ألا يا عاذلا لا تعذلينى ... ومهلا بالأذى لا تهلكينى
دعينى إن أخذ الخسف منى ... [] [ (1) ] اللَّه حتى يقتلوني
وكان لا يسافر إلا بفرس ومعه نفر من قومه، فأقبل في سفره حتى ورد كليّة [ (2) ] وجد عليها حاضرا عظيما من بنى بكر، فأراد خويلد وأصحابه أن يسقوا من حوض كلية، فأتاهم نفر من بنى بكر فمنعوهم الماء إلا بثمن، فقال خويلد لأصحابه: يا قوم! متى تسومكم بنو بكر سوم العزيز الذليل، قالوا: فمرنا بأمرك، [قال] : آمركم أن تحملوا عليهم، فحمل عليهم بمن معه، فقتل خويلد [رجلا] من بنى بكر، وطعن رجلا فأشواه، وفر منه آخر، وانهزمت بنو بكر، وشرب خويلد وأصحابه من الماء فقال خويلد [ (3) ] :
تداعت بنو بكر لتبلغ عزنا ... ألا أم بكر يوم ذلك أيّم
أنا الفارس المشهور يوم كلية ... وفي طرف الرنقاء يومك مظلم
قتلت أبا جزء وأحطفت محصنا ... وأفلتنى ركضا مع الليل جهضم
فلما قدم خويلد، لامته امرأته في ذلك، قال:
ذريني أم عمرو ولا تلوميني ... ومهلا عاذلى لا تعذلينى
ذريني إن أخذ الخسف منى ... [] اللَّه حتى يقتلوني
فما أرجو لها بقية إذا ما ... غضبت وبل قائمة يميني
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين في (خ) كلمة لم أجد لها توجيها.
[ (2) ] كليّة- بالضم- ثم الفتح، وتشديد الياء، بالتصغير- قال عرام: واد يأتيك من شمنصير بقرب الجحفة، (معجم البلدان) : 4/ 543، موضع رقم (10374) .
[ (3) ] هذه الأبيات في (المرجع السابق) هكذا:
أنا الفارس المذكور يوم كليّة ... وفي طرف الرفقاء يومك مظلم
قتلت أبا جزء وأشويت محصنا ... وأفلتنى ركضا مع الليل جهضم(6/176)
وددت بأن حربهم تولت ... سواي وإن واقية تقيني
ولكن لا أرى عنها محيصا ... فإنّي زاهق ما أزهقونى
ونحن أباة الخسف يوم كليّة ... ونحن أباة الخسف كل مكان
فسمى ابى الخسف لإبائه الخسف لإبائه على بنى بكر [فهزمهم] هو وأصحابه وامتناعه، وكان خويلد يوم عكاظ على بنى أسد بن عبد العزى، ويقال: كان أيضا على بنى قصي، ولما حفر عبد المطلب زمزم قال له خويلد: [يا ابن] سلمى! لقد سقيت ماء رغدا، ونشلت بادية حبدا، فقال عبد المطلب: أما إنك [] في فضلها، واللَّه لا يساعفنى أحد عليها ببر، ولا يقوم معى [] إلا بذلت له خيرا لصهر، فقال خويلد: أقول وما قولي عليهم بسبة، البيتين وقد تقدما، فقال عبد المطلب: ما وجدت أحدا ورث العلم إلا قدم غير خويلد بن أسد، وكان يقال لبني أسد في الجاهلية:
ألسنة قريش، وامرأته أم ابنته خديجة: هي فاطمة ابنة زائدة بن جندب، وهو الأصم بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤيّ، وعمرو بن أم مكتوم أخو فاطمة هذه وابن خال خديجة بنت خويلد، لأنه عمرو بن قيس بن زائدة بن جندب، وأم فاطمة بنت عبد مناف: العرقة بنت سعيد بن سهم، وأمها عاتكة بنت عبد العزى بن قصي، وأمها نائلة ابنة حذافة بن جمح.
[حمو رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل سودة]
وحمو رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل سودة رضى اللَّه عنها: زمعة بن قيس بن عبد شمس ابن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ بن(6/177)
غالب، أبوه قيس، وأمه [] [ (1) ] بنت وهب بن الأثلب بن عبيد بن عمران ابن مخزوم.
حديث أم رومان خرجه البخاري في كتاب الأنبياء، في باب قول اللَّه تعالى: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ [ (2) ] ، من حديث حصين عن شقيق عن مسروق قالت: سألت أم رومان- وهي أم عائشة رضي اللَّه عنهما- عما قيل فيها ما قيل، قالت: بينا أنا مع عائشة جالستان، إذا ولجت علينا امرأة، من الأنصار وهي تقول: فعلى اللَّه بفلان وفعل، قالت: فقلت: لم؟ إنه نمى ذكر الحديث، فقالت عائشة: أي حديث؟ فأخبرتها، قالت: فسمعه أبو بكر ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ قالت: نعم، فخرت مغشيا عليها، فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض، فجاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: ما لهذه؟ قالت: حمى أخذتها من أجل حديث تحدّث به، فقعدت فقالت: واللَّه لئن حلفت لا تصدقونني، ولأن تعذرت لا تعذروننى، مثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه، واللَّه المستعان علي ما تصفون. فانصرف النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأنزل اللَّه ما أنزل [فأخبرها فقالت: بحمد اللَّه لا بحمد أحد] [ (3) ] . وقد استشكل قول مسروق، سألت أم رومان مع أنها ماتت في
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس بالأصل، ولم أقف عليه.
[ (2) ] سورة يوسف: 7.
[ (3) ] زيادة للسياق من (فتح الباري) : 6/ 516، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (19) قول اللَّه تعالى:
لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ، حديث رقم (3388) ، 7/ 553، كتاب المغازي، باب (35) حديث الإفك، حديث رقم (4143) ، 8/ 462، كتاب التفسير، سورة (12) باب (3) قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، حديث رقم (4691) ، 8/ 617، كتاب التفسير، سورة (24) باب (7) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ.(6/178)
حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ومسروق لم [يكن له رواية] [ (1) ] إلا في خلافة أبى بكر أو عمر، فقال أبو عمر بن عبد البر: رواية مسروق عن أم رومان مرسلة، ولعله سمع ذلك من عائشة، قلت: كيف يصح ذلك وهو يقول: سألت أم رومان؟ وقال الحافظ أبو الحجاج المزي في (التهذيب والأطراف) : أم رومان والدة عائشة من المهاجرات الأول، روى عنها مسروق مرسلا لأنها توفيت في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وراج ذلك على البخاري، والحديث في قصة الإفك، قال: وقد روى عن ابن مسعود عن أم رومان- وهو أشبه بالصواب- قال: وقال الخطيب: صوابه: سئلت أم رومان، فلعل بعض النقلة كتب سئلت بالألف، فإن من الناس من يجعل الهمزة في الخط ألفا وإن كانت مكسورة أو مرفوعة، قال الخطيب: ولم يظهر للبخاريّ علته، وقد أوضحنا ذلك في كتاب (المراسيل) ، قلت:
قال الخطيب: لا نعلمه روى هذا الحديث عن أبى وائل غير حصين، ومسروق لم يدرك أم رومان، وكان يرسل هذا الحديث عنها ويقول:
سئلت أم رومان، فوهم حصين فيه حيث جعل السائل لها مسروقا، أو يكون بعض النقلة كتب سئلت بألف، فصارت: سألت فقرئت بفتحتين، قال: علي أن بعض الرواة قد رواه عن حصين على الصواب، يعنى بالعنعنة.
قال: وأخرج البخاري في هذا الحديث بناء على ظاهر الاتصال، ولم تظهر له علته أ. هـ، وقد تعقب هذا الاعتراض بأن عمدة من ادعى وهم البخاري قول من زعم أن أم رومان ماتت في حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، [سنة
__________
[ (1) ] زيادة يقتضيها السياق، ومكانها مطموس بالأصل.(6/179)
أربع وقيل سنة خمس وقيل: سنة ست] [ (1) ] وهو شيء ذكره الواقدي، وذكره الزبير بن بكار بإسناد منقطع فيه ضعف، ولا تتعقّب الأحاديث الصحيحة بمثل ذلك، وقد أشار البخاري في (تاريخه الأوسط والصغير) إليّ ردّ ذلك، فقال بعد أن ذكر أم رومان في فصل من مات في خلافة عثمان: روى على ابن زيد عن القاسم، قال: ماتت أم رومان في زمن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سنة ست، قال البخاري: وفيه نظر، وحديث مسروق أسند، أي أقوى [إسنادا وأبين] اتصالا. أهـ، وقد جزم إبراهيم الحربي بأن مسروقا سمع من أم رومان وله خمس عشرة سنة، فعلى هذا يكون سماعه منها في خلافة عمر رضى اللَّه عنه، لأن مولد مسروق سنة الهجرة، ولهذا قال الحافظ أبو نعيم الأصفهاني: ماتت أم رومان بعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقد تعقب ذلك كله الخطيب، معتمدا على ما روى الواقدي والزبير، وفي تعقبه نظر، فقد خرج الإمام أحمد من طريق أبى سلمة، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: لما نزلت آية التخيير [ (2) ] ، بدأ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعائشة فقال: يا عائشة، إني عارض عليك أمرا، فلا تفتاتى فيه شيء حتى تعرضي عليه أبويك أبى بكر وأم رومان.
الحديث، وأصله في الصحيحين بدون تسمية أم رومان [ (3) ] .
وآية التخيير نزلت سنة تسع بالاتفاق، وهذا دال على تأخر موت أم رومان عن الوقت الّذي ذكره الواقدي، وهو سنة أربع أو سنة خمس، وعن
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (فتح الباري) .
[ (2) ] هي الآية رقم 28، 29 من سورة الأحزاب، وهي قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا* وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً.
[ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 556 مختصرا.(6/180)
الوقت الّذي ذكره الزبير، وهو في ذي الحجة سنة ست، وأيضا فقد وقع في صحيح البخاريّ في باب علامات النبوة من حديث عبد الرحمن بن أبى بكر في قصة أضياف أبى بكر رضى اللَّه عنه: قال عبد الرحمن: وإنما هو أنا وأمى وامرأتي وخادم [ (1) ] ، وفيه أيضا في الأدب: فلما جاء أبو بكر قالت له أمى: احتبست عن أضيافك [ (2) ] ... الحديث. وعبد الرحمن بن أبى بكر إنما هاجر في هدنة الحديبيّة، وكانت الحديبيّة في ذي القعدة سنة ست، وهجرة عبد الرحمن في سنة سبع في قول محمد بن سعد، وفي قول الزبير: فيها أو في التي بعدها، لأنه روى أن عبد الرحمن خرج في فتية من قريش قبل الفتح إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فتكون أم رومان تأخرت عن الوقت الّذي ذكراه.
وأم سودة: الشموس بنت قيس بن عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش من بنى البخار.
حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل عائشة
وحموه من قبل عائشة رضى اللَّه عنها: أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه، وقد تقدم التعريف به. وأم عائشة: أم رومان- يقال: بفتح الراء وضمها- بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان ابن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة بن خزيمة الكنانية، هكذا نسبها
__________
[ (1) ] (فتح الباري) 6/ 728، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3581) ، وفيه: قال: فهو أنا وأبى وأمى، ولا أدرى هل قال: امرأتي وخادمي.
[ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 656، كتاب الأدب، باب (88) قول الضيف لصاحبه: واللَّه لا آكل حتى تأكل، حديث رقم (6141) .(6/181)
مصعب، وخالفه وغيره [والخلاف] بين أبيها إلى كنانة كثير جدا [ (1) ] ، وأجمعوا أنها من غنم بن مالك بن كنانة [ (2) ] ، واسم أم رومان: زينب في قول هشام وغيره، وفي (الأطراف) يحلف أن اسمها دعد، كانت تحت عبد اللَّه بن الحارث بن سخبرة بن جرثومة بن عادية بن مرة الأزدي، وقدم بها مكة، ومات عنها، وقد ولدت له الطفيل بن عبد اللَّه، فخلف عليها أبو بكر رضى اللَّه عنه، فولدت له عبد الرحمن وعائشة، وأسلمت وهاجرت، وتوفيت بالمدينة في ذي الحجة سن ست،
ونزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في قبرها واستغفر لها وقال: اللَّهمّ لم يخف عليك ما لقيت أمّ رومان فيك، وفي رسولك [ (3) ] .
وأنكر الحافظ أبو نعيم موتها في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ولا عمدة له إلا حديث مسروق عنها، ويروى أنه قال: من سرّة أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم رومان [ (4) ] ، وقد خرّج لها البخاري حديثا واحدا من حديث الإفك رواية مسروق عنها ولم [يبينها] ، وتعجب كيف خفي ذلك على البخاري وقد فطن مسلم له [ (5) ] .
__________
[ (1) ] في (جمهرة أنساب العرب لابن حزم) : 137: أم رومان بنت عامر بن عمير بن ذهل بن دهمان بن الحارث بن تيم بن مالك بن كنانة.
[ (2) ] في (جمهرة النسب للكلبي) : 129: أم رومان بنت عمير بن عامر، من كنانة ثم من فراس.
[ (3) ] (الإصابة) : 8/ 207.
[ (4) ] (المرجع السابق) .
[ (5) ] قال أبو عمر بن عبد البر في (الاستيعاب) : رواية مسروق عن أم رومان مرسلة، ولعله سمع ذلك من عائشة، وقال الحافظ في (الإصابة) : ومقتضاه أن يكون سمع منها في خلافة عمر، لأن مولده سنة إحدى من الهجرة، وردّ ذلك الخطيب في المراسيل فقال- بعد أن ذكرت الحديث الّذي أخرجه فوقع فيه عن مسروق-: حدثتني أم رومان، فذكر طرفا من قصة إلا فك: هذا حديث غريب، ولا نعلم أحدا رواه غير حصين، ومسروق لم يدرك أم رومان، يعنى أنه قدم من اليمن بعد وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فوهم حصين في قوله: حدثني، إلا أن يكون بعض النقلة كتب سئلت بألف.
فصارت: سألت، وتحرفت الكلمة، فذكرها بعض الرواة بالمعنى، فعبّر عنها بلفظ حدثني، أن بعض الرواة رواه عن حصين بالعنعنة. قال الخطيب: وأخرج البخاري في (التاريخ) ، ووقع فيه(6/182)
حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل حفصة
وحموه من قبل حفصة رضى اللَّه عنها: أمير المؤمنين أبو حفص عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنها، وأم حفصة وأخويها عبد اللَّه، وعبد الرحمن الأكبر: زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب ابن حذافة بن جمح، أخت عثمان بن مظعون، أمها ريطة بنت عبد بن عمرو بن نضلة ابن غبشان من خزاعة، وهي أخت ذي الشمالين بن عبد عمرو. وذكر الزبير بن بكار:
وكانت زينب من المهاجرات، وقال ابن عبد البر: وأخشى أن يكون وهماه، لأنه قد قيل: أنها ماتت مسلمة بمكة قبل الهجرة، [حفصة ابنتها من المهاجرات] [ (1) ] .
حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم سلمة
وحموه من قبل أم سلمة رضى اللَّه عنها، أبو أمية حذيفة، ويعرف بأبي عبد مناف، وهو الزاد الركب بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤيّ ابن غالب، وأم مخزوم بن يقظة: كلبة بنت
__________
[ () ] «سألت مسروق: أم رومان» ، ولم يظهر علّته.
قال الحافظ: بل عرف البخاري العلة المذكورة وردّها كما تقدم، ورجح الرواية التي فيها: إنها ماتت في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، لأنها مرسلة، وراويها عليّ بن زيد، وهو ابن جدعان، ضعيف. وأم رومان لها ترجمة في: (الإصابة) : 8/ 206- 210، ترجمة رقم (12023) ، (الإستيعاب) : 4/ 1935- 1937، ترجمة رقم (4152) ، (مغازي الواقدي) : 2/ 698، (الثقات) : 3/ 459، (تلقيح الفهوم) : 387، (أعلام النساء) : 1/ 405، (تهذيب التهذيب) : 12/ 494- 495، ترجمة رقم (92945) .
[ (1) ] (الاستيعاب) : 4/ 1857، ترجمة رقم (3365) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، لكن قال الحافظ ابن حجر: بل الوهم ممن قال ذلك، فقد ثبت عن عمر أنه قال في حق ولده عبد اللَّه: هاجر أبواه. أخرجه البخاري من طريق نافع، عن ابن عمر، عن عمر، لما فضّل أسامة على عبد اللَّه بن عمر في القسم. وقد تعقب ابن فتحون كلام أبى عمر بهذا، وذكرها أبو موسى في (الذيل) بهذا الخبر.
(الإصابة) : 7/ 680، ترجمة رقم (11250) .(6/183)
عامر بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك، وأم عمر بن مخزوم وإخوته عامر وحبيب وأسد ولبني بنت سيار بن نزار بن معيص بن عامر بن لؤيّ، وأم عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وأم أخويه عبيد وعبد العزى: مرة بنت قصي ابن كلاب بن مرة، وأم المغيرة بن عبد اللَّه وأم أخويه عثمان وعائد.
وخالد، وأبى جندب أسد وقيس: ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، وفي المغيرة [السؤدد] والشرف والبيت، وأم أبى أمية حذيفة بن المغيرة، وأم إخوته هاشم وهشام، وأبى حذيفة مهشم، وأبى ربيعة ذي الرمحين عمر وخراش وأبى زهير تميم والفاكه وعبد اللَّه، وربطة بنت سعيد بن سعد بن سهم، وأمها عاتكة بنت عبد العزى بن قصي، وأمها الحطياء ريطة، وإنما قيل لأبى أمية زاد الركب، [لأنه] كان إذا خرج إلى سفر لم يتزود معه أحد، وهو زوج عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] .
وأم أم سلمة: عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن علقمة- ويقال له: جذل الطعان- ابن فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة [ (2) ] .
[حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل زينب بنت جحش]
وحموه من قبل زينب بنت جحش:
[جحش] بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان ابن أسد بن خزيمة الأسدي، وأم زينب: أميمة بنت عبد المطلب [بن هاشم] عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (جمهرة النسب) : 84- 86.
[ (2) ] (جمهرة أنساب العرب) : 188.
[ (3) ] (جمهرة أنساب العرب) : 191، (الاستيعاب) : 4/ 1849، ترجمة رقم (33555) ، وقال الحافظ ابن حجر: أمها أمية. (الإصابة) : 7/ 776، ترجمة رقم (11221) .(6/184)
[حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم حبيبة]
وحموه من قبل أم حبيبة رضى اللَّه عنها: أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، أبو حنظلة، وأبو معاوية، وأمه وأم أخته الفارعة وفاختة: صفية بنت حزن بن البجير بن الهزم ابن رؤبة بن عبد اللَّه بن هلال بن عامر بن صعصعة، وهي عمة أم الفضل بنت الحارث بن حزن، أم بنى العباس بن عبد المطلب، وعمة ميمونة أم المؤمنين.
ولد أبو سفيان قبل الفيل بعشر سنين، وكان تاجرا يجهز التجار بماله وأموال قريش إلى الشام وغيرها، ويخرج أحيانا بنفسه، وكانت إليه راية الرؤساء المعروفة بالعقاب، وكان لا يحبسها إلا رئيس، فإذا حميت الحرب اجتمعت قريش فوضعت تلك الراية بيد الرئيس، وكان معروفا بجودة الرأى في الجاهلية، وقاد الأحزاب، وقاتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في عدة مواطن، ثم أسلم في الفتح، وشهد حنينا، وهو معدود من المؤلفة [قلوبهم] ، ومات سنة اثنتين- وقيل أربع- وثلاثين، وصلّى عليه ابنه معاوية، وقيل عثمان، ودفن بالبقيع وله نحو التسعين سنة [ (1) ] .
__________
[ (1) ] أبو سفيان، صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصىّ بن كلاب، رأس قريش وقائدهم يوم أحد ويوم الخندق، وله هنات وأمور صعبة، لكن تداركه اللَّه بالإسلام يوم الفتح، فأسلم شبه مكره خائف، ثم بعد أيام صلح إسلامه.
وكان من دهاة العرب، ومن أهل الرأى والشرف وفيهم، فشهد حنينا. وأعطاه صهره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من الغنائم مائة من الإبل، وأربعين أوقية من الدراهم، يتألفه بذلك، ففرغ من عبادة هبل، ومال إلى الإسلام.
وشهد قتال الطائف، فقلعت عينه حينئذ، ثم قلعت الأخرى يوم اليرموك، وكان يومئذ قد حسن إسلامه، فكان يومئذ يحرض على الجهاد، وكان تحت راية ولده يزيد، فكان يصيح: يا نصر اللَّه اقترب.
يعقوب بن سفيان، وابن سعد بإسناد صحيح، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: فقدت الأصوات يوم اليرموك، إلا صوت رجل يقول: يا نصر اللَّه اقترب قال فنظرت، فإذا هو أبو سفيان(6/185)
وأم أم حبيبة وحنظلة بن أبى سفيان: صفية بنت أبى العاص بن أمية ابن عبد شمس، عمة عثمان بن عفان بن أبى العاص رضى اللَّه عنه، وأمها آمنة بنت عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب [ (1) ] .
[حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل جويرية]
وحموه من جهة جويرية: الحارث بن أبى ضرار بن حبيب [بن الحارث] [ (2) ] بن عائذ بن مالك بن جذيمة- وهو المصطلق بن سعد بن كعب ابن عمرو- وهو خزاعة- بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة ابن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد، رأس على بنى المصطلق، وكانوا ينزلون بناحية الفرع وهم حلفاء في بنى مدلج، فجمع لحرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج إليه وأوقع به على ماء يقال له: المريسيع [ (3) ] ، كما تقدم
__________
[ () ] تحت راية ابنه يزيد، وكان يقف على كتائب الخيل يذكّر ويقول: اللَّه اللَّه، إنكم أنصار الإسلام ودارة- أو ذادة- العرب، وهؤلاء أنصار الشرك ودارة الروم، اللَّهمّ هذا يوم من أيامك، اللَّهمّ أنزل نصرك.
وكان أسنّ من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعشر سنين، وعاش بعده عشرين سنة، وكان حمو النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وما مات حتى رأى ولديه: يزيد، ثم معاوية، أميرين على دمشق، وكان يحب الرئاسة والذكر، وكان له منزله كبيرة في خلافة ابن عمه عثمان.
توفى بالمدينة سنة إحدى وثلاثين، وقيل: سنة اثنتين، وقيل: سنة ثلاث أو أربع وثلاثين، وله نحو التسعين. له ترجمة في: (سير أعلام النبلاء) : 2/ 105، ترجمة رقم (13) ، (الاستيعاب) : 2/ 714، ترجمة رقم (1206) ، (الإصابة) : 3/ 412، 415، ترجمة رقم (4050) ، (طبقات خليفة) : 10، (تاريخ خليفة) : 166، (التاريخ الكبير) : 4/ 310، (المعارف) : 73، 74، 125، 344، 345، 553، 575، 586، 588، (الجرح والتعديل) : 4/ 426، (تهذيب التهذيب) : 4/ 361- 362، ترجمة رقم (718) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 1/ 466، ترجمة رقم (670) ، (الثقات) : 3/ 193، (تاريخ الصحابة) : 136، ترجمة رقم (668) ، (كنز العمال) : 3/ 612، (شذرات الذهب) : 1/ 30 و 37.
[ (1) ] (جمهرة أنساب العرب) : 111.
[ (2) ] زيادة للنسب من (الإصابة) .
[ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 404 وما بعدها، ذكر غزوة المريسيع.(6/186)
ذكره، وتزوج بابنته جويرية [ (1) ] . وأمها: [أم خارجة عمرة بنت سعد بن عبد اللَّه بن قداد بن ثعلبة بن معاوية بن زيد بن الغوث بن أنمار، التي يقال فيها: «أسرع من نكاح أم خارجة» ] [ (2) ] .
[حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل صفية]
حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل صفية: حيي بن أخطب بن سعية بن ثعلبة بن عبيد ابن كعب بن الخزرج بن أبى حبيب بن النضير بن النحام بن نحوم، من سبط لاوى من ولد هارون عليه السّلام، قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وحيي عين من أعيان بنى النضير، ولم يزل يحاد اللَّه ورسوله، وهو الّذي أشار بطرح الحجارة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما [سار] إلى بنى النضير ليستعينهم في دية العامريين الذين قتلهما عمرو بن أمية، حتى كان ذلك سببا لإجلاء بنى النضير من المدينة، وخروجهم إلى خيبر، ثم خرج في عدة من اليهود إلى مكة يدعو قريشا إلى حرب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وحالفهم على عداوته، حتى كانت وقعة الخندق، ثم
سار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى بنى قريظة و [سبى] منهم مقاتلتهم وفيهم حيي، فلما أتى به مجموعة يداه إلى عنقه، قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ألم يمكن اللَّه منك يا عدوّ اللَّه؟
قال: بلى، واللَّه ما لمت نفسي في عداوتك، ولقد التمست العزّ في مظانه، وأبى اللَّه إلا أن يمكنك منى، ولقد قلقلت كل مقلقل، ولكن من يخذل اللَّه يخذل، ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس، لا بأس بأمر اللَّه قدر، وكتاب اللَّه ملحمة كتبت على
__________
[ (1) ]
ذكر ابن إسحاق في (المغازي) : أنه جاء إلى المدينة ومعه فداء ابنته بعد أن أسرت، وتزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فلما كان بالعقيق، نظر إلى الإبل فرغب في بعيرين منها، فغيبهما في شعب، ثم جاء فقال: يا محمد، هذا فداء ابنتي، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: أين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق؟ فقال الحارث:
أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك رسول اللَّه، واللَّه ما أطلع على ذلك إلا اللَّه. (الإصابة) : 1/ 579، ترجمة رقم (1429) ، (سيرة ابن هشام) : 6/ 59- 60، 4/ 259.
[ (2) ] (جمهرة أنساب العرب) : 389.(6/187)
بنى إسرائيل، ثم أمر به فضربت عنقه، وأم صفية برة بنت السموأل بن [حيّا بن عاديا بن رفاعة بن الحارث بن ثعلبة بن كعب بن عمرو مزيقاء] [ (1) ] .
[حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل ميمونة]
وحموه من قبل ميمونة.. الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة ابن عبد اللَّه بن هلال بن عامر بن صعصعة [بن معاوية بن بكر بن هوازن ابن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر [ (2) ]] ، وأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة بن جرير، من حمير، وقيل:
من كنانة، وهي العجوز التي قيل فيها: أكرم الناس أصهارا.
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في الأصل، ولعل ما أثبتناه يناسب السياق، من (جمهرة أنساب العرب) :
372، (جمهرة النسب) : 619، وكان يهوديا، وهو الّذي يضرب به المثل في الوفاء، وهو صاحب تيماء.
[ (2) ] ما بين الحاصرتين مطموس في الأصل، واستدركناه من (جمهرة أنساب العرب) : 273.(6/188)
فصل في ذكر أصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
اعلم أن الصهر: القرابة، والصهر: حرمة الختونة، وصهر القوم: ختنهم، والجمع: أصهار، وصهر، أو قيل: أهل بيت المرأة أصهار، وأهل بيت الرجل أختان. وقال ابن الأعرابي: الصهر: زوج بنت الرجل وزوج أخته، والختن:
أبو امرأة الرجل وأخو امرأته. وقيل: ختن الرجل: المتزوج بابنته أو بأخته، والجمع أختان، والأنثى ختنة، وخاتنه: تزوج إليه، والاسم: الختونة.
ومن العرب من يجعلهم كلهم أصهارا، وقد صاهرهم، وصاهر فيهم، وأصهر بهم وإليهم: صار فيهم صهرا.
وقال الضحاك في قول اللَّه عزّ وجل: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً [ (1) ] وَصِهْراً [ (2) ] : النسب سبع: قوله:
__________
[ (1) ] النسب: نسب القرابات، وهو واحد الأنساب. ابن سيده: النسبة، والنسبة، والنسب: القرابة، وقيل: هو في الآباء خاصة، وقيل: النسبة، والنسبة: مصدر الانتساب، والنسبة: الاسم.
التهذيب: النسب يكون بالآباء، ويكون إلى البلاد، ويكون إلى الصناعة.
أبو زيد: يقال للرجل إذا سئل عن نسبه: انتسب لنا، أي انتسب لنا حتى نعرفك. وناسبه: شركه في نسبه، والنسيب المناسب، والجمع نسباء وأنسباء، وفلان يناسب فلانا فهو نسيبه أي قريبه، ورجل نسيب منسوب: ذو حسب ونسب، ويقال: فلان نسيبى، وهم أنسبائى، والنساب: العالم بالنسب، وفي حديث أبى بكر رضى اللَّه تعالى عنه: وكان رجلا نسابة، النسابة البليغ العالم بالأنساب، وإنما أدخلوا الهاء للمبالغة والمدح، ولم تلحق لتأنيث الموصوف بما هو فيه، وإنما لحقت لإعلام السامع أن هذا الموصوف بما هي فيه قد بلغ الغاية والنهاية، مثل علامة. مختصرا من (اللسان) : 1/ 755- 756.
[ (2) ] الصهر: القرابة، والصهر: حرمة الختونة، وختن الرجل صهره، والمتزوج فيهم أصهار الختن، والأصهار:
أهل بيت المرأة، ولا يقال لأهل بيت الرجل إلا أختان، وأهل بيت المرأة: أصهار.
ومن العرب من يجعل الصهر من الأحماء والأختان جميعا، تقول: صاهرت القوم إذا تزوجت(6/189)
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ.
والصهر خمس: قوله: وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [ (1) ] .
وجعل ابن عطية هذا القول وهما، وقال الفراء والزجاج: النسب الّذي لا يحل نكاحه، والصهر: الّذي يحل نكاحه، وهو قول على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، وقال الأصمعي:
الصهر: قرابة النكاح، فقرابة الزوجة [هم] الأختان، وقرابة الزوج هم
__________
[ () ] فيهم، وأصهرت بهم إذا اتصلت بهم، وتحرّمت بجوار أو نسب أو تزوّج.
ابن الأعرابي: الصهر: زوج بنت الرجل، وزوج أخته. والختن أبو امرأة الرجل، وأخو امرأته، ومن العرب من يجعلهم أصهارا كلهم وصهرا، والفعل: المصاهرة، وقد صاهرهم وصاهر فيهم، وأصهر بهم وإليهم: صار فيهم صهرا.
قال ابن سيده: وربما كنوا بالصهر عن القبر، لأنهم كانوا يئدون البنات فيدفنونهم، فيقولون:
زوجناهن من القبر، ثم استعمل هذا اللفظ في الإسلام فقيل: نعم الصهر القبر، وقيل: إنما هذا على المثل، أي الّذي يقوم مقام الصهر، قال: وهو الصحيح.
وقال الفراء في قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ.
قال ابن عباس: حرّم اللَّه من النسب سبعا ومن الصهر سبعا: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ من النسب، ومن الصهر وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ووَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ.
قال أبو منصور: حرّم اللَّه تعالى سبعا نسبا وسبعا سببا، فجعل السبب القرابة الحادثة بسبب المصاهرة والرضاع، وهذا هو الصحيح لا ارتياب فيه. (اللسان) : 4/ 471- 472، مختصرا.
[ (1) ] النساء: 23.(6/190)
الأحماء، والأصهار يقع عاما [ (1) ] .
وقال محمد بن الحسن: أختان الرجل: أزواج بناته وأخواته وعماته وخالاته، وكل ذات محرم منه، وأصهاره: كل ذي رحم محرم من زوجته، واختار النحاس قول الأصمعي في أن الأصهار من كان من قبل الرجل والزوجة جميعا، وقول محمد بن الحسن في الأختان.
وحكى الزهراوى أن النسب من جهة البنين، والصهر من جهة البنات، والمعوّل على ما قد اختاره النحاس [ (2) ] .
وخرج الحاكم من حديث محمد بن عثمان بن أبى شيبة، حدثني أبى، حدثنا أبو مارية عن أبان بن تغلب عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش عن عبد اللَّه في قوله تعالى بَنِينَ وَحَفَدَةً، قال: الحفدة: الأختان. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين [ (3) ] .
وخرج الحافظ ابن عساكر من حديث يونس بن أبى إسحاق، عن أبى إسحاق عن الحارث عن على رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا يدخل النار من تزوج إليّ أو تزوجت إليه،
ومن حديث إسماعيل بن عياش، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: شرط من ربى ألا أصاهر إلى أحد ولا يصاهر إليّ أحد إلا كانوا رفقائي في الجنة، فاحفظوني في أصهارى [وأصحابى] ، فمن حفظنى فيهم كان عليه من اللَّه حافظ، ومن لم يحفظني فيهم تخلى اللَّه منه، ومن تخلى اللَّه منه هلك.
__________
[ (1) ] راجع التعليقين (1) ، (2) من الصفحة السابقة.
[ (2) ] النحل: 72.
[ (3) ] (المستدرك) : 2/ 387، تفسير سورة النحل، حديث رقم 3356/ 493، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم.(6/191)
[أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل خديجة]
فأصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل خديجة: أعمامها وعماتها، وإخوانها وأخواتها. أما أعمامها فخمسة عشر، هم: الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي، كان أكبر إخوته، وأمه وأم إخوته المطلب وعبد اللَّه وعثمان وأختهم لأمهم: أم حبيب بنت أسد، أم آمنة بنت وهب، وأم أخواته لأبيه أسد: النافضة، وأم سفيان وأم المطاع وعاتكة وبهصة- وهي برة- ابنة عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب، والحارث بن أسد. يقول مطرود بن كعب الخزاعي:
شددت القوى وأقمت الديار ... غصنا شبابك لم يلبس
لعمري لقد أعلم [] [ (1) ] ... بالحارث الهالك [] [ (1) ]
نصاف السجية طلق اليدين ... وزين العشيرة في المجلس
وذي الفضل وفي الدانيات ... وذي النسب الواضح الأملس
ونوفل بن أسد، أمه وأم إخوته حبيب وصيفي رقية، قبة الديباج [وهي] [ (2) ] خالدة بنت هاشم بن عبد مناف بن قصي- وقتل نوفل وحبيب يوم الفجار- وصيفي لم يعقب، وطالب بن أسد، أمه وأم أخويه طليب وخالد: الصعبة بنت خالد بن صعل بن مالك بن أمية بن ضبيعة بن زيد ابن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف، وقتل: طالب وطليب يوم الفجار.
والحويرث بن أسد، أمه ريطة بنت الحويرث الثقفية، وعمرو بن أسد، أمه وأم أخويه هاشم ومهشم: بهية بنت سعيد بن سهم، وعمرو، وهو الّذي زوّج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خديجة بنت خويلد [ولم يكن لأسد يومئذ
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (جمهرة النسب) : 69.(6/192)
لصلبه ولد غيره] [ (1) ] .
وأما عماتها فثمان، هن: أم حبيب بن أسد، وكانت تحت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، فولدت له [عبد اللَّه- وهو أبو طلحة، وهو كان على بنى عبد الدار يوم الفجار- وبرّة بنت عبد العزى، وهي أمّ أمّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] .
وأم المطاع ابنة أسد، وكانت تحت عبد العزى بن عبد شمس، فولدت له ربيعة والربيع، فولد الربيع بن عبد العزى أبا العاص بن الربيع، زوج زينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
والنافضة ابنة أسد، كانت تحت عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي، فولدت له المبارك- واسمه عبد اللَّه- والصالح- واسمه عبيد اللَّه- والباذل، والفارعة.
ورقيقة بنت أسد، كانت تحت الحارث بن عبيد بن عمرو بن مخزوم، فولدت له كريمة، ورقية، وأرنب، ونعم.
وبرة بنت أسد، كانت تحت عائذ بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، فولدت له.
وأم سفيان بنت أسد كانت تحت عبد مناف بن كعب بن سعد بن تيم ابن مرة، فولدت له خالد بن عبد مناف.
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (جمهرة النسب) : 74.
[ (2) ] ما بين الحاصرتين في (خ) : «شرحبيل وإباء وأرطاة وعثمان وبرة» ، وما أثبتناه من (جمهرة أنساب العرب) : 127.(6/193)
[إخوة خديجة]
وأما إخوة خديجة، فإنّهم: [] [ (1) ] بن خويلد بن أسد، أمه وأمّ إخوانه منية بنت الحارث بن جابر بن وهب بن نشيب بن بدر بن مالك بن عوف بن حارث بن مازن بن منصور، وأمها هند بنت وهيب بن نشيب بن زيد بن مالك بن عوف بن الحارث بن مازن بن منصور، وهند هذه عمة عتبة بن غزوان بن وهيب، وأخوها لأمها عدي بن نوفل بن عبد مناف، وأم هند بنت وهيب عائشة بنت العوام بن نضلة بن خلادة بن ثعلبة بن ثور بن هرمة بن لاطم بن عثمان بن مزينة بن أد.
والعوام بن خويلد بن أسد- وقتل يوم الفجار الآخر- وكان الحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس نديمه، وهو أبو الزبير بن العوام [ (2) ] .
ونوفل بن خويلد، أمه ريطة بنت عبد العزى بن عامر بن ربيعة بن حزن ابن عامر بن مازن بن عدي بن عمرو، من خزاعة، وكان من المطعمين يوم بدر،
ويقال له: ابن العدوية من عدىّ بن خزاعة، وهو الّذي عناه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بقوله يوم بدر: اللَّهمّ اكفنا ابن العدوية: فقتل كافرا يومئذ،
قتله الزبير ابن العوام، وهو ابن أخيه، وقد صاح به نوفل، اقتلني قبل أن يقتلني أهل يثرب، وقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه- وهو على المنبر-: قاتل اللَّه ابن العدوية، ما كان أشد صوته يوم بدر، كأنى أسمع صوته وهو يقول:
يا معشر قريش! اليوم يوم العلى والذكر [ (3) ] .
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، ولد خويلد بن أسد بن عبد العزى في (جمهرة النسب) ، هم:
العوام، وحزام، ونوفل، وخديجة، (جمهرة النسب) : 69- 70، وولد خويلد بن أسد بن عبد العزى في (جمهرة أنساب العرب) ، هم: خديجة، وهالة، ورقيقة، والعوام، وحزام، ونوفل. (جمهرة أنساب العرب) : 120.
[ (2) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[ (3) ] ذكره ابن هشام في (السيرة) ، قال: قال ابن إسحاق: ونوفل بن خويلد بن أسد، وهو ابن العدوية، عدي بن خزاعة، وهو الّذي قرن أبو بكر الصديق، وطلحة بن عبيد اللَّه حين أسلما في حبل، فكانا يسميان القرينين لذلك، وكان من شياطين قريش، قتله عليّ بن أبى طالب. (سيرة ابن هشام) :
3/ 265- 266.(6/194)
وعمرو بن خويلد، ولا بقية له.
وحزام بن خويلد، قتل يوم الفجار الآخر وهو والد حكيم حزام وأخويه.
ورقيقة بنت خويلد، كانت تحت بجاد بن عمير بن الحارث ابن حارثة ابن سعد بن تيم بن مرة [ (1) ] ، فولدت له أميمة بنت رقيقة [ (2) ] ، وهي من
__________
[ (1) ] التيميّ، من رهط الصديق، ولولده محمد بن بجاد ذكر، ومن ذريته يوسف بن يعقوب بن موسى بن عبد الرحمن بن الحصين بن محمد بجاد، كان يسكن عسفان، وله أشعار. ذكره الزبير، وكان في عصره. (الإصابة) : 1/ 267، ترجمة رقم (586 ز.) .
[ (2) ] أميمة بنت رقيقة- بقافين مصغّرة- هي بنت بجاد، أمها رقيقة بنت خويلد بن أسد، أخت خديجة رضى اللَّه تعالى عنها روت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، روى عنها محمد بن المنكدر، وبنتها حكيمة- بالتصغير- بنت رقيقة. قال أبو عمر: كانت من المبايعات. وقال: هي خالة فاطمة الزهراء. أورده ابن الأثير بأنها بنت خالتها، فإن خويلدا والد خديجة، هو والد رقيقة لا أميمة.
قال الحافظ ابن حجر: هذا يصح على قول من قال: إنها رقيقة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى. وقال مصعب الزبيري: إنها رقيقة بنت أسد بن عبد العزى، ومن ثم قال المستغفري: هي عمة خديجة بنت خويلد، رضى اللَّه تعالى عنها.
وحديثها في الترمذي وغيره، من طريق ابن عيينة، عن محمد بن المنكدر، أنه سمع أميمة بنت رقيقة تقول: بايعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في نسوة. فقال لنا: فيما استطعتن وأطقتن، قلنا: اللَّه ورسوله أرحم منا بأنفسنا.
وأخرجه مالك مطولا، عن ابن المنكدر، وصححه ابن حبان من طريقه، ولفظه: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في نسوة نبايعنه، فقلنا: نبايعك يا رسول اللَّه على ألا نشرك باللَّه شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصينك في معروف، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فيما استطعتن وأطقتن، فقلنا: اللَّه ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، هلم نبايعك يا رسول اللَّه، فقال: إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة. وأخرجه الدار قطنى من وجه آخر عن ابن المنكدر.
وقال ابن سعد: اغتربت أميمة بزوجها حبيب بن كعب بن عتير الثقفي، فولدت له. قال أبو أحمد العسال: لا أعلم روى عنها إلا ابن المنكدر.
قال مصعب الزبيري: هي عمة محمد بن المنكدر، كأنه عنى أنها من رهطه. قال: ونقلها معاوية إلى الشام، وبنى لها دارا، وكذا قال الزبير بن بكار، وزاد: كان لها بدمشق دار وموالي، ثم أسند من طريق ثابت بن عبد اللَّه بن الزبير أن ابنة رقيقة دخلت على معاوية في مرضه الّذي مات فيه. لها ترجمة في: (الإصابة) : 7/ 508، 510- 11، ترجمة رقم (10840) ، (10849) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 186، 241، (الثقات) : 3/ 25، (أعلام النساء) : 1/ 92، (الاستيعاب) : 4/ 1791، ترجمة رقم (3241) ، (تهذيب التهذيب) : 12/ 429- 430، ترجمة رقم (2730) ، (المستدرك) : 4/ 80- 81، (أسماء الصحابة الرواة) : 80، ترجمة رقم (223) .(6/195)
المبايعات، حدّث عنها محمد بن المنكدر.
وهالة بنت خويلد [ (1) ] ، وهي أم أبى العاص بن الربيع بن عبد العزى، زوج زينب عليها السلام، وأمها وأم أختها هند ابنة خويلد: فاطمة ابنة زائدة أم خديجة عليها السلام.
__________
[ (1) ] هي هالة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشية الأسدية، أخت خديجة، زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ووالدة أبى العاص بن الربيع.
قال ابن مندة: روت عنها عائشة حرفا في حديث- كذا اختصر- وكأنه أشار إلى ما أخرجه البخاري في الصحيح، من طريق عليّ بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت:
استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة رضى اللَّه تعالى عنها، على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فعرف استئذان خديجة، فارتاع لذلك وقال: اللَّهمّ هالة، فغرت، فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش ...
الحديث، وأخرجه أبو نعيم من هذا الوجه، وأصل الحديث في الصحيحين من غير ذكر هالة.
(الإصابة) : 8/ 146، ترجمة رقم (11828) ، وعنه، (أعلام النساء) : 5/ 202.(6/196)
[أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل سودة]
وأصهاره من قبل سودة خمسة:
وقدان بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودّ، عم سودة، وأمه بنت وبر بن الأضبط بن كلاب، وله من الولد: عبد، وعمرو السعدي، وهو أبو عبد اللَّه ابن السعدي الصحابي [ (1) ] .
__________
[ (1) ] قال أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسى: وولد وقدان بن عبد شمس بن عبد ودّ:
عمرو، وهو السعدىّ، له صحبة، فولد عمرو هذا: عبد اللَّه، له صحبه، وروينا من طريقه حديثا فيه أربعة من الصحابة- رضى اللَّه تعالى عنهم- في نسق واحد، ولم يقع مثل هذا الاتفاق في خبر غيره، وهو كما حدّثناه أحمد بن محمد بن عبد اللَّه الطّلمنكيّ. قال: أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن أحمد بن يحيى بن محمد، قال: حدثنا القاضي محمد ابن أيوب الرّقّىّ الصّموت: أخبرنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزّار: أخبرنا إبراهيم بن سعد الجوهرىّ: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن الزّهرى، عن السائب بن يزيد، عن حويطب بن عبد العزّى، عن ابن السّعديّ- عبد اللَّه بن وقدان- عن عمر ابن الخطاب.
قال:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «ما أتاك من هذا المال من غير مسألة، ولا إشراف نفس فاقبله» ،
والسائب صاحب، وحويطب صاحب، وابن السعدي صاحب، وعمر صاحب، رضى اللَّه تعالى عنهم. (جمهرة أنساب العرب) : 167.
وقال الحافظ في (الإصابة) : عبد اللَّه بن السعدي، واسم السعدي وقدان، وقيل: قدامة، وقيل:
عمرو بن وقدان، وقيل له: السعدي، لأنه كان استرضع في بنى سعد بن بكر، وذلك هو ابن عبد شمس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ القرشيّ العامري أبو محمد.
قال البخاري: قال: وفدت على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم. وأخرج حديثه هو وأبو حاتم، وابن حبان، من طريق عبد اللَّه بن محيريز، عن عبد اللَّه بن السعدي، قال: وفدت مع قومي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا من أحدثهم سنا، فخلفوني في رحالهم وقضوا حوائجهم، فجئت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت: حاجتي، قال:
وما حاجتك؟ فذكر حديث: لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدوّ.
وأخرجه النسائي بنحوه من طريق أبى إدريس الخولانيّ، عن عبد اللَّه بن وقدان السعدي. وفي رواية له: عن عبد اللَّه بن السعدي، قال أبو زرعة الدمشقيّ: هذا الحديث عن عبد اللَّه بن(6/197)
وعبد بن زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودّ أخو سودة لأبيها من عاتكة بنت الأحنف بن علقمة بن عبد الحارث بن سعد بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤيّ، كان شريفا من سادات الصحابة، وأخوه لأمه عمرو بن نوفل بن عبد مناف [ (1) ] .
وعبد الرحمن بن زمعة، أخو سودة، وهو الّذي خاصم فيه أخوه عبد بن زمعة عام الفتح سعد بن أبى وقاص، فقال سعد ابن أخى عتبة بن أبى وقاص عهد إليّ فيه، وقال لي: إذا قدمت مكة فاقبض ابن وليدة زمعة فإنه ابني، وقال عبد بن زمعة: بل هو أخى، ولد على فراش أبى، فقضى به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعبد بن زمعة
وقال: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر» ،
وأم عبد الرحمن أمه يمانية لزمعة، وله عقب [ (2) ] .
__________
[ () ] السعدي، حديث متقن صحيح، رواه الأثبات عنه.
ونزل عبد اللَّه بن السعدي الأردن. وقال البغوي: سكن المدينة- يعنى أولا- وروى عن عمر بن الخطاب حديث العمالة، وهو في الصحيح. وفي رواية لمسلم: ابن الساعدي.
روى عنه حويطب بن عبد العزى وآخرون. وقال ابن حبان: مات في خلافة عمر.
قال ابن عساكر: لا أراه محفوظا. وقد قال الواقدي: إنه مات سنة سبع وخمسين. (الإصابة) :
4/ 113- 114، ترجمة رقم (4721) .
[ (1) ] ترجمته في (الاستيعاب) : 2/ 820، ترجمة رقم (1382) ، (جمهرة أنساب العرب) : 115.
[ (2) ] عبد الرحمن بن زمعة القرشي العامري، هو ابن وليدة زمعة الّذي قضى فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بأن الولد للفراش، وللعاهر الحجر،
قال البخاري: حدثنا أبو الوليد، حدثنا الليث عن ابن شهاب، عن عروة: عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: اختصم سعد وابن زمعة، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم هو لك يا عبد اللَّه بن زمعة، الولد للفراش، واحتجبى منه يا سودة.
زاد لنا قتيبة عن الليث: وللعاهر الحجر.
وفي رواية عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: اختصم سعد بن أبى وقّاص، وعبد اللَّه بن زمعة رضى اللَّه عنه في غلام، فقال سعد: يا رسول اللَّه، هذا ابن أخى عتبة بن أبى وقاص عهد إليّ أنه ابنه، وانظر إلى شبهه، وقال عبد اللَّه بن زمعة: هذا أخى يا رسول اللَّه، ولد على فراش أبى من وليدته، فنظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى شبهه، فرأى شبها بيّنا بعتبة، فقال: هو لك يا عبد اللَّه، الولد للفراش، وللعاهر الحجر [رواه الشيخان، وأبو داود، والترمذي، والنسائي] .
قوله «الولد للفراش» ، أي لمالكه، وهو الزوج والمولى، لأنهما يفترشانها، وفي للبخاريّ: «الولد لصاحب الفراش» ، وقال في [نيل الأوطار للشوكانى] : اختلف في معنى الفراش، فذهب الأكثر إلى(6/198)
__________
[ () ] أنه اسم للمرأة، وقيل: إنه اسم للزوج، وروى ذلك عن أبى حنيفة، وأنشد ابن الأعرابي مستدلا على هذا المعنى قول جرير:
باتت تعانقه وبات فراشها
وفي القاموس: إن الفراش زوجة الرجل وفي اللسان: الفراش الزوج والفراش المرأة، والمرأة تسمى فراش لأن الرجل يفترشها.
قوله: «وللعاهر الحجر» ، العاهر: الزاني، يقال: عهر، أي زنا، عهر إليها يعهر عهرا وعهورا وعهارة وعهورة، وعاهرها عهارا: أتاها ليلا للفجور، ثم غلب على الزنا مطلقا.
وفي الحديث: «أيّما رجل عاهر بحرّة، أو أمة» ،
أي زنى.
وفي التهذيب: قال أبو زيد: يقال للمرأة الفاجرة عاهرة ومعاهرة ومسافحة، والعهر والعاهر: هو الزاني.
وقال أبو عبيد: معنى قوله: «وللعاهر الحجر» أي لا حقّ له في النسب، ولا حظّ له في الولد، وإنما هو لصاحب الفراش، أي لصاحب أم الولد، وهو زوجها أو مولاها.
والعرب تقول: له الحجر وبفيه التراب، ويريدون ليس له إلا الخيبة. وقيل: المراد الحجر، أنه يرجم بالحجارة إذا زنى، ولكنه لا يرجم بالحجارة كل زان، بل للمحصن فقط.
وفي ترجمة البخاري أنه يرجّح قول من أوّل الحجر هنا بأنه الحجر الّذي يرجم به الزاني، أي ليس للعاهر إلا الرجم بالحجارة إن كان محصنا، وظاهر الحديث أن الولد يلحق بالأب بعد ثبوت الفراش، وهو لا يثبت إلا بعد إمكان الوطء في النكاح الصحيح أو الفاسد، وإلى ذلك ذهب الجمهور.
