الشيء مع امرأته، وهو وإياها في ثوب واحد، تخوفا أن ينزل فيهم شيء من القرآن [ (1) ] ، وهذا يؤيد حديث أبي شهم ويقويه.
وأما إطلاعه صلّى اللَّه عليه وسلّم على شاة دعي لأكلها وهو يأكلها أنها أخذت بغير حق
فخرّج أبو داود من حديث عاصم بن كليب، عن أبيه، عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في جنازة فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو على القبر يوصي الحافر: أوسع من قبل رجليه أوسع من قبل رأسه، فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء، وجيء بالطعام فوضع يده، ثم وضع القوم فأكلوا فنظر آباؤنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يلوك لقمة في فيه، ثم قال: أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها، فأرسلت المرأة: يا رسول اللَّه إني أرسلت إلى البقيع تشتري لي شاة، فلم توجد، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل بها إليّ بثمنها فلم يوجد، فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إليّ بها. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أطعميه للأسارى [ (2) ] .
وخرّج الإمام أحمد [ (3) ] من حديث حماد، عن حميد، عن أبي المتوكل، عن جابر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه مروا بامرأة فذبحت لهم شاة واتخذت لهم طعاما فلما رجع قالت: يا رسول اللَّه إنا اتخذنا لكم طعاما فادخلوا فكلوا، فدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه- وكانوا لا يبدءون حتى يبتدئ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- فأخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لقمة فلم يستطع أن يسيغها، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذه الشاة ذبحت بغير إذن أهلها؟
فقالت المرأة: يا رسول اللَّه إنا لا نحتشم من آل سعد بن معاذ ولا يحتشمون منا، فنأخذ منهم ويأخذون منا.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 307.
[ (2) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 310، باب امتناع النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم عن أكل الشاة التي أخذت بغير إذن مالكها، وما ظهر في ذلك من حفظ اللَّه- تعالى- رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم عن أكل الحرام.
[ (3) ] (مسند أحمد) : 4/ 316، حديث رقم (14371) من مسند جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.(14/112)
وعند النسائي بعضه، وخرّجه الحاكم [ (1) ] بطوله من حديث حماد به نحوه وقال: حديث صحيح على شرط مسلم.
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 262، كتاب الذبائح، حديث رقم (7579) ، وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : على شرط مسلم.(14/113)
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بوقعة ذي قار في يوم الوقعة وأن نصرة العرب على فارس كانت به [ (1) ]
ذكر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه لما بلغه ما كان من هزيمة ربيعة جيش كسرى، قال: هذا أول يوم انتصف العرب من العجم، وبي نصروا.
وهو يوم قراقر، ويوم الجبابات، ويوم ذي العجرم، ويوم الغذوان، ويوم البطحاء، بطحاء ذي قار، وكلهن حول ذي قار.
فحدثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، قال: حدثني أبو المختار فراس ابن خندق- أو خندقة- وعدة من علماء العرب قد سماهم، أن الّذي جر يوم ذي قار، قتل النعمان بن المنذر اللخمي عدي بن زيد العبادي، وكان عدي من تراجمة أبرويز كسرى بن هرمز.
وكان سبب قتل النعمان بن المنذر عدي بن زيد، ما ذكر لي عن هشام بن محمد، قال: سمعت إسحاق بن الجصاص- وأخذته من كتاب حماد وقد ذكر أبي بعضه- قال: ولد زيد بن حماد بن زيد بن أيوب بن مجروف بن عامر بن عصية بن امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم ثلاثة: عديا الشاعر، وكان جميلا شاعرا خطيبا، وقد قرأ كتب العرب والفرس، وعمارا- وهو أبي- وعمرا- وهو سمي- ولهم أخ من أمهم، يقال له عدي بن حنظلة من طيِّئ، وكان عمار يكون عند كسرى، فكان أحدهما يشتهي هلاك عدي بن زيد، وكان الآخر يتدين في نصرانيته، وكانوا أهل بيت يكونون مع الأكاسرة لهم معهم أكل [ (2) ] وناحية، يقطعونهم القطائع، [ويجزلون صلاتهم] [ (3) ] ، وكان المنذر بن المنذر لما ملك جعل ابنه النعمان في حجر عدي، فهم الذين أرضعوه [وربوه، وكان المنذر ابن آخر يقال له «الأسود» ، أمه مارية بنت الحارث بن جلهم من تيم الرباب، فأرضعه] [ (4) ] ، ورباه قوم من أهل الحيرة يقال لهم: بنو
__________
[ (1) ] سياق هذا الفضل مضطرا في (الأصل) واستدركناه من (تاريخ الطبري) و (الكامل في تاريخ لابن الأثير) .
[ (2) ] الأكل هنا: الرزق، يقال: فلان ذو أكل، إذا كان ذا رزق وحظ واسع في الدنيا.
[ (3) ] تكملة من الأغاني فيما رواه عن هشام الكلبي.
[ (4) ] تكملة من الأغاني فيما رواه عن هشام الكلبي.(14/114)
مرينا، ينسبون إلى لخم، وكانوا أشرافا. وكان للمنذر بن المنذر سوى هذين من الولد عشرة، وكان يقال لولده كلهم الأشاهب [ (1) ] ، من جمالهم، فذلك قول الأعشى:
وبنو المنذر الأشاهب بالحيرة ... يمشون غدوة بالسيوف
وكان النعمان أحمر أبرش [ (2) ] قصيرا، وكانت أمه يقال لها: سلمى بنت وائل بن عطية الصائغ من أهل فدك، وكانت أمة للحارث بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب من كلب، وكان قابوس بن المنذر الأكبر عم النعمان وإخوته، بعث كسرى بن هرمز بعديّ بن زيد وإخوته، فكانوا في كتّابه يترجمون له، فلما مات المنذر بن المنذر، وترك ولده هؤلاء الثلاثة عشر، جعل على أمره كله إياس بن قبيصة الطائي [وملكه على الحيرة إلى أن يرى كسرى رأيه] فكان عليه أشهرا، وكسرى في طلب رجل يملكه على العرب، ثم إن سكره بن هرمز دعا عدي بن زيد، فقال له: من بقي من بني المنذر؟ وما هم؟ وهل فيهم خير؟ فقال: بقيتهم في ولد هذا الميت المنذر بن المنذر، وهم رجال، فقال: ابعث إليهم، فكتب فيهم فقدموا عليه، فأنزلهم على عدي ابن زيد، فكان عدي يفضل إخوة النعمان عليه في النزل، وهو يريهم أنه لا يرجوه، ويخلو بهم رجلا رجلا، ويقول لهم: إن سألكم الملك:
أتكفونني العرب؟ فقولوا: نكفيكهم إلا النعمان، وقال للنعمان: إن سألك الملك: عن إخوتك فقل له: إن عجزت عنهم، فأنا عن غيرهم أعجز، وكان من بني مرينا رجل يقال له عدي بن أوس بن مرينا، وكان ماردا شاعرا، وكان يقول للأسود [بن المنذر] [ (3) ] : إنك قد عرفت أني لك راج، وأن طلبتي ورغبتي إليك أن تخالف عديّ بن زيد، فإنه واللَّه لا ينصح لك أبدا، فلم يلتفت إلى قوله.
فلما أمر كسرى عدي بن زيد أن يدخلهم عليه، جعل يدخلهم عليه، جعل يدخلهم عليه رجلا رجلا، فيكلمه، فكان يرى رجالا فلما رأى مثلهم، فإذا
__________
[ (1) ] قال في (القاموس) : «والأشاهب بنو المنذر لجمالهم» ، وقال شارحه: «سموا بذلك لبياض وجوههم» .
[ (2) ] الأبرش: الأرقط، وهو الّذي يكون فيه بقعة بيضاء وأخرى أي لون كان.
[ (3) ] زيادة للسياق من (ابن الأثير) .(14/115)
سألهم هل تكفونني ما كنتم تلون؟ قالوا: نكفيك العرب إلا النعمان. فلما دخل عليه النعمان رأى رجلا دميما فكلمه، وقال له: أتستطيع أن تكفيني العرب؟
قال: نعم، قال: فكيف تصنع في بإخوتك؟ قالوا: إن عجزت عنهم فأنا عن غيرهم أعجز. فمكله وكساه، وألبسه تاجا قيمته ستون ألف درهم، فيه اللؤلؤ والذهب. فلما خرج- وقد ملك- قال عدي بن أوس بن مرينا للأسود: دونك فإنك قد خالفت الرأى.
ثم إن عديّ بن زيد صنع طعاما في بيعة، ثم أرسل إلى ابن مرينا أن ائتني بمن أحببت، فإن لي حاجة، فأتاه في ناس فتغدّوا في البيعة، وشربوا، وقال عديّ [بن زيد] لعدي بن مرينا: يا عدي إن أحق من عرف الحق، ثم لم يلم عليه، من كان مثلك، أنى قد عرفت أن صاحبك الأسود بن المنذر كان أحب إليك أن يملك من صاحبي النعمان، فلا تلمني على شيء كنت على مثله، وأنا أحب ألا تحقد عليّ شيئا لو قدرت عليه ركبته، وأنا أحب أن تعطيني من نفسك ما أعطيتك من نفسي، فإن نصيبي من هذا الأمر ليس بأوفر من نصيبك، فقام عديّ بن زيد إلى البيعة فحلف ألا يهجوه ولا يبغيه غائلة أبدا، ولا يزوي عنه خبرا أبدا، فلما فرغ عديّ بن زيد قام عدي بن مرينا، فحلف على مثل يمينه ألا يزال يهجوه أبدا، ويبغيه الغوائل ما بقي، وخرج النعمان حتى نزل منزله بالحيرة، فقال عديّ بن مرينا لعديّ بن زيد فقال فيه شعرا.
وقال عدي بن مرينا للأسود: [أما] إذ لم تظفر فلا تعجز أن تطلب بثأرك من هذا المعدى، الّذي عمل بك ما عمل فقد كنت أخبرك أن معدا لا ينام مكرها، أمرتك أن تعصيه فخالفتني، قال: فما تريد؟ قال: أريد ألا يأتيك فائدة من مالك وأرضك إلا عرضتها عليّ، ففعل.
وكان ابن مرينا كثير المال والضيعة، فلم يك في الدهر يوم إلا على باب النعمان هدية من ابن مرينا، فصار من أكرم الناس عليه، وكان لا يقضي في ملكه شيئا إلا بأمر عدي بن مرينا، وكان إذا ذكر عدي بن زيد عنده أحسن عليه الثناء، وذكر فضله، وقال: إنه لا يصلح المعدي إلا أن يكون فيه مكر وخديعة، فلما رأى من يطيف بالنعمان منزلة ابن مرينا عنده لزموه وتابعوه، فجعل يقول لمن يثق به من أصحابه: إذا رأيتموني أذكر عديّ بن زيد عند الملك بخير فقولوا: إنه لكما تقول، ولكنه لا يسلم عليه أحد، وإنه ليقول: إن الملك- يعني النعمان- عامله، وإنه ولاه ما ولاه، فلم يزالوا بذلك حتى(14/116)
أضغنوه عليه، وكتبوا كتابا على لسان عدي إلي قهرمان [ (1) ] لعدي، ثم دسوا له، حتى أخذوا الكتاب، ثم أتى به النعمان فقرأه، فأغضبه، فأرسل إلى عدي بن زيد: عزمت عليك إلا زرتني، فإنّي قد اشتقت إلى رؤيتك! وهو عند كسرى فاستأذن كسرى، فأذن له، فلما أتاه لم ينظر إليه حتى حبس في محبس لا يدخل عليه فيه أحد، فجعل عدي بن زيد يقول الشعر وهو في السجن، فكان أول ما قال في السجن من الشعر:
ليت شعري عن الهمام ويأتيك ... بخبر الأنباء عطف السؤال
فقال أشعارا، وكان كلما قال عدي من الشعر، بلغ النعمان وسمعه ندم على حبسه إياه، فجعل يرسل إليه ويعده ويمنيه ويفرق أن يرسله فيبغيه الغوائل، فقال عدي:
أرقت لمكفهر بات فيه ... بوارق يرتقين رءوس شيب
وقال أيضا:
«طال ذا الليل علينا واعتكر
[ (2) ] » وقال أيضا:
«ألا طال الليالي والنهار»
وقال حين أعياه ما يتضرع إلى النعمان أشعارا، يذكره فيها الموت، ويخبره من هلك من الملوك قبله، فقال:
«أرواح مودع أم بكور [ (3) ] »
وأشعارا كثيرة.
قال: وخرج النعمان يريد البحرين، فأقبل رجل من غسان، فأصاب في الحيرة ما أحب. ويقال: الّذي أغار على الحيرة فحرق فيها، جفنة بن النعمان الجفني، فقال عدي:
__________
[ (1) ] القهرمان: أمين الملك وخاصته، فارسي معرب، ويطلق في لغة الفرس على القائم بأمور الرجل، كالخازن والوكيل.
[ (2) ] وعجزه: وكأنى ناذر الصبح سمره.
[ (3) ] وعجزه: لك فاعمد لأى حال تصير.(14/117)
سما صقر فأشعل جانبيها ... وألهاك المروح والعزيب [ (1) ]
فلما طال سجن عدي كتب إلى أخيه أبي، وهو مع كسرى بشعر فقال فيه شعرا.
فزعموا أن أبيا لما قرأ كتاب عدي قام إلى كسرى فكلمه، فكتب وبعث معه رجلا، وكتب خليفة النعمان إليه: إنه قد كتب إليك [في أمره] ، فأتاه أعداء عدي من بني بقيلة [ (2) ] من غسان، فقالوا: اقتله الساعة، فأبى عليهم وجاء الرجل، وقد تقدم أخو عدي إليه ورشاه، وأمره أن يبدأ بعدي، فدخل عليه وهو محبوس بالصنين، فقال: ادخل عليه فانظر ما يأمرك به، فدخل الرسول على عدي، فقال: إني قد جئت بإرسالك، فما عندك؟ قال: عندي الّذي تحب، ووعده عدة، وقال: لا تخرجن من عندي، وأعطنى الكتاب حتى أرسل به، فإنك واللَّه إن خرجت من عندي لأقتلن، فقال: لا أستطيع إلا أن آتى الملك بالكتاب، فأدخله عليه، فانطلق مخبر حتى أتى النعمان، فقال: إن رسول كسرى قد دخل على عدي وهو ذاهب به، وإن فعل واللَّه لم يستبق منا أحدا، أنت ولا غيرك. فبعث إليه النعمان أعداءه فغموه حتى مات، ثم دفنوه.
ودخل الرسول على النعمان بالكتاب، فقال: نعم وكرامة! وبعث إليه بأربعة آلاف مثقال وجارية، وقال له: إذا أصبحت فادخل عليه، فأخرجه أنت بنفسك،. فلما أصبح ركب، فدخل السجن، فقال له الحرس: إنه قد مات منذ أيام، فلم نجترئ على أن نخبر الملك للفرق منه، وقد علمنا كراهته لموته.
فرجع إلى النعمان فقال: إني قد دخلت عليه وهو حي، [وجئت اليوم فجحدني السجان وبهتني. وذكر له أنه قد مات منذ أيام] فقال له النعمان: يبعثك الملك إلي فتدخل إليه قبلي! كذبت، ولكنك أردت الرشوة والخبث.
فتهدده، ثم زاده جائزة وأكرمه، واستوثق منه ألا يخبر كسرى، إلا أنه قد مات قبل أن يقدم عليه.
فرجع الرسول إلى كسرى، فقال: إنه قد مات قبل أن أدخل عليه، وندم النعمان على موت عدي، واجترأ أعداء عدي على النعمان، وهابهم النعمان هيبة شديدة، فخرج النعمان في بعض صيده ذات يوم، فلقى ابنا لعدي، يقال
__________
[ (1) ] المروح: الإبل المروحة إلى أعطافها، والعزيب ما ترك في مراعيه، وانظر بقية الأبيات في رواية الأغاني.
[ (2) ] بقيلة: بطن من الحيرة.(14/118)
له زيد، فلما رآه عرف شبهه، فقال: من أنت؟ قال: أنا زيد بن عدي بن زيد فكلمه فإذا غلام ظريف، فرح به فرحا شديدا، وقربه وأعطاه، واعتذر إليه من أمر أبيه وجهزه، ثم كتب إلى كسرى: إن عديا كان ممن أعين به الملك في نصحه ولبه، فأصابه ما لا بد منه، وانقضت مدته، وانقطع أكله، ولم يصب به أحد أشد من مصيبتي، وأما الملك فلم يكن ليفقد رجلا إلا جعل اللَّه له منه خلفا، لما عظم اللَّه له من ملكه وشأنه، وقد أدرك له ابن ليس من دونه، وقد سرحته إلى الملك، فإن رأى الملك أن يجعله مكان أبيه، فليفعل.
فلما قد الغلام على كسرى جعله مكان أبيه، وصرف عمه إلى عمل آخر، فكان هو الّذي يلي ما كتب به إلى أرض العرب، وخاصة الملك. وكانت له من العرب وظيفة موظفة في كل سنة: مهران أشقران والكمأة الرطبة في حينها واليابسة، والأقط والأدم وسائر تجارات العرب، فكان زيد بن عدي بن زيد يلي ذلك، وكان هذا عمل عدي.
فلما وقع عند الملك بهذا الموقع، سأله كسرى عن النعمان، فأحسن عليه الثناء، فمكث سنوات بمنزلة أبيه، وأعجب به كسرى، وكان يكثر الدخول عليه، وكانت لملوك الأعاجم صفة من النساء مكتوبة عندهم، فكانوا يبعثون في تلك الأرضين بتلك الصفة، [فإذا وجدت حملت إلى الملك] غير أنهم لم يكونوا يتناولون أرض العرب بشيء من ذلك، ولا يريدونه. فبدأ الملك في طلب النساء فكتب بتلك الصفة، ثم دخل على كسرى فكلمه فيما دخل فيه، ثم قال: إني رأيت الملك كتب في نسوة يطلبن له، فقرأت الصفة، وقد كنت بآل المنذر عالما، وعند عبدك النعمان من بناته وبنات عمه وأهله أكثر من عشرين.
امرأة على هذه الصفة. قال: فتكتب فيهن. قال: أيها الملك، إن شر شيء في العرب وفي النعمان [خاصة] أنهم يتكرمون- زعموا في أنفسهم- عن العجم، فأنا أكره أن يغيبهن [عمن تبعث إليه، أو يعرض عليه غيرهن] وإن قدمت أنا عليه لم يقدر أن يغيبهن، فابعثنى وابعث معى رجلا من حرسك يفقه العربية، [حتى أبلغ ما تحبه] فبعث معه رجلا جليدا، فخرج به زيد، فجعل يكرم ذلك الرجل ويلطفه حتى بلغ الحيرة.
فلما دخل عليه أعظم الملك، وقال: إنه قد احتاج إلى نساء لأهله وولده، وأراد كرامتك [بصهره] ، فبعث إليك. فقال: وما هؤلاء النسوة؟ فقال: هذه صفتهن قد جئنا بها.(14/119)
وكانت الصفة أن المنذر الأكبر أهدى إلى أنوشروان جارية، كان أصابها إذا أغار على الحارث الأكبر الغساني بن أبى شمر، فكتب إلى أنوشروان يصفها له، [وقال: إني قد وجهت إلى الملك جارية] معتدلة الخلق، نقية اللون والثغر، بيضاء، قمراء، وطفاء، [كحلاء] دعجاء، حوراء، عيناء، قنواء، شماء، زجاء، برجاء، أسيلة الخد، شهية القد، جئلة الشعر، عظيمة الهامة، بعيدة مهوى القرط، عيطاء عريضة الصدر، كاعب الثدي، ضخمة مشاشة المنكب والعضد، حسنة المعصم، لطيفة الكف، سبطة البنان، لطيفة طى البطن، خميصة الخصر، غرثى الوشاح، رداح القبل، رابية الكفل، لفاء الفخذين، ريا الروادف، ضخمة المأكمتين، عظيمة الركبة، مفعمة الساق، مشبعة الخلخال، لطيفة الكعب والقدم، قطوف المشي، مكسال الضحى، بضة المتجرد، سموعا للسيد، ليست بخنساء، ولا سعفاء، ذليلة الأنف، عزيزة النفر، لم تغد في بؤس، حيية رزينة، حليمة ركينة، كريمة الخال، تقتصر بنسب أبيها دون فصيلتها، وبفصيلتها دون جماع قبيلتها، قد أحكمتها الأمور في الأدب، فرأيها رأى أهل الشرف، وعملها عمل أهل الحاجة، صناع الكفين، قطيعة اللسان، رهوة الصوت، تزين البيت، وتشين العدو، إن أردتها اشتهت، وإن تركتها انتهت، تحملق عينها، وتحمر وجنتها، وتذبذب شفتاها، وتبادرك الوثبة، [ولا تجلس إلا بأمرك إذا جلست] [ (1) ] .
__________
[ (1) ] معاني المفردات الغربية.
- الوطفاء: غزيرة الإهاب وشعر الحاجبين.
- الدعجاء: شديدة سواء العين مع شدة بياض البياض.
- الحور: اسوداد العين كلها مثل الظباء، ولا يكون في بنى آدم إلا على الاستعارة.
- العين: سعة العين.
- القنواء: من القنا، وهو ارتفاع في أعلى الأنف واحد يداب في وسطه وسبوغ في طرفه.
- الشمم في الأنف: ارتفاع القصبة وحسنها.
- الزجاء: دقيقة الحاجبين في طول: [قال الناظم: إذا ما الغانيات برزن يوما وزجن الحواجب والعيونا] .
- البرجاء: الجملية الحسنة.(14/120)
فقبلها كسرى، وأمر بإثبات هذه الصفة في دواوينه، فلم يزالوا يتوارثونها حتى أفضى ذلك إلى كسرى بن هرمز، فقرأ عليه زيد هذه الصفة، فشق عليه، فقال زيد- والرسول يسمع-: أما في عين السوداء وفارس ما تبلغون حاجتكم! فقال الرسول لزيد: ما العين؟ قال: البقر، فقال زيد للنعمان: إنما أراد كرامتك، ولو علم أن هذا يشق عليك لم يكتب إليك به.
فأنزلهما يومين، ثم كتب إلى كسرى: إن الّذي طلب الملك ليس عندي، وقال لزيد: اعذرنى عنده، فلما رجع إلى كسرى، قال زيد للرسول الّذي جاء معه: اصدق الملك الّذي سمعت منه، فإنّي سأحدثه بحديثك ولا أخالفك فيه.
فلما دخلا على كسرى، قال زيد: هذا كتابه، فقرأه عليه، فقال له كسرى:
فأين الّذي كنت تخبرني [به] ؟ قال: قد كنت أخبرتك بضنهم بنسائهم على غيرهم، وأن ذلك من شقائهم واختيارهم الجوع والعرى على الشبع والرياش، واختيارهم السموم والرياح على طيب أرضك هذه، حتى إنهم ليسمونها السجن،
__________
[ (-) ] الخد الأسيل: الطويل المسترسل الأملس.
- الجثلة: كتفية الشعر سوداؤه.
- العيطاء: الطويلة العنق.
- الشاشة: رأس العظم.
- غرثى الوشاح: دقيقة الخصر.
- الرداع: العجزاء الثقيلة الأوراك التامة الخلق. والقيل: ما استقبلك من مشرف.
- اللفاء: الضخمة الفخذين المكتنزتهما.
- المأكمتان: اللحمتان اللتان على رءوس الوركين.
- مفعمة الساق: ممتلتها.
- مشبعة الخلخال: كناية عن سمن الساقين.
- القطوف: من القطاف، وهو تقارب الخطو.
- المكسال: المرأة لا تكاد تبرح مجلسها، وهو مدح لها عندهم كقولهم: نئوم الضحى.
- البضة: الناعمة.
- الخنساء: من الخنس، وهو تأخر الأنف الرأس وارتفاعه عن الشفعة.
- السفعاء: من السفع، وهو السواد.(14/121)
فسل هذا الرسول [الّذي كان] معى عن الّذي قال، فإنّي أكرم الملك عن الّذي قال ورد عليه أن أقوله، فقال للرسول: وما قال؟ قال: أيها الملك، أما في بقر السواد [وفارس] ما يكفيه حتى يطلب ما عندنا! فعرف الغضب في وجهه، ووقع في قلبه منه ما وقع، ولكنه قد قال: رب عبد قد أراد ما هو أشد من هذا، فيصير أمره إلى التباب.
وشاع هذا الكلام، فبلغ النعمان، وسكت كسرى على ذلك أشهرا، وجعل النعمان يستعد ويتوقع، حتى أتاه كتابه: أن أقبل فإن الملك إليك حاجة، فانطلق حين أتاه كتابه فحمل سلاحه وما قوى عليه، ثم لحق بجبلي طيِّئ.
وكانت فرعة ابنة سعد بن حارثة بن لأم عنده، وقد ولدت له رجلا وامرأة وكانت أيضا عنده زينب ابنة أوس بن حارثة، فأراد النعمان طيِّئا على أن يدخلوه [بين الجيلين] ويمنعوه، فأبوا ذلك عليه، وقالوا: لولا صهرك لقاتلناك، فإنه لا حاجة لنا في معاداة كسرى، [ولا طاقة لنا به] فأقبل [يطوف على قبائل العرب] ليس أحد من الناس يقبله، غير أن بني رواحة بن سعد بمن بنى عبس قالوا: إن شئت قاتلنا معك- لمنة كانت له عندهم في أمر مروان القرظ- فقال لا أحب أن أهلككم، فإنه لا طاقة لكم بكسرى.
فأقبل حتى نزل بذي قار في بنى شيبان سرا، فلقى هانئ بن مسعود بن عامر بن عمرو بن أبى ربيعة بن ذهل بن شيبان، وكان سيدا منيعا، والبيت يومئذ من ربيعة في آل ذي الجدين، لقيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي يالجدين. وكان كسرى قد أطعم قيس بن مسعود الأبلة، فكره النعمان أن يدفع إليه أهله لذلك، وعلم أن هانئا مانعه مما يمنع منه نفسه.
وتوجه النعمان إلى كسرى، فلقى زيد بن عدي على قنطرة ساباط، فقال:
أنج نعيم [إن استطعت النجاء] ، فقال: أنت يا زيد فعلت هذا! أما واللَّه لئن انفلت لأفعلن بك ما فعلت بأبيك! فقال له زيد: امض نعيم، فقد واللَّه وضعت لك عنده أخية [ (1) ] لا يقطعها المهر الأرن [ (2) ] . فلما بلغ كسرى أنه بالباب بعث
__________
[ (1) ] الأخية في الأصل: أن يدفن طرفا الحبل في الأرض، وفيها عصية أو حجير، ويظهر منه مثل عروة تشد بها الدابة [كالفخ مثلا] .
[ (2) ] الأرن: النشيط.(14/122)
إليه، فقيده وبعث به إلى خانقين، فلم يزل في السجن حتى وقع الطاعون فملت فيه، والناس يظنون أنه مات بساباط لبيت قاله الأعشى:
فذاك وما أنجى من الموت ربه بساباط حتى مات، وهو محرزق [ (1) ] وإنما هلك بخانقين، وهذا قبيل الإسلام، فلم يلبث إلا يسيرا حتى بعث اللَّه نبيه صلى اللَّه عليه وسلم، وكان سبب وقعة ذي قار بسبب النعمان [ (2) ] .
قال البيهقي [ (3) ] هذا مرسل وروى أيضا حصين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرسلا بعض معناه.
قال كاتبه: قد تقدم حديث حصين، وتقدم حديث مسلم: رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كأنا في دار عقبة بن رافع، فأتينا برطب من رطب ابن طاب فأولت الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب [ (4) ] .
وخرج الإمام أحمد [ (5) ] والحاكم [ (6) ] وصححه من حديث صفوان، حدثني سليم بن عامر، عن تميم الداريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال:
__________
[ (1) ] حرزق الرجل، أي حبسه.
[ (2) ] الخبر في (الأغاني) : 2/ 105- 128.
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 336- 337.
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 36- 37، كتاب الرؤيا، باب رؤيا النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (18) .
و «رطب ابن طاب» : نوع من الرطب معروف، يقال له: رطب ابن طاب، وتمر ابن طاب، وعذق ابن طاب، وعرجون ابن طاب، وهو مضاف إلى ابن طاب، رجل من أهل المدينة.
«وأن ديننا قد طاب» : أي كمل واستقرت أحكامه، وتمهدت قواعده.
[ (5) ] (مسند أحمد) : 5/ 73، حديث رقم (16509) ، من حديث تميم الداريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
[ (6) ] (المستدرك) : 4/ 477، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8326) قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم.(14/123)
سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك اللَّه بيت مدر ولا وبر إلا أدخله اللَّه هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز اللَّه به الإسلام وذلا يذل اللَّه به الكفر، وكان تميم الداريّ يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافرا الذل والصغار والجزية.
وله من حديث الوليد بن مزيد [ (1) ] ، حدثني ابن جابر، سمعت سليم بن عامر يقول: سمعت المقداد بن الأسود الكندي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا يبقى على ظهر الأرض نبت مدر ولا وبر إلا أدخل كله الإسلام عليهم، يعز عزيز أو يذل ذليل.
وخرّجه ابن حبان في (صحيحه) وقوله: إما يعز عزيزا أو يذل ذليلا، ما يعرفهم فيجعلهم من أهلها أو يذلهم فيدينون بها.
وأما إخباره بمعاونة القبط المسلمين فكان كما أخبر
فخرّج الحافظ أبو نعيم من حديث بدار حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي عن يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي سلمة، عن أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وقد أوصى عند وفاته فقال-: اللَّه، اللَّه في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل اللَّه [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (8324) ، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : على شرط البخاريّ ومسلم.
[ (2) ] (كنز العمال) : 12/ 66، حديث رقم (34023) ، وعزاه إلى الطبراني عن أم سلمة، (مجمع الزوائد: 10/ 63) .(14/124)
وخرّجه أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عبد الحكم في كتاب (فتوح مصر) من حديث إسماعيل بن عباس، عن عبد الرحمن بن زياد، عن مسلم ابن يسار، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: استوصوا بالقبط خيرا فإنكم ستجدونهم نعم الأعوان على قتال عدوكم
من حديث ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب أن أبا سلمة بن عبد الرحمن حدثه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أوصى، عند وفاته أن تخرج اليهود من جزيرة العرب وقال: اللَّه اللَّه في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل اللَّه، كذا أورده موقوفا على أبي سلمة.
وخرّج أيضا من حديث ابن وهب، عن موسى بن أيوب الغافقي، عن رجل من الزبد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مرض فأغمى عليه، ثم أفاق، فقال:
استوصوا بالأدم الجغد، ثم أغمى عليه الثانية، ثم أفاق فقال مثل ذلك ثم أغمى عليه الثالثة، فقال مثل ذلك، فقال القوم: لو سألنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الأدم والجعد، فأفاق فسألوه فقال: قبط مصر، فإنّهم أخوالكم، وهم أعوانكم، على عدوكم، وأعوانكم على دينكم، قالوا: كيف يكونون أعوانا على ديننا يا رسول اللَّه؟ قال: يكفونكم أعمال الدنيا، وتتفرغون للعبادة فالراضى بهما يؤتي إليهم كالفاعل بهم، وإنكاره لما يؤتي إليهم من الظلم كالمتنزه عنهم.
ومن حديث ابن وهب عن أبي هانئ الخولانيّ، عن أبي عبد الرحمن الحبلى وعمرو بن حريث وغيرهما، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إنكم ستقدمون على قوم جعد رءوسهم، فاستوصوا بهم خيرا فإنّهم قوة لكم وبلاغ إلى عدوكم بإذن اللَّه تعالى، قبط مصر.
وخرّج الحافظ أبو نعيم من حديث موسى بن عقبة، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن ابنة الهاد، عن العباس بن عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يظهر الدين حتى يجاوز البحار وحتى يخاض البخار بالخيل في سبيل اللَّه ثم يأتي قوم يقرءون القرآن يقولون قد قرأنا من أقوامنا، منا أفقه؟ من أعلم منا؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال هل في أولئك من خير وأولئك هم وقوم النار.
ومن حديث شعبة، عن سماك بن حرب، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه ابن مسعود عن أبيه، عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إنكم منصورون ومفتوح لكم(14/125)
ومصيبون، فمن أدرك منكم ذلك فليتق اللَّه وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر، ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوَّأ مقعده من النار.
ومن حديث بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن أبي على الهمذاني قال: سمعت عقبة بن عامر يقول: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ستفتح لكم الأرض وتكفون الموتة فلا يعجزن أحدكم أن يلهو بأسهمه.
ومن حديث هشام بن عمارة قال: حدثنا محمد بن حرب، عن أبي سلمة ابن سليم، عن يحيى بن جابر، عن ابن فألح عن أبي أيوب الأنصاري قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إنها ستفتح عليكم الأمصار وسيضرب عليكم فيها بعوث ينكر الرجل البعث فيتخلص من قومه ويعرض نفسه على القبائل يقول:
من أكفنه بعث كذا إلا وذلك الأجير إلى آخر قطرة من دمه.(14/126)
وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلّم في قتل نفر من المسلمين ظلما بعذراء [ (1) ] من أرض الشام [فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ]
فخرج البيهقي [ (3) ] من طريق يعقوب بن سفيان قال: حدثنا ابن بكير قال:
حدثني ابن لهيعة، قال: حدثني الحارث بن سويد، عن عبد اللَّه بن زرير الغافقي، قال: سمعت عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: يا أهل العراق سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء، مثلهم كمثل أصحاب الأخدود، فقتل حجر وأصحابه،
قال يعقوب: قال أبو نعيم: ذكر زياد بن سمية، على بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- على المنبر، فقبض حجر على الحصباء ثم أرسلها، وحصبت من حوله زيادا، فكتب إلى معاوية يقول: إن حجرا حصبني وأنا على المنبر، فكتب إليه معاوية: أن يحمل إليه حجرا، فلما قرب من الشام بعث من يتلقاهم فالتقى معهم بعذراء فقتلهم.
قال البيهقي: لا يقول عليّ مثل هذا إلا بأن يكون سمعه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وقد روى عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بإسناد مرسل مرفوعا فذكر من طريق يعقوب بن سفيان، قال: حدثني حرملة قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة عن أبي الأسود قال: دخل معاوية على
__________
[ (1) ] عذراء: بالفتح ثم السكون والمد، وهو في الأصل الرملة التي لم توطأ، والدرة العذراء التي لم تثقب. وهي قرية بغوطة دمشق من إقليم خولان معروفة، وبها منارة، وبها قتل حجر بن عدي الكندي، وبها قبره، وقيل، إنه هو الّذي فتحها. (معجم البلدان) : 4/ 103، موضع رقم (8251) ، مختصرا.
[ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 456، باب ما روي في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتل نفر من المسلمين ظلما بعذراء من أرض الشام، فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلّم.(14/127)
عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: ما حملك على قتل أهل عذراء، حجر وأصحابه، فقال: يا أم المؤمنين، رأيت قتلهم صلاحا للأمة، وأن بقاءهم فساد للأمة،
فقالت: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول سيقتل بعذراء ناس يغضب اللَّه لهم، وأهل السماء [ (1) ] .
قال ابن عساكر: رواه ابن المبارك، عن ابن لهيعة فلم يرفعه.
وذكر بإسناد آخر، فأخرجه من حديث عبد اللَّه بن المبارك، عن ابن لهيعة، حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، أن معاوية حج فدخل على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: يا معاوية! قتلت حجر ابن الأدبر وأصحابه؟ أما واللَّه لقد بلغني أنه سيقتل سبعة نفر يغضب اللَّه لهم وأهل السماء.
وخرج البيهقي من طريق يعقوب حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا حماد ابن سلمة، عن على بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن مروان بن الحكم، قال: دخل معاوية على أم المؤمنين عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: سمعت يا معاوية أنك قتلت حجرا وأصحابه، وفعلت [ (2) ] ما فعلت، أما خشيت أنّ اختبأ لك رجل [ (3) ] فيقتلك؟ فقال: لا، إني في بيت أمان،
سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول الإيمان قيد الفتك،
لا يفتك مؤمن يا أم المؤمنين، كيف أنا فيما سوى ذلك من حاجاتك وأمرك؟ قالت: صالح، قال: فدعيني وحجرا حتى نلتقي عند ربنا.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 457.
[ (2) ] في (المرجع السابق) : «وفعلت الّذي فعلت» .
[ (3) ] في (المرجع السابق) : «اختبأ لك رجلا» ، وما أثبتناه حق اللغة.(14/128)
وأما ظهور صدقه فيمن قتل عمرو بن الحمق بن الكاهن ابن حبيب بن عمرو بن القين بن رزاح بن عمرو ابن سعد بن كعب بن عمرو الخزاعي الكعبي [ (1) ]
فذكر الحافظ أبو القاسم على بن الحسن بن هبة اللَّه بن عساكر في (تاريخه) من طريق غياث بن إبراهيم، عن الأجلح بن عبد اللَّه الكندي، قال:
سمعت زيد بن علي وعبد اللَّه بن الحسن وجعفر بن محمد، ومحمد بن عبد اللَّه ابن الحسن يذكرون تسمية من شهد مع عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كلهم ذكره عن آبائه، وعمن أدرك من أهله، وسمعته أيضا من غيرهم فذكرهم، وذكر فيهم عمرو بن الحمق الخزاعي وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له: يا عمرو، أتحب أن أريك آية الجنة؟ قال: نعم يا رسول اللَّه، فمرّ عليّ فقال هذا وقومه آية الجنة، فلما قتل عثمان وبايع الناس عليا رضي- اللَّه تبارك وتعالى عنه- لزمه، وكان معه حتى أصيب، ثم كتب معاوية في طلبه، وبعث من يأتيه به.
قال الأجلح: فحدثني عمران بن سعيد البجلي، - وكان مؤاخيا لعمرو بن الحمق- أنه خرج معه حين طلب، فقال لي: يا رفاعة، إن القوم قاتليّ، رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخبرنى أن الجن والإنس تشترك في دمي، وقال لي: يا عمرو إن أمّنك رجل على دمه فلا تقتله فتلقى اللَّه بوجه غادر [ (2) ] ، قال رفاعة، فما أتم حديثه حتى رأيت أعنة الخيل فودعته وواثبته حية فلسعته، وأدركوه، فاحتزوا رأسه، فكان أول رأس أهدي في الإسلام.
وذكر من طريق أبي سعيد عبيد بن كثير بن عبد الواحد العامري، قال:
حدثنا موسى بن زياد أبي هارون الزيات قال: حدثنا على بن هاشم بن البريد عن محمد بن عبد اللَّه بن علي بن أبي رافع، عن عون بن عبد اللَّه بن أبي رافع عن أبيه عبيد اللَّه، قال: قال موسى بن زياد: حدثنا يحيى بن يعلى عن محمد
__________
[ (1) ] النسب في (الأصل) أطول من ذلك، واكتفينا بما أمكن تحقيقه من (الإصابة) :
4/ 623- 624، ترجمة رقم (5822) ، (الاستيعاب) : 3/ 1173- 1174.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 482- 483.(14/129)
ابن عبيد اللَّه بن أبي رافع عن أبيه، عن جده، وعن ابن عبيد اللَّه بن أبي رافع عن أبيه، قال علي بن هاشم في حديثه وكان عبيد اللَّه بن أبي رافع كاتب عليّ ابن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه واللفظ لعبيد اللَّه بن كثير في تسمية من شهد مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه من قريش، والأنصار، ومن مهاجري العرب، فذكرهم، وذكر فيهم عمرو بن الحمق الخزاعي، بقي بعد عليّ فطلبه معاوية ليقتله فهرب منه نحو الجزيرة ومعه رجل من أصحاب علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقال له زاهر، فلما نزلا الوادي نهشت عمرا حية من جوف الليل، فأصبح منتفخا،
فقال لزاهر: تنح عني فإن خليلي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد أخبرني أني سيشترك في دمي الجن والإنس، ولا بد لي أن أقتل،
فقد أصابتنى بلية الجن بهذا الوادي، فبينما هما على ذلك إذ رأيا نواصي الخيل في طلبه، فأمر زاهرا يتغيب، فإذا قتلت فإنّهم يأخذون رأسي فارجع إلى جسدي فادفنه، فقال له زاهر: بل أنشر نبلى فأرميهم حتى إذا فنيت نبلى قتلت معك، قال: لا، ولكنى سأزودك مني بما ينفعك اللَّه به، فاسمع منى آية الجنة، محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعلامتهم عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وتوارى زاهر، فأقبل القوم فنظروا إلى عمرو فنزل إليه رجل منهم أدم، فقطع رأسه، وكان أول رأس في الإسلام نصب، وخرج زاهر إليه فدفنه، ثم بقي حتى قتل الحسين رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بالطف.(14/130)
وأما ظهور صدقه صلى اللَّه عليه وسلم في إشارته إلى كيف يموت سمرة بن جندب [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث سفيان قال: حدثنا عبيد اللَّه بن معاذ حدثنا أبي، حدثنا شعبة عن أبي [مسلمة عن أبى] [ (3) ] نضرة، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال لعشرة في بيت من أصحابه: آخركم موتا في الناس فيهم سمرة ابن جندب. قال أبو نضرة: فكان سمرة آخرهم موتا.
قال البيهقي: رواته ثقات، إلا أن أبا نضرة العبديّ لم يثبت له عن أبي هريرة سماع.
وروى من وجه آخر موصولا، عن أبي هريرة فذكره من طريق يونس ابن عبيد، عن الحسن، عن أنس بن حكيم الضبيّ قال: كنت أمر بالمدينة فألقى أبا هريرة فيسألنى فلا يبدأ بشيء حتى يسألنى عن سمرة، فإذا أخبرت بحياته وصحته فرح وقال: إنا كنا عشرة في بيت، وإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قام
__________
[ (1) ] هو سمرة بن جندب بن هلال الفزاري، من علماء الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، نزل البصرة. له أحاديث صالحة، حدّث: ابنه سليمان، والحسن البصري، وابن سيرين، وجماعة. وبين العلماء فيما روى الحسن عن سمرة اختلاف في الاحتجاج بذلك، وقد ثبت سماع الحسن من سمرة، ولقيه بلا ريب، صرح بذلك في حديثين.
وكان زياد بن أبيه يستخلفه على البصرة إذا سار إلى الكوفة، ويستخلفه على الكوفة إذا سار إلى البصرة، وكان شديدا على الخوارج، قتل منهم جماعة. وكان الحسن وابن سيرين يثنيان عليه. رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. مات سمرة سنة ثمان وخمسين. وقيل: سنة تسع وخمسين (تهذيب سير الأعلام) : 1/ 94، ترجمة رقم (269) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 458، باب ما روى في إخباره صلى اللَّه عليه وسلّم نفرا من أصحابه بأن آخرهم موتا في النار.
[ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .(14/131)
علينا [ (1) ] فنظر في وجوهنا، وأخذ بعضادتي الباب ثم قال: آخركم موتا في النار، فقد مات منا ثمانية ولمن يبق غيري وغيره، فليس شيء أحب إليّ من أن أكون قد ذقت الموت.
وخرج أيضا من طريق حماد عن على بن زيد عن أوس بن خالد، قال:
كنت إذا قدمت على أبي محذورة فقلت لأبي محذورة: مالك إذا قدمت عليك سألتني عن سمرة؟ وإذا قدمت على سمرة سألني عنك؟ فقال إني كنت أنا وسمرة وأبو هريرة في بيت، فجاء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: آخركم موتا في النار، فمات أبو هريرة، ثم مات أبو محذورة، ثم سمرة.
قال البيهقي: بهذا وبصحبة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، نرجو له بعد تحقيق قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] وقد قال بعض أهل العلم: إن سمرة مات في الحريق، فصدق قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. وبلغني عن هلال بن العلاء الرقى أن عبد اللَّه بن معاوية حدثهم عن رجل [قد] [ (3) ] سماه: أن سمرة استجمر فغفل عنه أهله، حتى أخذته النار [ (4) ] .
وقال: ابن عبد البر [ (5) ] : وكان زياد يستخلفه على البصرة ستة أشهر، وعلى الكوفة ستة أشهر، فلما مات زياد استخلفه على البصرة، فأقره معاوية عليها، عاما أو نحوه، ثم عزله، وكان شديدا على الحرورية، وكان إذا أتى بواحد منهم قتله ولم يقله ويقول: شر قتلى تحت أديم الأرض [ (6) ] يكفرون المسلمين، ويسفكون الدماء، فالحرورية ومن قاربهم في مذهبهم يطعنون عليه وينالون منه.
__________
[ (1) ] كذا في (الأصل) ، وفي (المرجع السابق) : «قام فينا» .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 459.
[ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 460.
[ (5) ] (الاستيعاب) : 2/ 653- 655، ترجمة سمرة بن جندب رقم (1063) .
[ (6) ] كذا في (الأصل) ، وفي (الاستيعاب) : «أديم السماء» .(14/132)
قال: وكانت وفاته بالبصرة [في خلافة معاوية] [ (1) ] سنة ثمان وخمسين، سقط في قدر مملوءة ماء حارا، كان يتعالج بالقعود عليها من كزاز [شديد] [ (2) ] أصابه فسقط في القدر الحارة فمات، فكان ذلك تصديقا [ (3) ] لقول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم له ولأبى هريرة، وثالث معهما:
آخركم موتا في النار.
وروى أبو سعيد بن يونس من حديث داود بن المحبر عن زياد بن عبد اللَّه ابن سمرة بن جندب، كان أصابه كزاز شديد، وكان لا يكاد أن يدفأ، فأمر بقدر عظيمة فملئت ماء وأوقد تحتها واتخذ فوقها مجلسا، وكان يصعد إليه بخارها فيدفئه، فبينا هو كذلك إذا خفت به. فظن أن ذلك الّذي قيل فيه [ (4) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (3) ] في (الأصل) : «قصد بها» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
[ (4) ] قال البيهقي: وقد قال بعض أهل العلم: إن سمرة مات في الحريق فصدق بذلك قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ويحتمل أن يورد النار بذنوبه، ثم ينجو بإيمانه، فيخرج منها بشفاعة الشافعين. واللَّه تعالى أعلم. (دلائل البيهقي) : 6/ 460.(14/133)
وأما ظهور صدقه صلى اللَّه عليه وسلّم في موت عبد اللَّه بن سلام [ (1) ] على الإسلام من غير أن ينال الشهادة [فكان كما أخبر- توفى على الإسلام في أول أيام معاوية بن أبي سفيان سنة ثلاث وأربعين-]
فخرج البخاري [ (2) ] من حديث ابن عون عن محمد [بن سيرين] ، عن قيس بن عباد قال: كنت جالسا في مسجد المدينة فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع، فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فصلى ركعتين فتجور فيها ثم خرج وتبعته، فقلت: إنك حين دخلت المسجد قالوا: هذا رجل من أهل الجنة! قال: واللَّه ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم، وسأحدثك لم ذاك،
رأيت رؤيا على عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقصصتها عليه، ورأيت كأني في روضة، ذكر من سعتها وخضرتها، وسطها عمود من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: ارق، فرقيت، حتى كنت في أعلاه فأخذت بالعروة، فقيل لي: استمسك فاستيقظت، وإنها لفي يدي، فقصصتها على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: تلك العروة الوثقى، فأنت تموت على الإسلام حين تموت، وذلك الرجل عبد اللَّه ابن سلام.
__________
[ (1) ] هو عبد اللَّه بن سلام بن الحارث، الإمام الحبر، المشهود له بالجنة، أبو الحارث الإسرائيلي، حليف الأنصار، من خواص أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حدث عنه أبو هريرة، وأنس بن مالك، وعطاء بن يسار، وزرارة بن أوفى، وآخرون. له إسلام قديم بعد أن قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة، وهو من أحبار اليهود. اتفقوا على أن ابن سلام توفى سنة ثلاث وأربعين. (تهذيب سير الأعلام) : 1/ 71- 72، ترجمة رقم (190) باختصار. وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (الدلائل) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 162- 163، كتاب مناقب الأنصار، باب (19) مناقب عبد اللَّه بن سلام رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3813) .(14/134)
وخرجه من حديث ابن عون عن محمد [بن سيرين] ، حدثنا قيس بن عباد، عن ابن سلام. قال: وصيف مكان منصف. ذكره في كتاب التعبير، في باب التعلق بالعروة والحلقة [ (1) ] .
ومن حديث ابن عون، عن محمد [بن سيرين] ، حدثنا قيس بن عباد، عن عبد اللَّه بن سلام، - رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كأنى في روضة ذكر من سعتها وخضرتها، قال: ورأيت في وسط تلك الروضة عمودا وفي أعلى العمود عروة فقيل لي: ارقه، قلت: لا أستطيع، قال: فأتانى وصيف، فرفع ذلك الوصيف ثيابي من خلفي، فرقيت حتى كنت في أعلاه، فقيل لي: استمسك بالعروة، قال: فاستمسكت بتلك العروة فانتبهت وإنها لفي يدي وأنا متمسك بها،
فلما استيقظت أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقصصتها عليه، فقال:
تلك الروضة روضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة العروة الوثقى لا تزال مستمسكا بالإسلام حتى تموت [ (2) ] .
وخرجه مسلم [ (3) ] من حديث عبد اللَّه بن عون بهذا الإسناد أو نحوا أو قريبا مما تقدم أولا.
وخرجاه من حديث حرمي بن عمارة، قال: حدثنا قرة بن خالد، عن محمد بن سيرين قال: قال قيس بن عباد فذكره.
ولمسلم [ (4) ] من حديث جرير عن الأعمش، عن سليمان بن مسهر، عن خرشة بن الحر، قال: كنت جالسا في حلقة في مسجد المدينة قال: وفيها شيخ حسن الهيئة وهو عبد اللَّه بن سلام، قال: فجعل يحدثهم حديثا حسنا قال: فلما قام قال القوم: من سرة أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا،
__________
[ (1) ] باب رقم (23) التعليق بالعروة الوثقى، حديث رقم (7014) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 496، كتاب التعبير باب (23) التعليق بالعروة والحلقة، حديث رقم (7014) . وأخرجه البيهقي في (الدلائل) : 6/ 461- 462.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 275، كتاب فضائل الصحابة باب (339) باب من فضائل عبد اللَّه بن سلام، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (148) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 276- 277 حديث رقم (150) .(14/135)
قال: فقلت: واللَّه لاتبعنه فلأعلمن مكان بيته قال: فتبعته، قال: فانطلق حتى كاد أن يخرج من المدينة، ثم دخل منزله، قال: فاستأذنت عليه، فأذن لي، فقال: ما حاجتك يا ابن أخى؟ فقلت له: سمعت القوم يقولون لك لما قمت:
من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، فأعجبني أن أكون معك، قال: اللَّه أعلم بأهل الجنة، وسأحدثك ممّ قالوا ذاك، إني بينما أنا نائم، إذ أتانى رجل فقال لي: قم، فأخذ بيدي، فانطلقت معه، قال: فإذا أنا بجواد عن شمالي، قال: فأخذت لآخذ فيها، فقال لي: لا تأخذ فيها، فإنّها طرق أصحاب الشمال، قال: فإذا جواد منهج على يميني فقال لي: خذ هاهنا، فأتى بى جبلا، فقال لي: اصعد، قال: فجعلت إذا أردت أن أصعد خررت على استي، قال: حتى فعلت ذلك مرارا، قال: ثم انطلق بى حتى أتى بى عمودا رأسه في السماء وأسفله في الأرض، في أعلاه حلقة، فقال لي: أصعد فوق هذا! قلت: كيف أصعد هذا ورأسه في السماء؟.
قال: فأخذ بيدي فزج بى، قال: فإذا أنا متعلق بالحلقة، قال: ثم ضرب العمود فخرّ، قال: وبقيت متعلقا بالحلقة حتى أصبحت.
قال: فأتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقصصتها عليه، فقال: أما الطرق التي رأيت على يسارك، فهي طرق أصحاب الشمال، قال: مر، أما الطرق التي رأيت عن يمينك، فهي طرق أصحاب اليمين، وأما الجبل فهو منزل الشهداء، ولن تناله، وأما العمود فهو عمود الإسلام، وأما العروة فهي عروة الإسلام، ولن تزال متمسكا بها حتى تموت.
قال ابن عبد البر [ (1) ] : توفى في المدينة في خلافة معاوية سنة ثلاث وأربعين، وشهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لعبد اللَّه بن سلام بالجنة.
__________
[ (1) ] (الإستيعاب) : 3/ 921- 922، ترجمة رقم (1561) .(14/136)
وأما ظهور صدقه صلى اللَّه عليه وسلّم في إخباره لرافع بن خديج [ابن رافع بن عدي بن زيد بن عمرو بن زيد ابن جشم الأنصاري، النجاري، الخزرجي] بالشهادة
فخرج البيهقي [ (1) ] من طريق مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا عمرو بن مرزوق الواشحي، حدثنا يحيى بن عبد الحميد- يعني: ابن رافع- عن جدته أن رافع بن خديج رمى- قال عمرة: لا أدرى أيهما قال؟ - يوم أحد أو يوم حنين- بسهم في ثندوته فأتى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه انزع السهم؟ فقال له: يا رفع إن شئت نزعت السهم والقطبة جميعا، وإن شئت نزعت السهم وتركت القطبة وشهدت لك يوم القيامة أنك شهيد، فقال رافع: يا رسول اللَّه، انزع السهم ودع القطبة واشهد لي يوم القيامة أنى شهيد
قال: فعاش بعد ذلك حياة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حتى إذا كان خلافة معاوية انتقض ذلك الجرح فمات بعد العصر.
قال كاتبه: وقد ذكر ابن عبد البر [ (2) ] أنه أصيب يوم أحد، انتقضت جراحته في زمن عبد الملك بن مروان، فمات قبل ابن عمر بيسير سنة أربع وسبعين، وكذا ذكره الحاكم [ (3) ] وغيره عن الواقدي في تاريخ وفاته.
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 463، باب ما جاء في شهادة [النبي صلى اللَّه عليه وسلّم] لرافع بن خديج بالشهادة وظهور صدقة في ذلك زمن معاوية. والثندوة: الترقوة.
[ (2) ] (الاستيعاب) : 2/ 479- 480، ترجمة رقم (727) وما بين الحاصرتين في العنوان زيادة للنسب منه.
[ (3) ] (المستدرك) : 3/ 648، كتاب معرفة الصحابة، ذكر رافع بن خديج رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.(14/137)
وأما إنذاره صلى اللَّه عليه وسلّم بهلاك أمته على يد أغيلمة من قريش فكان منذ ولّي يزيد بن معاوية
فخرج البخاري [ (1) ] من حديث عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد قال: أخبرني جدي قال: كنت جالسا مع أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالمدينة، ومعنا مروان، قال أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: «سمعت الصادق المصدوق صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: هلكت أمتى على يدي غلمة من قريش، فقال مروان: لعنه اللَّه عليهم غلمة،
فقال أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لو شئت أن أقول: بنى فلان وبنى فلان لفعلت «فكنت أخرج مع جدي إلى بنى مروان حين ملكوا بالشام، فإذا رآهم غلمانا أحداثا قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم. قلنا: أنت أعلم.
وذكره أيضا في باب علامات النبوة [ (2) ] ، وخرج فيه أيضا من حديث شعبة عن أبي التياح، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: يهلك الناس هذا الحي من قريش، قالوا فما تأمرنا؟ قال: لو أن الناس اعتزلوهم [ (3) ] .
__________
[ (1) ]
(فتح الباري) : 13/ 10، كتاب الفتن، باب (3) قول النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: هلاك أمتى على يدي أغيلمة سفهاء، حديث رقم (7058) ،
قال الحافظ: يتعجب من لعن مروان الغلمة المذكورين، مع أن الظاهر أنهم من ولده، فكأن اللَّه تعالى أجرى ذلك على لسانه ليكون أشدّ في الحجة عليهم لعلهم يتعظون.
وقد وردت أحاديث في لعن الحكم والد مروان وما ولد، أخرجها الطبراني وغيره، غالبها فيه مقال، وبعضها جيد، ولعل المراد تخصيص الغلمة المذكورين بذلك. (فتح الباري) .
[ (2) ] باب (25) من كتاب المناقب، حديث رقم (3605) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3604) .(14/138)
وخرج مسلم [ (1) ] في كتاب الفتن من حديث أبي أسامة بهذا الإسناد ولفظه:
عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يهلك أمتى هذا الحي من قريش. الحديث.
وخرج البيهقي [ (2) ] من طريق عبد اللَّه بن يزيد المقرئ قال: حدثنا حيوة قال: أخبرنى بشير بن أبي عمرو الخولانيّ أن الوليد بن قيس الحسبي أخبره أنه سمع أبا سعيد الخدريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: وتلا هذه الآية:
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ [ (3) ] فقال: يكون خلف من بعد ستين سنة، أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا، ثم يكون خلف يقرءون القرآن لا يعدون تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن، ومنافق، وفاجر. قال بشير:
فقلت للوليد: ما هؤلاء الثلاثة؟ فقال: المنافق كافر به، والفاجر يتأكل به، والمؤمن يؤمن به وخرجه الحاكم [ (4) ] وقال: هذا حديث صحيح رواته حجازيون وشاميون أثبات.
قال البيهقي [ (5) ] : وقد روي عن علي عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما ما يؤكد هذا التاريخ،
فذكر من طريق أبي أسامة، عن مجالد، عن عامر قال: لما رجع عليّ من صفين قال: يا أيها الناس لا تكرهوا إمارة معاوية فإنه لو قد فقدتموه لقد رأيتم الرءوس تنزو من كواهلها كالحنظل.
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 256- 257، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (18) لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، حديث رقم (2917) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 464- 467، باب ما جاء في إخباره النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بالفتن التي ظهرت بعد الستين من أغيلمة من قريش فكان كما أخبر.
[ (3) ] مريم: 59.
[ (4) ] (المستدرك) : 2/ 406، كتاب التفسير، باب (19) تفسير سورة مريم. حديث رقم (3416) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (5) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 466، باب ما جاء في إخبار النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بالفتن التي ظهرت بعد الستين من أغيلمة من قريش فكان كما أخبر.(14/139)
ومن حديث العباس بن الوليد [ (1) ] بن مزيد البيروتي قال: أخبرنا أبي قال:
حدثنا ابن جابر عن عمير بن هانئ أنه حدثه قال: كان أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يمشي في سوق المدينة وهو يقول اللَّهمّ لا تدركني سنة الستين، ويحكم! تمسكوا بصدغي معاوية: اللَّهمّ لا تدركني إمارة الصبيان.
قال البيهقي [ (2) ] : وهما إنما يقولان مثل هذا الشيء سمعاه من النبي صلى اللَّه عليه وسلّم.
وخرج البيهقي [ (3) ] من طريق هوذة بن خليفة قال: حدثنا عوف بن أبي خلفة عن أبي العالية قال: لما كان يزيد بن أبي سفيان أميرا بالشام غزا الناس فغنموا وسلموا، فكان في غنيمتهم جارية نفيسة فصارت لرجل من المسلمين في سهمه، فأرسل إليه يزيد فانتزعها منه، وأبو ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يومئذ بالشام قال: فاستغاث الرجل بأبي ذر على يزيد، فانطلق معه، فقال ليزيد: ردّ على الرجل جاريته- ثلاث مرات-،
قال أبو ذر: أما واللَّه لئن فعلت لقد سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: أن أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية، ثم ولّى عنه، فلحقه يزيد فقال: أذكرك باللَّه أنا هو؟ قال: اللَّهمّ لا، وردّ على الرجل جاريته.
قال البيهقي [ (4) ] : يزيد بن أبي سفيان كان من أمراء الأجناد بالشام في أيام أبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ولكن سميه [ (5) ] يزيد بن معاوية يشبه أن يكون هو، قال: وفي هذا الإسناد إرسال بين أبي العالية وأبي ذر، وقد روى من وجه آخر.
فذكر من طريق يعقوب بن سفيان قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عمرو الحراني، حدثنا: محمد بن سليمان، عن ابن غنيم البعلبكي، عن هشام بن الغاز، عن مكحول، عن أبي ثعلبة الخشنيّ، عن أبي عبيدة بن الجراح رضي
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) .
[ (2) ] (المرجع السابق) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 466- 467.
[ (4) ] (المرجع السابق) : 467.
[ (5) ] (سميه: الّذي يسمس باسمه، قال تعالي: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم](14/140)
اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لا يزال هذا الأمر معتدلا قائما بالقسط حتى يثلمه رجل من بني أمية [ (1) ] .
وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في أن قيس بن خرشة القيسي لا يضره بشر
فخرج الحافظ أبو عمر بن عبد البر [ (2) ] من طريق ابن وهب قال: حدثني حرملة بن عمران عن يزيد بن أبي حبيب أنه سمعه يحدث محمد بن يزيد بن أبي زياد الثقفي، قال: اصطحب قيس بن خرشة وكعب الكتابيين حتى إذا بلغا صفين وقف كعب، ثم نظر ساعة، قال: فقال لا إله إلا اللَّه، ليهرقن بهذه البقعة من دماء المسلمين شيء لم يهرق ببقعة من الأرض، فغضب قيس، ثم قال: وما يدريك يا أبا إسحاق ما هذا؟، فإن هذا من الغيب الّذي استأثر اللَّه به، فقال كعب: ما من شبر من الأرض إلا وهو مكتوب في التوراة التي أنزل اللَّه على نبيه موسى بن عمران- عليه السلام- ما يكون عليه إلى يوم القيامة، فقال: محمد بن يزيد: ومن قيس بن خرشة؟ فقال له رجل: تقول: ومن قيس بن خرشة؟ وما تعرفه وهو رجل من أهل بلادك؟ قال: واللَّه ما أعرفه،
قال: فإن قيس بن خرشة قدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أبايعك على ما جاءك من اللَّه، وعلى أن أقول بالحق، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا قيس عسى إن مرّ بك الدهر أن يليك بعدي ولاة لا تستطيع أن تقول لهم [ (3) ] الحق، قال قيس: لا واللَّه، لا أبايعك على شيء إلا وفيت به، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا لا يضرك بشر.
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 467، باب ما جاء في إخبار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالفتن التي ظهرت بعد الستين من أغيلمة من قريش فكان كما أخبر. (المطالب العالية) : 4/ 332، باب لعن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحكم بن العاص وبنيه وبني أمية، حديث رقم (4532) .
وقال البوصيري: رواه ابن منيع والحارث وأبو يعلى بسند منقطع وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبي يعلي رجال الصحيح إلا أن مكحولا لم يدرك أبا عبيدة.
[ (2) ] (الاستيعاب) : 3/ 1286- 1288، ترجمة رقم (2129) قيس بن خرشة القيسي.
[ (3) ] في (الأصل) : «معهم» ، وما أثبتناه من (الاستيعاب) .(14/141)
قال: فكان قيس يعيب زيادا أو ابنه عبيد اللَّه بن زياد بن بعده، فبلغ ذلك عبيد اللَّه بن زياد، فأرسل إليه فقال: أنت الّذي تفترى على اللَّه وعلى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فقال: [لا واللَّه، ولكن إن شئت أخبرتك بمن يفترى على اللَّه وعلى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: ومن هو؟ قال: من ترك العمل بكتاب اللَّه وسنة رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم، قال] [ (1) ] : ومن ذلك؟ قال: أنت، وأبوك، والّذي أمركما، قال: وأنت الّذي تزعم أنه لا يضرك بشر؟ قال: نعم، قال: لتعلمن اليوم أنك كاذب، ائتوني بصاحب العذاب، فمال قيس عند ذلك فمات- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وخزي ابن مرجانة [ (2) ] .
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين سقط من (الأصل) ، وأثبتناه من (الاستيعاب) .
[ (2) ] (الاستيعاب) : 3/ 1286- 1288، ترجمة قيس بن خرشة القيسي رقم (2129) .(14/142)
وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتل الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما
فخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث مؤمل قال: حدثنا عمارة بن زاذان، حدثنا ثابت عن أنس [بن مالك] [ (2) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن ملك القطر [ (3) ] استأذن [ربه] [ (2) ] أن يأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأذن له فقال لأم سلمة: أملكى علينا الباب، لا يدخل علينا أحد، قال: وجاء الحسين [بن عليّ] [ (4) ] ليدخل فمنعته، فوثب فدخل فجعل يقعد على ظهر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وعلى منكبه، وعلى عاتقه، قال: فقال الملك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتحبه؟ قال: نعم، قال [أما] [ (2) ] إن أمتك ستقتله وإن شئت أريتك المكان الّذي يقتل فيه، فضرب بيده فجاء بطينة حمراء، فأخذتها أم سلمة فصرتها في خمارها، قال ثابت: بلغنا أنها كربلاء.
وخرجه البيهقي من حديث عبد الصمد بن حسان عن عمارة بن زاذان نحوه أو قريبا منه، إلا أنه قال: فضرب بيده فأراه ترابا أحمر فأخذته أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها فصرته في طرف ثوبها، فكنا نسمع، أن يقتل بكربلاء، قال: وكذلك رواه سفيان بن فروخ، عن عمارة فذكره نحوه [ (5) ] .
وقال أبو يعلى: حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي، عن ليث بن أبي سليم، عن جرير، عن الحسن العبسىّ، عن مولى لزينب، أو عن بعض أهله، عن زينب قالت: بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيتي وحسين رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عندي حين درج، فغفلت عنه، فدخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجلس على بطنه، فبال فانطلق لأخذه، فاستيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: دعيه، فتركته حتى فرغ، ثم دعا بماء، فقال: إنه يصب من الغلام، ويغسل من الجارية،
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) 4/ 127، حديث رقم (13127) من مسند أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (13383) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (3) ] كذا في (الأصل) ، وفي (المرجع السابق) : «ملك القطر» .
[ (4) ] من (الأصل) فقط.
[ (5) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .(14/143)
فصبوا صبا، ثم توضأ، فقام فصلّى، فلما قام احتضنه إليه، فإذا ركع أو جلس وضعه ثم جلس فشكا، ثم مدّ يده فقلت حين قضى الصلاة: يا رسول اللَّه، إني رأيتك اليوم صنعت شيئا ما رأيتك تصنعه؟ قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن ابني هذا تقتله أمتي، فقلت: أرني تربته، فأراني تربة حمراء.
وخرج الإمام أحمد [ (1) ] وأبو بكر بن أبي شيبة من حديث محمد بن شرحبيل ابن مدرك الجعفي عن عبد اللَّه بن نجي الحضرميّ، عن أبيه، أنه صار مع عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى عليّ: صبرا أبا عبد اللَّه، بشط الفرات، فقلت:
وما ذاك؟ قال: دخلت على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم وإذا عيناه تذرفان، قلت:
يا نبي اللَّه أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تقضيان؟ قال: بل قام جبريل من عندي قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، قال: فقال: هل لك أن اشمك من تربته؟ قلت: نعم، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عينيّ أن فاضتا.
وخرج الإمام [ (2) ] أحمد من حديث وكيع قال: حدثني عبد اللَّه بن سعيد، عن أبيه، عن عائشة، أو أم سلمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال لإحداهما لقد دخل عليّ البيت ملك لم يدخل علي قبلها، فقال: إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها، قال: فأخرج تربة حمراء.
وخرج الحاكم [ (3) ] من حديث مصعب قال: حدثنا الأوزاعي عن أبي عمار شداد بن عبد اللَّه، عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول اللَّه
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 137، حديث رقم (649) ، من مسند على بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (2) ] (المرجع السابق) : 7/ 418، حديث رقم (25985) ، من حديث أم سلمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
[ (3) ] (المستدرك) : 3/ 194، كتاب معرفة الصحابة، أول فضائل أبي عبد اللَّه الحسين بن على الشهيد رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، ابن فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم.(14/144)
صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: يا رسول اللَّه إني رأيت حلما منكرا الليلة، قال: [وما هو] ؟ قالت:
إنه شديد، قال: [وما هو] ؟ قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رأيت خيرا، تلد فاطمة إن شاء اللَّه غلاما فيكون في حجرك، فولدت فاطمة الحسين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، - فكان في حجري كما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدخلت يوما إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فوضعته في حجره، ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تهريقان الدموع، قالت: فقلت: يا رسول اللَّه، بأبي أنت وأمي، مالك؟ قال: أتاني جبريل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا، فقلت: هذا؟ قال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ (1) ] [ولم يخرجاه] وخرج من طريق أبي نعيم قال: حدثنا عبد اللَّه بن حبيب بن أبي ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: أوحى اللَّه إلى محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم: أني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (2) ] .
وخرّج من حديث قرة بن خالد قال: حدثنا عامر بن عبد الواحد، عن أبي الضحى، عن ابن عباس قال: ما كنا نشك وأهل البيت متوافرون أن الحسين ابن عليّ يقتل بالطف [ (3) ] .
وخرج أبو بكر بن أبي شيبة [ (1) ] من حديث يعلى بن عبيد، عن موسى الجهنيّ، عن صالح بن أربد النخعي، قال: قالت أم سلمة- رضي اللَّه تبارك
__________
[ () ] (4818) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : بل منقطع ضعيف، فإن شدادا لم يدرك أم الفضل، ومحمد بن مصعب ضعيف.
[ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) .
[ (2) ] (المستدرك) : 3/ 195- 196، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4822) . وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم.
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4826) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : حجاج بن نصير متروك.(14/145)
وتعالى عنها-: دخل الحسين بن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا جالسة على الباب، فاطلعت فرأيت في كف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا يقلبه وهو نائم على بطنه! فقلت: يا رسول اللَّه تطلعت فرأيتك تقلب شيئا في كفك، والصبي نائم على بطنك، ودموعك تسيل، فقال: إن جبريل عليه السلام أتانى بالتربة التي يقتل عليها، وأخبرنى أن أمتى يقتلونه [ (1) ] .
وخرّج أبو نعيم أحمد بن حديث عبد اللَّه بن أحمد، قال: حدثني عبد بن زياد الأسدي، حدثنا عمرو بن ثابت عن الأعمش، عن أبي وائل شفيق بن سلمة، عن أم سلمة قالت: كان الحسين والحسن- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يلعبان بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيتي، فنزل جبريل فقال: يا محمد، إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك، وأومأ بيده إلى الحسين، فبكى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وضمه إلى صدره، ثم قال: وديعة عندك هذه التربة، فشمها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: ريح كرب وبلاء، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أم سلمة، إذا تحولت هذه التربة دما فاعلمي أن ابني قد قتل، قال: فجعلتها أم سلمة في قارورة ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول: تحولين دما ليوم عظيم [ (2) ] .
وخرج من حديث يحيى بن عبد الحميد قال: حدثنا سليمان بن بلال عن كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد اللَّه بن حنظب، عن أم سلمة قالت: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جالسا في بيتي ذات يوم، فقال: لا يدخلن عليّ أحد، فانتظرت، فدخل الحسين، فسمعت نشيج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يبكى، فاطلعت، فإذا الحسين في حجره، وإلى جنبه يمسح رأسه وهو يبكى، فقلت: واللَّه ما علمت به حتى دخل، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن جبريل كان معنا في البيت فقال: أتحبه؟ فقلت: أما من حيث الدنيا فنعم، فقال إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء، فتناول جبريل من ترابها فأراه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما أحيط بالحسين- رضي اللَّه تبارك
__________
[ (1) ] (المصنف) : 7/ 477- 478، كتاب الفتن، باب (2) ما ذكر في فتنة الدجال، حديث رقم (37355) .
[ (2) ] سبق تخريجهما.(14/146)
وتعالى عنه- حين قتل، قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: أرض كربلاء، قال: صدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أرض كرب وبلاء [ (1) ] .
وخرّج البيهقي [ (2) ] من حديث موسى بن يعقوب عن هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، عن عبد اللَّه بن وهب بن زمعة، قال: أخبرتني أم سلمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اضطجع ذات يوم النوم فاستيقظ وهو حائر، ثم اضطجع فرقد، ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيت منه في الكرة الأولى، ثم اضطجع فرقد، ثم استيقظ وفي يده تربة حمراء يقلبها، فقلت: ما هذه التربة يا رسول اللَّه؟ قال: أخبرنى جبريل عليه السلام أن هذا يقتل بأرض العراق- للحسين- فقلت: يا جبريل أرنى تربة الأرض التي يقتل بها، فهذه تربتها.
تابعه موسى الجهنيّ عن صالح بن زيد النخعي عن أم سلمة وأبان، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة.
وخرّج البيهقي [ (3) ] من طريق سعيد بن الحكم بن أبي مريم قال: حدثني يحيى بن أيوب قال: حدثني ابن غزية وهو عمارة عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: كان لعائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها مشربة، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد لقي جبريل عليه السلام لقيه فيها، فرقاها مرة من ذلك، وأمر عائشة أن لا يطلع [إليهم] أحد، قال: وكان رأس الدرجة في حجرة عائشة، فدخل الحسين بن على رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما فرقى ولم تعلم حتى غشيها، فقال جبريل: من هذا؟ قال: ابني، فأخذه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجعله على فخذه، قال جبريل: سيقتل، تقتله أمتك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:
أمتى؟ قال: نعم، وإن شئت أخبرتك بالأرض التي يقتل فيها فأشار جبريل بيده إلى الطف بالعراق، فأخذ تربة حمراء، فأراه إياها.
__________
[ (1) ] سبق تخريجهما.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 468.
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 470. في (الأصل) : «إليه» .(14/147)
قال البيهقي [ (1) ] : هكذا رواه يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية مرسلا.
ورواه إبراهيم بن أبي يحيى، عن عمارة موصولا فقال: عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة.
وخرّجه الحافظ أبو نعيم [ (2) ] من حديث عطاء بن مسلم الخفاق، عن الأشعث ابن سحيم، عن أبيه، عن أنس بن الحارث، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إن أمتى تقتل هذا بأرض من أراضى العراق، فمن أدركه منكم فلينصره، قال: فقتل أنس مع الحسين بن على رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم.
وذكر أبو بكر بن أبي شيبة [ (3) ] حدثنا- أحوص بن حبان عن يونس، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن نعجة قال: إن أول ذل دخل على العرب قتل الحسين بن علي وادّعاه زياد.
وخرّج البيهقي [ (4) ] من حديث شبابة بن سوار، قال: حدثنا يحيى بن سالم الأسدي، قال: سمعت الشعبي يقول: كان ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قدم المدينة، فأخبر أن الحسين بن علي قد توجه إلى العراق، فلحقه على مسيرة ليلتين أو ثلاث من المدينة، فقال: أين تريد؟ قال: العراق، ومعه طوامير وكتب، فقال: لا تأتهم، فقال: هذه كتبهم وبيعتهم، فقال: إن اللَّه عز وجل خيّر نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين الدنيا وبين الآخرة فاختار الآخرة، ولم يرد الدنيا وإنكم بضعة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واللَّه لا يليها أحد منكم أبدا، وما صرفها اللَّه عنكم إلا للذي هو خير لكم، فارجعوا فأبى، وقال: هذه كتبهم وبيعتهم، قال: فاعتنقه ابن عمر وقال: استودعك اللَّه من قتيل.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 470.
[ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 554، إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عن قتل الحسين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، حديث رقم (493) ، ونقله الحافظ السيوطي في (الخصائص الكبرى) : 2/ 451، وقال:
رواه ابن السكن والبغوي في الصحابة.
[ (3) ] (المصنف) : 7/ 258، كتاب الأوائل، باب (1) أول ما فعل ومن فعله، حديث رقم (35849) .
[ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 470- 471.(14/148)
وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث عبد الرحمن، قال: حدثنا: حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، قال: رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في المنام نصف النهار، أشعث أغبر، معه قارورة فيها دم يلتقطه، أو يتبع فيها شيئا، فقلت: ما هذا؟ قال: دم الحسين وأصحابه لم أزل أتبعه منذ اليوم، قال: فحفظنا ذلك فوجدناه قتل ذلك اليوم.
وخرج من حديث عفان، حدثنا حماد، حدثنا عمار فذكره بنحو منه [ (2) ] .
وخرج البيهقي [ (3) ] من حديث مسلم بن إبراهيم، قال: حدثتنا أم شوق العبدية، قالت: حدثتني نضرة الأزدية قالت: لما قتل الحسين بن على أمطرت السماء دما فأصبحت وكل شيء [لنا] [ (4) ] ملآن [دماء] [ (5) ] .
ومن حديث سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد، عن معمر قال: أول ما عرف الزهري تكلم في مجلس الوليد بن عبد الملك، فقال الوليد:
أيكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين بن على؟ فقال الزهري: بلغني أنه لم يقلب حجر إلا وجد تحته دم عبيط [ (6) ] .
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 400، حديث رقم (2166) من مسند عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2549) من مسند عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 471.
[ (4) ] من (الأصل) : فقط.
[ (5) ] في (الأصل) : دما، وما أثبتناه من (الدلائل) .
[ (6) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 471) .(14/149)
وخرج الحاكم [ (1) ] من طريق نوح بن دراج عن محمد بن إسحاق، عن الزهري أن أسماء الأنصارية قالت: ما رفع حجر بإيليا ليلة قتل عليّ رضي- اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلا ووجد تحته دم عبيط.
وخرجه البيهقي [ (2) ] من حديث ابن عفير، حدثنا حفص بن عمران عن السري بن يحيى، عن ابن شهاب قال: قدمت دمشق وأنا أريد الغزو فأتيت عبد الملك يعني ابن مروان لأسلم عليه، فوجدته في قبة على فرش يفوق القائم، والناس تحته سماطان، فسلمت وجلست، فقال: يا ابن شهاب أتعلم ما كان في بيت المقدس صباح قتل ابن أبي طالب؟ قلت: نعم، قال: هلم، فقمت من وراء الناس حتى أتيت خلف القبة وحوّل وجهه فأحنى عليّ فقال:
ما كان؟ فقلت: لم يرفع حجر في بيت المقدس إلا وجد تحته دم، قال:
فقال: لم يبق أحد يعلم هذا غيري وغيرك، ولا يسمعن منك، قال: فما تحدثت به حتى توفي.
قال البيهقي هكذا روي في قتل عليّ بهذا الإسناد، وروى بإسناد أصح من هذا عن الزهري، أن ذلك كان في قتل الحسين بن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما.
قال كاتبه: يريد ما تقدم ذكره من طريق سليمان بن حرب، عن حماد.
وخرج من طريق أيوب بن محمد الرقى حدثنا: سلام بن سليمان الثقفي، عن زيد بن عمرو الطندى، قال: حدثتني أم حبان، قالت: يوم قتل الحسين
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 3/ 155، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بأصح الأسانيد على سبيل الاختصار، حديث رقم (4694) : قال الحاكم: قد اختلفت الروايات في مبلغ سنّ أمير المؤمنين حين قتل، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : نوح كذاب.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 440- 441، باب ما روى في إخباره بتأمير علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقتله فكانا كما أخبر.(14/150)
أظلمت علينا ثلاثا: ولم يمس أحد منا من زعفرانهم شيئا فجعله على وجهه إلا احترق، ولم يقلب حجر في بيت المقدس إلا أصبح تحته دم عبيط.
ومن حديث علي بن مسهر قال: حدثتني جدتي، قالت: كنت أيام الحسين جارية شابة فكانت السماء أياما كأنها علقة [ (1) ] .
ومن حديث أبي بكر الحميدي حدثنا سفيان، قال: حدثتني جدتي، قالت: لقد رأيت الورس عاد رمادا، ولقد رأيت اللحم كأن فيه النار حين قتل الحسين [ (2) ] .
ومن طريق سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثني جميل بن مرة، قال: أصابوا إبلا في عسكر الحسين يوم قتل، فنحروها وطبخوها قال:
فصارت مثل العلقم، فما استطاعوا أن يسيغوا منها شيئا [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 472.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 472.
[ (3) ] (المرجع السابق) .(14/151)
وأما إنذاره صلى اللَّه عليه وسلم بقتل أهل الحرة وتحريق الكعبة المشرفة
فخرج البيهقي [ (1) ] من طريق يعقوب بن سفيان قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثني ابن فليح عن أبيه، عن أيوب بن عبد الرحمن، عن أيوب بن بشير المعافري، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج في سفر من أسفاره، فلما مرّ بحرة زهرة وقف فاسترجع فساء ذلك من معه، وظنوا أن ذلك من أمر سفرهم، فقال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: يا رسول اللَّه! ما الّذي رأيت؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أما إن ذلك ليس من سفركم هذا، قالوا: فما هو يا رسول اللَّه؟ فقال: يقتل بهذه الحرة خيار أمتي بعد أصحابي.
قال البيهقي [ (2) ] : هذا مرسل وقد روى عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- في تأويل آية من كتاب اللَّه تعالى ما يؤكده، فذكر من طريق ثور ابن يزيد عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لأتوها [ (3) ] قال: لأعطوها، يعني إدخال بني حارثة أهل الشام على أهل المدينة.
وخرج الإمام أحمد [ (4) ] من حديث شعبة بن أوس عن بلال العبسيّ، عن ميمونة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كيف أنتم إذا مرج الدين وظهرت الرغبة واختلف الإخوان، وحرق البيت العتيق؟.
وذكر محمد بن الحسن بن زبالة، عن إبراهيم بن محمد، عن أبيه قال:
أمطرت السماء على عهد عمر بن الخطاب فقال لأصحابه: هل لكم في هذا الماء الحديث العهد بالعرش لننزل به ونشرب منه؟ فلو جاء من مجيئه راكب
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 473، باب ما روي عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في إخباره بقتل أهل الحرة فكان كما أخبر.
[ (2) ] (المرجع السابق) .
[ (3) ] الأحزاب: 14، كذا في (الأصل) ، برواية ورش عن نافع، وهي برواية حفص عن عاصم هكذا: لَآتَوْها.
[ (4) ] (مسند أحمد) : 7/ 469، حديث رقم (2689) .(14/152)
لتمسحنا به، فخرجوا حتى أتوا حرة واقم، وشراجها تطرد، فشربوا منها وتوضأنا فقال كعب: واللَّه يا أمير المؤمنين ليسيلن هذا الشراج بدماء الناس كما يسبل بهذا الماء! فقال عمر: دعنا من أحاديثك، قال: فدنا منه عبد اللَّه بن الزبير فقال: يا أبا الحق ومتى ذلك؟ وفي أي زمان؟ قال: إياك أن يكون ذلك على يدك.
وعن موسى بن عقبة، عن عطاء بن أبي مروان الواسطي، عن أبيه، عن كعب الأحبار قال: أفنجد في كتاب اللَّه حرة في المدينة تقتل بها مقتلة تضيء وجوههم يوم القيامة كما يضيء القمر ليلة البدر؟
وذكر من حديث زيد بن كثير عن المطلب بن عبد اللَّه، عن ابن أبي ربيعة أنه مر بعروة بن الزبير وهو يبنى قصره بالعقيق، فقال: أردت الحرث يا أبا عبد اللَّه؟ قال: لا، ولكنه ذكر لي أنه سيصيبها عذاب يعنى المدينة، فقلت: إن أصابها شيء كنت متنحيا عنها.
قال كاتبه: وكان من خبر وقعة الحرة [ (1) ] أن الوليد بن عتبة بن أبي سفيان عامل المدينة ليزيد بن معاوية بن أبي سفيان، بعث بوفد من أهل المدينة إلى يزيد فيهم عبد اللَّه بن حنظلة الغسيل وعبد اللَّه بن عمرو بن أبي حفص، بن المغيرة المجذومي، والمنذر بن الزبير بن العوام، فأكرمهم يزيد وأعظم جوائزهم، فلما عادوا إلى المدينة أظهروا شيم يزيد، وعابوه بشرب الخمر، وعزف القيان، واللعب بالكلاب، وخلعوه، وبايعوا عبد اللَّه بن حنظلة في سنة اثنتين وستين، فندب يزيد لحربهم مسلم بن عقبة المزني، ويسمى مسرفا، في اثنى عشر ألف، وعهد إليه إن ظهر عليهم أن يبيح المدينة، وقاتلهم بعد ما دعاهم إلى طاعة يزيد، وأجّلهم ثلاثا فلم يجيبوه، فهزمهم بعد قتال شديد، قتل فيه عبد اللَّه بن حنظلة، وعبد اللَّه بن زيد المازني، ومعقل بن سنان الأشجعي، في سبعمائة من حملة القرآن وعدة كثيرة.
قال أبو الهيثم: قتل يوم الحرة- حرة واقم نحو- من ستين ألف وخمسمائة.
__________
[ (1) ] (تاريخ الطبري) : 5/ 495 من أحداث سنة (63 هـ) .(14/153)
وقال: أبو مخنف: المقتولون من وجوه قريش سبعمائة. وقال أبو جعفر الطبري: قتل من القراء سبعمائة ومن الصاحبة أربعة: عبد اللَّه بن يزيد ابن عاصم، ومعقل بن يسار، ومحمد بن عمرو بن حزم، وعبد اللَّه بن حنظلة الغسيل، وأنهب المدينة ثلاثا فانتهبت، وذلك يوم الأربعاء لثلاث أيام، افتضّ فيها ألف عذراء! وكان الّذي أدخل أهل الشام بنو حارثة من خلف الناس حينئذ، فانهزموا حينئذ، ودعا مسرف الناس إلى بيعة يزيد على انهم خول له يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما يشاء، وقتل من امتنع من ذلك حتى أسرف في القتل والظلم، فسموه مسرفا لذلك، فبّحه اللَّه [ (1) ] .
وخرج الحاكم [ (2) ] من حديث يزيد بن هارون، أخبرنا ابن عون، عن خالد ابن عبد الحويرث عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: الآيات خرزات منظومات في سلك، يقطع السلك فيتبع بعضها بعضا.
قال ابن الحويرث: كنا نادين بالصباح وهناك عبد اللَّه بن عمرو وكان هناك امرأة من بنى المغيرة يقال لها فاطمة، فسمعت عبد اللَّه بن عمرو يقول:
ذاك يزيد بن معاوية، فقالت: أكذاك يا عبد اللَّه بن عمرو، تجده مكتوبا في الكتاب؟ قال: لا أجده باسمه، ولكن أجد رجلا من شجرة معاوية يسفك الدماء، ويستحل الأموال، وينقض هذا البيت حجرا حجرا، فإن كان ذلك وأنا حي، وإلا فاذكريني، قال: وكان منزلها على أبي قبيس [ (3) ] فلما كان زمن الحجاج وابن الزبير ورأت البيت ينقض، قالت: رحم اللَّه عبد اللَّه بن عمرو قد كان حدثنا بهذا.
قال كاتبه إنما أحرق البيت في حصار أيام يزيد بن معاوية، وقال الليث:
رمى الحجاج البيت بالنار فأحرقه، فجاءت سحابة فأمطرت على البيت لم
__________
[ (1) ] (تاريخ الطبري) : 5/ 495، من أحداث سنة (63 هـ) .
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 520- 521، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8461) ، وسكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) .
[ (3) ] أبو قبيس: اسم جبل.(14/154)
تجاوزه وأطفأت النار، وجاءت صاعقة فأحرقت المنجنيق وما فيه، وانكسر الحجر الأسود حين رمى الحجاج البيت [ (1) ] .
وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم بذهاب بصر عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فكان كذلك، وعمى قبل موته
فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوَرْديّ عن ثور بن يزيد، عن موسى بن ميسرة، أن بعض بني عبد اللَّه سايره في طريق مكة، قال: حدثني العباس بن عبد المطلب أنه بعث ابنه عبد اللَّه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في حاجة فوجد عنده رجلا، فرجع ولم يكلمه من أجل مكان الرجل معه، فلقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم العباس بعد ذلك، فقال العباس: أرسلت إليك ابني فوجد عندك رجلا فلم يستطع أن يكلمك، فرجع، قال: ورآه؟ قال: نعم!، قال: أتدري من ذلك الرجل؟ ذاك الرجل جبريل- عليه السلام-، ولن يموت حتى يذهب بصره ويؤتى علما.
وخرّجه الحاكم [ (3) ] من حديث عاصم بن على، قال: حدثتنا زينب بنت سليمان بن علي بن عبد اللَّه بن عباس، قال: حدثني أبي قال: سمعت أبي يقول: بعث العباس ابنه عبد اللَّه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فنام وراءه، وعند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رجلا فالتفت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: متى جئت يا حبيبي؟ قال: مذ ساعة قال: هل رأيت عندي أحدا؟ قال: نعم، رأيت رجلا، قال: ذاك جبريل عليه السلام ولم يره خلق إلا عمي إلا أن يكون نبيا، ولكن عسى أن يجعل ذلك في آخر عمرك، ثم قال: اللَّهمّ علّمه التأويل، وفقهه في الدين، واجعله من أهل الإيمان،
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
__________
[ (1) ] راجع التعليق: رقم (1) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 478، قال في (مجمع الزوائد) : فيه من لم أعرفه.
[ (3) ] (المستدرك) : 3/ 617- 618، كتاب معرفة الصحابة حديث رقم (6287) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : بل منكر.(14/155)
وخرج أبو نعيم [ (1) ] من حديث صالح بن أبي الأسود، عن أبي الجارود، عن شوذب، عن عكرمة، قال: خرجت بابن عباس وهو على راحلته فلما أخرجها من الحرم قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حدثني أنه سيذهب بصري وقد ذهب، وحدثني أنى سأغرق وقد غرقت في بحيرة طبرية، وحدثني أنى سأهاجر من بعد فتنه، اللَّهمّ وإني أشهدك أن هجرتي اليوم إلى محمد بن علي ابن أبي طالب.
وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم زيد بن أرقم بالعمى فكان كذلك
فخرج البيهقي [ (2) ] من طريق المعتمر قال: حدثنا نباته بن بنت بريد، عن حمادة، عن أنيسة بنت زيد بن أرقم، عن أبيها: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دخل على زيد يعوده من مرض كان به، قال: ليس عليك من مرضك بأس، ولكن كيف بك إذا أعمرت بعدي فعميت؟ قال: إذا احتسب وأصبر. قال: إذا تدخل الجنة بغير حساب قال: فعمى بعد ما مات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ثم ردّ اللَّه عليه بصره ثم مات.
__________
[ (1) ] لم أجده.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 479.(14/156)
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم من يأتى بعده من الكذابين [وإشارته إلى من يكون] منهم من ثقيف فكان كما أخبر
فخرج مسلم [ (1) ] من حديث مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
خرجه أيضا من طريق عبد الرزاق قال: حدثنا معمر، عن همام عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بمثله، غير أنه قال: ينبعث [ (2) ] .
وخرج الحافظ [ (3) ] أبو أحمد بن عدي، من حديث أبي يعلي الموصلي قال:
حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن الحسن، حدثنا: شريك عن أبي الحق، عن عبد اللَّه بن الزبير رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول صلّى اللَّه عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا
منهم مسيلمة والعنسيّ، والمختار ابن أبي عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن قسي، وهو ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور ابن عكرمة ابن خصفة بن قيس غيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، أمه دومة بنت عمرو بن وهب بن معقبة بن مالك بن كعب بن عمرو بن عوف بن ثقيف، كان المختار خارجيا، ثم صار زبيريا، ثم صار رافضيا في ظاهره، وزعم أنه يوحى إليه فيسجع به سجعا. وولاه ابن الزبير الكوفة، ثم خرج يطلب بدم الحسين بن عليّ بن أبي طالب، فقتل عبيد اللَّه بن زياد في حرب، وقتل أناسا كثيرة، ثم قتله مصعب بن الزبير سنة سبع وستين، وشر قبائل العرب بنو أمية، وبنو حنيفة، وثقيف.
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 260، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (18) لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، حديث رقم (84) .
[ (2) ] (المرجع السابق) الحديث الّذي يلي الحديث السابق.
[ (3) ] (الكامل في ضعفاء الرجال) لابن عدي: 6/ 173- 174، حديث رقم 36/ 1657.(14/157)
قال ابن عدي: وهذا لا أعلم رواه عن شريك إلا محمد بن الحسن الأسدي، وله إفرادات، وحدث عنه الثقات من الناس، ولم أجد بحديثه بأسا.
قال البيهقي: ولحديث هذا المختار بن أبي عبيد الثقفي شواهد صحيحة.
وذكر من طريق أبي داود الطيالسي قال: حدثنا الأسود بن سفيان، عن أبي نوفل بن أبي عقرب، عن أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما أنها قالت للحجاج بن يوسف: أما إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا، فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه قال: فقام عنها ولم يراجعها.
خرجه مسلم [ (1) ] في الصحيح من وجه آخر عن الأسود بن شيبان.
وذكر من طريق عبد اللَّه بن الزبير الحميدي قال: حدثنا سفيان هو ابن عيينة حدثنا أبو المحياة عن أمه، قالت: لما قتل الحجاج بن يوسف عبد اللَّه بن الزبير، دخل الحجاج على أسماء بنت أبي بكر فقال لها: يا أمّه، إن أمير المؤمنين أوصاني بك فهل لك من حاجة؟
فقالت: لست لك بأم، ولكنى أم المصلوب على رأس الثنية، وما لي من حاجة، ولكن انتظر حتى أحدثك بما سمعت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، يقول: يخرج في ثقيف كذاب ومبير،
فأما الكذاب فقد رأيناه يعنى المختار [ (2) ] ، وأما المبير فأنت، فقال الحجاج: مبير المنافقين.
ومن طريق أبي داود الطيالسي قال: حدثنا شريك عن أبي علوان عبد اللَّه بن عصمة، عن ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن في ثقيف كذابا ومبيرا.
قال كاتبه: المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف ابن عقدة بن غيرة بن عوف بن قسي بن منبه، وقسي هو ثقيف، كان شابا مع عمه سعد بن مسعود الثقفي وهو على المدائن لعلي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، ثم نزل الكوفة وأنزله في داره، فأراد نصرته، فقبض عليه عبيد اللَّه بن
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 332- 334، كتاب فضائل الصحابة، باب (58) ذكر كذاب ثقيف ومبيرها، حديث رقم (229) .
[ (2) ] (المرجع السابق) .(14/158)
زياد بعد ما ضرب وجهه بقضيب فشتر عينه، ثم حبسه حتى قتل الحسين رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، لأنه كان زوج أخته صفيه بنت أبي عبيد، وأخرجه إلى الحجاز، فأقسم ليأخذن بثأر الحسين وليقتلن بقتله عدة من على دم يحيى بن زكريا عليهما السلام، ونزل الطائف وزعم أنه مبيد الجبارين ثم تبع عبد اللَّه بن الزبير وقائل معه، فلما مات يزيد بن معاوية مضى إلى الكوفة فكان لا يمر على مجلس إلّا سلّم عليه، قال: أبشروه بالنصر والفتح، أتاكم ما تحبون فأجمعت الشيعة إليه، فقال: لهم إن المهدي يعني محمد بن الحنيفة- بعثني إليكم أمينا ووزيرا، وأمرنى بقتال الملحدين، والطلب بدم أهل بيته، فبايعوه، فقبض عليه وسجن، فلما قتل سليمان بن حرد أخرج من السجن، فأخذ يجمع الشيعة وخرج يظاهر الكوفة ليلا في ربيع الأول سنة ستة وستين، ونادى مناديه: يا منصور أمت، ونادى آخر: يا لثأرات الحسين، فملك الكوفة بعد حروب شديدة، وبايعه الناس، فأحسن السيرة، وسير بعوثة إلى أرمينية، وأذربيجان، والموصل، والمدائن، وغير ذلك، ثم وثب بمن في الكوفة من قتلة الحسين، وقد خرج عليه أهل الكوفة وقاتلوه فظهر بهم في ذي الحجة منها، وقتل منهم نحو الثمانمائة، وتجرد لقتلة الحسين حتى أفناهم، فكانوا ألوفا، فبعث عبد اللَّه ابن الزبير لقتاله أخاه مصعب بن الزبير، فكانت بينهم حروب عظيمة، قتل فيها المختار، وعمره سبع وستون سنة.
قال البيهقي [ (1) ] : وقد شهد جماعة من أكابر التابعين على المختار بن أبي عبيد بما كان يستبطن، وأخبر بعضهم بأنه من جملة الكذابين الذين أخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بخروجهم بعده، فذكر عن أبي داود الطيالسي قال: حدثنا قرة بن خالد، عن عبد الملك بن عمير، عن رفاعة بن شداد، قال: كنت أبطن شيء بالمختار- يعني: الكذاب- قال: فدخلت عليه ذات يوم، فقال: دخلت وقد قام جبريل قبل من هذا الكرسي! قال: فأهديت إلى قائم سيفي يعني لأضربه، حتى ذكرت حديثا
حدثته عمرو بن الحمق الخزاعي، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إذا أمن الرجل الرجل على دمه، ثم قلته رفع له لواء الغدر يوم القيامة، فكففت عنه،
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 482، باب ما جاء في إخباره بمن يكون من الكذابين وإشارته إلى من يكون منهم من ثقيف فكان كما أخبر.(14/159)
وقال زائدة عن السدي عن رفاعة القتباني: قال: كنت بالسيف على رأس المختار بن أبي عبيد، فسمعته ذات يوم يقول: قام جبريل من هذه النمرقة فأردت أن أسل سيفي فأضرب عنقه
فذكرت حديثا حدثنيه، عمرو بن الحمق الخزاعي أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: من أمن رجلا على نفسه فقتله فأنا من القاتل بريء، وإن كان المقتول كافرا، قال: فتركته.
قال البيهقي [ (1) ] وكذلك رواه سفيان الثوري وأسباط بن نصر، وغيرهما، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السندي.
وخرجه الإمام [ (2) ] أحمد من طريق ابن نمير، حدثنا: عيسى [القاري] أبو عمر حدثنا السدي عن رفاعة القتباني قال: دخلت على المختار فألقى لي وسادة فقال: لولا أخى جبريل قام عن هذه لألقيتها لك، قال: فأردت أن أضرب عنقه، فذكرت حديثا
حدثنيه [أخي] عمرو بن الحمق قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أيما مؤمن أمن مؤمنا على دمه فقتله، فأنا من القاتل بريء.
ومن طريق الحميدي [ (3) ] حدثنا: سفيان بن عيينة، عن مجالد، عن الشعبي قال: فأخرت أهل البصرة فغلبتهم بأهل الكوفة، والأحنف ساكت لا يتكلم، فلما رآني غلبتهم أرسل غلاما له فجاءه بكتاب فقال لي: هاك اقرأ، فقرأته، فإذا فيه من المختار إليه يذكر أنه نبي فقال: يقول الأحنف: أني فينا مثل هذا.
قال البيهقي [ (1) ] : وقد روينا عن يحيى بن سعيد، عن مجالد، عن الشعبي قصة ما كان في الكتاب من موضوعة الّذي كان يعارض به القرآن.
ومن طريق عبيد اللَّه بن معاذ، حدثنا أبي حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، سمع مرة يعنى الهمذانيّ، قال: قال عبد اللَّه بن مسعود: القرآن ما منه
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 483، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بمن يكون بعده من الكذابين، وإشارته صلّى اللَّه عليه وسلم إلى من يكون منهم من ثقيف، فكان كما أخبر.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 6/ 294، حديث رقم (21440) ، من حديث عمرو بن الحمق الخزاعي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 483.(14/160)
حرف، أو قال: آية- شك- إلا وقد عمل به قوم أو قال سيعملون بها، قال مرة: فقرأت: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ [ (1) ] فقلت من عمل بهذه حتى كان المختار بن أبي عبيد.
قال البيهقي [ (2) ] : ولعكرمة مولى ابن عباس فيما يقال عن الوحي والموضوع [سئل] [ (3) ] يريدون ما كان المختار يدّعيه من أنه يوحى إليه، وأن عنده كتاب يسمى الموضوع.
ومن طريق أبي داود حدثنا: عبد اللَّه بن الجراح عن جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: قال عبيدة السلماني يعنى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في خروج الكذابين، قال إبراهيم: فقلت له أترى هذا منهم؟ يعنى المختار بن أبي عبيد؟ قال عبيدة: أما إنه من الرءوس [ (4) ] .
قال جامعه: وكانت سيرة المختار بن أبي عبيد في تتبع قتله الحسين وقتلهم، شاهدة بصدق على ما خرجه الحاكم [ (5) ] من حديث أبي يعلى محمد بن شداد المسمعي، حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد اللَّه بن حبيب بن أبي ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أوحى اللَّه إلى نبيكم أني قتلت بيحيى سبعين ألفا، وأني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا.
__________
[ (1) ] الأنعام: 93.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 484.
[ (3) ] في (الأصل) : «يقال» وما أثبتناه من (الدلائل) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 484.
[ (5) ] (المستدرك) : 2/ 219، كتاب التفسير، من سورة البقرة، حديث رقم (3147) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : عبد اللَّه ثقة، ولكن المتن منكر جدا، فأما محمد بن شداد، فقال الدارقطنيّ: لا يكتب حديثه، وأما حميد، فقال ابن عدي: كان يسرق الحديث.(14/161)
قال الحاكم: قد كنت أحسب دهرا أن المسمعي تفرد بهذا الحديث عن أبي نعيم حتى حدثناه أبو محمد السبيعي الحافظ، حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن ناجية حدثنا حميد بن الربيع، حدثنا أبو نعيم، فذكره بإسناد نحوه.(14/162)
أما ما أخبر به صلى اللَّه عليه وسلّم عن الحطم بن هند الكبريّ فكان كما أخبر
فذكر أبو زيد عمر بن شيبة في كتاب (أخبار مكة) بسنده إلى عبد اللَّه ابن المبارك، عن أبي بكر الهذلي قال: كان شريح بن ضبيعة بن شرحبيل بن عمرو مرثد سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس يغزو ببكر بن وائل في الجاهلية وابن أبي رميض العتري ارتجز به في مسيره:
قد لفها الليل بسواق حطم ... ليس براعي إبل ولا غنم
فسماه الناس الحطم
وأنه أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة فقال يا محمد! إني سيد قومي، وداعية قومي، وإني إن أسلمت دعوت إليك الناس وإن تركت دينك صرفت عنك من بعدي، فما دينك يا محمد؟ قال: ديني الإسلام، قال: وما الإسلام؟ فذكر له، وقال:
لا تشرب الخمر، فقال يا محمد! ولا نشرب الخمر؟! قال: نعم، قال: إن في دينك لغلظ وشدة، أذهب فأعرضه على قومي، فإن قبلوا قبلت معهم وأن أدبروا كنت معهم، قال: اذهب فاعرض عليهم ما بدا لك، فلما أدبر، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد دخل عليّ بوجه كافر وخرج من عندي بعقبي غادر، ولن يسلم أبدا
فخرج حتى أتى سرح المسلمين، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أقبل من سفر سرح الناس ظهرهم، وإن عدو اللَّه اطرد سرح المسلمين هو وأصحابه، وطلبه المسلمون فسبقهم إلى اليمامة فنزلها، وأهل اليمامة مشركون فلما دخلت شهور الحرم علم أن الناس قد وضعوا السلاح، فباع تلك الإبل واشترى تجارة، فعهد بها إلى مكة يريد الحج والتجارة، وأهل مكة مشركون، فبلغ ذلك أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم
فقالوا: يا رسول اللَّه إن الحطم عدد وختر وباع إبلنا، واشترى تجارات بأثمانها، وتوجه إلى مكة، أفلا نعرض له فنضرب عنه وننزع ما في يده؟ فقال: بلى،
فجمع رجالا ودعا رجلا يستعمله عليهم، إذ نزل عليه الوحي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً [ (1) ] فكف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عنه فلم يعرض له.
__________
[ (1) ] المائدة: 2.(14/163)
قال أبو زيد: أما الهدي: فهي البدن، كانت تهدى إلى البيت فيعلق في أعناقها النعال وعليها جلالها فتمر بالمشركين وهم يأكلون الميتة والجلد، ولقد واللَّه لهذا هو أخبث ما أكل الناس، كان يبلغ بهم الجوع أن يحلقوا أوبار الإبل فيجمعونها بالدم، فيأكلونه، وكانوا لا يعرضون للبدن تعظيما لها، وأما القلائد فكان الرجل إذا توجه إلى مكة حاجا جعل في عنقه قلائد من لحاء السمر [ (1) ] أو من شعر أسود فيمر بالكفار، فلا يعرضون له وإن كانوا يطلبونه بدم، فيقولون: هذا يريد بيت اللَّه، وإذا صدر من مكة راجعا جعل في عنقه قلادة من إذخر [ (2) ] مكة، فقالوا: شجر الحرم في عنقه، إياكم وإياه وأما آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ فهو من كان توجه يريد مكة يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا.
قال أبو بكر حدثنا محمد بن بلال بن أبي بردة- وهو أمير البصرة يومئذ: فأرسل إلى الحسن في الليل فأتيته فقال: أرأيت قوله: يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً الفضل والرضوان؟ قلت: الفضل: التجارة، والرضوان: الأجر. قال: الكفار يدرون ما الأجر ويريدونه؟ قلت: نعم، قد كانوا يعتقون الرقاب ويصلون الأرحام ويحجون، وأنشد أبو العباس محمد بن يزيد المبرد في كتاب الكامل. فأنشدني.
قوله: أن النشد يعني فرس أو ناقة، وقوله: قد لفها الليل بسواق حطم فهو الّذي لا يبقى من السير شيئا ويقال: رجل حطم للذي يأتي شيئا على الزاد لشدة أكله، يقال للنار التي لا تبقى حطمة! وقوله: على ظهر وضم، الوضم: كل ما قطع اللحم. [عليه] .
__________
[ (1) ] قشر الشجر.
[ (2) ] شجر ينبت بالحرم المكيّ.(14/164)
وأما ظهور صدقة صلّى اللَّه عليه وسلّم في إخباره بغلبة الروم وفارس بعد ما غلبت منها
فقال اللَّه- تعالى-: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [ (1) ] .
اعلم أن عامة القرآن على ضم الغين من قوله: غُلِبَتِ الرُّومُ بمعنى أن فارس غلبت الروم، وروى عن ابن عمر وأبي سعيد الخدريّ وعليّ بن أبي طالب ومعاوية بن قرة أنهم قرءوا: غُلِبَتِ الرُّومُ بفتح الغين اللام.
يا قالوا: أبا عبد الرحمن على أي شيء غلبوا؟ قال: على ريف الشام، قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: والصواب الّذي لا يجوز غيره الم* غُلِبَتِ بضم الغين لإجماع الحجة من القراءة عليه، قال: وتأويل الكلام غلبت فارس والروم في أدنى الأرض، ومن أرض الشام إلى فارس، وهم من بعد غلبهم، يقول والروم من بعد غلبة فارس إياهم سَيَغْلِبُونَ فارس فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ غلبهم، ومن بعد غلبهم إياهم، يقضي في خلقه ما يشاء، ويحكم ما يريد، ويظهر من يشاء منهم على من أحب إظهاره عليه وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يقول: ويوم يغلب الروم فارس يفرح المؤمنون باللَّه ورسوله بنصر اللَّه إياهم على المشركين، ونصرة الروم على فارس، يَنْصُرُ اللَّه- تعالى [ذكره [ (2) ]]- مَنْ يَشاءُ من خلقه على، من يشاء، وهو نصره المؤمنين على المشركين ببدر وَهُوَ الْعَزِيزُ يقول: واللَّه الشديد في انتقامه من أعدائه لا يمنعه من ذلك مانع، ولا يحول بينه وبينه حائل الرحيم بمن تاب من خلقه، وراجع طاعته أن يعذبه. انتهى [ (3) ] .
وفي قوله تعالي: أَدْنَى الْأَرْضِ، قراءات، إحداها: أداني بألف بعد دال مفتوحة، وبمعنى أقرب الأرض، وفيها قولان، أحدهما: في أداني أرض فارس، حكاه النقاش، والثاني، في أداني أرض الروم، قاله الجمهور،
__________
[ (1) ] الروم: 1- 5.
[ (2) ] زيادة للسياق من (تفسير الطبراني) .
[ (3) ] (المرجع السابق) .(14/165)
والقراءة الثانية: أدنى بسكون الدال، وهي إجماع القراء، ومعناه أقرب، وفي أدنى أربعة أقوال، أحدها: طرف الشام، قاله ابن عباس، والثاني: الجزيرة فيما بين العراق والشام، وهي أقرب أرض الروم إلى فارس، قاله مجاهد، والثالث: الأردن وفلسطين، قاله السّدي ومقاتل، والرابع: أذرعات، قاله عكرمة ويحيى بن سلام.
ويقال: إن قيصر بعث رجلا يدعى يحنس وبعث كسرى شهربراز فالتقيا بأذرعات وبصرى [ (3) ] ، وهي أدنى بلاد الشام إلى أرض العرب والعجم. قال ابن عطية: فإن كانت الوقعة بأذرعات فهي من أدنى الأرض بالقياس إلى مكة.
وإن كانت الوقعة بالجزيرة فهي أدنى الأرض بالقياس إلى أرض كسرى، وإن كانت بالأردن فهي إلى أدنى أرض الروم. فلما جرى ذلك وغلبت الروم شرّ الكفار فبشّر اللَّه عباده المؤمنين بأن الروم سيغلبون، وتكون الدولة لهم في الحرب، وكان في هذا الإخبار دليل على نبوة محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، لأن الروم غلبت من فارس، فأخبر اللَّه نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين، وأن المؤمنين يفرحون بذلك لأن الروم نصارى أهل كتاب وهو الإنجيل، فكان هذا من علم الغيب الّذي أخبر اللَّه- تعالى- به مما لم يكن، فكان كما أخبر.
قال الزجاج وهذا يدل على أن القرآن من عند اللَّه، لأنه أنبأ بما سيكون، وهذا لا يعلمه إلا اللَّه.
وقد اختلف في البضع فقال ابن سيده: البضع أو البضع ما بين الثلاث إلى العشر أولها من الثلاثة إلى العشر مضاف إلى ما تضاف إليه الآحاد، كقوله- تعالى-: فِي بِضْعِ سِنِينَ وقوله: فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ [ (1) ] ويبني مع العشرة كما يبني سائر الآحاد، فيقال: بضعة عشر رجلا، وبضع عشرة امرأة، ولم يسمع بضعة عشر ولا بضع عشرة رجلا، وبضع عشر امرأة. ولا يمتنع ذلك.
وقيل: البضع من الثلاث إلى التسع وقيل هو ما بين الواحد إلى الأربعة وقال الهرويّ: العرب تستعمل البضع فيما بين الثلاث إلى التسع، والبضع والبضعة واحد ومعناهما القطعة من العدد.
__________
[ (3) ] أذرعات وبصر: أسماء أماكن.
[ (1) ] يوسف: 42.(14/166)
وحكى عن أبي عبيدة أنه قال: البضع ما دون نصف العقد، يريد ما بين واحد إلى أربعة، وهذا ليس بشيء، لأن في الحديث أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: يا أبا بكر، هل احتطت فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع.
وحكى الثعلبي أن أكثر المفسرين على أن البضع سبع، وقال الماوردي:
وهو قول لأبي بكر الصديق، وقال مجاهد: من ثلاث إلى تسع، وقال الأصمعي: من ثلاث إلى عشر، وحكى الزجاج: ما بين الثلاث إلى الخمس [ (1) ] .
__________
[ (1) ] البضع والبضع، بالفتح والكسر: ما بين الثلاث إلى العشر، وبالهاء: من الثلاثة إلى العشرة، يضاف إلى ما تضاف إليه الآحاد، لأنه قطعة من العدد، كقوله- تعالى- فِي بِضْعِ سِنِينَ [يوسف: 42] .
وتبني مع العشرة كما تبنى سائر الآحاد، وذلك من ثلاثة إلى تسعة، فيقال: بضعة عشر رجلا، وبضع عشرة جارية، قال ابن سيده: ولم نسمع بضعة عشر ولا بضع عشرة، ولا يمتنع ذلك.
وقيل: البضع من الثلاث إلى التسع، وقيل: من أربع إلى تسع، وفي التنزيل فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ، قال الفراء: البضع ما بين الثلاثة إلى ما دون العشرة، وقال شمر:
البضع لا يكون أقل من ثلاثة ولا أكثر من عشرة، وقال أبو زيد: أقمت عنده بضع سنين، وقال بعضهم: بضع سنين، وقال أبو عبيدة: البضع ما لم يبلغ العقد ولا نصفه، يريد ما بين الواحد إلى أربعة.
ويقال: البضع سبعة، وإذا جاوز لفظ العشر ذهب البضع، لا تقل: بضع وعشرون.
وقال أبو زيد: يقال له: بضع وعشرون رجلا وله بضع وعشرون امرأة.
وقال ابن بري: وحكى عن الفراء في قوله- تعالى-: بِضْعِ سِنِينَ أن البضع لا يذكر إلا مع العشر والعشرين إلى التسعين، ولا يقال فيما بعد ذلك، يعني أنه يقال مائة ونيف. (لسان العرب) : 8/ 14- 15.
وقال محمد بن إسماعيل اللغويّ النحويّ: البضع: ما بين العقدين من واحد إلى عشرة، ومن أحد عشر إلى عشرين، ومع المذكر بهاء، ومع المؤنث بغير هاء: بضعة وعشرون رجلا، وبضع وعشرون امرأة. (بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز) :
2/ 250.(14/167)
وقد روى أن إيقاع الروم بالفرس كان يوم بدر، وروى أنه كان يوم الحديبيّة، وأن الخبر وصل يوم بيعة الرضوان، قاله عكرمة وقتادة.
قال ابن عطية: في كلا اليومين كان نصر من اللَّه- تعالى- للمؤمنين، وقد قيل: إن سبب فرح المؤمنين بغلبة الروم وهمهم أن يغلبوا، لأن الروم أهل الكتاب كالمسلمين، فهم أقرب من أهل الأوثان، وقيل: فرحوا لإنجاز اللَّه وعده، إذ فيه دليل على النبوة، ولأنه- تعالى- أخبر بما يكون في بضع سنين، فكان كذلك، وقيل، لأن الفطرة جبلت على محبة أن يغلب العدو الأصغر، لأنه أيسر مئونة، بخلاف العدو الأكبر إذا كان الغلب له فإن الخوف يكثر منه.
وقيل: فرحوا بنصر الرسول على المشركين يوم بدر، قال القرطبي:
ويحتمل أن يكون سرورهم بالجموع من ذلك فسروا بظهورهم على عدوهم، وبظهور الروم، وبإنجاز وعد اللَّه- تعالى-.
خرّج أبو عيسى الترمذي من حديث نصر بن عليّ الجهضميّ قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن سليمان الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد قال: لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين، فنزلت الم* غُلِبَتِ الرُّومُ إلى قوله: يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ اللَّه قال: ففرح المؤمنون بظهور الروم على فارس [ (1) ] .
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، هكذا قرأ نصر بن علي: غُلِبَتِ الرُّومُ [ (2) ] .
وخرّج من حديث معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق الفزاري، عن سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في قوله الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى
__________
[ () ] وقال أبو القاسم الراغب الأصفهاني: والبضع بالكسر المنقطع من العشرة، ويقال: ذلك لما بين الثلاث إلى العشرة، وقيل: بل هو فوق الخمس ودون العشرة، قال- تعالى-:
بِضْعِ سِنِينَ. (المفردات في غريب القرآن) : 50.
[ (1) ] سنن الترمذي: 5/ 320، كتاب تفسير القرآن، باب (31) ومن سورة الروم، حديث رقم (3192) .
[ (2) ] راجع التعليق السابق.(14/168)
الأرض قال: غلبت وغلبت، كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم لأنهم وإياهم أهل كتاب فذكروه لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فذكره أبو بكر لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أما إنهم سيغلبون، فذكره أبو بكر لهم فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلا، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجل خمس سنين فلم يظهروا، فذكروا ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ألا جعلته إلى دون؟ قال: أراه العشر،
قال أبو سعيد:
والبضع ما دون العشر، قال: ثم ظهرت الروم بعد. قال: فذاك قوله- تعالى-: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ إلى قوله: يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ، قال سفيان: سمعت أنهم ظهروا عليهم يوم بدر [ (1) ] .
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب، إنما نعرفه من حديث سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي عمرة.
وخرّجه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين [ (2) ] .
وخرّج الترمذي من حديث محمد بن خالد بن عثمة قال: حدثني عبد اللَّه ابن عبد الرحمن الجمحيّ، قال: حدثني ابن شهاب الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لأبي بكر في مناحبة الم* غُلِبَتِ الرُّومُ: ألا احتطت يا أبا بكر، فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع [ (3) ] .
وخرّجه بقي من حديث معن بن عيسى قال: حدثنا عبيد اللَّه بن عبيد الرحمن الجمحيّ، عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس قال: لما نزلت: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ ناحب أبو بكر قريشا، ثم ذكر ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا أبا بكر هلا احتطت فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3193) .
[ (2) ] (المستدرك) : 2/ 444، كتاب التفسير، باب (30) تفسير سورة الروم، حديث رقم (3539) .
[ (3) ] (سنن الترمذي) : 5/ 321، كتاب تفسير القرآن، باب (31) ومن سورة الروم حديث رقم (3191) . والمناحبة: المراهنة، وقوله: «احتطت» من الاحتياط.
[ (4) ] راجع التعليق السابق.(14/169)
وخرّج الترمذي من حديث ابن أبي الزناد، عن أبي الزناد، عن عروة بن الزبير، عن نيار بن مكرم الأسلميّ قال: لما نزلت: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ فكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم، لأنهم وإياهم أهل كتاب، وذلك قول اللَّه- تعالى-: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ فكانت قريش تحب ظهور فارس لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان يبعث، فلما أنزل اللَّه هذه الآية خرج أبو بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصيح في نواحي مكة الم* غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ.
قال ناس من قريش لأبي بكر: فذلك بيننا وبينكم، زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين، أفلا نراهنك على ذلك؟ قال بلى، وذلك قبل تحريم الرهان، فارتهن أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والمشركون وتواضعوا الرهان وقالوا لأبي بكر: كم تجعل؟ البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين فسمّ بيننا وبينك وسطا ننتهي إليه، قال: فسموا بينهم ست سنين قال:
فمضت الست سنين قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكر فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين لأن اللَّه- تعالى- قال: في بضع سنين، قال: وأسلم عند ذلك ناس كثيرة [ (1) ] .
قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح حسن غريب من حديث نيار بن مكرّم لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد [ولا نعرف النيار بن مكرم، عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم غير هذا الحديث] [ (2) ] .
وقال عبد الرزاق، عن معمر، عن منصور، عن أبي الضحاك، عن مسروق، عن ابن مسعود قال: مضت آية الروم، وقد مضى فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً [ (3) ] واللزام القتل يوم بدر، وقد مضت البطشة الكبرى يوم بدر.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3194) .
[ (2) ] ما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط.
[ (3) ] آخر آية من سورة الفرقان.(14/170)
وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق وقال: قال عبد اللَّه: خمس قد مضين: الدخان، واللزام، والبطشة، والفرس والروم.
وكان من خبر هذه الحادثة أن كسرى أبرويز بن هرمز ملك فارس تزوج مريم ابنة موريق قيصر ملك الروم فإنه من القسطنطينية دار ملك الروم في تحمل عظيم ومعها عسكر عدته سبعون ألفا نجدة له على أعدائه، فسار بهم إلى أذربيجان، وحارب عدوه بهرام جوهين وهزمه، وعاد إلى المدائن دار ملك الأكاسرة، فنوطه ملكه وأعاد عساكر الروم إلى بلادهم بالحباء والكرامة فلما كان بعد أربع عشرة سنة من ملكه ثار على موريق قائد له يقال له:
فوقاص وقتله، وملك بعده على الروم ودعي قيصر وتتبع أولاد موريق فقتلهم إلا واحدا منهم فرّ إلى كسرى أبرويز وأعلمه بما كان من قتل أبيه وإخوته، فغضب لذلك وندب فرحان يقال له شهربراز لمحاربة الروم على عساكر كثيرة، وأخرج معه قائد من قواده، فمضى أحدهما في طائفة من العسكر إلى الشام فخرب معابد الروم وقتل رجالهم وأسروهم وسبي ونهب الأموال وتهبط القدس، وبعث بخشبة الصليب إلى كسرى، ومضى القائد الآخر إلى مصر، وملك الإسكندرية وقد صالحه أهل مصر وسار فرحان شهربراز فوطئ الشلم ولقي جيوش الروم بأذرعات وبصري فهزمها وظفر، وسبى، وغنم، ومضى إلى بلاد الروم فقتل وسبي وخرب المدائن، وقطع الأشجار حتى نزل على خليج القسطنطينية، وبعث إليهم أهل صلوقية بعدة سفن تحمل المير، وعليها هرقل بن هرقل التونيس أحد البطارقة فسرّوا بقدومه، وجاءه الأعيان [فرضوا] منه عقلا رصينا، وحزما وافرا، وسياسة جيدة ورأيا صائبا، فكلمهم بما نزل بهم من الفتن والشدائد وطعن على الملك فوقاص قيصر وما زال بهم حتى رضوا به ملكا عليهم وخلفوا له فثار بهم على فوقاص وقبله واستبد بملك الروم، وكتب إلى كسرى أن يلتزم في كل سنة بحمل ألف قنطار من ذهب، وألف قنطار من فضة، وألف جارية بكر، وألف فارس، وألف ثوب أطلس، وأن يعجل قطيعة سنة، فالتزم ذلك وسأل أن يفرج عن حصاره وأن يمهله ستة أشهر حتى يخرج إلى الأعمال، ويحيى ذلك منها كل ذلك خديعة منه، فمشى على كسرى ذلك وأمرنا بالإفراج عنه فتنحت العساكر إلى بعض المروج وخرج هرقل من القسطنطينية بعد ما أقام عليها أخاه قسطنطين، وانتخب معه خمسة آلاف فارس، فأوغل في بلاد أرمينية، وقصد الجزيرة ونزل على نصيبين، وقائل أهلها حتى ملكها، وقتل(14/171)
الفرس أفدح قتل، وأسر، وسبى، وخرب المدائن، فبعث كسرى بعسكر إلى الموصل، وكتب يستدعي فرخان شهربراز لمحاربة هرقل فاتفق في أثناء ذلك ينكر كسرى أبرويز على فرخان شهربراز وعزمه على قتله، فلما بلغه ذلك انحرف عنه إلى هرقل، وكتب إليه بدخوله في حملته وسار إليه حتى لقيه إلى نصيبين، فقوى به، ومضى يريد كسرى وأوقع بجنوده حتى قاربا المدائن فأخذ كسرى أبرويز في الحيلة على هرقل ومكر به حتى أوقع بينه وبين فرخان شهربراز، ورجع إلى بلاده.
وفي هذه الحادثة أنزل اللَّه- تعالى-: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ يعني أذرعات وبصرى، فإنّها أدنى أرض الروم إلى الفرس، وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين، فساء النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه ظفر الفرس بالروم لأنهم أهل كتاب وفرح المشركون بذلك لأن المجوس إخوانهم في الشرك باللَّه، فلما نزلت هذه الآية راهن أبو بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أبيّ بن خلف على مائة بعير بأن الظفر يكون للروم بعد تسع سنين، فغلب أبو بكر أبيّ بن خلف، وجاء الخبر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بظفر الروم بفارس يوم الحديبيّة.(14/172)
وأما إعلامه صلى اللَّه عليه وسلم بالفتن [ (1) ] قبل كونها
فخرّج البخاريّ من حديث سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة [ (2) ]- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لقد خطبنا النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم خطبة ما ترك فيها شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره، علمه من علمه وجهله من جهله إن
__________
[ (1) ] الفتن: جمع فتنة، قال الراغب: أصل الفتن إدخال الذهب في النار لتظهر جودته من رداءته، ويستعمل في إدخال الإنسان النار، ويطلق على العذاب كقوله- تعالى-: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ وعلى ما يحصل عند العذاب كقوله- تعالى- أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا، وعلى الاختبار كقوله- تعالى-: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً، وفيما يدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء، وفي الشدة أظهر معنى وأكثر استعمالا، قال- تعالى-: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً، ومنه قوله- تعالى- وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ أي يوقعونك في بلية وشدة في صرفك عن العمل بما أوحى إليك.
وقال أيضا: الفتنة تكون من الأفعال الصادرة من اللَّه ومن العبد، كالبلية والمصيبة، والقتل والعذاب، والمعصية، وغيرها من المكروهات: فإن كانت من اللَّه- تعالى- فهي على وجه الحكمة، وإن كانت من الإنسان بغير أمر اللَّه فهي مذمومة، فقد ذم اللَّه الإنسان بإيقاع الفتنة كقوله- تعالى- وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وقوله- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وقوله- تعالى-: ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ وقوله- تعالى-:
بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ وكقوله- تعالى-: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ.
وقال غيره: أصل الفتنة: الاخبار، ثم استعملت فيما أخرجته المحنة والاختبار إلى المكروه، ثم أطلقت على كل مكروه أو آئل إليه، كالكفر، والإثم، والتحريق، والفضيحة، والفجور، وغير ذلك. (مفردات القرآن) : 371- 372 مختصرا.
[ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 604، كتاب القدر، باب (4) وكان أمر اللَّه قدرا مقدرا حديث رقم (6604) .(14/173)
كنت لأرى الشيء قد نسيته فأعرفه كما يعرف الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفه ذكره في أول كتاب القدر [ (1) ] .
وخرّجه مسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] من حديث جرير، عن الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة قال: قام فينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مقاما ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدّث به، حفظه من حفظه ونسبه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء وأنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه.
وخرّجه من طريق سفيان، عن الأعمش بهذا الإسناد إلى قوله: ونسيه من نسيه، ولم يذكر ما بعده [ (4) ] .
وخرّج مسلم من حديث حجاج، عن عاصم، عن عزرة بن ثابت قال:
حدثنا علباء بن أحمر، قال: حدثني [يعني عمرو بن أخطب] [ (5) ] قال: صلى بنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأعلمنا أحفظنا [ (6) ] .
ومن حديث شعبة عن عدي بن ثابت، عن عبد اللَّه بن يزيد، عن حذيفة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: أخبرني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بما هو كائن
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 11/ 604، كتاب القدر، باب (4) وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً، حديث رقم (6604) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النوويّ) : 18/ 232، كتاب الفتن، باب (6) إخبار النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة، حديث رقم (23) .
[ (3) ] (سنن أبي داود) : 4/ 441، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (1) ذكر الفتن ودلائلها، حديث رقم (4240) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 232، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (6) إخبار النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة، الحديث الّذي يلي رقم (23) بدون رقم.
[ (5) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) .
[ (6) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (24) (المرجع السابق) : حديث رقم (25) .(14/174)
إلى أن تقوم الساعة فما منه شيء إلا قد سألته إلا إني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة [ (1) ] .
وخرّج أبو داود من حديث ابن فروخ [ (2) ] ، قال: حدثنا أسامة بن زيد قال:
أخبرني ابن لقبيصة بن ذؤيب، عن أبيه قال: قال حذيفة بن اليمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- واللَّه ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا؟ واللَّه ما ترك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدا إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته [ (3) ] .
وخرّج الترمذي [ (4) ] من طريق حماد بن زيد بن جدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: صلى بنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوما صلاة العصر بنهار ثم قام خطيبا فلم يدع شيئا يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، وفي الحديث قصة ذكرها [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (24) .
[ (2) ] اسمه عبد اللَّه بن فروخ، وكنيته أبو عمر، خراسانيّ من أهل مرو، قدم مصر، وخرج إلى المغرب، ومات بها، قال المنذري: وقد تكلم فيه غير واحد.
[ (3) ] (سنن أبي داود) : 4/ 443، كتاب الفتن والملاحم، باب (1) ذكر الفتن ودلائلها، حديث رقم (4243) .
[ (4) ] (سنن الترمذي) : 4/ 419- 420، كتاب الفتن، باب (26) ما جاء ما أخبر النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة، حديث رقم (2191) .
[ (5) ] إلى هنا آخر الحديث (بالأصل) ،
وتمامه: «وكان فيما قال: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن اللَّه مستخلفكم فيها فانظر كيف تعلمون، ألا فاتقوا الدنيا [اجعلوا بينكم وبينها وقاية بترك الحرام وترك الإكثار منها والزهد فيها] واتقوا النساء، وكان فيما قال: ألا لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه، قال: فبكى أبو سعيد فقال: قد واللَّه رأينا أشياء فهبنا، فكان فيما قال: ألا إنه ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة بقدر غدرته، ولا غدرة أعظم من غدرة إمام عامة يركز لواؤه عن استه، فكان فيما حفظنا يومئذ: ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى، فمنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت مؤمنا، ومنهم يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت مؤمنا، ألا وإن منهم البطيء الغضب سريع الفيء، ومنهم سريع الغضب سريع الفيء، فتلك.(14/175)
وقال: وفي الباب عن حذيفة وأبي مريم وأبي زيد بن أخطب والمغيرة بن شعبة [وذكروا أن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم حدثهم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة] [ (1) ] وهذا حديث حسن [ (2) ] .
__________
[ () ] بتلك، ألا وإن منهم سريع الغضب بطيء الفيء، ألا وخيرهم بطيء الغضب سريع الفيء، ألا وشرهم سريع الغضب بطيء الفيء، ألا وإن منهم حسن القضاء حسن الطلب، ومنهم شيء القضاء حسن الطلب، ومنهم حسن القضاء شيء الطلب، فتلك بتلك، ألا وإن منهم الشيء القضاء الشيء الطلب، ألا وخيرهم الحسن القضاء الحسن الطلب، ألا وشرهم شيء القضاء شيء الطلب، ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم، أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه، فمن أحسّ بشيء من ذلك فليلصق بالأرض.
قال: وجعلنا نلتفت إلى الشمس هل بقي منها شيء؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ألا إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه.
[ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (سنن الترمذي) .
[ (2) ] قال في هامش (جامع الأصول) : في سنده عليّ بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف، ومع ذلك فقد قال الترمذيّ: هذا حديث حسن، قال: ولبعض فقرائه شواهد.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1325، كتاب الفتن، باب (19) فتنة النساء، حديث رقم (4000) مختصرا.(14/176)
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بإتمام اللَّه تعالى أمره وإظهار دينه
فقال اللَّه- تعالى-: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [ (1) ] وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [ (2) ] .
وخرّج البخاري من حديث إسماعيل، عن قيس، عن خبّاب بن الأرتّ قال: شكونا إلى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو اللَّه لنا؟ قال: كان الرجل في من قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق بأثنين وما يصده عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب ما يصده ذلك عن دينه، واللَّه ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا اللَّه والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون. ذكره في باب علامات النبوة في الإسلام [ (3) ] .
وخرجه في كتاب مناقب الأنصار [ (4) ] من طريق بيان وإسماعيل قالا: سمعنا قيسا يقول: سمعت خبّابا يقول: أتيت النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة- وقد لقينا من المشركين شدة- فقلت: يا رسول اللَّه ألا تدعو اللَّه لنا؟
فقعد وهو محمر وجهه فقال: لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنتين ما يصرفه ذلك عن دينه. وليتمنّ اللَّه هذا الأمر حتى يسير
__________
[ (1) ] التوبة: 33، الفتح: 28، الصف: 9.
[ (2) ] التوبة: 33، الصف: 9.
[ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 768، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3612) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 7/ 209، كتاب مناقب الأنصار، باب (29) ما لقي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه من المشركين بمكة، حديث رقم (3852) ، وفي (الأصل) : «وخرجه في أول المبعث) .(14/177)
الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا اللَّه. زاد بيان والذئب على غنمه. وذكره في كتاب الإكراه [ (1) ] .
قال كاتبه: قد صدق اللَّه ورسوله فأعلى اللَّه- تعالى- دين نبيه محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم على أهل الأديان كلهم فغلبت ملته ملة اليهود، وأخرجهم أصحابه من بلاد العرب، وغلبوا النصارى على بلاد الشام، ومصر، إلى ناحية الروم والمغرب، وغلبوا المجوس على ملكهم بالعراق، وبلاد فارس، وغلبوا عبّاد الأصنام على كثير من بلادهم، فيما يلي الترك، والهند، وكذلك سائر الأديان، وأطلع اللَّه- تعالى- مع ذلك نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم على شرائع الدين، حتى لا يخفي عليه شيء منه.
قال الشافعيّ- رحمه اللَّه-: قد أظهر اللَّه جل ثناؤه دينه الّذي بعث [به] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الأديان، بأن أبان لكل من سمعه أنه الحق، وما خالفه من الأديان باطل، وأظهر بيان جماع الشرك دينان: دين أهل الكتاب، ودين الأميين. فقاتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الأميين حتى دنوا بالإسلام طوعا وكرها، وقتل من أهل الكتاب، وسبى، حتى دان بعضهم بالإسلام وأعطى بعضهم الجزية صاغرين، وجرى عليهم حكمه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهذا ظهور الدين كله.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 12/ 390، كتاب الإكراه، باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر، حديث رقم (6943) .
0(14/178)
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بما يفتح اللَّه تعالى لأمّته من الفتوح بعده
قوله- تعالى-: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ [ (1) ] .
فخرج مسلم من حديث شعبة، عن أبي مسلمة قال: سمعت أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن اللَّه مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة من بني إسرائيل كانت في النساء.
ذكره في آخر كتاب الذكر والدعاء [ (2) ] .
وخرجه النسائيّ في آخر كتاب العشرة وقال: لننظر كيف تعملون [ (3) ] .
وخرّج البيهقيّ [ (4) ] من طريق زيد بن الحباب، قال: حدثنا سفيان، عن المغيرة الخراسانىّ، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبيّ بن ابن كعب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: بشر هذه الأمة بالسناء، والرفعة، والنصر، وبالتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب.
__________
[ (1) ] النور: 55.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 60، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب (26) باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء، وبيان فتنة النساء، حديث رقم (99) .
[ (3) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 317، باب قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ [النور: 55] .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 318.(14/179)
وخرجه من طريق إسحاق بن سليمان الرازيّ، عن المغيرة بن مسلم السراج، عن الربيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعب قال: جاء جبريل إلى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: بشر هذه الأمة ... الحديث [ (1) ] .
ومن طريق أبي سعيد بن الأعرابي، عن محمد بن إسماعيل [الصائغ] [ (2) ] عن عفان، عن عبد العزيز بن مسلم، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعب، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بشر هذه الأمة بالسناء، والنصر، والتمكين، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب.
قال الصائغ: رواه رجلان: عبد العزيز بن مسلم والمغيرة بن مسلم [ (3) ] .
وأخرجه الفرياني من حديث سفيان، عن المغيرة بمكة، وقال سيف بن عمر عن عبيدة، عن يزيد الضخم قال: قال قائل لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يعني في قتال أهل الردة: وما أراك تتحايز لما قد بلغ من الناس ولما يتوقع في إغارة العدو؟ فقال: ما دخلني إشفاق ولا دخلني الدين، ومنه إلى أحد بعد ليلة القار فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين رأى إشفاقي عليه وعلى الدين قال لي: هون عليك، اللَّه عز وجل قد [وعدني] لهذا الأمر بالنصر والتمام.
وخرّج الحاكم من حديث سفيان، عن المغيرة، عن الربيع بن أنس كما تقدم وقال: حديث صحيح [الإسناد ولم يخرجاه] [ (4) ] .
وخرّج البخاري في غزوة بدر من حديث معمر ويونس عن الزهري وعروة [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 318.
[ (2) ] من (الأصل) فقط.
[ (3) ] (المرجع السابق) : 318.
[ (4) ] (المستدرك) : 4/ 354، كتاب الرقاق، حديث رقم (7895) وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : فيه من الضعفاء محمد بن الأشرس السلمي وغيره.
[ (5) ] (فتح الباري) : 7/ 405- 406، كتاب المغازي، باب (12) بدون ترجمة، حديث رقم (4015) .(14/180)
وخرّج مسلم [ (1) ] والنسائي [ (2) ] من حديث ابن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير أنه أخبره أن المسور بن مخرمة أخبره أن عمرو بن عوف- وهو حليف لبني عامر بن لؤيّ وكان شهد بدرا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هو صالح أهل البحرين وأمّر عليهم العلاء ابن الحضرميّ فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلما صلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم انصرف فتعرضوا له، فتبسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين رآهم، ثم قال: أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟ فقالوا: أجل يا رسول اللَّه، قال: فأبشروا وأمّلوا ما يسركم، فو اللَّه ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم. لفظهم فيه متقارب. وقال النسائيّ فيه: فو اللَّه ما من الفقر أخشى عليكم، وقال فتنافسوا فيها كما تنافسوا، وخرّجه البخاري في أول كتاب الجزية [ (3) ] وفي كتاب الرقاق [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 307، كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (6) .
[ (2) ] لعله في (الكبرى) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 316- 317، كتاب الجزية والموادعة، باب (1) الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب، حديث رقم (3158) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 1/ 292- 293، كتاب الرقاق، باب (7) ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، حديث رقم (6425) .
وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 552- 553، كتاب صفة القيامة والرقاق والورع، باب (28) بدون ترجمة، حديث رقم (2462) .
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1324- 1325، كتاب الفتن، باب (18) فتنة المال، حديث رقم (3997) .
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 428، حديث رقم (18436) ، من حديث المسور بن مخرمة، وأخرجه البيهقيّ في (دلائل النبوة) : 6/ 319.(14/181)
وخرّج البخاريّ في باب علامات النبوة في الإسلام [ (1) ] من حديث ابن مهدي عن سفيان، عن محمد بن المنكدر، عن جابر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل لكم من أنماط؟ قلت: وأنّي يكون لنا الأنماط؟
قال: أما وإنها ستكون لكم الأنماط، فأنا أقول لها- يعني امرأته- أخري عنا أنها أنماطك، فتقول: ألم يقل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بأنها ستكون لكم الأنماط فأدعها.
وخرجه في كتاب النكاح [ (2) ] من حديث قتيبة، عن سفيان بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هل اتخذتم الأنماط؟ قلت: يا رسول اللَّه! وأنّي لنا الأنماط؟ قال: إنها ستكون.
وخرّجه مسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] من حديث سفيان، عن ابن المنكدر، عن جابر قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما تزوجت: اتخذت أنماط؟ قلت: وأني لنا أنماط؟ قال: أما إنها ستكون.
وقال أبو داود: أما إنها ستكون لكم أنماط ولم يقل: لما تزوجت.
وخرّج البخاريّ من طريق عبد الرزاق قال: حدثنا ابن جريح، قال:
أخبرني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن الزبير، عن سفيان بن
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 6/ 780، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3631) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 9/ 280، كتاب النكاح، باب (62) الأنماط ونحوها من للنساء، حديث رقم (5161) ، والنمط بساط له خمل رقيق.
[ (3) ] والزينة، باب (7) جواز اتخاذ الأنماط، حديث رقم (39) ، (40) ، وفيها جواز اتخاذ الأنماط إذا لم تكن من الحرير، وفيه معجزة ظاهرة بإخباره بها، وكانت كما أخبر. (شرح النوويّ) .
[ (4) ] (سنن أبي داود) : 4/ 380- 381، كتاب اللباس، باب (45) في الفرش، حديث رقم (4145) .
وأخرجه الترمذي في (السنن) : 5/ 92- 93، كتاب الأدب، باب (26) ما جاء في الرخصة في اتخاذ الأنماط، حديث رقم (2774) .
وأخرجه النسائيّ في (السنن) : 6/ 446، كتاب النكاح، باب (83) الأنماط، حديث رقم (3286) .
وأخرجه البيهقيّ في (دلائل النبوة) : 6/ 319.(14/182)
أبي زهير [النميري] قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون [ (1) ] فيتحملون [ (2) ] بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم تفتح الشام فيأتي قوم فيبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم تفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. وقال البخاري: إنه قال: سمعت رسول اللَّه. وقال: وتفتح الشام، قال: وتفتح العراق، لم يذكرهم [ (3) ] .
وخرّجه النسائيّ من حديث مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن الزبير، عن سفيان بن أبي زهير قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول ... الحديث بمثله أو نحوه.
ولمسلم من حديث وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن الزبير، عن سفيان بن أبي زهير قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يفتح الشام
__________
[ (1) ] يبسون: يسوقون دوابهم سوقا لينا.
[ (2) ] يتحملون: أي من المدينة راحلين إلى اليمن.
[ (3) ] (فتح الباري) : 4/ 111، كتاب فضائل المدينة، باب (5) من رغب عن المدينة، حديث رقم (1874) .
وأخرجه مسلم في كتاب الحج باب (90) الترغيب في المدينة عند فتح الأمصار، حديث رقم (497) .
وأخرجه البيهقيّ في (دلائل النبوة) : 6/ 320.
قوله: «تفتح اليمن» قال ابن عبد البرّ وغيره: افتتحت اليمن في أيام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي أيام أبي بكر، وافتتحت الشام بعدها، والعراق بعدها.
وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة، فقد وقع على وفق ما أخبر به النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وعلى ترتيبه، ووقع تفرق الناس في البلاد، لما فيها من السعة والرخاء، ولو صبروا على الإقامة بالمدينة لكان خيرا لهم.
وفي هذا الحديث فضل المدينة على البلاد المذكورة، وهو أمر مجمع عليه، وفيه دليل على أن بعض البقاع أفضل من بعض، ولم يختلف العلماء في أن للمدينة فضلا على غيرها، وإنما اختلفوا في الأفضلية بينها وبين مكة. (فتح الباري) .(14/183)
فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسّون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم يفتح اليمن فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسّون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعملون، ثم يفتح العراق فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون [ (1) ] .
وخرّج البخاري من حديث ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: اللَّهمّ بارك لنا في شامنا، اللَّهمّ بارك لنا في يمننا قالوا: يا رسول اللَّه وفي نجدنا؟ قال: اللَّهمّ بارك لنا في شامنا، اللَّهمّ بارك لنا في يمننا قالوا يا رسول اللَّه وفي نجدنا قال: فأظنه قال في الثالثة: هنالك بالزلازل والفتن وبها يطلق قرن الشيطان [ (2) ] .
قال ابن عبد البر: دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم للشام يعني أهلها؟ لأهل الشام سينتقل إليها الإسلام وكذلك وقت لأهل نجد قرنا علما منه بأن العراق ستكون كذلك وهذا من أعلام نبوته صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وخرّج البخاريّ من حديث الوليد بن مسلم، عن عبد اللَّه بن العلاء بن زبير قال: سمعت بسر بن عبيد اللَّه أنه سمع أبا إدريس الخولانيّ قال: سمعت عوف ابن مالك قال: أتيت النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال: أعدد ستا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطي الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا تبقى بيت من بيوت العرب إلا دخلته، ثم هدنة بينكم وبين بني الأصفر فيعذرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا. ذكره في آخر الجزية [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 9/ 167، كتاب الحج، باب (90) الترغيب في المدينة عند فتح الأمصار، حديث رقم (496) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 13/ 57، كتاب الفتن باب (16) قول النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: الفتنة من قبل المشرق حديث رقم (7094) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 340- 341، كتاب الجزية والموادعة، باب (15) ما يحذر من الغدر وقوله- تعالى- وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ، حديث رقم (3176) .(14/184)
الموتان بضم الميم وسكون الواو: هو الموت الكثير السريع وقوعه وكذلك شبهه كقعاص الغنم وهو يأخذ الغنم لا يلبسها أن تموت والعقص أن يضرب الإنسان فيموت مكانه سريعا فشبه الموتان به.
وخرّج مسلم من طريق حرملة بن عمران التجيبي، عن عبد الرحمن بن شماسة المهري قال: سمعت أبا ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما، فإذا رأيتم رجلين يقتتلان في موضع لبنة فاخرج منها قال: فمر بربيعة وعبد الرحمن بني شرحبيل بن حسنة يتنازعان في موضع لبنة فخرج منها [ (1) ]
-
ومن حديث حرملة، عن عبد الرحمن بن شماسة، عن أبي بصرة، عن أبي ذر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنكم ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط فإذ فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحما أو قال: ذمة وصهرا، فإذا رأيت رجلين يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها قال: فرأيت عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة وأخاه ربيعة يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها [ (2) ]
/ وروى ابن يونس من حديث ابن لهيعة، عن الأسود بن مالك الحميري، عن بحير بن داخل المعافري، عن عمرو بن العاص حدثني عمر أمير المؤمنين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إذا فتح اللَّه عليكم بعدي مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا فذلك الجند خير أجناد الأرض، قال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولم يا رسول اللَّه؟ قال: لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة [ (3) ] .
قال قاسم بن أصبغ: حدثنا محمد بن وضاح، عن محمد بن مصفى حدثنا بقية، عن ابن أبي مريم قال: حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 330، كتاب فضائل الصحابة باب (56) وصية النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بأهل مصر، حديث رقم (226) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (227) .
[ (3) ] (كنز العمال) : 14/ 168، حديث رقم (38262) باختلاف يسير في اللفظ، وعزاه إلى ابن عبد الحكم في (فتوح مصر) وابن عساكر، وفيه لهيعة عن الأسود بن مالك الحميري، عن بحر بن داخر المعافري، ولم أر للأسود ترجمة، إلا أن ابن حبان ذكر في (الثقات) :
أنه يروي عن بحر بن داخر، ووثق بحرا.(14/185)
أبيه، عن أصحاب محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: إنكم ستفتحون أرضا يقال لها الشام فإذا افتتحتموها فخير ثم منازلها. فعليكم بأرض دمشق فإنّها غير مدائن الشام، وهي معقل المسلمين من الملاحم، ونشاطهم بأرض منها يقال لها الغوطة [ (1) ] .
وخرجه الإمام [ (2) ] أحمد من حديث أبي اليمان، حدثنا أبو بكر يعني ابن أبي مريم، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه قال: حدثنا رجل من أصحاب النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ستفتح عليكم الشام فإذا خيرتم المنازل فيها فعليكم بمدينة يقال لها دمشق، فإنّها معقل المسلمين في الملاحم، وفسطاطها منها بأرض يقال لها الغوطة. [وقد تقدم حديث علي بن حاتم:
ولئن طالت بك حياة ليفتحن كنوز كسرى] [ (3) ] .
وخرّج مسلم [ (4) ] من حديث المهاجر بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: فكتب إليّ: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم جمعة عشية رجم الأسلميّ، فقال: لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش وسمعته يقول: عصيبة من المسلمين يفتحون البيت الأبيض بيت كسرى [ (5) ] ، أو آل كسرى وسمعته يقول: إن بين يدي الساعة كذا بين فاحذروهم، وسمعته يقول: إذا أعطى اللَّه أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه وأهل بيته، وسمعته يقول: أنا فرطكم [ (6) ] على الحوض.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (38246) ، باختلاف يسير في اللفظ، وعزاه إلى ابن النجار.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 5/ 163، حديث رقم (17016) ، حديث رجل من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
[ (3) ] ما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط.
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 445، كتاب الإمارة، باب (1) الناس تبع لقريش، والخلافة في قريش، حديث رقم (10) .
[ (5) ] هذا من المعجزات الظاهرة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد فتحوه بحمد اللَّه في زمن عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
[ (6) ] الفرط بفتح الراء، ومعناه السابق إليه والمنتظر لسقيكم منه، والفرط والفارط هو الّذي يتقدم القوم إلى الماء ليهيئ لهم ما يحتاجون إليه.(14/186)
وخرّج البخاريّ في باب علامات النبوة في الإسلام [ (1) ] من حديث الليث، عن يونس، عن ابن شهاب قال: وأخبرني ابن المسيب، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والّذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل اللَّه.
وخرجه في كتاب الأيمان والنذور، في باب كيف كانت يمين النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] ، من حديث شعيبة، عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والّذي نفس محمد بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل اللَّه عز وجل.
وخرّج البخاريّ في كتاب الجهاد، في باب الحرب خدعة [ (3) ] ، من طريق عبد الرزاق حدثنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: هلك كسرى، ثم لا يكون كسرى بعده.
وقيصر ليهلكن، ثم لا يكون قيصر بعده ولتقسمنّ كنوزهما في سبيل اللَّه، وسمي الحرب خدعة.
وخرجه مسلم في كتاب الفتن [ (4) ] من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكر أحاديث منها، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، الحديث بمثله
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 776، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام حديث رقم (3618) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 11/ 641، كتاب الأيمان والنذور، باب (3) كيف كانت يمين النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (6630) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 6/ 194، كتاب الجهاد والسير، باب (157) الحرب خدعة، حديث رقم (3027) ، (3028) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 257- 258، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (18) لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، حديث رقم (75) ، (76) ، (77) .(14/187)
ولم يذكر قوله: وسمى الحرب خدعة، وقال: ولتنفقن، وفي بعض النسخ وتقسمن، كما قال البخاري.
وخرّج البخاريّ في كتاب فرض الخمس [ (1) ] من حديث إسحاق، سمع جريرا، عن عبد الملك، عن جابر بن سمرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، فذكر بمثل حديث أبي هريرة سواء.
وخرّجه في باب علامات النبوة في الإسلام [ (2) ] من حديث سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة يرفعه، قال: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده- وذكر قال: لتنفقن كنوزهما في سبيل اللَّه.
قال قاسم بن ثابت: معنى هذا الحديث- واللَّه تعالى أعلم- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أجابهم على نحو مسألتهم، وذلك أن أهل مكة كانوا تجارا يرحلون إلى الشام والعراق ويضطربون في المعاش.
قال ابن دريد: سمى العراق بعراق السفرة وهو الخرز المحيط بها، فقيل عراق لأنه استكف أرض العرب، وقيل سمي عراق بتواشح الشجر كناية، أراد عرقا وجمع عراقا، وقال الأصمعي: كانت العراق تسمى إران فعربوها فقالوا: العراق، وقال الخليل: شاطئ البحر، لأنه على شاطئ دجلة والفرات، حتى يتصل بالبحر، فلما افتتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة شكوا إليه كساد تجارتهم، وقلة مكسبهم، وانقطاعهم عن البلدان التي منها يميرون، وبها يتجرون،
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده،
يريد لا يكون بعده بالعراق كسرى، ولا بالشام قيصر، بظهور الملة [المحمدية] [ (3) ] ويقال في نحو هذا الحديث: أنزل اللَّه- تبارك وتعالى-: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 270، كتاب فرض الخمس، باب (8) قول النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: أحلت لي الغنائم، وقال اللَّه عزّ وجلّ: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها [الفتح: 20] ، وهي للعامة حتى يبينه الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3121) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3619) ، وفي (الأصل) نقل المقريزي- رحمه اللَّه- الحديث رقم (3618) بسند الحديث رقم (3619) ، والصواب ما أثبتناه.
[ (3) ] زيادة للسياق والبيان.(14/188)
نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [ (1) ] وقال الأصمعي: كسرى بكسر الكاف.
وخرّج مسلم [ (2) ] من حديث أبي عوانة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لتفتحن عصابة من المسلمين أو من المؤمنين [كنز آل كسرى] [ (3) ] الّذي في الأبيض. قال قتيبة: من المسلمين ولم يشك.
وخرجه من حديث شعبة، عن سماك بمعنى حديث أبي عوانة [ (4) ] ذكرهما [ (5) ] في الفتن.
قال البيهقي [ (6) ] : وإنما أراد هلاك قيصر الّذي كان ملك الشام وتنحية ملك القياصرة عنها، فصدق اللَّه- تعالى- قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ونحن عن الشام ملك القياصرة، ونحى عن الدنيا ملك الأكاسرة، وبقي للقياصرة ملك الروم، لقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: ثبت اللَّه ملكه حين أكرم كتاب النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أن يقضى اللَّه- تعالى- فتح القسطنطينية، ولم يبق للأكاسرة ملك لقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: مزق ملكه حين مزق كتابه [ (7) ] .
قال: وفي
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: لتنفقن كنوزهما في سبيل اللَّه
إشارة إلى صحة خلافة أبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- لأن كنوزهما نقلت إلى المدينة، بعضها في زمان أبي بكر، وأكثرها في زمان عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وقد أنفقاها في [مصالح] المسلمين، فعلمنا أن من
__________
[ (1) ] التوبة:
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 358، كتاب الفتن وأشراط الساعة باب (18) لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت منن البلاء، حديث رقم (78) .
[ (3) ] في (الأصل) : «كنزا لكسرى» ، وما أثبتناه من (صحيح مسلم) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث السابق بدون رقم.
[ (5) ] في (الأصل) : «ذكره» .
[ (6) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 393، باب ما جاء في الجمع بين قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا هلك قيصر فلا قيصر بعد، وما روى عنه من قوله في قيصر حين أكرم كتاب النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: ثبت ملكه، وما ظهر من صدقه فيهما وفيما أخبر عنه من هلاك كسرى، وهو الصادق المصدوق صلّى اللَّه عليه وسلّم.
[ (7) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 325.(14/189)
أنفقها كان له إنفاقها، وكان ولي الأمر في ذلك مصيبا فيما فعل من ذلك. وباللَّه التوفيق.
