نزهة الخواطر
الجزء الأول
يتضمن تراجم علماء الهند وأعيانها من القرن الأول إلى القرن
السابع
بسم الله الرحمن الرحيم(1/28)
مقدمة الكتاب
الحمد لله الذي خلق الانسان، وعلمه البيان، وأنزل القرآن هدي للناس وبينات من الهدى
والفرقان، وأعجز مصاقع البلغاء عن المعارضة باللسان، إلى المقارعة بالسيف والسنان،
والصلاة والسلام على سيدنا محمد فاتحة كتاب الوجود، وخاتمة أبواب الوحي والكشف
والشهود، والشفيع المشفع في المقام المحمود، من سطع نوره على كل موجود، وعلى آله
الأطهار، وأصحابه الأخيار، الذين أيدوا الشريعة السمحة الغراء، وأسسوا أبنية قواعدها
البيضاء، حتى استقام الحق واعتدل، وزهق الباطل وبطل.
أما بعد! فإني منذ عرفت اليمين من الشمال، وميزت بين الرشد والضلال، لم أزل ولوعاً
بمطالعة كتب الأخبار، مغري بالبحث عن أحوال الأدباء الأخيار، حريصاً على خبر
اسمعه، أو شعر تفرق شمله فأجمعه، حتى اجتمع عندي ما طاب وراق، وزين بمحاسن
لطائفه الأقلام والأوراق، فاقتصرت منه على أخبار أدباء الهند التي أنا فيها، وضربت
صفحاً عن أدباء الأقاليم الأخر التي تنافيها، حرصاً على جمع ما لم يجمع، وتقييد شيء لم
يقل إلا ليقيد ويسمع.
ثم أشار إلى من إشارته حكم، وطاعته غنم، أن لا اقتصر على أخيار الأدباء، بل أذيله
بذكر العلماء، وأهل الفضل سواء كانوا من المشايخ أو الأمراء، فاستقلت من هذا المقام
الذي يضطر فيه صاحبه إلى أن يكون كحاطب ليل، أو جالب رجل وخيل، وذاكرته ان
من كان أفضل مني في إكثار الرواية، وقوة الحفظ وغزارة الدراية، بذل جهده في ذلك، فلم
يتيسر له الوصول إلى ما هنالك، فكيف هذا العبد الفقير، في هذا المضمار الخطير! مع
قصور باعه، وسقط متاعه، وقلة فرصه، وكثرة غصصه، فلم يسعف بالإقالة، ولا أعفي من
المقالة، فلبيت دعوته تلبية المطيع، وبذلت في مطاوعته جهد المستطيع.
ولولا من الله عز وجل- وله المنة على هذا العبد بالقوة على ذلك بعد المنة- لما تيسر له
جمع الكتاب، الذي هو أغلى من الذهب المذاب، وأحلى من لذيذ الخطاب، ومداعبة
الأحباب، لأن أهل الهند مع كثرة فضلائهم ووحود الأعيان في كل مكرمة على تعاقب
الأعصار ليس لهم عناية كاملة، ولا رغبة وافرة، إلا في دفن محاسن أكابرهم، وطمس آثار
مفاخرهم، فلا يرفعون إلى علمائهم رأساً، ولا يمدون إليهم يداً، مع توفر رغباتهم إلى الإطلاع
على ما لغيرهم من الشعراء والاشتغال الكامل بمعرفة أحوال مشايخ الصوفية والإكباب
على جمع كشوفهم وكراماتهم وعلى كتبهم التاريخية وغيرها، وإني لأكثر العجب من
اختصاص المذكورين بهذه الخصلة التي هي سبب لدفن محاسن سابقهم ولاحقهم، وطمس
رفيع قدر عالمهم وفاضلهم، ولهذا أهمل المصنفون في التاريخ على العموم ذكرهم، لم يترجموا
لأهل قرن من تلك القرون،(1/29)
ولا ممن مضى في عصر من هاتيك العصور، وإن ذكرهم
المؤرخون منهم ترجموه ترجمة مغسولة عن الفائدة عاطلة عن بعض ما يستحقه، ليس فيها
ذكر مولده ولا وفاته، ولا شيء من مسموعاته ولا مقروءاته، لأن الذي ينقل أحوال شخص
إلى غيره ينبغي له أن يكون من معارفه وأهل بلدته، فإذا أهمله عارفوه أهمله غيرهم وجهلوا
أمره.
ومن هذه الجهة أجدني إذا ترجمت في هذا الكتاب أحداً منهم لم أدر ما أقول! لأن أهل
عصره اهملوه فلم يبق لدي من بعدهم إلا مجرد أنه فلان لا يدري متى ولد ولا في أي وقت
توفي وبماذا انفرد في حياته من المزايا! فمن عرف ما ذكرناه علم أني بفضل الله سبحانه
وتوفيقه أجدت في كتابي هذا وأبدعت وصنعت ما لم يستطعه كبار العلماء مع توفر
رغباتهم في الجمع والتصنيف لا سيما في هذا الكتاب.
وإني لم أقصد بجمعه خدمة ذي جاه كبير، أو طاعة وزير أو أمير، ولم أداهن فيه أحداً
بنفاق، أو مدح أو ذم مباين للأخلاق، لميل نفساني، أو غرض جسماني، وأنا استغفر الله
الذي لا إله إلا هو الحي القيوم من وضع قدمي في طريق لم أسلكه، وتجارتي في رأس مال لم
أملكه، هذا مع اعترافي بقصور باعي، وفتور همتي ونضوب طباعي، في القوانين العربية،
ودواوين المثاني الأدبية.
مالي وللأمر الذي قلدته ما للذباب وطعمة العنقاء
أبكي لعجزي وهو يبكي ذلة شتان بين بكائه وبكائي
وإني سميته نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر والله سبحانه أسأل أن يصعد كتابي
هذا ذروة القبول، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم وينفع به أهل العلم ومن يخلفني من بعدي
من السادة الفحول، وأن يرخي على زلاتي من عفوه وغفرانه أطول الذيول، وبالله الاستعانة
في كل ما أحرر وأقول، وله الحمد وهو خير مسئول ومأمول.(1/30)
الطبقة الأولى
فيمن قصد الهند في القرن الأول
بديل بن طهفة البجلي
لما قتل عبيد الله بن نبهان بأرض السند كتب الحجاج بن يوسف الثقفي إلى بديل بن طهفة
وهو بعمان يأمره أن يسير إلى خور الديبل لتخلية النسوة اللاتي ولدن في جزيرة الياقوت
مسلمات وأخذهن قوم من ميد الديبل، فسار نحو الهند ولما لقيهم نفر به فرسه فأطاف به
العدو فقتلوه، وقال بعضهم: قتله زط معرب جاث البدهة، كما في فتوح البلدان للبلاذري،
وقال البلاذري في موضع آخر من ذلك الكتاب: إن بديل بن طهفة مصور بقندابيل وقبره
بالديبل- انتهى.
بنانة بن حنظة الكلبي
أمره محمد بن القاسم الثقفي على سرية بعثها إلى بيث فقاتل أهلها قتالاً شديداً ثم رجع
ظافراً إلى محمد، وسار محمد إلى مهران فنزل في وسطه وأمر بنانة على ألف مقاتل، فقاتل
معه براور وبرهمناباد وغيرهما من بلاد السند وفتحها فأمره محمد على قلعة دهليلة.
الحكم بن أبي العاصي الثقفي
الحكم بن أبي العاصي بن بشر بن دهمان بن عبد الله بن همام بن أبان بن يسار بن مالك
بن حطيط بن جشيم بن ثقيف الثقفي، الرجل المجاهد، وجهه أخوه عثمان بن أبي
العاصي أمير البحرين وعمان سنة خمس عشرة من الهجرة في أيام عمر بن الخطاب رضي
الله عنه وأقطع له جيشاً، فلما رجع كتب إلى عمر يعلمه ذلك، فكتب إليه: يا أخا ثقيف!
حملت دوداً على عود، وإني أحلف بالله إن لو أصيبوا لأخذت من قومك مثلهم.
قال البلاذري: ووجه عثمان أيضاً إلى بروص وبروص بروج بندر كبير من بنادر الهند-
انتهى.(1/31)
قال ابن الأثير في أسد الغابة: إنه يكنى أبا عثمان وقيل: أبو عبد الملك، وهو أخو عثمان
بن أبي العاص الثقفي، له صحبة، كان أميراً على البحرين، وسبب ذلك أن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه استعمل أخاه عثمان بن أبي العاص على عمان والبحرين فوجه
أخاه الحكم على البحرين وافتتح الحكم فتوحاً كثيرة بالعراق سنة تسع عشرة أو سنة
عشرين، وهو معدود في البصريين، ومنهم من يجعل أحاديثه مرسلة، ولا يختلفون في صحبة
أخيه عثمان، روى عنه معاوية بن قرة قال: قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن في
يدي مالاً لأيتام قد كادت الصدقة أن تأتي عليه فهل عندكم من متجر؟ قال: قلت: نعم،
قال: فأعطاني عشرة آلاف، فغبت بها ما شاء الله ثم رجعت إليه فقال: ما فعل مالنا؟
فقلت: هو ذا! قد بلغ مائة ألف، أخرجه الثلاثة- انتهى.
حكيم بن جبلة العبدي
حكيم بن جبلة بن حصين بن أسود بن كعب بن عامر بن الحارث بن الديل بن عمرو بن
غنم بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس بن دعمي ابن جديلة بن أسد بن ربيعة
بن نزار العبدي، وقيل: حكيم بضم الحاء وهو أكثر وقيل: ابن جبل، ذكره ابن الأثير في
أسد الغابة قال: قال أبو عمر: أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أعلم له رواية ولا خبراً
يدل على سماعه منه ولا رواية له، وكان رجلاً صالحاً، له دين، مطاعاً في قومه، وهو الذي
بعثه عثمان على السند فنزلها ثم قدم على عثمان فسأله عنها فقال: ماؤها وشل، ولصها
بطل، وسهلها جبل، إن كثر الجند بها جاعوا، وإن قلوا بها ضاعوا، فلم يوجه عثمان
رضي الله عنه أحداً حتى قتل- انتهى.
وقال البلاذري في فتوح البلدان: إنه لما ولي عثمان رضي الله عنه وولي عبد الله بن عامر
بن كريز العراق كتب إليه يأمره أن يوجه إلى ثغر الهند من يعلم علمه وينصرف إليه بخبره،
فوجه حكيم بن جبلة العبدي، فلما رجع أوفده إلى عثمان رضي الله عنه فسأله عن حال
البلاد فقال: يا أمير المؤمنين! قد عرفتها وتنحرتها، قال: فصفها لي! قال: ماؤها وشل،
وثمرها دقل، ولصها بطل، إن قل الجيش فيها ضاعوا، وإن كثروا جاعوا، فقال له عثمان،
أخابر أم ساجع؟ قال: بل خابر، فلم يغزها أحداً، انتهى.
قال ابن الأثير ثم إنه أقام بالبصرة فلما قدم إليها الزبير وطلحة مع عائشة رضي الله عنهم
وعليها عثمان بن حنيف أميراً لعلي رضي الله عنه بعث عثمان ابن حنيف حكيم بن
جبلة في سبع مائة من بعد القيس وبكر بن وائل فلقي طلحة والزبير بالزابوقة قرب البصرة
فقاتلهم قتالاً شديداً فقتل، وقيل إن طلحة والزبير لما قدما البصرة استقر الحال بينهم وبين
عثمان بن حنيف أن يكفوا عن القتال إلى أن يأتي علي ثم إن عبد الله بن الزبير بيت
عثمان فأخرجه من القصر فسمع حكيم فخرج في سبع مائة من ربيعة فقاتلهم حتى
أخرجهم من القصر ولم يزل يقاتلهم حتى قطعت رجله فأخذها وضرب بها الذي قطعها
فقتله، ولم يزل يقاتل ورجله مقطوعة وهو الذي يقول:
يا ساق لن تراعي إن معي ذراعي
أحمي بها كراعي(1/32)
حتى نزفه الدم فاتكأ على الرجل الذي قطع رجله وهو قتيل فقال له قائل: من فعل بك
هذا؟ قال: وسادتي، فما رئي أشجع منه، ثم قتله سحيم الحداني، قال أبو عبيدة معمر بن
المثنى: ليس يعرف في جاهلية ولا إسلام رجل فعل مثل فعله- انتهى.
داود بن نصر العماني
داود بن نصر بن الوليد العماني المجاهد قدم السند وقاتل أهلها وفتح البلاد، ثم استعمله
محمد بن القاسم الثقفي على مدينة ملتان.
رعوة بن عميرة الطائي
رعوة بن عميرة الطائي كان من رجال الأموية، أمره محمد بن القاسم الثقفي على طليعته
فقاتل معه أهل الهند وفتح البلاد.
زائدة بن عميرة الطائي
زائدة بن عميرة الطائي كان شقيق رعوة، قاتل معه الهنود غير مرة وسار إلى ملتان فقاتله
أهلها وانهزموا وقتل زائدة تحت سور البلد، كما في فتوح البلدان للبلاذري.
عبد الرحمن بن العباس الهاشمي
عبد الرحمن بن العباس بن ربيع بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي القرشي خرج على
الحجاج مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي وبايعه سنة إحدى وثمانين وقاتل معه
الحجاج غير مرة بالأهواز ودير الجماجم وغيرها، ولما انهزم ابن الأشعث من مسكن أتى
عبد الرحمن بن العباس سجستان فاجتمع فل ابن الأشعث فسار إلى خراسان في عشرين
ألفاً، فنزل هراة وقتل الرقاد فأرسل إليه يزيد بن المهلب: قد كان لك في البلاد ممتنع من هو
أهون مني شوكة فارتحل إلى بلد ليس لي فيه سلطان! فإني أكره قتالك، وإن أردت مالاً
أرسلت إليك، فأعاد الجواب: إنا ما نزلنا لمحاربة ولا لمقام ولكنا أردنا أن نريح ثم نرحل
عنك وليست بنا إلى المال حاجة، وأقبل عبد الرحمن ابن العباس إلى الجباية وبلغ ذلك يزيد
فقال: من أراد أن يريح ثم يرتحل لم يجب الخراج، فسار يزيد نحوه وأعاد مراسلته: إنك قد
أرحت وسمنت وجبيت الخراج فلك ما جبيت وزيادة فاخرج عني! فإني أكره قتالك،
فأبى إلا القتال وكاتب جند يزبد يستميلهم ويدعوهم إلى نفس، فعلم يزيد فقال: جل الأمر
عن العتاب، ثم تقدم إليه فقاتله فلم يكن بينهم كثير قتال حتى تفرق أصحاب عبد الرحمن
عنه وصبر وصبرت معه طائفة ثم انهزموا وأمر يزيد أصحابه بالكف عن اتباعهم وأخذوا
ما كان في عسكرهم وأسروا منهم أسرى ولحق عبد الرحمن بالسند، كما في الكامل.
قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة: لما انهزم ابن الأشعث قام بعده عبد الرحمن بن ربيعة
فقاتل الحجاج ثلاثة أيام ثم انهزم فوقع بأرض فارس ثم صار إلى السند فمات هناك- انتهى.
عبيد الله بن نبهان.
سيره الحجاج بن يوسف الثقفي إلى خور الديبل لتخلية النسوة اللاتي ولدن في جزيرة
الياقوت مسلمات ومات آباؤهن وكانوا تجاراً فأراد ملكها التقرب بهن إلى الحجاج فأهداهن
إليه، فعرض للسفينة التي كن فيها قوم من ميد الديبل في بوارج فأخذوا السفينة بما فيها
فنادت امرأة منهن وكانت من بني يربوع: يا حجاج! وبلغ الحجاج ذلك فقال: يا لبيك!
فأرسل إلى داهر يسأله تخلية النسوة فقال: إنما أخذهن لصوص لا أقدر عليهم، فأغزى
الحجاج عبيد الله ابن نبهان(1/33)
الديبل فغزاهم وقتل في تلك الغزوة بأرض السند، كما في فتوح
البلدان.
القاسم بن ثعلبة الطائي
قاسم بن ثعلبة بن عبد الله بن حصن الطائي الرجل المجاهد كان بالسند وقاتل الهنود
تحت لواء الأمير محمد بن القاسم الثقفي وقتل كثيراً منهم، وهو الذي قتل داهر بن صصة
ملك السند، رواه البلاذري عن ابن الكلبي.
محمد بن الحارث العلافي
خرج على الحجاج وقاتله مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي، ولما انهزم ابن
الأشعث أتى محمد عمان ثم خرج إلى السند واحتمى بداهر ابن صصة ملك السند، فلما
ولي سعيد بن أسلم بن زرعة الكلابي مكران وقتل سعيد صفوي بن لام الحمامي في ذنب
اجتراه وكان من العلافين خرج عليه محمد وعاوية ابنا الحارث وكان معهما خمس مائة مقاتل
فقتلوه وغلبوا على مكران، فلما أخبر به الحجاج ولي مجاعة بن سعر التميمي على ثغر
الهند فغزا مجاعة وغنم ولحق محمد ومعاوية مع رجالهما بالسند وسكنوا بأرور سنة
خمس وثمانين، ولما فتح محمد بن القاسم الثقفي السند وقتل داهر خرج محمد من أرور
وسار إلى برهمناباد واجتمع بجي سنكه، ولما سار جي سنكه إلى كشمير خرج معه وعاد
من أثناء الطريق، كما في تاريخ السند.
وفي تحفة الكرام إنه استأمن محمد بن القاسم المذكور فأمنه، انتهى.
وإسم علاف هو أبان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وهو أبو جرم، كما في
فتوح البلدان.
محمد بن القاسم الثقفي
محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي كان من بني أعمام الحجاج
وختنه، ولاه الحجاج على ثغر الهند في أيام الوليد بن عبد الملك وكان بفارس وقد أمره أن
يسير إلى الري وعلى مقدمته أبو الأسود جهم بن زحر الجعفي فرده إليه وعقد له على ثغر
السند وضم إليه ستة آلاف من جند أهل الشام وخلقاً من غيرهم وجهزه بكل ما احتاج
إليه حتى الخيوط والمسال وأمره أن يقيم بشيراز حتى يتتام إليه أصحابه ويوافيه ما أعد له،
وعمد الحجاج إلى القطن المحلوج فنقع في خل الخمر الحاذق ثم جفف في الظل فقال: إذا
صرتم إلى السند فإن الخل بها ضيق فانقعوا هذا القطن في الماء ثم أطبخوا به واصطبغوا،
فسار محمد بن القاسم إلى مكران فأقام بها أياماً ثم أتى قنزبور ففتحها ثم أتى أرمائيل
ففتحها، ثم سار إلى الديبل يوم جمعة ووافته سفن كان حمل فيها الرجال والسلاح والأداة
فخندق حين نزل ديبل وركزت الرماح على الخندق ونشرت الأعلام وأنزل الناس على راياتهم
ونصب منجنيقاً، وكان بالديبل كنيسة عظيمة عليها دقل طويل وعلى الدقل راية حمراء
فرمى الدقل فكسر فاشتد طيرة الكفر من ذلك، ثم إن محمداً ناهضهم وقد خرجوا إليه
فهزمهم حتى ردهم وأمر بالسلاليم فوضعت وصعد عليها الرجال ففتحت عنوة وهرب
عامل داهر وقتل سادن بيت آلهتهم في الديبل، واختط للمسلمين بها(1/34)
وبنى مسجداً وأنزلها
أربعة آلاف، ثم أتى محمد البيرون فصالحه أهلها، وجعل محمد لا يمر بمدينة إلا فتحها حتى
عبر نهراً دون مهران فصالحه أهلها وظف عليهم الخراج، وسار إلى سهبان ففتحها ثم سار
إلى مهران فنزل في وسطه وعبره مما بلى بلاد راسل ملك قصة كجمه من الهند ولقيه داهر
على فيل وحوله الفيلة ومعه التكاكرة فاقتتلوا قتالاً شديداً لم يسمع بمثله وترجل داهر وقاتل
فقتل عند المساء وانهزم المشركون فقتلهم المسلمون كيف شاؤا وكان الذي قتل في رواية
المدائني رجلاً من بني كلاب وقال:
الخيل تشهد يوم داهر والقنا ومحمد بن القاسم بن محمد
أنى فرجت الجمع غير معرد حتى علوت عظيمهم بمهند
فتركته تحت العجاج مجدلاً متعفر الخدين غير موسد
ثم سار إلى راور ففتحها وكانت بها امرأة لداهر فخافت أن تؤخذ فأحرقت نفسها
وجواريها وجميع مالها، ثم أتى محمد برهمناباد العتيقة وكان فل داهر ببرهمناباد هذه فقاتلوه
ففتحها محمد عنوة وقتل بها ثمانية آلاف وقيل: سنة وعشرين ألفاً، وخلف فيها عامله،
وسار محمد يريد الرور وبغرور فتلقاه أهل ساوندري فسألوه الأمان فأعطاهم إياه ثم تقدم
إلى بسمد فصالح أهلها، وانتهى إلى الرور وهي على جبل فحصرهم أشهراً ففتحها صلحاً
وبنى مسجداً وسار إلى السكة ففتحها، ثم قطع نهر بياس إلى الملتان فقاتله أهلها وانهزموا
ودخلوا المدينة فحصرهم محمد وضيق على أهلها فنزلوا على الحكم فقتل محمد المقاتلة
وسبى الذرية وأصاب ذهباً كثيراً فسميت الملتان فرج بيت الذهب.
قالوا: ونظر الحجاج فإذا هو قد انفق على محمد ستين ألف ألف درهم ووجد ما حمل إليه
عشرين ومائة ألف ألف درهم فقال: شفينا غيظنا وازددنا إلى الرور وبغرور وكان قد
فتحها فأعطى الناس ووجه إلى البيلمان جيشاً فلم يقاتلوا وأعطوا الطاعة وسالمه أهل
سرست، ثم أتى محمد الكيرج فخرج إليه دوهر فقاتله فانهزم العدو وهرب دوهر ويقال:
قتل، ونزل أهل المدينة على حكم محمد فقتل وسبى قال الشاعر:
نحن قتلنا داهراً ودوهراً والخيل تردى منسراً فمنسرا
ومات الوليد بن عبد الملك وولي سليمان بن عبد الملك فاستعمل صالح ابن عبد الرحمن
على خراج العراق وولي يزيد بن أبي كبشة السكسكي السند فحمل محمد بن القاسم
مقيداً مع معاوية بن المهلب فقال محمد متمثلاً:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر(1/35)
فبكى أهل الهند على محمد وصوروه بالكيرج، فحبسه صالح بواسط فقال:
فلئن ثويت بواسط وبأرضها رهن الحديد مكبلاً مغلولا
فلرب فتية فارس قد رعتها ولرب قرن قد تركت قتيلا
وقال:
لو كنت أجمعت الفرار لوطئت أناث أعدت للوغى وذكور
وما دخلت خيل السكاسك أرضنا ولا كان من عك على أمير
ولا كنت للعبد المزوني تابعاً فيا لك دهر بالكرام عثور
فعذبه صالح في رجال من آل أبي عقيل حتى قتلهم، وكان الحجاج قتل آدم أخا صالح وكان
يرى رأي الخوارج.
وقال حمزة بن بيض الحنفي يرثي محمداً:
إن المروءة والسماحة والندى لمحمد بن القاسم بن محمد
ساس الجيوش لسبع عشرة حجة يا قرب ذلك سوددا من مولد
وقال آخر:
ساس الرجال لسبع عشرة حجة ولداته عن ذاك في أشغال
كانت وفاة الحجاج في شوال سنة خمس وتسعين ووفاة الوليد وتولية سليمان في جمادى
الآخرة سنة ست وتسعين، وفي تلك السنة عذب محمد وقتل بواسط، كما في الكامل وفتوح
البلدان وغيرهما من كتب الأخبار.
محمد بن مصعب الثقفي
محمد بن مصعب بن عبد الرحمن الثقفي قدم السند وقاتل الهنود مع محمد ابن القاسم
الثقفي، وأمره محمد بن القاسم على سرية وبعثه إلى سدوسان في خيل وجمازات فطلب
أهلها الأمان والصلح وسفر بينه وبينهم السمنية فأمنهم ووظف عليهم خرجا وأخذ منهم
رهناً وانصرف إلى محمد بن القاسم ومعه من الزط أربعة آلاف، ثم لما سار محمد بن
القاسم إلى مهران أمر محمد ابن مصعب على طليعته، فعبر مهران مما بلى بلاد راسل ملك
قصة كجه، ولم نقف على أخباره بعد ذلك.
محمد بن هارون النمري
محمد بن هارون بن ذراع النمري استعمله الحجاج بن يوسف الثقفي على ثغر الهند بعد
مجاعة بن سعر التميمي الذي توف بمكران، فغزا محمد بن هارون فغنم وغلب على الثغر
وقام بالأمر خمس سنين، ثم لما ولي الحجاج ابن عمه محمد ابن القاسم الثقفي كتب إلى
محمد بن هارون يأمره أن يجهز جنده ويستعد للخروج إلى بلاد السند، فلما أتى محمد بن
القاسم مكران وسار إلى قنزبور لحقه بها وأتى أرمائيل وفتحها، وأقام زماناً يستريح بها
فمات ودفن بقنبل لعله سنة ثلاث وثمانين.
معاوية بن الحارث العلاني
خرج على سعيد بن أسلم بن زرعة الكلابي لما ولي على ثغر الهند فقتله وغلب على
الثغر،(1/36)
ثم لما ولي مجاعة بن مسعر التميمي على ذلك الثغر، غلب عليه ونزع من يده الأمر،
فلحق بالسند واحتمى بداهر بن صصة ملك السند، ولما قتل داهر اجتمع بجي سنكه بن
داهر ثم استأمن محمد بن القاسم الثقفي فأمنه.
المغيرة بن أبي العاصي
المغيرة بن أبي العاصي بن بشر بن دهمان الثقفي المجاهد، وجهه أخوه عثمان ابن أبي
العاصي أمير البحرين وعمان في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى خور الديبل فلقي
العدو فظفر، كما في فتوح البلدان، وأخوه عثمان كان شريفاً عظيم القدر، ولاه عمر بن
الخطاب رضي الله عنه عمان والبحرين وأقطعه الموضع المعروف بالبصرة بشط عثمان،
كما في كتاب الاشتقاق لابن دريد، وفي تاريخ السند إن المغيرة قتل بأرض الهند ودفن بها.
يزيد بن أبي كبشة
يزيد بن أبي كبشة السكسكي كان من قواد الدولة الأموية، استخلفه الحجاج ابن يوسف
الثقفي عند موته على الحرب والصلاة بالمصرين البصرة والكوفة فأقره الوليد، وقيل: بل
الوليد هو الذي ولاه، كما في وفيات الأعيان، ولما مات الوليد وقام بالملك سليمان بن عبد
الملك استعمله على السند فحمل محمد بن قاسم الثقفي مقيداً مع معاوية بن المهلب، ومات
بعد قدومه أرض السند بثمانية عشر يوماً سنة ست وتسعين، كما في الكامل.(1/37)
الطبقة الثانية
فيمن قصد الهند من أهل القرن الثاني
أبو عطاء السندي
أبو عطاء السندي الشاعر المشهور مولى بني أسد ثم مولى عمرو بن سماك ابن حصين
الأسدي، إسمه أفلح بن يسار وقيل: مرزوق، كان سندياً عجمياً لا يفصح وفي لسانه عجمة
ولثغة وكان إذا تكلم لا يفهم كلامه، وكان مع ذلك من أحسن الناس بديهة وأشدهم
عارضة وتقدماً، وهو من مخضرمي الدولتين، مدح بني أمية وبني هاشم، وله في كتاب
الحماسة مقاطيع نادرة منها قوله:
ذكرتك والخطى يخطر بيننا وقد نهلت منا المثقفة السمر
فوالله ما أدري وإني لصادق أداء عراني من حبابك أم سحر
فإن كان سحراً فاعذريني على الهوى وإن كان داء غيره فلك العذر
وقوله في ابن هبيرة وقد قتله المنصور بواسط بعد أن أمنه:
ألا إن عيناً لم تجد يوم واسط عليك بجاري دمعها لجمود
عشية قام الناتحات وشققت جيرب بأيدي مأتم وخدود
فإن تمس مهجور الفناء فربما أقام به بعد الوفود وفود
فإنك لم تبعد على متعهد بلى كان من تحت التراب بعيد
وكان إذا تكلم لا يفهم كلامه ولذلك قال لسليمان بن سليم الكلبي:
أعورتني الرواة يا ابن سليم وأبى أن يقيم شعري لساني
وغلا بالتي أجمجم صدري وجفاني لعجمتي سلطاني
وازدرتني العيون إذ كان لوني حالكاً مجتوى من الألوان
فضربت الأمور ظهراً لبطن كيف احتال حيلة لبيان
وتمنيت أنني كنت بالشعر فصيحاً وكان بعض بياني(1/39)
ثم أصبحت قد انخت ركابي عند رحب الفناء والأعطان
فأعطني ما تضيق عنه رواتي بفصيح من صالح الغلمان
يفهم الناس ما أقول من الشعر فإن البيان قد أعياني
واعتمدني بالشكر يا ابن سليم في بلادي وسائر البلدان
سترى فيهم قصائد غراً فيك سباقة بكل لسان
فأمر له بوصيف فسماه عطاء وتبناه وتكنى به ورواه شعره، فكان إذا أراد إنشاد مديح
لمن يمتدحه أو يجتديه أو إنشاء شعر أمره فأنشد.
قيل إنه قال يوماً: وإلا منذ لدن ذاوتا وقلت ليبأ ما إنك تصنأ- يعني وإنك منذ دعوتك
وقلت: لبيك، ما كنت تصنع؟.
وشهد أبو عطاء حرب بني أمية وبني العباس وآب مع بني أمية وقتل غلامه عطاء مع ابن
هبيرة وانهزم هو.
وحكى المدائني أن أبا عطاء كان يقاتل المسودة وقدامه رجل من بني مرة يكنى أبا زياد قد
عثر فرسه فقال لأبي عطاء: أعطني فرسك! أقاتل عني وعنك- وقد كانا أيقنا بالهلاك-
فأعطاه أبو عطاء فرسه، فركبه المرى ومضى على وجهه ناجياً فقال أبو عطاء:
لعمرك إنني وأبا زياد لكالساعي إلى لمع السراب
رأيت لخيله يطغون فيها وفي الطمع المذلة للرقاب
فما أغناك عن طلب ورزق وما أغناك عن سرق الدواب
وأشهد أن مرة حي صدق ولكن لست فيهم في النصاب
وعن المدائني أن يحيى بن زياد الحارثي وحماد الراوية كان بينهما وبين معلى بن هبيرة ما
يكون بين الشعراء من المنافسة وكان معلى يحب أن يطرح حماداً في لسان من يهجوه، قال
حماد: فقال لي يوماً بحضرة يحيى بن زياد: أتقول لأبي عطاء السندي أن يقول: زج وجرادة
ومسجد بني شيطان؟ قال حماد: فقلت له: نعم، فما تجعل لي على ذلك؟ قال: بغلتي
بسرجها ولجامها! فأخذت عليه بالوفاء وثقا وجاء أبو عطاء إلينا فقال: مرهبا مرهبا!
هياكم الله! بلفظ الحاء هاء لأنه أعجمي فرحبنا به وعرضنا عليه العشاء فأبى وقال: هل
عندكم نبيذ؟ فأتيناه بنبيذ كان عندنا فشرب حتى أحمرت عيناه فقلت له: يا أبا عطاء!
كيف علمك باللغز؟ فقال: جيد، فقلت:
ابن لي ان سألت أبا عطاء يقينا كيف علمك بالمعاني
فقال:
خبير آلم فاسأل تزدني بها تبا وآيات المثاني
أراد عالم- تجدني- طبا، فقلت:(1/40)
فما اسم جريدة في رأس رمح دوين الكعب ليست بالسنان
فقال:
هو الزز الذي إن بات ذيفاً لسدرك لم تزل لك أولتان
أراد الزج- ضيفا- لصدرك- عولتان، فقلت- فرج الله عنك:
فما صفراء تدعى أم عوف كأن رجيلتيها منجلان
فقال:
أردت زرادة وأزن زنا بأنك ما أردت سوى لساني
أراد جرادة- أظن ظناً، فقلت:
أتعرف مسجداً لبني تميم فويق الميل دون بني أبان
فقال:
بنو سيتان دون بني أبان ككرب أبيك من أبد المدان
أرادشيتان- كقرب- عبد المدان، قال حماد: فرأيت عينيه قد ازدادت حمرة ورأيت
الغضب في وجهه وتخوفته، فقلت: يا أبا عطاء! هذا مقام المستجير بك ولك نصف ما
أخذته، قال: فاصدقني! فأخبرته فقال: أولى لك قد سلمت وقد سلم لك جعلك خذه
بورك لك فيه! فلا حاجة بي إليه وانقلب نحو معلى بن هبيرة.
وحكى أن أبا عطاء وفد على نصر بن سيار ثم أنشده:
قالت بريكة بنتي وهي عائنة إن المقام على الإفلاس تعذيب
ما بال هم دخيل بات مختصراً رأس الفؤاد فنوم العين ترحيب
إني دعاني إليك الخير من بلدي والخير عند ذوي الإحسان مطلوب
فأمر له بأربعين ألف درهم:
ومات أبو عطاء بعد الثمانين والمائة، كما في فوات الوفيات للكتبي.
إسرائيل بن موسى البصري
إسرائيل بن موسى أبو موسى البصري نزيل الهند كان من اتباع التابعين، روى عن حسن
البصري وأبي حازم الأشجعي ومحمد بن سيرين وهب بن منبه وعنه سفيان الثوري وابن
عيينة وحسين بن علي الجعفي ويحيى بن سعيد القطان، وثقه أبو حاتم، وله في صحيح
البخاري فرد حديث مكرر في أربعة مواضع، وهو ثقة من السادسة، قال الحافظ في تهذيب
التهذيب: قال ابن معين وأبو حاتم: ثقة، زاد أو حاتم: لا بأس به، وقال النسائي: ليس به
بأس، قلت ذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان يسافر إلى الهند، وقال الأزدي وحده: فيه
لين، وليس هو الذي روى عن وهب بن منبه وروى عنه الثوري، ذاك شيخ يماني، وقد
فارق بينهما غير واحد- انتهى- وقد ذكره السمعاني في الأنساب قال: أبو موسى إسرائيل
بن موسى الهندي بصري كان ينزل الهند فنسب إليها، روى عن الحسن، وروى عنه(1/41)
ابن
عيينة ويحيى بن سعيد القطان والحسين الجعفي، قال يحيى بن معين: إسرائيل صاحب
الحسن ثقة- انتهى.
بسطام بن عمرو التغلبي
قدم الهند مع أخيه هشام بن عمرو في أيام المنصور الخليفة العباسي وناب في الحكم عن
أخيه بمنصورة مدة من الزمان، ولما سار هشام إلى بغداد استخلفه في بلاد السند كلها،
ومات هشام سنة 157 هـ فولى المنصور معبد بن الخليل على بلاد الهند ومات معبد سنة
159 هـ فولى المهدي بن المنصور العباسي روح بن حاتم وعزله في تلك السنة ثم ولي بسطام
بن عمرو التغلبي فقام بالأمر أياماً وعزل سنة ستين ومائة، كما في الكامل.
تميم بن زيد العتبي
ولي على أرض السند في أيام هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي سنة إحدى عشرة
ومائة مكان الجنيد بن عبد الرحمن المري، فضعف ووهن ومات قريباً من الديبل بماء يقال
له ماء الجواميس وكان من أسخياء العرب، وجد في بيت المال ثمانية عشر ألف ألف درهم
طاطرية فأسرع فيها، وكان قد شخص معه في الجند فتى من بني يربوع يقال له خنيس-
وأمه من طيء- إلى الهند، فأتت الفرزدق فسألته أن يكتب إلى تميم في اقفاله وعادت بقبر
غالب أبيه فكتب الفرزدق إلى تميم:
أتتني فعادت يا تميم بغالب وبالحفرة السافي عليها ترابها
فهب لي خنيساً واتخذ فيه منة لحوبة أم ما يسوع شرابها
تميم بن زيد لا تكونن حاجتي بظهر ولا يخفى عليك جوابها
فلا تكثر الترداد فيها فإنني ملول لحاجات بطيء طلابها
الجنيد بن عبد الرحمن المري
الجنيد بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث بن خارجة بن سنان بن أبي حارثة المري
أحد أجواد الدنيا، ولاه عمر بن هبيرة الفزاري أمير العراق على أرض السند، ثم ولاه إياه
هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي، ولما ولي هشام خالد بن عبد الله القسري العراق
كتب هشام إلى الجنيد يأمره بمكاتبته سنة سبع ومائة، فأتى الجنيد الديبل ثم نزل شط
مهران فمنعه جي سنكه بن داهر العبور وقال: إننا مسلمون فقد استعملني الرجل الصالح-
يعني عمر بن عبد العزيز- على بلادي ولست آمنك، فأعطاه رهناً وأخذ منه رهناً بما
على بلاده من الخراج ثم إنهما ترادا الرهن وكفر جي سنكه وحاربه، وقيل: لم يحاربه ولكن
الجنيد تجنى عليه، فأتى الهند فجمع وأخذ السفن واستعد للحرب، فسار الجنيد إليه في
السفن أيضاً فالتقوا فأخذ جي سنكه أسيراً وقد جنحت سفينته فقتلهن وهرب أخوه
جج- بالجيم الفارسية معربة صصه- إلى العراق ليشكو غدر الجنيد فخدعه الجنيد حتى
جاء إليه فقتله، وغزا الجنيد الكيرج وكانوا قد نقضوا، فاتخذ كباشاً نطاحة فصك بها
حائط المدينة حتى ثلمه ودخلها عنوة فقتل وسبى وغنم.
أما الكباش النطاحة فليس المراد ههنا بذلك الغنم وإنما هي آلة من خشب وحديد
يجرونها بنوع من الحبل فتدق الحائط فينهدم، وقد بطلت هذه الآلة كالمنجنيقات لما حدثت
الآلات النارية من المدافع وغيرها كبطلان النبال.
ثم إن الجنيد وجه العمال إلى مرمد والمندل ودهنج وبروص،(1/42)
وكان الجنيد يقول: القتل في
الجزع أكبر منه في الصبر، ووجه جيشاً إلى آزين، ووجه حبيب بن مرة في جيش إلى أرض
مالوه فأغاروا على آزين وغزوا بهرنمد فحرقوا ربضها، وفتح الجنيد البيلمان والجرز،
وحصل في منزله سوى ما أعطى زواره أربعين ألف ألف وحمل مثلها، قال جرير:
أصبح زوار الجنيد وصحبه يحيون صلت الوجه جماً مواهبه
وقال أبو الجويرية:
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم قوم بأحسابهم أو مجدهم قعدوا
محسدون على ما كان من كرم لا ينزع الله منهم ماله حسدوا
قال ابن الأثير في الكامل: إن الجنيد أهدى لأم حكيم بنت يحيى بن الحكم امرأة هشام بن
عبد الملك قلادة من جوهر فأعجبت هشاماً، فأهدى لهشام قلادة أخرى، فاستعمله
هشام على خراسان سنة إحدى عشرة ومائة وقاتل التتر غير مرة، وتزوج الفاضلة بنت
يزيد بن المهلب، فغضب هشام وعزله وولى عاصماً خراسان، وكان الجنيد قد سقى بطنه
فقال هشام لعاصم: إن أدركته وبه رمق فأزهق نفسه! فقدم عاصم وقد مات الجنيد وكان
بينهما عداوة، فأخذ عمارة ابن حريم- وكان الجنيد قد استخلفه وهو ابن عمه- فعذبه
عاصم وعذب عمال الجنيد، وكان من الأجواد الممدوحين غير محمود في حروبه، مات بمرو
في سنة ست عشرة ومائة فقال أبو الجويرية عيسى بن عصمة يرثيه:
هلك الجود والجنيد جميعاً فعلى الجود والجنيد السلام
أصبحا ثاويين في أرض مرو ما تغنت على الغصون الحمام
كنتما نزهة الكرام فلما مت مات الندى ومات الكرام
ذكره الطبري في تاريخ الأمم والملوك.
جهم بن زحر الجعفي
جهم بن زحر بن قبس بن مالك بن معاوية بن سعنة- بمهملة ونون- الجعفي أبو الأسود
أمره الحجاج على ستة آلاف من جند أهل الشام، وبعثه إلى الري ليجتمع بمحمد بن القاسم
الثقفي ويسير معه إلى الهند، فلحق به وسار معه إلى ثغر الهند، فأتى مكران وأقام بها
زماناً ثم أتى قنزبور ففتحها، ثم سار إلى الديبل فقاتل أهلها قتالاً شديداً وفتحها، وكتب
الحجاج إلى محمد بن القاسم الثقفي أن وجه من قبلك من أهل العراق إلى قتيبة! ووجه
إليهم جهم بن زحر بن قيس! فإنه في أهل العراق خير منه في أهل الشام، وكان محمد واداً
لجهم بن زحر، فبعث سليمان بن صعصعة وجهم بن زحر، فلما ودعه جهم بكى وقال: يا
جهم! إنه للفراق، قال: لا بد منه، قال: وقدم على قتيبة سنة خمس وتسعين، فغزا مع قتيبة
بن مسلم الشاش وكاشغر وغزا الصين، وأمره قتيبة على سبعة آلاف من أهل الكوفة، ثم
لما تولى الخلافة سليمان بن عبد الملك وخلعه قتيبة ودعا الناس إلى خلعه قاتله قتالاً
شديداً، ولما غشى القوم الفسطاط قطعوا أطنابه فقال جهم بن زحر لسعد: أنزل فحز
رأسه! فنزل فاحتز رأسه، فقال حضين بن المنذر:
وإن ابن سعد وابن زحر تعاورا بسيفيهما رأس الهمام المتوج
عشية جئنا بابن زحر وجئتم بأدغم مرقوم الذراعين ديزج(1/43)
أصم غداني كأن جبينه لطاخة نفس في أديم ممجمج
وكان ذلك سنة ست وتسعين، وولي سليمان بن عبد الملك يزيد بن المهلب خراسان،
فلازمه جهم بن زحر وكان من يزيد بمكان فغزا معه جرجان وأبلى فيه بلاء حسناً، ولما
فتحها الله سبحانه ولاه يزيد على جرجان فأقام بها زماناً، ولما ولي سعيد بن عبد العزيز بن
الحارث بن الحكم بن أبي العاص على خراسان أخذ الذين ولوا ليزيد بن المهلب فحبسهم،
وكان فيهم جهم بن زحر فحمل على حمار من قهندزمرو فمروا به على الفيض بن عمران
فقام إليه فوجأ أنفه فشتمه جهم، فغضب سعيد على جهم فضربه مائتي سوط وأمر سعيد
بجهم والذين كانوا في السجن فدفعوا إلى ورقاء بن نصر الباهلي فقتلوا في العذاب جهما،
وكان ذلك سنة اثنتين بعد المائة، كما في تاريخ الأمم والملوك للطبري.
حبيب بن المهلب العتكي
حبيب بن المهلب بن أبي صفرة العتكي أحد رجال الدولة الأموية، استعمله سليمان بن
عبد الملك على بلاد السند سنة ست وتسعين فقدمها وقد رجع ملوك الهند إلى ممالكهم
ورجع جي سنكه بن داهر إلى برهمناباد، فنزل حبيب على شاطىء مهران فأعطاه أهل
الرور الطاعة، وحارب قوماً فظفر بهم، ثم مات سليمان بن عبد الملك سنة تسع وتسعين
وولي ملكه عمر بن عبد العزيز فعزل حبيب عن السند سنة مائة، كما في الكامل.
حكم بن عوانة الكلبي
ولي على أرض السند في أيام هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي بعد ما توفي بها تميم بن
زيد العتبي، ولاه خالد بن عبد الله القسري أمير العراق وقد كفر أهل الهند إلا أهل قصه
كجه، فلم ير للمسلمين ملجأ يلجؤن إليه فبنى من وراء البحيرة مما بلى الهند مدينة سماها
المحفوظة وجعلها مأوى لهم، وكان عمرو بن محمد بن القاسم الثقفي مع الحكم وكان يفوض
إليه ويقلده جسيم أموره وأعماله فأغزاه من المحفوظة، فلما قدم عليه وقد ظفر أمره فبنى
دون البحيرة مدينة وسماها المنصورة، فهي التي ينزلها العمال بعده وخلص الحكم ما كان في
أيدي العدو مما غلبوا عليه ورضي الناس بولايته، وكان خالد بن عبد الله القسري أمير
العراق يقول: واعجبا! وليت فتى العرب- يعني تميما- فرفض وترك، وليت أبخل العرب
فرضي به- انتهى.
وقتل الحكم في أرض السند سنة اثنتين وعشرين ومائة.
حميم بن سامة السامي
كان من رجال محمد بن الحارث العلافي انتقل معه إلى السند واحتمى بداهر وسكن
بالرور، ولما فتح محمد بن القاسم الثقفي خرج إلى برهمناباد واجتمع بجي سنكه، ولما خرج
جي سنكه إلى كشمير سار معه إلى تلك البلاد ولما أقطع صاحب كشمير عمالة شاكلها
لجي سنكه استمعل جي سنكه حميما على تلك العمالة، ولما مات جي سنكه ولم يترك
أحداً يرثه استقل حميم بأقطاعه وتداول أولاده ملكه إلى قرون متطاولة، كما في تاريخ
السند.(1/44)
الربيع بن صبيح السعدي
الشيخ المحدث الربيع بن صبيح السعدي أبو بكر- وقال: أبو حفص- البصري مولى بني
سعد بن زيد مناة، روى عن الحسن البصري وحميد الطويل ويزيد الرقاشي وأبي الزبير وأبي
غالب صاحب أبي أمامة وثابت البنائي ومجاهد ابن حبر وغيرهم، وعنه سفيان الثوري
ووكيع وابن مهدي وأبو داود وأبو الوليد الطيالسيان، وآدم بن أبي أياس، وعاصم بن علي،
وعدة، وكان صالحاً، صدوقاً، عابداً، مجاهداً، ضعفه غير واحد من العلماء، وقال ابن
عدي: له أحاديث صالحة مستقيمة ولم أر له حديثاً منكراً جداً وأرجو أنه لا بأس به ولا
بروايته، وقال العقيلي في الضعفاء: بصري سيد من سادات المسلمين، وقال العجلي: لا بأس
به، وقال الفلاس: ليس بالقوي، وقال الحاكم: ليس بالمتين عندهم، وحكى بشر بن عمر عن
شعبة أنه عظم الربيع بن صبيح، وقال ابن حبان: كان من عباد أهل البصرة وزهادهم
وكان يشبه بيته بالليل ببيت النحل من كثرة التهجد، إلا أن الحديث لم يكن من صناعته،
فكان يهم فيما يروي حتى وقع في حديثه المناكير من حيث لا يشعر، لا يعجبني الاحتجاج
به إذا انفرد، وذكر الرامهرمزي في الفاضل أنه أول من صنف بالبصرة- انتهى ملخصاً من
تهذيب التهذيب.
قال الجلبي في كشف الظنون بعد ذكره في أول من صنف في الاسلام: وأعلم أنه اختلف في
أول من صنف فقيل: أول من صنف الامام عبد الملك ابن عبد العزيز البصري، وقيل: أبو
النصر سعيد بن أبي عروبة- ذكرهما الخطيب، وقيل: ربيع بن صبيح- قاله أبو محمد
الرامهرمزي- ثم سفيان بن عيينة، ثم صنف الموطأ مالك بن أنس بالمدينة، ثم عبد الله بن
وهب بمصر، ومعمر بن راشد وعبد الرزاق باليمن، وسفيان الثوري ومحمد بن فضيل بن
غزوان بالكوفة، وحماد بن سلمة وروح بن عبادة بالبصرة، وهشيم بواسط، وعبد الله بن
المبارك بخراسان- انتهى.
قال الطبري في تاريخ الأمم والملوك: إنه خرج غازياً إلى السند فيمن خرج مع عبد الملك بن
شهاب المسمعي من مطوعة أهل البصرة فمات بها- انتهى.
وكانت وفاته في سنة ستين ومائة بأرض السند، كما في المغني.
سفيح بن عمرو التغلبي
دخل أرض السند مع صنوه هشام بن عمرو وكان بها إذ خرجت خارجة ببلاد السند
فوجهه هشام فخرج في جيشه، فبينا هو يسير إذ لقي
عبد الله بن محمد العلوي يتنزه على
شاطىء مهران، فمضى يريده فقال أصحابه: هذا ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وقد تركه أخوك متعمداً مخافة أن يبوء بدمه فلم يقصده، فقال: ما كنت لأدع أخذه ولا أدع
أحداً يأخذه أو قتله عند المنصور فقتل عبد الله- بقصة شرحتها في ترجمة عبد الله
وترجمة أخيه هشام.
عبد الله بن محمد العلوي
جدنا الكبير عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب
الهاشمي القرشي المشهور بعبد الله الأشتر بن محمد النفس الزكية بن عبد الله المحض، وهو
أول من وطىء أرض الهند من أهل بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما أظن، ولد ونشأ
بالمدينة وتفقه على أبيه وجده، وقدم الهند في أيام المنصور العباسي، وسبب قدومه أن
والده محمد بن عبد الله لما خرج على المنصور وجهه إلى البصرة فاشترى منها خيلاً عتاقاً
ليكون سبب وصولهم إلى عمر بن حفص العتكي وكان والياً على أرض السند من قبل
المنصور وكان ممن بايع محمداً من قواد المنصور وكان يتشيع، فساروا في البحر إلى السند،
فأمرهم عمر أن يحضروا خيلهم، فقال عضهم: إنا جئناك بما هو خير من الخيل وبما لك
فيه خير الدنيا والآخرة فأعطنا(1/45)
الأمان! إما قبلت منا وإما سترت وأمسكت عن أذانا
حتى نخرج عن بلادك راجعين! فأمنه فذكر له حالهم وحال عبد الله بن محمد أرسله أبوه
إليه فرحب بهم وبايعهم، وأنزل عبد الله عنده مختفياً، ودا كبراء أهل البلد وقواده وأهل
بيته إلى البيعة فأجابوه، فقطع ألويتهم البيض، وهيأ لبسه من البياض ليخطب فيه، وتهيأ
لذلك يوم الخميس، فوصله مرك لطيف فيه رسول من امرأة عمر بن حفص تخبره بقتل محمد
بن عبد الله، فدخل على عبد الله فأخبره وعزاه، فقال له عبد الله: إن أمري قد ظهر
ودمي في عنقك، فقال عمر: قد رأيت رأياً، ههنا ملك من ملوك السند عظيم الشأن كبير
المملكة، وهو على شوكة أشد تعظيماً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو وفي أرسل
إليه وأعقد بينك وبينه عقداً فأوجهك إليه فلست ترام معه، ففعل ذلك وسار إليه عبد الله
فأكرمه وأظهر بره، وتسللت إليه الزيدية حتى اجتمع معه أربع مائة إنسان من أهل البصائر
فكان يركب فيهم ويتصيد في هيئة الملوك وآلاتهم، فلما انتهى ذلك إلى المنصور بلغ منه ما
بلغ وكتب إلى عمر بن حفص يخبره ما بلغه، فقرأ الكتاب على أهله وقال لهم: إن أقررت
بالقصة عزلني، وإن صرت إليه قتلني، وإن امتنعت حاربني، فقال له رجل منهم: ألق الذنب
علي وخذني وقيدني! فإنه سيكتب في حملي إليه فاحملني! فإنه لا يقدم علي لمكانك في
السند وحال أهل بيتك بالبصرة، فقال عمر: أخاف عليك خلاف ما تظن، قال: إن قتلت
فنفسي فداء لنفسك! فقيده وحبسه وكتب إلى المنصور بأمره، فكتب إليه المنصور يأمره
بحمله، فلما صار إليه ضرب عنقه، ثم استعمل على السند هشام بن عمرو التغلبي وأمر أن
يكاتب ذلك الملك بتسليم عبد الله بن محمد، فسار هشام إلى السند فملكها وكره أخذ
عبد الله بن محمد وأقبل يرى الناس أنه يكاتب ذلك الملك، واتصلت الأخبار بالمنصور
بذلك فجعل يكتب إليه يستحثه، فبينا هو كذلك إذ خرجت خارجة ببلاد السند فوجه
هشام أخاه سفيحاً فخرج في جيشه وطريقه بجنبات ذلك الملك، فبينا هو يسير إذ غبرة
قد ارتفعت فظن أنهم مقدمة العدو الذي يقصده، فوجه طلائعه فزحفت إليه فقالوا: هذا
عبد الله بن محمد العلوي يتنزه على شاطىء مهران! فمضى يريده فقال نصحاؤه: هذا ابن
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! وقد تركه أخوك متعمداً مخافة أن يبوء بدمه فلم يقصده،
فقال: ما كنت لأدع أخذه ولا أدع أحداً يحظى بأخذه أو قتله عند المنصور، وكان عبد
الله في عشرة فقصده فقاتله عبد الله وقاتل أصحابه حتى قتل وقتلوا جميعاً فلم يفلت منهم
مخبر وسقط عبد الله ببين القتلى فلم يشعر به، وقيل: إن أصحابه قذفوه في مهران حتى لا
يحمل رأسه، فكتب هشام بذلك إلى المنصور فكتب إليه المنصور يشكره ويأمره بمحاربة
ذلك الملك، فحاربه حتى ظفر به وقتله وغلب على مملكته.
وكان عبد الله قد اتخذ سراري فأولد واحدة منهن ولداً وهو محمد بن عبد الله الذي
يقال له: ابن الأشتر، فأخذ هشام السراري والولد معهن فسيرهن إلى المنصور، فسير
المنصور الولد إلى عامله بالمدينة وكتب معه بصحة نسبه وتسليمه إلى أهله، وكان ذلك
سنة إحدى وخمسين ومائة كما في الكامل.
عبد الملك بن شهاب المسمعي
سيره المهدي بن المنصور العباسي إلى بلاد الهند سنة تسع وخمسين ومائة وفرض مه
لألفين من أهل البصرة من جميع الأجناد وأشخصهم معه ومن المطوعة الذين كانوا يلزمون
المرابطات ألفاً وخمس مائة رجل، ووجه معه قائداً من أبناء أهل الشام يقال له، ابن الحباب
المذحجي، في سبع مائة من أهل الشام، وخرج معه من مطوعة أهل البصرة بأموالهم ألف
رجل فيهم فيما ذكر الربيع بن صبيح، ومن(1/46)
الأسواريين والسبابجة أربعة آلاف رجل، فولى
عبد الملك بن شهاب المنذر بن محمد الجارودي الألف الرجل المطوعة من أهل البصرة،
وولي ابنه غسان بن عبد الملك الألفي الرجل الذين من فرض البصرة، وولي ابنه عبد
الواحد بن عبد الملك الألف والخمس مائة الرجل من مطوعة المرابطات.
وأفرد يزيد بن الحباب في أصحابه فخرجوا وكان المهدي وجه لتجهيزهم حتى شخصوا أبا
القاسم محرز بن إبراهيم فرضوا لوجههم وساروا في البحر حتى نزلوا على باربد سنة ستين
ومائة، فلما نازلوها حصروها من نواحيها وحرض الناس بعضهم بعضاً على الجهاد
وضايقوا أهلها ففتحها الله عليهم هذه السنة عنوة، واحتمى أهلها بالبد بت خانه الذي
لهم فأحرقه المسلمون عليهم، فأحرق بعضهم وقتل الباقون، واستشهد من المسلمين بضعة
وعشرون رجلاً وأفاءها الله عليهم، فهاج عليهم البحر فأقاموا إلى أن يطيب، فأصابهم
مرض في أفواههم فمات منهم نحو من ألف رجل منهم الربيع بن صبيح، ثم رجعوا فلما
بلغوا ساحلاً من فارس يقال له بحر حمران عصفت بهم الريح ليلاً فانكسر عامة مراكبهم
فغرق البعض ونجا البعض ووصل عبد الملك إلى بغداد، فولاه المهدي بن المنصور على بلاد
السند سنة إحدى وستين ومائة وعزله بعد سبعة عشر يوماً من قدومه أرض الهند، كما
في الكامل.
عمر بن حفص العتكي
عمر بن حفص بن عثمان بن قبيصة بن أبي صفرة العتكي المعروف بهزار مرد- يعني ألف
رجل- كان من قواد المنصور ممن بايع محمد بن عبد الله العلوي المشهور بالنفس الزكية،
استعمله المنصور على السند والهند سنة اثنتين وأربعين ومائة، فقدمها فحارقه عيينة بن
موسى التميمي فسار حتى ورد السند فغلب عليها وقام بالملك.
وفي أيامه قدم الهند عبد الله بن محمد بن عبد الله العلوي وقد تقدم خبره في ترجمته، وقد
عزل المنصور في تلك القصة عمر بن حفص عن السند سنة إحدى وخمسين ومائة
واستعمله على أفريقية، فسار إلى قيروان في خمس مائة فارس فاجتمع وجوه البلد فوصلهم
وأحسن إليهم وأقام والأمور مستقيمة ثلاث سنين، فسار إلى الزاب لبناء مدينة طبنة بأمر
المنصور واستخلف على القيروان حبيب بن حبيب المهلبي، فخلت أفريقية من الجند فثار
بها البربر واجتمعوا بطرابلس وولوا عليهم أبا حاتم الأباضي وعمت الفتنة البلاد كلها،
ورجع عمر إلى القيروان فحصروه وطال الحصار حتى أكلوا دوابهم وفي كل يوم يكون بينهم
قتال وحرب، فلما ضاق الأمر بعمر وبمن معه فعزم على إلقاء نفسه إلى الموت فأتى الخبر أن
المنصور قد سير إليه يزيد بن حاتم المهلبي في ستين ألف مقاتل وأشار عليه من عنده
بالتوقف عن القتال إلى أن يصل العسكر، فلم يفعل وخرج وقاتل فقتل في منتصف ذي الحجة
سنة أربع وخمسين ومائة، كما في الكامل.
عمرو بن محمد الثقفي
عمرو بن محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي الذي كان والده فتح
بلاد السند وكان مع الحكم بن عوانة الكلبي حين ولي بلاد السند فكان يفوض إليه ويقلده
جسيم أموره وأعماله، فلما قتل الحكم سنة اثنتين وعشرين ومائة قام بالملك ورضي بولايته
هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي فحارب العدو وظفر، ثم بغي عليه مروان بن يزيد بن
المهلب فقتله، ولما مات هشام وولي بعده يزيد بن الوليد عزل(1/47)
عمرو بن محمد سنة خمس
وعشرين ومائة.
عمرو بن مسلم الباهلي
استعمله عمر بن عبد العزيز الخليفة الصالح على بلاد السند والهند سنة مائة، وكتب إلى
الملوك يدعوهم إلى الاسلام والطاعة على أن يملكهم، ولهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم،
وقد كانت بلغتهم سيرته ومذهبه فأسلم جي سنكه والملوك وتسموا بأسماء العرب، وغزا
عمرو بن مسلم بعض الهند فظفر، وبقي ملوك السند مسلمين على بلادهم أيام عمر ويزيد
بن عبد الملك، فلما كان أيام هشام بن عبد الملك ارتدوا عن الاسلام، وكان سببه ما ندكره
إن شاء الله تعالى.
وقدم بنو الملهب إلى السند هاربين في أيام يزيد بن عبد الملك فوجه إليهم هلال بن أحوز
التميمي، فقتل مدرك بن المهلب بقندابيل قندهار وقتل المفضل وعبد الملك وزياد ومرواهن
ومعاوية بني المهلب، وقتل معاوية بن يزيد في آخرين، كما في فتوح البلدان.
عيينة بن موسى التميمي
عيينة بن موسى بن كعب التميمي كان والده على شرط السفاح فاستخلف مكانه
المسيب بن زهير وقدم السند وقدم معه ولده عيينة، ولما سار أبوه إلى العراق استخلفه
على السند، وخلعه المنصور سنة اثنتين وأربعين ومائة، وسبب خلعه أن أباه استخلف
المسيب بن زهير على الشرط، فلما مات موسى أقام المسيب على ما كان بلى من الشرط
وخاف أن يحضر المنصور عيينة فيوليه ما كان إلى أبيه فكتب إليه ببيت شعر ولم ينسب
الكتاب إلى نفسه.
فأرضك أرضك إن تأتنا تنم نومة ليس فيها حلم
فخلع الطاعة، فلما بلغ الخبر إلى المنصور سار بعسكره حتى نزل على جسر البصرة
ووجه عمر بن حفص العتكي عاملاً على السند والهند، فحاربه عيينة فسار حتى ورد
السند فغلب عليها، كما في الكامل.
ليث بن طريف الكوفي
استعمله المهدي بن المنصور العباسي على بلاد السند- وكان مولدا من مواليه- فقام
بالأمر مدة من الزمان، وخرج عليه الزط جاث سنة خمس وستين ومائة، فسير إليه المهدي
جيشاً كثيفاً، فقاتل الزط وقتلهم، وعزله هارون بن المهدي لعله سنة سبعين ومائة.
محمد بن عبد الله العلوي
السيد الشريف محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ابن علي بن
أبي طالب الهاشمي القرشي المديني المشهور بابن الأشتر ولد بأرض السند، ولما قتل والده
عبد الله سيره هشام بن عمرو التغلبي أمير السند إلى المنصور الخليفة العباسي، فسيره
المنصور إلى عامله بالمدينة وكتب معه بصحة نسبه وتسليمه إلى أهله سنة إحدى وخمسين
ومائة، كما في الكامل.
وقال جمال الدين أحمد بن علي الداودي في عمدة الطالب: قال الشيخ أبو نصر البخاري:
قتل عبد الله الأشتر بالسند وحملت جاريته وصبي معها يقال له محمد بعد قتله وكتب أبو
جعفر المنصور إلى المدينة بصحة نسبه، وقال: كتب إلى حفص بن عمر المعروف بهزار مرد
أمير السند بذلك، ثم قال الشيخ أبو نصر البخاري: وروى عن جعفر الصادق أنه قال:
كيف يثبت النسب بكتابة رجل إلى رجل! ذكر ذلك أبو اليقظان ويحيى بن الحسن
العقيقي وغيرهما- والله أعلم، ثم قال أبو نصر البخاري: وقال آخرون: أعقب وصح
نسبه- انتهى.
أما ما نقل جمال الدين عن جعفر الصادق فيقدح فيه أن جعفر الصادق توفي سنة 148
وكانت الواقعة في سنة 151، فلا تصح نسبة هذا القول إلى جعفر الصادق.(1/48)
وولد محمد بن عبد الله الأشتر خمسة بنين: طاهراً وعلياً وأحمد وإبراهيم والحسن
الأعور الجواد، وعقب محمد بن عبد الله الأشتر الذي لا خلاف فيه من الحسن الأعور
الجواد، وكان أحد أجواد بني هاشم الممدوحين المعدودين ويكنى أبا محمد، قتيل قتله
طيء في ذي الحجة سنة 251.
وقال ابن الشعراني النسابة: قتل الحسن أيام المعتز وعقب الحسن الأعور الجواد من أربعة
رجال وهم: أبو جعفر محمد نقيب الكوفة وأبو عبد الله الحسين نقيب الكوفة أيضاً وأبو
محمد عبد الله والقاسم، وذكر ابن طباطبا أبا العباس أحمد بن الحسين الأعور أيضاً، وكان
أعقب عبد الله بن الحسن الأعور من ثلاثة رجال: علي والقاسم وأحمد، كما في عمدة
الطالب، أما القاسم بن عبد الله بن الحسن الأعور بن محمد بن عبد الله الأشتر فخرج من
عقبه طيب كثير منهم شيخ الاسلام قطب الدين محمد بن أحمد بن يوسف بن عيسى ابن
حسن بن الحسين بن جعفر بن قاسم المتوفي بمدينة كزه سنة 677 وهو من أجدادنا،
وسنذكره في ما بعد إن شاء الله تعالى.
مروان بن يزيد المهلبي
قدم الهند هارباً في أيام يزيد بن عبد الملك الأموي وسكن بأرض السند ثم بغى على
عمرو بن محمد بن القاسم الثقفي فقتله عمرو في أيام هشام ابن عبد الملك.
معبد بن الخليل التميمي
استعمله المنصور العباسي على السند سنة سبع وخمسين ومائة وكان بخراسان، كتب
إليه بولايته فسار إلى بلاد السند وفتح ما استغلق، ومات بالسند سنة تسع وخمسين ومائة
في أيام المهدي بن المنصور، كما في الكامل.
مغلس العبدي
استعمله عبد الرحمن بن مسلم أبو مسلم الخراساني على أرض السند، فأخذ على
طخارستان وسار حتى صار إلى
منصور بن جمهور الكلبي وهو بالسند، فلقيه منصور
فقتله وهزم جنده نحو سنة ثلاث وأربعين ومائة.
منصور بن جمهور الكلبي
منصور بن جمهور الكلبي أحد الستة الذين قتلوا الوليد بن يزيد بن عبد الملك الخليفة
الأموي، استعمله يزيد بن الوليد على العراق سنة ست وعشرين ومائة، ولم يكن منصور من
أهل الدين وإنما صار مع يزيد لرأيه في الغيلانية ولأنه شهد قتل الوليد، وقال له يزيد لما ولاه
العراق: إتق الله! واعلم أني قتلت الوليد، لفسقه ولما أظهر من الجور، فلا تركب مثل ما
قتلناه عليه! فقام بالملك مدة قليلة، عزله يزيد في تلك السنة، فكان يثير الفتن في نواحي
الأرض، ولما رأى أنه لا ملجأ له قدم الهند مع أخيه منظور سنة ثلاثين ومائة وقاتل يزيد بن
عرار فظفر به وقتله واستقل بأرض السند.
فلما كان أول الدولة العباسية ولي أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم مغلساً العبدي ثغر
السند، وأخذ على طخارستان وسار حتى صار إلى منصور بن جمهور الكلبي وهو
بالسند، فلقيه منصور فقتله وهزم جنده، فلما بلغ أبا مسلم ذلك عقد لموسى بن كعب
التميمي ثم وجهه إلى السند في اثنى عشر ألفاً، فلما قدمها كان بينه وبين منصور بن جمهور
مهران، ثم التقيا فهزم منصوراً وجيشه وقتل منظوراً أخاه، وخرج منصور مفلولاً هارباً
حتى ورد الرمل فمات عطشاً في الرمال.
وقد قيل: أصابه بطنه فمات، وسمع خليفته على السند بهزيمته فرجل بعيال منصور وثقله
فدخل بهم بلاد الخزر، وكان ذلك سنة أربع وثلاثين ومائة، كما في الكامل.(1/49)
منظور بن جمهور الكلبي
قدم أرض السند مع أخيه منصور بن جمهور سنة ثلاثين ومائة وقاتل معه بها، وقتل سنة
أربع وثلاثين ومائة، قتله
موسى بن كعب التميمي، كما تقدم.
موسى بن كعب التميمي
عقد له أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم ثم وجهه إلى ثغر السند لقتال منصور بن جمهور
الكلبي وكان على شرط السفاح، فاستخلف مكان المسيب بن زهير، وقدم السند في اثنى
عشر ألفاً سنة أربع وثلاثين ومائة وكان بينه وبين منصور بن جمهور مهران ثم التقيا فهزم
منصوراً وقتل أخاه منظوراً، وخرج منصور مفلولاً هارباً حتى ورد الرمل فمات عطشاً فقام
موسى بالملك ورم المنصورة وزاد في مسجدها وغزا وافتتح ثم سار إلى العراق واستخلف
ابنه عيينة بن موسى على السن، كما في الكامل، وتوفي سنة إحدى وأربعين ومائة على
قول الطبري.
موسى بن يعقوب الثقفي
موسى بن يعقوب بن محمد بن شيبان بن عثمان الثقفي الفقيه ولاه القضاء والخطابة محمد
بن القاسم الثقفي بالرور سنة ثلاث وتسعين، وتداول أولاده القضاء بها إلى قرون متطاولة،
وكل واحد منهم كان يلقب بالصدر الامام الأجل بدر الملة والدين سيف السنة ونجم
الشريعة.
نجيح بن عبد الرحمن السندي
الفقيه العالم نجيح بن عبد الرحمن أبو معشر السندي صاحب المغازي ذكره السمعاني في
الأنساب والذهبي في طبقات الحفاظ، وفي تهذيب التهذيب: قال السمعاني: إنه كان مولى أم
سلمة من أهل المدينة وأم موسى بن مهدي، يروي عن محمد بن عمرو ونافع وهشام بن
عروة، روى عنه العراقيون، قال أبو نعيم كان أبو معشر سندياً وكان رجلاً ألكن يقول:
حدثنا محمد بن قعب- يريد ابن كعب- مات في سنة سبعين ومائة وصلى عليه هارون
الرشيد في السنة التي استخلف فيها ودفن في المقبرة الكبيرة ببغداد، وكان ممن اختلط في
آخر عمره وبقي قبل أن يموت سنتين في تغير شديد لا يدري ما يحدث به وكثير المناكير في
روايته من قبل اختلاطه فبطل الاحتجاج به- انتهى.
وقال الذهبي في طبقات الحفاظ: إنه كاتب امرأة من بني مخزوم فأدى إليها فاشترت أم
موسى بنت المنصور ولاءه فيما قيل، وكان من أوعية العلم على نقص في حفطه، رأى أبا
أمامة بن سهل، وروى عن محمد بن كعب القرظي وموسى بن يسار ونافع وابن المنكدر
ومحمد بن قيس وطائفة، ولم يدرك سعيد بن المسيب وذلك في جامع أبي عيسى الترمذي،
وأظنه سعيد المقبري فإنه يكثر عنه، حدث عنه ابنه محمد وعبد الرزاق وأبو نعيم ومحمد
بن بكار ومنصور بن أبي مزاحم وطائفة، قال ابن معين، ليس بالقوي، وقال أحمد بن
حنبل: كان بصيراً بالمغازي وكان لا يقيم الإسناد، وقال أبو نعيم: كان أبو معشر سندياً
ألكن يقول: حدثنا محمد بن قعب- يريد كعب- وقال أبو زرعة: صدوق، وقال النسائي:
ليس بالقوي، قلت: قد احتج به النسائي ولم يخرج له الشيخان، وكان أبيض أزرق سميناًن
اشخصه معه المهدي إلى العراق وأمر له بألف دينار وقال: تكون بحضرتنا فتفقه من حولنا-
انتهى.
وله من الكتب كتاب المغازي ذكره ابن النديم في فهرسته، توفي أبو معشر في رمضان سنة
سبعين ومائة.(1/50)
نصر بن محمد الخزاعي
نصر بن محمد بن الأشعث الخزاعي استعمله المهدي بن المنصور العباسي على بلاد
السند سنة إحدى وستين ومائة مكان روح بن حاتم وشخص إليها حتى قدمها، ثم عزل
وولي مكانه محمد بن سليمان، فوجه إليها عبد الملك بن شهاب المسمعي فقدمها على نصر
بغتة، ثم أذن له في الشخوص فشخص حتى نزل الساحل على ستة فراسخ من المنصورة،
فأتى نصر بن محمد عهده على السند فرجع إلى عمله وقد كان عبد الملك أقام بها ثمانية
عشرة يوماً فلم يعرض له فرجع إلى البصرة، فاستقل نصر بن محمد على ولايته زماناً، ومات
بالسند سنة أربع وستين ومائة، كما في تاريخ الأمم والملوك.
وداع بن حميد الأزدي
استعمله يزيد بن المهلب على قندابيل من أعمال السند وقال له حين خرج لقتال سلمة بن
عبد الملك: إني سائر إلى هذا العدو ولو قد لقيتهم لم أبرح العرصة حتى تكون لي أو لم، فإن
ظفرت أكرمتك، وإن كانت الأخرى كنت بقندابيل حتى يقدم عليك أهل بيتي فيتحصنوا
بها حتى يأخذوا لأنفسهم أماناً فلما قتل يزيد اجتمع آل المهب بالبصرة وحملوا عيالاتهم
وأموالهم في السفن البحرية، ثم لججوا في البحر حتى انتهوا إلى قندابيل.
وبعث مسلمة بن عبد الملك هلال بن أحوز التميمي في أثرهم فلحقهم بقندابيل، فأراد آل
المهلب دخول قندابيل فمنعهم وداع بن حميد، وكاتبه هلال ابن أحوز ولم يباين آل المهلب
فيفارقهم، فتبين لهم فراقة لم التقوا وصفوا، كان وداع بن حميد على الميمنة وعبد الملك بن
هلال على الميسرة ت وكلاهما أزدي، فرفع لهم هلال راية الأمان، فمال إليهم وداع بن حميد
وعبد الملك ابن هلال وارفض عنهم الناس فخلوهم.
ومشى آل المهلب بأسيافهم فقاتلوا حتى قتلوا من عند آخرهم إلا أبا عيينة المهلب
وعثمان بن المفضل فلحقا برتبيل، وبعث بنسائهم وأولادهم إلى مسلمة. كما في تاريخ الأمم
والملوك للطبري.
هشام بن عمرو التغلبي
استعمله المنصور على السند، وكان سبب استعماله أن المنصور كان يفكر فيمن يوليه
السند فبينا هو راكب والمنصور ينظر إليه إذ غاب يسيراً ثم عاد فاستأذن على المنصور
فأدخله فقال: إني لما انصرفت من الموكب لقيتني أختي فلانة فرأيت من جمالها وعقلها ودينها
ما رضيتها لأمير المؤمنين، فأطرق ثم قال: أخرج! يأتك أمري، فلما خرج قال المنصور
لحاجبه الربيع: لولا قول جرير:
لا تطلبن خؤولة في تغلب فالزنج أكرم منهم أخوالا
لتزوجت إليه، قل له: لو كان لنا حاجة في النكاح لقبلت فجزاك الله خيراً! وقد وليتك
السند فتجهز إليها! وأمره أن يكاتب ذلك الملك بتسليم عبد الله بن محمد العلوي المشهور
بالأشتر فإن سلم وإلا حاربه، فسار هشام إلى السند فملكها، وكره أخذ عبد الله الأشتر
وأقبل يرى أنه يكاتب الملك الذي كان عبد الله في بلاده، واتصلت الأخبار بالمنصور بذلك،
فجعل يكتب إليه يستحثه، فبينا هو كذلك إذ خرجت خارجة ببلاد السند فوجه هشام
أخاه سفيحاً فخرج في جيشه وطريقه بجنبات ذلك الملك، فبينا هو يسير إذ غبرة قد
ارتفعت فظن أنهم مقدمة العدو الذي يقصد فوجه طلائعه فزحفت إليه فقالوا: هذا عبد
الله بن محمد العلوي يتنزه على شاطىء مهران، فمضى يريده فقال نصحاؤه: هذا ابن رسول
الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! وقد تركه أخوك متعمداً مخافة أن يبوء بدمه فلم يقصده، فقال:
ما كنت لأدع أخذه ولا أدع أحداً يحظى بأخذه أو قتله عند المنصور، وكان عبد الله ف
عشرة فقصده، فقاتله(1/51)
عبد الله وقاتل أصحابه حتى قتل وقتلوا جميعاً، فلم يفلت منهم
مخبر، وسقط عبد الله بين القتلى فلم يشعر به.
وقيل: إن أصحابه قذفوه في مهران حتى لا يحمل رأسه، فكتب هشام بذلك إلى المنصور،
فكتب إليه المنصور يشكره ويأمره بمحاربة ذلك الملك، فحاربه حتى ظفر به وقتله وغلب
على مملكته، ووجه عمرو بن جمل في بوارج إلى نارند، ووجه إلى ناحية الهند فافتتح كشمير
وأصاب سبايا ورقيقاً كثيراً وفتح الملتان، وكان بقندابيل متغلبة من العرب فأجلاهم عنها،
وأتى القندهار في ولايته فتبركوا به، ثم سار إلى بغداد وعزل عن الولاية بالسند ومات بها
سنة سبع وخمسين ومائة، كما في الكامل.
يزيد بن عرار
ولي على أرض السند في أيام وليد بن يزيد بن عبد الملك الأموي سنة خمس وعشرين
ومائة وكان بها من قبل، فقام بالأمر وأحسن سيرته في الناس وقاتل العدو، وكان يفتح
الناحية قد نكث أهلها حتى جاء منصور بن جمهور الكلبي فقاتله وقتل في حدود سنة
ثلاثين ومائة.(1/52)
الطبقة الثالثة
في أعيان القرن الثالث
أبو علي السندي
الشيخ الكبير أبو علي السندي كان من أهل الحقائق والمواجيد، صحبه أبو يزيد طيفور
بن عيسى البسطامي المتوفي سنة إحدى وستين ومائتين، قال أبو يزيد: صحبت أبا علي
السندي فكنت ألقنه ما يقيم به فرضه، وكان يعلمني التوحيد والحقائق صرفاً، وحكى عن
أبي يزيد أنه قال: دخل علي أبو علي السندي وكان معه جراب فصبه بين يدي فإذا هو
ألوان الجواهر! فقلت له: من أين لك هذا؟ قال: وافيت وادياً ههنا فإذا هي تضيء
كالسراج! فحملت هذا منها، قال فقلت له: كيف كان وقتك وقت ورودك الوادي؟ قال:
كان وقتي وقت فترة عن الحال الذي كنت فيه قبل ذلك- وذكر الحكاية والمعنى في ذلك أن
في وقت فترته شغلوه بالجواهر، وقال أبو يزيد: قال لي أبو علي السندي: كنت في حال مني
بي لي ثم صرت في حال منه به له، والمعنى في ذلك أن العبد يكون ناظراً إلى أفعاله
ويضيف إلى نفسه أفعاله، فإذا غلب على قلبه أنوار المعرفة يرى جميع الأشياء من الله،
قائمة بالله، معلومة لله، مردودة إلى الله- ذكره أبو نصر عبد الله بن علي السراج الطوسي
في كتابه اللمع.
ابن دهن الهندي
ابن دهن الهندي الحكيم من الأطباء المشهورين، كان إليه بيمارستان البرامكة ببغداد،
نقل إلى العربية من اللسان الهندي عدة كتب منها استانكر الجامع، وكتاب سندستاق معناه
كتاب صفوة النجح- ذكره ابن بشر في فهرسته.
بشر بن داود المهلبي
بشر بن داود بن يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة العتكي أحد ولاة
السند، كان مع أبيه فلما توفي أبوه سنة خمس ومائتين قام بالأمر، وكتب إليه المأمون بن
الرشيد العباسي بولاية الثغر على أن يحمل كل سنة ألف ألف درهم فأطاعه زماناً، ثم
عصى ومنع الحمل فوجه المأمون إليه حاجب بن صالح سنة إحدى عشرة ومائتين، فهزمه
بشر بن داود فانحاز إلى كرمان، ثم استعمل غسان بن عباد على السند سنة ثلاث عشرة
ومائتين، فقدمها وخرج بشر إليه بالأمان، وورد به مدينة السلام سنة ست عشرة ومائتين،
كما في الكامل.
جعفر بن محمد الملتاني
أبو عبد الله جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر الأطراف بن علي بن أبي
طالب القرشي الهاشمي الملك الملتاني، ذكره جمال الدين أحمد بن علي الداوي في عمدة
الطالب، قال: وكان قد خاف بالحجاز فهرب في ثلاثة عشر رجلاً من صلبه فما استقرت به
الدار حتى(1/53)
دخل الملتان، فلما دخلها فزع إليه أهلها وكثير من أهل السواد، وكان في جماعة
قوي بهم على البلد حتى ملكه وخوطب بالملك، وملك أولاده هناك، وأولد ثلاث مائة
وأربعة وستين ولداً، قال ابن خداع اعقب من ثمانية وعشرين ولداً، وقال الشيخ الشرف
العبيدي اعقب من نيف وخمسين رجلاً، وقال البيهقي: اعقب من ثمانين رجلاً، قال الشيخ
أبو الحسن العمري بعد أن ذكر المعقبين من ولد الملك الملتاني: أربعة وأربعون رجلاً، قال لي
الشيخ أبو اليقظاني عمار وهو يعرف طرفاً كثيراً من أخبار الطالبين وأسمائهم: أن عدتهم
أكثر من هذا، ومنهم ملوك وأمراء وعلماء ونسابون، وأكثرهم على رأي الإسماعيلية،
ولسانهم هندي، وهم يحفظون أنسابهم، وقل من يعلق عليهم ممن ليس منهم- هذا كلامه
انتهى.
داود بن يزيد المهلبي
داود بن يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة العتكي استخلفه أبوه عند موته
بالقيروان على أفريقية سنة سبعين ومائة فعزله هارون الرشيد سنة اثنتين وسبعين ومائة
واستعمله على أرض السند والهند سنة أربع وثمانين ومائة وكان معه أبو صمة المتغلب
وهو مولى لكندة فقدم الهند وملكها ودوخ الثغر وأحكم أموره، ولم يزل أمر ذلك الثغر
مستقيماً إلى عهد المأمون، وبقي داود بالسند إلى آخر عهده من الدنيا، توفي سنة خمس
ومائتين في أيام المأمون، كما في الكامل.
صالح بن بهلة الهندي
صالح بن بهلة الهندي الطبيب المشهور كان في أيام الرشيد هارون بالعراق ذكره ابن أبي
أصيبعة في طبقات الأطباء والقفطي في أخبار الحكماء، قال القفطي: إنه كان هندي الطب
حسن الإصابة فيما يعاينه ويخبر به من تقدمة المعرفة على طريق الهند.
ومن عجيب ما جرى له أن الرشيد في بعض الأيام قدمت له الموائد فطلب جبرائيل بن
بختيشوع ليحضر أكله على عادته في ذلك فطلب فلم يوجد، فلعنه الرشيد وبينما هو في
لعنه إذ دخل عليه، فقال له: أين كنت؟ وطفق يذكره بشر، فقال: إن اشتغل أمير المؤمنين
بالبكاء على ابن عمه إبراهيم بن صالح وترك تناولي بالسب كان أشبه، فسأله عن خبر
إبراهيم، فأعلمه أنه خلفه وبه رمق ينقضي آخره وقت صلاة العتمة، فاشتد جزع الرشيد
من ذلك وأمر برفع الموائد وكثر بكاؤه، فقال جعفر بن يحيى: يا أمير المؤمنين! جبرائيل طبه
رومي وصالح بن بهلة الهندي في العلم بطريقة أهل الهند في الطب مثل جبرائيل في العلم
بمقالات الروم، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بإحضاره وتوجيهه وبالمصير إليه بعد منصرفه
من عند إبراهيم ففعل ذلك جعفر، ومضى صالح بن بهلة إلى إبراهيم حتى عاينه وحبس
عرقه وصار إلى جعفر، فدخل جعفر على الرشيد فأخبره بحضور صالح بن بهلة فأمره
الرشيد بإدخاله إليه، فدخل ثم قال: يا أمير المؤمنين! أنت الإمام وعاقد ولاية القضاء
للأحكام ومهما حكمت به لم يجز لحاكم فسخه! وأنا أشهدك وأشهد على نفسي من
حضرك أن إبراهيم بن صالح إن توفي في هذه الليلة وفي هذه العلة أن كل مملوك لصالح بن
بهلة حر لوجه الله! وكل دابة له فحبيس في سبيل الله! وكل مال له فصدقة على
المساكين! وكل امرأة له فطالق ثلاثاً! فقال الرشيد: حلفت يا صالح بالغيب! فقال صالح:
كلا يا أمير المؤمنين إنما الغيب ما لا دليل عليه ولا علم به، ولم أقل ما قلت إلا بدلائل بينة
وعلم واضح، فسرى عن الرشيد ما كان يجد وطعم، وأحضر له النبيذ فشرب، فلما كان
وقت العتمة ورد كتاب صاحب البريد بمدينة السلام بوفاة إبراهيم بن صالح على الرشيد،(1/54)
فاسترجع وأقبل على جعفر بن يحيى باللوم في إرشاده إلى صالح بن بهلة، وأقبل يلعن الهند
وطبهم ويقول: وا سوأتا من الله أن يكون ابن عمي يتجرع غصص الموت وأنا أشرب
النبيذ! ثم دعا برطل من النبيذ ومزجه بالماء وألقى فيه من الملح شيئاً وأخذ يشرب منه
ويتقيأ حتى قذف ما كان في جوفه من طعامه وشرابه، وبكر إلى دار إبراهيم فقصد الخدم
بالرشيد إلى رواق فيه الكراسي والمساند والنمارق فاتكأ الرشيد على سيفه ووقف وقال:
لا يحسن الجلوس في المصيبة بالأحبة على أكثر من البسط فارفعوا هذه الفرش والنمارق!
ففعل ذلك وجلس الرشيد على البساط، وصارت سنة لبني العباس من ذلك اليوم ولم تكن
السنة كذلك.
ووقف صالح بن بهلة بين يدي الرشيد، فلم ينطق أحد إلى أن سطعت روائح المجامر
فصاح صالح بن بهلة عند ذلك: الله الله يا أمير المؤمنين أن تحكم علي بطلاق زوجتي
فيتزوجها من لا تحل له! الله الله أن تخرجني من نعمتي ولم يلزمني حنث! الله الله أن تدفن
ابن عمك حيا! فوالله ما مات! فأطلق لي الدخول عليه والنظر إليه! وهتف بهذا القول
مرات، فأذن له بالدخول على إبراهيم، ثم سمع الجماعة تكبيراً فخرج صالح بن بهلة وهو
يكبر، ثم قال: يا أمير المؤمنين قم حتى أريك عجباً! فدخل إليه الرشيد ومعه جماعة من
خواصه، فأخرج صالح ابرة كانت معه وأدخلها بين ظفر ابهام يده اليسرى ولحمه، فجذب
إبراهيم يده وردها إلى بدنه، فقال صالح: يا أمير المؤمنين! هل يحس الميت الوجع؟ فقال:
يا أمير المؤمنين! أخاف أن أخاف إن عالجته فأفاق وهو في كفن يجد منه رائحة الحنوط
أن ينصدع قلبه فيموت موتاً حقيقياً، ولكن مر بتجريده من الكفن ورده إلى المغتسل وإعادة
الغسل عليه حتى يزول منه رائحة الحنوط، ثم يلبس مثل ثيابه التي كان يلبسها في حال
صحته، ويطيب بمثل ذلك الطيب، ويحول إلى فراش من فرشه التي كان يجلس وينام عليها!
حتى أعالجه بحضرة أمير المؤمنين فإنه يكلمه من ساعته، قال أبو سلمة: فوكلني الرشيد
بالعمل بما حد صالح بن بهلة ففعلت ذلك، قال: ثم سار الرشيد وأنا معه ومسرور إلى
الموضع الذي فيه إبراهيم، ودعا صالح بن بهلة بكندس ومنفخة من الخزانة، ونفخ من
الكندس في أنفه فمكث مقدار سدس ساعة ثم اضطرب بدنه وعطس وجلس فكلم
الرشيد وقبل يده، وسأله الرشيد عن قضيته فذكر أنه كان نائماً نوماً لا يذكر أنه نام مثله قط
طيباً إلا أنه رأى في منامه كلباً قد أهوى إليه فتوقاه بيد فعض ابهام يده اليسرى عضة انتبه
بها وهو يحس بوجعها وأراه ابهامه التي كان صالح بن بهلة ادخل فيها الإبرة، وعاش
إبراهيم بعد ذلك دهراً ثم تزوج العباسة بنت المهدي وولي مصر وفلسطين وتوفي بمصر
وقبره بها- انتهى.
عبد الله بن عمر الهباري
عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بن المنذر بن الربيع الهباري القرشي أحد ولاة السند قام
بالملك بعد والده عمر بن عبد العزيز، واستقل به مدة من الزمان، وكان يخطب للخليفة
العباسي في جامع المنصورة، وتداول أولاده ملكها إلى أن انقطع أمرهم على يد محمود بن
سبكتكين صاحب غزنة.
عمر بن عبد العزيز الهباري
عمر بن عبد العزيز بن المنذر بن الربيع بن عبد الرحمن بن هبار بن الأسود بن المطلب بن
أسد بن عبد العزى القرشي المتغلب على بلاد السند، قدمها جده مع الحكم ابن عوانة
الكلبي وسكن في الهند، وكان عمر هذا قتل عمران بن موسى البرمكي كما تقدم، ولما ولي
عنبسة ابن إسحاق الضبي من قبل المعتصم بالله العباسي أذعن له بالطاعة، ثم لما قتل
هارون بن أبي خالد المروروذي سنة أربعين ومائتين وثب واستولى على الملك، وأذعن له
بالطاعة أهل المنصورة ورضي بولايته المتوكل على الله العباسي، فقام بالأمر مدة من الزمان
كما في فتوح البلدان،(1/55)
وقال ابن خلدون في الجزء الثاني من تاريخه: أن جده المنذر ابن الرقيع
قد قام بقرقيسيا في أيام السفاح فأسر وسلب، وأما عمر بن عبد العزيز صاحب السند فإنه
وليها في ابتداء الفتنة إثر قتل المتوكل، وتداول أولاده ملكها إلى أن انقطع أمرهم على يد
محمود ابن سبكتكين صاحب غزنة وما دون النهر من خراسان وكانت قاعدتهم
المنصورة- انتهى.
وأما جده هبار بن الأسود- بتشديد الموحدة- فله صحبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
كما في كتاب الاشتقاق لابن دريد.
عمران بن موسى البرمكي
عمران بن موسى بن يحيى بن خالد البرمكي كان مع أبيه في بلاد السند فلما مات أبوه
سنة إحدى وعشرين ومائتين قام بالأمر، فكتب إليه المعتصم بالله العباسي بولاية الثغر
فخرج إلى القيقان وهم زط، فقاتلهم فغلبهم وبنى مدينة سماها البيضاء وأسكنها الجند،
ثم أتى المنصورة وصار منها إلى قندابيل وهي مدينة على الجبل وفيها متغلب يقال له محمد
بن الخليل فقاتله وفتحها وحمل رؤساءها إلى قصدار، ثم غزا الميد وقتل منهم ثلاثة آلاف،
وسكر سكراً يعرف بسكر الميد، وعسكر عمران على نهر الرور، ثم نادى بالزط الذين
بحضرته فأتوه فختم أيديهم وأخذ الجزية منهم وأمرهم بأن يكون مع كل رجل منهم إذا
اعترض عليه كلب فبلغ الكلب خمسين درهماً، ثم غزا الميد ومعه وجوه الزط فحفر من
البحر نهراً أجراه في بطيحتهم حتى ملح ماؤهم وشن الغارات عليهم، ثم وقعت الفتنة بين
النزارية واليمانية فمال عمران إلى اليمانية، فسار إليه عمر بن عبد العزيز الهباري فقتله وهو
غافل عنه، كما في فتوح البلدان.
عنبسة بن إسحاق الضبي
استعمله المعتصم بالله العباسي على بلاد السند بعد ما قتل عمران بن موسى البرمكي
واليه على تلك البلاد، فأذعن له أهلها بالطاعة فقام بالأمر إلى أيام المتوكل على الله العباسي
وعزله المتوكل سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وهو الذي هم منارة الكنيسة العظمى بالديبل
وجعلها محبساً للجناة وابتدأ في مرهة المدينة بما نقض من حجاة تلك المنارة فعزل قبل
استتمام ذلك، وولي بعده هارون بن أبي خالد المروروذي فقتل بها، كما في فتوح البلدان.
غسان بن عباد الكوفي
استعمله المأمون بن هارون الخليفة العباسي سنة ثلاث عشرة ومائتين، ولما عزم على تولية
غسان قال لأصحابه: أخبروني عن غسان! فإني أريده لأمر عظيم، فأطنبوا في مدحه،
فنظر المأمون إلى أحمد بن يوسف وهو ساكت فقال: ما تقول يا أحمد؟ فقال: يا أمير
المؤمنين! ذلك رجل محاسنه أكثر من مساويه، لا يصرف به إلى طبعة إلا انتصف منهم،
فمهما تخوفت عليه فإنه لن يأتي أمراً يعتذر منه- فأطنب فيه، فقال: لقد مدحته على سوء
رأيك فيه، قال: لأني كما قال الشاعر:
كفى شكراً لما أسديت أني صدقتك في الصديق وفي عداتي
قال: فأعجب المأمون كلامه وأدبه واستعمل غسان على السند فقدمها وخرج بشر إليه
بالأمان فورد به مدينة السلام سنة ست عشرة ومائتين فقال الشاعر:
سيف غسان رونق الحرب فيه وسمام الحتوف في ظبتيه
فإذا جره إلى بلد السن د فألقى المقاد بشر إليه
مقسماً لا يعود ما حج لل هـ مصل وما رمى جمرتيه(1/56)
غادر يخلع الملوك ويغتا ل جنوداً تأوي إلى ذروتيه
ذكره الطبري في تاريخ الأمم والملوك.
منصور بن حاتم النحوي
منصور بن حاتم النحوي نزيل الهند، كان مولى آل خالد بن أسيد، روى عنه البلاذري في
كتابه فتوح البلدان، وهو الذي رأى الدقل الذي كان على منارة البد مكسوراً بمدينة ديبل،
وإن عنبسة بن إسحاق هدم أعلى تلك المنارة وجعل فيها سجناً، وإن داهراً والذي قتله
مصوران ببروص، وبديل بن طهفة مصور بقندابيل.
منكة الهندي
منكة الهندي الحكيم من المشهورين من أطباء الهند- ذكره ابن أبي أصيبعة في طبقات
الأطباء، قال: كان عالماً بصناعة الطب، حسن المعالجة، لطيف التدبير، فيلسوفاً من جملة
المشار إليهم في علوم الهند، متقناً للغة الهند ولغة الفرس، وهو الذي نقل كتاب شاتاق
الهندي في السموم من اللغة الهندية إلى الفارسي، وكان في أيام الرشيد هارون، وسافر من
الهند إلى العراق في أيامه، واجتمع به وداواه، وجدت في بعض الكتب أن منكة الهندي
كان في جملة إسحاق بن سليمان بن علي الهاشمي وكان ينقل من اللغة الهندية إلى الفارسية
والعربية، ونقلت من كتاب أخبار الخلفاء والبرامكة أن الرشيد اعتل علة صعبة فعالجه
الأطباء فلم يجد من علته إفاقة، فقال له أبو عمر الأعجمي: بالهند طبيب يقال له منكة
وهو أحد عبادهم وفلاسفتهم فلو بعث إليه أمير المؤمنين فلعل الله أن يهب له الشفاء على
يده، قال: فوجه الرشيد من حمله ووصله بصلة تعينه على سفره، فقدم وعالج الرشيد فبرأ
من علته بعلاجه، فأجرى عليه رزقاً واسعاً وأموالاً كافية، قال: فبينما كان منكة ماراً في
الخلد إذا هو برجل من المائتين قد بسط كساءه وألقى عليه عقاقير كثيرة وقام يصف دواء
عنده معجوناً فقال في صفته: هذا دواء للحمى الدائمة وحمى الغب وحمى الربع، ولوجع
الظهر والركبتين، والخام والبواسير والرياح، ووجع المفاصل، ووجع العينين، ولوجع البطن،
والصداع، والشقيقة، ولتقطير البول، والفالج، والارتعاش، ولم يدع علة في البدن إلا ذكر أن
ذلك الدواء شفاؤها، فقال منكة لترجمانه: ما يقول هذا؟ فترجم له ما سمع، فتبسم منكة
وقال: على كل حال ملك العرب جاهل، وذلك أنه إن كان الأمر على ما قال هذا فلم حملني
من بلدي وقطعني عن أهلي وتكلف الغليظ من مؤنتي وهو يجد هذا نصب عينه وبإزائه؟
وإن كان الأمر ليس كما يقول هذا فلم لا يقتله؟ فإن الشريعة قد أباحت دم هذا ومن
أشبهه، لأنه إن قتل ما هي إلا نفس تحيا بفنائها أنفس خلق كثير، وإن ترك هذا الجاهل قتل
في كل يوم نفساً، وبالحري أن يقتل نفسين أو ثلاثة أو أربعة في كل يوم، وهذا فساد في الدين
ووهن في المملكة- انتهى.
ومن جملة ما نقله منكة الهندي من اللغة الهندية إلى العربي كتاب سيسر، وعشر مقالات،
ويجري مجرى الكناش نقله بأمر يحيى بن خالد البرمكي، وكتاب أسماء عقاقير الهند، فسره
لاسحاق بن سليمان الهاشمي، ونقل كتاب شاناق الهندي في السموم، نقله من الهندي إلى
الفارسي، كما في كتاب الفهرست لابن النديم.
موسى بن يحيى البرمكي
موسى بن يحيى بن خالد بن برمك البرمكي أحد رجال الدولة العباسية كان مع غسان
بن عباد في أرض الهند، فلما سار غسان إلى مدينة السلام سنة ست عشرة ومائتين
استعمله على بلاد السند، فقام بالأمر وأحسن إلى الناس، وقتل راجه بالا ملك الشرق وقد
بذل له خمسمائة ألف درهم على أن يستبقيه، وكان بالا هذا التوى على غسان وكتب إليه
في حضور عسكره فيمن حضره من(1/57)
الملوك فأبى ذلك وأثر موسى أثراً حسناً، كما في فتوح
البلدان، والذي يظهر من وفيات الأعيان أن المأمون استعمله على السند.
قال ابن خلكان في الوفيات: قال القاضي يحيى بن أكثم: سمعت المأمون يقول: لم يكن
كيحيى بن خالد وكولده أحد في الكفاية والبلاغة والجود والشجاعة، ولقد صدق القائل
حيث يقول:
أولاد يحيى أربع كأربع الطبائع
فهم إذا اختبرتهم طبائع الصنائع
قال القاضي: فقلت له: يا أمير المؤمنين! أما الكفاية والبلاغة والسماحة فنعرفها فيهم ففي
من الشجاعة؟ فقال: في موسى بن يحيى وقد رأيت أن أوليه ثغر السند- انتهى.
توفي موسى سنة إحدى وعشرين ومائتين، كما في الفتوح.
هارون بن خالد المروزي
استعمله المتوكل على الله العباسي على بلاد السند سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، ووقعت
العصبية بين اليمانية والنزارية في أيامه مرة أخرى، فقتلوه سنة أربعين ومائتين، كما في
الكامل.(1/58)
الطبقة الرابعة
في أعيان القرن الرابع من أهل الهند
إبراهيم بن محمد الديبلي
الشيخ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله الديبلي السندي العالم المحدث، ذكره
السمعاني في الأنساب والحموي في معجم البلدان قال السمعاني: يروى عن موسى بن
هارون ومحمد بن علي الصائغ الكبير وغيرهما.
أحمد بن عبد الله الديبلي
الشيخ أحمد بن عبد الله بن سعيد أبو العباس الديبلي من الغرباء الرحالة المتقدمين في
طلب العلم ومن الزهاد الفقراء العباد، سكن نيسابور أيام أبي بكر محمد بن إسحاق بن
خزيمة، وهو خانكاه الحسن بن يعقوب الحدادي، تزوج في المدينة الداخلة وولد له وكان
البيت في الخانكاه برسمه، ويأوي إلى أهله في المدينة بعد أن يصلي الصلوات في المسجد
الجامع، وكان يلبس الصوف وربما مشى حافياً، سمع بالبصرة أبا خليفة القاضي، وببغداد
جعفر بن محمد الفريابي، وبمكة المفضل بن محمد الجندي ومحمد بن إبراهيم الديبلي،
وبمصر علي بن عبد الرحمن ومحمد بن زيان، وبدمشق أبا الحسن أحمد بن عمير بن
جوصا، وببيروت أبا عبد الرحمن مكحولاً، وبحران أبا عروبة الحسين بن أبي معشر،
وبتستر أحمد بن زهيري التستري، وبعسكر مكرم عبدان بن أحمد الحافظ، وبنيسابور أبا
بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة وأقرانهم، سمع منه الحاكم أبو عبد الله الحافظ وقال: توفي
بنيسابور في رجب سنة ثلاث وأربعين وثلاث مائة، ودفن في مقبرة الحيرة، كما في الأنساب
للسمعاني.
أحمد بن محمد المنصوري
أبو العباس أحمد بن محمد بن صالح المنصوري السندي كان قاضي المنصورة، له تصانيف
في مذهب داود الأصفهاني، سمع الأثرم وطبقته، وروى عنه الحاكم أبو عبد الله الحافظ،
كما في المعجم، وقد أدركه المقدسي بالمنصورة وقال في كتابه أحسن التقاسيم: رأيت
القاضي أبا العباس المنصوري داودياً إماماً في مذهبه وله تدريس وتصانيف قد صنف كتباً
عديدة حسنة- انتهى.
وقال محمد بن إسحاق النديم في كتابه الفهرست إنه كان على مذهب من أفاضل
الداوديين، وله كتب جليلة حسنة كبار، منها: كتاب المصباح كبير وكتاب الهادي وكتاب
النير- انتهى، وذكره السمعاني في الأنساب ولم يزد على ما ذكر شيئاً.
خلف بن محمد الديبلي
الشيخ خلف بن محمد الموازني الديبلي نزيل بغداد، ذكره السمعاني في الأنساب، قال: إنه
نزل بغداد وحدث بها عن علي بن موسى الديبلي، روى عنه أبو الحسن أحمد بن محمد بن
عمران ابن الجندي- انتهى.(1/59)
ناصر الدين سبكتكين الغزنوي
الملك المؤيد المنصور ناصر الدين سبكتكين الغازي ملك غزنة، كان من غلمان ألبتكين
صاحب جيش غزنة للسامانية، اتفق الناس عليه بعد ما توفي أبو إسحاق ابن ألبتكين سنة
ست وستين وثلث مائة، ولم يخلف من أهله وأقاربه من يصلح للتقدم، فاتفقوا على
سبكتكين لما عرفوه من عقله ودينه ومروءته وكمال خلال الخير فيه، فقدموه عليهم وولوه
أمرهم وحلفوا له وأطاعوه، فوليهم وأحسن السيرة فيهم، وساس أمورهم سياسة حسنة
وجعل نفسه كأحدهم في الحال والمآل، وكان يدخر من أقطاعه ما يعمل منه طعاماً لهم في
كل أسبوع مرتين، ثم لما عظم شأنه وارتفع قدره وحسن بين الناس ذكره، تعلقت الأطماع
بالاستعانة به فأتاه صاحب بست مستعيناً به، وضمن له مالاً مقرراً وطاعة يبذلها له،
فتجهز وسار معه ونزل على بست، وقاتل خصيمه قتالاً شديداً، وتسلم صاحبه البلد، ثم
إنه أخذ في المطل فقاتله واستولى على بست ثم إنه سار إلى قصدار، وكان متوليها قد
عصى عليه لصعوبة مسالكها وحصانتها وظن أن ذلك يمنعه فسار إليه جريدة مجداً فلم
يشعر إلا والخيل معه فأخذ من داره، ثم إنه من عليه ورده إلى ولايته وقرر عليه مالاً يحمله
كل سنة، ثم جمع العساكر وسار نحو الهند فافتتح قلاعاً حصينة على شواهق الجبال وبنى
المساجد بها في سنة سبع وستين وثلث مائة.
ورجع إلى غزنة سالماً ظافراً، ولما رأى جي بال ملك بنجاب ما دهاه وأن بلاده تملك من
أطرافها، أخذه ما قدم وحدث فحشد وجمع واستكثر من الفيول وسار حتى اتصل بولاية
سبكتكين وسار سبكتكين عن غزنة إليه ومعه عساكره وخلق كثير من المتطوعة فالتقوا
واقتتلوا أياماً كثيرة وصبر الفريقان، وبالقرب منهم عقبة غورك وفيها عين ماء لا تقبل نجساً
ولا قذراً وإذا ألقى فيها شيء من ذلك أكفهرت السماء وهبت الرياح، وكثر الرعد والبرق
والأمطار، ولا تزال كذلك إلى أن تطهر من الذي ألقى فيها، فأمر سبكتكين بإلقاء نجاسة في
تلك العين فجاء الغيم والرعد والبرق وقامت القيامة على الهنود لأنهم رأوا ما لم يروا مثله،
وتوالت عليهم الصواعق والأمطار واشتد البرد حتى هلكوا وعميت عليهم المذاهب
واستسلموا لشدة ما عاينوه، وأرسل جي بال إلى سبكتكين يطلب الصلح، وترددت الرسل
فأجابهم إليه بعد امتناع من ولده محمود على مال يؤديه وبلاد يسلمها وخمسين فيلاً يحملها
إليه، فاستقر ذلك ورهن عنده جماعة من أهله على تسليم البلاد وسير معه سبكتكين من
يتسلمها فإن المال والفيلة كانت معجلة، فلما أبعد جي بال قبض على من معه من المسلمين
وجعلهم عند عوضاً عن رهائنه.
فلما سمع سبكتكين بذلك جمع العساكر وسار نحو الهند فأخرب كل ما مر عليه من
بلادهم، وقصد لمغان وهي من أحسن قلاعهم فافتتحها عنوة وهدم بيوت الأصنام، وأقام
فيها شعار الإسلام، وسار عنها يفتح البلاد ويقتل أهلها، فلما بلغ ما أراده عاد إلى غزنة،
فلما بلغ الخبر جي بال سقط في يده وجمع العساكر وسار في مائة ألف مقاتل فلقيه
سبكتكين وأمر أصحابه أن يتناوبوا القتال مع الهنود ففعلوا ذلك فضجر الهنود من دوام
القتال معهم وحملوا حملة واحدة، فعند ذلك اشتد الأمر وعظم الخطب، وحمل أيضاً
المسلمون جميعهم واختلط بعضهم ببعض فانهزم الهنود، وأخذهم السيف من كل جانب
وأسر منهم ما لا يعد وغنم أموالهم وأثقالهم ودوابهم الكثيرة، وذل الهنود بعد هذه الوقعة،
ولم يكن لهم بعدها راية، ورضوا بأن لا يطلبوا في أقاصي بلادهم.
ولما قوي سبكتكين بعد هذه الواقعة أطاعه الأفغانية والخلج وصاروا في طاعته،(1/60)
ثم لما
اتفق الفائق بأبي علي وأصحابه واتفقوا على مكاشفة الأمير نوح بن منصور الساماني
صاحب بخارا بالعصيان، فلما فعلوا ذلك كتب الأمير نوح إلى سبكتكين وهو بغزنة يعرفه
الحال ويأمره بالمسير إليه لينجده وكان سبكتكين في هذه الفتن وهو حينئذ بغزنة، فلما أتاه
كتاب نوح ورسوله أجابه إلى ما أراد وسار نحوه جريدة واجتمع به، وقررا بينهما ما يفعلانه،
وعاد سبكتكين فجمع العساكر وحشد وسار من غزنة ومعه ولده محمود نحو خراسان،
وسار نوح فاجتمع هو وسبكتكين فقصدوا أبا علي وفائقاً فالتقوا بنواحي هراة واقتتلوا
فانهزم أصحاب أبي علي وركبهم أصحاب سبكتكين يأسرون ويقتلون ويغنمون، فعاد إلى
نيسابور، وأقام نوح وسبكتكين بظاهر هراة حتى استراحوا وساروا إلى نيسابور، فلما علم
بهم أبو علي سار هو وفائق نحو جرجان واستولى نوح على نيسابور واستعمل عليها وعلى
جيوش خراسان محمود ابن سبكتكين، ولقبه سيف الدولة ولقب أباه سبكتكين ناصر
الدولة.
وعاد نوح إلى بخارا، وسبكتكين إلى هراة وأقام محمود بنيسابور، وذلك في سنة أربع
وثمانين وثلاثمائة، ثم رجع إلى غزنة ثم سار إلى بلخ وقد ابتنى بها دوراً ومساكن فمرض
وطال مرضه وانزاح إلى هواء غزنة فسار عن بلخ إليها فمات في الطريق فنقل ميتاً إلى غزنة
ودفن بها.
وكان مدة ملكه نحو عشرين سنة، وكان عادلاً خيراً، كثير الجهاد، حسن الاعتقاد، ذا
مروءة تامة، وحسن عهد ووفاء، لا جرم بارك الله في بيته ودام ملكهم مدة طويلة جاوزت
مدة ملك السامانية والسلجوقية وغيرهم، وكانت وفاته سنة سبع وثمانين وثلاث مائة، كما
في الكامل.
سرباتك الهندي
سرباتك- بفتح أوله وسكون الراء ثم موحدة وبعد الألف مثناة- ملك الهند، ذكره ابن
الأثير في أسد الغابة والحافظ في الإصابة قال الحافظ: روى أبو موسى في الذيل من طريق
ميسر بن أحمد الإسفرائيني صاحب يحيى ابن يحيى النيسابوري، حدثنا مكي بن أحمد
البرذعي سمعت إسحاق بن إبراهيم الطوسي يقول وهو ابن سبع وتسعين سنة قال: رأيت
سرباتك ملك الهند في بلدة تسمى قنوج- بقاف ونون ثقيلة وواو ساكنة وبعدها جيم،
وقيل: ميم بدل النون- فقلت له: كم أتى عليك من السنين؟ فقال: سبع مائة وخمس
وعشرون سنة، وزعم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنفذ إليه حذيفة وأسامة وصهيباً-
رضي الله عنهم- يدعونه إلى الاسلام فأجاب وأسلم وقبل كتاب النبي صلى الله عليه
وسلم، قال الذهبي في التجريد: هذا كذب واضح، وقد عذر ابن الأثير ابن منده في تركه
إخراجه، وقال أبو حاتم أحمد بن محمد بن حامد البلوي أنبأنا بالويه بن بكر بن إبراهيم بن
محمد بن فرحان الصوفي الحافظ سمعت أبا سعيد مظفر بن أسد الحنفي المطيب سمعت
سرباتك الهندي يقول: رأيت محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرتين بمكة وبالمدينة مرة، وكان
من أحسن الناس وجهاً، ربعة من الرجال، قال عمر: مات سرباتك سنة ثلاث وثلاثين ومائة
وهو ابن ثمان مائة سنة وأربع وتسعين، قاله مظفر بن أسد- انتهى.
شعيب بن محمد الديبلي
أبو القاسم شعيب بن محمد بن أحمد بن شعيب بن بزيع بن سوار الديبلي المعروف بابن
أبي قطعان الديبلي، ذكره السمعاني في الأنساب، قال: إنه قدم مصر(1/61)
وحدث بها، قال أبو
سعيد بن يونس: كتبت عنه- انتهى.
أبو محمد عبد الله المنصوري
أبو محمد عبد الله بن جعفر بن مرة المنصوري المقرىء كان أسود، سمع الحسن بن مكرم
وأقرانه، وروى عنه الحاكم أيضاً، كما في الأنساب للسمعاني.
علي بن موسى الديبلي
علي بن موسى الديبلي العالم المحدث، روى عنه خلف بن محمد الموازيني الديبلي، كما في
الأنساب.
عمر بن عبد الله الهباري
عمر بن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز الهباري أبو المنذر القرشي السندي كان من ولاة
السند، استقل بالملك بعد والده، أدركه المسعودي سنة 303 بالمنصورة وله ولدان: محمد،
وعلي، ووزيره زياد، وله ثمانون فيلة مقاتلة، وثلاث مائة ألف قرية تحت سلطته، وقاعدة
مملكته المنصورة.
قال المسعودي في مروج الذهب: كان دخولي إلى بلاد المنصورة في هذا الوقت أي بعد
الثلاثمائة والملك عليها أبو المنذر عمر بن عبد الله، ورأيت بها وزيره زياداً، وابنيه محمداً
وعلياً، ورأيت بها رجلاً سيداً من العرب وملكاً من ملوكهم وهو المعروف بحمزة، وبها
خلف من ولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم من ولد عمر بن علي وولد محمد بن
علي، وبين ملوك المنصورة وبين أبي الشوارب القاضي قرابة ووصلة نسب، وذلك أن ملوك
المنصورة الذين الملك فيهم في وقتنا هذا من ولد هبار بن الأسود ويعرفون ببني عمر بن
عبد العزيز القرشي وليس هو عمر بن عبد العزيز الأموي.
وقال المسعودي: ولملك المنصورة فيلة حربية وهي ثمانون فيلاً، رسم كل فيل أن يكون
حوله خمس مائة راجل، وإنه تحارب ألوفاً من الخيل، ورأيت له فيلين عظيمين كانا موصوفين
عند ملوك السند والهند، لما كانا عليه من البأس والنجدة والإقدام على قتل الجيوش كان
اسم أحدهما منعرفلس والآخر حيدره، ولمنعرفلس هذا أخبار عجيبة وأفعال حسنة
وهي مشهورة في تلك البلاد وغيرها، منها أنه مات بعض سواسه فمكث أياماً لا يطعم ولا
يشرب يبدي الحنين ويظهر الأنين كالرجل الحزين، ودموعه تجري من عينيه لا تنقطع، ومنها
أنه خرج ذات يوم من حائزة- وهي دار الفيلة- وحيدرة وراءه وباقي الثمانين تبع لهما
فانتهى منعرفلس في سيره إلى شارع قليل العرض من شوارع المنصورة ففاجأ في مسيره إمرأة
على حين غفلة، فلما بصرت به دهشت واستلقت على قفاها من الجزع وانكشفت عنها
أطمارها في وسط الطريق، فلما رأى ذلك منعرفلس وقف بعرض الشارع مستقبلاً جنبه
الأيمن من وراءه من الفيلة مانعاً لهم من النفوذ من أجل المرأة وأقبل يشير إليها بخرطومه
بالقيام ويجمع عليها أثوابها ويستر منها ما بدا إلى أن انتقلت المرأة وتزحزحت عن الطريق
بعد أن عاد إليها زوجها فاستقام الفيل في طريقه واتبعه الفيلة- انتهى.
فتح بن عبد الله السندي
فتح بن عبد الله السندي أبو نصر الفقيه المتكلم، كان مولى لآل الحسن ابن الحكم ثم عتق
وقرأ الفقه والكلام على أبي محمد بن عبد الوهاب الثقفي، وروى عن الحسن بن سفيان
وغيره.(1/62)
وقال السمعاني في الأنساب: حدثنا أبو العلاء أحمد بن محمد بن الفضل من لفظه بأصبهان
أنا أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي المقدسي الحافظ أنا أبو بكر أحمد بن علي الأديب
أنا أبو عبد الله الحافظ حدثني عبد الله بن الحسين قال: كنا يوماً مع أبي نصر السندي
وفينا كثرة حواليه ونحن نمشي في الطين فاستقبلنا شريف سكران قد وقع في الطين، فلما
نظر إلينا شمه أبو نصر وقال: نافق يا عبد! أنا كما ترى، وأنت تمشي وخلفك هؤلاء! فقال
له أبو نصر: أيها الشريف! تجري لم هذا؟ لأني متبع آثار جدك وأنت متبع آثار جدي-
انتهى.
محمد بن إبراهيم الديبلي
أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن عبد الله الديبلي ساكن مكة، ذكره الحموي في معجم
البلدان والسمعاني في الأنساب، قال السمعاني: يروي كتاب التفسير لابن عيينة عن أبي
عبد الله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، وكتاب البر والصلة لابن المبارك عن أبي عبد
الله الحسين بن الحسن المروزي عنه، يروي عن عبد الحميد بن صبيح أيضاً، روى عنه أبو
الحسن أحمد بن إبراهيم بن فراس المكي وأبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن المقري-
انتهى.
محمد بن محمد الديبلي
أبو العباس محمد بن محمد بن عبد الله الوراق الديبلي الزاهد، ذكره السمعاني في الأنساب،
قال: وكان صالحاً عالماً، سمع أبا خليفة الفضل بن الحباب الجمحي وجعفر بن محمد بن
الحسن القريابي وعبدان بن أحمد بن موسى العسكري ومحمد بن عثمان بن أبي سويد
البصري وأقرانهم، سمع منه الحاكم أبو عبد الله الحافظ، وتوفي في شهر رمضان سنة خمس
وأربعين وثلاث مائة، صلى عليه أبو عمرو بن نجيد.
المنبه بن الأسد القرشي
الأمير أبو اللباب المنبه بن الأسد القرشي السامي أحد ولاة السند، كانت قاعدة ملكه
ملتان، أدركه المسعودي سنة 303، قال في مروج الذهب: إنه من ولد سامة بن لؤي بن
غالب، وهو ذو جيوش ومنعة، وهو ثغر من ثغور المسلمين الكبار، وحول ثغر المسلمين
الملتان من ضياعه وقراه عشرون ومائة ألف قرية مما يقع عليه الإحصاء والعد، وفيه على
ما ذكرنا الصنم المعروف بالملتان، يقصده السند والهند من أقاصي بلادهم بالنذور
والأموال والجواهر والعود وأنواع الطيب، ويحج إليه الألوف من الناس، وأكثر أموال صاحب
الملتان مما يحمل إلى هذا الصنم من العود القماري الخالص الذي يبلغ ثمن الأوقية منه مائة
دينار وإذا ختم بالخاتم أثر فيه كما يؤثر في الشمع، وغير ذلك من العجائب التي تحمل إليه،
وإذا نزلت الملوك من الكفار على الملتان وعجز المسلمون عن حربهم هددوهم بكسر هذا
الصنم، وتعويره فترحل الجيوش عنهم عند ذلك، وكان دخولي إلى بلاد الملتان بعد الثلاث
مائة والملك بها أبو الدلهاث المنبه بن أسد القرشي- انتهى.(1/63)
الطبقة الخامسة في أعيان القرن الخامس من أهل الهند
إبراهيم بن مسعود الغزنوي
الملك المؤيد إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين الغزنوي السلطان الصالح ظهير
الدولة رضي الدين أبو المظفر، ولي الملك بعد أخيه فرخ زاد في سنة إحدى وخمسين وأربع
مائة فأحسن السيرة، واستعد للجهاد ففتح حصوناً امتنعت على أبيه وجده، وكان يصوم
رجباً وشعبان ورمضان، فما ولي الملك أقر الصلح بينه وبين داؤد بن ميكائيل بن سلجوق
صاحب خراسان على أن يكون كل واحد منهما على ما بيده ويترك منازعة الآخر فوقع
الاتفاق واليمين، وسار نحو الهند للغزاة في سنة اثنتين وسبعين وأربع مائة ففتح قلعة
أجودهن على مائة وعشرين فرسخاً من لاهور، ثم سار إلى قلعة روبال، وفتحها وسار إلى
جره نوره، وكان فيها قوم من أولاد الخراسانيين الذين جعل أجدادهم فيها افراسياب التركي
من قديم الزمان، ولم يتعرض إليهم أحد من الملوك، فدعاهم إلى الاسلام أولاً فامتنعوا من
إجابته وقاتلوه فظفر بهم، ثم سار إلى دره وهو بر بين الخليجين وفي طريقه عقبات كثيرة
فقصدها وفتحها.
وكان عادلاً، مجاهداً، كريماً، عاقلاً، ذا رأي متين، يقول: لو كنت موضع أبي مسعود بعد
وفاة جدي محمود لما انفصمت عرى مملكتنا ولكني الآن عاجز عن أن أسترد ما أخذوه
واستولى عليه ملوك وقد اتسعت مملكتهم.
وكان جيد الخط يكتب بخطه كل سنة مصحفاً ويبعثه مع الصدقات إلى مكة.
مات سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وقيل: إنه توفي سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.
أحمد بن نيالتكين الغزنوي
أحمد بن نيالتكين الغزنوي الرجل المجاهد كان من غلمان محمود بن سبكتكين السلطان
وتنبل في عهده حتى صار خازناً له وكان ملازمه في الظعن والإقامة، فلما مات محمود وقام
بالملك ابنه مسعود قربه إلى نفسه وولاه على بلاد الهند سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة،
فناب عنه وسار إلى مدينة بنارس فشن الغارة على البلاد ونهب وسبى وخرب الأعمال
وأكثر القتل والأسر، فلما وصل إلى المدينة دخل من أحد جوانبها ونهب المسلمون في ذلك
الجانب يوماً من بكرة إلى آخر النهار، ولم يفرغوا من نهب سوق العطارين والجوهريين حسب
وباقي أهل البلد لم يعلموا بذلك لأن طوله منزل من منازل الهنود وعرضه مثله، فلما جاء
المساء لم يجسر أحد على المبيت فيه لكثرة أهله، فخرج منه ليأمن على نفسه وعسكره،
وبلغ من كثرة ما نهب المسلمون أنهم اقتسموا الذهب والفضة كيلا، ولم يصل إلى هذه
المدينة عسكر من المسلمين قبله، فرجع إلى لاهور وجمع الجموع، ومال إليه الأتراك، قال
البيهقي: فحسده القاضي أبو الحسن علي(1/65)
الشيرازي، وأخبر الأمير أنه لم يبعث إلى الأمير
من الغنائم إلا قليلاً وأنه يريد الخروج والبغي عليه، فغضب عليه مسعود وسير إليه جيشاً
كثيفاً من الأتراك والهنود، وأمر عليهم تلك الهندي وكان ابن حلاق ولكنه صحب
الأفاضل وتمهر في اللغة الفارسية وتنبل في عهد محمود وأقره مسعود ثقة بجلده ونهضته
وأمره على الهنود بخراسان، فسار إلى لاهور وقاتله شديداً، فانهزم أحمد ابن نيالتكين
ومضى هارباً إلى الملتان.
وقصد بعض الملوك ومعه جمع كثير من العساكر فلم يكن لذلك الملك قدرة، وطلب منه
سفناً ليعبر نهر السند فأحضر له السفن، وكان في وسط النهر جزيرة ظنها أحمد ومن معه
متصلة بالبر من الجانب الآخر ولم يعلموا أن الماء محيط بها، فتقدم ذلك الملك إلى أصحاب
السفن بإنزالهم في الجزيرة والعود عنهم ففعلوا ذلك، وبقي أحمد ومن معه فيها وليس لهم
طعام إلا ما معهم، فبقوا بها تسعة أيام ففني زادهم وأكلوا دوابهم وضعفت قواهم فأرادوا
خوض الماء فلم يتمكنوا منه لعمقه وشدة الوحل فيه، فوصل الزط إليهم وهم على تلك
الحال وكان تلك الهندي وعد لقاتله بخمسمائة ألف درهم، فأوقعوا بهم وقتلوا أكثرهم
وأخذوا ولداً لأحمد أسيراً وقتلوا أحمد ومن معه، وكان ذلك سنة خمس وعشرين
وأربعمائة.
وقد قص هذه القصة ابن الأثير في الكامل وأخطأ في مواضع منها، فقال: ولاه محمود على
بلاد الهند وأقره مسعود ثقة بجلده ونهضته وأنه غزا مدينة نرسي سنة إحدى وعشرين
وأربعمائة، وقال: لما سار مسعود إلى خراسان وأبعد عصى أحمد بن نيالتكين بالهند
فاضطر مسعود إلى العود وقدم الهند فأصلح الفاسد وأعاد المخالف إلى طاعته ثم لما سار
إلى خراسان وأبعد، عاد أحمد بن نيالتكين إلى إظهار العصيان، فسير مسعود إليه جيشاً
كثيفاً، وقال: إنهم لما أخذوا ولداً لأحمد أسيراً ورآه أحمد قتل نفسه في سنة ست وعشرين
وأربعمائة، وهذا كله خطأ، والصواب ما ذكر البيهقي في تاريخه، لأنه كان في دار الإنشاء
بغزنة في عهد مسعود، وكان يكتب في تاريخه كل ما يقع من الأمور بمرأى منه ومسمع. ع:
فإن القول ما قالت حذام
أرياق الحاجب الغزنوي
الأمير الكبير أرياق الغزنوي الحاجب، كان من غلمان السلطان محمود بن سبكتكين
الغزنوي خدمه مدة، وتنبل في عهده حتى أمره محمود على جيش الهند، فناب عنه مدة
طويلة بمدينة لاهور، وضبط البلاد واستولى على المملكة استيلاء كاملاً واستبد بالأمر
فاستقدمه محمود إلى غزنة فاعتذر إليه بأعذار باردة، وعرف محمود حاله ولكنه مات في
تلك المدة وولي بعده محمد وطلبه فلم يأته ثم ولي مسعود وعرف استبداده بالأمر
فاستقدمه إلى معسكره ببلخ واحتال بقدومه إليه، فأمنه أحمد بن الحسن المهمندي الوزير
فذهب إلى بلخ وكان معه قوته ورجاله من الأتراك والهنود، فتلقاه الأمير بالقبول والإكرام
وخلع عليه وقربه إلى نفسه حتى اغتر الحاجب بإكرامه، ووقع في اللذات والخمور وغفل عن
مكيدته، فقبض عليه الأمير ذات يوم وقد غلب عليه السكر، وكان ذلك في التاسع عشر
من ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، فذهبوا به إلى قهندز ثم إلى غزنة وحبسوه
بقلعتها ثم ذهبوا به إلى الغور، صرح به البيهقي في تاريخه.
أبو الفرج الرويني
العميد الأجل الكامل أبو الفرج بن مسعود الرويني اللاهوري أحد الشعراء المفلقين، ذكره
البدايوني في المنتخب، قال: إنه كان المرجع والمقصد في الشعر، أخذ عنه مسعود بن(1/66)
سعد
بن سلمان اللاهوري، وخلق كثير، وكان عظيم المنزلة عند السلطان إبراهيم بن مسعود
الغزنوي، له ديوان شعر بالفارسية- انتهى.
وقال العوفي في لباب الألباب: إنه ولد ونشأ بمدينة لاهور، وكان أوحد الدين محمد بن محمد
الأنوري الشاعر المشهور يتتبع كلامه ويطالع ديوانه وقال فيه.
اندران مجلس كه من داعي بشعر بو الفرج
تاشنيد ستم ولوعي داشتستم بس تمام
ومن شعره قوله:
نعل اسب تو هلالست وستامش كو كبست آفتابست او واسبش آسمانها را مدار
آسماني بر كواكب بر زمين هر كز كه ديد كافتاب أو يكي باشد هلال أو هزار
توفي سنة أربع وثمانين وأربع مائة، كما في شمع انجمن.
أبو المنصور بن علي الغزنوي
الشيخ الفاضل أبو منصور بن أبي القاسم علي النوكي الغزنوي الديير المشهور، خدم الملوك
الغزنوية مدة من الزمان بمدينة غزنة، ثم بعثه السلطان مسعود بن محمود الغزنوي إلى الهند
سنة ست وعشرين وأربع مائة مع ابنه الأمير مجدود بن مسعود لما أمره على بلاد الهند
فولاه ديوان الإنشاء بالهند، فسكن بمدينة لاهور، كما في تاريخ البيهقي.
أبو النجم أياز الغزنوي
الأمير أياز الغزنوي أبو النجم كان من غلمان محمود بن سبكتكين الغزنوي، تأدب على
أفضل الدين محمد الكاشاني وأخذ عنه، وله مع محمود أخبار مشهورة لا حاجة إلى
ذكرها، ولما مات محمود تولى المملكة ولده محمد وكان مسعود بن محمود بأصفهان، فلما
نعى إليه أبوه سار إلى خراسان وقصد غزنة، فانحاز أياز عن محمد وسار إلى مسعود
فلحقه بنيسابور، ورجع إلى غزنة معه وخدمه مدة طويلة، ولما أمر مسعود ولده مجدوداً
على عساكره بالهند جعل أياز أتابكا له في سنة سبع وعشرين وأربعمائة، فأقام بالهند
وضبط البلاد وجمع الجموع وأحسن إلى الناس، ولم يزل في بلاد الهند إلى أن توفي بلاهور
سنة تسع وأربعين وأربعمائة، صرح به أبو الفداء في تاريخه.
حسين الزنجاني
الفقيه الزاهد فخر الدين حسين الزنجاني اللاهوري كان من المشايخ المشهورين في العلم
والطريقة، أخذ عن الشيخ أبي الفضل محمد بن حسن الختلي وصحبه مدة من الزمان، ثم
قدم الهند وسكن بلاهور، ومات بها يوم وفد إليها الشيخ علي بن عثمان الهجويري
صاحب كشف المحجوب كما في فوائد الفؤاد.
داود بن نصير الملتاني
داود بن نصير بن حميد الملتاني أبو الفتح وقيل: أبو الفتوح، كان أمير الملتان، نقل عنه
خبث اعتقاده، ونسب إلى الإلحاد، وأنه قد دعا أهل ولايته إلى ما هو عليه فأجابوه، فرأى
محمود بن سبكتكين الغزنوي أن يجاهده ويستنزله عما هو عليه، فسار نحوه فرأى الأنهار
التي في طريقه كثيرة الزيادة عظيمة المد فأرسل إلى آنند بال يطلب إليه أن يأذن له في العبور
ببلاده إلى الملتان فلم يجبه إلى ذلك، فابتدأ به قبل الملتان وقال: نجمع بين غزوتين، فدخل في
بلاده وجاسها وأكثر القتل فيها والنهب لأموال أهلها والإحراق لأبنيتها ثم سار إلى ملتان،
ولما سمع أبو الفتح بخير إقباله عليه علم عجزه عن الوقوف بين يديه والعصيان عليه،(1/67)
فنقل
أمواله إلى سرانديب وأخلى الملتان، فوصل محمود إليها ونازلها وفتحها عنوة وألزم أهلها
عشرين ألف درهم كما في الكامل.
وفي تاريخ فرشته: إن أبا الفتح لم يساعده في غزوته إلى بهاطية مع خبث اعتقاده، ولذلك
خرج إليه محمود سنة 396 هـ وسلك طريقاً غير طريق الملتان لئلا يشعر به أبو الفتح وهو
أحس بذلك فحرض آنندبال على أن يسد طريقه فقاتله محمود ثم سار إلى الملتان فتحصن
أبو الفتح في البلدة وصالحه بعد سبعة أيام على أن يبعث إليه كل سنة عشرين ألف دينار-
انتهى.
روزبه بن عبد الله اللاهوري
الشيخ أبو عبد الله روزبه بن عبد الله النكتي اللاهوري الفاضل المشهور في عهد سلطان
مسعود بن محمود الغزنوي، ذكره نور الدين محمد العوفي في لباب الألباب، قال: وله قصائد
غراء في مدائح مسعود بالفارسية، ومن شعره قوله:
بنركس بنكري جون جام زرين بزير جام زرين جشمه جشمه
تو كوئي جشم معشوقست مخمور زناز ونيكوئي كشته كرشمه
سعد بن سلمان اللاهوري
الشيخ الفاضل سعد بن سلمان الهمذاني اللاهوري أحد الأفاضل المشهورين بعثه
السلطان مسعود بن محمود الغزنوي إلى بلاد الهند سنة ست وعشرين وأربعمائة مع ابنه
الأمير مجدود بن مسعود الغزنوي لما أمره على بلاد الهند فجعله مستوفي الممالك بها،
فسكن بمدينة لاهور، صرح به البيهقي في تاريخه.
وهو خدم الملوك الغزنوية ستين سنة وولي الأعمال الجليلة وحصل له عروض وعقار بالهند،
وفيه يقول ولده مسعود بن سعد في القصيدة التي مدح بها السلطان إبراهيم بن مسعود
الغزنوي:
شصت سال تمام خدمت كرد بدربنده سعد بن سلمان
كه بأطراف بودي أز عمال كه بدركاه بودي أز اعيان
عطاء بن يعقوب الغزنوي
أبو العلاء عطاء بن يعقوب الغزنوي الكاتب العميد الأجل المعروف بناكوك، ذكره نور الدين
محمد العوفي في لباب الألباب وأبو الحسن علي بن الحسن الباخرزي في دمية القصر وياقوت
الحموي في معجم الأدباء قال العوفي: ولما وردت رايات السلطان إبراهيم بن مسعود الهند
كان عطاء بن يعقوب أسيراً في لاهور، وقد أتى على أسره ثماني سنين، وله ديوان شعر
بالعربي وآخر بالفارسي، ونقل ياقوت في المعجم عن القاضي معين الدين محمد بن محمود
الغزنوي صاحب سر السرور كلاماً في مدائحه قد تأنق فيه بعبارات بديعة لا فائدة في نقلها،
ومن شعره قوله:
الله جار عصابة ودعتهم والدمع يهمي والفؤاد يهيم
قد كان دهري جنة في ظلهم ساروا فأضحى الدهر وهو جحيم
كانا غيوث سماحة وتكرم فاليوم بعدهم الجفون غيوم
رحلوا على رغمي ولكن حبهم بين الفؤاد المستهام مقيم
قد خانهم صرف الزمان لأنهم كانوا كراماً والزمان لئيم
طلقت لذاتي ثلاثاً بعدهم حتى يعود العقد وهو نظيم
الله حيث تحملوا جار لهم والأمن دار والسرور نديم(1/68)
والعيش غض والمناهل عذبة والجو طلق والرياح نسيم
وقوله:
بهند اوفتادم جو آدم زجنت بتاويل وتلبيس بهتان منكر
نه كندم جشيده نه آورده عصيان نه من قول ابليس راكرده باور
اكر كندمي بدهمي جرم آدم همه جرم من أز جوى هست كمتر
بلاي من آمد همه دانش من جو روباه رامو وطاوس رابر
وله في مدح إبراهيم بن مسعود من قصيدة طويلة:
بي كنه مانده هشت سال بهند جون كنه كار در عذاب أليم
دل جو كانون ديده جون آتش كار نا مستقيم وحال سقيم
جه كني حال خويش رابنهان جه زني طبل خيره زير كليم
حال خود شاه رابكوي ومبرس وتوكل على العزيز الرحيم
ملك تاج بخش قلعه ستان با ظفر بو المظفر إبراهيم
زخم اوكوه رادو باره كند عدل او موي راكند بدونيم
خشم او كل من عليها فان عفو يحي العظام وهي رميم
فتح با رايتش قريب وقرين جود با حضرتش قديم ومقيم
توفي سنة إحدى وتسعين وأربعمائة كما في لباب الألباب، وذكر في كشف المحجوب أن له
ديوان شعر بالفارسي ومنهاج الدين كتاب في التصوف.
علي بن عثمان الهجويري
الشيخ الإمام العالم الفقيه الزاهد أبو الحسن علي بن عثمان بن أبي علي الجلابي- بضم
الجيم وتشديد اللام وكسر الموحدة- الهجويري الغزنوي ثم اللاهوري كان من الرجال
المعروفين بالعلم والمعرفة، أخذ عن الشيخ أبي الفضل محمد بن الحسن الختلي وصحبه مدة
من الزمان، ثم ساح معظم المعمورة وحج وزار، ولازم الشيخ أبا العباس أحمد بن محمد
الأشقاني وأخذ عن بعض العلوم وأخذ عن الشيخ أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن
القشيري والشيخ أبي سعيد ابن أبي الخير المهنوي وأبي علي الفضل بن محمد الفارمدي
وخلق آخرون من العلماء والمحدثين ولازمهم مدة ثم قدم الهند وسكن بمدينة لاهور.
ومن مصنفاته كشف المحجوب وهو من الكتب المعتبرة المشهورة عند أهل العلم والمعرفة،
جمع فيه كيراً من لطائف التصوف وحقائقه، ذكره الشيخ عبد الرحمن الجامي في نفحات
الأنس وأثنى على علمه ومعرفته.
مات لعشر بقين من ربيع الثاني سنة خمس وستين وأربعمائة بمدينة لاهور فدفن بها، وقبره
ظاهر مشهور.
القاضي
علي الشيرازي
الشيخ الفاضل أبو الحسن علي الشيرازي أحد الأفاضل المشهورين في عصره.
مجدود بن مسعود الغزنوي
الأمير مجدود بن مسعود بن محمود بن سبكتكين الغزنوي اللاهوري الأمير ولد ونشأ بغزنة
في نعمة أبيه، وسيره والده إلى لاهور سنة ست وعشرين وأربعمائة، وولاه على ما فتح
محمود ونوابه في أرض الهند فناب عنه مدة من الزمان وأحسن السيرة، مات بلاهور لعله في
حدود سنة خمس وثلاثين وأربعمائة في أيام أخيه مودود بن مسعود الغزنوي،(1/69)
كما في تاريخ
فرشته، والمشهور أنه مات ببلدة هانسي ودفن بها.
أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني
الامام العالم الأستاذ أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني المنجم أحد الحكماء المشهورين
والعلماء المذكورين والأفاضل في الصناعة الطبية والأماثل في علم الهندسة والهيئة والنجوم
وحكمة الهنود، ذكره ابن أبي أصيبعة في طبقات الأطباء وقال: منسوب إلى بيرون وهي
مدينة في السند، كان مشتغلاً بالعلوم الحكمية فاضلاً في علم الهيئة والنجوم، وله نظر جيد
في صناعة الطب، وكان معاصراً للشيخ الرئيس وبينهما مباحثات ومراسلات، وقد
وجدت للشيخ الرئيس أجوبة مسائل سأله عنها أبو الريحان البيروني وهي تحتوي على أمور
مفيدة في الحكمة- انتهى.
وأقام أبو الريحان البيروني بخوارزم فاشتهر بالخوارزمي، ودخل بلاد الهند وسكن بها عدة
سنين وتعلم من حكمائها فنونهم وعلمهم طرق اليونانيين في فلسفتهم، ولم يكن له في زمانه
نظير ولا كان أحذق منه بعلم الفلك بكل دقائقه.
وله من الكتب كتاب الجماهر في الجواهر يتضمن الكلام في الجواهر وأنواعها وما يتعلق بهذا
المعنى ألفه لأبي الفتح مودود بن مسعود الغزنوي، وكتاب الآثار الباقية عن القرون الخالية في
النجوم والتاريخ مجلد ألفه لشمس المعالي قابوس وبين فيه التواريخ التي يستعملها الأمم
والاختلاف في الأصول هي مباديها، وكتاب تجريد الشعاعات والأنوار ألفه لشمس المعالي
قابوس المذكور، وكتاب الأحجار يذكر فيه خواص الأحجار الكريمة وغيرها، وكتاب مقاليد
الهيئة، وكتاب الشموس الشافية للنفوس وكتاب الصيدلة في الطب استقصى فيه معرفة
ماهيات الأدوية ومعرفة أسمائها واختلاف آراء المتقدمين وما تكلم كل واحد من الأطباء
وغيرهم فيه وقد رتبه على حروف المعجم، وكتاب الاستيعاب في تسطيح الكرة، وكتاب
العمل بالأصطرلاب، وكتاب القانون المسعودي ألفه لمسعود بن محمود بن سبكتكين الغزنوي
وحذا فيه حذو بطليموس، وكتاب التفهيم لأوائل صناعة التنجيم على طريق المدخل ألفه
سنة 422 هـ لأبي الحسن علي بن أبي الفضل الخاصي، وكتاب التنبيه على صناعة التمويه،
وكتاب دلائل القبلة، ورسالة في تهذيب الأقوال، وكتاب الأظلال، ومقالة في استعمال
الأصطرلاب الكرى، وكتاب الزيج المسعودي ألفه للسلطان مسعود بن محمود المذكور،
واختصار كتاب بطليموس القلوذي، وكتاب الإرشاد في أحكام النجوم، والإستشهاد
باختلاف الارصاد ذكره في الآثار الباقية وقال: إن أهل الرصد عجزوا عن ضبط أجزاء
الدائرة العظمى بأجزاء الدائرة الصغرى فوضع هذا التأليف لاثبات هذا المدعي، وله شرح
على ديوان أبي تمام، وكتاب مختار الأشعار والآثار.
وله كتاب نفيس في وصف بلاد الهند اشتهر باسم عجائب الهند وفيه الكثير من
المعلومات الهندسية والفلكية المتعلقة بالجغرافية الرياضية ومذاهب الهنود ودياناتهم.
وله قصائد غراء بالعربية، منها قصيدة ذكر فيها من صحب من الملوك ثم قال.
ولما مضوا واعتضت عنهم عصابة دعوا بالتناسي فاغتنمت التناسيا
وخلفت في غزنين لحما كمضغة على وضم للطير للعلم ناسيا
ذكره الحموي في معجم البلدان وقال: ذكرت(1/70)
القصيدة في كتاب معجم الأدباء.
يمين الدولة محمود بن سبكتكين الغزنوي
الإمام العادل المظفر يمين الدولة محمود بن سبكتكين الغازي الغزنوي السلطان المشهور ولد
ليلة عاشوراء سنة سبع وخمسين وثلاث مائة من إحدى بنات الزابلية، ونشأ في نعمة والده
وشاركه في الغزوات، وفتح الفتوحات العظيمة فولاه والده على نيسابور، ولقبه الأمير نوح بن
منصور الساماني بسيف الدولة وكان بنيسابور إذ مات والده سنة سبع وثمانين وثلاث مائة،
فقام بالأمر بعده ولده إسماعيل بوصية من أبيه واجتمعت عليه الكلمة وغمرهم بإنفاق
الأموال فيهم.
فلما بلغ محموداً نعى أبيه كتب إلى إسماعيل ولاطفه في القول وقال له: إن أبي لم يستخلفك
دوني إلا لكونك كنت عنده وأنا كنت بعيداً عنه ولو أوقف الأمر على حضوري لفاتت
مقاصده، ومن المصلحة أن نتقاسم الأموال بالميراث فتكون أنت مكانك بغزنة وأنا بخراسان،
وندبر الأمور ونتفق على المصالح فلا يطمع فينا عدو، فأبى إسماعيل موافقته على ذلك،
فخرج محمود إلى هراة وجد مكاتبة أخيه وهو لا يزداد إلا اعتياصاً، فقصده بغزنة ونازلها
في جيش عظيم وحاصرها واشتد القتال عليها، ففتحها ونزل إسماعيل في حكم أمانه
وتسلم منه مفاتيح الخزائن، ورتب في غزنة النواب والأكفاء وانحدر إلى بلخ.
وكان في بعض بلاد خراسان نواب لصاحب ما وراء النهر من ملوك بني سامان فجرت بين
محمود وبينهم حروب، انتصر فيها عليهم وملك بلاد خراسان وانقطعت الدولة السامانية
منها سنة تسع وثمانين وثلاث مائة، واستتب له الملك وسير له الإمام القادر بالله خلعة
السلطنة ولقبه بأمين الملة وبيمين الدولة وسار إلى سجستان وصاحبها خلف بن أحمد،
سير ولده طاهراً إلى قهستان فملكها، ثم إلى بوشنج فملكها، فسار نحو خلف بن أحمد
فتحصن بحصن أصبهند فضيق عليه، فخضع خلف وبذل أموالاً جليلة لينفس عن
خناقه، فأجابه محمود إلى ذلك.
وأحب أن يغزو الهند غزوة تكون كفارة لما كان منه من قتال المسلمين فثنى عنانه نحو
الهند سنة اثنتين وتسعين وثلاث مائة، فنزل على مدينة بيشابور وقاتل جي بال وأسره
وغنم أموالاً جليلة وجواهر نفيسة، ثم سار نحو ويهند فأقام عليها محاصراً لها حتى فتحها
قهراً، وسير طائفة من عسكره إلى جماعة من الهند اجتمعوا بشعاب تلك الجبال فأوقعوا
بهم وأكثروا القتل فيهم، ولم ينج منهم إلا الشريد الفريد.
ثم غزا بهاطية فقتل المقاتلة وسبى الذرية وأخذ الأموال، واستخلف بها من يعلم من أسلم
من أهلها سنة خمس وتسعين، ثم غزا الملتان وقصد صاحبها أبا الفتح داؤد بن نصير بن
حميد القرمطي الذي نقل عنه خبث اعتقاده فسار نحوه ست وتسعين، وأرسل إلى آنندبال
يطلب إليه أن يأذن له في العبور ببلاده إلى الملتان فلم يجبه إلى ذلك، فابتدأ به ودخل في
بلاده وجاسها وأكثر القتل فيها، ففر آنندبال إلى كشمير، فسار محمود نحو الملتان فنازلها
وقاتل أهلها حتى افتتحها عنوة وصالح أبا الفتح على أن يبعث إليه كل سنة عشرين ألف
دينار، فرجع إلى غزنة وسار نحو الهند سنة وسبع تسعين نحو سكهه بال الذي ارتد عن
الاسلام فسار إليه مجداً، فحين قاربه فر الهندي من بين يديه، واستعاد محمود ولايته
وأعادها إلى حكم الاسلام ورجع، ثم استعد لغزوة أخرى سنة ثمان وتسعين، فسار نحو
الهند ووصل إلى نكركوث وملكها وأخذ من الجواهر النفيسة ومن أواني الذهب والفضة
والدراهم والدنانير ما لا يحد.(1/71)
وسار نحو الهند سنة أربع مائة عازماً على غزوها، فسار إليها واخترقها واستباحها، ولما
رأى ملك الهند أنه لا قوة له به راسله في الصلح والهدنة على مال يؤديه فصالحه، ثم سار
إلى الهند سنة أربع وأربع مائة وقاتل الهنود أشد قتال، وغنم ما معهم من مال وفيلة وسلاح
وغير ذلك، وسار إلى الهند سنة خمس وأربع مائة وقصد تهانيسر، فهدم الكنائس وكسر
الأصنام وأخذ الجواهر النفيسة والذهب والفضة وغيرها من الأموال الطائلة، وكذلك سار
إلى كشمير سنة ست وأربع مائة وحاصر قلعة لوه كوث. واضطر الناس ممن يلازمه من
البرد والثلج إلى ترك المحاصرة فرجع إلى غزنة، ثم سار سنة سبع وأربعمائة ووصل إلى قنوج
وفتح ما حولها من الولايات الفسيحة، وبلغ إلى حصن قنوج وكان حصيناً منيعاً لا يكاد أن
يفتح ولكن الله سبحانه ألقى الرعب في قلب صاحبها فصالحه، ثم سار إلى ميرله وملكها،
ثم فتح مهاون وفتح متهرا مولد كرشن، وهدم الكنائس وكسر الأصنام، وأخذ الأموال
الجليلة، وكذلك فتح قلاعاً كثيرة، وفي سنة تسع وأربع مائة احتشد وجمع أكثر مما تقدم،
وقصد كالنجر وسلك مضائقها وفتح مغالقها، وعبر نهر كنك، وجاس البلاد وغنم الأموال
وأكثر القتل في الهنود والأسر، وفي سنة أربع عشرة وأربع مائة قصد كالنجر، وفتح قلعة
كواليار، وفتح كالنجر على مال يؤديه صاحبها، وفي سنة ست عشرة وأربع مائة قصد
الهند، وسار إلى سومنات، وكانت بلدة كبيرة على ساحل البحر فافتتحها عنوة، وكسر
الصنم المعروف بسومنات وأحرق بعضه وأخذ بعضه معه إلى غزنة فجعله عتبة الجامع،
وكان عنده سلسلة ذهب فيها جرس وزنها مائتا من، وعنده خزانة فيها عدة من الأصنام
الذهبية والفضية، وقيمة ما في البيوت تزيد على عشرين ألف ألف دينار، فأخذ الجميع
ورجع إلى غزنة سنة سبع عشرة وأربع مائة، وكتب إلى الديوان العزيز ببغداد كتاباً يذكر فيه
ما فتح الله على يديه من بلاد الهند، فلقبه الإمام القادر بالله العباسي بكهف الدولة
والاسلام.
وقد جمع سيرته أبو النصر محمد بن عبد الجبار العتبي الفاضل في كتابه المشهور بتاريخ
اليميني، وذكر تاج الدين السبكي في كتابه طبقات الشافعية الكبرى وأطال الكلام في مناقبه
وقال: إنه كان حنفياً ثم انتقل إلى مذهب الشافعي في قصة صلاة القفال، وذكر إمام الحرمين
أبو المعالي عبد الملك الجويني في كتابه مغيث الخلق في اختيار الأحق قصة صلاة القفال
بحضوره، وهي مشهورة لا نطول الكلام بذكرها، وذكر القاضي أحمد بن خلكان في كتابه
وفيات الأعيان ترجمته فأجاد فيها، وذكر ابن الأثير في الكامل غزواته وفتوحاته مفصلاً،
وأبو الفداء في تاريخه بالإجمال، وذكر خلق آخرون في كتبهم، وإني ذكرت شيئاً واسعاً من
فتوحاته وغزواته في جنة المشرق.
وللسلطان مصنفات منها التفريد في الفروع ذكره صاحب كشف الظنون، ونقل عن الإمام
مسعود بن شيبة أن السلطان المذكور كان من أعيان الفقهاء، وكتابه هذا مشهور في بلاد
غزنة، وهو في غاية الجودة وكثرة المسائل، ولعله نحو ستين ألف مسألة- انتهى، وفي
التاتارخانية نقول منه، ولما رأى أن مذهب الشافعي أوفق بظواهر الحديث تشفع بعد أن
جمع علماء المذهبين كما ذكره ابن خلكان- انتهى.
وكان عاقلاً ديناً خيراً، عنده علم ومعرفة، وصنف له العلماء كثيراً من الكتب في فنون
العلم، وقصده أهل العلم من أقطار البلاد، وكان يكرمهم ويقبل(1/72)
عليهم ويعظمهم ويحسن
إليهم، وكان عادلاً كثير الإحسان إلى رعيته والرفق بهم، كثير المعروف، كثير الغزوات،
ملازماً للجهاد، وفتوحه مشهورة، وفيه ما يستدل على بذل نفسه لله تعالى واهتمامه
بالجهاد، ولم يكن فيه ما يعاب إلا أنه كان يتوصل إلى أخذ الأموال بكل طريق، وكان جدد
عمارة المشهد بطوس الذي فيه قبر علي بن موسى والرشيد وأحسن عمارته، وكان أبوه
سبكتكين خربه، وكان أهل طوس يؤذون من يزوره فمنعهم عن ذلك.
وكان ربعة، مليح اللون، حسن الوجه، صغير العينين، أحمر الشعر، وكان مرضه سوء
مزاج وإسهالاً، وبقي كذلك سنتين، وكان قوي النفس لم يضع جنبه في مرضه بل كان يستند
إلى مخدة، فأشار عليه الأطباء بالراحة، وكان يجلس للناس بكرة وعشية فقال: أتريدون أن
أعتزل الإمارة؟ فلم يزل كذلك حتى توفي إلى رحمة الله سبحانه قاعداً، وكان ذلك في
الحادي عشر من صفر، وقيل ربيع الثاني سنة إحدى وعشرين وأربع مائة بغزنة، كما في
الكامل.
شهاب الدين مسعود بن محمود الغزنوي
الملك الفاضل المؤيد شهاب الدين جمال الملة أبو سعد مسعود بن محمود بن سبكتكين
الغازي الغزنوي السلطان المشهور، تنبل في أيام أبيه، وفتح بلاد طبرستان، وبلد الجبل
وأصفهان وغيرها، وقلده الإمام القادر بالله خراسان ولقبه الناصر لدين الله وخلع عليه
وطوقه سواراً كلها في حياة والده، وكان بأصفهان حين توفي والده بغزنة، وقام بالأمر بعده
ولده محمد بوصيته واجتمعت عليه الكلمة، فلما بلغه الخبر سار إلى خراسان، وكتب إلى
أخيه محمد أنه لا يريد من البلاد التي وصلى له أبوه بها شيئاً وأنه يكتفي بما فتحه من بلاد
طبرستان وغيرها ويطلب منه الموافقة وأن يقدمه في الخطبة على نفسه، فأجابه محمد
جواب مغالط، وكان محمد هذا سيىء التدبير منهمكاً في لذاته، فسار إلى أخيه مسعود
محارباً له، وكان بعض عساكره يميل إلى مسعود لكبره وشجاعته ولأنه قد اعتاد التقدم على
الجيوش وفتح البلاد، واستقر الملك لمسعود، وفي سنة اثنتين وعشرين وأربع مائة سير
عسكراً إلى التيز ومكران فملكها وما جاورها، وفي تلك السنة سير عساكره إلى كرمان
فملكوها، وفي تلك السنة عصى نائبه في أرض الهند ارياق الحاجب، فاستقدمه إلى
معسكره ببلخ، واحتال لقدومه إليه فأمنه أحمد بن الحسن المهمندي الوزير، وتلقاه مسعود
بالرحب والإكرام وأوقعه في اللذات والخمور، فلما غفل عن المكيدة قبض عليه وولى على
بلاد الهند أحمد نيالتكين الحاجب، وفي سنة خمس وعشرين وأرع مائة عصى نائبه أحمد
نيالتكين ببلاد الهند، فسير إليه جيشاً كثيفاً، فقتل بقصة شرحتها في ترجمة أحمد، وولي
ولده الأمير مجدوداً على بلاد الهند، وفي سنة ست وعشرين أجلى الغزو وهزمهم، وسار
إلى جرجان فاستولى عليها وملكها، وفي سنة ثلاثين وأربع مائة سار نحو خراسان وجرى
له مع بني سلجوق خطوب يطول شرحها، وفتح بعض قلاعها سنة إحدى وثلاثين وأربع
مائة، وعاد إلى غزنة وسير ولده مودوداً إلى خراسان في جيش كثيف ليمنع السلجوقية
عنها.
وسار مسعود بعدهم بسبعة أيام يريد بلاد الهند ليشتو بها على عادة والده، فلما سار
أخذ أخاه محمداً مسمولاً واستصحب الخزائن، وكان عازماً على الاستنجاد بالهند على
قتال السلجوقية، فلما عبر سيحون وعبر بعض الخزائن اجتمع انوشتكين وجمع من الغلمان
ونهبوا ما تخلف من الخزانة وأقاموا أخاه محمداً وسلموا عليه بالامارة، وبقي مسعود من
معه من العسكر وحفظ نفسه، فالتقى الجمعان واقتتلوا وعظم الخطب على الطائفتين.
ثم انهزم عسكر مسعود وتحصن في رباط ماريكله،(1/73)
ثم خرج إليهم فقبضوا عليه، وأنفذه
محمد إلى قلعة كيكي محفوظاً، وأمر بإكرامه وصيانته، ثم فوض محمد أمر دولته إلى ولده
أحمد، وكان فيه خبط وهوج فاتفق مع ابن عمه يوسف، وابن علي خويشاوند وغيرهما
على قتل مسعود فقتلوه.
وكان السلطان مسعود شجاعاً كريماً، ذا فضائل كثيرة، محباً للعلماء، كثير الإحسان إليهم
والتقرب لهم، صنفوا له التصانيف الكثيرة في فنون العلم كالقانون المسعودي في الفنون
الرياضية، صنفه أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني المنجم، والكتاب المسعودي في الفقه
الحنفي، صنفه القاضي أبو محمد الناصحي، وكان مسعود كثير الصدقة والإحسان إلى
أهل الحاجة، تصدق مرة في شهر رمضان بألف ألف درهم، وأكثر الإدرارات والصلات،
وعمر كثيراً من المساجد في ممالكه، وكانت صنائعه ظاهرة مشهورة تسير بها الركبان مع
عفة من أموال رعاياه، وأجاز الشعراء بالجوائز العظيمة، أعطى شاعراً على قصيدة ألف
دينار وأعطى آخر بكل بيت ألف درهم، وكان يكتب خطاً حسناً، وكان ملكه عظيماً
فسيحاً، ملك أصفهان والري وهمذان وما يليها من البلاد، وملك طبرستان وجرجان
وخراسان وخوارزم وبلاد الراون وكرمان وسجستان والسند والرخج وغزنة وبلاد الغور
وبنجاب من أقطاع الهند، وملك كثيراً منها، وأطاعه أهل البر والبحر، ومناقبه كثيرة وقد
صنفت فيها التصانيف المشهورة فلا حاجة إلى الإطالة.
وكانت وفاته في سنة اثنتين وثلاثين وأربع مائة كما في الكامل.
نوشتكين الحاجب الكرخي
نوشتكين الحاجب الكرخي كان من قواد الدولة الغزنوية، ولاه عبد الرشيد بن محمود بن
سبكتكين الغزنوي على بلاد الهند- لعله سنة إحدى وأربعين وأربع مائة- وبعثه إلى
لاهور، فناب عنه وأحسن السيرة وفتح نكركوث مرة ثانية، كما في تاريخ فرشته.(1/74)
الطبقة السادسة
في أعيان القرن السادس من أهل الهند
أحمد بن زين الملتاني
الشريف أحمد بن زين بن عمر بن عبد اللطيف الحسيني الملتاني، كان من نسل إسماعيل
بن جعفر بن محمد العلوي، ولد بأرض الهند وسار إلى بغداد، وأخذ عن أساتذة الزوراء
وأدرك بها الشيخ شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي وطبقته وأخذ عنهم، ولقي
الشيخ مودود الجشتي بقرية جشت عند رجوعه إلى الهند، ويذكر له كشوف وكرامات،
مات سنة سبع وسبعين وخمس مائة وقبره بناحية الملتان، كما في تاريخ الأولياء.
أحمد بن محمد التميمي المنصوري
أبو العباس أحمد بن محمد بن صالح التميمي المنصوري من أهل المنصورة، ذكره السمعاني
في الأنساب، قال: وأبو العباس أحمد بن محمد بن صالح التميمي القاضي المنصوري من أهل
المنصورة، سكن العراق، وكان أظرف من رأيت من العلماء، سمع بفارس أبا العباس بن
الأثرم وبالبصرة أباروق الهزاني- انتهى.
بختيار بن عبد الله الهندي
أبو الحسن بختيار بن عبد الله الهندي الصوفي الزاهد، ذكره السمعاني في الأنساب، قال:
إنه عتيق محمد بن إسماعيل اليعقوبي القاضي من أهل بوشنج شيخ صالح، سديد السيرة،
سافر مع سيده إلى العراق والحجاز وكور الأهواز وسمع ببغداد الشريف أبا نصر محمداً
وأبا الفوارس طراد بن محمد بن علي الزينبي وأبا محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي
وبالبصرة أبا علي علي بن أحمد بن علي التستري وأبا القاسم عبد الملك بن علي بن
خلف بن شعبة الحافظ وأبا يعلى أحمد بن محمد بن الحسن العبدي وجماعة كثيرة من أهل
الطبقة بأصفهان وسائر بلاد الجبل وخوزستان، سمعت منه بفوشنج وهراة، توفي سنة اثنتين
أو ثلاث وأربعين وخمسمائة.
بختيار بن عبد الله الهندي
أبو محمد بختيار بن عبد الله الهندي الفصاد، ذكره السمعاني في الأنساب، قال: إنه عتيق
الإمام والدي رحمه الله سافر معه إلى العراق والحجاز وسمعه الحديث الكثير، وكان عبداً
صالحاً، سمع ببغداد أبا محمد جعفر بن أحمد بن الحسين السراج وأبا الفضل محمد بن عبد
السلام بن أحمد الأنصاري وأبا الحسين ابن المبارك بن عبد الجبار الطيوري وبهمذان أبا
محمد عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن(1/75)
الدوني وبأصفهان أبا الفتح محمد بن أحمد الحداد
وطبقتهم، وسمعت منه شيئاً يسيراً، وتوفي بمرو في صفر سنة إحدى وأربعين وخمسمائة.
معز الدولة بهرام شاه الغزنوي
الملك العادل الباذل معز الدولة بهرام شاه بن مسعود بن إبراهيم بن مسعود ابن محمود بن
سبكتكين الغزنوي السلطان المشهور، ولد ونشأ بغزنة، وتوفي والده مسعود سنة ثمان
وخمسمائة فقام بالملك بعده ولده أرسلان شاه، فقبض على إخوته وسجنهم وهرب بهرام
شاه إلى خراسان واحتمى بصاحبها سنجر بن ملك شاه، فتجهز سنجر للمسير إلى غزنة
وسار إليها ومعه بهرام شاه، ووقع المصاف بينه وبين أرسلان شاه فهزمه ودخل غزنة،
فأجلس بهرام شاه على سرير جده محمود فأقام الخطبة بغزنة له ولسنجر، فرجع سنجر إلى
خراسان، وذهب أرسلان شاه إلى بلاد الهند فاجتمع عليه أصحابه فقويت شوكته فتوجه
إلى غزنة، فلما عرف بهرام شاه قصده إليه خرج إلى باميان وأرسل إلى سنجر يعلمه الحال
فأرسل إليه عسكراً، وأقام أرسلان شاه بغزنة شهراً واحداً، ولما بلغه وصول عسكر
سنجر انهزم بغير قتال للخوف الذي قد باشر قلوب أصحابه ولحق بجبال أوغنان، وسار
بهرام شاه في أثره وقتله سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.
ثم قام بالملك بعده وأحسن السيرة في رعيته، وقرب إليه العلماء وأحسن إليهم، وقدم بلاد
الهند وأصلح الفاسد، وأخذ على محمد باهليم نائبه بأرض الهند وقد عصى عليه فأدخله
في السجن، ثم أطلقه وأمره مرة ثانية وعاد إلى غزنة، فلما أبعد عن الهند جمع محمد باهليم
المذكور عسكراً من الأفغانية والخلج وغيرهما وشن الغارة على الهنود وفتح بلاداً وقلاعاً
ثم أظهر العصيان مرة ثانية.
فلما سمع بهرام شاه رجع إلى الهند، فلقيه بعساكره واقتتلوا أشد قتال فقتل محمد هذا
ومعه أبناؤه، فأمر على الهند حسين بن إبراهيم العلوي ورجع إلى غزنة، وقصده سنجر
شاه بعساكر سنة خمس وعشرين وخمسمائة فانهزم عنه، ثم بذل له سنجر الأمان وأعاد
إليه بلده وفارق غزنة عائداً إلى بلاده، وفي سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة قصده سيف الدين
السوري الغوري وملك مدينة غزنة، ففارقها بهرام شاه قبل وصوله إلى غزنة إلى بلاد الهند
وجمع جموعاً كثيرة وعاد إلى غزنة، فملكها وصلب السوري سنة أربع وأربعين وخمسمائة،
فلما سمع ذلك علاء الدين ملك الغور قصد غزنة بعساكره ومات بهرام شاه قبل وصوله إلى
غزنة.
وكان عادلاً، حسن السيرة، جميل الطريقة، محباً للعلماء، مكرماً لهم، باذلاً لهم الأموال
الكثيرة، وجامعاً للكتب تقرأ بين يديه ويفهم مضمونها، صنفوا له التصانيف الكثيرة في فنون
العلم، منها مخزن الأسرار صنفه له النظامي الكنجوي، ومنها كليلة ودمنة ترجموه من
العربي إلى الفارسي له، ومنها الحديقة صنف له أبو المجد مجدود بن آدم الغزنوي المعروف
بالسنائي سنة خمس وعشرين وخمسمائة.
وكانت مدة ولاية بهرام شاه خمساً وقيل ستاً وثلاثين سنة، قال ابن الأثير في الكامل: إنه
مات في شهر رجب سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وقال فرشته في تاريخه: إنه مات سنة
سبع وأربعين وخمسمائة على الأصح.
سالار حسين العلوي
سالار حسين بن إبراهيم العلوي أحد قواد الدولة الغزنوية، أمره بهرام شاه الغزنوي على
بلاد الهند بعد ما قتل محمد باهليم نائبه بأرض الهند فناب عنه مدة.(1/76)
حسين بن أحمد العلوي
السيد الشريف حسين بن أحمد بن حمزة بن عمر بن محمد بن محمد العلوي المكي ثم
الهندي الهانسوي المشهور بنعمة الله الولي، كان من نسل الإمام علي الرضا العلوي على ما
قيل، قدم الهند وأمره شهاب الدين على سرية بعثها إلى قلعة هانسي سنة ثمان وثمانين
وخمسمائة فاستشهد بها، وبنى على قبره بعض الأمراء مسجداً، وهذه كتابته: أمر ببناء
هذا المسجد علي بن اسفنديار في عشر ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة.
خسرو شاه الغزنوي
الملك الفاضل خسرو شاه بن بهرام شاه بن مسعود بن إبراهيم بن مسعود ابن محمود بن
سبكتكين الغزنوي اللاهوري أحد الملوك الغزنوية، خرج من غزنة لما دخلها علاء الدين
الغوري وملكها سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، فدخل الهند وخلف أباه في الملك بلاهور ولم
يزل بها حتى مات سنة خمس وخمسين وخمسمائة، فقام بالملك بعده ولده خسرو ملك
وقيل: إنه لم يمت ولم يزل ملكاً على بلاد الهند حتى ملكها شهاب الدين الغوري وقبض
عليه وأرسله إلى أخيه علاء الدين ملك الغور، ومعه ولده خسرو ملك فحبسهما في بعض
القلاع، كما في الكامل، والصواب المعول عليه أنه مات بلاهور سنة خمس وخمسين
وخمسمائة، وكانت مدة حكومته سبع سنين، كما في طبقات ناصري.
خسرو ملك اللاهوري
الملك الفاضل خسرو ملك بن خسرو شاه بن بهرام شاه الغزنوي اللاهوري سلطان الهند
وخاتم الملوك الغزنوية قام بالملك بعد والده سنة خمس وخمسين وخمسمائة بلاهور واستقل
به زماناً، فاجتمع لديه الفضلاء ونالوا منه الصلات الجزيلة، وقصد شهاب الدين الغوري
الهند سنة خمس وسبعين وقيل: سبع وسبعين، فلما سمع خسرو ملك ذلك سار في من
معه إلى ماء السند فمنعه من العبور، فرجع عنه وقصد بيشاور فملكها وما يليها من جبال
الهند وأعمال الأفغان، ثم رجع إلى غزنة واستراح بها، ثم خرج منها سنة تسع وسبعين
وقيل: ثلاث وثمانين وسار نحو لاهور في جمع عظيم، فعبر إليها وحصرها وأرسل إلى
صاحبها خسرو ملك وإلى أهلها يتهددهم إن منعوه وأعلمهم أنه لا يزول حتى يملك البلد
وبذل الأمان على نفسه وأهله وماله، فامتنع عليه وأقام شهاب الدين محاصراً له، فلما رأى
أهل البلد ذلك ضعفت نياتهم في نصرة صاحبهم وطلبوا الأمان من شهاب الدين وخرجوا
إليه ودخل الغورية في البلد، وأرسل غياث الدين إلى أخيه يطلب صاحب الهند، فسيره
إليه ومعه ولده بهرام شاه، فأمر بهما غياث الدين فرفعا إلى بعض القلاع وقتلوهما سنة ثمان
وتسعين وخمسمائة، كما في طبقات ناصري.
طغاتكين الحاجب
الأمير طغاتكين الحاجب الغزنوي أحد قواد الدولة الغزنوية، أمره علاء الدولة مسعود بن
إبراهيم بن مسعود الغزنوي على بلاد الهند، وكان مقطعاً بلاهور فأقام بها مدة من الزمان
وناب عنه، ولم أدر ما اتفق له بعد ذلك غير أن أرسلان شاه أمر على الهند محمد باهليم
الحاجب سنة ثمان وخمسمائة، لعله أقام بالهند إلى تلك السنة ثم عزل ومات، قال محمد
قاسم بن هندو شاه الأسترابادي في تاريخه: إنه عبر نهر كنك ووصل إلى بلاد لم يصل إليها
أحد قبله من أهل الاسلام غير محمود بن(1/77)
سبكتكين الغزنوي، ففتح البلاد وغنم ورجع
سالماً وغانماً إلى لاهور- انتهى.
عبد الصمد بن عبد الرحمن اللاهوري
الشيخ أبو الفتوح عبد الصمد بن عبد الرحمن الأشعثي اللاهوري العالم المحدث روى عن
أبي الحسن علي بن عمر بن الحكيم اللاهوري وعن غيره، روى عنه السمعاني بسمرقند،
ذكره في الأنساب.
علي بن عمر اللاهوري
الشيخ أبو الحسن علي بن عمر بن الحكيم اللاهوري العالم المحدث كان شيخاً أديباً شاعراً
كثير المحفوظ مليح المحاورة، سمع أبا علي المظفر بن إلياس ابن سعيد السعيدي الحافظ،
ذكره السمعاني في الأنساب، وقال: لم ألحقه، وروى لنا عنه أبو الفضل محمد بن ناصر
السلامي الحافظ البغدادي وأبو الفتوح عبد الصمد بن عبد الرحمن الأشعثي اللاهوري
بسمرقند، وتوفي سنة تسع وعشرين وخمسمائة.
عمر بن إسحاق الواشي
الشيخ الإمام أبو جعفر عمر بن إسحاق الواشي اللاهوري أحد العلماء المشهورين في
عصره، كان شاعراً مجيد الشعر، ذكره نور الدين محمد العوفي في كتابه لباب الألباب، ومن
شعره قوله:
دوش در سوداي دلبر بوده أم بالب خشك ورخ تر بوده أم
در خمار عبهر مخمور أو ديده باز از غم جو عبهر بوده أم
وزنم جشم وتف دل هر زمان كوئي اندر آب وآذر بوده أم
همجو بحر وكان زآب وخون اشك بر زدر وبرز كوهر بوده أم
عمرو بن سعيد اللاهوري
الشيخ عمر بن سعيد اللاهوري الفقيه المحدث، ذكره الحموي في المعجم، قال: أخذ عنه
الحافظ أبو موسى المديني محمد بن أبي بكر الأصفهاني المتوفي سنة إحدى وثمانين
وخمسمائة.
السيد
كمال الدين الترمذي
السيد الشريف كمال الدين بن عثمان بن أبي بكر بن عبد الله بن أبي طاهر ابن زيد بن
الحسين بن أحمد بن عمر بن يحيى بن الحسين ذي العبرة الحسيني العلوي الترمذي أحد
الرجال المشهورين، قدم الهند في سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، لعله في ركاب السلطان شهاب
الدين الغوري، وسكن بكيتل ومات بها، وله أعقاب كثيرة يسمون بالسادة الترمذية، قيل: إنه
مات سنة ستمائة.
محمد باهليم الحاجب
الأمير محمد باهليم الحاجب الغزنوي أحد أمراء الدولة الغزنوية، ولاه أرسلان شاه بن
مسعود بن إبراهيم الغزنوي على بلاد الهند سنة تسع وخمسمائة، وقتل أرسلان شاه سنة
إحدى عشرة وخمسمائة فقام بالملك بهرام شاه وقصد الهند فأظهر العصيان عليه محمد
باهليم نائبه بالهند، فأصلح الفاسد وقبض عليه وحبسه في التاسع والعشرين من رمضان
سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، ثم أطلقه من الأسر وأمره على عساكره بالهند مرة ثانية
ورجع إلى غزنة، فلما أبعد عن الهند جمع محمد باهليم عسكراً من الأفغانية والخلج
وغيرهم وشن الغارة على الهنود وفتح البلاد والقلاع، وأسس قلعة بناكور في جبال السولك
واختزن بها وأقام عياله فيها، ثم أظهر(1/78)
العصيان مرة ثانية، فلما سمع بهرام شاه رجع إلى
الهند فلقيه بعساكره، واقتتلوا أشد قتال، فقتل ومعه أبناؤه.
محمد بن عبد الملك الجرجاني
الشيخ الإمام خطير الدين محمد بن عبد الملك الجرجاني أحد المشايخ المشهورين بمدينة
لاهور، ذكره نور الدين محمد العوفي في لباب الألباب، قال وكان غاية في العلم والكمال
والزهد، لم يكن في زمانه مثله في ذلك، ومن شعره قوله:
كردش روزكار بر عبر است نيك داند كسى كه معتبر است
جرخ بر شعبده است وبر نيرنك همه نير نكهاش كاركر است
بد ونيك زمانه مختلط است غم وشاديش هر دو منتظر است
هست حمال آب دريا ابر خاك را حقه هاي بر درر است
باز شمشير برق تيغ كشيد جون يلان كوهسار باكمر است
اندرين روزكار نا سامان هر كه باعاشقيست با هنر است
همجو روباه هست كشته دم همجو طاوس مبتلاي بر است
اختر وآخشيج بي مهر اند اكر اين مادر است وآن بدراست
از جنين مادر وبدر جه عجب كرمواليد مانده در بدر است
محمد بن عثمان الجوزجاني
الشيخ الفاضل محمد بن عثمان بن إبراهيم بن عبد الخالق الجوزجاني الإمام سراج الدين
بن منهاج الدين اللاهوري العالم المبرز في الفقه والأصول والعلوم العربية، ولد بلاهور ونشأ
بسمرقند، وأخذ عن أساتذة عصره ثم تقرب إلى الملوك والأمراء، فولاه شهاب الدين
الغوري قضاء العسكر بلاهور سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة فاستقل به بضع سنين، وفي تسع
وثمانين وخمسمائة استقدمه بهاء الدين سام بن محمد البامياني إلى باميان وولاه القضاء
الأكبر ووكله على المدرستين بها وفوض إليه سائر المناصب الشرعية من الخطابة
والاحتساب وغير ذلك، ذكره ولده عثمان بن محمد بن عثمان الجوزجاني في كتابه طبقات
ناصري وذكره نور الدين محمد العوفي في كتابه لباب الألباب وأثنى على فضله ونبالته وروى
هذه الأبيات له:
دل را برخ خوب توميل افتاد است جان ديده بر اميد لبت بكشاد است
جشم آب زن خاك درت خواهدبود كر عمر وفاكند قرار اين داد است
قال محمد بن عبد الوهاب القزويني في تعليقاته على لباب الألباب أن تاج الدين حرب ملك
سيستان بعثه سفيراً إلى الناصر لدين الله الخليفة العباسي إلى بغداد، ثم بعثه غياث الدين
الغوري مرة ثانية، ولما رجع عن بغداد في المرة الثانية ووصل إلى مكران فاجأه الموت وتوفي
بها في بضع وتسعين وخمسمائة.
محمود بن محمد اللاهوري
الشيخ محمود بن محمد بن خلف أبو القاسم اللاهوري العالم الفقيه المحدث نزيل اسفرائن
تفقه على أبي المظفر السمعاني وسمع منه، كان يرجع إلى فهم وعقل، وسمع أبا الفتح عبد
الرزاق بن حسان المنيعي وأبا نصر محمد بن محمد الماهاني وبنيسابور أبا بكر بن خلف
الشيرازي وببلخ أبا إسحق إبراهيم بن عمر ابن إبراهيم الأصفهاني وباسفرائن أبا سهل
أحمد بن إسماعيل بن بشر النهرجاني، كتب(1/79)
عنه أبو سعيد باسفرائن سنة نيف وأربعين
وخمسمائة، ذكره الحموي في معجم البلدان.
وقال السمعاني في الأنساب: إنه تفقه على جدي الإمام أبي المظفر السمعاني وسمع منه
ومن غيره، سمعت منه شيئاً يسيراً باسفرائن وكان قد سكنها، وتوفي في حدود سنة أربعين
وخمسمائة.
مخلص بن عبد الله الهندي
أبو الحسن مخلص بن عبد الله الهندي المهذبي عتيق مهذب الدولة أبي جعفر الدامغاني،
ذكره السمعاني في الأنساب قال: هذه النسبة إلى المهذب- بضم الميم وفتح الهاء والذال
المعجمة المشددة في آخرها الباء الموحدة- وهو لقب معتق هذا الرجل، قال: كان من أهل
بغداد، سمع بها أبا الغنائم محمد بن علي النرسي وأبا القاسم البزار وأبا الفضل الحنبلي
وغيرهم، كتبت عنه شيئاً يسيراً ببغداد- انتهى.
علاء الدين مسعود الغزنوي
السلطان علاء الدين مسعود بن إبراهيم بن مسعود الغزنوي الفاضل العادل ولد بغزنة سنة
ثلاث وخمسين وأربعمائة، وقام بالملك بعد والده سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة في أيام
المستظهر بالله أحمد بن المقتدر الخليفة العباسي، وافتتح أمره بالعدل والإحسان وأزال
المظالم عن الناس وأبطل المكوس وحط الجبايات، وأقام عضد الدولة على الهند كما كان
قبله، ثم سير طغاتكين الحاجب إلى الهند للغزو والجهاد فعبر نهر كنك ووصل حيث لم
يصل إليها أحد من الملوك والأمراء قبله من بلاد الهند، وكانت مدة حكومته سبع عشرة
سنة، مات سنة تسع وخمسمائة وله سبع وخمسون سنة، كما في طبقات ناصري.
السيد
سالار مسعود الغازي
سالار مسعود بن ساهو بن عطاء الله الغازي المجاهد في سبيل الله الشهيد المشهور
بأرض الهند، كان من نسل محمد بن الحنفية العلوي، غزا الهند واستشهد بمدينة بهرائج من
مدن الهند فدفنوه بها، وبنى على قبره ملوك الهند عمارة سامية البناء، والناس يفدون
عليه من بلاد شاسعة، ويزعمون أنه كان عزباً شاباً لم يتزوج فيزوجونه كل سنة ويحتفلون
لعرسه، وينذرون له أعلاماً فينصبونها على قبره.
وقد ذكره الشيخ محمد بن بطوطة المغربي الرحالة في كتابه وقال: إن محمد شاه تغلق سار
لزيارة الشيخ الصالح البطل سالار مسعود الذي فتح أكثر تلك البلاد، وله أخبار عجيبة
وغزوات شهيرة، وتكاثر الناس وزرنا قبر الصالح المذكور وهو في قبة لم نجد سبيلاً إلى
دخولها لكثرة الزحام- انتهى.
وذكره محمد قاسم بن غلام علي البيجابوري في كتابه تاريخ فرشته في ترجمة محمد شاه
المذكور، قال: إنه كان من عشيرة السلطان محمود بن سبكتكين الغزنوي، نال الشهادة من
أيدي الكفار في أيام أبناء محمود سنة سبع وخمسين وخمسمائة، وبنى على قبره محمد شاه
المذكور العمارة الرفيعة انتهى، والعجب كل العجب أن محمد قاسم المذكور لم يذكره في
غزوات الهند ولم نر أحداً من المشتغلين بأخبار الهند من يذكر غزواته.
وقد صنف الشيخ عبد الرحمن الدنتهوي مرآة مسعودي في أخباره من المهد إلى اللحد،
وأتى فيه بنقير وقطمير كأنه صاحبه في الظعن والإقامة، قال فيه: إنه ولد بأجمير في الحادي
والعشرين من شعبان سنة خمس وأربعمائة من بطن الستر المعلى شقيقة السلطان محمود
بن سبكتكين الغزنوي وكان والده مأموراً بأجمير من جهة السلطان المذكور، ونشأ بها وقرأ
العلم على السيد إبراهيم العلوي، وسافر إلى غزنة عند(1/80)
خاله، ثم رجع إلى الهند ومعه
أحد عشر ألف فارس، فقاتل الهنود وفتح دهلي وقنوج ومانكبور وكزه وستركهه وبلاداً
أخرى، ولما وصل إلى بهرائج قتل بيد الكفار في الرابع عشر من رجب سنة أربع وعشرين
وأربعمائة- انتهى ملخصاً.
وأنت تعلم ما في هذه القصة من الأمور ليس لها مساغ إلى الصحة، فالأقرب إلى الصواب
ما ذكر محمد قاسم من سنة وفاته، ويشبهها ما في منتخب تنقيح الأخبار لكندن لعل بن
منو لعل الأودي فإنه قال: أن راجه بالادت قتله سنة ثمان وثمانين وخمسمائة المطابقة لسنة
تسع عشرة ومائتين وألف البكرمية.
ثم إني ظفرت بمعيار الأنساب لكرامت حسين النصير آبادي، فإذا فيه أن زكريا الحسيني
الجائسي وفد الهند مرافقاً للسيد سالار مسعود الغازي في عهد خسرو ملك وغزا الهنود
وفتح جائس، وهذا القول أيضاً مؤيد لما ذكرناه- والله أعلم.
مسعود بن سعد اللاهوري
العميد الأجل سعد الدولة مسعود بن سعد بن سلمان اللاهوري المشهور بالفضل
والكمال، ذكره نور الدين محمد العوفي وقال: إنه ولد ونشأ بهمذان، والصحيح أنه ولد بلاهور
ونشأ بها، كما صرح به صاحب الترجمة في قصائده، وتنبل في أيام السلطان إبراهيم بن
مسعود الغزنوي وأقبل إلى الشعر بعد ما نال الفضيلة في كثير من العلوم والفنون، فقربه
سيف الدولة محمود بن إبراهيم الغزنوي إلى نفسه حين كان نائباً عن أبيه في بلاد الهند،
وولاه الأعمال الجليلة فصار في خفض من العيش والدعة، ومنحه الشعراء في القصائد
البديعة، وكان يجزل عليهم الصلات الجزيلة، وكان في ذلك الحال زماناً حتى توهم إبراهيم بن
مسعود الغزنوي من محمود وتحسس منه شيئاً فأمر بحبسه سنة 475 هـ، وأخذ ندماءه فقتل
منهم جماعة وحبس آخرين، منهم مسعود بن سعد نزعوا ما له من العروض والعقار في
الهند فسار إلى غزنة ليستغيث السلطان، فأمر بحبسه في قلعة سو، ثم في قلعة ذهك ولبث
بهما سبع سنين، ثم نقلوه إلى قلعة نائي وأقام بها ثلاث سنين، وأنشأ لاستخلاصه رقائق
أبيات تحرق الصدور وتذيب الصخور وأرسلها إلى السلطان وغلى نوابه فلم يلتفوا إليه
عشر سنين، ثم خلصه من الأسر لشفاعة أبي القاسم الخاص فرجع إلى الهند واعتزل في
بيته زماناً.
ولما تولى المملكة السلطان مسعود بن إبراهيم الغزنوي وأمر على بلاد الهند ولده عضد
الدولة شيرزاد وجعل أبا النصر هبة الله الفارسي نائباً عنه في الأعمال ولاه أبو نصر على
جالندهر من أعمال لاهور، فسار إليهما واشتغل بالحكومة مدة، ولما عزل أبو نصر عن
الوزارة عزلوه أيضاً وحبس في قلعة مرنج فلبث بها نحو تسع سنين، وأنشأ بديع القصائد في
مدائح الأمراء فلم يلتفت إليه أحد منهم حتى وفق الله سبحانه ثقة الملك طاهر بن علي بن
مشكان الوزير فتقدم إلى شفاعته وأطلقه السلطان مسعود بن إبراهيم من الأسر، فاعتزل في
بيته بمدينة لاهور.
قال العوفي: له ثلاثة دواوين في الألسنة الثلاثة: العربية والفارسية والهندية، وديوانه الفارسي
متداول في أيدي الناس، وأما العربي والهندي فطارت بهما العنقاء، قال: وله كتاب جمع فيه
مختاراته من أبيات الفردوسي في شاهنامه، وقد أورد الرشيد الوطواط في حدائق السحر
عدة أبيات له بالعربية.
ومن حبسياته
رسيد عيدو من از روىء حور دلبر دور جكونه باشم بي روىء آن بهشتي حور
مراكه كويد كاي دوست عيد فرخ باد نكار من به لهاوور ومن به نيشايور
قد ركضت في الدجى علينا دهما خدارية الأعنه
فبت اقتاسها فكانت حبلى نهارية الأجنه(1/81)
حميد الدين مسعود بن سعد اللاهوري
الشيخ الفاضل حميد الدين مسعود بن سعد اللاهوري المشهور بشالي كوب، ذكره نور
الدين محمد العوفي في لباب الألباب وقال: إنه كان من الشعراء المفلقين، قال: وسمعت بعض
الأكابر في لاهور ينشد له قطعة في صفة القلم وهي لطيفة:
حبذا ملك همايون توكاب جشمش بي كمان دارد خاصيت آب حيوان
هست اسرار نهان در دل اوبسياري تا نبري سرش بيدا نكند سر نهان
دو زبان باشد نمام ودرين نيست شكى نيست نام جه كرهست مراورا دوزبان
كه كهي زاد شود كريد جون ابربهار ازغم آنكه تنى دارد جون برك خزان
بخورد مشك بس از ديده فرو بارد در مشك خواري نه بديدم كه بود در باران
إلى غير ذلك من الأبيات.
أبو نصر هبة الله الفارسي
الصاحب الكبير قوام الملك نظام الدين أبو نصر هبة الله الفارسي كان من رجال الدولة
الغزنوية، فتح البلاد وعمرها ببذله وعطائه وبنى زاوية جميلة بلاهور، ذكره نور الدين محمد
العوفي في كتاب لباب الألباب، قال: ولاه السلطان إبراهيم بن مسعود الغزنوي الوزارة الجليلة
فمرض يوم ولي الوزارة ومات، ومن أبياته قوله في ذلك:
دريغا كوهر فضلم كه در ضدم وبال آمد بجشم حاسدان لعلم همه سنك وسفال آمد
جو كلك اندر بنان من بديدي خاطر نحوي مراتب را خبر دادي كه هان عز وجلال#
آمد
جو زخم تيغ من ديدي نشه هندوستان درهند بدستور ارمغان كفتي كه سام بور زال#
آمد
نماز بامدادي مر نظامي را كمر بستم نماز شام فرزند مرا نعي زوال آمد
قال محمد بن عبد الوهاب القزويني في تعليقاته على لباب الألباب للعوفي: وفي مدحه قصائد
غراء لمسعود بن سعد بن سلمان اللاهوري، وفيها أبيات تدل على أن أبا نصر مات في أيام
أرسلان شاه بن مسعود بن إبراهيم الغزنوي ما بين سنة 509 وسنة 511، قال مسعود:
بو نصر فارسي ملكا جان بتو سبرد زيرا سزاي مجلس عالي جز آن نداشت
جان داد در هوات كه باقيت باد جان اندر خور نثار جز آن باك جان نداشت
شصت وسه بود عمرش جون عمر مصطفى افزون ازين مقامي اندر جهان نداشت
فظهر من ذلك أن ولد أبي نصر مرض يوم ولي الوزارة أبوه ومات في ذلك اليوم، يدل عليه
قول الفارسي: نماز شام فرزند مرا نعي زوال آمد، وأما الفارسي فإنه توفي في أيام أرسلان
شاه وله ثلاث وستون سنة كما يدل عليه قول مسعود، وأما قول العوفي: إنه مرض يوم ولي
الوزارة ومات، فلعله من سهو القلم له أو للكتاب.
يوسف بن أبي بكر الكرديزي
السيد الشريف يوسف بن أبي بكر بن علي بن محمد بن الحسين بن محمد بن علي بن
الحسين بن علي بن محمد الديباج بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين السبط الشيخ
جمال الدين يوسف الكرديزي ثم الملتاني العابد الزاهد الفقيه، ولد بقرية كرديز من أعمال
غزنة سنة خمسين وأربعمائة، وأخذ عن أبيه عن جده عن الشيخ أبي يزيد البسطامي
وقيل: إنه أخذ عن جده، وانتقل من كرديز إلى ملتان وتولى الشياخة بها، أخذ عنه خلق
كثير،(1/82)
وكان عظيم الورع، شديد التعبد، كثير الخشية لله سبحانه، يذكر له كشوف
وكرامات، توفي لاثنتي عشرة خلون من ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة بمدينة
ملتان فدفن بها، كما في جمال يوسف.
يوسف بن محمد الدربندي
الأمير الفاضل يوسف بن محمد الدربندي جمال الفلاسفة ثقة الدين اللاهوري، كان من
الأفاضل المشهورين في عصره، خدم الملوك الغزنوية ونال المدارج العالية في الإمارة في أيام
خسرو ملك بن خسرو شاه الغزنوي ثم رفض الدنيا وأسبابها واعتزل بمدينة لاهور، وله
أبيات رقيقة رائقة في المديح والتغزل أنشأها في شبابه منها قوله:
جانا جفا مكن كه را نه در خوريممز آن به كه در زمانه وفا را ببروريم
تاكي براي وصل تو دل در فنا نهيم تاكي زدست هجر تو خون در جكر خوريم
در ما جه ديده كه همي بنكري تو بيش بكداز تا بروي تويكبار بنكريم
إلى غير ذلك من الأبيات، مات ودفن بلاهور، وقبره يزار ويتبرك به، كما في لباب الألباب
للعوفي.(1/83)
الطبقة السابعة
في أعيان القرن السابع
حرف الألف
الشيخ
أبو بكر بن يوسف السجزي
الشيخ العالم الكبير العلامة أبو بكر بن يوسف بن الحسين السقراني الإمام سراج الدين
السجزي أحد كبار العلماء المبرزين في الفقه والأصول والعربية، درس وأفاد مدة طويلة بدار
الملك دهلي في عهد السلطان غياث الدين بلبن ومن قبله من الملوك، أخذ عنه جمع كثير
من العلماء، وكان السلطان غياث الدين المذكور يكرمه غاية الإكرام ويتردد إليه في كل
أسبوع بعد صلاة الجمعة ويحظى بصحبته، كما في تاريخ فرشته.
الشيخ
أحمد بن علي الترمذي
السيد الشريف العفيف أحمد بن علي بن الحسين بن محمد بن الحسن بن موسى بن علي
بن الحسين بن محمد بن الحسين السبط- على جده وعليه السلام- كان من السادة القادمين
إلى أرض الهند، ولد ونشأ بمدينة ترمذ وانتقل إلى لاهور بعد ما توفي والده فسكن بها
وأعقب، ونهض من أعقابه جماعة من العلماء تفوق الإحصاء وهم يدعون بالسادة الترمذية،
وكانت وفاته في سنة اثنتين وستمائة بلاهور، كما في خزينة الأصفياء.
الشيخ
أحمد بن محمد الهانسوي
الشيخ الصالح الفقيه أحمد بن محمد بن مظفر بن إبراهيم الخطيب جمال الدين النعماني
الهانسوي أحد كبار المشايخ الجشتية، ولد ونشأ بمدينة هانسي، وأخذ الطريقة عن الشيخ
فريد الدين مسعود الأجودهني، ولأجله أقام الشيخ المذكور بمدينة هانسي اثنتي عشرة
سنة، وكان إذا استخلف أحداً وكتب له الإجازة بعث بها إلى جمال الدين، فإن قبلها
الجمال وأثبت عليها خاتمه قبلها الشيخ أيضاً وإن ردها الجمال ردها الشيخ. يقول: لا برتق
ما فتقه الجمال ويقول: الجمال جمالي، وله رسالة سماها بالملهمات بالعربية، وله ديوان شعر
بالفارسي ومن شعره قوله:
تا حكم سماع را بداني در حال در حرمت وحلتش سخن كفت جمال
أصحاب نفوس را حرام است حرام أرباب قلوب را حلال است حلال
مات في سنة تسع وخمسين وستمائة، كما في أخبار الأخيار.
كمال الدين أحمد الدحميني
الشيخ العالم الكبير كمال الدين أحمد الدحميني المحدث،(1/85)
ذكره الذهبي في كتابه العبر فيمن
غبر، قال: إنه مات بالهند سنة إحدى وسبعين وستمائة.
نجم الدين أبو بكر
صدر الملك نجم الدين أبو بكر الدهلوي أحد رجال السياسة، إستوزره علاء الدين
مسعود شاه سنة أربعين وستمائة، وعزله ناصر الدين محمود بن التمش سنة إحدى
وخمسين وستمائة، وولي الوزارة مرة ثانية يوم الأحد سادس ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين
وستمائة، وعزل يوم الأربعاء ثامن رمضان سنة خمس وخمسين وستمائة، ذكره منهاج الدين
الجوزجاني في الطبقات.
الشيخ
أبو بكر الطوسي
الشيخ الصالح أبو بكر الحيدري الطوسي أحد المشايخ المشهورين في عصره، قدم دهلي
على عهد السلطان غياث الدين بلبن وسكن بها على نهر جمن وبنى زاوية كبيرة، وكان
يطعم الفقراء والمساكين ويستمع الغناء، وكان قلندري المشرب ولكنه كان غاية في اتباع
الشريعة، وكان الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد الخطيب الهانسوي يعترف بفضله وكماله
ويتردد إليه ويحظى بصحبته، كما في أخبار الأخيار.
الشيخ
أبو غفار الحسيني الخوارزمي
الشيخ الصالح أبو غفار بن جمال الدين الحسيني الرضوي الخوارزمي أحد العلماء المبرزين
في المعارف الإلهية، انتقل والده من خوارزم إلى الهند في فتنة التتر فسكن بلاهور، ولما توفي
بلاهور تصدر للإرشاد بعده ولده أبو غفار.
وكان صالحاً، حسن الأخلاق، حلو المنطق، مات سنة إحدى وستين وستمائة بلاهور
فدفن بها، كما في خزينة الأصفياء.
شرف الدين أحمد الدماوندي
الشيخ الفاضل شرف الدين أحمد الدماوندي أحد الأفاضل المشهورين في عصره، أدركه
نور الدين محمد العوفي بمدينة لاهور وذكره في لباب الألباب في ترجمة أبي جعفر عمر بن
إسحاق الواشي.