وكان لزمعة جارية حملت سفاحا من عتبة بن أبى وقّاص، فلما دنت وفاته، أوصى أخاه سعدا بأن ولد هذه الجارية ابنه من الزنى، كعادتهم في الجاهلية، فلما طلبه عمه سعد، عارضه عبد اللَّه بن زمعة وقال: هو أخى، ولد على فراش أبى من جاريته،
فاختصما إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فحكم به لعبد اللَّه بقوله: «هو لك يا عبد اللَّه» ، ووضع صلّى اللَّه عليه وسلم قاعدة شرعية، يعمل بها إلى يوم الدين: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» .
«الولد للفراش» ، أي لصاحبه، وهو هنا سيدها، «وللعاهر» أي الزاني، الحجر ...
وجاء رجل فقال: يا رسول اللَّه، إنّ فلانا ابني، عاهرت بأمه في الجاهلية، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: «لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية، الولد للفراش، وللعاهر الحجر» .
أي لا دعوة في الإسلام، أي بلحوق ولد الزنى بالزاني، ذهب أمر الجاهلية، وبطلت عوائدهم، وظهر عليها الإسلام، فالولد للفراش، أي لأمه إن كانت حرة، كما في اللعان، بخلاف الرقيقة، فالولد لسيدها، فهو وأمه في الرّقّ سواء. (الإصابة) :
2/ 833، ترجمة رقم (1413) ، (جمهرة أنساب العرب) : 167، (موسوعة فتاوى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم) :
2/ 25- 27، كتاب الزنا، والحدود، والديات، باب فتياه صلّى اللَّه عليه وسلم في أن: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» .(6/199)
ومالك بن زمعة أخو سودة، قديم الإسلام ومن مهاجرة الحبشة [ (1) ] .
ومشتق بن عبد وقدان بن عبد شمس أخو سودة لأمها [ (2) ] .
__________
[ (1) ] مالك بن زمعة بن قيس بن عبد شمس العامري. أخو سودة أم المؤمنين، كان من مهاجرة الحبشة الثانية، ومعه عميرة- أو عمرة- بنت السعدي بن وقدان، وأقام حتى قدم مع جعفر بن أبى طالب، ذكره أبو عمر هكذا، ولم يزد الزبير بن بكار على قوله: ومالك بن زمعة، هاجر إلى أرض الحبشة، وذكره ابن فتحون في (أوهام الاستيعاب) فقال: ذكر ابن إسحاق، وموسى بن عقبة، أنه مالك بن ربيعة، وكذا قاله المصنف في كتابه (الدرر) .
قال الحافظ في (الإصابة) سلفه في الاستيعاب أعلم الناس بنسب قريش. وهو الزبير بن بكار، فإنه ذكر في نسب بنى عامر بن لؤيّ ما نصّه: وسودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودّ، كانت عند السكران بن عمرو، فهلك عنها مهاجرا بأرض الحبشة، فتزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، إلى أن قال: ومالك بن زمعة هاجر إلى أرض الحبشة. وقال بعده: وولد وقدان بن عبد شمس عبدا.... إلى آخره، فهذا يرجح أنه ابن زمعة، (الإصابة) : 5/ 726- 727، ترجمة رقم (7640) ، (الاستيعاب) : 3/ 1352، ترجمة رقم (2268) .
[ (2) ] كذا في (خ) ، ولم أجد له ترجمة فيما بين يدىّ من كتاب النسب أو التراجم.(6/200)
[أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل عائشة]
وأصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل عائشة رضى اللَّه عنها إخوتها وهم: عبد اللَّه بن أبى بكر [ (1) ]
__________
[ (1) ] هو عبد اللَّه بن أبى بكر الصديق، ولما كان اسم أبى بكر: عبد اللَّه، فابنه عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن عثمان، وهو شقيق أسماء بنت أبى بكر، ذكره ابن حبان في الصحابة، وقال: مات قبل أبيه.
وثبت ذكره في قصة الهجرة عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: وكان عبد اللَّه بن أبى بكر يأتيهما بأخبار قريش، وهو غلام شابّ فطن، فكان يبيت عندهما، ويخرج من السحر فيصبح مع قريش.
وذكر الطبري في (تاريخه) أن عبد اللَّه بن أريقط الدؤلي الّذي كان دليل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما رجع بعد أن وصل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة، أخبر عبد اللَّه بن أبى بكر الصديق بوصول أبيه إلى المدينة، فخرج عبد اللَّه بعيال أبى بكر، وصحبهم طلحة بن عبيد اللَّه حتى قدموا المدينة.
وقال أبو عمر: لم أسمع له بمشهد إلا في الفتح، وحنين، والطائف، فإن أصحاب المغازي ذكروا أنه رمى بسهم فجرح، ثم اندمل، ثم انتقضى، فمات في خلافة أبيه في شوال سنة إحدى عشرة.
وروى الحاكم بسند له عن القاسم بن محمد، أن أبا بكر، قال لعائشة: أتخافون أن تكونوا دفنتم عبد اللَّه بن أبى بكر وهو حي، فاسترجعتك فقال: أستعيذ باللَّه.
ثم قدم وفد ثقيف فسألهم أبو بكر: هل فيكم من يعرف هذا السهم؟ فقال سعيد بن عبيد: أنا بريته، ورشته، وأنا رميت به، فقال: الحمد للَّه، أكرم اللَّه عبد اللَّه بيدك، ولم يهنك بيده.
قال: ومات بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بأربعين ليلة، وفيه الهيثم بن عدي، وهو واه.
قالوا: لما مات نزل حفرته عمر، وطلحة، وعبد الرحمن بن أبى بكر، وكان رضى اللَّه عنه يعدّ من شهداء الطائف.
قال المرزباني في (معجم الشعراء) : أصابه حجر في حصار الطائف، فمات شهيدا، وكان قد تزوج عاتكة، وكان بها معجبا، فشغلته عن أموره، فقال له أبوه: طلّقها، فطلّقها، ثم ندم، فقال:
أعاتك لا أنساك ما ذرّ شارق ... وما لاح نجم في السماء محلّق
لها خلق جزل ورأى ومنصب ... وخلق سويّ في الحياة ومصدق
ولم أر مثلي طلّق اليوم مثلها ... ولا مثلها في غير شيء تطلّق(6/201)
أمه وأم أخته أسماء: قتيلة [ (1) ] بنت عبد العزّى بن عبد
__________
[ () ] وله فيها غير هذا، فرقّ له أبو بكر فأمره بمراجعتها، فراجعها، ومات وهي عنده.
روى البخاري في (تاريخه) من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، أن عبد اللَّه بن أبى بكر رضى اللَّه عنه، كان قد تزوج عاتكة بنت زيد بن عمرو، أخت سعيد بن زيد بن عمرو، وأنه قال لها عند موته: لك حائطي ولا تزوّجى بعدي، قال: فأجابته إلى ذلك، فلما انقضت عدتها خطبها عمر، فذكر القصة في تزويجه. ورواه غيره، فذكر معاتبة عليّ لها على ذلك.
وقال ابن إسحاق في (المغازي) : حدثني هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كفّن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في بردىّ حبرة، حتى مسّا جلده، ثم نزعهما، فأمسكهما عبد اللَّه ليكفّن فيهما، ثم قال: وما كنت لأمسك شيئا منع اللَّه رسوله منه، فتصدّق بهما.
ورواه البخاري من وجه آخر، عن عروة وأخرجه الحاكم في (المستدرك) ، وهو عند أحمد في مسند عائشة رضى اللَّه عنها، ضمن حديث من طريق حماد بن سلمة، عن هشام، ورواه أبو ضمرة عن هشام، فقال عبد الرحمن: قال البغوي: والصحيح عبد اللَّه.
قال الحافظ في (الإصابة) : ووجدت له حديثا مسندا، أخرجه البغوي، وفي إسناده من لا يعرف، قال هشام: فقال عبد الرحمن: قال البغوي: لا أعرف عبد اللَّه أسند غيره، وفي إسناده ضعف وإرسال.
ثم قال: وأخرجه مع ذلك الحاكم، قال الدار قطنى: وأما عبد اللَّه بن أبى بكر. فأسند عنه حديث في إسناده نظر، تفرّد به عثمان بن الهيثم المؤذن، عن رجال ضعفاء. قال: وقد أوردته في كتاب (الخصال المكفرة) ، وجمعت طرقه مستوعبا، والحمد للَّه. له ترجمة في: (الإصابة) : 4/ 27- 29، ترجمة رقم (4571) ، (الثقات) : 3/ 210، (الاستيعاب) : 3/ 874- 875، ترجمة رقم (1484) ، (الجرح والتعديل) : 5/ 92، (التاريخ الكبير) : 3/ 2، 5/ 2، (التاريخ الصغير) :
1/ 300، (البداية والنهاية) : 6/ 389، (الطبقات الكبرى) : 1/ 229، (الوافي بالوفيات) : 17/ 85، (تاريخ الإسلام) : 3/ 49، (صفة الصفوة) : 1/ 124، ترجمة أبيه رقم (2) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 446، ترجمة رقم (777) .
[ (1) ] هي قتيلة بنت عبد العزّى بن سعد بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ، القرشية العامرية، والدة أسماء بنت أبى بكر وشقيقها عبد اللَّه. كذا نسبها الزبير وغيره.
وقال أبو موسى في (الذيل) : قتيلة بنت سعد بن عامر بن لؤيّ، كذا اختصر النسب، وحذف منه جماعة، ثم قال: أوردها المستغفري في الصحابيات، وقال: تأخر إسلامها، وسماها الحاكم أبو أحمد في (الكنى) .
وحديثها عن هشام بن عروة عن أبيه، عن أسماء بنت أبى بكر رضى اللَّه تعالى عنهما، قالت:(6/202)
[شمس] [ (1) ] بن نضر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ، أسلم قديما، ولم يسمع له بمشهد إلا شهوده الفتح، وحنينا، والطائف، ورمى يومئذ بسهم من أبى محجن الثقفي، ومات في شوال سنة إحدى عشرة، وانقرض عقبه.
وأسماء ابنة أبى بكر، أسلمت قديما بعد سبعة عشر إنسانا، وتزوج بها الزبير بن العوام فولدت له عبد اللَّه بن الزبير، وتوفيت بمكة في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، وقد ذهب بصرها، ويقال لها ذات النطاقين، لأنها صنعت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم سفرة حين أراد الهجرة إلى المدينة، فعسر عليها ما تشدها به، فشقت خمارها وشدت السفرة بنصفها وانتطقت النصف
__________
[ () ] «قدمت على أمى وهي مشركة في عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فاستفتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قلت: إن أمى قدمت وهي راغبة، أفأصل أمى، قال: نعم، صلّى أمك» .
وأخرجه ابن سعد، وأبو داود الطيالسي، والحاكم، من حديث عبد اللَّه بن الزبير، قال: «قدمت قتيلة- بالقاف والمثناة مصغرة- بنت عبد العزّى بن سعد، من بنى مالك بن حسل- بكسر الحاء وسكون السين المهملتين- على ابنتها أسماء بنت أبى بكر في الهدنة،
وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية، بهدايا: زبيب وسمن وقرظ، فأبت أسماء أن تقبل هديتها أو تدخلها بيتها، وأرسلت إلى عائشة:
سلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: لتدخلها» .
وعرف منه تسمية أم أسماء، وأنها أمها حقيقة، وأن من قال: إنها أمها من الرضاعة فقد وهم.
(الإصابة) : 8/ 78- 79، ترجمة رقم (11638) ، (فتح الباري) : 5/ 290- 292، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (9) الهدية للمشركين، وقول اللَّه تعالى: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة: 8] ، حديث رقم (2620) ، وأخرجه البخاري أيضا في الجهاد، باب إثم من عاهد ثم غدر، وفي الأدب، باب صلة الوالد المشرك، وأخرجه مسلم في الزكاة، باب فضل الصدقة على الأقربين ولو كانوا مشركين، وأبو داود في الزكاة، باب الصدقة على أهل الذمة، (جامع الأصول) : 1/ 405- 406، حديث رقم (201) .
[ (1) ] زيادة للنسب من (جمهرة النسب) : 57.(6/203)
الثاني، فسماها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ذات النطاقين [ (1) ] .
وعبد الرحمن بن أبى بكر شقيق عائشة رضى اللَّه عنها، تقدم ذكره [ (2) ] .
__________
[ (1) ] هي أسماء بنت أبى بكر، عبد اللَّه بن أبى قحافة عثمان، أم عبد اللَّه، القرشية، التيمية: الملكية، ثم المدنية، والدة الخليفة عبد اللَّه بن الزبير، وأخت أم المؤمنين عائشة رضى اللَّه عنها وآخر المهاجرات وفاة، روت عدة أحاديث، وعمّرت دهرا، وتعرف بذات النطاقين، وأمها قتيلة بنت عبد العزى العامرية، حدّث عنها ابناها: عبد اللَّه وعروة، وحفيدها عبد اللَّه بن عروة، وابن عباس، وعدة.
وكانت أسنّ من عائشة رضى اللَّه عنها ببضع عشرة سنة، هاجرت حاملا بعبد اللَّه، وقيل: لم يسقط لها سنّ، وشهدت اليرموك مع زوجها الزبير. وهي، وأبوها، وجدها، وابنها ابن الزبير، أربعتهم صحابيون.
عن أسماء قالت: صنعت سفرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في بيت أبى حين أراد أن يهاجر، فلم أجد لسفرته ولا لسقائه ما أربطهما، فقلت لأبى: ما أجد إلا نطاقى، قال: شقيه باثنين، فاربطى بهما، قال: فلذلك سميت ذات النطاقين.
وكانت خاتمة المهاجرين والمهاجرات، مسندها ثمانية وخمسون حديثا. اتفق لها البخاري ومسلم على ثلاثة عشر حديثا، وانفرد البخاري بخمسة أحاديث، ومسلم بأربعة.
قال ابن سعد: ماتت بعد ابنها عبد اللَّه بليال، ولها مائة سنة. وكان قتله لسبع عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين. لها ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 8/ 249- 255، (طبقات خليفة) : 333، (تاريخ خليفة) : 269، (المعارف) : 172، 173، 200، 221، (مسند أحمد) :
6/ 344، (المستدرك) : 4/ 64- 65، (الاستيعاب) : 4/ 1781- 1783، ترجمة رقم (3226) ، (جامع الأصول) : 9/ 145، (تهذيب التهذيب) : 12/ 426، ترجمة رقم (2720) ، (الإصابة) :
7/ 486- 488، ترجمة رقم (10798) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 3/ 374، (كنز العمال) :
13/ 637، (الإعلام بوفيات الأعلام) : 46، (حلية الأولياء) : 2/ 55- 57، ترجمة رقم (138) ، (أعلام النساء) : 1/ 47- 53، (العقد الفريد) : 3/ 231، 5/ 72، 263، 164، 165، 166، 167، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 287- 296، ترجمة رقم (52) ، (أسماء الصحابة الرواة) :
77- 78، ترجمة رقم (58) ، (الثقات) : 3/ 23، (تلقيح فهوم أهل الأثر) : 365، (شذرات الذهب) 1/ 44 و 80، (مرآة الجنان) : 1/ 151.
[ (2) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.(6/204)
ومحمد بن أبى بكر [ (1) ] ، أمه أسماء بنت عميس [ (2) ] ، أخت ميمونة أم
__________
[ (1) ] ولدته أسماء بنت عميس في حجة الوداع وقت الإحرام، وكان قد ولّاه عثمان إمرة مصر، كما هو مبيّن في سيرة عثمان، ثم سار لحصار عثمان، وفعل أمرا كبيرا فكان أحد من توثّب على عثمان حتى قتل، ثم انضم إلى عليّ فكان من أمرائه، فسيّره على إمرة مصر سنة سبع وثلاثين في رمضانها، فالتقى هو وعسكر معاوية، فانهزم جمع محمد، واختفى هو في بيت مصريّة، فدلّت عليه، فقال: احفظوني في أبى بكر، فقال معاوية بن حديج: قتلت ثمانين من قومي في دم الشهيد عثمان وأتركك، وأنت صاحبه؟! فقتله، ودسّه في بطن حمار ميّت، وأحرقه. وقال عمرو بن دينار: أتى بمحمد أسيرا إلى عمرو بن العاص، فقتله، يعنى بعثمان.
وقال الحافظ الذهبي: أرسل عنه ابنه القاسم بن محمد الفقيه. له ترجمة في: (التاريخ الكبير) :
1/ 124، (الجرح والتعديل) : 7/ 301، (تاريخ الطبري) : 5/ 94، (جمهرة أنساب العرب) :
138، (الكامل في التاريخ) : 3/ 352، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 85، (الإصابة) :
6/ 245، ترجمة رقم (3800) ، (الاستيعاب) : 3/ 1366، ترجمة رقم (2320) ، (تهذيب التهذيب) : 9/ 70، ترجمة رقم (101) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 2/ 385، ترجمة رقم (6089) ، (سير أعلام النبلاء) : 3/ 481- 482، ترجمة رقم (104) ، (شذرات الذهب) :
1/ 48، (الإعلام بوفيات الأعلام) : 33.
[ (2) ] هي أسماء بنت عميس بن معد- بوزن سعد أوله ميم- ابن الحارث الخثعمية، أم عبد اللَّه، من المهاجرات الأول، أسلمت قبل دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دار الأرقم بن أبى الأرقم، وكانت داره على الصفا، وهي الدار التي فيها دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الناس إلى الإسلام، فأسلم فيها قوم كثير.
هاجر بها زوجها جعفر الطّيار إلى الحبشة، فولدت له هناك: عبد اللَّه، ومحمدا، وعونا- فلما هاجرت معه إلى المدينة سنة سبع، واستشهد يوم مؤتة، تزوج بها أبو بكر الصديق، فولدت له:
محمدا، وقت الإحرام، فحجت حجة الوداع، ثم توفى الصديق، فغسّلته. وتزوج بها عليّ بن أبى طالب.
وقدمت أسماء بنت عميس من الحبشة فقال لها عمر رضى اللَّه عنه: يا حبشيّة، سبقناكم بالهجرة، فقالت: لعمري لقد صدقت: كنتم مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يطعم جائعكم، ويعلم جاهلكم، وكنا البعداء الطرداء. أما واللَّه لأذكرن ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. فأتته، فقال: «للناس هجرة واحدة، ولكم هجرتان» .
قالت أسماء بنت عميس: يا رسول اللَّه، إن هؤلاء يزعمون أنّا لسنا من المهاجرين! قال: «كذب من يقول ذلك، لكم الهجرة مرتين: هاجرتم إلى النجاشىّ، وهاجرتم إليّ» .
قال الشعبي: أول من أشار بنعش المرأة- يعنى المكبة- أسماء، رأت النصارى يصنعونه(6/205)
__________
[ () ] بالحبشة. وعن عبد اللَّه بن شداد، عن أسماء بنت عميس قالت: لما أصيب جعفر قال: «تسلبى ثلاثا، ثم اصنعي ما شئت» . قال في (النهاية) : أي البسى ثوب الحداد، وهو السّلاب، والجمع سلب، وتسلبت المرأة: إذا لبسته.
وأخرج ابن سعد في (الطبقات) بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب قال: نفست بذي الحليفة، فهمّ أبو بكر بردّها، فسأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: «مرها فلتغتسل، ثم تهلّ بالحج» .
وأوصى أبو بكر أن تغسله أسماء، قال قتادة، فغسّلته بنت عميس امرأته، فسألت من حضر من المهاجرين، وقالت: إني صائمة، وهذا يوم شديد البرد، فهل عليّ من غسل؟ فقالوا: لا.
وروى أبو إسحاق عن مصعب بن سعد: أن عمر رضى اللَّه عنه فرض الأعطية، ففرض لأسماء بنت عميس ألف درهم. قال الواقدي: ثم تزوجت عليّا فولدت له: يحيى، وعونا.
زكريا بن أبى زائدة: سمعت عامرا يقول: تزوج عليّ أسماء بنت عميس فتفاخر ابناها: محمد ابن أبى بكر، ومحمد بن جعفر، فقال كل منهما: أنا أكرم منك، وأبى خير من أبيك. فقال لهما عليّ: اقضى بينهما، قالت: ما رأيت شابا من العرب خيرا من جعفر، ولا رأيت كهلا خيرا من أبى بكر. فقال عليّ: ما تركت لنا شيئا، ولو قلت غير الّذي قلت لمقتّك، قالت: إن ثلاثة أنت أخسّهم خيار. أخرجه ابن سعد في (الطبقات) ، ورجاله ثقات.
وأخرج ابن سعد في (الطبقات) بإسناد صحيح، عن عليّ رضى اللَّه عنه قال: كذبتكم من النساء الحارقة، فما ثبتت من امرأة إلا أسماء بنت عميس.
و «كذب» هاهنا: إغراء، أي: عليكم بالحارقة، وهي كلمة نادرة جاءت على غير قياس.
والحارقة: المرأة التي تغلبها شهوتها، الضيقة الملاقى- وهو مأزم الفرج ومضايقه- كأنها تضمّ الفعل- بفتح الفاء وسكون العين أي الفرج- ضمّ العاضّ الّذي يحرق أسنانه، ويقال لها: العضوض والمصوص.
وعن عليّ عليه السّلام: إنه سئل عن امرأته، فقال: وجدتها حارقة، طارقة، فائقة،
أراد بالطارقة:
التي طرقت بخير، والفائقة: فاقت في الجمال. وقيل: الحارقة: النكاح على الجنب، أخذت من حارقة الورك، وهي عصبة فيها، والمعنى: عليكم من مباشرة النساء بهذا النوع.
وعنه عليه السّلام: كذبتكم الحارقة، ما قام لي بها إلا أسماء بنت عميس. ذكره الزمخشريّ في (الفائق) .
وقال ابن منظور: والحارقة، والحاروق من النساء: الضيقة الفرج، وامرأة حارقة: ضيقة الملاقى- وقيل: هي التي تغلبها الشهوة حتى تحرق أنيابها بعضها على بعض، أي تحكها، يقول: عليكم بها، ومنه الحديث: وجدتها حارقة، طارقة، فائقة. (اللسان) . وقال في هامشه: قوله: «يقول عليكم بها» ، كذا بالأصل هنا، وأورده ابن الأثير في تفسير حديث الإمام على: خير النساء الحارقة، وفي رواية كذبتكم الحارقة.(6/206)
المؤمنين ولد عام حجة الوداع، وكان من شيعة على رضى اللَّه عنه، فإنه تزوج بأمه أسماء وولاه مصر وقتل بها سنة ثمان وثلاثين.
وأم كلثوم بنت أبى بكر رضى اللَّه عنه [ (1) ] ، أمها حبيبة بنت
__________
[ () ] قال الحافظ الذهبي: لأسماء حديث في سنن الأربعة، حدّث عنها: ابنها عبد اللَّه بن جعفر، وابن أختها عبد اللَّه بن شداد، وسعيد بن المسيّب، وعروة، والشعبي، والقاسم بن محمد، وآخرون. عاشت بعد عليّ، وكان عمر بن الخطاب يسأل أسماء بنت عميس عن تفسير المنام، ونقل عنها أشياء من ذلك، روت عن النبي للَّه ستين حديثا، لها ترجمة في (نهاية ابن الأثير) : 1/ 173- 273، (لسان ابن منظور) : 10/ 45، (فائق الزمخشريّ) : 1/ 275- 276، (موطأ مالك) : 1/ 148- 149، (ثقات ابن حبان) : 3/ 24، (حلية الأولياء) : 2/ 74، (أعلام النساء) : 1/ 57- 58، (أسماء الصحابة) :
76، ترجمة رقم (56) ، (تلقيح الفهوم) : 365، (تاريخ الإسلام) : 3/ 48، 119، 120، 203، 355، 356، 600، (مسند أحمد) : 6/ 452، (الإصابة) : 7/ 489- 491، ترجمة رقم (10803) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 280- 285، (المعارف) : 171، 173، 210، 282، 555، (تهذيب التهذيب) : 12/ 427- 428، ترجمة رقم (2725) ، (خلاصة تذهيب الكمال) :
3/ 374، ترجمة رقم (5) ، (سير الأعلام) : 2/ 282- 287، (شذرات الذهب) : 1/ 15، 48.
[ (1) ] هي أم كلثوم بنت أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنه، من فواضل نساء عصرها، خطبها عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، وذلك أن رجلا من قريش قال لعمر بن الخطاب: ألا تتزوج أم كلثوم بنت أبى بكر، فتحفظه بعد وفاته، وتخلفه في أهله، فقال عمر رضى اللَّه عنه: بلى، إني لأحب ذاك، فاذهب إلى عائشة، فاذكر لها ذلك، وعد إليّ بجوابها. فمضى الرسول إلى عائشة، فأخبرها بما قال عمر. فأجابته إلى ذلك، وقالت له: حبّا وكرامة.
ودخل عليها بعقب ذلك المغيرة بن شعبة، فرآها مهمومة، فقال لها: مالك يا أم المؤمنين؟ فأخبرته برسالة عمر، وقالت: إن هذه جارية حدثة، وأردت لها عيشا ألين من عمر، فقال لها: عليّ أن أكفيك.
وخرج من عندها، فدخل على عمر رضى اللَّه عنه فقال: بالرفاء والبنين، وقد بلغني ما أتيته من صلة أبى بكر في أهله، وخطبتك أم كلثوم. قال عمر رضى اللَّه عنه: قد كان ذاك. قال: إلا إنك يا أمير المؤمنين رجل شديد الخلق على أهلك، وهذه صبية حديثة السنّ، فلا تزال تنكر عليها الشيء فتضربها، فتصيح، فيغمّك ذلك، وتتألم له عائشة، ويذكرون أبا بكر، فيبكون عليه، فتجدد لهم المصيبة، مع قرب عهدها في كل يوم.
فقال له: متى كنت عند عائشة واصدقنى؟ فقال: آنفا، فقال عمر: أشهد أنهم كرهوني، قد ضمنت لهم أن تصرفني عما طلبت، وقد أعفيتهم. فعاد إلى عائشة، فأخبرها الخبر، وأمسك عمر عن معاودة خطبتها.(6/207)
خارجة [ (1) ] بن زيد بن أبى زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة ابن كعب بن الخزرج، وتزوج بها طلحة بن عبيد اللَّه رضى اللَّه عنه، فولدت له زكريا وعائشة، ثم خلف عليها بعده عبد الرحمن بن عبد اللَّه ابن أبى ربيعة، فولدت له عثمان وإبراهيم وموسى، وجدّ أم كلثوم لأبيها هو خارجة بن زيد، أحد الصحابة، استشهد يوم أحد.
وخالها زيد بن خارجة الّذي تكلم بعد موته [ (2) ] ، وأم كلثوم هذه هي
__________
[ () ] وروت عن أختها عائشة أم المؤمنين، وروى عنها ابنها إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبى ربيعة، وجابر بن عبد اللَّه الأنصاري، وطلحة بن يحيى بن طلحة، والمغيرة بن حكيم الصنعاني، وجبير ابن حبيب، ولوط بن يحيى، وعبد اللَّه بن عبيد بن عمير، وروى لها مسلم والترمذي، لها ترجمة في:
(أعلام النساء) : 4/ 250- 251، (الإصابة) : 8/ 296، ترجمة رقم (12235) ، (العقد الفريد) :
7/ 96- 97، (تهذيب التهذيب) : 12/ 503، ترجمة رقم (2977) ، (خلاصة تذهيب الكمال) :
3/ 204، ترجمة رقم (57) ، (تاريخ الإسلام) : 3/ 120، 526، (المعارف) : 175.
[ (1) ] هي حبيبة بنت خارجة بن زيد- أو بنت زيد بن خارجة- الخزرجية، زوج أبى بكر الصديق، ووالدة أم كلثوم ابنته، التي مات أبو بكر وهي حامل بها، فقال: ذو بطن بن خارجة: ما أظنها إلا أنثى، فكان كذلك.
وفي قصة الوفاة النبويّة، من رواية عروة، عن عائشة: استأذن أبو بكر لما رأى من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أن يأتى بيت خارجة، فأذن له.
وقال ابن سعد: حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبى زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغر، أمها هزيلة بنت عتبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم، أسلمت، وبايعت، قال: وخلف على حبيبة بعد أبى بكر إساف بن عتبة بن عمرو (الإصابة) : 7/ 575، ترجمة رقم (11023) ، (الاستيعاب) : 4/ 1807، ترجمة رقم (3287) .
[ (2) ] هو زيد بن خارجة بن زيد بن أبى زهير بن مالك، من بنى الحارث بن الخزرج، روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو الّذي تكلم بعد الموت لا يختلفون في ذلك.
وذلك أنه غشي عليه قبل موته، وأسرى بروحه، فسجّى عليه بثوبه، ثم راجعته نفسه، فتكلم بكلام حفظ عنه في أبى بكر، وعمر، وعثمان، رضى اللَّه تعالى عنهم، ثم مات في حينه. روى حديثه هذا: ثقات الشاميين عن النّعمان بن بشير، ورواه ثقات الكوفيين عن يزيد بن النعمان بن بشير، عن أبيه، ورواه يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب.
وقد أخرجه الحافظ ابن حجر في (الإصابة) ، في ترجمة زيد بن خارجة، وأخرجه الحافظ البيهقي(6/208)
التي قال أبو بكر لعائشة رضى اللَّه عنها حين حضرته الوفاة: إنما هما أخواك وأختاك، قالت عائشة رضى اللَّه عنها: هذه أسماء قد عرفتها، فمن الأخرى؟ قال: ذو بطين بنت خارجة، قد ألقى في خلدي أنها جارية، فكان كما قال، ولدت بعد موته، رضى اللَّه عنها.
وطفيل بن عبد اللَّه بن الحارث بن سخبرة بن جرثومة [الخير] [ (1) ] بن عادية بن مرة بن الأوس بن النمر بن عثمان الأزدي [ (2) ] ، أخو عائشة رضى
__________
[ () ] في (دلائل النبوة) ، باب ما جاء في شهادة الميت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالرسالة، والقائمين بعده بالخلافة، والرواية في ذلك صحيحة ثابتة، وفي ذلك دلالة ظاهرة من دلالات النبوة، قال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو صالح بن أبى طاهر العنبري، أنبأنا جدي يحيى بن منصور القاضي، حدثنا أبو على محمد بن عمر وكشمرد، أنبأنا القعنبي، حدثنا سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أن زيد بن خارجة الأنصاري، ثم من بنى الحارث بن الخزرج، توفى زمن عثمان بن عفان، فسجّى في ثوبه، ثم أنهم سمعوا جلجلة في صدره، ثم تكلم، ثم قال: أحمد أحمد في الكتاب الأول، صدق صدق أبو بكر الصديق، الضعيف في نفسه، القوى في أمر اللَّه في الكتاب الأول، صدق صدق عمر ابن الخطاب، القوى الأمين في الكتاب الأول، صدق صدق عثمان بن عفان، علي منهاجهم مضت أربع، وبقيت اثنتان، أتت الفتن، وأكل الشديد الضعيف، وقامت الساعة، وسيأتيكم من جيشكم خبر بئر أريس، وما بئر أريس؟ (دلائل البيهقي) : 6/ 55، (الاستيعاب) : 2/ 547، ترجمة رقم (844) ، (الإصابة) : 2/ 603، ترجمة رقم (2896) ، 3/ 53، ترجمة رقم (3145) ، (البداية والنهاية) : 6/ 173- 174، (الثقات) : 3/ 140، (الوافي) : 15/ 42، (تهذيب التهذيب) :
3/ 353، ترجمة رقم (747) ، 441، (أسماء الصحابة الرواة) ترجمة رقم (767) ، (تلقيح الفهوم) : 380.
[ (1) ] زيادة للنسب من (الاستيعاب) و (الإصابة) .
[ (2) ] الطفيل بن سخبرة، هو الطفيل بن عبد اللَّه بن الحارث بن سخبرة القرشيّ. قال ابن أبى خيثمة: لا أدرى من أي قريش هو؟ قال: وهو أخو عائشة لأمّها. قال أبو عمر رحمه اللَّه: ليس من قريش، وإنما هو من الأزد.
قال الواقدي: كانت أم رومان تحت عبد اللَّه بن الحارث بن سخبرة بن جرثومة بن عادية بن مرة بن الأوس بن النمر بن عثمان الأزدي، وكان قدم بها مكة فحالف أبا بكر قبل الإسلام، وتوفى عن أم رومان، وقد ولدت له الطفيل، ثم خلف عليها أبو بكر، فولدت له عبد الرحمن وعائشة، فهما أخوا الطفيل هذا لأمه.
قال أبو عمر رضى اللَّه عنه: روى عن الطفيل هذا ربعي بن حراش، من حديثه عنه ما رواه سفيان،(6/209)
اللَّه عنها لأمها أم رومان، معدود من الصحابة، يروى عنه ربعي بن خراش.
__________
[ () ] وشعبة، وزائدة، وجماعة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش، عن الطفيل- وكان أخا عائشة لأمها- أن رجلا رأى في المنام- وفي حديث زائدة عن الطفيل أنه رأى في المنام- أن قائلا يقول له من اليهود: نعم القوم أنتم، لولا قولكم: ما شاء اللَّه وشاء محمد، ثم رأى ليلة أخرى رجلا من النصارى، فقال له مثل ذلك.
فأخبر بذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقام خطيبا، فقال: لا تقولوا ما شاء اللَّه وشاء محمد، وقولوا ما شاء اللَّه وحده، وزاد بعضهم فيه: ثم ما شاء محمد. له ترجمة في (الإصابة) : 3/ 520- 521، ترجمة رقم 5/ 13- 14، ترجمة رقم (25) ، (26) ، (تعجيل المنفعة) : 197- 199، ترجمة رقم (488) ، (تلقيح الفهوم) : 381، (الثقات) : 3/ 203، (أسماء الصحابة الرواة) : 472، ترجمة رقم (833) .(6/210)
[أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل حفصة]
زيد بن الخطاب بن نفيل القرشيّ العدوىّ، أبو عبد الرحمن، عم حفصة أخو أبيها عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه لأبيه من أسماء بنت وهب بن حبيب بن الحارث بن عبس بن قعين، من بنى أسد بن خزيمة، أحد المهاجرين الأولين، أسلم قبل أخيه عمر، وشهد بدرا وما بعدها [ (1) ] ، واستشهد باليمامة [ (2) ] سنة اثنتي عشرة، فاشتد حزن عمر رضى اللَّه عنه عليه.
وصفية بنت الخطاب عمة حفصة، أخت أبيها لأبيه وأمه [ (3) ] ، تزوجت بسفيان بن عبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، قال ابن عبد البر: [مذكور في المؤلفة قلوبهم] [ (4) ] [وفي صحبته] [ (5) ] نظر [ (6) ] .
وفاطمة بنت الخطاب عمة حفصة، أخت أبيها شقيقته، كانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وأسلمت قبل زوجها، أو قيل معه، قبل
__________
[ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[ (2) ] قتله أبو مريم الحنفي، وكان من أصحاب مسيلمة، ثم تاب وأسلم وحسن إسلامه، وولى قضاء البصرة بعد عمران بن الحصين، في زمن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، (طبقات ابن سعد) : 7/ 91، (الاستيعاب) : 2/ 550- 553، ترجمة رقم (846) .
[ (3) ] ذكرها الدار الدّارقطنيّ في كتاب (الإخوة) ، وقال: تزوجها سفيان بن عبد الأسد، فولدت له الأسود. قال الحافظ في (الإصابة) : وقد تقدم في قدامة بن مظعون أنه تزوجها، واستدركها أبو على الغساني، وقال: ذكرها أبو عمر في قدامة، ولم يفردها. (الإصابة) : 7/ 742، ترجمة رقم (11402) .
[ (4) ] زيادة للسياق من (الاستيعاب) .
[ (5) ] زيادة يقتضيها السياق.
[ (6) ] الاستيعاب) : 2/ 36.، ترجمة رقم (1002) .(6/211)
إسلام أخيها عمر رضى اللَّه عنه، ولها في إسلامه قصة حسنة [ (1) ] .
__________
[ (1) ] لما كانت فاطمة بنت الخطاب بن نفيل القرشية من فواضل نساء عصرها، كانت ذا إيمان قوى باللَّه وبالإسلام، وأسلمت قديماً، فكانت من المبايعات الأول، وكانت تخفى إسلامها من أخيها عمر، وكان خبّاب بن الأرت يختلف إلى فاطمة يقرئها القرآن.
فخرج عمر بن الخطاب ذات يوم متقلدا بسيفه، يريد أن يقتل محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم، فلقيه رجل من بنى زهرة فقال: أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمدا، قال: وكيف نأمن من بنى هاشم وبنى زهرة وقد قتلت محمدا؟ قال: ما أراك إلا قد صبوت. قال أفلا أدلك على العجب؟ إن ختنك سعيد ابن زيد، وأختك فاطمة قد صبوا، وتركا دينك.
فمشى عمر فأتاهما، وعندهما خبّاب بن الأرتّ فلما سمع خباب بحسّ عمر توارى في البيت، فدخل عمر، فقال: ما هذه الهينمة التي سمعت؟ وكانت فاطمة قد أخذت صحيفة من القرآن فجعلتها تحت فخذها، فقالا له: ما سمعت شيئا، قال: بلى، واللَّه لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا في دينه، وبطش بختنه سعيد.
فقامت إليه فاطمة لتكفه عن زوجها، فضربها فشجّها، فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه: نعم، قد أسلمنا وآمنا باللَّه ورسوله، فاصنع ما بدا لك. فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع، فارعوى وقال لأخته: أعطينى هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرءون آنفا، انظر ما هذا الّذي جاء به محمد، فقالت له أخته: أنا نخشاك عليها.
قال: لا تخافي، وحلف لها بآلهته ليردنها إذا قرأها إليها. فلما قال ذلك طمعت في إسلامه، فقالت له: يا أخى، إنك نجس على شركك، وإنه لا يمسها إلا الطاهر، فقام عمر فاغتسل، فأعطته الصحيفة وفيها: طه، فقرأها، فلما قرأ منها صدرا قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه!.
فلما سمع خباب ذلك. خرج إليه فقال له: يا عمر، واللَّه إني لأرجو أن يكون اللَّه قد خصلت بدعوة نبيه، فإنّي سمعته أمس وهو يقول: اللَّهمّ أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام، أو بعمر بن الخطاب، فاللَّه اللَّه يا عمر. فقال له عمر عند ذلك: فدلّني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم، فقال له خباب: هو في بيت عند الصفا، معه فيه نفر من أصحابه.
فأخذ عمر سيفه فتوشحه، ثم عمد إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه، فضرب عليهم الباب، فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فنظر من خلل الباب، فرآه متوشحا السيف، فرجع إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو فزع فقال: يا رسول اللَّه، هذا عمر بن الخطاب متوشحا السيف. فقال حمزة بن عبد المطلب: فأذن له، فإن كان جاء يريد خيرا بذلناه له، وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه.
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ائذن له، فأذن له الرجل، ونهض إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حتى لقيه بالحجرة، فأخذ بحجزته أو بمجمع ردائه، ثم جبذه جبذة شديدة وقال: ما جاء بك يا ابن الخطاب؟ فو اللَّه ما أرى أن تنتهي حتى ينزل اللَّه بك قارعة.(6/212)
وعبد اللَّه بن عمر، أبو عبد الرحمن، أخو حفصة وعبد الرحمن الأكبر شقيقهما، أسلم صغيرا قبل أن يبلغ الحلم، وهاجر به أخوه، وأول مشاهده الخندق، وقيل: أحد. توفى بمكة سنة ثلاث وسبعين، وهو من سادات الصحابة، كثير الورع والاحتياط والاتباع للسنة والجماعة، رضى اللَّه عنه [ (1) ] .
وعبد الرحمن الأكبر بن عمر [ (2) ] ، أبو عبد اللَّه، ولد على عهد رسول اللَّه
__________
[ () ] فقال عمر: يا رسول اللَّه، جئتك لأؤمن باللَّه وبرسوله، وما جاء من عند اللَّه، فكبّر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن عمر قد أسلم، فتفرق أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من مكانهم، وقد عزّوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة، وعرفوا أنهما سيمنعان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وينتصفون بهما من عدوهم، (أعلام النساء) : 4/ 50- 52، (سيرة ابن هشام) : 2/ 92، 187- 188، (طبقات ابن سعد) : 8/ 95، (الإصابة) : 8/ 62- 63، ترجمة رقم (11590) ، (الاستيعاب) : 4/ 1892، ترجمة رقم (4056) ، (المستدرك) : 4/ 65- 66.
[ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[ (2) ] عبد الرحمن الأكبر بن عمر بن الخطاب، شقيق عبد اللَّه، وحفصة، ذكره ابن السكن في الصحابة، وأورد له من طريق حبيب بن الشهيد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: أرسلنى عمر إلى ابنه عبد الرحمن أدعوه، فلما جاء قال له عمر: يا أبا عيسى، قال: يا أمير المؤمنين اكتنى بها المغيرة على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. سنده صحيح.
وقال أبو عمر: كان لعمر ثلاثة، كلهم عبد الرحمن، هذا أكبرهم، لا تحفظ له رواية، كذا قال.
والثاني يكنى أبا شحمة، وهو الّذي ضربه أبوه الحدّ في المجبّر لما شرب بمصر، والثالث والد المجبّر، بالجيم والموحدة المثقلة.
وقال ابن مندة: كناه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أبا عيسى، فأراد عمر أن يغيرها، فقال: واللَّه إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كنّانى بها. وتعقبه أبو نعيم بأن الّذي قال لعمر ذلك إنما هو المغيرة بن شعبة، وأما عبد الرحمن فقال لأبيه: قد اكتنى بها المغيرة، فقال المغيرة: كنانى بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
قال الحافظ في (الإصابة) : أخرج القصة ابن أبى عاصم، كما أخرجها ابن السكن، وأن عبد الرحمن قال لأبيه: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كنى بها المغيرة. ويؤخذ كون عبد الرحمن كان مميزا في زمن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من تقدم وفاة والدته زينب، ومن كون أخيه الأوسط أبى شحمة ولد في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم.
(الإصابة) : 4/ 339- 340، ترجمة رقم (5175) ، (الاستيعاب) : 2/ 842- 843، ترجمة رقم (1443) ، (صفة الصفوة) : 1/ 142.(6/213)
صلّى اللَّه عليه وسلم، [أخو عبد اللَّه بن عمر، وحفصة بنت عمر لأبيهما وأمهما زينب بنت مظعون] [ (1) ] .
وزيد بن عمر [ (2) ] ، أمه وأم أخته رقية، أم كلثوم بنت على بن أبى طالب، رضى اللَّه عنه.
وزيد الأصغر بن عمر [ (3) ] ، أمه وأم عبيد اللَّه، أم كلثوم بنت جرول بن مالك بن المسيب من خزاعة، وأخوهما لأبيهما عبد اللَّه الأكبر بن أبى جهم ابن حذيف.
وعبيد اللَّه بن عمر [ (4) ] ، ولد على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان من أنجاد
__________
[ (1) ] زيادة للنسب من (الاستيعاب) .
[ (2) ] قال ابن قتيبة: وأما زيد بن عمر بن الخطاب، فرمى بحجر في حرب كانت بين بنى عويج، وبين بنى رزاح، فمات، ولا عقب له، ويقال: إنه مات هو وأمه: أم كلثوم في ساعة واحدة، فلم يورث أحدهما صاحبه، وصلى عليهما عبد اللَّه بن عمر، فقدّم زيدا وأخر أم كلثوم، فجرت السنة بتقديم الرجال.
(المعارف) : 188.
[ (3) ] هو زيد بن عمر بن الخطاب القرشيّ العدوىّ، شقيق عبد اللَّه بن عمر المصغّر، أمهما أم كلثوم بنت جرول، كانت تحت عمر، ففرّق بينهما الإسلام، لما نزلت: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [الممتحنة:
10] ، فتزوجها أبو الجهم بن حذيفة، وكان زوجها قبله عمر. ذكر ذلك الزبير وغيره، فهو يدل على أن زيدا ولد في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، (الإصابة) : 2/ 628، ترجمة رقم (2961 ز) .
قال محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الغرناطي: واللاتي ارتددن من نساء المهاجرين ولحقن بالكفار: أم الحكم بنت أبى سفيان، زوج عياض بن شداد الفهري، وأخت أم سلمة فاطمة بنت أبى أمية، زوج عمر بن الخطاب رضى اللَّه تعالى عنه، وعبدة بنت عبد العزى، زوج هشام بن العاصي، وأم كلثوم بنت جرول، زوج عمر أيضا.
وذكر أبو القاسم جار اللَّه محمود بن عمر الزمخشريّ الخوارزمي أنهن ستّ، فذكر: أم الحكم، وفاطمة بنت أبى أمية زوج عمر بن الخطاب، وعبدة، وذكر أن زوجها عمرو بن ودّ، وكلثوم، وبروع بنت عقبة، كانت تحت شماس بن عفان، وهند بنت أبى جهل كانت تحت هشام بن العاصي، أعطى أزواجهن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مهورهن من الغنيمة. (البحر المحيط) : 10/ 159، (الكشاف) : 4/ 90.
[ (4) ] هو عبيد اللَّه بن عمر بن الخطاب القرشيّ العدوىّ، أمه أم كلثوم بنت جرول الخزاعية، وهو أخو حارثة بن وهب، الصحابي المشهور لأمه، ولد في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه غزا في خلافة أبيه، قال مالك(6/214)
__________
[ () ] في (الموطأ) : عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: خرج عبد اللَّه وعبيد اللَّه ابنا عمر في جيش إلى العراق، فلما قفلا مرّا على أبى موسى الأشعريّ- وهو أمير البصرة- فرحّب بهما وسهّل، وقال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى، هاهنا مال من مال اللَّه، أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين، وأسلفكما، فتبتاعان به من متاع العراق، ثم تبيعانه بالمدينة، فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين، ويكون لكما الربح، ففعلا، وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهما المال، فلما قدما على عمر قال: أكلّ الجيش أسلفكما؟ فقالا: لا، فقال عمر: أدّيا المال وربحه.
فأما عبد اللَّه فسكت، وأما عبيد اللَّه فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين، لو هلك المال أو نقص لضمناه، فقال: أدّيا المال، فسكت عبد اللَّه، وراجعه عبيد اللَّه، فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين، لو جعلته قراضا [أي مضاربة] ، فقال عمر: قد جعلته قراضا، فأخذ رأس المال، ونصف ربحه، وأخذا نصف ربحه. سنده صحيح.
وهذا يدل على أنه كان في زمن أبيه رجلا، فيكون ولد في العهد النبوي، وقد ثبت أن عمر فارق أمّه لما نزلت: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ، وكان نزولها في الحديبيّة في أواخر سنة سبع.
وفي البخاري قصة في باب نقيع التمر ما لم يسكر، من كتاب الأشربة: وقال عمر: إني وجدت من عبيد اللَّه ريح شراب، فإنّي سائل عنه، فإن كان يسكر جلدته، وهذا وصله مالك عن الزهري، عن السائب بن يزيد، أن عمر خرج عليهم، فقال ... فذكره، لكن لم يقل عبيد اللَّه، وقال فلان.
وأخرجه سعيد بن منصور، عن ابن عينية، عن الزهري، فسماه، وزاد: قال ابن عينية: فأخبرني معمر عن الزهري، عن السائب، قال: فرأيت عمر يجلدهم.
قال أبو عمر: كان عبيد اللَّه من شجعان قريش وفرسانهم، ولما قتل أبو لؤلؤة عمر، عمد عبيد اللَّه ابنه هذا إلى الهرمزان وجماعة من الفرس فقتلهم.
وسبب ذلك: ما أخرجه ابن سعد من طريق يعلى بن حكيم، عن نافع، قال: رأى عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق السكين التي قتل بها عمر، فقال: رأيت هذه أمس مع الهرمزان، وجفينة، فقلت: ما تصنعان بهذه السكين؟ فقالا: نقطع بها اللحم، فإنا لا نمسّ اللحم، فقال له عبيد اللَّه بن عمر: أنت رأيتها معهما؟ قال: نعم، فأخذ سيفه ثم أتاهما فقتلهما واحدا بعد واحد، فأرسل إليه عثمان، فقال:
ما حملك على قتل هذين الرجلين؟ فذكر القصة.
قتل بصفين مع معاوية بلا خلاف، واختلف في قاتله، وكان قتله في ربيع الأول سنة ست وثلاثين. (الإصابة) : 5/ 52- 55، ترجمة رقم (6244) ، (الاستيعاب) : 3/ 1010- 1012، ترجمة رقم (1718) ، (طبقات ابن سعد) : 3/ 309، 313، 350، 355، 356، 357، 5/ 188، 6/ 402395، (صفة الصفوة) : 1/ 142، (المعارف) : 187.(6/215)
قريش وفتيانهم، قتل بصفين مع معاوية، وله أخبار، وهو الّذي قتل الهرمزان وجفينة [ (1) ] لما مات عمر رضى اللَّه عنه.
وعاصم بن عمر أبو عمر [ (2) ] ، أمه جميلة بنت ثابت بن أبى الأقلح قيس
__________
[ (1) ] أخرج الذهلي في (الزهريات) ، من طريق معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، أن عبد الرحمن ابن أبى بكر قال- حين قتل عمر- إني انتهيت إلى الهرمزان وجفينة وأبى لؤلؤة، فنفروا منى، فسقط من بينهم خنجر له رأسان، نصابه في وسطه، فانظروا بماذا قتل، فنظروا، فإذا الخنجر على النعت الّذي نعت عبد الرحمن.
فخرج عبيد ليلا مشتملا على السيف، حتى أتى الهرمزان، فقال: أصحبنى ننظر إلى فرس- وكان الهرمزان بصيرا بالخيل- فخرج يمشى بين يديه، فعلاه عبيد اللَّه، بالسيف، فلما وجد حرّ السيف قال:
لا إله إلا اللَّه، ثم أتى جفينة- وكان نصرانيا- فقتله، ثم أتى بنت أبى لؤلؤة- جارية صغيرة- فقتلها، وقال: لا أدع أعجميا إلا قتلته، فأراد عليّ قتله بمن قتل، فهرب إلى معاوية، وشهد معه صفين، فقتل.
(المعارف) : 187، (الإصابة) : 5/ 54.
[ (2) ] قال ابن البرقي: ولد في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ولم يرو عنه شيئا، وقال أبو أحمد العسكري: ولد في السادسة. وقال أبو عمر: مات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وله سنتان.
وذكر الزبير بن بكار أن عمر زوّجه في حياته، وأنفق عليه شهرا، وقال حسبك! وذكر قصة. قال الزبير: كان من أحسن الناس خلقا، وكان عبد اللَّه بن عمر يقول: أنا وأخى عاصم لا نغتاب الناس.
