمد شاه بن حسن شاه الرامبوري، ثم رجع إلى بلدته
ودرس بها مدة طويلة، أخذ عنه غير واحد من العلماء.
مات في شهر رجب سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف.
المولوي محمود عالم الرامبوري
الشيخ الفاضل محمود عالم الحنفي الرامبوري أحد كبار العلماء، ولد ونشأ برامبور، واشتغل أياماً
على أساتذة بلدته، ثم قدم لكهنؤ، وقرأ على مولانا تراب علي الحنفي اللكهنوي صاحب التعليق
المرضي وعلى غيره من العلماء، ثم تصدر للتدريس، وسار إلى البلاد المشرقية، فقرأ عليه خلق
كثير من العلماء، منهم الشيخ عبد العزيز بن أحمد الله الرحيم آبادي.
مات سنة اثنتين وثلاثمائة وألف.
مولانا محيي الدين الدهلوي
الشيخ العالم الصالح محيي الدين بن مؤيد الدين بن العلامة رشيد الدين الحنفي الكشميري الدهلوي،
أحد العلماء البارعين في الفقه والأصول والعربية، نشأ في ظل صنوه الكبير أمين الدين بحيدر آباد،
وقرأ العلم على أساتذة عصره، وخدم الدولة الآصفية بحيدر آباد مدة طويلة حتى ولي القضاء(8/1379)
الأكبر
بأورنك آباد.
مولانا مراد علي التاندوي
الشيخ الفاضل مراد علي بن غلام قادر الحنفي التاندوي، أحد العلماء الصالحين، ولد لثمان بقين من
ربيع الثاني سنة تسع وأربعين ومائتين وألف بقرية تانده - بالتاء والدال العجميتين - قرية من
أعمال هوشياربور فاشتغل بالعربية أياماً على أساتذة هوشياربور، ثم سافر للعلم إلى بلاد شتى، وقرأ
على مولانا عبد العلي الرامبوري والعلامة عبد الحق بن فضل حق الخير آبادي ومولانا رحمة الله
بن خليل الرحمن الكرانوي وخلق آخرين من العلماء، ثم خدم الدولة الإنكليزية حتى أحيل إلى
المعاش، وكان مع اشتغاله بمهمات الأمور يدرس ويفيد، أخذ عنه المولوي غلام أحمد الكوتي وخلق
آخرون.
المولوي مرتضى بن قاسم البندوي
الشيخ الفاضل مرتضى بن قاسم الحنفي البندوي، أحد العلماء الصالحين، ولد ونشأ بقرية بندي من
أعمال أعظم كده، وسافر للعلم إلى رامبور فقرأ الكتب الدرسية على المولوي فضل حق بن عبد الحق
الرامبوري والمولوي محمد طيب بن محمد صالح المكي والمولوي ظهور الحسن والمولوي حفيظ الله
وعلى غيرهم من العلماء في المدرسة العالية، ثم ولي التدريس ببلدة كونده من بلاده أوده فأقام بها
خمس سنين، ثم سار إلى منكلور من أعمال سهارن بور ودرس بها زماناً، ثم ولي التدريس بمحمد
آباد من أعمال أعظم كده فدرس بها زماناً، ثم قدم لكهنؤ وولي تصحيح الكتب بدار الطباعة للمنشي
نولكشور فخدمها مدة طويلة، ثم ولي التدريس بدار العلوم لندوة العلماء.
مات حوالي سنة سبعين وثلاثمائة وألف.
المفتي مسيح الدين الحيدر آبادي
الشيخ العالم الفقيه المفتي مسيح الدين بن المفتي جمال الدين الحنفي الحيدر آبادي أحد فقهاء الحنفية،
ولد بحيدر آباد سنة إحدى وخمسين ومائتين وألف، وقرأ العلم على أساتذة عصره بحيدر آباد، ثم ولي
الإفتاء بعد ما توفي والده، ولقبه صاحب الدكن عمدة العلماء، محبوب نواز الدولة سنة خمس
وثلاثمائة وألف، وأعطاه المنصب ثلاثة آلاف له، وألفين للخيل مع العلم والنقارة.
مات في اليوم الحادي والعشرين من رجب سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة وألف.
الحكيم مسيح الدين الإله آبادي
الشيخ العالم الفقيه مسيح الدين بن فخر الدين القادري الإله آبادي، أحد العلماء المشهورين ببلدته،
ولد بإله آباد في شهر ذي الحجة سنة إحدى وستين ومائتين وألف، وقرأ الكتب الدرسية كلها على
والده وتطبب عليه، له رسالة في المناسخة، وله هداية الطالبين، رسالة في السلوك.
مات سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة وألف بإله آباد.
مولانا مشتاق أحمد الأنبهتوي
الشيخ العالم الفقيه مشتاق أحمد بن مخدوم بخش بن نوازش علي الحنفي الأنصاري الأنبهتوي، أحد
العلماء المشهورين.
ولد سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف بأنبهته - بالتاء العجمية - قرية جامعة من أعمال سهارن
بور، وقرأ العلم على مولانا سعادت علي السهارنبوري ومولانا سديد الدين الدهلوي والسيد محمد
علي الجاندبوري والعلامة فيض الحسن السهارنبوري، ثم أخذ الحديث عن القاري عبد الرحمن بن
محمد الباني بتي، وتصدر للتدريس، أخذ عنه غير واحد من العلماء.
له مصنفات عديدة، منها تحصيل المنال بإصلاح حسن المقال والتسهيد في إثبات التقليد، وقريرة
العين بتحقيق رفع اليدين، وأحسن التوضيح في مسألة التراويح، والمعراج الجسماني في الرد على
القادياني، وتبشير الأصفياء باثبات حياة الأنبياء، والضابطة في تحصيل الرابطة، ورفيق الطريق في
أصول الفقه، وإزالة(8/1380)
الالتباس، ونسخ التوراة والإنجيل، وله غير ذلك من الرسائل، وكان عنده ميل
إلى الانتصار لبعض البدع.
مات لليلتين بقيتا من محرم سنة ستين وثلاثمائة وألف.
نواب مشتاق حسين الأمروهي
المشهور بوقار الملك
الشيخ الكبير مشتاق حسين بن فضل حسين الحنفي الأمروهي نواب انتصار جنك وقار الدولة وقار
الملك، كان من الرجال المشهورين في الصدق والديانة والعزيمة الراسخة بحيث لا يزعجه عما يبدي
من العزائم شيء.
ولد سلخ محرم سنة سبع وخمسين ومائتين وألف في قرية سراوه من أعمال مراد آباد، وأصله من
كنبوه - أسرة مشهورة بالذكاء وحسن الإدارة، ومات أبوه وله ستة أشهر، فنشأ يتيماً في حجر أمه،
وعنيت بتربيته وإنشائه على الخصائل المحمودة.
قرأ بعد ما انتهى من الكتاب مبادىء العربية والشريعة على الشيخ راحت علي الأمروهوي، ثم
التحق بمدرسة حكومية، ثم دخل في كلية الهندسة في روزكي واجتاز الامتحان حوالي سنة ست
وسبعين ومائتين وألف.
وعين مدرساً في المدرسة المحلية التي تخرج فيها براتب شهري لا يزيد على عشر ربيات، وتعرف
بالسيد أحمد خان مؤسس الحركة التعليمية الشهير، فعينه على مراقبة دار العجزة والفقراء في
أمروهه، وكانت أيام مجاعة عامة في الهند.
وتنقل في وظائف مختلفة حتى عين موظفاً في محكمة عليكزه، واشتغل مدة تحت رئاسة السيد أحمد
خان، وأعجب السيد أحمد بنجابته وأمانته ونصحه، ودخل في امتحان جديد في المصلحة المالية
ونجح، وعمل مع السيد أحمد خان في مجاعة سنة إحدى وتسعين ومائتين وألف في مديرية
كوركهبور، وأقر الحكام الإنجليز بحسن خدمته، وتجلت عصاميته واستقامته على الدين والمبادىء في
الحوادث التي وقعت أثناء خدمته في الحكومة ومعاملته للحكام الإنكليز، وظهرت قوة نفسه وأنفته،
وإباؤه للضيم، وأعان السيد أحمد في مشاريعه التعليمية، وقام بنشاط ملحوظ في رفع شأن المسلمين،
ونشر العلم والآداب فيهم، وتأسيس المؤسسات الخيرية في المناطق التي خدم فيها، وظهر نبوغه في
الأمور الإدارية، وفهم لعلل المسلمين وأسباب انحطاطهم.
واستقدمه سالار جنك وزير المملكة الآصفية بحيدر آباد لإصلاح الإدارة وتنظيم المالية، والتقدم
بالبلاد، في من استخدمهم من نوابغ الهند وفضلائها، وتوجه إلى حيدر آباد سنة اثنتين وتسعين
ومائتين وألف، وعين ناظم العدلية، وارتقى في مدة قليلة إلى أمانة وزارة العدلية، وقام بإصلاحات
دقيقة، واسعة المدى في الإدارة والتشريع، وتنظيم المالية، ورفاهة البلاد، وعين حاكماً في كلبركه في
سنة تسع وتسعين ومائتين وألف، ومات سالار جنك سلخ ربيع الأول سنة ثلاثمائة وألف، وعين
عضواً في المجلس المالي للدولة في سنة إحدى وثلاثمائة وألف بزيادة في الراتب، وانحل المجلس
خلال عام واحد، ورقى المولوي مشتاق حسين إلى منصب حاكم الولاية ولقب بانتصار جنك بهادر،
وقام كالمعتاد بإصلاحات وتنظيمات مفيدة، تعود على البلاد بالخصب والرفاهية وحسن الإدارة، ونقل
إلى أمانة وزارة المالية في سنة أربع وثلاثمائة وألف، وأثار نجاحه وما حصل له من القبول في
الشعب حسد الحساد والمنافسين، وأعانت على ذلك صرامته وعدم مداهنته وإيثاره لمصلحة الشعب
والبلاد على كل مصلحة، حتى اضطر إلى طلب الإحالة على المعاش، ورفض هذا الطلب، ولقب
بوقار الدولة وقار الملك، وأنعم عليه الأمير محبوب علي خان صاحب الدكن بالمنصب والعلم
والنقارة، وكان ذلك لثلاث بقين من ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثمائة وألف، وعين مساعداً للوزير،
وتوسعت دائرة حكمه في البلاد، ونشط الحساد في الوشاية والسعاية، ووجهت إليه تهم هو منها
بريء، فعاد إلى طلب الإحالة على المعاش، ووفق عليه في الرابع والعشرين من ربيع الأول سنة
عشر وثلاثمائة وألف.
وأقام المولوي مشتاق حسين مدة في وطنه، منصرفاً إلى الأمور المفيدة، ومساعدة المشاريع الخيرية(8/1381)
وتشجيعها، وسافر في شوال سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وألف للحج والزيارة، واستقام خلال هذه
المدة كلها على مساعدة مدرسة العلوم في عليكزه، وبذل النصح لها، من غير محاباة أو مداهنة، وقد
اضطره إخلاصه مراراً إلى أن عارض السيد أحمد خان الذي كان يجله ويحبه معارضة شديدة
أغضبته عليه، واتسعت الفجوة بينه وبين شيخه السيد أحمد خان حين اختار ابنه السيد محمود خليفة
له في إدارة الكلية.
واختير أميناً عاماً للكلية على وفاة النواب مهدي علي خان المعروف بمحسن الملك في عاشر ذي
القعدة سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وألف، وكان من خيرة من تقلد هذا المنصب، وشمر عن ساق
الجد والاجتهاد في إصلاح الحال، وتربية الشباب الذين يتعلمون في هذه الكلية، ورفع شعائر الإسلام،
والحث على التدين، والقيام بالواجبات الدينية والشعائر الإسلامية، ووقف موقفاً قوياً صارماً تجاه
العنصر الإنكليزي الذي كان قد استولى على الكلية، وتدخل الحكام الإنكليز في شؤون الكلية، وأثبت
عصاميته واعتداده برأيه واعتماده على المسلمين، وبيض الله وجهه في هذه المواقف، وإثارة النخوة
القومية في المسلمين، وكان له فضل كبير في تأسيس العصبة الإسلامية وتقويتها، وفي تأييد القضايا
التي تؤثر في حياة المسلمين، وتقدمت في دوره الكلية الاسلامية تقدماً واسعاً، ووجد اتجاه إلى الدين،
وأيد ندوة العلماء، وشجع على التعليم الديني.
وفي سنة ثلاثين وثلاثمائة وألف قدم استقالته عن الأمانة العامة الكلية، وقبلت في السادس من شعبان
من هذه السنة، وقوبلت بتأسف عام، وشعور بالاعتراف والإعجاب بشخصيته وأعماله، وكان يدعو
إلى استقلال المسلمين السياسي، وأن تكون لهم جبهة سياسية منفصلة عن الهندوس، ويعارض
الانتخاب المشترك، وقاد المسلمين سياسياً مدة طويلة، وتمتع بإحترام وثقة نادرة، ضعفت صحته
أخيراً وتمادى به المرض فاعتزل في البيت.
كان المولوي مشتاق حسين من نوادر العصر ونوابغ الرجال في الصرامة وقوة العزم، والرسوخ في
العقيدة، والثبات على المبدأ، والتمسك بالأخلاق الفاضلة في الإدارة والسياسة، والأمور الخلافية، كثير
الجد فيما يعانيه من الأمور، بعيداً عن الهزل وسفاسف الأمور وخسائس الأغراض، حريصاً على
خدمة أمته وإخوانه، وقوراً مهيباً، سليم العقيدة، محافظاً على الواجبات الدينية، والشعائر الإسلامية،
كان لا يدخر مالاً، اعتزل الخدمة في حيدر آباد وله راتب ضخم ومنصب كبير، وليس عنده ما يرجع
به إلى وطنه، فباع أثاث بيته، واستعان به على السفر.
كان عبلاً جسيماً، قصير القامة، قصير العنق، كبير اللحية، وكان يحلق رأسه غالباً، ويلبس
الطربوش.
كانت وفاته لأربع خلون من ربيع الآخر سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وألف، وصلى عليه جمع
حاشد، ودفن في أمروهه.
الشيخ مصلح الدين الجونبوري
الشيخ العالم الفقيه مصلح الدين بن رجب علي بن إمام بخش الحنفي الجونبوري، أحد العلماء
المشهورين في البلاد الشرقية، ولد ونشأ بجونبور واشتغل بالعلم أياماً في بلدته، ثم لازم عمه الشيخ
كرامة علي الجونبوري، وأخذ عنه الطريقة، ورافقه في الظعن والإقامة، ولما مات عمه اشتغل
بالتذكير وفي بلاد بنكاله.