الشيخ
إسحاق بن علي البخاري
الشيخ العالم الفقيه الزاهد إسحاق بن علي بن إسحاق البخاري الشيخ بدر الدين
الدهلوي كان من كبار العلماء، يتصل نسبه بعمر الأشرف بن الامام علي بن الحسين
السبط- على جده وعليه السلام-، ولد ونشأ بمدينة دهلي، وقرأ العلم على أبيه منهاج
الدين علي بن إسحاق البخاري، ودرس وأفاد مدة طويلة في المدرسة المعزية بدهلي، ثم
سافر إلى بخارا فلما بلغ إلى أجودهن وسمع مآثر الشيخ فريد الدين مسعود الأجودهني مال
إليه ولقيه، فلما آنس منه الشيخ آثار فضله وأمره بالإقامة لديه وزوجه ابنته وألبسه الخرقة،
فلازمه مدة حياته.
وكان عالماً، فقيهاً، زاهداً، سخياً، شجاعاً، شاعراً، من أهل التفنن في العلوم، مقدماً في
المعارف، كثير البكاء، شديد الخشبة، مقروح المقلة لكثرة البكاء وسيلان الدموع، أراد
الشيخ الكبير أن يبعثه للهداية والإرشاد إلى بعض البلاد كما بعث أصحابه إلى كلير
وبعضهم إلى دهلي فلم يقبل وأصر على إقامته في حضرته حتى يموت ويدفن تحت قدمه.
وله مصنفات منها أسرار الأولياء جمع فيه ملفوظات شيخه، ومنها منظومة عربية في
التصريف، مات في سادس جمادي الآخرة سنة تسعين وستمائة بأجودهن ودفن بها.(1/86)
القاضي
إسماعيل بن علي السندي
الشيخ الفاضل إسماعيل بن علي بن محمد بن موسى بن يعقوب الثقفي السندي الفقيه
الخطيب القاضي بمدينة ألور من بلاد السند ورث القضاء والخطابة من آبائه، وكان عالماً
ماهراً بالفنون الأدبية والحكمية تلوح على محياه أنوار التقديس، ذكره علي بن الحامد الكوفي
السندي في تاريخ السند وقال: إني لقيته بمدينة ألور ووجدت عنده أجزاء من تاريخ السند
وغزوات المسلمين عليها وفتوحاتهم بها بالعربية كتبها جدود القاضي فأخذت منه ونقلتها
إلى الفارسية.
الشيخ
أيوب التركماني
الشيخ الصالح أيوب بن أبي أيوب التركماني الدهلوي الزاهد كان يلبس الصوف، سكن
بمارهرة زماناً ثم دخل دهلي واعتكف برهة من الزمان في قصر الحوض السلطاني، وكان
نافذ الكلمة عند السلطان معز الدين بهرام شاه، يعتقد في فضله وصلاحه السلطان ويتلقى
إشاراته بالقبول، ذكره القاضي منهاج الدين الجوزجاني في الطبقات.
حرف الباء الموحدة
الشيخ
بدر الدين الغزنوي
الشيخ الصالح الفقيه بدر الدين الغزنوي ثم الدهلوي أحد كبار المشايخ الجشتية، قدم
لاهور في صغر سنه واشتغل بالعلم وقرأ على أساتذة عصره، ثم دخل دهلي وسمع نبأ فتنة
التتر في بلاده وبلغه أن أباه وأمه قتلا في تلك الفتنة فألقى عصاه بدهلي وسكن بها، وأخذ
الطريقة عن الشيخ قطب الدين بختيار الأوشي ولازمه فما فارقه مدة حياته وتولى الشياخة
بعده بمدينة دهلي، أخذ عنه الشيخ إمام الدين المتوفي سنة ثمانين وسبعمائة، وكانت وفاته في
حالة التواجد على سنة شيخه بدار الملك دهلي في سنة سبع وخمسين وستمائة، كما في
خزينة الأصفياء.
الشيخ
بدر الدين الدلموي
الشيخ الصالح الفقيه بدر الدين العلوي الحسيني الدلموي أحد المشايخ الجشتية ممن سعد
بصحبة الشيخ الكبير عثمان الهاروني، أخذ عنه الطريقة الجشتية وقدم الهند فسكن
بدلمؤ- بفتح الدال المهملة- على عشرة أميال من بلدتنا رايء بريلي، وقبره بها مشهور يزار
ويتبرك به مات في سنة ست وأربعين وستمائة، وعمل بعض أصحابه تاريخاً لوفاته من بدرتم
كما في مهر جهانتاب، وقد زرت قبره فقرأت في لوح على القبر بدرتم.
الشيخ
بدر الدين البدايوني
الشيخ الكبير بدر الدين أبو بكر البدايوني أحد الأولياء المشهورين في الهند، كان صنو
الشيخ حسن رسن تاب، أخذ عن أخيه ثم عن الشيخ قطب الدين بختيار الدهلوي ولبس
منه الخرقة ثم رجع إلى بدايون، وكان كأخيه يتكسب بصناعة الفتل.
قال ضياء الدين النخشبي في سلك السلوك أن أبا بكر أبتلي بمرض مرة فذهبت إليه
لعيادته فرأيته ينشد ويكرر هذا البيت:
اين تن جو غباري است ميان من وتو آمد وقتي كه از ميان بر خيزد
توفي في القرن السابع، كما في مهر جهانتاب.(1/87)
الشيخ
بدر الدين السمرقندي
الشيخ العالم الفقيه بدر الدين الفردوسي السمرقندي ثم الدهلوي أحد المشايخ المشهورين
بأرض الهند، أخذ الطريقة عن الشيخ سيف الدين الباخرزي ولازمه مدة من الزمان، وقيل:
إنه أخذ عن الشيخ نجم الدين الكبري بدون واسطة الباخرزي، والصحيح أنه أدرك الشيخ
نجم الدين المذكور ولم يأخذ عنه بل أخذ عن الباخرزي وهو عن الشيخ نجم الدين الكبري
صاحب الطريقة، كما في مناقب الأصفياء، قدم دهلي في أيام الشيخ قطب الدين بختيار
الأوشي، وكان حسن الصورة والسيرة غالياً في استماع الغناء، وكان إذا أقبل على أحد
من أصحابه في حالة السماع يحصل له ذوق ووجد، وهو أول من دخل الهند من مشايخ
الطريقة الفردوسية وسكن بها، أخذ عنه الشيخ ركن الدين الدهلوي وخلق آخرون، مات
في أيام الشيخ نظام الدين محمد البدايوني الدهلوي، كما في أخبار الأخيار، وما في خزينة
الأصفياء: أنه توفي سنة ست عشرة وسبعمائة، لا يصلح للاعتماد عليه.
مولانا
برهان الدين البزار
الشيخ الفاضل العلامة برهان الدين البزار الحنفي الدهلوي أحد كبار الفقهاء في عصر
السلطان غياث الدين بلبن، كان يدرس ويفيد بدار الملك دهلي، وكان السلطان يكرمه غاية
الإكرام، ذكره البرني في تاريخه.
مولانا
برهان الدين النسفي
الشيخ العالم الكبير برهان الدين النسفي أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول والعربية،
كان يدرس ويفيد بدار الملك دهلي، أخذ عنه خلق كثير من العلماء والمشايخ.
وكن إذا أتى إليه رجل للعلم يشترط عليه ثلاثة أمور: الأول أنه لا يأكل في اليوم والليلة إلا
مرة واحدة ما يشتهيه من الطعام، والثاني أنه لا يتأخر عن الحضور في الدرس يوماً من الأيام
فإن تقاصر عنه ولو مرة واحدة لا يقرئه أبداً، والثالث أنه إذا لقيه في الطريق فيكتفي بالتحية
المسنونة ولا يزيد على ذلك من تقبيل الرجل وغيره- انتهى ما في فوائد الفؤاد.
حرف التاء المعجمة
تاج الدين الدز المعزي
الأمير الكبير تاج الدين الدز التركي المعزي كان أول مماليك السلطان شهاب الدين الغوري
وأكبرهم وأقدمهم وأكبرهم محلاً عنده بحيث أن أهل شهاب الدين كانوا يخدمونه ويقصدونه
في أشغالهم، فلما قتل شهاب الدين سنة اثنتين وستمائة طمع أن يملك غزنة واستولى على
الأموال والسلاح والدواب وغير ذلك مما كان صحبة شهاب الدين في سفره وجمع له العساكر
من أنواع الناس الأتراك والخلج والغزو غيرهم وسار إلى غزنة، فسبقه علاء الدين بن بهاء
الدين سام وملكها، وكان والده بهاء الدين سام ابن أخت شهاب الدين فقاتله وأجلاه إلى
أقطاعه باميان وأقام بداره أربعة أيام يظهر طاعة غياث الدين محمود بن محمد بن سام بن
الحسين الغوري إلا أنه لم يأمر الخطيب بالخطبة له ولا لغيره وإنما يخطب للخليفة ويترحم
على شهاب الين الشهيد فحسب، فلما كان اليوم الرابع قبض على أميرداد والي غزنة فلما
كان الغد أحضر القضاة والفقهاء والمقدمين وأحضر أيضاً رسول الخليفة وهو الشيخ مجد
الدين أبو علي بن الربيع الفقيه الشافعي مدرس النظامية ببغداد، وكان قد ورد إلى غزنة
رسولاً إلى شهاب الدين فقتل شهاب الدين وهو بغزنة فأرسل إليه وإلى قاضي غزنة يقول له:
إنني أريد أن أنتقل إلى الدار السلطانية وأن أخاطب بالملك ولا بد من(1/88)
حضورك والمقصود
من هذا أن تستقر أمور الناس، فحضر عنده فركب الناس في خدمته وعليه ثياب الحزن
وجلس في الدار في غير مجلس كان يجلس فيه شهاب الدين، فتغيرت لذلك نيات كثير من
الأتراك لأنهم كانوا يطيعونه ظناً منهم أنه يريد الملك لغياث الدين، وكتب غياث الدين إلى
الدز يطلب منه الخطبة والسكة وسير له الخلع فلم يفعل وأعاد الجواب فغالطه وطلب منه
أن يخاطبه بالملك وأن يعتقه من الرق لأن غياث الدين ابن أخ سيده لا وارث له سواه وأن
يزوج ابنه بابنة الدز فلم يجبه إلى ذلك.
واتفق أن جماعة من الغوربين من عسكر صاحب باميان أغاروا على أعمال كرمان
وسوران وهي أقطاع الدز القديمة فغنموا فأرسل صهره صونج في عسكر فلقوا عسكر
الباميان فظفر بهم وقتل منهم كثيراً، وأجرى الدز في غزنة رسوم شهاب الدين وفرق في
أهلها أموالاً جليلة المقدار، وألزم مؤيد الملك بن خواجه السجستاني الذي كان وزيراً
لشهاب الدين أن يكون وزيراً له فامتنع من ذلك فألح عليه فأجابه على كره منه فدخل على
مؤيد الملك صديق له يهنئه فقال: بماذا تهنئني من بعد ركوب الجواد بالحمار! وأنشد:
ومن ركب الثور بعد الجوا د أنكر اطلاقه والغبب
بينا الدز يأتي إلى بابي ألف مرة حتى آذن له في الدخول أصبح على بابه-! ولولا حفظ
النفس مع هؤلاء الأتراك لكان لي حلم آخر، فبينما الدز في هذا أتى الخبر بقرب صاحب
باميان في العساكر الكثيرة فجهز الدز كثيراً من عسكره وسيرهم إلى طريقهم ولقوا أوائل
العسكر فقتل من الأتراك وأدركهم العسكر فلم يكن لهم قوة بهم فانهزموا ووصلوا إلى
غزنة، فخرج عنها الدز منهزماً يطلب بلدة كرمان فأدركه بعض عسكر باميان فقاتلهم قتالاً
شديداً فردهم عنه وأحضر من كرمان مالاً كثيراً وسلاحاً ففرقه في العسكر، وسار عن
كرمان وملك صاحب باميان كرمان وغزنة ونهبها، ثم جمع الدز ومن معه من الأتراك
عسكراً كثيراً وعادوا إلى غزنة ونزلوا بإزاء قلعة غزنة وأمر الدز فنودي في البلد بالأمان
وتسكين الناس من أهل البلد.
وملك القلعة بعد زمان وأسر صاحب باميان وكتب إلى غياث الدين بالفتح وأرسل إليه
الأعلام وبعض الأسرى فكتب إليه غياث الدين يطالبه بالخطبة له فأجابه في هذه المرة أشد
منه فيما تقدم، فأعاد غياث الدين إليه يقول: إما أن تخطب لنا وإما أن تعرفنا ما في
نفسك! فلما وصل الرسول بهذا أحضر خطيب غزنة وأمره أن يخطب لنفسه بعد الترحم
على شهاب الدين، فخطب لتاج الدين الدز بغزنة، فلما سمع الناس ذلك ساءهم وتغيرت
نياتهم ونيات الأتراك الذين معه ولم يروه أهلاً أن يخدموه، وإنما كانوا يطيعونه ظناً منهم أنه
ينصر دولة غياث الدين، فلما خطب لنفسه أرسل إلى غياث الدين يقول له: بماذا تشتط
علي وتتحكم؟ هذه الخزانة نحن جمعناها بأسيافنا وهذا الملك قد أخذته وأنت وعدتني
بأمور لم تف بها فإن أنت أعتقتني خطبت لك وحضرت خدمتك، فلما وصل الرسول أجابه
غياث الدين إلى عتق الدز بعد الامتناع الشديد وأرسل إليه ألف قباء وألف قلنسوة
ومناطق الذهب وسيوفاً كثيرة وجتر ومائة رأس من الخيل فقبل الدز الخلع ورد الجتر وقال:
نحن عبيد ومماليك والجتر له أصحاب.
ثم إنه لما سمع أن غياث الدين يريد أن يصالح خوارزم شاه جزع لذلك جزعاً عظيماً،
وسار إلى تكياباد فأخذها وإلى بست وتلك الأعمال فملكها وقطع خطبة غياث الدين
منها، وقتل غياث الدين محمود سنة أربع وستمائة قتله خوارزم شاه وملك خوارزم شاه
غزنة وأعمالها سنة اثنتي عشرة وستمائة وهرب الدز إلى لاهور فلقيه صاحبها ناصر الدين
قباجه ومعه نحو خمسة عشر ألف فارس وكان قد بقي مع الدز نحو ألف وخمسمائة فارس
فوقع بينهما مصاف واقتتلوا فانهزمت ميمنة(1/89)
الدز وميسرته وأخذت الفيلة التي معه ولم يبق
له غير فيلين معه في القلب فكشف الدز رأس وقال: إما ملك وإما هلك، واختلط الناس
بعضهم ببعض فانهزم قباجه وملك الدز مدينة لاهور ثم سار إلى بلاد الهند فلما سمع به
شمس الدين الايلتمش صاحب الهند سار إليه في عساكره كلها فلقيه عند مدينة سامانة
فاقتتلوا فانهزم وأخذ وقتل.
وكان الدز محمود السيرة في ولايته كثير العدل والاحسان إلى الرعية لا سيما التجار
والغرباء، ومن محاسن أعماله أنه كان له أولاد ولهم معلم يعلمهم فضرب المعلم أحدهم
فمات، فأحضره الدز وقال له: يا مسكين! ما حملك على هذا؟ فقال: والله! ما أردت إلا
تأديبه فاتفق أن مات، فقال: صدقت، وأعطاه نفقة وقال له: تغيب! فإن أمه لا تقدر على
الصبر فربما أهلكتك ولا أقدر أمنع عنك، فلما سمعت أم الصبي بموته طلبت الأستاذ لتقتله
فلم تجده فسلم، وكان هذا من أحسن ما يحكى عن أحد من الناس، كما في الكامل.
مولانا
تاج الدين الدهلوي
الشيخ الفاضل تاج الدين الدهلوي الدبير المشهور بريزه ولي ديوان الرسائل في عهد السلطان
شمس الدين الايلتمش، وكان فاضلاً شاعراً مجيد الشعر، وكان حقير الجثة ولذلك لقبوه
بريزه معناه التفتيت، ومن شعره قوله يهنىء السلطان شمس الدين بفتح قلعة كواليار سنة
630:
هو قلعه كه سلطان سلاطين بكرفت از عون خدا ونصرت دين بكرفت
آن قلعه كاليور وآن حصن حصين در ستمائة سنة ثلاثين بكرفت
وقوله في ركن الدين بن الايلتمش
مبارك باد ملك جاوداني ملك را خاصه در عهد جواني
يمين الدوله ركن الدين كه آمد درش از يمن جون ركن يماني
مولانا
تقي الدين الإنهونوي
الشيخ الفاضل تقي الدين بن محمود الإنهونوي الأودي كان من رجال العلم والطريقة، يذكره
الشيخ نظام الدين البدايوني بالخير، وقبره بإنهونه- بكسر الهمزة- قرية من أعمال رايء
بريلي، وكان شقيق داود بن محمود، كما في مهر جهانتاب.
حرف الجيم
القاضي
جلال الدين الكاشاني
الشيخ العالم القاضي جلال الدين الكاشاني كان قاضي الممالك بدار الملك دهلي، عزله
عنه معز الدين بهرام شاه سنة تسع وثلاثين وستمائة واتهمه بأنه يريد أن يخلع السلطان فسار
نحو أوده وولي القضاء بها، ولما ولي المملكة علاء الدين مسعود شاه قربه إليه وبعثه إلى
لكهنوتي سنة إحدى وأربعين وستمائة بالسفارة إلى الأمير طغانخان نائبه على بلاد
لكهنوتي، وولي قضاء الممالك مرة ثانية يوم الاثنين عاشر جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين
وستمائة في أيام السلطان ناصر الدين محمود بن الايلتمش، مات يوم الجمعة سابع عشر ذي
القعدة سنة ثمان وأربعين وستمائة، كما في طبقات ناصري.
حرف الحاء
حسن بن أحمد الأشعري
الأمير الكبير بهاء الملك تاج الدين الحسن بن شرف الملك رضى الدين أبي بكر أحمد
الأشعري أحد الرجال المعروفين في الجود والكرم، كان من نسل أبي موسى الأشعري،
استوزره السلطان ناصر الدين قباجه ملك السند فخدمه إلى سنة خمس وعشرين
وستمائة، ولما هلك(1/90)
ناصر الدين وملك بلاده شمس الدين الايلتمش الدهلوي لحق به وخدمه
إلى وفاته ثم خدم ولده ركن الدين فيروزشاه، ولما خرج على فيروزشاه الأمراء وحبسوه قتل
غلمان جماعة من الأمراء منهم بهاء الملك الأشعري لعله سنة أربع وثلاثين وستمائة.
الشيخ معين الدين
حسن بن الحسن السجزي الأجميري
الشيخ الإمام الزاهد الكبير الحسن بن الحسن السجزي شيخ الاسلام معين الدين الأجميري
الولي المشهور، كان مولده سنة سبع وثلاثين وخمسمائة ببلدة سجستان، وتوفي أبوه وهو في
الخامسة عشرة من سنه وأعقب له بستاناً ورحى فاسترزق بهما مدة، ثم أخذته الجذبة
الربانية فترك ما له من العروض والعقار وسافر إلى سمرقند فحفظ القرآن وقرأ العلم حيثما
أمكن له، ثم سافر إلى بلاد أخرى ودخل هارون قرية من أعمال نيسابور وأدرك بها الشيخ
عثمان الهاروني فلازمه وأخذ عنه الطريقة وصحبه عشرين سنة، ثم قدم الهند وأقام بمدينة
لاهور واعتكف على قبر الهجويري والزنجاني، ثم قدم دهلي ثم سار إلى أجمير وسكن بها
وكانت تحت سلطة الهنود في ذلك الزمان فأسلم على يده خلق كثير، ويذكر له كشوف
وكرامات ووقائع غريبة والاحاطة ببعض البعض من مناقب هذا الإمام تقصر عنها ألسن
الأقلام، فمن رام الوقوف على ما يكون له من أعظم العبر فلينظر سيرته، في سير الأولياء
وأخبار الأخيار وغيرهما من الكتب المعتبرة.
توفي يوم الاثنين سادس رجب سنة سبع وعشرين وقيل اثنتين وثلاثين وقيل ثلاث وثلاثين
وستمائة وله خمس وتسعون، وقبره مشهور ظاهر بمدينة أجمير يزار ويتبرك به.
الشيخ
صلاح الدين حسن الكيتهلي
الشيخ الصالح حسن بن محمد بن الحسين بن علي البلخي أبو المجاهد صلاح الدين قدم
الهند وقاتل الهنود واستشهد بكيتهل لتسع خلون من ذي الحجة سنة عشرين وستمائة،
وبنى الملوك على قبره قبة عظيمة كتبوا عليها: إن هذه المقبرة للصدر الشهيد الشيخ الكبير
صلاح الدين أبي المجاهد الحسن بن محمد بن الحسين بن علي الأكبر البلخي وقد عاش
ثمانياً وتسعين سنة ومات في يوم الجمعة التاسع من ذي الحجة سنة عشرين وستمائة.
الشيخ
حسن بن محمد الصغاني
الشيخ الإمام الكبير رضى الدين أبو الفضائل الحسن بن محمد بن الحسن ابن حيدر بن
علي العدوي العمري الصغاني- بفتح الصاد المهملة وتخفيف الغين المعجمة- ويقال:
الصاغاني، نسبة إلى صاغان معرب جاغان قرية بمرو، ولد بمدينة لاهور في خامس عشر
من صفر سنة سبع وخمسين وخمسمائة في أيام خسرو ملك بن خسروشاه الغزنوي.
فلما ترعرع وبلغ أشده أخذ العلم عن والده، وعرض عليه قطب الدين أيبك القضاء بمدينة
لاهور فلم يجبه إلى ذلك ورحل إلى غزنة يدرس ويفيد بها ثم دخل العراق وأخذ عن
علمائها واستجاز عن جمع كثير من العلماء ثم رحل إلى مكة المباركة فحج وأقام بها مدة
وسمع الحديث بها وببلدة عدن ثم رجع إلى بغداد سنة خمس عشرة وستمائة في أيام
الناصر لدين الله الخليفة العباسي فطلبه وخلع عليه وأرسله بالرسالة الشريفة إلى صاحب
الهند شمس الدين(1/91)
الايلتمش سنة سبع عشرة وستمائة فبقي بها مدة، ثم خرج من الهند
سنة أربع وعشرين وستمائة فحج ودخل اليمن ثم عاد إلى بغداد ثم أعيد إلى الهند رسولاً
من حضرة المستنصر بالله العباسي إلى رضية بنت الايلتمش ملكة الهند، ورجع إلى بغداد
سنة سبع وثلاثين وستمائة وتوفي بها فدفن بداره في الحريم الظاهري ثم نقل جسده إلى مكة
وكان أوصى بذلك وجعل لمن يحمله إلى مكة ويدفنه بها خمسين ديناراً.
قال الدمياطي: وكان معه طالع مولود وقد حكم فيه بموته في وقته فكان يترقب ذلك اليوم
فحضر ذلك اليوم وهو معافى فعمل لأصحابه طعاماً شكراً لذلك، وفارقناه وعديت إلى
الشط فلقيني شخص أخبرني بموته فقلت له: الساعة فارقته! فقال: والساعة وقع الحمام-
يخبر بموته فجاءة- انتهى.
وكان شيخاً صالحاً صموتاً عن فضول الكلام فقيهاً محدثاً لغوياً ذا مشاركة تامة في العلوم،
سمع الحديث بمكة وعدن والهند من شيوخ كثيرين وأدرك الكبار، وجمع وصنف، ووثق
وضعف، وسارت بتصانيفه الركبان، وخضع لعلمه علماء الزمان، قال السيوطي: إنه كان
حامل لواء اللغة، وقال الذهبي: إن إليه المنتهى في اللغة، وقال الدمياطي: إنه كان إماماً في
اللغة والفقه والحديث، وأن الصغاني أنشدنا لنفسه:
تسربلت سربال القناعة والرضا صبياً وكانا في الكهولة ديدنى
وقد كان ينهاني أبي حف بالرضا وبالعفو أن أولى يدا من يدي دنى
قد أخذ عنه الشيخ شرف الدين الدمياطي ونظام الدين محمود بن عمر الهروي ومحيي
الدين أبو البقاء صالح بن عبد الله بن جعفر بن علي بن صالح الأسدي الكوفي المعروف
بابن الصباغ والشيخ برهان الدين محمود بن أبي الخير أسعد البلخي وشارح آثار النيرين في
أخبار الصحيحين وخلق آخرون.
ومن مصنفاته مشارق الأنوار النبوية في صحاح الأخبار المصطفوية، جمع فيه من الأحاديث
الصحاح عدداً على ما عد الشارح الكاذروني ألفين وستة وأربعين حديثاً وبين في أول كل
باب أو نوع عدد أحاديثه وقال: هذا كتاب أرتضيه وأستضىء بضيائه والعمل بمقتضاه
لخزانة المستنصر بن الظاهر بن الناصر بن المستضىء العباسي، أوله الحمد لله محيي الرمم
ومجري القلم- الخ، ذكر فيه: أني لما فرغت من مصباح الدجى والشمس المنيرة ضممت
إليهما ما في كتابي النجم والشهاب لتجتمع الصحاح، قال: وهذا الكتاب حجة بيني وبين الله
في الصحة والرضا، ورمز به بالحروف فالخاء إشارة إلى البخاري والميم لمسلم والقاف لما
اتفقا عليه، ورتبه بترتيب أنيق جعله اثنى عشر باباً، الأول على فصلين الأول في ما ابتدأ
بمن الموصولة أو الشرطية والثاني فيما ابتدأ بمن الاستفهامية، الثاني في أن وفيه عشرة
فصول، الثالث في لا، الرابع في إذ وإذا، الخامس في فصلين الأول في ما وأنواعها والثاني في يا
وأقسامها، السادس فيه اثنا عشر فصلاً في بعض الكلمات كقد ولو وبين وهكذا، السابع
فيه سبعة عشر فصلاً كالمبتدأ والمعرف وما أشبه ذلك، الثامن فيه ستة فصول، التاسع في
العدد ونحوه، العاشر في الماضي، الحادي عشر في لام الابتداء، الثاني عشر في الكلمات
القدسية.
وشروحه كثيرة ذكر جملة من ذلك الجلبي في كشف الظنون ونحن نطوي الكشح عن ذلك
روماً للاختصار.
ومن مصنفاته مصباح الدجى في حديث المصطفى قال الجلبي في كشف الظنون: وهو
كتاب محذوف الأسانيد، ومنها الشمس المنيرة وهو أيضاً في الحديث، ومنها العباب الزاخر
في اللغة- في عشرين مجلداً، قال الجلبي في كشف الظنون: إن الصغاني مات قبل أن يكمله
بلغ فيه إلى الميم ووقف في مادة بكم ولهذا قيل:(1/92)
إن الصغاني الذي حاز العلوم والحكم
كان قصارى أمره أن انتهى إلى بكم
قال: وترتيبه كصحاح الجوهري، وقد جمع تاج الدين ابن مكتوم أبو محمد أحمد بن عبد
القادر القبسي الحنفي المتوفي سنة تسع وأربعين وسبعمائة بينه وبين الحكم.
ومنها مجمع البحرين في اللغة، والنوادر في اللغة والتراكيب، وأسماء الفارة، وأسماء الأسد،
وأسماء الذئب، وله شرح على صحيح البخاري، ودرة السحابة في وفيات الصحابة
والعروض، وشرح أبيات المفصل، وبغية الصديان وكتاب الافتعال وشرح القلادة السمطية في
توشيح الدريدية وله كتاب الفرائض وله رسالتان جمع فيهما الأحاديث الموضوعة، قال الشيخ
عبد الحي بن عبد الحليم اللكهنوي في الفوائد البهية: أدرج فيهما كثيراً من الأحاديث غير
الموضوعة فعد لذلك من المشددين كابن الجوزي وصاحب سفر السعادة وغيرهما من
المحدثين، قال السخاوي في فتح المغيث بشرح ألفية الحديث: ذكر- أي الصاغاني- فيهما
أحاديث من الشهب للقضاعي والنجم للاقليشي وغيرهما كأربعين ابن ودعان- بتقديم الواو
على الدال المهملة- والوصيلة لعلي بن أبي طالب وخطبة الوداع وأحاديث أبي الدنيا
الأشج ونسطور ونعيم بن سالم ودينار وسمعان وفيها أيضاً من الصحيح والحسن وما فيه
ضعف يسير- انتهى، وكانت وفات سنة خمسين وستمائة.
الشيخ
حسن البدايوني
الشيخ الصالح حسن بن أبي الحسن البدايوني المشهور برسن تاب- ومعناه الفتال- كان
من رجال العلم والمعرفة، قرأ العلم على القاضي حسام الدين الملتاني المقبور بمدينة بدايون،
وأخذ عن القاضي حميد الدين محمد بن عطاء الناكوري، ولازمه مدة من الزمان حتى بلغ
رتبة الكمال، وأخذ عنه صنوه بدر الدين أبو بكر، وكان يتكسب بصناعة القتل، مات
ودفن ببدايون، كما في مهرجهانتاب.
حسين خنك سوار الأجميري
السيد الشريف حسين بن أبي عبد الله الحسيني المشهدي أحد الرجال المعروفين بالفضل
والصلاح، ولاه السلطان شهاب الدين الغوري أو نائبه قطب الدين أيبك على مدينة أجمير
حين ملكها فلم يزل بها إلى أن مات، وأسل على يده خلق كثير من الوثنيين فسخط عليه
عباد الأصنام وقتلوه، وكانت له محبة صادقة للشيخ معين الدين حسن السجزي، صاحبه
مدة حياته بتلك المدينة وكان يدعى بخنك سوار- بكسر الخاء المعجمة- معناه راكب
الفرس، مات في عاشر رجب سنة سبع وستمائة، كما في أخبار الأصفياء.(1/93)
حسين بن أحمد الأشعري
الأمير الكبير عين الملك فخر الدين الحسين بن شرف الملك رضى الدين أبي بكر أحمد
الأشعري أحد أجواد الدنيا، كان من نسل أبي موسى الأشعري الصحابي رضي الله تعالى
عنه، استوزره السلطان ناصر الدين قباجه ملك السند فخدمه من سنة اثنتين وستمائة إلى
خمس وعشرين وستمائة، ولما هلك ناصر الدين وملك بلاده شمس الدين الايلتمش الدهلوي
لحق به فاستوزره لولده ركن الدين فيروزشاه.
وكان فاضلاً كبيراً محباً لأهل العلم محسناً إليهم، صنف له نور الدين محمد بن محمد العوفي
كتابه لباب الألباب سنة سبع عشرة وستمائة.
الشيخ
حسين بن علي البخاري
السيد الشريف جلال الدين الحسين بن علي بن جعفر بن محمد بن محمود بن أحمد بن
عبد الله بن علي بن جعفر بن علي بن محمد بن الإمام علي الرضا، كان من رجال العلم
والمعرفة، ولد بمدينة بخارى ونشأ بها وقرأ العلم وتأدب على والده.
ثم قدم الهند مع ولديه علي وجعفر فلما وصل إلى مدينة بهكر زوجه بدر الدين بن صدر
الدين الحسيني البهكري ابنته زهرة، ثم سار إلى ملتان ولقي بها الشيخ بهاء الدين زكريا
الملتان سنة خمس وثلاثين وستمائة فصحبه ولازمه وأخذ عنه ورجع إلى بهكر، ولما ماتت
صاحبته زهرة تزوج بأختها فاطمة، ولبث بمدين بهكر مدة من الزمان ثم انتقل إلى مدينة اج
لمنازعة كانت بين ذوي قرابته، ورزق ولدين من فاطمة محمداً وأحمد.
وكان عالماً كبيراً عارفاً فقيهاً زاهداً صالحاً منقطعاً إلى الله سبحانه، وكان يدرس ويفيد،
أخذ عنه خلق كثير من العلماء والمشايخ، وبارك الله في ذريته الصالح فملأ وآفاق الهند،
كما في تذكرة السادة البخارية لعلي أصغر الكجراتي.
وكانت وفاته في التاسع عشر من جمادى الأولى سنة خمس وتسعين وستمائة، كما في
خزينة الأصفياء.
الشيخ
حسام الدين الملتاني
الشيخ الصالح حسام الدين الملتاني أحد الرجال المشهورين بالعلم والمعرفة، أخذ الطريقة
عن الشيخ صدر الدين محمد بن زكريا الملتاني ورحل إلى مدينة بدايون فسكن ومات بها،
وكان رأى في الرؤيا الصادقة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنه يتوضأ على بركة ماء خارج
البلدة فتسارع إلى ذلك المقام فرأى فيه الأثر فأوصى بأن يدفنوه بذلك المقام فلما مات دفن
به، كما في فوائد الفؤاد وكانت وفاته سنة سبع وثمانين وستمائة، كما في خزينة الأصفياء.
حسام الدين الماريكلي
الفاضل الحكيم حسام الدين الماريكلي كان من الأطباء المشهورين في عصره والفضلاء
المعروفين، يدرس ويفيد ويداوي الناس بدار الملك دهلي في عهد السلطان غياث الدين بلبن،
كما في تاريخ فيروزشاهي.
السيد
حمزة بن حامد الواسطي
السيد الشريف حمزة بن الحامد بن أبي بكر بن جعفر بن زيد بن زياد بن أبي الفرح بن
الحسن الزاهد بن يحيى بن الحسين ذي العبرة بن زيد الشهيد العلوي الهاشمي كان زعيم
الطالبيين بأرض الروم فارقها وقدم الهند في أيام الايلتمش وسكن بقرية سلطان بور ما بين
كمزه وكوزه على شاطىء نهر كنك، وله بها عقب مشهور منهم أهل قرية بيتي وهنسوه
وأوكاسي وسموني ونروركوث، كما في منبع الأنساب.
الشيخ
حميد الدين السوالي
الشيخ الكبير حميد بن أحمد بن محمد بن(1/94)
إبراهيم بن محمد بن سعيد السعيدي السوالي
الشيخ حميد الدين الناكوري الصوفي المشهور بسلطان التاركين وهو أول مولود ولد بدار
الملك دهلي بعد ما فتحها قطب الدين أيبك.
وكان من ذريعة سعيد بن زيد الصحابي المبشر بالجنة، أخذ عن الشيخ معين الدين حسن
السجزي ولازمه زماناً ولقبه الشيخ بسلطان التاركين لزهده في زخارف الدنيا واستغنائه عن
الناس، وكان آية باهر في الفقر والغناء والتبتل إلى الله سبحانه، كانت له أرض في سوالي-
بضم السين المهملة- قرية من أعمال ناكور وكانت بقدر فدان كان يزرع فيا ويحمل ما يحصل
له منها قوتاً له ولعياله، وله مصنفات ومكتوبات إلى أصحابه، وهو أول من صنف من
المشايخ الجشتية وأشهر تصانيفه أصول الطريقة ومن شعره قوله:
اي دوست دل خسته هواي تو كرفت درباغ وفاي تو نواي تو كرفت
هر جيز كه بكذاشت براي تو كذاشت هر جيز كه بكرفت باري تو كرفت
توفي لليلة بقيت من ربيع الثاني سنة ثلاث وسبعين وستمائة، وقبره ببلد ناكور، كما في
أخبار الأخيار.
حميد الدين المطرزي
الشيخ الفاضل الكبير حميد الدين الحكيم المطرزي أحد العلماء المبرزين في النجوم والطب
وسائر الفنون الحكمية، لم يكن له نظير في عصره في الحذاقة والتدبير ومعرفة الأمراض
ووصف الأدوية، قال البرني في تاريخه: إنه كان بقراط دهره وجالينوس عصره- انتهى.
مولانا
حميد الدين الماريكلي
الشيخ الإمام حميد الدين الماريكلي أحد الأفاضل المشهورين في عصره، مات غرة شهر
رمضان سنة سبع وخمسين وستمائة في أيام ناصر الدين محمود بن الايلتمش، كما في طبقات
ناصري.
حرف الدال
داود بن محمود الأودي
الشيخ الفقيه الزاهد داود بن محمود الجشتي الأودي أحد رجال العلم والطريقة، قيل: إنه
أخذ الطريقة عن الشيخ فريد الدين مسعود الأجودهني، ونزل فريد الدين في قريته مرتين عند
سفره في بلاد أوده، وكان الشيخ نظام الدين البدايوني يذكره بالخير، قبره بقرية بالهي مؤ يزار
ويتبرك به.
حرف الراء المهملة
الشيخ المعمر بابا
رتن الهندي
الشيخ المعمر المشهور أبو الرضا رتن بن كربال بن رتن الهندي البهتندوي رجل مشهور من
أهل الهند، ظهر بعد الستمائة وادعى الصحة فسمع منه بعض الناس وأنكره آخرون.
قال اللكهنوي في بحر زخار: إنه ولد في بهلده على مسيرة ستين ميلاً من لاهور، فلما بلغ
سن الرشد والتمييز اشتاق إلى أن يظهر أحد من عباد الله فيهديه إلى الصراط المستقيم،
فلما سمع أنه ظهر رجل في العرب وهو يدعي النبوة ذهب إلى مكة المباركة وأدرك النبي
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم رجع إلى الهند وجاوز عمره ستمائة سنة، وألف الرسالة الرتنية
فأدرج فيها الأحاديث التي سمعها من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلا واسطة،
وقد صدقه الشيخ علاء الدولة السمناني والخواجه محمد بارسا والشيخ رضى الدين لالا
أحد أصحاب الشيخ نجم(1/95)
الدين الكبري، قدم الهند في سنة عشرين وستمائة ولقيه وأخذ
عنه الحديث وأعطاه رتن مشط النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مات بعد ستمائة من الهجرة
وقبره ببهلده- انتهى.
وقد ذكر الصلاح الكتبي في فوات الوفيات بسنده إلى قاضي القضاة نور الدين أبي الحسن
علي بن أبي عبد الله محمد بن الحسين الأثري الحنفي عن جده الحسين ابن محمد قال:
كنت في زمن الصبا وأنا ابن سبع عشرة سنة أو ثمان عشرة قد سافرت مع عمي من
خراسان إلى الهند في تجارة، فلما بلغنا أوائل بلاد الهند وصلنا إلى ضيعة من ضياع الهند
فعرج أهل القفل نحو الضيعة وضج أهل القافلة فسألنا عن الخبر فقالوا: هذه ضيعة الشيخ
رتن المعمر، فلما نزلنا الضيعة رأينا شجرة عظيمة تظل خلقاً كثيراً وتحتها جمع كثير من أهل
الضيعة، فبادر الكل نحو الشجرة ونحن معهم فرأينا سلة عظيمة معلقة في بعض أغصان
الشجرة فسألنا عن ذلك، فقالوا: هذه السلة فيها الشيخ رتن المعمر الذي رأى النبي صلى
الله عليه وسلم وروى عنه، فتقدم شيخ من أهل الضيعة إلى السلة وكانت ببكرة فأنزلها
فإذا هي مملوءة قطناً والشيخ في وسط القطن، ففتح رأس السلة وإذا بالشيخ فيها كالفرخ
فوضع فمه على أذنه وقال: يا جداه! هؤلاء قوم قدموا من خراسان وفيهم شرفاء من أولاد
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد سألوا أن تحدثهم كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم
؟ وماذا قال لك؟ فعندها تنفس الشيخ وتكلم بصوت كصوت النحل بالفارسية
ونحن نسمع ونفهم كلامه فقال: سافرت مع أبي وأنا شاب من هذه البلاد إلى الحجاز في
تجارة فلما بلغنا بعض أودية مكة وكان المطر قد ملأ الأدوية بالسيل فرأيت غلاماً أسمر
اللون حسن الوجه رائع الجمال وهو يرعى إبلاً في تلك الأودية وقد حال السيل بينه وبين إبله
وهو يخشى من خوض السيل لقوت فعلمت حاله فأتيت إليه وحملته وخضت به السيل إلى
أن جئت به عند إبله فلما وضعته عند إبله نظر إلي وقال بالعربية: بارك الله في عمرك!
ثلاثاً، فتركته ومضيت إلى سبيلي إلى أن دخلنا مكة وقضينا ما كنا أتينا له من أمر
التجارة وعدنا إلى الوطن فلما تطاولت المدة على ذلك كنا جلوساً في فناء ضيعتنا هذه
وكانت ليلة البدر فنظرنا إليه وقد انشق نصفين فغرب نصف في المشرق ونصف في المغرب
ساعة زمانية وأظلم الليل ثم طلع النصف من المشرق والنصف الآخر من المغرب وسار
إلى أن التقيا في وسط السماء كما كان أول مرة فعجبنا من ذلك غاية العجب ولم نعرف
لذلك سبباً وسألنا الركبان عن سبب ذلك فأخبرونا أن رجلاً هاشمياً ظهر بمكة وادعى
أنه رسول الله إلى كافة الخلق وأن أهل مكة سألوه معجزة كمعجزة سائر الأنبياء وأنهم
اقترحوا عليه أن يأمر القمر فينشق في السماء ويغرب نصفه في المشرق ونصفه في المغرب ثم
يعود إلى ما كان عليه، ذلك بقدرة الله تعالى، فلما سمعنا ذلك من السفار تشوقت أن أراه
فتجهزت في تجارة وسافرت إلى أن دخلت مكة وسألت عن الرجل الموصوف فدلوني عليه،
فأتيت إلى منزله واستأذنت عليه فأذن لي، فدخلت عليه فوجدته جالساً في صدر المنزل
والأنوار تتلألأ في وجهه وقد استنارت محاسنه وتغيرت صفاته التي كنت أعهدها في السفرة
الأولى فلم أعرفه، فلما سلمت عليه رد علي السلام وتبسم في وجهي وقال: أدن مني!
وكان بين يديه طبق فيه رطب وحوله جماعة من أصحابه كالنجوم يعظمونه ويبجلونه فقال:
كل من هذا الرطب! فجلست وأكلت معه من الرطب وناولني بيده المباركة ست رطبات
سوى ما أكلت بيدي، ثم نظر إلي وتبسم وقال لي: ألم تعرفني؟ فقلت: كأني غير أني ما
أتحقق، فقال:(1/96)
ألم تحملني في عام كذا وجاوزت بي السيل وقد حال بيني وبين إبلي؟ قال:
فعند ذلك عرفته بالعلامة وقلت: بلى، يا صبيح الوجه! فقال: امدد إلى يدك! فمددت
يدي اليميني فصافحني وقال قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فقلت
كذلك كما علمني فسر بذلك وقال لي عند خروجي من عنده: بارك الله في عمرك! ثلاث
مرات، فودعته وأنا متبشر بلقائه وبالاسلام فاستجاب الله تعالى دعاء نبيه صلى الله عليه
وسلم
وبارك في عمري بكل دعوة مائة سنة وها عمري نيف وستمائة سنة، وجميع من في
هذه الضيعة العظيمة أولاد أولادي، وفتح الله علي وعليهم بكل خير وبكل نعمة ببركة
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انتهى ما ذكره الكتبي في فوات الوفيات.
وقد أنكره العلامة الذهبي في التجريد فقال: إن رتن الهندي شيخ ظهر بعد الستمائة
بالشرق وأدعى الصحبة فسمع منه الجهال، ولا وجود له بل اختلق اسمه بعض الكذابين
وإنما ذكر تعجباً كما ذكر أبو موسى سرباتك الهندي بل هذا ابليس اللعين قد رأى النبي
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسمع منه- انتهى.
وذكره في الميزان فقال: رتن الهندي وما أدراك ما رتن! شيخ دجال بلا ريب ظهر بعد
الستمائة فادعى الصحبة والصحابة لا يكذبون وهذا جريء على الله ورسوله، وقد ألفت
في أمره جزءاً، وقد قيل: إنه مات سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، ومع كونه كذاباً فقد كذبوا
عليه جملة كبيرة من اسمج الكذب والمحال، قلت: وزعم الابلي أنه سمع منه بعد ذلك في
سنة 655.
ثم قال الذهبي: وأظن أن هذه الخرافات من وضع هذا الجاهل موسى ابن علي أو وضعها
له من اختلق ذكر رتن وهو شيء لم يخلق، ولئن صححنا وجوده وظهوره بعد سنة ستمائة
فهو إما شيطان تبدى في صورة البشر فادعى الصحبة وطور العمر المفرط وافترى هذه
الطامات، وإما شيخ ضال أسس لنفسه بيتاً في جهنم بكذبه على رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ولو نسبت هذه الأخبار لبعض السلف لكان ينبغي لن أن ننزهه عنها فضلاً
عن سيد البشر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لكن ما زال عوام الصوفية يروون الواهيات،
وإسناد فيه الكاشغري والطيبي وموسى ابن لي ورتن، سلسلة الكذب لا سلسلة الذهب.
ثم قال الذهبي: ولعمري! ما يصدق بصحبة رتن إلا من يؤمن بوجود محمد بن الحسن في
السرداب ثم بخروجه إلى الدنيا، أو يؤمن برجعة علي رضي الله عنه، وهؤلاء لا يؤثر فيهم
العلاج، وقد اتفق أهل الحديث على أنه آخر من رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موتاً أبو
الطفيل عامر بن واثلة، وثبت في الصحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال قبل موته
بشهر أو نحوه: أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه
الأرض ممن هو اليوم عليها أحد، فانقطع المقال وماذا بعد الحق إلا الضلال- انتهى ما ذكره
الذهبي ملخصاً.
وقال الحافظ ابن حجر: وقد تكلم الصلاح الصفدي في تذكرته في تقوية وجود رتن، وأنكر
على من ينكر وجوده، وعول في ذلك على مجرد التجويز العقلي وليس النزاع فيه، وإنما
النزاع في تجويز ذلك من قبل الشرع بعد حديث المائة في الصحيحين، وتعقب القاضي برهان
الدين ابن جماعة في حاشية كتبها على تذكرة الصفدي فقال: قول شيخنا الذهبي هو الحق
وتجويز الصفدي الوقوع لا يستلزم الوقوع إذ ليس كل جائز بواقع- انتهى،(1/97)
ولما اجتمعت
بشيخنا مجد الدين الشيرازي شيخ اللغة بزبيد من اليمن وهو إذ ذاك قاضي القضاة ببلاد
اليمن رأيته ينكر على الذهبي إنكاره وجود رتن، وذكر لي أن رجلاً من ضيعته لما دخل
بلاد الهند ووجد فيها من لا يحصى كثرة ينقلون عن آبائهم وأسلافهم عن قصة رتن ويثبتون
وجوده، فقلت: هو لم يجزم بوجوده بل تردد وهو معذور، والذي يظهر أنه كان طال عمره
فادعى ما ادعى وتمادى على ذلك حتى اشتهر ولو كان صادقاً لاشتهر في المائة الثانية أو
الثالثة أو الرابعة أو الخامسة لكنه لم ينقل عنه شيء إلا في أواخر السادسة ثم في أوائل
السابعة قبيل وفاته، واختلف في سنة وفاته كما تقدم والله أعلم- انتهى ما ذكره الحافظ ابن
حجر.
وإني وجدت في بعض المجاميع بيتين للشيخ العلامة عبد الرحمن بن علي الديبع الشيباني
المتوفي سنة 973 رحمه الله تعالى بخط بعض أصحابه:
رتن الهندي شيخ كاذب قد روينا الخلف في وجدانه
زعم الصحبة مع إجماع من قال بالحق على بهتانه
وقد أنكر عليه الشيخ حسن بن محمد بن حسن بن حيدر الصغاني صاحب المشارق
المتوفي سنة سبع وثلاثين وستمائة وهو ممن أدرك زمانه، فقال في تبيين الموضوعات: وما
يحكى عن بعض الجهال أنه اجتمع بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسمع منه ودعا له بقوله:
عمرك الله ليس له أصل عند أئمة الحديث، ولم يعش من الصحابة ممن لقي النبي صلى الله
عليه وسلم أكثر من خمس وتسعين سنة وهو أبو الطفيل بكوا عليه وقالوا: هذا آخر من
لقي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واجتمع به، وهذا هو الصحيح لقوله عليه الصلاة والسلام
في آخر عمره حين صلى العشاء الآخرة: أرأيتكم ليلتكم هذه فإن رأس مائة سنة لا يبقى
ممن هو على وجه الأرض أحد، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وأحاديث
رتن الهندي المنقولة عنه من جنس الأحاديث التي تنسب إلى الحكيم الترمذي أنه سمع من
أبي العباس الخضر، وكل هذا ليس له أصل يعتمد عليه بل تنقلها الفقراء في زواياهم، ودين
الله أشرف من أن يؤخذ من جاهل أو يثبت بقول غافل غبي لقوله عليه الصلاة والسلام:
ذروني ما تركتكم وإني تركتكم على البيضاء النقية ليلها كنهارها، إن تمسكتم بها لن
تضلوا بعدي، كتاب الله وعترتي واتباع أصحابي وسنتي- انتهى.
الشيخ الحاج بابا رجب الكجراتي
الشيخ الحاج المعمر بابا رجب النهروالي الكجراتي أحد المشايخ الكرام، أخذ الطريقة عن
السيد أحمد الكبير الرفاعي وقدم بلاد كجرات في سنة ست عشرة وستمائة، وأرخ لقدومه
بعض الناس من قوله آفتاب اسلام وسكن بمدينة نهرواله من أرض كجرات فهدى الله
سبحانه به خلقاً كثيراً من عباده إلى الاسلام،(1/98)
وكانت وفاته في الثاني عشر من شهر رجب
سنة سبعين وستمائة، فأرخ لموته بعضهم من قوله كفر شكن كما في مرآة أحمدي.
رضية بنت الايلتمش
الملكة الفاضلة رضية بنت شمس الدين الايلتمش، رضية الدنيا والدين ملكة الهند اتفق
الناس عليها بعد أخيها ركن الدين بن الايلتمش سنة أربع وثلاثين وستمائة فاستقلت بالملك
أربع سنين، وكانت عادلة فاضلة تركب بالقوس والكنانة والقربان كما يركب الرجال، وكانت
لا تستر وجهها، ثم إنها اتهمت بعبد لها فاتفق الناس على خلعها وتزويجها فخلعت
وزوجت من بعض الأمراء وولي الملك أخوها معز الدين، فخالفا عليه وركبا في مماليكهما
ومن تبعهما وتهيئا لقتاله، ووقع اللقاء بينهما فانهزم عسكر رضية وقتلت سنة سبع وثلاثين
وستمائة، وقبرها على شاطىء نهر جمن على مسافة فرسخ من مدينة دهلي، كما في تاريخ
فرشته.
القاضي
رفيع الدين الكاذروني
الشيخ الفاضل الكبير القاضي رفيع الدين الحنفي الكاذروني المدرس المشهور كان يدرس
ويفيد في عهد السلطان غياث الدين بلبن، ذكره القاضي ضياء الدين البرني في تاريخه وقال:
إنه كان من كبار الأساتذة بدهلي.
القاضي
ركن الدين السامانوي
أحد كبار الفقهاء في عهد السلطان غياث الدين بلبن لم يزل يشتغل بالدرس والافادة وكانا
لملك يكرمه غاية الإكرام فيروز شاهي.
الشيخ
ركن الدين الدهلوي
الشيخ الصالح ركن الدين الفردوسي الدهلوي أحد المشايخ المشهورين في عصره، اشتغل
على الشيخ بدر الدين السمرقندي الدهلوي من صباه ولازمه وأخذ عنه الطريقة
الفردوسية وهو أخذ عن الشيخ سيف الدين الباخرزي عن الشيخ الكبير نجم الدين
الكبري صاحب الطريقة الكبروية ولما مات بدر الدين تولى الشياخة مكانه بدهلي، وكان
صاحب وجد وحالة، أخذ عنه ابن أخيه نجيب الدين بن عماد الدين الدهلوي وخلق
آخرون، مات في أيام الشيخ نظام الدين الدهلوي في القرن السابع، فما في خزينة الأصفياء أنه
توفي سنة أربع وعشرين وسبعمائة لا يصح.
مولانا
رضي الدين الصغاني
الشيخ العالم المحدث رضي الدين الصغاني البدايون أحد العلماء المشهورين، ناب المشرف
بمدينة كوئل فأقام بها، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين ثم إلى بغداد بحج وزار وصحب
العلماء والمشايخ وأخذ عنهم ثم رجع إلى الهند ومات بلاهور، وله مصنفات في الحديث،
وكان الشيخ المجاهد نظام الدين محمد بن أحمد البدايوني يذكره بالخير، كما في فوائد الفؤاد.
حرف الزاي المعجمة
الشيخ
زكريا بن محمد الملتاني
الشيخ الإمام العالم المحدث زكريا بن محمد بن علي القرشي الأسدي شيخ الاسلام بهاء
الدين بن وجيه الدين بن كمال الدين أبو محمد الملتاني المتفق على ولايته وجلالته، ولد بقلعة
كوث كرور من أعمال ملتان يوم الجمعة لثلاث ليال بقين من رمضان سنة ست وستين-
وقيل: ثمان وسبعين- وخمسمائة من بطن بنت الشيخ حسام الدين الترمذي، ولما بلغ الثانية
عشرة من سنه توفي والده فسافر إلى بخارا وأخذ العلم بها عن كبار الأساتذة ثم سافر إلى
الحجاز فحج وزار وأقام بالمدينة المنورة خمس سنين، وأخذ الحديث عن الشيخ كمال الدين
محمد اليماني ثم رحل إلى القدس الشريف وزار(1/99)
المسجد الأقصى ومشاهد الأنبياء عليهم
الصلاة والسلام ثم رحل إلى بغداد وأخذ الطريقة عن الشيخ شهاب الدين عمر بن محمد
السهروردي صاحب العوارف ثم عاد إلى ملتان وتصدر للارشاد فرزق من القبول ما لم
يرزق أحد من المشايخ، وكان قد منحه الله سبحانه أموالاً غزيرة وجعله من قال في حقهم
وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين قيل: إنه لما توفي إلى رحمة الله سبحانه
خلف سبعة بنين غير البنات فقسموا بينهم ما ترك من الأموال على تخريج الشرع فنال كل
واحد منهم سبعين لكا من الدنانير فضلاً عن الدور والظروف والأقمشة وغيرها.
قال الشيخ محمد نور بخش في سلسلة الذهب: إنه كان رئيس الأولياء ببلاد الهند، وكان
عالماً بالعلوم الظاهرة صاحب أحوال ومقامات من مكاشفات ومشاهدات مرشداً ينشعب
منه كثير من طرق الأولياء، وله في الإرشاد وهداية الناس من الكفر إلى الإيمان ومن
المعصية إلى الطاعة ومن النفسانية إلى الروحانية شأن كبير.
وفي مجمع الأخيار من وصاياه: إن الواجب على العبد أن يعبد الله بالصدق والإخلاص،
وذلك بنفي الأغيار ومحو الأشخاص في العبادات والأذكار، ولا سبيل إليه إلا بتحسين
الأحوال ومحاسبة النفس في الأقوال والأفعال، فلا يقول ولا يفعل إلا عند الحاجة، ويقدم لكل
قول وفعل الإلتجاء إلى الله والإستعانة به ليرزقه الله عز وجل خير العمل.
ومن وصاياه لبعض أصحابه: عليكم بدوام الذكر! وبالذكر يصل الطالب إلى المحب،
والمحبة نار تحرق كل دنس، فإذا تحقق المحبة كان الذاكر ذاكراً مع مشاهدة الذكور، وهذا
هو الذكر الكثير الموعود به الفلاح في قوله تعالى اذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون.
ومن وصاياه: سلامة الجسد في قلة الطعام، وسلامة الروح في ترك الأنام، وسلامة الدين في
الصلاة على محمد عليه الصلاة والسلام- انتهى ما في أخبار الأخيار.
وكانت وفاته يوم الخميس سابع صفر سنة ست وستين وستمائة وله مائة سنة من العمر،
غسله الشيخ عمر العمودي وصلى عليه ولده صدر الدين محمد ودفنوه في حصار ملتان،
كما في أخبار الجمال.
الشيخ
زكي بن أحمد اللاهوري
الشيخ الفقيه الزاهد زكي بن أحمد اللاهوري شيخ الاسلام وقدوة العلماء الكرام زكي
الدين كان يدرس ويفيد بلاهور، وسافر للحج والزيارة فلما دخل هراة استقبله الوجوه
والأعيان ومدحوه ببدائع أبيات منهم الإمام فريد الدين محمود بن البشار الهروي مدحه
بهذه الأبيات.
زهى زخاطر تو لشكر سخن منصور خهي بهمت تو كشور هنر معمور
سزد كه خط غلامي ستاند از آفاق جو هست مسكن تو خواجه خطة لاهور
ز
روح باك تو شاه زمانه جويد روح جو آفتاب كه از عرش وام خواهد نور
اكرنه درس توبودي حكم شدى مدروس وكرنه عون توبودي ادب شدى مقهور
إلى غير ذلك من الأبيات، وكان ممن أدركه نور الدين محمد بن محمد العوفي البخاري الصوفي
لباب الألباب وروى عنه في كتابه شيئاً كثيراً، منها إنه كان ينشد هذين البيتين لملك شاه
السلجوقي.
بوسى ز ديار دوش بر ديدة من أو رفت وازان بماند تر ديدة من
زال داد برين ديدة نكارينم بوس كو جهرة خويش ديد در ديدة من(1/100)
زيد بن أسامة الحلي
السيد الشريف أبو الغنائم زيد بن أسامة الحلي النقيب جلال الدين أسامة ابن عدنان بن
أسامة بن أحمد بن علي بن محمد بن عمر بن يحيى بن الحسين بن أحمد بن عمر بن يحيى
بن الحسين ذي الدمعة بن زيد بن علي بن الحسين السبط- على جده وعليه السلام- كان
شاعراً فاضلاً، فارق العراق وقدم الهند ومات بها وقد يعرف له عقب في الهند، كما في
عمدة الطالب.
مولانا
زين الدين البدايوني
الشيخ العالم الكبير خواجه زين الدين الأويسي البدايوني أحد العلماء المشهورين في عصره،
كان يدرس ويفيد في المدرسة المعزية عقب الجامع الكبير بمدينة بدايون، يذكره الشيخ
المجاهد نظام الدين محمد بن أحمد البدايوني بالخير، كما في فوائد الفؤاد.
حرف السين المهملة
سراج الدين الساؤلي
الشيخ الفاضل سراج الدين الساؤلي أحد الرجال المعروفين بالفضل والكمال، أقطعه غياث
الدين بلبن قرية من أرض سامانة.
فلما جاء دور جلال الدين فيروز الخلجي طلب منه الخراج على الرسم المعتاد فتردد إليه
السراج ومدحه بأبيات رائقة فلم يلتفت إليه فيروز لاشتغاله بالأمور المهمة فخرج السراج من
عنجه وهجاه بأبيات مضحكة، ثم لما قام فيروز الخلجي بالملك خافه وألقى العمامة في
عنقه وتمثل بين يديه كالعصاة فطلبه فيروز شاه وأدناه إليه وعانقه وأعطاه الصلات والجوائز
ورتب له الأرزاق السنية وجعله من ندمائه، كما في تاريخ فرشته.
مولانا
سراج الدين
الشيخ العالم الصالح سراج الدين الترمذي البدايوني أحد رجال العلم والمعرفة، سافر للحج
والزيارة فحج وزار ورجع إلى بدايون، وكان الشيخ الإمام المجاهد نظام الدين محمد بن أحمد
البدايوني يذكره بالخير، كما في فوائد الفؤاد.
مولانا
سديد الدين الدهلوي
الشيخ العالم الفقيه سديد الدين الحنفي الدهلوي أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول
والعربية، كان يدرس ويفيد بدار الملك دهلي في أيام غياث الدين بلبن، ذكره القاضي ضياء
الدين البرني في تاريخ فيروزشاهي.
القاضي
سعد الدين الكردري
الشيخ الإمام الفاضل الكبير القاضي سعد الدين الكردري أحد الرجال المعروفين في الفضل
والكمال، كان أكبر قضاة الهند في أيام السلطان شمس الدين الإيلتمش، ذكره القاضي منهاج
الدين الجوزجاني في طبقات ناصري.
الشيخ
سليمان بن عبد الله العباسي
الشيخ الكبير سليمان بن عبد الله العباسي الهاشمي الكنتوري أحد المشايخ المشهورين،
أخذ عن الشيخ شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي، وصحب الشيخ فريد الدين
العطار واستفاض منه، ثم قدم الهند في أيام الإيلتمش فأسكنه في قصر من القصور
السلطانية وأعطاه أربعة آلاف تنكه فضية وأمره أن يقيم بدهلي فلم يجبه إلى ذلك وسار
إلى كنتور- بكسر الكاف المهملة- قرية من أعمال أوده سنة سبع عشرة وستمائة فسكن
بها واعتزل عن الناس وأقام بها أربعين سنة وقارب عمره مائة وعشر سنين، مات ودفن
بكنتور، كما في بحر زخار، لعله مات سنة 657.(1/101)
الشيخ
سليمان بن مسعود الأجودهني
الشيخ الصالح سليمان بن مسعود بن سليمان بن شعيب العدوي العمري الشيخ بدر
الدين الأجودهني أحد المشايخ المشهورين في الهند، كان أكبر أبناء والده، ولد ونشأ بمدينة
أجودهن، وتأدب على والده فريد الدين مسعود الأجودهني وأخذ عنه ولازمه، وأخذ عن
بعض المشايخ الجشتية، وفد على والده بمدينة أجودهن، ولما مات والده تصدر للارشاد،
أخذ عنه ولده علاء الدين وخلق آخرون، مات في رابع شعبان سنة ست وستين- وقيل:
تسع وستين- وستمائة بمدينة أجودهن فدفن عند والده.
حرف الشين المعجمة
مولانا
شرف الدين الدهلوي
الشيخ العالم الكبير شرف الدين أبو توامة الحنفي الدهلوي الدفين بمدينة سنار كاؤن، كان
من كبار الأساتذة، خرج من دهلي في أيام شمس الدين الإيلتمش، وسافر إلى سنار كاؤن
فدرس وأفاد بها مدة عمره، أخذ عنه الشيخ شرف الدين أحمد ابن يحيى المنيري وقال في
كتابه خوان بر نعمت في المجلس السادس من ذلك الكتاب: إن شرف الدين أبا توامة كان
عالماً كبيراً مشاراً إليه في التبحر في العلوم، لم يختلف في ذلك أحد- انتهى.
مولانا
شرف الدين الولوالجي
الشيخ الفقيه شرف الدين الولوالجي الدهلوي كان من كبار الأساتذة، يدرس ويفيد بمدينة
دهلي في عهد السلطان غياث الدين بلبن، ذكره القاضي ضياء الدين البرني في تاريخ فيروز
شاهي.
القاضي
شرف الدين الأصفهاني
الشيخ الفقيه شرف الدين الأصفهاني أحد الرجال المشهورين في عصره، كان عاملاً على
ملتان في أيام ناصر الدين قباجه، قتله ناصر الدين، وكان سببه أنه أنكر أموراً صدرت من
قباجه فكتب إلى شمس الدين الإيلتمش يحرضه على قتاله فوقع ذلك الكتاب في يد قباجه
فاغتاظ منه وقتله، كما في تاريخ فرشته.
مولانا
شرف الدين العراقي
الشيخ الصالح الكبير شرف الدين العراقي السهروردي أحد الأولياء المشهورين ببلاد
الدكن، أخذ الطريقة عن الشيخ شهاب الدين السهروردي وقدم الهند وأقام بدهلي أيام
السلاطين الخلجية زماناً ثم سافر إلى بلاد الدكن وسكن بقلة من الجبل قريباً من حيدر
آباد، وهدى الله به كثيراً من الوثنيين، مات لإحدى عشرة بقين من شعبان سنة سبع
وثمانين وست مائة، كما في محبوب ذي المنن.
شمس الدين الإيلتمش
الملك المؤيد المظفر شمس الدين الإيلتمش بن ايلم خان الألبري التركماني السلطان الصالح،
جلب في صغر سنه إلى بخارا فاشتراه الحاج البخاري ثم اشترى منه الحاج جمال الدين
جست قبا فسار به إلى غزنة ثم إلى دهلي فاشتراه الأمير قطب الدين أيبك ورباه في مهد
السلطنة وأقطعه كواليار بعد تسخيرها ثم اقطعه بدايون وما والاها من البلاد وأمره على
عساكره وزوجه بابنته.
فلما توفي قطب الدين اتفق الناس عليه فقام بالملك بعده، وسار إلى أرض أزيسه بعساكره
وقاتل صاحبها قتالاً شديداً ثم صالحه على مال يؤديه عاجلاً وآجلاً، وسار إلى بنكاله
سنة اثنتين وعشرين وستمائة وانتزعها من يد السلطان غياث الدين الخلجي وأقام له الخطبة
والسكة بها وأمر عليه ولده ناصر الدين محموداً ورجع بثمان وثلاثين فيلاً وثمانين ألف تنكه،
وسار إلى قلعة رنتهبور سنة ثلاث وعشرين وستمائة وكانت حصينة متينة فحاصرها
وضيق على أهلها واشتد القتال حتى ملكها، وسار إلى قلعة مندو(1/102)
سنة أربع وعشرين
وستمائة فملكها أيضاً وملك ما والاها من البلاد.
ثم سار إلى بنكاله مرة ثانية سنة سبع وعشرين وستمائة، وكان سبب ذلك أن ولده ناصر
الدين محموداً توفي بها فثار المفسدون من كل ناحية من نواحيها فسار إليها بعساكره وأصلح
الفاسد وأمر عليها علاء الدين، أحد خواصه، وسار في سنة تسع وعشرين إلى كواليار لأن
كفار الهند ملكوها مرة ثانية فحاصرها وأدام الحصار عليها إلى سنة وضيق على أهلها
فخرج صاحبها ديوبيل من القلعة وانحاز إلى ناحية فدخل الإيلتمش القلعة وقتل وأسر ثم
رجع إلى دهلي، وسار في سنة إحدى وثلاثين إلى مالوه وحاصر قلعة بهلسه فملكها وهدم
كنيستها مهاكال التي كانت تقارب سومنات في الرفعة والمكانة وأخرج تمثال بكرماجيت،
عظيم الهنود وتماثيل الملوك الأخر من تلك الكنيسة وألقاها على عتبة الجامع الكبير بمدينة
دهلي.
وكان عادلاً صالحاً فاضلاً، ومن مآثره أنه اشتد في رد المظالم وإنصاف المظلومين وأمر أن
يلبس كل مظلوم ثوباً مصبوغاً، وأهل الهند جميعاً يلبسون البياض فكان متى قعد للناس أو
ركب فرأى أحداً عليه ثوب مصبوغ نظر في قضيته وإنصافه ممن ظلمه، ثم إنه أعيى في ذلك
فقال: إن بعض الناس تجري عليهم المظالم بالليل وأريد تعجيل إنصافهم، فجعل على باب
قصره أسدين مصورين من الرخام موضوعين على برجين هنالك وفي أعناقهما سلسلتان من
الحديد فيهما جرس كبير، فكان المظلوم يأتي ليلاً فيحرك الجرس فيسمعه السلطان وينظر في
أمره للحين وينصفه- صرح به ابن بطوطة في كتابه، وكانت وفاته سنة ثلاث وثلاثين
وستمائة.
مولانا
شمس الدين الخوارزمي
الشيخ العالم الكبير شمس الدين الخوارزمي أحد العلماء المبرزين في العلوم العربية، ولاه
السلطان غياث الدين بلبن الصدارة بدهلي ولقبه شمس الملك، وكان يدرس ويفيد، أخذ
عنه الشيخ نظام الدين محمد بن أحمد البدايوني وقطب الدين ناقله وبرهان الدين عبد الباقي
وخلق كثير من أهل العلم.
قال الكرماني في سير الأولياء: إن الشيخ نظام الدين قرأ عليه المقامات الحريرية وحفظ منها
أربعين مقامة وكان يذكره بالخير- انتهى.
القاضي
شمس الدين المراخي
الشيخ العالم الفقيه القاضي شمس الدين المراخي كان من العلماء المبرزين في الفقه
والأصول، لم يزل يشتغل بالدرس والإفادة بدار الملك دهلي، ذكره القاضي ضياء الدين البرني
في تاريخ فيروز شاهي.
القاضي
شمس الدين المارهروي
الشيخ العالم الفقيه القاضي شمس الدين المارهروي أحد الأفاضل المشهورين في عصره،
كان قاضياً بمارهره في أيام مغر الدين بهرام شاه، فسعى به الشيخ أيوب التركماني وكان نافذ
الكلمة عند السلطان فألقاه السلطان إلى الفيل فقتله صبراً، كما في طبقات ناصري، لعله
سنة تسع وثلاثين وستمائة.
القاضي
شمس الدين البهرائجي
الشيخ الفاضل شمس الدين البهرائجي أحد الرجال المعروفين بالفضل والكمال، كان قاضياً
بمدينة بهرائج، وتقرب إلى محمود بن الإيلتمش حين كان والياً بها من قبل ابن أخيه علاء
الدين مسعود بن فيروز بن الإيلتمش السلطان، فلما قام بالملك ولاه قضاء الممالك لثلاث بقين
من رجب سنة إحدى وخمسين وستمائة فصار المعتمد والمستشار في مهمات الأمور،
فسخط عليه الناس وحسدوه وسعوا به إلى السلطان فعزله عن القضاء يوم الأحد لسبع
بقين من ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وستمائة،(1/103)
ثم لما خرج على السلطان بعض أمرائه
سنة خمس وخمسين وستمائة اتهموه بأنه حرضهم عليه فنفاه السلطان عن مدينة دهلي يوم
الأحد ثاني جمادى الآخرة سنة خمس وخمسين وستمائة فسار إلى اقطاعه، كما في طبقات
ناصري.
الشيخ
شهاب الدين جكجوت
الشيخ الكبير شهاب الدين بن محمد السهروردي الكاشغري ثم الهندي الجلهلوي، كان من
العلماء الربانيين المعروفين بالزهد والورع والإستقامة على الطريقة الظاهرة والصلاح، قدم
الهند وأقام بقرية جلهلي- بكسر الجيم- على ثلاثة أميال من مدينة بلنه، وكان من
أصحاب الشيخ شهاب الدين السهروردي، وكانت له ثلاث بنات ولدن الرجال المشهورين
أمثال الشيخ شرف الدين أحمد بن يحيى المنيري والشيخ أحمد جرم بوش، وقبره بقرية
جهلي ظاهر مشهور يزار ويتبرك به، وأما جكجوت فمعناه نور العالم.
مولانا
شهاب الدين الأجودهني
الشيخ الفاضل شهاب الدين بن فريد الدين العدوي العمري الأجودهني أحد الرجال
المعروفين بالفضل والصلاح، ولد ونشأ بمدينة أجودهن، وقرأ العلم على أساتذة عصره،
وجد في البحث والاشتغال حتى تأهل للفتوى والتدريس، ثم أخذ الطريقة بأمر أبيه عن
بعض مشايخ جشت الذي قدم أجودهن لزيارة والده، قال الكرماني في سير الأولياء: إنه
كان عالماً كبيراً ذا وقار وعفة وطهارة، يصرف أوقاته في حضرة الشيخ غالباً وينقح المعاني
الدقيقة والمطالب الغامضة ويقرر تلك المسائل بفصاحة وبلاغة، وكانت بينه وبين الشيخ
نظام الدين محمد بن أحمد البدايوني محبة صادقة ومودة واثقة، ربما يذكره الشيخ بالخير ويثني
على علمه وجلالته- انتهى.
مولانا
شهاب الدين البدايوني
الشيخ الفاضل شهاب الدين بن جمال الدين المهمروي البدايوني أحد الأفاضل المشهورين في
عهد أبناء الإيلتمش، اعترف بفضله فخر الملك العميد التولكي ولقبه بالأستاذ، وذكره الأمير
خسرو بن سيف الدين الدهلوي في بعض قصائده منها قوله:
در بدايون مهمر سر مست بر خيزد زخاك كر بر آيد غلغله مرغان دهلي زين نوا
وأخذ عنه الشيخ ضياء الدين النخشبي، وله قصائد غراء بالفارسية منها قوله:
الفم بلوح هستي همه هيج در نشاني ببقاي غير قائم زوجود خويش فاني
صف آخر ايستاده بأميد به نشيني ز تحرك آرميده بصفات بي نشاني
السيد
شهاب الدين الكرديزي
السيد الشريف شهاب الدين بن زين الدين بن عيسى باقر بن نظام الدين أبو العلى محمد بن
أبي طالب حمزة بن محمد بن طاهر بن جعفر الزكي المشهور بالكتاب- عليه وعلى آبائه
السلام.
حرف الصاد المهملة
مولانا
صمصام الدين الفرغاني
الشيخ الفاضل صمصام الدين الفرغاني أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول، قدم الهند
ودخل بنكاله فقربه إلى نفسه محمد بن بختيار الخلجي وأكرمه وبذل له مالاً خطيراً فغزا معه
كفار الهند وسكن بأرض بنكاله مع أخيه نظام الدين، أدركه القاضي منهاج الدين عثمان
بن محمد الجوزجاني صاحب الطبقات سنة إحدى وأربعين وستمائة وروى عنه أخبار
الخلجي في كتابه.(1/104)
حرف الطاء المهملة
بهاء الدين طغرل المعزي
الأمير الكبير بها الدين طغرل المعزي المنسوب إلى الشهاب معز الدين محمد بن سام
الغوري كان من مماليكه، خدمه زماناً وغزا معه في بلاد الهند وفتح قلعة تهنكر، فولاه
الشهاب على ناحية بيانة- بفتح الموحدة والتحتية- فساس الأمور وأحسن إلى الناس
وغمرهم بإحسانه وجوده، وكان من أجواد الدنيا عادلاً باذلاً كريماً حسن العقيدة، كثير
الخيرات، محباً لأهل العلم، محسناً إليهم، مات في أيام قطب الدين أيبك، كما في طبقات
ناصري.
حرف الظاء المعجمة
القاضي
ظهير الدين الدهلوي
الشيخ العالم الفقيه القاضي ظهير الدين الدهلوي أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول
والعربية، كان يدرس ويفيد بدار الملك دهلي في عهد السلطان غياث الدين بلبن، أخذ عنه
خلق كثير، كما في تاريخ فيروز شاهي للقاضي ضياء الدين البرني.
حرف العين المهملة
الشيخ
عبد الرشيد الكيتهلي
الشيخ الصالح عبد الرشيد بن نصير الدين القرشي المدني ثم الهندي الكيتهلي، أحد
الرجال المعروفين بالفضل والصلاح، كان يدعى بصوفي بدهني، ذكره الشيخ عبد الحق بن
سيف الدين الدهلوي في أخبار الأخيار بذلك اللقب، والشيخ عبد الصمد بن أفضل محمد
التميمي الأكبر آبادي في أخبار الأصفياء باسمه، قال عبد الصمد: إنه كان نجل الشيخ زين
العابدين بن عبد الرزاق بن السيد الإمام عبد القادر البجلي- والله أعلم، وكان شديد
التعبد ذا كشوف وكرامات وترك وتجريد، يذكره الشيخ نظام الدين محمد البدايوني بالخير،
كما في فوائد الفؤاد، مات سنة ثمان وثلاثين وستمائة، كما في خزينة الأصفياء.
الشيخ
عبد العزيز بن محمد الدمشقي
الشيخ العالم الكبير العلامة عبد العزيز بن محمد الإمام نجم الدين الدمشقي ثم الدهلوي
أحد العلماء المبرزين في العلوم الحكمية، أخذ عن الإمام فخر الدين الرازي صاحب
المباحث المشرقية وقدم الهند فاغتنم قدومه الملوك والأمراء، وكان السلطان غياث الدين
بلبن يتردد إليه في كل أسبوع بعد صلاة الجمعة ويحظى بصحبته.
الشيخ
عبد العزيز علمبردار المكي
الشيخ الصالح المعمر عبد العزيز الصالحي المكي المشهور بعبد الله علمبردار- أي
صاحب لواء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقال: إنه أدرك زمان الخليل ومن بعده من
الأنبياء، وقيل: إنه لم يدرك الخيلي، بل أدرك عيسى بن مريم فآمن به ثم أدرك النبي صلى
الله عليه وسلم وأسلم على يده ولازمه وصار من أهل الصفة، ثم إنه سافر معه في إحدى
غزواته وبيده لواؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغلبت عليه الحالة فتأخر عنه صلى الله عليه
وسلم في إحدى منازل السفر واستغرق فلم ينتبه أربعين سنة.
فلما ورد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ذلك المقام في حرب الجمل أو
حرب صفين انتبه من ضوضاء الناس وسأل عنه فقيل: هذا علي بن أبي طالب أمير
المؤمنين، فقام وبايعه وخدمه في الحرب ثم دخل في السرداب وظن أنه توفي، ولم يزل كذلك
أربعين سنة، ثم خرج وساح البلاد مدة طويلة ثم دخل في السرداب وخرج منها بعد أربعين
سنة.
قال الشيخ حسين القلندر السرهربوري في الغوثية: قال الراوي: كان له- أي للشيخ عبد
العزيز المكي- أربعة قبور وفي كل قبر مكث أربعين سنة والناس(1/105)
يتحدثون أنه توف وهو لم
يتوف ويخرج من قبره ويدور على وجه الأرض، هكذا فعل ثلاث مرات، وقد يخرج من قبره
بعد أربعين سنة، والرابع هذا القبر الذي كان عنده قبر شيخ الإسلام فريد الدين ومن هذا
القبر يخرج- انتهى.
وقال الشيخ تراب علي الكاكوروي القلندري في أصول المقصود: إنه يخرج في زمن المهدي
الموعود كما كان أصحاب الكهف إنتبهوا من الرقود بعد ثلاث مائة سنة وتسع سنين في أيام
الملك الصالح ثم رقدوا وإنهم ينتبهون في أيام المهدي الموعود.
قال العلامة عبد العلي بن نظام الدين السهالوي ثم اللكهنوي في فواتح الرحموت شرح مسلم
الثبوت: ومثل رتن ما يدعون الأولياء القلندرية البررة الكرام صحبة عبد الله ويلقبونه
علمبردار وينسبون خرقتهم إليه ويدعون إسناداً متصلاً ويحكون حكاية عجيبة ويدعون
بقاءه إلى قريب من ستمائة ولا مجال لنسبة الكذب إليهم فإنهم أولياء أصحاب الكرامات
محفوظون من الله تعالى والله أعلم- انتهى.
أقول: وتنتهي إليه سلسلة المشايخ القلندرية والمدارية بواسطة المعمرين، وليس له عين ولا
أثر في كتب الرجال والسير، ولم يذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة مع أنه ذكر رتن الهندي
وتكلم عليه، ولم يذكره ابن الأثير في أسد الغابة ولا غيره من قدماء المحدثين والمؤرخين في
كتبهم، وإن شئت فاذكر قول الذهبي في رتن: وما يصدق بصحبة رتن إلا من يؤمن بوجود
محمد ابن الحسن في السرداب ثم بخروجه إلى الدنيا ويؤمن برجعة علي، وهؤلاء لا يؤثر
فيهم العلاج- انتهى، وأما وجود الشيخ عبد العزيز المكي وكونه من الأولياء فليس مما ينكر
عليه- والله أعلم.
القاضي عثمان بن محمد الجوزجاني
الشيخ العالم الكبير القاضي أبو عمرو عثمان بن محمد بن عثمان بن إبراهيم ابن عبد
الخالق الجوزجاني الشيخ منهاج الدين بن سراج الدين الدهلوي صاحب طبقات ناصري،
لعله ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة لأنه صرح في كتابه أنه كان ابن ثماني عشرة في سنة
سبع وستمائة، وفي تلك السنة انتقل والده من لاهور إلى باميان، استقدمه بهاء الدين سام
بن محمد البامياني وولاه القضاء الأكبر بها، فنشأ في ظل والده واشتغل عليه بالعلم، وتوفي
والده في صغر سنه فرماه الإغتراب إلى بلاد أخرى، وقرأ على عصابة العلوم الفاضلة حتى
برع في العلم، ودخل مدينة اج يوم الثلاثاء لأربع ليال بقين من جمادى الأولى سنة أربع
وعشرين وستمائة، وتقرب إلى ناصر الدين قباجه ملك السند، فولاه التدريس بالمدرسة
الفيروزية، وولاه قضاء عسكر ولده بهرام شاه، ولما دخل شمس الدين الإيلتمش الدهلوي
السند وحاصر قلعة اج خرج من القلعة وتقرب إليه سنة خمس وعشرين، فولاه الإيلتمش
القضاء والخطابة الإمامة والإحتساب وغير ذلك من الأمور الشرعية بمدينة كواليار سنة
ثلاثين وستمائة، فاستقل بها إلى سنة خمس وثلاثين.
ودخل دهلي في أيام رضية بنت الإيلتمش فولى أوقاف المدرسة الناسرية بدهلي مع
القضاء بمدينة كواليار، ولما قام بالملك معز الدين بهرام شاه ولاه قضاء الممالك بحضرة دهلي
يوم السبت عاشر جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وستمائة ثم لما قام بالملك ابن أخيه
مسعود شاه استقال عن القضاء، لعله في ثامن ذي القعدة من السنة المذكورة، وسافر إلى
لكهنوتي وخرج من دهلي يوم الجمعة تاسع رجب سنة أربعين وستمائة، فسار إلى بديوان
ثم إلى أوده إلى كزه ثم إلى لكهنوتي فدخلها يوم الأحد سابع ذي الحجة سنة أربعين
وستمائة.
ونال من عز الدين طغرل طغانخان أمير تلك الناحية الصلات الجزيلة فأقام بها سنتين ورجع
إلى دهلي فدخلها يوم الإثنين الرابع عشر من صفر سنة ثلاث وأربعين وستمائة فشفع له
غياث(1/106)
الدين بلبن وكان أمير الحاجب فولى القضاء بكواليار وخطابتها، وولي أوقاف
المدرسة الناصرية يوم الخميس السابع عشر من صفر سنة 643، وصنف ناصري نامه
منظومة في غزوات ناصر الدين محمود بن الإيلتمش سنة خمس وأربعين، فنال الصلات
الجزيلة من غياث الدين بلبن أمير الحاجب وأعطى قرية بأعمال هانسي وولي قضاء الممالك
مرة ثانية بحضرة دهلي يوم الأحد عاشر جمادى الأولى سنة تسع وأربعين وستمائة، وعزل
عنه لثلاث بقين من رجب سنة إحدى وخمسين وستمائة، ولقب بصدر جهان سنة اثنتين
وخمسين، وولي قضاء الممالك مرة ثالثة يوم الأحد الثالث والعشرين من ربيع الأول سنة
ثلاث وخمسين وستمائة، صرح بذلك في كتابه طبقات ناصري.
وكان عالماً بارعاً في الفقه والأصول والسير والتاريخ والشعر، وفيه من حسن الخلق
والتواضع وكرم السجايا ومعرفة حقائق القضايا ما هو غاية ونهاية، وقد أدركه الشيخ نظام
الدين محمد البدايوني حين دخل دهلي وكان يقول: إنه كان يستمع الغناء ويتواجد واستقام
على ذلك بعد ما تولى القضاء، وكان مذكراً تؤثر موعظته في قلوب الناس، قال: إني حضرت
في تذكيره مرة وكان ينشد.
لب بر لب لعل دلبران خوش كردن وآهنك سر زلف مشوش كردن
امروز خوش است ليك فرداست زيان خود را جو خسي طعمة آتش كردن
قال: فغشي علي وأفقت بعد ساعة، كما في فوائد الفؤاد، وللشيخ منهاج ابن السراج
مصنفات عديدة، منها طبقات ناصري في التاريخ صنفه في أيام ناصر الدين محمود بن
الإيلتمش، وله ناصري نامه في غزواته، وله قصائد غراء بالفارسية في المديح.
أما كتابه طبقات ناصري فهو على ثلاثة وعشرين مجلداً، الأول في تاريخ الأنبياء، والثاني في
أخبار الخلفاء الأربعة، والعشرة المبشرة، وأعقاب سيدنا علي رضي الله عنه، والثالث في
أخبار الخلفاء الأموية، والرابع في أخبار الخلفاء العباسية إلى سنة 656 هـ، والخامس في
أخبار ملوك الفرس من طائفة بيشدادي إلى الأكاسرة ثم إلى يزدجرد، والسادس في تاريخ
ملوك اليمن، والسابع في أخبار الطاهرية إلى 259، والثامن في أخبار الصفاريين إلى 289،
والتاسع في أخبار السامانية من 289 إلى عبد الملك بن نوح، والعاشر في أخبار آل بويه من
بدء أمرهم إلى أبي الفوارس شرف الدولة، والحادي عشر في أخبار ملوك غزنة من
سبكتكين إلى خسرو ملك، والثاني عشر في أخبار الملوك السلجوقية، والثالث عشر في
أخبار السنجرية من أتابكة العراق وأتابكة الفرس وملوك نيسابور، والرابع عشر في أخبار
ملوك نيمروز سجستان، والخامس عشر في أخبار أتابكة الشام وأيوبية مصر، والسادس
عشر في أخبار ملوك خوارزم، والسابع عشر في أخبار الشبستانية من ملوك الغور، والثامن
عشر في أخبار ملوك باميان وطخارستان، والتاسع عشر في ذكر ملوك الشبستانية بغزنة،
والعشرون في أخبار الملوك المعزية بالهند وفيه أخبار قطب الدين أيبك، وناصر الدين
قباجه، وبهاء الدين طغرل، وأخبار بختيار الخلجي ومن بعده إلى غياث الدين، الحادي
والعشرون في أخبار الملوك الشمسية بالهند من شمس الدين إيلتمش إلى ناصر الدين محمود،
الثاني والعشرون في أخبار نواب الملوك الشمسية بأقطاع الهند، الثالث والعشرون في
غزوات السلطان سنجر وفتح تركستان بيد خوارزم شاه إلى سنة 658 هـ.(1/107)
الشيخ عثمان بن حسن المروندي
الشيخ الصالح عثمان بن حسن الحسيني المروندي ثم السيوستاني المعروف بلعل شاهباز
قدم ملتان سنة اثنتين وستين وستمائة، فكلفه محمد بن غياث الدين الشهيد بالإقامة في
ملتان، وأراد أن يبني له زاوية بتلك المدينة فلم يقبله وسافر في بلاد الهند، ثم رجع إلى أرض
السند وسكن بسيوستان، ولم يزل بها حتى مات، وكان شيخاً وقوراً مجرداً حصوراً، يذكر
له كشوف وكرامات، توفي سنة ثلاث وسبعين وستمائة بسيوستان فدفن بها، كما في تحفة
الكرام.
خواجه عزيز الكركي
الشيخ الصالح عزيز الكركي البدايوني العارف الفقيه الزاهد كان يذكره الشيخ نصير الدين
محمود بن يحيى الأودي بالخير ويذكر كشوفه وكراماته، مات سنة ست وستين وستمائة
بكرك قرية من أعمال بدايون، كما في خزينة الأصفياء.
الشيخ عزيز الدين اللاهوري
الشيخ الصالح عزيز الدين الحسيني البغدادي ثم الهندي اللاهوري أحد الرجال المعروفين
بالعلم والمعرفة، قدم الهند سنة أربع وسبعين وخمسمائة، فسكن بلاهور ودرس وأفاد بها
ستاً وثلاثين سنة، توفي سنة اثنتي عشرة وستمائة، كما في خزينة الأصفياء.
الشيخ علاء الدين الدهلوي
الشيخ العميد علاء الدين الدهلوي الدبير المشهور بعمدة الملك، كان من كبار الأفاضل،
ولي ديوان الرسائل في عهد السلطان غياث الدين بلبن، ثم في عهد السلطان علاء الدين محمد
شاه الخلجي، ومات في أوائل عهده، ذكره القاضي ضياء الدين البرني في تاريخه، وأثنى على
فضله وبراعته في الإنشاء والترسل.
الشيخ علي بن أبي أحمد الجشتي
الشيخ الصالح علي بن أحمد بن مودود بن يوسف الحسيني الشيخ محي الدين الجشتي،
أحد الرجال المعروفين بالفضل والصلاح، ولد ونشأ بقرية جشت، وتأدب على والده وأخذ
عنه وعن صنوه الكبير أبي محمد، ثم قدم الهند وطابت له الإقامة بدهلي، فلما مات
صنوه أبو محمد بعث أهل تلك القرية رجالاً من أصحاب والده يستقدمونه إلى جشت
ليجلس على مسند الإرشاد، فمنعه السلطان غياث الدين بلبن والتمس إقامته بدهلي،
فسكن بها وبعث إلى ابن أخيه أبي أحمد ابن أبي محمد الجشتي الإجازة، كما في سير
الأولياء، أخذ عنه ولده محمد بن علي، وسلسلة الشيخ ركن الدين مودود الكجراتي
وصاحبه عزيز الله المتوكل تصل إليه ببضع وسائط، وهذه الطريقة الوحيدة في أرض الهند
تصل إلى مشايخ جشت بغير واسطة الشيخ معين الدين حسن الأجيمري، مات ودفن
بمدينة دهلي.
الشيخ علي بن أحمد الكليري
الشيخ الكبير علاء الدين علي بن أحمد الصابر الإسرائيلي الكليري، أحد الأولياء
المشهورين بأرض الهند، كان إسرائيلي النسب من ذرية سيدنا موسى- على نبينا وعليه
السلام- سعد بصحبة الشيخ فريد الدين مسعود الأجودهني في شبابه، ولازمه مدة من
الزمان بغاية الترك والتجريد والزهد والمجاهدة، فبلغ رتبة قلما وصل إليها أصحابه، فوجهه
الشيخ إلى كلير- بفتح الكاف- وكانت مدينة عامرة في أودية الجبال في وسط الهند فاشتغل
بها بالعبادة والإفادة، أخذ عنه الشيخ شمس الدين التركماني، وكانت وفاته في الثالث عشر
من ربيع الأول سنة تسع وثمانين أو تسعين وستمائة، كما في مهرجهانتاب.(1/108)
بهاء الدولة علي بن أحمد الجامجي
الصدر الأجل مجد الملك بهاء الدولة علي بن أحمد الجامجي كان من كبار الأمراء، فتح
جاجنكر مع قلة عدده وهزم صاحبها مع أنه كان له سبعمائة فيلة ومائة ألف فارس
وعشرة لكوك رجالة، وغنم أموالاً وسبى الذراري وقتل خلقاً كثيراً، فتوهم منه شمس
الدين الإيلتمش، وأخذ عنه عشرين لك تنكه وأسره ثم لما غلب شمس الدين علي تاج
الدين الدز كتب إليه مجد الملك هذه الأبيات:
جون ملك توشد يكي بصد بخش مرا اميد تو حق نكرد رد بخش مرا
هر جند شفاعتم كسى مي نكند شكرانة اين فتح بخود بخش مرا
فخلى سبيله وخلع عليه وقربه إلى نفسه ثم جعله أمير داد بمدينة بدايون، فاستقل بها
زماناً وقتل المفسدين في ناحية بهرائج وفتحها مرة ثانية، وغنم خمساً وعشرين لكا وأدخلها
في بيت المال، واتهموه بالبغي والخروج مرة ثانية وأسروه ثم أبعدوه عن دار الملك، فجمع
فرساناً ورجالة وفتح مدينة بنارس وطار صيته بالجود والكرم، فأرادوا قتله غيلة فأخبره
بعض ندمائه فخرج من المجلس ولحق بجنده وأخذ البيعة من الناس للسلطان ناصر الدين
قباجه ملك السند وجبى الخراج وتسلط على بهرائج وبعث إلى ناصر الدين محمد بن
محمد العوفي صاحب لباب الألباب خطبة فقرأوها في الجامع الكبير بمدينة لج.
منهاج الدين علي بن إسحاق البخاري
الشيخ العالم الكبير منهاج الدين علي بن إسحاق البخاري الدهلوي أحد الأفاضل
المشهورين بدهلي يدرس ويفيد في المدرسة المعزية بدهلي، أخذ عنه حفيده بدر الدين
إسحاق بن علي البخاري وخلق كثير من العلماء، وكان نسبه يتصل بعمر الأشرف ابن
علي بن الحسين السبط- رضي الله عنهم، مات بدهلي ودفن بها.
ضياء الدين علي بن أسامة الحلي
السيد الشريف ضياء الدين علي بن أسامة بن عدنان بن أسامة الحلي أبو القاسم، كان
من نسل عمر بن يحيى بن الحسين ذي الدمعة، وقد شرحت نسبه في ترجمة أخيه زيد بن
أسامة الحلي، فارق العراق وقدم الهند مع أخيه المذكور وولي بها زعامة الطاليبين، وكان
زعيم ألف فارس، ومات بالهند، كما في عمدة الطالب وينتهي إليه نسب السيد الشريف
محمد بن محمد القنوجي، ويعرف عشيرته بسادات رسولدار.
علي بن الحامد الكوفي
الشيخ الفاضل علي بن الحامد بن أبي بكر الكوفي ثم الأجي السندي أحد رجال العلم
والمعرفة، ولد ونشأ بمدينة أج، وخرج منها وسافر إلى بهكر وألور سنة 613 هـ وله ثمان
وخمسون سنة، فلقي بها القاضي إسماعيل بن علي بن محمد بن موسى الطائي ووجد
عنده أجزاء من تاريخ السند وغزوات المسلمين عليها وفتوحاتهم بها بالعربية كتبها جدود
القاضي، فأخذ عنه الأجزاء ونقلها إلى الفارسية للوزير حسن بن أبي بكر بن محمد
الأشعري عين الملك، وكتابه موجود في مكتبة المرحوم خدا بخش خان بمدينة عظيم آباد
أوله: حمد وستائش مر بروردكار- الخ، كما في محبوب الألباب.
القاضي علي بن عمر المحمودي
الشيخ الإمام علي بن عمر المحمودي القاضي حميد الدين افتخار الأفاضل، كان من العلماء
المشهورين في سعة العلم وطول(1/109)
الباع، نال الصلات الجزيلة من السلطان قطب الدين أيبك،
وله رسائل مبتكرة مشهورة في الهند، ومن شعره قوله:
تا جند بارم أي زليت كشة زار لعل آب از دو ديده درغم آن آبدار لعل
ني ني جو يافت بالب ودندانت نسبتي ناقص شدست لؤلؤ وكشتست خوار لعل
إلى غير ذلك من الأبيات الرائقة التي أوردها العوفي في لباب الألباب.
جمال الدين علي اللاهوري
الصاحب العميد جمال الدين علي اللاهوري المشهور بسيد الكتاب، كان متولياً بديوان
الإنشاء في نيسابور للملك المؤيد، أدركه نور الدين محمد بن محمد العوفي بتلك البلدة
وصحبه، وله مراسلات إلى فريد الدين محمد بن أحمد يار الكافي الكاتب، وإلى غيره من
الصدور والكتاب، ومما كتب إليه فريد الدين مجيباً له:
آمد ببام عاشق مهجور مستهام مرغى ز آشيانه معشوق نامه نام
لفظش جو لعل منجمد از خندة هوا خطش جو در منعقد ازكرية غمام
برسيدم از عطارد كين نامه زان كيست وزاهل فضل منشى اين درج در كدام
كفت آنكه مبدعان نكات براعتند با من كه خواجه همه ام بيش از غلام
كفتم جواب نامة نويسم بطنز كفت اقرار تو بعجز جواب ست والسلام
علاء الدين علي الأصولي
الشيخ الصالح علاء الدين علي الأصولي البدايوني، كان من رجال العلم والطريقة، قرأ عليه
الشيخ نظام الدين محمد بن أحمد البدايوني، وكان الشيخ نظام الدين يقول: إنه كان من
أصحاب الشيخ جلال الدين التبريزي، وكان على قدم شيخه في الخصال الحميدة وكان
يجتهد في ستر حاله من صبر ورضا ويعمر ساعاته بالإفادة والعبادة، كما في فوائد الفؤاد.
علاء الدين علي مردان الخلجي
الأمير الكبير علاء الدين علي مردان الخلجي أحد الرجال المعروفين بالجلادة، سار إلى
بنكاله وقاتل كفار الهند ثم استعمله عز الدين محمد بختيار الخلجي على ناركوتي فضبط
البلاد وأحسن إلى الناس، ولما رجع محمد بختيار من بلاد التبت واعتراه المرض سار إليه
وقتله ثم قام بالملك فشن الغارة عليه محمد شيران الخلجي وحبسه، ثم خلص من الأسر
وسار إلى دهلي وتقرب إلى قطب الدين أيبك سلطان الهند فاستعمله على بنكاله فضبط
البلاد وأحسن السيرة في الناس، ولما مات قطب الدين استقل بالملك وتلقب بعلاء الدين
فخضعت له العباد ودانت له البلاد.
وكان ملكاً فاتكاً غشوماً متكبراً، بدل سيرته في آخر أمره، فتعدى على الناس وأمعن في
الظلم فخرج عليه الأمراء وقتلوه، وكانت مدة سلطنته سنتين، كما في طبقات ناصري والذي
يظهر من ذلك أنه قتل نحو سنة تسع وستمائة.
حسام الدين عوض بن الحسين الخلجي
السلطان العادل الكريم حسام الدين عوض بن الحسين الخلجي السلطان غياث الدين
الشهيد ملك بنكاله، ولد ونشأ ببلاد الغور وقدم الهند، فسار إلى بنكاله وتقرب إلى محمد
بن بختيار الخلجي وقاتل الكفار، ولما قتل على مردان الخلجي سنة تسع وست(1/110)
مائة اتفق
الناس عليه وبايعوه فاستقل بالملك وتلقب غياث الدين.
وكان ملكاً عادلاً كريماً باذلاً شجاعاً محباً لأهل العلم محسناً إليهم مشكور السيرة في
الناس، اجتمع إليه السادة والأشراف من كل ناحية فأحسن إليهم وغمرهم بجوده
وإحسانه، وساس الناس أحسن ما يكون، وله عقل ودين وميل إلى معالي الأمور.
ومن مآثره الجميلة أنه بنى جسراً كبيراً من لكهنوتي إلى لكهنور في الشعبة الغريبة من نهر
كنك ومن جانب آخر إلى ديوكوث في الشعبة الشرقية، وطول الجسر مسيرة عشرة أيام،
فاستراح الناس به وكانوا قبل ذلك يصلون إلى العمرانات في أيام المطر بالفلك.
قال القاضي منهاج الدين الجوزجاني في طبقات ناصري: إني دخلت بنكاله سنة إحدى
وأربعين وستمائة فرأيت آثاراً من خيراته، قال: إن لبلاد لكهنوتي جناحين وفي كل منهم
يجري ماء كنك يسمون الجانب الغربي الأزال وبلدة لكهنوتي في ذلك الجانب ويسمون الجانب
الشرقي بربنده، وفي ذلك الجانب بلدة ديوكوث، فبنى الجسر من لكهنوتي إلى لكهنور في
جانب ومن آخر إلى ديوكوث مسيرة عشرة أيام، وسبب ذلك أن في أيام المطر يغمر الماء تلك
الأرض كلها فلا يصل الناس إلى العمرانات إلا بالفلك.
قال: وشمس الدين الإيلتمش سير إليه عساكره غير مرة وسار نحوه بنفسه سنة اثنتين
وعشرين وستمائة وصالحه بمال يؤديه، واستولى على بهار ورجع إلى دهلي، وسير ولده
ناصر الدين محموداً سنة أربع وعشرين وستمائة من بلاد أوده مع عساكره فقاتله قتالاً
شديداً فانهزم منه غياث الدين وقتل، وكانت مدة سلطنته على بنكاله اثنتي عشرة سنة،
قال: وكان شمس الدين الإيلتمش يذكره بالخير ويذكره بلقبه غياث الدين ويقول: إنه كان
مستحقاً لذلك اللقب- انتهى، مات سنة أربع وعشرين وستمائة.
فخر الدين عميد التولكي
الفاضل الكبير فخر الملك فخر الدين عميد التولكي أحد الرجال المعروفين بالفضل
والكمال، كان مستوفي الممالك في أرض الهند في أيام ناصر الدين محمود ابن الإيلتمش
السلطان الصالح.
وكان فاضلاً كبيراً شاعراً مجيد الشعر، له قصائد غراء بالفارسية أورد بعضها عبد القادر
البدايوني في منتخب التواريخ.
ومن شعره قوله:
منكه جون سميرغ دريك كوشه مسكن كرده أم ما وراي مركز خاكي نشيمن كرده أم
ننك هر مرغي درين بوم ازجه معنى مي كشم رفته أم عنقا صفت در كوه مسكن كرده#
أم
مرغ همت تانكردد خرمن سفلى كراي خرمن جرخش ز أنجم بر ز أرزن كرده أم
مه جه خرمن ميزند جون دانه ننمايد بكس من بجو سنك مروت جند خرمن كرده أم
نو عروس بكر معنى را بنور معرفت در شبستان خرد جون روز روشن كرده أم
سير اجرام سبهر أز جدول تقويم كن برد رنج ناطقه يك يك مبرهن كرده أم
در لكام جار حلقه كان ستام عنصريست بس رياضتها كه من بر نفس توسن كرده أم
طوطىء جان راكه قالب كلخن مستوحش است هر نفس دستان سراي سير كلشن#
كرده أم
شد بكلشن طوطى وزاغ هوا را بر اثر كرد بر كرد طبيعت وقف كلخن كرده أم
در بسي فن اهل حكمت را كران رغبت نبود من دران صد كونه زه جون مرد يك فن#
كرده أم
كنج حكمت را ضمير من جراغ افروز شد در فتيلش تا زنور عقل روغن كرده أم
كوهر اسرار معنى شد جنان حاصل كه من خاطر از كنجينة اسرار مخزن كردة أم(1/111)
روزي از راه رعونت در كلستان هوا جلوه حكمت جو طاؤس ملون كرده أم
شاهباز غيرت حق از كمين زد ينجه زان كبوتر وار در يك كوشه مسكن كرده أم
ره دين يك برج بي روزن نمودندم ولي من بهمت ره برون از هفت روزن كرده أم
برجى انكه جون دلم بل كز دل من تنك تر رشته أم كوئي مكان در جشم سوزن كرده#
أم
برج قوس است اين ومن خورشيد سان بر عالمي نو بهار را ز آه سرد بهمن كرده أم
ابن نه بس آهنكر آوردم نويد بخت بد كفتمش بر كردن از خوني بكردن كرده أم
مسند خورشيد زرين تخت مي زيبد مرا حال را من تكيه بر كرسي آهن كرده أم
در كريبان سر فرو برد ازدهاي هفت سر تا من اين مار دو سر در زير دامن كرده أم
بند بيزن ميكنندم عرض در جاه ستم ني منيزه ديدم وني جرم بيزن كرده أم
صبر بازوي تهمتن دارد از روى قياس قوت مخلص ببازوي تهمتن كرده أم
همدمانم هريكي در شغل ومن در بند حبس حاش لله زين سخن تنها كنه من كرده أم
كار بر عكس است ورنه خود كه روز بدكشد شغل اشراقي كه من بر وجه أحسن#
كرده أم
تاوك جرخ ستمكر بكذرد روشن ز بشت كرجه روى صبر را از سينه جوشن كرده#
أم
تن غذا خواهست دربند غم ومن راتبش شربت از خون وكباب از دل معين كرده أم
يك زبان بودم جو لاله در شكايت بعد ازين خويشتن را بعد ازين مانند سوسن كرده أم
جون بنفشه سر به بيش افكنده از قحط كرام هم جو سوسن ده زبان از مدحت#
الكن كرده أم
كيفر لب مي برم كز كفتن مدح دروغ هر كداي را شه وأشهب زلادن كرده أم
كه سها را برفروغ ماه رجحان داده أم كاه دريا را كم از فيض غريزن كرده أم
دوستي با حرص كردم جون عميد از آز خون زان قناعت را بروي خويش دشمن كرده#
أم
طبع آتش باي را از دست بي آبي جرخ زير حمل محنت اكنون بين جه كودن كرده أم
خاطر معنى طراز وطبع كوهر زاي را كرجه ديري شد كه بي قطران ستردن كرده أم
هستم اين يك شعر ديواني وصد درج كهر بلكه هر بيتش به از شعر ملون كرده أم
حبس برمن شيون آورده است واز لطف سخن سور ديدستي كه من در عين شيون#
كرده أم
يا رب از نخل كرم برك ونواي من بده مرغ حان را جون بتوحيدت نوازن كرده أم
خلعت امنم كرامت كن كه ما را دركهت مامن اصليست اينك قصد مامن كرده أم
دور دار از ظلمت شرك ونفاق وحقد وكين باطني كز نور اخلاصت مزين كرده أم
آفتاب معرفت در سينه أم تابنده دار جون كهر هاي يقين را سينه معدن كرده أم
حرف الغين
غياث الدين بلبن سلطان الهند
الملك المؤيد المنصور غياث الدين بلبن السلطان الصالح كان من الأتراك الفراخطائية، جلب
في صغر سنه إلى بغداد فاشتراه الشيخ جال الدين البصري سنة ثلاثين وستمائة وأتى به
إلى الهند، فاشترى منه السلطان شمس الدين الإيلتمش فرباه في مهد السلطنة وزوجه
بابنته، فتدرج إلى الإمارة وجعل أمير شكار في عهد رضية بنت الإيلتمش ومير آخور في
عهد بهرام شاه وأمير حاجب في عهد(1/112)
علاء الدين مسعود سنة اثنتين وأربعين وستمائة،
ونال الوزارة الجليلة في عهد ناصر الدين محمود بن الإيلتمش في سنة أربع وأربعين وستمائة
فاستقل بها عشرين سنة، ولما مات محمود سنة أربع وستين وستمائة قام بالملك واستقل به
عشرين سنة أخرى.
وكان من خيار السلاطين عادلاً فاضلاً حليماً كريماً، بذل جهده في تعمير البلاد وسد
الثغور ورفع المظالم والإحسان إلى كافة الخلق، وكان في ذلك على قدم السلطان شمس الدين
الإيلتمش، وكان محباً لأهل العلم محسناً إليهم، يتردد في كل أسبوع بعد صلاة الجمعة إلى
بيوت الشيخ برهان الدين البلخي، والشيخ سراج الدين السجزي، والشيخ نجم الدين
الدمشقي فيحظى بصحبتهم، ويتردد إلى مقابر الأولياء فيزورها، ويتردد إلى مجالس التذكير
ويقعد بها كآحاد من الناس، ويداوم على الصلاة بالجماعة والصيام فرضاً كان أو نافلة،
ويداوم على صلاة الإشراق والضحى والتهجد، وكان لا يداهن في العدل والقضاء ولا
يسامح أحداً ولو كان من ذوي قرابته.
قال الشيخ محمد بن بطوطة المغربي الرحالة في كتابه: إنه بنى داراً وسماها دار الأمن فمن
دخلها من أهل الديون قضى دينه، ومن دخلها خائفاً أمن، ومن دخلها وقد قتل أحداً
أرضى عنه أولياء المقتول، ومن دخلها من ذوي الجنايات أرضى من يطلبه، وبتلك الدار
دفن- انتهى، وكلت وفاته سنة ست وثمانين وستمائة بدار الملك دهلي.
حرف الفاء
فاطمة سام
المرأة المعمرة فاطمة سام الدهلوية كانت من الصالحات القانتات، أدركها الشيخ المجاهد نظام
الدين محمد بن أحمد البدايوني الدهلوي، وكان يذكرها بالخير ويقول: إنها كانت غاية في
الصلاح والتقوى، وكانت تنشد الأبيات الرائقة الرفيقة منها ما روى عنها الشيخ المذكور:
هم عشق طلب كنى وهم جان خواهي هر دو طلبي ولي ميسر نشود
توفيت إلى رحمة الله سبحانه بمدينة دهلي سنة ثلاث وأربعين وستمائة، كما في خزينة
الأصفياء.
الشيخ فخر الدين الميرنهي
الشيخ الفاضل فخر الدين الزاهدي الميرنهي أحد كبار الأولياء، أخذ الطريقة عن الشيخ
قطب الدين بختيار الكعكي ولازمه مدة من الزمان حتى بلغ رتبة المشيخة، كان مولده
ومدفنه مدينة ميرله وقيل: إنه كان من نسل الإسكندر بن فيلقوس المقدونوي، صرح به
محمد الحسن المندوي في كلزار ابرار.
جلال الدين فيروز شاه الخلجي
الملك المؤيد فيروز بن يغرس الخلجي جلال الدين فيروز شاه السلطان الصالح الحليم كان
مير جامدار في أيام السلطان غياث الدين بلبن ومقطعاً ببلدة سامانة، وجعله حفيده معز
الدين كيقباد في آخر أيامه عرض الممالك وأقطعه بلاد برن، ثم لما كان معز الدين اعتراه داء
أعيا الأطباء دواؤه طمع الأمراء في الملك وصاروا طائفتين الأتراك والخلج، فخرج فيروز إلى
ظاهر البلدة ووقف على تل هناك فكاد الأتراك أن يقبضوا عليه ولكن الله سبحانه لما
قيض له الملك لم يقدروا عليه وقتلوا، فدخل فيروز القصر في سنة تسع وثمانين وستمائة
واستقل بالملك وله سبعون سنة.
وكان حليماً كريماً فاضلاً، اتفق الناس عليه بعد نفورهم عنه لحلمه وفضله وعفوه وكرمه،
أداه حلمه إلى قتله بعد سبعة أعوام من ملكه، وقصته أن علاء الدين ابن أخيه كان شهماً
شجاعاً منصوراً زوجه بابنته وأقطعه مدينة كزه وما والاها من البلاد، وكان حب الملك
ثابتاً في نفسه إلا أنه لم(1/113)
يكن له مال إلا ما يستفيده من غنائم الكفار، فاتفق أنه ذهب مرة إلى
ديوكير حيث لم يبلغ إليها أحد من الملوك الماضية فأذعن له سلطانها بالطاعة وأهدى له
هدايا عظيمة فرجع إلى مدينة كزه ولم يبعث إلى عمه شيئاً من الغنائم، فأغرى الناس عمه
به فأرسل إليه، فامتنع من الوصول إليه فقال عمه: أنا أذهب إليه وآتي به فإنه محل ولدي،
فتجهز في عساكره وطوى المراحل حتى حل بساحة مدينة كزه وركب النهر برسم الوصول
إلى ابن أخيه، وركب ابن أخيه أيضاً في مركب ثان عازماً على الفتك به وقال لأصحابه:
إذا أنا عانقته فاقتلوه! فلما التقيا وسط النهر عانقه ابن أخيه وقتله أصحابه كما وعدهم
واحتوى على ملكه وعساكره.
ومن شعره قوله أمر أن يكتب على بناء عال أسسه بمدينة كواليار:
ما را كه قدم بر سر كردون سايد از توده سنك وكل جه قدر افزايد
اين سنك شكسته زان نهاديم ز دست باشد كه شكسته درو آسايد
وكانت وفاته في سنة ست وتسعين وستمائة.
حرف القاف
الشيخ قدوة الدين الأودي
الشيخ الكبير القاضي قدوة الدين بن ميرك شاه بن أبي العلى الإسرائيلي الأودي أحد
الرجال المشهورين، أخذ الطريقة عن الشيخ عثمان الهاروني، وقدم الهند بعد ما افتتحها
الملوك وسكن ببلدة أوده، وكان ذا جرأة ونجدة يحتسب على الملوك والصعلوك ولا يخاف
في الأمر والنهي، وكان له ولد تولى القضاء بعده اسمه أعز الدين، ثم بارك الله سبحانه في
ولده فعمروا اثنتين وخمسين قرية من أرض أوده، ونشأ منهم العلماء والمشايخ، كما في بحر
زخار، وأما نسبه فالمشهور على ألسنة الناس أنه كان من بني إسرائيل، ويقال: إنه كان من
أبناء الملوك، مات في سنة خمس وستمائة، كما في بحر زخار.
شيخ الاسلام قطب الدين بختيار الأوشي
الشيخ الإمام العارف الكبير الزاهد المجاهد قطب الدين بن كمال الدين الكعكي الأوشي،
كان من كبار الأولياء، ولد بأوش في حدود ما وراء النهر، وتوفي والده حين كان ابن سنة
وستة أشهر فربي في حجر والدته العفيفة، فلما بلغ الخامسة من عمره دخل في المدرسة
وتلمذ على الشيخ أبي حفص المعلم الأوشي وأخذ عنه، ثم رحل إلى بغداد، وسعد
بملازمة الشيخ الكبير معين الدين حسن السجزي الأجميري في مسجد الفقيه أبي الليث
السمرقندي، فلبس منه الخرقة وكان المجلس محفوفاً بالشيوخ كالشيخ شهاب الدين عمر بن
محمد السهروردي والشيخ أوحد الدين الكرماني والشيخ برهان الدين الجشتي والشيخ
محمود الأصفهاني وغيرهم.
قيل: إنه بايع الشيخ معين الدين المذكور وله ثماني عشرة من العمر، وفاز بالخلافة وله
عشرون سنة، ثم عطف عنان العزيمة إلى أرض الهند، وأدرك الشيخ بهاء الدين زكريا
الملتاني والشيخ جلال الدين التبريزي بملتان، ثم قدم دهلي فأكرمه السلطان شمس الدين
الإيلتمش غاية الإكرام فتوطن بها وكان الملك يتردد إليه في كل أسبوع، فاجتمع لديه خلق
كثير من المشايخ والعلماء وانتفعوا به.
وكان من الأولياء السالكين المرتاضين يقوم الليل ويصوم النهار ويشتغل بالذكر والفكر على
الدوام فارغاً قلبه عن هواجس الخطرات زاهداً متورعاً عزباً يستمع الغناء ويتواجد
ويستغرق في بحار المعارف حتى إنه توفي في تلك الحالة.
قال الشيخ المجاهد نظام الدين محمد بن أحمد البدايوني: إنه حضر مرة في مجلس السماع
بزاوية الشيخ علي السجزي وكان المغنى يغني بأبيات الشيخ أحمد الجامي فلما أنشد هذا
البيت:(1/114)
كشتكان خنجر تسليم را هر زمان از غيب جان ديكر است
تواجد الشيخ قطب الدين وغشي عليه، فحمله أصحابه الشيخ بدر الدين الغزنوي
والقاضي حميد الدين الناكوري وغيرهما وأتوا به إلى بيته وكان القوال معهم يكرر البيت
المذكور فلم يفق إلى ثلاثة أيام، واشتدت عليه الحالة في اليوم الثالث إلى أن توفي إلى رحمة
الله سبحانه، كما في فوائد الفؤاد، وكان ذلك يوم الاثنين الرابع عشر من ربيع الأول سنة
ثلاث وثلاثين وستمائة وكان عمره يوم وفاته خمسين سنة، وقيل: اثنتين وخمسين، وقيل:
خمساً وستين سنة، كما في مهرجهانتاب.
قال الشيخ محمد بن بطوطة المغربي في كتابه: إن سبب تسمية هذا الشيخ بالكعكي أنه
كان إذا أتاه الذين عليهم الدين شاكين من الفقر أو القلة أو الذين لهم البنات ولا يجدون ما
يجهزونهن به إلى أزواجهن يعطي من أتاه منهم كعكة من الذهب أو الفضة حتى عرف من
أصل ذلك بالكعكي- انتهى.
قطب الدين الأيبك سلطان الهند
الملك الكبير قطب الدين الأيبك السلطان العادل الباذل، جلب من تركستان في صغر سنه،
فاشتراه القاضي فخر الدين بن عبد العزيز الكوفي بمدينة نيسابور، وعلمه القرآن والخط
وغير ذلك، ولما توفي القاضي المذكور اشتراه واحد من التجار المسلمين من أبناء القاضي
وعرضه على شهاب الدين الغوري، فاشتراه وجعله من خواصه فتدرج إلى الإمارة.
ولما سار نحو الهند في سنة ثمان وثمانين وخمسمائة أمره على عساكره وأقطعه سرستي،
وسامانة، وكهرام وما والاها من البلاد والقلاع، فقام قطب الدين بالملك وأحسن السيرة في
رعيته، ثم شن الغارة إلى ميرله فملكها، ثم سار إلى دهلي وقاتل صاحبها أشد قتال فهزمه
ودخل دهلي وجعلها دار ملكه، ثم سار إلى قلعة كول في سنة تسعين وخمسمائة ففتحها
عنوة وأخذ الغنائم الكثيرة.
ولحق بشهاب الدين حين قدومه إلى الهند فجعله شهاب الدين طليعة لعساكره وبعثه إلى
قنوج فلقيه ملكها جي جند فقاتله أشد قتال حتى قتله وأقام بقلعة أسنى مدة من الزمان،
فلما استقر أمره بتلك البلاد أراد أن يرجع إلى دهلي فسمع أن هيمراج خرج على كوله بن
برتهي راج، وانتزع بلاد أجمير من يده، فسار نحوه بعساكره في إحدى وتسعين وخمسمائة
فانهزم هيمراج وولي قطب الدين على أجمير أحد خواصه، ثم سار إلى كجرات ووصل إلى
نهرواله فلقيه عساكر صاحبها قريباً من بلدة نهرواله، فقاتلها أشد قتال فقتل مقدم العساكر،
وخرج صاحبها بهيم ديو إلى ناحية من نواحيها فغنم كثيراً من المال، ورحل إلى غزنة
فمكث بها برهة من الزمان، ثم عاد إلى الهند وأتم بناء الجامع الكبير ببلدة دهلي في سنة
اثنتين وتسعين وخمسمائة.
ولما قدم شهاب الدين سار في ركابه إلى تهنكر الذي سموها بعد ذلك بيانه ففتحها، ثم
بعثه شهاب الدين إلى قلعة كواليار فصالح صاحبها سلكمن على مال يؤديه، وفي سنة سبع
وتسعين سار إلى كجرات فوصلها سنة ثمان وتسعين فلقيه عسكر الهنود فقاتلوه قتالاً
شديداً، فهزمهم أيبك واستباح معسكرهم وما لهم فيها من الدواب وغيرها، وتقدم إلى
نهرواله فملكها عنوة وهرب ملكها بهيم ديو فجمع وحشد فكثر جمعه، ولما علم أيبك أنه
لا يقدر على حفظها إلا بأن يقيم هو فيها ويخليها من أهلها فيتعذر عليه ذلك فصالح
صاحبها على مال يؤديه عاجلاً وآجلاً، وقيل: إنه دخل بها وملكها وولي عليها أحد
خواصه ثم رجع إلى دهلي، وفي سنة تسع وتسعين سار إلى قلعة كالنجر فتحصن بها
صاحبها فحاصرها وأدام الحصار وضيق على أهلها فصالحه صاحبها على مال يؤديه
عاجلاً وآجلاً.
ثم سار إلى مهوبة فملكها ثم سار إلى بدايون فملكها أيضاً.(1/115)
ولما توفي شهاب الدين وقام بالملك بعده ابن أخيه غياث الدين محمود الغوري أعتق قطب
الدين وأرسل إليه جتر- المظلة الملوكية- وغيرها من أمارات السلطنة، فجلس على سرير
الملك بلاهور يوم الثلاثاء الثامن عشر من ذي القعدة الحرام سنة اثنتين وستمائة، وكانت مدة
إمارته عشرين سنة ومدة سلطنته أربع سنين وبضعة أشهر.
وكان عادلاً باذلاً كريماً باسلاً مقداماً يضرب به المثل في الشجاعة والكرم، وكان يعطي
الناس أكثر مما يستحقونه ولذلك سموه لك بخش أي معطي مائة ألف، وصنف في أخباره
نظام الدين الحسن النظامي كتابه تاج المآثر، وكانت وفاته في سنة سبع وستمائة ببلدة لاهور
فدفن بها، كما في تاريخ فرشته.
القاضي قطب الدين الكاشاني
الشيخ العالم الكبير القاضي قطب الدين الكاشاني الملتاني أحد كبار العلماء، درس وأفاد
مدة مديدة في مدرسة بملتان، وانتهت إليه رئاسة التدريس، وكان معاصراً للشيخ بهاء الدين
زكريا الملتان، يأتي الشيخ في مدرسته كل يوم ويصلي خلفه ويقول: من صلى خلف عالم تقي
فكأنما صلى خلف نبي- انتهى.
وكانت وفاته بملتان فدفن بها في البلدة القديمة، كما في أخبار الجمال وكانت وفاته في سنة
ثلاث وثلاثين وستمائة، كما في سير الأولياء.
حرف الكاف
القاضي كمال الدين الجعفري
الشيخ الفاضل القاضي كمال الدين الجعفري البدايوني أحد كبار العلماء، ناب الحكم
ببدايون فسكن بها، وكان يدرس ويفيد، وله كتاب المغني في الفقه مات ودفن ببدايون، وكان
الشيخ المجاهد نظام الدين محمد بن أحمد البدايوني يذكره بالخير، كما في فوائد الفؤاد.
حرف الميم
نور الدين المبارك الغزنوي
الشيخ الإمام نور الدين المبارك بن عبد الله بن شرف الحسيني الغزنوي كان من نسل
الحسين ذي الدمعة، ولد ونشأ بغزنة، وأخذ عن خاله الشيخ عبد الواحد بن الشهاب أحمد
الغزنوي، ثم سافر إلى بغداد وأخذ عن الشهاب عمر بن محمد السهروردي صاحب
العوارف وصحبه زماناً، ثم عاد إلى غزنة ورزق حسن القبول فتبرك به شهاب الدين
الغوري في غزوات الهند وولاه مشيخة الاسلام ولقبه بالأمير، فاستقل بها عهداً بعد عهد
يعظمه الملوك والأمراء وكانوا يتبركون به ويتلقون إشاراته بالقبول.
قال القاضي شهاب الدين الدولة آبادي في هداية السعداء: إن السلطان شمس الدين
الإيلتمش كان يجلسه في صدر المجلس، ويقبل يده، ويتبرك به في غزواته- انتهى.
مات في أول ليلة من المحرم سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، ودفن بدهلي القديمة شرقي
الحوضي الشمسي، كما في أخبار الجمال.
الشيخ مجد الدين اللاهوري
الشيخ الإمام مجد الدين بن خطير الدين محمد بن(1/116)
عبد الملك الجرجاني اللاهوري أحد
الرجال المعروفين بالفضل والكمال، ذكره نور الدين محمد العوفي في لباب الألباب في ترجمة أبيه
وقال: إن مصنفاته مشهورة في أنواع العلوم من المعقول والمنقول.
قوام الدين محمد بن أبي سعد الجنيدي
الوزير الكبير نظام الملك قوام الدين محمد بن أبي سعد الجنيدي الدهلوي أحد الرجال
المشهورين بالعقل والدهاء، استوزره السلطان شمس الدين الإيلتمش سنة سبع وستمائة
فخدمه إلى سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، ثم خدم ولده ركن الدين فيروز شاه، وخرج عليه
فسار إلى لاهور فوافقه غير واحد من الأمراء فتعاقبهم ركن الدين بعساكره، ولما سار ركن
الدين إلى لاهور اتفق الناس على أخته رضية بنت الإيلتمش فبايعوها، فرجع ركن الدين إلى
دهلي فقبضوا عليه ورفعوه إلى المحبس، ثم وفد نظام الملك ومن معه من الأمراء إلى دهلي
فهزمتهم رضية، وذهب نظام الملك إلى جبل سرمور وتوفي بها، لعله في أيام رضية.
وكان فاضلاً عادلاً كريماً محباً لأهل العلم محسناً إليهم، صنف له نور الدين محمد العوفي
كتابه جوامع الحكايات، توفي نحو سنة بضع وثلاثين وستمائة.
الشيخ محمد بن أحمد الماريكلي
الشيخ العالم الكبير المحدث محمد بن أحمد بن محمد الماريكلي الإمام كمال الدين الزاهد
الدهلوي أحد العلماء المبرزين في الفقه والحديث، تفقه على برهان الدين محمود البلخي،
وأخذ الحديث عنه، وهو تفقه على الشيخ برهان الدين المرغيناني صاحب الهداية وأخذ
الحديث عن الشيخ حسن بن محمد الصغاني صاحب مشارق الأنوار، وللشيخ كمال الدين
إجازة عن مؤلف آثار النيرين في أخبار الصحيحين عن الشيخ حسن بن محمد ابن المذكور،
وأخذ عن الشيخ المجاهد نظام الدين محمد البدايوني وقرأ عليه المشارق وحفظ عنه.
وكان عالماً فاضلاً محققاً، ورعاً زاهداً، متبحراً في الفقه والحديث، أراد السلطان غياث
الدين بلبن أن يختاره لإمامته في الصلاة فأبى ذلك وقال: لم يبق لي عمل من الأعمال الصالحة
غير الصلاة والسلطان يريد أن يبطلها أيضاً، كما في سير الأولياء وإني رأيت في بعض
المجاميع إن وفاته كانت بمدينة دهلي في سنة أربع وثمانين وستمائة.
الشيخ محمد بن أحمد المدني
الأمير الكبير بدر الملة المنير شيخ الإسلام قدوة الأئمة الكرام قطب الدين محمد بن السيد
رشيد الدين أحمد بن يوسف بن عيسى بن حسن بن حسين بن جعفر بن قاسم بن عبد
الله بن حسن بن محمد بن عبد الله بن محمد النفس الزكية ابن عبد الله المحض بن الحسن
المثنى بن الإمام الحسن السبط الأكبر- على آبائه وعليه السلام- كان ابن أخت السيد
الإمام عبد القادر الجيلاني فكان محبوك الأطراف بالسادة الأشراف ومدبج الجوانب
بالعلماء الأسلاف، ولد بمدينة بغداد في سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، وأخذ العلم
والمعرفة عن فحول العلماء وأساتذة الزوراء منهم والده العلامة ومنهم الشيخ عبد الرزاق
بن عبد القادر الجيلاني، والشيخ العارف أبي الجناب نجم الدين الكبري، أخذ عنه بعد ما
توفي عبد الرزاق المذكور.
وانتقل من بغداد في فتنة المغول بعد ما استشهد والده، فدخل غزنة وأقام بها زماناً، ثم قدم
الهند لعله في أيام قطب الدين أيبك، فجاهد معه في سبيل الله وفتحت على يده الكريمة
قلعة كزه ومانكيور، وهنسوه وغيرها من القلاع الحصينة المتينة، وكان السلطان شمس
الدين الإيلتمش يكرمه غاية الإكرام.
قال القاضي شهاب الدين عمر الزاولي الدولة آبادي في هداية السعداء: إن السلطان
المذكور كان يجلسه في صدر المجلس ويقبل يده ويتبرك به- انتهى.
وقال القاضي عثمان بن محمد الجوزجاني في(1/117)
طبقات ناصري: إنه كان شيخ الإسلام بمدينة
دهلي في أيام بهراه شاه، بعثه السلطان المذكور سنة تسع وثلاثين وستمائة إلى الأمراء الذين
خلعوه واجتمعوا بلاهور عند ماء بياس، فسار إليهم وبالغ في إماتة الفتنة ورجع إلى دهلي،
وعزل عن المشيخة يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلون من رجب سنة ثلاث وخمسين وستمائة
في أيام ناصر الدين محمود- انتهى.
وقال القاضي ضياء الدين البرني في تاريخه: إن شيخ الإسلام قطب الدين كان من أكابر
عصره في أيام السلطان غياث الدين بلبن- انتهى.
وكان له ثلاثة أبناء: أكبرهم نظام الدين وكان على قدم أبيه في الشهامة والنقاوة، مات في
حياة والده وأعقب ولداً يسمى ركن الدين وهو ولي القضاء بمدينة كزه، ذكره البرني في
تاريخه وأثنى عليه، وأوسطهم قوام الدين محمود الذي زوجه السلطان شمس الدين الإيلتمش
ابنته فتحه سلطانه كما في تذكرة السادات، وأصغرهم القاضي تاج الدين كان قاضياً بمدينة
كزه، ثم ولي القضاء ببدايون، ذكره البرني في تاريخه وأثنى عليه.
أما القاضي ركن الدين وهو جدنا الكبير فقد بارك الله في أعقابه، فانتشرت في آفاق
الهند، ونشأ منها رجال العلم والمعرفة كالشيخ فضل الله ختن الشيخ قطب الدين
الجونبوري، والسيد محمد تقي درويش بي ريا أستاذ السلطان فرخ سير، والقاضي محمود
بن علاء الدين النصير آبادي، ومن أعقابه السيد العلامة خواجه أحمد، والسيد العارف
علم الله بن محمد فضيل، وحفيده السيد محمد عدل، والإمام المجاهد السيد أحمد الشهيد
السعيد وخلق لا يحصون بحد وعد.
وكانت وفاة الشيخ قطب الدين محمد في ثالث رمضان سنة سبع وسبعين وستمائة بمدينة
كزه، وقبره مشهور ظاهر يزار ويتبرك به، كما في وفيات الأعلام للشيخ محمد يحيى.
عز الدين محمد بن بختيار الخلجي
الأمير الكبير عز الدين محمد بن بختيار الغازي الخلجي أحد الرجال المعروفين في السياسة
والرياسة، كان أصله من بلاد الغور، ولد ونشأ بها، وقدم غزنة ثم دخل الهند وبذل
المساعي الجميلة في الغزو، فأقطعه شهاب الدين الغوري بلاداً في ما بين النهرين وبعض بلاد
في ما وراء نهر كنك، فلما استقر بتلك البلاد سار إلى بهار- بكسر الموحدة- وقاتل
المقاتلة بها وسبى الذراري والجواري، ثم قدم دهلي وعرض على صاحبها قطب الدين
أيبك الغنائم الكثيرة- لعله في سنة تسع وتسعين وخمسمائة- فأقطعه قطب الدين بهار
وبنكاله، فسافر إلى بهار وسار بعساكره إلى بنكاله وشن الغارة على صاحبها لكهمنه،
فهزمه إلى كامروب وملك تلك البلاد، ثم أسس بها بلدة عامرة وسماها رنكبور، وأسس
بها المساجد والزوايا والمدارس، وجعلها دار ملكه، ثم سار إلى بلاد تبت، واستخلف
محمد شيران الخلجي على بنكاله فسار باثنى عشر ألف مقاتل إلى تبت.
فلما وصل إلى إيردهن رأى فيها نهراً عظيم الجرى كثير الزيادة يسمونه يتمكري وبلغ إلى
جسر عظيم- قيل: إنه كان من مستعمرات كرشاسب- فعبر إلى تلك البلاد ووكل به
رجالاً من خواصه، ثم تقدم وخاض الجبال والوهاد حتى وصل إلى قلعة حصينة بعد ستة
عشر يوماً من عبور الماء والجسر، فلقيه طائفة من الرماة فقاتلوه، وقيل له: إن على خمسة
فراسخ منها بلدة كبيرة يسمونها كرم بتن وفيها ثلاث مائة ألف وخمسون ألفاً من الرماة وإنهم
يأتون إليه عن قريب، وكان أتعبه السفر تعباً شديداً فظن أنه لا يقدر على قتالهم فرجع من
هناك، ولما وصل إلى الجسر رأى أن خواصه قد ساروا، وهدم أهل تلك البلاد الجسر
فتحير في أمره ولاذ بكنيسة عظيمة هناك وأمر رجاله(1/118)
أن يصنعوا الفلك، فلما عرف الناس
عجزه هجموا عليه من كل ناحية فألقوا أنفسهم في الماء فلم ينج منهم إلا القليل، فلما وصل
إلى بلاده استقبله الناس، ولما عرفوا ما وقع له أكثروا عليه اللعان والسباب لا سيما
الجواري والذراري لأجل بعلوهن وآبائهن وأخذن في النوح والبكاء، وقد اعتراه من الخجل
ما لا مزيد عليه فمرض ومات بعد ثلاثة أيام.
وكان عادلاً كريماً باذلاً مقداماً، يضرب به المثل في السماحة والشجاعة، وله آثار صالحة في
بلاد بنكاله، مات في سنة اثنتين وستمائة، كما في تاريخ فرشته.
الشيخ محمد بن الحسن الأجميري
الشيخ الصالح محمد بن الحسن السجزي الشيخ فخر الدين بن معين الدين الأجميري أحد
المشايخ المشهورين، ولد ونشأ بمدينة أجمير وقرأ العلم وتأدب على والده، وتولى الشياخة
والإرشاد بعده.
وكان قانعاً عفيفاً ديناً متورعاً، أحيا أرضاً مواتاً بقرية ماندل من أعمال أجمير فكان يزدرع
بها ويجعلها قوتاً له ولعياله، وعاش بعد والده عشرين سنة، كان في أخبار الأخيار، توفي
سنة ثلاث وخمسين وستمائة، كما في خزينة الأصفياء، وفي كلزار أبرار: إنه توفي في خامس
شعبان سنة إحدى وستين وستمائة- والله أعلم-.
الشيخ محمد بن الحسن النيسابوري
الشيخ الفاضل صدر الدين محمد بن الحسن النظامي النيسابوري ثم الدهلوي أحد
العلماء المبرزين في الإنشاء والتاريخ والسير، ولد ونشأ بمدينة نيشابور وقرأ العلم على
أساتذة عصره، وانتقل عنها إلى غزنة أيام الفترات، وأقام بها مدة من الزمان ثم انتقل عنها
إلى دهلي في أيام قطب الدين أيبك، وصنف تاج المآثر وهو كتاب في تاريخ الهند من سنة
سبع وثمانين وخمسمائة إلى سنة أربع عشرة وستمائة، وفي نسخة منه إلى سنة ست
وعشرين وستمائة، فلست أدري أنها من الملحقات أو من تصنيفه، مات في أيام السلطان
شمس الدين الإيلتمش.
الشيخ محمد بن زكريا الملتاني
الشيخ الإمام الزاهد العابد القدوة الحجة الشيخ محمد بن زكريا شيخ الاسلام صدر الدين
القرشي الأسدي الملتاني أحد أولياء الله المشهورين، ولد بملتان ونشأ بها في تصون تام
وعفاف وتأله واقتصاد في الملبس والمأكل، ولم يزل على ذلك خلقاً صريحاً براً تقياً ورعاً
عابداً صواماً قواماً، ذاكراً لله سبحانه في كل أمر وعلى كل حال، رجاعاً إليه في سائر
الأحوال، وقافاً عند حدوده وأوامره ونواهيه، حتى إنه بذل ما وصل إليه من متروكات أبيه
وكانت سبعين لكا من الدنانير فضلاً عن الدور والأقمشة والظروف وغيرها من العروض
والعقار فقسم كلها على الفقراء والمساكين وغيرهم من أرباب الحقوق وما ادخر شيئاً من
ذلك إلا ما كان على جسده وأجساد أهله وعياله من الألبسة.
فقال له أحد أصحابه: إن أباك جمع القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والخيل
المسومة، والأنعام، والحرث، والدور، وغيرها، وإنك ضيعت كلها في يوم واحد وما ادخرت
لأهلك شيئاً! فضحك ثم أجاب بأن أبي كان غالباً على الدنيا فهي ما كانت تستطيع أن
تزل قدمه وأني ما بلغت إلى تلك المنزلة فخفت أن تغلب علي.
وقد جمع الشيخ ضياء الدين ملفوظاته في مجموع يسمى كنوز الفوائد، وأثنى عليه الشيخ
حسن بن عالم الحسيني في نزهة الأرواح، وأخذ عنه الشيخ جمال الدين الأجي، والشيخ
أحمد بن محمد القندهاري، والشيخ علاء الدين الخجندي، والشيخ حسام الدين الملتاني،
وابنه أبو الفتح ركن الدين، وخلق كثير من العلماء والمشايخ.
ومن وصاياه: قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً" إذا أراد الله بعبد
خيراً(1/119)
وكتبه سعيداً وفقه لدوام الذكر باللسان مع مواطاة القلب ورقاه عن ذكر اللسان إلى
ذكر القلب حتى لو سكت اللسان لا يسكت القلب وهو الذكر الكثير، ولا يوصل العبد
لذلك إلا بعد التبري عن النفاق الخفي المشار إليه بقوله عليه السلام: أكثر منافقي أمتي
قراؤها، أراد به نفاق الوقوف مع غير الله تعالى وتعلق الباطن بسواه.
فإذا وفق العبد لتجريد الظاهر عما لا يحل ثم عما لا يحمد وأكرم بتفريد الباطن بتخليه عن
الخواطر الردية والأخلاق المذمومة يوشك أن يتجلى نور الذكر في باطنه فيقطع عنه
الوساوس الشيطانية والهواجس النفسانية، وتجوهر نور الذكر في باطنه حتى يكون ذكره
بتجلي مشاهدى المذكور، وهذه هي الرتبة العظمى والمحنة الكبرى التي تمد إليها أعناق
أرباب معالي الهمم من أولي الأيدي والأبصار من الأمم- والله الموفق والمعين- انتهى.
وكانت وفاته في الثالث والعشرين من ذي الحجة سنة أربع وثمانين وستمائة وله تسع وستون
سنة.
شهاب الدين محمد بن سام الغوري
أبو المظفر شهاب الدين محمد بن سام بن الحسين بن الحسن بن محمد بن العباس الغوري
السلطان المجاهد في سبيل الله الغازي، ولد بأرض غور ونشأ بها، وتوفي والده في صغر
سنه، فتنبل في أيام عمه علاء الدين، واستعمله عمه في بلد من بلاد الغور اسمه سنجه مع
صنوه الكبير غياث الدين محمد الغوري، فأحسن السيرة في عمله وعدل وبذل الأموال فمال
الناس إليه وإلى صنوه المذكور.
فلما مات عمه قام مقامه صنوه غياث الدين، ولما قوي أمره جهز جيشاً كثيفاً مع أخيه
شهاب الدين إلى غزنة فلقيه الغزنويون وقاتله، فانهزم الغورية وثبت شهاب الدين في من ثبت
معه على صاحب عليهم، فقتله وأخذ العلم وقتلهم ودخل غزنة، وأحسن السيرة في أهلها
وأفاض العدل، وسار من غزنة إلى كرمان وشنوران فملكها.
ثم تعدى إلى ماء السند وعمل على العبور إلى بلاد الهند وقصد لاهور وبها يومئذ خسرو
شاه وقال الجوزجاني في طبقاته: إنه كان بها يومئذ خسرو ملك، فلما سمع بذلك سار في
من معه إلى ماء السند فمنعه من العبور عنه فرجع عنه وقصد فرشابور بيشاور فملكها
وما يليها من جبال الهند وأعمال الأفغان، ثم رجع إلى غزنة واستراح بها ثم خرج منها في
سنة تسع وسبعين وخمسمائة وسار نحو لاهور في جمع عظيم فعبر إليها وحصرها وأرسل
إلى صاحبها خسرو شاه- وقيل: إلى ولده خسرو ملك- وإلى أهلها يتهددهم إن منعوه
وأعلمهم أنه لا يزول حتى يملك البلد، وبذل الأمان على نفسه وأهله وماله، فامتنع عليه
وأقام شهاب الدين محاصراً له، فلما رأى أهل البلد ذلك ضعفت نياتهم في نصرة صاحبهم،
وطلبوا الأمان من شهاب الدين وخرجوا إليه ودخل الغورية في البلد، وأرسل غياث الدين
إلى أخيه يطلب خسرو شاه فسيره إليه ومعه ولده، فأمر بهما غياث الدين فرفعا إلى بعض
القلاع، وأمر شهاب الدين بإقامة الخطبة له بالسلطنة ولقب أخاه شهاب الدين معز الدين.
فلما استقر أمر لاهور رجع شهاب إلى غزنة ثم إلى أخيه غياث الدين فسارا إلى هراة
فملكاها ثم إلى قوشنج ثم إلى باذغيس، وكالين وبيوار، فملكها أيضاً، ثم رجع غياث الدين
إلى فيروزكوه وشهاب الدين إلى غزنة وأقام بها حتى أراح واستراح هو وعساكره، ثم قصد
بلاد الهند، وسار إليها في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ففتح قلعة بهلنده وملك سرستي
وكهرام، فلما سمع بتهورا ملك أجمير جمع العساكر وسار إلى المسلمين مع أخيه كهاندي راؤ
نائبه بناحية دهلي، واشتدت الحرب بينهم وبين المسلمين فانهزمت ميمنة المسلمين
وميسرتهم، فأخذ شهاب الدين الرمح ووصل إلى الفيلة فطعن فيلاً منها في كتفه وزرقه
بعض الهنود بحرية فوقع على الأرض فأخذه أصحابه وعادوا به منهزمين، فلما ول إلى لاهور
أخذ الأمراء الغورية الذين(1/120)
انهزموا وعلق على كل واحد منهم عليق شعير وقال: أنتم
دواب، ما أنتم أمراء! وسار إلى غزنة وأقام بها ليستريح الناس.
ثم قصد بلاد الهند وسار إليها في سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، ونصره الله سبحانه على
عظيم الهند بقصة طويلة شرحتها في جنة المشرق وعاد إلى غزنة ثم قصد الهند وسار
إليها بعساكره في سنة تسعين وخمسمائة، ولما وصل إلى ناحية إثاوه لقيه جي جند ملك
قنوج بعساكره فاشتد الحرب بينهما وقتل جي جند فسار إلى بنارس، وهدم الكنائس
وذهب إلى قلعة كول، ثم أمر على أرض الهند مملوكه قطب الدين الأيبك، ورجع إلى غزنة
واستراح بها مدة من الزمان، ثم قصد الهند وسار إليها في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة،
وحاصر قلعة تهنكر وهي التي يسمونها بيانة ففتحها، ثم سار إلى قلعة كواليار فراسله من
بها بالصلح على مال يحملونه إليه فأجابهم إليه، وعاد إلى غزنة واشتغل بأمر خراسان مدة،
ثم قدم الهند في سنة سبع وتسعين وخمسمائة أرسل مملوكه قطب الدين إلى نهر واله فوصلها
سنة ثمان وتسعين، قاتل الهنود قتالاً شديداً وهزمهم واستباح معسكرهم وتقدم إلى نهر
واله فملكها عنوة، ثم صالح صاحبها على مال يؤديه ثم عاد إلى غزنة.
ولما توفي صنوه الكبير غياث الدين في سنة ثمان وتسعين وخمسمائة رحل إلى فيروزكوه
وجلس للعزاء لأخيه، ثم قام مقامه واشتغل برهة من الزمان في أمر خراسان، ثم سار نحو
لاهور سنة ستمائة عازماً على غزو الهند، فاستولى خوارزم شاه على مدينة هراة، ومات
ألب غازي ابن أخت شهاب الدين ونائبه في هراة فعاد شهاب الدين إلى خراسان وسار إلى
خوارزم فسبقه خوارزم شاه والتقى العسكران بسوقرا فجرى بينهم قتال شديد.
وأرسل خوارزم شاه إلى أتراك الخطا يستنجدهم فاستعدوا وساروا إلى بلاد الغورية فعاد
شهاب الدين من خوارزم ولقيهم في صحراء أندخوي سنة إحدى وستمائة، وانهزم
المسلمون وبقي شهاب الدين في نفر يسير، ووقع الخبر في جميع بلاده بأنه قد عدم، ثم وصل
إلى طالقان في سبعة نفر ثم إلى غزنة ثم سار إلى الهند وأمر في جميع بلاده بالتجهز لقتال
الخطا وغزوهم والأخذ بثأرهم، وكان عازماً على ذلك إذ سمع أن طائفة كهوكهر ثاروا في
أرض الهند وقطعوا السبل ومدوا أيديهم إلى ناحية لاهور وملتان فسار نحو الهند في سنة
اثنتين وستمائة واشتد القتال بينهما فهزمهم باذن الله سبحانه وغنم المسلمون منهم ما لم
يسمع بمثله، ثم أمر الناس بالرجوع إلى بلادهم والتجهز لغزو الخطا ثم تيراه وأمر مملوكه تاج
الدين الدز أن يغزوهم وكانوا كفاراً يفسدون في الأرض ويقطعون السبل وكانت فتنة هؤلاء
التيراهية على بلاد الاسلام عظيمة ولم يزالوا كذلك حتى أسلم طائفة منهم في آخر أيام
شهاب الدين، ثم سار إلى غزنة ونفر من أهل كهوكهر لزموا عسكره عازمين على قتله.
فلما وصل بمنزل يقال له دمنك تفرق عنه أصحابه في الليلة وكان معه من الأموال ما لا يحد
فإنه كان عازماً على قصد الخطا والاستكثار من العساكر وتفريق المال فيهم وقد أمر
عساكره بالهند باللحاق به وأمر عساكره الخراسانية بالتجهز إلى أن يصل إليهم، فلما تفرق
أصحابه وكان في خركاء فثار أولئك النفر فقتل أحدهم بعض الحرس، وكثر الزحام فاغتنم
أهل كهوكهر غفلتهم عن الحفظ، فدخلوا على شهاب الدين فضربوه بالسكاكين اثنتين
وعشرين ضربة فقتلوه، واجتمع الأمراء عند وزيره مؤيد الملك فتحالفوا على حفظ الخزانة
والملك ولزوم السكينة إلى أن يظهر من يتولاه وأجلسوا شهاب الدين وخيطوا جراحه
وجعلوه في المحفة محفوفة بالحشم والوزير والعسكر والشمسية على حالة حياته فساروا إلى
غزنة.
وكان شجاعاً مقداماً كثير الغزو إلى بلاد الهند،(1/121)
عادلاً في رعيته، حسن السيرة فيهم
حاكماً بينهم بما يوجبه الشرع المطهر، وكان القاضي بغزنة يحضر داره من كل أسبوع
السبت والأحد والاثنين والثلاثاء ويحضر معه أمير حاجب وأمير داد وصاحب التربة
فيحكم القاضي وأصحاب السلطان ينفذون أحكامه على الصغير والكبير والشريف
والوضيع، وإن طلب أحد الخصوم الحضور عنده أحضره وسمع كلامه وأمضى عليه أو له
حكم الشرع، فكانت الأمور جارية على أحسن نظام، وكان العلماء يحضرون بحضرته
فيتكلمون في المسائل الفقهية وغيرها، وكان الشيخ الإمام فخر الدين الرازي صاحب
التفسير الكبير يعظ في داره فحضر يوماً فوعظ وقال في آخر كلامه: يا سلطان! لا سلطانك
يبقى ولا تلبيس الرازي، فبكى شهاب الدين حتى رحمه الناس لكثرة بكائه، وكان رقيق
القلب، وكان شافعي المذهب مثل أخيه، قيل: وكان حنفياً- والله أعلم، وكانت وفاته في
أول ليلة من شعبان سنة اثنتين وستمائة، كما في الكامل.
السيد محمد بن شجاع المكي
السيد الشريف محمد بن شجاع بن إبراهيم بن قاسم بن زيد بن جعفر بن حمزة بن هارون
بن عقيل بن إسماعيل بن أبي الحسن علي المختار بن جعفر المشهور بالكذاب، ولم يذكر
جمال الدين أحمد الحسني في عمدة الطالب للسيد علي المختار إبناً إسمه إسماعيل- والله
أعلم.
قال معين بن الشهاب الجهونسوي في منبع الأنساب: إنه ولد بمكة المباركة سنة أربعين
وخمسمائة، وقدم الهند وسكن ببهكر من أرض السند، وكانت صحراء لا عمارة فيها
فذبح البقرة بها وسكن فسموها بقر ثم صار بكر- انتهى.
وفي تحفة الكرام: إنه دخل الصحراء في البكرة فقال: جعل الله بكرتي في البقعة المباركة!
فسموها بكر- انتهى.
وله ذرية واسعة في الهند، توفي سنة ست وأربعين وستمائة، وقبره ما بين بهكر وسكر
حيث تجتمع به الأنهر السبعة، كما في منبع الأنساب، وفي الرسالة الزيدية: أنه مات سنة
تسعين وخمسمائة، والأول أقرب إلى الصواب لأن صاحب المنبع من أولاده وأهل البيت
أدرى بما في البيت.
القاضي محمد بن عطاء الناكوري
الشيخ العالم الكبير الزاهد محمد بن عطاء البخاري القاضي حميد الدين الناكوري أحد
الرجال المعروفين بالفضل والصلاح، قدم والده في عهد السلطان شهاب الدين الغوري فولي
القضاء بمدينة ناكور ومات بها، ثم ولي القضاء مكانه ولده محمد فاشتغل به ثلاث سنين، ثم
اعتزل عنه، وسافر إلى بغداد، وأخذ الطريقة عن الشيخ شهاب الدين عمر بن محمد
السهروردي، وصحبه سنة، ثم رحل إلى المدينة المنورة، ولبث بها سنة وشهرين، ثم دخل
مكة المباركة فحج ومكث بها سنة، ثم رجع إلى الهند، واجتمع بالشيخ قطب الدين
بختيار الأوشي، وكان قد لقيه أول مرة ببغداد فازدادت المحبة بينهما، وقيل: إنه لبس الخرقة
الجشتية منه أيضاً.
وكان ممن يستمع الغناء، وأفرط في ذلك فاحتسب عليه العلماء وأنكروا عليه ذلك
وشددوا عليه النكير وأفتوا بضلالته وحرضوا سلطان العهد على إجلائه من الهند فضاق
عليه الأمر، ثم لما ولي القاضي منهاج الدين عثمان بن محمد بن عثمان الجوزجاني القضاء
وكان ممن يستمع، الغناء ركد غبار الفتنة، كما في سير الأولياء.
وللقاضي محمد بن عطاء مصنفات منها اللوائح في مجلد وطوالع الشموس في شرح أسماء
الله الحسنى وهو في مجلدين، وكانت وفاته في رمضان سنة ثلاث وأربعين وستمائة بمدينة
دهلي، فدفن تحت أقدام الشيخ قطب الدين المذكور بوصيته، توفي بعد ما فرغ من صلاة
الوتر وقيام رمضان سجد فلم يرفع رأسه عن السجدة، كما في مهر جهانتاب.(1/122)
محمد بن علي الحسيني البلكرامي
السيد الشريف محمد بن علي بن الحسين بن أبي الفرج بن أبي الفراش بن أبي الفرج
الحسيني الواسطي البلكرامي، كان من ذرية الإمام الحسين السبط رضي الله عنه، ولد
ونشأ بأرض الهند، وأخذ الطريقة عن الشيخ قطب الدين بختيار الأوشي، ثم قدم بلكرام مع
أصحابه سنة أربع عشرة وستمائة، فقاتل أهلها وقتل راجه سرى أمير تلك الناحية، ثم
سكن بها وحصل توقيع العشر من السلطان شمس الدين الإيلتمش، وبنى قلعة متينة بها
سنة سبع وعشرين وستمائة، وكان لقبه صاحب الدعوة الصغرى، ولما كان ثقيلاً على أفواه
الرجال خففوه وجعلوا لفظ الصغرى جزءاً لاسمه، وله أعقاب صالحة حتى الآن، توفي سنة
خمس وأربعين وستمائة، كما في مآثر الكرام.
محمد بن عوض المستوفي الدهلوي
الصاحب العميد نظام الملك مهذب الدين خواجه محمد بن عوض المستوفي الدهلوي أحد
الأفاضل المشهورين في عصره، استوزرته رضية بنت الإيلتمش، وكان قبل ذلك نائباً عن
الوزير نظام الملك قوام الدين محمد بن أبي سعد الجنيدي ولقبته رضية نظام الملك، فاستقل
بالوزارة إلى أيام علاء الدين مسعود شاه، وأقطعه علاء الدين ناحية كول، فاستولى على
المملكة وأخرج الأمور من أيدي الأتراك فسخطوا عليه وقتلوه غيلة يوم الأربعاء ثاني جمادي
الأولى سنة أربعين وستمائة، كما في طبقات ناصري.
محمد بن غياث الدين بلبن الشهيد
قا آن الملك محمد بن غياث الدين بلبن الشهيد المشهور بالعدل والإحسان، كان أكبر أولاد
أبيه وأحبهم إليه وأوفرهم في العلم والعمل، ولد ونشأ في مهد السلطنة وتأدب بآدابها، وقرأ
العلم وتفنن في الفضائل الكثيرة حتى صار مرجعاً ومقصداً لأهل العلم وافتتن الناس به
وأحبوه، واجتمع به الأمير خسرو بن سيف الدين الدهلوي، والأمير حسن بن العلاء
السجزي وجمع كثير من الفضلاء وساروا معه إلى ملتان حين ولاه والده على إقليم السند،
وكان على قدم والده في آداب السلطنة، وقد أرسل إلى الشيخ سعدي المصلح الشيرازي
الأموال الكثيرة مرتين وكلفه أن يقدم عليه فيؤسس له زاوية بملتان ويوقف عليه عدة قرى من
أرضها فاعتذر الشيخ كل مرة لكبر سنه واصطفى له من ظرائف قوله شيئاً واسعاً وأرسل
إليه وأوصاه بأن يغتنم خسرو بن سيف الدين ويخصه بأنظار القبول ويربيه، وكان يرسل إلى
والده الهدايا الجميلة من ملتان ويتردد إليه كل سنة ويقاتل التتر كلما يأتون إليه قتالاً شديداً
ويهزمهم إلى بلادهم، فلما قام بالملك أرغون بن أياق بن هلاكو الجنكيزي ببلاد الفرس أمر
تيمور خان أحد أمرائه ببلاد خراسان أن يسير إلى الهند فسار بعشرين ألف فارس وقتل
خلقاً كثيراً ونهب الأموال فيما بين لاهور وديبالبور، ثم قصد ملتان فاستقبله محمد وقاتله
قتالاً شديداً، وهزم تيمور خان وتعاقبه بعض الأمراء من أصحاب محمد وكان محمد لم يصل
الظهر لاشتغاله بالقتال فنزل ومعه خمسمائة من رجاله فلما اشتغل بالصلاة كر عليه بعض
أصحاب تيمور بألفي مقاتل فاقتتلوا وكاد محمد أن يظفر إذ أصابه سهم غرب ومات في
الساعة.
وكان باسلاً مقداماً شجاعاً متهوراً، عظيم الهيبة، جليل الوقار، كبير الشأن ماضي
العزيمة، باذلاً كريماً، محباً لأهل العلم محسناً إليهم، بارعاً في الإنشاء والشعر وكثير من العلوم
والفنون، رثاه الأمير خسرو بأبيات تذيب القلوب وتفتت الأكباد، منها قوله:
تاجه ساعت بد كه شاه از مولتان لشكر كشيد تيغ كافر كش براي كشتن كافر كشيد(1/123)
آنجه حاضر بود لشكر لشكري ديكر نجست زانكه رسم را نشايد منت لشكر كشيد
جون خبر كردندش از دشمن بدان قوت كه داشت بي محابا خشم در سر كرد ورابت#
بر كشيد
يك كشش از مولتانش تا بلاهور أوفتاد يعني اندر عهد من كافر تواند سر كشيد
من نه آن شيرم كه شمشير جو آب وآتشم از كشش هر سال شان در خاك وخاكستر#
كشيد
آنجان رنكين كنم امسال خاك از خون شان كز زمين بايد شفق را كونه احمر كشيد
او درين تدبير وآكه نه كه تقدير فلك صفحه تدبير را خط مشيت در كشيد
بي فزع بود آن قيامت را معين ديده أم كر قيامت را نشان اينست بس من ديده أم
جمعه بود وسلخ ذي حجه كه بود آن كار زار آخر هشتاد وسه آغاز هشتاد وجهار
قتل يوم الجمعة آخر ليلة من ذي الحجة الحرام سنة ثلاث وثمانين وستمائة، كما في
المنتخب.
محمد بن كشليخان الدهلوي
الأمير الكبير الفاضل محمد بن كشليخان الدهلوي علاء الدين بن أعز الدين المشهور
بالجود والكرم كان ابن أخي السلطان غياث الدين بلبن وحاجبه وأحد الأجواد المعروفين
بالبذل والسخاء، لم يكن له نظير في زمانه في ذلك، قصده الناس من العراق والعرب ومصر
والشام والتتر وغيرها، وكان قد أعطى غير مرة ما له من نقير وقطمير حتى أنه لم يدع لنفسه
شيئاً غير ما كان على جسده من اللباس، كما في تاريخ فيروز شاهي.
محمد بن المأمون اللاهوري
الشيخ العالم محمد بن المأمون بن الرشيد بن هبة الله المطوعي اللاهوري أبو عبد الله،
خرج من لاهور للعلم، وأقام بخراسان، وتفقه على مذهب الشافعي رضي الله عنه، وسمع
بنيسابور من أصحاب أبي بكر الشيرازي، وأبي نصر القشيري، وورد بغداد وأقام بها مدة
وكتب عنه بها، وسكن بآخرة بلدة آذربيجان، وكان يعظ فقتله الملاحدة بها سنة ثلاث
وستمائة، كما في معجم البلدان.
عماد الدين محمد بن محمد الدهلوي
السيد الشريف عماد الدين محمد بن محمد بن الحسين بن قريش بن أبي الحسين ابن أبي
الفتح علي بن أحمد بن الحسن بن الحسين بن محمد بن الحسين بن علي ابن الحسين بن علي
بن الحسن بن الحسن بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الغمر ابن الحسن المثنى بن الحسن
السبط كان من الرجال المعروفين بالفضل والصلاح، ذكره جمال الدين أحمد الداودي في
عمدة الطالب، قال: إنه سافر إلى خراسان ثم منها إلى الهند واستوطن دهلي وله بها
عقب- انتهى.
بدر الدين محمد بن محمد السندي
السيد الشريف بدر الدين محمد بن محمد بن محمد بن شجاع بن إبراهيم الحسيني
البهكري السندي أحد رجال العلم والصلاح، ولد يوم الخميس لخمس بقين من شعبان سنة
ثلاثين وستمائة بمدينة بهكر ونشأ بها، وأخذ عن أبيه، وزوج ابنتيه زهرة وفاطمة بالسيد
جلال الدين حسين بن علي الحسيني البخاري واحدة بعد أخرى، وولده علي بن محمد
انتقل من بهكر إلى جهونسي بعد وفاته، وله ذرية واسعة بها، توفي سنة ثمانين وستمائة
بمدينة بهكر فدفن بها، كما في منبع الأنساب.
نور الدين محمد بن محمد العوفي
الفاضل الكبير نور الدين محمد بن محمد بن(1/124)
يحيى بن طاهر بن عثمان العوفي الحنفي
البخاري، كان من نسل عبد الرحمن بن عوف الصحابي أحد العشرة المبشرة، ولد ونشأ
بمدينة بخارا، وقرأ العلم على تاج الدين عمر بن مسعود بن أحمد البخاري، وركن الدين
مسعود بن محمد إمام زاده المتوفي سنة 617 هـ، ومولانا قطب الدين السرخسي وعلى
غيرهم من العلماء المشهورين في تلك البلاد، ثم سافر إلى سمرقند، وآموي وخوارزم، ومرو،
ونيسابور، وهراة، واسفزار وإسفارئن، وشهر نو، وسجستان وفره، وغزنة، ولاهور،
وكنبايه، ونهرواله، ودهلي، وأدرك بها كبار المشايخ منهم الشيخ مجد الدين شرف بن المؤيد
البغدادي وشرف الدين محمد بن أبي بكر النسفي، وعلاء الدين شيخ الإسلام الحارثي،
وشيخ الإسلام زكي الدين بن أحمد اللاهوري وجمعاً آخرين.
قال القزويني في تعليقاته على لباب الألباب: إنه خرج من بخارا نحو سنة سبع وتسعين
وخمسمائة إلى سمرقند، فتقرب إلى نصرة الدين عثمان بن إبراهيم البخاري في أيام أبيه قلج
طمغاج خان إبراهيم فولاه ديوان الإنشاء، فلبث عنده أياماً قلائل، ثم سافر إلى خراسان
ودخل نسا سنة ستمائة، ودخل نيسابور سنة ثلاث وستمائة، ودخل اسفزار سنة سبع
وستمائة.
وفارق خراسان في فتنة التتر ودخل السند، فتقرب إلى ناصر الدين قباجه ملك السند،
ولبث عنده إلى سنة خمس وعشرين وستمائة وصنف بها لباب الألباب لوزيره عين الملك
فخر الدين الحسين بن أبي بكر الأشعري، ثم لما هلك ناصر الدين وملك بلاده شمس الدين
الإيلتمش الدهلوي سلطان الهند قدم دهلي وتقرب إلى نظام الملك قوام الدين محمد بن أبي
سعد الجنيدي وصنف له جوامع الحكايات لعله سنة ثلاثين وستمائة، وله ترجمة كتاب
الفرج بعد الشدة للقاضي أبي علي المحسن علي بن محمد بن داود التنوخي المتوفي سنة
أربع وثلاثين وثلاثمائة، ذكره في جامع الحكايات.
قال الجلبي في كشف الظنون في ذكر جامع الحكايات: نقله الفاضل أحمد بن محمد المعروف
بابن عرب شاه الحنفي المتوفي سنة أربع وخمسين وثمانمائة إلى التركية بأمر السلطان مراد
خان الثاني حين كان معلماً له، ونقله أيضاً مولانا نجاتي الشاعر المتوفي سنة أربع عشرة
وتسعمائة لشهزاده السلطان محمد خان، والمولى صالح بن جلال المتوفي سنة ثلاث وسبعين
وتسعمائة بأمر السلطان با يزيد ابن سليمان خان ومنتخبه لمحمد بن أسعد بن عبد الله
التستري الحنفي وهو على أربعة أقسام كل قسم خمسة وعشرون باباً- انتهى.
مات العوفي في أيام ناصر الدين محمود بن الإيلتمش، لم أقف على سنة وفاته.
صدر الدين محمد بن محمد السندي
السيد الشريف صدر الدين محمد بن محمد بن شجاع بن إبراهيم بن قاسم بن زيد بن
جعفر الحسيني البهكري السندي الخطيب كان من أكابر عصره، ولد بمدينة بهكر في عاشر
رجب سنة تسع وستمائة، ونشأ بها وتزوج، وله ذرية واسعة في الهند، توفي لتسع بقين من
محرم سنة تسع وستين وستمائة، وقبره بقلعة بهكر، كما في منبع الأنساب.(1/125)
جمال الدين محمد البسطامي
الشيخ الإمام جمال الدين محمد البسطامي أحد الرجال المشهورين بالفضل والصلاح، ولي
مشيخة الاسلام بدار الملك دهلي يوم الثلاثاء ثالث عشر من رجب سنة ثلاث وخمسين
وستمائة في أيام السلطان ناصر الدين محمود بن الإيلتمش، ومات في أيامه يوم الجمعة سادس
جمادي الآخرة سنة سبع وخمسين وستمائة بدهلي، كما في طبقات ناصري.
عماد الدين محمد الشقورقاني
الشيخ العالم الفقيه القاضي عماد الدين محمد الشقورقاني أحد الفقهاء المشهورين في الهند،
ولي قضاء الممالك بحضرة دهلي في رابع ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة في أيام
مسعود شاه فاستقل به زماناً، واتهم بأمر وعزل عن القضاء يوم الجمعة تاسع ذي الحجة
سنة ست وأربعين وستمائة وأخرج إلى بدايون في أيام السلطان ناصر الدين محمود، ثم قتل
بأمر عماد الدين ريحان الحاجب يوم الإثنين ثاني عشر من ذي الحجة سنة ست وأربعين
وستمائة، كما في طبقات ناصري.
الشيخ محمد التركماني
الشيخ الكبير محمد بن أبي محمد التركماني أحد رجال العلم والمعرفة، كان من أصحاب
الشيخ عثمان الهاروني، قدم الهند وسكن بنارنول، وأسلم على يده خلق كثير من كفار
الهنود فسخط عليه أهل الهند وقتلوه سنة اثنتين وأربعين وستمائة كما في خزينة
الأصفياء.
ناصر الدين محمود التركماني
الملك الفاضل ناصر الدين محمود بن الإيلتمش بن أيلم خان الأكبري التركماني الدهلوي كان
أكبر أولاد أبيه وأحبهم إليه وأوفرهم علماً وعقلاً وسخاء وشجاعة، أقطعه الإيلتمش
هانسي فأقام بها زماناً، ثم استعمله على بلاد أوده سنة ثلاث وعشرين وستمائة فقام
بالأمر، وسار إلى بنكاله بأمر والده سنة أربع وعشرين وستمائة فقاتل صاحبها غياث الدين
عوض بن الحسين الخلجي، وقتله وبعث إليه والده الخلع الفاخرة، وكان ولي عهده بعده،
ولكنه لم يمهله الأجل فمات بأرض بنكاله، وتأسف لموته والده تأسفاً شديداً، ثم لما ولد له
ابن آخر سماه باسمه ولقبه بلقبه.
وكانت وفاته سنة ست وعشرين وستمائة، كما في طبقات ناصري.
ناصر الدين محمود الدهلوي
الملك الفاضل ناصر الدين بن محمود غياث الدين بلبن التركماني الدهلوي المشهور
ببغراخان، كان من رجال العلم والسياسة، ولد ونشأ في مهد السلطنة وتأدب بآدابها،
وتنبل في أيام أبيه، فولاه على بنكاله بعد سنة 678 هـ، ولما مات والده غياث الدين سنة
686 هـ وولي مكانه ولده معز الدين بن ناصر الدين بدهلي توجه لقتاله والتقيا بالنهر، وترك
ناصر الدين السلطنة لولده معز الدين، ورجع إلى بنكاله وسمي لقاؤهما قران السعدين،
وللأمير خسرو بن سيف الدين الدهلوي مزدوجة في كيفية اللقاء سماها قران السعدين.
مات سنة إحدى وتسعين وستمائة بأرض بنكاله، كما في جنة المشرق.
ناصر الدين محمود بن الإيلتمش
السلطان العادل الفاضل ناصر الدين محمود بن شمس الدين الإيلتمش، أنموذج الخلفاء
الراشدين، كان أصغر أبناء والده وأكبرهم في الفضل والصلاح، قام بالملك بعد ابن أخيه
علاء الدين مسعود في سنة أربع وأربعين وستمائة، فنادى برفع المظالم وأظهر من العدل
والكرم، وكان عادلاً فاضلاً، ورعاً متعبداً ذا حلم وأناة ورأفة، راغباً إلى الخيرات مع الزهد
والتقلل والتقشف لم يغير شيئاً قط ولا تسري على زوجته التي كانت له، وله عناية عظيمة
بالأدب ومعرفة حسنة بالكتابة، مؤثر للعدل، والإحسان وقضاء(1/126)
الحوائج، ولم يزل أمره
مستقيماً إلى عشرين سنة.
ومن أخباره أنه كان يكتب القرآن الكريم نسختين منه كل سنة فيبيعهما ويقتات بثمنهما،
وأن زوجته سألته أن يعطيها جارية تكفي مؤنتها في طبخ الطعام وغيره من أمور البيت
فأبى.
ومن أخباره أنه كان ذات يوم يكتب القرآن جاءه أمير من الأمراء فدخل عليه في بعض
الألفاظ وقال: إنه سها في كتابته فلحق الناصر على ذلك اللفظ كدأب الكتاب، فلما ذهب
الأمير محا تلك الحلقة، فسأله بعض من حضر عن ذلك فقال: إنه كان صحيحاً ولكني
وددت أن لا أؤذيه برد قوله.
وكانت وفاته في سنة أربع وستين وستمائة، كما في تاريخ فرشته.
محمود بن أبي الخير البلخي
الشيخ الإمام العالم المحدث برهان الدين محمود بن أبي الخير أسعد البلخي المشهور بالذكاء
والفطنة لم يكن في زمانه أعلم منه بالنحو واللغة والفقه والحديث، متوفراً على علوم الحكمة،
تفقه على الشيخ برهان الدين المرغيناني صاحب الهداية، وأخذ الحديث عن الشيخ حسن
بن محمد بن الحيدر الصغاني صاحب المشارق، وقدم الهند فاحتفى به الملوك والأمراء.
وكان السلطان غياث الدين بلبن يتردد إليه في كل أسبوع بعد صلاة الجمعة، ويحظى
بصحبته زماناً، وكان شاعراً مجيد الشعر، ويستمع الغناء ويقول: لا أسأل يوم القيامة عن
كبيرة إلا استماع الغناء بصنج، وكان يقول: إني سافرت مع أبي في صباي حين كنت ابن
سبع فوافيت موكب العلامة برهان الدين المرغيناني في أثناء الطريق، فنظر إلى العلامة وأنعم
في النظر وقال: سيكون لهذا الصبي شأن في العلم! فرافقته ثم قال: سيكون هذا الصبي
رجلاً شهماً يحضر لديه الملوك والأمراء، كما في فوائد الفؤاد.
مات في سنة سبع وثمانين وستمائة ودفن قريباً من الحوض الشمسي بدار الملك دهلي، كما
في خزينة الأصفياء.
الشيخ فريد الدين مسعود الأجودهني
الشيخ الكبير مسعود بن سليمان بن شعيب بن أحمد بن يوسف بن محمد ابن فرخ شاه
العمري الإمام فريد الدين الجشتي الأجودهني الولي المشهور، قدم جده شعيب إلى أرض
الهند في فتنة التتر، وولي القضاء بكهتوال من أعمال الملتان فتدير بها، وولد الشيخ فريد
الدين مسعود بها في سنة تسع وستين وخمسمائة وسافر إلى الملتان في صباه واشتغل بالعلم
على أساتذة عصره وقرأ النافع على مولانا منهاج الدين الترمذي، وأدرك بها الشيخ قطب
الدين بختيار الأوشي في سنة أربع وثمانين وخمسمائة فجاء معه إلى دهلي ولازمه مدة وأخذ
عنه الطريقة.
وقيل إنه لما أدرك الشيخ المذكور وأراد أن يصاحبه في الظعن والإقامة منعه الشيخ وحثه
على تكميل العلوم، فرحل إلى قندهار ولبث فيها خمس سنوات وأخذ العلم، ثم سافر إلى
البلاد، وأدرك الشيخ شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي والشيخ سيف الدين
الباخرزي، والشيخ سعد الدين الحموي، والشيخ بهاء الدين زكريا الملتاني وخلقاً آخرين من
المشايخ.
ثم جاء إلى دهلي وصحب الشيخ قطب الدين المذكور، ثم رحل إلى مدينة هانسي وأقام
بها انتي عشرة سنة واشتغل بالرياضة الشديدة والمجاهدة القوية فظهرت منه الخوارق
والكرامات والتصرفات العجيبة وتقاطر عليه الناس، فترك موضعه وذهب إلى كهتوال فلبث
بها زماناً، ثم لما ارتفع حاله وازدحم عليه الناس هاجر منها إلى أجودهن فتوطن بها يربي
المريدين ويرشد السالكين.
وكان من أكابر أولياء الله تعالى صاحب تصرفات عجيبة وجذب قوي، له في أحوال
الباطن شأن كبير بين المكاشفين مشهور في ظهور الآفاق ومذكور في بطون الأوراق، أخذ
عنه خلق كثير منهم الشيخ الإمام المجاهد نظام الدين محمد البدايوني والشيخ علاء الدين
علي الصابر الكليري والشيخ جمال الدين الخطيب الهانسوي والشيخ بدر الدين إسحاق
النهلوي.(1/127)
قال محمد بن المبارك الحسيني الكرماني في سير الأولياء إن الشيخ نظام الدين قرأ عليه
سنة أجزاء من القرآن الكريم وشطراً من العوارف وكتاب التمهيد للشيخ أبي شكور
السالمي.
ومن كلامه: إن الله سبحانه يستحي من العبد أن يرفع يديه ويردهما خائبتين، ومنه: إن
الصوفي يصفو له كل شيء ولا يكدره شيء، وقال: الصوفي من رضي بالموجود ولا يسعى
بطلب المفقود، وقال: لو أردتم أن تبلغوا درجة الكبار فعليكم أن لا تلتفتوا إلى أبناء
الملوك! وقال: أرذل الناس من يشتغل بالأكل واللباس.
وبعث إلى السلطان غياث الدين بلبن كتاباً في شفاعة رجل فكتب: رفعت قصته إلى الله
ثم إليك فإن أعطتيه فالمعطي هو الله وأنت الشكور، وإن لم تعطه شيئاً فالمانع هو الله وأنت
المعذور- انتهى.
وله تعليقات نفيسة على عوارف المعارف، كما في كلزار أبراز، مات في خامس محرم الحرام
سنة أربع وستين وستمائة وله خمس وتسعون سنة، كما في سير الأولياء.
علاء الدين مسعود الدهلوي
السلطان علاء الدين مسعود بن فيروز بن الإيلتمش التركماني الدهلوي العادل الكريم، قام
بالملك بعد عمه معز الدين بهرام شاه سنة تسع وثلاثين وستمائة، وأحسن إلى الناس
وغمرهم بالبذل والعطاء، وخلص عميه جلال الدين مسعوداً، وناصر الدين محموداً من
الأسر، وولاهما على قنوج وبهرائج، وغزا كفار الهنود والتتر وفتح الفتوحات العظيمة.
قال منهاج الدين عثمان بن محمد الجوزجاني في طبقات ناصري: إنه كان عادلاً باذلاً كريماً
حسن الأخلاق عميم الإحسان، مال في آخر أمره إلى التنزه والتصيد وأفرط في ذلك،
فرغت عنه الأمراء واتفقوا على عمه ناصر الدين محمود فخلعوه يوم الأحد لسبع ليال بقين
من محرم سنة أربع وأربعين وستمائة.
مولانا منهاج الدين الترمذي
الشيخ العالم الفقيه منهاج الدين الترمذي ثم الملتاني أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول،
كان يدرس ويفيد بمدينة ملتان، قرأ عليه الشيخ فريد الدين مسعود الأجودهني كتاب النافع
في الفقه.
حرف النون
ناصر الدين قباجه المعزي
السلطان ناصر الدين قباجه المعزي الملك العادل كان من مماليك الشهاب محمد بن سام
الغوري، خدمه زماناً وقاتل أعداءه، فولاه الشهاب السند فملكها وفتح البلاد إلى ساحل
البحر وفتح لاهور غير مرة، وساس الأمور وأحسن إلى الناس، وقاتل جلال الدين خوارزم
شاه سنة إحدى وعشرين وستمائة، وقاتل الخلج سنة ثلاث وعشرين وستمائة فهزمهم،
وتزوج بابنتي قطب الدين أبيك واحدة بعد أخرى، وكذلك تزوج بابنة تاج الدين الدز، وكان
ولي عهده بعده ابنه علاء الدين بهرام شاه سبط قطب الدين أيبك ووزيره عين الملك فخر
الدين الحسين بن أبي بكر الأشعري.
وكان من أجواد الدنيا، اجتمع إليه السادة والأشراف، ووفد العلماء عليه من العراق
وخراسان والغور وغزنة، وكان عصره أحسن العصور وزمانه أنضر الأزمان، ولم يزل على
ذلك حتى سار إليه شمس الدين الإيلتمش سنة خمس وعشرين وستمائة وحاصر اج،
فانتقل ناصر الدين إلى قلعة بهكر فسير إليه شمس الدين ووزيره نظام الملك قوام الدين محمد
بن أبي سعد الجنيدي بعساكره فحاصره بقلعة بهكر وفتحت مدينة اج على يد شمس
الدين، فلما سمع ناصر الدين خبر الفتح بعث إلى شمس الدين ولده بهرام شاه ومعه الأحمال
والأثقال، وفتحت بهكر على يد نظام الملك وغرق ناصر الدين بماء السند، كان ذلك في
التاسع(1/128)
عشر من جمادي الآخرة سنة خمس وعشرين وستمائة، كما في طبقات ناصري.
نجم الدين الصغري
الشيخ العالم الفقيه نجم الدين الصغري أحد الرجال المشهورين بالهند، تولى شياخة الإسلام
بدهلي لعله في أيام شمس الدين الإيلتمش، ومات في أيامه، وقبره يحاذي قبر الشيخ برهان
الدين محمود البلخي: كما في كلزار ابرار.
الشيخ نجيب الدين المتوكل
الشيخ الزاهد الفقيه نجيب الدين بن سليمان بن شعيب العدوي العمري الدهلوي المشهور
بالمتوكل كان من العلماء الربانيين، ولد ونشأ بأرض الهند وأخذ عن صنوه الشيخ فريد الدين
مسعود الأجودهني، ثم سكن بدهلي ولم يزل بها حتى مات.
وكان زاهداً عفيفاً متوكلاً قانعاً باليسير، لم يتردد قط إلى الملوك والأمراء ولم يطمع فيهم.
مات في تاسع رمضان سنة تسع وستين وستمائة، كما في سير الأولياء.
الشيخ نجيب الدين الفردوسي
الشيخ الصالح نجيب الدين بن عماد الدين الفردوسي الدهلوي أحد المشايخ المشهورين
بأرض الهند، أخذ عن عمه الشيخ ركن الدين الفردوسي، ولازمه مدة حياته، ثم جلس
على مسند الإرشاد، وكان صاحب وجد وحالة، أخذ عنه الشيخ شرف الدين أحمد بن
يحيى المنيري، توفي سنة إحدى وتسعين وستمائة بدهلي فأرخ لموته بعضهم من لفظ
أخص، كما في سيرة الشرف.
القاضي نصير الدين الدهلوي
الشيخ العالم الأجل القاضي نصير الدين الدهلوي المشهور بكاسه ليس كان أكبر قضاة
الهند في أيام شمس الدين الايلتمش، ذكره القاضي منهاج الدين أبو عمرو عثمان بن محمد
الجوزجاني في الطبقات.
أبو المؤيد نظام الدين الغزنوي
الشيخ المعمر أبو المؤيد نظام الدين بن جمال الدين بن جلال الدين بن تاج الألياء بن شمس
العارفين عبد الرحمن الغزنوي، كان من نسل أبي عبيدة بن الجراح القرشي الفهري المبشر
بالجنة، ولد ونشأ بغزنة وأخذ عن والده وخاله نور الدين المبارك.
وقيل: إنه أدرك الشيخ عبد الواحد بن شهاب الدين أحمد الغزنوي وأخذ عنه وكان من
شيوخ خاله المذكور، ثم قدم الهند وسكن بدهلي وأخذ عن الشيخ قطب الدين بختيار
الأوشي، ولم يكن له نظير في التذكير وتأثيره في الناس،
قال الأمير حسن بن العلاء السجزي في فوائد الفؤاد: إن الشيخ نظام الدين محمد بن أحمد
البدايوني كان يقول: إني حضرت في موعظته مرة فرأيت أنه جاء ووضع نعليه عند باب
المسجد ورفعهما بيده فدخل المسجد وصلى ركعتين بسكون وطمأنينة، ثم صعد المنبر
فقرأ مقرئه الشيخ قاسم شيئاً من القرآن الكريم، ثم أراد الشيخ أن يشرع في الموعظة فقال:
إني كنت قرأت بخط أبي فتأثر أهل المسجد من ذلك ثم أنشد.
عشق تو وبر تو نظر خواهم كرد جان در غم تو زير وزبر خواهم كرد
فارتج المسجد من البكاء والعويل، فكرر هذا البيت ثلاث مرات كأنه نسي البيت الثاني
فكان يردد الأول ليتذكر الثاني حتى قال اعترافاً بالعجز: إني نسيت البيت الثاني، وقال
ذلك برقة فازداد التأثير ثم ذكره الشيخ قاسم فأنشد.
بر درد دلي بخاك در خواهم شد بر عشق سرى زكور بر خواهم كرد
ثم نزل عن المنبر- انتهى.(1/129)
توفي سنة اثنتين وسبعين وستمائة، كما في أخبار الجمال.
نظام الدين الفرغاني
الشيخ العالم الفقيه نظام الدين الفرغاني أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول، قدم الهند
ودخل بنكاله فقربه إلى نفسه محمد بن بختيار الخلجي، وأكرمه وبذل له مالاً خطيراً فغزا
معه كفار الهنود وسكن بأرض بنكاله، وكان معه أخوه صمصام الدين، أدركه القاضي
منهاج الدين عثمان بن محمد الجوزجاني سنة إحدى وأربعين وستمائة وذكره في الطبقات.
الشيخ نور الدين اللاري
الشيخ الكبير نور الدين اللاري المشهور بملكيار بران، كان من كبار المشايخ، أخذ عن
الشيخ دانيال عن الشيخ علي عن الشيخ أبي إسحاق الكاذروني عن الشيخ أبي عبد الله
محمد بن خفيف الشيرازي، وقدم الهند في أيام السلطان غياث الدين بلبن فسكن بدهلي،
توفي سنة خمس وتسعين وستمائة بدهلي، فدفن بها على شاطئ نهر جمن عند زاوية
الشيخ أبي بكر الطوسي، كما في خزينة الأصفياء.
نور الدين القرمطي
الشيخ نور الدين التركماني القرمطي أحد دعاة القرامطة، ذكره القاضي منهاج الدين عثمان
بن محمد الجوزجاني في الطبقات قال: إنه حرض أصحابه من أهل كجرات ونواحي الهند
فاجتمعوا بدهلي في أيام رضية بنت الإيلتمش وبايعوا نور الدين سراً وقصدوا أهل الإسلام،
وكان يذكرهم ويجتمع لديه خلق كثير من الأراذل، وكان يرمي أهل السنة والجماعة بالنصب
والخروج، ويحرض أتباعه على بغض الأحناف والشافعية وغيرهم، وقرر لهم موعداً
للخروج فخرجوا يوم الجمعة سادس رجب سنة أربع وثلاثين وستمائة، وكانوا ألف رجل
مسلح بالسيوف والأسنة فصاروا فرقتين وهجموا على الجامع الكبير بدار الملك دهلي
طائفة منهم دخلت الجامع من الجهة الشمالية وطائفة جاءت من تلقاء سوق البزازين
ووصلت على باب المدرسة المعزبة ظناً منهم أنه باب الجامع الكبير فقتلوا خلقاً كثيراً من
أهل الإسلام، ثم جاءت نجدة من الأمراء فقتلوهم ولم ينج منهم أحد- انتهى،
حرف الواو
القاضي وجيه الدين الكاشاني
الشيخ الإمام الأجل القاضي وجيه الدين الكاشاني أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول
والكلام والعربية، كان أكبر قضاة الهند في أيام السلطان قطب الدين أبيك.
حرف الياء
الشيخ يعقوب بن أحمد النهروالي
الشيخ الكبير أبو يوسف يعقوب بن أحمد الشافعي النهروالي أحد العلماء المبرزين في
العربية، كان حفيد السيد مرتضى علم الهدى، قدم كجرات، مع ألف خان الذي سيره
السلطان سنجر إلى نهرواله مع سبعين ألف مقاتل من الفرسان، والرجالة، فحاصر نهرواله
وضيق على أهلها، ولما طالت المدة إلى خمس سنوات أو ست بنى مسجداً من الحجارة
المنحوتة خارج البلدة، ثم لما نعى بالسلطان سنجر رجع ألف خان، وأقام يعقوب بذلك
المسجد وكان يدرس ويفيد، وذلك المسجد بني سنة خمس وخمسين وستمائة كما في مرآة
أحمدي.
الشيخ يعقوب بن علي اللاهوري
الشيخ العالم يعقوب بن علي الحسيني الكاظمي الزنجاني أحد الرجال المعروفين بالفضل
والصلاح،(1/130)
قدم لاهور سنة خمس وثلاثين وخمسمائة فسكن بها وتصدر للإرشاد وانتفع به
خلق كثير من العلماء والمشايخ، مات في السادس عشر من رجب سنة أربع وستمائة، كما
في خزينة الأصفياء.
الجزء الثاني
يتضمن تراجم علماء الهند وأعيانها في القرن الثامن(1/131)
الطبقة الثامنة
في أعيان القرن الثامن
حرف الألف
الشيخ إبراهيم بن شهريار الهمذاني
الشيخ العارف الكبير إبراهيم بن شهريار الهمذاني الشيخ فخر الدين العراقي، كان من
العلماء المعروفين بالفضل والصلاح.
ولد ونشأ بهمذان وحفظ القرآن في صغر سنه وجوده، ثم اشتغل بالعلم ونال حظاً وافراً
منه في السابع عشر من سنه، فدرس وأفاد زماناً في إحدى المدارس من تلك البلدة.
وكان يدرس ذات يوم إذ جاءت طائفة من القلندرية وكان معهم غلام بديع الجمال، فمال إليه
إبراهيم وشغفه حبه، فترك التدريس ولحق بهم حتى ورد ملتان، ورآه الشيخ الكبير بهاء
الدين زكريا الملتاني وكانت علائم الرشد والسعادة تلوح على جبينه، فجذبه إليه وأفرزه من
تلك الجماعة وأجلسه في الأربعين، فلم تمض عليه عشرة أيام إلا وأنشأ أبياتاً بالفارسية
وكان ينشدها بلحن شجي، فلما سمع الناس إنشاده تلك الأبيات أنكروا عليه لأن طريقة
الشيخ كانت منحصرة في الخلوة والمراقبة والذكر، فلما سمع الشيخ إنكار الناس منعهم عن
ذلك، حتى قال له بعض خواصه: إني سمعت المغنين يغنونه في الخرابات، وأنشد تلك
الأبيات عند الشيخ، فلما وصل إلى هذا البيت.
جو خود كردند راز خويشتن فاش عراقي را جرا بدنام كردند
قال الشيخ: ثم أمره، وقام وراح إلى الخلوة وقال: أخرج، فخرج العراقي ووضع رأسه على
قدم الشيخ، فألبسه الخرقة وزوجه بابنته.
ولبث العراقي في ملتان خمساً وعشرين سنة، ثم سافر للحج والزيارة فسعد بهما، ثم سار
إلى قونية وقرأ الفصوص على الشيخ صدر الدين القونيوي، ثم سار إلى مصر وولي المشيخة
بها فمكث مدة بمصر القاهرة، ثم سار إلى دمشق ومات بها.
وله مصنفات ممتعة، منها اللمعات بالفارسية صنفها في قونية.
ومن شعره قوله:
نخستين باده كاندر جام كردند ز جشم مست ساقي وام كردند
براي صيد مرغ جان عاشق ز زلف فتنه جويان وام كردند
بعالم هر كجا رنج وبلائيست بهم كردند وعشقش نام كردند
جو خود كردند راز خويشتن فاش عراقي را جرا بد نام كردند
قال الأمين بن أحمد الرازي في هفت أقليم: إنه مات سنة ثمان وثمانين وستمائة أو سنة سبع
وسبعمائة، وقال دولت شاه في تذكرة الشعراء: إنه مات سنة سبع وسبعمائة بدمشق،
فدفن عند قبر الشيخ محي الدين بن عربي رحمه الله تعالى.
وهذا الشيخ لم يكن مولده ومدفنه في الهند، ولذلك(2/141)
لا يليق ذكره في هذا المجموع، ولكنه لما
تم أمره في الهند، ومكث بها خمساً وعشرين سنة، وتزوج ورزق الأولاد بها بادرت إلى
ذكره، والذكر لا يخلو عن الفوائد.
الشيخ نجم الدين إبراهيم
الشيخ الصالح نجم الدين إبراهيم البياباني أحد كبار المشايخ السهروردية، أخذ عن الشيخ
أبي الفتح ركن الدين القرشي الملتاني، وأخذ عنه الشيخ منهاج الدين حسن البياباني وخلق
آخرون، كما في منبع الأنساب.
الشيخ إبراهيم بن عبد الله السنكاني
الشيخ الصالح إبراهيم بن عبد الله السنكاني أحد العلماء العاملين، أخذ عن الشيخ عين
الدين البيجابوري صاحب الملحقات ولازمه زماناً بدولت آباد، ثم انتقل إلى قرية بهيرول ثم
إلى بيجابور، ومات بها في حياة شيخه- ذكره عين الدين المذكور في كتابه أطوار الأبرار
ومدحه بالشيخ الكامل المكمل صاحب المقامات العلية، كما في بساتين السلاطين-.
وفي تاريخ الأولياء أنه أخذ عن الشيخ علاء الدين الجيوري والشيخ شمس الدين الدامغاني
والشيخ منهاج الدين التميمي والشيخ عين الدين البيجابوري، مات لأربع عشرة خلون من
محرم سنة ثلاثين أو خمسين وسبعمائة، وقبره بمدينة بيجابور.
أبو علي شرف الدين القلندر
الشيخ الكبير شرف الدين أبو علي القلندر الباني بتي أحد الأولياء المشهورين، اشتغل
بالعلم فدرس وأفاد ثلاثين سنة، ثم انقطع إلى الله سبحانه حتى صار مغلوب الحالة، فلم
يفق من ذلك إلى أن توفي إلى رحمة الله سبحانه،
قال في أعراسنامه: إنه أخذ الطريقة عن الشيخ شمس الدين التبريزي عن الشيخ قطب
الدين الأبهري عن الشيخ الكبير ضياء الدين أبي النجيب عبد القاهر السهروردي، وفي
كلزار أبرار أن شرف الدين قال في كتابه حكمت نامه: إني دخلت دهلي حين ناهزت
أربعين سنة فطفت حول مرقد الشيخ قطب الدين البختيار الأوشي، ثم تصديت للدرس
والإفتاء واشتغلت بها عشرين سنة، ثم أخذتني الجذبة الربانية فتركت البحث والإشتغال
وخرجت من دهلي، فسافرت البلاد وأدركت الشيخ شمس الدين التبريزي والشيخ جلال
الدين الرومي، فلبست الخرقة منهما ورجعت إلى الهند وألقيت متاع المشيخة في نهر
الجون، انتهى.
ومن مصنفاته: رسائل في الحقائق والمعارف، ومزدوجة له مشهورة بالفارسية أولها.
مرحبا أي بلبل باغ كهن أز كل رعنا بكوبا ما سخن
ومن أقواله رحمه الله تعالى درويشي جيست؟ نفس كشتن، وطلسم هستي شكستن،
وترك أز غير كرفتن، واز خود رستن، وبدوست بيوستن، ودر آتش محبت سوختن،
وخاكستر كشتن توفي في الثاني عشر أو الثالث عشر من رمضان سنة أربع وعشرين
وسبعمائة وله عشرون ومائة سنة، كما في مهر جهانتاب.
الشيخ أبو الفتح ركن الدين الملتاني
الشيخ الإمام العالم الكبير أبو الفتح بن محمد بن زكريا القرشي الشيخ ركن الدين فيض الله
الملتاني أحد مشاهير الأولياء، بأرض الهند، له شأن كبير في إرشاد الناس وهدايتهم من
المعصية إلى الطاعة ومن النفسانية إلى الروحانية.
ولد يوم الجمعة سنة سبع وأربعين وستمائة بمدينة ملتان، ونشأ في أيام جده وأبيه، ثم جلس
على سجادة جده بعد أبيه اثنتين وخمسين سنة، وعمر إلى ثمان وثمانين حجة، وقدم دهلي
غير مرة بتكليف السلطان علاء الدين الخلجي وولده قطب الدين، وكانا يعتقدان بفضله
وكماله، ويستقبلانه بالترحيب والإكرام، ويعرضان عليه مائتي ألف دينار يوم القدوم،
وخمسمائة ألف دينار يوم الوداع، وكان الشيخ يقبلها ويفرقها(2/142)
على الحوائج في يوم واحد
وكانت بينه وبين الشيخ نظام الدين محمد البدايوني محبة صادقة ومودة واثقة، أخذ عنه
الشيخ حسين بن أحمد بن الحسين الحسيني البخاري، والشيخ جلال البركي، والشيخ
عثمان الرحالة، والشيخ حاجي الله، والشيخ خضر، ونجم الدين إبراهيم البياباني، وقوام
الدين الكاذروني وخلق آخرون، مات ليلة الجمعة تاسع جمادي الأولى سنة أربع وثلاثين
وسبعمائة، مات في صلاة التسبيح فدفن في حصار ملتان القديم بجوار آبائه الكرام رضي
الله عنهم.
القاضي أبو حنيفة السندي
الشيخ العالم القاضي أبو حنيفة الحنفي البهكري السندي أحد العلماء المشهورين في
زمانه، كان قاضياً بمدينة بهكر في أيام محمد تغلق شاه الدهلوي، لقيه محمد بن بطوطة
المغربي الرحالة سنة أربع وثلاثين وسبعمائة بمدينة بهكر، ذكره في كتابه.
الشيخ أحمد بن الحسين البخاري
الشيخ الصالح أحمد بن الحسين بن علي الحسيني البخاري الأجي أحد الرجال المعروفين
بالفضل والصلاح، ولد بأرض الهند لعله في مدينة بهكر، ووالدته فاطمة بنت السيد بدر
الدين بن صدر الدين البهكري السندي، وأخذ عن والده وتأدب عليه ولبس منه الخرقة،
وتزوج بحويد خاتون بنت خاله السيد مرتضى فولدت له حسين بن أحمد الأجي، ولما
ماتت حويد خاتون تزوج بأختها بي بي خاتون فولدت له صدر الدين محمداً واختاً له، كما
في تذكرة السادة البخارية.
أحمد بن خسرو الدهلوي
الشيخ الفاضل أحمد بن خسرو بن سيف الدين محمود البخاري الدهلوي أحد الرجال
المعروفين بالفضل والكمال، ولد ونشأ بدار الملك دهلي، وتقرب إلى الملوك والأمراء فرزق
القبول والوجاهة العظيمة عندهم وجعله فيروز شاه نديماً له، كما في المنتخب.