وذكر البيهقيّ من طريق حماد حدثنا يونس، عن الحسن أن عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أتى بفروة كسرى فوضعت بين يديه وفي القوم سراقة بن مالك بن جعشم قال: فألقى إليه سواري كسرى بن هرمز فجعلهما في يديه فبلغا منكبيه، فلما رآهما في يدي سراقة قال:
الحمد للَّه! سواري كسرى بن هرمز في يدي سراقة بن مالك بن جعشم أعرابي من بني مدلج! وذكر الحديث [ (1) ] .
قال الشافعيّ- رحمة اللَّه عليه- وإنما ألبسهما سراقة لأن
النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لسراقة ونظر إلى ذراعيه: كأني بك قد لبست سواري كسرى،
قال الشافعيّ:
وقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حين أعطاه سواري كسرى:
البسهما، ففعل، ثم قال: قل: اللَّه أكبر! قال: اللَّه أكبر، قال: الحمد للَّه الّذي سلبهما كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة بن مالك بن جعشم أعرابيا [ (2) ] من بني مدلج [ (3) ] .
وخرّج البيهقيّ من طريق أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي في (المعجم) لشيوخه قال: حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف بن هارون بن زياد القطيعي، حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن أبي خالد، عن قيس، عن عدي بن حاتم، قال: قال النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: مثلت إليّ الحيرة كأنياب الكلاب وأنكم ستفتحونها فقام رجل فقال: يا رسول اللَّه [هب] [ (4) ] لي ابنة بقيلة، قال: هي لك، فأعطوها إياها، فجاء أبوها فقال: أتبيعها؟ قال: نعم، قال: بكم؟ قال: احكم ما شئت، قال: ألف درهم قال: قد أخذتها، قالوا له: لو قلت ثلاثين ألفا لأخذها، قال: وهل عدد أكثر من ألف؟ [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 325.
[ (2) ] في (الأصل) : «أعرابي» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) ، وهو حق اللغة.
[ (3) ] (المرجع السابق) : 236.
[ (4) ] من (الأصل) فقط.
[ (5) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 326.(14/190)
وخرّجه ابن حبان في (صحيحه) من حديث محمد بن يحيى بن أبي عمر هكذا وقع في هذه الرواية أن الشيماء اشتراها أبوها والمشهور أن الّذي اشتراها عبد المسيح أخوها [ (1) ] .
وخرّج الطبراني من حديث أبي السكين زكريا بن يحيى قال: حدثني عمها زجر بن حصن، عن جدي حميد بن منهب قال: قال خزيم بن أوس هذه لأم الطائي بن حارثة بن لام الطاي سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: هذه الحيرة البيضاء قد رفعت لي وهذه الشيماء بنت بقيلة الأزدية على بغلة سوداء بخمار أسود
كما قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فعلقت بها وقلت: هذه وهبها لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فدعاني خالد بن الوليد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عليها فأتيته بها فسلمها إليّ ونزل إلى أخيها عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حبان بن بقيلة فقال لي: يعنيها، فقلت لا أنقصها واللَّه من عشر مائة شيئا، فدفع إليّ ألف درهم فقيل لي: لو قلت مائة ألف لدفعتها إليك، فقلت: ما كنت أحسب أن مالها أكثر من عشر مائة قال وبلغني في غير هذا: أن الشاهدين كانا محمد بن مسلمة وعبد اللَّه بن عمرو.
وقال كاتبه: وقد أخبرني بشير بن سعد بدل ابن عمر هذا الحديث غريبا أخرجه ابن شاهين في الصحابة من هذا الوجه وأبو السكين من رجال البخاريّ وحميد لا بأس به، وزخر معروف النسب مجهول الحال وخزيم طائي شيبانيّ فأعله.
وخرّج البيهقيّ من طريق سعيد بن عبد العزيز قال: حدثني مكحول، عن أبي إدريس الخولانيّ، عن عبد اللَّه بن حوالة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إنكم ستجندون أجنادا: جند بالشام، وجند بالعراق وجند باليمن، قال: فقلت: يا رسول اللَّه خر لي، قال: عليك بالشام، فمن أتى فليلحق بيمنه فليسق من غدره، فإن اللَّه قد تكفل لي بالشام وأهله [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 15/ 65، كتاب التاريخ، باب (10) إخباره صلى اللَّه عليه وسلم عما يكون في أمته من الفتن والحوادث، حديث رقم (6674) ، وقال في هامشه: إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن يحيى بن أبي عمر، فمن رجال مسلم، سفيان هو ابن عيينة.
[ (2) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 326.(14/191)
ومن طريق سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول وربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولانيّ، عن عبد اللَّه بن حوالة الأزدي قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إنكم ستجندون أجنادا: جندا بالشام، وجندا بالعراق، وجندا باليمن، فقلت: خر لي يا رسول اللَّه، قال عليك بالشام فمن أبى فليلحق بيمنه، وليسق من غدره، فإن اللَّه قد تكفل لي بالشام وأهله.
فسمعت أبا إدريس يقول: من تكفل اللَّه به، فلا ضيعة عليه [ (1) ] .
ومن طريق يعقوب بن سفيان قال: حدثنا عبد اللَّه بن يوسف، عن يحيى بن حمزة، قال: حدثني أبو علقمة نصر بن علقمة يرد الحديث إلى جبير بن نفير، قال: قال عبد اللَّه بن حوالة: كنا عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فشكونا العرى والفقر وقلة الشيء، قال: أبشروا فو اللَّه لأنا بكثرة الشيء أخوفني عليه من قلته، واللَّه لا يزال هذا الأمر فيكم حتى يفتح اللَّه أرض فارس، وأرض الروم، وأرض حمير، وحتى تكونوا أجنادا ثلاثة: جندا بالشام، وجندا بالعراق، وجندا باليمن وحتى يعطى الرجل المائة فيسخطها، قال ابن حوالة:
قلت يا رسول اللَّه! ومن يستطيع الشام وبه الروم ذات القرون؟ قال: واللَّه ليفتحنها عليكم وليستخلفنكم فيها حتى تظل العصابة البيض منكم قمصهم الملحمة، أقفاؤهم قياما على الرويجل الأسود منكم المخلوق، وما أمرهم من شيء فعلوه، وذكر الحديث [ (2) ] .
قال أبو علقمة: فسمعت عبد الرحمن بن جبير يقول فعرف أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نعت هذا الحديث في جزء بن سهيل السلمي وكان على الأعاجم في ذلك الزمان، فكان إذا راحوا إلى مسجد نظروا إليه وإليهم قياما حوله، فعجبوا لنعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيه وفيهم [ (3) ] .
ومن طريق يعقوب بن سفيان قال: حدثنا أبو صالح قال: حدثني معاوية ابن صالح أن حمزة بن حبيب حدثه عن ابن زغب الإيادي، قال: نزل بي عبد اللَّه ابن حوالة صاحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقد بلغنا أنه فرض له المائتين فأبى إلا مائة وقال: قلت له: واللَّه ما منعته قال: قلت له: أحق ما بلغنا أنه فرض لك في مائتين فأبيت إلا مائة، واللَّه ما منعه وهو نازل على أن يقول لا أم لك أو لا
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 327.
[ (2) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 327.
[ (3) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 327- 328.(14/192)
يكفي ابن حوالة مائة في كل عام؟ ثم
أنشأ يحدثنا عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعثنا على أقدامنا حول المدينة لنغنم، فقدمنا ولم نغنم شيئا فلما رأى الّذي بناه من الجهد قال: اللَّهمّ لا تكلهم إليّ فأضعف عنهم ولا تكلهم الناس إلى الناس فيهونوا عليهم أو يستأثروا عليهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها، ولكن بأرزاقهم [ (1) ] .
ثم قال: ليفتحن لكم الشام، ثم لتقسمن كنوز فارس والروم، وليكونن لأحدكم من المال كذا وكذا، وحتى إن أحدكم ليعطي مائة دينار فيسخطها، ثم وضع يده على رأسي فقال: يا ابن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد أتت الزلازل والبلايا والأمور العظام، الساعة أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك [ (2) ] .
قال البيهقيّ: أراد بالساعة انخرام ذلك القرن واللَّه- تعالى- أعلم. وأراد بكنوز فارس والروم ما كان منهم بالشام حين يفتح الشام يوجد كنوزهم بها، وقد وجد ذلك [ (3) ] .
قال كاتبه: وأراد بنزول الخلافة الأرض المقدسة: ملك بني أمية.
وخرّج مسلم [ (4) ] من حديث يحيى بن آدم حدثنا زهير بن معاوية، عن سهيل ابن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر أردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه.
وذكره البيهقيّ من حديث آدم بهذا السند نحوه إلا أنه قال: منعت العراق ولم يقل: إذا، وقال: ومنعت مصر إردبها ودينارها، وقال: قال يحيى:
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 328.
[ (2) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 328.
[ (3) ] (المرجع السابق) : 328.
[ (4) ] أخرجه مسلم في الفتن وأشراط الساعة، باب (8) لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، حديث رقم (33) . والقفيز: مكيال معروف لأهل العراق، وهو ثمانية مكاكيك، والمكوك صاع ونصف. والمدّ: مكيال معروف لأهل الشام يسع خمسة عشر مكوكا. والإردب: مكيال معروف بمصر، يسع أربعة وعشرين صاعا.(14/193)
يريد من هذا الحديث أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذكر القفيز والدرهم قبل أن يضعه عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على الأرض [ (1) ] .
وقال [أبو عبيد] الهروي [ (2) ] في هذا الحديث: قد أخبر النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بما لم يكن، وهو في علم اللَّه- تعالى- كائن، فخرّج لفظه على لفظ الماضي، لأنه ماض في علم اللَّه عزّ وجلّ، وفي إعلامه بهذا قبل وقوعه ما دلّ على إثبات نبوته صلى اللَّه عليه وسلم ودل على رضاه من عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، ما وظفه على الكفرة من الجزية في الأمصار.
وفي تفسير المنع وجهان: أحدهما: أن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم علم أنهم سيسلمون وسيسقط عنهم ما وظّف عليهم بإسلامهم فصاروا مانعين بإسلامهم ما وظف عليهم بإسلامهم، والدليل على ذلك
قوله في الحديث: «وعدتم من حيث بدأتم»
لانه بدأهم في علم اللَّه وفيما قدر وفيما قضى أنهم سيسلمون فعادوا من حيث بدءوا.
وقيل في قوله صلى اللَّه عليه وسلم: منعت العراق درهمها «أنهم يرجعون عن الطاعة، وهذا يعني أن العجم والروم يستولون على البلاد في آخر الزمان فيمنعون حصول ذلك للمسلمين. [وهذا وجه، والأول أحسن] [ (3) ] .
قال البيهقيّ [ (4) ] : وتفسيره، فذكر ما خرجه مسلم من طريق إسماعيل بن إبراهيم، عن الجريريّ، عن أبي نضرة قال: كنا عند جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يوشك أهل العراق لا يجني إليهم درهم ولا قفيز، قالوا: مما ذاك يا أبا عبد اللَّه؟ قال: من قبل العجم يمنعون
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 329.
[ (2) ] أبو عبيد الهرويّ، هو أبو عبيد القاسم بن سلام الهرويّ، الأزديّ، [154- 224 هـ] ، طلب العلم وسمع الحديث، ونظر في الفقه والأدب، واشتغل بالحديث، والفقه، والأدب، والقراءات، وأصناف علوم الإسلام، وكان دينا، ورعا حسن الرواية، صحيح النقل، أخذ من أكابر علماء عصره أمثال: أبي زيد الأنصاريّ، وأبي عبيدة معمر بن المثنى، والأصمعيّ، وروى عن ابن الأعرابيّ، والفراء، والكسائيّ، ومؤلفه في (غريب الحديث) أول من سبق إليه، وصار كتابه إماما لأهل الحديث.
[ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 6/ 330.(14/194)
ذلك، ثم قال: يوشك أهل الشام ألا يجبي إليهم دينار ولا مدي، قلنا: مما ذاك؟
قال: من قبل الروم. ثم سكت هنية، ثم
قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا.
لا يعده عدا، قال: قلت لأبي نضرة وأبي أتريان أنه عمر بن عبد العزيز؟ فقالا: لا [ (1) ] .
وخرّجه البيهقيّ [ (2) ] من حديث محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا ابن بشار وأبو موسى قالا: حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد قال بندار بن أبي إياس الجريريّ وقالا: عن أبي نضرة، عن جابر بن عبد اللَّه قال: يوشك أهل العراق لا يجبي إليهم درهم ولا قفيز، قالوا: مما ذاك يا أبا عبد اللَّه؟ قال:
من العجم. وقال بندار: من قبل العجم. وقال: يمنعون ذاك، ثم سكت هنية، فقالا: ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبي إليهم دينار ولا مدي، قال: مم ذاك؟ قال: من قبل الروم يمنعون ذاك.
ثم
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يكون في أمتي خليفة يحثي المال حثيا لا يعده عدا.
ثم قال: والّذي نفسي بيده ليعودن الأمر كما بدأ، ليعودن كل إيمان إلى المدينة كما بدأ بها، حتى يكون كل إيمان بالمدينة، ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لا يخرج من المدينة رهبة عنها إلا أبد لها اللَّه خيرا منه، وليسمعنّ ناس برخص من أسعار ورزق فيتبعونه، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون.
وخرّج البخاري من حديث سفيان عن عمرو قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه يقول: حدثنا أبو سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يأتي على الناس زمان يغزو فئام من الناس فيقولون: فيكم من صحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟
فيقولون: نعم، فيفتح عليه، ثم يأتي على الناس زمان فيغرون فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صحب أصحاب النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان يغزون فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صحب من صاحب أصحاب النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم. ذكره في علامات النبوة [ (3) ] وفي الجهاد.
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 254- 255، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (18) لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، حديث رقم (67) .
[ (2) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 330- 331.
[ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 157، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3594) .(14/195)
وخرّجه مسلم [ (1) ] من حديث سفيان بن عيينة قال: سمع عمرو جابرا يخبر عن أبي سعيد الخدريّ، عن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قال: يأتي على الناس زمان يغزو فئام من الناس فيقال لهم: فيكم من رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ بمعناه، في آخره: فيكم من رأى من صحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟.
وخرّجه من حديث يحيى بن سعيد [ (2) ] حدثنا ابن جريح، عن أبي الزبير، عن جابر [ (3) ] قال: زعم أبو سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يأتي على الناس زمان يبعث منهم البعث، فيقولون: انظروا هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فيوجد الرجل فيفتح لهم به، ثم يبعث البعث الثاني فيقولون: هل فيكم من رأى أصحاب النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم فيفتح لهم، ثم يبعث البعث الثالث فيقولون هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فيقال:
انظروا، هل ترون فيكم من رأى من رأى أصحاب النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم؟ ثم يكون البعث الرابع، فيقال: انظروا هل ترون فيكم أحدا رأى من رأى أحدا رأى أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فيوجد الرجل فيفتح لهم به. وذكره في آخر المناقب بعد حديث سفيان بن عيينة، عن عمرو.
وخرّج البيهقيّ [ (4) ] من حديث يعقوب بن سفيان، قال: حدثني محمد بن مقاتل المروزي، حدثنا أوس بن عبد اللَّه بن بريدة، عن أخيه، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ستبعث بعوث فكن في بعث يأتي خراسان، ثم اسكن مدينة مرو فإنه بناها ذو القرنين، ودعا لها بالبركة وقال: لا يصيب أهلها سوء.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : كتاب الجهاد والسير، باب (76) من استعان بالضعفاء، والصالحين في الحرب، حديث رقم (2897) ، وأخرجه البخاريّ أيضا في كتاب فضائل أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم باب (1) فضائل أصحاب النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، ومن صحب النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه، حديث رقم (208) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 317، كتاب فضائل الصحابة، باب (52) فضل الصحابة ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، حديث رقم (208) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (209) .
[ (4) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 332، وفي إسناده ضعيفان، كما في (مجمع الزوائد) : 10/ 64.(14/196)
وخرّجه من طريق الحسين بن حريث [ (1) ] حدثنا أوس، فقال: هذا حديث تفرد به أوس بن عبد اللَّه لم يرو غيره.
قال كاتبه: أوس بن عبد اللَّه بن حصيب الأسلمي سكن مرو، فيه نظر، قاله البخاريّ، وقال ابن عدي [ (2) ] : وفي بعض أحاديثه مناكير.
قال البيهقيّ [ (3) ] : وقد روى في فتح فارس أحاديث صحيحة، وزعم بعض أهل العلم أن ذلك إشارة إلى جميع من يتكلم بالفارسية، إلى أقصى خراسان وفي بعضها غنيمة عن حديث أوس بن عبد اللَّه، وباللَّه التوفيق.
وخرّج البخاريّ في التفسير [ (4) ] وخرج مسلم [ (5) ] من حديث ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنا جلوسا عند النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم إذ أنزلت عليه سورة الجمعة، فلما قرأ: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ فقال: قلت: من هؤلاء يا رسول اللَّه؟ فلم يراجعه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثا.
وقال البخاري: حتى سأله ثلاثا، قال: وفينا سلمان الفارسيّ، قال:
فوضع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يده على سلمان، ثم قال: لو كان الإيمان عند الثريّا لنا له رجال من هؤلاء. وقال بعده: حدثني عبد اللَّه بن عبد الوهاب حدثنا عبد العزيز، أخبرني ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم: لناله رجال من هؤلاء.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 6/ 333.
[ (2) ] (الكامل في ضعفاء الرجال) : 1/ 410- 411، ترجمة رقم (224) وقال بعد أن ساق أحاديث الباب: وهذه الأحاديث بهذه الأسانيد، يرويها أوس بن عبد اللَّه بن بريدة كما ذكرته، والأوس بن عبد اللَّه غير ما ذكرت من الأحاديث شيئا يسيرا، وفي بعض أحاديثه مناكير.
[ (3) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 333.
[ (4) ] (فتح الباري) : 8/ 827، كتاب التفسير، باب (62) سورة الجمعة حديث رقم (4897) ، (4898) .
[ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 334- 335، كتاب فضائل الصحابة، باب (59) فضل فارس، حديث رقم (231) ، وفيه فضيلة ظاهره باب (59) فضل فارس، حديث رقم (231) ، وفيه فضيلة ظاهره لهم، وجواز استعمال المجاز والمبالغة في مواضعها، (شرح النووي) .(14/197)
وخرّج الترمذيّ [ (1) ] من حديث عليّ بن حجر، قال:
أخبرنا عبد اللَّه بن جعفر، حدثني ثور بن زيد الديليّ عن أبي الغيث، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنا عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين أنزلت سورة الجمعة فتلاها. فلما بلغ: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ، قال له رجل: يا رسول اللَّه! من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا؟ فلم يكلمه، قال: وسلمان الفارسيّ فينا قال: فوضع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على سلمان يده فقال: والّذي نفسي بيده لو كان الإيمان بالثريا لتناوله رجال من هؤلاء.
ثور بن زيد مدنيّ، وثور بن يزيد شاميّ، وأبو الغيث اسمه سالم مولى عبد اللَّه بن مطيع، مدنيّ ثقة.
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، وعبد اللَّه بن جعفر هو والد عليّ بن المديني، ضعفه يحيى بن معين.
وخرّج من حديث عليّ بن حجر، أنبأنا إسماعيل بن جعفر، حدثنا عبد اللَّه ابن جعفر بن نجيح، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أنه قال: قال ناس من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يا رسول اللَّه! من هؤلاء الذين ذكر اللَّه إن تولينا استبدلوا بنا ثم لم يكونوا أمثالنا؟.
قال: وكان سلمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بجنب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: فضرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فخذ سلمان، قال: هذا وأصحابه، والّذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثّريّا لتناوله رجال من فارس [ (2) ] .
قال أبو عيسى: وعبد اللَّه بن جعفر بن نجيح هو والد عليّ بن المديني.
وقد روى عليّ بن حجر عن عبد اللَّه بن جعفر الكثير، وحدثنا عليّ بهذا الحديث عن إسماعيل بن جعفر، عن عبد اللَّه بن جعفر، وحدثنا بشر بن معاذ، حدثنا عبد اللَّه بن جعفر عن العلاء نحوه، إلا أنه قال: معلق بالثريا [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 358، كتاب التفسير، باب (62) ومن سورة الجمعة، حديث رقم (3310) .
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 5/ 358، كتاب تفسير القرآن، باب (47) ومن سورة محمد صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (3261) . والمنوط: المعلّق.
[ (3) ] (المرجع السابق) .(14/198)
وخرّج البيهقيّ من طريق عمرو بن عثمان بن كثير بن دينار، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن عرق عن عبد اللَّه بن بسر قال: أهدى للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم شاة والطعام يومئذ قليل، فقال لأهله: أصلحوا هذه الشاة وانظروا إلى هذا الخبز، فأثردوا واغرفوا عليه، وكانت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قصعة يقال لها:
الغراء، يحملها أربعة رجال، فلما أصبحوا وسجدوا الضحى، أتي بتلك القصعة فالتفوا عليها، فلما كثروا جثا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال أعرابيّ: ما هذه الجلسة؟ قال: إن اللَّه- عزّ وجلّ- جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا، كلوا من جوانبها، ودعوا ذروتها يبارك فيها، ثم قال: خذوا كلوا، فو الّذي نفس محمد بيده لتفتحن عليكم فارس والروم حتى يكثر الطعام فلا يذكر عليه اسم اللَّه عزّ وجلّ [ (1) ] .
وخرّج مسلم من حديث عبد اللَّه بن وهب، أخبرني الليث بن سعد، حدثني موسى بن عليّ عن أبيه قال: قال المستورد القرشيّ عبد عمرو بن العاص:
سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول تقوم الساعة والروم أكثر الناس، فقال له عمرو:
أبصر ما تقول، قال: أقول ما سمعت من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربع: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة، وأمنعهم من ظلم الملوك [ (2) ] .
ومن حديث ابن وهب قال: حدثني أبو شريح أن عبد الكريم بن الحارث حدّثه أن المستورد القرشيّ قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: تقوم الساعة والروم أكثر الناس قال: فبلغ ذلك عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: ما هذه الأحاديث التي تذكر عنك أنك تقولها عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقال له المستورد: قلت الّذي سمعت من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال:
فقال عمرو: لئن قلت ذلك، إنهم أحلم الناس عند فتنة، وأجبر الناس عند مصيبة، وخير الناس لمساكينهم وضعفائهم، ذكره في الفتن [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 334، وأخرجه ابن ماجة في كتاب الأطعمة، باب (6) الأكل متكئا، حديث (3263) مختصرا.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 239- 240، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (10) تقوم الساعة والروم أكثر الناس، حديث رقم (35) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (36) .(14/199)
وذكر البيهقيّ من حديث ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن عبد الرحمن بن جبير قال: سمعت المستورد، ثم قال: لعله إذا كان صحيحا إنما زجره عمرو عن روايته لئلا يعرض المسلمون عن قتالهم، فإنّ الّذي تدل عليه الأحاديث إنما أراد به القسطنطينية، واللَّه تعالى أعلم.
ثم أورد حديث عمرو بن مرزوق قال: أخبرنا شعبة، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك قال: كان يقال فتح القسطنطينية مع الساعة [ (1) ] .
وخرّج البخاريّ [ (2) ] من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوذا وكرمان من الأعاجم، حمر الوجوه، فطس الأنوف، صغار الأعين، كأن وجوههم المجان المطرقة، نعالهم الشعر. ذكره في باب علامات النبوة.
وذكر البيهقيّ [ (3) ] من طريق أبي بكر الإسماعيلي قال: حدثنا المنيعى قال:
قال أبو عبد اللَّه يعني محمد بن عباد: بلغني أن أصحاب بابل كانت نعالهم الشعر.
قال البيهقيّ: هم قوم من الخوارج خرجوا في ناحية الري، فأكثروا الفساد والقتل في المسلمين، حتى قوتلوا وأهلكهم اللَّه- عزّ وجلّ-.
وخرّج البخاري [ (4) ] من حديث شعيب قال: حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر، وحتى تقاتلوا الترك صغار الأعين حمر الوجوه، ذلف الأنوف، كأن وجوههم المجان المطرقة، وتجدون من خير الناس، أشدهم كراهية لهذا الأمر، حتى يقع فيه، والناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، وليأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه من أن تكون له مثل أهله وماله.
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 335.
[ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 750، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3590) .
[ (3) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 336.
[ (4) ] (فتح الباري) : 6/ 749- 750، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3587) ، (3588) ، (3589) .(14/200)
وخرجه مسلم [ (1) ] من حديث سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة يبلغ به النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما صغار الأعين ذلف الآنف.
وخرّج البخاريّ في الجهاد [ (2) ] من حديث صالح، عن الأعرج، قال: قال أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك، صغار الأعين حمر الوجوه، ذلف الأنوف، كأن وجوههم المجان المطرقة، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر.
وخرجه من حديث سفيان، قال الزهريّ: عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] .
وخرّجه مسلم بهذا السند [ (4) ] .
وخرّجه أيضا من حديث ابن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبيّ [ (5) ] .
وخرّجه مسلم بهذا السند [ (6) ] أيضا.
وخرجه أيضا من حديث يعقوب بن عبد الرحمن، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك، قوما وجوههم كالمجان المطرقة يلبسون الشعر ويمشون في الشعر [ (7) ] .
وخرجاه من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تقاتلون بين يدي الساعة قوما نعالهم الشعر كأن وجوههم المجان المطرقة حمر الوجوه صغار الأعين [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 254، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (18) لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، حديث رقم (64) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 129، كتاب الجهاد، باب (95) قتال الترك، حديث رقم (2928) . ألب
[ (3) ] (المرجع السابق) : باب (9) قتال الترك، حديث رقم (2928) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 253، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (18) لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء حديث رقم (62) .
[ (5) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (63) ، وزاد فيه: «وجوههم مثل المجان المطرقة» .
[ (6) ]
(المرجع السابق) : حديث رقم (64) ، وزاد فيه: «ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما صغار الأعين ذلف الأنوف» .
[ (7) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (65) .(14/201)
وخرّج البخاريّ من حديث سفيان قال إسماعيل: أخبرني قيس، قال: أتينا أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: صحبت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث سنين لم أكن في سني أحرص على أن أعي الحديث مني فيهن صبحت سمعته يقول- وقال هكذا بيده-: بين يدي الساعة تقاتلون قوما نعالهم الشعر وهو هذا البارز [ (1) ] ، وقال سفيان مرة: وهم أهل البازر [ (2) ] .
وخرجه من حديث جرير بن حازم قال: سمعت الحسن يقول: حدثنا عمرو ابن تغلب، قال: قال النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم: من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما ينتعلون نعال الشعر، وإن من أشراط أن تقاتلوا قوما عراض الوجوه كأن وجوههم المجان المطرقة. ذكره في كتاب الجهاد [ (3) ] في باب علامات النبوة [ (4) ] .
وخرّج البيهقيّ [ (5) ] من حديث مسدد، حدثنا هشيم، عن سيار أبي الحكم، عن جبر بن عبيدة، عن أبي هريرة، قال: وعدنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غزوة الهند فإن أدركتها أنفق فيها مالي ونفسي، فإن استشهدت كنت من أفضل الشهداء، وإن رجعت فأنا أبو هريرة المحرّر.
ومن حديث الأعمش، عن أبي عمارة، عن عمرو بن شرحبيل قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إني رأيت الليلة كأنما يتبعني غنم سود، ثم أردفتها غنم بيض حتى لم تر السواد فيها، فقصها على أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا رسول اللَّه هي العرب تتبعك، ثم أردفتها العجم حتى لم يروا فيها قال: أجل، كذلك عبرها الملك سحرا.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (66) ، وأخرجه البخاريّ في كتاب الجهاد والسير، باب (96) قتال الذين ينتعلون الشعر، حديث رقم (2929) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 750، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3591) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : باب (95) قتال الترك، حديث رقم (2927) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3592) .
[ (5) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 336.(14/202)
وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلم بقيام الخلفاء بعد بأمر أمته
فخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث شعبة، عن فرات القزاز قال:
سمعت أبا حازم يحدث قال: قاعدة أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يحدث عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك بني خلف نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، ثم أعطوهم حقهم فإن اللَّه سائلهم عما استرعاهم ذكره البخاريّ في باب ما جاء عن نبي إسرائيل وأما إخباره بقيام ملوك بعد الخلفاء.
فخرج مسلم [ (3) ] من حديث صالح بن كيسان، عن الحارث، عن جعفر ابن عبد اللَّه بن الحكم، عن عبد الرحمن ابن المسور، عن أبي رافع، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما من نبي بعثه اللَّه في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.
قال أبو رافع فحدثه عبد اللَّه بن عمر فأنكره علي فقده ابن مسعود فنزل بقناة فاستتبعني إليه بن عمر يعوده فانطلقت معه فلم أجلسنا سألت ابن مسعود عن هذا الحديث فحدثنيه كما حدثته ابن عمر قال صالح: وقد تحدث بنحو عن
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 612- 613 كتاب أحاديث الأنبياء باب (50) ما ذكر عن بني إسرائيل، حديث رقم (3455) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 473، كتاب الإمارة، باب (10) وجوب الوفاء ببيعة الخليفة الأول فالأول، حديث رقم (44) .
[ (3) ] المرجع السابق: 2/ 384- 388 كتاب الإيمان، باب (20) باب كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجبان، حديث رقم (80) .(14/203)
أبى رافع.
وخرجه أيضا من حديث ابن أبي مريم، عن عبد العزيز ابن محمد قال: أخبرني الحارث بن فضيل الخطميّ، عن جعفر عبد اللَّه بن الحكم، عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، عن أبي رافع مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن عبد اللَّه بن مسعود أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما كان من نبي إلا كان له حواريون يهتدون بهدية ويتسنون بسنته بمثل حديث صالح
ولم يذكر قدوم ابن مسعود واجتماع ابن عمر معه.
وخرج البيهقي من طريق عبد اللَّه بن الحارث بن محمد بن حاطب الجمحيّ، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يكون بعد الأنبياء خلفاء يعملون بكتاب اللَّه ويعدلون في عباد اللَّه، ثم يكون بعد الخلفاء ملوك يأخذون بالثأر، ويقتلون الرجال ويصطفون الموال، فمغير بيده، ومغير بلسانه، ومغير بقلبه، ليس وراء ذلك من الإيمان شيء [ (1) ]
ومن حديث جرير بن حازم، عن ليث، عبد الرحمن بن سليط، عن أبي ثعلبة الخشنيّ، عن أبي عبيدة الجراح، ومعاذ بن جل، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: إن اللَّه بدأ هذه الأمة نبوة ورحمته، وكائنا خلافه ورحمة وكائنا ملكا عضوضا، وكائنا عزة وجبرية وفسادا في الأمة: يستحلون الفروج والخمور والحرير وينصرون على ذلك، ويرزقون أبدا حتى يلقوا اللَّه عز وجل [ (2) ] وقال أبو نعيم ورواه عبد الملك ابن ميس وعمرو بن مرة، عن أسباط، عن أبي ثعلبة، عن أبي سيدة من حديث من دون معاذ.
وخرجه أبو نعيم من حديث ابن وهب قال: حدثنا ابن لهيعة، عن خالد ابن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن هذا الأمر بدأ نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة ثم كائن ملكا غضوضا، ثم كائن عتوا وجبرية وفسادا في الأمة، يستحلون الفروج والحرير والخمور، يرزقون على ذلك وينصرون حتى يلقوا اللَّه عز وجل [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 340.
[ (2) ] المرجع السابق.
[ (3) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 549، حديث رقم (484) .(14/204)
وخرج الإمام أحمد من حديث إسرائيل، عن سماك عن ثروان بن ملحان قال: كنا جلوسا في المسجد فمر علينا عمار بن ياسر فقلنا له: حدثنا سمعت من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الفتنة؟ فقال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: يكوى بعدي عن قوم يأخذون الملك يقتل عليه بعضهم بعضا. قال: قلنا له: لو حدثنا غيرك غيرك ما صدقناه قال: فأنه سيكون [ (1) ] .
وخرج الحاكم من حديث سفيان، عن الأعمش عن عمارة بن عمير، عن أبي عمار، عن حذيفة، قال يكون عليكم أمراء يعذبوكم ويعذبهم اللَّه [ (2) ] .
وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلم عن مدة الخلافة بعده ثم يكون ملكا فكان كما أخبر
خرج أبو داود من حديث حوشب، عن سعيد بن جمهان، عن سفينة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتى اللَّه الملك من يشاء أو قال: ملكة من يشاء [ (3) ] . قال سعيد قال: حدثنا سفينة: أمسك عليك أبو بكر سنتين، وعمر عشرا وعثمان أثنى عشر، وعلي كذا، قال: سعيد:
قلت: لسفينة إن هؤلاء لا يزعمون أن عليا عليه السلام لم يكن بخليف، قال:
كذت أستاه بني الزرقاء يعني مروان [ (4) ] .
وخرج أيضا من طريق قبيصة بن عتبة أن عباد السماك قال: سمعت سفيان الثوري يقول: الخلفاء خمسة: أبو بكر وعمر، وعثمان، وعلى وعمر ابن عبد العزيز- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-[ (5) ] .
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 5/ 326، حديث رقم (17856) .
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 550، كتاب الفتن والملاحم حديث رقم (8539) ، وقال الحافظ لذهبي في (التلخيص) صحيح.
[ (3) ] (سنن أبي داود) : 5/ 37، كتاب السنة، حديث رقم (4647) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4646) وهو جزء من حديث طويل.
[ (5) ] (المرجع السابق) 5/ 27، حديث رقم (4631) .(14/205)
وخرج الترمذي [ (1) ] من حديث حشرج بن نباتية، عن سعيد بن جمهان قال: حدثني سفينة: قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الخلافة في أمتي ثلاثون سنة، ثم بعد ذلك،
ثم قال لي سفينة، لأمسك خلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- ثم قال لي: أمسك خلافة علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: فوجدناها ثلاثين سنة قال سعيد: فقلت له: إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم قال: كذبوا بنوا الزرقاء بل هم ملوك من شر الملوك. قال أبو عيسى: وفي الباب عن عمر وعلي قالا: لم يعهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم، في الخلافة شيئا. وهذا الحديث حسن قد رواه غير واحد عن سعيد بن جمهان ولا نعرفه إلا من حديث سعيد بن جمهان.
وخرجه أبو نعيم من حديث الحماني قال: حدثني سعيد بن جمهان، قال: حدثني سفينة، قال خطبنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: الخلافة في أمتي ثلاثون سنة
أبي بكر وعمر ثنتا عشرة سنة وستة أشهر، وخلافة عثمان ثنتا عشرة سنة وستة أشهر، ثم خلافة علي تكملة الثلاثين. قلت: معاوية؟ قال: أول الملوك [ (2) ]
وقال الحافظ أبو أحمد بن عدي الجرجاني سمعت ابن جماد يقول: قال البخاري [ (3) ] حشرج بن نباته، عن سعيد بن جمهان. عن سفينة، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: لأبي بكر وعمر وعثمان هؤلاء الخلفاء بعدي
وهذا لم يتابع عليه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالا: لم يستخلف النبي صلى اللَّه عليه وسلم.
وقال النسائي:
حشرج عن سعيد بن جمهان ليس بالقوى، وسئل يحيى بن معين وأحمد بن حنبل عن حشرج بن نباته، عن سعيد بن جمهان، عن سفينة قال: لما بني النبي صلى اللَّه عليه وسلم المسجد وضح حجرا ثم قال: ليضع أبو بكر حجره إلى جنب حجري، ثم قال: ليضع عمر حجره إلى جنب أبي بكر، ثم قال ليضع عثمان حجره إلى جنب حجر عمر، ثم قال هؤلاء خلفاء من بعدي
وهو أهل الحديث الّذي أنكره البخاريّ على حشرج هذا وهذا الحديث قد روي بغير هذا الإسناد،
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 34، كتاب الفتن، باب (48) ما جاء في الخلافة، حديث رقم (2226) .
[ (2) ] لم أجده في (دلائل أبي نعيم) ولا (الحلية) لأبي نعيم.
[ (3) ] (لتاريخ الكبير) : 1/ 1/ 117.(14/206)
حدثنا محمد بن إبراهيم السراج، حدثنا يحيي الحماني، حدثنا ابن نباته، عن سعيد بن جمهان، عن سفينة قال: لما بني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المسجد وضع حجرا ثم قال: ليضع أبو بكر حجره إلى جنب حجري، ثم قال ليضع عمر حجره إلى جنب حجر أبي بكر، ثم قال: ليضع عثمان حجره إلى جنب [حجر] عمر، ثم قال: هؤلاء الخلفاء من بعدي.
قال ابن عدي: وهذا الّذي أنكره البخاريّ على حشرج هذا الحديث، وهذا الحديث قد روي بغير هذا الإسناد حدثناه على بن إسماعيل بن أبي النجم، حدثنا عقبة بن موسى بن عقبة، عن أبيه عن محمد بن الفضل بن عطية عن زياد بن علاقة، عن قطبة بن مالك وهو عم ابن زياد بن علاقة: لما بني صلى اللَّه عليه وسلم المسجد وضع حجرا [ (1) ] فذكر هذه القصة.
وخرجه البيهقي من طريق مؤمل قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن علي ابن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن ابنية قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: خلافة نبوة ثلاثين عاما ثم يؤتي اللَّه الملك من يشاء.
فقال معاوية:
قد رضينا بالملك [ (2) ] . وخرجه أبو نعيم من حديث أبي داود الطيالسي، حدثنا حماد ابن سلمة، حدثنا على بن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال:
وفدنا مع زياد ومعنا أبو بكر فدخلنا عليه فقال له معاوية: حدثنا حديثا سمعته من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عسى اللَّه أن ينفعنا به، قال: نعم- كان نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعجبه الرؤيا الصالحة ويسأل عنها، فقال رجل: يا رسول اللَّه إني رأيت رؤيا، كان ميزانا دلى من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت يا أبا بكر، ثم وزن أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وعمر فرجح أبو بكر بعمر، ثم وزن عمر بعثمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما فرجح عمر بعثمان، ثم رفع الميزان فاستاء لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ثم قال خلافة نبوة، ثم يؤتى اللَّه الملك من يشاء، فغضب معاوية وزج في أقفائنا فأخرجنا فقال زياد لا أبا لك: أما وجدت من
__________
[ (1) ] (الكامل في الضعفاء لابن عدي) : 2/ 440 حديث رقم (184) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 342، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 6/ 290، حديث رقم (12416) ، من حديث أبي عبد الرحمن سفينة مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.(14/207)
حديث رسول اللَّه حديثا تحدثه غير هذا؟ فقال: واللَّه لا أحدثه إلا به حتى أفارقه، فلم يول زياد يطلب الإذن حتى أذن لنا فأدخلنا فقال معاوية: يا أبا بكر حدثنا بحديث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لعل اللَّه ينفعنا به، قال: فحدثه أيضا مثل حديثه الأول فقال له معاوية: لا أبا لك تخبرنا أنا ملوك قد رضينا أن نكون ملوكا.
قال أبو نعيم: ورفع الميزان بعد وزن الثلاثة يدل على رفع اعتدال الأحوال وزوالها عن الاستواء بما حدث من الفتن تصل عثمان وتشتت الكلم وليس ذلك بقادح في خلافة علي ولا إهانته، إذ يوجب الخلافة استحقاق خالصها وشرائطها لائتلاف الرغبة وارتفاع الفتن، ثم إن وقع اختلاف في الأمر فعلى الإمام أن يجتهد في إزالته بما يقتضيه حكم الشريعة، فإن استقام فهو الغرض المقصود والأمر المحمود، وإن امتنع استقامته وتعذر فعلى اللَّه حساب المعتدين والتالفين.
ونظير هذا الحديث تسبيح الحصا في يد النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- ثم لم يسمع لهن تسبيح فهو أيضا دليل على وقوع الفتن وتغيير الأمور بقتل عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وليس ذلك من استحقاق الخلافة أو سقوطها في شيء، ثم
ذكر حديث موسى ابن عقبة: حدثنا أبي عن محمد بن الفضل، عن زياد بن علاقة، عن قطبة بن مالك قال: مررت برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وهو يؤسس مسجد قباء فقلت: يا رسول اللَّه تبني هذا البناء وإنما معك هؤلاء الثلاثة؟ قال:
إن هؤلاء أولياء الخلافة، وذكره من طريق إسحاق الأزرق، عن موسى بن كثير عن زياد بن علاقة، عن قطبة قال: مررت بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم وهو يبني مسجد المدينة ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فقلت يا رسول اللَّه هؤلاء الثلاثة نفر في بناء هذا المسجد قال: نعم- إنهم ولاة الخلافة بعدي.
ومن طريق موسى الجوني حدثنا عبد الرحمن بن وهب، حدثنا يحيى بن أيوب، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: أول من حمل صخرة بمسجد قباء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. ثم حمل أبو بكر أخرى، ثم حمل عمر أخرى، ثم حمل عثمان أخرى، فقلت يا رسول اللَّه انظر إلى هؤلاء يتبعونك حيث رأوك قال: أما إنهم أمراء الخلافة بعدي. قال(14/208)
كاتبة: لم تكن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بالمدينة لما أسس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسجد قباء.
وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلم باختيار اللَّه تعالى والمؤمنين خلافة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكانت كما أخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
فخرج البخاريّ من حديث يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم بن محمد قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وا رأساه: فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: وذلك لو كان وأنا حي فاستغفر لك وأدعو لك فقالت عائشة: وا ثكلياه، واللَّه إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك. فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم بل أنا وا رأساه، لقد همت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد، أن يقول القائلون، أو يتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى اللَّه ويدفع المؤمنون أو يدفع اللَّه ويأبى المؤمنون ذكره في كتاب المرضى [ (1) ] .
وخرجه مسلم في المناقب [ (2) ] من حديث يزيد بن هارون، قال: حدثنا إبراهيم ابن سعيد، عن صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، في مرضه: ادعى لي أباك أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتابا فإنّي أخاف أن يتمنى متمن ويقول، قائل: أنا أولى.
ويأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر
ولأبى داود الطيالسي من حديث عبد العزيز بن رفيع، عن أبي مليكة عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 152، كتاب المرضى باب (16) ما رخص لمريض أن يقول: إني وجع، أو وا رأساه، أو اشتد بى الوجع وقول أيوب عليه السلام: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ حديث رقم (5666) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 164 كتاب فضائل الصحابة باب (1) فضائل أبي بكر الصديق رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (11) .(14/209)
مات فيه: ادعي لي عبد الرحمن بن أبي بكر أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه أحد.
وفي بعض الطرق ادعي لي أباك أبا بكر وأخاك، حتى أكتب كتابا فإنّي أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا ويأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر، ومعناه أن يقول أنا أحق وليس كما يقول: سل يأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر.
هكذا في بعض النسخ وفي بعضها أنا أولى أي أنا أحق بالخلافة ورواه بعضهم أنا ولي بتخفيف النون وكسر اللام أي أنا أحق، والخلافة لي، وبعضهم قال:
أنا ولاه. وفي البخاريّ لقد هممت أن أوجه إلى أبي بكر وابنه واعتمد رواية مسلم أخاك، وقد وقع ذكر الاستخلاف في الإيمان عند ذكر الوفاة فراجعه.
وأما رؤيته صلى اللَّه عليه وسلم في منامه مدتي خلافة أبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فكان كما رأى لأن رؤياه وحي
فخرج البخاريّ [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث يونس، عن ابن شهاب أن سعيد بن المسيب أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول:
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 22، كتاب فضائل أصحاب النبي باب (5) قول النبي صلى اللَّه عليه وسلم: لو كنت متخذا خليلا. قاله أبو سعيد حديث رقم (3664) ، وأعاده في باب (6) مناقب عمر بن الخطاب، حديث رقم (3682) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 170، كتاب فضائل الصحابة، باب (2) فضائل عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (17) .
القليب: البئر إذا لم تكن مطوية.
«نزعت» : الدلو من البئر: إذا جذبتها واستقيت الماء بها.
«الذنوب» : بفتح الذال: الدلو العظيمة.
«الغرب» : الرجل القوى الشديد، وفلان عبقري القوم أي سيدهم وكبيرهم.(14/210)
سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء اللَّه ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، واللَّه يغفر له ضعفه. ثم استحالت غربا فأخذها ابن الخطاب، فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر، حتى ضرب الناس بعطن. لفظهما فيه متقارب، وقد تقدم هذا الحديث بطرقه في ذكر المنامات النبويّة.
وقال الشافعيّ رحمه اللَّه: رؤيا الأنبياء عليهم السلام وحي، قوله: في نزعه ضعف: قصر مدته وشغله بالحرب مع أهل الردة عن الافتتاح والتزيد الّذي بلغه عمر في طول مدته. وقال الطيبي: أراد صلى اللَّه عليه وسلم إثبات خلافتهما والإخبار عن مدة ولايتهما، والإبانة عما جرى عليه أحوال أمته في أيامها فشبه أمر المسلمين بالقليب وهي البئر العادية لما فيها من الماء الّذي هو الحياة وشبه الوالي عليهم بالنازع الّذي يستقي الماء ويسقيه.
وأما إشارته [ (1) ] صلى اللَّه عليه وسلم إلى ما وقع في الفتنة في آخر عهد عثمان ثم في أيام علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
فخرج البخاري من حديث يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه أن ابن عباس كان يحدث أن رجلا أتي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إني رأيت الليلة [ (2) ] .
وخرج مسلم [ (3) ] من حديث الزبيدي قال: أخبرني الزهيري، عن عبيد اللَّه ابن عبد اللَّه بن عباس وأبا هريرة كان يحدث أن رجلا أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم.
ومن
__________
[ () ] «العطن» : الموضع الّذي تناخ فيه الإبل إذا رويت، يقال: عطنت الإبل، فهي عاطنة، وعواطن: إذا شربت فبركت عند الحوض لتعاد إلى الشرب مرة أخرى، وأعطنتها أنا، والمراد بقوله: حتى ضرب الناس بعطن. حتى رووا. وأرووا إبلهم وضربوا لها عطنا.
[ (1) ] في (دلائل البيهقي) : إخباره وما أثبتناه من (الأصل) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 12/ 534، كتاب التعبير، باب (47) .
[ (3) ] (مسام بشرح النووي) : 15/ 33- 35، كتاب الرؤيا، باب (3) في تأويل الرؤيا، حديث رقم (17) .(14/211)
حديث ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه ابن عتبة أخبره أن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يحدث أن رجلا أتي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل فأرى الناس يتكففون منها بأيديهم فالمستكثرون والمستقل وأرى شيئا وأصلا من السماء إلى الأرض فأراك أخذت به فعلوت ثم أخذ به رجلا من بعدك فعلا ثم أخذ به رجل آخر فعلا ثم أخذ به رجل آخر. فانقطع به ثم وصل له فعلا. قال أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يا رسول اللَّه بأبي أنت واللَّه لتدعني فلأعبرنها قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: اعبرها قال أبو بكر أما الظلة فظلة الإسلام وأما الّذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن، حلاوته ولينه وأما ما يكتف الناس من ذلك فالمستكثر من القرآن والمستقل وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الّذي أنت عليه فيعلو به، ثم يأخذ به رجل أخر فيعلو به ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به فأخبرني أصبت أم أخطأت؟ يا رسول اللَّه يا أصبت بعضا وأخطأت بعضا قال: فو اللَّه يا رسول اللَّه لتحدثني ما الّذي أخطأت قال: لا تقسم. لفظهما فيه متقارب.
وخرجه مسلم من حديث سفيان، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منصرفة من أحد فقال: يا رسول اللَّه إني رأيت هذه الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل بمعنى حديث يونس [ (1) ] .
ومن حديث عبد الرزاق، حدثنا معمر عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة عن ابن عباس أو أبي عن أبى هريرة قال:
عبد الرازق كان معمر أحيانا يقول عن ابن عباس وأحيانا يقول عن هريرة أن رجلا أتي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إني أرى الليلة ظلة بمعنى حديثهم [ (2) ] ومن حديث سليمان بن كثير عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي رقم (17) بدون رقم.
[ (2) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث السابق بدون رقم أيضا.(14/212)
أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان مما يقول لأصحابه. من رأى منكم رؤيا فليقصها أعبرها له قال: فجاء رجل فقال: يا رسول اللَّه رأيت ظلة بنحو حديثهم [ (3) ] قال أبو سليمان [ (4) ] الخطابي: اختلف الناس في تأويل قوله صلى اللَّه عليه وسلم قد أصبت بعضا وأخطأت بعضا. فقال بعضهم: إنما صوبه في تأويل الرؤيا وخطأه في الافتيات بالتعبير بحضرة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
وقال بعضهم: موضع الخطأ في ذلك أن المذكور في الرؤيا شيئان وهما السمن والعسل فعبرهما على شيء واحد وهو القرآن وكان حقه أن يعبر كل واحد منها على انفراده وإنما هما الكتاب والسنة لأنهما بيان الكتاب الّذي أنزل عليه، قال: وبلغني هذا القول أو قريب من معناه، عن أبي جعفر الطحاوي.
ولأبي داود من حديث الأشعث، عن الحسن، عن أبي بكرة: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: قال ذات يوم: من رأى منكم رويا؟
فقال رجل أنا رأيت كأن ميزانا نزل من السماء فوزنت أنت وأبو كر فرجحت أنت بأبي بكر ووزن عمر، وأبو بكر فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم رفع الميزان فرأيت الكراهة في وجه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. ومن حديث حماد، عن علي بن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن ابنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال ذات يوم: أيكم رأى رؤيا فذكر مثله ولم يذكر الكراهية.
فاستاءها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعني ساءه ذلك فقال:
خلافة نبوة ثم يؤتي اللَّه الملك من يشاء.
ولابن وهب من حديث يونس، عن ابن شهاب قال: كان جابر بن عبد اللَّه يحدث أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: أرى الليلة رجل صالح أن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- نيط برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
ونيط عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بأبي بكر ونيط عثمان ابن عفان بعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال جابر: فلما قمنا من عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قلنا أما الرجل الصالح فرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
__________
[ (3) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث السابق بدون رقم أيضا.
[ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 347.(14/213)
وأما ما ذكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من نوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر الّذي بعث اللَّه عز وجل به نبيه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . قال البيهقي [ (2) ] : تابعه ابن أبي حمزة عن الزهري هكذا وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن ابن شهاب عن عمرو بن أبان بن عثمان عن جابر بن عبد اللَّه أنه كان يحدث.
فذكر الحديث بمثله.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد بن علي علي الروذباري، أخبرنا أبو بكر بن داسة، حدثنا أبو داود، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا حماد بن سلمة، عن أشعث بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن سمرة بن جندب رجلا قال: يا رسول اللَّه إني رأيت كان دلوا دلي من السماء فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيبها فشرب شربا ضعيفا، ثم جاء عمر فأخذ بعراقيبها فشرب حتى تضلع، ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيبها فشرب حتى تضلع، ثم جاء علي فأخذ بعراقيبها فانتشطت فانتضح عليه منه شيء قلت: ضعف شرب أبي بكر:
قصر مدته والانتضاح منه علي ما أصابه من المنازعة في ولايته- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قصر مدته والانتضاح منه على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ما أصابه من المنازعة في ولايته. واللَّه تبارك وتعالى أعلم.
وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلم لجماعة فيهم عمر وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن فيهم شهيدان فاستشهدا كما قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
فخرج البخاري [ (3) ] والترمذي من حديث سعيد، عن قتادة، أن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حدثهم أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صعد أحدا وأبو بكر
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 348.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 348- 349.
[ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 51، كتاب فضائل أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم، باب (6) مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشي العدوي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما حديث رقم (3686) .(14/214)
وعمر وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فرجف بهم فقال: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أثبت أحد فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان، وقد تقدم هذا الحديث بطرقه في ذكر تحرك الجبل لأجله وسكونه بأمره [ (1) ] .
وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلم بأن عمر وعثمان وعليا وطلحة والزبير شهداء فكان كذلك وقتلوا شهداء رضوان اللَّه عليهم
فخرج مسلم [ (2) ] والترمذي [ (3) ] من حديث سهيل أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد. وقد تقدم بطرقه.
وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلم ثابت بن قيس بأنه شهيد وما كان من ذلك
فخرج عبد الرزاق [ (4) ] من حديث معمر، عن الزهري، عن ثابت بن قيس ابن شماس قال لما نزلت: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ قال: يا نبي اللَّه لقد خشيت أن أكون قد هلكت نهانا اللَّه أن نرفع أصواتنا فوق صوتك،
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 583، كتاب المناقب، باب (19) في مناقب عثمان بن عفان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3697) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 199، كتاب فضائل الصحابة، باب (6) فضائل طلحة والزبير رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، حديث رقم (50) .
[ (3) ] (سنن الترمذي) : 5/ 582، كتاب المناقب، باب (19) في مناقب عثمان بن عفان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3696) .
[ (4) ] (تفسير ابن كثير) : 4/ 220- 221، تفسير سورة الحجرات.(14/215)
وأنا امرؤ جهير الصوت. ونهى اللَّه المرء أن يحمد بما لم يفعل، وأجدني أحب الحمد. ونهى اللَّه عن الخيلاء وأجدني أحب الجمال. فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم يا ثابت ألا ترضي أن تعيش حميدا، وتقتل شهيدا، وتدخل الجنة؟ فعاش حميدا، وقتل يوم مسيلمة.
وخرجه الحاكم [ (1) ] في (المستدرك) من حديث يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال حدثني أبي، عن ابن شهاب قال: أخبرني إسماعيل بن محمد بن ثابت الأنصاري، عن أبيه أن ثابت بن قيس قال: قلت يا رسول اللَّه لقد خشيت أن أكون قد هلكت، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: نهانا اللَّه أن نحب أن نحمد بما لم نفعل، وأجدني أحب الحمد ونهانا عن الخيلاء، وأجدني أحب الجمال، ونهانا ان نرفع أصواتنا فوق صوتك، وأنا جهير الصوت فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يا ثابت ألا ترضي أنت تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة؟. قال: بلي يا رسول اللَّه. قال: فعاش حميدا، وقتل شهيدا يوم مسيلمة الكذاب. قال الحاكم:
صحيح على شرط الشيخين. ولم يخرجاه بهذه السياقة إنما أخرج مسلم وحده حديث حماد بن سلمة، وسليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس قال: لما أنزلت لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [ (2) ] جاء ثابت بن قيس وذكر الحديث مختصرا.
قال المؤلف: وخرجه الطبراني في الأوسط، عن أحمد بن محمد بن محمد بن حمزة، عن أبيه، عن جده، عن الأوزاعي، عن الزهري قال:
حدثني ابن ثابت الأنصاري قال: قلت يا رسول اللَّه فذكر الحديث بمعناه وخرج الحاكم [ (3) ] من حديث موسى بن إسماعيل، عن حماد، عن ثابت، عن أنس أن ثابت بن قيس. جاء يوم اليمامة، وقد تحنط ولبس أكفانه، وقد انهزم أصحابه
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 3/ 260، كتاب معرفة الصحابة حديث رقم (5034) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) صحيح على شرط البخاري ومسلم.
[ (2) ] (الحجرات) : 2.
[ (3) ] (المستدرك) : 38260 كتاب معرفة الصحاب، باب (31) حديث رقم (5034) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح على شرط البخاري ومسلم.(14/216)
وقال: اللَّهمّ إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء، فبئس ما عودتم أقرانكم خلوا بيننا وبين أقراننا ساعة، ثم حمل فقاتل ساعة فقتل وكانت درعه قد سرقت فرآه رجل فيما يرى النائم. فقال: إن درعي في قدر تحت أكاف بمكان كذا وكذا وأوصي بوصايا فطلب الدرع فوجد حيث قال فأنفذوا وصيته وفيها قصة عجيبة،
فذكرها من طريق عطاء الخراساني قال: لما قدمت المدينة فأتيت ابنة ثابت بن قيس بن شماس فذكرت قصة أبيها قالت:
لما أنزل اللَّه على رسوله صلى اللَّه عليه وسلم لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [ (1) ] الآية وآية وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ [ (2) ] جلس أبي في بيته يبكي ففقده رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فسأله عن أمره فقال: إني امرؤ جهير الصوت، وأخاف أن يكون قد حبط عملي، فقال: بل تعيش حميدا وتموت شهيدا ويدخلك اللَّه الجنة بسلام
فلما كان يوم اليمامة مع خالد بن الوليد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- استشهد فرآه رجل من المسلمين في منامه فقال: إني لما قتلت انتزع درعي رجل من المسلمين وخبأه في أقصي العسكر وهو عنده وقد أكب على الدرع برمة وجعل على البرمة رجلا فأتت الأمير فأخبره وإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه وإذا أتيت المدينة فأت قفل لخليفة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن علي من الدين كذا وكذا وغلامي فلان من رقيقي عتيق، وإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه.
قال: فأتاه. فأخبره الخبر فوجد الأمر على ما أخبره، وأتى أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأخبره فأنفذ وصيته، فلا نعلم أحدا بعد ما مات أنفذ وصيته غير ثابت بن قيس بن شماس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[ (3) ] .
وقال الحافظ أبو عمرو النمري، وروى هشام بن عمار، عن صدقة بن خالد قال:
حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن عامر قال: حدثني عطاء الخراساني، قال حدثتني ابنة ثابت بن قيس بن شماس قالت: لما نزلت:
__________
[ (1) ] سبق تخريجه.
[ (2) ] الحديد: 3.
[ (3) ] (المستدرك) : 3/ 261، كتاب معرفة الصحابة باب (31) حديث رقم (5036) ، وسكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) .(14/217)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ الآية دخل أبوها بيته وأغلق علي بابه ففقده النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأرسل إليه يسأله، فأخبره، فقال: أنا رجل شديد الصوت أخاف أن يكون قد حبط عملي، قال: لست منهم بل تعيش بخير وتموت بخير.
قال: ثم أنزل اللَّه تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ [ (1) ] فأغلق عليه بابه وطفق يبكي، ففقده النبي صلى اللَّه عليه وسلم إليه فأخبر، وقال: يا رسول اللَّه إني أحب الجمال، وأحب أن أسود قومي، فقال: لست منهم بل تعيش حميدا، وتقتل شهيدا، وتدخل الجنة
قالت: فلما كان يوم اليمامة خرج مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة، فلما التقوا انكشفوا فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ثم حفز كل واحد منهما حفزة، فثبتا فقاتلا حتى قتلا، وعلي ثابت يومئذ درع له نفيسة، فمر به رجل من المسلمين. فأخذها، فبين رجل من المسلمين نائم إذ أتاه ثابت في منامه فقال له إني أوصيك بوصية:
فإياك أن تقول: هذا حلم فتضيعه، إني لما قتلت أمس مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي، ومنزله في أقصي الناس، وعند خباية فرس يسترني في طوله، وقد كفى على الدرع برمة، وفوق البرمة رجل، فأت خالد فمره أن يبعث إلى درعي فيأخذها.
وإذا قدمت المدينة على خليفة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعنى أبا بكر فقل له: إن علي من الدين كذا وكذا، وفلان من رقيقي عتيق. فأتى الرجل خالد- رضي اللَّه وتبارك عنه- فأخبره فبعث إلي الدرع فأتى بها. وحدث أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- برؤياه فأجاز وصيته قال: ولا نعلم أحد أجيزت وصيته بعد موته غير ثاب بن قيس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال المؤلف رحمه اللَّه: الرجل الّذي زار ثابت بن قيس في منامه هو بلال بن رباح مؤذن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
__________
[ (1) ] لقمان: 18.(14/218)
وأما إنذار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بارتداد قوم ممن آمن عن إيمانهم فكان كما أنذر وارتدت العرب بعد وفاته صلى اللَّه عليه وسلم
قال اللَّه تعالى وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [ (1) ] وهذه الآية يعرض اللَّه فيها بارتداد من ارتد وانقلابهم على أعقابهم. بعد موت الرسول صلى اللَّه عليه وسلم وفيها معنى
قوله صلى اللَّه عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا بضرب بعضكم رقاب بعض [ (2) ] .
وعن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال المراد بالشاكرين: أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأصحابه، وعنه أيضا: أبو بكر أمين الشاكرين وأمير من أحب اللَّه.
وعنه: السن أن أبا بكر كان واللَّه إمام الشاكرين، هو واللَّه إمام الذين قاتلوا المرتدين بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقال اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ [ (3) ] .
قال الحسن علم اللَّه قوما يرجعون عن الإسلام بعد نبيهم فأخبرهم أنه سيأتي بقوم يحبهم ويحبونه. فقوله: مَنْ يَرْتَدَّ جملة شرطية مستقبلية وهي إخبار عن الغيب وقع الخبر على وقعة فيكون معجزا لأنه من الكائنات التي أخبر عنها القرآن قبل كونها.
وقال الضحاك عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في قوله تعالي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ قال: حصت وعمت
__________
[ (1) ] آل عمران: 144.
[ (2) ] (جامع الأصول) : 3/ 458، في ذكر حجة الوداع، حديث رقم (1795) وعزاه للبخاريّ ومسلم.
[ (3) ] المائدة: 54.(14/219)
أبناءهم وجدودهم ومن أظهر غير ما ستر فهو حشو في المؤمنين، فأخبرهم بما هم لاقون إن فعلوا بارتداد من ارتد منهم في عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم فكاتبهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالرسل، وماثلهم من بعده بأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ومن أقام معه في الدار فهم جنود اللَّه الذين أقامهم على أمره وأصحاب نبيه صلى اللَّه عليه وسلم، الذين قاتلوا بني قينقاع، والنضير، وقريظة، وخيبر، فبدأ القوم بسعد بن عبادة، ثم أبواب الشام، ثم ثلثوا ببني أسد، وغطفان، ثم أثبتوا في نواحي جزيرة العرب حتى ضربوا البحرين من قبل عدن، وحضرموت من قبل عمان، والبحرين من قبل الشام والعراق حتى أدخلوا الناس في الباب الّذي خرجوا منه.
فأتى اللَّه تعالي بفلولهم المرتدة في دورهم، فكانوا أذل أهل رأفة على المؤمنين من تلك القبائل، أهل غلظة وانتقام على المرتدة لا يجعلوا في جهادهم بلوم من لام في ذلك، هذا ما خصهم اللَّه تعالى به فأتى من رجع عن دين محمد صلى اللَّه عليه وسلم بأصحاب محمد صلى اللَّه عليه وسلم في بيوتهم.
وعن سعيد بن مسلم وسعيد بن أبي عروبة. عن الحسن في قوله تعالى:
مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ [ (1) ] الآية، قال أبو بكر وأصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم أخبره أنه يأتيهم به في دورهم، وحيث كانوا فهم أحباء اللَّه.
وقال طلحة بن الأعلم، عن ماهان، عن ابن عباس قال: كانت منازل الناس على عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم: مسلم خالص، ومنافق، وكافر، فمن دخل من أهل الكفر في الإسلام فهو مسلم. ومن خرج من المسلمين إلى الكفار فهو منهم.
ومن أسر الكفر وأظهر الإسلام حقن بذلك دمه حتى يظهره، وعلى هذا قابل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العرب. وقابل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- العرب من بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منهم خاصة أو عامة، ما خلا أهل مكة، وأهل الطائف، والقبائل التي أجابت النبي صلى اللَّه عليه وسلم عام الحديبيّة ممن حول مكة، والقبائل التي عاقب اللَّه يوم الحديبيّة منهم، وفائت عبد القيس، وحضرموت بعد الريب وحسن إسلامهم واستفاقوا من نومهم. قال هشام بن عروة، عن أبيه: ما مات
__________
[ (1) ] المائدة: 54.(14/220)
النبي صلى اللَّه عليه وسلم حتى قل أهل الردة، وذلوا ودخلوا عامتهم في الباب الّذي خرجوا منه فلما مات النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يبق حي إلا ارتاب منهم خاصة أو عامة، ما خلا أهل مكة، وأهل الطائف.
وقد جاء أهل الطائف لموافاتهم عثمان بن أبي العاص من غير ظان تموت على دينهم فاستيقظوا، ولم يبق أحد على دينه في عبد القيس وحضرموت فإنّهم نزعوا عن دينهم ثم استقاموا.
وقال مجاهد عن سعيد عن الشعبي: لما فصل أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- تضرمت الأرض وارتدت من كل قبيلة وعامة إلا قريش وثقيف.
وقال هشام بن عروة، عن أبيه. لما مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وفصل أسامة، ارتدت العرب خواص وعوام، وتروخي عن مسيلمة وطليحة فاستغلظ أمرهما.
واجتمعت على طلحة عوام طيِّئ وأسد. وارتدت غطفان إلا ما كان من أشجع وخواص من الأفناء فبايعوه وقدمت هوازن رجلا وأخرت أخرى، أمسكوا الصدقة إلا ما كان من ثقيف ومن إليهم فإنّهم أقيدوا بهم عوام جذيلة والأعجار، وارتدت خواص من سليم وكذلك سائر الناس من كل مكان.
وقدمت رسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم من اليمن واليمامة وبلاد بني أسد مع وفود من كان كاتبه النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأمر أمره في الأسود ومسيلمة وطليحة بالأخبار والكتب، فدفعوا كتبهم إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأخبره الخبر، فقال لهم: لا تبرحوا حتى تجيء رسل أمرائكم وغيرهم بأوهى مما وصفهم، فلم يلبثوا أن قدمت كتب أمراء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من كل مكان بأنقاض العرب عامة وخاصة وتبسطهم بأنواع المثل على المسلمين، فجاءهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جاءهم بالرسل، فردوا رسلهم بأمره واتبع الرسل وانتظر بمصادمتهم قدوم أسامة، وكان أول من صادم عبس، وذبيان، عاجلهم وأعجلوه فقاتلهم قبل رجوع أسامة وقدوم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمثل ذلك.(14/221)
فخرج البخاري في أول كتاب الفتن [ (1) ] من حديث بشر بن السري، عن نافع عن ابن عمر، عن ابن أبي مليكة قال: قالت أسماء عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: أنا على حوضي أنتظر من يرد علي فيؤذن بناس من دوني فأقول: أمتي فيقال: لا تدري، مشوا على القهقرى.
قال ابن أبي مليكة: اللَّهمّ إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو أن نفتن.
وخرج مسلم في كتاب المناقب [ (2) ] من حديث داود بن عمر الضبي قال:
حدثنا نافع بن عمر الجمحيّ، عن ابن أبي مليكة قال: قال عبد اللَّه بن عمرو ابن العاص الحديث. قال: وقالت أسماء بنت أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إني على الحوض حتى انظر من يرد علي منكم وسيؤخذ أناس من دوني فأقول يا رب مني ومن أمتي فيقال: أما شعرت ما عملوا بعدك؟ واللَّه ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم
قال: فكان ابن أبي مليكة يقول: اللَّهمّ إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا.
وخرج مسلم من حديث وهب قال: سمعت عبد العزيز بن صهيب يحدث قال: حدثنا أنس بن مالك أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ليردن على الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رأيتم ورفعوا إلى اختلجوا دوني فلأقولن: أي رب أصحابي فليقالن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ذكره في المناقب [ (3) ] وخرجه البخاري في الرقاق [ (4) ] من حديث وهب حدثنا عبد العزيز، عن أنس، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 3، كتاب الفتن، باب (1) . ما جاء في قوله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحذر من الفتن، حديث رقم (7048) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 61، كتاب الفضائل باب (9) إثبات حوض نبينا صلى اللَّه عليه وسلم وصفاته، حديث رقم (2293) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 15/ 70، حديث رقم (40) وفي (الأصل) «المناقب» وأثبتناه من كتاب الفضائل.
[ (4) ] (فتح الباري) : 11/ 566، كتاب الرقاق، باب (53) في الحوض. وقول اللَّه تعالى:
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ حديث رقم (6582) .(14/222)
اختلجوا دوني، فأقول: أصحابي، فيقول لا تدري ما أحدثوا بعدك.
وله من حديث جرير وشعبة، عن مغيرة، عن أبي وائل، عن عبد اللَّه. وخرج البخاري في كتاب الفتن [ (3) ] . ومسلم في المناقب [ (4) ] من حديث يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم قال سمعت سهل بن سعد يقول: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقول. أنا فرطكم على الحوض من ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا، ليردن على أقوام أعرفهم، ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم.
قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا الحديث فقال: هكذا سمعت سهلا؟ فقلت: نعم قال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدريّ لسمعته يزيد فيه قال: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما بدلوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي. لفظهما فيه متقارب وقد تداخلت بعض ألفاظهم.
وخرجه مسلم [ (5) ] من حديث ابن وهب قال: حدثنا أسامة، عن أبي حازم، عن سهل، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم. وعن النعمان بن أبي عياش، عن أبي سعيد الخدريّ، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بمثل حديث يعقوب. وخرجه البخاري بمثله في آخر كتاب الرقاق [ (6) ] .
وخرج فيه من حديث يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه كان يحدث أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول:
يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى [ (1) ] .
__________
[ (3) ] (المرجع السابق) : 13/ 4، حديث رقم (7050- 7051) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 59، كتاب الفضائل، باب (9) إثبات حوض نبينا صلى اللَّه عليه وسلم وصفاته، حديث رقم (26) .
[ (5) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي رقم (2291) بدون رقم.
[ (6) ] سبق تخريجه.
[ (1) ] (فتح الباري) : 11/ 567، كتاب الرقاق، باب (53) في الحوض. وقول اللَّه تعالى إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ، حديث رقم (6585) .(14/223)
ومن حديث ابن فليح قال: حدثنا هلال، عن عطاء، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بسياقه أخرى.
قال المؤلف عفي اللَّه تبارك وتعالى عنه
وللردة أخبار كثيرة قد صنف المتقدمون فيها كتبا، وهي في الجملة كانت في إحدى عشرة فرقة: ثلاثة على عهد الرسول صلى اللَّه عليه وسلم وسبعة في خلافة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وواحدة في خلافة عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فالتي في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فبنو مذجح، قاموا مع الأسود ذي الخمار بسهلة بن كعب وقد ثنيا. وينوا حنيفة قاموا بأمر مسلمة وقد ثنيا. وبنو أسد قاموا بأمر طليحة بن خويلد وقد ثنيا.
وأما السبع التي في خلافة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فهم فزارة قوم عيينة بن حصن، وغطفان قوم هبيرة بن سلمة العشري. وبنو سليم قوم الفجاءة، واسمه بجير بن غياث بن عبد اللَّه بن عبد ياليل بن سلمة بن عميرة بن خفاق بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفه بن قيس غيلان بن مضر. وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة، وبعض تميم قوم سجاح بنت المنذر، وكندة قوم الأشعث بن قيس. وبنو بكر بن وائل بالبحرين قوم الحكم بن يزيد.
وأما التي في خلافة عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فهو ابن الأيهم. وسأورد نبذة من أخبارهم إن شاء اللَّه تعالي فأقول:(14/224)
فأما قيام مذجح بأمر الأسود العنسيّ
واسمه عيهلة بن كعب بن عوف العنسيّ، بالنون وعنس بطن مذحج، وكان يلقب ذا الخمار لأنه كان معتمدا متخمرا أبدا. وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم قد جمع لباذان حين أسلم وأسلم أهل اليمن عمل اليمن جميعه وأمره على جميع مخالفيه، فلم يزل عاملا عليه حتى مات. فلما مات باذان فرق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمراءه في اليمن، فاستعمل عمرو بن حزم على نجران، وخالد بن سعيد بن العاص على ما بين نجران وزبيد، وعامر بن شهر على همدان، وعلي صنعاء شهر بن باذان، وعلى عك والأشعريين الطاهر بن أبي هالة، وعلى مأرب أبا موسى، وعلى الجند يعلي بن أمية، وكان معاذ معلما ينتقل في عمالة كل عامل باليمن وحضرموت، واستعمل على أعمال حضرموت زياد ابن لبيد الأنصاري، وعلي السكاسك والسكون عكاشة بن ثور، وعلي بني معاوية بن كندة عبد اللَّه أو المهاجر، فاشتكى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فلم يذهب حتى وجهه أبو بكر، فمات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهؤلاء عمالة على اليمن وحضرموت وكان أول من اعترض الأسود الكاذب شهر وفيروز وداذويه وكان الأسود العنسيّ لما عاد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من حجة الوداع وتمص [ ... ] من السفر غير مرض موته بلاغه ذلك، بلغه النبوة، وكان مشعبذا يريهم الأعاجيب، فاتبعه مذحج، وكانت ردة الأسود أول ردة في الإسلام على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وغزا نجران فأخرج عنها عمرو بن حزم وخالد بن سعيد، ووثب قيس بن عبد يغوث، ابن مكشوح على فروة بن مسيك، وهو على مراد، فأجلاه ونزل منزله، وسار الأسود عن نجران إلى صنعاء، وخرج إليه شهر بن باذان فلقيه، فقتل شهر لخمس وعشرين ليلة من خروج الأسود، وخرج معاذ هاربا حتى لحق بأبي موسي وهو بمأرب فلحقا بحضرموت، ولحق بفروة من قم على إسلامه من مذجح.
واستب للأسود ملك اليمن، ولحق أمراء اليمن إلى الطاهر بن أبي هالة إلا عمرا وخالدا، فإنّهما رجعا إلى المدينة، والطاهر بجبال عك وجبال صنعاء، وغلب الأسود على ما بين مفازة حضرموت إلى الطائف إلى البحرين والإحساء إلى عدن واستطار أمره كالحريق، وكان معه سبعمائة فارس يوم لقي شهرا سوى الركبان، واستغلظ أمره، وكان خليفته في مذجح عمرو بن(14/225)
معديكرب، وكان خليفته على جنده قيس بن عبد يغوث، وأمر الأنباء إلى فيروز وداذويه.
وكان الأسود تزوج امرأة شهر بن باذان بعد قتله، وهي ابنة عم فيروز وخاف من بحضرموت من المسلمين أن يبعث إليهم جيشا، أو يظهر بها كذاب مثل الأسود، فتزوج معاذ إلى السكون، فعطفوا عليه. وجاء إليهم وإلي من باليمن من المسلمين كتب النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأمرهم بقتال الأسود، فقام معاذ في ذلك وقويت نفوس المسلمين، وكان الّذي قدم بكتاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم وبر بن يحنس الأزدي قال حنش الديلميّ: فجاءتنا كتب النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأمرنا بقتاله إما مصادقة أو غيلة، بعثني إليه وإلى فيروز وداذويه، وأن نكاتب من عنده دين. فعلمنا في ذلك، فرأينا أمرا كثيفا، وكان قد تغير لقيس بن عبد يغوث، فقلنا: إن قيسا يخاف على دمه فهو لأول دعوة، فدعوناه وأبلغناه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم فكأنما نزلنا عليه من السماء، فأجبنا وكاتبنا الناس. فأخبره الشيطان شيئا من ذلك، فدعا قيسا فأخبره أن شيطانه يأمره بقتله لميله إلى عدوه، فخلف قيس: لأنت أعظم في نفسي من أن أحدث نفسي بذلك. ثم أتانا فقال: يا جنش ويا فيروز ويا داذويه، فأخبرنا بقول الأسود فبينا نحن معه يحدثنا إذا أرسل إلينا الأسود فتهددنا، واعتذرنا إليه ونجونا منه ولم نكد وهو مرتاب بنا ونحن نحذره فبينا نحن على ذلك إذا جاءتنا كتب عامر بن شهر وذي زود وذي مران وذي الكلاع وذي ظليم يبذلون لنا النصر، فكاتبناهم وأمرناهم أن لا يفعلوا شيئا حتى نبرم أمرنا أيضا إلى نجران فأجابوه، وبلغ ذلك الأسود وأحسن بالهلاك قال:
فدخلت على آزار، وهي امرأته التي تزوجها بعد قتل شهر بن باذان، فدعوتها إلى ما نحن عليه وذكرتها قتل زوجها شهر وإهلاك عشيرتها وفضيحة النساء.
فأجابت وقالت: واللَّه ما خلق اللَّه شخصا أبغض إلى منه، ما يقوم للَّه على حق ولا ينتهي عن محرم، فأعلموني أمركم أخبركم بوجه الأمر. قال: فخرجت وأخبرت فيروز وداذويه وقيسا. قال: وإذ قد جاء رجل فدعا قيسا إلى الأسود، فدخل في عشرة من مذحج وهمذان فلم يقدر على ما قتله معهم وقال له: ألم أخبرك الحق وتخبرني الكذب؟ إنه، يعني شيطانه، يقول لي: إلا تقطع من قيسي يده يقطع رقبتك. فقال قيس: إنه ليس من الحق أن أهلك وأنت رسول اللَّه فمرني بما أحببت أو اقتلني، فموته أهون من موتنا. فرق له وتركه، وخرج قيس فمر بنا وقال: اعلموا عملكم. ولم يقعد عندنا- فخرج علينا الأسود في جمع، فقمنا له وبالباب مائة ما بين بقرة وبعير، فنحرها ثم(14/226)
خلاها ثم قل: أحق ما بلغني عنك يا فيروز؟ - وبوأ له لحرية- لقد هممت أن أنحرك. فقال: اخترتنا لصهرك وفضلته فلو لم تكن نبيا لما بعنا نصيبك منك بشيء فكيف وقد اجتمع لنا بك أمر الدنيا والآخرة! فقال له: أقسم هذه، فقسمها، ولحق به وهو يسمع سعاية رجل بفيروز وهو يقول له: أنا قاتله غدا وأصحابه، ثم التفت فإذا فيروز فأخبره بقسمتها، ودخل الأسود ورجع فيروز فأخبرنا الخبر، فأرسلنا إلي قيس فجاءنا.
فاجتمعنا على أن أعود إلي المرأة فأخبرها بعزيمتها ونأخذ رأيها، فأتيتها فأخبرتها فقالت: هو متحرز وليس من القصر شيء إلا والحرس محيطون به غير هذا البيت فإن ظهره إلى مكان كذا وكذا، فإذا أمسيتم فانقلبوا عليه فإنكم من دون الحرس وليس دون قتله شيء، وستجدون فيه سراجا وسلاحا.
فتلقاني الأسود خارجا من بعض منازله فقال: ما أدخلك علي؟ ووجأ رأسي حتى سقطت، وكان شديدا، فصاحت المرأة فأدهشته، وقالت: جاءني ابن عمي زائرا ففعلت به هذا؟ فتركني، فأتيت أصحابي فقلت: النجاء! الهرب! وأخبرتهم الخبر.
فإنا علي ذلك حياري إذ جاءنا رسولهم يقول: لا تدعن ما فارقتك منها- فعمل، فلما أخبرته قال: ننقب علي بيوت مبطنة، فدخل فاقتلع البطانة وجلس عندها كالزائر، فدخل عليها الأسود فأخذته غيره، فأخبرته برضاع وقرابة منها عنده محرم، فأخرجه، فلما أمسينا عملنا في أمرنا أعلمنا أشياعنا وعجلنا عن مراسلة الهمدانيين والحميريين فنقبنا البيت ودخلنا، وفيه سراج تحت جفنة، واتقينا بفيروز كان أشدنا، فقلت: انظر ماذا ترى، فخرج ونحن بينه وبين الحرس. فلما دنا من باب البيت سمع غطيطا شديدا والمرأة قاعدة، فلما قام على باب البيت أجلسه الشيطان وتكلم على لسانه وقال: ما لي ولك يا فيروز! فخشي إن رجع أن يهلك وتهلك المرأة فعاجله وخالطه وهو مثل الجمل فأخذ برأسه فقتله ودق عنقه وضع ركبته في ظهره فدقه ثم قام ليخرج فأخذت المرأة بثوبه وهي تراه انه لم يقتله فقال: قد قتلته وأرحتك منه، وخرج فأخبرنا، فدخلنا معه، فخار كما يخور الثور، فقطعت رأسه بالشفرة، وابتدر الحرس المقصورة يقولون: ما هذا؟ فقالت المرأة: النبي يوحى إليه!(14/227)
فخمدوا، وقعدنا نأتم بيننا، فيروز ودوادويه وقيس، كيف نخبر أشياعنا، فاجتمعنا على النداء.
فلما طلع الفجر نادينا بشعارنا الّذي بيننا وبين أصحابنا، ففزع المسلمون والكافرون، ثم نادينا بالأذان فقلت: أشهد ان محمد رسول اللَّه وأن عيهلة كذاب! وألقينا إليهم رأسه، وأحاط بنا أصحابه وحرسه وشنوا الغارة وأخذوا صبيانا كثيرة وانتبهوا. فنادينا أهل صنعاء من عنده منهم فأمسكه، ففعلوا. فلما خرج أصحابه فقدوا سبعين رجلا، فراسلونا وأرسلناهم على أن يتركوا لنا ما في أيديهم ونترك ما في أيدينا، ففعلنا، ولم يظفروا منا بشيء، وترددوا ما بين صنعاء ونجران. وتراجع أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى أعمالهم، وكان يصلي بنا معاذ بن جبل، وركبنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، بخبره، وذلك في حياته.
وأتاه الخبر من ليلته، وقدمت رسلنا، وقد توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأجابنا أبو بكر. قال ابن عمر: أتي الخبر من السماء إلي النبي صلى اللَّه عليه وسلم، في ليلته التي قتل فيها، فقال: قتل العنسيّ، قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين، قيل:
من قتله؟ قال: قتله فيروز.
قيل: كان أول أمر العنسيّ إلي آخره ثلاثة أشهر، وقيل قريب من أربعة أشهر، وكان قدوم البشير بقتله في آخر ربيع الأول بعد موت النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فكان أول بشارة أتت أبا بكر وهو بالمدينة.
قال فيروز: لما قتلنا الأسود عاد أمرنا كما كان وأرسلنا إلى معاذ بن جبل فصلى بنا ونحن راجون مؤمنون لم يبق شيء نكرهه إلا تلك الخيول من أصحاب الأسود فأتي موت النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فانتقضت الأمور واضطربت الأرض [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (الكامل في التاريخ لابن الأثير) : 336- 341. 3(14/228)
وأما قيام حنيفة بأمر مسيلمة بن ثمامة بن كثير بن حبيب ابن الحارث بن عبد الحارث بن عدي بن حنيفة يكنى أبا ثمامة وقيل أبو هارون [ (2) ]
عن رافع بن خديج قال: قدمت علي النبي صلى اللَّه عليه وسلم وفود العرب فلم يقدم علينا وفد أقسى قلوبا ولا أحرى أن يكون الإسلام لم يقر في قلوبهم من بني حنيفة، وقد يقوم ذكر قدوم مسيلمة وأنه ذكر لرسول اللَّه، فقال: أما إنه ليس بشركم مكانا! لما كانوا أخبروه به من أنهم تركوه في رجالهم حافظا لها.
ويروى من حديث ابن عباس: أن مسيلمة قال عند ما قدم في قومه: لو جعل لي محمد الخلافة من بعده لا تبعته، فجاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس وفي يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منحية من نخل فوقف عليه ثم قال: لئن أقبلت ليفعلن اللَّه بك ولئن أدبرت ليقطعن اللَّه دابرك وما أراك إلا الّذي رأيت فيه ما رأيت، ولئن سئلت هذه الشطبة- لشطبة من المنحية التي في يده- ما أعطيكما- وهذا ثابت يجيبك.
قال ابن عباس: فسألت أبا هريرة عن قول النبي صلى اللَّه عليه وسلم ما أراك إلا الّذي رأيت فيه ما رأيت. قال: كان رسول اللَّه قال: بينا أنا نائم رأيت سوارين من ذهب فنفختهما فطارا فوقع أحدهما باليمامة والآخر باليمن.
قيل: ما أولتهما يا رسول اللَّه؟ قال: أولتهما كذابين يخرجان من بعد.
ولما انصرف مسيلمة في قومه إلى اليمامة ارتد عدوا اللَّه وأدعي الشركة في النبوة مع النبي وقال للوفد الذين كانوا معه: ألم يقل لكم حين ذكرتموني له: أما إنه ليس يشركم مكانا! ما ذاك إلا علم أني أشركت في الأمور معه! وكتب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من مسيلمة رسول اللَّه إلى محمد رسول اللَّه أما بعد فإنّي قد أشركت في الأمر معك. وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ولكن قريشا قوم يعتدون.
__________
[ (2) ] (جمهرة أنساب العرب) : 310.(14/229)
وقدم علي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بهذا الكتاب رسولا لمسيلمة فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين قرأ كتابه: فما تقولان أنتما؟ قالا: نقول كما قال! فقال أما واللَّه لولا ان الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما، ثم كتب إلى مسيلمة: بسم اللَّه الرحمن الرحيم. من محمد رسول اللَّه إلى مسيلمة الكذاب: أما بعد فإن الأرض للَّه يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين.
قال ابن إسحاق: وكان ذلك في آخر سنة 10 هـ. وذكر غيره أن ذلك كان بعد انصراف النبي صلى اللَّه عليه وسلم من حجة الوداع ووقوعه في المرض الّذي توفاه اللَّه فيه، فاللَّه تعالي أعلم.
وجد لعدو اللَّه الضلال بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأصفقت معه حنيفة علي ذلك إلا أفراد من ذوي عقولهم ومن أراد اللَّه به الخير منهم. وكان من أعظم ما فتن به قومه شهادة الرجال أنه قدم مع قومه وافدا النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقرأ القرآن وتعلم السنن قال ابن عمر: وكان من أفضل الوفد عندنا، قرأ البقرة وآل عمران، وكان يأبى أبيا يقرأه، فقدم اليمامة وشهد لمسيلمة على رسول اللَّه أنه أشركه في الأمر من بعده، فكان أعظم على أهل اليمامة فتنة من غيره لما كان يعرف به قال رافع بن خريج: كان بالرجال الخشوع ولزوم قراءة القرآن والخير في ما نري شيء عجيب، خرج علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوما وهو معنا جالس مع نفر فقال أحد هؤلاء النفر في النار. قال رافع فنظرت في القوم فإذا بأبي هريرة وأبي أروي الدوسيّ وطفيل بن عمرو الدوسيّ والرجال بن عنفوة، فجعلت انظر واجب وأقول: من هذا الشقي؟ فلما توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رجعت بنو حنيفة، فسألت ما فعل الرجال؟ فقالوا: أفتن، هو الّذي شهد لمسيلمة علي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه أشركه في الأمر عبده. فقلت: ما قال رسول اللَّه فهو حق. قالوا:
وسمع الرجال يقول: كبشان انتطحا فأحبهما إلينا كبشنا.
وكان ابن اليشكري من سراة أهل اليمامة وأشرافهم وكان مسلما يكتم إسلامه وكان صديقا للرجال، فقال شعرا فشا في اليمامة حتى كانت المرأة والوليدة والصبي ينشدونه فقال: سعاد الفواد بنت أثال طال ليلي بفتنة الرجال إنها يا سعاد من حدث الدهر عليكم كفتنة الرجال فتن القوم بالشهادة وله عزيز(14/230)
ذو قوة ومحال لا يساوي الّذي يقول من الأمر قبالا وما احتذي به من نعال أن ديني دين النبي وفي القوم رجال على الهدي امثالي أهلك القوم محكم بن طفيل ورجال ليسوا لنا برجال بزهم أمرهم مسيلمة اليوم فلن يرجعوه أخرى الليالي قلت للنفس إذ تعاظمها الأمر له فرجة كحل العقال إن تكن ميتي على فطرة اللَّه حنيفا فأنني لا أبالي فبلغ ذلك مسيلمة ومحكما وأشراف أهل اليمامة فطلبوه ففاتهم ولحق بخالد بن الوليد فأخبره بحال أهل اليمامة ودله على عوراتهم.
وقالوا إن رجلا من نبي حنيفة كان أسلم وأقام عند رسول اللَّه فحسن إسلامه فأرسله رسول اللَّه إلى مسيلمة ليقدم به عليه. وقال الحنفي: إن أجاب أحدا من الناس أجابني وعسي أن يجيئه اللَّه. فخرج حتى أتاه فقال: إن محمدا قد أحب أن تقوم عليه، فإنك لو جئته فيلقي هذه المقالة إليه فلما أكثر عليه قال: انظر في ذلك، فشاور الرجال بن عنفوة وأصحابه فقالوا: لا تفعل إن قدمت عليه قتلك، ألم تسمع كلامه وما قال؟ فأبي مسيلمة أن يقوم معه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبعث معه رجلين ممن يصدق ب ليكلماه ويخبراه بما قال للحنفي.
فخرج الرسولان حتى قدما علي رسول اللَّه مع رسوله فتشهد أحدهما برسول اللَّه وحده ثم كلمه بما بدأ له، فلما قضي كلامه تشهد الآخر فذكر رسول اللَّه وذكر مسيلمة فقال رسول اللَّه: كذبت، خذوا هذا فاقتلوه،
فثار المسلمون إليه يلببونه وأخذ صاحبه بحجزته وجعل يقول: يا رسول اللَّه أعف عنه بأبي أنت وأمي فيجاذبه المسلمون؟ فلما أرسلوه تشهد بذكر رسول اللَّه وحده وأسام هو وصاحبه. فلما توفي رسول اللَّه خرجا فقدما علي أهليهما باليمامة. وقد فتن الّذي أمسك. بجحرة صاحبه ذلك فقتل مع مسيلمة وثبت الممسك بحجزته وكان بعد يخبر خالد بن الوليد بعورة بني حنيفة وأخبر رسول اللَّه رسوله إلي مسيلمة كيف رفق به حتى أراد أن يقدم لولا أن الرجال نهاه،
فقال رسول اللَّه: يقتله اللَّه ويقتل الرجال معه، ففعل اللَّه ذلك بهما وأنجز وعده فيهما [ (1) ] .
__________
[ (1) ] تاريخ الردة: 56- 61.(14/231)
وأما قيام بني أسد بما كان من أمر طليحة
وكان طليحة بن خويلد الأسدي من بني أسد بن خزيمة قد تنبأ في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فوجه إليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم ضرار ابن الأزور عاملا على بني أسد وأمرهم بالقيام على من ارتد فضعف أمر طليحة حتى لم يبق إلا أخذه، فضربه بسيف فلم يصنع فيه شيئا، فظهر بين الناس أن السلاح لا يعمل فيه، فكثر جمعه.
ومات النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وهم على ذلك، فكان طليحة يقول: عن جبرائيل يأتيني.
وسجع للناس الأكاذيب، وكان يأمرهم بترك السجود في الصلاة ويقول: إن اللَّه لا يصنع بتعفر وجوهكم وتقبح أدباركم شيئا، اذكروا اللَّه أعفة قياما، إلى غير ذلك، وتتبعه كثير من العرب عصبية، فلهذا كان أكثر أتباعه من أسد وغطفان وطيِّئ. فسارت فزارة وغطفان إلى جنوب طيبة، وأقامت طيِّئ على حدود أراضيهم وأسد بسميراء، واجتمعت عبس وثعلبة ابن سعد ومرة بالأبرق من الربدة، واجتمع إليهم ناس من نبي كنانة، فلم تحملهم البلاد فافترقوا فرقتين، أقامت فرقة بالأبرق، وسارت فرقة إلي ذي القصة، وأمدهم طليحة بأخيه حبال، فكان عليهم وعلي من معهم من الدئل وليث ومدلج، وأرسلوا إلى المدينة يبذلون الصلاة ويمنعون الزكاة، فقال أبو بكر: واللَّه لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه. وكان عقل الصدقة على أهل الصدقة وردهم، فرجع وفدهم فأخبروهم بقلة من في المدينة وأطمعوهم فيها.
وجعل أبو بكر بعد مسير الوفد على أنقاب [ (2) ] المدينة عليا وطلحة والزبير وابن مسعود، وألزم أهل المدينة بحضور المسجد خوف الغارة من العدو لقربهم، فما لبثوا إلا ثلاثا حتى طرقوا المدينة غارة مع الليل وخلقوا بعضهم بذي حسي ليكونوا لهم رداء، فوافوا ليلا الأنقاب وعليها المقاتلة فمنعوهم، وأرسلوا إلى أبي بكر بالخبر، فخرج إلى أهل المسجد على النواضح، فردوا العدو واتبعوهم حتى بلغوا ذا حسي، فخرج عليهم الردء بأنحاء قد نفخوها وفيها الحبال، ثم دهدهوها على الأرض، فنفرت إبل المسلمين وهم عليها ورجعت
__________
[ (2) ] أنصار. (والأنقاب، واحدها النقب: الطريق في الجبل) .(14/232)
بهم إلى المدينة ولم يصرع مسلم. وظن الكفار بالمسلمين الوهن، وبعثوا إلى أهل ذي القصة بالخبر، فقدموا عليهم، وبات أبو بكر يعبي الناس، وخرج علي تعبية يمشي وعلي ميمنته النعمان بن مقرن وعلى مسيرته عبد اللَّه بن مقرن وعلى أهل الساقة سويد ابن مقرن. فما طلع الفجر إلا وهم العدو على صعيد واحد، فما شعروا بالمسلمين حتى وضعوا فيهم السيوف، فما ذر قرن الشمس حتى ولوهم الأدبار وغلبوهم على عامة ظهرهم وقتل رجال، واتبعهم أبو بكر حتى نزل بذي القصة، وكان أول الفتح، ووضع بها النعمان بن مقرن في عدد، ورجع إلى المدينة، فذل له المشركون. فوثب بنو عبس وذبيان على من فيهم من المسلمين فقتلوهم، فحلف أبو بكر ليقتلن في المشركين بمن قتلوا من المسلمين وزيادة، وازداد المسلمون قوة وثباتا.
وطرقت المدينة صدقات نفر كانوا على صدقة الناس، بهم صفوان والزبرقان بن بدر وعدي بن حاتم، وذلك لتمام ستين يوما من مخرج أسامة، وقدم أسامة بعد ذلك بأيام، وقيل: كانت غزوته وعوده في أربعين يوما. فلما قدم أسامة استخلفه أبو بكر المدينة وجنده معه ليستريحوا ويريحوا ظهرهم، ثم خرج فيمن كان معه، فناشده المسلمون ليقيم، فأبي وقل: لأواسينكم بنفسي.
وسار إلي ذي حسي وذي القصة حتى نزل بالأبراق فقاتل من به، فهزم اللَّه المشركين وأخذ الخطبة أسيرا، فطارت عبس وبنو بكر، وأقام أبو بكر بالأبراق أياما، وغلب علي بني ذبيان وبلادهم وحماها لدواب المسلمين وصدقاتهم.
ولما انهزمت عبس وذبيان رجعوا إلى طليحة وهو بزاخة، وكان رحل من سميراء إليها، فأقام عليها، وعاد أبو بكر إلى المدينة. فلما استراح أسامة وجنده، وكان قد جاءهم صدقات كثيرة تفضل عليهم، قطع أبو بكر البعوث وعقد الألوية، فعقد أحد عشر لواء، عقد لواء لخالد بن الوليد وأمره بطليحة ابن خويلد فإذا فرغ سار إلى مالك بن نويرة بالبطاح إن قام له، وعقد لعكرمة ابن أبي أمية وأمره بجنود العنسيّ ومعونة الأبناء على قيس بن مكشوح، ثم يمضي إلي كندة بحضرموت، وعقد لخالد بن سعيد وبعثه إلي مشارف الشام،(14/233)
وعقد لعمرو بن العاص وأرسله إلي قضاعة، وعقد لحذيفة بن محصن الغفاني وأمره بأهل دبا، وعقد لعرفجة بن هرثمة وأمره بمهرة وأمرهما ان يجتمعا وكل واحد منهما علي صاحبه في عمله. وبعث شرحبيل بن حسنة في أثر عكرمة بن أبي جهل وقال: إذا فرغ من اليمامة فالحق بقضاعة وأنت علي خيلك تقاتل أهل الردة. وعقد لمعن بن حاجز وأمره ببني سليم ومن معهم من هوازن، وعقد لسويد بن مقرن وأمره بتهامة باليمن، وعقد للعلاء بن الحضرميّ وأمره بالبحرين، ففضلت الأمراء من ذي القصة ولحق بكل أمير جنده، وعهد إلي كل أمير وكتب إلي جميع المرتدين نسخة واحدة واحدة يأمرهم بمراجعة الإسلام ويحذرهم، وسير الكتب إليهم مع رسله. ولما اهزمت عبس وذبيان ورجعوا إلي طليحة ببزاخة أرسل إلي جديلة والغوث من طيِّئ يأمرهم باللحاق به فتعجل إليه بعضهم وأمروا قومهم باللحاق بهم، فقدموا علي طليحة.
وكان أبو بكر بعث عدي بن حاتم قبل خالد إلي طيِّئ بالبطاح ولا يبرح إذا فرغ من قوم حتى يأذن له. وأظهر أبو بكر للناس أنه خارج إلي خيبر بجيش حتى يلاقي خالدا، يرهب به العدو بذلك.
وقدم عدي علي طيِّئ فدعاهم وخوفهم، فأجابوه وقالوا له: استقبل الجيش فأخره عنا حتى نستخرج من عند طليحة منا لئلا يقتلهم. فاستقبل عدي خالدا وأخبره بالخبر، فتأخر خالد، وأرسلت طيِّئ إلى إخوانهم عند طليحة فلحقوا بهم، فعادت طيِّئ إلى خالد بإسلامهم، ورحل خالد يريد جديلة، فاستمهله عدي عنهم، ولحق بهم عدي يدعوهم إلى الإسلام، فأجابوه، فعاد إلى خالد بإسلامهم، ولحق بالمسلمين ألف راكب منهم، وكان خير مولود في ارض طيِّئ وأعظمه بركة عليهم.
وأرسل خالد بن الوليد عكاشة بن محصن وثابت بن قرم النصارى طليعة، فلقيهما حبال أخو طليحة فقتلاه، فبلغ خبره طليحة فخرج هو وأخوه سلمة، فقتل طليحة عكاشة وقتل أخوه ثابتا ورجعا.(14/234)
وأقبل خالد بالناس فرأوا عكاشة وثابتا قتيلين، فخرج لذلك المسلمون، وانصرف بهم خالد نحو طيِّئ، فقالت له طيِّئ: نحن نكفيك قيسا، فإن بني أسد حلفاؤنا. فقال: قاتلوا أي الطائفتين شئتم. فقال عدي بن حاتم: لو نزل هذا علي الذين [هم] أسرتي الأدنى فالأدنى لجاهدتهم [ (1) ] عليه، واللَّه لا أمتنع عن جهاد بني أسد لحلفهم. فقال له خالد. إن جهاد الفريقين جهاد، لا تخالف رأي أصحابك وامض بهم إلى القوم الذين هم لقتالهم أنشط، ثم تعبي لقتالهم، ثم سار حتى التقيا على بزاخة، وبنو عامر قريبا يتربصون على من تكون الدائرة، قال: فاقتتل الناس على بزاخة.
وكان عيينة بن حصن مع طليحة في سبعمائة من بني فزارة، فقاتلوا قتالا شديدا وطليحة متلفف في كسائه يتنبأ لهم، فلما اشتدت الحرب كبر عيينة على طليحة وقال له: هل جاءك جبرائيل بعد؟ قال لا، فرجع فقاتل، ثم كر على طليحة فقال له: لا أبا لك! أجاءك جبرائيل؟ قال: لا. فقال عيينة: حتى متى؟ قد واللَّه بلغ منا! ثم رجع فقاتل قتالا شديدا ثم كر على طليحة فقال: هل جاءك جبرائيل؟ قال: نعم. قال: فماذا قال لك؟ قال: قال لي: إن رحى كرحاه، وحديثا لا تنساه. فقال عيينة: قد علم اللَّه أنه سيكون حديث لا تنساه، انصرفوا يا بني فزارة فإنه كذاب، فانصرفوا وانهزم الناس.
وكان طليحة قد أعد فرسه وراحلته لامرأته النوار، فلما غشوه ركب فرسه وحمل امرأته ثم نجا بها وقال: يا معشر فزارة من استطاع أن يفعل هكذا وينجو بامرأته فليفعل. ثم انهزم فلحق بالشام، ثم نزل على كلب فأسلم حين بلغه ان أسدا وغطفان قد أسلموا، ولم يزل مقيما في كلب حتى مات أبو بكر.
وكان خرج معتمرا [في إمارة أبي بكر] ومر بجنبات المدينة، فقيل لأبي بكر: هذا طليحة! فقال: مال أصنع به؟ قد أسلم! ثم أتي عمر فبايعه حين استخلف. فقال له: أنت قاتل عكاشة وثابت؟ واللَّه لا أحبك أبدا! فقال:
يا أمير المؤمنين ما يهمك من رجلي أكرمهم اللَّه بيدي ولم يهني بأيديهما!
__________
[ (1) ] لجاهدتم.(14/235)
فبايعه عمر وقال له: ما بقي من كهانتك؟ فقال: نفخة أو نفختان [بالكير] .
ثم رجع إلى قومه فأقام عندهم حتى خرج إلي العراق.
ولما انهزم الناس عن طليحة أسر عيينة بن حصن، فقدم علي أبي بكر، فكان صبيان المدينة يقولون له وهو مكتوف: يا عدو اللَّه أكفرت بعد إيمانك؟
فيقول: واللَّه ما آمنت باللَّه طرفة عين. فتجاوز عنه أبو بكر وحق دمه. وأخذ من أصحاب طليحة رجل كان عالما به، فسأله خالد عما يقول فقال: إن مما أتى به: والحمام واليمام، والصرد والصوام، قد صمن قبلكم بأعوام، ليبلغن ملكنا العراق والشام.
قال: ولم يؤخذ منهم سبي لأنهم قد أحرزوا حريمهم، فلما انهزموا أقروا بالإسلام خشية على عيالاتهم، فأمنهم.
حبال بكسر الحاء المهملة، وفتح الباء الموحدة، وبعد الألف لام. وذو القصة بفتح القاف، والصاد المهملة. وذو حسي بصم الحاء المهملة والسين المهملة المفتوحة. ودبا بفتح الدال المهملة، وبالباء الموحدة. وبزاخة بضم الباء الموحدة، وبالزاي، والخاء المعجمة [ (1) ]
وأما ردة عيينة بن حصن الفزاري
وكنيته أبو مالك فإنه كان من الأعراب الجفاة. وأسلم واستعمله النبي صلى اللَّه عليه وسلم على فزارة والتقى مع طليحة الأسدي بمكان يقال له: بزاخة ووقف أحياء كثيرة من الأعراب ينظرون على من تكون الدائرة، وجاء طليحة فيمن معه من قومه ومن التف معهم وانصاف غليهم، وقد حضر معه عيينة بن حصن في سبعمائة من قومه، بني فزارة، واصطف الناس، وجلس طليحة ملتفا في كساء له يتنبأ لهم ينظر ما يوحي إليه فيما يزعم، وجعل عيينة يقاتل ما يقاتل، حتى إذا ضجر من القتال يجيء إلى طليحة وهو ملتف في كسائه فيقول: أجاءك جبريل؟ فيقول: لا، فيرجع فيقاتل، ثم يرجع فيقول له مثل ذلك ويرد عليه
__________
[ (1) ] (الكامل في التاريخ لابن الأثير) : 2/ 343- 349.(14/236)
مثل ذلك، فلما كان في الثالثة قال له: هل جاءك جبريل؟ قال: نعم، قال:
فما قال لك؟ قال: قال لي إن لك رحاء كرحاه، وحديثا لا تنساه، قال يقول عيين، أظن ان قد علم اللَّه سيكون لك حديث لا تنساه، ثم قال: يا بني فزارة انصرفوا، انهزم وانهزم الناس على طليحة، فلما جاءه المسلمون ركب على فرس قد أعدها له، وأركب امرأته النوار على بعير له، ثم انهزم بها إلي الشام وتفرق جمعه، وقد قتل اللَّه طائفة ممن كان معه، فلما أوقع اللَّه بطليحة وفزارة ما أوقع قالت بنو عامر وسليم وهوازن ندخل فيما خرجنا منه، ونؤمن باللَّه ورسوله، ونسلم لحكمة في أموالنا وأنفسنا. قلت: وقد كان الأسدي ارتد عن الإسلام، وقال لقوله: واللَّه لنبي من بني أسد أحب إلي من نبي من نبي هاشم، وقد مات محمد وهذا طليحة فاتبعة، فوافق قومه بنو فزارة على ذلك، فلما كسرهما خالد هرب طليحة بامرأته إلي الشام، فنزل على بني كلب وأسر خالد عيينة بن حصن، وبعث به إلي المدينة مجموعة يداه إلي عنقه، فدخل وهو كذلك فجعل الولدان والغلمان يطعنونه بأيديهم، ويقولون: أي عدو اللَّه، ارتددت عن الإسلام؟ فيقول: واللَّه ما كنت آمنت قط، فلما وقف بين يدي الصدّيق استتابه وحقن دمه، ثم حسن إسلامه بعد فأسره مع عيينة، وأما طليحة فإنه راجع الإسلام بعد ذلك أيضا، وذهب إلي مكة معتمرا أيام الصديق، واستحيي أن يواجهه مدة حياته، وقد رجع فشهد القتال مع خالد، وكتب الصديق إلي خالد: أن استشره في الحرب ولا تؤمره- يعني معاملته له بنقيض ما كان قصده من الرئاسة في الباطن- وهذا من فقه الصديق- رضي اللَّه تبرك وتعالي عنه وأرضاه-، وقد قال خالد بن الوليد لبعض أصحابه طليحة ممن أسلم وحسن إسلامه: أخبرنا عما كان يقول لكم طليحة من لوحي، فقال: إنه كان يقول: الحمام واليمام والصرد والصوام، قد ضمن قبلكم بأعلام ليبلغن ملكنا العراق والشام، إلي غير ذلك من الخرافات والهنديانات [ (1) ] .
__________
[ (1) ] البداية والنهاية: 6/ 350.(14/237)
وأما ردة قرة بن هبيرة بن مسلمة القشيري في غطفان
فإنه اجتمع له عسكر من بني عامر على أن لا يؤدي الزكاة وذلك بعد موت النبي صلى اللَّه عليه وسلم وصارت وبنو عامر تقدم رجلا وتؤخر أخرى، وتنظر ما صنع أسد وغطفان فلما أحيط بهم وبنو عامر علي قادتهم وسادتهم: قرة بن هبيرة في كعب ومن لافها وعلقمة بن علاثة في كلاب ومن لافها. فلما مر عمرو بن العاص بقرة منصرفه من عمان بعد وفاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنزله وأكرمه.
فلما أراد أن يرحل قال له: يا هذا، إن العرب لا تطيب لكم أنفسا بالإتاوة فإن أنتم أغنيتموها من أخذ أموالها فستسمع لكم وتطيع، وإن أبيتم فلا أرى أن تجتمع عليكم فقال عمرو: أكفرت يا قرة؟ وخوله بنو عامر فكره أن تبوح لمتابعتهم فيكفروا، أو بمتابعته فينفروا، فيقول: لنردنكم إلي فئتكم، وكلما سأله عمرو: أكفرت يا قرة؟ يقول: لنردنكم إلي فئتكم، واجعلوا بيننا وبينكم موعدا. فقال عمرو: أتوعدنا بالعرب ونحو فئاتها، موعدك حشف أمك، فو اللَّه لأوطنه عليك الحبل.
وقدم علي أبي بكر والمسلمين، فأخبرهم خبر ما بين عمان إلي المدينة فلما كان يوم البزاخة أقبلت بنو عامر إلي خالد بن الوليد يقولون: ندخل فيما خرجنا منه، فبايعهم علي الإسلام.
وأما ردة بني يربوع قوم مالك بن نويرة ابن حمزة بن شداد بن عبيد بن ثعلبة ابن يربوع بن حنظلة بن مالك ابن زيد مناة بن تميم
لما رجعت سجاح إلي الجزيرة ارعوى مالك بن نويرة وندم وتحير في أمره، وعرف وكيع وسماعة قبح ما أتيا فراجعا رجوعا حسنا ولم يتجبرا، وأخرجا الصدقات فاستقبلا بها خالدا وسار خالد بعد أن فرغ من فزارة وغطفان(14/238)
وأسد وطيِّئ يريد البطاح وبها مالك بن نويرة قد تردد عليه أمره وتخلفت الأنصار عن خالد وقالوا: ما هذا بعهد الخليفة إلينا إن نحن فرغنا من بزاخة أن نقيم حتى يكتب إلينا، فقال خالد: قد عهد إلي أن أمضي وأنا الأمير ولو لم يأت كتاب بما رأيته فرصة، وكنت إن أعلمته فاتتني لم أعلمه وكذلك لو ابتلينا بأمر ليس فيه منه عهد لم ندع أن نرى أفضل ما يحضرنا ثم نعمل به، فأنا قاصد إلي مالك ومن معي ولست أكرههم، ومضي خالد، وندمت الأنصار وقالوا: إن أصاب القوم خيرا حرمتوه، وإن أصيبوا ليجتنبنكم الناس، فلحقوه ثم سار حتى قدم البطاح فلم يجد بها أحدا، وكان مالك بن نويرة قد فرقهم ونهاهم عن الاجتماع وقال: يا بني يربوع إنا دعينا إلي هذا الأمر، فأبطأنا عنه، فلم نفلح، وقد نظرت فيه فرأيت الأمر يتأتي لهم بغير سياسة وإذا الأمر لا يسوسه الناس فإياكم ومناوأة قوم صنع لهم فتفرقوا وأدخلوا في هذا الأمر فتفرقوا علي ذلك.
ولما قدم خالد البطاح بث السرايا وأمرهم بداعية الإسلام، وأن يأتوه بكل من لم يحب وإن امتنع أن يقتلوه، وكان قد أوصاهم أبو بكر أن يؤذنوا إذا نزلوا منزلا، فإن أذن القوم فكفوا عنهم، وإن لم يؤذنوا فاقتلوه وانهبوا وإن أجابوكم إلي داعية الإسلام فسائلوهم عن الزكاة، فإن أقروا فاقبلوا منهم، وإن أبوا فقاتلوهم.
قال: فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر من بني ثعلب بن يربوع فاختلفت السرية فيهم، وكان فيهم أبو قتادة فكان فيمن شهد أنهم قد أذنوا وأقاموا وصلوا، فلما اختلفوا أمر بهم فحبسوا في ليلة باردة لا يقوم لها شيء، فأمر خالد مناديا فنادى: ادفئوا أسراكم وهي في لغة كنانة القتل فظن القوم أنه أراد القتل ولم يرد إلا الدفء فقتلوهم فقتل ضرار بن الأزور مالكا. وسمع خالد الواعية فخرج وقد فرغوا منهم. فقال إذا أراد اللَّه أمرا أصابه، وتزوج خالد أم تميم امرأة مالك فقال عمر لأبي بكر: إن سيف خالد فيه رهق وأكثر عليه في ذلك، فقال: هيه يا عمر، تأول فأخطأ فارفع لسانك عن خالد، فإنّي لا أشيم سيفا سله اللَّه على الكافرين، وودى مالكا، وكتب إلي خالد أن يقدم عليه، ففعل ودخل عليه المسجد وعليه قباء وقد غرز في عمامته أسهما فقام إليه عمر(14/239)
فنزعها وحطمها، وقال قتلت امرأ مسلما، ثم نزوت علي امرأته، واللَّه لأرجمنك بأحجارك، وخالد لا يكلمه، يظن أن رأي أبي بكر مثله، ودخل علي أبي بكر فأخبره الخبر واعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه وعنفه في التزويج الّذي كانت عليه العرب من كراهة أيام الحرب فخرج، وعمر جالس فقال هلم إلي يا ابن أم سلمة فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه، فلم يكلمه وقيل: إن المسلمين لما غشوا مالكا وأصحابه ليلا أخذوا السلاح فقالوا: نحن المسلمين، فقال أصحاب مالك: ونحن المسلمين، فقالوا لهم: ضعوا السلاح، فوضعوه، ثم صلوا وكان يعتذر في قتله أنه قال: ما إخال صاحبكم إلا قال كذا وكذا، فقال له أو ما تعده لك صاحبا؟ ثم ضرب عنقه وقدم متمم بن نويرة على أبي بكر يطلب بدم أخيه ويسأله أن يرد عليهم سبيهم، فأمر أبو بكر برد السبي وودى مالكا من بيت المال.
ولما قدم على عمر قال له: ما بلغ بك الوجد على أخيك؟ قال بكيته حولا حتى أسعدت عيني الذاهبة عيني الصحيحة، وما رأيت نارا قط إلا كدت أنقطع أسفا عليه، لأنه كان يوقد ناره إلي الصبح مخافة أن يأتيه ضيف ولا يعرف مكانه، قال: فصفه لي، قال كان يركب الفرس الحرون، ويقود الجمل الثقال وهو بين المزادتين النضوختين في الليلة القرة وعليه شملة فلوت، معتقلا، رمحا خطلا، فيسري ليلته ثم يصبح وكأن وجهه فلقة قمر. قال: أنشدني بعض ما قلت فيه، فأنشد مرثيته التي يقول فيها:
وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
فقال عمر: لو كنت أقول الشعر لرثيت أخي زيدا، فقال متمم: ولا سواء يا أمير المؤمنين لو كان أخي صرع مصرع أخيك لما بكيته.
فقال عمر: ما عزائي أجد بأحسن مما عزيتني به، وفي هذه الوقعة قتل الوليد وأبو عبيدة ابنا عمارة بن الوليد وهما ابنا أخي خالد، لهما صحبة [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (الكامل في التاريخ لابن الأثير) : 2/ 357- 360.(14/240)
وأما سجاح بنت الحارث بن سويد ابن عقفان التميمية
قد أقبلت من الجزيرة وادعت النبوة، وكانت ورهطها في أخوالها من تغلب تقود أفناء ربيعة، معها الهزيل بن عمران في بني تغلب، وكان نصرانيا فترك دينه، وتبعها، وعقبة بن هلال في النمر، وزياد بن فلان أياد، والسليل ابن قيس في شيبان، فأتاهم أمر أعظم مما هم فيه لاختلافهم.
وكانت سجاح تريد غزو أبي بكر، فأرسلت إلي مالك بن نويرة تطلب الموادعة، فأجابها وردها من غزوها وحملها على أحياء من بني تميم، فأجابته وقالت: أنا امرأة من بني يربوع، فإن كان ملك فهو لكم. وهرب منها عطارد ابن حاجب وسادة بني مالك وحنظلة إلي بني العنبر، وكرهوا ما صنع وكيع وما صنع مالك بن نويرة، واجتمع مالك ووكيع وسجاح فسجعت لهم سجاح وقالت: أعدوا الركاب، واستعدوا للنهاب، ثم أغيروا علي الرباب فليس دونهم حجاب. فساروا إليهم، فلقيهم حنبة وعبد مناة فقتل بينهم قتلى كثيرة وأسر بعضهم من بعض ثم تصالحو، وقال قيس بن عاصم شعرا ظهر فيه ندمه على تخلفه عن أبي بكر بصدقته. ثم صارت سجاح في جنود الجزيرة حتى بلغت النياح، فأغار عليهم أوس بن خزيمة الهجيمي في بني عمرو فأسر الهزيل وأعتقه، ثم اتفقوا على أن يطلق أسرى سجاح ولا يطأ أرض أوس ومن معه.
ثم خرجت سجاح في الجنود وقصدت اليمامة وقالت: عليكم باليمامة، ودفوا دفيف الحمامة، فإنّها غزوة حرامه، لا يلحقكم بعدها ملامة. فقصدت ابن حنيفة، فبلغ ذلك مسيلمة فخاف إن هو شغل بها أن يغلب ثمامة وشرحبيل بني حسنة والقبائل التي حولهم على حجر، وهي اليمامة، فأهدى لها ثم أرسل إليها يستأمنها علي نفسه حتى يأتيها، فأمنته، فجاءها في أربعين من بني حنفية فقال مسيلمة: لنا نصف الأرض وكان لقريش نصفها لو عدلت، وقد رد اللَّه عليك النصف الّذي ردت قريش.
وكان مما شرع لهم أن من أصاب ولدا واحدا ذكرا لا يأتي النساء يموت ذلك الولد فيطلب الولد حتى يصيب ابنا ثم ينسك، وقيل: بل تحصن منها،(14/241)
فقالت له: انزل، فقال لها: أبعدي أصحابك ففعلت، وقد ضرب لها قبة وجحرها لتذكر بطيب الريح الجماع، واجتمع بها فقالت له: ما اوحي إليك ربك؟ فقال ألم تر إلي ربك كيف فعل بالحبلى، أخرج منها نسمة تسعى بين صفاق وحشي. قالت: وماذا أيضا؟ قال: إن اللَّه خلق النساء أفواجا، وجعل الرجال لهن أزواجا، فتولج فيهن قعسا إيلاجا، ثم تخرجها إذا تشاء إخراجا، فينتجن لنا سخالا إنتاجا. قالت: أشهد أنك نبي. قال هل لك أن أتزوجك وآكل بقومي وقومك العرب؟ قالت: نعم. قالت: بذلك أوحي إلي فأقامت عنده ثلاثا ثم انصرف إلي قومها، فقالوا لها: ما عندك؟ قالت: كان علي الحق فتبعته وتزوجته. قالوا: هل أصدقك شيئا؟ قالت: لا. قالوا: فارجعي فاطلبي الصداق، فرجعت. فلما رآها أغلق باب الحصن وقال: ما لك؟ قالت:
أصدقني. قال: من مؤذنك؟ قالت: شبث بن ربعي الرياحي، فدعاه وقال له: ناد في أصحابك أن مسيلمة رسول اللَّه قد وضع عنكم صلاتين مما جاءكم به محمد: صلاة الفجر وصلاة العشاء الآخرة.
فانصرفت ومعها أصحابها، منهم: عطارد بن حاجب وعمرو بن الأهتم وغيلان بن خرشة وشبث بن ربعي، فقال عطارد بن حاجب:
أمست نبيتنا أنثى نطوف بها ... وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا
وصالحها مسيلمة على غلات اليمامة سنة تأخذ النصف وتترك عنده من يأخذ النصف، فأخذت النصف وانصرفت إلي الجزيرة وخلقت الهذيل وعقة وزيادا لأخذ النصف الباقي، فلم يفاجئهم إلا دنو خالد إليهم فارفضوا.
فلم تزل سجاح في تغلب حتى نقلهم معاوية عام الجماعة وجاءت معهم وحسن إسلامهم وإسلامها، وانتقلت إلي البصرة وماتت بها وصلي عليها سمرة ابن جندب وهو على البصرة لمعاوية قبل قدوم عبيد اللَّه بن زياد من خراسان وولايته البصرة.
وقيل: إنها لما قتل مسيلمة سارت إلي أخواله تغلب بالجزيرة فماتت عندهم ولم يسمع لها ذكر [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (الكامل لابن الأثير) : 2/ 354- 357.(14/242)
وأما ردة الأشعث بن قيس بن معديكرب
ابن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة بن عفير بن الحارث بن مرة بن أزد بن زيد يستحث بني عدي بن مهد بن كهلان بن سبإ بن يعرب بن قحطان الكندي، فإنه كان مطاعا في الجاهلية يقوم بأمر كندة، فارتد فيمن ارتد وخرج في بني الحارث ابن معاوية إلي المحاجر ونزل محجرا وقد طابقت معاوية كلها على منع الصدقة وأجمعوا على الردة إلا قليلا، فجمع بني الحارث بن معاوية، وبني عمرو بن معاوية، ومن أطاعه من السكاسك وغيرهم فانضم المهاجر بن أبي أمية إلي زياد بن لبيد، فكانت وقعة بينهم وبين كندة، وعليهم الأشعث بمحجر الزرقان، فانهزمت كندة إلي الجحيم فقدم عكرمة بن أبي جهل على المهاجر وزياد، وحصروا المير وقطعوا المواد عنه، ثم اقتتلوا حتى كثرت القتلى، فخرج الأشعث إلي عكرمة بأمان فأرسله المهاجر إلي أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- فعفا عنه.
وأما الحكم بن ضبيعة أخو بني قيس بن ثعلبة
فإنه خرج لما مات النبي صلى اللَّه عليه وسلم في من اتبعه من بكر بن وائل فاجتمع إليه من غير المرتدين ممن لم يزل مشركا حتى نزل القطيف وهجر واستغووا الخط ومن بها من الزط والسبابجة وبعث بعثا إلي دارين وبعث إلي جواثا فحصر المسلمين فاشتد الحصر علي من بها، فقال عبد اللَّه بن حذف وقد قتلهم الجوع:
ألا أبلغ أبا بكر رسولا ... وفتيان المدينة أجمعينا
فهل لكم إلي قوم كرام ... تعود في جواثا محصرينا
كأن دماؤهم في كل فج ... شعاع الشمس يغشى الناظرينا
توكلنا علي الرحمن إنا ... وجدنا النصر للمتوكلينا(14/243)
وكان سبب استنفاذ العلاء بن الحضرميّ من إياهم أن أبا بكر كان قد بعثه علي قتال أهل الردة بالبحرين فلما كان بحيال اليمامة لحق به ثمامة بن أثال الحنفي أيضا لحقه في مثل عدته فسلك الدهناء حتى إذا كانوا في بحبوحتها نزل وأمر الناس بالنزول في الليل فنفرت إبلهم بأحمالها فما بقي عندهم بعير ولا زاد ولا ماء فلحقهم من الغم ما لا يعلمه إلا اللَّه وأوصي بعضهم بعضا فدعاهم العلاء فاجتمعوا إليه فقال: ما هذا الّذي غلب عليكم من؟ الغم فقالوا كيف نلام ونحن إن بلغنا غدا لم تحم الشمس حتى نهلك فقال لن تراعوا أنتم المسلمون وفي سبيل اللَّه وأنصار اللَّه فأبشروا فو اللَّه لن تأخذوا فلما صلوا الصبح دعا العلاء ودعوا معه فلمع لهم الماء فمشوا إليه وشربوا واغتسلوا فما تعالي النهار حتى أقبلت الإبل تجمع من كل وجه فأناخت إليهم فسقوها وكان أبو هريرة فيهم فلما ساروا عن ذلك المكان قال لمنجاب بن راشد كيف علمك بموضع الماء؟ قال عارف به فقال له كن معي حتى تقيمني عليه قال فرجعت به إلي ذلك المكان فلم نجد إلا غدير الماء فقلت له واللَّه لولا الغدير لأخبرتك أن هذا هو المكان وما رأيت بهذا المكان ماء قبل اليوم، وإذا إداوة مملوة ماء فقال أبو هريرة هذا وللَّه المكان ولهذا رجعت بك وملأت إدواتي تم وضعتها على شفير الغدير وقلت: إن كان منا من المن عرفته وإن كان عنا عرفته فإذا من من المن فحمد اللَّه ثم ساروا فنزلوا بهجر وأرسل العلاء إلي الجارود يأمره أن ينزل بعبد القيس على الحطم مما يليه وسار هو فيمن معه حتى نزل عليه مما يلي هجر فاجتمع المشركون إلي العلاء وخندق المسلمون علي أنفسهم والمشركون وكانوا يتراوحون القتال ويرجعون إلي خندقهم فكانوا كذلك شهرا فبينما هم كذلك سمع المسلمون ضوضاء هزيمة أو قتال فقال العلاء من يأتينا بخبر القوم فقال عبد اللَّه بن حذف أنا فخرج حتى دنا من خندقهم فأخذوه وكانت أمه عجيلة فجعل ينادي يا أبجراه فجاء أبجر بن بحير فعرفه فقال ما شأنك؟
فقال علام أقبل وحولي عساكر من عجل وتيم اللات وغيرهما؟ فخلصه فقال له واللَّه إني لأظنك بئس بن أخت أتيت الليلة أخوالك، فقال دعني من هذا وأطعمني فقد مت جوعا فقرب له طعاما فأكل ثم قال زودني واحملني يقول هذا الرجل قد غلب عليه السكر فحمله علي بعير وزوده وجوزه فدخل عسكر المسلمين(14/244)
فأخبرهم ان القوم سكارى فخرج المسلمون عليهم فوضعوا فيهم السيف كيف شاءوا وهرب الكفار فمن بين متردد وناج ومقتول ومأسور، واستولي المسلمون على العسكر ولم يفلت رجل إلا بما عليه فأما أبجر فأفلت، وأما الحكم فقتل قتله قيس بن عاصم بعد أن قطع عفيف بن المنذر التميمي رجله وطلبهم المسلمون فأسر عفيف بن المنذر النعمان بن المنذر الغرور فأسلم وأصبح العلاء فقسم الأنفال ونفل رجالا من أهل البلاء ثيابا فأعطى ثمامة بن أثال الحنفي خميصة ذات أعلام كانت للحكم يباهي بها، فلما رجع ثمامة بعد فتح دارين رآها بنو قيس بن ثعلبة: فقالوا له أنت قتلت الحطم؟ فقال لم أقتله ولكني اشتريها من المغنم فوثبوا عليه فقتلوه [ (1) ] .
وأما ردة جبلة بن أبي المنذر بن الأيهم بن الحارث
وهو جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث بن أبي شمر واسمه المنذر بن الحارث وهو ابن مارية ذات القرطين وهو ابن ثعلبة بن عمرو بن جفنة واسمه كعب أبو عامر بن حارثة بن امرئ القيس ومارية بنت أرقم بن ثعلب بن عمرو ابن جفنة ويقال غير ذلك في نسبه وكنيته جبلة أبو المنذر الغساني الجفني وكان ملك غسان وهم نصارى العرب أيام هرقل وغسان أولاد عم الأنصار أوسها وخزرجها وكان جبلة آخر ملوك غسان فكتب إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كتابا مع شجاع بن وهب يدعوه إلي الإسلام فأسلم وكتب بإسلامه إلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقال ابن عساكر: إنه لم يسلم قط وهكذا صرح به الواحدي وسعيد بن عبد العزيز وقال الواقدي: شهد اليرموك مع الروم أيام عمر بن الخطاب ثم أسلم بعد ذلك في أيام عمرو فاتفق أنه وطء رداء رجل من مزينة بدمشق فلطمه ذلك المزني فدفعه أصحاب جبلة إلي أبي عبيدة فقالوا: هذا لطم جبلة قال أبو عبيدة فيلطمه جبلة فقالوا: أوما يقتل؟ قال: لا، قالوا: فكنا تقطع يده؟ قال لا إنما
__________
[ (1) ] (الكامل في التاريخ لابن الأثير) : 2/ 368- 370.(14/245)
أمر اللَّه بالقود فقال جبلة أترون أني جاعل وجهي بدلا لوجه مازني جاء من ناحية المدينة؟ بئس الدين هذا ثم ارتد نصرانبا وترحل بأهله حتى دخل أرض الروم فبلغ ذلك عمر فشق عليه وقال لحسان إن صديقك جبلة ارتد عن الإسلام فقال إنا للَّه: وإنا إليه راجعون ثم قال: ولم؟ قال لطمة رجل من مزينة فقال وحق له فقام إليه عمر بالدرة فضربه ورواه الواقدي عن معمر وغيره عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عباس ساق ذلك بأسانيده إلي جماعة من الصحاب وهذا القول هو أشهر الأقوال وقد روى ابن الكلبي وغيره أن عمر لما بلغه إسلام جبلة فرح بإسلامه ثم بعث يستدعيه ليراه بالمدينة وقيل: بل استأذنه جبلة في القدوم عليه فأذن له فركب في خلق كثير من قومه قيل مائة وخمسين راكبا وقيل خمسمائة وتلقته هدايا عمر ونزله قبل أن يصل إلي المدينة بمراحل وكان يوم دخوله يوما مشهودا دخلها وقد ألبس خيوله قلائد الذهب والفضة ولبس تاجا على رأسه مرصعا باللآلئ والجواهر، وفيه قرطا مارية جدته.
وخرج أهل المدينة رجالهم ونساؤهم ينظرون إليه فلما سلم علي عمر رحب به عمر وأدنى مجلسه، وشهد الحج مع عمر في هذه السنة فبينما هو يطوف بالكعبة إذ وطء إزاره رجل من بني فزارة فانحل فرفع جبلة يده فهشم أنف ذلك الرجل ومن الناس من يقول إنه قلع عينه فاستعدى عليه الفزاري إلي عمر ومعه خلق كثير من بني فزارة فاستحضره عمر فاعترف جبلة فقال له عمر اقتدته منك فقال كيف وأنا ملك وهو سوقة؟ فقال إن الإسلام جمعك وإياه فلست تفضله إلا بالتقوى. فقال جبلة: قد كنت أظن أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية. فقال عمر: دع ذا عنك فإنك إن لم ترض الرجل اقتدته منك فقال: إذا أتنصر. فقال: إن تنصرت ضربت عنقك. فلما رأى الحد قال: سأنظر في أمري هذه الليلة فانصرف من عند عمر. فلما أدلهم الليل ركب في قومه ومن أطاعه، فسار إلي الشام ثم دخل الروم ودخل علي هرقل في مدينة القسطنطينية فرحب به هرقل وأقطعه بلادا كثيرة وأجرى عليه أرزاقا جزيلة. وأهدى إليه هدايا جميلة. وجعله من سمّاره فمكث عنده دهرا وقال الواقدي: شهد اليرموك مع الروم أيام عمر بن الخطاب ثم أسلم بعد ذلك في أيام عمر. فاتفق أنه وطء رداء رجل من مزينة بدمشق فلطمه ذلك المزني فدفعه أصحاب جبلة إلي أبي عبيدة فقالوا:(14/246)
هذا لطم جبلة، قال أبو عبيدة، فيلطمه جبلة، فقالوا: أوما يقتل؟ قال لا قالوا فما تقطع يده؟ قال لا إنما أمر اللَّه بالقود، فقال جبلة أترون أني جاعل وجهي بدلا لوجه مازني جاء من ناحية المدينة؟ بئس الدين هذا ثم ارتد نصرانبا وترحل بأهله حتى دخل أرض الروم فبلغ ذلك عمر فشق عليه وقال لحسان إن صديقك جبلة ارتد عن الإسلام فقال إنا للَّه وإنا راجعون، ثم قال ولم؟ قال لطمة رجل من مزينة فقال وحق له، فقام إليه عمر بالدرة فضربه ورواه الواقدي عن معمر وغيره عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عباس ساق ذلك بأسانيده إلي جماعة من الصحابة، وهذا القول هو أشهر الأقوال وقد روى ابن الكلبي وغيره أن عمر لما بلغه إسلام جبلة فرح بإسلامه ثم بعث يستدعيه ليراه بالمدينة وقيل: بل استأذنه جبلة في القدوم عليه فأذن له فركب في خلق كثيرة من قومه قيل: مائة وخمسين راكبا. وقيل: خمسمائة وتلقته هدايا عمر ونزله قبل أن يصل إلي المدينة بمراحل وكان يوم دخوله يوما مشهودا دخلها وقد ألبس خيوله قلائد الذهب والفضة ولبس تاجا على رأسه مرصعا باللآلي والجواهر وفيه قرطا مارية جدته وخرج أهل المدينة رجالهم ونساؤهم ينظرون إليه فلما سلم علي عمر رحب به عمرو أدنى مجلسه وشهد الحج مع عمر في هذه السنة، فبينما هو يطوف بالكعبة إذ وطء إزاره رجل من بني فزارة فانحل فرفع جبلة يده فهشم أنف ذلك الرجل! ومن الناس من يقول إنه قلع عينه فاستعدى عليه الفزاري إلي عمر ومعه خلق كثير من بني فزارة فاستحضر عمر فاعترف جبلة فقال له عمر أقتد منه فقال كيف وأنا ملك وهو سوقة؟ فقال إن الإسلام جمعك وإياه فلست تفضله إلا بالتقوى فقال جبلة قد كنت أظن أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية فقال عمر دع ذا عنك فإنك إن لم ترض الرجل اقتدته منك فقال إذا أتنصر! فقال إن تنصرت ضربت عنقك فلما رأى الحد قال سأنظر في أمري هذه الليلة فانصرف من عند عمر فلما أدلهم الليل ركب في قومه ومن أطاعه فسار إلي الشام ثم دخل الروم ودخل علي هرقل في مدينة القسطنطينية فرحب به هرقل وأقطعه بلادا كثيرة وأجرى عليه أرزاقا جزيلة وأهدى إليه هدايا جميلة وجعله من سماره فمكث عنده دهرا ثم إن عمر كتب كتابا إلي هرقل مع رجل يقال له جثامة بن مساحق الكناني. فلما بلغ(14/247)
هرقل كتاب عمر بن الخطاب قال له هرقل: هل لقيت ابن عمك جبلة؟ قال:
لا قال فألقه فذكر اجتماعه به وما هو فيه من النعمة والسرور والحبور الدنيوي في لباسه وفرشه ومجلسه وطيبه وجواريه حواليه حسان من الخدم والقيان ومطعمه وشرابه وسروره وداره التي تعوض بها عن دار الإسلام وذكر انه دعاه إلي الإسلام والعود إلي الشام فقال أبعد ما كان مني من الارتداد؟ فقال نعم إن الأشعث بن قيس ارتد وقاتلهم بالسيوف ثم لما رجع إلي الحق منه وزوجه الصديق بأخته أم فروة قال فتلهى عنه بالطعام والشراب وعرض عليه الخمر فأبي عليه وشرب جبلة من الخمر شيئا كثيرا حتى سكر ثم أمر جواريه المغنيات فغنينه بالعيدان من قول حسان بن ثابت فينا وفي ملكنا وفي منازلنا بأكناف غوطة دمشق قال سكت طويلا ثم قال لهن أبكينني فوضعن عيدانهن ونكسن رءوسهن وقلن:
تنصرت الأشرف من عار لطمة ... وما كان لو صبرت لها ضرر
تكنفني فيها اللجاج ونخوة ... وبعت بها العين الصحيحة بالعور
فيا ليت أمي لم تلدني وليتني ... رجعت إلي القول الّذي قاله عمر
وياليتني أرعى المخاض بقفرة ... وكنت أسيرا في ربيعة أو مضر
وياليت لي بالشام أدنى معيشة ... أجالس قومي ذاهب السمع والبصر
أدين بما دانوا به من شريعة ... وقد يصبر العود الكبير على الدبر
قال فوضع يده على وجهه فبكى حتى بل لحيته بدموعه وبكيت معه ثم أستدعي بخمسمائة دينار هرقلية فقال خذ هذه فأوصلها إلي حسان بن ثابت وجاء بأخرى فقال خذ هذه لك فقلت لا حاجة لنا فيها ولا أقبل منك شيئا وقد ارتددت عن الإسلام فيقال إنه أضافها إلي التي لحسان فبعث بألف دينار هرقلية ثم قال له أبلغ عمر بن الخطب مني السلام وسائر المسلمين فلما قدمت على عمر أخبرته فقال ورأيته يشرب الخمر؟ قلت: نعم قال: أبعده اللَّه تعجل فانية بباقية فما ربحت تجارته، ثم قال وما الّذي وجه به لحسان؟ قلت خمسمائة دينار هرقلية فدعا حسانا فدفعها إليه فأخذها وهو يقول:
إن ابن جفنة من بقية معشر ... لم يغرهم آباؤهم باللوم
لم ينس بالشام إذ هو ربها ... كلا ولا منتصرا بالروم(14/248)
يعطي الجزيل ولا يراه عنده ... إلا كبعض عطية المحروم
وأتيته يوما فقرب مجلس ... وسقى فرواني من المذموم
ثم لما كان في هذه السنة من أيام معاوية بعث معاوية عبد اللَّه بن مسعدة الفزاري رسولا إلي ملك الروم فاجتمع بجبلة بن الأيهم فرأى ما هو فيه من السعادة الدنيوية والأموال من الخدم والحشم والذهب والخيول فقال له جبلة لو أعلم أن معاوية يقطعني أرض البثينة فإنّها منازلها وعشرين قرية من غوطة دمشق ويفرض لجماعتنا ويحسن جوائزنا لرجعت إلي الشام فأخبر عبد اللَّه بن مسعدة معاوية بقوله فقال معاوية: أنا أعطيه ذلك وكتب إليه كتابا مع البريد بذلك فما أدركه البريد إلا وقد مات قبحة اللَّه وذكر أكثر هذه الأخبار الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي في المنتظر وأرخ وفاته هذه السنة أعني سنة ثلاث وخمسين وقد ترجمه الحافظ ابن عساكر في تاريخه فأكال الترجمة وأفاد ثم قال في آخرها بلغني أن جبلة توفي في خلافة معاوية بأرض الروم بعد سنة أربعين من الهجرة [ (1) ] .
وذكر ابن سعد أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كتب إلي جبلة بن الأيهم ملك غسان يدعوه إلي الإسلام، فأسلم وكتب بإسلامه إلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأهدى له هدية ولم يزل مسلما حتى كان في زمان عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فبينما هو في سوق دمشق إذ وطئ رجلا من مزينة، فوثب المزني فلطمه، فأخذ وانطلق به إلي أبي عبيدة الجراح، فقالوا: هذا لطم جبلة، قال: فليطمه، قالوا: وما يقتل؟ قال: لا قالوا: فما تقطع يده قال:
لا، إنما أمر اللَّه- تبارك وتعالي- بالقود، قال جبلة: أو ترون إني جاعل وجهي ندا لوجه جدي جاء من عمق! بئس الدين هذا: ثم ارتد نصرانيا وترحل بقومه حتى دخل أرض الروم، فبلغ ذلك عمر فشق عليه وقال لحسان ابن ثابت: أبا الوليد، أما علمت ان صديقك وجبلة بن الأيهم ارتد نصرانيا؟
قال: إنا للَّه وإنا إليه راجعون قال، ولم؟ قال: لطمة رجل من مزينة،
__________
[ (1) ] (البداية والنهاية) : 8/ 69- 72.(14/249)
قال: وحق له، فقام إليه عمر بالدرة فضربه بها [ (2) ] قال الدولابي: لما قتل أهل الردة فسارعوا إلى الدخول في الإسلام فخيرهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بين خطة مخزية أو حرب مجلية، فاختاروا المخزية، وهي أن يشهدوا على قتلاهم أنهم في النار، وقتلى المسلمين في الجنة. وما أصابوا من أموال المسلمين ردوه، وما أصاب المسلمون لم يردوه، وأن يدو قتلى المسلمين ولا يدو قتلاهم وأن يأخذ منهم الحلقة ولكراع، فلما ولي عمر ابن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إنه لقبيح بالعرب أن يملك بعضهم بعضا وقد وسع اللَّه واستثار في سبايا العرب في الجاهلية وفي الإسلام أيام الردة إلا امرأة ولدت وجعل فداء كل إنسان سبعة أبعرة وستة، وإلا حنيفة وكندة خفف عنهم، وقال: لا ملك على عربي، وأجمع عليه المسلمون. وبقي في قريش بعد ما ندي السبي عدة.
وأما إنذاره صلى اللَّه عليه وسلم بسوء عاقبة الرجّال بن عنفوة فشهد لمسيلمة وقاتل معه حتى قتل
وقد كان الرجال هذا وقد وفد إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وقرأ البقرة، وجاء زمن الردة إلى أبي بكر فبعثه إلى أهل اليمامة يدعوهم إلى اللَّه ويثبتهم على الإسلام، فارتد مع مسيلمة وشهد له بالنّبوّة
قال سيف بن عمر عن طلحة عن عكرمة عن أبى هريرة: كنت يوما عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم في رهط معنا الرجال بن عنفوة، فقال:
أن فيكم لرجلا ضرسه في النار أعظم من أحد،
فهلك القوم وبقيت أنا والرجال وكنت متخوفا لها، حتى خرج الرجال مع مسيلمة وشهد بالنّبوّة، فكانت فتنة الرجال أعظم من فتنة مسيلمة، رواه إسحاق عن شيخ، عن أبي هريرة، وقرب خالد وقد جعل على المقدمة شرحبيل بن حسنة، وعلى المجنبتين زيدا وأبا حذيفة، وقد مرت المقدمة في الليل بنحو من أربعين ظن وقيل ستين فارسا عليهم مجاعة بن مرارة، وكان قد ذهب لأخذ ثأر له في بنى تميم وبنى عامر
__________
[ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 265.(14/250)
وهو راجع إليه فلم يصدقهم، وأمر بضرب أعناقهم كلهم، سوى مجاعة فإنه استبقاه مقيدا عنده- لعلمه بالحرب والمكيدة- وكان سيدا في بني حنيفة، شريفا مطاعا، ويقال: إن خالدا لما عضوا عليه قال لهم: ماذا تقولون يا بني حنيفة؟ قالوا: نقول منا نبي ومنكم نبي، فقتلهم غلا واحدا واسمه سارية، فقال له، أيها الرجل إن كنت تريد عدا بعدول هذا خيرا أو شرا فاستبق هذا الرجل- يعني مجاعة بن مرارة- فاستبقاه خالد مقيدا، وجعله في الخيمة، مع امرأته، وقال: استوصي به خيرا، فلما تواجه الجيشان قال مسيلمة لقومه:
اليوم يوم الغيرة، اليوم إن هزمتم تستنكح النساء سبيات، وينكحن غير حظيات فقاتلوا عن أحسابكم وامنعوا نساءكم، وتقدم المسلمون حتى نزل بهم خالد علي كثيب يشرف على اليمامة، فضرب به عسكره ورواية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة، وراية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماسي، والعرب على راياتها، ومجاعة بن مرارة مقيد في الخيمة مع أم تميم امرأة خالد، فاصطدم المسلمون والكفار فكانت جولة وانهزمت الأعراب حتى دخلت بنو حنيفة خيمة خالد بن الوليد وهموا بقتل أم تميم، حتى أجارها مجاعة وقال: نعمت الحرة هذه، وقد قتل الرجال بن عنفوة لعنة اللَّه في هذه الجولة، قتله زيد بن الخطاب [ (1) ] .
وأما أن لعنته صلى اللَّه عليه وسلم أدركت الملوك الأربعة وأختهم
فقال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، عن صفوان بن عمرو قال:
حدثني شرحبيل بن عبيد، عن عبد الرحمن بن عائذ الأزردي، عن عمرو بن عبسة، قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعرض خيلا يوما وعنده عيينة بن حصن الفزاري، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أنا أعلم بالخيل منك، فقال عيينة: وأنا أفرس بالرجال منك، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: وكيف ذاك؟ قال خير الرجال
__________
[ (1) ] (البداية والنهاية) : 6/ 356.(14/251)
يحملون سيوفهم على عوائقهم جاعلين على رماحهم على مناسج خيولهم، لابسو البرود من أهل نجد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذبت، بل خير الرجال رجال أهل اليمن، والإيمان يمان إلي لخم وجذام وعاملة ومأكول خمير خير من آكلها وحضرموت خير من بني الحارث بن كندة، وقبيلة خير من قبيلة، شر من قبيلة.
واللَّه ما أبالي أن يهلك الحارثان كلاهما لعن اللَّه الملوك الأربعة: جمداء، وفحوساء، ومشرخاء، وأبضعة. وأختهم العمردة.
ثم قال: أمني ربي ان ألعن قريشا مرتين، فلعنتهم، وأمرني أن أصلي عليهم مرتين، فصليت عليهم مرتين، ثم قال: عصية عصت اللَّه ورسوله غير قيس وجعدة وعصية، ثم قال: لأسلم وغفار ومزينة وأخلاطهم من جهينة خير من بني أسد وتميم وغطفان وهوازن عند اللَّه عز وجل يوم القيامة، ثم قال: شر قبيلتين في العرب نجران وبنو تغلب، وأكثر القبائل في الجنة مذحج مأكول [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 5/ 524- 525، وحديث رقم (18951) ، (18952) ، من حديث عمرو بن عبسة.(14/252)
وخرجه أيضا من حديث زهران بن معاوية
حدثنا يزيد بن جابر، عن رجل عن عمرو بن عبسة فذكر نحوه باختصار وفيه: وأنا يمان وحضرموت خير من بني الحارث وما أبالي يهلك الحيان [ (2) ] كلاهما. فلا قيل ولا ملك إلا للَّه عز وجل.
وذكر سيف في كتاب (الردة) أن المهاجر بن أبي أمية لما ذرع من نجران وأوثق عمرو بن معديكرب وقيس بن عبد يغوث وبعث بهما إلي أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- سار إلي اللحجبة العنسيّ ومعه زياد بن لبيد فما زال زياد بحضرموت والسكون حتى سكن بعضهم عن بعض بعد ما نادوا بمنع الصدقة. فخرج بنو عمرو بن معاوية إلي المحاجر ونزل حمد محجرا ومسرح محجرا وبضعة محجرا وأختهم العمردة محجرا وكانوا رؤساء على بني عمرو بن معاوية ونزلت بنو الحارث بن معاوية محاجرها فنزل الأشعث بن قيس منزلا محجي ولسمط بن الأسود محجرا وطابقت معاوية كلها على منع الصدقة وأجمعوا على الردة إلا شرحبيل بن السمط وابنه فإنّهما خرجا إلي زياد بن لبيد في آخرين وجمعوا جمعهم وطرقوا معاوية في محاجرهم وأكبوا على بني عمرو بن معاوية وهم عند القوة وشوكتهم من خمسة أوجه في خمس فرقا، فأصابوا مشرحاء وفحوساء وأبضعه وأختهم العمردة أدركتهم اللعنة وقتلوا فأكثروا واقترب من الطاق الهرب وذهبت بنو عمرو بن معاوية فلم يأتوا لخير بعدها. واكتفي زياد بالسبي والأموال يريد الأشعث بن قيس.
ويقال: إن العمردة كانت تأتي المؤمنين فتركلهم برجلها.
__________
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (18956) .(14/253)
وخرجه الحاكم [ (1) ] من حديث ابن وهب
أخبرني معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن عابد الأزردي، عن عائذ، عن عمرو بن عبسة فذكره بنحو أو قريب منه، ثم قال القرد بن الحرث: محوس ومشرح، وجحح وأبضعة بنو معديكرب بن وليعة بن شرحبيل بن حجر القرد وهم الملوك الأربعة كانوا قد وفدوا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم ارتدوا فقتلوا يوم البخير وسموا ملوكا لأنه كان لكل واحد منهم واد يملكه بما فيه قال: ومسرون بن الحالبي بن معديكرب قتل يوم النحير. ولهم تقو ادنا نحير يا عين بكى للملوك الأربعة. محوس. ومشرح. وحمد. وابضعة، والخالتي انني لن ادعه. وقال: في الجمهرة وهو كتاب كندة لخالتي وهو باطل والفحيح الخالي بن معديكرب.
وفي (أخبار الردة) أن زياد بن لبيد كان على صدقات بني معاوية فوسم ناقة لرجل لم تكن عليه صدقة، فأتاه أخوه فقال: خذ مكان الناقة جملا، فلا صدقة على أخي فرأى زياد أنه اعتلال واتهمه بالكفار فقال قد وسمت ولا ترد، فنادى صاحب الناقة أبا الرياض اصام الدليل من أكل في داره. فأتي حارثة بن سراقة فقال: أطلق بكرة الفتي وخذ بعيرا مكانها فأبي. فأطلق حارثة عقالها فأمر به زياد بن لبيد فأخذ، وكتف هو وأصحابه فغضب بنو حارثة وغضب السكون وحضرموت لزياد، وعسكر فوافاهم زياد وخلي عن حارثة وأصحابه فلما رجعوا دمروهم، ثم خرج بنو عمرو بن معاوية خصوصا إلي المحاجر وهي أحماء حموها فنزل جمد ومخوص. ومشرح وأبضعة والعمردة، والمحاجر ونزل الأشعث بن قيس الكندي محجرا، فارتدوا إلا شرحبيل بن السمط وابنه، فيتهم زياد بن لبيد فقتل مشرحا ومخوصا وجمدا وأبضعة والعمردة أختهم وأدركتهم اللعنة، وأخذ زياد بالسبي والأموال علي عسكر
__________
[ (1) ] المستدرك: 4/ 91، كتاب معرفة الصحاب، ذكر فضيلة أسلم، وغفار، ومزينة، وغيرهم، حديث رقم (6979) ، قال الحاكم: هذا حديث غريب المتن، صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح غريب.(14/254)
الأشعث بن قيس، فاستغاثوه فتقدمهم، وعلم أن زياد بن لبيد لا يقلع عنه فنجا الأشعث إلي النحير بعد أن هزم فأتي المهاجر بن أبي أمية وزياد بن لبيد وعكرمة بن أبي جهل، فاستأمن لنفسه وعلي تسعة من قبل أن يفتح الباب، فكتب التسعة ونسي نفسه، وفتح الباب فقتلت المقاتلة وسرح من كان في الكتاب.
وقال المهاجر بن أبي أمية للأشعث أخطأك نوؤك يا عدوّ اللَّه، قد كنت اشتهي ان تخزى وأوثقه وبعثه إلي أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- فكان، يلعنه المسلمون والسبي وسموه غرف النار، وهو اسم الغادر، ولما وصل إلي أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أراد قتله، فقال: أنا أرضيت لقوم كيما يحل دمي؟ قال: نعم، قال: إنما وجب الصلح بعد الختم فخشي القتل، فقال: احتسب في خيرا أو اقتلني، ورد عليّ زوجتي وكان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- زوجة أخته أم فروة، فقبل منه ورد عليه أهله، ولم يكن قد بني بها، واللَّه تبارك وتعالي أعلم.(14/255)
وأما إجابة اللَّه تعالي دعاء رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في مجيء ثمامة بن أثال بن النعمان بن مسلمة بن عبيد ابن ثعلبة بن يربوع بن الدؤل بن حنيفة الحنفي [ (1) ]
__________
[ (1) ]
أبو أمامة اليمامي، حديثه في البخاري من طريق سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: بعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل بني حنيفة: ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أطلقوا ثمامة، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل ثم دخل المسجد، فقال: أشهد ان لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه.
وأخرجه أيضا مطولا، ورواه ابن إسحاق في المغازي، عن سعيد المقبري مطولا، وأوله:
ثمامة كان عرض لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأراد قتله، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ربه أن يمكنه منه، فلما أسلم قدم مكة معتمرا، فقال: والّذي نفسي بيده، لا تأتيكم حبة من اليمامة- وكانت ريف أهل مكة- حتى يأذن فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وذكر أيضا ابن إسحاق أن ثمامة ثبت على إسلامه لما ارتد أهل ليمامة، وارتحل هو ومن أطاعه من قومه، فلحقوا بالعلاء الحضرميّ، فقاتل معه المرتدين من أهل البحرين، فلما ظفروا اشتري ثمامة حلة كانت لكبيرهم فرآها عليه ناس من بني قيس بن ثعلبة، فظنوا أنه هو الّذي قتله وسلبه فقتلوه.
وروى ابن منك من طريق علباء بن أحمد عن عكرمة، عن ابن عباس قصة إسلام ثمامة ورجوعه إلى اليمامة ومنعه عن قريش المبرة، ونزول قوله تعالي: وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ [المؤمنون: 76] وإسناده حسن.
وله مقام في الردة، وفي الإنكار علي بني حنيفة أبيات، منها:
أهم بترك القول ثم يردني ... إلي القول إنعام النبي محمد
شكرت له فكي من الغل بعد ما ... رأيت خيالا من حسام مهند
وكان ثمامة حين أسلم قال: يا رسول اللَّه، واللَّه لقد قدمت عليك وما علي وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، ولا دين أبغضن إلي دينك، ولا بلد أبغض إلي من بلدك، وما أصبح على وجه الأرض وجه أحبّ إلى من وجهك، ولا دين أحبّ من دينك، ولا بلد أحب إلي من بلدك.(14/256)
فقال سيف: عن طلحة، عن عكرمة قال: كان من حديث ثمامة بن أثال وسبب إسلامه أن ثمامة كان يتعرض لرسل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يخيف طريقهم، وكان المنذر بن ساوي والي قبائل ممن حولهم، فأخذه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فهم بقتله فخلصه عامر بن مسلمة، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اللَّهمّ أمكني ثمامة بغير عهد ولا عقد.
فلما كان الحج خرج ثمامة حاجا. وخرج رجل من مكة يريد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فضل ثمامة، فلما دنا من المدينة لقيه ذلك الرجل فتساءلا، فأخذه الرجل، فقال ثمامة: الحمد للَّه إذ رماني بخليل ولم يرمني برفيق، ما أبالي متى بت، فانتهي به إلي المدينة، فأتي به إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ما أبالى ميتي بت، فانتهي به إلي المدينة، فأتي به إلي النبي فقال: أنت سيد أهل اليمامة يا
__________
[ () ] وقال محمد بن إسحاق: ارتد أهل اليمامة عن الإسلام غير ثمامة بن أثال ومن اتبعه من قومه، فكان مقيما باليمامة ينهاهم عن اتباع مسيلمة وتصديقه، ويقول: إياكم وأمرا مظلما لا نور فقيه، وإنه لشقاء كتبه اللَّه عز وجل على من أخذ به منكم، وبلاء من لم يأخذ به منكم يا بني حنيفة.