وقالوا: كان طوالا جسيما، حتى إن ذراعه تزيد نحو شبر، وكان يقول الشعر، وهو جدّ عمر بن عبد العزيز لأمه، وكان عمر طلق أمه فتزوجها يزيد بن جارية، فولدت له عبد الرحمن، فهو أخو عاصم لأمه.
وركب عمر إلى قباء فوجده يلعب مع الصبيان، فحمله بين يديه، فركبت جدته لأمه، الشموس بنت أبى عامر إلى أبى بكر فنازعته، فقال له أبو بكر: خلّ بينها وبينه، ففعل.
وذكره مالك في (الموطأ) ، وذكر البخاري في (التاريخ) من طريق عاصم بن عبيد اللَّه بن عاصم بن عمر، أنه كان له يومئذ. ثمان سنين. وعند أبى عمر: أنه كان حينئذ ابن أربع.
وقال السري بن يحى، عن ابن سيرين، عن رجل حدّثه، قال: ما رأيت أحدا من الناس إلا ولا بدّ أن يتكلم ببعض ما لا يريد، إلا عاصم بن عمر.
قال ابن حبان: مات بالربذة، وأرّخه الواقدي ومن تبعه سنة سبعين، وقال مطيّن: سنة ثلاث وسبعين. (الإصابة) : 5/ 3- 4، ترجمة رقم (6158) ، (طبقات ابن سعد) : 4/ 372، 5/ 50، 84، 8/ 86، (الاستيعاب) : 2/ 782، ترجمة رقم (1311) ، (المعارف) : 187، (صفة الصفوة) : 1/ 142.(6/216)
ابن عصمة بن مالك الأنصاري، ولد قبل وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بسنتين، ومات سنة سبعين، وكان فاضلا خيّرا، شاعرا مجيدا، وله عدة أخبار.
وعبد الرحمن الأوسط بن عمر أبو شحمة، أمه لهيّة أم ولد ضربه عمرو ابن العاص رضى اللَّه عنه في الخمر بمصر، وحمله إلى المدينة، فضربه أبوه ضرب تأديب، ثم مرض ومات بعد شهر، وقيل: مات تحت سياط عمر، وذلك غلط [ (1) ] .
وعبد الرحمن الأصغر بن عمر، أبو المجبّر، أمه فكيهة أم ولد، مات عمر وهو صغير، فلقبته عمته حفصة: المجبر، وقالت: لعل اللَّه يجبره [ (2) ] .
وعياض بن عمر، أمه عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (الاستيعاب) : 2/ 842، ترجمة رقم (1443) .
[ (2) ] قال ابن عبد البر: إنما سمى المجبّر لأنه وقع وهو غلام فتكسّر، فأتى به إلى عمته حفصة أم المؤمنين، فقيل لها: انظري إلى ابن أخيك المكسّر، فقالت: ليس واللَّه بالمكسّر، ولكنه واللَّه المجبّر. هكذا ذكره العدوىّ وطائفة.
وقال الزبير: هلك عبد الرحمن الأصغر، وترك ابنا صغيرا أو حملا، فسمته حفصة بنت عمر: عبد الرحمن، ولقبته المجبّر، لعلّ اللَّه يجبره. (الاستيعاب) : 2/ 843، ترجمة رقم (1443) .
[ (3) ] هي عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل العدوية، أخت سعيد بن زيد، أحد العشرة، وأمها أم كريز بنت عبد اللَّه بن عمار بن مالك الحضرمية.
أخرج أبو نعيم من حديث عائشة، أن عاتكة كانت زوج عبد اللَّه بن أبى بكر الصديق، وقال أبو عمر: كانت من المهاجرات، تزوجها عبد اللَّه بن أبى بكر الصديق، وكانت حسناء جميلة، فأولع بها، وشغلته، عن مغازية، فأمره أبوه بطلاقها، فقال:
يقولون طلقها وخيّم مكانها ... مقيما تمنّى النّفس أحلام نائم
وإن فراقي أهل بيت جمعتهم ... على كثرة منى لإحدى العظائم
ثم عزم عليه أبوه حتى طلقها، فتبعتها نفسه، فسمعه أبوه يوما يقول:
ولم أر مثلي طلّق اليوم مثلها ... ولا مثلها من غير جرم تطلّق
فرقّ له أبوه، وأذن له فارتجعها. ثم لما كان حصار الطائف أصابه سهم، فكان فيه هلاكه، فمات بالمدينة، فرثته بأبيات منها:(6/217)
وعبد اللَّه الأصغر بن عمر [ (1) ] ، أمه سعيدة بنت رافع بن عبيد بن عمرو
__________
[ () ]
فآليت لا تنفكّ عيني حزينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغيرا
ثم تزوجها زيد بن الخطاب، فاستشهد باليمامة، ثم تزوجها عمر بن الخطاب في سنة اثنتي عشرة من الهجرة، فأولم عليها،
ودعا أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وفيهم عليّ بن أبى طالب، فقال له: يا أمير المؤمنين، دعني أكلم عاتكة، قال: نعم، فأخذ عليّ بجانب الخدر ثم قال: يا عدية نفسها، أين قولك:
فآليت لا تنفكّ عيني حزينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغبرا
فبكت،
فقال عمر: ما دعاك إلى هذا يا أبا الحسن؟ كل النساء يفعلن هذا، ثم قتل عنها عمر، فقالت تبكيه:
عين جودي بعبرة ونحيب ... لا تملّى على الإمام النجيب
فجعتني المنون بالفارسي المعلم ... يوم الهياج والتثويب
قل لأهل الضراء والبؤس موتوا ... قد سقته المنون كأس شعوب
ومما رثت به عمر رضى اللَّه عنه قولها:
منع الرقاد فعاد عيني عائد ... مما تضمّن قلبي المعمود
قد كان يسهرني حذارك مرة ... فاليوم حقّ لعيني التسهيد
أبكى أمير المؤمنين ودونه ... للزائرين صفائح وصعيد
ثم تزوجها الزبير بن العوام، ثم خطبها عليّ بن أبى طالب رضى اللَّه عنه انقضاء عدتها من الزبير، فأرسلت إليه: إني لأضنّ بك يا ابن عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن القتل، ثم تزوجها الحسين بن عليّ، فتوفى عنها، وهو آخر من ذكر من أزواجها. فكانت أول من رفع خدّه من التراب ولعن قاتله والراضي به يوم قتل، وقالت ترثيه:
وحسينا فلا نسيت حسينا ... أقصدته أسنة الأعداء
غادروه بكر بلاء صريعا ... جادت المزن في ذرى كربلاء
ثم تأيمت بعده، فكان عبد اللَّه بن عمر يقول: من أراد الشهادة فليتزوج بعاتكة، ويقال: إن مروان خطبها بعد الحسين، فامتنعت عليه وقالت: ما كنت لأتخذ حما بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وتوفيت نحو سنة (40) هـ، (الاستيعاب) : 4/ 1876- 1880، ترجمة رقم (4024) ، (الإصابة) : 8/ 11، ترجمة رقم (11448) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 193. (أعلام النساء) : 3/ 201- 206، (عيون الأخبار) : 4/ 114- 115، (المستطرف في كل فن مستظرف) : 517، (صفة الصفوة) :
1/ 142.
[ (1) ] لم أجد له ولا لأمه ترجمة فيما بين يدىّ من مراجع.(6/218)
ابن عبيد بن أمية بن زيد، من بنى عمرو بن عوف.
ورقية بنت عمر أخت حفصة رضى اللَّه عنها، أمها أم كلثوم بنت على رضى اللَّه عنها، تزوجها إبراهيم بن نعيم النحام] [ (1) ] بن عبد اللَّه بن أسيد ابن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب، فولدت له جارية وماتت.
وزينب بنت عمر [ (2) ] ، شقيقة المجبر.
وفاطمة بنت عمر [ (3) ] ، أمها أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة، تزوجها عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، فولدت له عبد الرحمن بن زيد.
__________
[ (1) ] زيادة للنسب من (طبقات ابن سعد) . وكان إبراهيم بن نعيم أحد الرءوس يوم الحرة، وقتل يومئذ في ذي الحجة سنة ثلاث وستين، فمرّ عليه مروان بن الحكم، وهو مع مسرف بن عقبة ويده على فرجه فقال: واللَّه لئن حفظته في الممات لكما حفظته في الحياة، فقال له مسرف: واللَّه ما أرى هؤلاء إلا أهل الجنة، لا يسمع هذا منك أهل الشام فيكركرهم عن الطاعة، فقال لهم مروان: إنهم بدّلوا وغيّروا.
(طبقات ابن سعد) : 5/ 170- 171.
[ (2) ] زينب بنت عمر بن الخطاب القرشية، قال الزبير بن بكار في كتاب (النسب) : أمها فكيهة، أم ولد، وهي أخت عبد الرحمن بن عمر الأصغر، والد المختار. (صفة الصفوة) : 1/ 142، (الإصابة) :
684، ترجمة رقم (11262) .
[ (3) ] قال ابن الجوزي: وفاطمة: أمها أم حكيم بنت الحارث. (صفة الصفوة) : 1/ 142، وقال ابن قتيبة:
وفاطمة وزيدا: أمها أم كلثوم بنت على بن أبى طالب، من فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. (المعارف 185) .(6/219)
[أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم سلمة]
هشام بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، أبو عثمان القرشي المخزومي، عم أم سلمة، كان في الجاهلية سيدا مطاعا، يقال له: فارس البطحاء، وكان يوم الفجار على بنى مخزوم، وأرخت قريش بموته، وأمه وأم إخوته هاشم وأبى حذيفة مهشم وأبى ربيعة عمرو، وأبى أمية حذيفة وحواش وأبى زهير تميم والفاكة وعبد اللَّه: ريطة بنت سعيد بن سعد بن سهم، وله من الولد عثمان أبو جميل، والحارث والعاصي، وخالد وسعيد وسلمة.
وهشام بن المغيرة، وبه كان يكنى عثمان أبو المغيرة، وهو ابن حنتمة أم عمر بن الخطاب، ولا عقب له.
وأبو حذيفة بن المغيرة، واسمه مهشم، وله من الولد: أبو أمية وهشام [ (1) ] .
__________
[ (1) ] قال أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسيّ: وولد المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وفيه بيت بنى مخزوم، وعددهم: هشام، والوليد، وأبو حذيفة- واسمه مهشّم- وأبو أميه- واسمه حذيفة- وهاشم، والفاكه، ونوفل، وأبو ربيعة- واسمه عمر- وعبد اللَّه، وأبو زهير- واسمه تميم- وعبد شمس، وحفص.
فأما هاشم فإنه ولد حنتمة أم عمر بن الخطاب، ولا عقب لهاشم، ولا للفاكه، ولا لعبد اللَّه. وكان للفاكه ابن اسمه أبو قيس، قتل يوم بدر كافرا. وكان لعبد اللَّه بن المغيرة ابنان: عثمان، أسر يوم بدر كافرا، ونوفل، قتل يوم الخندق كافرا. (جمهرة أنساب العرب) : 144- 145.
لكن قال ابن هشام: وأما عثمان بن عبد اللَّه، فلحق بمكة، فمات بها كافرا. (سيرة ابن هشام) :
3/ 150.
وقال ابن قتيبة: وكان هشام بن المغيرة سيدا في قومه، وفيه يقول الشاعر:
وأصبح بطن مكة مقشعرّا ... كأن الأرض ليس بها هشام(6/220)
وأبو أمية، وهو زاد الركب [ (1) ] ، وكان يعرف بأبي عبد مناف واسمه حذيفة بن المغيرة، وإنما قيل له: زاد الركب [ (1) ] ، لأنه كان إذا سافر لم يتزود معه أحد، وهو زوج عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بين أربع عواتك [ (2) ] .
[الأولى] : عاتكة بنت عبد المطلب [ (3) ] ، وهي أم زهير وعبد اللَّه
__________
[ (1) ] في (جمهرة النسب) للكلبي: ومن بنى المطلب بن أسد بن عبد العزى: الأسود كان من المستهزءين، وابنه زمعة بن الأسود، قتل يوم بدر كافرا، وكان يدعى: «زاد الركب» . (جمهرة النسب) : 72.
[ (2) ] سميت المرأة عاتكة لصفائها وحمرتها،
وفي الحديث: قال صلّى اللَّه عليه وسلم يوم حنين: أنا ابن العواتك من سليم،
العواتك جمع عاتكة، وأصل العاتكة: المتضمّخة بالطيب. ونخلة عاتكة: لا تأبر، أي لا تقبل الإبار، وهي الصدود تحمل الشيص.
والعواتك من سليم: ثلاث يعنى جداته صلّى اللَّه عليه وسلم، وهنّ عاتكة بنت هلال بن فالج بن ذكوان أم عبد مناف بن قصي جدّ هاشم.
وعاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان أم هشام بن عبد مناف.
وعاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان، أم وهب بن عبد مناف بن زهرة، جدّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أبى أمه آمنة بنت وهب.
فالأولى من العواتك عمة الثانية، والثانية عمة الثالثة، وبنو سليم تفخر بهذه الولادة.
والعواتك اللاتي ولدنه صلّى اللَّه عليه وسلم: اثنتا عشرة: اثنتان من قريش، وثلاث من سليم هن اللواتي أسميناهن، واثنتان من عدوان، وكنانية، وأسدية، وهذلية، وقضاعية، وأزدية. (لسان العرب) : / 464، (النهاية) : 3/ 179- 180.
[ (3) ] هي عاتكة بنت عبد المطلب بن هاشم، كانت عند أبى أمية بن المغيرة المخزومي فولدت له عبد اللَّه، وزهيرا، وقريبة. قال ابن عبد البر: اختلف في إسلامها، والأكثرون يأبون ذلك. قال الحافظ الذهبي:
أسلمت، وهاجرت، وهي صاحبة تلك الرؤيا في مهلك أهل بدر، وتلك الرؤيا ثبطت أخاها أبا لهب عن شهود بدر.
واستدلّ على إسلامها بشعر لها تمدح النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وتصفه بالنّبوّة، وقال الدار قطنى في كتاب (الإخوة) : لها شعر تذكر فيه تصديقها. وقال ابن مندة بعد ذكرها في الصحابة: روت عنها(6/221)
[وقريبة] [ (1) ] .
[الثانية] : عاتكة بنت جذل الطعان، وهي أم أم سلمة والمهاجر.
[الثالثة] : عاتكة بنت عتبة بن ربيعة، وهي أم قوسة الكبرى وقوسة الصغرى، هذا قول محمد بن سلام، وقال الزبير بن بكّار: قد غلط ابن سلام، قوسة الصغرى جدتها، وأمها عاتكة بنت عبد المطلب.
[الرابعة] : عاتكة بنت قيس بن سويد بن ربيعة بن أبير بن نهشل بن
__________
[ () ] أم كلثوم بنت عقبة. وقال ابن سعد: أسلمت عاتكة بنت عبد المطلب وهاجرت إلى المدينة.
قال الحافظ الذهبي: ولم نسمع لها بذكر في غير الرؤيا. وقال ابن هشام في (السيرة) ، في غزوة بدر الكبرى: وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب- قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال- رؤيا أفزعتها، فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له: يا أخى، واللَّه لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتنى، وتخوفت أن يدخل على قومك منها شرّ ومصيبة، فأكتم عنى ما أحدثك به، فقال لها:
وما رأيت؟ قالت: رأيت راكبا أقبل على بعير له، حتى وقف بالأبطح، ثم صرخ بأعلى صوته: ألا انفروا، يا لغدر لمصارعكم في ثلاث، فأرى الناس اجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه، فبينما هم حوله مثل به [قام به] بعيره على ظهر الكعبة، صرخ بمثلها: ألا انفروا يا لغدر لمصارعكم في ثلاث، ثم مثل به بعيره على رأس أبى قبيس [اسم جبل] ، فصرخ بمثلها، ثم أخذ صخرة فأرسلها. فأقبلت تهوى، حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت [تفتتت] ، فما بقي بيت من بيوت مكة، ولا دار إلا دخلتها منه فلقة.
قال العباس: واللَّه إن هذه لرؤيا، وأنت فاكتميها، ولا تذكريها لأحد، ثم خرج العباس، فلقى الوليد بن عتبة بن ربيعة- وكان صديقا له- فذكرها له، واستكتمه إياها، فذكرها الوليد لأبيه عتبة، ففشا الحديث بمكة، حتى تحدثت به قريش في أنديتها. (سيرة ابن هشام) : 3/ 53- 54، (طبقات ابن سعد) : 8/ 43- 45، (طبقات خليفة) : 331، (المعارف) : 118، 119، 128 (الاستيعاب) : 4/ 1780، ترجمة رقم (3225) ، (الإصابة) : 8/ 13- 14، ترجمة رقم (11451) ، (سير الأعلام) : 2/ 272، ترجمة رقم (43) ، (أعلام النساء) : 3/ 207- 208.
[ (1) ] زيادة للسياق من (الاستيعاب) .(6/222)
دارم، وهي أم أبى الحكم ومسعود ابني أبى أمية، وربيعة وهشام الأكبر، وقد تقدم في الأحماء.
[الخامسة] : وصفية أمهم عاتكة بنت ربيعة بن عمرو بن عمير الثقفي، فهذه عاتكة خامسة [ (1) ] .
__________
[ (1) ] كذا بالأصل، لكن قال أبو عمر في (الاستيعاب) : كان لعبد المطلب ستّ بنات، عمات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهنّ:
[1] أم حكيم بنت عبد المطلب، يقال لها: البيضاء، ويقال: إنها توأمة عبد اللَّه بن عبد المطلب، وقد اختلف في ذلك، ولم يختلف في أنها شقيقة عبد اللَّه، وأبى طالب، والزبير بنى عبد المطلب.
وكانت أم حكيم هذه عند كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، فولدت له عامرا وبنات له، وهي القائلة: إني لحصان فما أكلم، وصناع فما أعلم.
[2] وعاتكة بنت عبد المطلب. كانت عند أبى أمية بن المغيرة المخزوميّ، فولدت له عبد اللَّه، وزهيرا، وقريبة.
[3] وبرّة بنت عبد المطلب، كانت عند أبى رهم بن عبد العزى العامري، ثم خلف عليها بعده عبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وقد قيل: إن عبد الأسد كان عليها قبل أبى رهم.
[4] وأميمة بنت عبد المطلب، كانت عند جحش بن رئاب أخى بنى غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، وهي أم عبد اللَّه، وعبيد اللَّه، وأبى أحمد، وزينب، وأم حبيبة، وحمنة بنت جحش بن رئاب.
[5] وأروى بنت عبد المطلب، كانت تحت عمير بن وهب [بن أبى كبير] بن عبد بن قصىّ، فولدت له طليبا، ثم خلف عليها كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، فولدت له أروى.
[6] صفية بنت عبد المطلب بن هاشم [بن عبد مناف] ، عمة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأمها هالة بنت وهيب ابن عبد مناف بن زهرة، وهي شقيقة حمزة، والمقوم، وحجل بنى عبد المطلب.
كانت صفية في الجاهلية تحت الحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس، ثم هلك عنها، وتزوجها العوام بن خويلد بن أسد، فولدت له الزبير، والسائب، وعبد الكعبة، وعاشت زمانا طويلا. وتوفيت في خلافة عمر بن الخطاب سنة عشرين، ولها ثلاث وسبعون سنة، ودفنت بالبقيع بفناء دار المغيرة [ابن شعبة] وقد قيل: إن العوام كان عليها قبل، وليس بشيء. (الاستيعاب) : 4/ 1780، ترجمة أورى بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رقم (3225) ، 4/ 1873، ترجمة صفية عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رقم (4008) .(6/223)
وأبو ربيعة، وهو ذو الرمحين، واسمه عمرو بن المغيرة، وله من الولد:
عبد اللَّه وعياش ابني أبى ربيعة، وقيل لحي أبى ربيعة: أن اسمه حذيفة، وقيل اسمه كبيشة، والأول أصح.
وخراش بن المغيرة، وأبو زهير تميم، والفاكه بن المغيرة له من الولد أبو قيس، وعبد اللَّه بن المغيرة له من الولد عثمان، ونوفل، والوليد بن المغيرة أبو عبد شمس، أمه وأم أخيه عبد شمس صخرة بنت الحارث بن عبد اللَّه بن عبد شمس من قيس، وله من الولد: خالد بن الوليد سيف اللَّه [ (1) ] ،
__________
[ (1) ] هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن كعب، سيف اللَّه تعالى، وفارس الإسلام، وليث المشاهد، السيد الإمام، الأمير الكبير، قائد المجاهدين، أبو سليمان، القرشيّ المخزوميّ المكىّ، وابن أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث.
هاجر مسلما في صفر سنة ثمان، ثم سار غازيا، فشهد غزوة مؤتة، واستشهد أمراء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الثلاثة: مولاه زيد، وابن عمه جعفر ذو الجناحين، وابن رواحة، وبقي الجيش بلا أمير، فتأمّر عليهم في الحال خالد، وأخذ الراية، وحمل على العدو، فكان النصر، وسماه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سيف اللَّه، فقال: إن خالدا سيف سلّه اللَّه على المشركين.
وشهد الفتح وحنينا، وتأمّر في أيام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، واحتبس أدرعه ولأمته في سبيل اللَّه، وحارب أهل الردة، ومسيلمة، وغزا العراق، واستظهر، ثم اخترق البرية السماوية، بحيث إنه قطع المفازة من حدّ العراق إلى أول الشام في خمس ليال في عسكر معه، وشهد حروب الشام، ولم يبق في جسده قيد شبر إلا وعليه طابع الشهداء، ومناقبه غزيرة، أمّره الصديق على سائر أمراء الأجناد، وحاصر دمشق، فافتتحها هو وأبو عبيدة.
توفى بحمص سنة إحدى وعشرين- ومشهده على باب حمص عليه جلالة، له أحاديث قليلة، وقال هشام بن عروة عن أبيه، قال: لما استخلف عمر، كتب إلى أبى عبيدة: إني قد استعملتك وعزلت خالدا.
وقال خليفة: ولّى عمر أبا عبيدة على الشام، فاستعمل يزيد على فلسطين، وشرحبيل بن حسنة على الأردن، وخالد بن الوليد على دمشق، وحبيب بن مسلمة على حمص.
وقال دحيم: مات بالمدينة. قال الحافظ الذهبي: الصحيح موته بحمص، وله مشهد يزار، وله في (الصحيحين) حديثان، وفي (مسند بقي) واحد وسبعون. له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) :
4/؟، (مسند أحمد) : 4/ 88، (طبقات خليفة) : 19- 20- 299، (تاريخ خليفة) : 86، 88، 292، 150، (التاريخ الصغير) : 1/ 23، 40، (المعارف) : 267، (الجرح والتعديل) : 3/ 356،(6/224)
وعمارة [ (1) ] .
__________
[ () ] (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 72- 174، (تهذيب التهذيب) : 3/ 107، ترجمة رقم 228 (كنز العمال) : 13/ 366- 375، (خلاصة تذهيب الكمال) : 1/ 285، ترجمة رقم (1809) ، (الإصابة) : 2/ 251، ترجمة رقم (2203) ، (الاستيعاب) : 2/ 427، ترجمة رقم (603) ، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 366- 384، ترجمة رقم (78) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 127، ترجمة رقم (130) ، (تلقيح الفهوم) : 368، (صفة الصفوة) : 1/ 330، ترجمة رقم (81) ، (شذرات الذهب) : 1/ 232، (الثقات) : 3/ 101، (التاريخ الكبير) : 3/ 136، (لسان الميزان) : 2/ 389.
[ (1) ] قال ابن إسحاق: ثم إن قريشا حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وإسلامه وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوته، مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة فقالوا له- فيما بلغني-:
يا أبا طالب، هذا عمارة بن الوليد أنهد [أشدّ] فتى في قريش وأجمله فخذه، فلك عقله ونصره، واتخذه ولدا فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا، الّذي قد خالف دينك ودين آبائك، وفرق جماعة قومك وسفّه أحلامهم، فنقتله، فإنما هو رجل برجل، فقال: واللَّه لبئس ما تسوموننى! أتعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه؟ هذا واللَّه ما لا يكون أبدا (سيرة ابن هشام) :
2/ 101- 102، قريش تعرض عمارة بن الوليد على أبى طالب، (البداية والنهاية) : 3/ 63.
وروى الحافظ أبو نعيم عن ابن إسحاق عن أبى بردة عن أبيه قال: أمرنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن ننطلق مع جعفر بن أبى طالب إلى أرض الحبشة، فبلغ ذلك قريشا، فبعثوا عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد، وجمعوا للنجاشي هدية، فقدما على النجاشىّ، فأتياه بالهدية فقبلها، ثم قال عمرو بن العاص: إن ناسا من أرضنا رغبوا عن ديننا، وهم بأرضك، فبعث إلينا، فقال لنا جعفر: لا يتكلم منكم أحد، أنا خطيبكم اليوم، فانتهيت إلى النجاشىّ وهو جالس في مجلسه، وعمرو بن العاص عن يمينه، وعمارة عن يساره، والقسيسون والرهبان سماطين [صفّين] ، قد قال لهم عمرو وعمارة: إنهم لا يسجدون، فلما انتهينا بدرنا من عنده من القسيسين والرهبان: اسجدوا للملك، فقال لهم جعفر: لا نسجد إلا للَّه عزّ وجلّ، قال له النجاشىّ: وما ذاك؟ قال: إن اللَّه عزّ وجلّ بعث فينا رسولا، الرسول الّذي بشر به عيسى عليه السلام، فأمرنا أن نعبد اللَّه، ولا نشرك به شيئا، ونؤتى الزكاة، وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر.
فأعجب النجاشىّ ذلك، وذكر نحوا من القصة الأولى، وقال فيه النجاشىّ: وأنا أشهد أنه رسول اللَّه، وأنه الّذي بشر به عيسى، ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أقبّل نعله. امكثوا ما شئتم، وأمر لنا بالطعام والكسوة، وقال: ردوا على هذين هديتهما، وكان عمرو بن العاص رجلا قصيرا، وكان عمارة رجلا جميلا، وكانا أقبلا في البحر إلى النجاشىّ، فشربوا [يعنى خمرا] ، ومع عمرو امرأته، فلما شربوا قال عمارة لعمرو: مر امرأتك فلتقبلنى، فقال له عمرو: ألا تستحي! فأخذ عمارة عمروا فرمى به في البحر، فجعل عمرو يناشده حتى أدخله السفينة، فحقد عليه عمرو ذلك، فقال عمرو(6/225)
وأبو قيس [ (1) ] ، وهشام [ (2) ] وعبد شمس [ (3) ] والوليد [ (4) ] .
وعبد شمس [ (5) ] بن المغيرة له من الولد الوليد بن عبد شمس، وحفص بن المغيرة، أمه من بنى الأحمر بن الحارث بن مناة من كنانة، وكان شريفا، وله من الولد أبو عمرو [ (6) ] .
ولحفص يقول الشاعر:
نادى المضاف المستضيف وقل له: ... لنا دار حفص بن المغيرة فانزل
__________
[ () ] النجاشىّ: إنك إذا خرجت خلفك عمارة في أهلك، فدعا النجاشىّ، عمارة فنفخ في إحليله [سحرا] فطار مع الوحش.
قال أبو نعيم: وكل هذه الروايات عمن لا يدفع عن صدق وفهم، فهذا يدل على أن قريشا بعثت عمرو بن العاص دفعتين: مرة مع عمارة بن الوليد، ومرة مع عبد اللَّه بن أبى ربيعة. (دلائل أبى نعيم) : 1/ 252، حديث رقم (196) ، وعنه ابن كثير في (البدائه والنهاية) : 3/ 89- 94، (دلائل البيهقي) : 2/ 285، باب الهجرة الأولى إلى الحبشة، ثم الثانية، وما ظهر فيها من الآيات، وتصديق النجاشىّ ومن تبعه من القسيسين والرهبان رسول اللَّه، (جمهرة النسب) : 88.
[ (1) ] أبو قيس بن الوليد بن المغيرة، قتل يوم بدر كافرا (المرجع السابق) .
[ (2) ] هشام بن الوليد بن المغيرة، هو الّذي قتل أبا أزيهر الدوسيّ بذي المجاز.
[ (3) ] وبه كان الوليد يكنى (المرجع السابق) .
[ (4) ] الوليد بن الوليد، كان من خيار المسلمين (المرجع السابق) .
[ (5) ] قال الكلبي: ومن ولد عبد شمس بن المغيرة: الأزرق، وهو عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة ولى اليمن لابن الزبير، [وقيل: ولى الجند ومخالفيها] ، وكان من أجود العرب، وكان أبو دهبل يمدحه بقوله:
عقم النساء فما يلدن شبيهه ... إن النساء بمثله عقم
متقدّم بنعم مخالف قول لا ... سيّان منه الوفر والعدم
(المرجع السابق) .
[ (6) ] قال الكلبي: ومن ولد حفص بن المغيرة: عبد اللَّه بن أبى عمرو بن حفص بن المغيرة، وهو أول خلق اللَّه خلع يزيد بن معاوية. (جمهرة النسب) : 89، (جمهرة أنساب العرب) : 149.(6/226)
فإن بلاد اللَّه إلا محلّة ... جدوب، وإن تنزل على الجدب تهزل
وعثمان بن المغيرة، أمه بنت شيطان، واسمه عبد اللَّه بن عبد الحارث بن مالك بن عبد مناة بن كنانة.(6/227)
[أولاد عمّ أمّ سلمة]
وأما أولاد عم أم سلمة فهم:
عثمان بن هشام بن المغيرة، وبه كان يكنى أبوه، وأمه بنت عثمان بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، ولا عقب له [ (1) ] .
وخالد بن هشام بن المغيرة، أسره يوم بدر سواد بن غزيه [ (2) ] .
والحارث بن هشام بن المغيرة، أبو عبد الرحمن، أمه وأم أخيه أبى جهل:
أم الحلاس أسماء بنت مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم [ (3) ] ، وإخوتهما لأمهما: عياش وعبد اللَّه وأم حجير بنو أبى ربيعة بن المغيرة، وشهد بدرا كافرا، وفرّ فعيّره حسان بن ثابت الأنصاري رضى اللَّه عنه
__________
[ (1) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع.
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 140، ذكر من أسر من المشركين [في بدر] ، (سيرة ابن هشام) : 3/ 273، ذكر أسرى قريش يوم بدر، من بنى مخزوم بن يقظة بن مرة.
[ (3) ] هي أسماء بنت سلمة- ويقال: سلامة بن مخربة ويقال: مخرمة- بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم الدارمية التميمية، كانت من المهاجرات، هاجرت مع زوجها عياش بن أبى ربيعة إلى أرض الحبشة، وولدت له بها عبد اللَّه بن عياش بن أبى ربيعة، ثم هاجرت إلى المدينة، وتكنى أم الجلاس.
روت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وروى عنها ابنها عبد اللَّه بن عياش بن أبى ربيعة.
وأما أم عياش بن أبى ربيعة فهي أم أبى جهل والحارث ابني هشام بن المغيرة، وهي أيضا أم عبد اللَّه.
ابن أبى ربيعة، أخى عياش بن أبى ربيعة، وأمها أسماء بنت مخرمة بن جندل، وهي عمة أسماء بنت سلمة، زوجة عياش بن أبى ربيعة، وامرأته أسماء بنت سلامة بن مخرمة التميمية.
قال الحافظ في (الإصابة) : وخلط ابن مندة ترجمتها بترجمة عمتها أسماء بنت مخربة.
(الإصابة) : 7/ 484- 485، ترجمة رقم (10795) ، (الاستيعاب) : 4/ 1783، ترجمة رقم (3227) .(6/228)
بفراره في شعر [ (1) ] ، فاعتذر عن ذلك بشعر قاله [ (2) ] ، ثم غزا أحدا مع المشركين أيضا، وأسلم يوم الفتح وحسن إسلامه، وكان من فضلاء الصحابة وخيارهم، وكان من المؤلفة، مات بالشام في طاعون عمواس، وقيل: قتل يوم اليرموك في رجب سنة خمس عشرة وله عقب [ (3) ] .
__________
[ (1) ] قال حسّان:
إن كنت كاذبة الّذي حدثتني ... فنجوت منجى الحارث بن هشام
ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرّة ولجام
[ (2) ] قال الحارث بن هشام:
اللَّه يعلم ما تركت قتالهم ... حتى رموا فرسي بأشقر مزيد
ووجدت ريح الموت من تلقائهم ... في مأزق والخيل لم تتبدّد
فعلمت أنى إن أقاتل واحدا ... أقتل ولا يبكى عدوى مشهدي
ففررت عنهم والأحبة فيهم ... طمعا لهم بعقاب يوم مفسد
وقد وردت هذه الأبيات باختلاف يسير في اللفظ، وبزيادة ونقصان في العدد، وقد ذكرها كل من: الحافظ في (الإصابة) ، وأبو عمر في (الاستيعاب) في ترجمة الحارث بن هشام كما ذكرها مطولة ابن هشام في (السيرة) ، وحسان بن ثابت في (الديوان) .
[ (3) ] له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 5/ 444، (طبقات خليفة) : ت 2819، (المعارف) : 281، (الجرح والتعديل) : 2/ 1/ 92، (المستدرك) : 3/ 277، (الاستيعاب) : 1/ 301- 304، ترجمة رقم (440) ، (الإصابة) : 1/ 605- 608، ترجمة رقم (1506) ، (سير أعلام النبلاء) : 4/ 419- 421، ترجمة رقم (167) ، (تهذيب التهذيب) : 2/ 140- 141، ترجمة رقم (281) ، (شذرات الذهب) : 1/ 30، (البداية والنهاية) : 3/ 29، (خلاصة تذهيب الكمال) : 1/ 187، ترجمة رقم (1169) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 337، ترجمة رقم (530) ، (تلقيح الفهوم) :
376، (ديوان حسان بن ثابت) : 331، قصيدة رقم (227) ، (سيرة ابن هشام) : 3/ 286- 287، (سنن ابن ماجة) : 1/ 641، حديث رقم (1991) ، (تاريخ الإسلام) : 3/ 183.
وعمواس أو عمواس: كورة من فلسطين، بالقرب من بيت المقدس، وقيل: هي ضيعة على ستة أميال من الرملة على طريق بيت المقدس، وفيها كان ابتداء الطاعون في أيام عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، ثم فشا في أرض الشام، فمات فيه خلق كثير من الصحابة وغيرهم، [منهم الحارث بن هشام] .
وقيل: مات فيه خمسة وعشرون ألفا من المسلمين. (معجم البلدان) ، (تاريخ الإسلام) :
3/ 420 [هامش] .(6/229)
وأبو جهل، عمرو بن هشام [ (1) ] بن المغيرة، كان يكنى بأبي الحكم، فكناه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بأبي جهل، أنشد المبرد لحسان بن ثابت [ (2) ] :
أيا من كنّوه أبا حكم ... واللَّه كناه أبا جهل
أبت رياسته لأسرته ... يوم الفزوع وذلة الأهل
وروى أنه قال: لكل أمة فرعون، وفرعون هذه الأمة أبو جهل [ (3) ] ، وأخباره في محادّته للَّه ولرسوله كثيرة، منها: أنه كان في نفر من قريش فيهم عقبة بن أبى معيط [ (4) ] ، وكان عقبة أسفه قريش، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلى فأطال السجود، فقال أبو جهل: أيكم يأتى جزورا لبني فلان قد نحرت بأسفل مكة، فيجيء بفرثها فيلقيه على محمد، فانطلق عقبة بن أبى معيط، فأتى بفرثها فألقاه على ما بين كتفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو ساجد، فجاءت فاطمة عليها السلام، فأماطت ذلك عنه، ثم استقبلتهم تشتمهم، فلم يرجعوا إليها شيئا،
ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين رفع رأسه فقال: اللَّهمّ عليك بقريش، عليك بعقبة بن أبى معيط، وبأبي جهل، وبشيبة، وعتبة، وأمية بن خلف، ثم قال لأبى جهل: واللَّه لتنتهين أو لينزلن اللَّه عليك قارعة.
__________
[ (1) ] في (خ) : «عمرو بن الحارث بن هشام» ، وصوبناه من (جمهرة أنساب العرب) ، وفيه: فولد هشام ابن المغيرة: أبو جهل، اسمه: عمرو، وكنيته: أبو الحكم، وأبو جهل: لقب. (جمهرة أنساب العرب) : 145.
[ (2) ] لم أجدهما في النسخة المحققة من (الديوان) .
[ (3) ] (تذكرة الموضوعات للفتنى) : 100.
[ (4) ] في (خ) : (أبى معيط أبان) .(6/230)
وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلقيه أبو البحتري العاص بن هاشم بن أسد بن عبد العزّى بن قصىّ [ (1) ] ، وكان أقل الناس أذى له، فأنكر وجهه، فسأله عن خبره، فأخبره به، وكان معه سوط، فأتى أبا جهل فعلاه به، فتشاور بنو مخزوم وبنو أسد بن عبد العزى، فقال أبو جهل: ويلكم، إنما يريد محمد أن يلقى بينكم العداوة [ (2) ] .
وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعقبة: يا ابن أبان، ما أنت بمقصر عما ترى، فقال:
لا، حتى تدع ما أنت عليه، فقال واللَّه لتنتهين أو لتحلنّ بك قارعة.
وقال أبو جهل: واللَّه لئن رأيت محمدا يصلى لأطأن رقبته، فبلغه أنه يصلى، فأقبل مسرعا فقال: ألم أنهك يا محمد عن الصلاة، فانتهره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: أتنتهرنى وتهددنى وأنا أعز أهل البطحاء؟ فسمعه العباس ابن عبد المطلب فغضب وقال: كذبت، فنزلت: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى * عَبْداً إِذا صَلَّى [ (3) ] ، يعنى أبا جهل، أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى [ (4) ] ، يعنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (5) ] .
وقال أبو جهل: يا محمد، ابعث لنا رجلين أو ثلاثة من آبائنا ممن قد مات، فلست بأهون على اللَّه من عيسى فيما تزعم، فقد كان عيسى يفعل
__________
[ (1) ] اسمه العاص بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ، قاله ابن إسحاق وهو قول الكلبي، وقال ابن هشام: اسمه العاص بن هاشم، وهو قول الزبير بن أبى بكر وقول مصعب. (سيرة ابن هشام) : 2/ 99.
[ (2) ] ذكره الحافظ أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 266- 267، حديث رقم (200) لكن بسياقه أخرى أطول من ذلك.
[ (3) ] العلق: 9، 10.
[ (4) ] العلق: 11.
[ (5) ] (تفسير ابن كثير) : 4/ 565- 566، (دلائل البيهقي) : 2/ 189- 192، (عيون الأثر) :
1/ 108.(6/231)
ذلك، فقال: لم يقدّر في اللَّه على ذلك، قال: فسخّر لنا الريح لتحملنا إلى الشام في يوم وتردّنا في يوم، فإن طول السفر يجهدنا، فلست بأهون على اللَّه من سليمان بن داود، فقد كان يأمر الريح فتغدو به مسيرة شهر، وتروح به مسيرة شهر، فقال: لا أستطيع ذلك، فقال أبو جهل: فإن كنت غير فاعل شيئا ما سألناك، فلا تذكر آلهتنا بسوء، فقال عبد اللَّه بن أبى أمية بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم: فأرنا كرامتك على ربك، فليكن لك بيت من زخرف، وجنة من نخيل وعنب تجرى تحتها الأنهار، وفجّر لنا ينبوعا مكان زمزم، فقد شق علينا أو عليها، وإلا فأسقط السماء علينا كسفا، فقال: ليس هذا بيدي، هو بيد الّذي خلقني، قال: فارق إلى السماء وأتنا بكتاب نقرأه ونحن ننظر إليك، فنزلت فيه الآيات من سورة الإسراء [ (1) ] .
ولما نزلت: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِيمِ* كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ* كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [ (2) ] ، قال أبو جهل: إنما أنا أدعو لكم يا معشر قريش
__________
[ (1) ] (تفسير ابن كثير) : 3/ 66- 86، الآيات 29- 94 من سورة الإسراء.
[ (2) ] الدخان: 43- 46، ولما ذكر اللَّه تعالي فريقا مرحومين على وجه الإجمال، قابله هنا بفريق معذبون، وهم المشركون، ووصف بعض أصناف عذابهم، وهو مأكلهم وإهانتهم، وتحريقهم، فكان مقتضى الظاهر أن يبتدأ الكلام بالإخبار عنهم بأنهم يأكلون شجرة الزقوم، كما قال في سورة الواقعة: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ [الواقعة: 51- 52] ، فعدل عن ذلك إلى الإخبار عن شجرة الزقوم بأنها طعام الأثيم، اهتماما بالإعلام بحال هذه الشجرة، وقد جعلت شجرة الزقوم شيئا معلوما للسامعين، فأخبر عنها بطريق تعريف الإضافة، لأنها سبق ذكرها في سورة الواقعة، التي نزلت قبل سورة الدخان، فإن الواقعة عدّت السادسة والأربعين في عداد نزول السور، وسورة الدخان ثالثة وستين. ومعنى كون الشجرة طعاما أن ثمرها طعام، كما قال تعالى: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ* فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ [الصافات: 65- 66] .
وكتبت كلمة شجرت في المصاحف بتاء مفتوحة، مراعاة الحالة الوصل، وكان الشائع في رسم أواخر الكلم أن تراعى فيه حالة الوقف، فهذا مما جاء علي خلاف الأصل.
والأثيم: الكثير الآثام، كما دلت عليه فعيل، والمراد به: المشركون المذكورون في قوله تعالى:
إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ* إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ [الدخان: 43- 53] ، فهذا من الإظهار في مقام الإضمار، لقصد الإيماء إلى أن المهم بالشرك مع سبب معاملتهم هذه. (تفسير(6/232)
[لنتزقم] [ (1) ] فدعا بزبد وتمر فقال: تزقموا من هذا، فإنا لا نعلم زقوما غير هذا، فبين اللَّه تعالي أمرهم فقال: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ* طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [ (2) ] ، فقالت قريش: شجرة تنبت في النار؟
فكانت فتنة لهم، وجعل المستهزءون يضحكون [ (3) ] .
وفي رواية: ولما نزلت ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ [ (4) ] ، قال أبو جهل: ائتونا بزبد وتمر ثم قال: تزقموا فإن هذا الزقوم، فنزلت: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ.
__________
[ () ] التحرير والتنوير) : 25/ 314.
وشجرة الزقوم ذكرت هنا. ذكر ما هو معهود من قبل لورودها معرّفة بالإضافة، ولوقوعها في مقام التفاوت بين حالي خير وشرّ، فيناسب أن تكون الحوالة على مثلين معروفين، فأما أن يكون اسما جعله القرآن لشجرة في جهنم، ويكون سبق ذكرها في: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ [الواقعة: 51- 52] ، وكان نزولها قبل نزول سورة الصافات.
ويبين هذا ما رواه الكلبي: أنه لما نزلت هذه الآية [أي آية سورة الواقعة] ، قال ابن الزبعري: أكثر اللَّه في بيوتهم الزقوم، فإن أهل اليمن يسمون التمر والزبد بالزقوم، فقال أبو جهل لجاريته: زقمينا، فأتته بزبد وتمر فقال: تزقموا.
وعن ابن سيده: بلغنا أنه لما نزلت: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِيمِ [الدخان: 43- 44] ، لم يعرفها قريش، فقال أبو جهل: يا جارية هاتي لنا تمرا وزبدا نتزقمه، فجعلوا يأكلون ويقولون: أفبهذا يخوفنا محمد في الآخرة؟
والمناسب أن يكون قولهم هذا عند ما سمعوا آية سورة الواقعة، لا آية سورة الدخان، وقد جاءت فيها نكرة.
وأما أن يكون اسما لشجر معروف هو مذموم، قيل: هو شجر من أخبث الشجر يكون بتهامة والبلاد المجدبة المجاورة للصحراء، كريهة الرائحة، صغيرة الورق، مسمومة، ذات لبن إذا أصاب جلد الإنسان تورم، ومات منه في الغالب. قاله قطرب وأبو حنيفة.
[ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، ولعل ما أثبتناه يناسب السياق.
[ (2) ] الصافات: 64- 65.
[ (3) ] (تفسير التحرير والتنوير) : 23/ 122.
[ (4) ] الواقعة: 51- 52.(6/233)
وفي رواية: لما نزلت آية الزقوم، لم تعرفه قريش، فقال أبو جهل: هذا شجر لا ينبت بأرضنا، فمن منكم يعرفه؟ فقال رجل قدم من إفريقية:
الزقوم بلغة إفريقية: الزبد والتمر، فقال أبو جهل: يا جارية، هاتي تمرا وزبدا نتزقمه، فجعلوا يأكلون ويتزقمون ويقولون: أبهذا يخوفنا محمد في الآخرة، فبين اللَّه في آية أخرى الزقوم بقوله: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ.
ونزل قوله تعالى: وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى [ (1) ] في أبى جهل [ (2) ] . وقال أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا عبد اللَّه بن نمير عن حجاج عن منذر عن ابن الحنفية في قوله تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [ (3) ] قال: كان أبو جهل وصناديد قريش يأتون الناس إذا جاءوا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يسلمون فيقولون: إنه يحرم الخمر ويحرم ما كانت تصنع العرب فارجعوا فنحن نحمل أوزاركم، فنزلت هذه الآية:
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ [ (4) ] .
__________
[ (1) ] الليل: 8- 9.
[ (2) ] (البحر المحيط) : 10/ 494، وقال الزمخشريّ: الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين [وهو أبو جهل] ، وعظيم من المؤمنين [وهو أبو بكر] ، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين، فقيل: الأشقى، وجعل مختصا بالصلى، كأن النار لم تخلق إلا له. وقال: الْأَتْقَى، وجعل مختصا بالنجاة، وقيل: هما أبو جهل أو أمية بن خلف، وأبو بكر الصديق رضى اللَّه تعالى عنه.
(المرجع السابق) ، (الكشاف) 4/ 218.
[ (3) ] العنكبوت: 13.
[ (4) ] قوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [العنكبوت: 12] ، أي إن كان اتباع سبيلنا خطيئة تؤاخذون بها عند البعث والنشور كما تقولون، فلنحمل ذلك عنكم، فنؤاخذ بها دونكم.
قال مقاتل: يعنى قولهم: نحن الكفلاء بكل تبعة تصيبكم من اللَّه، واللام في لْنَحْمِلْ لام الأمر، كأنهم أمروا أنفسهم بذلك، وقال الزمخشريّ: الأمر بمعنى الخبر، وقرئ بكسر اللام، وهو لغة الحجاز، ثم ردّ عليهم بقوله: وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ، من الأولى بيانية،(6/234)
وقدم رجل من هذيل يقال له عمرو بغنم له، فباعها، ورآه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأخبره بالحق ودعاه إليه، فقال له أبو جهل- وكان خفيفا حديد الوجه، ونظر به حوله فقال: انظر إلى ما دعاك إليه هذا الرجل، فإياك أن تركن إلى قوله فيه، أو تسمع منه شيئا، فإنه قد سفّه أحلامنا، وزعم أن من مات منا كافرا يدخل النار بعد الموت وما أعجب ما يأتى به، قال: أفما تخرجونه من أرضكم؟ قال: لئن خرج من بين أظهرنا فيسمع كلامه وحلاوة لسانه قوم أحداث ليتبعنه، ثم لا نأمن أن يكر علينا بهم، قال: فأين أسرته عنه؟ قال:
إنما أمتنع بأسرته، ثم أسلم هذا الهذيلى يوم الفتح.
وقدم رجل من أراش بإبل له مكة، فباعها من أبى جهل [ (1) ] ، فمطله بأثمانها، فوقف الرجل على ناد [ (2) ] [من] قريش فقال: يا معشر قريش! إني رجل غريب ابن سبيل، وإن أبا الحكم ابتاع مني ظهرا فمطلني بثمنه وجلسنى به حتى شقّ عليّ، فمن رجل يقوم معى فيأخذ لي حقي منه،
وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جالسا في عرض المسجد، فقالوا وهم يهزءون: أترى الرجل الجالس؟ انطلق إليه يأخذ لك بحقك، فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا
__________
[ () ] ومن الثانية مزيدة للاستغراق، أي وما هم بحاملين شيئا من خطيئاتهم التي التزموا بها، وضمنوا لهم حملها، ثم وصفهم اللَّه تعالى بالكذب في هذا التحمل، فقال: إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فيما ضمنوا به من حمل خطاياهم.
قال المهدوى: هذا التكذيب لهم من اللَّه عزّ وجل حمل على المعنى، لأن المعنى: إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم، فلما كان الأمر يرجع في المعنى إلى الخبر، أوقع عليه التكذيب، كما يوقع على الخبر.
قوله تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ أي أوزارهم التي عملوها، والتعبير عنها بالأثقال للإيذان بأنها ذنوب عظيمة، وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ أي أوزارا مع أوزارهم، وهي أوزار من أضلوهم وأخرجوهم عن الهدى إلى الضلالة، ومثله
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: من سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها، كما في حديث أبى هريرة، الثابت في (صحيح مسلم) وغيره. (فتح البيان) : 7/ 194.
[ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل أبى نعيم) : «فابتاعها منه أبو جهل بن هشام» .
[ (2) ] في (خ) : «نادى» .(6/235)
محمد، إني رجل غريب، واقتصّ عليه قصته، فقام معه، حتى ضرب باب أبى جهل، فقال: من هذا قال: محمد بن عبد اللَّه، فأخرج إليّ، ففتح الباب وخرج، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: أخرج إلى هذا الرجل من حقه، قال:
نعم، فقال: لست أبرح، أو تعطيه حقه، فدخل البيت وأخرج إليه بحقه وأعطاه إياه، فانطلق نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم،
وانصرف الرجل بحقه إلي مجلس قريش فقال: جزى اللَّه محمدا خيرا، فقد أخذ لي حقي بأيسر الأمور، ثم انصرف وجاء أبو جهل فقالوا له: ماذا صنعت؟ فو اللَّه ما بعثنا الرجل إلى محمد إلا هازءين، فقال: دعوني، فو اللَّه ما هو إلا ضرب بابي، حتى ذهب فؤادي، فخرجت إليه، وإن علي رأس لفحلا ما رأيت مثل هامته وأنيابه قط، فاتحا فاه، فو اللَّه لو أتيت لأكلنى، فأعطيت الرجل حقه، فقال القوم: ما هو إلا بعض سحره [ (1) ] .
وقال أبو بكر ابن أبى شيبة، حدثنا أبو أسامة عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت قال: قال أصحاب أبى جهل لأبى جهل وهو يسير إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم بدر: أرأيت مسيرك إلى محمد؟ أتعلم أنه نبي؟ قال: نعم، ولكن متى كنا تبعاً لعبد مناف.