الشيخ أحمد بن شهاب الدهلوي
الشيخ الفاضل الكبير الزاهد أحمد بن الشهاب الحكيم الصوفي الشيخ صدر الدين
الدهلوي أحد المشايخ المعروفين بالفضل والكمال، ولد ونشأ بدار الملك دهلي، وقرأ العلم
على الأساتذة المشهورين في عصره، ثم أخذ الطريقة عن الشيخ نصير الدين محمود الأودي،
وكان رجلاً حاذقاً في الطب مشاركاً في فنون أخر، زاهداً متقللاً حسن الفهم جداً،
صحيح الذهن له اليد الطولى في تعبير الحقائق والمعارف، ومن مصنفاته الصحائف في
الحقائق والمعارف قال الشيخ عبد الحق بن سيف الدين الدهلوي في أخبار الأخيار: إن
الجن خطفوه فعاش فيهم مدة حتى مرض بعضهم وبرئ من ذلك المرض بعلاجه فعرضوا
عليه قنطاراً من الدراهم والدنانير فلم يلتفت إليها فعجبوا وأطلقوه- انتهى.
مات سنة تسع وخمسين وسبعمائة.
الشيخ أحمد بن يحيى المنيري
الشيخ الإمام العالم الكبير العلامة صاحب المقامات العلية والكرامات المشرقة الجلية شيخ
الإسلام أحمد بن يحيى بن إسرائيل بن محمد الهاشمي المنيري الشيخ الإمام شرف الدين
البهاري أحد مشاهير الأولياء، اتفق الناس على ولايته وجلالته وبلوغه درجة الإجتهاد،
ولد سنة إحدى وستين وستمائة في عهد السلطان ناصر الدين محمود بن الإيلتمش الدهلوي
ببلدة منير بفتح الميم وكسر النون- وتلقى مبادئ العلم بها، ثم ارتحل إلى سنار كانون فلازم
الشيخ الأستاذ شرف الدين أبا توأمة الدهلوي واشتغل عليه بالعلم وجد واجتهد بالبحث
والإشتغال حتى قيل إنه كان لا يطالع الكتب والرسائل الواردة عليه من والديه وأقاربه لئلا
يطلع على خبر يشوشه إلى أن فرغ من التحصيل، وزوجه الشيخ أبو توأمة بابنته العفيفة
فرزق منها ثلاثة أبناء، ثم توفيت صاحبته وبنوه إلا واحداً منهم، فجاء(2/143)
به إلى منير في سنة
تسعين أو إحدى وتسعين وستمائة، وكان والده قد توفي إلى رحمة الله قبل أن يصل إلى
بلدته، فلبث بها برهة من الزمان ثم ترك ولده عند أمه وسافر إلى دهلي، فأدرك بها الشيخ
نظام الدين محمداً البدايوني وخلقاً آخرين من المشايخ، ثم رحل إلى باني بت ولقي بها الشيخ
شرف الدين أبا علي القلندر، ثم رجع إلى دهلي ولبس الخرقة من الشيخ نجيب الدين
الفردوسي ثم عاد إلى بلاده، ولما وصل إلى بهيا- بكسر الموحدة وسكون الهاء وفتح
التحتية والألف كانت بادية عظيمة من أعمال بهار- غاب في تلك البادية ولم يوجد له عين
ولا أثر إلى اثنتي عشرة سنة، ثم رحل إلى جبل راجكير، وعاش به وبغيره من البوادي مدة
مديدة، كان يشتغل بالرياضة والمجاهدة منقطعاً إلى الله سبحانه، لم يستأنس في تلك المدة
بأحد من الناس، وكان ذلك ثلاثين سنة تقريباً.
ولما أراد الله أن ينفع به عباده ألقى في قلوب الناس أن يتحسسوا عنه فمال إليه الناس
واستأنس بهم حتى صار يجئ معهم إلى العمران ثم يذهب إلى البادية، ولم يزل كذلك مدة
من الزمان فألح الناس عليه أن يقيم بمدينة بهار لينتفعوا به، وبنى له نظام مولى البهاري أحد
أصحاب الشيخ نظام الدين محمد البدايوني داراً خارج البلدة وألخ عليه بأن يسكن فيها،
فقبله مستكرهاً وقال: محبتكم أدتني إلى أن أقمت في بيت الصنم، وكان ذلك فيما بين سنة
إحدى وعشرين وأربع وعشرين من السبعمائة، كما في سيرة الشرف.
ثم بنى له محمد شاه تغلق خانقاهاً رفيعاً وأمر أن يقيم به، ولم يسعه إلا القبول فأقام به
ونشر ما منحه الله سبحانه من علوم أسرار الكتاب والسنة وكشف عن إشاراتهما الباهرة
ولطائفهما الزاهرة بعبارته الجلية المشرق عليها نور الإذن الرباني واللائح عليها أثر القبول
الرحماني، وازدحم عليه الخاص والعام حينئذ للاستفادة وتلقى كل أحد من تلك اللطائف
على قدر الاستعداد.
هذه جملة صالحة من أخباره نفعنا الله ببركاته، وأما مقاماته القدسية في العلوم والمعارف
والقرب والوصول فلا تسأل عن ذلك فإنها كانت وراء طور العقول، وإن شئت الإطلاع
فارجع إلى مصنفاته فإن فيها ما يشفي العليل ويروي الغليل ويوصل السالك إلى سواء
السبيل، ومن مصنفاته مكتوباته في ثلاثة مجلدات عددها ثلاثمائة وثمانية وعشرون مكتوباً،
ومنها الأجوبة وفوائد ركني وإرشاد الطالبين وإرشاد السالكين ومعدن معاني ولطائف
المعاني ومخ المعاني وخوان بر نعمت وتحفه غيبي والملفوظات المسماة بزاد السفر وعقائد
شرفي وشرح آداب المريدين في عدة مجلدات.
وكانت وفاته ليلة السادس من شوال سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة وله عشرون ومائة سنة
في عهد فيروز شاه السلطان، وصلى عليه السيد أشرف جهانكير السمناني بالناس، وقبره
مشهور ظاهر ببلدة بهار يزار ويتبرك به
الشيخ أحمد بن محمد البخاري
الشيخ الكبير أحمد بن محمد الحسيني البخاري المعروف بخواجه كرك الله الكروي كان
من الرجال المشهورين، توفي والده في صغر سنه فخرج من بلدته للسياحة، فلما وصل إلى
بهمرولي قرية من أعمال إله آباد، أدرك بها الشيخ إسماعيل القرشي الملتاني فصحبه وأخذ
عنه الطريقة، وألزم نفسه الرياضة والمجاهدة واشتغل بها مدة من الزمان حتى صار مغلوباً
على حاله فأقام بمدينة كره، ولم يزل عرياناً وبين يديه أتون يدخل فيه قدمه والنار تلتهب فيها،
وكلما كان يحصل له الملبس والمطعم يلقيها في النار.
ويذكر له كشوف وكرامات منها أن السلطان جلال الدين الخلجي لما قصد ابن أخيه علاء
الدين وسار إلى مدينة كره حضر علاء الدين لديه واستعان منه فقال: هر كه آمد بر سر
جنك تن در كشتي سر در كنك، فوقع كذلك وقتل جلال الدين.
وكان معاصراً لجدي الكبير القاضي ركن الدين الكروي وكان إذا رآه يستر عورته ويقول:
إنه رجل، كما في ملفوظاته.
ومن شعره قوله:
اندر طلب يار جو مردانه شدم أول قدم از وجود بيكانه شدم(2/144)
او علم نمى شنيد لب بر بستم او عقل نمى خريد ديوانه شدم
وله:
ما طبل مغانه دوش بيباك زديم عالي علمش بر سر افلاك زديم
از بهر يكي مغبجه ميخواره صد بار كلاه توبه بر خاك زديم
وله:
آنكس كه ترا شناخت جان راجه كند فر زند وعيال وخانمان راجه كند
ديوانه كنى هر دو جهانش بخشى ديوانه تو هر دو جهان راجه كند
توفي في ثالث رجب سنة ثلاث وقيل خمس وسبعمائة، وقبره مشهور ظاهر بمدينة كره يزار
ويتبرك به، كما في آئينه اوده.
الشيخ أحمد بن محمد القندهاري
الشيخ الكبير أحمد بن محمد القندهاري المشهور بأحمد المعشوق كان من المشايخ
المشهورين في عصره، ولد ونشا بقندهار وقدم ملتان للتجارة فأدرك بها الشيخ صدر الدين
محمد الملتاني فلازمه وأخذ عنه الطريقة وصار مغلوباً على حاله، توفي سنة ثلاث وعشرين
وثمانمائة، كما في خزينة الأصفياء.
أحمد بن أياز الدهلوي
الوزير الكبير أحمد بن أياز الدهلوي المعروف بخواجه جهان كان شحنة العمارة في أيام
السلطان غياث الدين تغلق، بنى له قصراً عند قدومه من بنكاله في ثلاثة أيام بالخشب
مرتفعاً على الأرض قائماً على سواري خشب، وكانت الحكمة التي اخترعوها فيه أنه متى
وطئت الفيلة في جهة منه وقع ذلك القصر وسقط، فدخل فيه السلطان ولما أتى بالأفيال من
جهة واحدة سقط القصر عليه، وقال القاضي ضياء الدين البرني في تاريخه: إن الصاعقة
وقعت على ذلك القصر فسقط.
وبالجملة فلما مات غياث الدين وتولى المملكة بعده ابنه محمد شاه جعله وزيراً له ولقبه
بخواجه جهان فخدمه اثنتين وعشرين سنة، ولما مات محمد ببلاد السند أقعد طفلاً صغيراً
على سرير الملك بدهلي وقال: إنه ولد محمد، وبايعه أهل تلك البلدة، واتفق الفقهاء والقضاة
على فيروز بن رجب وكان في بلاد السند فولوه عليهم فسار فيروز بعساكره إلى دهلي،
فلما قرب من الحضرة خاف منه أحمد بن أياز وحضر بين يديه واعتذر فقبله فيروز وفوضه
إلى شحنة هانسي وكان سنه جاوز ثمانين، وقيل إن فيروز شاه أقطعه سامانه ليعتزل بها
ويشتغل بالعبادة، فلما خرج عن الحضرة وسار مسيرة يومين أو ثلاثة أيام لحقه شير خان
وقتله، وكان ذلك سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة.
السيد أحمد الغزنوي
السيد الشريف المفتي أحمد بن أبي أحمد الغزنوي أحد كبار العلماء، سافر إلى بلاد الدكن
فأكرمه علاء الدين حسن البهمني وولاه الإفتاء بكلبركه، فاستقل به مدة حياته ومات
بكلبركه فدفن بها، وقبره مشهور ظاهر.
الشيخ إسحاق المغربي
الشيخ الفقيه الزاهد إسحاق المغربي أحد الأولياء، المشهورين بأرض الهند، أخذ الطريقة
عن الشيخ محمد المغربي عن أبي العباس أحمد القرشي عن أبي محمد الصالح الدكاكي عن
الشيخ أبي مدين المغربي إمام الطريقة المدينية ولازمه مدة حياته ثم جاور قبره أياماً ثم قدم
الهند ودخل أجمير في أيام السلطان فيروز شاه فلبث مدة طويلة، ثم دخل كهتو قرية من
أعمال ناكور وسكن بها، وناهز عمره عشرين ومائة سنة ولد سنة ستين وستمائة، ومات في
السابع عشر من شعبان سنة ست وسبعين وسبعمائة، كما في مجمع الأبرار.
الشيخ إسماعيل بن محمد الملتاني
الشيخ العالم الفقيه إسماعيل بن محمد بن زكريا(2/145)
القرشي الشيخ عماد الدين الملتاني أحد
الرجال المعروفين بالفضل والصلاح، ولد ونشأ بمدينة ملتان وتأدب على والده وصنوه الكبير
أبي الفتح ركن الدين الملتاني، ثم أقبل على الفقه وأصوله فبرز فيهما وصار المرجع والمقصد
في الفتيا والتدريس، ولما توفي صنوه المذكور جلس على مسند الإرشاد، وتوورثت الخلافة
في أعقابه فقام مقامه ولده صدر الدين الحليم، كما في كلزار أبرار.
وأما سنة وفاته فما وجدت تصريحاً بها في كلزار ولا في غيره من الكتب إلا أن صاحب
كلزار ختم ترجمته بشطر البيت على جري عادته وهو هذا عماد الدين عماد قصر دين
بود ولما تأملت فيه وجدت أنها تستخرج منه سنة خمس وتسعين وسبعمائة فالأشبه أن
العماد مات في هذه السنة- والله أعلم.
الشيخ أسد الدين الظفرآبادي
الشيخ الصالح أسد الدين بن تاج الدين الحسيني الظفرآبادي أحد المشايخ المشهورين، يرجع
نسبه إلى سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما بسبع عشرة واسطة.
قرأ العلم على الشيخ ضياء الدين الزاهد الكروي، ثم سافر إلى ملتان وأخذ الطريقة عن
الشيخ ركن الدين أبي الفتح بن محمد الملتاني، ثم قدم دهلي واستفاض من الشيخ نظام الدين
محمد بن أحمد البدايوني، ثم ورد ظفر آباد فسكن بها.
وكان شيخاً جليلاً قانعاً مرتاضاً يصوم النهار ويقوم الليل ويقرأ القرآن كل يوم مرتين، ومن
مصنفاته الرسالة العشقية في الحقائق والمعارف، ولد في التاسع عشر من رجب سنة إحدى
وستين وستمائة، ومات يوم الأربعاء السادس عشر من جمادي الأولى سنة ثلاث وتسعين
وسبعمائة، بظفر آباد كما في تجلي نور.
مولانا أعز الدين البدايوني
الشيخ الفاضل أعز الدين البدايوني أحد الأساتذة المشهورين بدار الملك دهلي، كانت له يد
بيضاء في الصناعة الطبية، وكان يدرس ويداوي الناس في عهد السلطان علاء الدين
الخلجي- ذكره البرني في تاريخه.
مولانا افتخار الدين الرازي
الشيخ العالم الكبير العلامة افتخار الدين الرازي ثم الهندي الدهلوي أحد العلماء المبرزين
في الفقه والأصول والكلام والعربية، درس وأفاد مدة عمره بدار الملك دهلي- ذكره البرني في
تاريخه.
مولانا افتخار الدين البرني
الشيخ الفاضل العلامة افتخار الدين البرني أحد كبار الأساتذة، كان يدرس ويفيد في عهد
السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي، وله يد بيضاء في العلوم عقلية كانت أو نقلية-
ذكره البرني في تاريخه.
اختيار الدين الدهلوي
الشيخ الفاضل إختيار الدين الدهلوي أحد الأمراء المعروفين بالفضل والصلاح، جعله
غياث الدين تغلق شاه دبيراً له في سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، له بساتين الأنس كتاب
مفيد اختصره محمد قاسم البيجابوري المشهور بفرشته.
مولانا افتخار الدين الكيلاني
الشيخ الفاضل الكبير إفتخار الدين الكيلاني أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول
والعربية، كان يدرس ويفيد بمدينة دهلي إلى عهد غياث الدين تغلق، قرأ عليه الشيخ نصير
الدين محمود بن يحيى الأودي سائر الكتب الدرسية بعد وفاة الشيخ عبد الكريم
الشرواني.
الشيخ أعز الدين الدهلوي
الشيخ الفاضل الكبير أعز الدين الخالد خاني(2/146)
الدهلوي أحد الرجال المعروفين بالفضل
والكمال، له دلائل فيروز منظومة في الطيرة والتفاؤل والنجوم والحكمة الطبعية، وله كتاب
عروض موسيقى ترجمها من لغة سنسكرت بأمر فيروز السلطان، وله كتب أخرى، كما في
تاريخ فرشته.
الشيخ إمام الدين الدهلوي
الشيخ العالم الفقيه إمام الدين الدهلوي المشهور بالأبدال، أخذ عن الشيخ بدر الدين
الغزنوي وأدرك شيخ شيخه قطب الدين بختيار ولازمه مدة من الزمان، أخذ عنه الشيخ
شهاب الدين العاشق، توفي سنة ثمانين وسبعمائة، كما في مهر جهان تاب.
حرف الباء الموحدة
مولانا بدر الدين الأودي
الشيخ الصالح الواعظ بدر الدين الحنفي الأودي أحد المذكرين المشهورين بالعلم والديانة في
عهد السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي، كان من أرض أوده ولكنه ربما يسافر إلى
دهلي ويسكن بها بضعة اشهر يعظ ويذكر.
قال البرني في تاريخه: إنه كان غاية في الزهد والتقوى، لا يتجشم التصنع في مقالاته ولا يتفوه
إلا بالصدق، والناس يحضرون في تلك المجالس من كل صنف ويتأثرون بها ويبكون ويزيدون
خشوعاً لله سبحانه، انتهى.
الحكيم بدر الدين الدمشقي
الشيخ الفاضل العلامة بدر الدين الحكيم الدمشقي ثم الهندي الدهلوي أحد العلماء
المبرزين في العلوم الحكمية، لم يكن له نظير في عصره في الحذاقة والتدبير ومعرفة النبض
والبول حتى قيل إن أبوال الحيوانات المختلفة ألقيت في قارورة وعرضت عليه فعرف بمجرد
نظره إلى تلك القارورة وتبسم.
وكان متفرداً في حسن التقرير والإفهام وإلقاء المعاني الدقيقة على الطلبة لا سيما في توضيح
القانون للشيخ أبي علي بن سينا وتقرير المطالب منه، وكان يسكن بدار الملك دهلي في
عهد السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي، انتهت إليه رياسة التدريس وصناعة الطب،
وكان مع ذلك الفضل والكمال رجلاً صالحاً صاحب كشوف وكرامات يشار إليه في طريق
الصوفية، كما في فيروز شاهي.
مولانا بدر الدين المعبري
الشيخ العالم الفقيه بدر الدين الشافعي المعبري أحد الأفاضل المشهورين في عصره، كان
قاضياً بمدينة منكرور على ساحل البحر كانت مدينة كبيرة على خور يسمى خور الدنب
وهو أكبر خور ببلاد المليبار، لقيه محمد بن بطوطة المغربي الرحالة بتلك المدينة وذكره في
كتابه.
بدر الدين الشاشي
الشيخ الفاضل بدر الدين الشاشي المشهور كان من الرجال المعروفين بالفضل والكمال، له
يد بيضاء في الشعر، وله قصائد غراء في مدح السلطان محمد شاه تغلق، وديوانه متداول في
أيدي الناس، وله شاهنامه في أخبار محمد شاه تغلق عدد أبياته ثلاثون ألفاً.
ومن شعر قوله:
همجو آه مسرد صبح وكريه هاي كرم شمع آتش اندر خود زند دود دل افكار من
مولانا برهان الدين البهكري
الشيخ الفاضل العلامة برهان الدين الحنفي البهكري السندي أحد العلماء البارعين في
الفقه والأصول والعربية، كان يدرس ويفيد في عهد السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي
بدار الملك دهلي، ذكره البرني في تاريخه.
مولانا برهان الدين الساوي
الشيخ الفاضل برهان الدين الساوي أحد الرجال المعروفين بالفضل والصلاح، كان من
أصحاب الشيخ نظام الدين محمد البدايوني رحمه الله وكان من أهل الوجد والسماع، كما في
سير الأولياء.(2/147)
القاضي بهاء الدين الأجي
الشيخ العالم الفقيه القاضي بهاء الدين الأجي أحد العلماء المعروفين بالفضل والصلاح، كان
يدرس ويفيد ببلدة أج من بلاد السند، قرأ عليه الشيخ جلال الدين حسين بن أحمد
الحسيني البخاري الأجي الكتب الدرسية من البداية إلى الهداية، كما في جامع العلوم.
مولانا بهاء الدين الأميري
الشيخ الفاضل الكبير بهاء الدين الأدهمي الملتاني أحد العلماء المبرزين في العلم والمعرفة،
قدم دهلي وسكن بها وأخذ الطريقة عن الشيخ نظام الدين محمد البدايوني رحمه الله
وصحبه ولازمه.
وكان عالماً كبيراً بارعاً مجاهداً كثير الدرس والإفادة، مات ودفن بدهلي، كما في سير
الأولياء.
حرف التاء المعجمة
الأمير تاتار خان الدهلوي
الأمير الكبير تاتار خان الدهلوي الأعظم كان من الرجال المعروفين بالفضل والصلاح
والرياسة والسياسة، التقطه السلطان غياث الدين تغلق في بعض غزواته طريحاً في الأرض
يوم ولد فيه فاقتناه ورباه في مهد الإمارة ووجعله من خاصته، ولما تولى المملكة محمد شاه
قربه إليه وولاه الأعمال الجليلة فصار ركناً من أركان السلطنة.
وكان فاضلاً عادلاً شجاعاً مقداماً سخياً حسن الأخلاق شديد التمسك بالشريعة
المطهرة شديد الحسبة على الملوك والأمراء لا يخاف في الله ولا يهاب فيه أحداً، أنكر على
فيروز شاه مرة على شرب الخمر فأقطعه فيروز شاه حصار فيروز ونفاه من حضرته،
وكذلك انقبض عنه محمد شاه تغلق مرة فكتب إليه هذه الأبيات:
آه ندانم از كجا رنجيده بي سبب از دوستان ببريده
بانكك ني خوش ميزند جانان من ناله بيجاركان نشنيده
در تو ياري هركز اين عادت نبود از طريق خود مكر كرديدة
كو كناهي كرده ام ما را ببخش زانكه تو جندين كنه بخشيده
از تتار خسته با الله العظيم نيست جرمي بي سبب رنجيده
فلما قرأ محمد شاه هذه الأبيات أكرم مثواه وقربه إليه، وهو مع هذا القرب والمنزلة سار
إلى الحرمين الشريفين فسعد بالحج والزيارة، قال شمس الدين العفيف في تاريخه: إنه لم يزل
يشتغل بالعلم ويجالس العلماء ويذاكرهم ويحسن إليهم، وإنه صنف كتاباً في التفسير وسماه
التاتارخاني وهو أجمع ما في الباب.
وصنف بأمره عالم بن العلاء الدهلوي الفتاوي التاتارخانية.
مات في أيام فيروز الشاه السلطان.
القاضي تاج الدين الكروي
الشيخ العالم الفقيه القاضي تاج الدين بن شيخ الإسلام قطب الدين محمد ابن أحمد الحسني
الحسيني المدني الكروي أحد المشايخ المشهورين في عصره.
كان قاضياً بمدينة كره، نقله السلطان علاء الدين الخلجي إلى بدايون وولي مكانه ابن أخيه
ركن الدين بن نظام الدين الكروي، فأقام ببلدة بدايون مدة حياته وحصلت له أولاد فسكنوا
بها واشتهروا في العلم والعمل، وقد أدركه القاضي ضياء الدين البرني وذكره في تاريخه
وأثنى عليه ثناء جميلاً.
مولانا تاج الدين الكلاهي
الشيخ العالم الكبير تاج الدين الكلاهي المدرس المشهور بمدينة دهلي في عهد السلطان
علاء الدين الخلجي، كان يدرس ويفيد، وهو ممن أدركه البرني وذكره في تاريخه.
مولانا تاج الدين المقدم
الشيخ العالم الكبير تاج الدين المقدم الدهلوي(2/148)
أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول
والعربية، كان يدرس ويفيد في عهد السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي.
أخذ عنه الشيخ محمد بن يوسف الحسيني الدهلوي الدفين بكلبركه وقرأ عليه بعض
الكتب الدرسية وأخذ عنه خلق كثير من العلماء، وهو ممن أدركه البرني وذكره في تاريخه.
مولانا تاج الدين العراقي
الشيخ الفاضل الكبير تاج الدين العراقي أحد الأفاضل المشهورين في عصره، تقرب إلى
فيروز شاه الخلجي ثم إلى علاء الدين محمد شاه الخلجي، وكان مير داد في معسكره وهو
عبارة عن الأمير الكبير الذي يحكم على الأمراء، فمن كان له حق على أمير أو كبير بين
يديه، ويرزق على هذه الخطة نحو خمسين ألف دينار في كل سنة.
قال القاضي ضياء الدين البرني في تاريخه: إن تاج الدين كان من عباد الله الصالحين لم يكن
مثله في زمانه في التفنن في الفضائل وفي معرفة أخبار الملوك والمشايخ، وكان صالحاً عفيفاً
ديناً سديداً في الأقوال والأفعال، انتهى.
حرف الجيم
الشيخ جلال الدين التبريزي
الشيخ الإمام الزاهد المعمر جلال الدين التبريزي أحد مشاهير الأولياء،
أخذ الطريقة عن الشيخ بدر الدين أبي سعيد التبريزي ثم سافر بعد وفاته إلى بغداد
وصحب الشيخ الكبير شهاب الدين عمر السهروردي مدة طويلة حتى بلغ رتبة الكمال،
وقدم الهند مرافقاً للشيخ بهاء الدين أبي محمد زكريا الملتاني فأقام ببدايون برهة من الزمان
ثم ارتحل إلى بنكاله، وهو ممن أدركه الشيخ محمد بن بطوطة المغربي الرحالة الذي قدم
الهند عام أربع وأربعين وسبعمائة، فما في خزينة الأصفياء أنه مات في سنة اثنتين وأربعين
وستمائة لا ينبغي أن يعتمد عليه، وأدركه الشيخ ابن بطوطة في جبال كامر- بفتح الكاف
والميم وضم الراء- بلدة بينها وبين سد كانوان مسيرة شهر وهي جبال متسعة متصلة
بالصين وتتصل ببلاد التبت.
قال ابن بطوطة في كتابه: إن هذا الشيخ من كبار الأولياء وأفراد الرجال، له الكرامات
الشهيرة والمآثر العظيمة، وهو من المعمرين، أخبرني أنه أدرك الخليفة المستعصم بالله
العباسي ببغداد وكان بها حين قتله التتر، وأخبرني أصحابه بعد هذه المدة أنه مات ابن
مائة وخمسين وأنه كان نحو أربعين سنة يسرد الصوم ولا يفطر إلا بعد مواصلة عشر، وكانت
له بقرة يفطر على حليبها ويقوم الليل كله، وكان نحيف الجسم طوالاً خفيف العارضين،
وعلى يديه أسلم أهل تلك الجبال ولذلك أقام بينهم، قال: وأخبرني بعض أصحابه أنه
استدعاهم قبل موته بيوم واحد وأوصاهم بتقوى الله وقال لهم: إني أسافر عنكم غداً إن
شاء الله وخليفتي عليكم الله الذي لا إله إلا هو، فلما صلى الظهر من الغد قبضه الله في
آخر سجدة منها، ووجدوا في جانب الغار الذي كان يسكنه قبراً محفوراً عليه الكفن
والحنوط، فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه به، ثم ذكر الشيخ ابن بطوطة كرامات عديدة
له لا نطيل الكلام بذكرها.
وقال أحمد بن يعقوب بن الحسين البتي في خزينة الفوائد إنه كان من أصحاب الشيخ أبي
سعيد التبريزي، ولما توفي أبو سعيد قبل كماله في سلوك رحل إلى الشيخ شهاب الدين
السهروردي فتوفي عنده وتم سلوكه بتربيته وأجازه بالدعوة والإرشاد، انتهى.
ومن فوائده كتابه إلى الشيخ بهاء الدين زكريا الملتاني، قال فيه: يا أخي! من شرب من بحر
مودته يحيى حياة لا موت بعدها، ومن لم يذق من صافي المحبة يخرج من الدنيا كالبهائم صفر
اليدين وإذا مات صار جيفة ومات موتاً لا حياة بعده، كما قال أصدق القائلين ومن كان في
هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً، انتهى.(2/149)
مولانا جلال الدين الرومي
الشيخ الإمام العالم الكبير العلامة جلال الدين الرومي أحد العلماء المشهورين بالدرس
والإفادة، قرأ العلم على الشيخ قطب الدين الرازي شارح الشمسية وقدم الهند، فولاه فيروز
شاه السلطان التدريس في مدرسته بدار الملك دهلي، وكان يدرس الفقه والحديث والتفسير
وغيرها من العلوم النافعة، انتفع به ناس كثير وأخذوا عنه، منهم الشيخ يوسف بن الجمال
الملتاني، وتلك المدرسة كانت من أبنية الملك المذكور بناها على الحوض العلائي وكان
بناؤها طويل العماد متسع الساحة كثير القباب والصحون، لم يعمر مثلها قبلها ولا بعدها.
قال البرني في تاريخه: إنها من عجائب الدنيا في ضخامتها وسعة ممرها وطيب مائها
وهوائها، ما ابتغى من دخلها عنها حولاً، انتهى.
القاضي جلال الدين الولوالجي
الشيخ العالم الفقيه القاضي جلال الدين الولوالجي أحد الفقهاء الحنفية: ولي القضاء بدهلي
في عهد علاء الدين محمد شاه الخلجي، فاستقل به مدة من الزمان، كما في الفيروز شاهي.
قال محمد بن المبارك الحسيني الكرماني في سير الأولياء: إن غياث الدين تغلق استقدم
الشيخ نظام الدين محمد البدايوني رحمه الله تعالى للبحث عن استماع الغناء واستقدم
الصدور والقضاة ليباحثوه في تلك المسألة، فكان مقدمهم القاضي جلال الدين الولوالجي
وكان شديد الخصام، فتقدم القاضي وأخذ في الموعظة وشدد في النكير والطعن على
الشيخ، فغضب عليه الشيخ وقال: إن كنت تخاصمني بسطوة الحكومة فأنت معزول عنها،
واتفق أنه عزل بعد اثني عشر يوماً من ذلك.
الشيخ جلال الدين الدهلوي
الشيخ العالم الصالح جلال الدين بن حسام الدين الحنفي الدهلوي أحد العلماء المذكرين
المشهورين بالعلم والديانة، كان في عهد السلطان علاء الدين الخلجي يذكر ويراعي طريقة
الخشية من الله تعالى، وربما يأتي باللطائف من باب الذوق والوجدان وينشد الأشعار
الرقيقة، وكان من أصحاب الشيخ ركن الدين مجازاً منه في أخذ البيعة من الناس، كما في
فيروز شاهي.
الشيخ جلال الدين الأودي
الشيخ الفاضل الكبير جلال الدين الأودي أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول والعربية،
أخذ الطريقة عن الشيخ نظام الدين محمد البدايوني رحمه الله ولازمه مدة من الزمان وترك
البحث والاشتغال بأمره.
وكان فاضلاً جيداً كثير الدرس والإفادة، كما في سير الأولياء.
القاضي جلال الدين الكاشاني
الشيخ العالم القاضي جلال الدين الكاشاني أحد الفقهاء المشهورين في عصره، كان قاضياً
بدهلي في عهد السلطان معز الدين كيقباد وعزله عنه جلال الدين فيروز شاه الخلجي وولاه
قضاء بدايون، ذكره ضياء الدين البرني في تاريخه.
القاضي جلال الدين الكرماني
السيد الشريف القاضي جلال الدين العلوي الحسيني الكرماني أحد العلماء المشهورين في
عصره، ولي الصدارة في عهد السلطان فيروز شاه، وكان عالماً في المعقول والمنقول، ذكره
القاضي ضياء الدين البرني في تاريخه وأثنى على فضله وبراعته في العلوم.
الشيخ جمال الدين المغربي
الشيخ الفقيه الطبيب الأديب جمال الدين المغربي الغرناطي الأصل البجائي المولد المستوطن
بلاد الهند، قدمها مع أبيه وله بها أولاد، لقيه محمد ابن بطوطة المغربي الرحالة بمدينة دهلي
وصاحبه وقال في كتابه: إني دخلت قصر السلطان جلال الدين ويعرف بكشك لعل كوشك
لعل ولما دخلته طفت به وصعدت إلى أعلاه فكانت لي فيه عبرة نشأت عنها عبرة، وكان
معي الفقيه جمال الدين المغربي فأنشدني عند ما عايناه:(2/150)
وسلاطينهم سل الطين عنهم فالرؤس العظام صارت عظاما
الشيخ جمال الدين الكوئلي
الشيخ الفقيه الزاهد جمال الدين بن عبد الله بن نظام الدين أبي المؤيد الدهلوي ثم الكوئلي
أحد الرجال المعروفين بالعلم والمعرفة، أخذ عنه خلق كثير وكان متعبداً مرتاضاً مجاهداً
مرزوق القبول، سكن بكوئل وله فيها أعقاب كثيرة، مات في تاسع ربيع الأول بمدينة دهلي
فدفن بمقبرة الشيخ قطب الدين بختيار الأوشي ثم نقلوا جسده إلى كوئل، كما في أخبار
الجمال.
الشيخ جمال الدين الأجي
الشيخ العالم الكبير جمال الدين الأجي أحد المشهورين، أخذ الطريقة عن الشيخ صدر
الدين محمد بن زكريا الملتاني وصحبه مدة طويلة حتى بلغ رتبة الكمال، ورخص له الشيخ
إلى مدينة أج فسكن بها للدرس والإفادة ونفع الله سبحانه به خلقاً كثيراً من عباده.
قال علي بن أسعد الحسيني الدهلوي في جامع العلوم: إن الشيخ جلال الدين حسين بن
أحمد البخاري كان يقول: إنه لم يزل يشتغل بالدرس والإفادة ويدرس العلوم كلها ويديم اشتغاله
بالهداية والبزدوي والمشارق والمصابيح والعوارف وغيرها، وكان إذا اشتبه عليه أمر في
أثناء الدرس يطرق رأسه قليلاً ثم يرفعه ويحل العقد، وكان لا يطمع في التصدر في المجلس
فيجلس حيثما يجد مكاناً ولو كان في صف النعال ولكنه حيث يجلس يصير صدراً، وكان
يقبل على الناس بوجه ضاحك مع اشتغال الباطن بالحق دائماً ويلبس الثياب الخشنة
ويقول: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يلبسها، وكان زاهداً عفيفاً لا يقبل الهدايا
والجوائز من الملوك والأمراء من عروض أو عقار، وقبل ذلك في آخر عمره وقال: إني قبلتها
اقتداء بالسلف الصالح فانهم كانوا يقبلونها، وكان لا يدخر شيئاً فيعطي ويهب كل ما يحصل
له، قال الشيخ جلال الدين المذكور إني سمعت من الشيخ عبد الله اليافعي بمكة والشيخ
عبد الله المطري بالمدينة يقولان: إن الشيخ جمال الدين فريد هذا الدهر، ليس له نظير في
علو المقامات، انتهى.
قيل: إنه مات سنة ست وسبعين وستمائة، وهذا ظاهر البطلان لأن الشيخ حسين بن
أحمد الأجي أدركه وحضر دروسه كما في جامع العلوم والشيخ حسين ولد سنة سبع
وسبعمائة كما لا يخفي على المطلعين على الأخبار.
الشيخ جمال الدين الأودي
الشيخ الفاضل الكبير جمال الدين الأودي أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول والعربية،
أخذ الطريقة عن الشيخ نظام الدين محمد البدايوني ولازمه مدة من الزمان وترك البحث
والاشتغال بأمره، وكان فاضلاً جيداً بارعاً في أصول الفقه كثير الدرس والإفادة، كما في
سير الأولياء.
حرف الحاء
منهاج الدين الحسن البياباني
الشيخ الصالح منهاج الدين حسن البياباني أحد كبار المشايخ السهروردية، أخذ عن
الشيخ نجم الدين إبراهيم البياباني وهو أخذ عن الشيخ أبي الفتح ركن الدين الملتاني، كما
في منبع الأنساب والشجرة الطيبة.
نجم الدين الحسن بن العلاء السنجري
الشيخ الفاضل نجم الدين الحسن بن العلاء السنجري الدهلوي أحد الرجال المشهورين
بالفضل والصلاح، عاش مدة من الزمان في زي الأمراء عند السلطان غياث الدين بابن
وولده محمد، ثم انقطع إلى الله سبحانه وأخذ الطريقة عن الشيخ الإمام المجاهد نظام الدين
محمد البدايوني، وجمع ملفوظاته في مجلد سماه فوائد الفؤاد فتلقاه الناس بالقبول.
قال القاضي ضياء الدين البرني في تاريخه: إن الحسن كان شاعراً مجيد الشعر قنوعاً
بشوشاً طيب النفس مليح الشمائل حسن المحاضرة حلو الكلام(2/151)
صاحب أخلاق رضية، لم
أر مثله في استحضار أخبار السلاطين وآثار المشايخ واستقامة العقل والتزام القناعة
والرسوخ في العقيدة وحسن المعيشة بدون أسبابها والتجريد والتفريد، كان يتزيأ بزي
الصوفية ويعيش قنوعاً بشوشاً في العسر واليسر، له ديوان شعر فارسي، وشعره في غاية
الطلاوة والحلاوة ولذلك لقبه الناس بسعدي الهندي، انتهى.
ومن شعره قوله رحمه الله:
مشكل سروكاري است كه بر وعده معشوق صابر نتوان بود وتقاضا نتوان كرد
وله:
من بودم وكنجي وحريفي وسرودي غم راجه نشان داد بلا را كه خبر كرد
وله:
اي حسن توبه آنكهي كردي كه ترا طاقت كناه نماند
والحسن انتقل من دهلي إلى ديوكير في آخر عمره بأمر السلطان محمد بن غياث الدين،
وتوفي بها إلى رحمة الله سبحانه في التاسع والعشرين من صفر سنة سبع وثلاثين وسبعمائة
فدفن بها، كما في خزينة الأصفياء.
علاء الدين البهمني
الملك المؤيد علاء الدين حسن بن علي البهمني السلطان الصالح كان من أمراء المئين في أيام
محمد شاه تغلق، أقطعه السلطان المذكور قرية كونجي وعدة قرى من راي باغ من أرض
دكن، فلما أكثر محمد شاه المذكور الفتك والأسر بأمراء المئين في أرض كجرات خرج
أكثرهم إلى بلاد دكن، واجتمعوا بأمرائها فاستقدمهم محمد شاه إلى مدينة دهلي، فظنوا أنه
يقتلهم على جري العادة فاجتمعوا في بعض حدود الملك وقبضوا على دولت آباد ثم اتفقوا
على إسماعيل الفتح الأفغاني وولوه عليهم، فجمع إسماعيل العساكر وأقطعهم بلاداً في أرض
دكن وأقطع الحسن هكري وراي باغ ومرح وكلهر وكلبر كه فاستقل بها، ولما سمع محمد
شاه أن الأمراء بغوا عليه سار إليهم بعساكره العظيمة، فلقيه إسماعيل بعساكره وقاتله ثم
تحصن بدولت آباد، واحتمى الحسن بعساكره بكلبركه ثم خرج منها وسار إلى دولت آباد
بعشرين ألف فارس وقاتل العساكر الشاهانية وظفر عليهم، فاتفق الناس عليه وألقى
إسماعيل فتح شاه زمام الحكومة بيده فاستقل بالملك.
وكان عادلاً كريماً صاحب عقل ودين مدبراً شجاعاً فاتكاً مقداماً، قبض على كل ما
فتحه الملوك الماضية من أرض دكن، وبعث عساكره إلى بلاد المعبر فقاتلوا أهلها وأخذوا
منهم مائتي ألف دينار وكثيراً من الجواهر الثمينة والفيلة، وهو أول ملوك الإسلام في الهند
استخدم الهنود لا سيما البراهمة في الأمور المالية والتحرير.
مات في غرة ربيع الأول سنة تسع وخمسين وسبعمائة، وكانت مدته إحدى عشرة سنة
وشهرين، كما في تاريخ فرشته.
جلال الدين الحسين بن أحمد البخاري
الشيخ الإمام العالم الكبير العلامة جلال الدين الحسين بن أحمد بن الحسين ابن علي
الحسيني البخاري الأجي أبو عبد الله.
كان مولده ليلة البراءة سنة سبع وسبعمائة بمدينة أج ونشأ بها وقرأ على القاضي بهاء
الدين الأجي من البداية إلى الهداية، ولما توفي القاضي إلى رحمة الله سبحانه سافر إلى
ملتان، فلقي بها الشيخ ركن الدين أبا الفتح الملتاني، فأمره الشيخ أن يقرأ على موسى
حفيده وعلى مجد الدين الملتاني، فقرأ عليهما سائر الكتب الدرسية في سنة كاملة، ثم عاد
إلى أج ورحل إلى الحرمين الشريفين وصحب الشيخ عفيف الدين عبد الله المطري بالمدينة
المنورة سنتين كاملتين وقرأ عليه العوارف.
ثم سافر إلى مصر والعراق وأدرك المشايخ الكبار وأخذ عنهم ولبس الخرق منهم، وحج
وزار غير مرة، وأول خرقة ألبسها خرقة أبيه الشيخ كبير الدين أحمد بن الحسين الأجي
وعمه الشيخ صدر الدين(2/152)
محمد بن الحسين الأجي، كلاهما عن أبيهما الشيخ جلال الدين
الحسين بن علي البخاري، ثم لبس الخرقة من الشيخ ركن الدين أبي الفتح الملتاني، ولبس
من الشيخ عفيف الدين عبد الله المطري بالمدينة المنورة، ثم من الشيخ إمام الدين
الكاذروني الشيخ شرف الدين محمود ابن الحسين التستري المعمر سنة ثمان وأربعين
وسبعمائة، والشيخ حميد الدين محمد بن النجيب الحسيني السمرقندي والشيخ نصير الدين
محمود بن يحيى الأودي والشيخ شمس الدين محمد بن يحيى الأودي والشيخ قطب الدين
المنور الهانسوي وخلق آخرين من المشايخ الأجلة.
وكان عالماً بارعاً مجتهداً في الطاعات والخيرات متعبداً مرتاضاً فقيهاً محدثاً حنفياً في
الأصول والفروع، يفتي على مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله، ويعمل بالعزيمة ولا يتتبع
الرخص.
وله مختارات في المذهب، وكان يجوز القراءة خلف الإمام في الصلاة، كما في جامع العلوم،
وكان يجوز الصلاة على الغائب من الموتى، كما في الخزينة.
وكان رحمه الله متوقد الذهن جموم القريحة في نهاية من الفطنة وسرعة الخاطر وحلاوة
المنطق وعذوبة البيان وحسن الإنشاء وشرف الطبع وكرم الأخلاق، اشتغل عليه خلق
كثير من قاص ودان وتخرج عليه جماعات من الفضلاء، وقصدته الطلبة والمسترشدون
حتى صار علماً مفرداً في الهند، وانتهت إليه المشيخة، ولاه السلطان محمد شاه تغلق
مشيخة الإسلام في أرض السند وبايعه فيروز شاه، وهو قدم دهلي في عهده غير مرة، وله
خطب مبتكرة وإنشاءات بديعة وفوائد جمة.
ومن فوائده رحمه الله
إعلموا رحمكم الله تعالى أنه يلزم العبد المسلم في يوم وليلة خمسون فريضة في كتاب الله عز
وجل فمن يحفظها فهو عالم ومن لا يعلم هذه الفرائض فهو جاهل عاص مذموم ولا عذر له
عند الله تعالى يوم القيامة: أولها معرفة الله تعالى بالربوبية لقوله تعالى "وما خلقت الجن
والإنس إلا ليعبدون" معناه ليعرفون، والثاني: الإقرار بالوحدانية لقول الله تعالى "وإلهكم إله
واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم"، والثالث: الوفاء بالعهود لقوله تعالى "وأوفوا بعهدي
أوف بعهدكم" والرابع: الإخلاص بالعبودية لقوله تعالى "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له
الدين" وقوله "فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً،
والخامس: إطاعة الله تعالى والرسول لقوله تعالى "ومن يطع الرسول فقد أطاع الله"،
والسادس: الإيمان بوعد الله لقوله تعالى "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها"- إلى
قوله "في كتاب مبين"، والسابع: الرضا بما قسم الله تعالى، لقوله تعالى "نحن قسمنا بينهم
معيشتهم في الحيوة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات" الثامن: الحب في الله تعالى،
لقوله تعالى "لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله"، التاسع:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لقوله تعالى "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض"،
العاشر: معرفة النفس ومحاربتها لقوله تعالى "إن النفس لأمارة بالسوء"، الحادي عشر:
محاربة الشيطان لقوله تعالى "إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً"، الثاني عشر: الخوف
من الله والاستخفاء لقوله تعالى "يستخفون من الله وهو معهم"، وقوله تعالى "إنما ذلكم
الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين"، الثالث عشر: الدعاء من
الله تعالى، لقوله تعالى "يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون" خوفاً من عصيانه
وطمعاً في رحمته، الرابع عشر: الحذر من مكر الله لقوله تعالى "فلا يأمن مكر الله إلا القوم
الخاسرون"، الخامس عشر: أن لا يقنط من رحمة الله تعالى لقوله تعالى "لا تقنطوا من رحمة
الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم"، السادس عشر: ستر العورة لقوله
تعالى "يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد"، والزينة ما يواري به العورة، السابع عشر:
طلب العلم لقوله تعالى "فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، الثامن عشر: الوضوء لقوله
تعالى "يأيها الذين أمنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق
وامسحوا برؤسكم(2/153)
وأرجلكم إلى الكعبين"، التاسع عشر: غسل الجنابة لقوله تعالى "وإن
كنتم جنباً فاطهروا" معناه فاغسلوا، العشرون: التيمم عند عدم الماء لقوله تعالى "فتيمموا
صعيداً طيباً" أي تراباً طاهراً، الحادي والعشرون الصلاة، لقوله تعالى "إن الصلاة كانت
على المؤمنين كتاباً موقوتاً" معناه فرضاً موقتاً، الثاني والعشرون: ذكر الله لقوله تعالى "يأيها
الذين أمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا"، الثالث والعشرون: أداء
الأمانات إلى أهلها، الرابع والعشرون: أن لا تحزن على ما فاتك لقوله تعالى "لكيلا تأسوا
على ما فاتكم"، الخامس والعشرون أن لا تسروا بالدنيا إذا أتتكم لقوله تعالى "ولا تفرحوا
بما آتاكم" السادس والعشرون: التفكر في قدرة الله تعالى لقوله تعالى: " ويتفكرون في خلق
السماوات والأرض"، السابع والعشرون: الاعتبار في المخلوقات والمقدورات لقوله تعالى
"فاعتبروا يا أولي الأبصار"، الثامن والعشرون: ترك إتباع النفس لقوله تعالى "ونهى النفس
عن الهوى"، التاسع والعشرون أن تعرف منة الله عليك بالإيمان لقوله تعالى "يمنون عليك أن
أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم"- إلى قوله تعالى "إن كنتم صادقين"، الثلاثون: أن تعلم
أنه معك في كل حال لقوله تعالى "ونحن أقرب إليه من حبل الوريد"، الحادي والثلاثون أن لا
تريد العلو في الدنيا لقوله تعالى "تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا
فساداً والعاقبة للمتقين"، الثاني والثلاثون: الصدق لقوله تعالى "وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا
قربى" أي فاصدقوا، الثالث والثلاثون: أكل الحلال لقوله تعالى "كلوا من طيبات ما
رزقناكم"، الرابع والثلاثون: حفظ الفرج لقوله تعالى "ويحفظوا فروجهم"، الخامس والثلاثون
حفظ الأذن من الباطل لقوله تعالى "إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا"
السادس والثلاثون: اعتزال النساء في المحيض لقوله تعالى "فاعتزلوا النساء في المحيض"،
السابع والثلاثون: ترك الغيبة والتجسس لقوله تعالى "ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً
أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه"، الثامن والثلاثون: ترك السخرية لقوله
تعالى "يأيها الذين أمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء
عسى أن يكن خيراً منهن"، التاسع والثلاثون: ترك اللمز والألقاب لقوله تعالى "ولا تلمزوا
أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، ومن لم يتب فأولئك هم
الظلمون"، الأربعون: التوكل على الله لقوله تعالى "فتوكلوا إن كنتم مؤمنين"، الحادي
والأربعون ترك سوء الظن لقوله تعالى "يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض
الظن إثم"، الثاني والأربعون: الرضا بما قضى الله لقوله تعالى "فاصبر لحكم ربك"، الثالث
والأربعون الصبر والتقوى لقوله تعالى "يأيها الذين آمنوا اصبوا وصابروا ورابطوا واتقوا الله
لعلكم تفلحون"، الرابع والأربعون: الشكر على نعمة الله لقوله تعالى "أن اشكر لي ولوالديك
إلى المصير"، الخامس والأربعون: أخذ الرهن في البيع والشراء لقوله تعالى "فرهان
مقبوضة"، السادس والأربعون: ترك الربوا لقوله تعالى "لا تأكلوا الربوا أضعافاً مضاعفة"
السابع والأربعون: أن يتقي الله لقوله تعالى "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي
الألباب"، الثامن والأربعون: العمل بالحجة لقوله تعالى "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"،
التاسع والأربعون الدعاء لقوله تعالى "أدعوني أستجب لكم"، الخمسون: الاستغفار لقوله
تعالى "واستغفروا ربكم"- انتهى.
ومن فوائده رحمه الله تعالى
قال الله تعالى: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة" إذا أراد
الله تعالى لعبد الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد يرزقه حسن الإحسان وصحة الاعتبار
وصدق الاعتبار وصدق الافتقار وهو ملاك الأمر، وعلامة الصدق صدق الإفتقار وهو أن
يكون أمام كل قول يقول وكل فعل يفعل يلتجئ إلى الله سبحانه ويستعين به، ولا يستبد بقليل
وكثير بنفسه دون الالتجاء والإستعانة، ولا يقول ولا يفعل إلا بنية يلقى الله تعالى بصحتها،
ويعلم العبد أن لله تعالى عباداً يسلك بهم طريق المقربين وهؤلاء قرة عينهم دوام الإقبال
على الله تعالى بقلبهم وإدامة(2/154)
فعل الرضا بقالبهم، وذلك يكون جميع زمانهم إما في الصلاة
وإما في تلاوة القرآن وإما في الذكر، ولا يكون للبطالة إليهم سبيل، حظ نفسهم النوم فلهم فيه
إستراحة، والأكل بقدر الحاجة، ورعاية الاعتدال في النوم والأكل، وهؤلاء القوم يزهدون في
كثير من أبواب البر ويشغلهم ما يجدون في قلوبهم نقداً من الروح والأنس والتلذذ بمناجاة الله
تعالى والمعاملة معه عن الوعد بما يكون من الثواب على البر، وهؤلاء اشتغلوا بأبواب البر
مما يتعدى نفعه، والأصحاء منهم كانوا في حماية حسن النية، ومنهم من دخل في أبواب البر
بمتابعة هوى النفس، وربما اتسع الخرق عليه فما زال يلعب به الشيطان حتى قطع عليه
وقته وشغله بكثير مما لا يغنيه عما يغنيه، وخدع النفس كثير وشهواتها الخفية عن الوقوف
عليها، وصادق يستعين بالخلوة والعزلة على تبين ما يشتبه من أمره، قيل: أدنى الأدب
الوقوف عند الجهل، وغاية الأدب الوقوف عند الشبهة، والمعنى بالجهل ما يجهل هل هو
رضا الحق أم لا، والمعنى بالشبهة أنه يعلم رضا الله تعالى ولكن عنده فيه شبهة تريبه،
فيتوقف في الشيء حتى يبين له الرشد، ولا شيء يبين به الرشد كدوام الالتجاء والتضرع بين
يدي الله تعالى عز وجل، وإذا دعت النفس له إلى شيء ومالت إليه والعبد يقاومها والنفس
تأبى الاحتراز فليخرج إلى الصحراء ويخلو بربه ويمرغ خده في التراب ويضع التراب على
رأسه حتى يعينه الله على ترك ما يريب إلى ما لا يريب، ومبدأ الأمر صحة التوبة وتقييده
الجوارح من المناهي والمكاره قولاً وفعلاً، ثم تقييدها عما لا يعنيه، ثم بعد هذا صحة
الأمر في الزهد في الدنيا، وجواهر الزهد اليأس عن الخلق واستواء قبولهم وردهم، وعند
اليأس عن الخلق دوام الروم وصحة العبادة ووجدان اللذة فيها، ونعم المعين بعد العزلة خفة
المعدة وقيام الليل، فإذا استقام قلب العبد بالتقوى والزهد لا يتخلف قلبه عن لسانه في
الصلاة والأذكار ويمكنه الله تعالى من حسم مادة حديث النفس في الصلاة والتلاوة، وقال
بعضهم: أسوأ المعاصي حديث النفس في الصلاة والتلاوة، وقال بعضهم: من انتقل من نفس
إلى نفس من غير ذكر فقد ضيع حاله واشتغاله بما لا يعنيه وتركه ما يعنيه وقد قال الله
"ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين"، ويحفظ الصادق الجمعة
والجماعة وتكفيه من بركة المسلمين الحضور معهم في الجمعة والجماعة، ويبكر إلى الجامع
من طلوع الشمس، ويشتغل وقته بأنواع العبادات، ويحذر مجالسة الخلق إلا مع مفيد أو
مستفيد، فالمفيد من يسلك به طريق المقربين، والمستفيد من يسلك إلى قوة في الحال، ولكل
وجهة هو موليها، إلى غير ذلك.
وكانت له ثلاث زوجات، إحداهن بنت عمه محمد وولدها ناصر الدين محمود، ثانيتهن من
عشيرة السادة من أهل دهلي وولدها عبد الله، وثالثتهن كانت من العائلة الرومية وولدها
علي أكبر، كما في تذكرة السادة البخارية للسيد علي أصغر الكجراتي.
وكانت وفاته سنة خمس وثمانين وسبعمائة، كما في أخبار الأخيار.
الشيخ حسين بن محمد الكرماني
الشيخ العالم الصالح الحسين بن محمد بن محمود الحسيني الكرماني الشيخ قطب الدين
الدهلوي كان من الرجال المعروفين بالفضل والصلاح، قرأ العلم على مولانا فخر الدين
الزرادي وأخذ الطريقة عن الشيخ الإمام المجاهد نظام الدين محمد البدايوني، وصحبه منذ
نعومة أظفاره إلى سن الكهولة وكان صاحبه وكاتبه، انتقل إلى ديوكير بأمر محمد شاه تغلق
في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، ولبث بها زماناً ثم رجع إلى مدينة دهلي، ومات بها بالفالج
في الحادي والعشرين من شعبان سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، كما في سير الأولياء.
الشيخ حسين بن عمر الغياث بوري
الشيخ العالم الصالح حسين بن عمر العريضي الغياث بوري أحد المشايخ الجشتية، ولد
بغياث بور سنة ثمان وستين وستمائة، وأخذ الطريقة عن الشيخ الإمام المجاهد نظام الدين
محمد البدايوني، وانتقل من دهلي إلى كجرات سنة اثنتين وسبعمائة، وسكن بمدينة فتن،
وعمره قارب ثلاثين ومائة سنة، له حاشية على هداية الفقه.(2/155)
مات في غرة جمادي الأخرى سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، كما في مرآت أحمدي مع زيادة
يسيرة من كلزار أبرار.
مولانا حجة الدين الملتاني القديم
الشيخ العالم الكبير العلامة حجة الدين الملتاني القديم أحد العلماء البارعين في النحو
والعربية والفقه وأصوله، كان يدرس ويفيد بدار الملك دهلي في عهد السلطان علاء الدين
الخلجي، ذكره البرني في تاريخه.
قال الكرماني في سير الأولياء: إنه أخذ الطريقة عن الشيخ الإمام المجاهد نظام الدين محمد
البدايوني، وله منظومة في أسماء المشايخ الجشتية بالعربية- انتهى.
مولانا حسام الدين الساوي
الشيخ العلامة حسام الدين الساوي أحد الأساتذة المشهورين ببلدة دهلي في عهد
السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي، كان يدرس ويفيد، ذكره البرني في تاريخه.
مولانا حسام الدين سرخ
الشيخ العالم الكبير حسام الدين الدهلوي أحد العلماء المشهورين في الفقه والأصول
والعربية، كان يدرس ويفيد ببلدة دهلي في عهد السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي،
ذكره البرني في تاريخه.
مولانا حماد الدين الكاشاني
الشيخ العالم الفقيه حماد الدين بن عماد الدين الحنفي الصوفي الكاشاني أحد المشايخ
الجشتية، قرأ العلم على الشيخ زين الدين داؤد بن الحسين الشيرازي، ثم أخذ الطريقة عن
الشيخ برهان الدين محمد بن الناصر الهانسوي ولازمه مدة حياته وجمع ملفوظاته في كتابه
أحسن الأقوال فرغ من تصنيفه في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، مات بدولت آباد ولم أظفر
بتاريخ وفاته غير أن مجلس ذكر وفاته يجتمع في الثالث عشر من شهر صفر، فلعله مات في
هذا اليوم من هذا الشهر.
مولانا حميد الدين الدهلوي
الشيخ الفاضل الكبير حميد الدين البياني الدهلوي أحد العلماء المشهورين في عصره، كان
يدرس ويفيد بدار الملك دهلي في عصر السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي، ذكره
البرني في تاريخه.
الشيخ حميد الدين القلندري الدهلوي
الشيخ الفاضل حميد الدين بن تاج الدين القلندري الدهلوي أحد المشايخ الجشتية، أدرك
الشيخ الامام نظام الدين محمداً البدايوني وبايعه ولما توفي الشيخ لازم الشيخ برهان الدين
محمد بن الناصر الهانسوي وجمع ملفوظاته في كتاب، ثم صحب الشيخ نصير الدين محمود
الأودي ولازمه إلى وفاته وجمع ملفوظاته في كتابه خير المجالس وهو متداول في أيدي الناس،
فرغ من تصنيفه في سنة ستين وسبعمائة.
وكانت وفاته في سنة ثمان وستين وسبعمائة، كما في خزينة الأصفياء.
الشيخ حميد الدين الهنكاري
الشيخ الصالح حميد الدين أبو حاكم بن بهاء الدين الحارثي القرشي الهنكاري كان من
نسل أبي سفيان بن الحارث القرشي رضي الله تعالى عنه، أخذ الطريقة عن الشيخ ركن
الدين أبي الفتح الملتاني ولازمه زماناً، وكان صالحاً تقياً زاهداً متوكلاً، أخذ عنه خلق
كثير.
مات لثمان ليال بقين من ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، كما في خزينة الأصفياء.
حرف الخاء
خسرو بن سيف الدين الدهلوي
الشيخ الامام الفاضل خسرو بن سيف الدين محمود البخاري الدهلوي أشهر مشاهير
الشعراء في الهند، لم يكن له نظير في العلم والمعرفة والشعر والموسيقى وفنون أخر قبله ولا
بعده.
ولد سنة إحدى وخمسين وستمائة في بنيالي،(2/156)
ونشأ بدار الملك دهلي، وتنبل في أيام
السلطان غياث الدين بلبن ولم يزل ملازماً للجد والاجتهاد في التحصيل والتضلع في العلوم
حتى بلغ الغاية وتفرد بالشعر والموسيقى والبلاغة وغيرها من العلوم، وكانت له فيها معرفة
تامة، ثم مال إلى مذهب الصوفية وسلوك طريقتهم، فبايع الشيخ الامام المجاهد نظام الدين
محمد بن أحمد البدايوني، وكان قد نال حظاً وافراً من تقرب الملوك والأمراء ونال منهم من
الصلات والجوائز لم ينلها أحد وإنك لا تكاد تسمع من يدانيه في الشعر ويجاريه في البلاغة،
اخترع أنواعاً من البديع، منها أبو قلمون، وهو في اللغة ثوب رومي يتلون ألواناً، وفي
الإصطلاح عبارة واحدة تؤدي معناها في لغتين أو أكثر، وهو يرجع إلى التورية المركبة من
الألسنة المختلفة، وذلك الإسم من مخترعات السيد غلام علي البلكرامي صاحب سبحة
المرجان، ومنها ذو الوجهين، وهو أن يرتب المتكلم كلاماً يصح معناه بالعربية والفارسية
بالتصحيف والتحريف، ومنها قلب السانين، وهو أن يرتب المتكلم كلاماً عربياً إذا قلب
يكون كلاماً فارسياً أو كلاماً فارسياً إذا قلب يكون كلاماً عربياً.
ومن مخترعاته في الموسيقى أغان كثيرة منها القول وترانه وخيال ونقش ونكار وبسيط
وتلانه وسوهله وله تصرفات عجيبة في الأغاني القديمة لا يحتملها هذا المختصر.
وأما مصنفاته فهي كثيرة ممتعة، منها إعجاز خسروي في البدائع ومحسنات الكلام في ثلاثة
مجلدات، فرغ من تصنيفه سنة تسع عشرة وسبعمائة، ومنها أفضل الفوائد جمع فيه
ملفوظات شيخه نظام الدين المذكور، وله خمسة دواوين في الشعر الفارسي تحفة الصغر
ووسط الحياة وغرة الكمال والبقية النقية ونهاية الكمال وله خمس مزدوجات عارض بها
خمسة الشيخ نظامي الكنجوي: الأولى مطلع الأنوار والثانية شيرين خسرو والثالثة ليلى
مجنون والرابعة آئينة إسكندري والخامسة هشت بهشت، نسخ خمستها في سنتين، وفيها
ثمانية عشر ألف بيت.
ومن مصنفاته قران السعدين وهي أول مزدوجة صنفها في سنة ثمان وثمانين وستمائة في
لقاء كيقباد وأبيه بغراخان. ومنها تاج الفتوح مزدوجة في غزوات السلطان جلال الدين
الخلجي، ومنها خزائن الفتوح مزدوجة في فتوح السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي،
ومنها نه سبهر صنفها باسم السلطان قطب الدين مبارك شاه الخلجي، ومنها ديول راني
خضر خان وهي المزدوجة الغرامية في أخبار خضر خان بن علاء الدين الخلجي
وعشيقته ديول راني، ومنها تغلق نامه في غزوات غياث الدين تغلق، وأبياته في تلك
المصنفات يربو عددها على أربعمائة ألف، كما في مرآة الخيال.
وكان ممن تفرد في علم الأدب والشعر، واشتهر أمره في حياته حتى بلغ صيته إلى أقصى
إيران، وسارت بمصنفاته الركبان، فلما أراد محمد بن غياث الدين الشهيد أن يستقدم الشيخ
سعدي المصلح الشيرازي إلى الهند اعتذر لكبر سنه وأوصاه بأن يرشح الأمير خسرو
ويربيه، فإن عليه لائحة الرشد والتمييز.
قال القاضي ضياء الدين البرني في تاريخه: إنه كان ملك ملوك الشعراء من السلف إلى
الخلف، لم يكن له نظير في اختراع المعاني وكشف الرموز الغريبة وكثرة المصنفات، فإن كان
بعض الشعراء متفردين في فن أو فنين فإنه كان متفرداً في جميع الفنون الشعرية، قال: ومع
ذلك الفضل والكمال كان صوفياً مستقيم الحال، صرف أكثر عمره في الصيام والتعبد
والتلاوة، وكان صاحب وجد وحالة ماهراً في علم الموسيقى عالماً وعملاً، انتهى.
ومن شعره قوله:
ذاب الفؤاد وسال من عيني الدم وحكى الدوامع كل ما أنا أكتم(2/157)
وإذا أبحت لدى الورى كرب النوى تبكي الأحبة والأعادي ترحم
يا عاذل العشاق دعني باكياً إن السكون على المحب محرم
من بات مثلي فهو يدري حالتي طول الليالي كيف بات متيم
وله بالفارسية:
إيوان مراد بس بلند است آنجا بهوس رسيد نتوان
اين شربت عاشقي است خسرو بي خون جكر جشيد نتوان
كانت وفاته ليلة الجمعة في الثامن عشر من شوال سنة خمس وعشرين وسبعمائة وله أربع
وسبعون سنة، وقبره بدهلي في مقبرة شيخه نظام الدين رحمه الله تعالى.
السيد خضر الرومي
السيد خضر الرومي المعمر ثلاثمائة وخمسين سنة كان من أئمة الطائفة القلندرية، أخذ
الطريقة من الشيخ عبد العزيز عبد الله علمبردار المكي المعمر ستمائة سنة بعد النبي صلى
الله عليه وسلم، وساح المعمورة ودخل الهند فلبس الخرقة الجشتية من الشيخ قطب الدين
بختيار الكعكي بمدينة دهلي، ثم سافر إلى بلاد أخرى، أخذ عنه نجم الدين بن نظام الدين
الحسيني الدهلوي وخلق آخرون، قال الشيخ حسين القلندر في الغوثية: فلما مضت له مدة
طويلة في السفر وطوف الأراضي قدم الهند مرة أخرى ومات بها، ومدة عمره مائة وتسعون
سنة، وفي الفصول المسعودية: إن عمره ناهز ثلاثمائة وخمسين سنة خمسين وسبعمائة.
خواجه خطير بن أشرف النخشبي
السيد الشريف خطير بن أشرف بن أسد الله بن عبد الله بن محمد بن الحسن بن أحمد
بن الشيخ قطب الدين المودود الحسيني الجشتي كان من الرجال المعروفين بالفضل والصلاح،
قدم الهند وناب الوزارة في عهد غياث الدين بلبن، ونال الوزارة في عهد السلطان معز الدين
كيقباد، ثم حسده نظام الدين وكيل در، فاتهمه بموافقته لكيخسرو فأركبه على الحمار
وأجلاه من دهلي مع الذل والهوان، ثم لما قام بالملك جلال الدين فيروز شاه الخلجي
استوزره ورفع مكانه، ثم لما قام بعده ابن أخيه علاء الدين محمد شاه الخلجي اجتباه
للوزارة فاستقل بها عشرين سنة، وكان غياث الدين تغلق شاه يعظمه تعظيماً بالغاً ويأمره
بالجلوس بين يديه، وكان يستشيره في مهمات الأمور.
حرف الدال
الشيخ دانيال بن الحسن الستركي
الشيخ العالم الصالح دانيال بن الحسن بن الفضل بن عبد الله بن العباس بن يحيى بن الفضل
بن محمد بن الفضل بن عبد الله بن العباس العباسي العلوي الستركي أحد العلماء المبرزين
في الفقه والأصول والعربية.
ولد ونشأ بستركه- بفتح السين المهملة وسكون التاء الفوقية وكسر الراء- كانت مدينة
كبيرة بأرض أوده، واليوم قرية من أعمال لكهنؤ، وسافر إلى بيانه، فقرأ العلم على القاضي
عبد الله البيانوي، ثم تزوج بابنته العفيفة، ثم رحل إلى دهلي وأخذ الطريقة عن الشيخ
نصير الدين محمود الأودي، وصحبه مدة من الزمان حتى نال حظاً وافراً من العلم والمعرفة،
ثم رجع إلى بيانه واستصحب زوجته معه وسافر إلى بلدته ستركه، فقتل بأيدي قطاع
الطريق يوم كاد يصل إلى بلدته، وكان ذلك في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، فنقلوا جسده
إلى ستركه ودفنوه بها، كما في البحر الزخار.
الشيخ داود بن الحسين الشيرازي
الشيخ العارف الكبير الزاهد زين الدين داود بن الحسين بن محمود بن محمد الشيرازي
أحد مشاهير الأولياء، ولد بشيراز في سنة إحدى وسبعمائة، واشتغل بالعلم من صغر
سنه، وسافر إلى الحرمين(2/158)
الشريفين، فحج وزار ودخل الهند ولازم الشيخ كمال الدين
السامانوي، وقرأ عليه العلم وحفظ القرآن وبرع في الفقه والأصول والعربية، ثم سار إلى
دولت آباد مع شيخه كمال الدين المذكور فسكن بها ودرس وأفاد مدة من الزمان.
وكان شديد التعصب على الصوفية، يشنع عليهم وينكر الغناء والتواجد ويطعن على
الشيخ برهان الدين محمد بن الناصر الهانسوي، فكلفه الشيخ ركن الدين الكاشاني
صاحب نفائس الأنفاس أن يزوره مرة، فحضر في مجلسه وعرض عليه بعض المسائل الدقيقة
ليختبره في العلم، فأجاب الشيخ برهان الدين المذكور بما يشفي العليل ويروي الغليل، فخضع
له وبايع على يده الكريمة، وكان ذلك في سنة ست وثلاثين وسبعمائة، ثم لازمه مجداً في
أذكار القوم وأشغالهم، ففتحت عليه أبواب المعرفة، فاستخلفه الشيخ في سنة سبع وثلاثين
وسبعمائة، ثم قام مقامه في الإرشاد وجلس على مشيخته بعده في سنة ثمان وثلاثين
وسبعمائة، واستقام على الطريقة مع انقطاعه إلى الزهد والعبادة والاشتغال بالله سبحانه
ودعاء الخلق إليه، أخذ عنه خلق كثير ممن لا يحصون بحد وعد، وخضع له الملوك ومصر
باسمه نصير خان الفاروقي صاحب خانديس بلدة زين آباد، وباسم شيخه مدينة برهان
بور.
وكانت وفاته يوم الأحد الخامس والعشرين من ربيع الأول سنة إحدى وسبعين وسبعمائة،
ودفن بالروضة عند شيخه، وقبره يزار ويتبرك به، كما في روضة الأولياء للسيد غلام علي
البلكرامي.
حرف الراء المهملة
القاضي ركن الدين الكروي
السيد الشريف القاضي ركن الدين بن نظام الدين بن قطب الدين الحسني الحسيني الكروي
أحد أئمة العصر وحامل لواء الفخر، توفي والده في صغر سنه، فتربى في مهد جده، وقرأ
العلم على عمه قوام الدين محمود الدهلوي، ثم ولي القضاء بمدينة كره بعد ما عزل عمه تاج
الدين ونقل إلى بدايون.
وكان شيخاً جليلاً وقوراً عظيم الهيبة يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويهابه خواجه
كرك الله الأبدال ويستر عورته إذا رآه، كما في ملفوظات الأبدال المذكور.
قال القاضي ضياء الدين البرني في تاريخه: إنه كان جامعاً للفضائل، صاحب وجد وحالة،
ذا كشوف وكرامات، لم ير له نظير في زمانه في الترك والتجريد والإعطاء والإيثار، قال: وإني
تشرفت بزيارته وقبلت رجليه، ما رأيت مثل ما رزقه الله من الأوصاف السنية والمهابة
الجلية، انتهى.
الشيخ ركن الدين الكاشاني
الشيخ الفاضل ركن الدين بن عماد الدين الكاشاني أحد المشايخ المشهورين في عصره، قرأ
العلم على الشيخ زين الدين داود بن الحسين الشيرازي، وأخذ الطريقة عن الشيخ برهان
الدين محمد بن الناصر الهانسوي ولازمه مدة حياته.
له نفائس الأنفاس كتاب في ملفوظات شيخه محمد بن الناصر، وله شمائل الأتقياء كتاب
مشتمل على أربعة أبواب: الأول في أفعال أصحاب الطريقة، والثاني في أحوال أرباب
الحقيقة، والثالث في محامد الله سبحانه ونعوت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والرابع في
غوامض الحقائق المتنوعة، أوله: ستائس بي عد مانند شيم وشمائل، الخ، صنفه بعد كتابه
نفائس الأنفاس.
وكانت وفاته ببلدة دولت آباد.
القاضي ركن الدين الكاشاني
الشيخ العالم الفقيه ركن الدين بن جلال الدين بن قطب الدين الكاشاني الملتاني كان من
أكابر الفقهاء الحنفية، تولى القضاء ببلدة كوئل- بضم الكاف- وبقيت تلك الوظيفة في
أولاده إلى انقراض الدولة الإسلامية، كما في أخبار الجمال.
مولانا ركن الدين السنامي
الشيخ الفاضل الكبير ركن الدين الحنفي السنامي أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول
والعربية، لم يزل يشتغل بالدرس والإفادة في عهد السلطان علاء(2/159)
الدين محمد شاه الخلجي،
ذكره البرني في تاريخه.
مولانا ركن الدين الإندربتي
الشيخ الفاضل الكبير ركن الدين الإندربتي أحد العلماء البارعين في العلوم العربية، قرأ العلم
على الشيخ فخر الدين الزرادي، وقرأ عليه الشيخ محمد بن المبارك الحسيني الكرماني
والشيخ سراج الدين عثمان الأودي وخلق آخرون، كما في سير الأولياء.
الشيخ ركن الدين الظفر آبادي
الشيخ الصالح الفقيه ركن الدين بن صدر الدين أبو الفتح القرشي الملتاني ثم الظفر آبادي
أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول والتصوف، كان ممن يشار إليه في استحضار المسائل
الجزئية، وله كعب عال في حقائق التوحيد والمعرفة، درس وأفاد مدة من الزمان ثم ترك
البحث والإشتغال، وأخذ الطريقة السهروردية عن والده ولازمه ملازمة طويلة حتى نال
حظاً وافراً من المعارف الإلهية، وتولى المشيخة بعد أبيه، أخذ عنه ولده شمس الدين، توفي
لتسع خلون من المحرم سنة ست وتسعين وسبعمائة، فدفن عند أبيه، كما في الانتصاح.
مولانا ركن الدين البدايوني
الشيخ الإمام العالم الكبير ركن الدين البدايوني أحد الفقهاء المبرزين في الفقه والأصول
والعربية، تفقه على الشيخ أبي القاسم التنوخي، وتفقه التنوخي على حميد الدين الضرير،
والضرير على الكردري، والكردري على صاحب الهداية. وتفقه عليه سراج الدين أبو
حفص عمر بن إسحاق بن أحمد الغزنوي، كما في الفوائد البهية.
مولانا ركن الدين البهاري
الشيخ الصالح ركن الدين البهاري أحد رجال العلم والطريقة، أخذ عن الشيخ شرف الدين
أحمد بن يحيى المنيري، وسافر إلى الحرمين الشريفين، فحج وزار ورجع إلى الهند، وصنف
له شرف الدين فوائد ركني رسالة مبسوطة في الحقائق.
حرف الزاي المعجمة
زاهد بن محمد البهاري
الشيخ الصالح زاهد بن محمد بن نظام القاضي زاهد البهاري أحد رجال الطريقة، أخذ
عن الشيخ شرف الدين أحمد بن يحيى المنيري ولازمه، وسأله عن بعض المسائل في
الحقائق، فأجابه في مختصر مضبوط وسماه الأجوبة، كما في سيرة الشرف.
مولانا زين الدين الديوي
الشيخ الفاضل زين الدين الديوي أحد العلماء المبرزين في الفقه والحديث، أهدى إلى الشيخ
شرف الدين أحمد بن يحيى المنيري صحيح مسلم بن الحجاج النيسابوري ولقيه بمدينة
بهار، كما في سيرة الشرف.
الشيخ زين الدين الأودي
الشيخ العالم الفقيه زين الدين بن عبد الرحمن العمري الكابلي الدهلوي ثم الأودي، كان ابن
أخت الشيخ نصير الدين محمود الأودي، ولد بأرض أوده واشتغل بالعلم على أساتذة
عصره، ثم أخذ الطريقة عن خاله المذكور، وله أعقاب كثيرة في بلدة أميتهي، كما في البحر
الزخار.
القاضي زين الدين الدهلوي
الشيخ الفاضل الكبير القاضي زين الدين الناقلة الحنفي الدهلوي، أحد الأساتذة
المشهورين بدار الملك دهلي في عهد السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي، ذكره البرني
في تاريخه.
القاضي زين الدين الكواليري
الشيخ الفقيه القاضي زين الدين المبارك الكواليري كان قاضياً ببلدة كواليار في عهد
السلطان قطب الدين مبارك شاه الخلجي، لقيه محمد بن بطوطة المغربي الرحالة وذكره في
كتابه.
الخواجه زكي الدين المقرئ
الشيخ العالم المجود زكي الدين المقرئ الدهلوي(2/160)
أحد الأساتذة المشهورين بدار الملك دهلي
في القراءة والتجويد، وكان ابن أخت الوزير حسن بن أبي الحسن البصري، ذكره البرني في
تاريخه.
حرف السين المهملة
سيف الدين غدا أمير عرب الشام
الأمير سيف الدين غدا بن هبة الله بن مهنأ أمير عرب الشام، قدم الهند علي محمد شاه
تغلق سلطان الهند فأكرم مثواه وأنزله بكوشك لعل قصر السلطان جلال الدين الخلجي
بمدينة دهلي، وأجزل له العطاء وأحسن إليه إحساناً عظيماً، وأعطاه مرة أحد عشر فرساً
من عتاق الخيل ومرة أخرى عشرة من الخيل مسرجة بالسروج المذهبة عليها اللجم
المذهبة، ثم زوجه بعد ذلك بأخته فيروز خاتون، ولما كان بعد عشرين يوماً من زفافه اتفق
أنه وصل إلى دار السلطان فأراد الدخول، فمنعه كبير الخواص من البوابين فلم يسمع منه،
فأمسك البواب بتلابيبه ورده، فضربه الأمير بعضاً كانت هنالك فأدماه، وكان هذا
المضروب من كبار الأمراء يعرف أبوه بقاضي غزنة وهو من ذرية السلطان محمود بن
سبكتكين الغزنوي والسلطان يخاطبه بالأب ويخاطب ابنه هذا بالأخ فدخل على السلطان
وأخبره بما صنع الأمير، فقال: القاضي يفصل بينكما، فقال القاضي كمال الدين للأمير: أنت
ضربته؟ أو قل: لا- يقصد أن يعلمه الحجة- فقال سيف الدين: أنا ضربته، وأتى والد
المضروب فرام الإصلاح بينهما فلم يقبل سيف الدين، فأمر القاضي بسجنه تلك الليلة،
وتخلص الأمير غداً عند الظهر من سجنه، فأظهر السلطان إهماله وأضرب عما كان أمر له
بولايته وأراد نفيه، فجاء النقباء ليخرجوه فأراد دخول داره ووداع أهله فترادف النقباء في
طلبه فخرج باكياً، وتوجه محمد بن بطوطة المغربي حين ذلك إلى دار السلطان فبات بها
فسأله بعض الأمراء عن مبيته فقال له: جئت لأتكلم في الأمير سيف الدين حتى يرد ولا
ينفي، فقال: لا يكون، فقال: والله! لأبيتن بدار السلطان ولو بلغ مبيتي مائة ليلة حتى يرد،
فبلغ ذلك السلطان فأمر برده وأمره أن يكون في خدمة الأمير قبولة اللاهوري، فأقام أربعة
أعوام في خدمته يركب بركوبه ويسافر بسفره حتى تأدب وتهذب، ثم أعاده السلطان إلى ما
كان عليه أولاً وأقطعه البلاد وقدمه على العساكر ورفع قدره، ذكره ابن بطوطة في كتابه.
مولانا سعد الدين الدهلوي
الشيخ الفاضل الكبير العلامة سعد الدين المنطقي الدهلوي أحد العلماء المبرزين في
المنطق والحكمة، قربه جلال الدين فيروز شاه الخلجي إلى نفسه وولاه الإمارة فأقطعه أرضاً
خراجية، وأعطاه العلم والطبل، وجعله قوربيكي فصار من ندمائه، وتقرب إلى غياث الدين
تغلق ثم إلى ولده محمد شاه تغلق، وكان محمد شاه يذاكره في العلوم.
القاضي سماء الدين الدهلوي
الشيخ العالم الفقيه القاضي سماء الدين الحنفي الدهلوي العالم المشهور في عصره، ولي
القضاء بمدينة دهلي في عهد السلطان غياث الدين تغلق، ذكره القاضي ضياء الدين البرني
في تاريخه.
مولانا سراج الدين الثقفي
الشيخ الإمام العلامة سراج الدين الثقفي الدهلوي أحد الفقهاء المبرزين في الفقه والأصول
والعربية، تفقه على الشيخ أبي القاسم التنوخي، وتفقه التنوخي على حميد الدين الضرير،
والضرير على الكردري، والكردري على صاحب الهداية، وتفقه عليه سراج الدين أبو
حفص عمر بن إسحاق بن أحمد الغزنوي، كما في الفوائد البهية.
الشيخ سعيد الدين القندهاري
الشيخ العالم الفقيه الزاهد سعيد الدين بن نجم الدين إبراهيم بن محمد بن عبد السميع بن
شمسان بن علي السكران بن السيد أحمد الكبير القطب الرفاعي القندهاري أحد الرجال
المعروفين بالفضل والصلاح، أخذ عن والده عن سيف الدين علي عن شمس الدين عن أبيه
نجم الدين عبد الرحيم عن أبيه تاج الدين محمد عن خاله نجم الدين أحمد بن علي عن
قطب الدين أبي الحسن علي بن عبد الرحيم عن أخيه شمس الدين محمد عن عمه محي
الدين إبراهيم بن علي(2/161)
الأعزب عن عمه مهذب الدين عبد الرحيم عن أخيه سيف الدين
علي بن عثمان عن خاله السيد أحمد الكبير الرفاعي، قدم الهند وسكن بقندهار قرية من
أعمال ناندير من أعمال دكن، ومات بها في السابع عشر من رجب سنة ست وثلاثين
وسبعمائة كما في مهر جهانتاب.
الشيخ سليمان بن أحمد الملتاني
الشيخ الفاضل الكبير العلامة سليمان بن أحمد بن زكريا القرشي الإمام علم الدين الملتاني،
كان من العلماء المبرزين في الفقه والأصول والحديث والعربية، ولد ونشأ بمدينة ملتان، وسافر
إلى الحرمين الشريفين والقدس وبغداد وغيرها من بلاد العراق، فحج وزار وأخذ العلم عن
عصابة العلوم الفاضلة، ثم رجع إلى الهند ودخل دهلي في أيام غياث الدين تغلق شاه
فحكمه السلطان فيما بين الشيخ نظام الدين البدايوني والقاضي جلال الدين الولوالجي في أمر
السماع، فقضى الشيخ باباحته، وله رسالة مستقلة في تلك المسألة، كما في سير الأولياء وله
رسالة في فضل الأذكار طالعتها في خزينة الفوائد.
القاضي سماء الدين البجنوري
الشيخ الصالح الفقيه سماء الدين بن فخر الدين بن ركن الدين الصديقي البجنوري أحد
المشايخ الجشتية، ولد بقرية بجنور ونشأ بها في مهد العلم والمشيخة، وأخذ عن الشيخ زين
الدين بن أخت الشيخ نصير الدين محمود الأودي، ثم سافر إلى الحجاز فجد وزار ولبس
الخرقة من الشيخ قطب الدين المكي، ولبس من الشيخ جلال الدين حسين بن أحمد
الحسيني البخاري الأجي، وكان صاحب وجد وحالة، غشى عليه في السماع فلم يفق
حتى مات بمدينة لكهنؤ لثمان بقين من ربيع الأول سنة ست وسبعين وسبعمائة، وقبره
بلكهنؤ، كما في تذكرة الأصفياء.
حرف الشين المعجمة
شاه مرزا الكشميري
الملك المؤيد شمس الدين شاه مرزا بن الطاهر الكشميري مؤسس الدولة الإسلامية بأرض
كشمير، قيل إنه كان من نسل أرجن عظيم الوثنيين، رحل أحد أسلافه إلى خراسان فأسلم
بها، ثم قدم شاه مرزا إلى الهند ودخل كشمير سنة خمس عشرة وسبعمائة في أيام سيه ديو
ملك كشمير، فخدمه مدة من الزمان، ولما توفي الملك المذكور وولي الملك ولده رنجن ديو
جعله وزيراً له وأستاذاً خاصاً لولده جندر، ولما توفي رنجن وملك بعده أودن ديو وكان من
ذوي قرابته اجتباه للوزارة وجعله وكيلاً مطلقاً له في مهمات الدولة، وولي أبناء شاه مرزا
على أقطاع فاستقلوا بها، فتوهم أودن ديو سوء نيته من استقلالهم ومنعهم أن يدخلوا
عليه، فذهب شاه مرزا وأبناؤه إلى أقطاعهم وأخذوا في تكثير العدة والعدد، ولم يزل كذلك
حتى مات أودن ديو وقامت بالملك صاحبته، فتزوجت بشاه مرزا وأسلمت ودبرت الحيلة
لدفعه، فلما عرف ذلك شاه مرزا قبض عليها وجعلها محبوسة، ثم أقام له الخطبة، ولقب
نفسه شمس الدين سنة أربع وأربعين وسبعمائة وأحسن إلى الناس، وبذل جهده في تعمير
البلاد وتكثير الزراعة، وأبطل ما كان فيها من المكوس، وأمر أن يؤخذ السدس منهم على
وجه الخراج.
وكان عادلاً كريماً محباً لأهل العلم محسناً إلى عامة الناس، وكان ذا عقل ودين وسياسة،
أصلح الطرق والشوارع وساس المفسدين وقطاع السبل حتى ظلت الدولة آمنة مطمئنة، ثم
اعتزل عن الناس لكبر سنه وولي مكانه ولده جمشيد سنة سبع وأربعين.
وكانت وفاته في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، وكانت مدته ثلاث سنين وخمسة أشهر.
الشيخ شرف الدين الحسيني الكشميري
الشيخ الصالح شرف الدين الحسيني الكشميري أحد الرجال المعروفين بالفضل والصلاح،
قدم كشمير في سنة خمس وعشرين وسبعمائة، فأسلم على يده رنجن ديو ملك كشمير فلقبه
صدر الدين، وأسلم على يده خلق كثير من أهل كشمير وبنى له صدر الدين المذكور
خانقاه على نهر البهت ورباطاً عنده ومسجداً(2/162)
ووقف عليها قرى عديدة، وكانت وفاته
سنة سبع وعشرين وسبعمائة كشمير فدفن بها، كما في خزينة الأصفياء.
القاضي شرف الدين الدهلوي
الشيخ الفاضل العلامة شرف الدين الرهاهي الدهلوي أحد العلماء المبرزين في الفقه
والأصول والعربية، كان يدرس ويفيد بدهلي في أيام السلطان علاء الدين الخلجي، ذكره
البرني في تاريخه.
الشيخ شرف الدين الحسيني الأمروهي
الشيخ الكبير شرف الدين بن علي بن مرتضى بن أبي المعالي بن أبي الفرج الصيداوي
الواسطي ابن داؤد بن الحسين بن علي بن هارون بن جعفر المشهور بالكذاب الحسيني
النقوي الأمروهي أحد الأولياء المشهورين، ولد بقرية سهودره من أعمال لاهور، وسافر
للعلم وأدرك المشايخ ولازمهم زماناً، ثم دخل أمروهه وسكن بها.
وكان شيخاً كبيراً مجاهداً مرتاضاً يذكر له مكاشفات وكرامات، مات بأمروهه لتسع ليال
بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، وقبره مشهور ظاهر يزار ويتبرك به، كما في
نخبة التواريخ.
الشيخ شمس الدين التركماني
الشيخ الكبير شمس الدين بن أحمد بن عبد المؤمن التركماني الباني بتي، كان من نسل
خواجه أحمد العلوي اليسوي، يرجع نسبه إلى محمد بن الحنفية رحمه الله.
أخذ العلم عن أهله في تركستان، ثم ساح البلاد وأدرك المشايخ الكبار في ما وراء النهر،
ثم دخل الهند وأخذ الطريقة عن الشيخ علاء الدين على الصابر الكليري، وصحبه مدة
طويلة وأوصاه الشيخ أن يرحل بعد وفاته إلى باني بت ويسكن بها، فلما توفي الشيخ إلى
رحمة الله سبحانه سار إلى تلك البلدة وعكف بها على الإرشاد والهداية، أخذ عنه
الشيخ جلال الدين محمود العثماني.
وكانت وفاته في عاشر جمادي الآخرة سنة ست عشرة وسبعمائة، كما في سير الأقطاب.
الشيخ شمس الدين الكوئلي
الشيخ الصالح شمس الدين بن تاج العارفين الكوئلي أحد المنقطعين إلى الزهد والعبادة،
ذكره الشيخ ابن بطوطة المغربي في كتابه وقال: إنه كان كبير القدر، ولما دخل محمد شاه
تغلق إلى مدينة كوئل فبعث في طلبه فلم يأته، فذهب السلطان إليه ثم لما قارب منزله
انصرف ولم يره، واتفق بعد ذلك أن أميراً من الأمراء خرج على السلطان ببعض الجهات
وبايعه الناس، فنقل للسلطان أنه وقع ذكر هذا الأمير بمجلس الشيخ شمس الدين فأثنى عليه
وقال: إنه يصلح للملك، فبعث السلطان بعض الأمراء إلى الشيخ، فقيده وقيد أولاده وقيد
قاضي كوئل ومحتسبها لأنه ذكر أنهما كانا حاضرين في المجلس الذي وقع فيه ثناء الشيخ
على الأمير المخالف، وأمر بهم فسجنوا جميعاً بعد أن سمل عيني القاضي وعيني
المحتسب، ومات الشيخ بالسجن، وكان القاضي والمحتسب يخرجان مع بعض السجانين
فيسألان الناس ثم يردان إلى السجن، وكان قد بلغ السلطان أن أولاد الشيخ كانوا يخالطون
الكفار وعصاتهم ويصحبونهم، فلما مات أبوهم أخرجهم من السجن وقال: لا تعودوا إلى
ما كنتم تفعلون، فقالوا: وما فعلنا، فاغتاظ من ذلك وأمر بقتلهم فقتلوا، ثم استحضر
القاضي المذكور فسأله عمن كان يرى رأى هؤلاء الذين قتلوا ويفعل مثل أفعالهم، فأملى
أسماء رجال كثيرين من كفار البلد، فلما عرض ما أملاه على السلطان قال: هذا يجب أن
يخرب البلد اضربوا عنقه، فضرب عنقه، انتهى.
مولانا شمس الدين الباخرزي
الشيخ الفاضل الكبير شمس الدين الباخرزي أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول
والعربية، وكان يدرس ويفيد بدار الملك دهلي في عهد فيروز شاه السلطان وفيما قبله من
الملوك، كما في تاريخ فرشته.(2/163)
مولانا شمس الدين الكاذروني
الشيخ الفاضل الكبير العلامة شمس الدين الكاذروني أحد الأساتذة المشهورين بدار الملك
دهلي في عهد السلطان علاء الدين الخلجي، كان يدرس ويفيد، ذكره البرني في تاريخه.
مولانا شمس الدين الدمشقي
الشيخ الفاضل شمس الدين الدمشقي أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول والتصوف،
لازم الشيخ شرف الدين أحمد بن يحيى المنيري وأخذ عنه، وكتب إليه شرف الدين رسائل
في الحقائق والمواجيد وبعثها إليه، وكن يسكن بمدينة بهار، وتولى القضاء بها مدة، كما في
سيرة الشرف.
مولانا شمس الدين الدهلوي
الشيخ الفاضل شمس الدين بن محمد بن محمود الحسيني الكرماني أحد رجال العلم
والطريقة، أخذ عن الشيخ نظام الدين محمد بن أحمد البدايوني، مات في شبابه بديوكير سنة
اثنتين وثلاثين وسبعمائة، كما في مهر جهانتاب.
مولانا شمس الدين تم
الشيخ الفاضل العلامة شمس الدين الدهلوي أحد العلماء المشهورين في عهد السلطان
علاء الدين محمد شاه الخلجي، كان يدرس ويفيد بدار الملك دهلي، ذكره البرني في تاريخه.
مولانا شمس الدين السنامي
الشيخ الفاضل شمس الدين السنامي الدبير كان من العلماء المبرزين في الإنشاء وقرض
الشعر، قرأ اللوائح على القاضي حميد الدين الناكوري، وأخذ الطريقة عن الشيخ فريد الدين
مسعود الأجودهني، وكان متولياً بديوان الإنشاء في عهد السلطان ناصر الدين محمود بن
الإيلتمش، وله قصائد غراء في مديحه، ولما قام بالملك السلطان غياث الدين بلبن بعثه إلى
بنكاله مع ولده بغراخان وولاه على ديوان الإنشاء بها.
وكان شاعراً بليغاً مجيد الشعر، اعترف بفضله الأمير خسرو بن سيف الدين الدهلوي في
فاتحة غرة الكمال وخاتمة هشت بهشت وافتخر بتحسينه شعره.
ومن شعره قوله رحمه الله:
اين همه كار دلم از تو بناداني خام داده دوش مرا وعده مهماني خام
بخته كردم همه شب جشم وندانستم كآن طمعى بود ازان كونه كه ميداني خام
سست ميدارم وهر جند قوى ميكندم ريسماني است ز من تابه بريشاني خام
كفتمش هيج مسلمان نه خورد خام ببين غم تو ميخوردم اين است مسلماني خام
إلى غير ذلك من الأبيات الرائقة.
مات سنة سبع وسبعمائة، كما في روز روشن.
مولانا شمس الدين الدهلوي
الشيخ الفاضل شمس الدين الدهلوي كان ابن أخت الأمير خسرو بن سيف الدين
البخاري، أخذ الطريقة عن الشيخ الإمام نظام الدين محمد بن أحمد البدايوني ولازمه ملازمة
طويلة وكان فاضلاً بارعاً في العروض والقوافي والشعر والإنشاء وكثير من العلوم والفنون،
كما في كلزار أبرار.
مات سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة بدهلي، فدفن بها بمقبرة الشيخ النظام، كما في خزينة
الأصفياء.
مولانا شمس الدين الدهاراسيوني
الشيخ العالم الفقيه شمس الدين بن عبد الرحمن الخراساني ثم الهندي الدهاراسيوني أحد
الرجال المشهورين في الهند، ولد بقرية دهمون- بفتح الدال المهملة وسكون الهاء- قرية من
أعمال خراسان، ولما بلغ الثامنة عشرة من سنه توفي والده فهاجر من بلاده ودخل الهند
واشتغل بأعمال الديوان مدة طويلة، ثم أدرك الشيخ الإمام المجاهد نظام الدين محمداً
البدايوني بدهلي فاستفاض منه، ثم سافر إلى الحجاز فحج وزار ورجع إلى الهند وسكن
بدهار، وكان صاحب مقامات(2/164)
وكرامات، توفي سنة ثلاثين وسبعمائة، كما في مهر جهانتاب
ودهار بلدة كبيرة من بلاد مالوه، والسيد الوالد في مهر جهانتاب ضبطه بدهاراسيون وهي
بلدة من بلاد دكن، والشيخ في أخبار الأخيار ضبطه بدهار وقال: إن قبره بظهر آباد،
والصواب هو الأول لأن قبره بدهاراسيون مشهور، يزار ويتبرك به.
الشيخ شهاب الدين الجامي
الشيخ الصالح شهاب الدين بن شيخ الجام الخراساني، كان من كبار المشايخ الصلحاء
الفضلاء، يواصل أربعة عشر يوماً، وكان قطب الدين مبارك شاه وغياث الدين تغلق
السلطانان يعظمانه ويزورانه ويتبركان به، فلما ولي محمد شاه أراد أن يستخدم الشيخ في
بعض خدمته، فإن عادته كانت أن يستخدم الفقهاء والمشايخ والصلحاء محتجاً أن الصدر
الأول رضي الله عنهم لم يكونوا يستعملون إلا أهل العلم والصلاح، فامتنع شهاب الدين من
العمل، وشافهه السلطان في مجلسه العام فأظهر الإباء والامتناع، فغضب السلطان من ذل
وأمر الشيخ ضياء الدين السمناني أن ينتف لحيته، فأبى ضياء الدين، فأمر بنتف لحية كل
واحد منهما فنتفت، ونفى ضياء الدين إلى بلاد تلنك، ثم ولاه بعد مدة قضاء ورنكل فمات
بها، ونفى شهاب الدين إلى دولت آباد، فأقام بها سبعة أعوام، ثم بعث إليه فأكرمه وعظمه
وجعله على ديوان وهو ديوان بقايا العمال يستخرجها منهم بالضرب والتنكيل، ثم زاد في
تعظيمه وأمر الأمراء أن يأتوا للسلام عليه ويمتثلوا أوامره، ولم يكن أحد في دار السلطان
فوقه.
ولما انتقل السلطان إلى السكنى على نهر كنك وبنى هنالك القصر المعروف بسركك
دواره معناه شيبه الجنة وأمر الناس بالبناء هنالك طلب منه الشيخ شهاب الدن أن يأذن له
في الإقامة بحضرة دهلي، فأذن له أن يسكن بأرض موات على مسافة ستة أميال من
دهلي، فحفر بها كهفاً كبيراً صنع في جوفه البيوت والمخازن والفرن والحمام وجلب الماء
من نهر جمن، وعمر تلك الأرض وجمع مالاً كثيراً من مستغلها، لأنها كانت السنون قاحطة،
وأقام هناك عامين ونصف عام مدة مغيب السلطان، وكان عبيده يخدمون تلك الأرض
نهاراً ويدخلون الغار ليلاً ويسدونه على أنفسهم وأنعامهم خوفاً من سراق الكفار، لأنهم في
جبل منيع هناك، ولما عاد السلطان إلى حضرته استقبله الشيخ ولقيه على سبعة أميال
منها، فعظمه السلطان وعانقه عند لقائه وعاد إلى غاره، ثم بعث إليه بعد أيام، فامتنع من
إتيانه، فبعث إليه مخلص الملك الندرباري فتلطف له في القول وحذره بطش السلطان، فقال:
لا أخدم ظالماً أبداً، فعاد مخلص الملك إلى السلطان فأخبره بذلك، فأمر أن يأتي به فأتى به
فقال له: أنت القائل: إني ظالم، فقال: نعم، أنت ظالم، ومن ظلمك كذا وكذا- وعدد أموراً
منها تخريبه لمدينة دهلي، وإخراجه أهلها، فأخذ السلطان سيفه ودفعه للقاضي كمال
الدين وقال: إن ثبت هذا أني ظالم فاضرب عنقي بهذا السيف، فقال له الشهاب: ومن يريد
أن يشهد بذلك فيقتل؟ ولكن أنت تعرف ظلم نفسك، فأمر بتسليمه للملك فكب له رأس
الدويدارية فقيده بأربعة قيود وغل يديه، وأقام كذلك أربعة عشر يوماً مواصلاً لا يأكل ولا
يشرب، وفي كل يوم منها يؤتى به إلى المشورة ويجمع الفقهاء والمشايخ ويقولون: إرجع عن
قولك، فيقول: لا أرجع عنه، وأريد أن أكون في زمرة الشهداء، فلما كان اليوم الرابع عشر
بعث إليه السلطان بطعام فأبى أن يأكل وقال: قد رفع رزقي من الأرض، فأمر أن يطعم
خمسة أسيار من العذرة، فأخذ ذلك الموكلون بمثل هذه الأمور وهم طائفة من كفار الهنود،
فمدوه على ظهره وفتحوا فمه بالكلبتين، وحلوا العذرة بالماء وسقوه ذلك، وفي اليوم بعده
أتى به إلى دار القاضي وجمع الفقهاء والمشايخ ووجوه العزة، فوعظوه وطلبوا منه أن يرجع
عن قوله، فأبى ذلك فضرب عنقه، انتهى ما في كتاب الرحلة لابن بطوطة.
وكانت وفاته على ما أظن في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة.
مولانا شهاب الدين الدهلوي
الشيخ العالم الصالح شهاب الدين الخليلي(2/165)
الدهلوي أحد المذكرين البارعين في العلم
والمعرفة، اشتغل بالتذكير بدار الملك دهلي في عهد السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي
عشرة أعوام، وكانت مواعظه مبكية يراعي فيها طريقة الخوف والخشية من الله سبحانه،
ويكشف القناع عن حقائق التنزيل وينشد الأشعار بما اقتضته الحال وربما يحكي مآثر
العلماء الربانيين، وكان لا يتفوه إلا بالحق، فيحضر مجالس وعظه كثير من الناس ويتأثرون به
ويبكون ويزيدون خشوعاً لله سبحانه- ذكره البرني في تاريخه.
الشيخ شهاب الدين الدهلوي
الشيخ العالم الفقيه الزاهد شهاب الدين الصوفي الدهلوي أحد المشايخ الجشتية، أخذ
الطريقة عن الشيخ نظام الدين محمد البدايوني، ولازمه مدة حياة الشيخ، وكان صاحب
قراءة وتجويد يقرأ القرآن بلحن شجي يأخذ بمجامع القلوب، ولذلك خصه الشيخ المذكور
بإمامته في الصلاة، ولما توفي شيخه سافر إلى دوات آباد ولبث بها مدة من الزمان، انتفع به
خلق كثير من الناس وأخذوا عنه، منهم ولده ركن الدين، ثم رجع إلى دهلي ومات بها،
كما في سير الأولياء.
مولانا شهاب الدين الملتاني
الشيخ العالم الكبير العلامة شهاب الدين الحنفي الملتاني أحد العلماء المبرزين في الفقه
والأصول والعربية، ذكره البرني في تاريخه وقال: إنه كان من كبار الأساتذة بدار الملك دهلي
في عهد السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي فلم يزل يشتغل بالدرس والإفادة، انتهى.
وقال ابن المبارك الكرماني في سير الأولياء: إن السلطان غياث الدين تغلق لما استقدم
الشيخ نظام الدين محمداً البدايوني بحضرته للبحث عن استماع الغناء واستقدم الصدور
والقضاة والفقهاء ليباحثوه في تلك المسألة، فكان الشيخ شهاب الدين الملتاني أيضاً ممن
حضر بين يديه ولكنه لم يخاصمه كما خاصمه غيره من العلماء، انتهى.
الشيخ شهاب الدين الكاذروني
الشيخ الصالح شهاب الدين الكاذروني كان شيخ الزاوية بقالقوط كاليكوت إحدى الفرض
العظام ببلاد مليبار، وله تسلم النذور التي ينذرها أهل الهند والصين للشيخ أبي إسحاق
الكاذروني نفع الله به، وكان له ولد يسمى فخر الدين الكاذروني، كان شيخ الزاوية بمدينة
كولم، لقيه ابن بطوطة المغربي الرحالة وأقام بزاويته وذكره في كتابه.
مولانا شهاب الدين الناكوري
الشيخ الصالح شهاب الدين الناكوري أحد رجال العلم والطريقة، أخذ عن الشيخ شرف
الدين أحمد بن يحيى المنيري ولازمه مدة، وتوفي بعد وفاته رحمه الله تعالى، كما في سيرة
الشرف.
الشيخ شهاب الدين الدهلوي
الشيخ الصالح شهاب الدين الدهلوي المشهور بالعاشق كان من كبار المشايخ الجشتية،
أخذ عن الشيخ إمام الدين الجشتي عن الشيخ بدر الدين الغزنوي، وأخذ عنه الشيخ عماد
الدين. كما في كلزار أبرار.
شهاب الدين شاه الكشميري
الملك المؤيد شهاب الدين بن شمس الدين شاه مرزا الكشميري السلطان المجاهد، قام
بالملك بعد أخيه علاء الدين وافتتح أمره بالعقل والتدبير، وكان ملكاً عادلاً مجاهداً مقداماً
باسلاً، فتح الحصون والبلاد وأخذ الخراج من ملوك تبت الصغير، ومصر بلدتين لجهمي نكر
وشهاب بور، وامتدت أيامه إلى عشرين سنة، وكان إذا لم يصل إليه رسالة الفتح يوماً من
الأيام من إحدى نواحي الأرض لا يحسب ذلك اليوم من أيام عمره ويحزن لذلك، كما في
تاريخ فرشته.
الشيخ شهاب الدين الزاهدي
الشيخ العالم الفقيه شهاب الدين بن فخر الدين الزاهدي الميرتهي المشهور بحق كو معناه
الصادق كان من كبار المشايخ في عصره، أخذ عن أبيه ولازمه(2/166)
مدة من الدهر، ثم سافر إلى
دهلي، وقتله محمد شاه تغلق، قال محمد ابن الحسن المندوي في كلزار أبرار: إن محمد شاه
قال له يوماً من الأيام: إن النبوة لم تنقطع كالولاية، فاغتاظ به شهاب الدين ولم يملك نفسه
فخلع نعله وضرب به وجه محمد شاه، فغضب عليه محمد شاه وأمر أن يلقوه في الخندق،
فألقوه من القلعة فلم يمت فألقوه ثم ألقوه حتى مات في المرة الثالثة رحمه الله سبحانه بفضله
وأفاض علينا بركات علومه.
حرف الصاد المهملة
مولانا صدر الدين الحكيم الدهلوي
الشيخ الفاضل صدر الدين بن حسام الدين الحكيم الماريكلي الدهلوي أحد الأطباء
البارعين في العلم والعمل، له يد بيضاء في العلوم الآلية والعالية، وكان يتطبب ويدرس في دار
الملك دهلي في عهد السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي، وكان صاحب نفس زكية
مفرط الذكاء والحذق، يعرف أسباب المرض بأول لقائه للمريض، ثم يعالج فيشفي الله المريض
عاجلاً، وكان والده أيضاً من رجال العلم ماهراً في العلم والعمل، ذكره البرني في تاريخه.
الشيخ صدر الدين الدهلوي
الشيخ الصالح العابد صدر الدين الكهراني- بضم الكاف وسكون الهاء وراء ونون- وهو
ممن أدركه الشيخ محمد بن بطوطة المغربي بدار الملك دهلي وذكره في كتاب الرحلة وقال:
إنه يصوم الدهر ويقوم الليل وتجرد عن الدنيا جميعاً ونبذها، ولباسه عباءة، ويزوره السلطان
وأهل الدولة وربما احتجب عنهم، فرغب السلطان أن يقطعه قرى يطعم منها الفقراء
والواردين فأبى ذلك، وزاره يوماً وأتى إليه بعشرة آلاف دينار فلم يقبلها، وذكروا أنه كان لا
يفطر إلا بعد ثلاث، وأنه قيل له في ذلك فقال: لا أفطر حتى أضطر فتحل الميتة، انتهى.
القاضي صدر الدين الدهلوي
الشيخ الفاضل القاضي صدر الدين الحنفي الدهلوي المشهور بالعارف، كان ابن بنت
القاضي منهاج الدين الجرجاني، ولي القضاء بدهلي نيابة عن أكبر قضاتها، فتولاه مدة من
الزمان، ثم ولاه السلطان علاء الدين الخلجي القضاء أصالة، فصار أكبر قضاة الهند، وقربه
إلى نفسه ولقبه بالسيد الأجل وشيخ الإسلام.
ذكره البرني في تاريخه وقال: إنه كان قليل العلم شديد البطش قوي الهمة نافذ الكلمة،
انتهى.
الشيخ صدر الدين الظفر آبادي
الشيخ الصالح صدر الدين القرشي الصوفي الظفر آبادي أحد المشايخ السهروردية، ولد
بالملتان سنة خمس وسبعمائة، وحفظ القرآن وقرأ العلم على أساتذة عصره، ثم لبس
الخرقة عن الشيخ أبي الفتح ركن الدين الملتاني، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين، فحج وزار
سبع مرات راجلاً، ورجع إلى الهند فتوطن ظفر آباد، وكان حامل لواء الولاية والصلاح
فيها.
مات في ثامن ذي القعدة سنة أربع وسبعين وسبعمائة وقيل تسعين وقيل خمس وتسعين
وسبعمائة بظفر آباد، فدفن بها.
الشيخ صدر الدين البهكري
الشيخ الفقيه الإمام صدر الدين الحنفي البهكري السندي أحد الفقهاء البارعين في العلم،
لقيه محمد بن بطوطة المغربي الرحالة بمدينة بهكر في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، وذكره في
كتابه.
مولانا صدر الدين الساوي
الشيخ الفاضل الكبير صدر الدين الساوي أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول
والعربية، كان يدرس ويفيد بدهلي في عهد السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي، ذكره
البرني في تاريخه.
مولانا صدر الدين كندهك
الشيخ الفاضل العلامة صدر الدين الدهلوي المشهور بكندهك، كان من كبار الأساتذة
بدهلي في عهد السلطان علاء الدين الخلجي، ذكره البرني في تاريخه.(2/167)
مولانا صدر الشريف السمرقندي
الشيخ الفاضل العلامة صدر الشريف السمرقندي المنجم، كان من العلماء المبرزين في
الهيئة والهندسة والنجوم وسائر الفنون الحكمية، ولاه السلطان علاء الدين حسن البهمني
الصدارة بأرض دكن في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، وبعثه محمد بن الحسن البهمني
سلطان دكن مع والدته إلى الحجاز سنة ستين وسبعمائة، فرجع إلى الهند بعد الحج والزيارة
سنة إحدى وستين وسبعمائة وتولى الصدارة مدة عمره، مات في أيام مجاهد شاه ما بين
سنة ست وسبعين وتسع وسبعين بمدينة كلبركه، وقبره بها مشهور ظاهر.
مولانا صلاح الدين الستركي
الشيخ الفاضل الكبير صلاح الدين الستركي أحد كبار العلماء، درس وأفاد بدار الملك
دهلي في عهد السلطان علاء الدين الخلجي، ذكره البرني في تاريخه.
الشيخ صلاح الدين الملتاني
الشيخ الصالح صلاح الدين الملتاني أحد الرجال المعروفين بالفضل والصلاح، أخذ الطريقة
عن الشيخ صدر الدين محمد العارف الملتاني رحمه الله، وقدم دهلي فسكن بها، ومات في
سنة أربعين وسبعمائة، كما في خزينة الأصفياء.
حرف الضاد المعجمة
القاضي ضياء الدين البرني
الشيخ الفاضل ضياء الدين بن مؤيد الملك بن بارسك برلاس البرني كان من مشاهير
الفضلاء وأعرفهم بالتاريخ وسياسة المدن، كثير المحاضرة، حسن المجالسة، ذا إطلاع واسع
على العلوم وباع طويل في تحبير الإنشاء وقرض الشعر، كانت بينه وبين الأمير خسرو والأمير
حسن مودة صادقة ومحبة واثقة، كانوا يجتمعون كل يوم ويتناشدون ويتطارحون، وكان
القاضي يحفظ الأخبار والآثار والأشعار ويسردها سرداً حسناً.
وكان فقيهاً لبيباً، جواداً سخياً، حلو اللفظ والمحاورة، مشكور السيرة، عفيفاً ديناً من
أصحاب الشيخ نظام الدين محمد البدايوني.
له مصنفات جليلة، منها تاريخ فيروز شاهي وهو مصنف لطيف في تاريخ الملوك الثمانية
من عهد غياث الدين بلبن إلى أيام فيروز شاه السلطان، أودعه ما شاهده في تلك العصور،
فرغ من تأليفه سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، ومنها حسرت نامه ومآثر السادات.
القاضي ضياء الدين البيانوي
الشيخ الفاضل القاضي ضياء الدين البيانور أحد القضاة المشهورين، كان قاضياً بدار
الملك دهلي، ثم صار أكبر قضاتها في أيام علاء الدين محمد شاه الخلجي، واستقل بها مدة
من الزمان، ذكره البرني في تاريخه.
مولانا ضياء الدين الدهلوي
الشيخ الفاضل ضياء الدين بن شهاب الدين الخطاط الدهلوي، لقبه قطب الدين مبارك
شاه الخلجي صدر جهان، قتل في خامس ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وسبعمائة لقصة
شرحتها في ترجمة قطب الدين المذكور.
الشيخ ضياء الدين الرومي
الشيخ الصالح ضياء الدين الرومي أحد المشايخ السهروردية، أخذ الطريقة عن الشيخ
شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي وقدم الهند، فبايعه قطب الدين مبارك شاه
الخلجي، وحصل له القبول العظيم عند الناس والوجاهة العظيمة عند الملوك والأمراء،
مات بدهلي في أيام مبارك شاه المذكور، ودفن بها قريباً من بجي مندل، كما في أخبار
الأخيار.
القاضي ضياء الدين السمناني
الشيخ العالم القاضي ضياء الدين السمناني الفقيه المعظم بمدينة دهلي، ذكره محمد بن
بطوطة المغربي الرحالة في كتابه وقال: إن السلطان محمد شاه تغلق أمره أن ينتف لحية
الشيخ شهاب الدين الجامي حين(2/168)
أبى قبول العمل كما شرحت قصته في ترجمة شهاب الدين
المذكور، فأبى ذلك ضياء الدين وقال: لا أفعل هذا، فأمر السلطان أن ينتف لحية كل واحد
منهما، فنتفت ونفي ضياء الدين إلى بلاد تلنك، ثم ولاه بعد مدة قضاء ورنكل فمات بها.
الشيخ ضياء الدين النخشبي
الشيخ الفاضل العلامة ضياء الدين النخشبي البدايوني أحد الرجال المعروفين بالفضل
والكمال، أخذ العلم عن الشيخ شهاب الدين الهمروي وتأدب عليه، ثم أخذ الطريقة عن
الشيخ فريد الدين بن عبد العزيز بن حميد الدين الناكوري ولازمه مدة، وكان ذا زهد وتورع
واستقامة، وتبتل إلى الله سبحانه غير ملتفت إلى الدنيا وأسبابها.
وكانت له يد بيضاء في الطب والموسيقى والشعر والإنشاء، له شرح على الدعاء السرياني،
وشرح على قصيدة فاطلبني تجدني وله طوطي نامه كتاب ضخم بالفارسي محتو على
الحكم والنصائح بعبارات مهذبة واستعارات مستعذبة بالنثر والنظم صنفه سنة ثلاثين
وسبعمائة، والكليات والجزئيات كتابه في الصناعة الطبية شرح فيه العقاقير والحشائش
الهندية وسماها بأسماء هندية، وسلك السلوك وجهل ناموس له كتابان في السلوك بالفارسية
في غاية الحلاوة، ومن مصنفاته العشرة المبشرة.
ومن شعره قوله:
نخشبي خيز وبا زمانه بساز ورنه خود را نشانه ساختن است
عاقلان زمانه ميكويند عاقلي با زمانه ساختن است
مات في سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، كما في أخبار الأخيار.
حرف الظاء المعجمة
مولانا ظهير الدين البهكري
الشيخ الفاضل العلامة ظهير الدين البهكري السندي أحد الأفاضل المشار إليهم المعتمد في
الأمور عليهم، لم يكن في زمانه أعلم منه بالنحو واللغة والفقه والأصول، انتفع به خلق كثير
من العلماء كالشيخ شمس الدين محمد بن يحيى الأودي، قرأ عليه الفقه والأصول، ذكره
البرني في تاريخه.
مولانا ظهير الدين الأعرج
الشيخ العالم الكبير ظهير الدين الأعرج الدهلوي أحد الأساتذة المشهورين في عهد السلطان
علاء الدين الخلجي، كان يدرس ويفيد بدار الملك دهلي، ذكره البرني في تاريخه وقال: إنه
كان ممن قربه السلطان المذكور إليه ويدعوه على مائدته، انتهى.
الشيخ ظهير الدين الظفر آبادي
الشيخ الفاضل ظهير الدين بن تاج الدين الحسيني الواسطي الظفر آبادي الشاعر المشهور في
عصره خدم الملوك مدة من الزمان، ثم بايع الشيخ نظام الدين محمد البدايوني رحمه الله تعالى
وأخذ عنه الطريقة، وله ديوان شعر ورموز المعاني، له كتاب مفيد في التصوف.
مات ودفن بدهلي، كما في تجلي نور.
حرف العين المهملة
مولانا عالم بن العلاء الاندربتي
الشيخ الإمام العالم الكبير فريد الدين عالم بن العلاء الحنفي الاندربتي أحد العلماء المبرزين
في الفقه والأصول والعربية.
له الفتاوي التاتارخانية في الفقه المسمى بزاد السفر، صنفه في سنة سبع وسبعين وسبعمائة
للأمير الكبير تاتار خان وسماه باسمه، وكان فيروز شاه يريد أن يسميه باسمه فلم يقبله
لصداقة كانت بينه وبين تاتار خان، كما في كلزار أبرار.
قال الفاضل الجلبي في كشف الظنون: هو كتاب عظيم في مجلدات جمع فيه مسائل المحيط
البرهاني والذخيرة والخانية والظهيرية، وجعل الميم علامة(2/169)
للمحيط وذكر إسم الباقي، وقدم
باباً في ذكر العلم ثم رتب على أبواب الهداية، وذكر أنه أشار إلى جمعه الخان الأعظم تاتار
خان ولم يسمه ولذلك اشتهر به، وقيل إنه سماه زاد المسافر.
ثم إن الإمام إبراهيم بن محمد الحلبي المتوفي سنة ست وخمسين وتسعمائة، لخصه في مجلد،
وانتخب منه ما هو غريب أو كثير الوقوع وليس في الكتب المتداولة، والتزم بتصريح أسماء
الكتب وقال: متى أطلق الخلاصة فالمراد به شرح التهذيب، وأما المشهورة فتقيد بالفتاوي،
انتهى.
وقال في موضع آخر من ذلك الكتاب: زاد المسافر في الفروع وهو المعروف بالفتاوي
التاتارخانية لعالم بن علاء الحنفي المتوفي سنة 286 ست وثمانين ومائتين، انتخبها إبراهيم بن
محمد الحلبي، أوله: الحمد لله رب العالمين، انتهى، وأنت تعلم ما ذكرنا من سنة وفاته لعله
التبس عليه عدد السبع بالاثنين لأنهما متقاربان في الشكل، فالمظنون أنه توفي سنة ست
وثمانين وسبعمائة.
مولانا عبد العزيز الدهلوي
الشيخ الإمام عبد العزيز بن شمس بن بهاء النوري الدهلوي أحد العلماء المبرزين في العلوم
الحكمية.
له مصنفات، منها تاريخ فيروز شاهي، ومنها ترجمة كتاب باراهي سنكهتا لا بتل بهت بن
ماراه مهر وأصل الكتاب كان يشتمل على مائة وأربعة أبواب في سنسكرت فنقله من تلك
اللغة إلى الفارسية بأمر فيروز شاه السلطان، وأسقط منه ثمانية أبواب، لأنها كانت تتعلق
بالنجوم وأحكامها، وترجم منها أحكام الكسوف والخسوف وكائنات الجو وعلامات المطر
وعلم القيافة والفأل وغيرها، أوله: بعد أز ادائي أطيب تحيات وأفضل صلوات بوشيده
نماند، الخ وهذا الكتاب محفوظ في المكتبة الحبيية بقرية بهيكن بور من أعمال على كره.
الشيخ عبد العزيز الأردبيلي
الشيخ العالم الفقيه المحدث عبد العزيز الأردبيلي أحد العلماء المبرزين في الفقه والحديث.
قرأ بدمشق على شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية الحراني، وبرهان الدين ابن البركج،
وجمال الدين المزي، وشمس الدين الذهبي وعلى غيرهم من العلماء، ثم قدم الهند وتقرب
إلى محمد شاه تغلق فأحسن إليه وأكرمه، لقيه محمد بن بطوطة المغربي بمدينة دهلي وذكره
في كتابه، قال: اتفق يوماً أنه سرد على السلطان أحاديث في فضل العباس وابنه رضي الله
عنهما وشيئاً من مآثر الخلفاء أولادهما، فأعجب ذلك السلطان لحبه لبني العباس وقبل
قدمي الفقيه، وأمر أن يؤتى بصينية ذهب فيها ألفا تنكة، فصبها عليه بيده وقال: هي لك
مع الصينية، انتهى.
الشيخ عبد العزيز الدهلوي
الشيخ الصالح عزيز الدين عبد العزيز بن أبي بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن الحسيني
البخاري أحد المشايخ الجشتية، يتصل نسبه بالإمام علي الرضا- عليه وعلى آبائه
السلام-.
ولد ونشأ بمدينة دهلي وتربى في حجر الشيخ نظام الدين محمد البدايوني، وكان والده ابن
أخت الشيخ المذكور.
وله مجموع الفوائد مصنف لطيف في ملفوظات الشيخ، قال الكرماني في سير الأولياء، إن
الشيخ كان يحبه حباً مفرطاً وكان ممن يشار إليه في العلم والعمل، حفظ القرآن وقرأ العلم
على أساتذة عصره، وكلما كان يقرؤه يجتهد أن يعمل به، انتهى.
الشيخ عبد الله بن محمد الدهلوي
الشيخ الفاضل الكبير العلامة عبد الله بن محمد الحسيني الشيخ جمال الدين الدهلوي
المشهور بنقره(2/170)
كار، له العباب شرح اللباب في النحو صنفه سنة خمس وثلاثين وسبعمائة
لمحمد شاه بن غياث الدين تغلق الدهلوي، ونسخة هذا الكتاب موجودة في مكتبة خدا
بخش خان بمدينة عظيم آباد، كما في محبوب الألباب.
ومن مصنفاته شرح تنقيح الأصول لصدر الشريعة عبد الله بن مسعود المحبوبي، وعلى
هذا الشرح حاشية للشيخ زين الدين قاسم بن قطلوبغا الحنفي المتوفي سنة تسع وسبعين
وثمانمائة، ذكره الفاضل الجلبي في كشف الظنون وذكر أنه توفي سنة خمسين وسبعمائة.
القاضي عبد الله البيانوي
الشيخ الفاضل الكبير عبد الله الحنفي البيانوي أحد العلماء المشهورين في عصره، كان
قاضياً بمدينة بيانه يدرس ويفيد بها، أخذ عنه الشيخ دانيال بن الحسن العباسي العلوي
الستركي، وقرأ عليه الكتب الدرسية، وتزوج بابنته، كما تقدم.
مولانا عبد الكريم الشرواني
الشيخ الفاضل العلامة عبد الكريم الحنفي الشرواني أحد العلماء المبرزين في الفقه
والأصول، كان يدرس ويفيد بدهلي إلى أيام غياث الدين تغلق شاه الدهلوي، قرأ عليه
الشيخ نصير الدين محمود بن يحيى الأودي الكتب الدرسية إلى هداية الفقه وأصول
البزدوي.
القاضي عبد المقتدر الكندي
الشيخ الإمام العالم الكبير العلامة عبد المقتدر بن محمود بن سليمان الشريحي الكندي
القاضي منهاج الدين بن القاضي ركن الدين التهانيسري ثم الدهلوي أحد الرجال المشهورين
بالفضل والكمال.
ولد ببلدة تهانيسر، ونشأ بدار الملك دهلي على الخير والصلاح، وأخذ العربية وسمع
الكثير وبرع في الأدب والإنشاء وقرض الشعر، ولازم الشيخ شمس الدين محمد بن يحيى
الأودي وقرأ عليه الكتب الدرسية، وقرأ الكشاف والبزدوي على الشيخ نصير الدين
محمود بن يحيى الأودي وكان يتردد في أيام تحصيله إلى الشيخ نصير الدين محمود المذكور
ويذكر المطالب العلمية عنده، فكان يستحسن أبحاثه ويحثه على تشمير الذيل في تحصيل
العلوم المتعارفة ويحبه، ثم لما فرغ القاضي عن البحث والإشتغال أخذ الطريقة عن الشيخ
المذكور وقضى أيامه في الدرس والإفادة.
أخذ عنه القاضي شهاب الدين الدولت آبادي وحفيده أبو الفتح بن عبد الحي بن عبد
المقتدر الكندي وخلق آخرون:
ومن شعره قوله في مدح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يا سائق الظعن في الأسحار والأصل سلم على دار سلمى وأبك ثم سل
عن الظباء التي من دابها أبداً صيد الأسود بحسن الدل والنجل
وعن ملوك كرام قد مضوا قدداً حتى يجيبك عنهم شاهد الطلل
أضحت إذا بعدت عنها كواعبها أطلالها مثل أجفان بلا مقل
فدى فؤادي أعرابية سكنت بيتاً من القلب معموراً بلا حول
بخيلة بوصال المستهام بها والجود في الخود مثل البخل في الرجل
كأنها ظبية لكن بينهما فرقاً جلياً بعظم الساق والكفل
خيالها عند من يهوي زيارتها أحلى من الأمن عند الخائف الوجل(2/171)
كيف السبيل إليها بعد أن حفظت بالبيض والسمر في أعلى ذرى الجبل
طرقتها فجأة والليل في جدل والذئب في كسل والقول في شغل
قالت لك الويل هلا خفت من أسد له براثن كالعسالة الذبل
فقلت إني مليك صيده أسد وصيد غيري من ظبي ومن وعل
قالت فما تبتغي لا منع قلت لها كلا فإني عفيف القول والعمل
وإنني رجل من معشر سحبوا ذيل التبتل والتقوى على زحل
لا يطمعون ولكن كان ديدنهم إعطاء ما ملكوا كالعارض الهطل
أسد إذا سخطوا أفنوا عدوهم قوم إذا فرحوا أعطوا بلا ملل
ما قال قائلهم يوماً لواحدهم لو كنت من مازن لم تستبح إبلي
يا طالب الجاه في الدنيا تكون غداً على شفا حفرة النيران والشعل
يا طالب العز في العقبى بلا عمل هل تنفعك فيها كثرة الأمل
يا أيها الطفل أنت الطفل في أمل وشمس عمرك قد مالت إلى الطفل
يا من تطاول في البنيان معتمداً على القصور وخفض العيش والطول
لأنت في غفلة والموت في أثر يعدو وفي يده مستحكم الطول
اقنع من العيش بالأدنى وكن ملكاً إن القناعة كنز عنك لم يزل
ثم اغتنم فرصة من قبل أن ضعفت قواك من سطوة الأمراض والعلل
ولا تكن لمزيد الرزق مضطرباً واقنع بما قسم القسام في الأزل
لا تغترر أنت في الدنيا فإن بها من عز بر فكن منها على وهل
أكالة أكلت كالهر ما ولدت حيالة قتلت من جاء بالحيل
ولا مناص من الله العزيز وإن فررت منه إلى الداماء والقلل
يا أيها الناس إن العمر في سفر وإن أوقاتكم والله كالظلل
إن المنايا بلا شك لآتية وأنتم في المنى والمين والكسل
لله در فقير مالك أبداً وذي خصاص بفضل الله مكتفل
ولم يكن فخره إلا بعزة من أعيى الأعاجم والأعراب بالدول
محمد خير خلق الله قاطبة هو الذي جل عن مثل وعن مثل
له المزايا بلا نقص ولا شبه له العطايا بلا من ولا بدل
له المكارم أبهى من نجوم دجى له العزائم أمضى من قنا البطل
له الفضائل أجدى من عصا كسرت له الشمائل أحلى من جني العسل
له الجمال إذا ما الشمس قد نظرت إليه قالت ألا يا ليت ذلك لي
النصر قادمه والفتح خادمه كلاهما عن حماه غير مرتحل
يا أعظم الناس من حاج ومعتمر وأكرم الخلق من حاف ومنتعل
أتيتنا بكتاب جل منفعة وجئتنا بسبيل ناسخ السبل(2/172)
بعثت بالملة البيضاء راسخة عفا بها سائر الأديان والملل
أفحمت كل بليغ بالكتاب كما جادلت بالسيف أهل الجد والجدل
أضحى طلوعك بالشمس الضحى أبداً وقد غنيت عن الميزان والحمل
أم التمني إذا جاءتك سائلة أرجعتها وهي في عقر مع الحمل
نداك أكثره لا ينتهي أبداً لكن أدناه أدنى من ندى السبل
وعرف طيبك للكفار ضائرة مسيرة الشهر مثل الورد للجعل
لصحبك الغر باق فضلهم أبداً وفضل أمتك الزهراء لم يزل
وأهل بيتك فينا رحمة نزلت أهل الطهارة عن رجس وعن وحل
يا سيد المرسلين المكرمين أدم شفاعة لعبيد ضارع وجل
توفي لأربع بقين من محرم سنة إحدى وتسعين وسبعمائة وله ثمان وثمانون سنة، كما في
أخبار الأخيار وغيره.
الشيخ عثمان بن داود الملتاني
الشيخ الصالح المعمر حسام الدين عثمان بن داود العمري الملتاني أحد المشايخ الجشتية،
أخذ الطريقة عن الشيخ نظام الدين محمد البدايوني ولازمه مدة من الزمان، ثم سافر إلى
الحرمين الشريفين فحج وزار، ورجع إلى الهند فدخل مدينة دهلي في حياة شيخه،
وصادف قومه يوم الجمعة فدخل الجامع الكبير للصلاة، وفيه أدرك شيخه نظام الدين
المذكور فتلقاه بالبشر والبشاشة وقال له: إن من سعد بالحج فله أن يستأنف النية لزيارة
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسافر في وقته وساعته ورحل إلى المدينة المنورة وزار النبي
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم رجع إلى دهلي، ولما سير محمد شاه تغلق الناس إلى دولت آباد
رحل إلى كجرات وسكن بها.
وكان عالماً كبيراً بارعاً في الفقه والأصول والتصوف، كان يحفظ الهداية في الفقه والبزدوي
في الأصول وقوت القلوب للمكي والإحياء للغزالي في السلوك والتصوف، وكان من العشرة
المجازين للإرشاد الذين استخلفهم الشيخ نظام الدين سنة أربع وعشرين وسبعمائة، كما في
سير الأولياء.
وتوفي لثمان خلون من ذي القعدة سنة ست وثلاثين وسبعمائة بكجرات فدفن بها، كما في
البحر الزخار.
الشيخ سراج الدين عثمان الأودي
الشيخ العارف الكبير سراج الدين عثمان الجشتي الأودي أحد الأولياء السالكين
المرتاضين، دخل دهلي في شبابه وأدرك الشيخ نظام الدين محمداً البدايوني.
وكان حسن الصورة والسيرة ولكنه كان عارياً عن حلية الفضائل العلمية، فتأسف الشيخ
على ذلك تأسفاً شديداً وقال: إن الشيخ الجاهل يكون لعبة للشيطان، فعزم مولانا فخر
الدين الزرادي على تعليمه، وصنف له مختصراً في التصريف سماه العثمانية باسمه، ولم يزل
يجد في تعليمه ما دام في غياث بور، ثم لازم الشيخ ركن الدين الاندربتي وقرأ عليه الكافية
لابن الحاجب والمفصل في النحو والقدوري ومجمع البحرين في الفقه، واشتغل بالعلم ثلاث
سنين بعد وفاة الشيخ نظام الدين المذكور حتى برع في العلم وتأهل للفتوى والتدريس.
ثم سافر إلى بنكاله ولقد أبلغه الله تعالى من الولاية منزلة لا يرام فوقها، وهدى به ثم
بأصحابه من بعده خلقاً لا يحصيهم إلا من أحصى رمل عالج عدداً، فلا ترى ناحية من
نواحي الهند إلا وقد نمت طريقته وجرى على ألسنة أهلها ذكره، إليه ينتمون وبه يتبركون.
مات في سنة ثمان وخمسين وسبعمائة.
القاضي فخر الدين عثمان المليباري
الشيخ الفاضل الكبير فخر الدين عثمان المليباري أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول،
كان قاضياً بقالقوط كاليكوت لقيه محمد بن بطوطة بها وذكره في كتابه.(2/173)
الشيخ عثمان بن منهاج السنامي
الشيخ الصالح عثمان بن منهاج السنامي الشيخ وجيه الدين بن القاضي حميد الدين كان
من كبار المشايخ في عصره.
ولد ونشأ ببلدة سنام وسافر إلى دهلي لطلب الرزق، فأدرك بها الشيخ ركن الدين أبا الفتح
الملتاني فلازمه وأخذ عنه وسافر معه إلى ملتان، وحفظ القرآن الكريم وقرأ العلم على
أساتذة عصره، ثم قرأ العوارف على الشيخ ركن الدين المذكور، وسافر إلى الحرمين
الشريفين فحج وزار وأقام بالحجاز ثلاث سنين، ثم رجع إلى ملتان فاستخلفه الشيخ
ورخصه إلى دهلي وأوصاه بملازمة الشيخ نظام الدين محمد بن أحمد البدايوني، فاستفاضه
وصار صاحب وجد وحالة، كان يستمع الغناء، كما في الطبقات الحسامية.
مات سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، كما في خزينة الأصفياء.
الشيخ عز الدين الزبيري
الشيخ العالم الفقيه عز الدين الزبيري أحد العلماء البارعين في الفقه والأصول، لقيه محمد بن
بطوطة المغربي في مدينة جنديري، كان عند الأمير عز الدين البتاني وكان يعظمه تعظيماً
بالغاً.
الأمير عز الدين البتاني
الأمير الكبير عز الدين البتاني المدعو بأعظم ملك كان أمير الأمراء ببلاد مالوه، يسكن
ببلدة جنديري، أدركه محمد بن بطوطة المغربي بها، وذكره في كتابه وقال: إنه كان خيراً
فاضلاً يجالسه أهل العلم، وممن كان يجالسه الفقيه عز الدين الزبيري والفقيه وجيه الدين
البيانوي والفقيه القاضي خاصة وإمامهم شمس الدين، وكان لا يظهر إلا في يوم الجمعة وفي
غيرها نادراً، انتهى.
الشيخ عزيز الدين الدهلوي
الشيخ الصالح عزيز الدين الصوفي الدهلوي كان ابن بنت الشيخ فريد الدين مسعود
الأجودهني، قرأ العلم على القاضي محي الدين الكاشاني، وتربى في حجر الشيخ نظام الدين
محمد البدايوني وأخذ عنه الطريقة، له تحفة الأبرار وكرامة الأخيار مصنف لطيف في
ملفوظات الشيخ نظام الدين المذكور، كما في سير الأولياء، وكانت وفاته في سنة إحدى
وأربعين وسبعمائة بدهلي، كما في خزينة الأصفياء.
مولانا عضد الدين الدهلوي
الشيخ الفاضل العلامة عضد الدين الدهلوي أحد العلماء المبرزين في المنطق والحكمة، قرأ
عليه محمد شاه تغلق وأعطاه أربعة آلاف ألف تنكة يوم ولي الملك، كما في تاريخ فرشته.
مولانا عفيف الدين الكاشاني
الشيخ العالم الفقيه عفيف الدين الكاشاني أحد الرجال المعروفين بالفضل والصلاح، كان
يدرس ويفيد بدهلي، قتله محمد شاه تغلق بقصة شرحها محمد ابن بطوطة المغربي في
كتابه، قال: كان السلطان في سني القحط قد أمر بحفر آبار خارج دار الملك وأن يزرع
هنالك زرع، وأعطى الناس البذر وما يلزم للزراعة من النفقة، وكلفهم زرع ذلك للمخزن،
فبلغ ذلك عفيف الدين فقال: هذا الزرع لا يحصل المراد منه، فوشى به إلى السلطان
فسجنه وقال: لأي شيء تدخل نفسك في أمور الملك؟ ثم إنه سرحه بعد مدة فذهب إلى
داره ولقيه في طريقة إليها صاحبان له من الفقهاء فقال له: الحمد لله على خلاصك، فقال
الفقيه: الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين، وتفرقوا فلم يصلوا إلى دورهم حتى بلغ
السلطان ذلك، فأمر بهم فأحضر الثلاثة بين يديه، فقال: اذهبوا بهذا، يعني عفيف الدين،
واضربوا عنقه حمائل، وهو أن يقطع الرأس مع الذراع وبعض الصدر، واضربوا أعناق
الآخرين، فقال له: أما هو فيستحق العذاب لقوله، وأما نحن فبأي جريمة تقتلنا؟ فقال
لهما: إنكما سمعتما كلامه فلم تنكراه فكأنكما وافقتما عليه، فقتلوا جميعاً، انتهى.
الشيخ علاء الدين الألندي
الشيخ الصالح الفقيه علاء الدين الحنفي الألندي أحد الرجال المعروفين بالزهد والصلاح،
قرأ العلم(2/174)
على الشيخ معين الدين العمراني، وأخذ الطريقة عن الشيخ نصير الدين محمود
الأودي ولبس الخرقة منه، ثم سافر إلى أرض دكن مع الشيخ محمد بن يوسف الحسيني
الدهلوي ولازمه مدة من الزمان وأخذ عنه، وسكن بقرية ألند- بفتح الهمزة واللام وسكون
النون- قرية من أعمال كلبركه.
أخذ عنه الشيخ سعيد الكهنائي المتوفي في تاسع رجب سنة إحدى وسبعين وسبعمائة.
وكانت وفاة الشيخ علاء الدين في تاسع ربيع الثاني سنة سبع وسبعين وسبعمائة بقرية ألند
وعلى قبره أبنية بناها الملوك، كما في الشجرة الطيبة.
الشيخ علاء الدين الأودي
الشيخ الفاضل العلامة علاء الدين الأودي المشهور بالنيلي كان من كبار المشايخ، قرأ العلم
على شيخ الاسلام فريد الدين الشافعي الأودي وعلى غيره من العلماء وبرع في العلم وتأهل
للفتوى والتدريس، ثم أخذ الطريقة عن الشيخ نظام الدين البدايوني الدهلوي، وسكن بدهلي
عاكفاً على الدرس والافادة.
وكان ذا زهد واستقامة وتورع وإقبال على الطاعة والافادة والتدريس حسبة لله سبحانه،
مخلصاً له في دينه ودنياه، وكان لا يأخذ البيعة من أحد ويقول: لو كان الشيخ حياً لرددت
عليه الخلافة وقلت: إني لا أستطيع أن أحمل تلك الأمانة، وكان مع ذلك يحب أن يقتفي أثر
الشيخ في الزهد والورع والعزيمة، وكان يشتغل بمطالعة فوائد الفؤاد ويستحسنه جداً، كما في
سير الأولياء.
وهو ممن أدركه الشيخ محمد بن بطوطة المغربي وذكره في كتابه.
قال ابن بطوطة: هو يعظ الناس في كل يوم جمعة، فيتوب كثير منهم بين يديه ويحلقون
رؤوسهم ويتواجدون ويغشى على بعضهم، شاهدته وهو يعظ فقرأ القاري بين يديه يا أيها
الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت
وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله
شديد، ثم كررها الفقيه علاء الدين، فصاح أحد الفقراء من ناحية المسجد صيحة
عظيمة، فأعاد الشيخ الآية فصاح الفقير ثانية ووقع ميتاً، وكنت في من صلى عليه وحضر
جنازته، انتهى.
وكانت وفاة علاء الدين سنة اثنتين وستين وسبعمائة، كما في خزينة الأصفياء.
الأمير علاء الدين البرني
الأمير الكبير علاء الدين علاء الملك بن بار بيك برلاس البرني كان من الرجال المعروفين
بالحزم والدهاء والسياسة وأنواع الفضائل، وهو عم القاضي ضياء الدين البرني صاحب
فيروز شاهي.
ولاه السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي على مدينة كره وما والاها من البلاد في سنة
ست وتسعين وستمائة، ثم استقدمه إلى دار الملك وجعله الشحنة بمدينة دهلي- وتلك
الخطة كانت جليلية في ذلك العصر، لا يولي عليها إلا من يثق به السلطان، لأنه يكون
حارساً له ولخزائنه وأهله- ولقبه علاء الملك.
وكان رجلاً معروفاً بالعلم والدهاء، كثير المعروف، عميم الاحسان، صاحب عقل
وسكينة ودين، يحكى أن السلطان علاء الدين لما فتح الفتوحات العظيمة فقد الصواب
والاتزان فألقى على أصحابه مسألتين: إحداهما أن يضع شرعاً جديداً للناس كما شرع
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليبقى اسمه إلى يوم القيامة، وثانيتهما أنه يريد أن ينيب عنه
واحداً من خواصه بدار الملك ويخرج إلى نواحي الأرض ويملك البلاد كما ملك إسكندر
بن فيلقوس المقدوني، وكان يلقي هاتين المسألتين على أصحابه فكانوا يهابونه ولا يجيبونه
بالصدق، حتى أنه ذكر مرة كأنه يخاطب علاء الملك ويسأله، فأطرق رأسه ملياً وفكر في
نفسه وقال لنفسه: إني بلغت الكبر وليس بيني وبين الموت إلا قيد شبر فلا ينبغي أن أهابه
في ذلك، فإن غضب علي فلعلي أنال درجة الشهادة وهذا فوز عظيم.
زديم بر صف رندان وهر جه بادا باد
فتقدم إليه وقال إن لم يسعني إلا الجواب فينبغي أن تأمر أن ترفع الكؤوس ويخلي المجلس،
فأمر به وقام الناس، فتقدم وقبل الأرض بين يديه وقال: كبر(2/175)
سني في نعمة الملك واعتراني
الضعف والهرم، فإن أصبت في الجواب فذلك من الله سبحانه، وإن أخطأت فيه تعذرني
لكبر سني واختلال حواسي، ثم قال: إن الشريعة تتعلق بالأنبياء والنبوة بالوحي، والدين قد
أكمل على نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبه ختم النبيون، فلا يمكن بعده وضع شريعة
جديدة، فلا ينبغي لك أن تتفوه بهذا بعد ذلك، فإن الناس إن يسمعوها يتنفروا عنك ويولد
الفتن ويكثر الفتك في الناس، وأما المسألة الثانية فهي تدل على ميل السلطان إلى أعالي
الأمور وينبغي لمثل السلطان ان يجعلها مقصده، ولكن ينبغي للسلطان أن يتفكر ساعة في
هذا الأمر، ولست أدري من ينوب عنك في غيبتك من أرض الهند، ويوفي بعهده إذا أراد
السلطان أن يرجع إلى دار الملك ولا ينقض عهده ولا يغدر، ومن ينوب عنك كما ناب
أرسطاطاليس عن الاسكندر إلى اثنتين وثلاثين سنة أيام غيبته عن دار الملك، فقال علاء
الدين: وماذا أفعل بعد ذلك؟ فقال علاء الملك: إن الأهم لك أمران: الأول تسخير البلاد
الجنوبية من وجابور وجنديري إلى البحر المحيط والبلاد الشمالية إلى لمغان وكابل فإن تلك
البلاد ملجأ للمفسدين وقطاع السبل، فإن ملكتها تظل الهند آمنة مطمئنة، والثاني سد
الثغور في سبيل التتر، فإنهم يطمعون في الهند ويأتون إليها كلما وجدوا فرصة انتهزوها
ويفتكون وينهبون، فإن تيسر ذلك فيمكن للسلطان أن يبعث عساكره إلى بلاد أخرى، وإني
أظن أن ذلك يتيسر إن تركت الخمر والتصيد والتفرج الدائم والانهماك في اللذات، فاستمع
ذلك علاء الدين سماع القبول، واستحسن رأيه وأحسن إلى علاء الملك، ذكره البرني في
تاريخه.
الشيخ علاء الدين السنديلوي
الشيخ الصالح الفقيه علاء الدين الحسيني السنديلوي أحد الأولياء السالكين المرتاضين
بأرض أوده، أخذ الطريقة عن الشيخ نصير الدين محمود الأودي وصحبه مدة طويلة بدهلي
ونال حظاً وافراً من العلم والمعرفة، فاستخلفه الشيخ ورخصه إلى سنديلة- بفتح السين
المهملة- بلدة من أعمال أوده، فسكن بها.
وكان قانعاً عفيفاً ديناً متوكلاً، تذكر له كشوف وكرامات، مات بسنديلة ودفن بها، كما في
البحر الزخار.
الشيخ علاء الدين الملتاني
الشيخ الصالح علاء الدين الملتاني أحد العلماء المبرزين في المعارف الإلهية، أخذ عن
الشيخ صدر الدين محمد العارف الملتاني ولازمه مدة من الزمان، وكان عالماً كبيراً زاهداً
تقياً، مات سنة أربعين وسبعمائة، كما في خزينة الأصفياء.
الشيخ علاء الدين الكنتوري
الشيخ الكبير علاء الدين بن أعز الدين بن شرف الدين الحسيني الموسوي الكنتوري، كان
من الرجال المعروفين في الدعوة والتكسير والعلوم الغريبة، استقدمه محمد شاه تغلق إلى دار
الملك وكلفه بالاقامة لديه، فأبى وترك ولديه أعز الدين وجمال الدين عنده ورجع إلى كنتور،
وقتل محمد شاه المذكور ولده أعز الدين في حياته، وأقام جمال الدين بدهلي زماناً، وأخذ
الطريقة عن الشيخ نصير الدين محمود بن يحيى الأودي، ثم رجع إلى كنتور وتولى المشيخة
بها مقام والده، كما في مهر جهانتاب.
مولانا علاء الدين الدهلوي
صدر الشريعة علاء الدين الحنفي الدهلوي الفاضل الكبير العلامة كان يدرس ويفيد بدار
الملك دهلي في عهد السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي، ذكره البرني في تاريخه.
مولانا علاء الدين التاجر
الشيخ الفاضل علاء الدين التاجر الدهلوي أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول
والعربية، كان يدرس(2/176)
ويفيد بدهلي في أيام علاء الدين الخلجي، ذكره البرني في تاريخه.
مولانا علاء الدين كرك
الشيخ الفاضل العلامة علاء الدين كرك كان يدرس ويفيد بدهلي في عهد علاء الدين
الخلجي، ذكره البرني في كتابه.
مولانا علاء الدين اللاهوري
الشيخ الفاضل علاء الدين اللاهوري أحد الأساتذة المشهورين بدهلي في عهد السلطان
علاء الدين الخلجي، ذكره البرني في كتابه.
مولانا علاء الدين المقرئ
الشيخ الفاضل علاء الدين المقرئ الدهلوي أحد العلماء المبرزين في القراءة والتجويد، كان
يدرس ويفيد بدهلي في عهد السلطان علاء الدين الخلجي، ذكره البرني.
مولانا علاء الدين الاندربتي
الشيخ الفاضل الكبير علاء الدين الاندربتي أحد العلماء المشهورين في عصره، كان يدرس
ويفيد، أخذ عنه خلق كثيرون- كما في سير الأولياء.
مولانا علم الدين الشيرازي
الشيخ الفاضل الكبير العلامة علم الدين الحكيم الشيرازي أحد العلماء المبرزين في العلوم
الحكمية، له اليد الطولى في الصناعة الطبية، كان يدرس ويفيد بدهلي في أيام علاء الدين
محمد شاه الخلجي، ذكره البرني في تاريخه ولكنه لم ينسبه إلى شيراز بل أهمل ذلك، وإني
رأيت في تاريخ فرشته أن علم الدين كان شيرازياً وعاش بعد الخلجي مدة من الزمان، جعله
ممد شاه تغلق نديماً له، وكان يقربه إليه ويذاكره في العلوم.
مولانا عليم الدين التبريزي
الشيخ الفاضل عليم الدين الحكيم التبريزي كان من الأطباء الحاذقين ببلدة كلبركه من
أرض دكن في عهد السلطان علاء الدين حسن البهمني، وكان يدرس ويتطبب، كما في تاريخ
فرشته.
الشيخ علي بن الحميد الناكوري
الشيخ العالم الكبير علي بن الحميد بن أحمد السعيدي السورتي الشيخ عبد العزيز بن
حميد الدين الناكوري أحد كبار مشايخ الطريقة الجشتية، أخذ عن أبيه ولازمه مدة من
الدهر وبلغ رتبة الكمال، فأجازه والده في الدعوة والإرشاد وأجازه في الحديث، ولما توفي
والده جلس على مشيخة الإرشاد، أخذ عنه ولده فريد الدين محمود، فأجازه في الحديث
سنة خمس وعشرين وسبعمائة، فما في خزينة الأصفياء أنه توفي سنة إحدى وثمانين
وستمائة مما لا يعتمد عليه.
الشيخ علي الحيدري
الشيخ الفاضل علي الحيدري أحد القادمين إلى بلاد الهند، دخل كجرات وسكن بمدينة
كهنباية، ولازم أحد أحبار الوثنيين وأخذ عنه علوم أهل الهند وتعلم لغتهم، وصحبه مدة
من الزمان وأظهر له حقية الاسلام، فمن الله سبحانه عليه بالملة الحنيفية البيضاء، وأسلم
بسببه خلق كثير من أهل كجرات ممن كانوا يعرفون فضله وكماله، ولما كان علي شيعياً
تشيع الناس، ويسمون بواهير، ثم لما قام بالملك مظفر شاه الكجراتي الأول أمر العلماء أن
يهدوهم إلى طريق أهل السنة، فهدي بهم جمعاً كثيراً منهم، فصاروا فرقتين فرقة منهم أهل
السنة، وفرقة منهم الشيعة.
وقد ذكره محمد بن بطوطة المغربي في كتابه وقال: إنه كان عظيم القدر شهير الذكر بعيد
الصيت يسكن بمدينة كهنباية على ساحل البحر، وينذر له التجار بالبحر النذور الكثيرة،
وإذا قدموا بدؤا بالسلام عليه، وكان يكاشف بأحوالهم، وربما نذر أحدهم النذر وندم
عليه، فإذا أتى الشيخ للسلام عليه أعلمه بما نذر له وأمر بالوفاء به، واتفق له ذلك مرات
واشتهر به، فلما خرج القاضي جلال الدين الأفغاني وقبيلته بمدينة كهنباية على محمد شاه
تغلق بلغ السلطان أن الحيدري دعا للقاضي جلال وأعطاه شاشيته من رأسه، وذكر أيضاً
أنه بايعه، فلما خرج السلطان إليهم بنفسه وانهزم القاضي خلف السلطان شرف الملك أمير
بخت بكهنباية وأمره بالبحث عن أهل الخلاف وجعل معه فقهاء يحكم بقولهم، فأحضر
الشيخ علي الحيدري بين يديه(2/177)
وثبت أنه أعطى للقائم شاشيته ودعا له فحكموا بقتله، فلما
ضربه السياف لم يعمل فيه السيف وعجب الناس لذلك وظنوا أنه يعفى عنه بسبب ذلك،
فأمر سيافاً آخر بضرب عنقه فضربه، انتهى.
الشيخ علي بن الشهاب الهمذاني
الشيخ العالم الكبير الرحالة علي بن الشهاب بن محمد بن علي الحسيني الهمذاني، كان من
نسل إسماعيل بن علي بن محمد بن علي بن الحسين السبط عليه وعلى جده السلام.
ولد في الثاني عشر من شهر رجب سنة أربع عشرة وسبعمائة، وقرأ العلم على الشيخ
نجم الدين أبي الميامن محمد بن أحمد الموفق الأذكاني وأخذ الحديث عنه، وأخذ الطريقة
عن الشيخ شرف الدين محمد بن عبد الله المزوقالي والشيخ تقي الدين علي الدوسي،
كلاهما عن الشيخ ركن الدين أحمد بن محمد المعروف بعلاء الدولة السمناني، وقيل إنه
أخذ عن والده أيضاً، ثم إنه خرج للسياحة فسار في الأمصار وأدرك المشايخ الكبار
واستفاد منهم، يبلغ عددهم إلى أربعمائة وألف من رجال العلم والمعرفة، فلما عاد إلى
خراسان وقع الخلاف بينه وبين الأمير تيمور كور كان في معنى الحكمة، فقدم كشمير في
سنة ثلاث وسبعين- وقيل: ثمانين- وسبعمائة مع سبعمائة من أصحابه، فأسلم على يده
غالب أهلها.
وله مصنفات كثيرة ممتعة نذكر منها ما طالعته بعون الله وتوفيقه، فمنها ذخيرة الملوك
بالفارسية كتاب مفيد في بابه في مجلد، أوله: حمد بسيار وثناي بي شمار، الخ، وهو مرتب
على عشرة أبواب: الأول في شرائط الإيمان وأحكامه، والثاني في حقوق العبودية، والثالث
في مكارم الأخلاق ووجوب الاقتداء بسيرة الخلفاء الراشدين، والرابع في حقوق الوالدين
والزوجين والأولاد والعبيد والأقارب والأصدقاء، والخامس في أحكام السلطة والولاية
والأمان وحقوق الرعايا ووجوب العدل والإحسان، والسادس في شرح السلطة المعنوية
وأسرار الخلافة الإنسانية، والسابع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والثامن في تحقيق
الشكر وذكر أصنافه، والتاسع في الصبر على المكاره، والعاشر في ذم الكبر والغضب وغير
ذلك.
ومنها شرح فصوص الحكم لإبن عربي بالفارسية، أوله: حمد بي غايت آن فاطر حكيم،
الخ، ومنها مشارب الأذواق شرح على الميمية لابن الفارض، وهو أيضاً بالفارسية، أوله:
حمد عم وثنا ي اتم مر حضرت ودودي را، الخ، ومنها مرآة التائبين في التوبة، أوله: حمد
وثنا يى نامتناهي حضرت حكيم را، الخ، ومنها الرسالة الذكرية نحو كراسين، أولها: حمد
وسباس مر بروردكاري را، الخ، ومنها منهاج العارفين في وريقات، أوله: حمد بي حد وثنا
يى بي عد مر آفريدكاري را، الخ، ومنها الرسالة الذكرية بالعربية، أولها: الحمد لله وسلام
على عباده الذين اصطفى، الخ، ومنها المنامية في الرؤيا بالفارسية، أولها: الحمد لله حق
حمده، الخ، ومنها الهمذانية في تحقيق لفظ همذان بالفارسية، أولها: شاه راه شريعت
محمدي، الخ، ومنها الوجودية في تحقيق الوجود بالفارسية، أولها: الحمد لله وسلام على
عباده الذين اصطفى، الخ، ومنها التلقينية بالفارسية، أولها: الحمد لله الذي لقنني دقائق
العرفان، الخ، ومنها المشية أولها: تانقاشان كاركه قضا، الخ، ومنها مشكل حل، أولها: أي
مشكل حل وحل مشكل، الخ، وهي في تحقيق ذلك الكلام، ومنها الأورادية، مرتبة على
ثلاثة أبواب: الأول في فضل الأوراد، والثاني في الحاجة إليها، والثالث في توزيع الأوقات على
وظائفها، أولها: الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً،
الخ، ومنها المكتوبات الأميرية وفيها رسائله إلى أصحابه، ومنها النورية في أحسن الطرق
وأخصرها، ومنها ده قاعده في الطريقة، ومنها الفقيرية الأميرية أولها: الحمد لله حق حمده،
الخ، ومنها رسالة في الطب، أولها: آفتاب عنايت أز فلك درايت وبرج هدايت، الخ، ومنها
منازل السالكين بالعربية في المنازل العشرة، أولها: الحمد لله الذي أفاض جوده الجؤود على
كل موجود، ومنها رسالة في آداب المشيخة مرتبة على سبعة أبواب، ومنها رسالة في
مقامات الصوفية وأحوالهم ودرجاتهم ومعنى الفقر وما يتعلق به، ومنها رسالة في مقامات
السالكين، ومنها(2/178)
رسالة في مناقب أهل البيت، ومنها الأربيعينية في أربعين حديثاً رواها
عن شيخه نجم الدين محمد بن أحمد الموفق الأذكاني بسنده إلى أنس بن مالك رضي الله
عنه، ومنها رسالة في آيات الأحكام من القرآن الكريم، ومنها رسالة سير الطالبين، وهو
كتاب جمع فيه بعض أصحابه ما كتب في مواضع شتى من الفوائد الأنيقة، ومنها رسالة
أخلاقية ومنها كشف الحقائق رسالة له جمعها محمد بن محمد الخوصي، ومنها الرسالة
الفتوتية قال: وذلك مما أوصيت به الأخ في الله المحسن الموفق السعيد أخي الشيخ حاجي
بن المرحوم طوطي عليشاهي الختلاني، أصلح الله شأنه في الدارين وألبسه لباس الفتوة
الذي هو جزء الخرقة المباركة كما لبست من شيخي نجم الدين أبي الميامن محمد بن أحمد
الأذكاني، انتهى، ومنها جهل أسرار وفيه ثمان وثمانون منظومة، ومنها الاختيارات جمع فيها
الأبيات الرائقة في الحقائق والمعارف، ومنها السبعين، رسالة جمع فيها سبعين حديثاً في
فضائل أهل البيت وأكثر أحاديثها مأخوذة من الفردوس وأحاديثها غير مقبولة عند
المحدثين، وعلى تلك الرسالة تخريج للشيخ فتح محمد بن محمد عيسى البرهانبوري، ومنها
معاش السالكين أوله: الحمد لله على نعمائه، الخ، ومنها معرفة النفس رسالة له أولها: شكر
وثناي آن خداي را، الخ، ومنها إنسان نامه، في القيافة، أولها: حمد وسباس وثناي بي
قياس، ومنها الواردات، بالفارسية، أولها: رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري، الخ، ومنها
الرسالة الذكرية الصغرى بالعربية في فضل الذكر وخواصه وحقائقه، ومنها الرسالة الغيبية
أولها: سلام الله تعالى على فلان ورحمة الله وبركاته، ومنها شرح أسماء الله الحسنى
بالعربية، أولها: اللهم افتح باب الدخول في شواكل الأسماء، الخ، ومنها الرسالة الخواطرية
بالعربية، أولها: والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، الخ، ومنها الخطبة الأميرية، بالعربية،
ومنها المناجاة الأميرية، بالفارسية.
وكانت وفاته بتيراه من أرض ياغستان حين خرج من كشمير ووصل إليها، فنقلوا جسده
إلى ختلان من أعمال بدخشان ودفنوه بها، وكان ذلك في سنة ست وثمانين وسبعمائة، كما
في مهر جهانتاب.
الشيخ علي بن أحمد الغوري
الشيخ الصالح علي بن أحمد الغوري أحد الرجال المعروفين بالفضل والصلاح، أخذ الطريقة
عن الشيخ ركن الدين أبي الفتح الملتاني، وكان يسكن بمدينة كره، له كنز العباد في شرح
الأوراد كتاب بسيط في شرح أوراد الشيخ شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي، وتلك
النسخة موجودة في مكتبة المرحوم خدا بخش خان بمدينة عظيم آباد، كما في محبوب
الألباب.
الشيخ علي بن محمد الجيوري
السيد الشريف العلامة علي بن محمد بن علي بن أحمد بن أبي بكر بن أحمد ابن محمد
بن الحسين الشيخ علاء الدين الحسيني الجيوري كان من الأولياء السالكين المرتاضين.
ولد ونشأ بأرض الهند، وقرأ العلم على الشيخ حميد الدين مخلص بن عبد الله الدهلوي
ولازمه مدة من الزمان، وكان حميد الدين يحبه حباً مفرطاً ويحترمه ويشتغل بتعليمه وتربيته
أكثر مما كان يشتغل بغيه، كما في مناقب السادات للدولت آبادي، ثم إنه سافر إلى العراق
وأدرك المشايخ الكبار وأخذ الطريقة عن الشيخ شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي بلا
واسطة وغيره، كما في جامع العلوم وقيل: إنه أخذ عن الشيخ قوام الدين محمود بن محمد
الدهلوي عن والده شيخ الاسلام قطب الدين محمد الكروي، كما في تذكرة السادات وقيل:
إنه أخذ عن الشيخ قطب الدين محمد المذكور بلا واسطة ولده، كما في منبع الأنساب
والصواب أنه أخذ عن الشيخ قوام الدين محمود بن محمد الدهلوي، وأخذ عنه الشيخ
شمس الدين خواجكي العريضي الملتاني ثم الكروي، والشيخ محمد بن نظام الدين
البهرائجي، والشيخ عين الدين البيجابوري، والشيخ ركن الدين محمد الجنيدي، وخلق كثير
من العلماء والمشايخ، وأما جيور فإنه بكسر الجيم وسكون التحتية وفتح الواو قرية مشهورة
من أعمال بلند شهر وقد أخطأ فيه كثير من الناس(2/179)
فمنهم من صحفه بجيبور التي هي
مدينة كبيرة في أرض راجبوتانه، مصرها راجه جي سنكه في أيام محمد شاه الدهلوي،
وأين هذا من ذاك؟ وللشيخ علاء الدين أعقاب صالحة بقرية جيور، لقيت بعضهم، وكان
يدعوه الناس بعلاء الدين شكر برش، مات في الثامن والعشرين من شعبان سنة أربع وثلاثين
وسبعمائة بدولت آبادن فدفن بها، كما في تاريخ الأولياء.
الشيخ علي بن محمد الجهونسوي
الشيخ الصالح علي بن محمد بن محمد بن محمد بن شجاع بن إبراهيم الحسيني البهكري
ثم الجهونسوي المشهور بشعبان الملة، ولد بمدينة بهكر يوم الخميس لخمس بقين من شعبان
سنة ثلاثين وستمائة ونشأ بها، وسافر إلى ملتان وله ثلاثون سنة، أخذ عن الشيخ شمس
الدين الحسيني العريضي والشيخ أبي الفتح ركن الدين الملتاني وصحبهما زماناً، ثم سافر إلى
بهار، ولازم الشيخ منهاج الدين حسن البهاري اثنتي عشرة سنة، وأخذ عنه، والشيخ
منهاج الدين أخذ عن الشيخ نجم الدين إبراهيم وهو عن الشيخ أبي الفتح ركن الدين
المذكور، ولما بلغ رتبة المشيخة أرسله المنهاج إلى شيخبوره، فلبث بها سنتين، ثم أرسله
إلى بياكك إله آباد فسكن بصحراء ما وراء النهر حيث يلتقي ماء جمن وكنك قريباً من
قرية هربونك بور، فأسلم على يده خلق كثير، توفي ثالث ذي الحجة- وقيل: في الثالث عشر
منها- سنة ستين وسبعمائة، كما في منبع الأنساب.
علي بن علي الجهونسوي
الشيخ الصالح علي بن علي بن محمد الحسيني البهكري الشيخ تقي الدين الجهونسوي أحد
كبار المشايخ السهروردية، ولد بجهونسي سنة عشرين وسبعمائة، وأخذ عن أبيه، ولازمه
ملازمة طويلة، ثم سافر إلى البلاد، وأخذ عن الشيخ علاء الدين الحسيني الجيوري ولازمه
زماناً، ثم رجع وتصدر للارشاد، أخذ عنه خلق كثير، توفي يوم الخميس لسبع خلون من
ذي الحجة سنة خمس وثمانين وسبعمائة، كما في منبع الأنساب.
علاء الدين علي بن محمد الدهلوي
السيد الشريف علاء الدين علي بن محمد بن علي بن أسامة بن عدنان بن أسامة الحلي
الدهلوي أحد السادة القادة، كان من نسل السيد الشريف ضياء الدين علي بن أسامة
الحلي المدفون بدهلي، ولد بمدينة دهلي، وأمه زهراء بنت زيد بن أسامة الحلي، ونشأ بها،
وتقرب إلى فيروز شاه الدهلوي، فجعله رسولدار الحاجب، وكانت خدمة جليلة يأتي
السفراء إليه ويعرضون الحوائج بوساطته على السلطان، وضيافتهم من تلقاء السلطان كانت
مفوضة إلى رسولدار، ولذلك اشتهر برسولدار، وبعثه فيروز شاه بعد جلوسه على سرير
الملك إلى خواجه جهان، وبعثه مرة بالسفارة إلى خراسان، كما في الرسالة الزيدية، وله
أعقاب كثيرون في قنوج ونواحيها.
علي بن محمود الدهلوي
الشيخ الفاضل علي بن محمود الدهلوي المشهور بعلي شاه جاندار، كان من كبار الأمراء
بدهلي، أخذته الجذبة الربانية، فترك الدنيا، ولازم الشيخ المجاهد نظام الدين محمد بن أحمد
البدايوني رحمه الله، وأخذ عنه الطريقة.
وكان عالماً كبيراً متفنناً في العلوم، له خلاصة اللطائف كتاب بالعربي في الحقائق والمعارف،
كما في أخبار الأخيار.
مولانا عماد الدين الدهلوي
الشيخ العالم الصالح عماد الدين بن حسام الدين الدهلوي الواعظ الكبير لم يكن له نظير في
التذكير، كان يجمع بين الطريقة والشوق واللطائف والظرائف وبيان الأسرار وكشف الحقائق،
وكان له صوت حسن شجي يأخذ بمجامع القلوب، ذكر ووعظ عشرين سنة بدار الملك
دهلي في عهد السلطان علاء الدين الخلجي، وكان يحضر مجالس وعظه خلق كثير من
الملوك والأمراء والعلماء والشعراء وعامة الناس، وكانوا يتأثرون بوعظه، ذكره البرني في
تاريخه.(2/180)
مولانا عماد الدين الغوري
الشيخ العالم الصالح عماد الدين الحنفي الغوري أحد عباد الله الصالحين.
قتله محمد شاه تغلق الدهلوي، وسبب قتله على ما في أخبار الأخيار أن محمد شاه قال
له يوماً من الأيام: إن الفيوض الإلهية لم تنقطع حتى اليوم، فإن ادعى أحد بالرسالة وصدرت
عنه المعجزات فتصدقه أم لا، فغضب العماد ولم يملك نفسه فقال بالفارسية: كه مخور، أي
لا تأكل العذرة، فأمر محمد شاه أن يذبحوه ويخرجوا لسانه عن فمه، فامتثلوا أمره، رحمه الله
تعالى.
الشيخ عمر بن محمد الهندي
الشيخ الفاضل عمر بن محمد بن أحمد بن منصور بهاء الدين الهندي الحنفي نزيل مكة.
كان عالماً بالفقه والعربية مع حلم وأدب وعقل وحسن خلق، جاور المدينة مدة، وحج
سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، فسقط عن دابته فيبست أعضاؤه وبطلت حركته وحمل إلى
مكة وتأخر عن الحج وانتقل إلى رحمة الله سبحانه ذكره ابن فرحون في كتابه ونقل عنه
الفاسي في العقد كما في طرب الأماثل.
الشيخ عمر بن أسعد البندوي
الشيخ العالم الكبير عمر بن أسعد اللاهوري الشيخ علاء الدين البندوي أحد العلماء
المبرزين في الفقه والأصول والعربية.
كان والده وزيراً لبعض الملوك في بنكاله، ولذلك حصل له الجاه العظيم عند الملوك والأمراء
وصار كبير المنزلة عندهم وطار صيته في الآفاق، وكان يدرس ويفيد.
أخذ عنه كثير من الناس ولم يزل كذلك إلى أن ورد الشيخ سراج الدين عثمان الأودي
بتلك الديار، فترك البحث والاشتغال ولازمه وأخذ عنه الطريقة، وتولى المشيخة بعده، أخذ
عنه ولده نور الحق والسيد أشرف بن إبراهيم السمناني وعادل الملك الجونبوري وخلق
كثير، ويذكر له كشوف وكرامات ووقائع غريبة.
مات في مستهل رجب سنة ثمانمائة وقبره مشهور ببلدة بندوه، يزار ويتبرك به، كما في
أخبار الأخيار.
الشيخ عمر بن إسحاق الغزنوي
الشيخ الإمام العلامة الكبير عمر بن إسحاق بن أحمد أبو حفص سراج الدين الهندي
الغزنوي أحد الرجال المشهورين بالعلم.
ولد تقريباً سنة أربع وسبعمائة، وأخذ الفقه عن الإمام الزاهد وجيه الدين الدهلوي أحد
الأئمة بدهلي وعن شمس الدين الخطيب الدولي- نسبة إلى دول ناحية بين الري
وطبرستان- وعن سراج الدين الثقفي ملك العلماء بدهلي وركن الدين البدايوني- وهم من
أكبر تلامذة أبي القاسم التنوخي تلميذ حميد الدين الضرير- وأخذ عن غيرهم من العلماء،
ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وسمع عوارف المعارف من الشيخ خضر شيخ رباط
السدرة، وحدث به عن القطب القسطلاني عن مؤلفه، وسافر إلى القاهرة قديماً سنة
أربعين، وسمع من أحمد بن منصور الجوهري وغيره، وظهرت فضائله، ثم ولي قضاء
العسكر بعد أن ناب عن الجمال التركماني ثم عزل.
وكان عالماً فاضلاً إماماً علامة نظاراً فارساً في البحث مفرط الذكاء عديم النظير، له
التصانيف التي سارت بها الركبان، منها شرح الهداية المسمى بالتوشيح والشامل في الفقه
وزبدة الأحكام في اختلاف الأئمة الأعلام وشرح بديع الأصول لابن الساعاتي وشرح المغنى
للحنازي والغرة المنيفة في ترجيح مذهب أبي حنيفة وشرح الزيادات وشرح الجامعين- ولم
يكملهما- وشرح تائية ابن الفارض وكتاب في الخلافيات وكتاب في التصوف.
وذكر القارئ من تصانيفه شرح المنار وشرح المختار ولوائح الأنوار في الرد على من أنكر
على العارفين ولطائف الأسرار وعدة الناسك في المناسك وشرح عقيدة الطحاوي واللوامع
في شرح جمع الجوامع وغير ذلك، كما في الفوائد البهية.
وقد ذكر الكفوي في الطبقات أنه مات سنة ثلاث(2/181)
وستين وسبعمائة، وأرخ وفاته الجلبي في
كشف الظنون والسيوطي في حسن المحاضرة سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، كما في الفوائد
البهية والصواب أنه توفي سنة ثلاث وسبعين، قال طاشكبري زاده في مفتاح السعادة إنه
مات في الليلة التي مات فيها البهاء السبكي وهي ليلة السابع من شهر رجب سنة ثلاث
وسبعين وسبعمائة، وكانت ولايته نحو أربع سنين، وكان كتب بخطه: مولدي سنة أربع
وسبعمائة، انتهى.
الشيخ عمر بن محمد السنامي
الشيخ الفاضل الكبير العلامة عمر بن محمد بن عوض الحنفي الإمام ضياء الدين السنامي
صاحب نصاب الاحتساب.
كانت له قدم راسخة في التقوى والديانة والاحتساب في الأمور الشرعية، ولد ونشأ بأرض
الهند، وقرأ العلم على الشيخ كمال الدين السنامي، واشتغل بالحسبة مدة من الزمان،
واشتغل بالتذكير أكثر من ثلاثين سنة وكان شديد النكير على أهل البدع والأهواء، لا يهاب
فيه أحداً ولا يخاف في الله لومة لائم، وكان يجتمع في مجالس وعظه خلق كثير يربو عددهم
على ثلاثة آلاف من الخاصة والعامة، ولا يستطيع أحد ممن حضر ذلك المجلس أن يلتفت
إلى شيء آخر غير الاستماع إليه، وكان ينقم على الشيخ نظام الدين محمد البدايوني سماعه
الغناء، والشيخ لا يجيبه إلا بالمعذرة وإظهار الانقياد لحكمه ويكرمه غاية الإكرام.
قال الشيخ عبد الحق بن سيف الدين الدهلوي في أخبار الأخيار: إن السنامي لما مرض
وأشرف على الموت جاء الشيخ يعوده فاستأذن، فأمر السنامي أن تفرش عمامته ليضع
القدم عليها فلما جئ بالعمامة وضعها الشيخ على الرأس وقبلها وحضر لديه ولكن
السنامي ما رفع إليه نظره استحياء منه، ولما خرج الشيخ من عنده توفي إلى رحمة الله
سبحانه، فبكى عليه الشيخ وقال: مات من كان متفرداً في حماية الشرع والذب عنه،
انتهى.
وقال الشيخ عصمة الله بن محمد أعظم السهارنبوري في رسالته في باب السماع، إنه لما
استأذن الشيخ في دخوله أجاب السنامي أنه لا يحب أن يرى المبتدع في آخر عهده من
الدنيا، فأجابه الشيخ أن المبتدع جاء تائباً من البدعة، فأمر السنامي أن تفرش عمامته
ليضع الشيخ قدمه عليها، انتهى.
قال القاضي ضياء الدين البرني في تاريخه: إن والده كان من العلماء المتبحرين وللسنامي
اليد البيضاء في تفسير القرآن الكريم وكشف حقائقه، كان يذكر في كل أسبوع ويحضر
مجلسه ثلاثة آلاف من الناس من كل صنف ويتأثرون بمواعظه حتى أنهم كانوا يجدون
حلاوتها إلى الأسبوع الآخر، وكان له إنكار على طريقة الشيخ نظام الدين محمد البدايوني،
انتهى.
ومن مصنفاته نصاب الاحتساب كتاب مفيد في بابه مرتب على خمسة وستين باباً، أوله:
الحمد لله الحسيب الرقيب على نواله إيماناً واحتساباً، الخ، ومنها تفسير سورة يوسف من
القرآن الكريم، وله الفتاوي الضيائية.
ومن فوائده رحمه الله
ما قال في قوله تعالى حكاية عن بني يعقوب "يا أبانا مالك لا تأمنا"! الآية دلت على أن
أولاد الأنبياء مثل أولاد غيرهم يدعون آباءهم الأنبياء باسم الأبوة لأن إخوة يوسف قالوا
لأبيهم: يا أبانا، كما(2/182)
يدعو كل واحد أباه: يا أبت، ويتفرع على هذا فضل أولاد النبي صلى
الله عليه وسلم على سائر الناس لامتيازهم بها عن سائر الناس، انتهى.
الشيخ عين الدين البيجابوري
الشيخ العالم أبو العون عين الدين الجنيدي الدهلوي ثم البيجابوري المعروف بخزانة العلم
ولد بدار الملك دهلي سنة ست وسبعمائة ونشأ بها، ثم رحل إلى دولت آباد وأخذ عن
الشيخ علاء الدين الحسيني الجيوري، وقرأ العلم على الشيخ شمس الدين محمد الدامغاني،
وصحب الشيخ منهاج الدين التميمي الأنصاري، وأخذ عن كثير من العلماء حتى صار من
أكابر عصره، ورحل إلى عين آباد السكر- بتشديد الكاف- سنة سبع وثلاثين وسبعمائة،
ثم ذهب إلى بيجابور وسكن بها سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، ودرس وأفاد مدة حياته.
أخذ عنه الشيخ حسين بن محمود الشيرازي والشيخ محمد بن يوسف الحسيني الدهلوي
وجمع كثير من المشايخ، وله مصنفات كثيرة عدها صاحب الروضة اثنين وثلاثين ومائة
كتاب، أشهرها الملحقات في التاريخ، وطور الأبرار، وكتاب في الأنساب وتاريخ الأولياء من
أهل الهند.
ومن شعره قوله:
تاتو نه رسى بشيخ با حق نرسي زيرا كه ميان شيخ وحق نيست دوئي
مات في السابع والعشرين من جمادي الآخرة سنة خمس وتسعين وسبعمائة بمدينة بيجابور
فدفن بها، كما في روضة الأولياء.
الخواجه عين الدين الهندي
الأمير الكبير الخواجه عين الدين الهندي المشهور بعين الملك كان من الأفاضل المشهورين في
عصره، ولاه محمد شاه تغلق على بلاد أوده وظفر آباد، فاستمر على تلك الأعمال الجليلة
مدة من الزمان، وضبط البلاد وسد الثغور، وصار صاحب عدة وعدد، فأراد محمد شاه
المذكور أن يوليه على بلاد دكن، وكان محمد شاه غشوماً جائراً فأساء به الظن وخرج
عليه، فقاتله محمد شاه وقبض عليه، ثم أطلقه من الأسر لمكانته عنده في ضبط البلاد.
ولما تولى المملكة فيروز شاه أدخله في ديوان الوزارة وجعله مشرف الملك، فأقام على تلك
الخدمة أياماً قلائل، ثم ولاه على ملتان.
وله مصنفات كثيرة صنفها لمحمد شاه وفيروز شاه.
حرف الغين
غياث الدين تغلق شاه
الملك العادل الفاضل غياث الدين تغلق شاه الدهلوي كان من الأتراك القرونة، وكان
ضعيف الحال، فقدم بلاد السند في عهد السلطان علاء الدين الخلجي، وأمير السند إذ
ذاك أخوه أدلو خان، فخدمه تغلق وتعلق بجانبه، فرتبه في الرجالة، ثم ظهرت نجابته فأثبته
في الفرسان، ثم صار من الأمراء الصغار، وجعله أدلو خان أمير خيله، ثم صار بعد من
الأمراء الكبار، وسمي بالملك الغازي.
قيل إنه قاتل التتر تسعاً وعشرين مرة فهزمهم، فحينئذ سمي بالملك الغازي، وولي مدينة
ديبالبور وعمالتها، وجعل ولده محمد جونه أمير الخيل، فلما قتل قطب الدين الخلجي وولي
خسرو خان أبقاه على إمارة الخيل، فلما أراد تغلق الخلاف كتب إلى كشلو خان- وهو
يومئذ بالملتان وبينها وبين ديبالبور ثلاثة أيام- يطلب منه القيام بنصرته ويذكره نعمة قطب
الدين ويحرضه على طلب ثأره، وكان ولد كشلو خان بدهلي، فكتب إلى تغلق أنه لو كان
ولدي عندي لأعنتك على ما تريد، فكتب تغلق إلى ولده محمد يعلمه بما عزم عليه ويأمره
أن يفر إليه ويستصحب معه ولد كشلو خان، فأراد ولده الحيلة على خسرو خان، وتمت له
كما أراد، فلحق بأبيه واستصحب معه ولد كشلو خان، وحينئذ أظهر تغلق الخلاف وجمع
العساكر وخرج معه كشلو خان في أصحابه. وبعث(2/183)
خسرو خان لقتالهما أخاه خان خانان
فهزماه شر هزيمة، فرجع إلى أخيه وقتل أصحابه، ونفدت خزائنه وأمواله وقصد تغلق
حضرة دهلي، وخرج إليه خسرو خان في عساكره ووقع اللقاء بينه وبين تغلق، وقاتل
الوثنيون أشد قتال وانهزمت عساكر تغلق، وانفرد في أصحابه الأقدمين وكانوا ثلاثمائة يعتمد
عليهم في القتال، فقال لهم: إلى أين الفرار؟ فما اشتغلت عساكر خسرو خان بالنهب
وتفرقوا عنه قصد تغلق وأصحابه موقفه، وحمى القتال بينهم وبين الوثنيين، ولم يبق مع
خسرو خان أحد فهرب ثم قبض عليه وقتل، واستقام الملك لتغلق أربعة أعوام.
وكان عادلاً فاضلاً، كريماً حليماً، متورعاً، حسن الأخلاق، راجح العقل، متين الدين، كان
يلازم الصلوات الخمس بالجماعة، ويجلس للناس في الديوان العام من الصباح إلى المساء،
ويتفقد بنفسه أحوال الناس، ويشتغل بما يهمه من الأمور بنفسه، ويكرم العلماء والمشايخ،
ويعظمهم تعظيماً بالغاً، بعث ولده جونه بعساكره إلى ورنكل ليفتح بلاد تلنكك، وتجهز
بنفسه لقتال غياث الدين ملك بنكاله الذي قتل أخاه قتلو خان وسائر إخوته وفر شهاب
الدين وناصر الدين منهم إلى تغلق، فجد السير إلى بنكاله وتغلب عليها وأسر سلطانها
وقدم به أسيراً إلى دهلي، فلما عاد من سفره وقرب من حضرته أمر ولده أن يبني له قصراً
على واد هناك، فبناه في ثلاثة أيام وجعل أكثر بنائه بالخشب مرتفعاً على الأرض قائماً على
سواري خشب، وأحكمه بهندسة تولي النظر فيها أحمد بن أياز الدهلوي وكان صاحب
شحنة، القصور الملكية واخترعوا فيه أنه متى وطئت الفيلة جهة منه وقع ذلك القصر
وسقط، ونزل السلطان بالقصر، واستأذنه ولده أن يعرض الفيلة بين يديه، فأذن له فأتى
بالأفيال من جهة واحدة حسب ما دبروه، فلما وطئتها سقط القصر على السلطان، وأمر
ابنه أن يؤتى بالفؤوس والمساحي للحفر عنه، فلم يؤت بها إلا وقد غربت الشمس، فحفروا،
وزعم بعضهم أنهم أخرجوه ميتاً، وبعضهم أنهم أجهزوا عليه حياً، فجهز ليلاً إلى مقبرته
فدفن بها.
ومن مآثره الجميلة تغلق آباد بلدة كبيرة بناها خارج دهلي القديمة.
وكانت وفاته في ربيع الأول سنة خمس وعشرين وسبعمائة.
غياث الدين ملك بنكاله
الملك المؤيد غياث الدين بن سكندر بن شمس الدين السلطان المشهور قام بالملك بعد
والده سنة سبع وستين وسبعمائة باكداله، كانت بلدة عامرة بأرض بنكاله في سالف
الزمان.
وكان من خيار السلاطين متصفاً بالفضل والكمال، قرأ العلم على الشيخ حميد الدين أحمد
الحسيني الناكوري، وقرب إليه العلماء والمشايخ، وأحسن إلى الناس وغمرهم بإحسانه
وأرسل إلى الحرمين الشريفين صدقة كبيرة مع خادمه ياقوت الغياثي ليتصدق بها على أهل
الحرمين ويبني له بمكة مدرسة ورباطاً ويقف على ذلك عقاراً يصرف ريعه على أعمال الخير
كالتدريس ونحوه، وكان ذلك بإشارة وزيره خان جهان، فوصل ياقوت المذكور بأوراق
سلطانية إلى السيد حسن بن عجلان شريف مكة يومئذ مع هدايا جميلة إليه فقبلها وأمره
ان يفعل ما أمره السلطان، وأخذ ثلث الصدقة على معتاده ومعتاد آبائه، ووزع الباقي على
الفقهاء والفقراء بالحرمين الشريفين، فعممتهم وتضاعف الدعاء له بالخير والدال عليه،
واشترى ياقوت الغياثي لبناء المدرسة والرباط دارين متلاصقتين على باب أم هانئ،
هدمهما وبناهما في عامه رباطاً ومدرسة، واشترى أصيلتين وأربع وجبات ماء في الركاني،
وجعلها وقفاً على المدرسة، وجعل لها أربعة مدرسين من أهل المذاهب الأربعة وستين
طالباً ووقف عليهم ما ذكرناه، واشترى داراً مقابلة للمدرسة المذكورة بخمسمائة مثقال
ذهباً وقفها على مصالح الرباط، وأخذ منه السيد حسن شريف مكة في الدارين اللتين
بناهما رباطاً ومدرسة والأصيلتين والأربع الوجبات من قرار عين الركاني اثني عشر ألف
مثقال ذهباً، وأخذ منه مبلغاً لا يعلم قدره كان جهزه معه السلطان لاصلاح عين عرفة،
فذكر السيد حسن أنه يصرفه على إصلاحها، ويقال إن قدره ثلاثون ألف مثقال ذهباً، ثم
إن السيد حسن عين أحد قواده لتفقد عين بازان وإصلاحها وإصلاح البركتين بالمعلاة
وكانتا معطلتين، فأصلحهما إلى أن جرت عين(2/184)
بازان فيهما، وكان خان جهان وزير السلطان
غياث الدين أرسل مع ياقوت الغياثي خادماً له يسمى حاجي إقبال، أرسله بصدقة أخرى
من عنده لأهل المدينة المنورة وجهز معه ما لا يبني له به مدرسة ورباطاً، وهدية إلى أمير
المدينة يومئذ جماز الحسيني، فانكسرت السفينة التي فيها هذه الموال وغيرها بقرب جدة،
صرح به المفتي قطب الدين محمد بن أحمد النهروالي في تاريخ مكة.
وبالجملة فإن السلطان غياث الدين كان من خيار السلاطين طار ذكره في الآفاق وقصده
الناس من البلاد الشاسعة، وبعث إليه الحافظ الشيرازي أبياته الرائقة منها قوله:
آن جشم جادوانه عابد فريب من كس كاروان سحر بدنباله ميرود
شكر شكن شوند همه طوطيان هند زين قند بارسي كه به بنكاله ميرود
حافظ زشوق مجلس سلطان غياث دين خامش مشو كه كار تو از ناله ميرود
توفي سنة خمس وسبعين وسبعمائة، كما في مهر جهانتاب.
حرف الفاء
مولانا فخر الدين الزرادي
الشيخ الفاضل العلامة فخر الدين الزرادي السامانوي ثم الدهلوي، الفاضل المشهور، أصله
من سامانه.
اشتغل بالعلم من صغر سنه ودخل دهلي، فقرأ على مولانا فخر الدين الهانسوي وشاركه
في القراءة والسماع القاضي كمال الدين الهانسوي والشيخ نصير الدين محمود الأودي، وكان
شديد الإنكار على الصوفية، يطعن في الشيخ نظام الدين محمد البدايوني ويشنع عليه،
فيكبر على الشيخ نصير الدين المذكور تشنيعه، وكان يحثه على أن يحضر مجلس الشيخ،
فدخل في حضرته مرة وأخذته الجذبة الربانية، فخضع له ولبس منه الخرقة ولازم الشيخ مدة
حياته مع قيامه على الدرس والإفادة، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار ورحل إلى
بغداد وأدرك المشايخ وأخذ الحديث عنهم، ثم رجع إلى الهند وركب البحر فغرق.
وكان صادق اللهجة حر الضمير، لا يخاف في الله لومة لائم، ولا يهاب أحداً ولا يترك كلمة
الحق عند السلطان الجائر، قال الكرماني في سير الأولياء: إن محمد شاه تغلق طلبه يوماً
يريد أن يتهمه ويؤاخذه في شيء، فقال: إني أريد أن أغزو التتر فعليك أن تحرض المؤمنين
على القتال! فقال الشيخ: إن شاء الله تعالى، فقال الملك: هذه كلمة شك، فقال: لا، بل هي
كلمة ينبغي أن تقال في الأمر المستقبل، فاحمر وجه الملك غضباً وقال: أوصني بما ينفعني،
فقال: عليك أن تكظم الغيظ، فقال السلطان: أي غيظ؟ قال: الغضب السبعي، فغضب
السلطان أشد من الأولى فأخفاه، ثم أعطاه صرة مملوءة من الدنانير على الأقمشة الحريرية
ويريد يؤاخذه إن لم يأخذ، فأخذها قطب الدين الدبير أحد تلامذة الزرادي مخافة منه وكان
قائماً عند الملك فخرج الزرادي سالماً.
قال الكرماني: وكان متميزاً في أصحاب الشيخ نظام الدين المذكور بفصاحة اللسان وجودة
القريحة وسرعة الإدراك ولطافة الكلام، بارعاً في كثير من العلوم والفنون.
أخذ عنه الشيخ سراج الدين عثمان الأودي، ومولانا ركن الدين، وصنوه صدر الدين
الاندربتي، ومحمد بن المبارك الكرماني، وعمه الحسين بن محمود وخلق آخرون.
ومن مصنفاته العثمانية رسالة له في التصريف صنفها للشيخ سراج الدين عثمان المذكور،
ومنها الخمسين رسالة له في المسائل الكلامية مما يستصعبه الناس، ومنه كشف القناع عن
وجوه السماع ومنها أصول السماع وقد طالعت الأخير من تلك الرسائل.
ومن فوائده ما قال في أصول السماع:
اعلم أن أهل السنة والجماعة ثلاث فرق: الفقهاء والمحدثون والصوفية، فالفقهاء سموا
المحدثين(2/185)
أصحاب الظواهر، لأنهم يعتمدون على مجرد الخبر ويطلبون الإسناد الصحيح،
وسموا أنفسهم أهل الرأي، لأنهم يعملون بالرأي ويتركون خبر الواحد، فعندهم العمل بالدراية
مع وجود مخالفة خبر الواحد عن الثقات جائز وعند المحدثين لا يجوز، والصوفية أجود
الفرق وأصفاهم، لأنهم يتوجهون إلى الله تعالى بترك الالتفات إلى ما سوى الله تعالى، فهم
يعملون بالمذهب الأحوط ولا يقبلون المذهب المعين، كما قال بعضهم: الصوفي لا مذهب له،
ويتمسكون بقوله عليه الصلاة والسلام: اختلاف أمتي سعة في الدين، فإذا كان الاختلاف
توسيعاً فاختيار المذهب المعين تضييق، وتضييق الموسع ممنوع في الدين، لأنه خرج في حق
المكلف، ولذلك منع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعرابياً حين دعا: اللهم أرحمني ومحمداً
ولا ترحم معنا أحداً، وقال: لقد حجرت واسعاً، فثبت أن اختيار المذهب المعين ليس
بشيء وهو طريق العوام، ويؤيد ما قاله الصوفية الكتاب والسنة وأجمع عليه المحققون،
فالكتاب هو قوله تعالى: " فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" والأمر بالسؤال من غير
تعيين يدل على أن اختيار المذهب المعين بدعة، وأما السنة فقوله عليه الصلاة والسلام:
أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم فالأمر بالاقتداء كالأمر بالسؤال في ترك الاختيار،
وأما الإجماع فهو ظاهر لأن النظر في أقوال العلماء المجتهدين واجب حتى يميز العاقل دليل
الراجح من المرجوح والقوي من الضعيف لزيادة الرشد في الأصول، وهو طريق طلب العلم
وطلبه واجب بالإجماع، ولهذا ورد في الحديث: طلب العلم فريضة على كل مسلم
ومسلمة، فاختيار المذهب المعين بالتقليد إغلاق لهذا الباب، والقياس كذلك لكونه ترجيحاً
بلا مرجح وحرجاً في حق المكلف كما ذكروه، فإذا كان الصوفية على مذهب غير معين
فرأى الفقهاء فيهم ليس بحجة عليهم فافهم، انتهى.
وكانت وفاته في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، كما في خزينة الأصفياء.
الشيخ فخر الدين المروزي
الشيخ الفقيه الزاهد فخر الدين المروزي أحد الرجال المعروفين بالفضل والصلاح، أخذ
الطريقة عن الشيخ نظام الدين محمد البدايوني وانقطع إلى الزهد والعبادة، لم يكن في زمانه
مثله في الترك والتجريد، كما في سير الأولياء وكانت وفاته في سنة ست وثلاثين وسبعمائة في
أيام محمد شاه تغلق- كما في خزينة الأصفياء.
مولانا فخر الدين الناقلي
الشيخ الفاضل العلامة المعمر فخر الدين الناقلة الدهلوي أحد العلماء المبرزين في الفقه
والأصول والعربية.
ولي الصدارة في عهد السلطان غياث الدين بلبن فاستقل بها مدة مديدة، ثم اعتزلها وقعد
في بيته مدة من الزمان، ثم ولاه السلطان جلال الدين فيروز الخلجي الصدارة، فاستقل بها
أربعة أعوام تقريباً ثم اعتزلها، وكان يدرس ويفيد، أخذ عنه خلق كثير من العلماء، ذكره
البرني في تاريخه.
مولانا فخر الدين الهانسوي
الشيخ الفاضل الكبير العلامة فخر الدين الهانسوي أحد الأساتذة المشهورين في عصرهن
كان يدرس ويفيد بدار الملك دهلي، أخذ عنه ابن أخته القاضي كمال الدين الهانسوي
والشيخ نصير الدين محمود الأودي والشيخ فخر الدين الزرادي وخلق آخرون.
قال الشيخ حميد الدين الدهلوي القلندري في خير المجالس: إن الشيخ نصير الدين محموداً
قرأ عليه هداية الفقه مشاركاً للشيخ فخر الدين الزرادي، انتهى، ومن مصنفاته رحمه الله
دستور الحقائق كتاب بسيط.
مولانا فخر الدين شقاقل
الشيخ الفاضل فخر الدين الدهلوي المشهور بشقاقل كان من كبار الأساتذة بدار الملك
دهلي في عهد السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي، كان يدرس ويفيد، ذكره البرني في
تاريخه.(2/186)
القاضي فخر الدين البجنوري
الشيخ الفقيه الصالح فخر الدين بن ركن الدين بن فخر الدين بن عثمان بن أبي بكر
الصديق الستركي ثم البجنوري أحد الرجال المعروفين بالفضل والصلاح، بايع الشيخ نظام
الدين محمداً البدايوني، ثم لازم بعده الشيخ نصير الدين محموداً الأودي وأخذ عنه، وكان له
شأن كبير في الزهد والاستغناء عن الناس.
مات لخمس خلون من جمادي الأولى سنة تسع وخمسين وسبعمائة، ودفن بقرية بجنور-
بكسر الموحدة على أربعة أميال من لكهنؤ- كما في تذكرة الأصفياء.
فخر الدين الزاهدي
الشيخ الكبير فخر الدين بن شهاب الدين بن فخر الدين الزاهدي الميرتهي الدهلوي أحد
المشايخ المشهورين في الهند، أدركه الشيخ جلال الدين حسين بن أحمد الحسيني البخاري
بمدينة دهلي، وكان له ثلاثة أبناء: بهاء الدين كنج روان سكن بكالبي، وصدر الدين سكن
بجونبور، وبدر الدين سار إلى بهار وسكن بها، وكلهم لبسوا الخرق من الشيخ جلال الدين
المذكور، كما في البحر الزخار.
مولانا فخر الدين الدهلوي
الشيخ الكبير فخر الدين الدهلوي شمس الملك كان من كبار الأمراء، أخذته الجذبة الإلهية
فلازم الشيخ برهان الدين محمداً الهانسوي الغريب وأخذ عنه الطريقة الجشتية، وترك
الإمارة والمناصب السلطانية، وسكن بدولت آباد في زاوية الشيخ المذكور، وقبره بها
مشهور ظاهر، يزار ويتبرك به.
شيخ الاسلام فريد الدين الأودي
الشيخ العالم الكبير العلامة شيخ الاسلام فريد الدين الشافعي الأودي أحد الأفاضل
المشهورين، لم يكن مثله في زمانه في النحو واللغة والعربية والتفسير، كان شيخ الاسلام
بأرض أوده، أخذ عنه الشيخ شمس الدين محمد بن يحيى الأودي والشيخ علاء الدين
النيلي، قرأ عليه الكشاف، كما في سير الأولياء.