وكان فصيح اللسان حلو المنطق، نفع الله به عباده في نواكهالي وسنديب وذهاكه وميمن سنكه
وكهرله وببنا ودهوبزي وكوالبازه وجانكام وآركان ورنكبور وديناج بور ومالده وسراج كنج من بلاد
بنكاله وآسام وجزائر السيلان.
مات سنة ست وثلاثمائة وألف.
السيد مصطفى بن يوسف الطوكي
السيد الشريف العلامة العفيف مصطفى بن يوسف بن يعقوب بن إبراهيم ابن عرفان الحسني
البريلوي ثم الطوكي، المتفق على ولايته وجلالته.
ولد ونشأ ببلدة طوك وحفظ القرآن، ثم اشتغل(8/1382)
بالعربية أياماً على المولوي عبد الغفور النحوي
الطوكي، ثم سافر إلى البلاد وقرأ على مولانا أمير أحمد بن أمير حسن السهسواني والعلامة عبد
الحي بن عبد الحليم اللكهنوي، ثم أخذ الحديث عن السيد المحدث نذير حسين الحسيني الدهلوي،
ورجع إلى بلدته فدرس وأفاد بها زماناً، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار، وأقام بالحجاز
سنة كاملة.
وكان - رحمه الله ونفعنا ببركاته - رحيب الصدر، كريم الكف واسع العطاء، كثير البكاء من خشية
الله سبحانه، لم يكن يلبس لبس المتفقهة والمتصوفة ولا يختار ثيابهم من تكبير العمامة وتطويل
الأكمام، وكان يعمل ويعتقد بالحديث الشريف، وكان شيخنا محمد نعيم بن عبد الحكيم اللكهنوي مع
صلابته في المذهب يقول: إن لمثله يسوغ أن يتتبع الأحاديث ويعمل بها نظراً إلى تورعه، وبالجملة
فإنه كان قريع أوانه وفريد زمانه في الإقبال على الله والاشتغال بالعبادة والمعاملة الربانية، وضع الله
سبحانه له المحبة في قلوب عباده، لما اجتمع فيه من خصال الخير من العلم والعمل، والزهد
والتواضع، وحسن السلوك وتهذيب النفوس، والدلالة على معالم الرشد وطرائق الحق، وإيصال الخير
إلى كل محتاج، لم تر عيني مثله في الورع، ولم أجد أحداً يساويه في اتباع السنة السنية، وكان سبط
سيدنا الإمام الشهيد السيد أحمد بن عرفان البريلوي.
مات يوم الأربعاء لخمس بقين من شعبان سنة عشرين وثلاثمائة وألف ببلدة طوك.
المولوي مظهر حسن الطوكي
الشيخ الفاضل مظهر حسن بن أحمد حسن بن غلام حسين الأفغاني الطوكي أحد العلماء المبرزين
في الفنون الأدبية، ولد ونشأ بطوك، وقرأ العلم على صنويه الكبيرين: محمد حسن ومحمود حسن، ثم
سافر إلى لاهور وقرأ فاتحة الفراغ على المفتي عبد الله بن صابر علي الطوكي، ثم ولي التدريس
ببلدة ميسور من بلاد الدكن، وقضى جزءاً كبيراً من عمره هناك، حتى أحيل إلى المعاش فرجع إلى
بلدته.
كان له شغف بالأدب العربي والإنجليزي، واليد الطولى في علم الألسنة وصلة بعضها ببعض
وانشعابها، قضى شطراً كبيراً من عمره في البحث والتحقيق في هذا الموضوع، وكان يرى ويثبت
أن اللغة العربية هي أم الألسنة وجميع اللغات متفرعة عنها، راجعة إليها، كتب في ذلك مقالات
ورسائل، ضاع أكثرها.
مات في الحادي والعشرين من جمادى الأولى سنة أربع وسبعين وثلاثمائة وألف في طوك.
الحكيم مظهر علي السهسواني
الشيخ الفاضل مظهر علي بن بدر الدين بن صدر الدين العمري السهسواني الحكيم الحاذق، ولد
ونشأ ببلدة سهسوان، وقرأ العلم على صنوه الكبير العلامة محمد بشير، ولازمه مدة من الزمان، ثم
سار إلى بلدة كواليار، وجعله صاحبها طبيباً خاصاً، له تفسير القرآن الكريم إلى سورة البقرة.
توفي بمكة المباركة بعد الحج سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف، كما في حياة العلماء.
الحكيم معز الدين الخالصبوري
الشيخ الفاضل الكبير معز الدين بن القاضي محمد عظيم الأفغاني الخالصبوري أحد العلماء
المشهورين، ولد بخالصبور من أعمال لكهنؤ، وقرأ العلم على أساتذة بلاده، ثم تطبب على الحكيم
يعقوب الحنفي اللكهنوي، ولازمه مدة من الزمان، ثم سافر إلى بهوبال وتقرب إلى أمير تلك الناحية،
فصار رئيس الأطباء في محروسة بهوبال، رأيته بها غير مرة، كان يدرس ويداوي الناس، ولكن
المرضى كانوا ناقمين عليه لإنهماكه في التدريس والتصنيف، ومطالعة الكتب.
له تعليقات نفيسة على المطول، وتعليق نفيس على خمسة فنون من معالجات القانون للشيخ الرئيس.
مات في بعض وعشرين وثلاثمائة وألف ببلدة بهوبال.
مولانا معين الدين الكزوي
الشيخ العالم الكبير معين الدين بن خيرات علي الحسيني الكاظمي الكزوي أحد العلماء المشهورين(8/1383)
بكثرة الدرس والإفادة، درس وأفاد أربعين سنة وأفنى قواه في ذلك حتى أخذ عنه ألوف من الرجال.
ولد ببلدة كزه - بفتح الكاف والراء الهندية - وسافر للعلم إلى بلدة لكهنؤ، وقرأ على مولانا عبد
الحكيم بن عبد الرب والمفتي ظهور الله بن محمد ولي والمحدث مرزا حسن علي وعلى غيرهم من
العلماء ولازمهم مدة طويلة حتى فاق أقرانه، ثم تصدر للتدريس فدرس ببلدة لكهنؤ مدة، ثم سافر إلى
الحرمين الشريفين فحج وزار، ورجع إلى الهند وولي التدريس في المدرسة العربية ببلدة مرزابور،
فدرس بها خمس عشرة سنة، رأيته في بلدتنا رائي بريلي، وكان شيخاً منور الشيبه حسن الخلق،
سريع الكلام.
له تعليقات متشتة على الكتب الدرسية ورسائل شتى، منها التعليق الكامل في مبحث الطهر المتخلل
من شرح الوقاية، ورسالة في مبحث المثناة بالتكرير من شرح هداية الحكمة للشيرازي، ومرقاة
الأذهان في علم الميزان ومرآة الأذهان في علم الواجب تعالى وتقدس، والآداب المعينية بالفارسية في
فن المناظرة، وكذلك جلاء الأذهان في علم القرآن وهداية الكونين إلى شهادة الحسنين والتبيان في
فضائل النعمان والتبيان في حكم شرب الدخان.
توفي لثلاث خلون من ربيع الأول سنة أربع وثلاثمائة وألف.
مولانا معين الدين الأجميري
الشيخ الفاضل معين الدين بن عبد الرحمن الهندي الأجميري أحد كبار العلماء، ولد ونشأ في
الإسلام، وكانت ولادته لأربع بقين من صفر سنة تسع وتسعين ومائتين وألف واشتغل بالعلم على
الحكيم بركات أحمد بن دائم علي الطوكي، فلازمه مدة طويلة وتخرج عليه، وقرأ العلوم الرياضية
على مولانا لطف الله الكوئلي، وولي التدريس بالمدرسة النعمانية بلاهور، وبقي يدرس ويفيد فيها
أكثر من سنتين، ثم تدير بأجمير سنة ست وعشرين وثلاثمائة وألف، وأسس سنة سبع وعشرين
مدرسة سماها معين الحق، وبدأ يدرس فيها بجد واجتهاد، ودقة وإتقان، وقد زارها سمو النظام مير
عثمان علي خان صاحب الدكن وحضر دروسه، وسر بها وخلع عليه، وأجرى للمدرسة جراية
شهرية، ومن هنا سميت المدرسة المعينية العثمانية وتصدر للتدريس فيها خمس عشرة سنة، ثم
استقال لخلاف وقع بينه وبين أعضاء المدرسة، وأسس سنة ثمان وثلاثين مدرسة سماها دار العلوم
الحنفية الصوفية وبقي يدرس فيها مدة اثنتي عشرة سنة، وأمها الطلبة من الآفاق، وانتفعوا به انتفاعاً
عظيماً، وتخرجت عليه جماعة من الفضلاء.
وكان الشيخ معين الدين قوي الملكة في التعليم، جيد المشاركة في العلوم العقلية والرياضية، مشاركاً
في العلوم الدينية، له مشاركة في السياسة وحركة الخلافة، سجن لسنتين، ورأس حفلة جمعية العلماء
التي انعقدت في أمروهه وبقي نائب الرئيس لها مدة طويلة، وكان مع اشتغاله بالتدريس وتضلعه من
العلوم الظاهرة مقبلاً على العبادة وأنواع الطاعات، معتنياً بتربية الباطن وإصلاح النفس، قد بايع
الشيخ عبد الوهاب بن الشيخ عبد الرزاق اللكهنوي، وكان يعيش في استغناء وتوكل وعفاف نفس،
وكان صادعاً بالحق، قد غلب عليه حب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان كلما درس الحديث وذكر
مرض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي توفي فيه تأثر وفاضت عيناه، وكان مندمجاً في الطلبة،
مشاركاً لهم في مشاغلهم ونزهتهم، وكان كثير المحفوظ في الشعر، كثير المؤاساة والبر بالطلبة.
كان قليل الاشتغال بالتصنيف، له حاشية على جامع الترمذي لم تكمل، وله رسائل على بعض
المباحث الفلسفية، وكتاب في سيرة الشيخ الكبير معين الدين السجزي الأجميري، لم يطبع.
مات يوم عاشوراء سنة تسع وخمسين وثلاثمائة وألف بأجمير، ودفن بجوار مقبرة الشيخ معين الدين
الأجميري.
مولانا مقيم الدين الكوثي
الشيخ العالم الفقيه مقيم الدين بن سلطان محمد الحنفي الكوثي أحد العلماء المبرزين في الفقه
والأصول، ولد ونشأ بقرية كوث ممريز من أعمال تانك، وقرأ الكتب الدرسية على المولوي دين
محمد التانكي والشيخ محمد مظهر النانوتوي والعلامة(8/1384)
عبد الحق بن فضل حق الخير آبادي والعلامة
أحمد حسن الكانبوري، ثم ولي التدريس بمدرسة شوكة الإسلام في بلدة سنديله فدرس بها مدة طويلة،
ثم سافر إلى بلاده.
مولانا منصور علي المراد آبادي
الشيخ العالم الفقيه منصور علي بن المولوي حسن علي خان بن المولوي عبد الله خان بن المولوي
أمان الله خان الحنفي المراد آبادي أحد العلماء المشهورين في بلاد الهند، قرأ العلم على العلامة محمد
قاسم الحنفي النانوتوي، ولازمه مدة من الزمان، ثم أخذ الحديث عن الشيخ أحمد علي بن لطف الله
الماتريدي السهارنبوري، وصحبه زماناً، ثم سافر إلى بلاد الدكن، وولي التدريس في المدرسة الطبية
بحيدر آباد، فدرس بها مدة طويلة، وأحيل إلى المعاش، فسافر إلى مكة المباركة وتوطن بها.
له مذهب منصور في جزءين، والفتح المبين، ومعيار الأدوية.
مات بمكة المباركة سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة وألف.
مولانا منفعت علي الديوبندي
الشيخ العالم الفقيه منفعت علي بن بلند بخش الحنفي الديوبندي أحد الفقهاء المشهورين، ولد ونشأ
بديوبند، وقرأ العلم على مولانا يعقوب بن مملوك العلي النانوتوي وشيخنا السيد أحمد الدهلوي وعلى
غيرهما من العلماء في المدرسة العربية بديوبند، ومكث بها طالباً من سنة أربع وثمانين ومائتين
وألف إلى سنة اثنتين وتسعين ومائتين وألف ثم ولي التدريس بتلك المدرسة فدرس بها إلى سنة ثمان
عشرة وثلاثمائة وألف، ثم اعتزل عنها وخالف أعضاء المدرسة في نظامها، ودرس مدة في مدرسة
فتحبوري، ثم انتقل إلى جامع العلوم بكانبور، ودرس بها زماناً.
كان عالماً كبيراً، بارعاً في الهيئة والهندسة والحساب والفقه والفرائض، له رسالة بسيطة بالأردو
في المواريث.
توفي في كانبور لسبع خلون من ذي القعدة سنة سبع وعشرين وثلاثمائة وألف ودفن بها.
مولانا منور علي الرامبوري
الشيخ العالم المحدث منور علي بن مظهر الحق الحنفي الرامبوري أحد العلماء المشهورين، ولد
ونشأ برامبور، وقرأ المختصرات على والده ثم على المولوي محمد صديق الرامبوري، ثم أخذ
المنطق والحكمة عن العلامة عبد الحق بن فضل حق الخير آبادي، وأخذ الحديث عن السيد محمد
شاه بن حسن شاه الحسيني الرامبوري، ثم ولي التدريس بالمدرسة العالية فدرس بها زماناً، ثم سافر
إلى الحجاز سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وألف فحج وزار، وأقام بها سنة كاملة، ثم رجع إلى الهند.
مات سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة وألف، وأرخ بعضهم بوفاته بقوله: مرقد آفتاب حديث.
الحكيم مهدي الشيعي اللكهنوي
الشيخ الفاضل مهدي بن محمد الشيعي الكشميري اللكهنوي، أحد العلماء الماهرين في الصناعة
الطبية، ولد ونشأ بلكهنؤ، وقرأ العلم على المفتي عباس ابن علي التستري وعلى غيره من العلماء، ثم
تطبب على الحكيم مظفر حسين ابن حسن علي الشيعي اللكهنوي ولازمه مدة من الزمان، ثم تصدر
للتدريس والمداواة.
مات لتسع بقين من رمضان سنة ثلاثين وثلاثمائة وألف ببلدة لكهنؤ.
نواب مهدي علي خان الإثاوي المعروف بمحسن الملك
الأمير الكبير مهدي علي بن ضامن علي الحسيني البارهوي الاثاوي نواب محسن الدولة محسن
الملك منير نواز جنك، كان من الرجال المشهورين بالعقل والدهاء.