وجاء أبو جهل في عدة من المشركين يريدون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بسوء، فخرج إليهم وهو يقرأ يس [ (2) ] ، وجعل التراب على رءوسهم،
__________
[ (1) ] ذكره الحافظ أبو نعيم في (دلائل النبوة) مطولا بسياقة أخرى، 1/ 210- 212، حديث رقم (161) وقال في آخره: وفي رواية، فقالوا لأبى جهل: فرقت من محمد كل هذا؟ قال: والّذي نفسي بيده لقد رأيت معه رجالا معهم حراب تلألأ. قال أبو قزعة في حديثه: حرابا تلمع، ولو لم أعطه لخفت أن يبعج بها بطني. وأخرجه أيضا ابن إسحاق في (السيرة) ، والبيهقي في (الدلائل) ، من طريق ابن إسحاق، والسيوطي في (الخصائص الكبرى) ، وسنده مقطوع، وفيه عبد الملك بن أبى سفيان الثقفي، وهو مجهول كما في (تعجيل المنفعة) ، (سيرة ابن هشام) : 2/ 233- 235، (عيون الأثر) : 1/ 112.
[ (2) ] أول سورة يس.(6/236)
ويتعجبون وهم لا يرونه، فلما انصرف أقبلوا ينفضون التراب عن رءوسهم، ويتعجبون ويقولون: سحّر من سحر محمد.
وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جالسا في المسجد، ومعه أبو بكر وعمر وسعد بن أبى وقاص رضى اللَّه عنهم، إذ أقبل رجل من [بنى زبيد] [ (1) ] وهو يقول:
يا معشر قريش، كيف تدخل عليكم [المادة أو يجلب إليكم جلب أو يحل تاجر بساحتكم] [ (2) ] ، وأنتم تظلمون من دخل عليكم [في حرمكم] [ (3) ]
وجعل يقف على الحلق حتى أتى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو في أصحابه فقال له: من ظلمك؟ قال: أبو الحكم، طلب منى ثلاثة أجمال [كانت من خيرة] [ (4) ] إبلي فلم أبعه إياها بالوكس، فليس يبتاعها منى أحد أتباعا لمرضاته، فقد أكسد سلعتي وظلمني، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: وأين أجملك؟ قال: هي هذه بالحزورة، فابتاعها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فباع منها جملين بالثمن الّذي التمسه، ثم باع البعير الثالث، وأعطى ثمنه أرامل بنى عبد المطلب، وأبو جهل جالس في ناحية من السوق لا يتكلم، ثم أقبل إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا عمرو! إياك أن تعود لمثل ما صنعت بهذا الأعرابي فترى منى ما تكره، فقال: لا أعود يا محمد.
فلما انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أقبل إليه أمية بن خلف ومن حضره من المشركين فقالوا: لقد ذللت في يدىّ محمد كأنك تريد اتباعه، فقال: واللَّه لا أتبعه أبدا، إنما كان انكسارى عنه لما رأيت من سحره، لقد رأيت عن يمينه وشماله رجالا معهم رماح يشرعونها إليّ، لو خالفته لكانت إياها،
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (عيون الأثر) : 1/ 113.
[ (2) ] زيادة للسياق من (عيون الأثر) : 1/ 113.
[ (3) ] زيادة للسياق من (عيون الأثر) : 1/ 113.
[ (4) ] زيادة للسياق من المرجع السابق.(6/237)
فقالوا هذا سحر منه [ (1) ] .
وخرج أبو جهل إلى بدر مع المشركين، وقال يومئذ: اللَّهمّ أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرفه فأحنه الغداة، فأنزل اللَّه تعالى: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ [ (2) ] ، واستفتاحه هو قوله هذا فقتله اللَّه بيد معاذ بن عمرو بن الجموح، وبعض بنى خفراء، ضرباه،
ووقف عليه عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه، ثم جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه، قد قتلت أبا جهل، فقال: اللَّه الّذي لا إله غيره، لأنت قتلته؟ قال: نعم، فاستحفه الفرح ثم قال: انطلق فأرينه، فانطلق حتى قام به على رأسه، فقال: الحمد للَّه الّذي أخزاك، هذا فرعون هذه الأمة، جروه إلى القليب، فجروه، ونفل عبد اللَّه بن مسعود سيفه [ (3) ] .
ونقل أن أبا جهل كان مستوها، واحتجوا بقول عتبة له: «سيعلم مصفّر استه» ، وردّ هذا بأن هذه الكلمة قالها قيس بن زهير في حذيفة بن بدر يوم الهباء، ولم يقل أحد إن حذيفة كان مستوها.
وقال ابن دريد عن الأبنة: هو ممن لم يعرف في الجاهلية إلى في نفر منهم أبو جهل، ولهذا قيل له: مصفر استه، وقابوس بن المنذر عم النعمان، ويلقب حبيب العروسى، وطفيل بن مالك، وأنشد المبرد في بنى مخزوم:
شقيت بكم وكنت لكم جليسا ... فلست جليس قعقاع بن شور
ومن جهل أبى جهل أخوكم ... غزا بدرا بمجمرة ونور
__________
[ (1) ] (عيون الأثر) : 1/ 112- 113 باختلاف يسير، وزيادة ونقصان.
[ (2) ] الأنفال: 19، (سيرة ابن هشام) : 3/ 222، والاستفتاح: الإنصاف في الدعاء، 3/ 266- 267، (عيون الأثر) : 1/ 257.
[ (3) ] (عيون الأثر) : 1/ 260- 262، (سيرة ابن هشام) : 3/ 182- 185.(6/238)
وقيل نسبة إلى فراقه التوضيع، وكقوله عتبة بن ربيعة فيه: «سيعلم مصفّر استه» ، وفيه قيل:
الناس كنوه أبا حكم ... واللَّه كناه أبا جهل
أبقت رئاسته لأسرته ... يوم الفزوع ورقة الأصل
وكان له يوم قتل سبعون سنة- لعنه اللَّه- وله من الولد: عكرمة بن أبى جهل، أسلم، وأبو علقمة زرارة، وحاجب، واسمه تميم، وعلقمة، وأربع بنات، وانقرض عقبه.
والعاص بن هشام بن المغيرة، قتله عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه يوم بدر كافرا [ (1) ] ، وهشام بن العاص [ (2) ] وسعيد بن العاص أسلم [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 267.
[ (2) ] هو
هشام بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم القرشيّ المخزوميّ، هو الّذي جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يوم الفتح وكشف عن ظهره، ووضع يده على خاتم النبوة، فأخذ رسول اللَّه يده فأزالها، ثم ضرب في صدره ثلاثا وقال: اللَّهمّ أذهب عنه الغل والحسد- ثلاث.
وكان الأوقص، وهو محمد بن عبد الرحمن بن هشام بن يحى بن هشام بن العاص يقول: نحن أقل أصحابنا حسدا.
ومن طريق ابن شهاب، قال عمر لسعيد بن العاص الأموي: ما قتلت أباك؟ إنما قتلت خالي العاص ابن هشام. (الاستيعاب) : 4/ 1540، ترجمة رقم (2684) ، (الإصابة) : 6/ 2542، ترجمة رقم (8973) .
[ (3) ] هو سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشيّ الأمويّ، أبو عثمان، أمه أم كلثوم بنت [عمرو] بن عبد اللَّه بن أبى قيس بن عمرو العامرية، ولم يكن للعاص ولد غير سعيد المذكور. قال ابن أبى حاتم، عن أبيه: له صحبه. قال الحافظ في (الإصابة) : كان له يوم مات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تسع سنين، وقتل أبوه يوم بدر، قتله عليّ، ويقال: إن عمر قال لسعيد بن العاص: لم أقتل أباك، وإنما قتلت خالي العاص بن هشام. فقال: ولو قتلته لكنت على الحق وكان على الباطل، فأعجبه قوله.
وكان من فصحاء قريش، ولهذا ندبه عثمان فيمن ندب لكتابة القرآن، قال ابن أبى داود في (المصاحف) : حدثنا العباس بن الوليد، حدثنا أبى، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، أن عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص، لأنه كان أشبههم لهجة برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
وولي الكوفة، وغزا طبرستان ففتحها، وغزا جرجان، وكان في عسكره حذيفة وغيره من كبار الصحابة، وولى المدينة لمعاوية.(6/239)
وسلمة بن هشام بن المغيرة أسلم قديما، وحبس وعذب في اللَّه، وهاجر إلى الحبشة، وقدم المدينة بعد الخندق، وقتل يوم مرج الصّفّر سنة أربع عشرة، وقيل: قتل بأجنادين سنة ثلاث عشرة، وكان من خيار الصحابة [ (1) ] .
__________
[ () ] وله حديث في الترمذي من رواية أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه عن جده، إن كان الضمير يعود على موسى.
وروى الزبير، من طريق عبد العزيز بن أبان، عن خالد بن سعيد عن أبيه، عن ابن عمر، قال: جاءت امرأة إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ببردة، فقالت: إني نذرت أن أعطى هذه البردة لأكرم العرب، فقال:
أعطيها لهذا الغلام، وهو واقف، يعنى سعيدا هذا.
قال الزبير: والثياب السعدية تنسب إليه.
وذكر ابن سعد في ترجمته قصة ولايته على الكوفة بعد الوليد بن عقبة لعثمان، وشكوى أهل الكوفة منه، وعزله مطولا. وكان معاوية عاتبه على تخلفه عنه في حروبه، فاعتذر، ثم ولاه المدينة، فكان يعاقب بينه وبين مروان في ولايتها.
وروى ابن أبى خيثمة، من طريق يحيى بن سعيد، قال: قدم محمد بن عقيل بن أبى طالب على أبيه، فقال له: من أشرف الناس؟ قال: أنا وابن أمى، وحسبك بسعيد بن العاص.
وقال معاوية: كريمة قريش سعيد بن العاص، وكان مشهورا بالكرم والبرّ، حتى كان إذا سأله سائل وليس عنه ما يعطيه كتب له بما يريد أن يعطيه مسطورا، فلما مات كان عليه ثمانون ألف دينا، فوفاها عنه ولده عمرو الأشدق.
وحجّ سعيد بالناس في سنة تسع وأربعين، أو سنة اثنتين وخمسين، ولبث بعدها. وروى عن صالح ابن كيسان، قال: كان سعيد بن العاص حليما وقورا، وكان إذا أحب شيئا أو أبغضه لم يذكر ذلك، ويقول: إن القلوب تتغير، فلا ينبغي للمرء أن يكون مادحا اليوم، عائبا غدا.
ومن محاسن كلامه: لا تمازح الشريف فيحقد عليك، ولا تمازح الدنىء فتهون عليه. ذكره في (المجالسة) من طريق أبى عبيدة، وأخرجه ابن أبى الدنيا من وجه آخر عن ابن المبارك.
ومن كلامه: موطنان لا أعتذر من العيّ فيهما: إذا خاطبت جاهلا، أو طلبت حاجة لنفسي، ذكره في (المجالسة) ، من طريق الأصمعي. وقال مصعب الزبيري: كان يقال له: عكة العسل. وقال الزبير ابن بكار: مات سعيد في قصره بالعقيق سنة ثلاث وخمسين. له ترجمة في: (الإصابة) :
3/ 107- 109، ترجمة رقم (3270) ، (الاستيعاب) : 2/ 621- 624، ترجمة رقم (987) ، (طبقات ابن سعد) : 5/ 19- 21، (أسماء الصحابة الرواة) : 372، ترجمة رقم (608) ، (تلقيح الفهوم) : 381، (سير أعلام النبلاء) : 3/ 444- 449، ترجمة رقم (87) ، (الوافي بالوفيات) :
15/ 227، (جمهرة أنساب العرب) : 80، (الجرح والتعديل) : 4/ 48، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 218، (شذرات الذهب) : 1/ 65.
[ (1) ] هو سلمة بن هشام بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم المخزوميّ، أخو أبى جهل والحارث،(6/240)
وحنتمة ابنة هاشم بن المغيرة [ (1) ] ابنة عم أم سلمة، كانت تحت الخطاب ابن نفيل، فولدت له عمر بن الخطاب، وصفية بنت الخطاب، وأميمة بنت الخطاب.
وأبو أمية بن أبى حذيفة بن المغيرة [أمه عبلة بنت عبيد بن جاذل] [ (2) ] يوم بدر [ (3) ] ، وقتل يوم أحد كافرا [ (4) ] .
وهشام بن أبى حذيفة بن المغيرة، أمه وأم أبى أمية: حذيفة بنت أسد بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وهما ابنا عم أم سلمة، وأسلم هشام وهاجر إلي الحبشة، وقال الواقدي في اسمه هشام: هاشم، وقال هشام وهم ممن قاله [ (5) ] .
وعبد اللَّه بن أبى ربيعة بن المغيرة، أمه وأم أخيه عياش أسماء بنت
__________
[ () ] يكنى أبا هشام. كان من السابقين، وثبت ذكره في الصحيح من حديث أبى هريرة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دعا له لما رفع رأسه من الركوع أن ينجيه من الكفار، وكانوا قد حبسوه عن الهجرة، وآذوه، فروى عبد الرزاق من طريق عبد الملك بن أبى بكر بن الحارث بن هشام، قال: فرّ عياش بن أبى ربيعة، وسلمة بن هشام. والوليد بن الوليد من المشركين، فعلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بمخرجهم، فدعا لهم لما رفع رأسه من الركوع.
وروى ابن إسحاق من حديث أم سلمة أنها قالت لامرأة سلمة بن هشام: ما لي لا أرى سلمة يصلى مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم؟ قالت: كلما خرج صاح به الناس: يا فرّار، وكان ذلك عقب غزوة مؤتة.
ورواه الواقدي من وجه آخر، وزاد: فقال النبي: بل هو الكرّار، وروى ابن سعد أن سلمة لما هرب من قريش، قالت أمه ضباعة:
لا هم رب الكعبة المحرمة ... أظهر على كل عدو سلمه
له يدان في الأمور المبهمة ... كف بها يعطى وكف منعمه
وقال: فلما مات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خرج إلى الشام، فاستشهد بمرج الصّفّر في المحرم سنة أربع عشرة، وذكر عروة وموسى بن عقبة أنه استشهد بأجنادين، وبه جزم أبو زرعة الدمشقيّ، وصوّبه أحمد، له ترجمة في: (الإصابة) : 3/ 155- 156، ترجمة رقم (3405) ، (طبقات ابن سعد) : 4/ 96، (الاستيعاب) : 2/ 643- 644، ترجمة رقم (1032) .
[ (1) ] الإصابة: 4/ 588، ترجمة عمر بن الخطاب رقم (5740) ، (الاستيعاب) : 3/ 1144، ترجمة عمر ابن الخطاب رقم (1878) .
[ (2) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، وما أثبتناه من (جمهرة النسب) : 37، ولعله يناسب السياق والنسب.
[ (3) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 273، ذكر أسرى قريش يوم بدر.
[ (4) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 85، ذكر من قتل من المشركين يوم أحد.
[ (5) ] (الإصابة) : 6/ 538، ترجمة رقم (8968) ، (الاستيعاب) : 4/ 1538، ترجمة رقم (2680) .(6/241)
مخرّبة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم، وهي أم الحارث وأبى جهل ابني هشام بن المغيرة، وكان هشام طلقها، فتزوجها أخوه أبو ربيعة، فندم هشام على فراقه إياها، وكان اسم عبد اللَّه بحيرا، وكان من أشراف قريش في الجاهلية، أسلم يوم الفتح، وكان من أحسن قريش وجها فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عبد اللَّه، وكنيته أبو عبد الرحمن، وهو الّذي بعثته قريش مع عمرو ابن العاص إلى النجاش لأخذ جعفر بن أبى طالب ومن معه، وولاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [الجند] ومخالفيها، وقيل: ولاه عمر على الجند، [وكان عاملا على البصرة لابن الزبير] [ (1) ] .
[ومات سنة خمس وثلاثين، وكان قد جاء من اليمن لينصر عثمان لما حصر] [ (1) ] ، وله من الولد: عمر بن أبى ربيعة الشاعر، والحارث بن عبد اللَّه الّذي يقال له: القباع [ (2) ] .
وعياش بن أبى ربيعة بن المغيرة أبو عبد اللَّه، وقيل: أبو عبد الرحمن، أسلم قديما، وهاجر إلى الحبشة مع امرأته أم الجلاس أسماء ابنة سلمة، ويقال: سلامة بن مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم التيمية، وهي ابنة أخى أسماء بنت مخربة أم أبى جهل. والحارث بن هشام، وأم عبد اللَّه وعياش ابني أبى ربيعة، وولدت له بالحبشة ابنه عبد اللَّه بن عياش، ثم هاجر إلى المدينة حين هاجر عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، فقدم عليه أخوه لأمه أبو جهل بن هشام، والحارث بن هشام، فذكر له أن أمه حلفت لا يدخل رأسها دهن ولا تستظل حتى تراه.
فرجع معهما، فأوثقاه وباطا، وحبساه بمكة،
فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدعو له فيقول في قنوته: اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، واستدركناه من (الكامل في التاريخ) .
[ (2) ] ترجمته وأخباره في (الكامل في التاريخ) : 2/ 148، 3/ 70، 77، 186، 200، 4/ 260، (تاريخ الطبري) : 4/ 214، (سيرة ابن هشام) : 2/ 176، 177، 2/ 178، 1980، 186، 4/ 5، (عيون الأثر) : 2/ 167، (طبقات ابن سعد) : 2/ 40.(6/242)
ابن أبى ربيعة.
وقتل يوم اليرموك، وقيل: مات بمكة، وله من الولد عبد اللَّه ابن عياش، وأبو قيس بن الفاكة ابن المغيرة عم أم سلمة، أمه [] [ (1) ] ابنة عثمان بن [عبيد اللَّه] [ (2) ] بن عمر [ (3) ] .
ونوفل بن عبد اللَّه بن المغيرة، شهد الخندق مع قومه، وعبر الخندق مع عمرو بن عبد في نفر من قريش، وقام سائر المشركين من وراء الخندق، ودعا عمرو بن عبد إلى البراز، فانتدب له على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، وقتله، ففر أصحابه الذين في الخندق هاربين، إلا نوفل هذا فإنه كبابه فرسه في الخندق، فرمى بالحجارة حتى قتل] [ (4) ] ، ويقال: بل حمل الزبير بن العوام رضى اللَّه عنه عليه بالسيف، شقه باثنتين، وقطع بدوح سرجه ويقال: خلص إلى كاهل الفرس، فقيل له: يا أبا عبد اللَّه! ما رأينا سيفا مثل سيفك، فقال: واللَّه ما هو بالسيف، ولكنها الساعد.
وخالد بن الوليد بن المغيرة أبو سليمان، وقيل: أبو الوليد القرشي المخزوميّ سيف اللَّه، أمه لبابة الصغرى، وقيل: لبابة الكبرى بنت الحارث بن
__________
[ (1) ] بياض بالأصل.
[ (2) ] في (خ) : «عبد اللَّه» ، وصوبناه من (المعارف) .
[ (3) ]
قال أبو عمر: روى عياش بن أبى ربيعة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها- يعنى الكعبة والحرم- فإذا ضيعوها هلكوا.
روى عنه عبد الرحمن بن سابط، ويقولون: إنه لم يسمع منه، وإنه أرسل حديثه عنه، وروى عنه نافع مرسلا أيضا، وروى عنه ابنه عبد اللَّه بن عياش سماعا منه. له ترجمة في: (الاستيعاب) : 3/ 1230- 1231، ترجمة رقم (2009) ، (سيرة ابن هشام) : 2/ 91، 163، 169، 212، 321، 322، 324، 325، 4/ 290، (المعارف) : 187، 229، 230، (طبقات ابن سعد) : 1/ 200، 4/ 129.
[ (4) ]
قال ابن إسحاق- وقد ذكر يوم الخندق-: ومن بنى مخزوم بن يقظة: نوفل بن عبد اللَّه بن المغيرة، سألوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يبيعهم جسده، وكان قد اقتحم الخندق، فتورط فيه فقتل، فغلب المسلمون على جسده، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا حاجة لنا في جسده ولا بثمنه، فخلى بينهم وبينه.
قال ابن هشام: - أعطوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بجسده عشرة آلاف درهم فيما بلغني عن الزهري. (سيرة ابن هشام) : 4/ 215.(6/243)
حزن الهلالية، أخت ميمونة. أم المؤمنين، وهو أحد أشراف قريش في الجاهلية، وإليه كانت القبة والأعنة.
فأما القبة، فإنّهم كانوا يضربونها، ثم يجمعون إليها ما يجهزون به الجيش، وأما الأعنة، فإنه كان يكون على الخيل في الحرب، وأسلم بين الحديبيّة وخيبر، وقيل: أسلم سنة خمس بعد بنى قريظة، وقيل أسلم سنة ثمان هو وعمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة، ولم يترك منذ أسلم تولية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أعنة الخيل، فيكون في مقدمتها في محاربة العرب.
وشهد الحديبيّة والفتح، وما بعده، وكان على خيله يوم الحديبيّة، وكان على مقدمته يوم حنين في بنى سليم، وبعثه في سنة تسع إلى أكيدر دومة الجندل، فأخذه وقدم به، وبعثه في سنة عشر إلى الحارث بن كعب، وأمّره أبو بكر رضى اللَّه عنه على الجيوش في الرّدّة، ففتح اللَّه عليه اليمامة وغيرها، وقتل على يديه أكثر أهل الرّدة، ثم افتتح دمشق، ومات بحمص، وقيل: بالمدينة، سنة إحدى وعشرين، وقيل: سنة اثنتين وعشرين، وأخباره كثيرة، وفضائله شهيرة [ (1) ] .
وعمارة بن الوليد بن المغيرة، أبو قائد، كان من فتيان قريش جمالا وشعرا، وهو الّذي جاء به مشركو قريش إلى أبى طالب ليأخذه بدل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ويدفعه إليهم ليقتلوه، وهو الّذي بعثت به قريش مع عمرو بن العاص إلى النجاش في أخذ من هاجر إلى الحبشة من المسلمين، فيعرض لجارية عمرو، فكاده عند النجاش حتى سحر، وذهب مع الوحش حتى خرج إليه عبد اللَّه بن أبى ربيعة، بن المغيرة، فأخذه فمات في يده، وله
__________
[ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.(6/244)
أخبار وشعر جيد، وله من الولد: قائد، والوليد، وأبو عبيدة [ (1) ] .
وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة، قتله على رضى اللَّه عنه يوم بدر كافرا [ (2) ] .
وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة [ (3) ] ، ابنة عم أم سلمة، وكانت تحت ابن عمها الحارث بن هشام بن المغيرة، فولدت له عبد الرحمن وأم حكيم، وأم فاطمة هذه حنتمة بنت شيطان بن عمرو بن كعب بن وائلة الأحمر بن الحارث بن عبد مناه.
__________
[ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[ (2) ] قال ابن هشام- وقد ذكر قتلى بدر من المشركين-: ومن بنى مخزوم: أبو قيس الفاكة بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر مخزوم، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم. (سيرة ابن هشام) : 3/ 190، ثم قال في ص 287: أن أبا قيس بن الفاكة قتله عليّ رضى اللَّه عنه، وأن أبا قيس بن الوليد قتله حمزة بن عبد المطلب رضى اللَّه عنه.
[ (3) ] هي فاطمة بنت الوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن مخزوم القرشية المخزومية، أخت خالد بن الوليد، قال ابن سعد: أمها حنتمة- بمهملة مفتوحة ونون ساكنة، ثم مثناة من فوق مفتوحة- بنت عبد اللَّه بن عمرو بن كعب الكنانية.
أسلمت يوم الفتح، وبايعت، وهي زوج الحارث بن هشام، وهي والدة عبد الرحمن، وأم حكيم ابني الحارث. قال أبو عمر: ويقال: إن عمر تزوجها بعد الحارث، وفيه نظر.
قال الحافظ في (الإصابة) : وترجم لها ابن مندة: فاطمة بنت الوليد القرشية، وأورد لها حديث الإزار، وقد أخرجه العقيلي من طريق عبد السلام بن حرب، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى فروة، عن إبراهيم بن العباس بن الحارث، عن أبى بكر بن الحارث، عن فاطمة بنت الوليد أم أبى بكر، أنها كانت بالشام تلبس الجباب من ثياب الخز، ثم تأتزر، فقيل لها: ما يغنيك عن هذا الإزار، فقالت:
سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يأمر بالإزار.
قال ابن الأثير: قوله: أم أبى بكر، يعنى ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فهي أم أبيه، وهي جدة أبى بكر، وهو كما قال، فقد قال ابن عساكر: فاطمة بنت الوليد بن المغيرة أخت خالد لها صحبة، وخرجت مع زوجها الحارث إلى الشام، واستشارها خالد أخوها في بعض أمره، وذلك لما جاءه عزله من عمر بن الخطاب فقالت: واللَّه لا يحبك عمر أبدا، وما يريد إلا أن تكذب نفسك ثم ينزعك، فقبّل خالد رأسها وقال: صدقت واللَّه، فتم على أمره، وأبى أن يكذب نفسه.(6/245)
وعبد شمس بن الوليد بن المغيرة، أمه [] بنت هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم [ (1) ] .
وهشام بن الوليد بن المغيرة، وهو الّذي قتل أبا أزيهر بن أنيس بن الخلق الأزدي الدوسيّ بذي المجاز [ (2) ] ، وكان لأبى أزيهر ابنتان: إحداهما تحت أبى سفيان بن حرب، والأخرى تزوج بها الوليد بن المغيرة، ولم يدخل بها حتى مات، فطالب هشام أبا أزيهر بالصداق فلم يعطه، فقتله، وكانت فيه عجلة، فأراد المطيبون الحرب فمنعهم أبو سفيان وقال: لا تشاغلوا بالحرب بينكم عن محمد وأصحابه، ولهذا الخبر قصة [ (3) ] .
__________
[ () ] روت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حديثا واحدا، رواه عنها ابنها أبو بكر بن عبد الرحمن، فذكر حديث الإزار.
(الإصابة) : 8/ 70، ترجمة رقم (11610) ، (الاستيعاب) : 4/ 1902، ترجمة رقم (4064) ، طبقات ابن سعد) : 8/ 190، (أعلام النساء) : 4/ 149.
[ (1) ] (جمهرة النسب) : 89.
[ (2) ] (جمهرة النسب) : 88.
[ (3) ] وهذه القصة فيما ذكره ابن إسحاق قال: فلما حضرت الوليد الوفاة دعا بنيه وكانوا ثلاثة: هشام بن الوليد، والوليد بن الوليد، وخالد بن الوليد، فقال لهم: أي بنى، أوصيكم بثلاث، فلا تضيعوا فيهن: دمي في خزاعة فلا تطلنّه [لا تهدرنّه] ، واللَّه إنّي لأعلم أنهم منه برآء، ولكنى أخشى أن تسبّوا بعد اليوم، ورباى في ثقيف، فلا تدعوه حتى تأخذوه، وعقرى عند أبى أزيهر [دية الفرج المغصوب] فلا يفوتنكم به.
وكان أبو أزيهر قد زوجه بنتا، ثم أمسكها عنه، فلم يدخلها عليه حتى مات. فلما هلك الوليد ابن المغيرة وثب بنو مخزوم على خزاعة يطلبون منهم عقل الوليد، وقالوا: إنما قتله سهم صاحبكم- وكان لبني كعب حلف من بنى عبد المطلب بن هاشم- فأبت عليهم خزاعة ذلك، حتى تقاولوا أشعارا، وغلظ بينهم الأمر- وكان الّذي أصاب الوليد سهمه، رجلا من بنى كعب بن عمرو من خزاعة- فقال عبد اللَّه بن أبى أمية بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم في ذلك شعرا.
ثم إن الناس ترادّوا وعرفوا إنما يخشى القوم السبة، فأعطتهم خزاعة بعض العقل وانصرفوا عن بعض. ثم لم ينته الجون بن أبى الجون حتى افتخر بقتل الوليد، وذكر أنهم أصابوه، وكان ذلك باطلا. فلحق بالوليد وبولده وقومه من ذلك ما حذر.
ثم عدا هشام بن الوليد على أبى أزيهر، وهو بسوق المجاز- وكانت عند أبى سفيان بن حرب عاتكة(6/246)
__________
[ () ] بنت أبى أزيهر، وكان أبو أزيهر رجلا شريفا في قومه- فقتله بعقر الوليد الّذي كان عنده، لوصية أبيه إياه، وذلك بعد أن هاجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة ومضى بدر، وأصيب به من أصيب من أشراف قريش من المشركين.
فخرج يزيد بن أبى سفيان، فجمع بنى عبد مناف، وأبو سفيان بذي المجاز، فقال الناس: أخفر أبو سفيان في صهره، فهو ثائر به. فلما سمع أبو سفيان بالذي صنع ابنه يزيد- وكان أبو سفيان رجلا حليما منكرا يحب قومه حبا شديدا- انحط سريعا إلى مكة، وخسى أن يكون بين قريش حدث في أبى أزيهر، فأتى ابنه، وهو في الحديد، في قومه من بنى عبد مناف والمطيبين، فأخذ الرمح من يده، ثم ضرب به على رأسه ضربة هدّه منها، ثم قال له: قبحك اللَّه! أتريد أن تضرب قريشا بعضهم ببعض في رجل من دوس؟ سنؤتيهم العقل إن قبلوه، وأطفئ لك الأمر.
فانبعث حسان بن ثابت يحرض في دم أبى أزيهر، ويعيّر أبا سفيان خفرته وبجنبه، فقال في ذلك شعرا، فلما بلغ أبا سفيان قول حسان قال: يريد حسان أن يضرب بعضنا ببعض في رجل من دوس، بئس واللَّه ما ظن.
ولما أسلم أهل الطائف كلّم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خالد بن الوليد في ربا الوليد الّذي كان في ثقيف، لما كان أبوه أوصاه به.
قال ابن إسحاق: فذكر لي بعض أهل العلم أن هؤلاء الآيات من تحريم ما بقي من الربا بأيدي الناس، نزلن في ذلك من طلب خالد الربا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة: 278] إلى آخر القصة فيها.
ولم يكن في أبى أزيهر ثأر نعلمه، حتى حجز الإسلام، إلا أن ضرار بن الخطاب بن مرداس الفهري، خرج في نفر من قريش إلى أرض دوس، فنزلوا على امرأة يقال لها أم غيلان مولاة لدوس، وكانت تمشط النساء وتجهز العرائس، فأرادت دوس قتلهم بأبي أزيهر، فقامت دونهم أم غيلان ونسوة معها حتى منعتهم، فقال ضرار بن الخطاب في ذلك شعرا.
قال ابن هشام: حدثني أبو عبيدة: أن التي قامت دون ضرار أمّ جميل، ويقال: أم غيلان، قال:
ويجوز أن تكون أم غيلان قامت مع أم جميل فيمن قام دونه.
فلما قام عمر بن الخطاب أتته أم جميل، وهي ترى أنه أخوه، فلما انتسبت له عرف القصة فقال:
إني لست بأخيه إلا في الإسلام، وهو غاز وقد عرفت منّتك عليه، فأعطاها على أنها ابنة سبيل.
قال الراويّ: قال ابن هشام: وكان ضرار لحق عمر بن الخطاب يوم أحد، فجعل يضربه بعرض الرمح ويقول: أنج يا ابن الخطاب لا أقتلك، فكان عمر يعرفها له بعد إسلامه. (سيرة ابن هشام) : 2/ 258- 263.
وقد ذكر ابن هشام ما قاله كل من عبد اللَّه بن أبى أمية بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم(6/247)
والوليد بن الوليد بن المغيرة، أمه وأم هشام أميمة بنت حرملة بن خليل ابن شوبر بن صعب بن قيس، أسره يوم بدر كافرا عبد اللَّه بن جحش، وقيل أسره سليط بن قيس المازني، فقدم في فدائه أخواه خالد وهشام، فتمنع عبد اللَّه بن جحش حتى افتكّاه بأربعة آلاف درهم، وقيل افتكاه بشكة أبيه الوليد، وكانت درعا وسيفا وبيضة، فأقيمت بمائة دينار، فلما افتدى أسلم، فحبسوه بمكة، فكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يدعو له فيمن دعا من مستضعفي المؤمنين بمكة، ثم أفلت من أسارهم، وشهد عمرة القضية، وكتب يدعو أخاه خالد بن الوليد إلى الإسلام [ (1) ] .
وقيل إنه أفلت من الحبس بمكة، وخرج على رجليه، فمات على ميل من المدينة، ورثته ابنة عمه أم سلمة بشعر [ (2) ] ، وله ابن كان اسمه الوليد بن الوليد بن الوليد، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عبد اللَّه [ (3) ] .
والوليد بن عبد شمس بن المغيرة ابن عم أم سلمة، أمه قيلة بنت جحش ابن ربيعة بن أهيب بن الضباب بن حجير بن عبد معيص بن عامر بن لؤيّ، أسلم يوم الفتح، وقتل باليمامة شهيدا مع ابن عمه خالد بن الوليد، وله من
__________
[ () ] وما قاله الجون بن أبى الجنون الخزاعي، وما قاله حسان بن ثابت، وما قاله ضرار بن الخطاب، في قصة أبى أزيهر من الشعر، الّذي قد بلغ سبعة وعشرين بيتا، أمسكنا عن ذكرها خشية الإطالة، فلتراجع في (المرجع السابق) .
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 140- 41، (سيرة ابن هشام) : 3/ 273.
[ (2) ] قالت أم سلمة بنت أبى أمية:
يا عين فابكى للوليد ... بن الوليد بن المغيرة
كان الوليد بن الوليد ... أبو الوليد فتى العشيرة
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تقولي هكذا يا أم سلمة، ولكن قولي: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق: 19] ، والخبر بتمامة في (طبقات ابن سعد) : 4/ 131- 134.
[ (3) ] قال ابن سعد: فدخل المدينة فمات بها، وله عقب، منهم: أيوب بن سلمة بن عبد اللَّه بن الوليد بن الوليد،
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ما اتخذتم الوليد إلا حنانا، فسماه عبد اللَّه.
(المرجع السابق) .(6/248)
الولد عبد الرحمن [ (1) ] .
وأبو عمرو بن حفص بن المغيرة، أمه درة بنت خزاعيّ بن الحارث بن الحويرث الثقفي، وهو زوج فاطمة بنت قيس. أخت الضحاك بن قيس، قيل اسمه عبد الحميد، وقيل أحمد، وقيل اسمه كنيته، أسلم وخرج مع على رضى اللَّه عنه إلى اليمن، فبعث من هناك بطلاق امرأته فاطمة ابنة قيس، وهو الّذي كلم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه لما عزل خالد بن الوليد، وقال له: لقد نزعت غلاما- أو قال عاملا- استعمله رسول اللَّه، وغمدت سيفا سلّه اللَّه، ووضعت لواء نصبه رسول اللَّه، ولقد قطعت الرحم، وحسدت ابن العم [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (الكامل في التاريخ) : 2/ 367، ذكره ابن الأثير فيمن قتل باليمامة، (الإصابة) : 6/ 614، ترجمة رقم (9152) .
[ (2) ] هو أبو عمرو بن حفص بن المغيرة، ويقال: أبو عمرو بن حفص بن عمرو بن حفص بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم القرشيّ المخزومي، قيل: اسمه عبد الحميد، وقيل: اسمه أحمد، وقيل: بل اسمه كنيته، بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مع على بن أبى طالب، حين بعث عليا أميرا إلى اليمن، فطلق امرأته هناك فاطمة بنت قيس الفهرية، وبعث إليها بطلاقها، ثم مات هناك. [في هوامش (الاستيعاب) ] : هذا لا يصح، لأنه قد ذكر بعد ذلك أنه كلم عمر في أمر خالد.
روى الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن فاطمة بنت قيس الفهرية، أنها كانت تحت أبى عمرو بن حفص، فلما أمرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عليا على اليمن خرج معه، وأرسل إليها بتطليقة هي بقية طلاقها.
قال أبو عمر: قد اختلف في صفة طلاقه إياها على ما ذكرناه في كتاب (التمهيد) . وأبو عمرو هذا، هو الّذي كلم عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه وواجهه في عزل خالد بن الوليد.
ذكر النسائي، قال: أخبرنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، قال: حدثنا وهب بن زمعة، قال: حدثنا عبد اللَّه بن المبارك عن سعيد بن زيد، قال: سمعت الحارث بن يزيد يحدث عن على بن رباح، عن ناشرة بن سمى البزنى قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول يوم الجابية في حديث ذكره: وأعتذر إليكم من خالد بن الوليد، فإنّي أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين، فأعطاه ذا البأس وذا اليسار وذا الشرف، فنزعته، وأثبت أبا عبيدة بن الجراح، فقال أبو عمرو بن حفص بن المغيرة: واللَّه(6/249)
__________
[ () ] لقد نزعت غلاما- أو قال: عاملا- استعمله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وغمدت سيفا سلّه اللَّه، ووضعت لواء نصبه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ولقد قطعت الرحم، وحسدت ابن العم. فقال عمر: أما إنك قريب القرابة، حديث السنّ.
قال إبراهيم بن يعقوب: سألت أبا هشام المخزومي- وكان علامة بأسمائهم- عن اسم أبى عمرو هذا، فقال: اسمه أحمد.
وذكر البخاري هذا الخبر في التاريخ عن عبدان، عن ابن المبارك بإسناده نحوه، وأخرجه فيمن لا يعرف اسمه من الكنى المجردة عن الأسماء. (الإصابة) : 7/ 287، ترجمة رقم (10285) ، (الاستيعاب) 40/ 1719- 1720، ترجمة رقم (3104) ، (التاريخ الكبير) : 8/ 54، ترجمة رقم (469) .(6/250)
إخوة أم سلمة
وأما إخوة أم سلمة رضى اللَّه تعالى عنها:
عبد اللَّه بن أبى أمية بن المغيرة، وهشام وزهير ابنا أبى أمية بن المغيرة، وقد تقدم ذكرهما.
والمهاجر بن أبى أمية بن المغيرة أخو أم سلمة شقيقها، كان اسمه الوليد، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم «المهاجر» لما هاجر إلى المدينة، ثم بعثه إلى الحارث ابن عبد كلال ملك اليمن، واستعمله أيضا على صدقات كندة، والصدف، ثم ولاه أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه اليمن، ففتح حصن النّجير بحضر موت [ (1) ] .
__________
[ (1) ] هو المهاجر بن أبى أمية بن عبد اللَّه بن عمر مخزوم القرشيّ المخزومي، أخو أم سلمة- زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم- شقيقها.
قال الزبير: شهد بدرا مع المشركين، وقتل أخواه يومئذ: هشام، ومسعود، وكان اسمه الوليد، فغيره النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وولاه لما بعث العمال على صدقات صنعاء، فخرج عليه الأسود العنسيّ، ثم ولاه أبو بكر، وهو الّذي افتتح حصن النّجير الّذي تحصنت به كندة في الردة، وهو زياد بن لبيد [أو لبيدة] . وقال المرزباني في (معجم الشعراء) : قاتل أهل الردة، وقال في ذلك أشعارا.
وذكر سيف في (الفتوح) : أن المهاجر كان تخلف عن غزوة تبوك، فرجع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو عاتب عليه، فلم تزل أم سلمة تعتذر عنه حتى عذرة، وولاه..
وأخرج الطبراني من طريق محمد بن حجر- بضم المهملة وسكون الجيم- ابن عبد الجبار بن وائل ابن حجر الحضرميّ، عن عمه سعيد بن عبد الجبار عن أبيه، عن أمه أم يحيى، عن وائل بن حجر، قال: وفدن على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فرحب بى وأدنى مجلسى، فلما أردت الرجوع كتب ثلاث كتب:
كتاب خاص بى فضلني فيه على قومي: بسم اللَّه الرحمن الرحيم من محمد رسول اللَّه إلى المهاجر ابن أمية: إن وائلا يستسعى ويترفل على الأقيال حيث كانوا من حضرموت. (المصباح المضيء) : 1/ 256- 257، ترجمة رقم (42) ، (مجموعة الوثائق السياسية) : 39- 140، رسالة رقم (132) ، (الإصابة) : 6/ 328- 329، ترجمة رقم (8359) ، (الاستيعاب) : 4/ 1452- 1453، ترجمة رقم (2502) ، (معجم البلدان) : موضع رقم (3388) ، (5990) ، (11943) .(6/251)
وأبو عبيدة بن أبى أمية بن المغيرة [ (1) ] .
وهشام بن أبى أمية بن المغيرة، قتل يوم أحد كافرا [ (2) ] .
ومسعود بن أبى أمية بن المغيرة قتل يوم بدر كافرا [ (3) ] .
وربيعة بن أبى أمية بن المغيرة. [ (4) ]
وعبد اللَّه ابن أبى أمية بن المغيرة [ (5) ] ، أخو أم سلمة، تقدم ذكره في
__________
[ (1) ] لم أجد له ترجمة.
[ (2) ] قال ابن إسحاق، وقد ذكر من قتل من المشركين يوم أحد: ومن بنى مخزوم بن يقظة، هشام بن أبى أمية بن المغيرة، قتله قزمان.
[ (3) ] قال ابن إسحاق، وقد ذكر من قتل من المشركين يوم بدر: ومسعود بن أبى أمية بن المغيرة، قتله على ابن أبى طالب.
[ (4) ] لم أجد له ترجمة.
[ (5) ] قال ابن إسحاق، وقد ذكر إسلام أبى سفيان بن الحارث، وعبد اللَّه بن أبى أمية: وقد كان أبو سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب، وعبد اللَّه بن أبى أمية بن المغيرة، قد لقيا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بنيق العقاب فيما بين مكة والمدينة، فالتمسا الدخول عليه، فكلمته أم سلمة فيهما، فقالت: يا رسول اللَّه، ابن عمك، وابن عمتك، وصهرك،
قال: لا حاجة لي بهما، أما ابن عمى فهتك عرضي، وأما ابن عمتي وصهري، فهو الّذي قال لي بمكة ما قال، [يعنى حين قال له: واللَّه لا آمنت بك حتى تتخذ سلما إلى السماء فتعرج فيه وأنا انظر، ثم تأتى بصك وأربعة من الملائكة يشهدون أن اللَّه قد أرسلك] .
قال: فما خرج الخبر إليهما بذلك، ومع أبى سفيان، بنى له، [لم يذكر ابن إسحاق اسم ابنه ذلك، ولعله أن يكون جعفرا، فقد كان إذ ذاك غلاما مدركا، وشهد مع أبيه حنينا، ومات في خلافة معاوية] .
فقال: واللَّه ليأذن لي، أولا لآخذن بيدي بنى هذا، ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشا وجوعا، فلما بلغ ذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رقّ لهما، ثم أذن لهما، فدخلا عليه فأسلما.
وأنشد أبو سفيان بن الحارث قوله في إسلامه، واعتذر إليه مما كان مضى منه، فقال في ذلك تسعة أبيات ذكرها ابن هشام في (السيرة) ، وحيث يقول في البيت الثالث منها.
هداني هاد غير نفسي ونالني ... مع اللَّه من طردت كلّ مطرّد.
قال ابن إسحاق: وزعموا أنه حين أنشد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قوله: «ونالني مع اللَّه من طردت كل مطرد» ضرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في صدره وقال: أنت طردتني كل مطرد. (سيرة ابن هشام) : 5/ 56- 58.(6/252)
أبناء العمات.
وقريبة الكبرى ابنة أبى أمية بن المغيرة كانت تحت زمعة بن الأسود [ (1) ] ، وقريبة الصغرى أخت أم سلمة، كانت تحت عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق، فولدت له عبيد اللَّه، وأم حكيم وأمها عاتكة بنت عتبة بن ربيعة، وكان عمار بن ياسر أخا لأم سلمة بن القضاعة [ (2) ] .
__________
[ (1) ] قال ابن سعد في (الطبقات) : 4/ 121: هي أم يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصىّ.
[ (2) ] قريبة بفتح أوله- وقيل بالتصغير- بنت أبى أمية بن المغيرة المخزومية أخت أم سلمة.
قالت أم سلمة: لما وضعت زينب جاءني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فخطبني، فذكرت قصة تزويجها ودخوله عليها، واشتغالها برضاع زينب، حتى جاء يوما فلم يرها، فقال: أين زينب؟ فقالت: قريبة، ووافقها عبد اللَّه: أخذها عمار بن ياسر، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أنا آتيكم الليلة، فدخل على أم سلمة.
وقال البلاذري: تزوجها معاوية بن أبى سفيان لما أسلم، وقال ابن سعد: هي قريبة الصغرى، أمها عاتكة بنت عتبة بن ربيعة، قال: وتزوجها عبد الرحمن بن أبى بكر، فولدت له عبد اللَّه، وأم حكيم، وحفصة، ثم ساق بسند صحيح إلى ابن أبى مليكة، قال: تزوج عبد الرحمن قريبة أخت أم سلمة، وكان في خلقه شدة، فقالت له يوما: أما واللَّه لقد حذرتك، قال: فأمرك بيدك. قالت: لا أختار على ابن الصديق أحدا، فأقام عليها.
قال الحافظ في (الإصابة) : وكانت موصوفة بالجمال، فقد وقع عند عمر بن شبة في كتاب (مكة) ،
عن يعقوب بن القاسم الطلحي، عن يحيى بن عبد اللَّه بن أبى الحارث الزمعى، قال: لما فتحت مكة، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لسعد بن عبادة لما قال: ما رأينا من نساء قريش ما كان يذكر من جمالهن: هل رأيت بنات أبى أمية بن المغيرة؟ هل رأيت قريبة؟.
قال ابن إسحاق، وقد ذكر قوله تعالى وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ: كان ممن طلق عمر بن الخطاب، طلق امرأته قريبة بنت أبى أمية بن المغيرة، فتزوجها بعده معاوية بن أبى سفيان، وهما على شركهما بمكة. (سيرة ابن هشام) : 4/ 296، (الإصابة) : 8/ 81- 82، ترجمة رقم (11645) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 191.(6/253)
أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل زينب بنت جحش
عبد اللَّه بن جحش أحد البدريين [ (1) ] ، وأبو أحمد عبد بن جحش.
__________
[ (1) ] هو عبد اللَّه بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي، أمه أميمة بنت عبد المطلب، وهو حليف لبني عبد شمس، وقيل حليف لحرب بن أمية.
أسلم- فيما ذكر الواقدي- قبل دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دار الأرقم، وكان هو وأخوه أبو أحمد عبد ابن جحش من المهاجرين الأولين، ممن هاجر الهجرتين، وأخوهما عبد اللَّه بن جحش تنصر بأرض الحبشة، ومات بها نصرانيا، وبانت منه امرأته أم حبيبة بنت أبى سفيان، فتزوجها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وأختهم زينب بنت جحش، زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وأم حبيبة وحمنة.
وكان عبد اللَّه ممن هاجر إلي أرض الحبشة مع أخويه: أبى أحمد وعبيد اللَّه بن جحش، ثم هاجر إلى المدينة، وشهد بدرا، واستشهد يوم أحد، يعرف بالمجدّع في اللَّه، لأنه مثّل به يوم أحد وقطع أنفه.
عن زياد بن علاقة، عن سعد بن أبى وقاص، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خطبهم وقال: لأبعثن عليكم رجلا ليس بخيركم، ولكنه أصبركم للجوع والعطش، فبعث عبد اللَّه بن جحش.
وروى عاصم الأحول، عن الشعبي أنه قال: أول لواء عقده رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلعبد اللَّه بن جحش حليف لبني أمية.
وقال ابن إسحاق: بل لواء عبيدة بن الحارث، وقال المدائني: بل لواء حمزة، وعبد اللَّه بن جحش هذا هو أول من سنّ الخمس من الغنيمة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أن يفرض اللَّه الخمس، فأنزل اللَّه تعالى بعد ذلك آية الخمس، فكان أول من خمّس في الإسلام، ثم أنزل اللَّه تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [الأنفال: 41] .
وروى ابن وهب قال: أخبرنى أبو صخر عن ابن قسيط، عن إسحاق بن سعد بن أبى وقاص، عن أبيه، أن عبد اللَّه بن جحش قال له يوم أحد: ألا تأتى فندعوا اللَّه، فجلسوا في ناحية، فدعا سعد وقال: يا رب، إذا لقيت العدو غدا فلقني رجلا شديدا بأسه، شديدا حرده، أقاتله فيك، ويقاتلني، ثم ارزقنى عليه الظفر حتى أقتله وآخذ سلبه، فأمّن عبد اللَّه بن جحش، ثم قال:
اللَّهمّ ارزقنى غدا رجلا شديدا بأسه، شديدا حرده، أقاتله فيك ويقاتلني فيقتلني، ثم يأخذنى فيجدع أنفى وأذنى، فإذا لقيتك قلت: يا عبد اللَّه، فيم جدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول: صدقت. قال سعد: كانت دعوة عبد اللَّه بن جحش خيرا من دعوتي، لقد رأيته آخر النهار، وإن أذنه وأنفه معلقان جميعا في خيط.
وذكر الزبير في (الموفقيات) : أن عبد اللَّه بن جحش انقطع سيفه يوم أحد، فأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عرجون نخلة، فصار في يده سيفا، يقال: إن قائمته منه، وكان يسمى العرجون، ولم يزل يتناول(6/254)
وقيل: ثمامة بن جحش الشاعر، أحد المهاجرين، وعبيد اللَّه بن جحش الّذي تنصر بالحبشة، وكانت قريش قد اجتمعت عند صنم لهم فقال ورقة وعبيد اللَّه بن جحش وعثمان بن الحويرث وزيد بن عمرو: لقد أخطأ قومنا دين إبراهيم، ما حجر نطيف به [لا يسمع ولا يبصر] ولا يضر ولا ينفع [يا قوم التمسوا لأنفسكم، فإنكم واللَّه ما أنتم على شيء] فتفرقوا في البلاد يلتمسون الحنيفية [دين إبراهيم] ، فأما ورقة ابن نوفل فاستحكم في النصرانية، واتبع الكتب من أهلها، وأقام عبيد اللَّه على الالتباس حتى أسلم وهاجر إلى الحبشة فتنصر بها، ومات نصرانيا، وقدم عثمان بن الحويرث على قيصر فتنصر، ووقف زيد بن عمرو فلم يدخل في يهودية ولا نصرانية.
وأم حبيبة بنت جحش، وحمنة بنت جحش، وقد تقدم ذكرهم في أبناء العمات.