الشيخ فريد الدين الناكوري
الشيخ العالم الفقيه محمود بن علي بن الحميد السعيدي السوالي الشيخ فريد الدين
الناكوري أحد كبار المشايخ في عصره، ولد ونشأ بمدينة ناكور، وأخذ عن أبيه وتأدب
عليه، ثم قام مقامه في الارشاد والتلقين، أخذ عنه الشيخ ضياء الدين النخشبي وخلق
آخرون.
وله سر الصدور كتاب في أخبار جده، قال فيه: إني أدركت جدي في صغر سني،
وأجازني والدي في الحديث وفي الدعوة لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة خمس وعشرين
وسبعمائة، وألبسني خرقة جدي ودعا لي بالبركة.
قال المفتي غلام سرور في خزينة الأصفياء إنه مات في سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة
بدهلي فدفن بها.
الشيخ فريد الدين الدولت آبادي
الشيخ العالم الفقيه فريد الدين الدولت آبادي المشهور بالأديب كان من كبار المشايخ
الجشتية، أخذ الطريقة عن الشيخ برهان الدين محمد الهانسوي الغريب ولازمه مدة من
الدهر حتى بلغ رتبة الكمال، وكان الشيخ يحبه حباً مفرطاً، مات قبل وفاة شيخه بثلاثة
عشر يوماً، وكان ذلك في التاسع والعشرين من محرم الحرام سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة،
وقبره مشهور ظاهر يزار ويتبرك به بالروضة.
الشيخ فضل بن محمد الملتاني
الشيخ الفقيه الزاهد فضل بن محمد بن زكريا الأسدي القرشي الشيخ فضل الله الملتاني
أحد رجال العلم والمعرفة، أخذ عن أبيه الشيخ صدر الدين محمد العارف وتأدب بآدابه،
أخذ عنه الشيخ شمس الدين المصري المحدث، ذكره البرني في تاريخه.
مولانا فصيح الدين الدهلوي
الشيخ الفاضل فصيح الدين الدهلوي أحد الفقهاء المبرزين في العلم والعمل، قرأ أصول الفقه
على الشيخ شمس الدين القوشجي مشاركاً للقاضي محي الدين الكاشاني، وقرأ سائر
الفنون على غيره من العلماء.(2/187)
وكان مفرط الذكاء جيد القريحة، كثير الدرس والافادة، جعله غياث الدين بلبن معلماً
لأبنائه، فاشتغل بالتدريس مدة من الدهر، ثم اعتزله وانقطع إلى الزهد والعبادة، وأخذ
الطريقة عن الشيخ نظام الدين محمد البدايوني وصحبه زماناً، ومات في حياة شيخه
المذكور، كما في سير الأولياء.
القاضي فصيح الدين الهروي
الأمير الفاضل علاء الملك فصيح الدين الهروي الخراساني أحد الفقهاء الحنفية، كان
قاضياً ببلدة هراة، ثم وفد على محمد تغلق شاه سلطان الهند فولاه على مدينة لاهري
وأعمالها من بلاد السند.
ذكره ابن بطوطة في رحلته وقال: ولاهري مدينة حسنة على ساحل البحر الكبير، وبها
يصب نهر السند في البحر فيلتقي بها بحران، ولها مرسى عظيم يأتي إليه أهل اليمن وأهل
فارس وغيرهم، وبذلك عظمت جباياتها وكثرت أموالها، وقد أخبره الملك أن مجبي هذه
المدينة ستون لكا في السنة وللأمير من ذلك نيم ده يك، معناه نصف العشر، انتهى.
فيروز شاه الدهلوي
أبو المظفر كمال الدين فيروزشاه بن سالار رجب السلطان الصالح كان من بني أعمام محمد
شاه تغلق.
ولد سنة تسع وسبعمائة وتربى في حجر عمه غياث الدين وابن عمه محمد شاه المذكور،
وولي الحجابة مدة من الزمان، ولما مات محمد شاه اتفق الناس عليه وبايعوه في الرابع
والعشرين من محرم سنة 752 هـ، وكان يمتنع من ذلك فبالغ الناس في الإصرار عليه وألح
عليه الشيخ نصير الدين محمود الأودي وغيره من الصدور والقضاة والفقهاء، فتولى الملك
وافتتح أمره بالعدل والاحسان، وأسس مدينة كبيرة بقرب دهلي في سنة خمس وخمسين
وسبعمائة وسماها فيروزآباد، وأجرى نهراً من جمنا وأتى به إلى فيروزآباد، وأجرى نهراً
من نهر ستلج في سنة ست وخمسين وأتى به إلى مدينة جهجهر، والمسافة بينهما ثمانية
وأربعون كروهاً، والكروه في اللغة الفارسية ميلان، وكذلك أجرى نهراً في سنة سبع
وخمسين من جبل مندي وسرمور، وجمعها في سبعة أنهار فأتى به إلى آبسين، وبنى به قلعة
حصينة متينة سماها حصار فيروزه وكذلك أجرى نهراً من ماء كهكر في سنة اثنتين
وستين وأتى به إلى حصار سرستي، ثم أوصله إلى نهر سركهتره، وبنى به مدينة كبيرة
سماها فيروزآباد، وكذلك أجرى نهراً فيما بين سرستي وسليم، وكانت تلالاً كباراً فيما
بينهما فحفرها وواصل ماء سرستي بماء سليم، فاستقت بها أرض قفراء من سرهند
ومنصور بور وسنام وغيرها من البلاد، وكذلك نهر أخرجه من نهر جمنا مما يلي خضرآباد
وأتى به إلى سفيدون على ثلاثين ميلاً منه.
وبالجملة فإنه حفر خمسين نهراً، وبنى أربعين مسجداً، وعشرين زاوية ومائة قصر،
وخمسين مارستاناً، ومائة مقبرة، وعشر حمامات، ومائة جسر، ومائة وخمسين بئراً.
وأما الحدائق فإنه أسس ألفاً ومائتي حديقة بناحية دهلي وثمانين حديقة بناحية سادره
وأربعين حديقة بناحية جتور، كانت فيها سبعة أقسام من العنب، ويحصل له من تلك
الحدائق ثمانون ألف تنكة بعد وضع النفقات الكثيرة.
وتحصل له من دوآبه دهلي ثمانية ملايين تنكة ومن جبايات الهند ثمانية وستون مليوناً
ونصف مليون تنكة.
وكانت الوظائف والأرزاق في عهده للعلماء والمشايخ ثلاثة ملايين وستمائة ألف تنكة،
ولغيرهم من أرباب الحاجات عشرة ملايين تنكة، كما في تاريخ فرشته وغيره من كتب
الأخبار.
ومن مآثره الجميلة جامع كبير بدهلي، بناه فوق تل من الأحجار المنحوتة أبدع نحت،
ومنها المدرسة الفيروزية أسسها على الحوض الخاص بدهلي جامعة بين الحسن والحصانة،
يجري فيها الماء الغزير ولا(2/188)
يوجد لها نظير في الدنيا، ذكرها البرني في تاريخه.
ومنها أنه لما افتتح نكر كوث ووقف على جوالامكهي- معبد للوثنيين- وأخبر أن فيه
مكتبة فيها ألف وثلاثمائة من الكتب العتيقة للوثنيين كلف العلماء أن ينقلوها من
سنسكرت إلى الفارسية فنقلوا بعض الكتب في الرياضي والنجوم والأدب والموسيقى، ونظم
أعز الدين الخالدخاني كتاباً في الحكمة الطبيعية والتفاؤل والتطير وسماه دلائل فيروزشاهي
وكذلك صنف عين الملك كتباً بأمره، وصنف القاضي ضياء الدين البرني تاريخاً لملوك
دهلي وبسط الكلام في أخباره، وصنف السراج العفيف أيضاً كتاباً في أخباره، وللسلطان
فيروزشاه كتاب في الرئاسة والسياسة، رتبه على ثمانية أبواب وأمر أن ينقشوها في الأحجار
وينصبوها في المنارة المثمنة من الجامع الكبير بفيروزآباد دهلي.
ومن نوادر ما اخترعه فيروزشاه الساعة العجيبة يخرج في كل ساعة منها صوت عجيب
يترنم بهذا البيت:
هر ساعتي كه بر در شه طاس ميزنند نقصان عمر مي شود آن ياد مي دهند
وكانت تستخرج منها أوقات الليل والنهار ووقت إفطار الصوم وكيفية الأظلال وزيادة اليوم
ونقصانه باعتبار الفصول، وكان نصب تلك الساعة بمدينة فيروز آباد.
وكانت وفاته في الثالث عشر من رمضان سنة تسع وتسعين وسبعمائة، كما في تاريخ
فرشته.
الشيخ فيروز الدهلوي
الشيخ العالم الصالح شرف الدين فيروز الدهلوي، أحد الرجال المعروفين بالفضل والصلاح،
أخذ الطريقة عن الشيخ نظام الدين محمد البدايوني، ولازمه مدة من الزمان، واستفاض منه
فيوضاً كثيرة.
وكان عالماً كبيراً فاضلاً بارعاً تقياً متورعاً لا يتردد إلى الأغنياء ولا يلتفت إليهم، ولا يقبل
منهم الهدايا والجوائز، والناس كانوا يعتقدون فضله وكماله، مات ودفن بديوكير.
حرف القاف
الشيخ القاسم بن عمر الدهلوي
الشيخ الفاضل الكبير القاسم بن عمر الدهلوي كان والده ابن أخت الشيخ نظام الدين
محمد البدايوني، ولد ونشأ بمدينة دهلي وحفظ القرآن الكريم، وقرأ العلم على مولانا جلال
الدين الدهلوي، قرأ عليه الهداية والبزدوي والمشارق والكشاف وسائر الكتب الدرسية،
ولازمه مدة من الزمان.
وكان مفرط الذكاء جيد القريحة، له لطائف التفسير كتاب في تفسير القرآن يحتوي على
اللطائف والأسرار، كما في سير الأولياء.
الشيخ قطب الدين الهانسوي
الشيخ الكبير الزاهد المجاهد قطب الدين بن برهان الدين جمال الدين النعماني الهانسوي
المشهور بالمنور، كان من المشايخ المشهورين في أرض الهند، ولد ونشأ بهانسي وأخذ
الطريقة عن الشيخ نظام الدين محمد البدايوني، ولازمه مدة من الدهر حتى نال حظاً وافراً
من العلم والمعرفة فاستخلفه الشيخ سنة أربع وعشرين وسبعمائة.
وكان زاهداً مجاهداً، لم يزل يشتغل بالصيام والقيام والذكر والفكر على الدوام، وكان لا
يلتفت إلى الدنيا الدنية الشوهاء، ولا يجالس الأمراء والأغنياء، أقطعه محمد شاه تغلق
قريتين فلم يقبلهما وقنع بما لديه متوكلاً على الله سبحانه مفيداً مرشداً، كما في سير
الأولياء.
توفي لأربع بقين من ذي القعدة سنة سبع وخمسين وسبعمائة، صرح به السراج العفيف في
تاريخه.
الشيخ قطب الدين حيدر العلوي
الشيخ العابد الزاهد قطب الدين حيدر العلوي الأجي السندي أحد كبار الصالحين،
أدركه الشيخ محمد بن بطوطة المغربي الرحالة بمدينة أج، فلقيه ولبس منه الخرقة وذكره في
كتابه.(2/189)
قطب الدين شاه الكشميري
الملك المؤيد قطب الدين بن شمس الدين شاه مرزا الكشميري السلطان المنصور، قام
بالملك بعد أخيه شهاب الدين، وكان من خيار السلاطين عادلاً فاضلاً كريماً، مصر بلدة
قطب الدين بور، وبنى بها مدرسة عظيمة، وقدم في أيامه الشيخ علي ابن الشهاب الحسيني
الهمذاني، فاستقبله وعظمه فوق ما كان، واستقل بالملك خمس عشرة سنة، مات سنة
ست وتسعين وسبعمائة، كما في تاريخ فرشته.
مولانا قوام الدين الدهلوي
الشيخ العميد الأجل قوام الدين الدهلوي الدبير المشهور بعمدة الملك كان من كبار
الأفاضل، ولي ديوان الإنشاء في عهد السلطان غياث الدين بلبن، ثم نال الإمارة في عهد معز
الدين كيقباد وولي الاشراف والحجابة، ذكره القاضي ضياء الدين البرني في تاريخه وأثنى
على فضله وبراعته في الإنشاء والترسل، قال: ولم يكن مثله في زمانه في الفضل والبلاغة
والإنشاء وإنه كان فوق الوطواط والأصم، وإنه سحر الناس وأدهش قلوبهم بكتاب الفتح
الذي أرسله غياث الدين بلبن من لكهنوتي إلى الملوك والأمراء، انتهى.
حرف الكاف
مولانا كبير الدين العراقي
الشيخ الفاضل المؤرخ كبير الدين بن تاج الدين العراقي الدهلوي أحد العلماء البارعين في
السير والتاريخ، لم يكن له نظير في عصره في الإنشاء والترسل والبلاغة، له إنشاء بليغ بالعربية
والفارسية ومصنفات عديدة في التاريخ، صنف كتباً في فتوح السلطان علاء الدين محمد
شاه الخلجي، ولكنه بالغ فيها في المدح والإطراء والتأنق في العبارة خلافاً لآداب المؤرخين
من إيراد الخير والشر والحسن والقبيح والمناقب والمعايب، جعله السلطان المذكور أمير داد
في معسكره مقام والده، وكان والده يعد من أرباب الفضل والكمال، ذكره البرني في تاريخه.
مولانا كريم الدين الدهلوي
الشيخ العالم الصالح كريم الدين الدهلوي، كان مشهوراً في الموعظة والتذكير، كان في عهد
السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي، وكان ينشد في مواعظه كثيراً من الأشعار من
إنشائه ويسجع الكلام، ولذلك لم تكن تعجب الناس ولا تأخذ بمجامع القلوب، فلا يحضر
مجلسه إلا قليل من الناس، وله إنشاء يدل على قدرته على البيان نظماً ونثراً، ذكره البرني في
تاريخه.
مولانا كريم الدين الجوهري
الشيخ الفاضل كريم الدين الجوهري الدهلوي أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول
والعربية، كان يدرس ويفيد بدار الملك دهلي في عهد السلطان علاء الدين الخلجي، ذكره
البرني في تاريخه.
مولانا كريم الدين السمرقندي
الشيخ الفاضل كريم الدين بن كمال الدين السمرقندي أحد العلماء المبرزين في المعارف
الأدبية، تزوج بابنة الشيخ محمد بن إسحاق الحسيني البخاري، وبايع الشيخ نظام الدين
محمداً البدايوني ولازمه مدة، ولما مات الشيخ المذكور طلبه محمد شاه تغلق وولاه مشيخة
الإسلام بستكانؤن من أرض بنكاله، فرحل إليها واستقل بالمشيخة مدة من الزمان، ومات
بها.
وكان فاضلاً كريماً بارعاً في العلم محباً للعلماء محسناً إليهم حسن الأخلاق حسن
المحاضرة، كما في سير الأولياء.
مولانا كمال الدين السامانوي
الشيخ الفاضل العلامة كمال الدين السامانوي أحد الأساتذة المشهورين في عصره، درس
وأفاد مدة من الزمان بدهلي، ثم رحل إلى دولت آباد بأمر السلطان محمد شاه تغلق ودرس
بها مدة حياته، أخذ عنه الشيخ زين الدين داود ابن الحسين الشيرازي وخلق آخرون، كما
في روضة الأولياء.(2/190)
مولانا كمال الدين الدهلوي
الشيخ الفاضل كمال الدين بن عبد الرحمن بن محمد بن عمر الحنفي الصوفي الدهلوي
الشهير بالعلامة، كان من نسل فرخ شاه العمري الأدهمي الكابلي، وكان ابن أخت الشيخ
نصير الدين محمود الأودي، ولد بأرض أوده واشتغل بالعلم من صغر سنه، وجد في البحث
والاشتغال حتى برز في الفضائل وتأهل للفتوى والتدريس، ثم أخذ الطريقة عن خاله نصير
الدين محمود المذكور وأقام بدهلي مدة طويلة، ثم رحل إلى كجرات ورزق حسن القبول في
تلك الناحية، فلبث بها مدة ثم عاد إلى دهلي، ومات بها في السابع والعشرين من ذي
القعدة سنة ست وخمسين وسبعمائة، كما في خزينة الأصفياء.
الشيخ كمال الدين الغاري
الشيخ العالم الصالح كمال الدين عبد الله الغاري- بالغين المعجمة والراء المهملة- نسبة إلى
غار كان يسكنه خارج دهلي بمقبرة من زاوية الشيخ نظام الدين محمد البدايوني.
ذكره الشيخ محمد بن بطوطة المغربي في كتابه وقال: إني زرته بهذا الغار ثلاث مرات،
وقال: كان لي غلام آبق عني فألفيته عند رجل من الترك فذهبت إلى انتزاعه من يده، فقال
لي الشيخ: إن هذا الغلام لا يصلح لك فلا تأخذه، وكان التركي راغباً في المصالحة فصالحته
بمائة دينار أخذتها منه وتركته له، فلما كان بعد ستة أشهر قتل سيده، وأتى به السلطان
فأمر بتسليمه لأولاد سيده فقتلوه، ولما شاهدت لهذا الشيخ الكرامة انقطعت إليه ولازمته
وتركت الدنيا ووهبت جميع ما كان عندي للفقراء والمساكين وأقمت عنده مدة، فكنت
أراه يواصل عشرة ايام وعشرين يوماً ويقوم أكثر الليل، ولم أزل معه حتى بعث إلى السلطان
ونشبت في الدنيا ثانية، انتهى، وقال في موضع آخر من ذلك الكتاب: ولما كان بعد هذه
انقبضت عن الخدمة ولازمت الشيخ الإمام العالم العابد الزاهد الخاشع الورع فريد الدهر
ووحيد العصر كمال الدين عبد الله الغاري وكان من الأولياء، وله كرامات كثيرة قد ذكرت
منها ما شاهدته عند ذكر اسمه، وانقطعت إلى خدمة هذا الشيخ ووهبت ما عندي
للفقراء والمساكين، وكان الشيخ يواصل عشرة أيام وربما واصل عشرين يوماً، فكنت أحب
أن أواصل فكنت أواصل، فكان ينهاني ويأمرني بالرفق على نفسي في العبادة، وقال: إن
المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، وظهر لي من نفسي تكاسل بسبب شيء بقي معي،
فخرجت عن جميع ما عندي من قليل وكثير، وأعطيت ثياب ظهري لفقير ولبست ثيابه،
ولزمت هذا الشيخ خمسة أشهر، انتهى.
مولانا كمال الدين الكوئلي
الشيخ الفاضل كمال الدين بن جمال الدين بن عبد الله بن نظام الدين أبي المؤيد الدهلوي
الكوئلي كان من أساتذة السلطان علاء الدين الخلجي، تزوج عصمة الله بنت القاضي أمجد
الدهلوي، وسكن بدهلي لتلك المصاهرة بمقبرة من حظيرة نور الدين اللاري، المشهور
بملكياربران، وتوفي بها فدفن على أكمة شرقي الجهرنه المنسوب إلى الشيخ قطب الدين
بختيار الأوشي، وحظيرته مشهورة بجلجل املي، كما في أخبار الجمال.
وقد ذكره القاضي ضياء الدين البرني في تاريخه وقال: إنه كان من كبار الأساتذة بدار
الملك دهلي في عهد السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي، وكان يدرس ويفيد، انتهى.
مولانا كمال الدين السنتوسي
الشيخ الفاضل العلامة كمال الدين السنتوسي البهاري أحد العلماء المبرزين في الفقه
والأصول والكلام والعربية، كان يدرس ويفيد بقرية سنتوس من أعمال بهار، كتب إليه
الشيخ شرف الدين أحمد بن يحيى المنيري رسالة في أن العقل كاف لمعرفة الله سبحانه أم
لا.
الشيخ كمال الدين المالوي
الشيخ العارف الفقيه كمال الدين بن با يزيد بن نصير الدين بن فريد الدين مسعود العمري
الأجودهني(2/191)
ثم المالوي أحد كبار المشايخ الجشتية، أخذ الطريقة عن الشيخ نظام الدين محمد
بن أحمد البدايوني ولازمه زماناً، ثم وجهه الشيخ إلى مالوه، فسكن بدهار ومات بها، أسلم
على يده خلق كثير من الكفار، وعلى قبره أبنية فاخرة من مآثر الملوك الخلجية.
حرف الميم
الشيخ مبارك العمري البلخي الكوباموي
الشيخ الصالح مبارك بن القاضي كريم الدين بن برهان الدين العمري البلخي ثم الكوباموي،
أحد الرجال المعروفين بالفضل والصلاح، قدم الهند وتقرب إلى الملوك، فجعلوه مير داد بدار
الملك دهلي، وتلك رتبة سامية دون الوزارة، فاستقل بها زماناً، ثم لازم الشيخ نظام الدين
محمد بن أحمد البدايوني وأخذ عنه الطريقة ورفض الدنيا وأسبابها، كما في سير الأولياء.
ووجدت عند أولاده ما فيه أنه ولي القضاء بكوبامؤ فسكن بها، ويعرجون بنسبه إلى
إبراهيم بن أدهم الولي المشهور ثم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه هكذا: مبارك بن
كريم الدين بن برهان الدين بن أبي سعيد بن صدر الدين بن بديع الدين بن أبي إسحاق بن
إبراهيم بن كمال الدين بن جلال الدين بن أبي الحسن ابن ناصح الدين بن إبراهيم بن أدهم
بن بديع الدين بن محمد بن أبي المجاهد بن أبي القاسم علي بن عبد الرزاق بن عبد الرحمن
بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ولذلك يكتبون مع أسمائهم الناصحي
الأدهمي ويفتخرون به.
وذلك مقدوح من وجوه، الأول أن إبراهيم بن أدهم الصالح البلخي لم يكن عمرياً، قال ابن
الأثير في الكامل في الجزء السادس منه: وإبراهيم بن أدهم بن منصور أبو إسحاق الزاهد،
وكان مولده ببلخ وانتقل إلى الشام فأقام به مرابطاً، وهو من بكر بن وائل، ذكره أبو حاتم
البستي، انتهى، وقال الحافظ في تهذيب التهذيب: إبراهيم بن أدهم بن منصور العجلي-
وقيل: التميمي- أبو إسحاق البلخي الزاهد، سكن الشام، وقال البخاري قال لي قتيبة: هو
تميمي كان بالكوفة، ويقال له العجلي كان بالشام، انتهى، وقال مرتضى بن محمد البلكرامي
الزبيدي في إتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين: الإمام الزاهد أبو إسحاق إبراهيم
بن أدهم بن منصور العجلي- وقيل: التميمي البلخي- صدوق، مات سنة 192، انتهى.
مبارك شاه الخلجي
الملك المؤيد قطب الدين مبارك شاه بن محمد شاه الخلجي السلطان الدهلوي قام بالملك في
سنة سبع عشرة وسبعمائة، وخلع أخاه شهاب الدين وبعث به إلى كواليار فحبس مع
إخوته، ولما استقام له الأمر بعث بعد مدة من الزمان أحد الأمراء إلى كواليار وأمر بقتل
إخوته جميعاً فقتلوا، وبعث عساكره إلى ديوكير- لعله في سنة ثمان عشرة وسبعمائة-
فقاتلوا صاحبها هربال ديو، فقتلوه واستولوا على بلاده، وأقاموا بها شعائر الإسلام،
وأسسوا مسجداً بديوكير، وسموها دولت آباد، ثم بعث عساكره إلى بلاد المعبر، فساروا
إليها وقتلوا ونهبوا، ثم ساروا إلى ورنكل وكانت كرسي بلاد دكن، فقاتلوا صاحبها ثم
صالحوه على مال يؤديه.
ولما قتل قطب الدين إخوته ولم يبق من ينازعه ولا من يخرج عليه بعث الله تعالى عليه أكبر
أمرائه وأعظمهم منزلة عنده خسرو خان وكان من أصحاب قطب الدين رجل يسمى
قاضي خان وهو صاحب مفاتيح القصر، وكان يكره أفعال خسرو خان ويسوءه ما يراه من
إيثاره للكفار الهنديين وميله إليهم فإن أصله كان منهم، ولا يزال يلقي ذلك إلى قطب الدين،
فلا يسمع منه لما أراد الله قتله على يديه، فلما كان في بعض الأيام قال خسرو خان
للسلطان: إن جماعة من الكفار يريدون أن يسلموا، فقال السلطان: ائتني بهم، فقال: إنهم
يستحيون أن يدخلوا عليك نهاراً لأجل أقربائهم وأهل ملتهم، فقال له: ائتني بهم ليلاً، فجمع
خسرو خان جماعة من شجعان الوثنيين وذلك في أوان الحر والسلطان ينام فوق سطح
القصر ولا يكون عنده في ذلك الوقت إلا بعض الفتيان، فلما دخلوا الأبواب الأربعة وهم
شاكون في السلاح ووصلوا إلى الباب الخامس وعليه قاضي خان أنكر شأنهم وأحس
بالشر فمنعهم من الدخول فهجموا عليه وقتلوه، وعلت(2/192)
الضجة بالباب ودخل الوثنيون فقتلوا
السلطان وقطعوا رأسه ورموا به من سطح القصر إلى صحنه، وكان ذلك في خامس ربيع
الأول سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، كما في تاريخ فرشته.
مجاهد شاه البهمني
الملك المؤيد مجاهد شاه بن محمد شاه بن علاء الدين حسن البهمني السلطان المجاهد في
سبيل الله الغازي قام بالملك بعد والده بأرض دكن في سنة ست وسبعين وسبعمائة، وكان
فاضلاً شجاعاً مقداماً باسلاً لم يكن له نظير في زمانه في الشدة والقوة والبطش، فتح
الفتوحات العظيمة، وسار بعساكره إلى بيجانكر وقاتل صاحبها كشن راي وقتل الوثنيين
وغنم الأموال، ثم قتل عند رجوعه إلى كلبركه، قتله عمه داود بن الحسن، وكان يسخط
عليه لأنه سبه في تقصير صدر منه في أثناء القتال، فاغتاله وقتله على غفلة منه، ثم ولي
مكانه في الملك، وكان ذلك ليلة السابع من ذي الحجة الحرام سنة تسع وسبعين وسبعمائة،
كما في تاريخ فرشته.
الشيخ مجد الدين الملتاني
الشيخ العالم الفقيه مجد الدين الملتاني أحد العلماء المعروفين بالفضل والصلاح، كان يدرس
ويفيد بمدينة ملتان، قرأ عليه الشيخ جلال الدين حسين بن أحمد الحسيني البخاري الأجي
ولازمه سنة كاملة بمدينة ملتان، كما في جامع العلوم.
الشيخ محمد بن أحمد الدهلوي
الشيخ الصالح محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن أبي أحمد بن مودود الجشتي الدهلوي
المشهور بمحمد الزاهد كان من نسل الشيخ قطب الدين مودود الجشتي رحمه الله، ولد
ونشأ بدار الملك دهلي، وأخذ عن أبيه عن جده وهلم جراً، وأخذ عنه الشيخ ركن الدين
مودود النهروالي الكجراتي، وهذه الطريقة الوحيدة في الهند تصل إلى مشايخ جشت بغير
واسطة الشيخ معين الدين حسن السجزي الجميري رحمه الله.
الشيخ نظام الدين محمد بن أحمد البدايوني
الشيخ الإمام العالم الكبير العلامة صاحب المقامات العلية والكرامات المشرقة الجلية نظام
الدين محمد بن أحمد بن علي البخاري البدايوني أحد الأولياء المشهورين بأرض الهند،
انتهت إليه الرياسة في دعاء الخلق إلى الله تعالى، والتسليك في طريق العبادة، والانقطاع عن
الدنيا مع التضلع من العلوم الظاهرة والتبحر في الفضائل الفاخرة.
ولد بمدينة بدايون في سنة ست وثلاثين وستمائة، وتوفي والده في صغر سنه فتربى في حجر
أمه، واشتغل بالعلم، وقرأ الفقه والأصول والعربية على الشيخ علاء الدين الأصولي، ثم
سافر إلى دهلي، وكان في الخامسة عشرة من سنه فقرأ الكتب الدرسية على أساتذتها،
منهم الشيخ شمس الدين الخوارزمي، وحفظ عنه أربعين مقامة من المقامات للحريري، ثم
قرأ المشارق للصغاني على الشيخ كمال الدين محمد الزاهد الماريكلي وحفظه كفارة عن
المقامات، ثم سافر إلى أجودهن وأخذ عن الشيخ الكبير فريد الدين مسعود الأجودهني
القرآن الكريم وعوارف المعارف وكتاب التمهيد للشيخ أبي شكور السالمي، ولبس منه
الخرقة وصحبه مدة، وأجازه الشيخ في سنة تسع وستين وستمائة وأذن له إلى دهلي وأمره
أن يقيم بها فرجع وأقام بدهلي في أمكنة عديدة يدور في محلاتها طالباً العزلة حتى أقام
بغياث بور واشتغل بها بالمجاهدة من الصيام والقيام والذكر والفكر في الأربعينات على
طريق السادة المشايخ الجشتية وكان شيخه فريد الدين أوصاه عند توديعه أن يحفظ القرآن(2/193)
الكريم وأن يصوم دائماً وقال: إن الصوم نصف الطريق، فلازمه وحفظ القرآن وانقطع إلى الله
سبحانه بقلبه وقالبه مع الزهد والعبادة والعفاف والقنوع والتوكل والإيثار وسائر الأخلاق
المرضية، ولقد أحله الله تعالى من الولاية محلاً لا يرام ما فوقه، وهدى به في عهده ثم
بأصحابه من بعده خلقاً لا يحصيهم إلا من أحصى رمل عالج، فلا ترى ناحية من نواحي
المسلمين من بلاد الهند إلا وقد نمت فيها طريقته وجرى على ألسنة أهلها ذكره، إليه
ينتمون وبه يتبركون.
وكان إماماً مجاهداً زاهداً صاحب الترك والتجريد يقوم الليل ويصوم النهار، لم ينكح امرأة،
ولم يبن داراً، ولم يدخر شيئاً، ولم يرض بلقاء الملوك والسلاطين مع إلحاحهم على ذلك وشدة
توقهم إليه، قال الكرماني في سير الأولياء إن جلال الدين فيروز الخلجي كان يريد أن يلاقيه
وهو يمنعه من ذلك فأراد أن يدخل عليه بغتة بغير إذن، فلما اطلع الشيخ على ذلك خرج
من دهلي وذهب إلى أجودهن قبل أن يحضر الملك عنده، وكذلك أرسل إليه علاء الدين
محمد شاه الخلجي كتاباً يشتمل على بعض مهمات الأمور ودعاه يستشيره في بعض المصالح،
فأبى وقال: إن كان السلطان لا يحب أن أقيم في ملكه فيظهر ذلك من غير تورية فإن أرض
الله واسعة، فأرسل إليه السلطان ابنه واعتذر من مخاطبته إياه في تلك الأمور واستأذن في
حضوره لديه، فأبى الشيخ، ولما أصر السلطان على ذلك قال: إن في داري بابين يدخل
السلطان من باب وأخرج من الباب الآخر.
ومن ذلك ما روى أن قطب الدين بن علاء الدين الخلجي كان معتاداً أن يحضر العلماء
والمشايخ في غرة كل شهر للتهنئة، وكان الشيخ لا يذهب بنفسه النفيسة بل يذهب خادمه
إقبال نيابة عنه، فاغتاظ السلطان منه وقال: إن لم يحضر الشيخ بنفسه في الشهر القابل نفعل
به ما نشاء، فاغتم الناس وكانوا يتناجون بينهم والشيخ كان جذلاً رخي البال فارغ الخاطر
لا يرى عليه أثر الحزن حتى استهل الشهر وقتل السلطان المذكور في تلك الليلة.
قال الكرماني: إن غياث الدين تغلق شاه لما استقل بالملك حرضه بعض العلماء على أن
ينكر على الشيخ استماع الغناء، والسلطان يتأخر عنه ويقول: كيف أجترئ على ذلك؟
فإنه مع جلالته في العلم والعمل والتقوى والعزيمة كيف يرتكب الحرام، فعرضوا عليه الفتوى
التي رتبها الفقهاء على القاضي حميد الدين الناكوري في استماع الغناء، فأمر السلطان
باحضار الشيخ للمناظرة بمحضر من الناس، فقبله الشيخ وحضر ذلك المجلس المحفوف
بالعلماء والمشايخ والصدور والقضاة، فأقبل عليه القاضي جلال الدين الولوالجي وطفق
يطعن عليه ويشنع عليه استماع الغناء، وكان الشيخ يسمعه بالتحمل والسكينة حتى أخذ
القاضي في الزجر والتوبيخ إلى الغاية، فقال الشيخ: لعلك تقول ذلك بلسان الحكومة وإنك
معزول عنها، فسكت القاضي، وقيل: إنه عزل عن خدمته بعد اثني عشر يوماً، ثم أقبل
عليه حسام الدين شيخ زاده ونحا نحو القاضي المذكور فقال الشيخ: إن ذلك الكلام بمعزل
عن دأب المناظرة فليكن عمود البحث متعيناً أولاً، ثم سأله عن معنى الغناء، فقال: لا
أدري ما هو ولكني أعلم أنه حرام عند العلماء، فقال الشيخ: إن كنت لا تعلم ما هو
فلست لي بالمخاطب في البحث والمناظرة، ثم كثر اللغط وقال القاضي كمال الدين: إنه صح
عن الإمام الأعظم أنه قال: السماع حرام والرقص فسق، فقال الشيخ: كلا! لم يصح ذلك عن
الإمام، ثم جاء الشيخ علم الدين سليمان الملتاني فرفع السلطان تلك القصة إليه وحكمه في
ذلك، فقال: إني صنفت في ذلك رسالة وبينت فيها دلائل الحل والحرمة وقضيت فيه بأنه
حلال لمن يسمع بالقلب وحرام لمن يسمع بالنفس، فقال السلطان: إنكم سرتم إلى بلاد الروم
والشام وبغداد هل يمتنع المشايخ عن استماع الغناء في تلك البلاد أم لا؟ فقال: لا، فإن
المشايخ يستمعون الغناء بالدف من غير نكير عليه، فقال القاضي جلال الدين المذكور:
ينبغي للسلطان أن ينصر مذهب الإمام الأعظم رحمه الله ويحكم بالمنع عنه، فقال الشيخ
نظام الدين: لا ينبغي له أن يحكم بشيء قبل أن تفصل القضية، ثم لما كانت أدلة التضليل
لمن يقول بالتحليل ظاهرة البطلان رجع البحث إلى الحل والحرمة، ثم آل إلى أولوية الترك أو
الفعل، وكان من أول الضحى إلى الزوال ثم انفض المجلس وأذن له تغلق شاه بالرجوع مراعياً
للأدب والاحترام، فلما رجع(2/194)
الشيخ إلى داره وفرغ من صلاة الظهر أمر باحضار القاضي
محي الدين الكاشاني والقاضي ضياء الدين البرني وخسرو بن سيف الدين الدهلوي وقال:
إني عجبت اليوم من جرأة الفقهاء كيف أنكروا الأحاديث وقالوا: إن الرواية الفقهية مقدمة
عليها، وبعضهم قالوا: إن ذلك الحديث متمسك للشافعي وهو عدو لعلمائنا فلا نستمعه ولا
نعتقده، وقالوا ذلك بمحضر الصدور والقضاة، فكيف يصح اعتقادهم في الأحاديث! فإن
رضى السلطان بها ومنع عن رواية الحديث أخاف أن يحل عليهم غضب الله سبحانه
ويهلك الحرث والنسل بسوء اعتقاد العلماء بالحديث، قال الكرماني: وقد وقع ما قال الشيخ
بعد بضع سنين من يد محمد شاه تغلق، فإنه قتل من السادة والأشراف ما لا يحصر بحد
وعد، ثم أخرج الناس من دهلي إلى دولت آباد فلم يبق في دهلي أحد، ومضت على ذلك
شهور وأعوام وكان ذلك بعد وفاة الشيخ.
قال الكرماني في سير الأولياء إنه كان حنفياً ولكنه كان يجوز القراءة بالفاتحة خلف الإمام
في الصلاة وكان يقرؤها في نفسه، فعرض عليه بعض أصحابه ما روى: إني وددت أن الذي
يقرأ خلف الإمام في فيه جمرة، فقال: وقد صح عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا صلاة لمن لم
يقرأ بفاتحة الكتاب، فالحديث الأول مشعر بالوعيد والثاني ببطلان الصلاة لمن لم يقرأ
بالفاتحة، وإني أحب أن أتحمل الوعيد ولا أستطيع أن تبطل صلواتي، على أنه قد صح في
الأصول أن الأخذ بالأحوط والخروج من الخلاف أولى، وكان رحمه الله يجوز صلاة الجنازة
على الغائب ويستدل عليه بالحديث المشهور، وكان يقول: إذا سمعتم بالحديث ولم تجدوه في
الصحاح فلا تقولوا: إنه مردود، بل قولوا: إنا ما وجدناه في الكتب المتلقاة بالقبول.
وكان يستمع الغناء بالدف وإذا أراد أن يستمع يقل في طعام الإفطار قبل ذلك بيومين، وكان
إفطاره بمقدار قليل لا يستطيع الرجل أن يعتاده، وكان مغنيه ذا دين، وكان تواجده أن يقوم
على سجادته ويبكي بكاء شديداً تبل دموعه المناديل، وكان يحب أن يخفي على الناس
بكاءه، وقلما رآه الناس باكياً وإنما يعرفون ذلك ببل المناديل، فكان يمسحها بيده ومنديله،
ولم يسمع منه في ذلك الحال صوت التأوه قط، وكان يحترز عن المزامير ويمنع أصحابه عن
ذلك ويقول: إنها حرام في الشريعة المطهرة، وكان يقول: إن السماع على أربعة أقسام: حلال
وحرام ومكروه ومباح، فإن كان المستمع له ميلان إلى الحقيقة فله مباح، وإن كان له ميلان
إلى المجاز فله مكروه، وإن كان قلبه متعلقاً بالمجاز بأسره فعليه حرام، وإن كان قلبه متعلقاً
بالحقيقة بأسرها فله حلال، وكان يقول: إن للسماع آداباً من حيث المستمع والمسمع
والمسموع وآلة السماع، فلا بد أن يكون المستمع مائلاً إلى الحق، والمسمع رجلاً صالحاً لا
امرأة ولا أمرد، والمسموع خالياً عن الهزل، وآلة السماع لا تكون محرمة كالسنك والرباب
وغيرهما من المعازف والمزامير، ويقول: لا بد أن يكون المجلس خالياً من غير الصلحاء،
انتهى.
وقد ذكره علي بن سلطان القاري المكي في كتابه الأثمار الجنية في أسماء الحنفية وقال: إنه
شيخ فقيه علماً وحالاً، وإليه المنتهى في دعاء الخلق إلى الله تعالى وتسليك طريق العبادة
والانقطاع عن علائق الدنيا، هذا مع التضلع من العلوم الظاهرة والتبحر في الفضائل الفاخرة،
ومكاشفاته والخوارق التي ظهرت على يده ولسانه أكثر من أن يطمع في إحصائها بقلم
ولسان، وقبره اليوم مقصد جميع أهل تلك البلاد من الحاضر والباد، وقلد المسلمون في
تعظيمه الكفار فيقصدونه للتكريم والزيارة، انتهى.
وقد ذكره مجد الدين الفيروز آبادي صاحب القاموس في كتابه الألطاف الخفية في أشراف
الحنفية وذكره عبد الرحمن الجامي في كتابه نفحات الأنس وحضرات القدس.(2/195)
وصنف كثير من العلماء في أخباره كتباً مستقلة أحسنها سير الألياء وجمع أكثر أصحابه
ملفوظاته أشهرها فوائد الفؤاد.
مات رحمه الله تعالى في سنة خمس وعشرين وسبعمائة وله تسع وثمانون سنة، ودفن بمدينة
دهلي في قاع خارج المدينة، بنى فيه محمد شاه تغلق ومن بعده من الملوك الأبنية الرفيعة،
وقبره مشهور ظاهر يزار ويتبرك به.
الشيخ محمد بن إسحاق الدهلوي
الشيخ العالم الصالح محمد بن إسحاق بن علي بن إسحاق الحسيني البخاري الدهلوي كان
ابن بنت الشيخ فريد الدين مسعود العمري الأجودهني، توفي والده في صغر سنه، فاستقدمه
الشيخ نظام الدين محمد البدايوني إلى دهلي مع أخيه موسى وأمهما، فتربى في حجر الشيخ
وحفظ القرآن، وقرأ العلم على الشيخ أحمد النيسابوري وعلى غيره من العلماء، وأخذ
الطريقة عن الشيخ نظام الدين المذكور ولازمه مدة حياة الشيخ.
وكانت له معرفة بالإيقاع والنغم وبراعة في الموسيقى والشعر والفنون الحكمية، له أنوار
المجالس كتاب جمع فيه ملفوظات الشيخ.
مات في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، كما في خزينة الأصفياء.
الشيخ محمد بن أحمد المعبري
الشيخ الفقيه محمد بن أحمد بن محمد بن منصور جمال الدين المعبري أحد الرجال
المعروفين بالفضل والصلاح، أخذ الطريقة عن الشيخ جلال الدين حسين بن أحمد البخاري
الجي وصحبه مدة من الزمان، فأجازه الشيخ وكتب له الإجازة، وأوصاه بما أوصى به
مشايخه، كما في خزانة الفوائد.
وكانت وفاته بمدينة دهلي في حياة شيخه، كما في جامع العلوم.
القاضي محمد بن البرهان الهانسوي
الشيخ الفاضل محمد بن البرهان القاضي كمال الدين الهانسوي أحد كبار الفقهاء الحنفية،
قرأ العلم على خاله الشيخ العلامة فخر الدين الهانسوي مشاركاً للشيخ فخر الدين الزرادي،
وجد في البحث والاشتغال حتى برع في العلم وتأهل للفتوى والتدريس، فولي القضاء حتى
صار أقضى قضاة الهند في عهد تغلق شاه، واستقام على تلك الخدمة الجليلة إلى آخر
عهد محمد شاه تغلق، كان محمد شاه المذكور يقربه إلى نفسه مع غشمه وجوره، كما في
كتب الأخبار.
محمد بن تغلق شاه الدهلوي
أبو مجاهد فخر الدين محمد بن تغلق شاه التركي الدهلوي السلطان الجائر المشهور
بالعادل.
ولد ونشأ بأرض الهند، وكان أبوه تركياً من مماليك صاحب الهند، فتنقل إلى أن ولي
السلطنة واتسعت مملكته جداً، وكان هذا الملك من عجائب الزمن وسوانح الدهر، لم ير
مثله في الملوك والسلاطين في بذل الأموال الطائلة وسفك الدماء المعصومة وفتح الفتوحات
الكثيرة وتوسيع المملكة العظيمة، وسنذكر من أخباره عجائب لم يسمع بمثلها عمن تقدمه
مما رأى الشيخ محمد بن بطوطة المغربي بعينه وكان ساح بلاد الهند ودخل دهلي في عهده
وولي القضاء.
قال ابن بطوطة في كتاب الرحلة: إنما أذكر منها ما حضرته وشاهدته وعاينته ولا سيما
جوده على الغرباء، فإنه يفضلهم على أهل الهند ويؤثرهم ويجزل لهم الإحسان ويسبغ
عليهم، ومن إحسانه إليهم أن سماهم الأعزة ومنع أن يدعو الغرباء وقال: إن الإنسان إذا
دعى غريباً انكسر خاطره وتغير حاله.
فمن ذلك أنه قدم عليه ناصر الدين الترمذي الواعظ وأقام تحت إحسانه مدة عام، ثم
أحب الرجوع إلى وطنه فأذن له في ذلك، ولم يكن يسمع وعظه فأمر أن يهيأ له منبر من
الصندل الأبيض المقاصري وجعلت مساميره وصفائحه من الذهب وألصق بأعلاه حجر
ياقوت عظيم وخلع على ناصر الدين خلعة مرصعة بالجوهر ونصب له المنبر فوعظ وذكر،
فلما نزل عن(2/196)
المنبر قام السلطان إليه وعانقه وأركبه على فيل وضربت له سراجة من الحرير
الملون وصيوانها من الحرير وخباؤها أيضاً كذلك، فجلس الواعظ فيها وكان بجانبها أواني
الذهب أعطاه السلطان إياها، وذلك تنور كبير بحيث يسمع في جوفه الرجل القاعد وقدران
وصحاف، كل ذلك من الذهب، وقد كان أعطاه عند قدومه مائة ألف دينار،
ومن ذلك أنه وفد عليه غياث الدين محمد بن عبد القاهر بن يوسف ابن عبد العزيز بن
الخليفة المستنصر بالله العباسي، فلما وصل إلى بلاد السند بعث السلطان من يستقبله،
ولما وصل إلى سرستي بعث لإستقباله القاضي كمال الدين الهانسوي وجماعة من الفقهاء،
ثم بعث الأمراء لاستقباله، فلما وصل إلى خارج الحضرة خرج بنفسه واستقبله، ولما دخل
دار الملك أنزله بدار الخلافة سيرى في القصر الذي بناءه السلطان علاء الدين الخلجي.
وأعد له فيه جميع ما يحتاج إليه من أواني الذهب والفضة حتى من جملتها مغتسل يغتسل
فيه من ذهب، وبعث له أربعمائة ألف دينار لغسل رأسه على العادة وبعث له جملة من
الفتيان والخدم والجواري، وعين لنفقته كل يوم ثلاثمائة دينار وبعث له زيادة إليها عدداً من
الموائد بالطعام الخاص، وأعطاه جميع مدينة سيرى أقطاعاً وجميع ما احتوت عليه من الدور
وما يتصل بها من بساتين المخزن وأرضه، وأعطاه مائة قرية، وأعطاه حكم البلاد الشرقية
المضافة لدهلي، وأعطاه ثلاثين بغلة بالسروج المذهبة ويكون علفها من المخزن.
ومما يحكي من تواضع السلطان وإنصافه أنه ادعى عليه رجل من كبار الوثنيين أنه قتل
أخاه من غير موجب ودعاه إلى القاضي، فمضى على قدميه ولا سلاح معه إلى مجلس
القاضي، فسلم وخدم وكان قد أمر القاضي قبل أنه إذا جاءه إلى مجلسه فلا يقوم له ولا
يتحرك، فصعد إلى المجلس ووقف بين يدي القاضي، فحكم عليه أن يرضى خصمه من دم
أخيه، فأرضاه.
ومن ذلك أنه ادعى صبي من أبناء الملوك عليه أنه ضربه من غير موجب ورفعه إلى
القاضي، فتوجه الحكم عليه بأن يرضيه بالمال إن قبل ذلك وإلا أمكنه القصاص، فعاد
لمجلسه واستحضر الصبي وأعطاه عصا وقال: وحق رأسي أن تضربني! فأخذ الصبي
العصا وضربه بها إحدى وعشرين ضربة، وذلك مما شاهده ابن بطوطة، وإني رأيت الكلاه
قد طارت عن رأسه.
ومما يحكي في اشتداده في إقامة الشرع ورفع المغارم والمظالم أنه كان شديداً في إقامة الصلاة
آمراً بملازمتها في الجماعات، يعاقب على تركها أشد العقاب، ولقد قتل في يوم واحد تسعة
رجال على تركها كان أحدهم مغنياً، وكان يبعث الرجال الموكلين بذلك إلى الأسواق، فمن
وجد بها عند إقامة الصلاة عوقب حتى انتهى إلى عقاب الستائرين الذين يمسكون دواب
الخدام إذا ضيعوا الصلاة وأمر أن يطالب الناس بعلم فرائض الوضوء والصلاة وشروط
الإسلام، فكانوا يسألون عن ذلك، فمن لم يحسنه عوقب، وصار الناس يتدارسون ذلك
ويكتبونه، ومما قيل في ذلك إنه أمر أخاه أن يكون قعوده مع قاضي القضاة في قبة مرتفعة
مفروشة بالبسط، فمن كان له حق على أحد من كبار الأمراء وامتنع من أدائه لصاحبه
يحضره رجال أخيه عند القاضي لينصفه.
ومما فعل ذلك أنه أمر برفع المكوس عن بلاده، وأن لا يؤخذ من الناس إلا الزكاة والعشر
خاصة، وصار يجلس بنفسه للنظر في المظالم في كل يوم اثنين وخميس، ولا يقوم بين يديه في
ذلك اليوم إلا أمير حاجب وخاص حاجب وسيد الحجاب وشرف الحجاب لا غير، ولا
يمنع أحد ممن أراد الشكوى من المثول بين يديه، وعين أربعة من الأمراء الكبار يجلسون في
الأبواب الأربعة لأخذ القصص من المشتكين، فإن أخذ الأول فحسن وإلا أخذه الثاني أو
الثالث أو الرابع، وإن لم يأخذوه مضى إلى قاضي المماليك، فإن أخذه منه وإلا شكا إلى
السلطان، فإن صح عنده أنه مضى إلى أحد منهم فلم يأخذه منه أدبه وكل ما يجتمع من
القصص في سائر الأيام يطالعه بعد العشاء الآخرة.(2/197)
وأما فتكات هذا السلطان وما نقم من أفعاله فلا تسأل عن ذلك، فإنه كان من تواضعه
وإنصافه ورفقه بالمساكين وكرمه الخارق للعادة كثير التجاسر على إراقة الدماء، لا يخلو بابه
عن مقتول إلا في النادر، كان يعاقب على الصغيرة والكبيرة، ولا يحترم أحداً من أهل العلم
والصلاح والشرف، وفي كل يوم يرد عليه من المسلسين والمغلولين والمقيدين مئون، فمن كان
للقتل قتل أو للعذاب عذب أو للضرب ضرب.
فمن ذلك قتله لأخيه مسعود خان، أمه كانت بنت السلطان علاء الدين الخلجي، وكان
من أجمل الناس فاتهمه بالقيام عليه، وسأله عن ذلك، فأقر خوفاً من العذاب، فإنه من أنكر
ما يدعيه عليه يعذب، فيرى الناس أن القتل أهون من العذاب، فضرب عنقه في وسط
السوق وبقي مطروحاً هنالك ثلاثة أيام، وكانت أم هذا المقتول قد رجمت في ذلك الموضع
قبل ذلك بسنتين لاعترافها بالزنا.
ومن ذلك أنه عين فرقة من العسكر تتوجه لقتال الكفار ببعض الجبال المتصلة بحوز دهلي،
فخرج مظم العسكر بقائده وتخلف قوم منهم، فكتب القائد إليه يعلمه بذلك، فأمر أن يطاف
بالمدينة ويقبض على من وجد من أولئك المتخلفين، ففعل ذلك وقبض على ثلاثمائة وخمسين
منهم، فأمر بقتلهم جميعاً فقتلوا.
ومن ذلك أنه أراد أن يستخدم الشيخ شهاب الدين الجامي الذي كان من كبار المشايخ،
فشافهه بذلك في مجلسه العام فامتنع الشيخ من الخدمة، فغضب عليه وأمر بنتف لحيته
ونفاه إلى دولت آباد، فأقام بها سبعة أعوام، ثم بعث إليه وأكرمه وأذن له بالإقامة في
الحضرة، ثم بعث إليه بعد مدة من الزمان، فامتنع من إتيانه وقال: لا أخدم ظالماً، فقيده
بأربعة قيود وغل يديه، وأقام كذلك أربعة عشر يوماً لا يأكل ولا يشرب، ثم أمر أن يطعم
الشيخ خمسة أسيار من العذرة، فمدوه على ظهره وفتحوا فمه بالكلبتين وحلوا العذرة
وسقوه ذلك، ثم ضرب عنقه.
ومن ذلك أنه أمر فقيهين من أهل السند أن يمضيا مع أمير عينه إلى بعض البلاد وقال
لهما: سلمت أحوال البلاد والرعية لكما ويكون هذا الأمير معكما يتصرف بما تأمرانه به،
فقالا له: إنما نكون كالشاهدين عليه ونبين له وجه الحق ليتبعه، فقال لهما: إنما قصدتما أن
تأكلا أموالي وتضيعاها وتنسبا ذلك إلى هذا التركي الذي لا معرفة له، فقالا: حاشا لله!
ما قصدنا هذا، فقال: إذهبوا بهما إلى النهاوندي- وكان الموكل بالعذاب- وقال لزبانيته:
أذيقوهما بعض شيء، فألقيا على أقفائهما، وجعل على صدر كل واحد منهما صفيحة
حديد محماة، ثم قلعت بعد هنيهة فذهب بلحم صدورهما، ثم أخذ البول والرماد فجعل
على تلك الجراحات، فأقرا على أنفسهما أنهما لم يقصدا إلا ما قاله السلطان واعترفا عند
القاضي، فسجل على العقد وكتب فيه أن اعترافهما كان من غير إكراه وإجبار فقتلا.
ومن أعظم ما نقم عليه إجلاؤه لأهل دهلي عنها وسبب ذلك أنهم كانوا يكتبون بطائق
فيها شتمه وسبه ويكتبون عليها: وحق رأس السلطان ما يقرؤها غيره! ويرمون بها في
القصر ليلاً، فإذا فضها وجد فيها شتمه وسبه، فعزم على تخريب دهلي واشترى من أهلها
جميعاً دورهم ومنازلهم ودفع لهم ثمنها، وأمرهم بالانتقال إلى دولت آباد، فأبوا ذلك فنادى
مناديه أن لا يبقى بها أحد بعد ثلاث، فانتقل معظمهم واختفى بعضهم في الدور، فأمر
بالبحث عمن بقي بها فوجد عبيده بأزقتها رجلين أحدهما مقعد والآخر أعمى، فأمر
بالمقعد فرمى بالمنجنيق، وأمر أن يجر الأعمى من دهلي إلى دولت آباد مسيرة أربعين يوماً،
فتمزق في الطريق وقضى نحبه، ولما فعل ذلك خرج أهلها جميعاً وتركوا أثقالهم وأمتعتهم،
وبقيت المدينة خاوية على عروشها، ثم كتب إلى أهل البلاد أن ينتقلوا إلى دهلي ليعمروها،
فخرجت بلادهم ولم تعمر دهلي لاتساعها وضخامتها، وذلك قليل من كثير من فتكاته
نقلتها من كتاب الرحلة للشيخ محمد بن بطوطة المغربي الرحالة، وهو قد دخل الهند في
سنة أربع وثلاثين وسبعمائة فأكرمه محمد شاه وولاه القضاء بمدينة دهلي، ولابن بطوطة
قصيدة في مدح السلطان، منها قوله:(2/198)
إليك أمير المؤمنين المبجلا أتينا نجد السير نحوك في الفلا
فجئت محلا من علائك زائراً ومغناك كهف للزيارة آهلا
فلو أن فوق الشمس للمجد رتبة لكنت لأعلاها إماماً مؤهلا
فأنت الإمام الماجد الأوحد الذي سجاياه حتما أن يقول ويفعلا
ولي حاجة من فيض جودك أرتجي قضاها وقصدي عند مجدك سهلا
أأذكرها أم قد كفاني حياؤكم فإن حياكم ذكره كان أجملا
فعجل لمن وافى محلك زائراً قضا دينه إن الغريم تعجلا
قال القاضي محمد بن علي الشوكاني في البدر الطالع أنه كان جواداً متواضعاً عالماً بفقه
الحنفية مشاركاً في الحكمة، ومن محبته للعلماء أنه أهدى له شخص أعجمي الشفاء لابن
سينا بخط ياقوت الحموي في مجلد واحد، فأجازه بمال عظيم، يقال إن قدره مائتا ألف
مثقال أو أكثر، وورد كتابه على الناصر صاحب مصر في مقلمة ذهب زنتها ألفا مثقال
مرصعة بجوهر قوم بثلاثة آلاف دينار، وجهز إليه مرة مركباً قد ملئ من التفاصيل الهندية
الفاخرة الفائقة وأربعة عشر حقاً قد ملئت من فصوص الماس وغير ذلك، فاتفق أن رسله
اختلفوا فقتل بعضهم بعضاً، فنمى ذلك إلى صاحب اليمن، فقتل الباقين بمن قتلوا واستولى
على الهدية، فبلغ الناصر فغضب وكاتب صاحب اليمن في معنى ذلك، وجرت أمور يطول
شرحها، وكان مع سعة مملكته عنينا كوي على صلبه وهو حدث لعلة حصلت له، ويقال
إن عساكره بلغت ستمائة ألف، وإنه كان له ألف وسبعمائة فيل، وفي خدمته من الأطباء
والحكماء والعلماء والندماء عدد كثير لم يجتمع لغيره، وكان يخطب له على منابر بلاده:
سلطان العالم، إسكندر الزمان، خليفة الله في أرضه، انتهى.
وله أبيات رقيقة رائقة بالفارسية، منها ما أنشأه في مرض موته:
بسيار درين جهان جميديم بسيار نعيم وناز ديديم
اسبان بلند تر نشستيم تركان كران بها خريديم
كرديم بسي نشاط آخر جون قامت ماه نو خميديم
مات سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة.
محمد شاه البهمني
الملك المؤيد محمد بن الحسن البهمني محمد شاه السلطان المجاهد في سبيل الله قام بالملك
بعد والده سنة تسع وخمسين وسبعمائة بأرض دكن، وافتتح أمره بالعدل والسخاء، وسار
إلى بلاد تلنكانه سنة ثلاث وستين، فقاتل أهلها ونهبها وغنم من الذهب والجواهر الثمينة
ما لا يحصى، وعاد إلى كلبركه، ثم صار في سنة أربع وسبعين إلى تلك البلاد، ولما عرف
صاحبها عجزه عن المقاتلة أرسل إليه يطلب المصالحة على مال يؤديه، فأبى محمد شاه ثم
أجابه إلى ذلك على ثلاثمائة فيل ومائتي فرس وثلاثة عشر مائة هن وبلدة كولكنده، فأرسل
إليه كل ذلك صاحبها وأرسل إليه سريراً مرصعاً من الذهب والجواهر، فرجع إلى كلبركه
وأرسل خمس الغنائم إلى الشيخ سراج الدين الجنيدي ليفرقها على من يستحقها من السادة
والمشايخ.
وفي تلك السنة قدم إليه صاحب بيجانكر وأخذ قلعة مدكل عنوة وقتل ثمانمائة من
المسلمين ممن كانوا فيها، فلماس مع محمد شاه اشتعل غضباً وحلف أنه يقتل من الوثنيين مائة
ألف في قصاص المقتولين، ثم جعل ولده المجاهد ولي عهده وأوصى إليه وسار بتسعة آلاف
فارس إلى صاحب بيجانكر وكان معه ثلاثون ألف فارس وتسعمائة ألف راجل، ونهر
كشنه كان عظيماً كثير الزيادة لا يخطر على قلب أحد أن محمد شاه يقدر على عبوره،
وأيده الله سبحانه على العبور فأقام على شاطئه، وألقى الله تعالى الرعب في قلب صاحب
بيجانكر فهابه وبعث الأحمال والأثقال كلها إلى(2/199)
بيجانكر، وأقام بمعسكره ليستشير أصحابه
في الحرب، فإن رضوا بالحرب حاربوه وإلا يذهب إلى بيجانكر ويتحصن بها، والأحمال التي
بعثها إلى بيجانكر لم تتجاوز ميلين لشدة الوحل ذلك اليوم، فلما سمع محمد شاه أنه ينتهز
الفرصة للفرار بكر إليه بعساكره، فتركوا الفيلة والأموال وما كان معهم من الأحمال وفروا إلى
قلعة أودني فأقام محمد شاه في معسكره وقبض على أمواله وأمر بالقتل، فقتل من الوثنيين في
ذلك اليوم سبعين ألفاً من الرجال والنساء والولدان من غير تفريق، وحصل له من المغانم
ألفان من الفيلة وثلاثمائة من عجلات المدافع وسبعمائة من الأفراس ومعها سنكاسن
المرصعة من خاصته.
ثم سار إلى مدكل وأقام بها، ولما انقضت أيام المطر قصد قلعة أودني فلما سمع صاحب
بيجانكر استخلف بها ابن أخيه وذهب إلى ناحية من نواحي بلاده، فسار محمد شاه إلى
بلاد بيجانكر مع المقاتلة، وأرسل الأحمال والأفيال إلى كلبركه وقصد معسكر صاحبها،
فبعث إليه صاحب بيجانكر مقدم عساكره بأربعين ألف فارس وخمسمائة ألف راجل،
وكان عساكر محمد شاه خمسة عشر ألف فارس وخمسين ألف راجل مع ما لحق به من
بعض عساكر الأمراء بعد خروجه عن كلبركه، فالتقوا واقتتلوا وانهزم الوثنيون، وأكثر محمد
شاه في القتل فلم ينج منهم إلا القليل النادر، وأقام بها سبعة أيام، وسار محمد شاه في أثر
صاحب بيجانكر من طريق إلى طريق ومن مضيق إلى مضيق حتى وصل إلى بيجانكر
وحاصرها وضيق على أهلها وأدام الحصار إلى شهر كامل، ثم دبر الحيلة وتمارض وأمر
برجوع العساكر من بيجانكر، فلما سمع المشركون ذلك طمعوا في قتلهم ونهب أموالهم،
فخرج صاحب بيجانكر من القلعة وتعقب المسلمين حتى وصل إلى ماء تمهندره وعبرها
ووصل إلى أرض قفراء، فقام محمد شاه من فراشه وجلس للناس وقت المساء وقويت
عساكره برؤيته فأمرهم أن تجهزوا للحرب، وسار بعساكره في الليل إلى معسكر المشركين
وكانوا مشتغلين بالرقص والغناء، ولم يعلموا بمجيئه إلا حين وقف على رؤوسهم في البكرة،
فاختلت حواسهم وفر كل واحد منهم إلى ناحية من نواحي الأرض وتركوا جميع ما لهم من
الأموال والأحمال، وأمر محمد شاه بقتلهم فقتلوا منهم حينئذ عشرة آلاف، وغنم محمد شاه
أموالاً طائلة، ثم تعقبهم إلى أربعين ميلاً من بيجانكر وقتل ونهب، فاضطروا إلى الصلح
وأرسل كشن راي إلى محمد شاه يطلب الصلح على مال يؤديه عاجلاً، فرجع محمد شاه إلى
كلبركه واشتغل بمهمات الدولة، واستقل بالملك سبع عشرة سنة وتسعة أشهر، وتاب في
آخر عمره من الخمر.
وكانت وفاته في تاسع ذي القعدة الحرام سنة ست وسبعين وسبعمائة، كما في تاريخ
فرشته.
الشيخ محمد بن عبد الرحيم الأرموي
الشيخ الإمام العالم الكبير العلامة محمد بن عبد الرحيم بن محمد الشيخ صفي الدين
الشافعي الهندي الأرموي أحد مشاهير العلماء، ولد بالهند في ربيع الآخر سنة أربع
وأربعين وستمائة، وأخذ عن جده لأمه، وخرج من بلدته في رجب سنة سبع وستين
وستمائة ودخل اليمن، فأكرمه المظفر وأعطاه تسعمائة دينار، ثم حج فأقام بمكة ثلاثة أشهر،
ورأى بها ابن سبعين وسمع كلامه، ثم دخل القاهرة في سنة إحدى وسبعين وستمائة ودخل
البلاد الرومية، وخرج منها سنة خمس وثمانين وستمائة، ودخل دمشق فاستوطنها وسمع
من الفخر ابن البخاري، وقعد في الجامع ودرس بمدارس وكتب على الفتاوي مع الخير
والدين والبر للفقراء، وصنف في أصول الدين الزبدة وفي أصول الفقه النهاية والفائق والرسالة
السبعية.
وقد ذكره تاج الدين السبكي في طبقاته الكبرى والحافظ ابن حجر العسقلاني في الدرر
الكامنة والقاضي محمد بن علي الشوكاني في البدر الطالع والسيد صديق حسن القنوجي
في أبجد العلوم وفي التاج المكلل وغيرهم في غيرها من الكتب.
قال السبكي في طبقاته: إنه كان من أعلم الناس بمذهب أبي الحسن وأدراهم بأسراره
متضلعاً بالأصلين، اشتغل على القاضي سراج الدين صاحب(2/200)
التلخيص وسمع من الفخر ابن
البخاري، روى عنه شيخنا الذهبي، ومن تصانيفه في علم الكلام الزبدة وفي أصول الفقه
النهاية والفائق والرسالة السبعية وكل مصنفاته حسنة جامعة لا سيما النهاية مولده ببلاد
الهند سنة أربع وأربعين وستمائة، ورحل إلى اليمن سنة سبع وستين، ثم حج وقدم إلى
مصر، ثم سار إلى الروم واجتمع بسراج الدين، ثم قدم دمشق سنة خمس وثمانين
واستوطنها ودرس بالأتابكية والظاهرية الجوانية وشغل الناس بالعلم، توفي بدمشق سنة
خمس عشرة وسبعمائة، وكان خطه في غاية الرداءة، وكان رجلاً ظريفاً ساذجاً فيحكى أنه
قال: وجدت في سوق الكتب مرة كتاباً بخط ظننته أقبح من خطي فغاليت في ثمنه
واشتريته لأحتج به على من يدعي أن خطي أقبح الخطوط، فلما عدت إلى بيتي وجدته
بخطي القديم، ولما وقع من ابن تيمية في المسألة الحموية ما وقع وعقد له المجلس بدار
السعادة بين يدي الأمير تنكز وجمع العلماء أشاروا بأن الشيخ الهندي يحضر، فحضر وكان
الهندي طويل النفس في التقرير، إذا شرع في وجه يقرره لا يدع شبهة ولا اعتراضاً إلا أشار
إليه في التقرير بحيث لا يتم التقرير إلا وقد بعد على المعترض مقاومته، فلما شرع يقرر أخذ
ابن تيمية يعجل عليه على عادته وقد يخرج من شيء إلى شيء، فقال له الهندي: ما أراك
يا ابن تيمية إلا كالعصفور حيث أردت أن اقبضه من مكان فر إلى مكان آخر، وكان
الأمير تنكز يعظم الهندي ويعتقده وكان الهندي شيخ الحاضرين كلهم، صدر عن رأيه
وحبس ابن تيمية بسبب تلك المسألة، وهي التي تضمنت قوله بالجهة، ونودي عليه في
البلاد وعلى أصحابه وعزلوا عن وظائفهم، انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة: إنه ولد بالهند في ربيع الآخر سنة أربع وأربعين
وستمائة، وأخذ عن جده لأمه، وخرج من بلدة دهلي في رجب سنة سبع وستين، وقدم
اليمن فأكرمه المظفر وأعطاه تسعمائة دينار، ثم حج فأقام بمكة ثلاثة أشهر ورأى بها ابن
سبعين وسمع كلامه ثم دخل القاهرة، ثم في سنة إحدى وثمانين دخل البلاد الرومية فأقام
بقونية وسيواس وغيرهما، واجتمع بالسراج الأرموي وخدمه وخرج منها سنة خمس
وثمانين، وقدم دمشق فاستوطنها وسمع من الفخر ابن البخاري، وعقد حلقة الإشتغال
بالجامع، ودرس بالرواحية والدولقية والأتابكية وغيرها، وكتب على الفتاوي مع الخير
والدين والبر للفقراء، وصنف في أصول الدين الفائق وفي أصول الفقه النهاية ولما عقد بعض
المجالس لابن تيمية عين الصفي الهندي لمناظرته فقال لابن تيمية في أثناء البحث: أنت مثل
العصفور ينط من هنا إلى هنا، وكان خطه ضعيفاً وحشياً إلى الغاية، والكمال لله، وقال
إنه كان لا يحفظ من القرآن إلا ربعه حتى قيل إنه قرأ المص بفتح الميم وتشديد الصاد، ويقال
إنه كان له ورد من الليل، فإذا استيقظ توضأ ولبس أفخر ثيابه حتى الخف والمهماز ويقوم
يصلي بتلك الهيئة وكانت في لسانه عجمة الهنود باقية إلى أن مات، قال: وكان فيه دين
وتعبد، وله أوراد، وكان حسن الاعتقاد على مذهب السلف، توفي في آخر صفر سنة
خمس عشرة وسبعمائة، انتهى.
وقال الشوكاني في البدر الطالع: ولما عقد بعض المجالس لابن تيمية عين صاحب الترجمة
لمناظرته، فقال لابن تيمية في أثناء البحث: أنت مثل العصفور تزط من هنا إلى هنا، ولعله
قال لما رأى من كثرة فنون ابن تيمية وسعة دائرته في العلوم الاسلامية والرجل ليس بكفء
لمناظرة ذلك إلا في فنونه التي يعرفها وقد كان عرياً من سواها، ولهذا قيل إنه ما كان يحفظ
من القرآن إلا ربعه، حتى نقل عنه أنه قرأ المص، بفتح الميم وتشديد الصاد، انتهى.
وكانت وفاته في آخر صفر سنة خمس عشرة وسبعمائة، كما في الدرر الكامنة.
الشيخ محمد بن كمال الدين الدهلوي
الشيخ الفاضل محمد بن كمال بن علي بن أبي بكر الهندي الدهلوي شمس الدين الحنفي،
قال الفاسي في العقد: هكذا وجدته منسوباً بخط شيخنا ابن سكر، ووجدت بخطه أيضاً
أنه سمع من شيختنا أم الحسن فاطمة، وكان أحد الطلبة يدرس بليغاً كذا(2/201)
وكان يؤم نيابة
عن إمامه شيخنا شمس الدين محمد بن محمود بن محمود الخوارزمي المعروف بالمعيد،
ولازمه مدة وأخذ عنه علم العربية وغيرها، وكان جاور بمكة سنين كثيرة متأهلاً بها حتى
توفي في طاعون كان سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة ودفن بالمعلاة، كما في طرب الأماثل.
محمد بن المبارك الكرماني
الشيخ الصالح محمد بن المبارك بن محمود الحسيني الكرماني ثم الدهلوي أحد الرجال
المعروفين بالفضل والصلاح، ولد ونشأ بمدينة دهلي، وقرأ العلم على الشيخ فخر الدين
الزرادي وعلى غيره من العلماء، وأدرك الشيخ نظام الدين محمداً البدايوني في صباه وحضر
مجلسه ثم أخذ بعد وفاته عن صاحبه الشيخ نصير الدين محمود الأودي، وذهب إلى دولت
آباد في أيام محمد شاه تغلق مع أعمامه وجده لأمه الشيخ شمس الدين محمد الدامغاني، ثم
رجع إلى دهلي ومات بها.
ومن مصنفاته سير الأولياء في أخبار المشايخ الجشتية، لم أر له نظيراً في طبقات المشايخ
يلوح عليه أثر القبول الرحماني، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وكانت وفاته في سنة سبعين وسبعمائة في عهد فيروزشاه، كما في خزينة الأصفياء.
الشيخ محمد بن محمد الصغاني
الشيخ العالم المحدث محمد بن محمد بن سعيد بن عمر بن علي الصغاني العلامة ضياء
الدين الهندي الحنفي، هكذا وجد نسبه بخطه في ثبت له ذكر فيه أنه سمع من الجمال
المطري صحيح البخاري عن أبي اليمن بن عساكر، وقرأ عليه صحيحي البخاري ومسلم
والجامع للترمذي وغير ذلك وعلى قطب بن مكرم الموطا ولبس منه الخرقة وذلك في عشر
الأربعين وسبعمائة بالمدينة وسمع بالقاهرة وغيرها، وأقام بالمدينة سنين يفتي ويدرس، ثم
حصل بينه وبين أميرها منافرة فبعد ذلك أقام بمكة، وتولى تدريس الحنفية الذي قرره الأمير
يلبغا وباشره في شوال سنة ثلاث وستين وسبعمائة، ومات هناك يوم الجمعة الخامس من ذي
الحجة سنة ثمانين وسبعمائة وقد جاوز الثمانين، وكان عارفاً بمذهبه وأصوله مع مشاركة في
العربية وغيرها، وعنده لمذهبه عصبية مفرطة عيبت عليه لما فيها من الغض من الإمام
الشافعي، ذكره الفاسي في العقد، كما في طرب الأماثل.
الشيخ محمد بن محمود الباني بتي
الشيخ الإمام العالم الصالح محمد بن محمود العثماني الشيخ جلال الدين الباني بتي المشهور
بكبير الأولياء، كان من الأولياء السالكين المرتاضين، أخذته الجذبة الربانية في صغر سنه
فساح البلاد وأدرك المشايخ الكبار وصحبهم، وأخذ الطريقة عن الشيخ شمس الدين
التركي الباني بتي وصحبه مدة من الزمان، ثم قام مقامه في الإرشاد والتلقين، أخذ عنه
الشيخ أحمد عبد الحق الردولوي وخلق آخرون، ومن مصنفاته زاد الأبرار في الحقائق
والمعارف، وسعد بالحج والزيارة مرتين، ومات في الثالث عشر من ربيع الأول سنة خمس
وستين وسبعمائة بمدينة باني بت فدفن بها، كما في سير الأقطاب.
الشيخ محمد بن محمود الهانسوي
الشيخ العالم الصالح محمد بن محمود الغريب الشيخ برهان الدين بن ناصر الدين الهانسوي،
كان ابن أخت الشيخ جمال الدين أحمد الخطيب النعماني الهانسوي، ولد بمدينة هانسي
سنة أربع وخمسين وستمائة ونشأ بها، ثم سافر إلى دار الملك وقرأ الفقه والأصول والعربية
على أساتذة عصره، ثم استسعد بصحبة الشيخ نظام الدين محمد البدايوني وبايعه، لعله في
سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وأقام بدهلي مدة حياة شيخه ثم رحل إلى دولت آباد سنة
ثمان عشرة- وقيل عشرين- وسبعمائة، فأقام بها مدة حياته.
وكان عالماً فقيهاً زاهداً حصوراً صاحب وجد وحالة، انتفع به ناس كثيرون وأخذوا
عنه، منهم الشيخ زين الدين داود بن الحسين الشيرازي والشيخ فريد الدين وكمال الدين
الكاشاني وركن الدين بن عماد الدين الكاشاني وخلق آخرون.
وقد جمع الشيخ ركن الدين ملفوظاته في نفائس(2/202)
الأنفاس وأخوه حماد ابن العماد في أحسن
الأقوال وأخوه المجد بن العماد في غريب الكرامات ولها تتمة سماها ببقية الغرائب ومصر
باسمه نصير خان صاحب خانديس بلدة في أرض دكن سماها برهان بور.
وكانت وفاته يوم الأربعاء الحادي عشر من صفر سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة فدفن
بالروضة، كما في روضة الأولياء للبلكرامي.
الشيخ محمد بن نظام الدين البهرائجي
الشيخ الصالح المعمر محمد بن نظام الدين بن حسام الدين بن فخر الدين بن يحيى بن أبي
طالب بن محمود بن علي بن يحيى بن فخر الدين بن حمزة بن حسن بن عباس بن محمد بن
علي بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الحسيني البهرائجي أبو جعفر المشهور بأمير ماه، كان
من كبار المشايخ، أخذ الطريقة عن الشيخ علاء الدين الحسيني الجيوري ولبس منه الخرقة،
وصحب الشيخ جمال الدين الكوئلي وأخذ عنه.
ومن مصنفاته المحجوب في عشق المطلوب في المعارف بالفارسية، صنفه في أيام فيروزشاه،
وقد لقيه فيروزشاه بمدينة بهرائج واستفاضه، ولقيه السيد أشرف جهانكير السمناني في
تلك البلدة واعترف بفضله وكماله، كما في مرآة الأسرار.
وفي مهر جهانتاب أنه مات في أيام فيروزشاه، وفي خزينة الأصفياء أنه مات في سنة اثنتين
وسبعين وسبعمائة بمدينة بهرائج، فدفن بها.
الشيخ محمد بن محمد الكابلي
الشيخ العالم المحدث محمد بن محمد بن عمر الحنفي الكابلي الهندي، نزيل مكة ودفينها،
ذكره الفاسي في العقد الثمين قال: إنه جاور بمكة مدة حتى مات بها، وسمع بها من عز
الدين بن جماعة سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، قال الفاسي: سألت عنه شيخنا جمال
الدين بن ظهيرة فقال: كان شيخاً مباركاً كتب بخطه كثيراً وكان ينوب عن أبي الفتح في
الإمامة، ومات قبله بمكة، انتهى طرب الأماثل.
الشيخ محمد بن محمد الهندي
الشيخ العالم المحدث محمد بن محمد بن محمد بن سعيد الحنفي شرف الدين بن العلامة
ضياء الدين الهندي، ذكره الفاسي في العقد الثمين، قال: إنه سمع بمكة من ابن حبيب وابن
عبد المعطي وغيرهما، وتوفي سنة ست وسبعين وسبعمائة بالقاهرة، طرب الأماثل.
الشيخ محمد بن محمد البلخي
الشيخ الصالح محمد بن محمد بن عيسى البلخي أشرف الدين بن ركن الدين البهاري
الصوفي الفقيه، أخذ عن الشيخ شرف الدين أحمد بن يحيى المنيري ولازمه مدة، وصنف
له الشيخ شرف الدين شرحاً بسيطاً على آداب المريدين للضياء أبي النجيب عبد القاهر
السهروردي رحمه الله بالفارسية في مجلدات عديدة، وله قصائد في مدح شيخه.
الشيخ محمد بن علي السبزواري
السيد الشريف محمد بن علي بن العلاء بن غياث بن الحسن بن حمزة بن هارون بن عقيل
بن إسماعيل بن علي الأشقر بن جعفر الحسيني السبزواري، المشهور بالحقاني.
قدم الهند وأخذ الطريقة عن الشيخ شعبان الملة علي بن محمد الجهونسوي وتزوج ابنته،
ثم سكن بقرية سيد سراوان، ثم انتقل إلى قرية تنى ديه من أعمال كره، وله ذرية كثيرة في
تلك الناحية، كما في منبع الأنساب.
الشيخ محمد بن أحمد الأصفهاني
السيد الشريف محمد بن أحمد بن جعفر بن فخر الدين بن محمود بن إبراهيم ابن الحسين
بن الإمام علي النقي الحسيني الأصفهاني كان من رجال العلم والطريقة، قدم الهند وأخذ
الطريقة عن الشيخ نصير الدين محمود بن يحيى الحسيني الأودي، وسكن بمدينة كره، وله
ذرية كثيرة في تلك الناحية تعرف(2/203)
بالسادة الأصفهانية وقبره ببلدة كره، كما في منبع
الأنساب.
الشيخ محمد بن محمد الفرشوري
الشيخ الكبير محمد بن محمد الجنيدي ركن الدين بن سراج الدين الفرشوري أحد كبار
الأولياء، كان من نسل سيد الطائفة جنيد البغدادي.
ولد بمدينة بشاور سنة ثمانين وستمائة، ونشأ بها، وسافر إلى البلاد حتى وصل إلى دولت
آباد سنة سبع وسبعمائة، فلازم بها الشيخ علاء الدين علي الجيوري وأخذ عنه الطريقة ثم
سار إلى قرية كورجي وسكن بها، وأسلم على يده خلق كثير من المشركين، وانتقل إلى
كلبركه سنة سبعين وسبعمائة، فاغتنم قدومه محمد شاه بن علاء الدين حسن البهمني
واعتقد فضله وكماله فطابت له الإقامة بها، وكان السلطان يتلقى إشاراته بالقبول.
توفي سنة إحدى وثمانين وسبعمائة في أيام محمود شاه البهمني.
الشيخ محمد بن يحيى الأودي
الشيخ الفاضل الكبير العلامة محمد بن يحيى الشيخ شمس الدين الأودي أحد العلماء
المبرزين في الفقه والأصول والعربية، قرأ العلم على مولانا ظهير الدين البهكري والشيخ فريد
الدين الشافعي الأودي وعلى غيرهما من الأساتذة، وأخذ الطريقة عن الشيخ نظام الدين
محمد البدايوني وصحبه مدة من الدهر، واستخلفه الشيخ في سنة أربع وعشرين
وسبعمائة.
وكان عالماً كبيراً بارعاً في كثير من العلوم والفنون، له مصنفات جليلة في العلوم الشرعية،
منها شمس المعارف وكان متخلقاً بالأخلاق الملكية ذا زهد وترك وتجريد واستقامة، لم
يتزوج قط، وكان لا يرضى بتردد الأغنياء عليه، ولا يلتفت إليهم ويشتغل بالعلم، قال
الكرماني في سير الأولياء إنه كلما كان يتفكر في مسألة كأنه يغوص في ذلك، وكان كريم
النفس جليل الهيئة عظيم الوقار، يكرمه العلماء والمشايخ، ويستفيد منه الأساتذة،
ويفتخرون بالتلمذ له، ويثنون عليه، كما قال الشيخ نصير الدين محمود الأودي فيه رحمه
الله.
سألت العلم من أحياك حقاً فقال العلم شمس الدين يحيى
توفي إلى رحمة الله سبحانه في سنة سبع وأربعين وسبعمائة في عهد شاه تغلق بمدينة
دهلي، فدفن بها.
الشيخ محمد بن يوسف الأجودهني
الشيخ العالم الصالح محمد بن يوسف بن سليمان بن مسعود العمري الشيخ علم الدين
الأجودهني، أحد الرجال المعروفين بالفضل والصلاح.
ولد ونشأ بمدينة أجودهن، وتأدب على والده وأخذ عنه الطريقة، وولي المشيخة بعد
والده، لقيه ابن بطوطة المغربي حين دخل الهند ونزل عند والده بمدينة أجودهن وذكره في
كتابه.
الشيخ ممد بن محمد الدمراجي
الشيخ العالم المحدث محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر الدمراجي الدهلوي
نجيب الدين الحنفي الهندي، هكذا نسبه ابن سكر، كان فاضلاً في مذهبه، وكان يعتمر كل
يوم غالباً مدة إقامته بمكة إلى أن ضعفت قواه، توفي بعد سنة تسعين وسبعمائة بيسير وهو
في عشر السبعيين.
قال الفاسي: سمعت شيخنا قاضي القضاة جمال الدين بن ظهيرة يقول: إن الشيخ نجيب
الدين هذا أخبره أن شيخاً له بالهند وصفه بالعلامة، وقدم مكة واجتمع بالعفيف الدلاصي
مقرئ الحرم ليقرأ عليه، فاعتذر إليه بأنه لا يقرئ العجم لكونهم لا يخرجون الحروف من
مخارجها، فقال: لا عليك أن تسمع قراءتي، فإن رضيت وإلا تركتك، فقال له، اقرأ، فلما
شرع في القراءة فقال له: إني أشم منك رائحة النسب فإلى من تنتسب؟ قال: إلى خالد بن
الوليد، فقال العفيف: وأنا انتسب إليه، وذكر كل منهما نسبه، فاجتمعا في بعض الأجداد،
هذا معنى هذه الحكاية وهي عجيبة وفيها منقبة للشيخ عفيف الدين الدلاصي، وكلام ابن
حزم في الجمهرة يقتضي أن خالد بن الوليد لا عقب له، وانتسب إليه خلق كثير من العلماء،(2/204)
والله أعلم بصحة ذلك، انتهى طرب الأماثل.
القاضي جلال الدين محمد الكرماني
الشيخ الفاضل العلامة القاضي جلال الدين محمد الكرماني أحد العلماء المبرزين في الفقه
والأصول والعربية، اصطفاه فيروزشاه السلطان من سائر القضاة، فولاه الصدارة العظمى
وفوض إليه تولية الأمور الدينية، فكان السلطان المذكور لا يتداخل في شيء من الأمور.
قال البرني في تاريخه: إنه كان بغزارة علمه وفرط ذكائه غزالي عصره ورازي دهره، فوض
إليه السلطان كل ما يتعلق بالشريعة الحقة وكل ما يتعلق بالصلات والجوائز والمناصب في
جميع بلاد الهند، فحصلت له رتبة لم تحصل لغيره من الصدور قبله، انتهى.
شمس الدين محمد الشيرازي
الشيخ العابد الزاهد شمس الدين محمد الشيرازي كان من المعمرين، لقيه محمد ابن بطوطة
المغربي الرحالة بمدينة بهكر من أرض السند في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، وذكره في كتابه
وقال: ذكر لي أن سنه تزيد على مائة وعشرين عاماً، انتهى.
مولانا شمس الدين محمد الدامغاني
الشيخ الفاضل الكبير شمس الدين محمد الدامغاني، أحد الرجال المعروفين بالفضل
والكمال، قرأ العلم على الشيخ شمس الدين الخوارزمي وعلى غيره من الأساتذة بدار الملك
دهلي، قرأ علي الخوارزمي مشاركاً للشيخ نظام الدين محمد البدايوني، ورحل إلى دولت
آباد في أيام محمد شاه تغلق، ولبث بها مدة من الزمان ودرس بها، أخذ عنه الشيخ عين
الدين البيجابوري بدولت آباد.
علاء الدين محمد شاه الخلجي
الملك المؤيد محمد بن مسعود الخلجي السلطان علاء الدين محمد شاه كان ابن أخي
السلطان جلال الدين الخلجي وختنه، أقطعه مدينة كره وما والاها من من البلاد، وذهب
إلى ديوكير حيث لم يبلغ إليه أحد من الملوك في القرون الماضية، وديوكير كانت كرسي بلاد
مالوه ومرهته وكان سلطانها أكبر سلاطين الكفار، فأذعن له سلطانها بالطاعة وأهدى له
هدايا عظيمة، فرجع إلى مدينة كره سالماً ظافراً، ولم يبعث إلى عمه شيئاً من الغنائم فأغرى
الناس عمه به فبعث إليه، فامتنع من الوصول إليه، فقال عمه: أنا أذهب إليه وآتي به فإنه
محل ولدي، فتجهز في عساكره وطوى المراحل حتى حل بساحة مدينة كره وركب النهر
بقصد الوصول إلى ابن أخيه، وركب ابن أخيه أيضاً في مركب ثان عازماً على الفتك به
وقال لأصحابه: إذا أنا عانقته فاقتلوه، فلما التقيا وسط النهر عانقه ابن أخيه وقتله أصحابه
كما أمرهم، واحتوى على ملكه وعساكره، وعاد بعضهم إلى دهلي واجتمعوا على ركن
الدين بن جلال الدين فخرج بقتاله، فهربوا جميعاً إلى علاء الدين وفر ركن الدين إلى السند.
ودخل علاء الدين دار الملك في سنة ست وتسعين وستمائة، واستقام له الأمر عشرين
سنة، ففتح البلاد وسخرها، وقاتل التتر قتالاً شديداً وأكثر الفتك والأسر فيهم فانهزموا إلى
خراسان، ثم سير عساكره إلى كجرات في سنة سبع وتسعين فقاتلوا صاحبها راي كرن،
وقتلوا ونهبوا في تلك البلاد ثم ملكوا نهرواله وما والاها من البلاد، وفر راي كرن إلى
ديوكير واحتمى بصاحبها.
وفي تلك السنة قدم قتلق خواجه عظيم التتر ومعه مائتا ألف فارس، فنهب البلاد وأحرقها
ووصل إلى ظاهر مدينة دهلي، فخرج علاء الدين ومعه ثلاثمائة ألف فارس وألفان وسبعمائة
من الفيلة، فقاتله قتالاً شديداً وهزمه إلى ما وراء النهر، وبعث عساكره إلى رنتهنبور في
سنة تسع وتسعين وستمائة فحاصروها وضيقوا على أهلها، ثم سار علاء الدين بنفسه إلى
تلك القلعة وشدد في القتال وفتحها بعد مدة من الزمان وقتل صاحبها همير ديو ووزيره أنمل
وخلقاً كثيراً من أهله، وخرج عليه في أثناء ذلك رجال من أهله فقتلوا.
ولما رجع إلى مدينة دهلي جمع أصحابه وشاورهم في البغي والخروج، فقالوا: إن أسباب
ذلك أربعة: الأول غفلة الملك عن الناس ومعاملتهم فيما بينهم، والثاني إدمان الخمر
وإعلانه، والثالث مصاهرة الملوك والأمراء فيما بينهم، والرابع إفراط المال في(2/205)
أيدي الناس،
فقام السلطان لدفع الأسباب المذكورة وعين الجواسيس على الناس حتى ضاق عليهم
الكلام في أمر من الأمور في الخلوة ثم أصلح الطرق والشوارع بحيث لا يقدر أحد أن يتعرض
لعجوز في الطريق من منتهى أرض بنكاله إلى بلاد السند، ثم نهى الناس عن شرب الخمر
وأهرقها وكسر الظروف، ونهى الأمراء أن يصاهر بعضهم بعضاً بدون إذنه، ثم توجه إلى
المال وقبض ما كان في أيدي الناس من أقطاع الأرض والقرى وقفاً كان أو ملكاً أو إنعاماً
تبرعاً من الملوك فجعل كلها خالصة له، ومد يده في أموال الناس فأخذها بالمصادرة، ثم
أسس القوانين للمالية ليستوي الضعيف بالقوي: ألف أن يؤخذ النصف من غلات الأرض
لبيت المال على وجه المساحة بغير استثناء، ب أن ما يحصل للمقدم والجودهري أيضاً
يدخل في بيت المال، ج لا يساغ للناس أن يزيدوا على أربع بقرات للزرع وجاموستين وبقرتين
واثني عشر رأساً من المعز سواء كان مقدماً أو جودهرياً أو كان من عامة الناس، د أن
يؤخذ منهم مكس العلف على رؤس الدواب، ثم شدد في تنفيذها حتى استوت الضعفاء
بالأقوياء.
ثم سار بعساكره إلى حصن جتور وكان من أحصن الحصون وأمنعها في بلاد الهند،
ففتحها عنوة في سنة ثلاث وسبعمائة، وبعث عساكره إلى ورنكل من بلاد دكن.
وقدم عساكر التتر العظيمة في تلك السنة فهزمهم، ثم قدم التتر في سنة سبع وسبعمائة
بأربعين ألف فارس ووصلوا إلى أمروهه، فبعث إليهم الغازي ملك تغلق الذي ولي الملك
بعد مبارك شاه فقاتلهم وأكثر الفتك والأسر فيهم وغنم منهم عشرين ألف فرس.
وبعث عين الملك الملتاني إلى بلاد مالوه فقاتل صاحبها وقبض على أجين ومندو ودهار
وجنديري وغيرها من البلاد العظيمة، ثم قدم التتر فبعث الغازي ملك تغلق إليهم فقاتلهم
قتالاً شديداً وهزمهم إلى بلادهم، ثم بعث العساكر إلى ديوكير، ولما عرف صاحبها عجزه
عن المقاتلة خرج منها ولقي مقدم العساكر الاسلامية وأهدى إليه الهدايا الجميلة، ثم جاء
إلى دهلي وأدرك علاء الدين وأذعن له بالطاعة، فأقطعه علاء الدين بلاده وضم إليها بعض
البلاد من إيالة كجرات.
وأما عساكره المبعوثة إلى ورنكل، وكانت كرسي بلاد دكن، فإنهم وصلوا إلى ذلك الحصن
وحاصروه وأداموا الحصار وضيقوا على أهلها وقاتلوهم قتالاً شديداً حتى فتح الله
سبحانه عليهم بالمصالحة على مال يؤديه صاحبها عاجلاً وآجلاً، وكذلك بعث عساكره إلى
بلاد المعبر ففتحوها وأسسوا بها مسجداً وهو أول مسجد أسس بتلك البلاد.
قال محمد قاسم بن غلام علي البيجابوري في تاريخه: إن عدة المعارك العلائين كانت أربعاً
وثمانين وفي كلها ظفر وغنم، وكانت عدة خدمه سبعين ألفاً، سبعة آلاف منهم كانوا بنائين،
انتهى.
ثم إنه أسس قواعد السعر للأطعمة والأقمشة ولكل ما يحتاج إليه الناس، أما وضع
القواعد لسعر الأطعمة فالأولى منها أنه ولي رجلاً من أهل الدين والأمانة على الإحتساب في
سوق الأطعمة لينظر في الأسعار، والثانية أنه أمر أن ما تحصل من زروع الخالصة الشاهانية
من الغلة تخزن في العمالات، فإن ارتفع السعر أو قلت الأطعمة بيعت أطعمة المخزن بثمن
معين، والثالثة أنه أمر المحتسب باحضار التجار وإسكانهم على شاطئ نهر جمنا بمدينة
دهلي وأمرهم أن يأتوا بالأطعمة من نواحي الأرض ويبيعوها بالأسعار التي قررها السلطان،
والرابعة أن يمنع الناس عن الإحتكار ويشدد عليهم إن ثبت ذلك، والخامسة أنه إذا حصد
الزرع فلا يساغ لهم أن يختزنوه بل يبيعونه كله في تلك الساعة غير ما يكفيهم للقوت في تلك
السنة، والسادسة أنه أمر المحتسب أن يعرض عليه كل يوم أسعارهم وكان يتفقد بنفسه
ويسأل عن أسعارهم ويعزرهم إن لم يأتمروا بها.
وأما وضع القواعد لحفظ أسعار الأقمشة فالأولى منها أنه بنى حوانيت عالية البناء عند
الباب البدايوني بمدينة دهلي وأمر أن يسكن به البزازون ويبيعوا الأقمشة(2/206)
بها من الصباح
إلى الظهيرة ولا يبيع أحد في غير ذلك الموضع أصلاً، وسمى تلك الحوانيت سراي عدل،
والثانية أنه وضع دفتراً للبزازين الذين كانوا يأتون بالأقمشة من بلاد أخرى ويبيعون بمدينة
دهلي بالأسعار المعلومة، والثالثة أن من يريد من الأغنياء الأقمشة الثمينة يستأذن من
شحنة السوق أولاً ثم يشتريها لئلا يشتريها البزازون بالأسعار المعهودة ويبيعوها في بلاد
أخرى بغير تلك الأسعار، والرابعة أنه أمر أن يعطي التجار الملتانيون ألفي ألف تنكه
ليجلبوا الأقمشة من بلاد أخرى ويبيعوها في سراي عدل بالأسعار المعهودة.
وأما وضع القواعد لحفظ أسعار الخيل فالأولى منها أنه نهى أرباب الأموال أن يشتروا
الخيل من التجار ونهى التجار، أن يبيعوهم إياها وشدد في تنفيذها، الثانية أنه شدد على
السماسرة إن ثبت أنهم توسطوا في الزيادة على الأسعار المعهودة، والثالثة أنه كان يتفقد
بنفسه عن السماسرة ويسأل عن الأسعار، فإن ظهر الزيادة أو النقصان بما تعهده يعاقبهم
جميعاً.
أما الأسعار التي عينها ولا تزيد عنها ولا تنقص في أيامه فنذكرها في فصول: الأول أسعار
الأطعمة، فالحنطة كانت تباع منا منها بسبعة جيتل، والشعير منا منه بأربعة جيتل، والأرز
منا منه بخمسة جيتل، والحمص منا منها بخمسة جيتل، والفول منا منه بخمسة جيتل،
والموتم منا منها بثلاثة جيتل.
والثاني أسعار الأقمشة: جيره دهلي بست عشرة تنكة جيره كوبكه بست تنكات، سري
صاف الأعلى منها بخمس تنكات، والمتوسط منها بثلاث تنكات، والأدنى منها بتنكتين،
سلائي الأعلى منها بأربع تنكات والمتوسط بثلاث تنكات، والأدنى بتنكتين، الكرباس
الأعلى عشرون ذراعاً بتنكة، الكرباس المتوسط ثلاثون ذراعاً بتنكة، الكرباس الأدنى
أربعون ذراعاً بتنكة، الكرباس الساذج بعشرة جيتل.
والثالث أسعار الخيل: فالقسم الأول منها من مائة تنكة إلى مائة وعشرين، والقاسم الثاني
من ثمانين إلى سبعين، والقسم الثالث من خمس وستين إلى سبعين، واليابو من اثنتي عشرة
إلى عشرين.
والرابع أسعار العبيد: الأعلى منهم من مائة إلى مائتي تنكة، والمتوسط منهم من عشرين
إلى أربعين، والأدنى منهم من خمس إلى عشر تنكات.
والخامس أسعار غير ذلك مما يحتاج إليه الناس، فالسكر القالب المصري الآثار منه
بجيتلين، والسكر بجيتل واحد، والسمن البقري بنصف جيتل، ودهن الحل ثلاثة آثار منه
بجيتل، والملح خمسة آثار منه بجيتل.
وكذلك قرر الأسعار للبقر والجواميس والإبل والمعز والضأن وغيرها، لكل شيء مما يحتاج
إليه الناس من الإبرة فما فوقها على ما يناسبه الزمان.
أما النقود والأوزان التي كانت في أيامه فالتنكة كانت ذهبية وفضية بقدر التولة، والمراد
ههنا الفضية وكانت تبادل بخمسين جيتل، والجيتل كان من النحاس بقدر التولة وقيل بقدر
تولتين إلا ربعاً، وكان المن أربعين آثاراً، والآثار أربع وعشرون تولة.
وأما رواتب العسكرية في أيامه فكانت أربعاً وثلاثين ومائتي تنكة سنوية للقسم الأول،
وستاً وخمسين ومائة تنكة للقسم الثاني، وثمانياً وسبعين تنكة للقسم الثالث.
وأما عساكره فكانت خمسة وسبعين ألفاً وأربعمائة ألف فارس.
وكانت وفاته في سادس شوال سنة ست عشرة وسبعمائة، كما في تاريخ فرشته.
محمد المنجم البدخشي
السيد الشريف العلامة محمد المنجم البدخشي الدفين بكلبركه كان من العلماء المبرزين في
الهيئة والهندسة والنجوم وسائر الفنون الحكمية، ولاه السلطان علاء الدين حسن البهمني
صاحب دكن قضاء المعسكر بكلبركه، فقام به مدة حياته، كما في تاريخ فرشته.(2/207)
الشيخ محمد بن محمود الكراني
الشيخ العالم المحدث محمد بن محمود بن يوسف بن علي الكراني الهندي الحنفي، سمع من
الزين الطبري وعبد الوهاب بن محمد بن يحيى الواسطي وغيرهما من شيوخ مكة، ذكره
الفاسي في العقد الثمين، كما في طرب الأماثل.
الشيخ محمد بن محمود الكرماني
الشيخ الصالح محمد بن محمود الحسيني الكرماني أحد رجال العلم والطريقة، كان يكتسب
بالتجارة، وكلما كان يقدم لاهور يذهب إلى أجودهن ويزور الشيخ فريد الدين مسعوداً
الأجودهني ويحظى بصحبته حتى رسخ في قلبه محبته، فترك التجارة ولازمه وأخذ عنه.
ولما توفي الشيخ رحل إلى دهلي ولازمه الشيخ نظام الدين محمد بن أحمد البدايوني وانقطع
إلى الله سبحانه، مات في سنة إحدى عشرة وسبعمائة بدهلي فدفن بها، كما في خزينة
الأصفياء.
محمد البغدادي
الشيخ المعمر محمد البغدادي الزاهد أدركه محمد بن بطوطة المغربي بسيوستان سنة أربع
وثلاثين وسبعمائة وذكره في كتابه، قال: إني لقيته بسيوستان، وهو بالزاوية التي على قبر
الشيخ الصالح عثمان بن حسن المرندي، وذكر أن عمره يزيد على مائة وأربعين سنة، وأنه
حضر قتل المستعصم بالله آخر خلفاء بني العباس رضي الله عنهم لما قتله الكافر هلاكو
بن تولائي التتري، وهذا الشيخ على كبر سنه قوي الجثة يمشي على قدميه، انتهى.
محمد بن شمس العثماني
الشيخ الفقيه محمد بن شمس بن صلاح بن محمد بن محمد بن أبي بكر ابن إسماعيل بن
السري السقطي العثماني الشيخ محمد معروف الأميتهوي أحد الفقهاء الحنفية.
انتقل والده من العراق إلى الهند وولي القضاء بستركه في أيام علاء الدين الخلجي فسكن
بها، وانتقل محمد معروف من ستركه إلى أميتهي وولي القضاء بها سنة خمس وأربعين
وسبعمائة في أيام محمد شاه تغلق، ولما مات ولي مكانه ولده نجم الدين إسماعيل، وله ذرية
كثيرة ببلدة أميتهي، كما في رياض عثماني.
محمود شاه البهمني
الملك المؤيد محمود بن الحسن البهمني محمود شاه السلطان العادل الفاضل، ولي المملكة
بعد أخيه داود شاه في سنة ثمانين وسبعمائة وجلس على سرير والده بمدينة كلبركه، وافتتح
أمره بالعدل والإحسان.
وكان من خيار السلاطين عادلاً باذلاً كريماً فاضلاً، عارفاً باللغة العربية والفارسية، يتكلم
بهما في غاية الطلاقة، وكان جيد الكتابة حلو الخط جيده، وله ميل إلى قرض الشعر، وقد
اجتمع العلماء عنده من كل ناحية وبلدة، وقصده خواجه شمس الدين الحافظ الشيرازي
الشاعر المشهور وركب على المركب المحمود شاهي، ثم رجع وأرسل إليه أبياتاً من إنشائه
مستهلها:
دمى باغم بسر بردن جهان يكسر نمى ارزد بمى بفروش دلق ماكزين بهتر نمى ارزد
بسى آسان نمود اول غم دريا ببوي زر غلط كردم كه يك موجش بصد من زر نمى#
ارزد
إلى غير ذلك من الأبيات الرقيقة الرائقة. فبعث إليه محمود شاه ألف تنكة من الذهب.
ومن مآثره أنه أنشأ المكاتب لتعليم اليتامى في كلبركه وبيدر وقندهار وإيلجبور وجنير
وجيول ودائل وفي بلاد أخرى من مملكته، وجعل الأرزاق السنية للمحدثين ليشتغلوا
بالحديث بجمع الهمة وفراغ الخاطر، وكان يعظمهم غاية التعظيم، وجعل الأرزاق للعميان
والمقعدين.
وكان يتكلف في الزي واللباس قبل أن يصل إلى السلطنة تكلفاً بالغاً، فلما قام بالملك ترك
التكلف والتصنع في ذلك، وكان يقول: إن الملوك أمناء الله على بيت مال المسلمين، فلا
ينبغي لهم أن يأخذوا منه ما يزيد على قدر الحاجة.(2/208)
ومن شعره قوله:
عافيت در سينه كار خون فاسد ميكند رخصتي أي دل كه از الماس نشتر ميخورم
توفي إلى رحمة الله سبحانه في سنة تسع وتسعين وسبعمائة، وكانت مدته تسع عشرة سنة
وتسعة أشهر وعشرين يوماً، كما في تاريخ فرشته.
الشيخ محمود بن محمد الدهلوي
السيد الشريف العلامة العفيف محمود بن محمد بن أحمد المدني الشيخ قوام الدين الدهلوي
أحد الفقهاء المبرزين في العلم والمعرفة من سلالة الإمام الهمام الحسن السبط الأكبر عليه
وعلى جده السلام، كان إمام عصره في الآفاق علماً وزهداً وشجاعة وسخاء.
ولد في سنة سبع وعشرين وستمائة وطلب العلم ودخل الهند مع والده الأمير الكبير بدر
الملة المنير قطب الدين محمد بن أحمد الحسني الحسيني المدني، فزوجه شمس الدين الإلتمش
ابنته فتحة السلطانة، فأقام بدهلي وتمكن بها للدرس والإفادة، أخذ عنه ابن أخيه القاضي
ركن الدين بن نظام الدين الكروي والشيخ علاء الدين الحسيني الجيوري وخلق آخرون.
مات في سنة عشر وسبعمائة وله ثلاث وثمانون سنة، كما في تذكرة السادات.
الشيخ محمود بن يحيى الأودي
الشيخ الإمام العالم الكبير الزاهد المجاهد نصير الدين محمود بن يحيى بن عبد اللطيف
الحسيني اليزدي ثم الأودي الدفين بمدينة دهلي كان من كبار الأولياء لله السالكين
المرتاضين.
ولد ونشأ بأرض أوده، ولما بلغ التاسعة من سنه توفي والده، فتربى في حجر أمه العفيفة،
واشتغل بالعلم، وقرأ الكتب الدرسية على مولانا عبد الكريم الشرواني إلى هداية الفقه
وأصول البزدوي، ولما مات الشرواني اشتغل على مولانا افتخار الدين محمد الكيلاني وقرأ
عليه سائر الكتب الدرسية، وفي خير المجالس لجامعه حميد الدين القلندري الدهلوي أنه قرأ
هداية الفقه على الشيخ فخر الدين الهانسوي وقرأ أصول البزدوي على القاضي محي الدين
الكاشاني، وفي سبحة المرجان أنه قرأ بعض الكتب على الشيخ شمس الدين محمد بن
يحيى الأودي، وبالجملة فإنه فرغ من البحث والإشتغال في الخامس والعشرين من سنه، كما
في مناقب العارفين.
وأخذ الطريقة عن الشيخ نظام الدين محمد البدايوني بدهلي وأقام بها ولازمه مدة من
الدهر، واستخلفه الشيخ في سنة أربع وعشرين وسبعمائة، ولما توفي الشيخ إلى رحمة الله
سبحانه جلس على كرسي مشيخته وأوفى حقوق الطريقة.
وكان ظاهر الوضاءة دائم البشر كثير البهاء كريم النفس طيب الأخلاق أبعد الناس عن
الفحش وأقربهم إلى الحق، لا يغضب لنفسه، ولا يتغير لغير ربه، سريع الدمعة شديد
الخشية، حسن القصد والإخلاص والإبتهال إلى الله تعالى مع شدة الخوف منه ودوام
المراقبة له والتمسك بالأثر والدعاء إلى الله سبحانه ونفع الخلق والإحسان إليهم مع الصدق
والعفاف والقنوع والتوكل والزهد والمجاهدة، له كشوف وكرامات ووقائع غريبة لا تحملها
بطون الأوراق.
أخذ عنه الشيخ محمد بن يوسف الحسيني الدهلوي الدفين بكلبركه والشيخ أحمد بن
شهاب الحكيم الدهلوي والشيخ عبد المقتدر بن ركن الدين الشريحي الكندي والشيخ
كمال الدين العلامة والشيخ محمد بن جعفر الحسيني المكي والشيخ أحمد بن محمد
التهانيسري وخلق كثير لا يحصون بحد وعد.
وكانت وفاته في الثامن عشر من رمضان سنة سبع وخمسين وسبعمائة بمدينة جهلي،
فدفن بها، كما في أخبار الأخيار.
الشيخ محمود بن محمد الدهلوي
الشيخ الفاضل الكبير محمود بن محمد الشيخ سعيد الدين الدهلوي أحد كبار الفقهاء
الحنفية، شرح المنار في الأصول لحافظ الدين بكتاب سماه إفاضة الأنوار في إضاءة أصول
المنار، كما في الأثمار الجنية لعلي القاري والجواهر المضية في(2/209)
طبقات الحنفية للشيخ عبد
القادر أبي محمد القرشي، ولم يذكره السمعاني في الأنساب.
الشيخ محمود بن الحسين الحسيني البخاري
الشيخ الصالح الفقيه محمود بن الحسين بن أحمد بن الحسين بن علي الحسيني البخاري
الشيخ ناصر الدين الأجي أحد المشايخ المعروفين بأرض الهند، وهو ولد بنت الشيخ محمد
بن الحسين بن علي الحسيني البخاري، ونشأ في مهد العلم والمشيخة، وأخذ عن والده
وتفقه عليه، ثم تولى المشيخة بعده.
وكان له ثلاث زوجات: إحداهن بي بي بهلسي بنت حسين شاه لنكاه الملتاني، والثانية
بي بي سعادت، كانت من بنات الأشراف من أهل دهلي، والثالثة كانت من طائفة دهر،
وكان له ثلاثة وعشرون ابناً وخمس بنات، وخمسة أبناء منهم يعرفون بالأقطاب: الشيخ
حامد الكبير، وعلم الدين وشهاب الدين وإسماعيل، وفضل الله، وأختان لهم كانوا من بي
بي بهلسي، وابنان برهان الدين عبد الله، وعلاء الدين كانا من بي بي سعادت، وابنان
شرف الدين، ونظام الدين كانا من التي كانت من طائفة دهر، وسائر الأبناء والبنات كانوا من
بطون الجواري والسراري، كما في تذكرة السادة البخارية.
وكانت وفاته في سنة ثمانمائة، والدليل على ذلك أن ولده عبد الله بن محمود رحل إلى
كجرات بعد سنتين من وفاته في سنة اثنتين وثمانمائة، ولأنه ولد عبد الله في سنة تسعين
وسبعمائة ورحل إلى كجرات في الثانية عشرة من سنه، كما في كتب الأخبار، فما في خزينة
الأصفياء أن محموداً توفي في سنة سبع وأربعين وثمانمائة فهو مما لا يعتمد عليه.
الشيخ محمود بن يوسف الكراني
الشيخ العالم المحدث محمود بن يوسف بن علي الكراني الهندي الحنفي نصير الدين نزيل
مكة سمع من الرضي الطبري صحيح ابن حبان وأجازه، وسمع من الزين الطبري والجمال
المطري والشيخ خليل المالكي، وسمع منه ابن سكر أحاديث من صحيح ابن حبان
وأجازه، وذلك في رجب سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، ومات بعد توجهه من مكة إلى
بلاد الهند، ذكره الفاسي في العقد الثمين، كما في طرب الأماثل.
الشيخ مخلص بن عبد الله الدهلوي
الشيخ الفاضل الكبير العلامة مخلص بن عبد الله الشيخ حميد الدين الهندي الدهلوي
أحد كبار الفقهاء الحنفية، كان مولى لإحدى عجائز هذه الديار فخصه الله تعالى بالمنح
السنية والعطية الأزلية البهية ورزقه الإلمام بالعلوم وجعله من الأعلام، وخلع عليه خلعة
القبول، وأهب عليه من مهاب اللطف الصباء والقبول، ويسر له تحصيل العلوم الشرعية
أولاً، ونشر له علم القبول على قلوب البرية آخراً، فجمع الفنين وحاز المرتبتين، وشرح الهداية
شرحاً حسناً ولم يكمله، وصنف تفسيراً سماه كشف الكشاف وله مؤلفات أخر، ذكره
الشيخ مجد الدين الفيروز آبادي في تأليفه المسمى بالألطاف الخفية في أشراف الحنفية، كما
في الأثمار الجنية لعلي القاري.
قال الجلبي في كشف الظنون: وشرحه لهداية الفقه شرح مفيد، ما قصر فيه عن تحقيق
المباني ولا ائتلى فيه تنقيح المعاني، وشرح ممزوج لطيف أوله: الحمد لله الذي هدانا في
بدايتنا إلى خدمة كتابه المبين، الخ.
وكانت وفاته في سنة أربع وستين وسبعمائة كما في سبحة المرجان.
الشيخ مسعود بن شيبة السندي
الشيخ الفاضل الكبير مسعود بن شيبة بن الحسين السندي عماد الدين الملقب بشيخ
الإسلام، له كتاب التعليم وله طبقات الحنفية كما في الأثمار الجنية،
الشيخ موسى بن إسحاق الدهلوي
الشيخ الفاضل الكبير موسى بن إسحاق بن علي بن إسحاق الحسيني البخاري الدهلوي
كان ابن بنت الشيخ فريد الدين مسعود الأجودهني، ولد بأجودهن وتوفي والده في صغر
سنه، فاستقدمه الشيخ نظام الدين محمد البدايوني إلى دهلي مع صنوه الكبير(2/210)
محمد وأمهما
فتربى في حجر الشيخ المذكور، وحفظ القرآن، وقرأ العلم على وجيه الدين البائلي، ومهر في
الشعر والموسيقى وسائر الفنون الحكمية، كما في سير الأولياء.
الشيخ موسى بن الجلال الملتاني
الشيخ العالم الفقيه موسى بن الجلال الملتاني الشيخ نور الدين موسى كان ابن أخت الشيخ
أبي الفتح ركن الدين بن صدر الدين الملتاني، أخذ عنه ولازمه ملازمة طويلة حتى نال حظاً
وافراً من العلم والمعرفة، وكان رحمه الله يدرس ويفيد في المدرسة البهائية بمدينة ملتان، قرأ
عليه الشيخ جلال الدين حسين بن أحمد الحسيني البخاري الأجي، ولازمه سنة كاملة،
كما في جامع العلوم.
الشيخ مجد الدين الكاشاني
الشيخ العالم الصالح مجد الدين بن عماد الدين الكاشاني ثم الدولت آبادي أحد المشايخ
المشهورين في عصره، قرأ العلم على الشيخ زين الدين داود بن الحسين الشيرازي، ثم بايع
الشيخ برهان الدين الغريب الهانسوي، وأخذ عنه الطريقة ولازمه مدة حياته، وجمع كراماته
في كتابه غريب الكرامات، ولها تتمة سماها بقية الغرائب، مات بدولت آباد ودفن بالروضة.
الشيخ محي الدين الكاشاني
الشيخ الفاضل الكبير القاضي محي الدين بن جلال الدين بن قطب الدين الحنفي الصوفي
الكاشاني أحد كبار العلماء المبرزين في الفقه والأصول والعربية، قرأ العلم على الشيخ
شمس الدين القوشجي وعلى غيره من العلماء بدار الملك دهلي، ثم تصدى للدرس والإفادة
حتى ظهر تقدمه في فنون عديدة، وأخذ عنه غير واحد من العلماء، ثم أخذ الطريقة عن
الشيخ نظام الدين محمد بن أحمد البدايوني، وكتب له الشيخ نسخة الإجازة بيده الكريمة،
وهي كما نص عليها محمد بن المبارك العلوي الكرماني في سير الأولياء هكذا.
مي بايد كه تارك دنيا باشي، بسوى دنيا وارباب دنيا مائل نشوى، وده قبول نكني، وصلة
بادشاهان نكيري، واكر مسافران برتو رسند وبر تو جيزي نباشد أين حال نعمتي شمري
أزنعمتهائي إلهي، فإن فعلت ما أمرتك وظني بك أن تفعل كذلك فأنت خليفتي، وإن لم تفعل
فالله خليفتي على المسلمين، انتهى.
ففعل القاضي ما أمر به الشيخ، ومزق سند القضاء بحضرته، وانقطع إلى الله سبحانه مع
اشتغاله بالإفادة والعبادة حتى تواترت عليه الفاقة ولم يقدر عياله أن يتحملوا ذلك، فأخبر
بذلك بعض أصدقائه ملك ذلك العصر السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي، فولاه
القضاء بأرض أوده وكان موروثاً من آبائه، فاستأذن الشيخ في قبوله معتذراً بأنه من غير
طلبه، فكبر ذلك عليه وقال: تلك خطرة مرت على قلبك فكيف يكون بغير طلبك؟ ثم
استرد منه الإجازة فضاقت عليه الأرض بما رحبت وضاقت عليه نفسه وظن أن لا ملجأ
منه إلا إليه، وجرت على ذلك سنة كاملة، ثم رضي عنه الشيخ ومنحه الخلافة عنه،
فقصر همته على الزهد والإستقامة.
وكانت وفاته في حياة شيخه، كما في سير الأولياء وكان ذلك في سنة تسع عشرة
وسبعمائة، كما في خزينة الأصفياء.
مولانا معز الدين الاندلهني
الشيخ الفاضل الكبير معز الدين الاندلهني أحد العلماء المتمكنين في الدرس والإفادة، كان
يدرس ويفيد بدار الملك دهلي في عهد السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي، ذكره البرني
في تاريخه.
الشيخ معين الدين الباخرزي
الشيخ الفاضل معين الدين الباخرزي كان بمدينة قنوج، لقيه الشيخ محمد بن بطوطة المغربي
بها فأضافه، وذكره في كتابه.
الشيخ معين الدين اللوني
الشيخ الفاضل معين الدين اللوني أحد الأساتذة المشهورين في عصره، كان يدرس ويفيد
بدار الملك(2/211)
دهلي في أيام محمد شاه الخلجي، ذكره البرني في تاريخه.
مولانا معين الدين العمراني
الشيخ الفاضل العلامة معين الدين العمراني المدار عليه للأفاضل المشار إليه بالأنامل انتهت
إليه رياسة التدريس بمدينة دهلي، وكان ذا قوة في النظر وممارسة جيدة في المنطق والكلام
والفقه والأصول والمعاني والبيان، كان يصرف جميع أوقاته في الدرس والإفادة، عم نفعه أهل
عصره بحيث أنه ما كان من عالم في عصره إلا أخذ عنه.
قال البلكرامي في سبحة المرجان أرسله محمد بن تغلق شاه إلى القاضي عضد الدين
الأيجي بشيراز وأتحفه بالهدايا وطلب قدومه إلى الهند، فلما سمع بذلك السلطان أبو
إسحاق الشيرازي منع القاضي من الرحلة إلى الهند، وأكرم معين الدين العمراني.
وللعمراني مصنفات جليلة، منها شروح وتعليقات على كنز الدقائق والحسامي ومفتاح
العلوم انتهى.
الشيخ معز الدين الأجودهني
الشيخ العالم الصالح معز الدين بن علاء الدين يوسف العمري الأجودهني أحد الرجال
المعروفين بالفضل والصلاح، ولد ونشأ بمدينة أجودهن، قرأ العلم على الشيخ وجيه الدين
البائلي، وتولى المشيخة بعد والده فاستقل بها مدة من الزمان، ثم استقدمه محمد شاه تغلق
إلى دهلي، فأقام بها زماناً، ثم بعثه إلى كجرات فاستشهد بها، كما في سير الأولياء، وهو
ممن لقيه الشيخ ابن بطوطة المغربي ببلدة أجودهن حين نزل عند والده.
الشيخ معز الدين الدهلوي
الشيخ الفاضل معز الدين بن علاء الدين بن شهاب الدين بن شيخ بن أحمد الخطابي
المديني ثم الهندي الدهلوي أحد الرجال المعروفين بالفضل والصلاح.
ولد ونشأ بدار الملك دهلي، وأخذ عن الشيخ جلال الدين حسين بن أحمد الحسيني
البخاري الأجي ولازمه زماناً، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار سبع مرات ورجع
إلى الهند، فلما وصل إلى كجرات أقام بها وتزوج وعاش عمراً طويلاً، توفي سنة أربع
وتسعين وسبعمائة بكجرات وله مائة وأربعون، كما في كلزار أبرار.
القاضي مغيث الدين البيانوي
الشيخ العالم الفقيه الصالح مغيث الدين الحنفي البيانوي أحد كبار الفقهاء الحنفية، انتهت
إليه رياسة العلم والعمل في عصر السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي، والسلطان كان
يقربه إلى نفسه ويخلو به ويدعوه إلى مائدة الطعام، ويحسن الظن به دون غيره من العلماء،
وكان القاضي لا يخافه في قول الحق.
قال القاضي ضياء الدين البرني في تاريخه: إن السلطان قال له مرة: إني سائلك عن أشياء
فلا تقل غير الحق، فقال القاضي: أظن أن الموت قد دنا مني، فقال: كيف علمت ذلك؟
فقال: لأن السلطان يسألني عن أشياء، فإذا قلت ما هو الحق غضب علي ثم يقتلني، فقال:
إني لست بقاتلك أبداً، ثم سأله عن الوثنيين كيف يصيرون ذميين في الشرع؟ فأجاب
القاضي أنهم إذا أدوا الجزية عن يد وهم صاغرون حتى أن المحصل إذا أراد أن يبصق في
أفواههم فتحوها لذلك، وهذا قول أبي حنيفة، وأما غيره من المجتهدين فإنهم لا يجيزون
أخذ الجزية من الوثنيين، فعندهم إما السيف وإما الإسلام، فضحك السلطان وقال: ما كان
لي علم بما تقول ولكني سمعت أنهم لا يؤدون الجزية ويركبون الخيل ويرمون النبال الفارسية
ويلبسون الثياب الثمينة ويتزينون بكل زينة ويشربون الخمر ولا يخضعون للولاة فقلت في
نفسي: إني عزمت على أن أفتح بلاداً أخرى وكيف أفتح إذ لم يخضع لنا أهل هذه البلاد
؟ فأمرت بالتشديد حتى خضعوا، وأنت عالم ولكنك ما اختبرت الأمور، وإني جاهل
ولكني اختبرت الأمور وجربت الأحوال، فاعلم أن الوثنيين لا يخضعون لنا حتى يعزروا ولا
يترك لهم إلا ما يكفيهم، ثم سأله عن السرقة والإرتشاء والخيانة هل تجوز للعمال وكتاب
الدواوين في الشرع أم لا؟ فأجاب القاضي: الذي(2/212)
وجدت في كتب الشرع أن العمال إن لم
يعطوا ما يكفيهم للحوائج فأخذوا من بيت المال أو ارتشوا أو أنفقوا شيئاً من الخراج يجوز
لأولي الأمر أن يأخذوهم بالمال أو بالحبس حسب ما اقتضاه الحال، وأما قطع اليد في ذلك
فلم يرد به الشرع، فقال السلطان: إني أمرت أن يعطي العمال ما يكفيهم موسعاً عليهم،
ولكنهم إذا خانوا في العمل أخذ منهم بالضرب والحبس والقيد، ولذلك ترى أن السرقة
والإرتشاء والخيانة قد فقدت في هذا العهد، ثم قال: الأموال التي غنمتها في ديوكير في أيام
الإمارة قبل أن أكون سلطاناً غنمتها بتحمل المحن والمشاق فهل هي لي خاصة لنفسي أو
لبيت مال المسلمين؟ فأجاب القاضي أن الأموال التي غنمتها في ديوكير في أيام الإمارة
غنمتها بعساكر المسلمين فهي لبيت مالهم، فلو كنت حصلتها بجهد نفسك على وجه يبيحه
الشرع كانت تلك الأموال خاصة لك، فلما سمع السلطان ذلك غضب عليه وقال: كيف
تقول؟ ألا يعلم رأسك ما تقول؟ الأموال التي أخذتها بجهد نفسي وقوة خاصتي من الخدم
وحصلتها من الكفار الذين لا يعلمهم أحد في دهلي وما أدخلتها في بيت المال كيف تكون
لبيت المال؟ ثم سأله أنه كم لي ولأهلي وعيالي نصيب من بيت المال؟ فقال القاضي:
إني أظن أن الموت قد دنا مني، فقال السلطان: لم تقول ذلك أيها القاضي؟ قال: لأن
السلطان سألني عن مسألة إن أجبت عنها بما يوافق الشرع يقتلني، وإن أجبت بما يوافق
هواه يدخلني الله في النار يوم القيامة، فقال السلطان: إني لست بقاتلك فقل ما بدا لك،
فقال: إن اقتدى السلطان بالخلفاء الراشدين وأراد رزق الآخرة فله أن يأخذ من بيت المال
ما وظفه الشرع للمجاهدين في سبيل الله، وهو أربع وثلاثون ومائتا تنكة لنفسه ولأهل بيته،
وإن قال السلطان إن هذا القدر لا يكفيه لعزة السلطنة فله أن يأخذ ما يعطي غيره من
الأمراء، وإن أراد أن يأخذ أكثر من ذلك بما أفتاه علماء السوء فله أن يأخذ أكثر من ذلك
كثرة يعيش بها أحسن مما يعيش الأمراء، وإياه وإياه أن يأخذ أكثر من ذلك، وأن يعطي
نساءه القناطير المقنطرة من الذهب والفضة من بيت المال وقرى كثيرة من أرض الخراج
والملابس الثمينة والظروف الغالية والجواهر الكريمة! فإنها تكون نكالاً ووبالاً لك في
الآخرة، فقال السلطان: ألا تخاف سيفي فتقول: إن ما نعطيه نساءنا حرام في الشرع؟
فقال: إني أخاف سيفك ولذلك أحسب عمامتي كفني، ولكن السلطان سألني عن المسائل
الشرعية فأجبت عنها بما علمته، فإن سألني عما تقتضيه المصالح الملوكية أجيب بأن ما
ينفقه السلطان على نسائه واحد من ألف، فقال السلطان: إنك حرمت على كل ما سألتك
عنه، فلعلك تحرم ما أفعله من التعزير والتشديد، فإني أمرت في شاربي الخمر وبايعيها
بالحبس في الآبار وبقطع أعضاء الزناة وبقتل النساء الزواني، وإني لا أميز الصالح من الطالح
في البغاة فأقتلهم وأهلك نساءهم وأبناءهم، ومن يخون في بيت المال أمرت فيه أن يحبس في
السجن ويوضع في الأغلال والقيود ويضرب ويطعن حتى يدفع ما عليه، فنهض القاضي من
المجلس وذهب إلى صف النعال ووضع جبينه على الأرض ونادى بأعلى صوته سواء قتلني
السلطان أو أبقاني لم يبح له الشرع ذلك ولم يطلق يده في أن يفعل بالمجرمين ما يشاء، فكظم
السلطان غيظه ودخل في الحرم ورجع القاضي إلى بيته، ثم ودع أهله وأقرباءه في الغد توديع
المحتضرين وتصدق واغتسل كغسل الميت وأتى قصر السلطنة ودخل على السلطان، فقربه
السلطان إلى نفسه وخلع عليه وكساه ووصله بألف تنكة وقال: إني لم أقرأ شيئاً من العلم
ولكني ولدت في بيت من بيوت المسلمين، وأخاف أن يخرجوا علينا فيقتل ألوف من
المسلمين، ولذلك أمرتهم بما فيه خيرهم وصلاحهم، فلما لم يفعلوا ما أمرتهم شددت عليهم
حسب ما اقتضته الحالة، ولا أعلم هل أجازه الشرع أم لا، ولا أعلم ما يفعل بي ربي يوم
القيامة ولكني أناجيه وأقول: أنت تعلم يا ربي أن أحداً إن زنى بحليلة غيره لم ينقص من
ملكي شيئاً، وإن شرب خمراً لم يضر بي، وإن سرق شيئاً لم يأخذ ما ترك لي أبواي، وإن
خان الأمانة لم يهمني، وإني أعزرهم بما ورد به الشرع، وقد تغير الناس عما كانوا عليه في
زمن النبوة، فلا أجد أحداً في مائة ألف أو خمسمائة ألف أو مائة ألف ألف من يكون له
خوف من الله سبحانه، ولذلك ترى كثيراً من الناس يقترفون الآثام ويجترؤن على الزنا
والخيانة والارتشاء مع ذلك التشديد والتعزير، انتهى.(2/213)
مولانا مغيث الدين الهانسوي
الشيخ الفاضل مغيث الدين الهانسوي أحد الأفاضل المشهورين في عصر فيروز شاه
الخلجي، له رسالة في الصنائع والبدائع ولكنها غير مشهورة، كما في رسالة الشيخ عبد الحق
بن سيف الدين الدهلوي، ومن شعره قوله بالفارسي:
در در كوش وقد خوش در خد خوب وخط تر فر تو فري بري وبري وبا تو كر وفر
وهذا البيت يقرأ في تسعة عشر بحراً، وكذلك كل بيت من تلك القصيدة، كما في
المنتخب.
القاضي مظهر الدين الكروي
الشيخ العالم الفاضل مظهر الدين الحنفي الصوفي الكروي أحد الرجال المعروفين بالفضل
والكمال، أخذ الطريقة عن الشيخ نصير الدين محمود بن يحيى الأودي، وكان شاعراً مجيد
الشعر، له أبيات رقيقة رائقة، وكان من ندماء فيروز شاه السلطان، وله منزلة عالية لديه،
قال فيه الناظم التبريزي: إنه كان حلو الكلام مليح البيان، وجد أبياته مولانا محمد الصوفي
المازندراني بأرض كجرات فرتبها في ديوان، فلذلك نسبوه إلى كجرات، كما في صبح كلشن
وقد ذكره الشيخ عبد الحق بن سيف الدين الدهلوي في رسالة له في أخبار الفضلاء، وذكره
في أخبار الأخيار وأورد فيه شيئاً كثيراً من أبياته.
ومن شعره قوله:
غم دنيا درازي دارد هر جه كيريد مختصر كيريد
دوستان در عزيمت سفرند يك زمان لذت نظر كيريد
مولانا منهاج الدين القاسي
الشيخ الفاضل الكبير منهاج الدين القاسي أحد الأساتذة المشهورين ببلدة دهلي في عصر
السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي، كان يدرس ويفيد، ذكره البرني في تاريخه.
الشيخ منتخب الدين الهانسوي
الشيخ العالم الفقيه منتخب الدين بن ناصر الدين النعماني الهانسوي المشهور بزرزري زر
بخش كان من كبار المشايخ الجشتية.
ولد سنة خمس وسبعين وستمائة بمدينة هانسي من بلاد بنجاب ونشأ بها، سافر إلى
دهلي فقرأ الكتب الدرسية على كبار العلماء، ثم لازم الشيخ المجاهد نظام الدين محمد بن
أحمد البدايوني وأخذ عنه الطريقة وصحبه مدة، فلما بلغ رتبة الكمال استخلفه الشيخ
ورخص له في التوجه إلى بلاد دكن، فسافر ومعه رجال كثيرون من أهل الطريقة، فلما وصل
إلى قريب من دولت آباد أقام بها وسكن في كهف من كهوف الجبل، ولم يكن هنالك أبنية
غير مسجد ينسبونه إلى أربعمائة وألف من الأولياء، وكان رحمه الله زاهداً متوكلاً شديد
التعبد، أسلم على يده خلق كثير من أهل دكن.
مات لسبع خلون من ربيع الأول سنة تسع وسبعمائة، وقبره مشهور ظاهر يزار ويتبرك به.
الشيخ منهاج الدين الأنصاري
الشيخ العالم الكبير منهاج الدين التميمي الأنصاري أحد كبار المشايخ، أخذ عن الشيخ
علاء الدين علي الجيوري رحمة الله عليه ولازمه مدة من الدهر، وأقام بدولت آباد زماناً،
ثم سار إلى كلبركه سنة ثلاثين وسبعمائة، وسكن بها في عهد الوثنيين، ومات في عهد
السلطان علاء الدين حسن البهمني بمدينة كلبركه لتسع بقين من شوال سنة أربع وخمسين
وسبعمائة، وقبره مشهور ظاهر يزار ويتبرك به.
مولانا مؤيد الدين الكروي
الشيخ الفاضل مؤيد الدين الكروي كان من ندماء السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي
في أيام ولايته(2/214)
على مدينة كره، ثم اعتزل الخدمة ولازم الشيخ نظام الدين محمداً البدايوني
بدهلي وأخذ عنه الطريقة وانقطع إلى الله سبحانه، فلما قام بالملك علاء الدين المذكور
طلبه فلم يقبله ومضى على حاله، كما في أخبار الأخيار.
وكانت وفاته في سنة ست وعشرين وسبعمائة، كما في خزينة الأصفياء.
مولانا ميران الماريكلي
الشيخ الفاضل الكبير مولانا ميران الحنفي الماريكلي أحد الأساتذة المشهورين ببلدة دهلي
في عهد السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي، كان يدرس ويفيد، ذكره البرني في تاريخه.
حرف النون
مولانا ناصح الدين الناكوري
الشيخ العالم الصالح ناصح الدين بن القاضي حميد الدين الناكوري أحد المشايخ
السهروردية.
ولد ونشأ في بيت العلم والمعرفة، وأخذ عن والده وصحبه وتأدب عليه، ثم جلس على
مشيخة الإرشاد، أخذ عنه خلق كثير من العلماء والمشايخ، كما في أخبار الأخيار.
مولانا ناصر الدين الخوارزمي
الشيخ الفاضل العلامة ناصر الدين الخوارزمي، كان من كبار الفقهاء، وكان أكبر قضاة
الهند في أيام محمد بن تغلق شاه الدهلوي، لقبه بصدر جهان،
مولانا نجم الدين الانتشار
الشيخ الفاضل الكبير نجم الدين الدهلوي المشهور بانتشار درس وأفاد بدار الملك دهلي
من عهد السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي إلى عهد فيروز شاه، وكان فاضلاً كبيراً
بارعاً في الفقه والأصول والعربية، يعظمه الملوك والأمراء عهداً بعد عهد وكانوا يتبركون به
ويتلقون إشاراته بالقبول، كما في كتب الأخبار.
مولانا نجم الدين السمرقندي
الشيخ الإمام العالم الكبير العلامة نجم الدين الحنفي السمرقندي أحد كبار الأساتذة، لم
يكن له نظير في كثرة الدرس والإفادة في عصره، كان يدرس في قصر بالابندسيري بدار الملك
دهلي في عهد فيروز شاه السلطان، وكان ذلك القصر من أبنية السلطان المذكور، وكان
جميل الصنعة متقن البناء.
قال البرني في تاريخه: إن السمرقندي كان يدرس في الفقه والأصول وغيرهما من العلوم
النافعة، والسلطان كان يكرمه ويجزل له الصلات والجوائز، انتهى.
مولانا نجيب الدين الساوي
الشيخ الفاضل نجيب الدين الساوي أحد الأساتذة المشهورين بدهلي في عهد السلطان
علاء الدين محمد شاه الخلجي، كان يدرس ويفيد، ذكره البرني في تاريخه.
مولانا نصير الدين الدهلوي
الشيخ الفاضل الكبير نصير الدين الدهلوي المشهور بالغنى كان من كبار الأساتذة في عهد
محمد شاه الخلجي، يدرس ويفيد بدهلي، ذكره البرني في تاريخه.
مولانا نصير الدين الصابوني
الشيخ الفاضل نصير الدين الصابوني أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول والعربية، كان
يدرس ويفيد بدهلي في عهد محمد شاه الخلجي، ذكره البرني في تاريخه.
مولانا نصير الدين الكروي
الشيخ الفاضل نصير الدين الكروي أحد كبار الفقهاء الحنفية، كان يدرس ويفيد بدهلي في
عهد السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي ذكره البرني في تاريخه.(2/215)
مولانا نصير الدين الحكيم الشيرازي
الشيخ الفاضل العلامة نصير الدين الشيرازي الحكيم المشهور كان من العلماء المبرزين في
الفنون الحكمية.
قدم الهند وسكن بأرض دكن في أيام السلطان علاء الدين حسن البهمني، وكان يشتغل
بالطب ويدرس ببلدة كلبركه، كما في تاريخ فرشته.
مولانا نصير الدين الجونبوري
الشيخ الصالح نصير الدين الجونبوري أحد رجال العلم والمعرفة، أخذ الطريقة عن الشيخ
شرف الدين أحمد بن يحيى المنيري رحمه الله ولازمه مدة، وصار من أكابر عصره في حياة
شيخه المذكور، وكان الشيخ يحبه حباً مفرطاً، كما في سيرة الشرف.
مولانا نظام الدين الكلاهي
الشيخ الفاضل نظام الدين الكلاهي أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول والعربية، كان
يدرس ويفيد بدهلي في أيام السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي، ذكره البرني في تاريخه.
مولانا نظام الدين الشيرازي
الشيخ الفاضل الكبير نظام الدين الشيرازي أحد الرجال المعروفين بالفضل والصلاح، سافر
إلى الحرمين الشريفين فحج وزار، ورجع إلى الهند وأخذ الطريقة عن الشيخ نظام الدين محمد
البدايوني وصحبه ولازمه مدة من الدهر، وكان صاحب وجد وحالة، أدركه محمد بن
المبارك العلوي الكرماني حين قدم دهلي من أرض أوده.
مات ودفن بمدينة دهلي، كما في سير الأولياء وكانت وفاته في سنة ثمان عشرة وسبعمائة،
كما في خزينة الأصفياء.
مولانا نظام الدين الظفرآبادي
الشيخ الفاضل نظام الدين الحسيني الظفر آبادي، كان من المشايخ الجشتية، صرف شطراً
من عمره في الدرس والإفادة، ثم أخذ الطريقة عن الشيخ نظام الدين محمد البدايوني
واستفاض منه، ثم قدم ظفر آباد وصحب الشيخ أسد الدين الحسيني الظفر آبادي وأخذ
عنه، وانقطع إلى الزهد والعبادة، وكان شاعراً مجيد الشعر، له مصنفات بالعربية والفارسية
ومن شعره قوله:
يار ما را ازين زار وحزين ميخواهد به ازين جيست كه ما را به ازين ميخواهد
مات في سنة خمس وثلاثين وسبعمائة بظفر آباد فدفن بها كما في تجلي نور.
مولانا نظام الدين الدرون حصاري
الشيخ الفاضل الكبير نظام الدين الدرون حصاري كان من العلماء المذكرين بمدينة بهار،
وكان يذكر فيأخذ تذكيره بمجامع القلوب، قيل إنه كان يذكر يوماً من الأيام فحر في مجلسه
الشيخ شرف الدين أحمد بن يحيى المنيري وإذا هو ينشد:
أي قوم بحج رفته كجائيد كجائيد معشوق همين جاست بيائيد بيائيد
آنا نكه طلبكار خدايند خدايند حاجت بطلب نيست شمائيد شمائيد
فتأثر الشيخ شرف الدين وضرب رأسه على الأسطوانة وكادت روحه تزهق، كما في سيرة
الشرف.
الشيخ نور الدين الهانسوي
الشيخ الصالح الكبير نور الدين بن قطب الدين بن برهان الدين ابن جمال الدين الخطيب
الحنفي الهانسوي أحد المشايخ المشهورين في عصره، ولد ونشأ بهانسي، وتفقه على والده
وأخذ عنه الطريقة، ولازمه ملازمة طويلة حتى صار من أبدع أبناء عصره في العلم
والمعرفة، وتولى المشيخة مكان والده.
وكان زاهداً متقللاً قانعاً باليسير، لم يقبل الرواتب الشاهانية قط مات ودفن بهانسي، وقبره
مشهور ظاهر يزار ويتبرك به.(2/216)
حرف الواو
مولانا وجيه الدين الرازي
الشيخ الإمام العالم الكبير العلامة وجيه الدين الرازي أحد الأئمة بدهلي، تفقه على الشيخ
أبي القاسم التنوخي، وتفقه التنوخي على حميد الدين الضرير، وتفقه حميد الدين على
شمس الأئمة الكردري، والكردري على صاحب الهداية، وتفقه عليه سراج الدين أبو
حفص عمر بن إسحاق بن أحمد الغزنوي، كما في الفوائد البهية.
مولانا وجيه الدين البائلي
الشيخ الإمام العالم الكبير وجيه الدين البائلي أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول
والعربية، اعترف الناس بفضله وكماله، وكان ذا حلاوة في المنطق وسعة في البيان، وكلما
كان يتكلم في باب من العلم كان أحلى من الأول، وكان يدرس الكتب عن ظهر قلبه بغير
نظر ومطالعة فيها فضلاً عن شروحها، وكان ذا زهد وقناعة في الملبس والمأكل.
أخذ الطريقة عن الشيخ نظام الدين محمد البدايوني، كما في سير الأولياء، وقد عده
القاضي ضياء الدين البرني في تاريخه من كبار الأساتذة بدهلي، وبائل قرية من أعمال
سرهند على أربعة فراسخ منها أو خمسة.
مولانا وجيه الدين البيانوي
الشيخ العالم الفقيه وجيه الدين البيانوي أحد الرجال المعروفين بالفضل والكمال، لقيه محمد
بن بطوطة المغربي الرحالة بمدينة جنديري عند الأمير عز الدين البتاني، كان يصاحبه وهو
يعظمه تعظيماً بالغاً.
مولانا وحيد الدين الدهلوي
الشيخ العالم الكبير وحيد الدين الدهلوي أحد كبار الأساتذة بدار الملك دهلي في عهد
السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي، كان يدرس ويفيد، ذكره البرني في تاريخه.
حرف الياء
مولانا يعقوب الفتني
الشيخ الصالح الفقيه يعقوب بن خواجكي العلوي الفتني الكجراتي أحد الرجال المعروفين
بالفضل والصلاح، أخذ الطريقة عن الشيخ زين الدين داود ابن حسين الشيرازي، وكان
عالماً كبيراً صاحب وجد وحالة، واستفاد من الشيخ رجب النهر والي أيضاً، ويذكر له
كشوف وكرامات.
مات في الثالث عشر من جمادي الآخرة سنة ثمانمائة بنهرواله، كما في مرآت أحمدي.
وفي كلزار أبرار أنه كان من أبناء الملوك بخراسان، قدم الهند وسكن بنهرواله، قرأ عليه
القاضي كمال الدين فصوص الحكم، توفي سنة ثمان وتسعين وسبعمائة.
اليمني الحكيم الدهلوي
الشيخ الفاضل العلامة اليمني الحكيم الدهلوي أحد العلماء المبرزين في الصناعة الطبية،
كان يدرس ويفيد بدار الملك دهلي في عهد السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي، ذكره
البرني في تاريخه.
الشيخ يوسف بن الجمال الملتاني
السيد الشريف العلامة يوسف بن الجمال الحسيني الملتاني أحد كبار الفقهاء الحنفية.
قدم الهند أحد أسلافه من مشهد وسكن بالملتان، وهو ولد ونشأ بها، وقرأ العلم على
مولانا جلال الدين الرومي صاحب الشيخ قطب الدين الرازي شارح(2/217)
الشمسية ودخل دار
الملك دهلي، فولاه السلطان فيروز شاه التدريس بالمدرسة الفيروزية التي أسسها على
الحوض الخاص.
وله مصنفات، منها اليوسفي وهو شرح بسيط على لب الألباب في علم الإعراب
للبيضاوي، ومنها توجيه الكلام وهو شرح منار الأصول للنسفي.
وكانت وفاته في سنة تسعين وسبعمائة، كما في أخبار الأخيار.
الشيخ يوسف الجنديروي
الشيخ الصالح الفقيه وجيه الدين يوسف الجنديروي أحد العلماء الربانيين، أخذ الطريقة
عن الشيخ نظام الدين محمد البدايوني ولازمه مدة من الزمان، ثم رخص له الشيخ إلى
جنديري فسكن بها.
وكان شيخاً كبيراً متورعاً عفيفاً ديناً ذا كشوف وكرامات، كما في سير الأولياء، وكانت
وفاته في سنة تسع وعشرين وسبعمائة بمدينة جنديري، كما في خزينة الأصفياء.
الشيخ يوسف الجشتي
الشيخ الصالح الفقيه يوسف الجشتي أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول، أخذ الطريقة
عن الشيخ نصير الدين محمود الأودي، وله تحفة النصائح منظومة في الفقه، مات في سنة أربع
وسبعين وسبعمائة، كما في خزينة الأصفياء.
الشيخ يوسف بن سليمان الأجودهني
الشيخ الصالح يوسف بن سليمان بن مسعود العدوي العمري الشيخ علاء الدين
الأجودهني كان من كبار المشايخ، ولي المشيخة بعد والده واستقام عليها أربعاً وخمسين
سنة، وبايعه محمد شاه تغلق، ذكره البرني في تاريخه.
قال محمد بن بطوطة المغربي الرحالة في كتابه: هو شيخ ملك الهند، وأنعم عليه بهذه
المدينة مدينة أجودهن، وهذا الشيخ مبتلي بالوسواس والعياذ بالله! فلا يصافح أحداً ولا
يدنو منه، وإذا ألصق ثوبه بثوب أحد غسل ثوبه، دخلت زاويته ولقيته وأبلغته سلام الشيخ
برهان الدين، فعجب وقال: أنا دون ذلك، ولقيت ولديه الفاضلين معز الدين، وهو أكبرهما،
ولما مات أبوه تولى المشيخة بعده، وعلم الدين وزرت قبر جده، قال: ولما أردت الانصراف
عن هذه المدينة قال لي علم الدين: لا بد لك من رؤية والدي، فرأيته وهو في أعلى سطح له
وعليه ثياب بيض وعمامة كبيرة لها ذؤابة وهي مائلة إلى جانب، ودعا لي وبعث إلى
بسكرنبات، انتهى.
وفي الجواهر الفريدية أنه مات سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، وصوابه أربع وثلاثون
وسبعمائة، كما في ترجمة كتاب الرحلة لمحمد حسين الدهلوي.
الشيخ يوسف بن علي الحسيني
الشيخ الفاضل يوسف بن علي بن محمد بن يوسف بن الحسين الحسيني الدهلوي المشهور
براجو قتال يتصل نسبه إلى يحيى بن الحسين بن زيد الشهيد، أخذ الطريقة عن الشيخ
المجاهد نظام الدين محمد بن أحمد البدايوني، وسافر إلى دولت آباد سنة خمس وعشرين
وسبعمائة فسكن بها، ولازم الشيخ برهان الدين محمداً الهانسوي الغريب، وكان لقبه
الشعري راجه، له مزدوجة بالفارسية.
توفي لخمس خلون من شوال سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، وقبره مشهور ظاهر بمقبرة
روضة.(2/218)
الجزء الثالث
يتضمن تراجم علماء الهند وأعيانها في القرن التاسع(3/226)
الطبقة التاسعة
في أعيان القرن التاسع
حرف الألف
السلطان إبراهيم الشرقي
السلطان العادل الكريم إبراهيم بن خواجه جهان الجونبوري سلطان الشرق، قام بالملك
بعد صنوه مبارك شاه سنة أربع وثمانمائة فافتتح أمره بالعدل والإحسان وولي الناس
وأحسن السيرة فيهم وساس أمورهم سياسة حسنة لما جمع الله سبحانه فيه من الدين
والعقل والمروءة، وخلال الخير فيه بغاية من الكمال، فصار المرجع والمقصد، واجتمع لديه
خلق كثير من أرباب الفضل والكمال، كالقاضي شهاب الدين الدولة آبادي والقاضي نظام
الدين الكيلاني والشيخ أبي الفتح بن عبد الحي بن عبد المقتدر الشريحي الكندي
وأمثالهم.
وكان حسن الأخلاق عظيم الهمة كريم السجية شريف النفس مطلعاً على ما تمس إليه
الحاجة من أمور الدنيا والدين.
ومن أخباره أن القاضي شهاب الدين المذكور أبتلى بمرض وطال مرضه، فأتاه السلطان
يعوده، وطلب الماء ثم طوفه على رأس القاضي سبع مرات وقال: اللهم إن قدرت له الموت
فأصرفه عنه إلي.
ومن مآثره المدارس والجامع بمدينة جونبور.
توفي سنة أربعين وقيل أربع وأربعين وثمانمائة، وكان موته داهية عظيمة على أهل بلاده،
رحمه الله، كما في تاريخ فرشته.
القاضي إبراهيم بن فتح الله الملتاني
الشيخ الفاضل القاضي إبراهيم بن فتح الله بن أبي بكر بن فخر الدين بن بدر الدين
الربيعي الإسماعيلي الغوري، أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول والعربية، ولد ونشأ
بمدينة ملتان وقرأ العلم بها على أساتذة عصره ثم سافر إلى البلاد الجنوبية من أرض الهند،
ودخل مدينة بيدر في أيام علاء الدين البهمني وتقرب إليه، ولما مات السلطان المذكور جعل
معلماً لولديه نظام شاه ومحمد شاه، وفي أيام محمد شاه المذكور ولي القضاء بمدينة بيدر
وصار أكبر قضاة الدكن وعاش في عيش رغيد مع انقطاعه إلى الزهد والعبادة والتورع
والإستقامة على الشريعة المطهرة، وصنف كتباً عديدة، منها معارف العلوم بالعربية في
تعريفات العلوم والفنون، وكان له أولاد صلحاء وأعقاب أجلهم الشيخ محمد بن إبراهيم
الملتاني، مات في سابع جمادي الآخرة سنة خمس وستين وثمانمائة بمدينة بيدر فدفن بها،
كما في مخزن الكرامات.
الشيخ أبو الفتح بن عبد الحي الجونبوري
الشيخ الفاضل الكبير العلامة أبو الفتح بن عبد الحي بن عبد المقتدر بن ركن الدين
الشريحي الكندي الدهلوي ثم الجونبوري، كان من الأفاضل المشهورين، ولد في الرابع عشر
من محرم الحرام سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة بدار الملك دهلي، وكان قد مات أبوه بدهلي
قبل ولادته، فتربى في مهد جده القاضي عبد المقتدر الفاضل المشهور وقرأ عليه العلم
وأخذ عنه الطريقة ودرس وأفاد بدار الملك مدة مديدة ثم خرج عنها في فتنة الأمير تيمور
سنة إحدى وثمانمائة ورحل إلى جونبور فسكن بها.(3/227)
وكان عالماً كبيراً بارعاً في الفقه والأصول والكلام واللغة وقرض الشعر وقد منحه الله
سبحانه القسط الأوفر من الفصاحة والبلاغة.
وكانت وفاته يوم الجمعة الثالث عشر من ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وثمانمائة، كما في
أخبار الأخيار.
الشيخ أبو الفتح بن العلاء الكالبوي
الشيخ العالم الصالح أبو الفتح بن علاء الدين القرشي الكواليري ثم الكالبوي كان صاحب
علوم جمة ومعارف عظيمة، أخذ الطريقة عن الشيخ محمد بن يوسف الحسيني الدهلوي
نزيل كلبركه ودفينها، وقرأ عليه عوارف المعارف للشيخ شهاب الدين عمر بن محمد
السهروردي، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار.
وله مصنفات رشيقة، منها التكميل في النحو والمشاهدة في التصوف، كما في أخبار
الأخيار.
وفي الشجرة الطيبة أن اسمه عبد الفتاح وهو أخذ الطريقة عن أبيه عن الشيخ محمد بن
يوسف الحسيني المذكور وهذا هو الأشبه.
توفي سنة اثنتين وستين وثمانمائة بمدينة كالبي فدفن بها، كما في خزينة الأصفياء.
الشيخ أبو الفيض الكلبركوي
الشيخ الصالح أبو الفيض بن يوسف بن محمد بن يوسف الحسيني الدهلوي الشيخ من الله
الكلبركوي، أحد الرجال المعروفين بالفضل والصلاح، ولد ونشأ بكلبركه وقرأ العلم على من
بها من العلماء ثم لازم صنوه الشيخ يد الله الحسيني وأخذ عنه، وسافر بأمره إلى أحمد
آباد بيدر، فاستقبله علاء الدين شاه البهمني وأعطاه أقطاعاً من الأرض الخراجية فسكن
بها، أخذ عنه محمد بن يد الله الحسيني وخلق آخرون.
مات في سادس ربيع الأول سنة تسع وسبعين وثمانمائة بأحمد آباد بيدر في أيام محمود شاه
البهمني، كما في مهر جهان تاب.
الشيخ أبو القاسم الجرجاني
الشيخ الفاضل أبو القاسم الحسيني الجرجاني، أحد العلماء المشهورين في عصره، قدم
الهند ودخل بلاد الدكن في عهد أحمد شاه أو ولده علاء الدين البهمني، وحصل له الرسوخ
والمنزلة عند الأمراء.
الشيخ أحمد بن البرهان الكجراتي
الشيخ العالم الصالح أحمد بن البرهان بن أبي محمد بن إبراهيم بن محمد الغوري الكجراتي
كان من نسل الملوك الغورية، ولد ونشأ بكجرات، وقرأ العلم على الشيخ صدر جهان
الكجراتي، وأخذ الطريقة عن الشيخ محمد بن عبد الله الحسيني البخاري ولازمه مدة من
الزمان حتى بلغ رتبة الكمال، أخذ عنه كثير من الناس وانتفعوا به.
وكانت وفاته بعد وفاة شيخه في الثاني والعشرين من ربيع الثاني سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة
فدفن بتاجبور من بلدة آحمد آباد وله أربع وستون سنة، وأرخ بموته بعض الناس من قوله
آخر الأولياء كما في مرآة أحمدي.
الشيخ أحمد بن الحسن البلخي
الشيخ العالم الفقيه أحمد بن الحسن بن الحسين بن معز الدين البلخي برهان الدين أبو
القاسم الهندي البهاري، أحد المشايخ الفردوسية، ولد ليلة سبع وعشرين من رمضان سنة
تسع وعشرين وثمانمائة، وقرأ العقائد النسفية مع شرحها المظفري على جده الحسين بن
المعز وسائر الكتب الدرسية على والده ولازمه، وسافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار
ورجع إلى الهند وتولى الشياخة بعد والده، وكان يدعى بلنكر دريا.
توفي لأربع بقين من ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وثمانمائة بمدينة بهار فدفن بها، كما في
حاشية غلام يحيى على شرح آداب المريدين للشيخ أحمد ابن يحيى المنيري.
أحمد شاه البهمني
الملك المؤيد أحمد بن داود بن الحسن البهمني(3/228)
السلطان الصالح، قام بالملك في حياة صنوه
فيروز شاه سنة خمس وعشرين وثمانمائة بأرض الدكن، وافتتح أمره بالعدل والسخاء، وبايع
الشيخ محمد بن يوسف الحسيني، نزيل كلبركه ودفينها، وبنى له القصور العالية والدور
والمساكن لأصحابه ووقف لهم الأرض الخراجية، وغزا الكفار غير مرة وأخذ منهم الجزية،
وأسس المساجد والخوانق في بلاده.
وكان عادلاً باذلاً كريماً شجاعاً مقداماً محظوظاً جداً حتى كان لا يقصد باباً إلا انفتح، ولا
يقدم على أمر مهم إلا اتضح، ولا يتوجه إلى مطلب إلا نجح، وقد دانت له البلاد وخضع له
العباد.
ومن مآثره مدينة كبيرة في حدود بيدر من أرض الدكن، مصرها في حدود سنة اثنتين
وثلاثين وثمانمائة، وسماها أحمد آباد وجعلها عاصمة بلاده وبنى فيها قصوراً عالية، وفي
ذلك قال الآذري الإسفرائيني المتوفي سنة 866هـ:
حبذا قصر مشيد كه زفرط عظمت آسمان شده أز بايه اين دركاه است
آسمان هم نتوان كفت كه ترك أدبست قصر سلطان جهان أحمد بهمني شاه است
مات في الثامن والعشرين من رجب سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة، وكانت مدته اثنتي عشرة
سنة وشهرين، كما في تاريخ فرشته.
الشيخ أحمد بن عمر الردولوي
الشيخ الإمام العابد الزاهد صاحب المقامات العلية والكرامات الجلية أحمد ابن عمر بن
داود العدوي العمري الشيخ عبد الحق الردولوي الولي المشهور، لم يكن في زمانه مثله في
الزهد والعبادة.
ولد ونشأ بردولي بضم الراء والدال المهملتين قرية جامعة بأرض أوده، وسافر إلى دهلي
عند أخيه الشيخ تقي الدين وكان من كبار العلماء فأقام عنده مدة، ولم يبلغ درجة العلم
لميلانه إلى الزهد والمجاهدة، فذهب إلى باني بت ولقي بها الشيخ جلال الدين محمود
الكاذروني فصحبه وأخذ عنه الطريقة واشتغل بالرياضة مدة من الزمان حتى فتح الله
سبحانه عليه أبواب الحقائق والمعارف وجعله من العلماء الراسخين، وتولى الشياخة بعده
واستقام عليها خمسين سنة مع الزهد والقناعة، أخذ عنه خلق كثير.
ومات في الخامس عشر من جمادي الآخرة سنة ست وثلاثين وثمانمائة بردولي فدفن بها،
وقبره مشهور ظاهر يزار ويتبرك به.
الشيخ أحمد بن محمد التهانيسري
الشيخ الفاضل أحمد بن محمد التهانيسري المشهور من أدباء الهند المفلقين وفضلائها
البارعين، كانت له يد بيضاء في الفقه والأصول والعربية، ولد ونشأ بدار الملك دهلي، وقرأ
على القاضي عبد المقتدر بن ركن الدين الشريحي الكندي، ثم أخذ الطريقة عن الشيخ
نصير الدين محمود الأودي وصحبه مدة من الزمان وخرج من دهلي في فتنة الأمير تيمور
سنة إحدى وثمانمائة، وكان الأمير يريد أن يستصحبه إلى سمرقند فأبى وخرج إلى كالبي
وسكن بها، وله قصيدة بديعة في مدح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منها قوله:
أطار بي حنين الطائر الغرد وهاج لوعة قلبي التائه الكمد
وأذكرتني عهوداً بالحمى سلفت حمامة صدحت من لاعج الكبد
باتت تؤرقني والقوم قد هجعوا من بين مضطجع منهم ومستند
ما زار طرفي غمض بعد بعدكم ولا خيال سرور دار في خلدي
ليت الهوى لم يكن بيني وبينكم وليت حبل وداد غير منعقد
كانت مواسم أيام وغرتها ولت سراعاً على رغم ولم تعد
عشنا بها وعيون البين راقدة والقلب في جذل والدهر في رقد(3/229)
والهم منصدع والكرب مندفع والجد مرتفع كالأنجم السعد
والشعب ملتئم والعهد منهرم والشمل منتظم لم يرم بالبدد
حتى استهل غراب البين فارتحلوا عند الصباح وشدوا العيس بالقتد
من كل هوجاء مرقال عذافرة تبدي النشاط على الإعياء والنجد
كأنه لم يكن بين الحمى أنس إلى اللوى وكأن الحي لم يفد
صاروا أحاديث تروى بعد ما ملأوا مسامع الدهر بالألفاظ كالشهد
بقيت فرداً وراح الناس كلهم كالسيف يبقى بلا اغماده الفرد
لا عيش بعد ليلات اللوى رغدا ولا وصول إلى ذاك الحمى بيدي
خل الأحاديث عن ليلى وجارتها وارحل إلى السيد المختار من أدد
وليس في الدين والدنيا وآخرتي سوى جناب رسول الله معتمدي
بر رؤف رحيم سيد سند سهل الفناء رحيب الباع والصفد
رب الندى والجدى والصالحات معاً طفلاً وكهلاً وفي شب وفي مرد
بالعلم مكتنف بالحلم متصف باللطف ملتحف بالبر متسد
بالخلق مشتمل بالرفق مكتحل بالحق متصل بالصدق منفرد
بالشرع معتصم للدين منتقم في الله مجتهد بالله مقتصد
بالفقر مفتخر بالزهد مشتهر بالشكر متزر بالحمد منجرد
خطاب مفصلة وضاع مكرمة دفاع مظلمة عن كل مضطهد
العدل سيرته والفضل طينته والبذل شيمته في الوجد والوبد
ومن تلك القصيدة
يا أفضل الناس من ماض ومؤتنق وأكرم الخلق من حر ومن عبد
أفديك بالروح والقلب المشوق معاً والنفس والمال والأهلين والولد
قد عاقني البعد عن مرماي يا سكني وطال شوقي إلى لقياك يا سندي
ويا حياتي ويا روحي ويا جسدي ويا فؤادي ويا ظهري ويا عضدي
مالي إليك بقطع البيد من قبل وليس لي باصطبار عنك من مدد
وهل تخب بنا خوص مرجمة نحو الحجاز ونحو البان والنجد
وهل أسامر فيها أهلها سحراً وهل أجر بها الأذيال من برد
أرجو الوفادة في أرض حللت بها يا لهف نفسي إذا ما كنت لم أفد
عطفاً علي ورفقاً بي ومكرمة فليس غيرك يا مولاي ملتحدي
واشفع إلى الله لي في أن يثبطني عن الهوى وذوي الدنيا وعن سدد
يا رب صل وسلم دائماً أبداً على النبي نبي الحق والرشد
محمد أحمد الهادي لأمته إلى الصراط صراط غير ملتحد
وصحبه وذويه الطاهرين ومن أحبهم شغفاً في الغيب والعتد(3/230)
ما لاح برق وما سح الغمام على ربى الفلا فكساها حلة القتد
واغبق الروض بالأزهار مونقة ممطورة بحبي باكر فرد
وما تغرد غريد على فنن غض الأرومة مخضل وملتبد
توفي سنة عشرين وثمانمائة بمدينة كالبي فدفن داخل قلعتها، كما في أخبار الأخيار
للدهلوي.
الشيخ أحمد الجنيدي البيجابوري
الشيخ الصالح أحمد بن أبي أحمد الجنيدي البيجابوري، أحد العلماء العاملين، كان من
نسل أبي القاسم الجنيد البغدادي، سكن بقرية كرنجكي من أعمال بيجابور، ودرس وأفاد
مدة عمره، أخذ عنه خلق كثير.
مات لثمان بقين من ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، كما في تاريخ الدكن للآصفي.
الشيخ أحمد الكجراتي
الشيخ الصالح أحمد بن أبي أحمد الكجراتي المشهور بأحمد جوت، كان من المشايخ
المشهورين، أخذ العلم والطريقة عن الشيخ أحمد الكهتوي الكجراتي، ولازمه مدة من
الزمان حتى بلغ رتبة المشايخ، أخذ عنه خلق كثير.
مات لعشر خلون من شوال سنة أربعين وثمانمائة بفتن فدفن بها، كما في تاريخ الدكن
للآصفي.
مولانا أحمد بن أبي أحمد القزويني
الشيخ الفاضل الكبير أحمد بن أبي أحمد القزويني، أحد الرجال المشهورين في عصر محمود
شاه البهمني، ولاه غياث الدين بن محمود البهمني الوكالة المطلقة مكان سيف الدين الغوري
سنة 799هـ وعزل عن تلك الخدمة الجليلة في تلك السنة في أيام شمس الدين بن محمود، وولي
الصدارة العظمى في عهد أحمد شاه أو ولده علاء الدين البهمني وكان من كبار العلماء.
أحمد شاه الكجراتي
الملك المؤيد أحمد بن محمد بن المظفر الكجراتي أبو الفضل السلطان الصالح، ولد في سنة
ثلاث وتسعين وسبعمائة في أيام جده، وقام بالملك بعده سنة أربع عشرة وثمانمائة بوصيته
فافتتح أمره بالعدل والإحسان وفتح القلاع والحصون، وغلب الكفار وغزاهم غير مرة
ومصر مدينة كبيرة بكجرات وسماها بأحمد آباد، ثم جعلها دار ملكه، وبذل جهده في
تعمير البلاد وتكثير الزراعة وتأسيس دعائم السلطنة وتمهيد بساط الأمن على وجه
البسيطة.
اجتمع عنده أهل العلم من كل ناحية من نواحي الأرض وصنفوا له التصانيف، منهم
الشيخ الإمام بدر الدين محمد بن أبي بكر الدماميني، فإنه صنف له شرح التسهيل لابن
مالك ومصابيح الجامع وهو شرح البخاري وعين الحياة وهو مختصر حياة الحيوان الكبرى
للدميري وتحفة الغريب شرح مغنى اللبيب وغير ذلك.
وكانت وفاة أحمد شاه في سنة خمس وأربعين وثمانمائة ومدته اثنتان وثلاثون سنة، كما في
مرآة سكندري.
الشيخ أحمد بن محمود النهروالي
الشيخ الصالح الفقيه أحمد بن محمود الحسيني العريضي النهروالي الكجراتي أحد المشايخ
الجشتية، ولد ونشأ بأرض كجرات، وقرأ العلم على عمه الشيخ حسين بن عمر العريضي
الغياثبوري ثم الكجراتي ولازمه مدة من الزمان وأخذ عنه الطريقة ثم تولى الشياخة بعده.
وكان صاحب وجد وحالة، مات في التواجد في سابع محرم الحرام سنة نيف وثمانمائة
بنهرواله فدفن عند عمه، كما في كلزار أبرار.
الشيخ أحمد بن يعقوب البتي
الشيخ الصالح الفقيه جلال الدين أحمد بن يعقوب بن محمود بن سليمان البتي، أحد الرجال
المعروفين بالفضل والصلاح، أخذ الطريقة عن الشيخ(3/231)
جلال الدين الحسين بن أحمد الحسيني
البخاري الأجي، وقرأ عليه متفق النظم والشفاء في حقوق المصطفى للقاضي عياض،
وروى الحديث عنه وصنف في أخباره وأحاديثه كتاباً جامعاً مفيداً يسمى بخزانة الفوائد
الجلالية وللكتاب نسخة في مكتبة حبي في الله ربي، السيد نور الحسن بن صديق حسن
القنوجي بمدينة لكهنؤ.
الشيخ أحمد بن أبي أحمد المانكبوري
السيد الشريف أحمد بن أبي أحمد الحسيني المانكبوري المشهور بجهان شاه، ولد في سنة
تسع وثمانين وسبعمائة بمدينة مانكبور ورحل إلى أرض السند فلقي بها الشيخ صدر الدين
البخاري الأجي فصحبه وأخذ عنه الطريقة ثم سافر للحج والزيارة، فدخل كجرات وتزوج
بها وأقام خمسة أشهر، ثم رحل إلى الحرمين الشريفين فأقام بهما اثنتي عشرة سنة وسعد
بالحج في كل سنة، ثم رجع إلى الهند وسكن بنهرواله، ولم يزل بها حتى توفي إلى رحمة الله
سبحانه في تاسع ذي الحجة سنة تسع وتسعين وثمانمائة، فأرخ بموته بعض أصحابه من قوله
وارث إمام علي تستخرج من وارث إمام سنة ولادته ومن لفظ علي مدة عمره ومن كليهما
سنة وفاته، كما في مرآة أحمدي.
الشيخ شهاب الدين أحمد الكهتوي
الشيخ الصالح الفقيه الزاهد شهاب الدين أحمد بن عبد الله الكهتوي السركهيجي، أحد
المشايخ المشهورين في أرض الهند، ولد بكهتو، قرية من أعمال ناكور في سنة سبع وثلاثين
وسبعمائة، وتربى في حجر الشيخ إسحاق المغربي وتفنن في الفضائل عليه ثم لبس الخرقة
منه ولازمه إلى وفاته ثم سافر إلى الحرمين الشريفين من طريق البحر فحج وزار ورجع إلى
تهتهه، ثم سافر إلى بخارا ورجع إلى الهند، فلما وصل إلى كجرات سنة اثنتين وثمانمائة
وكان مظفر شاه صاحب كجرات يعرفه لأنه كان بدهلي أميراً من أمراء فيروز شاه ملك
الهند فكلفه الإقامة لديه، فسكن بقرية سركهيج وحصل له الوجاهة والقبول عند الملوك
والأمراء، وبايعه أحمد شاه الكجراتي، ومصر مدينة كبيرة على ثلاثة أميال من سر كهيج
وسماها أحمد آباد.
له ملفوظات تسمى بتحفة المجالس جمعها محمود بن سعيد الايرجي، فيها أنه لما وصل إلى
سمرقند دخل في مسجد على عادته فرأى عالماً يدرس وطلبة العلم حوله يقرؤن عليه،
وكان أحمد عليه ثياب رثة وعلى رأسه قلنسوة بغير عمامة، فجلس في صف النعال، وكان
أحد منهم يقرأ عليه الحسامي ويخطئ في الإعراب وشيخهم يسمع ولا يصلح الخطأ فدخل
أحمد فيه، فلما علم الشيخ ذلك قربه إليه وتلطف به وسأله عن أشياء من علم الأصول
فأجابه بما يشفي العليل ويروي الغليل فقال الشيخ: إنك مع هذا العلم الغزير كيف تلبس
ثياباً بالية وقلنسوة عارية؟ فقال أحمد: إن العلم مفخرة فإن كنت لابساً مع ذلك العلم
لباساً فاخراً فسدت النفس وساءت أخلاقها، انتهى.
وله رسالة صنفها للسلطان أحمد شاه الكجراتي شرحها أبو حامد إسماعيل ابن إبراهيم
ونقل عنه عبد الله محمد بن عمر الآصفي الكجراتي في تاريخ كجرات في مولد الشيخ
ووفاته وعمره ما صورته أنه قدس سره ولد بكهتو من أعمال ناكور في سنة سبع وثلاثين
وسبعمائة، وتوفي في يوم الخميس قبل الزوال في الرابع عشر من شوال من سنة تسع وأربعين
وثمانمائة بدار مسكنه سركهيج، ونظم الشارح أبياتاً في رثائه مطلعها:
إن حزناً لنا أتم ببال نحن كالطين وهو مثل جبال
وبيت تاريخها:
طاء وميم على ثمان مئات كان دال ياء من الشوال
وبيت ضابط عمره:
عمره دلنا على أنه قطب مات يوم الخميس قبل الزوال
قال الآصفي: ورثاه بعض الشعراء في مجلس السلطان محمد بن أحمد ببيتين يعزيه وضمن
الدعاء له ضابط وفاته وأجاد وهما:(3/232)
جو شيخ أحمد إمام دين ودنيا سوى فردوس مي شد خرم وشاد
فلك ميكفت در تاريخ آن سال شه عالم محمد را بقا باد
القاضي أحمد بن عمر الدولة آبادي
الشيخ الإمام العالم الكبير العلامة أحمد بن عمر الزاوي قاضي القضاة ملك العلماء شهاب
الدين بن شمس الدين الدولة آبادي أحد الأئمة بأرض الهند.
ولد بدولة آباد دهلي بعد سبعمائة من الهجرة ونشأ بها وقرأ العلم على القاضي عبد
المقتدر بن ركن الدين الشريحي الكندي ومولانا خواجكي الدهلوي فبرز في الفقه والأصول
والعربية وصار إماماً في العلوم لا يلحق غباره.
وكان غاية في الذكاء وسيلان الذهن وسرعة الادراك وقوة الحفظ وشدة الإنهماك في
المطالعة والنظر في الكتب لا تكاد نفسه تشبع من العلم ولا تروى من المطالعة ولا تمل من
الاشتغال ولا تكل من البحث، قيل: إنه لما حضر عند القاضي عبد المقتدر السالف ذكره
قال القاضي فيه: قد أتاني رجل جلده علم ولحمه علم وعظمه علم، ثم إنه لما صحب
مولانا خواجكي وخرج الشيخ إلى كالبي خرج معه إليها ولبث بها أياماً عديدة ثم دخل
جونبور فتلقى بالإكرام وطابت له الإقامة بها لما لاقاه من عناية السلطان إبراهيم الشرقي
صاحب جونبور، ومن إكرام العلماء ورجال السياسة حتى أنه صار قاضياً للقضاة في
البلاد الشرقية، وكان السلطان يضع له في حضرته كرسياً صيغ من فضة ويجلسه على
ذلك.
قال محمد بن قاسم بن غلام علي البيجابوري في تاريخه: إن القاضي مرض مرة وطال
مرضه، فعاده السلطان وطلب الماء فجئ به فأخذه وطوفه على رأس القاضي سبع مرات
وقال: اللهم إن قدرت له موتاً فاصرفه عنه إلي، انتهى.
وله مصنفات جليلة ممتعة سارت بها ركبان العرب والعجم، منها: شرح بسيط على كافية
ابن الحاجب، قال الجلبي في كشف الظنون: عليه حاشية لمولانا الفاضل ميان الله الجانبوري
الصواب: ميان إله داد الجونبوري وعلى شرح الهندي حاشية للتوقاني وللكاذروني ولغياث
الدين منصور الشيرازي وله المعافية ذكرها في آخر إرشاده، والارشاد متن متين له في النحو
تعمق في تهذيبه كل التعمق وتأنق في ترتيبه حق التأنق، أوله: الحمد لله كما يحب ويرضى،
الخ، وعلى متن الهندي شرح ممزوج للفاضل العلامة أبي الفضل الخطيب الكاذروني المحشي،
وللدولة آبادي البحر المواج في تفسير القرآن الكريم بالفارسي، وله شرح البزدوي في أصول
الفقه إلى مبحث الأمر صنفه للشيخ محمد بن عيسى الجونبوري، وله شرح على قصيدة
بانت سعاد وشرح على قصيدة البردة ورسالة في تقسيم العلوم بالفارسية، ومناقب
السادات بالفارسي، وهداية السعداء بالفارسي، ورسالة في العقيدة الاسلامية، وله غير
ذلك من المصنفات.
قال الشيخ عبد الحق بن سيف الدين الدهلوي في رسالته في أخبار الفضلاء: إن شرح
كافية ابن الحاجب له أحسن مؤلفاته في تنقيح المسائل، وأما تفسيره البحر المواج فإنه تجشم
فيه رعاية السجع فاضطر إلى إيراد ألفاظ وعبارات هي حشو في الكلام لا طائل تحتها،
ومع ذلك فإنه كتاب نافع مفيد في الجملة محتاج إلى التنقيح والتهذيب، انتهى.
ومن خصائص كتابه البحر المواج أنه اعتنى فيه لبيان التراكيب النحوية ووجوه الفصل
والوصل وغير ذلك أشد إعتناء، وهو في عدة مجلدات.
وكانت وفاته لخمس بقين من رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة بمدنة جونبور فدفن جنوبي
المسجد للسلطان إبراهيم الشرقي ومدرسته.
القاضي أحمد بن محمد الجونبوري
الشيخ العالم الكبير العلامة أحمد بن محمد الحنفي الكيلاني القاضي نظام الدين الجونبوري،
كان من كبار الفقهاء الحنفية قدم أحد أسلافه من العرب وسكن بكجرات، وولد بها
القاضي نظام الدين ونشأ وقرأ العلم على أساتذة عصره فبرز في الفقه والأصول وصار من
أكابر العلماء ثم قدم جونبور فولاه إبراهيم(3/233)
الشرقي صاحب جونبور القضاء وخصه بأنظار
العناية والقبول.
له مصنفات عديدة أشهرها الفتاوي الابراهيم شاهية في فتاوي الحنفية.
قال الفاضل الجلبي في كشف الظنون: هو كتاب كبير من أفخر الكتب كقاضي خان، جمعه
من مائة وستين كتاباً للسلطان إبراهيم شاه، أوله: الحمد لله الذي رفع منار العلم وأعلى
مقداره، انتهى.
مات سنة أربع وسبعين، وقيل خمس وسبعين وثمانية مائة، وقبره في جاجك بور من أعمال
جونبور كما في تجلى نور،
الشيخ أحمد بن عبد الله الشيرازي
الشيخ العالم المحدث الصوفي الرحالة أحمد بن عبد الله بن أبي الفتوح ابن أبي الخير بن عبد
القادر الحكيم الطاؤوسي الشيرازي الشيخ نور الدين أبو الفتوح كان من رجال العلم
والمعرفة، قرأ على السيد الشريف زين الدين علي الجرجاني وعلى غير واحد من العلماء
ثم لازم الشيخ شمس الدين محمد ابن الجزري، وأخذ عنه وأخذ عن الشيخ مجد الدين
الفيروز آبادي صاحب القاموس ثم سمع صحيح البخاري من الشيخ المعمر بابا يوسف
الهروي المشهور بسه صد ساله أي المعمر ثلاثمائة سنة عن محمد بن شاذ بخت الفرغاني،
وكان من المعمرين بسماعه بجميعه على الشيخ أحد الأبدال بسمرقند أبي لقمان يحيى بن
عمار بن مقبل بن شاهان الختلاني المعمر مائة وثلاثة وأربعين سنة وقد سمع جميعه عن
محمد بن يوسف الفربري عن جامعه الشيخ الامام محمد بن إسماعيل البخاري.
وروى مشكاة المصابيح للحافظ ولي الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله ابن الخطيب
التبريزي عن الشيخ شرف الدين عبد الرحيم بن عبد الكريم الجرهي عن الشيخ إمام الدين
علي بن مبارك شاه الصديقي الساوجي عن مؤلفه الامام ولي الدين المذكور.
وقد وصل إليه خرق الصوفية بطرق متعددة:
أما الطريقة السهروردية فإنه لبسها عن الشيخ زين الدين أبي بكر الخوافي وهو من الشيخ
نور الدين عبد الرحمن القرشي البحيري من الشيخ جمال الدين بن يوسف بن عبد الله
الكوراني من الشيخ نجم الدين محمود بن سعد الله الأصفهاني من الشيخ نور الدين عبد
الصمد النظري من الشيخ نجيب الدين علي بن بزغش الشيرازي من الشيخ شهاب الدين
عمر السهروردي إمام الطريقة السهروردية.
وأما الطريقة الكبروية فإنه لبسها من الشيخ تقي الدين محمد الخنجي من عمه الشيخ جمال
الدين إبراهيم بن عبد السلام من أبيه الشيخ أمين الدين عبد السلام الخنجي من الشيخ نور
الدين عبد الرحمن الاسفرائيني ح ولبس من الشيخ جمال الدين يحيى السجستاني من الشيخ
شرف الدين الحسن بن عبد الله الغوري من الشيخ ركن الدين أبي المكارم أحمد بن محمد
بن أحمد البيابانكي المعروف بالشيخ علاء الدولة السمناني من الشيخ نور الدين عبد
الرحمن الاسفرائيني المذكور وهو ليس من الشيخ أحمد الجوزقاني من الشيخ رضي الدين
علي بن سعيد بن عبد الجليل الجوبني المعروف بلالا من صاحب الطريقة نجم الدين أبي
الجناب أحمد بن عمر الخيوفي المشهور بالكبري.
وأما الخرقة الطاؤوسية فإنه لبسها من الشيخ محمد بن علي الملاساني من الشيخ كمال
الدين من والده إبراهيم من والده الفقيه أحمد من الشيخ بابا حسين السيرحاني من الشيخ
محمد كنده كش الحريري من خواجه محمد جوش بابا من بابا نعمت السازبادي من الشيخ
محمد خواجكان من الشيخ عبد الرحيم الاصطخري من الشيخ أبي الخير الاقبال الشهير
بطاؤوس الحرمين من الشيخ أبي الحسن السرواني من الجنيد البغدادي.
أما الخرقة المهنية فإنه لبسها من الشيخ نظام الدين إبراهيم الحسيني الكاذروني من الشيخ
سعيد الدين الكاذروني من ركن الدين أبي المنصور من والده صدر الدين المظفر من شمس
الدين عمر التركي من أبي الفضائل عبد المنعم من جده أبي الفتح من والده أبي سعيد بن
أبي الخير من أبي الفضل بن أبي الحسن السرخسي من أبي النصر السراج من أبي محمد(3/234)
المرتعش من الجنيد البغدادي.
وأما الخرقة النعمة اللهية فإنه لبسها من السيد الكبير نور الدين نعمة الله الحسيني من
الشيخ عبد الله اليافعي المكي.
وأما الخرقة النقشبندية فإنه لبسها من السيد الشريف زين الدين علي الجرجاني من الشيخ
علاء الدين العطار من الشيخ بهاء الدين محمد النقشبند إمام الطريقة النقشبندية.
وقد أخذ عنه تلك الخرق ولبسها منه الشيخ عبد الله بن محمود الحسيني البخاري
الكجراتي وسبطه السيد هبة الله بن عطاء الله الحسيني الشيرازي وخلق كثير من مشايخ
الهند.
وروى عنه الحديث العلامة تاج الدين عبد الرحمن بن مسعود بن محمد المرشدي
الكاذروني والعلامة علاء الدين أبو العباس أحمد بن محمد النهروالي وهو والد الشيخ قطب
الدين محمد النهروالي مفتي مكة، وروى عنه سبطه الشريف هبة الله بن عطاء الله
الحسيني الشيرازي المذكور وخلق آخرون.
وله مصنفات ممتعة، منها رسالة جمع الفرق لرفع الخرق، ذكرها الشيخ صفي الدين أحمد
القشاشي المدني في السمط المجيد.
الشيخ أحمد بن عمر البندوي
الشيخ العالم الفقيه الزاهد نور الدين أحمد بن عمر بن أسعد اللاهوري البندوي المشهور
بنور الحق وقطب العالم، كان من الأولياء السالكين أصحاب الرياضة والمجاهدات، ولد ونشأ
بمدينة بندوه من أرض بنكاله، وقرأ العلم على الشيخ حميد الدين أحمد الحسيني الناكوري
الدفين ببلدة بندوه، وأخذ الطريقة عن أبيه ولازمه وانقطع إلى الله سبحانه مع القناعة
والعفاف وهضم النفس بما لا مزيد عليه.
قيل إنه ألزم نفسه خدمة الفقراء الذين كانوا في خانقاه والده واشتغل بالاحتطاب لهم ثمانية
سنين وكان صنوه الكبير أعظم خان وزيراً كانت تأخذه الحمية عليه وكان أخذ على نفسه
مدة أن يكنس كنف الفقراء حتى قيل إنه كان يكنس ذات يوم من الخارج وكان في بيت
الخلاء رجل لا يعلم أنه يكنس فدفع الغائط عليه فلم يتحرك شيئاً لئلا يضغط على ذلك
الرجل.
ثم لما توفي والده تولى الشياخة وأخذ عنه الشيخ حسام الدين المانكبوري وخلق كثير من
المشايخ، وله رسائل مفيدة إلى أصحابه، ومؤنس الفقراء له كتاب في أذكار القوم وأشغالها،
وكذلك أنيس الغرباء كتاب له أيضاً.
ومن فوائده
اكر فتوحي رسد ايثار كنم، وإلا افتقار ننمايم، ومنها هركه دعوي كند كه بجائي رسيديم
او نا رسيده است، ومن رسائله: بيجاره حزين نور مسكين عمر بباد داده وبوي مقصود
نيافته ودر تيه حيرت وميدان حسرت جون كوي سر كردان شده:
همه شب بزاريم شد كه صبا نداد بوي ندميد صبح بختم جه كنه نهم صبا را
عمر از شت كزشته، وتير از شست جسته، واز شر نفس اماره يك ساعت نرسته، جز
باد بر دست وآتش در جكر وآب در ديده وخاك بر سر نه ببوسته، جز ندامت وخجالت
دستاويزي نه، وجز درد وآه باكريزي نه.
درد را باش أي برادر درد را
دل مردان دين بردرد بايد ز محنت فرق شان بركرد بايد
ومن رسائله: عوام در طهارت ظاهر كوشند وخواص در طهارت باطن، از حق تعالى
ندا آيد: عبدي طهرت منظر الخلائق سنين هل طهرت منظري ساعة، أفنيت عمرك،
طهارت ظاهر بخروج حدث بشكند وطهارت باطن بياد محدث بشكند، إلى غير ذلك.
توفي لتسع ليال خلون من ذي القعدة سنة ثمان عشرة وثمانمائة بمدينة بندوه فدفن بها، كما
في كنج ارشدي.(3/235)
الشيخ أحمد بن محمد الرائجوري
الشيخ الكبير أحمد بن محمد بن علي بن خضر الحسيني الرائجوري الشيخ شمس الدين
بن جلال الدين كان من كبار الأولياء، ولد ونشأ ببلدة كوكي من أعمال بيجابور وأخذ عن
أبيه ولازمه مدة، ثم سافر إلى رائجور وسكن بها، أسلم على يده خلق كثير من الناس،
توفي في الخامس عشر من صفر سنة اثنتين وتسعين- وقيل ثمان وتسعين- وثمانمائة، وقبره
مشهور ظاهر بمدينة رائجور يزار ويتبرك به.
الشيخ إسحاق بن بهرام الأجي
السيد الشريف إسحاق بن بهرام بن محمد الحسيني البخاري الأجي أحد المشايخ
المشهورين، يصل نسبه إلى جلال الدين حسين بن علي الحسيني البخاري بثلاث وسائط.
ولد ونشأ بمدينة أج وقرأ العلم وأخذ الطريقة عن خاله الشيخ صدر الدين محمد بن أحمد
الحسيني البخاري ولازمه مدة من الزمان، ثم وجهه الشيخ إلى سهارنبور فقدمها سنة اثنتي
عشرة وثمانمائة وسكن بها وعكف على الدرس والإفادة، أخذ عنه الشيخ عبد الكريم
وعبد الرزاق وعبد العزيز وعبد الباقي وعبد الغني أبناء خواجه سالار الأنصاري وخلق
كثير، توفي سنة ستين وثمانمائة بمدينة سهارنبور فدفن بها، كما في مرآة جهان نما.
الشيخ إسحاق المالوي
الشيخ العالم الفقيه القاضي إسحاق بن أبي إسحاق المالوي أحد كبار المشايخ الجشتية،
أخذ عنه علاء الدين محمود شاه المالوي وكان يتبرك به في غزواته، مات في أيام محمود شاه
المذكور، كما في كل زار أبرار.
الشيخ أجمل بن أمجد الجونبوري
السيد الشريف أجمل بن أمجد بن علي الحسيني الجونبوري أحد المشايخ المشهورين في
أرض الهند، أخذ الطريقة عن الشيخ جلال الدين الحسين بن أحمد البخاري الأجي، ودعا
له الشيخ بالبركة فقال: بير شوى مير شوى وزير شوى، فمنحه الله سبحانه المال الغزير
والقضاء النافذ بمدينة جونبور وكان أصله من مدينة بهرائج، وهو أخذ الطريقة المدارية عن
الشيخ المعمر بديع الدين المدار المكنبوري، وأخذ عنه الشيخ مبارك بن أمجد والشيخ
بدهن وخلق آخرون، ووصلت طريقته بواسطة الشيخ عبد القدوس الكنكوهي إلى بلاد
العرب والعجم، توفي لخمس بقين من رمضان المبارك سنة أربع وستين وثمانمائة في أيام بهلول
بن كالا اللودي، كما في مسالك السالكين.
إسكندر بن قطب الدين الكشميري
الملك المؤيد المنصور إسكندر بن قطب الدين بن شاه مرزا الكشميري السلطان المجاهد،
قام بالملك بعد والده في سنة ست وتسعين وسبعمائة وافتتح أمره بالعقل والسكون وبعث
عساكره إلى تبت الصغيرة فقاتلوا أهلها وملكوها، وكان محباً لأهل العلم يقربهم إلى نفسه
ويعظمهم ويستفيد من الشيخ محمد بن علي الحسيني الهمذاني أموراً من الدين وجعل وزيره
سيد بت، الرجل الهندي وكان أسلم.
وشدد على البراهمة تشديداً لا مزيد عليه حتى ألجأهم إلى الاسلام ونهاهم عن قشقه
ونهاهم أن يحرقوا النساء على عادتهم وأخذ عنهم الأصنام التي صيغت من الذهب
والفضة وكسرها وجعل منها النقود، فأسلم منهم خلق كثير، ومن لم يتحمل أذاه ولم يستطع
أن يخرج من بلدته قتل نفسه، وبعضهم أعلنوا بالإسلام تقية.
وبالجملة فإنه بذل جهده في كسر الأصنام وهدم الكنائس، ومن جملتها كانت كنيسة
عظيمة في بستان يسمونها بحر آرا وينسبونها إلى مها ديو فهدمها، وكذلك هدم كنيسة
أخرى كانت من أحصن الكنائس وأرفعها ببلدة ترس بور ولذلك لقبه الناس بإسكندر بت
شكن ومعناه كاسر الأصنام.
ومن مآثره الجميلة أنه نهى الناس أن يبيعوا الخمر في بلاده، ومنها أنه نهاهم أن يؤخذ
المكس من أحد مسلماً كان أو وثنياً، واستقل بالملك اثنتين وعشرين سنة، توفي سنة تسع
عشرة وثمانمائة، كما في تاريخ فرشته.(3/236)
القاضي إسماعيل الأصفهاني
الشيخ الفاضل القاضي إسماعيل بن عبد الله الأصفهاني الكجراتي أحد العلماء المبرزين
في الفقه والأصول، قدم كجرات في صباه مع والده وقرأ عليه وعلى غيره من العلماء
بكجرات ثم ولي القضاء بمدينة بهروج فاستقل به مدة من الزمان ثم ولي القضاء بمدينة
أحمد آباد في أيام السلطان محمود الكبير فاستقل به مدة حياته.
وكان صالحاً عفيفاً ديناً، أخذ الطريقة عن الشيخ محمد بن عبد الله الحسيني الكجراتي،
مات لأربع بقين من ربيع الأول سنة خمس وستين وثمانمائة، كما في تاريخ الدكن للآصفي.
الشيخ إسماعيل بن الصفي الردولوي
الشيخ الفاضل الكبير إسماعيل بن الصفي بن النصير الردولوي أبو المكارم الخطيب
النعماني كان من نسل أبي حنيفة- رحمه الله- ولد في ثاني عشر من ربيع الثاني سنة تسع
وثمانين وسبعمائة، وكان والده صفي الدين سبط القاضي شهاب الدين الدولة آبادي
وصاحبه فاشتغل بالعلم على والده، وصنف له والده دستور المبتدئ رسالة في التصريف
وغاية التحقيق شرح بسيط على كافية ابن الحاجب وكان يأمره بقلة الطعام والمنام وكثرة
المطالعة في جوف الليل ويقول إن المطالعة في الليل تزيد الحافظة قوة، ويوصيه أن لا يكون من
علماء السوء لأن العالم بلا عمل كالقوس بلا وتر، والعالم بلا عمل كالمرآة بلا صيقل، هذا
وكان إسماعيل مفرط الذكاء متوقد الذهن فرغ من تحصيل العلم وله نحو ست عشرة سنة
فاشتغل بالدرس والإفادة، ولما توفي والده تولى الشياخة ورزق حسن القبول، وكان يذكر في
كل أسبوع يوم الجمعة ويدرس ويفتي، مات يوم الأربعاء ثالث عشر من ربيع الأول سنة ستين
وثمانمائة.
الشيخ أشرف جهانكير السمناني
السيد الشريف العلامة العفيف أشرف بن إبراهيم الحسني الحسيني السمناني المشهور
بجهانكير ولد بمدينة سمنان وشبل في نعمة أبيه ونشأ نشأة أبناء الملوك وحفظ القرآن
بالقراءات السبع، ثم اشتغل بالعلم على أساتذة عصره وقرأ فاتحة الفراغ وله أربع عشرة
سنة، قام بالملك في التاسع عشر من سنه مقام والده فاشتغل بمهمات الدولة مع اشتغاله
بصحبة الشيخ ركن الدين علاء الدولة السمناني وخلق آخرين من العلماء والمشايخ، ولم يزل
كذلك مدة من الزمان ثم خلع نفسه وترك السلطنة وله ثلاث وعشرون سنة فأقام مقامه
أخاه محمداً وظعن إلى الهند ودخل أج فصحب الشيخ جلال الدين الحسين بن أحمد
البخاري وأخذ عنه، ثم ارتحل إلى بهار لزيارة الشيخ شرف الدين أحمد بن يحيى المنيري
فوصل إليها حين انتقل الشيخ المذكور إلى رحمة الله سبحانه فصلى عليه صلاة الجنازة،
وذهب إلى بندوه وسعد بصحبة الشيخ علاء الدين عمر بن أسعد اللاهوري ولبس منه
الخرقة وله سبع وعشرون سنة فلازمه أربعة أعوام، ثم وجهه الشيخ إلى جونبور فرحل إليها
ومكث بها مدة ثم دخل كجوجهه وسكن بها.
وكان عالماً كبيراً عارفاً مسفاراً لم يتزوج ولم يزل يسافر ويدرك المشايخ ويأخذ عنهم، فأول
ما سافر بعد ما ألقى عصا ترحاله في كجهوجهه إلى العرب والعراقين وأدرك في ذلك السفر
الكبار من المشايخ والعلماء، منهم الشيخ عبد الرزاق الكاشي، قرأ عليه الفصوص
والفتوحات والاصلاح الكبير، ومنهم الشيخ بهاء الدين محمد النقشبندي البخاري، أخذ
عنه الطريقة النقشبندية وكان رفيقه في ذلك السفر الشيخ بديع الدين المدار المكنبوري، ثم
سافر مرة ثانية ودار الربع المسكون مرافقاً للشيخ علي بن الشهاب الحسيني الهمذاني.
ومن مصنفاته الأشرفية: مختصر في النحو، وتعليقات على هداية الفقه، والفصول- مختصر
في أصول الفقه- وشرح له على عوارف المعارف، وشرح على فصوص الحكم كلاهما في
التصوف، وله قواعد العقائد في الكلام، وأشرف الأنساب مختصر بحر الأنساب في الأنساب
والسير، وبحر الأذكار، وفوائد الأشرف وأشرف الفوائد، وبشارة الذاكرين، وتنبيه الاخوان،
وحجة الذاكرين والفتاوي الأشرفية، وتفسير القرآن المسمى بالنور بخشية، والأوراد
الأشرفية،(3/237)
وديوان شعر، ومرآة الحقائق وكنز الدقائق، ورسالة في جواز سماع الغناء، وبشارة
المريدين، وإرشاد الاخوان، ورسالة في جواز اللعن على يزيد، وله مكتوبات جمعها نظام
الدين اليمني، وله ملفوظات جمعها الشيخ نظام المذكور في للطائف الأشرفية.
وكانت وفاته في الثامن والعشرين من محرم الحرام سنة ثمان وثمانمائة وقبره في كجوجهه
مشهور ظاهر يزار، كما في مهر جهان تاب.
الشيخ أمين الدين اللكهنوي
الشيخ الصالح أمين الدين بن سعد الله بن سماء الدين الصديقي البجنوري اللكهنوي أحد
العلماء الصالحين، أخذ العلم والطريقة عن أبيه، وتولى الشياخة بعده وسافر إلى الحجاز،
وحج وزار سبع مرات، مات بكجرات عند قفوله عن الحجاز ونقل جسده إلى لكهنؤ فدفن
عند أبيه وجده، مات لسبع خلون من جمادي الأولى سنة إحدى وتسعين وثمانمائة، كما في
تذكرة الأصفياء.