فلما عصوه ورأى انهم قد اتفقوا على اتباع مسيلمة، عزم على مفارقتهم، ومر العلاء بن الحضري ومن تبعه على جانب اليمامة، فلما بلغه ذلك قال لأصحابه من المسلمين: إني واللَّه ما أرى أن أقيم مع هؤلاء مع ما قد أحدثوا، وإن اللَّه تعالي لضاربهم ببلية لا يقومون بها ولا يقعدون، وما نرى أن نتخلف عن هؤلاء وهم مسلمون، وقد عرفنا الّذي يريدون، وقد مروا بنا قريب، ولا أرى إلا الخروج إليهم، فمن أراد الخروج منكم فليخرج ممدا العلاء بن الحضرميّ، ومعه أصحابه من المسلمين، فكأن ذلك قد فت في أعضاد عدوهم حين بلغهم مدد
دعانا إلي ترك الديانة والهدي ... مسيلمة الكذاب إذ جاء يسجع
فيا عجبا من معشر قد تتابعوا ... له في سبيل الغي والغي أشنع
في أبيات كثيرة ذكرها ابن إسحاق في الردة، وفي آخرها:
وفي البعد دار قد أضل أهلها ... هدى واجتماع كل ذلك مهيع
(سيرة ابن هشام) : 6/ 51- 52، (الاستيعاب) : 1/ 213- 216، ترجمة رقم (277) ، (الإصابة) : 1/ 410- 412، ترجمة رقم (962) ، (جمهرة أنساب العرب) : 312، (الفتوح) لابن أعثم: 1/ 29 وما بعدها.(14/257)
ثمامة؟ فقال: أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة، فقال: ما كني رجل رجلا إلا كان منه في ذمة، قال: وكيف؟ قال: إنها ملاطفة، قال: إذا أنسى في عمري بيدهم فقال: أقتلك! أحب من يد، أم سليم، أو أعتقك وتسلم؟ أو أفاديك وتسلم؟ فقال تقتل تقتل ذا دم، وإن بعتني أن تفاديني عظيما، فأما ان أسلم قرا فو اللَّه لا أسلم أبدا! فقال: إني قد أعتقتك، قال: فإنّي أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، فأقر، ثم مضى، فقضى حجته،
ثم كتب إلي أهل مكة- وهم يومئذ مشركون حاربوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكانت مادة أهل مكة في بعض الحالات من اليمامة- أنه فقال: واللَّه الّذي لا إله إلا هو، لا تمروا أبدا من قبل اليمامة حتى تؤمنوا باللَّه ورسوله فأضر ذلك بأهل مكة، فكتبوا إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يشكون إليه فكتب لهم إلي أبي أمامة: أن لا تقطع عنهم موادتهم التي كانت تأتيهم من قبلك، فجعل ذلك أبو أمامة وخلي عنهم، وثبت على إسلامه وكان خير ما كان حين تغير الناس وأقام على إسلامه وقاتل أهل الردة.
وقال سيف عن طلحة بن الأعلم
عن رجل من بني الحارث بن نيار عن أبيه وكان مع ثمامة بن أثال وبدى إسلامه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما بعث العلاء بن المنذر إلي أهل البحرين داعية استجاب له المنذر ودخل في الإسلام ورجع العلاء فمر بجنبات اليمامة فأخذه ثمامة، فلما قدم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أخبره فقال: اللَّهمّ اهد عامرا وأمكن ابن عامر، فخرج حاجا فتحير حين دنا من المدينة وقد خرج إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما كان يخرج إليه وكان سمع بالذي كان من ثمامة وبدعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسأل أحدهما صاحبه، فأخذه العباس فأدخله المدينة فأتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: قد أمكن اللَّه منك يا ثمامة وحبسه، ثم عرضه فقال: ما أصنع بك يا ثمامة؟ أفديك أو أقتلك؟ أو أطلقك؟ ومع واحدة منهن أو تسلم! فقال: إن تفاد تفاد عظيما، وإن تقتل تقتل عظيما ذا ذنب، وإن تطلق تطلق عظيما شاكرا. قال: أسلم، قال: أما دمت في يدك فلا، فمن عليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على حجك.
فأتي أهل مكة، فلما قضي نسكه قال: يا معشر قريش إنكم تكذبون محمدا، وتقاتلونه،(14/258)
وقد عرفتم أن ميركم من اليمامة، وأنتم واللَّه لا يأتيكم ثمرة ولا برة حتى تؤمنوا بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم وتصدقوه، فجس عنهم ميرة اليمامة فبعثوا أبا سفيان إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فساءله أن يبعث إلي ثمامة بأمره أن يخلي بينهم وبين الميرة ففعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وخرج البخاري من حديث الليث
قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد: أنه سمع أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: بعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أطلقوا ثمامة، فانطلق إلي نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا رسول اللَّه. ذكره في الصلاة [ (1) ] في باب الأسير يربط في المسجد، وخرجه في المغازي [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 831، كتاب الصلاة، باب (76) الاغتسال إذا أسلم وربط الأيسر أيضا في المسجد، حديث رقم (462) ، وأخرجه في باب (82) دخول المشرك المسجد، حديث رقم (469) . وفي دخول المشرك المسجد مذاهب: فعن الحنفية الجواز مطلقا، وعن المالكية والمزني المنع مطلقا، وعن الشافعية التفصيل بين المسجد الحرام وغيرة للآية. وقيل: يؤذن للكتابي خاصة، وحديث الباب يرد عليه فإن ثمامة ليس من أهل الكتاب. (فتح الباري) .
وأخرجه في كتاب الخصومات، باب (7) التوثق ممن تخشى معرته، وقيد ابن عباس عكرمة على تعلم القرآن والسنن والفرائض، حديث رقم (2422) ، وباب (8) الربط والحبس في الحرم، واشترى نافع بن عبد الحارث دارا للمسجد بمكة من صفوان بن أمية، حديث رقم (2423) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 109، كتاب المغازي باب (71) وفد بني حنيفة، وحديث ثمامة بن أثال، حديث رقم (4372) . وفي قصة ثمامة من الفوائد ربط الكافر في المسجد والمن علي الأسير الكافر، وتعظيم أمر العفو عن المسيء لأن ثمامة بغضه انقلب حبا في ساعة واحدة لما أسداه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من العفو والمن بغير مقابل.(14/259)
وخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث الليث قال:
حدثني سعيد انه سمع أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له
__________
[ () ] وفيه الاغتسال عند الإسلام، وأن الإحسان يزيل البغض ويثبت الحب، وأن الكافر إذا أراد عمل خير ثم أسلم شرع له أن يستمر في عمل ذلك الخير.
وفيه الملاطفة بمن يرجي إسلامه من الأسارى إذا كان في ذلك مصلحة للإسلام، ولا سيما من يتبعه على إسلامه العدد الكثير من قومه.
وفيه بعث السرايا إلى بلاد الكفار، وأسر من وجد منهم، والتخيير بعد ذلك في قتله أو الإبقاء عليه. (فتح الباري) .
[ (1) ] (راجع التعليق السابق) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 330- 333، كتاب الجهاد والسير، باب (19) ربط الأسير وحبسه، وجواز المن عليه، حديث رقم (59) . قال الإمام النووي: قال أصحابنا: إذا أراد الإسلام بادر بالاغتسال، ولا يحل لأحد أن يأذن له في تأخيره، بل يبادر به ثم يغتسل، ومذهبنا أن اغتساله واجب إن كان عليه جنابة في الشرك، سواء كان اغتسل منها أم لا، وقال بعض أصحابنا: إن كان اغتسل أجزأه، وإلا وجب.
وقال بعض أصحابنا وبعض والمالكية: لا غسل عليه، ويسقط حكم الجنابة بالإسلام، كما تسقط الذنوب، وضعفوا هذا بالوضوء، فإنه يلزمه بالإجماع، ولا يقال: يسقط أثر الحدث بالإسلام. هذا كله إذا كان أجنب في الكفر.
أما إذا لم يجنب أصلا ثم أسلم، فالغسل مستحب له وليس بواجب. هذا مذهبنا، ومذهب مالك وآخرين، وقال أحمد وآخرون: يلزمه الغسل.
قوله: «فانطلق إلي نخل قريب من المسجد» : هكذا هو في البخاري ومسلم وغيرهما نخل بالخاء المعجمة، وتقديره: انطلق إلي نخل فيه ماء فاغتسل منه. قال القاضي: قال بعضهم: صوابه نجل بالجيم، وهو الماء القليل المنبعث، وقيل: الجاري، قال الإمام النووي: بل الصواب الأول، لأن الروايات صحت به، ولم يرو إلا هكذا، وهو صحيح، ولا يجوز العدول عنه. (شرح النووي) .(14/260)
ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فقال: ماذا عندك يا ثمامة؟ فقال عندي يا محمد خير، إن تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم علي شاكر. وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت فتركه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى كان بعد الغد، فقال له: ما عندك يا ثمامة؟ قال:
ما قلت لك: إن تنعم تنعم علي شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى كان من الغد، فقال ماذا عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي ما قلت لك: إن تنعم تنعم علي شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أطلقوا ثمامة.
فانطلق إلي نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال:
أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. يا محمد! واللَّه ما كان على وجه الأرض أبغض علي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي. واللَّه ما كان دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب الدين كله إلي واللَّه ما كان أبغض بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فبشره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: أصبوت؟ فقال: لا، ولكني أسلمت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولا واللَّه لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وذكره البخاري في وفد بني حنيفة [ (1) ] .
وخرجه مسلم من حديث عبد الحميد بن جعفر، قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري انه سمع أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خيلا له نحو أرض نجد، فجاءت برجل يقال له ثمامة بن أثال الحنفي سيد أهل اليمامة. وساق الحديث بمثل حديث الليث إلا انه قال: إن تقتلني تقتل ذا دم. قال المؤلف: ولثمامة في محاربة مسيلمة بلاء حسن.
__________
[ (1) ] راجع التعليق قبل السابق، وأخرجه أبو داود في الجهاد، باب ربط الأسير وحبسه وجواز المن عليه، حديث رقم (2679) ، والنسائي: 1/ 110 في الطهارة، باب تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم، حديث رقم (189) .(14/261)
وأما إنذاره صلى اللَّه عليه وسلم بما كان بعده من محاربة أصحابه وقتل بعضهم بعضا
فخرج محمد من حديث محمد بن نور، عن معتمر، عن قتادة أنه تلى هذه الآية: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ [ (1) ] . فقال أنس: ذهب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبقيت النقمة ولم ير اللَّه تعالي نبيه صلى اللَّه عليه وسلم في أمته شيئا يكرهه حتى مضى ولم يكن نبي قط إلا وقد رأى العقوبة في أمته إلا نبيكم صلى اللَّه عليه وسلم. قال الحاكم [ (2) ] : صحيح الإسناد.
وخرج البخاري في كتاب الفتن [ (3) ] من حديث شعبة، عن علي بن مدرك سمعت أبا زرعة بن عمر بن جرير، عن جده تجمير. قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حجة الوداع استنصت الناس، ثم قالوا: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.
__________
[ (1) ] الزخرف: 41، فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ أي لا بد أن تنتقم منهم ونعاقبهم ولو ذهبت أنت أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ أي نحن قادرون على هذا وعلى هذا، ولم يقيض اللَّه تعالي رسوله صلى اللَّه عليه وسلم حتى أنت عينه من أعدائه وحكمه في نواصيهم وملكة ما تضمنت صياصيهم، هذا معني قول السدي واختاره ابن جرير وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى حدثنا أبو ثور عن معمر قال: تلا قتادة فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ فقال ذهب النبي صلى اللَّه عليه وسلم ويقيت النقمة ولم ير اللَّه تبارك وتعالي نبيا وقد رأى العقوبة في أمته إلا نبيكم صلى اللَّه عليه وسلم، قال: وذكر لنا أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أري ما يصيب أمته من بعده فما رئي ضاحكا منبسطا حتى قبضه اللَّه عز وجل.
(تفسير ابن كثير) : 4/ 138- 139.
[ (2) ] (المستدرك) : 2/ 485، كتاب التفسير، باب (43) تفسير الزخرف، حديث رقم (3672) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) صحيح.
[ (3) ] (فتح الباري) : 13/ 32، كتاب الفتن، باب (8) قول النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» ، حديث رقم (7077) .(14/262)
وذكره في كتاب الديات [ (1) ] عن شعبة بهذا الإسناد، قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم في حجة الوداع استنصت الناس، لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. ورواه أبو بكر، وابن عباس، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم. وذكره في حجة الوداع، عن شعبة عن علي ابن مدرك بهذا الإسناد نحوه.
وخرجه مسلم [ (2) ] أيضا من طريق شعبة كذلك.
وخرج البخاري في كتاب الفتن [ (3) ] من حديث شعبة. قال: اخبرني واقد، عن أبيه، عن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- انه سمع النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقول: لا ترجعوا بعدي كفار يضرب بعضكم رقاب بعض. وخرجه في كتاب الديات [ (4) ] وذكره في كتاب الأدب [ (5) ] عن شعبة به وقال فيه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ويلكم- أو ويحكم قال شعبة: شك هو لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.
وخرجه مسلم عن شعبة، عن واقد بن محمد زيد أنه سمع أباه يحدث عن عبد اللَّه بن عمر أنه قال في حجة الوداع: ويحكم أو قال: ويلكم- لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض [ (6) ] .
ومن حديث عبد اللَّه بن وهب قال: حدثني عمر بن محمدا أن أباه حدثه، عن ابن عمر، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بمثل حديث
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 12/ 235، كتاب الديات، باب (2) قول اللَّه تعالي وَمَنْ أَحْياها قال ابن عباس: من حرم قتلها إلا بحق، فكأنما أحيا الناس جميعا، حديث رقم (6868، 6869) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 416، كتاب الإيمان، باب (29) بيان معني قول النبي صلى اللَّه عليه وسلم لا ترجعون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، حديث رقم (120) .
[ (3) ] (سبق تخريجه) .
[ (4) ] (سبق تخريجه) .
[ (5) ] (فتح الباري) : 10/ 676، كتاب الأدب، باب (95) ما جاء في قول الرجل: «ويلك» ، حديث رقم (6166) .
[ (6) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 415، كتاب الإيمان، باب (29) بيان معني قول صلى اللَّه عليه وسلم: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، حديث رقم (120) .(14/263)
شعبة، عن واقد [ (1) ] .
وخرج البخاري [ (2) ] من حديث محمد بن فضيل عن أبيه عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: لا ترتدوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. وذكره من حديث أبي بكرة وفيه قصة [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي السابق، بدون رقم. وقيل في معني هذا الحديث سبعة أقوال: أحدهما: أن ذلك كفر حق المستحل بغير حق. والثاني: المراد كفر النعمة وحق الإسلام. والثالث: أنه يقرب من الكفر ويؤدى إليه. والرابع: أنه فعل كفعل الكفار.
والخامس: المراد حقيقة الكفر، ومعناه لا تكفروا بل دوموا مسلمين. والسادس: حكاه الخطابي وغيره، أن المراد بالكفار المتكفرون بالسلاح، يقال: تكفر الرجل بسلاحه إذا لبسه.
قال الأزهري في كتابه (تهذيب اللغة) : يقال للابس السلاح كافر. والسابع قال القاضي عياض رحمه اللَّه: «يضرب» برفع الباء، وهكذا رواه المتقدمون والمتأخرون، وبه يصح المقصود هنا.
ونقل القاضي عياض رحمه اللَّه: أن بعض العلماء ضبطه بإسكان الباء، قال القاضي:
وهو إحالة للمعني، والصواب الضم، قال الإمام النووي: وكذا قال أبو البقاء العكبريّ: أنه يجوز جزم الباء على تقدير شرط مضمر، أي إن ترجعوا يضرب. واللَّه تعالي أعلم.
قوله: «ويحكم- أو قال: ويلكم» قال القاضي: هما كلمتان استعملها العرب بمعني التعجب والتوجع. قال سيبويه: ويل، كلمة لمن وقع في هلكة، وويح، ترحم، وحكي عنه ويج زجر لمن أشرف على الهلكة. قال غيره: ولا يراد بهما الدعاء، بإيقاع الهلكة، ولكن الترحم والتعجب.
وروي عن عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ويح كلمة رحمة وقال الهروي: ويح لمن وقع في هلكة لا يستحقها فيترحم عليه، ويرثى له، وويل للذي يستحقه ولا يترحم عليه. واللَّه تعالي أعلم.
[ (2) ] (فتح الباري) : 13/ 32، كتاب الفتن، باب (8) قول النبي صلى اللَّه عليه وسلم: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، حديث رقم (7079) .
[ (3) ] المرجع السابق: حديث رقم (7078) مطولا، ثم قال: فلما كان يوم حرق ابن الخضرمي حين حرقة جارية بن قدامة، قال: أشرفوا على أبي بكرة فقالوا: هذا أبو بكرة يراك، قال عبد الرحمن: فحدثتني أمي عن أبي بكرة أنه قال: لو دخلوا علي ما بهشت بقصبة.(14/264)
قال البيهقي [ (1) ] وبلغني عن موسي بن هارون وكان من الحفاظ أنه سال عن هذا الحديث فقال: هؤلاء أهل الردة، قتلهم أبو بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقال بعض أهل العلم: معناه لا ترجعوا بعدي كفارا أي فرقا مختلفين، ويضرب بعضكم رقاب بعض، فتكونوا في ذلك مضاهين للكفار، فإن الكفار متعادون يضرب بعضهم رقاب بعض. والمسلمون متآخون بحقن بعضهم رقاب [ (2) ] بعض. وقيل معناه: لا ترجعوا بعدي كفارا، أي متكفرين بالسلاح [ (3) ] .
وقال: الإمام أبو البقاء عبد اللَّه بن الحسين بن عبد اللَّه العكبريّ [ (4) ] :
قوله: يضرب إذا رفعته كان موضع الجملة نصبا صفة لكفار، فيكون النهي
__________
[ () ] قوله: «ما بهشت: بكسر الهاء وفتحها، يقال: بهش بعض القوم إلى بعض إذا تراموا للقتال، فكأنه قال: ما مددت يدي إلي قصبة ولا تناولتها لأدفع بها عني.
ويقال لمن نظر إلي شيء فأعجبه واشتهاه وأسرع إلي تناوله: بهش إلي كذا. ويستعمل أيضا في الخير والشر. (فتح الباري) مختصرا.
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 360، باب ما جاء في تحذيره صلى اللَّه عليه وسلم من الرجوع إلي الكفر بعد الإيمان، وإخباره بالتبديل الّذي وجد بعد وفاتهم حتى قاتلهم أبو بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بمن ثبت على دينه من أهل الإسلام.
[ (2) ] في الأصل: دماء بعض.
[ (3) ] (المرجع السابق) : 361.
[ (4) ] هو أبو البقاء عبد اللَّه بن الحسين بن عبد اللَّه النحويّ الضرير العكبريّ الأصل، البغدادي المولد والدار. ولد في سنة (538 هـ) ببغداد، وكان نحويا، فقهيا على مذهب الإمام أحمد بن حنبل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان ثقة صدوقا، كثير المحظوظ، دينا حسن الأخلاق متواضعا، روى عن مشايخ زمانه، أضر في صباه بالجدري، وكان لا يمضي ساعة من ليل أو نهار إلا في شغل بالعلم.
وله من المؤلفات ما يدل علي سعة ثقافته العربية، فهو مبرز في النحو، عالم بالقراءات، متمكن في اللغة، محيط بفنون الأدب. قال ابن خلكان: وكان الغالب عليه النحو، توفي.(14/265)
عن كفرهم وضرب بعضهم رقاب بعض. فإنّهم فعلوا. فقد وجد المنهي عنه إلا أنهما إذا اجتمعنا كان المنهي أشد. وقال بعض العلماء: النهي يكون عن الصفة الناشئة ونظيره: قول الرجل لزوجته: إن كلمت رجلا طويلا فأنت طالق، فكلمت رجلا قصيرا، لم تطلق، فكذلك إذا رجعوا كفارا ولم يضرب بعضهم رقاب بعض. وهذا القول فيه بعد، وذلك ان الكفر قد علم النهي عنه بدون أن يضرب بعضهم رقاب بعض، ويجوز أن يروى يضرب بالجزم على تقدير شرط مضم، أي ترجعوا كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. هذا الحديث من باب قوله تعالي فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي بالرفع والجزم إلا أن أكثر المحققين من النحويين لا يجيزون الجزم في مثل هذا الحديث لئلا يصير المعني. ألا ترجعوا كفارا ويضرب، وهذا قيد المعني، بل قال: لا ترجعوا بعدي كفارا تسلموا وتوادوا كان مستقيما، لأن التقدير: ألا ترجعوا كفارا تسلموا.
ونظير ذلك قولك لا تدن من الأسد تنج، أي ألا تدن فجعل التباعد من الأسد شيئا في السلامة، وهذا صحيح. ولو قلت لا تدن من الأسد يأكلك، كان فاسدا، لأن التباعد منه ليس بسبب في الأكل، فإن قلت: فلم لا يقدر أن يقال بغير لأن قيل: ينبغي أن يكون المعدود من جنس الملفوظ. وقد ذهب قوم إلى جواز الجزم هاهنا على هذا التقدير، وعليه يجوز الجزم في هذا بالحديث.
وقيل: ليس المراد النهي عن الكفر، بل النهي عن الاختلاف المؤدي إلى القتل فعلي هذا يكون يضرب مرفوعا، ويكون تغييرا، للكفر المراد بالحديث.
انتهى.
وخرج مسلم من حديث يحيي بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد، عن عقبة بن عامر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قام: صلى اللَّه عليه وسلم علي قتلي أحد، ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات، فقال: إني فرطكم على الحوض وإن عرضه كما بين أيلة إلي الجحفة، وإني لست أخشى عليكم
__________
[ () ] رحمه اللَّه ليلة الأحد ثامن ربيع الآخر سنة (616 هـ) . (إملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن) : المقدمة، باختصار وتصرف.(14/266)
أن تشركوا، بعدي ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوا فيها وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم.
قال عقبة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: وكان آخر ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على المنبر، ذكره في المناقب [ (1) ] وذكره البخاري في المغازي [ (2) ] من حديث ابن المبارك عن حيوة، عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلي المنبر فقال: إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم، وإني لأنظر إلي حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني واللَّه ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها.
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 64، كتاب الفضائل، باب (9) إثبات حوض نبينا صلى اللَّه عليه وسلم وصفاته، حديث رقم (31) .
[ (2) ] فتح الباري: 7/ 442، كتاب المغازي، باب (17) غزوة أحد، حديث رقم (4042) ، وأخرجه أيضا في باب (28) أحد جبل يحبنا ونحبه. قاله عباس بن سهل عن أبي حميد عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (4085) .
قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «أحد جبل يحبنا ونحبه»
للعلماء في معني ذلك أقوال:
أحدهما: أنه على حذف مضاف. والتقدير أهل أحد، والمراد بهم الأنصار لأنهم جيرانه.
ثانيها: أنه قال ذلك للمسرة بلسان الحال إذا قدم من سفر، لقربة من أهله ولقياهم، وذلك فعل من يحب بمن يحب.
ثالثها: أن الحب من الجانبين على حقيقة وظاهرة، لكون أحد من جبال الجنة كما ثبت
من حديث أبي عبس عن جابر مرفوعا: «جبل أحد يحبنا ونحبه وهو من جبال الجنة» أخرجه الإمام أحمد.
ولا مانع في جانب البلد من إمكان المحبة منه كما جاز التسبيح منها، وقد خاطبه صلى اللَّه عليه وسلم مخاطبة من يعقل فقال لما اضطرب «اسكن أحد» الحديث.
وقال السهيليّ: كان صلى اللَّه عليه وسلم يحب الفأل الحسن، والاسم الحسن، واسم أحد من أسم مشتق من الأحدية فحركات حروفه الرفع، وذلك يشعر بارتفاع دين الأحد وعلوه فتعلق الحب من النبي صلى اللَّه عليه وسلم به لفظا ومعني، فخص من بين الجبال بذلك. واللَّه تعالي أعلم.(14/267)
وخرجه في كتاب الجنائز في باب الصلاة علي الشهيد [ (1) ] وفي آخر كتاب الرقاق [ (2) ] . وفي آخر غزوة أحد [ (3) ] ، وفي باب علامات النبوة في الإسلام [ (4) ] وقال: مفاتيح خزائن الأرض من غير شك.
وخرجه أبو داود [ (5) ] من حديث الليث بهذا الإسناد وانتهى من الحديث إلي قوله: ثم انصرف.
وخرجه النسائي [ (6) ] وانتهى إلي قوله: وأنا شهيد عليكم.
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 268- 269، كتاب الجنائز، باب (72) الصلاة علي الشهيد، حديث رقم (1344) . وفيه جواز تكفين الرجلين في ثوب واحد لأجل الضرورة، إما يجمعهما فيه، وإما بقطعه بينهما، وعلي جواز دفن اثنين في لحد، وعلي استحباب تقديم أفضلهما لداخل اللحد، وعلي أن شهيد المعركة لا يغسل. واستدل به علي مشروعية الصلاة على الشهداء (فتح الباري) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 11/ 293، كتاب الرقاق، باب (7) ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، حديث رقم (6426) .
[ (3) ] سبق تخريجه، وهو الحديث رقم (4085) من كتاب المغازي.
[ (4) ] (المرجع السابق) : 6/ 758، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3596) .
وخرجه أيضا في كتاب الرقاق، باب (53) في الحوض وقول اللَّه تبارك وتعالي: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ.
وقال عبد اللَّه بن زيد: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «اصبروا حتى تلقوني على الحوض» حديث رقم (6590) .
[ (5) ] (سنن أبي داود) : 3/ 551- 552، كتاب الجنائز، باب (75) الميت يصلي على قبره بعد حين، حديث رقم (3223) ، (3224) .
[ (6) ] (سنن النسائي) : 4/ 363، كتاب الجنائز، باب (6) الصلاة علي الشهداء، حديث رقم (1953) قوله: «إني فرط لكم» بفتحتين، أي أتقدمكم لأهيئ لكم، وفيه أن هذا توديع لهم قوله: «وأنا شهيد عليكم «يحمل كلمة» على في مثله على معني اللام، أي شهيد لكم بأنكم آمنتم وصدقتموني، وفيه تشريف لهم وتعظيم. وإلا فالأمر معلوم عنده تعالي، واللَّه تعالي أعلم. (حاشية السندي) .(14/268)
وخرج ابن حبان [ (1) ] من حديث مؤمل بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن يحيي بن سعيد الأنصاري، عن عبيد سنوطا. عن خولة بنت قيس، ان النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: إذا مشت أمتي المطيطاء [ (2) ] وخدمتهم فارس والروم سلط بعضهم علي بعض [ (3) ]
__________
[ (1) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 15/ 112، كتاب التاريخ، باب (10) إخباره صلى اللَّه عليه وسلم عما يكون في أمته من الفتن والحوادث، ذكر الإخبار عن الإمارة التي إذا ظهرت في هذه الأمة سلط البعض منها على بعض حديث رقم (6716) ، وهو حديث صحيح إسناده ضعيف.
[ (2) ] المطيطاء مشية فيها تبختر ومد يدين، والتمطي من ذلك، لأنه إذا تمطي مد يديه، قال تعالى: ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أي يتبختر.
[ (3) ] وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 6/ 525 باب ما جاء في إخباره صلى اللَّه عليه وسلم باتساع الدنيا على أمته حتى يلبسوا أمثال أستار الكعبة ويغدا ويراح عليهم بالجفان ويتنافسوا فيها حتى يضرب بعضهم رقاب بعض، ثم قال: وأخبرنا أبو الحسن المقري، أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق، حدثنا أبو الربيع حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا موسى بن عبيدة، حدثنا عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بمثله، واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 456- 457، كتاب الفتن باب (74) بدون ترجمة حديث رقم (2261) ، وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب، وقد رواه أبو معاوية عن يحيي بن سعيد الأنصاري، ثم قال: حدثنا بذلك محمد بن إسماعيل الواسطي حدثنا أبو معاوية عن يحيي ابن سعد عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم نحوه، ولا يعرف لحديث أبي معاوية عن يحيي بن سعيد عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر أصل، إنما المعروف حديث موسى بن عبيدة، وقد روى مالك بن أنس هذا الحديث، عن يحيي بن سعيد مرسلا، ولم يذكر فيه: عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.(14/269)
وأما إخباره عليه الصلاة والسلام فاطمة الزهراء- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بأنها أول أهل بيته لحوقا به فكان كذلك.
فخرج البخاري [ (1) ] من حديث مسروق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: جاءت فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- تمشي كان مشيتها مشي النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرحبا بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو شماله، ثم أسر إليها حديثا فبكت فقلت لها: لم تبكين، ثم أسر إليها حديثا فضحكت فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن، فسألها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى قبض فسألتها فقالت:
أسر إلي إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي فبكت، فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة؟ أو نساء المؤمنين؟ فضحكت لذلك،
وسيرد هذا الحديث إن شاء اللَّه تعالي.
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 778- 779، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3623) ، (3624) .(14/270)
فصل في ذكر غنم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الغنم مائة، وكان له منائح سبع وقيل عشر.
خرج الحاكم من حديث لقيط بن صبرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: لنا غنم مائه [ (1) ]
وسيأتي بطوله إن شاء اللَّه تعالى.
وخرجه البخاري في (الأدب المفرد) من حديث إسماعيل، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه، قال ابن سعد عن الواقدي، عن إبراهيم بن سويد الأسلمي، عن عباد بن منصور، عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كانت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم سبعة أعنز ترعاهن أم أيمن [ (2) ] وقال الواقدي: عن عبد الملك بن سليمان بن أبي المغيرة، عن محمد بن عبد اللَّه بن الحصين قال: كانت منائح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ترعى بأحد وتروح في كل ليلة على البيت الّذي يدور فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] ، قالوا: وكانت منائح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الغنم سبعا: عجوة، وزمزم، وسقيا، وبركة، وورسة، وإطلال، وإطراف. وعن وجيهة: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أعنز سبع، فكان الراعي يبلغ بهن مرة الجماز.
ومرة أحدا، وتروح علينا. وقد روي أنه كان له صلى اللَّه عليه وسلم شاة يختص بشرب لبنها ترعى عيينة، وكان له ديك أبيض، ولم ينقل أنه اقتنى من البقر شيئا. وقيل:
كانت له شاة تسمى غوثة، وعنز تسمى اليمن، وشاه تسمى قمر، ماتت. فقال: ما فعلتم بإهابها قالوا: ميتة! قال: دباغها طهورها [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 123، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7094) .
[ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 495.
[ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 496.
[ (4) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 496، وأخرجه ابن سيد الناس في (عيون الأثر) : 2/ 323.(14/271)
فصل في ذكر حمى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
خرج البخاري من حديث ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن الصعب بن جثامة قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: لا حمى إلا للَّه ولرسوله،
وقال: بلغنا أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حمى النقيع، وأن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حمى السرف والرَّبَذَة.
ذكره في كتاب الشرب [ (1) ] .
وخرجه أبو داود قبله، وفي لفظ آخر له: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حمى النقيع وقال: لا حمى إلا للَّه عز وجل [ (2) ] ، وخرجه النسائي ولفظه: لا حمى إلا للَّه ولرسوله.
وقال الحافظ أبو نعيم: صحيح متفق عليه، رواه عن الزهري صفوان، أن ابن سليم، وعمرو بن دينار، ومحمد بن عمرو، ومعمر، وعقيل، ويونس الزبيدي، وإسحاق ابن راشد، وعبد الرحمن بن عبد اللَّه ابن خالد، وأبو المغيرة بن عبد الرشيد الخزامي في آخر، يرويه عن الزهري.
ولابن حبان من حديث عبد اللَّه بن نافع، حدثنا عاصم ابن عمر، عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمران، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين.
وقال الواقدي: حدثني ابن أبى سبرة، عن شعيب بن شداد، قال: لما مر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالنقيع منصرفه من المريسيع، ورأى سعة، وكلا، وغدرا كثيرة تتناخس، وخبر بمراءته وبراءته، فسأل عن الماء فقيل: يا رسول اللَّه، إذا صفنا قلت المياه، وذهبت الغدر، فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حاطب بن أبى بلتعة أن يحفر
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 56، كتاب المساقاة، باب (11) لا حمى إلا للَّه ولرسوله، حديث رقم (2370) في (الأصل) : «كتاب الشرب» وأثبتناه من كتاب المساقاة وأخرجه أيضا في كتاب الجهاد، باب (146) أهل الدار يبيتون، فيصاب الولدان والذراري، حديث رقم (3012) ، وهو جزء من حديث طويل.
[ (2) ] (سنن أبي داود) : 3/ 460- 462، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب (39) في الأرض يحميها الإمام أو الرجل، حديث رقم (3083) ، (3084) ، وأخرجه أيضا الدار الدّارقطنيّ في (السنن) : 4/ 238، حديث رقم (121) عن عمر بن شعيب عن أبيه، عن جده، وحديث رقم (122) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أيضا وأخرجه أيضا أبو عبيد في كتاب (الأموال) : 271، باب حمى الأرض ذات الكلإ والماء، حديث رقم (728) .(14/272)
بئرا، وأمر بالنقيع أن يحمى، واستعمل عليه بلال بن الحارث المزني، فقال بلال:
يا رسول اللَّه، وكم أحمى منه؟ قال: أقم رجلا صيتا إذ اطلع الفجر على هذا الجبل- يعنى مقملا- فحيث انتهى صوته فاحمه لخيل المسلمين وإبلهم التي يغزون عليها. قال بلال: يا رسول اللَّه، أفرأيت ما كان من سوائم المسلمين؟
فقال: لا تدخلها. قلت: يا رسول اللَّه، أرأيت المرأة والرجل الضعيف تكون له الاشية اليسيرة وهو يضعف عن التحول؟ قال: دعه يرعى.
فلما كان زمان أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حماه على ما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حماه، ثم كان عمر فكثرت به الخيل، وكان [زمن] عثمان فحماه أيضا [ (1) ] .
وقال عمر بن شيبة: حدثنا معن، حدثنا عبد اللَّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حمى النقيع للخيل، وحمى الرَّبَذَة للصدقة. وحدثنا هارون ابن معروف قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن رجاء بن جميل أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حمى وادي نخلة للخيل المضمرة [ (2) ] .
وخرج الحاكم من حديث عبد الرحمن بن الحارث بن عبد اللَّه بن عباس بن أبى ربيعة، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس، عن الصعب بن جثامة: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حمى النقيع وقال: لا حمى إلا للَّه ولرسوله [ (3) ] .
قال: وهو صحيح الإسناد.
بلال بن الحارث [ (4) ] بن عصم بن سعد بن قرة المزني، أبو عبد الرحمن وفد سنة خمس في وفد مزينة، وكان أحد من حمل ألوية مزينة يوم الفتح وهو في الطبقة الثالثة من المهاجرين، وله سماع من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ورواية عنه، روى عنه. ابنه الحارث [ (5) ] بن بلال وعلقمة بن وقاص وغيرهما، وخرج له أبو داود،
__________
[ (1) ] (مغازي الوافدي) : 2/ 425- 426.
[ (2) ] الواقدي (مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع) : 3/ 1420.
[ (3) ] (المستدرك) : 2/ 70، كتاب البيوع، حديث رقم (2358) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم، وأخرجا منه آخره.
[ (4) ] (تهذيب التهذيب) : 1/ 440، ترجمة رقم (929) .
[ (5) ] (المرجع السابق) : 2/ 119، ترجمة قم (231) .(14/273)
والترمذي، والنسائي وابن ماجة. توفى سنة ستين من ثمانين سنه. والنقيع بالنون [ (1) ] على عشرين فرسخا عن المدينة عرضه ميل في طول يزيد رقبة شجر وهو أخصب واد هناك، وهو عور في صدر وادي العقيق، قال الخطابي: من قاله بالباء، فقد صحفه، وقال الكبرى: وهو بالباء مثل بقيع الغرقد، ووقع في كتاب (الأصيل) بالفاء بدلا من القاف بعد النون وهو تصحيف ومعنى حمى النقيع جعله محظورا ألا يقرب مرعاه.
فصل في ذكر ديك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إن صح الحديث
قال عبد المنعم بن شيرانا بن وهب حدثنا عبد اللَّه بن سعيد، حدثنا أبي، حدثنا أبو الدرداء، حدثنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما زلت بالأشواق وإلى الديك الأبيض مذ رأيت ديك اللَّه تعالى تحت عرشه ليلة أسرى بى ديكا أبيض زغبة أخضر كالزبرجد، وعرفه ياقوتة حمراء، وعيناه من ياقوتتين حمراءين، ورجلاه من ذهب أحمر في تخوم الأرض السفلى، وتحت العرش عنقه، أحسن هي، رأينه ومنقاره من ذهب يتلألأ نورا، فإذا كان في الثلث الأول نشر جناحيه يخفق بهما، وقال: سبحان ذي الملك والملكوت، يقول ذلك ثلاث مرات من أول الليل، فإذا خفق خفقت الديوك في الأرض، وصرخت كصراخه، فإذا كان في الثلث الأوسط فعل مثل ذلك، وقال: سبحان من هو دائم قيوم، سبحان من نامت العيون وعين سيدي لا تنام، سبحان الدائم القيوم، سبحان من خلق الصباح بإذنه، لا إله إلا هو سبحانه. قال: فاتخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ديكا أبيض، قال: الديك الأبيض صديقي، وصديق صديقي، وعدوه عدوى، واللَّه تعالى يحرس دار صاحبه وعشرا عن يمينها، وعشرا عن يسارها، وعشرا من بين يديها، وعشرا من خلفها، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يبيته معه في البيت [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (معجم البلدان) : 5/ 348- 349، موضع رقم (12121) .
[ (2) ] (الموضوعات لابن الجوزي) : 3/ 6- 7) مع اختلاف يسير في اللفظ، وأخرجه أيضا في (الأسرار المرفوعة) الأخبار الموضوعة) لعلي القاري: 430- 431. قلت: وعلامات الوضح لائحة عليه!! وقد أدرك المقريزي يرحمه اللَّه- ذلك وتحفظ في عنوان الفصل بقوله: «إن صح الحديث» .(14/274)
فصل في ذكر مآكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وشئونه فيها
اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أكل على مائدة، وعلى الأرض، وكانت له قصعة كبيرة، وأكل خبز الشعير، وائتدم بالخل، وأكل القثاء، والدباء، والتمر، والأقط، والحيس، والثريد، واللحم، والقديد، والشواء، ولحم الدجاج، ولحم الحباري، وأكل الخبيص، والهريسة وعافى أكل الضبّ، واجتنب ما تؤذى رائحته، وأكل الجمار، والتمر، والعنب، والرطب، والبطيخ، وكان يحب الحلواء والعسل، وجمع بين إدامين ولم يأكل متكئا، ولا صدقة.
وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم على مائدة وسفرة
فقد خرج البخاري من حديث الحسين بن مهران قال: سمعت فرقدا [ (1) ] صاحب النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقول: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأكلت على مائدته.
ومن حديث قتادة، عن أنس قال: ما علمت النبي صلى اللَّه عليه وسلم أكل لي سكرجة قط، ولا خبز له مرقق قط، ولا أكل على خوان قط. قيل لقتادة: فعلى ما كانوا يأكلون؟ قال: على السفر. ذكره في الأطعمة [ (2) ]
__________
[ (1) ] فرقد، صاحب النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ذكره البخاري وغيره، وقال: أدرك النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، وكذا قال ابن أبي حاتم، ويذكر أنه رأى النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم وطعم على مائدته.
قال البخاري: حدثنا محمد بن سلام، قال: حدثني الحسين بن مهران الكرماني، قال: رأيت فرقدا صاحب النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: رأيت محمدا صلى اللَّه عليه وسلم وطعمت معه على مائدته.
وقال ابن مندة: روى عنه حديثه محمد بن سلام، فذكره. وقال في الترجمة: فرقد أكل على مائدة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وتعقبه أبو نعيم بأن الحسن هو الّذي أكل على مائدة فرقد.
قال الحافظ: وهو تعقب مردود، فقد أخرجه ابن السكن من وجه آخر عن محمد بن سلام عن الحسن.. عن رجل من الصحابة، قال أكلت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ورأيت عليه قلنسوة بيضاء في وسط رأسه، قال: وكان قد أتى على فرقد مائة وخمس سنين.
وكذا أخرجه الحكيم الترمذي في (نوادر الأصول) ، فالواهم فيه أبو نعيم. (الإصابة) : 5/ 363 364، ترجمة رقم (6979) ، (الاستيعاب) : 3/ 1259، ترجمة رقم (2072) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 662، كتاب الأطعمة، باب (8) الخبز المرفق، والأكل على الخوان والسفرة، حديث.(14/275)
وخرّج ابن حبان من حديث مسلم الأعور، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجلس على الأرض، ويأكل على الأرض، قال الحكيم الترمذي: الخوان هو المرتفع عن الأرض بقوائمه والمائدة ما مدّ وبسط، والسفر ما أسفر عما في جوفه وذلك أنها مضمومة معاليقها.
وأما قصعته صلى اللَّه عليه وسلم
فخرّج ابن حبان من حديث عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، حدثنا محمد ابن عبد الرحمن الحمصي. قال: سمعت عبد اللَّه بن بشر قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جفنة لها أربع حلق. قال مؤلفه: سيأتي ذكر القصعة الغراء في المعجزات عند ذكر إخباره صلى اللَّه عليه وسلم بما يفتح اللَّه لأمته إن شاء اللَّه تعالى.
وأما خبزه صلى اللَّه عليه وسلم
فخرّج البخاري في كتاب الأطعمة [ (1) ] من حديث محمد بن فضيل، عن أبيه، عن أبى حازم، عن أبى هريرة قال: ما شبع آل محمد صلى اللَّه عليه وسلم من طعام منذ قدم المدينة ثلاث أيام حتى قبض. وخرّجه مسلم من حديث يزيد بن كيسان، عن أبى حازم، عن أبى هريرة قال: والّذي نفسي بيده ما أشبع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أهله ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا [ (2) ] . وللترمذىّ في (الشمائل) من حديث قتادة، عن أنس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يجتمع عنده غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضفف [ (3) ] قال عبد اللَّه بن عبد الرحمن: قال بعضهم: هو
__________
[ () ] ورقم (5386) . في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (24) الأحكام التي تعرف بالدلائل، وكيف معنى الدلالة وتفسيرها ... وسئل النبي صلى اللَّه عليه وسلم عن الضب فقال: لا آكله ولا أحرمه،
وأكل على مائدة النبي صلى اللَّه عليه وسلم الضب، فاستدل ابن عباس بأنه ليس بحرام، حديث رقم (7358) .
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 686، كتاب الأطعمة، باب (23) ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون، حديث رقم (5416) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النوويّ) : 18/ 318، كتاب الزهد والرقائق، باب (53) الزهد والرقاق، حديث رقم (32) .
[ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 318- 319، حديث رقم (377) ، وأخرجه أيضا في (مسند أحمد) : 4/ 175، حديث رقم (13447) .(14/276)
كثرة الأيدي: وقال مالك بن دينار: سألت رجلا من أهل البادية: ما الضفف؟
قال: يتناول مع الناس.
وللبخاريّ من حديث ابن أبى ذئب، عن سعيد المقبري عن أبى هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه مرّ بقوم بين أيديهم شاة مصلية فدعوه، فأبى أن يأكل وقال: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير.
ذكره في الأطعمة [ (1) ] في باب ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون.
وللترمذي من حديث هلال بن حباب، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاويا هو وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم الشعير [ (2) ] . قال:
هذا حديث حسن صحيح.
وخرج البخاري [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث هشام الدستوائى، عن قتادة، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه مشى إلى النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بخبز شعير وإهالة سنخة، ولقد رهن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم درعا له بالمدينة عند يهوديّ وأخذ منه شعيرا لأهله. ولقد سمعته يقول: ما أمسى عند آل محمد صلى اللَّه عليه وسلم صاع برّ ولا صاع حب وإن عنده لتسع نسوة. ذكره البخاري في كتاب البيوع في باب شراء النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالنسيئة، وخرجه الترمذي [ (5) ] وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وللبخاريّ من حديث همام بن يحيى حدثنا قتادة قال: كنا نأتي أنس بن مالك وخبّازه قائم وقال: كلوا، فما أعلم النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم رأى رغيفا مرفقا حتى لحق
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 686، كتاب الأطعمة، باب (23) ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون، حديث رقم (5414) .
[ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 147، باب (25) ما جاء في صفة خبز رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (146) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 4/ 379، حديث رقم (2069) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 43- 44، كتاب المساقاة، باب (24) الرهن وجوازه في الحضر والسفر، حديث رقم (124) ، (125) ، (126) بطرق مختلفة.
[ (5) ] (سنن الترمذي) : 3/ 519- 520، كتاب البيوع، باب (7) ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل، حديث رقم (1215) .(14/277)
باللَّه، ولا أرى شاة سميطا بعينه قط، ذكره في الرقاق [ (1) ] ، في باب كيف كان عيش النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه، وتخليهم من الدنيا.
وذكره بهذا الإسناد في كتاب الأطعمة في باب شاة [ (2) ] مسموطة والكتف والجنب وذكره في الأطعمة أيضا في باب الخبز المرقق والأكل [ (3) ] على الخوان والسفرة، ولفظه: ما أكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خبزا مرققا، ولا شاة مسموطة، حتى لقي اللَّه.
وللبخاريّ والنسائي من حديث عبد الوارث حدثنا سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لم يأكل النبي صلى اللَّه عليه وسلم على خوان حتى مات، وما أكل خبزا مرققا حتى مات، ذكره البخاري في باب [ (4) ] فضل الفقر، وذكره النسائي في كتاب الوليمة [ (5) ] .
وللبخاريّ من حديث أبى حازم قال: سألت سهل بن سعد فقلت: هل أكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم النقي؟ قال: ما رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم النقي من حين ابتعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه. قال: فقلت: هل كانت لكم في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مناخل؟ قال: ما رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منخلا من حين ابتعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه. قال: قلت: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه وننفخه، فيطير ما طار، وما بقي نثريه فأكلناه. ذكره في الأطعمة [ (6) ] .
وذكره من حديث جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعا حتى قبض [ (7) ] . ذكره في الأطعمة، وفي الرقاق [ (8) ] ،
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 11/ 340، حديث رقم (6457) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 688- 689، حديث رقم (5421) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 9/ 662، حديث رقم (5385) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 11/ 329) ، حديث رقم (6450) .
[ (5) ] كتاب الوليمة من (الكبرى) .
[ (6) ] (فتح الباري) : 9/ 685- 686، حديث رقم (5413) .
[ (7) ] سبق تخريجه قريبا.
[ (8) ] سبق تخريجه قريبا.(14/278)
وخرّجه مسلم من حديث الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما شبع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى مضى لسبيله [ (1) ] .
ومن حديث أبى إسحاق قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد يحدث عن الأسود، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنها قالت: ما شبع آل محمد صلى اللَّه عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] .
وللبخاريّ [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث سفيان، عن عبد الرحمن بن عباس، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما شبع آل محمد من خبز البرّ فوق ثلاث ليال. ولمسلم به قال: ما شبع آل محمد من خبز برّ فوق ثلاث ليال.
وله من حديث هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- ما شبع آل محمد بن خبز البر ثلاثا حتى مضى لسبيله.
وللبخاريّ من حديث مسعر بن كدام عن هلال، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما أكل آل محمد أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر [ (5) ] .
وخرجه مسلم ولفظه: ما شبع آل محمد يومين من خبز بر إلا وأحدهما تمر [ (6) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 315، كتاب الزهد والرقاقة، باب (53) ، حديث رقم (200) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (22) .
[ (3) ] سبق تخريجه قريبا.
[ (4) ] سبق تخريجه قريبا.
[ (5) ] (فتح الباري) : 11/ 240، كتاب الرقاق، باب (17) كيف كان عيش النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6455) ، وفيه إشارة إلى أن التمر كان أيسر عندهم من غيره، وفيه إشارة إلى أنهم ربما لم يجدوا في اليوم إلا أكلة واحدة، فإن وجدوا أكلتين فإحداهما تمر.
ووقع عند مسلم من طريق وكيع عن مسعد بلفظ: «ما شبع آل محمد يومين من خبز البرّ إلا وأحدهما تمر» .
وقد أخرج ابن سعد من طريق عمران بن يزيد المدني، حدثني والدي قال: دخلنا على عائشة فقالت: «خرج- تعنى النبي صلى اللَّه عليه وسلم- من الدنيا ولم يملأ بطنه في يوم من طعامين، كان إذا شبع من التمر لم يشبع من الشعير، وإذا شبع من الشعير لم يشبع من التمر» . وليس في هذا ما يدل على ترك الجمع بين لونين. (فتح الباري) .
[ (6) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 316، كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (2971) .(14/279)
وأما ائتدامه بالخلّ
فخرج ابن حبان من حديث ياسين بن معاذ، وعن عطاء، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان أحب الصباغ إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الخل.
وللترمذي من حديث أبى بكر بن عياش، عن أبى حمزة الثمالي، عن الشعبىّ، عن أم هانئ بنت أبى طالب قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال:
هل عندكم شيء؟ فقلت: لا، إلا اكسر يابسه وخلّ، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:
قربيه فما أقفر بيت من أدم فيه خلّ.
قال هذا حديث حسن غريب من حديث أم هانئ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأبو حمزة الثمالي اسمه ثابت بن أبى صفية، وأم هانئ ماتت بعد عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بزمان [ (1) ] .
ولمسلم من حديث أبى عوانة، عن أبى بشر، عن أبى سفيان، عن جابر بن عبد اللَّه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سأل أهله الأدم فقالوا: ما عندنا إلا خلّ، فدعا به، فجعل يأكل، به ويقول: نعم الأدم الخل، نعم الأدم الخل [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 246، كتاب الأطعمة، باب (25) ما جاء في الخل، حديث رقم (1841) . ثم قال:
وسألت محمدا عن هذا الحديث فقال: لا أعرف للشعبيّ سماعا من أم هانئ، فقلت: أبو حمزة كيف هو عندك؟ فقال: أحمد بن حنبل تكلم فيه، وهو عندي مقارب الحديث.
وحديث (1482) عن جابر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: نعم الإدام الخل.
قال أبو عيسى: وهذا أصح من حديث مبارك بن سعيد.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 249- 250، كتاب الأشربة، باب (30) فضيلة الخل والتأدم به، حديث رقم (166) . وفي الحديث فضيلة الخل، وأنه يسمى أدما، وأنه أدم فاضل جيد، قال أهل اللغة: الإدام بكسر الهمزة ما يؤتدم به. يقال: أدم الخبز يأدمه بكسر الدال، وجمع الإدام أدم بضم الهمزة والدال، كإهاب وأهب، وكتاب وكتب.
وفيه النهى عن التأنق في الشهوات، فإنّها مفسدة للدين، سقمة للبدن، هذا كلام الخطابىّ ومن تابعه.
والصواب الّذي ينبغي أن يجزم به أنه مدح للخل نفسه، وأما الاقتصار في المطعم وترك الشهوات فمعلوم من قواعد اخر. واللَّه تعالى أعلم.
وأخرجه أبو داود في كتاب الأطعمة، باب (40) في الخل، حديث رقم (3820) ، (3821) . معنى.(14/280)
ومن حديث إسماعيل بن علية، عن المثنى بن سعيد قال: حدثنا طلحة بن نافع أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: أخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيدي ذات يوم إلى منزله، فأخرج إليه فلقا من خبز فقال: ما من أدم؟ قالوا: إلا شيء، من خل، قال: فإنّ الخل نعم الأدم.
قال جابر: فما زلت أحبّ الخلّ منذ سمعتها من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وقال طلحة: ما زلت أحب الخل منذ سمعتها من جابر. [ (1) ]
ومن حديث يزيد بن هارون قال: حدثنا حجاج بن أبى زينب قال: حدثني أبو سفيان طلحة بن نافع قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنت جالسا في داري فمرّ بي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأشار إليّ فقمت إليه، فأخذ بيدي فانطلقنا حتى أتى بعض حجر نسائه فدخل، ثم أذن لي فدخلت الحجاب عليها، فقال: هل من غداء؟ فقالوا: نعم، فأتى بثلاثة أقرصة فوضعن على نبي [ (2) ] ، فأخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قرصا فوضعه بين يديه وأخذ
__________
[ () ] هذا الكلام: الاقتصاد في المأكل ومنع النفس عن ملاذ الأطعمة، كأنه يقول: ائتدموا بالخل، وما كان في معناه مما تخف مؤنته ولا يعزّ وجوده. (معالم السنن) .
وأخرجه الترمذي في كتاب الأطعمة، باب (35) ما جاء في الخل، حديث رقم (1839) وقال: وفي الباب عن عائشة وأم هانئ، ثم قال: حدثنا عبدة بن عبد اللَّه الخزاعيّ البصري، حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن محارب بن دثار عن جابر، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: نعم الإدام الخلّ، قال أبو عيسى هذا أصح من حديث مبارك بن سعيد [الحديث رقم (1839) ] .
وحديث رقم (1840) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، لا نعرفه من حديث هشام بن عروة إلا من حديث سليمان بن بلال.
وأخرجه ابن ماجة في كتاب الأيمان، باب (21) إذا حلف أن لا يأتدم فأكل خبزا بخلّ، حديث رقم (3805) .
وأخرجه ابن ماجة في كتاب الأطعمة، باب (33) الائتدام بالخل، حديث رقم (3316) ، (3317) ، (3318) وفيه: «نعم الإدام الخل، اللَّهمّ بارك في الخل فإنه كان إدام الأنبياء على قبلي، ولم يفتقر بيت فيه خل.
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 250، كتاب الأشربة، باب (30) فضيلة الخل والتأدم به، حديث رقم (167) .
[ (2) ] النبي: مائدة أو طبق من خوص.(14/281)
قرصا آخر فوضعه بينه ثم أخذ الثالث فكسره باثنين، فجعل نصفه بين يديه، ونصفه بين يديى ثم قال: هل من أدم؟ فقالوا: لا، إلا شيء من خل قال:
هاتوه، فنعم الأدم هو [ (1) ] .
وأما أكله القثاء
فخرج البخاري [ (2) ] من حديث إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن جعفر بن أبى طالب عنهما قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء وخرجه مسلم [ (3) ] بهذا السند ولفظه رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل القثاء بالرطب وخرجه أبو داود [ (4) ] مثله سواء.
وللترمذي [ (5) ] من حديث محمد بن إسحاق، عن أبى عبيدة بن [محمد] بن
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (169) ، وفيه استجاب مواساة الحاضرين على الطعام، وأنه يستحب جعل الخبز ونحوه بين أيديهم بالسوية، وأنه لا بأس بوضع الأرغفة والأقراص صحاحا غير مكسورة.
[ (2) ] (فتح الباري: 9/ 704، كتاب الأطعمة، باب (39) القثاء بالرطب، حديث رقم (5440) ، باب (45) اقثاء (حديث رقم 54470) ، باب (47) جمع اللونين أو الطعامين بمرّة، حديث رقم (5449) . ويؤخذ منه جواز مراعاة صفات الأطعمة وطبائعها واستعمالها على الوجه اللائق بها على قاعدة الطب، لأن في الرطب حرارة، وفي القثاء برودة، فإذا أكلا معا اعتدلا، وهذا أصل كبير في المركبات من الأدوية.
وترجم أبو نعيم في (الطب) باب الأشياء التي توكل مع الرطب ليذهب ضرره، فساق هذا الحديث. (فتح الباري) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 238- 239، كتاب الأشربة، باب (33) أكل القثاء بالرطب، حديث رقم (147) . وقد جاء في غير (مسلم) زيادة قال: يكسر حرّ هذا برد هذا، فيه جواز أكلهما معا، وأكل الطعامين معا، والتوسع في الأطعمة، ولا خلاف بين العلماء في جواز هذا، وما نقل بعض السلف من خلاف هذا، فمحمول على كراهة اعتياد التوسع والترفة لغير مصلحة دينية. واللَّه تعالى أعلم. (شرح النووي) .
[ (4) ] (سنن أبى داود) : 4/ 176، كتاب الأطعمة، باب (45) في الجمع بين لونين في الأكل، حديث رقم (3835) .
وفي سنن الترمذي) : 4/ 247، كتاب الأطعمة، باب (37) ما جاء في أكل القثاء بالرطب، حديث رقم (1844) .
[ (5) ] (شمائل الترمذي) : 167- 168، باب 300) ما جاء في فاكهة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم 2030) ، وهو حديث ضعيف تفرديه المصنف والقناع: الطبق الّذي يؤكل عليه، وأجر زغب، اجر: جمع جرو، وهو(14/282)
عمار بن ياسر، عن الربيع بن معوذ بن عفراء قالت: بعثني معاذ بن عفراء بقناع من رطب وعليه أجر من قثاء زغب وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحب القثاء، فأتيته به وعنده حلية قد قدمت عليه من البحرين فملأ يده منها فأعطانيه.
ولابن حبان من حديث معاوية بن هشام حدثنا سفيان عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عنها قالت: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يجمع البطيخ بالرطب [ (1) ] [والقثاء بالبلح] [ (2) ]
وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الدّباء
فخرج البخاري من حديث ابن عون حدثنا ثمامة بن عبد اللَّه بن أنس عن أنس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كنت غلاما أمشى مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فدخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على غلام له خياط فأتاه بقصعة فيها طعام وعليها دباء فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتتبع الدباء، وقال: فلما رأيت ذلك جعلت أجمعه بين يديه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: فأقبل الغلام على عمله. قال: أنس لا أزال أحب الدباء بعد ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صنع ما صنع. ترجم عليه باب من أضاف رجلا إلى طعام وأقبل هو على عمله [ (3) ] ، أخرجه في باب الدباء. [ (4) ]
__________
[ () ] الصغير منكل شيء، وقيل: من القثاء خاصة وزغب، جمع أزغب، وهو الّذي عليه زغبة، والزغب. هو الشعيرات الدقيقة التي تكون على الثمرة عند بدء ظهورها.
[ (1) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 12/ 51- 52، كتاب الأطعمة، باب (1) آداب الأكل، ذكر الإباحة للمرء أن يجمع في أكله بين الشيئين من المأكول، حديث رقم (5246) .
[ (2) ] ما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط.
[ (3) ] (فتح الباري) : 9/ 701، كتاب الأطعمة، باب (35) من أضاف رجلا إلى طعام، وأقبل هو على عمله، حديث رقم (5435) .
[ (4) ] (المرجع السابق) باب (33) الدباء، حديث رقم (5433) مختصرا، وأخرجه أيضا في باب (36) المرق، حديث رقم (5436) ، وفي باب (38) من ناول أو قدم إلى صاحبه على المائدة شيئا، قال: وقال ابن المبارك:
لا بأس أن يناول بعضهم بعضا، ولا يناول من هذه المائدة إلى مائدة أخرى، حديث رقم (5439) . وفي باب (37) القديد، حديث رقم (5437) . والدّبّاء: هو القرع.(14/283)
وخرّجه مسلم من حديث أبي أسامة عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، قال: دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رجل فانطلقت معه فجيء بمرقة فيها دبّاء فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل من ذلك الدباء وتعجبه، قال: فلما رأيت ذلك جعلت ألقيه إليه ولا أطعمه. قال: فقال أنس: فما زلت بعد ذلك يعجبني الدّبّاء [ (1) ] .
ومن حديث عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن ثابت البنانيّ وعاصم الأحول، عن أنس، أن رجلا خياطا دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فذكره، وزاد ثابت:
سمعت أنسا يقول فما صنع لي طعام بعد أقدر على أن يصنع فيه دباء إلا صنع [ (2) ] .
وخرّجه مالك في (الموطأ) [ (3) ] ، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: إن خياطا دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لطعام صنعه قال أنس: فذهبت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى ذلك الطعام، فقرّب إليه خبزا من شعير ومرقا فيه دبّاء قال أنس: فرأيت رسول اللَّه
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 236، كتاب الأشربة، باب (21) جواز أكل المرق، واستحباب أكل اليقطين، وإيثار أهل المائدة بعضهم بعضا، وإن كانوا ضيفانا، وإذا لم يكره ذلك صاحب الطعام، حديث رقم (145) ، وفيه فوائد: منها إجابة الدعوة، وإباحة كسب الخياط، وإباحة المرق، وفضيلة أكل الدباء، وأنه يستحب أن يحب الدباء، وكذلك كل شيء كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحبه، وأنه يحرص على تحصيل ذلك، وأنه يستحب لأهل المائدة إيثار بعضهم بعضا إذا لم يكرهه صاحب الطعام.
وأما تتبع الدباء من حوالي الصحفة فيحتمل وجهين: أحدهما، من حوالي جانبه، وناحيته من الصحفة لا من حوالي جميع جوانبها، إنما نهى عن ذلك لئلا يتقذره جليسه. ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يتقذره أحد، بل يتبركون بآثاره صلى اللَّه عليه وسلم فقد كانوا يتبركون ببصاقه صلى اللَّه عليه وسلم ونخاته، ويدلكون بذلك وجوههم، وشرب بعضهم بوله، وبعضهم دمه، وغير ذلك، مما هو معروف من عظيم اعتنائهم بآثاره التي يخالفه فيها غيره.
والدباء: هو اليقطين، وهو بالمد- هذا هو المشهور- وحكى القاضي عياض فيه القصر أيضا، الواحدة دباءة، أو دباة. واللَّه تعالى أعلم. (شرح النووي) .
[ (2) ] سبق تخريجه.
[ (3) ] (موطأ مالك) : 272، كتاب النكاح، ما جاء في الوليمة، حديث رقم (1150) ، وقال في هامشه: الدباء:
هو القرع، وقيل: هو خاصّ بالمستدير منه.(14/284)
صلى اللَّه عليه وسلم يتتبع الدباء من حول القصعة، فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم.
قال ابن عبد البر: هكذا هذا الحديث في (الموطأ) عند جميع رواته فيما علمت بهذا الإسناد، وزاد بعضهم في ذكر القديد.
قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، عن أبيه قال: دخلت على النبي صلى اللَّه عليه وسلم في بيته وعنده هذه الدباء فقلت: أي شيء هذا؟ قال: هذا القرع، هو الدباء تكثر به طعامنا [ (1) ] .
وخرجه النسائيّ [ (2) ] ولفظه: فرأيت عنده دباء يقطع فقلت: ما هذا؟ قال: نكثر به طعامنا.
وللترمذي [ (3) ] من حديث الليث عن معاوية بن أبي صالح، عن أبي طالوت، قال: دخلت على أنس بن مالك وهو يأكل القرع وهو يقول: يا لك [من] شجرة ما أحبك إلا لحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إياك. قال: وفي الباب عند حكيم بن جابر، عن أبيه. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من هذا الوجه.
قال ابن عبد البر: من صريح الإيمان حبّ ما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحبه، واتباع ما كان يفعله، ألا ترى إلى قول أنس: فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم؟،
وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم السمن والأقط
فخرج البخاري [ (4) ] من حديث شعبة قال: حدثنا جعفر بن إياس قال:
سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال:
__________
[ (1) ] (سنن ابن ماجة) : 2/ 1098، كتاب الأطعمة، باب (26) الدباء، حديث رقم (3304) ، قال في مجمع الزوائد) : هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات.
[ (2) ] راجع التعليق السابق، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 469، حديث رقم (18621) ، وفيه: «وعنده الدباء» ، وحديث رقم (18622) وفيه: «فرأيت عنده قرعا كلاهما من حديث جابر الأحمسيّ- رضي اللَّه تبارك تعالى عنه.
[ (3) ] (سنن الترمذيّ) : 4/ 250، كتاب الأطعمة، باب (42) ما جاء في أكل الدباء، حديث رقم (1849) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 5/ 254، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (7) قبول الهدية، حديث رقم (2575) .(14/285)
أهدت أم حفيد- خالة ابن عباس- إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم أقطا وسمنا وأضبّا، فأكل النبي صلى اللَّه عليه وسلم من الأقط والسمن وترك الأضبّ تقذرا قال ابن عباس: فأكل على مائدة رسول صلى اللَّه عليه وسلم ولو كان حراما ما أكل على مائدة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
وخرجه أبو داود [ (1) ] بهذا الإسناد وقال: إن خالته أهدت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. ذكره البخاري في كتاب الهبة [ (2) ] . وخرجه مسلم [ (3) ] من حديث شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير- قال: سمعت ابن عباس يقول: أهدت خالتي أم حفيد [ (4) ] إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الحديث بنوه. وذكره البخاري أيضا في كتاب الأطعمة [ (5) ] ، وفي كتاب الاعتصام [ (6) ] ، ومن حديث أبي عوانه، عن أبي بشر.
__________
[ (1) ] (سنن أبي داود) : 4/ 153، كتاب الأطعمة، باب (28) في أكل الضبّ، حديث رقم (3793) . وقد اختلف الناس في أكل الضب، فرخص فيه جماعة من أهل العلم. روى ذلك عن عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وإليه ذهب مالك بن أنس، والأوزاعيّ والشافعيّ، وكرهه قوم. روى ذلك عن على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وبه قال أبو حنيفة وأصحابه. وقد روي في النهي عن أكل الضب حديث ليس إسناده بذلك، ذكره أبو داود في هذا الباب. (معالم السنن) .
[ (2) ] سبق تخريجه.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 157، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم (1947) .
وفيه تصريح بما اتفق عليه العلماء، وهو إقرار النبي صلى اللَّه عليه وسلم الشيء وسكوته عليه إذا فعل بحضرته، يكون دليلا لإباحته، ويكون بمعنى قوله: أذنت فيه وأبحته، فإنه صلى اللَّه عليه وسلم لا يسكت على باطل، ولا يقر منكرا. واللَّه تعالى أعلم. (شرح النووي) .
[ (4) ] اسمها هزيلة، ذكرها ابن عبد البر وغيره في الصحابة.
[ (5) ] باب (8) الخبز المرقق، والأكل على الخوان والسفرة، حديث رقم (5389) وباب (16) الأقط، حديث رقم (5402) .
[ (6) ] باب (24) الأحكام التي تعرف بالدلائل، وكيف معنى الدلالة وتفسيرها، وقد أخبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم أمر الخيل وغيرها، ثم سئل عن الحمر فدلهم على قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ،
وسئل النبي صلى اللَّه عليه وسلم عن الضب فقال: لا آكله ولا أحرمه، وأكل على مائدة النبي صلى اللَّه عليه وسلم الضبّ،
فاستدل به ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بأنه ليس بحرام، حديث رقم (7358) .(14/286)
وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الحيس [ (1) ]
فخرج أبو داود [ (2) ] من حديث عمر بن سعيد، عن رجل من أهل البصرة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد من الخبز والثريد من الحيس.
وخرجه ابن حبان ولفظه: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد من التمر وهو الحيس.
وخرجه النسائي [ (3) ] من حديث أبي الأحوص، عن طلحة بن يحيى، عن مجاهد، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوما فقال: هل عندكم شيء؟ فقلت: لا، قال: فإنّي صائم، ثم مرّ بى بعد ذلك اليوم وقد أهدى إليّ حيس فخبأت له منه- وكان يحب الحيس- قلت: يا رسول اللَّه إنه أهدى لنا حيس فخبأت لك منه، قال: أدنيه، أما إني قد أصبحت وأنا صائم فأكل منه، ثم قال: إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها، وإن شاء حبسها.
وأما حبّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد.
فقال أبو بكر بن أبي شيبة عن السدي: أول من ترد الثريد إبراهيم الخليل عليه السلام [ (4) ] .
وخرج الحاكم من حديث عباد بن العوام [ (5) ] ، عن حميد، عن أنس، أن
__________
[ (1) ] الحيس: التمر البرنيّ والأقط يدقان ويعجنان بالسمن عجنا شديدا حتى يندر النوى منه نواة نواة، ثم يسوى كالثريد، وهي الوطبة أيضا، إلا أن الحيس ربما جعل فيه السويق، وأما الوطبة فلا. وفي الحديث أنه صلى اللَّه عليه وسلم أولم على بعض نسائه بحيس. (لسان العرب) : 6/ 61.
[ (2) ] (سنن أبي داود) : 4/ 147، كتاب الأطعمة، باب (23) في أكل الثريد، حديث رقم (3783) . قال أبو داود: وهو ضعيف.
[ (3) ] (سنن النسائي) : 4/ 506- 507، كتاب الصيام، باب (67) النية في الصيام والاختلاف على طلحة بن يحيى بن طلحة في خبر عائشة فيه، حديث رقم (2321) .
[ (4) ] (المصنف) : 7/ 254، كتاب الأوائل، حديث رقم (35806) .
[ (5) ] (المستدرك) : 4/ 129، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7116) .(14/287)
النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم كان يعجبه الثفل، قال: فسمعت أبا محمد يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق يقول: الثفل هو الثريد.
ومن حديث المبارك بن سعيد [ (1) ] ، عن عمر بن سعيد كذا، عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، فإن عمر بن سعيد هذا هو أخو سفيان والمبارك ابنا سعيد.
وخرجه ابن حبان من حديث المبارك هذا عن عمر عن عكرمة قال: صنع سعيد بن جبير طعاما، ثم أرسل إلى ابن عباس: ائتني أنت ومن أحببت من مواليك، فجاءوا وجئنا معه، قالوا له: ائتنا بالثريد، فإنه كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، الثريد من الخبز.
وللترمذي [ (2) ] من حديث العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن أبى سوية أبو الهذيل، قال: حدثنا عبيد اللَّه بن عكراش عن أبيه عكراش بن ذؤيب، قال: بعثني بنو مرّة بن عبيد بصدقات أموالهم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقدمت عليه المدينة فوجدته جالسا بين المهاجرين والأنصار، قال: ثم أخذ بيدي فانطلق بي إلى بيت أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقال: هل من طعام؟
فأتينا بجفنة كثيرة الثريد والوذر [ (3) ] وأقبلنا نأكل منها، فخبطت بيدي من
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (7117) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. ثم قال الحاكم:
فأما
قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» ، فإنه مخرج في الصحيحين.
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 249- 250، كتاب الأطعمة، باب (41) ما جاء في التسمية في الطعام، حديث رقم (1848) .
وأخرجه ابن ماجة في كتاب الأطعمة، باب (11) الأكل مما يليك، حديث رقم (3274) .
[ (3) ] الوذر: قطع اللحم التي لأعظم فيها، الواحدة وذرة.(14/288)
نواحيها، وأكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من بين يديه، فقبض بيده اليسرى على يدي اليمنى ثم قال: يا عكراش! كل من موضع واحد، فإنه طعام واحد، ثم أتينا بطبق فيه ألوان من الرطب أو من التمر- شك عبيد اللَّه- قال: فجعلت آكل من بين يديه، وجالت يد رسول اللَّه. ص) في الطبق وقال: يا عكراش! كل من حيث شئت، فإنه غير لون واحد، ثم أتينا بماء فغسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يديه ومسح ببلل كفيه وجهه وذراعيه ورأسه وقال: يا عكراش هذا الوضوء مما غيّرت النار.
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث العلاء بن الفضل، وقد تفرد العلاء بهذا الحديث ولا نعرف لعكراش عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلا هذا الحديث.
وقال زيد بن ثابت- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: لم يدخل منزل النبي صلى اللَّه عليه وسلم هدية، أول هدية دخلت بها عليه قصعة مثرورة خبزا وسمنا ولبنا فأضعها بين يديه، فقلت: يا رسول اللَّه، أرسلت بهذه القصعة أمي، فقال عبادة: على رأس غلام بارك اللَّه فيك، فدعا أصحابه فأكلوا، فلم أرم البيت حتى جاءت قصعة سعد بن عبادة على رأس غلام مغطاة، فوضعت على باب أبي أيوب، وأكشف غطاءها لأنظر، فرأيت عراق لحم، فدخل بها على رسول اللَّه فقال زيد: فلقد كنا بني النجار لا تمر ليلة إلا على باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منا الثلاثة يخلفون الطعام يتناوبون بينهم، حتى تحرك رسول اللَّه من بيت أبي أيوب، وكان مقامة فيه تسعة أشهر، وكانت [لا] تخطئه جفنة سعد بن عبادة، وجفنة سعد بن زرارة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- كل ليلة.(14/289)
وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم اللحم
فقد اتفقا على حديث الزهريّ عن جعفر بن أمية عن أبيه، أنه رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحتز من كتف شاة في يده فدعي إلى الصلاة فألقاها والسكين التي يحتز بها، ثم قام فصلى ولم يتوضأ [ (1) ] .
وفي لفظ: أنه رأى رسول اللَّه يحتز من كتف شاة يأكل منها، ثم صلى ولم يتوضأ [ (2) ] .
وفي آخر: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل ذراعا يحتز منها فدعى إلى الصلاة، فقام، فطرح السكين ولم يتوضأ [ (3) ] .
ولمسلم من حديث بكير بن الأشج عن كريب عن ميمونة- رضى اللَّه تعالى عنها- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أكل عندها كتفا ثم صلى ولم يتوضأ [ (4) ] .
ومن حديث سعيد بن أبي هلال عن عبد اللَّه [بن عبيد اللَّه] بن أبي رافع عن أبي غطفان عن أبي رافع، قال: أشهد لكنت أشوى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بطن الشاة ثم صلى ولم يتوضأ [ (5) ] .
ولأبي داود من حديث مسعر، عن أبي صخرة جامع بن شداد، عن المغيرة بن عبد اللَّه عن المغيرة بن شعبة قال: ضفت النبي صلى اللَّه عليه وسلم ذات ليلة فأمر بحنب فشوي، وأخذ الشفرة فجعل يحزّ بها منها، قال فجاء بلال فآذنه
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 683، كتاب الأطعمة، باب (20) قطع اللحم بالسكين، حديث رقم (5408) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 126، كتاب الجهاد، باب (92) ما يذكر في السكين، حديث رقم (2923) .
[ (3) ] زيادة عقب الحديث السابق من حديث أبي اليمان، أخبرنا شعيب عن الزهريّ وزاد: «فألقي السكين» .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 285، كتاب الحيض، باب (24) نسخ الوضوء مما مسته النار، حديث رقم (356) .
[ (5) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (357) .(14/290)
بالصلاة، قال: فألقى الشفرة وقال: ما له؟ تربت يداه وقام يصلي [ (1) ] .
ولأبي داود من حديث ابن عليه عن عبد الرحمن بن إسحاق عن عبد الرحمن بن معاوية عن عثمان بن أبي سليمان عن صفوان بن أمية، قال: كنت آل مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم فآخذ اللحم من العظم فقال ادن العظم من فيك، فإنه أهنأ وأمرأ [ (2) ] وخرجه الحاكم وقال حديث صحيح [ (3) ] .
ومن حديث زهير عن أبي إسحاق عنه سعيد بن عياض عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كان أحب العراق إلى رسول اللَّه عراق الشاة [ (4) ] .
وبهذا الإسناد قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم تعجبه الذراع [ (5) ] .
__________
[ (1) ] وأخرجه الترمذي في (الشمائل) : 139، حديث رقم (167) ، وفيه: «ضفت مع رسول اللَّه» أي نزلت عليه ضيفا.
وأخرجه أيضا الإمام أحمد في (المسند) ، والطبراني في (الكبير) ، والبغوي في (شرح السنة) ، كلهم من طريق مسعر عن أبي صخرة به.
[ (2) ] (سنن أبي داود) : 4/ 145، كتاب الأطعمة، باب (21) في أكل اللحم، حديث رقم (3779) . قال أبو داود: عثمان لم يسمع من صفوان، وهو مرسل.
[ (3) ]
(المستدرك) : 4/ 126، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7103) ، وفيه: «قرب اللحم من فيك فإنه أهنأ وأمرأ» قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) :
صحيح.
و [ (4) ] (سنن أبي داود) : 4/ 146، كتاب الأطعمة، باب (21) في أكل اللحم، حديث رقم (37800) .
والعراق: بضم العين وسكون الراء جمع عرق، العظم إذا أخذ عنه معظم اللحم، وهو جمع نادر. وهذا الحديث نسبه المنذري للنسائي أيضا.
[ (5) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3781) .(14/291)
وللدارميّ من حديث سفيان قال: حدثنا مسعد قال: سمعت رجلا من بني فهم قال: سمعت عبد اللَّه بن جعفر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- يقول: كنا عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأتي بلحم فجعل القوم يلقمونه اللحم، فقال صلى اللَّه عليه وسلم أطيب اللحم لحم الظهر [ (1) ] .
ومن حديث خالد بن عبد اللَّه، عن أبى حيان [التيمي عن أبي زرعة، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتى بلحم فرفعت إليه الذراع وكانت تعجبه [ (2) ] .
وللترمذيّ من حديث زبان بن يزيد، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبي عبيد، قال طبخت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قدرا وكان يعجبه الذراع فناولته الزراع، ثم قال: ناولني الذراع فناولته، ثم قال: ناولني الذراع فقلت: يا رسول اللَّه! وكم للشاة من ذراع؟ فقال: والّذي نفسي بيده لو سكتّ لنا ولتني الذراع ما دعوت [ (3) ] .
ولابن حبان من حديث طالوت بن عباد قال: حدثنا سعيد بن راشد حدثنا محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يكن يعجبه في الشاة إلا الكتف.
وخرج الحاكم من حديث العباس عبدان قال: أخبرنا الفضل بن موسى. حدثنا عبد اللَّه ابن كيسان حدثنا عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأبا بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أتوا بيت أبي أيوب فلما أكلوا وشبعوا
__________
[ (1) ] لم أجده (سنن الدارميّ) ، لكنه في (المستدرك) : 4/ 124، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7097) ، وصرح فيه باسم الفهميّ وقال: أري اسمه محمد بن عبد الرحمن، ثم قال: وقد رواه رقبة بن مصقلة عن ذا الفهميّ ولم ينسبه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح، ورواه عن هذا الفهميّ رقبة بن مصقلة.
وحديث رقم (7098) وقال: قد صح الخبر بالإسنادين ولم يخرجاه، ووافقه الحافظ الذهبي في (التلخيص) .
وأخرجه أيضا الترمذي في (الشمائل) : 143، حديث رقم (172) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 140، حديث رقم (168) ، وفيه: «وكانت تعجبه فنهس منها» ، أي أخذ منها بفمه صلى اللَّه عليه وسلم.
[ (3) ] (المرجع السابق) : 141، حديث رقم (170) ، تفرد به الترمذيّ وهو صحيح لغيره.(14/292)
قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: خبز ولحم وتمر وبسر ورطب! إذا أصبتم مثل هذا فضربتم بأيديكم فكلوا بسم اللَّه وبركة اللَّه.
قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] .
ومن حديث مسدد حدثنا يحيى بن سليم المكيّ، حدثنا إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه قال: كنت وافد بني المنتفق إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقدمنا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلم نصادفه في منزله، وصادفنا عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فأمرت لنا بحريرة فصنعت لنا، وأتينا بقناع- والقناع الطبق فيه تمر- ثم جاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: هل أصبتم شيئا؟ أو آمر لكم بشيء؟ فقلنا: نعم يا رسول اللَّه.
قال: فبينما نحن مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جلوس قال: فدفع الراعي غنمه إلى المراح ومعه سخلة ينفر، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما ولدت يا فلان؟ قال: بهمة، قال: فاذبح لنا مكانها شاة، ثم أقبل علينا، فقال: لا تحسبن أنا من أجلك ذبحناها، لنا غنم مائة ولا نريد أن تزيد فإذا ولدت بهمة ذبحنا مكانها شاة! يا رسول اللَّه! إن لي امرأة فذكر من طول لسانها وبذائها، فقال: طلقها، فقلت إن لي منها ولدا، قال: فمرها، يقول: عظها فإن يك فيها خير فستفعل، ولا تضرب ظعينتك كضربك أمتك.
قال: قلت: يا رسول اللَّه أخبرني عن الوضوء، قال: أسبغ الوضوء، وخلل الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (2) ] .
ومن حديث عفان بن مسلم حدثنا أبو عوانة، عن أسود بن قيس، عن نبيح العنزي، عن جابر بن عبد اللَّه- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه-، قال: لما قتل أبي ... فذكر الحديث بطوله، وقال فيه: قلت لامرأتى: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجيئنا اليوم نصف النهار، فلا تؤذي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولا تكلميه. قال: فدخل وفرشت له فراشا ووسادة، فوضع رأسه ونام، فقلت لمولى لي: اذبح هذه العناق
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 120، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7084) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) :
صحيح.
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 123، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7094) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) :
صحيح.(14/293)
- وهي داجن سمينة- والوحا والعجل، افرغ قبل أن يستيقظ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأنا معك، فلم نزل فيها حتى فرغنا [منها] وهو نائم: فقلت له: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا استيقظ يدعو بالطهور، وإني أخاف إذا فزع أن يقوم فلا يفرغن من وضوئه حتى نضع العناق بين يديه، فلما قام قال: يا جابر ائتني بطهور، فلم يفرغ من طهوره [ (1) ] حتى وضعت العناق بين يديه، فنظر إليّ فقال: كأنك قد علمت حبنا اللحم [ (2) ] ! أدع لي أبا بكر، ثم دعا حواريه الذين معه فدخلوا فضرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيده وقال: بسم اللَّه كلوا، فأكلوا حتى شبعوا وفضل منها لحم كثير، وذكر باقي الحديث. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] .
وخرجه ابن حبان في (صحيحه) من حديث يحيى بن مسلم به [ (4) ] .
وخرج الحاكم [ (5) ] من حديث حبيب بن الشهيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر قال: أمرني أبي بخزيرة فصنعت، ثم أمرني فحملتها إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فإذا هو في منزله فقال: ما هذا يا جابر؟ ألحم هذا؟ قلت: لا يا رسول اللَّه ولكنها خزيرة أمرنى بها أبي فصنعت، ثم أمرني فحملتها إليك، ثم رجعت إلي أبي فقال: هل رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قلت: نعم، قال: فما قال لك؟ قلت:
__________
[ (1) ] (في الأصل) : «وضوئه» .
[ (2) ] كذا في (الأصل) ، وفي (المستدرك) : «كأنك علمت حبنا للحم» .
[ (3) ] (المستدرك) : 4/ 123- 124، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7096) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) :
صحيح.
[ (4) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 15/ 487- 488، كتاب إخباره صلى اللَّه عليه وسلم عن مناقب الصحابة، رجالهم ونسائهم، ذكر عبد اللَّه بن عمرو بن حرام أبو جابر رضوان اللَّه عليه، حديث رقم (7020) ، وقال في (هامشه) : إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح غير إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، وهو ثقة، روى له النسائي. عمرو بن دينار هو المكيّ.
[ (5) ] (المستدرك) : 4/ 124- 125، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7099) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. والخزيرة: لحم يقطع صغارا، ويصب عليه ماء كثير، فإذا نضج ذرّ عليه الدقيق.
والداجن: الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم.(14/294)
قال: ألحم هذا يا جابر؟ قال أبي: عسى أن يكون رسول اللَّه اشتهى اللحم!! فقام إلى داجن له فذبحها وشواها، ثم أمرني بحملها إليه، فقال: حملتها إليه فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: جزى اللَّه الأنصار عنا خيرا، ولا سيما عبد اللَّه بن عمرو بن حرام، وسعد بن عبادة.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
ومن حديث علي بن عاصم حدثنا عبيد اللَّه بن أبي بكر بن أنس قال:
سمعت أنسا يقول: أنفجت أرنبا بالبقيع فاشتدّ في أثرها فكنت فيمن اشتدّ فسبقته إليها، فأخذتها، فأتيت بها أبا طلحة، فأمر بها فذبحت ثم شويت، فأخذ عجزها، فأرسل به معي إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: ما هذا؟ قلت عجز أرنب بعث بها أبو طلحة إليك فقبله مني.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] .
وأما أكله عليه السلام القلقاس
فقال الدولابي: أهدى أهل أيلة إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم القلقاس، فأكله وأعجبه وقال: ما هذا؟ فقالوا: شحمة الأرض، فقال: إن شحمة الأرض لطيبة [ (1) ] .
وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم القديد
فخرج البخاري من حديث مالك، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة أنه سمع أنسا يقول: إن خياطا دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لطعام صنعه له، قال أنس: فذهبت مع رسول اللَّه إلى ذلك الطعام، فقرب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خبزا من شعير ومرقا فيه دباء وقديد.. الحديث. ترجم عليه باب من ناول أو قدّم إلى صاحبه على المائدة شيئا [ (2) ] وذكره في باب من تتبع حوالي القصعة مع
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 125، كتاب الأطعمة، حديث رقم (71000) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) :
صحيح.
[ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 703، كتاب الأطعمة، باب (38) من ناول أو قدم إلى صاحبه على المائدة شيئا، حديث رقم (54390) .(14/295)
صاحبه [ (1) ] إذا لم يعرف منه كراهة، وذكره في البيوع في باب الخياط [ (2) ] وفي الأطعمة، في باب المرق [ (3) ] .
وخرجه مسلم [ (4) ] وأبو داود [ (5) ] بنحوه أو قريبا منه.
ولابن حبان من حديث الحسين بن واقد، قال: أخبرنا أبو الزبير، عن جابر قال: أكلنا القديد مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (6) ] .
وقد أورد مالك رحمه اللَّه هذا الحديث كما تقدم أولا، وليس فيه إلا:
فقرب له خبزا من شعير ومرقا فيه دباء [ (7) ] .. الحديث.
قال ابن عبد البر: هكذا هذا الحديث في (الموطأ) عنه، جميع رواته القعنبي، وابن بكير، في حديث مالك هذا عن إسحاق، عن أنس ذكر القديد فقالا: بطعام فيه دباء وقديد، وتابعهم على ذلك قوم منهم أبو نعيم.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم. (5379) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2092) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (5436) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 335- كتاب الأشربة، باب (21) جواز أكل المرق، واستحباب اليقطين، وإيثار أهل المائدة بعضهم بعضا وإن كانوا ضيفانا، وإذا لم يكره ذلك صاحب الطعام، حديث رقم (144) .
[ (5) ] (سنن أبي داود) : 4/ 146- 147، كتاب الأطعمة، باب في أكل الدباء، حديث رقم. (3782) .
وحديث رقم. (3773) ، وفيه: كان للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قصعة يقال لها الغراء يحملها أربعة رجال، فلما أضحوا وسجدوا الضحى أتي بتلك القصعة- يعني وقد ثرد فيها- فالتفوا عليها.. الحديث. وأخرجه ابن ماجة في الأطعمة باب الأكل متكئا، حديث رقم. (3263) .
[ (6) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 13/ 253- 254، كتاب الأضحية، باب إباحة اتخاذ المرء القديد من لحم أضحيته لسفره، حديث رقم (5930) .
[ (7) ] (الموطأ) : 372، كتاب النكاح، ما جاء في الوليمة.
وفيه أن الموكل لأهله وخدمه بأكل ما يشتهيه حيث رآه في ذلك الإناء إذا علم أن مؤاكله لا يكره ذلك، وإلا فلا يتجاوز ما يليه، وقد علم أحدا لا يكره منه شيئا، بل كانوا يتبركون بريقه وغيره مما مسه، بل كانوا يتبادرون إلى نخامته فيتدلكون بها. (شرح الزرقانى على الموطأ) : 3/ 211، كتاب النكاح، باب (381) ما جاء في الوليمة، حديث رقم (1188) .(14/296)
وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم المنّ [ (1) ]
فخرج الإمام أحمد من حديث يزيد بن هارون حدثنا سفيان، عن حسين بن علي، عن زيد، عن أنس قال: أهدي الأكيدر لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جرة من منّ فلما انصرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الصلاة مرّ على القوم فجعل يعطي كل رجل منهم قطعة، فأعطى جابرا قطعة، ثم إنه رجع إليه فأعطاه قطعة أخرى، فقال:
إنك قد أعطيتني مرة! فقال: هذه لبنات عبد اللَّه [ (2) ] .
وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الجبن
فخرج الإمام أحمد من حديث شريك، عن جابر، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: أتي النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحبنة في غزاة، فقال: أين صنعت هذه؟ فقالوا: بفارس، ونحن نرى أنه يجعل فيها ميتة فقال صلى اللَّه عليه وسلم: اطعنوا فيها بالسكين، واذكروا اسم اللَّه، وكلوا [ (3) ] .
ومن حديث وكيع حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتي بجبنة فجعل أصحابه يضربونها بالعصي، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ضعوا السكين واذكروا اسم اللَّه وكلوا [ (4) ] .
وقال الواقدي وأتي رسول اللَّه بجنبة بتبوك، فقالوا: يا رسول اللَّه! إن هذا طعام تصنعه فارس وإنا نخشى أن يكون فيه ميتة. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:
ضعوا فيه السكين، واذكروا اسم اللَّه [ (5) ] .
__________
[ (1) ] المنّ كل طلّ ينزل من السماء على شجر أو حجر، ويحلو وينعق عسلا، ويجف جفاف الصمغ، (القاموس المحيط) : 4/ 288.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 3/ 571، حديث رقم (11815) ، من مسند أنس بن مالك- رضى اللَّه تعالى-.
[ (3) ] (المرجع السابق) : 1/ 498، حديث رقم (2750) ، من مسند عبد اللَّه بن عباس- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما-
[ (4) ] راجع التعليق السابق، وزاد في آخر الحديث السابق: ذكره شريك مرة أخرى فزاد فيه: فجعلوا يضربونها بالعصيّ.
[ (5) ] (مغازي الوافدى) : 3/ 1019، غزوة تبوك.(14/297)
وخرّج أبو داود من حديث إبراهيم بن عيينة، عن عمرو بن منصور، عن الشعبي، عن ابن عمر قال: أتي النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بجبنة في تبوك فدعا بسكين، فسمي وقطع [ (1) ] .
ولفظ ابن حبان قال: أتي النبي صلى اللَّه عليه وسلم بجبنة من جبن تبوك، فدعا بالسكين فسمى وقطع [ (2) ] .
قال الخطّابي [ (3) ] : إنما جاء به أبو داود من أجل أن الجبن كان يعمله قوم الكفار لا تحل ذكاتهم، وكانوا يعقدونها بالنافح، وكان من المسلمين من يشاركهم في صنعة الجبن، فأباحه النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم على ظاهر الحال ولم يمتنع من أكله من أجل مشاركة الكفار المسلمين فيه.
قال: مؤلفه: في دعوى أبي سليمان [ (4) ] رحمة اللَّه أن من المسلمين من كان يشارك المشركين في عمل الجبن يتوقف على النقل ولم يكن إذ ذاك بفارس ولا بالشام أحد من المسلمين فتأمله [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (سنن أبي داود) : 4/ 169، كتاب الأطعمة، باب (39) أكل الجبن، حديث رقم (3819) .
[ (2) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 12/ 46، كتاب الأطعمة، باب آداب الأكل، ذكر إباحة قطع المرء الأشياء التي تؤكل، ضدّ قول من كرهه، حديث رقم (5241) ، وإسناده حسن.
وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) : 10/ 6، كتاب الضحايا، باب أكل الجبن، وذكر ستة أحاديث بألفاظ متقاربة من طرق.
[ (3) ] (معالم السنن) : 4/ 169، تعليقا على الحديث رقم (3819) .
[ (4) ] هو الإمام حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب، من ولد زيد بن الخطاب، والخطابي بفتح الخاء وتشديد الطاء، نسبة إلى جده الخطاب المذكور. يكنى أبو سليمان البستيّ بضم الباء وسكون السين نسبة إلى بست، وهي مدينة من بلاد كابل، له مكانة علمية مرقوقة بين أقرانه، من مؤلفاته: غريب الحديث، وإعلام السنن شرح البخاري، ومعالم السنن شرح سنن أبي داود، وكتاب إصلاح غلط المحدثين، وكتاب شأن الدعاء، وكتاب العزلة، وغير ذلك. ولد في رجب سنة 139 هـ في بلدة بست، وتوفي فيها سنة 388 هـ. رحمة اللَّه (معالم السنن) على هامش (سنن أبي داود) ، المقدمة.
[ (5) ] خرّج البيهقي في (السنن البري) : 10/ 6- 7، كتاب الضحايا، باب ما يحل من الجبن وما لا يحل، ومن حديث شعبة عن رجل من بنى عقيل عن عمه، قال: قرئ علينا كتاب عمر بن الخطاب- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أن كلوا الجبن مما صنعه أهل الكتاب قال الشيخ: هو إبراهيم العقيلي، وعمه ثور بن قدامة، رواه الثوريّ عنه. وله من حديث قيس بن السكن قال: قال عبد اللَّه- هو ابن مسعود- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه-: كلوا الجبن ما صنع المسلمون وأهل الكتاب. (المرجع السابق) .(14/298)
وقد خرج هذا الحديث أبو حاتم البستي، وقال أبو حاتم الرازيّ: الشعبيّ لم يسمع من ابن عمر، وقال غير واحد: إنه سمع، قلت: وإبراهيم بن عيينة أخو سفيان بن عيينة، قال أبو حاتم الرازيّ: شيخ يأتي يمينا وسئل عنه أبو داود فقال: صالح.
وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الشواء [ (1) ]
فقد تقدم حديث أبى رافع: أشهد لكنت أشوى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بطن الشاة، وحديث المغيرة: صنعت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم فأمر بجنب فشوى، وحديث أنس:
أنفجت أرنبا وفيه: فذبحت ثم شوبت.
وخرج الترمذي من حديث ابن أبى لهيعة عن سليمان بن ذوبان عن عبد اللَّه بن الحارث قال: أكلت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شواء في المسجد.
وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الدجاج
فخرج البخاري من حديث عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة [والقاسم التميمي] عن زهدم بن الحارث عن أبي موسى قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل دجاجا لم يأكل غير هذا. ذكره بطوله في باب لا تحلفوا بآبائكم [ (2) ] ، وفي كتاب [فرض] الخمس [ (3) ] . وذكره مسلم من طرق [ (4) ] .
__________
[ (1) ] سبق تخريج هذه الأحاديث.
[ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 650، كتاب الأيمان والنذور، باب (4) لا تحلفوا بآبائكم، حديث رقم (6649) وفيه:
«فقرب إليه طعام فيه لحم دجاج» .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 6/ 291، كتاب فرض الخمس، باب (15) ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين ما سأل هوازن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم برضاعة فيهم فتحلل من المسلمين، وما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعد الناس أن يعطيهم من الفيء والأنفال من الخمس، وما أعطى الأنصار، وما أعطى جابر بن عبد اللَّه من تمر خيبر، حديث رقم (3133) وفيه: «فأتى ذكر دجاجة وعنده رجل من بني تيم اللَّه أحمر كأنه من الموالي، فدعاه للطعام» .
وأخرجه في كتاب الصيد والذبائح، باب (26) لحم الدجاج، حديث رقم (5517) ، وحديث رقم (5518) .
وفي كتاب التوحيد، باب (56) قوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) ، حديث رقم (7555) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 121- 123، كتاب الأيمان، باب (3) ندب من حلف يمينا فرأى غيرها-(14/299)
وخرجه الدارميّ [ (1) ] بهذا السند ولفظه. قال: كنا عند أبي موسى فقدم في طعامه لحم دجاج وفي القوم رجل من بنى تميم أحمر فلم يدن فقال له أبو موسى: فإنّي رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل منه.
وفي رواية عن ابن موسى أنه ذكر الدجاج فقال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكله.
وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الحبارى [ (2) ]
فخرج أبو داود [ (3) ] والترمذي [ (4) ] من حديث برية بن عمر بن سفينة، عن أبيه، عن جده قال: أكلت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لحم الحباري. ورواه عن بريّه هذا إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهديّ، فعبد الرحمن هذا يروى عن برية بن عمر، وجعفر بن سليمان، وعبد السلام بن حرب، وسفيان بن عيينة، وأبى بكر بن عياش، وعن الفضل بن سهل الأعرج، وأبى أمية محمد بن إبراهيم الطرسوى، ويعقوب الفسوي، وجماعة.
قال ابن عدي: روي عن الثقات أحاديث مناكير ولم أر له حديثا منكرا يحكم من أجله على ضعفه، وأما برية فقال البخاري: إسناده مجهول. وقال ابن عدي: رأيت أحاديثه لا يتابعه عليها الثقات، وأرجو أنه لا بأس به [ (5) ] .
__________
[ () ] خيرا منها، وأن يأتى الّذي هو خيرا منها، ويكفر عن يمينه، حديث قم (9) ، وثلاثة أحاديث بعده بدون أرقام من طرق كلها تدور على زهدم الجرمي،
[ (1) ] (سنن الدارميّ) : 2/ 102، 103 باب في أكل الدجاج، عن زهدم الجرميّ أيضا.
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 536، حديث رقم (19025) وحديث رقم (19060) ، وحديث رقم (19094) ، وحديث رقم (19142) كلهم من حديث أبى موسى الأشعري- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
[ (2) ] الحبارى بضم الحاء بعدها ياء موحدة مفتوحة: طائر كبير العنق، رماديّ اللون، لحمه بين الدجاج والبط، وهو من أشد الطير طيرانا.
[ (3) ] (سنن أبي داود) : 4/ 155، كتاب الأطعمة، باب (9) في أكل لحم الحبارى حديث رقم (3797) .
[ (4) ] (سنن الترمذي) : 4/ 329، كتاب الأطعمة، باب (26) ما جاء في أكل الحبارى، حديث رقم (1828) .
[ (5) ] (الكامل في الضعفاء لابن عدي) : 2/ 64، ترجمة برية بن عمر.(14/300)
وقال النسائي في قضاء علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في كتابه (المجتبى) : حدثنا زكريا بن يحيي قال: حدثنا الحسن بن حماد قال أخبرنا بشر بن عبد الملك، عن عيسى بن عمر، عن السّدّيّ، عن أنس بن مالك- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان عنده طائر فقال: اللَّهمّ ائتني بأحب خلقك إليك، يأكل معى من هذا الطير، فجاء أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، رضي فردّه، وجاء عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فردّه، ثم جاء على- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأذن له، كان الطائر حبارى أهدى للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم.
قلت: حديث أنس هذا روي من طرق وقد روي أيضا عن جاب ابن عبد اللَّه عن على بن أبي طالب وعبد اللَّه بن عباس وعن سفينة.
وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الخبيص
فخرج الحاكم من حديث الوليد بن مسلم عن محمد بن حمزه بن عبد اللَّه ابن سلام عن أبيه، عن جده- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم في بعض أصحابه إذا أقبل عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقود بعيرا عليه غرارتان محتجزا بعقال ناقته، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: ما معك؟
قال: دقيق وسمن وعسل فقال له: أنخ، فأناخ، فدعا النبي صلى اللَّه عليه وسلم ببرمة عظيمة فجعل فيها من ذلك الدقيق والسمن والعسل، ثم أنضجه فأكل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأكلوا، ثم قال لهم: كلو فإن هذا يشبه خبيص أهل فارس [ (1) ] .
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
قلت: محمد بن حمزة من يوسف بن عبد اللَّه بن سلام هذا يروي عنه معمر ابن راشد والوليد بن مسلم وعبد اللَّه بن سالم الحمصيّ، قال أبو حاتم: لا يوثق به، له حديث واحد، يعني حديث الخبيص هذا، وخرج له ابن ماجة، وقد روي له هذا الحديث عن محمد بن حمزة والوليد بن مسلم، وعنه محمد بن عبد العزيز الرمليّ، وكلاهما خرجا له في الصحيحين،
خرج الحافظ أبو بكر بن
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 122- 123) كتاب الأطعمة، باب (33) ، حديث رقم (7093) .
وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.(14/301)
ثابت من حديث داود ابن رشيد حدثنا الهيثم بن عمران قال: سمعت عبيد اللَّه بن أبي عبد اللَّه قال: صنع عثمان بن عفان خبيصا بالعسل والسمن والبرّ، فأتي به في قصعة إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما هذا؟ قال:
هذا يا نبي اللَّه شيء تصنعه الأعاجم من البر والعسل والسمن، تسميه الخبيص [ (1) ] قال: فأكل.
عبد اللَّه بن أبى عبد اللَّه العنسيّ من أفاضل أهل دمشق، يروي أحاديث مراسيل، حدث عنه الهيثم بن عمران. قلت: وخرجه الحارث بن أبي أمامة في مسندة عن داود بن رشيد بن سواء.
وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الهريسة والطفشل
قال الواقدي: ولما نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وادي القرى أهدي له بنو عريض اليهودي هريسا فأكلها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] وأطعم ما كنا نعهد فقال: كلا ورب المشارق والمغارب لا يأتون بخير ما كنت أعلم،
وكان مالك بن أنس- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- كلهم على منبر من طين يقول: إن أول من خطب الناس في المصلى على منبر عثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- كلهم على منبر من طين بناه كثير بن الصلت.
وللبخاريّ من حديث أبي عمرو قال: حدثني نافع، عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يغدو إلى المصلى والعنزة بين يديه تحمل وتنصب بالمصلى بين يديه فيصلي إليها، ترجم عليه حمل العنزة أو الحربة بين يدي الإمام يوم العيد [ (3) ] ، وذكره في باب الصلاة إلى [ (4) ] الحرية،
__________
[ (1) ] (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية) : 2/ 324، باب الخبيص، حديث رقم (382) .
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1006.
[ (3) ] (فتح الباري) : 20/ 588، كتاب العيدين، باب (14) حمل العنزة- أو الحربة بين يدي الإمام يوم العيد، حديث رقم (973) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 10/ 756- 757، كتاب الصلاة، باب (92) الصلاة إلي الحربة ولفظة: «إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان تركز له الحربة فيصلي إليها»(14/302)
من حديث عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يركز الحربة قدامه يوم الفطر، ويوم النحر يصلي إليها.
وخرجه أبو داود بهذا السند ولفظه: عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر فمن، ثم اتخذها الأمراء [ (1) ] .
وخرّجه مسلم من حديث عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر. أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر، فمن ثم اتخذها الأمراء [ (2) ] .
ومن حديث أبى بكر بن أبي شيبة وابن نمير قالا: حدثنا أبو خالد، عن عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر. أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يصلي إلى راحلته. وقال ابن نمير: إن النبي (ص) صلى إلى بعير [ (3) ] .
والبخاري من حديث فليح بن سليمان، عن سعيد بن الحارث، عن جابر ابن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق [ (4) ] .
وخرّجه أبو داود من حديث عبد اللَّه- يعني ابن عمر- عن نافع، عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أخذ يوم العيد في طريق، ثم رجع من طريق آخر [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (سنن أبي داود) : 10/ 442- 443، كتاب الصلاة، باب (102) ما يستر المصلي، حديث رقم (687)
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 464، كتاب الصلاة باب (47) رقم (245) سترة المصلي، حديث رقم (245)
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (248) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 2/ 599، كتاب العيدين، باب (24) من خالف الطريق إذا رجع يوم العيد، حديث رقم (986) .
[ (5) ] (سنن أبي داود) : 1/ 683- 684، كتاب الصلاة، باب (54) الخروج إلى العيد في طريق، ويرجع في طريق، حديث رقم (1156) .(14/303)
وخرّج عمر بن شبّة من حديث خالد بن إلياس، عن يحيي بن عبد اللَّه بن الرحمن، عن أبيه، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: كان يأتى العيد ماشيا على باب سعد بن أبي وقاص، ويرجع على أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
وخرّج البخاري من حديث الليث، عن ابن فرقد، عن نافع، أن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أخبره قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يذبح بالمصلي [ (1) ] .
ولعمر بن أبى شيبة من حديث عبد العزيز بن عمران، عن ابن قسط الليثي، عن أبيه، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا قدم من سفر فمرّ بالمصلي استقبل القبلة، ووقف يدعو.
وله من حديث يزيد بن هارون قال: أنبأنا ابن أبي ذؤيب، عن الزهري أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يكبر يوم الفطر من حين يخرج من منزلة حتى يأتى المصلى وحتى يفرغ من الصلاة، فإذا فرغ من الصلاة قطع.
ومن حديث حماد بن سلمة، عن أبي التياح، عن عبيد اللَّه بن الهزيل- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صلى الفجر في مسجده، ثم ذهب إلى المصلي فقعد يحثهم ويذكرهم، فلما بسطت الشمس- قال: لو صلينا، فصلى ثم خطب.
وخرّج البخاري من حديث سفيان بن عيينة، عن عبيد اللَّه بن أبي بكر سمع عباد بن تميم، عن عمه قال: خرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى المصلى يستسقي واستقبل القبلة. فصلى ركعتين وقلب رداءه- قال سفيان: فأخبرني المسعودي، عن أبي بكر- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: جعل اليمين على الشمال. ترجم عليه باب الاستسقاء في المصلى [ (2) ] ، وذكره في باب تحويل الرداء في الاستسقاء [ (3) ] .
وخرّجه مسلم ولفظه: خرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلي المصلي فاستسقي واستقبل.
القبلة وقلب رداءه وصلي ركعتين [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 10، كتاب الأضاحي، باب (6) الأضحى والنحر بالمصلي، حديث رقم (5552) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 2/ 654، كتاب الاستسقاء، باب (19) الاستسقاء في المصلي، حديث رقم (1027) .
وأبو بكر هو ابن محمد بن عمرو بن حزم.
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1012) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 440، كتاب صلاة الاستسقاء، حديث رقم (2) .(14/304)
فصل في ذكر أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دار ينزل بها للوفود، ويقال لها اليوم: دار الضيافة
ذكر الواقدي، عن حبيب بن عمر السلاماني كان يحدث قال: قدمنا وفد سلامان علي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ونحن سبعة نفر، فانتهينا إلى باب المسجد، فصادفنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خارجا من المسجد إلى جنازة دعي إليها، فلما رأيناه قلنا: السلام عليكم يا رسول اللَّه ... فذكر القصة: وفيها: أنه أمر ثوبان بإنزالهم في دار رملة بنت الحارث، وأنهم لما سمعوا الظهر أتوا المسجد فصلوا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأنه سأل النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه، ما أفضل الأعمال؟ قال: الصلاة في وقتها. وأنه سأل عن رقية العين وذكرها، فأذن له فيها [ (1) ] .
وذكر ابن إسحاق، والواقدي في خبر بنى قريظة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حبسهم في دار رملة بنت الحارث النجاريّة. وذكر الواقدي أن وفد تميم نزل على رملة بنت الحارث وهم عيينة بن حصن وخارجة بن حصين، وقيس بن الحارث، وذلك حين قدموا المدينة علي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسلمين.
وذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري أن وفد بني كلاب وهم ثلاثة عشر، فيهم لبيد بن ربيعة، إذ وفدوا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فنزلوا على رملة [ (2) ] هذه.
__________
[ (1) ] (الإصابة) : 2/ 22 ترجمة رقم (1594) .
[ (2) ] رملة بنت الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن زيد الأنصارية النجارية.
ذكرها ابن حبيب في المبايعات، وذكر ابن إسحاق في (السيرة النبويّة) : أن بني قريظة لما حكم فيهم سعد بن معاذ حبسوا في دار رملة بنت الحارث امرأة من الأنصار من بني النجار.
قلت: وتكرر ذكرها في السيرة. وأما الواقدي فيقول: رملة بنت الحدث، بفتح الدال المهملة بغير ألف قبلها. وقال ابن سعد: رملة بنت الحارث، وهو الحارث بن ثعلبة ابن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، تكنّى أم ثابت وأمها كبشة بنت ثابت بن النعمان بن حرام، وزوجها معاذ بن الحارث بن رفاعة.
(الإصابة) : 7/ 651، ترجمة رقم (11183) .(14/305)
وذكر عمر بن شيبة في كتاب (أحياء المدينة) أن الدار التي يقال لها الدار الكبرى إنما سميت بذلك لأنها أول دار بناها أحد من المهاجرين بالمدينة وكان عبد الرحمن بن عوف ينزل فيها ضيفان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكانت أيضا تسمى دار الضيفان، وقد بنى فيها النبي صلى اللَّه عليه وسلم بيده. وذكر السهيليّ أن وفد بني حنيفة نزلوا في دار كبشة بنت الحارث.(14/306)
فصل في ذكر من كان يلي أمر الوفود على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وإجازته الوفد [ (1) ]
اعلم أنه ولي أمر الوفود لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غير واحد، منهم: خالد بن
__________
[ (1) ] بوب البخاري في كتاب الجهاد باب جوائز الوفود، وخرج عن ابن عباس: أوصى النبي صلى اللَّه عليه وسلم عند موته بثلاث منها: أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم. وفي طبقات ابن سعد أجاز رسول فروة بن عمرو الجذامي عامل قيصر على عمان باثني عشر أوقية ونشّ، قال: وذلك خمسمائة درهم، وفيها أيضا: أن وفد تميم لما وردوا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمر لهم بالجوائز، كما كان يجيز الوفد، وذكر أن امرأة من بني النجار قالت: أنا انظر إلى الوفد يومئذ يأخذون جوائزهم عند بلال ثنتى عشرة أوقية ونشا، قلت: وقد رأيت غلاما أعطاه يومئذ وهو أصغرهم خمس أوراق يعني عمرو بن الأهتم وفيها أيضا: أن وفد عبد القيس لما قدموا عليه عليه السلام أمر لهم بجوائز وفضل عليهم عبد اللَّه الأشجّ فأعطاه اثنى عشر أوقية ونشا.
وفي (المواهب أن وفد بهرام- وهم قبيلة من قضاعة- وكانوا ثلاثة عشر رجلا أقاموا أياما ثم ودعوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأمر لهم بوائز قال الزرقانى: لم يبين قدرها. وفي (المواهب) أيضا أن وفد غسان وكانوا ثلاثة عشر نفرا فأسلموا وأجزهم عليه السلام بجوائز وانصرفوا. وذكر فيها أيضا وفد سلامان- بطن من قضاعة- كانوا سبعة نفر فأمر لهم بالجوائز. ذكر الزرقانى: فأعطيت خمس أواقي فضة لكل رجل منا، واعتذر إلينا بلال وقال: ليس عنده مال اليوم فقلنا ما أكثر هذا وأطيبه.
وترجم فيها أيضا لوفد عامر- بطن من الأزد باليمن- وكانوا عشرة فأقروا بالإسلام، وكتب لهم كتابا فيه شرائع الإسلام وأمر أبيّ بن كعب أن يعلمهم القرآن، وأجازهم عليه السلام.
قال الزرقاني. كما كان يجيز الوفود وهو تشبيه في أصل الجائزة لأنه لم يكن له جائزة مخصوصة وإنما يدفع ما اتفق وجوده وهو يتفاوت قلة وكثرة، فقد أجاز بخمس أواق، وبعشر، وباثني عشر وبأزيد، وفي (طبقات ابن سعد) لدى الكلام على وفد بني حنيفة: فلما أرادوا الرجوع إلى بلادهم أمر لهم النبي صلى اللَّه عليه وسلم بجوائزهم خمس أواق لكل رجل فقالوا: يا رسول اللَّه إنا خلفنا صاحبا لنا في رحالنا يبصرها لنا وفي ركابنا يحفظها علينا فأمر له بمثل ما أمر به لأصحابه، وقال: ليس بشركم مكانا لحفظه ركابكم، ورحالكم، وكان الرجل المذكور مسيلمة الكذاب. وفي (الطبقات) أيضا لدى ترجمة أشج عبد القيس: وأمر عليه السلام للوفد بالجوائز وفضل عليهم عبد اللَّه الأشجّ، فأعطاه اثني عشر أوقية ونشا، وكان ذلك أكثر ما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجيز به الوفد. (التراتيب الإدارية) : 1/ 451- 452.(14/307)
سعيد بن العاصي [ (1) ] ، وبلال المؤذن [ (2) ] ، وثوبان [ (3) ]- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-.
__________
[ (1) ] سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.
ذكره ابن حبان في (الصحابة) : فوهم فيه وهما شنيعا، وأعجب من ذلك أنه قال: هو المكبر الّذي زوج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أم حبيبة.
وقال ابن أبي داود في (المصاحف) : حدثنا العباس بن الوليد بن زيد أخبرنى أبي، أنبأنا سعيد بن عبد العزيز أن عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص، لأنه كان أشبههم لهجة برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وقتل العاص أبوه يوم بدر مشركا، ومات جده سعيد بن العاص قبل بدر مشركا. (الإصابة) : 3/ 288- 289، ترجمة رقم (3768) .
[ (2) ] بلال بن رباح الحبشي المؤذن، وهو بلال بن حمامة، وهي أمه اشتراه أبو بكر الصديق من المشركين لما كانوا يعذبونه على التوحيد، فأعتقه، فلزم النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأذّن له، وشهد معه جميع المشاهد، وآخى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، ثم خرج بلال بعد النبي (ص) مجاهدا قال أبو نعيم: كان ترب أبي بكر، وكان خازن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
وروى أبو إسحاق الجوزجاني في (تاريخه) ، من طريق منصور، عن مجاهد، قال: قال عمار- كلّ فذ قال: ما أرادوا- يعني المشركين- غير بلال.
ومناقبه كثيرة مشهورة، قال ابن إسحاق: كان لبعض بني جمح مولد من مولديهم، واسم أمه حمامة. وكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة، ويطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة علي صدره، ثم يقول: لا يزال على ذلك حتى يموت أو يكفر بمحمد، فيقول- وهو في ذلك: أحد أحد. فمرّ به أبو بكر فاشتراه منه بعبد له أسود جلد. قال البخاري: مات بالشام زمن عمر. وقال ابن كثير: مات في طاعون عمواس. وقال عمرو بن علي: مات سنة عشرين. وقال ابن زبر: مات بدارنا.
وفي (المعرفة) لابن مندة: أنه دفن بحلب. (الإصابة) : 1/ 326- 327، ترجمة رقم (736) .
[ (3) ] ثوبان- مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، صحابيّ مشهور. يقال: إنه من العرب حكمي من حكم بن سعد بن حمير، وقيل من السراة، اشتراه، ثم أعتقه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فخدمه إلى أن مات، ثم تحول إلى الرملة ثم حمص، ومات بها سنة أربع وخمسين، قاله ابن سعد وغيره.
وروى ابن السكن، من طريق يوسف بن عبد الحميد، قال: لقيت ثوبان فحدثني أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دعا لأهله، فقلت، أنا من أهل البيت، فقال في الثالثة: نعم ما لم تقم علي باب سدة أو تأتي أميرا تسأله.(14/308)
فذكر ابن إسحاق والواقدي أن خالد بن سعيد بن العاصي كان يمشي بين وفد ثقيف وبين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى كتبوا كتابهم بيده، وأنهم كانوا لا يطعمون طعاما يأتيهم من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى يأكل منه خالد حتى أسلموا وفرغوا من كتابهم.
وذكر في وفد ثقيف أيضا أن بلالا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يأتيهم بفطرهم ويخيل إليهم أن الشمس لم تغب فيقولون: ما هذا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلا لننظر كيف إسلامنا؟ فيقولون: يا بلال ما غابت الشمس بعد؟ فيقول بلال ما جئتكم حتى أفطر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكان بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يأتيهم بسحورهم [ (1) ] .
وقد تقدم خبر ثوبان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في وفد سلامان أنه أنزلهم في دار رملة.
ذكر ما كان صلى اللَّه عليه وسلم يجيز به الوفود
قال ابن دريد: الجائزة [ (2) ] كلمة إسلامية محدثة، أصلها أن أميرا قالها
__________
[ () ] وروى أبو داود من طريق عاصم، عن أبي العالية، عن ثوبان، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من يتكفل لي ألا يسأل الناس وأتكفل له بالجنة؟ فقال ثوبان: أنا، فكان لا يسأل أحدا شيئا. (الإصابة) : 1/ 413، ترجمة رقم (968) .
[ (1) ] في بعض النسخ: «وطن» ، وفي بعضها: «فطن» وقال يونس بن بكير في (زيادات المغازي) : حدثني إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري، حدثني عبد الكريم، حدثني علقمة بن سفيان، قال: كنت في الوفد من ثقيف، فضربت لنا قبة، فكان بلال يأتينا بفطرنا من عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم. (الإصابة) : 4/ 552، ترجمة رقم (5675) ، علقمة بن سفيان.
[ (2) ] والجائزة: العطية، وأصله أن أميرا واقف عدوا وبينهما نهر فقال: من جاز هذا النهر فله كذا، فكلما جاز منهم واحد أذخ جائزة. أبو بكر في قولهم: أجاز السلطان فلانا بجائزة: أصل الجائزة: أن يعطي الرجل الرجل ماء ويجيزه ليذهب لوجهه، فيقول الرجل إذا ورد ماء يقول لقيم الماء: أجزنى ماء أي أعطني ماء حتى أذهب لوجهي وأجوز عنك، ثم كثر هذا حتى سموا العطية جائزة. (لسان العرب) : 5/ 327.(14/309)
لعدوّ بينه وبينهم جائزة، فقال: من جاز هذا النهر فله كذا، وكان الرجل يعبر فيأخذه، فيقال: أخذ جائزة.
وقال ابن أبي طاهر: كان أمير الجيش فطن [ (1) ] بن عوف الهيلاني، كان عبد اللَّه بن عامر استعمله علي كرمان وكان فطن أعطي على جواز النهر أربعة آلاف ألف. فأتى ابن عامر أن تحسها له، فكتب إليه عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يحسبها أجبها، وقتل في ذلك، فدى للأكرس بن بني هلال على علاتهم أهلي ومالي هم سبوا الجوائز في معد فصارت سنة في إحدى الليالي.
وقال ابن قتيبة: أصل الجائزة أن وطنا هذا ولي فارس لعبد اللَّه بن عامر فمر به الأحنف في حبسه غازيا فوقعه لهم على قنطرة الكرّ فيعطي الرجل على قدره فلما كثروا قال: أجيزوهم، فأجيزوا فهو أول من سنّ الجوائز.
خرج أبو نعيم، عن محمد بن عمر الواقدي قال: قدم وفد بني مرة بن [ (2) ] قيس ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في المسجد فقال الحارث بن عوف: يا رسول اللَّه نحن قومك وعشيرتك من بني لؤيّ بن غالب، فتبسم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ثم قال للحارث بن عوف: أين تركت أهلك؟ قال: بسلام [ (2) ] ، وما والاها، قال:
وكيف البلاد؟ قال: واللَّه إنا لمسنتون [ (3) ] وما في المال مح [ (4) ] ، فادع اللَّه تبارك وتعالى لنا قال: فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اللَّهمّ اسقهم الغيث [ (5) ] ، فأقاموا أياما، ثم أرادوا الانصراف إلى بلادهم، فجاءوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مودعين له، فأمر بلالا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يجيزهم فأجازهم بعشر أواق من فضة لكل واحد، وفضّل الحارث بن عوف فأعطاه اثنتي عشرة أوقية، ورجعوا إلى بلادهم فوجدوا البلاد مطيرة، فسألوا: متى مطرتم؟ فإذا هو ذلك اليوم الّذي دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لهم، فقدم عليه قادم وهو يتجهز لحجة الوداع فقال:
__________
[ (1) ] (قدم وفد بني مرة لرسول اللَّه. ص) ، مرجعه من تبوك في سنة تسع، وهم ثلاثة عشر رجلا، ورأسهم الحارث ابن عوف. (طبقات ابن سعد) : 1/ 297- 298.
[ (2) ] في (الأصل) : «بسلام» ، وفي (طبقات ابن سعد) : «بسلاح»
[ (3) ] لمسنتون: لمجدبون، من الجدب والقحط.
[ (4) ] المح: الثوب البالي الخلق.
[ (5) ] (البداية والنهاية) : 5/ 103- 104.(14/310)
يا رسول اللَّه رجعنا إلى بلادنا فوجدناها مضبوبة مطرا في ذلك اليوم الّذي دعوت لنا فيه، مما قلد بنا أقلاد الزرع في كل خمس عشرة مطرا جوذا، ولقد رأيت الإبل تأكل وهي تروك، وإن غنمنا ما تواري بين أبنائنا، فرجع فيقبل في أهلها، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: الحمد للَّه الّذي صنع ذلك.
قال: وذكر الواقدي بإسناده أيضا أن وفد سلامان قدم على النبي صلى اللَّه عليه وسلم في شوال سنة عشر، فقال لهم: كيف البلاد عندكم؟ قالوا: مجدبة فادع اللَّه تعالى أن يسقينا في بلادنا، فنقر في أوطاننا.
فقال بيده: اللَّهمّ اسقهم الغيث في دارهم، فقالوا: يا رسول اللَّه ارفع يديك فإنه أكثر وأطيب، فتبسم ورفع يديه حتى بدا بياض إبطيه. قالوا:
فأقمنا ثلاثا، وضيافته تجري علينا، ثم جئنا فودعناه، فأمر لنا بالجوائز فأعطانا خمس أواق. كل واحد منا، وتعذر بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلينا وقال: ليس عندنا اليوم مال؟ فقالوا: ما أكثر هذا وأطيبه قالوا:
ثم رحلنا إلى بلادنا فوجدناها قد مطرت في ذلك اليوم الّذي دعا فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في تلك الساعة.
وقال سيف: عن أبي حباب الكلبي، عن زياد بن لقيط، عن الحارث بن حسان الذهلي، ثم العامري [ (1) ] قال: وقع بيننا وبين تميم أمرا بالبحرين
__________
[ (1) ] هو الحارث بن حسان بن كلدة البكريّ، ويقال: الربعيّ والذهليّ، من بني ذهل بن شيبان. ويقال: الحارث ابن يزيد بن حسان، ويقال: حريث بن حسان البكري، والأكثر يقولون: الحارث بن حسان البكري، وهو الصحيح إن شاء اللَّه تعالى.
وفي حديثه قصة وافد عاد، وهو صاحب حديث قيلة- فيما ذكر أبو حاتم- والحارث بن حسان هذا هو الّذي سأله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن حديث قوم عاد، وكيف هلكوا بالريح العقيم، فقال له: يا رسول اللَّه على الخبير سقطت، فذهبت مثلا.
وكان قد قدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يسأله أن يقطعه أرضا من بلادهم، فإذا عجوز من بني تميم تسأله ذلك، فقال الحارث: يا رسول اللَّه! أعوذ باللَّه أن أكون كقيل بن عمرو وافد عاد. فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كما قال الأول، فقال: على الخبير سقطت. فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أعالم أنت بحديثهم؟ قال: نعم، نحن ننتجع بلادهم، وكان آباؤنا يحدثوننا عنه، يروى ذلك الأصغر عن الأكبر. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إيه! يستطعمه.(14/311)
اعترضنا فيه على العلاء بن الحضرميّ، وجلسنا عنده، فبعث رجل من بني تميم إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بأن ربيعة قد كفرت ومنعت الصدقة فبلغ ذلك ربيعة فبعثوا إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بطاعتهم فمررت بالربذة فإذا أنا بامرأة من بني تميم قد بقيت [ (1) ] راحلتها تريد النبي صلى اللَّه عليه وسلم فحملتها حتى أدخلتها المدينة وسبقني التميمي إلي النبي صلى اللَّه عليه وسلم فحملتها حتى أدخلتها المدينة وسبقني التميمي إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة يخبر العلاء، فأمر عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وعقد له لواء وخرج إلى منبره يحث الناس على غزو ربيعة بالبحرين، فانتهى إلى المسجد وإذا اللواء تزكون، وإذا النبي صلى اللَّه عليه وسلم على المنبر عصب رأسه بخرقة حمراء شال، وهو يقول: إن العلاء والمنذر كتبا إليّ أن ربيعة قد كفرت وضعت الزكاة، فمن ينتدب مع عمرو بن العاص؟ فناديته والناس بيني وبينه:
أبا الحرث بن حسان، رسول ربيعة إليك بالطاعة، فأعوذ باللَّه أن أكون كوافد عاد، فنزل واديا ينبت منه، فوضع يده على منكبي، وذهب في نحو منزله ووضع البعث وسرح عمرا، - رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، في وجه غيره وقال لي: ما وافد عاد؟ فحدثته بحديثهم، فأدخلنى فسألني، فأخبرته، فقال لي: ما يصلح بينكم وبين تميم؟ فقلت له: إن الدهناء وفلانة وفلانة كانت لنا في أمن الدهر فدخلوا علينا فيهن، ولا يصلح ما بيننا وبينهم حتى نجد لنا ولهم حدا لا يجوزه أحد من الفريقين إلى الآخر، الا ناد به، فدعا بلالا- رضي اللَّه
__________
[ () ] الحديث. فذكر الخبر أهل الأخبار وأهل التفسير للقرآن: سنيد وغيره.
روى له أحمد، والترمذي، والنسائيّ وابن ماجة، وفي بعض طرق حديثه أنه وفد على النبي صلى اللَّه عليه وسلم. وروي عنه أو وائل وسماك بن حرب وإياد بن لقيط.
وقال البغوي: كان يسكن البادية، روي الطبراني من طريق سماك بن حرب قال: تزوج الحارث بن حسان وكانت له صحبة. وكان الرجل إذا عرّس تخدّر أياما، فقيل له في ذلك، فقال: واللَّه إن امرأة تمنعني صلاة الغداة في جمع لامرأة سوء.
وفي حديثه أن قدومه كان أيام بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عمرو بن العاص في غزوة السلاسل. ووقفت في (الفتوح) أن الأحنف لما فتح خراسان بعث الحارث بن حسان إلى سرخس، فكأنه هذا. (الإصابة) : 1/ 569 570، ترجمة رقم (13970) (الاستيعاب) : 1/ 285- 286، ترجمة رقم (399) .
[ (1) ] كذا في (الأصل) ، ولعله: «نفقت» .(14/312)
تبارك وتعالى عنه- برق وإداوة، واستأذنت التميمة [......] وإن الكتاب ليكتب: أن لبني تميم ما دون الدهناء ولم يبعه ما وراءها إلى البحرين، فقالت:
إن ما بين الدهناء والبحرين لبني تميم في الجاهلية، وأسلموا عليها فأين تضيق يا محمد على مضرك؟ فعاد النبي صلى اللَّه عليه وسلم لصفة أخرى، قالته المرأة وصدقت، وكتب ما بين البحرين إلى الشام من بياض العراق، فناديت فوددت أن لا أكون تركتها حتى تأكلها السباع! ألا أرى كحامل جيفة في طلعة، فضحك النبي صلى اللَّه عليه وسلم مني ومنها وقال: أذكرا حاجتكما فقضي [ (1) ] لنا حوائجنا وأجازوا إجازتي بفراش من ذهب وفضة وكساءها، وأجاد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العلاء بفراش من ذهب وفضة وكساءه، ثم رجعنا بالعافية [ (2) ] .
وذكر الواقدي وفد بني تميم، قال: حدثني ربيعة بن عثمان، عن شيخ أخبره أن امرأة من بني النجار قالت: أنا انظر إلى الوفد يومئذ يأخذون جوائزهم من عند بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- اثنتي عشرة أوقية ونشا، وقالت: وقد رأيت غلاما أعطاه يومئذ وهو أصغرهم خمس أواق ونشّا قلت: وما النشّ؟ قالت: نصف أوقية [ (3) ] .
__________
[ (1) ] في (الأصل) : «بعض» .
[ (2) ]
وهذا الكتاب أخرجه صاحب (مجموعة الوثائق السياسية) : 146، وثيقة رقم (142) كما يلي: عن قيلة أن حريث بن حسان الشيباني كان وافد بنى بكر بن وائل فبايعه صلى اللَّه عليه وسلم على الإسلام عليه وعلى قومه، ثم قال: يا رسول اللَّه، اكتب بيننا وبين بنى تميم بالدهناء، لا يجاوزنا إليها منهم أحد إلا مسافر أو مجاور.
فقال: اكتب له يا غلام بالدهناء. قالت قيلة: فلما رأيته قد أمر له بها لشخص بى وهي وطني وداري، فقلت: يا رسول اللَّه! إنه لم يسألك السوية من الأرض إذ سألك، إنما هي هذه الدهناء مقيد الجمل، ومرعى الغنم، ونساء تميم وأبناؤها وراء ذلك.
قال صلى اللَّه عليه وسلم: أمسك يا غلام، صدقت المسكينة. المسلم أخو المسلم، يسعهما الماء والشجر، ويتعاونان على الفتان ... وكتب لها في قطعة من أديم أحمر: لقيلة وللنسوة بنات قيلة، أن لا يظلمن حقا، ولا يكرهن على منكح، وكل مؤمن مسلم لهن نصير، أحسنّ ولا تسئن.
والخبر بتمامة في: (مسند أحمد) : 4/ 531- 532، حديث رقم (15523) ، (15524) من حديث الحارث بن حسان البكري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وابن كثير في (البداية والنهاية) : 5/ 99، وفادة الحارث بن حسان البكري إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
[ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 294- 295.(14/313)
وقال الواقدي: حدثني يعقوب بن محمد الظفري، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه قال: رأيت تحته من زوجة صاحب أيلة يوم أتي به النبي صلى اللَّه عليه وسلم من ذهب وهو معقود الناصية فلما رأي النبي صلى اللَّه عليه وسلم كفّر [ (1) ] وأومأ برأسه فأومأ إليه صلى اللَّه عليه وسلم: ارفع رأسك، وصالحة يومئذ وكساه برد يمنة، وأمر له بمنزل بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
فصل في ذكر ضيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
قال ابن سيدة: والضيف المضيف يكون للواحد والجمع كعدل وخصم [ (2) ] ، وفي التنزيل: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ [ (3) ] . وفيه: قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ [ (4) ] .
وقد كان أبو أيوب [ (5) ] خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة الأنصاري النجّاريّ ضيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في خروجه صلى اللَّه عليه وسلم من بني عمرو بن عوف، حين قدم المدينة مهاجرا من مكة، فلم يزل عنده حتى بني مسجده ومساكنه، فانتقل إليها.
قال الليث. عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير، عن أبي رهم السماعيّ قال: إن أبا أيوب الأنصاريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- حدثه قال: نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيتنا الأسفل وكنت في الغرفة، فأمر يوما في الغرفة فقمنا أنا وأم أيوب بقطيفة نتبع الماء شفقه أن يخلص إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ونزلت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه إنه ليس ينبغي أن نكون فوقك! انتقل إلى الغرفة، فأمر صلى اللَّه عليه وسلم بمتاعه أن ينقل، ومتاعه قليل. وذكر الحديث، وتوفي أبو أيوب- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- غازيا بالقسطنطينية من بلاد الروم سنة اثنين وخمسين، وقيل غير ذلك، وكان مع عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في حروبه كله [ (6) ] .
__________
[ (1) ] كفّر: انحنى، وكانت هذه تحيتهم.
[ (2) ] (لسان العرب) : 9/ 209.
[ (3) ] الذاريات: 24.
[ (4) ] الحجر: 68.
[ (5) ] له ترجمة في: (الإصابة) : 2/ 234- 235، ترجمة رقم (2165) .
[ (6) ] (عن الأصمعي، عن أبيه أن أبا أيوب قبر مع سور القسطنطينية وبني عليه، فلما أصبحوا، قالت الروم:.(14/314)
فصل في ذكر من استعمله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على الحج
اعلم أن مكة لما فتحها اللَّه عز وجل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سنة ثمان من الهجرة واستعمل عليها عتاب بن أسيد حجّ ناس من المسلمين، وحجّ المشركون على مدتهم على ما كانوا عليه من استعمال النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وذلك أن العرب في جاهليتها، كانت في الحجّ على حالتين: إحداهما الفرقة التي كانت متمسكة بعهد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وكان حجّهم على نحو ما يعمله أهل الإسلام، والفرقة الثانية التي أنشأت اليهود، يعني أخّرتها، وذلك أنها أرادت أن يكون الحج في وقت إدراك الثمار، وأن ينبت حالة واحدة في أطيب الأزمنة، فتعلموا لبس الشهور من اليهود المجاورين، وذلك قبل الهجرة بنحو مائتي سنة، وعملوا بها كما عمل اليهود من إلحاق فصل ما بين سنينهم القمرية وبين السنة الشمسية، وتولى عمل ذلك للعرب السادة المعروفون بالقلامس من بني كنانة، واحدهم قلمس، وكان يقوم بعد انقضاء الحج فيخطب وينسئ الشهور ويسمي الشهر الثاني له باسمه، فيقبل الجميع
__________
[ () ] يا معشر العرب، قد كان لكم الليلة شأن! قالوا: مات رجل من أكابر أصحاب نبينا، واللَّه لئن نبش، لا ضرب بنا قوس في بلاد العرب، فكانوا إذا قحطوا، كشفوا عن قبره فأمطروا.
وقال ابن سعد من طريق الواقديّ: مات أبو أيوب سنة (52) ، وصلى عليه يزيد، ودفن بأصل حصن القسطنطينية، فلقد بلغني أن الروم يتعاهدون قبره ويستسقون به. وقال خليفة: مات سنة (50) ، وقال يحي بن بكير: سنة (52) . (سير أعلام النبلاء) : 2/ 412- 413.
والاستسقاء بأهل الصلاح إنما يكون في حياتهم لا بعد موتهم، كما فعل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقد روى البخاري في (صحيحه) في كتاب الاستسقاء باب سؤال الإمام الاستسقاء من طريق أنس/ أن عمر بن الخطاب- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان إذا قحطوا استسقى بالعباس ابن عبد المطلب- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: اللَّهمّ إنا كنا نتوسل إليك بنينا، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، فاسقنا، فيسقون.
وقد بين الزبير بن بكار في (الأنساب) صفة ما دعا به العباس فيما نقله عن الحافظ: «اللَّهمّ إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث» . (هامش المرجع الاسبق) .(14/315)
قوله، ويسمون هذا الفصل النسيء، لأنهم كانوا ينسئون أول السنة في كل سنتين أو ثلاث أشهر علي حسب ما يستحقه التقدم، وكان النسيء الأول للمحرم، فيسمى صفر باسمه، ويسمي ربيع الأول باسم صفر، ثم قالوا: بين أسماء الشهور، وكان النسيء الثاني لصفر، فسمي الشهر الّذي يتلوه بصفر أيضا، وكذلك حتى دار النسيء في الشهور الاثني عشر، وعاد إلى المحرم، فعادوا بها فعلهم الأول، وكانوا يعدون إذا رأوا النسيء ويحدّون بها الأزمنة فيقولون قد دارت السنون من لدن زمان كذا إلى زمان كذا وكذا دورة، فإن ظهر لهم مع ذلك تقدم شهر عن فصل من الفصول الأربعة، لما يجتمع من كسور سنة الشمس، وبقية فصل ما بينهما وبين سنة القمر الّذي ألحقوه بها، كبسوه كبيسا زائدا، فلما هاجر النبي صلى اللَّه عليه وسلم كانت نوبة النسيء بلغت شعبان فسمي محرّما، وسمي رمضان صفرا فانتظر صلى اللَّه عليه وسلم حتى دار النسيء وعادت الشهور، فبعث أبا بكر- الصديق رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- علي الحج في سنة تسع من الهجرة، وقد وافق الحج في ذي العقدة، فلما كانت سنة عشر، عادت الشهور إلى مواضعها الحقيقية،
فحج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حينئذ حجة الوداع وقال: ألا إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق اللَّه السموات والأرض،
يعني أن الشهور قد عادت إلي مواضعها، وزال عنه فعل العرب الّذي أحدثوه من النسيء، وأنزل اللَّه عليه تحريم النبي فقال سبحانه وتعالي إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ [ (1) ] الآية.
ويقال: إن القلمّس- وهو سدم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة- قال: أري شهور الأهلة ثلاثمائة يوم وخمسة وستين يوما، فبيننا وبينهم أحد عشر يوما ففي كل ثلاث سنين شهر، فهذا نسيء، والنسيء المؤخر، فكان إذا جاءت ثلاث سنين قدم الحجّ في ذي القعدة، فإذا جاءت ثلاث سنين أخّرها في المحرم وكان الناسئ من بني ثعلبة بن مالك بن كنانة يقوم على باب الكعبة فيقول: إن إلهتكم العزّي قد أنسأت صفر الأول، وكان يحله عاما ويحرمه عاما.
وعن طاوس أنه قال: شهر اللَّه الّذي انتزعه من الشيطان المحرم، قال الزبير ابن بكار: وتفسيره أن أهل الجاهلية كانوا يقولون صفر، وكانوا يحلون صفر عاما، ويحرمونه عاما، فجعل اللَّه تعالى المحرم
__________
[ (1) ] التوبة: 37.(14/316)
أول من ابتدع النسيء [ (1) ]
ذكر محمد بن إسحاق أن العرب كانوا إذا فرغوا من حجّهم اجتمعوا إلى القلمس [ (2) ] ، فأحل لهم من الشهور، وحرم، فأحلوا ما أحل، وحرموا ما حرم، وكان إذا أراد أن ينسئ منها شيئا أحلّ المحرم فأحلوه، وحرم مكانه صفرا فحرموه، ليواطئوا عدة الأربعة [الأشهر الحرم] [ (3) ] ، فإذا أرادوا الهدى اجتمعوا إليه، فقال: اللَّهمّ إني لا احاب [ (4) ] وو لا أعاب [ (5) ] في أمري، والأمر لما قضيت، اللَّهمّ إني قد حللت، وما المحلين من طيِّئ، وجعلتم فأمسكوهم حيث ثقفتموهم، اللَّهمّ إني قد أحللت، أحد الصّفرين، الصّفر الأول، ونسأت الآخر من العام المقبل وإنما أحل دم حلى، وخثعم، من أجل أنهم كانوا يعدون على الناس في الشهر الحرام من بين العرب، فلذلك أحل دماءهم، وكانوا يحجون في ذي القعدة عامين، يحجون في ذي القعدة، ثم يحجون كل العام، والآخر
__________
[ (1) ] هذا العنوان ليس في (الأصل) ولكنه من (ابن هشام) .
[ (2) ] قال ابن إسحاق: كان أول من نسأ الشهور على العرب، فأحلت منها ما أحلّ، وحرمت منها ما حرّم القلمّس [وسمى القلمس لجوده: إذ أنه من أسماء البحر] ، وهو حذيفة بن عبد فقيم بن عديّ بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة، ثم قام بعده على ذلك ابنه عبّاد بن حذيفة، ثم قام بعد عباد: قلع بن عباد، ثم قام بعد قلع: أمية بن قلع، ثم قام بعد أمية: عوف بن أمية، ثم قام بعد عوف: أبو ثمامة، جنادة بن عوف، وكان آخرهم، وعليه قام الإسلام. (سيرة ابن هشام) : 1/ 161- 162، أول من ابتدع النسيء.
وجد السهيليّ خبرا عن إسلام أبي تمامة، فقد حضر الحج في زمن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فرأى الناس يزدحمون على الحج فنادى: أيها الناس، إني قد أجرته منكم، فخفقه عمر بالدرة وقال: ويحك! إن اللَّه تعالى أبطل أمر الجاهلية. (هامش المرجع السابق) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (ابن هشام) .
[ (4) ] من الحوب وهو الإثم. (لسان العرب) : 1/ 340.
[ (5) ] من العيب. وهو معروف.(14/317)
في ذي القعدة، ثم يحجون العام الآخر في ذي الحجة،
فلما حج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وافى ذا الحجة فحج، وقال للناس: إن الزمان قد استدار [كهيئته] [ (1) ] يوم خلق اللَّه السموات والأرض، السنة اثني عشر شهرا منها أربعة حرم، فصار الحج في ذي الحجة، فلا شك في الحج.
وعن مجاهد: كانوا يعدون فيسقطون المحرم ثم يقولون: صفران لصفر، وربيع الأول، ثم يقولون جماد ثان لجمادى الآخرة ورجب، ثم يقولون لشعبان:
رجب، ويقولون لرمضان: شعبان، ثم يقولون لشوال: شهر رجب، ثم يقولون لذي الحجة ذو القعدة شوال، ثم يقولون للمحرم ذو الحجة، فيحجون في المحرم، ثم يستأنفون فيعدون ذلك عدة مستقبلة على وجه ما ابتدءوا، فيقولون المحرم وصفر وشهرا ربيع، فيحجون في كل شهر مرتين فيسقطون شهرا آخر فيعدون على العدة الأولى، يقولون: صفران وشهرا ربيع على نحو عدتهم في نحو ما أسقطوا.
عن مجاهد قال: حجوا في ذي الحجة عامين، ثم حجوا في المحرم عامين، ثم حجوا في صفر عامين، فكانوا يحجون في كل سنة في كل شهر عامين، حتى وافقت حجة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من العامين في ذي القعدة، قبل حجة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بسنة، ثم
حج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من قابل في ذي الحجة، فبذلك حين يقول: إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللَّه السموات والأرض.
وخرج الترمذي من حديث الحكم بن عتيبة، عن مقسم عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، قال: بعث النبي صلى اللَّه عليه وسلم أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأمره أن ينادى بهؤلاء الكلمات، ثم أتبعه عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه-، فبينا أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في بعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم القصوى. فخرج أبو بكر فزعا فظن أنه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى-، فدفع إليه كتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأمر
__________
[ (1) ] زيادة للسياق.(14/318)
بهؤلاء الكلمات، فانطلقا، فحجا، فقام عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أيام التشريق فنادى: ذمة اللَّه ورسوله بريئة من كل مشرك، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر، ولا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا مؤمن. وكان علي ينادي، فإذا عيي قام أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- فنادى بها [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي) : 8/ 386، أبواب تفسير القرآن، سورة التوبة، حديث رقم (3287) ، قوله: «فإذا عيي» بكسر التحتية الأولى، يقال عيي يعيي وعياء بأمره وعن أمره: عجز عنه ولم يطق أحكامه، أو لم يهتد لوجه مراده، وعيي يعيي عيّا في المنطق: حصر.
تنبيه: قال الخازن قد يتوهم متوهم أن في بعث علي بن أبي طالب بقراءة أول (براءة) عزل أبي بكر عن الإمارة، وتفضيله على أبي بكر وذلك جهل من هذا المتوهم، ويدل على أن أبا بكر لم يزل أميرا على الموسم في تلك السنة، حديث أبي هريرة عن الشيخين أن أبا بكر بعثه في الحجة التي أمره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنن في الناس. الحديث، وفي لفظ أبي داود والنسائي قال: بعثني أبو بكر فيمن يؤذن في يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، فقوله: «بعثني أبو بكر» ، فيه دليل على أن أبا بكر كان هو الأمير على الناس، وهو الّذي أقام للناس حجهم، وعلمهم مناسكهم. وأجاب العلماء عن بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عليا ليؤذن في الناس حجهم وعلمهم مناسكهم. وأجاب العلماء عن بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عليا ليؤذن في الناس ببراءة بأن عادة العرب جرت أن لا يتولى تقرير العهد ونقضه إلا سيد القبيلة وكبيرها، أو رجل من أقاربه، وكان عليّ بن أبي طالب أقرب إلى النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم من أبي بكر، لأنه ابن عمه ومن رهطه، فبعثه النبي صلى اللَّه عليه وسلم ليؤذن عنه ببراءة، إزاحة لهذه العلة، لئلا يقولوا: هذا على خلاف ما نعرفه من عادتنا في عقد العهود ونقضها.
وقيل: لما خص أبا بكر لتوليته على الموسم خص عليا بتبليغ هذه الرسالة تطييبا لقلبه ورعاية لجانبه.
وقيل: إنما بعث عليا في هذه الرسالة حتى يصلي خلف أبي بكر ويكون جاريا مجرى التنبيه على إمامة أبي بكر بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعث أبا بكر أميرا على الحج وولاه الموسم، وبعث عليا خلفه ليقرأ على الناس ببراءة، فكان أبو بكر الإمام، وعليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- المؤتم، وكان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- الخطيب، وعليّ المستمع.
وكان أبو بكر- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- المتولي أمر الموسم والأمير على الناس ولم يكن ذلك لعلي، فدل ذلك على تقديم أبي بكر على عليّ، وفضله عليه. (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي) :
8/ 386- 387.(14/319)
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه، وقد خرجا في الصحيحين طرقا من ذلك.
فخرّج البخاري في الحج [ (1) ] من حديث يحيي بن بكير، قال: أنبأنا الليث قال يونس: قال ابن شهاب: حدثني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أخبره أن أبا بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى- عنه بعثه في الحجة التي أمّره عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس: ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.
وخرّج في التفسير [ (2) ] من حديث صالح، عن ابن شهاب، أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بعث أبو بكر في تلك الحجة مؤذنين، بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. قال حميد بن عبد الرحمن: ثم أردف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعلي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأمره أن يؤذن ببراءة. قال أبو هريرة: فأذن معنا عليّ يوم النحر في أهل مني ببراءة، وأن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.
وذكره في التفسير أيضا من حديث عقيل [ (3) ] بهذا الإسناد نحوه.
وخرّجه مسلم من حديث ابن وهب قال: أخبرني عمرو عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بعثني أبو بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في الحجة التي أمّره عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.
قال ابن
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 617، كتاب الحج، باب (67) لا يطوف بالبيت عريان، ولا يحج مشرك، حديث رقم (1622) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 404، كتاب التفسير، باب (2) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ، حديث رقم (4655) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4656) .(14/320)
شهاب: فكان. حميد بن عبد الرحمن يقول: يوم النحر يوم الحج الأكبر من أجل حديث أبي هريرة [ (1) ] .
وخرجه أبو داود من حديث شعيب عن الزهري قال: حدثني حميد بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- قال: بعثني أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فيمن يوذن يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ويوم الحج الأكبر يوم النحر، والحج الأكبر الحج [ (2) ] .
وأخرجه البخاري أيضا من هذه الطريق وقال يونس بن بكير: قال ابن إسحاق: ثم بعث رسول اللَّه (ص) أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- أميرا على الحج في سنة تسع ليقيم للمؤمنين حجّهم والناس من أهل الشرك على منازلهم من حجّهم.
فخرج أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- والمؤمنون، ونزلت بَراءَةٌ
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 9/ 123- 124 كتاب الحج، باب (78) لا يحج البيت مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وبيان يوم الحج الأكبر، حديث رقم (435) .
[ (2) ] (سنن أبي داود) : 2/ 483، كتاب المناسك [الحج] ، باب (67) يوم الحج الأكبر، حديث رقم (1946) ، وأخرجه أيضا في البخاري: حديث رقم (4657) ، «والعدو» اسم يقع على الواحد والمتعدد، قال تعالى هم العد فاحذرهم. والشيطان: أصله نوع من الموجودات المجردة الخفية، وهو نوع من جنس الجن.
والإنس: لإنسان، وهو مشتق من التأنس والإلف، لأن البشر يألف بالبشر ويأنس به، فسماه إنسا وإنسانا.
و «شياطين الإنس» استعارة للناس الذين يفعلون فعل الشياطين: من مكر وخديعة. وإضافة شياطين إلى الإنس إضافة مجازية على تقدير «من» التبعيضية مجازا، بناء على الاستعارة التي تقتضي كون هؤلاء الإنس شياطين، فهم شياطين، وهم بعض الإنس، أي أن الإنس: لهم أفراد متعارفة، وأفراد غير متعارفة، يطلق عليهم اسم الشياطين، فهي بهذا الاعتبار من إضافة الأخص من وجه، إلى الأعم من وجه، وشياطين الجنّ حقيقة، والإضافة حقيقية، لأن الجنّ منهم شياطين، ومنهم غير شياطين، ومنهم صالحون، وعداوة شياطين الجنّ للأنبياء ظاهرة، وما جاءت الأنبياء إلا للتحذير من فعل الشياطين، وقد قال اللَّه تبارك وتعالى لآدم: إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ، (تفسير التحرير والتنوير) : 5/ 9 تفسير سورة الأنعام.(14/321)
في نقض ما بين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم والمشركين من العهد الّذي كانوا عليه.
قال ابن إسحاق: فخرج عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى- على ناقة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم العصباء حتى أدرك أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- بالطريق، فلما رآه أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: أميرا أو مأمورا؟ قال: لا، بل مأمورا، ثم مضي، فأقام أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- للناس حجهم، حتى إذا كان يوم النحر قام عليّ بن أبي طالب عند الجمرة فأذّن في الناس بالذي أمره به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: أيها الناس إنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عهد عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فهو له إلى مدته، وأجل الناس أربعة أشهر من يوم أذن فيهم، ليرجع كل قوم من جاء منهم من بلادهم، ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة، إلا أحد كان له عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عهد، فهو له إلى مدّته.
وقال عباد بن العوام: أخبرنا سفيان بن حسين عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعث بسورة بَراءَةٌ مع أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ثم بعث عليا- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا رسول اللَّه! هل ترك من شيء؟ قال: لا، ولكنه لا يبلغ عني غيري أو رجل من أهل بيتي، فكان أبو بكر على الموسم وكان عليّ ينادي بهؤلاء الكلمات: لا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، واللَّه ورسوله بريئان المشركين أو قال: مشرك:
وخرج الحاكم من حديث النضر بن شميل قال: أنبأنا شعبة، عن سليمان الشيبانيّ، عن الشعبي، عن المحرز بن أبي هريرة، عن أبيه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنت في البعث الذين بعثهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مع علي- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- ب بَراءَةٌ إلى مكة فقال له ابنه أو رجل آخ: فيم كنتم تنادون؟ قال: كنا نقول: لا يدخل الجنة إلا مؤمن، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عهد فإن أجله أربعة أشهر، فناديت حتى صحل صوتي [ (1) ] قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد.
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 2/ 361، كتاب التفسير، باب (9) تفسير سورة (التوبة) حديث رقم (3275) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.(14/322)
فصل في ذكر الذين عادوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
قال اللَّه تبارك وتعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [ (1) ] وقال تبارك وتعالى:
وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً [ (2) ] وهم قريش بمكة، فإن الذين كانوا يبدون صفحتهم في عداوته صلّى اللَّه عليه وسلم وأذاه، ويسخرون به، ويخاصمون، ويجادلون، ويردون من أراد الإسلام عنه، فهم:
أبو جهل بن هشام، وأبو لهب، والأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف ابن زهرة وهو ابن خال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم والحارث بن قيس بن عدي السهمي، وهو ابن العيطلة والوليد بن المغيرة، وأمية وأبي ابنا خلف الجمحيين، وأبو قيس ابن الفاكهة بن المغيرة، والعاص بن وائل السهمي، والنضر بن الحارث العبدري، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميين، وزهير بن أبي أمية المخزومي، والعاصي بن سعيد بن العاصي، وعدي بن الحمراء الخزاعي، وأبو البحتري العاصي بن هاشم بن أسد عبد العزى، وعقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية، والأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى بن الأصداء الهذلي- وهو الّذي نطحته الأروى- والحكم بن العاص بن أمية، وهؤلاء كانوا جيرانه صلّى اللَّه عليه وسلم.
وأما الذين تنتهي إليهم عداوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
[فهم] [ (3) ] : أبو جهل، وأبو لهب، وعقبة، وكان أبو سفيان بن حرب بن أمية، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ذوي عداوة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ولكنهم لم يكونوا يفعلون كما فعل هؤلاء، وكانوا كجملة قريش.
أما أبو جهل- لعنه اللَّه- فتقدم ذكره في الأصهار، وتقدم أيضا في الأعمام، وتقدم ذكر أبي لهب بن عبد يغوث في أبناء الخال.
__________
[ (1) ] الأنعام: 112.
[ (2) ] الفرقان: 31.
[ (3) ] زيادة للسياق.(14/323)
وأما الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم بن عمرو وائل السهمي الّذي يقال له ابن العيطلة، والعيطلة أم أولاد قيس بن عدي، نسبوا إليها، إنه أحد المستهزءين المؤذين لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو الّذي كان كلما رأى حجرا أحسن من الّذي عنده أخذه وألقي ما عنده [ (1) ] وفيه نزلت: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [ (2) ] إلى آخر الآية. وكان يقول: لقد غرّ محمد نفسه وأصحابه، وعدهم أن يحيوا بعد الممات! واللَّه ما يهلكنا إلا الدهر ومرور الأيام والأحداث، فأكل حوتا مملوحا، فلم يزل يشرب عليه الماء حتى مات. ويقال: إنه أصابته الذبحة فقتل، امتحض رأسه قيحا.
والوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن مخزوم أبو عبد شمس، والد خالد بن الوليد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان يقال له: العدل لأنه فيما يقال:
كان يعدل قريشا كلها. ويقال: إن قريشا كانت تكسو الكعبة فيكسوها هو مثل ما يكسوها هم، ويقال له العدل [ (3) ] وجمع قريشا في دار الندوة، ثم قال لهم: إن العرب يأتوكم أيام الحج فيسألونكم عن محمد فتختلفون، يقول هذا:
ساحر، ويقول هذا: شاعر، ويقول هذا: مجنون، ويقول هذا: كاهن، والناس يعلمون أن هذه الأشياء لا تجتمع، فقالوا: نسميه شاعرا! قال الوليد:
سمعت الشعر وسمعناه، فما يشبه ما يجيء به شيئا من ذلك. قالوا: كاهن! قال: صاحب الكهانة يصدق ويكذب، وما رأينا محمدا كذب قط! قالوا:
فمجنون! قال: المجنون يخنق ومحمد لا يخنق، ثم مضى الوليد إلى بيته، فقالوا: صبأ، قال: ما صبأت، ولكني فكرت فقلت: أولى ما يسمي ساحرا، لأن الساحر يفرق بين المرأة وزوجها، والأخ وأخيه، فتنادوا بمكة: إن محمدا ساحر، فنزلت فيه: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً [ (4) ] إلي قوله: تِسْعَةَ عَشَرَ، فقال: أبو الأشدّين- واسمه كلدة بن أسيد بن خلف الجمحي-: أنا أكفيكم، خمسة علي ظهري، وأربعة بيدي [ (5) ] ، فألقوا في جهنم، فنزلت:
__________
[ (1) ] الحجر: الصنم الّذي يعبده من دون اللَّه تعالى.