__________
[ () ] حي بيع من بغا التركي بمائتي دينار، ويقولون: إنه قتله يوم أحد أبو الحكم بن الأخنس بن شريق الثقفي، وهو يوم قتل ابن نيّف وأربعين سنة. قال الواقدي: دفن هو وحمزة في قبر واحد، وولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تركته، فاشترى لابنه مالا بخيبر، له ترجمة في: (الاستيعاب) : 3/ 877- 880، ترجمة رقم (1484) ، (الإصابة) : 4/ 35- 37، ترجمة رقم (4586) ، (طبقات ابن سعد) :
2/ 10، 11، 4/ 102، 131، 137، 3/ 10، 13، 390، 462، 8/ 46، 241، 245، (مغازي الواقدي) : 2، 13، 16، 17، 19، 140، 154، 253، 274، 291، 300، 839، 840، 841، (سيرة ابن هشام) : 2/ 50، 51، 52، 166، 5/ 9، 14، 6/ 59.(6/255)
أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم حبيبة
الحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، أمه وأم أخته: الفارعة بنت حرب من بنى تميم، وكان نديما للعوام بن خويلد ابن أسد بن عبد العزى، وتزوج صفية عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فولدت صفيّا [ (1) ] .
ومحمد بن عبد اللَّه بن جحش بن رئاب بن يعمر الأسدي أبو محمد، هاجر مع أبيه وعمه أبى أحمد إلى المدينة، وقتل أبوه بأحد، فأوصى به إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان [ (2) ] محمد [بن عبد اللَّه بن جحش] [ (3) ] في حجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عند زينب بنت جحش، أم المؤمنين رضى اللَّه عنها، ذكره الحافظ أبو نعيم، وانفرد النسائي بحديثه [ (4) ] .
وعمر بن حرب بن أمية، أمه وأم أخيه عمرو، وأخته أم جميل حمالة الحطب: فاختة بنت عامر بن معتب الثقفي، وله من الولد أمية بن عمرو، وسلمى بنت عمر، ولدت لحنظلة بن أبى سفيان صخر بن حرب ولدا اسمه ربيعة بن حنظلة، وأخوهما لأمهما الفارعة بنت عدي بن نوفل بن عبد مناف، هو عبّاس بن علقمة بن عبد اللَّه بن أبى قيس بن عبد ودّ بن نصر ابن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ ولا عقب لعمر [ (5) ] . وعمرو بن حرب ابن أمية [ (6) ] .
__________
[ (1) ] قال ابن قتيبة: وكانت صفية بنت عبد المطلب عند الحارث بن حرب بن أمية، ثم خلف عليها العوام بن خويلد، وهي أم الزبير بن العوام. (المعارف) : 128.
[ (2) ] في (خ) : «وكانت» .
[ (3) ] زيادة للسياق والنسب.
[ (4) ] له ترجمة في: (الاستيعاب) : 3/ 1373- 1374، ترجمة رقم (2335) ، (سيرة ابن هشام) :
2/ 319.
[ (5) ] ، (6) لم أجد له ترجمة.(6/256)
والفارعة بنت حرب بن أمية [ (1) ] ، أمها وأم أخيها أبى سفيان صخر بن حرب، وأم أختها فأخته صفية بنت حزن بن البجير بن الهزم بن رويبة بن عبد اللَّه بن هلال بن عامر بن صعصعة، وهي عمة أم الفضل امرأة العباس ابن عبد المطلب أم بنيه، وعمة ميمونة أم المؤمنين رضى اللَّه عنها، وكانت الفارعة هذه- وهي الكبرى- تحت الأسود بن عبد المطلب بن أسد، فولدت له فاختة بنت الأسود [ (2) ] .
وفاختة بنت حرب بن أمية [ (3) ]- وهي الكبرى- كانت عند شيبة بن ربيعة، فولدت له عبد الرحمن بن شيبة، والفارعة الصغرى بنت حرب بن أمية، وفاختة الصغرى بنت حرب بن أمية، أمها أم قتال بن عبد الحارث بن زهرة، وكانت عند قيس بن عبد اللَّه بن يعمر الشداخ، فولدت له الجثامة ابن قيس [ (4) ] ، ثم خلف عليها غزوان بن جابر بن شبيب المازني، فولدت له فاختة بنت غزوان [ (5) ] .
وأم جميل بنت حرب بن أمية- وهي التي سماها اللَّه تعالى في كتابه
__________
[ (1) ] لم أجد له ترجمة.
[ (2) ] هي فاختة بنت الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى القرشية الأسديّة، كانت تحت صفوان بن أمية بن خلف الجمحيّ، خلف عليها بعد أبيه، ففرق الإسلام بينهما. أخرجه المستغفري من طريق محمد بن ثور، عن ابن جريج، قال: فرّق الإسلام بين أربع وبين أبناء بعولتهن، فذكرها. (الإصابة) : 8/ 46 ترجمة رقم (11565) .
[ (3) ] لم أجد لهم ترجمة.
[ (4) ] جثّامة- بفتح أوله وتثقيل المثلثة- ابن قيس- ذكره ابن مندة،
وروى من طريق حبيب بن عبيد الرّحبىّ، عن أبى بشر، عن جثامة بن قيس- وكان من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم- مرفوعا: من صام يوما في سبيل اللَّه باعده اللَّه عن النار مائة عام، وفي الإسناد من لا يعرف. (الإصابة) : 1/ 464، ترجمة رقم (1099) .
[ (5) ] هي فاختة بنت غزوان- بفتح المعجمة وسكون الزاى- ابن جابر بن وهب المازني، كانت من المهاجرات. (الإصابة) : 8/ 47، ترجمة رقم (11571) .(6/257)
العزيز: حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، امرأة أبى لهب بن عبد المطلب، لأنها كانت تحمل أغصان العضاة والشوك، فتطرحها في طريق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أو لأنها حمالة النميمة، تحطب على ظهرها.
ولم نزلت سورة تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ* سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ* وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ* فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [ (1) ] ، قالت أم جميل: هجاني محمد، واللَّه لأهجونّه:
محمّدا قلينا ... ودينه أبينا
وأخذت فهرا لتضربه، فأغشى اللَّه عينيها عنه، وردها بغيظها، وهي أم عتبة، وعتيبة، بنى أبى لهب [ (2) ] .
__________
[ (1) ] سورة المسد كلها، سمّيت هذه السورة في أكثر المصاحف: «سورة تبّت» ، وكذلك عنونها الترمذي في (جامعة) ، وفي أكثر كتب التفسير، تسمية لها بأول كلمة فيها. وسميت في بعض المصاحف وبعض التفاسير «سورة المسد» ، واقتصر في (الإتقان) على هذين. وسماها بعض المفسرين: «سورة أبى لهب» ، على تقدير: سورة ذكر أبى لهب، وعنونها أبو حيان في تفسيره: «سورة اللهب» ، ولم أره لغيره. وعنونها ابن العربيّ في (أحكام القرآن) : «سورة ما كان من أبي لهب» ، وهو عنوان وليس باسم. وهي مكية بالاتفاق، وعدّت السادسة من السور نزولا، نزلت بعد سورة الفاتحة، وقبل سورة التكوير. وعدد آياتها خمس.
روى أن نزولها كان في السنة الرابعة من البعثة، وسبب نزولها على ما في الصحيحين، عن ابن عباس، قال: صعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذات يوم على الصفا، فنادى: «يا صباحاه» ، [كلمة ينادى بها للإنذار من عدوّ يصبّح القوم] ، فاجتمعت إليه قريش، فقال: إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، أرأيتم لو أنى أخبرتكم أن العدو ممسيكم أو مصبحكم أكنتم تصدقوني؟ قالوا: ما جرّ بنا عليك كذبا، فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟! فنزلت: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ.
[ (2) ] وأبو لهب: هو عبد العزى بن عبد المطلب، وهو عمّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وكنيته أبو عتبة تكنية باسم ابنه، وأما كنيته بأبي لهب في الآية، فقيل: كان يكنّى بذلك في الجاهلية [لحسنه وإشراق وجهه] ، وأنه اشتهر بتلك الكنية، كما اقتضاه حديث طارق المحاربي، ومثله حديث من ربيعة بن عباد الديليّ في (مسند أحمد) .
فسماه القرآن بكنيته دون اسمه، لأن في اسمه عبادة العزّى، وذلك لا يقرّه القرآن، أو لأنه كان بكنيته أشهر منه باسمه العلم، أو لأن في كنيته ما يتأتى به التوجيه بكونه صائرا إلى النار، وذلك كناية عن كونه جهنميا، لأن اللهب: ألسنة النار إذا اشتعلت وزال عنها الدخان. والأب يطلق(6/258)
__________
[ () ] على ملازم ما أضيف إليه، كما كنى إبراهيم عليه السّلام: أبا الضيفان، وكنّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عبد الرحمن بن بن صخر الدوسيّ: أبا هريرة، لأنه حمل هرة في كم قميصه، وكنى شهر رمضان: أبا البركات، وكنى الذئب: أبا جعدة [والجعدة سخلة المعز، لأنه يلازم طلبها لافتراسها] ، فكانت كنية أبى لهب صالحة، موافقة لحاله من استحقاقه لهب جهنم، فصار هذا التوجيه كناية عن كونه جهنميا، لينتقل من جعل أبى لهب بمعنى ملازم اللهب إلى لازم تلك الملازمة في العرف، وهو أنه من أهل جهنم، وهو لزوم ادعائى، مبنى على التفاؤل بالأسماء ونحوها.
كما أشار التفتازاني في مبحث العلميّة من شرح (المفتاح) ، وأنشد قول الشاعر:
قصدت أبا المحاسن كي أراه ... لشوق كان يجذبني إليه
فلما أن رأيت رأيت فرنا ... ولم أر من بنيه ابنا لديه
قوله تعالى: ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ: استئناف ابتدائى للانتقال من إنشاء الشتم والتوبيخ إلى الإعلام بأنه آيس من النجاة من هذا التباب، ولا يغنيه ماله ولا كسبه، أي لا يغنى عنه ذلك في دفع شيء عنه في الآخرة، والتعبير بالماضي في قوله: ما أَغْنى لتحقيق وقوع عدم الإغناء.
والمال: المتملكات المتمولة، وغلب عند العرب إطلاقه على الإبل، ومن كلام عمر رضى اللَّه عنه:
«لولا المال الّذي أحمل عليه في سبيل اللَّه» ... في اتقاء دعوة المظلوم من (الموطأ) . وأهل المدينة، وخيبر، والبحرين، يغلب عندهم على النخيل.
وروى عن ابن مسعود أن أبا لهب قال: «إن كان ما يقول ابن أخى حقا، فأنا أفتدي نفسي يوم القيامة بمالي وولدى» ، فأنزل اللَّه تعالى: ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ، وقال ابن عباس: ما كَسَبَ، هو ولده، الولد من كسب أبيه.
قوله تعالى: سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ، بيان لجملة ما أغنى عنه ماله وما كسب، أي لا يغنى عنه شيء من عذاب جهنم. ونزل هذا القرآن في حياة أبى لهب، وقد مات بعد ذلك كافرا، فكانت هذه الآية إعلاما بأنه لا يسلم، وكانت من دلائل النبوة.
ووصف النار ب ذاتَ لَهَبٍ، لزيادة تقرير المناسبة بين اسمه وبين كفره، إذ هو أبو لهب، والنار ذات لهب. وبين لفظي لهب الأول ولهب الثاني، الجناس التام.
قوله تعالى: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، أعقب ذم أبى لهب ووعيده بمثل ذلك لامرأته، لأنها كانت تشاركه في أذى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وتعين عليه.
وامرأته: أي زوجته، قال تعالى في قصة إبراهيم: وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ. وفي قصة لوط: إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ، وفي قصة نسوة يوسف: امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ.(6/259)
__________
[ () ] وامرأة أبى لهب، هي أم جميل، واسمها أروى بنت حرب بن أمية، وهي أخت أبى سفيان بن حرب، وقيل: اسمها العوراء، فقيل: هو وصف، وأنها كانت عوراء، وقيل: اسمها. وذكر بعضهم: أن اسمها العوّاء بهمزة بعد الواء.
وكانت أم جميل هذه تحمل حطب العضاة والشوك، فتضعه في الليل في طريق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الّذي يسلك منه ليعقر قدميه. فلما خصل لأبى لهب وعيد مقتبس من كنيته، جعل لامرأته وعيد مقتبس لفظه من فعلها، وهو حمل الحطب في الدنيا، فأنذرت بأنها تحمل الحطب في جهنم ليوقد به على زوجها، وذلك خزي لها ولزوجها، إذ جعل شدة عذابه على يد أحب الناس إليه، وجعلها سببا لعذاب أعزّ الناس عليها.
وقوله تعالى: حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، قرأه الجمهور برفع حَمَّالَةَ على أنه صفة لامرأته، فيحتمل أنها صفتها في جهنم، ويحتمل أنها صفتها التي كانت تعمل في الدنيا بجلب حطب العضاة لتضعه في طريق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، على طريقة التوجيه والإيماء إلى تعليل تعذيبها بذلك.
وقوله تعالى: فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ، صفة ثانية، أو حال ثانية، وذلك إخبار بما تعامل به في الآخرة، أي يجعل لها حبل في عنقها تحمل فيه الحطب في جهنم، لإسعار النار على زوجها جزاء مماثلا لعملها في الدنيا، الّذي أغضب اللَّه تعالى عليها.
والجيد: العنق، وغلب في الاستعمال على عنق المرأة، وعلى محل القلادة منه، فقلّ أن يذكر العنق في وصف النساء في الشعر العربيّ إلا إذا كان عنقا موصوفا بالحسن.
قال السهيليّ في (الروض) : والمعروف أن يذكر العنق إذا ذكر الحلي أو الحسن، فإنما حسن هنا ذكر الجيد في حكم البلاغة، لأنها امرأة، والنساء تحلى أجيادهن، وأم جميل لا حلىّ لها في الآخرة إلا الحبل المجعول في عنقها، فلما أقيم لها ذلك مقام الحلي ذكر الجيد معه.
والحبل: ما يربط به الأشياء التي يراد اتصال بعضها ببعض، وتقيد به الدابة، والمسجون كيلا يبرح من المكان، وهو ضفير من الليف.
والمسدّ: ليف من ليف اليمن شديد، والحبال التي تقل منه تكون قوية وصلبة. وقدم الخبر من قوله: فِي جِيدِها للاهتمام بوصف تلك الحالة الفظيعة، التي عوّضت فيها بحبل في جيدها، عن العقد الّذي كانت تحلى به جيدها في الدنيا فتربط به، إذ قد كانت هي وزوجها من أهل الثراء وسادة أهل البطحاء. وقد ماتت أم جميل على الشرك. (تفسير التحرير والتنوير) : 30/ 599- 607 باختصار.(6/260)
إخوة أم حبيبة
وأما إخوة أم حبيبة، فإنّهم سبعة رجال وسبع نسائهم: حنظلة بن أبى سفيان، وبه كان يكنى أبوه، وأمه وأم أخته أم حبيبة رضى اللَّه عنها وأم أميمة: صفيا ابنة أبى العاصي بن أمية بن عبد شمس، وشهد بدرا مع قومه كافرا [ (1) ] ، فقتله على رضى اللَّه عنه [ (2) ] ، فلما قتل أبو سفيان بن حرب حنظلة بن أبى عامر غسيل الملائكة يوم أحد قال: حنظلة بحنظلة، ولم يعقب حنظلة بن أبى سفيان [ (3) ] .
ومعاوية بن أبى سفيان، وقد تقدم ذكره في الأسلاف.
وعتبة بن أبى سفيان أبو الوليد، أدرك حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وولاه عمر
__________
[ (1) ] قال ابن إسحاق: حدثني عبد اللَّه بن أبى بكر قال: فقيل لأبى سفيان: أفد عمرا ابنك، قال: أيجمع عليّ دمي ومالي؟ قتلوا حنظلة وأفدى عمرا! دعوة في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم، (سيرة ابن هشام) : 3/ 201.
[ (2) ] قال ابن هشام: وقتل من المشركين يوم بدر من قريش، ثم من بنى عبد شمس بن عبد مناف: حنظلة ابن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن شمس، قتله زيد بن حارثة، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فيما قال ابن هشام، ويقال: اشترك فيه حمزة، وعلى، وزيد. (سيرة ابن هشام) : 3/ 263.
[ (3) ]
قال ابن هشام: والتقى حنظلة بن أبى عامر الغسيل. وأبو سفيان، فلما استعلاه حنظلة بن أبى عامر، رآه شداد بن الأسود، وهو ابن شعوب، قد علا أبا سفيان، فضربه شداد فقتله، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إن صاحبكم- يعنى حنظلة- تغسله الملائكة [وفي غير السيرة: قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رأيت الملائكة تغسله في صحاف الفضة بماء المزن بين السماء والأرض]
فسألوا أهله: ما شأنه؟
فسئلت صاحبته [يعنى امرأته: وهي جميلة بنت أبىّ بن سلول أخت عبد اللَّه بن أبى، وكان ابتنى بها تلك الليلة، فكانت عروسا عنده، فرأت في النوم تلك الليلة كأن بابا في السماء فتح له فدخله، ثم أغلق دونه، فعلمت أنه ميّت من غده، فدعت رجالا من قومها حين أصبحت، فأشهدتهم على الدخول بها، خشية أن يكون في ذلك نزاع. ذكره الواقدي] ، فقالت: خرج وهو جنب سمع الهاتفة. (سيرة ابن هشام) : 3/ 22- 23، (تاريخ الطبري) : 2/ 466، 521.(6/261)
ابن الخطاب رضى اللَّه عنه الطائف وصدقاتها، ثم ولاه أخوه معاوية بن أبى سفيان مصر بعد وفاة عمرو بن العاص، فمات بها بعد سنة وشهر في ذي الحجة سنة أربع وأربعين، ولم يكن في بنى أمية أخطب منه، وله أخبار عديدة [ (1) ] .
ويزيد بن أبى سفيان، أمه زينب بنت نوفل بن خلف بن قواله بن حذيفة بن طريف بن علقمة، جذل الطعان بن فراس بن غنم بن كنانة، أسلم يوم الفتح، وشهد حنينا، وأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مائة بعير، وأربعين أوقيّة، وبعثه أبو بكر رضى اللَّه عنه في سنة اثنتي عشرة إلى فلسطين فيمن بعت، فشهد أجنادين، ثم ولاه عمر رضى اللَّه عنه على فلسطين، ثم ولى الشام، ومات في طاعون عمواس [ (2) ] .
ومحمد بن أبى سفيان، أمه وأم أخيه عنبسة بن أبى سفيان: عاتكة بنت
__________
[ (1) ] خطب أهل مصر يوما- وهو وال عليها- فقال: يا أهل مصر، خفّ على ألسنتكم مدح الحق ولا تأتونه، وذم الباطل وأنتم تفعلونه، كالحمار يحمل أسفارا يثقل حملها، ولا ينفعه علمها، وإني لا أداوى داءكم إلا بالسيف، ولا أبلغ السيف ما كفاني السوط، ولا أبلغ السوط ما صلحتم بالدرة، وأبطئ عن الأولى إن لم تسرعوا إلى الآخرة، فالزموا ما ألزمكم اللَّه لنا تستوجبوا ما فرض اللَّه لكم علينا، وهذا يوم ليس فيه عقاب ولا بعده عتاب، (الاستيعاب) : 3/ 1026، ترجمة رقم (1762) ، (الإصابة) : 5/ 60، ترجمة رقم (6248) .
[ (2) ] هو يزيد بن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، كان أفضل بنى أبى سفيان، كان يقال له: يزيد الخير، أسلم يوم فتح مكة، وشهد حنينا، وأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من غنائم حنين مائة بعير وأربعين أوقية، وزنها له بلال، واستعمله أبو بكر الصديق، وأوصافه، وخرج يشيعه راجلا.
قال ابن إسحاق: لما قفل أبو بكر من الحج- يعنى سنة اثنتي عشرة- بعث عمرو بن العاص، ويزيد ابن أبى سفيان، وأبا عبيدة بن الجراح، وشرحبيل بن حسنة إلى فلسطين، وأمرهم أن يسلكوا على البلقاء، وكتب إلى خالد بن الوليد فسار إلى الشام، فأغار على غسان بمرج راهط، ثم سار فنزل على قناة بصرى، وقدم عليه يزيد بن أبى سفيان، وأبو عبيدة بن الجراح، وشرحبيل بن حسنة، فصالحت بصرى، فكانت أول مدائن الشام فتحت.
ثم ساروا قبل فلسطين، فالتقوا بالروم بأجنادين، بين الرملة وبيت جبرين، والأمراء كلّ على حدة، ومن الناس من يزعم أن عمرو بن العاص كان عليهم جميعا، فهزم اللَّه المشركين، وكان الفتح(6/262)
أبى أزيهر بن أنيس بن الخيسق بن كعب بن الحارث بن عبد اللَّه بن الحارث ابن الغطريف. من الأزد، عند ابن الكلبي في (الجمهرة) : أبو أزيهر بن أنيس بن الخيسق بن مالك بن سعد بن كعب بن الحارث، وهو الغطريف الأصغر بن عبد اللَّه بن عامر.
وهو الغطريف الأكبر بن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نصر ابن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد اللَّه بن مالك بن نصر بن الأزد.
وأبو أزيهر هذا قتله هشام بن المغيرة، وكان جارا لأبى سفيان بن حرب وحليفا له فلم يطلب بدمه، وعيّره ابن حسان بن ثابت الأنصاري بإذن من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
وزوّج أبو أزيهر ابنته عاتكة أبا سفيان، فولدت له محمدا وعنبسة،
__________
[ () ] بأحنادين، في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة.
فلما استخلف عمر ولى أبا عبيدة، وفتح اللَّه عليه الشامات، وولى يزيد بن أبى سفيان على فلسطين وناحيتها، ثم لما مات أبو عبيدة استخلف معاذ بن جبل، ومات معاذ، فاستخلف أخاه معاوية، وكان موت هؤلاء كلهم في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة.
الوليد بن مسلم قال: مات يزيد بن أبى سفيان سنة تسع عشرة بعد أن افتتح قيسارية. قال ابن العماد الحنبلي- وقد ذكر أحداث سنة ثماني عشرة-: وفيها وقيل: في التي بعدها مات يزيد بن أبى سفيان ابن حرب، أفضل إخوته. له ترجمة في (تاريخ الطبري) : 3/ 387، 388، 390، 392، 394- 397، 403، 406، 408، 417، 427، 441، 442، 498، 604، 4/ 57، 60، 62، 67، 67، 289، 10/ 58، (سيرة ابن هشام) : 2/ 260، (الاستيعاب) : 4/ 1575، ترجمة رقم (2772) ، (الإصابة) : 6/ 658- 659، ترجمة رقم (9271) ، (شذرات الذهب) :
1/ 30.(6/263)
ولأبى أزيهر من الولد: أبو حناءة وجبله [وأنجب] [ (1) ] أبو حناءة سمية [ (2) ] ، تزوجها مجاشع بن مسعود السلمي، وقتل عنها يوم الجمل مع عائشة رضى اللَّه عنها، فخلف عليها عبد اللَّه بن عياش رضى اللَّه عنهما، وشميلة [ (3) ] هي [التي] [ (4) ] أسندت نصر بن حجاج [ (5) ] إلى صدرها فبرأ، فضرب لها مثلا
__________
[ (1) ] زيادة للسياق.
[ (2) ] في (خ) : «شميلة» وصوبناه من (الإصابة) ، حيث قال الحافظ: أبو حناءة- بفتح أوله والنون والمد وهمزة قبل الهاء- ابن أزيهر الدوسيّ. له إدراك، وكان قتل أبى أزيهر بعد وقعة بدر، في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ولأبى حناءة هذا بنت تسمى سمية، تزوجها مجاشع بن مسعود، وهي صاحبة القصة مع نصر ابن حجاج. (الإصابة) : 7/ 89، ترجمة رقم (9801) .
[ (3) ] كذا في (خ) . وفي (الإصابة) : «سمية» .
[ (4) ] زيادة للسياق.
[ (5) ] هو نصر بن حجاج بن علاط السلمىّ، من أولاد الصحابة، وكان في زمانه رجلا، فدلّ ذلك على أنه ولد في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقد أخرج ابن سعد والخرائطى بسند صحيح، عن عبد اللَّه بن يزيد، قال:
بينما عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه يعسّ ذات ليلة في خلافته، فإذا امرأة تقول:
هل من سبيل إلى خمر لأشربها ... أو من سبيل إلى نصر بن حجاج
فلما أصبح سأل عنه، فأرسل إليه، فإذا هو من أحسن الناس شعرا، وأصبحهم وجها، فأمره عمر أن يطمّ شعره، ففعل، فخرجت جبهته فازداد حسنا، فأمره أن يعتمّ فازداد حسنا، فقال عمر: لا والّذي نفسي بيده لا تجامعني ببلد، فأمر له بما يصلحه، وصيّره إلى البصرة.
زاد الخرائطى بسند ليّن من طريق محمد بن سيرين، أنه لما دخل البصرة كان يدخل على مجاشع ابن مسعود لكونه من قومه، ولمجاشع امرأة جميلة يقال لها: الخضراء، فكان يتحدث مع مجاشع، فكتب نصر في الأرض: إني أحبك حبّا لو كان فوقك؟ لأظلك، أو كان تحتك لأقلك، وكانت المرأة تقرأ، ومجاشع لا يقرأ، فرأت المرأة الكتابة، فقالت: وأنا، فعلم مجاشع أن هذا الكلام جواب، فدعا بإناء فكبه على الكتابة، ودعا كاتبا فقرأه، فعلم نصر بذلك فاستحيا، وانقطع في منزله، فضنى حتى صار كالفرخ، فبلغ ذلك مجاشعا، فعلم سبب ذلك، فقال لامرأته: اذهبي فأسنديه إلى صدرك، وأطعميه الطعام، فعزم عليها، ففعلت، فتحامل نصر قليلا، وخرج من البصرة.
وذكر الهيثم بن عدي أن مجاشعا كان خليفة أبى موسى، وأن أبا موسى لما علم بقصته أمره أن يخرج إلى فارس، فخرج إليها وعليها عثمان بن أبى العاص، فجرت له قصة مع دهقانة [تاجرة] ،(6/264)
قول الأعشى:
لو أسندت ميتا إلى صدرها ... عاش ولم ينقل إلى قابر
وعنبسة بن أبى سفيان [ (1) ] ، ولاه أخوه معاوية بن أبى سفيان الطائف، ثم عزله بأخيه عتبة، فعاتبه عنبسة، فقال له معاوية: إن عتبة بن هند، فقال عنبسة:
__________
[ () ] فقال له: اخرج عنا، فقال: واللَّه لئن فعلتم هذا بى لألحقن بأرض الشرك، فكتب بذلك إلى عمر، فكتب [إليهم] احلقوا شعره، وشمروا قميصه، وألزموه المسجد، (الإصابة) 6/ 485، ترجمة رقم (8845) ، (طبقات ابن سعد) : 3/ 285، 4/ 271.
[ (1) ] عنبسة بن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس القرشيّ الأموي، أخو معاوية، ذكره ابن مندة، وقال: أدرك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ولا تصح له صحبه ولا رؤية.
قال الحافظ في (الإصابة) : إذا أدرك الزمن النبوي حصلت له الرؤية لا محالة، ولو من أحد الجانبين، ولا سيما مع كونه مع أصهار النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أخته أم حبيبة أم المؤمنين، وقد اجتمع الجميع بمكة في حجة الوداع.
ولعنبسة رواية عن بعض الصحابة في صحيح مسلم، وفي السنن، روى عن أخته أم حبيب.
وشداد بن أوس. روى عنه أبو أمامة الباهلي، ويعلى بن عبيد [يعلى بن أمية] ، وهما أكبر منه سنا، وقد زاد: عمرو بن أوس الثقفي، والقاسم أبو عبد الرحمن، ومكحول، وعطاء، وحسان بن عطية، وغيرهم، قال أبو نعيم: اتفق متقدمو أئمتنا على أنه من التابعين.
وذكر خليفة [بن خياط] أن معاوية أمّره على مكة، فكان إذا توجه إلى الطائف استخلف طارق ابن المرقع.
وروى النسائي من طريق عطاء، عن يعلى بن أمية، قال: قدمت الطائف فدخلت على عنبسة بن أبى سفيان وهو في الموت، فقال: حدثتني أم حبيبة ... فذكر حديث: «من صلى في يوم اثنى عشرة ركعة دخل الجنة» .
ورويناه في (الكنجروديات) من طريق عمرو بن أوس قال: دخلت على عنبسة وهو في الموت، فحدثني عن أخته أم حبيبة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: «من صلى في النهار [أو من النهار] اثنى عشرة ركعة دخل الجنة» ، قال: فما تركتهن منذ سمعته من أم حبيبة. (الإصابة) : 5/ 69- 70، ترجمة رقم (6278 ز) ، (تهذيب التهذيب) : 8/ 142، ترجمة رقم (287) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 2/ 307، ترجمة رقم (5477) ، (طبقات ابن سعد) 6/ 349، (الكامل في التاريخ) : 3/ 419، 424، 456، 10/ 500.(6/265)
كنا بخير [ (1) ] صالح [ (2) ] ذات بيننا ... جميعا [ (3) ] ، فأمست فرّقت بيننا هند
فإن تك هند لم تلدني فإنني ... لبيضاء ينميها غطارفة نجد
أبوها أبو الأضياف في كل شتوة ... ومأوى ضعاف قد أضرّ بها الجهد [ (4) ]
لها جفنات ما تزال مقيمة ... لمن ساقه غورا تهامة أو نجد [ (5) ]
فقال له معاوية: لا تسمعه منى بعدها [ (6) ] وعمرو بن أبى سفيان، أمه وأم أختيه صخرة وهند: صفية بنت أبى عمرو بن أبى أمية بن عبد شمس، وأسر يوم بدر، فقيل لأبى سفيان: ألا تفتدى عمرا؟ فقال: قتل حنظلة وأفتدي عمرا فأصاب بمالي وولدى [ (7) ] ؟ لا أفعل، ولكن انتظر حتى أصيب منهم رجلا فأفديه به، فأصاب سعد بن النعمان بن أكال، وقد جاء معتمرا، فلما قضى عمرته صدر ومعه المنذر بن
__________
[ (1) ] في (خ) : «يصحو» .
[ (2) ] في (تاريخ الطبري) : «صالحا» .
[ (3) ] في (تاريخ الطبري) : «قديما» .
[ (4) ] في (تاريخ الطبري) : «ومأوى ضعاف لا تنوء من الجهد» .
[ (5) ] هذا البيت في (المرجع السابق) :
جفيناته ما إن تزال مقيمة ... لمن خاف من غورى تهامة أو نجد
[ (6) ] (تاريخ الطبري) : 5/ 171، 180، 230، 333، 6/ 241.
[ (7) ] في (ابن هشام) : «أيجمع عليّ دمي ومالي؟ قتلوا حنظلة وأفدى عمرا، [دعوه في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم] . (سيرة ابن هشام) : 3/ 201.(6/266)
عمرو، فطلبهما أبو سفيان حتى أدرك سعدا فأسره [ (1) ] ، وفاته ابن المنذر فقال ضرار بن الخطاب في ذلك:
تداركت سعدا عنوة فأسرته ... وكان شفاء لو تداركت منذرا
فقال أبو سفيان:
أرهط ابن أكّال أجيبوا دعاءه ... تعاقدتم لا تسلموا السيد الكهلا.
فإن بنى عمرو بن عوف أذلة [ (2) ] ... لئن لم يفكوا عن أسيرهم الكبلا
ففادوه سعدا بابنه عمرو [ (3) ] ، وليس لعمر عقب.
وأميمة بنت أبى سفيان [ (4) ] ، كانت تحت حويطب بن عبد العزى بن أبى
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) .
[ (2) ] في (ابن هشام) : «فإن بنى عمرو لئام أذلة» .
[ (3) ] فأجابه حسان بن ثابت فقال:
لو كان سعد يوم مكة مطلقا ... لأكثر فيكم قبل أن يؤسر القتلا
بعضب حسام أو يصفراء نبعة ... تحنّ إذا ما أنبضت تحفز النّبلا
(سيرة ابن هشام) : 3/ 201- 202.
[ (4) ] قال الحافظ في (الإصابة) : في ترجمة عاتكة بنت الوليد بن المغيرة المخزومية:
عن ابن جريج قال: جاء الإسلام وعند أبى بن حرب ست نسوة، وعند صفوان بن أمية ست: أم وهب بنت أبى أمية بن قيس من العياطلة. وفاضة بنت الأسود بن المطلب، وأميمة بنت أبى سفيان ابن حرب، وعاتكة بنت المغيرة، وبرزة بنت مسعود بن عمرو، وبنت ملاعب الأسنة عامر بن مالك، فطلّق أم وهب وكانت قد أسنّت، وفرّق الإسلام بينه وبين فاختة بنت الأسود، وكان أبوه تزوجها فخلف هو عليها، ثم طلق عاتكة في خلافة عمر بن الخطاب. (الإصابة) : 7/ 512، ترجمة رقم (10802) ، 8/ 15، ترجمة رقم (11454) .(6/267)
قيس من بنى عامر بن لؤيّ [ (1) ] ، فولدت له أبا سفيان بن حويطب، وأسلم مع أبيه يوم الفتح [ (2) ] ، وتزوجها صفوان بن خلف الجمحيّ، فولدت له عبد الرحمن بن صفوان [ (3) ] ، وهو مذكور في الصحابة هو وأبوه.
وجويرية بنت أبى سفيان [ (4) ] أسلمت بعد الفتح، ثم شهدت اليرموك، وقد تزوجها السائب بن أبى حبيب بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي، ثم خلف عليها عبد الرحمن بن الحارث بن أمية الأصغر.
وأم الحكم بنت أبى سفيان [ (5) ] ، أمها وأم عتبة وجويرية. ومعاوية: هند بنت عتبة، وتزوجها عبد اللَّه بن عثمان بن ربيعة الثقفي، فولدت له عبد الرحمن بن عبد اللَّه الّذي يقال له: ابن أم الحكم.
وصخرة بنت أبى سفيان [ (6) ] ، كانت تحت سعيد بن الأخنس بن شريق
__________
[ (1) ] هو حويطب بن عبد العزى بن أبى قيس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ القرشي العامري، أبو محمد، أو أبو الأصبغ.
أسلم عام الفتح وشهد حنينا، وكان من المؤلفة قلوبهم، وجدّد أنصاب الحرم في عهد عمر رضى اللَّه عنه. قال البخاري: عاش مائة وعشرين سنة، وقال الواقدي: مات في خلافة معاوية سنة أربع وخمسين، له ترجمة في (الإصابة) : 2/ 143، ترجمة رقم (1884) ، (طبقات ابن سعد) : 5/ 325، (الاستيعاب) : 1/ 407، ترجمة رقم (573) .
[ (2) ] (الإصابة) : 7/ 182، ترجمة رقم (10029) ، (الاستيعاب) : 4/ 1677، ترجمة رقم (3004) .
[ (3) ] (الإصابة) : 5/ 40، ترجمة رقم (6225) ، (الاستيعاب) : 2/ 836، ترجمة رقم (1427) .
[ (4) ] قال الحافظ: جويرية بنت أبى سفيان بن حرب شقيقة معاوية ذكرها ابن سعد في (الطبقات) وقال:
تزوجها السائب بن أبى حبيب الأسدي. (الإصابة) : 7/ 568، ترجمة رقم (11007) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 174.
[ (5) ] قال ابن عمر: أسلمت يوم الفتح، وكانت ممن نزل فيه: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [الممتحنة:
10] ، ففارقها عياض بن غنم، وتزوجها عبد اللَّه بن عثمان الثقفي. (الإصابة) : 8/ 192، ترجمة رقم (1973) ، (الاستيعاب) : 4/ 1932، ترجمة رقم (4141) .
[ (6) ] لم أجد لها ترجمة.(6/268)
الثّقفي، فهي أم بنيه.
وهند بنت أبى سفيان [ (1) ] ، [زوج الحارث بن نوفل] [ (2) ] ولدت بنيه عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل، وإخوته محمدا وربيعة، وعبد الرحمن بن الحارث.
وميمونة بنت أبى سفيان [ (3) ] ، أمها لبانة بنت أبى العاصي بن أمية، وتزوجها أبو برة بن عروة بن مسعود، فولدت له ليلى ابنة أبى مرة، فتزوجها أبو عبد اللَّه الحسين بن على عليهما السلام، فولدت له على بن الحسين الأكبر.
ورملة بنت أبى سفيان، تزوجها سعيد بن عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه [ (4) ] ، فولدت له محمدا، وأم رملة هذه من بنى الحارث بن عبد مناة، وأخوها لأمها سليمان بن أزهر بن عبد عوف الزهري.
__________
[ (1) ] هي هند بنت أبى سفيان بن حرب بن أمية الأموية، أخت معاوية، كانت زوج الحارث بن نوفل بن عبد المطلب، فولدت له ابنه محمدا، ذكر ذلك ابن سعد، وزاد: وعبد اللَّه، وربيعة، وعبد الرحمن، ورملة، وأم الزبير، قال: وأمها صفية بنت أبى عمرو بن أمية. (الإصابة) : 8/ 153، ترجمة رقم (11850) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 174.
[ (2) ] زيادة للسياق من (الإصابة) .
[ (3) ] (تاريخ الطبري) : 5/ 468.
[ (4) ] هو سعيد بن عثمان بن عفان بن أبى العاصي بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وأمه فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وأمها أسماء بنت أبى جهل بن هشام بن المغيرة، وأمها أروى بنت أبى العاصي بن أمية بن عبد شمس، وأمها رقية بنت الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم، وأمها رقية بنت أسد بن عبد العزى بن قصي، وأمها خالدة بنت هاشم بن عبد مناف بن قصي، فولد سعيد بن عثمان محمدا، وأمه رملة بنت أبى سفيان بن حرب بن أمية وكان قليل الحديث. (طبقات ابن سعد) : 5/ 153.(6/269)
صهره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل جويرية
أخوها عمرو بن الحارث بن أبى ضرار المصطفى الخزاعي، مذكور في الصحابة [ (1) ] .
أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل ميمونة
رجل واحد، وأربع عشر امرأة، منهن خمس أخوات ميمونة لأبيها وأمها، وتسع أخواتها لأمها، فالأشقاء:
لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن الهلالية [ (2) ] ، أم الفضل، زوجة
__________
[ (1) ] هو عمرو بن الحارث بن أبى ضرار بن عائذ بن مالك بن جذيمة [أو خزيمة] وهو المصطلق بن سعد بن كعب بن عمرو الخزاعي المصطلقي، أخو جويرية زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم.
روى أبو إسحاق السبيعي عن عمرو بن الحارث أخى جويرية، قال: واللَّه ما ترك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، عند موته ديناراً، ولا درهما، ولا عبدا، ولا أمة، ولا شيئا، إلا بغلته البيضاء وسلاحه، وأرضا تركها صدقة. (الإصابة) : 4/ 618، ترجمة رقم (5804) ، (الاستيعاب) : 3/ 1171، 1172، ترجمة رقم (1905) .
[ (2) ] هي لبابة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد اللَّه بن حلال بن عامر بن صعصعة الهلالية، أم الفضل، زوج العباس بن عبد المطلب، ووالدة أولاده: الفضل، وعبد اللَّه، وغيرهما، وهي لبابة الكبرى، مشهورة بكنيتها، ومعروفة باسمها، وأمها خولة بنت عوف القرشية.
قال ابن سعد: أم الفضل أول امرأة آمنت بعد خديجة، وروت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، روى عنها ابناها:
عبد اللَّه، وتمام، وعمير بن الحارث مولاها، وكريب مولى ابنها، وعبد اللَّه بن عباس، وعبد اللَّه بن الحارث ابن نوفل وآخرون.
وأخرج الزبير بن بكار وغيره من طريق إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: الأخوات الأربع مؤمنات: أم الفضل، وميمونة، وأسماء، وسلمى
فأما ميمونة فهي أم المؤمنين، وهي شقيقة أم الفضل، وأما أسماء وسلمى فأختاهما من أبيهما، وهما بنتا عميس الخثعمية.(6/270)
العباس، أم عبد المطلب، عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأم أكثر بنيه، يقال إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة رضى اللَّه عنها، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يزورها ويقيل عندها، وروت عنه أحاديث خرّج [حديثها] الجماعة، وكانت من المنجبات، ولدت للعباس ستة رجال لم تلد امرأة مثلهم، وهم: الفضل، وعبد اللَّه، وعبيد اللَّه، ومعبد، وقثم، وعبد الرحمن بنو العباس، وولدت له أيضا أم حبيب [ (1) ] ، وتوفيت، وفيها يقول عبد اللَّه بن يزيد الهلالي:
ما ولدت نجيبة من فحل ... بجبل نعلمه وسهل
كستّة من بطن أم الفضل ... أكرم بها من كهلة وكهل
عم النبي المصطفى ذي الفضل ... وخاتم الرسل وخير الرسل
ولبابة الصغرى بنت الحارث [ (2) ] بن حزن أم خالد بن الوليد، قال ابن عبد
__________
[ () ]
وأخرج ابن سعد بسند جيد، عن سماك بن حرب، أن أم الفضل قالت: يا رسول اللَّه، رأيت أن عضوا من أعضائك في بيتي، قال: تلد فاطمة غلاما وترضعينه بلبن قثم، فولدت حسينا، فأخذته، فبينا هو يقبّله إذ بال عليه فقرصته فبكى، قال صلّى اللَّه عليه وسلم: آذيتينى في ابني، ثم دعا بماء فحدره حدرا [أو فحدرته عليه حدرا] . ومن طريق قابوس بن المخارق نحوه، وفيه: فأرضعته حتى تحرك، فجاءت به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأجلسه في حجرة، فبال فضربته بين كتفيه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: أوجعت ابني رحمك اللَّه ...
الحديث.
وكان يقال لوالدة أم الفضل: العجوز الحرشية أكرم الناس أصهارا: ميمونة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، والعباس تزوج أختها شقيقتها لبابة، وحمزة تزوج أختها سلمى، وجعفر بن أبى طالب تزوج شقيقتها أسماء، ثم تزوجها بعده أبو بكر الصديق، ثم تزوجها بعده عليّ، قال أبو عمر: كانت من المنجبات، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يزورها. قال ابن حبان: ماتت في خلافة عثمان قبل زوجها العباس.
(الإصابة) : 8/ 97، ترجمة رقم (11695) ، 8/ 267، ترجمة رقم (12000) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 202، (الاستيعاب) : 4/ 1907، ترجمة رقم (4080) .
[ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (الاستيعاب) : «أم حبيبة» .
[ (2) ] هي لبابة الصغرى بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم الهلالية، أخت لبابة الكبرى التي قبلها، تلقب بالعصماء، وأمها فاختة بنت عامر الثقفية، وهي والدة خالد بن الوليد.
قال أبو عمر: في إسلامها وصحبتها نظر، وأقره ابن الأثير، وهو عجيب، وكأنه استبعده من جهة(6/271)
البر: في إسلامها وصحبتها نظر.
وغصماء بنت الحارث بن حزن [ (1) ] ، وعزة بنت الحارث [ (2) ] ، وهزيلة بنت
__________
[ () ] تقدم وفاة زوجها الوليد، أن تكون ماتت معه أو بعده بقليل، وليس ذلك بلازم، فقد ثبت أنها عاشت بعد وفاة خالد، ولها في ذلك قصة.
فذكر أبو حذيفة في (المبتدإ والفتوح) ، عن محمد بن إسحاق، قال: لما مات خالد بن الوليد، خرج عمر رضى اللَّه عنه في جنازته، فإذا أمه تندبه وتقول
أنت خير من ألف من القوم ... م إذا ما كنت في وجوه الرجال
أشجاع فأنت أشجع من ليث ... صهر ابن جهم أبى الأشبال
أجواد فأنت أجود من سيل ... أتى يستقل بين الجبال
فقال عمر رضى اللَّه عنه: من هذه؟ فقيل: أمه، فقال: أمه، والإله- ثلاثا- وهل قامت النساء عن مثل خالد.
وهذا وإن كان رواية أبى حذيفة، وهو ضعيف، لكن قد ذكر ابن سعد- وهو ثقة- عن كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم، قال: لما توفى خالد بن الوليد بكت عليه أمه، فقال عمر: يا أم خالد، أخالدا أو أجره ترزئين! عزمت عليك إلا تثبت، حتى تسود يداك من الخضاب. وهذا مسند صحيح، وعلق البخاري قول عمر في النقع واللقلقة في البكاء على خالد، لكن لم يسمّ أمه.
ومجموع ذلك يفيد أنها عاشت بعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أفيظن بها أنها استمرت على الكفر من بعد الفتح إلى أن مات النبي (صلّى اللَّه عليه وسلم) ؟ هذا بعيد عادة، بل يبطله ما تقدم أنه لم يبق بالحرمين ولا الطائف أحد في حجة الوداع إلا أسلم وشهدها. (طبقات ابن سعد) : 8/ 346، (الإصابة) : 8/ 97، ترجمة رقم (11696) ، (الاستيعاب) : 4/ 909، ترجمة رقم (4081) ، (الإصابة) : 8/ 26، ترجمة رقم (11477) .
[ (1) ] قال الكلبي: ولبابة الصغرى بنت الحارث بن حزن، وهي العصماء، أم خالد بن الوليد بن المغيرة المخزوميّ. (جمهرة النسب) : 368.
[ (2) ] هي عزة بنت الحارث الهلالية، أخت ميمونة، ذكرها أبو عمر مختصرا، وقال: لم أر من ذكرها في الصحابة، وأظنها لم تدرك الإسلام.
قال الحافظ: بل ذكرها ابن سعد في الغرائب من النساء الصحابيات مع أخواتها لأمها، وزعم أنها أخت ميمونة أم المؤمنين، وأنها تزوجت عبد اللَّه بن مالك بن الهزم، فولدت له زيادا، وعبد الرحمن، وبرزة، فولدت برزة الأصم والد يزيد، وقيل: هي والدة يزيد بن الأصم.
قال: وقيل: إن برزة أخت عزة لأمها، قال: ويقال: إن عزة كانت عند رجل من بنى كلاب، فولدت فيهم. (الإصابة) : 8/ 24، ترجمة رقم (11471) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 25، (الاستيعاب) : 4/ 1886، ترجمة رقم (4032) .(6/272)
الحارث [ (1) ] وأسماء بنت عميس بن معد [ (2) ] بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن نسر بن وهب اللَّه ابن شهران بن عفر بن ربيعة، حلف بن أفتل، وهو جماعة خثم بن أنمار.
وقيل: أسماء بنت عميس بن مالك [ (3) ] بن النعمان بن كعب بن مالك ابن قحافة بن عامر بن زيد بن نسر بن وهب اللَّه الخثعمية، أخت ميمونة رضى اللَّه عنها لأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن كنانة، كانت من المهاجرات إلى أرض الحبشة مع زوجها جعفر بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، فولدت له هناك محمدا وعبد اللَّه وعوفا، ثم هاجرت إلى المدينة، فلما قتل جعفر تزوجها أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه، فولدت له محمد ابن أبى بكر، ثم مات عنها، فتزوجها على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه،
__________
[ (1) ] هي هزيلة بنت الحارث بن حزن الهلالية، أخت ميمونة أم المؤمنين، قيل: هي أم حفيد الآتية في الكنى [من (الإصابة) ] ، قاله أبو عمر، قال: وكانت نكحت في الأعراب، وهي التي أهدت الضّباب إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وروى حديثها سليمان بن يسار وغيره عن ميمونة.
قال الحافظ: قد أخرجه مالك في (الموطأ) ، عن عبد الرحمن بن أبى صعصعة، عن سليمان بن يسار، قال: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بيت ميمونة بنت الحارث، فإذا بضباب، ومعه عبد اللَّه بن عباس، وخالد بن الوليد، فقال: من أين لكم هذا؟ قالت: أهدته إليّ أختى هزيلة بنت الحارث، فقال لعبد اللَّه وخالد: كلا، فقال: ألا تأكل؟! قال: إني يحضرني من اللَّه حاضر.
وأصل الحديث في الصحيحين، من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قالت: أهدت خالتي أم حفيد بنت الحارث إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سمنا وأقطا وضبابا، فدعا بهن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأكلن على مائدته ... الحديث.
وأخرجه أبو داود وغيره من رواية عمر بن حرملة، عن ابن عباس، فوقع في (مسند ابن أبى عمر العدني) من هذا الوجه بلفظ «أم عتيق» ، بعين مهملة بدل الحاء المهملة، وقاف في آخره بدل الدال، والمعروف «أم حفيد» .
(الإصابة) : 8/ 147، ترجمة رقم (11833) ، 8/ 191، ترجمة رقم (11971) ، (الاستيعاب) : 4/ 1920، ترجمة رقم (4109) ، 4/ 1931، ترجمة رقم (4140) .
[ (2) ] ، (3) (الإصابة) : 7/ 489، ترجمة رقم (10803) ، (الاستيعاب) : 4/ 1784، ترجمة رقم (3230) .(6/273)
فولدت له يحى بن على، وقيل: ولدت أيضا عوفا.
وقيل: كانت تحت حمزة رضى اللَّه عنه، فولدت له أمة اللَّه، وقيل:
أمامة، ثم خلف عليها بعد شداد جعفر بن الهادي، فولدت له عبد اللَّه وعبد الرحمن.
وقيل إن التي كانت تحت حمزة وشداد، سلمى بنت عميس أختها، وقيل: كانت أسماء قبل جعفر بن أبى طالب عند ربيعة بن رباح بن أبى ربيعة بن نهيل بن هلال بن عامر، فولدت له مالكا وعبد اللَّه وأبا هريرة بنى ربيعة، قاله ابن الكلبي [ (1) ] وتوفيت أسماء.
وسلمى بنت عميس الخثعمية [ (2) ] ، لها صحبة، كانت تحت حمزة رضى اللَّه عنه، فولدت له أمة اللَّه، ثم خلف عليها بعد شداد بن الهادي، فولدت له عبد اللَّه وعبد الرحمن، وقيل غير ذلك كما تقدم.
__________
[ (1) ] (جمهرة النسب) : 31.
[ (2) ] هي إحدى الأخوات اللاتي قال فيهن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: الأخوات مؤمنات، قاله ابن عبد البر، وقال: كانت تحت حمزة، فولدت له أمة اللَّه بنت حمزة، ثم خلف عليها بعد قتل حمزة شداد بن الهاد الليثي، فولدت له عبد اللَّه وعبد الرحمن، قال: وقد قيل: إن التي كانت تحت حمزة أسماء بنت عميس، فخلف عليها شداد. والأصح الأول.
قال الحافظ: وأخرج ابن مندة، من طريق عبد اللَّه بن المبارك، عن جرير ابن حازم، عن محمد بن عبد اللَّه بن أبى يعقوب، وأبى فزارة جميعا، عن عبد اللَّه بن شداد، قال: كانت بنت حمزة أختى من أمى، وكانت أمّنا سلمى بنت عميس.
وفي الصحيحين من حديث البراء في قصة بنت حمزة: لما اختصم فيها عليّ وجعفر وزيد بن حارثة، فقال جعفر: أنا أحق بها وخالتي تحتى.