حرف الباء الموحدة
الشيخ با يزيد الأجميري
الشيخ الفاضل الكبير با يزيد بن قيام الدين بن حسام الدين بن فخر الدين ابن الشيخ
الكبير معين الدين حسن السجزي الأجميري كان من كبار العلماء، درس وأفاد مدة من
الزمان بمدينة أجمير ثم سافر إلى العراق وأقام بمدينة بغداد مدة من الدهر ثم رجع إلى الهند
ونزل بمندو فولاه محمود شاه المندوي الكبير نظارة مقبرة جده الشيخ معين الدين، فرحل إلى
أجمير وصرف بها عمره في الدرس والإفادة، أخذ عنه الشيخ أحمد بن مجد الدين الشيباني
وخلق كثير من العلماء، كما في كلزار أبرار.
قال الشيخ عبد الحق بن سيف الدين الدهلوي في أخبار الأخيار إن أصله من أجمير انتقل
أحد أسلافه إلى كجرات والشيخ با يزيد ولد ونشأ بها واشتغل بالعلم على من بها من
العلماء ثم سافر إلى بغداد وأخذ عن مشايخها ثم رجع إلى الهند ودخل مندو فأكرمه
محمود الخلجي صاحب مندو، وزوجه شيخ الاسلام محمود الدهلوي بابنته فصار محسوداً
بين إخوته فأنكروا انتسابه إلى الشيخ معين الدين وقالوا إنه مجهول النسب، فاستشهد
السلطان الشيخ حسين بن الخالد الناكوري ومولانا رستم الأجميري وغيرهما فشهدوا أنه من
سلالة الشيخ معين الدين فولاه الملك نظارة مقبرة جده المذكور، انتهى.
الشيخ بدر الدين البهاري
الشيخ الصالح بدر الدين بن فخر الدين بن شهاب الدين بن فخر الدين بن شهاب الدين
الكبير الزاهدي الدهلوي ثم البهاري المشهور ببدر العالم كان من الرجال المعروفين بالفضل
والصلاح، أخذ عن والده وعن الشيخ جلال الدين الحسين الحسيني البخاري وسافر إلى
بهار- بكسر الموحدة- بعد وفاة الشيخ شرف الدين أحمد بن يحيى المنيري فسكن وتولى
الشياخة بها وكان مرزوق القبول، توفي لثلاث بقين من رجب سنة أربع وأربعين وثمانمائة
فدفن بشيخبوره من أعمال مونكير.
الشيخ الكبير المعمر بديع الدين المدار الحلبي المكنبوري
الشيخ الكبير المعمر بديع الدين المدار الحلبي المكنبوري أحد مشاهير الشيوخ بأرض
الهند ينسبون إليه من الوقائع الغريبة ما يأباه العقل والنقل، ويتنافى مع الشريعة وعقيدة
التوحيد قيل إنه ولد بحلب سنة عشرين أو خمسين ومائتين من هجرة النبي صلى الله عليه
وسلم وكان من أولاد أبي هريرة الصحابي المشهور ينتهي إليه نسبه باثنتي عشرة واسطة
وقيل إنه من أولاد سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقيل غير ذلك.
في أعراسنامه: السيد بديع الدين شاه مدار ابن السيد علي الحلبي ابن السيد محمد بن
عيسى بن عبد الله بن سليمان بن عبد الملك بن إسحاق بن طاهر بن عبد الرحمن بن
قاسم بن ليس- هكذا في الأصل- ابن أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن زيد الفتاح بن
الامام محمد الباقر عليه وعلى جده السلام.
قالوا إنه أخذ الطريقة عن الشيخ طيفور الدين الشامي(3/238)
عن الشيخ عين الدين الشامي عن
الشيخ زين الدين المصري عن الشيخ عبد الأول السجاوندي عن الشيخ أبي الربيع
المقدسي عن الشيخ عبد الله عبد الرشيد علمدار المكي عن الامام أبي بكر الصديق
رضي الله تعالى عنه، كما في مهرجان تاب.
قال الشيخ أشرف بن إبراهيم السمناني في بعض رسائله إن بديع الدين كان أويسياً وإني
لقيته وسافرت معه إلى الحرمين الشريفين مرة فوجدت عنده علم الكيمياء والريمياء
والسيمياء والهيمياء وغيرها من العلوم الغريبة وشاهدت فيه من غرائب الآثار ما لم يكن في
غيره من الأولياء، وكان له حظ وافر من السكر، انتهى، كما في لطائف أشرفي.
وقال القاضي محمود المدقق الكنتوري في الحالية: المدار هو الراسخ في العلم بذات الله
وصفاته بتعليمه تعالى إياه بواسطة وبغير واسطة لثبوت المدارية للقطب المدار الذي هو
الغوث الأعظم نظير لخاتم الأنبياء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم ذكر الكنتوري معنى المدارية
وفصلها بما لا نذكره خوفاً من الإطالة، ثم قال فثبتت المدارية للقطب المدار أعنى السيد
بديع الدين الذي هو ممن عليهم مدار العالم وهم القطب ومن بينهم القطب المدار، قال عليه
الصلاة والسلام في حقهم إني لأعرف أقواماً منزلتي عند الله ما هم بأنبياء ولا شهداء
يغبطهم الأنبياء والشهداء لمكانتهم عند الله هم المتحابون في الله، إلى غير ذلك.
وأما خرافات المدارية فلا تسأل عن ذلك، قالوا: إنه ولد ببلدة حلب ثم اختلفوا في سنة
ولادته فقيل عشرين أو خمسين ومائتين، وقبل اثنين وأربعين وأربعمائة، وعمر إلى ستمائة
سنة أو أربعمائة سنة تقريباً، وقالوا إنه قرأ العلم على حذيفة الشامي وبرع في الكيمياء
والسيمياء والريمياء والهيمياء وغيرها من العلوم الغريبة في الرابعة عشرة من سنه، ثم سافر
إلى الحرمين الشريفين فحج وزار ودخل الهند فأقام بها أياماً قليلة ثم رجع إلى بلاده وركب
الفلك فغرقت في البحر وأنجاه الله سبحانه من تلك المهلكة فوصل إلى جزيرة غير معروفة
ووجد فيها عبداً من عباد الرحمن فأطعمه لقيمات من يده وبشره بأنه لا يجوع أبداً ثم
ألبسه الخرقة وقال: إنها لا تخلق ولا تبلى أبداً وإنها لا تتوسخ أبداً، وكان ذلك العبد رأس
الملائكة اسمه سنتحنيثا، ثم وصل إلى الهند فأقام بها أياماً قليلة ثم سافر إلى الحرمين
الشريفين فحج وزار وذهب إلى الكاظمين ثم إلى بغداد ثم إلى النجف ورزق الله السيدة
نصيبة أخت السيد الإمام عبد القادر الجيلاني أولاداً ببركته ثم دار الأرض ودخل الهند
مرة ثالثة ووصل إلى أجمير فلقي بها الشيخ معين الدين حسن السجزي وأقام بها قليلاً ثم
رجع إلى المدينة المنورة واعتكف بها فأمره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يذهب إلى الهند
فسافر إلى خراسان وبلاد العجم وتفرج بها وسلب منصب القطبية عن الشيخ نصير الدين
لأنه لم يحضر عنده وتكبر ثم لما اعتذر إليه أعطاه، ثم قدم الهند ودخل كالبي فحضر لديه
القادر بن محمود أمير تلك الناحية وكان عماد الملك ملك الجن بواباً للشيخ المدار فمنعه
عن الدخول عليه فرجع خائباً وأمر أن يخرج الشيخ من بلدته فخرج وغضب عليه فظهرت
على جسم قادر شاه نفاطات فذهب قادر شاه إلى شيخه سراج الدين فلحس سراج الدين
نفاطاته بلسانه فبرأ قادر شاه، ولما سمع الشيخ المدار ذلك غضب على سراج الدين
فاشتعل جسمه ناراً حتى مات، ثم دخل الشيخ المدار بلدة جونبور فاستقبله إبراهيم
الشرقي ملك الشرق وبايعه القاضي شهاب الدين الدولة آبادي ملك العلماء ثم سافر إلى
كنتور فبايعه الشيخ محمود المدقق الكنتوري ثم ذهب إلى بلدة سورت ثم إلى أرض الحجاز
فحج وزار ثم رجع إلى الهند ودخل مكنبور وكان بها غدير مفعم من الماء يسمع منه يا
عزيز فلما وصل إليه المدار خاض الماء فلم يسمع بعد ذلك منه الصوت فبنى زاوية له في
تلك الأرض وسكن بها وصدرت منه كرامات غريبة، انتهى ما في تذكرة المتقين لأمير حسن
المكنبوري.
وفي رسالة الشيخ عبد الباسط القنوجي أن الشيخ المدار لم يكن له حاجة إلى الأكل
والشرب لالتذاذه بقرب الله سبحانه وكان لا يمسه النوم ولا يطرأ على ملبسه الدرن ولا يقع
على جسمه الذباب وكانت تلوح على وجهه أنوار الله سبحانه فمن يراه يرى في وجهه(3/239)
جمال
الله ولذلك يضطر إلى السجدة له، وكان الشيخ المدار يسدل على وجهه سبعة نقب ويعتزل
عن الناس إلا في أوقات معينة، وكان يحيي الموتى بإذن الله ويبرئ الناس من الأمراض
الصعبة وينجح حوائجهم وينصب الأقطاب في نواحي الأرض وفيضانه يصل إلى أهل السماء
كما يصل إلى أهل الأرض، والعالم كله تحت قدرته والله سبحانه يمحو قدره عن اللوح
المحفوظ ويعزل الملائكة عن المناصب بقوله، إلى غير ذلك من الخرافات.
وقال الشيخ محمد أفضل بن عبد الرحمن العباسي الإله آبادي في بعض رسائله مما يجب أن
يعلم في هذا المقام أن بعضاً من العلماء الكرام والعرفاء العظام وإن طعنوا في هذه السلسلة
لكن طعنهم راجع إلى ما اعتاده جهلة هذه الطريقة من ترك ستر العورة وارتكاب الملاهي
والمناهي.
ذكر في الكتاب الموسوم بكلزار أبرار أن هذه البدعة يعني ترك ستر العورة وأمثال ذلك
حدثت في هذه الطائفة في النصف الآخر من المائة العاشرة وإلا ففي عهد الشيخ بديع الدين
الملقب بشاه مدار كان التحاشي عن مخالفة ظاهر الشريعة وإفشاء أسرار الوحدة في
الدرجة القصوى، ومنشأ شيوع هذه البدعة الطائفة أنه لما كان التجريد الصوري في هذه
السلسلة شرط الإنابة والإجازة اكتفى أكثر، خلفاء هذه السلسلة بستر العورة وبطعام
يأكلونه في كل يوم مرة ويتحاشون من جميع أجناس اللباس وألوان المأكول ويعملون بمقتضى يوم
جديد ورزق جديد ويقرؤن كلمة الدنيا نوم والباقية الصوم ثم المقلدون توغلوا في ذلك حتى
اكتفوا عن ستر العورة بستر العورة الغليظة إلى آخر ما ذكر في ذلك الكتاب في هذا الباب.
وذكر في حديقة الأنساب أن أرباب التشخيص اختلفوا في حق شاه مدار فرقة على أنه
كان مجذوباً وخارجاً عن دائرة الشريعة والعقيدة لكن أكثر أهل التحقيق من مشايخ الهند
استحسنوا مشربه ويعلمون أنه صاحب المقامات العالية، وأصحابه فرقتان: العوام فأكثرهم
مائل إلى الإلحاد والزندقة، والخواص متحققون ومتخلقون بأخلاق هذه الطائفة، انتهى.
وكانت وفاته في عاشر جمادي الأولى سنة أربع وأربعين وثمانمائة وقيل سنة ثمان وثلاثين
وثمانمائة فدفن بمكنبور، وعلى قبره عمارة عظيمة من أبنية الملوك والسلاطين، كما في مهر
جهان تاب.
القاضي برهان الدين المالوي
الشيخ العالم الفقيه القاضي برهان الدين الحنفي المالوي أحد كبار المشايخ الصوفية قدم
مندو في عهد هوشنكك شاه الغوري فبايعه الملك وسكن بها الشيخ مفيداً مرشداً، ومات
في سنة سار فيها هوشنكك شاه إلى جاجنكر، كما في كلزار أبرار وكان ذلك في سنة
خمس وعشرين وثمانمائة، كما في مرآة سكندري.
الشيخ بهاء الدين الكشميري
الشيخ الصالح بهاء الدين الكشميري أحد رجال العلم والمعرفة أخذ عن الشيخ أبي
إسحاق الجيلاني عن الشيخ علي بن الشهاب الحسيني الهمذاني وسافر إلى الحرمين
الشريفين فحج وزار وقدم كشمير فسكن بها وحصل له القبول العظيم وتذكر له كشوف
وكرامات، قتله اللصوص سنة تسع وأربعين وثمانمائة بكشمير فدفن بها، كما في خزينة
الأصفياء.
الشيخ بدهن البهرائجي
الشيخ الصالح الفقيه السيد بدهن- بضم الموحدة وتشديد الدال الهندية- العلوي
البهرائجي أحد المشايخ المشهورين، قرأ العلم على الشيخ حسام الدين الفتح بوري أحد
أصحاب الشيخ عبد المقتدر بن ركن الدين الشريحي الكندي وأخذ عنه الطريقة الجشتية
وأخذ الطريقة المدارية والسهروردية وأكثر الطرق المشهورة عن الشيخ أجمل بن أمجد
الحسيني البهرائجي ثم الجونبوري وأخذ عنه محمد بن القاسم الأودي مات لثمان خلون من
شوال سنة ثمانين وثمانمائة، كما في مسالك السالكين.
بهلول بن كالا اللودي
الملك العادل الفاضل بهلول بن كالا بن بهرام اللودي الأفغاني السلطان الصالح ولي الملك
بدهلي في(3/240)
سنة خمس وخمسين وثمانمائة وكان جده بهرام قدم الملتان في أيام ولاية الملك
مردان فسكن بها وولده كالا وولي على عمالة دوآبة من أعمال سرهند في أيام خضر خان
الرايات الأعلى وتوفي في مدة يسيرة فتربى ولده بهلول في حجر عمه إسلام خان وكان والياً
بسرهند ولما توفي عمه المذكور اجتمع الأفغان عليه فاستولى على سرهند وما والاها من
العمالات فأقطعه العمالات محمد شاه الدهلوي ولقبه خانخانان، فاستولى على سائر بلاد
بنجاب والسند، وسار إلى دهلي سنة خمس وخمسين وثمانمائة في أيام علاء الدين ابن محمد
شاه الدهلوي واستقل بالملك وذهب علاء الدين إلى بدايون فسكن بها ومات في سنة ثلاث
وثمانين وثمانمائة.
وكان بهلول عادلاً فاضلاً مقداماً شجاعاً فاتكاً ماضي العزيمة صادق القول صالحاً متورعاً
يجالس العلماء ويذاكرهم في المعارف الشرعية ويبذل جهده في متابعة النبي صلى الله عليه
وسلم
ويحسن إلى الأفغان ويبالغ في إكرامهم ولا يجلس على السرير في حضرتهم ويتردد إلى
بيوتهم يتناوب في الطعام في بيوت الأمراء فكان لا يأكل في بيته ويركب أفراسهم عند
الحاجة، مات في سنة أربع وتسعين وثمانمائة، كما في تاريخ فرشته.
حرف التاء الفوقية
القاضي تاج الدين البلخي
الشيخ العالم الكبير القاضي تاج الدين النحوي البلخي ثم الهندي اللكهنوتوي أحد
الفضلاء المشهورين بمعرفة النحو والعربية كان من نسل الشيخ محمود القرشي العشقي
رندبوش قدم الهند وسكن بأرض لكهنوتي وشمر عن ساق الجد في الدرس والإفادة أخذ
عنه خلق كثير، ومن أعقابه الشيخ منجهن بن عبد الله بن خير الدين اللكهنوتي، كما في
كلزار أبرار.
الشيخ تاج الدين الظفر آبادي
الشيخ الفاضل تاج الدين الناصحي الأدهمي العمري الظفر آبادي كان من كبار الفقهاء
يرجع نسبه إلى إبراهيم بن أدهم العمري الولي المشهور، ولي القضاء بظفر آباد فسكن بها
وصرف شطراً من عمره في الدرس والإفادة ثم ترك الاشتغال بها وأخذ الطريقة عن الشيخ
أسد الدين الحسيني الواسطي وانقطع إلى الزهد والعبادة، وكان حافظاً للقرآن الكريم يقرؤه
بلحن شجي يأخذ بمجامع القلوب.
مات في سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة بظفر آباد فدفن بها، كما في تجلى نور.
الشيخ تاج الدين النهروالي
الشيخ العالم الكبير تاج الدين بن يوسف بن أحمد السوهي النهروالي الكجراتي أحد
العلماء المبرزين في الفقه والعربية أخذ عن أبيه الشيخ يوسف بن أحمد السوهي الأيرجي
وعن الشيخ عبد الله بن محمود الحسيني البخاري الكجراتي وكان يدرس ويفيد في مقبرة
الشيخ حسام الدين الملتاني بنهرواله أخذ عنه خلق كثير، كما في كلزار أبرار.
مولانا تاج الدين الأسبيجابي
الشيخ الفاضل الكبير تاج الدين الحنفي الأسبيجابي أحد كبار العلماء، كان ختن الشيخ
علاء الدين عمر بن أسعد اللاهوري البندوي ومع تلك القرابة كان شديداً على استماع
الغناء ينهى عن الرقص والتواجد، كما في أخبار الأخيار.
تيمور كوركان السمرقندي
الأمير تيمور بكسر التاء الفوقية وسكون الياء التحتية وميم مضمومة وواو ساكنة وراء
مهملة ابن ترغائي ابن أبغائي يصل نسبه من جهة النساء إلى جنكيز خان عظيم التتر،
والعرب يقولون في اسمه تمور تارة وتمورلنك تارة، ومسقط رأسه قرية تسمى خواجه ايلغار
من أعمال الكش وهو مدينة من مدن ما وراء النهر بكسر الكاف وتشديد الشين المعجمة
ويقال كس بالسين المهملة، وسبب كونه أعرج أنه في بعض الليالي سرق شاة واحتملها فضربه
الراعي في كتفه سهماً وثنى بآخر في فخذه فعرج.
ولما استولى على ما وراء النهر تزوج بإحدى بنات(3/241)
الملوك فزادوا في ألقابه كوركان وهو
بلغة المغول الختن لكونه صاهر الملوك وكان أبوه فقيراً فانقلب الدور وصار شاباً أميراً.
وكان أمياً محباً للفقراء والعلماء صاحب فراسة وكياسة وقد خضعت له العساكر
واجتمعت له الأكابر والأصاغر بحسن تدبيره ومساعدة الجد وكان إذا دخل بلدة مكر
وغدر وسفك الدماء وفعل الأفاعيل، وقد صفت له ممالك سمرقند وولاياتها وممالك ما وراء
النهر وجهاتها وتركستان وما حواليها وممالك خوارزم وكاشغر وبلخستان وما يتعلق بها
واقليم خراسان وغالب ممالك مازندران وزاوستان وطبرستان وغزنة واستراباد وغيرها من
البلاد، وقصد بلاد الروم والشام وفعل فيها ما فعل.
وكان ابتداء استقلاله بالملك سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، وتخريب تيمور دمشق كان
في سنة ثلاث وثمانمائة، ودخوله ببلاد الروم في سنة أربع وثمانمائة، ودخوله بحلب سنة ثلاث
وثمانمائة.
وأما دخوله بأرض الهند كان في الثاني عشر من شهر الله المحرم في سنة إحدى وثمانمائة
ففتح بلاد السند وبنجاب وقتل خلقاً وأسر ونهب ودخل دهلي في السادس عشر من
جمادي الأولى سنة إحدى وثمانمائة وقتل خلقاً لا يحصون بحد وعد، وخرج ناصر الدين
محمود صاحب الهند إلى كجرات ووزيره إقبال خان إلى برن فأقام بدهلي خمسة عشر يوماً
ثم رجع إلى بنجاب ومنها إلى ما وراء النهر.
وكان رجلاً ذا قامة شاهقة كأنه من بقايا العمالقة عظيم الجبهة والرأس شديد القوة والبأس
أبيض اللون مشرب حمرة عظيم الأطراف عريض الأكتاف، مستكمل البنية مسترسل
اللحية أعرج اليمين وعيناه كشمعتين جهير الصوت لا يهاب الموت، وكان من أبهته وعظمته
أن ملوك الأطراف وسلاطين الأكناف مع استقلالهم بالخطبة والسكة إذا قدموا عليه
وتوجهوا بالهدايا إليه كانوا يجلسون على أعتاب العبودية والخدمة نحواً من ممد البصر من
سرادقاته وإذا أراد منهم واحداً أرسل أحد خدمه فينادي باسمه فينهض في الحال.
وقد نسب إليه بعض رسائل، منها كتاب في التنظيمات السياسية والعسكرية، وكتب
سيرته عدة مؤرخين بعضهم أطال وبعضهم أوجز وحكوا عنه حكايات كثيرة، وأحسن
تاريخ له وإن كان مبنياً على مدحه تاريخ شريف الدين علي الفارسي ترجم إلى
الفرنساوية.
وقيل في سبب وفاته أنه لما رجع إلى بلاده وشرب من العرب فأفرط وتقياً الدم وتوفي
بنواحي مدينة اترار في سابع عشر شعبان سنة سبع وثمانمائة وقد جاوز الثمانين، ومدة
ملكه ست وثلاثون سنة، نقلت جثته إلى سمرقند.
حرف الثاء المثلثة
مولانا ثناء الدين الملتاني
الشيخ الفاضل العلامة ثناء الدين بن قطب الدين الحنفي الملتاني أحد العلماء المبرزين في
العلوم الحكمية، ولد ونشأ بمدينة ملتان وقرأ بها حيثما أمكنه ثم سافر إلى شيراز وأخذ
المنطق والحكمة وغيرهما عن السيد الشريف زين الدين علي الجرجاني صاحب المصنفات
المشهورة ثم رجع إلى الملتان ودرس بها مدة عمره، أخذ عنه الشيخ سماء الدين بن فخر
الدين الملتاني وخلق كثير من العلماء، كما في تاريخ المشاهير.
حرف الجيم
الشيخ جلال الدين الكجراتي
الشيخ الكبير المعمر جلال الدين الصوفي الجشتي الكجراتي أحد المشايخ المشهورين ولد
ونشأ بأرض كجرات وأخذ الطريقة عن الشيخ بياره ولازمه مدة ثم سافر إلى بنكاله وأسلم
على يده خلق كثير من أهل كوروبنكك.
وكان شيخاً جليلاً وقوراً عظيم الهيبة كبير المنزلة مرزوق القبول، يجلس على السرير مثل
الملوك والسلاطين ويحكم في الناس كحكمهم، أخذ عنه الشيخ محمد بن منكن الملاوي
وخلق كثير وأسلم على يده خلق من أهل بنكاله.(3/242)
وكانت وفاته بالشهادة في سنة إحدى وثمانين وثمانمائة، كما في خزينة الأصفياء.
الشيخ جلال الدين المانكبوري
الشيخ الفاضل جلال الدين بن إسماعيل العمري المانكبوري أحد العلماء المبرزين في الفقه
والأصول والعربية، أخذ العلم والطريقة عن الشيخ محمد خليفة الشيخ نظام الدين محمد
البدايوني، وكان عالماً تقياً متورعاً شديد التعبد يرقد في أول الليل والناس مستيقظون فإذا
رقد الناس استيقظ وصلى إلى الفجر، وكان يقرأ سورة يس كل ليلة إحدى وأربعين مرة،
وكان يدرس العلوم الدينية بعد صلاة الضحى ويسترزق بالكتابة، مات ودفن بمانكبور، كما
في رفيق العارفين.
الشيخ جلال بن أبي الفتح القنوجي
الشيخ الصالح جلال بن أبي الفتح بن حامد بن محمود بن الحسين الحسيني البخاري
القنوجي المشهور بالجلال الثالث كان من نسل الشيخ جلال الدين حسين ابن أحمد بن
الحسين البخاري الأجي، ولد ونشأ بمدينة أج وانتقل منها إلى دهلي فأكرمه بهلول بن كالا
اللودي وأقطعه عمالة قنوج فانتقل من دهلي إلى قنوج وسكن بها، وله ذرية واسعة بقنوج
منهم صديق حسن بن أولاد حسن القنوجي صاحب المصنفات المشهورة، مات ودفن
بقنوج وبنى على قبره شاه هري خان فتح جنكك بناية سامية البناء في أيام حسين الشرقي
سنة إحدى وثمانين وثمانمائة، كما في الفرع النامي.
مولانا جمال الدين الكشميري
الشيخ العالم المحدث جمال الدين الكشميري أحد العلماء المبرزين في الفقه والحديث
والأصول والعربية، قدم كشمير في صحبة الشيخ علي بن الشهاب الحسيني الهمذاني
وسكن بها امتثالاً لأمره لأجل تعليم السلطان قطب الدين شاه مرزا الكشميري فانقطع إلى
الدرس والإفادة، وقبره بمدينة كشمير على نهر بهت مشهور يزار ويتبرك به، كما في روضة
الأبرار لمحمد الدين الكشميري.
الشيخ جمشيد الإسرائيلي الراجكيري
الشيخ الصالح الفقيه جمشيد الإسرائيلي الحنفي الصوفي الراجكيري كان من نسل القاضي
قدوة الدين الأودي، أصله من اهرامؤ من أعمال دريا آباد، لازم في شبابه الترك والتجريد
وأخذ الطريقة عن الشيخ جلال الدين الحسين البخاري الأجي وصحبه مدة من الزمان
وكان الشيخ يدعوه بأخي جمشيد فلقب به واشتهر حتى صار ذلك اللفظ جزء اسمه، فلما
بلغ رتبة الكمال اعتزل عن الناس وسكن براجكير من حارات قنوج وانقطع إلى الزهد
والعبادة، وكان يقول: إنما الانسان إما رجل أو نصف رجل أو لا شيء، فالرجل الواصل إلى
الله، ونصف الرجل الطالب له، والذي لا شيء هو طالب الدنيا، وكان يقول: اتقوا الصوفية
الجهلة فإنهم لصوص الدين وقطاع طريق المسلمين، ومن كلامه: من كان في قلبه ذرة من محبة
الدنيا ليس له مع عظم زهده أن يدخل في حمى الملك القديم فإنه يقول: لا أذيق حلاوة محبتي
من في قلبه حبة من محبة الدنيا لأن الملوث لا يصلح للحظيرة القدسية والحضرة الربانية،
انتهى.
مات يوم الأربعاء عاشر شوال سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، كما في التقصار للقنوجي.
الشيخ جائلده المندوي
شيخ الاسلام الشيخ جائلده المندوي أحد الرجال المعروفين بالفضل والصلاح، ولد ونشأ
بمدينة أج وأخذ عن الشيخ صدر الدين محمد بن أحمد الحسيني البخاري الأجي وسافر
إلى الحرمين الشريفين فحج وزار وأقام بها مدة من الزمان ثم رجع إلى الهند ودخل مندو في
أيام محمود شاه الكبير الخلجي فكلفه الإقامة عنده وولاه شياخة الإسلام بها وكان يدرس
ويفيد، مات ودفن بمندو في أيام محمود شاه المذكور، كما في كلزار أبرار.
حرف الحاء المهملة
الشيخ حامد الكبير البخاري الأجي
الشيخ الصالح الفقيه حامد بن محمود بن(3/243)
الحسين بن أحمد بن الحسين بن علي الحسيني
البخاري الأجي أحد العلماء المبرزين في المعارف الإلهية، ولد ونشأ في أيام جده جلال
الدين الحسين البخاري وتأدب عليه وأخذ الفقه والحديث والكلام عنه، وتولى الشياخة بعد
والده ناصر الدين محمود، أخذ عنه صنوه عبد الله بن محمود الأجي الكجراتي وخلق كثير
من المشايخ.
الشيخ حبيب الله الكرماني
الشيخ الفاضل حبيب الله بن خليل الله بن نعمة الله الحسيني الكرماني أحد رجال العلم
والطريقة، قدم الهند مع والده سنة أربع وعشرين وثمانمائة فأملكه أحمد شاه البهمني ابنته
ورقاه إلى رتبة الإمارة فعاش مدة طويلة بأحمد آباد بيدر، وصار من أهل الحل والعقد حتى
تولى المملكة همايون شاه البهمني وكان ظالماً شديد البطش حريصاً على سفك الدماء
فخرج عليه حسن بن علاء الدين البهمني ورافقه حبيب الله فقتل حسن ومعه أصحابه
وأسر حبيب الله فلبث في السجن أياماً، ثم خرج منه وفر إلى بيجابور وقتل بها في شهر
شعبان سنة أربع وستين وثمانمائة، كما في تاريخ فرشته.
الشيخ حسام الدين الجونبوري
الشيخ الفاضل حسام الدين بن نصر الله الأصفهاني ثم الهندي الجونبوري أحد مشايخ
الطريقة المدارية، درس وأفاد مدة مديدة ببلدة جونبور في عهد السلطان إبراهيم الشرقي
وأخذ الطريقة المدارية عن الشيخ المعمر بديع الدين المدار المكنبوري ولازمه وصحبه مدة
من الزمان، أخذ عنه الشيخ محمد بن علاء الشطاري المنيري وخلق آخرون، مات في
تاسع ربيع الأول سنة أربعين وثمانمائة بمدينة جونبور فدفن بها، كما في الانتصاح.
الشيخ حسام الدين الفتح بوري
الشيخ الفاضل حسام الدين الحنفي الصوفي الفتح بوري أحد الفقهاء المبرزين في الفقه
والأصول، قرأ على القاضي عبد المقتدر بن ركن الدين الشريحي الكندي وأخذ عنه
الطريقة ثم خرج من دهلي في فتنة الأمير تيمور فرحل إلى فتح بور قرية جامعة من أوده
وسكن بها، أخذ عنه الشيخ بدهن العلوي البهرائجي وخلق آخرون.
قال اللاهوري في خزينة الأصفياء إنه مات في سنة ثمانمائة، وقال السيد الوالد في مهر جهان
تاب إنه مات في عهد إبراهيم الشرقي ما بين أربع وثمانمائة وأربع وأربعين وثمانمائة، والله
أعلم.
الشيخ حسام الدين المانكبوري
الشيخ الإمام العالم الكبير حسام الدين بن خواجه خضر بن جلال الدين العمري
المانكبوري أحد الأولياء المشهورين، ولد ونشأ بمانكبور وقرأ العلم وحفظ المتون والشروح
من الكتب الدرسية وتفقه على والده ثم سافر على قدم الصدق والإرادة إلى بنكاله وأخذ
الطريقة عن الشيخ نور بن العلاء البندوي ولازمه مدة من الزمان حتى بلغ رتبة لم يصل إليها
أحد من أصحابه فاستخلصه الشيخ لنفسه واستخلفه في الثامن عشر من ربيع الثاني سنة
أربع وثمانمائة ورخصه إلى مانكبور، كما في أنيس العاشقين، فرجع إلى جونبور وعاش في
غاية الفقر والفاقة سبع سنين ثم فتح الله سبحانه عليه أبواب الرزق ورزقه حسن القبول
فخضع له الملوك والأمراء وحصلت له الوجاهة العظيمة عند أهل البلدة، أخذ عنه ولده
فيض الله والشيخ راجي حامد شه وخلق آخرون.
له أنيس العاشقين كتاب مفيد في السلوك، وقد جمع بعض أصحابه ملفوظاته في رفيق
العارفين وله إحدى وعشرون ومائة رسالة إلى أصحابه جمها شهاب الدين المانكبوري في
مجموع، كما في كنج أرشدي.
ومن كلامه فيض إلهي ناكاه رسد، ولكن بر دل آكاه رسد، بس سالك منتظر مي بايد تا
از برده غيب جه كشايد وقوله فراق كجا است، يا او است، يا نور اوست، يا برتو
اوست، يا برتو نور اوست وقوله درويش راجهار جيز مي بايد، دو درست دو شكسته،
دين درست يقين درست، باي شكسته دل شكسته وقوله: آميخته همه كس باش، آويخته
كس مباش إلى غير ذلك من الأقوال المفيدة.(3/244)
مات في خامس عشر من رمضان سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة وقبره ظاهر مشهور ببلدة
مانكبور يزار ويتبرك به.
الشيخ حسن بن البدر الهندي
الشيخ العالم الكبير حسن بن بدر الدين الهندي ثم الدمشقي الحنفي نزيل حماة الشام، ذكره
السخاوي في الضوء اللامع: قال إنه عالم علامة بحر محقق مدقق ذو فنون عديدة وأقوال
سديدة متمكن من العقليات، لازم السيد الجرجاني ثلاثين سنة وانتفع به الطلبة في النحو
والصرف والأصلين، مات سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة بالمدرسة المعزية بحماة عن نحو سبعين
سنة طرب الأماثل.
الشيخ حسين بن محمد البروجي
الشيخ العالم الصالح حسين بن محمد البروجي الكجراتي أحد العلماء المبرزين في الفقه
والتصوف، أخذ عن الشيخ كمال الدين القزويني البروجي ولازمه مدة من الدهر ثم تولى
الشياخة أخذ عنه خلق كثير من العلماء والمشايخ.
الشيخ حسن بن الحسين البلخي
الشيخ العالم الفقيه الزاهد حسن بن الحسين بن المعز البلخي البهاري أحد المشايخ
الفردوسية، ولد ونشأ في معهد العلم والمعرفة وتأدب على والده وتفقه عليه وأخذ عنه
الطريقة وأجازه والده في سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة فجلس على مسند الإرشاد، وله
كاشف الأسرار شرح بسيط على حضرات الخمس لأبيه بالفارسي، وله لطائف المعاني في
الحقائق والمعارف، مات في الحادي والعشرين من شعبان سنة خمس وخمسين وثمانمائة ببلدة
بهار فدفن بها، كما في حاشية غلام يحيى على شرح آداب المريدين.
الشيخ حسن بن محمد الكجراتي
الشيخ الصالح الفقيه حسن بن محمد الأساولي الكجراتي أحد المشايخ المشهورين بأرض
كجرات وكان يعرف بالشيخ ادهن، ولد في سنة أربع عشرة وثمانمائة وأخذ الطريقة عن
الشيخ عبد الله بن محمود الحسيني البخاري الكجراتي ثم لازم الشيخ نصير بن جمال
النوساروي وأخذ عنه وكان من العلماء المبرزين في المعقول والمنقول، مات في ثالث عشر
من شوال سنة سبعين وثمانمائة وقبره بأساول وأساول شارع كبير بأحمد آباد، كما في كلزار
أبرار.
الشيخ حسن بن علي الكيلاني
الشيخ الفاضل العلامة حسن بن علي الحكيم الكيلاني أحد العلماء المبرزين في المنطق
والحكمة وسائر الفنون العقلية، كان في عهد السلطان فيروز بن داود البهمني بكلبركه وكان
من ندمائه، أمره السلطان المذكور في سنة عشرة وثمانمائة ببناء المرصد بقرية بالاكهات وأمر
السيد محمد الكاذروني وعلماء آخرين أن يعينوه في ذلك، فتصدى الحسن لذلك ولكنه
اخترمته المنية قبل بلوغه إلى تلك الأمنية وكان ذلك في سنة عشر وثمانمائة.
الشيخ حسن الحسيني الأجي
الشيخ العالم الصالح حسن بن أبي الحسن الحسيني كبير الدين الأجي أحد الرجال
المعروفين بالفضل والصلاح، سافر إلى البلاد ودار الربع المسكون ثم قدم مدينة أج وسكن
بها.
قال الشيخ عبد الحق بن سيف الدين الدهلوي في أخبار الأخيار: إنه جاوز مائة وثمانين
سنة وقد ألم على يده خلق كثير، وكان إذا رآه أحد لا يسعه إلا أن يذعن له الإطاعة،
وكانت وفاته في سنة ست وتسعين وثمانمائة بمدينة أج فدفن بها.
الشيخ حسين بن المعز البلخي
الشيخ الإمام العالم الكبير حسين بن معز الدين البلخي البهاري أحد كبار مشايخ الطريقة
الفردوسية، نشأ في حجر الشيخ شرف الدين أحمد بن يحيى المنيري وبايعه ثم تلقى عن
عمه الشيخ مظفر بن شمس الدين البلخي وسافر معه إلى الحرمين الشريفين فحج وزار وأقام
بمكة المباركة أربع سنين وقرأ بها القرآن والشاطبية على الشيخ شمس الدين الخوارزمي،(3/245)
وأخذ القراءات السبع عن الشيخ شمس الدين الحلوي وكان الحلوي فريد عصره في القراءات والتجويد لم يكن له مثل في زمانه في مصر ولا في الشام ولا في أرض الحجاز،
وقرأ حسين بن المعز صحيح مسلم وصحيح البخاري على عمه المظفر المذكور من أولهما
إلى آخرهما لفظاً ومعنى وأسند عنه وإني رأيت ذلك في إجازته بلفظ عمه المظفر، ورأيت
في بعض رسائله أن والده معز الدين البلخي مات بمكة المباركة فدخل مع عمه عدن ولبث
بها مدة من الزمان وأسند الحديث بها عن الخطيب العدني واستخلفه عمه وتوفي بعدن
فرجع إلى الهند وتولى الشياخة، أخذ عنه ولده حسن وخلق آخرون.
له مصنفات في الحقائق والمعارف، منها حضرات الخمس في التوحيد أوله: الحمد لله رب
العالمين، الخ، ومنها رسائل له إلى أصحابه في ضخم، وله ديوان الشعر الفارسي، مات في
الرابع والعشرين من مجلد ذي الحجة الحرام سنة أربع وأربعين وثمانمائة، كما في حاشية غلام
يحيى علي شرح آداب المريدين.
الشيخ حسين الملتاني
الشيخ الفاضل العلامة حسين القرشي الملتاني أحد العلماء المبرزين في العلوم العربية، درس
وأفاد مدة حياته بمدينة الملتان في خانقاه الشيخ بهاء الدين أبي محمد زكريا الملتاني وانتهت
إليه الرياسة العلمية بها، أخذ عنه الشيخ محمد بن منكن الملاوي وخلق كثير من العلماء،
كما في مصباح العاشقين.
حسين شاه الشرقي الجونبوري
الملك الكبير حسين بن محمود بن إبراهيم الجونبوري سلطان الشرق، قام بالملك بعد أخيه
محمد شاه وافتتح أمره بالعقل والدهاء وجمع العساكر العظيمة ثلاثمائة ألف فارس وأربعمائة
وألف فيلة، ثم سار إلى أريسه وقاتل صاحبها ثم صالحه على مال يؤديه عاجلاً وآجلاً ثم
رجع إلى جونبور سالماً وغانماً، وأسس قلعة بنارس سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، وبعث
عساكره إلى قلعة كواليار في تلك السنة وفتحها عنوة ثم صالح صاحبها على مال يؤديه،
وسار نحو دهلي في سنة ثمان وسبعين وثمانمائة بمائة ألف وأربعين ألف فارس وأربعمائة فيلة
ففتحها عنوة، ولما عرف بهلول عجزه عن المقاومة أرسل إليه يطلب منه دهلي وما والاها
من البلاد إلى ثمانية عشر ميلاً فلم يجبه فالتجأ بهلول إلى عساكره وقاتله قتالاً شديداً على
ماء جمن وهزمه، ففر حسين شاه إلى جونبور، وسار إلى دهلي مرة ثانية في سنة تسع
وسبعين وقاتل بهلول فانهزم في هذه المعركة أيضاً ورجع إلى جونبور ثم سار إليه وانهزم ثم
سار مرة رابعة إلى دهلي وانهزم هزيمة فاحشة وقبض بهلول على بلاده وولي على جونبور
باربك شاه أحد أبنائه فسار حسين شاه إلى أقصى بلاده وقنع على أقطاع تحصل له منها
خمسمائة ألف من النقود، ولما توفي بهلول وولي الملك بعده سكندر بن بهلول حرض أخاه
باربك شاه أن يخرج على أخيه فوقعت الحرب بينهما وغلب الإسكندر على أخيه فسار
إلى حسين شاه وقبض على جميع بلاده وأخرجه إلى بنكاله وانقرضت الدولة الشرقية من
جونبور وما والاها من البلاد في سنة إحدى وثمانين وثمانمائة، وحسين شاه عاش سبع
سنين في بنكاله وكانت مدته تسع عشرة سنة، كما في تاريخ فرشته.
وكان فاضلاً كبيراً جيد المشاركة في العلوم، قرأ على القاضي سماء الدين الجونبوري،
وأخذ الموسيقى عن أساتذته وصار من الماهرين فيه وتصرف في دهربت إحدى النغمات
الهندية التي كانت ذات أربعة مصاريع فخفف منها المصراعين وتصرف في آهنك تصرفاً
حسناً وسماه الخيال جنكله وجعل المجاز أصرح مما كان، وله مصنف لطيف في الموسيقى
يسمى تحفة الهند.
الشيخ حسين بن إسماعيل الملتاني
الشيخ الصالح الفقيه حسين بن إسماعيل بن محمود بن الحسين البخاري الأجي الشيخ
صدر الدين الحسيني الملتاني أحد العلماء المبرزين في المعارف الإلهية، أخذ عن والده وتولى
الشياخة بعده، أخذ عنه(3/246)
الشيخ عبد الوهاب بن محمد بن رفيع الدين الحسيني البخاري
الدهلوي، كما في تذكرة السادة البخارية لعلي أصغر الكجراتي.
الشيخ حسين بن محمد الحسيني الكجراتي
الشيخ العالم الكبير حسين بن محمد بن يوسف الحسيني الدهلوي ثم الكلبركوي المشهور
بمحمد الأكبر، ولد بدار الملك دهلي ونشأ بها وقرأ العلم على مولانا محمد بغرا ومولانا
محمد القاسم ومولانا خواجكي والقاضي عبد المقتدر ابن ركن الدين الكندي وجد في
البحث والاشتغال حتى برز في النحو والعربية والفقه والأصول والكلام، ثم لبس الخرقة من
والده وصحبه وأخذ عنه الطريقة واستخلفه أبوه سنة إحدى عشرة وثمانمائة، وكان والده
يحبه حباً مفرطاً ويقول إنه لو لم يكن ولدي لوقفت في خدمته ويقول لم يفق أحد شيخه إلا
الشيخ قطب الدين بختيار الأوشي فإنه فاق شيخه معين الدين وولدي محمد الأكبر فاقني،
فانتهى.
له مصنفات لطيفة منها المعارف بالعربية في النحو وشرح الملتقط لوالده، وشرح السوانح،
ورسالة في العقائد بالفارسية، رسالة في إباحة السماع، ورسالة في إباحة لبس النعلين في
المسجد، ورسالة في مقامات الصوفية، ورسالة في التصريف بالفارسية، والتصريف المالكي.
توفي في حياة أبيه بمدينة كلبركه يوم الأربعاء الخامس عشر من ربيع الثاني سنة اثنتي عشرة
وثمانمائة، وقبره يحاذي قبر والده، كما في مهر جهانتاب.
القاضي حماد الدين الكجراتي
الشيخ العالم الفقيه القاضي حماد الدين بن محمد أكرم الحنفي الكجراتي أحد الأفاضل
المشهورين في عصره، كان قاضي القضاة ببلدة نهرواله، صنف بأمره المفتي ركن الدين
الناكوري الفتاوي الحمادية وذكره في مفتتح كتابه وأثنى على فضله وبراعته في العلوم.
الشيخ حماد بن محمد الكجراتي
الشيخ العالم الكبير القاضي حماد بن محمد الحنفي الصوفي الكجراتي أحد الرجال
المشهورين، ولد ونشأ بكجرات وقرأ العلم ثم أخذ الطريقة عن الشيخ محمد بن عبد الله
الحسيني البخاري ولازمه مدة من الزمان وصرف شطراً من عمره في الجهاد في سبيل الله،
وكان يذكر له كشوف وكرامات ووقائع غريبة، مات في الثاني والعشرين من شوال وله ست
وثلاثون سنة كما في مرآة أحمدي.
حرف الخاء المعجمة
مولانا خواجكي الدهلوي
الشيخ العالم الكبير العلامة خواجكي بن محمد الحنفي الدهلوي نزيل كالبي ودفينها، ولد
ونشأ بدار الملك دهلي، واشتغل بالعلم على الشيخ معين الدين العمراني وقرأ عليه فبرز في
الفقه والأصول والعربية فدرس وأفاد بدهلي زماناً طويلاً، وأخذ الطريقة عن الشيخ نصير
الدين محمود الأودي ولازمه مدة من الدهر، أخذ عنه القاضي شهاب الدين الدولة آبادي
وقرأ عليه الكتب الدرسية، وكان بدهلي إذ أخبره الشيخ محمد بن يوسف الحسيني
الدهلوي أنه رأى رؤيا صادقة أن المغول سيخرجون ويثيرون الفتن ويهلكون الحرث والنسل،
فخرج خواجكي من دهلي وذهب إلى بلدة كابلي وسكن بها، وكانت وفاة خواجكي في
سنة تسع وثمانمائة بكالبي وقبره مشهور داخل قلعتها، كما في أخبار الأخيار.
مولانا خواجكي الكروي
الشيخ الفاضل الكبير شمس الدين خواجكي بن أحمد بن شمس الدين العريضي الملتاني
كان من نسل إسماعيل بن جعفر الصادق عليه وعلى جده السلام، أخذ العلم والمعرفة عن
الشيخ علاء الدين الحسيني الجيوري ولازمه مدة من الزمان.
وكان عالماً كبيراً بارعاً في الفقه والحديث والتصوف، له مصنفات منها مراد مريد في
السلوك، ومنها الأربعين في الحديث جمع أربعين حديثاً فيه عن مشارق الأنوار للصغاني.
قال الشيخ أحمد بن محمد الحسيني الكروي في(3/247)
بعض مصنفاته: إن أباه قد تشرف برؤية
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الرؤيا الصادقة فأراد أن يقرأ عليه الأربعين لجده خواجكي
ويصحح أحاديثه فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أي كتاب أخذت تلك الأحاديث؟
فقال: من مشارق الأنوار للصغاني، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أحاديث المشارق
كلها صحيحة، فحمد الله سبحانه على تلك البشارة وحفظ المشارق من الابتداء إلى
الانتهاء.
وكانت وفاة خواجكي في الثامن عشر من محرم سنة ثمان وتسعين وثمانمائة، وقبره مشهور
ظاهر بمدينة كره على شاطئ نهر كنك وعليها مكتوبة أبيات من إنشائه:
براي خدا أي عزيزان من نويسيد بر كور من اين سخن
كه جون خواجكي در ته خاك شد نكو شد كه خس كم جهان باك شد
مولانا خواجه المانكبوري
الشيخ الفاضل مولانا خواجه بن جلال الدين العمري المانكبوري أحد العلماء المبرزين في
الفقه والأصول والعربية، أخذ عن أبيه وعن غيره من العلماء، وكان قانعاً عفيفاً متورعاً
يذكر له وقائع غريبة، ومن ذلك أن رجلاً استفتاه وعرض عليه الذهب المسكوك وكان
جائعاً من ثلاثة أيام فأفتاه ورد عليه الذهب، فلامه الناس على ذلك وهو ساكت لا يجيبهم
فأتاه رجل وقال له: إن الأمير عين الدين كان يقرأ بعض الأدعية فاعتراه مشكل في بعض
الألفاظ فإنه قد دعاك لحل ذلك، فسار إليه وكشف القناع عن ذلك الإشكال فسر به الأمير
وأعطاه الذهب المسكوك قدر ما رده مع الكسوة والأطعمة، فعجب الناس من صبره.
خضر بن سليمان الدهلوي
الملك الكريم خضر بن سليمان العلوي السلطان الصالح المشهور بالمسند العالي والرايات
الأعلى، ولي الملك بدهلي في الفترات وكان والده متبني للملك مردان الذي كان والياً بالملتان
في أيام فيروز شاه الدهلوي ثم لما توفي الملك مردان ولي ولده ملك شيخ ولما توفي ملك شيخ
اتفق الناس على سليمان لأنه لم يخلف أحداً من أهله يصلح للتقدم، ولما توفي سليمان ولي
فيروز شاه الدهلوي ولده خضر خان علي الملتان، ولما قدم الأمير تيمور الهند تقدم إليه
وأحسن في الخدمة فولاه على السند وعلى بلاد بنجاب، ثم لما ذهب الأمير إلى ما وراء
النهر واستولى على دهلي إقبال خان الوزير أراد أن يعزله عن الولاية في سنة ثمان وثمانمائة
وسار إليه بعساكره فالتقوا بناحية أجودهن واقتتلوا قتالاً شديداً فانهزم إقبال خان وقتل في
تلك المعركة فتقدم إلى دهلي ناصر الدين محمود بن محمد بن فيروز شاه ولبث بها زماناً ثم
مات فتقدم خضر خان إلى دار الملك في سنة ست عشرة وثمانمائة ولقب نفسه بالمسند
العالي والرايات الأعلى.
وكان عادلاً كريماً صادقاً في ما يقول ويفعل، متين الديانة، اتفق الناس عليه ورضوا عنه
فبذل جهده في تعمير البلاد وتكثير الزراعة وإعلاء الإسلام وإرضاء النفوس.
مات في السابع عشر من جمادي الأولى سنة أربع وعشرين وثمانمائة وكانت مدته بدهلي
سبع سنين وبضعة أشهر، كما في تاريخ فرشته.
الشيخ خوند مير الفتني
الشيخ الصالح الفقيه خوند مير بن السيد بدا بن يعقوب بن محمود الحسيني الفتني
الكجراتي أحد الرجال المعروفين بالفضل والصلاح، ولد ونشأ بأرض كجرات وتفقه على
عمه شادي بن يعقوب وأخذ الطريقة عنه ثم انتقل من مدينة فتن إلى أحمد آباد وأخذ عن
الشيخ عبد الله بن محمود الحسيني البخاري الكجراتي وعن الشيخ عبد الفتاح عن الشيخ
علاء الدين عن الشيخ محمد بن يوسف الحسيني نزيل كلبركه ودفينها.
وكان شيخاً وقوراً عظيم الهيبة كبير المنزلة، أخذ عنه جمع كثير ويذكر له كشوف
وكرامات، مات في عاشر ربيع الثاني سنة أربع وسبعين وثمانمائة، كما في مرآة أحمدي.(3/248)
الشيخ خليل الله الكرماني
الشيخ الصالح خليل الله بن نعمة الله بن عبد الله الحسيني الكرماني أحد الرجال المعروفين
بالفضل والصلاح، قدم الهند بعد وفاة والده سنة أربع وعشرين وثمانمائة فاستقبله أحمد شاه
البهمني الدكني بمدينة أحمد آباد بيدر وأكرمه غاية الإكرام وأعطاه عمالة سيترم وزوج ابنته
بابنه حبيب الله وابنة ولده علاء الدين بابنه محب الله، مات ودفن بمدينة بيدر، كما في مهر
جهان تاب.
خضر بن الحسن البلخي
الشيخ الفاضل خضر بن الحسن بن المبارك بن عثمان بن محيي الدين العمري الأدهمي
البلخي أحد العلماء المبرزين في الحديث، قدم الهند ودخل جونبور فولي التدريس بلكهنؤ
وأقطع قرى عديدة من أعمال مليح آباد، أخذ عنه ابنه قطب الدين وإني ذكرت في ترجمة
الشيخ مبارك الكوباموي أن نسبتهم إلى إبراهيم بن أدهم الولي المشهور لا تصح لوجوه
فتذكر.
حرف الدال المهملة
المفتي داود بن ركن الدين الناكوري
الشيخ العالم الكبير المفتي داود بن ركن الدين بن حسام الدين الحنفي الناكوري أحد
العلماء المبرزين في الفقه والأصول، كان مفتياً ببلدة نهرواله من بلاد كجرات، أعان والده في
تدوين الفتاوي الحمادية كما صرح به والده في مفتتح كتابه.
ملا داود الكجراتي
الشيخ الفاضل داود بن أبي داود الكجراتي أحد الرجال المشهورين في معرفة التاريخ
والسير، له تحفة السلاطين كتاب في أخبار سلاطين الدكن صنفه للسلطان فيروز بن داود
البهمني، كما في تاريخ فرشته.
حرف الراء المهملة
الشيخ ركن الدين الجونبوري
الشيخ الصالح الفقيه ركن الدين بن صدر الدين بن شرف الدين بن جلال الدين محمود بن
جابر بن الشيخ عبد الله الأنصاري الهروي ثم الهندي الجونبوري أحد الرجال المعروفين
بالفضل والصلاح، قدم والده مدينة دهلي في أيام خضر خان وسكن بها ولما توفي إلى رحمه
الله سبحانه انتقل ولده ركن الدين إلى جونبور في أيام إبراهيم الشرقي وأخذ الطريقة عن
الشيخ تاج الدين الجهونسوي ثم لما قدم الشيخ جلال الدين الحسين بن أحمد الحسيني
البخاري بلدة جونبور أخذ عنه وحصل له القبول العظيم وكان أصحابه يسجدون له وهو
لا يمنعهم عن السجدة فاحتسب عليه القاضي شهاب الدين الدولة آبادي غير مرة.
قال الشيخ عبد العزيز الجونبوري في سيرة الأولياء: إن الكبير الموحد الهندي ورد جونبور
فآذاه أصحاب القاضي شهاب الدين المذكور فأخذه الشيخ ركن الدين في كنف حمايته ثم
أشار عليه أن يخرج من تلك البلدة، انتهى، وقال أخذ عنه الشيخ عبد الملك العادل
الجونبوري والقاضي محمد بن العلاء المنيري وخلق كثير.
وكانت وفاته في حادي عشر من ربيع الثاني سنة أربع وسبعين وثمانمائة وقبره في تارتله في
بلدة جونبور، كما في كنج أرشدي.
الشيخ ركن الدين الدهلوي
الشيخ الصالح الفقيه ركن الدين بن شهاب الدين الحنفي الصوفي الدهلوي أحد المشايخ
الجشتية، ولد ونشأ ببلدة دهلي وتأدب على والده وأخذ عنه وتولى الشياخة بعده، أخذ
عنه مسعود بيك صاحب التمهيدات كما في كلزار أبرار.
الشيخ ركن الدين الظفر آبادي
الشيخ الصالح الفقيه ركن الدين القرشي الظفر آبادي كان من أكابر الفقهاء الحنفية ذا كعب
عال في الفقه وأصوله والحديث والتفسير.
قال صاحب مناقب الدرويشية إنه كان حافظاً لمائة ألف حديث وكان يداوم على الصيام
ويجتهد في أكل الحلال، أخذ الطريقة عن الشيخ أسد الدين الحسيني(3/249)
الظفر آبادي وجاهد
معه في سبيل الله وسكن بظفر آباد.
وكانت وفاته في سنة عشرين وثمانمائة، فأرخ لموته بعض أصحابه من قوله ركن دين افتاد
كما في تجلى نور.
المفتي ركن الدين الناكوري
الشيخ العالم الكبير العلامة ركن الدين بن حسام الدين الحنفي الناكوري أحد الفقهاء
المبرزين في الفقه والأصول، كان مفتياً بمدينة نهرواله من بلاد كجرات، له الفتاوي الحمادية في
مجلد ضخم صنفه بأمر القاضي حماد الدين بن محمد أكرم الكجراتي وأخذ المسائل الفقهية
في كتابه عن أربعة ومائتين من كتب الفقه والأصول والحديث والتفسير، أوله الحمد لله الذي
نور قلوب العارفين بنور التوحيد والايمان الخ.
القاضي رضي الدين الردولوي
الشيخ الفاضل الكبير القاضي رضي الدين بن نصير الدين بن نظام الدين الحنفي الردولوي
كان سبط العلامة القاضي شهاب الدين أحمد بن عمر الزاولي الدولة آبادي ولد ونشأ
بجونبور، وقرأ العلم على جده لأمه الشهاب المذكور ولازمه مدة من الزمان حتى برع في
العلم وفاق أقرانه في الفقه والأصول والكلام والعربية، ولاه إبراهيم الشرقي القضاء بمدينة
ردولي فسكن بها وكان يدرس ويفيد، كما في أنوار الصفي.
حرف الزاي المعجمة
السلطان زين العابدين الكشميري
الملك العادل الكريم زين العابدين بن الإسكندر بن قطب الدين الكشميري السلطان
الصالح قام بالملك بعد أخيه وكان اسمه شاهي خان فلقب نفسه بزين العابدين في نحو سنة
ست وعشرين وثمانمائة واستوزر أخاه محمد خان وفتح بلاد تبت وسخر أهلها واستقل
بالملك وافتتح أمره بالعدل والسخاء وإطلاق الأسارى وأعاد الوثنيين الذين أخرجوا من
ديارهم في العهد السالف وأذن أن يدينوا بدينهم ويخطوا على جباههم كجري عادتهم
ويحرقوا نساءهم مع بعولهن الموتى، وأبطل الجزية عنهم ومنع المسلمين عن ذبح البقر تأليفاً
لقلوب الوثنيين وحط الجبايات والمكوس وأجاز للكفار الذين أكرهوا على الاسلام في عهد
والده أن يرتدوا عن الاسلام، ونهى التجار أن يخفوا متاعهم في دورهم وأمر أن يبيعوها
بالمنافع القليلة وأن لا يغبنوا في المبيع.
وكان إذا افتتح بلدة قسم المغانم على عساكره وأخذ الخراج من رعايا تلك البلدة وأدب
المتمردين ورحم الضعفاء والمساكين، وقد جمع الله سبحانه فيه من خصال الخير ما لم يجمع
في غيره، منها أنه لم ينظر إلى أجنبية بنظر الشهوة قط، ولم ينظر إلى مال غيره بنية الخيانة
قط، ومنها أنه كان يعفو ويسامح كثيراً من الناس وقلما يؤاخذهم في العقوبات وإذا وجبت
العقوبة على أحد يأمر بجلائه عن بلاده بحيلة حيث أن المنفى لا يظن أنه أخذ في العقوبة،
ومنها أنه لم يزل يشتغل بتعمير الولاية وتكثير الزراعة وحفر الأنهار وغرس الأشجار وسد
الثغور وبناء الجسور حتى إنه لم يبق في بلاده أرض بلا ماء ولا قطعة منها بلا كلأ، ومنها أنه
كان يكرم أرباب الفضل والكمال حتى اجتمع لديه خلق كثير من العلماء مسلمين ووثنيين
فنقلوا كتباً كثيرة من العربية والفارسية إلى الهندية ومن الهندية إلى العربية والفارسية في
كثير من الفنون، ومنها أنه كان راغباً عن حطام الدنيا فلم يدخر مالاً ولم يكنز ذهباً ولا
فضة.
وبالجملة فإنه جمع فيه من حسن الخلق والتواضع وكرم السجايا ومعرفة حقائق القضايا
والفطنة بدقائق الأمور والاطلاع على أحوال الجمهور وجودة التدبير والخبرة ومحبة أهل
الفضائل وكراهة أرباب الرذائل والميل إلى معالي الأمور ما لا يمكن وصفه، وكانت وفاته في
آخر سنة سبع وسبعين وثمانمائة، وله تسع وستون سنة وكانت مدة ملكه اثنتين وخمسين
سنة، كما في تاريخ فرشته.
الشيخ زين الدين العربي
الشيخ الفاضل زين الدين بن بدر الدين الصوفي العربي أحد العلماء المبرزين في الفقه
والتصوف والفنون الأدبية، أخذ الطريقة عن الشيخ شرف الدين أحمد بن يحيى المنيري
وتأدب عليه ولازمه مدة حياته، وله راحة(3/250)
القلوب مجموع بالفارسي في أخبار شيخه
وملفوظاته، أوله: حمد وسباس بي قياس، الخ.
الشيخ زهيد بن بدها السارني
الشيخ العالم الصالح زهيد بن بدها بن حمزة بن قطب بن عمر بن الجلال الحسيني الزيدي
السارني أحد الرجال الطريقة الجشتية، أخذ عن الشيخ محمد بن عيسى الجونبوري وكان
كثير الاستغراق لم يزل يشتغل بالمراقبة، وكان الشيخ محمد بن العلاء المنيري ختنه والشيخ
أبو الفتح هداية الله بن محمد المنيري سبطه، كما في كلزار أبرار.
وإني قرأت في أسانيد الشيخ محمد بن العلاء المنيري أنه أخذ الطريقة الجشتية عن الشيخ
زاهد بن بدر الجشتي عن الشيخ محمد بن عيسى الجونبوري، فالأقرب أن يكون اسم
الشيخ زهيد زاهداً واسم أبيه بدراً، وأما زهيد وبدها فأما أن يكونا من قبيل اللقب
المشهور كما هو مروج في الديار الهندية أو يكونا تصحيفاً من كتاب كلزار، والله أعلم.
الشيخ زين الدين البغدادي
الشيخ العالم الصالح زين الدين الصوفي البغدادي المشهور بكنج نشين معناه المعتزل أخذ
عن الشيخ محمد بن إبراهيم عن شمس الدين محمد عن أحمد عن أبي إسحاق عن شمس
الدين محمد الكمي عن أبي العباس السليماني عن محمد صالح الدكاكي عن الشيخ أبي
مدين المغربي، وقدم الهند من بغداد ودخل أحمد آباد بيدر في أيام علاء الدين شاه البهمني
فسكن بها، ومات سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة بمدينة بيدر فدفن بها، كما في مهر جهان
تاب.
الشيخ زين الدين الأودي
الشيخ الصالح زين الدين علي الجشتي الأودي كان ابن أخت الشيخ نصير الدين محمود بن
يحيى الأودي، أخذ الطريقة عن خاله المذكور ولازمه مدة، توفي بدولة آباد سنة إحدى
وثمانمائة، كما في مهر جهانتاب.
حرف السين المهملة
الشيخ سارنك اللكهنوي
الشيخ الصالح الفقيه سارنك الحنفي الصوفي الدهلوي ثم اللكهنوي أحد كبار المشايخ
الجشتية، كان من أمراء السلطان فيروز شاه الدهلوي ملك الهند، مصر بلدة بمالوه وسماها
سارنكبور، ثم أخذته الجذبة الربانية فترك الإمارة وصحب الشيخ قوام الدين بن ظهير الدين
العباسي الكروي وتلقى الذكر منه وسافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار ورجع إلى الهند
وأخذ عن الشيخ يوسف بن أحمد الايرجي وصحبه مدة من الزمان وقرأ عليه الرسالة
المكية وفي آخر أمره بعث إليه الشيخ صدر الدين بن أحمد الحسيني البخاري الخرقة فردها
إليه ثم بعثها إليه وأشار عليه الشيخ حسام الدين أحد المشايخ السهروردية أن يقبلها فقبل
تلك الخرقة، وحصلت له فتوح عظيمة منها، كما في أخبار الأخيار.
وكانت وفاته في السادس عشر من شوال سنة خمس وخمسين وثمانمائة وقبره بمجهكوه قرية
من أعمال(3/251)
بسوه، بكسر الموحدة، في أرض أوده، كما في الفوائد السعدية.
الشيخ سراج الدين الكالبوي
الشيخ الصالح الفقيه سراج الدين الحنفي الصوفي الكالبوي المشهور بالسراج الحريق، قرأ
العلم على مولانا خواجكي الدهلوي الدفين بكالبي وأخذ الطريقة عن الشيخ جلال الدين
حسين بن أحمد الحسيني البخاري، وله قصة طويلة مع الشيخ بديع الدين المدار المكنبوري،
شرحتها في ترجمة المدار فليرجع إليها، وكانت وفاته في سنة ثلاثين وثمانمائة، كما في خزينة
الأصفياء.
الشيخ سراج الدين الكجراتي
الشيخ الفقيه الزاهد سراج الدين ابن العلامة كمال الدين الدهلوي ثم الكجراتي أحد
المشايخ المشهورين، تفقه على والده وأخذ عنه الطريقة الجشتية ثم قام مقامه في الدرس
والإفادة، أخذ عنه ولده علم الدين وخلق آخرون، مات بتسع بقين من جمادي الأولى سنة
سبع عشرة وثمانمائة ببلدة نهرواله من أرض كجرات فدفن بها، كما في مجمع الأبرار.
الشيخ سراج الدين الملتاني
الشيخ العالم الصالح سراج الدين بن عالم بن قوام الدين الملتاني أحد المشايخ المشهورين في
عصره، كان أصله من الملتان ونشأ في مدينة هرات، وأخذ العلم والمعرفة عن الشيخ زين
الدين الخوافي وصحبه مدة حياته، ثم تولى الشياخة بعده وعكف على الإرشاد والتلقين
مدة من الزمان، ثم قدم الهند وسكن بأرض كجرات وقبره ببلدة نهرواله، كما في أخبار
الأخيار.
وفي مجمع الأسرار أن الشيخ زين الدين الخوافي المتوفي سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة أخذ
الطريقة عن الشيخ نور الدين عبد الرحمن المصري عن الشيخ جمال الدين يوسف الكوراني
عن الشيخ حسام الدين الثمري عن الشيخ نور الدين عبد الصمد النظيري عن الشيخ
نجيب الدين علي البرغش عن الشيخ الكبير شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي
صاحب العوارف انتهى.
الشيخ سعد الدين الخير آبادي
الشيخ العالم الكبير العلامة سعد الدين ابن القاضي بدهن بن الشيخ محمد القدوائي
الأنامي ثم الخير آبادي أحد العلماء المبرزين في النحو والعربية والفقه والأصول والتصوف،
كان والده قاضياً بخير آباد وتوفي في صغر سنه فتربى في حجر أمه واشتغل بالعلم وحفظ
القرآن وقرأ على الشيخ محمد أعظم بن أبي البقاء اللكهنوي، ثم أخذ الطريقة عن الشيخ
محمد مينا بن قطب الدين اللكهنوي وصحبه عشرين سنة وأخذ عنه وتولى الشياخة بعده
ببلدة لكهنؤ مدة من الزمان، ثم انتقل إلى خير آباد وبنى بها زاوية رفيعة، أخذ عنه الشيخ
عبد الصمد بن علم الدين السائنبوري والشيخ الهداد الرضوي وخلق آخرون.
ومن مصنفاته شرح البزدوي وشرح الحسامي وشرح كافية بن الحاجب وشرح المصباح
وشرح الرسالة المكية وأثبت فيها كثيراً من ملفوظات شيخه وكلما ينقل فيها قوله يقول قال
شيخي شيخ مينا أدامه الله فينا كما في أخبار الأخيار وكانت وفاته في سنة اثنتين وثمانين
وثمانمائة، كما في الفوائد السعدية.
الشيخ سعد الدين اللكهنوي
الشيخ العالم الصالح سعد الدين بن سعد الله بن القاضي سماء الدين البكري البجنوري
اللكهنوي، كان سادس أبناء والده، ولد ونشأ بقرية بجنور على أربعة أميال من لكهنؤ وكان
يشتغل بالدرس والإفادة، قصده الناس من بلاد شاسعة يستفيدون منه، وكان شاعراً مجيد
الشعر يتلقب بسعدي، ومن أبياته:
جون دوست موافق است سعدي سهل است جفاي هر دو عالم
مات بليلة بقيت من جمادي الأولى سنة إحدى وثمانين وثمانمائة، فأرخ لموته بعض أصحابه
من قوله مخدوم قطب الأولياء كما في تذكرة الأصفياء.(3/252)
الشيخ سعد الله اللكهنوي
الشيخ العالم الصالح سعد الله ابن القاضي سماء الدين بن فخر الدين البكري البجنوري
اللكهنوي أحد المشايخ الكبار، أخذ الطريقة عن والده وعن الشيخ أجمل بن أمجد العلوي
الجونبوري، وجمع العلم والعمل والسخاء والإيثار، كان ينفق ماله في سبيل الله ويطعم الفقراء
فلقبه الناس كندوري فراز ولقبه الشيخ قيام الدين بشيخ الاسلام، مات بسبع بقين من ربيع
الثاني سنة تسع وعشرين وثمانمائة فأرخ الشيخ رحمة الله صاحب تذكرة الأصفياء لعام
وفاته رحمة الله عليه كما في تذكرة الأصفياء.
الشيخ سعد الله الكنتوري
الشيخ الصالح الفقيه سعد الله بن محمد المتوكل الكنتوري أحد المشايخ المشهورين، ولد
ونشأ في مهد العلم والدين، أخذ عن والده وعن الشيخ نصير الدين محمود الأودي وكان
زاهداً متقللاً قانعاً، له مقامات عالية في السلوك وشأن كبير، كما في البحر الزخار.
قال صاحب المعارج: له إجازة عن الشيخ أشرف بن إبراهيم السمناني أيضاً، مات في
حياة والده في سنة ست وثمانمائة، كما في خزينة الأصفياء.
الشيخ سعيد بن محفوظ السوانوي
الشيخ الصالح سعيد بن محفوظ بن الحسين بن عبد المجيد بن نعمان بن حمزة ابن الحسين
بن أبي بكر بن عمر بن أحمد الحسيني الترمذي اللاهوري ثم السوانوي أحد الرجال
المعروفين بالفضل والصلاح، ولد ونشأ بسوانه وأخذ الطريقة عن الشيخ صدر الدين محمد
بن أحمد الحسيني البخاري الأجي ثم أدرك الشيخ بديع الدين المدار المكنبوري فاستفاد
منه وسافر إلى مكة المباركة راجلاً من سوانه إلى تلك البقعة الكريمة وحج سبع مرات
ومات بها، أخذ عنه ولده قوام الدين أبو علي السوانوي الذي قتل بمدينة سنبهل ودفن
بجوكي بور، كما في العاشقية.
الشيخ سلام الله المندوي
الشيخ العالم الكبير سلام الله المندوي أحد الفقهاء المبرزين في الفقه والأصول والعربية، لقبه
محمود شاه الخلجي صاحب مالوه بسيد العلماء وكان وجيهاً مبجلاً عنده، كما في تاريخ
فرشته.
القاضي سماء الدين الجونبوري
الفاضل العلامة القاضي سماء الدين الجونبوري الوزير المشهور بقتلغ خان كان أعلم العلماء
في عصره، أخذ عن تلامذة القاضي شهاب الدين الدولة آبادي وقرأ عليه السلطان حسين
الشرقي ثم استوزره ولقبه قتلغ خان وكان معه في معركة دهلي فقبض عليه بهلول اللودي
سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة وحبسه بدهلي ولم يزل حياً إلى سنة أربع وتسعين وثمانمائة، كما
في تاريخ فرشته.
القاضي سناء الدين الغزنوي
الشيخ العالم الفقيه سناء الدين بن نظام الدين بن صدر الدين حسين الزينبي الغزنوي ثم
المجهلي شهري أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول والعربية، ولد ونشأ بغزنة وقدم الهند
مع والده سنة سبع عشرة وثمانمائة وسكن بمجهلي شهر وولي القضاء بها بعد والده.
حرف الشين المعجمة
الشيخ شرف الدين المشهدي
السيد الشريف شرف الدين بن علاء الدين الحسيني المشهدي ثم البروجي أحد الرجال
المعروفين بالفضل والصلاح، كان ختناً للشيخ جلال الدين حسين ابن أحمد الحسيني
البخاري وخليفته، صحب الشيخ المذكور مدة من الزمان وسافر معه إلى بلاد شاسعة
وقدم كجرات في آخر أمره وسكن بمدينة بروج، أخذ عنه ولده قطب الدين بن شرف الدين
وسعد الله بن شرف الدين وخلق كثير من العلماء والمشايخ، مات يوم الأحد ما بين الظهر
والعصر في الثامن عشر من رجب سنة ثمان وثمانمائة ببلدة بروج، وقبره خارج البلدة، كما
في مرآة أحمدي.
الشيخ شرف الدين الكجراتي
الشيخ الكبير شرف الدين الأساولي الكجراتي(3/253)
المشهور بالشيخ جهجو كان من كبار
المشايخ الرفاعية، أخذ عن الشيخ نظام الدين عمر بن أكرم الرفاعي عن علي عن ركن الدين
عن شمس الدين عن قطب الدين أبي الحسن علي بن عبد الرحيم عن أخيه شمس الدين
محمد عن عمه محيي الدين إبراهيم بن علي الأعذب عن عمه مهذب الدين عبد الرحيم
عن أخيه سيف الدين علي بن عثمان البطائحي عن خاله القطب الكبير السيد أحمد
الرفاعي، وأخذ عنه الشيخ نصير بن الجمال النوساروي وخلق آخرون، مات لخمس ليال
بقين من ذي القعدة، كما في كلزار أبرار وإني لم أقف على سنة وفاته.
الشيخ شعيب بن الجلال المنيري
الشيخ الفاضل شعيب بن الجلال بن عبد العزيز بن التاج المنيري أحد العلماء المعروفين
بالزهد والصلاح، ولد ونشأ ببلدة منير- بفتح الميم- وبايع الشيخ شرف الدين أحمد بن
يحيى المنيري في صباه وكان من بني أعمامه ثم لازم الشيخ حسين بن المعز البلخي وأخذ
عنه وفاق أقرانه في العلم والعمل، له مناقب الأصفياء كتاب في أخبار شيوخه، مات في
الخامس عشر من ربيع الثاني سنة اثنتين وثمانمائة.
القاضي الشيخ شمس الدين الكجراتيد
الشيخ الفاضل الكبير شمس الدين الحنفي الشيباني الكجراتي كان من نسل الإمام محمد
بن الحسن الشيباني صاحب الإمام أبي حنيفة النعمان الكوفي، سافر من دهلي إلى نارنول
ثم إلى الحرمين الشريفين، فلما وصل إلى كجرات كلفه صاحبها الإقامة وزوجه بجارية جئ
بها من دار الحرب، فرزق منها أولاداً، منهم الشيخ تاج الأفاضل، وكان له خمسة أبناء منهم
القاضي مجد الدين، وللمجد سبعة أبناء أكبرهم وأعلمهم الشيخ أحمد، كما في أخبار
الأخيار.
الشيخ شمس الدين الأونوي
الشيخ الصالح الفقيه شمس الدين الأونوي الكجراتي أحد الرجال المعروفين بالفضل
والصلاح، مات بأونه قرية جامعة من أعمال سورته في أرض كجرات ودفن بها في غرة
شعبان سنة أربع وثمانمائة، كما في مرآة أحمدي.
الشيخ شمس الدين الأودي
الشيخ الكبير شمس الدين بن نظام الدين الصديقي الأودي أحد المشايخ المشهورين ولد
ونشأ ببلدة أوده، وقرأ العلم على مولانا رفيع الدين الأودي وصحبه زماناً وأخذ عنه، ثم
لازم السيد أشرف جهانكير السمناني وصحبه مدة من الدهر وأخذ عنه الطريقة وتصدر
للارشاد بعده، أخذ عنه خلق.
الشيخ شير خان الدهلوي
الشيخ الفاضل الصالح شير خان الحنفي الصوفي الدهلوي المشهوري بمسعود بيك كان من
عشيرة السلطان فيروزشاه الدهلوي، صرف شطراً من عمره في الغنى والإمارة ثم ترك
الإشتغال بما لا يعنيه، وبايع الشيخ ركن الدين بن شهاب الدين الدهلوي والتزم الترك
والتجريد والإنزواء والصيام والقيام في جوف الليل حتى بلغ رتبة الكمال، وكان من أهل
السكر الطافح، له مصنفات منها التمهيدات على نهج تمهيدات عين القضاة الهمذاني، وله
ديوان الشعر الفارسي، وله مرآة العارفين في الحقائق والمعارف وهي مرتبة على أربع عشرة
حقيقة، كما في أخبار الأخيار ومن شعره قوله.
هر دم بكمان رفتم با رب كه منم يا او كاميخته ايم از جان او با من من با او
اين كشته هجران را كشت است خيالش جان جون بيك اجل آيد از تن جه رود با#
او
بخت است زبيداري اين ديده شب بيما آسوده بخسبيم كر بر ديده نهد با او
سوزم جو سبند اين جان من از بئي جشم بد هر كه كه كند جلوه بيشم رخ زيبا او
بي صورت موزونش جون زنده توان ماندن مائيم همه تنها جان همه تنها أو
كشت است بسي جانها از طره او غارت برده است بسي دلها از غمزه بيغما او
هر لحظه كند جلوه در دل بدكر صورت هر كس بتماشائي ما راست تماشا او(3/254)
مسعود ازين خلوت كن معذرتي جان را زيرا كه بدل ما را كرد است كنون جا او
وكانت وفاته في سنة ست وثلاثين وثمانمائة، كما في خزينة الأصفياء.
الشيخ شبلي بن محمد الكاذروني
الشيخ العالم الصالح شبلي بن محمد بن محمود العثماني الكاذروني أحد المشايخ المعروفين
في الطريقة الجشتية، ولد ونشأ بباني بت وأخذ عن والده الشيخ جلال الدين محمد بن
محمود الكاذروني ولازمه مدة حياته ثم تولى الشياخة.
وكان عالماً كبيراً قانعاً عفيفاً ديناً صاحب وجد وحالة، وكان مقعداً لمرض اعتراه في
شبابه ولكنه كان يقوم في حالة التواجد، ويذكر له كشوف وكرامات، مات في سنة اثنتين
وخمسين وثمانمائة، كما في خزينة الأصفياء.
القاضي شهاب الدين الأودي
الشيخ العالم الفقيه شهاب الدين المداري الأودي كان من نسل القاضي قدوة الدين
الإسرائيلي الأودي وكان مفرط الذكاء متوقد الذهن، لقبه الناس لذكائه بركاله آتش ومعناه
شعلة نار، وهو ممن أخذ الطريقة عن الشيخ بديع الدين المدار المكنبوري إمام الطريقة
المدارية، واعتزل عن القضاء وأغرق كتبه في ماء كنك، قبره في قرية براكاون في أرض أوده.
الشيخ شمس الدين الظفر آبادي
الشيخ الصالح شمس الدين بن ركن الدين بن صدر الدين القرشي الملتاني ثم الظفر آبادي
المشهور بالشيخ بدهن بضم الموحدة وتشديد الدال الهندية، كان من المشايخ المشهورين في
عصره، ولد سنة أربع وسبعين وسبعمائة يوم توفي جده صدر الدين، فتربى في حجر والده
وتأدب عليه وأخذ عنه الطريقة السهروردية، ولما توفي أبوه تولى الشياخة مكانه، مات بظفر
آباد سنة أربع وسبعين وثمانمائة فدفن عند أبيه وجده كما، في الانتصاح.
مولانا شمس الدين الكرماني
الشيخ العالم الصالح شمس الدين الكرماني المشهور بحق كو أي صادق اللهجة، قدم الهند
مع أبناء الشيخ نعمة الله الحسيني الكرماني وسكن بأحمد آباد بيدر من بلاد الدكن لعله في
أيام أحمد شاه البهمني.
الشيخ شمس الدين الفتني
الشيخ العالم الصالح شمس الدين بن قوام الدين الناكوري الفتني أحد العلماء المبرزين في
العلم والمعرفة، أخذ عن الشيخ إسماعيل بن إبراهيم الجبرتي ولازمه مدة من الدهر، ولبس
منه الخرقة القادرية والكاذرونية، ولبس منه الشيخ برهان الدين عبد الله بن محمود الحسيني
البخاري وخلق كثير من العلماء والمشايخ، أما إسماعيل بن إبراهيم فإنه لبس الخرقة
القادرية عن الشيخ أبي بكر بن سلامي الصوفي عن الشيخ أحمد بن محمد الأسدي عن
الشيخ أبي بكر بن نعيم عن الشيخ أحمد بن محمد عن أبيه الشيخ محمد بن عبد الله عن
الشيخ صامت بن عبد الله عن الشيخ عبد الله شيخ الجبال عن الشيخ أبي محمد عبد
الله عن السيد عبد القادر الجيلي إمام الطريقة القادرية، ولبس الخرقة الكاذرونية عن الشيخ
ضجاعي عن برهان الدين عن أبي العباس أحمد عن فضيل العذري عن عبد الله عن أبي
بكر عن أبي محمد عبد الله الحضرمي عن أبي محمد إبراهيم عن أبي الفتح بن فقيه
البيضاوي عن الشيخ أبي إسحاق الكاذروني رحمهم الله تعالى ونفعنا ببركاتهم آمين.
الحكيم شهاب الدين الجونبوري
الشيخ الفاضل الحكيم شهاب الدين الكرماني ثم الهندي الجونبوري أحد الأفاضل
المشهورين في عصره، سافر إلى مندو في أيام محمود شاه المندوي الكبير، وصنف له محمود
شاهي كتاباً ضخماً في تاريخ مالوه.
حرف الصاد المهملة
مولانا صدر جهان الكجراتي
الشيخ الفاضل الكبير صدر جهان الكجراتي أحد(3/255)
العلماء المبرزين في الفقه والأصول
والكلام، كان يدرس ويفيد، أخذ عنه الشيخ أحمد بن البرهان بن أبي محمد الغوري، وكان
من معاصري الشيخ محمد بن عبد الله الحسيني البخاري ينكر عليه في أمور ثم إنه لقيه
وباحثه في بعض المسائل الكلامية فاعترف بفضله وكماله، كما في مرآة أحمدي.
الشيخ صفي بن النصير الردولوي
الشيخ الفاضل الكبير العلامة صفي الدين بن نصير الدين بن نظام الدين الردولوي كان من
نسل الإمام أبي حنيفة نعمان بن ثابت الكوفي، قدم جده نظام الدين مدينة دهلي ولبث بها
زماناً ثم رحل إلى جونبور وسكن بها، وكان صفي الدين بن بنت القاضي شهاب الدين
الدولة آبادي وكان نادراً من نوادر الدهر في العلم والحكمة، قرأ على جده لأمه المذكور
وأخذ الطريقة عن الشيخ أشرف ابن إبراهيم السمناني، وكان السمناني يقول: ما رأيت في
بلاد الهند من يتحلى بغرائب الفنون وعجائب الشؤن غير الصفي، كما في اللطائف الأشرفية
وللشيخ صفي الدين مصنفات عديدة منها دستور المبتدئ في الصرف، صنفه لأجل ولده
إسماعيل، وله شرح بسيط على كافية ابن الحاجب سماه غاية التحقيق.
قال الجلبي في كشف الظنون إنه شرح ممزوج أوله: الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمه العظام،
الخ، وهو من تلامذة الهندي، ذكره فيه ومدح حاشيته وقال: إن شروح الكافية ليست
بوافية إلا حواشي أستاذنا شهاب الدين أحمد ابن عمر الدولة آبادي، وكثير من الناس
اكتفوا بما فهموه من ظاهرها فإنه حقق فيها وسماها غاية التحقيق انتهى.
وكانت وفاته في الثالث عشر من ذي القعدة سنة تسع عشرة وثمانمائة، كما في أنوار
الصفي.
الشيخ صلاح الدين الكجراتي
الشيخ الصالح الفقيه صلاح الدين بن الطالب الكجراتي كان والده وثنياً من طائفة الهنود
اسمه توكاجيو أسلم على يد الشيخ أحمد بن عبد الله المغربي، وكانت حليلته حاملاً فلما
وضعت ذكراً سماه الشيخ أحمد المذكور صلاح الدين ورباه وعلمه حتى بلغ رتبة الكمال في
العلم والمعرفة، وكانت وفاته في ثمان بقين من ربيع الأول، كما في مرآة أحمدي.
وفي تاريخ الأولياء إنه توفي في الثالث عشر من ربيع الأول سنة خمس وتسعين وثمانمائة.
حرف الضاد
الشيخ ضياء الدين الرفاعي
الشيخ العالم الفقيه ضياء الدين الرفاعي الديكلوري أحد الرجال المعروفين بالفضل
والصلاح، قدم الهند وأخذ عن الشيخ جمن أحد أحفاد الشيخ سعيد الدين ابن نجم الدين
الحسيني الرفاعي وسكن بقرية ديكلور من أعمال ناندير من إقليم الدكن، وتوفي بها سنة
عشرين وثمانمائة، كما في مهر جهانتاب.
حرف العين المهملة
مولانا عادل الملك الجونبوري
الشيخ الكبير عادل الملك بن عالم الملك بن عبد الملك بن بهاء الدين بن ظهير الدين بن
بديع الدين الحسيني الإسماعيلي الكهرامي ثم الجونبوري أحد المشايخ المشهورين، ولد ونشأ
بجونبور وقرأ العلم بها على أساتذة عصره ثم سار إلى بندوه، وأخذ الطريقة عن الشيخ
علاء الدين عمر بن أسعد اللاهوري ثم البندوي، وعاد إلى جونبور فأقام بها زماناً، وجاء
به سلطان الشرق إلى راي بريلي سنة عشرين وثمانمائة وأسكنه بها، وكان الشرقي يتبرك
به، وقبره خارج القلعة ببلدة راي بريلي، كما في سيرة السادات.
الشيخ عبد الرحمن الهندي
الشيخ العالم الكبير عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الملك القرشي الهندي نزيل مكة يلقب
وجيه الدين بن عمدة الدين، كان ذا خبرة ودين وسكون، وله عناية بالفقه على مذهب
الحنفية، قال التقي الفاسي في العقد: وناب عني في عقد نكاح بمكة وذكر لي أنه قدم مكة
سنة خمس وسبعين وسبعمائة(3/256)
أو قربها- الشك مني- ورزق بها أولاداً، وبها مات يوم
الخميس ثالث عشر ربيع الأول سنة سبع وعشرين وثمانمائة ودفن بالمعلاة، كما في طرب
الأماثل.
الشيخ عبد الرزاق الكجهوجهوي
الشيخ الصالح الفقيه المعمر عبد الرزاق بن عبد الغفور بن أحمد بن محمد بن موسى بن
علي بن محمد بن الحسين بن أحمد بن محمد بن الصالح بن عبد الرزاق بن الشيخ الإمام
عبد القادر الجيلاني كان ابن بنت خالة الشيخ أشرف بن إبراهيم السمناني، ولد ونشأ
بخراسان، فلما بلغ اثنتي عشرة سنة من عمره استصحبه السيد أشرف المذكور وجاء به
إلى الهند فتربى في حجره ونال حظاً وافراً من العلم والمعرفة، وتولى الشياخة بعده أربعين
سنة، مات في سابع ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وثمانمائة بقرية كجهوجهه فدفن بها، كما في
الكوائف الأشرفية.
الشيخ عبد الشكور الملتاني
الشيخ الفاضل عبد الشكور بن كبير الدين بن إسماعيل بن محمود بن الحسين الحسيني
البخاري الملتاني كان من كبار العلماء، ذكره جلال بن فضل الله الدهلوي في سير العارفين.
الشيخ عبد الغفور الملتاني
الشيخ الفاضل عبد الغفور بن كبير الدين بن إسماعيل بن محمود الحسيني البخاري الملتاني
كان من كبار العلماء، ذكره الجلال بن فضل الله الدهلوي في سير العارفين.
مولانا عبد الغني المندوي
الشيخ الفاضل عبد الغني الحنفي المندوي أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول والعربية،
تولى الصدارة في عهد أحمد شاه البهمني بأرض برار، وكان شيخاً صدوقاً كبير المنزلة عند
الملوك والأمراء، كما في تاريخ فرشته.
مولانا عبد الكريم الهمذاني
الشيخ الفاضل عبد الكريم الهمذاني المؤرخ الكبير، كان من أصحاب الوزير عماد الدين
محمود الكيلاني، صنف له محمود شاهي كتاباً في التاريخ، كما في تاريخ فرشته.
الشيخ عبد اللطيف الفتني
الشيخ العالم الفقيه الزاهد عبد اللطيف بن جمال الدين بن سراج الدين بن صدر الدين
العمري الملتاني ثم الفتني الكجراتي أحد العلماء الربانيين، أخذ الطريقة عن الشيخ برهان
الدين عبد الله بن محمود الحسيني البخاري، التزم الفقر والتوكل والاستغناء عن الناس مع
انقطاعه إلى الزهد والعبادة، وله تسعة كتب من المصنفات لم أقف على أسمائها، مات في
رابع رمضان، كما في مرآة أحمدي.
الشيخ عبد اللطيف الكجراتي
الشيخ الصالح الفقيه عبد اللطيف بن محمود القرشي الكجراتي المشهور بداور الملك كان
من أمراء السلطان محمود بن محمد الكجراتي، وفقه الله سبحانه بالانابة فصحب الشيخ
محمد بن عبد الله الحسيني البخاري ولازمه وأخذ عنه وترك الاشتغال بما لا يعنيه، تذكر
له كشوف وكرامات ووقائع غريبة، استشهد في الثالث عشر من ذي القعدة سنة تسع
وثمانين وثمانمائة، فأرخ لموته بعض الناس من ذي قعدة وعلى قبره عمارات رفيعة من أبنية
الملوك، كما في مرآة سكندري.
الشيخ عبد اللطيف الهندي
الشيخ الفاضل عبد اللطيف بن أحمد بن محمد بن محمد بن سعيد الحنفي المكي نجم
الدين بن القاضي شهاب الدين بن العلامة ضياء الدين الهندي، ذكره الفاسي في العقد قال:
سمع من شيخنا إبراهيم بن صديق وغيره من شيوخنا بمكة وسكن بمصر مدة، وبها مات
سنة ثمان عشرة وثمانمائة في أحد الربيعين فيما أظن وهو في أثناء عشر الأربعين، انتهى من
طرب الأماثل.(3/257)
الشيخ عبد الله الشطاري
الشيخ الإمام العارف عبد الله بن حسام الدين بن عبد الله بن زيد بن ضياء الدين بن نجم
الدين بن الحماد بن الشيخ الكبير شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي ثم الشطاري
الخراساني أحد الرجال المشهورين في العلم والمعرفة، أخذ الطريقة الشطارية عن الشيخ
محمد عن الشيخ محمد عارف عن الشيخ محمد عاشق عن الشيخ خدا قلي عن الشيخ
أبي الحسن الخرقاني عن الشيخ أبي المظفر الطوسي عن الشيخ أبي يزيد العشقي عن
الشيخ محمد المغربي وهو تلقن من روحانية الشيخ أبي يزيد البسطامي من روحانية سيدنا
الإمام جعفر الصادق عليه وعلى آبائه السلام، كما في الانتباه وأخذ الطريقة القادرية عن
الشيخ عبد الوهاب عن الشيخ عبد الرؤف عن الشيخ محمود عن الشيخ عبد الغفار عن
الشيخ محمد عن الشيخ علي عن الشيخ أبي جعفر أحمد الحسني عن الشيخ إبراهيم
الحسني عن الشيخ عبد الله الحسني عن الشيخ الإمام عبد القادر الجيلاني كما في مجمع
الأبرار وأخذ طريقة النفي والإثبات عن الشيخ مظفر الكتاني الخلوتي بمدينة نيسابور وهو
أخذ عن الشيخ إبراهيم العشق آبادي عن الشيخ نظام الدين حسين عن الشيخ محمد
الخلوتي عن الشيخ الكبير نجم الدين كبري، كما في كلزار أبرار.
وكان شيخاً جليلاً كبير المنزلة، قدم الهند وساح البلاد ثم دخل مندو وسكن بها، وكان
كل ما يدخل في بلدة أو قرية يأمر بضرب الطبول كالملوك ويسير موكبه كموكبهم ويقيم في
الصحراء في الخيم، وكلما يذهب إلى بلدة فيها شيخ من الكبراء يلاقيه ويستدعيه أن يبذل
له الأنوار القدسية، وإن لم يستطع أن يعطيه شيئاً من معارفه فيأخذ عنه، كما في البحر
الزجاج وله رسالة في أذكار الطريقة الشطارية وأشغالها ومراقباتها صنفها للسلطان غياث
الدين الخلجي صاحب مالوه وكان السلطان يعتقد في فضله وكماله ويعظمه تعظيماً بالغاً
ويتلقى إشاراته بالقبول.
مات في سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة وقبره بمدينة مندو داخل قلعتها، كما في كلزار أبرار.
الشيخ عبد الله بن محمود الحسيني البخاري
الشيخ العالم الفقيه عبد الله بن محمود بن الحسين بن أحمد بن الحسين الحسيني البخاري
الشيخ برهان الدين أبو محمد الأجي ثم الكجراتي أحد المشايخ المشهورين بأرض الهند،
ولد بمدينة أج في الرابع عشر من رجب سنة تسعين وسبعمائة بعد وفاة جده الشيخ جلال
الدين الحسين الأجي بأربع سنين، ولما بلغ العاشرة من سنه توفي والده، ولما بلغ الثانية عشرة
من سنه ذهبت به أمه الكريمة إلى فتن من أرض كجرات وكان ذلك في سنة اثنتين وثمانمائة،
فقرأ العلم على مولانا علي شير الكجراتي، ولما مصر أحمد شاه الكجراتي مدينة أحمد
آباد انتقل من فتن إلى تلك المدينة وسكن أياماً بأساول القديم على شاطئ سابر ثم انتقل إلى
قرية بتوه وأقام بها مدة حياته.
وكان شيخاً جليلاً وقوراً كبير المنزلة جليل القدر ذا كشوف وكرامات، لبس الخرقة عن
صنوه الكبير حامد بن محمود الحسيني البخاري وعم والده صدر الدين بن أحمد الأجي،
والشيخ نور الدين أبي الفتوح الشيرازي، والشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الله
السركهيجي، والشيخ كمال الدين بن قوام الدين الناكوري الفتني، والشيخ شمس الدين بن
قوام الدين الناكوري الكهنبايتي، والشيخ علي السجستاني وخواجه شاهي وعن غيرهم من
المشايخ.
أما الطريقة السهروردية وأكثر الطرق المشهورة فأخذها عن صنوه وعم والده المذكورين.
وأما الطريقة النقشبندية والطاووسية والمهنية فعن الشيخ أبي الفتوح الشيرازي، والطريقة
المغربية عن شهاب الدين السركهيجي، والطريقة الجشتية عن الشيخ كمال الدين الفتني،
والطريقة القادرية عن الشيخ شمس الدين، والطريقة الكبروية عن خواجه شاهي، وكانت
وفاته في ثامن ذي الحجة سنة سبع وخمسين وثمانمائة وله ثمان وستون سنة وبضعة أشهر،
كما في مرآة أحمدي.
الشيخ عبد الله الملتاني
الشيخ الصالح الفقيه عبد الله بن يوسف القرشي(3/258)
الملتاني أحد الرجال المعروفين بالفضل
والصلاح قدم دهلي في عهد السلطان بهلول بن كالا اللودي فزوجه السلطان بابنته فرزق
منها ولداً سمي ركن الدين وهو ولي شياخة الإسلام بدهلي وولده أبو الفتح بن ركن الدين
صار المرجع والمقصد في زمانه، وكانت وفاة الشيخ عبد الله في الثاني والعشرين من صفر
سنة تسعمائة، كما في بحر زخار.
مولانا عبد الملك الجونبوري
الشيخ الفاضل العلامة عبد الملك العادل بن عماد الملك العمري الأدهمي الجونبوري أحد
العلماء المشهورين في النحو والعربية، ولد ونشأ بمدينة جونبور واشتغل بالعلم من صغر سنه
على القاضي شهاب الدين الدولة آبادي ولازمه مدة طويلة، وقرأ فاتحة الفراغ وله نحو ثماني
عشرة سنة ثم درس وأفتى وصنف التصانيف وصار من أكابر العلماء، وانتهت إليه رئاسة
التدريس في مدرسة القاضي شهاب الدين المذكور، أخذ عنه الشيخ الهداد الجونبوري
شارح الهداية والبزدوي، وله حاشية على شرح كافية ابن الحاجب للشهاب، مات في ثاني
عشر من ربيع الأول سنة سبع وتسعين وثمانمائة بجونبور فدفن بمقبرة آبائه الكرام بكنكهره،
كما في تجلى نور.
الشيخ عثمان الحسيني الكجراتي
الشيخ الصالح الفقيه عثمان الحسيني الكجراتي أحد المشايخ المشهورين بأرض كجرات،
أخذ الطريقة عن الشيخ برهان الدين عبد الله بن محمود الحسيني البخاري ولازمه مدة
طويلة فبلغ رتبة الكمال ولقبه الشيخ بالشمع البرهاني واستخلفه على الناس، ينسب إليه
عثمان بور قرية من قرى أحمد آباد ما وراء نهر سابر وكانت بها مدرسة، قال الآصفي في
تاريخه: وهو الذي أنشأ قرية عثمان بور وسكنها ومرقده أيضاً بها، بينها وبين حصار أحمد
آباد نهرها سابرمتي منها ما بين الشمال والمغرب، ويقال عن السلطان محمود بن محمد إنه
كان مريداً له حمله عليه كمال عقيدته فيه وحسن ظنه وبه ربما أخذ عنه وكان كثير التردد
إليه وكان للمشار إليه منه ومن آبائه فوق كفايته من الوظائف وهكذا لأهله وعشيرته
وتابعيهم، وكان أكثر كتب السلطان تحت يده وفي مدرسته، وكانت وفاته في شهر جمادي
الأولى من سنة ثلاث وستين وثمانمائة.
الشيخ عزيز الله المندوي
الشيخ العالم الفقيه عزيز الله بن يحيى بن لطف الله العمري المندوي كان من ذرية الشهاب
فرخ شاه العمري الكابلي، ولد ونشأ بالعفاف والطهارة وأخذ عن الشيخ ركن الدين مودود
الكجراتي ولازمه مدة طويلة حتى بلغ رتبة الكمال وسافر إلى أحمد آباد وإلى بلاد الدكن ثم
أقام بمندو.
وكان زاهداً متوكلاً لم ير له نظير في القناعة والعفاف والتوكل، وكان لا يقبل النذور ولا
يدخر شيئاً حتى قيل إنه قد شعر مرة بضيق في نفسه فرأى أن صاحبته ادخرت قطعة من
الخبز فكسرتها ونقعتها في اللبن لبنت الشيخ، فأمرها عزيز الله أن تخرج ذلك من بيته ولا
تدخر شيئاً بعد ذلك، كما في كلزار أبرار، وكانت له خمسة أبناء: رحمة الله، سعد الله،
حسن سرمست، نصر الله، شهر الله، وكانت ولادته في سنة سبع وستين وسبعمائة، ووفاته
في الثالث والعشرين من صفر سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، كما في مجمع الأبرار فما في
خزينة الأصفياء أنه مات سنة اثنتي عشرة وتسعمائة فهو مما لا يعتمد عليه.
السلطان علاء الدين البهمني
الملك المظفر علاء الدين بن أحمد بن داود بن الحسن البهمني سلطان أرض الدكن، قام
بالملك بعد والده في سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة وجلس على سرير والده بأحمد آباد بيدر
وافتتح أمره بالعدل والإحسان وأحسن إلى إخوته بما لا مزيد عليه، ثم فتح الفتوحات
العظيمة، وأخذ الجزية عن ملوك بيجانكر وكوكن وعن غيرهم من كفار الهند، وخرب
الكنائس وعمر المساجد والخوانق.
وكان عادلاً فاضلاً كريماً بارعاً في بعض العلوم يجتهد في العدل والإحسان ويعين الصدور
والقضاة والأمناء والمحتسبين في بلاده وكان لا يفرق في العدل بين العزيز والذليل والشريف
والوضيع والغني والفقير، حتى إنه كان أجرى الحد على واحد من أولاد الشيخ(3/259)
محمد بن
يوسف الحسيني الدهلوي الدفين بكلبركه في شرب الخمر والزنا، وكان يقوم على المنبر
ويخطب بنفسه أحياناً ويصف نفسه بهذه العبارة:
السلطان العادل الكريم الحليم الرؤف بعباد الله الغني علاء الدنيا والدين علاء الدين بن
أعظم السلاطين أحمد شاه الولي البهمني فبينما كان يخطب مرة ووصل إلى هذه العبارة
نهض أحد أهل الاحساء وقد وفد للتجارة فاشترى منه السلطان أفراساً ولم يعطه الوزراء
أثمانها إلى تلك الساعة، فقال: لا والله لا عادل ولا كريم ولا حليم ولا رؤف: أيها الظالم
الكذاب! تقتل الذرية الطاهرة وتتكلم بهذه الكلمات على منابر المسلمين! فتأثر منه
السلطان تأثراً عظيماً وفاضت عيناه وغضب على الوزراء غضباً شديداً ثم دخل بيته ولم
يخرج منه إلى أن مات.
ومن مآثره الجميلة أنه أسس مارستاناً ببلدة أحمد آباد ورتب فيها الأطباء من الوثنيين
وأهل الإسلام وأجرى عليهم الأرزاق السنية من بيت المال ورتب العقاقير والأدوية وسائر
ما يحتاج إليه المرضى من حر ومملوك وغني وفقير، وكانت وفاته سنة اثنتين وستين وثمانمائة
بأحمد آباد فدفن بها وكانت مدته ثلاثاً وعشرين سنة وتسعة أشهر، كما في تاريخ فرشته.
مولانا علاء الدين الجونبوري
الشيخ الفاضل العلامة علاء الدين عطاء الملك بن عماد الملك العمري الجونبوري أحد
الأساتذة المشهورين بجونبور، قرأ العلم على القاضي شهاب الدين الدولة آبادي ولازمه مدة
من الزمان وصنف له القاضي شرحاً بسيطاً على كافية ابن الحاجب وأقرأه حتى برع في
العلم وأفتى ودرس وله نحو العشرين وصنف التصانيف وصار من أكابر العلماء، وله
حاشية على شرح كافية ابن الحاجب للشهاب المذكور مات بجونبور ودفن بمقبرة أسلافه
بكنكره، كما في تجلى نور.
الشيخ علاء الدين الدولة آبادي
الشيخ العالم الصالح علاء الدين بن ضياء الدين العلوي الحسيني الدولة آبادي أحد الرجال
المعروفين بالفضل والصلاح، أخذ عن الشيخ ركن الدين مودود الكجراتي وأخذ عنه الشيخ
نظام الدين الفتني والشيخ نعمان بن حافظ الآسيري وخلق آخرون، مات في سنة إحدى
وثمانمائة بدولة آباد فدفن بها، كما في تاريخ الأولياء.
الشيخ علاء الدين الكواليري
الشيخ الفاضل علاء الدين القرشي الكواليري أحد المشايخ الجشتية، قرأ العلم على
القاضي عبد المقتدر بن ركن الدين الشريحي الكندي وولي الإفتاء بمدينة كوالير فاستقام
عليه مدة من الزمان وحصلت له الوجاهة العظيمة عند أهل الدنيا ثم وفقه الله سبحانه
بالترك والتجريد فأخذ الطريقة عن الشيخ محمد ابن يوسف الحسيني الدهلوي وصحبه مدة
من الدهر، فلما بلغ رتبة الكمال استخلفه الشيخ في آخر شعبان سنة إحدى وثمانمائة
فاختار الإقامة بكوالير فأقام بها مدة ثم انتقل إلى كالبي، ولذلك اشتبه على الناس نسبته
فبعضهم ينسبونه إلى كوالير وبعضهم إلى كالبي، وكانت وفاته في محرم الحرام سنة أربع وثلاثين
وثمانمائة، كما في تاريخ خورشيد جاهي.
الشيخ علاء الدين علي بن أسعد الدهلوي
الشيخ العالم الصالح علي بن أسعد بن أشرف بن علي الحسيني علاء الدين أبو عبد الله
الدهلوي صاحب جامع العلوم، ولد ونشأ بمدينة دهلي وقرأ العلم بها على أساتذة عصره،
ثم سعد بصحبة الشيخ جلال الدين حسين البخاري حين قدم دهلي في سنة سبع وسبعين
وسبعمائة ثم في سنة إحدى وثمانين وسبعمائة فأخذ الطريقة عنه ولازمه مدة إقامته في تلك
البلدة وأخذ عنه المتفق ومجمع البحرين وشطراً من القدوري وبعضاً من الهداية في الفقه
والحسامي والبزدوي في الأصول والعقيدة النسفية والقصيدة اللامية شرحها في الكلام
والمدارك في التفسير والعوارف والتعرف والرسالة المكية ورسائل أخرى في التصوف
ومشارق الأنوار ومصابيح السنة في الحديث، وأخذ عنه أوراد شيخ الشيوخ وأوراد الشيخ
الكبير وأوراد المشايخ الجشتية وغيرها، قرأ بعضاً منها عليه وسمع بعضاً منها بقراءة
الشيخ حامد بن محمود(3/260)
الحسين البخاري على جده وصحبه عشرة أشهر ثم أجازه الشيخ
وكتب له الإجازة، وللشيخ علاء الدين مصنفات، منها خلاصة الألفاظ وجامع العلوم كتاب
في مجلدين بالفارسية في ملفوظات شيخه.
الشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي
الشيخ الإمام العالم الكبير العلامة علي بن أحمد الشافعي علاء الدين أبو الحسن المهائمي
الكوكني كان من طائفة النوائت، كثوابت، أو النوائط كضوابط، قوم في بلاد الدكن وكجرات،
قيل طائفة من قريش خرجوا من المدينة المنورة خوفاً من الحجاج بن يوسف الثقفي وبلغوا
ساحل البحر وسكنوا به، ومهائم كعظائم بندر من بنادر كوكن وهي ناحية من كجرات
مجاورة للبحر المحيط، وكانت ولادة المهائمي في سنة ست وسبعين وسبعمائة.
وله مصنفات كثيرة ممتعة أحسنها تبصير الرحمن وتيسير المنان في تفسير القرآن ومن
خصائصه أنه تصدى فيه لربط الآيات بعضها ببعض وقد أجاد في ذلك، وطبع في مجلدين في
مصر القاهرة على نفقة المرحوم جمال الدين الوزير البهوبالي.
ومن مصنفاته الزوارف في شرح العوارف ومشرع الخصوص في شرح الفصوص واستجلاء
البصر في الرد على استقصاء النظر لابن المطهر الحلي، والنور الأظهر في كشف سر القضاء
والقدر وشرحه الضوء الأزهر في شرح النور الأظهر وأجلة التأييد في شرح في أدلة التوحيد
وشرح الفصوص شرحاً لا نظير له، وصنف في أسرار الفقه ومحاسن الشريعة كتاباً سماه
إنعام الملك العلام بإحكام حكم الأحكام وترجم كتاب لمعات العراقي وشرحه وترجم
رسالة جام جهان نما وشرحها بشرح سماه آراء الدقائق في شرح مرآة الحقائق وله امحاض في
الرد على طاعن الشيخ الأكبر، وله رسالة في الفقه الشافعي، وله غير ذلك من الرسائل.
قال الشيخ غلام علي بن نوح الحسيني البلكرامي في سبحة المرجان: إن له رسالة عجيبة
في تخريج وجوه إعراب قوله تعالى "الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين"، انتهى.
كانت وفاته يوم الجمعة في الثامن والعشرين من جمادي الآخرة سنة خمس وثلاثين وثمانمائة،
وقبره مشهور في بلدة مهائم.
الشيخ علم الدين الكجراتي
الشيخ الفاضل العلامة علم الدين بن سراج الدين بن كمال الدين العمري الدهلوي ثم
الكجراتي أحد المشايخ الجشتية، ولد ونشأ بكجرات وأخذ عن أبيه، وعن غيره من
العلماء ففاق أقرانه في العلم والمعرفة وتولى الشياخة بعد أبيه، نزل في زاوية الشيخ بدر الدين
محمد بن أحمد المالكي الدماميني شارح مغنى اللبيب وأقام عنده زماناً بكجرات وكان يثني
على سعة علمه وتبحره في العلوم، مات سنة تسع وثمانمائة، كما في محبوب ذي المنن.
القاضي علم الدين الشاطبي
الشيخ الفاضل القاضي علم الدين بن عين الدين بن نجم الدين الصديقي الشاطبي
الكجراتي أحد العلماء المبرزين في القراءة والتجويد والفقه والعربية، أخذ الطريقة عن الشيخ
صدر الدين محمد الحسيني البخاري ولازمه زماناً ثم سافر ودار الهند وسكن بكجرات
وكان يدرس ويفيد، أخذ عنه ولده مودود والشيخ قاضي خان النهروالي وخلق كثير من
العلماء والمشايخ، توفي يوم الاثنين لعشر بقين من رمضان سنة ستين وثمانمائة وله ثمان وثمانون
سنة.
الشيخ علي بن أحمد الزمزمي
الشيخ الفاضل علي بن أحمد بن علي بن محمد بن داود البيضاوي نور الدين أبو الحسن
المكي المعروف بالزمزمي، ولد ببلاد الهند وحمل إلى مكة طفلاً ونشأ بها وحفظ القرآن
وكتباً في فقه الحنفية وأخذ الفرائض والحساب عن عمه بدر الدين حسين بن علي الزمزمي
وكان نبيهاً في ذلك وفي الفقه حسن الطريقة، دخل للرزق إلى شيراز ثم إلى اليمن والهند غير
مرة ونال في بعضها دنيا من كلبركه من بلاد الهند وأدركه الأجل وهو مسافر بصوب الهند
من عدن فغرق في رمضان سنة أربع وعشرين وثمانمائة وهو في آخر عشر الأربعين، ذكره
الفاسي في العقد، كما في طرب الأماثل.(3/261)
الشيخ علي بن عبد الرحيم الكجراتي
الشيخ العالم الصالح علي بن عبد الرحيم الحسيني الرفاعي الشيخ نور الله الكجراتي كان
من نسل السيد أحمد الكبير القطب الرفاعي، توفي بكجرات سنة ست وخمسين وثمانمائة،
كما في مهر جهان تاب.
القاضي علي بن عبد الملك البروجي
الشيخ الفاضل القاضي علي بن عبد الملك البروجي الكجراتي أحد العلماء المبرزين في
العلم والمعرفة أخذ الطريقة عن الشيخ كمال الدين القزويني ثم البروجي ولازمه مدة من
الزمان وتولى الشياخة بعده ثم سافر ومات بعدن لخمس خلون من رمضان سنة أربع
وتسعين وثمانمائة، كما في الشجرة الطيبة.
الشيخ علي الخطيب الكجراتي
الشيخ العالم الصالح علي الخطيب الأحمد آبادي الكجراتي أحد العلماء الربانيين، ولد
ونشأ بكجرات ولازم الشيخ برهان الدين عبد الله بن محمود الحسيني البخاري وأخذ عنه
ثم أخذ عن الشيخ أبي الفتح بن العلاء الكواليري وعن الشيخ حبيب الله بن خليل الله
الكرماني وعن غيرهما من العلماء والمشايخ ورزق قبولاً عظيماً في بلاده، أخذ عنه الشيخ
شرف الدين بن عبد القدوس البرهانبوري وخلق كثير من العلماء والمشايخ، توفي لأربع
خلون من شوال سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة وله سبعون سنة، كما في الشجرة الطيبة.
مولانا عماد الدين الغوري
الشيخ العالم الفقيه عماد الدين الغوري النارنولي أحد الرجال المعروفين بالفضل والصلاح،
كان من نسل الشيخ عماد الدين الغوري الذي قتله محمد شاه تغلق لصدق لهجته، ولد ونشأ
ببلدة نارنول وصرف شطراً من عمره في الملاعب والمصارع، وكان الناس يعذلونه حتى أنه
صرع ذات يوم أحداً من الأبطال فرجع إلى بيته مرحاً كأنه خرق الأرض أو بلغ الجبال طولاً،
فلقيه في الطريق أحد من رجال العلم فعذله ولامه على ذلك فندم وترك المصارعة، ثم
جاور مرقد الشيخ محمد الركي النارنولي، والتزم الأعمال الصالحة من دوام الطهارة والذكر
والتلاوة والنوافل، وكان لا يخرج من حظيرته إلا للطهارة، وعاش في تلك الحال اثنتي عشرة
سنة فمن الله سبحانه عليه بالعلوم الغريبة فاشتغل بالدرس والإفادة على طريقة أسلافه.
قال الشيخ أحمد بن مجد الدين الشيباني: إني أدركته في صباي ولقيته فوجدته غاية في
اتباع السنة السنية لا يترك سنة من سنن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا يعمل بها وكان
يحب الفقر والفقراء، انتهى ما في أخبار الأخيار.
الشيخ عماد الدين الدهلوي
الشيخ العالم الصالح عماد الدين الجشتي الدهلوي أحد الرجال المعروفين بالفضل والصلاح،
أخذ الطريقة عن الشيخ شهاب الدين العاشق عن الشيخ إمام الدين الأبدال عن الشيخ بدر
الدين الغزنوي عن الشيخ الكبير قطب الدين بختيار الأوشي الدهلوي، وأخذ عنه الشيخ
تاج الدين الإمام، كما في مهر جهان تاب، وفي كلزار أبرار إنه مات ودفن بدهلي.
القاضي عماد الدين الكجراتي
الشيخ الفاضل عماد الدين البرودوي الكجراتي ظهير الشرع السعيد الشهيد كان قاضياً
بمدينة بروده، فلما نهض السلطان محمود شاه الكجراتي الكبير إلى جانبانير للجهاد أحب
أن يكون قتاله لله سبحانه فحضر عند واليها الخ خان واستقال من الخدمة ومحى اسمه من
دفتر الجراية وعقد راية خاصة فاجتمع الناس تحتها وساروا إلى جانبانير وتزاحموا بالباب
على الشهادة وهم إمام السلطان وخرج صاحب جانبانير بمن معه وشد فارغاً من الحيف
متفرغاً للسيف وكانت بين الفئتين ساعة هي الساعة وليست ببعيد لا يثبت فيها غير
شهيد أو سعيد، واتفقت المقابلة بين القاضي عماد وصاحب جانبانير فأثبت العماد سيفه
فيه وصادفت الضربة صدمة حجر لا يدري راميه فسقط الرانا صاحب جانبانير وغشى
عليه واستأسر، والقاضي لم يزل يضرب بسيفه إلى أن بلغ الشهادة وكان ذلك سنة تسع
وثمانين وثمانمائة، كما في تاريخ الآصفي.(3/262)
الشيخ عمر الايرجي
الشيخ العالم الكبير الصالح اختيار الدين عمر الحنفي الصوفي الايرجي كان ممن أظهره الله
وأشهره وجعله من العلماء الراسخين فانتفع به الناس وأخذوا عنه وكان من الأمراء في بداية
حاله ثم ترك الاشتغال بما لا يعنيه وأخذ العلم والمعرفة عن القاضي محمد الساوي وتولى
الشياخة بعده، أخذ عنه الشيخ يوسف بن أحمد السوهي الايرجي وخلق آخرون، مات
في الرابع عشر من محرم سنة تسع وثمانمائة وقبره بمدينة ايرج، كما في أخبار الأخيار.
الشيخ عين الدين البيجابوري
الشيخ العالم الفقيه عين الدين بن محمد بن عين الدين البيجابوري أحد المشايخ المشهورين،
أخذ العلم والمعرفة عن الشيخ أويس بن محمد بن سراج الجنيدي ولازمه مدة من الدهر
حتى بلغ رتبة الشياخة، مات سنة خمس وثلاثين وثمانمائة، كما في محبوب ذي المنن.
حرف الغين
الشيخ غوث الدين الكجراتي
الشيخ العالم الفقيه غوث الدين القادري البغدادي ثم الكجراتي أحد المشايخ الكرام، قدم
الهند وسكن بأحمد آباد في أيام السلطان محمود الكبير وأسس مدرسة عظيمة فدرس بها
زماناً ثم رحل إلى الحرمين الشريفين فحج وزار ورجع إلى الهند، وكان عالماً كبيراً محدثاً
فقيهاً زاهداً يدرس ويفيد، أخذ عنه الشيخ يعقوب بن خوند مير الكجراتي وخلق كثير،
مات لثمان بقين من صفر سنة خمس وتسعين وثمانمائة، كما في تاريخ الدكن للآصفي.
الأمير غياث الدين الشيرازي
الشيخ الفاضل غياث الدين بن فضل الله الحسيني الشيرازي أحد العلماء المشهورين في
عصره، قرأ العلم على والده بكلبركه وصحبه وأخذ عنه وولي الإفتاء في عهد غياث الدين
بن محمود شاه البهمني وولي الصدارة في عهد فيروز شاه، لعله سنة ثمانمائة، فاستقل بها مدة
طويلة.
حرف الفاء
الشيخ فتح الله الأودي
الشيخ العالم الصالح فتح الله بن نظام الدين الصوفي الأودي كان من العلماء المبرزين في الفقه
والأصول والعربية، درس زماناً طويلاً في الجامع الكبير بدار الملك دهلي ثم ترك البحث
والاشتغال ولازم الشيخ صدر الدين أحمد بن الشهاب الدهلوي واشتغل بالذكر والمراقبة
مدة من الزمان فلم يفتح عليه أبواب الكشف والشهود، وكانت عنده كتب عديدة عزيزة
الوجود ففرقها على الناس، وقيل إنه أغرقها في الماء وكانت عيناه تهملان بالدموع، ثم
اشتغل بالسلوك على الطريقة بجمع الهمة وفراغ الخاطر ففتح الله سبحانه عليه أبواب العلم
والمعرفة، أخذ عنه الشيخ محمد بن القاسم الأودي صاحب آداب السالكين والشيخ محمد
بن عيسى الجونبوري ورجال آخرون، وله رسائل إلى أصحابه جمعها بعضهم في مجموع
لطيف قال فيه: جهاد هر وقتى بر اندازه آن وقت است امروز آنجه دست دهد همان بر
كيرد وهم بر آن استقامت نمايد، خير الأعمال أدومها وإن قل، وقال فيه أي فرزند عزيز.
يك دوست بسند كن جو يك دل داري كر مذهب مردمان عاقل داري
مات في السادس والعشرين من ربيع الثاني سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، وقبره في بلدة
أوده، كما في كنج أرشدي.
مولانا فتح الله الملتاني
الشيخ العالم الكبير العلامة فتح الله الملتاني الأستاذ المشهور، ولد ونشأ بمدينة الملتان، وقرأ
بعض الكتب الدرسية على مولانا ثناء الدين الملتاني صاحب السيد الشريف وقرأ بعضها
على مولانا موسى الجعبري ببلدة دهلي، وأجازه الجعبري وكان الجعبري ممن أخذ عن
الشيخ العلامة سعد الدين التفتازاني، ولما قرأ(3/263)
فاتحة الفراغ رجع إلى الملتان ودرس بها مدة
حياته، أخذ عنه ولده إبراهيم الجامع ومولانا عزيز الله الملتاني وآخرون، كما في كلزار
أبرار.
فتح شاه البنكالي
الملك الفاضل المؤيد فتح شاه السلطان صاحب بنكاله قام بالملك بعد الملك سكندر شاه
المعزول فافتتح أمره بالعدل والإحسان، وكان فاضلاً عادلاً كريماً جواداً سياسياً، قتل في
سنة ست وتسعين وثمانمائة وكانت مدته سبع سنوات وخمسة أشهر، كما في تاريخ فرشته.
مولانا فخر الدين الجونبوري
الشيخ الفاضل العلامة فخر الدين بن نصير الدين بن نظام الدين الحنفي الجونبوري كان
سبط العلامة قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن عمر الزاولي الدولة آبادي، ولد ونشأ
بجونبور وقرأ العلم على جده لأمه الشهاب المذكور ولازمه مدة من الزمان حتى برع في الفقه
والأصول والكلام والعربية.
القاضي فخر الدين الملتاني
الشيخ العالم الفقيه القاضي فخر الدين أبو بكر بن القاضي رمضان الشالياتي الشافعي
المليباري أحد العلماء المحققين، كان قاضياً بمدينة قالقوط كالي كوت من بنادر مليبار وكان
يدرس ويفتي، أخذ عنه الشيخ زين الدين بن علي المليباري صاحب هداية الأذكياء وقرأ
عليه الفقه والأصول وغيرهما ووصفه ولده في مسلك الأبصار بالإمام الجليل المفتي البارع في
البلاغة إمام الديار المليبارية، انتهى.
الأمير فضل الله الشيرازي
الشيخ الفاضل العلامة فضل الله بن فيض الله الحسيني الشيرازي أحد الأساتذة المشهورين
بالذكاء والفطنة بدقائق الأمور، أقرأ العلم على العلامة سعد الدين عمر بن مسعود
التفتازاني ودخل الهند في أيام علاء الدين حسن البهمني صاحب كلبركه فجعله معلماً
لأبنائه: محمد ومحمود وداود، فلما ولي المملكة محمود شاه البهمني ولاه الصدارة بكلبركه
مكان السيد صدر الشريف السمرقندي فاستقل بها مدة ثم صار وكيل السلطة في أيام
فيروز شاه البهمني، لعله سنة ثمانمائة، واستقام على تلك الخدمة الجليلة مدة حياته.
وكان عالماً كبيراً بارعاً في الهيئة والهندسة وسائر العلوم الحكمية شهماً حازماً شجاعاً
مقداماً باسلاً ذا سياسة وتدبير، قد جمع الله سبحانه فيه خصالاً من الفضل والكمال
وحلاوة المنطق ورزانة العقل وإصابة الفكر والبسالة والإقدام وحسن التدبير، فأحسن
خدمته في مهمات الأمور حتى نال منزلة لا يرام فوقها، وغزا الكفار مع السلطان أربعاً
وعشرين مرة وكلما كان يغزوهم يفتح القلاع والبلاد بحزم وبسالة حتى أمره الملك أن يقاتل
راجه ديو راي بفئة قليلة لا يستطيع أن يقاتله فأوقعه في خطر عظيم فقاتله بشدة وجلادة
وكاد أن يهزم ديو راي فاحتال ديو راي وقتله غيلة فضرب على هامته ضرباً مبرحاً بالخديعة
فمات من ساعته وكان ذلك في نيف وعشرين وثمانمائة، كما في تاريخ فرشته.
مولانا فضل الله المندوي
الشيخ الفاضل الكبير فضل الله الحكيم المندوي أحد العلماء المبرزين في العلوم الحكمية،
ولاه محمود شاه الخلجي المندوي رياسة دار الشفاء بمندو في سنة تسع وأربعين وثمانمائة
ولقبه بحكيم الحكماء وأمره أن يتفقد أخبار المرضى والمجانين ويعالجهم فتولاها مدة طويلة،
وكان من محاسن الدهر مبارك اليد ميمون الطلعة، قاله عبد الله محمد بن عمر الآصفي
الكجراتي في تاريخه.
فيروز شاه البهمني
الملك الفاضل المؤيد فيروز بن داود بن الحسن البهمني سلطان الدكن ولد ونشأ بكلبركه،
وتوفي والده حين كان ابن سبع سنين فتربى في حجر عمه محمود شاه وقرأ العلم على
العلامة فضل الله بن فيض الله الشيرازي وفاق أهل زمانه في العلوم الحكمية وكان سريع
الإدراك قوي الحافظة كان لا ينسى ما سمع مرة(3/264)
أو مرتين، ثم لما توفي عمه محمود شاه إلى
رحمة الله سبحانه قام بالملك ولده غياث الدين فخلعوه ثم صنوه شمس الدين فخلعوه أيضاً
واتفقوا على فيروز فقام بالملك واستقام به خمساً وعشرين سنة وسبعة أشهر، وغزا الكفار
أربعاً وعشرين مرة، واجتمع عنده من العلماء والشعراء ما لم يجتمع عند غيره من الملوك في
عصره.
وكان مع اشتغاله بممات الدولة يدرس ثلاثة أيام في كل أسبوع يوم السبت والاثنين والأربعاء،
كان يدرس الزاهدي وشرح التذكرة وشرح المقاصد وتحرير الأقليدس والمطول، وإذا لم ينتهز
فرصة في اليوم درس في الليل وكان يحسن إلى طلبة العلم إحساناً جميلاً، ويحب المذاكرة
بالعلوم، ولم يزل عازماً على أن يبني مرصداً للنجوم حتى اجتمع عزمه على ذلك في سنة
عشر وثمانمائة فأمر ببنائه في بالا كهات قريباً من بلدة دولة آباد فاشتغل العلماء بذلك، وكان
السيد محمد الكاذروني والحكيم حسن علي الكيلاني رأسهم ورئيسهم فمات الكيلاني
قبل أن يتم أمر المرصد، وحدث بعض ما عاقهم عن إتمامه فلم يتم أمره، وكان فيروز شاه
مع ذلك مولعاً بالشهوات والنساء وشرب الخمر سراً واستماع الغنا، أراد أن يجمع من
النسوة ما لا تحصر بحد وعد ولكنه منعه الحياء من الشريعة الإسلامية فاستفتى العلماء
فأشاروا عليه أن يطلق إحداهن ويتزوج بالأخرى، وقال شيخه فضل الله الشيرازي: إن
المتعة كانت مباحة في زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكذلك في زمن أبي بكر ثم حرمها
عمر بن الخطاب، فأنكر عليه العلماء من أهل السنة والجماعة، فاحتج فضل الله بأحاديث
مروية في صحيح البخاري وصحيح مسلم ومشكوة المصابيح فقبله فيروز شاه، وتمتع
بثمانمائة إمرأة في يوم واحد ومصر بلدة تسمى فيروز آباد بنى بها الأسواق والدور في غاية
الحسن والحصانة ثم فرق الدور على نسوته وعاش دهراً طويلاً يتمتع بهن حتى خرج عليه
صنوه أحمد شاه وغلب عليه فسلم إليه الأمور، ومات بعد عشرة أيام من جلوس أحمد
شاه على سرير الملك، وكان فيروز شاه شاعراً مجيد الشعر، له أبيات رائقة رقيقة
بالفارسية.
ومن شعره قوله:
بقطع راه محبت مخور فريب اميد كه غايت ابدش ابتداي فرسنك است
مات يوم الاثنين الخامس عشر من شوال سنة خمس وعشرين وثمانمائة، كما في تاريخ
فرشته.
الشيخ فيروز بن موسى الدهلوي
الشيخ الفاضل فيروز بن موسى بن معز الدين بن محمد البخاري الدهلوي أحد الرجال
المعروفين بالفضل والصلاح، ولد ونشأ بدهلي واشتغل بالعلم على أهله وتفنن في الفضائل،
وتعلم الفنون الحربية حتى برع وفاق أقرانه في كثير من الفضائل، له منظومة في أخبار، وكان
من أجداد الشيخ عبد الحق ابن سيف الدين البخاري الدهلوي، مات سنة ستين وثمانمائة
بأرض أوده فدفن بها، كما في أخبار الأخيار.
الشيخ فيض الله المانكبوري
الشيخ الصالح فيض الله بن حسام الدين بن خضر بن الجلال العمري المانكبوري المشهور
بقاضي شه، ولد ونشأ بمانكبور وأخذ عن أبيه ولازمه ملازمة طويلة وتصدر للإرشاد
بعده، توفي سنة اثنتين وستين وثمانمائة بمانكبور فدفن بها، كما في أشرف السير.
حرف القاف
الشيخ قاسم بن برهان الأودي
الشيخ الصالح قاسم بن برهان الدين الجشتي الأودي أحد رجال العلم والطريقة، أخذ عن
أبيه الشيخ برهان الدين عن الشيخ فتح الله عن الشيخ صدر الدين أحمد بن الشهاب
الدهلوي، وأخذ عنه ابنه محمد بن القاسم كما في اقتباس الأنوار.
مولانا قاسم بن محمد الكجراتي
الشيخ الفاضل الكبير قاسم بن محمد الكجراتي أحد الأفاضل المشهورين في عصره، كان
يدرس ويفيد الطلبة بكجرات على الحوض المعروف خان سرور بسين مهملة مفتوحة وواو
مثلها بين راءين مهملتين ساكنتين، ذكره الشيخ عبد الله محمد بن عمر الآصفي(3/265)
في تاريخ
كجرات ووصفه بالعالم العامل الكامل الواصل ذو الحال البهي الأنور، بركة الدنيا والدين، إلى
غير ذلك في ترجمة السلطان قطب الدين أحمد شاه الكجراتي.
الشيخ قطب الدين الظفر آبادي
الشيخ الصالح الفقيه أبو الغيب قطب الدين بن نور الدين الحسيني الواسطي الظفر آبادي
أحد العلماء الصالحين، ولد سنة اثنتين وثمانمائة وحفظ القرآن وقرأ المختصرات على والده
ثم أخذ عن القاضي شهاب الدين الدولة آبادي وقرأ عليه سائر الكتب الدرسية وصحبه
أربع سنين ثم أخذ الطريقة عن والده ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار.
وكان كثير التعبد عظيم الورع حسن الأخلاق شديد التواضع للناس كثير الفوائد أخذ عنه
خلق كثير، وكانت وفاته في عشرين من جمادي الآخرة سنة تسع وستين وثمانمائة بظفر آباد
فدفن بها، كما في تجلى نور.
قطب الدين بن خضر البلخي
الشيخ الفاضل قطب الدين بن خضر بن الحسن بن المبارك الأدهمي البلخي أحد العلماء
المبرزين في الحديث، أخذ عن والده وتصدر للدرس والإفادة بعده، أخذ عنه ابنه عبد
القادر.
الشيخ قطب الدين الأجودهني
الشيخ الصالح قطب الدين بن فريد الدين بن عز الدين العمري الأجودهني كان من العلماء
العاملين من نسل الشيخ الكبير فريد الدين مسعود نفعنا الله ببركاته آمين، أخذ الطريقة عن
أبيه عن جده وهلم جراً إلى الشيخ فريد الدين المذكور، وأخذ عنه الشيخ زين الدين بن
علي المعبري صاحب هداية الأذكياء.
مولانا قيام الدين الظفر آبادي
الشيخ العالم الفقيه قيام الدين القرشي الحنفي الظفر آبادي أحد العلماء المبرزين في الفقه
والأصول، أصله كان من دهلي، قدم ظفر آباد هو والشيخ أسد الدين الحسيني الواسطي
واشتغل بها بالدرس والإفادة مدة مديدة، ثم ترك البحث والإشتغال وسلك مسالك الترك
والتجريد والانزواء والاشتغال بالله سبحانه وانقطع إليه بقلبه وقالبه، وكانت وفاته في ثالث
عشر من ذي القعدة سنة سبع عشرة وثمانمائة، كما في تجلى نور.
حرف الكاف
الشيخ كبير الدين الناكوري
الشيخ العالم الكبير الزاهد كبير الدين بن فريد الدين بن عبد العزيز بن حميد الدين
السعيدي السؤالي الناكوري أحد العلماء الربانيين، له مصنفات في العلم منها شرح نفيس
علي المصباح في النحو يسمى بالدهن، ارتحل في آخر عمره إلى كجرات فأقام بها ودرس
وأفاد زماناً طويلاً، انتفع به كثير من الناس وأخذوا عنه، أجلهم الشيخ حسين بن الخالد
الناكوري، مات في السابع عشر من ذي القعدة سنة خمس وثلاثين، وقيل ثمان وخمسين
وثمانمائة بأحمد آباد فدفن بها، كما في مجمع الأبرار.
الشيخ كبير الدين الملتاني
الشيخ الصالح الفقيه كبير الدين بن إسماعيل بن محمود بن الحسين الحسيني البخاري
الأجي ثم الملتاني أحد المشايخ المشهورين في أرض الهند، ولد ونشأ بمدينة أج وأخذ عن
عم جده الشيخ صدر الدين محمد بن أحمد الحسيني البخاري ولازمه مدة طويلة حتى برز
في العلم والمعرفة وتولى الشياخة بعده، أخذ عنه إبناه عبد الشكور وعبد الغفور، وكانا
عالمين، وأخذ عنه الشيخ سماء الدين الملتاني وخلق آخرون، مات في سنة خمس وعشرين
وثمانمائة، كما في سير العارفين.
الشيخ كمال الدين الكروي
الشيخ الصالح كمال الدين الجشتي الكروي المشهور بكالو، كان من عباد الله الصالحين،
أخذ الطريقة عن الشيخ حسام الدين المانكبوري، وله مصنفات منها أوراد كالو، مات ودفن
بمدينة كره.(3/266)
الشيخ كمال الدين الكرماني
الشيخ الصالح كمال الدين الكرماني أحد الأولياء السالكين، أخذ الطريقة عن الشيخ نعمة
الله الحسيني الكرماني، ثم قدم الهند وسكن بأحمد آباد من بلاد كجرات، وحصل له القبول
العظيم، مات في سنة خمس وستين وثمانمائة، كما في محبوب ذي المنن.
الشيخ كمال الدين القزويني
الشيخ العالم الكبير كمال بن صفي بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد ابن عبد الغني
الحسيني القزويني ثم البروجي الكجراتي أحد العلماء الراسخين في العلم والمعرفة، أخذ
الطريقة عن الشيخ الكبير محمد بن يوسف الحسيني الكلبركوي ولازمه مدة من الزمان، ثم
سافر ودار الهند وسكن بمدينة بروج من بلاد كجرات وحصل له القبول العظيم، أخذ عنه
الشيخ حسين بن محمد والقاضي علي بن عبد الملك وولده أمين الرحمن بن كمال الدين
وخلق كثير من العلماء والمشايخ، مات في آخر وقت العصر يوم الأحد لست ليال بقين من
شوال سنة إحدى وثمانين وثمانمائة وله تسعون سنة كما في الشجرة الطيبة.
القاضي كمال الدين الناكوري
الشيخ العالم الفقيه كمال الدين بن قوام الدين الناكوري الفتني أحد المشايخ الجشتية، أخذ
عن الشيخ يعقوب الفتني وقرأ عليه فصوص الحكم ولازمه مدة من الزمان ورزق قبولاً
عظيماً في بلاد كجرات، أخذ عنه الشيخ برهان الدين عبد الله بن محمود الحسيني
البخاري وخلق كثير من العلماء والمشايخ.
حرف اللام
مولانا لطف الله السبزواري
الشيخ الفاضل العلامة لطف الله السبزواري أحد العلماء المبرزين في المنطق والحكمة،
ناب عن وكيل السلطنة في عهد فيروز شاه البهمني ببلدة كلبركه سنة ثمانمائة، وبعثه
السلطان المذكور إلى الأمير تيمور بالرسالة حين سمع انه عازم إلى الهند فذهب إليه سنة
أربع وثمانمائة وأقام عنده ستة أشهر ثم رجع ظافراً، كما في تاريخ فرشته.
حرف الميم
أبو الفتح مبارك شاه العلوي الدهلوي
الملك العادل الكريم أبو الفتح معز الدين مبارك بن الخضر العلوي الدهلوي السلطان
الصالح، قام بالملك بعد والده في سنة أربع وعشرين وثمانمائة وكان من خيار السلاطين علماً
وعقلاً ودهاء وتدبيراً، حسن الفعال زكي النفس متين الديانة، لم يتفوه قط في أيامه بسب ولا
فسوق، وكان يشتغل بنفسه بما يهمه من الأمور، ويتفقد أخبار الرعية ويعدل بينهم ويقضي
بالشرع ويبذل جهده في تعمير البلاد وتكثير الزراعة وإرضاء النفوس، ويجري الأرزاق
السنية على العلماء والمشايخ والأشراف وعلى كل من يستحقها، ويجري الأرزاق السنية
على العلماء والمشايخ والأشراف وعلى كل من يستحقها، صنف في أخباره بعض العلماء
كتابه المبارك شاهي وإني لم أره، ومن مآثره مدينة مبارك آباد على شاطئ نهر جمن،
وكانت طائفة من الناس يبغضونه بعدله في الناس فقتلوه، وكانت وفاته يوم الجمعة تاسع
رجب سنة ثمان وسبعين وثمانمائة بمدينة مبارك آباد، وكانت مدته ثلاث عشرة سنة وبضعة
أشهر، كما في تاريخ فرشته.
الشيخ مبارك البنارسي
الشيخ الصالح الفقيه مبارك بن الحميد الحنفي الصوفي البنارسي أحد كبار المشايخ
الجشتية، قرأ العلم، ثم درس وأفاد مدة من الزمان ببلدة بنارس مع اشتغاله بحفظ الأنفاس
ومجاهدة النفس، ثم رحل إلى جونبور وأخذ الطريقة عن الشيخ محمد بن عيسى الجونبوري
وصحبه مدة، ثم رجع إلى بنارس وانقطع إلى الزهد والعبادة مع القناعة والعفاف والتوكل
والإستغناء، وقصر همته على تدريس العلوم النافعة، وكان لا يقبل الهدايا غير الطعام ثم
يقسمه على أصحابه إلا ما يكفي مؤنته للعبادة، ولم يبن داراً قط غير العرائش لأصحابه،
وكانت وفاته في عاشر شوال، كما في كنج أرشدي.(3/267)
الشيخ محمد بن أبي بكر الدماميني
الشيخ الإمام العلامة بدر الدين محمد بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر ابن محمد بن
سليمان بن جعفر بن يحيى بن حسين بن محمد بن أحمد بن أبي بكر ابن يوسف بن علي
بن صالح بن إبراهيم البدر القرشي المخزومي الإسكندري ثم الهندي الكجراتي الدفين
بمدينة كلبركه من بلاد الدكن المعروف بابن الدماميني المالكي النحوي الأديب، ولد
بالإسكندرية سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وسمع بها من البهاء ابن الدماميني قريبه وعبد
الوهاب القروي في آخرين، وكذا بالقاهرة من السراج ابن الملقن وغيره، وبمكة من القاضي
أبي الفضل الشوبري واشتغل ببلده على فضلاء وقته وتفقه وتعانى الآداب ففاق في النحو
والنظم والنثر والخط ومعرفة الشروط وشارك في الفقه وغيره وناب في الحكم عن ابن
التنيسي، ودرس بها بعدة مدارس ثم قدم القاهرة وسمع بها وناب في الحكم ودرس وتقدم
ومهر واشتهر ذكره وتصدر بالجامع الأزهر لإقراء النحو، ثم رجع إلى الإسكندرية واستمر
يقرئ بها ويحكم ويتكسب بالتجارة، ثم ذهب إلى القاهرة وعين للقضاء فلمي تفق له ودخل
دمشق الشام مع ابن عمه سنة ثمانمائة وحج منها وعاد إلى بلده وتولى خطابة الجامع وترك
نيابة الحكم، ثم اشتغل بأمور الدنيا فعانى الحياكة وصار له دولاب متسع فاحترقت داره
وضاع عليه مال كثير ففر إلى الصعيد فتبعه غرماؤه وأحضروه مهاناً إلى القاهرة فقام معه
الشيخ تقي الدين بن حجة وكاتب السر ناصر الدين البارزي حتى صلحت أحواله.
وحضر مجلس الملك المؤيد وعين بقضاء المالكية فلم يقدر ثم توجه إلى الحجاز سنة تسع
عشرة فحج ودخل بلاد اليمن سنة عشرين وأقام بها نحو سنة يدرس بجامع زبيد فلم يرج له
بها أمر، ثم قدم الهند ودخل كجرات في أيام السلطان أحمد بن محمد المظفر الكجراتي في
أواخر شعبان سنة عشرين وثمانمائة فحصل له إقبال كبير وأخذ الناس عنه وعظموه
وحصل له دنيا عريضة.
له من التصانيف شرح التسهيل لابن مالك الطائي وهو شرح ممزوج متداول أوله: اللهم إياك
نحمد على نعم توجهت الآمال، الخ، ذكر فيه أنه لما قدم في أواخر شعبان سنة عشرين
وثمانمائة إلى كجرات من حاضرة الهند وجد فيها هذا الكتاب مجهولاً لا يعرف واتفق أنه
استصحبه معه فرآه بعض الطلبة والتمس منه شرحه فشرحه، وذكر في خطبته أبا الفضل
أحمد شاه الكجراتي وسماه تاريخ الفوائد.
وله شرح على صحيح البخاري سماه مصابيح الجامع أوله: الحمد لله الذي في خدمة
السنة النبوية أعظم سيادة، الخ، ذكر فيه أنه ألفه للسلطان أحمد شاه المذكور وعلق على
أبواب منه ومواضع يحتوي على غريب وإعراب وتنبيه، وله عين الحياة ومختصر حياة
الحيوان الكبرى للدميري أوله: الحمد لله الذي أوجد بفضله حياة الحيوان، الخ، ذكر فيه أن
كتاب شيخه حسن في بابه، جمع فيه ما بين أحكام الشريعة والأخبار النبوية ومواعظ نافعة
وفوائد بارعة وأمثال سائرة وأبيات نادرة وخواص عجيبة وأسرار غريبة لكنه طويل المقال
متسع الأذيال، ووقع في بعضه ما لا يليق بمحاسنه فاختار منه عينه وسماه عين الحياة مهدياً
إلى أحمد شاه، وفرغ في شعبان سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، وله تحفة الغريب في شرح
مغنى اللبيب لابن هشام النحوي، صنفه بأرض الهند بعد ما علق على ذلك الكتاب في
الديار المصرية حاشية نفيسة، ومن مصنفاته شرح الخزرجية، وجواهر البحور في العروض،
والفواكه البدرية من نظمه، ومقاطع الشرب، ونزول الغيث الذي انسجم في شرح لامية العجم
للصفدي، وله غير ذلك من المصنفات.
قال السخاوي في الضوء اللامع: وكان أحد المتكلمين في فنون الأدب، أقر له الأدباء بالتقدم
فيه وباجازة القصائد والمقاطيع والنثر معروفاً باتقان الوثائق مع حسن الخط والمودة،
وصنف نزول الغيث، انتقد فيه أماكن من شرح لامية العجم للصلاح الصفدي المسمى
بالغيث الذي انسجم، وأذعن له أئمة عصره، وكذا عمل تحفة الغريب في حاشية مغنى
اللبيب وهما حاشيتان يمنية وهندية وقد اكثر من تعقبه فيها شيخنا الشمني وكان غير
واحد من فضلاء تلامذته ينتصر للبدر وشرح البخاري، وقد وقفت عليه في مجلد وجله في
الاعراب ونحوه، وشرح أيضاً التسهيل والخزرجية، وله جواهر البحور في العروض وشرحه
والفواكه البدرية من نظمه ومقاطع الشرب وعين الحياة مختصر حياة الحيوان(3/268)
للدميري وغير
ذلك، وهو أحد من قرظ سيرة المؤيد لابن ناهض، انتهى.
ومن شعره قوله في دين قد لزمه لشخص يعرف بالحافظي فقال للمؤيد وذلك في أيام عصيان
نوروز الحافظي بالشام:
يا ملك العصر ومن جوده فرض على الصامت واللافظ
أشكو إليك الحافظ المعتدي بكل لفظ في الدجى غائظ
وما عسى أشكو وأنت الذي صح لك البغي من الحافظ
وله:
رماني زماني بما ساءني فجاءت نحوس وغابت سعود
وأصبحت بين الورى بالمشيب عليلاً فليت الشباب يعود
وله:
قلت له والدجى مول ونحن بالأنس في التلاقي
قد عطس الصبح يا حبيبي فلا تشمته بالفراق
وقوله:
يا عذولي في مغن مطرب حرك الأوتار لما سفرا
كم يهز العطف منه طرباً عندما تسمع منه وترا
وقوله في البرهان المحلي التاجر:
يا سرياً معروفه ليس يحصى ورئيساً زكا بفرع وأصل
مذ علا في الورى محلك عزاً قلت هذا هو العزيز المحلي
وقوله في الشهاب الفارقي:
قل للذي أضحى يعظم حاتماً ويقول ليس بجوده من لاحق
إن قسته بسماح أهل زماننا أخطأ قياسك مع وجود الفارق
وقوله في مصر:
رعى الله مصراً إننا في ظلالها نروح ونغدو سالمين من الكد
ونشرب ماء النيل منها براحة وأهل زبيد يشربون من الكد
وقوله:
قالت وقد فتحت عيوناً نعساً ترمي الورى بالجور في الأحكام
أحذر هلالك في زبيد فإنني لذوي الغرام فتحت باب سهامي
وقوله:
ايا علماء الهند إني سائل فمنوا بتحقيق به يظهر السر
فما فاعل قد جر بالخفض لفظه صريحاً ولا حرف يكون به جر
وليس بذي جر ولا بمجاور لذي الخفض والانسان للجر يضطر
فمنوا بتحقيق به أستفيده فمن بحركم ما زال يستخرج الدر
أراد قول طرفة:
بجفان تعتري نادينا وسديف حين هاج الصنبر(3/269)
وكانت وفاة الدماميني بمدينة كلبركه في شهر شعبان سنة سبع وعشرين وثمانمائة، ويقال إنه
سم في عنب ولم يلبث من سمه بعده إلا اليسير، ذكره ابن فهد، كذا في الضوء اللامع.
محمد بن أبي البقاء الكرماني
الشيخ الفاضل العلامة محمد بن أبي البقاء بن موسى بن ضياء الدين الحسيني النقوي
الكرماني المشهور بالأعظم الثاني كان أصله من كرمان، قدم جده ضياء بن شجاع بن
المظفر بن المنصور بن غياث بن محمود بن علي بن أحمد بن عبد الله بن علي النقي
الحسيني إلى أرض الهند ودخل دهلي، ثم انتقل منها إلى لكهنؤ بسابق معرفة كان بينه وبين
السمرقندي فسكن بها، وولد محمد بن أبي البقاء بمدينة لكهنؤ ونشأ بها واشتغل بالعلم
وسافر إلى جونبور وكانت دار علم معروفة في ذلك العصر فقرأ الكتب الدرسية على
الشيخ أبي الفتح بن عبد الحي بن عبد المقتدر الشريحي الكندي، ثم أخذ عنه الطريقة
ورجع إلى لكهنؤ فدرس وأفاد بها زماناً، أخذ عنه الشيخ محمد بن قطب اللكهنوي
والقاضي سعد الدين الخير آبادي وخلق آخرون.
قال خير الزمان اللكهنوي في كتابه باغ بهار: إنه سافر إلى الحجاز مع ولده أحمد وتلميذ له
اسمه أحمد، سافر على زاد التوكل وراحلة التوفيق فحج وزار وأقام بها ستة أعوام وأفحم
بها كبار العلماء من الشافعية في المسائل المتنازعة فيما بينهم وبين الأحناف فلقبوه بالأعظم
الثاني، انتهى.
وقال الشيخ وجيه الدين الجندواروي في كتابه مصباح العاشقين إن مولانا محمداً كان من
كبار العلماء انتهت إليه الفتيا في هذه الديار وكان سلطان الشرق يعتقد فضله وكماله
ويستفتيه في المسائل الشرعية، قال: وكان السلطان بعث عساكره لقتال أهل الكفر ممن
تمردوا فقتل في تلك المعركة من لم يكن من المتمردين وسلبت أموالهم فاستفتى الشيخ محمد
فيه فأجابه محمد أن قتالهم مباح لأن كفار الهند كلهم أعداء الاسلام يترقبون الفرصة لقتال
المسلمين فيجوز قتلهم واغتنام أموالهم، انتهى.
وقال المفتي سلطان حسن البريلوي في غاية التقريب: إن الشيخ محمد قد جمع الضروب
المنتجة لكل شكل من الأشكال الأربعة المنطقية في أبيات وعبر القضايا بالحروف الأول
فالأول أي الموجبة الكلية بأ والسالبة الكلية بب والموجبة الجزئية بج والسالبة الجزئية بد
وتجمعها هذه الأبيات بالفارسية:
كل ولا شيء وبعض وليس الكل دور باد از رخ تو وسمه دل
سورهاي مسورات شمار ابجد آمد نشان آن هر جار
اا أب جا جب نخستين راست اب وبا جب ودلسين برخاست
اا اب جا جب واج واد سيومين راست خذ ولا تطعن
اا اج با با اب ودا اد بج شكل جار معين راهن
مات لتسع بقين من شوال سنة سبعين وثمانمائة بمدينة لكهنؤ فدفن على شاطئ نهر كومتي
غربي البلدة، وبنوا عليه العمارات الرفيعة، ثم لما بنى آصف الدولة الحسينية بقربها أمر
بهدم المقبرة ونبشوا قبره ونقلوا عظامه إلى مفتي كنج من تلك البلدة، كما في باغ بهار.
مولانا محمد بن أبي محمد المشهدي
الشيخ الفاضل محمد بن أبي محمد المشهدي أحد الأفاضل المشهورين في عصره، جعله
محمد شاه بن علاء الدين حسن البهمني صاحب كلبركه قهرماناً فاستقل به زماناً، وبعثه
محمود شاه إلى شيراز ومعه ألف تنكه ذهبية للشيخ شمس الدين الحافظ الشيرازي ليقدمه
إلى كلبركه فامتنع عنه الشيخ ورجع المشهدي إلى كلبركه ونال المنزلة عند الأمراء.(3/270)
الشيخ محمد بن أحمد الحسيني البخاري
الشيخ العالم الكبير الفقيه الزاهد محمد بن أحمد بن الحسين بن علي الحسيني البخاري
الشيخ صدر الدين الأجي الملتاني المشهور براجو قتال، كان من الأولياء السالكين أصحاب
المجاهدات، اتفق الناس على ولايته وجلالته، ولد ونشأ بمدينة أج وأخذ عن والده وصنوه
الكبير جلال الدين حسين بن أحمد البخاري ولبس منه الخرقة وتولى الشياخة بعده، أخذ
عنه الشيخ كبير الدين بن إسماعيل البخاري وخلق كثير لا يمكن ضبطهم، وكان له أربعة
أبناء أبو الخير، وأبو إسحاق، والشيخ جلال، وروح الله، وأعقابهم سكنوا بسرهند، كما
في تذكرة السادة البخارية لعلي أصغر الكجراتي، توفي ليلة السبت السادس عشر من
جمادي الآخرة سنة سبع وعشرين وثمانمائة فدفن بحظيرة آبائه الكرام كما في مهرجهان
تاب.
الشيخ محمد بن الحسن البيهقي
الشيخ الفاضل العلامة محمد بن الحسن البيهقي الكشميري المشهور بالأمين كان من كبار
العلماء، أخذ عن والده وعن الشيخ هلال الدين الكشميري واعتزل عن الناس، وبنى له
السلطان زين العابدين الكشميري خانقاهاً رفيعاً بمدينة كشمير خارج البلدة، استشهد في
سنة تسع وثمانين وثمانمائة كما في خزينة الأصفياء.
الشيخ محمد بن جعفر الحسيني المكي
الشيخ العالم الكبير المعمر محمد بن جعفر الحسيني المكي ثم الدهلوي أحد المشايخ
الجشتية، ولد ونشأ بدار الملك دهلي وقرأ العلم على الشيخ شمس الدين محمد بن يحيى
الأودي وعلى غيره من العلماء، وأخذ الطريقة عن الشيخ نصير الدين محمود الأودي، وكان
صاحب حالات عجيبة ووقائع غريبة، له مصنفات ادعى فيها مقامات لا تستطيع العقول
المتوسطة أن تدركها، ومن مصنفاته: بحر المعاني، ودقائق المعاني، وحقائق المعاني وبحر
الأنساب، وبنج نكات، وإني رأيت منها بحر المعاني، وبحر الأنساب، أما بحر المعاني فهو
كتاب مفيد في بابه وفيه ست وثلاثون رسالة في الإيمان والصلوات والعشق والمحبة وأبواب
أخرى، أوله: آن خداي كه انكبين شيرين نوش را از فواره تلخ نيش زنبور بقدرت خويش
جكاند، الخ، مات في سنة إحدى وتسعين وثمانمائة في عهد بهلول وعمره جاوز مائة سنة،
كما في أخبار الأخيار.
الشيخ محمد بن الحسين الفتني
الشيخ العالم المحدث الفقيه محمد بن الحسين العلوي الحسيني السندي ثم الكجراتي أحد
المشايخ المشهورين، كان أصله من أرض السند، ولد ونشأ بها وقرأ العلم على والده وعلى
الشيخ صدر الدين محمد بن أحمد الحسيني البخاري وكان ممن تفرد في الفقه والحديث
والتصوف وكان صوفياً مستقيم الحالة، سافر إلى كجرات مع سعادت خاتون أم عبد الله
بن محمود الحسيني البخاري وسكن بها، وكانت وفاته في خامس جمادي الآخرة سنة سبع
وأربعين وثمانمائة بمدينة فتن فدفن بها، كما في مرآة أحمدي.
الشيخ محمد حسين التتوي
الشيخ الصالح الفقيه محمد حسين بن أحمد بن محمد الحسيني التتوي السندي أحد
المشايخ المعروفين بالفضل والصلاح، ولد في سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة في أيام فتح خان بن
الإسكندر السندي، وأخذ العلم والمعرفة عن أهلها وجلس على مسند الإرشاد، انتفع به
خلق كثير من الناس، وصنف في أخباره محمد حسين الصفائي كتابه تذكرة المراد، وكانت
وفاته في سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة وله اثنتان وستون سنة، كما في تحفة الكرام.
الشيخ محمد بن الرفيع البخاري
الشيخ الصالح الفقيه محمد بن رفيع الدين بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن الحسين بن
محمد بن الحسين الحسيني البخاري الأجي أحد الرجال المعروفين بالفضل والصلاح، ولد
ونشأ بأرض السند وتفقه على والده وأخذ عنه الطريقة وهو والد الشيخ الحاج عبد
الوهاب أبي محمد الحسيني البخاري الدهلوي، وكانت وفاته في سنة إحدى وثمانين
وثمانمائة، كما في تذكرة السادة البخارية لعلي أصغر الكجراتي.(3/271)
الشيخ محمد بن ظهير الدين العباسي الكروي
الشيخ العالم الكبير الصالح محمد بن ظهير الدين العباسي الكروي الشيخ الإمام قوام الدين
الدهلوي الدفين بلكهنؤ والمشهور بحاج الحرمين، كان من كبار الأولياء السالكين صاحب
مجاهدة، أخذ عن الشيخ نصير الدين محمود الأودي، ثم عن الشيخ جلال الدين حسين
البخاري ولازمه مدة طويلة حتى نال حظاً وافراً من العلم والمعرفة واستخلفه الشيخ، ثم
سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار سبع مرات، ثم رحل إلى دمشق الفيحاء وتلقى الذكر
عن الشيخ قطب الدين المكي صاحب الرسالة المكية، ثم رجع إلى الهند وقدم لكهنؤ
لسابق معرفة بينه وبين الشيخ محمد بن فخر الدين البجنوري اللكهنوي فسكن بها، وله
مصنفات منها: كتابه إرشاد المريدين، وكتابه معيار التصوف، وكتابه أساس الطريقة.
ومن فوائد ما قال في معيار التصوف:
قال الفقير العباسي: الذكر سبب الوصول وتصفية القلوب، فلا يجوز لك السالكه معه قال
الحسن: لا إله إلا الله تنظير السر عن الآلهة وإذا خلا السر عن تعظيم غيره فلا وجه لهذا
القول، قال الفقير العباسي: سمعت الشيخ العالم العارف محمد بن الفرهي الساكن في بيت
المقدس أنشد هذين البيتين:
بذكر الله تنشرح القلوب وتنكشف السرائر والغيوب
وترك الذكر أفضل منه حالاً فشمس الذات ليس لها غروب
وسألت الشيخ العالم بقية السلف قطب الحق والشرع والدين الدمشقي مؤلف الرسالة
المكية حين لقنني كلمة لا إله إلا الله وبين كيفية النفي والاثبات، فقلت يا سيدي وبركتي إذا
لم يبق في قلب السالك وجود الغير فما يبقى بعده، فأجاب الشيخ رحمه الله وأدام بركته
على العالمين ما دام وجود السالك باقياً لا بد من النفي لمن اعتبر الوجود حتى تزول
الاثنينية، والجواب الثاني لا بد للسالك من النفي لأن نفي الوجود في محل الجمع، وأما في
التفرقة اثبات الوجود بل اثبات وجود جميع الموجودات لأن النظر إلى السكون جمع
والسكون تفرقة فلا بد أن ينفي الموجودات ويدخل في فراديس الجمع حتى يصير مستهلكاً
في الجمع، وهذا المقام عزيز لا يصل إليه إلا الأفراد الموحدون العارفون لأن الجمع والتفرقة
يتنافيان إلا أن المشايخ السالكين نظرهم إلى الجمع أكثر وبركتهم في العالمين أوفر، اللهم
اجعلنا من محبيهم ولا تحرمنا من بركات أنفاسهم بحرمة النبي وآله الأمجاد، انتهى.
ومن شعره قوله بالفارسي:
اين كار كسي هست كه خيزد زسرجان اين خانه خرابي ره هر بوالهوسي نيست
توفي لعشر بقين من شعبان سنة أربعين وثمانمائة بمدينة لكهنؤ فدفن بها وقبره مشهور ظاهر
يزار ويتبرك به كما في خزينة الأصفياء.
الشيخ محمد بن عبد الله الحسيني البخاري
الشيخ الكبير محمد بن عبد الله بن محمود بن الحسين الحسيني البخاري سراج الدين أبو
البركات الكجراتي المشهور بشاه عالم، ولد ليلة الإثنين السابع عشر من ذي القعدة سنة
سبع عشرة وثمانمائة بكجرات ونشأ بها، وقرأ العلم على الشيخ سراج الدين علي
الكجراتي وعلى غيره من العلماء وأخذ الطريقة عن والده وعن الشيخ أحمد بن عبد الله
المغربي نزيل كجرات ودفينها، وتولى الشياخة مدة من الدهر ورزق من حسن القبول ما لم
يرزق أحد من المشايخ في عصره.
وكان شيخاً جليلاً وقوراً عظيم الهيبة كبير المنزلة، خضع له الملوك والأمراء وكانوا يتلقون
إشاراته بالقبول، مات ليلة السبت في عشر بقين من جمادي الآخرة سنة ثمانين وثمانمائة وله
ثلاث وستون، كما في مرآة أحمدي.(3/272)
الشيخ محمد بن عبد الله الحسيني البخاري
الشيخ الصالح الفقيه محمد بن عبد الله بن محمود بن الحسين الحسيني البخاري الكجراتي
المشهور بالزاهد، كان شقيق الشيخ محمد عبد الله السالف ذكره، ولد في تاسع رجب سنة
ثمان وأربعين وثمانمائة وأخذ عن صنوه الكبير محمد بن عبد الله المذكور وبلغ رتبة الكمال،
أخذ عنه خلق كثير، مات في سادس شعبان سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة وقبره بقرية بنوه،
كما في مرآة أحمدي.
الشيخ محمد بن العلاء المنيري
الشيخ العالم الفقيه الزاهد محمد بن علاء الدين ابن القاضي عالم بن القاضي جمال الدين
الهاشمي الترهتي ثم المنيري المعروف بالشيخ قاضن- بكسر الضاد المعجمة- كان من كبار
المشايخ الشطارية، له اليد الطولى في العلوم المتعارفة.
أخذ الطريقة الفردوسية عن والده علاء بن عالم المنيري عن الشيخ بهرام البهاري عن
الشيخ حسن بن الحسين بن المعز البلخي وعن الحاج الزائر محمد بن إبراهيم عن والده
إبراهيم بن علم المنيري، كلاهما عن الشيخ حسين بن المعز البلخي وعن الشيخ علي
الحسيني البدايوني عن كريم الدين الودي عن جمال الدين الأودي كلاهما عن الشيخ مظفر بن
شمس الدين البلخي والشيخ إبراهيم بن علم المنيري المذكور عن الشيخ نصير الدين التلنبي
عن الشيخ عثمان السنامي، كلاهما عن الشيخ الكبير شرف الدين أحمد بن يحيى
المنيري.
والطريقة السهروردية أخذها عن الشيخ ركن الدين الجونبوري عن الشيخ تاج الدين عن
الشيخ جلال الدين الحسين بن أحمد بن الحسين الحسيني البخاري عن الشيخ ركن الدين
أبي الفتح بن محمد بن زكريا الملتاني وعن غيره من المشايخ المذكورين في ثبته.
والطريقة الجشتية أخذها عن الشيخ زاهد بن البدر الجشتي عن الشيخ محمد ابن عيسى
الجونبوري عن الشيخ فتح الله الأودي عن الشيخ أحمد بن الشهاب الدهلوي عن الشيخ
الكبير نصير الدين محمود الأودي وعن الشيخ إبراهيم بن إدريس السناركانوي عن القاضي
حمزة عن الشيخ زاهد عن جده نور الدين عن والده علاء الدين عمر بن أسعد اللاهوري
البندوي عن الشيخ سراج الدين عثمان الأودي كلاهما عن الشيخ نظام الدين محمد
البدايوني.
والطريقة القادرية أخذها عن الشيخ عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن الجمال الصديقي عن
الشيخ عبد الرؤف بن علي بن عمر الشاذلي الحسيني القادري اليمني عن الشيخ نور الدين
أبي سعيد محمود الحسيني النهاوندي عن الشيخ شمس الدين محمد بن الحسن بن علي بن
جعفر بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرزاق ابن السيد الإمام عبد القادر
الجيلاني عن أبيه عن جده، وهلم جراً.
والطريقة المدارية أخذها عن الشيخ حسام الدين الأصفهاني الجونبوري عن الشيخ المعمر
بديع الدين المدار المكنبوري إمام الطريقة المدارية.
والطريقة الشطارية أخذها عن الشيخ عبد الله بن حسام الدين الشطار النوري الصديقي
البخاري إمام الطريقة الشطارية بلا واسطة غيره، وألزم نفسه أشغال تلك الطريقة وأذكارها
مدة من الزمان ففتحت عليه أبواب الكشف والشهود وصار المرجع والمقصد لأهل الهند
في تلك الطريقة وانتهت إليه الشياخة.
قال في مناهج الشطار: إني اعتكفت مدة من الزمان على قبر الشيخ شرف الدين أحمد بن
يحيى المنيري بغاية الذل والافتقار وكان الشيخ أحمد عبد الحكيم يذكر رسالة الشيخ عبد
الله الشطاري فلم التفت إليه مترقباً لفتح الباب من الشيخ المذكور حتى كرر الشيخ أحمد
المذكور ذكرها فتوجهت إلى روحانية الشيخ الكبير وعرضت عليه تلك القصة، وكان
الشيخ أذن لي أن أذهب إلى الشيخ عبد الله الشطار فرحلت إليه ولازمته مدة من الزمان
فلقنني الذكر ليلة الجمعة رابع ذي الحجة الحرام سنة إحدى وثمانين وثمانمائة ببلدة مندو،
انتهى.
أخذ عنه ابنه أبو الفتح هدية الله المنيري والشيخ الحاج حميد الدين الكواليري وخلق
آخرون، مات في ثالث صفر سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة وقبره بمدينة(3/273)
جونبور، كما في
الانتصاح.
الشيخ محمد بن علي الهمذاني
الشيخ الفاضل العلامة محمد بن علي بن الشهاب الحسيني الهمذاني أحد العلماء
المشهورين، قدم كشمير وله اثنتان وعشرون سنة فأسلم على يده سيه بت فلقبه شرف
الدين، وله مصنفات منها شرح الشمس في المنطق، كما في البحر الزخار وإني ظفرت
برسالة له تسمى جامع الفنون أولها الحمد لله الذي زلزل الطور في طور التجليات إلخ،
صنفها وهو ابن ثلاث وعشرين سنة قال فيها: أردت مع صغر السن وقصور البضاعة
والفتور في هذه الصناعة أي العلوم الحكمية أن أجمع بعض العلوم الكشفية والعقلية
المشهورة المعتبرة في نسخة واحدة، وأعرض عن ذكر المقدمات والمباحث الزائدة وجئت من
قواعد العلوم ببعضها واختصرت مع جميع مباحثها مبتدئاً إلى تصغير حجم الكتاب
وتسهيلاً لحفظه بالخير والصواب، ففرغت بتوفيق الله وقضائه، وقد كان عمري مقدار نبوة
أبي القاسم محمد عليه السلام، انتهى.
في خزينة الأصفياء: إنه أقام بكشمير اثنتي عشرة سنة ثم راح إلى الحرمين الشريفين زادهما
الله شرفاً، في سنة ثمانمائة فحج وزار ورجع إلى الهند، ولما وصل إلى مكولاب مات بها
ودفن بمقبرة والده وكان ذلك في سنة تسع وثمانمائة.
الشيخ محمد بن عيسى الجونبوري
الشيخ الإمام العالم الكبير العلامة محمد بن عيسى بن تاج الدين بن بهاء الدين الحنفي
الصوفي الجونبوري كان من نسل محمد بن أبي بكر الصديق كما في منهج الأنساب ولد بدار
الملك دهلي في صفر سنة ثمانين وسبعمائة وخرج منها والده معه في الفتنة التيمورية فدخل
جونبور، وقرأ العلم على القاضي شهاب الدين الدولة آبادي، وكان القاضي يحبه حباً
مفرطاً، صنف له شرحاً على أصول البزدوي إلى مبحث الأمر عند قراءته ذلك الكتاب
عليه، ولما قرأ محمد فاتحة الفراغ عليه درس وأفاد زماناً طويلاً ثم ترك البحث والاشتغال،
وأخذ الطريقة عن الشيخ فتح الله الأودي وجاهد في الله حق جهاده حتى قيل إن ظهره لم
يمس الأرض اثنتي عشرة سنة، وكان لا يخرج من حجرته إلا للصلوات الخمس وكان لا
يتردد إلى أحد، ولا يفتح بابه لأحد، واستقام على ذلك الترك والتجريد أربعين سنة، وكان لا
يقبل الهدايا والنذور من السلاطين وكثيراً ما ينشد:
من داق خود بأفسر شاهان نمى دهم من فقر خود بملك سليمان نمى دهم
از رنج فقر در دل كنجي كه يافتم اين رنج را براحت شاهان نمى دهم
حكى أن السلطان إبراهيم الشرقي وولده السلطان محمود كانا يعتقدان فضله وكماله
ويريدان أن يقبل منهما شيئاً من الهدية ولكنه كان لا يقبل، أخذ عنه الشيخ بهاء الدين
الجونبوري والشيخ مبارك البنارسي وخلق آخرون، وكانت وفاته في الرابع عشر من ربيع
الأول سنة سبعين وثمانمائة فأرخ بموته بعضهم من قوله سلطان طريقة كما في كنج أرشدي.
الشيخ محمد بن عبد الصمد الدهلوي
الشيخ العالم الصالح محمد بن عبد الصمد بن المنور العمري الأجودهني الشيخ تاج الدين
الإمام الدهلوي، كان من نسل الشيخ فريد الدين مسعود الأجودهني، أخذ الطريقة عن
الشيخ عماد الدين عن الشيخ شهاب الدين عن الشيخ إمام الدين عن الشيخ بدر الدين
الغزنوي عن الشيخ الكبير قطب الدين بختيار الأوشي الدهلوي، وأخذ عنه حفيده علاء
الدين بن نور الدين الأجودهني، كما في كلزار أبرار.
مولانا محمد بن عين الدين البيجابوري
الشيخ الفاضل محمد بن عين الدين البيجابوري أحد كبار العلماء أخذ عن أبيه ولازمه
ملازمة طويلة، وولي الإفتاء الأكبر في أيام محمد شاه بن علاء الدين حسن البهمني بكلبركه
لعله سنة ست وخمسين وسبعمائة أو مما يقرب ذلك، وصار شحنة الحضرة في عهد(3/274)
فيروز
شاه سنة ثمانمائة فاستقل بها زماناً.
الشيخ محمد بن القاسم الأودي
الشيخ الصالح الفقيه محمد بن القاسم بن برهان الدين الأودي أحد المشايخ المشهورين،
أخذ الطريقة الجشتية عن والده عن الشيخ فتح الله البدايوني عن الشيخ أحمد بن الشهاب
الدهلوي، وأخذ الطريقة المدارية والسهروردية عن الشيخ بدهن- بضم الموحدة وتشديد
الدال- عن الشيخ أجمل بن أمجد الحسيني البهرائجي.
قال المندوي في كلزار أبرار: إنه أخذ الطريقة الجشتية عن والده وعن الشيخ سعد الدين
الأودي كلاهما عن الشيخ فتح الله المذكور وإنه أخذ عن الشيخ فتح الله أيضاً بلا واسطة
واستفاض منه فيوضاً كثيرة، انتهى، له آداب السالكين كتاب مفيد في السلوك، مات يوم
الخميس السادس عشر من محرم الحرام سنة ست وتسعين وثمانمائة في أيام اسكندر ابن
بهلول الدهلوي وقبره بمدينة أوده، كما في مسالك السالكين.
الشيخ محمد بن قطب اللكهنوي
الشيخ الصالح الكبير محمد بن قطب الدين بن عثمان الصديقي اللكهنوي المشهور بالشيخ
مينا، ولد ونشأ بمدينة لكهنو في مهد الشيخ قوام الدين العباسي، وقرأ شرح الوقاية والهداية
في الفقه الحنفي على القاضي فريد، ولما كان الشيخ قوام الدين المذكور مات قبل أن يترعرع
محمد لبس الخرقة من الشيخ سارنك أحد أصحاب الشيخ قوام الدين وقرأ عوارف
المعارف على الشيخ محمد بن أبي البقاء اللكهنوي كما في أخبار الأخيار في ترجمة
صاحبه الشيخ سعد الدين الخير آبادي، وحيث كان جبله الله سبحانه على الخير وجمع
فيه من الزهد والقناعة والاستغناء انقطع إلى الزهد والعبادة ووصل درجة لم يصل إليها
أحد من المشايخ في عصره ومصره.
قال الكوباموي في الفوائد السعدية: إنه اشتغل برياضات شاقة قلما يحتملها الإنسان كأنه
أفنى قواه في ذلك، كان رحمه الله يصوم صوم الطي، ويقوم الليل كله لا يغمض عينه، ولا
يتوسد ولا يتوكأ ولا يستريح على الفرش والبسائط لئلا يطرقه النوم، وكان يبل المنديل
والقلنسوة في الماء البارد فيضعها على رأسه في الشتاء وإذا ارتاح بالماء المسخن في ليلة
شاتية قام واغتسل بالماء البارد هضماً لنفسه، وكان يحيي ليله بالذكر والمراقبة ويداوم على
الوضوء وكان يجلس في الأربعين فإذا شارف الإتمام أفطر بصديق أو ضيف، ثم استأنف
الأربعين وهكذا يفعل مرة بعد مرة، ولا يظهر ذلك لأحد ولا يذكر لهم أنه صائم، وكان إذا
آذاه أحد يقبل إليه بشوشاً طيب النفس لا يطعن عليه ولا يلعنه ولا يذكره إلا بالخير وربما
كان ينشد هذين البيتين:
هر كه ما را يار نبود ايزد او را يار باد هر كه ما را رنج داده راحتش بسيار باد
هر كه اندر راه ما خاري نهد از دشمني هر كلي كز باغ عمرش بشكفد بي خار باد
قال الشيخ سعد الدين الخير آبادي في بعض رسائله إني صحبته عشرين سنة فلم أره إلا
مستقبل القبلة كأنه قاعد في الصلاة، ما رأيت قدميه ممتدتين أو منتصبتين أبداً في هذه المدة
الطويلة، وما رأيته واضعاً نعليه قبل القبلة أبداً ولا خالعاً قدميه من نعليه مستقبلاً للقبلة،
وما رأيته مستدعياً شيئاً للأكل ولا لابساً ثوباً من رغبته، انتهى.
ومن أقواله
دم توحيد كسي را زيبد كه از زبان وي تلخ وشيرين نخيزد، ومنها: از مرد هوا برست
خدا برستي نشود، وخود برستي در كوجه خدا برستي نرود، ومنها: مرد بايد كه يك
جهت ويك همت ويك قبله شود، هر جه از دوست باز دارد خواه نيك خواه بد ازان
اجتناب نمايد، ومنها: درويش جون مقبول حق ميكردد زبانش ناودان حكمت ميشود،
انتهى.
توفي لسبع بقين من ذي القعدة سنة أربع وسبعين- وقيل: أربع وثمانين، وقيل: ثمان وثمانين-
وثمانمائة، وقبره مشهور ظاهر بمدينة لكهنؤ يزار ويتبرك به.(3/275)
الشيخ محمد بن علي الحسيني
الشيخ الكبير جلال الدين محمد بن علي بن خضر الحسيني الكوكوي البيجابوري أحد
كبار الأولياء، أدرك في صغر سنه الشيخ محمد بن يوسف الحسيني الدهلوي المدفون
بكلبركه وسكن ببلدة كوكي من أعمال بيجابور وكان مرزوق القبول، مات لعشر خلت من
شعبان سنة ثمان وخمسين وثمانمائة، وبنى على قبره يوسف عادل شاه أبنية فاخرة ثم زاد
عليها إبراهيم عادل شاه البيجابوري ووقف لنفقاتها قرى عديدة من أعمال بيجابور.
القاضي محمد بن محمود النصير آبادي
السيد الشريف القاضي محمد بن محمود بن العلاء الحسني الحسيني النصير آبادي أحد
الرجال المعروفين بالفضل والصلاح، ولي القضاء ببلدته سنة ثمان وستين وثمانمائة في عهد
السلطان علاء الدين الخضرخاني واستقل به سبعاً وعشرين سنة وكان قويم السيرة في
القضاء، له مهارة بالمعارفة الإلهية، توفي يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول سنة خمس
وتسعين وثمانمائة في أيام السلطان إسكندر ابن بهلول اللودي، كما في مآثر السادات للسيد
الوالد.
محمد شاه بن همايون البهمني
الملك المؤيد شمس الدين أبو المظفر محمد بن همايون بن علاء الدين البهمني السلطان
الفاضل قام بالملك بعد صنوه نظام شاه سنة سبع وستين وثمانمائة وله تسع سنين، فاشتغل
بالعلم وبذل جهده وأخذ عن الشيخ صدر جهان التستري فبرع وفاق أقرانه ومهر في الخط،
ولما بلغ رشده أخذ عنان السلطنة بيده وجعل عماد الدين محمود الكيلاني وزيراً له وصالح
السلطان محمود الخلجي بأن لا يطمع أحد منهما في بلاد الآخر وبعث وزيره محموداً بعساكره
إلى قلعة كهينه وسنكيز وبلاد أخرى من أرض كوكن سنة أربع وسبعين وثمانمائة فقاتل
أهلها وحاصر القلاع ودخل في الغياض وقطعها وأحدث الطريق فيها ثم ملكها ثم سار إلى
بندركووه فملكها ورجع محمود بعد ثلاث سنين إلى أحمد آباد بيدر وبعث نظام الملك
حسن البحري بعساكره إلى أوريا سنة ست وسبعين وثمانمائة فقاتل قتالاً شديداً وملكها.
وأقطع محمد شاه تلك المملكة واحداً من أهلها على مال يؤديه ثم سار نظام الملك إلى
راجمندري وكندنيز فقاتل أهلهما وملكهما وولي عليهما أحد الأمراء ورجع نظام الملك إلى
أحمد آباد بيدر ثم ولي محمد شاه يوسف خان العادل على دولت آباد وأمره بتسخير قلعة
ويرا كهيره وقلعة انتور فبعث إليهما عساكره وحاصرهما وضيق على أهلهما وفتحهما بعد
ستة أشهر وغنم أموالاً كثيرة، وفي سنة سبع وسبعين وثمانمائة سار محمد شاه بنفسه إلى
قلعة نلكوان فحاصرها وضيق على أهلها ولم يزل يقاتلهم قتالاً شديداً حتى فتحها.
ولما سمع محمد شاه أن الكفار بعثوا عساكرهم إلى راجمندري وحاصروها سار إليهم
بعساكره، فلما وصل إلى ناحيتها تحصن صاحب أوريا في قلعة كندنيز وصاحب اريسه
عبر ماء راجمندري ونزل في حدوده فدخل محمد شاه براجمندري ولحق به نظام الملك
المحصور بها فترك وزيره محمود بها وسار إلى صاحب اريسه بعشرين ألف فارس سنة
اثنتين وثمانين وثمانمائة وعبر ماء راجمندري ودخل في اريسه، وانحاز صاحبها إلى ناحية من
نواحيها فأخذ محمد شاه يقاتل أهلها ويقتلهم وينهب أموالهم ولم يزل كذلك ستة أشهر، فلما
سمع صاحب اريسه أن السلطان يريد أن يقبض على بلاده ويولي عليها أحد أمرائه أرسل
إليه يطلب الصلح على مال يؤديه.
وأرسل إليه فيلة مجهزة بجهازات جميلة من الذهب والفضة وأذعن له الطاعة فرجع محمد
شاه منها إلى حدود أوريا وحاصر قلعة كندنيز وأدام الحصار إلى خمسة أشهر، فلما عرف
صاحبها عجزه عن المقاومة أرسل إليه يطلب الأمان، فتسلم منه القلعة وولي عليها أحد
أمرائه وهدم الكنيسة العظيمة بها ثم بنى الجامع الكبير مكانها، وولي على بلاد تلنك نظام
الملك المذكور، ثم سار إلى نرسنكه وكان ملكاً كبيراً من الوثنيين صاحب العدة والعدد
وبلاده كانت ما بين تلنك وبلاد المعبر فأسس قلعة في حدوده ثم ترك وزيره في كوند بور بلي
وسار إلى كنجي وكانت كنيسة عظيمة بها(3/276)
فدخل فيها عنوة وأكثر القتل والأسر على من
كانوا بها وبعث خمسة عشر ألف مقاتل إلى نرسنكه، وسار بنفسه إلى مجهلي بتن فملكها
ورجع إلى كوند بور بلي ولحق بوزيره محمود وكان محمد شاه مستأثراً بوزيره ولم يزل يخصه
بعناية لا مزيد عليها، فحسده الناس ووقعوا في عرضه ونفسه واتهموه بخبث النية وعرضوا
على محمد شاه رسالته إلى صاحب اريسه وعليها خاتم الوزير، وكان محمد شاه يعرف
خاتمه فغضب عليه غضباً شديداً وأمر بقتله، فقتلوه في سنة ست وثمانين ثم ندم ندامة
الكسعي وحزن لقتله حزناً شديداً حتى مرض وأشرف على الموت، فسار إلى دار ملكه
أحمد آباد ومات بها في سنة سبع وثمانين وثمانمائة وتزلزل بنيان السلطنة بعد موته فلم يبق
لأبنائه إلا الاسم والرسم وذلك تقدير العزيز العليم تاريخ فرشته.
الشيخ محمد بن يوسف الحسيني الدهلوي
الشيخ الإمام العالم الكبير العلامة الفقيه الزاهد صاحب المقامات العلية والكرامات الجلية
محمد بن يوسف بن علي بن محمد بن يوسف بن حسين بن محمد بن علي بن حمزة بن داود
بن أبي الحسن زيد الجندي الإمام أبو الفتح صدر الدين محمد الدهلوي ثم الكلبركوي ينتهي
نسبه إلى يحيى بن الحسين بن زيد الشهيد عليه وعلى آبائه السلام، ولد في رابع رجب الفرد
سنة إحدى وعشرين وسبعمائة بدار الملك دهلي وسافر مع أبويه إلى دولت آباد وهو ابن
أربع سنوات واشتغل بالعلم على أبيه وجده مدة ورجع إلى دهلي مع أمه وصنوه الحسين
بن يوسف في السادس عشر من سنه في سنة ست وثلاثين وسبعمائة.
وكان والده توفي قبل ذلك بأربع سنين، فلما دخل دار الملك أدرك بها الشيخ نصير الدين
محمود الأودي فأراد أن يلبس منه الخرقة فأمره الشيخ بتكملة العلوم، فاشتغل بها وقرأ بعض
الكتب الدرسية على مولانا السيد شرف الدين الكيتهلي وبعضها على مولانا تاج الدين
المقدم ثم لازم دروس القاضي عبد المقتدر بن ركن الدين الشريحي الكندي وقرأ عليه
الشمسية والصحائف ومفتاح العلوم وهداية الفقه وأصول البزدوي والكشاف وسائر الكتب
الدرسية، وبرز في الفضائل وتأهل للفتوى والتدريس وجمع بين العلم والعمل والزهد والتواضع
وحسن السلوك، ووضع الله سبحانه له المحبة في قلوب عباده لما اجتمع فيه من خصال
الخير، فانقطع إلى شيخه نصير الدين محمود وأخذ عنه وبلغ رتبة الكمال في أقل مدة،
فاستخلصه الشيخ لنفسه واستخلفه وأجازه عامة تامة فصار المرجوع إليه في علمي الرواية
والدراية ولتهذيب النفوس والدلالة على معالم الرشد وطرائق الحق، وتولى الشياخة بعد ما
توفي شيخه سنة سبع وخمسين وسبعمائة، وتزوج بابنة الشيخ أحمد بن جمال الدين
الحسيني المغربي وله أربعون سنة، ثم خرج من دار الملك دهلي في ربيع الآخر سنة إحدى
وثمانمائة في الفترة التيمورية وذهب إلى كجرات ثم إلى دولة آباد فاستقدمه فيروز شاه البهمني
إلى كلبركه سنة خمس عشرة وثمانمائة فسكن بها يدرس ويفيد.
وكان عالماً كبيراً عارفاً قوي النفس عظيم الهيبة جليل الوقار جامعاً بين الشريعة والطريقة
ورعاً تقياً زاهداً غواصاً في بحار الحقائق والمعارف، له مشاركة جيدة في الفقه والتصوف
والتفسير وفنون أخرى، أخذ عنه ناس كثيرون وانتفعوا به، وله مصنفات كثيرة منها تفسير
القرآن الكريم على لسان المعرفة، وتفسير القرآن على منوال الكشاف، وتعليقات على
خمسة أجزاء من الكشاف ومنها شرح مشارق الأنوار على لسان المعرفة، وله ترجمة
المشارق بالفارسية، ومنها المعارف شرح العوارف للشيخ شهاب الدين السهروردي
بالعربية، وله ترجمة العوارف بالفارسية، ومنها شرح التعرف وشرح الفصوص وشرح آداب
المريدين بالعربية والفارسية، وله شرح التمهيدات لعين القضاة الهمذاني، وشرح الرسائل
القشيرية وشرح رسالة لابن عربي، وشرح الفقه الأكبر، وشرح بدء الأمالي، وشرح العقيدة
الحافظية، وله رسالة في سير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكتابه أسماء الأسرار وكتابه حدائق الأنس وكتابه في ضرب الأمثال وكتابه في آداب
السلوك ورسالة في إشارات أهل المحبة ورسالة في بيان الذكر ورسالة في بيان المعرفة
ورسالة في تفسير رأيت ربي في أحسن صورة ورسالة في الاستقامة على الشريعة ورسالة في
شرح تعبير الوجود بالأزمنة الثلاثة بما يعبر بها بالفارسية(3/277)
بود وهست وباشد وله تعليقات
على قوت القلوب للمكي وله كتاب الأربعين أورد تحت كل حديث شطراً من آثار الصحابة
والتابعين والمشايخ القدماء، وله غير ذلك من المصنفات.
قال السيد الوالد في مهر جهان تاب إن مصنفاته قد عدت بخمس وعشرين ومائة كتاب في
علوم شتى.
وقال الشيخ عبد الحق بن سيف الدين الدهلوي في أخبار الأخيار: إن له ملفوظات
مسماة بجوامع الكلم جمعها الشيخ محمد أحد أصحابه، انتهى، وللشيخ محمد بن علي
السامانوي كتاب في سيرته سماه بالسير المحمدي.
ومن فوائده:
سفر اكر تشتت باطن نيارد مبارك باشد، وإلا سرمايه صوفيان جز فراغ دل وجمع هم
نيست، اكر يك ساعت لطيف دل باخداي خويش حاضر شود آن بهشت است بلكه
هزار بهشت فداي ساعت بايد كرد وهنوز رائكان بدست آمده باشد.
بفراغ دل زماني نظري بما هروي به از انكه جتر شاهي همه عمر هاي وهوي
وسئل عن القول المشهور العلم حجاب الله الأكبر فقال: كل ما سوي الله تعالى حجاب،
أما حجابهاي ديكر همه قبيح وكثيف اند وعلم حجابي لطيف است برخاستن ازان نيك
دشوار باشد ومراد ازين علم نحو وصرف وحديث وفقه نيست مراد علم بالله است،
وآن علم ذات وصفات باري اند نه بدليل وبرهان بلكه مشاهده وعيان، انتهى.
وكانت وفاته ضحوة الاثنين السادس عشر من ذي القعدة الحرام سنة خمس وعشرين
وثمانمائة، وقبره بكلبركه مشهور ظاهر يزار ويتبرك به، كما في مهر جهان تاب.
الشيخ محمد المتوكل الكنتوري
الشيخ العالم الصالح محمد بن أعز الدين بن افتخار الدين بن أوزون التركماني الهروي
الكنتوري أحد المشايخ المتورعين لم يكن مثله في زمانه في الزهد والتوكل والاستغناء عن
الناس، أخذ الطريقة عن الشيخ نصير الدين محمود الأودي وسكن باذنه في كنتور قرية
جامعة من أرض أوده، وعمره جاوز مائة سنة مات ولده الشيخ سعد الله في حياته،
وكانت وفاته سنة سبع وعشرين وثمانمائة، كما في خزينة الأصفياء.
القاضي محمد الساوي
الشيخ العالم الكبير العلامة القاضي محمد بن أبي محمد الحنفي الصوفي الساوي أحد
المشايخ الجشتية، أخذ الطريقة عن الشيخ نصير الدين محمود الأودي ولازمه مدة من الزمان
ونال حظاً وافراً من العلم والمعرفة، أخذ عنه الشيخ اختيار الدين عمر الايرجي وخلق
آخرون.
وكان عالماً كبيراً بارعاً في الفقه والأصول والعربية والتصوف درس وأفاد مدة حياته، مات
في سنة إحدى وثمانمائة.
وقال السيد الوالد في مهر جهان تاب: إنه توفي في الرابع عشر من محرم الحرام سنة تسع
وثمانمائة بمدينة ايرج فدفن بها.
الشيخ محمد بن أبي محمد الدريابادي
الشيخ العالم الفقيه محمد بن أبي محمد القدوائي الدريابادي المشهور بآبكش كان من نسل
القاضي عبد الكريم القدوائي الأودي، أخذ عن الشيخ أبي الفتح بن عبد الحي بن عبد
المقتدر الكندي الجونبوري، وأخذ عنه خلق كثير من الناس، مات في سنة أربع وثمانمائة،
كما في مهر جهان تاب.
القاضي محمد أكرم الكجراتي
الشيخ العالم الفقيه القاضي محمد أكرم الحنفي الكجراتي، أحد العلماء المبرزين في الفقه
والأصول، كان قاضي القضاة ببلدة نهرواله وصفه المفتي ركن الدين الناكوري في مفتتح كتابه
الفتاوي الحمادية بالإمام العالم ونعمان الثاني وناقد المعقول والمنقول، إلى غير ذلك من الألقاب
الشريفة.(3/278)
الشيخ محمد الحسيني المديني
الشيخ الصالح محمد بن أبي محمد الحسيني المديني أحد الرجال المشهورين بأرض الدكن،
قدم الهند مع مائة رجل من أصحابه واستشهد بسيكاكول من أقليم الدكن في السابع عشر
من ربيع الثاني سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، كما في مهر جهان تاب.
شمس الدين محمد بن طاهر الأجمير
الشيخ الصالح شمس الدين محمد بن طاهر الجشتي الأجميري كان من نسل الشيخ معين
الدين حسن السجزي أخذ الطريقة عن الشيخ نور الدين أحمد بن عمر البندوي ثم لازم
الشيخ رفيع الدين با يزيد الأجميري ولبس منه الخرقة وتصدر للارشاد، كما في كلزار أبرار.
وفي أخبار الأخيار إنه عاش عمراً طويلاً، وفي خزينة الأصفياء إنه توفي سنة إحدى وثمانين
وثمانمائة.
تقي الدين محمد الشيرازي
الشيخ الفاضل تقي الدين محمد بن أبي محمد الشيرازي أحد كبار العلماء كان ختن الأمير
فضل الله بن فيض الله الحسيني الشيرازي، جعله فيروز شاه البهمني صاحب كلبركه
قهرماناً له سنة ثمانمائة وبعثه إلى سمرقند بالرسالة إلى الأمير تيمور كوركان ومعه لطف الله
السبزواري سنة أربع وثمانمائة فسافر إلى سمرقند ورجع إلى كلبركه ونال منزلة جسيمة
عند فيروز شاه.
محمود شاه الشرقي الجونبوري
الملك المؤيد محمود بن إبراهيم الشرقي الجونبوري أحد خيار السلاطين وكان يعرف
بسلطان الشرق، قام بالملك بعد والده في سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة وافتتح أمره بالعقل
والحلم.
وكان فاضلاً عادلاً باذلاً محظوظاً محباً لأهل العلم محسناً إليهم، له آثار صالحة بمدينة
جونبور، مات في سنة اثنتين وستين وثمانمائة، كما في تاريخ فرشته.
الشيخ محمود بن حميد الكنتوري
الشيخ العالم الكبير محمود بن الحميد بن عين الدين بن يعقوب العثماني الجرجاني الكنتوري
صاحب الرسالة الحالية في معرفة المدارية ينتهي نسبه إلى عثمان بن عفان وقيل إلى علي بن
أبي طالب، ولد ونشأ بكنتور وقرأ العلم ثم أخذ الطريقة عن الشيخ المعمر بديع الدين المدار
المكنبوري حين دخل كنتور، وأخذ عنه ولده أبو الحسن بن محمود والشيخ عبد الملك
البهرائجي وخلق آخرون، وله الرسالة الحالية في معرفة المدارية بالعربية، وله أبيات كثيرة في
مدح شيخه وفي الحقائق المعارف بالفارسية.
مات في ثامن جمادي الأولى سنة ثمان وخمسين- وقيل: ثمان وتسعين- وثمانمائة، كما في
تذكرة المتقين.
الشيخ محمود بن عبد الله البخاري
الشيخ الصالح الفقيه محمود بن عبد الله بن محمود بن الحسين الحسيني البخاري الشيخ
ناصر الدين أبو الحسن الكجراتي كان من المشايخ المشهورين بأرض كجرات، ولد في سبع
بقين من رمضان سنة تسع وثمانمائة بمدينة فتن من بطن سلطان خاتون بنت خداوند خان
الكجراتي، وأخذ عن أبيه ولازمه مدة حياته وتولى الشياخة بعده، أخذ عنه خلق كثير،
وكانت وفاته غرة ذي القعدة سنة ثمانين وثمانمائة بقرية بنوه، كما في مرآة أحمدي.
القاضي محمود بن العلاء النصير آبادي
الشيخ العالم الفقيه الوجيه محمود بن علاء الدين بن قطب الدين الحسني الحسيني النصير
آبادي كان من نسل الأمير الكبير بدر الملة المنير شيخ الإسلام قطب الدين محمد بن أحمد
الحسني المدني، ولد ونشأ بمهد العلم والمشيخة وولي القضاء ببلدة نصير آباد في سنة سبع
وثمانين وسبعمائة بعد وفاة والده، وحصل له الفتوح في الفقه فلا يكاد يجاري فيه، وجر أذيال
المفاخرة على ذويه مع وقوف تام على علوم كثيرة وفنون جمة، وهو في سلسلة أجدادي من(3/279)
جهة الأب، مات في سنة ثمان وستين وثمانمائة بنصير آباد فدفن بحظيرة الخطباء، كما في
مآثر السادات للسيد الوالد.
محمود شاه الخلجي المندوي
الملك المؤيد محمود بن المغيث الخلجي المندوي السلطان الكريم كان من كبار الأمراء في
عهد هوشنك شاه الغوري المندوي وأخلافه، ثم من الله سبحانه عليه بالسلطنة فاستقل
بالملك بعد ممد شاه الغوري يوم الإثنين التاسع والعشرين من شهر شوال سنة تسع وثلاثين
وثمانمائة وله أربع وثلاثون سنة ووالده كان حياً فجعله أمير الأمراء، وافتتح أمره بالعدل
والإحسان وإيصال النفع إلى الناس ورد المظالم وسد الثغور والجهاد في سبيل الله سبحانه،
وأرسل النقود والتحائف الثمينة إلى أرباب الكمال فاجتمع لديه خلق كثير من العلماء
ووفدوا إليه من بلاد شاسعة فصارت سدته محطة لأرباب الفضل، فأسس مدرسة عظيمة
ببلدة مندو وأجرى على العلماء وطلبة العلم الأرزاق والرواتب، ثم أسس مارستاناً كبيراً
في سنة تسع وأربعين وثمانمائة وولاها مولانا فضل الله الحكيم، وأمره بتفقد أخبار المرضى
والمجانين.