[ (2) ] الفرقان: 43.
[ (3) ] لأنه كان يعدل قريشا وحدها في النفقة في كسوة الكعبة.
[ (4) ] المدثر: 11.
[ (5) ] كذا في (الأصل) ، وفي (ابن كثير) : قال: يا معشر قريش اكفوني منهم اثنين، وأنا أكفيكم منهم سبعة عشر، إعجابا منه بنفسه، وكان قد بلغ من القوة فيما يزعمون أنه كان يقف على جلده البقرة ويجافيه عشرة لينزعوه من تحت قدميه فيتمزق الجلد ولا يتزحزح عنه.(14/324)
وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا [ (1) ] وقال الوليد: لئن لم ينته محمد عن سب آلهتنا لنسبن إلهه! فقال أبو جهل: نعم ما قلت، ووافقهم الأسود بن عبد يغوث، فنزلت: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [ (2) ] واعترض الوليد بن المغيرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ومع الوليد عدة من قريش منهم الأسود بن عبد المطلب بن أسد ابن عبد العزي، والعاص بن وائل السهمي، وأمية بن خلف، فقال: يا محمد هلم فنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، ونشترك نحن وأنت في الأمر كله، فإن كان ما تعبد خيرا كنا أخذنا منه بحظنا، وإن كان ما نعبده خيرا كنت قد أخذت بحظك منه، فأنزل اللَّه سورة: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [ (3) ] ، يقول لهم: لا أعبد الآن ما تعبدون، ولا أنتم الآن تعبدون ما أعبد، ولا أنا عابد أبدا ما عبدتم، ولا أنتم عابدون أبدا ما أعبد، لكم كفركم ولي إيماني [ (4) ] .
وقال الوليد لأبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية- وكان نديمه-[ (5) ] :
لولا أنزل هذا القرآن الّذي يأتي به محمد على رجل من أهل مكة أو من أهل الطائف مثلك أو مثل أمية بن خلف؟ فقال له أبو أحيحة: أو مثلك يا أبا عبد شمس؟ أو على رجل من ثقيف مثل مسعود بن عمرو؟ أو كنانة بن عبد ياليل؟ أو مسعود بن معتب؟ أو ابنه عروة بن مسعود؟ فأنزل اللَّه تعالى:
وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ* أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ [ (6) ] . ولم يصف اللَّه تعالى أحدا وصف الوليد بن المغيرة، ولا
__________
[ () ] قال السهيليّ: وهو الّذي دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى مصارعته وقال: إن صرعتني آمنت بك فصرعه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مرارا فلم يؤمن. قال: وقد نسب ابن إسحاق خبر المصارعة إلي ركانة بن عبد العزيز بن هاشم بن المطلب. قال الحافظ ابن كثير: ولا منافاة بين ما ذكراه. واللَّه تعالى أعلم.
(تفسير ابن كثير) : 4/ 474.
[ (1) ] المدثر: 31.
[ (2) ] الأنعام: 108.
[ (3) ] الكافرون: 1.
[ (4) ] (فتح القدير للشوكاني) : 5/ 739.
[ (5) ] النديم: الجليس على الشراب.
[ (6) ] الزخرف: 31- 32.(14/325)
أبلغ من ذكره عقوقه ما بلغ من ذكرها منه، لأنه وصفه بالحلف، والمهانة، والغيب للناس، والمشي بالنمائم، والبخل، والظلم، والإثم، والجفاء والدعوة، وألحق بدعاء لا يفارقه في الدنيا ولا في الآخرة، كالوسم على الخرطوم. قال تبارك وتعالى: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ* هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ* مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ* عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ* أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ* إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ* سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ [ (1) ] ، ولا خلاف أنها نزلت في الوليد بن المغيرة.
روي سفيان عن زكريا، عن الشعبيّ قال: العتلّ الشديد، والزنيم الّذي له زنمة من الشر يعرف بها كما تعرف الشاة [ (2) ] ، أراد الشعبي أنه قد لحقته شية [ (3) ] في الدعوة عرف بها كزنمة الشاة.
وقال الواقدي: مات الوليد بعد الهجرة بثلاثة أشهر أو نحوها وهو ابن خمس وسبعين [ (4) ] سنة، ودفن بالحجون، وابنه قيس بن الوليد من المعادين، وكان الوليد أحد المستهزءين فمر برجل يقال له حراث بن عامر بن خزاعة ويكنى أبا قصاف، وهو يريش نبلا له، فوطئ على سهم منها فخدش أخمص رجله خدشا يسيرا، ويقال: علق بأداة فخدش ساقه خدشا خفيفا، فأهوى إليه جبريل عليه السلام فانتقض الخدش وضربته الأكلة في رجله أو ساقه فمات، وأوصى بنيه وقال: اطلبوا خزاعة بالسهم الّذي أصابني فأعطت خزاعة ولده العقل [ (5) ] وقال: انظروا عقرى عند أبي أزهر الدوسيّ، فلا يفوتكم فداء هشام بن الوليد على أبي أزيهر بعد بدر، فقتله بذي المجاز، ولقتل أبي أزيهر خبر مذكور.
والعاصي بن هشام بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم أخو أبي جهل، وأميّة وأبيّ ابنا خلف، كان على شرّ ما يكون عليه أحد من أذى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وتكذيبه، وجاء أبيّ بعظم نخر ففتته في يده، ثم قال: زعمت
__________
[ (1) ] القلم: 10- 16.
[ (2) ] (لسان العرب) : 12/ 277.
[ (3) ] الشية: العلامة، قال تعالى في صفة بقرة بنى إسرائيل: مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها. البقرة: 71.
[ (4) ] كذا في (الأصل) ، وفي (ابن الأثير) : «خمس وتسعين» .
[ (5) ] العقل: الدية.(14/326)
يا محمد أن ربك يحيي هذا العظم؟ ثم نفخة فنزلت: قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [ (1) ] . الآية.
وقال سفيان الثوريّ، عن أبي السوداء، عن أبي سابط أن أبيّا صنع طعاما، ثم أتي به إلى حلقة فيها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فدعاهم ودعاه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا أقوم حتى تشهد أن لا إله إلا اللَّه، ففعل، فقام صلّى اللَّه عليه وسلم فلقيه عقبة بن أبي معيط فقال: قلت كذا وكذا؟ فقال: إنما قلت ذلك لطعامنا، فنزلت:
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ [ (2) ] الظالم: عقبة، وقوله فلانا يعني أبيا ويقال: الظالم أبيّ، و (فلانا) عقبة،
وقد قيل: إن الّذي دعي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فيمن دعا عقبة بن أبي معيط فأنكر أبيّ ذلك عليه، وكان صديقا له ونديما، وقال: اتبعت محمدا؟ فقال: لا واللَّه، ولكني قد تذممت أن لا أدعو وإن دعوته أن لا يأكل من طعامي، فقلت له قولا لم أعتقده، فقال له:
وجهي من وجهك حرام إن لم تكفر به، وتتفل في وجهه، ففعل، ورجع، ما خرج فيه إلى وجهه! فأنزل اللَّه تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يعني عقبة. وقوله فُلاناً يعني أبيّ بن خلف، وهي في قراءة عبد اللَّه بن مسعود: لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا وبعض الرواة يقول: إن أمية بن خلف فعل هذا ولا يذكر أبيّا، وقتل أمية يوم بدر، فقتله حبيب بن إساف، وقيل:
اشترك حبيب وبلال في قتله، ويقال: قتله رفاعة بن رافع الأنصاري، وقتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أبيا يوم أحد، أخذ حربته أو حربة غيره فقتله بها كما تقدم في خير يوم أحد.
وأبو قيس بن الفاكة بن المغيرة وكان من المؤذين لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المعروفين في أذاه، يعين أبا جهل على صنعه، قتله حمزة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يوم بدر، ويقال: قتله الحباب بن المنذر.
والعاصي بن وائل السهمي، والد عمرو، وكان من المستهزءين، ولما مات عبد اللَّه [ (3) ] ولد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إن محمدا أبتر، لا يعيش له ولد
__________
[ (1) ] ياسين: 78.
[ (2) ] الفرقان: 27.
[ (3) ] في بعض المراجع: «عبد اللَّه» ، وفي بعضها: «إبراهيم» ، وفي بعضها: «القاسم» .(14/327)
[ذكر] [ (1) ] ، فأنزل اللَّه فيه: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [ (2) ] ، فركب حمارا، ويقال:
بغلة له بيضاء، فلما صار بشعب من الشعاب وهو يريد الطائف، ربض به الحمار أو البغلة على شبرقة فأصابت رجله شوكة منها فانتفخت حتى صارت كعنق البعير، ومات.
ويقال: إنه لما ربض به حماره أو بغلته لدغ فمات مكانه، وكان ابنه عمرو بن العاص يقول: لقد مات أبي وهو ابن خمس وثمانين سنة، وإنه يركب حمارا له من هذه الديانة إلى ماله بالطائف فتمشى عنه أكثر مما ركبه.
وقال الواقدي: مات العاصي بعد هجرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة بأشهر، وهو ابن خمس وثمانين سنة، وكان يكنى أبا عمرو، وقال ابن سعد: قلت للواقدي: قال اللَّه عز وجل: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ وهذه السورة مكية [ (3) ] ، فقال: قد سألت مالكا وابن أبي ذؤيب عن هذا فقالا: كفاه إياهم، فبعضهم مات وبعضهم عمي، فشغل عنه، وبعضهم كفاه إياه، أذهب ما له من أسباب مفارقته بالهجرة هاهنا. وقال غيرهما: كفاه أمرهم فلم يضروه بشيء مما كادوه.
والنضر بن الحرث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار أبو قائد، وكان أشدّ قريش معاداة بالأذى لرسول اللَّه [ (1) ] والتكذيب، فأسر ببدر وضربت عنقه، وقد تقدم ذكره.
وأبو أحيحة سعيد بن العاصي بن أمية كان، يقول: دعوا محمدا ولا تعرضوا له فإن كان ما يقول حقا كان فينا دون غيرنا من قريش، وإن كان كاذبا قامت به قريش دونكم، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يمر عليه فيقول: إنه ليتكلم من السماء، حتى أتاه النضر بن الحارث- فقال: بلغني أنك تحسن القول في محمد! وكيف ذاك؟ وهو يسب آلهتنا، ويزعم أن آباءنا في النار، ويتوعد من لم يتبعه بالعذاب، فأظهر أبو أحيحة عداوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وذمّة وعيّب ما جاء به، وجعل يقول: ما سمعنا بمثل ما جاء به في يهودية ولا نصرانية، وكان أبو أصيحة ذا شرف بمكة، وكان إذا اعتمّ لم يعتم أحد بمكة، إذ لم يعتم أحد بعمامة على لون عمامته إعظاما له. فقويت أنفس المشركين حين رجع عن
__________
[ (1) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (2) ] الكوثر: 3.
[ (3) ] الحجر: 95.(14/328)
قوله الأول، فأتاه النضر شاكرا له على ذلك، لإعظام قريش إياه، ومات أبو أحيحة في ماله بالطائف سنة اثنتين من الهجرة. ويقال: في أول سنة من الهجرة، وله تسعون سنة، فلما غزا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الطائف رأى قبر أبي أحيحة مشرفا، فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: لعن اللَّه صاحب هذا القبر، فإنه كان ممن يحاد اللَّه ورسوله، فقال ابناه: عمرو وأبان:
لعن اللَّه أبا قحافة [ (1) ] فإنه كان لا يقرى الضيف، ولا يرفع الضيم،
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سب الأموات يؤذي الأحياء، فإذا سببتم فعموا.
ومنبه ونبيه ابنا الحجاج السّهميان، كانا على مثل ما عليه أصحابهما من أذى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم والطعن عليه، وكانا يلقيانه فيقولان: أما وجد اللَّه من يبعثه غيرك؟ إن هاهنا من هو أسنّ منك، وأيسر، فإن كنت صادقا فائتنا بملك يشهد لك، ويكون معك، وإذا ذكر لهما قال: معلم مجنون، يعلمه أهل الكتاب ما يأتي، فكان صلّى اللَّه عليه وسلم يدعو عليهما، فأما منبه فقتله عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، ويقال: أبو اليسر الأنصاري ويقال: أبو أسيد الساعدي، وأما نبيه فقتله أيضا عليّ، وقتل العاصي بن منبه أيضا، وكان صاحب ذي الفقار [ (2) ] ، وقيل: كان يف نبيه.
وزهير بن أبي أمية وحذيفة بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، وهو أخو أم المؤمنين أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- لأبيها، وكان ممن يظهر تكذيب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وينكر ما جاء به، ويطعن عليه ويردّ الناس عنه، وهو ابن عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عاتكة بنت عبد المطلب، وقد اختلف فيه فقيل:
إنه شخص يريد بذرا فسقط عن بعيرة فمرض ومات، وقيل: أسر يوم بدر فأطلقه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما صار بمكة مات. وقيل: حضر وقعة أحد ومات بعدها بسهم أصابه، وقيل: شخص إلى اليمن بعد الفتح فمات هناك كافرا، وقيل أتي الشام فمات هناك.
وعبد اللَّه بن أبي أمية كان منهم، وأتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في قوم من المشركين فقال له بعضهم: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا، فإن ماء زمزم ملح. وقال آخر: إن لم تفعل هذا فإنا لن نؤمن لك حتى يكون لك بمكة جنان
__________
[ (1) ] أبو قحافة: والد أبي بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
[ (2) ] ذو الفقار اسم سيف من السيوف التي آلت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم.(14/329)
كجنان آل فارس، ذات نخيل وأعناب، وقال آخر: لن نؤمن لك حتى تسقط السماء علينا كسفا، أو تأتي بربك وملائكتك فنراهم، وقال عبد اللَّه بن أبي أميّة: لن تؤمن لك حتى نرى لك بيتا من ذهب يحدثه لك ربك، أو ترقى في السماء ثم لا نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب ونحن نراك فنقرأه فأنزل اللَّه تعالى حكاية قولهم، وقال: قال لهم: سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا [ (1) ] وأسلم عبد اللَّه، وقتل يوم الطائف. والثابت أن عبد اللَّه قال هذا القول من بينهم، وكان خطيب القوم ومتكلمهم.
والسائب بن أبي السائب صيفي بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمران بن مخزوم ممن كان يعادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقتله الزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ببدر.
والأسود بن عبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم وكان ممن يعادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان حلف يوم بدر ليكسرن حوض النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقاتل حتى وصل إلى الحوض فأدركه حمزة- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- وهو يكسره فقتله، فاختلط دمه بالماء.
وعديّ بن الحمراء الخزاعي، كان ممن يعادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولدغ وهو يريد بدرا فمات.
والعاصي من سعيد بن العاصي بن أمية، قتل يوم بدر كافرا، وأبو البحتريّ العاصي بن هاشم بن أسد بن عبد العزى بن قصيّ، كان أقلهم أذى لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على أنه كان يكذبه ويعيب ما جاء به، قتل يوم بدر كافرا وقيل: قتله عمير بن عامر المازنيّ، وفي أبي البحتريّ نزلت: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [ (1) ] . الآية.
خرج أبو نعيم من حديث محمد بن إسحاق قال: حدثني الأجلح، عن أبي إسحاق السبيعي، عن عمرو بن ميمون، عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- أنه قال: بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في المسجد وأبو جهل بن هشام، وشيبة، وعتبة ابنا ربيعة، وعقبة بن معيط وأمية بن خلف، قال أبو إسحاق: ورجلان آخران لا أحفظ أسميهما، كانوا سبعة، وهم في الحجر، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلي فلما سجد أطال السجود، فقال أبو جهل: أيكم يأتي جزور بني فلان فيأتينا بفرثها فيلقيه على ظهر محمد؟ فانطلق أشقاهم
__________
[ (1) ] الزمر: 3.(14/330)
وأسفلهم عقبة بن أبي معيط، فأتي به فألقاه على كتفه، ورسول اللَّه (ص) ساجد، قال ابن مسعود: وأنا قائم لا أستطيع أن أتكلم، ليس عندي عشيرة تمنعني، فأنا أرهب،
إذ سمعت فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بذلك، فأقبلت حتى ألقت ذلك عن أبيها، ثم استقبلت قريشا فشتمتهم، فلم يرجعوا إليها شيئا، ورفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رأسه كما كان يرفع عند تمام سجوده، فلما قضى صلاته قال: اللَّهمّ عليك بقريش، اللَّهمّ عليك بقريش، اللَّهمّ عليك بقريش، اللَّهمّ عليك بعقبة، وعتبة، وأبي جهل وشيبة، وذينك الرجلين، ثم خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من المسجد ولقيه أبو البختري ومع أبي البختري سوط. يتخصر به، فلما لقيه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنكر وجهه فأخذه فقال: تعالى، مالك؟ قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: خل عني، قال: على اللَّه أن لا أخلي عنك أو تخبرني ما شأنك فلقد أصابك شيء، فلما علم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه غير مخل عنه أخبره فقال: إن أبا جهل أمر أن يطرح عليّ فرث، فقال أبو البختري: هلم إلى المسجد، فأبى فأخذه أبو البختري، فأدخله إلي المسجد، ثم أقبل علي أبي جهل، فقال: يا أبا الحكم أنت الّذي أمرت بمحمد فطرح عليه الفرث؟ قال: نعم، فرفع السوط فضرب رأسه، فثارت الرجال بعضها إلى بعض، فصاح أبو جهل فقال: ويحكم من له؟ إنما أراد محمد أن يلقى بيننا العداوة وينجو هو وأصحابه [ (1) ] .
وعقبة بن أبي معيط [بن] [ (2) ] زبان بن [أبى] [ (2) ] عمرو بن أمية أبو
__________
[ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 266- 267، حديث رقم (200) ، وقال في هامشه: أخرجه مسلم من طريق زكريا عن أبي إسحاق مختصرا، وأخرج البخاري ففي (صحيحه) من طريق إبراهيم ابن يوسف عن أبيه، عن أبي إسحاق، قال: حدثني عمرو بن مسمون أنعبد اللَّه ابن مسعود. فذكر الحديث دون قصة أبي البختري، وكذا أخرجه من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق بسنده.
قال ابن حجر: وروى هذا الحديث إن إسحاق في (المغازي) قال: حدثني الأجلح عن أبي إسحاق، والقصة مشهورة في السيرة، وأخرجها البزار من طريق ابن إسحاق، وأشار إلى تفرد الأجلح بها عن أبي إسحاق.
وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد) : 6/ 18: رواه البزار والطبراني في (الأوسط) ، وفيه الأجلح بن عبد اللَّه الكندي وهو ثقة عند ابن معين وغيره، وضعفه النسائي وغيره، وقال ابن حجر في (تقريب التهذيب) :
هو صدوق.
[ (2) ] زيادات للنسب من (جمهرة أنساب العرب) ، قال ابن حزم: قتله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم صبرا، ضرب عنقه عامر بن ثابت، أخو عاصم بن ثابت حميّ الدبر.(14/331)
الوليد، كان أشد الناس عداوة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأذى، فعمد إلى مكتل فحول فيه عذرة، ثم ألقاه على باب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ونصرته طليب بن عمير بن وهب بن قصيّ بن كلاب، وأمه أروى بنت عبد المطلب فأخذ المكتل نفسه وضرب به رأسه، وأخذ باديته وتشبث به. ويروي: وتشبث به عقبة وذهب به إلى أمه أروي، فقال لها: ألا ترين إلى ابنك قد صار عرضا دون محمد، فقالت:
ومن أولي منه بذلك؟ ابن خاله، أموالنا وأنفسنا دون محمد، وجعلت تقول:
إن طليبا نصر ابن خاله وآساه في ذي دمه وماله، وجاء بسلا جزور فقذفه على ظهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو ساجد عند الكعبة، حتى جاءت فاطمة فأخذته عن ظهره صلّى اللَّه عليه وسلم.
فلما كان يوم بدر أسر عقبة عبد اللَّه بن سلمة بن مالك العجلاني فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فضرب عنقه كما تقدم ذكره.
الأسود بن المطلب [ (1) ] بن أسد بن عبد العزى أبو زمعة زاد الراكب، كان من المستهزءين، وكان وأصحابه يتغامزون بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه ويقولون: قد جاءكم ملوك الأرض ومن يغلب على كنوز كسرى وقيصر، ثم يحكون، ويصفرون، ويصفقون وكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بكلام شق عليه، فدعا عليه أن يعمي اللَّه بصره، ويثكله ولده. فخرج يستقبل ابنه وقد قدم من الشام فلما كان في بعض طريقه فجلس في ظل شجرة فجعل جبرائيل عليه السلام يضرب وجهه وعينيه بورقة من ورقها، وبشوكها حتى عمي، وقيل: أومأ إلى عينيه فعمي فشغله عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقتل ابنه معه ببدر كافرا، قتله أبو دجانة وقتل ابن ابنه عتيب، قتله حمزة وعليّ اشتركا في قتله، وقتل ابن ابنه الحارث بن زمعة بن الأسود، قتله عليّ، وقيل: هو الحارث بن الأسود، والأول أصحّ، وهو القائل:
أتبكي أن يضل لها بعير ... ويمنعها من النوم السهود
وقال الواقدي: ومات الأسود بمكة وهم يتجهزون لأحد، وكان الأسود يجلس معه قوم من المشركين فيقولون: ما نرى ما جاء به محمد! ما هو إلا سجع كسجع الكهان، فنزلت فيهم: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ [ (2) ] وقيل: نزلت في أهل الكتاب وكانوا إذا سئلوا عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول بعضهم: ساحر، ويقول
__________
[ (1) ] (الكامل في التاريخ) : 2/ 74- 75، باختلاف يسير في اللفظ.
[ (2) ] الحجر: 91.(14/332)
بعضهم: شاعر، ويقول بعضهم: مجنون، ويقول بعضهم: ساحر، ويتكذبون عليه، فيصدون الناس عنه، فأنزل اللَّه تعالى فيهم: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [ (1) ] ، يقول أثقال من يصدونه عن الإلسام. وذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عاقرا الناقة فقال: كان عزيزا منيعا كأبي زمعة الأسود بن المطلب فيكم. وابنه زمعة بن الأسود وابن الأصداء الهذليّ، كان يؤذي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ويقول له: إنما يعلمك أهل الكتاب بأساطيرهم، ويقول للناس: هو معلم مجنون، فدعا عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فإذا هو على جبل إذ اجتمعت عليه الأروى فنطحته حتى قتلته.
والحكم بن أبي العاصي بن أمية [ (2) ] ، كان مؤذيا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان
__________
[ (1) ] العنكبوت: 13.
[ (2) ] هو الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيّ القرشيّ الأمويّ، عم عثمان بن عفان، أبو مروان بن الحكم، كان من مسلمة الفتح، وأخرجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من المدينة، وطرده عنها، فنزل الطائف، وخرج معه ابنه مروان.
وقيل: إن مروان ولد بالطائف، فلم يزل الحكم بالطائف إلى أن ولى عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فرده عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى المدينة، وبقي بها، وتوفي في آخر خلافة عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قبل القيام على عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بأشهر فيما أحسب.
واختلف في السبب الموجب لنفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إياه، فقيل: كان يتحيل ويستخفي ويتسمّع ما يسّره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى كبار الصحابة في مشركي قريش وسائر الكفار والمنافقين، فكان يفشي ذلك عنه حتى ظهر ذلك عليه. وكان يحكيه في مشيته وبعض حركاته، إلى أمور غيرها كرهت ذكرها.
ذكروا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان إذا مشي يتكفأ، وكان الحكم بن أبي العاص يحكيه، فالتفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوما فرآه يفعل ذلك، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فكذلك فلتكن، فكان الحكم مختلجا يرتعش من يومئذ.
فعيره عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، فقال في عبد الرحمن بن الحكم يهجوه:
إن اللعين أبوك فارم عظامه ... إن ترم ترم مخلجا مجنونا
يمشي خميص البطن من عمل التقى ... ويظل من عمل الخبيث بطينا
فأما قوم عبد الرحمن بن حسان: «إن اللعين أبوك» ، فروى عن عائشة من طرق ذكرها ابن أبي خيثمة وغيره أنها قالت لمروان إذ قال في أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لما امتنع من(14/333)
يمشى ذات يوم وهو خلفه، فخلج بأنفه وفمه فبقي على ذلك، وأظهر الإسلام يوم فتح مكة، وكان مغموصا عليه في دينه، فاطلع على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالمدينة في بعض حجر نسائه، فخرج إليه يعيره فقال: من عدا يرى من هذه الودعة؟
لو أدركته لفقأت عينه، وغربة عن المدينة، فلم يزل خارجا منها إلى أن استخلف أمير المؤمنين عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فرده وولده، ومات في خلافة عثمان، فضرب على قبره فسطاطا، وقال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت لمروان بن الحكم:
إن اللعين أباك فارم عظامه ... إن ترم ترم مخلجا مجنونا
يمسي [ (1) ] خميص البطن من عمل التقى ... ويظل من عمل الخبيث بطينا
وعتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن الوليد، لقي رسول اللَّه فقال له: إن أردت الشرف شرفناك وإن كنت تريد المال أعطيناك منه
__________
[ () ] البيعة ليزيد بن معاوية لولاية العهد ما قال: أما أنت يا مروان فاشهد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعن أباك وأنت في صلبه. وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا عثمان بن حكيم، قال: حدثنا شعيب بن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو العاص، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-
قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يدخل عليكم رجل لعين. قال عبد اللَّه: وكنت قد تركت عمرو يلبس.
ثيابه ليقبل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فلم أزل مشفقا أن يكون أول من يدخل- فدخل الحكم بن أبي العاص.
قال الحافظ: وروينا في جزء ابن نجيب، من طريق زهير بن محمد عن صالح بن أبي صالح حدثني نافع عن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فمر الحكم بن أبي العاص، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ويل لأمتي مما في صلب هذا.
وأخرج ابن سعد عن الواقدي، بسنده إلى ثعلبة بن أبي مالك، قال: مات الحكم بن أبي العاص في خلافة عثمان، فضرب على قبره فسطاطا في يوم صائف، فتكلم الناس في ذلك، فقال عثمان: قد ضرب في عهد عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على زينب بنت جحش فسطاطا فهل رأيتم عائبا عاب ذلك؟ مات الحكم بن أبي العاص سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- (الاستيعاب) : 1/ 359- 360، ترجمة رقم (529) ، (الإصابة) :
2/ 104- 106، ترجمة رقم (1783) .
[ (1) ] في (الأصل) : «يضحي» .(14/334)
ما تحب، فقال: يا أبا الوليد اسمع: فقرأ عليه حم [ (1) ] السجدة فقال: هذا كلام ما سمعت مثله،
ثم التفت إلي جماعة قريش فقال: دعوه، وخلوا بينه وبين العرب، فليس بتارك أمره، وأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ابن أم مكتوم وعتبة يكلمه، وقد طمع فيه أن يسلم، فشغل عنه، فأنزل اللَّه تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى [ (2) ] وقوله: أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى [ (3) ] يعني عتبة [ (4) ] ويقال: بل الّذي شغل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم به عن ابن أم مكتوم قال له: علمني مما علمك اللَّه، فأقبل على أمية بن خلف وتركه، وقتل عتبة يوم بدر وله خمسون سنة، وكان أبو حذيفة بن عتبة [ (5) ] مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مسلما.
__________
[ (1) ] السجدة: 1.
[ (2) ] عبس: 1، 2.
[ (3) ] عبس: 5.
[ (4) ] هذا المستغني هو الوليد، أو أمية، أو عتبة وشيبة، وجميع المذكورين في سبب النزول أقوال، قال القرطبيّ:
وهذا كله غلط من المفسرين، لأن أمية والوليد كانا بمكة، وابن أن مكتوم كان بالمدينة ما حشر معهما، وماتا كافرين، أحدهما قبل الهجرة والآخر في بدر، ولم يقصد قط أمية المدينة، ولا حضر معه مفردا ولا مع أحد.
وابن أم مكتوم: هو عبد اللَّه بن سرح بن مالك بن ربيعة الفهريّ، من بنى عامر بن لؤيّ، وأم مكتوم أم أبيه عاتكة، وهو ابن خال خديجة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- (البحر المحيط) : 10/ 407، مختصرا.
[ (5) ] هو أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشيّ، العبشميّ، قال معاوية: اسمه مهشم، وقيل: هشيم، وقيل: هاشم، وقيل: قيس.
كان من السابقين إلى الإسلام، وهاجر الهجرتين، وصلّى القبلتين. قال ابن إسحاق: أسلم بعد ثلاثة وأربعين إنسانا، وثبت ذكره في (الصحيحين) في قصة سالم من طريق الزهري، عن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن أبا حذيفة بت عتبة كان ممن شهد بدرا، يكنى سالما، قالوا: كان طوالا حسن الوجه استشهد يوم اليمامة، وهو ابن ست وخمسين سنة.
قال أبو عمر بن عبد البر: كان من فضلاء الصحابة من المهاجرين الأولين، جمع اللَّه له الشرف والفضل، صلّى القبلتين، وهاجر الهجرتين جميعا، وكان إسلامه قبل دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دار الأرقم للدعاء فيها إلى الإسلام. هاجر مع امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو إلى أرض الحبشة، وولدت له هناك محمد بن أبى حذيفة، ثم قام على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو بمكة، فأقام بها حتى هاجر إلى المدينة، وشهد بدرا، وأحدا، والخندق،(14/335)
وشيبة بن ربيعة بن عبد شمس [ (1) ] أبو هاشم، كان يجتمع مع قريش فيما يكيد به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من الأذى، ولا يتعاطى ذلك بيده، وقتله عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف يوم بدر ووقف عليه حمزة وعليّ- رضي اللَّه تبارك عنهما- وكان شيبة أسنّ من عتبة بثلاث سنين وكان شيبة وعتبة متثاقلين عن الخروج لبدر حتى أتاهما أبو جهل فخرجا، ولما قتلوا ببدر قالوا: ومشى نساء قريش إلى هند بنت عتبة وهي أم معاوية بن أبي سفيان فقلن لها: ألا تبكين على أبيك وعمك وأخيك وأهل بيتك؟ فقالت: حلقي، أنا لا أبكيهم فيبلغ محمدا وأصحابه، فيشمتوا بنا، ونساء بني الخزرج! لا واللَّه، حتى أثأر من محمد وأصحابه، وحرمت على نفسها الدهن والكحل وقالت: واللَّه، لو أعلم أن الحزن يذهب من قلبي لبكيت، ثم قالت:
للَّه عينا من رأى هلكا هلك رحالته ... يا رب بارك لي غدا في النايحات وباكيه
كم غادروا يوم القليب غداة تلك الواعية ... من كل عيب في السنن إذا الكواكب جارية
قد كنت أحذر ما أرى فاليوم حل جدار به ... يا رب قابله غدا يا ويح أم معاوية
وأنس بن معير بن لودان بن سعد بن جمح، أخو أبي محذورة [ (2) ] ومطعم
__________
[ () ] والحديبيّة، والمشاهد كلها. وقتل يوم اليمامة شهيدا، وكان أثعل، والأثعل الّذي له سنّ زائدة، تدخلها من صلبها الأخرى، وفيه تقول هند بنت عتبة حين دعا أباه إلى البراز يوم بدر:
فما شكرت أبا ربّاك من صغر ... حتى شببت شبابا غير محجون
الأحول الأثقل المشئوم طائرة ... أبو حذيفة شر الناس في الدين
قال أبو عمر بن عبد البرّ: بل كان من خير الناس في الدين، وكانت هي- إذ قالت هذا الشعر- من شر الناس في الدين (الإصابة) : 7/ 87، ترجمة رقم (9748) .
(الاستيعاب) : 4/ 1631- 1632، ترجمة رقم (2914) ، (جمهرة أنساب العرب) : 77.
[ (1) ] عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس، قتلا يوم بدر كافرين، وكان شيبة يقف بعرفة إذا حج، بخلاف سائر قريش. (المرجع السابق) : 76، ثم قال في صفحة 491: وكان قد تنصّر من قريش نفر يسير، وهم شيبة بن ربيعة بن عبد شميس.. في آخرين.
[ (2) ] (جمهرة أنساب العرب) : 162.(14/336)
بان عدي بن نوفل بن عبد مناف أبو وهيب [ (1) ] ، كان أقل أصحابه أذى للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، لكنه كان ينكر عليه ما أنكروا، وهو الّذي قام بأمر بني هاشم وبني المطلب حتى خرجوا من الشعب،
وأجاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كما رجع من الطائف حتى مات بالبيت، ومات في صفر سنة اثنين من الهجرة قبل بدر، وهو ابن بضع وتسعين سنة، ودفن بالحجون، وأقيم النوح عليه سنة، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم:
لابنه جبير بن مطعم يوم بدر: لو كان أبوك حيا واستوهبني هؤلاء الأسرى أبوك لوهبتهم له، وشفعته فيهم.
وطعيمة بن عدي بن نوفل بن المطلب، أبو الريان، وكان ممن يؤذي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فيبالغ في أذاه، ويشتمه، ويسمعه، ويكذبه، فأسر يوم بدر، وقتل صبرا كما تقدم [ (2) ] والحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، فيه نزلت:
وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا [ (3) ] لكنه كان ممن أعان على نقض الصحيفة وقتل يوم بدر كافرا، قتله خبيب بن إساف [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 115.
[ (2) ] (المرجع الاسبق) 115- 116.
[ (3) ] القصص: 57.
[ (4) ]
(جمهرة النسب) : 62- 63، وقال: وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: من لقيه فليدعها لأيتام بني نوفل.
يقول اللَّه تعالى- مخبرا عن اعتذار بعض الكفار في عدم اتباع الهدى حيث قالوا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم-: إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أي نخشى إن اتبعنا ما جئت به من الهدى، وخالفنا من حولنا من أحياء العرب المشركين أن يقصدونا بالأذى والمحاربة، ويتخطنونا أينما كنا، قال اللَّه تعالى مجيبا لهم: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يعنى هذا الّذي اعتذروا به كذب وباطل، لأن اللَّه تعالى جعلهم في بلد أمين، وحرم معظم آمن منذ وضع، فكيف يكون هذا الحرم آمنا لهم في حال كفرهم وشركهم، ولا يكون آمنا لهم وقد أسلموا وتابعوا للحق؟
قوله تعالى: يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ أي من سائر الثمار مما حوله من الطائف وغيره، وكذلك المتاجر والأمتعة رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا أي من عندنا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ولهذا قالوا ما قالوا. وقد قال النسائي: أنبأنا الحسن بن محمد، حدثنا حجاج عن ابن جريج، أخبرنى ابن أبي مليكة قال: قال عمرو بن شعيب عن ابن عباس- ولم يسمع منه- إن الحارث بن عامر بن نوفل الّذي قال: إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا. (تفسرا بن كثير) : 3/ 406.(14/337)
ومالك بن الطلاطلة بن عمرو بن عبسان، واسمه الحارث بن عمرو بن مزيقياء كان من المستهزءين وكان سفيها، فدعى عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم واستعاذ باللَّه من شره فعصر جبريل عليه السلام بطنه حتى خرج خلاه من بطنه فمات وقيل: بل أشار إليه فامتخض رأسه قبحا [ (1) ] ، وقتل به عمرو بن الطلاطلة، وهو باطل. وقيل: الحارث بن الطلاطلة وليس بشيء، وهم يغلطون بابن الغيطلة وابن الطلاطلة فيجعلون هذا ذلك، وذاك هذا. قاله ابن الكلبي [ (2) ] .
وقيل: إن المستهزءين ماتوا في وقت واحد، وما تقدم ذكره أثبت.
وركانة الشديد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب، قدم من سفر له فأخبر خبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلقيه في بعض جبال مكة فقال: يا ابن أخى! قد بلغني عنك أمر وما كنت عندي بكذاب، فإن صرعتني علمت أنك صادق، فصرعه النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثا فأتى قريشا فقال: يا هؤلاء! صاحبكم ساحر فاسحروا به من شئتم.
وقال هشام بن الكلبيّ [ (3) ] : حدثني أبي عن أبي صالح، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنهما- قال: لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ركانة بن عبد يزيد وكان أشد العرب لم يصرعه أحد قط، فدعاه إلى الإسلام فقال: واللَّه لا أسلم حتى تدعو هذه الشجرة- وكانت سمرة أو طلحة- فقال رسول صلّى اللَّه عليه وسلم:
أقبلي بإذن اللَّه، فأقبلت تخدّ الأرض خدا، فقال ركانة: ما رأيت كاليوم سحرا أعظم، فأمرها فلترجع، فقال: ارجعي بإذن اللَّه، فأقبلت تخذ الأرض خدا فقال: ويحك! أسلم، قال: إن صرعتني أسلمت، وإلا فغنمي لك، وإن
__________
[ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 2/ 256- 257، المستهزءون برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وكفاية اللَّه أمرهم، وما فعل اللَّه تعالى بالمستهزءين، والحارث ابن الطلاطلة بن عمرو بن الحارث بن عمرو بن ملكان، والطلاطلة أمه، والطلاطلة في اللغة: الداهية، قال أبو عبيد: كل داء عضال فهو الطلاطلة.
[ (2) ] قال ابن الكلبي في نسب قيس بن عدي بن سهم: وكانت عنده الغيطلة من بنى شنوق بن مرة، وكانوا ينسبون إليها، وكان عندهم عرام [شدة وقوة وشراسة] ، والحارث بن قيس بن عديّ وهو من المستهزءين، وهو صاحب الأركان، وكان كلما مرّ بحجر أحس من الى عنده أخذه وألقى الّذي عنده، وفيه نزلت: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [الجاثية: 23. (جمهرة النسب) : 101، (الاشتقاق) : 122.
[ (3) ] قال ابن الكلبيّ في نسب بني عبد المطلب بن عبد مناف: وركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب الشديد، الّذي صرعة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. وقد سبق تخريج حديث صرع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لركانه وإثبات مصادره كاملا في المعجزات.(14/338)
صرعتك كففت عن هذا الأمر، فأخذه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فصرعه ثلاثا، فقال: يا بن عم العود، فصرعه أيضا ثلاثا، فقال: أسلم، قال: لا، قال: فإنّي آخذ غنمك، قال: فما تقول لقريش؟ قال: أقول صارعته، فصرعته، فأخذت غنمه، قال: فضحتني وأخبتني! قال: فما أقول لهم؟ قال: قل: قامرته، قال: إذا أكذب؟ قال: ألست في كذب من حين تصبح إلى حين تمس؟ قال: خذ غنمك، قال: أنت واللَّه خير مني وأكرم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: وأحق بذلك منك.
وابن أبي وهب المخزوميّ، كان فمن يؤذي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقتل يوم الخندق وقيل: بقي إلى الفتح فهرب إلى اليمن وما هناك كافرا وهو أثبت [ (1) ] .
ومن أعداء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
عبد اللَّه بن شهاب بن عبد اللَّه بن الحارث بن زهرة الزهري وهو عبد اللَّه الأصفر، فإن أخاه ابن شهاب الأكبر من مهاجرة الحبشة، ومات بمكة قبل الهجرة [ (2) ] ، وكان يسمى عبد الجان، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عبد اللَّه.
وعتبة بن أبي وقاص [ (3) ] ، ومالك بن أهيب بن عبد مناف، وعبد اللَّه بن شهاب الزهريّ [ (4) ] ، وعمرو بن قمئة الأدمي من بني تميم بن غالب [ (5) ] ، وعبد اللَّه بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وذلك أنه لما كان يوم أحد تعاقد هؤلاء مع أبيّ بن خلف على قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأما عتبة بن أبي وقاص فرماه بأربعة أحجار، فكسر رباعيته اليمنى [السفلى] ، وشقّ شفته السفلى وأما ابن قمئة فكلم وجنتيه صلّى اللَّه عليه وسلم وغيّب حلق
__________
[ (1) ] قال ابن حزم: فولد أبى وهب: هبيرة بن أبي وهب، زوج أم هانئ بنت أبي طالب أخت عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فرّ عن الإسلام يوم الفتح، فمات كافرا طريدا بنجران. (حجرة أنساب العرب) :
141.
[ (2) ] (جمهرة أنساب العرب) : 130.
[ (3) ] هو الّذي جرح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم أحد، وقيل: مات مسلما، وقيل: بل مات كافرا. (المرجع السابق) :
129، (سيرة ابن هشام) : 4/ 28، حيث قال: عن أبي سعيد الخدريّ، أن عتبة بن أبي وقاص رمي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يومئذ، فكسر رباعيته اليمنى السفلى، وجرح شفته السفلى.
[ (4) ] قال في (المرجع السابق) : شجّه في جبهته.
[ (5) ] اسمه عبد اللَّه، وهو الّذي قتل مصعب بن عمير، وجرح وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم (المرجع السابق) .(14/339)
المغفر [ (1) ] فيهما، وعلاه بالسيف، فلم يقطع، وسقط رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فجحشت ركبته.
وأما أبيّ بن خلف فشدّ بحربة فأعان اللَّه عز وجل رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم فقتله، وأما عبد اللَّه بن حميد فأقبل يريد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فشدّ عليه أبو دجانة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فضربه، وقال: خذها وأنا ابن خرشة فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ ارض عن ابن خرشة فإنّي عنه راض [ (2) ] .
قال الواقدي: دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على الذين تعاقدوا على قتله فقال:
اللَّهمّ لا تحل على أحد منهم الحول، فمات عتبة من وجع أليم أصابه، فتعذب به، وأصيب ابن قمئة في المعركة، ويقال: إنه لما رمى مصعب بن عمير فقتله، قال: خلاها وأنا ابن قمئة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أقمأه اللَّه، فعهد إلى شاة ليحلبها بعد الوقعة فنطحته وهو معتقلها فقتلته، ووجد ميتا بين الجبال [ (3) ] .
ولم يذكر الواقدي منبه بن شهاب وكان ابن أبيّ وابن حميد ما قد ذكرنا، بعضهم يذكر أن عبد اللَّه بن حميد قتل يوم بدر والثابت أنه قتل يوم أحد. ذكره البلاذري، وقال: حدثني بعض قريش أن أفعى نهشت عبد اللَّه بن شهاب في طريقه إلى مكة فمات، قال: وسألت بني زهرة، عن خبره فأنكر أن يكون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دعا عليه، أو يكون شجّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقالوا: الّذي شجع في جبهته عبد اللَّه بن حميد الأسدي [ (4) ]
__________
[ (1) ] المغفر: حلق يجعل على الرأس يتقي به ضرب السلاح في الحرب.
[ (2) ]
روي أن عبد اللَّه بن حميد الأسديّ لما رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد جرح، جعل يركض فرسه ويقول: أرونى محمدا، واللَّه إني لأقتله، فاعترضه أبو دجانة فضربه بالسيف فقتله، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ ارض عن ابن خرشة كما أنا عنده راض. (تاريخ الخميس) : 1/ 432، أحداث غزوة أحد، (مغازي الواقدي) 1/ 246.
[ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 246، ثم قال: لدعوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وكان عدوّ اللَّه قد رجع إلى أصحابه فأخبرهم أنه قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو رجل من بنى الأدرم من بنى فهر.
[ (4) ] قال الواقدي: ويقبل عبد اللَّه بن حميد بن زهير حين رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على تلك الحال، يركض فرسا مقنعا في الحديد يقول: أنا ابن زهير، دلوني على محمد، فو اللَّه لأقتلنه أو لأموتن دونه! فتعرض له أبو دجانة فقال: هلمّ إلى من بقي نفس محمد بنفسه فضرب فرسه فعرقبها، فاكتسعت الفرس، ثم علاه بالسيف وهو يقول: خذها وأنا ابن خرشة.. وساق الخبر بتمامه: (مغازي الواقدي) : 1/ 246.(14/340)
وأما المنافقون وكانوا من الخزرج والأوس
قال ابن سيده: النفاق الدخول في الإسلام من وجه والخروج عنه من آخر مشتق من نافق اليربوع، إسلامية، وقد نافق منافقه ونفاقا [ (1) ] .
قال اللَّه تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً* إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ [ (2) ] فدل على أن المنافقين شر من كفر به، وأولادهم عقبة، وأبعدهم من الإثابة إليه، لأنه شرط عليهم في التوبة والإصلاح والاعتصام، ولم يشرط ذلك على غيرهم، ثم شرط الإخلاص، لأن النفاق ذنب القلب، والإخلاص توبة القلب، ثم قال: فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [ (3) ] ولم يقل: فأولئك هم المؤمنون، ثم قال:
وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً [ (4) ] ولم يقل: وسوف يؤتيهم اللَّه بعضها لهم وإعراضا عنهم وحيدا، فالكلام عن ذكرهم، وقال تعالى يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ [ (5) ] فدل على خبثهم واستشرافهم بكل ما عرف من هرج علي الإسلام وأهله.
خرج مسلم من حديث محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن قتادة، عن أبي نضرة، عن قيس بن عباد قال: قلنا لعمار: رأيت قتالكم أرأيا رأيتموه فإن الرأي يخطئ ويصيب، أو عهدا عهده إليكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: ما عهد إلينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم شيئا لم يعهده إلى الناس كافة، وقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إن في أمتي- قال شعبة وأحسبه قال حدثني حذيفة- وقال غندر: أراه
__________
[ (1) ] وقد تكرر في الحديث ذكر النفاق وما تصرف منه اسما وفعلا، وهو اسم إسلاميّ لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به، وهو الّذي يستر كفره ويظهر إيمانه، وإن كان أصله في اللغة معروفا. (لسان العرب) :
10/ 359.
[ (2) ] النساء: 145- 146.
[ (3) ] النساء: 146.
[ (4) ] النساء: 146.
[ (5) ] المنافقون: 4، وهؤلاء فريق كانوا يقولون في حق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ما يؤذيه إذا بلغه. وقد عد من هؤلاء المنافقين، القائلين ذلك: الجلاس بن سويد، قبل توبته، ونبتل بن لحارث، وعتاب بن قشير، ووديعة بن ثابت، فمنهم من قل: إن كان ما يقول محمد حقا فنحن شر من الحمير، وقال بعضهم: نقول فيه ما شئنا ثم نذهب إليه ونحلف له أنا ما قلنا، فيقيل قولنا. (تفسير التحرير والتنوير) 6/ 241، تفسير سورة التوبة.(14/341)
قال في أمتي اثنا عشر منافقا لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها، حتى يلج الجمل في سم الخياط، ثمانية منهم تكفيكهم الدبيلة سراج من النار يظهر في أكتافهم حتى ينجم من صدورهم [ (1) ] .
وخرج من حديث الوليد بن جميع، حدثنا أبو الطفيل قال: كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون من الناس، فقال: أنشدك باللَّه كم كان أصحاب العقبة؟ قال: فقال له القوم: أخبره إذا سألك، قال: كنا نخبر أنهم أربعة عشر، فإن كنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر، وأشهد باللَّه أن اثني عشر منهم حرب للَّه ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وعذر ثلاثة، قالوا: ما سمعنا منادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولا علمنا بما أراد القوم، وقد كان في حرة فمشى فقال: إن الماء قليل فلا يسبقني إليه أحد فوجد قوما قد سبقوه فلعنهم يومئذ [ (2) ] .
وقال الواقدي: حدثني يونس بن محمد، عن يعقوب بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، أنه قال له: هل كان الناس يعرفون أهل النفاق فيهم؟
فقال: نعم واللَّه، وإن كان الرجل ليعرفه من أبيه وأخيه وبني عمه- سمعت جدك قتادة بن النعمان يقول: تبعنا في دارنا قوم منا منافقون [ (3) ] .
وللبيهقي من حديث سفيان عن سلمة، عن عياض بن عياض، عن أبي، عن أبي مسعود قال: خطبنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خطبة، فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: إن فيكم منافقين، فمن سميت فليقم، ثم قال: قم يا فلان، قم يا فلان قم يا فلان، حتى سمي ستة وثلاثين رجلا، ثم قال: إن فيكم أو منكم فاتقوا اللَّه، قال: فمر عمر على رجل ممن سمى مقنع قد كان يعرفه- قال مالك:
قال: فحدثه بما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: بعدا لك سائر اليوم [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 130، كتاب صفات المنافقين باب (50) ، حديث رقم (100) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث السابق بدون رقم.
[ (3) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1009.
[ (4) ] (مسند أحمد) : 6/ 367 من حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري، حديث رقم (21843) .(14/342)
والمنافقون من الخزرج
هم: عبد اللَّه بن أبيّ بن سلول، وسلول بنت الحارث الخزاعية، أمه [وبها يعرف] ، وقيل: بل هي جدته وهو عبد اللَّه بن أبي بن مالك بن الحارث ابن عبيد اللَّه بن مالك بن سالم الجبليّ بن غنم بن عوف بن الخزرج وهو ابن رأس المنافقين القائل لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [ (1) ] ، وقد تقدمت عدة من أخباره في المريسيع وغيرها
وروى الدارقطنيّ قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مر على جماعة فيهم عبد اللَّه بن أبي فسلم عليهم، ثم ولي، فقال:
لقد عثا ابن أبي كبشة في هذه البلاد، فسمعها ابنه عبد اللَّه فاستأذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في أن يأتيه برأس أبيه فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: ولكن برّ أباك، وأبو مالك جد بن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة [ (2) ] وهو القائل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- وقد ندب الناس إلى غزوة تبوك وذكر بنو
__________
[ (1) ] المنافقون: 8، قال الإمام أحمد رحمه اللَّه: حدثنا يحيي بن آدم ويحيي بن أبي بكير قالا: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق قال: سمعت زيد بن أرقم، وقال أبو بكير عن زيد بن أرقم قال: خرجت مع عمي في غزاة فسمعت عبد اللَّه بن أبي بن سلول يقول لأصحابه لا تنفقوا على من عند رسول اللَّه، ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذل، فذكرت ذلك لعمي، فذكره عمي لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأرسل إليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فحدثته، فأرسل إلى عبد اللَّه بن أبيّ بن سلول وأصحابه فحلفوا باللَّه ما قالوا، فكذبني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وصدقه فأصابني همّ لم يصبني مثله قط، وجلست في البيت،
فقال عمي: ما أردت إلا أن كذب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ومقتك؟ قال: حتى أنزل اللَّه إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قال: فبعث إليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقرأها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عليّ ثم قال: إن اللَّه قد صدقك. (تفسير ابن كثير) : 4/ 396، (البحر المحيط) : 10/ 184،
حيث قال: ولما سمع عبد اللَّه، ولد عبد اللَّه بن أبيّ هذه الآية، جاء إلى أبيه فقال: أنت واللَّه يا أبت الذليل، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم العزيز، فلما دنا من المدينة جرد السيف عليه ومنعه الدخول حتى يأذن له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وكان فيما قال: وراءك لا تدخلها حتى تقول: رسول اللَّه الأعز وأنا الأذل، فلم يزل حبيسا في يده حتى أذن له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بتخليته. وفي هذا الحديث أنه قال لأبيه: لئن لم تشهد للَّه ولرسوله بالعزة لأضربن عنقك، قال: أفاعل أنت؟ قال: نعم، فقال: أشهد أن العزة للَّه ولرسوله وللمؤمنين.
[ (2) ] ابن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد، وأمه هند بنت سهل من جهينة ثم من بني الربعة، وأخوه لأمه معاذ بن جبل، شهد عبد اللَّه بدرا وأحدا وكان أبوه الجد بن قيس يكنى أبا وهب، وكان قد أظهر الإسلام وغزا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غزوات، وكان منافقا وفيه نزل حين غزا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، تبوك: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا. وليس لعبد اللَّه بن الجد عقب والعقب لأخيه محمد بن الجد بن القيس.(14/343)
الأصفر-: ائذن لي ولا تفتني ببنات الأصفر، وقال [ (1) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لبني سلمة: من سيدكم يا بني سلمة؟ قالوا: الجدين ابن قيس إلا أن فيه بخلا، قال: وأي داء أدوى من البخل بل سيدكم بشر بن البراء بن معرور.
وذكر الواقدي بإسناده من طريق أسيد بن أبي أسيد عن أبي قتادة الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما نزلنا علي الحديبيّة، والماء قليل، سمعت الجد بن قيس يقول: ما كان خروجنا إلي هؤلاء القوم بشيء؟
أنموت من العش من آخرنا؟ فقلت: لا تقل هذا. يا أبا عبد اللَّه، فلم خرجت؟
قال: خرجت مع قومي، قلت: فلم تخرج معتمرا؟ قال: لا واللَّه، ما أحرمت؟ قال أبو قتادة ولا نويت العمرة؟ قال: لا! فلما دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الرجل فنزل بالسهم، وتوضأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في الدلو ومج فاه فيه، ثم رده في البئر، فجاشت البئر بالرواء. قال أبو قتادة: فرأيت الجد مادا رجليه على شفير البئر في الماء، فقلت أبا عبد اللَّه: أين ما قلت؟ قال: إنما كنت أمزح معك، لا تذكر لمحمد مما قلت شيئا. قال أبو قتادة: وقد كنت ذكرته قبل ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فغضب الجد وقال: بقينا مع صبيان من قومنا لا يعرفون لنا شرفا ولا سنا، لبطن الأرض اليوم خير من ظهرها! قال أبو قتادة: وقد كنت ذكرت قوله صلّى اللَّه عليه وسلم،
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ابنه خير منه.
قال أبو قتادة: فلقيني نفر من قومي فجعلوا يؤنبونني ويلومونني حين رفعت مقالته إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقلت لهم: بئس القوم أنتم! ويحكم» عن الجد بن قيس تذبون؟ قالوا:
نعم، كبيرنا وسيدنا. فقلت: قد واللَّه طرح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سؤدده عن بني سلمة، وسوّد علينا بشر بن البراء بن معرور، وهدمنا المنامات التي كانت على باب الجد، وبنيناها على باب بشر بن البراء، فهو سيدنا إلى يوم القيامة.
__________
[ () ] (طبقات ابن سعد) : 3/ 571، (الإصابة) : 1/ 468، ترجمة رقم (1112) .
ويقال: إنه مات في خلافة عثمان، وفي حديث الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: بايعنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم الحديبيّة على ألا نفر كلنا إلا الجد بن قيس اختبأ تحت بطن ناقته. وفي حديث أبي قتادة عنه ما هو أسمج من هذا. وقد قيل: إنه تاب، فحسنت توبته. واللَّه أعلم (الاستيعاب) : 1/ 266- 268، ترجمة رقم (247) .
[ (1) ] (المستدرك) : 3/ 242، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (49650) . وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم.(14/344)
قال أبو قتادة: فلما دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى البيعة فر الجد بن قيس فدخل تحت بطن البعير، فخرجت أعدو، وأخذت بيد رجل كان يكلمني، فأخرجناه من تحت بطن البعير، فقلت: ويحك! ما أدخلك هاهنا؟ أفرارا مما نزل به روح القدس؟ قال: لا، ولكني رعبت وسمعت الهيعة [ (1) ] . قال الرجل: لا نضحت عنك [ (2) ] أبدا، وما فيك خير.
فلما مرض الجد بن قيس ونزل به الموت لزم أبو قتادة بيته فلم يخرج حتى مات ودفن، فقيل له في ذلك فقال: واللَّه ما كنت لأصلي عليه وقد سمعته يقول يوم الحديبيّة كذا وكذا، وقال في غزوة تبوك كذا وكذا، واستحييت من قومي يرونني خارجا ولا أشهده. ويقال: خرج أبو قتادة إلى ماله بالواديين فكان فيه حتى دفن، ومات الجد في خلافة عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[ (3) ] .
ومرارة بن [ (4) ] الربيع وهو الّذي ضرب بيده على عاتق عبد اللَّه بن أبيّ، ثم قال: تمطي، والنعيم لنا من بعده كائن نقتل الواحد المفرد، فيكون الناس عامة بقتله مطمئنين، بدعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال له: ويحك ما حملك على أن تقول الّذي قلت؟ فقال: يا رسول اللَّه إن كنت قلت شيئا من ذلك إنك لعالم به، وما قلت شيئا من ذلك [ (5) ] .
وعبد اللَّه بن عيينة وهو الّذي قال لأصحابه: اشهدوا هذه الليلة تسلموا الدهر كله، فو اللَّه ما لكم أمر دون أن تقتلوا هذا الرجل، فدعاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: ويحك ما كان ينفعك من قتلي لو أني قتلت، فقال عدو اللَّه: يا نبي، اللَّه! واللَّه لا تزال بخير ما أعطاك اللَّه النصر على عدوك، إنما نحن باللَّه وبك فتركه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (6) ] .
__________
[ (1) ] الهيعة: الصوت تفزع منه وتخافه من عدوّ.
[ (2) ] نضح عنه: ذبّ ودفع.
[ (3) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 590- 591.
[ (4) ] مرارة بن ربيعة. ويقال: ابن ربيع العمري الأنصاري. من بني عمرو بن عوف، شهد بدرا، وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة تبوك، وتاب اللَّه عليهم، ونزل القرآن في شأنهم (الاستيعاب) :
3/ 1382، ترجمة رقم (2361) ، (الإصابة) : 6/ 65، ترجمة رقم (7870) ،
[ (5) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 259.
[ (6) ] (المرجع السابق) : 5/ 258.(14/345)
وعدي بن ربيعة كان يؤذي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ورماه بقدر، وكان أعمى وابنه سويد بن عدي [ (1) ] .
وقيس [ (2) ] بن عمرو بن سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن غنم ابن مالك بن النجار، هو جد يحيي بن سعيد [ (3) ] ، وقال ابن حزم: يقال إنه كان من المنافقين ولم يصح، وتبعه زرارة. كان يدخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالشعر.
وزيد بن عمرو، وعقبة بن كريم بن خليف. وأبو قيس بن الأسلم أتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في السنة الأولى من الهجرة فقال: ما أحسن ما يقول ويدعو إليه، وسأنظر في أمري وأعود إليك، ولقيه ابن أبيّ فقال له: كرهت واللَّه حرب الخزرج، فقال:
لا أسلم، فمات في ذي الحجة سنة إحدى.
والمنافقون من الأوس
هم الجلاس بن سويد بن الصامت قتل المجدر بن زياد البلوي يوم أحد كما تقدم ذكره، وكان الجلاس ممن تخلف في غزوة تبوك، ويقال: بل هو إلي قال:
لا ينتهي حتى يرمي محمدا من العقبة، ولئن كان محمد وأصحابه خيرا منا إنا إذا لغنم وهو الراعي، ولا عقل لنا وهو العاقل، قال: لئن كان الرجل صادقا لنحن شر من الحمير، فبلغ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ذلك، فحلف باللَّه إنه ما قاله، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى فيه: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ [ (4) ] الآية.
__________
[ (1) ] (جمهرة النسب للكلبي) : 555- 558، (جمهرة أنساب العرب: 77- 78.
[ (2) ] (جمهرة أنساب العرب) : 349، وهو جد سعد، وعبد ربه، بنو سعد.
[ (3) ] كذا في (الأصل) ، وفي (جمهرة أنساب العرب) : 349 يحيي بن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة.
[ (4) ] التوبة: 74.
قال قتادة نزلت في عبد اللَّه بن أبيّ وذلك أنه اقتتل رجلان: جهني وأنصاري فعلا الجهنيّ على الأنصاريّ، فقال عبد اللَّه للأنصار: ألا تنصروا أخاكم؟ واللَّه ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك، وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها. الأذل، فسعى بها رجل من المسلمين إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأرسل إليه فسأله فجعل يحلف باللَّه ما قاله، فأنزل اللَّه فيه هذه الآية.
وقال الأموي في (مغازية) : حدثنا محمد بن إسحاق عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب.(14/346)
قال ابن إسحاق: فزعموا أنه تاب فحسنت توبته حتى عرف منه الإسلام والخير، والحارث [ (1) ] بن سويد أخوه يقال: هو الّذي قتل المجذر بن زياد، فقتله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم به. فإن الجلاس كان ممن تخلف عن غزاة تبوك، والقول الأول قول الكلبي، وكان أخوه خلاد [ (2) ] بن سويد من فضلاء المسلمين، وعمرو بن
__________
[ () ] ابن مالك، عن أبيه، عن جده قال: لما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذني قومي فقالوا: إنك امرؤ شاعر فإن شئت أن تعتذر إلي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببعض العلة ثم يكون ذنبا تستغفر اللَّه منه، وذكر الحديث بطوله إلى أن قال: وكان ممن تخلف من المنافقين، ونزل فيه القرآن، منهم ممن كان مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الجلاس بن سويد بن الصامت، وكان على أمّ عمير بن سعد وكان عمير في حجره فلما نزل القرآن وذكرهم اللَّه بما ذكر مما أنزل في المنافقين قال الجلاس: واللَّه لئن كان هذا الرجل صادقا فيما يقول لنحن شر من الحمير فسمعها عمير بن سعد فقال: واللَّه باجلاس إنك لأحب الناس إلي، وأحسنهم عندي بلاء، وأعزهم علي أن يصله شيء يكرهه، ولقد قلت مقالة لأن ذكرتها لتفضحني ولئن كتمتها لتهلكنى ولإحداهما أهون علي من الأخرى، فمشى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكر له ما قال الجلاس فلما بلغ ذلك الجلاس خرج حتى أتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فحلف باللَّه ما قال عمير بن سعد ولقد كذب علي فأنزل اللَّه عز وجل فيه: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ إلى آخر الآية فوقفه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليها فزعموا أن الجلاس تاب فحسنت توبته ونزع فأحسن النزوع. هكذا جاء هذا مدرجا في الحديث متصلا به وكأنه- واللَّه أعلم- من كلام ابن إسحاق نفسه لا من كلام كعب بن مالك. (تفسير ابن كثير) : 2/ 385- 386، سورة التوبة.
[ (1) ] الحارث بن سويد: ويقال: ابن مسلمة المخزومي. ارتد على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولحق بالكفار، فنزلت هذه الآية كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ إلى قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا فحمل رجل هذه الآيات فقرأهن عليه. فقال الحارث: واللَّه ما علمتك إلا صدوقا، وإن اللَّه لأصدق الصادقين. فرجع وأسلم وحسن إسلامه. روى عنه مجاهد، وحديثه هذا عند جعفر بن سليمان، عن حميد الأعرج، عن مجاهد.
(الاستيعاب) : 1/ 300 ترجمة رقم (436) .
(الإصابة) : 1/ 576- 577، ترجمة رقم (1425) .
[ (2) ]
خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن امرئ القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأكبر، شهد العقبة، وشهد بدرا وأحدا والخندق، وقتل يوم قريظة شهيدا. طرحت عليه الرحى من أطم من آطامها، فشدخت رأسه ومات، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فيما يذكرون: إن له أجر شهيد،
ويقولون: إن التي طرحت عليه الرحى بنانة، امرأة من بني قريظة، ثم قتلها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع بني قريظة، إذ قتل من أنبت منهم، ولم يقتل امرأة غيرها.(14/347)
حزم [ (1) ] ، وزوي بن الحارث ويقال روي بن الحارث من بني لوذان بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس وعثمان بن [ (2) ] عامر، ونبتل بن الحارث بن قيس بن زيد بن ضبيعة ابن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوسي [ (3) ] ،
وفيه قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أحب أن ينظر إلى الشيطان فلينظر
__________
[ () ] (الاستيعاب) : 2/ 451- 452، ترجمة رقم (676) .
(الإصابة) : 2/ 340، ترجمة رقم (2280) .
[ (1) ] عمرو بن حزم بن زيد بن لوزان الخزرجي البخاريّ، من بني مالك بن النجار. من ينسبه في بني مالك بن النجار يقول: عمرو بن حزم بن لوذان بن عمرو بن [عبد بن] عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري.
ومنهم من نسبه في بني مالك بن جشم بن الخزرج. ومنهم من ينسبه في بني ثعلبة بن زيد بن مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك. أمه من بني ساعدة، يكنى أبا الضحاك، لم يشهد بدرا فيما يقولون. أول مشاهده الخندق، واستعمله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على أهل نجران، وهم بنو الحارث بن كعب، وهو ابن سبع عشرة سنة ليفقههم في الدين، ويعلمهم القرآن، ويأخذ صدقاتهم، وذلك سنة عشر بعد أن بعث إليهم خالد بن الوليد، فأسلموا، وكتب له كتابا فيه الفرائض والسنن والصدقات والديات.
ومات بالمدينة سنة إحدى وخمسين. وقيل: سنة ثلاث وخمسين. وقد قيل: إن عمرو بن حزم توفى في خلافة عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالمدينة. وروي عن عمرو بن حزم ابنه محمد. وروي عنه أيضا النضر بن عبد اللَّه السلمي، وزياد بن نعيم الحضريّ، (الاستيعاب) : 3/ 1172- 1173) ترجمة رقم (1907) ، (والإصابة) : 4/ 621، ترجمة رقم (5814) .
[ (2) ] عثمان بن عامر، أبو قحافة القرشيّ التيمي، والد أبي بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- تقدم ذكر نسبه عند ذكر ابنه أبي بكر، أسلم أبو قحافة يوم فتح مكة،
حدثني عبد الوارث، حدثني قاسم، حدثنا إبراهيم بن إسحاق بن مهران، حدثنا يحيي بن يحيي، حدثنا أبو خيثمة زهير بن معاوية، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: أتي بأبي قحافة عام الفتح ليبايع، ورأسه ولحيته كأنها ثغامة- يعني شجرة- فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: غيروا هذا بشيء وجنبوه السواد،
وقال قتادة: هو أول مخصوب في الإسلام، وعاش أبو قحافة إلى خلافة عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه-، ومات سنة أربع عشرة وهو ابن سبع وتسعين سنة، وكانت وفاة ابنه قبله، فورث منه السّدس، فرده على ولد أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- (الاستيعاب) :
3/ 1036، ترجمة رقم (1773) ، (الإصابة) : 4/ 452- 453، ترجمة رقم (5446) .
[ (3) ] نبتل بن الحارث بن قيس بن زيد بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف الأنصاري الأوسي.
ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب النسب مقرونا بأخيه أبو سفيان. وقد ذكره ابن الكلبي، ثم البلاذري في المنافقين، فيحتمل أن يكون أبو عبيد اطلع على أنه تاب، وذكره محمد ابن إسحاق في (السيرة النبويّة) أنه الّذي أنزل فيه: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ. (الإصابة) : 6/ 418، ترجمة رقم (8681) .(14/348)
إلى نبتل،
وكان أدلم ثائر الشعر، أحمر العينين، أسفع الخدين، وكان ينقل حربة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المنافقين، وهو الّذي قال: إنما محمد أذن فأنزل اللَّه فيه وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ [ (1) ] الآية.
والنبتل الصلب الشديد. وأخوه أبو سفيان بن الحارث بن قيس [ (2) ] شهيد بدر وعبد اللَّه بن نبتل [ (3) ] وهو الّذي كان ينقل حديث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
قال الواقدي: وكان خارجة بن زيد بن ثابت يسقي الناس من الماء المبرد بالعسل، وكان أبو عبد اللَّه بن القراد [الزيادي] [ (4) ] وهو فارس [.....] في خلافة عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فجاء ذات يوم وقد حضر رجل من ولد عبد اللَّه بن نبتل فجعل يهزأ به وكان القراد عظيم الرأس والأذنين له خلقة منكره، فقال له: من أنت يا فتى؟ قال: رجل من الأنصار، قال: مرحبا بالأنصار، من أنت منهم؟ قال: أنا فلان ابن الحارث بن عبد اللَّه ابن نبتل، فقال: أما جدك فلم ينصر، علمت ما نزل فيه من القرآن؟ أما يدري ما صنعت به يداه؟ فضحته واللَّه هي الفاضحة.
وقيس بن زيد، قتل يوم أحد منافقا [ (5) ] ، وقيل: خرج مع المسلمين، فلما
__________
[ (1) ] التوبة: 61.
[ (2) ] سفيان بن قيس بن الحارث بن المطلب القرشي المطلبي ابن أخي الطفيل وعبيدة ابني الحارث. لهم صحبة.
أخرج البغوي، من طريق إبراهيم بن سعد، عن سليمان بن محمد الأنصاري، عن رجل من قومه يقال له الضحاك، كان عالما؟ قال: آخى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين الحارث بن عبد المطلب وسفيان بن الحارث بن قيس، ذكره ابن هشام فيمن استشهد بأحد من الأنصار من بني ضبيعة.
(الإصابة) : 3/ 127- 128، ترجمة رقم (33270) ، (سيرة ابن هشام) : 4/ 79.
[ (3) ] عبد اللَّه بن نبتل بن الحارث الأنصاري. وقد ذكر الواقدي لولد هذا قصة في عهد عمر. وقيل: إن هذا كان من المنافقين. (الإصابة) : 4/ 249 ترجمة رقم (4990) .
[ (4) ] هو عبد اللَّه بن قداد، ويقال: قراد بن قريط الحارثي ثم الزيادي، من بني زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة ابن الحارث بن كعب المذحجيّ، قدم مع خالد بن الوليد في وفد بني الحارث بن كعب فأسلموا.
ذكره ابن إسحاق، في المغازي، وسماه يونس بن بكير عبد اللَّه بن قرط، ووقع عند ابن هشام: ابن قداد، وعند الواقدي: ابن قراد، وهو واحد، ترجمته في (الإصابة) : 4/ 208- 209، ترجمة رقم (4889) .
[ (5) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 79، ذكر من استشهد بأحد من الأنصار.(14/349)
التقى الناس عدا على أسيرين فقتلهما، ثم لحق بقريش.
وأبو حبيبة بن الأزعر، وكان ممن بني في مسجد الضرار [ (1) ] .
وثعلبة بن حاطب بن عمرو بن عتبة [ (2) ] ، قيل نزلت فيه لما منع الزكاة وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ [ (3) ] . الآية. ومنع ذلك لأنه ممن شهد بدرا، ومعتب ويقال: عتاب بن أبي قشير وثعلبة. [ (4) ] ومعتب هو الّذي قال، يوم أحد: لو كان لي من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا [ (5) ] ، وهو القائل يوم الأحزاب: يعدنا محمد كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يقدر على إتيان الغائط! عاهد إلا غرورا [ (6) ] .
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1047.
[ (2) ] كان أحد الذين بنوا مسجد الضرار. (سيرة ابن هشام) : 5/ 212.
[ (3) ] التوبة: 75.
[ (4) ] قال ابن هشام: وكان الّذي عاهد اللَّه منهم ثعلبة بن حاطب، ومعتب بن قشير، وهم من بني عمرو بن عوف (سيرة ابن هشام) : 5/ 239، ما نزل في أصحاب الصدقات.
وقال الحافظ ابن كثير: يقول تعالى: ومن المنافقين من أعطي اللَّه عهده وميثاقه لئن أغناه من فضله ليصدقن من ماله وليكونن من الصالحين، فما وفي بما قال، ولا صدق فيما ادعى، فأعقبهم هذا الصنيع نفاقا سكن في قلوبهم إلى يوم يلقونه عز وجلّ يوم القيامة. عياذا باللَّه من ذلك.
وقد ذكر كثير من المفسرين، منهم ابن عباس والحسن البصري، أن سبب نزول هذه الآية الكريمة في ثعلبة بن حاطب الأنصاري.
وقد ورد فيه حديث رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث معن بن رفاعة عن عليّ بن يزيد، عن أبى عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن مولى عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية، عن أبى أمامة الباهليّ، عن ثعلبة بن حاطب الأنصاري، أنه قال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ادع اللَّه أن يرزقني مالا، قال: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ويحك يا ثعلبة! قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه. (تفسير ابن كثير) : 2/ 388،
والقصة معروفة، أمسكنا عن سردها، لطولها واشتهارها.
[ (5) ] قال الزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: سمعت هذا القول من معتب بن قشير، وقد وقع عليّ النعاس وإني لكالحالم، أسمعه يقول هذا الكلام، واجتمع عليه أنه صاحب هذا الكلام. (مغازي الواقدي) : 1/ 323 324.
[ (6) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 494، باب ما أنزل اللَّه من القرآن في الخندق.(14/350)
ويقال: إن حمد بن قيس أو جدّ بن قيس القائل ذلك فأنزل اللَّه تعالي:
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [ (1) ] .
قال ابن هشام: مصعب بن قشير وثعلبة والحارث ابنا حاطب من أهل بدر ليسوا من المنافقين فيما ذكر لي من أثق به من أهل العلم [ (2) ] . وقد نسب ابن إسحاق ثعلبة والحارث بن أمية بن زيد في أسماء أهل بدر [ (3) ] .
ورافع بن زيد، وفيه وفي معتب ونفر من أصحابهما نزلت: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ [ (4) ] ، وكان خصماؤهم دعوهم في خصومتهم إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأبوا ذلك وقالوا: نتحاكم إلى كعب بن الأشرف، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم طاغوتا [ (5) ] ، ويقال: إنهم دعوهم إلى الكاهن.
__________
[ (1) ] الأحزاب: 12.
[ (2) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 180، لم يكن معتب منافقا.
[ (3) ] (المرجع السابق) : 3/ 243.
[ (4) ] النساء: 60.
[ (5) ] قال ابن هشام: وكان جلاس بن سويد بن صامت قبل توبته، ومعتب بن قشير، ورافع بن زيد، وبشر، وكانوا يدعون بالإسلام، فدعاهم رجال من المسلمين في خصومة كانت بينهم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدعوهم إلى اكهان، حكام أهل الجاهلية، فأنزل اللَّه- عزّ وجلّ- فيهم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً. (سيرة ابن هشام) : 3/ 59.
وقال أبو حيان الأندلسيّ: ذكر في سبب نزولها قصص طويل، ملخصه: أن أبا بردة الأسلمي كان كاهنا يقضى بين اليهود، فتنافر إليه نفر من أسلم. أو أن قيسا الأنصاريّ أحد من يدعى الإسلام، ورجلا من اليهود تداعيا إلى الكاهن وتركا الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ما دعا اليهوديّ إلى الرسول، والأنصاريّ يأبى إلا الكاهن.
أو أن منافقا ويهوديا اختصما، فاختار اليهوديّ الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، واختار المنافق كعب بن الأشرف، فأبي اليهوديّ، وتحاكما إلى الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقضى لليهوديّ، فخرجا ولزمه النفاق، وقال: ننطلق إلى عمر، فانطلقا إليه فقال اليهوديّ: قد تحاكما إلى الرسول فلم يرض بقضائه، فأقر المنافق بذلك عند عمر، فقتله عمر وقال: هكذا أقضى فيمن لم يرض بقضاء اللَّه وقضاء رسوله. (البحر المحيط) : 3/ 688.(14/351)
وجارية بن عامر وبنوه، يزيد، وزيد، ومجمع، وهم ممن اتخذ مسجد الضرار، وكان مجمع بن جارية لم يكن منافقا، ويقال: إنه منافق، ثم صحّ إسلامه، وعنى بالقرآن حتى حفظه، وقال النقاش: حسن إسلامهم مجمع وبعثه عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى الكوفة، فعلمهم القرآن فتعلم منهم عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بقية القرآن [ (1) ] .
ومربع بن فيظي [ (2) ] ، القائل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم حين أجاز في حائطه وقد خرج إلى أحد: لا أحلّ لك يا محمد، إن كنت نبيا أن تمر في حائطي! وأخذ في يده حفنة من تراب، ثم قال: واللَّه لو أعلم أني لا أصيب بهذا التراب غيرك [ (3) ] لرميتك به، فابتدره القوم ليقتلوه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: دعوه فهذا الأعمى أعمى القلب، أعمى البصر. [ (4) ]
وأخوه أوس بن قيظي [ (5) ] ، وهو القائل يوم الخندق:
إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ [ (6) ] فأذن لنا في المقام، ويقال: قائل ذلك معتب بن قشير،، ومربع هذا عم عرانة بن أوس بن قيظي الجواد، وهو ممن بنى مسجد الضرار من داره، ويقال: إن الّذي أخرجه من داره وديعة بن حزام، ورافع وبشر ابنا زيد
__________
[ (1) ] (الإصابة) : 5/ 776- 777، ترجمة رقم (7739) ، وله في (السنن) ثلاثة أحاديث، صحح الترمذي بعضها. وكان أبوه جارية ممن اتخذ مسجد الضرار، وكان مجمع يصلي بهم فيه، ثم إنه أحرق، فلما كان عمر بن الخطاب كلم في مجمع أن يؤم قومه، فقال: لا، أو ليس إمام المنافقين في مسجد الضرار، فقال: لا واللَّه الّذي لا إليه إلا هو ما علمت شيئا من أمرهم، فزعموا أن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أذن له أن يصلّى بهم.
[ (2) ] (الإصابة) : 6/ 66- 67، ترجمة ابنه مرارة وإخوانه أبناء مربع بن قيظيّ الأنصاريّ، وقال في آخرها:
وكان أبوهم يعد في المنافقين، وفي ترجمته رقم (7874) : عدّ في المنافقين، ويقال: تاب.
[ (3) ] في (الأصل) : «عينك» ، وما أنبتناه من (ابن هشام) .
[ (4) ] فضربه سعد بن زيد أخو بنى عبد الأشهل بالقوس فشجه. (المرجع السابق) : 3/ 57، 4/ 11، ما فعله مربع المنافق حين سلك المسلمون حائطة، (سيرة ابن هشام) : 3/ 57.
[ (5) ] (المرجع السابق) : 3/ 57، قال ابن هشام: عورة أي معورة للعدوّ وضائعة، وجمعها عورات. والعورة أيضا: عورة الرجل، وهي حرمته، والعورة أيضا السوأة.
[ (6) ] الأحزاب: 13.(14/352)
وقيس بن رفاعة الشاعر [ (1) ] ، وكان يختلف هو والضحاك بن خليفة [ (2) ] بن ثعلبة بن عديّ بن كعب بن عبد الأشهل [إلى بيت شويكر اليهودي] [ (3) ] فأصاب عينه قنديل فذهبت [ (4) ] .
وحاطب بن أمية بن رافع بن سويد [ (5) ] الّذي قيل لابنه- وحمل جريحا-:
أبشر بالجنة، فقال: يا ابن حاطب، أبشر بالجنة، فقال حاطب: جنّة من حرمل، لا يغرنك هؤلاء يا بنيّ.
وبشير بن أبيرق الظفري [ (6) ] وهو أبو طعمة، واسم الأبيرق الحارث بن
__________
[ (1) ] هو قيس بن رفاعة الواقفي، من بنى واقف بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس الأنصاريّ. ذكره المرزبانيّ في (معجم الشعراء) ، وقال: أسلم، وكان أعور. (الإصابة) : 5/ 468، ترجمة رقم (71740) .
[ (2) ] هو الضحاك بن خليفة بن ثعلبة بن عديّ بن كعب بن عبد الأشهل، الأنصاريّ الأشهليّ. وذكر ابن إسحاق في غزوة تبوك قال: وبلغ النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت شويكر اليهوديّ، يثبطون الناس عن الغزو، فبعث طلحة في قوم من الصحابة، وأمره أن يحرق عليهم البيت، ففعل، فاقتحم الضحاك من خليفة من ظهر لبيت فانكسرت رجله وأفلت، وقال في ذلك:
كادت وبيت اللَّه نار محمد ... يسقط بها الضحاك وابن أبيرق
سلام عليكم لا أعود لمثلها ... أخاف ومن يشمل الريح يحرق
(الإصابة) : 3/ 475- 476، ترجمة رقم (4166) .
[ (3) ] زيادة للسياق والبيان من كتب السيرة، حيث اضطراب السياق في هذا السطر.
[ (4) ] راجع التعليق السابق.
[ (5) ] كان شيخا جسيما قد أسنّ في جاهليته، وكان له ابن من خيار المسلمين، يقال له: يزيد بن حاطب، أصيب يوم أحد حتى أثبتته الجراحات، فحمل إلى دار بنى ظفر.
قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر عن قتادة أنه اجتمع إليه بها من رجال المسلمين ونسائهم وهو بالموت، فجعلوا يقولون: أبشر يا ابن حاطب بالجنة، قال: فنجم [ظهر ووضح] نفاقه حينئذ، فجعل يقول أبوه: أجل، جنة واللَّه من حرمل، غررتم واللَّه هذا المسكين من نفسه. (سيرة ابن هشام) : 3/ 58.
[ (6) ] قال ابن إسحاق- وقد ذكر أسماء المنافقين-: وبشير بن أبيرق، وهو أبو طعمة سارق الدرعين، الّذي أنزل اللَّه تعالى فيه: وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً [النساء:
107] (سيرة ابن هشام) : 3/ 58.(14/353)
عمرو بن حارثة بن الهيثم بن ظفر- واسم ظفر كعب- قال: سرق ابن أبيرق أدرعا من حديد، ثم رمى بها رجلا بريئا، فجاء قومه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فعزروه عنده، فأنزل اللَّه- عز وجل- فيه قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً إلى قوله تعالى:
وَساءَتْ مَصِيراً [ (1) ] فلما أنزل فيه هذه الآية لحق بالمشركين ومكث بمكة، ثم بعث على قوم بينهم فسرق متاعهم فألقى اللَّه عليه صخرة فشدخته وكانت قبره، ويروي أن الحائط سقط عليه بالطائف وقتل بخيبر، وروى محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة الظفري عن أبيه عن جده قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد بن ظفر قال: كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق: بشر، وبشير ومبشر [ (2) ] ، وكان بشر منافقا يهجو أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم سحله بعض العرب، فإذا سمعه أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قالوا: واللَّه ما قاله إلا الخبيث بشر فقال:
أو كلما قال الغواة قصيدة ... أصموا إليها وقالوا ابن الأبيرق قالها [ (3) ]
قال: فابتاع رفاعة بن زيد بن زيد بن عامر حملا من درمك من ضابطة قدمت من الشام، وإنما كان طعام الناس بالمدينة الشعير والتمر وكان الموسر منهم يبتاع من الدرمك [ (4) ] ما يخص به نفسه، فجعل عمر ذلك الدرمك في
__________
[ (1) ] النساء: 105- 115.
[ (2) ] بشر بن الحارث، وهو أبيرق بن عمرو بن حارثة بن الهيثم بن ظفر.
الأنصاريّ الظفريّ، شهد أحدا هو وأخواه مبشر وبشير، فأما بشير فهو الشاعر، وكان منافقا يهجو أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وشهد مع أخيه بشر ومبشر أحدا، وكانوا أهل حاجة: فسرق بشير من رفاعة بن زيد درعه، ثم ارتد في شهر ربيع الأول من سنة أربع من الهجرة، ولم يذكر لبشر هذا النفاق واللَّه تعالى أعلم. وقد ذكر فيمن شهد أحدا مع النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم. (الاستيعاب) : 1/ 171، ترجمة رقم (188) ، (الإصابة) : 1/ 296، ترجمة رقم (656) ، ثم قال ابن عبد البرّ في ترجمة رفاعة بن زيد بن عامر رقم (775) : هو الّذي سرق سلاحه وطعامه بنو أبيرق، فتنازعوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فنزلت فيبني أبيرق: وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ [النساء: 106] . ثم قال: خبره هذا عند محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر عن قتادة، عن أبيه عن جده قتادة بن النعمان.
[ (3) ] بعد هذا البيت بيت آخر مضطرب وزنا ومعنى فحذفناه.
[ (4) ] الدرمك: الدقيق.(14/354)
مشربة وفيها درعان وسيفان وما يصلحها، فعدى عليه من بحث بالليل فنقب المشربة وأخد الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني فقال: يا ابن أخي تعلم أنه قد عدي علينا في ليلتنا، فذهبت بطعامنا وسلاحنا؟ قال: فتحسسنا في الدار وسألنا، فقيل لنا: قد رأينا بني أبيرق واستوطروا في أبيرق في هذه الليلة، ولا نرى ذلك الأمر طعامنا، قال: وجعل بنو أبيرق ونحن نبحث ونسأل في الدار يقولون: واللَّه ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل بن الحارث بن عروة بن عبد بن رزاح بن ظفر، رجل منا له صلاح وإسلام- فلما سمع لبيد اخترط سيفه، وقال: أنا أسرق؟ فو اللَّه ليخالطنكم هذا السيف أو لتبيننّ هذه السرقة قالوا: إليك عنا أيها الرجل، فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمى: يا ابن أخى، لو أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكرت ذلك له.
قال قتادة: فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت: إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمى رفاعة بن زيد فنقّبوا مشربة له، وأخذوا سلاحه وطعامه فليردّوا علينا سلاحنا، فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم سآمر في ذلك، فلما سمع بنو أبيرق أتوا رجلا منهم يقال له: أشير بن عروة، فكلموه في ذلك، واجتمع في ذلك ناس من أهل الدار فقالوا: يا رسول اللَّه، إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت.
قال قتادة: فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكلمته فقال: عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينة. قال: فرجعت ولوددت أنى خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذلك.
فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخى ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: اللَّه المستعان، فلم يلبث أن نزل القرآن: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً [ (1) ] بني أبيرق وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ فما قلت لقتادة إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً* وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً* يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً* ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا*
__________
[ (1) ] النساء: 105.(14/355)
وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً
[ (1) ] أي لو استغفروا اللَّه لغفر لهم وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً* وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً
- قولهم للبيد- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً* لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً
[ (2) ] .
فلما نزل القرآن أتي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالسلاح فردّه إلى رفاعة فقال قتادة لما أتيت عمي بالسلاح- وكان شيخا قد عشا أو عسا [ (3) ]- الشك من أبي عيسى- في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولا، فلما أتيته قال: يا ابن أخي هو في سبيل اللَّه، فعرفت أن إسلامه كان صحيحا، فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية فأنزل اللَّه تعالى: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً* إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً [ (4) ] .
فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمت به في الأبطح، ثم قالت:
أهديت لي شعر حسان ما كنت تأتينى بخير [ (5) ] .
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعلم أحدا أسنده غير محمد بن سلمة الحرانيّ. وروى يونس بن بكير وغير واحد هذا الحديث، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة مرسلا، لم يذكروا فيه عن أبيه عن جده.
وقتادة بن النعمان هو أخو أبي سعيد الخدريّ لأمه. وأبو سعيد اسمه
__________
[ (1) ] النساء: 106- 110.
[ (2) ] النساء: 111- 114.
[ (3) ] هو بالسين المهملة، أي كبر أسنّ من عسا القضيب إذا يبس، وبالمعجمة، أي قلّ بصره وضعف.
[ (4) ] النساء: 115- 116.
[ (5) ] (تحفة الأحوذي) : 8/ 313- 316، أبواب تفسير القرآن، سورة النساء، حديث رقم (3228) ، ومنه تصويب النص في (الأصل) .(14/356)
سعد بن مالك بن سنان] [ (1) ] .
والضّحاك بن خليفة الأشهليّ [ (2) ] ، وفرحان حليف بني ظفر لا يعرف نسبه
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
وجاء في (ديوان حسان بن ثابت) : وكان ابن أبيرق طرح الدرعين في منزل يهودي ليبرأ منهما ويؤخذ بهما اليهوديّ، فلما أنزل اللَّه تعالى: وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً، فرق النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم من أن يقيم عليه الحد، فلحق بمكة، فنزل على سلافة بنت سعد بن شهيد الأنصارية وهي أم بني طلحة بن بني طلحة كلهم إلا الحارث بن طلحة، وقتل بنوها كلهم بأحد كفارا إلا عثمان بن طلحة، ومنه أخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مفتاح الكعبة ثم رده عليه، فقتل مسافع وكلاب والجلاس بنو طلحة يوم أحد، ومكث ابن أبيرق عند السلافة، فبلغ ذلك حسان، فهو قوله:
ما سارق الدرعين إن كنت ذاكرا ... بذي كرم من الرجال أوادعه.
وقد أنزلته بنت سعد فأصبحت ... ينازعها جلد استها وتنازعه.
فهلا أسيدا جئت جارك راغبا ... إليه ولم تعمد له فترافعه.
ظننتم بأن يخفى الّذي قد صنعتم ... وفينا نبيّ عنده الحكم واضعه.
فلولا رجال منكم أن يسوءهم ... هجاى لقد حلت عليكم وطولعه.
فإن تذكروا كعبا إذا ما نسيتم ... فهل من أديم ليس فيه أكارعه.
هم الرأس والأذناب في الناس أنتم ... ولم تك إلا في الرءوس مسامعه.
يريد بذلك بني عبد الدار. يقول: فإن انتسبتم إلي كعب بن لؤيّ فأنتم أكارع لستم فيه برءوس. كما يتضح ذلك في البيت السادس. (ديوان حسان بن ثابت) : 285- 286، مختصرا.
[ (2) ] هو الضحاك بن خليفة بن ثعلبة بن عديّ بن كعب بن عبد الأشهل الأنصاريّ الأشهليّ. قال أبو حاتم: شهد غزوة بني النضير، وله ذكر، وليست له رواية. وقال أبو عمر بن عبد البر: هو ولد أبى جبيرة بن الضحاك، شهد أحدا، وعاش إلى خلافة عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. قال ابن سعد: كان مغموصا عليه، وهو الّذي تنازع هو ومحمد بن مسلمة في الساقية، فترافعا إلى عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال لمحمد: ليمرن بها ولو على بطنك.
وقال ابن شاهين: سمعت ابن أبي داود يقول: هو الّذي قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عنه: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة ذو مسحة من جمال، زنته يوم القيامة زنة أحد. فاطلع الضحاك بن خليفة، قال: وهو الّذي اشترى نفسه من ربه بماله الّذي يدعى مال الضحاك بالمدينة.(14/357)
ويكنى أبا الغيراق، رمي يوم أحد [ (1) ] . وزرارة بن عمير العبدري، ويقال أبو زيد [ (2) ] بن عمير، وقيل: قاسط بن شريح العبدري وقطع يد صؤاب الحبشيّ مولى بني عبد الدار. ثم رماه فقتله وكان قزمان قد امتنع من الخزرج يوم أحد حتى عيّرته النساء وقلن: إنما أنت امرأة! فأخذ سيفه وقوسه، وقاتل حيّة
__________
[ () ] قال الحافظ: بين هذا الكلام وكلام ابن سعد بون، والّذي رأيته في (ديوان حسان) رواية أبى سعيد السكرى، وقال يهجر الضحاك بن خليفة الأشهليّ في شأن بنى قريظة، وكان أبو الضحاك منافقا، وهو جد عبد الحميد بن أبي جبيرة، فذكر شعرا:
ألا أبلغ الضحاك أن عروقه ... أعيت على الإسلام أن تتجمدا.
أتحب يهدان الحجاز وذينهم ... كبد الحمار ولا تحب لحمدا.
وإذا نشا لك ناشئ ذو غرة ... فهّ القؤاد أمرته فتهودا.
لو كنت منا لم تخالف ديننا ... وتبعت دين عتيد حين تشهدا.
دينا لعمر كما يوافق ديننا ... ما استنّ آل بالبديّ وخودا.
وعنيد: رجل من الأنصار تشهد عند موته شهادة الحق قبل أن يصير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة.
قال الحافظ: فلعل هذا سلف ابن سعد، لكنه في والد الضحاك لا فيه. وذكر ابن إسحاق في غزوة تبوك قال:
وبلغ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت شويكر اليهوديّ يثبطون الناس عن الغزو، فبعث طلحة في قوم من الصحابة وأمره أن يحرق عليهم البيت، ففعل، فاقتحم الضحاك بن خليفة من هر البيت فانكسرت رجله وأفلت. وقال ثمة ذلك:
كادت- وبيت اللَّه- نار محمد ... يسقط بها الضحاك وابن أبيرق
سلام عليكم لا أعود لمثلها ... أخاف ومن يشمل به الريح يحرق
وكأنه كان كما قال ابن سعد: ثم تاب بعد ذلك وانصلح حاله.
(الإصابة) : 3/ 475- 476، ترجمة رقم (4166) ، (الاستيعاب) : 2/ 741، ترجمة رقم (1249) ، (ديوان حسان بن ثابت) : 306.
[ (1) ] لم أجد له نسبا ولا ترجمة ولا ذكرا فيما بين يدي من كتب السيرة.
[ (2) ] في الأصل) : يزيد، وما أثبتناه من (ابن هشام) حيث قال في ذكر من قتل من المشركين يوم أحد: وأبو زيد بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، قتله قزمان. (سيرة ابن هشام) : 4/ 84.(14/358)
وأنفة لقومه، وجعل يقول: قاتلوا معشر الأوس عن أحسابكم، فالموت خير من العار والفرار!
وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: قزمان في النار، فأثبت يوم أحد، فحمل إلى دار بين ظفر، فقيل له: أبشر أبا الفيراق بالجنة! فقد أبليت اليوم وأصابك ما ترى، فقال: أي جنة؟ واللَّه ما قاتلت إلا حمية لقومي، فلما اشتدّ به الوجع أخرج سهما من كنانته فقطع به رواهش يده فقتل نفسه، وفيه يقول صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر [ (1) ] .
وأبو عامر [عبد] [ (2) ] عمرو بن صيفي [بن مالك] [ (2) ] بن نعمان بن ضبيعة بن زيد [ (3) ] وقيل: هو أبو عامر عمر بن صيفي بن زيد بن أمية بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف من الأوس. وقال مكي: أصله من الروم، كان يناظر أهل الكتاب، ويميل إلى النصرانية، ويتبع الرهبانية ويألفهم، ويكثر الشخوص إلى الشام، فسمي الراهب، فلما ظهر أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حسده، ففرّ إلى مكة وقاتل مع قريش يوم أحد، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا عامر الفاسق، فلما فتحت مكة لحق بهرقل هاربا إلى الروم بالشام، فمات هناك فتخاصم في ميراثه كنانة بن عبد ياليل الثقفيّ، وكان ممن حسد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فشخص إلى الشام.
__________
[ (1) ] رواه البخاري في الجهاد، باب إن اللَّه ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر، وفي المغازي، باب غزوة خيبر، وفي القدر، باب العمل بالخواتيم، ورواه مسلم في الإيمان، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، حديث رقم (111) راجع (جامع الأصول) : 10/ 19 وما بعدها، حديث رقم (7738) .
[ (2) ] زيادة للنسب من (ابن هشام) .
[ (3) ] قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن أبا عامر عبد عمرو بن صيفي بن مالك بن النعمان، أحد بني ضبيعة، وقد كان خرج حين خرج إلى مكة مباعدا لرسول اللَّه. معه خمسون غلاما من الأوس، وبعض الناس كان يقول: كانوا خمسة عشر رجلا، وكان يعد قريشا أن لو قد لقي قومه لم يختلف عليه منهم رجلان. فلما التقى الناس كان أول من لقيهم أبو عامر في الأحابيش عبدان أهل مكة، فنادى: يا معشر الأوس! أنا أبو عامر، قالوا: فلا أنعم اللَّه بك عينا يا فاسق.
وكان أبو عامر يسمى في الجاهلية: الراهب، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الفاسق، فلما سمع ردهم عليه قال:
أصاب قومي بعدي شرّ، ثم قاتلهم قتالا شديدا، ثم راضحهم [راماهم] بالحجارة. (سرة ابن هشام) :
4/ 13- 14، أبو عامر الفاسق.(14/359)
وعلقمة بن علاثة [ (1) ] ، وكان بالشام أيضا وكان مسلما، ويقال: بل كان مشركا، ثم إنه أسلم، فحكم صاحب الروم بدمشق بسرار، أي لعامر ولكنانة ابن عبد ياليل لأنه من أهل المدر، وحرمه علقمة لأنه بدوي. وقال الهيثم بن عدي: كان أبو عامر يهم بالنّبوّة فلما ظهر أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهاجر وحسده، فهرب إلي مكة فقاتل، ثم أتى الشام.
وقال الواقدي [ (2) ] : هرب أبو عامر إلى مكة، وكان يقاتل مع المشركين، فلما فتحت مكة هرب إلى الطائف، فلما أسلموا هرب إلى الشام، فدفع ميراثه إلى كنانة بن عبد ياليل الثقفي [ (3) ] ، وكان ممن هرب أيضا.
وذكر ابن إسحاق أن أبا عامر أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين قدم المدينة قبل أن يخرج إلى مكة فقال: ما هذا الدين الّذي بعث به؟ فقال: جئت بالحنفية دين إبراهيم قال: فأنا عليها، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنك لست عليها؟ قال: بلى أدخلت يا محمد في الحنيفية ما ليس فيها قال: ما فعلت ولكن جئت بها بيضاء نقية، قال الكاذب، أماته اللَّه طريدا غريبا وحيدا- يعرض برسول اللَّه-:
أي أنك جئت بها كذلك، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أجل فمن كذب فعل اللَّه تعالى
__________
[ (1) ] كان ممن خرج مع أبي عامر الفاسق: علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب، وكنانة بن عبد ياليل بن عمرو بن عمير الثقفي، فلما مات اختصما في ميراثه إلى قيصر- صاحب الروم- فقال قيصر:
يرث أهل المدر أهل المدر [من يسكنون المدن] ، ويرث أهل الوبر أهل الوبر [البدو الذين يسكنون الخيام في الصحراء] ، فورث كنانة بن عبد ياليل بالمدر دون علقمة. (سيرة ابن هشام) : 3/ 128- 129.
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 205.
[ (3) ] هو كنانة بن عبد ياليل الثقفيّ، كان رئيس ثقيف في زمانه: قال أبو عمر: كان من أشراف ثقيف الذين قدموا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد حصار الطائف فأسلموا، وكذا ذكره ابن إسحاق، وموسى بن عقبة، وغير واحد. وذكر المدائنيّ أن وفد ثقيف أسلموا إلا كنانة، فإنه قال: لا يرثني رجل من قريش، وخرج إلى نجران، ثم توجه إلى الروم فمات كافرا بها.
ويقوى كلام المدائني ما حكاه ابن عبد البر في ترجمة حنظلة بن أبي عامر الراهب [الفاسق] : أن أبا عامر لما أقام بأرض مرغما للمسلمين وتنصر، فمات عند هرقل، فاختصم في ميراثه علقمة بن علاثة العامريّ، وكنانة بن عبد ياليل الثقفيّ إلى هرقل، فدفعه لكنانة لكونه من أهل المدر كأبي عامر. (الإصابة) :
5/ 669، ترجمة رقم (7536) ، (الاستيعاب) : 1/ 380، ترجمة رقم (549) ، 3/ 1330، ترجمة رقم (217) .(14/360)
ذلك به فكان هو ذلك عدو اللَّه،
خرج إلى مكة فلما افتتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة خرج إلى الطائف، فلما أسلم أهل الطائف لحق بالشام فمات بها سنة تسع، وقيل: سنة عشر من الهجرة، طريدا وحيدا غريبا [ (1) ] وابنه حنظلة العبد استشهد يوم أحد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[ (2) ]
وذكر المعتمر بن سليمان، عن أبيه- وقد ذكر حديث الهجرة- قال: فلما عدنا المدينة لقي أبا عامر وهو يسيح في الأرض وهو الراهب، وكان يدعى الراهب من شدة تعبده وتألهه، فقال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من أنت؟ قال: أنا رسول اللَّه، فقال يا محمد لقد حدّثت عنك قبل أن أراك حديثا ما أدري لعله سيكون كذلك! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما هو؟ قال: حدّثت أنك تفرق بين الاثنين، ولي ابن يقال له حنظلة، فهبه لي ولا تفرق بيني وبينه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:
أنا لست كذلك، ولكن جئتك يا أبا عامر وقومك بالهدى، والبصيرة من
__________
[ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 128، جزاء ابن صيفي لتعريضه به صلّى اللَّه عليه وسلّم.
[ (2) ] هو حنظلة بن أبي عامر بن صيفي بن مالك بن أمية- أو ابن صيفي بن زيد بن أمية، أو ابن صيفي بن النعمان بن مالك بن أمية- ابن ضبيعة بن زيد بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاريّ الأوسيّ، المعروف بغسيل الملائكة.
وكان أبوه في الجاهلية يعرف بالراهب، واسمه عمرو، ويقال: عبد عمرو، وكان يذكر البعث ودين الحنفية، فلما بعث النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم عانده وحسده وخرج عن المدينة، وشهد مع قريش وقعة أحد، ثم رجع مع قريش إلى مكة، ثم خرج إلى الروم فمات بها سنة تسع، ويقال: سنة عشر، وأعطى هرقل ميراثه لكنانة بن عبد ياليل الثقفيّ. وأسلم ابنه حنظلة فحسن إسلامه، واستشهد. لا يختلف أصحاب المغازي في ذلك.
وروى ابن شاهين. بإسناد حسن إلى هشام بن عروة عن أبيه، قال: استأذن حنظلة بن أبي عامر، وعبد اللَّه بن أبيّ ابن سلول، رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الزبير، عن أبيه عن جده قال: كان حنظلة بن أبي عامر الغسيل التقى هو وأبو سفيان بن حرب، فلما استعلى حنظلة رآه شداد بن شعوب فعلاه بالسيف حتى قتله، وقد كاد يقتل أبا سفيان،
فقل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن صاحبكم تغسله الملائكة، فاسألوا صاحبته، فقالت: خرج وهو جنب لما سمع الهيعة. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لذلك تغسله الملائكة. (الإصابة) : 2/ 137، ترجمة رقم (137) ، (الاستيعاب) : 1/ 380- 382، ترجمة رقم (549) ، (سيرة ابن هشام) : 3/ 127.(14/361)
العمى، فقال له أبو عامر: ليس كما تقول، فادع اللَّه على الكذاب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أمات اللَّه الكذاب ضالا ذليلا تائها في الأرض.
وقال حماد بن زيد: أخبرنا أيوب بن سعيد بن جبير بن بني عمرو بن عوف، ابتنوا مسجدا فصلّى بهم فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فحسدهم إخوتهم بنو غنم ابن عوف فقالوا: لو بنينا أيضا مسجدا وبعثنا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلّى بنا فيه كما صلّى في مسجد أصحابنا، ولعلّ أبا عامر أن يمر بنا إذا أتى من الشام فيصلّي بنا فيه كما صلّى في مسجد أصحابنا، فلما قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لينطلق إليه أتاه الوحي فنزل فيهم: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (1) ] قال: هو أبو عامر.
وقال حماد بن سلمة عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنه قال في هذه الآية وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ قال: كان سعيد بن حسمة بنى مسجدا فينا وكان موضعه لليلة تربط فيه حمارها فقال: أهل مسجدا النفاق أنحن نسجد في موضع يربط فيه حمار له؟ لا ولكننا نتخذ مسجدا نصلي فيه حتى يجيئنا أبو عامر فيصلي بنا فيه، وكان أبو عامر قد فرّ من اللَّه ورسوله إلى أهل مكة ثم لحق بالشام فتنصّر، فأنزل اللَّه تعالى فيه: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ [ (1) ] يعني أبا عامر، فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما نزل القرآن إلى ذلك المسجد قالوا: حفره قوم من المنافقين، مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجعلوا يضحكون، ويلعبون، ويهربون، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بإخراجهم.
__________
[ (1) ] التوبة: 107.(14/362)
طرد المنافقين من المسجد [ (1) ]
فقام أبو أيوب إلي قيس بن عمر بن قيس فجرّ برجله حتى أخرجه من المسجد، وقام عمارة بن حزم إلي زيد بن عمرو وكان طويل اللحية فأخذ بلحيته فقاده بها قودا عميقا حتى أخرجه، وقام رجل من بني عمرو بن عوف إلى زويّ بن الحارث فأخرجوا جميعا (المرجع السابق: 56، (البداية والنهاية) 3/ 292) .
ووديعة بن ثابت أحد بني عمرو بن عوف ممن بني مسجد الضرار، وهو الّذي قال: إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ فأنزل اللَّه عز وجل فيه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ
__________
[ (1) ] هذا العنوان من (ابن هشام) ، حديث قال: وكان هؤلاء المنافقون في المسجد يحضرون فيستمعون أحاديث المسلمين، ويسخرون ويستهزءون بدينهم، فاجتمع يوما في المسجد منهم ناس، فرآهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتحدثون بينهم خافضي أصواتهم، قد لصق بعضهم ببعض، فأمر بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخرجوا من المسجد إخراجا عنيفا.
فقام أبو أيوب، خالد بن زيد بن كليب، إلى عمر بن قيس، أحد بني غنم بن مالك بن النجار- كان صاحب آلهتهم في الجاهلية- فأخذ برجله فسحبه حتى أخرجه من المسجد وهو يقول: أتخرجني يا أبا أيوب من مربد بنى ثعلبة؟
ثم أقبل أبو أيوب أيضا إلي رافع بن وديعة أحد بنى النجار، فلببه بردائه- ثم نثره نثرا شديدا، ولطم وجهه، ثم أخرجه من المسجد، وأبو أيوب يقول له: أف لك منافقا خبيثا، أدراجك يا منافق من مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقام عمارة بن حزم إلى زيد بن عمرو- وكان رجلا طويل اللحية- فأخذ بلحيته فقاده قودا عنيفا حتى أخرجه من المسجد، ثم جمع عمارة يديه فلدمه بهما في صدره لدمة خرّ منها. قال: يقول خد شتنى يا عمارة، قال: أبعدك اللَّه يا منافق، فما أعد اللَّه لك من العذاب أشد من ذلك، فلا تقربنّ مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وقام أبو محمد- رجل من بني النجار، كان بدريا- وأبو محمد مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك النجار: إلى قيس بن عمرو بن سهل- وكان قيس غلاما شابا، وكان لا يعلم في المنافقين شاب غيره- فجعل يدفعه في قفاه حتى أخرجه من المسجد.
وقام رجل من بني الخدرة بن الخزرج، رهط أبى سعيد الخدريّ يقال له: عبد اللَّه بن.(14/363)
لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ [ (1) ] الآية.
وعبد اللَّه بن أبيّ، وهؤلاء النفر هم الذين كانوا ينتسبون إلى بني النضير حين حاصرهم رسول اللَّه أن اثبتوا، فنزل فيهم: لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [ (2) ] إلى قوله تعالى: إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ [ (3) ] ، ولم يكن في بني عبد الأشهل منافق ولا منافقة، إلا أن الضحاك بن خليفة بن ثعلبة [ (4) ] أحد بني كعب [ (5) ] كان كاتبهم بذلك.
وأما اليهود
من هاد يهود، إذا رجع، فسموا يهود لأنهم رجعوا عن الحق ويقال أيضا:
هاد يهود. إذا رجع إلى الحق ومنه: إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ [ (6) ] ويقال: سموا يهود لأنهم نسبوا إلى اليهود الناعور وقيل: لأنهم يهودون يوم السبت، أي يسكنون من هود القوم إذا هدوا فإنّهم كانوا أهل يثرب،
__________
[ () ] الحارث حين أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بإخراج المنافقين من المسجد إلى رجل يقال له: الحارث بن عمرو- وكان ذا جمة- فأخذ بجمته، فسحبه بها سحبا عنيفا، على ما مرّ به من الأرض حتى أخرجه من المسجد، قال: يقول المنافق: لقد أغلظت يا ابن الحارث، فقال له: إنك أهل لذلك، أي عدو اللَّه لما انزل اللَّه فيك، فلا تقربنّ مسجد رسول اللَّه (ص) فإنك فإنك نجس.
وقام رجل من بنى عمرو بن عوف إلى أخيه زويّ بن، فأخرجه من المسجد إخراجا عنيفا وأفف منه- قال: غلب عليك الشيطان وأمره. فهولاء من حضر المسجد يومئذ من المنافقين، وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بإخراجهم. (سيرة ابن هشام) : 3/ 61- 63.
[ (1) ] التوبة: 65.
[ (2) ] الحشر: 11.
[ (3) ] الحشر: 16.
[ (4) ] في (الأصل) : «ثابت» ، وصوبناه (المرجع السابق) .
[ (5) ] (جمهرة النسب) : 635، (الاشتقاق) : 343- 444.
[ (6) ] الأعراف: 156، (لسان العرب) : 3/ 439.(14/364)
ويثرب [ (1) ] اسم رجل من العماليق، وكانوا يسمون المنازل التي ينزلونها بأسمائهم وهو يثرب بن قانية بن مهلائيل بن إرم بن عوض بن عبيل بن إرم بن سام بن نوح.
وقيل: يثرب بن قائن بن عبيل بن مهلائيل بن عوض بن عملاق بن لاوذ بن إرم، فلما أقبلت العماليق من مكة أخرجت عبيل من يثرب وأنزلتهم الجحفة فجاءهم سيل فأجحفهم فسميت الجحفة بذلك وفي ذلك يقول رجل منهم:
عيني جودا على عبيل ... وهل يرجع ما فات فيضها بانسجام
عمرو يثربا وليس بها ... تعود ولا صارخ ولا ذو وسام
عرسوا إليها بمجرى معين ... ثم حقوا النخيل بالأجسام
ويقال سميت يثرب بيثرب بن قائن بن عبيل بن مهلائيل بن عوض بن عملاق لاوى بن إرم فلما كانت أيام بني إسرائيل، جعلت العماليق تغير عليهم من أرض الحجاز ومساكنهم يومئذ يثرب والجحفة إلى مكّة، وكانوا أهل عزّ ومنعة وشديدة وكان ساكنو يثرب منهم بنو هنب وبنو سعد، وبنو الأزرق، وبنو مطروق، فشكت بنو إسرائيل ذلك إلى موسى عليه السلام، فوجه اليهم جيشا وأمّر عليهم أن يقتلوهم، ولا يبقوا منهم أحدا، وكان ملك العماليق آنذاك الأرقم بن أبى الأرقم، يقوم
__________
[ (1) ] قال أبو القاسم الزجاجي: يثرب مدينة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، سميت بذلك لأن أول من سكنها عند التفرق يثرب بن قانية بن مهلائيل بن إرم بن عبيل بن عوض بن إرم بن سام ابن نوح عليه السلام.
وقال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: من قال للمدينة يثرب فليستغفر اللَّه ثلاثا، إنما هي طيبة. وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما هاجر: اللَّهمّ إنك أخرجتنى من أحب أرضك إليّ، فأسكني أحب أرضك إليك، فأسكنه المدينة. (معجم البلدان) : 5/ 493، موضع رقم (12831) مختصرا.(14/365)
ما بين تيماء [ (1) ] إلي فدك، ولهم بها نخل كثير وزرع فسأل بنو إسرائيل وواقعوا لهم وتركوا منهم ابن ملك لهم كان غلاما حسنا فرقوا له ثم رجعوا إلي الشام، وقد مات موسى عليه السلام فقالت بنو إسرائيل لهم: قد عصيتم وخالفتم الآباء فقالوا نرجع إلي البلاد التي غلبنا عليها فنكون بها، فرجعوا إلي يثرب فاستوطنوها وتناسلوا بها، إلي أن نزلت عليهم الأوس والخزرج بعد سيل العرم كما تقدم ذكره عند ذكر الأنصار.
ويقال: بل كان نزولهم أولا من نواحي العالية [ (2) ] ، وانحدر بها الآطام والأموال والمزارع، فلبثوا في نواحيه زمانا طويلا حتى ظهرت الروم على بني إسرائيل وخرج بنو قريظة، والنضير، وبنو هذيل من يثرب ونزلوا الغابة [ (3) ] ثم تحولوا عنها لوبائها إلى عدة مواضع من نواحي يثرب والحدم [ (4) ] .
ويقال: بل كان نزول اليهود بيثرب حين وطئ بخت نصّر بلادهم بالشام وخرب بيت المقدس، فحينئذ لحق من لحق منهم بالحجاز، كقريظة، والنضير، وسكنوا خيبر، ويثرب، حتى قدمت الأوس والخزرج عليهم، وكانت لهم معهم حروب ظهرت عليهم اليهود كما مر ذكره، فلما هاجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حاربته
__________
[ () ] قال الكلبي: إن العماليق أخرجوا بنى عقيل، وهم إخوة عاد بن ربّ، فنزلوا الجحفة، وكان اسمها يومئذ مهيعة، فجاءهم سيل واجتحفهم، فسميت الجحفة.
ولما قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة استوبأها وحمّ أصحابه، فقال اللَّهمّ حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشدّ، وصحّحها، وبارك لنا في صاعها ومدها، وانقل حمّاها إلي الجحفة.
وروي أن النبي (ص) ، نعس ليلة في بعض أسفاره، إذ استيقظ، فأيقظ أصحابه وقال: مرّت بي الحمى في صورة امرأة ثائرة الرأس- منطلقة إلى الجحفة. (معجم البلدان) : 2/ 129، موضع رقم (2955) .
[ (1) ] تيماء- بالفتح والمد- بليد في أطراف الشام، بين الشام ووادي القرى- على طريق حاج الشام ودمشق، وهي من أمهات القرى على سبع ليال من المدينة المكرمة (معجم البلدان) : 2/ 78 موضع رقم (2736) .
[ (2) ] العالية: اسم لكل ما كان من جهة نجد من المدينة من قراها وعمائرها إلى تهامة في العالية. قال أبو منصور: عالية الحجاز أعلاها بلدا وأشرفها موضعا، وهي بلاد واسعة، ومن حديث عائشة (ر) : أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مات وأبو بكر بالسنح- قال إسماعيل يعنى بالعالية ذكره البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
[ (3) ] الغابة: موضع قرب المدينة من ناحية الشام، فيه أموال لأهل المدينة. قال الواقدي الغابة بريد من المدينة على طريق الشام، وصنع منبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من طرفاء الغابة، وروى محمد بن الضحاك عن أبيه قال: كان العباس بن عبد المطلب يقف على سلع جبل فينادي غلمانه وهم بالغابة فيسمعهم، وذاك من آخر الليل وبين سلع والغابة ثمانية أميال (المرجع السابق) : 206، موضع رقم (8729) مختصرا.
[ (4) ] الحدم في الأصل: شدة إحماء حر الشمس للشيء، وهو اسم موضع. (معجم البلدان) : 2/ 264، موضع رقم (3552) .(14/366)
اليهود وعادته، وحمله من كان منهم بالمدينة وخيبر، إنما هم قريظة، والنضير، وبنو القينقاع، وهذيل، إلا أن في الأوس والخزرج من تهوّد وكان من نسائهم من ستنذر إذا ولدت إن عاش ولدها أن تهوّده لأن اليهود كانوا عندهم أهل علم وكتاب في هؤلاء الأبناء الذين تهودوا، ونزلت فيهم: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ [ (1) ] حين أراد آباؤهم إكراههم على الإسلام.
قال ابن إسحاق: ونصبت عند ذلك أحبار يهود لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العداوة بغيا، وحسدا، وضغنا، لما خصّ اللَّه تعالي العرب من أخذه رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم منهم وانضاف إليهم من رجال من الأوس والخزرج ممن كان عسا على جاهليته، فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك والتكذيب بالبعث، إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره واجتماع قومهم عليه، فظهروا بالإسلام، واتخذوه جنّة من القتل، ونافقوا في السر، وكان هواهم مع يهود لتكذيبهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وجحودهم الإسلام، وكانت أحبار يهود هم الذين يسألون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ويتعنتونه، ويأتونه باللبس ليلبسوا الحق بالباطل، فكان القرآن ينزل فيهم فيما يسألون عنه، إلا قليلا من المسائل في الحلال والحرام، وكان المسلمون يسألون عنها.
فمن بني النضير
حيي بن أخطب وأخوه وأبو ياسر بن أخطب وجدي بن أخطب، وفيهم وفي نظرائهم، نزل قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ
__________
[ (1) ] البقرة: 6(14/367)
[ (1) ] إلي قوله: عَذابٌ عَظِيمٌ وسلامة بن مشكم نزل عليه أبو سفيان بن حرب وقال فيه أشعارا:
سقاني فرواني عقارا سلامة ... على ظمأ مني سلام بن مشكم
كذلك أبو عمرو يجود وداره ... بيثرب مأوى كل أبيض حصرم
وامرأة سلام هذا هي زينب بنت الحارث التي أهدت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شاة مسمومة. وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق. والربيع بن أبي الربيع بن أبي الحقيق وسلام بن أبى الحقيق. وكعب بن الأشرف الطائي، من بنى نبهان حليف بني النضير وأمه عقيلة بنت أبى الحقيق، وكان أبوه أصاب دما في قومه، فأتى المدينة، وكان كعب طوالا جسيما ذا بطن وهامة ضخمة، وهو الّذي قال يوم بدر: بطن الأرض خير من ظهرها، هؤلاء ملوك الناس وسراتهم يعني قريشا قد أصيبوا، وخرج إلي مكة فنزل علي أبي وداعة بن صبرة وجعل يهجوا المسلمين، ورثى قتلي بدر، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حسان بن ثابت بهجاء من نزل كعب عنده حتى رجع المدينة.
وحجاج ومجدي ابنا عمرو، حليفا كعب بن الأشرف، وأبو رافع سعد بن حنيف كان متعوذا بالإسلام، وكان أعور، قتله المسلمون بخيبر، ورفاعة بن قيس، وفنحاص، سمع قول اللَّه تعالى: وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [ (2) ] فقال: أراني أغنى من ربّ محمد حين استقرض منا فنزلت فيه: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا [ (3) ] ومحمود بن دحية، وعمرو بن جحاش، وعزيز بن أبي عزيز، ونباش بن قيس، وسعية بن عمرو، ونعمان بن أوفى، ومسكين بن أبى مسكين، وزيد بن الحارث، ورافع بن خارجة، وأسير بن زارم، ويقال: ابن رام، كان يحرض على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويبسط لسانه فيه، ثم أتي خيبر، فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من قتله وعدة من اليهود معه.
__________
[ (1) ] البقرة: 7.
[ (2) ] المزمل: 20.
[ (3) ] آل عمران: 181، وفي (الأصل) : «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا» .(14/368)
ومخيريق أسلم وقاتل مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم أحد وأعطاه ماله فوقفه ويقال: إنه من بني قينقاع.
ومن بني قينقاع
كنانة بن صوير أو يقال: صوريا، وزيد بن اللصيت. قال الوقدى: كان يهوديا فأسلم فنافق، وكان فيه خبث اليهود وغشهم وكان مظاهرا لأهل النفاق وهو الّذي قال: زعم محمد أنه يأتيه خبر السماء وقد ضلت ناقته فليس يدرى أين هي! فدله اللَّه عليها فوجدها وقد تعلق خطامها بشجرة، ويقال: إنه تاب من النفاق، وكان خارجة بن زيد بن ثابت ينكر توبته ويقول: لم يزل فسلا حتى مات.
وسويد وداعي كانا منافقين يتعوذان بالإسلام، ومالك بن أبي نوفل، كان متعوذا بالإسلام، ينقل أخبار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى يهود وهو حبر من أحبارهم!!
ومن بني قريظة
الزبير بن باطا بن وهب، وكعب بن أسد، وهو صاحب عقد بني قريظة الّذي نقض عام الأحزاب. وعزّال بن شموأل، وسهل، ويقال: شمويل بن زيد، ووهب بن زيد، وعدي بن زيد، وكردم بن كعب وأسامة بن حبيب، وقتل كردم ابن قيس حليف كعب بن الأشرف، ورافع بن رميلة، وكان متعوذا بالإسلام،
وهو الّذي قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيه يوم مات: لقد مات اليوم منافق عظيم النفاق.
ولبيد بن أعصم، كان يتعاطى السحر، وهو الّذي سحر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم متعوذا بالإسلام، ورفاعة بن زيد بن التابوت
ومعاوية بن التابوت وفيه قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه، لأنه كان نذر أن يقذّر المنبر، أو قذّره،
والحارث بن عوف، وشعبة بن عمرو البصري.
ومن بني حارثة
ومن بنى حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس بن شيبة:
كنانة بن صوريا.(14/369)
ومن بني عبد الأشهل
يوشع وكان سيّر بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فلما بعث آمن به بنو عبد الأشهل سواء، وفيه وفي صريانه نزل: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ إلى قوله تعالى:
وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ
ومن بني ثعلبة بن الفطيون
عبد اللَّه بن صوريا الأعور ولم يكن بالحجاز في زمانه أحد أعلم بالتوراة منه وذكر النقاش أنه أسلم، وابن صلوبا، ويقال: كان مخيريق منهم، وكان حبرهم أسلم.
ومن بني قينقاع أيضا
سعد بن حنيف بن سنحان، وعبد اللَّه صف ورفاعة بن قيس وفنحاص، وأشيع ونعمان بن آصا، وساس بن قيس وساس بن عدي وزيد بن الحارث، ونعمان بن عمرو، ومسكين بن أبى مسكين، وعدي بن زيد، ونعمان بن أبي أوفى، وو محمود بن دحية، ومالك بن أصيف، وكعب بن راشد، وعازر، ورافع بن أبي، رافع، وخلد، وآزار بن أبى أزار، ويقال: أزر بن أبي أزر، ويقال: آزر بن أبي أزر، ورافع بن حارثة، ورافع بن حريملة، ورافع بن خارجة، ومالك بن عوف.
ومن بني قريظة أيضا
جبل بن عمرو بن سكينة، والنحام بن زيد، ونافع بن أبى نافع، وأبو نافع وكردم بن زيد، وأسامة بن حبيب، وجبل بن أبي قشير، ووهب بن يهوذا.
قال ابن إسحاق- وقد ذكر عدة ممن أوردت- ذكر هاهنا تتمة مفيدة وهي:
إن قال قائل: لم قبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المنافقين إسلامهم مع علمه بنفاقهم؟
قيل له: قبلهم عليه الصلاة والسلام لحكم منها: استجلاب من عاداهم من الكفار، وتأليف قلوبهم، وإيثار لعدم تنافر خواطرهم عنه، ومنها: الترجي(14/370)
لدخول أهل النفاق في الإسلام حقيقة، وذلك أنهم إذا دخلوا في الإسلام ظاهرا رأوا أدلته وبراهينه، وشاهدوا محاسنة مشاهدة لم تكن تحصل لهم مع عداوتهم للإسلام أصلا، فربما قادهم ذلك إلى الإخلاص في إيمانهم، ومنها: أنهم قد تولد لهم في الإسلام أولاد، فيكون ذلك راغبا لإسلامه على الحقية، وهذا يشاهد في ذرية من أسلم في زماننا.
وقيل للإمام مالك- رحمه اللَّه-: لم يقتل الزنديق، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يقتل المنافقين وقد عرفهم؟ فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لو قتلهم بعلمه فيهم وهم يظهرون الايمان لكان ذلك ذريعة إلي أن يقول الناس: يقتلهم للضغائن، أو لما شاء اللَّه تعالى غير ذلك، فيمتنع الناس من الدخول في الإسلام.
وقد روى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه عوتب في المنافقين فقال: لا يتحدث الناس أنى أقتل أصحابى.
فصل في ذكر من سب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو آذاه أو تنقصه أو وقع فيه
خرج أبو داود من حديث عباد بن موسى الختّليّ، أخبرنا إسماعيل بن جعفر المدني عن إسرائيل، عن عثمان الشحام، عن عكرمة، قال: حدثنا ابن عباس، أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، قال: فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وتشتمه، فأخذ المغول فوضعه في بطنها، واتكأ عليها فقتلها.
فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذكر ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجمع الناس فقال: أنشد اللَّه رجلا فعل ما فعل، لي عليه حق إلا قام، فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل، حتى قعد بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه أنا صاحبها: كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي وأزجرها فلا تنزجر، ولى منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة،(14/371)
فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فجعلته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ألا اشهدوا أن دمها هدر.
وخرجه الحاكم من حديث إسرائيل به نحوه وقال: حديث صحيح الإسناد.
وقال ابن الكلبي: وعمير بن عدي بن خرشة القارئ، ناصر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كانت امرأة هجت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأتاها فقتلها في منزلها وقال ابن عبد البر: عمير الخطميّ القاري من بني خطمه من الأنصار، وكان أعمى كانت له أخت تشتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقتلها فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أبعدها اللَّه.
قال المؤلف: هذا هو الّذي ذكره ابن الكلبي، فإن عمير بن عدي بن خرشة من بني خطمة وهو عبد اللَّه بن جشم بن مالك بن دوس.
ولأبي داود من طريق جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن يهودية كانت تشتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دمها.
وخرج الشيبانيّ من حديث شعبة، عن نبيح العنزي، عن عبد اللَّه بن قدامة ابن عنزة، عن أبي برزة الأسلمي قال: أغلظ رجل الصديق فقلت: أقتله، فانتهرني وقال: ليس هذا لأحد بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
ومن حديث يزيد بن زريع، حدثنا يونس بن عبيد، عن حميد بن هلال، عن عبد اللَّه بن مطرف بن الشخير، عن أبي برزة الأسلمي أنه قال: كنت عند أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فتغيظ على رجل فاشتد عليه، فقلت تأذن لي يا خليفة رسول صلّى اللَّه عليه وسلّم أضرب عنقه؟ قال: فأذهبت كلمتي غضبه، فقام فدخل فأرسل إليّ فقال: ما الّذي قلت آنفا؟ قلت: ائذن لي اضرب عنقه، قال: أكنت فاعلا لو أمرتك؟ قلت: نعم، قال: لا واللَّه، ما كانت لبشر بعد محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم وله عنده طرفا أخر.
وقال محمد بن سهل: سمعت عليّ بن المديني يقول: دخلت على أمير(14/372)
المؤمنين فقال لي: أتعرف حديثا مسندا فيمن سبّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيقتل؟ قلت:
نعم، فذكرت له حديث عبد الدار، عن معمر، عن سماك بن الفضل، عن عروة بن محمد، عن رجل ممن لقيني قال: كان رجل يشتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من يلقني عدوا لي فقال خالد بن الوليد: أنا، فبعثه إليه فقتله
فقال أمير المؤمنين ليس هذا بسند، أهو عن رجل؟ فقلت: يا أمير المؤمنين بهذا تعرف هذا الرجل، وقد بايع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو معروف، فأمر لي بألف دينار، قال ابن حزم: هذا صحيح يدين به من كفر من سب الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: كل كفر شرك، وكل شرك كفر وهما اسمان شرعيان أوقعهما اللَّه تعالى على معنى واحد، ونقلهما عن موضوعهما في اللغة إلى كل من أنكر شيئا من دين الإسلام يكون بإنكاره معاندا للرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد بلوغ النذارة.
وقال الشيخ تقى الدين أبو الفتح السبكى وإيذاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم موجب القتل بدليل الحديث، فذكره، ثم قال: وهو حديث صحيح ولكن الأذى على قسمين:
أحدهما: يكون فاعله قاصدا لأذى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا شك أن هذا يقتضي القتل وهذا كأذى عبد اللَّه بن أبيّ في قصة الافك، فالإجماع منعقد على أنه كفر، فلذلك يستحق القتل، ولكن الحق للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فله تركه.
والآخر: لا يكون فاعله قاصدا لأذى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، مثل كلام مسطح، وحمنة في الافك، فهذا لا يقتضي قتل، قال: ومن الدليل على أن الأذى لا بد أن يكون مقصودا، قوله تعالى: إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ وهذه الآية نزلت في ناس صالحين من الصحابة فلم يقتض ذلك الأذى كفر، وكل معصية فاعلها مؤذ ومع ذلك فليس بكفر فالتفصيل في الأذى الّذي ذكرناه يتعين. قال:
الاستهزاء به صلّى اللَّه عليه وسلّم كفرا، قال اللَّه تبارك وتعالى قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ. قال أبو عبيد القاسم بن سلام:
فمن حفظ سطر بيت مما هجى به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فهو كفر وقد ذكر بعض من(14/373)
السلف في الإجماع، إجماع المسلمين على تحريم رواية ما هجى به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وقال ابن المنذر: ولا أعلم أحدا يوجب القتل دون عدة من الناس، وكذلك إذا كان مقصودا سواء كان الأذى حقيقيا أو غير حقيقي ولا شيء من قصد أو أذى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم محتمل، بل كله كفر موجب للقتل، للحديث الّذي قال:
من يكفي عدوى؟ فانتدب له خالد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
والأشهر أنه كفر للآية الكريمة،
وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: من سبّ نبيا فاقتلوه، وإن يتب فهو عمدة في أن قتله جدا لا يسقط بالتوبة، كما يقوله المالكي،
لكن هذا الحديث لا نعلمه إلا بالإسناد المذكور، يعنى من طريق ذكرها القاضي عياض، عن الدارقطني، فذكره عن عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن زبالة، حدثنا عبد اللَّه بن موسى ابن جعفر، عن على بن موسى، عن أبيه، عن جده محمد بن على بن الحسين عن أبيه، عن الحسين بن على، عن أبيه قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من سب نبيا فاقتلوه ومن سب أصحابه فاضربوه،
قال فلم يظهر لنا من حاله شيء فلا يصح الاحتجاج بعمومه، وجعل مناط القتل من غير توبة ولا استتابة، وإن تاب هذا إنما يصحّ لو صحّ الحديث وذلك الوقت يحتمل أن يقال: إنه مشروط معدوم التوبة، وإذا لم يصح فالقول بعدم التوبة لا ينتهى الكلام فيه، فإن الجانبين خطران.
قال المؤلف: وقد رأيت أن أورد ما للفقهاء والمالكية في هذه المسألة، وأحكى كلام القاضي الفقيه أبى الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي رحمه اللَّه في كتاب (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) صلّى اللَّه عليه وسلّم قال القاضي عياض:
وقد تقدم من الكتاب والسنة وإجماع الأمة ما يجب من الحقوق للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وما يتعين له من بر وتوقير وتعظيم وإكرام وبحسب هذا حرم اللَّه تعالى أذاه في كتابه وأجمعت الأمة على قتل متنقصه من المسلمين وسابه، قال اللَّه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً وقال عز وجل وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وقال تبارك وتعالى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً وقال جل وعلا في تحريم(14/374)
التعريض له يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا الآية وذلك أن اليهود كانوا يقولون: راعنا يا محمد أي ارعنا سمعك واسمع منا ويعرضون بالكلمة يريدون الرعونة، فنهى اللَّه تعالى المؤمنين عن التشبه بهم، وقطع الذريعة بنهي المؤمنين عنها لئلا يتوصل بها الكافر والمنافق إلى شبه الاستهزاء به وقيل: بل لما فيها من مشاركة اللفظ لأنها عند اليهود بمعنى اسمع لا سمعت، وقيل: بل لما فيها من قلة الأدب وعدم توقير النبي صلى اللَّه عليه وسلم وتعظيمه لأنه في لغة الأنصار بمعني ارعنا نرعك، فنهوا عن ذلك مضمنه إذ أنهم لا يرعونه إلا برعايته لهم وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم واجب الرعاية بكل حال،
وهذا هو قول صلّى اللَّه عليه وسلّم قد أنهى عن التكني بكنيته فقال: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي،
صيانة لنفسه وحماية عن أذاه إذا كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم استجاب لرجل نادى: يا أبا القاسم، فقال لم أعنك إنما دعوت هذا فنهى صلّى اللَّه عليه وسلّم حينئذ عن التكني بكنيته لئلا يتأذى بإجابة دعوة غيره ممن لم يدعه، ويجد بذلك المنافقون والمستهزءون ذريعة إلى أذاه والإزراء به فينادونه، فإذا التفت قالوا: إنما أردنا هذا لسواه، تعنيتا له واستخفافا بحقه على عادة المجان والمستهزءين، فحمى صلّى اللَّه عليه وسلّم حمى أذاه بكل وجه فحمل محققو العلماء نهية عن هذا على مدة حياته وأجازوه بعد وفاته، لارتفاع العلة قال: وقد روى أنس ما يدل على كراهة التسمي باسمه وتنزيهه عن ذلك إذا لم يوقر فقال: يسمون أولادكم محمدا ثم تلعنوهم!! وروى أن عمر كتب إلى أهل الكوفة: لا يسمى أحد باسم الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم حكاه أبو جعفر الطبري.
وحكى محمد بن سعد أن عمر نظر إلى رجل اسمه محمد ورجل يسبه ويقول:
فعل اللَّه بك يا محمد وصنع، فقال عمر لابن أخيه محمد بن زيد بن الخطاب:
آلا أرى محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم يسب بك واللَّه لا تدعى محمدا ما دمت حيا وسماه عبد الرحمن، وأراد أن يمنع لهذا أن يسمى أحد بأسماء الأنبياء، إكراما بذلك وغير أسماءهم، وقال لا تسموا بأسماء الأنبياء، ثم أمسك، قال والصواب جواز هذا كله بعده صلّى اللَّه عليه وسلّم بدليل إطباق الصحابة على ذلك وقد سمى جماعة منهم ابنه محمدا وكناه بأبي القاسم.
قال: اعلم أن جميع من سبّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أو عابه أو ألحق به نقصا في نفسه أو(14/375)
نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرض أو شبّهه بشيء على طريق السب له أو الإزراء عليه أو التصغير بشأنه أو الغض منه، والعيب له، فهو ساب له والحكم فيه حكم الساب يقتل ولا يستثنى فصلا من فصول هذا الباب على هذا المقصد ولا يمترى فيه تصريحا كان أو تلويحا، وكذلك من لعنه أو دعا عليه أو تمنى مضرة له، أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر ومنكر من القول وزور أو غيره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه أو غمصة ببعض العوارض البشرية الجائزة المعهودة لديه، وهذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابة عنهم إلى هلم جرّا.
قال أبو بكر بن المنذر: أجمع عوام أهل العلم أن من سب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقتل وممن قال ذلك مالك بن أنس والليث، وأحمد، وإسحاق، وهو مذهب الشافعيّ رحمة اللَّه تبارك وتعالى عليهم، قال القاضي: هو مقتضى قول أبي بكر الصديق ولا تقبل توبته عند هؤلاء وبمثله قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وأهل الكوفة والأوزاعي في المسلمين لكنهم قالوا: هي ردة وروى مثله الوليد بن مسلم عن وحكى الطبري مثله عن أبى حنيفة وأصحابه فيمن ينقصه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو بريء منه أو كذبة. قال سحنون فيمن سبه: ذلك ردة كالزندقة ولعل هذا أوقع الخلاف في استتابته وتكفيره وهل قتله حد أو كفر لا يعلم خلافا في استباحة دمه بين علماء الأمصار وسلف الأمة وقد ذكر غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره وأشار بعض الظاهرية وهو أبو محمد على بن أحمد الفارسيّ إلى الخلاف في تكفير المستخف به والمعروف ما قدمناه.
قال محمد بن سحنون: أجمع العلماء أن شاتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المنتفص له كافر والوعيد جار عليه بعذاب اللَّه تعالى له، وحكمه عند الأمة القتل ومن شك في كفره وعذابه كفر.
احتج إبراهيم بن حسين بن خالد الفقيه في مثل هذا بقتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة
لقوله عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: صاحبكم.
قال أبو سليمان الخطابي: لا أعلم أحدا من المسلمين اختلف في قتله إذا كان مسلما.(14/376)
قال ابن القاسم عن مالك في (كتاب ابن سحنون) و (المبسوط) و (العتبية) : وحكاه مطرف عن مالك في (كتاب ابن حبيب) من سبّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من المسلمين قتل ولم يستتب قال أبو القاسم في (العتبية) : من سبه أو شتمه أو عابه أو تنقصه، فإنه يقتل وحكمة عند الأمة القتل كالزنديق، وقد فرض اللَّه تعالى توقيره وبره صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وفي (المبسوط) عن عثمان بن كنانة: من شتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من المسلمين قتل أو صلب حيا ولم يستتب، والإمام مخير في صلبه حيا أو قتله.
ومن رواية أبي المصعب وابن أبى أويس، سمعنا مالكا يقول: من سب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو شتمه أو عابه أو تنقصه قتل، مسلما كان أو كافرا، ولا يستتاب. وفي (كتاب محمد) : أخبرنا أصحاب مالك أنه قال: من سبّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أو غيره من البشر من مسلم أو كافرا قتل ولم يستتب.
وقال أصبغ: قتل على كل حال، أسر ذلك أو أظهره، ولا يستتاب، لأن توبته لا تعرف. وقال عبد اللَّه بن الحكم: من سب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من مسلم أو كافرا قتل ولم يستتب. وحكى الطبري مثله عن مالك.
وقال بعض علمائنا: أجمع العلماء على أن من دعي على نبي من الأنبياء بالويل أو بشيء من المكروه أنه يقتل بلا استتابة. وأفتى أبو الحسن القابسي فيمن قال في النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الحمال يتيم أبى طالب، بالقتل. وأفتى أبو محمد بن أبى زيد بقتل رجل سمع قوما يبكون يتذاكرون صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، إذ مرّ بهم رجل قبيح الوجه واللحية فقال لهم: تريدون تعرفون صفته؟ هي صفة هذا الماشي في خلقة ولحيته! قال: ولا تقبل توبته. وقد كذب لعنه اللَّه، وليس يخرج هذا من قلب سليم الإيمان. قال أحمد بن أبى سليمان صاحب سحنون:
من قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان أسود يقتل. وقال في رجل قيل له: لا وحقّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: فعل اللَّه برسول اللَّه كذا وذكر كلاما قبيحا فقيل له:
ما تقول يا عدو اللَّه؟ فقال: أشد من كلامه الأول، ثم قال: إنما أردت برسول اللَّه العقرب، فقال ابن أبى سليمان للذي سأله: أشهد عليه، وأنا شريكك، يريد في قتله وثواب ذلك.(14/377)
قال حبيب بن الربيع: لأن إعادة التأويل في لفظ صراح لا يقبل، لأنه امتهان وهو غير معزر لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا موقر له فوجب إباحة دمه.
وأفتى أبو عبد اللَّه بن عتاب في عشّار قال لرجل: أدّ واشتك إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: إن سألت أو جهلت فقد جهل، وسأل النبي بالقتل.
وأفتى فقهاء الأندلس بقتل ابن حاتم المتفقي الطليطلي وصلبه بما شهد عليه به من استخفافه بحق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وتسميته إياه أثناء مناظرته باليتيم، وختن حيدرة، وزعمه أن زهده لم يكن قصدا، ولو قدر على الطيبات أكلها، إلى أشباه لهذا، وأفتى فقهاء القيروان وأصحاب سحنون بقتل إبراهيم الفزاري، وكان شاعرا متفننا في كثير من العلوم وكان ممن يحضر مجلس القاضي أبى العباس ابن أبى طالب للمناظرة، فرفعت عليه أمور منكرة من هذا الباب في الاستهزاء باللَّه وأنبيائه ونبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم فأحضر له القاضي يحيى بن عمر وغيره من الفقهاء وأمر بقتله وصلبه فطعن بالسكين وصلب منكسا ثم أنزل وأحرق بالنار.
حكى بعض المؤرخين: أنه لما رفعت خشبته وزالت عنها الأيدي استدارت وحولته عن القبلة فكان آية للجميع، وكبرّ الناس، وجاء كلب فولغ في دمه،
فقال يحيى بن عمر: صدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر حديثا عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: لا يلغ الكلب في دم مسلم.
وقال القاضي أبو عبد اللَّه بن المرابط: من قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم هزم يستتاب، فإن تاب وإلا قتل لأنه ينتقصه. إذ لا يجوز ذلك عليه في خاصته صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ هو على بصيرة من أمره، ويعلن عن عصمته.
وقال حبيب بن ربيع القروي: مذهب مالك وأصحابه: أن من قال فيه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما فيه نقص قتل دون استتابة، وقال ابن عتاب: الكتاب والسنة موجبان أن من قصد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بأذى أو نقص معرضا أو مصرحا وإن قلّ فقتله واجب.
فهذا الباب كله مما عده العلماء سبا وتنقصا يجب قتل قائله، لم يختلفوا في ذلك، متقدمهم ولا متأخرهم، وإن اختلفوا في حكم قتله، وكذلك أقول:
حكم من غمصه أو غيره برعاية الغنم، أو السهو، أو النسيان، أو السحر، أو ما أصابه من جرح، أو هزيمة لبعض جيوشه، أو أذى من عدوه، أو شدة من زمنة أو بالميل إلى نسائه، فحكم هذا كله بمن قصد به نقصه، القتل.(14/378)
فصل في الحجة في إيجاب قتل من سبه أو عابه صلّى اللَّه عليه وسلّم
فمن القرآن لعنته تعالى لمؤذيه في الدنيا والآخرة. وقرانه تعالى أذاه بأذاه ولا خلاف في قتل من سب اللَّه تعالى وأن اللعن إنما يستوجبه من هو كافر، وحكم الكافر القتل، فقال تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً. [ (1) ]
وقال في قاتل المؤمن بمثل ذلك فمن لعنته في الدنيا القتل، قال اللَّه تعالى: مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا [ (2) ] .
وقال في المحاربين وذكر عقوبتهم: ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا [ (3) ] وقد يقع القتل بمعنى اللعن في الدنيا والآخرة ولأنه الفرق بين أذاهما وأذى المؤمنين في ما دون القتل من الضرب والنكال فكان حكم من يؤذى اللَّه تعالى ونبيه أشد من ذلك وهو القتل، وقال عز وجل: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (4) ] فسلب اسم الإيمان عمن وجد في صدره حرجا من قضائه ولم يسلم له، ومن تنقصه فقد ناقض هذا. وقال تبارك وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [ (5) ] ولا يحبط العمل إلا الكفر، والكافر يقتل.
قال تبارك وتعالى: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ [ (6) ] ثم قال: حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ [ (7) ] وقال عز وجل: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ [ (8) ] ثم قال: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [ (9) ] وقال جل وعلا: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ
[ (10) ] قال أهل التفسير: كفرتم بقولكم في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
__________
[ (1) ] الأحزاب: 57.
[ (2) ] الأحزاب: 61.
[ (3) ] المائدة: 33.
[ (4) ] النساء: 65.
[ (5) ] الحجرات: 2.
[ (6) ] المجادلة: 8.
[ (7) ] المجادلة: 58.
[ (8) ] التوبة: 61.
[ (9) ] التوبة: 61.
[ (10) ] التوبة: 61.(14/379)
وأما الإجماع فقد ذكرناه، وأما الآثار فقد ذكر حديث
من سبّ نبيا فاقتلوه،
وفي الحديث الصحيح: أمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتل كعب بن الأشرف،
وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: من لكعب بن الأشرف فإنه يؤذى اللَّه تعالى ورسوله،
ووجه إليه من قتله غيلة دون دعوة، بخلاف غيره من المشركين، وعلل بأذاه له، فدل أن قتله إياه لغير الإشراك، بل للأذى.
وكذلك قتل أبا رافع، قال البراء: وكان يؤذي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ويعيش عليه وكذلك أمره يوم الفتح بقتل ابن خطل وجاريتيه اللتين كانتا تغنيان في سبه صلّى اللَّه عليه وسلّم
وفي حديث آخر: أن رجلا كان يسبه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من يكفيني عدوى؟ فقال خالد: أنا فبعثه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقتله،
وكذلك أمر بقتل جماعة منهم ممن كان يؤذية من الكفار ويسبه كالنضر بن الحارث وعقبة بن أبى معيط، وعهد بقتل جماعة منهم قبل الفتح وبعده فقتلوا إلا من بادر بإسلامه قبل القدرة عليه.
وقد روى البزار عن ابن عباس قال: إن عقبة بن أبي معيط نادى: يا معشر قريش ما لي أقتل من بينكم صبرا، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: بكفرك وافترائك على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم،
وذكر عبد الرزاق أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم سبه رجل فقال: من يكفيني عدوي؟ فقال الزبير: أنا، فبارزه، فقتله الزبير.
وروي أيضا أن امرأة كانت تسبه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من يكفيني عدوي؟ فخرج إليها خالد بن الوليد فقتلها،
ويروى أن رجلا كذب على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فبعث علي والزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- إليه ليقتلاه، وروى ابن قانع أن رجلا جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال:
يا رسول اللَّه! سمعت أبى يقول فيك قولا قبيحا فقتلته، فلم يشق ذلك على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وبلغ المهاجر بن أبي أمية أمير اليمن لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن امرأة هناك في الردة غنت بسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقطع يدها ونزع ثنيتها، فبلغ أبا بكر ذلك فقال له: لولا ما فعلت لأمرتك بقتلها، لأن حد الأنبياء ليس يشبه الحدود.
وعن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: هجت امرأة من خطمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من لي بها؟ فقال رجل من قومها: أنا يا رسول اللَّه، فنهض فقتلها، فأخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: لا ينتطح فيها عنزان.(14/380)
وعن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن أعمى كانت له امرأة تسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيزجرها فلا تنزجر، فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فتشتمه فقتلها، وأعلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك فأهدر دمها. وذكر حديث أبي برزة الأسلميّ.
وقال القاضي أبو محمد بن نصر ولم يخالف عليه فاستدل الأئمة بهذا الحديث على قتل من أغضب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بكل ما أغضبه أو أذاه أو سبه.
ومن ذلك كتاب عمر بن عبد العزيز- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى عامله بالكوفة، وقد استشاره في قتل رجل سب عمر فكتب عمر: إنه لا يحل قتل امرئ يسب أحد من الناس إلا رجلا سب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فمن سبه فقد حل دمه.
وسأل الرشيد مالكا في رجل شتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر له أن فقهاء العراق أفتوه بجلده، فغضب مالك وقال: يا أمير المؤمنين! ما بقاء الأمة بعد شتم نبيها؟
من شتم الأنبياء قتل، ومن شتم أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جلد.
قال القاضي أبو الفضل: كذا وقع في هذه الحكاية رواها غير واحد من أصحاب مناقب مالك ومؤلفي أخباره، وغيرهم، ولا أدري من هؤلاء الفقهاء بالعراق الذين أفتوا الرشيد بما ذكر؟ فقد ذكرنا مذهب العراقيين بقتله ولعلهم ممن لم يشهر بعلم أو من لا يوثق بفتواه، أو يميل به هواه، أو يكون ما قاله يحمل على غير السب، فيكون الخلاف: هل هو سب أو غير سب؟ أو يكون رجع وتاب عن سبه فلم يقله لمالك على أصله، وإلا فالإجماع على قتل من سبه كما قدمناه.
ويدل على قتله من جهة النظر والاعتبار من سبه أو نقّصه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقد ظهرت علامة مرض قلبه، وبرهان سر طويته وكفره، ولهذا ما حكم عليه كثير من العلماء بالردة وهي رواية الشاميين عن مالك والأوزاعي، وقول الثوري وأبي حنيفة والكوفيين.
والقول الآخر: أنه دليل على الكفر فيقتل حدا، وإن لم يحكم له بالكفر إلا أن يكون متماديا على قوله غير منكر له، ولا يقلع عنه، فهذا كافر.(14/381)
وقوله إما صريح كفر كالتكذيب ونحوه، أو من كلمات الاستهزاء والذم فاعترافه بها، وترك توبته عنها دليل استحلاله لذلك وهو كفر أيضا، فهذا كافر بلا خلاف، قال تعالى في مثله: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ [ (1) ] قال أهل التفسير: هي قوله: إن كان ما يقول محمد حق لنحن شر من الحمير. وقيل بل قول بعضهم: ما مثلنا أو مثل محمد إلا قول القائل: سمن كلبك يأكلك لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [ (2) ] وقد قيل: إن قائل مثل هذا إن كان مستترا به فإن حكمه حكم الزنديق يقتل، ولأنه غير دينه،
وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم من غير دينه فاضربوا عنقه،
ولأن حكم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الحرمة مزية على أمته، وساب الحر من أمته يحد، فكانت العقوبة لمن سبه صلّى اللَّه عليه وسلّم القتل، لعظيم قدره، وشفوف منزلته على غيره.
فإن قلت: فلم لم يقتل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اليهودي الّذي قال له: السام عليكم؟
وهذا دعاء عليه، ولا قتل الآخر الّذي قال له: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه اللَّه، وقد تأذى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من ذلك؟ وقال: قد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر، ولا قتل المنافقين الذين كانوا يؤذونه في أكثر الأحيان؟
فاعلم وفقنا اللَّه وإياك أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان أول الإسلام يستألف عليه الناس، ويستميل قلوبهم إليه ويحبب إليهم الإيمان، ويزينه في قلوبهم، ويدارئهم ويقول لأصحابه: إنما بعثتم مبشرين ولم تبعثوا منفرين، ويقول: يسروا ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا ويقول: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يداري الكفار والمنافقين، ويجمل صحبتهم، ويفضي عنهم ويحتمل من أذاهم، ويصبر على جفائهم، ما لا يجوز لنا اليوم الصبر لهم عليه وكان يرفقهم بالعطاء والإحسان، وبذلك أمره اللَّه تعالى، فقال: وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [ (3) ] قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ
__________
[ (1) ] التوبة: 74.
[ (2) ] المنافقون: 8.
[ (3) ] المائدة: 13.(14/382)
عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [ (1) ] وذلك لحاجة الناس للتألف أول الإسلام، وجمع الكلمة عليه، فلما استقر، وأظهره اللَّه تعالى على الدين كله قتل من قدر عليه واشتهر أمره كفعله بابن خطل، ومن عهد بقتله يوم الفتح، ومن أمكنه قتله غلبة من يهود وغيرهم، أو غلبة ممن لم ينتظمه قبل سلك صحبته، والانخراط في جملة مظهر الإيمان به، ممن كان يؤذيه، كابن الأشراف وأبي رافع والنضر، وعقبة، وكذلك ندر دم جماعة سواهم، ككعب بن زهير، وابن الزبعري، وغيرهما ممن أذاه حتى ألقوا بأيدهم ولقوة مسلمين، وبواطن المنافقين مستترة، وحكمه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الظاهر، وأكثر تلك الكلمات إنما كان يقولها القائل منهم خفية، ومع أمثاله، ويحلفون عليها إذا نميت وينكرونها ويَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ [ (2) ] وكان مع هذا يطمع في فيئتهم ورجوعهم إلى الإسلام وتوبتهم فيصبر صلّى اللَّه عليه وسلّم على هناتهم وجفوتهم كما صبر أولو العزم من الرسل، وفاء كثير منهم باطنا وظاهرا وأخلص سرا كما أظهر جهرا ونفع اللَّه بعد بهم وقام منهم للدين، وزراء، وأعوان، وحماة، وأنصار، كما جاءت به الأخبار.
وبهذا أجاب بعض أئمتنا عن هذا السؤال، وقال: لعله لم يثبت عنده صلّى اللَّه عليه وسلّم من أقوالهم ما رفع، وإنما نقله الواحد، ومن لم يصل رتبة الشهادة في هذا الباب من صبي أو عبد أو امرأة، والدماء لا تستباح إلا بعدلين، وعلى هذا يحمل أمر اليهودي في السلام، وأنهم لووا به ألسنتهم ولم يبينوه، ألا ترى كيف نبهت عليه عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-؟ ولو كان صرح بذلك لم ينفرد بعلمه، ولهذا نبه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه على فعلهم، وقلة صدقهم في سلامهم، وخيانتهم في ذلك ليا بألسنتهم، وطعنا في الدين،
فقال: إن اليهود إذا سلّم أحدهم فإنما يقول: السام عليكم، فقولوا: وعليكم
وكذلك قال بعض أصحابنا البغداديين: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يقتل المنافقين بعلمه فيهم ولم يأت أنه قامت بينة على نفاقهم فلذلك تركهم، وأيضا فإن الأمر كان سرا وباطنا، وظاهرهم الإسلام والإيمان، وإن كان من أهل الذمة بالعهد والجوار
__________
[ (1) ] فصلت: 34.
[ (2) ] التوبة: 74.(14/383)
والناس قريب عهدهم بالإسلام لم يتميز بعد الخبيث من الطيب، وقد شاع عن المذكورين في العرب كون من يتهم بالنفاق من جملة المؤمنين، وصحابة سيد المرسلين، وأنصار الذين يحكم بظاهرهم، فلو قتلهم النبي صلى اللَّه عليه وسلم لنفاقهم وما يبدر منهم، وعلمه بما أسروا في أنفسهم، لما وجد المعاند ما يقول، ولا ارتاب الشارد، وأرجف المعاند، وارتاع من صحبة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، والدخول في الإسلام غير واحد ولزعم الزاعم وظن العدو الظالم أن القتل إنما كان للعداوة وطلب أخذ الترة، وقد رأيت معنا ما حررته منسوبا إلى مالك بن أنس، ولهذا
قال عليه الصلاة والسلام: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه،
وقال: أولئك الذين نهاني اللَّه تعالى عن قتلهم، وهذا بخلاف إجراء الأحكام الظاهرة عليهم من حدود الزنا، والقتل، وشبهه، لظهورها، واستواء الناس في علمها.