ولد ببلدة إثاوه سنة ثلاث وخمسين ومائتين(8/1385)
وألف، وقرأ المختصرات على أساتذة بلدته، ثم لازم
المولوي عنايت حسين الديوي وقرأ عليه أكثر الكتب الدرسية ولم يساعده الزمان أن يقرأ عليه فاتحة
الفراغ، فاضطر إلى الاسترزاق، وقبل خدمة محقرة في ديوان الخراج بعشر ربيات شهرية، فأقام
على تلك الخدمة مدة، حتى ناب عن محصل الخراج في بلدته، ثم صار محصل الخراج، وناب الحكم
في متصرفية مرزا بور سنة أربع وثمانين ومائتين وألف، فاستقل به زماناً وظهرت كفايته وجده
واجتهاده أيام المجاعة العامة، فخلعت عليه الحكومة الهندية، ودخل في مباراة المقالات والأجوبة على
سؤال السيد أحمد خان أسباب انحطاط المسلمين التعليمي، وقلة استفادتهم من المدارس الرسمية،
وبرز في هذه المباراة، ونال المكافأة الأولى، وهي خمسمائة ربية، وتوطدت بينه وبين السيد أحمد
خان الصلات العلمية الفكرية، وأعجب بشخصيته وأفكاره وساعده بالكتابة والتحرير والذب والدفاع.
ثم استقدمه الوزير الكبير شجاع الدولة مختار الملك إلى حيدر آباد، فسافر إليها سنة إحدى وتسعين،
وولي الخدمات الجليلة حتى صار معتمداً للوزير، صارت شهريته ألفين وثمان مائة من النقود
الآصفية، ولقب منير نواز جنك محسن الدولة محسن الملك وقام باصلاحات مفيدة، وقدم اقتراحات
ومشوعات، ظهرت فيها سعة إطلاعه وحصافة رأيه، وأقر لها بالفضل، وسافر حوالي سنة خمس
وثلاثمائة وألف إلى لندن عاصمة الجزائر البريطانية للدفاع عن حكومة حيدر آباد في قضية اتفاق
مع بعض الشركات الأجنبية وأقام مدة، زار في خلالها المراكز التعليمية والمشاريع العمرانية، ولم
يزل يترقى درجة بعد درجة في المنصب، وثار عليه الحساد حتى اتهموه بالارتشاء والإرشاء، فأمر
بجلائه من حيدر آباد سنة إحدى عشرة وثلاثمائة وألف، ووظف له ثمانمائة من النقود الآصفية،
فدخل بمبىء واختار الإقامة بها، وكان يتردد إلى عليكده ويقيم بها زماناً، حتى توفى الرجل الكبير
السيد أحمد بن محمد المتقي الدهلوي زعيم حركة التعليم الحديث بالهند سنة خمس عشرة وثلاثمائة
وألف، فاتفق الناس عليه فقام مقامه، وصار معتمداً للمؤتمر التعليمي الإسلامي والمدرسة الكلية بها،
واستقل بهما إلى وفاته، وتقدمت في عهده الكلية الإسلامية تقدماً كبيراً، وتوسعت في ماليتها وعدد
طلبتها وفي شهرتها، وكان موقفه موفقاً سلمياً ليناً إزاء الأساتذة الإنكليز والحكام بخلاف زميله
المولوي مشتاق حسين الذي خلفه من بعد، وثارت مشاكل في إدارة الكلية، واستهدفت شخصيته للنقد
واللوم أحياناً، وحصل إضراب من الطلبة، ونزاع بينهم وبين الأساتذة، هذا مع اعتراف الجميع
بنبوغه وكبر نفسه، وكثرة مواهبه وإخلاصه للكلية، وقاد المسلمين سياسياً مدة بقائه في مركزه،
وكانت سياسته سلمية هادئة، يراعى فيها تخلف المسلمين في مجال التعليم والسياسة، وتوهم الحكام
الإنكليز منهم، وأثر كل ذلك في صحته وأعصابه، حتى وهنت قواه، واعتلت صحته، وهو عاكف
على خدمة الكلية، وتوسيع نطاقها، ورفع شأنها ونشر التعليم في المسلمين، وخدمة القضايا الإسلامية،
ينتقل من مكان إلى مكان ويتحمل الأسفار، ويحضر المحافل والحفلات، ويكتب ويخطب.
كان النواب مهدي علي خان من نوابغ العصر ذكاء، وقوة شخصية، وحضور بديهة، وحسن خطابة،
وتأثير في عقول الناس، وكان كاتباً مترسلاً، له قلم سيال وأسلوب قوي، وكان حليماً جواداً، كثير
المؤاساة والبر بالأشراف والفقراء وأهل الحاجة وكان رقيقاً دمث الخلق وسيما حسن الملبس والمآكل
مؤلفاً بارعاً، ولد ونشأ في أسرة شيعية، ورجح عقيدة أهل السنة بدرايته وتحقيقه، وألف كتاباً في الرد
على عقائد الشيعة سماه آيات بينات وهو كتاب عظيم، ولكنه لم يكمل.
مات لتسع خلون من رمضان سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وألف في شمله، ونقلوا جسده إلى
عليكده، ودفنوه بها بجوار السيد أحمد خان.
القاضي مير أحمد البشاوري
الشيخ الفاضل مير أحمد بن القاضي صاحبزاده بن محيي الدين بن عبد الله ابن عبد الرحمن العلوي
البخاري ثم الهندي البشاوري أحد العلماء المشهورين، ولد ببلدة بشاور سنة سبع وسبعين ومائتين
وألف، وقرأ المختصرات في بلاده، ثم سافر إلى خراسان(8/1386)
وأخذ الفقه والأصول والمنطق وغيرها عن
أساتذة عصره ثم رجع إلى الهند ونال الفضيلة من كلية لاهور، ثم ولي التدريس في مدرسة المعلمين
بأمرتسر ودرس بها ثلاث سنين، ثم ساح البلاد صحبة رجال الدولة الإنكليزية تسع عشرة سنة، ثم
ولي التدريس في مدرسة المعلمين براولبندي، ونقل بعد مدة إلى لاهور، له رسائل في الفقه، وفتاواه
مشهورة في الذب عن الحكومة الإنكليزية، ولذلك لقبته الدولة بشمس العلماء سنة تسع عشرة
وثلاثمائة وألف.
حرف النون
مولانا ناصر الدين الدهلوي
الشيخ الفاضل ناصر الدين بن محمد علي الحنفي الدهلوي، أبو منصور، كان من نسل القاضي عبد
الغفور الداعي بوري القنوجي، ولد بناكبور وقرأ العلم على أبيه وجده، وتعلم اللغة الإنكليزية، ثم قرأ
التوراة والإنجيل على أحبار اليهود والنصارى، ثم صرف عمره في المناظرة بالنصارى، وأفنى قواه
في الذب عن الملة الحنيفية، وصنف كتباً، وكان في صدد تصنيف التفسير على أسلوب جديد، كان
يفسر القرآن الكريم بالأحاديث الصحيحة، ويصدقها بآيات التوراة والانجيل، ولكنه لم يتم.
ومن مصنفاته نويد جاويد ودولة فاروقي وعقوبة الضالين في الرد على هداية المسلمين لعماد الدين
المسيحي، والاستيصال في الرد على المسيح الدجال لرامجندر المسيحي، ورقيمة الوداد في الرد على
نياز نامه لصفدر علي المسيحي، ولحن داودي في الرد على نغمة طنبوري للعماد المذكور، وإنعام
عام في الرد على آئينة إسلام لرجب علي المسيحي، وإفحام الخصام في الرد على تفتيش الإسلام
لراجوس المسيحي، وتصحيح التأويل في الرد على تفسير المكاشفات للعماد المذكور وإعزاز القرآن
في الرد على إعجاز القرآن لرامجندر المذكور، وميزان الميزان في الرد على ميزان الحق لفندر
الإنكليزي، ومجموعة وعظ وياد داشت، والشلاق في الرد على تهذيب الأخلاق الجريدة للسيد أحمد
بن محمد المتقي الدهلوي، وحرز جان في الرد على أصلية قرآن لعبد الله آتهم المسيحي، والتبيان في
الأجوبة لأسئلة النصارى، ومصباح الأبرار في الرد على مفتاح الأسرار لفندر المذكور، والتأديب،
ونمونة تحريف، وتشويش القسيسين، والمحاكمة بين عقوبة الضالين وهداية المسلمين، وتنقيح البيان
في الرد على تفسير القرآن للسيد أحمد المذكور.
مات سنة عشرين وثلاثمائة وألف بدهلي.
السيد ناصر حسين اللكهنوي مجتهد الشيعة
الشيخ الفاضل ناصر حسين بن حامد حسين بن المفتي محمد قلي الحسيني الموسوي اللكهنوي، أحد
علماء الشيعة الإمامية وكبرائهم.
ولد يوم الخميس لتسع عشرة خلون من جمادى الآخرة سنة أربع وثمانين ومائتين وألف ببلدة لكهنؤ،
ونشأ في مهد العلم، وقرأ منهج البلاغة على والده سبع مرات، وحفظ أكثره، وفي أثناء ذلك كان
يختلف إلى المفتي عباس بن علي الحسيني التستري، ويأخذ عنه الفنون الأدبية والمعارف الحكمية،
حتى برع فيها وفاق أقرانه، وكان التستري شديد الرأفة به، كثير الحدب عليه، وقد أجازه إجازة عامة
برواية مروياته ومسموعاته، وكان ذلك في آخر أيام حياته، وأوصى إليه بالصلاة عليه.
له مصنفات كثيرة، منها ديوان الشعر، وديوان الخطب، وكتاب الأثمار الشهية في المنشآت العربية،
وإسباغ النائل بتحقيق المسائل، ونفحات الأزهار في فضائل الأئمة الأطهار في زهاء ستة عشر
مجلداً، وله رسالة مفردة في وجوب السورة، وكتاب مفرد طويل فيما ظهر من فضائل سيدنا علي
المرتضى كرم الله وجهه يوم خيبر، وهو في صدد تكميل عبقات الأنوار من فضائل الأئمة الأطهار
لوالده.
وله من قصيدة يذكر النيروز فيها ويمدح محمد بن حسن العسكري:(8/1387)
حان الربيع بعدة وعتاد وأتى بعيد أعظم الأعياد
يوم به أضحى الرياض كأنها حلل مفوفة من الأبراد
قد عطرت ميدا لباس خريدة أدنى ملابسها صبيغ الجادي
قد أطربت بورودها وزهورها وبكل غصن للصبا مياد
قد صابها الوسمى ثم وليها من بعد ما سقيت بصوب عهاد
قد وافق الأنهار مطر وإنها تجري كصب مستهام صاد
فحمائم البستان فيه هواتف وسواجع الكعتان فيه شواد
لا غرو لو طربت وغنت أنه يوم أتى بالحظ والاسعاد
يوم منير بين أيام الورى متوقد كالكوكب الوقاد
يوم له شرف على شامخ يسمو عن الغايات والأبعاد
يوم أقر بفضله أهل النهى من مشرك أو مسلم منقاد
ورث عن أبيه مكتبته الحافلة بنوادر الكتب ومخطوطات المؤلفين، وحافظ عليها وزاد فيها،
واشتهرت باسمه المكتبة الناصرية، وأمها العلماء والباحثون من بلاد بعيدة.
مات سنة ستين وثلاثمائة وألف في لكهنؤ، ودفن في أكره بجوار المفتي نور الله الشوستري
المعروف بالشهيد الثالث.
الحكيم ناصر علي الغياثبوري
الشيخ الفاضل ناصر علي الحنفي الغياثبوري ثم الآروي، أحد العلماء الماهرين في الصناعة الطبية،
ولد ونشأ بغياثبور قرية من أعمال عظيم آباد، وقرأ المختصرات على المولوي علي أعظم
البهلواروي، ثم سافر إلى البلاد، وقرأ سائر الكتب الدرسية على مولانا عبد الحليم بن أمين الله
الأنصاري اللكهنوي، وتطبب على الحكيم إبراهيم بن يعقوب الحنفي اللكهنوي ولازمه مدة طويلة، ثم
رجع إلى بلاده وتدير ببلدة آره، كان يدرس ويفيد.
له مصنفات كثيرة شهيرة، منها ناصر الأبرار في مناقب أهل البيت الأطهار، وعناصر الشهادتين
وعناصر البركات ترجمة دلائل الخيرات، ومناصر الحسنات، وناصر الطلاب وأربعة عناصر في
اللغة، ومفردات ناصري، وناصر المعالجين في الطب، وناصر المحسنين في أخلاق سيد المرسلين.
مات في صفر سنة خمس وثلاثمائة وألف ببلدة آره.
مولانا ناظر حسن الديوبندي
الشيخ العالم الفقيه ناظر حسن بن أمير بخش بن ظهور عالم الحنفي الديوبندي، أحد العلماء
المشهورين، ولد ونشأ بديوبند، وقرأ العلم على أساتذة المدرسة العربية بها، وقرأ فاتح الفراغ سنة
ست وتسعين ومائتين وألف ثم لازم الشيخ أحمد علي بن لطف الله الحنفي السهارنبوري ببلدة
سهارنبور وأخذ عنه الحديث ثم ولي التدريس ببلدة جهتاري - بفتح الجيم المعقود - فدرس بها زماناً
طويلاً، ثم ولي التدريس في المدرسة العالية بكلكته، فدرس بها مدة من الزمان وأحيل إلى المعاش، ثم
سافر إلى ذهاكه حوالي سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وألف، ودرس في جامعتها بضع سنين، وعين
رئيساً للمدرسة العالية في ذهاكه وتوفي هناك.
له مصنفات عديدة بالأردو، منها الفرقان في قراءة أم القرآن - في مجلد ضخم، وكشف الغطا عن
مسألة الربا، مات غرة ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة وألف.(8/1388)
مولانا نجم الدين الجرياكوثي
الشيخ الفاضل نجم الدين بن أحمد علي بن غلام حسين بن سعد الله العباسي الجرياكوثي، أحد
العلماء المبرزين في الإنشاء والشعر والعلوم العربية، ولد ونشأ بجرياكوث - بكسر الجيم المعقود
وتشديد الياء التحتية آخرها التاء العجمية - قرأ العلم على والده ولازمه مدة مديدة، وفاق أقرانه في
كثير من العلوم، ومن مصنفاته هفت أقسام، في الصرف، والإعراب الأربعة، في النحو، ورسالة في
العروض والقافية، وله غير ذلك من الرسائل.
مات في شوال سنة سبع وثلاثمائة وألف.