وكان ملكاً كريماً، له من معرفة الحقائق ومحبة معالي الأمور ونزاهة النفس والعفة والصيانة
والجودة والخبرة وحسن مسلك الرئاسة والسياسة ما لا يمكن وصفه، ولذلك طار صيته في
الآفاق ووفد عليه سنة سبعين وثمانمائة شرف الملك الحاجب بخلعة الخلافة من المستنجد
بالله يوسف بن محمد العباسي أحد الخلفاء المصريين فأكرم مقدمه بتلقيه وبخروج إليه بأكثر
تابعيه ولبس الخلعة، وذكر الخليفة معه في الخطبة، وفي سنة إحدى وسبعين وصل إليه
مولانا عماد الدين بخرفة شيخ الإسلام نجم الدين الخوارزمي المشهور بالكبرى فتلقاه بأدب
واحترام وسلك معه سلوكاً يستفيض به البركة المنسوبة إليه فيها، وكانت مدته أربعاً وثلاثين
سنة.
مات في التاسع عشر من ذي القعدة سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة، كما في تاريخ فرشته.
خواجه عماد الدين محمود الكيلاني
الشيخ الفاضل الكبير عماد الدين محمود بن محمد بن أحمد الكيلاني المشهور بمحمود
كاوان ويقال له ملك التجار وخواجه جهان كان من أبناء الملوك والوزراء، ولد نحو سنة
ثلاث عشرة وثمانمائة وخرج للعلم فدخل القاهرة ولقي بها الشيخ شهاب الدين أحمد بن
حجر العسقلاني وأخذ عنه ودخل الشام وساح البلاد الكثيرة وأخذ العلم، ثم استرزق
بالتجارة ودخل الهند من بندر دائل وله ثلاث وأربعون سنة فرحل إلى أرض الدكن وتقرب
إلى علاء الدين شاه البهمني وتدرج إلى الإمارة، لقبه همايون شاه البهمني بملك التجار
واستوزره وجعله جملة الملك ثم لقبه محمد شاه البهمني بخواجه جهان وأضاف في منصبه
وكلهم كانوا يوقرونه ويتلقون إشاراته بالقبول.
وكان عالماً كبيراً بارعاً في المعقول والمنقول لا سيما الفنون الرياضية وصناعة الطب
والإنشاء وقرض الشعر وكان باذلاً سخياً شجاعاً حسن العقيدة حسن الفعال يجزل على
أهل العلم صلات جزيلة ويرسلها إلى خراسان وما وراء النهر والعراق وكان لا يأكل مما
يحصل له من أقطاع الأرض شيئاً بل يصرفها على مستحقيها، وكان يحفظ رأس ماله وينميه
بالتجارة فيأكل ما يحصل له منها، وله آثار باقية في أرض الدكن منها المدرسة العظيمة
بأحمد آباد بيدر وتلك العمارة في غاية الحسن والحصانة لا يوجد لها نظير في بلاد الدكن
بناها في سنة ست وسبعين وثمانمائة وتاريخه ربنا تقبل منا.
ومن مصنفاته اللطيفة مناظر الإنشاء كتاب مفيد في بابه، وديوان الشعر الفارسي، وله
رسائل إلى الشيخ عبد الرحمن الجامي وللجامي قصائد في مدحه، منها:
هم جهان را خواجه وهم فقر را ديباجه اوست آية الفقر ولكن تحت أستار الغنا
وللجامي فيه:
جامي اشعار دلآويز تو جنسي است لطيف بودنش از حسن بود لطف معاني تارش(3/280)
همره قافله هند روان كن كه رسد شرف عز وقبول از ملك التجارش
وللشيخ عبد الكريم الهمداني كتاب في أخبار الدكن باسمه وسماه المحمود شاهي.
وذكره طاشكبري زاده في مفتاح السعادة، قال: ومن الكتب النافعة المختصرة في صناعة
الإنشاء كتاب مناظر الإنشاء لمحمود الشهير بخواجه جهان إلا أنه وقع باللسان الفارسي
وصاحبه من مشاهير الدنيا، وكان ذا ثروة ومال عظيم، وكان إحسانه يصل من الهند إلى
علماء الروم وفضلاء العجم ويقال إنه كان وزيراً في بلاد الهند، انتهى.
وفي هامش ذلك الكتاب لأحد من العلماء إن أصله كان من العجم، لما دخل الهند وسار
بلاده تمكن في ملك دكن وحصلت له رتبة عظيمة عند ملك كلبركه وصار وزيراً، وبالغ في
عمارات الدين وبنى مدرسة عالية في بلدة بيدر وطلب لصدارته الملا جامي من وطنه
وكان تهيأ للمجئ ولكن لم يتفق له، انتهى.
ذكره الآصفي في تاريخ كجرات قال: إنه كان من حسنات الدهر عقلاً وفضلاً وخلقاً
وإقبالاً وقبولاً، وكان في القوة يتمثل به أهل الدكن، واتسعت له الدنيا حتى كان الذهب أكثر
الموجود لديه، ويقال وزنت يوماً قشور بصل الكشتة في مطبخه فكانت ثمانية عشر من
هندي وكان يجتمع لأهل المطبخ من غسالة صحون الأطعمة من السمن ما يزيد على
عشرين من هندي ولم يكن في وقته ببنادر الدكن إلا وكلاؤه وسفراؤه، وله مصنفات بديعة
في علوم شتى، منها مناظر الإنشاء ورياض الإنشاء وكان متقدماً فيه، ويقال لبيته بمكة بيت
كاوان انتهى.
وترجم له السخاوي في الضوء اللامع قال: محمود بن محمد بن أحمد الخواجه كمال
الكيلاني أخو الشهاب أحمد قاوان، ويقال له ملك التجار ولد في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة
تقريباً وشارك في الجملة، لقي شيخنا- يعني العسقلاني- في سنة ثلاث وأربعين بالقاهرة
وأخذ عنه ودخل الشام واختص بصاحب كلبركه همايون شاه ومنه الخطاب له بملك
التجار ثم دعاه بخواجه جهان ولما أشرف همايون شاه على الموت أوصاه بأولاده فاستولى
على ملكه وولده نام شاه ولما مات ولي أخوه محمد شاه وهو ابن سبع سنين وساس
الخواجه الأمور واتسع به الملك لكنه استبد بالتصرف وحجر عليه ومنعه من تعاطى
الرذائل فضاق ذرعاً بذلك ووالى بعضهم في إعدامه وكان السلطان توجه إلى نرسنك
وصحبه الخواجه فانقطع عن الاجتماع به نحو سبعة عشر يوماً لإشتغال السلطان بلهوه
فوشى أعداؤه به إليه بما غير خاطره منه، وأرسل بعض الخواص على لسان السلطان إليه
بالسلام عليه وعتبه في التخلف عن حضوره وإنه بلغه أن عسكر نرسنك عزم على التبييت
وصدق محمود الخبر فاستعد ولبس السلاح وكان على مقدمة العسكر، ولما تم لهم هذا
أعلموا السلطان بأن الخواجه استعد للوثوب عليك لقتلك وإن شككت فأرسل من يأتي
بخبره إليك، فلما صحت المكيدة استدعاه السلطان من الغد فحضر ووثب عليه عبد
حبشي فضربه بالسيف على كتفه وكرر فقتله صبراً في سادس صفر سنة ست وثمانين
وثمانمائة، انتهى، قتل بأمر محمد شاه البهمني، كما شرحته في ترجمة محمد شاه المذكور في
خامس صفر سنة ست وثمانين وثمانمائة فأرخ لموته بعض أصحابه، ع:
بي كنه محمود كاوان شد شهيد
قاضي خان محمود الدهلوي
الشيخ الفاضل العلامة محمود بن أبي محمود الدهلوي المشهور بقاضي خان كان من
أجداد قطب الدين المكي، له آداب الفضلاء كتاب في اللغة ألفه لقدري خان في سنة ثلاث
وعشرين وثمانمائة وفرقه على قسمين، أورد في أولهما الألفاظ الفارسية وفسرها بالعربية،
وفي ثانيهما اصطلاحات الشعراء كلاهما بترتيب الحروف، كما في كشف الظنون للفاضل
الجلبي.
مولانا محمود الكاذروني
الشيخ الفاضل العلامة محمود بن أبي محمود الحسيني الكاذروني أحد العلماء البارعين في
الهندسة(3/281)
والهيئة وسائر الفنون الرياضية، أمره فيروز شاه البهمني ببناء مرصد بقرية
بالاكهات باعانة الحسن الكيلاني الحكيم، فتصدى ولكنه لم يتم أمر البناء لموت الحسن في
خلال ذلك، وكان ذلك سنة عشر وثمانمائة، كما في تاريخ فرشته.
الشيخ محمود الايرجي
الشيخ العالم الصالح محمود بن السعيد الحسيني الايرجي أحد رجال العلم والطريقة، ولد
ونشأ بايرج وقرأ العلم على أبيه ثم سافر للحج والزيارة فلما وصل إلى أحمد آباد أدرك بها
الشيخ أحمد بن عبد الله الكهتوي المغربي فلازمه وأخذ عنه وسكن بقرية بهنديري بور من
أعمال أحمد آباد، له تحفة المجالس كتاب بسيط في أخبار الشيخ أحمد المذكور وملفوظاته،
مات في عاشر رجب سنة خمس وستين وثمانمائة بقرية بهنديري بور فدفن بها، كما في
محبوب ذي المنن.
الشيخ محمود بن محمد الدهلوي
الشيخ العالم الكبير العلامة محمود بن محمد الحنفي الدهلوي أبو الفضائل سعد الدين كان
من أكابر الفقهاء الحنفية، شرح المنار في أصول الفقه لحافظ الدين النسفي بكتاب سماه
إفاضة الأنوار في إضاءة أصول المنار أوله: الحمد لله الذي ألهمنا معالم الإسلام، الخ، توفي
سنة إحدى وتسعين وثمانمائة، كما في مهر جهان تاب وهكذا في كشف الظنون.
الشيخ محمود بن محمد الدهلوي
الشيخ الفاضل العلامة محمود بن محمد الدهلوي تاج الدين النحوي أحد العلماء المشهورين
في معرفة النحو والعربية، له المقصد كتاب في النحو.
قال الفاضل الجلبي في كشف الظنون: المقصد في النحو لتاج الدين محمود بن محمد الدهلوي
أهداه للملك الأشرف، وتوفي سنة إحدى وتسعين وثمانمائة انتهى.
الشيخ محمود بن محمد الكجراتي
الشيخ الفاضل محمود بن محمد المقرئ الحنفي الكجراتي أحد العلماء المشهورين في
عصره، قرأ عليه راجح بن داود الكجراتي بأحمد آباد النحو والصرف والمنطق والعروض
وغيرها، ذكره السخاوي في الضوء اللامع في ترجمة راجح بن داود، كما في طرب الأماثل.
الشيخ مسعود بن ظهير الفتح بوري
الشيخ الكبير مسعود بن ظهير بن قاسم بن حمزة بن حامد بن أبي بكر بن جعفر بن زيد
بن أياد بن أبي الفرج الحسيني الواسطي الفتح بوري المشهور بشاه سيدو، كان من كبار
المشايخ الجشتية، أخذ عن الشيخ حسام الدين المانكبوري ولازمه مدة من الدهر حتى
صار صاحب سره، كما في منبع الأنساب.
الشيخ مظفر بن الشمس البلخي
الشيخ الإمام العالم الكبير مظفر بن شمس الدين العمري البلخي أحد كبار المشايخ
الفردوسية، درس وأفاد مدة مديدة بدار الملك دهلي حيث كان والده مستخدماً للدولة
وكان من أصحاب الشيخ أحمد جرم بوش أراد أن يبايعه ولده المظفر فلما رأى أن ولده لا
يرغب إليه أذن أن يأخذ الطريقة عمن يشاء، فسافر إلى مدينة بهار ولقي بها الشيخ الإمام
شرف الدين أحمد بن يحيى المنيري وباحثه اختباراً لعلمه وفضله حتى حصحص له
رسوخ قدمه في العلم فاعتقد فيه الفضل وبايعه، فأمره الشيخ أن يرجع إلى دهلي فرجع إليها
وولي التدريس في المدرسة الفيروزية فاستقل به سنتين، ثم تركه وجاء إلى بهار وصحب
الشيخ المذكور واشتغل بأذكار الطريقة وأشغالها مع مجاهدة نفس مدة من الزمان حتى بلغ
رتبة قلما يصل إليها المشتغلون، فاستخلفه الشيخ ثم أذن له للحج والزيارة، فسافر إلى
الحرمين الشريفين فحج وزار ولبث بها نحو خمس سنوات ثم دخل عدن ومات بها، كما في
كنج أرشدي.
توفي لثلاث خلون من رمضان سنة ثلاث وثمانمائة، كما في حاشية غلام يحيى علي شرح
آداب المريدين.(3/282)
مظفر شاه الكجراتي
الملك المؤيد المنصور مظفر شاه بن وجيه الملك الدهلوي السلطان الصالح المجاهد في
سبيل الله الغازي الشهيد كان اسمه ظفر خان وكان من أمراء فيروز شاه السلطان
الدهلوي، ولاه السلطان محمد شاه الفيروزي كجرات سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، فافتتح
أمره بها بالعقل والدهاء والتدبير والسياسة، وغلب على أرض كجرات كلها، ولما تزلزل
بنيان السلطنة بدهلي وتلاشت أجزاؤها استقل بكجرات سنة عشر وثمانمائة ولقب نفسه
بمظفر شاه.
وكان عادلاً فاضلاً كريماً رحيماً شجاعاً مقداماً مجاهداً في سبيل الله، متعبداً حسن
العقيدة حسن الفعال، سموه في كبر سنه فمات وكانت وفاته في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة،
كما في مرآة سكندري.
الشيخ منصور بن محمد الكشميري
الشيخ الفاضل منصور بن محمد بن أحمد الكشميري أحد العلماء المبرزين في الصناعة
الطبية، له الكفاية المجاهدية كتاب في حفظ الصحة وأبواب من الطب صنفه للسلطان
مجاهد السلطة والدين زين العابدين الكشميري، وهو مرتب على فنين وكل فن على أقسام
عديدة، ونسخته موجودة في خزانة الكتب بلندن عاصمة الجزائر البريطانية.
الشيخ مودود بن محمد الكجراتي
الشيخ الكبير الزاهد الفقيه مودود بن محمد بن يوسف بن سليمان العمري الأجودهني
الشيخ ركن الدين أبو الظفر النهروالي الكجراتي كان من كبار المشايخ الجشتية من ذرية
الشيخ الكبير فريد الدين مسعود الأجودهني، أخذ الطريقة عن الشيخ محمد بن أحمد بن
محمد بن علي بن أبي أحمد بن الشيخ قطب الدين مودود الجشتي عن أبيه عن جده وهلم
جراً، وهذه الطريقة الوحيدة في بلاد الهند تصل إلى مشايخ جشت بغير واسطة الشيخ
معين الدين حسن السجزي، أخذ عنه الشيخ عزيز الله المتوكل الكجراتي وخلق آخرون.
وكان شيخاً كبيراً زاهداً مجاهداً قنوعاً متوكلاً، تذكر له كشوف وكرامات ووقائع غريبة،
ولد في سنة خمس وسبعمائة، ومات في ثاني شوال سنة إحدى عشرة وثمانمائة بفتن فدفن
بها، كما في كلزار أبرار.
وفي مرآة أحمدي إنه توفي في الثاني والعشرين من شوال سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة.
الشيخ موسى بن عزيز الله البهاري
الشيخ الكبير المعمر موسى بن عزيز الله بن أحمد بن محمد بن شهاب الدين اليماني
السهروردي ثم الهندي البهاري أحد المشايخ المعروفين بالفضل والكمال، توفي والده في صغر
سنه فسافر إلى بلاد أخرى، وقرأ العلم على أساتذة عصره ثم لازم الشيخ حسين بن المعز
البلخي وأخذ عنه وصحبه مدة من الزمان، وقد أخذ عن والده في صغر سنه وهو عن
أبيه أحمد عن أبيه محمد عن أبيه الشيخ شهاب الدين اليماني عن كثيرين، أجلهم الشيخ
شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي صاحب العوارف، وله ملفوظات جمعها بعض
أصحابه وعمره جاوز مائة سنة، مات في الثالث والعشرين من ذي القعدة سنة تسع وستين
وثمانمائة، كما في كنج أرشدي.
حرف النون
الشيخ نجم الدين القلندر الدهلوي
الشيخ الكبير المعمر نجم الدين بن نظام الدين بن نور الدين المبارك الحسيني الغزنوي
الدهلوي أحد المشائخ المشهورين بأرض الهند، قيل إنه ولد في سنة سبع وثلاثين وستمائة
بمدينة دهلي، وبايع الشيخ نظام الدين محمد البدايوني ولازمه مدة من الزمان فلم يفتح عليه
أبواب الكشف والشهود، فسافر إلى أرض الروم بأمر الشيخ نظام الدين المذكور، ولقي بها
الشيخ خضر الحسيني القلندر الرومي فصحبه وأخذ عنه الطريقة القلندرية، ثم رجع إلى
الهند، ودخل مندو فسكن بها، أخذ عنه الشيخ حسين السرهربوري والشيخ قطب الدين
الجونبوري وخلق آخرون، وكانت وفاته في عشر بقين من ذي الحجة سنة سبع وثلاثين
وثمانمائة، وله مئتا سنة كما في الانتصاح.(3/283)
مولانا نجم الدين الكلبركوي
الشيخ الفاضل العلامة نجم الدين الحنفي الكلبركوي أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول
والعربية، كان مفتياً في معسكر السلطان أحمد شاه البهمني ومقرباً لديه وكان ذا جرأة
ونجدة لا تمنعه المهابة عن قول الحق. ومن ذلك إنه لما خرج أحمد شاه المذكور إلى مندو
يقصدها وعزم أن يغزو هوشنك شاه تقدم إليه ومنعه عن تلك العزيمة، وكان السلطان قد
قارب هوشنك شاه وكاد أن تنشب الحرب بينهما فامتنع السلطان عن القتال ورجع إلى
بلاده فتعقبه هوشنك شاه ودخل في أرضه فاضطر أحمد شاه إلى دفاعه، كما في تاريخ
فرشته.
نصير خان الفاروقي
الأمير الكبير نصير بن ملك راجه بن خان جهان بن علي بن عثمان بن شمعون بن
الأشعث بن الإسكندر بن طلحة بن دانيال بن الأشعث بن أرميا ابن إبراهيم بن الأدهم
العمري البلخي ثم الهندي الخانديسي أحد ملوك الهند، قام بالملك في أرض خانديس بعد
والده سنة إحدى وثمانمائة وافتتح أمره بالعقل والدهاء وفتح قلعة أسير أحسن قلاع الهند
وأمنعها كانت على قلة الجبل في خانديس، ومصر مدينة كبيرة على نهر تبتي وسماها
برهانبور على اسم الشيخ برهان الدين محمد الهانسوي، وبلدة ما وراء ذلك النهر سماها
زين آباد باسم شيخه زين الدين داود الشيرازي واستقل بالملك أربعين سنة وبضعة أشهر.
وكان ملكاً عادلاً شجاعاً فاتكاً صاحب عقل ودين، وأما نسبته إلى الشيخ إبراهيم بن
أدهم الولي المشهور فهي مما لا يعرفها النسابون ولا يصححونها كما صرحت بذلك في غير
هذا الموضع، وإني سردتها كما وجدتها في كتب الأخبار، توفي لثلاث خلون من ربيع الأول
سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، كما في تاريخ فرشته.
القاضي نصير الدين الجونبوري
الشيخ الفاضل العلامة نصير الدين الدهلوي ثم الجونبوري أحد العلماء المبرزين في النحو
والعربية والفقه والأصول، ولد ونشأ بدار الملك دهلي، وقرأ العلم على القاضي عبد
المقتدر بن ركن الدين الشريحي الكندي، وكان القاضي يحبه حباً مفرطاً ويعلمه بغاية
الرأفة، ثم لما فرغ من البحث والاشتغال درس وأفاد بدهلي زماناً طويلاً، وانتقل منها إلى
جونبور في الفتنة التيمورية فولي القضاء بها فاستقل به مدة، ثم اعتزل عن الناس وترك
الخدمة ولزم الانزواء في حجرته وانقطع إلى الزهد والعبادة.
قال الشيخ عبد الحق بن سيف الدين الدهلوي في أخبار الأخيار: إن أصحابه كانوا
يستمسكون بالسلاسل في بابه لئلا يسقطوا على الأرض مما بهم من الجوع، وقال: إن القاضي
شهاب الدين الدولة آبادي لما صنف الإرشاد في النحو بعثه إليه وسأله أن يدرسه ليقبله
الناس ويضعوه في قائمة الدرس فاستحسن ذلك الكتاب وأجابه أنه لا يحتاج إلى تدريسه
ولعل استحسانه ذلك الكتاب كان سداً لباب البحث والنزاع، انتهى، وكانت وفاته في ثالث
صفر سنة سبع عشرة وثمانمائة بمدينة جونبور فدفن بها في باب حجرته، كما في تجلى نور.
الشيخ نصير بن الجمال الكجراتي
الشيخ العالم الصالح نصير الدين بن جمال الدين بن ظهير الدين بن أحمد بن الحسين بن
الجمال أحمد بن شهاب الدين عمر الصديقي السهروردي ثم الهندي الكجراتي النوساروي
أحد المشايخ المشهورين بأرض الهند، ولد ونشأ بأرض كجرات وأخذ الطريقة عن الشيخ
شرف الدين الأساولي الكجراتي عن الشيخ نظام الدين عن الشيخ علي الرفاعي عن ركن
الدين الرفاعي عن شمس الدين عن قطب الدين أبي الحسن علي بن عبد الرحيم عن أخيه
شمس الدين محمد عن عمه محيي الدين إبراهيم بن علي الأعزب عن عمه مهذب الدين
عبد الرحيم عن أخيه سيف الدين علي بن عثمان البطائحي عن السيد أحمد الكبير
القطب الرفاعي، مات في سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، كما في مهر جهان تاب.(3/284)
الشيخ نظام الدين اليمني
الشيخ الفاضل نظام الدين اليمني المشهور بالغريب، كان من الرجال المعروفين بالفضل
والصلاح، ولد ونشأ بالديار اليمنية ولما وفد عليه الشيخ أشرف بن إبراهيم السمناني في
أثناء السفر رافقه في سنة خمسين وسبعمائة ودخل الهند ولازمه مدة عمره وأخذ عنه
الطريقة، وله اللطائف الأشرفية في ملفوظات الشيخ أشرف المذكور، كتاب بسيط معتمد
عليه، مات بعد وفاة شيخه ببضع سنين ودفن بكجهوجه.
الشيخ نظام الدين الآسيري
الشيخ الكبير نظام الدين بن نعمان بن حافظ بن نور الحسيني المودودي الآسيري أحد
المشايخ الجشتية، ولد ونشأ بآسير وأخذ عن والده ولازمه مدة من الزمان ثم تصدر
للإرشاد، أخذ عنه ولده الشيخ جلال.
قال الناسكي في تاريخ الأولياء إنه تولي سنة 834.
وأنت تعلم أنه تولى الشياخة بعد والده ووالده توفي سنة 881 فكيف يصح أنه توفي سنة
834؟ لعله مات سنة 883، كما في محبوب ذي المنن.
القاضي نظام الدين الغزنوي
الشيخ العالم الكبير القاضي نظام الدين بن صدر الدين حسين بن أحمد بن محمد بن أحمد
بن علي بن محمد بن الحسين بن الحسن الزينبي المديني ثم الغزنوي أحد العلماء المبرزين في
الفقه والأصول والعربية، ولد ونشأ بغزنة وقرأ العلم على والده وعلى غيره من العلماء وكان
والده قاضي القضاة بغزنة استقل بها مدة حياته، لعله مات سنة سبع عشرة وثمانمائة، فلما
توفي انتقل نظام الدين إلى الهند ودخل جونبور فقربه القاضي شهاب الدين الدولة آبادي إلى
إبراهيم الشرقي فولاه القضاء بمجهلي شهر فسكن بها وأعقب وله ذرية واسعة في الهند
يرجع نسبه إلى علي بن عبد الله بن جعفر الهاشمي الزينبي، انتقل جده الحسين بن الحسن
المديني إلى غزنة في أيام إبراهيم بن مسعود الغزنوي، كما في مكاتيب الأنساب.
الشيخ نظام الدين المانكبوري
الشيخ الصالح نظام الدين بن فيض الله بن حسام الدين الجشتي المانكبوري المشهور بميران
شه كان من كبار المشايخ في عصره، ولد ونشأ بمانكبور وأخذ عن أبيه وتولى الشياخة
بعده، أخذ عنه جمع كثير من العلماء والمشايخ، توفي لليلتين خلتا من ذي القعدة سنة ثمان
وتسعين وثمانمائة، كما في أشرف السير.
الشيخ نعمان الآسيري
الشيخ الكبير نعمان بن شمس الدين حافظ بن نور الدين بن شرف الدين بن محمد زاهد
المودودي الدهلوي ثم الآسيري أحد الرجال المشهورين بالفضل والكمال أخذ عن الشيخ
ضياء الدين محمد عن الشيخ نظام الدين الفتني عن الشيخ الإمام المجاهد نظام الدين محمد
البدايوني ثم الدهلوي، كما في كلزار أبرار.
وفي تاريخ الأولياء إنه أخذ عن الشيخ علاء بن الضياء البرهانبوري عن الشيخ ركن الدين
مودود الكجراتي وأخذ عن الشيخ نظام الدين أيضاً، وأخذ عنه ولده نظام الدين وخلق
آخرون، توفي في سنة إحدى وثمانين وثمانمائة.
مولانا نور الدين الظفر آبادي
الشيخ الفاضل نور الدين بن أسد الدين بن تاج الدين الحسيني الواسطي الظفر آبادي أبو
محمد العالم الصالح، ولد بالمدينة المنورة سنة أربع وثلاثين وسبعمائة وقرأ العلم على مولانا
قيام الدين الظفر آبادي وحفظ عنه أربعين حديثاً وألف حديث، وقرأ الفصوص والعوارف
على والده وأخذ عنه الطريقة ثم اشتغل بالدرس والإفادة وكان على قدم شيوخه في تقليل
المنام والطعام والكلام، مات لست ليال بقين من صفر سنة ست وعشرين وثمانمائة بظفر آباد
فدفن بها، كما في تجلى نور.(3/285)
مولانا نور الدين الانبيتهوي
الشيخ الفاضل نور الدين بن سعد الله بن عبد الملك ابن القاضي محمد عادل ابن القاضي
شمس الدين الأنصاري الانبيتهوي كان من بيت العلماء والمشايخ، ولد بانبيته في سنة عشر
وثمانمائة ونشأ بها وقرأ العلم على أساتذة عصره ثم تصدى للدرس والإفادة، أخذ عنه
الشيخ عبد القدوس بن إسماعيل الكنكوهي وخلق آخرون، مات في سنة اثنتين وتسعين
وثمانمائة ببلدة انبيته فدفن بها، كما في التحفة الصادقية.
الشيخ نور الدين الكشميري
الشيخ الصالح نور الدين الكشميري أحد رجال العلم والمعرفة، أخذ عن الشيخ محمد بن
علي بن الشهاب الحسيني الهمذاني ولازمه زماناً، واستفاض من روحانية الشيخ بهاء الدين
نقشبند البخاري، وحصل له القبول العظيم بأرض كشمير، ولد سنة سبع وخمسين
وسبعمائة، وتوفي سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة بكشمير فدفن بها، كما في خزينة الأصفياء.
حرف الهاء
الشيخ هلال الدين الكشميري
الشيخ الصالح هلال الدين الكشميري أحد رجال العلم والمعرفة، أخذ الطريقة الكبروية
عن الشيخ محمد بن علي بن الشهاب الحسيني الهمذاني، والطريقة النقشبندية عن روحانية
الشيخ بهاء الدين نقشبند البخاري، وقدم كشمير في أيام السلطان زين العابدين الكشميري
وتصدر للإرشاد، أخذ عنه خلق كثير، توفي سنة اثنتين وستين وثمانمائة بكشمير فدفن بها،
كما في خزينة الأصفياء.
حرف الياء
الشيخ يحيى بن علي الترمذي
الشيخ الصالح يحيى بن علي بن عثمان بن محمد بن عثمان بن الحسن الحسيني الترمذي
القنوجي ثم الكجراتي كان من نسل زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ولد
ونشأ بقنوج وأدرك الشيخ جلال الدين حسين بن أحمد الحسيني البخاري في صغر سنه
فبايعه، ولما بلغ الرابعة عشرة من سنه سار إلى راجكير ولقي بها الشيخ جمشيد
الراجكيري لأربع عشرة خلون من جمادي الأولى سنة أربع وتسعين وسبعمائة فلازمه وقرأ
عليه وأخذ عنه الطريقة، ثم سافر للحج ولما وصل إلى بروده من بلاد كجرات سكن بها،
وحصل له القبول العظيم في بلاد كجرات.
ومن مصنفاته مجالس برهاني، ومشاغل برهاني، ومشاغل جلالي، ومشاغل متلالي، توفي
لعشر بقين من رمضان سنة خمسين وثمانمائة بمدينة بروده فدفن بها على الحوض الماتريدي،
كما في الحديقة الأحمدية.
الشيخ يد الله الحسيني الكلبركوي
الشيخ الصالح يد الله بن يوسف بن محمد بن يوسف الحسيني الدهلوي ثم الكلبركوي أحد
المشايخ المشهورين في بلاد الدكن، ولد ونشأ بكلبركه في أيام جده وأخذ عن عمه وأبيه
وجده وتولى الشياخة بعد أبيه مدة من الزمان، أدركه الشيخ أشرف بن إبراهيم السمناني
وذكره في رسائله وكان غزير الكشف يحكى عنه في ذلك أمور غريبة، مات في الثالث
والعشرين من ربيع الثاني سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة بكلبركه فدفن بها، كما في مهر جهان
تاب للسيد الوالد.
الشيخ يوسف بن أحمد الأيرجي
الشيخ الفاضل الكبير يوسف بن أحمد السوهي الأيرجي أحد العلماء المشهورين، كان
أصله من خوارزم جاء أحد أسلافه وسكن ببلدة أيرج، والشيخ يوسف ولد ونشأ بها وقرأ
العلم على الشيخ اختيار الدين عمر الأيرجي ولازمه مدة من الزمان وأخذ عنه الطريقة، ثم
سافر إلى بلاد أخرى وأخذ عن الشيخ جلال الدين حسين الحسيني البخاري وصنوه
صدر الدين محمد، وكان صاحب وجد وحالة، وله مصنفات منها ترجمة منهاج العابدين
للغزالي، مات في التواجد حين كان مشتغلاً باستماع الغناء سنة أربع وثلاثين(3/286)
وثمانمائة، وبنى
على قبره علاء الدين شاه المندوي عمارة رفيعة، كما في كلزار أبرار.
الشيخ يوسف بن إسماعيل الملتاني
الشيخ الكبير يوسف بن إسماعيل بن ركن الدين بن صدر الدين بن إسماعيل بن ركن
الدين أبو الفتح القرشي الملتاني أحد مشاهير الرجال، تولى الشياخة بالملتان بعد والده ثم
اتفق الناس عليه في أيام الفترة وولوه عليهم فخضع له مرازبة السند وزوجه أمير الأفاغنة
من طائفة لنكاه بابنته وكان يتردد إليه لزيارة بنته وقتاً بعد وقت وكان الشيخ لا يأذن له أن
يدخل بعساكره في الملتان، ثم إنه جاء مرة وتمارض بها وكاد يشرف على الموت واستأذن
الشيخ أن يدخل عليه أصحابه فيوصيهم وكانوا خارج المدينة على جري عادتهم فأذن له
فلما دخل عليه أكثر أصحابه وزعهم على أبواب البلدة ومنعوا الشيخ وأصحابه أن
يدخلوا في القلعة ويتحصنوا بها ثم أخرج الشيخ عن البلدة وأجلاه إلى دهلي فلما وصول
إلى دهلي احترمه بهلول بن كالا اللودي وزوج ابنته بابنه عبد الله بن يوسف ووعده أن
يعينه بعساكره ولكنه لم يف بوعده، ومات الشيخ بدهلي.
يوسف شاه البنكالي
الملك الفاضل يوسف بن باربكك شاه بن ناصر الدين بهنكره كان من نسل السلطان
شمس الدين بهنكره ملك بنكاله المتوفي سنة 751هـ قام بالملك بعد والده في سنة تسع
وسبعين وثمانمائة، وافتتح أمره بالعدل والإحسان وكان من خيار السلاطين عادلاً باذلاً كريماً
فاضلاً بارعاً في العلم والعمل، اجتمع العلماء عنده من كل ناحية وبلدة، وكان يأمر
بالمعروف وينهى عن المنكر فلا يقدر أحد أن يشرب الخمر ويتجاوز عن حدود الشرع،
وكان يجمع القضاة والصدور بعد برهة من الزمان فيرشدهم إلى العدل والإحسان ويوعدهم
بالتخلف عنه وكانت له مهارة جيدة في أبواب الفقه، فلما كان العلماء يعجزون عن حل
مسألة في القضايا يقضي بما يفضي إلى العجب، مات في سنة سبع وثمانين وثمانمائة، كما في
تاريخ فرشته.
يوسف بن محمد الحسيني
الشيخ العالم الكبير يوسف بن محمد بن يوسف الحسيني الدهلوي ثم الكلبركوي المشهور
بمحمد الأصغر ولد بدار الملك دهلي ونشأ بها، وقرأ العلم على أشياخ صنوه الكبير
حسين بن محمد الحسيني وأخذ الطريقة عن والده ولازمه ملازمة طويلة حتى نال رتبة
الكمال.
وكان صاحب المقامات العلية والكرامات الجلية لم يزل يعتزل عن الناس في بيته ويشتغل
بالعبادة والإفادة ويحترز عن مجالسة الأغنياء والأمراء، وكان لا يركب فرساً ولا المحفة
المروجة في الهند التي يحملها الرجال على عواتقهم، وكان يذهب إلى الجامع الكبير للصلوات
راجلاً، كما في مهر جهان تاب توفي لتسع بقين من محرم سنة ثمان وعشرين وثمانمائة بكلبركه
فدفن بها.(3/287)
الجزء الرابع
يتضمن تراجم علماء الهند وأعيانها في القرن العاشر(4/296)
الطبقة العاشرة
في أعيان القرن العاشر
حرف الألف
الشيخ إبراهيم بن أحمد البهاري
الشيخ الصالح إبراهيم بن أحمد بن الحسن بن الحسين العمري البلخي ثم الهندي البهاري
المشهور بالسلطان، كان من المشايخ الفردوسية السهروردية، ولد ونشأ بمدينة بهار، بكسر
الموحدة، وأخذ عن أبيه ولازمه ملازمة طويلة، ثم ولي الشياخة بعده سنة إحدى وتسعين
وثمانمائة، أخذ عنه ولده محمد بن إبراهيم وخلق كثر، مات لإحدى عشرة بقين من رمضان
سنة أربع عشرة وتسعمائة، ذكره غلام يحيى في حاشيته على شرح آداب المريدين.
السيد إبراهيم بن أحمد البغدادي
الشيخ العالم الكبير إبراهيم بن أحمد بن الحسن الشريف الحسني الجيلاني البغدادي، أحد
المشايخ المعروفين في ضره، أخذ عن جده وهلم جرا إلى السيد عبد القادر الجيلاني، وقدم
الهند في حياة أبيه وساح البلاد ثم سكن بكالبي، وكان يدرس ويفيد، وأكثر اشتغاله
تدريساً كان بمعالم النزيل في تفسير القرآن وجامع الأصول وصحيح البخاري والسنن لأبي
داود ي الحديث والعوالم الجنيدي والملهمات القادرية في التصوف، أخذ عنه الشيخ نظام
الدين بن سيف الدين العلوي الكاكوروي وخلق كثير من العلماء والمشايخ، كما في كشف
المتواري.
الشيخ إبراهيم بن الجمال السندي
الشيخ الفاضل إبراهيم بن الجمال المغني السندي، أحد العلماء العاملين وعباد الله
الصالحين، لم يكن في يعصره ومصره أعلم منه في الفقه، وكان معتزلاً عن الناس ملازماً بيته
راغباً عن حطام الدنيا لا يدخر مالاً ولا يخاف عوزاً، كما في مآثر رحيمي.
السلطان إبراهيم بن سكندر اللودي
كان آخر ملوك الهند من الأسرة اللودية، تربع على أريكة السلطة على وفاة أبيه سابع ذي
الحجة سنة ثلاث وعشرين وتسع مائة في آكره، وكان فظاً غليظاً مستكبراً قليل السياسة،
كثير المؤاخذة، شديد البطش، تعدى على أمراء أبيه، فتشت به شمل الأفغان الذين كانوا
أنصار الدولة ومصدر قوتها، ودارت الحرب بينه وبين الأمراء، فانتصر عليهم، وقتل منهم
مقتلة عظيمة فأوغر ذلك صدور الأمراء، واستدعى أحدهم وهو دولت خان اللودي
حاكم بنجاب بابر شاه التيموري من كابل، فقصد الهند، وقاتل الولاة في أثناء الطريق،
وأخذ القلع والبلاد، فلما وصل إلى باني بت وقع اللقاء بينه وبين إبراهيم، وإبراهيم ركب
في مأة ألف من الفرسان وألف من الفيلة، وكان في عساكر بابر شاه خمسة عشر ألف راجل
وفارس، فقاتله بابر شاه أشد قتال، وفر اصحب إبراهيم فلم يبق معه أحد، فقتل، وقتل
معه خمس آلاف أو ستة آلاف من أصحابه، وكان ذلك سنة اثنتين وثلاثين وتسع مائة،
وكانت مدته تسع سنين.
مولانا إبراهيم بن فتح الله الملتاني
الشيخ الفاضل إبراهيم بن فتح الله الملتاني المشهور بالجامع، كان من العلماء المشهورين في(4/297)
زمانه، ولد ونشأ بالملتان، وقرأ العلم على والده ولازمه ملازمة طويلة، ثم انقطع إلى الدرس
والإفادة، أخذ عنه ولده سعد الله، وقد روى عنه البيجابوري في تاريخ فرشته أن شاه
حسين ملك السند لما خرج إلى الملتان وحاصرها كنت في المدينة عند والدي إبراهيم
الجامع في بيته، فلما فتحها الحسين المذكور ودخلت عساكره في المدينة نهبوا أموال الناس
وقبضوا علي وعلى والدي وأسرونا وسلبوا ما كان في بيت والدي من الأثاث وذهبوا بي
إلى الوزير، فأراد الوزير أن يكتب شيئاً في حقي فقلت: أدام الله بقاءك لا تكتب شيئاً إلا
بعد الوضوء! فقبل ذلك وأقبل إلى الماء فانتهزت الفرصة وكتبت في قرطاسه بيتاً
للبوصيري من القصيدة المشهورة له:
فما لعينيك إن قلت اكففا همتا وما لقلبك إن قلت استفق يهم
ثم لزم مكاني، فلما انصرف الوزير وأخذ القرطاس للكتابة وقرأ هذا البيت وفهم أتى كتبته
لأنه ما كان عنده غيري في تلك الساعة سأل عني، ولما سمع اسم والدي نهض من مكانه
وأخلصني من الأسر وألبسني قميصه وركب إلى السلطان وأخبره عني وعن والدي، فأمر
السلطان بإحضاره فجاؤا به وكان العلماء يباحثون عنده في مسألة من هداية الفقه، فخلع
السلطان علي وعلى والدي ثم شرع والدي في تبيين المسألة، فسر أهل المجلس ببيانه
واحتظ السلطان به وأمر والدي أن يذهب معه إلى مستقره ويصاحبه فاعتذر والدي لكبر
سنه، ومات بعد شهرين من تلك الواقعة الهائلة، انتهى، وكان ذلك في سنة اثنتين وثلاثين
وتسعمائة، كما في تاريخ فرشته.
الشيخ إبراهيم بن محمد الملتاني
الشيخ العالم الصالح إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن فتح الله الربيعي الإسماعيلي الملتاني
ثم البيدري كان أكبر أخلاف والده، ولد ونشأ بأحمد آباد بيدر وقرأ العلم على والده ثم
أخذ عنه الطريقة وتولى الشياخة بعده، وكان زاهداً عفيفاً قانعاً باليسير لا يلتفت إلى الدنيا
وأربابها، استقدمه إبراهيم قطب شاه غير مرة إلى كولكنده فلم يجبه، وله مصنفات لطيفة
منها معدن الجواهر بالعربية بسط القول فيه عن مقامات والده، طالعه السيد الوالد وأخذ
عنه في مهر جهانتاب وكانت وفاته لتسع بقين من شوال سنة اثنتين وسبعين وتسعمائة وله
تسعون سنة، كما في مهر جهانتاب.
القاضي إبراهيم بن محمد الكالبوي
الشيخ العالم الفقيه القاضي إبراهيم بن محمد البنواري الكالبوي، أحد العلماء الصالحين
كان يدرس ويفيد، ذكره محمد بن الحسن المندوي في كلزار أبرار.
الشيخ إبراهيم بن معين الأيرجي
الشيخ الفاضل العلامة إبراهيم بن معين بن عبد القادر الحسني الأيرجي ثم الدهلوي، كان
من العلماء المشهورين في زمانه، أخذ العلم عن الشيخ عليم الدين المحدث، والطريقة عن
الشيخ بهاء الدين العطار الجنيدي، وصنف له الشيخ بهاء الدين رسالة في الأذكار
والأشغال، ودخل دهلي نحو سنة عشرين وتسعمائة فانقطع بها إلى الدرس والإفادة، وكان
جماعاً للكتب، جمع كثيراً منها في كل علم وفن، وبذل جهده في تصحيح الكتب وحل
الغوامض بحيث يكتفي الناظر بمطالعتها في تحقيق المقامات الدقيقة، وكان يحترز عن
استماع الغناء، أخذ عنه الشيخ ركن الدين بن عبد القدوس الكنكوهي والشيخ عبد
العزيز بن الحسن الدهلوي والشيخ نظام الدين بن سيف الدين الكاكوروي وخلق كثير من
العلماء، وقال الشيخ عبد الحق في أخبار الأخيار إني لا أعلم أحداً يقاربه في غزارة العلم
فمن لم يستفد منه أو لم يعترف بفضله فهو متعسف غي منصف، انتهى.
توفي سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة بمدينة دهلي ودفن بمقبرة الشيخ نظام الدين محمد
البدايوني عند قبر الأمير خسرو، رحمه الله.(4/298)
الحاج إبراهيم السرهندي
الشيخ الفاضل الحاج إبراهيم السرهندي، أحد كبار الفقهاء الحنفية، قرأ العلم على المفتي
أبي الفتح بن عبد الغفور التهانيسري وعلى غيره من العلماء، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين
فحج وزار وأخذ الحديث عن الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي المكي، ورجع
إلى الهند وتقرب إلى الملوك والأمراء، وكان شديد الرغبة في المباحثة، شديد الدخل على
أقوال العلماء، يناظر الكبار ويفحمهم لذلاقه لسانه وسلاطته، وكان يعرف لغة سنسكرت،
ترجم اتهر بن ويد بأمر أكبر شاه سلطان الهند وولي الصدارة بكجرات واتهم بها
بالإرتشاء فعزله أكبر شاه واستقدمه إلى دار الملك، ولما كان عريض السلطان علي فتح الله
الشيرازي وأبي الفتح الكيلاني وابن المبارك بعثه السلطان إلى قلعة رنتهنبور فمات بها،
ووجدوه تحت القلعة مصروراً في خرقة، وقيل إنه دبر الحيلة لخلاصه فدخل في صرة
وشدها بحبل ألقاه من ذروة القلعة فانقطع الحبل قبل أن يصل إلى الأرض فخر مصروراً
ومات، وكان ذلك سنة أربع وتسعين وتسعمائة، ذكره البدايوني.
الشيخ إبراهيم السندي
الشيخ المجود إبراهيم الشطاري السندي، أحد العلماء المبرزين في القراءة والتجويد، أخذ
الطريقة عن الشيخ لشكر محمد العارف الكجراتي وأخذ عنه الشيخ لشكر محمد
وصاحبه عيسى بن قاسم السندي القراءة والتجويد، وجعله كبيرهم محمد الغوث
الكواليري إماماً في الصلوات وصلى خلفه اثني عشرة سنة، توفي سنة إحدى وتسعين
وتسعمائة بمدينة برهانبور فدفن بها، كما في كلزار أبرار.
الشيخ إبراهيم البروجي
الشيخ الصالح إبراهيم الشطاري البروجي الكجراتي، أحد المشايخ المرزوقين وعن غيره
من المشايخ، وانتقل من كجرات إلى برهانبور فبايعه ميران محمد شاه الفاروقي أمير تلك
الناحية والوزير زين الدين الحسيني، وكان صاحب وجد وحالة، توفي سنة تسع وتسعين
وتسعمائة فأرخ لوفاته بعضهم من خليل الرحمن كما في كلزار أبرار.
الشيخ إبراهيم الجونبوري
الشيخ الفاضل إبراهيم الحنفي الجونبوري، أحد الفقهاء المشهورين في عصره، ناظر الشيخ
عبد القدوس بن إسماعيل الكنكوهي ببلدة شاه آباد في مسألة من المسائل الكلامية وهي
أن القول لأحد بعينه أنه من أهل الجنة أو من أهل النار هل يجوز أم لا؟ فكان إبراهيم
يقول إني لا أقول لأحد بعينه أنه من أهل الجنة أو من أهل النار فيما بيني وين الله ولا فيما
بيني وبين الناس، وقد سردت القصة بطولها في ترجمة محمد بن المبارك الجونبوري.
القاضي إبراهيم السندي
الشيخ الفاضل القاضي إبراهيم أبو عبد الله الدربيلوي السندي، كان من أجلة العلماء،
وولده عبد الله رحل إلى مكة المباركة فسكن بها وبارك الله في أعقابه.
الشيخ أبو إسحاق اللاهوري
الشيخ العالم الصالح أبو إسحاق بن الحسين القادري اللاهوري، أحد المشايخ المشهورين في
الهند، أخذ الطريقة عن الشيخ داود بن فتح الله الجهنوي ولازمه مدة من الزمان ثم سكن
بلاهور لمودة كانت بينه وبين الشيخ أبي المعالي بن رحمة الله اللاهوري، وكان عالماً كبيراً
ماهراً في تفسير القرآن الكريم مرجعاً إليه في ذلك العلم، غاية في الفقر والفناء، لم يأخذ
البيعة عن أحد في حياة شيخه مع أنه كان مجازاً له من تلقائه، وكان لا يتقيد بالشجرة
والخرقة بعد وفاته أيضاً، مات في سادس محرم الحرام سنة أربع وثمانين وتسعمائة، كما في
أخبار الأصفياء.
مولانا أبو البقاء الخراساني
الشيخ الفاضل العلامة أبو البقاء بن عبد الباقي بن(4/299)
تقي الدين محمد الحسيني الخراساني،
أحد العلماء المبرزين في العلوم الحكمية، قدم الهند مصاحباً لبابر شاه التيموري وسكن
بآكره ودرس وأفاد بها مدة من الزمان، ثم خرج مع صاحبه همايون شاه إلى إيران وأقام
بأرض السند معه زماناً، وكان معه حين تزوج همايون بحميده بيكم، فقرأ خطبة النكاح
وأعطاه همايون مائتين ألف من النقود الفضية ثم بعثه إلى بهكر بالرسالة إلى صاحبها فقتل
بها سنة ثمان وأربعين، ذكرته كلبدن بيكم في همايون نامه وقال مرزا نظام الدين في الطبقات
إن همايون بعثه بالرسالة إلى يادكار ناصر، وكان قاصداً إلى قندهار ليرجعه إلى معسكره
فذهب أبو البقاء إليه ثم رجع إلى همايون، فلما وصل تحت قلعة بهكر خرجت طائفة من
أهلها ورموا إليه بالنشاب فأصابه سم ومات بها سنة سبع وأربعين، والصواب أنه قتل يوم
الأربعاء لتسع عشرة خلون من جمادى الأخرى سنة ثمان وأربعين وتسعمائة.
الشيخ أبو بكر الأكبر آبادي
الشيخ العالم الفقيه أبو بكر القرشي الحنفي الأكبر آبادي، أحد الأفاضل المشهورين في
عصره، قدم آكره في أيام السلطان اسكندر بن بهلول اللودي وسكن بها، وله شرح على
وصايا محمد بن الحسن الشيباني وشرح على أصول البزدوي، مات ودفن بجوكي بور
بناحية آكره، كما في كلزار أبرار.
الشيخ أبو سعيد الكالبوي
الشيخ الفاضل أبو سعيد بن السيد راجو الحسيني الكالبوي، كان من العلماء البارعين في
الشعر والإنشاء، وكان أصله من بلدة جنديري بفتح الجيم المعقود والنون المختفية، انتقل
منها إلى كالبي وسكن بها، وكان كثير الشعر، له مخمسات كثيرة على أشعار القدماء، وكان
يدرس ويفيد، توفي سنة ست وستين وتسعمائة بكالبي فدفن بها، كما في كلزار أبرار.
القاضي أبو سعيد السندي
الشيخ الفاضل أبو سعيد بن زين الدين الحنفي البهكري السندي، كان من العلماء المبرزين
في الفقه والأصول والعربية، يضرب به المثل في الذكاء والفطنة، كما في تحفة الكرام.
الشيخ أبو الغيث البخاري
الشيخ العالم الفقيه أبو الغيث الحسيني البخاري، أحد العلماء الصالحين، انتفع بكبار
المشايخ وأخذ عنهم، وبلغ مبلغ الرجال ثم تقرب إلى الملوك والأمراء، وكان مع ذلك
صاحب صلاح وطريقة ظاهرة غاية في البذل والسخاء وحسن المعاملة وصدق اللهجة
والإقتداء بآثار السلف الصالح وعمارة الأوقات بالعبادة والإفادة، قال البدايوني: رزقه الله
سبحانه المال الصالح والوجاهة العظيمة، وكان مع ذلك العز والشرف لا يتكاسل عن
الصلوات بالجماعة وكان لا يفوته تكبيرة التحريمة حتى في المرض، توفي سنة خمس وتسعين
وتسعمائة بالقولنج في بلدة لكهنو، فنقلوا جسده إلى دار الملك دهلي ودفنوه بمقبرة أسلافه،
وقد أرخ لوفاته البدايوني من قوله مير ستوده سير.
الشيخ أبو الفتح بن الجمال المكي
الشيخ العالم الفقيه أبو الفتح بن جمال الدين العباسي المكي ثم الهندي الأكبر آبادي، كان
أصله من شروان ولكنه اشتهر بالمكي لطول لبثه بمكة المباركة، قدم الهند في عهد السلطان
إسكندر بن بهلول اللودي، وسكن بآكره ومات بها لثمان بقين من شعبان سنة ثلاث
وخمسين وتسعمائة، فصلى عليه الشيخ رفيع الدين المحدث الشيرازي، ودفنوه بأكبر آباد،
كما في أخبار الأصفياء.
الحكيم أبو الفتح بن عبد الرزاق الكيلاني
الشيخ الفاضل العلامة مسيح الدين أبو الفتح بن عبد الرزاق الشيعي الكيلاني، كان من
العلماء المبرزين في العلوم الحكمية، ولد ونشأ بكيلان، وقرأ العلم على والده وتفنن في
الفضائل عليه وعلى غيره من العلماء، وخرج من دياره في عهد طهماسب شاه الصفوي مع
أخويه الهمام ونور الدين سنة أربع وسبعين وتسعمائة فدخل الهند وتقرب إلى صاحبها أكبر
شاه التيموري.
وكان عالماً كبيراً بارعاً في العلوم الحكمية، شاعراً مجيد(4/300)
الشعر، متوقداً ذكياً حاذقاً في
الصناعة الطبية، كبير المنزلة عند صاحبه أكبر شاه، وقد رماه البدايوني بالزندقة، قال: كان
يضرب به المثل في إلحاده وزندقه وذمائم أخلاقه وقد دس في قلب أكبر شاه أشياء منكرة،
وقال في غير ذلك الموضع: إنه كان عبد الدينار والدرهم، يصوب السلطان على أباطيله
ويضلله.
وقال عبد الرزاق الخوافي في مآثر الأمراء: إنه كان جيد القريحة، سليم الذهن، كريم النفس،
عالي الهمة، يحسن إلى الناس ويبالغ في إنجاح الحوائج ولا يؤذيهم بالمن عليهم، قال: وإن أخاه
نور الدين كان يقول فيه: إنه عبارة عن الدنيا، انتهى.
ولأبي الفتح مصنفات عديدة: منها شرح بسيط على قانونجه، وشرح على أخلاق ناصري،
وله جار باغ مجموع لطيف في رسائله إلى أصحابه، مات سنة سبع وتسعين وتسعمائة
بحسن أبدال بلدة من أعمال بنجاب.
المفتي أبو الفتح بن عبد الغفور التهانيسري
الشيخ الإمام العالم الكبير المفتي أبو الفتح بن عبد الغفور بن شرف الدين العمري الحنفي
التهانيسري، أحد أكابر العلماء في عصره، اتفق الناس على فضله ونبالته، قرأ النحو والفقه
والأصول على القاضي محمد الفاروقي، وقرأ العلوم الحكمية على الشيخ حسين البكري،
ثم دخل آكره وسكن بها في جوار الشيخ رفيع الدين المحدث الشيرازي وأخذ الحديث عنه،
ودرس بآكره خمسين سنة، أخذ عنه الشيخ أفضل محمد التميمي والقاضي ناصر الدين
والحاج إبراهيم السرهندي والشيخ عبد القادر البدايوني وكمال الدين الحسين الشيرازي
وخلق كثير من العلماء.
توفي لثمان خلون من جمادى الأولى سنة ست وسبعين وتسعمائة، فأرخ لوفاته بعض
أصحابه من موت مفتي كما في أخبار الأصفياء.
الشيخ أبو الفتح بن محمد المنيري
الشيخ العالم الصالح أبو الفتح بن محمد بن العلاء المنيري الشيخ هدية الله الشطاري
المشهور بسرمست أي السكران، ولد ونشأ بمنير- بفتح الميم- وأخذ عن والده ولازمه
زماناً وبلغ رتبة الشيوخ، وقال محمد بن الحسن المندوي في كلزار أبرار إن سلوكه لم يتم على
أبيه فاعتنى به الشيخ حميد وهو كان من أصحاب والده فشغله في أذكار الطريقة وأشغالها
مدة من الزمان، ولما بلغ رتبة الشياخة ألبسه الخرقة ولازمه زماناً ثم لبس منه الخرقة
وانتسب إليه، قال: وأدركه همايون شاه التيموري سنة ست وأربعين وتسعمائة بمدينة منير
واستصحبه، فلما وصل إلى حاجي بور اعتزل عنه وأقام بها إلى أن توفي إلى الله سبحانه،
انتهى.
الخطيب أبو الفضل الكاذروني
الشيخ العالم الكبير العلامة أبو الفضل الخطيب الكاذروني، أحد الأساتذة المشهورين، ولد
ونشأ بمدينة شيراز، وقرأ العلم على جلال الدين محمد بن أسعد الصديق الدواني وعلى
غيره من العلماء، ثم قدم الهند ودخل كجرات في أيام السلطان محمود بن محمد الكجراتي
فسكن بها ودرس وأفاد، أخذ عنه الشيخ مبارك بن الخضر الناكوري وخلق كثير، وله
تعليقات نفيسة على تفسير البيضاوي، وقد نسبه المندوي إلى بلدة شيراز وابن المبارك إلى
كاذرون.
السيد أبو الفضل الاستر آبادي
الشيخ الفاضل الكبير أبو الفضل الحسيني الشافعي الاستر آبادي، أحد العلماء المبرزين في
العلوم الحكمية، قرأ العلم على العلامة جلال الدين محمد بن أسعد الدواني، وقدم الهند
فأقام بكجرات، أخذ عنه عبد العزيز بن محمد الكجراتي وخلق كثير من العلماء، وقد وفد
على تلميذه عبد العزيز بمكة المشرفة فزاد إعجابه به وثناؤه عليه كما هو عادته في المبالغة
في تعظيم العلماء والصلحاء، واجتمع بالشهاب أحمد بن حجر المكي، ذكره المكي في رياض
الرضوان، قال: وقد رأيت هذا الرجل واجتمعت به عنده، أي عند عبد العزيز المذكور،
وكان شافعياً فاستشكل مسألة في كتب الشافعية وبالغ في إشكالها مع سهولتها، وهي أن
المصلي إذا فعل مقتضياً لسجود كما يسجد للسهو، وهذا مشكل لأن الفقهاء أطبقوا على
تسمية سجود السهو، فقلت له على هذا(4/301)
السؤال اعتراض، وهو أن هذا الحكم في أصاغر
متون كتب الشافعية فلم أسندته إلى هذا الكتاب الجليل، لا ينسب إليه إلا الدقائق
والغرائب والأبحاث أو التراجيح أو نحو ذلك مما انفرد واستأثر فإنه معول الشافعية فيما
ذكرناه، فإن كان من الاعتراضات لا سيما في آخر الفليس والتشطير والصداق ودوريات
الوصايا وغيرها ما هو بكر إلى الآن لم يفتض شأوه ولا اقتضى باؤه وما هو عفو لن يشق له
كنز ولا حل له رمز، ثم قلت له إنما سميت السجدتان الجائزتان لحامل الصلاة سجدتي
السهو نظراً إلى أن فعلها عند السهو هو الأصل المجمع عليه وإلى أن الغالب أن المصلي إنما
يتركه أو يفعل مقتضيهما سهواً، وأما إذا تعمد ذلك فاختلف فيه أصحابنا فقال جماعة
منهم لا سجود في العمد لأن المعتمد لا يستحق أن يجبر خلله لأنه فوت الفضيلة على نفسه
من غير عذر، وقال الأكثرون يسجد لأنه أحق بالتدارك وإزالة النقص من الساهي، ونظير
هذا الخلاف اختلاف الأئمة في القاتل عمداً هل عليه كفارة أولاً؟ قال الشافعي وكثيرون:
نعم لأنه أحق بالتغليظ وتدارك ما فرط منه، وقال أبو حنيفة وآخرون: لا كفارة عليه لأن
ذنبه أعظم من أن يكفر وإيجابها على المظاهر والواطي في نهار رمضان مع تعمدهما
وفسقهما بما فعلاه دليل ظاهر لنا وإن أمكن الفرق، قال ابن حجر ثم انتهى ذلك المجلس
وأعان في غاية الفرح والإغتباط به لأنا ما رأينا أحداً عنده من الإنصاف ومعرفة الحق
لأهله والفضل لمحله ما يساويه بل ولا يدانيه، انتهى كلام ابن حجر.
الشيخ أبو القاسم بن أحمد المكي
الشيخ العالم المحدث أبو القاسم بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد
الله بن محمد بن فهد الشرف محمد بن المحب أبي بكر بن التقي الهاشمي الشافعي المكي،
ويعرف كسلفه بابن فهد، ولد في عشاء ليلة السبت ثاني عشر ربيع الأول سنة ست
وأربعين وثمانمائة بمكة المباركة، ورحل إلى القاهرة ودمشق ورجع منها بالإجازة والإذن، ثم
قدم الهند وسكن بكجرات مدة طويلة وسافر إلى مندو في آخر عمره فمات بها، ذكره
محمد بن عمر الآصفي في ظفر الواله، قال: إنه دخل الهند ومعه فتح الباري بخط أبيه وعمه
قدمه لبعض ملوكهم، وبعد موت محمود شاه بيكره رحل إلى مندو ومات بها وقد جاوز
الثمانين، في سنة خمس وعشرين وتسعمائة.
الشيخ أبو محمد التميمي البرهانبوري
الشيخ العالم الصالح أبو محمد بن الخضر بن بهاء الدين التميمي البرهانبوري، أحد المشايخ
المعروفين في الهند، ولد بمدينة برهانبور سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، وقرأ العلم على
أساتذة عصره، وبايع الشيخ فضل الله بن محمد الجونبوري حين دخل برهانبور عازماً للحج،
ثم صحب الشيخ جلال الدين بن نظام الدين بن نعمان البرهانبوري ولازمه تسع سنين، وكان
يقوم الليل ويصوم النهار ويفطر على شيء قليل من الطعام، فلما توفي الشيخ جلال المذكور
سافر للحج، فلما وصل إلى أحمد آباد لقي بها شيخه فضل الله فصحبه وأخذ عنه، ثم
سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار وصحب الشيخ علي بن حسام الدين المتقي بمكة
المباركة واستفاض عنه فيوضاً كثيرة، ثم رجع إلى الهند وصحب الشيخ فريد الدين بن
العالم اللنكي زماناً، ثم جلس على مسند الإرشاد، أخذ عنه الشيخ محمد بن فضل الله
البرهانبوري.
توفي لسبع بقين من محرم سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة ببلدة برهانبور ودفن بمقبرة الشيخ
نعمان.
القاضي أبو المعالي البخاري
الشيخ العالم الفقيه أبو المعالي الحنفي البخاري، أحد كبار الفقهاء الحنفية لم يكن مثله في
زمانه في الفروع والأصول، قدم الهند في أيام أكبر شاه التيموري سنة ستين وتسعمائة، وأقام
بمدينة آكره، أخذ عنه عبد القادر البدايوني وجمع كثير من العلماء، وله حب المفتي كتاب
بسيط في الفقه زهاء ستين كراسة، أوله: الحمد لله الذي جعل العلم هداية إلى الدرجات
العظمى، إلخ، ونسخته موجودة في خزانة المرحوم خدا بخش خان بمدينة عظيم آباد.(4/302)
الشيخ أبو الواحد الهروي
الشيخ الفاضل أبو الواحد بن وجيه الدين الهروي، أحد الأفاضل المشهورين في عصره،
هاجر من بلاده عند ظهور الفتن وسار إلى قندهار ثم إلى بلاد الهند، ونال المنزلة الجسيمة
عند بابر شاه التيموري فطابت له الإقامة في هذه البلاد، وكان شاعراً مجيد الشعر، له
أبيات رقيقة رائقة بالفارسية منها قوله:
جو تير خود كشي از سينه أم بكذر ييكانرا مرا دل ده كه تا مردانه در راهت دهم#
جانرا
توفي سنة أربعين وتسعمائة ببلدة آكره، فدفن في مدرسة الشيخ زين الدين الخوافي.
الشيخ أبو يزيد البرهانبوري
الشيخ العالم الفقيه أبو يزيد بن لشكر محمد البرهانبوري، أحد المشايخ العشقية الشطارية،
أخذ عن والده وعن الشيخ عيسى بن القاسم السندي، ثم تولى الشياخة وصرف شطراً
من عمره في الإفادة والعبادة مع القنوع والعفاف والزهد والتوكل والانقطاع إلى الله سبحانه،
مات سنة تسع وتسعين وتسعمائة، كما في كلزار أبرار.
مولانا أثير الدين الكاهاني
الشيخ العالم المحدث أثير الدين بن عبد العزيز الأبهري ثم الكاهاني السندي، أحد العلماء
المعروفين بالصلاح، انتقل مع والده من هراة إلى بلاد السند سنة ثمان وعشرين وتسعمائة،
وسكن بكاهان قرية في ناحية سيوستان من إقليم السند، وكان من أهل التفنن في العلوم
كثير الدرس والإفادة، أخذ الحديث عن والده، وعنه كثير من العلماء في بلاد السند، ذكره
النهاوندي في المآثر.
الشيخ أحمد بن أبي بكر الحضرمي
الشيخ الصالح أحمد بن أبي بكر بن عبد الله العيدروس التريمي الحضرمي المشهور ببافقيه
صاحب السبكة الشافعي الأحمد نكري، كان من الأولياء السالكين، قدم الهند وسكن
بمدينة أحمد نكر فمات بها، كما في الحديقة.
الشيخ أحمد بن أبي الفتح الغازيبوري
الشيخ العالم الفقيه أحمد بن أبي الفتح الغازيبوري، أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول
والعربية، ولد ونشأ بغازيبور، وقرأ العلم على والده وعلى غيره من العلماء، ثم سكن
بزمانية- بفتح الزاي المعجمة، قرية جامعة من أعمال غازيبور- وكان يدرس ويفيد، كما في
العاشقية.
الشيخ أحمد بن إسحاق السندي
الشيخ الفاضل أحمد بن إسحاق السندي، أحد العلماء الصالحين، ولد ونشأ بأرض
السند، وقرأ العلم على الشيخ عبد الرشيد السندي وتصدر للتدريس، وكان صالحاً عفيفاً
ديناً، يذكر له كشوف وكرامات ووقائع غريبة، توفي سنة ست وثلاثين وتسعمائة بقرية هاله
كنده.
الشيخ أحمد بن إسماعيل الظفر آبادي
الشيخ العالم القاضي أحمد بن إسماعيل الحسيني الواسطي الظفر آبادي المشهور بأحمد
نور، كان من نسل قطب الدين أبي الغيب الظفر آبادي بأربعة وسائط، وله يد بيضاء في فقه
الحنفية، ولي القضاء وعمر باسمه قرية أحمد نور آباد، وكان كثير الدرس والإفادة، مات
سنة خمس وتسعين وتسعمائة وله بضع وثلاثون سنة، كما في تجلي نور.
الشيخ أحمد بن إسماعيل المندوي
الشيخ العالم المحدث أحمد بن إسماعيل القادري المندوي، أحد العلماء المبرزين في الفقه
والحديث، سافر إلى الحرمين الشريفين ولازم الشيخ محمد بن أبي الحسن البكري الشافعي
مدة من الزمان وأخذ عنه، كما في كلزار أبرار.
الشيخ أحمد بن بدر الدين المصري
الشيخ العالم المحدث شهاب الدين أحمد بن بدر(4/303)
الدين العباسي الشافعي المصري ثم
الهندي الكجراتي، أحد العلماء العاملين وعباد الله الصالحين، ذكره عبد القادر الحضرمي
في النور السافر، قال: وكان مولده سنة ثلاث وتسعمائة بمصر، واشتغل بالعلم وأخذ عن
شيوخ عصره، منهم شيخ الاسلام زين الدين زكريا الأنصاري والشيخ العلامة برهان الدين
بن أبي شريف والشيخ الإمام نور الدين المكي والشيخ كمال الدين الطويل والشيخ زين الدين
الغزي والشيخ نور الدين الملتجي- بالجيم- واجتمع بشيخ الإسلام أبي العباس الطنبداوي
البكري بزبيد سنة ست وثلاثين وتسعمائة وأخذ عنه، ومن محفوظاته المنهاج في الفقه
للنواوي، والشاطبية في القراءة، والعمدة في الحديث للمقدسي، والأربعين النواوية،
والأجرومية في النحو، ومختصر أبي شجاع، وكانت له اليد الطولى في علم الحرف والفلك
والميقات، وكان شديد الورع، قليل الاختلاط بالناس، متمسكاً بالكتاب والسنة وطريقة
السلف الصالح مع التقوى المفرط والخمول الزائد، وحكى أن والده مرض مرضاً شديداً
بالشام فاستغاث بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فرآه في المنام وهو يضرب على كتفه ويقول
له: قم يا أبا أحمد! فانتبه معافاً من ذلك المرض، ولم يكن معه إذ ذاك ولد اسمه أحمد،
وكان قد ترك زوجته بمصر حاملاً به، فبعد أيام جاءه الخبر بأنها وضعت غلاماً فسماه
أحمد، وكان كثير المحفوظ للشعر، قال: سمعت عبد الله باكثير بمكة المشرفة في حدود
سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة يقول: جاء شخص من علماء مصر إلى مكة المشرفة فيما
تقدم وجاور بها وجلس في بعض الأيام على الكرسي ليعظ الناس في الحرم الشريف، فكان
أول كلامه بعد أن قال الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله: مما أنشدني والدي تهذيباً
في أيام الصبا:
إذا أعييت ان تحيا سليما من الأذى وذنبك مغفور وعرضك صين
فلا ينطلق منك اللسان بسوءة فللناس سوءات وللناس ألسن
وعينك إن أهدت إليك معائباً فغمض وقل يا عين للناس أعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى ولا تدفع إلا بالتي هي أحسن
وكان كثيراً ما يتمثل:
كان والله فقيهاً عالماً وله عرض مصون ما اتهم
غير لا يدري مداراة الورى ومداراة الورى أمر مهم
توفي ليلة الجمعة لأربع خلون من رمضان سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة بمدينة أحمد آباد
فدفن بها، كما في النور السافر.
الشيخ أحمد بن جعفر الكجراتي
الشيخ العالم المجود أحمد بن جعفر بن محمود الحسيني السندي ثم الكجراتي، أحد العلماء
المبرزين في القراءة والتجويد وسائر العلوم، ولد سنة سبعين وثمانمائة بكجرات ونشأ بها،
وأخذ العلم عن أبيه وعن غيره من العلماء، ودرس وأفاد مدة من الزمان، ثم سافر إلى
الحرمين الشريفين فحج وزار ورجع إلى كجرات، وصرف عمره في الدرس والإفادة، مات يوم
الإثنين لست عشر خلون من صفر سنة أربع وأربعين وتسعمائة، كما في مرآة أحمدي.
الشيخ أحمد بن الجلال الكجراتي
الشيخ الصالح أحمد بن الجلال الجانبانيري الكجراتي، أحد المشايخ العشقية الشطارية،
أخذ عن الشيخ صدر الدين محمد الجانبانيري ثم البرودوي ولازمه مدة من الزمان واشتغل
عليه بالأذكار والأشغال حتى بلغ رتبة المشيخة، وكان صاحب وجد وحالة، مات سنة
ثمان وثمانين وتسعمائة بمدينة بروده فدفن بها، كما في كلزار أبرار.
الشيخ أحمد بن خطير الكواليري
الشيخ الفاضل فريد الدين أحمد بن خطير العطاري(4/304)
الكواليري المشهور بالشيخ بهول، بضم
الباء الهندية والهاء المختفية، كان صاحب الدعوة والتكثير، أخذ عن الشيخ حميد الدين
الشطاري، وأخذ عنه صنوه محمد الغوث صاحب الجواهر الخمسة والشيخ جلال الدين
التتوي ومولانا محمد الفرملي وخلق آخرون، وقيل إن همايون شاه التيموري بايعه وأخذ
عنه، ذكره محمد بن الحسن في كلزار، أبرار، وقال عبد الرزاق في مآثر الأمراء: إن الشيخ
بهول أخذ الطريقة عن الشيخ قميص بن أبي الحياة السادهوروي، لعله أخذ عنه الطريقة
القادرية، فلا يخالف ما أسلفنا أنه أخذ عن الشيخ حميد الشطاري، وعلى الجملة كان
همايون شاه يعتقد فيه الخير والصلاح، فكان يلازمه في الظعن والإقامة، فسار معه إلى
بنكاله وأقام بجنت آباد كور زماناً، ثم بعثه همايون شاه بالرسالة إلى صنوه مرزا هندال وقد
بغى عليه بآكره، فدله الشيخ إلى سبيل الرشد، ولكنه لما كان قد استولى عليه سلطان
البغي لم يسمع نصحه، وقتله سنة خمس وأربعين وتسعمائة، فأرخ لوفاته صنوه محمد غوث
المذكور من قوله فقد مات شهيداً وقبره ببيانه ظاهر القلعة على جبل مطل.
الشيخ أحمد بن الخليل البيجابوري
الشيخ الفاضل أحمد بن الخليل بن أحمد البيجابوري، العالم المحدث، قرأ العلم على أساتذة
الهند، وسافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار، وأخذ الحديث عن أئمة العصر، ثم رجع إلى
الهند وقربه على عادل شاه البيجابوري إلى نفسه فكان لا يتركه في الظعن والإقامة، مات
ليلة الفطرة سنة ثمانين وتسعمائة بقرية كندركي من أعمال بلكرام، وأرخ لموته بعض أصحابه
من لفظ فرشته.
الشيخ أحمد بن زين الدين الجونبوري
الشيخ العالم الصالح الفقيه أحمد بن زين الدين البرونوي الجونبوري، أحد العلماء الربانيين،
قرأ العلم على الشيخ معروف بن عبد الواسع الجونبوري وأخذ عنه الطريقة ولازمه مدة
طويلة حتى نال رتبة الكمال، وكانت له يد بيضاء في كثير من العلوم، وكعب عال في اتباع
الشريعة المطهرة والزهد والقناعة، وكان لا يقبل هدايا الناس ولا يأكل إلا من عمل يده، وكان
شيخه أعطاه فلساً فكان يتجر به كل يوم ويأكل من ربحه، ومن فوائده قوله: الزم الفقراء فإن
الخير فيهم، واسأل العلماء فإن الحق معهم.
وكانت وفاته في غرة جمادى الآخرة سنة ثلاث وستين وتسعمائة بقرية برونه- بفتح الموحدة
والراء المهملة- وهي قرية من أعمال جونبور، وأرخ لوفاته بعض أصحابه من اسمه شيخ
أحمد كما في كنج أرشدي.
الشيخ أحمد بن ضياء المندوي
الشيخ العالم الفقيه أحمد بن ضياء الدين الحسيني سراج العاشقين المندوي، كان من رجال
العلم والطريقة، أخذ عن الشيخ سليمان بن عفان المندوي، وكان زاهداً متقللاً صاحب
مجاهدات وعبادات، لا يأكل شبعاً ولا ينام إلا غراراً.
مات لليلة بقيت من محرم الحرام سنة ثمان وثمانين وتسعمائة، كما في أخبار الأصفياء.
الشيخ أحمد بن عبد القدوس الكنكوهي
الشيخ العالم الفقيه أحمد بن عبد القدوس الحنفي الكنكوهي، أحد المشايخ المشهورين،
أخذ عن أبيه وسلك مسلكه من استماع الغناء والتواجد والقول بوحدة الوجود، وله
رسالة في حلة الغناء، ورسالة في إثبات وحدة الوجود، خالفه في تلك المسائل ابنه الشيخ
عبد النبي المحدث، فطرده أبوه فسافر إلى دهلي ونال الصدارة العظمى في عهد أكبر شاه
التيموري سلطان الهند، وكانت وفاته سنة اثنتين وسبعين وتسعمائة، كما في كلزار أبرار.
الشيخ أحمد بن عبد الملك اللاهوري
الشيخ الفاضل أحمد بن عبد الملك الحنفي اللاهوري، أحد العلماء المبرزين في الفقه
والحديث، قرأ بعض الكتب الدرسية على الشيخ منصور اللاهوري، ومعظمها على الشيخ
عبد الله بن شمس(4/305)
الدين السلطانبوري وجاء معه إلى لاهور فسكن بها، وكان غاية في الفقر
والفناء والزهد والإستقامة على الشريعة، وكان يدرس ويفيد، توفي يوم الجمعة عاشر محرم
سنة ست وستين وتسعمائة، كما في أخبار الأصفياء.
الشيخ أحمد بن محمد الشيباني
الشيخ العالم الكبير أحمد بن مجد الدين بن تاج الأفاضل الشيباني النارنولي، كان من نسل
الإمام محمد بن الحسن الشيباني صاحب الإمام أبي حنيفة، ولد ونشأ ببلدة نارنول، وقرأ
العلم على الشيخ حسين بن خالد الناكوري والشيخ با يزيد بن قيام الدين الأجميري
ولازمهما مدة، ثم أخذ الطريقة عن الشيخ حسين المذكور وتصدر للتدريس وهو ابن ثماني
عشرة سنة وراح إلى أجمير واعتكف على قبر الشيخ معين الدين حسن السجزي، وأقام
بها نحو اثنتين وسبعين سنة، ولما تسلط رانا سانكا عظيم الهنادك على بلدة أجمير وقتل
المسلمين ونهب أموالهم خرج من تلك البلدة يوم الاثنين سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة،
فرحل إلى نارنول ومكث بها زماناً، ثم سار إلى ناكور ومات بها.
وكان فاضلاً تقياً متورعاً، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولا يخاف في الله سبحانه
أحداً، وكان يقوم في جوف الليل ويشتغل بالذكر والمراقبة والتهجد ولا يتكلم إلى الضحى،
ثم يشتغل بالدرس ويدرس إلى الظهر، ثم يشتغل بأوراده المرتبة إلى العصر، ثم يدرس ويذاكر
في مدارك التنزيل في التفسير على طريق الوعظ والتذكير، وتغلب عليه الرقة والبكاء
فيتكيف الناس بحالته، وكانت مذاكرة المدارك مأثورة عن مشايخه.
توفي لخمس بقين من صفر سنة سبع وعشرين وتسعمائة، ذكره الشيخ عبد الحق في أخبار
الأخيار.
الشيخ أحمد بن محمد النهروالي
الشيخ العالم المحدث أحمد بن محمد بن قاضي خان بن بهاء الدين بن يعقوب ابن إسماعيل
بن علي بن القاسم بن محمد بن إبراهيم بن إسماعيل العدني الخرقاني، أبو العباس علاء
الدين أحمد النهروالي الكجراتي، وهو والد المفتي قطب الدين محمد النهروالي مفتي مكة
المباركة، وليس جده قاضي خان هذا صاحب الفتاوى المشهورة، بل هو من علماء
نهرواله، ولد في سنة سبعين وثمانمائة، وقرأ العلم على عصابة العلوم الفاضلة ببلاده، ثم
سافر إلى الحرمين الشريفين، وأخذ الحديث عن الشيخ عز الدين بن عبد العزيز بن نجم الدين
عمر بن فهد وعن جماعة من أئمة الحديث، وله سند عال لصحيح البخاري أخذه عن
الحافظ نور الدين أبي الفتوح أحمد بن عبد الله الطاؤسي نزيل كجرات، وكان موصوفاً
بالصلاح، سمع من الشيخ يوسف الهروي المشهور بسيصد ساله أي المعمر ثلاثمائة سنة عن
محمد ابن شاد بخت الفرغاني، وكان من المعمرين بسماعه لجميعه عن الشيخ أحد الأبدال
بسمرقند أبي لقمان يحيى بن عمار بن مقبل بن شاهان الختلاني المعمر مائة وثلاث وأربعين
سنة، وقد سمع جميعه عن محمد بن يوسف الفربري عن جامعه محمد بن إسماعيل
البخاري.
والشيخ علاء الدين، كان صالحاً ديناً تقياً متورعاً، سافر إلى مكة المباركة ونزل بها، وكف
بصره في آخر عمره، وإني أظن أنه ولي على مدرسة أحمد شاه الكجراتي بمكة المباركة،
وكان يدرس ويفيد بها، قال ولده المفتي قطب الدين في الإعلام بأعلام بيت الله الحرام: وكان
دأب والدي قبل أن يكف نظره أن يبادر يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة إلى مكة ويجلس في
الحطيم تجاه بيت الله تعالى ويلحظ الطائفين بنظره ويستمر جالساً هناك إلى صلاة المغرب
فيطوف بعد صلاة المغرب ويسعى ويعود إلى منى، وكان يقول: إن أولياء الله لا بد أن
يحجوا كل سنة ويفعلوا الأفضل وهو الإتيان لطواف الزيارة في أول يوم النحر، فأبادر إلى
النزول من منى في ذلك اليوم وأجلس في الحطيم أشاهد الطائفين لعل أن يقع نظري على
أحدهم أو يقع نظره علي فتحصل لي بذلك بركتهم، واستمر على ذلك إلى أن كف بصره،
فكنا نذهب به ونجلسه في الحطيم ويقول: إن كنت لا أراهم فلعل أن يقع نظرهم علي
فتحصل لي بركتهم، فاستمر على ذلك إلى أن توفي رحمه الله تعالى، انتهى.(4/306)
وكانت وفاته سنة تسع وأربعين وتسعمائة بمكة المباركة.
الشيخ أحمد بن محمد البهاري
الشيخ العالم الفقيه أحمد بن محمد بن طيب الحنفي البهاري، أحد الفقهاء المشهورين في
عصره، ولد ونشأ بناحية بهار- بكسر الموحدة- وقرأ العلم على والده ولازمه ملازمة
طويلة، وكان والده من الأساتذة المشهورين يعرف بالشيخ بدها طيب.
الشيخ أحمد بن محمد السنديلوي
الشيخ العالم الفقيه المفتي أحمد بن محمد الحسيني الحنفي السنديلوي، أحد العلماء المبرزين
في الفقه والأصول، ولد ونشأ ببلدة سنديله وقرأ العلم على والده وعلى غيره من العلماء، ثم
ولي الإفتاء ببلدته فاشتغل به مدة من الزمان، كما في العاشقية.
القاضي أحمد بن محمود النصير آبادي
السيد الشريف القاضي أحمد بن محمود بن العلاء الحسني النصير آبادي المعروف بسيد
راجي جدنا الكبير، كان من نسل الأمير قطب الدين محمد بن أحمد المدني البغدادي نزيل
الهند، تولى القضاء ببلدة نصير آباد بعد صنوه الكبير القاضي محمد سنة خمس وتسعين
وثمانمائة، واستقل به سبعاً وثلاثين سنة، ثم اعتزل وهاجر من بلدته إلى رائي بريلي.
وسبب الهجرة على ما ذكره السيد نعمان بن نور النصير آبادي في أعلام الهدى أنه كانت
مناقشة فيما بين أولاد السيد نصير الدين النجمي النصير آبادي في الإرث، وقد رفع إلى
القاضي فقضى فيه بما ورد في الشرع فلم يتفقوا عليه وقالوا: لا نرضى بذلك الحكم أبداً،
فاعتزل القاضي وهاجر من تلك البلدة وقال: إنها لا تصلح للإقامة.
مات في سنة خمس وثلاثين وتسعمائة ببلدة رائي بريلي فدفن بها في سيد راجن، وتلك
الحارة اشتهرت باسمه الشريف، ذكره السيد الوالد في سيرة السادات.
الشيخ أحمد بن نصر الله السندي
الشيخ الفاضل العلامة أحمد بن نصر الله الشيعي التتوي السندي، كان من نسل سيدنا
عمر بن الخطاب، وكان من أهل السنة والجماعة، فاتفق ورود بعض علماء الشيعة على
بلاده فصحبه وسافر معه إلى المشهد، وأخذ الفنون الرياضية والحديث والكلام على
مذهب الشيعة عن الشيخ أفضل القائني، ثم رحل إلى يزد ثم إلى شيراز، وقرأ كليات القانون
وشرح التجريد مع حواشيه على كمال الدين حسين اليزدي وعلى الفاضل مرزا جان
الشيرازي، ثم سافر إلى قزوين وكانت عاصمته تلك البلاد، فتقرب إلى طهماسب شاه
ومكث عنده زماناً، ولما تولى المملكة إسماعيل- وكان يميل إلى أهل السنة- خرج من
قزوين وذهب إلى العراق، وأخذ جملة من العلوم على مشايخها ثم رجع ودخل الهند وتقرب
إلى أكبر شاه التيموري، فأمره بتأليف التاريخ من بدء الإسلام إلى سنة ألف وسماه الألفي.
ذكره البدايوني وقال: إنه كان فاضلاً جيداً بشوشاً، ولكنه كان مضطرب العقل صاحب
دعوة وهوى، وقال عبد الرزاق في مآثر الأمراء: إنه كان متصلباً في التشيع متعصباً على
أهل السنة والجماعة طويل اللسان عليهم شديد العزيمة على المناظرة معهم، وكان مرزا
فولاد الخراساني متعصباً على الشيعة فقتله وقتل قصاصاً عنه بمدينة لاهور، انتهى.
ومن مصنفاته خاصة الحياة كتاب له يشتمل على فاتحة ومقصدين وخاتمة، المقصد الأول
في ذكر الحكماء الذين كانوا قبل الإسلام، والثاني في ذكر الحكماء الذين كانوا بعد الإسلام،
والخاتمة في المذاهب المختلفة فيما بين الحكماء، صنفه بأمر الحكيم أبي الفتح بن عبد
الرزاق الكيلاني، ومن مصنفاته جزء من التاريخ الألفي وهو من بدء الاسلام إلى عهد
جنكيز خان عظيم التتر، صنفه بأمر أكبر شاه.
قتل في الخامس والعشرين من صفر سنة ست وتسعين وتسعمائة، فأرخ لموته أبو الفيض بن
المبارك من قوله در بست وبنج ماء صفر ذكره البدايوني.(4/307)
الشيخ أحمد بن نظام المانكبوري
الشيخ الصالح أحمد بن نظام الدين بن فيض الله بن حسام الدين العمري المانكبوري، أحد
المشايخ الجشتية، ولد ونشأ بمانكبور، وأخذ عن أبيه وعمه الحسن كليم الله المانكبوري،
وتولى الشياخة بعد والده، أخذ عنه جمع كثير، وكان صاحب وحد وحالة، مات لأربع
عشرة خلون من محرم سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة بمانكبور فدفن بها، كما في أشرف
السير.
الشيخ أحمد بن نعمة الله الجنديروي
الشيخ العالم الصالح أحمد بن نعمة الله بن نصير الدين بن إسماعيل بن علاء الدين الملتاني
ثم الجنديروي، أحد رجال العلم والطريقة، ولد ونشأ بجنديري- بفتح الجيم المعقودة والنون
المختفية بلدة كانت من أعمال مالوه- ولما توفي والده سار إلى جتهره- بفتح الجيم وسكون
التاء المثناة قرية من أعمال كالبي- ثم سار إلى- رائسين بلدة من أعمال مالوه- ثم استقدمه
قادر شاه المالوي إلى أجين وولاه شياخة الإسلام بها.
مات سنة عشرين وتسعمائة بأجين فدفن بها، وأعقب ولدين جمال الدين وعبد القادر، كما
في كلزار أبرار.
الشيخ أحمد السرهندي
الشيخ العالم الفقيه أحمد الحنفي السرهندي، أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول،
درس وأفاد مدة عمره، وصار المرجع والمقصد في الإفتاء.
مات سنة ست وثمانين وتسعمائة، كما في كلزار أبرار.
الشيخ أحمد الأجيني
الشيخ الصالح أحمد المتوكل الأجيني، أحد عباد الله الصالحين، أخذ الطريقة، العشقية
الشطارية عن الشيخ محمد غوث الكواليري صاحب الجواهر الخمسة، ولازمه زماناً طويلاً،
ثم تصدر للارشاد والتلقين بمدينة أجين، وكان قانعاً عفيفاً ديناً متوكلاً على الله سبحانه،
توفي سنة ثمان وتسعين وتسعمائة، كما في كلزار أبرار.
القاضي أحمد الغفاري
الشيخ الفاضل القاضي أحمد الغفاري القزويني، أحد العلماء المبرزين في التاريخ، كان من
نسل الشيخ نجم الدين عبد الغفار الشافعي صاحب الحلوي في الفقه، له مصنفات مشهورة
ممتعة في التاريخ منها: جهان آرا كتاب بسيط في تاريخ الملوك، ومنها: نكارستان، وكانت له
يد بيضاء في الإنشاء والشعر الفارسي منها قوله:
بس از عمر نشين كردمي در بيشم آن بد خو تبد دل در برم ترسم كه ناكه زود برخيزد
مات بدائل من فرض الدكن بعد قفوله عن الحج والزيارة سنة خمس وسبعين وتسعمائة.
القاضي أحمد السندي
الشيخ الفاضل القاضي أحمد السندي، أحد العلماء المبرزين في المعقول والمنقول، ذكره
النهاوندي في المآثر قال: إنه لم يزل مشتغلاً بالدرس والإفادة، انتهى.
السيد أحمد الهروي
الشيخ الفاضل المعمر أحمد الحسيني الهروي، أحد الأفاضل المشهورين، قدم الهند وتقرب
إلى يوسف عادل شاه البيجابوري وخدمه، وخدم ولده إسماعيل عادل شاه، وولي الصدارة
بمدينة بيجابور، وكان خفيف الروح فيه دعابة، حسن الصحبة، لطيف المحاورة، منور
الشيبه، وكان حياً في سنة إحدى وأربعين وتسعمائة، ذكره محمد قاسم في تاريخه.
الشيخ أحمد الفياض الأميتهوي
الشيخ العالم الصالح أحمد الفياض الحنفي الأميتهوي، أحد الفقهاء المشهورين في عصره،
ذكره البدايوني وقال: كان له يد بيضاء في الحديث والتفسير والتاريخ والسير، وكان كثير
الحفظ، حفظ القرآن(4/308)
الكريم في عام واحد، وكان فصيح العبارة، كثير المطالعة، حلو
المذاكرة، كثير الدرس والإفادة مع الدين والتقوى وإيثار الانقطاع وترك التكلف والقناعة
باليسير والنصح للمسلمين، وكان يقرأ الفاتحة خلف الإمام في الصلوات، ويرد في ذلك على
معاصره الشيخ نظام الدين الأميتهوي، انتهى.
الشيخ أحمد الملتاني
السيد الشريف أحمد الحنفي الملتاني، أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول والكلام
والعربية، قدم دهلي في عهد إسكندر بن بهلول اللودي ولقي المشايخ، ثم صحب الشيخ
عبد القدوس بن إسماعيل الحنفي الكنكوهي وقرأ عليه العوارف وعرائس البيان وغيرهما
وقال بوحدة الوجود، ذكره ركن الدين بن عبد القدوس الكنكوهي في اللطائف القدوسية.
الشيخ أدهن البلكرامي
الشيخ العالم الصالح أدهن البلكرامي المشهور بشيخ الإسلام، كان من نسل الشيخ سالار
القنوجي، ويرجع نسبه إلى الشيخ عثمان الهاروني ولذلك اشتهرت عشيرته بالعثمانيين،
ذكره السيد غلام علي في مآثر الكرام، وقال: إنه كان من أصحاب الشيخ مبارك
السنديلوي، وكان زاهداً متورعاً عفيفاً كثير الدرس والإفادة، يحضر لديه الأعلام ويفتخرون
بتلمذهم عليه، قال: والشيخ محمد الحرازي تلميذ العلامة أحمد الجندي لما قدم الهند
حضر في مجلسه وتتلمذ عليه، انتهى.
واسمه أدهن، بفتح الهمزة وتشديد الدال الهندية- لعله اسم معروف له على طريقة أهل
الهند، واسمه الأصلي كان غير ذلك والله أعلم.
الشيخ إسحاق بن كاكو اللاهوري
الشيخ العالم الكبير إسحاق بن كاكو العمري اللاهوري، كان من نسل الشيخ فريد الدين
مسعود الأجودهني، ولد ونشأ بلاهور، وقرأ العلم على والده الشيخ كاكو المتوفي سنة اثنتين
وثمانين وثمانمائة، وكان والده من أصحاب الشيخ بير محمد اللاهوري، وقرأ على غيره من
العلماء، ثم أخذ الطريقة عن الشيخ داود بن فتح الله الكرماني، وأخذ عنه الشيخ سعد
الله والشيخ منور وخلق كثير من العلماء والمشايخ.
ذكره البدايوني وقال: إنه كان كثير الدرس والإشتغال، كثير الفوائد، جيد المشاركة في أنواع
العلوم، حلو المذاكرة، مليح البحث، يرجع إليه فيما أشكل على العلماء، قال: وكان كثير
الصمت طويل الفكر، لقيه أحد المخذولين فأمره أن يحمل قدراً كانت ملأى من اللبنية
شيربرنج فحملها ووضعها على رأسه وذهب بها إلى بيته حتى مر كذلك بالسوق ورآه
الناس ولم يستنكف من ذلك.
قال: وعاش دهراً طويلاً حتى جاوز مائة سنة، ومات سنة ست وتسعين، وفي أخبار
الأصفياء أنه توفي لليلة بقيت من ربيع الأول سنة سبع وتسعين وتسعمائة.
الشيخ إسحاق بن محمد الملتاني
الشيخ الصالح إسحاق بن محمد بن إبراهيم بن فتح الله الربيعي الإسماعيلي الملتاني ثم
الأحمد آبادي البيدري، كان من المشايخ المشهورين في بلاد الدكن، ولد ونشأ بأحمد آباد
بيدر- بكسر الموحدة بلدة من بلاد الدكن، واليوم تدعى بمحمد آباد- وهو أخذ العلم
والطريقة عن أبيه ولازمه ملازمة طويلة حتى بلغ رتبة الكمال، وتولى الشياخة بعد أبيه،
وعاش بعده عشرة أعوام، وله يد بيضاء في العلم والمعرفة، وكعب عال في الزهد والقناعة،
توفي لخمس عشرة خلت من شوال سنة خمس وأربعين وتسعمائة ببيدر فدفن بها.
إسكندر بن بهلول اللودي ملك الهند
الملك العادل الفاضل إسكندر بن بهلول بن كالا اللودي السلطان الصالح، قام بالملك بعد
والده سنة أربع وتسعين وثمانمائة، وافتتح الأمر بالعدل والإحسان، واستقدم العلماء من بلاد
شاسعة وأجزل عليهم الصلات والجوائز، وكان شديد الرغبة إلى مجالسة العلماء عظيم
المحبة لهم يقربهم إلى نفسه ويدعوهم إلى مائدته، وربما يدخل عليهم بغتة فيختفي في إحدى
زوايا المسجد أو المدرسة ليحتظ من دروسهم، كان شديد التمسك بالسنة المطهرة، شديد(4/309)
التعصب على أهل الأهواء، يبذل جهده في محق الباطل، وكان لا يتصنع في الزي واللباس،
ويكره صحبة الأراذل ولا يتبع هواه، ويخاف الله سبحانه في أمر الدين والدولة، ويتفقد
الأمور بنفسه، ويجتهد في فهم القضايا جهده، ويأمر وكيله دريا خان أن يجلس بدار العدل
إلى شطر من الليل ومعه القضاة والفقهاء ويستدرك القضية ساعة بعد ساعة ولا يصبر عن
ذلك، وكان يجالس العلماء بعد صلاة الظهر ويذاكرهم، ويقرأ القرآن الكريم، ويدخل في الحرم
فيخلو بنسوته ساعة ثم يخرج ويجلس في قصره، ويحضر لديه العلماء فيذاكرهم إلى نصف
الليل ثم يرجعون إلى بيوتهم فيخلو ويشتغل بأمور الدولة ما شاء، وكان يكتب المناشير
والتواقيع بيده، وينظر في مهمات الدولة نظراً بالغاً جيداً، ويبذل الأموال الطائلة على أهل
الحاجة، ويوظف العلماء، ويجعل الرواتب لأهل الصلاح والأرزاق السنية للأيتام والأرامل،
ويعمر المساجد والمدارس، ويروج العلماء، ويعامل أهل الجند معاملة حسنة، ويحسن إلى
أهل الزروع ويبالغ في تعمير الأرض وتكثير الزراعة وإصلاح الشوارع والطرق، ولا يسامح
البغاة وقطاع السبل، فيؤاخذهم ويعاقبهم أشد العقوبة، وإذ يحشد الجيوش ويبعثها إلى
إحدى جهات الملك يتتبع أخبارهم ويرسل المنشورات إليهم كل يوم مرتين فيهديهم إلى ما
يهمهم.
وكان شديد التصلب في الدين، خرب كنائس كثيرة وأسس المساجد والمدارس والرباطات
مكانها، ومنع كفار الهند من أن يحلقوا رؤوسهم ولحاهم، وأبطل المكوس، وهدم بنيان
البدع والرسوم، وهو أول سلطان أمر كفار الهند أن يتعلموا اللغة الفارسية والكتابة بها،
وأمر العلماء أن ينقلوا العلوم الهندية إلى الفارسية، وجمع الأطباء من خراسان ومن أقصى
بلاد الهند فصنفوا له طب إسكندري، ونقلوا بأمره أمر كرمها ويد من سنسكرت إلى
الفارسية، وصنفوا له كتباً كثيرة.
ومن نوادره أنه لما سار إلى جونبور لدفع فتنة أخيه باربك شاه لقيه قلندر في أثناء المعركة
فأخذ يده وبشره بالفتح، فجذب يده لستكراها من قوله، فتعجب الناس من كراهته فقال:
إذا التقى الجمعان من أهل الإسلام فلا ينبغي لأحد أن يحكم بغلبة طائفة على الأخرى، بل
يدعو لما فيه خير للاسلام، وكان شاعراً مجيد الشعر ماهراً بالموسيقى، ومن شعره قوله:
سروي كه سمن بيرهن وكل بدنش روحي است مجسم كه در بيرهنش
مشك ختني جيشت كه صد مملكت جين در حلقه آن زلف شكن در سكنش
در سوزن مزكان بكشم رشته جانرا تا جاك بدوزم كه در آن بيرهنش
توفي يوم الأحد لسبع خلون من ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة.
الشيخ إسماعيل بن أبدال اللاهوري
الشيخ العالم الأجل إسماعيل بن أبدال بن نصر بن محمد بن موسى بن عبد الجبار بن أبي
صالح بن عبد الرزاق بن عبد القادر الشريف الجيلاني اللاهوري، كان من العلماء
المشهورين في عصره، له اليد الطولى في الفقه والأصول والكلام والعربية، قدم دار الملك
دهلي وأقام بها زماناً، ثم ذهب إلى رنتهنبور ومات بها، أخذ عنه الشيخ محمد بن الحسن
الجونبوري والشيخ عبد الملك بن عبد الغفور الباني بتي والعلامة جمال الدين اللاهوري
وخلق كثير من العلماء والمشايخ، توفي سنة أربع وتسعين وتسعمائة، كما في تذكرة الكملاء.
الشيخ إسماعيل بن حسن الناكوري
الشيخ الصالح إسماعيل بن حسن بن سالار الناكوري، أحد المشايخ الجشتية، أخذ عن
أبيه عن جده عن الشيخ اختيار الدين عمر الأيرجي، وأخذ عنه الشيخ خانو بن العلاء
الناكوري، كما في كلزار أبرار.
الشيخ إسماعيل بن عبد الله اللاهوري
الشيخ الصالح الفقيه إسماعيل بن عبد الله بن محمد الشريف الحسني الأجي ثم اللاهوري،
كان من نسل الشيخ عبد القادر الجيلاني، ولد ونشأ بمدينة أج وأخذ عن أبيه، ثم دخل
لاهور في عهد أكبر شاه(4/310)
التيموري، فأعطاه السلطان ألف فدان من الأرض الخراجية فسكن
بلاهور، وكان عالماً كبيراً صالحاً تقياً صاحب رياضة ومجاهدة، توفي سنة ثمان وسبعين
وتسعمائة بمدينة لاهور، كما في خزينة الأصفياء.
الشيخ إسماعيل بن محمد الملتاني
الشيخ الصالح الفقيه إسماعيل بن محمد بن إبراهيم بن فتح الله الربيعي الإسماعيلي الملتاني
ثم البيدري، أحد المشايخ المرزوقين حسن القبول، ولد ونشأ بأحمد آباد بيدر، وأخذ العلم
والطريقة عن أبيه، وصحبه ولازمه حتى نال حظاً وافراً من العلم والمعرفة، ولما مات والده
استقدمه عماد شاه إلى برار وأقطعه قرية بتهري فسكن بها، وتوفي لثلاث عشرة خلون من
رمضان سنة خمس وثمانين وتسعمائة.
مولانا إسماعيل النقشبندي
الشيخ العلامة إسماعيل النقشبندي اللاهوري، أحد العلماء المبرزين في الفقه والحديث،
أخذ عن الشيخ سيف الدين أحمد الشهيد الهروي وعن الشيخ جمال الدين عطاء الله
الحسيني المحدث، مات بلاهور سنة ثمانين وتسعمائة، كما في كلزار أبرار.
مولانا إسماعيل العرب
الشيخ الفاضل الكبير إسماعيل العرب الدهلوي، كان من الأفاضل المشهورين بمعرفة الهيئة
والهندسة والصناعة الطبية وسائر الفنون الحكمية، ذكره السهارنبوري وقال: إنه أخذ
الطريقة النقشبندية عن الخواجه عبد الشهيد ثم عن الشيخ عبد الباقي الدهلوي، وكان
كثير الدرس والإفادة، أخذ عنه حلق كثير من العلماء، وقال البدايوني: إنه كان مدرساً
بمدرسة دهلي يدرس فيها هو والشيخ حسين البزهري، قال: وقتله اللصوص ذات ليلة في
بيته بمدينة دهلي، وقال الدهلوي في الطبقات: إنه كان مدرساً بمدينة همايون شاه التيموري
بدار الملك دهلي.
الشيخ أفضل الحسيني الكشميري
الشيخ العالم الصالح أفضل الحسيني الكشميري، أحد رجال العلم والطريقة، أخذ عن
الشيخ حمزة الكشميري، وأخذ عنه الشيخ داود بن الحسن الخاكي وخلق كثير من أهل
كشمير، سافر في آخر عمره إلى الحرمين الشريفين فمات بها، كما في روضة الأبرار.
الشيخ الله بخش الكيلاني
الشيخ العالم الفقيه الله بخش بن محمد بن زين العابدين بن عبد القادر الشريف الحسني
الأجي اللاهوري، أحد المشايخ المشهورين في الهند، انتقل إلى لاهور وسكن بها مدة من
الزمان، ثم سافر إلى بنكاله ومات بها سنة أربع وتسعين وتسعمائة، كما في خزينة
الأصفياء.
الشيخ الله بخش الكجراتي
الشيخ الصالح الله بخش الجشتي الكجراتي، أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول
والعربية، درس وأفاد زماناً، ثم ترك البحث والإشتغال وأخذ الطريقة العشقية الشطارية عن
الشيخ محمد غوث الكواليري ولازمه مدة من الزمان، وكان صاحب وجد وحالة، اشتغل
في آخر أيامه بالقرآن والحديث، توفي في ثاني عشر من ربيع الثاني في نيف وسبعين
وتسعمائة، كما في كلزار أبرار.
مولانا إله داد السلطان بوري
الشيخ الفاضل إله داد بن أحمد بن شمس الدين بن كمال الدين داود الملتاني السلطان
بوري، أحد العلماء المبرزين في المنطق والحكمة، وكان جده كمال الدين من كبار العلماء
أخذ الفنون الحكمية عن السيد الشريف زين الدين علي الجرجاني.
الشيخ إله داد بن حميد المندوي
الشيخ الفاضل إله داد بن الحميد المندوي، أحد الفضلاء المشهورين في عصره، كان من
ندماء غياث الدين الخلجي سلطان مالوه، دخل في أصحاب السيد محمد بن يوسف
الجونبوري وصدقه في ادعائه وتابعه وهاجر معه إلى كجرات.
وله مصنفات، منها ديوان الشعر الغير المنقوط(4/311)
بالفارسي، وبار أمانت رسالة في تفسير إنا
عرضنا الأمانة، إلخ، ورسالة له في إثبات المهدوية للسيد محمد المذكور، وله غير ذلك من
الرسائل، كما في تاريخ بالنبور.
الشيخ إله داد بن سعد الله القنوجي
الشيخ الفاضل إله داد بن سعد الله العثماني القنوي ثم الكوباموي، أحد العلماء
المشهورين، ولد ونشأ بكوبامئو، وقرأ أكثر الكتب الدرسية على الشيخ نظام الدين العثماني
الأميتهوي ولازمه مدة من الدهر، وقرأ بعضه على غيره من العلماء، وكان يدرس ويفيد
بكوبامئو، قرأ عليه الشيخ عبد الله بن بهلول السنديلوي ثم الكجراتي النحو والعربية وكان
من خؤلته، كما في كلزار أبرار.
الشيخ إله داد بن صالح السرهندي
الشيخ العالم الكبير إله داد بن صالح الأنصاري اللاري ثم الهندي السرهندي، أحد
الأساتذة المشهورين لم يكن في زمانه مثله في كثرة الدرس والإفادة، أخذ عنه مولانا مجد
الدين محمد ومولانا عبد القادر، ذكره محمد ابن الحسن في كلزار أبرار، وقال بختاور خان في
مرآة العالم: إنه كان من ذرية الشيخ عبد الغفور اللاري الفاضل المشهور، وينتهي نسبه إلى
سعد بن عبادة رضي الله عنه، توفي سنة سبع وعشرين وتسعمائة.
الشيخ إله داد بن عبد الله الجونبوري
الشيخ الفاضل العلامة علاء الدين إله داد بن عبد الله الحنفي الصوفي الجونبوري أحد
الأفاضل المشهورين في الهند، ولد ونشأ بمدينة جونبور، واشتغل بالعلم على الشيخ عبد
الملك الجونبوري، وجد في البحث والإشتغال حتى برع في العلم، وأفتى ودرس وصنف
التصانيف وصار من أكابر العلماء في حياة شيوخه، ثم أخذ الطريقة عن السيد حامد شه
المانكبوري وكان معدوم النظير في زمانه، رأساً في النحو والفقه وأصوله، له شروح وتعليقات
على كافية ابن الحاجب وشرحها للقاضي شهاب الدين الدولة آبادي وعلى هداية الفقه
وأصول البزدوي ومدارك التنزيل، ذكره الشيخ عبد الحق بن سيف الدين الدهلوي في بعض
رسائله وقال: إن أسئلته أقوى من أجوبته، وأما شروحه على حواشي القاضي شهاب
الدين المذكور فإنها أقوى وأوجه من شروح العلماء الآخرين وأعرف في هذه الديار.
وقال الشيخ المذكور في أخبار الأخيار: إنه كان صاحب علم ومعرفة، قرأ على بعض
تلامذة القاضي شهاب الدين ولم يسم أحداً منهم ولكن سماه الزيدي في تجلي نور، وقال إنه
هو الشيخ عبد الملك، وقال السيد غلام علي في سبحة المرجان: إنه أخذ العلم عن الشيخ
عبد الله بن إله داد التلنبي والشيخ يحيى بن الأمين الإله آبادي، قال في وفيات الأعلام: إنه
أخذ عن الشيخ عزيز الله التلنبي، ولا يصح ذلك ولا هذا لأن الشيخ عبد الله وصاحبه
اشيخ عزيز الله كلاهما قدما دار الملك في عهد إسكندر بن بهلول اللودي وكان الشيخ إله
داد من كبار الأساتذة بجونبور في ذلك الزمان، وقد ذكر البدايوني في المنتخب: إنهما قدما
دار الملك فأراد السلطان أن يختبر مبلغهما في العلم، فاستقدم الشيخ الهداد وولده بهكاري
من جونبور، فباحثوا فيما بينهم في العلوم الدقيقة، فتبين له من مطارحاتهم أن عبد الله
وصاحبه مجيدان في الكلام، وإله داد وابنه في التحرير.
هذا وتوفي إله داد على ما في تجلي نور سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، واختلفوا في مدفنه
فقال الشيخ غلام رشيد في كنج أرشدي: إن قبره بسرائي إله دين على ميلين أو ثلاثة أميال
من مدينة بهار، والمشهور أن قبره ببلدة جونبور، والله أعلم.
مولانا إله داد بن كمال اللكهنوي
الشيخ الفاضل إله داد بن كمال الدين بن محمد بن محمد الأعظم الحسيني اللكهنوي، أحد
العلماء المشهورين، ولد ونشأ بلكهنو واشتغل بالعلم على من بها من العلماء، ثم درس
وأفتى وصنف التصانيف، ذكره البدايوني وقال: إني أدركته بلكهنو فألفيته عالماً كبيراً،
بارعاً في الفقه والأصول والعربية، وكانت له رسالتان: إحداهما في العلوم المتعارفة في
الجداول يستخرج منها مسائل أربعة عشر علماً،(4/312)
وأخراها القيطون في خمس مقامات
منسوجة على منوال الحريري فاستغربتها، قال: ووجدت طائفة من بني أعمامه يقولون إن
هاتين الرسالتين للحكيم زبرقي الذي ورد جونبور في عصر القاضي شهاب الدين الدولة
آبادي وعارضه في بعض المسائل، وكان من فحول العلماء، فجاء الشيخ محمد الأعظم جده
بتلك الرسالتين من جونبور وتوارثت في أولاده فتناولهما إله داد ونسبهما إلى نفسه، انتهى.
وقال الخوافي في لب اللباب: إن أكبر شاه صاحب الهند لما خرج إلى جونبور وقصد خان
زمان خان مر على مدينة لكهنو، وبعث الشيخ عبد النبي الكنكوهي ليلاقي الشيخ إله داد
ويختبره في العلم، فأقر له عبد النبي بالفضل والكمال واشتاق أكبر شاه إلى لقائه، فأبى أن
يحضر لديه فلقيه الملك في الجامع حين أتى للصلاة وولاه الإفتاء ولم يسعه إلا القبول، وذلك
سنة ثمانين وتسعمائة فاستقل به إلى مدة حياته، انتهى.
وله رسالة أخرى في النحو سماها القطبي وقد تجشم فيها إيراد الأمثلة في ضمن
التعريفات.
توفي سنة إحدى وتسعين وتسعمائة، كما في باغ بهار.
مولانا إله داد الأمروهوي
الشيخ الفاضل إله داد الحنفي الأمروهوي، أحد العلماء المشهورين، ذكره البدايوني وقال:
إنه كان عالماً خفيف الروح، مزاحاً بشوشاً مليح البحث، حلو الكلام حسن المحاضرة، غير
محافظ على آداب الشرع، ولم يكن في زي العلماء، وكان كثير المجون والفكاهة، دخل في
الجندية في عهد أكبر شاه.
ومات سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة في السفر، فدفن بسيالكوث ثم نقل جسده إلى
أمروهه.
مولانا إلياس الأردبيلي
الشيخ الفاضل المنجم إلياس بن أبيه الأردبيلي الفاضل المشهور، كان يرجع إليه في أنواع
العلوم، لا سيما الهيئة والهندسة والنجوم وسائر الفنون الرياضية، استقدمه همايون شاه
التيموري من بلاده فلقيه بكابل عند رجوعه عن سفر إيران، فأجزل عليه الصلات والجوائز
وأقطعه أرضاً تحتوي على قرى عديدة من ناحية موهان في بلاد أوده وقربه إلى نفسه وقرأ
عليه درة التاج للعلامة قطب الدين الرازي، فحسده الناس وتحيل عليه مولانا أويس
الكواليري في المناظرة مرة، فأفحمه عند أكبر شاه بن همايون التيموري، وقرأ العبارات
الكثيرة مستنداً إلى الكتب، وكان أويس غير مامون في النقل فلم يتفطن له الأردبيلي
فاستحى من ذلك وذهب إلى ضيعته في موهان، ثم ترك العروض والعقار وذهب إلى
كجرات ثم إلى مكة المباركة ثم إلى إيران، واستقر في بلدة أردبيل ولم يفارقها حتى مات
فيها، ذكره البدايوني.
مولانا أمان الله السرهندي
الشيخ الفاضل أمان الله بن غازي السرهندي، أحد العلماء المبرزين في العلوم العربية،
حفظ القرآن الكريم، وقرأ العلم على الشيخ بدر الدين السرهندي، ولازمه مدة طويلة حتى
برع في العلم وفاق أقرانه، وكان شاعراً خطاطاً ماهراً بالإيقاع والنغم، صوفياً مستقيم
الحالة، مات ودفن بسرهند.
السيد أمين الدين الكجراتي
الشيخ الصالح أمين الدين بن جمال الدين الحسيني الرفاعي الكجراتي، أحد المشايخ
المشهورين، أخذ العلم والطريقة عن أبيه وعن غيره من العلماء، وصرف عمره في نشر العلوم
والمعارف، مات لثلاث عشرة خلون من جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة بقرية
بتهري، ذكره عبد الجبار الآصفي في تاريخ الدكن.
الشيخ أولياء بن سراج الكالبوي
الشيخ الصالح أولياء بن سراج بن عبد الملك الحنفي الصوفي الكالبوي، أحد الرجال
المشهورين، كان تقياً متورعاً سخياً، انتقل من كالبي إلى أجين فسكن بها زماناً، ثم سافر إلى
الحرمين الشريفين وله سبعون سنة، فحج وزار ومات بها، ذكره محمد بن الحسن في كلزار
أبرار.(4/313)
مولانا أويس الكواليري
الشيخ الفاضل أويس الكواليري الأصولي الجدلي المناظر الخطيب اللسن الذي ما جاراه
أحد في حلبة المناظرة إلا غلبه لأنه كان عجباً في الحفظ وسرد الروايات، غير مأمون في
النقل، ذكره البدايوني وقال: إنه كان يسرد العبارات الكثيرة من حفظه وينسبها إلى الكتب،
فلما تصفحت تلك الكتب لم توجد فيها، ولذلك الصنيع الشنيع أفحم كبار العلماء في
المناظرات، انتهى.
خواجه أيوب الكشي
الشيخ الفاضل أيوب بن أبي البركة الكشي، كان من أهل بيت العلم والصلاح، قدم الهند
فأكرمه همايون شاه التيموري وزوجه بإحدى بنات الأعزة من أقربائه، فلم يوالفها لأنه كان
مجبولاً على سوء الخلق وقلة مبالاة بالدين، ثم بعد مدة استرخص للحج والزيارة، فهيأ له
همايون شاه الزاد والراحة فسار إلى كجرات وركب الفلك، ثم سأل الناس عن الحج وفائدته
فقالوا: إن الحج مكفر للسيئات الماضية، فلما سمع ذلك نزل وقال: فينبغي لنا أن نتمتع
باللذات ونرتكب السيئات ثم نذهب للحج، فسكن بكجرات، ووظف له بهادر شاه تنكة
الذهب كل يوم، وحكى أن بهادر شاه مر عليه ذات يوم فقال له: كيف الحال؟ فقال إن:
التنكة الموظفة لا توافي خرج عضو واحد، فوظف له تنكتين كل يوم، فأقام بكجرات مدة ثم
سار إلى أحمد نكر، وتقرب إلى برهان شاه، فوظف له وطابت له الإقامة بمدينة أحمد نكر،
وكان شاعراً مجيد الشعر، ذكره أمين بن أحمد الرازي في هفت إقليم، ومن شعره قوله:
ز زلف وخال تو آموختم دقائق عشق زهي مجاز كه مجموعة حقائق بود
حرف الباء
بابر شاه التيموري
الملك المؤيد بابر بن عمر بن أبي سعيد بن ميران شاه بن تيمور التيموري، السلطان ظهير
الدين محمد بابر شاه سلطان الهند، كان مولده في سادس شهر الله المحرم سنة ثمان وثمانين
وثمانمائة فسماه الشيخ الكبير عبيد الله الأحرار بظهير الدين محمد، ولكنه أشتهر في الأتراك
باسمه المشهور بابر شاه.
نشأ في مهد السلطة، وتلقى الفنون الحربية، وكان ذكياً فطناً حاد الذهن، سريع الإدراك،
قوي الحفظ، فتبحر في كثير من الفنون لا سيما الشعر والإنشاء والعروض والألغاز والخط،
وجلس على سرير الملك يوم الثلاثاء الخامس من رمضان سنة تسع وتسعين وثمانمائة في
أندجان من بلاد ما وراء النهر وله اثنتا عشرة سنة، عرض له في تسخير البلاد من
المصائب ما لا يحصيه البيان، ولكنه غلب الشدائد، ووطيء النوائب، وقهر الأعداء،
وسخر البلاد حتى ملك كابل، وزحف على بلاد الهند، وكانت سلطة الهند حينئذ في
غاية من الوهن والاختلال، وكان معه في تلك المعركة اثنا عشر ألفاً من الرجالة والفرسان،
وكان مع خصمه إبراهيم بن إسكندر اللودي ملك الهند مائة ألف من الفرسان وألف فيلة،
فالتقى الجمعان بين باني بت وكرنال، فهزمه بابر وقتل إبراهيم في سلخ جمادى الآخرة سنة
اثنتين وثلاثين وتسعمائة وقتل مع إبراهيم ستة آلاف من الفرسان وهرب الآخرون، فدخل
دهلي وجلس على سرير الملك، ثم ذهب إلى آكره واستقر بها.
وشعر أحد أمراء الهند الوثنيين القدامى بخطر قيام حكومة يحكمها المسلمون الغزاة
الوافدون من الخارج، وإفلات الأمر من يدهم، وهو الأمير رانا سانكا حاكم جتور، وكان
قائداً باسلاً محنكاً فعبا جيشاً فيه ثمانون ألف فارس وخمس مائة جندي، واتفق معه من
الأفغان من كان موتوراً منتصراً للأسرة اللودهية الأفغانية التي انتزع منها بابر الحكم، فتألف
بذلك نحو مائتي ألف محارب، وتوجه الجيش إلى آكره وتوجه بابر بجيشه وهو يتألف من
اثنى عشر ألف جندي، وذلك في جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين وتسع مائة للهجرة،
واستقر في موضع يسمى كانوه أو خانوه.
وكان الوهن يدب إلى جيش بابر فقام في الجيش وأعلن توبته عن تعاطي الخمر الذي كان
معتاداً له، واستخلف قادة الجيش على الصمود حتى يقضي الله(4/314)
في شأنهم وحميت المعركة
واستعر القتال، وكان الفتح للجيش الاسلامي، وقتل من الجيش المنافس من لا يأتي تحت
العد والحصر، وكان فتحاً حاسماً قضى بقيام حكومة مسلمة، على رأسها الأسرة المغولية
من أحفاد بابر دامت أكثر من ثلاثة قرون، حتى انتزعها منها الانجليز في سنة ثلاث
وسبعين ومائتين وألف، وكانت هذه الحرب المقررة لمصير المسلمين السياسي في الهند في
ثلاث وثلاثين وتسع مائة.
وسخر من بلاد الهند أكثرها، ثم اشتغل توطيد أركان ممالكه المتسعة، فمهد الطرق
للمسافرين، وأقام لهم مراكز على الطريق، وأمر بمسح الأرض لكي يعين عليها إتاوة عادلة،
وغرس بساتين وأدخل في البلاد أشجار الفواكه، وأقام محلات مختلفة للبريد من آكره إلى
كابل.
وكان مع اتساع معارفه السياسية والعسكرية كلفاً بالمعارف والفنون المستظرفة، مقتدراً
على الشعر بالفارسي والتركي، له ديوان شعر في التركي، وقوله في تلك اللغة على ما قيل في
غاية الحلاوة والعذوبة، وله منظومة في المعارف الإلهية نظم رسالة لخواجه أحرار، وله الوقائع
البابرية في التركية، كتب فيها أخباره من بدء حكومته إلى آخر عهده بالدنيا، نقلها إلى
الفارسية مرزا عبد الرحيم بن بيرم خان، وله رسائل في العروض، وله كتاب في الفقه الحنفي
المسمى بالمبين- بفتح الياء التحتية وتشديدها- وعليه شرح للشيخ زين الدين الخوافي
المسمى بالمبين- بكسر الياء التحتية- ومن مخترعاته خط سماه الخط البابري كتب بذلك
الخط القرآن الكريم وبعث به إلى مكة المباركة.
ومن شعره قوله:
نو روز ونو بهار ومي دلبري خوش است بابر بعيش كوش كه دنيا دوباره نيست
وكان، سامحه الله تعالى، مد من الخمر، تاب في آخر عمره، تاب الله عليه ومرض ابن بابر
وهو نصير الدين همايون فقلق بابر قلقاً شديداً لحبه الشديد له، ودعا الله بأن يكون هو
مكانه، وشفى همايون ومرض بابر، ولما حضرته الوفاة أوصى بأن ينقل إلى كابل ويدفن
هناك لميله الشديد وحبه المفرط لهذا البلد، ونفذت وصيته، وكان ذلك في سنة سبع
وثلاثين وتسع مائة، وله من العمر تسع وأربعون أو خمسون سنة.
ميرك بايزيد السندي
الشيخ العالم الفقيه بايزيد بن أبي سعيد بن مير علي شاه العرب شاهي السبزواري ثم
السندي السكهري، كان من الفضلاء المشهورين، انتقل من سبزوار إلى قندهار ثم إلى
أرض السند مع شاه بيك أرغون القندهاري، فولي شياخة الاسلام في مدينتي سكهر
وبهكر وتوطن ببلدة سكهر، كما في تحفة الكرام.
الشيخ بايزيد الأجميري
الشيخ العالم الصالح بايزيد بن طاهر بن بايزيد بن قيام الدين الأجميري المشهور بالصغير، قرأ
العلم على أحمد بن مجد الشيباني وعلى غيره من العلماء، فبرع في العلم وتأهل للفتوى
والتدريس، أخذ عنه غير واحد من الأعلام، كما في البحر الزخار.
الشيخ بايزيد الجالندهري
الشيخ الفاضل بايزيد بن عبد الله الأنصاري الجالندهري، أحد الرجال المشهورين من ذرية
الشيخ سراج الدين الأنصاري، ولد ببلدة جالندهر من بلاد بنجاب سنة إحدى وثلاثين
وتسعمائة، وقرأ العلم على أساتذة عصره حتى نبغ في العلم والمعرفة، وخرج من جالندهر
مع أمه بيبن في تسلط المغل على بلاد الهند، فذهب إلى خئولته في جبال روه، واشتهر أمره
سنة تسع وأربعين وتسعمائة، واعتقد الناس بكشوفه وكراماته، وأنكره بعضهم فرموه
بالإلحاد والزندقة، وله مصنف في إثبات وحدة الوجود في بشتو اللغة الأفغانية وهو المسمى
بخير البيان، مات قبل سنة تسع وثمانين وتسعمائة، لأن ولده جلال الدين جاء في تلك(4/315)
السنة
إلى حضرة أكبر شاه صاحب الهند بعد وفاة والده، كما في مآثر الكرام.
جام بايزيد السندي
الأمير الكبير جام بايزيد السندي، كان من مرازبة السند من قبيلة سه التي تنتسب إلى
جمشيد ملك الفرس، وكانوا يتنازعون بينهم الأمر، فخرج بايزيد وصنوه إبراهيم من مدينة
تته في أيام جام نظام الدين وقدم الملتان، فاغتنم قدومه حسين شاه لنكاه، وأقطع بايزيد بلد
شور مع أعمالها ولأخيه عمالة أج فقبض على شور واستوزر جمال الدين القرشي الملتاني،
واشتغل هو بنفسه بالعلم وقرب إليه العلماء، وكان يذاكرهم في العلوم مع ثباته على إتباع
الشريعة، واطلع على كنز مدفون عند بناء القصر، فلم يتصرف فيه وأرسله إلى حسن
شاه، ففرح الملك به فرحاً شديداً وخصه بأنظار العناية والقبول، واستوزره في آخر عمره
وجعله أتابكا لولي عهده وحفيده محمود ابن فيروزج بن حسين، ولما جلس محمود على
سرير الملك مقام جده وقع في السفاهة وسخط على بايزيد، فلم تساعده الموافقة بالملك
فذهب إلى بلدة شور، وتوسل إلى اسكندر بن بهلول اللودي ملك دهلي وخطب على
المنابر له، فأمر الإسكندر دولت خان واليه على أرض بنجاب أن يعينه وأرسل إليه الخلع
الفاخرة، فلما قصده محمود شاه بعساكره والتقى الجمعان ودارت الحرب بينهما جاءت
دولت خان المذكور بعساكره من بنجاب، فصالحه محمود شاه واستقل بايزيد بملكه، ذكره
محمد قاسم في تاريخه وقال: إنه كان رجلاً محسناً، يجالس العلماء ويذاكرهم في العلوم،
ويجزل عليهم الصلات والجوائز، قال: إنه أقطعهم أرضاً خراجية، انتهى.
الشيخ بخشو المندسوري
الشيخ العالم الصالح بخشو بن أبيه الحنفي الصوفي المندسوري، أحد المشايخ المنقطعين إلى
الزهد والعبادة، يذكر له كشوف وكرامات، وكان له ثلاثة أبناء: بدهن وحسن ومعين الدين،
توفي سنة ست عشرة وتسعمائة، ذكره محمد بن الحسن في كلزار أبرار.
الشيخ بدر الدين الكجراتي
الشيخ العالم الفقيه بدر الدين بن جلال الدين الحنفي الصوفي الكجراتي، أحد المشايخ
المشهورين بأرض كجرات، ولد ونشأ بها، وأخذ عن أبيه جلال الدين عن أبيه الشيخ محمد
عن أبيه عن جده إلى الشيخ العلامة كمال الدين الدهلوي، وكان عالماً فقيهاً، صوفياً
مستقيم الحالة، ذا كشوف وكرامات، مات لليلة بقيت من ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين
وتسعمائة، كما في مجمع الأبرار.
الشيخ بدر الدين الأكبر آبادي
الشيخ العالم الفقيه بدر الدين بن جلال الدين الحسيني الأكبر آبادي، أحد فحول العلماء،
ولد سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة بأكبر آباد، وقرأ العلم على الشيخ جلال الدين بن عبد
الله الأكبر آبادي والشيخ أبي الفتح بن عبد الغفور التهانيسري، وتولى الشياخة بعد أبيه،
واستقام على الطريقة مع قناعة وعفاف وصلاح الظاهر، توفي لليلة بقيت من ربيع الأول
سنة ثمان وتسعين وتسعمائة وله خمس وخمسون سنة، كما في أخبار الأصفياء.
الشيخ بدر الدين الملتاني
الشيخ العالم الصالح بدر الدين بن محمد بن إبراهيم بن فتح الله الربيعي الإسماعيلي الملتاني
ثم البيدري، أحد المشايخ المشهورين، ولد ونشأ بأحمد آباد بيدر، وأخذ العلم والطريقة عن
والده، وتصدر للتدريس ببلدته، وكان إبراهيم قطب شاه يعتقد فضله وكماله، يستقدمه إلى
كولكنده ويقربه إليه ويتبرك به مع صلابته في التشيع، مات لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة
ثمانين وتسعمائة.
مولانا بدر الدين السرهندي
الشيخ الفاضل بدر الدين الحنفي السرهندي، أحد المشايخ المشهورين، في زمانه، أخذ
الطريقة عن الشيخ يحيى السنديلوي، وأخذ عنه أمان الله السرهندي ومولانا مير علي
كنبو وخلق آخرون، ذكره محمد بن الحسن في كلزار أبرار.(4/316)
الشيخ بدهن المندسوري
الشيخ العالم الصالح بدهن بن بخشو المندسوري، أحد المشايخ المشهورين في زمانه، كان
أكبر أبناء والده وأوفرهم في العلم والعمل والاستقامة على الطريقة والصلاح، ذكره محمد بن
الحسن في كلزار أبرار.
الشيخ بدهن المنيري
الشيخ العالم الصالح بدهن بن ركن الدين البلخي المنيري، أحد المشايخ المشهورين في
الطريقة الفردوسية، أخذ عن الشيخ محمد بن إبراهيم البلخي البهاري، وأخذ عنه ولده
قطب وخلق آخرون، لعله مات سنة سبع وأربعين وتسعمائة أو ما يقرب ذلك.
الشيخ بدهن الأجونوي
الشيخ الكبير بدهن- بضم الموحدة وتشديد الدال الهندية- الجشتي الأجونوي، أحد
المشايخ المشهورين في الهند، أخذ العلم والطريقة عن الشيخ محمد بن عيسى الجونبوري
وتولى الشياخة بعده، وكان صاحب خوارق عظيمة، ذكره عبد الرحمن الدينتهوي في مرآة
الأسرار.
برهان نظام شاه الأحمد نكري
الأمير الكبير برهان بن أحمد بن الحسن البحري الأحمد نكري برهان نظام شاه ملك أحمد
نكر، قام بالملك بعد والده سنة أربع عشرة وتسعمائة وله سبع سنين من عمره، وأخذ
مكمل خان الدكني الحل والعقد بيده وبذل جهده في تربية برهان وتعليمه، فاشتغل بالعلم
وقرأ الكافية والمتوسط ومهر في النسخ وله عشر سنين، فلما ترعرع وشد أزره بالشباب
تولى المملكة بنفسه، وتشيع وبالغ في ذلك، حتى إنه أمر الناس أن يسبوا الخلفاء الثلاثة في
المساجد والخوانق والأسواق والشوارع، وجعل الأرزاق السنية للسابين من خزانته، وقتل
وأسر خلقاً كثيراً من أهل السنة والجماعة، وسبب ذلك على ما ذكره محمد قاسم في
تاريخه: أن الشيخ طاهر بن رضى الإسماعيلي القزويني لما أمر بقتله إسماعيل بن الحيدر
الصوفي سلطان الفرس خرج من بلاده وقدم الهند وأقام بقلعة برينده من قلاع الدكن عند
خواجه جهان الدكني، فلما سمع برهان شاه قدومه إلى بلاده إشتاق إليه واستقدمه إلى
أحمد نكر سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، وبنى له مدرسة داخل القلعة فكان يدرس بها
يومين من كل أسبوع، ويحضر العلماء كلهم في دروسه ويحضر برهان شاه أيضاً لميله إلى
العلم ويجلس عنده إلى آخر البحث، حتى إنه كان يحقن الماء في البطن ولا يخرج من ذلك
المجلس لقضاء الحاجة، وقد اتفق في ذلك الزمان أن ولده عبد القادر ابتلي بمرض عسير
عجز الأطباء عنه واستيأس الناس من حياته وكان برهان شاه يبذل النقود والجواهر
والأموال الطائلة فيه، فبشره الشيخ طاهر ذات يوم بشفائه وعهد إليه أن يخطب للائمة
والجمع والأعياد ويروج مذهبهم في بلاده، فعاهده برهان شاه، ورأى في تلك الليلة كأن
رجلاً يقدم عليه وستة رجال معه في جانبه الأيمن وستة كذلك في جانبه الأيسر وقيل له: إن
القادم هو سيدنا محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ومعه الأئمة من أهل بيته،
فسلم عليه برهان شاه، فقال له الرجل القادم: إن الله سبحانه قد شفى ولدك فعليك أن
تجتهد فيما أشار إليه ولدي طاهر، ثم انتبه برهان شاه من نومه فرأى أن ولده قد شفاه الله
سبحانه في تلك الليلة فتلقن من الطاهر مذهب الإمامية من الولاء والبراء وتشيع وتشيع
أهل بيته وخدمه نحو ثلاثة آلاف، وصارا الطاهر مقضي المرام في ترويج مذهبه بأرض
الدكن، انتهى ما ذكره محمد قاسم الشيعي البيجابوري، وكان من ندمائه الشيخ شاه محمد
النيسابوري وملا علي كل الاستر آبادي وملا رستم الجرجاني وملا علي المازندراني وأيوب
أبو البركة وملا عزيز الله الكيلاني وملا محمد إمامي الاسترآبادي والسيد حسن المدني،
توفي سنة إحدى وستين وتسعمائة ببلدة أحمد نكر فدفن عند والده.
الشيخ برهان الدين الكالبوي
الشيخ الصالح الفقيه برهان الدين بن تاج الدين الأنصاري الكالبوي، أحد كبار المشايخ،
قرأ العلم على الشيخ عبد الملك بن إبراهيم الكالبوي ولازمه مدة من الزمان، ثم اعتزل
الناس في بيته فلم يخرج منه إلى أن توفي إلى الله سبحانه ودفن فيه، ذكره محمد بن الحسن
في كلزار أبرار.(4/317)
وقال البدايوني في تاريخه: إنه أخذ عن الشيخ إله داد الذي أخذ عن السيد محمد بن
يوسف الجونبوري المتمهدي المشهور بواسطة واحدة، وكان بارعاً في التفسير، مات سنة
سبعين وتسعمائة، وقال التميمي في أخبار الأصفياء: إنه توفي سنة خمس وسبعين
وتسعمائة، والله أعلم.
القاضي برهان الدين الكجراتي
الشيخ العالم المحدث الفقيه القاضي برهان الدين النهروالي الكجراتي، أحد الأساتذة
المشهورين، منه انتشرت العلوم ابتداء بكجرات، وكان من نسل الإمام شهاب الدين
الكجراتي، درس وأفاد مدة عمره، وأخذ عنه خلق لا يحصون بحد وعد، قال الآصفي في
ظفر الواله: هو ووالدي وأخو المخدوم إسحاق جده أبناء عم وكان آهلاً، توفي بنهرواله
سنة.... وتسعمائة.
الشيخ برهان الدين الكجراتي
الشيخ العالم الصالح برهان الدين الحنفي الصوفي الكجراتي، أحد المشايخ الشطارية، ولد
ونشأ بأحمد آباد، وقرأ العلم بها على أساتذة عصره، ثم لازم الشيخ صدر الدين محمد
البرودوي وسافر معه إلى كواليار سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة، ورجع معه إلى مندو فسكن
بها، قرأ عليه محمد بن الحسن المندوي النحو والعربية بمندو، ولما قدم مالوه ضياء الله بن
محمد غوث الكواليري سار إليه وسافر معه إلى أجمير سنة خمس وثمانين وتسعمائة فمات
بها، كما في كلزار أبرار.
مولانا برهان الدين الملتاني
الشيخ الفاضل برهان الدين الحنفي الملتاني، أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول
والعربية، كان يدرس ويفيد ببلدة حصار، سافر إليه الشيخ عبد الله ابن بهلول السنديلوي
ثم الكجراتي وقرأ عليه بعض كتب العربية والتفسير وسافر معه إلى كجرات، كما في كلزار
أبرار.
الشيخ بلال المحدث السندي
الشيخ العالم الكبير المحدث بلال التلهتي السندي، أحد العلماء المبرزين في الحديث
والتفسير، لم يزل مشتغلاً بالدرس والإفادة، وكان غاية في الزهد والورع والإستقامة على
الشريعة المطهرة والعمل بالكتاب والسنة، يذكر له كشوف وكرامات، توفي سنة تسع
وتسعمائة، ذكره محمد معصوم بن الصفائي الترمذي في تاريخ السند.
بهادر شاه الكجراتي
الشيخ المؤيد المظفر بهادر شاه بن مظفر شاه بن محمود شاه الكبير الكجراتي السلطان
المجاهد، فأقام بالملك بعد أخويه سكندر ومحمود يوم عيد الفطر سنة اثنتين وثلاثين
وتسعمائة، وأحسن إلى الناس، وساس الأمور سياسة حسنة، وسار بعساكره العظيمة إلى
باكر ثم إلى جتور وأذعن له صاحبها بالطاعة، ثم سار إلى مندو فقاتل أهلها وأسر محمود
شاه الخلجي سنة سبع وثلاثين وتسعمائة، ثم بعث عساكره إلى أجين وسارنكبور وفتحهما،
ثم سار إلى بهلسة وملكها، ثم نزل على حصن رائسين وكان من أمنع الحصون ففتحه
عنوة، وفتح كاكرون وكانور وهوشنك آباد وإسلام آباد ومندسور، كل ذلك في تلك السنة،
وتوجه إلى جتور سنة تسع وثلاثين وسلط رومي خان عليه، فعملت مدافعه ما لا يطيقه
من في القلعة، فأذعن له صاحبها بالطاعة على أن يكون لبهادر شاه ما تغلب عليه رانا
سانكا من أعمال الخلجي وأهدى إليه ما ظفر به في حرب علاء الدين الخلجي من التاج
والحياضة والقلادة وغيرها، فرجع إلى بلاده وسار إلى رنتهنبور، وتوالى وصول العسكر من
كل جانب فشن الغارة على نواحيها وضيق أهل القلعة بالحصار وفتحها عنوة، وسار إلى
جتور مرة ثانية سنة إحدى وأربعين وفتحها عنوة، ثم توجه إلى مندو، وكان همايون شاه
التيموري عازماً إليه لقتاله فلقيه بمندسور وخانه رومي خان فانهزم إلى مندو ثم إلى
كجرات، فسار همايون شاه إلى كجرات وقاتله قتالاً شديداً فانهزم منه سنة اثنتين وأربعين
وخرج إلى ديو فتحصن بها، وقيل في تاريخ فراره إلى ديو ذل بهادر ويعز على الخبير
بشجاعته وإقدامه أن(4/318)
يرتضي الذل لتاريخه، وكان في جمع أمض من السيف وأوثب من ليث
وأصدم من سيل وأرسى من جبل لنه عثر به الإقبال، وعثرته لا تقال:
ولكل مدة تنقضي ما غلب الأيام إلا من رضى
ثم خرج على همايون شاه السوري، فخلف بكجرات نوابه ورجع إلى آكره في تلك السنة،
فبعث بهادر شاه رجاله إلى بلاده فاستولوا على نوساري وبهروج وسورت وكنباية وانتشر
عمال بهادر شاه في أعمالهم من الولاية وهرب عمال همايون شاه إلى أحمد آباد، فسار
بهادر شاه إلى أحمد آباد وملكها، ثم سار إلى جانبانير وفتحها ودخل في ملكه ما كان قبل
ذلك ما سوى مندو، ثم استولى على مالوه قادر شاه وخطب لبهادر شاه في مندو، ووسل
إلى بهادر شاه أن بيزري الفرنكي دخل ديو وقبض عليها فسار بعساكره إلى ديو ليدفعه
عنها، فلما وصل إلى ساحل البحر خدعه البيزري وأرسل إليه أنه جاء ليهنئه بالفتح ومنعه
ضعف يجده من النزول إليه، فأجاب بهادر شاه بأنه سيطلع إليه فلا يتكلف الحركة
واستدعى الغراب فمنعه أصحاب الرأي، فأبى بلوغ الأجل إلا أن يطلع إليه بجماعة
مخصوصة، فدخل بغرابه وطلع كليون بزري وهو متمارض لا يتحرك من مكانه وكان كالنائم
إلى أن جلس السلطان عنده وهو متقلد سيفه، فاستيقظ بزري وقام السلطان من مجلسه،
فسأله بزري وقفة يعرض فيها هديته فلم يقف ونزل في الغراب، فأشار بزري إلى أغربته
فاجتمعت عليه وأحرقت النفط وهاج البحر وماج، ولكن السلطان مع هول الموقف ثبت
يحاب بمن معه إلى أن تمكن سنان الرمح من صدره فسقط في البحر شهيداً، اه. من ظفر
الواله باختصار.
ويحسن الاستشهاد بما رثى به العماد الكاتب سلطانه نور الدين الشهيد:
يا ملكاً أيامه لم تزل بفضه فاضلة فاخرة
ملكت دنياك وخلفتنا وسرت حتى تملك الآخرة
وكان رحمه الله سلطاناً محساناً شجاعاً متهوراً فتاكاً جواداً، لم يكن في أهله أعظم هم منه
ولا أوسع صدراً، يميل إلى الطرب ويجالس ولا يتحاشى الهزل ولا يجزع منه، واتسع ملكه
فكانت الخطبة له بكجرات والدكن وبرهانبور ومندو وأجمير وجانور وناكور وجوناكزه
وكهنكهوت ورائسين ورنتهنبور وجتور وكالبي وبكلانه وايدر ورادهنبور وأجين وميوات
وسيوانس وآبو ومندسور، وآخر ما خطب له ببيانه في ناحية أكبر آباد، وكان ذلك في
حادثة تارتار خان بن عالم خان اللودي، وكانت التنكة في أيامه عبارة عن أحد وعشرين
دكره، وكان لا يجري على لسانه في العطايا أقل من لك تنكة، فاجتمع الوزراء على تغيير
تلك التنكة.
قتل سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة، فأرخ بعضهم بعام وفاته قتل سلطاننا بهادر، وقال
بعضهم فرنكيان بهادر كش.
الشيخ بهاء الدين الأنصاري الجنيدي
الشيخ العالم الكبير بهاء الدين بن إبراهيم بن عطاء الله الأنصاري الشطاري الجنيدي،
أحد المشايخ المشهورين في الهند، ولد ونشأ ببلدة جنيد- بفتح الجيم وسكون التحتية
والنون المختفية كانت بلدة من أعمال سرهند- وقرأ العلم وتفقه وبرع في العربية والأصول،
وصحب المشايخ وسافر إلى البلاد، ثم وفقه الله سبحانه بالحج والزيارة فسعد بها وأخذ
الطريقة القادرية عن الشيخ أحمد الشريف الجيلاني الشافعي في الحرم المحترم، ورجع إلى
الهند ودخل مندو في عهد غياث الدين الخلجي صاحب مالوه فلبث بها برهة من الدهر،
ثم سافر إلى أحمد آباد بيدر.
وله رسالة في الأذكار والأشغال صنفها للشيخ إبراهيم بن معين الأيرجي، توفي سنة إحدى
وعشرين وتسعمائة وقبره بدولة آباد كما في أخبار الأخيار.(4/319)
الشيخ بهاء الدين العمري الجونبوري
الشيخ العالم الفقيه المحدث بهاء الدين بن خلق الله بن المبارك بن أحمد بن أبي الخير بن
نصر الله بن محمود بن محمد بن الشيخ حميد الدين العمري الناكوري ثم الجونبوري، كان من
المشايخ المشهورين في الطريقة الجشتية، ولد ونشأ ببلدة جونبور، وقرأ العلم على الشيخ
محمد بن عيسى الجونبوري وأقبل على العلوم العالية إقبالاً كلياً، وأخذ الطريقة عن الشيخ
حامد شه المانكبوري.
وقال الشيخ غلام رشيد في كنج أرشدي: إنه صحب الشيخ حسين البالادستي سبع
سنوات بجونبور، وبعد ما سافر الحسين إلى بالادست صحب الشيخ محمد بن عيسى
الجونبوري، ولازمه سبعاً وعشرين حجة، ثم أخذ عن الشيخ حامد شه المانكبوري ولازمه
تسع سنين وأخذ عن غيره من المشايخ، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين وأقام بمكة المباركة
ثلاثين سنة ولازم الإنزواء بجبل أبي قبيس ينزل منه في أوقات الصلوات ويصلي في المسجد
الحرام وعمره جاوز مائة سنة، ولكنه ما مست له الحاجة إلى استعمال المنظرة، وكان أخذ
الحديث بمكة المباركة وله سند عال، وأخذ الطريقة النقشبندية عن الشيخ كمال الدين
إسماعيل الشرواني وصحبه مدة وهو ممن أخذ عنه الشيخ الكبير عبيد الله الأحرار،
وكان يشتغل بمطالعة كتب الحديث ليلاً ونهاراً، ومن مصنفاته إرشاد السالكين كتاب مفيد
في بابه، انتهى.
توفي لأربع بقين من رمضان، وقيل لأربع عشرة خلون من جمادى الأولى سنة إحدى عشرة
وتسعمائة، كما في البحر الزخار.
الشيخ بهاء الدين الكوزوي
الشيخ الصالح بهاء الدين بن سالار الحنفي الكوزوي، كان من كبار المشايخ، ولد ونشأ
بكوزه- بلدة فيما بين كانبور وفتحبور- وكان من أهل بيت العلم والصلاح، أخذ عن أبيه
وتولى الشياخة بعده، وأخذ عنه خلق كثير.
المفتي بهاء الدين الأكبر آبادي
الشيخ العالم المعمر بهاء الدين بن شمس الدين القرشي الملتاني، كان من ذرية الشيخ الكبير
بهاء الدين زكريا الملتاني، ولد ونشأ بالملتان واشتغل بالعلم على من بها من العلماء وجد في
البحث والإشتغال حتى برع في العلم وتأهل للفتوى والتدريس، ثم خرج من بلدة الملتان في
فترات السلطان حسين البهكري فدخل آكره وولي الإفتاء بها، وكان ذا سخاء وإيثار
واستقامة على الطريقة الظاهرة والصلاح، وكان لا يألو جهداً في خدمة المحاويج يشفع لهم
ويسعى في إنجاح حوائجهم، ذكره البدايوني.
وكانت وفاته في نصف شوال سنة ثمان وسبعين وتسعمائة، كما في أخبار الأصفياء.
الشيخ بهاء الدين القلندر الكيلاني
الشيخ المعمر بهاء الدين بن محمود بن العلا الكيلاني المشهور بالقلندر القادري، كان من
نسل الشيخ عبد القادر الكيلاني، ولد ونشأ ببغداد، وقدم الهند في صغر سنه مع أبيه
وسكن بمدينة بدايون، ولما توفي والده خرج من تلك البلدة وسافر إلى البلاد ودار البوادي
والعمران عمراً طويلاً ثم دخل بنجاب وسكن بحجرة شاه، قيل إن عمره جاوز خمسين
ومائتي سنة والله أعلم، توفي سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة في عهد أكبر شاه، وقد أرخ لعام
وفاته بعض أصحابه عبد القادر ثاني، كما في خزينة الأصفياء.
الشيخ بهاء الدين الكجراتي
الشيخ الصالح الفقيه بهاء الدين بن معز الدين بن علاء الدين بن شهاب الدين الخطابي
الكجراتي، كان من ذرية نفيل بن الخطاب القرشي صنو عمر بن الخطاب أمير المؤمنين
رضي الله عنه، ولد بأحمد آباد ونشأ بها، ولازم الشيخ رحمة الله ابن عزيز الله المتوكل
الكجراتي في الرابع عشر من سنه فلازمه إحدى وعشرين سنة وأخذ عنه الطريقة، ثم
سافر إلى البلاد وصرف عمراً طويلاً في السياحة، ثم رجع إلى الهند، وأقام بكجرات ثمانية
أعوام، ثم ذهب إلى برهانبور وأسس بها خانقاهاً وجامعاً كبيراً وبها مكث مدة حياته،(4/320)
بايعه الشيخ علي بن حسام الدين المتقي المكي في صباه، وكان اسمه على أفواه الناس
باجن وهو مشهور بذلك الاسم حتى اليوم، مات في سنة اثنى عشرة وتسعمائة، كما في بحر
زخار.
الحكيم بهوه خان الأكبر آبادي
الشيخ الفاضل بهوه خان بن خواص خان الحكيم الأكبر آبادي، كان من العلماء المبرزين
في صناعة الطب، قربه سكندر شاه اللودي إلى نفسه وجعله الحاجب الخاص ثم استوزره
وخصه بمزيد القرب إليه، وكان يعتمد عليه في مهمات الأمور، ولما مات سكندر شاه توهم
منه ابنه إبراهيم شاه اللودي وقبض عليه سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ثم فوضه إلى آدم
فمات في حبسه.
وله معدن الشفاء كتاب في مجلد ضخم، صنفه سنة ثمان عشرة وتسعمائة بأمر سكندر
شاه المذكور، لخص فيه أبواب الطب الفارسي من كتب عديدة لأحبار الهنود لغة
سنسكرت نحو سرت وجوك ورس رتناكر وسارنك دهر ومادهو بدان وجنتامن وبنك
سين وجكردت وكتيدت وما كبت ويوكرت وبهوج وبهيد وغيرها، وهذا الكتاب متداول في
أيدي الناس.
بيرم خان خان خانان
الأمير الكبير صاحب السيف والقلم، والشهامة والكرم، بيرم بن سيف علي بن يار علي
بن شير علي التركماني البلخي، كان من قبيلة قراقو ئيلو، ولد بغزنة، وكان والده والياً بها
من قبل بابر شاه التيموري وتوفي بها في صغر سنه فنقلوه إلى بلخ ونشأ بها، ودخل في رجال
همايون شاه التيموري في أيام ولاية العهد فخدمه مدة، ورأى بابر شاه في وجهه علائم
السعادة فألحقه بخدمه، فخدمه إلى أن توفي بابر شاه وتولى المملكة ولده همايون شاه
المذكور، فخدمه مدة وتقرب إليه حتى صار معتمداً له في مهمات الأمور، ولما غلب عليه
شير شاه السوري سنة ست وأربعين وتسعمائة وهزم همايون شاه في جوسه ثم في قنوج
وأخرجه إلى بلاد السند ذهب بيرم خان إلى بلدة سنبهل فوقع في يد نصير خان فشفع له
عند شير شاه فلبث عنده زماناً ثم فر إلى كجرات ثم إلى أرض السند فلحق بهمايون شاه
في سابع محرم سنة خمسين وتسعمائة وحرضه على السفر إلى إيران وسار معه، ثم رجع إلى
أرض الهند وفتح قندهار وناب الحكم فيا مدة ثم لحق بهمايون شاه في مدينة بشاور وفتح
الهند فلقبه همايون شاه بخان خانان ومعناه أمير الأمراء، وأقطعه أرض سنبهل ثم ولاية
سرهند.
ولما توفي همايون شاه أجلس على سرير الملك ولده أكبر شاه وكان صغير السن فناب عنه
وصار الحل والعقد بيده. ولما بلغ أكبر شاه سن الرشد واستقل بالملك سنة سبع وستين
وتسعمائة وقع بينه وبين السلطان خطوب كانت سبباً لخروجه عليه، فاستعد له السلطان
وجمع العساكر وأرسل أحد أمراء أجناده وهو شمس الدين محمد اتكه خان بمعظم
جيوشه من خيل ورجل، فلما تراأى الجمعان وهو يقدم ولا ينثني ويحث من بين يديه على
المصابرة والاقدام حتى وصل إلى نحر العدو وضايقوهم غاية المضائقة، ثم خرج بيرم خان
من معسكره ودخل في معسكر السلطان واستعفاه، فرخصه السلطان إلى الحجاز، فلما
وصل إلى بلدة فتن من أرض كجرات قتله بعض الأفغان، فدفنوه في مقبرة الشيخ حسام
الدين الملتاني ثم نقلوا عظامه إلى دهلي ثم إلى مشهد الرضا.
وكان أكبر قواد الدولة التيمورية، لم يكن له نظير في الشجاعة والكرم، وجعل إليه همايون
شاه ثم ولده أكبر شاه الإشراف على الديوان واستنابه في الحضور مع الحكام عند فصل
الخصام، وجعل إليه ولاية بعض البلاد، وله من كمال الرئاسة، وحسن مسلك السياسة،
والمهابة والصرامة، والفطنة بدقائق الأمور، والإطلاع على أحوال الجمهور وجودة التدبير،
والخبرة بالخفي والجلي ما لا يمكن وصفه، مع النقاوة التامة والشهامة الكاملة، وبعد الهمة
وكثرة المعرفة للأدب ومطالعة كتبه، والإشراف على كتب التاريخ، ومحبة أهل الفضائل
وكراهة أرباب الرذائل والنزاهة والصيانة، والميل إلى معالي الأمور، وكان شاعراً مجيد الشعر
بالفارسية والتركية، ومن شعره قوله:
شهي كه بكذرد از نه سبهر افسر او اكر غلام على نيست خاك بر سر او(4/321)
قتل في سنة خمس وثمانين وتسعمائة، فأرخ لعام وفاته بعض العلماء شهيد شد محمد بيرام.
الشيخ بياره بن كبير المندوي
الشيخ بياره بن كبير بن محمود الجشتي المندوي، أحد فحول العلماء، ولد ونشأ بلكهنؤ،
وأخذ عن الشيخ فخر الدين الحامد الجشتي النهروالي وسافر إلى الحجاز سبع مرات، وفي
المرة السابعة استصحب أمه فحج وزار ورجع إلى الهند وسكن بمندو ودرس وأفاد بها
خمسين سنة.
توفي في شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة بمندو، كما في كلزار أبرار.
الشيخ بير محمد الكجراتي
الشيخ الصالح الفقيه بير محمد بن الجلال بن عبد العزيز بن عبد الله بن إبراهيم بن جعفر
بن الجلال بن محمود بن عبد الله بن عبد الحميد بن عبد الرحمن ابن عثمان بن مصعب بن
أبان بن عامر بن سعد بن أبي وقاص الصحابي أحد العشرة المبشرة له بالجنة رضي الله
عنه، كان من المشايخ الشطارية، ولد ونشأ بجانبلنير من أعمال كجرات، وقرأ العلم على
أساتذة عصره، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار وجمع إلى الهند، وأخذ الطريقة
عن الشيخ حمد غوث الكواليري ولازمه مدة وتولى الشياخة بعده، وله الأوراد الغوثية كتاب
في الأذكار، ولصاحبه فتح الله بن محمود الشطاري الكشميري مونس الطالبين كتاب في
ملفوظاته، كما في الحديقة الأحمدية، مات سنة تسع وستين وتسعمائة، ذكره عبد الجبار
الآصفي في تاريخ الدكن.
مولانا بير محمد الأحمد نكري
الشيخ الفاضل بير محمد الحنفي الشرواني الأحمد نكري، أحد كبار العلماء، قرأ عليه
برهان نظام شاه ملك أحمد نكر وقربه إليه، فصار مرزوق القبول في تلك البلدة، ثم اتفق أنه
ذهب إلى قلعة برينده من قلاع الدكن، بعثه برهان نظام شاه بالرسالة إلى خواجه جهان
الدكني، فلقى بها طاهر بن رضى الحسيني الإسماعيلي فقرأ عليه المجسطي، واستفاد منه
سنة كاملة ثم رجع إلى أحمد نكر، وذكره عند برهان نظام شاه، فاستقدمه الملك وقربه إليه
وتلقن منه مذهب الشيعة، وتشيع معه ثلاثة آلاف من أهل بيته وخدمه، وخطب على
المنابر للائمة الاثنى عشر ولعن الخلفاء الثلاثة، فهاجت الفتنة العظيمة بأحمد نكر، واجتمع
الناس على بير محمد وكانوا اثنى عشر ألفاً رجالاً وفرساناً، فهجموا على برهان نظام شاه،
ثم اعتزل عنه جمع كثير وبقيت معه فئة قليلة، فانهزم وتحصن في بيته فأخذوه وحبسوه في
قلعة، فلبث في السجن أربعة أعوام ثم أطلقه برهان نظام شاه، وكان ذلك بعد سنة ثمان
وعشرين وتسعمائة، ذكره محمد قاسم في تاريخه.
مولانا بير محمد الشرواني
الشيخ الفاضل بير محمد الحنفي الشرواني، أحد كبار العلماء، لقبه ناصر الملك، ولد ونشأ
بخراسان وقدم الهند فتقرب إلى بيرم خان، فأحسن إليه رباه حتى تدرج إلى الإمارة، وصار
المرجع والمقصد في كل باب من أبواب الدولة، فكان الناس حوله يدورون وفي كل أمر إليه
ينظرون، فأخذه البطر والدالة حتى أنه فعل ذات يوم بمحسنه بيرم خان ما لا يليق به،
فسلب عنه بيرم خان رداء الكبر وأخرجه إلى قلعة بيناه وأمر بحبسه سنة خمس وستين
وتسعمائة، فلبث بها زماناً وبعث إلى بيرم خان رسالة له في إثبات برهان التمانع من قوله
تعالى: "لو كان فيها آلهة إلا الله لفسدتا" وصدر الرسالة باسمه وتوسل بها لخلاصه عن
السجن، فلم يلتفت إليه بيرم خان وأمر بإخراجه إلى الحرمين الشريفين بعد مدة من الزمان،
فبينما هو قاصد إلى كجرات وقعت بين السلطان ووكيله بيرم خان وحشة لا نطيل الكلام
بشرح تلك القصة وقد سبقت الإشارة إليها، فلما سمع بير محمد أن بيرم خان خرج من
الحضرة رجع إلى دهلي فبعثه السلطان لتعاقبه، فجد في السير ورضي عنه السلطان فلقبه
بناصر الملك وولاه على بلاد مالوه، فنهض إلى برهانبور وفتح قلعة بيجاكده ثم صار إلى
خانديس فاستأصلها، ولما رجع إلى مستقره غرق في ماء نربده، وكان ذلك في سنة تسع(4/322)
وستين وتسعمائة، ذكره البدايوني في تاريخه.
حرف التاء
الشيخ تاج الدين المندوي
الشيخ الصالح الفقيه تاج الدين يوسف بن كمال الدين القرشي الرنتهنبوري ثم المندوي
المالوي، أحد المشايخ المعروفين بالعلم والصلاح، ولد سنة خمس وثمانين وثمانمائة برنتهنبور
ونشأ بها، ثم سافر إلى مندو، فأكرمه ناصر الدين شاه الخلجي وزوجه براحة الحياة،
فطابت له الإقامة بها، ورزق منها محمد بن يوسف البرهانبوري، وكان مغلوب الحالة، مات
سنة خمسين وتسعمائة، كما في كلزار أبرار.
مولانا تقي الدين البندوي
الوزير الكبير تقي الدين بن عين الدين البندوي الفقيه المحدث، كان لقبه من قبل السلطان
مبارك ملا، ولقب أبيه مجلس مختار، ولقب جده مجلس سرور، وهو وزر مدة طويلة في
عهد نصرت شاه وأبيه الحسين الشريف المكي في بلاد بنكاله، وله أبنية عالية في تلك
البلاد، منها مسجد كبير في بلدة سناركانون عند مقبرة الشيخ إبراهيم الفاضل، بناه سنة
تسع وعشرين وتسعمائة وآثاره باقية إلى الآن.
حرف الجيم
الشيخ جعفر بن ميران السندي
الشيخ العالم الكبير جعفر بن ميران البوبكاني السندي، أحد الفقهاء المشهورين في بلاده،
ولد ببلدة بوبك من بلاد سيوستان، وكان والده ممن قرأ عليه الشيخ طاهر بن يوسف
السندي البرهانبوري، وكان من أهل بيت العلماء والمشايخ، ويذكر أن جعفراً أتلف في آخر
عمره كتب المنطق واقتصر على مطالعة إحياء العلوم وعوارف المعارف وفصل الخطاب
وأمثالها.
الشيخ جلال الدين الإسماعيلي الكجراتي
الشيخ الفاضل جلال الدين بن الحسن الإسماعيلي الهندي الكجراتي، أحد دعاة المذهب
الإسماعيلي بأرض الهند، ذكره سيف الدين عبد العلى الكجراتي في المجالس السيفية
وقال: إنه سار إلى بلاد اليمن وأخذ علم التنزيل والتأويل عن الشيخ عماد الدين إدريس بن
الحسن اليماني ورجع إلى الهند، ولما مات يوسف بن سليمان الكجراتي تولى الدعوة بعده
بوصيته إليه، ونص الجلال بعده لداود بن عجب شاه، كما في سلك الجواهر.
الشيخ جلال الدين الأكبر آبادي
الشيخ العالم الصالح جلال الدين بن صدر الدين الحسيني الأكبر آبادي، كان من كبار
المشايخ وبيته مشهور بالعلم والدين واختيار الفقر والتقلل من الدنيا، كان معتزلاً عن الناس
لا يرى إلا في بيته أو في المسجد مع انقطاعه إلى الزهد والعبادة والإشتغال بالله سبحانه
ودعاء الخلق، وكان يحترز عن مصاحبة الأغنياء كل الإحتراز، ولد في سنة سبع وتسعين
وثمانمائة في بلدة أوده ونشأ بها، وأخذ عن الشيخ راجي نور بن الحامد الحسيني
المانكبوري، وخدم الملوك والأمراء مدة من الزمان، ثم ترك الخدمة ودخل سرهر بور قرية
من أعمال جونبور، ولازم الشيخ إله داد أحمد شريف الجونبوري أربعة أعوام وأخذ عنه،
ثم دخل آكره وسكن بها، أخذ عنه ولده بدر الدين وخلق كثير من المشايخ، مات يوم
النحر سنة تسع وستين وتسعمائة بأكبر آباد فدفن بها، ذكره محمد بن الحسن في كتابه كلزار
أبرار.
الشيخ جلال الدين الأكبر آبادي
الشيخ العالم الكبير جلال الدين بن عبد الله بن يوسف الأكبر آبادي، أحد العلماء
المشهورين في عصره، ولد سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، وحفظ القرآن الكريم، واشتغل
بالعلم على والده وأخذ عنه النحو والعربية وتفقه عليه، وأخذ المنطق والحكمة عن
العلامة أبي البقاء بن عبد الباقي الخراساني، وتصدر للتدريس وهو دون العشرين، أخذ
عنه القاضي جلال الدين الملتاني، والشيخ أفضل محمد الأنصاري والشيخ بدر الدين بن
الجلال الحسيني وخلق كثير، مات لأربع عشرة بقين من ذي القعدة سنة إحدى وستين
وتسعمائة بأكبر آباد، ذكره التميمي في أخبار الأصفياء.(4/323)
الشيخ جلال الدين الدهلوي
الشيخ الفاضل جلال الدين بن فضل الله الدهلوي الشاعر المشهور المتلقب في الشعر
بالجمالي، ولد ونشأ بدار الملك، وقرأ العلم ثم أخذ الطريقة عن الشيخ سماء الدين الملتاني
وصحبه مدة طويلة، ثم سافر إلى بغداد ودمشق وشيراز وهرات ومصر القاهرة وأندلس
من أرض المغرب ويزد وأردستان وخراسان والجيل وغيرها من البلاد، ولقى بها أئمة العصر
كالشيخ جلال الدين محمد بن أسعد الدواني والشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي والشيخ
عبد الغفور اللاري ومحمد الحنفي وأحمد الأندلسي ونظام الدين محمود الشيرازي، ورحل
إلى الحجاز فحج وزار وأخذ الحديث عن الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي
المكي، ثم رجع إلى الهند واعتزل في بيته عن الناس وانقطع إلى الزند والعبادة، وكان همايون
شاه التيموري يعتقد فيه الدين والصلاح وعرض عليه الصدارة فلم يقبلها، ذكره البدايوني،
وله ديوان شعر بالفارسية، ومهر وماه مزدوجة له، ومرآة المعاني، وكتابه سير العارفين في
أخبار المشايخ، ومن شعره قوله:
ما را زخاك كويت بيراهن اس برتن آن هم زآب ديده صد جاك تا بدامن
توفي لعشرة ليال خلون من ذي القعدة سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة.
الشيخ جلال الدين التهانيسري
الشيخ الصالح المعمر جلال الدين محمود العمري التهانيسري، أحد كبار المشايخ، حفظ
القرآن واشتغل بالعلم، وجد في البحث والإشتغال حتى صار أبدع أبناء العصر، ثم درس
وأفاد زماناً طويلاً وأفتى وصنف وخرج، ثم أخذ الطريقة عن الشيخ عبد القدوس
الكنكوهي وتولى الشياخة بأمره، وانقطع إلى الزهد والعبادة، وعاش ثلاثاً وتسعين سنة
وقد أهزلته الرياضة الشديدة، يضحى مستلقياً معتمداً ويعتمد على الوسادة، ولا يسمع
الأذان إلا سرت في جسمه القوة فيقوم ويصلي بتعديل الأركان.
وله إرشاد اللطائف كتاب مفيد في السلوك، قال فيه: إن العشاق لا يتوقفون على الكشف
والكرامة ولا يتقيدون بشيء من الأشياء، ولكنهم يعتنون بالعبادة والزهد والتقوى
والرياضة، ولا يجرونها بل يهلكون أنفسهم ويموتون قبل أن يموتوا، وقال فيه: إن أكثر مدعى
السلوك وجهال الصوفية يضلون عن الطريق في ذلك، نعوذ بالله منه، ومما يؤيده ما روى عن
السلف الصالحين رضي الله عنهم أجمعين: إنما حرموا الوصول لتضييعهم الأصول، والأصول
رعاية الشريعة والطريقة، وما قيل: إن تلاوة القرآن والإشتغال بالعلوم الشرعية أمور حسنة
لكن شأن الطالب شأن آخر، فالمراد منه النوافل الزائدة، لأن شأن الطالب بعد أداء
الفرائض والسنن الرواتب منحصر في شغل الباطن لا بكثرة النوافل وأعمال الجوارح، انتهى.
توفي لأربع عشرة خلون من ذي الحجة سنة تسع وستين، وقيل: تسع وثمانين، وتسعمائة.
الشيخ جلال الدين البرهانبوري
الشيخ الصالح جلال الدين بن نظام الدين بن نعمان الجشتي الآسيري البرهانبوري، أحد
المشايخ الجشتية، ولد ونشأ بآسير، وأخذ عن أبيه وتولى الشياخة بعده، أخذ عنه الشيخ
أبو محمد بن الخضر التميمي والشيخ جمال محمد البرهانبوري وخلق آخرون، مات غرة ربيع
الأول سنة إحدى وخمسين وتسعمائة، فدفن عند جده نعمان بآسير.
الشيخ جلال الدين البرهانبوري
الشيخ العالم الفقيه جلال الدين البرهانبوري المشهور بالمتوكل، كان من كبار المشايخ، أخذ
عن الشيخ شرف الدين بن عبد القدوس الكجراتي ثم البرهانبوري ولازمه مدة من الزمان
حتى بلغ رتبة الشياخة، أخذ عنه السيد إبراهيم البكري وخلق آخرون، مات في سنة
ثلاث، وقيل: ثمان، وثلاثين وتسعمائة.
مولانا جلال الدين التتوي
الشيخ الفاضل الكبير جلال الدين الحنفي التتوي(4/324)
السندي، أحد العلماء المشهورين في
الهند، أخذ الطريقة عن الشيخ فريد الدين العطاري الكواليري، وولى الصدارة بأرض الهند
في عهد همايون شاه التيموري، وكان همايون قرأ عليه بعض الكتب، مات غريقاً في نهر كنك
بجوسه من أعمال بهار سنة ست وأربعين وتسعمائة.
القاضي جلال الدين الملتاني
الشيخ الفاضل الكبير القاضي جلال الدين الحنفي الملتاني، أحد كبار العلماء، ولد بمدينة
بهكر ونشأ بالملتان وسافر للعلم إلى آكره، فقرأ الكتب الدرسية على الشيخ جلال بن عبد
الله الأكبر آبادي، ذكره التميمي في أخبار الأصفياء، وقال محمد بن الحسن في كلزار أبرار:
إنه رجل إلى كجرات وقرأ على الشيخ العلامة وجيه الدين بن نصر الله العلوي الكجراتي،
ثم سافر إلى آكره وأقام بها مدة في زاوية الخمول، واشتغل بالتجارة برهة من الزمان، ثم
عكف على الدرس والإفادة فدرس بأكبر آباد زماناً وظهر فضله بين العلماء فولى القضاء
الأكبر مكان القاضي كمال الدين يعقوب الكروي، فاستقل به مدة وعزل عنه، وأخرجه أكبر
شاه إلى بلاد الدكن حين أخرج العلماء من حضرته وفرقهم إلى نواح الملك، فذهب إلى
بيجابور فأكره أمير تلك الناحية، مات سنة تسع وتسعين وتسعمائة بمدينة بيجابور.
الشيخ جلال الدين البدايوني
السيد الشريف جلال الدين الحسيني البدايوني العالم المحدث، ولد ونشأ بمدينة بدايون،
وسافر إلى دهلي فقرأ المنطق والحكمة على الشيخ عبد الله بن إله داد العثماني التلنبي، ثم
سار إلى آكره وأخذ الحديث عن الشيخ رفيع الدين المحدث الصفوي الشيرازي، ثم رجع إلى
بدايون ودرس بها مدة عمره، أخذ عنه الشيخ عبد الله البدايوني والسيد محمد الأمروهوي
المير عدل وخلق آخرون، ذكره البدايوني في تاريخه المنتخب.
الشيخ جلال الدين الكالبوي
الشيخ الصالح الفقيه جلال الدين الحنفي الصوفي الكالبوي المشهور بالجلال الواصل، كان
من نسل مولانا خواجكي النحوي، أخذ الطريقة عن الشيخ محمد غوث العطاري الشطاري
صاحب الجواهر الخمسة، وغلب عليه الوجد والحالة، وكان أكبر شاه سلطان الهند يحسن
الظن به، مات في بضع وتسعين وتسعمائة ببلدة كالبي.
الشيخ جلال محمد البرهانبوري
الشيخ العالم الصالح جلال محمد الحنفي الدهولي ثم البرهانبوري، أحد المشايخ المشهورين،
ولد بدار الملك دهلي ونشأ بها، ثم سافر إلى كجرات وقرأ العلم بها على عصابة العلوم
الفاضلة، ثم دخل مندو وأخذ الطريقة عن الشيخ بهاء الدين بن إبراهيم الجنيدي وسافر
معه إلى دولت آباد، ووجهه الشيخ إلى برهانبور، فسافر ورأى سيارة قاصدة إلى الحجاز
فوافقها وذهب إلى الحرمين الشريفين سنة ثمانين وثمانمائة، فحج وزار ورجع إلى الهند
وسكن ببلدة برهانبور، وصرف عمره في نشر العلم والمعرفة.
توفي لسبع بقين من ربيع الأول سنة ثمان وعشرين وتسعمائة بمدينة برهانبور، كما في كلزار
أبرار.
الشيخ جمال بن أحمد الجنديروي
الشيخ الصالح جمال بن أحمد بن نعمة الله الملتاني الجنديروي، أحد عباد الله الصالحين،
ولد ونشأ بجنديري- بفتح الجيم المعقود والنون المختفية- وسافر مع والده إلى رائسين ثم
إلى أجين وسكن بها، وكان يدرس نزهة الأرواح وغيره من كتب القوم، وكان كثير الإحسان
إلى الناس، لا يأكل إلا ومعه غيره، وكان صاحب وجد وحالة، ولما احتضر أنشد:
برده بردار كه من عارض زيبا نكرم ورنه از آه جكر برده عالم بدرم
ثم مات، وكان ذلك لثلاث بقين من رمضان سنة سبع وثمانين وتسعمائة، ذكره محمد بن
الحسن في كتابه.
الشيخ جمال بن الحسين الكجراتي
الشيخ الصالح جمال بن الحسين بن أبي(4/325)
المظفر بن أبي الوقت الشريف الحسني الكجراتي،
كان من نسل عبد الوهاب بن عبد القادر الكيلاني، ولد ونشأ بقرية بتهري من أعمال أحمد
نكر، وأخذ عن أبيه، وتولى الشياخة بعده بقرية بتهري، ثم استقدمه بهادر شاه الكجراتي
إلى أحمد آباد.
وكان شيخاً صالحاً عفيفاً ديناً وقوراً، يذكر له كشوف وكرامات، مات لسبع ليال بقين من
شعبان سنة إحدى وسبعين وتسعمائة بأحمد آباد فدفن بها، كما في الحديقة الأحمدية.
الشيخ جمال الدين بن محمود الكجراتي
الشيخ الصالح الفقيه جمال الدين بن محمود بن علم الدين بن سراج الدين العمري
الكجراتي، أحد المشايخ الجشتية، ولد ونشأ بكجرات، وأخذ عن أبيه وعن ابن عمه
نصير الدين بن مجد الدين الكجراتي، وسلك مسلك آبائه في الجمع بين العلم والمعرفة، له
مصنفات منها المذاكرة بالفارسية في الحقائق والمعارف، وله ديوان شعر فارسي.
توفي لتسع خلون من ربيع الأول سنة أربع، وقيل: ثمان، بعد تسعمائة، قتله كفار الهند
بأحمد آباد، كما في أنوار العارفين.
المفتي جمال الدين بن نصير الدهلوي
الشيخ الفاضل العلامة جمال الدين بن نصير الدين بن سماء الدين الحنفي الدهلوي مفتي
الأحناف بدار الملك، كان من أهل بيت العلم والصلاح، أخذ عن صنوه عبد الغفور وعن
والده ثم درس وأفاد بدهلي، أخذ عنه خلق لا يحصون بحد وعد، وكان عارفاً بدقائق
العربية، رأساً في الفقه والأصول والكلام، زاهداً متقللاً قانعاً باليسير، شريف النفس، كان لا
يتردد إلى الملوك والسلاطين، ويشتغل بالدرس والإفادة آناء الليل والنهار، له مصنفات عديدة
منها شرح العضدية وشرح أنوار الفقه وشرح مفتاح العلوم للسكاكي وفيه المحاكمة بين
شرحيه، ومن مصنفاته حاشية بسيطة على شرح الجامي على كافية ابن الحاجب، أولها:
الحمد لله المرفوع شأنه، المنصوب برهانه، المجرور سلطانه، إلخ.
توفي سنة أربع وثمانين وتسعمائة وله تسعون سنة، كما في شمس التواريخ.
مولانا جمال الدين الشيرازي
الشيخ الفاضل جمال الدين الحنفي الشيرازي، أحد العلماء المشهورين، أخذ عن الشيخ
جلال الدين محمد بن أسعد الدواني، وخرج من دياره عند خروج إسماعيل شاه الصفوي
في بلاد الفرس، فسافر إلى الحرمين الشريفين، فحج وزار وقدم الهند صحبة الشيخ رفيع
الدين المحدث والشيخ أبي الفتح، دخل كجرات ثم قدم آكره وسكن بها، له حاشية على
الحاشية القديمة للدواني، مات في بضع وتسعين وتسعمائة، كما في محبوب الألباب
الشيخ جمال الدين البرهانبوري
الشيخ العالم الصالح جمال الدين البرهانبوري المحدث المدرس، كان يدرس بمسجد الشيخ
إبراهيم البهكري بمدينة برهانبور، ولما دخل الشيخ طيب بن يوسف السندي المحدث
بمدينة برهانبور وأقام بسندي بوره على مسافة ميل من مسجد الشيخ إبراهيم اغتنم
الشيخ جمال قدومه وألزم نفسه أن يروح إليه كل يوم مع عظم منزلته عند الناس، فقرأ عليه
صحيح البخاري من أوله إلى آخره، مات بمدينة برهانبور ودفن عند الشيخ إبراهيم.
الشيخ جمال محمد الكجراتي
الشيخ العالم المحدث جمال محمد بن ملك جاند الكجراتي المشهور بجموجي- بفتح الجيم
وتشديد الميم- كان من المشايخ المشهورين بكجرات، ولد ونشأ بها، وقرأ العلم وسافر إلى
الحرمين الشريفين، وكان في ذلك السفر معه محمود وعبد الله وعبد القادر ومحمد حسن
وغيرهم من أشراف كجرات، فحج وزار ورجع إلى الهند وأقام بكجرات زماناً، ثم قدم
برهانبور فولى التدريس بها، وكان عالماً بارعاً في الحديث والتفسير، يدرس كل يوم من
الصباح إلى المساء، مات سنة ثمان وتسعين وتسعمائة ببلدة برهانبور.(4/326)
المفتي جنيد القرشي الملتاني
الشيخ العالم الفقيه المفتي جنيد بن بهاء الدين القرشي الملتاني ثم الأكبر آبادي، أحد
العلماء الربانيين، ولد ونشأ في مهد العلم، وأخذ عن والده ثم قام مقامه في الإفتاء والتدريس،
وكان غاية في السخاء والكرم، لا يأكل إلا ومعه الضيفان، وكان يشفع لهم وينفعهم بأي طريق
كان.
توفي لأربع خلون من شعبان سنة ثمان وتسعين وتسعمائة، ذكره محمد بن الحسن، وقال
التميمي: مات سنة تسع وتسعين وتسعمائة بأكبر آباد فدفن بها.
الشيخ جائين السهنوي
الشيخ الصالح جائين- بالجيم المعقود- الصوفي نجم الحق السهنوي، نسبة إلى سهنه بضم
السين المهملة، كان من كبار المشايخ الجشتية، من الله عليه بالعلوم الكسبية والمعارف
الوهبية في صحبة الشيخ عبد العزيز بن الحسن العباسي الدهلوي، فاستقام مدة عمره على
طريقة الفقر والفناء والتوكل والتسليم، وكان يدرس الفصوص ونقد النصوص وأمثالهما من
كتب القوم بغاية التحقيق والتدقيق، اعتقد كماله أكبر شاه التيموري وتبرك به في بعض
المهمات، واستقدمه إلى الحضرة، وعين الخلوة له في دار العبادة التي أسسها بمدينة فتحبور،
وكان يجتمع به في الخلوة أكثر الليالي ويستفيد منه، ورآه ذات ليلة يصلي الصلاة المعكوسة
فارتد عنه، مات سنة ثمان وتسعين وتسعمائة، ذكره البدايوني.
مولانا جاند المنجم الدهلوي
الشيخ الفاضل مولانا جاند المنجم الدهلوي، كان من كبار العلماء لم يكن في زمانه مثله في
الفنون الرياضية، قربه إليه همايون شاه التيموري وكان يعتمد عليه وجعله مقدماً في أيامه
حظياً عنده حتى لازمه في الفترات، وسافر معه إلى إيران سنة سبع وأربعين وتسعمائة ولم
يفارقه في المنشط والمكره.
الشيخ جندن المندسوري
الشيخ العالم الصالح جندن- بفتح الجيم المعقودة وسكون النون- ابن بدها- بتشديد الدال
المهملة- بن جهجو المندسوري، أحد رجال الطريقة الجشتية، أخذ عن الشيخ صدر الدين
الجشتي وتصدر للدرس والإفادة، وكان يجمع الكتب النفيسة ويهبها من لا يقدر عليها من
المحصلين، كان أصله من سكندره راو، انتقل جده جهجو منها إلى مندسور وسكن بها،
توفي لسبع بقين من رمضان سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، كما في كلزار أبرار.
الشيخ جندن الجونبوري
الشيخ العالم الفقيه جندن الجونبوري، كان من الفقهاء المبرزين في الحديث يدرس ويفيد،
أخذ عنه الشيخ نصير الدين الجهونسوي سائر الكتب الدرسية بمدينة جونبور، كما في كنج
أرشدي.
الشيخ جندن الأكبر آبادي
الشيخ الصالح جندن القرشي الأكبر آبادي، كان من العلماء المبرزين في الفقه والأصول
والعربية، أخذ الطريقة عن الشيخ سماء الدين الدهلوي، وكان جد الشيخ أبي الفضل بن
المبارك الناكوري من جهة الأم، ومن أقواله: حببت إلى أربعة أشياء: العلم والعمل والحياة
والعافية.
الشيخ جكن الكهندوتي
الشيخ الصالح جكن- بالجيم المعقودة والكاف العربية- الكهندوتي، أحد رجال العلم
والطريقة ولد ونشأ بقرية كهندوت جلالبور من أعمال كالبي، ولازم المشايخ من صغر سنه
وأخذ عنهم، وصار من أكابر عصره، يذكر له كشوف وكرامات، مات سنة إحدى(4/327)
وستين
وتسعمائة بكهندوت، كما في كلزار أبرار.
القاضي جكن الكجراتي
الشيخ العالم الفقيه القاضي جكن- بالجيم العربية والكاف الفارسية- الحنفي الكجراتي،
أحد الفقهاء المشهورين، له خزانة الروايات كتاب مبسوط في الفقه الحنفي، ذكره الجلبي في
كشف الظنون، قال: إن خزانة الروايات في الفروع للقاضي جكن الحنفي الهندي الساكن
بقصبة كن من كجرات، وهو مجلد أوله الحمد لله الذي خلق الانسان وعلمه البيان، ذكر
فيه أنه أفتى عمره في جمع المسائل وغريب الروايات، وابتدأ بكتاب العلم لأنه أشرف
العبادات، انتهى.
وقال اللكهنوي في النافع الكبير: إنه من الكتب غير المعتبرة، لأنه مملوء من الرطب واليابس
مع ما فيه من الأحاديث المخترعة والأخبار المختلفة، انتهى.
وكانت له أربعة إخوة كلهم قضاة، مات في حدود سنة عشرين وتسعمائة.
حرف الحاء
مولانا حاتم السنبهلي
الشيخ العالم الكبير حاتم بن أبي حاتم الحنفي السنبهلي، أحد العلماء المشهورين في الهند،
قرأ المختصرات على بعض العلماء، ثم لازم الشيخ عزيز الله التلنبي وقرأ عليه سائر الكتب
الدرسية من المعقول والمنقول وأخذ عنه الطريقة، ثم أخذ عن الشيخ علاء الدين الدهلوي،
وتصدر للتدريس ببلدة سنبهل، فدرس وأفاد بها أربعين سنة.
وكان فاضلاً كبيراً كثير الدرس والإفادة، شديد التعبد متين الديانة، أخذ عنه السيد محمد
الأمروهوي والشيخ عبد القادر البدايوني والشيخ أبو الفتح الخير آبادي والشيخ عثمان
البنكالي وخلق كثير من العلماء.
مات سنة تسع وستين وتسعمائة بمدينة سنبهل فدفن بها، وأرخ لوفاته عبد القادر المذكور
من درويش دانشمند ذكره في تاريخه المنتخب.
وقال في موضع آخر في ذلك الكتاب: إنه توفى سنة ثمان وستين وتسعمائة، وأرخ لوفاته من
قوله تعالى "عند مليك مقتدر" والله أعلم.
الشيخ حاجي بن محمد الدهلوي
الشيخ الصالح حاجي بن محمد بن الحسن بن الطاهر العباسي الدهلوي، أحد كبار
المشايخ، أخذ عن الشيخ عبد الرزاق الحهنجهانوي، وكان عبد الرزاق ممن أخذ عن والده
محمد بن الحسن الدهلوي، توفي سنة ثمان وتسعين وتسعمائة، كما في مهر جهانتاب.
الشيخ حافظ الجونبوري
الشيخ الصالح حافظ بن أبي الحافظ الجونبوري المشهور بواسطة كار، كان من المشايخ
العشقية الشطارية، أخذ عنا لشيخ عبد الله الشطار الخراساني ولازمه مدة من الزمان
حتى بلغ رتبة المشيخة، واستخلفه الشيخ فتصدر للإرشاد والتلقين، أخذ عنه الشيخ
بدهن الشطاري المدفون بباني بت والشيخ ولي الشطاري المتوفي سنة 956 والشيخ عبد
القدوس النظام آبادي وخلق كثير كما في كلزار أبرار.
الشيخ حامد الحسيني المانكبوري
الشيخ الكبير حامد بن أبي الحامد بن عزيز الدين بن شهاب الدين بن حسام الدين بن
شهاب الدين الحسيني الكرديزي المانكبوري، أحد كبار المشايخ الجشتية، أخذ عن الشيخ
حسام الدين العمري المانكبوري ولازمه ملازمة طويلة حتى بلغ رتبة المشيخة، وحصل له
القبول العظيم بعده.
وكان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ولكن الله سبحانه فتح عليه أبواب الكشف والشهود، حتى
إنه كان إذا حضر العلماء بين يديه وسألوه عن شيء من النظريات يجيبهم بما يتحيرون به،
أخذ عنه الشيخ حسن بن طاهر العباسي الدهلوي والشيخ عبد الله بن إله داد
الجونبوري صاحب المصنفات المشهورة وخلق كثير من العلماء.
توفي لخمس بقين من شعبان سنة إحدى وتسعمائة(4/328)
بمدينة مانكبور، وكان أوصى بأن يدفن
خارج المدينة ولا يشاد على قبره بناء، كما في كنج أرشدي.
الشيخ حامد بن عبد الرزاق الأجي
الشيخ الكبير حامد بن عبد الرزاق بن عبد القادر بن محمد الشريف الحسني الأجي، كان
من نسل الشيخ عبد القادر الكيلاني، ولد ونشأ بمدينة أج، وتولى الشياخة بعد والده،
فازدحم عليه الناس وخضعت له الملوك، وبلغ رتبة في إرشاد الناس والهداية لم يصل إليها
أحد من معاصريه، أخذ عنه الشيخ داود بن فتح الله الكرماني وخلق كثير.
مات لإحدى عشرة بقين من ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وتسعمائة، كما في أخبار
الأخيار.
القاضي حبيب الله الكهوسوي
الشيخ العالم الفقيه القاضي حبيب الله بن أحمد بن ضياء الدين بن يحيى ابن شرف الدين
بن نصر الدين بن المفتي حسين العثماني الأصفهاني ثم الكهوسوي الجونبوري، كان من
العلماء المبرزين في الفقه والأصول والعربية، ولي القضاء بكهوسي قرية جامعة من أعمال
جونبور فاستقل به مدة حياته، وكان أخذ الطريقة عن الشيخ علي بن القوام الجونبوري، كما
في العاشقية، يرجع نسبه إلى أبان بن عثمان، وقيل إلى عمر بن عثمان رضي الله عنه.
مولانا حبيب الله الكجراتي
الفاضل العلامة حبيب الله بن شمس الدين الكابلي الكجراتي أحد العلماء المشهورين
بأرض كجرات، وكان يقال له منصف الملك لقبه به بعض سلاطين كجرات، وكان صاحب
البريد في أيام محمود شاه الصغير الكجراتي، وكان ابن عمة الشيخ سراج الدين عمر بن كمال
الدين النهروالي وكيل آصف خان الوزير، وكان حياً عند فتح ايدر، كتب إلى السلطان
محمود يخبر بالفتح وكان مع وظيفته المذكورة مرجع العسكر في الوقائع، ذكره الآصفي في
تاريخه ظفر الواله.
الشيخ حسام الدين الملتاني
الشيخ العالم الصالح حسام الدين المتقي الملتاني، أحد العلماء المتقين كان يزرع بنفسه في
أرض خراجية له يؤدي خراجها ويأكل بعمل يده، ولما صارت الأرض الخراجية مختلطة
بغيرها في فتنة الملتان التزم أن لا يأكل إلا في مخمصة، وكان لا ياوي في ظل مقبرة الشيخ بهاء
الدين زكريا الملتاني ويقول: إنها بنيت من بيت المال فضيع فيها مال المسلمين.
وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولا يخاف في الله لومة لائم، وكان يحترز عن
المشتبهات كل الاحتراز، فإن أكل اللقمة المشتبهة أحياناً بغير وقوف عليها تثقل عليه
وتنقبض نسبته.
قال الشيخ عبد الحق في أخبار الأخيار: إنه أكل يوماً الطعام فثقل عليه وانقبضت نسبته،
فذهبت إلى البيت وتفحص عنه فظهر أن الخادم جاءت بتبن من دار جار له لا يقاد النار
للطبخ، فذهب إلى جاره وأعطاه شيئاً وطلب العفو منه حتى زال القبض، قال: وإن رجلاً
انتعل نعليه وذهب إلى بيته ثم عرف أنهما للشيخ حسام الدين فجاء بهما معتذراً فلم
يقبلهما حتى دفع إليه الثمن وقال: إني جعلت أملاكي كلها موقوفة لئلا يقع في الحرام من
يتصرف فيها بغير إذني، توفي سنة ستين وتسعمائة.
الشيخ حسن بن أحمد الكجراتي
الشيخ الفاضل الكبير حسن بن أحمد بن نصير الدين العمري أبو صالح حسن محمد
الكجراتي، كان من ذرية الشيخ العلامة كمال الدين الدهلوي، ولد سنة ثلاث وعشرين
وتسعمائة بأحمد آباد، وقرأ العلم على من بها من العلماء، ثم أخذ الطريقة عن والده وعمه
الشيخ جمال الدين، وكان والده أخذ عن غير واحد من المشايخ الجشتية منهم الشيخ
حسن بن طاهر العباسي الجونبوري، وأخذ الطريقة القادرية عن الشيخ محمد غياث عن
الشيخ علي عن الشيخ محمد عن الشيخ إسحاق الختلاني عن الشيخ بن الشهاب الهمداني
بسنده إلى أبي النجيب السهروردي، وأخذ الطريقة المدارية عن أخيه الشيخ فريد الدين
عن الشيخ تاج الدين عن الشيخ صادق عن الشيخ سدهن عن الشيخ(4/329)
جمن عن الشيخ
بديع الدين المدار المكنبوري، كما في مجمع الأبرار.
وكان عالماً كبيراً بارعاً في الفقه والأصول والعربية والتصوف والتفسير، تولى الشياخة
إحدى وأربعين سنة، وله مصنفات عديدة، منها تفسير القرآن الكريم اجتهد فيه في ربط
الآيات بعضها ببعض، ومنها تعليقات شريفة على تفسير البيضاوي، وحاشية لطيفة على
نزهة الأرواح، توفي لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة إحدى أو اثنتين وثمانين وتسعمائة وله
تسع وخمسون سنة، كما في أنوار العارفين.
الشيخ حسن بن حسام النارنولي
الشيخ العالم الفقيه حسن بن حسام الدين الجشتي النارنولي، كان من نسل القاضي تاج
الدين الهروي، ولد ونشأ بنارنول، وقرأ الكتب الدرسية على والده، وأخذ الطريقة عن
الشيخ شمس الدين النارنولي ثم عن الشيخ نظام الدين ولازمه ملازمة طويلة، ثم سافر إلى
لاهور واشتغل بها بالتدريس أربعين سنة.
توفي سنة ثمان وتسعين وتسعمائة، كما في أخبار الأصفياء.
الشيخ حسن بن داود البنارسي
الشيخ العالم الصالح حسن بن داود الحنفي البنارسي، أحد كبار المشايخ الجشتية، قرأ
العلم على عمه الشيخ فريد بن قطب البنارسي، ودرس مدة من الزمان، ثم أخذ الطريقة
الجشتية عنه، وألزم نفسه حفظ الأنفاس ومجاهدة النفس حتى أنه كان يفطر على خبز
الشعير في كل أسبوع ولم يكن يأكل أكثر من عشرين مثقالاً.
وله مصنفات في الصرف والنحو منها مرغوب الطالبين في الصرف.
وسافر إلى أرض الحجاز للحج والزيارة فأغار على فلكه القرصان وقتلوه في رابع ربيع الأول
سنة ستين وتسعمائة، كما في كنج أرشدي.
الشيخ حسن بن طاهر الجونبوري
الشيخ العالم الفقيه حسن بن طاهر بن كمال العباسي الجونبوري كمال الحق، كان من
المشايخ المشهورين في بلاد الهند، ولد في بهار ونشأ بجونبور، وكان أصله من الملتان، قدم
والده فدخل جونبور ومكث بها زماناً طويلاً يطلب العلم، ثم سافر إلى بهار وأقام في
مدرسة الشيخ محمد بن طيب وتزوج بها ورزق أولاداً منهم الحسن بن طاهر.
وكان عليه علائم الرشد والسعادة، اشتغل بالعلم في صباه، وانتقل مع والده إلى جونبور،
وقرأ على تلامذة القاضي شهاب الدين الدولت آبادي، وتزوج بابنة الشيخ محمد بن عيسى
الجونبوري، ثم أخذ الطريقة عن الشيخ حامد ابن أبي الحامد الجشتي المانكبوري، فلقبه
شيخه كمال الحق، وكان شيخه يقول إن الحسن حجة موجهة لي يوم القيامة.
وكان عالماً كبيراً عارفاً صاحب المقامات العلية والكرامات الجلية والأذواق الصحيحة
والمواجيد الصادقة، انتقل من جونبور إلى آكره في عهد إسكندر بن بهلول اللودي، فأقام بها
زماناً ثم قدم دهلي وسكن في بجي مندل، - بكسر الموحدة وبجيم وسكون التحتية وفتح
الميم والدال الهندية- محرف من بديع منزل، كان قصراً من القصور السطانية.
توفي يوم الجمعة لست بقين من ربيع الأول سنة تسع وتسعمائة، كما في أخبار الأخيار.
الشيخ حسن بن عبد الله الكالبوي
الشيخ العالم الصالح حسن بن عبد الله القرشي الكالبوي، أحد الأفاضل المشهورين، ولد
ونشأ بكالبي، وقرأ العلم على أساتذة عصره وأسند الحديث عن الشيخ عبد النبي المحدث
الكنكوهي، وأخذ الطريقة عن الشيخ بران الدين الأنصاري، وكان عالماً صالحاً تقياً
شاعراً، قلما يتردد إلى مجالس غناء الصوفية، ويتكلم بالتوحيد مع العقل والدين والسكون،
وكان يدرس ويفيد.
توفي سنة تسع وثمانين وتسعمائة، ذكره التميمي في أخبار الأصفياء، وقال محمد بن الحسن
في كلزار: إن(4/330)
أبا الفيض بن المبارك الناكوري أرخ لعام وفاته فضائل بناهي.
الشيخ حسن بن محمود الشيرازي
الشيخ الفاضل حسن بن محمود الأنصاري الشيرازي الخطاط المشهور، ولد ونشأ بشيراز،
وقرأ العلم على أساتذة بلدته، وخرج من بلاد الفرس في عهد طهماسب شاه الصفوي، لما
أكره الناس على التشيع سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار وأخذ الحديث، ثم قدم الهند
ودخل كجرات في أيام مظفر شاه الحليم الكجراتي ولازم بعض العلماء واستفاد منهم، ثم
قدم آكره وسكن بها، وفيه قال الشيخ زين الدين الخوافي.
هشت شعر من ز عقل ونقل خواهم بشنود جامع المعقول والمنقول مولانا حسن
توفي لأربع خلون من رجب سنة ست وخمسين وتسعمائة بمدينة آكره فدفن بها، ذكره
المندوي في كلزار أبرار.
الشيخ حسن بن موسى الكجراتي
الشيخ الصالح حسن بن موسى الكجراتي، أحد عباد الله الصالحين، ولد ونشأ بكجرات،
وقرأ النحو والفقه والحديث على أساتذة عصره، ثم أخذ الطريقة عن الشيخ جلال بن أحمد
بن جعفر الحسيني الرفاعي.
ولما فتح همايون شاه التيموري بلاد كجرات سافر إلى مندو سنة إحدى وأربعين وتسعمائة
وتزوج بها وأعقب.
وكان صالحاً تقياً ديناً عفيفاً كريماً، توفي ليلة الجمعة لأربع عشرة خلون من صفر سنة
ثلاث وسبعين وتسعمائة، ذكره ولده محمد بن الحسن في كتابه كلزار أبرار.
الفقيه حسن العرب الدابهولي
الشيخ الفاضل العلامة حسن الدابهولي الكجراتي المشهور بفقيه العرب، كان يدرس ويفيد
بمدرسة سرخيز سر كهيج من أحمد آباد كجرات في أيام محمود شاه الكبير وولده مظفر
شاه الحليم الكجراتي، قرأ عليه الشيخ عبد القادر الأجيني وخلق كثير من العلماء، ذكره
محمد بن الحسن.