وقال القاضي أبو الحسن بن القصار: وقال قتادة في تفسير قوله تعالى:
لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا. مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا.
سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [ (1) ] قال: معناه إذا أظهروا النفاق.
وحكى محمد بن مسلمة في (المبسوط) عن زيد بن أسلم قال: إن قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ* [ (2) ] نسخها ما كان قبلها، وقال بعض مشايخنا: علل القائل: هذه قسمة ما أريد وجه اللَّه، وقوله:
اعدل، لم يفهم النبي صلى اللَّه عليه وسلم منه الطعن عليه، والتهمة له، وإنما رآها من وجه الغلط في الرأي، وأمور الدنيا، والاجتهاد، وفي مصالح أهلها، فلم ير ذلك سبا، ورأى أنه من الأذى الّذي كان له العفو عنه، والصبر عليه، فلذلك لم يعاقبه.
وكذلك يقال في اليهود إذا قالوا: السام عليكم، ليس في صريح سبّ ولا دعاء إلا بما لا بد منه من الموت الّذي لا بد من لحاقه جميع البشر. وقيل: بل المراد، تسأمون، دينكم والسآمة الملال، وهذا دعاء على سآمة الدين، ليس
__________
[ (1) ] الأحزاب: 60- 62.
[ (2) ] التحريم: 9.(14/384)
بصريح سب، وبهذا ترجم البخاري على هذا الحديث: باب إذا عرّض الذميّ أو غيره بسب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم.
وقال بعض علمائنا: ليس هذا بتعرض بالسب، وإنما هو تعرض بالأذى.
قال القاضي عياض: الأذى والسب في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم سواء، قال القاضي أبو محمد بن نصر مجيبا عن هذا الحديث ببعض ما تقدم، ثم قال ولم يذكر في الحديث هل كان هذا اليهودي من أهل العهد والذمة أو الحرب، ولا يترك موجب الأدلة المحتملة كله، والأظهر من هذه الوجوه مقصد الاستئلاف والمداراة على الدين، لعلهم يؤمنون.
ولذلك ترجم البخاري على حديث القسمة والخوارج باب: من ترك قتال الخوارج للتألف ولئلا ينفر الناس عنه، وقد صبر لهم صلّى اللَّه عليه وسلم على سحره، وسمه، وهو أعظم من سبه، إلى أن نصره اللَّه تعالى عليهم وأذن له في قتل من عينه منهم، وإنزالهم من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب، وكتب على من شاء منهم الجلاء، وأخرجهم من ديارهم، وخرب بيوتهم بأيديهم، وأيدي المؤمنين وكاشفهم بالسب فقال: يا إخوة القردة والخنازير، وحكم فيهم سيوف المسلمين، وأجلاهم من جوارهم، فإن قتله فقد جاء في الحديث الصحيح عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما انتقم لنفسه في شيء يؤثر إليه قط إلا أن تنتهك حرمة اللَّه فينتقم للَّه.
فاعلم أن هذه لا تقتضي أنه لم ينتقم ممن سبه أو آذاه وكذبه، وأن هذه من حرمات اللَّه التي انتقم لها، وإنما يكون ما لا ينتقم له فيما تعلق بسوء أدب أو معاملة من القول والفعل، بالنفس والمال، مما لم يقصد فاعله به أذاه، ولكن مما جبلت عليه الأعراب من الجفاء، والجهل، أو جبل عليه البشر من السفه، كجبذ الأعرابي بإزاره حتى أثر في عنقه، وكرفع صوت الآخر عنده، وكجحد الأعرابي في شرائه منه فرسه التي شهد فيها خزيمة بن ثابت وكما كان من تظاهر زوجيه عليه، وأشباه هذا مما يحسن الصفح عنه، أو يكون هذا مما أذاه به كافر، وجاء بعد ذلك إسلامه كعفوه عن اليهودي الّذي سحره، وعن اليهودية التي سمته، وعن الأعرابيّ الّذي أراد قتله.(14/385)
الوجه الثاني: لاحق به في البيان والجلاء، وهو أن يكون القائل، لما قال في جهته صلّى اللَّه عليه وسلّم غير قاصد للسب والإزراء، ولا معتقد له، ولكنه تكلم في جهته صلّى اللَّه عليه وسلّم بكلمة الكفر من لعنه، أو سبه، أو تكذيبه أو إضافة ما لا يجوز عليه، أو نفى ما يجب له مما هو في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم نقيصه، مثل أن ينسب إليه إتيان كبيرة أو مداهنة في تبليغ الرسالة، أو في حكم بين الناس، أو بعض من مرتبته، أو شرف نسبه، وفور علمه، أو يكذب بما استمر من أمور أخبر بها صلّى اللَّه عليه وسلّم وتواتر الخبر بها عنه قصد لرد خبره أو يأتى نسقه من القول، وقبيح من الكلام ونوع من السب في جهته، وإن ظهر بدليل حاله أنه لم يتعمد ولم يقصد سبه أو لجهالة جملته على ما قاله لضجر أو سكر اضطره إليه، أو قلة مراقبة، وضبط للسانه وعجرفة وتهور في كلامه، فحكم هذا الوجه حكم الوجه الأول: القتل دون تلعثم، إذ لا يعذر أحد في الكفر بالجهالة، ولا بدعوى زلل اللسان ولا بشيء مما ذكرناه إذا كان عقله في فطرته سليما إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [ (1) ] وبهذا أفتى الأندلسيون على ابن حاتم في نفيه الزهد عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي قدمناه.
وأفتى أبو الحسن القابسي في من شتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في سكره: يقتل لأنه يظن به أنه يعتقد هذا ويفعله في صحوة، وأيضا فإنه حد لا يسقطه السكر كالقذف، والقتل وسائر الحدود لأنه أدخله على نفسه، لأن من شرب الخمر على علم من زوال عقله بها وإتيان ما ينكر فهو كالعامد لما يكون بسبه، وعلى هذا ألزمناه الطلاق، والعتاق، والقصاص، والحدود، لا يعترض على هذا بحديث حمزة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقوله للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل أنتم إلا عبيد لأبي قال فعرف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه ثمل فانصرف، لأن الخمر كانت حينئذ غير محرمه، فلم يكن في جناياتها إثم، وكان حكم ما يحدث عنها معفوا عنه، كما يحدث من النوم، وشرب الدواء المأمون.
الوجه الثالث: أن يقصد إلى تكذيبه فيما قاله، وأتى به، أو ينفي نبوته أو رسالته، أو وجوده، أو يكفر به، انتقل بقوله ذلك إلى دين آخر غير ملته أم لا، فهذا كافر بإجماع يجب قتله، ثم ينظر، فإن كان مصرحا بذلك كان
__________
[ (1) ] النحل: 106.(14/386)
حكمت أشبه بحكم المرتد، وقوى الخلاف في استتابته وعلى القول الآخر لا يسقط القتل عنه بتوبته لحق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إن كان ذكره بنقيصة فيما قاله من كذب أو غيرة، وإن كان متسترا بذلك فحكمه حكم الزنديق لا يسقط قتله بالتوبة عندنا كما سنبينه.
قال ابن القاسم: دعا إلى ذلك: سرا أو جهرا. وقال أصبغ: وهو كالمرتد لأنه قد كفر بكتاب اللَّه مع الفرية على اللَّه، وقال أشهب في يهودي تنبأ أو زعم أنه أرسل إلى الناس، أو قال: بعد نبيكم نبي، إنه يستتاب إن كان معلنا بذلك فإن تاب وإلا قتل، وذلك لأنه مكذب للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فهو كافر جاحد، وقال: من كذب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان حكمه عند الأمة القتل، وقال أحمد بن أبى سليمان صاحب سحنون: من قال إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أسود، لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يكن صلّى اللَّه عليه وسلّم بأسود. وقال نحوه: أبو عثمان الحداد: قال: لو قتل لأن هذا نفى، وقال حبيب بن ربيع: تبديل صفته ومواضعه كفر والمظهر له كافر، وفيه الاستتابة الوجه الرابع: أن يأتى من الكلام بمجمل أو بلفظ من القول بمشكل يمكن حمله على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أو غيره، أو يتردد في المراد به من سلامته من المكروه أو شره. فهاهنا متردد النظر وحيرة العبر ومظنة اختلاف المجتهدين ووقعه استبراء المقلدين ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينه، فمنهم من غلب حرمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وحمى عرضه، فجسر على القتل، ومنهم من عظم حرمة الدم ودرء الحد بالشبهة لاحتمال القول، وقد اختلف أئمتنا في رجل أغضبه غريمه، فقال له: صل على النبي محمد فقال له الطالب: لا صلّى اللَّه على من صلّى عليه، فقيل لسحنون: هل هو كمن شتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ أو شتم الملائكة الذين يصلون عليه؟ قال: لا، إذا كان على ما وصفت من الغضب لأنه لم يكن مضمرا الشتم.
ذهب الحارث بن مسكين القاضي وغيره في مثل هذا إلى القتل، وتوقف أبو الحسن القابسي في قتل رجل قال: كل صاحب فندق قرنان ولو كان نبيا مرسلا! فأمر بشده بالقيود والتضييق عليه حتى يستفهم بالبينة من جملة ألفاظه وما يدل على مقصده، هل أراد أصحاب الفنادق الآن! فمعلوم أنه ليس(14/387)
فيهم نبي مرسل، فيكون أمره أخف، قال: ولكن ظاهر لفظه العموم لكل صاحب فندق من المتقدمين والمتأخرين، وقد كان فيمن تقدم من الأنبياء والرسل من اكتسب المال.
قال: ودم المسلم لا يقدم عليه إلا بأمر بين، وما ترد إليه التأويلات لا بد من إمعان النظر فيه، هذا معنى كلامه.
وحكى عن محمد بن أبي زيد فيمن قال: لعن اللَّه العرب، ولعن اللَّه بني إسرائيل، ولعن اللَّه بني آدم وذكر أنه لم يرد الأنبياء وإنما أراد الظالمين منهم، أن عليه الأدب بقدر اجتهاد السلطان، وكذلك أفتى فيمن قال: لعن اللَّه من حرم المسكر وقال: لم أعلم من حرمه وفيمن لعن، حديث لا يبيع حاضر لباد، ولعن من جاء به أنه إن كان يعذر بالجهل وعدم معرفة السنن، فعليه الأدب الوجيع وذلك أن هذا لم يقصد بظاهر حاله سب اللَّه، ولا سب رسوله، وإنما لعن من حرمه من الناس، على نحو فتوى سحنون وأصحابه في المسألة المتقدمة، ومثل هذا يجري في كلام سفهاء الناس، من قول بعضهم لبعض: يا ابن ألف خنزيرة، وابن مائة كلب، وشبهه من هجر القول، ولا شك أنه يدخل في مثل هذا العدد من آبائه وأجداده جماعة من الأنبياء، ولعل بعض هذا العدد منقطع إلى آدم عليه السلام فينبغي الزجر عنه ويتبين ما جهل قائله منه، وشدة الأدب فيه، ولو علم أنه قصد سب من في آبائه من الأنبياء على علم لقتل.
وقد يضيق القول في نحو هذا لو قال لرجل هاشمي «: لعن اللَّه بنى هاشم، وقال أردت الظالمين منهم، أو قال لرجل من ذرية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم تكن قرينة في المسألتين تقتضي تخصيص بعض آبائه، وإخراج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ممن سبه منهم، وقد كان اختلف شيوخنا فيمن قال لشاهد شهد عليه بشيء ثم قال: تتهمني، فقال له الآخر: الأنبياء يتهمون فكيف أنت؟ وكان شيخنا أبو إسحاق بن جعفر يرى قتله لبشاعة ظاهر اللفظ، وكان القاضي أبو محمد بن منصور يتوقف عن القتل لاحتمال اللفظ عنده، أن يكون خبرا عمن اتهمهم من الكفار، وأفتى فيها قاضي قرطبة أبو عبد اللَّه بن الحاج بنحو من هذا، وشدد القاضي أبو محمد تصفيده وأطال سجنه، ثم استخلفه بعد على تكذيب ما شهد به عليه أو دخل(14/388)
في شهادة بعض من شهد عليه، وشاهدت شيخنا القاضي أبا عبد اللَّه بن عيسى أيام قضائه، أتى برجل هاتر رجلا اسمه محمد، ثم قصد إلى كلب فضربه برجله، وقال له: قم يا محمد، فأنكر الرجل أن يكون قال ذلك وشهد عليه، ومن ثم أطلقه لفيف من الناس، فأمر به إلى السجن وتقصى عن حاله وهل يصحب من يستراب بدينه؟ فلما لم يجد ما يقوى الريبة باعتقاده، ضربه بالسوط وأطلقه.
الوجه الخامس: أن لا يقصد بقصد ولا يذكر عيبا ولا سبا ولكنه ينزع بذكر بعض أوصافه أو يستشهد ببعض أحواله صلّى اللَّه عليه وسلّم الجائزة عليه في الدنيا على طريق ضرب المثل، والحجة لنفسه أو لغيره، أو على التشبه به، أو عند هضيمة نالته، أو لغضاضة لحقته، لنفسه أو لغيره، أو على سبيل التمثيل، وعدم التوقير لنبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو قصد الهزل، والتنذير بقوله كقول القائل: إن قيل في السوء فقد قيل في النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، أو إن كذبت فقد كذب الأنبياء أو إن أذنبت فقد أذنبوا وأنا أسلم من ألسنة الناس لم يسلم منهم أنبياء اللَّه ورسوله، أو قد صبرت كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، أو كصبر أيوب، أو قد صبر نبي اللَّه عن عداه، وحلم عليّ أكثر مما صبرت، وكقول المتنبي:
أنا في أمة تداركها اللَّه ... غريب كصالح في ثمود
ونحوه من أشعار المتعجرفين في القول المتساهلين في الكلام، كقول المعري:
كنت موسى وافته بنت شعيب ... غير أن ليس فيكما فقير
على أن آخر البيت شديد، وداخل في باب الإزراء والتحقير بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وتفضيل حال غيره عليه.
وكذلك قوله:
لولا انقطاع الوحي بعد محمد ... قلنا محمد بأبيه بديل
هو مثله في الفضل إلا أنه ... لم يأته برسالة جبريل
فصدر البيت الثاني في هذا الفصل شديد، لتشبيه غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في فضله، والعجز محتمل لوجهين، أحدهما: أن هذه الفضيلة نقصت الممدوح، والآخر(14/389)
استغناؤه عنها، وهذه أشد ونحو منه قول الآخر:
وإذا ما رفعت راياتها ... صفقت بين جناحي جبرين
وقول الآخر من أهل العصر:
فر من الخلد واستجار بنا ... فصبر اللَّه قلب رضوان
كقول حسان المصيصي من شعراء الأندلس في محمد بن عباد المعروف بالمعتمد ووزيره أبي بكر بن زيدون:
كأن أبا بكر أبو بكر الرضى ... وحسان حسان وأنت محمد
إلى أمثال هذا.
وإنما أكثرنا بشاهدها مع استثقالنا حكايتها، لتعرف أمثلتها، ولتساهل كثير من الناس في ولوج هذا الباب الضنك، واستخفافهم فادح في هذا العبء وقلة علمهم بعظيم ما فيه من الوزر وكلامهم فيه بما ليس لهم به علم، وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ [ (1) ] ، لا سيما الشعراء، وأشدهم فيه تصريحا، وللسانه تسريحا، ابن هانئ الأندلسي [ (2) ] وأبي سليمان المغربي، بل قد خرج كثير من كلامهم إلى حد الاستخفاف، والنقص، وصريح الكفر.
قال: فإن هذه كلها، وإن لم تتضمن سبا ولا أضافت إلى الملائكة والأنبياء نقصا ولست أعنى عجزي بيتي المعري، ولا قصد قائلها إزراء وغضبا، فما وقر النبوة، ولا عظم الرسالة، ولا عزر حرمة الاصطفاء، ولا عزر حظوة الكرامة، حتى شبه من شبه في كرامة نالها، أو معرة قصد الانتفاء منها، أو ضرب مثل لتطييب مجلسه، أو إغلاء في وصف لتحسن كلامه بمن عظم اللَّه تعالى خطره، وشرف قدره، وألزم توقيره وبره، ونهى عن جهر القول له، ورفع الصوت عنده، فحق هذا إن دري عنه القتل، الأدب والسجن، وقوة تعزيره، بحسب شنعة مقاله، ومقتضى قبح ما نطق به، ومألوف عادته لمثله، أو ندوره، وقرينة كلامه، أو ندمه على ما سبق منه، ولم يزل المتقدمون ينكرون
__________
[ (1) ] النور: 15.
[ (2) ] هو أبو نواس.(14/390)
مثل هذا ممن جاء به، وقد أنكر الرشيد على أبي نواس قوله:
فإن يك باق سحر فرعون فيكم ... فإن عصا موسى بكف خصيب
قال له: يا بن اللخناء، أنت المستهزئ بعصا موسى؟ وأمر بإخراجه عن عسكره من ليلته.
وذكر القتبي: أن مما أخذ عليه أيضا أو كفر به أو قارب، قوله في محمد الأمين، تشبيهه إياه بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم حيث قال:
تنازع الأحمدان الشبه فاشتبها ... خلقا كما قد الشراكان
وقد أنكروا أيضا قوله:
كيف لا بد فيك من أمل ... من رسول من نفره
لأن حق الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم وموجب تعظيمه، وأناقة منزلته، أن يضاف إليه ولا يضاف، فالحكم في أمثال هذا ما بسطناه في طريق الفتيا على هذا المنهج جاءت فتيا إمام مذهبنا مالك بن أنس وأصحابه، ففي (النوادر) من رواية ابن أبي مريم عنه في رجل عيّر رجلا بالفقر، فقال: تعيرني بالفقر وقد رعى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الغنم؟ فقال مالك: قد عرض بذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في غير موضعه، أرى أن يؤدب، قال: ولا ينبغي لأهل الذنوب إذا عوتبوا أن يقولوا: قد أخطأت الأنبياء قبلنا.
وقال عمر بن عبد العزيز- رحمه اللَّه- لرجل: انظر لنا كاتبا يكون أبوه عربيا، فقال كاتب له: قد كان أبو النبي كافرا! فقال: جعلت هذا مثلا؟
فعزله وقال: لا تكتب لي أبدا، وقد كره سحنون أن يصلّى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عند التعجب إلا على طريق الثواب والاحتساب توقيرا له وتعظيما كما أمرنا اللَّه تعالى.
وسأل القابسيّ عن رجل قال لرجل قبيح: كأنه وجه نكير، ولرجل عبوس:
كأنه وجه مالك الغضبان! فقال أبي شيء أراد بهذا؟ ونكير أحد فتاني القبر، وهما ملكان، فما الّذي أراد؟ أروع دخل عليه حين رآه من وجهه؟ أم خاف النظر إليه لدمامة خلقه؟ قال: فإن قال هذا فهو شديد لأنه جرى مجرى(14/391)
التحقير والتهوين، فهو أشد عقوبة، وليس فيه تصريح بالسب للملك، وإنما السبّ واقع على المخاطب، وفي الأدب بالسوط والسجن نكال للسفهاء.
قال وأما ذكر مالك وخازن النار فقد جفا الّذي ذكره عند ما أنكر حاله من عبوس الآخر، إلا أن يكون المعبس له يد فمرهب الملك بعبسته، فيشبه القائل على طريق الذم لهذا في فعله ولزومه في ظلمه صفة لمالك الملك لربه في فعله، فيقول: كأنه للَّه يغضب مالك فيكون أخف، وما كان ينبغي له التعرض لمثل هذا، ولو كان أثنى على العبوس بعبسته، واحتج بصفة مالك كان أشد، ويعاقب المعاقبة الشديدة، وليس في هذا ذم للملك على قصد ذمه يقتل.
وقال أبو الحسن أيضا في شاب معروف بالخير، قال لرجل شيئا، فقال له:
اسكت فإنك أمي، فقال الشاب: أليس كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أميا؟ فشنع عليه مقاله، وكفره الناس، وأشفق الشاب مما قال، وأظهر الندم عليه، فقال أبو الحسن: أما إطلاق الكفر عليه فخطأ، لكنه مخطئ في استشهاده فصفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أميا آية له، وكون هذا أميا نقيصة فيه، وجهالة، ومن جهالته احتجاجه بصفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولكنه إذا استغفر وتاب واعترف ولجأ إلى اللَّه فيترك، لأن قوله لا ينتهى إلى حدّ القتل وما طريقه الأدب، فطوع فاعله بالندم عليه يوجب الكف عنه.
ونزلت أيضا مسألة استفتى فيها بعض قضاه الأندلس شيخنا القاضي أبا محمد بن منصور- رحمه اللَّه- في رجل تنقصه آخر بشيء فقال له: إنما تريد نقصي بقولك وأنا بشر، وجميع البشر يلحقهم النقص، حتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم! فأفتاه بإطالة سجنه وإيجاع أدبه، إذ لم يقصد السب، وكان بعض فقهاء الأندلس أفتى بقتله.
الوجه السادس: أن يقول القائل ذلك حاكيا عن غيره، وآثرا له عن سواه، فهذا ينظر في صورة حكايته، وقرينة مقالته، ويختلف الحكم باختلاف ذلك على أربعة وجوه: الوجوب، والندب، والكراهة، والتحريم، فإن كان أخبر به على وجه الشهادة، والتعريف بقائله، والإنكار والإعلام بقوله، والتنفير منه، والتجريح له: فهذا مما ينبغي امتثاله ويحمد فاعله.(14/392)
وكذلك إن حكاه في كتاب أو في مجلس على طريق الرد له والنقص على قائله، والفتيا بما يلزمه، وهذا منه ما يجب، ومنه ما يستحب، بحسب حالات الحاكي لذلك، والمحكي عنه، فإنه كان القائل لذلك ممن تصدى لأن يؤخذ عنه العلم، أو رواية الحديث، أو يقطع بحكمه، أو شهادته، أو فتياه في الحقوق، وجب على سامعه الإشادة بما سمع منه، والتنفير للناس عنه والشهادة عليه بما قاله، ووجب على من بلغه ذلك من أئمة المسلمين إنكاره وبيان كفره، وفساد قوله، لقطع ضرره عن المسلمين، وقياما بحق سيد المرسلين صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكذلك إن كان ممن يعظ العامة، أو يؤدب الصبيان، فإن من هذه سريرته لا يؤمن على إلقاء ذلك في قلوبهم، فيتأكد في هؤلاء الإيجاب لحق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ولحق شريعته.
وإن لم يكن القائل بهذه السبيل فالقيام بحق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واجب، وحماية عرضه متعين، ونصرته على الأذى حيا وميتا، مستحق على كل مؤمن، ولكنه إذا قام بهذا من ظهر به الحق وفصلت به القضية، وبان به الأمر، سقط عن الباقي الفرض، وبقي الاستحباب في تكثير الشهادة، والتحذير منه.
وقد أجمع السلف على بيان حال المتهم في الحديث، فكيف، بمثل هذا؟
وقد سئل أبو محمد بن أبي زيد عن الشاهد يسمع مثل هذا في حق اللَّه تعالى أيسعه أن يؤدي شهادته؟ قال: إن رجا نفاذ الحكم بشهادته فليشهد، وكذلك إن علم أن الحاكم لا يرى القتل بما يشهد به ويرى الاستتابة والأدب فليشهد، ويلزمه ذلك، وأما الإباحة لحكاية قوله لغير هذين المقصدين، فلا أرى لها مدخلا في هذا الباب، فليس التفكه بعرض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والتمضمض بسوء ذكره لأحد لا ذاكرا ولا آثرا لغير غرض شرعي بمباح، وأما للأغراض المتقدمة فمتردد بين الإيجاب والاستحباب، وقد حكى اللَّه تعالى مقالات المفترين عليه وعلى رسله في كتابه على وجه الإنكار لقولهم، والتحذير من كفرهم، والوعيد عليه، والرد عليهم بما تلاه اللَّه علينا في محكم كتابه، وكذلك وقع من أمثاله في أحاديث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الصحيحة على الوجوه المتقدمة، وأجمع السلف والخلف من أئمة الهدى على حكايات مقالات الكفرة والملحدين(14/393)
في كتبهم ومجالسهم، ليبيّنوها للناس، وينقضوا شبهها عليهم وإن كان ورد لأحمد بن حنبل رحمه اللَّه إنكار لبعض هذا على الحارث بن أسد، فقد صنع أحمد مثله في رده على الجهمية، والقائلين بالمخلوق، وهذه الوجوه السابقة الحكاية عنها، وأما ذكرها على هذا من حكاية سبه صلى اللَّه عليه وسلم والإزراء بمنصبه على وجه الحكايات والأسمار والطرف، وأحادث الناس، ومقالاتهم في الغث والسمين، ومضاحك المجان، ونوارد السخفاء، والخوض في قيل وقال: وما لا يعني، فكل هذا ممنوع وبعضه أشد في المنع والعقوبة من بعض، فما كان من قائله الحاكي له على غير قصد أو معرفة بمقدار ما حكاه أو يكن الكلام من البشاعة حيث هو ولم يظهر على حاكيه استحسانه واستصوابه، ونهى عن العودة إليه، وإن قوّم ببعض الأدب فهو مستوجب له، وإن كان لفظه من البشاعة حيث هو كان الأدب أشدّ.
وقد حكي أن رجلا سأل مالكا رحمه اللَّه عمن يقول: القرآن مخلوق، فقال مالك: كافر فاقتلوه، فقال إنما حكيته عن غيري. فقال مالك: إنما سمعناه منك، وهذا من مالك- رحمه اللَّه- على طريق الزجر والتغليظ بدليل أنه لم ينفذ قتله، وإن أتاهم هذا الحاكي فيما حكاه أنه اختلقه ونسبه إلى غيره، أو كانت تلك عادة له، أو ظهر استحسانه لذلك، أو كان مولعا بمثله، والاستخفاف له، أو التحفظ لمثله، وطلبه، ورواية أشعار هجوه صلى اللَّه عليه وسلم، وسبّه، فحكم هذا حكم الساب نفسه، يؤاخذ بقوله، ولا ينفعه نسبته إلى غيره، فيبادر بقتله، وتعجل إلى الهاوية أمه.
وقد قال أبو عبيد القاسم بن سلام في من حفظ شطر بيت مما هجي به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: فهو كفر، وقد ذكر بعض من ألف في الإجماع، إجماع المسلمين على تحريم رواية ما هجي به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وكتابته، وقراءته، وتركه متى وجد دون محو.
ورحم اللَّه أسلافنا المتقين المحرزين لدينهم، فقد أسقطوا من أحاديث المغازي والسير ما كان هذا سبيله، وتركوا روايته، إلا أشياء ذكروها يسيرة وغير مستبشعة على نحو الوجوه الأول، ليروا نقمة اللَّه من قائلها، وأخذه المفترى عليه بذنبه.(14/394)
الوجه التاسع: أن يذكر ما يجوز على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أو يختلف في جوازه عليه وما يطرأ من الأمور البشرية به، ويمكن إضافتها إليه، أو يذكر ما امتحن به وصبر في ذات اللَّه تعالى على شدته من مقاساة أعدائه، وأذاهم له ومعرفة ابتداء حاله وسيرته، وما لقيه من بؤس زمنه، ومر عليه من معاناة عيشه، كل ذلك على طريق الرواية ومذاكرة العلم ومعرفة ما صحت منه العصمة للأنبياء وما يجوز عليهم، فهذا من خرج عن هذه الفنون الستة، إذ ليس فيه غمص ولا نقص، ولا إزراء ولا استخفاف ولا في ظاهر اللافظ ولا في مقصد اللفظ، لكن يجب أن يكون الكلام فيه مع أهل العلم، وفهم طلبة الدين ممن يفهمون مقاصده، ويحققون فوائده ويجنب ذلك من عساه لا يفقه، أو يخشى به فتنته، فقد كره بعض السلف تعليم النساء سورة يوسف، لما انطوت عليه من تلك القصص، لضعف معرفتهن، ونقص عقولهنّ وإداركهن، فقد قال صلّى اللَّه عليه وسلّم مخبرا عن نفسه باستئجاره لرعاية الغنم في ابتداء حاله،
فقال: ما من نبي إلا وقد رعى الغنم.
وأخبرنا اللَّه تعالى بذلك عن موسى عليه السلام، وهذا لا غضاضة فيه جملة واحدة، لمن ذكره على وجهه، بخلاف من قصد به الغضاضة والتحقير بل كانت عادة جميع العرب ترى في ذلك للأنبياء حكمة بالغة، وتدريج للَّه تعالى إلى كرامته وتدريب برعايتها لسياسة أممهم من خليقته، بما سبق لهم من الكرامة في الأزل، ومتقدم العلم، وكذلك ذكر اللَّه تعالى يتمه وعيلته على طريق المنة عليه، والتعريف بكرامته له، فذكر الذاكر لها على وجه تعريف حاله والخبر عن مبتدئه، والتعجب من منح اللَّه تعالى قبله، وعظيم منته عنده، ليس فيه غضاضة بل فيه دلالة على نبوته، وصحة دعوته، إذ أظهره اللَّه تعالى بعد هذا على صناديد العرب ومن ناوأه من أشرافهم، شيئا فشيئا، ونمى أمره حتى قهرهم، وتمكن من ملك مقاليدهم، واستباحة ممالك كثير من الأمم غيرهم، بإظهار اللَّه، تعالى له، وتأييده بنصره وبالمؤمنين، وألف بين قلوبهم، وإمداده بالملائكة المسومين، ولهذا قال هرقل حين سأل أبا سفيان عنه: هل في آبائه من ملك؟ ثم قال: ولو كان في آبائه ملك لقلنا رجل يطلب ملك أبيه! وإذا آليتم من صفته وإحدى علاماته في الكتب المتقدمة، وأخبار الأمم(14/395)
السالفة، وكذا وقع ذكره في كتاب أرمياء، وبهذا وصفه ابن ذي يزن لعبد المطلب، وبحيرا لأبي طالب.
وكذلك إذا وصف بأنه أميّ كما وصفه اللَّه تعالى به، فهي مدحة له، وفضيلة ثابتة فيه، وقاعدة معجزته، إذ معجزته العظمى من القرآن العظيم إنما هي متعلقة بطريق المعارف والعلوم، مع ما منح صلّى اللَّه عليه وسلّم وفضل به من ذلك، ووجود مثل ذلك من رجل لم يقرأ، ولم يكتب ولم يدارس، ولا قن، ومقتضى العجب! ومنتهى العبر، ومعجزة البشر، وليس في ذلك نقيصه إذ المطلوب من الكتابة والقراءة والمعرفة إنما هي آله لها واسطة موصّلة إليها غير مرادة في نفسها فإذا حصلت الثمرة والمطلوب استغنى عن الواسطة والسّبب.
والأمية في غيره نقيصة، لأنها سبب الجهالة وعنوان الغباوة فسبحان من باين أمره من أمر غيره وجعل شرفه فيما فيه محطة سواه، وحياته فيما فيه هلاك من عداه، ففي شق قلبه وإخراج حشوته، كان تمام حياته، وغاية قوة نفسه، وثبات روعه، وهو فيمن سواه منتهى هلاكه وحتم موته وفنائه، وهلم جرّا، إلى سائر ما روي من أخباره وسيره وتقلّله من الدنيا من الملبس، والمطعم والمركب، وتواضعه، ومهنته نفسه في أموره. وخدمة بيته، زهدا ورغبة عن الدنيا، وتسوية بين حقيرها وخطيرها، لسرعة فناء أمورها، وتقلب أحوالها كل هذا من فضائله، ومآثره، وشرفه فمن أورد شيئا منها مورده، وقصد بها مقصده.
ورحم اللَّه مالكا، فلقد كره التحدث بمثل ذلك من الأحاديث الموهمة للتشبيه، والمشكلة المعنى، وقال: ما يدعو الناس إلى التحدث بمثل هذا؟ فقيل له: إن ابن عجلان يحدث بها، فقال: لم يكن من الفقهاء، ليت الناس وافقوه على ترك الحديث بها، وساعدوه على طيها، فأكثرها ليس تحته عمل، وقد حكى عن جماعة من السلف بل عنهم على الجملة أنهم كانوا يكرهون الكلام فيما ليس تحته عمل، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أوردها قوما عربا يفهمون كلام العرب على وجهه وتصرفاتهم في حقيقته، ومجازه، واستعارته، وبليغة وإيجازه، فلم تكن في حقهم مشكلة، ثم جاء من غلبت عليه العجمة وداخلته الأمية، فلا يكاد يفهم(14/396)
من مقاصد العرب إلا نصها وصريحها، ولا يتحقق إشاراتها إلى غرض الإيجاز، ووحيها وتبليغها، وتلويحها، فتفرقوا في تأويلها شذر مذر، من آمن منهم ومن كفر.
فأما ما لا يصح من هذه الأحاديث فواجب أن لا يذكر منها شيء في حق اللَّه تعالى ولا في حق أنبيائه، ولا يتحدث بها ولا يتكلف الكلام على معانيها، والصواب طرحها، وترك الشغل بها، إلا أن يذكر على وجه التعريف بأنها ضعيفة المفاد، واهية الإسناد، وقد أنكر الأشياخ على أبي بكر بن فورك تكلفه في مشكله الكلام على أحاديث ضعيفة موضوعة لا أصل لها، أو منقولة عن أهل الكتاب الذين يلبسون الحق بالباطل، كان يكفيه طرحها ويغنيه على الكلام عليها التنبيه على ضعفها، إذ المقصود بالكلام على مشكل ما فيها، أزال اللبس بها واجتثاثها من أصلها وطرحها، أكشف للبس، وأشفى للنفس.
قال: ومما يجب على المتكلم فيما يجوز على النبي وما لا يجوز والمذاكر أن يلتزم في كلامه عند ذكره صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر تلك الأحوال الواجبة من توقيره وتعظيمه، ويراقب حال لسانه، ولا يهمله وتظهر عليه علامات الأدب عند ذكره صلّى اللَّه عليه وسلّم فإذا ذكر ما قاساه من الشدائد ظهر عليه الإشفاق والغيظ على عدوه، ومودة الفداء للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم والنصرة له لو أمكنه، وإذا أخذ في أبواب العصمة وتكلم على مجاري أعماله وأقواله صلّى اللَّه عليه وسلّم، يجرى أحسن اللفظ، وأدب العبارة ما أمكنه، وهجر من العبارة ما يقبح كلفظة الجهل، والكذب، والمعصية.
فإذا تكلم في الأقوال قال: هل يجوز عليه الخلف في القول والإخبار بخلاف ما وقع سهوا أو غلطا؟ ونحوه من العبارة ويتجنب لفظه الكذب جملة واحدة، وإذا تكلم على العلم قال: هل يجوز أن لا يعلم إلا ما علم؟ وهل يمكن أن لا يكون عنده علم من بعض الأشياء حتى يوحى إليه؟ ولا يقول بجهل لقبح اللفظ وبشاعته، وإذا تكلم في الأفعال قال: هل يجوز منه المخالفة في بعض الأوامر والنواهي ومواقعة الصغائر؟ فهو أولى وأدب من قوله: هل يجوز أن يعصي أو يذنب؟ أيفعل كذا وكذا من أنواع المعاصي؟ فهذا من حق توقيره صلّى اللَّه عليه وسلّم وما يجب له من تعزيز وإعظام.(14/397)
قال: وإذا كان مثل هذا بين الناس مستعملا في آدابهم وحسن معاشرتهم وخطابهم ومطالبهم، فاستعماله في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم أوجب، والتزامه آكد، فجودة العبارة تفج الشيء أو تحسنه، وتحريرها وتهذيبها يعظم الأمر أو يهونه، ولهذا
قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن من البيان لسحرا.
فأما ما أورده على جهة النفي عنه والتنزيه فلا حرج في تسريح العبارة وتصريحها فيه، كقوله: لا يجوز عليه الكذب جملة ولا إتيان الكبائر بوجه، ولا الجور في الحكم على حال ولكن مع هذا يجب ظهور توقيره، وتعظيمه، وتعزيزه عند ذكره مجردا، فكيف عند ذكر مثل هذا؟
قال في حكم سابّه، وشانئه، ومنتقصه ومؤذيه: وعقوبته أن مشهور مذهب مالك وأصحابه وقول السلف وجمهور العلماء قبله حدا لا كفرا إن أظهر التوبة منه ولهذا لا يقبل عندهم توبته، لا تنفعه استقالته ولا فيأته فيه، وحكمه حكم الزنديق، ومسّر الكفر، وسواء كانت توبته على هذا بعد القدرة عليه، والشهادة على قوله، أو جاء تائبا من قبل نفسه، لأنه حد واجب لا تسقطه التوبة.
قال أبو الحسن القابسي: إذا أقر بالسب وتاب منه وأظهر التوبة قتل بالسب لأنه هو حده.
قال القاضي عياض: وهذا قول أصبغ، ومسألة سابّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أقوى، لا يتصور فيها الخلاف على الأصل لأنه حق متعلق للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ولأمته بسببه لا تسقطه التوبة كسائر حقوق الآدميين، والزنديق إذا تاب بعد القدرة عليه فعند مالك والليث وإسحاق وأحمد لا تقبل توبته، وعند الشافعيّ تقبل، واختلف فيه عن أبي حنيفة وأبي يوسف. وحكى ابن المنذر عن علي بن أبى طالب يستتاب، وقال محمد بن سحنون: ولم يزل القتل عن المسلم بالتوبة من سبه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لأنه لم ينتقل من دين إلى غيره، وإنما فعل شيئا حده عندنا القتل لا عفو فيه لأحد كالزنديق، لأنه لم ينتقل من ظاهر إلى ظاهر.
وقال القاضي أبو محمد بن نصر محتجا لسقوط اعتبار توبته: والفرق بينه وبين من سبّ اللَّه تعالى على مشهور القول باستتابته أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بشر،(14/398)
والبشر جنس تلحقهم المعرة إلا من أكرمه اللَّه تعالى بنبوته، والبارئ تعالى منزه عن جميع المعايب قطعا، وليس من جنس تلحق المعرة بجنسه، وليس سبه صلّى اللَّه عليه وسلّم كالارتداد المقبول فيه التوبة، لأن الارتداد معنى ينفرد به المرتد لا حق فيه لغيره من الآدميين، فقبلت توبته ومن سب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تعلق فيه حق لآدميّ فكان كالمرتد ويقتل حين ارتداده، أو يقذف، فإن توبته لا تسقط عنه حدّ القتل والقذف.
وأيضا فإن توبة المرتد إذا قبلت لا تسقط ذنوبه من زنا وسرقة وغيرها ولم يقتل سابّ النبي لكفره لكن لمن يرجع إلى تعظيم حرمته، وزوال المعرّة به، وذلك لا تسقطه التوبة.
قال القاضي عياض: يريد- واللَّه أعلم- أن سبّه لم يكن بكلمة تقتضي الكفر، ولكن بمعنى الإزراء أو الاستخفاف أو لأن بتوبته وإظهار إنابته ارتفع عنه اسم الكفر ظاهرا، واللَّه تعالى أعلم بسريرته، وبقي حكم السب عليه.
وقال أبو عمران القابسيّ: من سبّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم ارتد عن الإسلام قتل، ولم يستتب، لأن السبّ من حقوق الآدميين التي لا تسقط عن المرتد.
قال القاضي عياض: وكلام شيوخنا هؤلاء مبني على القول بقتله حدا لا كفرا وهو يحتاج إلى تفصيل، وأما على رواية الوليد بن مسلم، عن مالك ومن وافقه على ذلك ممن ذكرناه، وقال به من أهل العلم، فقد حرروا أنه ردة، قالوا: ويستتاب منها، فإن تاب نكل به، وإن أبى قتل، فحكم بحكم المرتد مطلقا في هذا الوجه الأول أشهر وأظهر لما قدمناه.
ونحن نبسط الكلام فيه فنقول: من لم يره ردة فهو يوجب القتل وفيه حدا، وإنما نقول ذلك مع فصلين، إما مع إنكاره ما شهد عليه به، أو إظهاره الإقلاع والتوبة عنه، فنقتله حدا لثبات كلمة الكفر عليه في حق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وتحقيره ما عظم اللَّه تعالى من حقه، وأجرينا حكمه في ميراثه وغير ذلك حكم الزنديق إذا ظهر عليه، وأنكر أو تاب.
فإن قيل: فكيف تثبتون عليه الكفر ويشهد عليه بكلمة الكفر ولا تحكمون(14/399)
عليه بحكمه من الاستتابة وتوابعها؟ قلنا: نحن وإن أثبتنا له حكم الكافر في القتل فلا يقطع عليه بذلك لإقراره بالتوحيد والنبوة، وإنكاره ما شهد به عليه أو زعمه أن ذلك كان منه ذهلا ومعصية، وأنه مقلع عن ذلك نادم عليه ولا يمتنع إثبات بعض أحكام الكفر على شخص وإن لم تثبت له خصائصه كقتل تارك الصلاة.
وأما من علم أنه سبه معتقدا لاستحلاله، فلا شك في كفره بذلك، وكذلك إن كان سبه في نفسه كفر كتكذيبه، أو تكفيره، ونحوه، فهذا مما لا إشكال فيه، ويقتل وإن تاب منه، لأنا لا نقبل توبته ونقتله بعد التوبة حدا، لقوله ومتقدم كفره، وأمره بعد إلى اللَّه تعالى المطلع على صحة إقلاعه، العالم بسره وكذلك من لم يظهر إلى التوبة واعترف بما شهد به عليه، وصمم عليه، فهذا كافر بقوله وباستحلاله، هتك حرمة اللَّه تعالى وحرمة نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقتل كافرا بلا خلاف، فعلى هذه التقصيلات يؤخذ كلام العلماء ونزل مختلف عبارتهم في الاحتجاج عليها وأخذ اختلافهم في الموارثة وغيرها على ترتيبها، يتضح لك مقاصدهم، إن شاء اللَّه تعالى.
حكى ابن القصار أنه إجماع من الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- على تصويب قول عمر في الاستتابة ولم ينكره واحد منهم، وهو قول عثمان، وعلي وابن مسعود، وبه قال عطاء بن أبي رباح، والنخعي، والثوري ومالك، وأصحابه والأوزاعيّ والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وذهب طاووس، وعبيد بن عمير، والحسن في إحدى الروايتين عنه، أنه لا يستتاب، وقاله عبد العزيز بن أبي شيبة، وذكره معاذ، وأنكر سحنون عن معاذ، وحكاه الطحاوي عن أبي يوسف، وهو قول أهل الظاهر.
قالوا: وتنفعه توبته عند اللَّه تعالى ولكن لا ندرأ القتل عنه
لقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: من بدل دينه: فاقتلوه،
وحكى أيضا عن عطاء أنه إن كان ممن ولد في الإسلام لم يستتب، ويستتاب الإسلامي، وجمهور العلماء على أن المرتد والمرتدة في ذلك سواء
روى عن عليّ لا تقتل المرتدة وتسترق،
وقال عطاء وقتادة، وروي عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-: لا تقتل النساء في الردة،(14/400)
وبه قال أبو حنيفة، وقال مالك: والحر والعبد والذكر والأنثى في ذلك سواء.
وأما مدتها: فمذهب الجمهور، وروى عن ابن عمر أنه يستتاب ثلاثة أيام يحبس فيها، وقد اختلف فيه عن عمر وهو أحد قولي الشافعيّ، وقول أحمد وإسحاق، واستحسنه مالك. وقال لا يأتي الاستظهار إلا بخير، وليس عليه جماعة الناس.
قال ابن أبي زيد: يزيد في الاستتابة ثلاثا، وقال مالك أيضا: الّذي آخذ به في المرتد قول ابن عمر يحبس ثلاثة أيام ويعرض عليه كل يوم فإن تاب وإلا قتل، وقال ابن القصار: في تأخيره ثلاثا روايتان عن مالك: هل ذلك واجب أو مستحب؟ واستحسن الاستتابة والاستيناء ثلاثا أصحاب الرأي، وروى عن أبي بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه استتاب امرأة فلم تتب فقتلها، وقال الشافعيّ مرة: إن لم يتب مكانه وإلا قتل، واستحسنه المزني وقال الزهري: يدعى إلى الإسلام ثلاث مرات، فإن أبى قتل،
وروى عن علي: يستتاب شهرين،
وقال النخعي: يستتاب أبدا وبه أخذ الثوري ما رجيت توبته، وحكى ابن القصار عن أبي حنيفة أنه يستتاب ثلاث مرات، فإن أبى ضربت عنقه، واختلف على هذا، هل يهدد أو يشدد عليه أيام الاستتابة ليتوب أم لا؟
فقال مالك: ما علمت في الاستتابة تجويعا ولا تعطيشا ويؤتى من الطعام بما لا يضره.
قال أصبغ: وأي المواضع حبس فيها من السجون مع الناس أو وحده إذا استوثق منه سواء، ويوقف ماله إذا أخيف أن يتلفه على المسلمين ويطعم منه ويسقى، وكذلك يستتاب أبدا كلما رجع وارتد. وهو قول الشافعيّ وأحمد.
وقاله ابن القاسم، وقال إسحاق: يقتل في الرابعة. وقال أصحاب الرأي: وإن لم يتب في الرابعة قتل دون استتابة، وإن تاب ضرب ضربا وجيعا. ولم يخرج من السجن حتى يظهر عليه خشوع التوبة.
قال ابن المنذر: ولا نعلم أحدا أوجب على المرتد في المرة الأولى أدبا إذا رجع وهو على مذهب مالك والشافعيّ والكوفي.(14/401)
قال القاضي عياض: هذا، وحكم من ثبت عليه بما شهد عليه ذلك بما يجب ثبوته من إقرار أو عدول لم يدفع منهم فأما من لم تتم الشهادة عليه بما شهد عليه الواحد أو اللفيف من الناس، أو ثبت قوله، لكن احتمل ولم يكن صريحا وكذلك إن من تاب على القول بقبول توبته، فهذا يدرأ عنه القتل، ويتسلط عليه اجتهاد الإمام بقدر شهرة حاله، وقوة الشهادة عليه وضعفها، وكره السماع عنه، وصورة حاله من التهمة في الدين والتميز بالسفه والمجون، فمن قوى أمره أذاقه من شديد النكال من التضييق في السجن، والشد في القيود، إلى الغاية التي منتهى طاقته، مما لا يمنعه القيام لضرورته ولا يقعده عن صلاته، وهو حكم كل من وجب عليه القتل.
قال القابسي في مثل هذا: ومن كان أقصى أمره القتل فعاق عائق أشكل في القتل لم ينبغ أن يطلق من السجن ويستطال سجنه، ولو كان فيه من المدة ما عسى أن يقيم، ويحمل عليه من القيد ما يطيق، وقال في مثلها مما أشكل أمره، فشد في القيود شدا ويضيق عليه في السجن حتى ينظر فيما يجب عليه فقال في مسأله أخرى مثلهما: ولا يهراق الدم إلا بالأمر الواضح، وفي الأدب بالسوط، والسجن، نكال للسفهاء، ويعاقب عقوبة شديدة فأما إن لم يشهد عليه سوى شاهدين، فأثبت من عدولهما أو جرحهما، ما أسقطهما عنه، ولم يسمع ذلك من غيرهما، فأمره أخف، لسقوط الحكم عنه، وكأنه لم يشهد عليه إلا أن يكون ممن يليق به ذلك ويكون الشاهدان من أهل التبريز فأسقطهما بعداوة فهو وإن لم ينفذ الحكم عليه بشهادتهما، فلا يدفع الظن صدقها، للحاكم هنا في تنكيله موضع اجتهاد، واللَّه ولى الإرشاد.(14/402)
فصل في حكم الذميّ إذا صرح بسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أو عرّض أو استخفّ بقدره
قال القاضي عياض: أما الذمّيّ إذ صرّح بسبّه أو عرض أو استخف بقدره، أو وصفه صلّى اللَّه عليه وسلّم بغير الوجه الّذي كفر به فلا خلاف عندنا في قتله إن لم يسلم، لأنا لم نعطه العهد على هذا، وهو قول عامة العلماء إلا أبا حنيفة، والثوري، وأتباعهما من أهل الكوفة، فإنّهم قالوا: لا يقتل لأن ما هو عليه من الشرك أعظم، ولكن يؤدب ويعذر.
واستدل بعض شيوخنا على قتله بقوله تعالى: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ [ (1) ] .
ويستدل أيضا بقتل النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم لابن الأشرف وأشباهه، ولأنا لم نعاهدهم ولم نعطهم الذمة على هذا ولا يجوز لنا أن نفعل ذلك معهم، فإذا أتوا ما لم يعطوا عليه العهد ولا الذمة، فقد نقضوا ذمتهم، وصاروا كفارا أهل حرب يقتلون لكفرهم.
وأيضا فإن ذمتهم لا تسقط، حدود الإسلام عنهم، من القطع في سرقة أموالهم والقتل لمن قتلوه منهم وإن كان ذلك حلالا عندهم فكذلك سبهم للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم يقتلون به وردت لأصحابنا ظواهر تقتضي الخلاف إذا ذكره الذمي بالوجه الّذي كفر به ستقف عليها من كلام ابن القاسم وابن سحنون بعد.
وحكى أبو المصعب الخلاف فيها عن أصحابه المدنيين، واختلفوا إذا سبه ثم أسلم فقيل: يسقط إسلامه قتله، لأن الإسلام يجب ما قبله، بخلاف المسلم إذا سبه ثم تاب لأنا نعلم باطنه الكافر في بغضه له، وتنقصه بقلبه، لكنا منعناه من إظهاره، فلم يزدنا ما أظهر إلا مخالفة للأمر ونقضا للعهد، فإذا
__________
[ (1) ] التوبة: 12.(14/403)
رجع عن ذنبه الأول إلى الإسلام سقط ما قبله. قال اللَّه تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ [ (1) ] والمسلم بخلافه إذ كان ظننا بباطنه حكم بظاهره وخلاف ما بدا منه الآن، فلم يقبل بعد رجوعه، ولا استنمنا الي باطنه إذ قد بدت سرائره وما ثبت عليه من الأحكام باقية عليه لم يسقطها شيء.
وقيل: لا يسقط إسلام الذمي الساب قتله لأنه حق للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وجب عليه لانتهاكه حرمته وقصده إلحاق النقيصة والمعرة به فلم يكن رجوعه إلي الإسلام بالذي يسقطه كما وجب عليه من حقوق المسلمين من قبل إسلامه من قتل وقذف، وإذا كنا لا نقبل توبة المسلم فإن لا نقبل توبة الكافر أولي.
قال مالك في كتاب ابن حبيب (المبسوط) وابن القاسم وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ فيمن شتم نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم من أهل الذمة أو أحدا من الأنبياء عليهم السلام: قتل إلا أن يسلم وقاله ابن القاسم في (العتبية) وعند محمد وابن سحنون وقال سحنون وأصبغ: لا يقال له أسلم ولا تسلم ولكن إن أسلم فذلك له توبة. وفي كتاب محمد أخبرنا أصحاب مالك أنه قال: من سب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو غيره من النبيين من مسلم أو كافر قتل ولم يستتب وروي لنا عن مالك: إلا أن يسلم الكافر. وقد روى ابن وهب عن ابن عمر أن راهبا تناول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال ابن عمر: فهلا قتلتموه؟ وروى عيسى عن ابن القاسم في ذميّ قال: إن محمدا لم يرسل إلينا إنما أرسل إليكم وإنما نبينا موسى أو عيسى ونحو هذا لا شيء عليهم لأن اللَّه تعالى أقرهم على مثله.
وأما إن سبه فقال: ليس بنبي، أو لم يرسل أو لم ينزل عليه قرآن وإنما هو شيء تقوله أو نحو هذا فيقتل. قال ابن القاسم: وإذا قال النصراني ديننا خير من دينكم إنما دينكم دين الحمير ونحو هذا من القبيح، أو سمع المؤذن يقول:
أشهد أن محمد رسول اللَّه فقال: كذلك يعطيكم اللَّه، ففي هذا الأدب الموجع والسجن الطويل.
قال: وأما إن شتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شتما يعرف فإنه يقتل إلا أن يسلم، قاله مالك غير مرة، ولم يقل: يستتاب.
__________
[ (1) ] الأنفال: 38.(14/404)
قال ابن القاسم: ومحمل قوله عندي إن أسلم طائعا. وقال ابن سحنون في سؤالات سليمان بن سالم في اليهودي يقول للمؤذن إذا تشهد: كذبت، يعاقب العقوبة الموجعة مع السجن الطويل.
وفي (النوادر) من رواية سحنون عنه: من شتم الأنبياء من اليهود والنصارى بغير الوجه الّذي به كفروا ضربت عنقه إلا أن يسلم. قال محمد بن سحنون: فإن قيل: لم قتلت في سب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ومن دينه سبه وتكذيبه؟
قيل: لأنا لم نعطهم العهد على ذلك، ولا علي قتلنا، وأخذ أموالنا، فإذا قتل واحدا منا قتلناه، وإن كان من دينه استحلاله فكذلك إظهاره لسب نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم.
قال سحنون: كمال بذل لنا أهل الحرب الجزية على إقرارهم على سبه لم يجز لنا ذلك في قول قائل، كذلك ينتقض عهد من سب منهم، ويحل لنا دمه، وكما لم يحصن الإسلام من سبه من القتل كذلك لا تحصنه الذمة.
قال القاضي أبو الفضل: ما ذكره ابن سحنون عن نفسه وعن أبيه مخالف لقول ابن القاسم فيما خفف عقوبتهم فيه مما به كفروا فتأمله ويدل على أنه خلاف ما روى عن المدنيين في ذلك، فحكى أبو المصعب الزهري قال: أتيت بنصرانيّ قال: والّذي اصطفي عيسى على محمد فاختلف عليه فيه فضربته حتى قتلته أو عاش يوما وليلة وأمرت من جرّ برجله، وطرح علي مزبلة فأكلته الكلاب.
وسئل أبو المصعب عن نصرانيّ قال: عيسى خلق محمدا فقال: يقتل وقال ابن القاسم: سألنا مالكا عن نصراني بمصر شهد عليه أنه قال: مسكين محمد! يخبركم أنه في الجنة! ما له لم ينفع نفسه؟ إذ كانت الكلاب تأكل ساقيه؟ لو قتلوه استراح منه الناس. قال مالك: أري أن تضرب عنقه، قال ولقد كدت أن لا أتكلم فيها بشيء، ثم رأيت أنه لا يسعني الصمت.
قال ابن كنانة في (المبسوطة) : من شتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من اليهود والنصارى فأري للإمام أن يحرقه بالنار وإن شاء قتله، ثم حرق جثته، وإن شاء أحرقه بالنار حيا إذا تهافتوا في سبه.
ولقد كتب إلي مالك من مصر وذكروا مسألة ابن القاسم المتقدمة قال:(14/405)
فأمرني مالك فكتبت بأن يقتل وتضرب عنقه، فكتبت، ثم قلت: يا أبا عبد اللَّه واكتب: ثم يحرق بالنار، فقال: إنه لحقيق بذلك، وما أولاده به كتبته بيدي بين يديه فما أنكره ولا عابه ونفذت الصحيفة بذلك، فقتل وحرق.
وأفتي عبيد اللَّه بن يحيي وابن لبابة في جماعة من سلف أصحابنا الأندلسيين بقتل نصرانية استهلت بنفي الربوبية ونبوة عيسى للَّه وتكذيب محمد في النبوة وبقبول إسلامها ودرء القتل عنها به، قال غير واحد من المتأخرين منهم القابسي وابن الكاتب وقال أبو القاسم بن الجلاب في كتابه:
من سب اللَّه ورسوله من مسلم أو كافر قتل ولا يستتاب.
وحكي القاضي أبو محمد في الذمي يسب ثم يسلم روايتين في درء، القتل عنه بإسلامه، وقال ابن سحنون: وحد القذف وشبهه من حقوق العباد لا يسقطه عن الذمي إسلامه وانما يسقط عنه بإسلامه حدود اللَّه، فأما حد القذف فحق للعباد كان ذلك لنبي أو غيره، فأوجب على الذميّ إذا قذف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم أسلم حد القذف ولكن انظر ماذا يجب عليه، هل حد القذف في حق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو القتل لزيادة حرمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على غيره؟ أم هل يسقط القتل بإسلامه ويحد ثمانين؟ فتأمله.
فصل في ميراث من قتل في سب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وغسله والصلاة عليه
اختلف العلماء في ميراث من قتل بسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فذهب سحنون إلي أنه لجماعة المسلمين من قبل أن شتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كفر يشبه كفر الزنديق.
وقال أصبغ: ميراثه لورثته من المسلمين ان كان مستسرا بذلك. وإن كان مظهرا له مستهلا به، فميراثه للمسلمين، ويقتل على كل حال ولا يستتاب.
قال أبو الحسن القابسي: إن قتل وهو منكر للشهادة عليه فالحكم في ميراثه على ما أظهر من إقراره يعني لورثته والقتل حد ثبت عليه ليس من الميراث في شيء وكذلك لو أقر بالسب وأظهر التوبة لقتل إذ هو حده وحكمه في ميراثه،(14/406)
وسائر أحكامه حكم الإسلام، ولو أقر بالسب وتمادى عليه وأبى التوبة منه فقتل على ذلك كان كافرا، وميراثه للمسلمين، ولا يغسل، ولا يصلّى عليه، ولا يكفن وتستر عورته ويوارى كما يفعل بالكفار.
وقول الشيخ أبى الحسن في المجاهر المتمادي بين لا يمكن الخلاف فيه لأنه كافر، مرتد، غير تائب، ولا مقلع، وهو مثل قول أصبغ وكذلك في كتاب ابن سحنون في الزنديق: يتمادى على قوله، ومثله لابن القاسم في (العتبية) ولجماعة من أصحاب مالك في كتاب ابن حبيب فيمن أعلن كفره مثله قال ابن القاسم: وحكمه حكم المرتد، لا ترثه ورثته من المسلمين، ولا من أهل الدين الّذي ارتد إليه، ولا يجوز وصاياه، ولا عتقه، وقاله أصبغ، قبل ذلك أو مات عليه.
وقال أبو محمد بن أبى زيد وإنما يختلف في ميراث الزنديق الّذي يستهل بالتوبة فلا تقبل منه، فأما المتمادي فلا خلاف أنه لا يورث.
وقال أبو محمد فيمن سب اللَّه تعالى ثم مات ولم تعدل عليه بينة أو لم تقبل إنه يصلّى عليه وروى أصبغ عن ابن القاسم في كتاب ابن حبيب فيمن كذب برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو أعلن دينا مما يفارق به الإسلام إن ميراثه للمسلمين وقال بقول مالك إن ميراث المرتد للمسلمين ولا ترثه ورثته ربيعة والشافعيّ وأبو ثور وابن ليلى واختلف فيه عن أحمد.
وقال على بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وابن مسعود، وابن المسيب، والحسن، والشعبي، وعمر بن عبد العزيز، والحكم والأوزاعي، والليث وإسحق، وأبو حنيفة: يرث ورثته من المسلمين.
وقيل: ذلك فيما كسبه قبل ارتداده، وما كسبه في الارتداد فللمسلمين.
وتفصيل أبي الحسن في باقي جوابه حسن بين، وهو على رأى أصبغ، وخلاف قول سحنون، واختلافهما على قولي مالك في ميراث الزنديق، فمرة ورثه ورثته من المسلمين قامت عليه بذلك بينة فأنكرها، أو اعترف بذلك وأظهر التوبة، وقاله أصبغ، ومحمد بن مسلمة، وغير واحد من أصحابه لأنه مظهر للإسلام بإنكاره أو توبته، وحكمه حكم المنافقين الذين كانوا على عهد(14/407)
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وروى ابن نافع عنه في (العتبية) وكتاب محمد أن ميراثه لجماعة المسلمين لأن ماله تبع لدمه، وقال به أيضا جماعة من أصحابه. وقاله أشهب، والمغيرة، وعبد الملك، ومحمد، وسحنون، وذهب ابن قاسم في (العتبية) إلي أنه إن اعترف بما شهد عليه به وتاب فقتل فلا يورث، وإن لم يقر حتى مات أو قتل ورث. قال: وكذلك كل من أسرّ كفرا فإنّهم يتوارثون بوراثة الإسلام، وسئل أبو القاسم بن الكاتب عن النصراني يسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيقتل، هل يرثه أهل دينه أم المسلمون؟ فأجاب: إنه للمسلمين ليس على جهة الميراث لأنه لا توارث بين أهل ملتين، ولكن لأنه من فيئهم لنقضه العهد. هذا معنى قوله واختصاره.
فصل في حكم من سب اللَّه تعالى وملائكته وأنبياءه وكتبه وآل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأزواجه وصحبه
قال القاضي عياض: لا خلاف أن سابّ اللَّه تعالى من المسلمين كافر، حلال الدم، واختلف في استتابته، فقال ابن القاسم في المبسوط. وفي كتاب ابن سحنون ومحمد ورواها ابن القاسم عن مالك في كتاب إسحاق بن يحي: من سب اللَّه تعالى من المسلمين قتل ولم يستتب الا أن يكون افتراء على اللَّه بارتداده إلى دين دان به وأظهره فيستتاب وإن لم يظهره لم يستتب.
وقال في (المبسوطة) مطرف وعبد الملك مثله وقال المخزومي ومحمد بن مسلمة وابن أبي حازم لا يقتل المسلم بالسب حتى يستتاب وكذلك اليهودي والنصراني فإن تابوا قبل منهم وإن لم يتوبوا قتلوا، ولا بد من الاستتابة وذلك كله كالردة وهو الّذي حكاه القاضي ابن نصر عن المذهب. وأفتي أبو محمد بن أبي زيد فيما حكي عنه في رجل لعن رجلا ولعن اللَّه، فقال: إنما أردت أن ألعن الشيطان فزل لساني فقال: يقتل بظاهر كفره ولا يقبل عذره، وأما فيما بينه وبين اللَّه تعالى فمعذور، واختلف فقهاء قرطبة في مسألة هارون بن حبيب(14/408)
أخي عبد الملك الفقيه، وكان ضيق الصدر كثير التبرم، وكان قد شهد عليه بشهادات منها أنه قال استقلاله من مرض: لقيت في مرضي هذا ما لو قتلت أبا بكر وعمر لم أستوجب هذا كله، فأفتى إبراهيم بن حسين بن خالد بقتله وإن ضمّن قوله تجوير للَّه تعالى وتظلم منه والتعريض فيه كالتصريح.
وأفتى أخوه عبد الملك بن حبيب وإبراهيم بن حسين بن عاصم وسعيد بن سليمان القاضي بطرح القتل عنه إلا أن القاضي رأى عليه التثقيل في الحبس والشدة في الأدب لاحتمال كلامه وصرفه إلي التشكي، فوجه من قال في ساب اللَّه بالاستتابة أنه كفر وردة محضة، لم يتعلق بها حق لغير اللَّه فأشبه قصد الكفر بغير سب اللَّه، وإظهار الانتقال إلى دين آخر من الأديان المخالفة للإسلام.
ووجه ترك استتباته أنه لما ظهر منه ذلك بعد إظهار الإسلام قبل اتهمناه وظننا أن لسانه لم ينطق به إلا وهو معتقد له إذ لا يتساهل في هذا أحد فحكم له بحكم الزنديق ولم تقبل توبته، وإذا انتقل من دين إلي دين آخر وأظهر السب بمعنى الارتداد فهذا قد أعلم أنه خلع ربقة الإسلام من عنقه بخلاف الأول المستمسك به، وحكم هذا حكم المرتد يستتاب علي مشهور مذاهب أكثر العلماء، وهو مذهب مالك وأصحابه، على ما بيناه قبل وذكرنا الخلاف في فصوله.
وأما من أضاف إلي اللَّه تعالى ما لا يليق به ليس علي طريق السب ولا الردة وقصد الكفر ولكن على طريق التأويل والاجتهاد والخطأ المفضي إلى الهوى ولبدعة من تشبيه أو نعت بجارحة أو نفي صفة كمال فهذا مما اختلف السلف والخلف في تكفير قائله ومعتقده.
واختلف قول مالك وأصحابه في ذلك ولم يختلفوا في قتالهم إذا تحيزوا فئة وأنهم يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا وإنما اختلفوا في المنفرد منهم فأكثر قول مالك وأصحابه ترك القول بتكفيرهم وترك قتلهم والمبالغة في عقوبتهم وإطالة سجنهم حتى يظر إقلاعهم وتستبين توبتهم كما فعل عمر رضي اللَّه عنه بصبيغ. وهذا قول محمد بن المواز في الخوارج وعبد الملك بن الماجشون وقول سحنون في جميع أهل الأهواء وبه فسر قول مالك في الموطأ وما رواه عن عمر(14/409)
ابن عبد العزيز وجده وعمه من قولهم. في القدرية يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا، وقال عيسى بن القاسم في أهل الأهواء من الإباضية والقدرية وشبههم ممن خالف الجماعة من أهل البدع والتحريف لتأويل كتاب اللَّه: يستتابون أظهروا ذلك أو أسروه، فإن تابوا وإلا قتلوا وميراثهم لورثتهم.
وقال مثله أيضا ابن القاسم في كتاب محمد في أهل القدر وغيرهم قال:
واستتابتهم أن يقال لهم اتركوا ما أنتم عليه ومثله في المبسوط في الإباضية والقدرية وسائر أهل البدع قال: وهم مسلمون، وإنما قتلوا لرأيهم السوء وبهذا عمل عمر بن عبد العزيز.
قال ابن القاسم: من قال إن اللَّه لم يكلم موسى تكليما استتيب، فإن تاب وإلا قتل، وابن حبيب وغيره من أصحابنا يرى تكفيرهم وتكفير أمثالهم من الخوارج والقدرية والمرجئة. وقد روي أيضا عن سحنون مثله فيمن قال:
ليس للَّه كلام، أنه كافر، واختلفت الروايات عن مالك فأطلق في رواية الشاميين أبي مسهر ومروان بن محمد الطاطري الكفر عليهم وقد شوور في زواج القدري فقال: لا تزوجه، قال اللَّه تعالي: وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وروي عنه أيضا: أهل الأهواء كلهم كفار: وقال: من وصف شيئا من ذات اللَّه تعالى وأشار إلي شيء من جسده يد أو سمع أو بصر قطع ذلك منه، شبه اللَّه بنفسه.
وقال فيمن قال: القرآن مخلوق فاقتلوه، وقال أيضا في رواية ابن نافع:
يجلد ويوجع ضربا ويحبس حتى يتوب، وفي رواية بشر بن بكر التنيسي عنه يقتل ولا تقبل توبته.
قال القاضي أبو عبد اللَّه البرنكاني والقاضي أبو عبد اللَّه التستري من أئمة العراقيين: جوابه مختلف، قتل المستبصر الداعية وعلى هذا الخلاف اختلف قوله في إعادة الصلاة خلفهم، وحكي ابن المنذر عن الشافعيّ:
لا يستتاب القدريّ، وأكثر أقوال السلف تكفيرهم، وممن قال به الليث وابن عيينة وابن لهيعة، وروي عنهم ذلك فيمن قال بخلق القرآن، وقال ابن المبارك والأودي ووكيع وحفص بن غياث وأبو إسحاق الفزاري وهشيم وعلي بن عاصم في آخرين وهو من قول أكثر المحدثين والفقهاء والمتكلمين فيهم.(14/410)
فصل في ذكر مرض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ووفاته
خرج مسلم من حديث يزيد عن أبى بردة، عن أبي موسى- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن اللَّه عز وجل إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطا وسلفا بين يديها، وإذا أراد هلكة أمة عذبها ونبيها حي، فأهلكها وهو ينظر فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره، ذكره في المناقب.
وقال المعتمر بن سليمان، عن أبيه سليمان في كتاب (مغازي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم) ثم قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعني من حجة الوداع فأقام بقية ذي الحجة والمحرم واثنين وعشرين ليلة من صفر ثم مرض مرضه الّذي توفي فيه وبدأ وجعه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند وليدة له يقال لها ريحانة كانت من سبي اليهود وكان أول يوم مرض فيه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم السبت اشتد به وجعه يومه وليلته ثم أصبح فأذن المؤذن بالصلاة ثم ثوب فلما رأى المسلمون أن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يخرج أمروا مؤذنا فدخل عليه فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شديد الوصب
فقال الصلاة يا رسول اللَّه فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا أستطيع الصلاة خارجا، وسأله من على الباب فأخبره من كان عليه فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مر عمر بن الخطاب فليصل بالناس.
فخرج بلال المؤذن وهو يبكي فقال له المسلمون: ما وراءك يا بلال؟
فقال إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يستطيع الصلاة خارجا فبكى بكاء شديدا وقال. لعمر ابن الخطاب إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأمرك أن تصلي بالناس، قال: ما كنت لأتقدم بين يدي أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأبدا فادخل على نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره أن أبا بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وبالذي قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعم ما رأى مر أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فليصل بالناس
فخرج إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأمره فصلّى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالناس ثمانية أيام واشتد برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجعه في تلك الأيام فدخل عليه العباس بن عبد المطلب عمه- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- وقد أغمي عليه فقال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لأزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وسلّم لو لددتنه! قلن:
إنا لا نجترئ على ذلك وأخذ العباس- رضي اللَّه تبارك(14/411)
وتعالى عنه- فلده.
فأفاق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من لدني؟ فقد أقسمت ليلدن إلا أن يكون العباس فإنكم لددتمونى وأنا صائم، قلن: إن العباس هو لدك، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم وما حملكم على اللدود وما خفتن علي؟ قالوا: خفنا عليك ذات الجنب، قال: إن اللَّه تعالى لم يكن ليسلطه علي فيجاف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من وجعه ذلك يومه، فخرج من العدد هو اليوم العاشر الّذي مات فيه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلّى بالناس صلاة الغداة ورأى المؤمنون أنه قد برأ ففرحوا به فرحا شديدا ثم جلس في مصلاه يحدثهم ويقول: لعن اللَّه أقواما اتخذوا قبورهم مساجدهم يعني اليهود والنصارى
وحدثهم حتى أضحى ثم أقام صلّى اللَّه عليه وسلم إلى بيته فلم يتفرق الناس من مجلسهم حتى سمعوا صياح النساء وهن يقلن الماء الماء، ترين أنه قد غشي قلبه، وابتدر المسلمون الباب فسبقهم العباس صلّى اللَّه عليه وسلّم فدخل وأغلق الباب دونهم فلم يلبث إلى أن خرج إلى الناس فنعى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لهم نفسه فقالوا: يا عباس ما أدراك منه؟
قال: أدركته وهو يقول جلال ربي الرفيع قد بلغت، ثم قضي، فكان هذا آخر شيء تكلم به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكانت وفاته صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول لتمام عشر سنين من مقدمه المدينة فقال رجل من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كيف يموت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يظهر على الدين؟ إنما أغمي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأتوا الباب فقالوا: لا تدفنوه فإنه حي، فخرج العباس صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أيها الناس هل عند أحد منكم عهد من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في شأن وفاته؟
قالوا: قال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أحمد اللَّه أنا أشهد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد ذاق الموت ولقد أخبره اللَّه تعالى بذلك وهو بين أظهركم فقال:
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [ (1) ] .
فعرف الناس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد توفي فخلوا بينه وبين أهله فغسلوه وكفنوه فقال بعضهم: ادفنوه عند المقام في مصلاه فقال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: إنما عهدكم برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل أن يموت بساعة وهو يقول:
__________
[ (1) ] الزمر: 30.(14/412)
لعن اللَّه قوما اتخذوا قبورهم مساجدا
وإنما ذكر ذلك لكم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لكيلا تدفنوه في مصلاه، فقالوا: فيدفن إذا بالبقيع، قال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لعمر: واللَّه لا ندفنه بالبقيع قالوا: لم؟ قال لأنه لا يزال عبدا وأمره يعود إلى بيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتأتيه سيدة فتحتجه قالوا: فأين ندفنه قال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: حيث نزع اللَّه عز وجل نفسه، ففعلوا فلما فرغوا من غسله وتكفينه وضعوه حيث توفى، فصلّى الناس عليه يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ودفن الأربعاء، وكانت صلاة الناس عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم بغير إمام فبدأ المهاجرون فجعلوا يدخلون البيت ما وسع منهم فيصلون عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم ويستغفرون له بغير إمام ثم يخرجون ويدخل آخرون فيفعلون مثل ذلك فلما فرغ المهاجرون دخلت الأنصار ففعلوا مثل ما فعل المهاجرون، ثم نساء المهاجرين ثم نساء الأنصار بعد، ولما أخذوا في دفنه صاحت الأنصار وقالوا: اجعل لنا نصيبا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند موته فإنا قد كنا منه بمنزلة في حياته، ففعلوا فأدخلوا أوس بن خولي من الأنصار من بني الحبلي فكان فيمن دفن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
قال المعتمر بن سليمان سمعت أبى يقول ما لا أحصي: ما أعلم بعد القرآن كتابا أصح من هذه السيرة واللَّه تعالى أعلم.
ذكر سيف بن عمر التميمي في كتاب (الردة) عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- قال: قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لسبع بقين من ذي الحجة أو ثمان فوجد صداعا يوم قدم وفترة وقدم عليه في أول يومه ذلك خلع من البحرين من ربيعة وقدم وافدهم في أثره بالسلم فوافق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد ندب الناس إليهم فوضع البعث وأمضى عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى عثمان إلى صفر بن الجليدى يدعوه فمضى عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- دعوة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من ذلك الصداع وتلك الفترة لأيام بقين من ذي الحجة وكان المتحلل من الشعر.
عن الشعبي عن نفر من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قالوا: قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرجعه من حجته فتخلل به السير فما زال مجلوطا حتى استقر به الوجع وقام به خطيبا(14/413)
في آخر يوم من ذي الحجة فقال: ألا ما تتركوا في جزيرة العرب دينين، انبذوا إلى كل ذي دين خالف الإسلام أن يخرجوا من جزيرة العرب: ألا لعن اللَّه الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ويتخذون آبارهن معاطن، إن أهل الكتاب خالفوا أنبيائهم واتخذوا قبورهم مساجد، وآبارهم معاطن فلا تضلوا عن سنتي به.
ذكر نعي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وإنذاره بذلك قبل موته عليه السلام
اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما أنزل اللَّه تعالى عليه إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [ (1) ] كانت علامة لاقتراب، أجله وعارضه جبريل عليه الصلاة والسلام بالقرآن في ذلك العام مرتين فكانت علامة أخرى لأجله وخيره اللَّه تعالى بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، فكانت علامة أخرى لآخر أجله، إلى غير ذلك.
فأما نزول إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ
فخرج البخاري في غزوة الفتح [ (2) ] من طريق موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن أبى بشر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان عمر
__________
[ (1) ] النصر: 1.
[ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 953، باب (4) قوله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً تواب على العباد، والتواب من الناس التائب من الذنب، حديث رقم (4970) هو كلام الفراء في موضعين.
قوله: «كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر» أي من شهد بدرا من المهاجرين والأنصار، وكانت عادة عمر إذا جلس للناس أن يدخلوا عليه على قدر منازلهم في السابقة، وكان ربما أدخل مع أهل المدينة من ليس منهم إذا كان فيه مزية تجبر ما فاته من ذلك.
قوله: (فكأن بعضهم وجد) أي غضب. ولفظ (وجد) الماضي يستعمل بالاشتراك بمعنى الغضب والحب والغنى واللقاء، سواء كان الّذي يلقى ضالة أو مطلوبا أو إنسانا أو غير ذلك.
قوله: (لم تدخل هذا معنا، ولنا أبناء مثله) ؟ ولابن سعد من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير (كان أناس من المهاجرين وجدوا على عمر في إدنائه ابن عباس) وفي تاريخ محمد ابن عثمان بن أبي شيبة من طريق عاصم بن كليب عن أبيه نحوه وزاد (وكان عمر أمره أن لا يتكلم حتى يتكلموا، فسألهم عن شيء فلم يجيبوا، وأجابه ابن عباس، فقال عمر: أعجزتم أن تكونوا مثل هذا الغلام؟ ثم قال: إني كنت نهيتك أن تتكلم.(14/414)
__________
[ () ] على العباد، والتواب من الناس التائب من الذنب، حديث رقم (4970) هو كلام الفراء في موضعين.
قوله: «كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر» أي من شهد بدرا من المهاجرين والأنصار، وكانت عادة عمر إذا جلس للناس أن يدخلوا عليه على قدر منازلهم في السابقة، وكان ربما أدخل مع أهل المدينة من ليس منهم إذا كان فيه مزية تجبر ما فاته من ذلك.
قوله: «فكأن بعضهم وجد» أي غضب. ولفظ «وجد» الماضي يستعمل بالاشتراك بمعنى الغضب والحب والغنى واللقاء، سواء كان الّذي يلقى ضالة أو مطلوبا أو إنسانا أو غير ذلك.
قوله: «لم تدخل هذا معا، ولنا أبناء مثله» ؟ ولابن سعد من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير «كان أناس من المهاجرين وجدوا على عمر في إدنائه ابن عباس» وفي تاريخ محمد بن عثمان بن أبي شيبة من طريق عاصم بن كليب عن أبيه نحوه وزاد «كان عمر أمره أن لا يتكلم حتى يتكلموا، فسألهم عن شيء فلم يجيبوا. وأجابه ابن عباس، فقال عمر: أعجزتم أن تكونوا مثل هذا الغلام؟ ثم قال: إني كنت نهيتك أن تتكلم، فتكلم الآن معهم «وو هذا القائل الّذي عبر هنا بقوله: «بعضهم» هو عبد الرحمن بن عوف الزهري أحد العشرة كما وقع مصرحا به عند المصنف في علامات النبوة من طريق شعبة عن أبي شعبة عن أبي بشر بهذا الإسناد كان عمر يدني ابن عباس، فقال له عبد الرحمن بن عوف: إن لنا أبناء مثله، وأراد بقوله: «مثله» أي في مثل سنه، لا في مثل فضله وقرابته من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ولكن لا أعرف لعبد الرحمن بن عوف ولدا في مثل سن ابن عباس، فإن أكبر أولاده محمد وبه كان يكنى، لكنه مات صغيرا وأدرك عمر من أولاده إبراهيم بن عبد الرحمن، ويقال: إنه ولد في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إن كان كذلك لم يدرك من الحياة النبويّة إلا سنة أو سنتين. لأن أباه تزوج أمه بعد فتح مكة فهو أصغر من ابن عباس بأكثر من عشر سنين، فلعله أراد بالمثلية غير السن، أو أراد بقوله: «لنا» من كان له ولد في مثل سن ابن عباس من البدريين إذ ذلك غير المتكلم.
قوله: «فقال: إنه من حيث علمتم» . في غزوة الفتح من هذا الوجه بلفظ إنه أنتم علمتم «وفي رواية شعبه» إنه من حيث نعلم» وأشار بذلك إلى قرابته من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أو إلى معرفته وفطنته.
وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: قال المهاجرون العمر: ألا تدعو أبناءنا كما تدعو ابن عباس؟ قال: ذلكم فتى الكهول، إن له لسانا سئولا وقلبا عقولا.
وأخرج الخرائطي في (مكارم الأخلاق) من طريق الشعبي، والزبير بن بكار من طريق عطاء بن يسار قالا: قال العباس لابنه: إن هذا الرجل يعني عمر- يدنيك، فلا تفشين له سرا، ولا تغتابن عنده أحدا، ولا يسمع منك كذبا. وفي رواية عطاء بدل الثالثة: «ولا تبتدئه بشيء حتى يسألك عنه» .
قوله: «فدعا ذات يوم فأدخله معهم» في رواية للكشميهني «فدعاه» ، وفي غزوة الفتح: «فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم» .
قوله: «فما رئيت» بضم الراء وكسر الهمزة، وفي غزوة الفتح من رواية المستملي:
«فما أريته» بتقديم الهمزة والمعني واحد.(14/415)
يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه من حديث علمتم، فدعا ذات يوم فأدخله معهم، فما رئيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم. قال: ما تقولون في قوله اللَّه تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد اللَّه ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا. فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس.
__________
[ () ] قوله: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ زاد في غزوة الفتح (فتح مكة) .
قوله: (وذلك علامة أجلك) ف] رواية ابن سعد (فهو آيتك في الموت) وفي الباب الّذي قبله:
(أجل أو مثل ضرب لمحمد، نعيت إليه نفسه) ووهم عطاء بن السائب
فروى هذا الحديث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت إذا جاء نصر اللَّه والفتح قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعيت إلي نفسي) أخرجه بن مردويه من طريقه،
والصواب رواية حبيب بن ثابت التي في الباب الّذي قبله بلفظ (نعيت إليه نفسه) وللطبراني من طريق عكرمة عن ابن عباس قال:
(لما نزلت إذا جاء نصر اللَّه والفتح ونعيت إلي نفسه) فأخذ بأشد ما كان قط اجتهادا في أمر الآخرة) ، ولأحمد من طريق أبي رزين عن ابن عباس قال: (لما نزلت علم أن نعيت إليه نفسه) ولأبي يعلي من حديث ابن عمر (نزلت هذه السورة في أوسط أيام التشريق في حجة الوداع، فعرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه الوداع) . وسئلت عن قول الكشاف: إن سورة النصر نزلت في حجة الوداع أيام التشريق، فكيف صدرت بإذا الدالة على الاستقبال؟، فأجبت بضعف ما نقله، وعلى تقدير صحته فالشروط لم يكتمل بالفتح، لان مجيء الناس أفواجا لم يكن كمل، فبقية الشرط مستقبل. وقد أورد الطيبي السؤال وأجاب بجوابين: أحدهما: أن (إذ) قد ترد بمعنى (إذا) كما في قوله تعالى: (وإذا رأوا تجارة) الآية.
ثانيهما: أن كلام اللَّه قديم، وفي كل من الجوابين نظر لا يخفى.
قوله: (إلا ما تقول) في غزوة الفتح (إلا ما تعلم) زاد أحمد وسعيد بن منصور في روايتهما عن هشيم عن أبي بشر في هذا الحديث في أخره (فقال عمر: كيف تلومونني على حب ما ترون) ووقع في رواية ابن سعد أنه سألهم حينئذ عن ليلة القدر، وذكر جواب ابن عباس واستنباطه وتصويب عمر قوله، وقد تقدمت لابن عباس مع عمر قصة أخرى في أواخر سورة البقرة، لكن أجابوا فيها بقولهم: اللَّه أعلم، فقال عمر: قولوا: نعلم أو لا نعلم، فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء، الحديث. وفيه فضيلة ظاهرة لابن عباس وتأثير لإجابة دعوة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يعلمه اللَّه التأويل ويفقهه في الدين، كما تقدم في كتاب العلم. وفيه جواز تحديث المرء عن نفسه بمثل هذا لإظهار نعمة اللَّه عليه، وإعلام من لا يعرف قدره لينزله منزلته، وغير ذلك من المقاصد الصالحة، لا للمفاخرة والمباهاة وفيه جواز تأويل(14/416)
وخرج البيهقي من طريق عباد بن العوام، عن هلال بن حباب، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما نزلت:
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فقال: إنه قد نعيت إلي نفسي. فبكت، ثم ضحكت، قالت:
وأخبرني أنه نعي إليه نفسه فبكيت، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم لي: اصبري فإنك أول أهلي لحاقا بي فضحكت [ (1) ]
وقال سيف بن عمر: حدثنا محمد بن عون عن يحيى بن معمر الوسقي، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: أنزل اللَّه عز وجل علي نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فنعى إليه نفسه فيها، والفتح فتح مكة والنصر على العرب قاطبة ورأينا الناس يدخلون في دين اللَّه أفواجا وذلك أن الهجرة انقطعت إلى المدينة بعد الفتح، وكانت القبيلة بأسرها تسلم ويقيم مكانها وكان دخولهم قبل ذلك الرجل بعد الرجل والعدة بعد ولاتهم فنقلت فإذا كان ذلك فسبح وأكثروا حمد اللَّه تعالى واستغفروه للأموات من أمتك والأحياء إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً لمن تاب منهم، ففعل صلوات اللَّه وسلامه عليه فأكثروا
قال حدثني عطية بن الحارث عن أبي أيوب، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يكثر الدعاء للأحياء والأموات ويكثر الاستغفار للأموات ولا سيما من استشهد قبل الفتح حتى إذا حج حجة التمام، فهي حجة الإسلام، زادني ذلك وعرف أن الأمر قد أظله، فكان في ذلك
__________
[ () ] القرآن بما يفهم من الإشارات، وإنما يتمكن من ذلك من رسخت قدمه في العلم،
ولهذا قال علي رضي اللَّه تعالى عنه: أو فهما يؤتيه اللَّه رجلا في القرآن.
(3) (المرجع السابق) : 6/ 779، باب (25) عاملات النبوة في الإسلام- حديث رقم (3627) وأخرجه أيضا في كتاب المغازي باب (52) بدون ترجمة حديث رقم (4294) ، وباب (84) مرض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ووفاته، حديث رقم (4430) .
(4) (سبق تخريجه) .
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 167.(14/417)
منصرفه من حجته كالرجل الّذي ينذر الغارة ويقول: اسم اسم صبحتم أو مسيتم ويأتي البقيع كل خميس ويستغفر لأهله.
وقال سيف عن عطية عن الضحاك. عن ابن عبّاس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: كان اللَّه عز وجل قد عهد إلى نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه متوفيه على حين فراغة من الّذي نعته به، وأمره أن ينعي إلى أمته نفسه بعزته لكيلا يفتتنوا من بعده فقرأ عليهم إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وقص عليهم رؤيا رآها أن القمر ولي إليه ثم رفع وقال لهم غداة عرفات: إني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا. وعن محمد بن كريب، عن أمية، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قد نعى لنا نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نفسه مرارا لو علمنا عنه، فكره أن يفجعنا فلم نعرف ما ذاك حتى كان من أمره حين أنزل اللَّه تعالى عليه إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وحين قال: إني رأيت بأن القمر ولي لي بامرأتين فركبته ثم رفعت إلي السماء حين قال: إني لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا أبدا
وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم على المنبر: إن عبدا خيره اللَّه تعالى أن يكون ملكا مخلدا في الدنيا ما بقيت، ثم الجنة وبين ما عنده. فاختار ما عند اللَّه عزّ وجلّ.
وقال سيف: عن الوليد بن عبد اللَّه عن أبيه، عن ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: آخر من بعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الملوك عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- منصرفه من حجته وكان كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذلك آخر حجة أصبح بها علي من يليه إلي من وراءه حتى يجاز عليه فتمت حجة اللَّه وكمل الدين فأوضح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شأن موته عند تكامل الأحكام فأدرج الأمور إدراجا وما ندري لم ذلك حتى وقع الأمر.
وخرج البيهقي من طريق راشد بن سعد، عن عاصم بن حميد السكونيّ أن معاذ بن جبل صلّى اللَّه عليه وسلّم راكب ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يمشي تحت راحلته، فلما فرغ، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري. فبكى معاذ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: البكاء أو إن البكاء من الشيطان [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 404- 405، وفي (الأصل) : فإن البكاء من الشيطان، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 6/ 311، حديث رقم (921549) ، حديث معاذ بن جبل.(14/418)
وأما نعيه نفسه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى ابنته فاطمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها بأنه عارضه جبريل عليه الصلاة والسلام القرآن مرتين
فخرج البخاري في علامات النبوة في الإسلام من طريق زكريا، عن فراس الشعبي، عن مسروق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قال أقبلت فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرحبا يا ابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسر إليها حديثا فبكت فقال لها: لا تبكين؟ ثم أسر إليها حديثا فضحكت، فقالت ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن: فسألتها عما قال فقالت- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: ما كنت لأفشي سر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى قبض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسألتها فقالت اسر إلي أن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضي العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي وأنك أول أهل بيتي لحاقا بى، فبكيت. فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة! أو نساء المؤمنين فضحكت لذلك [ (1) ] وخرجه مسلم من حديث زكريا عن فراس بنحوه أو قريب منه [ (2) ] وأخرجاه من حديث أبي عوانة، عن فراس، عن عامر عن مسروق قال: حدثتني عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: إنا أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عنده لم يغادر منهن واحدة فأقبلت فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- تمشي ما تخطىء مشيتها من مشية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا.
وقال البخاري لا واللَّه ما تخطئ مشيتها من مشية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما رآها رحب بها فقال: مرحبا يا بنيتي، ثم أجلسها عن يمينه أو شماله، ثم سارها فبكت بكاء شديدا فلما رأى جزعها سارها الثانية فضحكت فقلت لها: خصك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من بين نسائه بالسرار،
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 778، كتاب المناقب، باب (25) عاملات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3623) ، (3624) ، (3625) ، (3626) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 239- 240، كتاب فضائل الصحابة، باب (15) فضائل فاطمة بنت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حديث رقم (99) .(14/419)
ثم أنت تبكين، فلما قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سألتها: ما قال لك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قالت:
ما كنت أفشي على رسول صلّى اللَّه عليه وسلّم سرّه قالت: فلما توفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قلت؟
لها عزمت عليك بمالي عليك من الحق لما حدثتني ما قال لك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: أما الآن فنعم: أما حين سارني في المرة الأولى فأخبرني أن جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة، وإنه عارضه الآن مرتين. وقال البخاري: وإنه قد عارضني به العام مرتين وإني لا أري الأجل إلا قد اقترب فاتقى اللَّه تعالى واصبري فإنه نعم السلف أنا لك، قالت: فبكيت بكائي الّذي رأيت، فلما رأي جزعي سارني في الثانية فقال: صلّى اللَّه عليه وسلّم يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة؟ قالت- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: فضحكت ضحكي الّذي رأيت [ (1) ] .
أخّر عند البخاري: هذه الأمة، وقال فيه: فقلت لها أيّا من نسائه خصك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالسر بيننا ثم أتيت تبكين؟ وقال فيه مسلم: في كل سنة مرة أو مرتين.
وخرجه النسائي [ (2) ] وقال فيه: فجاءت فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- تمشي ولا واللَّه أن تخطي مشيتها من مشية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى انتهت إليه فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: مرحبا يا بنيتي. أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان [ (3) ] في باب من ناجى بين يدي الناس ومن لم يخبر بسر صاحبه، فإذا مات أخبر به.
وخرج في باب علامات النبوة في الإسلام (سبق تخريجه) وفي آخر المغازي (المرجع السابق: 8/ 171، كتاب المغازي، باب (84) مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ووفاته، حديث رقم (4433- 4434) .) وفي باب مرض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ووفاته، من حديث إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: دعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فاطمة ابنته- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- في شكواه الّذي قبض فيه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسارّها بشيء
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 238- 239، كتاب فضائل الصحابة باب (15) فضائل فاطمة بنت النبي عليها الصلاة والسلام، حديث رقم (98) .
[ (2) ] لعله في (الكبرى) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 11/ 94، كتاب الاستئذان، باب (43) من ناجى بين يدي الناس، ولم يخبر بسر صاحبه، فإذا مات أخبر به، حديث رقم (6285) ، (6286) ، قوله: باب من ناجى بين يدي.(14/420)
فبكيت، ثم دعاها فسارها بشيء فضحكت، فسألنا عن ذلك فقالت: سارني النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه يقبض في وجعه الّذي توفي فيه فبكيت، ثم سارني فأخبرني أني أول أهله يتبعه فضحكت.
وخرجه البيهقي من طريق سعيد بن أبي مريم، قال: حدثنا يونس بن يزيد قال: حدثنا ابن غزية، عن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان، أن فاطمة بنت الحسين، حدثته أن عائشة، حدثتها أنها كانت تقول: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال في مرضه الّذي قبض فيه لفاطمة: يا بنية أحني علي، فأحنت عليه، فناجاها ساعة، ثم انكشفت عنه، وهي تبكي وعائشة حاضرة ثم قال رسول اللَّه بعد ذلك بساعة: أحني علي بنية فأحنت عليه فناجاها ساعة، ثم انكشفت تضحك. قال: فقالت عائشة. أي بنية أخبرينى ماذا
__________
[ () ] الناس ولم يخبر بسر صاحبه، فإذا مات أخبر به- ذكر فيه حديث عائشة في قصة فاطمة رضي اللَّه عنها إذ بكت لما سارها النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ثم ضحكت لما سارها ثانيا
فسألتها عن ذلك فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم
وذكر في الوفاة النبويّة، قال ابن بطال: مسارة الواحد مع الواحد بحضرة الجماعة جائر لأن المعنى الّذي يخاف من ترك الواحد لا يخاف من ترك الجماعة قلت: وسيأتي إيضاح هذا، قال: وفيه أنه لا ينبغي إفشاء السر إذا كانت فيه مضرة على المرء، لأن فاطمة لو أخبرتهم لحزن لذلك حزنا شديدا، وكذا لو أخبرتهن أنها سيدة نساء المؤمنين لعظم ذلك عليهنّ واشتد حزنهن، فلما أمنت من ذلك بعد موته أخبرت به. قلت: أما الشق الأول فحق العبارة أن يقول: فيه جواز إفشاء السر إذا زال ما يترتب على إفشائه من المضرة، لأن الأصل في السر الكتمان وإلا فما فائدته؟ وأما الشق الثاني فالعلة التي ذكرها مردودة، لأن فاطمة- رضى اللَّه عنها- ماتت قبلهن كلهن وما أدري كيف خفي عليه هذا؟ ثم جوزت أن يكون في النسخة سقم وأن الصواب فلما أمنت من ذلك بعد موته، وهو أيضا مردود لأن الحزن الّذي علل به لم يزل بموت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بل لو كان كما زعم لاستمر حزنهن على ما فاتتهن من ذلك، وقال ابن التين يستفاد من قول عائشة (عزمت عليك بمالي عليك من الحق) جواز العزم بغير اللَّه، وقال: وفي (المدونة) عن مالك إذا قال: أعزم عليك باللَّه فلم يفعل لم يحنث، وهو كقوله لك اسألك باللَّه، وإن قال: أعزم باللَّه أن تفعل فلم يفعل حنث، لأن هذا يمين انتهى، والّذي عند الشافعية أن ذلك في الصورتين يرجع إلى قصد الحالف، فإن قصد يمين نفسه فيمين، وإن قصد يمين المخاطب أو الشفاعة أو أطلق فلا.(14/421)
ناجاك أبوك؟ قالت فاطمة، أوشكت رأيته ناجاني على حال سر! وظننت أني أخبر بسره وهو حي! قال: فشق ذلك على عائشة أن يكون سرا دونها. فلما قبضه اللَّه إليه، قالت عائشة لفاطمة: ألا تخبريني بذلك الخبر؟ قالت: أما الآن، فنعم، ناجاني في المرة الأولى، فأخبرني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن في كل عام مرة، وأنه عارضني بالقرآن العام مرتين. وأخبرنى أنه لم يكن نبي كان بعده إلا عاش بعده نصف عمر الّذي كان قبله، وأخبرنى أن عيسى ابن مريم عليه السلام، عاش عشرين ومائة سنة، فلا أراني إلا ذاهبا على رأس الستين، فأبكاني ذلك. وقال: يا بنية إنه ليس أحد من نساء المسلمين أعظم رزية منكم، فلا تكوني من أدنى امرأة صبرا- وناجاني في المرة الآخرة.
فأخبرني أني أول أهله لحوقا به. وقال: إنك سيدة نساء أهل الجنة.
إلا ما كان من البتول مريم بنت عمران، فضحكت لذلك [ (1) ] . خرجه مسلم في المناقب
قال البيهقي: كذا في هذه الرواية [ (2) ] وقد روى عن ابن المسيب قال:
إن عيسى ابن مريم عليه السلام حين رفع إلى السماء كان ابن ثلاث وثلاثين سنة، وعن وهب بن منبه اثنان وثلاثون سنة، فإن صح قول ابن المسيب ووهب فالمراد من الحديث واللَّه أعلم بما يبقى في الأرض بعد نزوله من السماء.
قال المؤلف: هذا حديث حسن فإنه متن رواية يحيي بن أيوب أبي زكريا العلاف المصري، قال النسائي: صالح ورواه يحيى عن سعيد بن أبي مريم عن سعد بن الحكم بن محمد بن سالم الجمحيّ أبو محمد الحافظ الثقة الفقيه ورواه ابن أبي مريم، عن نافع بن يزيد الكلاعي بن يزيد قال أحمد بن صالح كان من ثقات الناس وعمارة بن غزية بن الحارث بن عمرو الأنصاري ومعه أحمد وأبو زرعة.
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 166.
[ (2) ] في إسناده محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان بن عفان- قال البخاري: (لا يكاد يتابع في حديثه) (هامش البيهقي) ، و (الميزان) : 3/ 593.(14/422)
وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلّم بما خيره اللَّه تعالى بين الدنيا والآخرة
فخرج البيهقي من طريق يونس بن بكير وإبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق قال حدثني عبد اللَّه بن عمر بن ربيعة عن عبيد مولى الحكم عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص عن أبي مويهبة [ (1) ] مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: أنبهنى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من الليل فقال: يا أبا مويهبة إني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع فخرجت معه حتى أتينا البقيع فرفع يديه فاستغفر لهؤلاء ثم قال: ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها الآخرة شر من الأولى: يا أبا مويهبة إني قد أعطيت مفاتيح خزائن الدنيا، والخلد فيها، ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة، فقلت يا رسول اللَّه بأبي أنت وأمي، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا، والخلد فيها، ثم الجنة، فقال صلى اللَّه عليه وسلّم: يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة، ثم انصرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فلما أصبح ابتدئ بوجعه الّذي قبضه اللَّه تعالي فيه [ (2) ] وذكره الواقدي من حديث معمر وجماعة قالوا: قالت عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: وثب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من مضجعه من جوف الليل فقلت:
أين بأبي وأمي أي رسول اللَّه قال: أمرت أن أستغفر لأهل البقيع، فخرج حتى جاء البقيع فاستغفر لهم ليلا طويلا ثم قال. ليهنكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع بعضها بعضا، يتبع آخرها أولها الآخرة شر من الأولى ثم قال:
يا أبا مويهبة، إني قد أعطيت خزائن الدنيا والخلد، ثم الجنة فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة فقلت:
بأبي وأمي، فخذ خزائن الدنيا والخلد، ثم الجنة فقال:
يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة، ثم انصرف، وذلك ليلة الأربعاء، فأصبح صلى اللَّه عليه وسلّم محموما لليلتين بقيتا من صفر،
وتوفي صلى اللَّه عليه وسلّم يوم الاثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول.
__________
[ (1) ] أبو مويهبة، ويقال أبو موهبة- وأبو موهوبة- وهو قول الواقدي- مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال البلاذري: كان من مولدي مزينة، وشهد غزوة المريسيع، وكان ممن يقود لعائشة جملها. (الإصابة) : 7/ 393، ترجمة رقم (10589) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 162- 163، باب، ما جاء في نعى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم نفسه إلى أبى مويهبة مولاه، وأخبره إياه بما اختار لنفسه فيما خير فيه.(14/423)
وقد خرج الحاكم حديث أبي مويهبة من طريق إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق كما تقدم، وقال: صحيح علي شرط مسلم إلا أنه عجيب بهذا الإسناد [ (1) ]
وخرج البيهقي من حديث عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن ابن طاوس، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: نصرت بالرعب، وأعطيت الخزائن، وخيرت بين أن أبقي حتى أري ما يفتح علي أمتي وبين التعجيل، فاخترت التعجيل.
قال: هذا مرسل وهو شاهد لحديث أبي مويهبة [ (2) ]
وخرج سيف عن مبشر بن الفضيل، عن عبيد بن حنين، عن أبي مويهبة قال: أهبني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في المحرم مرجعه من حجته، وما أدرى أما مضى من الليل أكثر أو ما بقي منه فقلت: أين تريد بأبي وأمي؟
فقال: يا أبا مويهبة انطلق فإنّي قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع، قال: فخرج وخرجت معه حتى إذا جاءه استغفر لهم طويلا قائما وقاعدا، ثم قال:
إني قد أعطيت خزائن الدنيا والخلد فيها فخيرت بين ذلك والجنة، وبين لقاء ربي قال: قلت والجنة. قال: قلت بأبي أنت وأمي، خذ خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة قال: لا واللَّه يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي والجنة.
قال: ثم وجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم واشتكى بعد ذلك بأيام.
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 3/ 57، كتاب المغازي والسرايا، حديث رقم (4383) . قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم، لكنه عجيب بهذا الإسناد، هكذا رواه إبراهيم بن سعد عنه- يعنى عن ابن إسحاق- ورواه يونس بن بكير عنه، قال: حدثني عبد اللَّه بن ربيعة، عن عبيد بن الحكم، عن عبد اللَّه بن عمرو، عن أبى مويهبة نحوه.
قال الحافظ الذهبي: هذا أشبه ما رواه أحمد في المسند، عن عائشة: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بدأ به المرض في بيت ميمونة الحديث، صحيح.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 163، باب ما جاء في نعي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم نفسه إلى أبي مويهبة مولاه،(14/424)
وخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] والترمذي [ (3) ] ، من حديث مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبد اللَّه عن عبيد- يعني ابن حنين- عن أبى سعيد الخدريّ صلى اللَّه عليه وسلّم: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم جلس علي المنبر فقال: إن عبدا خيره اللَّه بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده، فاختار ما عنده، فبكى أبو بكر وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا. فعجبنا له. وقال الناس: انظروا إلي هذا الشيخ يخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عن عبد خيره اللَّه بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا. فعجبنا له. وقال الناس: انظروا إلي هذا الشيخ يخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عن عبد خيره اللَّه بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا فكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم هو المخيّر، وكان أبو بكر هو أعلمنا به. وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر خليلا، إلا خلة الإسلام، لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر.
__________
[ () ] وإخباره إياه بما اختاره لنفسه فيما خير فيه.
[ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 287، كتاب مناقب الأنصار، باب (45) هجرة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة، حديث رقم (3904) قوله: (باب هجرة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة) صلى اللَّه عليه وسلّم جاء عن ابن عباس أنه أذن له في الهجرة إلى المدينة بقوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً أخرجه الترمذي وصححه هو والحاكم، وذكر الحاكم أن خروجه صلى اللَّه عليه وسلّم من مكة كان بعد بيعة العقبة بثلاثة أشهر أو قريبا منها، وجزم ابن إسحاق بأنه خرج أول يوم من ربيع الأول، فعلى هذا يكون بعد البيعة بشهرين وبضعة عشر يوما. وكذا جزم به الأموي في المغازي عن ابن إسحاق فقال: كان مخرجه من مكة بعد العقبة بشهرين وليال، قال: خرج لهلال ربيع الأول وقدم لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول. قلت: وعليّ خرج يوم الخميس، وأما أصحابه فتوجه معه منهم أبو بكر الصديق وعامر بن فهيرة، وتوجه قبل ذلك بين العقبتين جماعة منهم ابن أم مكتوم، ويقال: إن أول من هاجر إلى المدينة أبو سلمة بن عبد الأشهل المخزومي زوج أم سلمة، وذلك أنه أوذي لما رجع من الحبشة، فعزم على الرجوع إليها فبلغه قصة الأثنى من الأنصار فتوجه إلى المدينة، ذكر ذلك ابن إسحاق، وأسند عن أم سلمة أن أبا سلمة أخذها معه فردها قومها فسبوها سنة، ثم انطلقت فتوجهت في قصة طويلة وفيها «فقدم أبو سلمة المدينة بكرة، وقدم بعده عامر بن ربيعة حليف بني عدي عشية» ثم توجه مصعب بن عمير كما تقدم آنفا ليفقه من أسلم من الأنصار، ثم كان أول من هاجر بعد بيعة العقبة عامر بن ربيعة حليف بني عدي على ما ذكر ابن إسحاق، وسيأتي ما يخالفه في الباب الّذي يليه وهو قول البراد: «أول من قدم علينا من المهاجرين» .(14/425)
__________
[ () ] «مصعب بن عمير» ثم توجه باقي الصحابة شيئا فشيئا كما سيأتي في الباب الّذي يليه. ثم لما توجه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم واستقر بها خرج من بقي من المسلمين، وكان المشركون يمنعون من قدروا على منعه منهم، فكان أكثرهم يخرج سرا إلى أنه لم يبق منهم بمكة إلا من غلب على أمره من المستضعفين ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث: الأول والثاني.
قوله: «وقال عبد اللَّه بن زيد وأبو هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار
أما حديث عبد اللَّه بن زيد فيأتي موصولا في غزوة حنين، وأما حديث أبي هريرة فتقدم موصولا في مناقب الأنصار.
وقوله: «من الأنصار» أي من كان أنصاريا صرفا فما كان لي مانع من الإقامة بمكة كنت اتصفت بصفة الهجرة، والمهاجر لا يقيم بالبلد الّذي هاجر منها مستوطنا، فينبغي أن يحصل لكم الطمأنينة بأني لا أتحول عنكم، وذلك أنه إنما قال لهم ذلك في جواب قولهم: أما الرجل فقد أحب الإقامة بمدينته، وسيأتي لذلك مزيد في غزوة حنين إن شاء اللَّه تعالى.
وقوله: «فذهب وهلي» بفتح الواو والهاء أي ظني، يقال: وهل بالفتح يهل بالكسر وهلا بالسكون إذا ظن شيئا فتبين الأمر بخلافه، وقوله: «أو هجر» بفتح الهاء والجيم بلد معروف من البحرين وهي من مساكن عبد القيس، وقد سبقوا غيرهم من القرى إلى الإسلام كما سبق بيانه في كتاب الإيمان. ووقع في بعض نسخ أبي ذر «أو الهجر» بزيادة ألف ولام والأول أشهر، وزعم بعض الشراح أن المراد بهجر هنا قرية قريبة من المدينة، وهو خطأ فإن الّذي يناسب أن يهاجر إليه لا بد وأن يكون بلدا كبيرا كثير الأهل وهذه القرية التي قيل إنها كانت قرب المدينة يقال لها هجر لا يعرفها أحد، وإنما زعم ذلك بعض الناس في قوله: «قلال هجر» إن المراد بها قرية كانت قرب المدينة كان يصنع بها القلال، وزعم آخرون بأن المراد بها هجر التي بالبحرين كانت القلال كانت تعمل بها وتجلب إلي المدينة وعملت بالمدينة على مثالها، وأفاد ياقوت أن هجر أيضا بلد باليمن، فهذا أولي بالتردد بينها وبين اليمامة لأن اليمامة بين مكة واليمن، وقوله: «فإذا هي المدينة يثرب» كان ذلك قبل أن يسميها صلى اللَّه عليه وسلّم طيبة، ووقع عند البيهقي من حديث صهيب رفعه «أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرتين، فإما أن تكون هجر أو يثرب» ولم يذكر اليمامة،
وللترمذي من حديث جرير قال:
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم «إن اللَّه تعالى أوحى إلى أي هؤلاء الثلاثة نزلت فهي دار هجرتك: المدينة أو البحرين أو قنسرين»
لأن قنسرين من أرض الشام من جهة حلب، وهي بكسر القاف وفتح النون الثقيلة بعدها مهملة ساكنة، بخلاف اليمامة فإنّها إلى جهة اليمن، إلا أن يحمل على اختلاف فإن الأول جرى على مقتضى الرؤيا التي أريها، والثاني بخبر بالوحي، فيحتمل أن يكون أري أولا ثم خير ثانيا فاختار المدينة. الحديث الرابع: حديث خباب «هاجرنا مع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بإذنه، وإلا فلم يرافق النبي صلى اللَّه عليه وسلم سوى أبي بكر وعامر بن فهيرة كما تقدم، وقد أعاد المصنف هذا الحديث في هذا الباب، وستأتي الإشارة إليه بعد بضعة عشر حديثا، وسيأتي شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الرقاق، ومضى شيء منه في كتاب الجنائز. الحديث الخامس:
حديث عمر «الأعمال بالنيات» أورده مختصرا، وقدم تقدم شرحه مستوفى في أول.(14/426)
__________
[ () ] الكتاب، ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري، وهو الّذي لا يثبت هذا الحديث إلا من طريقه.
قوله: «حدثني إسحاق بن يزيد الدمشقيّ» هو إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الفراديسي الدمشقيّ أبو النضر، نسبة هنا إلى جده، وكذلك في الزكاة وفي الجهاد، وجزم بأنه الفراديسى الكلاباذي وآخرون، وتفرد الباجي فأفرده بترجمة ونسبه خراسانيا، ولم يعرف من حاله على شيء، وقول الجماعة أولى.
قوله: «عن عبدة بن أبي لبابة» بضم اللام والموحدتين الأولى خفيفة الأسدي كوفي نزل دمشق وكنيته أبو القاسم، ولا يعرف اسم أبيه. قال الأوزاعي: لم يقدم علينا من العراق أفضل منه.
قوله: «إن عبد اللَّه بن عمر كان يقول لا هجرة بعد الفتح» هذا موقوف، وسيأتي شرحه في الّذي بعده.
قوله: «كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلخ» أشارت عائشة إلى بيان مشروعية الهجرة وأن سببها خوف الفتنة، والحكم يدور مع علته، فمقتضاه أن من قدر على عبادة اللَّه في أي موضع اتفق لم تجب عليه الهجرة منه وإلا وجبت، ومن ثم قال الماوردي: إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار الإسلام، فالإقامة فيها أفضل من الرحلة مما يترجى من دخول غيره في الإسلام، وتقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل الجهاد في «باب وجوب النفير» في الجمع بين حديث ابن عباس «لا هجرة بعد الفتح» وحديث عبد اللَّه بن السعدي «لا تنقطع الهجرة» .
وقال الخطابي: كانت الهجرة أي إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في أول الإسلام مطلوبة، ثم افترضت لما هاجر إلي المدينة إلى حضرته للقتال معه وتعلم شرائع الدين، وقد أكد اللَّه ذلك في عدة آيات حتى قطع الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا فلما فتحت مكة ودخل الناس في الإسلام من جميع القبائل سقطت الهجرة الواجبة وبقي الاستحباب. وقال البغوي في (شرح السنة) » : يحتمل الجمع بينهما بطريق أخرى بقوله: «لا هجرة بعد الفتح» أي من مكة إلى المدينة، وقوله: «لا تنقطع» أي من دار الكفر فذلك حق من أسلم إلي دار الإسلام، قال: ويحتمل وجها آخر وهو أن قوله: لا هجرة أي إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حيث كان بنية عدم الرجوع إلى الوطن المهاجر منه إلا بإذن، وقوله: «لا تنقطع» أي هجرة من هاجر على غير هذا الوصف من الأعراب ونحوهم. قلت: الّذي يظهر أن المراد بالشق الأول وهو المنفي ما ذكره في الاحتمال الأخير، وبالشق الآخر المثبت ما ذكره في الاحتمال الّذي قبله، وقد أفصح ابن عمر بالمراد فيما أخرجه الإسماعيلي بلفظ «انقطعت الهجرة بعد الفتح إلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار» أي ما دام في الدنيا دار كفر، فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشي أن يفتن عن دينه، ومفهومه أنه لو قدر أن يبقى في الدنيا دار كفر أن الهجرة تنقطع لانقطاع موجبها واللَّه أعلم. وأطلق ابن التين أن الهجرة من مكة إلي المدينة كانت واجبة وأن من أقام بمكة بعد هجرة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إلي المدينة بغير عذر كان كافرا، وهو إطلاق مردود، واللَّه أعلم. قوله: «فمكث بمكة ثلاث عشرة» هذا أصح مما أخرجه أحمد عن يحيى بن سعيد عن هشام بن حسان بهذا الإسناد قال: «أنزل علي النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وهو ابن ثلاث وأربعين، فمكث بمكة عشرة» وأصح مما أخرجه.(14/427)
__________
[ () ] مسلم من وجه آخر عن ابن عباس «أن إقامة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بمكة كانت خمس عشرة سنة» وقد تقدم بيان ذلك في كتاب المبعث، وسيأتي بقية الكلام عليه في الوفاة إن شاء اللَّه تعالى. وقوله هنا: «فهاجر عشر سنين» أي أقام مهاجرا عشر سنين، وهو كقوله تعالى: فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ.
وقوله: «فقال الناس انظروا إلى هذا الشيخ» في حديث ابن عباس عند البلاذري في نحو هذا القصة «فقال له أبو سعيد الخدريّ: يا أبا بكر ما يبكيك» فذكر الحديث.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 158- 159، كتاب فضائل الصحابة، باب (1) من فضائل أبي بكر الصديق، حديث رقم (2382) .
قال القاضي: أصل الخلة الافتقار والانقطاع، فخليل اللَّه تعالى المنقطع إليه، وقيل: لقصره حاجته على اللَّه تعالى، وقيل: الخلة الاختصاص، وقيل الاصطفاء وسمى إبراهيم عليه السلام- خليلا، لأنه والى في اللَّه تعالى وعادى فيه، وقيل: سمي به لانه تخلق بأخلاق حسنة وخلال كريمة. وخلة اللَّه تعالى له نصرة، وجعله إماما لمن بعده. وقال ابن فورك: الخلة صفاء المودة بتخلل الإسار، وقيل أصلها المحبة. وقيل: الخليل من لا يتسع قلبه لغير خليله. ومعنى الحديث: أن حبّ اللَّه تعالى لم يبق في قلبه موضعا لغيره.
قال القاضي: وجاء في أحاديث أنه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: إلا أنا وحبيب اللَّه،
فاختلف المتكلمون، هل المحبة أرفع من الخلة؟ أم الخلة أرفع من المحبة؟ أم هما سواء؟ فقالت طائفة: هما بمعنى، فلا يكون الحبيب إلا خليلا، ولا يكون الخليل إلا حبيبا، وقيل: الحبيب أرفع، لأنها صفة نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم، وقيل: الخليل أرفع، وقد ثبتت خلة نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم للَّه تعالى بهذا الحديث ونفى أن يكون له خليل غيره.
[ (3) ] (سنن الترمذي) : 5/ 568، كتاب المناقب، باب (15) بدون ترجمة، حديث رقم (3660) وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
والخوخة: باب صغير كالنافذة الكبيرة، وتكون بين بيتين، ينصب عليها باب عن التطرق إليها في خوخات إلا من أبوابها إلا لحاجة مهمة. (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي) : 10/ 100، أبواب المناقب، باب (51) ، حديث رقم (3904) .(14/428)
ذكر مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته عليه السلام
ابتدأ به صلى اللَّه عليه وسلّم صداع في أواخر صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة. وقال الواقدي: وحدثني أبو معمر عن محمد بن قيس قال: اشتكى صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة في بيت زينب بنت جحش- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- شكوى شديدة حتى قيل هو مجنوب يعني ذات الجنب واجتمع إليه نساؤه كلهن، اشتكى ثلاثة عشرة وتوفي صلّى اللَّه عليه وسلّم في يوم الاثنين لليلتين مضيتا من ربيع الأول سنة إحدى عشرة.
قالوا: بدئ يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر، وتوفى صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الاثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول وهو الثّبت عندنا.
وحدثني معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال: بدئ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيت ميمونة زوجته- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وخرج البخاري من حديث يحيي بن أبي زكريا، أخبرنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم بن محمد قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: وا رأساه.
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ذلك لو كان وأنا حيّ فأستغفر لك وأدعو لك، فقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وا ثكلياه، واللَّه إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أنا وا رأساه، لقد همت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وابنه فأعهد أن يقول القائلون، أو يتمنى المتمنون ثم قلت: يأبى اللَّه ويدفع المؤمنون، أو يدفع اللَّه ويأبى المؤمنون. ذكره في كتاب المرضى [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 152، كتاب المرضى، باب (16) ، ما رخص للمريض أن يقول: إني وجع، أو وا رأساه، أو اشتد بي الوجع، وقول أيوب عليه السلام: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ حديث رقم (5666) .(14/429)
خرج النسائي من حديث محمد بن مسلمة، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من جنازة وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول: وا رأساه فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم أنا وا رأساه، ثم قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: وما ضرك لو مت قبلك فغسلتك وكفنتك وصليت عليك، ثم دفنتك، قالت: لكأنّي بك لو فعلت ذلك ثم رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك! فتبسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم بدئ في مرضه الّذي مات فيه.
وخرجه أيضا من طريق محمد بن مسلمة عن بن إسحاق عن يعقوب عن الزهري، وعن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن عروة ابن الزبير، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: رجع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول: وا رأساه قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أنا يا عائشة وا رأساه. ثم قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: واللَّه ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنك وصليت عليك ثم دفنتك؟
قالت: لكأنّي بك واللَّه لو فعلت ذلك قد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك فتبسم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم بدئ بوجعه الّذي مات به، يعنى فيه. ورواه من حديث إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: دخل علي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
__________
[ () ] قوله: (باب ما رخص للمريض أن يقول إني وجع أو وا رأساه أو اشتد الوجع، وقول أيوب عليه السلام:
مسني الضر وأنت أرحم الراحمين. أما قوله «إني وجع» فترجم به في كتاب الأدب المفرد وأورده فيه من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال: «دخلت أنا وعبد اللَّه بن الزبير على أسماء- يعني بنت أبي بكر وهي أمهما- وأسماء وجعة، فقال لها عبد اللَّه: كيف تجدينك؟ قالت: وجعت» الحديث، وأصرح منه ما روى صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال «دخلت على أبي بكر رضي اللَّه عنه في مرضه الّذي توفي فيه، فسلمت عليه وسألته: كيف أصبحت؟ فاستوى جالسا فقلت: أصبحت بحمد اللَّه بارئا؟ قال: أما إني على ما ترى وجع» فذكر القصة، أخرجه الطبراني.
وأما قوله: «وا رأساه» فصريح في حديث عائشة المذكور في الباب، وأما قوله «اشتد بي الوجع فهو في حديث سعد الّذي في آخر الباب، وأما قول أيوب عليه السلام فاعترض ابن التين ذكره في الترجمة فقال: هذا لا يناسب التبويب، لأن أيوب إنما قاله داعيا ولم يذكره للمخلوقين. قلت: لعل البخاري.(14/430)
__________
[ () ] أشار إلى أن مطلق الشكوى لا يمنع ردا على من زعم من الصوفية أن الدعاء بكشف البلاء يقدح في الرضا والتسليم، فنبه على أن الطلب من اللَّه ليس ممنوعا، بل فيه زيادة عبادة، لما ثبت مثل ذلك عن الصوم وأثنى اللَّه عليه بذلك وأثبت له اسم الصبر مع ذلك، وقد روينا في قصة أيوب لما طال بلاؤه ورفضه القريب والبعيد، غير رجلين من إخوانه، فقال أحدهما لصاحبه: لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين، فبلغ ذلك أيوب- يعني فجزع من قوله- ودعا ربه فكشف ما به» . وعند ابن أبي حاتم من طريق عبد اللَّه بن عبيد بن نمير موقوفا عليه نحوه وقال فيه «فجزع من قولهما جزعا شديدا ثم قال: بعزتك لا أرفع رأسي حتى كشف عنه» . فكأنما رد البخاري أن الّذي يجوز من شكوى المريض ما كان على الطريق من اللَّه، أو على غير طريق التسخط للقدر والتضجر، واللَّه أعلم. قال القرطبي:
اختلف الناس في هذا الباب، والتحقيق أن الألم لا يقدر أحد على رفعه، والنفوس مجبولة على وجدان ذلك فلا يستطاع تغييرها عما جبلت عليه، وإنما كلف العبد أن لا يقع منه في حال المصيبة ما له سبيل إلى تركه كالمبالغة في التأوه والجزع الزائد كان من فعل ذلك خرج عن معاني أهل الصبر، وأما مجرد التشكي فليس مذموما حتى يحصل التسخط للمقدور، وقد اتفقوا على كراهة شكوى العبد ربه، وشكواه إنما هو ذكره للناس على سبيل التضجر، واللَّه أعلم. وروى أحمد في «الزهد» عن طاوس أنه قال: أنين المريض شكوى، وجزم أبو طالب وابن الصباغ وجماعة من الشافعية أن أنين المريض وتأوهه مكروه، وتعقبه النووي فقال: هذا ضعيف أو باطل، فإن المكروه ما ثبت فيه نهى مقصود، وهذا لم يثبت فيه ذلك. ثم احتج بحديث عائشة في الباب، ثم قال: فلعلهم أرادوا بالكراهة خلاف الأولى، فإنه لا شك أن اشتغاله بالذكر أولى أهـ. ولعلهم أخذوه بالمعنى من كون كثرته تدل على ضعف اليقين، وتشعر بالتسخيط للقضاء وتورث شماتة الأعداء. وأما إخبار المريض صديقه أو طبيبه عن حاله فلا بأس به اتفاقا. قوله: «حدثنا يحيى بن يحيى أبو زكريا» هو النيسابورىّ الإمام المشهور وليس له في البخاري سوى مواضع يسيرة في الزكاة والوكالة والتفسير والأحلام، وأكثر عنه مسلم، ويقال إنه تفرد بهذا الإسناد وإن أحمد كان يتمنى لو أمكنه الخروج إلى نيسابور ليسمع منه هذا الحديث، ولكن أخرجه أبو نعيم في «المستخرج» من وجهين آخرين عن سليمان بن بلال.
قوله: «وا رأساه» هو تفجع على الرأس لشدة ما وقع به من ألم الصداع، وعند أحمد والنسائي وابن ماجة من طريق عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة عن عائشة «رجع رسول اللَّه (ص) من جنازة من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول: وا رأساه» .
قوله: «ذاك لو كان حي» ذاك بكسر الكاف إشارة إلى ما يستلزم المرض من الموت، أي لو مت وأنا حي، ويرشد إليه جواب عائشة، وقد وقع مصرحا به في رواية عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة ولفظه.
قوله: «ذاك لو كان حي» ذاك بكسر الكاف إشارة إلى ما يستلزم المرض من الموت، أي لو مت وأنا حي، ويرشد إليه جواب عائشة، وقد وقع صرحا به في رواية عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة ولفظه.
«ثم قال: ما ضرك لو مت قبلي فكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك» وقولها «وا ثكلياه» بضم المثلثة.(14/431)
__________
[ () ] وسكون الكاف وفتح اللام وبكسرها مع التحتانية الخفيفة وبعد الألف هاء للندبة، وأصل الثكل فقد الولد أو من يعز على الفاقد، وليست حقيقته هنا مراده، بل هو كلام كان يجرى على ألسنتهم عند حصول المصيبة أو توقعها. وقولها واللَّه إني لأظنك تحب موتى كأنها أخذت ذلك من قوله لها:
«لو مت قبلي» ، وقولها: «لو كان ذلك» في رواية الكشمهيني «ذاك» بغير لام أي موتها لظللت آخر يومك معرسا «العين والمهملة وتشديد الراء المكسورة وسكون العين والتخفيف، يقال: أعرس، بنى على زوجته، ثم استعمل في كل جماع، والأول أشهر، فإن التعريس النزول بليل. ووقع في رواية عبيد اللَّه «لكأنّي بك واللَّه لو قد فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست ببعض نسائك. قالت: فتبسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وقولها: بل «بل أنا وا رأساه» هي كلمة إضراب، والمعنى: دعي ذكر ما تجدينه من وجع رأسك واشتغلي بي وزاد في رواية عبيد اللَّه ثم بدئ في وجعه الّذي مات فيه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
قوله: «لقد هممت أو أردت» شك من الراويّ، ووقع في رواية أبي نعيم «أو وددت» بدل «أردت» . وقوله: «أن أرسل إلى أبي بكر وابنه» كذلك للأكثر بالواو وألف الوصل والموحدة والنون، ووقع في رواية مسلم: «وابنه» ولفظ «أو» التي للشك أو للتخير، وفي أخرى «أو آتيه» بهمزة ممدوة بعدها مثناة مكسورة ثم تحتانية ساكنة من الإتيان لمعنى المجيء، والصواب الأول، ونقل عياض عن بعض المحدثين تصويبها وخطأه.
وقال: ويوضح الصواب قولها في الحديث الآخر عند مسلم «ادعي لي أباك وأخاك» وأيضا فإن مجيئه إلي أبي بكر كان متعسرا لأنه عجز عن حضور الصلاة مع قرب مكانها من بيته.
قلت: في هذا التعليل نظر، لأن سياق الحديث يشعر بأن ذلك كان في ابتداء مرضه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد استمر يصلي بهم وهو مريض ويدور على نسائه حتى عجز عن ذلك وانقطع في بيت عائشة. ويحتمل أن يكون قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «لقد هممت إلخ» وقع بعد المفاوضة التي وقعت بينه وبين عائشة بمدة، وإن كان ظاهر الحديث بخلافه.
ويؤيد أيضا ما في الأصل أن المقام كان مقام استمالة قلب عائشة، فكأنه يقول: كما أن الأمر يفوض لأبيك فإن ذلك يقع بحضور أخيك، هذا إن كان المرد العهد بالخلافة، وهو ظاهر السياق كما سيأتي تقريره في كتاب الأحكام إن شاء اللَّه تعالى، وإن كان لغيره بالخلافة، وهو ظاهر السياق، كما وإن كان لغير ذلك فلعله أراد إحضار بعض مآربها حتى لو احتاج إلي قضاء حاجة أو الإرسال إلى أحد لوجد من يبادر لذلك.
قوله: فأعهد أي أوصي.
قوله: أن يقول القائلون أي لئلا يقول، أو كراهة أن يقول.
قوله: «أو يتمنى المتمنون» بضم النون جمع متمني بكسرها، وأصل الجمع المتمنيون فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت، فاجتمعت كسرة النون بعدها الواو فضمت النون، وفي الحديث ما طبعت عليه المرأة من الغيرة، وفيه مداعبة الرجل أهله، والإفضاء إليهم بما يستره عن غيرهم، وفيه أن ذكر الوجع ليس بشكاية، فكم من ساكت وهو ساخط، وكم من شاك وهو راض، فالمعول في ذلكم على عمل القلب لا على نطق اللسان.(14/432)
في اليوم الّذي بدئ فيه، فقلت: وا رأساه فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: وددت أن ذلك كان وأنا حي فهيأتك ودفنك، فقلت: كأني بك ذلك اليوم عروسا ببعض نسائك! قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أنا وا رأساه، أدعو إلي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا، فإنّي أخاف أن يقول قائل أو يتمنى متمن ويأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر [ (1) ] .
وخرج البيهقي من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني يعقوب بن عتبة ابن المغيرة بن الأخنس، عن الزهري، عن عبيد اللَّه ابن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعد، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يصدع وأنا أشتكي رأسي فقلت: وا رأساه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم بل أنا واللَّه يا عائشة وا رأساه، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وما عليك لو مت قبلي فوليت أمرك وصليت عليك وواريتك؟ فقلت: واللَّه إني لأحسب أنه لو كان ذلك، لقد خلوت ببعض نسائك في بيتي آخر النهار فأعرست بها، فضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم تمادى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجعه، فاستقر برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يدور على نسائه في بيت ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فاجتمع إليه أهله، فقال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: إنا لنرى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات الجنب فهلموا فلنلده، فلدوه، وأفاق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من فعل هذا؟ قالوا: عمك العباس، تخوف أن يكون بك ذات الجنب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنها من الشيطان، وما كان اللَّه تعالى ليسلطه عليّ، لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-،
فلدّ أهل البيت كلهم حتى ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، وإنها لصائمة يومئذ، وذلك بعين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم أستأذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نسائه أن يمرض في بيتي، فخرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بيتي فهو صلّى اللَّه عليه وسلّم بين العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وبين رجل آخر لم تسمه قدماه تخطان الأرض إلى بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، قال عبيد اللَّه: فحدثت هذا الحديث ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فقال: تدري من الرجل الآخر الّذي كان مع العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قلت: لا
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 207- 208، حديث رقم (24589) ، من حديث للسيدة عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-(14/433)
قال: هو عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
وقال سيف: عن سعيد عن عبد اللَّه بن أبي مليكة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: اشتكى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجعه الّذي ألمه في ليلة صفر واشتكيت في تلك الليلة شكوى فجاءني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا في صرة أنادي: وا عماه، وا رأساه، عاصبا صلّى اللَّه عليه وسلّم رأسه يعودني، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد طرقني يا عائشة طارق من صداع فما برح بي، ولكن وجهك صوري فكيف بحديثك؟
قالت: والّذي بعث محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم بالحق لقد فزعت فزعة طار عني ما أحذرني حتى ما أخشى منه شيئا، وقربت إليه فالتزمته وأنا أقول: وا ويلاه، فقال: وأخبراه، لا تدعى بالويل، وأقبل يمازحني حتى سكنني وإنه لمثبت، وفزع الناس بضحكي فأقبلوا فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إليكم فإنه لم يحدث إلا خيرا، فتراجع الناس ولزمه النسوة ودرن معه دورة ثم استأذنهن في بيتي، فأذن له.
وقال سيف: عن محمد بن إسحاق، عن الزهريّ ويزيد بن رومان وأبي بكر بن عبد اللَّه: أن الّذي كان ابتدئ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من وجعه الّذي لزمه أن دخل على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم يجد صداعا فوجدها بصداع وتقول: وا رأساه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أنا واللَّه يا عائشة وا رأساه فو اللَّه لقد طاوعني ما لقد ولدت أن استطار، فسكنني صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمزاح عليّ بحسم منه فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما ضرك يا عائشة لو مت قبلي فأقوم عليك وأصلّى عليك؟
فقالت له: لكأنّي بك قد فعلت وأعرست مع نسائك في آخر ذلك اليوم! فتبسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم تمادى به وجعه وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذلك يدور على نسائه حتى استقر برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو في بيت ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-.
قالت: فلما رأوا ما به اجتمع رأي من في البيت علي أن يلدّوه وتخوفوا أن يكون به ذات الجنب، ففعلوا، ثم فرج عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد لدوّه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم من صنع بى هذا؟ فهبنه، واعتللن بالعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فاتخذ جميع من في البيت العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- سببا، ولم يكن له في ذلك رأي، فقالوا: يا رسول اللَّه: عمك العباس-(14/434)
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أمر بذلك، وتخوفنا أن يكون ذلك ذات الجنب فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنها من الشيطان ولم يكن اللَّه- عز وجل- يسلطه علي ولكن هذا عمل النساء، لا يبقى في البيت أحد إلا لد إلا عمي العباس
فلدوا كلهم ولدت ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وكانت صائمة لقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلي بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى- عنها وكان يومها بين العباس وعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والفضل- رضي اللَّه تبارك وتعاله عنه- ممسك بظهره ورجلاه صلّى اللَّه عليه وسلّم تخطان في الأرض حتى دخل على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فلم يزل عندها مغلوبا لا يقدر على الخروج، وغير مغلوب وهو لا يقدر على الخروج من بيتها إلى غيره.
وقال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه أبي مليكة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما صنع به في بيت ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: غدا في بيت عائشة فهل تطبن إلى المقام في بيت إحداكن حتى يقضي اللَّه تعالى في قضاءه؟ فقلن:
نعم فأتاني في بيتي وفي يومي، وكان آخر أيامه يومي، كان صلّى اللَّه عليه وسلّم يدور علينا.
وقال الواقدي: حدثني عاصم بن عبد اللَّه بن عمرو بن الحكم قال: قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيت ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- سبعة أيام يبعث إلى نسائه أسماء بنت عميس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- يقول:
إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يشق عليه أن يدور عليكن فأحللنه فكن يحللنه.
وحدثني إبراهيم بن سعد، عن أبيه قال: كانت فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تدور على نسائه وتقول: أحللنه فيحللنه.
وحدثني ابن أبي سبرة عن يحيى بن سهل، عن أبي جعفر قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحمل في ثوب ويطاف به على نسائه، وذلك أن زينب بنت جحش- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- كلمته في ذلك فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: فأنا أدور عليكن، فكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يحمل في ثوب ويحمل جوانبه الأربع، يحمله أبو رافع مولاه وأبو مويهبة، وشقران، وثوبان، - رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم(14/435)
حتى يقسم لهن كما يقسم، فجعل صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: أين أنا غدا؟ فيقولون: عند فلانة فعرف أزواجه أنه يريد عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقلن:
يا رسول اللَّه قد وهبنا أيامنا لأختنا عائشة.
قال سيف: عن سبط، عن نعيم بن أبي هند، عن شقيق بن سلمة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، قالت: لما اشتكى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل يدور بين نسائه ويتحامل، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما لهن وهن مجتمعات عنده: قد ترين ما أصابنى من الشكوى وهو يستند علي أن أدور بينكن فلو أذنتن لي في بيت إحداكن حتى أعلم ما يصنع اللَّه تعالى، فقالت إحداهن: أي نبي اللَّه، قد أذناك وعرفنا البيت الّذي تريد، فتحول إليه فالزمه، فإنا لو قدرنا أن نفديك بأنفسنا فديناك وسررناك، فقال: فأي بيت هو؟ قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى- عنها: لا تعدل به فتحول إلي بيتي.
وقال سيف: عن هشام بن عروة، عن أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يقول في وجعه وهو يدور على نسائه: أين أنا غدا؟ فنقول: عند فلانة، فإذا كان الغد قال: أين أنا غدا؟ فما زال ذلك من قوله كل يوم حتى قيل: عند عائشة في اليوم الّذي استأذن نساءه فيه في المقام في بيت إحداهن، ففرح حتى عرف القوم فيه ألحقه.
وقال سيف، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال وهو في مرضه، وهو عند نسائه: أين أنا غدا؟ قالوا عند فلانة، ثم سأل صلّى اللَّه عليه وسلّم أيضا فقال: أين أنا غدا؟ فكذلك حتى قال بعض نسائه:
إنما يريد يوم بنت أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فأذن له، قلن له: يا رسول اللَّه إنما نحن أخوات فأنت في حل، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أجل، فسر بذلك.
قال الواقدي: فحدثني عاصم بن عبد اللَّه عن عمرو بن الحكم قال: فنقل صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- يوم الأربعاء الآخر حتى توفي، فأقام صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيتها، قال: وقالوا: لما مرض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذته بحة شديدة مع حمى معظمة.(14/436)
وقال سيف: عن الوليد بن كعب عن أبيه، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: طلب أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن يمرضه فقال، صلى اللَّه عليه وسلم: يا أبا بكر، هو ابتلاء لأهلي أن يمرضوني، وقد وقع أجرك على اللَّه، فوليت تمريضه ما دام الرجال يدخلون عليه، فلما ارتفعوا خاليته والنسوة.
وقال البخاري: وقال يونس عن الزهري: قال عروة: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقول في مرضه الّذي مات فيه: يا عائشة! ما أزال أجد ألم الطعام الّذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم [ (1) ] .
وخرج البيهقي من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن عبد اللَّه بن مرة، عن أبي الأحوص، عن عبد اللَّه قال: لأن أحلف تسعا أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قتل قتلا أحب إليّ من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل. وذلك أن اللَّه تعالى اتخذه نبيا واتخذه شهيدا. [ (2) ]
وقال سيف: حدثني سعيد بن عبد اللَّه، عن ابن أبي مليكة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: دخلت أم شريك على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو يجد غما ونفسا فقال: يا أم بشر هذا أوان وجدت انقطاع أبهرى من الأكلة التي أكلتها أنا وأبوك يوم خيبر. قالت: وكانت امرأة من أهل خيبر أتتهما بشاة مصلية مسمومة، فأهوى أبوها إلى اللقمة ونهش النبي صلى اللَّه عليه وسلم الذراع، فقالت الذراع: لا تأكل فإنّي مسمومة، فرمي بها وتعقبه منها ما تعقب.
وقال الواقدي: فحدثني معمر ومالك عن الزهري، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقرأ على
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 165، كتاب المغازي، باب (84) مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته حديث رقم (4428)
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 172، باب ما جاء في إشارته صلى اللَّه عليه وسلم إلى عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- في ابتداء مرضه بما يشبه النعي، ثم إخباره إياها بحضور أجله، وما في حديثها من أنه صلى اللَّه عليه وسلم توفي شهيدا.(14/437)
نفسه بالمعوذات، فلما مرض وثقل كنت أقرأها في يديه وأمسح بهما جسده وألتمس بذلك بركة يديه، ودخلت عليه في مرضه أم بشر بنت البراء بن معرور فقالت: يا رسول اللَّه ما وجدت مثل هذه الحمى التي عليك على أحد! فقال صلى اللَّه عليه وسلم وما كان اللَّه تعالى ليسلطها على رسوله إنها همزة من الشيطان، ولكنها من الأكلة التي أكلت أنا وابنك بخيبر من الشاة، كان يصيبني منها عداد مرة فكان هذا أوان انقطاع أبهري، فمات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شهيدا.
وخرج البخاري [ (1) ] من حديث الليث قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود قال: إن عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم قالت: لما ثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي، فأذن له فخرج وهو بين الرجلين تخط رجلاه في الأرض بين العباس بن عبد المطلب وبين رجل آخر، قال عبيد اللَّه: فأخبرت عبد اللَّه بالذي قالت عائشة، فقال لي عبد اللَّه بن عباس: هل تدري من الرجل الآخر الّذي لم تسم عائشة؟ قال: قلت: لا، قال ابن عباس: هو علي، وكانت عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم تحدث أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما دخل بيتي واشتد به وجعه قال: أهريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أو كيتهن، لعلي أعهد إلى الناس، وأجلسناه في مخضب لحفصة زوجة النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب، حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن. قالت: ثم خرج صلى اللَّه عليه وسلم إلى الناس فصلى بهم وخطبهم.
وأخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، قال: إن عائشة وعبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالا: لما نزل برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك:
لعنة اللَّه على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا.
وأخبرني عبيد اللَّه أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت:
لقد راجعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ذلك وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا يقوم مقامه أبدا، وإلا كنت أرى أنه لن
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 178، كتاب المغازي، باب (84) مرض النبي ووفاته، حديث رقم (4442) .(14/438)
يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به، فأردت أن يعدل ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- هكذا ذكر البخاري هذا الحديث في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] .
قال الواقدي: حدثني معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد أن دخل بيتها واشتد وجعه قال: أهريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد الى الناس قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: فأجلسناه في مخضب لحفصة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- مثل الأيرن من صفر وطفقنا نصب عليه تلك القرب حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتن، ثم خرج صلى اللَّه عليه وسلم إلى الناس فصلى بهم وخطبهم، قالوا: وكانت تلك القرب من بئر أبي أيوب الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
وخرج البيهقي حديث: «وإن اللَّه خير عبدا» ، ثم قال: وهذا الّذي رواه أبو سعيد الخدريّ وأبو يعلي الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- في خطبة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، إنما كان ذلك حين خرج في مرضه بعد ما اغتسل ليعهد الي الناس والّذي يدل على ذلك فذكر ما
خرجه البخاري من حديث وهب بن جرير حدثنا أبي قال: سمعت يعلي بن حكيم يحدث عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، قال: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة، فصعد على المنبر فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه ثم قال: إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي
__________
[ (1) ] لم أجد هذا الحديث في (صحيح البخاري) بهذه السياقة، وقد ذكره الحافظ البيهقي في (دلائل النبوة) : 7/ 186- 187، باب ما جاء في أمره حين اشتد به المرض- أبا بكر الصديق رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يصلي بالناس، وقال في هامشه: أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة عن يحيى بن سليمان، عن ابن وهب، عن يونس، عن الزهري، وقال تابعة الزبيدي وابن أخي الزهري وإسحاق بن يحيى الكلبي عن الزهري.
وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب (21) استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض أو سفر وغيرهما من يصلي بالناس، حديث رقم (93) .(14/439)
قحافة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، ذكره في كتاب الصلاة، في باب الخوخة والممر في المسجد [ (1) ] . وخرجه في المناقب مختصرا من حديث وهيب، حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-[ (2) ] .
وخرج النسائي من طريق زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن عبد اللَّه بن الحارث، قال: قال لي خبّاب: إنه سمع النبي صلى اللَّه عليه وسلم قبل أن يتوفى يقول: قد كان إخوة وأصدقاء فأراني أبرأ إلي كل خليل من خلّته، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، وإن ربي اتخذني خليلا، كما اتخذ أبي إبراهيم خليلا، ألا ولا تتخذوا القبور مساجد، فإنّي أنهاكم عن ذلك، ذكره في تفسير سورة النساء.
قال البيهقيّ: وفي هذه الخطبة، قال: فذكر ما خرجه البخاري في علامات النبوة في الإسلام من حديث أبي نعيم، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن حنظلة الغسيل حدثنا، عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، قال: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه في ملحفة قد عصب بعصابة دسماء حتى جلس على المنبر، فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار، حتى يكونوا في الناس كالملح في الطعام فمن ولي منكم شيئا يضرّ فيه قوما وينفع آخرين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، فكان آخر مجلس جلس فيه النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] .
وذكر من طريق يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن أيوب بن بشير قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال في مرضه: أفيضوا عليّ سبع قرب
__________
[ (1) ] حديث رقم (467) .
[ (2) ] باب (5) قول النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «لو كنت متخذا خليلا» حديث رقم «3656» .
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 178.(14/440)
من سبع آبار شتّى، حتى أخرج وأعهد إلي الناس، ففعلوا، فجلس على المنبر فكان أول ما ذكر بعد حمد اللَّه تعالى والثناء على أصحاب أحد، فاستغفر لهم ودعا لهم، ثم قال: يا معشر المهاجرين، إنكم قد أصبحتم تزيدون والأنصار علي هيئتها لا يزيدون، وإنهم عيبتي التي آويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم، ثم قال صلى اللَّه عليه وسلم: أيها الناس إن عبدا من عباد اللَّه تعالى قد خيّره اللَّه تعالى بين الدنيا وبين ما عند اللَّه تعالى فاختار ما عند اللَّه عز وجل ففهمها أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من بين الناس فبكى، ثم قال: نفديك بأنفسنا وآبائنا فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: على رسلك يا أبا بكر، انظروا إلى هذه البيوت الشارعة في المسجد فسدوها، الا ما كان من بيت أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- فإنّي لا أعلم أحدا أفضل عندي يدا في الصحبة منه [ (1) ]
قال البيهقي: هذا وإن كان مرسلا ففيه ما في حديث ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- من تاريخ هذه الخطبة وأنها كانت بعد ما اغتسل ليعهد إلي الناس، وينعي نفسه إليهم.
وخرج من طريق الواقدي. قال حدثني فروة بن زبيد طوسا، عن عائشة بنت سعد، عن أم ذرّة، عن أم سلمة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عاصبا رأسه بخرقة، فلما استوى علي المنبر أحدق الناس بالمنبر واستكفوا، فقال: والّذي نفسي بيده إني لقائم على الحوض ساعة، ثم تشهّد فلما قضي تشهده، كان أول ما تكلم به أن استغفر للشهداء الذين قتلوا بأحد، ثم قال صلى اللَّه عليه وسلم: إن عبدا من عباد اللَّه تعالى خيّر بين الدنيا وبين ما عند اللَّه عز وجل، فاختار العبد ما عند اللَّه تعالى، فبكى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فعجبنا لبكائه. وقال: بأبي وأمي، نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا، فكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم هو المخيّر وكان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أعلمنا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: على رسلك. [ (1) ]
وخرجه الواقدي عن عروة به، قال في آخره: قال عمر- رضي اللَّه تبارك
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7: 178.(14/441)
وتعالى عنه- يا رسول اللَّه دعني افتح كوّة فأنظر إليك حين تخرج إلى الصلاة فقال صلى اللَّه عليه وسلم: لا.
وقال سيف: عن محمد بن إسحاق، [ (1) ] عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: أمرنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن نغسّله من سبع قرب من سبع آبار، ففعلنا ذلك وصببنا عليه فوجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم راحة فخرج يصلى بالناس واستغفر لأهل أحد ودعا لهم، وأوصى بالأنصار فقال: أما بعد، يا معشر المهاجرين فإنكم تزيدون، وأصبحت الأنصار على هيئتها التي هي عليها اليوم، إلا أن الأنصار عيبتي التي آويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم، ثم قال: إن عبدا من عباد اللَّه تعالى خيّره ما بين الدنيا وبين ما عند اللَّه عزّ وجل، فاختار ما عند اللَّه تعالى فبكى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وظنّ أنه يريد نفسه، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: على رسلك يا أبا بكر، سدوا هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنّي لا أعلم امرأ أفضل عندي في الصحبة من أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
وقال سيف: حدثني سعيد بن عبد اللَّه بن أبي مليكة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رفع يومئذ صوته حتى أسمع من وراء المسجد، فقال: أيها الناس، سعرت النار، وأقبلت فتن كقطع الليل المظلم وإنها آكلة من وجدت على رأس خمس وثلاثين سنة، إلا من تمسّك بالثقلين من كتاب اللَّه تعالى وسنتي وإني لم أحلّ إلا ما أحل القرآن ولم أحرّم إلا ما حرّم القرآن، والمسلمون شهود اللَّه فيما لم يكن فيه كتاب ولا سنة فما حسنوه فحسن وما قبحوه فقبيح، فالزموا الجماعة والطاعة، فأما الجماعة فالسنة، وأما الطاعة فالعصمة، ثم دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيته وقال: مروا أبا بكر يصلي بالناس.
وقال الواقدي: قالت أم ذرّة: فسمعت أبا سعيد- رضي اللَّه تبارك
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) .(14/442)
وتعالى عنه- يقول: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ مشتملا قد طرح طرفي ثوبه على عاتقه عاصبا رأسه بعصابة، وقال بعد التشهد: يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون، وأصبحت الأنصار لا تزيد علي هيئتها التي هي عليها اليوم وإن الأنصار عيبتي التي أويت إليها فاحفظوني فيهم، فأكرموا كريمهم، وأقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم.
قال: واعترض رجل فقال يا رسول اللَّه: ما بال أبواب أمرت فيها أن تفتح وأبواب أمرت بها أن تغلق؟ فقال صلى اللَّه عليه وسلم ما فتحتها ولا أوصدتها عن أمرى.
وخرج البيهقي من حديث معن بن عيسى القزاز عن الحارث بن عبد الملك ابن عبد اللَّه بن إياس الليثي، عن القاسم بن يزيد بن عبد اللَّه بن قسيط، عن أبيه، عن عطاء، عن ابن عباس، عن الفضل بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قال: أتانى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يوعك وعكا شديدا وقد عصب رأسه فقال: خذ بيدي يا فضل، قال: فأخذت بيده حتى قعد على المنبر ثم قال صلى اللَّه عليه وسلم: ناد في الناس يا فضل، فناديت: الصلاة جامعة، قال: فاجتمعوا فقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خطيبا.
فقال: أما بعد، أيها الناس، وإنه قد دنا مني حقوق من بين أظهركم، ولن تروني في هذا المقام فيكم، وقد كنت أرى أن غيره غير مغن عني حتى أقومه فيكم ألا فمن كنت جلدت له ظهرا، فهذا ظهري فليستقد منه ومن كنت أخذت له مالا، فهذا مالي فليأخذ منه، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد، ولا يقولن قائل: أخاف الشحناء من قبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ألا وإن الشحناء ليست من شأني ولا من خلقي، وإن من أحبكم إليّ من أخذ حقا إن كان له عليّ وحللني، فلقيت اللَّه تعالى وليست عندي لأحد مظلمة [ (1) ] .
قال: فقام رجل فيهم: فقال: يا رسول اللَّه! لي عندك ثلاثة دراهم فقال صلى اللَّه عليه وسلم: أما أنا فلا أكذّب قائلا ولا مستحلفه على يمين، فيم كانت لك عندي؟ قال: أما تذكر أنه مرّ بك سائل فأمرتني فأعطيته ثلاثة دراهم؟ قال
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 179.(14/443)
صلى اللَّه عليه وسلم أعطه يا فضل. قال: قال: فأمر به فجلس [ (1) ] .
ثم عاد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مقالته الأولى، ثم قال أيها الناس من كان عنده من الغلول شيء فليرده، فقام إليه رجل فقال: يا رسول اللَّه! عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل اللَّه، قال صلى اللَّه عليه وسلم: ولم غللتها؟ قال: كنت إليها محتاجا فقال صلى اللَّه عليه وسلم خذها منه يا فضل [ (2) ] .
ثم عاد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مقالته الأولى وقال: أيها الناس من أحس من نفسه شيئا فليقم أدعو اللَّه عز وجل ذكره له، قال: فقام إليه رجل فقال: يا رسول اللَّه: إني لمنافق، وإني لكذوب، وإني لنؤوم، فقال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ويحك أيها الرجل! لقد سترك اللَّه تعالى، لو سترت على نفسك. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة اللَّهمّ ارزقه صدقا، وإيمانا، وأذهب عنه النوم إذا شاء، ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عمر معى، وأنا مع عمر، والحق بعدي مع عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه ... [ (3) ] .
وقال سيف: حدثني سعيد بن عبد اللَّه، عن أبيه قال: لما رأت الأنصار أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يزداد ثقلا أطافوا بالمسجد فدخل العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على النبي صلى اللَّه عليه وسلم فاعلمه بمكانهم ثم دخل عليه الفضل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأعلمه بمثل ذلك، فمد يده فقال: هنا فيتناولوه، فقال: وما يقولون؟ قال: يقولون نخشى أن تموت وفضائح نسائهم لاجتماع رجالهم إلي النبي صلى اللَّه عليه وسلم فثار النبي صلى اللَّه عليه وسلم فخرج متوكئا على علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والفضل والعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أمامه والنبي صلى اللَّه عليه وسلم معصوب الرأس يخط برجله حتى جلس على أسفل مرقاه من المنبر وثاب الناس إليه فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس بلغني أنكم تخافون عليّ الموت كافة استنكارا منكم للموت وما تنكرون من موت.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 180 وفيه «فأمرته فجلس» .
[ (2) ] (المرجع السابق) .
[ (3) ] (المرجع السابق) ونقله الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) وقال: في إسناده ومتنه غرابة شديدة.(14/444)
نبيكم؟ ألم أنع لكم وتنعي لكم أنفسكم؟ هل خلد نبي قبلي ممن بعث إليه فأخلد فيكم؟ ألا إني لاحق وإنكم لاحقون به، وإني أوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرا وأوصى المهاجرين فيما بينهم، وإن اللَّه عزّ وجلّ قال: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ [ (1) ] إلي آخرها، وإن الأمور تجري بإذن اللَّه تعالى، فلا يحملنكم استبطاء أمر على استعجاله فإن اللَّه عز وجل لا يعجل بعجلة أحد، ومن غالب اللَّه غلبه، ومن خادع اللَّه خدعه فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ [ (2) ] وأوصيكم بالأنصار خيرا فإنّهم الذين يتبوءوا الدار والإيمان، أن تحسنوا إليهم، ألم يشاطروكم الثمار؟ ألم يتوسعوا عليكم في الديار؟ ألم يؤثروكم على أنفسهم وبهم الخصاصة؟ ألا فمن إن يحكم بين رجلين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، ألا ولا تستأثروا عليهم، ألا وأنا فرط لكم وأنتم لاحقون بي، ألا وإن موعدكم الحوض حين أعرض مما بين، بصري الشام، وصنعاء اليمن، فصب فيه ميزاب الكعبة، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وألين من الزبد، وأحلى من الشهد، من يشرب منه لم يظمأ أبدا، حصباؤه اللؤلؤ، وبطحاؤه في مسك، من حرمه في الموقف غدا حرم الخير كلّه، ألا فمن أحب أن يرد عليّ غدا فليكفف يده ولسانه إلا مما ينبغي.
فقال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا نبيّ اللَّه، أوص بقريش، فقال: إنما أوصى بهذا الأمر قريشا، الناس تبع لقريش من أبرهم وفاجرهم فاستوصوا، إن قريشا بالناس خيرا، يا أيها الناس، إن الذنوب تغير النعم، وتبدل القسم، وإذا برّ الناس برّهم أئمتهم، وإذا فجروا عقوهم. قال اللَّه عز وجل: وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [ (3) ] .
__________
[ (1) ] العصر: 1- 2.
[ (2) ] محمد: 22.
[ (3) ] الأنعام: 129.(14/445)
ذكر إرادة الرسول صلى اللَّه عليه وسلم أن يكتب كتابا لأصحابه وقد اشتد به الوجع
خرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] والنسائي [ (3) ] من حديث عبد الرزاق قال:
أنبأنا معمر عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة عن ابن عباس قال لما حضر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده، قال عمر:
إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب اللَّه، واختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر: فلما أكثروا اللغط والاختلاف عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال قوموا عني. قال عبيد اللَّه: فكان ابن عباس يقول إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، من اختلافهم ولغطهم.
لفظهم فيه متقارب
وذكر البخاري في كتاب المرض، وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنه [ (4) ] ، وفي آخر المغازي، وذكره مسلم في الوصايا، وأخرجه البخاري في كتاب العلم [ (5) ] في باب كتابة العلم من حديث يونس عن الزهري
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 167، كتاب المغازي، باب (84) مرضى النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته، حديث رقم (432) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 102- 104، كتاب الوصية باب (5) ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصى فيه، حديث رقم (22) .