وقال ابن سعد: زوجها حمزة، وكانت أسلمت قديما مع أختها أسماء، فولدت لحمزة ابنته عمارة، وهي التي اختصم فيها عليّ وجعفر وزيد بن حارثة، ثم بانت سلمى من حمزة، فتزوجها شداد، فولدت له عبد اللَّه، فقضى بها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لجعفر، وقال: الخالة بمنزلة الأم، وكانت أسماء تحت جعفر، فتعين أن أمها سلمى، وقد بالغ ابن الأثير في الردّ على من زعم من أن أسماء كانت تحت حمزة. (طبقات ابن سعد) : 8/ 209، (الاستيعاب) : 4/ 1861، ترجمة رقم (3381) ، (الإصابة) : 7/ 706، ترجمة رقم (11317) .(6/274)
[أصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ونساء أعمامه]
ومن أصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ونساء أعمامه:
خولة بنت قيس بن قهد [بالقاف] [ (1) ] بن قيس بن ثعلبة بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصارية أم محمد [ (2) ] .
وقيل: خولة بنت تامر- وقيل: تامر لقب لقيس بن قهد- كانت تحت حمزة بن عبد المطلب رضي اللَّه عنه، فولدت له عمارة بن حمزة، وخلف
__________
[ (1) ] زيادة للسياق والبيان من (الإصابة) .
[ (2) ] هي خولة بنت قيس بن قهد- بالقاف- بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصارية الخزرجية ثم النجارية أم محمد. يقال: هي زوج حمزة بن عبد المطلب، ثم قيل: غيرها.
قال محمود بن لبيد، عن خولة بنت قيس بن قهد، وكانت تحت حمزة بن عبد المطلب: أنها قالت: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على عمه- يعنى حمزة- فصنعت شيئا فأكلوه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ألا أخبركم بكفارات الخطايا؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، أخرجه ابن مندة بعلوّ.
وأخرج أيضا من طريق قيس بن النعمان بن رفاعة: سمعت معاذ بن رفاعة بن رافع يحدث عن خولة بنت قيس بن قهد، قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فصنعت له حريرة [دقيق يطبخ بلبن أو دسم] ، فلما قدمتها إليه وضع يده فيها فوجد حرّها فقبضها، ثم قال: يا خولة، لا نصبر على حرّ ولا نصبر على برد.
وقال ابن سعد: أمها الفريعة بنت زرارة، أخت أسعد بن زرارة، قال: وخلف عليها بعد حمزة بن عبد المطلب حنظلة بن النعمان بن عمرو بن مالك بن عامر بن العجلان.
وأخرج أبو نعيم، من طريق أبى معشر، عن سعيد المقبري عن عبيد سنوطى، قال: دخلت على خولة بنت قيس التي كانت عند حمزة فتزوجها النعمان بن عجلان بعد حمزة، فقلت: يا أم محمد، انظري ما تحدثيننى، فإن الحديث عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بغير ثبت شديد، فقالت: بئس ما لي أن أحدثهم عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بما سمعته وأكذب عليه، سمعته يقول: الدنيا حلوة خضرة من يأخذ منها ما يحلّ يبارك له فيه، وربّ متخوّض في مال اللَّه ... الحديث. [أي ربّ متصرف في مال اللَّه بما لا يرضاه اللَّه. وقيل: هو التخليط في تحصيله من غير وجهه كيف أمكن] . (الإصابة) : 7/ 625، ترجمة رقم (11126) ، (الاستيعاب) : 4/ 1833، ترجمة رقم (3324) ، (النهاية) : 2/ 88.(6/275)
عليها بعد حمزة رجل من الأنصار. ويقال لها: خويلة، روى لها البخاري والترمذي.
وسلمى بنت عميس الخثعمية، كانت تحت حمزة أيضا، فولدت له أمامة [ (1) ] .
ولبابة الكبرى بنت الحارث، زوجة العباس رضي اللَّه عنه، أم بنيه الفضل، وعبد اللَّه، وعبيد اللَّه، وقثم، وعبد الرحمن، ومعبد [ (1) ] .
وحجيلة بنت جندب بن الربيع بن عامر بن كعب بن عمرو بن الحارث ابن عمرو بن سعد مالك بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة ابن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. زوجة العباس، أم ولده الحارث بن عباس [ (2) ] .
وفاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، زوجة أبى طالب، أم بنيه: طالب، وعقيل، وجعفر، وعلى، رضي اللَّه عنهم، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمى، أسلمت وهاجرت وماتت بالمدينة، فشهدها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وألبسها قميصه واضطجع معها في قبرها، فقالوا: ما رأيناك صنعت ما صنعت بهذه، فقال: إن لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرّ بى منها، إنما ألبستها قميصي لتكتسى من حلل الجنة، واضطجعت معها ليهون عليها. وقيل: إنها ماتت قبل الهجرة، وليس بشيء [ (3) ] .
وعاتكة بنت أبى وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، زوجة
__________
[ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمتها.
[ (2) ] قال أبو عمر: لكل ولد العباس رؤية والصحبة للفضل، وعبد اللَّه، وأمه حجيلة بنت جند بن الربيع الهلالية، وقيل: أم ولد. ثم قال: وأما الحارث بن العباس بن عبد المطلب فأمه من هذيل. (الإصابة) :
2/ 151، ترجمة رقم (1904) ، (الاستيعاب) : 1/ 195- 196، ترجمة رقم (240) .
[ (3) ] (الإصابة) : 8/ 60، ترجمة رقم (11584) ، (الاستيعاب) : 4/ 1891، ترجمة رقم (4052) .(6/276)
الزبير بن عبد المطلب، أم بنيه: الطاهر، وحجل، [وقرّة] [ (1) ] ، وعبد اللَّه، كان أبوها من أشراف قريش في الجاهلية، وأخوها هبيرة بن أبى وهب من فرسان قريش وشعرائهم، وهو زوج أم هانئ بنت أبى طالب، وفد يوم الفتح إلى نجران فمات بها كافرا، وترك أولادا من أم هانئ [ (2) ] .
وغزية بنت قيس بن طريف من بنى الحارث بن فهر، زوجة الحارث بن عبد المطلب أم بنيه: أبى سفيان، وربيعة، ونوفل، وعبد شمس، وعبد اللَّه، وأمية [ (3) ] .
وأم جميل بنت حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف- وهي حمالة الحطب- امرأة أبى لهب بن عبد المطلب، أم بنيه: عتبة، ومعتب، وعتيبة [ (4) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (2) ] قال الكلبي: وكان للزبير بن عبد المطلب: الطاهر، وحجل، وقرة، وعبد اللَّه، قتل يوم أجنادين [موضع بالشام من نواحي فلسطين، وأمهم عاتكة بنت أبى وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم. (جمهرة النسب) : 34- 35.
[ (3) ] لم أجد لها ترجمة.
[ (4) ] سبق الكلام عنها في فصل [أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قتل أم حبيبة] .(6/277)
أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم أزواج عماته
ومن أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم أزواج عماته، وهم تسعة:
كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، زوج البيضاء أم حكيم بنت أبى طالب، أبو بنيها: عامر، وأم طلحة أرنب، وأروى أم عثمان، وأم كريز أم سكن بنت ظالم بن منقذ بن سبيع بن خثعمة بن سعد بن مليح الخزاعي، وكان له من الولد أيضا فاختة، تزوجها أبو العاص ابن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، وأمها هند بنت جدعان بن عمرو ابن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، والحارث بن كريز أمه من عبد قيس، يقال له أبو كبشة، وكان عنده مسيلمة الكذاب، وعبيس بن كريز أمه أم عبيس، فتاة لبني تيم بن مرة، أسلمت فعذبت في اللَّه، حتى اشتراها أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه، فأعتقها [ (1) ] .
__________
[ (1) ] هي أحد من كان يعذبه المشركون ممن سبق إلى الإسلام. قال أبو بشر الدولابي عن الشعبي: أسلمت وهي زوج كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، ولدت له عبيسا فكنيت به.
وروى يونس بن بكير في (زيادات المغازي) لابن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن أبا بكر الصديق رضي اللَّه عنه أعتق من ممن كان يعذب في اللَّه سبعة وهم: بلال، وعامر بن فهيرة، وزنبرة، وجارية ابنا المؤمل، والهندية، وابنتها، وأم عبيس.
وأخرج محمد بن عثمان بن أبى شيبة في تاريخه، عن منجاب بن الحارث، عن إبراهيم بن يوسف ابن زياد البكائي، عن ابن إسحاق، عن حميد عن أنس: قال: قالت أم هانئ بنت أبى طالب: أعتق أبو بكر بلالا، وأعتق معه ستة، منهم أم عبيس.
وأخرجه أبو نعيم، وأبو موسى، من طريقه. وقال الزبير بن بكار: كانت فتاة لنبي تيم بن مرة، فأسلمت أول الإسلام، وكانت ممن استضعفه المشركون يعذبونها فاشتراها أبو بكر فأعتقها، وكنيت بابنها عبيس بن كريز.
قال الحافظ: قال البلاذري: كانت أمة لنبي زهرة، وكان الأسود بن عبد يغوث يعذبها. (الإصابة) :
8/ 257- 258، ترجمة رقم (12159) ، (الاستيعاب) : 4/ 1946، ترجمة رقم (4182) .(6/278)
وأبو أمية حذيفة بن الميغرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، أبو أولادها:
عبد اللَّه، وزهير، وقريبة الكبرى، إخوة أم المؤمنين أم سلمة لأبيها [ (1) ] .
وعبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم [ (2) ] ، زوج برّة بنت عبد المطلب، أبو ابنها أبى سلمة عبد اللَّه، وأمه نعم بنت عبد العزى بن رباح بن عبد اللَّه بن قرظ بن رزاح بن عدي بن كعب، وأبوها أبو سلمة تقدم ذكره، وله من الولد أيضا: سفيان بن عبد الأسد، والأسود بن عبد الأسد، وقتل الأسود ببدر كافرا، قتله حمزة، وكان قد حلف ليكسرن
__________
[ (1) ] (الإصابة) : 8/ 81، ترجمة رقم (11645) .
[ (2) ] قال أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسى: وولد هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم: عبد الأسد، فولد عبد الأسد: أبا سلمة، استخلفه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم علي المدينة، واسمه عبد اللَّه، من قدماء الصحابة المهاجرين الأولين، وهو زوج أم سلمة أم المؤمنين قبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، والأسود بن عبد الأسود، أحد المستهزءين، قتل يوم بدر كافرا، وسفيان بن عبد الأسد.
فولد أبو سلمة رضي اللَّه عنه سلمة، وعمر، وزينب، ودرّة: أمهم كلهم أم سلمة أم المؤمنين رضي اللَّه عنها. ولد عمر بأرض الحبشة وله عقب، وولّاه عليّ رضى اللَّه عنه علي البحرين، وكان له ابن اسمه سلمة بن عمر، ولزينب أيضا عقب، ولا عقب لدرة، ولا لسلمة، وزوّجه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بنت حمزة، وكان لسلمة عقب انقرض، منهم: سلمة بن عبد اللَّه بن سلمة بن أبى سلمة بن عبد الأسد، ولى قضاء المدينة لعبد الرحمن بن الضحاك، وولد الأسود بن عبد الأسد: المرأة التي سرقت فقطعها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
وولد سفيان بن عبد الأسد: الأسود، وهبّار، قتل يوم مؤتة، وعمر، هاجر إلى الحبشة، وعبيد اللَّه، قتل يوم اليرموك، وعبد اللَّه: أمهم كلهم صفية بنت الخطاب أخت عمر.
وأبو سلمة، والحارث، وعبد الرحمن، وعبد الرحمن آخر، وعبد اللَّه، ومعاوية، وسفيان: أم هؤلاء أم جميل بنت المغيرة بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس.
ومن ولده: رزق، وعبد اللَّه، ابنا الأسود بن سفيان بن عبد الأسد: أمهما أم حبيب بنت العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.
ومن ولده أيضا: محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبى سلمة بن سفيان بن عبد الأسد، استقضاه الهادي على مكة، واستقضاه المأمون ببغداد. (جمهرة أنساب العرب) : 143- 144.(6/279)
حوض النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقاتله حتى وصل إليه فأدركه حمزة وهو يكسره فقتله، فاختلط دمه بالماء. وأم سفيان من كندة، وأخوهما لأمهما أنس بن أذاه بن رباح [ (1) ] .
وأبو رهم بن عبد العزى بن أبى قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل، بن عامر بن لؤيّ، زوج برّة بعد عبد الأسد، وأبو ابنها أبى سبرة بن أبى رهم، أمه وأم أخيه حويطب بن عبد العزى زينب بنت علقمة بن غزوان بن يربوع بن الحارث بن سعد بن عمرو بن قبيص، وإخوته لأبيه:
مخرمة الأكبر، ومخرمة الأصغر، وفاطمة.
وعمير بن وهب بن عبد بن قصي، زوج أروى بنت عبد المطلب [ (2) ] ، أبو ابنها طليب، كان أبوه وهب يعرف بأبي كبيرة [ (3) ] .
__________
[ (1) ] قال في (المرجع السابق) : 150: وولد رباح بن عبد اللَّه بن قرظ: أذاة، وعبد العزى، فولد أذاة: قيلة أم أبي قحافة والد أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنه، وأنس بن أذاة.
فمن ولد أنس: عمرو وعبد اللَّه ابنا سراقة بن المعتمر بن أنس ابن أذاة، شهد بدرا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
[ (2) ] قال في (المرجع السابق) : 169: وولد أبى رهم بن عبد العزى: أبو سبرة بن أبى رهم، بدرىّ، وهو أخو سلمة بن عبد الأسد المخزوميّ، أمها برّة بنت عبد المطلب، عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فولد أبى سبرة: محمد، فولد محمد: عبد اللَّه، فولد عبد اللَّه: أبو بكر ومحمد، ولى قضاء المدينة. وأما أبو بكر فخرج مع محمد بن عبد اللَّه بن الحسن بالمدينة، وأتاه بأربعة وعشرين ألف دينار من صدقات طيِّئ وأسد.
[ (3) ] أروى بنت عبد المطلب بن هاشم الهاشمية، عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. قال أبو عمر: كانت أروى تحت عمير بن وهب بن عبد بن قصي، فولدت له طليبا، ثم خلف عليها كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصىّ، فولدت له أروى.
وحكى أبو عمر عن محمد بن إسحاق، أنه لم يسلم من عمات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلا صفية، وتعقبه بقصة أروى، وذكرها العقيلي في الصحابة، وأسند عن الواقدي، عن موسى بن محمد بن إبراهيم ابن الحارث التيمي، عن أبيه قال: لما أسلم طليب بن عمير، دخل على أمه أروى بنت عبد المطلب، فقال لها: قد أسلمت وتبعت محمدا، فذكر قصة فيها: وما يمنعك أن تسلمي فقد أسلم أخوك حمزة؟(6/280)
وكلدة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي [ (1) ] ، زوج أروى بنت عبد المطلب بعد عمير بن وهب، وأبو ابنتها فاطمة امرأة أرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، الّذي كان بيده لواء المشركين يوم أحد، وقتله مصعب بن عمير [ (2) ] .
وجحش بن رئاب بن يعمر بن صبيرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان ابن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر الأسدي زوج أميمة بنت عبد المطلب، وأبو أولادها عبد اللَّه المجدّع، وعبيد اللَّه وأبى أحمد وزينب أم المؤمنين وأم حبيبة وحمنة [ (3) ] .
__________
[ () ] فقالت: انظر ما يصنع أخواي، قال: قلت: فإنّي أسألك باللَّه إلا أتيته فسلمت عليه وصدقته. قالت:
فإنّي أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدا رسول اللَّه، ثم كانت بعد ذلك تعضّد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بلسانها، وتحض ابنها على نصرته والقيام بأمره.
وقال ابن سعد: أسلمت وهاجرت إلى المدينة (الإصابة) : 7/ 480- 481، ترجمة رقم (10785) ، (الاستيعاب) : 4/ 1711، 1778، ترجمة رقم (3225) ، (طبقات ابن سعد) :
8/ 28.
[ (1) ] قال ابن حزم: وولد عبد مناف بن عبد الدار: هاشم، وكلدة. ثم قال: وولد هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار: عمير، وعامر، وعبد شرحبيل، قلت: فعلى ذلك يكون كلدة بن عبد مناف وليس ابن هاشم بن عبد مناف، انظر (جمهرة أنساب العرب) : 126.
[ (2) ] قال ابن إسحاق- وقد ذكر من قتل من المشركين يوم أحد- وأرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، قتله حمزة بن عبد المطلب.
ثم قال- وقد ذكر استشهاد حمزة رضي اللَّه عنه-: وقاتل حمزة بن عبد المطلب رضي اللَّه عنه، حتى قتل أرطاة بن شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وكان أحد النفر الذين يحملون اللواء [يوم أحد] . (سيرة ابن هشام) : 4/ 16، 84.
[ (3) ] جحش بن رئاب الأسدي، والد أبى أحمد، قال ابن حبان: له صحبة، ذكره الجعابيّ فيمن روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من الصحابة، هو وابنه، وروى الدار قطنى بإسناد وأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم غيّر اسم جحش هذا، كان اسمه برّة فسماه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم جحشا، والمعروف أن ابنته كان اسمها برّة فغيّره النبي صلّى اللَّه عليه وسلم.
وأبو أحمد بن جحش الأسدي، أخو أم المؤمنين زينب، اسمه «عبد» بغير إضافة، وقيل عبد اللَّه، [وزاد في (الاستيعاب) : وقيل اسمه ثمامة، ولا يصح] .(6/281)
والحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس، زوج صفية بنت عبد المطلب [ (1) ] ، وأبو ابنتها صفيّا بنت الحارث.
والعوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، زوج صفية بعد الحارث بن حرب، وأبو ابنها الزبير بن العوام، رضي اللَّه عنه [ (2) ] .
__________
[ () ] حكى عن ابن كثير، وقالوا: إنه وهم، اتفقوا على أنه كان من السابقين الأولين، وقيل: إنه هاجر إلى الحبشة، ثم قدم مهاجرا إلى المدينة، وأنكر البلاذري هجرته إلى الحبشة، وقال: لم يهاجر إلى الحبشة، قال: وإنما هو أخو عبيد اللَّه الّذي تنصّر بها.
وقال ابن إسحاق: وكان أول من قدم مكة من المهاجرين بعد أبى سلمة عامر بن ربيعة، وعبد اللَّه ابن جحش، احتمل بأهله وأخيه عبد اللَّه، وكان أبو أحمد ضريرا، يطوف بمكة أعلاها وأسفلها بغير قائد، وكانت عنده الفارعة بنت أبى سفيان بن حرب، وشهد بدرا والمشاهد، وكان يدور مكة بغير قائد، وفي ذلك يقول:
حبّذا مكة من وادي ... بها أهلي وعوّادي
بها ترسخ أوتادي ... بها أمشى بلا هادي
وجزم ابن الأثير بأنه مات بعد أخته زينب بنت جحش، وفيه نظر، فقد قيل: إنه الّذي مات فبلغ أخته موته، فدعت بطيب فمسته. ووقع في الصحيحين من طريق زينب بنت أم سلمة، قالت:
دخلت على زينب بنت جحش حين توفى أخوها، فدعت بطيب فمسته، ثم قالت: ما لي بالطيب من حاجة، ولكنى
سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج ... الحديث.
ويقوى أنّ المراد بهذا أبو أحمد أن كلا من أخويها عبد اللَّه وعبيد اللَّه مات في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أما عبد اللَّه المكبر فاستشهد بأحد، وأما أخوها عبيد اللَّه المصغر فمات نصرانيا بأرض الحبشة، وتزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم امرأته أم حبيبة بنت أبى سفيان بعده. (الإصابة) : 1/ 466، ترجمة رقم (1109 ز) ، 7/ 6- 7، ترجمة رقم (9492) ، (سيرة ابن شهام) : 4/ 78، 2/ 166.
[ (1) ] هي صفية بنت عبد المطلب بن هاشم القرشية الهاشمية، عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ووالدة الزبير بن العوام- أحد العشرة- وهي شقيقة حمزة، أمها هالة بنت وهب خالة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
وكان أول من تزوجها الحارث بن حرب بن أمية، ثم هلك، فخلف عليها العوام بن خويلد بن أسد ابن عبد العزى، فولدت له الزبير والسائب، وأسلمت، وروت، وعاشت إلى خلافة عمر رضى اللَّه عنه (الاستيعاب) : 4/ 1873. ترجمة رقم (4007) ، (الإصابة) : 7/ 743، ترجمة رقم (11405) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 27.
[ (2) ] انظر التعليق السابق.(6/282)
أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل بناته
أبو العاص مهشم وقيل لقيط، وقيل هاشم، وقيل هشم، وقيل مقسم، وقيل القاسم، وصححه الزبير بن بكار، ويعرف بجرو البطحاء، ويقال له:
الأوس بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف [بن قصي] [ (1) ] القرشي صهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، زوج ابنته زينب أكبر بناته، وابن خالتها. أمه هالة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، أخت خديجة بنت خويلد، رضى اللَّه عنها لأبيها وأمها، شهد بدرا مع كفار قريش، فأسره عبد اللَّه بن جبير بن النعمان الأنصاري، وقيل خراش بن الصمة [ (2) ] ،
وقدم أخوه عمرو بن الربيع لفدائه بمال دفعته إليه زينب عليها السلام، ومنه قلادة كانت لخديجة [من جزع ظفار] [ (3) ] أدخلتها بها على أبى العاص حين بنى عليها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردّوا الّذي لها فافعلوا، فقالوا: نعم.
وكان أبو العاص مؤاخيا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، مصافيا له، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يكثر غشيانه في منزل أمه هالة، وكان أبو العاص قد أبى أن يطلق زينب إذ سعى إليه المشركون من قريش في ذلك، فشكر له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مصاهرته، وأثنى عليه بذلك خيرا، وهاجرت زينب مسلمة، وتركته على شركة، فأقام حتى كان قبيل الفتح، فخرج بتجارة إلى الشام، ومعه أموال لقريش، فلما قفل لقيه زيد بن حارثة وهو على سرية [ (4) ] ، فأسر ممن رافقه
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (طبقات ابن سعد) : 8/ 25.
[ (2) ] قال ابن هشام: أسره خراش بن الصمة، أحد بنى حرام (سيرة ابن هشام) : 2/ 202.
[ (3) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، واستدركناه من (مغازي الواقدي) : 1/ 130.
[ (4) ] كان في سبعين ومائة راكب، فلقوا العير بناحية العيص، في جمادى الآخرة سنة ست من الهجرة.(6/283)
عدة، وأخذ ما معه.
وفرّ أبو العاص حتى [دخل] [ (1) ] ذليلا على زينب امرأته فاستجارها [ (2) ] ، وقدم زيد بما معه،
فلما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى صلاة الصبح وكبّر فكبّر الناس معه، صرخت زينب: «أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع، فلما سلّم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من صلاته، أقبل على الناس فقال: [أيها الناس] [ (3) ] هل سمعتم ما سمعت؟» قالوا: نعم، قال: «أما والّذي نفسي بيده، ما علمت بشيء [مما كان] [ (4) ] حتى سمعت ما سمعتم، [المؤمنون يد علي من سواهم، يجير عليهم أدناهم، وقد أجرنا من أجارت] » [ (5) ] ، ثم انصرف، فدخل على زينب فقال: «أي بنية، أكرمى مثواه، ولا يخلص إليك فإنك لا تحلين له» فقالت: «إنه جاء في طلب ماله» فخرج وبعث في تلك السرية، فاجتمعوا إليه وكانوا سبعين ومائة، فقال لهم: «إن هذا الرجل بنا بحيث علمتم، وقد أصبتم له مالا، وهو فيء أفاءه اللَّه عليكم، وأنا أحب أن تحسنوا وتردوا إليه الّذي له، وإن أبيتم فأنتم أحق به.
قالوا: يا رسول اللَّه، بل نردّه إليه، فردوا عليه ماله ما فقد منه شيئا، فاحتمل إلى مكة، فأدّى إلى كل ذي مال من قريش ماله الّذي كان أبضع معه ثم قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم مال لم يأخذه؟ قالوا:
جزاك اللَّه خيرا، فقد وجدناك وفيا كريما، قال: فإنّي أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا عبده ورسوله، واللَّه ما منعني من الإسلام إلا تخوّف أن تظنوا بى
__________
[ () ] (طبقات ابن سعد) : 27/ 8.
[ (1) ] زيادة يقتضيها السياق.
[ (2) ] في (خ) : «فاستجار بها» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (4) ] زيادة للسياق من (طبقات ابن سعد) : 8/ 27.
[ (5) ] ما بين الحاصرتين في (خ) : «إنه يجبر علي المسلمين أدناهم» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .(6/284)
أكل أموالكم، فلما أداها اللَّه إليكم أسلمت.
ثم خرج حتى قدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مسلما وحسن إسلامه، وردّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ابنته بالنكاح الأول، بعد ست سنين [ (1) ] ، وقيل: ردها عليه.
بنكاح جديد.
خرّج الترمذي من حديث أبى معاوية، عن الحجاج بن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ردّ ابنته زينب على أبى العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد، قال أبو عيسى: هذا الحديث في إسناده مقال، وفي الحديث الآخر مقال [ (2) ] .
والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم: أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها، ثم أسلم زوجها وهي في العدة، أن زوجها أحق بها ما كانت في العدة، وهو قول مالك بن أنس، والأوزاعي، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق [ (3) ] .
وخرّج أيضا من حديث يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال:
حدثني داود بن الحصين عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ردّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ابنته زينب على أبى العاص بن الربيع بعد ست سنين بالنكاح الأول، ولم يحدث نكاحا. قال أبو عيسى: هذا حديث ليس بإسناده بأس، ولكن لا
__________
[ (1) ] في المحرم سنة سبع من الهجرة (المرجع السابق) .
[ (2) ] أخرجه أبو داود والترمذي، رواه أبو داود برقم (2240) في الطلاق باب إلى متى ترد عليه امرأته إذا أسلم بعدها، والترمذي برقم (1143) ، في النكاح، باب الزوجين يسلم أحدهما قبل الآخر، وفي سنده الحجاج بن أرطاة، وهو كثير الخطأ والتدليس، وقال الترمذي: هذا حديث في إسناده مقال.
(جامع الأصول) : 11/ 510.
[ (3) ] قال الحافظ: وأحسن المسالك في تقرير الحديثين ترجيح حديث ابن عباس كما رجحه الأئمة، وحمله على تطاول العدة فيما بين نزول آية التحريم، وإسلام أبى العباس، ولا مانع من ذلك. (جامع الأصول) : 11/ 510 «هامش» .(6/285)
نعرف وجه هذا الحديث [ولعله قد جاء هذا من قبل داود بن حصين، من قبل حفظه] [ (1) ] قال: سمعت عبد بن حميد يقول: سمعت يزيد بن هارون يذكر عن محمد بن إسحاق هذا الحديث [ (2) ] .
وحديث الحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ردّ ابنته على أبى العباس بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد. قال يزيد بن هارون: حديث ابن عباس أجود إسنادا، والعمل على حديث عمرو بن شعيب.
__________
[ (1) ] (تحفة الأحوذي) : 4/ 248، أبواب النكاح، باب (41) ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما قبل الآخر، حديث رقم (1151) ، قوله: «هذا حديث في إسناده مقال» ، في إسناده حجاج ابن أرطاة وهو مدلس، وأيضا لم يسمع من عمرو بن شعيب كما قال أبو عبيد، وإنما حمله عن العزرمىّ وهو ضعيف، وقد ضعّف هذا الحديث جماعة من أهل العلم، كذا في (النيل) . [نيل الأوطار للشوكانى] ، والحديث أخرجه أيضا ابن ماجة.
قوله: «والعمل على هذا عند أهل العلم» ، أي من حيث أن هذا الحديث يقتضي أن الردّ بعد العدة يحتاج إلى نكاح جديد، فالرّد بلا نكاح لا يكون إلا قبل العدة، قاله أبو الطيب المدني.
[ (2) ] قوله: «وهو قول مالك بن أنس والأوزاعي والشافعيّ وأحمد وإسحاق» ، وقال محمد في (موطإه) :
إذا أسلمت المرأة وزوجها كافر في دار الإسلام لم يفرق بينهما حتى يعرض على الزوج الإسلام، فإن أسلم فهي امرأته، وإن أبى أن يسلم فرق بينهما، وكانت فرقتها تطليقة بائنة، وهو قول أبى حنيفة وإبراهيم النخعي.
قوله: «بعد ست سنين بالنكاح الأول ولم يحدث نكاحا» ، وفي رواية لأحمد وأبى داود وابن ماجة: «بعد سنتين» ، قال الشوكانى: «وفي رواية بعد ثلاث سنين» ، وأشار في (الفتح) إلى الجمع فقال: المراد بالست، ما بين هجرة زينب وإسلامه، وبالسنتين أو الثلاث ما بين نزول قوله تعالى: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ [10: الممتحنة] ، وقدومه مسلما، فإن بينهما سنتين وأشهرا.
قوله: «هذا حديث ليس بإسناده بأس» ، حديث ابن عباس هذا صححه الحاكم، وقال الخطابي: هو أصح من حديث عمرو بن شعيب، وكذا قال البخاري. قال ابن كثير في (الإرشاد) : هو حديث جيد قوى، وهو من رواية ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس. أ. هـ. إلا أن حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس نسخه، وقد ضعّف أمرهما عليّ بن المديني وغيره من علماء الحديث، وابن إسحاق فيه مقال معروف. كذا في (النّيل) . قال المباركفوري: قد تقدم في بحث القراءة خلف(6/286)
خرج الدار قطنى [من] [ (1) ] حديث أبى معاوية، عن الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ردّ ابنته [زينب [ (2) ]] على أبى العاص بن الربيع بنكاح جديد. وقال بعده: هذا لم يثبت، وحجاج لا يحتج به، والصواب حديث ابن عباس.
وكذلك رواه مالك عن الزهري في قصة صفوان بن أمية، قال أبو عمر ابن عبد البر: وقد حدّث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال:
ردّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ابنته زينب على أبى العاص بالنكاح الأول لم يحدث شيئا [ (3) ] بعضهم يقول: فيه ثلاث سنين، وبعضهم يقول: ست سنين، وبعضهم يقول: فيه بعد سنتين، وبعضهم لا يقول شيئا في ذلك [ (4) ] .
__________
[ () ] الإمام، أن الحق أن ابن إسحاق ثقة قابل للاحتجاج.
قوله: «ولكن لا نعرف وجه الحديث ... » ، قال الحافظ: أشار بذلك إلى أن ردّها إليه بعد ست سنين، أو بعد سنتين، أو ثلاث، مشكل لاستبعاد أن تبقى في العدة هذه المدة.
قال: ولم يذهب أحد إلى جواز تقرير المسلمة تحت المشرك، إذا تأخر إسلامه عن إسلامها حتى انقضت عدتها. ومن نقل الإجماع في ذلك ابن عبد البر- (تحفة الأحوذي) 4/ 248- 250، أبواب النكاح، باب (41) ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما، حديث رقم (1151) .
[ (1) ] زيادة للسياق.
[ (2) ] زيادة للسياق.
[ (3) ] (سنن الدار قطنى) : 3/ 253- 254، حديث رقم (35) ، (36) .
[ (4) ] الحديث أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، عن محمد بن إسحاق مثله، وفي الترمذي: بعد ست سنين، وفي ابن ماجة: بعد سنتين، والروايتان عند أبى داود. قال الترمذي: لا بأس بإسناده، وسمعت عبد بن حميد يقول: سمعت يزيد بن هارون يقول: حديث ابن عباس هذا أجود إسنادا من حديث عمرو بن شعيب، ولكن لا يعرف وجه حديث ابن عباس، ولعله جاء من داود بن حسين من قبل حفظه. ورواه الحاكم في (المستدرك) ، وقال: صحيح على شرط مسلم، وقال عبد الحق، حديث ابن عباس فيه محمد بن إسحاق، ولا أعلم رواه معه إلا من هو دونه، ثم نقل عن ابن عبد البر منسوخ عند الجميع (سنن الدار قطنى) : 3/ 254، تعليق على الحديث رقم (35) ، (36) ، (سنن بن ماجة) : 1/ 647، كتاب النكاح، باب (60) الزوجين يسلم أحدهما قبل الآخر، حديث رقم (2009) ، (2010) ، (المستدرك) : 4/ 50، كتاب معرفة الصحافة، ذكر بنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعد فاطمة رضى اللَّه عنها، حديث رقم (6846/ 2444) .(6/287)
وهذا الخبر إن صح، فهو متروك منسوخ عند الجميع، لأنهم لا يجيزون رجوعها إليه بعد خروجها من عدتها، وإسلام زينب كان قبل أن ينزل كثير من الفرائض.
وروى عن قتادة أن ذلك كان قبل أن تنزل سورة بَراءَةٌ [ (1) ] تقطع العهود بينهم وبين المشركين، وقال الزهري: كان هذا قبل أن تنزل الفرائض.
وروى عنه سفيان بن حسين، أن أبا العاص بن الربيع أسر يوم بدر، فأتى به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فردّ عليه امرأته، وفي هذا أنه ردّها عليه وهو كافر، فمن هنا قال ابن شهاب: إن ذلك كان قبل أن تنزل الفرائض.
وقال آخرون: قصة أبى العاص هذه منسوخة بقوله تعالى: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ [ (2) ] إلى قوله [تعالى] :
وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [ (3) ] ، فربما يدل على أن قصة أبى العاص منسوخة بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ [ (4) ] إلى قوله [تعالى] : وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [ (5) ] ، إجماع العلماء أن أبا العاص بن الربيع كان كافرا، وأن المسلمة لا تحل أن تكون زوجة لكافر، قال اللَّه تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [ (6) ] .
__________
[ (1) ] أول سورة التوبة.
[ (2) ] الممتحنة: 10.
[ (3) ] الممتحنة: 10.
[ (4) ] الممتحنة: 10.
[ (5) ] الممتحنة: 10.
[ (6) ] النساء: 141.(6/288)
وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم للملاعن: لا سبيل لك عليها [ (1) ] ،
وروى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال: لا يعلو مسلمة مشرك، فإن الإسلام يظهر ولا يظهر عليه.
وفي قوله تعالى: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [ (2) ] ما يغنى ويكفى. قال أبو عمر: ولم يختلف أهل السّير أن الآية المذكورة نزلت حين صالح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قريشا على أن يرد عليهم من يجيء بغير إذن وليه، فلما هاجرن أبى اللَّه أن ترددن إلى المشركين إذا امتحنّ محنة الإسلام، وعرف أنهن جئن رغبة في الإسلام.
قال: ولم يختلف العلماء أن الكافرة إذا أسلمت ثم انقضت عدتها أنه لا سبيل لزوجها عليها إذا كان لم يسلم، إلا شيئا روى عن إبراهيم النخعي، شذّ فيه عن جماعة العلماء، ولم يتابعه أحد من الفقهاء، إلا بعض أهل الظاهر فإنه قال: وقد قال أكثر أصحابنا: لا ينفسخ النكاح بتقديم إسلام الزوجة، إلا بمضى مدة يتفق الجميع على فسخه لصحة وقوعه في حلة، واحتج بحديث ابن عباس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ردّ زينب على أبى العاص بالنكاح الأول بعد مضى سنين لهجرتها، وأظنه مال فيه إلى قصة أبى العاص، وقصة أبى العاص لا تخلو من أن يكون أبو العاص كافرا، إذ ردّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى ابنته زينب على النكاح الأول، أو مسلما.
فإن كان كافرا، فهذا ما لا شك فيه، إن كان قبل نزول الفرائض وأحكام
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في الطلاق، باب قول الإمام للمتلاعنين إن أحدكما كاذب، فهل منكما من تائب، الحديث رقم (5312) ، وباب المتعة للتي لم يفرض لها، الحديث رقم (5350) ، وأخرجه مسلم في اللعان، حديث رقم (5) ، وأخرجه أبو داود في الطلاق، باب في اللعان، حديث رقم (2257) ، والنسائي في الطلاق، باب اجتماع المتلاعنين، حديث رقم (3476) .
[ (2) ] الممتحنة: 10.(6/289)
الإسلام في النكاح، إذ في القرآن والسنة والإجماع تحريم خروج المسلمات على الكفار، فلا وجه هاهنا للإكثار.
وإن كان مسلما، فلا يخلو من أن تكون [زينب] حاملا فتمادى حملها فلم تضعه حتى أسلم زوجها، فرده رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إليها في عدتها، وهذا لم ينتقل في خبر.
أو تكون قد خرجت من العدة، فيكون أيضا ذلك منسوخا بالإجماع، لأنهم قد أجمعوا أنه لا سبيل إليها بعد العدة، لأنّا ذكرنا في شذوذ النخعي وبعض أهل الظاهر وكيف كان ذلك.
فخبر ابن عباس في ردّ أبى العاص إلى زينب خبر متروك، ولا يجوز العمل به عند الجميع، فاستغنى عن القول فيه.
وقد يحتمل قوله: «على النكاح الأول» ، يريد على مثل النكاح الأول من الصداق، على أنه قد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رد زينب على أبى العاص بنكاح جديد، وكذلك يقول الشعبي على علمه بالمغازى، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لم يرد أبا العاص إلى ابنته زينب إلا بنكاح جديد، وهذا يعضده الأصول.
قال كاتبه [رحمه اللَّه] [ (1) ] : لم أدر ما هذا الّذي عناه أبو عمر من أهل الظاهر، وليس هو ابن حزم [الظاهري] ، فإن مذهبه أنّ تقدم إسلام المرأة على إسلام الرجل يفسخ نكاحها منه، ولا سبيل له عليها إلا بنكاح جديد وبرضاها، واللَّه أعلم.
وتوفى أبو العاص في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة، وترك من زينب عليا وأمامة، أوصى بهما إلى الزبير بن العوام بن خويلد بن عبد العزى رضى اللَّه
__________
[ (1) ] زيادة للسياق.(6/290)
عنه، وهو ابن عمه. وترك أيضا مريم، وأمها فاختة بنت سعيد بن أبى أحيحة بن العاص، تزوج بها محمد بن عبد الرحمن بن عوف، فولدت له القاسم. وقد انقرض عقب أبى العاص، وكان أحد رجالات قريش، أمانة وحالا [ (1) ] .
وعقبة بن أبى لهب، زوج رقية ابنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وابن عم أبيها، أمرته أمه أم جميل بنت حرب بفراقها، وقالت له: طلقها حتى تشغله عياله عما يدعو إليه، فطلقها، فخلف عليها عثمان بن عفان- وهو ابن عمة أبيها- فولدت له عبد الرحمن بن عثمان [ (2) ] .
__________
[ (1) ] له ترجمة في: (تاريخ خليفة) : 119، (الاستيعاب) 4/ 1701- 1704، ترجمة رقم (3061) ، (تهذيب الأسماء واللغات) : 2/ 248- 249 (الإصابة) : 7/ 248- 251، ترجمة رقم (10175) ، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 330- 334، ترجمة رقم (69) ، (فتح الباري) : 7/ 106، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، باب (16) ، ذكر أصهار النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. منهم العاص بن الربيع حديث رقم (3729) .
[ (2) ] عتبة بن أبى لهب، واسم أبى لهب: عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، وأمه أم جميل بنت حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي.
وكان لعتبة من الولد: أبو على وأبو الهيثم، وأبو غليظ، وأمهم: عتبة بنت عوف بن عبد مناف ابن الحارث بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤيّ، وعمرو، ويزيد، وأبو خداش، وعباس، وميمونة، وأمهم: أم العباس بنت شراحبيل بن أوس بن حبيب بن الوجيه، من حمير، ثم من ذي الكلاح- سبيّة في الجاهلية، وعبيد اللَّه، ومحمد، وشيبة، درجوا، وأم عبد اللَّه وأمهم: أم عكرمة بنت خليفة بن قيس، من الجدرة، من الأزد، وهم حلفاء في بنى الدّيل بن بكر، وعامر بن عتبة، وأمه: هالة الأحمرية، من بنى الأحمر بن الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وأبو وائلة بن عتبة، وأمه من خولان.
وعبيد بن عتبة لأم ولد، وإسحاق بن عتبة لأم ولد سوداء، وأم عبد اللَّه بنت عتبة، وأمها: خولة أم ولد.
قال: أخبرنا عليّ بن عيسى بن عبد اللَّه النوفلىّ، عن حمزة بن عتبة بن إبراهيم اللهبي، قال:
حدثنا إبراهيم بن عامر بن أبى سفيان بن معتب، وغيره من مشيختنا الهاشميين، عن ابن عباس، عن أبيه العباس بن عبد المطلب، قال: لما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مكة في الفتح، قال لي: يا عباس، أين ابنا أخيك عتبة ومعتب لا أراهما؟(6/291)
ومعتّب [ (1) ] بن أبى لهب، زوج أم كلثوم بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وابن عم أبيها، أمرته أمه أم جميل [بنت حرب] بطلاقها فطلقها، وخلف عليها عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه بعد موت أختها رقية فلم تلد له شيئا [ (2) ] .
وعلى بن أبى طالب رضى اللَّه عنه [ (3) ] ، زوج فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وابن عم أبيها، وأبو ابنها الحسن والحسين، وأبو ابنتيها زينب وأم كلثوم، فتزوج أمامة بنت زينب من أبى العاص عليّ بن أبى طالب رضى اللَّه عنه،
__________
[ () ] قال قلت: يا رسول اللَّه تنحّيا فيمن تنحّى من مشركي قريش، فقال لي: اذهب إليهما واثنى بهما.
قال العباس: فركبت إليهما بعرنة فأتيتهما فقلت: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدعوكما، فركبا معى سريعين، حتى قدما على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فدعاهما إلى الإسلام، فأسلما وبايعا. ثم قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخذ بأيديهما، وانطلق بهما يمشى بينهما، حتى أتى بهما الملتزم، وهو ما بين باب الكعبة والحجر الأسود، فدعا ساعة، ثم انصرف، والسرور يرى في وجهه.
قال العباس: فقلت له: سرّك اللَّه يا رسول اللَّه، فإنّي أرى في وجهك السرور، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم:
نعم، فإنّي استوهبت ابني عمى هذين ربى، فوهبهما لي.
قال حمزة بن عتبة: فخرجا معه في فورة ذلك إلى حنين، فشهدا غزوة حنين، وثبتا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يومئذ فيمن ثبت من أهل بيته وأصحابه، وأصيب عين معتب يومئذ، ولم يقم أحد من بنى هاشم من الرجال بمكة بعد أن فتحت غير عتبة، ومعتب، ابني أبى لهب.
[ (1) ] في (خ) : «وعتيبة» ، وما أثبتناه من سائر المراجع.
[ (2) ] هو معتب بن أبى لهب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصىّ، وأمه أم جميل بنت حرب ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي.
وكان لمعتب من الولد: عبد اللَّه، ومحمد، وأبو سفيان، وموسى، وعبيد اللَّه وسعيد، وخالدة، وأمهم: عاتكة بنت أبى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وأمها أم عمرو بنت المقوّم بن عبد المطلب بن هاشم، وأبو مسلم، ومسلم وعباس، بنو معتب لأمهات أولاد شتى، وعبد الرحمن بن معتب، وأمه من حمير، وقد كتبنا قصة معتب بن أبى لهب في إسلامه مع قصة أخيه عتبة بن أبى لهب. لهما ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 4/ 59- 61، (الإصابة) : 4/ 440- 441، ترجمة رقم (5417) ، 6/ 175- 176، وترجمة رقم (8126) ، (الاستيعاب) : 3/ 1030، ترجمة رقم (17866) ، 3/ 1430، ترجمة رقم (2459) .
[ (3) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.(6/292)
فولدت له محمد الأوسط، ثم خلف عليها بعده المغيرة بن نوفل بن الحارث ابن عبد المطلب، فولدت له يحيى [وبه يكنى] [ (1) ] وتزوج بأم كلثوم ابنة فاطمة عليها السلام من على بن ابى طالب رضى اللَّه عنه، عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، فولدت له زيدا ورقية، ولم يعقبا، وتزوج زينب ابنة فاطمة عليها السلام من على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه.
[و] عبد اللَّه بن جعفر بن أبى طالب القرشي الهاشمي أبو جعفر، ولدته أسماء بنت عميس بأرض الحبشة، وهو أول مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة، وقدم مع أبيه إلى المدينة، فكان جوادا كأبيه، وكان يسمى البحر، ولم يكن في الإسلام أسخى منه، ورأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وحفظ عنه أخبارا كثيرة جدا، توفى بالمدينة سنة ثمانين عن تسعين سنة، وقيل: مات سنة أربع أو خمس وثمانين [ (2) ] ، وصلى عليه أبان بن عثمان أمير المدينة، وكان مع عظم جوده ظريفا حليما عفيفا، لا يرى بسماع الغناء بأسا، خرّج أحاديثه الجماعة [ (3) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (الاستيعاب) ، وله ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/ 1447- 1448، ترجمة رقم (2484) ، (طبقات ابن سعد) : 5/ 22- 23، (الإصابة) : 6/ 200- 201، ترجمة رقم (8186) .
[ (2) ] قال الواقدي ومصعب الزبيري: مات في سنة ثمانين، وقال المدائنيّ: توفى سنة أربع أو خمس وثمانين، وقال أبو عبيد: سنة أربع وثمانين، ويقال: سنة تسعين. (سير الأعلام) .
[ (3) ] له ترجمة في: (طبقات خليفة) : ترجمة رقم (833) ، (1484) ، (التاريخ الكبير) : 5/ 7، (التاريخ الصغير) : 1/ 197، (الجرح والتعديل) : 1/ 197، (المستدرك) : 3/ 566، (جمهرة أنساب العرب) : 68، (الاستيعاب) : 3/ 880- 882، ترجمة رقم (1488) ، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 263، (البداية والنهاية) : 2/ 333، 3/ 32، 5/ 314، (الإصابة) : 40- 43، ترجمة رقم (4594) ، (تهذيب التهذيب) : 5/ 149، ترجمة رقم (294) ، (المطالب العالية) :
4/ 105، باب منقبة عبد اللَّه بن جعفر بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، حديث رقم (4077) ، (4078) ، (4079) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 2/ 46، ترجمة رقم (3425) ، (شذرات الذهب) 1/ 87، (سير أعلام النبلاء) : 3/ 456- 462، (ترجمة رقم (93) .(6/293)
وخرّج الإمام أحمد من حديث يحيى عن أبى سلمة عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا أراد أن يزوّج [شيئا] من بناته جلس إلى خدرها فقال: إن فلانا يذكر فلانة [يسميها] ، ويسمى الرجل الّذي يذكرها، فإن هي سكتت زوجها، وإن كرهت نقرت الستر، فإذا [نقرته] لم يزوجها [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 115، حديث رقم (23973) . وما بين علامات الحصر تصويبات منه.(6/294)
فصل في ذكر من كان في حجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من أولاد نسائه
اعلم أن الربيبة بنت زوج الرجل من غيره، وتجمع على ربائب سميت بذلك لأنه يربيها [ (1) ] في حجرة، فهي مربوبة، فعيلة بمعنى مفعولة.
والربيب: ابن امرأة الرجل من غيره، يقال: ربّ الصبىّ يربه ربّا وربّبه تربّة، وترببه، وارتبّه وربّاه، تربية، وتربّاه: أحسن القيام عليه، ووليه حتى يفارق الطفولة، سواء كان ابنه أو لم يكن. وربيته لغة والرابّ: زوج الأم.
فزينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل خديجة رضى اللَّه عنها [ (2) ] .
[و] هند بن أبى هالة، شماس، وقيل: نبّاش، وقيل: مالك بن نباش بن زرارة بن وقدان بن حبيب بن سلامة بن غوىّ بن جزرة بن أسيد بن عمرو ابن تميم، حليف بنى عبد الدار بن قصي الأسديّ التميمي، أمه خديجة
__________
[ (1) ] قال في (اللسان) : والربوب والربيب: ابن امرأة الرجل من غيره، وهو بمعنى مربوب، ويقال للرجل نفسه: رابّ. قال معن بن أوس، يذكر امرأته، وذكر أرضا لها:
فإن بها جارين لن يغدرا بها ... ربيب النبي، وابن خير الخلائف.
يعنى عمر بن أبى سلمة، وهو ابن أم سلمة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وعاصم بن عمر بن الخطاب، وأبوه أبو سلمة، وهو ربيب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، والأنثى ربيبة.
الأزهري: ربيبة الرجل بنت امرأته من غيره، وفي حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما: إنما الشرط في الربائب، يريد بنات الزوجات من غير أزواجهن الذين معهنّ. قال: والربيب أيضا يقال لزوج الأم لها ولد من غيره.
ويقال لامرأة الرجل إذا كان له ولد من غيرها: ربيبة، وذلك معنى رابة وراب. وفي الحديث: الأب كافل، وهو زوج أم اليتيم، وهو اسم فاعل من ربّه يربّه أي أنه يكفل بأمره، وفي حديث مجاهد: كان يكره أن يتزوج الرجل امرأة رابّه، يعنى امرأة زوج أمه، لأنه كان يربيه. (لسان العرب) : 1/ 405.
[ (2) ] سبق ذكرها في ذكر بنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ولست أدرى لم أوردها المقريزي في الربائب.(6/295)
بنت خويلد، خلف عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو أخو زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة الزهراء لأمهنّ، وكان فصيحا بليغا وصّافا، وصف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأحسن وأتقن، بحيث شرح أبو عبيد القاسم بن سلام وأبو محمد بن قتيبة وصفه، لما فيه من الفصاحة وفوائد اللغة.
وتوفى قتيلا يوم الجمل مع على رضى اللَّه عنه، فإنه خال ابنيه الحسن والحسين [ (1) ] ، وقتل ابنه هند بن هند مع مصعب بن الزبير، وهو ابن خاله،
__________
[ (1) ] هو هند بن أبى هالة التميمي، ربيب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أمه خديجة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، روى عنه الحسن بن على رضى اللَّه عنه صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أخرجه الترمذي، والبغوي، والطبراني، وغيرهم، من طرق عن الحسن بن على.
قال الحافظ في (الإصابة) : ووقع لنا بعلوّ في مشيخة أبى على بن شاذان، من طريق أهل البيت.
وأخرجه البغوي أيضا، وأخرجه ابن مندة من طريق يعقوب التيمي، عن ابن عباس، أنه قال لهند بن أبى هالة: صف لي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم.
قال البغوي، عن عمه، عن أبى عبيد: اسم أبى هالة زوج خديجة قبل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم النباش بن زرارة، وابنه هند بن النباش بن زرارة بن وقدان بن حبيب بن سلامة بن غذي، وفي (الجمهرة) : غوى ابن جردة، وفي (الجمهرة) : جرو بن أسيد بن عمرو بن تميم، حليف بنى عبد الدار، وقيل: هو زرارة ابن النباش.