الحكيم نجم الغني الرامبوري
الشيخ الفاضل نجم الغني بن عبد الغني بن علي العلي بن عبد الرحمن بن محمد سعيد الحنفي
الرامبوري، أحد العلماء المبرزين في الفنون الأدبية والتاريخ.
ولد بمدينة رامبور سنة ست وسبعين ومائتين وألف، وسافر مع والده إلى أوديبور سنة إحدى
وتسعين وقرأ عليه النحو والصرف، ورجع إلى رامبور سنة إحدى وثلاثمائة وألف، فقرأ الكتب
الدرسية على المولوي ظهور حسين والشيخ إرشاد حسين والعلامة عبد الحق بن فضل حق الخير
آبادي، وأخذ الحديث عن السيد حسن شاه وولده السيد محمد شاه، والفنون الأدبية عن الشيخ محمد
طيب بن محمد صالح الكاتب المكي، والطب عن الحكيم حسين رضا والحكيم أحمد رضا اللكهنويين،
وقرأ فاتحة الفراغ سنة ست وثلاثمائة وألف، ثم سافر إلى أوديبور وولي التدريس بها لعله بعد وفاة
والده.
له مصنفات كثيرة بالأردو، منها مذاهب الإسلام في الملل والنحل، وعقود الجواهر في أخبار
البواهر، وأخبار الصناديد في تاريخ روهيلكهند، وتاريخ أوده في أربعة أجزاء وخواص الأدوية في
الطب، وبحر الفصاحة في البيان والبديع والعروض، ونهج الأدب في النحو والصرف، ومنتهى
القواعد وتهذيب العقائد، وميزان الأفكار، ونجم الغني وتعليم الإيمان، وتذكرة السلوك، وكتاب بسيط
له في أصول الفقه، وله القول الفصل في شرح مسألة الطهر المتخلل من شرح الوقاية.
مات لخمس بقين من صفر سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة وألف.
السيد نذير أحمد السهسواني
الشيخ الفاضل نذير أحمد بن آل أحمد الحسيني النقوي السهسواني، أحد الأفاضل المشهورين، ولد
ونشأ بسهسوان، وسافر للعلم، فقرأ على مولانا أحمد حسن المراد آبادي والعلامة فيض الحسن
السهارنبوري والشيخ تراب علي اللكهنوي وعلى غيرهم من العلماء، وتطبب بدهلي على الحكيم
فيض علي الدهلوي، ثم رجع إلى بلده وعكف على الدرس والإفادة، أخذ عنه خلق كثير، وله
مصنفات.
مات في ربيع الأول سنة تسع وثلاثمائة وألف بسهسوان، كما في حياة العلماء.
المولوي نذير أحمد الدهلوي
الشيخ الفاضل نذير أحمد بن سعادة علي بن نجابة علي الأعظم بوري البجنوري ثم الدهلوي، أحد
الأدباء المشهورين.
ولد سنة سبع وأربعين ومائتين وألف ببلدة بجنور، وقرأ المختصرات على مولانا نصر الله
الخويشكي الخورجوي ببلدة بجنور، ثم دخل دهلي سنة ثمان وخمسين وقرأ العلم على أساتذة المدرسة
الكلية بها، وولي التدريس بكنجاه من أرض بنجاب سنة إحدى وسبعين، وبعد سنتين ولي نظارة
المدارس ببلدة كانبور، وتعلم اللغة الإنكليزية، ثم أعان الولاة في نقل تعزيرات الهند من اللغة
الإنكليزية إلى الأردوية، وأصلح ما كان فيه من خلل في تعبير المعاني ووضع المصطلحات، وصار
سعيه مشكوراً في ذلك، فناب الحكم في إحدى المتصرفيات، ثم استقدمه نواب مختار الملك وزير
الدولة الآصفية إلى بلاد الدكن وولاه على بعض الأقطاع، فأقام بتلك البلاد عشر سنين، وأحيل إلى
المعاش، فرجع إلى بلدته دهلي واعتزل في بيته.(8/1389)
وكانت له اليد الطولى في العلوم العربية، والكعب العالي في الفنون الأدبية، وكان يقع في الحديث
الشريف وفي رواته ويقول: هم جهال لا يعرفون العلوم الحكمية ولا معاني الأحاديث الحقيقية، وكان
حفظ القرآن الكريم في كبر سنه، ونقل معانيه باللغة الأردوية، ومال في تفسير القرآن إلى أقوال
مرجوحة، وكان كثير الافتخار بترجمته للقرآن، لتضلعه من اللغتين، ومعرفته لأساليبهما، ويؤخذ عله
أنه قد يختار التعبير الذي لا يليق بالملك العلام وجلال الكلام، لغرامه باستعمال ما جرى على لسان
أهل اللغة، وشاع في محاورة بعضهم لبعض، وقد يتورط بذلك فيما يثير عليه النقد واللائمة، ووقع له
ذلك في كتابه أمهات الأمة الذي حدثت عليه ضجة، وكثرت فيه الأقاويل.
كان عصامياً، صنيع نفسه، وجده واجتهاده في العلم والأدب والتأليف، وكان يفتخر بذلك وكان خطيباً
بارعاً، لاذعاً في النكت، كثير التهكم، قد أيد حركة السيد أحمد خان التعليمية وانتصر لها بخطابته
ومحاضراته، وأعان خليفته النواب محسن الملك، وكان ذا عناية بتنمية الأموال وتثميرها مقتصداً في
إنفاقها، حلو الحديث فكه المحاضرة، كثير الدعابة، خفيف الروح، حاضر البديهة، زار الأمير حبيب
الله خان والي أفغانستان الهند، فقابله المولوي نذير أحمد في دهلي، وقد اجتمع العيد مع الجمعة،
فأنشده ع:
عيد وعيد وعيد صرن مجتمعه وجه الحبيب ويوم العيد والجمعة
ففرح الأمير بحسن اختياره، وحضور بديهته، وأقبل عليه يقبله ويعانقه ويبالغ في الثناء عليه.
وكان أسمر اللون، طويل القامة مائلاً إلى السمن، بطيناً، كبير الهامة، أصلح، له عينان صغيرتان
غائرتان تنمان عن ذكاء مفرط، جهوري الصوت، أفوه واسع الشدقين، صغير الأنف كبير المنخرين،
صغير العنق غليظه، متجملاً في اللباس إذا برز للناس، مقتصداً فيه إلى النهاية إذا دخل البيت،
واشتغل بذات نفسه.
وله مصنفات ممتعة، أحسنها ما يغنيك في الصرف في التصريف، ومبادىء الحكمة في المنقط في
أسلوب عصري مبسط كلاهما بالأردو، والحقوق والفرائض وله غير ذلك، نحو مرآة العروس،
وبنات النعش، وتوبة النصوح، وابن الوقت، والأيامي، كلها روايات أخلاقية تجمع بين الأدب والعلم،
وتعليم الدين والأخلاق، وتلقيت بقبول عظيم وله أبيات رقيقة رائقة بالعربية.
منها قوله في مدح سر وليم ميور.
تمنيت أن القلب كان لساني يبوح بسر يحتويه جناني
فإني إذا ما رمت إظهار شكركم تقصر عنه منطقي وبياني
ولم أر قبلي قط من نال غاية تخلف عنها أهل كل زمان
يلاطفه بحر الندى وعبابه ويكرمه ليث الوغى وطعان
دعاني فأدناني وأعلى محلتي وأجلسني من قربه بمكان
وزودني ما إن تنوء بعصبة أولى قوة لهذ أشق عوان
نقودي فلي في ألفه ألف حاجة قضاء ديون وافتكاك رهان
وغيرهما ما لا أكاد أعدها وذا ساعتي صيغت من العقيان
أقلدها جيدي ليعلم أنني لسر وليم في ربقة الإحسان
وله في قدوم الأمير حبيب الله خان ملك أفغانستان:
جمعت فيك التقى والملك والأدبا والله إنا نرى في شأنك العجبا
ذكرتنا الخلفاء الراشدين فدم على الهدى وتبع منهاجهم رغبا
إنا لفي زمن في أهله خبل لا يحسنون اكتساب العلم والطلبا(8/1390)
لا سيما المسلمون الغافلون فهم يرجون أجراً ولا يقضون ما وجبا
الدهر ذو خول والمرء مرتهن يجزي سواء بما ألغى وما كسبا
الله قدر في الدنيا بحكمته لكل واقعة أو حادث سببا
الأمر والحكم أيام مداولة بين الخلائق والدنيا لمن غلبا
الحرب ترفع أقواماً وتخفضهم وإن للناس في تسليطهم نوبا
أما الحديث فقد زالت مهابته كن حامل السيف أو من تحمل الخشبا
لا يعصمنك من ضرب البنادق لا وإن تطبقت تحت الجوشن اليلبا
فالعلم في عصرنا اشتدت سواعده وعن ان لنا في جمعه أربا
وربنا الله لا تحصى مواهبه والعلم أكبر ما أعطى وما وهبا
بالعلم كرمنا والعقل فضلنا لولاهما للقينا الكد والنصبا
كل يريد علوا لا يليق به فإن في العلم سراً كان محتجبا
المترفون هم الفساق أكثرهم يبذرون تلاد المال والنشبا
إن ينتهوا ينتهوا عن سوء فعلهم للعجز والضعف لا خوفاً ولا رهبا
أخلاف قوم علوا في الأرض مرتبة وآمنوا بنبي شرف العربا
ضلوا طريق الهدى والدين قد نبذوا وراءهم فاستحقوا المقت والغضبا
لتهلك القوم حتى لا معاش لنا ولا كفافاً إذا لم ناله دأبا
الجهل فقر وداء لا شفاء له ولا نهاية إلا الموت والعطبا
بالقل والذل دنيانا مكدرة والدين فينا ينادي الويل والحربا
إلى غير ذلك، مات بالفالج سنة ثلاثين وثلاثمائة وألف ببلدة دهلي.
شيخنا السيد نذير حسين الدهلوي
الشيخ الإمام العالم الكبير المحدث العلامة نذير حسين بن جواد علي بن عظمة الله بن الله بخش
الحسيني البهاري ثم الدهلوي، المتفق على جلالته ونبالته في العلم والحديث.
ولد سنة عشرين وقيل خمس وعشرين ومائتين وألف بقريته سورج كدها من أعمال بهار - بكسر
الموحدة - ونشأ بها، وتعلم الخط والإنشاء، ثم سافر إلى عظيم آباد وأدرك بها السيد الإمام الشهيد
أحمد بن عرفان الحسني البريلوي وصاحبيه الشيخ إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي والشيخ عبد
الحي بن هبة الله البزهانوي سنة سبع وثلاثين ومائتين وألف، فملأ قلبه من الإيمان وغشيه نور
المعرفة، فسافر للعلم وأقام ببلدة إله آباد أياماً وقرأ المختصرات على أعيان تلك البلدة، ثم سافر إلى
دهلي وأقام في مقامات عديدة في أثناء السفر حتى دخل دهلي سنة ثلاث وأربعين، فقرأ الكتب
الدرسية على السيد عبد الخالق الدهلوي والشيخ شير محمد القندهاري والعلامة جلال الدين الهروي،
وأخذ الأصول والبلاغة والتفسير عن الشيخ كرامة العلي الإسرائيلي صاحب السيرة الأحمدية،
والهيئة والحساب عن الشيخ محمد بخش الدهلوي، والأدب عن الشيخ عبد القادر الرامبوري وفرغ
من ذلك في خمس سنين، ثم تزوج بابنة الشيخ عبد الخالق المذكور، ولازم دروس الشيخ المسند
إسحاق بن محمد أفضل العمري الدهلوي سبط الشيخ عبد العزيز بن ولي الله، وأجازه الشيخ المذكور
سنة ثمان وخمسين ومائتين وألف حين هجرته إلى مكة المشرفة، فتصدر للتدريس والتذكير والإفتاء،
ودرس الكتب الدرسية من كل علم وفن لا(8/1391)
سيما الفقه والأصول إلى سنة سبعين ومائتين وألف، وكان
له ذوق عظيم في الفقه الحنفي، ثم غلب عليه حب القرآن والحديث، فترك اشتغاله بما سواهما إلا
الفقه.
وإني حضرت دروسه سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف، فوجدته إماماً جوالاً في الحديث والقرآن،
حسن العقيدة، ملازماً للتدريس ليلاً ونهاراً، كثير الصلوات والتلاوة، والتخشع والبكاء، شديد التعصب
على من خالفه، مداعباً مزاحاً، متواضعاً حليماً، ذا جرأة ونجدة، لا يخاف في الله لومة لائم، ورزقه
الله سبحانه عمراً طويلاً، ونفع بعلومه خلقاً كثيراً من أهل العرب والعجم، انتهت إليه رئاسة الحديث
في بلاد الهند.
وكان - رحمه الله - من أوذي في ذات الله سبحانه غير مرة، واتهمه الناس بالاعتزال عن أهل
السنة والجماعة، وبالخروج على ولاة الهند، فقبض عليه الإنكليز سنة ثمانين أو إحدى وثمانين،
فنقلوه إلى بلدة راولبندي من أرض بنجاب، فلبث في السجن سنة كاملة، ثم أطلقوه، فعاد إلى دهلي
واشتغل بالدرس والإفادة كما كان يشتغل بها قبل ذلك، ثم إنه لما رحل إلى الحجاز سنة ثلاثمائة
وألف، رموه بالاعتزال وبأنه يقول بحلة شحم الخنزير، وبأن النكاح بالعمة والخالة جائز، وبأن الزكاة
ليست في أموال التجارة، وهكذا رموه بما هو بريء عن ذلك، فرفعوا تلك القصة إلى والي مكة
فقبض عليه الوالي، واستنطقه وحبسه يوماً وليلة، ثم أطلقه، ثم إنه لما عاد إلى الهند بدعوه وكفروه،
كما كفر الناس في الزمن السالف كبار العلماء من الأئمة المجتهدين، والله سبحانه مجازيهم في ذلك،
فإن الشيخ كان آية ظاهرة، ونعمة باهرة من الله سبحانه في التقوى والديانة، والزهد والعلم والعمل،
والقناعة والعفاف، والتوكل والاستغناء عن الناس، والصدق وقول الحق، والخشية من الله سبحانه،
والمحبة له ولرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، اتفق الناس ممن رزقه الله سبحانه حظاً من علم
القرآن والحديث على جلالته في ذلك.