[ (3) ] لعله في (الكبرى) .
[ (4) ] (فتح الباري) /: 13/ 414، كتاب الاعتصام، باب (26) كراهية الاختلاف، حديث رقم (7366) : يقول أن الرزية كل الرزية أن حال شيء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب. من اختلافهم ولغطهم.
[ (5) ] قوله: باب كراهية الاختلاف ولبعضهم الخلاف أي في الأحكام الشرعية أو أعم من ذلك وسقطت هذه الترجمة لابن بطال فصار حديثها من جملة باب النهي للتحريم ووجهه بأن الأمر بالقيام عن الاختلاف في القرآن للندب لا لتحريم القراءة عند الاختلاف والأولى ما وقع عند الجمهور وبه جزم الكرماني فقال في آخر حديث عبد اللَّه بن مغفل: هذا آخر إيراد في الجامع من مسائل أصول الفقه(14/446)
قال: لما اشتد بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم وجعه قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده. قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم غلبه الوجع وعندنا كتاب اللَّه حسبنا، فاختلفوا وأكثروا اللغط: قال صلى اللَّه عليه وسلم قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع، فخرج ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبين كتابه.
وخرج البخاري ومسلم من حديث سفيان. بن عيينة، عن سليمان بن أبي مسلم أنه سمع سعيد بن جبير. قال: إنه سمع ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يقول: يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى بلى دمعه، فقال: ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي أبدا فتنازعوا وما ينبغي عند نبي تنازع، وقالوا: ما شأنه أهجر؟ استفهموه، فقال صلى اللَّه عليه وسلم دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه فأمرهم بثلاث:
فقال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، والثالثة إما أن سكت عليها وإما أن
__________
[ () ] قوله: «حدثنا إسحاق» هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في (المستخرج) وقوله في آخر قال أبو عبد اللَّه سمع عبد الرحمن يعني ابن مهدي المذكور في السند سلاما يعني بتشديد اللام وهو ابن أبي مطيع، وأشار بذلك قوله: قال عبيد اللَّه هو ابن عبد اللَّه بن عتبة هو موصول بالسند المذكور وقد تقدم بيان ذلك في (كتاب العلم) وفي آخر المغازي في باب الوفاة النبويّة.
إلى ما أخرجه في فضائل القرآن عن عمرو بن على عن عبد الرحمن قال: حدثنا سلام بن أبي مطيع ووقع هذا الكلام للمستملي وحده.
قوله: «وقال يزيد بن هارون إلخ، وصله الدارميّ عن يزيد بن هارون لكن قال عن همام، ثم أخرجه عن أبي النعمان، عن هارون الأعور، وتقدم في آخر فضائل القرآن الاختلاف على أبي عمران في سند هذا الحديث مع شرح الحديث، وقال الكرماني: مات يزيد بن هارون سنة ست ومائتين فالظاهر أن رواية البخاري عنه تعليق انتهى. وهذا لا يتوقف فيه من اطلع على ترجمة البخاري، فإنه لم يرحل من بخارى إلا بعد موت يزيد بن هارون بمدة.
قوله في حديث ابن عباس. واختلف أهل البيت: اختصموا، كذا لأبي ذر وهو تفسير لاختلفوا، ولغيره واختصموا بالواو العاطفة وكذا تقدم في آخر المغازي.(14/447)
قالها فنسيتها. قال سفيان: هذا من قول سليمان. اللفظ للبخاريّ. ذكره في كتاب الجزية، وذكره مسلم في كتاب الوصايا ولم يقل فكيف؟ ولا قال: مما تدعوا إليه. وقال: لا تضلوا بعدي، وقال: أوصيكم بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب. وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجزهم، قال: وسكت عن الثالثة أو قال: فأنسيتها، ولم يقل: قول سفيان.
وذكره البخاري في آخر المغازي [ (1) ] من حديث ابن عيينة، عن سليمان الأحول بهذا الإسناد. ولم يقل: في هذا، ثم بكي حتى بلّ دمعه الحصى، ولا قال: يكتب، وقال: لن تضلوا بعده، وقال: أوصاهم. بثلاث، وقال:
سكت عن الثالثة، أو قال: فنسيتها. وذكره في كتاب الجهاد. [ (2) ]
وخرجه النسائي [ (3) ] من حديث سفيان قال: سمعت سليمان يحدث، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: يوم الخميس. وما يوم الخميس، ثم جعل تسيل دموعه على خديه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:
ائتوني بكتف والدواة واللوح أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. قالوا: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم هجر [ (4) ] .
وقال الإمام أحمد حدثنا معاوية، [ (5) ] حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي عن ابن أبي مليكة. عن عائشة قالت: لما ثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لعبد الرحمن بن أبي بكر: ائتني بكتف أو لوح حتى أكتب لأبى بكر كتابا لا يختلف عليه، فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم قال: أبى اللَّه والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر.
وقال الواقدي: قال ابن عباس: يوم الخميس، وما يوم الخميس؟ ثم
__________
[ (1) ] (سبق تخريجه) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 6/ 209، باب (175) جوائز الوفد، وباب (176) هل يستشفع إلى أهل الذمة؟ ومعاملتهم، حديث رقم (3053) .
[ (3) ] (لعله في الكبرى) .
[ (4) ] (مسند أحمد) : 7/ 17، حديث رقم (23679) من حديث السيدة عائشة.
[ (5) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 181.(14/448)
بكى حتى بل دمعه الحصى، قيل: وما يوم الخميس؟ قال: اشتد برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجعه فقال: ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدة أبدا فتنازعوا ولا ينبغي التنازع عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال بعضهم: ما له؟
أهجر؟ فقال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنده. قال:
دعوني فما أنا فيه خير مما تألونني، فأوصاهم بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما تروني أجيزهم، وأنفذوا جيش أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قوموا.
وكان ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يقول: الرزية كل الرزية ما حال بين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم [ (1) ] .
وقال سيف: عن محمد بن عبيد اللَّه وعبد الملك بن جرير، عن عطاء، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وعن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه عن أبيه قال: كان ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يقول لما كانت ليلة الخميس وما يوم الخميس، وما يوم الخميس، قال ليلة الخميس وما ليلة الخميس؟ قلت: ليلة الخميس وما ليلة الخميس ويوم الخميس؟ ثم سكت وإذا ذكر الخميس قلت: وما ذاك؟ فقال: هي الليلة التي ثقل فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثقلا ثقل مثله، وهو اليوم التي ثقل فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لا تختلفون بعده.
وأغمي عليه فدعا العباس بالدواة والصحيفة، فقال رجل من أهل البيت:
رسول اللَّه هجر، فأناق، فقال يا رسول اللَّه إلا نأتيك بالصحيفة التي طلبت والدواة لتكتب لها فيها ما لا نختلف بعده؟
فقال: الآن بعد ما قلتم يهجر؟ فلم نفعل، فأنا مقنع على ما فاته من ذلك.
ورواه عن أبى الزبير، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- مثل ذلك قال: وكان ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 102- 103 كتاب الوصية باب (5) الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه، حديث رقم (22) .(14/449)
يقول: ما ضياع ما ضيع من إضاعة الرأى.
قال سيف: عن وائل بن داود، عن يزيد النهي، عن النبي قال: لتؤتونى بكتف وداوة، أكتب لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كتابا لا يختلف عليه معه اثنان من بعدي فأتي بهما قال صلى اللَّه عليه وسلم: ألا معاذ اللَّه لأبي بكر من ذلك، ومعاذ اللَّه أن تختلفوا على أبي بكر.
قال البيهقي رحمة اللَّه: وإنما قصد عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بما قال في التخفيف على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين رآه قد غلب عليه الوجع، ولو كان ما يريد النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن يكتب لهم شيئا مفروضا، لا يستغنون عنه أم يتركه باختلافهم ولغطهم لقول اللَّه عز وجل: بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [ (1) ] كما لم يترك تبليغ غيره بمخالفة من خالفه، ومعاداة من عاداه، وإنما أراد فيما حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله أن يكتب استخلاف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ثم ترك كتابته اعتمادا على ما علم من تقدير اللَّه تعالى ذلك كما هم به في ابتداء مرضه حين قال: وا رأساه، ثم بدا له صلى اللَّه عليه وسلم أن لا يكتب،
وقال: يأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر،
ثم نبه أمته على خلافته باستخلافه إياه في الصلاة حين عجز عن حضورها، وإن كان المراد به رفع الخلاف في الدين، قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: علم أن اللَّه تعالى قد أكمل دينه بقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [ (2) ] وعلم انه لا يحدث واقعه إلى يوم القيامة إلا وفي كتاب اللَّه تعالى وسنة رسوله صلى اللَّه عليه وسلم بيانها، نصا ودلالة وفي نصّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على جميع ذلك في مرض موته مع شدة وعكه، مما يشق عليه، فرأى عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- الاقتصار على ما سبق بيانه نصا أو دلالة، تخفيفا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولكيلا تزول فضيلة أهل العلم بالاجتهاد في الاستنباط وإلحاق الفروع بالأصول، بما دلّ الكتاب والسنة عليه، وفيما سبق من
قوله صلى اللَّه عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد،
دليل على أنه وكل بيان بعض
__________
[ (1) ] المائدة: 67.
[ (2) ] المائدة: 3.(14/450)
الأحكام إلى اجتهاد العلماء، وأنه أحرز من أصاب منهم الأجرين الموعودين:
أحدهما بالاجتهاد والآخر بإصابة العين بما عليها من الدلالة في الكتاب والسنة وإنه أحرز من اجتهد فأخطأ أجرا واحدا باجتهاده، ورفع إثم الخطأ عنه وذلك في أحكام الشريعة التي لم يأت بيانها نصا، وإنما ورد خفيا [ (1) ] .
فأما مسائل الأصول فقد ورد بيانها جليا، فلا عذر لمن خالف بيانه لما فيه من فضيلة العلماء بالاجتهاد وإلحاق الفروع بالأصول، بالدلالة مع طلب التخفيف على صاحب الشريعة، وفي ترك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الإنكار فيما قال دليل واضح على استصوابه رأيه [ (2) ] [وباللَّه التوفيق] [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 184- 185.
[ (2) ] (المرجع السابق) : 185.
[ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .(14/451)
ذكر أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين اشتد به الوجع أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يصلي بالناس
خرج البخاري من طريق الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود قال: كنا عند عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فذكرنا المواظبة على الصلاة والتعظيم لها، قالت: لما مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرضه الّذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس! فقيل له: إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، وأعاد فأعادوا، فقال الثالثة فقال: إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس، فخرج أبو بكر يصلي فوجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم من نفسه خفّة فخرج يهادي بين رجلين، كأني انظر رجليه تخطان من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن مكانك، ثم أتي به حتى جلس إلى جنبه. قيل للأعمش: وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يصلي وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصلي بصلاته والناس بصلاة أبي بكر؟ فقال برأسه: نعم، ذكره في باب حدّ المريض أن يشهد الجماعة [ (1) ] .
وخرج أبو داود عن شعبه عن الأعمش بعضه وزاد أبو معاوية: جلس عن يسار أبى بكر، فكان أبو بكر يصلى قائما.
وخرج البخاري ومسلم من حديث الأعمش عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما ثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت: فقلت لحفصة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: قولي له: إن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- رجل أسيف وأنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-؟ فقالت له، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 2/ 193، كتاب الأذان، باب 39 حد المريض أن يشهد الجماعة، حديث رقم (664) قوله:
«أسيف» شديد الحزن والبكاء، من الأسف. قوله: «صواحب يوسف» : الصواحب جمع صاحبه، وهي المرأة، ويوسف هو يوسف النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وصواحب: امرأة العزيز، والنساء اللاتي قطعن أيديهن، أراد: إنكن تحسّن للرجل ما لا يجوز، وتغلبن على رأيه.(14/452)
إنكن لأنتن صواحب يوسف! مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت: فأمروا أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فليصلى بالناس قالت: فلما دخل في الصلاة وجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من نفسه خفة، فقام يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض حتى دخل المسجد، فلما سمع أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حسّه ذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: قم مكانك، فجاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
قالت: وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلي بالناس جالسا وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قائما يقتدي أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بصلاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر [ (1) ] .
وقال البخاري: فكان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقتدي بصلاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقال البخاري: فكان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قائما، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلي قاعدا يقتدي أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بصلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والناس يقتدون بصلاة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ترجم عليه باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم
قال:
ويذكر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: ائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم [ (2) ]
وخرج مسلم من حديث ابن مسهر وعيسى بن يونس، كلاهما عن الأعمش بهذا الإسناد ونحوه في حديثهما: لما مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرضه الّذي توفي فيه وفي حديث ابن مسهر فأتي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى أجلس إلي جنبه وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يصلي بالناس وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يسمعهم التكبير، وفي حديث عيسى: فجلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلى وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يسمعهم التكبير وفي حديث عيسى: فجلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلي وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- جنبه وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى
__________
[ (1) ] (جامع الأصول) : 8/ 596، حديث رقم (6420) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 2/ 260، كتاب الأذان، باب (68) ، حديث رقم (713) .(14/453)
عنه- يسمع الناس [ (1) ]
وخرجه البخاري من حديث الأعمشي عن إبراهيم عن الأسود. عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرضه الّذي مات فيه أتاه بلال يؤذنه بالصلاة فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس قلت: إن أبا بكر رجل أسيف إن يقم مقامك يبكي فلا يقدر على القراءة فقال: مروا أبا بكر فليصل، فقلت مثله، فقال في الثالثة أو الرابعة: إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل، فصلى وخرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم يهادى بين رجلين كأني انظر إليه يخط برجليه الأرض، فلما رآه أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ذهب يتأخر، فأشار إليه أن صل فتأخر أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- وقعد النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلي جنبه وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يسمع الناس التكبير. ترجم عليه باب من أسمع الناس تكبير الإمام. [ (2) ]
وخرج البخاري ومسلم من حديث زائدة عن موسى بن أبي عائشة فقلت:
ألا تحدثيني عن مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قالت: بلى، ثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال:
أصلّي الناس؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك قال: ضعوا لي ماء في المخضب قالت: ففعلنا، فاغتسل صلى اللَّه عليه وسلم ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال صلى اللَّه عليه وسلم أصلّي الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول اللَّه، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: ضعوا لي ماء في المخضب، فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال صلى اللَّه عليه وسلم: أصلي الناس؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول اللَّه، والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة. قالت: فأرسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- بأن يصلي بالناس، فأتاه الرسول فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس، فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان رجلا رقيقا يا عمر- صل بالناس، فقال له عمر
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 384، كتاب الصلاة، باب (21) استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرها من يصلى بالناس، وأن من صلى خلف إمام جالس لعجزه عن القيام لزمه القيام إذا قدر عليه، ونسخ القعود خلف القاعد في حق من قدر على القيام، حديث رقم (96) .
[ (2) ] حديث رقم (712) .(14/454)
أنت أحق بذلك: فصلى أبو بكر في تلك الأيام. ثم إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجد من نفسه خفة، فخرج بين رجلين- أحدهما العباس لصلاة الظهر، وأبو بكر يصلي بالناس فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم بأن لا يتأخر، قال لهم: أجلساني إلى جنبه فأجلساه إلى جنب أبي بكر، فجعل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصلي وهو يأتم بصلاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم والناس بصلاة أبي بكر، والنبي صلى اللَّه عليه وسلم قاعد.
قال عبيد اللَّه: فدخلت علي عبد اللَّه بن عباس فقلت له: ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عن مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: هات، فعرضت عليه حديثها فما أنكر منه شيئا غير أنه قال:
أسمّت لك الرجل الّذي كان مع العباس؟ قلت: لا، قال: هو عليّ. ألفاظهما فيه متقاربة ذكره البخاري في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به [ (1) ] وأخرجه النسائي من حديث عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا زائدة، عن موسى بن أبي عائشة إلى آخره بنحوه، ذكره في باب الائتمام بالإمام يصلي قاعدا، وقال: بعضه عن موسي بن أبي عائشة [ (2) ] .
وخرّج البخاري من حديث هشام بن يوسف، عن معمر، عن الزهري قال:
أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه قال: لما ثقل النبي صلى اللَّه عليه وسلم واشتد وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له، فخرج بين رجلين يخط رجلاه الأرض، وكان بين العباس وبين رجل آخر. قال عبيد اللَّه: فذكرت لابن عباس ما قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقال لي: وهل تدري من الرجل الّذي لم تسم عائشة؟ قلت: لا، قال: هو علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ذكره في باب حدّ المريض أن يشهد الجماعة وذكره مختصرا في كتاب الخمس، في باب ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلم.
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 2/ 220، كتاب الأذان، باب (51) إنما جعل الإمام ليؤتم به، وصلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي توفى فيه بالناس وهو جالس، حديث رقم (687) .
[ (2) ] (سنن النسائي) : 2/ 2436 كتاب الإمامة، باب (40) الائتمام بالإمام يصلى قاعدا، حديث رقم (833) .(14/455)
وخرجه مسلم [ (1) ] من طريق عبد الرزاق، قال الزهري: وأخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أخبرته قالت: أول ما اشتكى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيت ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيتها فأذن له، قالت: خرج ويدا له على الفضل بن العباس ويدا له على رجل آخر، وهو يخط برجله في الأرض فقال عبيد اللَّه: فحدّث به ابن عباس فقال: أتدري من الرجل الّذي لم تسمّ عائشة؟ هو عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
وخرجه أيضا من حديث الليث عن عقيل بن خالد قال: ابن شهاب أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود، أن عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم قالت: لما ثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فاشتد به وجعه واستأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له، فخرج بين رجلين يخط رجلاه في الأرض بين عباس بن عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وبين رجل آخر، قال عبيد اللَّه:
فأخبرت عبد اللَّه بالذي قالت عائشة، قال أتدري من الرجل الآخر؟ قلت: لا، قال ابن عباس: هو علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[ (2) ]
قال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي: كانت مدة مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم اثني عشر يوما، وقيل: أربعة عشر يوما، وكان صلى اللَّه عليه وسلم يخرج إلى الصلاة إلا أنه انقطع ثلاثة أيام فقال صلى اللَّه عليه وسلم:
مروا أبا بكر فليصل بالناس [ (3) ] .
قال الواقدي: حدثني بن أبي سبرة عن أيوب بن عبد الرحمن، عن أبي صعصعة عن عباد بن تميم قال: صلى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالناس إلى أن توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سبع عشرة صلاة.
وحدثني بن أبي سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل، عن عكرمة قال: صلى بهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ثلاثا يعني ثلاثة أيام.
قال سيف: عن طلحة بن عمرو الحضرميّ، عن عبد اللَّه بن أبي نجيح
__________
[ (1) ] : حديث رقم (655) .
[ (2) ] : حديث رقم (3099) .
[ (3) ] : (صفة الصفوة) : 1/ 1165، ذكر وفاته صلى اللَّه عليه وسلم.(14/456)
ومحد بن شريك عن عبد اللَّه بن أبي مليكة، عن عبد اللَّه بن زمعة قال: جاء بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في أول ربيع الأول فأذن بالصلاة فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مروا أبا بكر يصلي بالناس، فخرجت فلم أر بالباب إلا عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في رجال ليس فيهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقلت: قم يا عمر فصل بالناس، فقام عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكبر وكان رجلا صيتا، فلما سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صوته بالتكبير قال: أين أبو بكر؟ يأبى اللَّه ذلك والمسلمون ثلاث مرات، مروا أبا بكر فليصلّ بالناس فقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: يا رسول اللَّه: إن أبا بكر رجل رقيق إذا قام في مقامك غلب عليه البكاء، فقال صلى اللَّه عليه وسلم إنكن صواحب يوسف! مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت: فصلى أبو بكر بعد الصلاة التي صلى عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان عمر يقول:
لعبد اللَّه بن زمعة بعد ذلك: ويحك ماذا صنعت بي واللَّه لولا أني ظننت أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمرك ما فعلت، فيقول عبد اللَّه: إني لم أر أحدا أولى بذلك منك.
وقال سيف: عن عبد اللَّه بن الوليد، عن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عمر عن أبيه عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- نحوا من ذلك، وقالت عائشة: ما قلت ولا أردت صرف ذلك عن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلا رغبا به عن الدنيا، ولما في الولاية من المخاطرة والهلكة إلا ما سلّم اللَّه، وخشيت أيضا أن لا يكون الناس يحبون رجلا قام في مقام النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو حيّ أبدا إلا أن يشاء اللَّه يحسدونه ويبغون عليه ويتشاءمون به فإذا الأمر أمر اللَّه عز وجل والقضاء قضاؤه، وعصمه اللَّه من كل ما تخوفت من أمر الدنيا والدين وسلمت من كل ما تخوفت من أمر الدنيا والناس مما كنت أخاف.
قال سيف: عن سلمة بن نبيط عن نعيم بن أبي هند، عن شقيق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما تحول النبي إلى صلاة الصبح فأفاق صلى اللَّه عليه وسلم وقال: هل صلى الناس بعد؟ فقلت: أذّن بلال وهو بالباب ينتظرك أن تخرج فتصلي بالناس، قال صلى اللَّه عليه وسلم: فمروا بلالا فليقم ومروا أبا بكر(14/457)
فليصل بالناس، فقلت: رقة الصديق ووجده بك ما قد علمت، فمتى يقم مقامك لا يستطيع أن يمضي في صلاته، وأغمي عليه وأفاق، فقال: هل صلى الناس بعد؟ فقال مثل ما قال وأغمي عليه، فقلت لحفصة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وهي إلى جنبي: قد رددت أمر النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرتين وأنا أخاف أن أغضبه فأجبته هذه المرة واشتدي بأبيك فإنه أرفق لذلك، فأفاق النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال:
أصلي الناس بعد؟ فقالت حفصة: يا رسول اللَّه إن من رقة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ووجده بك ما قد علمت، ومتى يقم في مقامك لا يستطيع أن يمضي في صلاته، فلو أمرت عمر فصلى بالناس فغضب صلى اللَّه عليه وسلم وقال: دعينى منكن، فإنكنّ صواحب يوسف، وأمر بلالا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يقيم، وأمر أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يصلي بالناس، فصلى بالناس، وكان صلى اللَّه عليه وسلم يؤذنه بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لكل صلاة فإن قدر على الخروج وإلا أمر أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فيصلي بالناس. وقال عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قلت: يا أمّ المؤمنين كم صلى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بالناس؟ فقالت: اثنى عشر يوما، لا تأتي الصلاة إلا جاء بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى الباب يؤذن بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فيقول:
مروا أبا بكر فليصل بالناس إلا أن يجد خفة فيخرج، فقلت: فهل صلى خلفه النبي صلى اللَّه عليه وسلم قالت: نعم قاعدا ما دام لا يقدر على القيام.
قال سيف: عن محمد بن إسحاق عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لم يصلّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم خلف أحد من أمته صلاة تامة إلا خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وصلى صلى اللَّه عليه وسلم خلف عبد الرحمن بن عوف- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ركعة.
قال سيف: عن هلال بن عامر، عن رافع بن عمر عن أبيه قال: حج النبي صلى اللَّه عليه وسلم سنة عشر، ثم رجع فأقام بقية ذي الحجة والمحرم ثم اشتكى في صفر فلما ثقل عن الخروج أمر أبا بكر أن يقوم مقامه وكان يصلى بالناس، وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم ربما خرج بعد ما يدخل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في(14/458)
الصلاة خلفه ولم يقل النبي صلى اللَّه عليه وسلم خلف أحد من أمته غيره إلا ركعة صلاها في سفر خلف عبد الرحمن بن عوف- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
ذكر آخر صلاة صلاها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من أولها إلى آخرها، وأول صلاة أمر أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يصليها بالناس، والصلاة التي حضرها حين وجد من نفسه خفة، وصلاة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بهم فيما بينهما أياما
خرج البخاري ومسلم من حديث مالك، عن ابن شهاب عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن أم الفضل بنت الحارث سمعته وهو يقرأ: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً [ (1) ] فقالت: يا بنىّ لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقرأ بها في المغرب. ذكره البخاري في باب القراءة في المغرب [ (2) ] .
وخرجه مسلم أيضا من حديث سفيان ويونس ومعمر وصالح وابن كيسان عن الزهري بهذا الإسناد، وزاد صالح: ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه اللَّه عز وجل.
وذكره البخاري في آخر كتاب المغازي في أول باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم
__________
[ (1) ] المرسلات: 1.
[ (2) ] (فتح الباري) : 2/ 313، كتاب الأذان، باب 98، القراءة في المغرب، حديث رقم 763.(14/459)
ووفاته، من حديث الليث عن عقيل عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه ابن عتبة، عن ابن عباس عن أم الفضل بنت الحارث قالت: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقرأ في المغرب بالمرسلات عرفا، ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه عز وجل [ (1) ] .
وخرج البيهقي من طريق محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن عتبة عن ابن عباس، عن أمه أم الفضل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: خرج إلينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو عاصب رأسه في مرضه فصلى بنا المغرب فقرأ بالمرسلات، فما صلى بعدها حتى لقي اللَّه عزّ وجل.
ثم ذكر البيهقي حديث موسى بن أبي عائشة عن عبيد اللَّه، عن عبد اللَّه قال: دخلت على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وطوله؟ قال في هذه الرواية الصحيحة: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم تقدم في تلك الصلاة، وعلق أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- صلاته بصلاته، وكذلك رواه الأسود بن يزيد، وابن أخيها عروة بن الزبير، كذلك رواه الأثرم عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-.
ثم ذكر من طريق شبابه بن سوار، قال حدثنا شعبة عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قالت: صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قاعدا.
وذكر من طريق مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة. عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صلى خلف أبي بكر.
ومن طريق هشيم قال: أخبرنا يونس عن الحسن قال: وأخبرنا حميد عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرج وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصلي بالناس، فجلس صلى اللَّه عليه وسلم إلى جنبه وهو في بردة قد خالف بين طرفيها، فصلى بصلاته.
__________
[ (1) ] حديث رقم (4429) .(14/460)
ومن طريق ابن أبي مريم قال: أخبرني حميد أنه سمع أنسا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: آخر صلاة صلاها النبي مع القوم في ثوب واحد ملتحفا به خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
كذا قاله محمد بن جعفر بن أبي كثير ورواه سليمان بن بلال، عن حميد عن ثابت البناني، حدثه عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكذلك قاله يحيى بن أيوب عن حميد، عن ثابت قال: حدثه عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صلى خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في ثوب واحد برد مخالفا بين طرفيه، فلما أراد أن يقوم قال: ادع لي أسامة بن زيد فجاء، فاسند ظهره إلى نحره، فكانت آخر صلاة صلاها.
قال البيهقي وفي هذه دلالة على أن هذه الصلاة التي صلاها خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كانت صلاة الصبح فإنّها أخر صلاة صلاها، وهي التي دعا أسامه بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حين فرغ منها فأوصاه في مسيره بما ذكره أهل المغازي.
قال: فالذي تدل عليه هذه الروايات مع ما تقدم أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم خلفه في تلك الأيام التي كان يصلى بالناس مرة وصلى أبو بكر خلفه مرة، وعلى هذا حملها الشافعيّ رحمه اللَّه تعالى.
وفي مغازي موسى بن عقبة وغيره، بيان الصلاة التي صلاها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعضها خلف أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهي صلاة الصبح، من يوم الاثنين.(14/461)
فصل فيما جاء في آخر صلاة صلاها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالناس، من أولها إلى آخرها، وأول صلاة أمر أبا بكر الصديق أن يصليها بالناس، والصلاة التي حضرها صلى اللَّه عليه وسلم حين وجد من نفسه خفة، وصلاة أبي بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بهم فيما بينهما أياما
قال البيهقيّ: أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، وأبو القاسم الحسن بن محمد ابن حبيب من أصله قالا: حدثنا أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الصفار إملاء، قال: حدثنا عبيد بن شريك، قال: حدثنا يحيى بن عبد اللَّه بن بكير، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- عن أم الفضل بنت الحارث، أنها قالت:
سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقرأ في المغرب ب وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً [ (1) ]
ما صلى لنا بعدها، حتى قبضه اللَّه، قال البيهقيّ: رواه البخاريّ في الصحيح عن ابن بكير.
وأخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، قال: حدثنا يوسف بن بهلول، قال:
حدثنا عبدة بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد اللَّه ابن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس، عن أم الفضل، قالت: خرج إلينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو عاصب رأسه في مرضه، فصلى بنا المغرب فقرأ ب وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً فما صلى بعدها حتى لقي اللَّه تبارك وتعالى.
قال البيهقي: وإنما أرادت واللَّه- تبارك وتعالى عنه أعلم- بالناس مبتدأ بها، فإنما توفي صلى اللَّه عليه وسلم نهارا. [ (2) ]
__________
[ (1) ] المرسلات: 1.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 190.(14/462)
قال البيهقي: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، قال: أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق، قال: حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا زائدة بن قدامة، قال: حدثنا موسي بن أبي عائشة، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، قال: دخلت على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقالت: بلي ثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: أصلى بالناس؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول اللَّه فقال صلى اللَّه عليه وسلم ضعوا لي ماء في المخضب، قالت: ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا هم ينتظرونك يا رسول اللَّه، فقال: ضعوا لي ماء في المخضب. قالت: فعلنا، فاغتسل ثم ذهب لينوء، فأغمي عليه، ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا هم ينتظرونك يا رسول اللَّه فقال: ضعوا لي ماء في المخضب. قالت ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء، فأغمي عليه، ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا، وهم ينتظرونك، والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صلاة العشاء قالت: فأرسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصلى الناس، فقالت: فأتاه الرسول فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس فقالت: فأتاه الرسول فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس. فقالت: فأتاه الرسول فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأمرك أن تصلى بالناس. فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وكان رجلا رقيقا: يا عمر صل بالناس، فقال له عمر: أنت أحق بذلك مني قالت:
فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام ثم إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجد من نفسه خفة، فخرج بين رجلين أحدهما العباس، لصلاة الظهر، وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يصلي بالناس. قالت: فما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن لا يتأخر، وقال لهما: أجلسانى إلى جنبه، فأجلساه إلى جنب أبي بكر، قالت: فجعل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصلي وهو قائم بصلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والناس يصلون بصلاة بصلاة أبى بكر، والنبي صلى اللَّه عليه وسلم قاعد. قال عبيد اللَّه: فدخلت على عبد اللَّه بن عباس، فقلت: ألا أعرض(14/463)
عليك ما حدثتني عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عن مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: هات، فعرضت عليه حديثها. فما أنكر منه شيئا، غير أنه قال:، سمّت لك الرجل الآخر الّذي كان مع العباس؟ قال: لا. قلت: هو عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- رواه البخاري ومسلم في الصحيح، عن أحمد بن يونس.
قال البيهقيّ: وفي هذه الرواية الصحيحة، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم تقدم في تلك الصلاة، وعلّق أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- صلاته بصلاته.
وكذلك رواه الأسود بن يزيد، وابن أختها عروة بن الزبير، وكذلك رواه الأرقم بن شرحبيل، عن عبد اللَّه بن عباس.
وقد أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين العلويّ، قال: أخبرنا أبو حامد ابن الشرقيّ، قال حدثنا إبراهيم بن عبد اللَّه، قال: حدثنا شبابة بن سوار، قال: حدثنا شعبة، عن نعيم بن أبي هند، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: قالت: صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه خلف أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قاعدا وكذلك روى عن الأسود، عن عائشة في إحدى الرواتين عن الأعمش.
قال البيهقيّ: أخبرنا أبو الحسن بن الفضل بن القطّان ببغداد، قال:
أخبرنا عبد اللَّه بن جعفر درستويه، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان، قال:
حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا شعبة، عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صلى خلف أبي بكر. وكذلك روى حميد، عن أنس بن مالك، ويونس عن الحسن، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرسلا.
قال البيهقيّ: أخبرنا أبو الحسن عليّ بن محمد المقرئ، قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق، قال: حدثنا يوسف بن يعقوب، قال: أخبرنا أبو الربيع قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن، قال: وأخبرنا حميد عن أنس بن مالك، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرج وأبو بكر يصلي بالناس، فجلس إلى جنبه وهو في بردة قد خالف بين طرفيها، فصلى بصلاته.
وأخبرنا عليّ بن أحمد بن عبدان، قال: أخبرنا أحمد بن عبيد، قال:(14/464)
حدثنا عبيد بن شريك، قال: حدثنا إبراهيم بن أبي مريم، قال: حدثنا محمد ابن جعفر، قال: أخبرنا حميد، أنه سمع أنسا يقول: آخر صلاة صلاها النبي صلى اللَّه عليه وسلم مع القوم في ثوب واحد، ملتحفا به خلف أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كذا قاله محمد بن جعفر بن أبي كثير. ورواه سليمان بن بلال عن حميد عن ثابت البنانيّ، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكذلك قاله يحيى بن أيوب عن حميد.
أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسي بن الفضل، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا يحيى بن أيوب، قال: حدثنا حميد الطويل، عن ثابت البنانيّ، حدثه عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صلى خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في ثوب واحد، برد مخالفا بين طرفيه. فلما أراد أن يقوم قال: ادع لي أسامه بن زيد، فجاء فأسند ظهره إلي نحره. فكانت آخر صلاة صلاها.
وفي هذا دلالة على هذه الصلاة، هي التي صلاها خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كانت صلاة الصبح. فإنّها آخر صلاة صلاها، وهي التي دعا أسامة بن زيد حين فرغ منها، فأوصاه في مسيره بما ذكره أهل المغازي.
قال البيهقي: فالذي تدل عليه هذه الروايات مع ما تقدم، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صلي خلفه في تلك الأيام التي كان يصلي بالناس مرة، وصلى أبو بكر خلفه مرة وعلى هذا حملها الشافعيّ- رحمه اللَّه- في مغازي موسى بن عقبة وغيره، بيان الصلاة التي صلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعضها خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهي صلاة الصبح من يوم الاثنين.
وفيما روينا عن عبيد اللَّه عن عائشة، وابن عباس بيان الصلاة التي صلاها أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- خلفه بعد ما افتتحها بالناس وهي صلاة الظهر من يوم السبت، أو الأحد فلا يتنافيان [ (1) ] واللَّه تعالى أعلم. [ (2) ]
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 179- 183.
[ (2) ] زيادة للسياق.(14/465)
ذكر تقرير النبي صلى اللَّه عليه وسلم أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في آخر صلاة صلاها بالناس في حياته،
وإشارته صلى اللَّه عليه وسلم إليهم قائما بها خلفه وارتضائه صلى اللَّه عليه وسلم صنعهم وذلك في صلاة الفجر يوم الاثنين، وهو اليوم الّذي توفّي فيه وقول من زعم أنه صلى اللَّه عليه وسلم خرج فصلى منها ركعة خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعد ما أمره بالتقديم ثم صلى لنفسه أخرى خرج البخاريّ من حديث أبى اليمان، قال: أخبرنا شعيب عن الزهريّ، قال: أخبرنى أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان تبع النبي صلى اللَّه عليه وسلم وخادمه وصحبه قال: إن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يصلى لهم في وجع النبي صلى اللَّه عليه وسلم الّذي توفّي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين- وهم صفوف في الصلاة- فكشف النبي صلى اللَّه عليه وسلم ستر الحجرة ينظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف- ثم تبسّم يضحك. فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى اللَّه عليه وسلم فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن أتموا صلاتكم. وأرخى الستر، فتوفّي رسول اللَّه من يومه. ذكره في باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة [ (1) ] .
وخرجه مسلم من حديث صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: أخبرني أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يصلي في وجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الّذي توفى فيه، فذكره بنحوه أو قريب منه، وخرجه من حديث سفيان بن
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 2/ 209، كتاب الأذان، باب (46) أهل العلم والفضل أحق بالإمامة، حديث رقم (680) .(14/466)
عيينة، عن معمر عن الزهري.
وأخرج البخاري من حديث أبي معمر حدثنا عبد الوارث، حدثنا عبد العزيز عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لم يخرج إلينا نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثا وأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يتقدم بالحجاب فلما وضح لنا وجه النبي صلى اللَّه عليه وسلم حين وضح لنا قال:
فأومأ نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيده إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يتقدم، وأرخى النبي صلى اللَّه عليه وسلم الحجاب فلم يقدر عليه حتى مات [ (1) ] ، لفظهما فيه متقارب.
قال البيهقي: فهذان عدلان شهدا بذلك على أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقد روى عبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ما يؤكد رواية أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ويشهد لها بالصحة [ (2) ] .
فذكر ما خرجه مسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] والنسائي [ (5) ] من حديث سفيان بن عيينة قال: أخبرني سليمان بن سحيم، عن إبراهيم بن عبد اللَّه بن معبد، عن أبيه، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: كشف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: أيها الناس إنه لم يبق من مبشّرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة، يراها المسلم أو ترى له، ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا. فأما
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (681) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 195، باب ما جاء في تقرير النبي صلى اللَّه عليه وسلم أبا بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على آخر صلاة صلاها بالناس في حياته، وإشارته إليهم بإتمامها خلفه وارتضائه صنيعهم، وذلك في صلاة الفجر من يوم الاثنين، وهو اليوم الّذي توفي فيه، وقول من زعم أنه خرج، فصلى منها ركعة خلف أبي بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بعد ما أمره بالتقدم ثم زعم أنه خرج، فصلى منها ركعة خلف أبي بكر بعد ما أمره ثم صلى لنفسه أخرى. خلف أبي بكر.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 442، كتاب الصلاة، باب (41) النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، حديث رقم (207) .
[ (4) ] (سنن أبي داود) : 1/ 545- 546، كتاب الصلاة، باب (152) الدعاء في الركوع والسجود حديث رقم (876) .
[ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 442- 443، حديث رقم (208) قوله: قال أبو بكر حدثنا سفيان(14/467)
__________
[ () ] عن سليمان هذا من ورع مسلم وباهر علمه لأن في رواية اثنين عن سفيان بن عيينة أنه قال: أخبرني سليمان بن سحيم وسفيان معروف بالتدليس وفي رواية أبي بكر عن سفيان عن سليمان فنبه مسلم على اختلاف الرواة في عبارة سفيان.
قوله: كشف الستارة، هي بكسر السين وهي الستر الّذي يكون على باب البيت والدار.
قوله صلى اللَّه عليه وسلم نهيت أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء.
فقمن أن يستجاب لكم.
وفي حديث علي رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه نهاني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن أقرأ راكعا أو ساجدا فيه النهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود
وإنما وظيفة الركوع التسبيح ووظيفة السجود التسبيح والدعاء فلو قرأ في ركوع أو سجود غير الفاتحة كره، ولم تبطل صلاته وإن قرأ الفاتحة ففيه وجهان لأصحابنا:
أصحهما أنه كغير الفاتحة ولا تبطل صلاته، والثاني يحرم وتبطل صلاته هذا إذا كان عمدا، فإن قرأ سهوا لم يكره سواء قرأ عمدا أو سهوا يسجد للسهو عند الشافعيّ، رحمه اللَّه تعالى.
قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «فأما الركوع فعظموا فيه الرب»
أي سبحوه ونزهوه ومجدوه وقد ذكر مسلم بعد هذا الأذكار التي تقال في الركوع والسجود واستحب الشافعيّ رحمه اللَّه تعالى وغيره من العلماء أن يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى، ويكرر كل واحدة منها ثلاث مرات، ويضم إليه ما جاء في حديث علي رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ذكره مسلم بعد هذا: اللَّهمّ لك ركعت، اللَّهمّ لك سجدت ... إلي آخره، وإنما يستحب الجمع بينهما لغير الإمام وللإمام الّذي يعلم أن المأمومين يؤثرون التطويل، فإن شك لم يزد على التسبيح، ولو اقتصر الإمام والمنفرد على تسبيحه واحدة فقال: سبحان اللَّه حصل أصل سنة التسبيح لكن ترك كمالها وأفضلها.
واعلم أن التسبيح في الركوع والسجود سنة غير واجب، هذا مذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعيّ رحمهم اللَّه تعالى، والجمهور، وأوجبه أحمد رحمه اللَّه تعالى، وطائفة من أئمة الحديث، لظاهر الحديث في الأمر به،
ولقوله صلى اللَّه عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي. وهو في صحيح البخاري
وأجاب الجمهور بأنه محمول على الاستحباب واحتجوا بحديث المسيء صلاته، فان النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يأمره به، ولو وجب لأمره به، فإن قيل: فلم يأمره بالنية والتشهد والسلام؟ فقد سبق جوابه عند شرحه.
وقوله صلى اللَّه عليه وسلم: فقمن هو بفتح القاف وفتح الميم وكسرها لغتان مشهورتان فمن فتح فهو عنده مصدر لا يثنى ولا يجمع، ومن كسر فهو وصف يثنى ويجمع وفيه لغة ثالثة: قمين بزيادة ياء وفتح القاف وكسر الميم ومعناه: حقيق وجدير.
وفيه الحث على الدعاء في السجود فيستحب أن يجمع في سجوده بين الدعاء والتسبيح وستأتي الأحاديث فيه.
قوله «ورأسه معصوب» فيه عصب الرأس عند وجعه. قوله «عبد اللَّه بن حنين» هو بضم الحاء(14/468)
الركوع فعظموا فيه الرّب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء. فقمن أن يستجاب لكم.
وخرّج مسلم من حديث يحيي عن أيوب، حدثنا إسماعيل بن جعفر قال:
أخبرني سليمان بن سحيم، عن إبراهيم بن عبد اللَّه بن معبد عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن أبيه، عن عبيد اللَّه بن عياض- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: كشف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الستر ورأسه معصوب في مرضه الّذي مات فيه فقال: اللَّهمّ هل بلغت؟ ثلاث مرات، إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا. يراها العبد الصالح أو ترى له. ثم ذكر بمثل حديث سفيان.
وخرجه النسائي من حديث علي بن حجر: حدثنا إسماعيل، وهو ابن جعفر، حدثنا سليمان، وهو ابن سحيم بهذا الإسناد كما قال مسلم، ثم قال بعد ذلك: ألا وإني نهيت عن القراءة في الركوع والسجود، فإذا ركعتم فعظموا اللَّه تعالى وإذا سجدتم فاجتهدوا في الدعاء فإنه قمن أن يستجاب لكم [ (1) ] .
قال البيهقيّ: والّذي يدل عليه حديث أم الفضل بنت الحارث، ثم حديث عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن عائشة وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-، ثم حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- صلى بالناس صلاة العشاء الآخرة، ليلة الجمعة. ثم صلى بهم خمس صلوات
__________
[ () ] وفتح النون. قوله فنهاني ولا أقول نهاكم ليس معناه إن النهي مختص به وإنما معناه أن اللفظ الّذي سمعته بصيغة الخطاب لي فأنا أنقله كما سمعته، وان كان الحكم يتناول الناس كلهم.
ذكر مسلم الاختلاف على إبراهيم بن حنين في ذكر ابن عباس بين علي وعبد اللَّه بن حنين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قال الدارقطنيّ: من أسقط ابن عباس أكثر وأحفظ، قلت: وهذا اختلاف لا يؤثر في صحة الحديث، فقد يكون عبد اللَّه بن حنين سمعه من ابن عباس عن علي، ثم سمعه من علي نفسه، وقد تقدمت هذه المسألة أوائل هذا الشرح مبسوطة. قوله «نهاني حبي (ص) » هو بكسر الحاء والباء أي محبوبي. (5) سبق تخريجه.
[ (1) ] سبق تخريجه.(14/469)
يوم الجمعة، ثم خمس صلوات يوم السبت، ثم خمس صلوات يوم الأحد، ثم صلى بهم صلاة الصبح يوم الاثنين، وتوفي النبي صلى اللَّه عليه وسلم من ذلك اليوم، وكان قد خرج فيما بين ذلك حين وجد من نفسه خفة لصلاة الظهر، إما يوم السبت، وإما يوم الأحد، بعد ما افتتح أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- صلاته بهم، فافتتح صلاته، وعلقوا صلاتهم بصلاته، وهو قاعد، وهم قيام وصلى مرة أخرى خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في رواية نعيم بن أبي هند ومن تابعه، فيكون جمله ما صلّى بهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم معهما ما افتتحها قبل خروجه سبع عشرة صلاة.
ثم ذكر من طريق الحسين بن الفرج، قال: حدثنا الواقدي قال: سألت أبا بكر بن أبي سبرة: كم صلى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالناس؟ قال: سبع عشرة صلاة. قلت: من أخبرك؟ قال: أيوب بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن أبيه، عن رجل من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم.
قال البيهقيّ: وقد ذهب موسى بن عقبة، في مغازيه إلي أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم في صلاة الصبح من يوم الاثنين، حتى وقف إلي جنب أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فصلى خلفه ركعة، فلما سلم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الركعة الآخرة. وكذلك هو في مغازي أبي الأسود عن عروة.
وذلك يوافق ما رويناه عن حميد، عن ثابت، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في صلاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ورواية نعيم بن أبي هند وغيره في حديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، ولا ينافي ما روينا عن الزهري وغيره عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
ويكون الأمر فيه محمولا على أنه رآهم وهم صفوف خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في الركعة الأولى من صلاة الصبح، فقال ما حكي هو وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، ثم خرج فأدرك معه الركعة الآخرة، أو خرج فصلى، ثم قال ما حكيا، فنقلا بعض الخبر ونقل(14/470)
غيرهما ما تركاه، كما نقل أحدهما فيما رواه ما ترك صاحبه.
ثم ذكر من طريق محمد بن عتاب العبديّ، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن موسى بن عقبة قال: قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المدينة يعني من حجة الوداع، فعاش بالمدينة حين قدمها بعد صدرة المحرم واشتكى في صفر، فوعك أشدّ الوعك، واجتمع إليه نساؤه كلهن يمرضنه، وقال نساؤه: يا رسول اللَّه إنه ليأخذك وعك ما وجدنا مثله على أحد قط غيرك. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: كما يعظم لنا الأجر، كذلك يشتد علينا البلاء.
واشتد عليه الوعك أياما وهو ينحاز إلى الصلوات حتى غلب فجاءه المؤذن، فأذنه بالصلاة فنهض فلم يستطع من الضعف، ونساؤه حوله، فقال للمؤذن: اذهب إلي أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأمره فليصل بالناس فقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عنها: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إن أبا بكر رجل رقيق: وإنه إن قام في مقامك بكى فأمر عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فليصل بالناس، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: مروا أبا بكر فليصل بالناس. قالت: فعدت، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: مروا أبا بكر فليصل بالناس، إنكن صواحب يوسف.
قالت فصمت عنه، فلم يزل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصلي بالناس، حتى كانت ليلة الاثنين من شهر ربيع الأول فأقلع عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الوعك، وأصبح مفيقا، فغدا إلى صلاة الصبح يتوكأ على الفضل بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، وغلام له يدعى ثوبان، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بينهما، وقد سجد الناس مع أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من صلاة الصبح، وهو قائم في الأخرى.
فتخلص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الصفوف يفرجون له، حتى قام إلى جنب أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فاستأخر أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخذ رسول اللَّه بثوبه، فقدمه في مصلاه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فصفا جميعا، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جالس، وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قائم يقرأ القرآن، فلما قضى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قراءته قام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فركع معه الركعة الآخرة، ثم جلس(14/471)
أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حين قضى سجوده يتشهد والناس جلوس فلما سلم، أتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الركعة الآخرة، ثم انصرف إلى جذع من جذوع المسجد، والمسجد يومئذ سقفه من جريد وخوص، ليس على السقف كثير طين، وإذا كان المطر امتلأ المسجد طينا، إنما هو كهيئة العريش.
وكان أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قد تجهز للغزو، وخرج في نقله إلى الجرف، فأقام تلك الأيام بشكوى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد أمره على جيش عامتهم المهاجرون، فيهم عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأمره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يغير على مؤتة، وعلى جانب فلسطين حيث أصيب زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد اللَّه بن رواحة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فجلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى ذلك الجذع، واجتمع إليه المسلمون يسلمون عليه، ويدعون له بالعافية، ودعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
فقال: أغد على بركة اللَّه، والنصر والعافية، ثم أغر حيث أمرتك أن تغير، قال أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا رسول اللَّه قد أصبحت مفيقا وأرجو أن يكون اللَّه عز وجلّ قد عافاك، فأذن لي فأمكث حتى يشفيك اللَّه، فإنّي إن خرجت وأنت على هذه الحال، خرجت وفي نفسي منك قرحة، وأكره أن أسأل عنك الناس.
فسكت عنه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وقام فدخل بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- ودخل أبو بكر على ابنته عائشة فقال: قد أصبح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مفيقا وأرجو أن يكون اللَّه عز وجل قد شفاه، ثم ركب فلحق بأهله بالسنح وهنالك كانت امرأته حبيبة بنت خارجة بن أبي زهير بن أخي بني الحارث بن الخزرج، وانقلبت كل امرأة من نساء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى بيتها.
وذلك يوم الاثنين، ووعك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين وجع واشتد الوعك واجتمع إليه نساؤه، وأخذ بالموت، فلم يزل كذلك حتى زاغت الشمس من يوم الاثنين يغمى عليه الساعة ثم يفيق ثم يشخص بصره إلى السماء، فيقول في الرفيق الأعلى مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ(14/472)
وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [ (1) ] قال ذلك- زعموا مرارا- كلما أفاق من غشيته فظن النسوة أن الملك خيره بين الدنيا والجنة فيختار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الجنة وما عند اللَّه تعالى من حسن الثواب.
واشتد برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الوجع، فأرسلت فاطمة إلى عليّ بن أبي طالب- رضى اللَّه تبارك وتعالى- عنهما، وأرسلت حفصة إلى عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى- وأرسلت كل امرأة إلى حميمها، فلم يرجعوا حتى توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على صدر عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- في يومها، يوم الاثنين حين زاغت الشمس، لهلال شهر ربيع الأول.
وذكر من طريق ابن لهيعة، فحدثنا أبو الأسود عن عروة قال: صدر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن حجة التمام، فقدم المدينة، فاشتكى في صفر، ووعك أشد الوعك، فذكر معنى ما روينا عن موسى بن عقبة.
ومن طريق يونس، عن ابن إسحاق قال: حدثنا ابن أبي مليكة، قال: صلى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالناس صلاة الصبح، فجاءه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فجلس إلى جنب أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فصلى وهو عاصب رأسه، فلما فرغ من الصلاة، أقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على الناس رافعا صوته، حتى خرج من باب المسجد يقول: أيها الناس! سعرت النار، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم.
قال البيهقي من طريق سليمان بن بلال، عن أبى عبد العزيز الزبيدي، عن مصعب بن محمد بن شرحبيل، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قالت: كشف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سترا أو فتح بابا لا أدرى أيهما، قال مصعب فنظر إلى الناس وراء عنه أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- يصلون فحمد اللَّه تعالى وسرّ بالذي رأى منه، وقال: الحمد للَّه، ما من نبي يتوفاه اللَّه تعالى حتى يؤمه رجل من أمته، أيها الناس أيما عبد من أمتى أصيب بمصيبتى من بعدي، فليتعزى بمصيبته عن مصيبته التي يصاب بها من بعدي، فإن أحدا من أمتي
__________
[ (1) ] النساء: 69.(14/473)
لن يصاب بمصيبة بعدي، أشد من مصيبته بي.
قال البيهقي: معني أول هذا الحديث موجود فيما روينا عن أنس بن مالك وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وأما آخر الحديث فلم أجد له شاهدا صحيحا واللَّه تعالى أعلم [ (1) ] .
وقال الواقدي: حدثني سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن ابن أبي مليكة عن عبيد اللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما هلك نبي حتى يؤمه رجل من أمته، فلما كان يوم الاثنين صلى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- بالناس الصبح وكان لا يلتفت، فأقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى جلس إلى جنب أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فصلى بصلاة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فلما قضى صلاته جلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعليه خميصة له فقال: إنكم واللَّه لا تمسكون عليّ بشيء إني لا أحلّ إلا ما أحلّ اللَّه تعالى في كتابه، يا فاطمة بنت محمد، ويا صفية بنت عبد المطلب، اعملا لما عند اللَّه تعالى، لا أملك لكما من اللَّه شيئا.
وقال: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم، عن أبيه، عن عمرة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما كانت ليلة الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول جاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجعا فلم يبق امرأة ولا رجل إلا أصبح في المسجد لوجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأتاه المؤذن يؤذنه بالصلاة صلاة الصبح فقال صلى اللَّه عليه وسلم: قل لأبي بكر يصلى بالناس فكبر أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في صلاته فكشف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الستر فرأى الناس يصلون فقال: إن اللَّه جعل قرة عيني في الصلاة، وأصبح صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين مفيقا، فخرج يتوكأ على الفضل بن العباس وثوبان غلامه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، حتى دخل المسجد وذكر الحديث.
وقال سيف: عن محمد بن إسحاق عن الزهري، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: خرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم صبيحة اثنتي عشرة عاصبا رأسه ما رأيته قط وأبو بكر في الصلاة، فلما رآه الناس ذهبوا
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 197- 202. 3(14/474)
ليتحروا، وتأخر أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حتى سمع بخوار الناس وعرفت أنهم إنما صنعوا ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأشار إلي الناس أن صلوا، فصلوا ورجع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فدخل البيت. قال سيف: عن محمد بن إسحاق قال: حدثني ابن شهاب أنه صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ عن يمين أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- وبذلك عرف أن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- هو الّذي يصلى بهم، لم يصل بهم جالسا، وقد نهى عن ذلك، ولو لم ينه عنه، ولو كان صلى بهم صلى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن يمينه، كذلك كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصنع، فلما فرغ أقبل على الناس فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أصبحت بنعمة من اللَّه وفضله، واليوم يوم ابنة خارجة وهي في بني الحارث بن الخزرج، فدخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وذهب أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- مسرورا. قال سيف: عن بكر بن وائل والزهري عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: صلى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حتى إذا كان صبيحة اثني عشرة خرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم والناس في صلاة الصبح عاصبا رأسه حتى وقف على باب حجرة عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فلما رآه الناس تحوروا، فذهب أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والناس فدخل عليه أبو بكر والعباس وعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قد رد اللَّه بك علينا عقولنا، وقد أصبحت بنعمة من اللَّه وفضل، وبات الناس إلى الباب وقد باتت إليه عقولهم وقد رجوه ورأوا الّذي يخبئون فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- اليوم يوم بنت خارجة قال:
اذهب فأت أهلك، فقام أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فذهب وخرج أهل البيت وجعل الناس يتلقون فيقولون لهم ما يرون من العافية فينصرفون.
قال سيف: عن سلمة بن نبيط عن نعيم بن شفيق بن سلمة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قال: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم انظر إلي قدميه يخطان في المسجد حتى انتهينا فأجلساه في الصف فطفق الناس بأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فذهب ليتأخر فدفعه النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقدمه(14/475)
فصلى بهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جالس بحياله في الصف، وقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد ما انصرف: التصفيق للنساء والتسبيح للرجال.
وقال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه الجماحي عن أبي سعيد الخدريّ قال: فمالوا بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ إلى منبره فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه وقال:
يا أيها الناس بارك اللَّه فيكم الثقلين فإنه لن تعمى أبصاركم، ولن تزل أقدامكم، ولن تقصر أيديكم، ما أخذتم به كتاب اللَّه عز وجل، بينكم وبين اللَّه تعالى، وطرق بيده وطرق بأيديكم، فآمنوا بمتشابه، واعملوا بمحكمه وحرموا حرامه وأحلوا حلاله، ألا وسنتي، واللَّه لا يكرمها رجل ويوقرها على هواه، إلا أعطاه اللَّه تعالى نورا حتى يرد عليّ يوم القيامة، وأيم اللَّه لا يموت رجل وقد تركها إلا احتجبت منه يوم القيامة، ثم حمل حتى يرجع إلى بيته ورأى الناس فيه الّذي كانوا يتمنون ويرجعون، فتفرق الناس وأخلوه بأزواجه صلى اللَّه عليه وسلم.(14/476)
فصل في ذكر ما قيل في وصية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
اعلم أن الناس اختلفوا في وصية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أمته من بعده، فذهبت الروافض إلى أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم نص على عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه الخليفة بعده، وقالت الزيدية أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: لم ينصّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم على عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لكنه كان أفضل الناس بعد النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأحقهم بالأمر، ثم اختلفوا فقالت الجارودية: إن الصحابة، ظلموه وكفروا من خالفه من الصحابة وقالت طائفة: إنه يتبرع من حقه لأبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فتولتها، ولم تعاديهما، بل قالت بإمامتها وعمدتهم، لأبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، فتولتها ولم تعاديهما بل قالت بإمامتهما وعمدتهم في الاحتجاج لأقوالهم أحاديث مكذوبة موضوعة لا معنى لتسويد الأوراق بها.
هذه مسألة أصولية: وهي إذا واحد يخبر بتوفر الدواعي على نقله ويعلم استحالة خفائه، كما إذا أخبر بقتل خطيب على المنبر يوم الجمعة في بلد، كبير ولم يتقلد غيره فالذي قالته الأمة من أهل السنة إنه كاذب قطعا، ومن هذا نعلم بالقطع كذب من ادعى أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم نصّ على إمامة إمام معين بعده بحضرة ملأ من الناس وسكتوا عن نقله إلا آحادا منهم، وخالف الرافضة في أصل هذه المسألة توصلا إلى أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم نصّ على إمامة عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- جمع يحصل منهم التواتر فكتموه إلا أفرادا نادرة.
وذهب جمهور أهل السنة إلى أن الرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يستخلف أحدا بعينه ولم يوص إلى أحد بعينه في أمر أمته، قائما به على الخلافة بما ذكرنا من أمر الصلاة، وقالت طائفة: بل نصّ صلى اللَّه عليه وسلم على استخلاف أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعده على الأمة، واحتج الجمهور على أنه صلى اللَّه عليه وسلم لم يستخلف، بما خرجه البخاري في كتاب الأحكام في باب الاستخلاف من حديث سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-(14/477)
قال: قيل لعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ألا تستخلف؟ قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني، أبو بكر وإن أترك فقد ترك من هو خير مني، رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأثنوا عليه فقال: راغب وراهب، ووددت أني نجوت منها كفافا لا لي ولا عليّ، لا أتحملها حيا وميتا [ (1) ] .
وخرجه مسلم من حديث أبى أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: حضرت أبي حين أصيب فأثنوا عليه وقالوا جزاك اللَّه خيرا، فقال: راغب وراهب، فقال: استخلف، فقال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: لا أتحمل أمركم حيا وميتا لوددت أن حظّي منها الكفاف، لا عليّ ولا لي، فإن استخلف فقد استخلف من هو خير مني، يعني أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وإن أترككم فقد ترككم من هو خير مني، رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. قال عبد اللَّه: فعرفت أنه حين ذكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه غير مستخلف [ (2) ] .
وخرج من طريق عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهريّ قال: أخبرني سالم عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: دخلت على حفصة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: أعلمك أن أباك غير مستخلف؟ قال، قلت، ما كان ليفعل، قالت: إنه فاعل، قال: فحلفت أنى أكلمه في ذلك، فسكتّ حتى غدوت ولم أكلمه، قال: فكنت كأنما أحمل بيميني جبلا حتى رجعت فنحلت عليه فسألني عن حال الناس وأنا أخبره، قال: ثم قلت له: إني سمعت الناس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك، زعموا أنك غير مستخلف، وإنه لو كان لك راعى إبل أو راعى غنم ثم جاءك وتركها، أرأيت إن ضيع؟
فرعاية الناس أشد، قال فوافقه قولي، فوضع رأسه ساعة، ثم رفعه إليّ فقال: إن اللَّه عز وجل يحفظ دينه، وإني لئن لا أستخلف فإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يستخلف، وإن أستخلف فإن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قد
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 255، باب الاستخلاف، حديث رقم (7218) ، والاستخلاف: أي تعيين الخليفة عند موته خليفة بعده، أو يعين جماعة ليتخيروا منهم واحدا.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 446 كتاب الإمارة، باب (2) الاستخلاف وتركه حديث رقم (11) .(14/478)
استخلف قال: فو اللَّه ما هو إلا أن ذكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فعلمت أنه لم يكن ليعدل برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أحدا، وأنه غير مستخلف [ (1) ] .
خرج البيهقيّ من طريق أبي داود الجفري عن سفيان الثوري عن الأسود ابن قيس عن عمرو بن سفيان، قال: لما ظهر عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على الناس يوم الجمل قال: أيها الناس، إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئا حتى رأينا من الرأى أن نستخلف أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأقام واستقام حتى مضى لسبيله، ثم إن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- رأى من الرأي أن يستخلف عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه، ثم إن أقواما طلبوا هذه الدنيا، فكانت أمور يفضي اللَّه تعالى فيها [ (2) ] .
وخرج من طريق شبابه بن سوار، قال: حدثنا شعيب بن ميمون عن حسين بن عبد الرحمن عن الشعبيّ عن أبي وائل قال: قيل لعلي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ألا تستخلف علينا؟ قال: ما استخلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأستخلف، ولكن إن يرد اللَّه تعالى بالناس خيرا فليجمعهم بعدي على خيرهم، كما جمعهم نبيهم صلى اللَّه عليه وسلم على خيرهم [ (3) ] .
قال البيهقيّ: شاهده في الحديث الثابت عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فذكر ما
خرّجه البخاري من طريق الزهريّ قال: أخبرنى عبد اللَّه بن كعب بن مالك الأنصاريّ، وكان كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، قال: إن عبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أخبره أن عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- خرج من عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في وجعه الّذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا حسن! كيف أصبح رسول اللَّه
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 447- 448، كتاب الإمارة، باب (2) الاستخلاف وتركه، حديث رقم (12) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 223، باب ما يستدل به على أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يستخلف أحدا بعينه، ولم يوص إلى أحد بعينه في أمر أمته، وإنما نبه على الخلافة بما ذكرنا من أمر الصلاة.
[ (3) ] (المرجع السابق) .(14/479)
صلى اللَّه عليه وسلم قال: أصبح بحمد اللَّه تعالى بارئا، فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال له: أنت واللَّه بعد ثلاث عبد العصا، وإني واللَّه لأرى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتوفى من وجعه هذا، إني أعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، فاذهب بنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فنسأله في هذا الأمر إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمناه، فأوصى بنا، فقال على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إنا واللَّه لئن سألناه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فمنعناها، لا يعطيناها الناس بعده أبدا.
وروى يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني الزهري عن عبد اللَّه ابن كعب بن مالك عن عبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- من عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه يوم قبض فيه، فذكر الحديث. إلا أنه لم يذكر ما قال: العصا وزاد في آخره: فتوفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين اشتد الضحى من ذلك اليوم.
وخرج عبد الرزاق، قال أنبأنا معمر عن الزهري قال: أخبرني كعب بن مالك عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: خرج العباس وعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي ملت فيه، فلقيهما رجل فقال: كيف أصبح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يا أبا حسن؟ فقال أصبح بارئا، فقال العباس لعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أنت بعد ثلاث:
عبد العصا، قال: ثم خلا به فقال: فإنه يخيل إليّ أن أعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، وأني خائف ألا يقوم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من وجعه هذا، فاذهب بنا إليه فلنسأله فإن كان هذا الأمر فينا علمناه، وإن لم يكن إلينا أمرناه أن يستوصى بنا، قال: فقال علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أرأيت إن جئناه فسألناه فلم يعطوناها؟ أترى الناس يعطوناها؟ واللَّه لا أسألها إياه أبدا.
قال عبد الرزاق: فكان معمر يقول لنا: أيهما كان أصوب عندكم رأيا؟
فنقول: العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فيأبى، ثم قال: لو أن عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- سأله عنها فأعطاه إياها، فمنعه الناس(14/480)
كانوا قد كفروا.
قال عبد الرزاق فحدثت به ابن عيينة فقال: الشعبي: لو أن عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- سأله عنها، كان خيرا له من ماله وولده.
وقال عبدان، عن أبي حمزة عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، هو الشعبي، قال العباس لعلي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حين مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم: إني أكاد أعرف في وجه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الموت، فانطلق بنا إليه نسأله من يستخلف، فإن يستخلف منا فذلك، وإلا أوصى بنا.
قال: فقال علي للعباس كلمة فيها جفاء، فلما قبض النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال العباس لعلي: أبسط يدك فلنبايعك. قال: فقبض يده، فقال عامر: لو أن عليّا أطاع العباس في أحد الرأيين، كان خيرا له من حمر النعم.
قال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن أبيه قال: قلت لابن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ما كان صنع العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى- حين خالف عليه علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
فقال: كلم نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ذلك فقام في الناس فقال: أوصيكم يا أهل بيتي وعترتي خيرا، أو أوصيكم بهم خيرا فإنّهم لحمي وفصيلتي، احفظوا منهم ما تحفظون في ما بينكم.
يا أيها الناس! إن اللَّه بعثني لأخرجكم من عبادة العباد الى عبادته، ومن دين الشرك إلى دينه، فاعبدوا اللَّه ولا تشركوا به شيئا فإن أكرمكم عند اللَّه أتقاكم وإن كان رقيقا، ألا إن أكرمكم عند اللَّه أتقاكم ثلاثا، فلا تضلوا عن الحق.
وخرج مسلم من حديث الأعمش عن أبي وائل عن مسروق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: مثله سواء.
وخرج البخاري في أول كتاب الوصايا من حديث المالك بن مغول، حدثنا طلحة بن مصرف قال: سألت عبد اللَّه بن أبي أوفى- رضي اللَّه تبارك(14/481)
وتعالى عنهما-: هل كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم أوصى؟ فقال: لا، فقلت: كيف كتب على الناس الوصية وأمر بالوصية؟ قال: أوصى بكتاب اللَّه [ (1) ] ذكره في آخر المغازي، وخرجه مسلم أيضا.
وخرج البخاري ومسلم [ (2) ] من حديث ابن عون الأسود بن يزيد وقد ذكروا عند عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان وصيا، فقالت: متى أوصى إليه وقد كنت مسندته إلى صدري؟ أو قالت حجري- فدعا بالطست، فلقد انخنث في حجري: فما شعرت أنه مات فمتى أوصي إليه؟ لفظهما فيه قريب من السواء، ذكره البخاري في أول كتاب الوصايا وفي آخر المغازي.
وخرج البيهقي [ (3) ] من طريق عبد اللَّه بن رجاء قال: أنبأنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أرقم بن شرحيل، قال: سافرت مع ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- من المدينة فسألته: أكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أوصى؟ فقال:
إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما مرض مرضه الّذي مات فيه، كان في بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فرفع رأسه، فقال: ادعوا لي عليا، فقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: ألا ندعوا لك أبا بكر يا رسول اللَّه؟
فقال: ادعوه قالت حفصة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: ألا تدعو عمر يا رسول اللَّه؟ قال صلى اللَّه عليه وسلم: ادعوه، قالت أم الفضل: ألا تدعو العباس عمك يا رسول
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 4448، كتاب الوصايا، باب (1) الوصايا، وقول النبي صلى اللَّه عليه وسلم «وصية مكتوبة عنده» وقال اللَّه عز وجل كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ* فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (البقرة: 181- 182) حديث رقم (2740) .
[ (2) ] باب (84) مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته، وقوله تعالى إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ.
[ (3) ] باب (18) الوصاة بكتاب اللَّه عز وجل، حديث رقم (5022) ، والمراد بالوصية بكتاب اللَّه تعالى حفظه حسا ومعنى، فيكرم ويصان، ولا يسافر به إلى أرض العدو، ويتبع ما فيه، فيعمل بأوامره، ويتجنب نواهيه، ويداوم على تلاوته وتعلمه، وتعليمه، ونحو ذلك. (فتح الباري) .(14/482)
اللَّه؟ قال: ادعوه فلما حضروا رفع رأسه فلم يتكلم. فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قوموا بنا عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فإنه لو كانت له إلينا حاجة ذكرها، حتى فعل ثلاث مرات، ثم قال صلى اللَّه عليه وسلم: ليصلّ بالناس أبو بكر، فذكر الحديث في الصلاة. وقال في آخر الحديث: فمات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولم يوص. [ (1) ]
وخرج البخاري من حديث الأعمش قال حدثني أبي قال: خطبنا على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على منبر وعليه سيف فيه صحيفة معلقة فقال واللَّه ما عندنا من كتاب يقرأه إلا كتاب اللَّه تعالى وما في هذه الصحيفة، فنشرها: فإذا فيها أسنان الإبل، وإذا فيها: المدينة حرم إلى كذا، فمن أحدث فيها فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل اللَّه منه صرفا ولا عدلا، وإذا فيه: ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين.
لا يقبل اللَّه منه صرفا ولا عدلا وإذا فيها: من والى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين لا يقبل اللَّه منه صرفا ولا عدلا ذكره في كتاب الاعتصام [ (2) ] بالكتاب والسنة، في باب ما ذكره من التعمق والتنازع والغلو في الدين والبدع، وفي كتاب الجزية والموادعة في باب ذمة المسلمين [ (3) ] . وفي كتاب فضائل المدينة، في باب حرم المدينة [ (4) ] وخرجه مسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] .
وخرج البيهقيّ من طريق هدبة قال: حدثنا همام عن قتادة، عن أبي حسان قال: إن عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يأمر بالأمر، فيقال: قد فعلنا كذا وكذا، فيقول: صدق اللَّه ورسوله، فقيل له: أشيء عهده إليك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: ما عهد إليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شيئا خاصة دون الناس إلا شيئا سمعته منه في صحيفة في قراب سيفي، قال: فلم نزل به حتى أخرج الصحيفة، فإذا فيها: من أحدث أو آوى محدثا فعليه لعنة اللَّه
__________
[ (1) ] حديث رقم (2741) .
[ (2) ] حديث رقم (4459) .
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 226- 227.
[ (4) ] (فتح الباري) : 13/ 341- 342، حديث رقم (7300) .(14/483)
والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل، وإذا فيها: إن إبراهيم حرّم مكة، [ (1) ] وإني أحرم المدينة ما بين حرّتيها وحماها، لا يختلا خلاها، ولا ينفر صيدها ولا يلتقط لقطتها إلا لمنشد أشاد بها [ (2) ] ، يعني من منشد ولا يقطع شجرها إلا أن يعلف رجل بعيرا، ولا يحمل فيها سلاح لقتال، وإذا فيها المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم [ (3) ] [ (4) ] ، ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده [ (5) ] .
ومن طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني صالح بن كيسان عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة قال: لم يوص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند موته إلا بثلاث: للرهابيين بجادّ مائة واسق من خيبر، وللداريين بجاد مائة وسق وللشانئين بجاد مائه وسق من خيبر، وللأشعريين بجاد مائة وسق من خيبر.
وأوصى صلى اللَّه عليه وسلم بتنفيذ بعث أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى- وأوصى صلى اللَّه عليه وسلم أن لا يترك بجزيرة العرب دينان [ (6) ] .
وروى حماد بن عمرو النصيبي عن السديّ بن خالد، عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: يا عليّ أوصيك بوصية فاحفظها. وذكر حديثا طويلا
في الرغائب والآداب، وهو حديث موضوع، فإن حماد بن عمرو هذا ممن يكذب ويضع الحديث. [ (7) ]
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 6/ 3336، حديث رقم (3172) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 4/ 100/ 101، حديث رقم (1870) .
[ (3) ] أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب فصائل المدينة، حديث رقم (1370) .
[ (4) ] سيأتي تخريجه وشرحه إن شاء اللَّه تعالى بعد قليل.
[ (5) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 228، وأخرجه أبو داود في (السنن) : 2/ 529، كتاب المناسك، باب (99) في تحريم المدينة، حديث رقم (2034) ، (2035) .
[ (6) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 230.
[ (7) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 229، ثم قال: وهو حديث موضوع وقد شرطت في أول الكتاب ألا أخرج في هذا الكتاب حديثا أعلمه موضوعا.(14/484)
وقال سيف: عن مبشر بن المفضل [ (1) ] . عن أبيه قال جاء أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه ائذن لي فلأمرضك وأكون الّذي أقوم عليك. فقال صلى اللَّه عليه وسلم: يا أبا بكر! إني لم أحمل أزواجي وبناتي وأهل بيتي عليّ حين ازدادت مصيبتي عليهم عظما، وقد وقع أجرك علي اللَّه اجمع لي الأربعين يا أبا بكر، الذين سبقوا الناس إلى هذا الدين، وادع عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- معهم. ففعل، وكان ذلك قبل وفاته صلى اللَّه عليه وسلم بخمس عشرة ليلة فخلص بهم ودعا لهم، وعهد عهده وهم شهود وهي آخر وصية أوصى بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
وخرج الحارث بن أبي أسامة من طريق محمد بن سعد، قال: أخبرني محمد بن عمر يعني الواقدي قال: حدثني عبد اللَّه بن جعفر بن عون عن ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: نعي لنا نبينا وحبيبنا صلى اللَّه عليه وسلم نفسه قبل موته بشهر، بأبي هو وأمي ونفسي له الفداء، فلما دنا الفراق جمعنا في بيت أمنا عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وتشوّف لنا فقال:
مرحبا بكم وحياكم اللَّه بالسلام [ (2) ] .
وخرجه البيهقي من طريق سلام بن سليمان المدائني، حدثنا سلام بن سليم الطويل، عن عبد الملك بن عبد الرحمن بن الحسن الغزي عن الأشعث بن طليق
__________
[ (1) ] هو بشر بن المفضل بن لاحق الرقاشيّ، مولاهم أبو إسماعيل البصري. ترجمته في (تهذيب التهذيب) : 1/ 402، ترجمة رقم (844) .
[ (2) ]
(طبقات ابن سعد) : 2/ 265- 257، ذكر ما أوصى به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه، ثم قال: رحمكم اللَّه، حفظكم اللَّه، جبركم اللَّه، رزقكم اللَّه، رفعكم اللَّه، نفعكم اللَّه أداكم اللَّه، وقاكم اللَّه! أوصيكم بتقوى اللَّه، وأوصى اللَّه بكم أستخلفه عليكم، وأحذركم اللَّه إني لكم منه نذير مبين، ألا تعلوا على اللَّه في عباده وبلاده، فإنه قال لي ولكم: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
القصص: 83.
وقال: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ؟ الزمر: 60، قلنا: يا رسول اللَّه، متى أجلك؟
قال: دنا الفراق والمنقلب إلى اللَّه وإلى جنة المأوى، وإلى سدرة المنهي، وإلى الرفيق الأعلى، والكأس الأوفى، والحظ والعيش المهنى ... (المرجع السابق) .(14/485)
عن مرة عن شراحيل، عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما ثقل رسول صلى اللَّه عليه وسلم اجتمعنا في بيت أمنا عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فلما نظر إلينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فدمعت عيناه، ثم قال لنا: قد دنا الفراق ونعى إلينا نفسه صلى اللَّه عليه وسلم، ثم قال: مرحبا بكم حياكم اللَّه، هداكم اللَّه فذكره [ (1) ] وقال: إسناده ضعيف بمرة. [ (2) ]
وقال الواقدي: حدثني عبد اللَّه بن جعفر عن عبد الواحد بن أبي عون قال: عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- نعى لنا نبينا وحبيبنا صلى اللَّه عليه وسلم نفسه قبل موته بشهر، بأبي هو وأمي، نفسي له الفداء.
وقال سيف: عن المستنير بن يزيد النخعي عن أرطاة بن أبى أرطاة بن أبي أرطاة النخعي عن الحارث بن مرة الجهنيّ قال: رأيت عنده رقا مكتوبا فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ نعى لنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نفسه قبل موته بشهر، ثم جمعنا بعد ذلك بخمس عشرة ليلة في بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- ونحن أربعون ببشرى اللَّه تعالى، فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه، ثم قال: اتقوا اللَّه فإن تقوى اللَّه خير ما تواصي به عباد اللَّه وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ومن حيث لا يأمل ولا يرجو وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً فارضوا بقضاء اللَّه، فإن الأمر أمره، وسلموا الأمر إليه فإن القليل يتبع الكثير، ألا فليسلم القليل للكثير
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 231- 232، باب ذكر الحديث الّذي روي عن ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. النبي صلى اللَّه عليه وسلم في نعيه نفسه إلى أصحابه، وما أوصاهم به، وإسناده ضعيف بمرة.
[ (2) ] هو مرة بن شراحيل الهمراني السكسكي، أبو إسماعيل، الكوفي، المعروف بمرة الطيب، ومرة الخيرة، لقب بذلك لعبادته.
وروى عن أبي بكر وعمر وعلي وأبي ذر وحذيفة وابن مسعود وأبي موسى الأشعري وزيد بن(14/486)
رفعكم اللَّه، نفعكم اللَّه، هداكم اللَّه، رزقكم اللَّه، سلمكم اللَّه، قبلكم اللَّه.
أوصيكم بتقوى اللَّه عز وجل وألجئكم إلى اللَّه، وأؤدي إليكم عنه، إني لكم منه نذير مبين، وأستخلفه عليكم، فاتقوا اللَّه، ولا تعالوا على اللَّه في عباده، وبلاده، والعاقبة للمتقين.
وقال: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ وإن هذا آخر ما أخلص بكم وتخلصون بي، اسمع يا أبا بكر، أقول لكم، ثم اعمل على ذلك وأنت تعلم أنه كذلك، إن دعائي آت لكم على كل ما أشتهي، إلا ما رددت عنه من بأس بينكم، واختلاف كلمتكم، والمؤمنون شهود اللَّه في الأرض فالحسن ما حسنوا، أو القبيح ما قبحوا، من نظر أمر نفسه عند اختلاف الأمة يكف لسانه، واستبرأ قلبه، ولزم الجماعة، فآثرها على الفرقة، فإن يد اللَّه تعالى على الجماعة، والقليل تبع للكثير، فقال أبو بكر: يا رسول اللَّه أدنى الأجل؟
فقال صلى اللَّه عليه وسلم دنا الأجل وتدلى، فقال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ليهنئك
__________
[ () ] أرقم، وعلقمة بن قيس، وغيرهم.
وعنه إسماعيل بن أبي خالد، وإسماعيل السدي، وحصين بن عبد الرحمن، وزبيد اليمامي، وأبو السعد سعيد بن محمد، والصباح بن محمد، وطلحة بن مصرف، والشعبي، وعطاء بن السائب، وعمرو بن مرة، وفرقد السنجي، وموسى بن أبي عائشة، وغيرهم.
قال إسحاق بن منصور: عن ابن معين ثقة، وقال سكن بن محمد العابد، عن الحارث الغنوي: سجد مرة الهمرانى حتى أكل التراب وجهه.
وقال ابن سعد: توفى زمن الحجاج بعد الجماجم، وكذا قال أبو حاتم في تاريخ وفاته. وقال غيره:
توفى سنة ست وسبعين، وهو قول ابن حبان في (الثقات) ، وكان يصلى كل يوم ستمائة ركعة.
وقال العجليّ: تابعي ثقة، وكان يصلي في اليوم والليلة خمسمائة ركعة.
وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: لم يدرك عمر. وقال هو وأبو زرعة: روايته عن عمر مرسلة، وقال أبو بكر البزار: روايته عن أبي بكر مرسلة، ولم يدركه. وقال ابن منك في (تاريخه) : أدرك النبي صلى اللَّه عليه وسلم ولم يدركه (تهذيب التهذيب) : 10/ 80، ترجمة رقم (159) .(14/487)
يا نبي اللَّه، ما عند اللَّه، فليت شعرى عني منقلبا، فقال: إلى اللَّه بسدرة المنتهى ثم الى جنة المأوى، والعرض الأعلى، والكأس الأوفى، في الرفيق الأعلى، والحظ والعيش المهني.
فقال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يا نبي اللَّه من يلي غسلك؟ قال رجال من أهل بيتي [الأدنى فالأدنى] [ (1) ] فقال ففيم نكفنك؟ قال: في ثيابي [هذه إن] [ (1) ] شئتم أو حلة يمانية أو في ثياب مصر.
قال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكيف الصلاة عليك؟ فبكى وبكى الناس، فقال: مهلا غفر اللَّه لكم وجزاكم عن نبيكم خيرا إذا أنتم غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري هذا في بيتي هذا على شفة [ (2) ] شفير قبري، ثم اخرجوا عني ساعة فإن أولى من يصلي عليّ اللَّه تعالى هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ثم يأذن للملائكة في الصلاة على فأول من يدخل عليّ من خلق اللَّه تعالى ويصلي علي جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنود كثيرة، ثم الملائكة بأجمعها، ثم أنتم فادخلوا عليّ أفواجا، وزمرة، وسلموا تسليما ولا تؤذوني بتزكية، ولا صيحة، ولا رنة، وليبتدئ بالصلاة عليّ رجال [ (3) ] أهل بيتي ثم النساء ثم الصبيان.
قال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فمن يدخلك قبرك؟ قال إن من أهل بيتي الأدنى فالأدنى، مع ملائكة كثير لا ترونهم وهم يرونكم، قوموا فأدوا عليّ إلى من بعدي، فقلت: من حدثك هذا؟ فقال: عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وإنما ذكرت هذا الحديث من طريق سيف لأن لأن سياقته أتم من سياقة الجماعة.
واحتج من ذهب إلي أنه نص على استخلاف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعده على الأمة نصا جليا بوجوه: قال أبو محمد بن حزم منها: إطباق الأمة المهاجرون والأنصار على أن سموه خليفة رسول اللَّه
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (ابن سعد) : 2/ 257.
[ (2) ] زيادة للسياق.
[ (3) ] ما بين الحاصرتين سياقه مضطرب في (خ) واستدركناه من (ابن سعد) .(14/488)
معنى الخليفة في اللغة الّذي يستخلفه المرء، ومحال أن يبعثوا بذلك الاستخلاف على الصلاة لوجهين ضروريين:
أحدهما: أنه لم يستحق هذا الاسم في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقد كان استخلفه على الصلاة.
والثاني: أن كل من استخلفه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حياته كعليّ بن أبى طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في في غزوة الخندق، وكعثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أو غيره في غزوة الرقاع، وغيرهم ممن استخلفه صلى اللَّه عليه وسلم على المدينة في غزواته، كعتاب بن أسيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وسائر من استخلف على البلاد لم يستحق أحد منهم بلا خلاف من أحد من الأمة أن يسمى خليفة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لصح بالضرورة التي لا يحيد عنها، إطلاقه بعده على الأمة الممتنع أن يجمعوا على ذلك وهو صلى اللَّه عليه وسلم لم يستخلفه نصا، ولو لم يكن هاهنا إلا استخلافه إياه على الصلاة ما كان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أولى بهذه التسمية من سائر من ذكرنا.
قال أبو محمد: وهذا برهان ضروري يعارض به جميع الخصوم، وأيضا
فإن الرواية قد أصبحت بأن امراة قالت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يا رسول اللَّه! أرأيت إن رجعت ولم أجدك- كأنما تريد الموت- قال: فأتي أبا بكر.
قال المؤلف: أبو محمد بن حزم يسير إلى ما خرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، من حديث إبراهيم بن سعد قال: أخبرنى أبى عن محمد بن جبير ابن مطعم عن أبيه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: أتت النبي امرأة فكلمته في شيء، فأمرها أن ترجع إليه، فقالت: يا رسول اللَّه! أرأيت إن جئت فلم أجدك- كأنها تريد الموت- وقال مسلم أي كأنها تعنى الموت قال صلى اللَّه عليه وسلم إن لم تجديني فأتي أبا بكر.
ذكره البخاري في كتاب الأحكام [ (1) ] وذكره مسلم في المناقب [ (2) ]
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 255 كتاب الأحكام، باب (51) الاستخلاف حديث رقم (7220) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 163، كتاب فضائل الصحابة باب (1) من فضائل أبي بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى- عنه حديث رقم (2386) .(14/489)
قال أبو محمد: وهذا نص على الاستخلاف لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى-.
وأيضا
فذكر ما خرجه البخاري: حدثنا يحيي بن يحيي قال: أخبرنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم بن محمد قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: وا رأساه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك.
فقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وا ثكلياه واللَّه إني لأظنك تحب موتى، ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك! فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم بل أنا وا رأساه، لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون، أو يتمني، المتمنون ثم قلت: يأبى اللَّه ويدفع المؤمنون، أو يدفع اللَّه ويأبى المؤمنون ذكره في كتاب المرضى [ (1) ] ، في باب قول المريض: إني وجع أو وا رأساه أو اشتد بي الوجع.
وخرج مسلم في المناقب [ (2) ] من حديث صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: قالت قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه: ادعى لي أبا بكر أباك، وأخاك، حتى أكتب كتابا فإنّي أخاف أن يتمنى متمن، ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر.
وخرج أبو داود الطيالسي من حديث عبد العزيز بن رافع عن ابن أبي مليكة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه: ادعى لي عبد الرحمن بن أبي بكر أكتب لأبى بكر كتابا لا يختلف عليه أحد بعدي، ثم قال: دعيه، معاذ اللَّه أن يختلف المؤمنون في أبي بكر.
قال أبو محمد: فهذا نص في استخلافه أبا بكر- رضي اللَّه تبارك
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 152، حديث رقم (5666) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 163، 164 حديث رقم (2387) .(14/490)
وتعالى عنه- على ولاية الأمة بعده ولو أن يستخير من التدليس والغش، الأمر الّذي لو ظفر به خصومنا إذا طعنوا عندنا من طريق النقل ونعوذ باللَّه من الاحتجاج بما لا يصح، وقد أغنى اللَّه تعالى أمتي بالزاهدين عن الإقناع وهذا الّذي ذكرنا لا يعارض بنقل موقوف على من دون النبي صلى اللَّه عليه وسلم كالذي روى من قول عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ألا استخلف، فقال لم يستخلف من هو خير مني، فمن المحال أن يغار من إجماع جميع الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- على أن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ومثله عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها، مما لو صح كان له وجه من أيهما زاد عن كتاب بذلك، أو ما أشبهه، وفي نص القرآن الكريم دليل واضح وبرهان على وجوب الطاعة بخلافة أبى بكر وعمر وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وهو أن اللَّه تعالى قال مخاطبا لنبيه صلى اللَّه عليه وسلم في الأعراب:
فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا [ (1) ] وكان نزول سورة براءة التي فيها هذا الحكم بعد غزوة تبوك بثلاث، وهي الغزاة التي تخلف فيها الثلاثة المعتذرون الذين تاب اللَّه عليهم في سورة براءة، ولم يغزو صلى اللَّه عليه وسلم بعد تبوك إلى أن مات.
وقال تعالى في مكان آخر: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ [ (2) ] فبين تعالى أن الأعراب لا يغزون مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد تبوك أبدا، ثم عطف تعالى منعه إياهم من الغزو مع رسول، فقال تعالى: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً [ (3) ] .
__________
[ (1) ] التوبة: 83.
[ (2) ] الفتح: 15.
[ (3) ] الفتح: 16.(14/491)
فأخبرهم تعالى أنهم سيدعوهم غير النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى قوم يقاتلونهم أو يسلمون، ووعدهم على طاعة من دعاهم إلى ذلك الأجر الحسن، ووعدهم على عصيانه بالعذاب الأليم وما دعا أولئك الأعراب أحد بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى قتال قوم يسلمون إلا أبو بكر، ثم عمر وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-، فإن هؤلاء دعوهم إلى قتال: من بدا للعرب والفرس والروم ووجوب طاعة أبي وعمر وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- بنصّ القرآن الّذي لا يحتمل تأويلا.
وزاد: قد وجبت طاعتهم فرضا، فقد صحت إمامتهم وخلافتهم، وليس هذا بموجب تقليدهم بغير ما أمر اللَّه تعالى فيه بطاعتهم من سائر ما أفتوا فيه باجتهادهما، إذ ليس يجب طاعة الإمام إلا فيما نصّه اللَّه تعالى ورسوله صلى اللَّه عليه وسلم فقط، لا فيما لا نصّ فيه، ولا أوجبوهم- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قط طاعتهم فرضا في غير، ذلك فارتفع الإشكال.
وأيضا فهذا إجماع من الأمة كلها إذ ليس أحد إلا وخالف بعض فتاويه هؤلاء الثلاثة، فصح إجماع الأمة على ما ذكرناه.(14/492)
ذكر ما حفظ عنه صلى اللَّه عليه وسلم في مرض موته من الأحكام والوصايا ونحو ذلك حتى توفاه اللَّه- تبارك وتعالى-
خرج البخاري ومسلم والنسائي من حديث يونس عن ابن شهاب الزهري قال: أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه قال: إن ابن عباس وعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قالا: لما نزل برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: لعنة اللَّه تعالى على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا. وقال مسلم والنسائي: مثل ما صنعوا.
ذكره البخاري في آخر كتاب الأنبياء [ (1) ] ، وذكره أيضا في كتاب الصلاة [ (2) ] من حديث شعيب عن الزهري، قال: أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه قال: إن عائشة وعبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قالا:
لما نزل ... الحديث.
وذكره في كتاب اللباس [ (3) ] في باب الأكسية والخمائص من طريق يحيي ابن بكير، حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة قال: إن عائشة وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قالا: الحديث ... مثله، وذكره في آخر المغازي [ (4) ] في مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته، عن سعيد بن جبير عن الليث عن عقيل بهذا الإسناد مثله، وقال في طرقه كلها: يحذر ما صنعوا.
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 612، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (50) ما ذكر عن بني إسرائيل، حديث رقم (3453) ، (3454) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 1/ 700، باب (55) حديث رقم (435) ، (436) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 10/ 340، باب (19) الأكسية والخمائص حديث رقم (5815) ، (5816) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 8/ 177، باب (84) مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته، حديث رقم (4443) ، (4444) .(14/493)
وخرجه البخاري ومسلم [ (1) ] من حديث شيبان عن هلال بن أبي حميد عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي لم يقم منه: لعن اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، قالت: فلولا ذاك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا، ذكره في الجنائز [ (2) ] وترجم عليه باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور.
وخرج في آخر الجنائز في باب ما جاء في قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- من حديث أبي عوانة عن هلال، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي لم يقم منه: لعن اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لولا ذلك أبرز صلى اللَّه عليه وسلم قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا.
وخرّج في المغازي [ (3) ] في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته من حديث أبي عوانة ولفظه: لعن اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا قبورهم أنبيائهم مساجد قالت عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- لولا ذلك لأبرز قبره صلى اللَّه عليه وسلم خشي أن يتخذ مسجدا.
وخرج البيهقي من طريق عثمان بن سعيد الدارميّ، حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك، عن إسماعيل ب أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز- رحمه اللَّه تعالى- يقول: كان من آخر ما تكلم به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن قال:
قاتل اللَّه اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد لا يبقين دينان بأرض العرب [ (4) ] ورواه الواقدي عن مالك به نحوه.
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 16، باب (3) النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، حديث رقم (21) ، (22) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 3/ 257، باب (61) ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، حديث رقم (1330) ، وباب (96) ما جاء في قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما (فأقبره) أقبرت الرجل: إذا جعلت له قبرا. وقبرته: دفنته (كفاتا) يكونون فيها أحياء ويدفنون فيه أمواتا، حديث رقم (1390) .
[ (3) ] (سبق تخريجه) .
[ (4) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 204.(14/494)
وخرج مسلم من حديث الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل وفاته بثلاث يقول: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن باللَّه الظن [ (1) ] .
وخرجه أبو داود [ (2) ] من حديث عيسى بن يونس، حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد اللَّه، قال سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول قبل وفاته أو موته بثلاث ...
وخرجه من حديث سفيان بن زهير عنه الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم قبل وفاته بثلاثة أيام يقول: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن باللَّه تعالى الظن [ (3) ] .
وخرجه من حديث عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن باللَّه عز وجل [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 514- 515 كتاب الجنة ونعيمها باب (19) الأمر بحسن الظن باللَّه تعالى عند الموت، حديث رقم (81) - (82) .
[ (2) ] (سنن أبي داود) : 3/ 484- 485، كتاب، الجنائز، باب (17) ما يستحب من حسن الظن باللَّه عند الموت. حديث رقم (3113) قلت: إنما يحسن الظن من حسن عمله، فكأنه قال: أحسنوا أعمالكم يحسن ظنكم باللَّه، فإن من ساء عمله ساء ظنه، وقد يكون أيضا حسن الظن باللَّه من ناحية الرجاء، وتأميل العفو والله جواد كريم لا يؤاخذنا بسوء أفعالنا ولا وكلنا إلى حسن أعمالنا برحمته. (معالم السن) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 214 حديث رقم (81) .
[ (4) ]
(المرجع السابق) حديث رقم (82) قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن باللَّه الظن باللَّه» وفي رواية: إلا وهو يحسن الظن باللَّه تعالى.
قال العلماء: هذا تحذير من القنوط، وحث على الرجاء عند الخاتمة، وقد سبق الحديث الآخر قوله سبحانه وتعالى: «أنا عند ظن عبدي بي» قال العلماء: معنى(14/495)
وخرجه أبو بكر بن أبي شيبة من حديث ابن أبي ليلى عن أبى الزبير عن جابر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من استطاع منكم ألا يموت إلا وهو يحسن باللَّه تعالى الظن فليفعل، ثم تلا هذه الآية:
وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ [ (1) ] .
وخرج البيهقي من طريق عيسى بن يونس، عن سليمان التيمي، ومن حديث محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا زهير بن حرب، ومن حديث أبي خثيمة، حدثنا جرير عن سليمان التيمي، عن قتادة، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كانت عامة وصية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين حضره الموت:
الصلاة، وما ملكت أيمانكم، حتى جعل يغرغر بها في صدره وما يفيض بها لسانه [ (2) ] .
وخرجه الحاكم من حديث سليمان التيمي عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من حديث أبي عوانة عن قتادة، عن شعبة مولى أم سلمة، عن أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كانت عامة وصية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين حضرته الوفاة:
الصلاة وما ملكت أيمانكم، حتى يلجلجها في صدره وما يفيض بها لسانه [ (3) ] كذا قال.
__________
[ () ] حسن الظن باللَّه تعالى أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه، قالوا: وفي حالة الصحة يكون خائفا راجيا ويكونان سواء، وقيل: يكون الخوف أرجح فإذا دنت أمارات الموت غلب الرجاء أو محضه لأن مقصود الخوف الانكفاف عن المعاصي والقبائح، والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال، وقد تعذر ذلك أو معظمه في هذه الحال، فاستحب إحسان الظن المتضمن للافتقار إلى اللَّه تعالى والإذعان له، يؤيده الحديث المذكور بعده: يبعث كل عبد على ما مات عليه، ولهذا أعقبه مسلم للحديث الأول: قال العلماء: معناه يبعث على الحالة التي مات عليها، ومثله الحديث الآخر بعده ثم بعثوا على نياتهم.
[ (1) ] فصلت: 23.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 205.
[ (3) ] (سنن ابن ماجة) : 2/ 900- 901، كتاب الوصايا، باب (2) هل أوصى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟
حديث رقم (2697) ، وإسناده صحيح وأخرجه أيضا الإمام أحمد في (المسند) : 3/ 564. حديث رقم (11759) ، من مسند أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- 7/ 445، حديث رقم (26144) من حديث أم سلمة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم.(14/496)
ومن حديث عفان، حدثنا قتادة عن أبي الخليل، عن سفينة مولى أبي سلمة، عن أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول في مرضه: اللَّه، اللَّه، الصلاة وما ملكت أيمانكم، قالت: فجعل يتكلم بها، ما يفيض [ (1) ] . قال البيهقي: هذا هو الصحيح.
وخرج البخاري من حديث عفان، عن صخر بن جويرية، عن عبد الرحمن ابن القاسم، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت:
دخل عبد الرحمن بن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأنا مسندته إلى صدري ومع عبد الرحمن- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- سواك رطب يستن به فأبداه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بصره، فأخذت السواك فقضمته ونفضته وطيبته، ثم دفعته إلي النبي صلى اللَّه عليه وسلم فاستن به، فما رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم استن استنانا قط أحسن منه فما عدا أن فرغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رفع يده أو إصبعه ثم قال: في الرفيق الأعلى. ثلاثا. ثم قبض. وكانت تقول: مات صلى اللَّه عليه وسلم بين حاقنتي وذاقنتي [ (2) ] وخرج من طريق الليث قال: حدثني ابن الهاد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: مات النبي صلى اللَّه عليه وسلم وإنه لبين حاقنتى وذاقنتي فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] .
ذكره في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم فإنه ذكر فيه من حديث عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد قال: أخبرنى ابن أبي مليكة قال: إن ابن عمر ذكر أن مولى عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أخبره أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- كانت تقول: إن من نعم اللَّه تعالى أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي في بيتي، وفي يومي، وبين سحري، ونحري وإن اللَّه جمع بين ريقي وريقه عند موته. دخل عليّ عبد الرحمن بن أبي بكر، وبيده السواك، وأنا مسندة رسول
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 205.
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4446) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4449) .(14/497)
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فرأيته ينظر اليه، وعرفت أنه يجب السواك، فقلت: آخذه لك؟
فأشار برأسه: أن نعم، فتناولته فاشتد عليه، وقلت: ألينه لك؟ فأشار برأسه: أن نعم، فلينته، فأمره وبين يديه ركوة- أو علبة يشك عمر- فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول: لا إله إلا اللَّه، إن للموت سكرات. ثم نصب يده فجعل يقول: في الرفيق الأعلى، حتى قبض ومالت يده [ (1) ] .
وخرجه من حديث سليمان بن بلال، قال هشام بن عروة: أخبرنى أبي عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يسأل في مرضه الّذي مات فيه يقول: أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟ يريد يوم عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، فأذن له أزوجه يكون حيث شاء، فكان صلى اللَّه عليه وسلم في بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: فمات في اليوم الّذي يدور فيه في بيتي، فقبضه اللَّه تعالى، وإن رأسه لبين نحري وسحري، وخالط ريقه ريقي ثم قالت: دخل عبد الرحمن بن أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ومعه سواك يستن به، فنظر إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقلت أعطنى هذا السواك يا عبد الرحمن فأعطانيه فقضمته ثم مضغته، فأعطيته رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فاستن به، وهو مستند إلى صدري [ (2) ] وذكره أيضا في كتاب الجمعة [ (3) ] بهذا الاسناد مختصرا، وأوله ك دخل عبد الرحمن بن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ... إلى آخره ترجم عليه باب من تسوك بسواك غيره.
وخرج مسلم من طريق أبى أسامه، عن هشام عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: إن كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليتفقد يقول أين أنا اليوم؟ أين انا غدا؟
استبطاء ليوم عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4449) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 182، حديث رقم (4450) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 2/ 478- 479، باب (9) من تسوك بسواك غيره، حديث رقم (890) .(14/498)
عنها- قالت: فلما كان يومي قبضه اللَّه بين سحري ونحري. [ (1) ] ذكره في مناقب عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-.
وخرّج البخاري من حديث حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيتي، وفي يومي وبين سحري ونحري، وكانت إحدانا تعوذه بدعاء إذا مرض، فذهبت أعوّذه فرفع رأسه إلى السماء وقال: في الرفيق الأعلى.
ومر عبد الرحمن بن أبي بكر وفي يده جريدة رطبة. فنظر إليه صلى اللَّه عليه وسلم فظننت أن له بها حاجة، فأخذتها فمضغت رأسها ونفضتها فدفعتها إليه، فاستن بها كأحسن ما كان مستنا، ثم ناولنيها- فسقطت يده- أو سقطت من يده- فجمع اللَّه تعالى بين ريقي وريقه في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة.
ذكره في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته [ (2) ] .
وخرج في كتاب فرض الخمس [ (3) ] في باب ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلم وما ينسب من البيوت إليهن، من حديث نافع قال: سمعت ابن أبي مليكة قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- توفّي النبي صلى اللَّه عليه وسلم في بيتي وفي نوبتي، وبين سحري ونحري، وجمع اللَّه بين ريقي وريقه. قالت: دخل عبد الرحمن- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بسواك فضعف النبي صلى اللَّه عليه وسلم عنه فأخذته فمضغته ثم سننته به.
قال سيف عن محمد بن إسحاق عن أصحابه قالوا: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: لما تفرق عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أهله لما رأوه من أفعال حاله وهيئته اضطجع في حجري فاستند به إليّ ودخل رجل من آل أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وفي يده سواك اخضرّت، قالت: فنظر إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقلت: أتعجبك؟ أو تحب يا رسول اللَّه أن تستن بهذا السواك؟ قال:
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 216، كتاب فضائل الصحابة باب (13) فضل عائشة أم المؤمنين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها، حديث رقم (84) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 182، حديث رقم (4451) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 6/ 258، باب (4) ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلم وما نسب من البيوت إليهن حديث رقم (3100) .(14/499)
نعم فأخذته من الّذي كان معه وسرحته إلى أبي فمضغته، ثم أعطيته إياه فاستن به. قد كنت أسمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول ما قبض اللَّه تعالى نبيا قط يخبر مع الّذي كان أمره.
قالت: [ (1) ] فوجدت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتفل في حجري وعلى صدري وسقط السواك من يده، وسمعته يقول: بل الرفيق الأعلى من الجنة،
فعلمت أنه كان يحدثنا، وأن اللَّه تعالى فضله بإعادة الخيار عليه، قالت: فذهبت انظر في وجهه فإذا قد علاه صفار، وإذا بصره شاخص، وقبضه اللَّه عز وجل إليه، وتصالح أهل البيت.
وخرج البخاريّ [ (2) ] من حديث عيسى بن يونس، عن عمر بن سعيد قال:
أخبرني ابن أبي مليكة أن أبا عمرو ذكوان مولى عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أخبره أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- كانت تقول: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء- يشك عمر- فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه ويقول: لا إله إلا اللَّه، إن للموت سكرات. ثم نصب يده فجعل يقول: في الرفيق الأعلى حتى قبض ومالت يده صلى اللَّه عليه وسلم. ذكره في الرقاق [ (3) ] في باب سكرات الموت.
خرج البيهقي من طريق عبد اللَّه بن الحكم وشعيب بن الليث، عن الليث عن يزيد بن الهاد عن موسي بن سرجس، عن القاسم بن محمد، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يموت وعنده قدح فيه ماء يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء، ثم يقول: اللَّهمّ أعنّي على سكرة الموت [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 11/ 179، كتاب الدعوات، باب (29) دعاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم اللَّهمّ الرفيق الأعلى* حديث رقم (6348) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 207.
[ (3) ] (فتح الباري) : 11/ 435 حديث رقم (6509) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 217، كتاب فضائل الصحابة، باب (13) فضائل عائشة أم المؤمنين- رضي اللَّه عنها، حديث رقم (86) .(14/500)
وخرج البخاري في كتاب المغازي [ (1) ] وخرج مسلم في مناقب عائشة [ (2) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- من حديث الليث، عن عقيل بن خالد قال:
قال ابن شهاب: أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم قال: أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول وهو صحيح: لن يقبض نبي قط حتى يرى مقعدة من الجنة، ثم يحيا- أو يخير- فلما أشتكى وحضره القبض ورأسه على فخذي- غشي عليه ساعة- ثم أفاق فأشخص بصره إلى السقف، ثم قال: اللَّهمّ الرفيق الأعلى، قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: قلت: إذا لا يختارنا قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: فكانت تلك آخر كلمة تكلم به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قوله: اللَّهمّ الرفيق صلى اللَّه عليه وسلم.
وخرجه البخاري في كتاب الرقاق [ (3) ] في باب من أحب لقاء اللَّه أحب اللَّه لقاءه، به مثله، وخرجه أيضا في آخر كتاب المغازي في باب آخر ما تكلم به النبي صلى اللَّه عليه وسلم.
وخرج في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته، من حديث شعيب عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو صحيح يقول: إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعدة من الجنة ثم يحيا- أو يخير- فلما اشتكى وحضره القبض ورأسه صلى اللَّه عليه وسلم على فخذ عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- غشي عليه، فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت ثم قال: اللَّهمّ في الرفيق الأعلى.
فقلت إذا لا يخترنا فعرفت أنه حديثه الّذي كان يحدثنا وهو صحيح.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 8/ 172 حديث رقم (4437) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 217، حديث رقم (87) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 8/ 323 كتاب التفسير، باب (13) (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ) حديث رقم (4586) .(14/501)
وخرج البخاري في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته، وخرج مسلم في مناقب عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- من حديث شعبة عن سعد بن إبراهيم، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كنت أسمع أنه لن يموت نبي حتى يخير بين الدنيا والآخرة، قالت: فسمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه وأخذته بحّة يقول: مع الذين أنعم اللَّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا قال: فظننته صلى اللَّه عليه وسلم خير حينئذ. اللفظ لمسلم.
وفي لفظ البخاري عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرضه الّذي مات فيه جعل يقول: في الرفيق الأعلى.
وخرج في كتاب التفسير [ (1) ] من حديث إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-.
قالت: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول ما من نبي يمرض إلا خيّر بين الدنيا والآخرة وكان في شكواه الّذي قبض فيه أخذته بحّة شديدة، فسمعته يقول: مع الذين أنعم اللَّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فعلمت أنه خيّر.
وخرج النسائي [ (2) ] من حديث سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي بردة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: أغمى على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو في حجري فجعلت أمسح وجهه أدعو له بالشفاء فقال: لا بل أسأل اللَّه الرفيق الأعلى الأسعد، مع جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، عليهم الصلاة والسلام.
وخرج البخاري في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] ووفاته من حديث عبد اللَّه بن المختار، حدثنا هشام بن عروة عن عبّاد بن عبد اللَّه بن الزبير، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، أخبرته أنها سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأصغت
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 174- 175، حديث رقم (4440) .
[ (2) ] (سبق تخريجه) .
[ (3) ] (سبق تخريجه) .(14/502)
إليه قبل أن يموت وهو مسند إلى ظهره يقول: اللَّهمّ اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى.
وخرجه مسلم في مناقب عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- من حديث مالك بن أنس، عن هشام بن عروة، عن عباد بن عبد اللَّه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بنحوه. قال الواقدي في (مغازية) حدثني الحكم بن القاسم، عن أبى الحويرث قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يشتك شكوى إلا سأل اللَّه تعالى العافية، حتى كان مرضه الّذي مات فيه فإنه لم يكن يدعو بالشفاء، ويقول: يا نفس مالك تلوذين كل ملاذ، قال: وأتاه جبريل، - عليه السلام- في مرضه ويقول: إن ربك يقرئك السلام ورحمة اللَّه، يقول:
إن شئت شفيتك وكفيتك، وإن شئت توفيتك وغفرت لك. قال صلى اللَّه عليه وسلم: ذلك إلى ربي يصنع بي ما يشاء، وكان لما نزل به، دعا بقدح من ماء فجعل يمسح به وجهه ويقول: اللَّهمّ أعني على كرب الموت. أدن مني يا جبريل، أدن مني يا جبريل. هذا إسناد منقطع [ (1) ] .
وقال سيف: عن أبي القاسم عن العلاء بن زياد، عن عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن خروج النبي صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ إنما كان بشارة إليه من السماء بقتل العنسيّ الكذاب، فقال: قد قتل العنسيّ البارحة قد قتله رجل مبارك من بيت مبارك.
وقال: عن سعيد بن عبد الجمحيّ عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما دخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ والناس مسرورون قد ملئوا البيت والحجرة وما بينهما من المسجد، فقال: ناد يا علي وارفع صوتك: من اللَّه [لا مني] : ألا لا تدعين أحدا إلى غير أبيه، ولا مولى إلى غير مواليه، ولا تظلمن أحدا لأحد، فمن فعل ذلك لعنه اللَّه، ولم يقبل منه صرفا ولا عدلا ومن اللَّه تعالى حصنهم المانع مع غير مكروه، والظالم المرأة مهرها، والظالم الأجير أجره، وقد أداه عمله، وتفرق الناس عنه، فما انتصف النهار حتى قبضه اللَّه تعالى.
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 210.(14/503)
قال: عن عبد اللَّه بن سعيد، عن أبي سعيد، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: يومئذ يا بني عبد مناف، ألا إني لا أغني عنكم من اللَّه شيئا يا فاطمة بنت محمد، ويا صفية بنت عمة رسول اللَّه ألا إني لا أغني عنكم من اللَّه شيئا يا فاطمة بنت محمد، ويا صفية بنت عمة رسول اللَّه، ألا إني لا أغني عنكم من اللَّه شيئا فاعملا لما عنده، وأطيعا أمره ولا تتكلا.
وقال: عن محمد بن إسحاق، عن جعفر بن الزبير، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن ملك الموت خيرني ما عند ربي عز وجل فاخترت ذلك إلى مجيء الملك، يعني جبريل عليه السلام.
قال: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن أبي مليكة عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كان جبريل عليه الصلاة والسلام يأتي النبي صلى اللَّه عليه وسلم في وجعه في كل يوم فيسلم عليه ويقول: إن اللَّه يقرأ عليك السلام ويقول: كيف تجدك يا محمد؟ وهو أعلم بالذي تجد منك، ولكنه أراد أن يزيدك كرامة وشرفا وأن يتم كرامتك وشرفك على الخلق، وأن يكون سنة في أمتك فيجد به بقدر الّذي يجد من شدة أو رخاء، فإذا قال: أخذني بى شاكيا قال جبريل- عليه السلام- يا محمد إن اللَّه عزّ وجلّ لم يشدد عليك أن يكون أحد من خلقه هو أكرم عليه منك ولكنه أحب أن تدعوه وتضرع إليه، ولا تكف عن ذلك حتى تلقاه للذي أعد لك في ذلك من الثواب والفضيلة على الخلق، وإذا قال: الحمد للَّه وأشكره قال: ربك يحب أن يحمد ويشكر ليزيدك على ما أعطاك.
وقال: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عمر، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: حتى إذا كان اليوم الّذي مات فيه صلوات اللَّه عليه، رأوا منه في أول النهار خفة فتفرق عنه الرجال إلى منازلهم وحوائجهم مستبشرين، وأخلوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالنساء، فبينا نحن على ذلك لم يكن على مثال جالسا في الرخاء والفرح قبل ذلك.(14/504)
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أخرجي عني- يعني هؤلاء- فهذا الملك يستأذن عليّ فخرج من البيت غيري، ورأسه في حجري، فجلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وتنحيت في ناحية البيت، فناجى الملك طويلا، ثم إنه دعاني ورأسه في حجري، وقال للنسوة: ادخلن، فقلن: ما هذا بحسّ جبريل، فقال رسول صلى اللَّه عليه وسلم أجل يا عائشة هذا ملك الموت جاءني، فقال: إن اللَّه عزّ وجلّ أرسلني إليك، وأمرني أن لا أدخل عليك إلا بإذن، فإن لم تأذن لي لم أدخل عليك، وإن أذنت لي دخلت، وأمرني أن لا أقبضك حتى تأمرني، فمرني أمرك، فقلت: اكفف حتى يأتيني جبريل، فهذه ساعة جبريل، واستقبلنا بأمر لم يكن عندنا جواب ولا رأي وجوهنا، وكأني ضربنا بصاخة ما يخسر إليه شيئا، وما يتكلم أحد من أهل البيت إعظاما لذلك الأمر وهيبته وقد ملأت جوا.
قال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه بن أبي مليكة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: وجاء جبريل- عليه الصلاة والسلام- في ساعته فسلم فعرفنا حسّه، وخرج أهل البيت ودخل، فقال: إن اللَّه عز وجل يقرأ عليك السلام يا محمد ويقول: كيف تجدك؟ وهو أعلم بالذي تجد منك، ولكن أراد أن يزيدك كرامة وشرفا على الخلق، وأن يكون سنة في أمتك فقال صلى اللَّه عليه وسلم: أجدني راجعا فقال: أبشر فإن اللَّه عزّ وجلّ أراد أن يبلغك ما أعدّ لك، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: يا جبريل إن ملك الموت استأذن عليّ وأخبره الخبر، فقال جبريل- عليه السلام-: إن ربك متمّ شرفك، وهو إليك مشتاق، قال: فلا تبرح إذا حتى يجئ وأذن للنساء، فقال: أدن يا فاطمة، فأكبّت عليه، فناجاها، فرفعت رأسها وعيناها تذرفان وما تطيق الكلام، ثم قال: أدن مني رأسك، فأكبت عليه، فناجاها، فرفعت رأسها وهي تضحك، وما تطيق الكلام، وكان الّذي رأينا منها عجبا، فسألناها بعد ذلك فقالت: أخبرني أنه قال:
إني ميت، فبكيت ثم قال: إني دعوت اللَّه أن يلحقك بي في أول أهلي، وأن يجعلك معي فأضحكني ذلك.
قال: جاء ملك الموت فسلم واستأذن فأذن له، قال ملك الموت أفتأمرنا يا محمد؟ فقال: ألحقني بربي الآن، فقال: بل من يومك هذا، أما إن ربك(14/505)
إليك مشتاق، ولكن ساعتك أمامك.
قالت: وخرج جبريل- عليه السلام- وقال: يا رسول اللَّه، هذا آخر ما أنزل فيه إلي الأرض أبدا، طوي الوحي، وطويت الدنيا، وما كانت لي في الأرض حاجة غيرك، وما لي فيها حاجة إلا حضورك، ثم لزومي موقفي، ولا والّذي بعث محمدا بالحق، ما في البيت أحد أن يستطع أن يخير إليه في ذلك كله، ولا يبعث إلي أحد من رجاله لعظم ما سمع من حديثه.
وقال سيف: عن سليمان بن أبي المغيرة، عن فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- مثل حديث سعيد، عن عبيد بن عمير، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- إلا أن في آخره: فاخترت لقاء اللَّه عز وجل وما عند اللَّه وإني سألت اللَّه عز وجل أن يجعلك معي. يا فاطمة بنت رسول اللَّه، ويا صفية عمة رسول اللَّه، اعملا لما عند اللَّه فإنّي لا أغني عنكما من اللَّه شيئا، مثلا ضربه ليعبد ربه، وإنما أراد من ذلك من يخاف عدته.
وروي الواقدي في (المغازي) عن محمد بن عمر، عن أسامه بن زيد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال جبريل- عليه السلام-: لمفاتيح خزائن الأرض فقال: يا محمد هذه مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة أحبّ إليك أم لقاء ربك ثم الجنة؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لقاء ربي ثم الجنة، وكان مع جبريل عليه الصلاة والسلام ملك الموت، فقبض نفسه، وأشخص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجهه إلي سقف البيت وهو يقول: مع الرفيق الأعلى، وقبض صلى اللَّه عليه وسلم.
قال سيف: عن أبي المهلب، عن بشر عن القاسم عن أبي أمامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: وكان جبريل عليه السلام يأتيه بالليل والنهار فيقول: إن اللَّه عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول: كيف تجدك؟ ثم يوصيه بالجار، وبالسواك، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما جاءني قط صاحبي إلا وهو يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه، وبالسواك حتى ظننت أنه سيفرضه حتى إذا كان الثاني عشر من ربيع الأول، اشتد وجعه من الليل، فأصبح وقد أفاق.(14/506)
وخرج البيهقي من طريق سيار بن حاتم حدثنا عبد الواحد بن سليمان الحارثي قال: حدثنا الحسن بن علي، عن محمد بن علي قال: لما كان قبل وفاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بثلاث، هبط إليه جبريل عليه السلام فقال: إن اللَّه تعالى أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا، وخاصة لك، يسألك عما هو أعلم به منك يقول: كيف تجدك؟ قال: أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا: فلما كان يوم الثاني، هبط جبريل عليه السلام فقال له مثل ذلك.
فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا، فلما كان اليوم الثالث، هبط جبريل- عليه السلام- ومعه ملك الموت ومعهما ملك الهواء يقال له إسماعيل، على سبعين ألف ملك، كل ملك منهم على سبعين ألف ملك.
قال: فسبقهم جبريل- عليه السلام- فقال: يا أحمد إن اللَّه تعالى أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا وخاصة لك، يسألك عما هو أعلم به منك يقول كيف تجدك؟ قال أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا قال: واستأذن ملك الموت على الباب فقال له جبريل- عليه السلام- يا أحمد هذا ملك الموت يستأذن عليك ولم يستأذن على آدمي من قبلك ولا يستأذن على آدمي بعدك.
فقال صلى اللَّه عليه وسلم ائذن له يا جبريل. فقال: عليك السلام يا أحمد، إن اللَّه تعالى أرسلني إليك وأمرني أن أطيعك فيما أمرتني، إن أمرتني أن أقبض نفسك، قبضتها، وإن أمرتني أن أتركها تركتها، قال صلى اللَّه عليه وسلم: وتفعل ذلك يا ملك الموت؟
قال: نعم! قال: بذلك أمرت. قال جبريل- عليه السلام-: يا أحمد إن اللَّه تعالى قد اشتاق إلى لقائك، قال صلى اللَّه عليه وسلم: يا ملك الموت أمض لما أمرت به، قال فأتاهم آت يسمعون حسه، ولا يرون شخصه، فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللَّه وبركاته، إن في اللَّه تعالى خلفا من كل هالك، وعزاء من كل مصيبة، ودركا من كل فائت، فباللَّه فثقوا، وإياه فأجروا، فإن المصاب من حرم الثواب.
قال البيهقي: قوله: إن اللَّه قد اشتاق إلى لقائك، إن صح إسناد هذا الحديث. فإنما معناه قد أراد زيادة في قربك وكرامتك.(14/507)
وخرج من حديث يونس بن بكير عن المبارك بن فضالة، عن الحسن. قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال لفاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: يا بنية واللَّه لقد حضر أباك ما ليس اللَّه تبارك منه أحدا من الناس لموافاة يوم القيامة.
ومن طريق آدم بن أبى إياس، حدثنا المبارك بن فضالة، عن ثابت، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما قالت فاطمة عليها السلام: وا كرباه! قال لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إنه قد حضر من أبيك ما ليس بتارك كمنه أحدا لموافاة يوم القيامة [ (1) ] .
وخرج البخاري من حديث سليمان بن حرب، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس قال: لما ثقل النبي صلى اللَّه عليه وسلم جعل يتغشاه، فقالت فاطمة عليها السلام: وا كرب أباه، فقال لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم، يا أبتاه إلي جبريل ننعاه، فلما دفن قالت فاطمة عليها السلام: يا أنس! أطابت نفوسكم أن تحشوا على رسول اللَّه التراب؟ [ (2) ] .
وخرج الإمام أحمد من حديث عفان بن مسلم، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ورأسه بين سحري ونحري فلما خرجت نفسه صلى اللَّه عليه وسلم لم أجد ريحا قط أطيب منها [ (3) ] .
قال سيف: عن سلمه بن نبيط، عن نعيم بن أبي هند عن شقيق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قمت إلي النبي صلى اللَّه عليه وسلم حتى أضع رأسه بين ثدييّ وأمسكت بصدره فجعل يغمض عينيه حتى يغلب، وجبهته ترشح رشحا ما رأيته من إنسان قط، فجعلت أسلت ذلك العرق، ما رأيت ولا وجدت رائحة شيء أطيب منه، وكنت أقول له إذا أفاق: بأبي وأمي ونفسي وأهلي! ما تقلي جبهتك من العرق فقال صلى اللَّه عليه وسلم: يا عائشة إن نفس المؤمن تخرج
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 210- 212.
[ (2) ] (فتح الباري) : 1887، حديث رقم (4462) .
[ (3) ] (مسند أحمد) : 7/ 175، حديث رقم (34384) من حديث السيدة عائشة.(14/508)
بالرشح، والكافر تخرج من شدته كنفس الحمار، فعند ذلك ارتعنا وبعثنا إلى أهلينا، فكان أول رجل جاءنا فلم يشهده أخي، فبعثته إلى أبي، فمات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل أن يجيئنا.
قال: عن سليمان بن أبى المغيرة، عن فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن الأنبياء تخرج أنفسهم بالرشح، وجعل إذا أغمي عليه قال: بل الرفيق الأعلى، كأن الخيرة تعاد عليه، فإذا أفاق قال: الصلاة، الصلاة، إنكم لا تزالون متماسكين ما صليتم جميعا، الصلاة، الصلاة، يوصي بها حتى الموت، فهي آخر ما سمع منه.
قال: عن سعيد بن عبد اللَّه عن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: فسالت مهجة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فرأيتها من في رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبين الأرض وما هي متعلقة بشيء.
وقال: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن أبي مليكة قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيتي وفي يومي، لم أظلم فيه أحدا ومات بين سحري ونحري، فلما رأيت النساء يبكين ويعددن، وضعت رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على الوسادة، فرأيته يحرك يديه ورجليه فأكبيت عليه وأنا أري أنها غشيه أفاق منها، فإذا هو كأنّه إذا كان يضاجعني نائما، وإذا تلك الحركة تمديد من الملائكة وقيام منهم عليه.
وقال يونس عن ابن إسحاق: حدثني يحيي بن عباد عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو بين سحري ونحري، في بيتي، وفي يومي، لم أظلم فيه أحدا. فمن سفاهة رأيي، وحداثة سني، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حجري، فأخذت وسادة، فوسدتها رأسه، ووضعته من حجري ثم قمت مع النساء أبكي وألتدم.
وخرج البيهقي [ (1) ] من طريق أبي عمران الجوني، عن يزيد بن بابنوس، قال إنه أتي عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: كان رسول اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: كان رسول اللَّه
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 8/ 213.(14/509)
صلى اللَّه عليه وسلم إذا مر بحجرتي ألقى إليّ الكلمة، يقر بها عيني، فمر ولم يتكلم فعصبت رأسي، ونمت على فراشي، فمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: مالك يا عائشة؟:
فقلت: أشتكي رأسي، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: بل أنا وا رأساه، وأنا الّذي أشتكى رأسي، وذلك حين أخبره جبريل عليه الصلاة والسلام أنه مقبوض. فلبثت أياما، ثم جيء به يحمله في كساء أربعة، فأدخل عليّ، فقال: يا عائشة أرسلي إلي النسوة. فلما جئن قال: إني لا أستطيع أن أختلف بينكن فأذن لي فأكون في بيت عائشة، قلن: نعم. فرأيته يحمر وجهه، ويعرق، فلم أكن رأيت ميتا قط. فقال: أقعديني فأسندته إلي، ووضعت يدي عليه، فقبلت رأسه، فرفعت يدي عنه، وظننت أنه يريد أن يصيب من رأسي فوقعت من فيه نقطة باردة علي ترقوتي أو صدري ثم مال فسقط علي الفراش،
فسجيته بثوب فلم أكن رأيت ميتا قط، فعرفت الموت بغيره، فجاء عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يستأذن ومعه المغيرة بن شعبة، فأذنت لهما، ومددت الحجاب، فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا عائشة ما لنبي اللَّه؟ قالت: غشي عليه منذ ساعة، فكشف عن وجهه، فقال: وا غماه إن هذا لهو الغم، ثم غطاه، ولم يتكلم المغيرة. فلما بلغ عمر الباب، قال المغيرة: مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يا عمر. فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: كذبت، ما مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولا يموت حتى يأمر بالمنافقين، بل أنت تجوشك فتنه، فجاء أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: ما لرسول اللَّه يا عائشة؟ قلت:
غشي عليه منذ ساعة، فكشف عن وجهه، فوضع فمه بين عينية، ووضع يده على صدغيه، ثم قال: وا نبياه! وا صفياه! وا خليلاه! صدق اللَّه ورسوله:
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [ (1) ] وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ [ (2) ] ثم غطاه، وخرج إلي الناس فقال: أيها الناس: هل مع أحد منكم عهد من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قالوا: لا. قال: من
__________
[ (1) ] الزمر: 30.
[ (2) ] الأنبياء: 34.(14/510)
كان يعبد اللَّه فإن اللَّه حي لا يموت، ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد ملت.
ثم قال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ وقال: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ فقال عمر: أفي كتاب اللَّه هذا يا أبا بكر؟ قال: نعم، قال عمر: هذا أبو بكر صاحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الغار وثاني اثنين فبايعوه، فحينئذ بايعوه [ (1) ] .
وخرج البخاري من حديث الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، قال:
أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أخبرته، ان أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أقبل على فرس من مسكنه بالسنح، حتى نزل فدخل المسجد، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فتيمم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو مغشي عليه ببرد حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه يقبله ثم بكي ثم قال: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه، واللَّه لا يجمع اللَّه عليك موتتين أبدا، الموتة التي كتبت عليك فقدمتها.
قال: وحدثني أبو سلمة، عن عبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- خرج وعمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يكلم الناس فقال: اجلس يا عمر! فأبى عمر أن يجلس، فتشهد أبو بكر، فأقبل الناس إليه، وتركوا عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أما بعد فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان منكم يعبد اللَّه فإن اللَّه تبارك وتعالى حي لا يموت، قال اللَّه تعالى:
وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إلى قوله: الشاكرين [ (2) ] وقال: لكأن الناس لم يعلموا أن اللَّه تعالى أنزل هذه الآية، حتى تلاها أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فتلقاها منه الناس كلهم، فما أسمع بشرا من الناس إلا يتلوها.
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 214- 215.
[ (2) ] آل عمران: 144.(14/511)
قال: وحدثني الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، أنه قال: أخبرني سعيد ابن المسيب، أن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: واللَّه ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعرفت، أو قال: فعقرت حتى ما تقلني رجلاي وحتى أهويت إلى الأرض، وعرفت حين سمعته تلاها أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد مات. [ (1) ]
وخرجه مسلم من طريق معمر ويونس، عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمه أن عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم أخبرته قالت: أقبل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على فرسه من مسكنه بالسنح، وذكره بنحو أو قريب مما تقدم، وخرجه النسائي. [ (2) ]
وذكر البيهقي من طريق الواقدي عن شيوخه، قالوا: لما شكوا في موت النبي قال بعضهم: قد مات، وقال بعضهم: لم يمت فوضعت أسماء بنت عميس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- يدها بين كتفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالت: قد توفي الرسول صلى اللَّه عليه وسلم قد رفع الخاتم من بين كتفيه، فكان هذا الّذي عرف به موته.
وروي من طريق يونس عن أبي معشر، عن محمد بن قيس عن أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: وضعت يدي على صدر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم مات، وهو في جمع، آكل، وأتوضأ، ما يذهب ريح المسك من يدي.
ومن طريق يونس [ (3) ] عن الحجاج بن أبي ذؤيب عن طلحة مولى ابن الزبير عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو خميص البطن.
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 183، حديث رقم (4452- 4453) .
[ (2) ] لعله في (الكبرى) .
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 219- 220.(14/512)
ذكر ما نزل به صلى اللَّه عليه وسلم من شدة الوجع
خرج البخاري في كتاب المرض [ (1) ] من حديث سفيان وشعبة، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما رأيت أحدا اشتدّ عليه الوجع من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
وخرجه مسلم في كتاب البرّ والصلة [ (2) ] من حديث جرير، عن الأعمش، عن أبي وائل عن مسروق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت:
ما رأيت رجلا أشد عليه الوجع من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وفي رواية مكان الوجع وجعا.
وخرجه النسائي [ (3) ] من حديث سفيان عن سليمان عن شقيق عن مسروق عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما رأيت الوجع علي أحد أشد منه على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وخرجه قاسم بن أصبغ وابن أيمن بمثله.
وخرج البخاري [ (4) ] ومسلم [ (5) ] من حديث الأعمش، عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد، عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: دخلت علي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يوعك، فمسسته بيدي فقلت: يا رسول اللَّه: إنك توعك وعكا شديدا فقال صلى اللَّه عليه وسلم: أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم، قلت: ذلك بأن لك أجرين، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أجل ذلك كذلك، ثم قال: ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر اللَّه- تعالى- بها سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها [ (6) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 136، باب (2) شدة المرض حديث رقم (5646) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 362- 363، باب (14) ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك، حتى الشوكة يشاكها، حديث رقم (44) .
[ (3) ] لعله في (الكبرى) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 10/ 137، كتاب المرض، باب (2) شدة المرض حديث رقم (5647) وباب (2) أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، حديث رقم (5648) .
[ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 363، حديث رقم (45) .
[ (6) ] (طبقات ابن سعد) : 2/ 208، ذكر شدة المرض على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.(14/513)
وروي ابن سعد من طريق موسي بن عبيدة الزبيدي عن زيد بن أسلم، عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: جئنا النبي صلى اللَّه عليه وسلم فإذا عليه صالب من الحمي ما يكاد يقربه أحدنا عليه من شدة الوجع، فجعلنا نسبح، فقال: ليس أحد أشد بلا من الأنبياء، كما يشدد علينا، كذلك يضاعف لنا الأجر.
وروي أحمد بن المقدام، حدثنا خالد بن الحارث عن شعبة. قال:
أخبرني حصين قال: سمعت أبا عبيد يحدث عن عمته فاطمة أنها قالت: أتينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه نعوده، فإذا سقاء عليه من شدة ما يجد من الحمي فقلنا: يا رسول اللَّه لو دعوت اللَّه يكشف عنك، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: إن أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: جعل يشتكي ويتقلب على رأسه، فقلت: لو فعل هذا بعضنا وجد عليه قال إن المؤمنين يشدد عليهم.
وقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يموت وعنده قدح فيه ماء ويدخل يده في القدح ثم يمسح به وجهه بالماء ثم قال: اللَّهمّ أعني على سكرات الموت [ (1) ]
وعن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: أغبط أحدا بهوان موت بعد الّذي رأيت من شدة موت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 65، حديث رقم (23835) ، (23895) ، (23960) ، (24650) من حديث السيدة عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وأخرجه أيضا في (سنن الترمذي) : 3/ 308، كتاب الجنائز، باب (8) ما جاء في التشديد عند الموت، حديث رقم (978) .
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 3/ 309 كتاب الجنائز، باب (8) ما جاء في التشديد عند الموت حديث رقم (979) .(14/514)
ذكر إخراجه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه مالا كان عنده وعتقه أرقّاءه
خرّج الإمام أحمد من حديث يحيي عن محمد بن عمر قال: حدثني أبو سلمه قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه: يا عائشة! ما فعلت بالذهب؟ فجاءت ما بين الخمسة إلى السبعة، أو الثمانية، أو التسعة، فجعل صلى اللَّه عليه وسلم يقلبها بيده ويقول: ما ظن محمد باللَّه عزّ وجلّ إن لقيه اللَّه تعالى وهذه عنده؟ أنفقيها [ (1) ] .
ومن حديث أبي حازم عن أبي سلمة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: أمرني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن أتصدق بذهب كانت عندنا في مرضه، قالت: فأفاق، فقال: ما فعلت بالذهب؟ قالت: لقد شغلني ما رأيت منك، قال: فهلميها، قال: فجاءت بها إليه، سبعة، أو تسعة.
قال الواقدي في (مغازيه) : [ (2) ] حدثني موسي بن محمد عن أبيه. عن أم سلمة. عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالت: حضر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو في صدري فقال: ما فعلت الذهبة؟ فأتيته بها وهي تسعة دنانير، فقال: أنفقيها، ما ظن محمد بربه لو لقي اللَّه تعالى وهي عنده؟
وقال محمد بن سعد: أخبرني سعيد بن منصور قال: أخبرنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: أخبرني سعيد بن منصور، قال يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم، عن سهل بن سعد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كانت عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سبعة دنانير وضعها عند عائشة- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها- فلما كان في مرضه قال:
يا عائشة ابعثي الذهب إلى عليّ، ثم أغمى عليه، وشغل عائشة ما به، فبعثت به إلى عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فتصدق به.
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 74، حديث رقم (23702) ، حديث رقم (24964) السيدة عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-.
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1117 وما بعدها، غزوة أسامة بن زيد إلى مؤتة.(14/515)
قال: أخبرنا عبد اللَّه بن مسلمة بن قعنب، حدثنا عبد العزيز بن محمد ابن عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب بن عبد اللَّه بن حويطب، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وهي مستندته إلى صدرها: يا عائشة! ما فعلت تلك الذهب؟ قال: فدعا بها فوضعها في كفه فقال: ما ظنّ محمد بربه أن لو لقي اللَّه تعالى وهذه عنده؟ فأنفقها كلها، ومات صلى اللَّه عليه وسلم في ذلك اليوم.
وقال سيف: عن سهل بن يوسف، عن أبيه، عن جده، قال: أعتق النبي صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه أربعين نفسا.(14/516)
ذكر تأميره صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري، عن عروة بن الزبير قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد بعث أسامة وأمّره أن يوطئ الخيل نحو البلقاء حيث قتل أبوه وجعفر، فجعل أسامة وأصحابه يتجهزون وقد عسكر بالجرف، فاشتكي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو على ذلك، ثم وجد من نفسه راحة، فخرج عاصبا رأسه فقال: أيها الناس! أنفذوا بعث أسامة، ثلاث مرات، ثم دخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم فتوفي.
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عبد اللَّه بن يزيد بن قسيط، عن أبيه، عن محمد بن أسامه بن زيد عن أبيه قال: بلغ النبي صلى اللَّه عليه وسلم قول الناس: استعمل أسامة بن زيد على المهاجرين والأنصار، فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى جلس علي المنبر، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس! أنفذوا بعث أسامة! فلعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله، وإنه لخليق بالإمارة، وإن كان أبوه لخليقا بها.
قال: فخرج جيش أسامة حتى عسكروا بالجرف وتتامّ الناس إليه فخرجوا، وثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأقام أسامة والناس ينتظرون ما اللَّه قاض في رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال أسامة: فلما ثقل هبطت من معسكري وهبط الناس معي وقد أغمي على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فلا يتكلم فجعل يرفع يده إلي السماء ثم يصبها علي فأعرف أنه يدعو لي.
حدثنا عبد الوهاب بن عطاء العجليّ قال: أخبرنا العمري عن نافع، عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعث سرية فيهم أبو بكر وعمر واستعمل عليهم أسامة بن زيد، فكان الناس طعنوا فيه أي في صغره، فبلغ ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فصعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه وقال: إن الناس قد طعنوا في إمارة أسامة وقد كانوا طعنوا في إمارة أبيه من قبله، وإنهما لخليقان لها، وإنه لمن أحب الناس إليّ، ألا فأوصيكم بأسامة خيرا.
أخبرنا أبو بكر بن عبد اللَّه بن أبي أويس وخالد بن مخلد قالا: أخبرنا(14/517)
سليمان بن بلال وأخبرنا عبد اللَّه بن مسلمة بن قعنب الحارثي، أخبرنا عبد العزيز بن مسلم وأخبرنا معن بن عيسى، قال: أخبرنا مالك بن أنس، جميعا عن عبد اللَّه بن دينار، عن عبد اللَّه بن عمر قال: بعث النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعثا، وأمّر عليهم أسامة بن زيد فطعن بعض الناس في إمارته، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبله! وأيم اللَّه إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليّ بعده!
أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا وهيب وأخبرنا المعلى بن أسد، أخبرنا عبد العزيز بن المختار عن موسى بن عقبة، حدثني سالم بن عبد اللَّه بن أبيه أنه كان يسمعه يحدث عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين أمر أسامه بن زيد، فبلغه أن الناس عابوا أسامة وطعنوا في إمارته، فقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الناس فقال:
ألا إنكم تعيبون أسامة وتطعنون في إمارته وقد فعلتم ذلك بأبيه من قبل! وأيم اللَّه إن كان لخليقا للإمارة. وإن كان لأحب الناس كلهم إليّ وإن ابنه هذا من بعده لأحب الناس إلي فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم. [ (1) ]
وخرج البخاري في كتاب الأحكام [ (2) ] في باب من لم يكترث بطعن من لا يعلم في الأمراء، حديثا من حديث عبد اللَّه بن دينار قال: سمعت ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما يقول: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعثا وأمر عليهم أسامة بن زيد فطعن في إمارته، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: إن تطعنوا في إمارته ... الحديث إلي آخره. وقال: لخليق للإمارة. وخرجه في المغازي [ (3) ] في غزوة زيد بن حارثة. [ (4) ]
وقال الواقدي في (مغازيه) : قالوا: لم يزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يذكر مقتل زيد بن حارثة وجعفر وأصحابه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- ووجد عليه
__________
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 2/ 248- 250.
[ (2) ] (فتح الباري) : 13/ 223، كتاب الأحكام، باب (33) من لم يكترث بطعن من لا يعلم في الأمراء حديثا، حديث رقم (8187) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 7/ 634، حديث رقم (4250) .
[ (4) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 117 وما بعدها، غزوة أسامة بن زيد مؤتة.(14/518)
وجدا شديدا، فلما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة، أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الناس بالتهيؤ لغزو الروم، وأمرهم بالانكماش [ (1) ] في غزوهم فتفرق المسلمون من عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهم مجدون في الجهاد، فلما أصبح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الغد يوم الثلاثاء لثلاث بقين من صفر دعا أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا أسامة، سر على اسم اللَّه وبركته حتى تنتهي إلي مقتل أبيك فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، فأغر صباحا على أهل أبنى وحرق عليهم، وأسرع السير تسبق الخير، فإن أظفرك اللَّه تعالى فأقلل اللبث فيهم، وخذ معك الأدلاء، وقدم العيون أمامك والطلائع.
فلما كان يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر، بدئ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فصدع وحمّ، فلما أصبح يوم الخميس لليلة بقيت من صفر، عقد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيده لواء ثم قال: يا أسامة، اغز باسم اللَّه، في سبيل اللَّه، فقاتلوا من كفر باللَّه، اغزوا ولا تغدروا، ولا تقتلوا وليدا، ولا امرأة، ولا تمنوا لقاء العدو، فإنكم لا تدرون لعلكم تبتلون بهم، ولكن قولوا: اللَّهمّ اكفناهم، واكفف بأسهم عنا، فإن لقوكم قد أجلبوا وصيّحوا، فعليكم بالسكينة والصمت، ولا تنازعوا فتفشلوا [ (2) ] فتذهب ريحكم، وقولوا: اللَّهمّ إنا نحن عبادك وهم عبادك، نواصينا ونواصيهم بيدك، وإنما تغلبهم أنت، واعلموا أن الجنة تحت البارقة. [ (3) ]
ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لأسامة: امض على اسم اللَّه، فخرج بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلميّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فخرج به إلي بيت أسامة وأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فعسكر بالجرف، وجعل الناس يجدّون بالخروج إلي العسكر وخرج من فرغ من حاجته إلي معسكره، ومن لم يقض حاجته فهو على فراغ، ولم يبق أحد من المهاجرين الأولين إلا انتدب في تلك الغزوة: عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن
__________
[ (1) ] الانكماش: الإسراع.
[ (2) ] في (المغازي) : «ولا تفشلوا» وما أثبتناه من الأصل، فهو أصوب.
[ (3) ] البارقة: بارقة السيوف.(14/519)
الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وأبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، في رجال من المهاجرين والأنصار عدة: قتادة ابن النعمان، وسلمه بن أسلم بن حريش، فقال رجال من المهاجرين، وكان أشدهم في ذلك قولا عياش بن أبي ربيعة: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين؟ فكثرت المقالة في ذلك فسمع عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعض ذلك القول، فردّه على من تكلّم به، وجاء إلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخبره بقول من قال، فغضب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غضبا شديا، وخرج قد عصب على رأسه عصابة، وعليه قطيفة، ثم صعد المنبر فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، يا أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ولقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، وأيم اللَّه إن كان للإمارة لخليقا وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحبّ الناس إليّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليّ وإنهما لمخيلان لكل خير [ (1) ] فاستوصوا به خيرا فإنه لمن خياركم.
ثم نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فدخل بيته، وذلك يوم السبت لعشر ليال خلون من ربيع الأول، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامه يودعون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيهم عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول:
أنفذوا بعث أسامة! ودخلت أم أيمن فقالت: أي رسول اللَّه! لو تركت أسامة يقيم في معسكره حتى تتماثل، فإن أسامة إن خرج علي حالته هذه لم ينتفع بنفسه.
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أنفذوا بعث أسامه، فمضى الناس إلي المعسكر فباتوا ليلة الأحد، ونزل أسامة يوم الأحد، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثقيل مغمور، وهو اليوم الّذي لدوه [ (2) ] فيه فدخل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعيناه تهملان، وعنده العباس والنساء حوله فطأطأ عليه أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقبّله، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يتكلم فجعل يرفع يده إلي السماء ثم يصبها على أسامة قال: فأعرف أنه كان يدعو لي.
__________
[ (1) ] فلان مخيل للخير: أي خليق له.
[ (2) ] لدوه: أعطوه الدواء، واللدود: ما يصب بالمسعط من الدواء في أحد شقي الفم.(14/520)
قال أسامة فرجعت إلي معسكري، فلما أصبح يوم الاثنين غدا من معسكره، وأصبح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مفيقا، فجاءه أسامة فقال: أغد على بركة اللَّه، فودعه أسامة ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مفيق مريح [ (1) ] وجعل نساؤه يتماشطن سرورا براحته، فدخل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا رسول اللَّه:
أصبحت مفيقا بحمد اللَّه، واليوم يوم ابنة خارجة فائذن لي، فأذن له، فذهب إلي السنح [ (2) ]
وركب أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلي معسكره، وصاح في أصحابه باللحوق بالعسكر، فانتهي إلي معسكره، فنزل وأمر الناس بالرحيل وقد متع [ (3) ] النهار فينا أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يريد أن يركب من الجرف أتاه رسول أم أيمن وهي أمه يخبره أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يموت، فأقبل أسامة إلي المدينة، معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح فانتهوا إلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يموت فتوفي صلى اللَّه عليه وسلم حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلي المدينة، ودخل بريدة بن الحصيب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بلواء أسامة معقودا حتى أتي به باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فغرزه عنده، فلما بويع لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أمر بريدة أن يذهب باللواء إلي بيت أسامة وأن لا يحله أبدا، حتى يغزوهم أسامة قال بريدة: فخرجت باللواء حتى انتهيت به إلى بيت أسامة، خرجت به إلى الشام معقودا مع أسامة ثم رجعت به إلي بيت أسامة، فما زال في بيت أسامة حتى توفي أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وذكر بقيمة الخبر.
قال الواقدي: فحدثني محمد بن الحسن بن أسامة بن زيد، عن أهله، قال ك توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأسامة ابن تسع عشرة سنة، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم زوجه وهو ابن خمس عشر سنة وامرأة من طيِّئ، ففارقها، وزوجه أخرى، وولد له في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأولم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على بنائه بأهله.
__________
[ (1) ] يقال: أراح الرجل إذا رجعت نفسه إليه بعد الإعياء.
[ (2) ] موضع بأعالي المدينة.
[ (3) ] متع النهار، إذا طال وامتد وتعالى.(14/521)
ذكر وثوب الأسود العنسيّ قبيل وفاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
وهو: عيهلة بن كعب بن عوف بن صعب بن مالك بن عباس واسمه زيد ابن مالك، وهو مذجح بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
قال الدولابي: وكان معه شيطانان: سحيق وشفيق، يخبرانه بكل شيء، وأعلماه بموت باذان فخرج من ساعته فغلب علي صنعاء.
وقال سيف: عن أبي مويهبة مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: رجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة بعد ما قضى حجة التمام فتحلل وضرب على الناس بعثا وأمر عليهم أسامه بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وأمره أن يوطئ إبل الزيت من مشارق الشام بالأردن [ (1) ] ، فقال المنافقون في ذلك، وردّ عليهم النبي صلى اللَّه عليه وسلم:
إنه لخليق لها أي حقيق بالإمارة، ولئن قلتم فيه، لقد قلتم في أبيه من قبله وإن كان لخليقا، وطارت الأخبار بتحليل السير بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قد اشتكى، فوثب الأسود باليمن، ومسيلمة باليمامة، وجاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم الخبر عنهما، ثم وثب طلحة في بلاد بني أسد بعد ما أفاق النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثم اشتكى في المحرم وجعه الّذي توفاه اللَّه تعالى فيه.
وقال: حدثناه هشام بن عروة، عن أبيه قال: لما رجع النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة أمر أسامة بن زيد وضرب البعث على عامة أهل المدينة بعد ما أمره أن يسير حتى يوطئ بهم إبل الزيت، ويحلل به السير، فطار في الآفاق أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم اشتكى، فوثب الأسود باليمن، ومسيلمة باليمامة، ثم إن طلحة وثب بعد ما أفاق النبي صلى اللَّه عليه وسلم وبعد ما جاء الخبر عن الأسود ومسيلمة، ثم إنه اشتكى وجعه الّذي توفاه اللَّه تعالى فيه في عقب المحرم.
قال سيف: حدثنا سهل بن يوسف بن سهل بن مالك الأنصاري، عن
__________
[ () ] (4) (مغازي الواقدي) : 3/ 1125.
[ (1) ] لم أجد هذا الموضع فيما عندي من معاجم البلدان.(14/522)
القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: أول ردة كانت ردة الأسود، واسمه عيهلة بن كعب، وكان يقال له ذو الخمار، ويقال ذو الحمار- بالحاء المهملة- لأنه مر به حمار [ (1) ] فخر علي وجهه فقام الأسود يتحدث ولم يقم الحمار حتى تكلم إليه.
قال سيف: ومسيلمة واسمه ثمامة بن قيس، وكان يقال له: رحمان، بأن الّذي يأتيه رحمان، وطليحة بن خويلد ويقال له: ذو النون، فإن الّذي يأتيه ذو النون، يقال: حدثني المسير بن يزيد النخعي، عن عروة بن عرية عن الضحاك بن فيروز الديلمي، عن أبيه قال: إن أول ردة كانت في الإسلام ردة كانت باليمن، على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على يدي ذي الخمار عيهلة بن كعب، وهو الأسود في عامة مذجح بعد حجة الوداع، وكان الأسود كاهنا، شعباذا، وكان يريهم الأعاجيب، وسبي قلوب من سمع منطقه.
وقال ابن أبي خثيمة: وأنكر نبوءته فقال: لا أكلمك ولكن أسأل ربي يكلمك وأمسك فاه، فسمع الرجل متكلما يقول: سل عما بدا لك، وراجعه بكلام.
وقال سيف: وكان أول ما خرج أن خرج كهف حنان وهي كانت داره وبها ولده ونساؤه، فكاتبته مذجح وواعدته بحران، فوثبوا بها وأخرجوا عمرو ابن حزم، وخالد بن سعيد بن العاص، فأنزلوه منزلهما.
ووثب قيس بن عبد يغوث علي فروة بن مسيك وهو على مراد، فأخلاه ونزل منزله فلم يلبث عيهلة بنجران أن سار إلى صنعاء فأخذها، وكتب إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ذلك من فعله ونزوله صنعاء، وكان أول حين وقع به عنه من قبل فروة بن مسيك، فلحق بفروة من تم إسلامه من مذجح ولم يكاتب الأسود صلى اللَّه عليه وسلم ولم يرسل إليه لأنه لم يكن معه أحد يساعيه وضوى له ملك اليمن.
قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه قال: لما اشتكى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ارتاب من شاء اللَّه فلم يقم منهم أحد على دينه إلا الأسود العنسيّ،
__________
[ (1) ] غير واضحة بالأصل.(14/523)
ومسيلمة، فإنّهما كفرا وادعيا النبوة، وكفر من اتبعهما، فلما بلغا النبي صلى اللَّه عليه وسلم خبرهما، قام في الناس فقال: أيها الناس، إني قد كنت أريت ليلة القدر فأنسيتها وأريت في ذراعي سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما، فطارا، فأولتهما هذين الكذابين: صاحب اليمامة، وصاحب صنعاء، ولن تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالا كلهم يزعم أنه نبي.
وعن محمد بن إسحاق عن عبيد اللَّه بن أبي بكر، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال يوما وهو يخطب على المنبر وقد تكلم في زمانه قبل إن يقبض مسيلمة وادعى النبوة والأسود بن كعب العنسيّ باليمن، وادعى النبوة، وكان يقال له في الجاهلية ذو الخمار: يا أيها الناس إني قد أريت ليلة القدر ثم انتزعت مني ورأيت في يدي سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما، فطارا، فأولتهما هذين الكذابين: صاحب اليمامة، وصاحب صنعاء، ولن تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالا كلهم يزعم أنه نبي.
فقد كان غلظ أمر الأسود واستكنف، وبايعه أهل اليمن إلا أن قوما قليلا خالفوا عليه.
قال المؤلف: وقد خرج البخاري ومسلم طرفا من ذلك، فخرج البخاري في كتاب المغازي في وفد بني حنيفة من حديث عبد الرزاق عن معمر بن همام أنه سمع أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وخرج مسلم أيضا من طريق عبد الرزاق، حدثنا معمر عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة. عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فذكر أحاديث منها، وقال:
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: بينما أنا نائم أتيت خزائن الأرض. قال البخاري: في كفي سوارين من ذهب فكبرا عليّ فأوحي إلي أن انفخهما، فنفختهما، فذهبا، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما: صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة [ (1) ] .
وخرج البخاري في التعبير من حديث عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 112، كتاب المغازي، باب (71) وفد بني حنيفة، وحديث ثمامة بن أثال، حديث رقم (4375) .(14/524)
همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نحن الآخرون السابقون.
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بينما أنا نائم إذ أوتيت خزائن الأرض فوضع في يدي سواران من ذهب فكبرا علي ... الحديث إلى آخره. وترجم عليه باب النفخ في المنام [ (1) ] .
وقال ابن أبي خثيمة: بعث الأسود إلى أبي مسلم عبد اللَّه بن أيوب الخولانيّ. فأتاه فقال: أشهد أني رسول اللَّه، قال: ما أسمع، قال: أشهد أن محمدا رسول اللَّه، قال: نعم فردد ذلك مرارا، فأوقد له نارا عظيمة وألقاه فيها فلم يضره، فنفاه، فأتى المدينة.
وقال سيف: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه قال: حاربهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالرسل والكتب فأرسل إلى نفر من الأبناء رسولا وكتب إليهم أن تحاولوا الأسود وأمرهم أن يتخذوا رجالا قد سماهم لهم ممن حولهم من حمير وهمذان وأرسل إلى أولئك النفر من حمير وهمذان أن يتخذوهم. وأرسل إلى ثمامة بن أثال ومن يسمع عليه، أن تحاولوا مسلمة، وأمره أن يتخذوا رجالا قد سماهم ممن والاه من تميم وقيس، وأرسل إلي أولئك النفر من تميم وقيس أن يتخذوه وأرسل إلي عون وورقاء بن نوفل، وإلى سنان وقضاعة أن تحاولوا طليحة وأمرهم أن يتخذوا رجالا قد سماهم لهم من تميم وقيس، وأرسل إلي أولئك النفر من تميم وقيس أن يتخذوهم، ففعلوا، وانقطعت سبل المرتدة، وطعنوا في نقصان، وأغفلهم فاستغفلوا في أنفسهم فأصيب الأسود في حياة النبي صلى اللَّه عليه وسلم قبل وفاته بيوم أو بليلة وكذا مسيلمة، وطلحة.
قال: حدثنا الضحاك بن يربوع عن أبيه عن ماهان، قال: قال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قاتل النبي صلى اللَّه عليه وسلم الأسود وطليحة ومسيلمة وأشياعهم بالرسل فلم يشغله.
قال سيف: عن طلحة بن الأعلم عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) 12/ 523، حديث رقم (7036) ، (7037) .(14/525)
تبارك وتعالى عنهما-: أول من اعترض على العنسيّ وكابره عامر بن شهر الهمذاني في ناحية، وفيروز ودادوبه في ناحيتهما ثم تتابع الذين كتب إليهم على ما أمروا به.
وقال سيف: عن سهل بن يوسف عن أبيه عن عبيد بن صخر قال: بينما نحن بالجد قد أفتاهم على ما ينبغي وكتبنا بينهم الكتب إذ جاءنا كتاب من الأسود: أيها المتوردون علينا أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا ووفروا ما جمعتم، فنحن أولى به، أنتم على ما كنتم عليه، فقلنا للرسول من أين جئت؟ قال من كهف حنان، ثم كان وجهه إلى نجران حتى أخذها لمحرجه فتابعه عوام مذجح، فبينا نحن ننظر في أمرنا ونحن جميعا إذا نبيا فقيل:
هذا الأسود يشعوب، وقد خرج إليه شهر بن باولم وذلك لعشرين ليلة من منحمة فبينا نحن ننتظر الخبر على من تكون الدبرة، إذ أتانا به قبل شهر، أن هرم الأبناء، وغلب على صنعاء، لخمس وعشرين ليلة من منحمه، خرج معاذ ابن جبل- رضي اللَّه تبارك وتعالى هاربا حتى يمر بأبي موسي الأشعري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو يحارب فافتتحا حضرموت، فأما معاذ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه نزل في السكون، وأما أبو موسي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه نزل السكون، وأما أبو موسى- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه نزل في السكاسك مما يلي المقود والمفازة، بينهم وبين مأرب وبجاد سائر من اليمن إلى الظاهر بن أبي هالة إلا عمرو بن حزم وخالد بن سعيد بن العاص، فإنّهما رجعا إلى المدينة، والظاهر بن أبي هالة في بلاد جبال صنعاء وغلب الأسود على ما بين مهد مفازة حضرموت إلي عمل الطائف إلى البحرين قبل عدن، وطافت عليه اليمن وعك بتهامة حضرموت.