قال الزبير: اسمه مالك بن النباش بن زرارة. وقال أبو محمد بن حزم: اسم أبى هالة هند بن زرارة ابن النباش. ووجدت له سلفا، قال ابن أبى خيثمة: حدثنا أحمد بن المقدام، حدثنا زهير بن العلاء، حدثنا سعيد، قال قتادة، قال: أبو هالة هند بن زرارة بن النباش، ورأيت في معجم الشعراء للمرزباني أن زرارة بن النباش رثى كفار بدر، ولم يذكر له إسلام.
وأخرج ابن السكن، وابن قانع، من طريق سيف بن عمر، عن عبد اللَّه بن محمد، عن هند بن هند بن أبى هالة، عن أبيه قال: قلت: يا رسول اللَّه، ما حملك على أن نزعت ابنتك عن عتيبة- يعنى ابن أبى لهب- حتى حرشته عليك؟ قال: إن اللَّه أبى لي أن أتزوج، أو أزوج إلا أهل الجنة.
قال الزبير بن بكار: قتل هند مع عليّ يوم الجمل، وكذا قال الدار قطنى في كتاب (الإخوة) ، وقال أبو عمر في (الاستيعاب) كان فصيحا بليغا، وصف النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأحسن وأتقن. قال محققه:
وقد ذكر المصنف هذا الوصف الكريم للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم في الجزء الأول، عند ذكر وصف النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. له ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/ 1544، ترجمة رقم (2699) ، (الإصابة) : 6/ 557- 558، ترجمة رقم (9013) ، (جمهرة أنساب العرب) : 210.(6/296)
وقيل: مات بالبصرة في الطاعون [ (1) ] .
والحارث بن أبى هالة أول من قتل في اللَّه في الإسلام، صلى عليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تحت الركن اليماني، وقتل قاتله صفوان بن مالك بن صفوان بن غذي ابن الأخرس بن الحارث بن جردة، فكان صفوان أول قاتل قتل في اللَّه بعد الهجرة [ (2) ] .
__________
[ (1) ] هو هند بن هند بن أبى هالة، ولد الّذي قبله. وعلى قول قتادة ومن تبعه: يكون هند بن أبى هند ثلاثة في نسق.
ذكره ابن مندة، وأورد من طريق حسان بن عبد اللَّه الواسطي، عن السرىّ بن يحيى، عن مالك بن دينار، حدثني هند بن خديجة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: مرّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بالحكم أبى مروان، فجعل يغمز النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ويشير بإصبعه، حتى التفت إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: اللَّهمّ اجعل له وزغا- يعنى ارتعاشا، قال فرجف مكانه.
وهكذا أخرجه ابن أبى حاتم الرازيّ، وعبد اللَّه بن أحمد في (زيادات الزهد) من هذا الوجه، ومالك بن دينار لم يدرك هند بن أبى هالة، وإنما أدرك ابنه، فكأنه نسبه لجده.
وقد ذكر ابن أبى حاتم عن أبيه، أن رواية هند بن هند عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مرسلة. وجرى أبو عمر في (الاستيعاب) على ظاهره، فذكر هذا الحديث لهند بن أبى هالة.
وأخرجه الزبير بن بكار، والدولابي، من طريق محمد بن الحجاج، عن رجل من بنى تميم، قال:
رأيت هند بن هند بن أبى هالة وعليه حلة خضراء، فمات في الطاعون، فخرجوا به بين أربعة لشغل الناس بموتاهم، فصاحت امرأة: وا هند بن هنداه! وابن ربيب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم! قال: فازدحم الناس على جنازته وتركوا موتاهم، (الإصابة) : 6/ 558- 559، ترجمة رقم (9014) ، (جمهرة أنساب العرب) : 210، (الاستيعاب) : 4/ 1545، ترجمة رقم (2699) .
[ (2) ] الحارث بن أبى هالة، أخو هند بن أبى هالة، ربيب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ذكر ابن الكلبي وابن حزم: أنه أول من قتل في سبيل اللَّه تحت الركن اليماني، وقال العسكري في (الأوائل) : لما أمر اللَّه نبيه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يصدع بما أمره، قام في المسجد الحرام، فقال: قولوا لا إله اللَّه تفلحوا، فقاموا إليه، فأتى الصريخ أهله، فأدركه الحارث بن أبى هالة، فضرب فيهم، فعطفوا عليه فقتل، فكان أول من استشهد.
وفي (الفتوح) لسيف عن سهل بن يوسف عن أبيه، قال عثمان بن مظعون: أول وصية أوصانا بها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما قتل الحارث بن أبى هالة، ونحن أربعون رجلا بمكة.. فذكر الحديث. (الإصابة) :
1/ 605، ترجمة رقم (1503) ، (جمهرة أنساب العرب) : 210، (جمهرة النسب) : 269.(6/297)
وهالة بنت أبى هالة [ (1) ] ، وأم محمد بنت عتيق بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم [ (2) ] ، أمها خديجة بنت خويلد، تزوجها ابن عم لها يقال له:
صيفي بن أبى رفاعة بن عائذ بن عبد اللَّه.
وسلمة بن أبى سلمة عبد اللَّه بن عبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم القرشي، ربيب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أمه أم سلمة، وهو أيضا ابن ابن عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، لأن أباه أبا سلمة، أمه برّة بنت حمزة بن عبد المطلب، وعاش إلى خلافة عبد الملك بن مروان [ (3) ] .
وعمرو بن أبى سلمة أبو حفص، ربيب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم سلمة لأنها أمه، وهو أيضا ابن ابن عمته برّة، وابن ابن أخيه من الرضاعة، وولد في السنة الثانية من الهجرة بأرض الحبشة، وقيل: كان له من العمر يوم قبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تسع سنين، وشهد [يوم] الجمل مع ابن خال أبيه عليّ
__________
[ (1) ] ، (2) لم أجد لهما ترجمة فيما بين يدي من مراجع.
[ (3) ] سلمة بن أبى سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب ابن لؤيّ القرشيّ المخزومي، ربيب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم.
وروى ابن إسحاق في (المغازي) ، من حديث أم سلمة قالت: لما أجمع أبو سلمة على الهجرة، رحل بعيرا لي وحملني عليه، وحمل ابني سلمة في حجري، ثم خرج يقود بعيره.
وقال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن عبد اللَّه بن شداد، قال: كان الّذي زوج أم سلمة من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سلمة بن أبى سلمة ابنها، فزوجه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أمامة بنت حمزة، وهما صبيان صغيران، فلم يجتمعا حتى فاتا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حل جزيت سلمة!
قال البلاذري: ويقال: إن الّذي زوجه إياها ابنها عمر، والأول أثبت.
وزعم الواقدي، وتبعه أبو حاتم وغيره، أن سلمة عاش إلى خلافة عبد الملك بن مروان، وأما ما وقع أولا أنهما لم يجتمعا حتى ماتا، فالمراد أنها ماتت قبل أن يدخل بها، ومات هو بعد ذلك، لكن قال ابن الكلبي: يقال: مات سلمة قبل أن يجتمع بأمامة. (الإصابة) : 3/ 149- 150، ترجمة رقم (3385) ، (الاستيعاب) : 3/ 939، ترجمة رقم (1589) ، (الاستيعاب) : 2/ 641، ترجمة رقم (1022) .(6/298)
ابن أبى طالب [رضى اللَّه عنه] ، واستعمله على فارس وعلى البحرين، وتوفى بالمدينة سنة ثلاث وثمانين [ (1) ] .
ودرّة بنت أبى سلمة، ربيبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أمها أم سلمة، وابنة ابن عمته برّة، وابنة أخته من الرضاعة [ (2) ] .
__________
[ (1) ] عمر بن أبى سلمة بن عبد الأسد، ربيب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أمه أم سلمة، أم المؤمنين، ولد بالحبشة في السنة الثانية، وقيل: قبل ذلك، وقبل الهجرة إلى المدينة. وكان يوم الخندق هو ابن الزبير في الخندق في أطم حسان بن ثابت.
وروى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أحاديث في الصحيحين وغيرهما، وعن أبيه. روى عنه ابنه محمد، وسعيد ابن المسيب، وعروة، وأبو أمامة بن سهل، ووهب بن كيسان، وغيرهم.
ومن حديثه ما رواه عمرو بن الحارث، عن عبد ربه بن سعيد، عن عبد اللَّه بن كعب الحميري، عن عمر بن أبى سلمة، قال: سألت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عن قبلة الصائم، وقال: سل هذه- لأم سلمة- فقلت:
غفر اللَّه لك، قال: إني أخشاكم للَّه وأتقاكم، أخرجه مسلم.
وفي الصحيحين من رواية وهب بن كيسان، عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال له: ادن يا بنى، فسمّ اللَّه، وكل بيمينك، وكل مما يليك.
قال الزبير: وولى البحرين زمن على، وكان قد شهد معه الجمل، ووهم من قال: إنه قتل فيها. قال أبو عمر في (الاستيعاب) : بل مات بالمدينة سنة ثلاث وثمانين، في خلافة عبد الملك بن مروان.
(الإصابة) : 4/ 592- 593، ترجمة رقم (5744) ، (الاستيعاب) : 3/ 1159- 1160، ترجمة رقم (1882) .
[ (2) ] درّة بنت أبى سلمة بن عبد الأسد القرشية المخزومية، ربيبة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بنت أم المؤمنين أم سلمة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وهي معروفة عند أهل العلم بالسير والخبر والحديث في بنات أم سلمة، ربائب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
هي التي قالت لها أم حبيبة: إنا قد تحدثنا أنك ناكح درّة بنت أبى سلمة، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، لأنها ابنة أخى من الرضاعة.
وردت تسميتها في بعض طرق الحديث المذكور عند البخاري، من طريق الليث، عن يزيد بن أبى حبيب، عن عراك بن مالك، عن زينب بنت أبى سلمة، أن أم حبيبة قالت: يا رسول اللَّه، إنا قد تحدثنا أنك ناكح درّة بنت أبى سلمة ... الحديث.
وذكرها الزبير بن بكار في كتاب (النسب) ، في أولاد أبى سلمة بن عبد الأسد. (الاستيعاب) 4/ 1835، ترجمة رقم (3333) .(6/299)
وزينب بنت أبى سلمة، ربيبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم سلمة، كان اسمها برّة، فسماها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم زينب، ولدتها أمها بأرض الحبشة، وقدمت بها، وحفظت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. ودخلت عليه وهو يغتسل فنضح في وجهها، فلم يزل ماء الشباب في وجهها حتى كبرت وعجزت، وتزوجها عبد اللَّه بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي، فولدت له، وكانت من أفقه نساء زمانها، وقتل ابناها يوم الحرّة فاسترجعت [ (1) ] .
__________
[ (1) ] زينب بنت أبى سلمة عبد اللَّه بن عبد الأسد بن عمر بن مخزوم المخزومية، ربيبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. أمها أم سلمة بنت أبى أمية، يقال: ولدت بأرض الحبشة، وتزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أمها، وهي ترضعها، وكانت من أفقه نساء أهل زمانها.
وروى ابن المبارك عن جرير بن حازم، قال: سمعت الحسن يقول: لما كان يوم الحرة قتل أهل المدينة، فكان فيمن قتل ابنا زينب ربيبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فحملا ووضعا بين يدها مقتولين، فقالت: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، واللَّه إن المصيبة عليّ فيهما لكبيرة، وهي عليّ في هذا أكبر منها في هذا، أما هذا فجلس في بيته فكفّ يده، فدخل عليه، وقتل مظلوما، وأنا أرجو له الجنة. وأما هذا فبسط يده فقاتل حتى قتل، فلا أدرى على ما هو في ذلك فالمصيبة به عليّ أعظم منها في هذا. قال جرير: وهما ابنا عبد اللَّه بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزيز بن قصىّ.
قال ابن سعد في (الطبقات) : كانت أسماء بنت أبى بكر أرضعتها، فكانت أخت أولاد الزبير.
وقال بكر بن عبد اللَّه المزني: أخبرنى أبو رافع- يعنى الصائغ- قال: كنت إذا ذكرت امرأة فقيهة في المدينة ذكرت زينب بنت أبى سلمة. ذكرها العجليّ في (ثقات التابعين) ، كأنه كان يشترط للصحبة البلوغ، وأنها لم تحفظ.
قال الحافظ في (الإصابة) : وروينا في القطعيات، من طريق عطاف بن خالد، عن أمه، عن زينب بنت أبى سلمة، قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا دخل يغتسل تقول أمى: ادخلى عليه، فإذا دخلت نضح في وجهي من الماء، ويقول: ارجعي. قالت: فرأيت زينب وهي عجوز كبيرة، ما نقص من وجهها شيء
وفي رواية ذكرها أبو عمر في (الاستيعاب) : فلم يزل ماء الشباب في وجهها حتى كبرت وعمرت. وذكرها ابن سعد في (الطبقات) : فيمن لم يرو عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم شيئا، وروى عن أزواجه. (الاستيعاب) : 4/ 1854- 1856، ترجمة رقم (3361) ، (الإصابة) : 7/ 685- 676، ترجمة رقم (11235) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 238.(6/300)
وحبيبة بنت عبيد اللَّه بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غانم بن ودان بن أسد بن خزيمة، ربيبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أمها أم حبيبة، نفيلة بنت أبى سفيان، أم المؤمنين رضى اللَّه عنها، وابنة ابن عمته أميمة بنت عبد المطلب [ (1) ] .
وشريك بن أبى العكر بن سميّ، حليف بنى عامر بن لؤيّ. قال ابن الكلبي: تزوج أبو العكر أم شريك من بنى عامر، فولدت له شريك، ثم خلف عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] .
__________
[ (1) ] حبيبة بنت عبيد اللَّه بن جحش بن رئاب، وأمها أم حبيبة رملة بنت أبى سفيان، زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وبها كانت تكنى. هاجرت مع أبيها إلى أرض الحبشة، فتنصّر أبوها هنالك، ومات نصرانيا، وقدمت مع أمها على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المدينة. (الاستيعاب) : 4/ 1809، ترجمة رقم (3291) ، (الإصابة) :
7/ 574، ترجمة رقم (11021) ، 7/ 578، ترجمة رقم (11032) .
[ (2) ] شريك بن أبى العكر، واسمه سلمة بن سلمى [أو سميّ] الأزديّ ثم الدوسيّ، ذكره خليفة بن خياط في الصحابة، وقال: أمه أم شريك التي تزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يعنى ولم يدخل بها، وهي أم شريك بنت أبى العكر بن سمّى، وذكرها ابن أبى خيثمة من طريق قتادة، قال: وتزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أم شريك الأنصارية النجارية، وقال: إني أحب أن أتزوج في الأنصار، ثم قال: إن أكره غير الأنصار فلم يخدل بها.
قال الحافظ في (الإصابة) : ولها ذكر في حديث صحيح عند مسلم، من رواية فاطمة بنت قيس في قصة الجساسة، في حديث تميم الداريّ، قال فيه: وأم شريك امرأة غنية من الأنصار، عظيمة النفقة في سبيل اللَّه عزّ وجلّ، ينزل عليها الضيفان.
ولها حديث آخر أخرجه ابن ماجة، من طريق شهر بن حوشب، حدثتني أم شريك الأنصارية، قالت: أمرنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب، ويقال: إنها التي أمرت فاطمة بنت قيس أن تعتد عندها، ثم قيل لها: اعتدى عند ابن أم مكتوم، (الإصابة) : 3/ 348، ترجمة رقم (3911 ز) ، 8/ 236- 237، ترجمة رقم (12097) .(6/301)
فصل في ذكر موالي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
اعلم أن موالي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من الرجال نحو السبعين، ومن الإماء نحو العشرة، وذكر سيف بن عمر عن سهل بن يوسف عن أبيه عن جده قال:
أعتق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في مرضه أربعين نفسا:
زيد بن حارثة بن شراحبيل بن كعب بن عبد العزى بن امرئ القيس ابن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن كنانة بكر بن عوف بن عذرة ابن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن مالك بن حمير ابن سبإ يشجب بن يعرب بن قحطان، أبو أسامة الكلبي، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وحيد أمه سعدى بنت ثعلبة بن عبد عامر بن أفلت بن سليلة من بنى معن من طى.
خرجت تزور قومها وزيد معها، فأغارت خيل لبني القين بن جسر بن [شيع] بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان، في الجاهلية ومرّوا على أبيات بنى معن- رهط أم زيد- فاحتملوا زيدا وهو غلام يفعة، فوافوا به سوق عكاظ، وقيل سوق حباشة، وزيد يومئذ ابن ثمانية أعوام، فعرضوه للبيع، فاشتراه منهم حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى لعمته خديجة بنت خويلد بأربعمائة درهم، ويقال: بستمائة درهم، وقيل:
اشتراه حكيم، ثم وهبه لعمته خديجة، فلما تزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهبته له فقبضه وتبناه، ويقال: بل اشتراه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من الشام لخديجة حين توجّه مع ميسرة قيّمها، فوهبته له.(6/302)
وزعم أبو عبيدة أن زيد بن حارثة لم يكن اسمه زيدا، لكن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سمّاه باسم جده [] [ (1) ] حتى يتبنّاه.
وفي مصنف أبى بكر بن أبى شيبة:
حدثنا أبو أسامة، حدثنا عبد الملك، حدثنا أبو فزارة قال: أبصر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم زيد بن حارثة غلاما ذا ذؤابة، قد أوقفه قومه بالبطحاء يبيعونه، فأتى خديجة فقال: رأيت غلاما بالبطحاء، قد أوقفوه ليبيعوه، ولو كان لي ثمنه لاشتريته، قالت: وكم ثمنه؟ قال: سبعمائة درهم، قالت: خذ سبعمائة [درهم] [ (2) ] واذهب فاشتره، فاشتراه، فجاء به إليها [وقال] [ (3) ] : أما إنه لو كان لي لأعتقته، قالت: هو لك، فأعتقه [ (4) ] .
وكان أبو زيد لما فقده قال شعرا يبكيه به:
بكيت على زيد ولم أدر فأفعل ... أحىّ فيرجى أم أتى دونه الأجل؟
فو اللَّه ما أدرى وإن كنت سائلا ... أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل؟
فيا ليت شعرى هل لك الدهر رجعة؟ ... فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل
__________
[ (1) ] بياض بالأصل.
[ (2) ] زيادة للسياق.
[ (3) ] زيادة للسياق.
[ (4) ] ونحوه في (المستدرك) ، وحذفه الذهبي من (التلخيص) لضعفه.(6/303)
تذكرنيه الشمس عند طلوعها ... وتعرض ذكراه إذا قارب الطّفل
وإن هبت الأرواح هيّجن ذكره ... فيا طول ما حزني عليه ويا وجل
سأعمل نصّ العيس في الأرض جاهدا ... ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل [ (1) ]
حياتي أو تأتى عليّ منيّتى ... وكل امرئ فان وإن غرّه الأمل
وأوصى به عمرا وقيسا كليهما ... وأوصى يزيدا ثم من بعده جبل
يعنى يزيد بن كعب وهو ابن عم زيد وأخوه لأمه، ويعنى بجبل جبلة ابن حارثة أخا زيد، وكان أسنّ منه، فاتفق أن قوما من كلب حجوا فرأوا زيد بن حارثة فعرفهم وعرفوه، فقال لهم: أبلغوا أهلي هذه الأبيات، فإنّي أعلم أنهم قد جزعوا عليّ، وهي:
ألكنى [ (2) ] إلى قومي وإن كنت نائيا ... فإنّي قطين [ (3) ] البيت عند المشاعر
__________
[ (1) ] العيس: الإبل.
[ (2) ] كذا في (خ) ، (صفة الصفوة) ، وفي (الاستيعاب) : «أحن» .
[ (3) ] كذا في (خ) ، (صفة الصفوة) ، وفي (الاستيعاب) : «قعيد» .(6/304)
فكفوا عن الوجد الّذي قد شجاكم ... ولا تعملوا في الأرض نصّ الأباعر
فإنّي بحمد اللَّه في خير أسرة ... كرام معدّ كابرا بعد كابر
فانطلق الكلبيون فأعلموا أباه فقال: ابني ورب الكعبة! ووصفوا له موضعه وعند من هو، فخرج حارثة وكعب ابنا شراحيل لفدائه،
وقدما مكة، فسألا عن النبي، فقيل: فهو في المسجد، فدخلا عليه فقالا: [يا ابن عبد اللَّه] [ (1) ] ، يا ابن عبد المطلب، يا ابن هاشم، يا ابن سيد قومه، أنتم أهل حرم اللَّه وجيرانه تفكون العاني، وتطعمون الأسير، جئناك في ابننا عندك، فامنن علينا، وأحسن إلينا في فدائه، [فإنا سنرفع لك في الفداء] قال: من هو؟ قالوا: زيد بن حارثة، فقال [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] :
فهلا غير ذلك؟ قالوا: وما هو؟ قال: ادعوه فأخيّره، فإن اختاركم فهو لكم [بغير فداء] ، وإن اختارني فو اللَّه ما أنا بالذي أختار على من اختارني [أحدا] ، قالا: قد زدتنا على النّصف، وأحسنت، فدعاه فقال: هل تعرف هؤلاء؟ قال: نعم، قال: من هذا؟ قال: هذا أبى، وهذا عمى، قال: فأنا من قد علمت ورأيت صحبتي لك، فاخترنى واخترهما، [فقال زيد] : ما أنا بالذي اختار عليك أحدا، أنت منى [مكان] الأب والعم، فقالا: ويحك يا زيد! أختار العبوديّة على الحرية، وعلى أبيك وعمك وعلى أهل بيتك! قال: نعم، إني قد رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبدا.
__________
[ (1) ] زيادة للسياق.(6/305)
فلما رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحجر فقال: يا من حضر اشهدوا أن زيدا ابني يرثني وأرثه، فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت نفوسهما فانصرفا، ودعي زيد بن محمد حتى جاء اللَّه بالإسلام، [فأنزل اللَّه جل جلاله: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [ (1) ] ، وقال: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [ (2) ] ، فدعى يومئذ زيد بن حارثة، ودعي الأدعياء إلى آبائهم، [فدعى المقداد إلى عمرو، وكان يقال له قبل ذلك المقداد بن الأسود، وكان الأسود بن عبد يغوث الزهري قد تبناه] [ (3) ] .
قال الزهري: ما علمنا أحدا أسلم قبل زيد بن حارثة، وقد روى من وجوه أن أول من أسلم خديجة، وهو الحق، وشهد زيد بدرا، وزوجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مولاته أم أيمن، فولدت له أسامة بن زيد، وبه كان يكنى، وكان يقال لزيد حبّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أكبر منه بعشر سنين، ويقال بعشرين سنة، وزوّجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بزينب بنت جحش، ثم طلقها زيد فخلف عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فتكلم المنافقون وطعنوا في ذلك وقالوا:
محمد يحرم نساء الولد وقد تزوج امرأة ابنه، فأنزل اللَّه تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [ (4) ] ، ونزلت ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [ (5) ] .
__________
[ (1) ] الأحزاب: 40.
[ (2) ] الأحزاب: 5.
[ (3) ] زيادة للسياق من (الاستيعاب) .
[ (4) ] الأحزاب: 40.
[ (5) ] الأحزاب: 5.(6/306)
وتزوج زيد بأم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط [ (1) ] ، وأمها أروى بنت كريز بن ربيعة، وأمها أم حكيم [وهي] البيضاء بنت عبد المطلب [بن هاشم] كما هاجرت [إلى المدينة] ، فولدت له زيد [بن زيد] ورقية، مات زيد صغيرا، وماتت رقية في حجر عثمان رضى اللَّه عنها.
وطلق زيد بن حارثة أم كلثوم، فخلف عليها عبد الرحمن بن عوف رضى اللَّه عنه، ثم الزبير بن العوام، ثم عمرو بن العاص. وتزوج زيد أيضا بدرّة بنت أبى لهب [ثم طلقها] ، وبهند بنت العوام.
ولما هاجر زيد نزل على كلثوم بن الهدم [ (2) ] ، ويقال على سعد بن خيثمة، وآخى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بينه وبين حمزة [بن عبد المطلب] ، وإليه أوصى حمزة يوم أحد حين أراد القتال، وآخى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بينه وبين أسيد بن حضير.
وقالت عائشة رضى اللَّه عنها: ما بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم زيد بن حارثة في جيش قط إلا أمّره عليه، وإن بقي بعده استخلفه على المدينة.
وقال سلمة بن الأكوع: غزوت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سبع غزوات، ومع زيد ابن حارثة تسع غزوات، يؤمره فيها علينا.
استشهد يوم مؤتة سنة ثمان وهو أمير وله خمسون سنة، وكان قصيرا آدم شديد الأدمة، في أنفه فطس، وفضائله كثيرة، رضى اللَّه عنه [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (الإصابة) : 8/ 291- 292، ترجمة رقم (12227) ، (الاستيعاب) : 1953- 1956، ترجمة رقم (4203) .
[ (2) ] (الإصابة) : 5/ 617- 618، ترجمة رقم (7449) .
[ (3) ] له ترجمة في: (جمهرة أنساب العرب) : 453- 54، (المستدرك) : 3/ 235- 241، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 220، ترجمة رقم (36) ، (طبقات ابن سعد) : 2/ 90- 91، (طبقات خليفة) : 6، (تاريخ خليفة) : 89، (التاريخ الكبير) : 3/ 390، (التاريخ الصغير) : 1/ 23، (الجرح والتعديل) : 3/ 559، (الاستيعاب) : 2/ 542- 547، ترجمة رقم (843) ،(6/307)
وأسامة بن زيد بن حارثة الكلبي أبو زيد، وقيل أبو خارجة، وقيل أبو محمد، الحبّ ابن الحبّ، أمه أم أيمن بركة، مولاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وحاضنته، وكانت سنة يوم توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عشرين سنة، وقيل: تسع عشرة، وقيل: ثمان عشرة، وسكن وادي القرى، وفرض له عمر خمسة آلاف، وتوفى سنة ثمان أو تسع وخمسين، وقيل سنة أربع وخمسين.
قال عبد الرازق: أخبرنا معمر عن الزهري قال: كان أسامة بن زيد يخاطب بالأمير حتى مات. يقولون بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
وقال عمر بن شيبة في كتاب (أخبار مكة) : حدثنا ابن لهيعة، [قال] :
أخبرنى أبو الأسود قال: لما قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مكة عام الفتح، وأسامة بن زيد ردفه، وعليه حلة ذي يزن، عجبت قريش وقالوا: أسامة رديف الملك وعليه حلة ذي يزن، فقال أسامة: ما تعجبون من حلة ذي يزن، فو اللَّه لأنا خير منه، ولأبى خير من أبيه [ (1) ] .
__________
[ () ] (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 202- 203، (تهذيب التهذيب) : 3/ 346- 347، ترجمة رقم (737) ، (الإصابة) : 2/ 598- 602، ترجمة رقم (2892) ، (خلاصة تذهيب الكمال) :
1/ 350، ترجمة رقم (248) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 245- 246، ترجمة رقم (345) ، (الثقات) : 3/ 134، (تلقيح فهوم أهل الأثر) : 373، (صفة الصفوة) : 199- 201، ترجمة رقم (13) .
[ (1) ]
الزبير بن بكار: حدثنا محمد بن سلام، عن عياض، قال: أهدى حكيم بن حزام للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم- في الهدنة- حلة ذي يزن، اشتراها بثلاثمائة دينار، فردها وقال: لا أقبل هدية مشرك، فباعها حكيم، فأمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من اشتراها له. فلبسها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما رآه حكيم فيها قال:
ما ينظر الحكام بالفصل بعد ما ... بدا سابق ذو غرّة وجحول
فكساها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أسامة بن زيد، فرآها عليه حكيم فقال: بخ بخ يا أسامة! عليك حلة ذي يزن! فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: قل له: وما يمنعني وأنا خير منه، وأبى خير من أبيه.
[الغرة: البياض يكون في وجه الفرس، والجحول: جمع جحل: وهو البياض يكون في قوائم الفرس] . (سير أعلام النبلاء) ، ثم قال في هامشه: سنده على انقطاعه تالف، يزيد بن عياض: قال البخاري وغيره: منكر الحديث، وقال: يحيى ليس بثقة، وقال على: ضعيف، ورماه مالك بالكذب، وقال النسائي وغيره:
متروك، وقال الدار قطنى: ضعيف.(6/308)
وقال أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا شريك عن العباس بن دويح، عن البهي، عن عائشة قال:: عثر أسامة بعتبة الباب، فشج في وجهه، فقال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أميطى عنه الأذى، فقذرته، فجعل يمص الدم ويمجّه عن وجهه [وقال:] ، لو كان أسامة جارية لكسوته وحليته حتى أنفقه [ (1) ] .
وأبو رافع أسلم، وقيل إبراهيم وقيل: هرمز، [وقيل: ثابت] ، وأسلم أشهرها، كان قبطيا، وكان للعباس بن عبد المطلب، فوهبه لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما بشّره بإظهار العباس إسلامه أعتقه.
وقال ابن وهب: أخبرنى عمرو بن الحارث [عن بكير بن] [ (2) ] عبد اللَّه بن الأشج ليحدثه أن الحسن بن على بن أبى رافع أخبره عن أبيه، أنه أقبل بكتاب قريش إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فلما رأيته ألقى في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول اللَّه! إني واللَّه لا أرجع إليهم أبدا، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد، ولكن ارجع إليهم، فإن كان في قلبك الّذي في قلبك الآن فارجع،
قال: فرجعت إليهم، ثم أقبلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
__________
[ (1) ] له ترجمة في (مسند أحمد) : 5/ 199، (طبقات ابن سعد) : 4/ 61- 72، طبقات خليفة:
6، 297، (تاريخ خليفة) : 100 و 226، (التاريخ الكبير) : 2/ 20، (المعارف) : 44- 45، 146، 166، (الجرح والتعديل) : 2/ 283، (المستدرك) : 3/ 596، (الاستيعاب) : 1/ 75- 77، ترجمة رقم (21) ، (تهذيب التهذيب) : 1/ 182- 183، ترجمة رقم (391) ، (الإصابة) : 1/ 49، ترجمة رقم (89) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 1/ 66، ترجمة رقم (351) ، (كنز العمال) : 13/ 270، (الوافي) : 1/ 87، (عيون الأثر) : 2/ 313، (تاريخ الخميس) : 2/ 178، (زاد المعاد) : 1/ 114، (طبقات ابن سعد) : 1/ 114، (المواهب اللدنية) :
2/ 123.
[ (2) ] زيادة للسياق من (الإحسان) .(6/309)
[فأسلمت] [ (1) ] خرّجه ابن حبّان [ (2) ] .
وقال بكير: وأخبرنى أن أبا رافع كان قبطيا، وهو الّذي توجّه مع زيد بن حارثة من المدينة لحمل عيال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لما هاجر، وهو الّذي عمل المنبر لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من أثل الغابة، وتزوج سلمى مولاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم التي ورثها من أمه فولدت له عبيد اللَّه بن أبى رافع، كاتب على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه.
ورافع هو الّذي بشّر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بولادة إبراهيم عليه السّلام، فوهب له غلاما، وهو الّذي توجّه مع رجل من الأنصار ليخطبا ميمونة بنت الحارث على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
وقال ابن إسحاق عن حسين بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عباس عن عكرمة مولى ابن عباس قال: قال أبو رافع مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: كنت غلاما للعباس، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت، وأسلم العباس، وأسلمت أم الفضل، وأسلمت، وكان العباس يهاب قومه ويكره خلافهم، فكان يكتم إسلامه، وكان ذا مال كثير متفرق في قومه، فلما جاء مصاب أهل بدر
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (الإحسان) .
[ (2) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 11/ 233، كتاب السير، باب الموادعة والمهادنة، ذكر الإخبار عن نفى جواز حبس الإمام أهل العهد وأصحاب بردهم في دار الإسلام، حديث رقم (4877) ، وقال في هامشه: إسناده صحيح ... وقوله: «لا أخيس العهد» ، قال الخطابي في (معالم السنن) : 2/ 317: معناه: لا أنقض العهد ولا أفسده من قولك: خاس الشيء في الوعاء: إذا فسد.
وفيه من الفقه: أن العقد يرعى مع الكافر كما يرعى مع المسلم، وأن الكافر إذا عقد لك عقد أمان، فقد وجب عليك أن تأمنه، وأن لا تغتاله في دم، ولا مال، ولا منفعة.
وقوله: «لا أحبس البرد» ، فقد يشبه أن يكون المعنى في ذلك: أن الرسالة تقتضي جوابا، والجواب لا يصل إلى المرسل إلا على لسان الرسول بعد انصرافه، فصار كأنه عقد له العهد مدة مجيئه ورجوعه، واللَّه تعالى أعلم. مختصرا من (المرجع السابق) .(6/310)
وجدنا في أنفسنا عزاء وقوة، وكان ضعيفا أعمل الأقداح واجتهد في حجرة زمزم خشيت أنا أن أخسر أقداحى وعندي أم الفضل جالسة، وقد سررنا بما جاءنا من خبر أهل بدر، إذ قتل الفاسق أبو لهب، فجلس ووافى أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، فقال أبو لهب: إليّ يا ابن أخى، ما خبر الناس [ (1) ] ؟ فقال: ما هو إلا أن لقيناهم حتى منحناهم أكتافنا، ولقينا رجال [ (2) ] على خيل بلق، فقلت: تلك الملائكة، فلطمني أبو لهب لطمة شديدة، وثاورته [ (3) ] فضرب بى الأرض، فقالت له أم الفضل: أراك استضعفته إذ غاب سيده، وأخذت شيئا فشجّته [ (4) ] ، فقام ذليلا، فو اللَّه ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه اللَّه بالعدسة [ (5) ] فقتله، ولقد ترك حتى أبين، وعذل ابناه في ذلك، فصبا عليه الماء ومات، ودفن بأعلى مكة إلى جدار، وقذفوا عليه الحجارة حتى واروه بها [من خلف الحائط] [ (6) ] .
وقد شهد أبو رافع أحدا وما بعدها، وله عدة أحاديث، خرّج له الجماعة، ومات قبل قتل عثمان رضى اللَّه عنه بقليل، وقيل مات في خلافة
__________
[ (1) ] في (ابن هشام) : «يا ابن أخى، أخبرنى كيف كان أمر الناس؟» .
[ (2) ] في (المرجع السابق) : «لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض» .
[ (3) ] ثاورته: وثبت إليه.
[ (4) ] في (المرجع السابق) : «فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة، فأخذته فضربته فلعت [شقّت] في رأسه شجة منكرة» .
[ (5) ] العدسة: قرحة كانت العرب تتشاءم بها، ويرون أنها تعدى أشدّ العدوي، فلما رمى بها أبو لهب تباعد عنه بنوه، فبقي ثلاثا لا تقرب جنازته، ولا يدفن، فلما خافوا السّبّه دفعوه بعود في حفرته، ثم قذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه.
وقال ابن إسحاق في رواية يونس: لم يحفروا له، ولكن أسند إلى الحائط، وقذفت عليه الحجارة من خلف الحائط ... وروى: بئرة خطرة تخرج في الجسم تشبه الطاعون تقتل صاحبها سريعا. (سيرة ابن هشام) : 3/ 198 [هامش] .
[ (6) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .(6/311)
على رضى اللَّه عنه، وقال محمد بن عبد الملك بن أيمن: حدثني عبيد اللَّه أن أبا رافع وهو رويفع، كان لسعيد بن العاص أبى أحيحة، فورثه عنه بنوه وهم ثمانية، وقبل عشرة، فأعتقهم كلهم إلا واحدا، يقال إنه خالد بن سعيد تمسك بنصيبه منه، وقد قيل إنما أعتق منهم ثلاثة، واستمسك بعض القوم بحقهم منه، فأتى رافع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يستعينه على من لم يعتقه منهم، فكلمهم فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فوهبوه له فأعتقه.
وقيل: إن الّذي [تمسك بنصيبه] من أبى رافع هو خالد بن سعيد بن العاص وحده، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أعتق إن شئت نصيبك، قال: ما أنا بفاعل، قال: فبعه قال: ولا، قال: فهبه لي، قال: ولا، قال: فأنت على حقك منه، فلبث ما شاء اللَّه، ثم أتى خالد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: قد وهبت ذلك بعد قبول الهبة [ (1) ] .
وكان رافع يقول: أنا مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقيل: إنه [ما] [ (2) ] كان لسعيد بن العاس [إلا] [ (2) ] سهما واحدا، فاشترى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذلك السهم فأعتقه. ويقال أبتاعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ويقال: لما ولى عمرو بن سعيد الأسدي المدينة، دعي رافعا، فلما أتاه قال: مولى من أنت؟ قال:
مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فضربه مائة سوط، ثم قال له: مولى من أنت؟ قال:
مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فضربه مائة سوط أخرى، ثم قال له: مولى من أنت؟
قال: مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فضربه مائة سوط ثالثة، فلما رأى أنه لا يرفع عنه
__________
[ (1) ] في (الاستيعاب) : ثم أتى خالد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: قد وهبت نصيبي منه لك يا رسول اللَّه، وإنما حملني على ما صنعته الغضب الّذي كان في نفسي، فأعتق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نصيبه ذلك بعد بعد قبول الهبة، فكان أبو رافع يقول: أنا مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
[ (2) ] زيادة للسياق من المرجع السابق.(6/312)
الضرب، قال له: مولى من أنت؟ قال مولاك [ (1) ] .
وقد جعل أبو عمر يوسف بن عبد البر رافعا هو أبو رافع، وذكر الاختلاف فيه، هل كان للعباس أو لسعيد بن العاص، وما في ملك سعيد من الاختلاف، ثم قال: وهذا اضطراب كبير في ملك سعيد بن العاص وولايته، ولا يثبت من جهة النقل [ (2) ] .
[وما روى أنه كان للعباس، فوهبه للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم أولى وأصح إن شاء اللَّه تعالى لأنهم قد أجمعوا أنه مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولا يختلفون في ذلك، وعقب أبى رافع أشراف بالمدينة وغيرها عند الناس، وزوجه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سلمى مولاته، فولدت له عبيد اللَّه بن أبى رافع، وكانت سلمى قابلة إبراهيم بن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وشهدت معه خيبر، وكان عبيد اللَّه بن أبى رافع خازنا وكاتبا لعلى رضى اللَّه عنه، وشهد أبو رافع أحدا والخندق وما بعدهما من المشاهد، ولم يشهد بدرا، وإسلامه قبل بدر، إلا أنه كان مقيما بمكة، وكان قبطيا، ومات في خلافة عثمان رضى اللَّه عنه] [ (3) ] .
__________
[ (1) ] قال الحافظ في (الإصابة) فلما ولى عمرو بن سعيد المدينة، أرسل إلى البهي بن أبى رافع، فقال له:
من مولاك؟ قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فضربه مائة سوط، ثم قال له: من مولاك؟ فقال مثلها حتى ضربه خمسمائة سوط، فلما خاف أن يموت قال: أنا مولاكم، فلما قتل عبد الملك بن مروان عمرو بن سعيد ابن العاص مدحه البهي بن أبى رافع، وهجا عمرو بن سعيد، فهذا يبين أن صاحب هذه القصة غير أبى رافع والد عبد اللَّه بن أبى رافع، إذ ليس في ولده أحد يسمى البهي (الإصابة) : 7/ 126.
[ (2) ] (الاستيعاب) : 1/ 84.
[ (3) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، واستدركناه من (الاستيعاب) .
له ترجمة في: (سيرة ابن هشام) : 3/ 197، 5/ 20، (الاستيعاب) : 1/ 83- 85، ترجمة رقم (34) ، 4/ 1656- 1657، ترجمة رقم (2948) ، (الإصابة) : 7/ 135- 136، ترجمة رقم (9880) ، (مسند أحمد) : 6/ 8 و 390، (طبقات ابن سعد) : 4/ 73- 75، (المعارف) :
145- 146، (الجرح والتعديل) : 2/ 149، (المستدرك) : 3/ 690، 100- 101، ترجمة رقم (406) ، (سير الإعلام) : 2/ 16- 17، ترجمة رقم (3) ، (صفة الصفوة) : 1/ 77، (المواهب اللدنية) : 2/ 123- 124، (الوافي) 1/ 87، (عيون الأثر) : 2/ 313، (تاريخ الخميس) : 2/ 178، (زاد المعاد) : 1/ 114، (طبقات ابن سعد) : 1/ 498.(6/313)
وأبو أنسه [ (1) ] ، أبو مشرّح [ (2) ] ، من مولّدى السراة فأعتقه [ (3) ] ، وكان يحاذي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا جلس، وهو مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان [يدعوه] بعضهم بأبي مسروح، وذكر فيمن شهد بدرا [ (4) ] ، وسماه بعضهم أبو أنسة، وأنه استشهد يوم بدر، ولم يعرف قاتله [ (5) ] .
وقال الواقدي: رأيت أهل العلم يثبتون أنه لم يقتل ببدر، وأنه قد شهد يوم أحد، وبقي بعد ذلك، وتوفّى في خلافة أبى بكر رضى اللَّه عنه [ (6) ] .
[و] أبو كبشة، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال العسكري: اسمه قيلاوس، وقال ابن حبان: يقال اسمه سلمة، ويقال: أوس، وهو الصحيح- انتهى.
__________
[ (1) ] كذا في (خ) ، وفي سائر المراجع: «أنسة» .
[ (2) ] (زاد المعاد) .
[ (3) ] (طبقات ابن سعد) .
[ (4) ] قال ابن هشام- وقد ذكر عدد إبل المسلمين يوم بدر-: قال ابن إسحاق: وكان حمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة، وأبو كبشة، وأنسة، موليا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يعتقبون بعيرا، ثم قال- وقد ذكر من حضر بدرا من المسلمين-: قال ابن إسحاق: وأنسة مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأنسة حبشي.
[ (5) ] ذكره الديار بكرى في (تاريخ الخميس) ، فيمن شهد بدرا، وكذلك ابن هشام في (السيرة) .
[ (6) ] ذكره الواقدي في (المغازي) ، فيمن شهد سرية حمزة بن عبد المطلب، وفيمن شهد بدرا، وقال:
حدثني ابن أبى حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قتل أنسة مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ببدر. له ترجمة في: (مغازي الواقدي) : 1/ 9، 24، 46، 136، (سيرة ابن هشام) : 3/ 233، (تاريخ الخميس) : 1/ 396، (زاد المعاد) : 1/ 116 (عيون الأثر) : 2/ 314، (طبقات ابن سعد) : 1/ 497، (صفة الصفوة) : 1/ 77.
وفي ص 720 من النسخة (خ) ما نصه: أصل، ابن محمد مولى دنا عبد الملك بن الحسن بن محمد بن زريق بن عبيد اللَّه بن أبى رافع مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن أصبغ بن خليل، أنه أخذ نسخة كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، كتاب من محمد رسول اللَّه لفتاه أسلم، إني أعتقتك للَّه عتقا مبتولا، اللَّه أعتقك، وله المن عليّ وعليك، وأنت حرّ لا سبيل لأحد عليك إلا سبيل الإسلام، وعصمة الإيمان، شهد على ذلك أبو بكر، وشهد عمر، وشهد عثمان، وشهد عليّ، وكتب معاوية بن أبى سفيان،
هكذا نقل هذا الخبر من خط الحاكم المستنصر باللَّه، وقال: وجدت على كتاب من كتب ابن عبد الملك بن أيمن فذكر بنصه.(6/314)
وقيل اسمه سليم، كان من مولدي أرض دوس، وقيل: من مولدي مكة، وقيل: من فارس، ابتاعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأعتقه، وشهد بدرا وما بعدها، ونزل لما هاجر على كلثوم بن الهدم، ويقال على سعد بن خيثمة [ (1) ] .
وتوفّي في أول يوم من خلافة عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، [و] قيل:
يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، وقيل: مات سنة ثلاث عشرة، وذلك يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الأولى [ (2) ] .
__________
[ (1) ] قال ابن هشام- وقد ذكر منزل حمزة وزيد وأبى مرثد، وابنه، وأنسة وأبى كبشة-: قال ابن إسحاق: ونزل حمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة، وأبو مرثد كنّاز بن حصن، قال ابن هشام:
ويقال: ابن حصين، وابنه مرثد الغنويان، حليف حمزة بن عبد المطلب، وأنسة، وأبو كبشة، موليا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، على كلثوم بن هدم، أخى بنى عمرو بن عوف بقباء، ويقال: بل نزلوا على سعد بن خيثمة.
ويقال: بل نزل حمزة بن عبد المطلب على أسعد بن زرارة، أخى بنى النجار. كل ذلك يقال.
(سيرة ابن هشام) : 2/ 326- 327.
[ (2) ] قال أبو عمر في (الاستيعاب) : أبو كبشة مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ذكره ابن عقبة وابن إسحاق، توفى سنة ثلاث عشرة في اليوم الّذي استخلف فيه عمر بن الخطاب، وقد قيل: إن أبا كبشة هذا توفى سنة ثلاث وعشرين في العام الّذي ولد فيه عروة بن الزبير.
واختلف في السبب الّذي كانت كفار قريش من أجله تقول للنّبيّ: صلّى اللَّه عليه وسلم: ابن أبى كبشة، فقيل: إنه كان له جدّ من قبل أمه، وهو أبو قيلة. وقيلة أم وهب بن عبد مناف بن زهرة، وهو من بنى غبشان من خزاعة، يدعى أبا كبشة، كان يعبد الشعرى، ولم يكن أحد من العرب يعبد الشعرى غيره، خالف العرب في ذلك، فلما جاءهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بخلاف ما كانت العرب عليه، قالوا: هذا ابن أبى كبشة.
وقد قيل: بل نسب إلى جدّ أبى أمه أمنة بنت وهب الزهرية، كان يدعى: أبا كبشة.
وقيل: إن عمرو بن زيد بن لبيد النجاري من بنى البخار، وهو والد سلمى أم عبد المطلب، كان يدعى أبا كبشة فنسب إليه.
وقيل: إن أباه من الرضاعة الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي زوج حليمة السعدية، كان يدعى أبا كبشة، فنسبوه إليه. له ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/ 1738، ترجمة رقم (3143) ، (عيون الأثر) : 2/ 314، (زاد المعاد) : 1/ 114، (المستدرك) : 1/ 178، (سيرة ابن هشام) :
2/ 326- 327، (الوافي) : 1/ 87، (المواهب اللدنية) : 2/ 123.(6/315)
وصالح بن عدي شقران، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان عبدا حبشيا لعبد الرحمن بن عوف، فوهب للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، وقيل: بل اشتراه منه وأعتقه، وقيل:
ورثه من أبيه فأعتقه بعد بدر. وشهد بدرا وهو مملوك فاستعمله على الأسرى، ولم يسهم له، فأحذاه كل رجل له أسير، فأصاب أكثر مما أصابه رجل من القوم من القسم.
واستعمله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على جميع ما وجد في رحال أهل المريسيع من رثة المتاع والسلاح والنعم والشاء، وجمع الذرية ناحية، وسأل أهل المريسيع كيف وجدتم شقران؟ فقالوا: أشبع بطوننا، وشدّ وثاقنا، وأوصى به عند موته، وكان فيمن حضر غسله عند موته، ونزل في قبره صلّى اللَّه عليه وسلم.
ولأبى شقران يقول عمر رضى اللَّه عنه حين وجهه إلى أبى موسى الأشعري: وقد وجهت إليك عبد الرحمن بن صالح، الرجل الصالح شقران، فاعرف له مكان ابنه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وتوفى شقران في خلافة عمر رضى اللَّه عنه [ (1) ] .
يسار مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، في غزاة قراره الكدر، لما انصرف وقد ظفر حتى إذا صلّى الصبح إذا هو بيسار فرآه يصلّى، فأمر القوم أن يقسموا غنائمهم،
فقالوا: يا رسول اللَّه، إن أقوى لنا أن نسوق النعم جميعا، فإن فينا من يضعف عن حقله الّذي يصير له، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: اقتسموا، فقالوا: يا رسول اللَّه، إن كان أنابك العبد الّذي رأيته يصلّى، فنحن نعطيكه في
__________
[ (1) ] له ترجمة في: (الاستيعاب) : 2/ 735، ترجمة رقم (1233) ، (الإصابة) : 3/ 351- 253، ترجمة رقم (3920) ، (سيرة ابن هشام) : 6/ 83- 84، 87، (عيون الأثر) : 2/ 314، (زاد المعاد) : 1/ 115، (طبقات ابن سعد) : 1/ 498، (الوافي) : 1/ 87، (تاريخ الخميس) : 2/ 178، (المواهب اللدنية) : 2/ 123، (مغازي الوافدى) : 105، 107، 115، 116، 153، 410، (صفة الصفوة) : 1/ 77.(6/316)
سهمك، فقال: قد طبتم به نفسا؟ قالوا: نعم، فقبله وأعتقه،
وارتحل وقدم المدينة، فجعله في لقاحه يرعاها، فأغار عليها قوم من عرينة، ويقال: من عكل، فأخذوا يسارا فغرزوا الشوك في عينيه ولسانه، وقطعوا يديه ورجليه حتى مات، وأدخل المدينة ميتا، وهربوا بالسرح فأدركوا، وذلك في سنه ست [ (1) ] ، وقال الكلبي: أصاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يسارا في غزاة بنى ثعلبة بن سعد فأعتقه [ (2) ] .
[و] فضالة مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، يماني نزل الشام فولد بها. قاله الواقدي، وقال الهيثم: لم يكن لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مولى يقال له فضالة [ (3) ] .
[و] سفينة، واسمه مفلح، وقيل: مهران بن فرّوخ، وقيل: نجران، وقيل:
__________
[ (1) ] وبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الخبر، فبعث في أثرهم عشرين فارسا، واستعمل عليهم كرز بن جابر الفهري، فأدركوهم، فأحاطوا بهم وأسروهم، وربطوهم وأردفوهم على الخيل حتى قدموا بهم المدينة، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالغابة، فخرجوا بهم نحوه، فلقوه بالزّغابة بمجتمع السيول، وأمر بهم فقطعت أيديهم، وأرجلهم، وسمل أعينهم، فصلبوا هناك، وأنزل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً [المائدة: 33] ، فلم يسمل بعد ذلك عينا، وكانت اللقاح خمس عشرة لقحة غزارا، فردّوها إلى المدينة، ففقد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم منها لقحة تدعى الحناء، فسأل عنها، فقيل: نحروها. (طبقات ابن سعد) .