وكان شيخنا حسين بن محسن الأنصاري اليماني يحبه حباً مفرطاً ويثني عليه، وقد كتب في جواب
عن سؤال ورد عليه في حق السيد نذير حسين المترجم له: إن الذي أعلمه وأعتقده وأتحققه في مولانا
السيد الإمام والفرد الهمام نذير حسين الدهلوي أنه فرد زمانه ومسند وقته وأوانه، ومن أجل علماء
العصر، بل لا ثاني له في إقليم الهند في علمه وحلمه وتقواه، وأنه من الهادين والمرشدين إلى العمل
بالكتاب والسنة والمعلمين لهما، بل أجل علماء هذا العصر المحققين في أرض الهند أكثرهم من
تلامذته، وعقيدته موافقة لعقيدة السلف الموافقة للكتاب والسنة ع:
وفي رؤية الشمس ما يغنيك عن زحل
فدع عنك قول الحاسد العذول، والأشر المخذول، فإن وبال حسده راجع إليه وآئل عليه، أم يحسدون
الناس على ما آتاهم الله من فضله فمن نال من هذا الإمام الهادي إلى سنة خير الأنام فقد باء
بالخسران المبين، وما أحسن ما قال القائل:
ألا قل لمن كان لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في ملكه لأنك لم ترض لي ما وهب
اللهم! زد هذا الإمام شرفاً ومجداً، واخذل شانئه ومعاديه، ولا تبق منهم أحداً، هذا ما أعلمه وأتحققه
في مولانا السيد نذير حسين أبقاه الله، والله يتولى السرائر، انتهى ما كتب شيخنا حسين بن محسن
المذكور.
ولم يكن للسيد نذير حسين كثرة اشتغال بتأليف، ولو أراد ذلك لكان له في الحديث ما لا يقدر عليه
غيره، وله رسائل عديدة، أشهرها معيار الحق، وواقعة الفتوى ودافعة البلوى، وثبوت الحق الحقيق،
ورسالة في تحلي النساء بالذهب، والمسائل الأربعة، كلها باللغة الأردوية، وفلاح الولي باتباع النبي،
ومجموعة الفتاوى بالفارسي، ورسالة في إبطال عمل المولد، بالعربي، وأما الفتاوى المتفرقة التي
شاعت في البلاد فلا تكاد أن تحصر، وظني أنها لو جمعت لبلغت إلى مجلدات ضخام.
وأما تلامذته فعلى طبقات، فمنهم العالمون الناقدون(8/1392)
المعروفون، فلعلهم يبلغون إلى ألف نفس، ومنهم
المقاربون بالطبقة الأولى في بعض الأوصاف، ومنهم من يلي الطبقة الثانية، وأهل هاتين الطبقتين
يبلغون إلى الآلاف، وأما أشهرهم في الهند فمنهم ابنه السيد الشريف حسين المتوفي في حياته والشيخ
عبد الله الغزنوي العارف المشهور وبنوه الأتقياء محمد وعبد الجبار وعبد الواحد وعبد الله، ومنهم
الشيخ محمد بشير العمري السهسواني والسيد أمير حسن وابنه أمير أحمد الحسيني السهسواني
والشيخ المحدث عبد المنان الوزير آبادي والشيخ محمد حسين البطالوي صاحب إشاعة السنة
والعلامة عبد الله بن عبد الرحيم الغازيبوري والسيد مصطفى بن يوسف الشريف الحسني الطوكي
والسيد أمير علي بن معظم علي الحسيني المليح آبادي والقاضي طلا محمد بن القاضي محمد حسن
البشاوري والشيخ غلام رسول القلعوي والمحدث شمس الحق ابن أمير علي الديانوي صاحب عون
المعبود والشيخ عبد الله بن إدريس الحسني السنوسي المغربي والشيخ محمد بن ناصر بن المبارك
النجدي والشيخ سعد بن حمد ابن عتيق النجدي وخلق لا يحصون.
وقد مدحه العلماء بقصائد غراء، وترجم له الشيخ شمس الحق المذكور في مقدمة غاية المقصود
ترجمة حافلة، وأفرد لترجمته المولوي فضل حسين المهدانوي المظفربوري كتابه الحياة بعد المماة،
وهو كتاب حافل لأخباره في اللغة الأردوية.
وإني قد صحبته أياماً ببلدة دهلي، وأجاز لي إجازة عامة تامة، وكتب لي الإجازة بيده الكريمة سنة
اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف.
وكانت وفاته يوم الإثنين لعشر ليال مضين من رجب سنة عشرين وثلاثمائة وألف ببلدة دهلي،
رحمه الله ونفعنا ببركاته، آمين.
مولانا نذير علي الفتح بوري
الشيخ الفاضل الكبير نذير علي الصديقي الحنفي اللكهنوي ثم الفتحبوري، أحد الأفاضل المشهورين
بكثرة الدرس والإفادة، ولد ونشأ بلكهنؤ، وقرأ العلم على المفتي واجد علي البنارسي، ولازمه مدة
طويلة حتى برع في العلم وفاق أقرانه في العلوم الحكمية، فدرس وأفاد مدة من الزمان ببلدة لكهنؤ، ثم
ولي التدريس بمدرسة محمودآباد من أعمال سيتابور، فدرس بها زماناً طويلاً، ثم ترك الخدمة
والوظيفة وسكن بفتحبور من أعمال باره بنكي ودرس بها مدة عمره، وكان من الفضلاء المشهورين
في عصره، انتفع به خلق كثير من العلماء والمشايخ.
توفي سنة خمس عشرة وثلاثمائة وألف بفتحبور.
السيد نصرت علي الدهلوي
الشيخ الفاضل نصرت علي بن ناصر الدين بن محمد علي الحسيني الدهلوي، أحد الأفاضل
المشهورين في المناظرة، ولد لسبع عشرة خلون من شوال سنة أربع وستين ومائتين وألف، وقرأ
الكتب الدرسية على أساتذة عصره، وتعلم اللغة الإنكليزية، وصنف التصانيف الكثيرة، منها نصرة
اللغات، ومرآة السلاطين، وأحسن الدليل في معلومات التوراة والإنجيل وغير ذلك.
الحكيم نصير الحق العظيم آبادي
الشيخ الفاضل نصير الحق بن محمد حسين العظيم آبادي، أحد العلماء المبرزين في الصناعة
الطبية، ولد ونشأ بعظيم آباد، وقرأ العلم على العلامة عبد الله بن عبد الرحيم الغازيبوري والقاضي
بشير الدين العثماني القنوجي والشيخ عبد الحي ابن عبد الحليم اللكهنوي، ثم سافر إلى دهلي وأخذ
الحديث عن السيد المحدث نذير حسين الحسيني الدهلوي، وتطبب على الحكيم عبد المجيد بن محمود
الشريفي الدهلوي، ثم رجع إلى بلدته، ورزق حسن القبول في العلاج، وصار المرجع والمقصد في
هذا الباب.
توفي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وألف.
الشيخ نظر أحمد السهسواني
الشيخ الفاضل نظر أحمد بن آل محمد بن نذير أحمد الحسيني النقوي السهسواني، أحد العلماء(8/1393)
الصالحين، ولد في ذي القعدة سنة أربع وثلاثمائة وألف بمدينة سهسوان ونشأ بها، وقرأ على السيد
إعجاز أحمد والحكيم محمود عالم وعلى غيرهما من أهل بلدته، ثم سافر إلى بهوبال ثم إلى دهلي
ولاهور، وقرأ على السيد ذو الفقار أحمد النقوي المالوي والمولوي محمد طيب المكي الرامبوري
والمفتي عبد الله الطوكي والمولوي نذير أحمد الدهلوي وعلى غيرهم من العلماء حتى برع في كثير
من العلوم، ثم رجع إلى بلدته وعكف على الدرس والإفادة، وقد جمع له والده خزانة الكتب.
مولانا نور أحمد الأمر تسري
الشيخ العالم الفقيه نور أحمد بن شهاب الدين بن عمر بخش الحنفي البسروي السيالكوثي ثم
الأمرتسري، أحد العلماء الصالحين.
ولد ونشأ بقرية بسرور - بالباء العجمية - من أعمال سيالكوث، وسافر للعلم، فقرأ الكتب الدرسية
على مولانا أحمد حسن الكانبوري والشيخ محمد مظهر ابن لطف علي النانوتوي والقارىء عبد
الرحمن بن محمد الباني بتي والشيخ أحمد علي بن لطف الله السهارنبوري وعلى غيرهم من العلماء،
ثم سافر إلى مكة المباركة سنة ثمان وتسعين ومائتين وألف فحج وزار، وأخذ عن الشيخ رحمة الله
ابن الخليل العثماني الكرانوي المهاجر والشيخ أحمد بن زيني دحلان الشافعي المكي والشيخ عبد
الحميد الداغستاني والشيخ حسب الله المكي والشيخ عبد الرحمن ابن عبد الله سراج الحنفي المكي
والشيخ عبد الجليل براده الآفندي المدني، وصحب الشيخ محمد مظهر بن أحمد سعيد الدهلوي والشيخ
إمداد الله بن محمد أمين التهانوي والشيخ الصالح حبيب الرحمن الردولوي، واستفاض منهم، ثم رجع
إلى الهند وذلك سنة إحدى وثلاثمائة وألف، فأقام ببلدة أمرتسر وولي التدريس بها.
وهو رجل صالح متين الديانة، لم يزل مشتغلاً بالتذكير والتدريس، لقيته غير مرة ببلدة أمرتسر ومن
مآثره طبع رسائل الإمام الرباني الشيخ أحمد ابن عبد الأحد السرهندي بتصحيح وتنقيح وتخريج
للأحاديث، وحواش مفيدة، وبخط واضح جميل، مات لثلاث عشرة خلون من شعبان سنة ثمان
وأربعين وثلاثمائة وألف في أمر تسر، ودفن بجوار مسجد نور.
مولانا نور أحمد الديانوي
الشيخ العالم المحدث نور أحمد بن كوهر علي بن مهر علي التيمي القرشي الديانوي، أحد العلماء
الصالحين، ولد بعظيم آباد لتسع خلون من ذي الحجة سنة خمس وستين ومائتين وألف، وقرأ
المختصرات على المولوي عبد الحكيم الشيخبوري وسائر الكتب الدرسية على مولانا لطف العلي
البهاري، وسافر إلى الحجاز سنة اثنتين وتسعين ومائتين وألف فحج وزار، وأسند الحديث عن السيد
أحمد بن زيني دحلان الشافعي المكي، ولما رجع إلى الهند لازم السيد نذير حسين المحدث وأخذ عنه،
وأخذ عن الشيخ أحمد علي بن لطف الله السهارنبوري وشيخنا القاضي حسين بن محسن السبعي
اليماني، وكان مفرط الذكاء سريع الادراك، متين الديانة كبير الشأن.
مولانا نور أحمد البدايوني
الشيخ الفاضل نور أحمد بن محمد شفيع بن عبد المجيد الحنفي البدايوني، أحد العلماء المشهورين،
ولد سنة إحدى وثلاثين ومائتين وألف، وقرأ العلم على المولوي فيض أحمد العثماني البدايوني، وتفنن
في الفضائل عليه، ثم تصدر للتدريس، وكان صالحاً عفيفاً، ديناً متوكلاً، لا يلتفت إلى أسباب الدنيا
وزخارفها، ولا يتصنع بالزي واللباس، ولم يزل مشتغلاً بالتدريس مع الزهد والعبادة.
مات سنة اثنتين وثلاثمائة وألف.
المفتي نور الحق الطوكي
الشيخ العالم الفقيه نور الحق بن خير الدين الحنفي الطوكي، أحد العلماء المشهورين، ولد ونشأ ببلدة
طوك، وقرأ بعض الكتب الدرسية على المولوي محمد(8/1394)
حسين البهيروي، وأكثر الكتب على الحكيم
دائم علي والمولوي عبد الغفور القاطنين ببلدة طوك وعلى غيرهما من العلماء، ثم ولي الإفتاء، وله
براعة كاملة في الإنشاء وقرض الشعر.
مات لثلاث بقين من صفر سنة ست وثلاثين وثلاثمائة وألف.
الحكيم نور الحسن الدهلوي
الشيخ الفاضل نور الحسن بن سيد حسن بن محمد حسين الحنفي الدهلوي أحد العلماء الصالحين،
انتقل جده محمد حسين المتوفي سنة 1291 هـ من دهلي إلى رامبور ثم إلى بهوبال وسكن بها، وولد
بها نور الحسن المترجم له ونشأ، وقرأ المختصرات على سيدي الوالد رحمه الله ببلد بهوبال، ثم
سافر إلى دهلي وقرأ أكثر الكتب الدرسية على مولانا فضل حق الرامبوري، وتطبب على الحكيم
عبد المجيد بن محمود الشريفي الدهلوي ولازمه مدة من الزمان، ثم رجع إلى بهوبال واشتغل بمداواة
الناس، وحصل له القبول العظيم في ذلك.
وكان حليماً متواضعاً حسن الأخلاق، شديد الرأفة لمن يتوسل به في العلاج، صاحب عقل ودين
وعبادة، صار في آخر عمره رئيس الأطباء ببلدة بهوبال، وكان يشرف على ثلاثين مستوصفاً
ومستشفى.
مات في شهر رمضان سنة ثلاثين وثلاثمائة وألف ببلدة بهوبال.
السيد نور الحسن القنوجي
المعروف بنواب نور الحسن خان
السيد الشريف نور الحسن بن صديق حسن بن أولاد حسن الحسيني البخاري القنوجي، أحد الرجال
المشهورين في الفضل والكرم.
ولد ببلدة بهوبال يوم الأربعاء لتسع بقين من شهر رجب سنة ثمان وسبعين ومائتين وألف، ونشأ
على الصلاح والطاعة، ونما في شغل العلم وبرع في الذكاء والفطنة على الأقران، وأخذ عن المفتي
ثم القاضي أيوب بن قمر الدين البهلتي والقاضي أنور علي اللكهنوي والمولوي إلهي بخش الفيض
آبادي والقاضي بشير الدين العثماني القنوجي والعلامة محمد بشير السهسواني والقاضي محمد بن
عبد العزيز الجعفري وشيخنا العلامة حسين بن محسن الأنصاري وعن والده السيد العلامة صديق
حسن القنوجي، ثم رحل إلى مراد آباد وأدرك بها الشيخ الكبير فضل الرحمن بن أهل الله البكري
المراد آبادي، وصحبه واستفاض منه، وصرف شطراً من عمره في بهوبال، وتمتع بالخزينة التي
جمع والده من الكتب النفيسة العزيزة الوجود ومن الأموال المحللة، ولما توفيت نواب شاهجهان بيكم
ملكة بهوبال انتقل منها إلى لكهنؤ وسكن بها.