الشيخ حسين بن أسد الكلبركوي
الشيخ الصالح حسين بن أسد الله بن صقر الله بن أسد الله بن عسكر الله ابن صقر الله
بن الحسين بن محمد بن يوسف الحسيني الكلبركوي، أحد المشايخ الجشتية، ولد ونشأ
بمدينة كلبركه وسافر إلى كلكنده سنة ثمان وخمسين وتسعمائة وسكن بها، ومنحه إبراهيم
قطب شاه أقطاعاً من الملك وأملكه ابنته فصار صاحب العدة والعدد.
ومن آثاره حسين ساكر حوض كبير بناه بحيدر آباد سنة خمس وستين وبذل عليه مائتي
ألف هوناً.
مات لأربع عشرة بقين من جمادي الآخرة سنة تسع وسبعين وتسعمائة، كما في مهر
جهانتاب للسيد الوالد.
الشيخ حسين بن خالد الناكوري
الشيخ الكبير المعمر حسين بن خالد بن نظام الدين الناكوري الشيخ كمال الدين، كان من
ذرية الشيخ حميد الدين السعيدي السوالي، قرأ العلم على الشيخ كبير الدين الجشتي
الناكوري، وأخذ عنه الطريقة ولازمه ملازمة طويلة، ثم دخل أجمير وعكف على ضريح
الشيخ معين الدين حسن السجزي مدة، وهو أول من بنى على ضريح الشيخ المذكور
الأبنية الرفيعة.
وله مصنفات منها تفسير القرآن الكريم المسمى بنور النبي في ثلاثين جزءاً بقدر أجزاء
القرآن مشتمل على حل التركيب وتوضيح المعاني، وله شرح بسيط على القسم الثالث من
مفتاح العلوم للسكاكي، وله أصول الأنوار في ذكر الأبرار في تراجم المشايخ الجشتية، وله
رسائل غر ما ذكرناها.
مات في سنة إحدى وتسعمائة، كما في أخبار الأصفياء.(4/331)
مرزا شاه حسين السندي
الملك المؤيد المظفر حسين بن شاهي بينك بن ذي النون الأرغون القندهاري ثم السندي
الفاضل الكبير، ولد في سنة ست وسبعين وثمانمائة، وقام بالملك بعد والده في سنة ثمان
وعشرين وتسعمائة، فاستقل به أربعاً وثلاثين سنة.
وكان من كبار العلماء، أخذ العلم عن الشيخ مصلح الدين اللاري والشيخ يونس
السمرقندي وعن غيرهما من الأساتذة ولازمهم مدة، وجد في البحث والاشتغال حتى
تبحر في العلوم وتفنن في الفضائل.
وكان حين دروسه وقرائته يكتب درسه ببلده كل يوم في اللغة الفارسية، قال السيد معصوم
بن صفاي الحسيني الترمذي في تاريخ السند: إني رأيت عشرة أجزاء من تلك المسودات
ببلدة سيوستان عند قاضيها حين كنت ملازم دروسه، انتهى.
وكان ملكاً عادلاً كريماً، محباً لأهل العلم والأشراف، يجتمع بهم ويحسن إليهم بالصلات
والجوائز، وكان يقضى في مهمات الأمور وفق الشريعة المطهرة.
توفي لإحدى عشرة خلون من ربيع الأول سنة اثنتين وستين وتسعمائة، فنقل جسده إلى
مكة المباركة ودفن بالمعلاة عند أبيه، ذكره النهاوندي في المآثر.
حسين شاه لنكاه الملتاني
الملك المؤيد حسين بن قطب الدين الملتاني السلطان الفاضل، قام بالملك بعد والده سنة
أربع وسبعين وثمانمائة، فافتتح الأمر بالعدل والإحسان، وسار إلى قلعة شور ففتحها، ثم إلى
جنيوث وملكها ورجع إلى الملتاني، وسار بعد مدة إلى كونكر فملكها وملك ما والاها من
بلاد إلى دهنكوت.
وكان عادلاً باذلاً كريماً، محباً لأهل العلم محسناً إليهم، اجتمع لديه خلق كثير من أهل
العلم، وكان يجري عليهم الأرزاق السنية، واعتزل في آخر عمره عن الناس وولي الأمر ولده
فيروز، ولما كان غير كفء للسلطة سموه في زمان يسير من ولايته فخرج حسين شاه من
العزلة وأخذ عنان السلطة بيده مرة ثانية.
توفي لأربع بقين من صفر سنة أربع، وقيل ثمان، وتسعمائة وكانت مدته ثلاثين أو أربعاً
وثلاثين سنة، ذكره محمد قاسم.
الشيخ حسين بن محمد الكواليري
الشيخ الصالح حسين بن محمد بن الجلال بن زهيد الحسيني الترمذي السارني ثم
الكواليري، أحد المشايخ العشقية الشطارية ولد ونشأ بمدينة كواليار، وأخذ الطريقة عن
الشيخ محمد غوث الكواليري ولازمه زماناً، ثم سافر معه إلى كجرات، وكان مغلوب الحالة،
قتله بعض الناس غيلة بمحمود آباد كجرات سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة، كما في كلزار
أبرار.
الشيخ حسين بن محمد السكندري
الشيخ الصالح حسين بن محمد الجشتي السكندري، أحد المشايخ المشهورين في زمانه،
سافر إلى الحجاز فحج وزار، ورجع إلى الهند وأخذ الطريقة عن الشيخ صفي الدين عبد
الصمد السائينبوري ولازمه مدة من الزمان، أخذ عنه الشيخ عبد الواحد الحسيني
البلكرامي وخلق كثير، مات سنة ست وثمانين وتسعمائة، كما في كلزار أبرار.
مولانا حسين التبريزي
الأمير الفاضل حسين بن نوري الجراح التبريزي نواب خانخانان، كان من الأفاضل المشهورين
في الرئاسة، قربه مرتضى نظام شاه إلى نفسه وجعله من ندمائه، ثم ولاه الوكالة المطلقة نحو
سنة سبع وسبعين وتسعمائة ولقبه خانخانان فصار المرجع والمقصد في كل باب من أبواب
الدولة، وقتل مولانا عناية الله القائني بقلعة جوند لئلا يوليه مرتضى نظام شاه وكالته فغضب
عليه نظام شاه المذكور وعزله عن تلك الخدمة الجليلة، ذكره محمد قاسم في تاريخه.
كمال الدين حسين الأردستاني
الأمير الفاضل كمال الدين حسين الأردستاني نواب مصطفى خان، كان من الرجال
المعروفين بالعقل والدهاء، قدم كلكنده في أيام إبراهيم قطب شاه ونال(4/332)
الوزارة الجليلة،،
فساس الأمور وأحسن إلى الناس، وبالغ في تعمير البلاد وإرضاء النفوس، حتى صار
المرجع والمقصد في كل باب من أبواب الدولة، فحسده الأمراء ورغب عنه إبراهيم قطب
شاه وصار ينتهز الفرصة لابعاده، فلما أحس منه ذلك خرج من كلكنده وسار نحو
صاحب بيجابور، فاغتنم قدومه على عادل شاه البيجابوري وقربه إلى نفسه وجعله
صاحب العدة والعدد، ثم استوزره وجعله وكيل السلطة وأعطاه أقطاعاً من الملك، فخدمه
مدة من الزمان، ثم خدم إبراهيم عادل شاه قليلاً، وقتل بأمر كشور خان بقلعة بنكابور
سنة ثمان وثمانين وتسعمائة، كما في بساتين السلاطين.
الشيخ الحسين البغدادي
الشيخ الفاضل العلامة حسين البغدادي، أحد كبار العلماء، كان من ذرية الإمام أبي
حذيفة. ولد ونشأ ببغداد، وقرأ العلم على أساتذة الزوراء، ثم سافر إلى شيراز ليأخذ
العلم عن الأمير غياث الدين بن المنصور الشيرازي، فلما دخل البلاد دعى إلى مجلس لأهل
العلم دعاه إبراهيم خان أمير تلك الناحية، فلما اجتمع الناس عرض الأمير عليهم الإيراد
الذي أورده غياث الدين بن المنصور على شرح التجريد في مبحث العلة والمعلول، فسكت
الناس كلهم إلا البغدادي فقال له: لو أعطيتني شرح التجريد ليومين فأنظر فيه ماله وما عليه
لأجبتك عن تلك المسألة! فأعطاه الأمير ذلك الشرح فطالعه وأجاب عن الإيراد بوجوه
عديدة، واستحسنها العلماء كلهم إلا غياث الدين فإنه خجل واتهمه بالنصب والخروج
وسأل الأمير أن يخرجه من بلاده، فأبى الأمير ذلك وشفع وقال: من جاء في هذه البلدة
ليستفيد من جنابكم فكيف يسوغ لي أن أخرجه من البلد! فرضى غياث الدين عنه
ومكث البغدادي ببلدة شيراز مدة يستفيد منه، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار،
ودخل الهند وساح معظم المعمورة واختار الإقامة بأحمد آباد كجرات، فسكن بها وتصدى
للدرس والإفادة، أخذ عنه مولانا عبد القادر البغدادي والحكيم عثمان البوبكاني وخلق
آخرون.
توفي سنة سبع وسبعين وتسعمائة فدفن برسول آباد وله ست وسبعون سنة، ذكره محمد
بن الحسن في كلزار أبرار.
الشيخ حسين البزهري
الشيخ العالم الكبير حسين البزهري، أحد الأفاضل المشهورين في الهند، درس وأفاد في
المدرسة بمدينة دهلي وانتفع به خلق لا يحصون بحد وعد، ذكره عبد القادر البدايوني في
كتابه المنتخب وأثنى على فضله وبراعته في العلوم.
الشيخ حسين الملتاني
الشيخ الصالح حسين الجشتي الملتاني، أحد رجال العلم والطريقة، دخل أجمير وعكف
على ضريح الشيخ الكبير معين الدين اثنتى عشر سنة، ثم استقدمه محمود شاه الخلجي
إلى مندو فسكن بها، وكان زاهداً عفيفاً ديناً، يذكر له كشوف وكرامات.
توفي سنة خمس وأربعين وتسعمائة بكراريه قرية من أعمال مندو وله مائة وتسع عشرة
سنة، كما في كلزار أبرار.
القاضي حماد الردولوي
الشيخ العالم الفقيه القاضي حماد الحنفي الردولوي، أحد العلماء المشهورين في زمانه، كان
يدرس ويفيد، ذكره الشيخ ركن الدين محمد بن عبد القدوس الكنكوهي في اللطائف
القدوسية.
الشيخ حميد الدين الكواليري
الشيخ العارف حميد الدين بن ظهير الدين الغزنوي الكواليري، أحد المشايخ المشهورين،
كان يعرف بالحاج الظهور الحميد الحصور، ولد سنة خمس وثلاثين وثمانمائة، وانتقل مع أبيه
إلى بلاد الهند وسكن بكواليار، ثم سافر إلى منير ولازم الشيخ محمد بن العلاء الشطاري
المنيري وأخذ عنه، ثم لازم ولد شيخه أبا الفتح هدية الله سرمست وأخذ عنه ثم سافر
إلى الحرمين الشريفين فحج وزار وأخذ الطريقة الأويسية عن الشيخ على الشيرازي عن عزيز
الله بن عبد الله المصري، وأخذ الطريقة الجشتية عن الشيخ(4/333)
محمد غياث عن الشيخ معين
الدين عن الشيخ حسام الدين الجشتي المانكبوري، وأقام بالمدينة المنورة أربعين سنة ثم رجع
إلى الهند وأقام بمدينة كواليار، أخذ عنه الشيخ فريد الدين أحمد الكواليري وصنوه محمد
غوث صاحب الجواهر الخمسة، توفى لثمان بقين من ذي الحجة سنة ثلاثين وتسعمائة، كما
في كلزار أبرار.
مولانا حميد الدين الكجراتي
الشيخ الفاضل حميد الدين بن لار الكجراتي أحد فحول العلماء، ولد ونشأ بكجرات
واشتغل بالعلم وتخرج على أهله ثم درس وأفاد، ولما ورد محمد غوث الكواليري بلاد
كجرات وأنكر عليه العلماء قام بنصرته ورد عليهم بالمعقول والمنقول ولازمه مدة وأخذ عنه
الطريقة العشقية الشطارية، ذكره محمد بن الحسن المندوي في كلزار أبرار وقال: إنه انتقل في
آخر عمره إلى برهانبور وقد أربى على ثمانين سنة، مات ودفن ببرهانبور.
مولانا حميد الدين السنبهلي
الشيخ العالم الفقيه حميد الدين السنبهلي المفسر الواعظ، كانت له اليد الطولى في تفسير
القرآن وإلقائه على الناس والتذكير بآيات الله سبحانه، وكان شديد التصلب في الدين، ذكره
البدايوني قال: وكان همايون شاه التيموري يحسن الظن به ويقربه إليه، والحميد يحبه حباً
مفرطاً، فلما رجع همايون من إيران استقبله بكابل، وكان يظل أن همايون تشيع في إيران
فغضب عليه ذات يوم وقال له: إني وجدت رجال جنودك كلهم رفاضاً! فقال له همايون:
كيف عرفت ذلك؟ قال: إني وجدت أسماءهم أسماء الرفاض هذا يار علي، وذلك كفش
علي، وذلك حيدر علي، ما وجدت أحداً منهم مسمى بأسماء الصحابة الآخرين، فكبر
ذلك على همايون وألقى قلماً كان بيده وقال: ما علمت إلا أن اسم جدي كان عمر شيخ
مرزا، ثم دخل المنزل وخرج فتلطفه وأخبره عن عقيدته، انتهى.
مات لسبع خلون من محرم سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة بمدينة سنبهل، كما في الأسرارية.
الشيخ حنيف الحسيني
الشيخ الصالح حنيف بن أبي حنيف الحسيني المحمد آبادي البيدري، أحد المشايخ
المشهورين في عصره، أخذ عن الشيخ مسعود بك، وسافر إلى بلاد الدكن فأكرمه أحمد
شاه البهمني فسكن بمدينة بيدر- بكسر الموحدة- ومات بها سنة إحدى وتسعمائة وله
ثمانون سنة، ذكره السيد الوالد في مهر جهانتاب.
مرزا حيدر الكوركاني
الأمير الفاضل حيدر بن محمد حسين الجغتائي الكوركاني، كان من نسل جنكيز خان،
ولد سنة خمس وتسعمائة في بلدة أورايته من بلاد ما وراء النهر، وتفنن بالفضائل على
علماء بلاده ثم تقرب إلى مرزا أبي سعيد الكاشغري ملك يارقند فرباه في مهد السلطة
وبعثه إلى تبت سنة خمس وثلاثين وتسعمائة ومعه أربعة آلاف من المقاتلة، فسار إلى تبت
ثم إلى كشمير وفتحهما، فولاه أبو سعيد على أرض تبت فلبث بها زماناً، ولما مات أبو
سعيد سار إلى بدخشان ثم رجع إلى الهند، وولاه كامران بن بابر شاه التيموري على
لاهور وما والاها من البلاد، ولما خرج شير شاه على همايون شاه التيموري وأخرجه إلى
إيران سار حيدر مرزا إلى كشمير ومعه مائة وخمسون رجلاً من خاصته فملكها بالعقل
والتدبير، وجعل الخطبة والسكة على اسم نازك شاه الكشميري الذي كان لعبة في أيدي
الوزراء فاستقل بالأمر، وبذل جهده في تعمير البلاد وتكثير الزراعة وترويج الصناعات ونشر
العلوم والفنون، وقام بالأمر اثنتى عشر سنة، ثم خرج عليه الشيعة وقتلوه غيلة، وله تاريخ
رشيدي كتاب ضخيم في التاريخ بالفارسي صنفه لعبد الرشيد بن أبي سعيد الكاشغوي،
ومن شعره قوله:
عاشق شده را اسير غم بايد بود محنت كش درد رويتم بايد بود
يا از سر كوي يار بايد بر خاست يا از سك كوي يار كم بايد بود
قتل لثمان خلون من ذي القعدة سنة سبع أو ثمان وخمسين وتسعمائة بمدينة سري نكر،
فدفنوه بمقبرة الملوك.(4/334)
حرف الخاء
الشيخ خاصه بن خضر الأميتهوي
الشيخ العالم الصالح خاصة بن خضر بن كدن بن خير الدين الصالحي المكي بهاء الحق
خاصه خدا الحنفي الأميتهوي، كان من رجال العلم والطريقة ينتهي نسبه إلى عبد الله
علمبر دار الصالحي المكي، ذكره حفيده الشيخ أحمد بن أبي سعيد الأميتهوي في مناقب
الأولياء وقال: إن جده خاصه سافر في عنفوان شبابه إلى جونبور ولازم الشيخ محمد بن
عبد العزيز الجونبوري وأخذ عنه ثم رجع إلى بلدته ولبث بها زماناً ثم دخل سدهور-
بكسر السين المهملة وتشديد الدال وأدرك بها الشيخ خواجكي بن علي الأنصاري فلازمه
زماناً وتزوج بابنتيه واحدة بعد أخرى، ثم نزل أميتهي وسكن بها، وكان يدرس ويفيد،
أخذ عنه خلق كثير.
توفي لثلاث ليال بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة ببلدة أميتهي.
خانجيو بن داود الكجراتي
الوزير الكبير خانجيو بن داود الصديقي الكجراتي، أحد كبار الوزراء بكجرات، ويقال له
اختيار خان، وكان من بيت القضاء ببلدة نرياد- بفتح النون وسكون الراء المهملة وياء
تحتية وألف ودال مهملة- مولده ومنشأه بها، واشتغل وحصل وخدم الدولة ثم خدمته
وصار في أوج القرب من السلطة، وتقدم في الذكاء والفطنة والفراسة حتى كان فيها ثانياً
لإياس بن قرة، وأما العلوم الحكمية فلا تسئل عن ذلك، وكان منقطع القرين مجمع رياسة
الدنيا والدين، ولذلك بعثه مظفر شاه الحليم حاجباً إلى مدينة لاد، واجتمع بسلطانها،
وكانت له معه مجالس مأنوسة لطيفة إلى الغاية فأقبل عليه وأدناه منه، ثم ولى الوزارة وخدم
بهادر شاه نحن ثلاث عشرة سنة، ولما انهزم بهادر شاه إلى مدينة ديو وتغلب همايون شاه
التيموري على بلاد كجرات سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة وجيء به إلى مجلسه فاستثناه
واحتفى به وأدنى مجلسه منه وقدمه حتى على جلسائه وأصغى إليه في المهمات الملكية
وعمل بما رآه، فكان المشار إليه لديه وجرت بينهما مذاكرات حسنة ومحاورات لطيفة في
فنون من العلوم العقلية والنقلية والرياضية والفلكية والأدبية نظماً ونثراً فوجده فيها حبراً
بحراً فكبر في عينيه ووقر في صدره، فكان إذا رآه يتمثل بما كان يقول عضد الدولة في حق
أبي الحسن بن محمد بن عبد الله بن المخزومي السلامي الشاعر يقول إذا رأيت السلامي في
مجلسي ظننت أن عطارد قد نزل من الفلك إلى ووقف بين يدي.
ثم لما قتل بهادر شاه وولي المملكة محمود شاه الصغير ولاه النيابة المطلقة في أوائل ربيع
الأول سنة أربع وأربعين، وكان عماد الملك أمير الأمراء وهو خصيمه، فأشار إليه أفضل
خان عبد الصمد البياني أن يعتزل في بيته ويترك النيابة لأنه كان يرى أن عماد الملك
سيغلب على الأمور المهمة ولا يرضى أن يكون له شريك في الملك من الوزراء، فلم يسمعه
اختيار خان واعتزل أفضل خان في بيته فوقع كما قال وقتله عماد الملك.
وذكر الآصفي أنه لما وضع الجلاد الحبل في عنقه لصلبه قال: لا إله إلا الله! فقبل أن يتم
كلمة الشهادة رفعه عن الأرض وبقى مصلوباً حتى برد، ثم أرخى الحبل وحين أخرجه من
عنقه رجعت عيناه إلى ما كانتا عليه في الحياة ونطق تتمة الكلمة: محمد رسول الله!
وفارق الدنيا سنة أربع وأربعين وتسعمائة، وأرخه بعضهم بقوله بناحق كشت بموجب ذكره
الآصفي.
الشيخ خانون الكواليري
الشيخ الكبير خانون بن العلاء بن تاج الجشتي الكواليري، أحد المشايخ المشهورين، أخذ
الطريقة عن الشيخ إسماعيل بن الحسن بن سالار عن أبيه عن جده عن اختيار الدين عمر
الأيرجي، وأخذ عن الشيخ حسين بن الخالد الناكوري أيضاً.
ولد سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، وعمر سبعاً وثمانين سنة مع قناعة وعفاف وزهد
وتوكل، أخذ عنه الشيخ نظام الدين النارنولي وصنوه إسماعيل.(4/335)
وظهر لي بعد التفحص الكثير أن اسمه كان خان محمد، توفي لليلتين خلتاً من جمادي
الأولى سنة أربعين وتسعمائة، كما في كلزار أبرار.
الشيخ خواجه عالم الكجراتي
الشيخ الصالح خواجه عالم الحسيني الكجراتي، أحد المشايخ العشقية الشطارية، يصل
نسبه من جهة أبيه إلى الشيخ مودود الجشتي ومن جهة أمه إلى الشيخ جلال الدين الباني
بتي، ولد ونشأ بكجرات وقرأ العلوم المتعارفة وتدرب على الرمي حتى فاق أقرانه في ذلك،
ثم أخذ الطريقة العشقية عن الشيخ محمد غوث الكواليري ولازمه زماناً، وكان يدرس
ويفيد، مات ودفن بقرية بيربور من أعمال كجرات، ذكره محمد بن الحسن.
الشيخ خواجكي السدهوري
الشيخ الصالح الفقيه خواجكي بن علي بن خير الدين بن نظام الدين الأنصاري
السدهوري، قدم الهند جده نظام الدين سنة أربعين وثمانمائة وسكن بسدهور- بكسر
السين وتشديد الدال المهملتين- قرية جامعة في أرض أوده.
وكان خواجكي من كبار المشايخ الجشتية، ولد ونشأ بسدهور، وسافر للعلم إلى جونبور
واشتغل على من بها من العلماء، ثم أخذ الطريقة عن الشيخ تاج الحق الجونبوري عن
الشيخ شمس الدين الأودي عن السيد عبد الرزاق الكجهوجهوري.
وفي رسائل الشيخ عبد القدوس الكنكوهي أنه أدرك العلامة بدهن أحد أصحاب الشيخ
محمد بن عيسى الجونبوري، وكان الشيخ عبد القدوس يخاطبه في رسائله بشيخ الإسلام.
كان له أربعة أبناء: شيخ المشايخ ومحمد ومحب الله وابن آخر وكلهم كانوا علماء.
ونسبه يصل إلى الشيخ عبد الله الأنصاري الهروي، فإن جده نظام الدين كان ابن الشيخ
جمال الدين بن محمد بن غياث بن معز بن حبيب بن شمس بن الجلال بن ظهير بن محمد بن
نظام بن الشهاب بن محمود بن عوض بن أيوب بن جابر بن إسماعيل عبد الله الهروي.
خسرو آقا اللاري
الأمير الفاضل خسرو آقا اللاري نواب أسد خان البيجابوري، كان من الرجال المشهورين
في العقل والدهاء والسياسة والرئاسة، لقبه إسماعيل عادل شاه بأسد خان، وأعطاه
أقطاعاً من الملك، وجعله سر عسكراً، فافتتح البلاد والقلاع، وخدم إسماعيل ثم ولده
إبراهيم خمساً وثلاثين سنة، وجاوز عمره مائة سنة.
وكان رجلاً حازماً شجاعاً فاضلاً أميناً ناصحاً، محباً لأهل العلم محسناً إليهم، حسن
الخط ذا سخاء وكرم، وكان يذبح في مطبخه كل يوم مائة غنم ومائتا دجاجة، له آثار باقية
في مدينة بلكام من قلعة متينة حصينة وجامع كبير داخل القلعة وحياض وجداول طينية.
وإني قرأت كتابه الجامع فإذا فيه أسعد خان مكان أسد خان والمشهور على الألسن
والمذكور في الصحف أسد خان، والله أعلم.
توفي سنة ست وخمسين وتسعمائة بمدينة بلكام
الشيخ خضر بن ركن الجونبوري
الشيخ الفاضل خضر بن ركن الصديقي الجونبوري الشيخ بدهن ميان خان ابن قوام الملك،
كان من رجال العلم والطريقة، سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار ورحل إلى القدس
الشريف، وأخذ الطريقة عن الشيخ عبد القدوس بن إسماعيل الحنفي الكنكوهي ولازمه
ملازمة طويلة، وجمع رسائله في كتاب بسيط.
السيد خوند مير الكجراتي
السيد الشريف خوند مير بن موسى بن جهجو بن سعيد بن يحيى الحسيني النهروالي
الكجراتي، أحد الرجال المشهورين، ولد ونشأ بنهروالة ولازم السيد محمد بن يوسف
الجونبوري المتمهدي عند وروده(4/336)
هناك، وبايعه وصدقه في إدعائه وسافر معه إلى خراسان
وأقام بها زماناً، ثم وجهه الجونبوري إلى كجرات، فجاء واستصحبه محمود بن محمد
الجونبوري إلى خراسان عند والده ومكث بها إلى وفاة المتمهدي، ثم رجع إلى كجرات
واختار الإقامة بقرية كهانبهيل، على ثمانية أميال من نهرواله، وصرف شطراً من عمره في
دعوة الناس إلى مذهبه، وذهب إليه خلق كثير وافتتن به الناس، فأمر مظفر شاه الحليم
الكجراتي بدفع تلك الفتنة، فسار إليه عين الملك بعساكره وكان والياً على نهرواله فقاتله
وقتله في المعركة، وكان لقبه في أهل مذهبه صديق الولاية والخليفة الثاني، وله بحر الفوائد وأم
العقائد كتاب في الكلام.
قتل لأربع عشرة خلون من شوال سنة ثلاثين وتسعمائة، ذكره كلاب ابن عبد الله
البالنبوري في تاريخه.
حرف الدال
الشيخ دانيال بن الحسن الجونبوري
الشيخ الفاضل دانيال بن الحسن بن حسام الدين العمري البلخي ثم الجونبوري، أحد
الأفاضل المشهورين، قدم الهند وخدم الملوك بدهلي مدة طويلة، ثم ترك الخدمة وسافر إلى
البلاد، وأخذ الطريقة الجشتية عن الشيخ حامد بن أبي الحامد الحسيني المانكبوري بمدينة
مانكبور، ثم رحل إلى بنارس وأقام بها زماناً، ثم دخل جونبور وسكن بها، وكان يدرس
ويفيد، أخذ عنه الشيخ محمد بن يوسف الحسيني الجونبوري وصنوه أحمد بن يوسف،
ولأحمد المقالات الخضروية كتاب جمع فيه ملفوظاته، قال فيه: إنه أدرك الخضر واستفاد منه
فيوضاً كثيرة، ولذلك لقبوه بالخضري.
توفي لاثنى عشرة بقين من ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة، كما في كنج أرشدي.
الشيخ داود بن حسن الكشميري
الشيخ الفاضل داود بن الحسن الخاكي الكشميري، أحد رجال العلم والطريقة، ولد ونشأ
بكشمير، وقرأ بعض الكتب الدرسية على الشيخ نصير الدين النصير ثم اعتزل عنه لظنه
أنه من طائفة الشيعة، ولازم الشيخ رضى الدين الكشميري وقرأ عليه سائر الكتب
الدرسية، وقرأ على مولانا أفضل الكشميري، ثم أخذ الطريقة عن الشيخ حمزة ولازمه
ملازمة طويلة، وأخذ عن الشيخ أحمد الحسيني الكرماني والشيخ إسماعيل الحسيني
والشيخ محمد القادري، واستفاض منهم فيوضاً كثيرة.
وله مصنفات عديدة منها العقيدة الجلالية، والرسالة العالية، وورد المريدين، وشرحه
دستور السالكين، أوله: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، إلخ.
توفي سنة أربع وتسعين وتسع مأة، كما في روضة الأبرار.
الشيخ داود بن عجب شاه الكجراتي
الشيخ الفاضل داود بن عجب شاه الهندي الكجراتي، أحد دعاة المذهب الإسماعيلي
بأرض الهند، ذكره سيف الدين عبد العلي الكجراتي في المجالس السيفية، قال: إنه سار إلى
بلاد اليمن، وأخذ علم التنزيل والتأويل عن الشيخ عماد الدين إدريس بن الحسن
الإسماعيلي اليماني، ورجع إلى الهند ونص له جلال الدين الهندي بالدعوة بعده، فلما مات
جلال الدين تولى الدعوة، ونص بالدعوة بعده لداود بن قطب شاه الكجراتي.
مات لثلاث بقين من ربيع الثاني سنة سبع وتسعين وتسعمائة.
الشيخ داود بن فتح الله الكرماني
الشيخ الكبير الزاهد داود بن فتح الله الحسيني الكرماني، أحد المشايخ القادرية الجميلية،
توفي والده قبل ميلاده وأمه في صغر سنه، فتربى في حجر أخيه رحمة الله، وقرأ القرآن
واشتغل بالعلم زماناً وتفقه على بعض العلماء، ثم دخل لاهور ولازم الشيخ إسماعيل بن
عبد الله الأجي، وكان يتوقد ذكاءاً قل أن يدخل في علم من العلوم وباب من أبوابه إلا ويفتح
له من ذلك الباب أبواب، وكان شيخه إسماعيل يقول:(4/337)
كنا نفتخر بلقاء الشيخ العارف عبد
الرحمن الجامي والأخذ عنه، كذلك يصير هذا الفتى فيبلغ رتبة يفتخر الناس بلقائه ويتبركون
به، فصار كما ظن به إسماعيل، ونبغ في كل علم ومعرفة، وأخذ الطريقة عن الشيخ حامد
بن عبد الرزاق الأجي ثم انقطع إلى الزهد والعبادة وسكن بشير كده من بلاد بنجاب،
فتهافت عليه الناس وهجموا عليه، وكانوا يتبركون به، ويستفيدون منه، وكان لا يخرج من
بيته ولا يتردد إلى أحد، ويتصدق بأمواله كل سنة مرة أو مرتين، لا يبقى عنده شيئاً منها.
مات سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة، ذكره البدايوني.
الشيخ داود بن قطب البنارسي
الشيخ العالم الصالح داود بن قطب بن الخليل العمري البنارسي، أحد رجال العلم
والطريقة، ولد ونشأ بقرية خانقاه في بيت جده لأمه الشيخ نور، ولما توفي والده سافر للعلم
إلى بنارس مع صنوه فريد الدين، فاشتغل على الشيخ مبارك البنارسي وقرأ الكتب
الدرسية عليه وسكن ببنارس، وكان يدرس ويفيد.
غرق بماء كنك لأربع عشرة خلون من شوال سنة ست وتسعمائة بقصة شرحتها في ترجمة
أخيه فريد الدين.
الشيخ داود السندي
الشيخ العالم الفقيه القاضي داود الحنفي السندي، أحد مشاهير القضاة في بهكر من بلاد
السند، أصله من فتحبور قرية في ناحية سيوى من بلاد السند، انتقل إلى بهكر في أيام
محمود شاه السندي، فولاه القضاء فاستقل به مدة طويلة، وكان مشكور السيرة في القضاء،
ذكره النهاوندي في المآثر وقال: حبسوه ثم قتلوه بالسم سنة إحدى وثمانين وتسعمائة.
القاضي دته السيوستاني
الشيخ العالم الفقيه القاضي دته بن شرف الدين الحنفي السيوستاني، أحد العلماء
الصالحين، قرأ العلم على والده وعلى الشيخ محمود والشيخ عبد العزيز الهروي، وأخذ
الحديث والتفسير عن الشيخ بلال التهلتي وصحب كبار المشايخ وأخذ منهم حتى برع في
العلم والمعرفة ومهر في التفسير والجفر الجامع وفي فنون أخرى، أخذ عنه الحسين بن شاهي
بيك القندهاري ملك السند، ولقبه الشيخ عثمان السندي الأستاذ، وقبره في قرية باغبان،
ذكره معصوم بن صفائي الترمذي في تاريخه.
مولانا درويش محمد الدهلوي
الشيخ العالم الفقيه درويش محمد الواعظ المارواء النهري ثم الهندي الدهلوي، أحد
العلماء المذكرين، سافر إلى الحجاز على قدم الصدق والإرادة، فلبث بها بضع سنين ثم قدم
الهند في أيام الأفاغنة نحو سنة خمس وخمسين، وصحب مشايخ الهند وأخذ عنهم وسكن
بدهلي.
وكان شديد التعبد، حسن الأخلاق، مستقيماً على الطريقة الظاهرية والصلاح، مات سنة
سبع وتسعين وتسعمائة، وقبره عند ضفة الشيخ برهان الدين البلخي، كما في أخبار
الأخيار.
الشيخ ديتن الجونبوري
الشيخ العالم الصالح ديتن بن أحمد الرضى الشريف الجونبوري، أحد المشايخ الجشتية، كان
اسمه إله داد، وهو أخذ الطريقة عن الشيخ نور بن الحامد المانكبوري، وأخذ عنه الشيخ
جلال الدين بن صدر الدين الأكبر آبادي وخلق آخرون.
مات لإحدى عشرة خلون من ربيع الثاني سنة أربع وأربعين وتسعمائة، كما في أخبار
الأصفياء.
حرف الراء
الشيخ راجح بن داود الكجراتي
الشيخ العالم المحدث راجح بن داود بن محمد بن عيسى بن أحمد الحنفي الكجراتي، أحد
العلماء العاملين، ذكره السخاوي في الضوء اللامع قال: إنه ولد في تاسع صفر سنة إحدى
وسبعين وثمانمائة بأحمد آباد، وقرأ في بلدته على محمود بن محمد المقريء الحنفي النحو
والصرف والمنطق والعروض وغيرها، وعلى المخدوم بن برهان الدين المعاني(4/338)
والبيان، وعلى
محمد بن تاج الحنفي الهيئة والكلام، وبرع في الفنون ونظم الشعر مع جودة الفهم، ولقيني في
أوائل سنة أربع وتسعين بمكة وقد قدم هو وأخوه قاسم وعمهما للحج، ثم توجهوا للزيارة،
ولما عاد قرأ على شرحي لألفية الحديث وكتبت له إجازة حافلة، وأثبت له ترجمة البدر
الدماميني لسؤاله عن ذلك لكونه مات في الهند، وزدت له ترجمة العلاء البخاري الحنفي،
ونبهت على تكفيره لابن العربي وتكفير من يعتقده رجاء انتفاعه بذلك في دفع من يعتقده
ويشتغل بتصانيفه، انتهى.
توفي سنة أربع وتسعمائة، كما في تذكرة العلماء.
الشيخ راجي محمد الأجيني
الشيخ الصالح راجي محمد بن شيخ خان الحنفي الأجيني، كان من نسل الشيخ عين
القضاة الهمداني، اشتغل بالعلم من صغره، وسافر إلى برهانبور فأقام بها سنتين وقرأ بعض
العلوم على أساتذتها، ثم رحل إلى أحمد آباد بيدر ولازم الشيخ محمد بن إبراهيم
الإسماعيلي الملتاني اثنتى عشرة سنة، ودخل أجين سنة ثلاثين وتسعمائة فسكن بها،
ودرس خمسين سنة.
توفي لثلاث بقين من رمضان سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة بمدينة أجين، ذكره محمد بن
الحسن في كلزار أبرار.
الشيخ رحمة الله السندي
الشيخ العالم الكبير المحدث رحمة الله بن عبد الله بن إبراهيم العمري السندي المهاجر إلى
المدينة المنورة، ولد بدربيله من أعمال السند ونشأ بها على فضل عظيم، ورحل إلى
كجرات مع أبيه، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين، وأخذ الحديث عن الشيخ علي بن محمد
بن غريق الخطيب المدني صاحب تنزيه الشريعة، وعن غيره من أئمة الحديث، ثم عاد إلى
الهند ومعه الشيخ عبد الله بن سعد الله السندي، فأقام بكجرات وكانت له كالوطن لطول
اللبث وامتداد الإقامة بها قبل الرحلة إلى المشعر الحرام، فدرس بها أعواماً وأخذ عنه
خلق لا يحصون بحد وعد.
وكان صاحب تقوى وعزيمة، كان لا يقبل النذور عند إقامته في الحجاز لنوع شبهة فيها،
وكان السلطان العثماني يبعث بها إلى الشيخ علي بن حسام الدين المتقي لقسمتها على
المحاويج والعلماء، وعاد إلى مكة المباركة في آخر عمره.
وله مصنفات منها كتاب المناسك، أوله: الحمد لله أكمل الحمد على ما هدانا للاسلام، إلخ،
شرحه نور الدين علي بن سلطان محمد القاري الهروي سنة 1012 للهجرة، وسماه المسلك
المقتسط في المنسك المتوسط، وله منسك صغير شرحه على المذكور سنة 1010 للهجرة
وسماه هداية السالك في نهاية المسالك، ذكره الجلبي في كشف الظنون، وله تلخيص تنزيه
الشريعة عن الأحاديث الموضوعة لشيخه علي بن محمد الخطيب وهو في غاية اللطف من
الاختصار، ذكره القنوجي في أبجد العلوم.
وقد ذكره الحضرمي في النور السافر قال: إنه كان من العلماء العاملين وعباد الله الصالحين
رحمه الله، وطبق بعض الفضلاء في تاريخ موته بحساب الجمل فجاء رحمة الله قد نال مراده
وزاد في العدد اثنين، وذلك مسامح فيه عند أهل هذا الفن خصوصاً إذا كان التاريخ
مناسباً للحال، ثم قال: وقد أشار صاحبنا الشيخ الفاضل محمد بن عبد اللطيف الجامي
المكي الشهير بمخدوم زاده في القصيدة التي رثاه بها فقال:
رحمة الله لا تفارق مثوى رحمة الله بالحيا والغمام
قال: وبالجملة فإنه كان بقية السلف الصالح رحمه الله، انتهى.
توفي لثمان خلون من محرم سنة أربع وتسعين وتسعمائة.
الشيخ رحمة الله الكجراتي
الشيخ العالم المتوكل رحمة الله بن عزيز الله العمري الكجراتي، أحد العلماء العاملين وعباد
الله الصالحين، ولد ونشأ في مهد العلم والمعرفة، وأخذ عن والده وتفقه عليه، وكان والده
من كبار المشايخ(4/339)
فتولى الشياخة بعده مع الطريقة الظاهرة والصلاح والعفاف والتوكل والعزلة،
وكان له شأن كبير في الزهد والورع والإستقامة، أخذ عنه الشيخ بهاء الدين وخلق
آخرون.
توفي لإحدى عشرة بقين من جمادي الآخرة سنة سبع وستين وتسعمائة، كما في بحر
زخار.
مولانا رزق الله الدهلوي
الشيخ الفاضل رزق الله بن سعد الله البخاري الدهلوي، كان من العلماء المبرزين في
الشعر والتاريخ والتصوف والموسيقى، وله معرفة بلغة سنسكرت، ولد بدهلي سنة سبع
وتسعين وثمانمائة، وأخذ عن الشيخ محمد بن الحسن العباسي الدهلوي، ثم لازم الشيخ
محمد بن منكن الملاوي وأخذ عنه الطريقة وأقبل إلى الشعر والتصوف إقبالاً كلياً حتى نبغ
فيهما.
وكان من نوادر العصر في سلامة العقل وسعة الصدر ودوام الحضور والاستقامة على الحالة
والصبر على البلاء، وكان مع كبر سنه غاية في العشق والمحبة، وله اطلاع واسع على أخبار
الملوك والمشايخ، ذكره الشيخ عبد الحق بن سيف الدين الدهلوي في أخبار الأخيار وكان
ابن أخيه.
ومن مصنفاته واقعات مشتاقي كتاب في أخبار ملوك الهند، ومنها بيمائن وجوت نرنجن
كلاهما في بهاشا لغة أهل الهند.
توفي لعشر ليال بقين من ربيع الأول سنة تسع وثمانين وتسعمائة.
مولانا رضى الدين الكشميري
الشيخ الفاضل رضى الدين الحسيني الكشميري، أحد الأفاضل المشهورين، قرأ العلم على
الشيخ نصير الدين الكشميري البصير وعلى غيره من العلماء ثم ولي التدريس في أيام مرزا
حيدر بن محمد حسين الكوركاني في مدرسة كانت في قطب الدين بوره ببلدة سري نكر،
فدرس وأفاد بها مدة طويلة، أخذ عنه الشيخ داود بن الحسن وشمس الدين بال ويعقوب
بن الحسن الصرفي وخلق كثير من العلماء، وكان له اليد الطولى في الإنشاء والشعر والألغاز
والخط وكان يكتب على سبعة أقلام، وله مصنفات عديدة توفي سنة ست وخمسين
وتسعمائة، كما في الروضة.
الشيخ رفيع الدين المحدث الشيرازي
الشيخ العالم المحدث رفيع الدين بن مرشد الدين الحسيني الصفوي الشيرازي ثم الهندي
الأكبر آبادي، أحد العلماء المشهورين في الهند، أخذ عن العلامة جلال الدين محمد بن
أسعد الصديقي الدواني، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار، وأخذ الحديث عن
الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي المصري صاحب الضوء اللامع
وصحبه زماناً، ثم قدم الهند ودخل آكره في أيام السلطان سكندر بن بهلول اللودي، فأكرمه
غاية الإكرام، فسكن بآكره، وكان السلطان يخاطبه بالحضرة العلية.
توفي سنة أربع وخمسين وتسعمائة بآكره، ذكره التميمي في أخبار الأصفياء.
الشيخ ركن الدين البيانوي
الشيخ الصالح ركن الدين بن محمود البيانوي، أحد العلماء العاملين، ولد ونشأ بمدينة بيانه-
بفتح الموحدة والياء التحتية- وقرأ العلم بها على أساتذة عصره ثم انتقل إلى مندو في
فترات هيمون البقال وسكن بها، وكان بارعاً في الفقه والعربية يدرس ويفيد في بيته لا يخرج
منه إلا للصلوات.
توفي لست بقين من جمادي الأولى سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة، كما في كلزار أبرار.
الشيخ ركن الدين المنيري
الشيخ الصالح ركن الدين بن هدية الله بن محمد بن العلاء الشطاري المنيري، أحد رجال
العلم والطريقة، ولد ونشأ بمنير، وأخذ عن والده وتصدر للإرشاد والتلقين بعده، وكان على
قدم أبيه وجده في العلم والعمل، أخذ عنه الشيخ كمال الدين سليمان القرشي وخلق
آخرون، كما في كلزار أبرار.
الشيخ ركن الدين السندي
الشيخ الفاضل ركن الدين الحنفي التتوي السندي(4/340)
المشهور بمتو، كان من العلماء المبرزين في
الفقه والحديث، أخذ عن الشيخ بلال المحدث التلهتي، وله مصنفات منها شرح الأربعين،
ومنها شرح على خلاصة الكيداني، ورسائل أخرى لم أقف على أسمائها.
توفي سنة تسع وأربعين وتسعمائة ببلدة ثهته، فدفن على جبل مكلي، ذكره الترمذي في
تاريخ السند.
مولانا روح الدين اللاري
الشيخ الفاضل روح الدين اللاري المدرس المشهور، كان ابن أخت العلامة عماد الدين
محمد الطارمي، قدم الهند من طريق هرمز ودخل في إحدى فرض الهند، ثم دخل أحمد
نكر فلم يلتفت إليه نظام شاه، فذهب إلى برهانبور فتلقاه عبد الرحيم بيرم خان وبنى له
مدرسة ثم ولاه القضاء الأكبر، فلم يزل مشتغلاً بالدرس والإفادة حتى مات، وقبره ببلدة
برهانبور، ذكره محمد بن الحسن، في كلزار أبرار.
حرف الزاي
الشيخ زكريا بن عيسى الدهلوي
الشيخ الصالح زكريا بن عيسى العمري بهاء الدين بن علاء الدين الأجودهني ثم الدهلوي،
أحد المشايخ الجشتية، قرأ بعض الكتب على الشيخ مودود اللاري وشارك الشيخ عبد
الملك بن عبد الغفور الباني بتي في القراءة والسماع عليه، ثم لازم الشيخ عبد القدوس بن
إسماعيل الحنفي الكنكوهي وأخذ عن غيرهما من المشايخ، وكان صاحب وجد وحالة،
توفي سنة سبعين وتسعمائة، كما في كلزار أبرار.
الشيخ زين الدين بن عبد العزيز المليباري
الشيخ العالم الفقيه زين الدين بن عبد العزيز بن زين الدين بن علي الشافعي المليباري،
أحد المبرزين في العلوم، أخذ عن الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي بمكة
المباركة، له قرة العين في مهمات الدين في فقه الشافعية، رسالة وجيزة، وله شرح بسيط
عليها سماه فتح المعين شرح قرة العين صنفه سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة، وله إرشاد العباد
إلى سبيل الرشاد في الموعظة، وله رسالة تتضمن أحاديث وآثاراً ومواعظ.
الشيخ زين الدين بن علي المليباري
الشيخ الإمام العلامة زين الدين بن علي بن أحمد الشافعي المليباري، كان من العلماء
العاملين والأئمة المحققين، ولد في كش من مدن مليبار بعد طلوع الشمس من يوم الخميس
الثاني عشر من شهر شعبان سنة إحدى أو اثنتين وسبعين وثمانمائة، ونقله عمه القاضي
زين الدين بن أحمد المليباري إلى فنان وهو صغير لما ولي قضاءها، وبها قرأ القرآن وحفظه
واشتغل عليه في الصرف والنحو والفقه وغيرها ثم على مشايخ متعددين في أنواع العلوم،
منهم الشهاب أحمد بن عثمان بن أبي الحل اليمني اشتغل عليه بالفقه والحديث وغيرهما
وقرأ عليه الكافي في علم الفرائض للصروفي، ومنهم الشيخ أبو بكر فخر الدين بن القاضي
رمضان الشالياتي المليباري اشتغل عليه في الفقه وأصوله وغيرهما، وهو ممن أخذ عن
الشيخ شمس الدين الجوجري والشيخ زكريا الأنصاري والشيخ كمال الدين محمد بن أبي
شريف وغيرهم، وأخذ الطريقة الجشتية عن الشيخ قطب الدين بن فريد الدين بن عز الدين
الأجودهني، فألبسه الخرقة ولقنه الذكر الجلي، ثم أجازه لتربية المريدين وتلقين الذكر وإلباس
الخرقة والإجازة لمن يجيز، ولقنه أيضاً الذكر على الطريقة الشطارية الشيخ ثابت بن عين بن
محمود الزاهدي وأجازه في تلقينه، فقام لنشر العلم والمعرفة، وكان كثير الأذكار والأشغال.
موزعاً أوقاته في الخير، ناصحاً للخلق، ناشراً للعلوم، قائماً بدفع البدعة والمنكر، ونصر
المظلوم، كم من منكرات أزالها، وسنن أظهرها، انتفع به خلق كثير، وأسلم على يده
خلائق لا يحصون كثرة.
ومن مصنفاته المفيدة مرشد الطلاب إلى الكريم الوهاب كبير حجماً، وسراج القلوب
متوسط جامع، والمسعد في ذكر الموت وشمس الهدى كلها في الموعظة والتذكير، وتحفة
الأحباء وحرفة الألباء في الأدعية المأثورة، وإرشاد القاصدين في اختصار منهاج العابدين
للغزالي، وشعب الايمان(4/341)
معرف من شعب الايمان للايجي، وكفاية الفرائض في اختصار الكافي
في الفرائض، والصفا من الشفا للقاضي عياض، وتسهيل الكافية شرح كافية ابن الحاجب،
وكفاية الطالب في حل كافية ابن الحاجب حاشية عليها، وحاشية مختصرة على الألفية لابن
مالك، وحاشيتان على التحفة لابن الوردي، وحاشية على الإرشاد لابن المقرىء، وله
مصنف في قصص الأنبياء، ومصنف في سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهداية الأذكياء
إلى طريقة الأولياء. وقصيدة له في السلوك وتحريض أهل الإيمان على جهاد عبدة الصلبان،
كتبها لما دخل أهل برتكال مليبار وتغلبوا فيها وخربوا وأحرقوا، وقصيدة له فيما يورث
البركة وينفي الفقر، مأخوذ من كتاب البركة للوصالي، وله رسائل نظماً ونثراً إلى الملوك
والأمراء.
توفي في فنان بعد نصف ليلة الجمعة السادس عشرة من شهر شعبان سنة ثمان وعشرين
وتسعمائة، كما في مسالك الأتقياء.
مولانا زين الدين الخوافي
الشيخ الفاضل زين الدين بن قطب الدين الحنفي الخوافي، كان من ذرية الشيخ الكبير زين
الدين الخوافي الولي المشهور، ولد ونشأ بهرات، وقرأ العلم على صنوه الكبير نور الدين محمد
الخوافي، وسافر معه إلى قندهار ثم إلى كابل، ومات بها صنوه نور الدين سنة ثمان
وتسعمائة، فتقرب إلى بابر شاه التيموري، وصاحبه في الظعن والإقامة، وجاء معه إلى بلاد
الهند وولي الصدارة الجليلة، فسكن بمدينة آكره وأسس بها مدرسة عظيمة ومسجداً
كبيراً.
وله مصنف لطيف في تاريخ الهند، وكان شاعراً مجيد الشعر، مات في سنة أربعين
وتسعمائة في جنار كده، فنقل جسده إلى آكره ودفن بمدرسته.
الشيخ زين العابدين الدهلوي
الشيخ الصالح زين العابدين الحنفي الدهلوي المشهور بأدهن- بفتح الهمزة وتشديد الدال
الهندية- كان جد الشيخ عبد الحق بن سيف الدين الدهلوي من جهة الأم، قرأ على
الشيخ عبد الله بن إله داد التلنبي، وأخذ الطريقة عن الشيخ سماء الدين الملتاني، وكان
شديد التعبد والتورع منور الشيبه، عرض عليه إبراهيم بن سكندر اللودي سلطان الهند
الحجابة فلم يقبلها.
مات سنة أربع وثلاثين وتسعمائة بدهلي، كما في أخبار الأخيار.
حرف السين المهملة
الشيخ سالار بن هبة الدين الكوروي
الشيخ العالم الفقيه سالار بن هبة الدين الحنفي الكوروي، أحد المشايخ الجشتية، ولد
ونشأ بكوزه- بالراء الهندية- واشتغل بالعلم من صنوه على أساتذة بلدته ثم سافر إلى بلاد
أخرى، وأخذ عن الشيخ يعقوب السوسي، ثم لازم الشيخ شمس الحق الجونبوري وانتفع، ثم
صحب الشيخ نظام الدين الفتحبوري ولازمه مدة، ثم لبس الخرقة من الشيخ بهاء الدين
الجونبوري ورجع إلى بلدته وقام بنشر العلوم والمعارف.
وكان زاهداً عفيفاً، متين الديانة، كثير التعبد، نبغ من أعقابه الأجلاء منهم الشيخ جمال.
توفي يوم الأربعاء لثلاث بقين من ربيع الآخر وقيل لثمان خلون من ربيع الأول سنة ست
وأربعين وتسعمائة.
الشيخ سراج الدين الكالبوي
الشيخ العالم الصالح سراج الدين بن عبد الملك بن إبراهيم الكالبوي، أحد العلماء المبرزين
في العلوم العربية، قرأ الكتب الدرسية على والده وتفنن عليه بالفضائل، وكان له ذكاء
مفرط، مات في حياة والده، كما في كلزار أبرار.
الحكيم سراج الدين الكجراتي
الشيخ الفاضل سراج الدين الكجراتي الحكيم، كان من العلماء العاملين وعباد الله
الصالحين، أدرك الشيخ برهان الدين عبد الله بن محمود الحسيني البخاري(4/342)
وبايعه، ثم لازم
الشيخ علي الخطيب وأخذ عنه، وكان يتستر بزي الأطباء، يعالج الناس ويداويهم في
الأمراض، وبشره محمد بن عبد الله الحسيني البخاري أنه سيداوي محمود شاه الكجراتي
الكبير في مرض القلب، فاتفق أن أحداً من ندماء السلطان ابتلي بداء عجز الأطباء عنه،
فدله أحد أصحابه إلى سراج الدين الحكيم وعافاه الله سبحانه بعلاجه، فذكره الرجل
المذكور عند السلطان، فاشتاق إليه ولقيه ذات ليلة واعتقد في صلاحه، وعرض عليه أنه
يريد أن يأخذ الطريقة عنه، فقال له الحكيم إنه سيجيب عنه. ولما رجع السلطان إلى منزله
بعث إليه رسالة وكتب إليه أن السلطان إن عزم على ذلك فعليه أن يستخدمه، فجعله
مستوفي الممالك. وفي مناقب الحضرة الشاهية للشيخ جعفر أنه استخدمه في زمرة الأطباء،
وهذا هو الأوفق، فصاحبه سراج الدين مدة ولقنه الذكر وألقى إليه النسبة، فلما بلغ
السلطان مبلغ الكمال اعتزل عنه وعاهده أن لا يتردد إليه قط ويتركه على حاله، وكان
الناس يعتقدون بزهده واستغنائه، فلما قبل الخدمة السلطانية تنفروا منه وظنوا أنه كان
مزوراً وطعنوا عليه طعناً بالغاً، والحكيم كان لا يلتفت إلى ذلك. ذكره مرزا محمد في مرآة
سكندري.
الشيخ سعد الدين اللاري
الشيخ العالم المحدث سعد الدين اللاري ثم الهندي المندوي، كان شيخ المحدثين والمفسرين
في عصره، مات لإحدى عشرة خلون من جمادي الأولى سنة اثنتين وتسعمائة بمدينة مندو،
فاغتم الناس بموته. ذكره محمد قاسم في تاريخه.
مولانا سعد الله اللاهوري
الشيخ الفاضل سعد الله بن إبراهيم بن فتح الله الملتاني ثم اللاهوري، أحد العلماء
المشهورين في كثرة الدرس والإفادة، ولد بملتان سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، وقرأ بعض
الكتب الدرسية على والده ولازمه إلى سنة اثنتين وثلاثين، وفي تلك السنة توفي والده أو
بعد ذلك بقليل، فسافر إلى لاهور وقرأ على الشيخ عبد الرحمن بن عزيز الله الملتاني، ذكره
محمد بن الحسن، وقال بختاور خان إنه قرأ على والده ثم على الشيخ با يزيد الديبالبوري
وسكن بلاهور، وكان كثير الدرس والإفادة، وأخذ عنه الشيخ منور بن عبد المجيد
اللاهوري وخلق كثير من العلماء.
توفي سنة تسع وتسعين وتسعمائة وله ثمان وسبعون سنة، قال بختاورخان في كتابه مرآة
العالم: إن سنة ولادته تستفاد من لفظ ذاكر وأيام عمره تستخرج من لفظ حكيم ومن
مجموعهما تستخرج سنة وفاته.
الشيخ سعد الله الدهلوي
الشيخ الفاضل سعد الله بن فيروز بن موسى بن معز الدين البخاري الدهلوي، كان جد
الشيخ عبد الحق بن سيف الدين المحدث، ولد ونشأ بدهلي وقرأ العلم، ثم أخذ الطريقة
عن الشيخ محمد بن منكن الصديقي الملاوي، وكان زاهداً عفيفاً، متين الديانة، قانعاً على
اليسير.
مات يوم الجمعة لثمان بقين من ربيع الأول سنة ثمان وعشرين وتسعمائة بدهلي، كما في
أخبار الأخيار.
الشيخ سعد الله البيانوي
الشيخ الفاضل سعد الله النحوي البيانوي، أحد العلماء الصالحين، كان أصله من شرق
الهند، قرأ العلم على أساتذة عصره، ثم لازم الشيخ محمد غوث الكواليري صاحب
الجواهر الخمسة وأخذ عنه، وعكف على دعوة الأسماء في الأربعينات مدة، ثم سكن
ببيانه ودرس وأفاد حتى صار مرجعاً في أنواع العلوم، وكان له ذكاء مفرط لم يكن في زمانه
مثله في النحو، قرأ عليه عبد القادر بن ملوك شاه البدايوني كافية ابن الحاجب وذكره في
تاريخه، توفي سنة تسع وثمانين وتسعمائة.
الشيخ سعد الله اللاهوري
الشيخ الفاضل سعد الله اللاهوري المعروف ببني إسرائيل، كان من العلماء المتصوفين،
أخذ العلم والطريقة عن الشيخ نجيب الفياض والشيخ إسحاق بن كاكو، وأخذ عنه غير
واحد من العلماء وكان صاحب أطوار مختلفة، كان متشرعاً في بداية حاله وقافاً عند(4/343)
حدود الله وأوامره ونواهيه، ثم عشق مغنية فأصبح هائماً يتردد في الأسواق ويرتكب
المناهي كلا، والناس كانوا يعتقدون بولايته في تلك الحالة أيضاً ويقبلون الأرض بين يديه، ثم
وفقه الله بالإنابة إليه فتاب وأحسن أعماله وجعل سلوكه على إحياء العلوم للغزالي، وله
مصنفات عديدة، أحسنها شرح بسيط على جواهر القرآن للغزالي، مات وله ثمانون سنة،
ذكره البدايوني.
الشيخ سعد الله السندي
الشيخ الفاضل سعد الله الحنفي السندي، كان من أجلة العلماء، وولده عبد الله هاجر
إلى مكة المباركة مع القاضي عبد الله بن إبراهيم السندي، كما في تحفة الكرام.
الشيخ سعدي البرهانبوري
الشيخ العالم الصالح سعدي بن محمد بن يوسف القرشي البرهانبوري، أحد رجال العلم
والطريقة، أخذ عن والده وتصدر للإرشاد والتلقين بعده سنة اثنتين وسبعين وتسعمائة،
وكان على قدم أبيه، توفي سنة ست وثمانين وتسعمائة، ذكره محمد بن الحسن في كلزار
أبرار.
الشيخ سعيد الحبشي
الشيخ الصالح سعيد بن أبي سعيد الحبشي المدفون بأحمد آباد، كان من كبار العلماء
ذكره عبد القادر الحضرمي في النور السافر، وقال: إنه كان متعصباً للإمام أبي حنيفة حتى
أنه ربما حمله ذلك على تنقيص الإمام الشافعي، وكان فقيهاً مشاركاً في كثير من العلوم
والفنون، يحفظ القرآن الكريم ويختم في رمضان خمس ختمات، وكان أمراء الحبشان
يعظمونه غاية التعظيم، وكانوا جعلوا له معلوماً يوازي خمسة عشر ألف ذهب، ولما حج قرأ
على الشيخ ابن حجر الهيتمي وكان له رغبة في تحصيل الكتب، توفي سنة إحدى وتسعين
وتسعمائة بأحمد آباد.
الشيخ سلطان بن قاسم المانكبوري
الشيخ الصالح سلطان بن قاسم بن أحمد بن نظام الدين العمري المانكبوري، أحد المشايخ
الجشتية، ولد ونشأ بمانكبور، وأخذ عن أبيه وتولى الشياخة بعده، أخذ عنه ولده عبد
الله وجمع كثير، مات لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وتسعمائة بمانكبور، كما
في أشرف السير.
الشيخ سلطان شاه الغزنوي
الشيخ الفاضل سلطان شاه الغزنوي من الرجال الصالحين، أخذ عن الشيخ محمد بن عبد
الله الحسيني البخاري ولازمه ملازمة طويلة، وأخذ عنه الشيخ فضل الله الكاشاني في
رجال آخرين، توفي يوم الاثنين لعشر بقين من صفر سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، كما في
مرآة أحمدي.
الشيخ سليم بن محمد السيكروي
الشيخ العارف المعمر سليم بن محمد بن سليمان بن آدم بن موسى بن مودود ابن سليمان
بن فريد الدين مسعود الأجودهني ثم السيكروي الفتحبوري، كان من الرجال المشهورين
بالولاية، ولد سنة سبع وسبعين، وقيل أربع وثمانين، وقيل سبع وتسعين، وثمانمائة، وقرأ العلم
على العلامة مجد الدين السرهندي وعلى غيره من العلماء، ورحل إلى الحجاز مرتين وتقلب
في بلاد الشام والعراق والروم والمغرب، وزار الطف والنجف وبغداد والقدس الشريف،
وأخذ الطريقة القادرية عن الشيخ مرتضى عن جلال الدين البخاري عن نور الدين عن عبد
الله الطواشي عن المجذوب البربري عن كمال الدين الكوفي عن أبي سعيد أبي الفتح
البغدادي عن الشيخ عبد القادر الكيلاني، ذكره العطار في مجمع الأبرار.
وقال الشيخ عبد الحق في أخبار الأخيار: إنه رحل إلى الحجاز قبل تزوجه سنة إحدى
وثلاثين وتسعمائة، فحج وزار وساح بلاد العرب والعجم وصحب المشايخ وأخذ عنهم
وعاد إلى الهند بعد مدة طويلة، وأقام على جبل مطل قريباً من سيكري على اثنى عشر
ميلاً من آكره، وتزوج ورزق الأولاد، ورحل مرة ثانية إلى الحجاز في فتنة هيمون البقال سنة
اثنتين وستين وتسعمائة وسافر إلى البلاد ورجع إلى الهند سنة ست وسبعين(4/344)
وتسعمائة في
أيام أكبر شاه التيموري، ورزق حسن القبول في آخر عمره، واعتقد في فضله وصلاحه أكبر
شاه المذكور وبنى له زاوية جميلة ومسجداً كبيراً ومدرسة عالية على قلة الجبل، ثم بنى
مدينة كبيرة جامعة بين الحسن والحصانة وسماها فتحبور، وكان أكبر شاه له رغبة إلى
الأولاد فدعا له الشيخ وبشره بثلاثة أبناء، فرزق الثلاثة وظن أنه من بركة دعائه، انتهى.
وقال البدايوني في تاريخه: إنه حج اثنتين وعشرين حجة، أربعة عشر حجاً في المرة الأولى،
وثماني حجات في المرة الثانية، قال: وكان يقضي أيامه في السياحة كل سنة ويرجع إلى
الحجاز في موسم الحج، وفي المرة الثانية أقام بمكة المباركة أربع سنوات، وفي المدينة الطبية
كذلك، وكان رفيقه في السفر في المرة الثانية الشيخ يعقوب بن الحسن الصرفي الكشميري.
توفي يوم الخميس ليوم بقي من رمضان سنة تسع وسبعين وتسعمائة، وأرخ لعام وفاته بعض
أصحابه شيخ هندي.
سليم شاه السوري
الملك العادل سليم شاه بن شير شاه السوري السهسرامي سلطان الهند، قام بالأمر بعد
والده لخمس عشرة خلون من ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة، واستقل به تسع
سنين، وكان على قدم أبيه في تعمير البلاد وتكثير الزراعة وإرضاء النفوس والإحسان إلى
الناس كثير التعبد، يصلي بالناس في المساجد، ويكرم العلماء ويحسن إليهم ويذاكرهم في
العلم، ولم يرغب قط إلى المسكرات، وقد وضع بعض القوانين لعساكره وأضاف إلى ما
وضع والده.
منها أنه رتب عساكره على نظام جديد، فرتبها على طوائف صغيرة وكبيرة، أما الصغيرة
فهي اخمسون 2 مائتان 3 وخمسون ومائتان 4 وخمسمائة، والكبيرة فهي 1 خمسة آلاف 2
وعشرة آلاف 3 وعشرون ألفاً، ورتب الأمراء عليها بذلك الترتيب.
ومنها أن يعين في كل خمسين فرسين كاتب يعرف اللغة الفارسية وكاتب يعرف اللغة
الهندية.
ومنها أنه رتب القضاة لهم خاصة واحداً من الأفغان وواحداً من الهنود.
ومنها أنه وسع قانون المعسكر لوالده، وعين المقامات العديدة من سناركانون إلى حدود
كابل ليقيم العساكر بها.
ومنها أنه بالغ في عمارة الطريق فوق ما كانت عليه، وبنى الزوايا الأخر بين مستعمرات أبيه
المرحوم.
توفي سنة إحدى وستين وتسعمائة.
الشيخ سليمان بن إسرائيل اللاهوري
الشيخ الفاضل سليمان بن إسرائيل الحنفي اللاهوري، أحد رجال العلم والطريقة، ولد
ونشأ بلاهور، وأخذ عن الشيخ صدر الدين الحليم عن أبيه الشيخ عماد الدين إسماعيل
عن أبيه الشيخ ركن الدين الكلانوري عن عمه الحاج صدر الدين عن عمه الشيخ ركن
الدين أبي الفتح فيض الله بن محمد الملتاني، وسافر للحج والزيارة سبع مرات، وحصل له
القبول العظيم من طائفة ككهر، ولما مات قام مقامه ولده عبد الشكور، ثم ولده عبد
المجيد، ثم ولده الشيخ منور، ذكره محمد بن الحسن في كلزار أبرار.
الشيخ سليمان بن عفان المندوي
الشيخ العالم الفقيه سليمان بن عفان الدهلوي ثم المندوي، أحد المشايخ المعروفين بالفضل
والصلاح، كان له شأن كبير في إرشاد الناس وتربيتهم وتلقينهم، سافر إلى بلاد شاسعة
وأخذ عن غير واحد من العلماء والمشايخ ومهر في التجويد والقراءة، أخذ عنه الشيخ عبد
القدوس بن إسماعيل الحنفي الكنكوهي ولبث في زاويته مدة طويلة، كما في أخبار
الأخيار.
وقال محمد بن الحسن في كلزار أبرار إنه خرج من دهلي في الفتنة التيمورية سنة إحدى
وثمانمائة فدخل مندو وسكن بها، ثم ذهب إلى كجرات، ومن هناك إلى الحرمين الشريفين
وأقام بها خمسين سنة، ثم عاد إلى الهند وسكن بمندو، وتوفي بدهلي لأربع عشرة خلون
من محرم سنة خمس وأربعين وقيل خمسين وتسعمائة، فدفن بمقبرة الشيخ قطب الدين بختيار
الكعكي.(4/345)
سليمان خان الكراني
الملك العادل الفاضل سليمان خان الكراني، السلطان الصالح، قام بالملك في أرض بنكاله
بعد صنوه تاج خان واستقل به، وكان عادلاً فاضلاً كريماً، شديد التعبد، كثير الرأفة
بالناس، كثير البر والإحسان يقوم الليل ويصلي بالجماعة، ويذاكر العلماء في الحديث والتفسير
ويحسن إليهم، ويصاحبه مائة وخمسون عالماً في الظعن والإقامة، مات سنة ثمان وتسعين
وتسعمائة.
الشيخ سماء الدين الملتاني
الشيخ الفاضل العلامة سماء الدين بن فخر الدين بن جمال الدين الملتاني ثم الدهلوي، أحد
العلماء المشهورين، ولد سنة ثمان وثمانمائة، واشتغل بالعلم من صغره، وقرأ على مولانا ثناء
الدين الملتاني، ثم أخذ الطريقة عن الشيخ كبير الدين الحسيني البخاري، وتصدر للدرس
والإفادة فدرس مدة ببلدته، ثم خرج منها ورحل إلى رنتهنبور فأقام بها زماناً، ثم دخل بيانه
وأقام بها برهة من الزمان، ثم دخل دهلي وسكن بها، وكان من طائفة كنبو، واختلف
الناس في أصل هذه الطائفة فقيل: إن الواو في كنبو للنسبة، وهي منسوبة إلى كنب- بلدة
متصلة بغزنة- كما أن الواو في هندو للنسبة والمراد به من يسكن في الهند، وقيل: إنه
مخفف من كم أنبوه كلمة فارسية معناه قليل الجماعة، وأطلق هذا اللفظ على فئة قليلة من
العسكريين غلبوا على فئة كبيرة باذن الله سبحانه فسموا بذلك، وعلى كل حال فإن سماء
الدين كان من تلك الطائفة، ونسبه يرجع إلى مصعب بن الزبير رضي الله عنه على ما حققه
الشيخ زين العابدين الدهلوي في مصباح العارفين والشيخ تراب علي اللكهنوي في بعض
مصنفاته.
وكان سماء الدين شيخاً وقوراً عظيم الهيبة، ذا زهد واستقامة وتورع راغباً عن الدنيا، لم
يزل مشتغلاً بالدرس والإفادة ودعاء الخلق إلى الله سبحانه مع قناعة وعفاف، كف بصره
في آخر عمره ثم أعاده الله سبحانه عليه بغير دواء.
وله مصنفات منها: شرح بسيط على اللمعات للشيخ فخر الدين العراقي، ومنها مفتاح
الأسرار وأكثرها مأخوذ من رسائل الشيخ عزيز النسفي.
توفي لثلاث عشرة بقين من جمادي الأولى سنة إحدى وتسعمائة بدهلي.
الشيخ سيف الدين الدهلوي
الشيخ الفاضل سيف الدين بن سعد الله بن فيروز البخاري الدهلوي، أحد رجال العلم
والطريقة، ولد ونشأ بدهلي في بيت علم وصلاح، وأخذ عن الشيخ عبد الملك بن عبد
الغفور الباني بتي وعن غيره من العلماء والمشايخ وصحبهم واستفاض منهم، وله رسالة
تسمى بالمكاشفات في الحقائق والتوحيد، وله سلسلة الوصال منظومة بالفارسية، وكان
شاعراً مجيد الشعر صاحب أذواق ومواجيد، ومن شعره قوله:
كون ومكان به بر تو حسن وجمال اوست وين طرفه ترنكر كه نه كون است ونه مكان
مات لثلاث بقين من شعبان سنة تسعين وتسعمائة، ذكره ولده عبد الحق في أخبار
الأخيار.
الشيخ سيف الدين الكاكوروي
الشيخ الفاضل سيف الدين بن نظام الدين بن نصير الدين بن محمد صديق العلوي
الكاكوروي، أحد العلماء المبرزين في القراءة والتجويد، ولد سنة سبع وستين وثمانمائة وأخذ
عن والده ولازمه ملازمة طويلة، وسكن بكاكوري- قرية جامعة من أعمال لكهنو على
تسعة أميال منها- وكان يدرس ويفيد، أخذ عنه ولده نظام الدين بهيكه وقرأ عليه خلاصة
التجويد للشاطبي وشرح العقائد وغيرها.
توفي في شهر ذي القعدة سنة تسع وخمسين وتسعمائة بكاكوري، كما في كشف المتواري.
حرف الشين المعجمة
مولانا شاه أحمد الشرعي
الشيخ الفاضل شاه أحمد الشرعي الجنديروي، أحد العلماء المبرزين في دعوة الأسماء،
وكان زاهداً عفيفاً، متين الديانة، كثير التعبد، لا يتردد إلى(4/346)
الأغنياء، والملوك والأمراء كانوا
يحضرون لديه في كل أسبوع بعد صلاة الجمعة، وله مصنفات طارت بها العنقاء، ذكره
الشيخ عبد الحق في أخبار الأخيار وقد عزا إليه هذه الأبيات:
عجباً لقوم ظالمين تلقبوا بالعدل ما فيهم لعمري معرفه
قد جاءهم من حيث لا يدرونه تعطيل ذات الله مع نفي الصفه
رداً على الزمخشري في قوله:
وجماعة سموا هواهم سنة وجماعة حمر لعمري موكفه
قد شبهوه بخلقه وتخوفوا شنع الورى فتستروا بالبلكفه
وقد عزا بعض العلماء هذه الأبيات إلى الإمام فخر الدين الجاربردي، وهو ممن اجتمع
بالقاضي البيضاوي وأخذ عنه، والله أعلم، مات سنة ثمان وعشرين وتسعمائة.
شاه قلي التركماني
الأمير الكبير شاه قلي التركماني، المشهور بالعقل والدهاء، بعثه إسماعيل بن الحيدر
الصفوي ملك الفرس إلى برهان نظام شاه البحري ملك أحمد نكر فخدمه مدة، ثم خدم
ولده حسين نظام شاه ثم ولده مرتضى نظام شاه، واستمر سنين في الخدمة، فلقبه نظام شاه
صلابت خان ورفع منزلته، وفوض إليه مفتاح القلعة، وجعله رأس النوبة، وأمره على
خاصة خيل، وأقطعه أعمالاً من أرض بير، ثم ولاه الوكالة المطلقة فعنى صلابت خان بسد
الثغور وتعمير البلاد وتكثير الزراعة وغرس الأشجار المثمرة، حتى قيل إنه غرس خمسمائة
ألف من الأشجار المثمرة بأرض أحمد نكر وأعمالها، وأنشأ حديقة غناء بأمر مرتضى نظام
شاه بمدينة أحمد نكر، واستمر مدة مديدة في الوزارة والوكالة، وكان عصره أحسن الأعصار
وزمانه أنضر الأزمنة، ولكن مرتضى نظام شاه لما اعتراه الجنون وكان معتزلاً في قصر من
القصور الشاهانية كتب إليه في جنونه رقعة يأمره بقيد نفس وأن يحتبس بقلعة كيرله على
حد مندو، وكان صلابت خان يؤثر طاعته ففعل، وتعب لأجله العسكر، ومن بعده تلوعب
بنيابة السلطة وقتل مرتضى نظام شاه بعد مدة يسيرة، وولي ولده حسين ثم قتل وولي
إسماعيل، وركب جمال خان المهدوي بجمع كثير من أهل الدكن ومعه سيف الملوك ألغ
خان الحبشي برجاله إلى قلعة أحمد نكر، وقاتلوا أهلها وقتلوا من قتل الحسين، ثم توجهوا
إلى المحل الذي كان فيه إسماعيل نظام شاه فحيوه بتحية السلطة، وقال جمال خان لسيف
الملوك: خربت بيت نظام شاه فاستدركه بتدبيرك! فقال له سيف الملوك: ما يصلح لهذا إلا
صلابت خان وهذا وقت طلبه، فطلبوه، ثم اجتمع جمال خان برجاله وقال لهم: متى نجد
مثل هذه الفرصة للدولة ولا حاجة إلى صلابت خان فتفرقوا على أن نيابة السلطة لجمال
خان، وأما صلابت خان فوصل إليه كتاب سيف الملوك ووصل قبل وصوله كتاب الملكة
جاند بي بي تعاتبه فيه وتقول: لا يشك أحد في كياستك إلا أنه مثل لدى العوام إذا المتكلم
مجنون فليكن المستمع عاقلاً، وكان المجنون بالفعل نظامك والعاقل أنت فمن يعذرك فيما
تقيدت به هنا حتى سم نظامك وذبح ولده وخرب الملك بتلاعب الأجانب به وكنت فيه
من حسناته فصرت باعتزالك عنه من سيئاته، فاعزم على سلامة الله عسى تتلافاه عسى،
فنزل صلابت خان وفي ساعة وصوله إلى برار اجتمع به أميرها وكتب إليه من كان في أيامه
من الأمراء بالطاعة والطلب له، فتوجه إلى أحمد نكر في نحو عشرة آلاف فارس، وأخرج
جمال خان نظام شاه الصغير إليه محارباً وحرضه الأمراء على الحرب، فأبى صلابت خان
وأرسل يقول جئت مطلوباً وما من صفتي مقابلة صاحبي نظام شاه حرباً وها أنا راجع
يبارك الله له ولكم في الملك، ثم إنه رجع إلى برار وجماعة من الأمراء في أثره إلى أن دخل في
حد برهانبور، وبعد الاجتماع بعادل شاه البرهانبوري رآه يميل إلى سلطة نظام شاه، فأرسل
ما كان معه من الخيل والسلاح، والأفيال إلى جمال خان وكتب: لست الآن بطالب رياسة
ولا شيء من الدنيا إلا أني ما دمعت هنا لا يمكنني سوى الطاعة، فأريد الضيعة التي
عمرتها تحت العقبة المسماة بسي كام للسكنى، وحيث(4/347)
كان جمال خان خصيصاً به في
أيامه بادر إلى ذلك، ووصل صلابت خان واستقبل جمال خان بمن معه ودخلوا القلعة
جميعاً، وبعد الاجتماع لصاحبه خرج إلى منزله وأقام ثلاثة أيام، ثم خرج إلى شاه كوه وهو
جبل مطل على أحمد نكر قد بنى بقلته قبة وبستاناً واتخذه لنفسه مقبرة، وقد تقدمت
امرأته إلى القبة وجمال خان وأكثر الأمراء معه، فزار امرأته ومدت السفرة، واجتمع هو
وإياهم عليها، ثم نزل وودعهم وسار إلى الضيعة وسكن بها إلى أن مات، ذكره الآصفي في
ظفر الواله.
وكان عاقلاً عادلاً، كاملاً في ذاته وصفاته، محباً لأهل العلم محسناً إليهم، منهم الملك القمي
والظهوري الترشيزي وآخرون، مات سنة ثمان وتسعين وتسعمائة فدفن بالقبة.
السيد شاه مير الأكبر آبادي
السيد الشريف شاه مير بن محمد بن معين بن أشرف الشيرازي ثم الهندي الأكبر آبادي،
أحد العلماء المبرزين في العلم والمعرفة، يتصل نسبه بأربع وسائط بالسيد الشريف زين الدين
علي الجرجاني، قدم كجرات ثم دخل آكره وأخذ عن الشيخ عبد الملك بن عبد الغفور
الباني بتي.
وكان طيباً بشوشاً منبسطاً، ماهراً في الإنشاء والشعر، وفن جر الثقيل وكثير من البدائع،
قانعاً عفيفاً ديناً تقياً متورعاً، يدرس ويفيد بآكره في حوار المفتي بهاء الدين.
وكان له تلميذ يدعى بمولانا فريد الأعور، وكان من نوادر العصر فإنه لم يقرأ الكتب الدرسية
ولكنه إذا عرضت عليه المسائل الغامضة من أي علم كانت، كان يأخذ القلم ويكتب ما
ينحل به العقد، وكان لا يقدر أن يقرر أن يقرأ شيئاً من الكتاب، حتى إنه كان لا يستطيع أن
يقرأ ما يكتب بيده، وكان الشيخ ضياء الله بن محمد غوث الكواليري يعتقد بكماله ويتبرك
به فضلاً عن أستاذه السيد المشار إليه، وذلك يدل على فضله وبراعته في العلم والمعرفة
ذكره البدايوني.
مات يوم الأربعاء سن ست وتسعين ببلدة آكره، كما في أخبار الأصفياء.
شاهي بيك القندهاري
الملك الفاضل شاهي بيك بن ذي النون الأرغون القندهاري السلطان الفاضل، قام بالملك
بعد والده في قندهار واستقل به مدة من الزمان، ثم نزع عنه بابر شاه التيموري فقدم أرض
السند وفتحها واستولى على تلك البلاد.
وكان عالماً بارعاً في المعقول والمنقول، له مصنفات عديدة منها شرح كافية ابن الحاجب في
النحو، وله تعليقات على شرح المطالع، وتعليقات على شرح السراجية للسيد الشريف في
المواريث، وتعليقات على غير تلك الكتب والرسائل.
مات لليلتين خلتا من شعبان سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، فدفن ببكر من بلاد السند،
ثم نقل جسده إلى مكة المباركة فدفن بالمعلاة، ذكره النهاوندي في المآثر.
الشيخ شرف الدين الكجراتي
الشيخ الكبير شرف الدين بن عبد القدوس الكجراتي ثم البرهانبوري المشهور بشهباز،
كان من المشايخ المشهورين في عصره، ولد بكجرات، وسافر مع والده في صغر سنه إلى
خانديس فقرأ العلم بها على أساتذة عصره، ثم عاد إلى أحمد آباد، وأخذ الطريقة عن
الشيخ علي الخطيب الكجراتي ولازمه زماناً، ثم رجع إلى برهانبور وتصدر للإرشاد.
وكان زاهداً قانعاً، متوكلاً لا يتردد إلى أرباب الدنيا ولا يأكل من مطبخهم، وكان إذا اعتراه
أمر مهم يذهب إلى الصحراء ويصلي ويراقب، ذكره محمد بن الحسن في كلزار أبرار.
توفي لعشر خلون من ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وتسعمائة.
الشيخ شرف الدين الشيرازي
الشيخ الفاضل شرف الدين الشطاري الشيرازي، أحد العلماء المشهورين، ولد ونشأ
بشيراز، وقرأ العلم على أساتذة بلاده ثم قدم الهند، وأخذ الطريقة عن الشيخ محمد غوث
الشطاري الكواليري، ولازمه مدة(4/348)
بأحمد آباد كجرات، ثم سافر إلى بيجابور وسكن بها، له
حاشية على تفسير البيضاوي، توفي سنة أربع وثلاثين وتسعمائة.
مولانا شعيب الواعظ الدهلوي
الشيخ العالم الصالح شعيب بن المفتي منهاج الحنفي الدهلوي، أحد العلماء المذكرين، قرأ
العلم على والده وتفنن في الفضائل عليه، وكان حسن السيرة والصورة، غزير العلم كثير
العمل، وكانت مواعظه مؤثرة في القلوب، لا يمكن لأحد أن يمر بموضع يذكر فيه فيتجاوز
عنه بدون أن يستمع إلى وعظه، والعلماء كانوا يحضرون في مجالس وعظه ويتأثرون به.
مات سنة ست وثلاثين وتسعمائة، فدفن على الحوض الشمسي بدهلي القديمة، كما في
أخبار الأخيار.
الشيخ شكر الكجراتي
الشيخ العالم الفقيه شكر النائطي الكجراتي، أحد عباد الله الصالحين، ولد ونشأ بقرية
بهيمزي على مسيرة ثلاثة أيام من أحمد نكر، وقرأ العلم على أساتذة عصره ودرس وأفاد
مدة مديدة، ثم ترك البحث والإشتغال وانقطع إلى الزهد والعبادة، توفي نحو سنة سبعين
وتسعمائة، كما في كلزار أبرار.
القاضي شكر الله السندي
الشيخ العالم الفقيه القاضي شكر الله بن وجه الدين بن نعمة الله بن عرب شاه بن ميرك
شاه بن المحدث جمال الدين الحسني الدشتكي الشيرازي ثم التتوي السندي، كان من
العلماء المبرزين في الفقه والأصول والعربية، انتقل من هراة إلى قندهار سنة ست وتسعمائة،
وإلى تته من بلاد السند سنة سبع وعشرين وتسعمائة، فولي القضاء بها في أيام شاهي بيك
واستمر في القضاء سنين.
وكان فقيهاً محدثاً تقياً، مشكور السيرة في القضاء مهاباً رفيع القدر، لا يخاف في الله
سبحانه أحداً، حتى قيل إن شاه حسين بن شاهي بيك ملك السند اشترى أفراساً من
بعض التجار وماطله في أداء الثمن، فرفع التاجر القضية إلى القاضي، فأمر أن يحضر
السلطان بين يديه ويقوم حيث ما قام التاجر، ثم قضى عليه بحق التاجر، فأرض السلطان
التاجر، ثم قام القاضي من مقامه وخدم السلطان على جري العادة، فقعد السلطان عنده
وأراه خنجراً كان معه، وقال له: جئت به لأقتلك لو عدلت عن الحق مهابة مني، فأخرج
القاضي السيف من تحت وسادته وقال له: وضعت هذا السيف لأقتلك لو جاوزت عن
حدك، ثم خرج السلطان مسروراً وكان مطله في أداء الثمن لأجل الإمتحان، ثم بعد مدة
من الزمان استعفى القاضي عن القضاء ولازم بيته معتزلاً عن الناس، ذكره القانع في تحفة
الكرام.
مولانا شمس الدين السلطانبوري
الشيخ الفاضل شمس الدين بن أحمد بن شمس الدين بن كمال الدين الملتاني ثم
السلطانبوري، كان من العلماء المبرزين في المنطق والحكمة، وكان جده كمال الدين من
تلامذة السيد الشريف زين الدين علي الجرجاني صاحب المصنفات المشهورة، ذكره محمد
بن الحسن.
الشيخ شمس الدين الملتاني
الشيخ العالم الفقيه شمس الدين بن صدر الدين بن شهر الله الملتاني ثم اللاهوري، كان من
نسل الشيخ الكبير بهاء الدين زكريا الملتاني، أخذ عن والده وقدم لاهور فسكن بها، توفي
لأربع بقين من ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وتسعمائة، كما في أخبار الأصفياء.
الشيخ شمس الدين البيجابوري
الشيخ الفاضل العلامة شمس الدين الشطاري الشيرازي ثم البيجابوري، أحد العلماء
المبرزين في الدعوة والتكسير والجفر الجامع، ولد ونشأ بشيراز وأخذ العلم عن أساتذة
عصره، وصنف حاشيتة على تفسير البيضاوي، ثم قدم الهند وأخذ الطريقة عن الشيخ
محمد غوث الكواليري صاحب الجواهر الخمسة، وسكن بمدينة بجيابور خارج البلدة على
خمسة أميال من تلك البلدة، واستقام على الطريقة مدة حياته مع قناعة وعفاف وتوكل
واستغناء عن الناس.(4/349)
أخذ عنه محمد بن الحسن المندوي التكسير والجفر الجامع بمدينة مندو حين نزل بها
راجعاً عن بلدة كواليار، ذكره في كلزار أبرار وقال: إنه توفي في شهر رجب سنة ست وثمانين
وتسعمائة.
حكيم الملك شمس الدين الكيلاني
الشيخ الفاضل الفاضل العلامة شمس الدين حكيم الملك الكيلاني، أحد كبار العلماء
المبرزين في العلوم الحكمية، لم يكن له نظير في المنطق والحكمة وسائر الفنون النظرية، كان
جيد المشاركة في النحو والفقه وأصوله، لم يزل مشتغلاً بالدرس والإفادة.
وكان رجلاً كريماً باذلاً، صدوقاً راسخ الوداد، محسناً إلى طلبة العلم، يقربهم ويقرءهم في
علوم متعددة، ولا يتردد إلى بيوت الناس لئلا يفوته الدرس، وكان لا يأكل الطعام وحده بدون
طلبة العلم.
وكان أخذ العلم عن الشيخ شاه محمد الشاه آبادي وعن غيره من العلماء ودخل دهلي،
فطابت له الإقامة بها، واختص بمصاحبة أكبر شاه التيموري ونال الصلات والجوائز منه،
وكان نافذ الكلمة عند الملوك والأمراء، يشفع للمحاويج ويحسن إلى الناس.
ولما دخلت في الحضرة طائفة من علماء السوء ودسوا في قلب الملك أشياء من المنكرات
طفق يجادلهم، فكان يجتهد في الموعظة والمجادلة الحسنة، ثم إنه لما رأى استيلاء الكفر
والفسوق على صاحبه خرج من الحضرة وسار إلى الحجاز سنة ثمان أو تسع وثمانين
وتسعمائة فمات بها، ذكره البدايوني في تاريخه.
مير شمس الدين العراقي
الشيخ الفاضل شمس الدين العراقي، كان من فضلا العراق، بعثه السلطان حسين مرزا
صاحب خراسان إلى الحسن بن الحيدر صاحب كشمير بالرسالة سنة اثنتين وسبعين
وثمانمائة، وكان الحسن مريضاً مات في ذلك المرض، وقام بالملك بعده ولده محمد شاه، ثم
فتح شاه ثم محمد شاه مرة ثانية، فلم ينل شمس الدين مرامه، وصحب إسماعيل الكشميري
ودعا الناس إلى التشيع فتشيع بابا على البحار- بتشديد الحاء المهملة- وسار إلى
خراسان سنة تسعمائة، فلما وصل إلى بلاده ووقف على عقائده السلطان حسين مرزا نفاه
من بلاده فرجع إلى كشمير، وبذل جهده في دعوة الناس إلى مذهبه إعلاناً، فتشيع موسى
رينه وكاجي جك وغازي جك الذين كانوا من الأمراء، فلما وقف عليه الوزير محمد بن
الحسن البيهقي في أيام محمد شاه المذكور نفاه إلى أسكرود، فاغتاظ به أصحابه وخرجوا
على محمد شاه ثم ولوا عليهم فتح شاه مرة ثانية، فقدم شمس الدين دار الملك وطابت له
الإقامة بها، وبنى له موسى رينه زاوية كبيرة بدار الملك، فبالغ في الدعوة وقتل الناس،
وأخرج بعضهم إلى بلاد أخرى فتشيع خلق كثير كرهاً، وكذلك أكره الهنادك على ذلك
حتى قيل إن أربعاً وثلاثين ألفاً من الهنود تشيعوا فضلاً عن المسلمين، واستمر على الدعوة
تسع سنين ثم قتل.
وله كتاب الأحوط صنفه لكاجي جك وهو كتاب مبسوط في الفروع والأصول، ذكره
محمد قاسم في تاريخه.
وقل إنه اخترع مذهباً جديداً سماه النور بخشية، وصنف كتاباً في الفقه لا تطابق مسائله
أهل السنة ولا مسائل الشيعة الإمامية، قال فيه: إن الله أمرني أن أرفع الاختلاف من بين
هذه الأمة في فروع سنن الشريعة المحمدية كما كانت في زمانه من غير زيادة ونقصان، وثانياً
في الأصول من بين الأمم وكافة أهل العالم باليقين، انتهى، فتبعه قوم من أهل كشمير وكانوا
يسبون الثلاثة من الخلفاء الراشدين ويسبون عائشة الصديقة رضي الله عنها وعنهم، وكانوا
يقولون إن السيد محمد نور بخش كان مهدياً موعوداً.
مولانا شمس الدين الكشميري
الشيخ الفاضل شمس الدين الحنفي الكشميري المشهور بالبال، كان من الأفاضل المعروفين
بحرية الضمير وصدق اللهجة مع التبحر في الفقه والكلام، وكان جامعاً بين الشريعة والطريقة،
متجمعاً عن الناس، فصيح العبارة قوي المباحثة، كان يخاصم العلماء ويغلبهم في أكثر
الحال.(4/350)
سافر إلى الحرمين الشريفين بعد ما توفى مرزا حيدر الكوركاني فلم يرجع ومات بها، كما
في حدائق الحنفية.
مولانا شمس الحق الجونبوري
الشيخ العالم الصالح شمس الحق الحنفي الجونبوري المشهور بالحقاني، كان من كبار المشايخ
الجشتية، أخذ عن الشيخ محمد بن عيسى الجونبوري ولازمه ملازمة طويلة حتى برع،
وفاق أقرانه في العلم والمعرفة، ودرس وأفاد.
وكان صاحب وجد وحالة، يستمع الغناء، وربما كان يتواجد حتى يكاد أن تنزهق نفسه،
وكان لا يخاف في الله لومة لائم، فيأمر وينهى كل واحد من ملك وصعلوك، ولذلك اشتهر
بالحقاني، وكان من نوادر العصر في العلوم المتعارفة، أخذ عنه غير واحد من الأعلام، توفي
لليلتين بقيتا من المحرم سنة خمسين وتسعمائة بمدينة جونبور، كما في كنج أرشدي.
ملا شنكرف الكنائي
الشيخ الفاضل ملا شنكرف الكنائي الكشميري كان من أحفاد بابا عثمان الكنائي، ولد
ونشأ بكشمير، وقرأ العلم على أساتذة بلاده ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار،
وأخذ الحديث عن الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي المكي، ثم رجع
إلى كشمير وتصدر للدرس والإفادة بها، وقد رأى الشيخ.... الكشميري نسخة إجازة
الشيخ ابن حجر بخطه على ظهر أسماء الرجال، وذكره في التاريخ الأعظمي وقال: هي
موجودة عندي مع شمائل الترمذي بخط ملا شنكرف مكتوبة بمداد الزنجفر معرب
الشنكرف، ولعله أشتهر بملا شنكرف لاختياره ذلك مداداً له واسمه غير هذا، وهو عم
المفتي فيروز، كما في الروضة.
الشيخ شهاب الدين الجونبوري
الشيخ الصالح شهاب الدين الحسيني الجونبوري، أحد المشايخ السهروردية، أخذ عن
الشيخ برهان الدين محمود الحسيني عن الشيخ صدر الدين محمد بن أحمد الحسيني
البخاري الأجي، وأخذ عنه الشيخ علي بن قوام الدين الجونبوري في عنفوان أمره، كما في
العاشقية.
مولانا شهاب الدين الهروي
الشيخ الفاضل شهاب الدين الحقيري الرهوي نزيل الهند ودفينها، كان من أهل التفنن في
العلوم والجمع لها، مقدماً في المعارف متكلماً في أنواعها لا سيما الشعر والألغاز وغيرها، له
رسالة في دفع المنافاة في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن الله خلق الأرض والسماوات في
سبعة أيام وفي قوله تعالى "إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام" وله
رسائل غير ذلك.
قال البدايوني: إن الشيخ المحدث جمال الدين الهروي دفع المنافاة بينهما بوجهين في تذكيره
مرة، فرد عليه الشهاب كلا الوجهين وأورد الوجوه الأخرى تلقاها العلماء بالقبول، مات حين
قفوله عن كجرات سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة.
مولانا شهيدي القمي
الشيخ الفاضل شهيدي القمي الشاعر، المشهور بالفضل والكمال، قربه إليه يعقوب
صاحب تبريز ولقبه بملك الشعراء، فلبث عنده زماناً طويلاً، ثم قدم الهند وسكن
بكجرات، وعمر طويلاً ونال الصلات الجزيلة من الملوك.
قال محمد قاسم: إن إسماعيل عادل شاه البيجابوري لما فتح بيدر سنة سبع وثلاثين
وتسعمائة وغنم أموالاً لا تحصى بحد وعد وفد عليه الشهيدي من كجرات فأمره أن
يذهب إلى الخزانة ويحمل من الدنانير ما يستطيع حمله، فاعتذر وقال له: إن لما سافر من
كجرات كان قوياً على الحمل وإنه اليوم لا يستطيع من الحمل مثل ذلك لوعثاء السفر وكآبته،
فأمره أن يذهب ويحمل ثم يذهب ويحمل مرتين وقال:
كه در تاخير آفتها است وطالب را زيان دارد
معناه أن في التأخير آفات تضر الطالبين، فدخل الخزانة مرتين وحمل الصراري المملوءة من
الذهب المسكوك، ولما عددوها ظهر أنه حمل خمساً وعشرين(4/351)
ألف هون، فضحك عادل
شاه وقال: صدق مولانا إنه لا قوة له:
ومن شعره قوله:
زمانه بر سر آزار ما است خوي تو دارد همين سزا است كسى را كه أرزوى تو دارد
قام سام مرزا في تذكرته: إنه مات سنة خمس وثلاثين وتسعمائة، وهذا لا يصح، وقال ملا
قاطعي: إنه مات ودفن بسرخيز من بلاد كجرات.
السيد شيخ بن عبد الله الحضرمي
الشيخ الكبير السيد شيخ بن عبد الله العيدروس الحسيني الحضرمي، صاحب أحمد
آباد الذي عم نفعه سائر البلاد والعباد، وذكره الشلي في المشرع الروي وقال: إنه ولد بتريم
سنة تسع عشرة وثمانمائة، وحفظ القرآن، واشتغل بالعلم وأخذ عن والده وعن الإمام
شهاب الدين بن عبد الرحمن والشيخ عبد الله بن محمد باقشير مصنف القلائد، ثم رحل
إلى اليمن ودخل بندر عدن وأخذ بها عن الشيخ محمد بن عمر باقضام وغيره، ثم رجل
إلى الحجاز مع والده سنة ثمان وتسعمائة فحج حجة الإسلام واجتمع بالشيخ أبي الحسن
البكري وأخذ عنه، ثم رحل مع والده إلى الطيبة على مشرفها الصلاة والسلام، ثم رجع
إلى بلدة تريم، ثم حج ثانياُ بمفرده في حياة والده سنة إحدى وأربعين وجاور بمكة ثلاث
سنين على سيرة الصالحين من لزوم طلب العلم والعبادة، وأخذ عن الشيخ شهاب الدين
أحمد بن حجر الهيتمي والعلامة عبد الله بن أحمد الفاكهي وأخيه عبد القادر والعلامة
عبد الرؤف ابن يحيى والعلامة محمد بن الخطاب المالكي، ولازم هؤلاء المذكورين حتى برع
في الأصلين والتفسير والحديث والفقه والعربية والتصوف والفرائض والحساب، وكان كثير
الطواف والعمرة، وكان مدة مجاورته بمكة يزور النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ثم رحل
إلى زبيد وأخذ عن الحافظ عبد الرحمن بن الديبع، وأخذ بالشحر عن الشيخ الكبير أحمد
بن عبد الله بافضل الشهيد، وله من أكثر مشايخه الإجازة العامة في جميع كتبهم ومروياتهم
وليس الخرقة من خلق كثيرين وأذن له جماعة في التحكيم والإلباس، وأقام بتريم نحو ثلاث
عشرة سنة.
ثم رحل إلى الديار الهندية سنة ثمان وخمسين وتسعمائة وحظى عند الوزير عماد الملك
بأحمد آباد، فنصب نفسه للنفع والتدريس وأخذ عنه خلائق لا يحصون، منهم ولده عبد
القادر وحفيده محمد بن عبد الله السورتي والسيد ابن علي صاحب الوهط والشيخ
أحمد بن علي البسكري وعبد الله بن أحمد فلاح والشيخ محمد بن أحمد الفاكهي والشيخ
حميد بن عبد الله السندي.
وصنف كتباً مفيدة منها العقد النبوي السر المصطفوي، وكتاب الفوز والبشرى، وشرحان
على قصيدته المسماة بتحفة المريد أحدهما أكبر من الآخر، أما الكبير فالمسمى حقائق
التوحيد، وأما الصغير فالمسمى سراج التوحيد، ومولدان كذلك أحدهما أكبر من الآخر،
ورسالة في المعراج، ورسالة في العدل وورد اسمه الحزب النفيس، ونفحات الحكم عن لامية
العجم وهو على لسان التصوف ولم يكمله، وديوان الشعر، ومن شعره قوله:
لنا بالرسول المصطفى خير نسبة مسلسلة تعلو على كل رتبة
أئمة علم الله جوهر سره زواهر حلم قدوة للطريقة
شموس بدت في عالم الغيب أشرقت بدور بدت أبدال أوتار صفوة
وقد أفرد ترجمته غير واحد من العلماء منهم الشيخ حميد بن عبد الله السندي والشيخ
أحمد بن علي البسكري المكي ألف فيه رسالة سماها نزهة الإخوان والنفوس في مناقب
شيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس، وذكر ابنه عبد القادر كثيراً في مقدمة
كتاب الفتوحات القدوسية في الخرقة العيدروسية وغيرها.
وكانت مدة إقامته بأ؛ مد آباد اثنتين وثلاثين سنة،(4/352)
مات ليلة السبت لخمس بقين من رمضان
سنة تسعين وتسعمائة بمدينة أحمد آباد.
الشيخ شيخ جيو الكجراتي
السيد الشريف شيخ جيو بن محمود بن عبد الله بن محمود بن الحسين الحسيني البخاري
الكجراتي، أحد المشايخ المشهورين بكجرات، ولد بقرية أساول سنة ثلاث وخمسين
وثمانمائة، وأخذ عن والده وعمه محمد بن عبد الله الحسيني البخاري وتولى الشياخة، أخذ
عنه غير واحد من المشايخ.
توفي لثلاث عشرة بقين من ربيع الثاني سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة وله ثمان وسبعون
سنة، كما في المرآة.
الشيخ شيخ المشايخ السدهوري
الشيخ الصالح شيخ المشايخ بن خواجكي بن خير الدين بن نظام الدين الأنصاري الهروي
ثم السدهوري- بكسر السين المهملة وتشديد الدال- قرية جامع من أرض أوده، ولد ونشأ
بها وأخذ عن أبيه ولازمه مدة طويلة، وأخذ عنه غير واحد من العلماء.
شير شاه السوري سلطان الهند
السلطان العادل شير شاه بن حسن خان بن إبراهيم السوري، وكان اسمه فريد خان،
وسور قبيلة من الأفغان وهم ينتسبون إلى الملوك الغورية، انتقل جده إبراهيم من جبال
روه- بالراء والواو المهملتين- إلى أرض الهند، وتوسل ولده حسن خان بالأمير جمال خان
الأفغاني وأحسن الخدمة، فأقطعه جمال خان سهسرام وخواص بور عمالتين من توابع
رهتاس، وكان فريد خان أكبر أولاد أبيه من حليلته الأفغانية، فلما تزوج حسن خان بامرأة
أخرى ومال إليها كل الميل خرج من عنده وسافر إلى جونبور وأقام بها زماناً، وقرأ بها
كلستان وبوستان وسكندر نامه وكافية ابن الحاجب مع حواشيها وقرأ بعض العلوم
المتعارفة، فلما أن جاء حسن خان إلى جونبور قدمه بعض أصدقائه، إلى أبيه فأخذه معه
وولاه على أقطاعه، ثم لما كان مؤثراً لأبنائه وأمهم عزله بعد مدة يسيرة ونصب مكانه ابنيه
أحمد وسليمان، فسافر إلى آكره وتقرب إلى دولت خان وأقام عنده زماناً، ثم نعى بوفاة
والده فرجع إلى سهسرام واستولى على أقطاع والده وغلب على إخوته ثم على مرازبة
دياره حتى قويت شوكته يوماً، فاصطلح بسلطان محمد صاحب بهار وتقرب إليه فلقيه شير
خان، ثم نزا النفاق بينهما فسخط عليه صاحب بهار وأمر محمد خان الوالي من تلقائه
على جون بور أن يقسم أقطاعه على إخوته، فسار إليه محمد خان بعساكره فانهزم عنه،
وخرج من بلاده فتقرب إلى جنيد برلاس الذي كان والياً على مدينة كزه وما والاها من
البلاد من قبل بابر شاه التيموري، وان برلاس عازماً إلى آكره، فأخرجه عه وعرضه على
بابرشاه التيموري، فدخل في خواصه ولازمه مدة، ثم توهم منه وخرج إلى بهار، ولبث عند
السلطان محمد المذكور مدة، ولما مات محمد وتولى المملكة ابنه جلال خان صار صاحب
الأمر في مهمات الدولة حتى استولى على تلك الولاية ودفع جلال خان، ثم خرج محمود شاه
ابن سكندر شاه اللودي فاتفق الناس عليه وولوه على بهار، فاضطر شير خان إلى طاعته،
ولما سار محمود شاه بعساكره إلى بابر شاه التيموري وانهزم عنه واعتزل عن الناس استولى
شير خان على ولاية بهار مرة ثانية، وأخذ بلاد بنكاله قهراً واستيلاء، فركب إليه همايون
شاه التيموري واستولى على بلاد بنكاله وأقام بها ثلاثة أشهر، ثم ولى عليها جهانكير قلي
أحد أمراء العساكر وقصد آكره لدفه أخيه هندام مرزا، فلما وصل إلى جوسه- بفتح
الجيم المعقودة- لقيه شير خان بعساكره واشتد القتال بينهما، فانهزم همايون شاه المذكور
وكان ذلك في سنة ست وأربعين وتسعمائة، فقصد شير خان إلى بنكاله ودفع جهانكير قلي
المذكور ولقب نفسه شير شاه، ثم قصد آكره وانهزم عنه همايون شاه مرة ثانية في ناحية
قنوج سنة سبع وأربعين وفر إلى لاهور، فسار شير شاه على أثره وأخرجه إلى أرض
السند ثم إلى بلاد الأفغان، واستولى على مملكة الهند، والأرض لله يورثها من يشاء.
وكان شير شاه من خيار السلاطين، عادلاً باذلاً، كريماً رحيماً، شجاعاً مقداماً محظوظاً
جداً، كان لا يقصد باباً مغلقاً إلا انفتح، ولا يقدم على أمر مهم إلا(4/353)
اتضح، نال السلطة
الكبرى في كبر سنه، وكان يتحسر على ذلك، وكان وزع أوقاته من يوم وليلة، شطراً منها
للعبادة، وشطراً للعدل والقضاء، وبعضاً منها لإصلاح العسكر، فكان ينتبه من النوم في
ثلث الليل الآخر ويغتسل ويتهجد ويشتغل بالأوراد إلى أربع ساعات نجومية، ثم ينظر في
حسابات الإدارات المختلفة ويرشد الأمراء فيما يهمهم من الأمور في ذلك اليوم ويهديهم إلى
برنامج العمل اليومي لئلا يشوشوا أوقاته بعد ذلك بالأسئلة، ثم يقوم ويتوضأ لصلاة الفجر
ويصليها بالجماعة، ثم يقرأ المسبعات العشر وغيرها من الأوراد، ثم يحضر لديه الأمراء
فيسلمون عليه، ثم يقوم ويصلي صلاة الإشراق، ثم يسأل الناس عن حوائجهم ويعطيهم ما
يحتاجون إليه من خيل وأقطاع وأموال وغير ذلك لئلا يسألوه في غير ذلك من الأوقات، ثم
يتوجه إلى المظلومين والمستغيثين ويجتهد في إغاثتهم، ومن عوائد بعد الإشراق أنه ألزم عليه
أن يعرض علي العساكر فينظر إليهم وإلى أسلحتهم، ثم يعرض عليه من يريد أن يثبت في
العسكرية فيتكلم معه ويختبره ثم يأمر أن يثبت اسمه في العسكرية، ثم يعرض عليه الجبايات
التي تورد عليه من بلاده كل يوم، ثم يتمثل بين يديه الأمراء والمرازبة وسفراء الدول والوكلاء
فيتحدث معهم، ثم تعرض عليه عرائض الأمراء والعمال فيسمعها ويملي جوابها، ثم يقوم
ويقبل إلى الطعام وعلى مائدته جماعة من العلماء والمشايخ، ثم يشتعل نحو ساعتين بأمور
خصوصية، ويقيل إلى وقت الظهر ثم يقوم ويصلي بجماعة، ويشتغل بتلاوة القرآن الحكيم ثم
بمهمات الأمور للدولة، وكان لا يترك شيئاً من ذلك في الظعن ولا في الإقامة، وكان يقول: إن
الرجل الكبير من يصرف جميع أوقاته في الأمور الضرورية، وكان يقول: إن العدل صفة
محمودة عند جميع الناس مسلماً كان أو كافراً وكان يتوجه إلى المهمات ويباشر الأمور
بنفسه ويقول: إنه لا ينبغي لصاحب الأمر أن يستصغر ما يهمه من الأمور نظراً إلى علو
مرتبته فيلقيها على من حوله من رجاله، لأنهم لا يجتهدون فيها وربما يتغافلون عنها طمعاً
وارتشاء، وكان يعاقب البغاة وقطاع السبيل والظلمة أشد عقوبة ويعزرهم أشد تعزير، وكان
لا تأخذه بهم رأفة وإن كانوا من أصهاره وأقربائه.
وكان شير شاه أول من أسس قواعد السلطنة بعد علاء الدين الخلجي، ومهدها لمن بعده
من الملوك، ووضع القانون لترتيب العساكر ونصابها على أسلوب جديد، ووضع القانون
للمالية ووضعها للنقود، ووضع لغير ذلك من الأمور، فمما وضع لترتيب العساكر قانون داغ
الكي والتصحيحة، وهو أن يعرض الأمراء عساكرهم على عرض الممالك فيحمي الحديد في
النار ثم يكوي بها الأفراس، ومنها قانون الحلية وهو تحرير أسماء الفرسان وأوطانهم
وحليتهم وطول قامتهم وأعمارهم وما يختص بهم من الخطوط والسمات في دفتر خاص
لها، ومنها أنه أمر بتوزيع العساكر في بلاد وعين لها المعسكر في مقامات عديدة، ومنها أنه
ألزم عساكره أن يلزموا أنفسهم بناء القلاع من الطين في كل منزل إذا أرادوا الخروج إلى القتال
أو انتقلوا من معسكر إلى معسكر آخر، ومنها أنه ألزم عساكره أن لا يستأصلوا الزروع في
حال النقل والحركة وكان يعزرهم في ذلك أشد تعزير، ومنها أنه عين الأمناء ليدركوا نقصان
الزروع حال القتال ليعارضوا الناس به، ومنها أنه منع عساكره أن يأسروا أحداً من الرعية
في القتال.
وأما القانون الذي وضعه للمالية فمنه أنه أمر أن يمسح الأرض كل سنة، وقرر المالية على
أجناس الغلة، وكان يأخذ ثلث ما يحصل من الأرض المزروعة، وأبطل المكوس الكثيرة،
وأمر أن يؤخذ المكس من أهل التجارة مرتين: مرة حين تدخل أموال التجارة في بلاده، ومرة
إذا بيعت.
وأما القانون الذي وضعه لنظام المملكة فمنه أنه قسم الأرض المحروسة على إيالات، والايالة
على متصرفيات والمتصرفيات على عمالات، فقسم ما كانت تحت يده من أرض الهند على
ستة عشر ومائة عمالة وفي كل عمالة ولى واحداً من الأمراء لينوب عنه في كل ماله وما
عليه، والعامل الذي سماه شقدار، والخازن الذي سماه فوطه دار، وكاتبان أحدهما العارف
باللغة الهندية وثانيهما العارف باللغة الفارسية، وولى في كل عمالة ميناً لفصل القضايا فيما
بين الناس أو فيما بين الملك ورعاياه في حدود الأرض ولينظر أعمال العمال لئلا يخونوا في
المالية ولا يظلموا الرعية وسماه المنصف، وفي كل متصرفية ولى أميراً من أمرائه(4/354)
ينوب عن
السلطان في تلك المتصرفية وسماه فوجدار، وواحداً من الأمراء يرفع إليه أمر العمال وسماه
صدر شقدار، وأميراً يرفع إليه أمر المنصفين وسماه صدر المنصف، وفي كل إيالة كان يولي
واحداً من كبار الأمراء ينوب عن السلطان في تلك الإيالة ويرفع إليه أمرهم جميعاً، ويرفع
إليه أمر العساكر المعينة في تلك الولاية.
وهو أول من أصلح نظام النقود وضربها ووضع لها قانوناً، ونهى عن التخليط فيما بين
الفلزات ونهى عن التلبيس فيها، وله غير ذلك من القوانين المفيدة لم نطلع على تفصيلها.
ومن مآثره أنه أسس شارعاً كبيراً من سنار كانون أقصى بلاد بنكاله إلى ماء نيلاب من
أرض السند، مسافتها ألف وخمسمائة كروه- والكروه في عرف أهل الهند ميلان من
الأميال الإنكليزية- وأسس في كل كروه رباطاً، ورتب بها مائدتين لأهل الإسلام خاصة
وللهنادك خاصة، وأسس مسجداً في كل كرو من الآجر والجص، ووظف الموذن والمقرىء
والإمام في كلس مسجد، وعين في كل رباط فرسين للبريد ويقال لها في لغة أهل الهند داك
جوكي فكان يرفع إليه أخبار نيلاب إلى أقصى بلاد بنكاله كل يوم، وغرس الأشجار المثمرة
من كهرني وجامن والأنبه وغيرها بجانبي الشارع الكبير، فيستظل بها المسافر ويأكل منها ما
تشتهي نفسه، وكذلك غرس الأشجار المثمرة على الطريق من آكره إلى مندو- وبينهما
مسافة ثلاثمائة كروه- وأسس الرباطات والمساجد، وبلغ الأمن والأمان في عهده مبلغاً لا
يستطيع أحد أن يمد يده في الصحراء إلى عجوز تحمل متاعها.
وكان شير شاه يتأسف على أنه نال السلطة في كبر سنه، ويقول: إن ساعدني الزمان أبعث
رسالة إلى عظيم الروم وأسأله أن يركب بعساكره إلى بلاد الفرس ونحن نركب من ههنا إلى
تلك البلاد، فندفع بمساعدة ملك الروم شر الأوباش الذين يقطعون طريق الحجاج، ونحدث
شارعاً آمناً إلى مكة المباركة، ولكن الأجل لم يمهله، فمات قبل بلوغه إلى تلك الأمنية،
وكان ذلك في ثاني عشر من ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة.
مولانا شيري اللاهوري
الشيخ الفاضل شيري بن يحيى الصياد اللاهوري، أحد الأفاضل المشهورين في الشعر
والإنشاء- ولد ونشأ في كوكو- قرية من أعمال لاهور، وأخذ عن أبيه وتفنن عليه بالفضائل،
وكان مفرط الذكاء جيد القريحة، اشتغل بقرض الشعر، وبلغ في العتابيات رتبة لم يبلغها
أحد من معاصريه، له هر بنس كتاب في أخبار كشن عظيم الهنادك، ترجمة من اللغة
الهندية إلى الفارسية بأمر أكبر شاه التيموري، وله ديوان شعر بالفارسية، ومن شعره قوله:
تا بزايد هر زمان كشوربر انداز آفتي فتنه در كوي حوادث كتخذا خواهد شدن
يا عقاب قرضخواه وخنجر ارباب شرك بار سر از ذمه كردن جدا خواهد شدن
فيلسوف كذب را خواهد كريبان باره شد خرقه بوش زهد را تقوى ردا خواهد شدن
شورش مغز است اكر در خاطر آرد جاهلي كز خلائق مهر بيغمبر جدا خواهد شدن
بادشاه امسال دعواي نبوت كرده است كر خدا خواهد بس از سالي خدا خواهد#
شدن
توفي سنة أربع وتسعين وتسعمائة في يوسف زئي من أرض ياغستان- ذكره البدايوني.
مولانا شير علي السرهندي
الشيخ الفاضل شير علي الحنفي الصوفي السرهندي، أحد المشايخ المشهورين، له رابطة
بالسلاسل المشهورة لا سيما الطريقة القادرية، مات سنة خمس وثمانين وتسعمائة، كما في
كلزار أبرار.
حرف الصاد
مرزا صادق الأردوبادي
مرزا صادق الشيعي الأردوبادي الفاضل الكبير، كان من أهل بيت العلماء والشيوخ، ولد
ونشأ باردوباد من آذربيجان، وتأدب على عصابة العلوم الفاضلة، ثم قدم(4/355)
الهند وطابت له
الإقامة بمدينة أحمد نكر فسكن بها عشرة أعوام، ونال الصلات الجزيلة من الملوك والأمراء،
ولما ولي الوزارة صلابت خان أعطاه المناصب والأقطاع، فصار في خفض العيش والدعة.
وكان فاضلاً جيداً، منقطع النظير في الإنشاء والشعر، له أبيات رقيقة رائقة بالفارسية،
منها قوله:
اي رهزن كاروان زهد وبرهيز بدعت دوستي خصمي آميز
در كوئي تو از هجوم نظاركيان نه جائي ستادن است نه بائي كريز
قتل في جمادي الأولى سنة سبع وتسعين وتسعمائة بمدينة أحمد نكر، ذكره محمد القاسم.
القاضي صدر الدين اللاهوري
الشيخ العالم الفقيه صدر الدين القرشي العباسي اللاهوري الدفين ببلدة بروج من بلاد
كجرات، كان من العلماء المبرزين في الفقه والكلام والأصول والعربية، قرأ بعض الكتب
الدرسية على مخدوم الملك عبد الله بن شمس الدين الملتاني وبعضها على غيره من العلماء
ذكره البدايوني وقال: إنه كان أفضل من شيخه عبد الله في تحقيق العلوم من المنطوق
والمفهوم، قال: وكان حلو المذاكرة، مليح البحث، كثير المطالعة لفنون العلم والأدب، يديم
البحث والإشتغال، وكان واسع المشرب، رحيب الصدر، حسن الظن، يعتقد في كل من
يجده مجرداً عن أسباب الدنيا وإن كان مبتدعاً، قال: إنه رأى ذات يوم رجلاً في زي
المجاذيب، فقام له تعظيماً ووضع يمناه على يسراه كهيئة القيام للصلاة، وكان ذلك الرجل
يقول: إني قادر أن أجمعك بالخضر! فخر على قدمه وطلب منه ذلك، فقال له الرجل: إني
مهموم في هذا الزمان لأجل صبيتي التي قد بلغت الحلم وجهازها يقتضي سبعمائة تنكه نوع
من النقود، فهيأ له القاضي سبعمائة تنكه في الحال، فذهب به إلى نهر كبير وكان الرجل
طويل القامة والقاضي قصيرها فأدخله في الماء حتى ذهب به في العميق من قعره فامتنع
القاضي أن يتبعه لأنه كان لا يعرف السباحة، فقال الرجل: إني أرشدتك على مقام الخضر
فإن لم تستطع أن تدركه فلا جناح علي.
قال البدايوني: إن أكبر شاه التيموري ولاه القضاء بمدينة بروج من أرض كجرات، فذهب
إليها واستقل به حتى توفي بها.
وقال المندوي في كلزار أبرار: إنه كان رجلاً صالحاً، كثير البكاء غزير الدموع، صحب
الشيخ موسى الحداد اللاهوري أحد المجاذيب وأخذ عنه، توفي لخمس عشرة خلون من
رمضان سنة تسعين وتسعمائة.
الشيخ صدر الدين السندي
الشيخ العالم الفقيه صدر الدين السندي، أحد العلماء المشهورين بإقليم السند، درس
وأفاد مدة حياته، وتخرج عليه جماعات من الفضلاء، خاصم السيد محمد بن يوسف
الجونبوري المتمهدي المشهور لما دخل أرض السند، ثم اعترف له بعد المذاكرة ودخل في
أصحابه، وكان معاصراً لجام نظام الدين ملك السند.
السيد صدر الدين القنوجي
الشيخ الفاضل صدر الدين الحنفي القنوجي، أحد أكابر العلماء في عصره، كان من ندماء
سكندر شاه بن بهلول شاه اللودي، وكان أخوه السيد حسن والسيد إمام أيضاً من
العلماء، ذكره القنوجي في أبجد العلوم.
السيد صفائي الترمذي
الشيخ العالم الفقيه السيد صفائي بن مرتضى الحسيني الترمذي المنتسب إلى شير قلندر
بن بابا حسن أبدال القندهاري، كان من العلماء المبرزين في الفقه والأصول والعربية، ولي
مشيخة الإسلام بمدينة بهكر من أرض السند، ولاه محمود شاه السندي، ورزق أولاداً
صالحين، أشهرهم محمد معصوم صاحب تاريخ السند، توفي في شهر ذي القعدة سنة
إحدى وتسعين وتسعمائة.
خواجه صقر الرومي
الأمير الكبير خواجه صقر الرومي عتيق الأمير(4/356)
سلمان التركي الشهيد السعيد يقال له
خداوند خان، قدم كجرات سنة سبع وثلاثين وتسعمائة مع الأمير مصطفى ابن أخت
سلمان المذكور، وناب عنه في أعماله بفرض الهند وبنى قلعة سورت في أيام بهادر شاه
الكجراتي، ولما هزم بهادر شاه من همايون بن بابر التيموري وسار إلى ديو خرج إليه
خواجه صقر، وكان إذ ذاك وكيل مصطفى المذكور، فقبل ركابه وتبرأ من مصطفى ذلك
الخائن، وسار في ركابه إلى ديو ثم أخبره بما في ديو من المدافع واستعداد المنع، وسار به إلى
الجهات المانعة وما فيها من العدة وإلى الجهات المحتاجة للتقوية، ثم تكفل له بطلب الجماعة
السلمانية فأعجب به بهادر شاه وأقبل عليه وأعطاه ما كان لمصطفى من بندر ديو وسورت
وراندير وتهانه والدهن، وأمره بطلب أصحابه ورعاية من في معرفته من أهليهم، وأمره
بعمارة ديو، وذلك حين قال له: أيمكن التحصن بديو إذا جاء همايون؟ فأجاب يمكن!
فقال: كيف تعمل بمصطفى؟ فأجاب: الخائن لا يفلح! ثم قوي الجهات المحتاجة للتقوية من
ديو واستعد للقتال، وتوجه إلى نوساري فامتلكها وما يليها، ثم سار إلى سورت وملكها، ثم
توجه إلى بهروج ومعه خانجهان الشيرازي فملكها، وهكذا ملك بلدة بعد بلدة حتى نهض
بهادر شاه إلى أحمد آباد وصفت الولاية له، وكان ذلك سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة، وبعد
مدة قليلة من ذلك قتل بهادر شاه بديو بقصة شرحتها في ترجمته وكان معه خواجه صقر في
غرابه، وأدركه من يعرفه- وقديماً قيل المعرفة تنفع ولو بكلب عقور، وأخفاه الرجل ثم أخبر
به وأخذ له عهداً على أن يكون تاجراً بديو وبقيت حياته فجاء إلى أعماله، ولقبه محمود
شاه خداوند خان، وبعثه إلى ديو سنة ثلاث وخمسين، فخرج إلى سرخيز وكتب إلى وكيله
بسورت وأمره بتجهيز ولده محرم بالعسكر والمدافع والخزانة، وبعد وصوله رحل إلى ديو، ولما
وصل إلى نوانكر- على ثلاثة فراسخ من ديو- خلف الأثقال بها وتقدم بالمدافع ورجال
الحرب، ثم شرع في العمل وحصر القلعة، واستمر ذوي المدافع من الجانبين ويتقدم خطوة
خطوة إلى أن انتهى إلى الخندق، وكبسه ومشى عليه وخلفه وأقبل على القلعة، وقد أنفق
من أمواله في سبيل الله ما يخرج عن الحساب، واحتاج إلى النفقة فكتب إلى الوزير أفضل
خان في طلبه فلم يرسل بشيء من الخزانة إليه، ثم عملت المدافع في القلعة، وهلك منها
أكثر أهلها واعتل أكثر من بقي بالعفونة، وخواجه صقر لا يزال يبني مترساً حجرياً، ويضرب
بمدافعه ويزيل الفرنج عن وجهه من القلعة، ويتقدم ويبني ويضرب ويزيل ويتقدم إلى أن كاد أن
يبطل عمل مدافع القلعة للقرب منها، وبينما هو يوماً جالس في ظل مترس أحس به أهل
البرج، فحرز المدفعي المدفع ورماه، فأصاب حجر المترس فتطايرت قطعة، ومنها قطعة
أصابت رأسه فبلغ الشهادة.
وكان ذلك في ربيع الثاني سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة- ذكره الآصفي في ظفر الواله.
القاضي صلاح الدين الجونبوري
الشيخ العالم الفقيه القاضي صلاح الدين الخليل الحنفي الجونبوري، كان من أحفاد القاضي
نظام الدين صاحب الفتاوي إبراهيم شاهية نشأ في حجر جده وأخذ عنه وتولى القضاء
بعده، واستقل به عشرين سنة، وكان حسن الأخلاق، حلو الكلام، فصيح المنطق، عالماً
كبيراً، بارعاً في العلوم الكثيرة، يشار إليه في استحضار المسائل الجزئية، أخذ عنه السيد
عبد الأول بن العلاء الحسيني الجونبوري شارح صحيح البخاري وخلق آخرون، ذكره
الزبيدي في تجلي نور.
حرف الضاد المعجمة
القاضي ضياء الدين النيوتني
الشيخ الفاضل العلامة ضياء الدين بن سليمان بن سلوني العثماني النيوتني الأودي، كان
من فحول العلماء، ولد ونشأ بنيوتني- بكسر النون وسكون التحتية والواو بعدها تاء مثناة
من فوق ثم نون ثم ياء تحتية- قرية جامعة من أعمال مهان- بضم الميم- وهي بلدة من بلاد
أوده، اشتغل بالعلم أياماً في بلاده، ثم سافر إلى كجرات وبها قرأ العلم على العلامة وجيه
الدين بن نصر الله العلوي الكجراتي وتزود بابنته وأقام بعد ذلك مدة بكجرات وأخذ
الطريقة القادرية عن الشيخ محمد بن يوسف القرشي البرهانبوري، ثم سافر إلى الحرمين
الشريفين فحج وزار ودخل الهند، ثم رجع إلى بلاده وقام بنشر العلوم والمعارف، أخذ عنه(4/357)
الشيخ جمال الكوروي وخلق كثير، كما في سلاسل الأنوار.
وإني رأيت في بعض التعاليق أنه استفاض من مشايخ آخرين وحصل الطريق العديدة ولكن
الطريقة النقشبندية كانت غالبة عليه.
توفي لست بقين من رجب سنة تسع وثمانين وتسعمائة، وأرخ بعض أصحابه لعام وفاته:
رفت از دنيا بدين قطب جهان.
مولانا ضياء الدين المدني
الشيخ العالم المحدث ضياء الدين الحسني المدني المدفون بكاكوري، كان من العلماء المبرزين
في النحو واللغة والحديث، قدم الهند وسكن بدار الملك دهلي سنتين، ثم سافر إلى أرض
أوده ودخل كاكوري- قرية جامعة من أعمال لكهنو على تسعة أميال منها- فسكن بها،
خمس سنين وأربعة أشهر، وكان يدرس ويفيد، وأخذ عنه الشيخ نظام الدين بن سيف
الدين العلوي الكاكوروي الحديث وقرأ عليه صحيح البخاري وجامح الأصول، مات ودفن
بكاكوري، ذكره الشيخ تراب علي القلندر في كشف المتواري.
حرف الطاء
الشيخ طاهر بن رضى الهمداني
الشيخ الفاضل طاهر بن رضى الدين بن مؤمن شاه بن محمد شاه بن محمد ابن الجلال بن
الحسين بن محمد بن الحسن بن علي بن نزار بن المستنصر الإسماعيلي العبيدي الهمداني،
من نسل عبيد الله المهدي صاحب الدعوة، وكان ينتسب إلى إسماعيل بن جعفر الصادق،
وبذلك الانتساب ادعى أنه مهدي وأنه مأمور من الله سبحانه، فاجتمع إليه الناس وانتشرت
دعوته في البلاد والعباد، وأسس دولة عظيمة بالمغرب وديار مصر، ولما انقرضت تلك
الدولة سنة سبع وستين وخمسمائة خرج واحد منهم إلى إيران العجم وتولى الشياخة،
وتوارث أولاده الشياخة حتى تولاها طاهر بن رضى، وكان من العلماء المبرزين في المنطق
والحكمة والجفر الجامع والرمل وغيرها من الفنون الغريبة، فاجتمع إليه خلق كثير، فأساء
الظن به إسماعيل بن الحيدر الصفوي الشيعي ملك الفرس، فاعتزل الشياخة وحضر بين
يديه سنة ست وعشرين وتسعمائة، ولبث عنده زماناً، ثم ولي التدريس بكاشان وأقام بها
مدة، فاجتمع إليه أصحابه ورزق القبول العظيم فاتهموه بالإلحاد، وتوحش الصفوي عنه مرة
ثانية فأمر بقتله، فخرج من كاشان وسافر إلى الهند فدخل في بندركووه، وجاء إلى بيجابور
فلم يلتفت إليه إسماعيل عادل شاه البيجابوري، فسار إلى قلعة برينده ولقى بها الشيخ بير
محمد الذي أرسله برهان نظام شاه إلى صاحب القلعة بالرسالة، فاعتقد بير محمد بفضله
وكماله وقرأ عليه المجسطي، ولما رجع بير حمد إلى أحمد نكر ذكره عند صاحبه، فطلبه
سنة ثمان وعشرين وتسعمائة واحتفى به، فطابت له الإقامة بأحمد نكر، وكان يذهب إلى
قلعة أحمد نكر يومين في كل أسبوع ويدرس ويحضر العلماء كلهم في دروسه، وكان برهان
نظام شاه أيضاً يحضر دروسه ويستلذ بكلامه، ولم يزل كذلك حتى مرض عبد القادر ابن
برهان نظام شاه المذكور وأشرف على الموت وكان البرهان مشغوفاً بحبه، فقام الطاهر
وبشره بالشفاء العاجل لولده وأخذ العهد عليه أن يدعو في خطب الجمع والأعياد للأئمة
الاثنى عشر ويروج مذهبهم في بلاده! فعاهده برهان نظام شاه، فلقنه الطاهر مذهب
الشيعة من حب ورفض، وتشيع برهان نظام شاه ومعه أهل بيته وخدمه نحو ثلاثة آلاف
من الرجال والنساء، ونال الطاهر ما رامه من الدعوة.
وله مصنفات كثيرة: منها شرح الباب الحادي عشر في الكلام، وشرح الجفرية في فقه
الإمامية، وحاشية على تفسير البيضاوي، وله حواش على الإشارات والمحاكمات
والمجسطي والشفاء والمطول وكلشن راز وشرح تحفه شاهي، وله رسالة بالكي صنفها في
أثناء الطريق على المحفة، ولذلك سماها ببالكي في لغة أهل الهند المحفة ومن شعره قوله:
در غم او لذت عيش از دل نا شاد رفت خو بغم كر ديم جندا ني كه عيش از ياد#
رفت
توفي سنة ست وخمسين وتسعمائة بمدينة أحمد(4/358)
نكر، فدفنوه بها ثم نقلوا عظامه إلى
كربلاء، ذكره محمد قاسم في تاريخه.
مولانا طيب السندي
الشيخ العالم المحدث طيب بن أبي الطيب التتوي السندي، أحد فحول العلماء، كان من
نسل الشيخ هارون، ولد ونشأ بأرض السند، واشتغل بالعلم على مولانا يونس المفتي
السندي ولازمه مدة، ثم ترامى به الاغتراب إلى أرض برار فسكن ببلدة إيلجبور زماناً، ثم
دخل برهانبور مع الشيخ طاهر ابن يوسف السندي.
وكان يدرس ويفيد، قرأ عليه الشيخ عيسى بن قاسم السندي بعض الكتب الدرسية في
الأصول والكلام، له شرح على الرسالة الغوثية وتعليقات مفيدة على مشكاة المصابيح.
توفي في بضع وتسعين وتسعمائة، كما في كلزار أبرار.
حرف العين
ميران عادل شاه البرهانبوري
الملك المؤيد عادل بن المبارك بن نصير بن أحمد بن محمد الفاروقي البرهانبوري، كان اسمه
قبل الإمارة عين خان ولهذا اشتهر بعينا عادل شاه، قام بالملك بعد والده سنة إحدى
وستين وثمانمائة، وافتتح أمره بالعقل والسكون، وأحسن السيرة في رعيته، وفتح كوند وازه
وكده، وأسس حصاراً آخر منيعاً حول قلعة آسير، وجعلها من أمنع قلاع الهند، وأسس
قلعة منيعة ببلدة برهانبور، وأسس الأبنية الفاخرة واستقل بالملك ستاً وأربعين سنة وبضعة
أشهر.
وكان فاضلاً شجاعاً. فاتكاً ذا دهاء وتدبير وعقل ودين، مات يوم الجمعة في نصف من
ربيع الأول سنة سبع وتسعمائة.
مولانا عالم الكابلي
الشيخ الفاضل عالم بن عارف الحنفي الكابلي، أحد العلماء المبرزين في العلوم الآلية، ذكره
البدايوني، قال: إنه كان مداعباً مزاحاً، حسن القصص، حلو الكلام مليح الشمائل، يأتي بما
يضحك الناس حتى تكاد النفوس تزهق عن كثرة الضحك، وقد كتب تعليقاً على شرح
المقاصد في كشكوله وسماها القصد، وكان يقول إنه من مصنفاته، وكذلك كتب حاشية أو
حاشيتين على المطول وسماها الطول وادعى أنه كتاب بسيط من مصنفاته حذاء المطول،
وألف مجموعاً في أخبار الأولياء وسماه فواتح الولاية وأورد فيه كل فقير سائل ومجاور بقبول
الأولياء وأتى في أخبارهم بكل ما سمع من الناس.
قال: إنه دعاني مرة لفتحبور، ودعى صاحبنا نظام الدين النخشبي أيضاً فلم يسعنا إلا
القبول، فغدونا إلى بيته وأحضر معجوناً مشهياً للطعام فتناولناه، ثم عرض علينا كتبه
فاشتغلنا بها إلى نصف النهار وقد غلب علينا الجوع، وكنا نترقب المائدة فلما لم نر أثراً منها
سألناه، فقال: إني كنت أظن أنكم أكلتم الطعام في بيوتكم! فاضطررنا إلى الخروج وتركناه
وأكلنا ما وجدنا في بيوتنا، قال: وكان يغبط على نظام الدين البدخشي أنه اخترع السجدة
لصاحبه أكبر شاه، فأدخلها في آداب التحية له، قال: وكان يغبط على البدخشي وابن
المبارك أنهما صارا من الأمراء ولذلك دخل في الجندية ولكنه ما بلغ مبلغ الأمراء لسوء
حظه في الإمارة، توفي سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة.
مولانا عباس السندي
الشيخ الفاضل عباس بن الجلال الباتري السندي، أحد المشايخ المشهورين بالفضل
والكمال، ولد ونشأ بقرية باتر من أعمال السند، وانتقل منها في أوائل سنة سبع وأربعين
وتسعمائة إلى قرية هنكور من أعمال بهكر، فسكن بها وعكف على الدرس والإفادة،
وكان عالماً كبيراً، قانعاً عفيفاً، ماهراً في الفقه والحديث والتفسير، أخذ عنه القاضي عبد
السلام السندي وخلق آخرون، توفي سنة ثمان وتسعين وتسعمائة وله ست وتسعون سنة،
كما في المآثر.
مولانا عبد الأول الجونبوري
الشيخ العالم المحدث عبد الأول بن علي بن(4/359)
العلاء الحسيني الجونبوري، أحد كبار الفقهاء
الحنفية، كان أصله من زيد بور من أعمال جونبور، انتقل أحد آبائه إلى أرض الدكن، فولد
ونشأ بها عبد الأول ولازم جده علاء الدين وأخذ عنه الحديث عن الشيخ حسين الفتحي
عن محمد بن محمد الجزري صاحب الحصن الحصين عن أبي عبد الله محمد بن عبد الله
الصفوي وغيره ثم أخذ الطريقة عن بعض أبناء الشيخ محمد بن يوسف الحسيني الدهلوي
الدفين بكلبركه، ثم دخل كجرات وسكن بها زماناً، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج
وزار، ورجع إلى الهند فأقام بأحمد آباد مدة من الزمان ودرس وأفاد، أخذ عنه الشيخ
طاهر بن يوسف السندي وخلق كثير، وقدم دهلي في آخر عمره فعاش بها سنتين ومات.
وله مصنفات عديدة، منها فيض الباري شرح صحيح البخاري، ومنظومة في المواريت،
وشرح بسيط له على تلك المنظومة، وله رسالة في تحقيق النفس، ومختصر في السير لخصه
من سفر السعادة للفيروز آبادي، وله تعليقات شتى على الفتوحات المكية والمطول وعلى
غيرهما من الكتب.
توفي سنة ثمان وستين وتسعمائة، كما في أخبار الأخيار.
ميرك عبد الباقي السندي
الشيخ الفاضل عبد الباقي بن محمود بن أبي سعيد الحنفي السبزواري ثم التتوي
السندي، كان أكبر أبناء والده وأوفرهم في الفضل والكمال، وكان كثير الدرس والإفادة، له
اليد الطولى في الهيئة والهندسة وغيرهما من العلوم الحكمية، اخترع الأشكال الهندسية ما
وراء أشكال الأقليدس، وكان الشيخ عبد الخالق الكيلاني مع علو كعبه في العلوم الحكمية
يعترف بفضله وكماله ويستفيد منه، ذكره النهاوندي في المآثر، توفي سنة ثلاث وثمانين
وتسعمائة.
الشيخ عبد الجليل اللاهوري
الشيخ الصالح عبد الجليل بن أبي الفتح بن عبد العزيز بن شهاب الدين ابن نور الدين بن
حميد الدين الحارثي الهنكاري اللاهوري، أحد رجال العلم والطريقة، أخذ عن أبيه عن
جده وهلم جرا إلى الشيخ حميد الدين، وهو أخذ عن الشيخ ركن الدين أبي الفتح فيض
الله بن القرشي الملتاني، ثم سافر إلى البلاد وسكن بلاهور، أخذ عنه خلق كثير، وصنف
صنوه أبو بكر كتاباً في أخباره، مات غرة رجب سنة عشر وتسعمائة بلاهور، كما في
خزينة الأصفياء.
الشيخ عبد الجليل الجونبوري
الشيخ الفاضل عبد الجليل بن طه الأنصاري الجونبوري، أحد الفقهاء الحنفية، كان من
ذرية الشيخ الكبير عبد الله الهروي، أخذ الطريقة عن الشيخ عبد العزيز بن الحسن
العباسي الدهلوي، وكان من العلماء المبرزين في الفقه والحديث، سافر إلى مكة المباركة
للحج فقتله اللصوص بدهلي سنة تسعين وتسعمائة، فأرخ لعام وفاته بعضهم قتيل محبت،
كما في كنج أرشدي.
الشيخ عبد الحكيم البرهانبوري
الشيخ الصالح الفقيه عبد الحكيم بن بهاء الدين بن معز الدين البرهانبوري، أحد المشايخ
المشهورين، ولد ونشأ في مهد العلم والمعرفة، وأخذ عن أبيه ولازمه ملازمة طويلة، أخذ
عنه الشيخ علي بن حسام الدين المتقي البرهانبوري المهاجر إلى مكة المباركة، وكان
منقطعاً إلى الزهد والعبادة.
الشيخ عبد الحكيم الكالبوي
الشيخ الصالح عبد الحكيم الكالبوي، أحد رجال العلم والطريقة، أخذ عن الشيخ عبد
الوهاب بن محمد الحسيني البخاري الدهلوي ولازمه مدة من الزمان، وانقطع إلى الزهد
والعبادة بكالبي مع قناعة وعفاف وطريقة ظاهرة، مات سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة، فأرخ
لعام وفاته بعضهم حكم دا شده كما في كلزار أبرار.
الشيخ عبد الحليم السنبهلي
الشيخ العالم الصالح عبد الحليم بن حاتم الحنفي السنبهلي، أحد كبار العلماء، ولد ونشأ
بمدينة سنبهل،(4/360)
وتخرج على أبيه ولازمه مدة حياته ثم تصدر للتدريس، وكان على قدم أبيه
في الاشتغال بالعلم وصلاح الظاهر والقناعة والتوكل، مات سنة تسع وثمانين وتسعمائة.
الأمير عبد الحليم الكجراتي
الأمير الكبير عبد الحليم بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن شاهو بن تكودر-
بالفوقية بن جام ننده القرشي السندي ثم الكجراتي الشهيد السعيد، المجلس العالي
خداوند خان، كان من كبار الوزراء بكجرات، ولد ونشأ بجانبانير واشتغل على والده
بالعلم مدة، وقرأ على غيره من العلماء كالقاضي برهان الدين النهروالي والخطيب أبي
الفضل وغيرهما، ولما برز في العلوم تقرب إلى بهادر شاه فقلده كثيراً من أعمال مملكته، ولما
تولى المملك محمود شاه ولاه الوزارة الجليلة سنة أربع وخمسين وتسعمائة ولقبه المجلس العالي
خداوند خان فخدمه مدة، وقتل سنة إحدى وستين وتسعمائة، ذكره الآصفي.
مولانا عبد الحي الدهلوي
الشيخ الفاضل عبد الحي بن الجلال بن الفضل الحنفي الدهلوي، أحد الأفاضل المشهورين
في عصره، ولد ونشأ بدهلي، وقرأ العلم على أساتذة عصره ولازم أباه وأخذ عنه، وكان
فاضلاً كريماً، حسن الأخلاق كثير التواضع، عميم الإحسان، مجيد الشعر، مات سنة تسع
وخمسين وتسعمائة.
مولانا عبد الخالق الكيلاني
الشيخ الفاضل الكبير عبد الخالق الكيلاني، أحد كبار العلماء، لم يكن في زمانه أعلم منه
في العلوم الحكمية لا سيما الهيئة والهندسة، أخذ عن الشيخ عبد الله اليزدي، وانتقل من
قندهار إلى بهكر من بلاد السند سنة اثنتين وسبعين وتسعمائة، ثم دخل تته وعكف على
الدرس والإفادة، أخذ عنه القاضي محمود التتوي وخلق آخرون، ثم ترامى به الإغتراب إلى
بلاد الدكن، ذكره النهاوندي في المآثر وقال: إنه كان نظيراً للفاضل مرزا جان والأمير فتح الله
الشيرازي في العلوم الحكمية، انتهى.
مولانا عبد الرحمن اللاهوري
الشيخ العالم الصالح عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الملك اللاهوري، أحد الفضلاء
المشهورين، قام مقام والده في الدرس والإفادة، أخذ عنه جمع كثير من العلماء، مات سنة
سبعين وتسعمائة، كما في أخبار الأصفياء.
مولانا عبد الرحمن الملتاني
الشيخ الفاضل عبد الرحمن بن عزيز الله الملتاني، أحد أكابر الفضلاء، ولد ونشأ بملتان،
وقرأ العلم على والده ثم درس وأفاد ببلدة لاهور مدة طويلة، أخذ عنه الشيخ سعد الله بن
إبراهيم الملتاني وخلق كثير، كما في كلزار أبرار.
الشيخ عبد الرحمن اللاهربوري
الشيخ الفاضل الكبير عبد الرحمن بن علاء الدين بن عطاء الله بن ظهير الدين العباسي
اللاهربوري، كان من نسل هارون الرشيد الخليفة العباسي، ولد ونشأ بلاهور بور- قرية
جامعة من أرض أوده- وقرأ العلم على والده، ولما توفي أبوه رحل إلى دهلي وأخذ عن
الشيخ عبد الله بن إله داد العثماني التلنبي، ولازمه مدة طويلة حتى برع في العلم وتأهل
للفتوى والتدريس، ثم تقرب إلى سكندر شاه اللودي وخدمه اثنتي عشرة سنة، ثم سافر
إلى جونبور وأخذ الطريقة عن الشيخ عبد السلام بن محمد بن قطب القلندري، وانقطع إلى
الزهد والعبادة ورزق عمراً طويلاً.
مات لاثنتي عشرة خلون من ذي الحجة الحرام سنة ست وسبعين وتسعمائة بلاهر بور،
كما في أصول المقصود.
ميرك عبد الرحمن التتوي
الشيخ الفاضل عبد الرحمن بن محمود بن أبي سعيد الحنفي التتوي السندي، أحد فحول
العلماء، كان ممن تبحر في العلوم ودرس وأفاد، وأخذ عنه خلق كثير، مات سنة إحدى
وتسعين وتسعمائة، كما في المآثر.(4/361)
مولانا عبد الرحمن التتوي
الشيخ الفاضل الكبير عبد الرحمن التتوي السندي، أحد كبار العلماء، لم يكن في زمانه
أعلم منه في الفقه والحديث والتفسير، أخذ عنه جمع كثير من العلماء في أيام مرزا عيسى
ترخان وولده مرزا باقي أمير ناحية السند، ذكره النهاوندي في المآثر.
مولانا عبد الرحمن اللاهوري
الشيخ العالم الصالح عبد الرحمن اللاهوري الفاضل المشهور في عصره، أخذ الطريقة عن
الشيخ عبد الحق الأحراري، وأخذ عنه غير واحد من المشايخ، مات سنة خمسين
وتسعمائة بمدينة لاهور، ذكره محمد بن الحسن في كلزار أبرار.
القاضي عبد الرحيم السهارنبوري
الشيخ العالم الفقيه عبد الرحيم بن عبد الرزاق بن خواجه سالار الأنصاري السهارنبوري،
أحد أكابر العلماء، ولد ونشأ بمدينة سهارنبور وصرف عمره في الدرس والإفادة، وكان
ماهراً بالمعقول والمنقول، ولي القضاء مكرهاً وكان آبياً لذلك، ولاه سكندر شاه اللودي،
مات سنة ستين وتسعمائة، كما في المرآة.
الشيخ عبد الرزاق المكي
الشيخ الفاضل عبد الرزاق بن أبي الفتح بن الجمال المكي، أحد رجال العلم والطريقة،
تذكر له كشوف وكرامات، مات ليلة الجمعة لعشرة ليال بقين من جمادي الآخرة سنة أربع
وثمانين وتسعمائة، فأرخ لوفاته بعض أصحابه شب جمعه سفر كرد، ذكره محمد بن الحسن.
الشيخ عبد الرزاق الجهنجانوي
الشيخ العالم الصالح عبد الرزاق بن أحمد بن محمد فاضل بن عبد العزيز بن نور الدين بن
كمال الدين بن أبي سعيد العلوي الرازي الجهنجانوي، كان من ذرية محمد بن الحنفية، ولد
سنة ست وثمانين وثمانمائة، وحفظ القرآن الكريم، وقرأ الرسائل المختصرة على الجلال
الجهنجانوي، وسار إلى باني بت ثم إلى دهلي، ولازم الشيخ إله داد التتوي خمس سنوات
وقرأ عليه الكتب الدرسية، ثم رجل إلى كالبي وإلى كوره وقرأ بعض الكتب على من بها
من الأساتذة، ثم رجع إلى دهلي ودخل في مدرسة ملا عبد الله لعله التلنبي واشتغل
بالبحث أياماً، ثم تصدر للتدريس ودرس ثلاثين سنة، ثم لازم الشيخ محمد بن الحسن
العباسي الجونبوري وأخذ عنه وعن غيره من المشايخ الإجازة في طرق عديدة، أما القادرية
فإنه أخذها عن الشيخ محمد بن الحسن المذكور والشيخ محمد مودود اللاري والسيد
إسماعيل القادري، وأما الطريقة الجشتية فإنه أخذ عن الشيخ نور بن الحامد الحسيني
المانكيوري، وصحب هؤلاء مدة طويلة حتى فتحت عليه أبواب الكشف والشهود.
وله ذوق خاص في تقرير التوحيد على مسلك ابن عربي خلافاً لمعاصره عبد الملك بن
عبد الغفور الباني بتي، ومحصله أن عبد الرزاق ذهب إلى أن وجود الممكنات عين وجود
الواجب- تعالى وتقدس عن ذلك- وعبد الملك كان يقول إن الواجب تعالى وتقدس وراء
عن الممكنات، وللشيخ عبد الرزاق في ذلك رسائل كثيرة إلى أصحابه، قال في بعض
الرسائل: إن المعرفة على نوعين: استدلالي ووجداني، أما الاستدلالي فهو أن من طالع حسن
خلق الله وإتقانه في السماوات والأرض وما بينهما لاح له في كل صنع آية يستدل بها على
صانع حكيم مريد إلى غير ذلك، يكون ذلك الصنع أثراً منه فيعرف الله بدلالتها وهذه
المعرفة وإن كانت ضرورية لا يسع جهلها ولا ينعقد عقد الايمان إلا بها، لكنها معرفة عامة
ليست من المعرفة الحقيقية في شيء، والمستدلون به يعرفون الله سبحانه وراء العالم، وهم
المؤمنون بالغيب المستدلون بالدليل، وأما المعرفة الحقيقية الوجدانية فهي أن تنخلع ذات
العارف عن ملابس الوجود بملازمة الرياضات والمجاهدات والذكر بمواطاة القلب واللسان
والاعتصام بعروة همة الشيخ، فيسلك به مسلك الفناي فيخلع الله عليه لباس نعوته وأسمائه
فإنه يعرف الحق بالحق، كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عرفت ربي بربي! وقال
الله تعالى: "يأيها الذين آمنوا آمنوا بالله" فالخطاب فيه إلى المؤمنين الذين يؤمنون بالغيب وهم
المستدلون أمرهم بقوله "آمنوا بالله" أي بالشهادة، كما أشار(4/362)
إلى هذا الإيمان بقوله "ألا إنهم
في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط".
وقال: اعلم يا أخي أطال الله بقاءك بالمعرفة والمحبة أن الحق سبحانه وتعالى واجب
الوجود، فإذا وجب وجوده وجب عدم ما سواه، وما يظن أنه سواه ليس بسواه، لأنه تعالى
منزه عن أن يكون غيره سواء، بل غيره هو فلا غير، وإلى هذا أشار النبي صلى الله عليه
وسلم بقوله: لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر! فأشار إلى أن وجود الدهر وجود الله
تعالى لا أنه وراء العالم تعالى وتقدس عن ذلك، ثم أقول أوضح من ذلك: إن الله تعالى قال:
"يأيها الذين آمنوا آمنوا بالله"، يعني المؤمنين المستقينين بأنفسهم آمنوا بالله بأن وجودكم
وجود الله تعالى، وإليه أشار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: من عرف نفسه فقد عرف
ربه، لأنه هو الأول والآخر والظاهر والباطن، وإذا ثبت ذلك ثبت أنك لست أنت بل أنت
هو، فإذا عرفت نفسك هكذا فقد عرفت ربك وإلا فلا، لا أنه تعالى جزئي حقيقي وراءك
ووراء الموجودات كلها، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ثم أقول أوضح من ذلك قال الله
تعالى: "يأيها الذين آمنوا آمنوا بالله" يعني المؤمنين الذين آمنوا بالأشياء وتيقنوا بأن الأشياء
موجودات على حدة مستقلة وراء الحقيقة المطلقة آمنوا بالله لا بالأشياء، لأن أعيان
المعلومات معدومات أبداً موجودات بوجوده سرمداً، وهذا معنى قوله عليه السلام: أرنا
الأشياء كما هي! فإذن لا موجود إلا الله ولا معبود غير الله، وقد ذكر أن حجابه
وحدانيته وفردانيته لا غير، ولهذا جاز للواصل أن يقول: أنا الحق! وأن يقول: سبحاني ما
أعظم شأني إلى غير ذلك.
ولعبد الرزاق شرح بسيط على مكتوبات الشيخ عبد القادر الجيلاني، توفي سنة تسع
وأربعين وتسعمائة.
الشيخ عبد الرزاق السهارنبوري
الشيخ العالم الصالح عبد الرزاق بن خواجه سالار بن فريد الدين الأنصاري السهارنبوري،
أحد العلماء الربانيين، ولد ونشأ بمدينة سهارنبور وقرأ العلم، ثم أخذ الطريقة عن الشيخ
إسحاق الحسيني البخاري ولازمه مدة من الزمان، ثم تصدر للتدريس، وكان صالحاً عفيفاً
ديناً تقياً، تذكر له كشوف وكرامات.
توفي لإحدى عشرة خلون من رجب سنة أربع وعشرين وتسعمائة بمدينة سهارنبور، ذكره
السهارنبوري في المرآة.
الشيخ عبد الرزاق الأجي
الشيخ الصالح عبد الرزاق بن عبد القادر بن محمد غوث الشريف الحسني الأجي، أحد
العلماء الربانيين، ولد بمدينة أج من أعمال السند ونشأ بها، وأخذ عن والده ولازمه ملازمة
طويلة وتولى الشياخة بعده، أخذ عنه غير واحد من العلماء والمشايخ، مات سنة اثنتين
وأربعين وتسعمائة، كما في أخبار الأخيار.
الشيخ عبد الرشيد السندي
الشيخ الفاضل عبد الرشيد السندي، أحد كبار العلماء، كان يدرس ويفيد به له كندي
من أعمال سيوستان، أخذ عنه الشيخ أحمد بن إسحق وصنوه محمد وخلق آخرون من
العلماء والمشايخ، كما في تحفة الكرام.
الشيخ عبد الستار السهارنبوري
الشيخ الفاضل عبد الستار بن عبد الكريم بن خواجه سالار الأنصاري السهارنبوري،
كان من المشايخ الجشتية، ولد ونشأ بمدينة سهارنبور، وقرأ العلم على الشيخ نصير الدين بن
سماء الدين الدهلوي بمدينة دهلي، ثم أخذ الطريقة الجشتية عن الشيخ عبد القدوس بن
إسماعيل الحنفي النككوهي ولازمه مدة طويلة ولازم الرياضة والمجاهدة وبشره شيخه
بالقطبية.
وكان صاحب وجد وحالة، له أذواق صحيحة ومواجيد عالية.
مات يوم الجمعة لتسع خلون من رمضان سنة خمسين وتسعمائة، كما في مرآة جهان نما.
الشيخ عبد السلام البجنوري
الشيخ الصالح عبد السلام بن سعد الدين بن سعد الله القاضي سماء الدين الصديقي
البجنوري اللكهنوي،(4/363)
أحد المشايخ المشهورين، ولد ونشأ بلكهنؤ، وأخذ عن عمه الشيخ
فخر الدين بن سعد الله البجنوري وصحبه مدة طويلة ثم تولى الشياخة، وتذكر له كشوف
وكرامات ووقائع غريبة، وهو الذي أخذ عنه الشيخ علاء الدين الحسيني الأودي، كما في
تذكرة الأصفياء.
الشيخ عبد السلام الجونبوري
الشيخ الصالح المعمر عبد السلام بن محمد بن قطب الدين العمري الجونبوري، أحد
المشايخ المشهورين في الطريقة القلندرية، ولد ونشأ بمدينة جونبور، وأخذ عن والده ولازمه
مدة حياته وتولى الشياخة بعده، وقيل إنه أدرك جده الشيخ قطب الدين وأخذ عنه.
وكان من كبار المشايخ، أخذ عنه الشيخ عبد الرحمن اللاهربوري والشيخ محمود
القلندري اللكهنوي والشيخ عبد الرزاق الأميتهوي وخلق آخرون، وعمره جاوز مائة سنة،
أدركه عبد الرزاق المذكور سنة خمس وسبعين وتسعمائة، وكان عمره إذ ذاك خمس عشرة
ومائة سنة، كما في الانتصاح.
مات لخمس عشرة خلون من ذي القعدة سنة ست وسبعين وتسعمائة، كما في النفحات
العنبرية.
مولانا عبد السلام اللاهوري
الشيخ الفاضل الكبير عبد السلام الحنفي اللاهوري، أحد كبار العلماء، انتهت إليه رياسة
التدريس بمدينة لاهور، واعترف بفضله علماء الآفاق، منهم العلامة محمد سعيد
التركستاني. قال فيه لما ورد في الهند سنة ست وستين وتسعمائة: إنه متفرد في العلم بين
علماء الهند. توفي بمدينة لاهور سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة. كما في كلزار أبرار.
القاضي عبد السميع الاندجاني
الشيخ العالم العلامة القاضي عبد السميع الحنفي الاندجاني. أحد العلماء المشهورين في
العلوم الحكمية. قرأ على مولانا أحمد جند. وقدم الهند في أيام أكبر شاه التيموري فولاه
القضاء الأكبر، وكان من أولاد الشيخ برهان الدين المرغيناني صاحب هداية الفقه، وكان
ممن يضرب به المثل في تدريس شرح المواقف وشرح المطالع وحواشيهما، ذكره الأمين ابن
أحمد الرازي في هفت إقليم.
القاضي عبد الشكور السهسواني
الشيخ العالم الفقيه القاضي عبد الشكور بن إسماعيل بن عطاء الله الحسيني المودودي
الأمروهوي ثم السهسواني، كان من رجال الفقه، ولد ونشأ بأمروهه، وولي القضاء
بسهسوان في أيام همايون شاه التيموري، وأعطاه همايون المذكور أرض سهسوان التي كانت
قبل ذلك لأبناء صهره محمد وحسن وطاهر، فأعطاها القاضي لهم واشتغل بالقضاء، فقتله
محمد مخافة أن يستردها منه، وكان ذلك لعشر ليال بقين من ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين
وتسعمائة، كما في نخبة التواريخ.
خواجه عبد الشهيد الأحراري
الشيخ الأجل عبد الشهيد بن عبد الله بن الخواجه عبيد الله الأحراري السمرقندي،
أحد كبار المشايخ النقشبندية، ولد في أيام جده وتربى في مهد أبيه وأخذ عنه، ودخل
الهند سنة ست وستين وتسعمائة فاستقبله أكبر شاه التيموري بترحيب وإكرام، وأقطعه
أرضاً خراجية، فطابت له الإقامة بالهند وأقام بها نحو ست عشرة سنة، ولما كبر سنه
رجع إلى بلاده سنة اثنتين وثمانين فلما وصل إلى سمرقند مات بها بعد شهر كامل من
وصوله ليلة السبت لثمان خلون من رمضان سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة فدفن بمقبرة
أسلافه.
الشيخ عبد الصمد الردولوي
الشيخ الفاضل عبد الصمد بن إسماعيل بن صفي بن نصير الحنفي الصفوي الردولوي،
أحد العلماء المبرزين في الفقه والكلام والعربية، ولد ونشأ بردولي، وقرأ العلم على والده
وصحبه مدة من الدهر حتى برع وفاق أقرانه، وكان أكبر أبناء والده، مفطر الذكاء، جيد
القريحة، سريع الإدراك، ولصنوه الصغير عبد القدوس الكنكوهي مراسلات إليه يخاطبه
بصدر العلماء بدر الفضلاء محقق المعاني مبين الفرقاني نعمان(4/364)
الثاني، وغير ذلك من الألقاب
الشريفة.
الشيخ عبد الصمد الدهلوي
الشيخ الفاضل عبد الصمد بن الجلال بن الفضيل الدهلوي المشهور بالشيخ كدائي، كان
من العلماء المشهورين، تقرب إلى همايون شاه التيموري ورافقه مدة في الظعن والإقامة، ولما
خرج همايون المذكور إلى إيران سافر إلى كجرات ومكث بها زماناً، ثم سار إلى الحرمين
الشريفين فحج وزار ورجع إلى الهند، ودخل دهلي سنة ثلاث وستين وتسعمائة في أيام أكبر
شاه التيموري، فتلقاه بيرم خان براً وتكريماً وولاه الصدارة العظمى، فحصلت له الوجاهة
العظيمة عند الأمراء، وكان شاعراً صوفياً صاحب وجد وحالة، مات سنة ست وسبعين
وتسعمائة بمدينة دهلي.
الشيخ عبد الصمد السائنبوري
الشيخ الأجل عبد الصمد بن علم الدين بن زين الاسلام العثماني الشيخ صفي الدين
السائنبوري، أحد كبار المشايخ الجشتية، ولد ونشأ بسائين بور قرية اشتهرت بعد ذلك
بصفي بور نسبة إليه.
كان مفرط الذكاء، جيد القريحة، سليم الذهن، سافر للعلم إلى خير آباد ودخل في
مدرسة العلامة سعد الدين الخير آبادي، وجد في البحث والإشتغال ثم بالأذكار والأشغال،
حتى نال حظاً وافراً من العلم والمعرفة ولبس من الشيخ المذكور الخرقة، وصار من أكابر
المشايخ في حياة شيخه، أخذ عنه خلق كثير من العلماء والمشايخ منهم الشيخ نظام الدين
الرضوي الخير آبادي والشيخ فضل الله الجونبوري وغيرهما، وكان سائر الذكر بعيد الصيت
أشهر العارفين قدراً وذكراً، تذكر له كشوف وكرامات.
مات لاثنتي عشرة بقين من محرم سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، وقبره مشهور ظاهر في صفي
بور.
الوزير عبد الصمد البياني
الوزير الكبير عبد الصمد بن محمود العباسي البياني الكجراتي نواب أفضل خان، أحد
الوزراء المشهورين بكجرات، كان من نوادر أيامه في الفضل والكرم، يجالس العلماء
ويذاكرهم في العلوم ويحسن إلى المحصلين، ولد ونشأ بكجرات، واشتغل وحصل وخدم
الدولة وصار في أوج القرب من السلطة، وتقدم في الذكاء والفطنة، ولاه محمود شاه
الكجراتي الوكالة المطلقة في أوائل ربيع الأول سنة أربع وأربعين وتسعمائة، وعزل نفسه بعد
مدة قليلة ولازم بيته، ثم ولي الوزارة بعد ما عزل عمه برهان الملك سنة سبع وأربعين،
وعزل عنها سنة أربع وخمسين في واقعة ديو حيث بعث خواجه صقر الرومي لاستفتاحه
ولم يرسل إليه من الخزانة ما يكفي المؤنة وبوجوه أخرى، فاعتزل ولازم بيته، وقتله برهان
الدين الشرابي بعد ما قتل ولي نعمه محمود شاه الكجراتي، وجلس على سريره فطلب
آصف خان الوزير فقتله، ثم طلب أخاه خداوند خان وقتله، ثم طلب أفضل خان وأبلغه
عن السلطان الأمر بقبول الوزارة، فتوقف أفضل خان عن القبول، فدخل الحجاج ثم خرج
وبيده خلعة وقال له: يأمرك السلطان يلبسها، ويقول لك عد إلى الوزارة كما كنت: فقال
أفضل خان: لا ألبسها حتى أجتمع بالسلطان، فقال: أقول لك ألبسها ماذا تريد من
السلطان أنا السلطان وأنت الوزير! فلعنه أفضل خان، فبادر إليه رجاله وقتلوه، وكان ذلك
في ربيع الأول سنة إحدى وستين وتسعمائة.
الشيخ عبد الصمد السرهندي
الشيخ الفاضل عبد الصمد الحسيني السرهندي، أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول
والعربية، سافر إلى جونبور، وأدرك بها الشيخ علي بن قوام الدين الشطاري الجونبوري
واستفاض منه. كما في العاشقية.
الشيخ عبد العزيز الدهلوي المعروف بشكربار
الشيخ الكبير عبد العزيز بن الحسن الطاهر العباسي الدهلوي، أحد كبار المشايخ
الجشتية، ولد سنة ثمان وتسعين وثمانمائة بمدينة جونبور، ومات والده في صغر سنه فتربى
في حجر أمه العفيفة، وقرأ العلم على الشيخ محمد بن عبد الوهاب الحسيني البخاري
الدهلوي وعلى الشيخ إبراهيم بن معين الحسيني الأيرجي، وقرأ الفصوص وغيره من كتب(4/365)
القوم على الشيخ عبد الوهاب، وأخذ الطريقة السهروردية عنه، والطريقة القادرية على
الشيخ إبراهيم المذكور، ثم سافر إلى ظفر آباد ولازم الشيخ قاضي خان بن يوسف
الناصحي ثلاث سنين وأخذ عنه الطريقة الجشتية، وكان قاضي خان من كبار أصحاب
والده، ثم أجازه في الطريقة الجشتية الشيخ تاج محمود الجونبوري أيضاً فرجع إلى دهلي
حائزاً لمزيد الفضيلة وتولى الشياخة بها.
وكان كثير العبادة والتأله والمراقبة والوجد والحالة والفناء والإنكسار والإستغناء عن
الناس مع البشاشة وطيب النفس، كان يتحمل الأذى عن الناس حتى إن أحداً منهم
تواجد في مجلس السماع ووقع عليه في حالة الوجد فصرعه على الأرض، فتألم به ولم يتغير
عنه وأعذره الناس لتواجده، ثم وقع عليه في مجلس آخر وصرعه، فأراد الحاكم أن يضربه
فحال بينه وبين الحاكم، ولم يدعه أن يتعرض به أحد، وكان كثيراً ما يتجشم الشدائد
لشفاعة الناس، فيذهب إلى بيوت الأمراء بشق النفس ولو كان في اعتكاف الأربعين، وربما
يقعد على أبوابهم إن لم يقبلوا الشفاعة من الصباح إلى المساء، ويتردد إليهم غير مرة مع
انقطاعه إلى الزهد والعبادة والإشتغال بالله سبحانه والتجرد عن الأسباب واختيار الفقر
والتقلل.
وكان يدرس ويفيد في التفسير والتصوف، لا سيما عرائس البيان وعوارف المعارف
وفصوص الحكم وشروحها، وله مصنفات يبلغ عددها إلى اثنين وعشرين كتاباً، منها شرح
الحقيقة المحمدية للشيخ وجيه الدين العلوي الكجراتي والرسالة العينية في الرد على الغيرية
للشيخ عبد الملك بن عبد
الغفور الباني بتي، والرسالة العزيزية في الأذكار والأشغال، وعمدة الاسلام في الفقه الحنفي بالفارسي
في مجلد.
توفي بمدينة دهلي يوم الاثنين لست خلون من جمادي الآخرة سنة خمس وسبعين وتسعمائة، ومن
غرائب الاتفاق أنه كاتب يكتب في الرسائل قبل اسمه ذرة ناجيز فلما أحصى عدد ذلك اللفظ بعد موته
علم أنه تاريخ لوفاته.
الشيخ عبد العزيز السهارنبوري
الشيخ الصالح عبد العزيز بن خواجه سالار بن فريد الدين الأنصاري السهارنبوري، أحد رجال
العلم والطريقة، ولد ونشأ بمدينة سهارنبور ولازم الشيخ إسحاق الحسيني البخاري وأخذ عنه العلم
والطريقة، وكان يدرس ويفيد، مات لثمان خلون من شوال سنة ست عشرة وتسعمائة بمدينة
سهارنبور، كما في المرآة.
أبو القاسم عبد العزيز الكجراتي المعروف بآصف خان
الوزير الكبير أبو القاسم عبد العزيز بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن شاهو بن تكودر -
بالفوقية - بن جام ننده السندي الكجراتي، الشهيد السعيد المسند العالي آصف خان، كان أعظم
الوزراء بمملكة كجرات، ولد ليلة الخميس ثاني عشر ربيع الأول سنة سبع، وقيل: تسع، وتسعمائة
بجانبانير، ونشأ في حجر والده واشتغل عليه في علوم شتى، منها الصرف والنحو والمعاني والبيان،
ثم اشتغل بالعلو الشرعية على القاضي برهان الدين النهروالي ومن جملة ما أخذ عنه علوم الحديث،
ثم قرأ المنطق والحكمة والأصول والطب على الخطيب أبي الفضل الكاذروني وعلى السيد أبي
الفضل الاسترآبادي من أكبر تلامذة المحقق الدواني، ثم لم يزل يتدرج في مراتب السعادة والكمال،
وتظهر عليه بشائر النجابة والإقبال، حتى اختاره بهادر شاه الكجراتي بحضرته، ولحظه بعين عظمته
إلى أن أهله لوزارته، وقلده كثيراً من أعمال مملكته، فخاطبه أولاً بحبيب الملك، ثم لما ضعف الورير
مجد الدين محمد بن محمد الايجي عن تعاطي ما تقتضيه الوزارة العظمى لكبر سنه تخيره لما علم
من شدة ميل السلطان إليه ومزيد اعتنائه، فأنابه منابه في القيام بالخدمة السلطانية، فقام في كل ذلك
على أكمل الأحوال وأتقنها وأوفقها للملك وأبهة السلطنة ومصالح الرعية فازداد قربه من السلطان،
فعلم الوزير الأعظم أنه لم يبق له من الأمر شيء فاستعفى من الوزارة، فولاه السلطان الولاية
العظمى ولقبه بالمسند العالي آصف خان، واستمر قائماً بذلك إلى أن دهمهم همايون شاه(4/366)
التيموري،
فأرسله بالحريم والخزانة إلى مكة المشرفة، فوصل إليها سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة، وكانت معه
سبعمائة صندوق، ويتبعه من الأمراء ومن العسكر ما يزيد على الألف ومن الحشم مثله.
وفي أول اجتماعه بصاحب مكة أبى نمى بن بركات الحسني أحب أحدهما الآخر وعمت صلاته
أهل مكة فكاد يسمع الدعاء كما تسمع التلبية ونعى بوفاة سلطانه بهادر شاه، ووصل غل مكة سنة
أربع وأربعين الأمير قائم الخمراوي مأموراً بحمل الخزانة التي بمكة إلى مصر، فطالب بها إلا أن
صاحب مكة حسب ما رآه آصف خان حمله أن يسير به إلى مصر وهي معه، وفي هذه المعاملة
اعترف لصاحب مكة بأن ما وصله به لا يقابل قيامه فكيف يوافي الذب عن فبذلك له ما يرتضيه،
وهكذا تألف الخمراوي بحملة كافية، ثم جعل النظر لصاحب مكة فيما له وما عليه، وأوصى وكيله
سراج الدين عمر النهروالي بما يعتمد عليه، وتوجه إلى مصر صحبة الخمراوي ومع حاجب صاحب
مكة، ولم يدخل مصر إلا أنه أرسل إلى خسرو باشا الحاكم بها ما يستظرف من قماش الهند وأربعة
صناديق من الذهب واعتذر منه، وسار إلى أدرنه واجتمع بالسلطان واتفق له معه ما لم يتفق لأحد
قبله من المصافحة والجلوس وبعض الكلام بلا واسطة، وأعجب السلطان كلامه وأدبه، فسأله: كيف
كان الحادث بملك فيه مثلك؟ فأجاب: وقع الاجماع على أن الملك يفتح بالسيف ويحفظ بارأي، وزال
ملك بني أمية ولم يكن أشجع من مروان حتى لصبره على الشدة لقب بالحمار، ولا أرأى من عبد
الحميد حتى أنه لما أمر بقتله المنصور وقال له أبقني لرسائلك كان جوابه وهل غيرها أضرت بنا،
وكانت أوقع من سيوفهم لا أبقاني الله إن أبقيتك ليعلم من يدل بهما أنه ليس بشيء، وإنما الملك لله
سبحانه، ومع هذا كان له سبب يتعلل به، وهو أن صاحب الملك بلغ به الآفاقي تمكينا ولم يدع لأهل
المملكة إمكاناً، وعند مخالفة الهوى صار ضعف أهل الملك له وقوة الآفاقي لعدوه! فازداد به السلطان
عجباً، ثم قال له تمن فسأل لما صرفه من الخزانة سنداً ولما أسلمه حجة فأجابه إليه، ثم قال تمن
فاستأذن لحريم السلطنة في الرجوع إلى الهند فأجاب، ثم قال تمن فاستعفى من أمناء بيت المال بمكة
وجدة فأجاب، ثم قال: سل شيئاً لنفعك كإمارة الشام وحلب وغيرها، فسأل ألف أشرفي يكون له في
السنة ليثبت اسمه في دفتر العناية وكان ذلك، ثم رجع إلى مكة ظافراً وأرسل إلى كجرات عند
سلطانها محمود شاه من المشتريات المطلوبة بمبلغ ما في تسعة صناديق من الذهب، ومن النقد أحداً
وعشرين صندوقاً مختومة بختم بهادر شاه، وفي الغيبة لسفر الروم كان يصرف الروم عشرة صناديق
والمبلغ المصروف لصاحب مصر ووزراء الباب العالي ما سوى هدية السلطان ثلاثون صندوقاً، وبه
كانت العناية والرعاية والأمان من الحساب والتفتيش، ثم بعد ذلك أرسل الحريم بالدفائن التي لم ترها
عين ولا سمعت بها أذن، وصرف أيام إقامته بمكة على الأمراء والعسكر والحشم من بيع الآلات
والأسباب والظروف المتخذة من الذهب والفضة، وقد وصل منها لأهل الحرمين من جانب السلطنة
كل سنة سبعون ألف مثقال ذهب، ولصاحب مكة منها كل سنة خمسة وعشرون ألف مثقال.
ثم إنه لما أرسل الحريم إلى كجرات عزم على المجاورة بمكة وتأهل بها وأقام إلى سنة خمس
وخمسين وتسعمائة حتى طلبه محمود شاه الكجراتي إلى الهند وولاه النيابة المطلقة، وازداد محمود
شاه بنيابته سعة في التمكين والإمكان ووجد راحة في أوقاته، وقال لأصحابه ذات يوم: إلى يومي هذا
كان لي شغل فكر بمهمات لا أجد لي عليها معيناً، وكنت أرى جماً غفيراً في الديوان إلى أني في شك
أهؤلاء لي أو علي؟ وأما الآن فملكت رأيي واسترحت بتدبير آصف خان لي عن أشياء كنت
أتحاشاها عجزاً وأسكت عنها خشية أن ينفتح باب لا يمكنني إغلاقه.
واستمر آصف خان على وزارته مدة، ثم قتله برهان الدين الشرابي، وسبب ذلك أنه كان ساقياً
لمحمود شاه ومقرباً لديه، فوسوس له الشيطان وزين له حب الدولة فسمه ثم قتله وجلس على سرير
الملك وأراد أن يعدم رجال الدولة ليصفو له الملك والدولة، فطلب آصف خان على لسان السلطان،
فاغتسل وتطيب وجلس في المحفة وهو يتلو القرآن الكريم، فلما دخل دار السلطنة وانتهى إلى موقف
أفيال النوبة اعترضه كبير الفيالة بفيله(4/367)
في النوبة ليصده عن الدخول شفقة على آصف خان مما دعى
إليه، فأحب أن يتربص عساه ينجو وأني له وما بينه وبين الجنة إلا خطوات، ولهذا لما اعترضه
الفيل وقف وأمر بكفه ففعل وتقدم حملة المحفة به، فلما دخل المقام المحمود أخذت السيوف من جهاته
وانجدل سريعاً وتمت له السعادة بالشهادة.
وكان ذلك في أوائل ربيع الأول سنة إحدى وستين وتسعمائة فرثاه غير واحد من العلماء بمكة،
وصنف شهاب الدين أحمد بن حجر المكي رسالة مفردة في مناقبه، قال فيها: إنه كان من أهل الدنيا
باعتبار الصورة الظاهرة، لكنه في الباطن من أكابر أهل الآخرة، لما اشتمل عليه من الاجتهاد في
العبادات مما لم يسمع مثله إلا عن بعض من مضى من العلماء العاملين والصلحاء العارفين، وإننا لم
نر أحداً قدم إلى مكة من أرباب المناصب بل ولا من العلماء وغيرهم لازم من العبادات ملازمة هذا
الخان بحيث لا يضيع له وقت نهاراً ولا ليلاً في غيرها إلا فيما يضطر إليه من العادات، فمن ذلك
أنه أقام بمكة المشرفة أكثر من عشر سنين لا نعرف أنه ترك الجماعة فيها مع الإمام بالمسجد الحرام
في فرض واحد من غير مرض، ونحوه مع انضم لذلك من قراءة القرآن ومطالعة كتب العلم من الفقه
والتفسير والحديث والعلوم الالهية واقرائها واجتماع الفقهاء والعلماء عنده لاستماع ذلك والبحث معه
فيه كان يمضي لهم عنده الأوقات الطويلة كل يوم في ذلك، وكان يقع لهم معه كثير من الأبحاث
الدقيقة والمعاني العويصة لا سيما ما يتعلق بعويصات تفسير القاضي البيضاوي وأصله الكشاف
وحواشيهما، وكذلك كتب الأصلين كالتلويح وشرح المواقف وحواشيهما، وكذا كتب الفقه كالهداية
وشروحها والكنز وشروحه والمجمع وشروحها والبخاري ومسلم وبقية الكتب الستة وشروحها
وحواشيها، حتى نفق العلم في زمنه بمكة نفاقاً عظيماً، واجتهد أهله فيه اجتهاداً بالغاً، وثاب الطلبة
وعكفوا عكوفاً باهراً عليه، وبحثوا عن الدقائق لينفقوها في حضرته، وتحفظوا الاشكالات ليتقربوا
بها إلى خواطره، كل ذلك لاسباغه على المنتسبين إلى العلم بأي وجه كانوا من ضوافي الاحسان
وواسع الامتنان ما لم يسمع بمثله عن أهل زمنه ومن قبله بمدد مديدة.
قال: وكان مع ما هو عليه من التنعم البالغ والسراري والزوجات والحشم والخدم وغير ذلك له تهجد
طويل بالليل بحيث يقرأ في تهجده في كل ليلة نحو ثلث القرآن مع الفكر والخشوع والخضوع بين
يدي الله تعالى، لا يفتر عن ذلك حضراً بل ولا سفراً كما أخبر عنه الثقات الذين صحبوه في السفر
من مكة إلى الروم ثم منه إلى مكة، قال: وكان يعتكف في رمضان كل سنة مدة إقامته بمكة في
المسجد الحرام بما ينبغي للمعتكف الاشتغال به من التفرد والتجرد والطاعة بظاهره دون قلبه، فيقرأ
ويسمع عدة ختمات، ولهذا استمر على طريقته بعد عوده من مكة إلى بلدته مع مباشرته للوزر
الأعظم حتى توفاه الله إلى جنته إلى دار كرامته، لأن أعماله لم تكن مدخولة وإلا لانقطعت وبطلت،
فإذا داوم عليها مع المزيد منها دل ذلك على خلوص نيته وطهارة سريرته.
قال: وكان له شدة إنكار على من يكثر في كلامه لغو اليمين كلا والله، وبلى والله، في كل حقير
وجليل، كما هو دأب أكثر الناس، ونحن لم نعرف منذ اجتماعنا به أنه جرى على لسانه لغو يمين ولا
حلف بالله، ومما يدل على تمسكه بأعلى أحوال الصوفية من مجاهدة النفس وقمعها عن كل مألوف بها
من راحة ولهو ولعب وبطنة وغفلة وكذب ما أخبر به عنه الثقة، قال: صحبته في سفره إلى
القسطنطينية من مكة ذاهباً وراجعاً فلم أره مسح على الخفين قائلاً: هو رخصة والأخذ بالعزيمة أولى
وأفضل، ومن ذلك أنه كان له بيت معد لاختلائه فيه أربعين يوماً على باب المسجد، وكان الباب
مفتوحاً يرى الحجر وارتفاعاً قليلاً من البيت الشريف فتصح المراقبة، وله رتبة الشهود لا يخرج
منها إلا لصلاة الجماعة عند الباب ثم يعود إليها سريعاً من غير أن يكلم أحداً، وكان ذلك مع مراعاة
الشروط من الصوم ودوام الجوع ودوام السهر والذكر والفكر والانقطاع إلى الله سبحانه.
قال ابن حجر: إنه كان مع ما هو عليه من الفخامة الدنيوية شديد التواضع للفقراء والعلماء كثير
الاحسان والتردد إليهم، حتى إنه لكثرة ذلك منه جلب الناس كلهم إلى منزله والجلوس في مجلسه
بحيث لم يبق(4/368)
أحد من أعيان مكة وعلمائها وصلحائها إلا ودعاهم إحسانه إلى التردد إليه وحضور
مجالسه والكلام فيما يقع فيها من المباحث العلمية، ولقد كان شيخنا الامام أبو الحسن البكري الشافعي
لا يتردد لأحد من أبناء الدنيا إلا في نادر لأمر مهم وكان يعيب على من يرتدد إليهم، فلما جاء إلى
مكة واجتمع به وزاد إحسانه وتردده إليه صار يذهب إلى بيته ويأكل طعامه ويقبل هداياه، قال:
وكنت عنده يوماً فجاء مملوك سلطاني أرسله إليه نائب مصر خسرو باشاه بن خير الدين، معه خلعة
سنية ومراسيم بالاجلال والتعظيم والتوقير، والتمس منه أن يلبسها إجلالاً للسلطان وامتثالاً لأمر نائبه
بمصر، فأبى وقال: وكيف يجوز لي لبس الحرير! فألح فامتنع ولم يبال بتشويش المملوك ولا بكونه
ينهى ذلك لمرسله مع أنه كان في غاية الغلظة والجود إيثاراً لرضى الله تعالى على رضى غيره،
انتهى كلام الشيخ ابن حجر في الرسالة المفردة.
وللشيخ عز الدين عبد العزيز الزمزمي المكي قصائد غراء في مناقبه، منها قوله:
هو الجواد الذي سارت مكارمه شرقاً وغرباً وصارت فيهما مثلا
أعنى آصفخان عز الدين سيدنا أعزه الله عزاً للعدى خذلا
وكل من باسمه الميمون طايره يسمى على كل سام قد سما وعلا
وإن لي ذمة منه بتسميتي عبد العزيز رعى حقي بها وكلا
دعوه بالمسند العالي وكم خبر في الجود بالمسند العالي به وصلا
ولم تلقبه آصف خان دولته إلا لسر رأته فيه منتقلا
منه الشمائل والأخلاق قد كملت وقل من فيه هذا الوصف قد كملا
بالسعى ساد ولم يرد بالسؤدد ما سواه مما به قد ضلت العقلا
أسنى المناصب ملقى تحت أخمصه وقد تعاظم عنه رفعة وعلا
شهامة حفظت للعلم رتبته علا بها ذروة عنها السها استفلا
أعزك الله يا عبد العزيز فقد شيدت للعلم ذكراً بعد ما خملا
رفعت مقدار أهل العلم فارتفعوا بحسن رأيك وامتازوا عن الجهلا
لما أشدت تداريساً مقررة في المذهبين اكتست أهلوهما حللا
وكان في مكة للناس هيمنة عظيمة وتمنى العلم من جهلا
فصار من لا له علم ومعرفة بالعلم بعد مشيب الرأس مشتغلا
جزيت خير جزاء من إلهك عن هذا الصنيع الذي اختصت به النبلا
وفي قوله: لما أشدت تداريساً مقررة، إشارة إلى أنه بنى مدرسة بباب العمرة في البلدة المباركة
وولاها الشيخ عز الدين عبد العزيز الزمزمي والشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر المكي وغيرهما من
علماء مكة المشرفة للتدريس، وهذه القصيدة تشتمل على ست وثمانين بيتاً.
وللشيخ عبد العزيز المذكور قصيدة أخرى رثاه بها لما بلغه وفاته، ومنها قوله:
أي القلوب لهذا الحادث الجلل أطراده الشم لم تنسف ولم تزل
وأي نازلة في الهند قد نزلت بلفحها كل حبر في الحجاز صلى
أعظم بنازلة في الكون طاربها براً وبحراً مسير السفن والابل
أخبارها طرقت سمعي فحملني طردتها غب رزء غير محتمل
أهدت لأهل الحجاز اليأس بعد رجا واليأس بعد الرجا كالطل بالأسل
فأصبح الناس في الفكر وفي وهج كثيرة ومزاج غير معتدل(4/369)
مولانا عبد العزيز الأبهري
الشيخ العالم المحدث عبد العزيز الأبهري الشيخ عماد الدين الكاهاني السندي، كان من العلماء
المبرزين في الحديث والفقهين، درس مدة مديدة في مدرسة شاهرخ مرزا، وفي المدرسة السلطانية،
وفي الخانقاه الاخلاصية ببلدة هرات، وصنف شرحاً على مشكوة المصابيح للأمير نظام الدين علي
شير، ولما ثارت الفتنة العظيمة ببلاد الفرس وخرج إسماعيل بن الحيدر الصفوي في حدود سنة ثمان
وعشرين وتسعمائة انتقل من هرات ودخل أرض السند في عهد الجام فيروم وسكن بكاهان - قرية
من أعمال سيوستان - فتكاثر عليه الطلبة وأخذ عنه جمع كثير من العلماء، وله تعليقات شتى على
الكتب الدرسية.
ذكره محمد بن خاوند شاه في كتابه روضة الصفا وقال: إنه سار إلى الهند أيام الفتنة ولم يعلم خبره
بعد ذلك.
وذكره الفاضل الجلبي في كشف الظنون وقال: إنه مات سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، ولا يصح
فإنه خرج من هرات في تلك السنة ومات بكاهان، كما في المآثر، ولم أقف على سنة وفاته.
مولانا عبد الغفور الدهلوي
الشيخ الفاضل الكبير عبد الغفور بن نصير الدين بن سماء الدين الملتاني الدهلوي، أحد الأفاضل
المشهورين في الهند، وكان من بيت العلم والشياخة، ولد ونشأ بدار الملك دهلي، وقرأ العلم على والده
ثم على الشيخ عبد الله بن إله داد العثماني التلنبي ولازمه ملازمة طويلة حتى صار من أكابر العلماء
في حياة شيخه، وكان جده سماء الدين يقول: إنه سراج بيتي، كما في سير العارفين.
وكان مشهوراً على أفواه الناس بالشيخ لادن، قد ذكره الشيخ عبد القادر البدايوني في تاريخه بهذا
الاسم في مواضع عديدة، قد خفى على الناس اسمه الأصلي، وكان من مشاهير الأساتذة بدار الملك،
انتهت إليه الرئاسة العلمية.
القاضي عبد الغفور الباني بتي
الشيخ العالم الفقيه القاضي عبد الغفور الحنفي الباني بتي، أحد الفقهاء المشهورين في عصره، ناظر
الشيخ عبد القدوس بن إسماعيل الحنفي الكنكوهي في مسألة وحدة الوجود، ذكره الشيخ ركن الدين
محمد بن عبد القدوس، في اللطائف القدوسية وقال: إن القاضي سكت في آخر الأمر ولم يأت
بالجواب، انتهى.
المفتي عبد الغفور الأمروهوي
الشيخ العالم الفقيه المفتي عبد الغفور بن عبد الملك بن محمود الحسيني الأمروهوي، أحد العلماء
العاملين وعباد الله الصالحين، ولي الإفتاء ببلدة أمروهه سنة خمسين وتسعمائة بعد والده واستقل به
مدة حياته، لعله مات سنة تسعين وتسعمائة أو مما يقرب ذلك لأن ولده عبد القدوس ولي الإفتاء بعده
في تلك السنة، كما في نخبة التواريخ.
الشيخ عبد الغفور الأعظم بوري
الشيخ الصالح الفقيه عبد الغفور الحنفي الصوفي الأعظم بوري، أحد كبار المشايخ الجشتية، قرأ
الكتب الدرسية على الشيخ نظام الدين العلوي الكاكوروي ولازمه ملازمة طويلة، ثم لازم الشيخ عبد
القدوس بن إسماعيل الكنكوهي وأخذ عنه الطريقة.
وكان حسن المنظر والمخبر، له صحبة مؤثرة، انتفع به خلق كثير من العلماء والمشايخ، ذكره
التميمي في أخبار الأصفياء، وقال البدايوني في تاريخه: إنه كان من العلماء الربانيين، يدرس العلوم
الشرعية، ويذكر في كل أسبوع يوم الجمعة، ويأخذ البيعة عن الناس ويلقنهم، وله مصنفات في
الحقائق، وشعر رقيق رائق بالفارسي.
مات سنة خمس وثمانين وتسعمائة وله اثنان وثمانون سنة، وقبره في أعظم بور قرية من أعمال
سنبهل.
الشيخ عبد الغني الفتحبوري
الشيخ الفاضل عبد الغني بن حسام الدين الصديقي(4/370)
الفتحبوري، أحد العلماء المبرزين في الفقه
والأصول والعربية، ولد ونشأ بفتحبور قرية جامعة من أعمال لكهنؤ، وسافر للعلم إلى جونبور، فقرأ
على الشيخ معروف بن عبد الواسع الجونبوري وعلى غيره من العلماء مشاركاً للشيخ نظام الدين
العثماني الميتهوي في الأخذ والقراءة ولازم الشيخ معروف ملازمة طويلة وأخذ عنه الطريقة، ثم
رجع إلى فتحبور فتصدر بها للدرس والإفادة، وكانت بينه وبين الشيخ نظام الدين المذكور مودة
أكيدة، وكان له ستة أبناء: 1 - سليمان 2 - وحبيب الله 3 - ومحمد أشرف 4 - وإبراهيم 5 -
وتاج محمود 6 - وموسى، كما في تحقيق الأنساب.
الشيخ عبد الغني السنبهلي
الشيخ الفاضل عبد الغني السنبهلي أحد الأفاضل المعروفين، قرأ العلم على شاه أحمد الشرعي
الجنديروي وأخذ عنه الطريقة، وكان متفرداً في علم الدعوة والتكسير، وله مصنفات، كما في البحر
الزخار.
الشيخ عبد القادر الكيلاني
الشيخ الصالح عبد القادر بن جمال الدين الشريف الحسني الكيلاني ثم اللاهوري، أحد المشايخ
القادرية الجيلية، أخذ الطريقة عن والده وانتقل من بغداد إلى أرض الهند فسكن بمدينة لاهور.
وكان له ثلاثة أبناء: السيد الحاج، والسيد سلطان، والسيد غياث الدين، وكلهم كانوا صلحاء.
ومات لإثنتي عشرة بقين من ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة بمدينة لاهور، كما في
الخزينة.
الشيخ عبد القادر المندوي
الشيخ الصالح عبد القادر بن علي الجشتي المندوي، أحد عباد الله الصالحين، قرأ بعض العلوم
المتعارفة، وجود القرآن وبرع أقرانه في القراءة والتجويد، وكان يتكسب بالزراعة فيزرع الأرض
بنفسه ويجعل محاصلها قوتاً له ولعياله وكان كثير الضيافة.
توفي لثمان خلون من شعبان سنة أربع وثمانين وتسعمائة، كما في كلزار أبرار.
الشيخ عبد القادر الحلبي
الشيخ الصالح عبد القادر بن محمد غوث الشريف الحسني الحلبي ثم الهندي الأجي، أحد العلماء
العاملين، ولد سنة اثنتين وستين وثمانمائة وأخذ عن والده ثم تولى الشياخة بعده بمدينة أج - من
أعمال ملتان - أسلم على يده ناس كثيرون وأخذوا عنه، مات لإثنتي عشرة بقين من ربيع الأول سنة
أربعين وتسعمائة وله ثمان وستون سنة، كما في خزينة الأصفياء.
مولانا عبد القادر السرهندي
الشيخ الفاضل العلامة عبد القادر الحنفي السرهندي، أحد الأساتذة المشهورين في الهند، قرأ العلم
على الشيخ إله داد بن الصالح السرهندي ولازمه ملازمة طويلة، ثم تصدر للتدريس فدرس وأفاد مدة
حياته، وانتهت إليه الرياسة العلمية في عصره ومصره، وقد أخذ عنه الشيخ عبد الله بن شمس الدين
السلطانبوري وخلق آخرون.
له تعليقات على شرح الكافية للشيخ إله داد الجونبوري، استحسنها العلامة عصام الدين الإسفرائيني،
وأتحف إليه كتاب الأطول، ولما وفد الهند الشيخ حسن الجلبي صاحب حاشية المطول تجشم لزيارته
إلى سرهند وصحبه واعترف بفضله وكماله، ذكره بختاور خان في مرآة العالم ومحمد بن الحسن بن
كلزار أبرار.
الشيخ عبد القدوس الكنكوهي
الشيخ الأجل عبد القدوس بن إسماعيل بن صفي بن نصير الحنفي الردولوي ثم الكنكوهي، أحد
المشايخ المشهورين في بلاد الهند، ولد ونشأ بردولي، وقرأ بعض الكتب في النحو والصرف على
ملا فتح الله المشهور بجكنه - بضم الجيم المعقودة - ثم ترك البحث والاشتغال وجاور قبر الشيخ
الصالح أحمد بن داود العمري الردولوي، واستمر على مجاورته زماناً، ثم سنح له أن التصوف بدون
العلم كالطعام بغير الملح، فاشتغل بالبحث والمطالعة مرة ثانية وجد فيه، حتى فتح(4/371)
الله سبحانه عليه
أبواب العلم والمعرفة، واستفاض من روحانية الشيخ المذكور فيوضاً كثيرة، ثم لبس الخرقة من حفيده
الشيخ محمد بن أحمد بن أحمد الردولوي وانتقل إلى شاه آباد ثم إلى كنكوه وسكن بها.
وكان صاحب المقامات العلية والكرامات المشرقة الجلية والأذواق الصحيحة والمواجيد الصادقة،
وكان يستمع الغناء يفرط فيه ويفشي أسرار التوحيد على عامة الناس ويستغرق في بحار الجذبات
والسكر، ومع ذلك كان لا يقصر في اتباع السنة والتزام العزائم، وكان متخلفاً بدوام الذل والافتقار
والتبتل إلى الله سبحانه والتوكل عليه، وكان شديد التعبد، كثير البكاء، كثير الذكر للموت والخواتم.
وله مصنفات عديدة، منها تعليقات على شرح الصحائف في الكلام، وشرح بسيط على عوارف
المعارف، وحاشية على التعرف، وكتابه أنوار العيون وأسرار المكنون المشتمل على سبعة فنون
كتاب مبسوط في المقامات، وله رسائل إلى أصحابه جمعوها في مجلد كبير.
توفي لثمان بقين من جمادي الآخرة سنة أربع وأربعين وتسعمائة ببلدة كنكوه.
الشيخ عبد القدوس النظام آبادي
الشيخ الكبير عبد القدوس الشطاري النظام آبادي المشهور بقدن - بتشديد الدال المهملة - والقطب
الصديق، أخذ الطريقة العشقية الشطارية من الشيخ عبد الله الشطار، ثم لازم صاحبه الشيخ حافظ
الشطاري واسطه كار واستفاض منه فيوضاً كثيرة، واستخلفه الشيخ حافظ المذكور فتصدر للإرشاد
والتلقين، أخذ عنه الشيخ على بن قوام الدين الجونبوري، وكان شيخاً كبيراً بارعاً في الدعوة
والتكسير، كما في العاشقية للشيخ عارف علي.
مولانا عبد الكريم السهارنبوري
الشيخ الفاضل عبد الكريم بن خواجه سالار بن فريد الدين الأنصاري الهروي السهارنبوري، أحد
العلماء العاملين وعباد الله الصالحين، ولد ونشأ بمدينة سهارنبور، وحفظ القرآن وأخذ العلم والطريقة
عن الشيخ إسحاق الحسيني البخاري ولازمه ملازمة طويلة حتى فتحت عليه أبواب الكشف والشهود
وتولى الشياخة بإجازته.