وجعل يستطير استطارة الحريق، وكان معه سبعمائة فارس سوى الركبان وكان قواده: قيس بن عبد يغوث المراديّ، معاوية فلان الحبيّ، يزيد بن محرم ويزيد بن حصن الحاري، ويزيد بن الأفكل الأزدي، ابنا مليكة، واستغلظ أمره، ودانت له سواحل من السواحل، والسرجة، والحردة، والخدرة، وعدن ثم صنعاء، إلى عمل الطائف إلي الأحنة، وغلب، وعامله المسلمون بالبعير،(14/526)
وعامله أهل الردة بالكفر والرجوع عن الإسلام وكان خليفته في مذجح عمرو بن معديكرب، وأسند أمر الناس الى نفر، فأما أمر جنده فآل إلى قيس ابن عبد يغوث وأسند أمور الآباء إلى فيروز ودادويه، فلما أنجز في الأرض استخلف مقيس بن عبد يغوث وفيروز ودادويه وأخذ امرأة شهر بن باذام، وهي ابنة عم فيروز فبينما نحن كذلك بحضرموت، ولا نأمن أن يسير إلينا الأسود، أو يبعث إلينا جيشا، أو يخرج بحضرموت، خارج يدعي بمثل ما ادعى به الأسود فنحن على ظهر، يروح معاذ بن جبل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى بني بكرة، حي من السكون إلى امرأة يقال لها رملة فحدبوا عليها لصهره وكان معاذ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بها معجبا فإن كان ليقول فيما يدعو اللَّه تعالى: اللَّهمّ ابعثني يوم القيامة مع السكون، إذ جاء كتب النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأمرنا أن يبعث الرجّال لمحاربته أو محاولته يعني الأسود، وأن يبلغ كل من رجا عنده شيئا من ذلك عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقام مقامه معاذ بن جبل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالذي أمرته فعرفنا القوة ووثقنا بالبعير.
قال سيف: عن أبي القاسم، عن العلاء بن زياد عن أبي عمر قال: أتى الخبر إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم من السماء، الليلة التي قتل فيها الأسود العنسيّ، فخرج ليسرنا، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: قتل العنسيّ البارحة، قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين.(14/527)
ذكر وثوب مسيلمة في بني حنيفة ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حي
هو أبو ثمامة مسيلمة بن كثير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن عدي بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هيت بن أفصى بن دعمي بن جديله بن أسد بن ربيعة القرشي بن نزار بن معد بن عدنان.
فلما بعث أبو بكر السرايا إلى المرتدين، أرسل عكرمة بن أبي جهل في عسكر إلى مسيلمة وأتبعه شرحبيل بن حسنة، فعجل عكرمة ليذهب بصوتها، فواقعهم فنكبوه، وأقام شرحبيل بالطريق حين أدركه الخبر، وكتب عكرمة إلى أبي بكر بالخبر. فكتب إليه أبو بكر: لا أرينّك ولا تراني، لا ترجعنّ فتوهن النّاس، امض إلى حذيفة وعرفجة فقاتل أهل عمان ومهرة، ثمّ تسير أنت وجندك تستبرون النّاس حتى تلقى مهاجر بن أبي أميّة باليمن وحضرموت.
فكتب إلى شرحبيل بالمقام إلى أن يأتي خالد، فإذا فرغوا من مسيلمة تلحق بعمرو بن العاص تعينه على قضاعة.
فلمّا رجع خالد من البطاح إلى أبي بكر واعتذر إليه قبل عذره ورضي عنه ووجّهه إلى مسيلمة وأوعب معه المهاجرين والأنصار، وعلى الأنصار ثابت بن قيس بن شمّاس، وعلى المهاجرين أبو حذيفة وزيد بن الخطّاب، وأقام خالد بالبطاح ينتظر وصول البعث إليه. فلمّا وصلوا إليه سار إلى اليمامة وبنو حنيفة يومئذ كثيرون كانت عدّتهم أربعين ألف مقاتل، وعجل شرحبيل ابن حسنة، وبادر خالدا بقتال مسيلمة، فنكب، فلامه خالد، وأمدّ أبو بكر خالدا بسليط ليكون ردءا له لئلّا يؤتى من خلفه. وكان أبو بكر يقول: لا أستعمل أهل بدر، أدعهم حتى يلقوا اللَّه بصالح أعمالهم، فإنّ اللَّه يدفع بهم وبالصالحين أكثر ممّا ينتصر بهم. وكان عمر يرى استعمالهم على الجند وغيره.
وكان مع مسيلمة نهار الرّجّال بن عنفوة، وكان قد هاجر إلى النبيّ، صلى اللَّه عليه وسلم، وقرأ القرآن، وفقه في الدين، وبعثه معلّما لأهل اليمامة وليشغب على مسيلمة، فكان أعظم فتنة على بني حنيفة من مسيلمة، شهد أن محمدا صلى اللَّه عليه وسلم، يقول: إنّ مسيلمة قد أشرك معه، فصدقوه واستجابوا له، وكان مسيلمة ينتهي إلى أمره، وكان يؤذّن له عبد اللَّه بن النواجة، والّذي يقيم له حجير بن عمير، فكان حجير يقول: أشهد أنّ مسيلمة يزعم أنّه رسول اللَّه. فقال له مسيلمة: أفصح حجير، فليس في المجمجمة خير. وهو أوّل من قالها.(14/528)
وكان ممّا جاء به وذكر أنّه وحي: يا ضفدع بنت ضفدع نقّي ما تنقّين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدّرين.
وقال أيضا: والمبديات ذرعا، والحاصدات حصدا، والذاريات قمحا، والطاحنات طحنا، والخابزات خبزا، والثاردات ثردا، واللاقمات لقما إهالة وسمنا، لقد فضّلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، ريقكم فامنعوه، والمعيي فأوّوه، والباغي فناوئوه. وأتته امرأة فقالت: إنّ نخلنا لسحيق، وإنّ آبارنا لجرز، فادع اللَّه لمائنا ونخلنا كما دعا محمّد، صلى اللَّه عليه وسلم، لأهل هزمان.
فسأل نهارا عن ذلك، فذكر أنّ النبيّ، صلى اللَّه عليه وسلم، دعا لهم وأخذ من ماء آبارهم فتمضمض منه ومجّه في الآبار ففاضت ماء وأنجيت كلّ نخلة وأطلعت فسيلا قصيرا مكمّما، ففعل مسيلمة ذلك، فغار ماء الآبار ويبس النخل، وإنّما ظهر ذلك بعد مهلكه.
وقال له نهار: أمرّ يدك على أولاد بني حنيفة مثل محمّد، ففعل وأمرّ يده على رءوسهم وحنّكهم فقرع كلّ صبيّ مسح رأسه، ولثغ كلّ صبيّ حنكه، وإنّما استبان ذلك بعد مهلكه.
وقيل: جاءه طلحة النّمريّ فسأله عن حاله، فأخبره أنّه يأتيه رجل في ظلمة، فقال: أشهد أنّك الكاذب، وأنّ محمّدا صادق، ولكنّ كذّاب ربيعة أحبّ إلينا من صادق مضر. فقتل معه يوم عقرباء كافرا.
ولما بلغ مسيلمة دنوّ خالد ضرب عسكره بعقرباء، وخرج إليه النّاس وخرج مجّاعة بن مرارة في سريّة يطلب ثأرا لهم في بني عامر، فأخذه المسلمون وأصحابه، فقتلهم خالد واستبقاه لشرفه في بني حنيفة، وكانوا ما بين أربعين إلى ستّين.
وترك مسيلمة الأموال وراء ظهره، فقال شرحبيل بن مسيلمة: يا بني حنيفة قاتلوا فإنّ اليوم يوم الغيرة، فإن انهزمتم تستردف النساء سبيّات، وينكحن غير خطّيبات، فقاتلوا عن أحسابكم وامنعوا نساءكم. فاقتتلوا بعقرباء، وكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة، وكانت قبله مع عبد اللَّه بن حفص بن غانم، فقتل، فقالوا: تخشى علينا من نفسك [شيئا] فقال: بئس حامل القرآن أنا إذا! وكانت راية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شمّاس، وكانت العرب على راياتهم، والتقى النّاس، وكان أوّل من لقي المسلمين نهار الرّجّال بن عنفوة فقتل، قتله زيد بن الخطاب، واشتدّ القتال،(14/529)
ولم يلق المسلمون حربا مثلها قطّ، وانهزم المسلمون، وخلص بنو حنيفة إلى مجّاعة وإلى خالد، فزال خالد عن الفسطاط ودخلوا إلى مجّاعة وهو عند امرأة خالد، وكان سلّمه إليها، فأرادوا قتلها، فنهاهم مجّاعة عن قتلها وقال:
أنا لها جار، فتركوها، وقال لهم: عليكم بالرجال، فقطّعوا الفسطاط. ثم إنّ المسلمين تداعوا، فقال ثابت بن قيس: بئس ما عودّتم أنفسكم يا معشر المسلمين! اللَّهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا يصنع هؤلاء، يعني أهل اليمامة، وأعتذر إليك ممّا يصنع هؤلاء، يعنى المسلمين، ثمّ قاتل حتى قتل.
وقال زيد بين الخطّاب: لا نحور بعد الرجال، واللَّه لا أتكلّم اليوم حتى نهزمهم أو أقتل فأكلمّه بحجّتي. غضّوا أبصاركم وعضّوا على أضراسكم أيّها النّاس، واضربوا في عدوّكم وامضوا قدما. وقال أبو حذيفة: يا أهل القرآن زيّنوا القرآن بالفعال. وحمل خالد في النّاس حتى ردّوهم إلى أبعد ممّا كانوا، واشتدّ القتال وتذامرت بنو حنيفة وقاتلت قتالا شديدا، وكانت الحرب يومئذ تارة للمسلمين وتارة للكافرين، وقتل سالم وأبو حذيفة وزيد بن الخطّاب وغيرهم من أولي البصائر. فلمّا رأى خالد ما النّاس فيه قال: امتازوا أيّها النّاس لنعلم بلاء كلّ حيّ ولنعلم من أين نؤتي. فامتازوا، وكان أهل البوادي قد جنّبوا المهاجرين والأنصار وجنّبهم المهاجرون والأنصار. فلمّا امتازوا قال بعضهم لبعض: اليوم يستحي من الفرار، فما رئي يوم كان أعظم نكاية من ذلك اليوم، ولم يدر أيّ الفريقين كان أعظم نكاية، غير أن القتل كان في المهاجرين والأنصار وأهل القرى أكثر منه في أهل الوادي.
وثبت مسيلمة فدارت رحاهم عليه، فعرف خالد أنّها لا تركد إلّا بقتل مسيلمة، ولم تحفل بنو حنيفة بمن قتل منهم. ثمّ برز خالد ودعا إلى البراز ونادى بشعارهم، وكان شعارهم: يا محمّداه! فلم يبرز إليه أحد إلّا قتله.
ودارت رحى المسلمين، ودعا خالد مسيلمة فأجابه، فعرض عليه أشياء ممّا يشتهي مسيلمة فكان إذا همّ بجوابه أعرض بوجهه ليستشير شيطانه فينهاه أن يقبل. فأعرض بوجهه مرّة وركبه خالد وأرهقه، فأدبر وزال أصحابه، وصاح خالد في النّاس فركبوهم، فكانت هزيمتهم، وقالوا لمسيلمة: أين ما كنت تعدنا؟ فقال: قاتلوا عن أحسابكم. ونادى المحكّم: يا بنى حنيفة الحديقة الحديقة! فدخلوها وأغلقوا عليهم بابها.
وكان البراء بن مالك، وهو أخو أسد بن مالك، إذا حضر الحرب أخذته رعدة حتى يقعد عليه الرجال ثمّ يبول، فإذا بال ثار كما يثور الأسد، فأصابه(14/530)
ذلك، فلمّا بال وثب وقال: إليّ أيّها النّاس، أنا البراد بن مالك! إليّ إليّ! وقاتل قتالا شديدا، فلمّا دخلت بنو حنيفة الحديقة قال البراء: يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة. فقالوا: لا نفعل. فقال: واللَّه لتطرحنّني عليهم بها! فاحتمل حتى أشرف على الجدار فاقتحمها عليهم وقاتل على الباب وفتحه للمسلمين ودخلوها عليهم فاقتتلوا أشدّ قتال، وكثر القتلى في الفريقين لا سيّما في بني حنيفة، فل يزالوا كذلك حتى قتل مسيلمة. واشترك في قتله وحشيّ مولى جبير بن مطعم ورجل من الأنصار، أمّا وحشيّ فدفع عليه حربته، وضربه الأنصاريّ بسيفه، قال ابن عمر: فصرخ رجل: قتله العبد الأسود، فولّت بنو حنيفة عند قتله منهزمة، وأخذهم السيف من كل جانب، وأخبر خالد بقتل مسيلمة، فخرج بمجّاعة يرسف في الحديد ليد له على مسيلمة، فجعل يكشف له القتلى حتى مرّ بمحكّم اليمامة، وكان وسيما، فقال: هذا صاحبكم؟ فقال مجّاعة: لا، هذا واللَّه خير منه وأكرم، هذا محكّم اليمامة، ثمّ دخل الحديقة فإذا رويجل أصيفر أخينس، فقال مجّاعة:
هذا صاحبكم قد فرغتم منه. وقال خالد: هذا الّذي فعل بكم ما فعل.
وكان الّذي قتل محكّم اليمامة عبد الرحمن بن أبي بكر، رماه بسهم في نحره وهو يخطب ويحرّض النّاس فقتله. وقال مجّاعة لخالد: ما جاءك إلّا سرعان النّاس، وإنّ الحصون مملوّة، فهلمّ إلى الصلح على ما ورائي، فصالحه على كلّ شيء دون النفوس، وقال: أنطلق إليهم فأشاورهم. فانطلق إليهم وليس في الحصون إلّا النساء والصبيان ومشيخة فانية ورجال ضعفي، فألبسهم. الحديد وأمر النساء أن ينشرن شعورهنّ ويشرفن على الحصون حتى يرجع إليهم. فرجع إلى خالد فقال: قد أبوا أن يجيزوا ما صنعت، فرأى خالد الحصون مملوّة وقد نهكت المسلمين الحرب وطال اللّقاء وأحبّوا أن يرجعوا على الظفر ولم يدروا ما هو كائن، وقد قتل من المهاجرين والأنصار من أهل المدينة ثلاثمائة وستّون، ومن المهاجرين من غير المدينة ثلاثمائة رجل، وقتل ثابت بن قيس، قطع رجل من المشركين رجله فأخذها ثابت وضربه بها فقتله، وقتل ثابت بن قيس، قطع رجل من المشركين رجله فأخذها ثابت وضربه بها فقتله، وقتل من بني حنيفة بعقرباء سبعة آلاف، وبالحديقة مثلها، وفي الطلب نحو منها. وصالحه خالد على الذهب والفضة والسلاح ونصف السّبي، وقيل ربعه.
فلمّا فتحت الحصون لم يكن فيها إلّا النساء والصبيان والضعفاء، فقال خالد لمجاعة: ويحك خدعتني! فقال: هم قومي ولم أستطع إلّا ما صنعت.(14/531)
ووصل كتاب أبي بكر إلى خالد أن يقتل كلّ محتلم، وكان قد صالحهم، فوفى لهم ولم يغدر. ولما رجع النّاس قال عمر لابنه عبد اللَّه، وكان معهم:
ألا هلكت قبل زيد؟ هلك زيد وأنت حيّ! ألا واريت وجهك عني؟ فقال عبد اللَّه: سأل اللَّه الشهادة فأعزيتها وجهدت أن تساق إليّ فلم أعصها [ (1) ] .
وقال سيف: حدثنا طلحة بن الأعلم، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم قد ضرب بعث أسامة بن زيد فلم يسر لوجع النبي صلى اللَّه عليه وسلم ولخلع مسيلمة والأسود، وقد أكثر المنافقون في تأمير أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حتى بلغ النبي صلى اللَّه عليه وسلم فخرج عاصبا رأسه من الصداع لذلك الشأن، لرؤيا أريها صلى اللَّه عليه وسلم في بيت عائشة- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها- وقال: إني رأيت البارحة فيما يرى النائم أن في عضدي سوارين من ذهب فكرهتهما، فنفختهما، فطارا، فأولتهما هذين الكذابين.
صاحب اليمامة وصاحب اليمن، وقد بلغني أن أقواما يقولون في إمرة أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولعمري لئن قالوا في إمارته لقد قالوا في إمارة أبيه من قبله، وإن كان أبوه لخليقا لها، وإنه لها لخليق فأنفذوا بعث أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: لعن اللَّه الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، فخرج أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فعرس بالجرف وأنشأ الناس في العسكر ونجم طليحة، وثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلم يستتم الأمر.
وقد خرج البخاري ومسلم [ (2) ] طرقا من ذلك، وخرج البخاري في باب علامات النبوة في الإسلام [ (3) ] من حديث أبي اليمان، أخبرنا شعيب عن عبد اللَّه بن أبي حسين حدثنا نافع بن جبير عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فجعل يقول: إن
__________
[ (1) ] عامة هذا الفصل مطموس في (الأصل) أو مضطرب السياق فأثبتناه من (الكامل في التاريخ لابن الأثير) :
2/ 360- 366.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 38- 40، كتاب الرؤيا، باب (4) رؤيا النبي صلى اللَّه عليه وسلم حديث رقم (18) ، (19) ، (20) ، (21) ، (22) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 777، كتاب المناقب، حيث رقم (3620) .(14/532)
جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته، وقدمها في بشر كثير من قومه، فأقبل إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس- وفي يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قطعة جريد- حتى وقف علي مسيلمة في أصحابه فقال: لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر اللَّه فيك ولئن أدبرت ليغفرنك اللَّه.
وإني لأراك الّذي أريت فيه ما رأيت، وهذا ثابت يجيبك عني. ثم انصرف.
قال ابن عباس: فسألت عن
قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إني أرى الّذي أريت فيه ما أريت،
فأخبرني أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب، فأهمني شأنهما فأوحي إلي في المنام أن انفخهما، فنفحتهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان بعدي: أحدهما العنسيّ، والآخر مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة [ (1) ] .
وقال فيه البخاري: وإني لأراك الّذي أريت فيه ما أريت، وقال مسلم: ولن أتعدى أمر اللَّه تعالى فيك.
وخرج البخاري من حديث يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن عبيدة بن نشيط- وكان في موضع آخر اسمه عبد اللَّه- أن عبيد اللَّه ابن عبد اللَّه بن عتبة قال: بلغنا أن مسيلمة الكذاب قدم المدينة فنزل في دار بنت الحارث، وكانت تحته بنت الحارث بن كريز، وهي أم عبد اللَّه بن عامر، فأتاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وهو الّذي يقال له:
خطيب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وفي يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قضيب فوقف عليه فكلمه، فقال له مسيلمة: إن شئت خلينا بينك وبين الأمر، ثم جعلته لنا بعدك. فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: لو سألتني هذا القضيب ما أعطيتكه، وإني لأراك الّذي أريت فيه ما أريت. هذا ثابت بن قيس سيجيبك عني، فانصرف النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] .
قال عبيد اللَّه بن عبد اللَّه: سألت عبد اللَّه بن عباس، عن رؤيا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم التي ذكر، فقال ابن عباس: ذكر لي أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: بينا أنا نائم أريت أنه وضع في يدي سواران من ذهب، ففظعتهما وكرهتهما، فأذن لي فنفختهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان. فقال عبيد اللَّه: أحدهما العنسيّ
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3621) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 115، باب (72) قصة الأسود العنسيّ حديث رقم (4378) .(14/533)
الّذي قتله فيروز باليمن، والآخر مسيلمة الكذاب [ (1) ] . ترجم عليه قصة الأسود العنسيّ. ذكره في كتاب المغازي.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4379) .
قوله: «قصة الأسود العنسيّ» بسكون النون، وحكى ابن التين جواز فتحها ولم أر له في ذلك سلفا.
قوله: «حدثنا سعيد بن محمد الجرمي» بفتح الجيم وسكون الراء، كوفي ثقة مكثر، ويعقوب بن إبراهيم هو ابن سعد الزهري، وصالح هو ابن كيسان.
قوله: «عن ابن عبيدة بن نشيط» بفتح النون وكسر الشين المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة.
قوله: «وكان في موضع آخر اسمه عبد اللَّه» أراد بهذا أن ينبه على أن المبهم هو عبد اللَّه بن عبيدة لا أخوه موسى، وموسى ضعيف جدا وأخوه عبد اللَّه ثقة، وكان عبد اللَّه أكبر من موسى بثمانين سنة. وفي هذا الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق: صالح بن كيسان وعبد اللَّه بن عبيدة وعبيد اللَّه بن عبد اللَّه وهو ابن عتبة ابن مسعود. وساق البخاري عنه الحديث مرسلا. وقد ذكره في الباب الّذي قبله موصلا لكن من رواية نافع بن جبير عن ابن عباس.
قوله: «في دار بنت الحارث وكان تحته ابنة الحارث بن كريز» وهي أم عبد اللَّه بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، والّذي وقع هنا أنها أم عبد اللَّه بن عامر، قيل: الصواب أم أولاد عبد اللَّه بن عامر لأنها زوجته لا أمه، فإن أم ابن عامر ليلى بنت أبي حثمة العدوية. وهو اعتراض متجه. ولعله كان فيه أن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن عامر فإن لعبد اللَّه بن عامر ولدا اسمه عبد اللَّه كاسم أبيه، وهو من بنت الحارث واسمها كيسة بتشديد التحتانية بعدها مهملة وهي بنت عبد اللَّه بن عامر بن كريز تحت مسيلمة الكذاب، وإذا ثبت ذلك ظهر السر في نزول مسيلمة وقومه عليها لكونها كانت امرأته وأما ما وقع عند ابن إسحاق أنهم نزلوا بدار بنت الحارث وذكر غيره أن اسمها رملة بنت الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن زيد وهي من الأنصار ثم من بني النجار ولها صحبة وتكنى أم ثابت، وكانت زوج معاذ بن عفراء الصحابي المشهور، فكلام ابن سعد يدل على أن دارها كانت معدة لنزول الوفود، فإنه ذكر في وفد بني محارب وبني كلاب وبني تغلب وغيرهم أنهم نزلوا في دار بنت الحارث، وكذا ذكر ابن إسحاق أن بني قريظة حبسوا في دار بنت الحارث وتعقب السهيليّ موقع عند ابن إسحاق في قصة مسيلمة بأن الصواب بنت الحارث، وهو تعقب صحيح إلا أنه يمكن الجمع بأن يكون وفد بني حنيفة نزلوا بدار بنت الحارث كسائر الوفود ومسيلمة وحده نزل بدار زوجته بنت الحارث(14/534)
وقال سيف: عن الضحاك بن يربوع عن أبيه قال: رجع النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى
__________
[ () ] ثم ظهر لي أن الصواب ما وقع عند ابن إسحاق، وأن مسيلمة والوفد نزلوا في دار بنت الحارث وكانت دارها معدة للوفود، وكان يقال لها أيضا بنت الحارث، كذا صرح به محمد بن سعد في (طبقات النساء) فقال:
رملة بنت الحارث ويقال لها ابنة الحارث بن ثعلبة الأنصارية، وساق نسبها. وأما زوجة مسيلمة وهي كيسة بنت الحارث فلم تكن إذ ذاك بالمدينة وإنما كانت عند مسيلمة باليمامة، فلما قتل تزوجها ابن عمها عبد اللَّه ابن عامر بعد ذلك. واللَّه أعلم.
قوله: «ثم جعلته لنا بعدك» هذا مغاير لما ذكر ابن إسحاق أنه ادعى الشركة، إلا أن يحمل على أنه ادعى ذلك بعد أن رجع.
قوله: «فقال ابن عباس ذكر لي» كذا فيه بضم الذال من ذكر على البناء للمجهول، وقد وضح من حديث الباب قبله أن الّذي ذكر له ذلك هو أبو هريرة.
قوله: «إسواران» بكسر الهمزة وسكون المهملة تثنية إسوار وهي لغة في السوار، وإسوار بالكسر ويجوز الضم، والأسوار أيضا صفة للكبير من الفرس: وهو بالضم والكسر معا بخلاف الإسوار من الحلي فإنه بالكسر فقط.
قوله: «ففظعتهما وكرهتهما» بفاء وظاء مشالة مكسورة بعدها عين مهملة، يقال: فظع الأمر فهو فظيع إذا جاوز المقدار، قال ابن الأثير: الفظيع الأمر الشديد، وجاء هنا متعديا، والمعروف فظعت به وفظعت منه فيحتمل التعدية على المعنى أي حفتهما، أو معنى فظعتهما اشتد علي أمرهما. قلت: يؤيد الثاني قوله في الرواية الماضية قريبا «وكبرا علي» .
قوله: «فقال عبد اللَّه أحدهما العنسيّ الّذي قتله فيروز باليمن، والآخر مسيلمة الكذاب» أما مسيلمة فقد ذكرت خبره، وأما العنسيّ وفيروز فكان من قصته أن العنسيّ وهو الأسود واسمه عبهلة بن كعب وكان يقال له أيضا ذو الخمار بالخاء المعجمة لأنه كان يخمر وجهه، وقيل هو اسم شيطانه. وكان الأسود قد خرج بصنعاء وادعى النبوة وغلب على عامل صنعاء المهاجر بن أبي أمية، ويقال إنه مر به فلما حاذاه عثر الحمار فادعى أنه أنه سجد له، ولم يقم الحمار حتى قال له شيئا فقام، وروى يعقوب بن سفيان والبيهقي في «الدلائل» من طريقه من حديث ان عمان بن بزرج بضم الموحدة وسكون الزاي ثم راء مضمومة ثم جيم قال: خرج أسود الكذاب وهو من بني عنس بعني بسكون النون وكان معه شيطانان يقال لأحدهما سحيق بمهملتين وقاف مصغر والآخر شقيق بمعجمة وقافين مصغر، وكانا يخبرانه بكل شيء يحدث من أمور الناس، وكان ياذان أمل النبي(14/535)
المدينة عام حجة الوداع وعامله على اليمامة ثمامة بن أثال ثم بعث نهارا بعد ما بلغه خروج مسيلمة معلما وكان مسيلمة من أهل هذا، وبعث إلى أهل حجر فاستجلبه فلما شهد له نهار الرجّال أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم زعم أنه أشرك معه في الأمر أخرجا عامة من بحجر.
عن طلحة بن الأعلم عن عبد اللَّه بن عمير الحنفي، قال: لما قدم بكتاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى إلي اليمامة إلى ثمامة بن أثال بخيل له وطلب عورته وقد أخبره أن معه شيطانا ماردا وأنه يصغي إليه وادعى إلى شيء فلا يعمل إلا بأمره وأنه ذلك إن سد فيه يريد أن فتعلموها زيدتان كأنهما زبيبتان فلا نشهد عليه حتى ترى ذلك فإن قلبه عند ذلك في سعل وإنك أن عاجله أحد ثم أمنه عليه وقال ان قويت على مكابرته فكابره واستعن بفلان ممن حول اليمامة من تميم وقيس فلما لم يقدر علي مرضه منه وكاتبه الّذي كتب اليهم النبي صلى اللَّه عليه وسلم من حوله وقطع طريق اليمامة اعتزل تمامة فيمن ثبت على الإسلام من بني حنيفة وكانوا فرقتين فرقه معه وفرقة مع مسيلمة الموسم فنزل الوسم وجعل تميما وقيسا من خلفه واستهدهم وأمده الزبرقان بن بدر وقيس وصفوان ووكيع وعمرو ابن حرم انميرى وعمرو بن فلان الحفاحى فاقتحم بهم ثمامة عليهم فالتقى هو مسيلمة يملهم بقتل حبيب بن قيس بن حبيب أخو مسيلمة وجعفر بن مسيلمة بن قتادة وعزاء بن علي وخرج تمامه وأصحابه علي الغنم والظفر فعادوا وأصحابه إلى الموسم وتضعضع عنه مسيلمة، وقال ثمامة بن أثال في ذلك.
قالت رميلة أين ترحل بعد ما ... جدا الرحيل يحفل حدار
وتعرضت لتلومني في عزوتى ... مشفقا على مخافة الأقدار
فقصبت بما دلتى وقلت لها أحمقي ... وقضضت جميع مغامر حبار
__________
[ () ] صلى اللَّه عليه وسلم بصنعاء فمات، فجاء شيطان الأسود فأخبره، فخرج في قوة حتى ملك صنعاء وتزوج المرزبانة زوجه باذان، فذكر القصة في مواعدتها دادويه وفيروز وغيرهما حتى دخلوا على الأسود ليلا، وقد سقته المرزبانة الخمر صرفا حتى سكر، وكان على بابه ألف حارس، فنقب فيروز ومن معه الجدار حتى دخلوا فقتله فيروز واحتز رأسه، وأخرجوا المرأة وما أحبوا من متاع البيت، وأرسلوا الخبر إلى المدينة فوافى بذلك عند وفاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم. قال أبو الأسود عن عرة: أصيب الأسود قبل وفاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم بيوم وليلة، فأتاه لوحي فأخبر به أصحابه، ثم جاء الخبر إلى أبي بكر رضى اللَّه عنه، وقيل وصل الخبر بذلك صبيحة دفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم.(14/536)
ورميت مشتبه الفلات بفيلق ... شهبا ذات نوارح وأوار
وفتحت بالجيش الموبر جمعهم ... ورياح كل مصلصل حران
وخدعت عربين اليمامة كلهم ... بخيبهم ويجعفر وعزار
وكانت بنو حنيفة فرقتين فرقة مع مسيلمة وهو أهل هجر وحشدوا ثم خرجوا نحو الوشم وفرقة مع تمامه من بني سحيم وأهل القرى من فينا حنيفة فغضب أهل حجر ثم خرجوا نحو الوشم يغزون يمامه ومن بيعة من بني تميم سحيم وأهل القرى ومن أمره من تميم وقيس فالتفوا بالوشم فاقتتلوا قتالا شديدا فهزم مسيلمة وأصحابه واتبعهم تمامه بمن معه يقتلونهم قاهرين لهم ثم رجعوا وقد بنوا أيديهم مما أصابوا من جند مسيلمة فقال ثم في ذلك.
قالت رميلة لا يهد وقد جرى ... يوم الغوير بحكهما استعار
أرميل لي أني لم اربح مودتي ... حتى تزيل مساقتى الأقدار
أرميل أني شاري لمحمد نفسي ... وأهلي الدهور عمار
فغضبت جميعهم يطعن مصائب ... حتى نزهده بيننا الأكوار
وركبت غازى القرى في أثره ... أقرى المنان وجعنا سيار
قال سيف عن طلحة عن ماهان عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: فأتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم الخبر بما ألقي مسيلمة فقال: هداك مسيلمة قد سحى وضاق ضرعا واللَّه مخزيه ومن لقيه فليبرأ منه فأن له شيطانا لا يقطع أمرا دونه يصغي إليه فإذا اصغي إليه فليغتنم شغله فإن قلبه مخامر وأنه ذلك أرشد سفيه يزيد أن حتى فعلوهما زبيبتان وأنه لا يصاب إلا في تلك الحال.(14/537)
ذكر خروج طليحة في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
هو طليحة بن خويلد بن نوفل بن نصلة بن الأشتر بن حجوان ابن فقعس بن طريف بن عر بن عمرو بن معين بن الحارث بن ثعلبة بن دوقا بن راشد بن خزيمة بن دركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أبو الجبال الأسدي ذو النون كان يعدل بألف فارس.
كان قد تنبأ في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فوجه إليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم ضرار بن الأزور عاملا على بني أسد وأمرهم بالقيام على من ارتد، فضعف أمر طليحة حتى لم يبق إلا أخذه، فضربه بسيف، فلم يصنع فيه شيئا، فظهر بين الناس أن السلاح لا يعمل فيه، فكثر جمعه. ومات النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وهم على ذلك، فكان طلحة يقول: إن جبرائيل يأتيني، وسجع للناس الأكاذيب، وكان يأمرهم بترك السجود في الصلاة ويقول: إن اللَّه لا يصنع بتعفر وجوهكم وتقبح أدباركم شيئا، اذكروا اللَّه أعفة قياما، إلى غير ذلك، وتبعه كثير من العرب عصبية، فلهذا كان أكثر أتباعه من أسد وغطفان وطيِّئ. فسارت فزارة وغطفان إلى جنوب طيبة، وأقامت طيِّئ على حدود أراضيهم وأسد بسميراء، واجتمعت عبس وثعلبة بن سعد ومرة بالأبرق من الرَّبَذَة، واجتمع إليهم ناس من بني كنانة، فلم تحملهم البلاد فافترقوا فرقتين، أقامت فرقة بالأبرق، وسارت فرقة إلى ذي القصة، وأمدهم طليحة بأخيه حبال، فكان عليهم وعلى من معهم من الدئل وليث ومدلج، وأرسلوا إلى المدينة يبذلون الصلاة ويمنعون الزكاة، فقال أبو بكر: واللَّه لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه. وكان عقل الصدقة على أهل الصدقة وردهم، فرجع وفدهم، فأخبروهم بقلة من في المدينة وأطمعوهم فيها.
وجعل أبو بكر بعد مسير الوفد على أنقاب المدينة عليا وطلحة والزبير وابن مسعود، وألزم أهل المدينة بحضور المسجد خوف الغارة من العدو لقربهم، فما لبثوا إلا ثلاثا حتى طرقوا المدينة غارة مع الليل وخلفوا بعضهم بذي حسي ليكونوا لهم ردءا، فوافوا ليلا الأنقاب وعليها المقاتلة فمنعوهم، وأرسلوا إلى أبي بكر بالخبر، فخرج إلى أهل المسجد على النواضح، فردوا العدو واتبعوهم حتى بلغوا ذا حسي، فخرج عليهم الردء بأنحاء قد نفخوها وفيها الحبال، ثم دهدهوها على الأرض، فنفرت إبل المسلمين وهم عليها ورجعت بهم إلى المدينة ولم يصرع مسلم.(14/538)
وظن الكفار بالمسلمين الوهن، وبعثوا إلى أهل ذي القصة بالخبر، فقدموا عليهم، وبات أبو بكر يعبي الناس، وخرج على تعبية يمشي وعلي ميمنته النعمان بن مقرن وعلى ميسرته عبد اللَّه بن مقرن وعلى أهل الساقة سويد بن مقرن. فما طلع الفجر إلا وهم والعدو على صعيد واحد، فما شعروا بالمسلمين حتى وضعوا فيهم السيوف، فما ذر قرن الشمس حتى ولوهم الأدبار وغلبوهم على عامة ظهرهم وقتل رجال، واتبعهم أبو بكر حتى نزل بذي القصة وكان أول الفتح، ووضع بها النعمان بن مقرن في عدد، ورجع إلى المدينة، فذل له المشركون. فوثب بنو عبس وذبيان على من فيهم من المسلمين فقتلوهم فحلف أبو بكر ليقتلن في المشركين بمن قتلوا من المسلمين وزيادة، وازداد المسلمون قوة وثباتا.
وطرقت المدينة صدقات نفر كانوا على صدقة الناس، بهم صفوان والزبرقان بن بدر وعدي بن حاتم، وذلك لتمام ستين يوما من مخرج أسامة، وقدم أسامة بعد ذلك بأيام، وقيل: كانت غزوته وعوده في أربعين يوما.
فلما قدم أسامة استخلفه أبو بكر على المدينة وجنده معه ليستريحوا ويريحوا ظهرهم، ثم خرج فيمن كان معه، فناشده المسلمون ليقيم، فأبي وقال:
لأواسينكم بنفسي. وسار إلى ذي حسي وذي القصة حتى نزل بالأبرق فقاتل من به، فهزم اللَّه المشركين وأخذ الخطبة أسيرا، فطارت عبس وبنو بكر، وأقام أبو بكر بالأبرق أياما، وغلب على بني ذبيان وبلادهم وحماها لدواب المسلمين وصدقاتهم.
ولما انهزم عبس وذبيان رجعوا إلى طليحة وهو ببزاخة، وكان رحل من سميراء إليها، فأقام عليها، وعاد أبو بكر إلى المدينة. فلما استراح أسامة وجنده، وكان قد جاءهم صدقات كثيرة تفضل عليها، قطع أبو بكر البعوث وعقد الألوية، فعقد أحد عشر لواء، عقد لواء لخالد بن الوليد وأمره بطليحة ابن خويلد فإذا فرغ سار إلى مالك بن نويرة بالبطاح إن أقام له، وعقد لعكرمة ابن أبي جهل وأمره بمسيلمة، وعقد للمهاجر بن أبي أمية وأمره بجنود العنسيّ ومعونة الأبناء على قيس بن مكشوح، ثم يمضي إلى كندة بحضرموت، وعقد لخالد بن سعيد وبعثه إلى مشارف الشام، وعقد لعمرو بن العاص وأرسله إلى قضاعة، وعقد لحذيفة بن محصن الغلفاني وأمره بأهل دبا، وعقد لعرفجة بن هرثمة وأمره بمهرة وأمرهم أن يجتمعا وكل واحد منهما على صاحبه في عمله.
وبعث شرحبيل بن حسنة في أثر عكرمة بن أبي جهل وقال: إذا فرغ من(14/539)
اليمامة فالحق بقضاعة وأنت على خيلك تقاتل أهل الردة. وعقد لمعن بن حاجز وأمره ببني سليم ومن معهم من هوازن، وعقد لسويد بن مقرن وأمره بتهامة باليمن، وعقد للعلاء بن الحضرميّ وأمره بالبحرين، ففصلت الأمراء من ذي القصة ولحق بكل أير جنده، وعهد إلى كل أمير وكتب إلى جميع المرتدين نسخة واحدة يأمرهم بمراجعة الإسلام ويحذرهم، وسير الكتب إليهم مع رسله.
ولما انهزمت عبس وذبيان ورجعوا إلى طليحة ببزاخة أرسل إلى جديلة والغوث من طيِّئ يأمرهم باللحاق به، فتعجل إليه بعضهم وأمروا قومهم بالحاق بهم، فقدموا على طليحة.
وكان أبو بكر بعث عدي بن حاتم قبل خالد إلى طيئ وأتبعه خالدا وأمره ان يبدأ بطئ ومنهم يسير إلى بزاخة ثم يثلث بالبطاح ولا يبرح إذا فرغ من قوم حتى يأذن له. وأظهر أبو بكر للناس أنه خارج إلى خيبر بجيش حتى يلاقي خالدا، يرهب العدو بذلك.
وقدم عدي علي طيئ فدعاهم وخوفهم، فأجابوه قالوا له: استقبل الجيش فأخره عنا حتى نستخرج من عند طليحة منا لئلا يقتلهم. فاستقبل عدي خالدا وأخبره بالخبر، فتأخر خالد، وأرسلت طيئ إلى إخوانهم عند طليحة فلحقوا بهم، فعادت طيئ إلي خالد بإسلامهم، ورحل خالد يريد جديلة، فاستمهله عدي عنهم، ولحق بهم عدي يدعوهم إلى الإسلام، فأجابوه، فعاد إلى خالد بإسلامهم، ولحق بالمسلمين ألف راكب منهم، وكان خير مولود في أرض طيئ وأعظمه بركة عليهم.
وأرسل خالد بن الوليد عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم الأنصاري طليعة، فلقيهما حبال أخو طليحة فقتلاه، فبلغ خبره طليحة فخرج هو وأخوه سلمة، فقتل طليحة عكاشة وقتل أخوه ثابتا ورجعا.
وأقبل خالد بالناس فرأوا عكاشة وثابتا قتيلين، فجزع لذلك المسلمون، وانصرف بهم خالد نحو طيئ، فقالت له طيئ: نحن نكفيك قيسا، فإن بني أسد حلفاؤنا. فقال: قاتلوا أي الطائفتين شئتم. فقال عدي بن حاتم: لو نزل هذا على الذين [هم] أسرتي الأدنى فالأدنى لجاهدتهم عليه، واللَّه لا أمتنع عن جهاد بني أسد لحلفهم. فقال له خالد: إن جهاد الفريقين جهاد، لا تخالف رأي أصحابك وامض بهم إلى القوم الذين هم لقتالهم أنشط، ثم تعبى لقتالهم، ثم سار حتى التقيا على بزاخة، وبنو عامر قريبا يتربصون على من(14/540)
تكون الدائرة قال: فاقتتل الناس على بزاخة.
وكان عيينة بن حصن مع طليحة في سبعمائة من بني فزارة، فقاتلوا قتالا شديدا وطليحة متلفف في كسائه يتنبأ لهم، فلما اشتدت الحرب كرّ عيينة على طليحة وقال له: هل جاءك جبرائيل بعد؟ قال: لا فرجع فقاتل، ثم كر على طليحة فقال له: لا أبا لك! أجاءك جبرائيل؟ قال: لا. فقال عيينة: حتى متى؟ قد واللَّه بلغ منا! ثم رجع فقاتل قتالا شديدا ثم كر على طليحة فقال: هل جاءك جبرائيل؟ قال: نعم. قال: فماذا قال لك؟ قال:
قال لي: إن لك رحى كرحاه، وحديثا لا تنساه. فقال عيينة: قد علم اللَّه أنه سيكون حديث لا تنساه، انصرفوا يا بني فزارة فإنه كذاب، فانصرفوا وانهزم الناس.
وكان طليحة قد أعد فرسه وراحلته لامرأته النوار، فلما غشوه ركب فرسه وحمل امرأته ثم نجا بها وقال: يا معشر فزارة من استطاع أن يفعل هكذا وينجو بامرأته فليفعل. ثم انهزم فلحق بالشام، ثم نزل على كلب فأسلم حين بلغه أن أسدا وغطفان قد أسلموا، ولم يزل مقيما في كلب حتى مات أبو بكر.
وكان خرج معتمرا [في إمارة أبي بكر] ومر بجنبات المدينة، فقيل لأبي بكر: هذا طليحة! فقال: ما أصنع به؟ قد أسلم! ثم أتي عمر فبايعه حين استخلف. فقال له: أنت قاتل عكاشة وثابت؟ واللَّه لا أحبك أبدا! فقال: يا أمير المؤمنين ما يهمك من رجلين أكرمهما اللَّه بيدي ولم يهني بأيديهما! فبايعه عمر وقال له: ما بقي من كهانتك؟ فقال: نفخة أو نفختان [بالكير] . ثم رجع إلى قومه فأقام عندهم حتى خرج إلى العراق.
ولما انهزم الناس عن طليحة أسر عيينة بن حصن، فقدم به على أبي بكر فكان صبيان المدينة يقولون له وهو مكتوف: يا عدو اللَّه أكفرت بعد إيمانك؟
فيقول: واللَّه ما آمنت باللَّه طرفة عين. فتجاوز عنه أبو بكر وحقن دمه.
وأخذ من أصحاب طليحة رجل كان عالما به، فسأله خالد عما كان يقول، فقال: إن مما أتي به: والحمام واليمام، والصرد الصوام، قد صمن قبلكم بأعوام، ليبلغن ملكنا العراق والشام.
قال: ولم يؤخذ منهم سبي لأنهم كانوا قد أحرزوا حريمهم، فلما انهزموا أقروا بالإسلام خشيه على عيالاتهم، فآمنهم [ (1) ] .
__________
[ (1) ] عامة هذا الفصل مطموس في (الأصل) أو مضطرب السياق، فأثبتناه من (الكامل في التاريخ) لابن الأثير:
2/ 343- 349.(14/541)
وخرج البيهقي من طريق محمد بن يوسف الغمرياني، قال: حدثنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قال: قال لي أبو بكر أي يوم توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قلت: يوم الاثنين، قال: إني أرجو أن أموت فيه، فمات فيه.
ومن طريق خالد بن أبي عمران، عن حنش، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: ولد نبيكم صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين، ونبئ يوم الاثنين، وخرج من مكة يوم الإثنين، وفتح مكة يوم الاثنين، ونزلت سورة المائدة يوم الإثنين:
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ. وتوفي يوم الاثنين.
وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد، قال: أخبرنا عبد اللَّه بن جعفر بن درستويه، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان، عن يحيى بن عبد اللَّه بن بكير، قال حدثنا ابن لهيعة عن خالد، عن حنش، عن ابن عباس فذكره بنحوه، زاد: ودخل المدينة يوم الإثنين، ولم يذكر قوله: ونبي يوم الإثنين قلت: وقد خولف في قوله الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، قال عمر بن الخطاب:
نزل يوم الجمعة، يوم عرفة، وكذلك قال عمار بن أبي عمار عن ابن عباس.
ومن طريق يعقوب بن سفيان قال: حدثنا عمرو بن خالد، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: وحدثنا يعقوب، حدثنا إبراهيم بن المنذر، عن ابن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، قالا:
اشتد برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الوجع، فأرسلت عائشة إلى أبي بكر، وأرسلت حفصة إلى عمر، وأرسلت فاطمة إلى علي، ولم يجتمعوا حتى توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على صدر عائشة، وفي يومها يوم الاثنين. زاد إبراهيم: حين زاغت الشمس بهذا ربيع الأول.
ومن طريق المعتمر بن سليمان، عن أبيه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرض لاثنتين وعشرين ليلة من صفر، وبدأه وجعه عند وليدة له، يقال لها ريحانة، كانت من سبي اليهود، وكان أول يوم مرض فيه يوم السبت، وكانت وفاته اليوم العاشر، يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، لتمام عشر سنين من مقدمه المدينة.
ومن طريق الواقدي: قال حدثنا أبو معشر عن محمد بن قيس، قال:
اشتكى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم الأربعاء لإحدى عشرة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة في بيت زينب بنت جحش شكوى شديدة، واجتمع عنده نساؤه كلهن، اشتكى ثلاثة عشر يوما وتوفي يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة إحدى عشرة.(14/542)
قال الواقدي: حدثنا سعيد بن عبد اللَّه بن أبي الأبيض عن المقبري، عن عبد اللَّه بن رافع، عن أم سلمة، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بدئ في بيت ميمونة زوجته.
ومن طريق عبد اللَّه بن جعفر، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدثنا أحمد بن يونس، عن أبى معشر، عن محمد بن قيس، قال:
أشتكى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثة عشر يوما، فكان إذا وجد خفة صلى، وإذا ثقل، صلى أبو بكر.
ومن طريق سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، قال: توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول، اليوم الّذي قدم فيه المدينة مهاجرا، فاستكمل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في هجرته عشر سنين كوامل [ (1) ] .
وقال الرافعي وعاش صلى اللَّه عليه وسلم بعدها يعني حجة الوداع ثمانين يوما وقيل ويوما وقال النووي في (الروضة) : وتوفى صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين ضحوة لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول وقال أبو الفتح محمد بن سيد الناس في (سيرته) :
والجمهور على أنه توفي صلى اللَّه عليه وسلم في الثاني عشر من ربيع الأول يوم الاثنين. وقال أبو الربيع ابن سالم وهذا لا يصح وقد جرى فيه من الغلط على العلماء ما علينا إثباته وقد تقدمه السهيليّ الى بيانه لأن حجة الوداع كانت وقفتها يوم الجمعة بالاتفاق فلا يستقيم أن يكون يوم الإثنين ثانى عشر ربيع الأول سواء تمت الشهور أو نقصت أم تم بعضها.
قال الطبري: توفي صلى اللَّه عليه وسلم يوم الإثنين من ليلتين مضتا من ربيع الأول.
وقال أبو بكر الخوارزمي: في أول يوم منه، وبيان قول أبى الربيع أن الأشهر الثلاث التي بقيت من عمره صلى اللَّه عليه وسلم إذا كانت تامة كان الثاني عشر من ربيع الأول وإنما هو الأحد فإنه يكون أول ذي الحجة الخميس، وآخره يوم الجمعة، وأول المحرم يوم السبت، وآخره الأحد، وأول صفر الإثنين، وآخره الثلاثاء، وأول ربيع الأربعاء، فحينئذ الثاني عشر الأحد، وإن نقص شهران فتم شهر كان أول ربيع الإثنين، وثاني عشر الجمعة، وإن نقص الأشهر الثلاث كان أول ربيع الأحد، والثاني عشر الخميس.
وقد اعترض في (المهمات) على صاحب (الروضة) وغلط فيما قال بهذا
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 233- 235.(14/543)
الاعتراض ولم ينسبه إلى قائله لقد أجيب عن هذا الاعتراض بأن التاريخ إنما يقع برؤية الأهلة والأهلة، تختلف بحسب المطالع وكل قطر يؤرخون ويحولون برؤيتهم ولا يعتبرون برؤية من بعد عنهم في التاريخ وسائر الأحكام.
وأهل مكة رأوا هلال ذي الحجة ليلة الخميس، ووقفوا يوم الجمعة، وأهل المدينة يجوز أنهم رأوه ليلة الجمعة، لأن مطلعهم مختلف عن أهل مكة، فإذا تمت الشهور كان أول ذي الحجة الجمعة وآخره السبت وأول المحرم الأحد وأخره الاثنين وأول سفر الثلاثاء، وآخره الأربعاء، وأول ربيع يوم الخميس، فيكون ثانى عشر الاثنين.
قول الرافعي رحمه اللَّه: إنه صلى اللَّه عليه وسلم عاش بعد حجته ثمانين يوما، يقتضي أن وفاته أول يوم من ربيع الأول، وقد ذهب اليه طائفه كما تقدم.
وقال محمد بن عابد في (مغازيه) حدثنا الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير انه حدثهم عن محمد بن السيد الكلبي عن أبى صلح بن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن اللَّه عز وجل أنزل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سورة المائدة وهو واقف صلى اللَّه عليه وسلم بعرفة قوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [ (1) ] فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام وإنه إنما عاش صلى اللَّه عليه وسلم بعدها ثمانين يوما حتى قبضه اللَّه تعالى وقوله يوما بعد الثمانين يقضى وفاته لليلتين مضتا من ربيع الأول.
قال سيف في كتاب (الردة) : عن محمد بن عبيد اللَّه عن الحكم عن [مقسم] عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: فلما قضي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حجته أو نفر نزل الحصبة ثم ارتجل منها حتى قدم المدينة فأقام بها بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وتوفى صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الأول وقال عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- مثله إلا أن ابن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: في أول الأيام مضينا منه وقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بعد ما مضي منه واللَّه تبارك وتعالى أعلم.
__________
[ (1) ] المائدة: 3.(14/544)
ذكر مبلغ عمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
اعلم أن الروايات قد اختلفت عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وعن عائشة وأنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- في سنّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم فروى- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم ستون، وروي ويتبين ثلاث وستون وروى عن ابن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أيضا خمسة وستون ويتبين هذا مما يوردهم عنهم إنشاء اللَّه تعالى.
خرج البخاري في أول المناقب [ (1) ] ، وفي آخر المغازي [ (2) ] ، وخرج
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 694، كتاب المناقب، باب (19) وفاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (3536) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 8/ 190، كتاب المغازي باب (86) حديث رقم (4466) . قوله: باب وفاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم أي في أي السنين وقعت؟ قوله: (عن يحيي) هو ابن أبي كثر.
قوله: (لبث بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن، وبالمدينة عشرا) هذا يخالف المروي عن عائشة عقبة أنه عاش ثلاثا وستين، إلا أن يحمل على إلغاء الكسر كما قيل مثله في حديث أنس المتقدم في باب صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم من كتاب المناقب. وأكثرها ما قيل في عمره أنه خمس وستون سنه، أخرجه مسلم من طريق عمار بن أي عمار، عن ابن عباس، ومثله لأحمد عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، وهو مغاير لحديث الباب لأن مقتضاه أن يكون عاش ستين إلا أن يحمل على إلغاء الكسر، أو على قول من قال: إنه بعث ابن ثلاث وأربعين وهو مقتضى رواية عمرو بن دينار، عن ابن عباس أنه مكث بمكة ثلاث عشرة ومات ابن ثلاث وستين، وفي رواية هشام بن حسان، عن عكرمة، عن ابن عباس: لبث بمكة ثلاث عشرة وبعث لأربعين ومات وهو ابن ثلاث وستين. وهذا موافق لقول الجمهور، وقد مضى في باب هجرة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، والحاصل أن كل من روى عنه من الصحابة ما يخالف المشهور- وهو ثلاث وستون- جاء عنه المشهور، وهم ابن عباس وعائشة وأنس، ولم يختلف على معاوية أنه عاش ثلاثا وستين، وبه جزم سعيد بن المسيب والشعبي ومجاهد، وقال أحمد:
هو الثبت عندنا، وقد جمع السهيليّ بين القولين المحكيين بوجه آخر، وهو أن من قال: مكث ثلاث عشرة عد من أول ما جاء الملك بالنّبوّة، ومن قال: مكث عشرا أخذ ما بعد فترة الوحي ومجيء الملك بيا أيها المدثر، وهو مبني على صحة خبر الشعبي الّذي نقلته من تاريخ الإمام أحمد في بدء الوحي، ولكن وقع في حديث ابن عباس عند بن سعد ما يخالفه كما أوضحته في الكلام على حديث عائشة في بدء الوحي المخرج من رواية(14/545)
مسلم [ (1) ] من حديث عقيل بن شهاب أخبرنى سعيد بن المسيب بمثل ذلك وأخرجه مسلم من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب مثل حديث عقيل.
وأخرجه النسائي [ (2) ] أيضا.
وخرج البخاري من هشام حدثنا عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لأربعين سنه، فمكث بمكة ثلاث عشرة يوحي إليه، عشرة سنه بالهجرة ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين ومات وهو ابن ثلاثة وستين [ (3) ] .
ومن طريق مطر بن الفضل حدثنا روح بن عبادة، حدثا زكريا بن إسحاق حدثنا عمرو بن دينار، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى- قال:
مكث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة وتوفي وهو ابن ثلاث وستين. خرج في أول كتاب فضائل القرآن [ (4) ] من طريق يحيى عن ابن سلمة قال: أخبرتنى
__________
[ () ] معمر عن الزهري فيما يتعلق بالزيادة التي أرسلها الزهري، ومن الشذوذ ما رواه عمر بن شبة أنه عاش إحدى أو اثنتين وستين ولم يبلغ ثلاثا وستين، وكذا رواه ابن عساكر من وجه المذكور أنه شاذ من القول، وقد جمع بعضهم بين الروايات المشهورة بأن من قال: خمس وستون جبر الكسر، وفيه نظر لأنه يخرج منه أربع ستون فقط وقل من تنبه لذلك.
قوله: قال ابن شهاب: واخبرني سعيد بن المسيب مثله. وهو موصول بالإسناد المذكور، وقوله: [مثله] يحتمل أن يريد أنه حدثه بذلك عن عائشة أو أرسله، والقصد بالمثل المتن فقط، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق يونس، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة- رضي اللَّه عنها، وقد جوزت أن يكون موصولا لما شرحت هذا الحديث في أوائل صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم حتى ظفرت به الآن كما حررت، واللَّه الحمد.
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) ك 15/ 108، كتاب الفضائل، باب (32) باب كم سن النبي. ص) يوم قبضه، حديث رقم (114) ، وباب (33) كم أقام النبي صلى اللَّه عليه وسلم بمكة والمدينة، حديث رقم (117) .
[ (2) ] لعله في (الكبرى) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 287، كتاب مناقب الأنصار، باب (450) هجرة النبي (ص) وأصحابه إلى المدينة، حديث رقم (3902) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 9/ 3، كتاب فضائل القرآن، باب (1) كيف نزل الوحي، وأول ما نزل حديث رقم (4978) ، (4979) .(14/546)
عائشة وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالا: لبث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة عشر سنين ونزل عليه القرآن، بالمدينة عشر سنين. وخرجه أيضا في آخر كتاب [ (1) ] المغازي عن يحيى، عن أبى سلمى، عن عائشة وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لبث بمكة الحديث بمثله.
وخرج مسلم عن طريق يزيد بن زريع حدثنا يونس بن عبيد، عن عمار مولى بنى هاشم قال سألت ابن عباس كم أتى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم مات فقال ما كنت أحسب، مثلك من قومه يخفي عليه ذلك! قال: قلت إني قد سألت الناس فاختلفوا عليّ فأحببت أن أعلم قولك فيه، قال: أتحسب؟ قال: قلت:
نعم قال: أمسك أربعين بعث لها، وخمس عشرة بمكة يأمن ويخاف فأمرها وخاف، وعشرة من مهاجره إلى المدينة [ (2) ] ، وخرجه من حديث شبانة بن سوار حدثنا شعبه عن يونس بهذا الإسناد [ (3) ] ، نحو حديث ابن ذريع من حديث روح وخالد الجد، وحدثنا حماد بن سلمة، عن عمار عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالا: أقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة خمس عشرة سنه يسمع الصوت ويرى الضوء سبع سنين ولا يرى شيئا، وثمان سنين يوحى إليه، وأقام بالمدينة عشرا [ (4) ] .
وخرج الترمذي من حديث نصر بن علي عن بشر بن الفضل عن خالد، الخبر بمثله وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وخرج مسلم من حديث سفيان عن عمرو قال: قلت لعروة كم لبث النبي صلى اللَّه عليه وسلم بمكة؟ قال: عشرا، قلت: فإن ابن عباس يقول: بضع عشرة، فقال:
فغفره. وقال: إنما أخذه من قول الشاعر، قلت: يعنى حسان [ (5) ] :
ويؤتى في قريش بضع عشرة حجة ... يذكر لو يلقى خليلا مواسيا.
وذكر ذلك كله مسلم في كتاب المناقب وخرج مسلم من حديث روح بن
__________
[ (1) ] سبق تخريجه.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : حديث رقم (199) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث رقم (121) بدون رقم.
[ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (123) .
[ (5) ] (المرجع السابق) : باب (33) ، الحديث الّذي يلي الحديث (116) بدون رقم.(14/547)
عبادة حدثنا زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مكث بمكة ثلاث عشرة سنة، وتوفى صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين [ (1) ] .
وخرجه الترمذي من طريق روح به، قال: حديث ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- حديث حسن غريب من حديث عمرو بن دينار.
وخرج مسلم من حديث حماد عن أبى حمرة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: أقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه وبالمدينة عشرا، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة [ (2) ] .
وخرج مسلم من حديث حكام مسلم حدثنا عثمان بن زائدة عن الزبير بن عدي عن أنس وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قبض وهو ابن ثلاث وستين [ (3) ] وروى مالك في الموطأ عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن عن أنس ابن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أنه سمعه يقول كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير ولا بالأبيض الأمهق ولا بالآدم ولا بالجعد القطط ولا بالسبط. بعثه اللَّه تعالى على رأس أربعين سنه وليس فيه لحيته ورأسه عشرين شعرة بيضاء [ (4) ] .
قال أبو عمر بن عبد البر رحمه اللَّه: أما قول: بعثه اللَّه تعالى على رأس أربعين سنه فأقام بمكة عشر سنين فاختلف في ذلك، وأما قوله بالمدينة عشر سنين فاجتمع عليه لا خلاف بين العلماء فيه، وأما قوله: وتوفاه اللَّه تعالى على رأس الستين فمختلف فيه على حسب اختلافهم في مقامه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة، فحديث ربيعة عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على ما يرى أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفى وهو ابن ستين.
ورواه عن ربيعة جماعة من الأئمة منهم مالك بن أنس، وأنس بن عياض، وعمارة بن عونة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والأوزاعي، وسعيد ابن أبي هلال، وسليمان بن بلال، كلهم عن ربيعة بمعنى حديث مالك سواه.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (117) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (118) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (114) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 6/ 700، كتاب المناقب، باب (23) صنعة النبي صلى اللَّه عليه وسلم حديث رقم (3549) .(14/548)
وقد ذكر البخاري حديث ربيعة عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- هذا بما تبعه، فذكر حديث حكام بن مسلم الّذي تقدم، ثم قال البخاري: وهذا أصح عندي من حديث ربيعة.
قال أبو عمر: إنما قال البخاري ذلك واللَّه تعالى أعلم، لأن عائشة ومعاوية وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- على اختلاف عنه، كلهم يقول: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين ولم يختلف عن عائشة ومعاوية وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- ولم يختلف عن عائشة ومعاوية- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- في ذلك، رواه جرير عن معاوية.
وجاء عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كما ذكره ربيعة عنه، وذلك مخالف لما ذكره هؤلاء كلهم، وروى الزبير بن عدي وهو عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ما يوافق ما قالوا، فقطع البخاري بذلك، لأن المنفرد اولى بإضافة الوهم إليه من الجماعة.
وأما عن طريق الأسناد فحديث ربيعة أحسن اسنادا في ظاهره، إلا أنه قد بان من باطنه ما يضعفه، وذلك مخالفة لأكثر الحفاظ له.
قال: وقد تابع ربيعة على روايته عن ابن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- نافع أبو غالب، روي عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وله أربعون سنة.
وذكر البخاري من طريق عبد الرزاق قال أبو غالب نافع إنه سمع أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: أقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة عشرا بعد أن بعث.
وذكره ابن أبي خثيمة فبيا محمد بن عمر، حديثا نافع أبو غالب، قال:
قلت لأنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا أبا حمزة، لم كان سنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم قبض؟ قال: ستون سنة، وقد روى ابن وهب عن قرة بن عبد الرحمن عن ابن شهاب عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قال نبئ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة، ومكث بمكة عشرا، وبالمدينة عشرا، وتوفي وهو ابن ستين سن.
وقد روى من حديث ابن عمر- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال:
إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي وهو ابن اثنين وستين سنة وذكر إبراهيم بن المنذر عن سعيد بن سعيد بن أبي سعيد عن أخيه عن أبيه عن أبي هريرة- رضي اللَّه(14/549)
تبارك وتعالى عنهم- قال: نبئ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين، فأقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا، وتوفي وهو ابن ستين سنة.
قال أبو عمر: وممن قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث علي رأس أربعين سنة قبات بن أشيم- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-، قال: نبئ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على رأس أربعين من عام الفيل.
قال أبو عمر: لا خلاف أنه صلى اللَّه عليه وسلم ولد بمكة عام الفيل وساقه الحبشة إلى مكة يغزون البيت.
قال المؤلف: قد تقدم الخلاف في ذلك، قال أبو عمر: وروي هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة. رواه جماعة عن هشام بن حسان وهو قول عروة بن الزبير ورواه عن عروة هشام بن عروة وعمرو بن دينار وكان عروة يقول:
إنه أقام بمكة عشرا، وأنكر قول من قال: أقام بها ثلاث عشرة بقوله كقول ربيعة سواء، كان الشعبيّ يقول بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ونبئ لأربعين، ثم وكل به إسرافيل ثلاث سنين قرن بنبوته، فكان يعلمه الكلمة والشيئ، ولم ينزل عليه القرآن علي لسانه، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل عليه الصلاة والسلام، ونزل القرآن على لسانه صلى اللَّه عليه وسلم عشر سنين، هذا كله قول الشعبي.
وكذلك قال محمد بن جبير بن مطعم، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نبئ على رأس ثلاث وأربعين وهو قول عطاء الخراساني وممن قال: إنه بعث على رأس ثلاث وأربعين ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، من رواية هشام الدستواني عن عكرمة عنه، خلاف ما روى هشام بن حسان، وقاله أيضا سعيد بن المسيب فذكر من طريق أحمد بن حنبل أبا يحيى بن سعيد القطان، حدثنا هشام قال:
أخبرنا عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: أنزل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وأربعين.
قال أحمد بن زهير: وأخبرني أن فتى جرير بن عبد الحميد قال: أخبرنا عبد اللَّه بن عمر وفتى حماد بن زيد جميعا عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قال: أنزل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم الوحي وهو ابن ثلاث وأربعين سنة. خالف القواريري عامتهم في هذا الخبر عن حماد بن زيد فقال فيه: نزل عليه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة، وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة.
ورواه يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد مثل رواية القواريري، وهو عبد اللَّه بن عمر بن حماد بن يزيد.(14/550)
ثم ذكر من حديث أبي زرعة: حدثنا أحمد بن صالح بن وهب قال:
حدثني قرة بن عبد الرحمن المغازي عن ابن شهاب وربيعة عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال نبّئ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين، فأقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا، قال أبو عمر: لا أعلم أحدا رواه عن ابن شهاب عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- غير قره. وأما مكثه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة فمن قول أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من رواية ربيعة وابن طالب أنه مكث بمكة عشر سنين. وكذلك روى أبو سلمة عن عائشة وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، وهو قول عروة الشعبيّ وسعيد بن المسيب على اختلاف عنه وابن شهاب، والحسن، وعطاء الخراسانىّ، وكذلك روى هشام الدستواني عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: إنه مكث بمكة بعد ما بعث صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث عشرة سنة. وكذلك روي أبو حمزة وعمرو بن دينار جميعا عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وهو قول أبو جعفر محمد بن علي.(14/551)
وأما سنه صلى اللَّه عليه وسلم حين توفي
ففي حديث ربيعة وأبي غالب عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ستين، وهو قول عروة بن الزبير.
وروى حميد عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن خمس وستين. ذكره أحمد بن زهير، عن ابن معاذ، عن بشر بن المفضل عن حميد، وروى الحسن عن دعفل النسابة- وهو دعفل بن حنظلة- قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قبض وهو ابن خمس وستين سنة، ولم يدرك دعفل النبي صلى اللَّه عليه وسلم. وقال البخاري: ولا يعرف للحسن سماعا من دعفل. قال البخاري:
وروى عمار بن أبي عمار عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال:
أنزل علي النبي صلى اللَّه عليه وسلم بمكة عشر سنين وخمس سنين وأشهر ولم يوافق عليه الصلاة والسلام شيئا إلا مثل له.
قال: وروى عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبض وهو ابن ثلاث وستين. قال أبو عمر: قد روى على بن زيد عن يوسف بن مهران عن بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين. ذكره أحمد بن زهير عن أحمد بن حنبل، عن هيثم عن علي بن زيد. وإنما ذكرنا هذا وإن كان صحيحا عندنا غيره، لقول البخاري: إنه لم يتابع عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين كما ذكرنا.
وقد روى أبو حمزة ومحمد بن سيرين أيضا عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفى وهو ابن ثلاث وستين ولم يختلف عن عائشة ومعاوية- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفى وهو ابن ثلاث وستين.
وأم حديث عمار بن أبي عمار فرواه سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن عمار مولى بني هاشم عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال:
بعث النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة فأقام بمكة خمس عشرة سنة، وبالمدينة عشر سنين، وقبض وهو ابن خمس وستين. رواه شعبة عن يونس بن عبيد عن أبي عمار مولى بني هاشم. ثم قال: سألت ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما: أبن كم توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقال: إن هذا الشديد على(14/552)
مثلك أن يعلم بمثله ورواه حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار، قال: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن خمس وستين.
ورواه حماد بن سلمة عن عمار بن أبى عمار عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما في هذا أقوى، لأن عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم، وسعيد ابن جبير من رواية العلاء بن صالح عن المنهال، عن سعيد بن جبير ويوسف بن مهران كلهم قد تلقوا عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفى وهو ابن خمس وستين وروى أبو سلمة، وعكرمة، ومحمد بن سيرين، وأبو حصين ومقسم، وأبو طيبان، وعمرو بن دينار، كلهم عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفى وهو ابن ثلاث وستين.
وقد روى معاذ عن بشر بن المفضّل، عن حميد بن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن خمس وستين.
وذكره ابن أبي خثيمة عن المغني بن معاذ هكذا. ورواه أبو مسلم المشتمل عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- مثله، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين. وقد روى معاذ ابن معاذ عن بشر بن المفضل، عن حميد عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قال: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن خمس وستين. ثم ذكر أبو عمير من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب، قال: حدثني عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين.
ومن طريق قاسم بن أصبغ، حدثني أحمد بن زهير. حدثنا إسماعيل بن كريم الفرجمانى، حدثنا حسان بن إبراهيم، حدثنا يونس بن زيد، عن الزهري، قال: أخبرنى عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين. قال الزهري: أخبرنى سعيد بن المسيب عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مثل ذلك.
قال أبو عمر هذا أصحّ شيء في هذا الباب إلا أني أعجب من رواية هشام ابن عروة وعمرو بن دينار عن عروة قوله خلاف هذا الحديث على ما قدمناه عنه وما أدري كيف هذا؟ وروى شعبة وإسرائيل عن أبى إسحاق، عن عامر بن سعيد عن جرير عن عبد اللَّه، قال: إنه سمع معاوية يقول: قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين. قاله أبو إسحاق وعامر بن سعد وعبد اللَّه بن عتبة وسعيد بن المسيب والشعبي عليه أقره الناس لأنه يجتمع على هذا القول(14/553)
كل من قال نبئ على رأس أربعين، وأقام بمكة ثلاث عشر سنة، وكل من قال:
بعث على رأس ثلاث وأربعين، وأقام بمكة عشرا، وهو الّذي يسكن إليه القلب في وفاته صلى اللَّه عليه وسلم ولا خلاف في أنه ولد يوم الاثنين بمكة في ربيع الأول عام الفيل وأن يوم الاثنين أول يوم أوحي إليه فيه وأنه قدم المدينة في ربيع الأول.
قال ابن إسحاق هو ابن ثلاث وخمسين، وأنه توفي يوم الاثنين في شهر ربيع الأول سنة إحدى من الهجرة. وروى كريب عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: أوحي اللَّه تعالى إلي النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين، فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة عشرا، وتوفى وهو ابن ثلاث وستين، وأنزل عليه وهو ابن أربعين وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة عشرا، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين، وأنزل عليه وهو ابن أربعين سنة، وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة عشرا.
قال أبو عمر: هذا أصح ما في ذلك عندي، ثم ذكر من طريق أبي زرعة حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عيينة بن خالد، حدثنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين،
وصدق ذلك حديث علي بن حسين، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي ابن ثلاث وستين. واللَّه تبارك وتعالى أعلم.
قال المؤلف: وحديث معاوية الّذي ذكره الحافظ أبو عمر، وخرجه مسلم من طريق سلام بن أبي الأحوص عن أبي إسحاق، قال: كنت جالسا مع عبد اللَّه بن عتبة فذكروا سنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال بعض القوم: كان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أكبر من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال عبد اللَّه: قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، ومات أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو ابن ثلاث وستين، وقيل: عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو ابن ثلاث وستين، فقال رجل من القوم: كنا قعودا عند معاوية- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، ومات أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو ابن ثلاث وستين وقيل:
عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو ابن ثلاث وستين.
وخرجه من طريق شعبة قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن عامر بن سعد البجلي، عن جرير أن سمع معاوية يخطب، فقال: مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين.(14/554)
وخرجه الترمذي [ (1) ] من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن جرير بن عبد اللَّه بن أبي سفيان، أنه قال: سمعته يخطب ويقول: مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مثله سواء.
وخرجه النسائي من طريق الشعبي عن جرير، قال: كنا عند معاوية- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [وهو] ابن ثلاث وستين.
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 564- 565، كتاب المناقب، باب (13) في سن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كم كان حين مات، أحاديث أرقام (3650) ، (3651) ، (3652) ، (3653) ، (3654) .(14/555)
ذكر ما نزل من المصيبة بالصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- لوفاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وما حل بالمسلمين عامة من عظم الرزيّه بفقده صلى اللَّه عليه وسلم.
قال أبو محمد الدرامي: حدثنا أبو نعيم حدثنا فطر، عن عطاء قال:
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنّها من أعظم المصائب [ (1) ] .
وخرج البخاري في المناقب من حديث سليمان بن بلال، عن هشام بن عروة قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مات وأبو بكر بالسّنح- قال إسماعيل: يعني بالعالية- فقام عمر يقول: واللَّه ما مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
قالت: وقال عمر: واللَّه ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنه اللَّه، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر فكشف عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقبّله فقال: بأبي أنت وأمّي، طبت حيا وميتا، والّذي نفسي بيده لا يذيقك اللَّه الموتتين أبدا. ثم خرج فقال: أيها الحالف، على رسلك. فلما تكلم أبو بكر جلس عمر [ (2) ] .
فحمد اللَّه [تعالى] أبو بكر وأثنى عليه وقال: ألا من كان يعبد محمدا صلى اللَّه عليه وسلم فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد اللَّه فإن اللَّه حيّ لا يموت، وقال:
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [ (3) ] وقال: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (سنن الدارميّ) : 1/ 40.
[ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 23، كتاب فضائل أصحاب النبي، باب (5) قول النبي صلى اللَّه عليه وسلم (لو كنت متخذا خليلا) قاله أبو سعيد حديث رقم (3667) .
[ (3) ] الزمر: 30.
[ (4) ] آل عمران: 144.(14/556)
قال: فنشج الناس يبكون. قال: واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة كما عرج بروح موسى، واللَّه لا يموت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى يقطع أيدي أقوام وألسنتهم، فلم يزل عمر يتكلم حتى أزيد شدقاه مما يوعد، ويقول.
فقام العباس فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد مات وإنه لبشر وإنه يأسن كما يأسن البشر، أي قوم: فادفنوا صاحبكم فإنه أكرم على اللَّه من أن يميته إماتتين أيميت أحدكم إماتة ويميته إماتتين. وهو أكرم على اللَّه من ذلك؟ أي قوم فادفنوا صاحبكم فإن يك كما تقولون فليس بعزيز على اللَّه أن يبحث عنه التراب. إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم واللَّه ما مات حتى ترك السبيل نهجا واضحا، فأحل الحلال وحرم الحرام، ونكح، وطلق، وحارب، وسالم، وكان يرعى الغنم، يتبع بها صاحبها رءوس الجبال، يخبط عليها العضاة بمخبطه، ويمدد حوضها بيده بأنصب، ولا أدأب من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كان فيكم أي قوم، فادفنوا صاحبكم.
قال: وجعلت أم أيمن تبكي فقيل لها: يا أم أيمن تبكي على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قالت: إني واللَّه ما أبكى على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلا أن أكون أعلم أنه قد ذهب إلى ما هو خير له من الدنيا، ولكني أبكي على خبر السماء انقطع، قال حماد: خنقت العبرة أيوب حين بلغ هاهنا [ (1) ] .
وقال أبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلم، فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول:
واللَّه ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما قد أعجبنى، خشيت أن لا يبلغه أبو بكر- ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. فقال حباب بن المنذر: لا واللَّه لا نفعل، منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر: لا، ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء. هم أوسط العرب دارا، وأعربهم أحسابا، فبايعوا عمر أو أبا عبيدة. فقال عمر: بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس. فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة، فقال عمر: قتله اللَّه [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (سنن الدارميّ) : 1/ 39- 40.
[ (2) ] (فتح الباري) : حديث رقم (3668) .(14/557)
وروى أبو محمد الدارميّ عن سليمان، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة قال: توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين فحبس بقية يومه [ (1) ] وليلته والغد حتى دفن ليلة الأربعاء. قالوا: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يمت ولكن عرج بروحه كما عرج بروح موسى عليه السلام.
فقام عمر فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يمت ولكن عرج بروحه.
وخرج الإمام أحمد من حديث عبد الرزاق عن معمر قال: قال الزهري:
وأخبرني أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين، فقام عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي ولكن ربه أرسل إليه كما أرسل إلى موسى عليه الصلاة والسلام فمكث عن قومه أربعين ليلة وإني لأرجو أن يعيش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى يقطع أيدي رجال من المنافقين وبألسنتهم يزعمون أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد مات [ (2) ] .
وقال عبد اللَّه بن أحمد: حدثنا الليث بن خالد البلنجي قال: كان اليوم الّذي دخل فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المدينة، أضاء منها كل شيء، ولما كان اليوم الّذي مات فيه صلى اللَّه عليه وسلم أظلم منها كل شيء، وإنا لفي دفنه، ما رفعن أيدينا عن دفنه، حتى أنكرنا قلوبنا [ (3) ] .
وروى البيهقي من طريق جعفر بن سليمان الضبعي، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: لما قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أظلمت المدينة، حتى لم ينظر بعضنا إلى بعض، وكان أحدنا يبطيده، فلا يبصرها، فلما فرغنا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا [ (4) ] .
ومن طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس قال: شهدت اليوم الّذي توفي فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلم أر يوما كان أقبح منه [ (5) ] .
وقال الواقدي: حدثني حارثة بن أبي عمران، عن هلال بن أسامة عن
__________
[ (1) ] في (الأصل) : «يوم الأربعاء» وفي (سنن الدارميّ) : 1/ 39: «ليلة الأربعاء» .
[ (2) ] (سبق تخريجه) .
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 265.
[ (4) ] (المرجع السابق) .
[ (5) ] (المرجع السابق) : 266.(14/558)
علة بن أبي علة قال: كان أول من دخل عليه عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسجى فخرج إلي الناس وهو يصيح: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يمت ولكن رفع كما رفع عيسى ابن مريم عليه السلام وليرجعن ولا يسمح أحد أن يقول: إن محمدا مات، إلا قطع لسانه، فإنّي أعلم أن قوما من المنافقين يقولون مات فأولئك يمثل بهم وتكون عليهم دائرة السوء، ثم غلبه البكاء. فدخل إلى بيته فمكث يومه ذلك يبكى بكاء شديدا ما يقدر الخروج حتى خيف عليه.
قال سيف: عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه قال:
قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عنها إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لفي حجري حين قبضه اللَّه تبارك وتعالى فتناولت وسادة من أدم فوضعتها تحت رأسه ثم قمت أصيح مع النساء وألتدم وتفاقم الناس وسجي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بثوبه ودخل عمر ثم خرج إلي الناس فقال: يا أيها الناس، إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ما مات، وليرجعنه اللَّه تعالى فليقطعن أيد وأرجل من المنافقين يتمنون لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الموت.
وقال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن أبي ملكية، قال:
قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: فاقتحم الناس حين ارتفعت [الربة] وسجي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والملائكة تثوبه، ونقل الرجال، فكانوا كأقوام سحبوا منهم الأرواح، وحق لهم في أحوال من البلاء قسمت بينهم، فكذب بعضهم بموته، وأخرس بعضهم فما تكلم إلا بعد النعت، وخلط آخرون فلانوا الكلام بغير شأن، وبقي ومعهم عقولهم وأقعدوا آخرون، فكان عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- فيمن كذب بموته، وعليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فيمن أقعدوا [وعثمان]- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فيمن أخرس فخرج من في البيت من الناس ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسجى، فقال: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يمت، وليرجعن اللَّه تعالى، وليقطعن أيد وأرجل من المنافقين، فتمنون لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الموت، إنما أعده ربه كما وعد موسى، واللَّه لا أسمع أحدا يذكر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي إلا أعلون بسيفي هذا.
وأما عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه لما أعلونه يطق كلاما، وأما علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه أقعد، ولم يكن أحد من المسلمين في مثل حال أبي بكر والعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، فإن اللَّه عز وجل عزم لهما على التوفيق والسداد، وكان الناس لم يرضوا إلا(14/559)
لقول أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وجاء العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من قبله فتكلم بنحو من كلامه فما انتهى له أحد ممن ابتلي، حتى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فانتهي الناس كلهم إلي قوله، وتفرقوا عن كلامه.
وقال سيف: عن محمد بن عبيد اللَّه عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما قبض اللَّه عزّ وجل نبيه، وأعلن أهل البيت وفاته بالصيحة، وسمعها الناس جزعا من ذلك جزعا شديدا، فقام عمر ابن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: كيف نكون شهداء على الناس ويكون الرسول علينا شهيدا؟ وبموت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولم يظهر على الناس فإياكم أيها الناس أن تفتتنوا كما افتتن قوم موسى إذ غاب عنهم إلي الطور، فرجع إليهم فعاقبهم، وظن كثير من الناس أنه كما قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فأقبل الناس حتى نادوا على الناس، وقالوا: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حي، فلا تحركوه ولا تدفنوه، وأوعد عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- الناس حين سمعهم يقولون: توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فخرج عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- على الناس فقال: أيها الناس هل عندكم أو عند أحد منكم عهد من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من أمر وفاته؟ قالوا: لا، قال: هل عندكم يا عمر من ذلك علم؟
قال: لا واللَّه، قال: اشهدوا أيها الناس أن أحدا لا يأخذ علي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد عهد اللَّه تعالى في شأن وفاته، واللَّه الّذي لا إله إلا هو لقد ذاق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الموت،
ولقد قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو بين ظهرانيكم إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ
فلما عرفوا، قال بعضهم: خلوا بينهم وبين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلم يكف بعضهم لبعض.
وقال سيف: عن سلمة بن نبيط عن نعيم بن أبي هند، عن سالم بن عبيد اللَّه وكان من أهل الصفة- قال: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم في اليوم الّذي مات فيه، قال حين ثقل أو أغمي عليه فأفاق: حضرت الصلاة؟ قالوا: نعم. قال صلى اللَّه عليه وسلم: مروا بلالا فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت: فأمرت بلالا أن يؤذن، وأمرت أبا بكر أن يصلي بالناس، ثم قال، أقيمت الصلاة؟
قيل: نعم، فدعا بربزة خادما كانت له وإنسانا آخر معها فاعتمد عليهما، ثم قال: انطلقا، فذهبا به إلي المسجد حتى أتيا أبا بكر- رضي اللَّه تبارك(14/560)
وتعالى عنه- وهو يصلي بالناس فجلس إلى جنب أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فذهب أبو بكر يتأخر، فجلس حتى فرغ من الصلاة، فلما توفي صلى اللَّه عليه وسلم وقوم آمنون لم يكن فيهم نبي قبله.
قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: لئن تكلم أحد بموته إلا ضربته بسيفي، قال: فأخذ بيدي حتى أتينا البيت، فدخل، فقال: وسعوا كذا، فوسعوا حتى أتى نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأكبّ عليه ثم مشى روبده، ثم نظر حتى تبين له، قال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ قالوا: يا صاحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: نعم، فعلموا كلهم أن قد مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قالوا: يا صاحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: هل نصلي على النبي صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: نعم، قالوا: كيف نصلي عليه؟ فما أدري قال: عشاء أو قال: يجئ نفر فيكبرون، ويصلون ويدعون، ثم ينصرفون، ويجئ آخرون حتى يفرغوا من آخرهم، فعلموا أنه كما قال: عندكم نبي اللَّه يعني عمته وابن عمه فجلس في المسجد وجلس الناس حوله.
وقال سيف: عن عمر بن محمد عن تمام، عن العاصي عن القعقاع بن عمرو، قال: جاء الخبر أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بنقل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وتواتر أهل البيت عليه أرسلا، فجاء فلقيه آخرهم بعد ما مات النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وعيناه تهملان، فأكبّ عليه، وكشف عن وجهه، وقيل جبينه وخديه، ومسح وجهه، وجعل يبكى ويقول: بأبي وأمي ونفسي وأهلي طبت حيا وميتا، وانقطع بموته ما لم ينقطع بموته أحد من الأنبياء، فعظمت عن الصفة، وحللت عن البكاء، وخصصت حتى ضرب مسيلمة، وعميت، ولولا أن موتك كان إخبارا لحربك بالنفوس، وإنك نهيت عن البكاء، لأنفدنا عليك ما التشوف، فأما ما لا نستطيع حقه عنا فكمدوا، وإن كان مخالفا له.
قال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن أبي عمر قال: جاء أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حتى صلي على النبي صلى اللَّه عليه وسلم فاسترجع وصلى وأثنى، فعجّ أهل البيت عجيجا سمعه أهل المصلى، كلما ذكرت شيئا أرادوا فما، سكن عجيجهم إلا [صوت] يقول: السلام عليكم يا أهل البيت كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ الآية. إن في اللَّه خلفا من كل هالك ودركا لكل رغبة، ونجاة من كل مخافة، فاللَّه فارجوا وبه فثقوا، فاستمعوا له وأنكروه، وقطعوا البكاء، فلما انقطع البكاء فقد صوته، واطلع أحدهم فلم ير أحدا، ثم ناداهم مناد آخر لا يعرفون صوته: يا أهل البيت، اذكروا اللَّه واحمدوه على كل حال(14/561)
من المخلصين، إن في اللَّه عزاء من كل مصيبة، وعوضا من كل رغبة، فأطيعوا أمره فاعلموا.
وقال الواقدي في كتاب (الغازي) : حدثني ابن أبي سبرة، عن الحبيش بن هاشم، عن عبد اللَّه بن وهب، عن أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: نحن مجتمعون نبكي لم ننم ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيوتنا، ونحن نسكن برؤيته على السرير، إذ سمعنا صوت الكرار من السحر ليلة الثلاثاء.
قالت أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: فصحنا، فصاح أهل المسجد، فارتجت المدينة صيحة واحدة، وأذن بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالفجر، فلما بلغ ذكر النبي صلى اللَّه عليه وسلم بكى فانتحب فزادنا عجيجا، وعالج الناس الدخول إلي قبره، فغلق دونهم فيا لها من مصيبة، فما أصبنا بعده بمصيبة إلا هانت علينا إذا ذكرنا مصيبتنا به صلى اللَّه عليه وسلم.
وخرج البيهقي من طريق المزني، قال: حدثنا الشافعيّ، عن القاسم بن عبد اللَّه بن عمر بن حفص، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن رجالا من قريش دخلوا على أبيه عليّ بن الحسين، فقال: ألا أحدثكم عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قالوا: بلى، فحدثنا عن أبي القاسم، قال: لما مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أتاه جبريل، فقال: يا محمد! إن اللَّه أرسلني إليك، تكريما لك، وتشريفا لك، وخاصة لك، أسألك عما هو أعلم به منك. يقول: كيف تجدك؟ قال: أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا، ثم جاءه اليوم الثاني، وقال له:
ذلك، فردّ عليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم كما ردّ أول يوم، ثم جاءه اليوم الثالث فقال له كما قال أول يوم، وردّ عليه كما ردّ.
وجاء معه ملك، يقال له إسماعيل على مائة ألف، كل ملك على مائة ألف ملك، استأذن عليه، فسأل عنه، ثم قال جبريل: هذا ملك الموت، يستأذن عليك، ما استأذن على آدمي قبلك، ولا يستأذن على آدمي بعدك، فقال عليه السلام: ائذن له، فأذن له، فسلم عليه، ثم قال: يا محمد، إن اللَّه أرسلني إليك، فإن أمرتني أن أقبض روحك قبضته، وإن أمرتني أن أتركه تركته، فقال: أو تفعل يا ملك الموت؟ قال: نعم: بذلك أمرت، وأمرت أن أطيعك. فنظر النبي إلى جبريل؟ فقال له جبريل: يا محمد إن اللَّه اشتاق إلى لقائك. فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم لملك الموت: أمضي لما أمرت به، فقبض روحه.
فلما توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجاءت التعزية، سمعوا صوتا من ناحية البيت: السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللَّه وبركاته، إن في اللَّه عزاء من(14/562)
كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل فائت، فباللَّه فثقوا، وإياه فارجوا، فإنما المصاب من حرم الثواب. فقال عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أتدرون من هذا؟ هذا الخضر عليه السلام.
قال البيهقي: لقد روينا هذا في الخبر الّذي قبله بإسناد آخر، والمراد بقوله: إن اللَّه اشتاق إلى لقائك، أي أراد ردك من دنياك إلى آخرتك ليزيد في كرامتك، ونعمتك وقربتك.
قال: أخبرنا القاسم بن عبد اللَّه بن عمر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده قال: لما توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجاءت التعزية، سمعوا قائلا يقول: إن في اللَّه عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل ما فات، فباللَّه فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب [ (1) ] .
قال المؤلف: قد روينا هذا الحديث في كتاب تبين الشافعيّ رحمه اللَّه، وذكره في باب زكاة الفطر، ولا يحضرني الآن.
وخرجه البيهقي من طريق الربيع بن سليمان قال: حدثنا الشافعيّ، قال:
أخبرني الهيثم بن عبد اللَّه عن عمر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، قال: لما توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول: إن في اللَّه تعالى عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل ما فات، فباللَّه فثقوا وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب.
وخرج من طريق أبي الوليد المخزومي، حدثنا أنس بن عياض، عن جعفر ابن محمد عن أبيه، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، قال: لما توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عزتهم الملائكة، يسمعون الحسّ، لا يرون الشخص، فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللَّه وبركاته، إن في اللَّه تعالى عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل فائت، فباللَّه فثقوا، وإياه فأرجو، فإن المحروم من حرم الثواب، والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.
قال البيهقي: هذان الإسنادان وإن كانا ضعيفين، فبأحدهما يتأكد الآخر، وبدل ذلك على أن له أصلا من حديث جعفر.
قال المؤلف: وقد خرج الحاكم في (مستدركه) [ (2) ] حديث جابر هذا من طريق أبي الوليد بهذا السند، فقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه،
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 267- 268.
[ (2) ] (المستدرك) : 30/ 59- 60، كتاب المغازي والسرايا، حديث رقم 33 (4391) . وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.(14/563)
والمخزومي هذا ليس بخالد بن إسماعيل الكوفي، وإنما هو هشام بن إسماعيل الصغاني، وهو ثقة مأمون.
وخرج الحاكم من طريق محمد بن بشر بن مطر، حدثنا كامل بن طلحة حدثا عباد بن عبد الصمد، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أحدق به أصحابه، فبكوا حوله، واجتمعوا، فدخل رجل أشهب اللحية، جسيم صبيح قيحا رقابهم فبكى، ثم التفت إلى أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إن في اللَّه عزاء من كل مصيبة، وعوضا من كل فائت، وخلفا من هالك، وإلى اللَّه فأنيبوه إليه، فارغبوا الآخرة، ونظر إليكم البلاء، فانظروا، فان المصاب من لم يخبر، وانصرف.
فقال بعضهم لبعض: أتعرفون الرجل؟ قال أبو بكر وعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-: نعم: هذا أخو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الخضر عليه السلام [ (1) ] ، قال الحاكم: هذا شاهد بما تقدم وإن كان عباد بن عبد الصمد ليس من شرط هذا الكتاب.
قال المؤلف وقد أخرج هذا الحديث البيهقي، وقال عباد بن عبد الصمد ضعيف وهذا منكر بمرة.
وقال سيف: عن عبد اللَّه بن سعيد بن ثابت بن الجدع عن عبدة بنت عبد الرحمن، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل وفاته: لا يبقى في جزيرة العرب دينان.
وقال سيف: عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن أبي كعب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قال: لقد رأيتني يوم مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وإني لأعد المخلصين من قبلهم وكانت قلة، قام أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- دونها فما استأنى حتى استناء العزاء. وقال: عن مبشر، عن سالم بن عبد اللَّه قال: قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: كانت إمارة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فتله وقى اللَّه شرها، قلت وما الفلتة؟ قال: كان أهل الجاهلية يتناحرون في الحرم، فإذا كانت الليلة التي يشك فيها إذ علموا فيها فأغاروا، وكذلك كان يوم مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أدخل الناس من مدعى إمارة، أو جاحد زكاة، أو مستتر بصلاة، أو جاحد الأحكام كلها، فكان المدعي الإمارة، والمقر بالإسلام، والجاحد بالزكاة فالجاحد للأحكام كلها، فلولا اعتراض أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- دونها كانت الفضيحة.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4392) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : هذا شاهد لما قبله.(14/564)
فصل في ذكر ما سجّي به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد وفاته وثيابه التي قبض فيها
خرج البخاري في كتاب اللباس [ (1) ] من (صحيحه) حديث شعيب عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: إن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم أخبرته أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين توفي سجي ببرد حبرة.
وخرجه مسلم [ (2) ] من طريق صالح، عن ابن شهاب قال: إن أبا سلمة أخبره أن عائشة أم المؤمنين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: سجي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بثوب حبرة.
وخرجه من حديث شعيب عن الزهري، وخرجه النسائي [ (3) ] من حديث صالح عن ابن شهاب وخرجه الإمام [ (4) ] أحمد من حديث أيوب، عن حميد بن هلال، عن أبي بردة قال: أخرجت إلينا عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- كساء ملبدا وإزارا غليظا، فقالت: قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في هذين.
أخرجه البخاري ومسلم.
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 339، كتاب اللباس، باب (18) البرود والحبر والشملة، وقال خباب: شكونا إلى النبي (ص) وهو متوسد بردة له، حديث رقم (5814) .
قوله: (سجي) بضم أوله وكسر الجيم الثقيلة، أي غطّي وزنا ومعنى، يقال سجيت الميت إذا مددت عليه الثوب، وكان المصنف رمز إلى ما جاء عن عمر بن الخطاب في ذلك، فأخرج أحمد من طريق الحسن البصري:
أن عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أراد أن ينهي عن حلل الحبرة لأنها تصبغ بالبول، فقال له أبي: ليس ذلك لك، فقد لبسهن النبي (ص) ولبسناهن في عهده. والحسن لم يسمع من عمر.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 300- 301، كتاب اللباس والزينة باب (6) التواضع في اللباس، والاقتصار على الغليظ منه، واليسير في اللباس والفراش وغيرها وجواز لبس الثوب الشعر وما فيه أعلام، حديث رقم (34) ، (35) .
[ (3) ] لعله في (الكبرى) .
[ (4) ] (مسند أحمد) : 7/ 50، حديث رقم (23517) ، من حديث السيدة عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-.(14/565)
فصل في ذكر ما جاء في غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
قال ابن عبد البر: ولم يختلف في أن الذين غسلوه عليّ والفضل بن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-، واختلف في العباس، وأسامة بن زيد، وقثم بن العباس، وسعد فقيل: هؤلاء كلهم شهدوا غسله، وقيل لم يغسله غير عليّ والفضل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، كان يصب الماء عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والفضل كان يغسله.
وقيل: كان الناس قد تنازعوا في ذلك، فصاح أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا معشر الناس كل قوم أولى بجنائزهم من غيرهم، فانطلق الأنصار إلى العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يقلبانه وأسامة ابن زيد وقثم- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما يصبان الماء على عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
وروى من وجه آخر أن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان بالباب، لم يحضر الغسل، يقول: لم يمنعني أن أحضره إلا أني كنت أراه صلى اللَّه عليه وسلم يستحي أن أراه حاسرا.
قال سيف: عن سعيد، عن أبي الغراء، عن أبي مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: صدرنا في قبر النبي عن رأى أبي بكر والعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، ولولا ذلك لكنا كأن لم نسمع من النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ذلك ما سمعنا، ولقد كان احتبس منا، فأما أبو بكر فحفظه، وأما العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فكان رأيا منه.
قال سيف: عن هشام بن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، قالت: كان سرير رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أقصي البيت مما يلي الحائط في وسطه ما بين الحائطين، وكان فرشه قدام سريره ملصق بالسرير في وسط ما بين الحائطين، وكان فصل البيت من عند رأس السرير، والفراش من عند رجل السرير، والفراش يسير، لا يكون فصل بينهما ذراعين يزيد قليلا أو ينقص.
قال الواقدي في كتاب (المغازي) : حدثنا ابن أبي خثيمة عن داود بن الحصين، عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه عنهما- قال: لما أرادوا أن يحفروا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال المهاجرون: الشق، وقالت الأنصار. اللحد، وكان بالمدينة رجلان، أحدهما يلحد، والآخر يشق، وكان أبو طلحة- رضي اللَّه(14/566)
تبارك وتعالى عنه- يلحد، وذلك عمل أهل المدينة، وكان أبو عبيدة بن الجراح- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يشق وذلك عمل أهل مكة، فدعا العباس بن عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- رجلين فقال لأحدهما اذهب إلى أبي عبيدة، وقال للآخر اذهب إلى أبي طلحة، ثم قال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: اللَّهمّ خر لنبيك، فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- واختلفوا أين يقبر صلى اللَّه عليه وسلم، فقال قائل: بالبقيع، فإنه كان يكثر الاستغفار لأهل البقيع وأصحابه، وقال قائل: ادفنوه عند منبره، وقال قائل: ادفنوه في مصلاه،
فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: إن عندي فيما تختلفون فيه علما، سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: ما مات نبي قط إلا دفن حيث يقبض، فحط حول الفراش، ثم حول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالفراش في ناحية البيت،
وحفر أبو طلحة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- القبر فانتهى به إلي أصل اللحد إلى القبلة، وجعل رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مما يلي بابه الّذي كان يخرج منه إلى الصلاة، فبينما هم على ذلك جاء المغيرة بن شعبة إلى عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وأخبره بخبر الأنصار، فذكر عمر لأبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فتابع الناس أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في سقيفة بني ساعدة، ثم انصرفوا إلى الرسول صلى اللَّه عليه وسلم ومن معه من المهاجرين والأنصار، وقمن النساء فخرجن من بيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فاختلفوا في غسله كيف يغسل، ومن أين يغسّل قال قائل: من بئر السقيا، وقال قائل: من بئر أريس، وقال قائل من بئر بضاعة وأجمعوا أن يغسل من بئر أريس وكان يشرب منها.
وقال سيف: عن يحيي بن سعيد قال: كان بالمدينة رجلان يحفران، أحدهما يضرح وهو أبو عبيدة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والآخر يلحد وهو أبو طلحة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقالوا: يبعث رجلين كلاهما ما سبق وليناه ذلك، فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فجاء ولم يجد صاحب أبي عبيدة أبا عبيدة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فحفر له ولحوا.
وقال محمد بن عابد: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد العزيز بن أبي(14/567)
داود أنهم قالوا ندفنه في بقيع الغرقد قالوا يوشك عواد يعودون بقبره من عبيدكم وإمائكم فلا يعادون.
قال: فقال قائل: ادفنوه في مسجده، فقالوا: فكيف وقد لعن قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد؟ قالوا: نحمله إلى حرم اللَّه تعالى ومأمنه ومولده ودار قومه، قال: كيف يفعلون ذلك ولم يعهد إليكم عهدا؟ فأشار عليهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بدفنه في موضع فراشة، فقبلوا ذلك من رأيه.
وقال: عن محمد بن عون، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما فرغ من القبر وصلى الناس الظهر أخذ العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم فضرب عليه كله من ثياب ثمانية صفاق في جوف البيت فدخل الكل، فدعا عليا والفضل رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وكان الفضل يعينهما فإذا ذهب إلى الماء ليعطيهما دعا أبا سفيان بن الحارث فأدخله ورجال من بنى هاشم من وراء الكل ممن أدخل من الأنصار حيث ناشدوا أبي وسألوه، منهم أوس بن خولي.
وقال سيف: عن الضحاك بن يربوع الحنفي عن ماهان الحنفي عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، ضرب كله من ثمانية ثياب صفاق فصارت سنة فينا، وفي كثير من صالحي الناس، ثم أذن لرجال من بنى هاشم فقعدوا بين الحيطان والكلة، وسأله الأنصار أن يدخل منهم رجلا، فأدخل أوس ابن خولي ثم دخل العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- الكلة ودعا عليا، والفضل وأبا سفيان، وأسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-، وكان الفضل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصب الماء والمعونة، فإذا شغله الصب أعقبه أبو سفيان وأسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، فلما اجتمعوا في الكلة ألقى عليهم العباس وعليّ من وراء الكلة في البيت، حتى ما منهم أحدا إلا وذقنه في صدره يغط، فناداهم مناد فانتبهوا به وهو يقول: ألا لا تغسلوا النبي فإنه كان طاهرا، فقال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ألا بلى، وقال أهل البيت: صدق فلا تغسلوه وغشيهم النعاس ثانية، فناداهم مناد فانتبهوا وهو يقول: اغسلوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعليه ثيابه، فقال أهل البيت اغسلوا ألا اغسلوا رسول اللَّه، فقال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلا نعم، وقد: كان العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حيث دخل قعد متربعا وأقعد عليا متربعا فتواجها، وأقعدا النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم على حجريهما،(14/568)
فنودوا: أن اضجعوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على ظهره، ثم اغسلوه، فأضجعاه ثم أخذا في غسله ولم يغتسل إلا بالماء القراح وطيبوه بالكافور، ثم اعتصر قميصه ومحوله، وخبطوا مساجده، ومفاصله، وذراعيه، ووجهه، وكفيه، وقدميه، ثم أدرجوا أكفانه على قميصه ومحوله، وجمّروه عودا وندي، ثم احتملوه حتى وضعوه على سريره وسجوه.
قال سيف: وحدثني قيس، عن أنس بن الجليس، عن الضحاك بن مزاحم، قال: سمعت ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يذكر غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم ويذكر ما حدث فقلت: يا عباس وكيف يكون مستورا ومعه في البيت رجال؟ ولم أكن فهمت حديثه، فقال: إن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان ضرب عليه كله من ثياب صفاق وكان الرجال من ورائها وكذلك تغسل موتانا ونسترهم من سقوف البيت ففعلنا ذلك به، ثم ضربنا عليه ملاحفنا ثم حللناها فغسلناه من تحتها.
وخرج أبو داود من حديث ابن الجارود من حديث ابن مسلمة عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني يحيي بن عباد بن عبد اللَّه بن الزبير، عن أبيه عباد بن عبد اللَّه بن الزبير قال: سمعت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما أرادوا غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اختلفوا فيه فقالوا واللَّه ما ندري أن يتجرد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من ثيابه كما نجرد موتانا، أو نغسله وعليه ثيابه، فلما اختلفوا ألقي عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا ذقنه في صدره، ثم كلمهم متكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو: فاغسلوا النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعليه قميصه، تصبون عليه الماء، قالت: فقاموا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يغسلونه وعليه قميصه، يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم.
قال: وكانت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- تقول: لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه. إلى هنا انتهى حديث أبي داود.
وترجم عليه: باب الميت يستر عند الغسل. وزاد ابن الجارود بعد قوله: ما غسله إلا نساؤه: فلما فرغنا من غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب صحارية وبرد حبره، أدرج فيهن إدراجا كما حدثني ابن محمد عن أبيه عن جده عليّ بن الحسن.
وخرج الحاكم حديث أبي داود من طريق يونس بن بكير، عن ابن إسحاق(14/569)
بسنده ومتنه، وقال: حديث صحيح على على شرط مسلم [ (1) ] .
وخرجه البيهقي وقال: هذا إسناد صحيح وشاهده ما أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، قال: أخبرنا أبو قتيبة مسلم بن الفضل الأدمي بمكة، قال: حدثنا إبراهيم بن هشام البغوي، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا أبو بردة بريد بن عبد اللَّه، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا أبو بردة بريد بن عبد اللَّه، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: لما أخذوا في غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فإذا هم بمناد من الداخل: لا تخرجوا عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قميصه.
حدثنا محمد بن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد، عبد اللَّه بن الحارث، قال: غسّل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، وعلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم قميصه، وعلى يد علي خرقه يغسله بها، فأدخل يده تحت القميص، وغسله. والقميص عليه [ (2) ] .
وقال الواقدي: حدثني محمد بن عمر، عن عبد اللَّه بن محمد بن عمر ابن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده، عن علي بن أبي أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما أخذنا في جهاز رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أغلقنا الباب دون الناس جميعا فنادت الأنصار: نحن أخواله ومكاننا من الإسلام مكاننا! ونادت قريش: نحن عصبته! فصاح أبو بكر: يا معشر المسلمين كل قوم أحق بجنازتهم من غيرهم، فننشدكم اللَّه فإنكم إن دخلتم أخرتموهم عنه، واللَّه لا يدخل عليه أحد إلا من دعي.
أخبرنا محمد بن عمر قال: فحدثني عمر بن محمد بن عمر، عن أبيه، عن علي بن حسين قال: نادت الأنصار: إن لنا حقا فإنما هو ابن أختنا ومكاننا من الإسلام مكاننا، وطلبوا إلى أبي بكر، فقال: القوم أولى به فاطلبوا إلى عليّ وعباس فإنه لا يدخل عليهم إلا من أرادوا.
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري، عن عبد اللَّه بن ثعلبة بن صغير، قال: غسّل النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم عليّ، والفضل وأسامة ابن زيد وشقران يصبون الماء.
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 3/ 61- 62، كتاب المغازي والسرايا، حديث 38 رقم (4398) ، وسكت عنه الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 242- 243.(14/570)
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: غسّل النبي صلى اللَّه عليه وسلم علي وكفنه أربعة: عليّ والعباس والفضل وشقران.
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني هشام بن عمارة، عن أبي الحويرث، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس قال: غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم عليّ والفضل وأمروا العباس أن يحضر عند غسله، فأبى، فقال: أمرنا النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن نستتر.
أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد اللَّه ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: غسّل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عليّ والفضل بن عباس، وكان يقلبه، وكان رجلا أيدا، وكان العباس بالباب، فقال: لم يمنعني أن أحضر غسله إلا أني كنت أراه يستحيى أن أراه حاسرا.
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبيه، قال: غسّل النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم عليّ، والفضل، والعباس وأسامة ابن زيد، وأوس بن خولي، ونزلوا في جفرته.
أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا عبد اللَّه بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن عليّ: أنه غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعباس، وعقيل بن أبي طالب، وأوس بن خوالى، وأسامة بن زيد.
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني الزبير بن موسى قال: سمعت أبا بكر بن أبي جهم يقول: غسّل النبيّ (ص) علي، والفضل، وأسامة بن زيد، وشقران، وأسنده عليّ إلى صدره، والفضل معه يقلبونه، وكان أسامة وشقران يصبان الماء عليه، وعليه، قميصه، وكان أوس بن خولي قال: يا عليّ! أنشدك اللَّه وحظنا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم! فقال له عليّ: ادخل! فدخل فجلس.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي، قال: أخبرنا ابن جريج عن أبى جعفر محمد بن علي قال: غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث غسلات بماء وسدر، وغسل في قميص، وغسل من بئر يقال لها الغرس، لسعد بن خيثمة بقباء، وكان يشرب منها، وولي عليّ غسله، والعباس يصب الماء، والفضل محتضنة يقول: أرحني، أرحني، قطعت وتيني! إني أجد شيئا يتنزل عليّ مرتين.
أخبرنا مالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي، عن مسعود بن سعد، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد اللَّه بن الحارث: أن عليا لما قبض النبي صلى اللَّه عليه وسلم قام(14/571)
فارتج الباب، قال: فجاء العباس معه بنو عبد المطلب، فقاموا على الباب، وجعل عليّ يقول: بأبي أنت وأمي، طبت حيا وميتا! قال: وسطعت ريح طيبة لم يجدوا مثلها قطّ، قال: فقال العباس لعليّ: دع خنينا كخنين المرأة، وأقبلوا على صاحبكم! فقال عليّ: أدخلوا عليّ الفضل، قال: وقالت الأنصار: نناشدكم اللَّه في نصيبنا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأدخلوا رجلا منهم يقال له أوس بن خولي، يحمل جرة بإحدى يديه، قال: فغسله عليّ، يدخل يده تحت القميص، والفضل يمسك الثوب عليه، والأنصاري ينقل الماء، وعلى يد عليّ خرقة يدخل يده وعليه القميص.
أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا عبد اللَّه بن جعفر الزهري، عن عبد الواحد بن أبي عون قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لعلي بن أبي طالب في مرضه الّذي توفى فيه: اغسلني يا علي إذا مت! فقال: يا رسول اللَّه ما غلست ميتا قط! فقال رسول صلى اللَّه عليه وسلم: إنك ستهيأ أو تيسر. قال عليّ: فغسلته، فما آخذ عضوا إلا تبعني، والفضل آخذ بحضنه يقول: أعجل يا عليّ، انقطع ظهري.
أخبرنا الفضل بن دكين، عن سفيان، عن ابن جريج قال: سمعت أبا جعفر قال: ولي سفلة النبي صلى اللَّه عليه وسلم علي.
أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري، عن أبيه، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، حدثني سعيد بن المسيب.
وأخبرنا محمد بن حميد العبديّ ومحمد بن عمر، عن معمر، عن الزهريّ، عن سعيد بن المسيب، وأخبرنا يحيى بن عباد، أخبرنا عبد اللَّه بن المبارك، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: التمس عليّ من النبي صلى اللَّه عليه وسلم عند غسله ما يلتمس من الميت فلم يجد شيئا فقال: بأبي أنت وأمي، طبت حيا وميتا [ (1) ] .
وخرجه الحاكم من طريق إبراهيم بن ديزيل وإبراهيم بن نصر الرازيّ قالا:
حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: غسلت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فجعلت انظر ما يكون من الميت فلم أر شيئا، وكان طيبا حيا
__________
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 2/ 277- 281.(14/572)
وميتا وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين [ (1) ] .
وخرج الواقدي من حديث محمد بن عبد اللَّه ومعمر عن الزهري، عن ابن المسيب قال: ولي غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وكفنه أربعة: العباس، وعليّ، والفضل وشقران- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-.
حدثني مصعب بن ثابت، عن عيسى بن معمر، عن عباد بن عبد اللَّه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عنها قالت: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلا نساؤه، إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما قبض اختلف أصحابه في غسله، فقال بعضهم: اغسلوه وعليه ثيابه، فبينما هم كذلك أخذتهم نعسة فوقع لحي كل إنسان على صدره، فقال قائل، لا ندري من هو: اغسلوه وعليه ثيابه [ (2) ] .
وخرج البيهقي من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر قال: قلت من غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: غسله علي وأسامة، والفضل بن العباس، قال:
وأدخلوه قبره وكان علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول وهو يغسله:
يأبى وأمي- طبت حيا وميتا [ (3) ] .
ومن طريق مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: قال علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: غسلت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فذهبت انظر ما يكون من الميت فلم أر شيئا. وكان صلى اللَّه عليه وسلم طيبا حيا وميتا
قال: وولي دفنه صلى اللَّه عليه وسلم وإجنانه دون الناس أربعة علي، والعباس، والفضل، صالح مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولحد لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لحدا ونصب عليه اللبن نصبا [ (4) ] .
وخرج الامام احمد من حديث ابن إسحاق قال: حدثني حسين بن عبد اللَّه، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما اجتمع القوم لغسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وليس في البيت إلا أهله، عمه العباس، وعلي بن أبي طالب، والفضل بن العباس، وقثم بن العباس، وأسامة بن زيد، وصالح مولاه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فلما اجتمعوا لغسله نادى من وراء الباب أوس بن خولي الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان بدريا- عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا عليّ
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 3/ 61، كتاب المغازي والسرايا، باب (30) المغازي والسرايا، حديث رقم (4397) وقال الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم.
[ (2) ] (سبق تخريجه) .
[ (3) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 243.
[ (4) ] (المرجع السابق) : 244.(14/573)
نشدتك اللَّه وحظنا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال له علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ادخل فدخل فحضر غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولم يل من غسله شيئا. قال: فأسنده عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلي صدره وعليه قميصه، وكان العباس والفضل وقثم- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- يقلبونه مع علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان أسامة، وصالح مولياه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يصبان الماء، وجعل علي يغسله ولم ير من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شيئا مما نرى من الميت، وهو يقول بابي وأمي ما أطيبك حيا وميتا
حتى إذا فرغوا من غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم- وكان يغسل بالماء والسدر- ثم جففوه، ثم صنع به ما يصنع بالميت، ثم أدرج في ثلاثة أثواب، ثوبين أبيضين، وبرد حبرة ثم دعا، العباس رجلين، فقال: ليذهب أحدكما إلى أبي عبيدة بن الجراح- الأنصاري- وكان أبو طلحة يلحد لأهل المدينة قال: ثم قال العباس لهما حين سرحهما: اللَّهمّ خر لرسولك، قال: فذهبا فلم يجد صاحب أبي عبيدة، ووجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] .
وقال البيهقي: روى أبو عمر بن كيسان عن زيد بن بلال قال: سمعت عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: أوصى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيري، فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه. وقال عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: كان العباس، وأسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يتناولان الماء من وراء الستر. قال علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فما تناولت عضوا إلا كأنما يقلبه معي ثلاثون رجلا حتى فرغت من غسله.
وخرج البيهقيّ من طريق يونس عن أبي معشر، عن محمد بن قيس قال: كان الّذي غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم علي بن أبي طالب، والفضل بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصب عليه الماء. قال: فما كنا نريد أن نرفع عضوا عنه صلى اللَّه عليه وسلم، لنغسله، إلا رفع لنا حتى انتهينا إلى عورته، فسمعنا من جانب البيت صوتا: لا تكشفوا عن عورة نبيكم.
ومن طريق يونس عن المنذر بن ثعلبة عن العلباء بن أحمر، قال: كان علي والفضل بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- يغسلان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فنودي: يا علي ارفع طرفك إلي السماء.
ومن طريق الحسين بن جعفر، عن سفيان، عن عبد الملك بن جريج قال:
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 430، حديث رقم (2353) ، مسند عبد اللَّه بن عباس.(14/574)
سمعت محمد بن علي أبا جعفر، قال: غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ثلاثا بالسدر، وغسل صلى اللَّه عليه وسلم وعليه قميصه، وغسل صلى اللَّه عليه وسلم من بئر يقال لها الغرس بقباء، كانت لسعد بن خيثمة، وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يشرب منها، وولي غسله عليّ والفضل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- محتضنه، والعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصب الماء، فجعل الفضل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: أرحني قطعت وتيني إني لأجد شيئا يتسلط عليّ [ (1) ] .
وخرج الإمام أحمد من طريق يحيي بن يمان، عن حسن بن صالح، عن جعفر بن محمد قال: كان الماء يستنقع في جفون النبي صلى اللَّه عليه وسلم فكان علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يحسوه [ (2) ] .
وذكر عن معاذ قال: إن عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان كلما اجتمع من الماء شيء في معاينه أو محاجره امتصه، فلذلك كان علي أكرم بعلم لم يكرم بمثله أحد.
وقال الزهري: عن سعيد بن المسيب، عن عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم فعصر بطنه في الوسطي فلم يخرج شيء فقال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بأبي وأمى، طيبا في الموت وفي الحياة.
روي الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب من طريق أحمد بن محمد بن محمد بن جميل قال: حدثني عمي سهل بن جميل بن مهران عن أبي مقاتل السمرقندي عن كثير بن زياد، عن الحسن قال: لم مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجدوا في ثيابه نافحة مسك يطيب بها ثيابه [ (3) ] انتهى.
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 244، 245.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 1/ 440، 441، حديث رقم (2399) مسند عبد اللَّه بن عباس.
[ (3) ] سبق تخريجه.(14/575)
فصل فيما جاء في كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
خرج مسلم من حديث أبي معاوية عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة، أما الحلة فإنما شبه علي الناس فيها أنها اشتريت له ليكفن فيها، فتركت الحله وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية فأخذها، عبد اللَّه بن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقال: لأحبستها حتى أكفن فيها نفسي، ثم قال: لو رضيها اللَّه تعالى لرسوله لكفنه فيها، فباعها وتصدق بثمنها [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 11- 11، كتاب الجنائز، باب (13) في كفن الميت، حديث رقم (46) ، وأخرجه من طريق أخرى من حديث يحيي بن يحييي بنحوه سواء، حديث رقم (45) ، (47) .
قولها: (كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاث أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة) السحولية بفتح السين وضمها والفتح أشهر وهو رواية الأكثرين قال ابن الأعرابي وغيره هي ثياب بيض نقية لا تكون إلا من القطن وقال ابن قتيبة: ثياب بيض ولم يخصها بالقطن وقال آخرون: هي منسوبة إلى سحول قرية باليمن تعمل فيها. وقال الأزهري السحولية بالفتح منسوبة إلى سحول مدينة باليمن يحمل منها هذه الثياب وبالضم ثياب بيض حكاه ابن الأثير في (النهاية) . في هذا الحديث وحديث مصعب بن عمير السابق وغيرهما وجوب تكفين الميت وهو إجماع المسلمين ويجب في ماله فإن لم يكن له مال فعلى من عليه نفقته فإن لم يكن ففي بيت المال فإن لم يكن وجب على المسلمين يوزعه الامام على أهل اليسار وعلى ما يراه. وفيه أن السنة في الكفن ثلاثة أثواب للرجل وهو مذهبنا ومذهب الجمهور والواجب ثوب واحد كما سبق والمستحب في المرأة خمسة أثواب ويجوز أن يكفن الرجل في خمسة لكن المستحب أن لا يتجاوز الثلاثة وأما الزيادة على خمسة فإسراف في حق الرجل والمرأة.
قولها: (بيض) دليل لاستحباب التكفين في الأبيض وهو مجمع عليه. وفي الحديث الصحيح في الثياب البيض وكفنوا فيها موتاكم. ويكره المصبغات ونحوها من ثياب الزينة وأما الحرير فقال أصحابنا يحرم تكفين الرجل فيه ويجوز تكفين المرأة فيه مع الكراهة وكره مالك وعامة العلماء التكفين في الحرير مطلقا. قال ابن المنذر: ولا أحفظ خلافه.
وقولها: ليس فيها قميص ولا عمامة معناه لم يكفن في قميص ولا عمامة وإنما كفن في ثلاثة أثواب غيرهما ولم يكن مع الثلاثة شيء آخر هكذا فسره الشافعيّ وجمهور العلماء وهو الصواب الّذي يقتضيه(14/576)
وأخرجه البخاري [ (1) ] ولم يذكر قول عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، اما الحلة إلى آخر الحديث ولم يذكر قصة عبد اللَّه بن أبي بكر في شيء من طريق هذا الحديث.
__________
[ () ] ظاهر الحديث قالوا: ويستحب أن لا يكون في الكفن قميص ولا عمامة وقال مالك وأبو حنيفة: يستحب قميص وعمامة. وتأولوا الحديث على أن معناه ليس القميص والعمامة من جملة الثلاثة، وإنما هما زائدان عليهما وهذا ضعيف فلم يثبت أنه صلى اللَّه عليه وسلم كفن في قميص وعمامة وهذا الحديث يتضمن أن القميص الّذي غسل فيه النبي صلى اللَّه عليه وسلم نزع عنه عند تكفينه وهذا هو الصواب الّذي لا يتجه غيره، لأنه لو بقي مع رطوبته لأفسد الأكفان وأما الحديث الّذي في سنن أبي داود عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب: الحلة وثوبان وقميصه الّذي توفي فيه فحديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به لأن يزيد بن أبي زياد أحد رواته مجمع على ضعفه لا سيما وقد خالف بروايته الثقات. قوله (من كرسف) هو القطن وفيه دليل على استحباب كفن القطن.
قولها: (أما الحلة فإنما شبه على الناس فيها) هو بضم الشين وكسر الباء المشددة ومعناه اشتبه عليهم قال أهل اللغة ولا تكون الحلة إلا ثوبين إزارا ورداء. قولها: (حلة يمنية كانت لعبد اللَّه بن أبي بكر) ضبطت هذه اللفظة في مسلم على ثلاثة أوجه حكاها القاضي وهي موجودة في بعض النسخ أحدها يمنية بفتح أوله منسوبة إلي اليمن والثاني يمانية منسوبة إلى اليمن أيضا والثالث يمنة بضم الياء وإسكان الميم وهو أشبه قال القاضي وغيره: وهي على هذا مضاف حلة يمنة قال الخليل: هي ضرب من برود اليمن. قولها (وكفن في ثلاثة أثواب سحول يمانية) هكذا هو في جميع الأصول سحول أما يمانية فبتخفيف الياء على اللغة الفصيحة المشهورة وحتى سيبويه والجوهري وغيرهما لغة في تشديدها ووجه الأول أن الألف بدل ياء النسب فلا يجتمعان بل يقال يمنية أو يمانية بالتخفيف. وأما قوله سحول فبضم السين وفتحها والضم أشهر والسحول بضم السين جمع سحل وهو ثوب القطن. قولها (سجى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين مات بثوب حبرة) معناه غطى جميع بدنه والحبرة بكسر الحاء وفتح الباء الموحدة وهي ضرب من برود اليمن، وفيه استحباب تسجية الميت وهو مجمع عليه، وحكمته صيانته من الانكشاف وستر عورته المتغيرة عن الأعين قال أصحابنا ويلف طرف لثوب المسجى به تحت رأسه وطرفه الآخر تحت رجليه لئلا ينكشف عنه. قالوا: تكون التسجية بعد نزع ثيابه التي توفي فيها لئلا يتغير بدنه بسببها.
[ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 174، كتب الجنائز، باب (18) الثياب البيض للكفن، حديث رقم (1264) ، (1271) (1272) ، (1273) .(14/577)
وخرج مسلم من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: أدرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حلة يمنة كانت لعبد اللَّه ابن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ثم نزعت عنه وكفن في ثلاثة أثواب سحول يمانية ليس فيها عمامة ولا قميص فرفع عبد اللَّه الحلة فقال:
أكفن فيها ثم قال: لم يكفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأكفن فيها! فتصدق بها [ (1) ] .
وخرج أبو داود من حديث يحيي بن سعيد، عن هشام، قال: أخبرني أبي، أخبرتني عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب يمانية بيض ليس فيها قميص ولا عمامة [ (2) ] .
وخرج النسائي من حديث حفص بن غياث، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة، قال: فذكر لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قولهم: في ثوبين وبرد حبرة؟
فقالت: قد أتي بالبرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيهم [ (3) ] .
وخرج البخاري في باب الكفن بغير قميص من حديث سفيان، عن هشام ابن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحول كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة [ (4) ] .
قال: فذكر لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قولهم في ثوبين
__________
[ (1) ] سبق تخريجه.
[ (2) ] (سنن أبي داود) : 3/ 506- 507، كتاب الجنائز، باب (34) في الكفن، حديث رقم (3151) .
قال ابن القيم: وقد حمل الشافعيّ قول عائشة: ليس فيها قميص ولا عمامة، على أن ذلك ليس بموجود في الكفن، وأن عدد الكفن ثلاثة أثواب، وحمله مالك على أنه ليس بمعدود من الكفن، وأنه يتحمل من ثلاثة الأثواب زيادة على القميص والعمامة، وقال ابن القصار: لا يستحب القميص ولا العمامة غير مالك في الكفن ونحوه عن أبي القاسم، وهذا خلاف ما حكي أصحابنا عن مالك.
[ (3) ] (سنن النسائي) : 4/ 336، كتاب الجنائز، باب (39) كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (1898) ، وقد أخرجه من طريق أخرى بنحوه سواء حديث رقم (1896) ، (1897) .
[ (4) ] (سبق تخريجه) .(14/578)
وبرد من جبرة؟ فقالت: قد أتي بالبرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيهم [ (1) ] .
وخرج البخاري في باب الكفن بغير قميص من حديث سفيان عن هشام ابن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحول كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة.
ومن حديث يحيى عن هشام قال: حدثني أبي عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة [ (2) ] .
وخرجه الترمذي [ (3) ] والنسائي من حديث حفظ عن هشام، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض يمانية كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة.
قال: فذكر لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قولهم في ثوبين وبرد وحبره. قالت: قد أتي بالبرد، ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيه. لم يقل الترمذي كرسف.
وقال: حديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- حديث صحيح وقد روى في كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم روايات مختلفة، وحديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أصح الأحاديث التي رويت في كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم والعمل على حديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم وغيرهم. قال سفيان الثوري: يكفن الرجل في ثلاثة أثواب: إن شئت في قميص ولفافتين. وإن شئت في ثلاث لفائف. ويجزئ ثوب واحد إن لم يجدوا ثوبين. والثوبان يجزيان. والثلاثة لمن وجدها أحب إليهم. وهذا قول الشافعيّ واحمد وإسحاق. قالوا: تكفن المرأة في خمسة أثواب [ (4) ] .
وخرج مسلم من حديث محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة أنه قال: سألت عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم عنهم فقلت لها: في كم كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقالت:
في ثلاثة أثواب سحولية.
__________
[ (1) ] (سبق تخريجه) .
[ (2) ] سبق تخريجه.
[ (3) ] (سنن الترمذي) : 30/ 321، كتاب الجنائز، باب (20) ما جاء في كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حديث رقم (996) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 322، حديث رقم 99970.(14/579)
وروي ابن أيمن من حديث حماد بن سلمة، عن عبيد اللَّه بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، عن محمد بن الحنفية، عن أبيه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سبعة أثواب.
وخرج البيهقي من طريق عبد الكريم بن الهيثم، قال: حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: حدثنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وكان أفضل أهل بيته وأحسنهم طاعة، وأحبهم إلى مروان بن الحكم، وعبد الملك بن مروان، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كفن في ثلاثة أثواب، أحدها برد حبرة، وأنهم لحدوا له في القبر، ولم يشقوه.
وقال البيهقي هكذا روي عن مقسم، عن ابن عباس وفيما روينا عن عائشة، وبيان سبب الاشتباه على الناس، وأن الحبرة أخرت عنه.
وخرج من طريق يونس، عن زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي، قال:
كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية، برود، يمنيه، غلاظ، إزار، ورداء، أو لفافة.
وأخبرنا عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي، قالا: حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرواسي، عن حسن بن صالح عن هارون بن سعد قال: حدثنا حميد ابن عبد الرحمن الرواسي، عن حسن بن صالح، عن هارون بن سعد قال: كان عند علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- مسك، فأوصى أن يحنط به، قال: وقال علي: هو فضل حنوط رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، هذا حديث الدورقي، وفي رواية إبراهيم: قال هارون بن سعد، عن أبي وائل، قال: كان عند علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- مسك- فذكره [ (1) ] .
وقال ابن عائد: حدثنا الوليد قال: أخبرنى سعيد بن بشير، عن قتادة من سعيد بن المسيب قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كفن في ملايتين بيضاوين وبرد نجراني.
قال الوليد: وأما أبو عمرو فإنه أخبرني عن ابن شهاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في برد حبره ثم اخر عنه. قال القاسم: ان لقينا ذلك البرد لعندنا بعد.
وقال الواقدي: حدثني عبيد اللَّه بن عبد العزيز، عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم، عن أبيه عن عمرة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 248- 249.(14/580)
عنها- قال: اشتري لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حلة حبرة ليكفن فيها بتسعة دنانير ونصف، ثم بدا لهم أن يتركوها فابتاعها عبد اللَّه بن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وهو يومئذ مجروح جرح بالطائف وقد كاد الجرح أن يبرأ، وهو قد دمل عليه بعد، فلما كان في خلافة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- التأم الجرح فحضره الموت فقال لما تكفنوني فيها فلو كان فيها خير لكفن فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالت عائشة: فبيعه بعد ذلك باليمن وكفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية قال ابن زياد كل ثوب أبيض فهو سحولي.
قال سيف: عن محمد بن عبيد اللَّه بإسناده قال: فغسلوه ثم كفن في برد واحد يماني وربطتين، ثم كفن فيهما.
وقال: عن محمد بن عبيد بن عطاء قال في رسالته: فيما بلغك عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كفن؟ فقال: كفن في ثوبين غسيلين كذلك كنت أسمعهم يذكرون، وزعم أن كذلك كفن أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في ثوبين غسيلين، لم يذكر بردا. قال: سبق عن سعيد بن عبد اللَّه عن بن أبي ملكية عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: بعث إلينا عبد الرحمن بثوبين فأردنا أن نكفنه فيهما ثم ترك لقوله صلى اللَّه عليه وسلم بياض أو كرسف اليمن، يكفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثوبين أبيضين غسيلين.
ذكر ما جاء في الصلاة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
قال ابن عبد البر: أمّا صلاة الناس عليه أفرادا، مجتمع عليه عند أهل السير وجماعة أهل النقل ما يختلفون فيه.
وقال الواقدي: كان السرير ألواحا، وأما العمودان فإنّهما أحدثا، وكانوا يقولون في السرير: إنه كان لأم مسلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أو لأم حبيبة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، فاشتراه الإسحاقيون موالي معاوية بأربعة آلاف درهم، والألواح غرب.
حدثني عباس بن سهل عن أبيه عن جده، قال: لما أدرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أكفانه وضع على سريره، ثم وضع شفير حفرته، ثم كان الناس يدخلون عليه رفقا رفقا لا يؤمهم أحد.
حدثني محمد عن الزهري عن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى(14/581)
عنها- وابن أبي سبرة عن عباس بن عبد اللَّه بن عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالا: أول من صلي عليه العباس بن عبد المطلب وبنوه، ثم خرجوا، ثم دخل عليه المهاجرون، ثم الأنصار رفقا رفقا، فلما انقضى الناس دخل عليه الصبيان صفوفا، ثم النساء. حدثني عبد الحميد بن عمران بن أبي أنس عن أبيه عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالا: أول من صلي عليه العباس بن عبد المطلب وبنو هاشم، ثم خرجوا، ثم دخل عليه المهاجرون ثم الأنصار رفقا رفقا، فلما انقضى الناس دخل عليه الصبيان صفوفا، ثم النساء.
حدثني عبد الحميد بن عمران بن أبي أنس عن أبيه عن أمه قال: كنت فيمن دخل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو على سريره فكنا صفوفا ندعوا ونصلي ولقد رأينا أزواجه وقد وضعن الجلابيب عن رءوسهن في صدروهن، ونساء الأنصار يعزين الوجوه، قد بحت حناجرهن من الصباح.
حدثني بن أبي سبرة عن عباس بن عبد اللَّه بن معبد عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالا: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم موضوعا على سريره من حين زاغت الشمس من يوم الاثنين إلى أن زاغت الشمس يوم الثلاثاء، فصلى الناس عليه وسريره على شفير قبره، فلما أرادوا أن يغيروه نحو السرير قبل رجليه فأدخل من هناك، ودخل في حفرته العباس بن عبد المطلب والفضل بن عباس وقثم بن العباس وعليّ وشقران- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-.
وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق، قال: حدثني السحيم بن عبد اللَّه ابن عبيد اللَّه بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قال: لما مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أدخل الرجال فصلوا عليه بغير إمام أرسالا، حتى فرغوا، ثم أدخل النساء فصلين عليه، ثم أدخل الصبيان فصلوا عليه، ثم أدخل العبيد فصلوا عليه أرسالا لم يؤمهم أحد.
وقال البيهقي: قال الواقدي حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم قال:
وجدت كتابا بخط أبي فيه: أنا لما كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ووضع على سريره دخل أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ومعهما نفر من المهاجرين والأنصار وقدر ما يسع البيت، فقال: السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، وسلم المهاجرون والأنصار، كما سلم أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ثم صفوا صفوفا لم يؤمهم عليه أحد فقال(14/582)
أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وهما في الصف الأول:
حياك اللَّه يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
اللَّهمّ إنا نشهد أنه قد بلغ ما أنزل إليه ونصح الأمة، وجاهد في سبيل اللَّه حتى أعز اللَّه تبارك وتعالى دينه، وتمت كلمته وحده لا شريك له وأنزل معه ما جمع بيننا وبينه، حتى يعرفه بنا ويعرفنا به، فإنه كان بالمؤمنين رحيما لا يبتغى للإيمان بدلا ولا يشترى به ثمنا أبدا، فيقول الناس آمين آمين، ويخرجون ويدخل آخرون، حتى صلى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان.
وقال ابن عائد. حدثنا الوليد قال: أخبرني من سمع إسماعيل بن أميه يتحدث عن سعيد بن المسيب قال: إن المسلمين لما أرادوا الصلاة على نبيهم اجتمع رأيهم على أنه الإمام ولا إمام عليه، فدخل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكبر عليه أربعا، ثم دخل عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكبر أربعا، ثم دخل عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكبر أربعا، ثم دخل طلحة بن عبيد اللَّه والزبير بن العوام- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ثم تتابعا الناس أرسالا يكبرون عليه ولا إمام لهم عليه.
حدثنا الوليد بن محمد عن ابن شهاب الزهري قال: وضعوه صلى اللَّه عليه وسلم في البيت فدخل الناس عليه أفواجا: الرجال، والنساء، والصبيان، يصلون عليه، ثم يخرجون لا يؤمهم عليه إمام.
حدثنا الوليد بن مسلم قال: وحدثني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال: إن علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- أشار عليهم بذلك فقبلوه من قوله.
وقال سيف: عن محمد بن عبيد اللَّه عن عطاء وابن أبي مليكة كلاهما عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قال: ثم صلوا عليه وأدنو الناس أرسالا وهو في البيت، فجعلوا يصلون حوله على غير إمام ثم يستغفرون ويصلون ويسلمون لا يعجلهم أحد، ويدخل قوم ويخرج آخرون عامة يوم وليلة وعن سعيد بن عبد اللَّه عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: ما امتنعوا من الصلاة عليه في غير حين صلاة إلى الليل.
وعن أبي سلام عن ابن محريز قال: إن معاذ بن جبل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: أوصى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالصلاة حتى يصلي، وذلك آخر ما وصى عليه وتكلم به الصلاة وصيته اللَّه ووصية الرسول، فاحفظوا وصية اللَّه ووصية الرسول يحببكم اللَّه إلى خلقه، ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إذا هجرتموني(14/583)
فأمسكوا عني، فإنّ أول الخلق يصلي عليّ جبريل، والملائكة عليهم الصلاة والسلام بأسرها، ثم مسلمي الإنس والجن، فصلوا علي أفواجا، وليبدأ أفواجكم العباس عمي ثم الأفواج علي الولاء الأول فالأول،
فدخل العباس بن عبد المطلب وسائر بني هاشم، وفيهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فلما فرغ الرجال جاءت النساء، فلما فرغن جاء الصبيان، فلم ير الناس بعد صلاة النساء على الجنازة ناسا، وكان الآخر من الأمر هو الناسخ للأول.
وعن محمد بن إسحاق قال: حدثني [ ... ] [ (1) ] عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنها قالت: فترك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بقية يوم الاثنين وليلة الثلاثاء، وغسل يوم الثلاثاء.
وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: توفي صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين، وغسل يوم الاثنين، ودفن ليلة الثلاثاء في جوف الليل، ومات أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ليلة الثلاثاء، وصلي عليه في المسجد ودفن ليلته، وصلي عليه عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وعن يحي بن سعيد بن عمرة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- مثل ذلك، وقالت: ما علمنا بدفنه الا بأصوات المساحي [ (2) ] بالليل.
__________
[ (1) ] غير واضح بالأصل، ولم أجده في ما بين يدي من كتب السيرة، وسيرد ما يغني عنه.
[ (2) ] المساحي: جمع مسحاة، وهي المجرفة من الحديد، والميم زائدة، لأنه من السحو، وهو الكشف والإزالة.
(لسان العرب) : 2/ 598.(14/584)
ذكر ما جاء في مواراة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في لحده حيث دفن، وما فرش تحته، ومن واراه.
خرج مسلم من حديث إسماعيل بن محمد عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: إن سعد بن أبي وقاص قال في مرضه الّذي هلك فيه: ألحدوا إلي لحدا أنصبوا عليّ اللبن نصبا كما صنع برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] .
وخرجه النسائي من طريق إسماعيل بن محمد، عن عامر بن سعد قال:
إن سعدا لما حضرته الوفاة قال: ألحدوا لي لحدا وانصبوا كما صنع برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] .
وخرج من حديث أبي بكر بن أبي شيبة ووكيع جميعا عن شعبة من حديث يحي بن سعيد قال شعبة: حدثنا أبو حمزة نصر بن عمران البصري عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: جعل تحت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قطيفة حمراء [ (3) ] .
قال النسائي: وأبو حمزة عمران بن عطاء ليس بالقويّ وأبو حمزه نصر ابن عمران بصري ثقة، وكلاهما يروى عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-.
وخرج الترمذي من حديث عثمان بن فرقد قال: سمعت جعفر بن محمد، عن أبي أن الّذي ألحد قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أبو طلحة. الّذي ألقى القطيفة تحته شقران مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. قال جعفر: وأخبرنى أن عبيد اللَّه بن أبي رافع قال: سمعت شقران يقول: أنا واللَّه طرحت القطيفة تحت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 37، كتاب الجنائز، باب (29) اللحد ونصب اللبن على الميت، حديث رقم (966) .
[ (2) ] (سنن النسائي) : 4/ 384، كتاب الجنائز، باب (85) اللحد والشق، حديث رقم (2007) .
وزاد ابن سعد في طبقاته قال وكيع: هذا للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم خاصة، وله عن الحسن أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بسط تحته شملة قطيفه حمراء كان يلبسها قال: وكانت أرض ندية،
وله من طريق أخرى عن الحسن قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: افرشوا لي قطيفتي في لحدي فإن الأرض لم تسلط على أجساد الأنبياء.
[ (3) ] (المرجع السابق) : 386، باب (88) وضع الثوب في اللحد، حديث رقم (2011) .(14/585)
القبر. قال أبو عيسى: حديث شقران حديث حسن غريب، وروى علي بن المديني عن عثمان بن فرقد هذا الحديث [ (1) ] .
قال: وقد روى عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أنه كره أن يلقى تحت الميت في القبر شيء وإلي هذا ذهب بعض أهل لعلم.
وخرجه الامام أحمد وقال في آخره: وقال وكيع: هذا للنّبيّ خاصة.
وقال هيثم عن منصور عن الحسن قال: جعل في قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قطيفة حمراء، كان أصابها يوم خيبر [ (2) ] قال: جعلوها لأن المدينة أرض سبخة.
وأخرجه الحارث بن أبي أسامة من حديث الواقدي أخبرنا محمد بن عمر، حدثني موسي بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبيه قال: نزل في حفرة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم علي والفضل بن العباس، والعباس وأسامة بن زيد وأوس بن خولي.
وقال الواقديّ: حدثني عبد اللَّه بن محمد بن عمر عن أبيه عن جده عن عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: نزل في حفرته صلى اللَّه عليه وسلم العباس، والفضل وعليّ، وأسامة، وأوس بن خولي بن عبد اللَّه بن الحارث بن عبيد بن مالك بن الجبليّ، وهو سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج.
قالوا. وبني عليه في اللحد اللبن وهي تسع لبنات وطرح في لحده سمك قطيفة كان سلبها، فلما أفرغوا من بناء اللحد خرجوا وهالوا التراب على لحده صلى اللَّه عليه وسلم.
وقال ابن عائذ حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى قال: جعلوا في لحد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تحته قطيفة بيضاء كان يجعلها على رجله إذا سافر لتقيه خم المدينة، وبنوا عليه اللبن بنيانا كبناء القباب حتى لحق البناء بجار القبر.
قال الوليد: وأنبأنا عبد اللَّه بن زياد وأخبره عن الزهري عن سعيد بن المسيب أنهم نصبوا على لحده اللبن [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 3/ 365، كتاب الجنائز، باب (55) ما جاء في الثوب الواحد يلقى تحت الميت، حديث رقم (1047) .
[ (2) ] (مسند أحمد) : 1/ 378، حديث رقم (2022) ، وحديث رقم (3331) ، من مسند عبد اللَّه بن عباس.
[ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 2/ 301.(14/586)
وقال سيف: عن جابر بن يزيد عن محمد بن علي بن الحنيفة قال: دخل القبر العباس وعليّ والفصل وعبد الرحمن بن عوف- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وكان بعض الأخوال يدخل مع العمومة القبر.
وقال: عن وائل بن داود عن يزيد النهي قال: دخل قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم أربعة: العباس، وعلي، والفصل، وعبد الرحمن- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وعن ياسين الزهري قال أربعة، وذكر عبد الرحمن بن عوف.
وعن ابن إسحاق قال: حديث أنه نزل في حفرته صلى اللَّه عليه وسلم تلك الليلة العباس، وعلي، والفصل، وقثم، وصالح، وشقران، وأوس بن خولي خامسهم.
قال الواقديّ في (المغازي) : حدثني عبد العزيز بن محمد عن عفر بن محمد عن أبيه قال: جعل بيت قبره شبرا، يعنى ارتفاعه. حدثني موسى بن محمد عن أبيه قال: جعل قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسطوحا. حدثني هشام بن سعد عن عمرو بن عثمان بن هانئ قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: اطلعت علي القبور وأنا صغير فرأيت عليها حصباء حمراء وهذا يبين أنها مسطحة.
قال سيف: حدثني مولى لآل طلحة عن موسى بن طلحة قال: كان قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسنما وقبور أهل أحد مسنمة. وقال الواقدي: حدثني عبد اللَّه ابن جعفر بن عوف عن أبي عتيق عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: رش على قبر النبي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- الماء رشا قالوا: وكان الّذي رش الماء على قبره بلال بن رباح بقربة، بدأ من قبل رأسه من شقه الأيمن حتى انتهى إلى رجليه، ثم ضرب بالماء إلى الجدار لم يقدر على أن يدور من الجدار.
حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن عمرة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما علمنا بدفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي في السحر ليلة الثلاثاء.
وحدثني ابن أبي الرجال عن أبيه عن عبد الرحمن بن أفلح مولى أبي أيوب عن أبي أيوب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما كان في السحر ليلة الثلاثاء سمعت المساحي وأنا في منزلي فخررت سريعا فأجدهم قد سووا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
حدثني عبد اللَّه بن محمد عن أبيه عن جده عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وحدثني إسحاق بن محمد عن عبد الرحمن بن خويله عن ابن(14/587)
المسيب وحدثني ابن أبي الزناد عن شريك عن أبي نمر عن أبي سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين حين زاغت الشمس ودفن يوم الثلاثاء تلك الساعة.
وحدثني ابن أبي عباس سهل بن سعد عن أبيه عن جده قال: توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين ودفن ليلة الأربعاء.
وقال ابن عبد البر: وأما دفنه صلى اللَّه عليه وسلم يوم الثلاثاء فمختلف فيه، فمن أهل العلم من يصحح ذلك، ومنهم من يقول: دفن ليلة الأربعاء، وقد جاء الوجهان في أحاديث بأسانيد صالحة.
ذكر قول المغيرة بن شعبة: إنه آخر الناس عهدا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
قال الواقدي: أخبرنا شريح بن النعمان، أخبرنا هشيم قال: أخبرنا مجالد، عن الشعبي، عن المغيرة بن شعبة قال: كان يحدثنا هاهنا، يعني بالكوفة، قال: أنا آخر الناس عهدا بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، لما دفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وخرج عليّ من القبر ألقيت خاتمي، فقلت: يا أبا حسن خاتمي! قال: انزل فخذ خاتمك، فنزلت فأخذت خاتمي ووضعت خاتمي على اللبن ثم خرجت.
أخبرنا شريح بن النعمان، أخبرنا هشيم عن أبي معشر قال: حدثني بعض مشيختنا قال: لما خرج عليّ من القبر ألقى المغيرة خاتمه في القبر وقال لعليّ: خاتمي: فقال علي للحسن بن علي: ادخل فناوله خاتمه ففعل.
أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا حماد بن سلمة، عن أبي عمران الجوني أخبرنا هشيم أنه شهد ذاك قال: لما وضع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في لحده قال المغيرة ابن شعبة: إنه قد بقي من قبل رجليه شيء لو تصلحونه! قالوا: فادخل فأصلحه، فدخل فمسح قدميه صلى اللَّه عليه وسلم ثم قال: أهيلوا عليّ التراب! فأهالوا عليه التراب حتى بلغ أنصاف ساقية فخرج فجعل يقول: أنا أحدثكم عهدا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
أخبرنا عبيد اللَّه بن محمد بن حفص التيمي قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة، عن عروة أنه قال: لما وضع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في لحده ألقى المغيرة بن شعبة خاتمه في القبر، ثم قال: خاتمي خاتمي! فقالوا: ادخل فخذه! فدخل ثم قال: أهيلوا عليّ التراب، فأهالوا عليه التراب حتى بلغ أنصاف(14/588)
ساقية فخرج، فلما سوي على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: أخرجوا حتى أغلق الباب فإنّي أحدثكم عهدا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالوا: لعمري لئن كنت أردتها لقد أصبتها.
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد، حدثني أبي، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود قال: آخر الناس عهدا بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم في قبره المغيرة بن شعبة ألقي في قبره خاتمة، ثم قال: خاتمي! فنزل فأخذه وقال: ما ألقيته إلا لذلك.
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد اللَّه ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن المغيرة بن شعبة ألقي في قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعد أن خرجوا خاتمه لينزل فيه، فقال علي بن أبي طالب: إنما ألقيت خاتمك لكي تنزل فيه فيقال نزل في قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، والّذي نفسي بيده لا تنزل فيه أبدا. ومنعه.
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عبد اللَّه بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه قال: قال علي بن أبي طالب: لا يتحدث الناس أنك نزلت فيه، ولا يتحدث الناس أن خاتمك في قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ونزل علي وقد رأى موقعه فتناوله فدفعه إليه.
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني حفص بن عمر، عن علي بن عبد اللَّه بن عباس قال: قلت زعم المغيرة بن شعبة أنه آخر الناس عهدا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: كذب واللَّه! أحدث الناس عهدا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قثم بن العباس كان أصغر من كان في القبر وكان آخر من صعد [ (1) ] .
__________
[ (1) ] سبق تخريجه من (دلائل البيهقي) وغيره.(14/589)
فصل في ذكر نبذة مما رثي به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ]
قال ابن سيده [ (2) ] : رثيت الميت رثيا ورثاء ورثاية ورثاة ومرثية ورثيته مدحته بعد الموت. ورثت المرأة بعلها رثته ورثيته ترثاه. وامرأة رثّاءة ورثاية كثيرة الرثاء لبعلها أو لغيره ممن يكون عندها، ويقال: رثاه الرجل رثاء مدحه بعد موته لغة في رثيته ورثاة المرأة زوجها كذلك وهي المرثية، قال حسان بن ثابت الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يبكي به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيما رواه أبو محمد عبد الملك بن هشام، عن أبي زيد الأنصاري:
شعر حسان بن ثابت في رثاء الرسول صلى اللَّه عليه وسلم
بطيبة رسم للرسول ومعهد ... منير وقد تعفو الرسوم وتهمد
ولا تمتحي الآيات من دار حرمة ... بها منبر الهادي الّذي كان يصعد
وواضح آثار وباقي معالم ... وربع له فيه مصلى ومسجد
بها حجرات كان ينزل وسطها ... من اللَّه نور يستضاء ويوقد
معارف لم تطمس على العهد آيها ... أتاها البلى فالآي منها تجدد
عرفت بها رسم الرسول وعهده ... وقبرا بها واراه في الترب ملحد
ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت ... عيون ومثلاها من الجفن تسعد
يذكرن آلاء الرسول وما أرى ... لها محصيا نفسي فنفسي تبلد
مفجعة قد شفها فقد أحمد ... فظلت لآلاء الرسول تعدد
وما بلغت من كل أمر عشيرة ... ولكن لنفسي بعد ما قد توجد
أطالت وقوفا تذرف العين جهدها ... على طلل القبر الّذي فيه أحمد
__________
[ (1) ] يراجع في ذلك (طبقات ابن سعد) : 2/ 319 وما بعدها، (البداية والنهاية) لابن كثير: 5/ 301 وما بعدها، (عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسّير) لابن سيد الناس: 2/ 340 وما بعدها، (تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس، للدياربكري) : 2/ 173، (سيرة ابن هشام) : 6/ 89 وما بعدها، أبواب ما جاء في رثاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم.
[ (2) ] رثيت الميت رثيا، ورثاء، ورثاية- بكسرهما- ومرثاة، ومرثية- مخففة- ورثوته: بكيته وعدّدت محاسنه، كرثّيته ترثية. وترثيته ونظمت فيه شعرا وحديثا عنه. (ترتيب القاموس) : 2/ 304.(14/590)
فبوركت يا قبر الرسول وبوركت ... بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد
وبورك لحد منك ضمن طيبا ... عليه بناء من صفيح منضد
تهيل عليه الترب أيد وأعين ... عليه وقد غارت بذلك أسعد
لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة ... عشية علوة الثرى لا يوسد
وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم ... وقد وهنت منهم ظهور وأعضد
يبكون من تبكى السموات يومه ... ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد
وهل عدلت يوما رزية هالك ... رزية يوم مات فيه محمد؟!
تقطع فيه منزل الوحي عنهم ... وقد كان ذا نور يغور وينجد
يدل على الرحمن من يقتدى به ... وينقذ من هول الخزايا ويرشد
إمام لهم يهديهم الحق جاهدا ... معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا
عفو عن الزلات يقبل عذرهم ... وإن يحسنوا فاللَّه بالخير أجود
وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله ... فمن عنده تيسير ما يتشدد
فبينا هم في نعمة اللَّه بينهم ... دليل به نهج الطريقة يقصد
عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى ... حريص على أن يستقيموا ويهتدوا
عطوف عليهم لا يثني جناحه ... إلى كنف يحنو عليهم ويمهد
فبينا هم في ذلك النور إذ غدا ... إلى نورهم سهم من الموت مقصد
فأصبح محمودا إلى اللَّه راجعا ... يبكيه حتى المرسلات ويحمد
وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها ... لغيبة ما كانت من الوحي تعهد
قفارا سوى معمورة اللحد ضافها ... فقيد يبكينه بلاط وغرقد
ومسجده فالموحشات لفقده ... خلاء له فيه مقام ومقعد
وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشت ... ديار وعرصات وربع ومولد
فبكي رسول اللَّه يا عين عبرة ... ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد
ومالك لا تبكين ذا النعمة التي ... على الناس منها سابغ يتغمد
فجودي عليه بالدموع وأعولي ... لفقد الّذي لا مثله الدهر بوجد
وما فقد الماضون مثل محمد ... ولا مثله حتى القيامة يفقد
أعف وأوفي ذمة بعد ذمة ... وأقرب منه نائلا لا ينكد
وأبذل منه للطريف وتالد ... إذا ضن معطاء بما كان يتلد
وأكرم صيتا في البيوت إذا انتمى ... وأكرم جدا أبطحيا يسود
وأمنع ذروات وأثبت في العلا ... دعائم عز شاهقات تشيد
وأثبت فرعا في الفروع ومنبتا ... وعودا غذاه المزن فالعود أغيد(14/591)
رباه وليدا فاستتم تمامه ... على أكرم الخيرات رب ممجد
تاهت وصاة المسلمين بكفه ... فلا العلم محبوس ولا الرأي يفند
أقول ولا يلقى لقولي عائب ... من الناس إلا عازب العقل مبعد
وليس هواي نازعا عن ثنائه ... لعلي به في جنة الخلد أخلد
مع المصطفى أرجو بذاك جواره ... وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد
قال حسان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أيضا. رسول اللَّه (ص) الرسول
ما بال عينك لا تنام كأنما ... كحلت مآقيها بكحل الأرمد
جزعا على المهدي أصبح ثويا ... يا خير من وطئ الحصى لا تبعد
وجهي يقيك الترب لهفي ليتني ... غيبت قبلك في بقيع الغرقد
بأبي وأمي من شهدت وفاة ... في يوم الاثنين النبي المهتدي
فظلت بعد وفاته متبلدا ... متلددا يا ليتني لم أولد
أأقيم بعدك بالمدينة بينهم ... ياليتنى صبحت سم الأسود
أو حل أمر اللَّه فينا عاجلا ... في روحة من يومنا أو من غد
فتقوم ساعتنا فنلقي طيبا ... محضا ضرائبه كريم المحتد
يا بكر آمنة المبارك بكرها ... ولدته محصنة بسعد الأسعد
نورا أضاء على البرية كلها ... من يهد للنور المبارك يهتدى
يا رب فاجمعنا معا ونبينا ... في جنة تثني عيون الحسد
في جنة الفردوس فاكتبها لنا ... يا ذا الجلال وذا العلا والسؤدد
واللَّه أسمع ما بقيت بهالك ... إلا بكيت على النبي محمد
يا ويح أنصار النبي ورهطه ... بعد المغيب في سواء الملحد
ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحوا ... سودا وجوههم كلون الإثمد
ولقد ولدناه وفينا قبره ... وفضول نعمته بنا لم نجحد
واللَّه أكرمنا به وهدى به ... أنصاره في كل ساعة مشهد
صلى الإله ومن يحف بعرشه ... والطيبون على المبارك أحمد(14/592)
وقال حسان بن ثابت أيضا:
نب المساكين أن الخير فارقهم ... مع النبي تولى عنهم سحرا
من ذا الّذي عنده رحلي وراحلتي ... ورزق أهلي إذا لم يؤنسوا المطرا
أم من نعاتب لا نخشي جنادعه ... إذ اللسان عتا في القول أو عثرا
كان الضياء وكان النور نتبعه ... بعد الإله وكان السمع والبصرا
فليتنا يوم واروه بملحده ... وغيبوه وألقوا فوقه المدرا
لم يترك اللَّه منا بعده أحدا ... ولم يعش بعده أنثى ولا ذكرا
ذلت رقاب بني النجار كلهم ... وكان أمرا من أمر اللَّه قد قدرا
واقتسم الفيء دون الناس كلهم ... وبددوه جهارا بينهم هدرا
وقال حسان بن ثابت يبكي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أيضا:
آليت ما في جميع الناس مجتهدا ... مني ألية بر غير إفناد
تاللَّه ما حملت أنثى ولا وضعت ... مثل الرسول نبي الأمة الهادي
ولا برا اللَّه خلقا من بريته ... أوفى بذمة جار أو بميعاد
من الّذي كان فينا يستضاء به ... مبارك الأمر ذا عدل وإرشاد
أمسى نساؤك عطلن البيوت فما ... يضربن فوق قفا ستر بأوتاد
مثل الرواهب يلبسن المباذل قد ... أيقن بالبؤس بعد النعمة البادي
يا أفضل الناس إني كنت في نهر ... أصبحت منه كمثل المفرد الصادي
قال الواقدي في (مغازيه) قال ابن الزياد: سألت شيوخنا من الأنصار هل رثى حسان بن ثابت- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟
فقالوا: هل حسان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لم لما يرث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما أدرى ما أقول فيه! الأمر أجل من ذاك.