كان نادرة عصره في الجود والكرم، ورقة الشعور ودماثة الخلق، والتأنق والتلطف في البر
والمؤاساة بالأشراف الذين قعد بهم الزمان ورق حالهم وذوي الخصاصة، قد يخلع الكسوة التي هي
على جسمه، ويؤثر على الفقراء على نفسه، ويزور الأرامل والعجائز في الأكواخ والخصص،
ويطعمهن الطعام اللذيذ الشهي، ويتلذذ بذلك، وينفق فلا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، وكان ممدود
المائدة، كثير الضيافة أريحياً، لذته في الإنفاق والإطعام، له حب مفرط لشيخه مولانا فضل الرحمن
بن أهل الله البكري المراد آبادي، وغرام بجمع أحواله وأخباره، وروايتها ونشرها، وصلة متينة
بأصحابه ومن ينتمي إليه، وكان باراً بابنه الشيخ أحمد بن فضل الرحمن يتلقى إشارته بالقبول، وولع
بشعر الشاعر الصوفي الكبير خواجه مير دود المتوفي سنة تسع وتسعين ومائة وألف سعى في نشر
مؤلفاته ودواوين شعره.
وكان له حب زائد لجامع هذا الكتاب، على أنه أكبر منه سناً، وأغزر منه علماً، يكثر التردد إليه،
ويبالغ في تعظيمه، ويحرص على مجالسته، ويبث إليه بذات نفسه.
وله شعر حسن بالفارسي والأردو، وكلام بليغ في العبارات الأدبية، وله الرحمة المهداة في الفصل
الرابع(8/1395)
من المشكاة، ومنتخب عمل اليوم والليلة لابن السني، ومنتخب مشارق الأنوار، ومنتخب
عوارف المعارف، ومنتخب تاريخ الخلفاء، ومجموع لطيف، جمع فيه اثنتين وخمسين رسالة له في
التصوف والسلوك، وأما النهج المقبول، وعرف الجادي، نكارستان سخن، وتذكرة شعراء الفرس،
وطور كليم، تذكرة شعراء الهند، كلها بالفارسي، وسبل السلام شرح بلوغ المرام في مجلدين بالعربي،
وغير ذلك من الكتب فليست من مصنفاته، فإن العلماء صنفوها ونسبوها إليه بأمر والده، وبعضها من
مصنفات والده كالنهج المقبول، وعرف الجادي وغيرهما.
مات بمدينة لكهنؤ لثمان خلون من محرم سنة ست وثلاثين وثلاثمائة وألف.
المولوي نور الحسنين الحيدر آبادي
الشيخ العالم الفقيه نور الحسنين بن محمد حيدر بن العلامة محمد مبين الحنفي اللكهنوي ثم الحيدر
آبادي، أحد الفقهاء المشهورين في الصلاح، ولد ونشأ بحيدر آباد، وقرأ العلم على من بها من العلماء،
ثم سافر إلى الحجاز فحج وزار، وأسند الحديث عن الشيخ محمد عابد بن أحمد علي الحنفي السندي،
كما في آثار الأول، وله منزلة كبيرة عند صاحب الدكن، وقد ناهز اليوم سبعين سنة.
الحكيم نور الدين البهيروي
الشيخ الفاضل نور الدين ابن الحافظ غلام رسول البهيروي ثم القادياني المشهور بخليفة المسيح،
كان من كبار العلماء، ولد سنة ثمان وخمسين ومائتين وألف بقرية بهيره شاه بور من بلاد بنجاب
وينتهي نسبه كما روى إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتعلم الفارسية والخط
ومبادىء العربية، وعين أستاذاً للفارسية في مدرسة من مدارس الحكومة في راولبندي، وتعلم
الأقليدس والحساب والجغرافية، واجتاز امتحاناً، وعين مديراً لمدرسة ابتدائية، ومكث في هذه الوظيفة
أربع سنوات، قرأ في خلالها بعض كتب النحو والمنطق وعلم العقائد، واعتزل هذه الوظيفة وانقطع
إلى الدراسة، وقرأ شيئاً يسيراً على الشيخ أحمد دين، ثم تركه لكثرة تنقله وسافر إلى لاهور، ومنها
إلى رامبور وقرأ على الشيخ حسن شاه والشيخ عزيز الله والشيخ إرشاد حسين والمفتي سعد الله
والشيخ عبد العلي، وأتم دراسته ومكث هناك ثلاث سنين.
ومن رامبور سافر إلى لكهنؤ وقرأ الطب على الطبيب المشهور الحكيم علي حسين، ومكث عه
سنتين، وحذق علم الطب، ومن رامبور سافر إلى بهوبال، وعنى به المنشي جمال الدين خان مدار
المهام، وقرأ على المفتي عبد القيوم ابن الشيخ عبد الحي البرهانوي الحديث والفقه، ورحل للحج سنة
خمس وثمانين ومائتين وألف، وأقام في الحجاز وقرأ على الشيخ محمد الخزرجي والسيد حسين
والشيخ رحمة الله الهندي صاحب إظهار الحق، وصحب الشيخ الجليل الشيخ عبد الغني بن أبي سعيد
الدهلوي المهاجر إلى المدينة المنورة، وبايعه في الطريقة المجددية، ورجع إلى بهيره، وحدثت بينه
وبين علماء بلده مباحثات ومناظرات.
وأقام مدة من الزمان ببلدة جمون - بتشديد الميم - وجعله أمير تلك الناحية طبيباً خاصاً له، فحصل
له القبول العظيم في تلك البلدة، ووقعت بينه وبين أمير جمون وحشة، وعزل عن الوظيفة حوالي
سنة تسع وثلاثمائة وألف.
وتعرف بالمرزا غلام أحمد القادياني خلال إقامته في جمون، ولما ألف المرزا براهين أحمديه ألف
الحكيم كتاب تصديق براهين أحمديه، وبايعه وخضع له، حتى قال لما أخبر بأن المرزا ادعى النبوة:
لو ادعى هذا الرجل أنه نبي صاحب شريعة ونسخ شريعة القرآن لما أنكرت عليه، وألف الحكيم نور
الدين باقتراح المرزا غلام أحمد كتاب فصل الخطاب في الرد على النصارى، في أربعة أجزاء،
وانتقل إلى قاديان وتدير هناك، وبويع بالخلافة على وفاة المرزا غلام أحمد سنة ست وعشرين
وثلاثمائة وألف، ولقب بالخليفة الأول وخليفة المسيح الموعود نور الدين الأعظم، وكان متردداً أول
أمره في تكفير من لا يؤمن بنبوة المرزا ثم(8/1396)
جزم بالتكفير، ووقع خلاف من بعض الناس في خلافته
ولكنه لم يعتزل، وعاش ست سنوات، وسقط من الفرس وجرح، واعتقل لسانه قبل الوفاة بأيام.
كان الحكيم نور الدين عالماً كبيراً، جمع بين المعقول والمنقول، وبرع في علم الطب، ومن الناس
من يرى أنه كان يمد المرزا بحجج وبراهين علمية، وكان قلق النفس، تحرر في المذهب، ورفض
التقليد في بداية أمره، وأعجب بآراء السيد أحمد خان وتلاميذه وزملائه، وجنح إلى تأويل ما عارض
من النظريات الحديثة، ومال إلى تأويل المعجزات والحقائق الغيبية، وكان كبير الرغبة في المباحثات
والمناظرات، وكان مع تحرره كثير الخضوع للإلهام والرؤيا الغريبة.
له مصنفات عديدة، منها فصل الخطاب في تصديق الكتاب في الرد على أعداء الإسلام، كتاب
مبسوط في أربعة مجلدات، ومنها نور الدين في الرد على ترك إسلام.
مات في السادس عشر من ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة وألف، ودفن في قاديان.
المفتي نور الضياء الحيدر آبادي
الشيخ العالم الفقيه المفتي نور الضياء بن نور الأتقياء بن نور المقتدى بن نور المصطفى بن قمر
الدين الحسيني الأورنك آبادي ثم الحيدر آبادي، أحد العلماء الصالحين، ولد ونشأ بحيدر آباد، وقرأ
النحو والعربية والفقه والأصول على ملا صلاح الدين الكابلي والشيخ محمد هاشم الحسيني
القندهاري والقاضي فياض الدين الهروي، وقرأ المنطق والحكمة والكلام والحديث والتفسير على
الشيخ ولي محمد والشيخ عباس علي خان، والفنون الأدبية على الشيخ محمد الحسيني اليماني،
والتجويد على الشيخ إبراهيم المصري، فبرز في كثير من العلوم والفنون مع نبالته في الزهد
والورع، فولاه والده على زاوية جده مولانا قمر الدين الحسيني بأورنك آباد، وفي سنة عشرين
وثلاثمائة وألف جعله صاحب الدكن معيناً لناظم الأمور الدينية، ثم جعله مفتياً بالمحكمة العالية بحيدر
آباد.
مولانا نور محمد الفتحبوري
الشيخ الفاضل نور محمد بن شيخ أحمد الحنفي الشاهبوري ثم الفتحبوري، أحد العلماء الصالحين،
ولد ببلدة شاهبور من بلاد بنجاب سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف، وقرأ بعض الكتب الدرسية على
المولوي عبد الرحمن بن عبيد الله الملتاني، ثم سافر إلى دهلي وأخذ عن المفتي عبد الله الطوكي
بمدرسة الشيخ عبد الرب، وتطبب على الحكيم غلام رضا بن مرتضى الشريفي الدهلوي، ثم قدم
عليكزه ولازم المفتي لطف الله بن أسد الله الكوئلي، وقرأ عليه أكثر الكتب الدرسية معقولاً ومنقولاً،
وأخذ الطريقة عن شيخنا الإمام فضل الرحمن بن أهل الله البكري المرادآبادي، ثم ولي التدريس
بالمدرسة الإسلامية بفتحبور، فسكن بها ودرس وأفاد، أخذ عنه جمع كثير.
توفي إلى رحمة الله لثمان خلون من رجب سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة وألف، ودفن بفتحبور.
مولانا نور محمد اللدهيانوي
الشيخ الفاضل نور محمد بن علي محمد الحنفي اللدهيانوي، أحد العلماء العاملين ولد ونشأ بقرية
مانكث من أعمال لدهيانه - بضم اللام وسكون الدال المهملة - وسافر إلى سهارنبور، فقرأ الكتب
الدرسية على مولانا محمد مظهر بن لطف علي النانوتوي والشيخ أحمد علي بن لطف الله
السهارنبوري المحدث وعلى غيرهما من العلماء، ثم ولي التدريس ببلدة لدهيانه فسكن بها، ودرس
وأفاد.
حرف الواو
مولانا وارث حسن الكوروي
الشيخ العالم الصالح وارث حسن بن امتياز حسن الحسيني الحنفي الكوروي، أحد العلماء العاملين
وعباد الله الصالحين.
ولد ونشأ ببلدة كوزه - بالراء العجمية - بلدة من أعمال فتحبور، وسافر للعلم، فقرأ الكتب الدرسية
على(8/1397)
أساتذة المدرسة العالية بديوبند، ثم ذهب إلى كنكوه وأخذ الحديث والطريقة عن الشيخ رشيد
أحمد الحنفي الكنكوهي، ثم سافر إلى الحجاز فحج وزار وصحب الشيخ إمداد الله بن محمد أمين
التهانوي المهاجر زماناً، ورجع إلى الهند، فولي التدريس ببلدة بنارس ثم بمظفربور، فدرس وأفاد مدة
من الزمان، ثم ترك البحث والاشتغال، ودار البلاد ولقي المشايخ وأخذ عن الشيخ حسين علي
النقشبندي وعن غيره من المشايخ بالحدود، ثم سكن ببلدة لكهنؤ في الجامع الكبير بتل الشيخ بير
محمد اللكهنوي، وحصل له القبول العظيم، وانتفع به خلق كثير، أكثرهم من المحامين والقضاة،
والموظفين الكبار وأهل الوجاهة، وحسنت أحوالهم وأخلاقهم، وعمرت أوقاتهم بالأوراد والأذكار.
وكان عنده توسعاً فيما تقيد به مشايخ البلاد من العوائد والرسوم كالفاتحة والأعراس وغير ذلك.
كانت وفاته في اليوم السادس عشر من جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وألف، وصلى
عليه جمع كبير، ودفن فوق التل أمام المسجد.
مولانا وجيه الدين المدراسي
الشيخ الفاضل وجيها لدين بن أحسن الله النيلوري المدراسي ثم الحيدر آبادي، أحد العلماء المبرزين
في العلوم، ولد يوم الجمعة لثلاث خلون من رمضان سنة ثمان وثلاثين ومائتين وألف، وقرأ العلم
على القاضي ارتضا على الكوباموي وعلى غيره من العلماء بمدراس، ثم سافر إلى حيدر آباد وولي
التدريس في المدرسة العالية النظامية، فدرس وأفاد بها مدة عمره.
وكان من أجلة العلماء، له مهارة في جميع العلوم معقولاً ومنقولا، ذكره السيد الوالي في
مهرجهانتاب، مات لثلاث بقين من ذي الحجة سنة عشر وثلاثمائة وألف بحيدرآباد.
المفتي وجيه الدين الكاكوروي
الشيخ الفاضل المفتي ثم القاضي وجيه الدين بن عليم الدين بن نجم الدين الكاكوروي، أحد العلماء
الصالحين، ولد في سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وألف، وقرأ العلم على والده وعلى الشيخ فضل الله
العثماني النيوتيني، ثم أسند الحديث عن الشيخ حسين أحمد المليح آبادي والشيخ آل محمد بن محمد
إمام البهلواروي، وولي الإفتاء، ثم تدرج إلى خدمات أخرى حتى صار صدر الصدور.
وكان صالحاً ديناً تقياً، مهاباً رفيع القدر، له ترجمة العبادات من شرح الوقاية، بالفارسية، مات غرة
ربيع الأول سنة خمس وثلاثمائة وألف، كما في مجمع العلماء للشيخ منظور الدين الكاكوروي.
مولانا وحيد الزمان الحيدر آبادي
المعروف بنواب وقار نواز جنك
الشيخ العالم الكبير المحدث وحيد الزمان بن مسيح الزمان بن نور محمد بن شيخ أحمد العمري
الملتاني ثم الحيدر آبادي نواب وقار نواز جنك بهادر، كان من العلماء المشهورين وكبار المؤلفين.