وكان مرزوق القبول، أعطاه بهلول اللودي سلطان الهند اثنتي عشرة قرية صلة وجائزة من أعمال
سهارن بور، وكان يعتقد بفضله وكماله، ذكره محمد بقاء في مرآة جهان نما.
وقال الشيخ بياري في اللطائف القطبية: إن الشيخ عبد القدوس الكنكوهي كان يقول إني حضرت
مرة في الجامع الكبير بدهلي القديمة لصلاة الجمعة، فرأيت أن الشيخ عبد الكريم صعد المنبر بعد
الصلاة وأخذ بالموعظة والتذكير، وكان في ذلك المجلس سبعون رجلاً من أصحاب الولاية، فاحتظوا
لموعظته واستفاضوا منها حسب استعداداتهم، انتهى.
مات يوم الاثنين لإثنتي عشرة خلون من ربيع الأول سنة تسع وتسعمائة، كما في المرآة.
مولانا عبد الكريم الشيرازي
الشيخ العلامة عبد الكريم بن عطاء الله الشيرازي ثم الهندي الكجراتي، أحد العلماء المبرزين في
التاريخ والرجال والعلوم الحكمية، قدم الهند في عهد محمود شاه الكبير، وصنف الطبقات المحمودية
في التاريخ، بدأ فيها من خلق آدم إلى سنة خمس عشرة وتسعمائة، وذكر فيه الأعيان من العلماء
والشعراء والملوك والوزراء.
مولانا عبد الكريم الكجراتي
الشيخ الفاضل الكبير عبد الكريم النهروالي الكجراتي، أحد العلماء المبرزين في العلوم العربية، قرأ
عليه القاضي عبد العزيز بن عبد الكريم العيني الأجيني أكثر الكتب الدرسية، كما في كلزار أبرار.
الشيخ عبد اللطيف القزويني
الشيخ الفاضل عبد اللطيف بن يحيى المعصوم الحسيني السيفي القزويني، كان من أهل بيت العلم(4/372)
والفضيلة، وكان طهماسب شاه الصفوي ملك الفرس يحسن الظن لهم ويزعم أنهم شيعيون، فبلغه
بعض الوشاة أنهم أهل السنة والجماعة فغضب عليهم - وكان حينئذ في حدود آذربيجان - فعين
رجالاً ليأخذوا يحيى المعصوم وأبناه ويحبسوهم حتى يرجع إلى دار ملكه، فأخبر علاء الدولة أباه
يحيى المعصوم، وكان يحيى لا يستطيع لكبر سنه أن يخرج من بلاده سريعاً، فأخذه رجال الحكومة
وحبسوه حتى توفي في السجن، وفر ولده عبد اللطيف إلى الكيلانات، فلما سمع همايون شاه
التيموري ذلك طلبه إلى أرض الهند ولكنه توفي قبل أن يصل عبد اللطيف إلى الهند، فتلقاه أكبر شاه
التيموري بترحيب وإكرام فسكن بفتح بور، وقرأ عليه أكبر شاه جزءاً من ديوان الحافظ الشيرازي.
وكان فاضلاً مؤرخاً، له مشاركة جيدة في المعقول والمنقول، مات لخمس خلون من رجب سنة
إحدى وثمانين وتسعمائة بفتح بور، فنقلوا جسده إلى أجمير ودفنوه بها، وأرخ لوفاته القاسم أرسلان
فخر آل يس، ذكره البدايوني.
القاضي عبد الله السندي
الشيخ العالم الفقيه القاضي عبد الله بن إبراهيم العمري السندي المهاجر إلى المدينة المنورة، ولد
بدربيله - من بلاد السند - وقرأ العلم على الشيخ عبد العزيز الأبهري شارح المشكاة، ودرس بها
مدة، ثم لما تسلط على بلاد السند شاهي بيك القندهاري خرج من بلاده عازماً إلى الحرمين
المحترمين، فدخل كجرات سنة سبع وأربعين وتسعمائة، ولقي بها الشيخ علي بن حسام الدين المتقي
البرهان بوري وكان المتقي مرزوق القبول في بلاد كجرات، وكان بهادر شاه الكجراتي معتقداً بفضله
وكماله يريد أن يحضر لديه والمتقي لا يرضى بذلك فشفع له القاضي، فقال له المتقي: كيف يجوز
أن يأتيني بمنكراته ولا آمره بالمعروف ولا أنهاه عن المنكر! فأجاز له بهادر شاه أن يأمره بما شاء
وينهاه عما شاء فأذن له المتقي فدخل عليه السلطان وقبل يده، ثم بعث إليه مائة ألف تنكه فتفضل
المتقي بها على القاضي، فصارت له زاداً وراحلة إلى الحرمين الشريفين وأقام بالطابة الطيبة مدة
حياته.
الشيخ عبد الله الأمروهوي
الشيخ الكبير عبد الله بن أحمد بن طيفور بن شمس الدين بن محمد بن محمود ابن عبد الخالق بن
محمد بن محمد بن محمود الخير بن علي الرامتيني الأمروهوي، كان من نسل إبراهيم بن علي
الرضا - عليه وعلى آبائه التحية والثناء - وكان من الأولياء المشهورين في الهند، جمع العلم
والعمل والصحو والسكر والجذب والسلوك، ذكره عبد القادر البدايوني وقد اجتمع به في أمروهه،
قال: إني أدركته بأمروهه فقرأ آية من آيات القرآن وفسرها وطفق يحرض الناس على الرضا
بالقضاء، وكان يلتفت إلي في ذلك الخطاب، فلما وصلت إلى بدايون علمت أن ابنتي قد ماتت حين
كنت في السفر، فعلمت أن المقصود من ذلك الخطاب كان تسليتي، انتهى.
وقال السنبهلي في الأسرارية: إنه سافر إلى الحرمين الشريفين في صباه، فلما وصل إلى كنباية
أدرك رجلاً مغلوب الحالة، فأشار إليه أن يرجع إلى بلدته أمروهه، فرجع ولازم الشيخ علاء الدين
الجشتي الدهلوي وأخذ عنه، ولما بلغ رتبة الشياخة عاد إلى أمروهه وانقطع إلى الزهد والعبادة.
توفي لخمس عشرة من ذي الحجة سنة سبع وثمانين وتسعمائة.
مولانا عبد الله التلنبي
الشيخ الفاضل العلامة عبد الله بن إله داد العثماني التلنبي الملتاني ثم الدهلوي، أحد الأساتذة
المشهورين في الهند، ولد بتلنبه - بضم الفوقية قرية من أعمال ملتان - وتعلم الخط والحساب، وقرأ
العربية أياماً في بلاده، ثم سافر إلى إيران وأخذ المنطق والحكمة عن العلامة عبد الله اليزدي ولازمه
مدة طويلة حتى حاز قصب السبق وأحكم، وهو في ريعان العمر وعنفوان الشباب، فبهر الفضلاء من
فرط ذكائه وسيلان ذهنه، وقوة حافظته، وسرعة إدراكه، فرجع إلى الوطن وهو من أكابر العلماء،
وتصدر للتدريس فدرس وأفاد مدة في بلاده، ثم ألجأته الفتن إلى الخروج من تلك البلاد، فدخل دهلي
في أيام سكندر شاه اللودي، واغتنم السلطان قدومه وجعله ملك العلماء.(4/373)
وكان يدرس الكتب الدقيقة في المنطق والحكمة بغاية التحقيق والتدقيق، وهو الذي أدخلها في نظام
الدرس وروجها في هذه البلاد، صرح به البدايوني في تاريخه، قال: إن قبل وروده ما كانوا يقرؤن
في هذه الديار غير شرح الشمسية في المنطق وشرح الصحائف في الكلام، فوسع في نظام الدرس
وأدخل فيه الكتب الدقيقة من المعقول.
قال: وكان سكندر شاه يكرمه غاية الإكرام ويحضر لديه فإن وجده مشتغلاً بالتدريس يتوارى عنه في
زاوية من زوايا المجلس لئلا يختل بقدومه نظام الدرس فإذا فرغ سلم عليه وحادثه.
قال: وإن السلطان جمع أرباب العلم من أقطاع الهند وجعلهم فريقين، جعل الشيخ عبد الله ورفيقه
عزيز الله في جانب واحد، وجعل الشيخ إله داد الجونبوري وولده الشيخ بهكاري في جانب آخر،
وأمرهم بالمناظرة، فاشتغلوا بالبحث والمناظرة، ووضح له أن الفريق الأول فائق على الثاني في
حسن المحاضرة، والثاني على الأول في براعة التحرير، انتهى.
وكان له تلامذة أجلاء منهم المفتي جمال الدين وصنوه عبد الغفور بن نصير الدين الدهلوي وميان
شيخ الكواليري وميران جلال الدين البدايوني وغيرهم، وكلهم نبغوا بصحبته وصاروا أساتذة
عصرهم، وكانوا أكثر من أربعين رجلاً.
توفي سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة.
مولانا عبد الله الجونبوري
الشيخ الفاضل عبد الله بن إله داد الحنفي الجونبوري، أحد العلماء المبرزين في العلوم العربية، ولد
ونشأ بمدينة جون بور واشتغل بالعلم من صباه، وقرأ على أبيه ولازمه ملازمة طويلة حتى برع
وفاق أقرانه في العلم والمعرفة، وإني أظن أن هذا هو الشيخ بهكاري الذي ذكره البدايوني، فإن أهل
الهند من عادتهم أنهم يسمون أبناءهم باسم ويدعونهم باسم آخر مختصر خفيف على لسانهم، والله
أعلم.
الشيخ عبد الله المتقي السندي
الشيخ العالم المحدث عبد الله بن سعد الله المتقي السندي المهاجر إلى المدينة المنورة، لم يكن في
زمانه أعلم منه بالحديث والتفسير، ولد ونشأ في أرض السند على فضل عظيم، ورحل إلى كجرات
صحبة القاضي عبد الله بن إبراهيم السندي سنة سبع وأربعين وتسعمائة، ثم سافر إلى الحرمين
الشريفين معه، وأخذ الحديث بها عن أئمة العصر وعن الشيخ علي بن حسام الدين المتقي
البرهانبوري، وسكن بالمدينة مدة طويلة، ثم رجع إلى الهند صحبة الشيخ رحمة الله بن القاضي عبد
الله السندي سنة سبع وسبعين وتسعمائة وأقام بكجرات زماناً.
وكان يدرس ويفيد، أخذ عنه خلق كثير من العلماء، ثم عاد إلى مكة المباركة وتوفي بها.
ومن مصنفاته: جمع المناسك ونفع الناسك، صنفه سنة خمسين وتسعمائة، ومنها حاشية على عوارف
المعارف للسهروردي.
توفي في شهر ذي الحجة سنة أربع وثمانين وتسعمائة بمكة المباركة، ذكره الحضرمي في النور
السافر.
الشيخ عبد الله السلطانبوري
الشيخ العالم الكبير عبد الله بن شمس الدين الأنصاري السلطانبوري المشهور بمخدوم الملك، كان
أصله من بلدة تته - من بلاد السند - انتقل جده منها إلى جالندهر وولد عبد الله بسلطان بور من بلاد
بنجاب، واشتغل بالعلم من صباه، وسافر إلى سرهند فقر الكتب الدرسية على العلامة عبد الله
السرهندي، ثم دخل دهلي وأخذ الحديث عن الشيخ إبراهيم بن المعين الحسيني الأيرجي، ثم رجع
إلى بلدته واشتغل بالتدريس والتصنيف والتذكير، وحصل له القبول العظيم، فولاه همايون شاه
التيموري شياخة الإسلام، فاستقل بها في أيامه وأيام فترته إلى أوائل عهد ولده أكبر شاه، وكان
الملوك والسلاطين كلهم يكرمونه غاية الإكرام ويتلقون إشاراته بالقبول، حتى أن شير شاه لقبه بصدر
الإسلام، وابنه سليم شاه كان يجلسه على سريره ويعرض عليه النذور الثمينة ولما رجع همايون شاه
من(4/374)
إيران وجلس على سرير الملك مرة ثانية لقبه بشيخ الإسلام، ولقبه أكبر شاه بمخدوم الملك،
وجعل راتبه مائة ألف دام.
واستمر على ذلك سنين، ثم لما دس الشيخ مبارك بن خضر الناكوري في قلب أكبر شاه أنه مجتهد
في المذهب لا ينبغي له تقليد الصدور والقضاة أمر بإخراجه إلى الحرمين الشريفين، فسافر إلى
الحجاز سنة سبع وثمانين وتسعمائة، فلما وصل إلى مكة المباركة استقبله أكابر العلماء بمكة، وتلقاه
الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر المكي إجلالاً وتعظيماً، فأقام بمكة مدة من الزمان، ثم عاد إلى
الهند، ولما وصل إلى كجرات توفي بها مسموماً.
قال البدايوني: إنه كان من فحول العلماء، رأساً في الفقه والأصول والتاريخ والحديث وسائر العلوم
النقلية، وكان شديد التعصب على أهل البدع والأهواء لا سيما على الشيعة، قال: وإنه كان يقول إن
روضة الأحباب ليس من مصنفات الأمير جمال الدين المحدث، وكان يستشهد بشعر في منقبة سيدنا
علي رضي الله عنه أورده الجمال في المجلد الثالث من ذلك الكتاب:
همين بس بود حق نمائي أو كه كردند شك در خدائي أو
ثم التفت إلي وقال: أنظر كيف بالغ في مدحه حتى جاوز عن الرفض إلى عقيدة الحلول - أعاذنا
الله سبحانه منها - فقلت له: هذا مأخوذ من قول الشافعي حيث قال:
لو أن المرتضى أبدى محله لصار الناس طراً سجداً له
كفى في فضل مولانا على وقوع الشك فيه أنه الله
فنظر إلى شزرا ونازعني في صحة النقل، فقلت له: نقلها المير حسين الميبذي في شرح ديوان
الشعر لسيدنا علي رضي الله عنه، فقال: إن الميبذي أيضاً متهم بالرفض. فقلت له: إني سمعت من
بعض الثقات أن المجلد الثالث من روضة الأحباب ليس من مصنفات الأمير جمال الدين المحدث بل
لابنه ميرك شاه، فقال: إني وجدت في المجلد الثاني أيضاً بعض المناكير فعلقت عليها الحواشي،
انتهى.
وللشيخ عبد الله مصنفات عديدة، منها: كشف الغمة، ومنهاج الدين، وعصمة الأنبياء، وشرح العقيدة
الحافظية، ورسالة في تفضيل العقل على العلم، وله غير ذلك من الرسائل.
توفي بأرض كجرات مسموماً سموه بأمر أكبر شاه، كما صرح به الخوافي في مآثر الأمراء وكان
ذلك سنة تسعين - أو إحدى وتسعين - وتسعمائة.
مولانا عبد الله اللاهوري
الشيخ العالم الصالح عبد الله بن عبد الخالق الشريف الحسني اللاهوري، أحد العلماء المشهورين
بالفقه والحديث والتفسير، وكانت له مشاركة جيدة في العلوم العقلية، درس وأفاد مدة عمره بمدينة
لاهور وتخرج عليه خلق كثير، مات سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة بلاهور فدفن بها قريباً من مقبرة
الشيخ جان محمد الحضوري، كما في حدائق الحنفية.
الشيخ عبد الله السنبهلي
الشيخ الأجل عبد الله بن عثمان بن عطاء الله المودودي الأمروهوي ثم السنبهلي، كان لقبه شمس
الدين وكمال الدين، واشتهر بالشيخ بنجو، ذكره عبد القادر البدايوني في تاريخه بذلك الاسم واللقب،
وسبب شهرته بذلك الاسم واللقب، وسبب شهرته بذلك الاسم أن أباه توفي في حياة جده عطاء الله
وكان بنجو صبياً، فأخذه عطاء الله في حجر تربيته وجعله قائماً مقام والده المرحوم، وكان له خمسة
أبناء فمنحه خمس أمواله وأملاكه، فاشتهر بالشيخ بنجو، لأن بنج بالفارسية معناه الخمس والواو
للنسبة.
وهو ولد سنة ست وستين وثمانمائة بمدينة أمروهه، ونشأ في مهد العلم والكرامة، ولما توفي جده
سافر إلى سنبهل وقرأ العلم على الشيخ العلامة عزيز الله التلنبي ولازمه مدة، ثم سافر إلى دهلي
وأخذ الطريقة عن الشيخ علاء الدين الجشتي الدهلوي(4/375)
وصحبه زماناً، ثم رجع إلى أمروهه ولم يلبث
بها إلا قليلاً وهجر الدار والوطن ودخل الصحراء معتزلاً عن الناس، واستمر على ذلك عشرة أعوام،
ثم اختار الإقامة بسنبهل.
وكان صاحب وجد وسماع في بداية حاله، ثم غلبت عليه الحالة والكيفية حتى لم يستطع في تلك
الحالة أن يستمع الغناء.
توفي لثلاث عشرة بقين من محرم سنة تسع وستين وتسعمائة، كما في النخبة.
الشيخ عبد الله الأجي
الشيخ الصالح عبد الله بن محمد غوث الشريف الحسني الأجي، أحد العلماء الربانيين، جمع العلم
والعمل والزهد والقناعة، وصرف عمره في الإفادة والعبادة، وكان لا يخالط الملوك والأمراء، مات
سنة ثمان وسبعين وتسعمائة، كما في الخزينة.
مولانا عبد الله الأكبر آبادي
الشيخ الفاضل عبد الله بن يعقوب بن نصير الدين الأنصاري التميمي الملتاني ثم الأكبر آبادي، أحد
العلماء المشهورين، ولد ونشأ بأكبر آباد وسافر للعلم إلى بلاد أخرى، وقرأ على أساتذة عصره، ثم
رجع إلى بلدته ودرس وأفاد مدة طويلة، أخذ عنه خلق كثير، توفي لست خلون من شوال سنة ست
وأربعين وتسعمائة بأكبر آباد، كما في أخبار الأصفياء.
مولانا عبد الله الملتاني
الشيخ العالم الكبير عبد الله المغني الملتاني، أحد العلماء المبرزين في العلوم العربية، ولد ونشأ
بملتان وقرأ العلم بها، ثم انتقل إلى بهكر وسكن بها، وكان يدرس ويفيد، وله مهارة تامة بالنحو واللغة
والفقه والأصول، ومشاركة جيدة في العلوم الحكمية، توفي سنة سبعين وتسعمائة، كما في المآثر.
مولانا عبد الله البدايوني
الشيخ الصالح عبد الله الهندي السامانوي ثم البدايوني، أحد العلماء المشهورين، ولد ببلدة سامانة -
من بلاد بنجاب - وكان من كفار الهند، نشأ على دينهم وتعلم الخط والحساب وقرأ الفارسية أياماً
على معلم من أهل الإسلام، فلما قرأ بوستان للشيخ سعدي الشيرازي وقرأ هذا البيت:
محال است سعدي كه راه صفا توان رفت جز در بيء مصطفى
يعني محال أن يسلك أحد سبيل السلام إلا في اقتفاء محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سأل أستاذه عن
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولما سمع مكارمه وأخلاقه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذه الجذبة
الربانية، فانقطع عن أبيه وأمه وذهب إلى دهلي، وأقبل على العلوم العربية إقبالاً كلياً، وقرأ العلم
على الشيخ عبد الغفور بن نصير الدين الدهلوي والشيخ جلال الدين البدايوني وعلى غيرهما من
العلماء ثم سافر إلى بدايون وأخذ الطريقة عن الشيخ عبد الباقي البدايوني، ثم ذهب إلى خير آباد
وصحب الشيخ صفي الدين عبد الصمد السائنبوري وأخذ عنه ولازمه حتى فتحت عليه أبواب
الكشف والشهود، فرجع إلى بدايون وعكف على الإفادة والعبادة.
وكان بارعاً في فنون عديدة من الفقه والأصول والنحو، جامعاً لأنواع الخير والعلوم وتعليم العلم،
جيد التفقه، مستحضراً لمذهبه، صحيح الدين قوي الفهم، وكان زاهداً متقللاً، قانعاً باليسير، شريف
النفس، يذهب إلى السوق راجلاً ويأتي بحوائجه مع كبر سنه، وكان لا يتقيد برسوم المشايخ من أخذ
البيعة وإن كان مجازاً لذلك عن مشايخة الكرام، وعمر تسعين سنة، ذكره البدايوني.
الشيخ عبد الله السرهندي
الشيخ الكبير عبد الله النيازي المهدوي السرهندي، أحد دعاة مذهب المهدوية، كان يأمر بالمعروف
وينهى عن المنكر ولا يهاب في ذلك أحداً، ولذلك أوذي من الملوك غير مرة، ونيازي طائفة من
الأفغان والشيخ عبد الله كان من تلك الطائفة، وكان من مشاهير أهل الهند.
قال البدايوني: إنه أخذ الطريقة عن الشيخ سليم بن بهاء الدين الجشتي ولازمه زماناً، ثم سافر إلى
كجرات(4/376)
وإلى الحرمين الشريفين فحج وزار، وساح البلاد وأدرك المشايخ الأمجاد، ولازم أصحاب
الشيخ محمد بن يوسف الجونبوري في كجرات وإقليم الدكن، واستحسن طريقتهم في الترك والتجريد
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فدخل في جماعة المتمهدي المذكور، ثم جاء إلى بيانه وأقام بها
مدة طويلة كآحاد الناس غير مقيد برسوم المشايخ، وناله من سليم شاه السوري سلطان الهند أذى كثير
حتى عيل صبره فخرج من بيانه وساح البلاد مدة، ثم جاء إلى سرهند واعتزل بها ورجع عن القول
بالمهدية للسيد محمد بن يوسف الجونبوري.
قال: ولما أسس أكبر شاه التيموري عبادت خانه بمدينة فتح بور طلبه من سرهند، واحتظ بصحبته
أياماً، ثم رخصه فاعتزل بها، ولقيه أكبر شاه مرة ثانية بسرهند وأعطاه أرضاً خراجية وكان لا يقبل،
فأصر على ذلك فلم يسعه إلا القبول، ولكن النيازي لم ينتفع بها قط وعاش في الفقر والفناء كما كان
يعيش سابقاً، كان عمله باحياء العلوم للغزالي، انتهى.
وقال السيد الوالد في مهر جهانتاب: إنه لما رحل إلى الحرمين الشريفين للحج والزيارة أخذ الحديث
عن أئمة العصر، وقيل إنه رجع عن العقيدة الباطلة في المهدي، وله مصنفات عديدة، منها القربة إلى
الله وإلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومنها مرآة الصفا والصراط المستقيم، انتهى.
توفي بسرهند سنة ألف وله تسعون سنة، كما في المنتخب.
الشيخ عبد الله الكوئلي
الشيخ الفاضل عبد الله الحسيني الكوئلي، أحد العلماء المشهورين في عصر الشيخ عبد القدوس
الكنكوهي، ذكره ركن الدين محمد بن عبد القدوس في اللطائف القدوسية.
الشيخ عبد المجيد الكنكوهي
الشيخ الفاضل عبد المجيد بن عبد القدوس بن إسماعيل الحنفي الشيخ حميد الدين الكنكوهي، أحد
العلماء المتصوفين، ولد ونشأ بكنكوه وسافر للعلم، فقرأ على مولنا قطب الدين السرهندي والشيخ
أحمد الحسيني الملتاني وعلى غيرهما من العلماء، وانتفع بأبيه وأخذ عنه الطريقة ولازمه مدة حياته،
له رسالة في إثبات وحدة الوجود، ذكره ركن الدين محمد في اللطائف القدوسية.
الشيخ عبد المعطي باكثير المكي
الشيخ العالم الكبير المحدث عبد المعطي بن الحسن بن عبد الله باكثير المكي ثم الهندي الأحمد
آبادي، أحد العلماء المحدثين، ذكره عبد القادر الحضرمي في النور السافر، قال: وكان مولده سنة
خمس وتسعمائة بمكة ونشأ بها، ولقي جماعة من العلماء الفاضلين، وشارك في المعقول والمنقول،
وتفنن في كثير من العلوم، ودخل الهند آخراً وأقام بها.
وكان حسن المحاضرة لطيف المحاورة، فكهاً، له ملح ونوادر، ولم يزل على قدم الصلاح والتعفف
إلى أن مات، وحكى أنه قرأ كتاب الشفاء على بعض مشايخه في مجلس واحد، وذلك بعد صلاة
الصبح إلى أول الظهر، ومن شيوخه شيخ الإسلام زكريا الأنصاري لأنه سمع عليه صحيح البخاري
بقراءة والده، وهو يرويه عنه سماعاً - كما في اصطلاح أهل الحديث - والشيخ زكريا يرويه عن
شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر العسقلاني، ولهذا اشتهر صاحب الترجمة في زمنه بالسند العالي وتميز
عن أقرانه بذلك، فازدحم الناس على الأخذ منه وصار له من الحظ بسبب ذلك ما لا مزيد عليه،
وسمعت عليه مجالس من صحيح البخاري وأنا صغير وتلفظ حينئذ بالإجازة وكان والدي طلب منه
أن يجعلها في أرجوزة حتى يضيفها إلى جنب قصائده فلم يقدره الله على ذلك، ومن تصانيفه كتاب
أسماء رجال البخاري، يذكر فيه كل من اشتمل عليه الكتاب المذكور من شيخ البخاري إلى الصحابي
راوي الحديث ولم يتمه، والذي كتب منه نحو مجلد ضخم، والظاهر أنه لو يتم يكون في مجلدين،
وهو مفيد في بابه، ومن شعره قوله في شمعة:
وممشوقة هيفاء لدن قوامها من البيض تزري بالمثقفة السمر(4/377)
إذا أصبحت أمست تحد لسانها تفتق درع الليل من طلعة البدر
قصير سناها قد محى آية الدجى فصار نهاراً أبيضاً ساطع الفجر
تمد لساناً طائلاً غير ناطق ومن غير أجفان مدامعها تجري
وجلبابها يحكي لجيناً بياضه وأحشاؤها أزرت على لهب الجمر
إذا أجمعت تسمع بتصحيفه ولا ت حين مناص جاء في محكم الذكر
فدونك لغزاً واضحاً قد شرحته وبينته لكن بنوع من الستر
ومن بدائع قوله:
قم يا نديم فذا الصباح قد انفلق ومحى بأية نوره ظلم الغسق
قرب صبوحك فالزمان مساعد وأدر بروقه حكت لون الشفق
قامت سقاة كؤوسها في خضرة والمسك والكافور فيها قد عبق
قمر يدير الشمس في كأساته وبثغره مثل المدامة بل أرق
قد تحاكي السمهري ومقلة كالسيف واللحظ السهام إذا رشق
قوس الحواجب موتر لقتالنا ولذا قلوب العاشقين غدت درق
قلق الوشاح بخصره وتراه قد صمتت خلاخله ودملجه نطق
قرت نواظر عاشقيه بحبه لكن من الصد المبرح في أرق
قرأ المحب على صحيفة خده هذا لعمر الله أحسن من خلق
قد كنت همت بحسنه وجماله إذ كان جفن شبيبتي فيه رمق
قضيت أيامي سدى وسبهللا ترك الخلاعة والصبابة بي أحق
قد آن أن أثنى العنان عن الهوى وأعود عنه عود عبد قد أبق
قدم المشيب فكان أبلغ زاجر ومضى الشباب كأنه طيف طرق
توفي ليلة الثلاثاء لثلاث بقين من ذي الحجة سنة تسع وثمانين وتسعمائة ببلدة أحمد آباد فدفن بها،
كما في النور السافر.
الشيخ عبد الملك الكالبوي
الشيخ الفاضل عبد الملك بن إبراهيم الكالبوي، كان من أفاضل المشهورين في زمانه، صرف عمره
في الدرس والإفادة، ذكره المندوي في كلزار أبرار قال: إنه درس إلى يوم وفاته، مات في عهد
همايون شاه التيموري، وقبره بكالبي خارج الروضة.
الشيخ عبد الملك الباني بتي
الشيخ الفاضل العلامة عبد الملك بن عبد الغفور الحنفي الباتي بتي المشهور بالشيخ أمان الله، كان
من كبار العلماء والمشايخ، قرأ بعض الكتب الدرسية على أبيه الشيخ عبد الغفور، وبعضها على
الشيخ محمد بن الحسن العباسي الجونبوري ثم الدهلوي وأخذ عنه الطريقة، ثم لازم الشيخ مودود
اللاري وقرأ عليه فصوص الحكم لابن عربي، ثم تصدر للتدريس.
وكان على مذهب الشيخ محيي الدين ابن عربي في التوحيد، وله رسالة في إثبات الأحدية، وله مرآة
الحقيقة، وله شرح بسيط على اللوائح للعارف الجامي، وله غير ذلك من الرسائل.
ومن مختاراته في التوحيد أن الواجب تعالى وتقدس وراء الممكنات، ولكن المغائرة بحسب الحقيقة
لا يمكن، فلا بد أن يكون بحسب التعين والتقيد، فلا جرم أن يكون له سبحانه وتعالى تعين، ولأفراد
العالم(4/378)
من الروحانيات والجسمانيات تعينات أخر.
وكان الشيخ عبد الرزاق الجهجانوي يخالفه في ذلك، فإنه ذهب إلى العينية - تعالى الله عن ذلك
علواً كبيراً! وكانت بينهما مطارحات.
مات لإثنتى عشرة خلون من ربيع الثاني سنة سبع وخمسين وتسعمائة بمدينة باني بت، كما في
أخبار الأخيار.
الشيخ عبد الملك الغزنوي
الشيخ العالم المجود عبد الملك بن عبد الله بن صالح بن محمود الخالدي الغزنوي، أحد القراء
المشهورين في زمانه، ولد ونشأ بغزنة واشتغل بالعلم من صباه، وسافر إلى هرات فحفظ القرآن،
وأخذ القراءة والتجويد عن الشيخ محمود التابادكاني، وقرأ العلم على عثمان الهروي، ثم أخذ الطريقة
عن الشيخ زين الدين الخوافي ولازمه ملازمة طويلة وسكن بهرات، فلما بلغ صيته إلى بلاد الهند
طلبه سكندر شاه اللودي، فقدم آكره وسكن بها، أخذ عنه خلق كثير من أهل الهند.
مات في شهر رجب سنة ست وخمسين وتسعمائة بمدينة آكره وله مائة وثلاثون سنة، كما في كلزار
أبرار.
المفتي عبد الملك الأمروهوي
الشيخ الفقيه المفتي عبد الملك بن محمود بن عطاء الله الحسيني الأمروهوي، كان أعلم أبناء والده،
ولي الإفتاء بمدينة أمروهه بعد ما توفي والده سنة سبع عشرة وتسعمائة في عهد سكندر شاه اللودي،
واستقل به مدة حياته، مات في سنة خمسين وتسعمائة أو مما يقرب ذلك، لأن ولده عبد الغفور ولي
الإفتاء بعده في تلك السنة، كما في النخبة.
الشيخ عبد الملك الكجراتي
الشيخ العالم المحدث عبد الملك البياني العباسي الأحمد آبادي، أحد كبار العلماء، ولد ونشأ بأحمد
آباد، وقرأ العلم على صنوه قطب الدين العباسي الكجراتي وأخذ الحديث عنه وهو أخذ عن الشيخ
شمس الدين بن محمد السخاوي المصري صاحب الضوء اللامع.
وكان عبد الملك مفرط الذكاء جيد القريحة، له مشاركة جيدة في الفقه والحديث والتفسير والعربية،
وكان حافظاً للقرآن الحكيم وصحيح البخاري لفظاً ومعناً، وكان يدرس عن ظهر قلبه، ولم يكن مثله
في زمانه في التوكل والتجريد، أخذ عنه مولانا كمال الدين محمد العباسي مفتي أجين.
مات في بضع وسبعين وتسعمائة، كما في كلزار أبرار.
الشيخ عبد الملك السجاوندي
الشيخ الفاضل عبد الملك السجاوندي، أحد دعاة مذهب المهدوية، أخذ الطريقة عن الشيخ دلاور
المهدوي ولازمه زماناً، وصنف كتاباً عن الذب عن السيد محمد بن يوسف الجونبوري وإثبات
المهدوية له، ومن مصنفاته سراج الأبصار في الرد على الشيخ علي بن حسام الدين المتقي
البرهانبوري، ورد عليه الشيخ محمد أسعد المكي في الشهب المحرقة، ثم أجاب عنه الشيخ شهاب
الدين المهدوي في كنز الدلائل، ذكره أبو رجاء محمد الشاهجهانبوري في الهدية المهدوية.
مولانا عبد المؤمن الأكبر آبادي
الشيخ العالم الصالح عبد المؤمن بن محمد بن الخليل الجشتي الأكبر آبادي، أحد كبار المشايخ، ذكره
محمد بن الحسن المندوي في كتابه كلزار أبرار وقال: إنه أخذ عن أبيه ثم سافر إلى الحرمين
الشريفين فحج وزار وساح البلاد الكثيرة، ورجع إلى الهند بعد اثنتى عشرة سنة، فسكن بآكره في
عهد سكندر شاه اللودي.
وقال التميمي في أخبار الأصفياء: إن والده انتقل من مندو إلى دهلي وولد بها عبد المومن، واشتغل
على والده من صباه، وقرأ عليه ثم لبس الخرقة منه، وانتقل من دهلي إلى آكره في أيام شاه اللودي،
انتهى.(4/379)
مات في غرة شوال - وقيل لليلتين خلتا من شوال سنة سبعين - وقيل اثنتين وسبعين - وتسعمائة
بمدينة آكره فدفن بها.
الشيخ عبد النبي الكنكوهي
الشيخ العالم المحدث عبد النبي بن أحمد بن عبد القدوس الحنفي الكنكوهي، أحد العلماء المشهورين
في أرض الهند، ولد بكنكوه، وقرأ القرآن والفقه والعربية وسائر العلوم في بلاده، ثم سافر إلى
الحرمين الشريفين وسمع الحديث بها عن الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر المكي وعن غيره من
المحدثين، وتردد إلى الحجاز غيرة مرة، وصحب المشايخ مدة طويلة حتى رسخ فيه مذهب
المحدثين، فرجع إلى الأهل والوطن وخالفهم في مسألة السماع والتواجد ووحدة الوجود والأعراس
وأكثر رسوم المشايخ الصوفية ونصر السنة المحضة والطريقة السلفية واحتج ببراهين ومقدمات،
فخالفه والده وأعمامه فأوذي في ذات الله من المخالفين، وأخيف في نصر الله حتى أنهم أخرجوه من
الأهل والوطن، ولكن لما قيض الله له صدارة الهند طلبه أكبر شاه التيموري سلطان الهند وولاه
الصدارة في أرض الهند بعرضها وطولها سنة إحدى وسبعين وتسعمائة، فاستقل بها زماناً، وأعطى
من الأرض والأموال ما لم يعط أحد قبله من الصدور، وحصل له القبول التام عند الخاص والعام،
وكان أكبر شاه يذهب إلى بيته لاستماع الحديث الشريف ويضع نعليه قدامه بيده ويتلقى إشاراته
بالقبول قال البدايوني: إنه استمر على ذلك سنين، ثم دخل في الحضرة ابنا المبارك فدسا في قلب
أكبر شاه ما رغب به عن أهل الصلاح والمشايخ، نزله عن منزلته وصار يتدبر حيلة لعزله، إذ
حدث أمر عظيم بمدينة متهرا، وهو أن القاضي عبد الرحيم كان يريد أن يبني مسجداً فيها، فغصب
عمارته أحد البراهمة وجعلها هيكلاً، فلما تعرض له القاضي المذكور سب النبي صلى الله عليه
وسلم، على رؤوس الأشهاد وهتك حرمة الإسلام، فرفع القاضي تلك القضية إلى الشيخ عبد النبي،
فطلبه الشيخ فلم يأت، فبعث أكبر شاه أبا الفضل ابن المبارك وبيربر الوثنى إلى متهرا ليأتيا به،
وقال الشيخ أبو الفضل: إن أهل متهرا كلهم متفقون عل أنه سب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصار
العلماء على قسمين: طائفة منهم تفتي بقتله، وطائفة تفتي بالتشهير والمصادرة! فاستصوب عبد النبي
من أكبر شاه قتله، فأعرض السلطان عن القول به، فتأخر الشيخ عن ذلك وسأله مرة ثانية وثالثة،
وكلما كان يسأله يقول له: لا تسألوني عنه فإن السياسات الشرعية تتعلق بكم، وكانت في حرم
السلطان طائفة من بنات الكفار تشفع لذلك الكافر، ولكن السلطان يضمره في قلبه، فلما استيأس عن
ذلك عبد النبي قضى بقتله، فغضب عليه السلطان غضباً شديداً ورفع الشكوى إلى مبارك بن خضر
الناكوري، فقال له المبارك: إن السلطان أعدل الأئمة وأعقلهم وأعلمهم بالله سبحانه، لا ينبغي له أن
يقلد أحداً من الفقهاء المجتهدين، ورتب محضراً في ذلك، وبعث السلطان إلى عبد النبي وعبد الله،
فحضرا في مجلسه فلم يقم أحد لتعظيمهما، فجلسا في صف النعال وأثبتا توقيعهما على ذلك المحضر
كرهاً، ثم أمر السلطان لإخراجهما إلى الحرمين الشريفين، فسافر عبد النبي إلى الحجاز وأقام بها
زماناً، ثم رجع إلى الهند وطلب العفو والمسامحة من السلطان، فأمر وزيره راجه تودرمل أن
يحاسبه، فقبض عليه ذلك الكافر ونقمه أشد نقمة حتى مات، انتهى.
وفي مآثر الأمراء أن السلطان حبسه للمحاسبة وفوض أمره إلى أبي الفضل بن المبارك الناكوري
فقتله مخنوقاً، انتهى.
قال الشيخ عبد الحي بن عبد الحليم اللكهنوي في طرب الأماثل، إني رأيت في نسخة من مصنفاته
أن مولانا عبد النبي صدر السلطان أكبر وصل إلى مكة بعطايا السلطان في سنة ثمان وثمانين
وتسعمائة، وقسمها على دفتر كان معه بتوقيعات السلطان بمعرفة مولانا شيخ الإسلام القاضي حسين
على أهل الحرمين، وتوجه إلى الهند في رجب سنة تسع وثمانين وتسعمائة، وكان من أهل الخير
والصلاح، انتهى.
ومن مصنفاته وظائف النبي في الأدعية المأثورة وله سنن الهدى في متابعة المصطفى وله رسالة
في حرمة السماع رداً على رسالة أبيه، وله رسالة في رد طعن القفال المروزي على الإمام أبي
حنيفة، توفي سنة إحدى وتسعين وتسعمائة.(4/380)
الشيخ عبد الوهاب الأكبر آبادي
الشيخ العالم المحدث عبد الوهاب بن أبي الفتح المكي الأكبر آبادي، كان أكبر أبناء والده، يعرف
بالشيخ بدا، قرأ العلم على الشيخ مبارك بن الشهاب الكوباموي وعلى غيره من العلماء، ثم درس
وأفاد.
وكان شيخاً جليلاً وقوراً، سخياً باذلاً، منور الشيبه، حسن الأخلاق، مرزوق القبول، مات في غرة
شعبان سنة سبعين وتسعمائة بمدينة آكره، كما في كلزار أبرار.
الشيخ عبد الوهاب السادهوروي
الشيخ العالم الصالح عبد الوهاب بن عبد المجيد الحنفي السادهوروي، أحد الأفاضل المشهورين، لم
يزل مشتغلاً بالدرس والإفادة، أخذ عنه خلق كثير، توفي سنة خمس وستين وتسعمائة بسادهوره.
مولانا عبد الوهاب الكشميري
الشيخ العالم الفقيه عبد الوهاب بن المفتي فيروز الحنفي الكشميري، أحد العلماء المبرزين في العلوم
الحكمية، ولد ونشأ بكشمير وقرأ العلم بها على أساتذة عصره، له تعليقات على شرح الشمسية وعلى
شرح المواقف، كما في حدائق الحنفية.
الشيخ عبد الوهاب البخاري
الشيخ الصالح عبد الوهاب بن محمد بن رفيع الدين الحسيني البخاري الأجي السيد الشريف الحاج
المشهور - يتصل نسبه بالجلال حسين بن أحمد الحسيني البخاري بجده الجلال الأعظم - ولد سنة
تسع وستين وثمانمائة من بطن فاطمة بنت قطب الدين بن كبير الدين بن إسماعيل بن محمود
الحسيني البخاري بمدينة أج ونشأ بها، وقرأ العلم على صهره صدر الدين بن حسين بن كبير الدين
الحسيني البخاري وأخذ عنه الطريقة ولازمه مدة من الزمان، ثم سافر إلى الحجاز للحج والزيارة في
حياة شيخه صدر الدين فحج وزار، ورجع إلى الهند وأقام بملتان مدة، ثم انتقل إلى دهلي وأخذ
الطريقة عن الشيخ عبد الله بن يوسف القرشي الملتاني، وسافر إلى الحجاز مرة ثانية فحج وزار،
ورجع إلى دهلي وأقام بها مدة حياته، وكان سكندر شاه اللودي شديد الإكرام له.
له تفسير القرآن الكريم، شرع في تصنيفه في أوائل ربيع الثاني سنة خمس عشرة وتسعمائة، وأتمه
في السابع عشرة من شوال في تلك السنة، فكان بين الشروع والإتمام ستة أشهر وبضعة أيام، وهذا
الكتاب قد أرجع فيه المطالب القرآنية أكثرها بل كلها إلى مناقب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ،
وبين فيه أسرار المحبة ودقائق الوجد والغرام، ويحتمل أنه صنف في غلبة الحال لأن أكثر ما ذكره
لا يصح.
وله رسالة في شمائل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وقصائد بالعربية في مدحه.
توفي سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة بدهلي في يوم دخل بابر شاه التيموري تلك المدينة.
مولانا عثمان السنبهلي
الشيخ الفاضل عثمان بن أبي عثمان الحنفي البنكالي ثم السنبهلي، أحد العلماء المشهورين ي
عصره، ولد ونشأ بأرض بنكاله، وسافر للعلم فدخل سنبهل وقرأ على الشيخ حاتم السنبهلي، ثم ذهب
إلى كجرات وأخذ عن العلامة وجيه الدين العلوي الكجراتي، ثم رجع إلى سنبهل وسكن بها، ذكره
كمال محمد السنبهلي في الاسرارية وقال البدايوني: الشيخ حاتم قرأ عليه في بداية حاله وكان يحضر
لديه يلتمس الفاتحة في نهاية أمره، قال: إني أدركته في صغر سني وحضرت مجلسه مع الشيخ
حاتم.
مات سنة ثمانين وتسعمائة بمدينة سنبهل، فقال أحد أصحابه مؤرخاً لوفاته: همه كفتند رفت مردانه.
الشيخ عجائب السنبهلي
الشيخ الفاضل عجائب بن إسحاق الإسرائيلي السنبهلي، أحد رجال الطريقة، أخذ عن الشيخ سماء
الدين الدهلوي ولازمه ملازمة طويلة، ولما مات الشيخ انتقل من دهلي إلى سنبهل فسكن بها، وكان
عالماً بالمعارف الإلهية، شاعراً يتلقب في الشعر بالهلالي.
توفي سنة ثلاثين وتسعمائة بسنبهل، كما في بحر زخار.(4/381)
الشيخ عجائب الدهلوي
الشيخ الفاضل عجائب بن عيسى الدهلوي الشيخ كمال الدين بن علاء الدين، كان من كبار المشايخ
في عصره، قرأ العلم على قتلغ خان وعلى غيره من العلماء، ولازم أباه وانتفع به كثيراً، كما في
كلزار أبرار.
مولانا عزيز الله الردولوي
الشيخ الفاضل عزيز الله بن إسماعيل بن صفي بن نصير الحنفي الردولوي، أحد العلماء المبرزين
في الفقه والأصول والعربية، ولد ونشأ بردولي، وقرأ الكتب الدرسية على والده ولازمه مدة من
الزمان حتى صار أوحد أبناء العصر، وتصدى للدرس والإفادة، أخذ عنه خلق كثير.
مولانا عزيز الله التلنبي
الشيخ الفاضل العلامة عزيز الله الحنفي التلنبي الملتاني ثم السنبهلي، كان من العلماء العاملين
والأئمة المحققين، قدم دهلي في عهد سكندر شاه اللودي، ثم دخل سنبهل وسكن بها، وقصر همته
على الدرس والإفادة، وكان مفرط الذكاء، جيد القريحة، شديد التعبد، قليل الاختلاط بالناس مع التقوى
المفرط والمنطق والحكمة وسائر الفنون النظرية ومشاركة جيدة في المعارف الأدبية، أخذ عنه الشيخ
نظام الدين الخير آبادي والشيخ حاتم بن أبي حاتم السنبهلي وخلق كثير من العلماء.
توفي سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، كما في الأسرارية.
مولانا عزيز الله الملتاني
الشيخ العلامة عزيز الله الحنفي الملتاني، أحد الأساتذة المشهورين في عصره، ولد ونشأ بالملتان،
وقرأ العلم على الشيخ فتح الله الملتاني مشاركاً لولده إبراهيم الجامع، وقرأ عليه ولده عبد الرحمن
الملتاني وخلق كثير، ذكره المندوي.
وقال محمد قاسم في تاريخه: إنه كان من مشاهير العلماء، استقدمه جام يزيد إلى مدينة شور ثم
استقبله من خارج البلدة وجاء به إلى قصر الإمارة واحتفى به جداً، وأمر غلمانه أن يغسلوا يده، ثم
أمرهم أن يصبوا غسالة في الجهات الأربع من ذلك القصر تبركاً، فأقام الشيخ عزيز الله ببلدة شور
زماناً، ثم خرج من تلك البلدة سراً وذهب إلى الملتان لعدم موافقته بالوزير جمال الدين، انتهى.
الشيخ عطاء محمد الكجراتي
الشيخ العالم الصالح عطاء محمد علاء الدين الحسيني القادري الكجراتي، أحد المشايخ المشهورين،
خرج من أحمد آباد حين دخل بها همايون شاه التيموري سنة إحدى وأربعين وتسعمائة، وذهب إلى
ديو صحبة بهادر شاه الكجراتي فوقع في أيدي البرتغاليين فحبسوه، ولما خلص منهم سافر إلى
الحرمين الشريفين فحج وزار، ورجع إلى كجرات وانقطع إلى الدرس والإفادة.
وكان شاعراً مجيد الشعر، له أعجوبة الزمان ونادرة الدوران، ديوانان في الشعر العربي، وأبياته
على منوال أبيات الشيخ ابن الفارض المصري.
وكان له خمسة أبناء، كلهم علماء: عبد الرزاق، وأبو صالح النصر، ومحمد، وأحمد، وعلي، وكان له
ثلاثة خلفاء، كلهم علماء: الشيخ بهاء الدين، كلزار أبرار.
الشيخ علاء بن الحسن البيانوي
الشيخ الصالح علاء بن الحسن المهدوي البيانوي، أحد دعاة الطائفة المهدوية وزعمائهم، كان متفرداً
بين الأقران في الذكاء والفطنة وسيلان الذهن وقوة الحافظة، أصله من بنكاله، خرج منها أبوه وعمه
نصر الله للحج وسكنا بمدينة بيانه، فاختار أبوه طرق الإرشاد والتلقين، وعمه الدرس والإفتاء، وأما
بن الحسن فإنه قرأ العلم على أبيه وعمه، ثم أخذ الطريقة وجلس على مسند أبيه بعد وفاته واشتغل
بالإرشاد(4/382)
والتلقين مدة من الزمان، ولما قدم عبد الله النيازي السرهندي من سفر الحج وسكن بمدينة
بيانه خارج البلدة، وكان من كبراء الطائفة المهدوية، صاحب صدق وإخلاص، قانعاً باليسير، شريف
النفس، زاهداً مجاهداً، لا يجلس في مكان معين بحيث يقصد فيه ولا يتصدر في المجلس، وكان يأتي
بدلو الماء على رأسه للوضوء ويحرض الناس على إقامة الصلاة بالجماعة ويأمرهم بالمعروف
وينهاهم عن المنكر، رغب إليه ابن الحسن وترك الشياخة ونبذها وراء ظهره، وأخذ طريقة الذل
والافتقار، ولازم الشيخ عبد الله المذكور فتلقن منه الذكر على طريق حفظ الأنفاس، وأخذ عنه القرآن
الكريم، واشتغل عليه بالرياضة والمجاهدة حتى فتح الله سبحانه عليه أبواب الكشف والشهود، فقصده
الناس، واختار صحبته منهم ستمائة أو سبعمائة وسافروا معه على قدم التوكل، وجروا على طريقة
واحدة من اختيار الفقر والتقلل من الدبيا ورد ما يعطى لهم.
وكان ابن الحسن دائم الابتهال، كثير الاستعانة، قوي التوكل، ثابت الجأش، له صحبة مؤثرة، كل
من يصل إليه يأخذ طريقته من اختيار الفقر والتقلل من الدنيا، وكان له إقدام وشهادة وقوة نفس، يأمر
بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحتسب على الناس في الملاهي والملاعب ولبس الحرير، فاشتهر
ذكره في أقطار الهند، وحسده علماء السوء فاستحضره سليم شاه السوري سلطان الهند بآكره،
واستحضر الشيخ المحدث رفيع الدين والمفتي أبا الفتح والشيخ عبد الله مخدوم الملك والشيخ مبارك
وغيرهم من كبار العلماء، فحضروا لديه وسلم عليه ابن الحسن علي الوجه المسنون ولم يخدمه بآداب
التحية المرسومة فكبر ذلك على سليم شاه، وكان عبد الله مخدوم الملك عدواً له لذمه علماء السوء،
فحرض السلطان عليه ورماه بأنه يريد الخروج عليه، ولكنه لما سمع تذكيره لان له وبكى وأمر
العلماء أن يباحثوه في مسألة خروج المهدي! فباحثوه فأفحمهم وأتى بما تحير منه الناس، فأمر
السلطان بإخراجه إلى بلاد الدكن تأليفاً للعلماء، فذهب إلى هندية - بفتح الهاء وسكون النون والدال
الهندية وفتح التحتية بعدها هاء - فلما وصل إلى هندية استقبله أعظم همايون الشرواني الحاكم بها
بترحيب وإكرام فأقام بها قليلاً، ثم طلبه سليم شاه وبعثه إلى بهار عند الشيخ محمد بن طيب الحقاني
ليباحثه في مسألة خروج المهدي، وكان عبد الله مخدوم الملك يحرضه على ذلك، فذهب ابن الحسن
إلى بهار ولقى الشيخ محمد، وبينما هو عنده إذ قرع صماخه صوت الغناء من بيت الشيخ فاحتسب
عليه وأنكره، فاعتذر الحقاني وكتب إلى سليم شاه أن مسألة خروج المهدي ليست مما يدور عليه
الكفر والإيمان فلا ينبغي أن يكفر بها أحد من المسلمين، وأن الكتب لا توجد في هذه البلاد ولذلك لا
أقدر على دفع شبهاته، انتهى.
فلما رأى أبناء الشيخ محمد أن عبد الله لا يعجبه هذا الكتاب ولعله يحرض السلطان أن يطلب
الحقاني إلى آكره وهو شيخ فان لا يتحمل مشاق السفر بدلوا الكتاب، وكتبوا من تلقاء أبيهم إلى سليم
شاه أن مخدوم الملك عالم كبير محقق وهو عندكم فارجعوا إليه في هذه المسألة، وبعثوا به إلى
السلطان، فلما وصل ابن الحسن ووصل الكتاب إلى سليم شاه استفتى عبد الله وأمر أن يضرب
بالسياط، وكان ابن الحسن مهزولاً من شدائد السفر ومن الطاعون الذي أصابه في ذلك الزمان، فمات
في السوط الثالث، فأمر بربد جسده بقدم الفيل وإدارته في المعسكر، ففعل ما أمر به، وتركوه على
وجه الأرض لأن سليم شاه منع أن يدفن، وكان ذلك في سنة سبع وخمسين وتسعمائة، ذكره عبد
القادر البدايوني في تاريخه، وأرخ لعام وفاته من قوله تعالى: "وسقاهم ربهم شراباً طهوراً".
الشيخ علاء الدين الردولوي
الشيخ الصالح علاء الدين بن سليمان بن الحسن الردولوي المشهور بعلاول بلاول، ولد ونشأ
بردولي، وتوفي والده في صغر سنه، فسافر مع أبيه إلى الحرمين الشريفين فحج وزار وأقام بهما
زماناً وقرأ العلم على مشايخ الحرمين، ثم رجع إلى الهند ودخل دهلي وأخذ عن الشيخ عبد الغفور بن
نصير الدين الدهلوي، وقرأ عليه بعض الكتب الدرسية في(4/383)
التفسير، ثم دخل آكره وسكن بها.
وكان مغلوب الحالة، يذكر له كشوف وكرامات، جمعها زي العابدين الحسيني في كتاب صنفه سنة
تسع بعد الألف.
وكانت وفاة العلاء في سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، فأرخ لموته بعض الناس من اسمه علاؤ الدين
مجذوب كما في كلزار أبرار.
علاء الدين عماد شاه البراري
الملك المؤيد علاء الدين بن فتح الله عماد الملك البراري عماد شاه، كان أصله من بيجانكر، جلب
والده في صغر سنه إلى أحمد آباد بيدر، فتربى في الإسلام وتدرج إلى الإمارة، ثم ولي على أرض
برار سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة، ولما مات قام بالملك ولده علاء الدين.
وكان من خيار السلاطين، فاضلاً كريماً مقداماً باسلاً، صاحب عقل ودين، وسع ملكه وفتح القلاع
والبلاد، وأحسن إلى الناس، وجمع العلماء في دار ملكه، وكان يحبهم ويحسن إليهم، توفي سنة سبع
وستين وتسعمائة.
مولانا علاء الدين اللاهوري
الشيخ الفاضل علاء الدين بن منصور اللاهوري، أحد العلماء المشهورين، ولد ونشأ في مهد العلم،
ورضع من لبان المعرفة، وفاق أقرانه في كثير من الفنون، له حاشية على شرح العقائد للتفتازاني،
ذكره البدايوني وقال: إنه عاش مدة في مصاحبة خانخانان ثم تقرب إلى أكبر شاه، فأراد السلطان أن
يدخله في رجال السياسة فلم يقبله، وانقطع إلى الدرس والإفادة، وكان كلما يحصل له من أقطاعه
يبذل على طلبة العلم، قال: إني لم أر أحداً يبذل على المحصلين ويسخو عليهم بالدينار والدرهم مثله
غير بير محمد الشرواني ونور الدين السفيدوني، قال: وكان يضرب بهم المثل في السخاء وإيثار
الطلبة على أنفسهم، وهو رحل في آخر أمره إلى الحجاز فحج وزار وتوفى بها، انتهى.
الشيخ علاء الدين الدهلوي
الشيخ الكبير علاء الدين بن نور الدين العمري الدهلوي، كان من ذرية الشيخ فريد الدين مسعود
الأجودهني، أخذ الطريقة عن جده تاج الدين محمد بن عبد الصمد بن المنور العمري الأجودهني،
وأخذ عنه الشيخ عبد الله بن أحمد الأمروهوي والشيخ عبد الله بن عثمان السنبهلي وخلق كثير من
العلماء والمشايخ، وكان ممن يذكر له كشوف وكرامات ووقائع غريبة، ولد سنة اثنتين وسبعين
وثمانمائة، وتوفي إلى رحمة الله سبحانه في الخامس عشر من ربيع الآخر سنة سبع - وقيل: ثمان -
وأربعين وتسعمائة، وقبره مشهور ظاهر بفناء دهلي القديمة.
الشيخ علاء الدين الأودي
الشيخ العالم الصالح علاء الدين الحسيني الأودي، كان من نسل السيد الشريف أحمد البغدادي
المشهور بماه رو أخذ الطريقة عن الشيخ عبد السلام ابن سعد الدين البجنوري، وكانت له معرفة
بالإيقاع والنغم، وله أبيات رقيقة رائقة بالفارسية، أخذ عنه ولده السيد ماه رو والسيد علي التلهري.
قال البدايوني: وكان التلهري يلوح عليه التواضع والافتقار إلى الله سبحانه، ولم يزل معتزلاً في
زاويته، لقيته في كانت كوله قال: ودخل في بيته لصوص فنازلهم بجلادة وجرح بعضهم وله تسعون
سنة حتى استشهد في تلك المعركة سنة ثمان وتسعين وتسعمائة، انتهى، ومن شعره قوله:
ندانم آن كل خندان جه رنك وبو دارد كه مرغ هر جمني كفتكوي أو دارد
توفي سنة ثمان وستين - وقيل: سبع وسبعين - وتسعمائة.
علي عادل شاه البيجابوري
الملك الفاضل علي بن إبراهيم بن إسماعيل بن يوسف الشيعي البيجابوري المشهور بعادل شاه، ولد
بمدينة بيجابور، ونشأ في مهد السلطة، وقرأ النحو والمنطق والحكمة والكلام وغيرها على خواجه(4/384)
عنايت الله الشيرازي ثم على الأمير فتح الله الشيرازي الأستاذ المشهور، ومهر في خطوط النسخ
والثلث والرقاع، وبرع في الإنشاء والشعر والفنون الحربية والسياسة، وقام بالملك بعد والده سنة
خمس وستين وتسعمائة، فاجتمع العلماء عنده من كل ناحية وبلدة فصارت بيجابور مدينة العلم،
وحيث كان والده من أهل السنة والجماعة كان يخفي مذهبه تقية، فلما جلس على سرير الملك خطب
على منابر المسلمين بأسماء الأئمة الاثنى عشر، وجعل الأرزاق السنية للمتشعيين وقربهم إليه، وفتح
الفتوحات العظيمة، وقبض على قلاع كثيرة نحو رائجور ومدكل وورنكل وكلياني وشولابور وأدوني
ودهارور وجندركوني وغيرها، فاتسعت مملكته وخضع له جماعة من مرازبة الدكن.
وكان فاضلاً باذلاً، كريماً كثير الإحسان إلى السادة والأشراف، وقف لهم ضياعاً وعقاراً، ولكنه مع
ذلك كان كثير الميل إلى المردان كثير الاصطحاب بهم، ولذلك قتله بعض الأمارد.
ومآثره: الجامع الكبير بمدينة بيجابور في غاية الرفعة والمكانة والبركة الكبيرة ببلدة شاه بور، وماء
كارنج الذي ينتفع به الناس حتى اليوم.
ومات ليلة الخميس لسبع بقين من صفر سنة ثمان وثمانين وتسعمائة، وأرخ لوفاته محمد رضا
المشهدي: شاه جهان شد شهيد.
الشيخ علي بن إبراهيم الكجراتي
الشيخ العالم الصالح علي بن إبراهيم الحسيني الرفاعي الكجراتي، كان من نسل السيد أحمد الكبير
القطب الرفاعي، وكان صاحب كشوف وكرامات، توفي لست ليال بقين من جمادي الآخرة سنة ثلاث
وسبعين وتسعمائة بأحمد آباد فدفن بها، ذكره السيد الوالد في مهرجهان تاب.
الشيخ علي بن الجلال التتوي
الشيخ العالم الصالح علي بن الجلال بن علي بن أحمد بن محمد الحسيني التتوي السندي، أحد
المشايخ المشهورين، سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار، وأخذ عنه كثير من الناس، منهم الشيخ
نوح، ويذكر له كشوف وكرامات، ومن مصنفاته: آداب المريدين، مصنف لطيف في السلوك، مات
سنة إحدى وسبعين وتسعمائة، كما في تحفة الكرام.
الشيخ علي بن حسام الدين المتقي البرهانبوري
الشيخ الإمام العالم الكبير المحدث علي بن حسام الدين بن عبد الملك بن قاضيخان المتقي الشاذلي
المديني الجشتي البرهانبوري المهاجر إلى مكة المشرفة والمدفون بها.
ولد بمدينة برهانبور سنة خمس وثمانين وثمانمائة، ونشأ على العفة والطهارة، وجعله والده مريداً
للشيخ بهاء الدين الصوفي البرهانبوري في صغر سنه، فلما بلغ سن الرشد اختاره ورضى به، ولما
مات الشيخ المذكور لبس الخرفة من ولده عبد الحكيم بن بهاء الدين البرهانبوري، ثم أراد صحبة
شيخ يدله على ما أهمه من طريق الحق، فسافر إلى بلاد الهند ولازم الشيخ حسام الدين المتقي
الملتاني وصحبه سنتين، وقرأ عليه تفسير البيضاوي وعين العلم، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين
وأخذ الحديث عن الشيخ أبي الحسن الشافعي البكري، وأخذ عنه الطريقة القادرية والشاذلية،
والمدينية، وأخذ الطرق المذكورة عن الشيخ محمد بن محمد السخاوي المصري أيضاً، وقرأ الحديث
على الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر المكي، وأقام بمكة المشرفة مجاوراً للبيت الحرام.
ووفد إلى الهند مرتين في أيام محمود شاه الصغير الكجراتي وكان من مريديه، قال الآصفي في
تاريخه: إنه وفد عليه من مكة المشرفة زائراً فلم يدع له حاجة في نفسه إلا وقضاها، ثم في موسمه
عاد الشيخ إلى مكة مؤسراً، فعمر بالقرب من رباطه بسوق الليل بيتاً لسكناه له حوش واسع يشتمل
على خلاوي لأتباعه والمنقطعين إليه من أهل السند، وكان يعيل كثيراً ويعين على الوقت من سأله،
وكان في وقف السلطان المتجهز في كل سنة مدة حياته مبلغ كلي يقوم بمن يعلو، وظهر الشيخ بمكة
غاية الظهور، نما خبره إلى السلطان سليمان ابن سليم بن با يزيد بن محمد الرومي فكتب إليه(4/385)
يلتمس
الدعاء منه له وكان يواصله مدة حياته، ثم دخل الشيخ الهند ثانياً واجتمع بمحمود شاه، وبعد أيام قال
الشيخ له: هل تعلم ما جئت له؟ فقال: وما يدريني! فقال: سنح لي أن أزن أحكامك بميزان الشريعة
فلا يكون إلا ما يوافقها، فشكر السلطان سعيه وأجابه بالقبول وأمر الوزراء بمراجعته في سائر
الأمور، ونظر الشيخ في الأعمال والسوانح أياماً واجتهد في الأحكام، فأمضى ما طابقت شرعاً ووقف
فيما لم يطابق، فاختل كثير من الأعمال القانونية وتعطلت بالسياسة وانقطعت الرسوم واحتاج
الوزراء إلى ما في الخزانة للمصرف، والشيخ قد التزم سيرة الشيخين رضي الله عنهما في وقت
ليس كوقتهما ورعية ليست كرعيتهما، ولم يمض القليل حتى خرج عن وصية الشيخ مريده الذي
استخلفه عن نفسه في تحقيق الأمور العارضة، وكان يراه أزهد منه في الدنيا وأعف نفساً وأكمل
ورعاً، فنفض الشيخ يده مما التزمه وقام ولم يعد إلى مجلسه، قال الآصفي وبيانه: أنه لما تمسك
بميزان الشريعة كره أن يجالسه عمال الدنيا وتخلط نفسه بأنفاسهم في المراجعة، وكان لديه من يعتمد
عليه من تلامذته وأكبر أصحابه ويعتقد فيه ديناً وورعاً ويتوسم فيه التحفظ من الشبهات واسمه شيخ
جيله فأمر أن يجلس مع العمال ويستمع لهم ويخبره بالحال بعد تحقيقه، فكان يجلس ويسمع ويتحقق
ويخبر ويرجع إليهم بجواب الشيخ وعلى ما قاله المتنبي:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم
فأبت نفسه إلا ما هي شيمتها فجانست من جالست، فحملت صاحبها على مضلة الطريق ولا خلاف
في أن الصحبة مؤثرة قاهرة، ودس الوزراء من يرشيه ويرضيه، وكان يكره شرب الماء من فضة
فصار يبيحه ويسرق الفضة إن نالها، وفي قضية دخلت عليه امرأة بايعاز من الوزير ومعها مصاغ
مرصع رشوة له وأسلمته زوجته بحضوره ورجعت إلى الوزير تخبره، ودخل على السلطان وقال
له: تعطلت المعاملات القانونية والرسمية ولم تبرأ الشريعة من تدليس الرشوة والشيخ من رجال
البركة لا من عمال المملكة، وهنا امرأة بذلت لوكيله رشوة كذا وكذا، وكان السلطان متكئاً على
وسادة، فلما سمع الخبر استوى جالساً وقال: أين هي؟ فأحضرها فسألها، فأخبرت بما أرشت،
فاستدعاه السلطان وسأله عنه فأنكر، ثم جمع بينه وبينها فقالت: أنا آتيك به وفعلت، فتأثر السلطان
ورد الحكم إلى الوزير على ما كان عليه في سالف الأيام، وبلغ الشيخ ذلك، فنوى السفر إلى مكة
وتوجه إلى سركهيج، وعلم به السلطان فأرسل غير مرة يسأل رجوعه فلم يجب، ثم حضر الأمراء
الكبار لتسليته من جانب السلطان، فشرع لهم الشيخ يبين لهم ما قيل في الدنيا، ومن ذلك ما روى عن
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة ولا الآخرة للدنيا، ولكن خيركم
من أخذ هذه وهذه، ظاهر الحديث فيه رخصة إلا أن من الأدب أن يقتصر على ما يكفي ولله سبحانه
أن يبارك له فيه، ومنه ما روى أنه ذم الدنيا رجل عند أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فقال:
الدنيا دار صدق لمن صدقها، دار نجاة لمن فهم عنها، دار غنى لمن تزود منها، مهبط وحي الله
ومصلى ملائكته ومسجد أنبيائه ومتجر أوليائه، ربحوا فيها الرحمة واكتسبوا فيها الجنة، فمن ذا الذي
يذمها! وقد آذنت بينها ونادت بفراقها، ونعت نفسها، وشبهت بسرورها السرور وببلائها البلاء ترغيباً
وترهيباً، فيا أيها الذام لها المعلل نفسه! متى خدعتك الدنيا ومتى استدمت، أبمصارع آبائك في البلى
أم بمضاجع أمهاتك في الثرى:
إذا نلت يوماً صالحاً فانتفع به فأنت ليوم السوء ما عشت واحد
سياق الأثر فيه منع الذم وإيثار بالزاد وحث على الأهبة وعظة بالعبرة ليجزيهم الله أحسن ما عملوا
ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب.
وبينما الأمراء لديه جاء السلطان إليه وسأله البركة بإقامته في الملك وليعمل في دنياه لآخرته بيمن
صحبته، فأجاب بأن مكة شرفها الله تعالى تشتمل على مواطن الإجابة، والدعاء لكم بها أوفق للحال
وأصلح للمآل، وقدماً قيل: إن الدين والدنيا ضرتان لا تجتمعان، فكان يختلج في صدري إمكانه،
فأحببت بأن أكون على بينة منه بالتجربة، فأعملت الفكر فيه فحملني على السفر من مكة إليكم لتوفيق
كنت رأيته منكم،(4/386)
فلما اجتمعت بكم وكان ما سبق ذكره من توفيقكم ومن خذلان من فضحه الامتحان
علمت بالتجربة أنهما ضرتان لا تجتمعان، وقد حصل ما جئت لأجله، فلزمني الآن صرف الوقت في
التوجه إلى بيت الله وإمضاء العمر في جواره:
في مكة الوقت قد صفا لي بطيب جار بها ودار
وخفض عيش جوار رب فذاك خفض على الجوار
قال: وهنا من ينوب عني في الحضور وهو الموفق للرشد عبد الصمد وفيه أهلية للدعاء فالتمسوه
منه، وقد أذنت له وللإذن تأثير في القبول، وأوصيكم بالإنابة إلى الله في سائر الأحوال، وإمضاء حكم
الشرع وإعزاز أهله وصحبة الصالحين، وتعظيم شعار الفقر، واتخاذ اليد عند الفقراء، ثم استودعه
الله تعالى وتوجه إلى بندر كهوكه، ومنها إلى مكة المشرفة، انتهى.
وقال الحضرمي في النور السافر: إنه كان على جانب عظيم من الورع والتقوى والإجتهاد في
العبادة ورفض السوى، وله مصنفات عديدة، وذكروا عنه أخباراً حميدة، ومن مناقبه العظيمة أنه رأى
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في المنام وكانت ليلة جمعة وسبعة وعشرين من شهر رمضان، فسأله
عن أفضل الناس في زمانه، قال: أنت، قال: ثم من؟ فقال: محمد بن طاهر بالهند، ورأى تلميذه
الشيخ عبد الوهاب في تلك الليلة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وسأله مثل ذلك، فقال: شيخك ثم
محمد بن طاهر بالهند، فجاء إلى الشيخ علي المتقي ليخبره بالرؤيا، فقال له قبل أن يتكلم: قد رأيت
مثل الذي رأيت، وكان يبالغ في الرياضة حتى نقل عنه أنه كان يقول في آخر عمره: وددت أن لم
أفعل ذلك، لما وجده من الضعف في جسده عند الكبر، قال الفاكهي: وكان لا يتناول من الطعام إلا
شيئاً يسيراً جداً على غاية من التقلل فيه بحيث يستبعد من البشر الاقتصار على ذلك القدر، وما ذاك
إلا بملكة حصلت له فيه وطول رياضة وصل بها إليه، حتى كان إذا زيد في غذائه المعتاد ولو قدر
فوفلة لم يقدر على هضمه، قال: وكذا كان قليل الكلام جداً، قال غيره: وكان قليل المنام مؤثراً للعزلة
من الأنام، إلى أن قال: وكانت ولادته ببرهانبور سنة ثمان وثمانين وثمانمائة، وقيل خمس وثمانين
وثمانمائة، ومؤلفاته كثيرة نحو مائة مؤلف ما بين صغير وكبير، ومحاسنه جمة، ومناقبه ضخمة، وقد
أفردها العلامة عبد القادر بن أحمد الفاكهي في تأليف لطيف سماه القول النقي في مناقب المتقي ذكر
فيه من سيرته الحميدة ورياضته العظيمة ومجاهداته الشاقة ما يبهر العقول: ولعمري ما أحسن قوله
فيه حيث يقول: طابق اسم شيخنا علي ولقبه المتقي موضع علياه ومسماه.
وقال في موضع آخر من الكتاب المذكور: ما اجتمع به أحد من العارفين أو العلماء العاملين واجتمع
هو بهم إلا أثنوا عليه ثناء بليغاً، كشيخنا تاج العارفين أبي الحسن البكري وشيخنا الفقيه العارف
الزاهد الوجيه العمودي وشيخنا إمام الحرمين الشهاب بن حجر الشافعي وصاحبنا فقيه مصر شمس
الدين الرملي الأنصاري وشيخنا فصيح علماء عصره شمس البكري، ونقل من هؤلاء الجلة عندي ما
دل على كماله مدحه شيخنا المتقي بحسن استقامته، والاستقامة أجل كرامة، وقول كل من هؤلاء
معتمدي في شهادته:
إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام
قال: ومن ثم اشتهر بإقليم مكة المشرفة أشهر من قطا، وصار يقصده وفود بيت الله كما يقصد
المشعر الحرام والصفا، حتى بلغ صيته السلطان المرحوم المقدس سليمان، بعد أن كان يفرغ على
يديه بل قدميه ماء الطهارة محمود عظيم سلاطين الهند اعتقاداً، فيا له من شأن! قال: وشهرته في
الهند وجهاتها أضعاف شهرته بمكة، كما لا يحتاج في ذلك إلى إقامة برهان، قال: ومن مناقبه أن
بعض أصحابه رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام في حياة الشيخ علي وكانت الرؤيا بمكة
المشرفة قائلاً: يا رسول الله! بماذا تأمرني حتى أفعله؟ قال: تابع الشيخ علي المتقي، فما فعله إفعله،
انتهى، وفي هذا أدل دليل على أن الشيخ علياً المتقي، نفعنا الله ببركاته، كان له النصيب الأوفر من
متابعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولذا خصه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالذكر دون غيره من أهل زمانه، وأمر
الرائي(4/387)
بملاحظة أفعاله ومتابعته فيها، إلى غير ذلك من الإشارة كتسميته شيخاً، وكان الشيخ أبو
إسحاق الشيرازي - نفعنا الله به - يفتخر بمنام نبوي فيه تسميته النبي شيخاً، قلت: ورأيت في
بعض التعاليق رسالة من إملاء الشيخ - نفعنا الله ببركاته - تشتمل على نبذة من أحواله التي لا
تتلقى إلا عنه كالمشيرة إلى كمال مبدئه ومآله، فرأيت أن أذكر منها هنا ما دعت إليه الحاجة.
قال: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله
وصحبه أجمعين، أما بعد فيقول الفقير إلى الله تعالى على ابن حسام الدين الشهير بالمتقي إن خطر
في خلدي أن أبين للأصحاب من أول أمري إلى آخره، فاعلموا رحمكم الله أن الفقير لما وصل
عمري إلى ثمان سنين جاء في خاطر والدي رحمه الله أن يجعلني مريداً لحضرة الشيخ باجن، قدس
الله سره! فجعلني مريداً، وكان طريقه طريق السماع وأهل الذوق والصفاء، فبايعني على طريق
المشايخ الصوفية، وأخذت عنه وأنا ابن ثمان سنين، ولقنني الذكر الشيخ عبد الحكيم بن الشيخ باجن،
قدس سره! وكنت في بداية أمري أكتب بصنعة الكتابة لقوتي وقوت عيالي وسافرت إلى البلدان، فلما
وصلت إلى الملتان صحبت الشيخ حسام الدين وكان طريقه طريق المتقين فصحبته ما شاء الله، ثم
لما وصلت إلى مكة المشرفة صحبت الشيخ أبا الحسن البكري الصديقي، قدس الله سره! وكان له
طريق التعلم والتعليم، وكان شيخاً عارفاً كاملاً في الفقه والتصوف، فصحبته ما شاء الله ولقنني
الذكر، وحصل لي من هذين الشيخين الجليلين - عليهما الرحمة والغفران - من الفوائد العلمية
والذوقية التي تتعلق بعلوم الصوفية، فصنفت بعد ذلك كتباً ورسائل، فأول رسالة صنفتها في الطريق
سميتها تبيين الطريق إلى الله تعالى وآخر رسالة صنفتها سميتها غاية الكمال في بيان أفضل الأعمال
فمن من الطلبة حصل منهما رسالة ينبغي له أن يحصل الأخرى ليلازم بينهما في القصد، انتهى، قال
الحضرمي: وبالجملة فما كان هذا الرجل إلا من حسنات الدهر، وخاتمة أهل الورع، ومفاخر الهند،
وشهرته تغني عن ترجمته، وتعظيمه في القلوب يغني عن مدحته، انتهى.
وقال الشعراني في الطبقات الكبرى: اجتمعت به في مكة سنة سبع وأربعين وتسعمائة وترددت إليه
وتردد إلي، وكان عالماً ورعاً زاهداً نحيف البدن لا تكاد تجد عليه أوقية لحم من كثرة الجوع، وكان
كثير الصمت كثير العزلة لا يخرج من بيته إلا لصلاة الجمعة في الحرم فيصلي في أطراف
الصفوف ثم يرجع بسرعة، وأدخلني داره فرأيت عنده جماعة من الفقراء الصادقين في جوانب
حوش داره، كل فقير له خص يتوجه فيه إلى الله تعالى، منهم التالي ومنهم الذاكر ومنهم المراقب
ومنهم المطالع في العلم، ما أعجبني في مكة مثله! وله عنده مؤلفات، منها ترتيب الجامع الصغير
للحافظ السيوطي، ومنها مختصر النهاية في اللغة، وأطلعني على مصحف بخطه كل سطر ربع
حزب في ورقة واحدة، وأعطاني فضة وقال: لك المعذرة في هذا البلد، فوسع الله علي في الحج
ببركته حتى أنفقت مالاً عظيماً من حيث لا أحتسب، رضي الله عنه، انتهى.
وقال الجلبي في كشف الظنون في ذكر جمع الجوامع للسيوطي: إن الشيخ العلامة علاء الدين علي
بن حسام الدين الهندي الشهير بالمتقي رتب هذا الكتاب الكبير كما رتب الجامع الصغير وسماه كنز
العمال في سنن الأقوال والأفعال ذكر فيه أنه وقف على كثير ما دونه الأئمة من كتب الحديث، فلم ير
فيها أكثر جمعاً منه حيث جمع فيه بين أصول السنة وأجاد مع كثرة الجدوى وحسن الإفادة، وجعله
قسمين لكن عارياً عن فوائد جليلة، منها أنه لا يمكن كشف الحديث إلا بحفظ رأس الحديث إن كان
قولياً، أو اسم روايه إن كان فعلياً، ومن لا يكون كذلك يعسر عليه ذلك، فبوب أولاً كتاب الجامع
الصغير وزوائده وسماه منهج العمال في سنن الأقوال ثم بوب بقية قسم الأقوال وسماه غاية العمال
في سنن الأقوال ثم بوب قسم الأفعال من جمع الجوامع وسماه مستدرك الأقوال ثم جمع الجميع في
ترتيب كترتيب جامع الأصول وسماه كنزل العمال ثم انتخبه ولخصه فصار كتاباً حافلاً في أربعة
مجلدات.
وقال الجلبي في ذكر الجامع الصغير: وللشيخ العلامة علي بن حسام الدين الهندي الشهير بالتقي(4/388)
المتوفي سنة سبع وسبعين وتسعمائة تقريباً مرتب الأصل والذيل معاً على أبواب وفصول، ثم رتب
الكتب على الحروب كجامع الأصول سماه منهج العمال في سنن الأقوال أوله: الحمد لله الذي ميز
الإنسان بقريحة مستقيمة، إلخ، وله ترتيب الجامع الكبير يعني جمع الجوامع، انتهى.
وقال عبد الحق بن سيف الدين الدهلوي في أخبار الأخيار: إن الشيخ أبا الحسن البكري الشافعي
يقول إن للسيوطي منة على العالمين وللمتقي منة عليه، انتهى.
ومن مصنفاته غير ما ذكر البرهان في علامات المهدي آخر الزمان بالعربية، لخصه من العرف
الوردي في أخبار المهدي للسيوطي، ورتبه على التراجم والأبواب وزاد عليه بعض أحاديث جمع
الجوامع للسيوطي وبعض أحاديث عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر، أوله: أللهم أرنا الحق حقاً
وارزقنا اتباعه، الخ، ومنها النهج الأتم في ترتيب الحكم، ومنها جوامع الكلم في المواعظ والحكم، وله
الوسيلة الفاخرة في سلطة الدنيا والآخرة، وله تلقين الطريق في السلوك لما ألهمه الله سبحانه، وله
البرهان الجلي في معرفة الولي، بالفارسي. وله رسالة في إبطال دعوى السيد محمد بن يوسف
الجونبوري.
توفي ليلة الثلاثاء وقت السحر ثاني جمادي الأولى سنة خمس وسبعين وتسعمائة بمكة المباركة،
ودفن في صبح تلك الليلة، ومدفنه بالمعلاة بسفح جبل محاذي تربة الفضيل بن عياض، بين قبريهما
طريق مسلوك عند محل يقال له ناظر الخيش، وعمره سبع وثمانون سنة، وقيل: تسعون سنة.
الشيخ علي بن قوام الجونبوري
الشيخ الكبير الزاهد المجاهد علي بن قوام الدين الحسيني السواني الجونبوري المشهور بعلي
عاشقان السراي ميري، كان من كبار المشايخ الصوفية في الهند، توفي والده في صباه بناحية سنبهل
وكان والياً بها، ودفن بقرية جوكي بور بمسيرة ميل واحد من سنبهل، فتربى في مهد عمه محمد بن
سعيد، وسافر معه إلى دهلي ولبث بها زماناً، ثم قدم معه إلى جونبور وأدرك بها الشيخ شهاب الدين
الحسيني الجونبوري فلبس منه الخرقة، ثم سار إلى نظام آباد وأخذ الطريقة الشطارية عن الشيخ عبد
القدوس النظام آبادي، وألزم على نفسه أذكار الطريقة الشطارية وأشغالها مدة مديدة حتى فتحت عليه
أبواب الكشف والشهود، فرجع إلى جونبور وصحب الشيخ بهاء الدين الجونبوري زماناً واستفاض
منه الطريقة الجشتية، ثم تصدر للإرشاد والتلقين واستقام على الشياخة والإرشاد مدة بمدينة جونبور،
ثم سار نحو نظام آباد وسكن بقرية كهريوان زماناً، وعمر بتلك الناحية قرية سماها مرتضى آباد.
ذكره عارف علي في العاشقية، وذكره محمد بن فضل الله المحبي في خلاصة الأثر في ذكر الشيخ
تاج الدين السنبهلي، قال: إن السيد علي بن قوام الهندي كان من أكابر أولياء الله تعالى صاحب
تصرفات عجيبة وجذب قوي، قال بعض الصالحين: ما ظهر في الأمة المحمدية على نبيها أفضل
الصلوات وأتم السلام من أحد بعد القطب الرباني الشيخ عبد القادر الكيلاني رضي الله عنه من
الخوارق والكرامات والتصرفات مثل ما ظهر منه، قال: وإنه كان من طريقة السيد أن لا يدخل عليه
أحد إلى وقت الضحى، وكان في هذا الوقت يغلب عليه الجذب، والناس كلهم قد عرفوا هذا الأمر،
فما كان يدخل عليه في هذا الوقت أحد، فجاء أحد الأعراب كأنه كان من أولاد شيخ السيد - قدس الله
سره - فمنعه الخادم من الدخول عليه فلم يقبل قوله وأراد أن يدخل، فلما قرب وسمع السيد صوته
قال: من أنت؟ قال: أنا فلان قال: إهرب إلى وراء الشجرة - وكان هناك شجرة كبيرة - وإلا
احترقت، فهرب الرجل واستتر بالشجرة، فخرجت نار من باطن السيد أخذت الشجرة كلها فأحرقتها
وبقي أصلها وسلم الرجل، وكفى بهذه الإشارة إلى كمال تصرفاته، انتهى ما نقله المحبي عن الشيخ
محمود بن أشرف الحسيني من كتابه تحفة السالكين في ذكر تاج العارفين.
وكانت وفاة السيد علي سادس صفر سنة خمس وخمسين وتسعمائة، كما في العاشقية.
الشيخ علي بن محمد الحسيني
الشيخ العالم الصالح علي بن محمد بن جكن -(4/389)
بالجيم المعقودة - العلوي المشهور بمنجهن السيد
جيو الحسيني، كان من المشايخ العشقية الشطارية، أخذ الطريقة عن الشيخ محمد بن العلاء الشطاري
المنيري المشهور بقاضن - بكسر الضاد المعجمة - وجمع ملفوظاته في كتابه مناهج الشطار وسماه
معدن الأسرار في بيان مشرب الشطار ورتبه على أحد وستين باباً، وهو كتاب مفيد بالفارسي أوله
حمد وثنا ومدح فراوان، إلخ.
الشيخ علي بن من الله الكلبركوي
الشيخ الصالح علي بن من الله بن أبي الحسن بن كليم الله بن أبي الفيض ابن يوسف بن محمد بن
يوسف الحسيني الكلبركوي، كان من كبار المشايخ الجشتية، مات ودفن بأحمد آباد بيدر من بلاد
الدكن، وبنى على قبره سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة، كما في مهر جهانتاب.
مولانا علي الطارمي
الشيخ العالم المحدث علي بن أبي علي الطارمي، أحد العلماء العاملين قدم الهند في عنفوان شبابه
وأقام بها زماناً، ثم سافر الحرمين الشريفين فحج وزار، ولبث بها تسع سنين وقرأ بها على أساتذة
عصره وأخذ الحديث، ثم رجع إلى الهند في أيام همايون شاه التيموري، ومات في الهند، ذكره
الرازي في هفت أقليم، ومن شعره قوله:
تن خاكي جنان أفسرده شد از محنت هجران رود بيرون جو كرد جامه كر دامن بر افشانم
توفي سنة إحدى وثمانين وتسعمائة.
مولانا علي شير الكجراتي
الشيخ العالم الكبير علي شير الحنفي البنكالي ثم الكجراتي، كان من نسل الشيخ نور الهدى أبي
البركات الذي كان من أصحاب الشيخ جلال الدين الجشتي، ولد ونشأ بأرض بنكاله، وسافر للعلم
فمكث بأرض أوده زماناً، ثم رحل إلى دهلي وأدرك بها الشيخ محمد غوث الكواليري صاحب
الجواهر الخمسة، فلازمه وأخذ عنه الطريقة وسافر معه إلى كجرات وسكن بمسجد عماد الملك بأحمد
آباد.
وكان عالماً كبيراً بارعاً في الهيئة والهندسة والنجوم والدعوة والتكسير، له شرح على نزهة
الأرواح، وشرح على جام جهان نما، وشرح على السوانح للغزالي، صنفه بأمر شيخه.
مات في بضع وسبعين وتسعمائة بأحمد آباد، كما في كلزار أبرار.
مولانا علي شير السرهندي
الشيخ الصالح علي شير السرهندي، أحد عباد الله الصالحين، ولد ونشأ بسرهند، وأخذ عن أساتذة
عصره ثم لازم المشايخ وأخذ عنهم الطرق المشهورة، وغلبت عليه الطريقة القادرية في آخر أمره،
مات سنة خمس وثمانين وتسعمائة، كما في كلزار أبرار.
علي قلي خان الشيباني
الأمير الكبير علي قلي بن حيدر سلطان الشيعي الشيباني، أحد الأمراء المشهورين، قدم الهند صحبة
همايون شاه التيموري عند رجوعه عن إيران وخدمه في تسخير الهند، فأقطعه همايون شاه المذكور
البلاد والقلاعة بناحية سنبهل، فضبط تلك البلاد وأحسن السيرة في الرعية، ولما قام بالملك أكبر شاه
وخرج عليه هيمون الهندي واستولى على دهلي تقدم إليه وسار معه إلى دهلي، فلما قرب من دهلي
خرج من العسكر ومعه عشرة آلاف مقاتلة، فقاتل هيمون المذكور أشد قتال وهزمه، فلقبه أكبر شاه
بخان زمان وزاد في منصبه وأقطاعه، فرجع إلى سنبهل وأقام بها زماناً، ثم ولي على جونبور
ونواحيها، فضبط تلك البلاد وفتح الفتوحات العظيمة، وتجسس منه أكبر شاه شيئاً لا يرضيه وتجسس
علي قلي من صاحبه شيئاً خاف منه على نفسه فخرج عليه وقاتله أكبر شاه فقتله في سكراول، كانت
قرية من أعمال إله آباد فسماها فتحبور.
وكان الشيباني رجلاً شجاعاً مقداماً باسلاً ذا جرأة ونجدة، يقتحم في المخلوف ويفتح الأبواب المغلقة(4/390)
عليه بهمته ونجدته، وكان يحب العلماء ويحسن إليهم ويقريهم إليه ويبذل الصلات الجزيلة عليهم
وعلى الشعراء.
وكان شاعراً مجيد الشعر ممن الخمر مولعاً بالأمارد، له أبيات رائقة بالفارسية، منها قوله.
عيسى نفسي كه زار وحيرانم كرد جون طرة خويشتن بريشانم كرد
از كفر سر زلف خودم كافر ساخت وز مصحف روي خود مسلمانم كرد
قتل في سنة أربع وسبعين وتسعمائة، كما في مآثر الأمراء.
مولانا علي كل الاسترآبادي
الشيخ الفاضل علي كل الشيعي الاستر آبادي، أحد الأفاضل المشهورين في بلاده، قدم الهند ودخل
أحمد نكر في أيام برهان نظام شاه، ونال الحظ والقبول منه فطابت له الإقامة بمدينة أحمد نكر، ذكره
أمين بن أحمد الرازي في هفت أقليم ومحمد قاسم في تاريخ فرشته.
وكان شاعراً مجيد الشعر، من شعره قوله:
اي شوخ ستم بر دل افكار بد است آزار دل سوخته زار بد است
آه دل عشاق كرفتار بد است بسيار ستم مكن كه بسيار بد است
مولانا عليم الدين المندوي
الشيخ العالم المحدث عليم الدين الشطاري المندوي، أحد العلماء العاملين وعباد الله الصالحين، سافر
إلى الحرمين الشريفين فحج وزار وأخذ الحديث، ثم رجع إلى الهند ودخل مندو في عهد السلطان
غياث الدين الخلجي، ولازم الشيخ بهاء الدين بن عطاء الله الشطاري الجنيدي أخذ عنه الطريقة،
وكان يدرس ويفيد، أخذ عنه الشيخ إبراهيم بن المعين الحسيني الإيرجي، وخلق كثير من العلماء وله
تعليقات على فصوص الحكم، ذكره المندوي.
مولانا عمر الجاجموي
الشيخ الفاضل عمر بن أبي عمر الحنفي الحاجموي، أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول
والعربية، كان يدرس ويفيد، قرأ عليه الشيخ محمد بن أبي سعيد الحسيني الترمذي الكالبوي وخلق
آخرون.
مولانا عناية الله القائني
الشيخ الفاضل الكبير عناية الله الشيعي القائني، أحد العلماء المشهورين بأرض الدكن، بعثه حسين
نظام شاه صاحب أحمد نكر بالرسالة إلى كولكنده، ورجع ظافراً فرفع قدره نظام شاه، وبعد مدة يسيرة
غضب عليه ففر إلى كولكنده ولحق بقطب شاه وأقام بها زماناً، ثم رجع إلى أحمد نكر فقربه الحسين
إلى نفسه وجعله من خاصته، ولما مات حسين نظام شاه سنة اثنتين وسبعين وولى مكانه مرتضى بن
الحسين ولاه الوكالة المطلقة، فصار المرجع والمقصد في كل باب من أبواب الدولة، ولم يزل كذلك
معززاً مقتدراً إلى أن حبسته خونره همايون أم مرتضى نظام شاه بقلعة جوند فلبث بها زماناً، ولما
ولي الوكالة الحسين التبريزي خاف أن يخلصه مرتضى نظام شاه من الأسر ويوليه الوكالة مرة ثانية
قتله بقلعة جوند نحو سنة سبع وسبعين وتسعمائة، ذكره محمد قاسم.
مولانا عناية الله الشيرازي
الأمير الفاضل عناية الله الشيعي الشيرازي نواب أفضل خن، كان من رجال العلم والسياسة، ولد
ونشأ بشيراز، واشتغل بالعلم من صباه وقرأ على الشيخ فتح الله الشيرازي وعلى غيره من العلماء،
ثم خرج من بلاده وقدم الهند ودخل بيجابور في أيام علي عادل شاه، وتصدر للتدريس فتهافت عليه
المحصلون من كل ناحية، فلما سمع عادل شاه ذكره طلبه في الحضرة وقربه إليه واستخلصه لنفسه
ورقاه درجة بعد درجة حتى ولاه النيابة المطلقة، فساس الأمور وأحسن إلى الناس، وبنى المدارس
والمساجد، وفتح الحصون والقلاع، وصار نافذ الكلمة في بلاد الدكن، واجتمع إليه أهل العلم والكمال
ووفدوا عليه من إيران كالشيخ فتح الله الشيرازي والسيد طرابليس والمير عزيز الدين(4/391)
فضل الله
اليزدي، وخلق آخرون، وكان رجلاً كريماً فاضلاً مدبراً سائساً، حسده أمراء الجيوش وقتلوه سنة
ثمان وثمانين وتسعمائة في أيام إبراهيم عادل شاه، ذكره الزبيري في البساتين.
الشيخ علاء الدين عيسى الدهلوي
الشيخ العالم الصالح علاء الدين عيسى بن أبي عيسى العمري الدهلوي، كان من ذرية الشيخ فريد
الدين مسعود الأجودهني، قرأ العلم في مدرسة الشيخ سماء الدين بن فخر الدين الملتاني بمدينة دهلي،
وأخذ الطريقة عن الشيخ أبي الفتح الحنفي الهانسوي، وكانت له اليد الطولى في تفسير القرآن
الكريم، ذكره المندوي في كلزار أبرار.
مولانا علاء الدين عيسى الكجراتي
الشيخ الفاضل العلامة علاء الدين عيسى بن أبي عيسى الأحمد آبادي الكجراتي، أحد الأساتذة
المشهوري بكجرات، تخرج على العلامة عماد الدين محمد الطارمي ثم تصدر للتدريس، وكان غزير
العلم كثير الدرس والإفادة، قرأ عليه الشيخ عبد القادر ابن أبي محمد الأجيني الكتب الدرسية في فن
الكلام سنة 966، وتخرج عليه خلق كثير من العلماء، ذكره المندوي.
حرف الغين
مولانا غياث الدين الهروي
الشيخ الفاضل غياث الدين بن همام الدين الهروي، أحد العلماء المبرزين في التاريخ والسير، انتقل
من هرات إلى قندهار سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، وسافر إلى الهند سنة أربع وثلاثين، ودخل آكره
سنة خمس وثلاثين وتسعمائة، فنال الحظ والقبول من بابر شاه التيموري سلطان الهند وطابت له
الإقامة بآكره.
ومن مصنفاته الممتعة حبيب السير في أخبار أفراد البشر لخصه من تاريخ والده المسمى بروضة
الصاف وزاد عليه، ألفه لخواجه حبيب الله سنة سبع وعشرين وتسعمائة ورتبه على افتتاح وثلاث
مجلدات واختتام، الإفتتاح في بده الخلق، والمجلد الأول في ذكر الأنبياء والحكماء والملوك الأوائل،
وسيرة نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسيرة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، والمجلد الثاني في الأئمة
الاثنى عشر وبني أمية وبني العباس ومن ملك في عصره هؤلاء، والمجلد الثالث في خواقين الترك
وجنكيز وأولاده وطبقات الملوك في عصرهم وتيمور وأولاده وظهور الصفوية ونبذة يسيرة من ذكر
آل عثمان، والاختتام في عجائب الأقاليم ونوادر الوقائع وهو في ثلاثة مجلدات كبار من الكتب
الممتعة المعتبرة إلا أنه أطال في وصف ابن الحيدر كما هو مقتضى حال عصره وهو معذور فيه،
تجاوز الله تعالى عنه.
ومن مصنفاته خلاصة الأخبار في أحوال الأخيار ألفه لمير على شير ورتبه على مقدمة وعشر
مقالات وخاتمة، المقدمة في بدء الخلق، والمقالات في الأنبياء والحكماء وملوك العجم والتتر والخلفاء
من بني أمية والعباسية ومعاصريهم وآل جنكيز خان وآل تيمور، والخاتمة في أوصاف هرات
وسكانها، ولخص فيه روضة الصفا لأبيه، ومن مصنفاته دستور الوزراء.
مات سنة أربع وأربعين وتسعمائة، ونقل جسده إلى دهلي ودفن بجوار الشيخ نظام الدين محمد
البدايوني، كما في التعليقات السنية.
مولانا غياث الدين البروجي
الشيخ الصالح الكبير غياث الدين البروجي الكجراتي، أحد العلماء الربانيين، كانت له يد بيضاء في
إيصال النفع إلى الناس والإحسان إليهم بالنقود والمطعوم والملبوس والكتب والأدوية وبكل ما يرزق
من أسباب الراحة من كل جنس ونوع.
لقيه الشيخ عبد الوهاب المتقي البرهانبوري، وكان يقول: إني ريت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
المنام فسألته: من أفضل الناس في هذا العصر؟ فقال: أفضل الناس ميان غياث ثم شيخك ثم محمد
طاهر - نفعنا الله ببركاتهم - ذكره الشيخ في أخبار الأخيار.
حرف الفاء
الأمير فتح الله الشيرازي
الشيخ الفاضل العلامة فتح الله بن شكر الله الشيعي(4/392)
الشيرازي، أحد العلماء المتبحرين في العلوم
الحكمية، ولد ونشأ بشيراز، وقرأ العلم في مدرسة العلامة جمال الدين محمود، ومولانا كمال الدين
الشرواني ومولانا كرد - بضم الكاف - والمير غياث الدين منصور الشيرازي، ولازمهم مدة حتى
صار أوحد أبناء العصر واشتهر ذكره في الآفاق، فطلبه علي عادل شاه البيجابوري إلى بلاد الهند
وطابت له الإقامة بمدينة بيجابور مدة طويلة.
ولما قتل علي عادل شاه المذكور وتولى المملكة إبراهيم عادل شاه وكان صغير السن صار لعبة في
أيدي الوزراء، فنفى أحدهم فتح الله الشيرازي عن بيجابور فدخل آكره سنة إحدى وتسعين وتسعمائة،
فنال الحظ والقبول من أكبر شاه التيموري سلطان الهند وولي الصدارة سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة،
ولقبه أكبر شاه بأمين الملك ثم بعضد الدولة ثم بعضد الملك، وأدخله في ديوان الوزارة وأمر راجه
نودرمل أن يستصوبه في مهمات الدولة، ولكن الموت لم يمهله فحزن لموته أكبر شاه وقال: لو كان
وقع في أسر الأفرنج وكنت أفديه بالأموال والخزائن كلها لكنت ربحت باطلاقه من أيديهم بتلك
الفدية.
قال ابن المبارك: ولم يكن له نظير في الدنيا، قال: ولو إمحت أسفار القدماء في العلوم الحكمية كلها
لكان مقتدراً على أن يخترع العلوم ويبدع من تلقاء نفسه، انتهى.
وقال عبد الرزاق في مآثر الأمراء: إنه كان مع اقتداره في العلو المتعارفة ماهراً بالنيرنجات
والطلمسات، قال: ومن مخترعاته رحى كانت تترك بنفسها بلا تحريك وتدوير، تطحن الحبوب،
ومنها المرآة يتراءى فيها الأشكال الغريبة من القريب والبعيد، ومنها أنه اخترع بندقية كانت تطلق
اثنتى عشرة طلقة في الدورة الواحدة، ومنها أنه أحدث التاريخ الجديد ووضعه على الدولة الشمسية،
انتهى.
قال البلكرامي في مآثر الكرام: هو الذي دخل الهند بمصنفات المتأخرين كالمحقق الدواني والصدر
الشيرازي غياث الدين منصور ومرزا جان، فأدخلها في حلق الدرس وتلقاها العلماء بالقبول، انتهى.
ومن مصنفاته منهج الصادقين تفسير القرآن بالفارسي، وتكملة حاشية الدواني على تهذيب المنطق،
وحاشية على تلك الحاشية.
مات سنة سبع وتسعين وتسعمائة عند رجوعه عن كشمير فدفن على جبل سليمان.
الشيخ فتح الله الدهلوي
الشيخ الفاضل فتح الله بن نصير الدين بن سماء الدين الملتاني الدهلوي، أحد كبار العلماء، ولد ونشأ
بمدينة دهلي، وقرأ العلم على أبيه وجده ثم درس وأفاد، أخذ عنه الشيخ ركن الدين محمد بن عبد
القدوس الكنكوهي وخلق كثير من العلماء والمشايخ.
الشيخ فخر الدين الأكبر آبادي
الشيخ العالم الصالح فخر الدين بن داود بن شيخ شاه الصديقي الأكبر آبادي، أحد الفقهاء الزاهدين،
قرأ العلم على الشيخ حسام الدين المتقي الملتاني والشيخ إله داد بن صالح السرهندي، ثم سافر إلى
بهار وصحب الشيخ إله داد بن ضياء الدين الجندهوسي البهاري وأخذ عنه، ثم لازم السيد جمن
المداري الهلسوي وأخذ عنه، ثم قدم آكره وسكن في جوار السيد رفيع الدين المحدث، وكان مولعاً
بالسماع.
مات يوم الجمعة لإحدى عشرة بقين من جمادي الآخرة سنة سبعين وتسعمائة وله سبع وأربعون
ومائة سنة، كما في أخبار الأصفياء.
الشيخ فخر الدين البجنوري
الشيخ العالم الزاهد فخر الدين بن سعد الله بن فخر الدين البجنوري اللكهنوي أحد المشايخ الجشتية،
ولد ونشأ بلكهنؤ، واشتغل بالعلم وسافر إلى جونبور فقرأ على الشيخ أبي الفتح بن عبد الحي بن عبد
المقتدر الكندي الدهلوي، ثم أخذ عنه الطريقة ورجع إلى لكهنو، وعكف على الدرس والإفادة، وكانت
بينه وبين الشيخ محمد مينا اللكهنوي محبة صادقة ومودة واثقة.
توفي لإحدى عشرة بقين من جمادي الأولى سنة(4/393)
عشر وتسعمائة بلكهنو فدفن بها، وأرخ لوفاته
بعض العلماء شيخ، كما في تذكرة الأصفياء.
الشيخ فخر الدين الجونبوري
الشيخ الفقيه الزاهد فخر الدين بن كبير الدين الجونبوري، أحد المشايخ السهروردية، ولد ونشأ
بجونبور، وقرأ العلم على أساتذة عصره، ثم درس وأفاد عشرة أعوام، ثم تركها وانقطع إلى الزهد
والعبادة ودخل الأربعينات مرة بعد مرة حتى فتحت عليه أبواب المعرفة، وأخذ عنه خلق كثير من
المشايخ.
توفي لثمان بقين من شعبان سنة أربع وتسعين وتسعمائة، كما في كنج أرشدي.
الشيخ فريد الدين البنارسي
الشيخ العالم الصالح فريد الدين بن قطب الدين بن خليل الدين العمري البنارسي، أحد المشايخ
الجشتية، ولد بقرية خانقاه في بيت جده لأمه الشيخ نور ونشأ بها، وسافر للعلم إلى بنارس ومعه
صنوه داود، فنزل بخانقاه الشيخ موسى فدله الشيخ إلى خواجه مبارك، فاشتغل عليه بالعلم وجد في
البحث والاشتغال حتى برع فيه، وأخذ الطريقة عن خواجه مبارك ولازم حفظ الأنفاس ومجاهدة
النفس، ولما بلغ رتبة الكمال استخلفه المبارك واستخلصه لنفسه، فتولى الشياخة بعده ورزق حسن
القبول.
وكان يدرس ويفيد، أخذ عنه غير واحد من العلماء، ذكره غلام رشيد الجونبوري في كنج أرشدي
وقال: إنه غرق في ماء كنك، وقصته أن ولده محيي الدين سافر إلى جنار وكان راكباً فرساً، فأعجب
أحد الأفغان وكان من ولاة تلك الناحية فأخذه عنه تعدياً عليه، فرجع محيي الدين وحرض والده أن
يذهب إليه ويأخذ عنه ذلك الفرس، فسار فريد ومعه صنوه داود إلى ذلك الأفغاني، وأفهمه حتى أخذ
عنه الفرس وركب الفلك راجعاً إلى بنارس، فأمر الأفغاني الملاحين أن ينقبوا في الفلك، فغرق في
الماء ومعه صنوه داود وأصحاب آخرون، وكان ذلك في الرابع عشر من شوال سنة ست وتسعمائة.
الشيخ فضل الله المندوي
الشيخ الصالح فضل الله بن الحسين الجشتي الملتاني، أحد رجال العلم والطريقة، أخذ عن والده
ولازمه ملازمة طويلة، ولما توفى والده سنة خمس وأربعين وتسعمائة سافر إلى الحرمين الشريفين،
فحج وزار سنة ست وأربعين وتسعمائة، ورجع إلى الهند سنة خمسين وتسعمائة واعتزل عن الناس،
وكان يدرس ويفيد، توفي سنة اثنتين وسبعين وتسعمائة بمندو، كما في كلزار أبرار.
الشيخ فضل الله الدهلوي
الشيخ الفاضل فضل الله بن سعد الله البخاري الدهلوي، كان عم الشيخ عبد الحق بن سيف الدين
الدهلوي المحدث، أخذ عن الشيخ محمد بن الحسن العباسي الجونبوري ولازمه ملازمة طويلة، مات
بدهلي سنة ستين وتسعمائة.
الشيخ فضل اله البهاري
الشيخ الصالح فضل الله بن نصير الدين بن الحسن بن علي بن بدا بن قيام الدين بن صدر الدين بن
القاضي ركن الدين الشريف الحسني الكزوي ثم البهاري، المشهور بالسيد كشائين - بضم الكاف
الفارسية - ومعناه المنقطع إلى الله سبحانه في اللغة الهندية، كان ختن الشيخ قطب الدين العمري
الجونبوري القلندر وصاحبه، أخذ عنه الطريقة ولازمه ملازمة طويلة، ثم سافر إلى بهار وسكن بها،
وكان مرزوق القبول في تلك الناحية.
القاضي فضل الله الديوبندي
الشيخ العالم القاضي فضل الله الحنفي الديوبندي، أحد الفقهاء المشهورين في عصره، كان من
معاصري الشيخ عبد القدوس بن إسماعيل الكنكوهي، ذكره ركن الدين محمد بن عبد القدوس في
اللطائف القدوسية.
مولانا فضل الله السندي
الشيخ العالم الكبير فضل الله الحنفي السندي، أحد العلماء العاملين، كان دائم الاشتغال بالدرس(4/394)
والإفادة في العلوم الدينية، ذكره النهاوندي في المآثر.
مولانا فضل الله الرهتكي
الشيخ الفاضل فضل الله الحنفي الرهتكي، أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول والعربية، كان
قانعاً عفيفاً متوكلاً، مات في النصف الأول من القرن العاشر، ذكره المندوي في كلزار أبرار.
مولانا فيروز اللاهوري
السيد الشريف فيروز بن أبي فيروز الحسني اللاهوري، أحد رجال العلم والطريقة، أخذ عن جده
شاه عالم عن الشيخ نواز الدين عن الشيخ أحمد عن الشيخ حامد بن عبد الرزاق الأجي، وكان من
العلماء المبرزين في الفقه والحديث والتفسير، يدرس ويفيد آناء الليل والنهار، متوفي بلاهور سنة
ثلاث وثلاثين وتسعمائة، كما في الخزينة.
المفتي فيروز الكشميري
الشيخ الفاضل الكبير المفتي فيروز بن لولي كنائي الحنفي الكشميري، أحد العلماء المشهورين، سافر
في صغر سنه إلى الحجاز، ولما رجع إلى الهند سكن ببدايون واشتغل بالعلم على من بها من العلماء،
وحد في البحث والاشتغال حتى برع في كثير من العلوم والفنون واشتهر ذكره في البلاد، فطلبه أكبر
شاه التيموري سلطان الهند وولاه الإفتاء بكشمير، فسافر إلى بلدته واشتغل بالدرس والإفتاء.
وكان مدرساً محسناً إلى الطلبة مع فضل ودين وعقل ووداعة، استشهد في عهد حسين شاه أحد ولاة
كشمير.
ذكر الجهلمي في الحدائق وقال: إنه قتل سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة، وقال محمد قاسم: إن شهادته
كانت في سنة ست وسبعين، وبيان ذلك على ما صرح محمد قاسم في تاريخه أن القاضي حبيباً
الحنفي - الذي كان صهر الشيخ كمال الدين السيلكوتي - خرج يوم الجمعة من الجامع الكبير يريد
زيارة القبور سنة ست وسبعين وتسعمائة، فلقيه يوسف الشيعي خارج البلدة وضربه بالسيف فجرح
رأسه، ثم ألقى عليه الضربة ومد القاضي يده فأصابها وقطع أنامله، وذلك من غير عداوة سابقة، فلما
سمع حسين شاه هذه القصة أمر له بالسجن واستفتى ملا يوسف والمفتي فيروز وغيرهما من العلماء
في أمره، فقالوا: يجوز قتل أمثاله سياسة، وكان القاضي حبيب المذكور حاضراً في ذلك المجلس فقال
لهم: وكيف يجوز قتله وأنا حي! فرجموا يوسف الشيعي حتى مات، وكان أكبر شاه التيموري سلطان
الهند بعث مرزا مقيم الشيعي بالرسالة إلى حسين شاه صاحب كشمير، فشهد عنده القاضي زين الدين
الشيعي أن العلماء أخطأوا في الإفتاء، فأهانهم مرزا مقيم على رؤس الأشهاد وآذاهم وفوضهم إلى فتح
خان فقتلهم بأمره وشد الحبال في أرجلهم وجرهم في الأسواق، ولما كان حسين شاه صاحب كشمير
شيعياً رضى بفعله، ثم بعث إلى أكبر شاه جواب ما طلبه منه ومعه بنته، فردها أكبر شاه وقتل مرزا
مقيم قصاصاً عن العلماء سنة سبع وسبعين وتسعمائة، انتهى ما ذكره محمد قاسم في تاريخ فرشته.
حرف القاف
الشيخ قاسم بن أحمد المانكبوري
الشيخ الصالح قاسم بن أحمد بن نظام الدين العمري المانكبوري، أحد كبار المشايخ الجشتية، ولد
ونشأ بمانكبور وأخذ عن أبيه ولازمه مدة ثم تولى الشياخة.
وكان شيخاً جليلاً مهاباً، رفيع القدر كبير المنزلة، يذكر له كشوف وكرامات، توفي لتسع بقين من
شوال سنة ثمان وستين وتسعمائة بمانكبور، كما في أشرف السير.
الشيخ قاسم بن يوسف السندي
الشيخ العالم الصالح قاسم بن يوسف بن ركن الدين بن شهاب الدين الشهابي المعروف السندي، أحد
العلماء المبرزين في الفقه والحديث، ولد ونشأ في إقليم السند وقرأ العلم بها، ثم قدم كجرات سنة(4/395)
خمسين وتسعمائة وسافر إلى البلاد.
وكان يدرس ويفيد، أخذ عنه ولده عيسى بن القاسم وخلق آخرون، وله مصنفات لم أقف على
أسمائها، مات في سنة ثمانين وتسعمائة، كما في بحر زخار.
الحكيم قاسم بيك التبريزي
الوزير الكبير قاسم بيك التبريزي الحكيم المشهور في بلاد الدكن، كان من ندماء برهان نظام شاه
صاحب أحمد نكر، وبعد موته خدم ولده حسين نظام شاه، وبعثه الحسين بالرسالة إلى كولكنده فرجع
ظافراً إليه فرفع قدره، ثم بعد مدة يسيرة غضب عليه وأمر بحبسه، فلبث في السجن ثلاثة أشهر، ثم
رضى عنه وأخلصه من الأسر وقربه إليه فخدمه مدة، ولما مات الحسين سنة اثنتين وسبعين
وتسعمائة وولي مكانه ولده مرتضى بن الحسين، وصار الحل والعقد بيد أمه خونره همايون جعلته
من أركان الوزارة، فصار المرجع والمقصد في كل باب من أبواب الدولة واستمر على ذلك بضع
سنين، وتحسس من أم الملك شراً فخرج من أحمد نكر وسار إلى أحمد آباد كجرات، ومات بها نحو
سنة سبع وسبعين وتسعمائة، ذكره محمد قاسم في تاريخه.
مولانا قاسم ديوان السندي
الشيخ العلامة قاسم ديوان الحنفي السندي أحد مشاهير الفقهاء، أخذ العلم عن الشيخ ميران السندي
وقرأ عليه المطول، ثم ترامى به الإغتراب إلى أرض فارس، فأخذ ممن بها من العلماء ورجع إلى
بلدته وقصر همته على الدرس والإفادة، مات سنة سبع وسبعين وتسعمائة، ذكره النهاوندي في
المآثر.
مولانا قاسم الكاهي
الشيخ الفاضل نجم الدين محمد أبو القاسم المشهور بالكاهي، كان من الفضلاء المعمرين، أدرك
الشيخ عبد الرحمن الجامي في الخامس عشر من سنه، ثم لازم الشيخ جهانكير الهاشمي في بلاد السند
واستفاض منه فيوضاً كثيرة، ودخل الهند فسكن بمدينة بنارس عند بهادر خان الشيباني زماناً ثم دخل
آكره وسكن بها.
وكان فاضلاً كبيراً قانعاً، شاعراً مجيد الشعر، ماهراً في الموسيقى، أنشأ القصائد البديعة في المديح،
وأعطاه أكبر شاه مرة مائة ألف تنكه صلة له، وأمر أنه كلما تردد إليه يعطونه ألف ربية على طريق
باي مزد، فلم يتردد إليه قط، ومن شعره قوله:
كاري نكنى كزان بشيمان كردي حرفي نزني كه عذر آن بايد خواست
توفي لليلتين خلتا من ربيع الثاني سنة ثمان وثمانين وتسعمائة بمدينة آكره.
مولانا قاسم علي الهمايوني
الشيخ الفاضل قاسم علي الهمايوني، أحد كبار الأفاضل، ولي الصدارة بأرض الهند في أيام همايون
شاه التيموري وكان من جلسائه، مات غريقاً في نهر كنك بجوسا سنة ست وأربعين وتسعمائة، كما
في إقبال نامه.
قاضي بيك الطهراني
الوزير قاضي بيك بن مسعود بن عبد الله الحسيني الطهراني، كان من كبار الأفاضل، ذكره أمين بن
أحمد الرازي في هفت إقليم، قال: إنه كان أكبر أولاد أبيه وأوفرهم في الفضل والكمال، تقرب إلى
طهماسب شاه الصفوي واحتظ بصلاته مدة، ثم قدم الهند وولي النيابة المطلقة بمدينة أحمد نكر، وقال
محمد قاسم في تاريخه: إنه قدم أحمد نكر وتقرب إلى نواب جنكيز خان وكيل السلطة فطابت له
الإقامة بمدينة أحمد نكر، ولما احتضر جنكيز خان وظن أنه سيموت أوصى به إلى صاحبه مرتضى
نظام شاه ملك أحمد نكر، فولاه النيابة المطلقة سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة، فصار المرجع والمقصد
في مهمات الأمور، واستقل بتلك الخدمة الجليلة إلى أواخر سنة خمس وثمانين وتسعمائة، ثم اتهموه
بالخيانة وقيل إنه خان مائتي ألف هون منقوداً مع الجواهر الثمينة ثمنها مائة آلاف هون، فعزله
مرتضى نظام شاه وحبسه في إحدى القلاع، وأخلصه بعد ثلاثة أشهر وأخرجه إلى بلاده، انتهى.
قال الرازي: فلما وصل إلى لار مات بها، لعله(4/396)
في سنة ست وثمانين وتسعمائة.
الشيخ قاضي خان الظفر آبادي
الشيخ العالم الصالح جلال الحق قاضي خان بن يوسف الناصحي العمري الظفر آبادي، كان من
كبار المشايخ الجشتية، ولد بظفر آباد سنة خمس وثمانمائة، ونشأ في مهد جده لأمه الوزير عماد
الملك الجونبوري، واشتغل بالعلم من صباه وقرأ فاتحة الفراغ في السابع عشر من سنه، ثم لازم
الشيخ حسن بن الطاهر العباسي الجونبوري وصحبه ثلاثين سنة وأخذ عنه الطريقة، وكان يقول:
إني فاسيت الرياضة الشاقة والمجاهدة الشديدة ثلاثين سنة، فاطلعت على شيء من مكائد النفس
وعلمت أنها كيف تصد السالك عن الطريق وكم له من مراصد، انتهى.
مات في نصف من صفر سنة أربع وأربعين وتسعمائة، كما في تجلي نور، وفي وفيات الأعلام أنه
توفي سنة خمسين وتسعمائة، والله أعلم.
الشيخ قاضي خان الكجراتي
الشيخ الكبير قاضي خان الجشتي الفتني الكجراتي المشهور بالشيخ قادن، كان من رجال الطريقة
الجشتية، ولد ونشأ بكجرات، وأخذ عن الشيخ علم الدين الشاطبي ولازمه مدة، وأخذ عن غيره من
المشايخ ثم تولى الشياخة بفتن من بلاد كجرات، أخذ عنه خلق كثير، مات يوم الثلاثاء لثلاث ليالي
خلون من صفر سنة عشرين وتسعمائة ببلدة فتن، كما في مرآة أحمدي.
القاضي قاضن السندي
الشيخ العالم الفقيه القاضي قاضن بن أبي سعيد بن زين الدين البهكري السندي، أحد الفقهاء
المبرزين في العلم، ولد ونشأ بمدينة بهكر، وحفظ القرآن وتعلم القرآن والتجويد، ثم اشتغل بالعلم
وبرز في الفقه والحديث والتفسير والتصوف والعزيمة والإنشاء، وكان ميالاً إلى الأسفار، ارتحل إلى
الحرمين الشريفين فحج وزار وساح البلاد وأدرك المشايخ وتلقى العلوم عنهم، ثم رجع إلى بلاده
فولاه حسين شاه صاحب السند القضاء بمدينة بهكر، فاستقل به مدة من الزمان، ثم دخل في أتباع
السيد محمد بن يوسف الجونبوري فعزلوه عن القضاء، وقيل: إنه استعفى عن الخدمة لكبر سنه فولوا
مكانته أخاه القاضي نصر الله، توفي سنة ثمان وخمسين وتسعمائة، ذكره معصوم بن الصفاي
الترمذي في تاريخ السند.
قرا حسن الرومي
الأمير الكبير قرا حسن الرومي السلماني المجلس المنصور جنكيز خان، كان من الأتراك، دخل
الهند سنة سبع وثلاثين وتسعمائة مع صاحبه مصطفى بن بهرام الرومي واجتمع بالسلطان بهادر شاه
الكجراتي بجانبانير ونال منه الحظ والقبول فخدمه زماناً، ولما قتل بهادر شاه وولي المملكة محمود
شاه تقرب إليه وخدمه، وسار إلى ديو لقتال الأفرنج تحت قيادة الأمير خداوند خان خواجه صقر
الرومي سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة وجاهد في سبيل الله وقاتل معه أشد القتال، ولما قتل خداوند
خان اجتمع الناس على ولده رومي خان محرم، واعتنى به قرا حسن وعزم أن يتجاوز درجة أبيه في
الإمرة والشهرة، فنقب برجاً من القلعة وملأه باروداً وأخبر به رومي خان واجتمعوا على البرج
للحرب، فاجتمع لمدده من كل برج، فلما كثروا فيه أمر قرا حسن بالنار فإذا البرج ومن فيه في
الهواء مع الطير، وحث قرا حسن على الدخول من حيث انفتح، وهم رومي خان به لكن بعض
الأمراء توقف إما لتقاصر في الهمة أو تحامل البشرية، وبقي الأسف وضاعت المشقة، واتفق بهذا
وصول المدد إلى أهل القلعة من صاحب كوه، ودخلت القلعة ثلاثون ألفاً من أهل الأفرنج، ويوم
وصولهم أمر قرا حسن بحمل الآلات والعدد التي هي لفتح القلاع إليها وهكذا بقايا الأثقال، والتفت
إلى رجال الحرب وقال: خلص وقتنا للسيف والجنة تحت ظلال السيوف، ثم اجتمع برومي خان
ودعا له وثبته، ثم دعا رجالاً وكانوا نحو سبعة آلاف وقال: اليوم يوم البرهان، اليوم يوم الامتحان،
اليوم يوم الغفران، اليوم يوم رضى الرحمان، افتتحت أبواب الجنان، أشرفت الحور والولدان، ما
على الباب رضوان، فادخلوها بسلام آمنين، عباد الله! ما بعد اليوم ملتقى إلا الساعة، ويد الله على
الجماعة، فاثبتوا(4/397)
وسارعوا واستعينوا بالصبر ساعة، فإما ثواب المحسنين وإما درجات الأحياء عند
ربهم فرحين، ثم ذكرهم بالأحاديث النبوية، على صاحبها السلام والتحية، ثم قال: عباد الله! فضل الله
المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفوراً رحيما، فالمناسب
هنا ونحن أصحاء أقوياء مستوو الأعضاء أن يتأسى بعرجته وإن لم نكن في درجته، وقد قيل: الجبان
ملقى والشجاع موقى، ثم ذكرهم بما قال خالد بن الوليد - رضي الله عنه - عند موته، وقرأ الفاتحة
وصلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكبر وكبروا، وتقدم إلى موقف يرضاه الله ورسوله، ولحق
به دولت خان وبرهان الملك وأصحابهما، قال الآصفي: وبعد ارتفاع الشمس قيد رمح خرج من القلعة
بيرزي صاحب كوه وبين يديه ثلاثون ألفاً، ومدافع القلعة تشتعل نارها، وتتطاير من الأغربة
شرارها، فاعتكر الجو وأظلم، وارتجع أبلق الشروق أدهم، عند ذلك زحف حزب الله وقد أعلوا
التكبير وشقوا الغبار وكالصور يزعق النقير وجلوا ذلك الظلام ببوارق الأسنة والحسام، ولما انتهوا
إلى الصفوف حطموا بالسيوف، وقطعوا الحناجر بالخناجر، وجالوا جولة الأسد، وحالوا بين الروح
والجسد، وكشفوا العدى وحملوا منهم الصف على الصف حتى بلغوا العلم، فكانت شدة قضت بما القلم
به جف، وسببها كان في المسلمين قلة العدد وفي المشركين كثرة فيه وفي العدد، وبلغ الشهادة منهم
ألف ومائتان، وقتل من الفرنج في الحصار ألف وسبعمائة، وفي الصف أحد عشر ألفاً ومائة، ولو
وقف برهان الملك في المعركة بأصحاب لكان ظهيراً للمسلمين لكنه في نزول أهل الأغربة إلى
الساحل من طرشة بنادقهم رد وجهه مدبراً بحزبه، فكأنه في أجنحة العصافير فزعاً تطير به، وخلى
ظهر أهل الزحف فاقتفاه أهل الأغربة، فصاروا كالمركز في الدائرة، فانحازوا إلى الجسر وتكاثروا
عليه، وكان ممدوداً من خشب فانكسر بالمارة عليه، فوقعوا في الخندق، وكانت أسياخ من حديد
مركوزة فيه، فهلك بها من سقط، وكان منهم رومي خان، واستشهد دولت خان في المعركة، وأما قرا
حسن فإنه خرج من طرق يعرفه على الخندق وكان آخر الناس خروجاً، فمن تبعه نجا، وبلغ من
سقط في الخندق ثلاثمائة رجل، فكان جملة الهالكين ألفاً وخمسمائة، والجريح ألفاً، والخارج بالسلامة
مع قرا حسن أربعة آلاف وخمسمائة، وبات قرا حسن بنوا نكر واجتمع الغريب عليه وظل يومه بها،
وتلافى الجريح بالجرائحي وتفقد سائر الناس بمواصلة النقد من الخزانة وأمسى بها، وأصبح سائراً
إلى أحمد آباد بالمدافع والأثقال، ولما اجتمع بالسلطان استدناه واستخبره عن الحادثة، فكان هو يحكي
والسلطان يبكي، فلما نجز بيانه استرجع السلطان واستدعى بأصحابه وخلع على الجميع وجعل قرا
حسن أميراً على المدافع ولقبه بالمجلس المنصور جنكيز خان في يومه، وأمره بصب المدافع التي
يتأتى به فتح ديو، وأمر حكام البنادر بمنع الفرنج من المساكنة والتردد، وحكم بجمع خشب الساج
لنجر الأغربة وابتدأ بنجرها حكام سورت ثم بهروج وكوكه والدمن وكنباية، فامتد في زمن قريب
بعضه من بعض هراب خمسمائة غراب سوى ما في غيرها من البنادر، وشرع جنكيز خان في
صب المدافع، ففي عام فرغ من العمل مائة مدفع مكتوب على كل واحد جنكيز محمود شاه، ونادى
ببراءة الذمة من يعامل الفرنج أو يتجر لهم أو يساكنهم في ديو من مسلم وكافر أو يحمل إلى ديو من
المنافع شيئاً، وبهذا تعطل ديو وعمرت نوانكر وسكنها العسكر وبنيت بها قلعة في غاية الاستحكام،
ولم نقرأ له شيئاً من الأخبار بعد ذلك في كتب التاريخ والتراجم.
الشيخ قطب الدين المنيري
الشيخ العالم الصالح قطب الدين بن بدهن بن ركن الدين البلخي المنيري، أحد المشايخ المشهورين
في الطريقة الفردوسية، أخذ عن أبيه ولازمه ملازمة طويلة ثم تولى الشياخة مكانه، أخذ عنه الشيخ
أبي يزيد بن عبد الملك المنيري وخلق آخرون.
القاضي قطب الدين الكالبوي
الشيخ الصالح القاضي قطب الدين بن كدن بن القاضي سعد الله أشرف جهاني القرشي الكالبوي
المشهور بالمجذوب، ولد ونشأ ببلدة جنديري، وانتقل منها بعد خرابها إلى كاليي وسكن بها، وكان
مغلوب الحالة ولكنه كان مقيداً بالصلوات يصلي ولا يعلم كم صلى، وكان شديد الحسبة على الناس،
فقد في سنة(4/398)
سبعين وتسعمائة، ذكره المندوي في كلزار أبرار.
الشيخ قطب الدين الجونبوري
الشيخ الكبير قطب الدين بن من الله بن بهاء الدين العمري الجونبوري، أحد كبار المشايخ الجشتية،
ولد ونشأ بمدينة جونبور، وأخذ عن والده ولازمه حتى نال حظاً وافراً من العلم والمعرفة، ثم حصلت
له الإجازة عن الشيخ جلال عن أبيه عبد القادر عن أبيه الشيخ مبارك بن أمجد العلوي الحسيني عن
أخيه السيد أجمل بن أمجد الحسيني وعن الشيخ صدر الدين محمد الحسين البخاري الأجي، ولما بلغ
رتبة الكمال جلس على مسند أبيه، أخذ عنه خلق كثير.
توفي لعشر بقين من رمضان المبارك، وقبره بجونبور عند قبر والده، ذكره الجونبوري، في كنج
أرشدي ولم أقف على سنة وفاته.
مولانا قطب الدين السرهندي
الشيخ الفاضل العلامة قطب الدين الحنفي السرهندي، أحد العلماء المشهورين في بلاد الهند، درس
وأفاد مدة عمره، وانتفع به ناس كثيرون منهم الشيخ حميد الدين عبد المجيد بن عبد القدوس
الكنكوهي، قرأ عليه الكتب الدرسية، مات ودفن بسرهند.
الشيخ قطب الدين الكجراتي
الشيخ الصالح قطب الدين الذاكر النهروالي الكجراتي المشهور بقطب جهان، كان من كبار المشايخ
في بلاد كجرات، أخذ عنه الشيخ ولي محمد والشيخ لشكر محمد في بداية أمرهما، وله مكتوبات
تجمعها مجلدات ضخمة في الحقائق والمعارف.
الشيخ قطب الدين الجونبوري
الشيخ الكبير المعمر قطب الدين بن شيخ بن العلاء العمري السرهربوري الجونبوري إمام الطريقة
القلندرية، ولد سنة ست وسبعين وسبعمائة، وكف بصره في صبا ولذلك لقبوه بينا دل معناه بصير
القلب، قالوا: إنه أخذ الطريقة القلندرية عن الشيخ نجم الدين بن نظام الدين بن نور الدين المبارك
الدهلوي المعمر مائتي سنة عن الشيخ خضر الرومي المعمر ثلاثمائة وخمسين سنة عن الشيخ عبد
الله علمبردار الصالحي المكي المعمر ستمائة، وكان عبد الله من أصحاب الصفة أخذ عن النبي صلى
الله عليه وسلم وعن سيدنا الامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وإنه أخذ الطريقة القادرية
والجشتية عن الشيخ نجم الدين المذكور، والطريقة السهروردية والمدارية عن الشيخ شمس الدين
الظفر آبادي، والطريقة الفردوسية عن الشيخ حسين بن معز البلخي، وكان من الأولياء السالكين
المرتاضين، أخذ عنه ولده محمد المتوفي سنة ثلاثين وتسعمائة وختنه الشيخ فضل الله بن نصير
الدين القطبي الحسني البهاري وخلق آخرون، توفي سنة خمس وعشرين وتسعمائة، كما في
الانتصاح.
الشيخ قميص القادري السادهوروي
السيد الشريف قميص بن أبي الحياة بن محمود بن محمد بن أحمد بن داود ابن علي بن أبي صالح
النصر بن عبد الرزاق بن عبد القادر الجيلاني السادهوروي، كان من المشايخ المشهورين في أرض
الهند، قدم من بنكاله ودخل خضر آباد دهلي، فزوجه الشيخ العالم نصر الله الدهلوي بكريمته، فسكن
بها ورزق حسن القبول، أخذ عنه الشيخ عبد الرزاق الدهلوي المحدث المشهور بالشيخ بهلول وخلق
كثير من العلماء والمشايخ.
توفي لثلاث خلون من ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة بأرض بنكاله، فنقلوا جسده إلى
خضر آباد ودفنوه بها، ذكره الشيخ في أخبار الأخيار.
حرف الكاف
القاضي كاشاني السندي
الشيخ الفاضل الكبير القاضي كاشاني السندي،(4/399)
كان من كبار العلماء لم أقل على اسمه، ذكره
النهاوندي في المآثر قال: إنه انتقل من كاشان إلى أرض السند ونال الحظ والقبول من الأمراء
والملوك، فطابت له الإقامة بها، وكان يدرس ويفيد، أخذ عنه غير واحد من العلماء.
الشيخ كبير الدين الجونبوري
الشيخ الصالح كبير الدين بن جهانكير الجونبوري، أحد المشايخ المشهورين بمعرفة الفقه والتصوف،
وكان غاية في الزهد والقناعة والإيثار والتوكل، واشتغل بالعلم بعد ما توفى أبوه، وكان في الثاني
عشر من سنه فجد في البحث والاشتغال والرياضة والمجاهدة حتى برع في العلم والمعرفة، وتولى
الشياخة بمدينة جونبور، أخذ عنه غير واحد من العلماء.
توفي لليلتين بقيتا من شعبان سنة اثنتين وستين وتسعمائة بجونبور وله ثلاث وستون سنة، ذكره
الجونبوري في كنج أرشدي.
الشيخ كبير الدين القنوجي
الشيخ الصالح كبير الدين بن قاسم السليماني البشاوري ثم القنوجي، أحد كبار المشايخ، ولد بقرية
مدلي من أعمال بشاور ونشأ بها، وسافر للعلم فقرأ على أساتذة عصره وأخذ الطريقة ثم سكن بقنوج،
مات بها ليلة الخميس سنة أربع وتسعين وتسعمائة، كما في مهر جهانتاب.
الشيخ كبير الدين الملتاني
الشيخ العالم الصالح كبير الدين القرشي الملتاني، كان من نسل الشيخ الكبير بهاء الدين أبي محمد
زكريا القرشي السهروردي وصاحب سجادته، اتفق الناس على ولايته وجلالته، ذكره البدايوني، قال:
إنه كان مقتدراً أن يحشد ألف فارس في يوم واحد، وكانت عيناه حمراوين من سهره المفرط
والاشتغال بالأشغال القلبية كأنه تناول شيئاً من المعبرات، وكان الشيخ موسى بن الحامد الأجي يحمل
ذلك على سكرة الخمر، قال: إني رايته بفتح بور عند الأمير حسين خان وكانت تلوح عليه المهابة
في الظاهر.
مات سنة أربع - أو خمس - وتسعين وتسعمائة بالملتان، فدفن بمقبرة أسلافه.
مولانا كريم الدين السندي
الشيخ الفاضل كريم الدين الحنفي التتوي السندي، أحد العلماء المبرزين في النحو واللغة والفقه
والأصول والمنطق والحكمة، وكان في أيام مرزا باقي أحد ولاة السند يدرس ويفيد، وكان ورعاً تقياً،
ذكره النهاوندي في المآثر.
مولانا كمال الدين الكالبوي
الشيخ الصالح كمال الدين بن سليمان القرشي الكالبوي ثم المندوي، أحد رجال الطريقة، ولد ونشأ
بكالبي، وأخذ عن الشيخ أرغون المداري ثم عن الشيخ ركن الدين بن هدية الله المنيري وحصلت له
الإجازة منه، ثم سافر إلى مندو وسكن بها وكان يدرس ويفيد، توفي سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة
بمندو، ذكره محمد بن الحسن.
مولانا كمال الدين الجهرمي
الشيخ الفاضل الكبير كمال الدين بن فخر الدين الجهرمي البيجابوري، أحد العلماء المشهورين، له
البراهين القاطعة ترجمة الصواعق المحرقة بالفارسية، ترجمها سنة أربع وتسعين وتسعمائة بأمر
دلاور خان البيجابوري الوزير.
مولانا كمال الدين المليباري
الشيخ العالم الصالح كمال الدين بن محمد بن علي الحسيني الهمداني المشهور بالمليباري، ولد بقرية
خوشاب وقرأ العلم في بلاده، ثم سافر إلى الحجاز، فدخل في مليبار وأسلم على يده أحد ملوك تلك
الأرض، ثم رحل إلى الحرمين الشريفين فحج وزار، ورجع إلى مليبار وأقام بها أياماً، ثم قدم سورت
وسكن بها.
وكان شيخاً صالحاً وقوراً صاحب المقامات القدسية، انتفع به خلق كثير، توفي لثلاث ليال بقين من
رجب سنة تسع وستين وتسعمائة بسورت، كما في الحديقة.(4/400)
الشيخ كمال الدين الخير آبادي
الشيخ الصالح كمال الدين بن محمود القدوائي الخير آبادي، أحد المشايخ الجشتية، أخذ عن أبيه عن
عمه الشيخ سعد الدين الخير آبادي وتصدر للارشاد بعد والده، توفي سنة ثمان وثمانين وتسعمائة
بخير آباد وله ثلاث وخمسون سنة، ذكره السيد الوالد في مهر جهانتاب.
الشيخ كمال الدين البلكرامي
الشيخ الفاضل كمال الدين بن مكرم الصديقي البلكرامي، أحد العلماء الموفقين بالدرس والافادة، ذكره
غلام علي الحسيني في مآثر الكرام وأثنى على براعته في العلوم، قال: وكان ممن فاق أقرانه في
العلوم العربية والمعارف الحكمية، وكان يكتب بيده الكتب المتداولة بخط النسخ غاية في الحلاوة
ويزينها بالحواشي المفيدة والتعليقات النفيسة، له منة عظيمة على الأخلاف فإنهم ينتفعون بتلك الكتب
حتى اليوم، وكان شديد التعبد كثير المؤاساة، وكان حياً سنة أربع وتسعين وتسعمائة، انتهى، ولم أقف
على سنة وفاته.
الشيخ كمال الدين الكيتهلي
الشيخ الأجل كمال الدين الكيتهلي، أحد كبار المشايخ القادرية، أخذ عن السيد فضيل كدا رحمن عن
السيد شمس الدين العارف عن السيد كدا رحمن بن أبي الحسن عن شمس الدين الصحرائي عن السيد
عقيل عن السيد بهاء الدين عن السيد عبد الوهاب عن السيد شرف الدين القتال عن السيد عبد
الرزاق عن أبيه إمام الطريقة أبي محمد الشيخ عبد القادر الجيلاني، وقيل: إنه استفاض من روحانية
الشيخ عبد القادر فيوضاً كثيرة، أخذ عنه الشيخ عبد الأحد السرهندي والشيخ سكندر بن عماد
الكيتهلي حفيد الشيخ كمال، وأدركه الشيخ أحمد بن عبد الأحد السرهندي في صغر سنه وبشره الشيخ
كمال، مات سنة إحدى وسبعين وتسعمائة، ذكره السيد الوالد في مهر جهانتاب.
حرف اللام
الشيخ لشكر محمد البرهانبوري
الشيخ الأجل لشكر محمد بن راجن بن بير بن ركن الدين القرشي الجانبانيري الكجراتي ثم
البرهانبوري، أحد المشايخ العشقية الشطارية، ولد في مهلاسه من أرض كجرات نحو سنة تسعمائة،
وصرف شطراً من عمره في الفنون الحربية ودخل في العسكر وخدم الملوك والأمراء، ثم اعتزل
عنها وصحب القاضي محمود البيربوري وأخذ عنه، ثم صحب الشيخ قطب الدين الذاكر وأخذ عنه،
ثم لازم السيد محمد غوث الكواليري صاحب الجواهر الخمسة بكجرات سنة إحدى وخمسين
وتسعمائة، وقرأ هداية الفقه على القاضي محمود الموربي، وتصدر للإرشاد والتلقين بكجرات وأقام
بها ثلاثين سنة، ثم ذهب إلى برهانبور وسكن بها وكان ذلك في سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة، أخذ
عنه الشيخ عيسى بن القاسم السندي البرهانبوري وخلق كثير، مات لليلتين خلتا من شوال سنة ثلاث
وتسعين وتسعمائة، فأرخ لعام وفاته بعض أصحابه لشكر محمد عارف ذكره محمد بن الحسن.
حرف الميم
الشيخ مبارك البنارسي
الشيخ العالم المحدث مبارك بن أرزاني العمري البنارسي، أحد العلماء المبرزين في الحديث، تولى
الوزارة في عهد شير شاه السوري وولده سليم شاه مدة، وله مدارج الأخبار كتاب في الحديث، صنفه
في شهر رجب سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة، ورتب فيه أحاديث مشارق الأنوار للصغاني على
ترتيب المصابيح، وكان أصله من بلدة رهتك، انتقل أسلافه إلى بنارس وسكنوا بقرية بكهره على
جنوب تلك البلدة، وفيها قبر والده الشيخ أرزاني، وكان من ذرية سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله
عنه، توفي سنة ثمانين وتسعمائة، كما في كنج أرشدي.
الشيخ مبارك الجائسي
السيد الشريف مبارك بن الجلال بن الحاج(4/401)
القتال بن أحمد بن عبد الرزاق الحسني الأشرفي
الجائسي، أحد كبار المشايخ الجشتية، ولد ونشأ ببلدة جائس من أرض أوده، وحفظ القرآن وقرأ العلم
على والده وعلى غيره من العلماء، ثم درس وأفاد مدة في حياة والده، ولما توفى أبوه جلس على مسند
الإرشاد مكانه، أخذ عنه خلق كثير، وأسلم على يده جماعة من مزاربة أوده، وممن أخذ عنه ملك
محمد الجائسي صاحب بدماوت.
الشيخ مبارك الجونبوري
الشيخ الفاضل مبارك بن خير الدين المحمدي الماهلي الجونبوري، كان من ذرية الشيخ صدر الدين
القرشي الظفر آبادي، انتقل والده من ظفر آباد إلى ماهل - بضم الهاء - قرية من أعمال جونبور،
وعمر قرية في أرضها سماها خير الدين بور ثم سكن بها، وولده المبارك قرأ بعض الكتب الدرسية
على والده، ثم رحل إلى جونبور وقرأ بها على أساتذة عصره، وأخذ الطريقة أولاً عن أبيه ثم لازم
الشيخ علي بن قوام الدين الشطاري الجونبوري وصحبه مدة طويلة حتى بلغ رتبة المشيخة، ولقبه
الشيخ علي بالمحمدي، فتصدر للإرشاد والتلقين مع انقطاعه إلى الزهد والعبادة، انتفع به ناس
كثيرون وأخذوا عنه، توفي لأربع عشرة خلون من شوال سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة ببلدة جون
بور، وأرخ لوفاته بعضهم فخر زمانه، كما في تجري نور.
القاضي مبارك الكوباموي
الشيخ العالم الفقيه القاضي مبارك بن الشهاب بن العلاء العمري الكوباموي، كان من ذرية الشيخ
مبارك أولياء الناصحي البلخي، ولد بكوبامؤ ونشأ في مهد العلم والطريقة، وقرأ العلم على الشيخ
نظام الدين الأميتهوي ولازمه ملازمة طويلة، وكان الشيخ نظام الدين يحبه حباً شديداً، ذكره القاضي
مصطفى علي خان في تذكرة الأنساب، وقال عبد القادر البدايوني في تاريخه: إنه كان صاحب
الحالات السنية والمقامات القدسية، كثير الدرس والإفادة، أخذ عنه الشيخ عبد الوهاب بن أبي الفتح
الأكبر آبادي والشيخ محيي الدين الحسيني وخلق آخرون، وكان قاضياً بكوبامؤ، انتهى.
الشيخ مبارك الجهنجانوي
الشيخ الفقيه الزاهد مبارك بن عبد المقتدر بن فاضل العلوي الجنهجانوي ثم الجونبوري المشهور
ببالادست، كان ابن عم الشيخ عبد الرزاق الجهنجانوي وأخاه من الرضاعة، أخذ الطريقة عن الشيخ
علي بن قوام الدين الشطاري الجونبوري ولازمه ملازمة طويلة، وكان يدعى ببالادست لعلو يده في
المقامات العلية، وبالادست في لغة الفرس عالي اليد.
الشيخ مبارك السنديلوي
الشيخ العالم الصالح مبارك بن الحسين بن عين الدين بن عليم الدين بن علاء الدين بن محمد بن
نور بن أحمد بن محمود الحسيني النقوي الشيوراني السنديلوي، أحد رجال العلم والمعرفة، أخذ العلم
والطريقة عن الشيخ سعد الدين الخير آبادي ولازمه مدة، ثم صحب الشيخ سالار بن هبة الدين
الكوروي ولبس منه الخرفة، وصحب الشيخ نظام الدين الأميتهوي ورجالاً آخرين، وكان عالماً
كبيراً، انتهت إليه رياسة الفتيا والتدريس ببلدة سنديلة، أخذ عنه السيد صفي الحسيني والشيخ بدر
الدين السرهندي والشيخ أدهن البلكرامي وخلق كثير من العلماء والمشايخ، توفي سنة سبعين
وتسعمائة ببلدة سنديله، كما في بحر زخار.
الشيخ مبارك الكواليري
الشيخ الفاضل العلامة مبارك بن أبي المبارك الشطاري الأودي ثم الكواليري المشهور بالفاضل،
كان أصله من ناحية بانكرمؤ من بلاد أوده، ولد ونشأ بها وقرأ العلم على أساتذة عصره، ثم لازم
الشيخ محمد غوث الكواليري صاحب الجواهر الخمسة وأخذ عنه الطريقة العشقية الشطارية وسكن
بكواليار.
وكان فاضلاً علامة في المعقول والمنقول، درس وأفاد أربعين سنة بزاوية الشيخ محمد غوث، أخذ
عنه الشيخ عبد الواحد المندسوري والشيخ عبد الله ابن بهلول السنديلوي ثم الكجراتي وخلق كثير من
العلماء.
مولانا مبارك السندي
الشيخ العالم الفقيه مبارك بن أبي المبارك الباتري(4/402)
السندي، كان من العلماء الموفقين بالدرس
والإفادة، ولد ونشأ ببلاد السند، وقرأ العلم على الشيخ عباس بن الجلال السندي ولازمه ملازمة
طويلة حتى برع في الفقه والأصول والكلام والعربية، ورماه الاغتراب إلى أحمد آباد، فسكن بمسجد
ناصر الملك ودرس بها مدة من الزمان، ثم ذهب إلى برهانبور فولى القضاء بجويزه - بالجيم
المعقودة والباء الفارسية - فاستقل به زماناً وبلغ صيته إلى برار، فطلبه تفال خان الوزير إلى
إيلجبور وولاه التدريس، فدرس بها مدة من الزمان، ثم رجع إلى كجرات وأخذ الطريقة عن الشيخ
لشكر محمد العارف، ثم قدم برهانبور وكانت بينه وبين الشيخ طاهر بن يوسف السندي مودة واثقة،
قرأ عليه الشيخ عيسى بن قاسم السندي جملة من العلوم حين إقامته ببلدة برهانبور، مات بها يوم
الجمعة سنة ثمان وسبعين وتسعمائة، فدفن في مقبرة الشيخ إبراهيم بن عمر السندي، كما في كلزار
أبرار.
الشيخ مبارك الألوري
الشيخ الفقيه المعمر مبارك بن أبي المبارك الحنفي الألوري، أحد المشهورين بالزهد والصلاح،
وكان يدعى أنه من ذؤابة بني هاشم، ولذلك كان مرزوق القبول عند الأفغان، وكان سليم شاه السوري
سلطان الهند يحضر مجلسه ويتبرك به ويضع نعليه بيده بين يديه، وهو ممن أدركه الشيخ عبد القادر
البدايوني وذكره في تاريخه، قال: لما ابتلي الشيخ سليم بن بهاء الدين الجشتي السيكروي من أيدي
الأفغان وحبس في قلعة رنتنبهور ذهب الشيخ مبارك إليهم وشفع له، فأطلقوه من السجن وذهب
الشيخ سليم إلى مكة المباركة مرة ثانية، قال البدايوني: إني أدركته سنة سبع وثمانين وتسعمائة، قال:
ومات في حدود تلك السنة وله تسعون سنة.
الشيخ محب الله السدهوري
الشيخ العالم الصالح محب الله بن خواجكي بن علي بن خير الدين بن نظام الدين الأنصاري الهروي
ثم الهندي السدهوري - بكسر السين المهملة وتشديد الدال - قرية جامعة في أرض أوده، ولد ونشأ
بها، قرأ العلم على والده ولازمه ملازمة طويلة وأخذ عنه الطريقة، ولما مات والده تولى الشياخة،
وكان من الفقهاء المعتبرين في بلاده، انتفع به خلق كثير.
الشيخ محب الله المانكبوري
الشيخ العالم الصالح محب الله الحنفي المانكبوري أحد رجال العلم والطريقة، أخذ عن الشيخ فضل
الله وصحبه زماناً، ثم سافر إلى سرهند وأخذ عن الشيخ أحمد بن عبد الأحد العمري السرهندي إمام
الطريقة المجددية ولازمه مدة من الزمان، ثم رجع إلى بلاده وأقام بمانكبور مدة يسيرة، ثم سار إلى
إله آباد بأمر شيخه وسكن بها.
وكان من العلماء العاملين وعباد الله الصالحين، توفى سنة ألف، ذكره السيد الوالد في مهر جهانتاب.
الشيخ محمد بن إبراهيم البهاري
الشيخ العالم الصالح محمد بن إبراهيم بن أحمد بن الحسن بن الحسين العمري البلخي البهاري
المشهور بالدرويش كان من المشايخ الفردوسية، ولد ونشأ ببلدة بهار - بكسر الموحدة - وأخذ عن
أبيه وصنوه محمود ولازمهما ملازمة طويلة، ثم تولى الشياخة، أخذ عنه الشيخ بدهن وخلق آخرون.
الشيخ محمد بن إبراهيم الملتاني
الشيخ العالم الكبير أبو الفتح شمس الدين محمد بن إبراهيم بن فتح الله الربيعي الإسماعيلي الملتاني
ثم البيدري الدكني كان من كبار المشايخ، ولد بأحمد آباد بيدر - بكسر الموحدة - في أيام همايون
شاه الظالم البهمني، وأخذ عن الشيخ حسن الجميلي القادري وعن غيره من المشايخ، وقيل إنه أخذ
من روحانية الشيخ عبد القادر الجيلاني واستفاض منه، ثم لبس الخرقة من الشيخ بهاء الدين بن
عطاء الله الشطاري الجنيدي وتصدر للإرشاد والتلقين بمدينة بيدر.
وكان صاحب المقامات العلية والكرامات الجلية، أرشد الناس إلى الحق ثلاثين سنة، أخذ عنه أبناؤه
وخلق كثير.(4/403)
مات يوم العيد من شوال سنة خمس وثلاثين وتسعمائة وله ثلاث وسبعون سنة، وقبره مشهور ظاهر
بمدينة بيدر، ذكره السيد الوالد.
الشيخ محمد بن أحمد الفاكهي
الشيخ الفاضل العلامة محمد بن أحمد بن علي الحنبلي الفاكهي المكي أبو السعادات الكجراتي، كان
من كبار العلماء، ذكره عبد القادر الحضرمي في النور السافر، قال: إنه ولد سنة ثلاث وعشرين
وتسعمائة، وكانت له اليد الطولى في جميع العلوم، وإنه قرأ في المذاهب الأربعة، ومن شيوخه الشيخ
الكبير المحقق العلامة أبو الحسن البكري وشيخ الإسلام بن حجر الهيتمي والشيخ محمد بن الخطاب
في آخرين من أهل مكة وحضر موت وزبيد يكثر عددهم، ويقال إن الذين أخذ عنهم يزيدون عن
تسعين وأجازوه، ومقروءاته كثيرة جداً لا تنحصر، ومن محفوظاته: الأربعين النواوية، والعقائد
النسفية، والمقنع في فقه الحنابلة، وجمع الجوامع في أصول الفقه، وألفية ابن مالك في النحو،
وتلخيص المفتاح في المعاني والبيان، والشاطبية في القراءات، ونور العيون في السير لابن سيد
الناس، وكان يحفظ القرآن الكريم، ويقرأ للسبعة مع التجويد، ونظم ونثر، وألف غير واحدة من
الرسائل المفيدة، منها رسالة تكلم فيها على آية الكرسي وهي مفيدة جداً، ومنها شرح مختصر الأنوار
المسمى نور الأبصار في فقه الشافعية، ومنها رسالة في اللغة، ومنها كتاب جليل جعله باسم باب
السلاطين، ورزق الحظ في زمانه، وسمعته يقول الأنس بالله نور ساطع والأنس بالناس سم قاطع،
رحمه الله! ومن غرائب الاتفاق أنه قال: حضرت بعض مجالس الوزراء فوقع الكلام في الاستفهام
الإنكاري فقال بعض أهل العلم، هذا كقوله تعالى "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون
الكتاب أفلا تعقلون" وأشار إلي بالتعريض، ففهمت منه ذلك فاستحضرت حينئذ وقلت مخاطباً له:
وقوله تعالى "أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على
بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون" فخجل ذلك الرجل.
قال الحضرمي: وكان والدي يسميه شيخ الإسلام، وكان جواداً، قال بعضهم: ما رأيت أسخى منه،
وقال آخر: ما أظن أحداً من الأشراف والعرب دخل الهند إلا وله عليه إحسان، وكان لا يمسك شيئاً،
ولذلك كان كثير الاستقراض، وكان يغلب عليه الحدة، وكان من شدة تواضعه لأصحابه ربما ينسبونه
إلى التملق، وكان له عقيدة مفرطة في السادة آل باعلوي، وذهب إلى حضرموت لزيارتهم فلقي
جماعة من أعيانهم وعادت عليه بركتهم ودخل الهند وأقام بها مدة مديدة، ثم رجع إلى وطنه مكة
المشرفة في سنة سبع وخمسين فحج ذلك العام وزار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم حج في السنة
التي تليها وعاد إلى الهند في سنة ستين وتسعمائة فأقام بها إلى أن توفي إلى رحمة الله، وصاحبه
الشيخ الفاضل عبد اللطيف الدبير مدحه بقصيدة منها قوله:
يا علامة الدنيا ويا عالم غداً يقصر عن غاياته في العلا البدر
ومن لاح مثل الصبح فضل كماله فضاء به الأقطار وافتخر العصر
ويا أيها البحر الخضم لعلمه وبالرفق للطلاب يا أيها البر
وفاكهة الدنيا ينهاه ذا الهنا وجمع علوم فاح من طيبها النشر
أب لسعادات وأصل محامد فمن أمه بالنجح آل كذا اليسر
تباهت له كجرات لما ثوى بها فإن فخرت يوماً يحق لها الفخر
توفي يوم الجمعة لتسع بقين من جمادي الأولى سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة بمدينة أحمد آباد فدفن
بها، كما في النور السافر.(4/404)
الشيخ محمد بن أحمد النهروالي
الشيخ العالم العلامة المحدث محمد بن أحمد بن محمد بن محمود الحنفي النهروالي المفتي قطب
الدين بن علاء الدين المكي صاحب الإعلام بأعلام بيت الله الحرام كان من العلماء المبرزين في
الحديث والفقه والأصلين والإنشاء والشعر.
ولد بلاهور سنة سبع عشرة وتسعمائة واشتغل على والده بالعلم، ورحل إلى مكة المشرفة وأخذ عن
الخطيب المعمر أحمد محب الدين بن أبي القاسم محمد العقيلي النويري المكي، وعن محدث اليمن
وجيه الدين عبد الرحمن بن علي الديبع الشيباني الزبيدي، وعن الشيخ شهاب الدين أحمد بن موسى
بن عبد الغفار المغربي الأصل ثم المصري نزيل الحرمين عن والده، والشيخ محمد بن محمد بن عبد
الرحمن الخطاب المالكي ووالده الشيخ محمد بن عبد الرحمن، وسار إلى مصر سنة ثلاث وأربعين
وتسعمائة واجتمع بها بأبي عبد الله محمد بن يعقوب العباسي المتوكل على الله المتوفي سنة خمسين
وتسعمائة صرح به في تاريخ مكة، قال: وقد اجتمعت به وأخذت عنه في رحلتي إلى مصر لطلب
العلم الشريف في سنة 943 وكانت مصر إذ ذاك مشحونة بالعلماء العظام، مملوءة بالفضلاء الفخام،
ميمونة بيمن بركات المشايخ الكرام، كأنها عروس، تتهادى بين أقمار وشموس.
ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلام
وذكر في تاريخ مكة أنه أخذ الطريقة عن الشيخ علاء الدين الكرماني النقشبندي المتوفي سنة تسع
وثلاثين وتسعمائة، لعله كان قبل رحلته إلى مصر.
وله سند عال لصحيح البخاري لا أعلم في الدنيا سنداً أعلى من ذلك السند، وذلك أنه يرويه عن أبيه
الشيخ علاء الدين أحمد بن محمد النهروالي عن الحافظ نور الدين أبي الفتوح أحمد بن عبد الله
الطاوسي الشيرازي عن الشيخ المعمر بابا يوسف الهروي عن محمد بن شاد بخت الفارسي الفرغاني
بسماعه لجميعه على الشيخ أبي لقمان يحيى بن عمار بن مقبل بن شاهان الختلاني وقد سمع جميعه
عن محمد ابن يوسف الفربري بسماعه عن أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رضي الله عنه،
قال الفلاني في قطب الثمر: وقد ذكر بعض أهل الفهارس أنه صح أن الشيخ قطب الدين محمد
النهروالي روى صحيح البخاري عن الحافظ نور الدين أبي الفتوح الطاوسي بلا واسطة والده، فيكون
بيني وبين البخاري ثمانية، فتقع لي ثلاثياته بإثنى عشر، فيكون شيخنا محمد كأنه سمع من الحافظ
ابن حجر بطريق الإجازة لأن أعلى ما عند الحافظ ابن حجر باعتبار الإجازة أن يكون بينه وبين
البخاري ستة أنفس، ولا أعلم في الدنيا سنداً أعلى من هذا السند الآن، قال وقال شيخ مشايخنا عبد
الخالق الزجاجي في نزهة رياض الإجازة: وهذه الطريقة لم تبلغ الحافظ ابن حجر ولا السيوطي،
لأنهما كانا بمصر والحافظ أبو الفتوح كان من رجال الثمانمائة وكان بأبرقوه مدينة بخراسان العجم،
وكان موصوفاً بالصلاح، سمع صحيح البخاري من محمد بن شاد بخت الفرغاني، وهذه الطريقة لم
تصل إلى الحرمين إلا مع أشياخ مشايخنا كالشيخ المعمر عبد الله بن سعد اللاهوري نزيل المدينة،
انتهى.
قلت: وقد ترجم له القاضي محمد بن علي الشوكاني في البدر الطالع قال: وكان يكتب الإنشاء
لأشراف مكة وله فصاحة عظيمة يعرف ذلك من اطلع على مؤلفه البرق اليماني في الفتح العثماني
وهو مؤلف الإعلام في أخبار بيت الله الحرام، وكان عظيم الجاه عند الأتراك لا يحج من كبرائهم إلا
وهو الذي يطوف به ولا يرتضون بغيره، وكانوا يعطونه العطاء الواسع فكان يشتري بما يحصله
منهم نفائس الكتب ويبذلها لمن يحتاجها، واجتمع عنده ما لم يجتمع عند غيره، وكان كثير التنزهات
في البساتين وكثيراً ما يخرج إلى الطائف ويصحب معه جماعة من العلماء والأدباء ويقوم بكفاية
الجميع، انتهى.
وقد ذكر المفتي قطب الدين صاحب الترجمة في تاريخ مكة أن مدرسة السلطان أحمد شاه الكجراتي
بمكة المباركة عند الحرم المحترم كانت بيده، وإني أظن أن والده علاء الدين أحمد بن محمد
النهروالي بعث إلى الحجاز وولي على تلك المدرسة، وبعد وفاته(4/405)
عادت التولية إلى ولده قطب الدين
المفتي، وهو سافر إلى قسطنطينية مرتين، مرة ثانية في سنة خمس وستين وتسعمائة فخلع عليه
السلطان سليمان بن سليم العثماني ملك الروم، ذكره في تاريخ مكة وقال: إن السلطان المذكور أسس
بمكة المشرفة المدارس الأربعة السليمانية، وعين وظائف المدرسين والطلبة وغير ذلك من أوقافه
بالشام، عين لكل خمسين عثمانياً في كل يوم وعين للمعيد أربعة عثمانية ولكل مدرس خمسة عشر
طالباً، لكل طالب عثمانيين وللفراش كذلك وللبواب نصف ذلك وأنعم بالمدرسة الحنفية السليمانية
على صاحب الترجمة بخمسين عثمانياً سنة خمس وسبعين وتسعمائة، قال: فأقرأت فيها قطعة من
الكشاف والهداية وقطعة من تفسير المفتي أبي السعود العمادي وأقرأت فيها درساً في الطب ودرساً
في الحديث وأصوله، وإني أدرس الآن فيها تكميل شرح الهداية لابن همام الذي كمله مولانا شمس
الدين أحمد قاضي زاده، وذكر في تاريخ مكة أن السلطان سليم بن سليمان العثماني أنعم عليه في أيام
ولاية عهده، قال: وكان يصل إلى إحسانه وكسوته في كل سنة، وبعد أن ولي السلطنة لم يقطع عادة
إحسانه، وكذلك ولده السلطان مراد كان ينعم قبل جلوسه على سرير الملك، وبعد أن ولي السلطنة
أكرمه بحسن التفاته إليه، فرقى ما بيده من المدرسة السليمانية وأضاف في وظيفته فصارت ستين
عثمانياً في كل يوم، وأنعم عليه وعلى أولاده بالتدريس، وهو الذي ولاه الإفتاء بمكة المباركة ولم يكن
بمكة مفت بعلوفة، فجعل له في ذلك من بيت المال خمسين عثمانياً في كل يوم، وولاه الخطابة في
الحرم الشريف وجعل له في ذلك أربعين عثمانياً في كل يوم، وأرسل إليه سنة سبع وتسعين
وتسعمائة من جملة ما أرسل إلى أهل مكة بصوفين من أصوافه الخاصة ومائة دينار، واستمر ذلك ما
بعدها في كل سنة، وأسس المدرسة العثمانية بالصفا وولاه التدريس وجعل له خمسين عثمانياً في كل
يوم، فكان يدرس فيها الفقه والحديث، كل ذلك بتوجه القاضي شمس الدين أحمد قاضي المعسكر
بولاية أناطولي، وكان نافذ الكلمة عند السلطان مراد، هذا ما ذكره صاحب الترجمة في تاريخه.
وأما مصنفاته فمن أحسنها كتابه الإعلام بأعلام بيت الله الحرام صنفه سنة خمس وثمانين وتسعمائة،
أوله الحمد لله الذي جعل المسجد الحرام حرماً آمناً ومثابة للناس، إلخ ومنها البرق اليماني في الفتح
العثماني تاريخ اليمن من سنة تسعمائة عند أول الفتح العثماني على يد الوزير سليمان باشا إلى أيام
المؤلف، ألفه للوزير سنان باشا ويسمى أيضاً الفتوحات العثمانية للأقطار اليمنية ومنها منتخب
التاريخ في التراجم، ومنها تمثال الأمثال النادرة أو التمثيل والمحاضرة بالأبيات المفردة النادرة ومنها
الكنز الأسمى في فن المعمى.
وله أبيات كثيرة بالعربية، ومن شعره قوله يمدح السلطان مراد بن سليم العثماني ملك الدولة
العثمانية:
إن سلطاننا مراد لظل ال له في الأرض باهر السلطان
ملك صار من مضى من ملوك ال أرض لفظاً وجاء عين المعاني
ملك وهو في الحقيقة عندي ملك صيغ صيغة الإنسان
ملك عادل فكل ضعيف وقوي في حكمه سيان
سيفه والمنون طرفا رهان لحلوق العدو يبتدران
كمل المسجد الحرام بناء فاق في العالمين كل المباني
هكذا هكذا وإلا فلا إنما الملك في بني عثمان
كانت وفاته في سنة تسعين وتسعمائة بمكة المكرمة، ودفن بالمعلاة.
الشيخ محمد بن إسحاق السندي
الشيخ العالم الصالح محمد بن إسحاق الحنفي السندي أحد العلماء العاملين، ولد ونشأ بهالا كنده قرية
من أعمال سيوستان من بلاد السند، وقرأ العلم(4/406)
على الشيخ عبد الرشيد السندي وفاق أقرانه في الفقه
والأصول والعربية.
وكان صالحاً تقياً ديناً، يتردد إلى الأمراء لشفاعة الناس ويتحمل المشقة في ذلك، وكان في عهد الجام
نظام الدين صاحب السند، كما في تحفة الكرام ولم أقف على سنة وفاته.
مولانا محمد بن تاج الكجراتي
الشيخ الفاضل العلامة محمد بن تاج الدين العمري الحنفي الكجراتي، أحد العلماء المتبحرين والأئمة
المحققين، كان من نسل الشيخ فريد الدين مسعود الأجودهني، لقبه مظفر شاه الحليم الكجراتي بتاج
العلماء، وكان كثير الدرس والإفادة، أخذ عنه خلق كثير من العلماء مات في سنة إحدى وثلاثين
وتسعمائة بمدينة أحمد آباد فدفن بها، ذكره محمد بن الحسن.
الشيخ محمد بن الحسن الجونبوري
الشيخ العالم الكبير محمد بن الحسن بن الطاهر العباسي الحنفي الجونبوري أحد كبار المشايخ، ولد
ونشأ بجونبور واشتغل بالعلم على من بها من العلماء، ثم سافر إلى دهلي وأخذ عن الشيخ إبراهيم بن
المعين الحسيني الإيرجي ولازمه مدة، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار، وأخذ الطريقة
الجيلية عن أحد مشايخ اليمن وسكن بطابة الطيبة، ولما وفد عليه الشيخ عبد الوهاب الحسيني
البخاري حرضه على رجوعه إلى الهند، فجاء معه وسكن بدهلي.
وكان شيخاً جليلاً كبير الشأن رفيع القدر شديد التعبد والتأله كثير الدرس والإفادة، أخذ عنه الشيخ
عبد الرزاق الجهنجهانوي والشيخ عبد الملك بن عبد الغفور الباني بتي وخلق كثير من العلماء
والمشايخ، له ديوان شعر، توفي لثلاث بقين من رجب سنة أربع وتسعمائة.
الشيخ محمد بن الحسن الكجراتي
الشيخ الفاضل محمد بن الحسن العمري الجشتي الشيخ شمس الدين الأحمد آبادي الكجراتي أحد كبار
المشايخ الجشتية، ولد بمدينة أحمد آباد سنة ست وخمسين وتسعمائة، وقرأ العلم على والده وصحبه
ولازمه، وأخذ عنه ما أخذ من العلم والمعرفة، وتولى الشياخة بعده فرزق حسن القبول، وكان يحضر
في أعراس المشايخ فيستمع الغناء بغير المزامير وتدمع عيناه عند السماع ويتكيف بكيفيات عجيبة،
مات يوم الأحد لليلة بقيت من ربيع الأول سنة ألف، كما في مرآة أحمدي.
مولانا محمد بن الحسن العلمي
الشيخ الفاضل الكبير محمد بن الحسن العلمي الأحمد نكري أحد العلماء المبرزين في العلوم الحكمية،
له حاشية على شرح هداية الحكمة للميبذي، صنفها في عهد حسين نظام شاه ملك أحمد نكر.
مولانا محمد بن الحسين اللاري
الشيخ الفاضل العلامة محمد بن الحسين اللاري الشيخ علاء الدين بن كمال الدين السنبهلي أحد
الأفاضل المشهورين في العلوم الحكمية، ولد ونشأ بأرض العراق، وقرأ العلم على العلامة جلال
الدين محمد بن أسعد الصديقي الدواني وقدم الهند، فاغتنم قدومه على قلي خان الشيباني وقربه إليه
وقرأ عليه بعض العلوم المتعارفة، ولما قتل علي قلي خان المذكور طلبه أكبر شاه التيموري إلى
آكره، فلما دخل الحضرة قصد اليمين وأرد أن يقوم فوق مكان الخان الأعظم، فمنعه ميرتوزك عن
ذلك وأمره أن يقوم موقف العلماء، فكبر عليه وقال: لعل العلم مهان في دياركهم، وخرج من الحضرة
فلم يحضر قط، ولكن السلطان لما كان مجبولاً على حب العلم وأهله أعطاه أربعة آلاف فدان من
الأرض الخراجية بناحية سنبهل، فسافر إليها وصرف عمره في الدرس والإفادة، ذكره بختاور خان
في مرآة العالم.
وقال البدايوني: إنه بنى عريشاً للمدرسة في آكره(4/407)
عند إقامته بها، فأرخوا لعام بنائه مدرسة خس
وكان ذلك سنة تسع وستين وتسعمائة، لعله بناه قبل رحلته إلى جونبور عند علي قلي خان الشيباني.
ومن الخطأ الفاحش ما قيل إنه توفي سنة تسع وستين وتسعمائة، لأنه كان في تلك السنة بمدينة آكره
ثم سار إلى جونبور وأقام بها إلى سنة أربع وسبعين وتسعمائة التي قتل فيها الشيباني ثم دخل آكره،
وبعد مدة يسيرة سار إلى سنبهل وسكن بها.
الشيخ محمد غوث الكواليري
الشيخ الكبير محمد بن خطير الدين بن عبد اللطيف بن معين الدين بن خطير الدين ابن أبي يزيد بن
الشيخ فريد الدين العطار الشطاري الكواليري المشهور بالشيخ محمد غوث كان من كبار المشايخ
الشطارية، ولد ونشأ بمدينة كواليار، وتلقى العلم عن صنوه فريد الدين أحمد العطاري وأخذ عنه علم
الدعوة والتكسير، واشتغل ببادية جناركده وسكن بمغاراتها اثنتي عشرة سنة يغتذي بها من أوراق
الأشجار، وأخذ الطريقة الشطارية عن الحاج المعمر حميد بن ظهير الشطاري ولازمه مدة ثم تولى
الشياخة، وقربه همايون شاه التيموري إليه وكان يأخذ عن علم الدعوة، فلما خرج همايون شاه إلى
إيران وولي المملكة شير شاه السوري أحس محمد غوث منه شراً فخرج إلى كجرات، وافتتن به
الناس وأنكر عليه العلماء في بعض ما صدر منه من ادعاء المعراج لنفسه، وأخرج من بلد إلى بلد
حتى قام بنصرته العلامة وجيه الدين العلوي الكجراتي، فسكن الضوضاء وحصل له القبول العظيم
في كجرات فأقام بها سنين، ولما رجع همايون شاه من إيران سنة إحدى وستين وتسعمائة رجع إلى
كواليار سنة ثلاث وستين وتسعمائة وتوفي همايون شاه قبل وصوله إلى بلاده، فمكث ببلدته زماناً، ثم
دخل آكره فأكرمه أكبر شاه، ولكن العلماء أنكروا عليه وخاصمه الشيخ عبد الصمد بن الجلال
الدهلوي الذي كان صداً في ذلك الزمان، فلم يحصل له ما يؤمله من أكبر شاه، فرجع إلى كواليار
وقنع بأقطاعه من الأرض، وكانت محاصلها تسعمائة ألف من النقود الفضية، وكان عنده أربعون
فيلا، ومن الخدم والحشم ما لا يحصى بحد وعد.
وكان شيخاً جليلاً وقوراً عظيم الهيبة ذا سخاء وإيثار وتواضع للناس، يسلم عليهم ويقوم لهم وينحني
كل الانحناء وقت التسليم سواء كان مسلماً أو وثنياً، وكذلك يرد التحية عليهم، ولذلك كان العلماء
ينكرون عليه، وكان لا يعبر عن نفسه بأنا وقت التكلم بل يقول: الفقير يقول كذا ويفعل كذا، ذكره
البدايوني.
وله مصنفات عديدة، أشهرها الجواهر الخمسة صنفه في بادية جناركده سنة تسع وعشرين وتسعمائة
وله اثنتان وعشرون سنة، ثم رتبه بترتيب جديد أحسن من الأول سنة ست وخمسين وتسعمائة، ومن
مصنفاته كليد مخازن رسالة عجيبة في المبدء والمعاد، ومنها الضمائر والبصائر في موضوع علم
التصوف ومباديه ومقاصده، ومنها بحر الحياة رسالة في أشغال الجوكية والسناسية طائفتين من
رهبان الهنود، ومنها المعراجية رسالة ادعى فيها المعراج لنفسه، ومنها كنز الوحدة في أسرار
التوحيد.
ومن فوائده في أسرار التوحيد أن الإيمان عند أهل الذوق على خمسة أقسام: الأول التكليفي وهو
الأعم من الكل ويشتمل على كل فرد من نوع الإنسان مؤمناً كان أو كافراً، والثاني التقليدي وهو عام
يعم كل مؤمن مقلداً كان أو محققاً، والثالث الاستدلالي خاص يختص به العلماء من المؤمنين، والرابع
الحقيقي أخص منه ويتصف به الأولياء منهم، والخامس العيني الذاتي وصاحبه مخصوص بالولاية
المحمدية وجالس على سرير الخلافة وناظر بعين البصيرة إلى الأحدية المطلقة وبعين الباصرة إلى
الكثرة بملاحظة الوحدانية المختصة، انتهى.
توفي يوم الإثنين لثلاث عشرة بقين من رمضان سنة سبعين وتسعمائة بمدينة آكره فنقلوا جسده إلى
كواليار.
الشيخ محمد بن خواجكي السدهوري
الشيخ الصالح محمد بن خواجكي بن علي بن خير الدين الأنصاري السدهوري، أحد رجال العلم
والطريقة، ولد ونشأ بسدهور، وقرأ العلم على أبيه ولازمه زماناً وأخذ عنه الطريقة، ثم لازم الشيخ
خاصة ابن خضر الصالحي الأميتهوي وأخذ عنه، وكان من العلماء الصالحين.(4/408)
الجمال محمد بن زين العرفي
الفاضل جمال الدين محمد بن زين الدين بن جمال الدين الشيعي الشيرازي الشاعر المشهور
بالعرفي، ولد ونشأ بشيراز، وقرأ العلم على أساتذة بلاده، وأقبل على الشعر إقبالاً كلياً حتى برع فيه،
وقدم الهند فتقرب إلى أبي الفيض بن المبارك الناكوري وصاحبه مدة ونال الخير منه، ثم تقرب إلى
الحكيم أبي الفتح الكيلاني ومدحه ببدائع القصائد، فشفع له الحكيم إلى عبد الرحيم ابن بيرم خان
وقربه إليه، فأنشأ في مدائحه القصائد ونال الصلات الجزيلة منه، وأنشأ في مديح أكبر شاه وولده ولم
يحصل له ما يؤلمه، لأن أبا الفضل ابن المبارك كان حائلاً دونه ودون آماله.
له رسالة نفسية فيما يتعلق بالنفس الناطقة، وله مزدوجة على منوال مخزون الأسرار للشيخ نظامي
الكنجوي، ومزدوجة على نهج شيرين خسرو الكنجوي المذكور، وله ديوان شعر، ومن شعره قوله:
كر كام دل بكريه ميسر شود ز دوست صد سال ميتوان بتمنا كريستن
توفي سنة تسع وتسعين وتسعمائة بمدينة لاهور فنقلوا عظامه إلى النجف، وله ست وثلاثون سنة.
الشيخ محمد شاه مير الحلبي
السيد الشريف محمد بن شاه مير بن علي بن مسعود بن أحمد بن صفي الدين ابن عبد الوهاب بن
الشيخ محي الدين عبد القادر الجيلاني الحلبي أحد المشايخ الجيلية، ولد ونشأ بمدينة حلب، وسافر إلى
العرب والإيران وبلاد الترك وخراسان وأرض الهند، وتشرف بالحج والزيارة غير مرة، وأقام ببلدة
لاهور مدة، وأقام بناكور مدة أخرى وبنى بها مسجداً، ثم سافر إلى البلاد ودخل بلدة حلب، ولبث بها
حتى مات والده، فرجع إلى الهند وسكن بمدينة أج سنة سبع وثمانين وثمانمائة وتولى الشياخة به ستاً
وثلاثين سنة تقريباً، مات سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، كما في أخبار الأخيار.
الشيخ محمد بن شمس الكجراتي
الشيخ الصالح محمد بن شمس الدين الشطاري الجانبانيري الكجراتي الشيخ صدر الدين الذاكر
البرودوي أحد المشايخ الشطارية، ولد ونشأ بجانبانير، وأدرك وهو في الخامس والعشرين من سنه،
فلازمه وسافر معه إلى كواليار وأخذ عنه الطريقة، واشتغل عليه بأعمال الجواهر الخمسة كلها، فلما
بلغ رتبة المشايخ استخلفه محمد غوث ورخصه إلى كجرات.
أخذ عنه أمان الله بن كمال الدين الكالبوي وعثمان بن لادن القرشي والشيخ مكنة المجرد والشيخ
جمال بن بهكاري - كلهم من أهل مندو - والشيخ محمود ابن الجلال وصنوه أحمد بن الجلال وخلق
كثير من أهل كجرات.
وكان صاحب وجد وحالة، انتقل من جانبانير بعد خرابها إلى بروده، ومات بها سنة تسع وثمانين
وتسعمائة، كما في كلزار أبرار.
الشيخ محمد بن طاهر الفتني
الشيخ الإمام العالم الكبير المحدث اللغوي العلامة مجد الدين محمد بن طاهر ابن علي الحنفي الفتني
الكجراتي صاحب مجمع بحار الأنوار في غريب الحديث الذي سارت بمصنفاته الرفاق واعترف
بفضله علماء الآفاق.
ولد سنة ثلاث عشرة وتسعمائة بفتن من بلاد كجرات ونشأ بها، وحفظ القرآن وهو لم يبلغ الحنث،
واشتغل بالعلم على أستاذ الزمان ملا مهته والشيخ الناكوري والشيخ برهان الدين السمهودي ومولانا
يد الله السوهي وعلى غيرهم من العلماء، ومكث كذلك نحو خمس عشرة سنة حتى برع في فنون
عديدة وفاق أقرانه في كثير منها، ورحل إلى الحرمين الشريفين سنة أربع وأربعين وتسعمائة فحج
وزار وأقام بها مدة، وأخذ عن الشيخ أبي الحسن البكري والشهاب أحمد بن حجر المكي والشيخ علي
بن عراق والشيخ جار الله بن فهد والشيخ عبيد الله السرهندي والسيد عبد الله العيدروس(4/409)
والشيخ
برخور دار السندي، ولازم الشيخ علي بن حسام الدين المتقي وأخذ عنه وذكره في مبدء كتابه مجمع
البحار ورجع إلى الهند وقصر همته عن التدريس والتصنيف، وكان طريقه الإشتغال بعمل المداد
إعانة لكتبة العلم بها.
قال الحضرمي في النور السافر: إنه كان على قدم من الصلاح والورع والتبحر في العلم، قال:
وبرع في فنون عديدة وفاق الأقران حتى لم يعلم أن أحداً من علماء كجرات بلغ مبلغه في فن
الحديث، كذا قاله بعض مشايخنا، قال: وورث عن أبيه مالاً جزيلاً فأنفقه على طلبة العلم الشريف،
وكان يرسل إلى معلم الصبيان ويقول: أي صبي حسن ذكاؤه وجيد فهمه أرسله إلي، فيرسل إليه
فيقول له: كيف حالك؟ فإن كان غنياً يقول له: تعلم، وإن كان فقيراً يقول له: تعلم ولا تهتم من جهة
معاشك، أنا أتعهد أمرك وجميع عيالك على قدر كفايتهم، فكن فارغ البال واجتهد في تحصيل العلم،
فكان يفعل ذلك بجميع من يأتيه من الضعفاء والفقراء ويعطيهم قدر ما وظفه، حتى صار منهم جماعة
كثيرة علماء ذوي فنون كثيرة، فأنفق جميع ماله في ذلك، وحكى أنه في أيام تحصيله قاسي من الطلبة
وغيرهم شدائد فنذر إن رزقه الله سبحانه علماً ليقومن بنشره ابتغاء لمرضاة الله سبحانه، فلما تم له
ذلك فعل كذلك وقام به احتساباً لله، فانتفع بتدريسه عوالم لا تحصى، رحمه الله وأعاد علينا من
بركاته، انتهى.
وكان رحمه الله من البوهرة المتوطنين بكجرات الذين أسلم أسلافهم على يد الشيخ علي الحيدري
المدفون بكنباية، ومضى لإسلامهم نحو سبعمائة سنة، وعامتهم يكسبون المعاش بالتجارة وأنواع
الحرف، كما يدل عليه اسم البوهرة، وهي مشتقة من بيوهار - بكسر الموحدة وسكون التحتية بعدها
هاء مفتوح والألف والراء المهملة - في لغة أهل الهند معناه التجارة، وهم في العقائد على مذهب
الشيعة الإسماعيلية وبعضهم سنيون، أرشدهم إلى طريق أهل السنة جعفر بن أبي جعفر الكجراتي
وكان إسماعيلياً هداه الله سبحانه فقام بنصر السنة جزاه الله عنا وعن سائر المسلمين! والشيخ محمد
بن طاهر نفعنا الله ببركاته كان من أهل السنة والجماعة.
ونقل القنوجي في إتحاف النبلاء عن بعض العلماء أنه كان صديقي النجار، واستدل عليه أن الشيخ
عبد القادر بن أبي بكر التوفي سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف كان مفتياً بمكة المشرفة وكان من أحفاد
الشيخ محمد بن طاهر صاحب الترجمة، وكان حامل راية العلم، له مصنفات جليلة، منها فتاواه في
أربع مجلدات، وكان الشيخ عبد الله بن طرفة الأنصاري الشافعي المكي أستاذه مدح تلميذه بقصيدة
غراء فيها ما يدل أنه كان صديقياً:
قد كان جد أبيك بل ضريحه من أوحد العلماء والفضلاء
أعني محمد طاهر من منجر ال صديق حققه بغير مراء
والحق الحقيق الذي بالقبول يليق أن الشيخ محمد بن طاهر نفعنا الله ببركاته كان هندي النجار،
صرح بذلك في مبدء كتابه تذكرة الموضوعات.
وكان رحمه الله عزم على دفع المهدوية وعهد أن لا يلوث على رأسه العمامة حتى تموت تلك
البدعة التي عمت بلاد كجرات وكادت أن تستولي على جميع جهاتها، فلما فتح أكبر شاه التيموري
بلاد كجرات سنة ثمانين وتسعمائة واجتمع بالشيخ محمد بن طاهر عممه بيده وقال له: على ذمتي
نصرة الدين وكسر الفرقة المبتدعة وفق إرادتك، وولي على كجرات مرزا عزيز الدين أخاه من
الرضاعة، فأعان الشيخ وأزال رسوم البدعة ما أمكن، فلما عزل مرزا عزيز وولي مكانه عبد الرحيم
بن بيرم خان اعتضد به المهدوية وخرجوا من الزوايا، فنزع الشيخ عمامته وسافر إلى آكره، وتبعه
جمع من المهدوية سراً وهجموا عليه في ناحية أجين فقتلوه.
وله مصنفات جليلة ممتعة أشهرها وأحسنها كتابه مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف
الأخبار في مجلدين كبيرين، جمع فيه كل غريب الحديث وما ألف فيه، فجاء كالشرح للصحاح الستة،
وهو كتاب متفق على قبوله بين أهل العلم منذ ظهر في الوجود، وله منة عظيمة بذلك العمل على
أهل العلم، ومنها تذكرة الموضوعات في مجلد كبير، ومنها(4/410)
المغني في أسماء الرجال.
توف سنة ست وثمانين وتسعمائة ببلدة أجين، فنقلوا جسده إلى فتن ودفنوه بمقبرة أسلافه.
محمد بن عادل البرهانبوري
الملك الفاضل محمد بن عادل بن نصير الفاروقي البرهانبوري ميران محمد شاه ملك برهانبور قام
بالملك بعد والده سنة ست وعشرين وتسعمائة، وافتتح أمره بالعقل والسكون، وكان سبط السلطان
مظفر شاه الحليم الكجراتي، ولذلك اختص بخاله بهادر شاه أيام سلطنته بكجرات، وكان بهادر شاه
يجلسه معه على السرير، وفي حادثة عماد الملك الكاويلي رفع شأنه بالمظلة وخاطبه بالسلطة محمد
شاه وهو أول أهله سلطاناً، وبعد بهادر شاه أجمع ملوك كجرات على سلطنته وكان بمدينة برهانبور،
فطلبوه إليها وبعثوا إليها التاج المكلل والمظلة، فمات في الطريق بالقرب من جده، فرجعوا به إلى
ملكه ودفنوه بجانب أبيه في القبة، وذلك في أوائل سنة أربع وأربعين وتسعمائة.
وما في تاريخ فرشته أنه مات سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة فهو بعيد عن الصواب، لأنك تعلم أن
بهادر شاه قتل في رمضان سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة فليحفظ.
الشيخ محمد بن عاشق الجرياكوثي
الشيخ الفاضل محمد بن عاشق محيي الدين العباسي الجرياكوثي أحد الفقهاء الحنفية، ولد ونشأ
بجرياكوث وقرأ العلم على أساتذة بلاده، ثم تصدر للتدريس، وأسس مدرسة عظيمة بجرياكوث، له
مصنفات، منها التفسير المحمدي والجواهر العربية في الفنون الأدبية وله حاشية التلويح في
الأصول، والكوكب الدري في المواريث.
توفي سنة اثنتين وسبعين وتسعمائة، ذكره أحمد المكرم الجرياكوثي في تاريخه.
الشيخ محمد بن عبد الرحيم العمودي
الشيخ العلامة جمال الدين محمد بن عبد الرحيم بن محمد العمودي المتوفي بأحمد آباد، ذكره الشيخ
عبد القادر الحضرمي في النور السافر قال: إن جده محمد أخو الشيخ العلامة أحمد العمودي وهما ابن
الشيخ الكبير العلامة الشهير الفقيه عثمان بن محمد العمودي نفع الله بهم الحضرمي، وكان حسن
الأخلاق كريم النفس كثير التواضع محبباً إلى الناس ذا وجاهة عظيمة وقبول عند الخاص والعام.
وكانت وفاته في ليلة السبت ثاني عشر من رجب سنة أربع وثمانين وتسعمائة بأحمد آباد فدفن بها.
الشيخ محمد بن عبد العزيز المليباري
الشيخ الفاضل محمد بن عبد العزيز الكليكوتي المليباري أحد العلماء المشهورين في بلاده، له الفتح
المبين للسامري الذي يحث المسلمين أرجوزة في نحو خمسمائة بيت عن واقعة زاموري بين
البرتكاليين والهنود سنة ثلاث وتسعمائة، منه نسخة في المكتبة الهندية بلندن، كما في تاريخ آداب
اللغة العربية.
الشيخ محمد بن عبد القدوس الكنكوهي
الشيخ العالم الكبير محمد عبد القدوس بن إسماعيل بن صفي بن نصير الحنفي الردولوي الشيخ
ركن الدين محمد الكنكوهي، كان من المشايخ المشهورين في الطريقة الجشتية، قرأ العلم على الشيخ
فتح الله بن نصير الدين الدهلوي والسيد أحمد الحسيني الملتاني والشيخ إبراهيم بن المعين الحسيني
الإيرجي، ولازم أباه وأخذ عنه الطريقة الجشتية وغيرها من الطرق المشهورة، فإن أباه كان جامع
السلاسل، وأخذ الطريقة القادرية عن الشيخ إبراهيم المذكور، وتولى الشياخة بعد والده بمدينة كنكوه،
أخذ عنه الشيخ عبد الأحد بن زين العابدين العمري السرهندي وخلق كثير.
وله مصنفات، منها مرج البحرين واللطائف القدوسية والمكتوبات مات سنة اثنتين وسبعين، وقيل:
ثلاث وثمانين، وتسعمائة بمدينة كنكوه، وقبره مشهور.
الشيخ محمد بن عبد الملك الخالدي
الشيخ المجود الفقيه محمد بن عبد الملك الخالدي(4/411)
أحد القراء المشهورين في عصره، قرأ الكتب
الدرسية على والده، وأخذ عنه القراءة والتجويد واجتهد فيها، ثم تلقى الذكر عنه واستفاض من
روحانية الشيخ عبد القادر الجيلاني، ثم صرف عمره في الدرس والإفادة مع حفظ الأنفاس والتوكل
والعفاف والقناعة باليسير، ولم يمد يده إلى أحد من الملوك والأمراء قط.
مات في رابع عشر من رجب سنة أربع وثمانين وتسعمائة ببلدة آكره، ذكره محمد بن الحسن في
كلزار أبرار.
الشيخ محمد بن عبد الوهاب الدهلوي
الشيخ العالم الصالح محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن رفيع الدين الحسيني البخاري الدهلوي أحد
العلماء المشهورين في الهند، أخذ عن والده وعن الشيخ عبد الله القرشي الملتاني، وأخذ عنه الشيخ
عبد العزيز بن الحسن العباسي الدهلوي وخلق كثير من العلماء، وكان كثير الدرس والإفادة كريم
النفس حسن الأخلاق كثير التواضع شديد التعبد والتأله والخشية لله سبحانه.
مات يوم الأحد لثلاث بقين من شعبان سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة بدهلي، وأرخ لعام وفاته بعض
الناس شيخ هادي بود ذكره السهارنبوري.
الشيخ محمد بن علي الحشيري
الشيخ الكبير جمال الدين محمد بن علي الحشيري الكجراتي أحد المشايخ المشهورين، ذكره الشيخ
عبد القادر في النور السافر قال: إنه رزق القبول في حركاته وسكناته، وحصلت له شهرة عظيمة،
ورويت عنه كرامات، ولا يقدح في جلالته ذم بعض العلماء له ونقصهم إياه بحسب ما ظهر لهم من
أموره من غير نظر إلى خصوصيته، فقد قيل: المعاصر لا يناصر، ولا زالت الأكابر على هذا،
وفيما يقع التحريفات والشطحيات له أسوة بغيره من الصوفية، كما أن للمنكرين أسوة بغيرهم، وحمل
ما يصدر منه من الأحوال الغريبة على أحسن المحامل أولى، وحسن الظن أحسن، وبنو حشير أهل
صلاح وولاية، ونسبهم في بني ذهل بن عامر بطن من عك بن عدنان - وهو بفتح الهاء وتشديد
اللام - كذا ضبطه الجندي، وأما خرقتهم فهي تعود إلى الولي الكبير والعلم الشهير قطب الزمن
وبهجة اليمن شمس الشموس أبي الغيث بن جميل اليمني، قال: وكانت وفاته ليلة الأحد سابع عشر
ربيع الثاني سنة ألف.
الشيخ محمد بن علي السمرقندي
الشيخ الفاضل محمد بن علي بن محمد المسكيني القاضي السمرقندي المشهور بالفاضل، قدم الهند
في عهد همايون شاه التيموري، وصنف له جواهر العلوم في مائة كراريس على نهج نفائس الفنون
للعاملي، أوله فاضل ترين منظومات جواهر العلوم، إلخ.
الشيخ محمد بن عمر بحرق الحضرمي
الشيخ العلامة المحدث جمال الدين محمد بن عمر بن مبارك بن عبد الله بن علي الحميري
الحضرمي الشافعي الشهير ببحرق، كان من العلماء المحققين والفضلاء المدققين، ذكره محمد بن
عمر الآصفي في ظفر الواله قال: كان مولده في ليلة النصف من شعبان سنة تسع وستين وثمانمائة
بحضرموت، ونشأ فيها وأخذ عن علمائها، وارتحل إلى زبيد وأخذ عن علمائها، الحديث عن زين
الدين محمد ابن عبد اللطيف الشرجي، والأصول عن الفقيه جمال الدين محمد بن أبي بكر الصائغ،
ولبس الخرقة عن السيد حسين الأهدل، وصحب فخر الدين قطب وقته شمس الشموس الشيخ أبا بكر
بن العفيف العيدروس قدس الله سرهما ونفع بهما، وحج في سنة أربع وتسعين وثمانمائة فسمع من
شمس الدين الحافظ السخاوي وسلك في التصوف، ومما يحكى عنه أنه قال: دخلت الأربعينة بزبيد
فما أتممتها إلا وأنا أسمع أعضائي تذكر الله سبحانه كلها.
وكان محسناً إلى الطلبة غاية في الكرم مؤثراً محباً لأهل الخير رجاعاً إلى الحق، وتولى القضاء
بالشحر، وعزل نفسه ثم عزم إلى عدن وحصل له قبول وجاه عند أميرها مرجان العامري، وبعده
عزم إلى الهند ووفد على سلطانها مظفر بن محمود بيكره، فعظمه وقام به وقدمه ووسع عليه والتفت
إليه وأدناه منه وأخذ عنه، فاشتهر(4/412)
بجاهه، وصنف له تبصرة الحضرة الشاهية الأحمدية بسيرة
الحضرة النبوية الأحمدية وكتاب الحسام المسلول على مبغضي أصحاب الرسول وترتيب السلوك إلى
ملك الملوك ومتعة الأسماع بأحكام السماع المختصر من كتاب الإمتاع، ومواهب القدوس في مناقب
العيدروس واختصر شرح لامية العجم للصفدي وكان ممن أخذ عنه بحضرموت الفقيه محمد بن أحمد
باجرفيل، ولازم بعدن عبد الله بن أحمد مخرمة، وله مقاطيع حسنة، منها:
أنا في سلوة على كل حال إن أباني الحبيب أو أتاني
أغنم الوصل إن دنا في أمان وإذا نأى أعش بالأماني
قال: نقله فيما ذيله جار الله بن فهد عليه الرحمة، ومن قوله:
يا من أجاد غداة أنشد مقولاً وأفاد من إحسانه وتفضلا
إن كنت ممتحني بذاك فإنني لست الهيوبة حيثما قيل انزلا
وإذا تبادرت الجياد بحلبة يوم النزال رأيت طرفي أولا
قسماً بآيات البديع وما حوى من صنعتيه موشحاً ومسلسلا
لو كنت مفتخراً بنظم قصيدة لبنيت في هام المجرة منزلا
من كل قافية يروق سماعها ويعيد سحبان الفصاحة باقلا
وترى لبيدكم بليداً قلبه حصراً وينقلب الفرزدق أخطلا
وعلى جرير نجر مطرف تيهنا ومهلهلا نبديه نسج مهلهلا
ولئن تنبى ابن الحسين فإنني سأكون في تلك الصناعة مرسلا
أظننت أن الشعر يصعب صوغه عندي وقد أضحى لدي مذللا
أبدي العجائب إن برزت مفاخراً أو مادحاً للقوم أو متغزلا
لكنني رجل أصون بضاعتي عمن يساوم بخسها متبذلا
وأرى من الجرم العظيم خريدة حسناء تهدى لللئيم وتنحلى
ما كنت أحسب عقرباً تحتك بال أفعى ولا جذعاً يزاحم بزلا
وأنا الغريب وأنت ذلك بيننا رحم يحق لمثلها أن توصلا
وذكره السخاوي في الضوء اللامع قال: وصاهر صاحبنا حمزة الناشري على ابنته وأولدها، وتولع
بالنظم ومدح عامر بن عبد الوهاب حين شرع ببناء مدارس بزبيد والنظر فيها، وكان من أولها
أنشدنيه حين لقيه بمكة وأخذه علي وكان قدومه ليلة الصعود فحج حجة الإسلام وأقام قليلاً ثم رجع
كان الله له:
أبى الله إلا أن تحوز المفاخر فسماك من بين البرية عامراً
عمرت رسوم الدين بعد دروسها فأحييت آثار الإله الدواثرا
فأنت صلاح الدين لا شك هكذا شواهده تبدو عليك ظواهراً
وذكره الحضرمي في النور السافر في ترجمة السلطان محمود بن محمد الكجراتي وذكر من
مصنفاته غير ما ذكر الآصفي الأسرار النبوية في اختصار الأذكار النواوية وذخيرة الاخوان
المختصر من كتاب الاستغناء بالقرآن والنبذة المنتخبة في كتاب الأوائل للعسكري، والمتعة
المختصرة في الخصال المكفرة للذنوب المقدمة والمؤخرة والحديقة الأنيقة بشرح العروة الوثيقة
والحواشي المفيدة على أبيات اليافعي في العقيدة قال: وذكر في كتابه ترتيب السلوك أن له على أبيات
الشيخ عبد الله بن سعد اليافعي ثلاثة(4/413)