وفي رواية أنه قال: حلت المصيبة من المرثية وقال ابن أبي الزياد:
وجدت هذه الأشعار في كتاب موسي بن سعيد بن زيد بن ثابت.(14/593)
قال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يرثي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
يا عيني فابكي ولا تسأمي ... وحق البكاء على السيد!
علي خير خندف عند البلاء ... أمسى بغيب في الملحد
فصلى المليك ولي العباد ... ورب البلاد على أحمد
فكيف الحياة لفقد الحبيب ... وزين المعاشر في المشهد؟
فليت الممات لنا كلنا ... وكنا جميعا مع المهتدي
قال أبو بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يبكي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
لما رأيت نبينا متجدلا ... ضاقت عليّ بعرضهن الدور
وأرتعت روعة مستهام واله ... والعظم مني واهن مكسور
اعتيق ويحك! إن حبك قد ثوى ... وبقيت منقردا وأنت حسير
ياليتنى من قبل مهلك صاحبي ... غيبت في جدث عليّ صخور!
فلتحدثن بدائع من بعده ... تعيا بهن حوائج وصدور
قال أيضا: - رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
باتت تأوبني هموم ... حشد ... مثل الصخور فأمست هدت الجسدا
ياليتنى حيث نبئت الغداة به ... قالوا الرسول قد أمسى ميتا فقدا
ليت القيامة قامت بعد مهلكه ... ولا نرى بعده مالا ولا ولدا!
واللَّه اثني على شيء فجعت به ... من البرية حتى أدخل اللحدا
كم لي بعدك من هم يصبى ... إذا تذكرت أنى لما أراك بدا!
كان المصطفى في الأخلاق قد علموا ... وفي العفاف فلم نعدل به أحدا
نفسي فداؤك من ميت ومن بدن ... ما أطيب الذكر والأخلاق والجسدا!
قال الصوري قلت: هذه الأقطاع مصنوعة قبيحة الصنعة وتلك الألفاظ والحال فيها أظهر من أن يدل عليها، وقد ذكرها محمد بن إسحاق في كتابه أيضا وذكر غيرها ولو كنا جميعا من ذكرها لكان أجمل بها من إضافتها مثل هذا الشعر مع ركاكة ألفاظه وخلوة من المعاني كلها إلى الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو من قريش الموصوفين بالبلاغة والفصاحة المعروفين بالجزالة والرجاحة يرضي لنفسه بإضافة مثل هذا إليه عقله وفضله بإيمان ذلك عليه، وكان الواقدي لم يذكر شيئا من شعر حسان بما رثى به النبي صلى اللَّه عليه وسلم على قول ابن أبي الزياد وما حكاه عن شيوخ الأنصار فأحرى به ألا يذكر شيئا عن(14/594)
أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- للحديث المأثور، والفعل المشهور، عن الزهري، عن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت:
واللَّه ما قال أبي شعرا في جاهلية ولا إسلام. في قصة طويلة [ (1) ] .
وأخرج البخاري هذا الحديث في كتابه (الصحيح) ومثل هذا الحديث عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كذب من أخبركم أن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بيت شعر في الإسلام، رواه البخاري عن ابن المتوكل، عن عبد الرزاق.
ثم قال: وأنشدنا هشام بن محمد الكلبي عن عثمان بن عبد الملك أن عمران بن بلال بن عبد اللَّه بن أنيس قال سمعتها من مشيختنا قال: قال عبد اللَّه بن أنيس يرثى النبي صلى اللَّه عليه وسلم:
تطاول ليلى واعترتني القوارع ... وخطب جليل للبلية جامع!
غداة نعى الناعي إلينا محمدا، ... وتلك التي تصطك منها المسامع
فلو رد ميتا قتل نفسي قتلتها! ... ولكنه لا يدفع الموت دافع
فآليت لا أثنى على هلك هالك ... من الناس، ما أوفى ثبير وفارع
ولكنني باك عليه ومتبع ... مصيبته، إني إلى اللَّه راجع!
وقد قبض اللَّه النبيين قبله، ... وعاد أصيبت بالرزى والتبايع
فيا ليت شعرى! من يقوم بأمرنا؟ ... وهل في قريش من إمام ينازع؟
ثلاثة رهط من قريش هم هم ... أزمة هذا الأمر، واللَّه صانع
علي أو الصديق أو عمر لها، ... وليس لها بعد الثلاثة رابع!
فإن قال منا قائل غير هذه ... أبينا، وقلنا: اللَّه راء وسامع
فيا لقريش! قلدوا الأمر بعضهم، ... فإن صحيح القول للناس نافع
ولا تبطئوا عنها فواقا فإنّها ... إذا قطعت لم يمن فيها المطامع
__________
[ (1) ] شعر أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في رثاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم ذكر ابن سعد في (الطبقات) :
2/ 319- 321، كما أثبتناه من (الأصل) .(14/595)
قال أبو عمرو- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يرثي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:
يا عين فابكى بدمع ذري ... لخير البرية والمصطفى!
وابكي الرسول! وحق البكاء ... عليه، لدى الحرب عند اللقا!
على خير من حملت ناقة، ... وأتقى البرية عند التقى
على سيد ماجد جحفل، ... وخير الأنام وخير اللها!
له حسب فوق كل الأنام ... من هاشم ذلك المرتجى
نخص بما كان من فضله، ... وكان سراجا لنا في الدجى!
وكان بشيرا لنا منذرا، ... ونورا لنا ضوءه قد أضا
فأنقذنا اللَّه في نوره، ... ونجى برحمته من لظى!
قالت أروى بنت عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: [ (1) ]
ألا يا عين! ويحك أسعديني ... بدمعك، ما بقيت، وطاوعيني
ألا يا عين ويحك! واستهلي ... علي نور البلاد وأسعديني!
__________
[ (1) ] أروى بنت عبد المطلب بن هاشم الهاشمية، عمة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
قال أبو عمر: كانت تحت: عمير بن وهب بن عبد بن قصي، فولدت له. طليبا، ثم خلف عليها كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي فولدت له أروى.
وحكى أبو عمر عن محمد بن إسحاق- أنه لم يسلم من عمات النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلا صفية، وتعقبه بقصة أروى، وذكرها العقيلي في الصحابة، وأسند عن الواقدي، عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبيه، قال: لما أسلم طليب بن عمير دخل على أمه أروى بنت عبد المطلب، فقال لها: قد أسلمت وتبعت محمدا فذكر قصة فيها: وما يمنعك أن تسلمي، فقد أسلم أخوك حمزة.
فقالت: انظر ما يصنع أخواي قال: قلت: فإنّي أسألك باللَّه إلا أتيته فسلمت عليه وصدقته.
قالت: فإنّي أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدا رسول اللَّه، ثم كانت تعضد النبي صلى اللَّه عليه وسلم بلسانها، وتحض ابنها على نصرته والقيام بأمره.
وقال ابن سعد: أسلمت، وهاجرت إلى المدينة. وأخرج عن الواقدي بسند له إلى برة بنت أبي تجراة، قالت:
عرض أبو جهل وعدة معه للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم فآذوه، فعمد طليب بن عمير إلى أبي جهل فضربه فشجه، فأخذوه،(14/596)
فإن عذلتك عاذلة فولي: ... علام وفيم، ويحك! تعذليني؟
على نور البلاد معا جميعا ... رسول اللَّه أحمد فاتركيني
فإلا تقصري بالعذل عني، ... فلومي ما بدا لك أو دعيني!
لأمر هدني وأذل ركني، ... وشيب بعد جدتها قروني!
وقالت أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-:
ألا يا رسول اللَّه كنت رجاءنا، ... وكنت بنا برا ولم تك جافيا!
وكنت بنا رءوفا رحيما نبينا، ... ليبك عليك اليوم من كان باكيا!
لعمرك ما أبكي النبي لموته! ... ولكن لهرج كان بعدك آتيا
كان على قلبي لذكر محمد، ... وما خفت من بعد النبي المكاويا
أفاطم صلى اللَّه، رب محمد، ... على جدث أمسى بيثرب ثاويا!
أبا حسن فارقته وتركته ... فبكّ بحزن آخر الدهر شاجيا!
فدى لرسول اللَّه أمي وخالتي ... وعمي ونفسي قصرة ثم خاليا
صبرت وبلغت الرسالة صادقا، ... وقمت صليب الدين أبلج صافيا!
فلو أن رب الناس أبقاك بيننا ... سعدنا، ولكن أمرنا كان ماضيا!
عليك من اللَّه السلام تحية، ... وأدخلت جنات من العدن راضيا!
__________
[ () ] فقام أبو لهب في نصرته، وبلغ أروي، فقالت: إن خير أيامه نصر ابن خاله، فقيل لأبي لهب: إن أروى صبت، فدخل عليها يعاتبها، فقالت: قم دون ابن أخيك، فإنه إن يظهر كنت بالخيار، وإلا كنت قد أعذرت في ابن أخيك، فقال أبو لهب: ولنا طاقة بالعرب قاطبة؟ إنه جاء بدين محدث. قال ابن سعد: ويقال إن أروى قالت:
إن طليبا نصر ابن خاله ... واساه في ذي دمه وماله.
وذكر محمد بن سعد أن أروى هذه رثت النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأنشد لها من أبيات:
ألا يا رسول اللَّه كنت رجاءنا ... وكنت بنا برا ولم تك جافيا
كأن على قلبي لذكر محمد ... وما جمعت بعد النبي المجاويا
(الإصابة) : 7/ 480- 481، ترجمة رقم (10785) .(14/597)
وقالت عاتكة بنت عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-:
عيني جودا طوال الدهر وانهمرا ... سكبا وسحا بدمع غير تعذير!
يا عين فاستحضري بالدمع واحتفلي ... حتى الممات بسجل غير منزور
يا عين فانهملي بالدمع واجتهدي ... للمصطفى، دون خلق اللَّه، بالنور
بمستهل من الشؤبوب ذي سيل، ... فقد رزئت نبي العدل والخير!
وكنت من حذر للموت مشفقة، ... وللذي خط من تلك المقادير!
من فقد أزهر ضافي الخلق ذي فخر ... صاف من العيب والعاهات والزور!
فاذهب حميدا! جزاك اللَّه مغفرة، ... يوم القيامة، عند النفخ في الصور
قالت أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-:
يا عين جودي، ما بقيت، بعبرة ... سحا على خير البرية أحمد
يا عين فاحتفلي وسحي واسجمي ... وابكي على نور البلاد محمد!
أني، لك الويلات! مثل محمد ... في كل نائبة تنوب ومشهد؟
فابكي المبارك والموفق ذا التقى، ... حامي الحقيقة ذا الرشاد المرشد
من ذا يفك عن المغلل غله ... بعد المغيب في الضريح الملحد؟
أم من لكل مدفع ذي حاجة، ... ومسلسل يشكو الحديد مقيد؟
أم من لوحي اللَّه يترك بيننا ... في كل ممسى ليلة أو في غد؟
فعليك رحمة ربنا وسلامه، ... يا ذا الفواضل والندى والسؤدد!
هلا فداك الموت كل ملعن ... شكى خلائقه لئيم المحتد؟
قالت أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-:
أعيني جودا بالدموع السواحم ... على المصطفى بالنور من آل هاشم
على المصطفى بالحق والنور والهدى ... وبالرشد بعد المندبات العظائم
وسحا عليه وابكيا، ما بكيتما، ... على المرتضى للمحكمات العزائم
على المرتضى للبر والعدل والتقي، ... وللدين والإسلام بعد المظالم
على الطاهر الميمون ذي الحلم والندى ... وذي الفضل والداعي لخير التراحم
أعيني ماذا، بعد ما قد فجعتما ... به، تبكيان الدهر من ولد آدم؟
فجودا بسجل واندبا كل شارق ... ربيع اليتامى في السنين البوازم!(14/598)
قالت صفية بنت عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-:
لهف نفسي! وبت كالمسلوب ... آرق الليل فعله المحروب!
من هموم وحسرة رد فتني، ... ليت أني سقيتها بشعوب!
حين قالوا: إن الرسول قد أمسى ... وافقته منية المكتوب!
إذ رأينا أن النبي صريع، ... فأشاب القذال أي مشيب
إذ رأينا بيوته موحشات، ... ليس فيهن بعد عيش حبيب
أورث القلب ذاك حزنا طويلا، ... خالط القلب، فهو كالمرعوب
ليت شعري! وكيف أمسى صحيحا ... بعد أن بين بالرسول القريب؟
أعظم الناس في البرية حقا، ... سيد الناس حبه في القلوب
فإلى اللَّه ذاك أشكو! وحسبي ... يعلم اللَّه حوبتي ونحيبي!
قالت أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-:
أفاطم ابكي ولا تسأمي ... بصبحك، ما طلع الكوكب!
هو المرء يبكي، وحق البكاء! ... هو الماجد السيد الطيب!
فأوحشت الأرض من فقده، ... وأي البرية لا ينكب؟
فما لي بعدك حتى الممات ... إلا الجوى الداخل المنصب
فبكي الرسول! وحقت له ... شهود المدينة والغيب!
لتبكيك شمطاء مضرورة، ... إذا حجب الناس لا تحجب
ليبكيك شيخ أبو ولدة ... يطوف بعقوته أشهب
ويبكيك ركب إذا أرملوا، ... فلم يلف ما طلب الطلب
وتبكي الأباطح من فقده، ... وتبكيه مكة والأخشب
وتبكي وعيرة من فقده ... بحزن ويسعدها الميثب!
فعيني مالك لا تدمعين؟ ... وحق لدمعك يستسكب!
وقالت صفية أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-:
أعيني جودا بدمع سجم ... يبادر غربا بما منهدم
أعيني فاسحنفرا واسكبا ... بوجد وحزن شديد الألم
على صفوة اللَّه رب العباد. ... ورب السماء وبارى النسم(14/599)
علي المرتضى للهدى والتقى، ... وللرشد والنور بعد الظلم
على الطاهر المرسل المجتبى، ... رسول تخيره ذو الكرم
وقالت صفية أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-:
أرقت فبت ليلي كالسليب ... لوجد في الجوانح ذي دبيب!
فشيبي، وما شابت لداتي، ... فأمسي الرأس مني كالعسيب
لفقد المصطفى بالنور حقا، ... رسول اللَّه، مالك من ضريب
كريم الخيم أروع مضرحي ... طويل الباع منتجب نجيب!
ثمال المعدمين وكل جار، ... ومأوى كل مضطهد غريب
فإما تمس في جدث مقيما، ... فقد ما عشت ذا كرم وطيب!
وكنت موفقا في كل أمر ... وفيما ناب من حدث الخطوب
وقالت صفية أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-:
عين جودي بدمعة تسكاب ... للنّبيّ المطهر الأواب
واندبي المصطفى فعمي وخصي ... بدموع غزيرة الأسراب
عين من تندبين بعد نبي ... خصه اللَّه ربنا بالكتاب
فاتح خاتم رحيم رءوف، ... صادق القيل طيب الأثواب
مشفق ناصح شفيق علينا، ... رحمة من إلهنا الوهاب
رحمة اللَّه والسلام عليه، ... وجزاه المليك حسن الثواب!
وقالت صفية أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-:
عين جودي بدمعة وسهود، ... واندبي خير هالك مفقود!
واندبي المصطفى بحزن شديد ... خالط القلب، فهو كالمعمود
كدت أقضي الحياة لما أتاه ... قدر خط في كتاب مجيد!
فلقد كان بالعباد رءوفا، ... ولهم رحمة وخخي رشيد
رضي اللَّه عنه حيا وميتا، ... وجزاه الجنان يوم الخلود!
وقالت صفية أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-:
آب ليلي علي التسهاد، ... وجفا الجنب غير وطء الوساد(14/600)
واعترتني الهموم جدا بوهن ... لأمور نزلن حقا، شداد
رحمة كان للبرية طرا ... فهدى من أطاعه للسداد
طيب العود والضريبة والشيم ... محض الأنساب واري الزناد
أبلج صادق السجية عف، ... صادق الوعد منتهي الرواد!
عاش ما عاش في البرية برا، ... ولقد كان نهبة المرتاد
ثم ولي عنا فقيدا حميدا، ... فجزاه الجنان رب العباد!
وقالت هند بنت الحارث- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-:
يا عين جودي بدمع منك وابتدري! ... كما تنزل ماء الغيث فانثعبا
أو فيض غرب على عادية طويت ... في جدول خرق بالماء قد سربا
لقد أتتني من الأنباء معضلة ... أن ابن آمنة المأمون قد ذهبا
أن المبارك والميمون في جدث ... قد ألحفوه تراب الأرض والحدبا
أليس أوسطكم بيتا وأكرمكم ... خالا وعما كريما ليس مؤتشبا
وقالت هند بنت أثاثة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-:
أشاب ذؤابتي وأذل ركني ... بكاؤك، فاطم، الميت الفقيدا
فأعطيت العطاء فلم تكدر، ... وأخدمت الولائد والعبيدا
وكنت ملاذنا في كل لزب، ... إذا هبت شآمية برودا
وإنك خير من ركب المطايا، ... وأكرمهم إذا نسبوا جدودا!
رسول اللَّه فارقنا، وكنا ... نرجي أن يكون لنا خلودا
أفاطم! فاصبري فلقد أصابت ... رزيئتك التهائم والنجودا
وأهل البر والأبحار طرا، ... فلم تخطئ مصيبته وحيدا
وكان الخير يصبح في ذراه، ... سعيد الجد قد ولد السعودا!
وقالت أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-:
ألا يا عين أبكي! لا تملي، ... فقد بكر النهي بمن هويت
وقد بكر النعي بخير شخص، ... رسول اللَّه حقا ما حييت
ولو عشنا، ونحن نراك فينا ... وأمر اللَّه يترك، ما بكيت
فقد بكر النعي بذاك عمدا، ... فقد عظمت مصيبة من نعيت
وقد عظمت مصيبته وجلت، ... وكل الجهد بعدك قد لقيت(14/601)
إلى رب البرية ذاك نشكو، ... فإن اللَّه يعلم ما أتيت
أفاطم! إنه قد هدّ ركني، ... وقد عظمت مصيبة من رزيت
فقد كان بعدك أنباء وهنبثة، ... لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها! ... فاحتل لقومك واشهدهم ولا تغب
قد كنت بدرا ونورا يستضاء به، ... عليك تنزل من ذي العزة الكتب
وكان جبريل بالآيات يحضرنا، ... فغاب عنا وكل الغيب محتجب
فقد رزئت أبا سهلا خليقته، ... محض الضريبة والأعراق والنسب
وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-:
أمست مراكبه أوحشت، ... وقد كان يركبها زينها
وأمست تبكي علي سيد ... تردد عبرتها عينها
وأمست نساؤك ما تستفيق ... من الحزن يعتادها دينها
وأمست شواحب مثل النصال ... قد عطلت وكبا لونها!
يعالجن حزنا بعيد الذهاب، ... وفي الصدر مكتنع حينها
يضربن بالكف حر الوجوه ... علي مثله جادها شونها
هو الفاضل السيد المصطفى ... علي الحق مجتمع دينها
فكيف حياتي بعد الرسول، ... وقد حان من ميتة حينها؟
وقالت أيضا عاتكة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-:
عين جودي! فإن بذلك للدمع ... شفاء، فأكثري م البكاء
حين قالوا: الرسول أمسى فقيدا ... ميتا، كان ذاك كل البلاء!
وابكيا خير من رزئناه في الدنيا ... ومن خصه بوحي السماء
بدموع غزيرة منك حتى ... يقضي اللَّه فيك خير القضاء
فلقد كان ما علمت وصولا، ... ولقد جاء رحمة بالضياء!
ولقد كان بعد ذلك نورا ... وسراجا يضيء في الظلماء
طيب العود والضريبة والمعدن ... والخيم خاتم الأنبياء(14/602)
قال أبو سفيان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
أرقت فبات ليلي لا يزول ... وليل أخي المصيبة فيه طول
وأسعدني البكاء وذاك فيما ... أصيب المسلمون به قليل
لقد عظمت مصيبتنا وجلت ... عشية قيل: قد قبض الرسول
وأضحت أرضنا مما عراها ... تكاد بنا جوانبها تميل
فقدنا الوحي والتنزيل فينا ... يروح به ويغدو جبرئيل
وذاك أحق ما سالت عليه ... نفوس الناس أو كربت تسيل
نبي كان يجلو الشك عنا ... بما يوحى إليه وما يقول
ويهدينا فلا نخشى ضلالا ... علينا والرسول لنا دليل
أفاطم إن جزعت فذاك عذر ... وإن لم تجزعي ذاك السبيل
فقبر أبيك سيد كل قبر ... وفيه سيد الناس الرسول(14/603)
ذكر ما جاء في قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم
خرج البخاري ومسلم من حديث هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، قالت: إن كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليتعذر في مرضه: أين أنا اليوم؟ أين أنا غدا؟ استبطاء ليوم عائشة، فلما كان يومي قبضه اللَّه بين سحري ونحري. ودفن في بيتي [ (1) ] .
وقال مسلم [ (2) ] : ليتفقد أين أنا اليوم؟ ولم يقل في آخره: ودفن في بيتي.
وخرج البخاري [ (3) ] من حديث أبي عوانة، عن هلال، عن عروة بن الزبير، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي لم يقم منه: لعن اللَّه اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. لولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي- أو خشي- أن يتخذ مسجدا
وقال البخاري: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه: لما سقط عليهم الحائط في زمان الوليد بن عبد الملك أخذوا في بنائه، فبدت لهم قدم، ففزعوا وظنوا أنها قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم فما وجدوا أحدا يعلم ذلك حتى قال لهم عروة: لا واللَّه، ما هي قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم ما هي إلا قدم عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[ (4) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 326، كتاب الجنائز، باب (96) ما جاء في قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما فَأَقْبَرَهُ أقبرت الرجل: إذا جعلت له قبرا. وقبرته: ودفنته كِفاتاً يكونون فيها أحياء، ويدفنون فيه أمواتا، حديث رقم (1389) .
[ (2) ] سبق تخريجه.
[ (3) ] (المرجع قبل السابق) : حديث رقم (1390) .
[ (4) ] (المرجع السابق) حديث رقم (1391) ، قوله: لما سقط عليهم الحائط أي حائط حجرة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وفي رواية الحموي عنهم: والسبب في ذلك ما رواه أبو بكر الآجري من طريق شعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة قال:
أخبرني أبي قال: كان الناس يصلون إلي القبر فأمر به عمر بن عبد العزيز فرفع حتى لا يصلي إليه أحد، فلما هدم بدت قدم بساق وركبة ففزع عمر بن عبد العزيز، فأتاه عروة فقال: هذا ساق عمر وركبته، فسري عن عمر بن عبد العزيز. وروى الآجري من طريق مالك بن مغول عن رجاء بن حيوة قال: كتب الوليد بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز- وكان قد اشترى حجر أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلم- أن اهدمها ووسع بها المسجد، فقعد(14/604)
وخرج أبو داود من حديث إسماعيل بن إسماعيل بن أبي فديك قال:
أخبرني عمرو بن عثمان بن هاني عن القاسم قال: دخلت على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقلت: يا أمه اكشفي لي عن قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وصاحبيه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فكشفت.
وخرجه القاسم بن أصبغ من طريق يعقوب قال: أخبرني عمرو بن عثمان ابن هانئ فذكره وزاد في آخره: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مقدم، وأبو بكر عند رأسه، وعمر عند رجليه، رأسه عند رجلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] .
__________
[ () ] عمر في ناحية، ثم أمر بهدمها، فما رأيته باكيا أكثر من يومئذ. ثم بناه كما أراد. فلما أن بنى البيت على القبر وهدم البيت الأول ظهرت القبور الثلاثة وكان الرمل الّذي عليها قد انهار، ففزع عمر بن عبد العزيز وأراد أن يقوم فيسويها بنفسه، فقلت له: أصلحك اللَّه، إنك إن قمت قام الناس معك، فلو أمرت رجلا أن يصلحها، ورجوت أنه يأمرني بذلك، فقال: يا مزاحم- يعني مولاه- قم فأصلحها. قال رجاء: وكان قبر أبى بكر عند وسط النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وعمر خلف أبي بكر رأسه عند وسطه. وهذا ظاهره يخالف حديث القاسم، فان أمكن الجميع وإلا فحديث القاسم أصح. وأما ما أخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن عائشة «أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره» فسنده ضعيف، ويمكن تأويله. واللَّه أعلم.
قوله: (وعن هشام) هو بالإسناد المذكور، وقد أخرجه المصنف في الاعتصام من وجه آخر عن هشام وأخرجه الإسماعيلي من طريق عبدة عن هشام وزاد فيه «وكان في بيتها موضع قبر» .
قوله: لا أزكي بضم أوله وفتح الكاف على البناء للمجهول، أي لا يثني علي بسببه ويجعل لي بذلك مزية وفضل وأنا في نفس الزمن يحتمل أن لا أكون كذلك، وهذا منها على سبيل التواضع وهضم النفس بخلاف قولها لعمر كنت أريده لنفسي فكأن اجتهادها في ذلك تغير أو لما قالت ذلك لعمر كان قل أن يقع لها ما وقع في قصة الجمل فاستحيت بعد ذلك أن تدفن هناك وقد قال عنها عمار بن ياسر وهو أحد من حاربها يومئذ:
إنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، وهو كما قال رضي اللَّه تعالى عنهم أجمعين.
[ (1) ] (سنن أبي داود) 3/ 549، 55، كتاب الجنائز، باب (72) في تسوية القبر، حديث رقم (3220) (فكشفت لي) أي لأجلي أو لرؤيتي (لا مشرفة) أي مرتفعة غاية الارتفاع، وقيل أو عالية أكثر من شبر (ولا لاطئة) بالهمزة والياء أي مستوية على وجه الأرض، يقال لطأ بالأرض أي لصق بها (مبطوحة) صفة لقبور.
أي مسواة مبسوطة على الأرض. قال القاري: وفيه أنها تكون حينئذ بمعنى لاطئة وتقدم نفيها والصواب أن معناها ملقاة فيها البطحاء. قال في النهاية: بطح المكان تسويته وبطح المسجد ألقى فيه البطحاء وهو الحصى(14/605)
وقال البيهقي: وفي رواية أن عبد اللَّه قال: فرأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم مقدما
__________
[ () ] الصغار (ببطحاء العرصة) أي رمل العرصة وهي موضع. قال الطيبي: العرصة جمعها عرصات وهي كل موضع واسع لا بناء فيه والبطحاء مسيل واسع فيه دقاق الحصى والمراد بها هنا الحصى لإضافتها إلى العرصة (الحمراء) صفة للبطحاء أو العرصة.
قال الطيبي أي كشفت لي عن ثلاثة قبور لا مرتفعة ولا منخفضة لاصقة بالأرض مبسوطة مسواة، والبطح أن يجعل ما ارتفع من الأرض مسطحا حتى يسوى ويذهب التفاوت كذا في المرقاة. قال السيد جمال الدين:
والأولى أن يقال معناه ألقى فيها بطحاء العرصة الحمراء انتهى. وأخرج أبو بكر النجاد من طريق جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم رفع قبره من الأرض شبرا وطين بطين أحمر من العرصة انتهى.
وأخرج الحاكم من هذا الوجه وزاد «ورأيت قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مقدما وأبو بكر بين كتفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعمر رأسه عند رجل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
وفي الباب عن صالح بن أبي صالح عند أبي داود في المراسيل قال «رأيت قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم شبرا أو نحو شبر وعن هيثم بن بسطام المديني عن أبي بكر الآجري في كتاب صفة قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال «رأيت قبره صلى اللَّه عليه وسلم في إمارة عمر بن عبد العزيز فرأيته مرتفعا نحوا من أربع أصابع، ورأيت قبر أبي بكر وراء قبره، ورأيت قبر عمر وراء قبر أبي بكر أسفل منه.
وأخرج البخاري في (صحيحه) عن سفيان التمار «أنه رأى قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم مسنما» انتهى أي مرتفعا. قال في القاموس: التسنيم ضد التسطيح وقال سطحه كمنعه بسطه. وقد اختلف أهل العلم في الأفضل من التسنيم والتسطيح بعد الاتفاق على جواز الكل فذهب الشافعيّ وبعض أصحابه إلى أن التسطيح أفضل واستدلوا برواية القاسم بن محمد وما وافقها، قالوا: وقول سفيان التمار لا حجة فيه كما قال البيهقي لاحتمال أن قبره صلى اللَّه عليه وسلم لم يكن في الأول مسنم بل كل في أول الأمر مسطحا ثم لما بني جدار القبر في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة من قبل الوليد بن عبد الملك صيروها مرتفعة وبهذا يجمع بين الروايات، ويرجح التسطيح أمره صلى اللَّه عليه وسلم عليا أن لا يدع قبرا مشرفا إلا سواه.
وذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد والمزني وكثير من الشافعية وادعى القاضي حسين اتفاق أصحاب الشافعيّ عليه ونقله القاضي عياض عن أكثر العلماء أن التسنيم أفضل وتمسكوا بقول سفيان التمار.
قال الشوكاني: والأرجح أن الأفضل التسطيح واللَّه أعلم. وحديث القاسم سكت عنه المنذري (قال أبو علي) هو اللؤلؤي راوي السنن (عند رأسه) أي النبي صلى اللَّه عليه وسلم (عن رجليه) أي النبي صلى اللَّه عليه وسلم (رأسه) أي عمر وهذه صفة القبور الثلاثة وجدت في بعض النسخ الصحيحة واللَّه أعلم.(14/606)
وأبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ورأسه بين كتفي النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعمر رأسه عند رجل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهذه الرواية تدل على أن قبورهم مسطحة لأن الحصباء لا تثبت إلا على المسطح [ (1) ] .
وقال سيف: عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: لما فرغ من الصلاة تناولوه حتى وضعوه ثم نصبوا اللبن وحثوا وسفوا التراب، فلما دفن أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حفر له دونه إلى الباب وجعل رأسه بحيال حقوي النبي صلى اللَّه عليه وسلم ورجلاه إلى جنب الحائط وألحد له، ونصب له اللبن نصبا، فلما دفن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حفر له بحيال قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم من دون قبر أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- إلى الباب، وكان قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم وقبر عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- متجاورين وكان قبر أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في وسط من قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان رأس أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بحيال حقوي النبي صلى اللَّه عليه وسلم وستره عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ورجلاه إلى جانب الحائط. قال: فما فضل عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قطعته عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بحائط، فكانت تدخل تلك الفصلة يوم الجمعة محتجبة. قالت: كنت أدخل وفيه بعلي في غير حجاب، فأما إذ دخله عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه لا يحل لي أن أدخله إلا محتجبة.
وخرج الحاكم من طريق الحميدي حدثنا سفيان قال: سمعت يحيى بن سعيد يحدث عن سعيد بن المسيب قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- رأيت كأن ثلاثة أقمار سقطت في حجرتي فسألت أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا عائشة، إن تصدق رؤياك يدفن في بيتك خير أهل الأرض ثلاثة، فلما قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ودفن قال لي أبي أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا عائشة، هذا خيرا أقمارك وهو أحدها، قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ (2) ] .
وخرج أيضا من طريق عمر بن سعيد الأبحّ، عن ابن أبي عروبة عن
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 263، 264.
[ (2) ] (المستدرك) : 3/ 63، كتاب المغازي والسرايا باب (30) حديث رقم (4401) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم: وقد كتبنا من حديث أنس. قلت: ثم ساقه مرفوعا من تعبيره عليه السلام. وقال: على شرط البخاري ومسلم. قلت: هو من رواية عمر بن حماد بن سعيد الأبحّ، أحد الضعفاء، تفرد به عنه موسى بن عبد اللَّه السلمي، لا أدري من هو؟!(14/607)
قتادة، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم تعجبه الرؤيا، قال: هل رأى أحد منكم رؤيا اليوم؟ قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: رأيت كأن ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي، فقال لها النبي صلى اللَّه عليه وسلم: إن صدقت رؤياك دفن في بيتك ثلاثة هم أفضل أو خير أهل الأرض.
فلما توفي النبي صلى اللَّه عليه وسلم ودفن في بيتها، قال لها: أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- هذا أحد أقمارك، وهو خيرها، ثم توفي أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ودفنا في بيتها.
وقال أبو عبد اللَّه محمد بن زبالة: وحدثني عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن إسماعيل عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه الحسني عن أهل بيته قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بني عليه بتسع لبنات نصبن نصبا [ (1) ] .
ذكر ما جاء في زيارة قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم وما ظهر من قبره، مما هو من أعلام نبوته [وفضيلة من زاره، وسلم عليه، وكيف يسلم ويدعو] [ (2) ]
قال ابن عائذ: حدثنا الوليد، حدثنا مالك عن يحيي بن سعيد، قال:
__________
[ (1) ] (سبق تخريجه) .
[ (2) ] زيادة في العنوان من (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) .
قال العلامة القسطلاني: في (المواهب اللدنية) : 4/ 570 وما بعدها: اعلم أن زيارة قبره الشريف من أعظم القربات، وأرجي الطاعات، والسبيل إلى أعلى الدرجات، ومن اعتقد غير هذا فقد انخلع من ربقة الإسلام، وخالف اللَّه ورسوله وجماعة العلماء الأعلام.
وقد أطلق بعض المالكية، وهو أبو عمران الفاسي، كما ذكره في (المدخل) عن (تهذيب الطالب) لعبد الحق، أنها واجبة، قال: ولعله أراد وجوب السنن المؤكدة.
وفي المعجم الكبير للطبراني: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: من جاءني زائرا لا تعمله حاجة إلا زيارتي، كان حقا علي أن أكون شفيعا له يوم القيامة. وصححه ابن السكن.
وروي عنه صلى اللَّه عليه وسلم: من وجد سعة ولم يفد إلي فقد جفاني. ذكره ابن فرحون في مناسكه، والغزالي في الإحياء، ولم يخرجه العراقي، بل أشار إلى ما أخرجه ابن النجار في (تاريخ المدينة) مما هو في معناه عن أنس بلفظ:
ما من أحد من أمتي له سعة ثم لم يزرني إلا وليس له عذر.(14/608)
كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول ما من بقعة في الأرض أحب إليّ أن يكون قبري فيها
__________
[ () ] ولابن عدي في «الكامل» وابن حبان في الضعفاء» ، والدارقطنيّ في (العلل) و (غرائب مالك) وآخرين كلهم عن ابن عمر مرفوعا، من حج ولم يزرني فقد جفاني. ولا يصح.
وعلى تقدير ثبوته، فليتأمل قوله «فقد جفاني» فإنه ظاهر في حرمة ترك الزيارة لأن الجفاء أذى، والأذى حرام بالإجماع فتجب الزيارة إذ إزالة الجفاء واجبة، [وهي بالزيارة، فالزيارة واجبة] حينئذ [وبالجملة] فمن تمكن من زيارته ولم يزره فقد جفاه، وليس من حقه علينا ذلك.
وعن حاطب أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي، ومن مات بأحد الحرمين بعث من الآمنين. رواه البيهقي عن رجل من آل حاطب لم يسمه عن حاطب.
وعن عمر رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: من زار قبري. أو قال: من زارني كنت له شفيعا وشهيدا، رواه البيهقي وغيره عن رجل من آل عمر لم يسمه عن عمر.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من زارني محتسبا إلى المدينة كان في جواري يوم القيامة.
رواه البيهقي أيضا.
قال العلامة زين الدين بن الحسين المراغي: وينبغي لكل مسلم اعتقاد كون زيارته صلى اللَّه عليه وسلم قربة، للأحاديث الواردة ذلك ولقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ الآية لأن تعظميه صلى اللَّه عليه وسلم لا ينقطع بموته، ولا يقال إن استغفار الرسول لهم إنما هو في حال حياته وليست الزيارة كذلك، لما أجاب به بعض أئمة المحققين: أن الآية دلت على تعليق وجدان اللَّه توابا رحيما بثلاثة أمور: المجيء، واستغفارهم، واستغفار الرسول لهم، وقد حصل استغفار الرسول لجميع المؤمنين [والمؤمنات] لأنه صلى اللَّه عليه وسلم قد استغفر للجميع، قال اللَّه تعالى: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ فإذا وجد مجيئهم واستغفارهم تكملت الأمور الثلاثة الموجبة لتوبة اللَّه ورحمته.
وقد أجمع المسلمون على استحباب زيارة القبور، كما حكاه النووي، وأوجبها الظاهرية، فزيارته صلى اللَّه عليه وسلم مطلوبة بالعموم والخصوص لما سبق، ولأن زيارة القبور تعظيم، وتعظيمه صلى اللَّه عليه وسلم واجب. ولهذا قال بعض العلماء: لا فرق في زيارته صلى اللَّه عليه وسلم بين الرجال والنساء، وإن كان محل الإجماع على استحباب زيارة القبور للرجال، وفي النساء خلاف، والأشهر في مذهب الشافعيّ الكراهة.
قال ابن حبيب من المالكية: ولا تدع زيارة قبره صلى اللَّه عليه وسلم والصلاة في مسجده، فإن فيه من الرغبة ما لا غنى بك ولا بأحد عنه.(14/609)
من المدينة. قالها ثلاث مرات.
__________
[ () ] وينبغي لمن نوى الزيارة، أن ينوي مع ذلك بزيارة مسجده الشريف، والصلاة فيه، لأنه أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها، وهو أفضلها عند مالك، وليس لشد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة فضل، لأن الشرع لم يجئ به، وهذا الأمر لا يدخله قياس، لأن شرف البقعة إنما يعرف بالنص الصريح عليه، وقد ورد النص في هذه دون غيرها.
وقد صح أن عمر بن عبد العزيز كان يبرد البريد للسلام على النبي صلى اللَّه عليه وسلم.
فالسفر إليه قربة لعموم الأدلة. ومن نذر الزيارة وجبت عليه، كما جزم به ابن كج من أصحابنا، وعبارته:
إذا نذر زيارة قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم لزمه الوفاء، وجها واحدا، انتهى: ولو نذر إتيان المسجد الأقصى للصلاة لزمه ذلك على الأصح عندنا، وبه قال المالكية والحنابلة، لكنه يخرج عنه بالصلاة في المسجد الحرام. وصحح النووي أيضا أنه يخرج عنه بالصلاة في مسجد المدينة. قال: ونص عليه الشافعيّ. وبه قال الحنفية والحنابلة.
وللشيخ تقي الدين بن تيمية هنا كلام شنيع عجيب، يتضمن منع شد الرحال للزيارة النبويّة المحمدية، وأنه ليس من القرب، بل بضد ذلك.
ورد عليه الشيخ تقي الدين السبكي في «شفاء السقام» فشفى صدور المؤمنين.
وحكي الشيخ ولي الدين العراقي، أن والده كان معادلا للشيخ زين الدين عبد الرحمن بن رجب الدمشقيّ في التوجه إلى بلد الخليل عليه السلام، فلما دنا من البلد قال: نويت الصلاة في مسجد الخليل، ليحترز عن شد الرحال لزيارته على طريقة شيخ الحنابلة ابن تيمية، فقلت: نويت زيارة قبر الخليل عليه السلام. ثم قلت:
أما أنت فقد خالفت النبي صلى اللَّه عليه وسلم، لأنه
قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد»
وقد شددت الرحل إلى مسجد رابع، وأما أنا فاتبعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم لأنه
قال: «زوروا القبور»
أفقال: إلا قبور الأنبياء؟! قال: فبهت.
وينبغي لمن أراد الزيارة أن يكثر من الصلاة والتسليم عليه في طريقه، فإذا وقع بصره على معالم المدينة الشريفة وما تعرف به، فليردد الصلاة والتسليم، وليسأل اللَّه أن ينفعه بزيارته ويسعده بها في الدارين.
وليغتسل ويلبس النظيف من ثيابه، وليترجل ماشيا باكيا.
ولما رأى وفد عبد القيس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ألقوا أنفسهم عن رواحلهم ولم ينيخوها وسارعوا إليه، فلم ينكر ذلك عليهم صلوات اللَّه وسلامه عليه.
وروينا مما ذكره القاضي عياض في (الشفاء) أن أبا الفضل الجوهري لما ورد إلى المدينة زائرا، وقرب من بيوتها ترجل ومشى باكيا منشدا:(14/610)
وروى جعفر بن سليمان عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس- رضي اللَّه
__________
[ () ]
ولما رأينا رسم من لم يدع لنا ... فؤادا لعرفان الرسوم ولا لبا
نزلنا عن الأكوار نمشي كرامة ... لمن بان عنه أن نسلم به ركبا
وأنبئت بأن العلامة أبا عبد اللَّه بن رشيد قال: لما قدمنا المدينة سنة أربع وثمانين وستمائة، كان معي رفيقي الوزير أبو عبد اللَّه بن أبي القاسم بن الحكيم، وكان أرمد، فلما دخلنا ذا الحليفة أو نحوها نزلنا عن الأكوار، وقوي الشوق لقرب المزار، فنزل وبادر إلى المشي على قدميه احتسابا لتلك لآثار، وإعظاما لمن حل تلك الديار، فأحس بالشفاء. الأكوار: جمع كور: هو الرحل للإبل، بمنزله السرج للفرس.
ولما كنت سائرا لقصد الزيارة في ربيع الآخر سنة اثنين وتسعين وثمانمائة، ولاح لما عند الصباح جبل مفرح الأرواح المبشر بقرب المزار من أشرف الديار، تسابق الزوار إليه، وتعالوا بالصعود عليه استعجالا لمشاهدة تلك الآثار واقتباسا لمشاهدة تلك الأنوار فبرقت لوامع الأنوار النبويّة، وهبت عرف نسمات المعارف المحمدية، فطبنا وغبنا إذ شهدنا أعلام ديار أشرف البرية.
ولما قربنا من ديار المدينة وأعلامها، وتدانينا من معاينة رباها الكريمة وآكامها، وانتشقنا عرف لطائف أزهارها، وبدت لناظرنا بوارق أنوارها، وترادفت واردات المنح والعطايا، ونزل القوم عن المطايا، فأنشدت متمثلا:
أتيتك زائرا وودت أني ... جعلت سواد عيني أمتطيه
وما لي لا أسير علي المآقي ... إلى قبر رسول اللَّه فيه
ويستحب صلاة ركعتين تحية المسجد قبل الزيارة، وهذا إذا لم يكن مروره من جهة وجهه الشريف صلى اللَّه عليه وسلم.
فإن كان استحب الزيارة قبل التحية. قال في «تحقيق النصرة» وهو استدراك حسن. قاله بعض شيوخنا.
وفي منسك ابن فرحون: فإن قلت: المسجد إنما تشرف بإضافته إليه صلى اللَّه عليه وسلم فينبغي البداءة بالوقوف عنده صلى اللَّه عليه وسلم. قلت:
قال ابن حبيب في أول كتاب الصلاة: حدثني مطرف عن مالك عن يحيي بن سعيد عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: قدمت من سفر، فجئت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أسلم عليه وهو بفناء المسجد، فقال:
أدخلت المسجد فصليت فيه؟ قلت: لا، قال: فاذهب فادخل المسجد وصل فيه، ثم ائت فسلم علي.
قال: ورخص بعضهم في تقديم الزيارة على الصلاة. قال ابن الحاج: وكل ذلك واسع ولعل هذا الحديث لم يبلغهم، واللَّه أعلم. انتهى. (المواهب اللدنية) مختصرا.
وينبغي للزائر أن يستحضر الخشوع ما أمكنه، وليكن مقتصدا في سلامه بين الجهر والإسرار. وفي(14/611)
تبارك وتعالي عنهما- قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من حج وزار قبري بعد موتي
__________
[ () ] البخاري: أن عمر رضي اللَّه عنه قال لرجلين من أهل الطائف: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ضربا، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟.
وقد روي عن أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه قال: لا ينبغي رفع الصوت على نبي حيا ولا ميتا. وروي عن عائشة رضي اللَّه عنها أنها كانت تسمع صوت الوتد يوتد والمسمار يضرب في بعض الدور المطيفة بمسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم فترسل إليهم: لا تؤذوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
قالوا: وما عمل علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه مصراعي داره إلا بالمصانع توقيا لذلك. نقله ابن زبالة فيجب الأدب معه كما في حياته.
وينبغي للزائر أن يتقدم إلى القبر الشريف من جهة القبلة، وإن جاء من جهة رجلي الصاحبين فهو أبلغ في الأدب من الإتيان من جهة رأسه المكرم. ويستدبر القبلة ويقف قبالة وجهه صلى اللَّه عليه وسلم بأن يقابل المسمار.
وقد روى ابن المبارك عن سعيد بن المسيب: ليس من يوم إلا ويعرض على النبي صلى اللَّه عليه وسلم أعمال أمته غدوة وعشية، فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم، فلذلك يشهد عليهم.
ويمثل الزائر وجهه الكريم صلى اللَّه عليه وسلم في ذهنه، ويحضر قلبه جلال رتبته، وعلو منزلته، وعظيم حرمته، وإن أكابر الصحابة ما كانوا يخاطبونه إلا كأخي السرار، تعظيما لما عظم اللَّه من شأنه.
وقد روى ابن النجار أن امرأة سألت عائشة رضي اللَّه عنها: أن اكشفي لي عن قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فكشفته فبكت حتى ماتت.
وحكي عن أبي الفضائل الحموي، أحد خدام الحجرة المقدسة، أنه شاهد شخصا من الزوار الشيوخ، أتي باب مقصورة الحجرة الشريفة، فطأطأ رأسه نحو العتبة، فحركوه فإذا هو ميت، وكان ممن شهد جنازته.
ثم يقول الزائر بحضور قلب، وغض بصر وصوت، وسكون جوارح وإطراق: السلام عليك يا رسول اللَّه، السلام عليك يا نبي اللَّه، السلام عليك يا حبيب اللَّه، السلام عليك يا خيرة اللَّه، السلام عليك يا صفوة اللَّه، السلام عليك يا سيد المرسلين، وخاتم النبيين، السلام عليك يا قائد الغر المحجلين، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين، السلام عليك وعلى أزواجك الطاهرات أمهات المؤمنين، السلام عليك وعلى أصحابك أجمعين، السلام عليك وعلى سائر الأنبياء وسائر عباد اللَّه الصالحين، جزاك اللَّه عنا يا رسول اللَّه أفضل ما جازى نبيا ورسولا عن أمته، وصلى اللَّه عليك كلما ذكرك الذاكرون، وغفل عن ذكرك الغافلون، أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أنك عبده ورسوله وأمينه، وخيرته من خلقه، وأشهد أنك قد بلغت(14/612)
كان كمن زارني في حياتي
[ (1) ] .
__________
[ () ] الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في اللَّه حق جهاده. ومن ضاق وقته عن ذلك، أو عن حفظه فليقل ما تيسر منه، أو مما يحصل به الغرض.
وفي «التحفة» : أن ابن عمر وغيره من السلف كانوا يقترون ويوجزون في هذا جدا. فعن مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، وناهيك به خبرة بهذا الشأن من رواية ابن وهب عنه، يقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته.
وعن نافع عن ابن عمر، أنه كان إذا قدم من سفر دخل المسجد، ثم أتي القبر المقدس فقال: السلام عليك يا رسول اللَّه، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه.
وينبغي أن يدعو، ولا يتكلف السجع فإن ذلك قد يؤدي إلى الإخلال بالخشوع.
وقد روى أبو داود من حديث أبي هريرة: أنه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما من مسلم يسلم علي إلا رد اللَّه علي روحي حتى أرد عليه السلام.
وعند ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة مرفوعا: من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي نائيا بلغته. وعن سليمان بن سحيم، مما ذكره القاضي عياض في «الشفاء» قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم في النوم، فقلت: يا رسول اللَّه، هؤلاء الذين يأتونك فيسلمون عليك أتفقه سلامهم؟ قال: نعم وأرد عليهم.
ولا شك أن حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ثابتة معلومة.
وقد روى الدارميّ عن سعيد بن عبد العزيز قال: لما كان أيام الحرة، لم يؤذن في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولم يبرح سعيد بن المسيب من المسجد، وكان لا يعرف وقت الصلاة إلا بهمهمة يسمعها من قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وذكر ابن النجار وابن زبالة بلفظ قال سعيد- يعني ابن المسيب-: فلما حضرت الظهر سمعت الأذان في القبر، فصليت ركعتين، ثم سمعت الإقامة فصليت الظهر، ثم مضى ذلك الأذان والإقامة في القبر المقدس لكل صلاة حتى مضت الثلاث ليال، يعني ليالي أيام الحرة.
وقد روى البيهقي وغيره: من حديث أنس أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون.
وفي رواية: أن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة، ولكنهم يصلون بين يدي اللَّه حتى ينفخ في الصور.
وله شواهد في صحيح مسلم منها: قوله صلى اللَّه عليه وسلم: مررت بموسى وهو قائم يصلي في قبره.
وفي حديث أبي ذر في قصة المعراج: أنه لقي الأنبياء في السماوات، وكلموه وكلمهم. وقد ذكرت مزيد بيان لذلك في حجة الوداع من مقصد عباداته، وفي ذكر الخصائص الكريمة في مقصد معجزاته، وفي مقصد الإسراء والمعراج.
[ (1) ] (سنن الدارقطنيّ) : 2/ 278، حديث رقم (193) ، وفيه: «عن مجاهد عن ابن عمر» .(14/613)
وللدارقطنيّ من حديث موسى بن هلال [العبديّ] عن عبيد اللَّه بن عمر ابن نافع عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من زار قبري وجبت له شفاعتي
[ (1) ] .
وخرج الدارقطنيّ أيضا من حديث يحيي بن محمد بن صاعد، حدثنا أبو محمد العبادي حدثنا مسلمة بن سالم الجهنيّ حدثنا عبد اللَّه بن عمر عن نافع عن سالم، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من جاءني زائرا لم يدعه حاجة إلا زيارتي كان حقا عليّ أن أكون شفيعا له يوم القيامة.
وقال محمد بن إسماعيل بن أبي فديك: أخبرني سليمان بن يزيد الكعبي عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: من زار قبري بالمدينة محتسبا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة.
ولابن أبي الدنيا من حديث سعيد بن عثمان الحرجاني قال: أخبرنا محمد بن أبي فديك قال: أخبرنا عمر بن حفص، قال: إن ابن أبي ملكية قال:
سمعت بعض من أدركت يقول: بلغنا أنه يقول: إنه من وقف عند قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فتلا هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [ (2) ] الآية ثم قال:
فتلا صلى اللَّه عليك يا محمد، حتى يقولها سبعين مرة ناداه ملك: صلى اللَّه عليك يا فلان، لم تسقط لك حاجة! [ (3) ] .
وخرج أبو محمد الروائي من طريق ابن زيد بن سعد حدثنا عمرو بن مالك
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (194) ، وما بين الحاصرتين زيادة للنسب منه، وقال في (هامشه) : موسى بن هلال العبديّ، شيخ بصريّ، قال أبو حاتم: مجهول، وقال العقيليّ: لا يتابع على حديثه، وقال ابن عديّ:
أرى أنه لا بأس به، قال الذهبيّ: قلت: هو صالح الحديث وأنكر ما عنده حديثه عن عبد اللَّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا: «من زار قبري وجبت له شفاعتي» .
[ (2) ] الأحزاب: 56.
[ (3) ] (المواهب اللدنية بالمنح المحمدية) : 4/ 584،
وأخرج الدارقطنيّ في (السنن) : عن الشعبي والأسود بن ميمون، عن هارون أبي قزعة، عن رجل من آل حاطب، عن حاطب، قال: قال رسول اللَّه: «من زارني بعد موتي، فكأنما زارني في حياتي، ومن مات بأحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة» . (سنن الدارقطنيّ) :
2/ 278، حديث رقم (193) ، وقال في (هامشه) : هارون بن أبي قزعة المدني، قال البخاري: لا يتابع عليه، والشيخ لهارون مجهول.(14/614)
البكري حدثنا أبو الحور بن عبد اللَّه قال: قحط أهل المدينة قحطا شديدا فشكوا إلى عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، فقالت: انظروا قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فاجعلوا منه كوة إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف قال:
ففعلوا فمطرنا مطرا حتى نبت العشب، وسمنت الإبل، حتى تفتقت من الشحم، فسمي عام الفتق.
وقد روي من طريق، محمد بن حرب الهلالي قال: دخلت المدينة فأتيت قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [فزرته، وجلست بحذائه] [ (1) ] فجاء أعرابي فزاره ثم قال:
يا خير المرسلين إن اللَّه عز وجلّ أنزل عليك كتابا صادقا، قال فيه: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً [ (2) ] .
وإني جئتك مستغفرا إلى ربي من ذنوبي مستشفعا بك، ثم بكى وأنشأ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه [ (3) ] * فطاب من طيبهنّ القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه* فيه العفاف وفيه الجود والكرم ثم استغفر وانصرف. قال: فرقدت فرأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو يقول: إن اللَّه عز وجل قد غفر له لشفاعتي.
وخرج أبو نعيم من طريق محمد بن سليمان حدثنا عبد الحميد بن سليمان عن سعيد بن المسيب قال: لقد رزيتني ليالي الحرة وما في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غيري، وقال: لا يأتي وقت صلاة إلا سمعت الأذان من القبر، ثم أتقدم فأقيم وأصلى، وإن أهل الشام ليدخلون المسجد فيقولون: انظروا إلى هذا الشيخ المجنون.
قال أبو محمد الدرامي: وأخبرنا مروان بن محمد عن سعيد بن عبد العزيز، قال: لما كان أيام الحرة لم يؤذن في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالمدينة، ولم يقم، ولم يبرح سعيد بن المسيب من المسجد وكان لا يعرف وقت الصلاة إلا بهمهمة
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (المواهب اللدنية) .
[ (2) ] النساء: 64.
[ (3) ] في بعض النسخ: «بالترب أعظمه» .(14/615)
يسمعها من قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم.
وقال أبو عبد اللَّه محمد بن الحسن بن زبالة: وحدثني محمد بن الحسن عن غير واحد، منهم عبد العزيز بن محمد بن عمران بن محمد أنه لما كان أيام الحرة ترك مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثة أيام، وخرج الناس إلى الحرة، وجلس سعيد بن المسيب في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: فاستوجب فدنوت قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلما حضرت الظهر سمعت الأذان في قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فصليت ركعتين ثم سمعت الإقامة فصليت الظهر، ثم جلست حتى حضرت العصر، فسمعت الأذان في قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فصليت ركعتين ثم سمعت الإقامة فصليت العصر، ثم لم أزل أسمع الأذان في قبره حتى مضت الثلاث، وفعل القوم ودخلوا مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعاد المؤذنون فأذنوا فسمعت الأذان في قبره صلى اللَّه عليه وسلم فلم أسمعه، فرجعت إلى مجلسي الّذي أجلس فيه [ (1) ] .
وخرج الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن النجار من حديث أبي السكن الهمدانيّ، قال: حدثني محمد بن حامان قال: سمعت إبراهيم بن شيبان يقول: حجحت فجئت المدينة فتقدمت إلى قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فسلمت عليه، فسمعت من داخل الحجرة: وعليك السلام.
وقد روى يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل عن ابن حمد قال: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكا في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال له مالك: يا أمير المؤمنين، لا ترفع صوتك في هذا المسجد، فإن اللَّه عز وجل أدّب قوما فقال:
لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [ (2) ] .
ومدح قوما فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [ (3) ] .
وذم قوما فقال: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (المواهب اللدنية) : 4/ 587.
[ (2) ] الحجرات: 2.
[ (3) ] الحجرات: 4.
[ (4) ] الحجرات: 4.(14/616)
وإن حرمته صلى اللَّه عليه وسلم ميتا كحرمته حيا، فاستكان له أبو جعفر وقال: يا أبا عبد اللَّه! أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى اللَّه تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله، واستشفع به، فيشفع لك عند اللَّه تعالى.
قال اللَّه تبارك وتعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً [ (1) ] .
وقال القاضي عياض: [ (2) ] وزيادة قبره صلى اللَّه عليه وسلم سنة من سنن المسلمين مجمع عليها، وفضيلة مرغب فيها، حدثنا القاضي أبو علي، حدثنا أبو الفضل بن خيرون قال: حدثنا الحسن ابن جعفر قال: حدثنا أبو الحسن علي بن عمر الدارقطنيّ قال حدثنا القاضي المحاملي قال: حدثنا محمد بن عبد الرزاق قال: حدثنا موسي بن هلال عن عبيد اللَّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال:
قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: من زار قبري وجبت له شفاعتي.
وعن أنس بن مالك قال، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من زارني في المدينة محتسبا كان في جواري، وكنت له شفيعا يوم القيامة.
وفي حديث آخر: من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي.
وكره مالك أن يقال زرنا قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وقد اختلف في معني ذلك فقيل كراهية الاسم لما ورد من قوله صلى اللَّه عليه وسلم: لعن اللَّه زوارات القبور، وهذا يرده قوله:
نهيتم عن زيارة القبور فزوروها. وقوله من زار قبري فقد أطلق اسم الزيارة، وقيل: لأن ذلك لما قيل: إن الزائر أفضل من المزور، وهذا أيضا ليس بشيء إذ ليس كل زائر بهذه الصفة، وليس هذا عموما، وقد ورد في حديث أهل الجنة زيارتهم لربهم، ولم يمنع هذا اللفظ في حقه تعالى.
وقال أبو عمران رحمه اللَّه: انما كره مالك أن يقال: طواف الزيارة، وزرنا قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم لاستعمال الناس ذلك بينهم بعضهم لبعض، وكره تسوية النبي صلى اللَّه عليه وسلم مع الناس بهذا اللفظ. وأيضا فإن الزيارة مباحة بين الناس، وواجب شد المطيّ إلي قبره صلى اللَّه عليه وسلم يريد بالوجوب هنا وجوب ندب وترغيب وتأكيد لا
__________
[ (1) ] النساء: 64.
[ (2) ] (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 2/ 68 وما بعدها.(14/617)
وجوب فرض، والأولى عندي أن منعه وكراهة مالك له لإضافته إلي قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وأنه لو قال: زرنا النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يكرهه لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ لا تجعل قبري وثنا يعبد بعدي، اشتد غضب اللَّه على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فنفي إضافة هذا اللفظ إلي القبر والتشبه بفعل أولئك قطعا للذريعة وحسما للباب واللَّه أعلم.
قال إسحاق بن إبراهيم الفقيه ومما لم يزل من شأن من حج المرور بالمدينة والقصد الى الصلاة في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، والتبرك برؤية روضته، ومنبره، وقبره، ومجلسه، وملامس يديه، ومواطئ قدميه، والعمود الّذي كان يستند، إليه وينزل جبريل بالوحي فيه عليه وبمن عمره، وقصده، من الصحابة وأئمة المسلمين، الاعتبار بذلك كله.
وقال ابن أبي فديك: سمعت بعض من أدركت يقول بلغني أنه من وقف عند قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فتلا هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ثم قال: صلى اللَّه عليك يا محمد، من يقولها سبعين مرة ناداه ملك: صلى اللَّه عليك يا فلان، ولم تسقط له حاجة.
وعن يزيد بن أبي سعيد المقبري قدمت على عمر بن عبد العزيز فلما ودعته قال: لي إليك حاجة: إذا أتيت المدينة سترى قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأقرئه مني السلام. قال غيره: وكان يبرد إليه البريد من الشام، قال بعضهم: رأيت أنس بن مالك أتى قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فوقف فرفع يديه حتى ظننت أنه افتتح الصلاة فسلم علي النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثم انصرف، وقال مالك في رواية ابن وهب: إذا سلم على النبي صلى اللَّه عليه وسلم ودعا يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة، ويدنو، ويسلم، ولا يمس القبر بيده.
وقال في (المبسوط) : لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم يدعو ولكن يسلم ويمضي، قال ابن أبي مليكة من أحب أن يقوم وجاه النبي صلى اللَّه عليه وسلم فليجعل القنديل الّذي في القبلة عند القبر على رأسه، وقال نافع كان ابن عمر يسلم على القبر، رأيته مائة مرة وأكثر يجئ إلي القبر فيقول السلام على النبي صلى اللَّه عليه وسلم، السلام على أبي بكر، السلام على أبي ثم ينصرف، ورئي ابن عمر واضعا يده علي مقعد النبي صلى اللَّه عليه وسلم من المنبر ثم وضعها على وجهه.
وعن ابن قسيط والعتبيّ: كان أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا خلا المسجد حسوا رمانة المنبر التي تلي القبر بميامنهم، ثم استقبلوا القبلة يدعون. وفي (الموطأ) من رواية يحيى بن يحيى الليثي: أنه كان يقف على قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فيصلي(14/618)
على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعلى أبي بكر، وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-.
وعند ابن القاسم والقعنبي: ويدعو لأبي بكر وعمر قال مالك في رواية ابن وهب: يقول المسلم السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته.
قال في (المبسوط) : ويسلم علي أبي بكر وعمر. قال القاضي أبو الوليد الباجي: وعندي أنه يدعو للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بلفظ الصلاة، ولأبي بكر وعمر كما في حديث ابن عمر من الخلاف. وقال ابن حبيب: ويقول إذا دخل مسجد الرسول بسم اللَّه، وسلام على رسول اللَّه، السلام علينا من ربنا، وصلى اللَّه وملائكته علي محمد. اللَّهمّ اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وجنتك، واحفظني من الشيطان الرجيم، ثم اقصد إلي الروضة، وهي ما بين القبر والمنبر فاركع فيها ركعتين قبل وقوفك بالقبر تحمد اللَّه فيها وتسأله تمام ما خرجت إليه، والعون عليه، وإن كانت ركعتاك في غير الروضة أجزأتاك، وفي الروضة أفضل، وقد قال صلى اللَّه عليه وسلم: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على ترعة من ترع الجنة.
ثم تقف بالقبر متواضعا متوقرا، فتصلي عليه وتثني بما يحضرك، وتسلم علي أبي بكر وعمر، وتدعو لهما، وأكثر من الصلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالليل والنهار، ولا تدع أن تأتي مسجد قباء وقبور الشهداء.
قال مالك في كتاب محمد: ويسلم على النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا دخل وخرج يعني في المدينة وفيما بين ذلك. قال محمد: وإذا خرج جعل آخر عهده الوقوف بالقبر وكذلك من خرج مسافرا. وروي ابن وهب عن فاطمة بنت النبي صلى اللَّه عليه وسلم:
وقل: اللَّهمّ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرجت صل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وقل: اللَّهمّ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك، وفي رواية أخرى: فليسلم مكان فليصل فيه، ويقول إذا خرج: اللَّهمّ إني أسالك من فضلك، وفي آخر اللَّهمّ احفظني من الشيطان الرجيم، وعن محمد بن سيرين كان الناس يقولون إذا دخلوا المسجد: صلى اللَّه وملائكته على محمد السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته باسم اللَّه دخلنا وباسم اللَّه خرجنا، وعلى اللَّه توكلنا، وكانوا يقولون إذا خرجوا مثل ذلك.
وعن فاطمة أيضا كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: صلى اللَّه على محمد، ثم ذكر مثل حديث فاطمة قبل هذا، وفي رواية: حمد اللَّه وسمى وصلى على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وذكر مثله. وفي رواية باسم اللَّه والسلام على رسول اللَّه، وعن غيرها كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: اللَّهمّ افتح لي(14/619)
أبواب رحمتك ويسر لي أبواب رزقك.
وعن أبي هريرة: إذا دخل أحدكم المسجد فليصل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وليقل:
اللَّهمّ افتح لي ...
وقال مالك في (المبسوط) : وليس يلزم من دخل المسجد وخرج منه من أهل المدينة الوقوف بالقبر وإنما ذلك للغرباء، وقال فيه أيضا: لا بأس لمن قدم من سفر أو خرج إلي سفر أن يقف على قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فيصلي عليه ويدعو له، ولأبي بكر وعمر، فقيل له: إن ناسا من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه يفعلون ذلك في اليوم مرة أو أكثر وربما وقفوا في الجمعة أو في الأيام المرة أو المرتين أو أكثر عند القبر فيسلمون ويدعون ساعة، فقال: لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا وتركه واسع، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك، ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده.
قال ابن القاسم: ورأيت أهل المدينة إذا خرجوا منها أو دخلوها أتوا القبر فسلموا. قال: وذلك رأى. قال الباجي: ففرق بين أهل المدينة والغرباء، لأن الغرباء قصدوا لذلك وأهل المدينة مقيمون بها لم يقصدوها من أجل القبر والتسليم. وقال صلى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب اللَّه على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وقال: لا تجعلوا قبري عيدا.
ومن كتاب أحمد بن سعيد الهندي فيمن وقف بالقبر لا يلصق به، ولا يمسه، ولا يقف عنده طويلا، وفي (العتبية) : يبدأ بالركوع قبل السلام في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وأحب مواضع التنفل فيه: مصلي النبي حيث العمود المخلق، وأما في الفريضة فالتقدم إلي الصفوف والتنفل فيه للغرباء أحب إليّ من التنفل في البيوت.(14/620)
فصل فيما يلزم من دخل مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم من الأدب سوى ما قدمناه وفضله وفضل الصلاة فيه وفي مسجد مكة، وذكر قبره ومنبره، وفضل سكنى المدينة ومكة
قال اللَّه تعالى: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ
روي أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سئل: أي مسجد هو؟ قال: مسجدي هذا،
وهو قول ابن المسيب وزيد بن ثابت وابن عمر ومالك بن أنس وغيرهم، وعن ابن عباس أنه مسجد قباء.
حدثنا هشام بن أحمد الفقيه بقراءتي عليه قال: حدثنا الحسين بن محمد الحافظ حدثنا أبو عمر النمري حدثنا أبو محمد بن عبد المؤمن حدثنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود، حدثنا مسدد، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد ابن المسيب، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: لا تشد الرحال إلا إلي ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى.
وقد تقدمت الآثار في الصلاة والسلام علي النبي صلى اللَّه عليه وسلم عند دخول المسجد.
وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا دخل المسجد قال: أعوذ باللَّه العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم.
وقال مالك رحمه اللَّه: سمع عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- صوتا في المسجد، فدعا بصاحبه فقال: ممن أنت؟ قال: رجل من ثقيف، قال لو كنت من هاتين القريتين لأدبتك، إن مسجدنا لا يرفع فيه الصوت.
قال محمد بن مسلمة: لا ينبغي لأحد أن يتعمد المسجد برفع الصوت، ولا بشيء من الأذى، وأن ينزه عما يكره، قال القاضي: حكي ذلك كله القاضي إسماعيل في (مبسوطه) في باب فضل مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم. والعلماء كلهم متفقون أن حكم سائر المساجد هذا الحكم.
قال القاضي إسماعيل: وقال محمد بن مسلمة: ويكره في مسجد الرسول صلى اللَّه عليه وسلم الجهر علي المصلين فيما يخلط عليهم صلاتهم، وليس مما يخص به المساجد رفع الصوت، قد كره رفع الصوت بالتلبية في مساجد الجماعات إلا المسجد الحرام ومسجدنا.
وقال أبو هريرة- رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: صلاة في(14/621)
مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام،
قال القاضي:
اختلف الناس في معنى هذا الاستثناء على اختلافهم في المفاضلة بين مكة والمدينة، فذهب مالك في رواية أشهب عنه وقاله ابن قانع صاحبه وجماعة من أصحابه إلى أن معني الحديث أن الصلاة في مسجد الرسول أفضل من الصلاة في سائر المساجد بألف صلاة إلا المسجد الحرام، فإن الصلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم أفضل من الصلاة فيه بدون الألف، واحتجوا بما روي عن عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيما سواه، فتأتي فضيلة مسجد الرسول صلى اللَّه عليه وسلم بتسعمائة، وعلي غيره بألف، وهذا مبنيّ على تفضيل المدينة علي مكة على ما قدمناه، وهو قول عمر بن الخطاب، ومالك، وأكثر المدنيين، وذهب أهل مكة والكوفة إلي تفضيل مكة وهو قول عطاء، وابن وهب وابن حبيب من أصحاب مالك، وحكاه الساجي عن الشافعيّ، وحملوا الاستثناء في الحديث المتقدم على ظاهره، وأن الصلاة في المسجد الحرام أفضل، واحتجوا بحديث عبد اللَّه بن الزبير عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بمثل حديث أبي هريرة، وفيه: وصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة، وروى قتادة مثله، فيأتي فضل الصلاة في المسجد الحرام علي هذا، على الصلاة في سائر المساجد بمائة ألف، ولا خلاف أن موضع قبره صلى اللَّه عليه وسلم أفضل بقاع الأرض.
قال القاضي أبو الوليد الباجي: الّذي يقتضيه الحديث مخالفة حكم مسجد مكة لسائر المساجد، ولا يعلم منه حكمها مع المدينة.
وذهب الطحاوي إلى أن هذا التفضيل إنما هو في صلاة الفرض، وذهب مطرف من أصحابنا إلى أن ذلك في النافلة أيضا، قال: وجمعة خير من جمعة، ورمضان خير من رمضان،
وقد ذكر عبد الرزاق في تفضيل رمضان بالمدينة وغيرها حديثا نحوه، وقال صلى اللَّه عليه وسلم: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة،
ومثله عن أبي هريرة وأبي سعيد، وزاد: ومنبري على حوضي، وفي حديث آخر: منبري على ترعة من ترع الجنة.
قال الطبري: فيه معنيان:
أحدهما: أن المراد بالبيت بيت سكناه على الظاهر مع أنه روي ما بين حجرتي ومنبري.
والثاني: أن البيت هنا القبر، وهو قول زيد بن أسلم في هذا الحديث، كما روي: بين قبري ومنبري. قال الطبري: وإذا كان قبره في بيته اتفقت(14/622)
معاني الروايات، ولم يكن بينها خلاف، لأن قبره في حجرته، وهو بيته.
وقوله: ومنبري على حوضي، قيل: يحتمل أنه منبره بعينه الّذي كان في الدنيا، وهو أظهر. والثاني: إلا أن يكون له هناك منبر، والثالث إن قصد منبره والحضور عنده لملازمة الأعمال الصالحة يورد الحوض ويوجب الشرب منه، قاله الباجي.
وقوله: روضة من رياض الجنة يحتمل معنيين:
أحدهما: أنه موجب لذلك وأن الدعاء والصلاة فيه يستحق ذلك من الثواب، كما قيل: الجنة تحت ظلال السيوف، والثاني: أن تلك البقعة قد ينقلها اللَّه فتكون في الجنة بعينها قاله الداوديّ.
وروى ابن عمر وجماعة من الصحابة أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال في المدينة: لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة، وقال فيمن تحمل عن المدينة: والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون.
وقال: إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها.
وقال: لا يخرج أحد من المدينة رغبة عنها إلا أبدلها اللَّه خيرا منه.
وروى عنه صلى اللَّه عليه وسلم: من مات في أحد الحرمين حاجا أو معتمرا بعثه اللَّه يوم القيامة لا حساب عليه ولا عذاب. وفي طريق آخر: بعث من الآمنين يوم القيامة،
وعن ابن عمر: من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها، فإنّي أشفع لمن يموت بها، وقال تعالي: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً إلى قوله: آمِناً قال بعض المفسرين: آمنا من النار، وقيل: كان يأمن من الطلب من أحدث حدثا خارجا عن الحرم ولجأ إليه في الجاهلية، وهذا مثل قوله: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً على قول بعضهم.
وحكي أن قوما أتوا سعدون الخولانيّ بالمنستير فأعلموه أن كتامة قتلوا رجلا وأضرموا عليه النار طول الليل فلم تعمل فيه شيئا، وبقي أبيض البدن! فقال: لعله حج ثلاث حجج، قالوا: نعم، قال: حدثت أن من حج حجة أدى فرضه، ومن حج ثانية داين ربه، ومن حج ثلاث حجج حرم اللَّه شعره وبشره على النار.
ولما نظر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى الكعبة قال: مرحبا بك من بيت ما أعظمك وأعظم حرمتك.
وفي الحديث عنه صلى اللَّه عليه وسلم: ما من أحد يدعو اللَّه تعالي عند الركن الأسود إلا استجاب اللَّه له، وكذلك عند الميزاب.
وعنه صلى اللَّه عليه وسلم: من صلى خلف(14/623)
المقام ركعتين غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وحشر يوم القيامة من الآمنين.
قال الفقيه القاضي أبو الفضل: قرأت على القاضي الحافظ أبي علي، حدثنا أبو العباس العذري قال: حدثنا أبو أسامة محمد بن أحمد بن محمد الهروي، حدثنا الحسن بن رشيق، سمعت أبا الحسن محمد بن الحسن بن راشد، سمعت أبا بكر محمد بن إدريس، سمعت الحميدي قال: سمعت سفيان ابن عيينة قال: سمعت عمرو بن دينار قال: سمعت ابن عباس يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم يقول: ما دعا أحد بشيء في هذا الملتزم إلا استجيب له.
قال ابن عباس: وأنا فما دعوت اللَّه بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم إلا استجيب لي.
وقال عمرو بن دينار: وأنا، فما دعوت اللَّه تعالى بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من ابن عباس إلا استجيب لي، وقال سفيان: وأنا فما دعوت اللَّه بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من عمرو إلا استجيب لي، قال الحميدي: وأنا فما دعوت اللَّه بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من سفيان إلا استجيب لي، وقال محمد بن إدريس: وأنا، فما دعوت اللَّه بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من الحميدي إلا استجيب لي، وقال أبو الحسن محمد بن الحسن: وأنا، فما دعوت اللَّه بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من محمد ابن إدريس إلا استجيب لي. قال أبو أسامة: وما أذكر الحسن بن رشيق قال فيه شيئا، وأنا، فما دعوت اللَّه بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من الحسن بن رشيق إلا استجيب لي من أمر الدنيا، وأنا أرجو أن يستجاب لي من أمر الآخرة. قال العذري: وأنا، فما دعوت اللَّه بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من أبي أسامة إلا استجيب لي، قال أبو علي: وأنا، فقد دعوت اللَّه فيه بأشياء كثيرة استجيب لي بعضها، وأنا أرجو من سعة فضله أن يستجيب لي بقيتها.
قال القاضي أبو الفضل: ذكرنا نبذا من هذه النكت في هذا الفصل وإن لم تكن من الباب، لتعلقها بالفصل الّذي قبله حرصا على تمام الفائدة واللَّه الموفق للصواب برحمته. انتهى كلام القاضي عياض.
وقال: ابن زبالة: وحدثني غير واحد، عن: عبد العزيز بن أبي حازم، ونوفل بن عمار، قالوا: إن كانت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- لتسمع صوت الوتد يؤتد، والبناء يضرب في بعض الدور المطمئنة بمسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فترسل إليهم: لا تؤذوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.(14/624)
قال: وقد ذكرنا عمر بن عبد العزيز بالمسجد النبوي، فبينا أولئك العمال يعملون في المسجد وما إن خلا لهم المسجد فقال بعض أولئك العمال من الروم: ألا أبول على قبر نبيهم؟ فنهاهم عن ذلك بعض أصحابهم، فلما همّ أن يفعل، اقتلع فألقي على رأسه فانتتر دماغه وأسلم بعض أولئك النصارى، وقد ذكر أن أبا الفتوح بن جعفر بن محمد الحسيني أمير مكة أمره خليفة مصر في سنة تسعين وثلاثمائة أن يتوجه إلي المدينة وينقل الجند المعظم إلى مصر، وبعث إليه عسكرا، فقده المدينة وأزال من حوله من بني مهنا الحيثيون عنها، ودخل الحجرة الشريفة ليمضي ما عزم عليه، فقام رجل فقرأ قوله تعالى: أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [ (1) ] حتى تجيء سحابه خرج منها ريح عاصف ظلمت منه المدينة وما حولها وقويت حتى كادت تقتلع المنارات وهلك معظم العسكر ودواوينهم فكف أبو الفتوح عما قصده وعاد الى مكة.
وقد ذكر الحافظ محب الدين أبو عبد اللَّه محمد بن محمود بن الحسن المعروف باسم ابن النجار رحمه اللَّه هذا الخبر في (تاريخه) فقال أيضا: أخبرنا أبو محمد عبد اللَّه بن المبارك المقدسي عن أبي المعالي صالح بن شافع الحنبلي، قال: أنبأنا القاسم بن عبد اللَّه بن محمد المقدسيّ المعلم، حدثنا أبو القاسم عبد الحكيم بن محمد المغربي، قال: إن بعض الزنادقة أشار على الحاكم العبيدي صاحب مصر بنقل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وصاحبيه إلى مصر، وزين له ذلك وقال:
متى تم ذلك شد الناس رحالهم من أقطار الأرض إلى مصر، وكانت منفعة لسكانهم، فأجابه الحاكم في ذلك، وبني بمصر [مسجدا] أنفق عليه مالا جزيلا قال: وبعث إلى أبي الفتوح [ ... ] الموضع الشريف، وحمله، فلما وصل إلى المدينة وجلس بها حضر جماعة من المدينتين وقد علموا ما جاء فيه، وحضر معهم قارئ يعرف [بالألباني] فقرأ في المجلس: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ إلى قوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [ (2) ] فهاج الناس وكادوا يقتلون أبا الفتوح ومن معه من الجند، ومنعهم من سارع إلى ذلك، إلا أن البلاد كانت لهم، لما رأى أبو الفتوح ذلك قال لهم: اللَّه أحق أن يخشى، واللَّه لو كان علي من الحاكم فوات الروح ما تعرضت للموضع، وحصل له من ضيق الصدر ما
__________
[ (1) ] التوبة: 13.
[ (2) ] التوبة: 12- 13.(14/625)
أزعجه، كيف نهض في مثل هذه المحربه؟ فما انتصف النهار في ذلك اليوم حتى أرسل اللَّه تعالى ريحا كادت الأرض تزلزل من فوقها، حتى خرجت الإبل بأثقالها، والخيل بسروجها، كما تدحرج الكرة على وجه الأرض، وهلك أكثرها، وحلق بالناس، فانشرح صدر أبى الفتوح، وذهب روعه من الحاكم لقيام عدد من امتناع ما جاء فيه.
وقال المحب الطبري في كتاب (الرياض النضرة في فضائل العشرة) - رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-: أخبرني هارون بن الشيخ عمر بن الراغب قال: كنت مجاورا بالمدينة وشيخ الخام إذ ذاك شمس الدين صواب الملطي، وكان رجلا صالحا كثير البر بالفقراء، فقال لي يوما: ما أخبرك بعجبه: كان لي صاحب يجلس عند الأمير ويأتيني من خبره بما يمس حاجتي إليه، فبينا أنا ذات يوم إذ جاءني فقال: أمر عظيم حدث اليوم، قال: قلت: وما هو؟ قال:
جاء قوم من أهل حلب وبذلوا للأمير مالا كثيرا وسألوه أن يمكنهم من فتح الحجرة [النبويّة] وإخراج أبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- منها، فأجابهم إلى ذلك، قال: فاهتممت لذلك هما، ولم ألبث أن جاء رسول الأمير يدعوني إليه فأجبته، فقال لي: يدق عليك الليلة أقوام المسجد، فافتح لهم، ومكنهم مما أرادوا ولا تعارضهم، ولا تعترض عليهم، فقلت سمعا وطاعة، وخرجت ولم [أر النوم] اجتمع [وجلست] خلف الحجرة أبكي لا ترقأ لي دمعة، ولا يشعر أحد بما بي، حتى إذا صليت العشاء الآخرة، وخرج الناس من المسجد وغلقنا الأبواب، فلم أنشب أن دق الباب الّذي حدا باب الأمير، ففتحت الباب، فدخل أربعون رجلا أعدهم واحدا بعد واحد، ومعهم المساحي، والمكاتل، والشموع، [وأرادوا] الهدم، وقصدوا الحجرة.
قال: فو اللَّه ما وصلوا المنبر حتى ابتلعتهم الأرض جميعهم، ما كان بينهم من آلات وغير ذلك، ولم يبق لهم أثر، قال: فاستبطأ الأمير خبرهم، فدعاني وقال: ألم يأتك القوم؟ قلت: بلى، ولكن اتفق لهم ما هو كيت وكيت، فقال: انظر ما تقول، قلت: لا هو ذلك، قلت: وانظر هل ترى فيهم باقية أو لهم أثر، فقال لي: هذا موضع الحديث، إن ظهر عنك كان يقطع رأسك. ثم خرجت عنه. انتهى.
وقال الحافظ جمال الدين أبو عبد اللَّه محمد بن أبي جعفر أحمد بن خلف ابن عيسى المرقى الخزرجي الدميني في (تاريخ المدينة) : وصل السلطان الملك(14/626)
العادل نور الدين محمود بن زنكي في صفر في سنة سبع وخمسين وخمسمائة إلى المدينة بسبب رؤيا رآها، ذكرها بعض الناس ومعه الفقيه علم الدين يعقوب ابن أبى بكر المحترق أبوه ليلة حريق المسجد عن من حدثه عن أكابر من أدرك، أن السلطان محمود المذكور أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث مرات في ليلة واحدة وهو يقول له في كل واحدة منها: يا محمود أنقذنى من هذين، شخصين أشقرين تجاهه فاستحضر وزيره قبل الصبح فذكر له ذلك، فقال له: هذا أمر حدث في مدينة النبي صلى اللَّه عليه وسلم ليس له غيرك، فتجهز، وخرج علي عجل بمقدار ألف راحلة وما يتبعها من رجل وغير ذلك حتى دخل المدينة على غفلة من أهلها، والوزير معه، وزار وجلس في المسجد لا يرى ما يصنع فقال له الوزير: أتعرف الشخصين إذا رأيتهما؟ قال: نعم.
فطلب الناس عامة للصدقة، وفرق عليهم ذهبا كثيرا وفضة، وقال: لا يبقين أحد بالمدينة إلا جاء، فلم يبق إلا رجلان مجاوران من أهل الأندلس في الناحية التي تلى قبلة حجرة النبي صلى اللَّه عليه وسلم من خارج المسجد، عند دار عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- التي تعرف اليوم بدار العشرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فطلبهما للصدقة، فامتنعا وقالا: نحن على كفاية، ما نقبل شيئا.
فجد في طلبهما، فجيء بهما فلما رآهما قال الوزير: هم هذان، فسألهما عن حالهما، وما جاء بهما،
فقالا: جئنا لمجاورة النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال:
أصدقاني،
وتكرر السؤال حتى أفضى إلى معاقبتهما، أقرا أنهما من النصارى، وأنهما وصلا لكي ينقلا من في هذه الحجرة المقدسة باتفاق من ملوكهم، ووجدهما قد حفرا نفقا من تحت حائط المسجد القبلي، وهما قاصدان إلى جهة الحجرة الشريفة، ويجعلان التراب في بئر عندهما في البيت الّذي هم فيه، هكذا حدثني عن من حدثه.
فضرب أعناقهما عند الشباك الّذي في شرقيّ حجرة النبي صلى اللَّه عليه وسلم خارج المسجد، ثم أحرقا بالنار آخر النهار، وركب متوجها إلى الشام، فصاح به من كان نازلا خارج السور واستعانوا، فطلبوا أن يبني عليهم سورا يحفظ أبناءهم وماشيتهم، فأمر ببناء هذا السور الموجود اليوم، فبني في سنة ثمان وخمسين، وكتب اسمه على باب البقيع، فهو باق إلى اليوم، انتهى.
وفي سنة سبع عشرة وسبعمائة جهز الملك ابن صاحب عراقي والعجم عسكرا مع الشريف خميصة بن أبي نمر الحسني، أمير مكة، وقد عزل ولحق به،(14/627)
فأركبه وجهزه ليأخذ له مكة مع ملوك مصر مع الحجاز، وأوعز إليه أن يخرج أبا بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- من قبريهما، فصار معه القيطة والمعمارية والآلات، حتى توسط أرض نجد، بلغ الأمير محمد بن معنى خبره، فركب إليه جمع موفور وطرقه ليلا، فاستباح عسكر حرابنده عن آخرهم وفي خميصة وفي طائفة من أصحابه إلى الحجاز، فغنم الأمير محمد جميع ما كان معه، ومضى إلى الشام وكتب إلى نائب الشام يخبره، ثم قدم عليه فحمله إلى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون بقلعة الجبل من ديار مصر، فخلع عليه، وولاه إمارة العريف بالشام، بعد أن كان ساخطا عليه.
وتم هذا الكتاب البديع المنال، البعيد المثال، بتمام هذا الجزء [الرابع عشر] وهو المسمى:
إمتاع الأسماع بما للرسول صلى اللَّه عليه وسلم من الأنباء والأحوال والحفدة والمتاع(14/628)
نسأل اللَّه تعالى
حسن الخاتمة
قال محققه: وكان الفراغ من تحقيق هذا السفر العظيم في السيرة النبويّة، في ليلة النصف من شهر شعبان لسنه تسعة عشر ومائة وألف من هجرة خاتم المرسلين صلى اللَّه عليه وسلم، الموافق الثالث من ديسمبر سنة ثمان وتسعين وتسعمائة وألف من ميلاد المسيح عليه السلام.
ولا يفوتني أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى كل من ساهم في إنجاز هذا العمل الجليل ولو بكلمة طيبة، وأخص بالذكر كلا من:
* مكتب المحمدية لنظم المعلومات والميكروفيلم، الأستاذين: حسن النميسى وحسين النميسى حيث قاما بالإشراف على إخراج الكتاب في مراحله المختلفة.
* الأستاذة/ [أم الشيماء] هانم محمد على سعد، التي قامت بنسخ المخطوطة من الميكروفيلم، ثم معالجة تجارب الطبع، فجزاها اللَّه تعالى عن السيرة النبويّة خير الجزاء.
* الأستاذة/ نجوى محمد فراج، التي قامت بعمليات الجمع والتنسيق والطبع.
* دار الكتب العلمية بيروت لبنان، وعلى رأسها الأخ الكريم الأستاذ الفاضل/ محمد على بيضون، الّذي لم يدخر جهدا ولا مالا في إبراز هذا الكتاب القيم، من غياهب المخطوطات إلى عالم المطبوعات، خدمة للسيرة النبويّة، وإثراء للمكتبة العربية الإسلامية، تيسيرا على الباحثين من عباد اللَّه في أرض اللَّه. والحمد للَّه الّذي بنعمته تتم الصالحات.
وبذلك أرجو أن أكون قد رددت الفضل إلى أهل الفضل، فإن ذلك من بركة العلم.
سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ* وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ(14/629)
[المجلد الخامس عشر]
فهرس الآيات القرآنية
الآية رقمها الجزء والصفحة
سورة الفاتحة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ... نَسْتَعِينُ 1- 4/ 4 170.
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ 7- 3 145
سورة البقرة
الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ ... بِالْغَيْبِ 1- 3 4/ 389.
كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ 20 4/ 269.
إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ ... 23 4/ 140، 181، 220، 233،
235، 236- 4/ 381- 9/ 39، 40.
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا 24 4/ 220.
يا آدَمُ 33 4/ 185.
اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ 45 11/ 10.
لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ 48 4/ 260.
لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً 55 3/ 132.
ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ 58 1/ 282- 13/ 322- 324.
تَشابَهَ عَلَيْنا 70 4/ 252.
يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ 75 3/ 179.
وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا.. 14 76 4/ 218.
أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ 77 4/ 218(15/5)
وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ 89 3/ 358، 359- 4/ 93.
فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ ... مُهِينٌ 90 14/ 81.
قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ 94- 95 14/ 91.
قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ 97 14/ 74، 76، 81.
مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ ... 98 5/ 392.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا ... 104 3/ 109، 110.
ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها 106 4/ 156، 282.
فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ 115 3/ 93- 13/ 278.
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ... أَنْفُسِهِمْ 109 2/ 231- 12/ 179.
وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ ... 124 3/ 258- 6/ 5.
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً 125 10/ 342.
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ 127 3/ 105.
وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 135 2/ 362، 363.
وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ 137 4/ 216.
ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها 142 3/ 90، 115- 11/ 207.
وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها ... عَقِبَيْهِ 143 3/ 90- 10/ 276.
قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ 144 4/ 204.
وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ 144 3/ 82، 84، 85، 90- 10/ 334.
يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ 146 3/ 395- 4/ 93.
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ 147 13/ 192.
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ ... 156- 157 11/ 163.
إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ 158 4/ 330، 331.
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا 159 11/ 166، 248.
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا ... 163 4/ 166.
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ 183 10/ 265.
شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ... 185 3/ 97.
إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ... 186 11/ 161.
وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى 189 4/ 261.
الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ ... 194 1/ 330- 9/ 18(15/6)
وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ ... 195 1/ 331.
فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً ... 196 1/ 278.
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا ... 198 4/ 329.
ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ 199 2/ 354، 356، 358، 359.
رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ ... 201 2/ 108.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ 207 1/ 57.
ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً 208 11/ 9.
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ ... لا تَعْلَمُونَ 216 1/ 71.
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ 217 1/ 77.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا 218 9/ 85.
يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ 222 4/ 288.
هن حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ 223 14/ 64.
الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ 229 10/ 195.
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً 234 4/ 285.
وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ ... 236 13/ 63.
حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ...
تَعْلَمُونَ 238- 239 1/ 237- 4/ 284.
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً ... 240 4/ 285.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ 258 4/ 189.
إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها 259 4/ 261، 271.
قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي 260 11/ 185، 187، 188، 189، 210.
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ ... 279 9/ 217.
وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ 281 4/ 340.
أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما 282 11/ 214
سورة آل عمران
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ ... 5 12/ 261.
آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا 7 4/ 263(15/7)
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ ... 12 4/ 216.
قُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ ... 20 10/ 275.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ 23 13/ 234.
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ... ذُنُوبَكُمْ 31 3/ 145، 165- 4/ 205- 11/ 14- 13/ 179.
أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ 32 3/ 132.
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً ... 34 3/ 250- 6/ 5.
كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها 37 3/ 281.
وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ 39 4/ 212.
وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ 42 10/ 271.
وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ ... 48 4/ 214.
يا عِيسى 55 4/ 185.
إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ ... الْكاذِبِينَ 59- 61 14/ 69.
فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ ... 61 6/ 6.
إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ 62 9/ 39.
يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ ... 65- 68 14/ 66.
إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ... 68 3/ 106.
لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ... تَعْلَمُونَ 70- 71 3/ 395.
وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ 75 10/ 352.
ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ ... مُسْلِمُونَ 79- 80 14/ 66.
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ 81 10/ 278- 11/ 207.
وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا 88 4/ 218.
لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ 92 7/ 346.
حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ ... 93 14/ 80.
كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ ... الْمُشْرِكِينَ 93- 95 4/ 152، 153.
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً 96 10/ 342.
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ 101 12/ 340.
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً 103 11/ 9.
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ 110 3/ 338- 9/ 86، 87- 12/ 341(15/8)
لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ ... الصَّالِحِينَ 113- 114 13/ 305.
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ ... 121 1/ 177.
إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ ... 124 3/ 328- 4/ 211.
إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ ... اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ 124- 126 1/ 177.
لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ 128 1/ 152، 183- 12/ 68، 69- 13/ 258.
وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ 139، 4/ 216.
وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ ... الشَّاكِرِينَ 144 1/ 170- 2/ 139- 3/ 106- 12/ 177 14/ 219، 511، 556.
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ 152 3/ 329.
إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ 153 1/ 170.
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً 154 13/ 263، 264، 265.
فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ 159 2/ 240- 4/ 204.
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ 159 2/ 279- 13/ 49.
وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ 161 4/ 247.
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ 164 4/ 214- 9/ 148.
الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ... 172 1/ 180.
الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ... وَنِعْمَ الْوَكِيلُ 172- 173 8/ 358.
الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ 173 1/ 180، 194.
فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 175 11/ 9.
وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ 176 3/ 105.
إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ 181 4/ 170.
كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ 185 12/ 177.
وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ.. 186 2/ 231- 12/ 179.
فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا 187 6/ 8.
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... عَذابَ النَّارِ 190- 191 2/ 332.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا.. 200 11/ 9.
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ ... 83 3/ 116، 117(15/9)
سورة النساء
إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً 10 8/ 264.
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ... 11 5/ 138.
حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ ... سَبِيلًا 15 10/ 13.
وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ ... تَوَّاباً رَحِيماً 15- 16 10/ 12.
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ ... أَصْلابِكُمْ 23 6/ 190.
وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ 23 10/ 244.
وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ ... 24 2/ 19.
وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ 28 1/ 346- 10/ 63.
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ 37 11/ 7.
فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ... 41 2/ 324.
وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ 43 8/ 349- 10/ 182.
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ 46 4/ 161.
وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ 48 3/ 115.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً ... 51 1/ 223- 12/ 186، 187.
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ ... فَضْلِهِ 54 3/ 214- 6/ 128- 10/ 192.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ ... 59 3/ 132، 167، 9/ 48.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا 60 14/ 351.
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ ... 64 3/ 132.
وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا 64 14/ 615، 617.
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ ... 65 3/ 133، 145- 9/ 49-
13/ 165- 14/ 379.
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ ... 69 3/ 132- 10/ 397- 14/ 472.
وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً 79 3/ 122.
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ 80 3/ 132.
وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا.. 82 4/ 231.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ 94 1/ 347- 13/ 351، 352.
لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ... 95 3/ 48.
وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ... 102 1/ 281(15/10)
إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً 103 10/ 265.
إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ ... 105 11/ 217، 218.
إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ ... وَساءَتْ مَصِيراً 105- 115 14/ 354، 355.
إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً ... غَفُوراً رَحِيماً
106- 110 14/ 355.
لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ 114 13/ 233.
وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ ... 115 3/ 153.
وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا 125 3/ 258- 4/ 187- 11/ 22، 31.
وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً ... 128 6/ 34.
آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ 136 9/ 48.
وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا 141 6/ 288.
إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ 145 10/ 348.
إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ ... دِينَهُمْ لِلَّهِ 145- 146 14/ 341.
إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ ... 163 2/ 362- 3/ 106- 4/ 167.
لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ 165 4/ 139.
لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ 171 11/ 180.
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ 176 4/ 340- 5/ 137، 138
سورة المائدة
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ 2 14/ 163، 164.
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ 3 2/ 113- 14/ 450، 542، 544.
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي 3 3/ 115.
إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ... 6 11/ 10.
وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا 6 8/ 349.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ ... 11 1/ 128- 4/ 118- 8/ 353-
12/ 191.
وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ 13 3/ 391- 4/ 218- 14/ 382.
فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ 14 5/ 199.
قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ 15 10/ 308.
فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا ... 24 1/ 199- 4/ 168- 9/ 241، 259(15/11)
إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 33 1/ 273- 3/ 167.
ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا 33 14/ 379.
يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ 41 1/ 248- 4/ 184- 14/ 84، 87، 88.
فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ 42 14/ 89.
إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ.. 44 2/ 362- 14/ 84، 87، 88.
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ 47 14/ 87.
فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ 52 4/ 264.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ... 54 14/ 219.
وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً 58 14/ 92.
وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ 60 4/ 252.
يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ 64 4/ 170.
غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ 64 4/ 164.
يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ... 67 3/ 105- 8/ 289، 290، 291،
14/ 450.
وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ 67 4/ 223- 12/ 88- 13/ 54، 150، 11/ 206.
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا 92 3/ 167.
جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ.. 97 3/ 258، 260.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ ... 101 11/ 242، 243، 244.
يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ 110 3/ 105.
وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ 110 4/ 223.
يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ ... 112 3/ 108- 4/ 222.
قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ.. 115 3/ 218.
أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ 116 11/ 192.
إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ ... 118 2/ 243- 3/ 286- 9/
245(15/12)
سورة الأنعام
وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ ... 19 3/ 219.
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى 35 11/ 203.
فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا 45 12/ 258.
وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ 52 9/ 106، 114- 11/ 207.
أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ 53 9/ 114.
يَقُصُّ الْحَقَّ 57 4/ 320.
هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً 65 12/ 320، 321، 326.
وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ ... 75 4/ 189- 11/ 210.
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي 76 11/ 210.
لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ 77 11/ 208.
وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ ... 83 6/ 11- 12.
وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ ... 84- 85 6/ 8.
وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ ... 87 6/ 5.
أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ 90 2/ 358، 362- 3/ 120.
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً 21 93 12/ 252- 14/ 161.
وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ 91 96 4/ 332.
لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ 103 8/ 289، 290، 293، 296.
وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ 108 14/ 325.
وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ 112 14/ 323.
وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ.. 114 11/ 191.
وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ ... 116 11/ 205، 207.
وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً ... 129 14/ 445.
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ 140 2/ 363.
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ 151 2/ 363.
قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ... 151- 153 4/ 353.
أَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ ...
152 11/ 10.
وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ 155 9/ 39.
لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ 158 12/ 194(15/13)
قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي 162 13/ 23
سورة الأعراف
يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ 19 3/ 105.
فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ ... وَرَقِ الْجَنَّةِ 22 3/ 194.
يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ ... 26 8/ 142.
خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ 31 3/ 166- 8/ 142.
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ... طَمَعاً 55- 56 11/ 162.
إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ 56 3/ 264.
كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ 58 4/ 324.
إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ 60 3/ 111- 4/ 185.
إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ 61 3/ 111- 4/ 185.
يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ 66 3/ 111- 4/ 185.
قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ 67 3/ 111- 4/ 185.
يا صالِحُ ائْتِنا بعذاب اللَّه 77 3/ 105، 108.
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ 78 3/ 262.
وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ 86 8/ 268.
لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ 88 11/ 212.
رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا 89 4/ 278.
وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ 130 5/ 373.
يَعْرِشُونَ 137 4/ 261.
اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ 138 2/ 9، 10- 3/ 108- 4/ 168، 261.
قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي 143 8/ 294.
يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي 144 3/ 105، 342.
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ... الْمُحْسِنِينَ 156 11/ 169.
يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ ... 157 3/ 200، 345، 395- 13/ 100.
يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً 158 3/ 22، 145- 10/ 275.
بِعَذابٍ بَئِيسٍ 165 4/ 252(15/14)
وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ 179 6/ 5.
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ 199 2/ 186- 11/ 228.
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ 200 11/ 228
سورة الأنفال
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ 1 1/ 111- 3/ 167- 10/ 275- 13/ 145.
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ 7 3/ 319- 4/ 217، 231.
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ 9 1/ 99- 4/ 211، 220- 9/ 247- 12/ 138.
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ 12 1/ 100، 108- 3/ 36، 4/ 211.
مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
13 3/ 167.
وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى 17 1/ 108، 154- 4/ 261- 9/ 278- 13/ 253.
إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ 19 1/ 105- 6/ 238- 12/ 140.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ 24 3/ 167- 10/ 204.
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا ... 25 13/ 222.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ 27 1/ 248.
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ 30 1/ 57- 5/ 268- 9/ 193.
وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ 33 3/ 96.
إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ 34 5/ 398.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ ... 36 1/ 131.
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ... 38 14/ 404.
وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ 41 1/ 111- 3/ 167- 4/ 326- 13/ 144، 146، 147.
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً 47 1/ 89- 12/ 148.
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ ... 48 11/ 227- 12/ 144، 145،
146، 147.
لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ 48 3/ 320(15/15)
وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ 58 1/ 122.
لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ 63 4/ 385- 9/ 45.
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ 64 3/ 105، 401- 4/ 184، 190، 334.
إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا.. 65 4/ 230.
ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى 67 11/ 225.
ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ ... طَيِّباً 67- 69 8/ 343.
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ ... 70 1/ 80- 12/ 165، 168، 169.
الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ 74 9/ 85
سورة التوبة
بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ 1 3/ 167.
وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ 3 3/ 167.
وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ ... 12 14/ 403.
وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ... 12 9/ 221.
أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا ... مُؤْمِنِينَ 13 14/ 625.
الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ 20- 22 9/ 85.
قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ ... الْفاسِقِينَ 24 13/ 170.
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ ... 25 2/ 10.
وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ... 29 3/ 167.
وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ 30 4/ 162، 170.
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى ... 33 4/ 230- 14/ 177.
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ ... 37 2/ 119- 14/ 316.
إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً 39 12/ 78.
إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ... 40 1/ 58.
لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا 40 5/ 271.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ 40 11/ 203.
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ 43 3/ 115- 11/ 225.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي ... 49 2/ 49(15/16)
وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ... 59 3/ 167.
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ... 61 3/ 167- 14/ 349، 379.
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 63 3/ 167.
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ 65- 66 2/ 54- 14/ 32.
يُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ 71 3/ 167.
جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ 73 3/ 179.
وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ 73 4/ 204.
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ 74 2/ 54- 14/ 33، 346، 382، 383.
وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ 74 3/ 168.
وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ ... 75 14/ 350.
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ... 80 2/ 90، 232.
وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ ... 81 8/ 392.
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ ... 81- 82 2/ 49.
فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ ... 83 14/ 491.
وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ... 84 2/ 231، 232- 11/ 161.
وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ ... لا يَفْقَهُونَ 84- 87 2/ 91.
وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ 90 3/ 168- 8/ 391.
تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ.. 92 8/ 391.
وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ ... 92 3/ 146- 12/ 351.
سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ ... 95- 96 2/ 83.
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ 100 9/ 87، 88، 90، 169.
وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ 101 10/ 348.
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً 102 1/ 247- 8/ 393.
خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ... صَلِّ عَلَيْهِمْ 103 10/ 376- 11/ 161.
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً 107 8/ 392- 14/ 362.
وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 107 2/ 77.
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً ... الْمُطَّهِّرِينَ 107- 108 2/ 78(15/17)
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً ... عَلِيمٌ حَكِيمٌ 107- 110 10/ 76.
فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا 108 10/ 72، 74.
ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ 113 2/ 363.
لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ ... رَحِيمٌ 117 9/ 169.
إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ 117 11/ 169.
لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ ... التَّوَّابُ الرَّحِيمُ 117- 118 8/ 393.
لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ ... مَعَ الصَّادِقِينَ 117- 119 2/ 82.
وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً 122 2/ 79.
وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ... 124- 125 3/ 97.
لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ 128 4/ 184، 204، 244- 11/ 149، 150
سورة يونس
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ 2 3/ 263.
كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ 24 4/ 324.
وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ ... 25 8/ 126.
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ ... 28 4/ 181.
أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ... 62- 63 5/ 405.
رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ 88 9/ 245.
فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ ... 93- 94 11/ 190.
وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ 95 11/ 190.
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي ... 104- 105 11/ 190.
وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ ... 106 11/ 205
سورة هود
قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ 13 4/ 140، 180- 9/ 39.
وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ 17 3/ 131- 10/ 275.
احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ 40 5/ 400- 12/ 204.
وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ 42 3/ 105.
لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ 43 11/ 182(15/18)
وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي.. 45 12/ 43.
إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ 46 5/ 398.
فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ... 46 11/ 203، 204، 205.
يا نُوحُ اهْبِطْ 48 3/ 105.
يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ 53 3/ 105، 108.
رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ 73 3/ 257- 11/ 170.
يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا 76 3/ 105- 4/ 185.
أَطْهَرُ لَكُمْ 78 4/ 271.
ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ ... 91 3/ 215.
فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ 109 11/ 190.
إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى ... 114 2/ 21
سورة يوسف
لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ 7 6/ 178- 12/ 73- 14/ 93.
فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ 18 1/ 215.
إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ 30 11/ 213.
رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ 33 4/ 199.
لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ 35 4/ 264، 265.
فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ 42 11/ 229.
فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ 42 14/ 166.
وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ 76 11/ 226.
يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ 84 4/ 197.
لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ... 92 1/ 391، 392- 2/ 233، 234.
إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ 95 11/ 213.
مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي 100 11/ 228.
تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ 101 11/ 4.
قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ ... 108 11/ 139.
حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا ... 110 11/ 193، 194، 195(15/19)
سورة الرعد
اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى ... 8 4/ 124.
وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ 11 4/ 124.
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ 12 4/ 124.
وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ 13 14/ 96.
وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ 13 4/ 124.
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ ... 29 8/ 285.
وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ ... 31 3/ 218، 219.
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ 33 2/ 378.
كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ... 43 3/ 395- 11/ 193
سورة إبراهيم
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ 4 3/ 112، 240- 10/ 274.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ ... 13 11/ 211.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً 28 12/ 134.
وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ 28 12/ 124، 279.
وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ 35 4/ 190- 11/ 208.
رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ 36 2/ 243- 3/ 286.
فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي ... 36 9/ 245.
فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي ... 37 10/ 347.
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ 41 4/ 214.
وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ 46 4/ 63.
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ 48 14/ 78
سورة الحجر
يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ 6 4/ 185.
لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ 7 4/ 220.
ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً ... 8 3/ 218- 4/ 220(15/20)
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ 9 3/ 179- 4/ 280، 285- 9/ 44.
وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً ... مُبِينٌ 16- 18 5/ 7.
قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ 68 14/ 314.
لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ 72 3/ 221، 222- 4/ 205.
عالِيَها سافِلَها 74 3/ 262.
وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ 87 4/ 214.
وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ 89 1/ 32.
الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ 91 14/ 332.
فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ 94 1/ 32.
إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ 95 6/ 149- 14/ 328
سورة النحل
وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ 13 6/ 5.
وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ ... يَتَوَكَّلُونَ 41- 42 9/ 107، 114.
وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ 44 4/ 214.
أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ 47 4/ 278.
وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ 68 2/ 367، 370.
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ.. 90 4/ 347، 354.
كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً 92 13/ 242.
إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ 103 4/ 186.
لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ ... 103 9/ 42.
إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ 106 9/ 107- 14/ 386.
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ... 110 9/ 115.
ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ 123 2/ 362، 363- 3/ 121.
وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ... 126 1/ 168- 4/ 333
سورة الإسراء
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا ... 1 3/ 353- 8/ 190، 203، 206،
210، 211، 256، 261، 267.
إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً 3 3/ 184- 6/ 5(15/21)
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ ... 20 14/ 76.
وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً 20 3/ 103.
وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى 32 10/ 12.
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ... 45 4/ 116، 188.
وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ ... 59 3/ 218، 219، 4/ 219.
وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ ... 60 8/ 201، 228، 292- 12/ 279.
إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ 75 11/ 205، 206.
وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ 76 4/ 332.
أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ... نافِلَةً لَكَ 78- 79 13/ 26- 27.
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ 79 3/ 54، 288- 13/ 25، 35.
عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً 79 3/ 232، 237، 239، 281، 288، 289، 290، 291.
رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ 80 4/ 332.
جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ ... 81 4/ 188، 200- 5/ 72، 73، 74-
7/ 239- 13/ 380.
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ ... 82 3/ 97.
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ ... 85 4/ 376، 377.
لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا ... 88 4/ 140، 181- 9/ 39.
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ 101 14/ 82.
إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً 101 3/ 111- 4/ 185.
إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً 102 3/ 111- 4/ 185.
وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ ... 106 4/ 238
سورة الكهف
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ ... قَيِّماً 1- 2 4/ 377.
فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ 6 11/ 198.
وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ 24 10/ 324.
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ 28 4/ 333.
وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ 60 11/ 230(15/22)
وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ 63 11/ 229.
هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً 66 11/ 226.
وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً 84- 85 14/ 105.
قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي ... 109 4/ 376
سورة مريم
كهيعص 1 1/ 38- 4/ 365.
يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ 7 3/ 106.
فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا 11 2/ 367.
يا يَحْيى 12 3/ 106- 4/ 185.
يا يَحْيى
12 3/ 106- 4/ 185. فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا 17 4/ 214.
وَرَحْمَةً مِنَّا 21 4/ 214.
قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا 24 4/ 264.
وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ 31 11/ 170.
وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا 52 4/ 200.
وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا 57 4/ 194- 8/ 216.
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ 59 12/ 231- 14/ 139.
وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا 64 11/ 139.
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها 71 9/ 127.
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ 72 9/ 127.
وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا 97 4/ 63
سورة طه
طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى 1- 2 2/ 144، 145.
طه ما أَنْزَلْنا ... الْأَسْماءُ الْحُسْنى 1- 8 4/ 359.
يا مُوسى 11 4/ 185.
فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ 12 3/ 222.
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا ... 14 8/ 302.
وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي 39 4/ 204.
وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي 41 3/ 222(15/23)
فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً 44 4/ 204.
لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما 46 11/ 206.
إِنْ هذانِ لَساحِرانِ 63 4/ 314.
يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى 66 4/ 200.
وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى قالَ هُمْ 83- 84 4/ 204.
وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى 84 4/ 203.
إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى ... تَضْحى 118- 119 10/ 351.
وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى 121 3/ 105.
وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً 131 2/ 286- 13/ 117، 119.
أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى 133 4/ 220.
وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا 134 4/ 139
سورة الأنبياء
فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ 7 11/ 193.
وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً 11 10/ 12.
لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا 22 11/ 193.
وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ ... 29 3/ 112، 240.
وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ ... 34 14/ 510.
أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ... 67 9/ 245.
فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى 87 11/ 199، 200.
إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ ... 90 11/ 162.
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ 107 3/ 96، 104، 217- 4/ 214- 11/ 173.
وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ ... 111 5/ 360- 12/ 206
سورة الحج
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ 11 4/ 262، 274.
انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ 11 12/ 207.
هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ... 19 1/ 105.
وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ ... 25 10/ 350(15/24)
وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ 26 10/ 343.
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا ... 27 3/ 391.
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ... 39 1/ 71.
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ... عاقِبَةُ الْأُمُورِ 39- 41 9/ 226.
وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ 40 4/ 217.
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ... 52 11/ 228.
فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ 52 4/ 282.
يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ 55 12/ 135.
لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ 59 4/ 217.
وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ 78 12/ 203
سورة المؤمنون
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ 1 2/ 192- 3/ 47.
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ... أَحْسَنُ الْخالِقِينَ 1- 14 8/ 269.
أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ 64 12/ 135.
وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا 76 12/ 78.
فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ ... 101 10/ 283.
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً 115 3/ 157
سورة النور
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما 2 10/ 13.
إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ 11 1/ 215.
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ 15 4/ 319.
وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ 15 14/ 390.
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ 25 13/ 242.
وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا 54 3/ 312- 4/ 205.
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ 55 4/ 220، 231- 9/ 41- 14/ 179.
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ 62 3/ 167.
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ... 56 11/ 9(15/25)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ 62 9/ 48- 11/ 259.
لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ 63 3/ 108، 109، 163- 9/ 49- 10/ 201- 11/ 168.
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ... 63 3/ 153، 155، 163
سورة الفرقان
تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ 1 11/ 170.
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ ... 3 11/ 161.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ 4 4/ 186.
أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها 5 4/ 231.
قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ ... 6 4/ 186.
لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقى 7- 8 4/ 220.
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ 27 14/ 327.
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ ... خَذُولًا 27- 29 12/ 164- 165.
وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ 31 14/ 323.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ ... 32 4/ 237.
وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً 33 4/ 238.
وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً 38 12/ 293.
أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ 43 14/ 324.
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ ... 54 6/ 189.
الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً 59 11/ 191.
ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ 77 11/ 161.
فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً 77 12/ 135- 14/ 170
سورة الشعراء
يَضِيقُ صَدْرِي 13 4/ 271.
فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ 20 11/ 214.
إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ 70 11/ 208.
أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ... رَبَّ الْعالَمِينَ 75- 77 11/ 208.
وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ 82 4/ 189(15/26)
وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ 84 4/ 190- 10/ 369.
وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ 87 4/ 190.
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ 105 10/ 276.
كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ 123 10/ 276.
كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ 141 10/ 276.
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ 193 9/ 331.
أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ 197 4/ 220.
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ 214 1/ 32- 3/ 219- 4/ 109- 5/ 174، 175، 176.
الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ
218- 219 5/ 308.
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ... يَنْقَلِبُونَ 227 10/ 41
سورة النمل
طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ 1 14/ 67.
وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ 14 4/ 93.
يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ 16 4/ 211.
قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ 18 4/ 211.
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ 20 4/ 211.
إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً ... بِهَدِيَّةٍ 34- 35 5/ 388.
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى 59 4/ 213
سورة القصص
وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى 7 2/ 370.
فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ 15 3/ 105.
هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ 15 11/ 229.
إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ 16 3/ 112.
رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً 33 3/ 112.
أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً ... 34 3/ 215- 4/ 206.
وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا 46 3/ 339، 340.
وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا 57 14/ 337(15/27)
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ 85 4/ 198، 332.
كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ 88 12/ 177
سورة العنكبوت
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ 13 6/ 234.
وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ... النُّبُوَّةَ 27 4/ 195.
وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ ... 48 13/ 102، 106.
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ ... 51 3/ 218- 4/ 220- 11/ 173
سورة الروم
الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ... 1- 3 4/ 231.
الم غُلِبَتِ الرُّومُ ... فِي بِضْعِ سِنِينَ 1- 4 4/ 217، 220.
الم غُلِبَتِ الرُّومُ ... وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ 1- 5 14/ 165، 168، 170، 171.
وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ ... فِي بِضْعِ سِنِينَ 3- 4 9/ 41- 42.
يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا ... 7 11/ 216- 12/ 207.
وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا ... عِنْدَ اللَّهِ 39 13/ 118
سورة لقمان
إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ 18 11/ 7
سورة السجدة
أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً ... 18 13/ 217.
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى 21 12/ 135.
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ 23- 24 4/ 95.
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ ... يُنْظَرُونَ 28- 29 12/ 135
سورة الأحزاب
اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ 1 11/ 205.
ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ 5 6/ 306- 10/ 207(15/28)
النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ 6 3/ 132- 10/ 211، 257- 13/ 56، 169.
وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ ... 7 3/ 106- 5/ 392- 11/ 207.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ 9 1/ 243- 4/ 192- 11/ 387.
وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ 10 4/ 206.
إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ... شَدِيداً 10- 11 1/ 232.
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ ... 12 13/ 293- 14/ 351.
إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ 13 11/ 386- 14/ 352.
وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ... 14 12/ 244- 14/ 152.
قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ ... 18 4/ 218.
فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ ... 19 4/ 63.
لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ... 21 3/ 154، 155، 158.
هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ 22 13/ 293.
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ 23 4/ 246.
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ ... 25 8/ 355- 13/ 178.
وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها 27 4/ 217.
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ... أَجْراً عَظِيماً 28- 29 13/ 63، 64، 68، 70، 74.
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ... تَطْهِيراً 28- 33 10/ 237.
يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ ... وَالْحِكْمَةِ 32- 34 5/ 387، 397.
إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ ... 33 3/ 208- 4/ 190- 5/ 383، 384،
385، 386، 387، 388، 391.
وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ 34 4/ 284.
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 36 3/ 167.
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ... 37 3/ 168- 8/ 289- 10/ 207،
208، 209، 210، 213.
وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ 37 10/ 206.
فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً 37 3/ 156- 6/ 61- 10/ 241.
ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ 38 10/ 212، 213(15/29)
ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ ... 40 2/ 143- 3/ 106- 6/ 306-
10/ 207.
وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ 40 4/ 314.
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ 43 10/ 380- 11/ 162، 163.
وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً 43 3/ 179- 11/ 169.
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً ... 45 1/ 201- 3/ 105-
4/ 214، 354- 10/ 308.
إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ 50 6/ 104- 10/ 192، 196، 210، 240- 13/ 74، 76.
وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ 50 6/ 91.
تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ 51 10/ 204، 223، 235، 237.
وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ 51 6/ 93، 118، 119.
ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ ... 51 13/ 66.
لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ 52 4/ 260- 6/ 118، 119- 10/ 92.
وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ 52 13/ 72، 74.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ ... 53 6/ 60.
وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ... 53 5/ 395- 10/ 257، 258.
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ 56 10/ 368، 371، 374- 11/ 26، 42، 96، 99، 106، 142، 147، 164، 169- 14/ 614، 618.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً 56 11/ 2625.
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 57 3/ 167- 14/ 379.
لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ ... تَبْدِيلًا 60- 62 14/ 384.
مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا 61 14/ 379.
يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا 66 3/ 135.
فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا 69 4/ 168
سورة سبإ
وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا 10 4/ 207(15/30)
يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ ... 13 4/ 211.
لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ ... صَبَّارٍ شَكُورٍ 15- 19 9/ 171.
رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا 19 4/ 271.
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ 22 11/ 161.
حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ 23 5/ 11.
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ ... 28 3/ 112، 240- 4/ 214.
وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ 39 8/ 268
سورة فاطر
فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ 1 4/ 278.
وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ 24 10/ 274.
أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ 37 12/ 262
سورة يس
يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ 1- 2 1/ 57- 3/ 223.
يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ 1- 3 4/ 120، 121.
وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ 2- 3 3/ 223.
يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ... لا يُبْصِرُونَ 1- 9 9/ 196.
إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ 3 2/ 145.
إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا ... 8 4/ 188.
فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ 9 1/ 57- 4/ 121، 188.
وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ... 10 4/ 120.
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها 38 4/ 329.
وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ 69 3/ 111- 4/ 185، 228- 13/ 93، 94، 96، 97، 98، 99.
قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ 78 4/ 189- 14/ 327
سورة الصافات
وَالصَّافَّاتِ صَفًّا 1 4/ 356.
إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ ... ثاقِبٌ 6- 10 5/ 7(15/31)
أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ 36 4/ 185.
إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ... الشَّياطِينِ 64- 65 6/ 233، 234.
كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ 65 11/ 229.
وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ ... 78- 79 10/ 368، 339، 370.
إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ 84 11/ 208.
إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ 102 4/ 191- 13/ 182، 192.
سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ 102 4/ 190.
وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ... الْمُحْسِنِينَ 108- 110 3/ 258.
وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ 113 3/ 257.
سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ 130 5/ 373.
فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ 142 11/ 200.
فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ... يُبْعَثُونَ 143- 144 11/ 199.
فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ... يَزِيدُونَ 145- 147 11/ 199.
إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ 172 3/ 115
سورة ص
وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ ... أَوَّابٌ 17- 19 4/ 207.
وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا ... لَهُ ذلِكَ 21- 25 3/ 112.
لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً 23 4/ 272.
يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ 26 4/ 185- 3/ 105.
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ 34 3/ 105.
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً 35 4/ 209- 11/ 227.
أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ 41 11/ 229.
قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ... 86 12/ 73، 74
سورة الزمر
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ... 3 14/ 330.
ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى 3 11/ 191(15/32)
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ 30 12/ 177- 14/ 412، 510، 511، 556، 560، 561.
حَسْبِيَ اللَّهُ 38 4/ 190.
قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ 53 4/ 332- 9/ 190.
أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ.. 64 5/ 36.
لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ 65 11/ 190، 205، 206
سورة غافر
لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ 10 1/ 100.
وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ 28 5/ 272- 8/ 248.
أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ 46 5/ 373، 393، 11/ 25.
وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ 60 11/ 161
سورة فصلت
حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ... نَذِيراً 1- 4 4/ 341، 342، 343.
وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ ... 23 14/ 496.
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ ... 33 11/ 138.
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ 34 13/ 59- 14/ 383.
إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ ... حَمِيدٍ 41- 42 9/ 39، 331.
قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ ... 44 3/ 97
سورة الشورى
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً 13 2/ 362.
إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى 23 3/ 212، 213- 11/ 179.
فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ 24 11/ 205، 206.
وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ 38 2/ 280.
وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً ... 51 2/ 370- 8/ 289، 290، 297،
303.
ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ ... 52 2/ 347، 358- 11/ 214، 215(15/33)
سورة الزخرف
جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا 3 4/ 265.
سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا ... لَمُنْقَلِبُونَ 13- 14 7/ 214- 8/ 155، 156.
وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ 28 6/ 22.
وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ ... 31- 32 14/ 325.
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ 41 3/ 96، 220.
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ 44 4/ 214.
وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا 45 8/ 281- 11/ 191.
أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ... 52 3/ 215.
بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ 58 4/ 63
سورة الدخان
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ 10 5/ 15- 12/ 74.
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ ... عَذابٌ أَلِيمٌ 10- 11 4/ 203.
يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ 16 12/ 74.
إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ 43- 44 4/ 269.
إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ... كَغَلْيِ الْحَمِيمِ 43- 46 6/ 232
سورة الجاثية
لَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ ... 16- 17 4/ 195.
إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 29 4/ 282
سورة الأحقاف
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ 10 14/ 77.
وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ 10 4/ 333، 339.
وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما 17 12/ 277.
وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ... 29 4/ 210.
وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ ... عَذابٍ أَلِيمٍ 29- 31 8/ 307.
وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ ... ضَلالٍ مُبِينٍ 29- 32 9/ 70- 71(15/34)
يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ ... 30 5/ 12.
مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ... 30 9/ 73.
أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ 31 4/ 6.
وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ 31 9/ 74.
وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ ... 32 9/ 74
سورة محمد
وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ ... 2 3/ 106.
وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ 17 3/ 101.
وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ 19 2/ 173.
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ 22 14/ 445.
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ ... يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ 25- 26 4/ 219.
وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ 35 4/ 194
سورة الفتح
إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً 1 1/ 299، 300.
إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً ... وَما تَأَخَّرَ 1- 2 3/ 112، 113، 240.
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ ... 2 4/ 190.
وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً 3 3/ 115.
إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً 8 3/ 122.
إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ 10 3/ 222- 11/ 14.
وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا ... 13 3/ 122.
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ ... 15 14/ 491.
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ ... 16 4/ 217، 491.
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ ... 18 9/ 89.
فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ 18 13/ 61.
وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً ... 20 1/ 320- 5/ 105.
وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ ... 21 4/ 217.
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ... بَصِيراً 24 2/ 3، 233- 9/ 14(15/35)
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا ... 27 4/ 198، 231- 9/ 21- 13/ 354.
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ 28 3/ 216- 9/ 41.
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ 29 2/ 139، 145- 3/ 106.
رُحَماءُ بَيْنَهُمْ 29 2/ 162
سورة الحجرات
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا ... 1 10/ 281.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا ... 2 14/ 379، 616.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا ... غَفُورٌ رَحِيمٌ 2- 5 2/ 41.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ ... 6 2/ 42- 13/ 217.
حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ... 7/ 3/ 101.
وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا ... 13 3/ 208، 213.
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا ... 17 2/ 89
سورة ق
ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ 1- 2 4/ 279.
وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ 10 4/ 279.
وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ 19 4/ 273، 328.
لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما ... 38 4/ 167
سورة الذاريات
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ ... 24 14/ 314.
ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ 42 3/ 262- 4/ 192
سورة الطور
إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ 7- 8 4/ 353.
فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ 29 3/ 111.
أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ ... 33- 34 4/ 235(15/36)
أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ ...
الْمُصَيْطِرُونَ 35- 37 4/ 351، 352
سورة النجم
وَالنَّجْمِ إِذا هَوى 1 12/ 119، 120.
وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ... آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى 1- 18 8/ 282.
ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى 2 3/ 111- 9/ 82.
وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى 3- 4 3/ 114- 4/ 145، 10/ 299- 11/ 223.
دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى 8- 9 4/ 189- 12/ 117، 118.
فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى 9 3/ 39.
فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
10 8/ 227، 284، 286.
ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى 11 3/ 39، 42.
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً 13 3/ 42.
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى 13- 14 8/ 228، 284، 287.
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى 16 8/ 250، 285.
لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى 18 3/ 39.
فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا 29 4/ 186.
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى 33 4/ 332
سورة القمر
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ 1 4/ 219- 5/ 17، 20، 21، 23، 24، 25.
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ... مُسْتَمِرٌّ 1- 2 5/ 17.
إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ 2 5/ 18.
أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ 10 4/ 183.
إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ 34 5/ 293.
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ 45 8/ 341- 12/ 137.
بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ 46 4/ 244- 12/ 137(15/37)
سورة الرحمن
يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ 33 4/ 33- 9/ 73
سورة الواقعة
فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ 8 3/ 208.
وَالسَّابِقُونَ 10 3/ 208.
طَلْحٍ مَنْضُودٍ 29 4/ 272، 325.
إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً ... عُرُباً أَتْراباً 35- 37 2/ 254.
لِأَصْحابِ الْيَمِينِ 38/ 3/ 208.
أَصْحابُ الشِّمالِ 41 3/ 208.
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ ... زَقُّومٍ 51- 52 6/ 233.
فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ ... 75- 76 4/ 238.
فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ ... لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ 75- 77 5/ 388.
إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ ... رَبِّ الْعالَمِينَ 77- 80 9/ 39
سورة الحديد
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... أَجْرٌ كَبِيرٌ 1- 7 9/ 103.
آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ 7 11/ 9.
لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ ... 10 9/ 117، 120- 13/ 323، 325.
لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا 13 4/ 269.
وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ 23 14/ 217، 218
سورة المجادلة
وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ 8 14/ 379.
حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ 8 14/ 379.
لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ... 22 13/ 180
سورة الحشر
ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً ... 5 8/ 359(15/38)
ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ... 7 1/ 191- 4/ 326- 13/ 145،
146، 153.
وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ ... 7 3/ 132، 133، 165- 9/ 49.
لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ 8 9/ 86- 11/ 180.
وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ ... 9 9/ 204- 11/ 180- 13/ 179.
وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ... 10 11/ 181.
إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ 16 14/ 364
سورة الممتحنة
قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ ... 4 3/ 154.
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ ... 7 6/ 66- 10/ 263.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ ... 10 1/ 303، 353- 9/ 13.
فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ 10 6/ 288، 289.
وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ 10 1/ 303.
وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ ... 11 9/ 15
سورة الصف
وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ 6 3/ 105.
وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ 6 2/ 139، 145، 389.
كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ 14 9/ 169
سورة الجمعة
ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ... 4 11/ 160.
فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً 6- 7 4/ 220.
إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ 9 11/ 9.
فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ 9 4/ 272، 328
سورة المنافقون
إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ 1 1/ 209.
لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ 8 14/ 343، 382(15/39)
فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ 10 4/ 314
سورة التغابن
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا 8 3/ 122.
وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ 11 4/ 230.
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ 12 11/ 9
سورة الطلاق
إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ 1 13/ 63.
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً 2 4/ 230.
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ 3 4/ 230.
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ... أَجْراً 3- 4 14/ 35
سورة التحريم
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ... 1 6/ 50، 51.
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ 2 10/ 337.
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً 3 6/ 50.
وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ ... 4 5/ 405- 6/ 50- 13/ 68.
يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ 8 4/ 190.
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ 9 14/ 384.
وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ 12 4/ 260
سورة الملك
تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ 1 11/ 152، 170.
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ 5 5/ 7
سورة القلم
ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ 2 4/ 186.
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ 4 2/ 186، 192، 207.
وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ ... عَلَى الْخُرْطُومِ 10- 16 14/ 326(15/40)
وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى ... مَذْمُومٌ 48- 49 11/ 200، 201
سورة الحاقة
وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ 41 3/ 111.
وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ 44 11/ 206.
لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ 45 11/ 205
سورة المعارج
وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ 13 6/ 13.
كَلَّا إِنَّها لَظى نَزَّاعَةً لِلشَّوى ... فَأَوْعى 15- 18 5/ 297.
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ 32 4/ 261
سورة نوح
رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً 26 9/ 245
سورة الجن
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ 1 8/ 307.
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ ... بِرَبِّنا أَحَداً 1- 2 4/ 210- 5/ 10.
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ ... رَبُّهُمْ رَشَداً 1- 10 5/ 4.
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ ... جَهَنَّمَ حَطَباً
1- 15 9/ 74.
وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ ... 6 4/ 31.
وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً 8 5/ 9.
أَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ ... رَصَداً 9 4/ 220- 5/ 9.
لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ ... رَشَداً 10 5/ 13.
وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ ... لِبَداً 19 2/ 145.
إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ 22 9/ 79(15/41)
عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً 26 8/ 291
سورة المزمل
يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ 1 3/ 56- 5/ 185- 12/ 135- 13/ 29.
يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ ... أَوْ زِدْ عَلَيْهِ 1- 4 13/ 26، 30.
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا 5 2/ 378، 384- 3/ 47، 52.
إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً ... 6 4/ 279.
إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا 7 13/ 31.
وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ 11 12/ 135.
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى ... 20 3/ 54- 13/ 26، 28، 30.
عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ 20 3/ 56.
وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً 20 14/ 368
سورة المدثر
يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 1 4/ 184.
يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ 1- 3 4/ 336، 338.
يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ... فَطَهِّرْ 1- 4 1/ 31.
يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ... فَاهْجُرْ 1- 5 3/ 12، 13، 14، 30، 31.
وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ 6 13/ 116، 118.
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً 11 4/ 347، 348- 14/ 324.
وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً ... 31 14/ 325
سورة القيامة
لقيامة لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ... قُرْآنَهُ
16- 18 9/ 43، 44.
فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
18 4/ 225.
أَوْلى لَكَ فَأَوْلى 34 9/ 44
سورة الإنسان
فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا 18 14/ 78(15/42)
وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً 24 11/ 110
سورة المرسلات
وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً 1 14/ 459، 462
سورة عبس
كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ... كِرامٍ بَرَرَةٍ 11- 16 9/ 39
سورة التكوير
وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ 9 2/ 363.
ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ 20 4/ 211.
وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ 23 3/ 42
سورة المطففين
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا ... يُخْسِرُونَ 1- 3 9/ 203.
كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ 15 8/ 294.
فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ 34 11/ 209
سورة البروج
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ 21- 22 9/ 39.
فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ 22 4/ 261
سورة الطارق
وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ 1 1/ 140
سورة الأعلى
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى 1 4/ 245- 13/ 42
سورة الفجر
وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ 16 11/ 201(15/43)
لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ 25- 26 4/ 319، 320
سورة البلد
لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ 1- 2 1/ 399- 3/ 222
سورة الليل
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى 8- 9 6/ 234.
وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى 17- 18 1/ 36
سورة الضحى
وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى 1- 3 4/ 205.
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ 4- 5 4/ 205.
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى 5 4/ 204.
وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى 7 2/ 358- 11/ 213، 214
سورة الشرح
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ 1 3/ 33- 11/ 193.
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ... لَكَ ذِكْرَكَ 1- 4 11/ 118.
وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ 4 3/ 259- 4/ 190، 194- 9/ 48
سورة العلق
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ 1 2/ 384- 3/ 19، 23، 28، 30، 53- 4/ 290، 336- 5/ 13- 11/ 197.
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ... مِنْ عَلَقٍ 1- 2 4/ 126.
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ... ما لَمْ يَعْلَمْ 1- 5 1/ 30، 31، 32- 3/ 3، 16، 25، 32، 4/ 337، 338.
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ... وَاقْتَرِبْ 1- 19 9/ 75.
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى 6- 7 4/ 126.
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى 9- 10 6/ 231(15/44)
أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى 11 6/ 231.
إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى 13 4/ 126.
فَلْيَدْعُ نادِيَهُ 17 4/ 126.
سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ 18 4/ 126
سورة القدر
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ 1 4/ 237.
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ... أَلْفِ شَهْرٍ 1- 3 5/ 360- 12- 274
سورة الزلزلة
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها 5 2/ 367
سورة العاديات
وَالْعادِياتِ ضَبْحاً 1 3/ 222
سورة القارعة
كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ 5 4/ 272
سورة العصر
وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ 1- 2 4/ 322- 14- 445
سورة الفيل
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ ... كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ 1- 5 4/ 63، 67.
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ 3/ 4/ 83(15/45)
سورة قريش
لِإِيلافِ قُرَيْشٍ 1 4/ 64.
فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ 3- 4 4/ 65
سورة الكوثر
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ 1 4/ 236- 5/ 360- 12/ 274.
إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ 3 5/ 333- 14/ 328
سورة الكافرون
قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ 1 2/ 108- 13/ 42- 14/ 325
سورة النصر
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ 1 2/ 127- 4/ 217- 9/ 86- 14- 414، 416، 417، 418.
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ ... إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً 1- 3 2/ 324
سورة المسد
تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ 1 4/ 109، 115.
تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ... مِنْ مَسَدٍ 1- 5 6/ 258
سورة الإخلاص
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 1 2/ 108- 5/ 244- 11/ 145- 13/ 42- 14/ 46، 47
سورة الفلق
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ 1 11/ 134(15/46)
فهرس أطراف الأحاديث
حرف الالف
طرف الحديث الجزء/ الصفحة
ائت الميضأة فتوضأ
11/ 326، 327.
ائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم
14/ 453.
ائته، فإن وافقته حياً فأقتله
14/ 97.
ائتوا روضة كذا تجدون بها امرأة
9/ 123- 13/ 376.
ائتوني بأعلم رجلين منكم
14/ 87.
ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا
2/ 132- 14/ 449.
ائتوني بشيء من الماء
11/ 319.
ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده
14/ 447.
ائتوني بكتف والدواة واللوح أكتب لكم كتابا
14/ 448.
ائتوني به
5/ 51.
ائتوني بوضوء
1/ 83.
ائذن له وبشره بالجنة
6/ 355- 13/ 197.
ائذني لي أتعبد في هذه الليلة
4/ 213.
ائذنوا له حية أو ولد حية
12/ 278.
ائذنوا له فلبئس ابن العشيرة
10/ 213، 216.
ائذنوا له فبئس أخو العشيرة
2/ 245.
أبا عبد اللَّه، ما يجلسك إليهن؟
2/ 256.
أبا وهب، هل لك العام تخرج معنا
2/ 48.
إبراهيم خليل اللَّه، وموسى كلمه اللَّه تكليما
3/ 226.
ابسط رجلك
13/ 309.
ابسط رداءك
11/ 250.
ابسط كساءك
5/ 278- 6/ 318.
ابسطوا أنطاعكم وعباءكم
5/ 148(15/47)
أبشر أتاني جبريل وأخبرني أن حمزة
1/ 168.
أبشر بخير يوم مر عليك
2/ 82.
أبشر يا أبا بكر أتاك اللَّه بالنصر
4/ 211.
أبشروا بنصر اللَّه وعونه
1/ 232.
أبشروا قد ترحبت خيبر وتيسرت
1/ 311.
أبشروا، فو اللَّه لأنا بكثرة الشيء أخوفني عليه
14/ 192.
ابغني حجارا استنفض بها
9/ 80.
ابغوني حصيات
2/ 68.
أبك جنون؟
10/ 16.
أبكى الّذي عرض عليّ أصحابك من أخذهم الفداء
9/ 247.
ابن أبي العاص؟
11/ 323.
ابن الأشرف نزل على آل فلان
12/ 181.
ابنك هذا؟
7/ 66.
ابنك ويشهد أصحاب النبي
6/ 53.
ابنه خير منه
14/ 344.
ابنوا عريشا كعريش موسى
10/ 88.
ابنو لي منبرا
5/ 49.
أبو الجبابرة الأربعة
12/ 279.
أبو هريرة وعاء العلم
11/ 251.
أبوك حذافة
6/ 49- 11/ 240، 241، 243.
أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟
7/ 371.
أتاكم أهل اليمن هم أضعف قلوبا
14/ 61.
أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوبا
14/ 62.
أتاني آت عليه ثياب بياض
2/ 343.
أتاني آت من ربي فقال ما من عبد يصلي
11/ 51.
أتاني آت من عند ربي فخيرني
3/ 264.
أتاني جبريل عليه السلام بقدر فأكلت منها
6/ 126.
أتاني جبريل بقدر يقال له الكفيت
6/ 126.
أتاني جبريل في خضر معلقا به الدر
3/ 40(15/48)
أتاني راعي الجن وآثار نيرانهم
9/ 77.
أتاني الليلة ربي في أحسن صورة
8/ 129، 130.
أتحب أن أريك آية؟
5/ 37.
أتحب ذلك؟
5/ 115.
أتحبه لأمك؟
2/ 242.
أتدرون أي الخلق أفضل إيماناً؟
12/ 338، 339.
أتدرون أي يوم أعظم حرمة؟
10/ 343.
أتدرون ما يقول هذا البعير؟
5/ 259.
أتدري على من استعملتك؟
2/ 36.
أتدري من ذلك الرجل؟
12/ 247- 14/ 155.
اتركوا الحبشة ما تركوكم
12/ 311.
أتشفع في حد من حدود اللَّه تعالى
10/ 26.
أتشهد أني رسول اللَّه؟
3/ 365- 14/ 90.
أتعجبون من هذا الطائر؟
1/ 200- 5/ 275.
اتّق اللَّه وأمسك عليك زوجك
10/ 206، 208، 209.
اتقوا اللَّه، فإن تقوى اللَّه خير ما تواصى به
14/ 486.
اتقوا النار ولو بشق تمرة
14/ 59.
أتقولون هو أضل أم بعيره؟
10/ 217.
أتموا الركوع والسجود
5/ 307.
أتموا الصفوف فإنّي أراكم خلف ظهري
5/ 305.
أتموا صلاتكم يا أهل مكة فإنّا سفر
2/ 104.
أتى بفرس فحمل عليه
8/ 267.
أتى الليلة آت من ربي فقال صل في هذا الوادي
9/ 33.
أتى بالبراق وهو دابة أبيض طويل
8/ 214.
أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل
8/ 275.
أتيت على موسى ليلة أسرى بي عند الكثيب الأحمر
8/ 249- 10/ 304.
أتيت فانطلقوا بي إلى زمزم فشرح عن صدري
3/ 35- 8/ 219.
أتيت في أهلي فأتى بي إلى زمزم
3/ 37.
أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق
5/ 256، 58- 14/ 215(15/49)
أثمّ بينة؟
5/ 264.
أجدت لا يفضض اللَّه فاك
11/ 373.
أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا
14/ 507، 562.
أجرت نفسي من خديجة سفرتين بقلوص
8/ 186.
اجعله في إناء ثم ائتني به
5/ 90.
أجل
5/ 69- 7/ 212.
أجل أتاني آت من ربي عز وجل
11/ 44.
أجل أم العيال وربة البيت
6/ 33.
أجل إنه أتاني جبريل آنفا فقال يا محمد
11/ 44.
أجل إنها صلاة رغبة ورهبة
12/ 323.
أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم
14/ 513.
أجل إني أوعك وعك رجلين منكم
10/ 366.
أجل فافعلوا
10/ 171.
أجل يا عائشة هذا ملك الموت جاءني
14/ 505.
اجلس يا أبا حفص فقد كاد الحليم أن يكون نبيا
5/ 246.
اجلسوا
2/ 160.
اجلسوا باسم اللَّه
5/ 170.
أجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود
8/ 45.
أجنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة
5/ 143.
أجيبوا جابر يدعوكم
1/ 229- 5/ 156.
أحابستنا هي؟
2/ 120.
أحبوا اللَّه لما يغذوكم به من نعمة
11/ 178.
احتجم
8/ 60.
احتفظي عليك بهذا الأسير
1/ 267.
احتلبوا هذا اللبن بيننا
5/ 217.
أحد جبل يحبنا ونحبه
14/ 42.
أحذركم سبع فتن تكون بعدي
13/ 4.
احذروا ما نزل بقريش وأسلموا
8/ 346.
أحسن هذا
10/ 83(15/50)
طرف الحديث الجزء/ الصفحة
أحسنت
4/ 267.
أحسنت إليك
2/ 235.
أحسنت وقبلت ذلك
1/ 219.
أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدا
11/ 46، 47.
أحسنتم، إنه لم يتوف نبي حتى يؤمه رجل صالح
2/ 57- 6/ 361.
أحصوا كم تلفظ بالإسلام
9/ 346.
أحصى ما يخرج منها
14/ 42.
أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء اللَّه
14/ 43.
أحضروا المنبر
11/ 72.
احفروا وأوسعوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين
1/ 174.
احفظي ما خرج منها حتى نرجع إليك
14/ 44.
أحق ما بلغني عنك؟
10/ 16.
أحكم بينكم، أما أنت يا زيد فمولى اللَّه ورسوله
1/ 333.
احلب لي العنز
5/ 226.
احمل فإنما أنت سفينة
6/ 319.
احموا لنا ظهورنا، فإنا نخاف أن نؤتى من ورائنا
1/ 141- 9/ 228.
أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس
2/ 375، 383- 3/ 45.
أخبركم بما سألتم عنه غدا
4/ 377.
أخبرنا عن قريش؟
1/ 96.
أخبرني بهن جبريل آنفا
14/ 74.
أخبرني جبريل عليه السلام أن هذا يقتل بأرض العراق
8/ 129- 12/ 239- 14/ 147.
أختاره أن أغرسه في الجنة
5/ 52.
أخذ الراية زيد بن حارثة فجاءه الشيطان
13/ 364.
أخذ الراية زيد فأصيب
13/ 362.
أخذنا فألك من فيك
2/ 274، 309.
آخر زادك من الدنيا ضيح من لبن
12/ 199.
آخر شراب تشربه من الدنيا شربة لبن
12/ 199.
أخر عني يا عمر، فإنّي خيرت فاخترت
2/ 90، 232.
اخرج عدو اللَّه أنا رسول اللَّه
5/ 40، 263، 395- 11/ 321(15/51)
اخرج عني من عندك
7/ 228- 9/ 197.
اخرج يا شيطان من صدر عثمان
11/ 253، 325.
أخرجا ما تصررانه
5/ 379- 9/ 286.
أخرصوها
2/ 54.
آخركم موتا في النار
14/ 132، 133.
آخركم موتا في الناس فيهم سمرة بن جندب
12/ 223- 14/ 131.
اخسأ فلن تعدو قدرك
5/ 16.
أخضبها بالحناء
8/ 60.
أدخل
2/ 254.
أدخل نفرا من أصحابي عشرة
5/ 167.
أدخل يا عوف
13/ 191.
أدخل يدك
2/ 173.
أدخلهم
1/ 359.
أدرك القوم فإنّهم قد اخترقوا
2/ 53- 14/ 32.
أدركا امرأة قد كتب معها حاطب كتابا
13/ 376.
أدركه فخذ الراية منه
8/ 386.
أدركهما فارتجعهما وبعهما جميعا
2/ 248.
ادع أصحابك من أصحاب الصفة
5/ 172.
ادع لي أسامة بن زيد
14/ 365.
ادعهما
12/ 4.
أدعو اللَّه أن يشفيه ويثبت به
11/ 311.
أدعو إلى اللَّه عز وجل والإسلام
5/ 38.
أدعو إلى اللَّه وحده لا شريك له
9/ 98.
ادعوا إليّ عثمان بن طلحة
1/ 394.
ادعوا إليّ محمية بن جزء
5/ 381.
ادعوا لي ادعوا لي
5/ 386.
ادعوا لي عثمان
13/ 384.
ادعوا لي عليا
14/ 482.
أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا اللَّه
4/ 353(15/52)
ادعى زوجك
12/ 65.
ادعي لي أباك أبا بكر، وأخاك حتى أكتب كتابا
14/ 209، 210.
ادعى لي عبد الرحمن بن أبي بكر أكتب لأبي بكر كتابا
14/ 290.
ادن فتعش
11/ 71.
ادن مني
11/ 339، 346.
ادن مني، والّذي بعثني بالحق نبيا لأدعون لك بدعوة
11/ 315.
ادنوا
5/ 176.
ادني يا فاطمة
11/ 277.
أدنيه، أما إني قد أصبحت وأنا صائم
7/ 279.
أدوا الخياط والمخيط، فإن الغلول عار وشنار
1/ 318.
إذا أبردتم إليّ بريدا فأبردوا حسن الوجه
2/ 274، 308.
إذا اتخذ الفيء دولا، والأمانة مغنما
12/ 381.
إذا أتيتموها فألقوها واحدة واحدة
5/ 135.
إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران
14/ 450.
إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجل نصر اللَّه
1/ 120.
إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق
12/ 203.
إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة
12/ 381.
إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا فليطعمه
7/ 386.
إذا أصاب أحدكم الحمى
8/ 22.
إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي
14/ 556.
إذا اغتلمت عليكم هذه الأوعية فاكسروا متونها بالماء
7/ 363.
إذا أقبلوا برايات سود من عقب خراسان
12/ 296.
إذا أمن الرجل الرجل على دمه
12/ 251- 14/ 159.
إذا أنتم صليتم عليّ فقولوا اللَّهمّ صل على محمد
11/ 20.
إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا
12/ 276.
إذا بلغت بنو أمية أربعين
12/ 275، 278.
إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه
10/ 320.
إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل
3/ 252- 11/ 39.
إذا جاء الرطب فهنئني
7/ 318(15/53)
إذا جلست في صلاتك فلا تتركن الصلاة عليّ
11/ 112.
إذا جمع اللَّه الخلائق يوم القيامة أذن لأمة محمد
10/ 341.
إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم
4/ 145.
إذا حم أحدكم فليشن الماء البارد ثلاث
8/ 23.
إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد اللَّه
11/ 125.
إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم عليّ
11/ 127.
إذا دخلت منزلك فسلم إذا كان فيه أحد
11/ 145.
إذا رأيته هبته
4/ 216.
إذا رفع أحدكم رأسه من آخر السجود فقد مضت صلاته
11/ 95.
إذا سألتني إني لفي صحراء
3/ 33.
إذا سمعتم بناس يأتون من قبل المشرق
12/ 390.
إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول
11/ 50، 121.
إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد اللَّه والثناء عليه
11/ 54.
إذا صليتم عليّ فصلوا على أنبياء اللَّه
10/ 371.
إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة
12/ 381.
إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني ويصل عليّ
11/ 148.
إذا عطب شيء منها فخشيت عليه موتا فانحره
7/ 254.
إذا عطس أحدكم فليضع كفه على وجهه
2/ 258.
إذا فتح اللَّه عليكم بعدي مصر فاتخذوا فيها جندا
14/ 185.
إذا فرغ أحدكم من طهوره فليقل
11/ 144.
إذا فرغت فآذنا
2/ 232.
إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما
9/ 212.
إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا
1/ 345.
إذا قضى الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها
5/ 6.
إذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد للَّه صالح
5/ 394.
إذا كان يوم القيامة قيل يا أهل الجنة غضوا
4/ 195.
إذا كان يوم القيامة كان لواء الحمد بيدي
3/ 236.
إذا كان يوم القيامة كنت إمام الناس يوم القيامة
3/ 236.
إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم
3/ 290(15/54)
إذا كان يوم القيامة نادى مناد من وراء الحجب
4/ 195.
إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما
9/ 212.
إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟
14/ 26.
إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتها أبناء الملوك
12/ 319.
إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم
12/ 138.
إذا منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها
12/ 313- 14/ 193.
إذا نسيتم شيئا فصلوا عليّ تذكروه إن شاء اللَّه
11/ 146.
إذا نكح الوليان فالأول أحق
6/ 74.
إذا هجرتموني فأمسكوا عني
14/ 583- 584.
إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده
12/ 131، 132- 14/ 187، 188.
إذا وزنت فأرجح
7/ 16.
إذا وضع السيف في أمتي لا يرفع عنها إلى يوم القيامة
12/ 322.
إذا يخزيك اللَّه
14/ 3.
إذا يكفيك اللَّه ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك
11/ 136.
أذقت أول قريش عذابا ووبالا
12/ 81.
إذن تخمشك النار، فإن شفاعتي لكل هالك من أمتي
3/ 293.
أذنت للناس في نحر حمولتهم يأكلونها
5/ 151.
إذنك عليّ أن ترفع الحجاب
6/ 356.
اذهب إلى يهود بني النضير فقل لهم
1/ 188.
أذهب الباس رب الناس
8/ 51- 11/ 336، 337، 338.
اذهب به فقد أجرته
1/ 360.
اذهب فادع لي بثلاثين من أشراف الأنصار
5/ 179.
اذهب فادع لي معاوية
12/ 112، 113.
اذهب فبيدر كل تمر على ناحية
5/ 198.
اذهب فخذ جارية
6/ 88- 13/ 139.
اذهب فردهم
10/ 136.
اذهب فصنف تمرك أصنافا
5/ 198.
اذهبا فإن أدركتماه فاقتلاه
14/ 97(15/55)
أذهبتم من عندي جميعا وجئتم مفرقين
1/ 78.
اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم
7/ 12.
اذهبوا به إلى فلانة فإنّها كانت صديقة خديجة
2/ 225.
اذهبوا بهذه الحصيات إلى بئركم
5/ 135.
اذهبوا فقولوا لها فتأكل سمنها
2/ 230.
اذهبي إلى الأنصار
11/ 389.
اذهبي فإنّا لم نأخذ من مالك شيئا
5/ 103.
أراد القوم الصلح
1/ 291.
أرأيت إن صرعتك تعلم أن ذلك حق؟
12/ 84.
أرأيت لو دعوت هذه العذق من هذه النخلة
5/ 37.
أرأيت ما تلقى أمتي من بعدي
12/ 325.
أرأيتكم ليلتكم هذه؟
12/ 288، 289.
أرأيتم إن قتلت أم قرفة؟
1/ 271.
ارجع
1/ 82.
ارجع إلى سيدتك، لا تقتل معي فتدخل النار
2/ 51.
ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري
4/ 370.
ارجع إلى مكانك
5/ 36.
ارجع فاحجج مع امرأتك
9/ 349.
ارجع فإنك لم تصنع شيئا
14/ 13.
ارجع معه فإنه يوشك أن يهلك
12/ 394.
ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم
2/ 247.
ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم وبروهم
2/ 248.
أرجو أن تجدوا الخبر عند هذا القليب
1/ 96.
أرسلت إلى الجن والإنس وإلى كل أحمر وأسود
3/ 330.
أرسلك أبو طلحة؟
5/ 165.
أرسله يا عمر
4/ 251.
أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة
2/ 226.
أرض المنشر والمحشر
6/ 347.
أرضعيه ولو بماء عينيك
12/ 260.
ارفع إزارك فإنه أتقى وأبقى
7/ 14.
ارفعوا أيديكم
13/ 346(15/56)
ارفعوا أيديكم، فإن كتف هذه الشاة تخبرني
13/ 348.
ارقيه وعلميها حفصة كما علمتيها الكتاب
10/ 57.
اركب بسم اللَّه
11/ 262.
اركب يا عقبة
7/ 223.
أركبها ويلك
2/ 103.
ارم أبا إسحاق
2/ 329.
ارم أبا طلحة
1/ 150.
ارم بها، أما علمت أنّا لا نأكل الصدقة
7/ 322.
ارم اللَّهمّ سدد رميته
1/ 84.
ارموا بمثل حصى الخذف
2/ 117.
ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميا
12/ 82، 83.
ارموا وأنا معكم جميعا
12/ 83.
أروني ابني ما سميتموه؟
2/ 275- 3/ 310- 6/ 9.
أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة
8/ 118.
أريت قوما من أمتي يركبون البحر
10/ 252.
أريت الليلة رجل صالح
8/ 134.
أريتك في المنام ثلاث ليال جاءني بك الملك
10/ 271- 11/ 235.
أريتك في المنام مرتين إذا رجل يحملك
11/ 235، 236.
أريتك قبل أن أتزوجك مرتين
11/ 236.
أريته في المنام وعليه ثياب بيض
8/ 103.
أزبدك، أزبدك
9/ 358.
أزوج بنت حمزة سلمة بن أبي سلمة مكافأة له
6/ 55.
أسأل اللَّه العظيم، رب العرش العظيم
8/ 49.
أسأل اللَّه عز وجل معافاته ومغفرته
4/ 253.
أسألك اللَّهمّ بأسمائك الحسنى ما علمت منها
11/ 226.
استجيب لي فيك يا عمر
3/ 401.
استعيذوا باللَّه من عذاب القبر
12/ 5.
استعينوا بالنسلان
2/ 107.
استغفروا لأخيكم فإنه شهيد دخل الجنة
13/ 364، 370، 371(15/57)