ولد بكانبور سنة سبع وستين ومائتين وألف، وقرأ الكتب الدرسية على المفتي عناية أحمد
الكاكوروي والمولوي سلامة الله البدايوني والمفتي لطف الله الكوئلي والقاضي بشير الدين العثماني
القنوجي وعلى غيرهم من العلماء بكانبور، ثم لازم العلامة عبد الحي بن عبد الحليم اللكهنوي وأخذ
عنه، وسافر إلى الحجاز غير مرة، مرة سنة سبع وثمانين وأخرى سنة أربع وتسعين، ومات والده
بمكة المباركة سنة خمس وتسعين فحج وزار واستفاد من الشيخ عبد الغني المجددي المهاجر إلى
المدينة المنورة ومن غيره من العلماء وشيوخ الحديث وأخذ الحديث عن الشيخ أحمد بن عيسى بن
إبراهيم الشرقي الحنبلي، ثم رجع إلى الهند وحصلت له الإجازة عن السيد المحدث نذير حسين
الدهلوي وشيخنا القاضي حسين بن محسن الأنصاري اليماني وشيخنا وبركتنا فضل الرحمن بن أهل
الله البكري المراد آبادي وبايعه في الطريقة القادرية، وكتب له الشيخ بالدخول في الطريقة النقشبندية
بعد زمان ثم سكن بحيدرآباد، وخدم الدولة الآصفية أربعاً وثلاثين سنة، فتدرج إلى خدمات جليلة حتى
صار معتمداً للوزير، ولقبه صاحب الدكن نواب وقار نواز جنك بهادر وكان ذلك سنة أربع عشرة(8/1398)
وثلاثمائة وألف، وصار عضواً في مجلس مالية الدولة، وقاضياً في محكمة الاستئناف، ومكث أربع
سنين في مناصبه العالية، حتى أحيل إلى المعاش سنة ثماني عشرة وثلاثمائة وألف، واعتزل في بيته
عاكفاً على المطالعة والتأليف والترجمة والتصنيف، مع قناعة وانجماع عن الناس، واشتغال بالمفيد
النافع والصالح الباقي، وقضى في ذلك مدة اثنتي عشرة سنة، ثم شد الرحل إلى المدينة المنورة
مهاجراً إليها في سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف، وزار دمشق والقدس، ثم ألقى العصا بطيبة
الطابة، وطابت له الإقامة هناك، حتى اضطر إلى العودة إلى الهند لمرض زوجه وإلحاحها على
الرجوع، فرجع إلى حيدر آباد، ونشبت الحرب العالمية الأولى، فاضطر إلى الإقامة، ومكث في وقار
آباد حتى وافاه الأجل المحتوم.
كان الشيخ وحيد الزمان من كبار مؤلفي عصره ترجمة وتصنيفاً، وأكثر كتبه تراجم لكتب الحديث،
وكان عالماً متفنناً، راسخ القدم في علم اللغة والحديث والتفسير والفقه والأصول، غزير التأليف،
سريع الكتابة، مقتدراً على الترجمة، نهماً بمطالعة الكتب، مديم الاشتغال بالكتابة والتحرير، قوي
الحفظ سريع الإدراك، مع استغناء وعزة نفس، وعدم تملق للرؤساء والأمراء، وكان فيه تسرع قد
يندم عليه وتقلب في الآراء، كان شديداً في التقليد في بداية أمره، ثم رفضه وتحرر واختار مذهب
أهل الحديث مع شذوذ عنهم في بعض المسائل، وكان يجمع بين الصلاتين باستمرار لعلل اعترته،
وكان كثير الاعتناء بصحته، مواظباً على الرياضة البدنية، وكان عالي الهمة، مجتهداً في العلم
والتأليف، يقضي نهاره في الكتابة من غير ملل أو كلال، حفظ القرآن في شبابه في سنة وستة أشهر،
وداوم على تلاوته، ودرس اللغة الإنكليزية في كبر سنه، وحصلت له مشاركة فيها، وكان يرى
تطوير المنهاج الدراسي القديم، وقد قام برحلة لإقناع العلماء بذلك، ولما قامت ندوة العلماء وتأسست
دار العلوم في لكهنؤ أيدها، وحث الوزير على إعانتها، وكانت عنده دماثة خلق ورقة قلب وتواضع،
واعتراف بمواضع النقص والضعف في طبيعته وحياته، يحاسب نفسه وينصف منها، وكان كثير
الإجلال لشيخه مولانا فضل الرحمن الكنج مراد آبادي، يحبه ويكثر ذكره.
وكان مائلاً إلى الطول، واسع الجبهة والعينين، أقنى الأنف، أسيل الوجه، أزج الحاجبين، دقيق
العنق طويله، رقيق الشفتين، مستدير اللحية.
وكان مع اشتغاله بمهمات الخدمة يشتغل بالتصنيف، فصنف كتباً كثيرة، منها نور الهداية شرح
شرح الوقاية بالأردو، وأحسن الفوائد في تخريج أحاديث شرح العقائد، وإشراق الأبصار في تخريج
أحاديث نور الأنوار، والانتهاء في الاستواء، وتفسير القرآن الكريم بالأردو وهو المسمى بالوحيدي،
وتبويب القرآن لضبط مضلعين القرآن بالأردو، وشرح مؤطأ الإمام مالك بالأردو، وتسهيل القاري
شرح صحيح البخاري بالأردو، وشرح صحيح مسلم بالأردو ورفع العجاجة شرح سنن ابن ماجه
بالأردو، وشرح سنن النسائي بالأردو، وكنز الحقائق من فق خير الخلائق، وهدية المهدي من الفقه
المحمدي، وإصلاح الهداية في فقه الحديث، ونزل الأبرار من فقه النبي المختار، وعلامات الموت
في الطب، وحاشية على حاشية مير زاهد على شرح المواقف في الكلام، وأوراد وحيدي، وتذكرة
وحيدي، وله غير ذلك من الرسائل، ومن أحسن كتبه وحيد اللغات في غريب الحديث ومفرداته، وهو
كتاب جليل جم الفوائد في ثمانية وعشرين مجلداً بالقطع الكبير.
مات لأربع بقين من شعبان سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وألف في آصف نكر، ونقل إلى وقار آباد
ودفن في التربة التي هيأها، وقد ترجم نفسه في كتابه تذكرة الوحيد وكتب له تلميذه المرزا محمد
حسن اللكهنوي ترجمة ضافية.
المولوي وصي أحمد السورتي
الشيخ العالم الفقيه وصي أحمد الحنفي السورتي ثم الكانبوري، أحد العلماء المشهورين في الفقه
والكلام، ولد بسورت، ودخل كانبور في صباه فقرأ(8/1399)
بعض الكتب الدرسية على السيد محمد علي بن
عبد العلي الكانبوري، وأكثرها على المفتي لطف الله بن أسد الله الكوئلي، ثم رحل إلى سهارنبور
ولازم دروس الشيخ أحمد علي بن لطف الله السهارنبوري، وأخذ عنه الحديث، ثم رجع إلى كانبور
وأقام بها زماناً، ثم رحل إلى بيلي بهيت وسكن بها، وكان من الفقهاء المتعصبين عل من يعمل
بنصوص الحديث، كثير النكير عليهم، جمع أقوالاً شتى من كتبهم، وجعل تلك الأقوال مذهبهم،
وحملها على معان يكفر بها قائلوها تارة على سبيل اللزوم وأخرى على اعتبار مفهم المخالف، فكفر
بها كل من يعمل ويعتقد بالحديث، وأفتى بإخراجهم من المساجد، وجد واجتهد في إثبات التوقيعات
عن الفقهاء، وسماها بجامع الشواهد لإخراج غير المقلدين من المساجد، فيها توقيعات وخواتم كنعال
الخيل، وله تعليقات شتى على سنن النسائي، وشرح معاني الآثار للطحاوي تدل على قلة بضاعته في
الحديث.
المولوي وكيل أحمد السكندربوري
الشيخ الفاضل وكيل أحمد بن قلندر حسين بن محمد وسيم بن محمد عطاء العمري الحنفي
السكندربوي أحد العلماء المشهورين.
ولد لتسع خلون من ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائتين وألف بقرية دلبت بور من أعمال سارن،
وقرأ المختصرات على الشيخ عبد العليم السكندربوري وعلى غيره من العلماء، ثم لازم العلامة عبد
الحليم بن أمين الله الأنصاري اللكهنوي، وقرأ عليه أكثر الكتب الدرسية، وقرأ الشمس البازغة على
المفتي يوسف بن محمد أصغر اللكهنوي، والتوضيح مع التلويح على السيد معين الدين الكاظمي
الكروي، وقانون الشيخ علي السيد أنور علي اللكهنوي، وسائر الكتب الطبية على الشيخ نور كريم
الدريابادي، وتطبب على الحكيم يعقوب الحنفي اللكهنوي.
وكان مفرط الذكاء، سريع الإدراك، قوي الحفظ شديد الرغبة إلى المباحثة، كثير النكير على أهل
الحديث وعلى الفئة الصالحة من أصحاب سيدنا الإمام الشهيد السيد أحمد بن عرفان الحسني
البريلوي، صنف التصانيف، وخدم الدولة الآصفية مدة حياته.
أما مصنفاته فهي كثيرة يبلغ عددها إلى نحو تسعين كتاباً منها حد العرفان، رسالة بالعربية المنطق،
وهي شرح العرفان للشيخ عبد الحليم المذكور، ومعيار الصرف، والياقوت الرماني شرح المقامات
للبديع الهمداني، وآئينة جيني ترجمة التاريخ اليميني، وعمدة الكلام بجواز كلام الملوك ملوك الكلام،
وكتاب في أخبار النحاة، وتذكرة اللبيب فيما يتعلق بالطب والطبيب، وإزالة المحن عن إكسير البدن،
والياقوتي في الأقرابادين، والادحاصات شرح الايماصات، وإبطال الأباطيل برد التأويل العليل،
وإرشاد العنود إلى طريق أدب عمل المولود، وإرشاد المرغاد إلى مسلك حجة أخبار الآحاد، وإصباح
الحق الصريح عن أحكام المحدث والقبيح، وصيانة الإيمان عن قلب الاطمينان، والكلام المقبول في
إثبات إسلام آباء الرسول، ونصرة المجتهدين برد هفوات غير المقلدين، والازدجار بجواب الاشتهار،
والاعتماد بخطاء الاجتهاد، والكلام المنجي برد إيرادات البرزنجي، والياقوت الأحمر شرح الفقه
الأكبر، والبصائر ترجمة الأشباه والنظائر، والتحقيق المزيد في لعن يزيد، وتشييد المباني بالنكاح
الثاني، وتنقيح البيان بجواز تعليم كتابة النسوان، وتنبيه المحالفين بجواب تفضيح المخالفين، ودافع
الشقاق عن إعجاز الانشقاق، ودستور العمل بتدبير المنزل، والرفادة على جرح العبادة، والمحدد
بجهات المجدد، ونور العينين في تفسير ذي القرنين، والأنوار الأحمدية، والهدية المجددية، والوسيلة
الجليلة، وديوان الشعر الفارسي.
مات في سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وألف.
مولانا ولايت حسين البردواني
الشيخ الفاضل ولايت حسين بن خيرات حسين الحنفي البردواني، أحد العلماء الصالحين، ولد سنة
ثلاث وستين ومائتين وألف ببردوان، ونشأ بها، وقرأ العلم على الشيخ إله داد الجهبروي والمولوي
عبد العلي الرامبوري والعلامة عبد الحق بن فضل حق(8/1400)
العمري الخير آبادي والعلامة عبد الحي بن
عبد الحليم الأنصاري اللكهنوي وعلى غيرهم من العلماء، ثم دخل سهارنبور وأخذ الحديث عن الشيخ
أحمد علي بن لطف الله الحنفي السهارنبوري، ثم ولي التدريس بالمدرسة العالية بكلكته، فدرس وأفاد
بها مدة عمره، وانتفع به جمع كثير من العلماء.
وكان شيخاً صالحاً متعبداً، وسافر للحج، وشهد الوقوف وفاضت روحه والإمام يخطب في مسجد
النمرة، ودفن بعرفات، وكان ذلك يوم عرفة سنة أربعين وثلاثمائة وألف.
حرف الهاء
مولانا هادي حسن النصير آبادي
الشيخ العالم الصالح هادي حسن بن أبي الحسن الحنفي النقشبندي النصير آبادي أحد المشايخ
النقشبندية، ولد ونشأ بنصير آباد، وانتفع بوالده المرحوم، وقرأ بعض الكتب على شيخنا محمد نعيم
بن عبد الحكيم النظامي اللكهنوي، وقرأ الجامع للترمذي على شيخنا وبركتنا فضل الرحمن بن أهل
الله البكري المراد آبادي وحصلت له الإجازة منه لسائر الكتب.
وكان حليماً متواضعاً، منور الشيبه، حلو المنطق حسن المحاضرة، حسن الأخلاق، كثير الاشتغال
بأذكار الطريقة وأشغالها، رأيته غير مرة، وكان - رحمه الله - يدرس ويفيد.
مات سنة ست وثلاثمائة وألف.
مولانا هداية الله خان الرامبوري
الشيخ الفاضل الكبير هداية الله بن رفيع الله الحنفي الرامبوري، أحد العلماء المشهورين، ولد ونشأ
برامبور، وقرأ العلم على العلامة فضل حق بن فضل إمام الخير آبادي، والصحاح الستة على السيد
عالم علي الحسيني النكينوي، ثم ولي التدريس بالمدرسة الإمامية الحنفية ببلدة جونبور، فدرس وأفاد
بها مدة عمره، أخذ عنه خلق كثير من العلماء، وانتهت إليه رئاسة المنطق والحكمة، وكان قليل
الخبرة بالعلوم الدينية.
مات غرة رمضان سنة ست وعشرين وثلاثمائة وألف ببلدة جونبور.
مولانا هداية الله الفارسي
الشيخ الفاضل هداية الله بن عبد الله الحنبلي الفارسي السورتي، أحد العلماء المبرزين في المعارف،
ولد في خامس محرم سنة خمسين ومائتين وألف، وكان اسمه جهانكير بن بهمن شاه، أسلم مع أبيه،
وسافر للعلم فقرأ النحو والصرف على مولانا حبيب الله البريلوي، وقرأ الكتب الدرسية على المفتي
سعد الله المراد آبادي وعلى غيره من العلماء، والكتب الطبية على الحكيم إبراهيم بن يعقوب
اللكهنوي والحكيم محمد أعظم بن شاه أعظم الرامبوري، وقرأ موضح القرآن للشيخ عبد القادر
والصحاح الستة على المفتي عبد القيوم ابن عبد الحي البكري البرهانوي بمدينة بهوبال ولازمه مدة
واستفاض منه فيوضاً كثيرة، وحصلت له الإجازة عن الشيخ قطب الدين الدهلوي والسيد محبوب
علي الجعفري والسيد عالم علي النكينوي والشيخ أبي الحسن بن إلهي بخش الكاندهلوي والسيد نذير
حسين المحدث والشيخ الإمام فضل الرحمن ابن أهل الله المراد آبادي والسيد عبد الحي الفاسي
المغربي والشيخ حسين بن محسن الأنصاري اليماني والشيخ شعيب بن أبي شعيب المغربي والشيخ
عليم الدين ابن رفيع الدين الحيدر آبادي وخلق آخرين، وله إجازة في الطريقة القادرية عن المفتي
عبد القيوم المذكور والحاج وارث علي الديوي، وفي الطريقة الجشتية والقادرية عن السيد صالح،
وفي الجشتية الصابرية عن الشيخ أحمد الله البستوي، وفي الجشتية النظامية عن الشيخ محمد حسين
الشاهجهانبوري، وله إجازات عن جمع آخرين، وسافر إلى الحجاز فحج وزار، وسافر إلى بلاد
مصر والشام والقدس، وإلى بلاد أوربا وإلى بلاد التتر وإلى بلاد أمريكه، وساح معظم المعمورة،
ورأى العجائب من كل بلدة وإقليم.
وكان باهر الذكاء قوي التصور، كثير البحث عن الحقائق، لطيف الطبع، حسن المحاضرة، فصيح
المنطق مليح الكلام، وكانت مجالسته نزهة الأذهان والعقول، بما لديه من الأخبار التي تشنف
الأسماع،(8/1401)
والأشعار المهذبة للطباع، والحكايات عن الأقطار البعيدة وأهلها وعجائبها، وكان يعرف
اللغات المتنوعة، ويتكلم بالعربي والفارسي والإنكليزي والتامل والتلنكو والبنكله والكجراتي وغيرها
من غير تصنع وتجشم كأهل اللسان، وكان يتردد إلى لكهنؤ في آخر عمره كل سنة، ويقيم بها بضعة
أشهر عند حبي في الله المرحوم السيد نور الحسن القنوجي وعند غيره من الأحباب، وكان أكثر
إقامته بحيدر آباد أو أجمير.
مات بحيدر آباد سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وألف.
مولانا هداية الله السندي
الشيخ العالم الفقيه هداية الله بن محمود الحنفي المتاروي السندي، أحد العلماء الصالحين، ولد لأربع
عشرة خلون من رمضان سنة إحدى وثمانين ومائتين وألف ببلدة متاري من أعمال حيدر آباد السند،
وقرأ المختصرات على صنوه عناية الله بن محمود وعلى القاضي محمد علي المتاروي، وقرأ بعض
الكتب في النحو والتفسير على الشيخ عبد الولي، وبعضها في الفقه والحديث على الشيخ ولي محمد
الملاكاتياري، ثم سافر إلى الحجاز، وقرأ هداية الفقه على مولانا حضرت نور في المدرسة
الصولتية، وأصول الفقه على مولانا عبد السبحان، وأسند الحديث عن الشيخ عبد الحق بن شاه محمد
الإله آبادي والسيد محمد علي ابن ظاهر الوتري والسيد محمد سعيد بن محمد بن عبد الرحمن
المغربي والسيد عبد الله الشافعي المكي النهاري والسيد محمد بن سالم بن علوي جمل الليل، وحج
خمس سنوات، وله رسائل كثيرة، منها أربعة بالعربية.
حرف الياء
المفتي يحيى بن أيوب البهلتي
الشيخ العالم الفقيه يحيى بن أيوب بن قمر الدين بن محمد أنور الصديقي الحنفي البهلتي ثم المالوي،
أحد العلماء الصالحين، ولد سنة ثمان وسبعين ومائتين وألف في بهوبال، وحفظ القرآن وله عشر
سنين، وقرأ على والده الشيخ محمد أيوب وعلى العلامة عبد القيوم بن الشيخ عبد الحي البرهانوي،
وبدأ يدرس ويفيد في رعاية أبيه، وقرأ الطب على أطباء بلده، وبايع الشيخ أبا أحمد المجددي
البهوبالي، وحصلت له الإجازة منه، وولي نيابة الإفتاء في حياة أبيه، ولما توفي أبوه في سنة خمس
عشرة وثلاثمائة وألف ولي الإفتاء في بهوبال، ولما أحيل النواب محيي الدين المراد آبادي إلى
المعاش حوالي سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة وألف، ولي الشيخ يحيى القضاء مكانه، وقام بعدة
إصلاحات في محكمة القضاء وسن قواعد جديدة.
كانت له اليد الطولى في التعبير، وكان له شغف بجمع نوادر الكتب، وأخذ الإجازة عن المحدثين،
وكان صاحب تقوى وعبادة، ملازماً لدروس التفسير والحديث.
مات غرة ربيع الآخر سنة خمسين وثلاثمائة وألف.
الشيخ يحيى بن وجه الله العظيم آبادي
الشيخ العالم الصالح يحيى بن وجه الله الحسيني الرضوي، أحد المشايخ المشهورين، أخذ عنه الشيخ
أحمد أبو الخير المكي.
مات يوم الإثنين لأربع بقين من ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثمائة وألف.
الشيخ يعقوب الدهلوي
الشيخ العالم الصالح يعقوب بن كريم الله الحنفي الدهلوي، أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول
والعربية، ولد ونشأ بدهلي، وقرأ العلم على والده وصحبه مدة من الزمان، ولما مات والده قام مقامه
في التدريس والتذكير، فحصل له القبول العظيم من أهل البلدة، وانتهت إليه الفتيا والتدريس ببلدة
دهلي.
مات بها يوم الخميس لتسع خلون من ربيع الأول سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وألف، فدفن عند
والده(8/1402)
بمقبرة الشيخ الأجل خواجه عبد الباقي بن عبد السلام النقشبندي الدهلوي.
مولانا يعقوب النانوتوي
الشيخ العالم الكبير المحدث يعقوب بن مملوك العلي الصديقي الحنفي النانوتوي، أحد الأساتذة
المشهورين في الهند، ولد لثلاث عشرة مضين من صفر سنة تسع وأربعين ومائتين وألف بنانوته،
وحفظ القرآن الكريم، وقرأ الرسائل المختصرة بالفارسية، ثم سافر إلى دهلي مع والده سنة تسع
وخمسين، وقرأ عليه الكتب الدرسية معقولاً ومنقولاً، ثم درس وأفاد ببلدة دهلي وأجمير وفي الفتنة
العامة ببلاد الهند سنة ثلاث وسبعين اعتزل ببيته، وفي سنة سبع وسبعين سافر إلى الحجاز فحج
وزار، ولما رجع إلى الهند ولي التدريس في المدرسة العالية بديوبند، فدرس بها مدة عمره، وأخذ
عنه خلق لا يحصون بحد وعد، وسافر إلى الحجاز مرة ثانية سنة أربع وتسعين فحج وزار، وصحب
شيخه الشيخ إمداد الله التهانوي المهاجر بمكة المباركة.
كان من كبار الأساتذة، ظهر تقدمه في فنون، منها الفقه والأصول والحديث والأدب، وكان يميل إلى
الشعر أحياناً:
يقول في مدح السلطان عبد الحميد العثماني:
الوعظ ينفع لو بالعلم والحكم فالسيف أبلغ وعاظ على القمم
لولاه ما بلغ الدنيا لآخرها وآض كل وجود الدهر في العدم
والسيف للضيم إعدام بهيبته كالبدر يجلو الدجى بالنور في الظلم
بهمة الملك المنصور منتصر سيف لشرب دم الكفار كل ظمي
أكرم به ملكاً للمسلمين غداً كهف الأنام مزيل الفقر والعدم
الخان سلطاننا عبد الحميد غداً ذي الجود والفضل والإحسان والكرم
لو لم يكن معشر الإسلام نصرته للدين ما كنتم في الأمن والسلم
لولاه لم يبق للاسلام من شرف وصرتم لابي لحم على وضم
خليفة السلف المنصور دائمة من آل عثمان خير الناس كلهم
الناس في طينة في الأصل واحدة وقدرهم لعلي الأقدار في الهمم
حرية النفس للانسان جوهرة فقيمة المرء يعلو منه في القيم
إلى غير ذلك من الأبيات.
توفي لثلاث خلون من ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثمائة وألف بنانوته
مولانا يعقوب السهسواني
الشيخ الفاضل يعقوب بن عبد العلي بن تراب علي بن مبارز علي الحسيني النقوي السهسواني، أحد
كبار الفضلاء، ولد ونشأ بسهسوان، وقرأ المختصرات على الحكيم أسد علي السهسواني، ثم سافر إلى
رامبور وقرأ الكتب الدرسية على المولوي عبد الواجد الرامبوري الضرير، ثم سافر إلى طوك وأخذ
عن العلامة حيدر علي الحسيني الرامبوري، وتطبب على الحكيم إمام الدين الدهلوي، وأقام بتلك
البلدة مدة عمره، وظفه أمير تلك الناحية، وكان يداوي المرضى ويدرس.
مات بالفالج سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة وألف ببلدة طوك كما في حياة العلماء.
الشيخ يوسف الرامبوري
الشيخ الفاضل يوسف بن أبي يوسف العمري المجددي الرامبوري المحدث الفقيه السرهندي الأصل،
قرأ العلوم الآلية على علماء عصره، وأخذ الإجازة عن الشيوخ، كان له شغف كثير وإلمام تام
بالحديث ورجاله.(8/1403)
مات في حدود سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وألف.
الشيخ يوسف المدراسي
الشيخ العالم الفقيه يوسف بن أبي يوسف المدراسي ثم الرامبوري، أحد العلماء العاملين، قرأ العلم
على الشيخ عبد الرحمن بن عناية الله الكوكني والشيخ فضل حق بن عبد الحق الرامبوري، وسار
إلى ديو بند فتفقه على أساتذة المدرسة العالية، ثم بعد مدة لما رجع إلى رامبور أنزله المفتي لطف الله
بن سعد الله الرامبوري بيته، ووكل إليه كتابة الفتيا التي ترد عليه، ثم زوجه ابنته وأقامه معلماً
بمدرسة أنوار العلوم برامبور.
القاضي يوسف حسين الخانبوري
الشيخ العالم المحدث يوسف حسين بن القاضي محمد حسن الهزاروي الخانبوري، أحد العلماء
المبرزين في النحو والعربية، ولد ضحوة الجمعة لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة خمس وثمانين
ومائتين وألف بقرية خانبور من أعمال هزاره، وقرأ العلم على أبيه وصنويه القاضي عبد الأحد
والقاضي أبي عبد الله محمد، ثم رحل إلى أفغانستان سنة إحدى وثلاثمائة وألف، وأدرك بها الشيخ
المجاهد عبد الكريم بن ولاية علي العظيم آبادي، فقرأ عليه سنن النسائي وغيره، وصحبه سنة وستة
أشهر، ثم رجع إلى بلاده وأقام بوطنه نحو سنتين، ثم سافر إلى دهلي على جناح الشوق راجلاً،
فوصل إليها في اثنين وعشرين يوماً في شهر الله المحرم سنة ست وثلاثمائة وألف، ولازم دروس
السيد المحدث نذير حسين الدهلوي، وقرأ عليه المحدث، وأخذ عن شيخنا حسين بن محسن
الأنصاري أيضاً، وعن الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن عبد الوهاب النجدي وعن
الشيخ إبراهيم بن سليمان المهاجر المكي، وكلهم أجازوه عند ورودهم ببلدة دهلي.
وله مصنفات، منها إتمام الخشوع بوضع اليمين على الشمال بعد الركوع - بالعربية، وأخرى
بالهندية، وله زبدة المقادير - رسالة في معرفة الأوقات، وله قصائد بالعربية.
ومن شعره قوله:
سلي يا سليمى كل ذي المجد عن ذكرى أذو شرف مثلي عهدت بذا القطر
أخو الهمة العليا أصيل مكرم ولي عهود المكرمات مع الفخر
شديد على أهل الضلالة غائط وبين أصاحيب الهداية ذو البر
صبور على البأساء والضر والتوى وليس على رزء المذلة ذا صبر
وآباؤنا من أشرف القوم سادة كرام أولى المجد المؤثل والذكر
وله رحمه الله
غاب عقلي بسورة الغفلات وتلا العطب عائد السكرات
يا صباحاً من محنة يا صباحا صبحتني بنكبتي زلاتي
وبعاد الحبيب أمسى بيأس كيف أصبحت كيف أمست هناتي
عوقتني عن موطني وقبيلي إن هذا لأعظم النائبات
هوت الريح في مكان سحيق بي فأين المحيص عن سوآتي
أبعدتني عن كل ما أهواه عن عهود الحمى وعن أمهاتي.
مولانا يوسف علي اللكهنوي
الشيخ الفاضل يوسف علي بن يعقوب علي بن فضل على العثماني الكوباموي اللكهنوي، أحد العلماء(8/1404)
الصالحين، ولد لست بقين من شعبان سنة ثمان وعشرين ومائتين وألف، وقرأ المختصرات على
والده براجمندري، ثم وفد لكهنؤ وقرأ العلوم الآلية على الشيخ قدرت علي بن فياض علي اللكهنوي،
ثم تصدر للتدريس فدرس وأفاد مدة طويلة ببلدة لكهنؤ، وسافر إلى بهوبال سنة ثلاث وثمانين ومائتين
وألف، وقرأ الصحاح الستة على المفتي عبد القيوم بن عبد الحي البكري البرهانوي، وسمع أوائل
سعيد سنبل على شيخنا القاضي حسين بن محسن الأنصاري اليماني، وسكن ببلدة بهوبال، وخدم
الدولة مدة حياته.
رأيته في بهوبال فوجدته شيخاً منوراً، نقي اللون ربعة القامة، أبيض الشعر في لباس جميل، وكان
من أصدقاء سيدي الوالد، ومن مصنفاته الجواهر الفريدة شرح القصيدة، وشرح نظم الفرائض،
ودوحة الميزان في المنطق، ورسالة في العروض والقافية.
مات لثلاث خلون من ذي القعدة سنة تسع وثلاثمائة وألف بمدينة بهوبال.
السيد يونس علي البدايوني
الشيخ الفاضل يونس علي الحنفي البدايوني، أحد العلماء الصالحين، ولد ونشأ ببلدة بدايون، وقرأ
العلم على المولوي محمد حسن بن ظهور حسن السنبهلي وعلى غيره من العلماء، ثم سافر إلى دهلي
وأخذ الحديث عن شيخنا المحدث نذير حسين الحسيني الدهلوي، لقيته ببلدة لكهنؤ.
تم الكتاب بحول الله
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وسلم.(8/1405)