[ (2) ] له ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/ 1581، ترجمة رقم (2803) ، (طبقات ابن سعد) : 2/ 93، سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين، 2/ 119، سرية غالب بن عبد اللَّه الليثي إلى الميفعة، (مغازي الواقدي) : 2/ 568- 571، 726- 727، (الإصابة) : 6/ 681- 682، ترجمة رقم (9347) ، (عيون الأثر) : 2/ 314، (تاريخ الخميس) : 2/ 178، (المواهب اللدنية) : 2/ 123، (صفة الصفوة) : 1/ 77، (الوافي) : 1/ 87.
[ (3) ] قال الحافظ في (الإصابة) : فضالة، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، من أهل اليمن، نقل جعفر المستغفري أنه نزل الشام، وأن أبا بكر محمد بن محمد بن حزم ذكره في موالي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال أبو عمر في (الاستيعاب) : نحو ذلك، وذكره محمد بن سعد في (الطبقات) عن الواقدي، وقال: نزل الشام فولده بها. له ترجمة في (الإصابة) : 5/ 374، ترجمة رقم (7003) ، (الاستيعاب) : 3/ 1264، ترجمة رقم (2084) ، (الوافي) : 1/ 87، (عيون الأثر) : 2/ 314، (صفة الصفوة) : 1/ 77، (تاريخ الخميس) : 2/ 179، (طبقات ابن سعد) : 1/ 498.(6/317)
قيس، وقيل: رومان، وقيل: رباح، وقيل: أحمد، وقيل: طهمان، وقيل:
سفينة بن مارفنة، ويقال: عمر أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو البختري [ (1) ] .
كان من مولدي الأعراب، وقيل: من أبناء دارين، مولى أم سلمة [رضى اللَّه عنها] ، وقيل: مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أعتقه عليه السّلام، وقيل: أعتقته أم سلمة، واشترطت عليه خدمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ما عاش، وقيل: وهبته للنّبيّ عليه السّلام فأعتقه [ (2) ] .
وخرّج الحاكم من حديث عبد الوارث بن سعيد، حدثنا سعيد بن جمهان، حدثني سفينة قال: قالت لي أم سلمة [رضى اللَّه عنها] : أعتقك واشترط عليك أن تخدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما عشت، قال: قلت: لو أنك لم تشترطى عليّ ما فارقت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما عشت، قال: فأعتقتني، واشترطت عليّ أن أخدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما عشت [ (3) ] .
وقال ابن عبد البر: مهران مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هو غير سفينة عند أكثرهم،
وقال سعيد بن جمهان [ (4) ] عن سفينة: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال:
أبسط كساءك، فقال للقوم: أطرحوا أمتعتكم فيه، ثم قال: احمل فإنما
__________
[ (1) ] قال الحافظ في (الإصابة) : سفينة، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قيل: كان اسمه مهران، وقيل: طهمان، وقيل: مروان، وقيل: نجران، وقيل رومان، وقيل: ذكوان، وقيل: كيسان، وقيل: سليمان، وقيل: سنة- بالمهملة والنون، وقيل: بالمعجمة- وقيل: أيمن، وقيل مرقنة، وقيل: أحمر، وقيل: أحمد، وقيل:
رباح، وقيل: مفلح، وقيل: عمير، وقيل: معتب، وقيل: قيس، وقيل: عبس، وقيل: عيسى، فهذه واحد وعشرون قولا، وكان أصله من فارس، فاشترته أم سلمة، ثم أعتقته واشترطت عليه أن يخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. (الإصابة) : 3/ 132.
[ (2) ] المرجع السابق.
[ (3) ] (المستدرك) : 2/ 232، كتاب العتق، حديث رقم (2849/ 9) ، وقال عنه الذهبي في (التلخيص) : صحيح، وفيه: «فأعتقتني واشترطت ذلك» ، 3/ 702، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (6549/ 2147) ، وسكت عند الذهبي في (التخليص) .
[ (4) ] في (خ) : «جمهان» ، وما أثبتناه من (المستدرك) .(6/318)
أنت سفينة، قال: فلو كان وقر بعير، أو بعيرين، أو ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة لحملته [ (1) ] .
وفي رواية: سماني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سفينة، وذلك أنى خرجت معه ومع أصحابه يمشون، فثقل عليهم متاعهم، فحملوه عليّ، فقال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: احمل فإنما أنت سفينة، فلو حملت يومئذ وقر بعير ما ثقل عليّ، وكان يسكن بطن نخلة، مات بعد السبعين [ (2) ] .
[و] ثوبان بن بجدد، ويقال: ابن جحدر أبو عبد اللَّه، ويقال: أبو عبد الرحمن، من أهل السّراة، وهو موضع بين مكة واليمن. وقيل: إنه من حمير، وقيل: إنه حكمىّ من حكم بن سعد العشيرة، أصابه سبيا فاشتراه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأعتقه، ولم يزل معه حضرا وسفرا، إلى أن توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرج إلى الشام ونزل الرملة، ثم انتقل إلى حمص، وتوفى بها سنة أربع وخمسين، وله أحاديث، خرّج له مسلم وأصحاب السنن [ (3) ] .
[و] أنجشة العبد الأسود، وقيل كان حبشيا يكنى أبا حارثة، كان يسوق أو يقود بنساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عام حجة الوداع، وكان حسن الحداء، وكانت الإبل تزيد في الحركة بحدائه، فقال له عليه السّلام: رويدا يا أنجشة، رفقا بالقوارير يعنى النساء. عدّه البلاذري من موالي رسول
__________
[ (1) ] (الاستيعاب) : 2/ 684- 685، ترجمة رقم (1135) .
[ (2) ] سبق تخريج هذا الخبر مع الإشارة إلى ترجمة سفينة مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في معجزات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم.
[ (3) ] روى مائة حديث وثمانية وعشرين حديثا، ذكره ابن حزم، وقال البرقي: روى عنه نحو من خمسين حديثا، له ترجمة في (الاستيعاب) : 1/ 218، ترجمة رقم (282) ، (الإصابة) : 1/ 413، ترجمة رقم (968) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 60، ترجمة رقم (34) ، (الثقات) : 3/ 48، (الجرح والتعديل) : 2/ 469، (تهذيب التهذيب) : 2/ 28، ترجمة رقم (54) ، (المواهب اللدنية) : 2/ 123، (الوافي) : 1/ 87، (عيون الأثر) : 2/ 314، (صفة الصفوة) : 1/ 77، (تاريخ الخميس) : 2/ 178، (طبقات ابن سعد) : 1/ 498.(6/319)
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] .
[و]
أبو لبابة، واسمه زيد بن المنذر من بنى قريظة، أبتاعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو مكاتب فأعتقه، وهو الّذي روى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «من قال أستغفر اللَّه الّذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه [غفرت له ذنوبه] ولو كان فرّ من الزحف» [ (2) ] أخرجه أبو داود [ (3) ] .
وابنه يسار بن زيد يروى عن أبيه زيد، وعنه ابنه بلال بن يسار، ذكر ابن حبان [أبا] لبابة هذا في موالي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وقال ابن عبد البر: أبو لبابة مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مذكور في مواليه [ (4) ] .
وأبو لقيط، ذكره بعضهم في موالي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال ابن عبد البر: لا أعرفه [ (5) ] .
__________
[ (1) ] له ترجمة في: (تاريخ الخميس) : 2/ 180، (الوافي) : 1/ 87، (عيون الأثر) : 2/ 314، (المواهب اللدنية) : 2/ 124، (الاستيعاب) : 1/ 140، ترجمة رقم (151) ، (الإصابة) : 1/ 119- 120، ترجمة رقم (261) .
[ (2) ] قال الحافظ في (الإصابة) : المعروف أن الّذي روى الحديث المذكور هو زيد بن بولا، وما بين الحاصرتين تصويب للسياق منه.
[ (3) ]
(عون المعبود) : 4/ 266، تفريع أبواب الوتر، حديث رقم (1514) ، ولفظه: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حفص بن عمر بن مرة الشنى، حدثني أبى عمر بن مرة قال: سمعت بلال بن يسار ابن زيد مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: سمعت أبى يحدثنيه عن جدي، أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: «من قال: أستغفر اللَّه الّذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه. غفر له وإن كان قد فرّ من الزحف» .
[ (4) ] ولأبى لبابة ترجمة في: (الإصابة) : 7/ 350، ترجمة رقم (10466) ، (الاستيعاب) : 4/ 1740، ترجمة رقم (3149) ، (تاريخ الخميس) : 2/ 180، (الوافي) : 1/ 87، (عيون الأثر) :
2/ 314.
[ (5) ] كذا في (الاستيعاب) : 4/ 1742، ترجمة رقم (3152) ، لكن قال الحافظ في (الإصابة) : أبو لقيط مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: كان عبدا حبشيا أو نوبيا، بقي إلى زمن عمر رضى اللَّه عنه، وذكره محمد ابن حبيب في كتاب (المحبر) .
وقال جعفر المستغفري: كان عند الديوان في خلافة عمر رضى اللَّه عنه، له ترجمة في: (الإصابة)(6/320)
[و] أبو مويهبة، وهو أبو موهبة، من مولدي مزينة، اشتراه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأعتقه، وشهد المريسيع، وكان يقود بعائشة رضى اللَّه عنها بعيرها، قال ابن عبد البر: لا يوقف له على اسم، حديثه حسن في استغفار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لأهل البقيع، واختياره لقاء ربه [ (1) ] .
[و] مدعم، غلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، من مولدي حمير، ويكنى أبا سلام، ويقال: إن أبا سلام غيره، وكان مدعم من هدية فروة بن عمرو الجذامىّ، ويقال: من هدية رفاعة بن زيد [بن وهب] [ (2) ] الجذامي، أصابه سهم غرب بوادي القرى وهو يحط رحل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
وقال ابن عبد البر: مدعم العبد الأسود، خبره مشهور بخيبر، ويوم خيبر قتل شهيدا، قيل إنه كان مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأن الّذي أهداه له رفاعة بن زيد بن وهب الجذامىّ، أصابه سهم غرب فقتله. حديثه عند مالك وغيره.
وقيل: إن العبد الأسود غير مدعم، كذا قال ابن عبد البر، وكلاهما قتل بخيبر.
وقال الواقدي في (مغازية) : وكان رجل أسود مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يمسك دابته عند القتال، يقال له كركرة، فقتل يومئذ، يعنى يوم خيبر، فقيل: يا رسول اللَّه: استشهد كركرة، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: إنه الآن ليحرق في النار على شملة غلّها.
__________
[ () ] 7/ 352، ترجمة رقم (10470) ، (صفة الصفوة) : 1/ 78، (عيون الأثر) : 2/ 314، (تاريخ الخميس) : 2/ 180.
[ (1) ] له ترجمة في (الاستيعاب) : 1764- 1765، ترجمة رقم (3196) ، (الإصابة) : 7/ 393- 394، ترجمة رقم (10589) ، (الثقات) : 3/ 452، (التاريخ الكبير) : 9/ 73، (الجرح والتعديل) : 9/ 444، (تعجيل المنفعة) : 522، (أسماء الصحابة الرواة) : 286، ترجمة رقم (422) ، (الوافي) : 1/ 87، (تاريخ الخميس) : 2/ 187، (عيون الأثر) : 2/ 314، (صفة الصفوة) 1/ 78.
[ (2) ] زيادة للنسب من (الاستيعاب) .(6/321)
وقال في مسير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى وادي القرى: فكان أبو هريرة يحدث قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى، وكان رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي قد وهب لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عبدا أسودا يقال له:
مدعم، وكان يرحل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما نزلنا بوادي القرى، انتهينا إلى يهود وقد ضوى إليها ناس من العرب، فبينا مدعم يحط رحل النبي عليه السلام، وقد استقبلنا يهود بالرمي، حيث نزلنا، ولم نكن على تعبئة، وهم يصيحون في آطامهم.
فيقبل سهم غائر فأصاب مدعما فقتله، فقال الناس:
هنيئا له الجنة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: كلا والّذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم يصبها المقسم تشتعل عليه نارا، فلما سمع بذلك الناس جاء رجل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بشراك [ (1) ] أو شراكين، فقال النبي عليه السّلام: شراك [من نار] ، أو شراكان من نار.
فقد بين الواقدي أنهما اثنان، أحدهما كركرة، وهو الّذي قتل بخيبر، والآخر مدعم، وهو الّذي قتل بوادي القرى [ (2) ] .
وكركرة غلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال ابن عبد البرّ: مدعم العبد الأسود، خبره مشهور بخيبر، ويوم خيبر قتل شهيدا، قيل إنه كان مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
قال البلاذري: أهدى إليه فأعتقه، ويقال: مات على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو مملوك [ (3) ] .
__________
[ (1) ] الشراك: أحد سيور النعل التي على وجهها.
[ (2) ] له ترجمة في: (الإصابة) : 6/ 60- 61 ترجمة رقم (7861) ، 709- 710 (الاستيعاب) : 4/ 1468، ترجمة رقم (2538) ، (مغازي الواقدي) ، (الكامل في التاريخ) : 2/ 222، 312، (تاريخ الطبري) : 3/ 154، 171، (صفة الصفوة) : 1/ 77، (المواهب اللدنية) : 2/ 123، (عيون الأثر) : 2/ 317، (تاريخ الخميس) : 2/ 179، (الوافي) : 1/ 87، (طبقات ابن سعد) :
1/ 498.
[ (3) ] (الإصابة) : 5/ 587.(6/322)
وقال البخاري في كتاب الجهاد من (الصحيح) : حدثنا على بن عبد اللَّه، حدثنا سفيان عن عمرو قال: كان على ثقل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رجل يقال له:
كركرة فمات، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هو في النار، فذهبوا ينظرون إليه، فوجدوا عباءة قد غلها [ (1) ] .
وقد ذكر البخاري في كتاب [المغازي] [ (2) ] ، في غزوة خيبر من عدة طرق عن أبى هريرة، أن مدعما قتل بوادي القرى [ (3) ] ، كما ذكر الواقدي [ (4) ] .
وذكره أبو داود أيضا في سننه [ (5) ] ، ولم يذكر أبو عمر بن عبد البر كركرة في كتاب (الأصحاب) ، وهو أحفظ الناس لصحيح البخاري، وأعرفهم ب (مغازي الواقدي) ، غير أن الإحاطة ممتنعة إلا على اللَّه الّذي أحاط بكل شيء علما. وذكر الحافظ أبو القاسم بن عساكر كركرة في الموالي [ (6) ] .
[و] أبو ضمرة، وهو ابن ضميرة، قال البخاري: اسمه سعد الحميرىّ من آل ذي يزن. وقال أبو حاتم فيه: سعيد الحميرىّ، وقيل: اسمه روح بن
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 230- 231، كتاب الجهاد والسير باب (190) القليل من الغلول، حديث رقم (3074) ، وفي الحديث تحريم قليل الغلول وكثيره،
وقوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «هو في النار» ،
أي يعذب على معصيته، أو المراد: هو في النار إن لم يعف عنه.
[ (2) ] في (خ) : «الإيمان والنذور» ، وصوبناه من (فتح الباري) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 620، كتاب المغازي، باب (39) ، غزوة خيبر، حديث رقم (4234) ، 11/ 625 كتاب الأيمان والنذور، باب (33) ، هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض والغنم والزرع والأمتعة، حديث رقم (6707) .
[ (4) ] (مغازي الواقدي) : 681.
[ (5) ] (عون المعبود) : 7/ 270- 271، كتاب الجهاد، باب (143) في تعظيم الغلول، حديث رقم (2708) ، قال المنذري: وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي.
[ (6) ] له ترجمة في: (الإصابة) : 5/ 587، ترجمة رقم (7405) ، (الوافي) : 1/ 87، (طبقات ابن سعد) : 1/ 498، (صفة الصفوة) : 1/ 78، (عيون الأثر) : 2/ 314، (تاريخ الخميس) : 2/ 179.(6/323)
سندرة، وقيل: روح بن شيرزاد، وقيل: سمه إسماعيل بن أبى أويس، والأول أصح.
وهو من العرب، ممن أفاء اللَّه على رسوله فأعتقهم، ثم خيّر أبا ضمرة أن يقيم معه أو يلحق بقومه، فاختار المقام، فكتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لأهل بيته كتابا بأن يحفظهم كل من لقيهم من المسلمين، فذكروا أن لصوصا لقوا قوما منهم، فأخرجوا كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلم يعرضوا لهم.
ووفد حسين بن [عبد] [ (1) ] اللَّه بن ضميرة على المهدي بن أبى جعفر المنصور، وجامعه بهذا الكتاب، فأخذه المهدي، وقبّله، ووضعه على عينيه، وأعطى حسينا ثلاثمائة دينار، ويقال: خمسمائة دينار [ (2) ] .
وقال ابن الكلبي: كان لعلى بن أبى طالب رضى اللَّه عنه غلام يكنى أبا ضمرة، وليس هو هذا [ (3) ] .
[و] رباح، أبو أيمن، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو أسود، كان يؤذن على النبي عليه السّلام أحيانا إذا انفرد، وله ذكر في حديث الإيلاء، قال البلاذري: ثم صيّره مكان يسار حين قتل، وكان يقوم بأمر لقاحه عليه السلام [ (4) ] .
__________
[ (1) ] في (خ) : «عبيد» ، وما أثبتناه من كتب السيرة.
[ (2) ] له ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/ 1695، ترجمة رقم (3051) ، (الإصابة) : 3/ 495، ترجمة رقم (4208 ز) ، (الإصابة) : 7/ 226، ترجمة رقم (10154) ، (صفة الصفوة) : 1/ 77، (عيون الأثر) : 2/ 314، (تاريخ الخميس) : 2/ 179، (الوافي) : 1/ 87، (المعارف) : 148.
[ (3) ] قال ابن هشام- وقد ذكر سرية زيد بن حارثة إلى مدين-: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعث زيد بن حارثة نحو مدين، ومعه ضميرة مولى على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، (سيرة ابن هشام) : 6/ 47- 48.
[ (4) ] له ترجمة في: (عيون الأثر) : 2/ 314، (تاريخ الخميس) : 2/ 178، (صفة الصفوة) : 1/ 77، (المواهب اللدنية) : 2/ 123، (طبقات ابن سعد) : 1/ 498، (الإصابة) : 2/ 452- 453، ترجمة رقم (2567) ، (الوافي) : 1/ 87، (الاستيعاب) : 2/ 487، ترجمة رقم (747) .(6/324)
[و] هشام، مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم راوي حديث [ (1) ] : إن لي امرأة لا تدفع كفّ لامس [ (2) ] .
[و] أبو هند، قيل اسمه عبد اللَّه، مولى فروة بن عمرو البياضي، كان حجام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال فيه: إنما أبو هند [ (3) ] رجل من الأنصار فأنكحوا وأنكحوا إليه [يا بنى بياضة] [ (4) ] ففعلوا، ولم يشهد بدرا، وشهد ما بعدها، ولقي النبي عليه السّلام بعرق الظبية بحميت مملوء حيسا [ (5) ] .
قال البلاذري: وقال قوم: وهب بنو بياضة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولاء أبى هند [ (6) ] .
وأيمن بن عبيد بن عمرو بن بلال بن أبى الجرباء بن قيس بن مالك بن ثعلبة بن جشم بن مالك بن سالم، وهو الجبليّ بن غنم بن عوف بن الخزرج، وهو أيمن بن أم أيمن، مولاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأخو أسامة بن زيد بن حارثة لأمه، عدّة ابن عساكر في موالي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
__________
[ (1) ]
عن هشام مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه، إن امرأتي لا تمنع يد لامس، قال: طلقها، قال إنها تعجبني قال: فاستمتع بها.
[ (2) ] له ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/ 1541، ترجمة رقم (2688) ، (الإصابة) : 6/ 546، ترجمة رقم (8982) ، (الوافي) : 1/ 87، (صفة الصفوة) : 1/ 78، (عيون الأثر) : 2/ 314.
[ (3) ] كذا في (خ) ، وفي (الاستيعاب) : «امرؤ» .
[ (4) ] زيادة للسياق من (الاستيعاب) .
[ (5) ] قال ابن إسحاق- وقد ذكر غزوة بدر-: ولقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بذلك الموضع، أبو هند مولى فروة بن عمرو البياضي بحميت مملوء حيسا. [الحيس السمن يخلط بالتمر والدقيق، ويعجن] . (سيرة ابن هشام) : 3/ 194.
[ (6) ] له ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/ 1772، ترجمة رقم (3209) ، (الإصابة) : 7/ 448، ترجمة رقم (10679) ، (عيون الأثر) : 2/ 314، (تاريخ الخميس) : 2/ 180، (الوافي) : 1/ 87.(6/325)
قال فيه ابن عبد البر: أيمن بن عبيد الحبشي، ونسبه البلاذري كما ذكرنا، وثبت أيمن يوم حنين فيمن ثبت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وذكره ابن إسحاق في من استشهد يومئذ [ (1) ] .
وحنين، كان عبدا للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم يخدمه، وإذا توضّأ أخرج وضوءه إلى أصحابه، وكانوا إما شربوه وإما مسحوا به، فحبس الوضوء فكان لا يخرج به إليهم، فشكوه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال [حنين] [ (2) ] حبسته عندي فجعلته في جرّ، فإذا أعطشت شربته، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هل رأيتم غلاما أحصى ما أحصى هذا؟.
ثم وهبه لعمه العباس رضى اللَّه عنه فأعتقه، وقد قيل: إنه مولى على بن أبى طالب [ (3) ] .
[و] ضميرة بن أبى ضميرة، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، له ولأبيه أبى ضمرة صحبة، ويروى أن ضميرة أصابه سبيا، فمرّ النبي عليه السّلام بأمه وهي تبكى فقال: ما يبكيك؟ أضائقة أنت؟ أعارية أنت؟ فقالت: فرّق بيني وبين ابني، فابتاعه منه ببكر وقال: لا تفرق بين الوالدة وولدها، ثم أرسل إلى الّذي عنده ضميرة فدعاه، فابتاعه منه ببكر وأعتقه [ (4) ] .
__________
[ (1) ] له ترجمة في: (سيرة ابن هشام) : 4/ 319، 5/ 111، 5/ 128، (تاريخ الخميس) : 2/ 180، (صفة الصفوة) : 1/ 77، (طبقات ابن سعد) : 1/ 497، (الاستيعاب) : 1/ 128- 129، ترجمة رقم (131) ، (الإصابة) : 1/ 170- 171، ترجمة رقم (394) ، (عيون الأثر) : 2/ 313.
[ (2) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (3) ] له ترجمة في: (الوافي) : 1/ 87، (الإصابة) : 2/ 140- 141، ترجمة رقم (1875) ، (الاستيعاب) : 1/ 412، ترجمة رقم (585) ، (عيون الأثر) : 2/ 314.
[ (4) ]
رواه البخاري في (التاريخ) ، والحسين بن سفيان، من طريق ابن أبى ذئب، عن حسين بن عبد اللَّه بن ضميرة، عن أبيه عن جده ضميرة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مرّ بأمّ ضميرة وهي تبكى، فقال: ما يبكيك؟ قالت:
يا رسول اللَّه، فرّق بيني وبين ابني، فأرسل إلى الّذي عنده ضميرة فابتاعه منه ببكر.
قال الحافظ في(6/326)
وطهمان، وقيل: مهران، وقيل: ميمون، وقيل باذام، وقيل: كيسان، مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، اختلف فيه على عطاء بن السائب، فقيل: كيسان، وقيل: مهران، وقيل: طهمان، وقيل: ذكوان، كل ذلك في حديث تحريم الصدقة على آل النبي عليه السّلام [ (1) ] .
__________
[ () ] (الإصابة) : وللحديث شاهد عند ابن إسحاق بسند منقطع، وقد تابع ابن أبى ذئب أيضا إسماعيل ابن أبى أويس، وأخرجه محمد بن سعد، وأورده البغوي عنه عن إسماعيل بن أبى أويس، أخبرنى حسين بن عبد اللَّه بن ضميرة بن أبى ضميرة، أن الكتاب الّذي كتبه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى ضمرة، فذكره كما تقدم.
ومن حديث ضميرة، ما أخرجه البغوي من رواية القعنبي عن حسين بن ضميرة، عن أبيه عن جده، أن رجلا جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا نبي اللَّه، أنكحنى فلانة، قال: ما معك تصدقها إياه؟ قال:
ما معى شيء، قال: لمن هذا الخاتم؟ قال: لي، قال: فأعطها إياه: فأنكحه.
وأنكح آخر على سورة البقرة، ولم يكن معه شيء.
أورده البغوي في ترجمة أبى ضميرة على ظاهر السياق، وإنما هو من رواية ضميرة، وقول القعنبي عن حسين بن ضميرة تجوّز فيه، فنسبه لجده وهو حسين بن عبد اللَّه بن ضميرة، فالحديث لضميرة، لا لولده.
وزعم عبد الغنى المقدسي في (العمدة) ، أن ضميرة هذا هو اليتيم الّذي صلّى مع أنس لما صلّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في بيتهم، قال: فقمت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا. له ترجمة في: (الإصابة) :
3/ 495- 496، ترجمة رقم (4208 ز) ، (التاريخ الكبير) : 4/ 341- 342، ترجمة رقم (3060) ، (الثقات) : 3/ 199، (الوافي) : 1/ 87.
[ (1) ]
ذكره ابن حبان في الصحابة، وروى البغوي والطبراني من طريق شريك، عن عطاء بن السائب، قال: أوصى أبى بشيء لبني هاشم، فجئت أبا جعفر، فبعثني إلى امرأة عجوز- وهي بنت على فقالت:
حدثني مولى لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقال له طهمان، أو ذكوان، قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تحل الصدقة لي ولا لأهل بيتي.
قال البغوي: وروى عن شريك، فقال: مهران، وقيل: ميمون، وقيل: باذام. قال الحافظ في (الإصابة) : قلت: وقيل أيضا: هرمز، وقيل: كيسان، وهي رواية جرير عن عطاء، وقيل: مهران، وهو أصحها، فإنّها رواية سفيان الثوري، عن عطاء بن السائب في هذا الحديث. له ترجمة في:
(الإصابة) : 2/ 406- 407، ترجمة رقم (2441) ، 3/ 546، ترجمة رقم (4301) ، (الثقات) : 3/ 199.(6/327)
وعبيد، مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم روى عنه سليمان التيمي ولم يسمع منه، بينهما رجل، وله حديث هل كان يأمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بصلاة غير المكتوبة، قال صلاة بين المغرب والعشاء، وحديث اللتين اغتابتا،
فقال لهما النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: قيئا، فقاءتا قيحا ودما ولحما عبيطا [ (1) ] ،
ويقال: فيه عبد بن عبد الغفار.
وقفيز [مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] .
ومأبور، القبطي الخصىّ، ابن عم مارية، أهداه المقوقس لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هو ومارية، وسيرين، في أشياء غير ذلك، ويقال: اسمه سمهورس، أسلم بعد قدومه بالمدينة، ومات بها سنه ستين، ودفن بالبقيع، وقد شاخ، وهو
__________
[ (1) ] قال ابن حبان: له صحبه، وذكره ابن السكن في الصحابة وقال: لم يثبت حديثه. وقال البلاذري:
يقال إنه كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مولى يقال له عبيد، روى عنه حديثين، وقال ابن أبى حاتم، عن أبيه:
مرسل، وتبع في ذلك البخاري كعادته.
وقال أحمد: حدثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن رجل، عن عبيد مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه سئل: أكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يأمر بصلاة بعد المكتوبة أو سوى المكتوبة؟ قال: نعم، بين المغرب والعشاء.
وأخرج أيضا هو وابن السكن، من طريق يزيد بن هارون، عن سليمان التيمي، سمعت رجلا يحدث في مجلس أبى عثمان، عن عبيد مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أن امرأتين صامتا في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فجلستا تغتابان ... الحديث، واللحم العبيط: غير النضيج.
وأخرجه ابن أبى خيثمة، وأبو يعلى، من رواية حماد بن سلمة، عن سليمان التيمي، عن عبيد مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، لم يذكر بينهما أحدا.
قال ابن عبد البر في (الاستيعاب) : لم يسمع سليمان من عبيد بينهما رجل. له ترجمة في:
(الإصابة) : 4/ 421- 422، ترجمة رقم (5373 ز) ، (الثقات) : 3/ 284، (الاستيعاب) : 3/ 1020، ترجمة رقم (1747) ، (لسان العرب) : 7/ 347.
[ (2) ] ذكره ابن شاهين في الصحابة، وأخرج هو وأبو عوانة، من طريق زهير بن محمد، عن أبى بكر بن عبيد اللَّه بن أنس، قال: كان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم غلام اسمه قفيز. وأخرجه ابن مندة، وقال: تفرد به محمد بن سليمان الحراني عن زهير.
قال الحافظ في (الإصابة) : وهو ضعيف، وفي شيخه مقال، وهو من زيادات أبى عوانة، عن مسلم، وقد ضبطه عبد الغنى بن سعيد بقاف وفاء آخره زاي بوزن عظيم ترجمته في (الإصابة) : 5/ 453، ترجمة رقم (7135) ، (عيون الأثر) : 2/ 314، (تاريخ الخميس) : 2/ 179.(6/328)
الّذي كان يتّهم بمارية، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يضرب عنقه، فوجد مجبوب الذكر [ليس له ذكر] ، فكف عنه، ومن حينئذ عرف أنه خصىّ [ (1) ] .
ونافع مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، له حديث: لا يدخل الجنة شيخ زان ولا مستكبر ولا منان على اللَّه بعمله،
روى عنه خالد بن أبى أمية [ (2) ] .
وأبو بكرة، نفيع بن مسروح، ويقال: نفيع بن الحارث بن كلده بن عمرو ابن علاج بن أبى سلمة بن عبد العزى بن عبد عوف بن قسى، وهو ثقيف، وأمه سمية جارية الحارث بن كلده، وكان من عبيد الحارث، وهو أخو زياد بن أبيه لأمه سمية، وكان أبو بكرة يقول: أنا مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ويأبى أن ينتسب ويقول: أنا من إخوانكم في الدين، فإن أبى الناس إلا أن ينسبونى، فأنا نفيع بن مسروح، وأرادوه على الدعوى فأبى، وقال لبنيه عند الموت: أبى مسروح الحبشي.
ويقال: إن سمية كانت من أهل زندورد من كسكر، يقال لها يا سيج، سرقها الكوّاء اليشكربى، أبو عبد اللَّه بن الكوّاء فخرج إلى الطائف فأتى الحارث بن كلدة، وكان طبيب العرب، فداواه فبرأ، فوهب له سمية.
ويقال إنها كانت أمة لدهقان الأبلّة، فقدم الحارث الأبلة، فعالج ذلك
__________
[ (1) ] (الإصابة) : 5/ 699- 702، ترجمة رقم (7587) ، (المواهب اللدنية) : 2/ 124، (صفة الصفوة) : 1/ 78.
[ (2) ] أخرجه البخاري ومطين، والحسن بن سفيان، والبغوي، وابن أبى داود، وابن السكن، وابن شاهين، والطبراني، وابن مندة، من طريق أبى سعيد الأشج، عن عقبة بن خالد، عن الصباح بن يحيى عن خالد بن أبى أمية، فذكر الحديث مثله، لكن فيه تقديم وتأخير قال البغوي: ولا أعلم بهذا الإسناد غير هذا الحديث وأخرجه ابن قانع من وجه آخر، عن الصباح بن يحيى، عن خالد بن أمية.(6/329)
الدهقان، فوهبها له، فقدم بها الطائف ووقع عليها، فولدت له على فراشه غلاما سماه نافعا، ثم وقع عليها فجاءته بنفيع، وهو أبو بكرة، وكان أسودا، فقال الحارث: واللَّه ما هذا بابني، ولا كان في آبائي أسود، فقيل له:
إن جاريتك ذات ريبة لا تدفع كف لامس، فنسب أبو بكرة إلى مسروح غلام الحارث بن كلدة، ونفى نافعا بسبب أبى بكرة.
ثم إن الحارث تزوج صفية بنت عبيد بن أسيد بن علاج الثقفي، ومهرها سمية، فزوّجتها صفية عبدا لها روميا يقال له عبيد فولدت منه زيادا فأعتقته صفية، فلما غزا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الطائف قال: من خرج إليّ فهو حرّ، فوثب نفيع الجدار فخرج إليه هو وآخر فأعتقهما فكانا مواليه.
ويقال: إنه تدلى من سور الطائف ببكر، ونزل إلى النبي عليه السّلام، فكناه أبا بكرة، فغلبت عليه كنيته، وخشي الحارث بن كلدة أن يفعل نافع مثل ما فعل أبو بكرة، فقال له: أبى أنت وشبيهي فلا تفعل كما فعل العبد الخبيث، فأثبت نسب نافع يومئذ.
وروى أن رقيقا من رقيق ثقيف دعاهم أبو بكرة، إلى الإسلام فأسلموا، وبعثوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يستأمرونه في قتال ثقيف في الحصن ويعلمونه أنهم قد أسلموا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لرسولهم: كم هم؟ فقال: ثمانون، فقال: إني أخاف عليهم أن يقتلوا، ولكن ليخرجوا إلينا، فيدلى منهم أربعون رجلا أو أكثر، ونذرت ثقيف بالباقين فحبسوهم، فأعتق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الذين نزلوا إليه.
وقال الواقدي: كانوا تسعة عشر فيهم الأزرق، وكان عبدا روميا حدّادا، وتدلى أبو بكرة من الحصن على بكرة، فقال له النبي عليه السّلام: كيف جئت؟ قال: تدلّيت على بكرة، فقال: أنت أبو بكرة(6/330)
ويقال: كان يعرف بالطائف بأبي بكرة، لأنه كانت له بكرة يعلفها ويركبها، وكان عتبة بن غزوان [ (1) ] قد تزوج أردة بنت الحارث بن كلدة [ (2) ] ، من صفية بنت عبيد، فلما استعمل عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه عتبة بن غزوان على البصرة، قدم معه نافع وأبو بكرة وزياد البصرة بذلك السبب، فسكن أبو بكرة البصرة، وبها مات سنة إحدى وخمسين، وهو ممن شهد على المغيرة بن شعبة أنه زنى بأم جميل بنت محجن بن الأفقم، فجلده عمر رضى اللَّه عنه، وهو ممن اعتزل الحسن بن على، وهو من فضلاء الصحابة وعبّادهم، وله ولأولاده أخبار كثيرة [ (3) ] .
وواقد، ويقال: أبو واقد، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم روى عنه زاذان قوله: من أطاع اللَّه فقد ذكره، وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن، ومن عصى
__________
[ (1) ] هو عقبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نشيب بن وهيب بن وهب بن يزيد بن سالم بن عبد عوف ابن الحارث بن مازن بن منصور، بدريّ أحدىّ، من المهاجرين الأولين، وهو الّذي بنى البصرة لعمر بن الخطاب رضى اللَّه تعالى عنهما، وهو أول أمير ملكها. (جمهرة أنساب العرب) .
[ (2) ] أردة بنت الحارث بن كلدة الثقفي: زوج عتبة بن غزوان، ذكرها البلاذري وغيره، وقالوا: إنها كانت مع عتبة بالبصرة، وهو أمير عليها، ومن أجلها قدم أبو بكرة وأخويه من أمه: نافع وزياد (الإصابة) .
[ (3) ] له ترجمة في: (مغازي الوافدى) : 3/ 931- 932، (الكامل في التاريخ) : 3/ 443، 489، (تاريخ الطبري) : 3/ 595، 4/ 69، 72، 83، 5/ 167، 169، 292، (الإصابة) : 6/ 467- 468، ترجمة رقم (8799) ، 7/ 46، ترجمة رقم (9626) ، (الاستيعاب) : 1614- 1615، ترجمة رقم (2877) ، (المواهب اللدنية) : 2/ 124 (تاريخ الخميس) : 2/ 180، (صفة الصفوة) : 1/ 77- 78 (عيون الأثر) : 2/ 314.
قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا نافع، إنك سيصيبك بعدي خصاصة [الخصاصة: الفقر] ، فاذكر شأنك للناس يرحموك، قال: وسمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنة شيخ زان ... الحديث، وزاد:
ولا مدمن خمر، ولا عاق لوالديه، ولم يذكر قوله: ولا منان على اللَّه بعمله.
(الإصابة) : 6/ 414، ترجمة رقم (8674) ، (عيون الأثر) : 2/ 314.(6/331)
اللَّه فلم يذكره، وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن [ (1) ] .
وهرمز، شهد بدرا مملوكا [ (2) ] .
وأبو الحمراء، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قيل: اسمه هلال بن الحارث، وقيل هلال بن ظفر السّلمى، أصابه سبيا، وخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان بحمص، له حديث أنه كان يمر ببيت فاطمة وعلى رضى اللَّه عنهما فيقول: السلام عليكم [ (3) ] أهل البيت الحديث [ (4) ] .
وأبو سلمى، ويقال: أبو سلام، وقيل: اسمه حريث روى عنه أبو سلام الأسود الحبشي، ويعد في الشاميين، وبعضهم يعده في الكوفيين، وقد اختلف في حديثه على أبى سلام الأسود.
__________
[ (1) ]
ذكره الحسن بن سفيان في مسندة، والطبراني في معجمه، وأخرجا من طريق زاذان، عن واقد مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من أطاع اللَّه فقد ذكر اللَّه وإن قلّت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن، ومن عصى اللَّه فلم يذكره وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن.
له ترجمة في: (الإستيعاب) : 4/ 1551، ترجمة رقم (2715) ، (الإصابة) : 6/ 595- 596، ترجمة رقم (9104) ، (عيون الأثر) : 2/ 314، (الوافي) : 1/ 87، (المواهب اللدنية) : 2/ 124، (صفة الصفوة) : 1/ 78.
[ (2) ]
قال الثوري، عن عطاء بن السائب، قال: أتيت أم كلثوم بنت عليّ بشيء من الصدقة فردّتها، وقالت: حدثني مولى للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم يقال له مهران أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: أنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة، ومولى القوم منهم. أخرجه أحمد، والبغوي، وابن شاهين، من طريق الثوري. وقال البخاري، عن أبى نعيم، عن سفيان: يقال له مهران أو ميمون، وقال حماد بن زيد عن عطاء: كسان، أو هرمز، وفي اسمه اختلاف.
له ترجمة في: (الإصابة) : 5/ 630، ترجمة رقم (7478) ، (7479) ، 6/ 232، ترجمة رقم (8268) ، 6/ 534، ترجمة رقم (8954) ، (عيون الأثر) : 2/ 314.
[ (3) ] في (خ) «عليك» وما أثبتناه أجو للسياق.
[ (4) ]
هلال بن الحمراء، حديثه عند أبى إسحاق السبيعي، عن أبى داود القاصّ، عن أبى الحمراء، قال: أقمت بالمدينة شهرا، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يأتى منزل فاطمة وعليّ كل غداة فيقول: الصلاة الصلاة إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.
له ترجمة في: (الاستيعاب) :
4/ 1542، ترجمة رقم (2691) ، (الإصابة) : 6/ 584- 585، ترجمة رقم (9079) ، 7/ 94، ترجمة رقم (9783) .(6/332)
وذكر أبو عمر بن عبد البر، أن أبا سلمى راعى النبي عليه السّلام، ثم ذكر أبا سلمى آخر غيره، وقال مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا أدرى أهو راعى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المتقدم ذكره، أم غيره [ (1) ] .
وأبو صفية، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، كان من المهاجرين [و] كان يوضع له نطع، ويجاء بزنبيل فيه حصا فيسبح به إلى نصف النهار [و] ويقال: اسمه عبيد [ (2) ] .
وأبو عبيد، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ويقال: - خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] ،
__________
[ (1) ] أبو سلمى، راعى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قيل:
اسمه حريث، من حديثه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه سمعه يقول: بخ بخ [الخمس] كلمات ما أثقلهن في الميزان: سبحان اللَّه، والحمد للَّه، ولا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه،
روى عنه أبو سلام الأسود الحبشي.
قال: رأيته في مسجد الكوفة، يعدّ أبو سلمى هذا في الشاميين، لأن حديثه هذا شامي، وبعضهم يعده في الكوفيين، وقد اختلف في حديثه هذا على أبى سلام الأسود. (الاستيعاب) : 4/ 1683، ترجمة رقم (3015) ، (الإصابة) : 7/ 185- 186، ترجمة رقم (10039) .
[ (2) ] أبو صفية مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال البخاري: عداده في المهاجرين، وأخرجه من طريق المعلى بن عبد الرحمن، سمعت يونس بن عبيد يقول لأمه: ماذا رأيت أبا صفية يصنع؟ قالت: رأيت أبا صفية- وكان من المهاجرين من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم- يسبح بالنوى.
تابعه عبد الواحد بن زيد، عن يونس بن عبيد عن أمه، قالت: رأيت أبا صفية رجلا من المهاجرين يسبح بالنوى. أخرجه البغوي.
وأخرج من وجه آخر عن أبى بن كعب، عن أبى صفية، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه كان يوضع له نطع، ويؤتى بحصى فيسبح به إلى نصف النهار فإذا صلّى الأولى ورجع أتى به فيسبح حتى يمسى.
(الإصابة) : 7/ 222، ترجمة رقم (10141) ، (الاستيعاب) : 4/ 1693، ترجمة رقم (3048) .
[ (3) ] أبو عبيد، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ذكره الحاكم أبو أحمد فيمن لا يعرف اسمه، وأخرج حديثه الترمذي في الشمائل، والدارميّ من طريق شهر بن حوشب عنه، قال: طبخت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم قدرا، وكان يعجبه الذراع ... الحديث، ورجاله رجال الصحيح، إلا شهر بن حوشب.
قال البغوي: له صحبة، حدثني عباس، عن يحيى بن معين، قال: أبو عبيد الّذي روى عنه شهر، هو من الصحابة.(6/333)
قال ابن عبد البر [ (1) ] : لم أقف على اسمه، له رواية من حديثه،
أنه كان يطبخ لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوما فقال له: ناولني الذراع ... الحديث خرجه الإمام أحمد [ (2) ] .
وأبو عسيب، مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، له صحبة، وسمّاه بعضهم: أحمر، له حديث: الطاعون شهادة، وكان يخضب لحيته ورأسه، ويواصل بين ثلاث في الصيام، ويصلّى الضحى، ويصوم البيض [ (3) ] ، وكان في سريره
__________
[ (1) ]
أبو عبيد مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ويقال: خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، لا أقف على اسمه، وله رواية، من حديثه أنه كان يطبخ لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوما فقال له: ناولني الذراع ... الحديث.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 4/ 535- 536،
حديث أبى عبيد رضى اللَّه تعالى عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (15537) : حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبى، حدثنا عفان، حدثنا أبان العطار، حدثنا قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبى عبيد «أنه طبخ لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قدرا فيه لحم، فقال رسول اللَّه ناولني ذراعها، فناولته، فقال: ناولني ذراعها، فناولته، فقاله: ناولني ذراعها، فقال: يا نبي اللَّه: كم للشاة من ذراع؟ قال: والّذي نفسي بيده لو سكت لأعطتك ذراعاً ما دعوت» ، (سنن الدارميّ) : 1/ 22، باب ما أكرم به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في بركة طعامه، (دلائل أبى نعيم) : 2/ 436،
ذكر الأخبار التي أخرجتها أسلافنا في جملة دلائله صلّى اللَّه عليه وسلم، قصة أذرع وأكتاف الشاة، حديث رقم (346) ، (الشمائل المحمدية) :
141، حديث رقم (170) ، وقال في هامشه، وفي سنده ضعف، فرجاله ثقات، غير شهرين حوشب فهو ضعيف، وقال عنه الحافظ: «صدوق كثير الإرسال والأوهام، وللحديث شواهد لصحة هذه القصة إن شاء اللَّه تعالى، وأبو عبيد هو مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، (الاستيعاب) : 4/ 1709، ترجمة رقم (3076) ، (الإصابة) : 7/ 269، ترجمة رقم (10224) .
[ (3) ] قال في (الاستيعاب) : أبو عسيب مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، له صحبة ورواية، أسند عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حديثين: أحدهما في الحمى والطاعون.
روى عنه مسلم بن عبيد أبو نصيرة، وقال القاسم بن حمزة: رأيت أبا عسيب خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يخضب لحيته ورأسه. قيل: اسم أبى عسيب: أحمر.
وقال الحافظ في (الإصابة) : أبو عسيب مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، مشهور بكنيته، وقد تقدم ذكر من قال في أحمر أنه اسمه وذكر من قال إنه سفينة مولى أم سلمة، والراجح أنه غيره.
وأخرج حديثه أحمد، والحارث بن أبى أسامة، والطبراني، والحاكم أبو أحمد، من طريق يزيد بن هارون، عن مسلم بن عبيد، عنه في الحمى والطاعون. ووقع عند الحاكم، عن مسلم بن عبيدة، عن أبى بصير بإثبات الهاء في عبيدة، دون بصير، والأول الصواب.
وأخرج له ابن مندة حديثا آخر من رواية حشرج بن نباتة، عن أبى بصير، وإسناده حسن.(6/334)
جلجل [ (1) ] فإذا حركه جاءت إليه ابنته ميمونة [ (2) ] .
وذكوان، مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، حديثه عند عطاء بن السائب، عن بعض بنات عليّ، عن طهمان أو ذكوان- على الشك-[مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أنه حدثها قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ... الحديث] [ (3) ] .
__________
[ (1) ] الجلجل: الجرس ونحوه.
[ (2) ] ميمونة بنت أبى عسيب، ويقال: عنبسة، جزم بالأول أبو نعيم، وبالثاني أبو عمر، فقال: ميمونة بنت أبى عنبسة، مولاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، روت عنه في الدعاء.
وقال ابن مندة: ميمونة بنت عنبسة، ويقال: بنت أبى عنبسة، مولاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم،
روى حديثها مشجع ابن مصعب، عن ربيعة بن يزيد، عن منبه، عن ميمونة بنت أبى عنبسة، أن امرأة من حريش أتت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: يا عائشة: أغيثينى بدعوة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تطمننى، فقال: ضعى يدك اليمين على فؤادك فامسحيه، وقولي: اللَّهمّ داوني بدوائك، واشفني بشفائك، وأغثنى بفضلك عمن سواك.
قال ربيعة: فدعوت به فوجدته جيدا، ووصله أبو نعيم من هذا الوجه، وقال: ميمونة بنت أبى عسيب. (الاستيعاب) : 4/ 1715، ترجمة رقم (3092) ، 4/ 1919، ترجمة رقم (4102) ، (الإصابة) : 7/ 275، ترجمة رقم (10247) ، 8/ 132- 133، ترجمة رقم (11785) .
[ (3) ]
قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا ذكوان، أو يا طهمان- شكّ المحدّث- إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي، وإن مولى القوم من أنفسهم.
وروى البغوي، والطبراني من طريق شريك عن عطاء بن السائب، قال: أوصى أبى بشيء لبني هاشم، فجئت أبا جعفر، فبعثني إلى امرأة عجوز- وهي بنت على- فقالت: حدثني مولى لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقال له: طهمان، أو ذكوان، قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تحل الصدقة لي ولا لأهل بيتي.
قال البغوي: وروى عن شريك، قال: مهران، وقيل: ميمون، وقيل: باذام، ولا أدرى أيهما الصواب.
قال الحافظ في (الإصابة) : وقيل فيه أيضا: هومز، وقيل: كيسان، وهي رواية جرير عن عطاء، وقيل:
مهران، وهو أصحها، فإنّها رواية سفيان الثوري عن عطاء بن السائب في هذا الحديث.
(الاستيعاب) : 2/ 467، ترجمة رقم (712) ، (الإصابة) : 2/ 406- 407، ترجمة رقم (2441) ، (الثقات) : 3/ 121، وما بين الحاصرتين تصويب من (الاستيعاب) .(6/335)
[و] زيد، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حديثه في الاستغفار [ (1) ] ، يرويه عنه ابنه يسار بن زيد، خرّجه أبو داود والترمذي، ويروى عن يسار بن زيد ابنه بلال [ (2) ] .
وزيد بن بولا، [مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (3) ] .
وسابق، خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، عدّه ابن عساكر في الموالي، وقال ابن عبد البر: روى عنه حديث واحد من حديث الكوفيين، اختلف فيه شعبة ومسعر، والصحيح فيه عنهما ما رواه هيثم وغيره، عن أبى عقيل عن سابق ابن ناجية، عن أبى سلام خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [ (4) ] .
قال: ولا يصح سابق في الصحابة، قلت: هذا الحديث الّذي ذكره أبو عمر بن عبد البرّ، خرّجه أبو داود، وابن ماجة، والنسائي في (عمل اليوم والليلة) : من قال حين يصبح ويمسى ثلاثا: رضيت باللَّه ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، كان حقا على اللَّه أن يرضيه يوم القيامة. رواه هاشم بن بلال
__________
[ (1) ] في (خ) : «الاستسقاء» ، وما أثبتناه من (الاستيعاب) .
[ (2) ] زيد أبو يسار، مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في الاستغفار، روى حديثه ابنه يسار بن زيد، وليسار بن زيد ابن يسمى بلالا،
روى عن أبيه يسار، عن جده زيد، أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: من قال استغفر اللَّه الّذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له.
قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حفص بن عمر الشّنى، حدثني أبى، عن عمرو بن مرة، سمعت بلال بن يسار، (الاستيعاب) : 2/ 559- 560، ترجمة رقم (863) .
[ (3) ] زيد بن بولا مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أبو يسار، له حديث عند أبى داود والترمذي، من رواية ولده بلال ابن يسار بن زيد: حدثني أبى عن جدي، ذكر أبو موسى أن اسم أبيه بولا- بالموحدة- وقال غيره:
اسمه زيد. وقال ابن شاهين: كان نوبيا، أصابه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة بنى ثعلبة، فأعتقه. (الإصابة) :
2/ 592، ترجمة رقم (2881 ز) ، 625، ترجمة رقم (2949) .
[ (4) ] له ترجمة في: (الثقات) : 6/ 433، (تهذيب التهذيب) : 3/ 372، ترجمة رقم (797) ، (الاستيعاب) : 2/ 682، ترجمة رقم (1128) ، (الإصابة) : 3/ 274، ترجمة رقم (3732) .(6/336)
قاضى واسط، عن سابق بن ناجية عن أبى سلام [ (1) ] .
وسلمان الفارسيّ، أبو عبد اللَّه، يقال: مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ويعرف بسلمان الخير، أصله من فارس، ثم من رامهرمز [ (2) ] من قرية يقال لها:
__________
[ (1) ]
(جامع الأصول) : 4/ 243- 244، حديث رقم (2225) ولفظه:
قال: قلت لأنس حدثني حديثا سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: سمعته يقول: «من قال إذا أصبح وإذا أمسى: رضينا باللَّه ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، كان حقا على اللَّه أن يرضيه يوم القيامة. [هذه الرواية أخرجها رزين كما قال المصنف، ورواها بنحوها ابن ماجة رقم (3870) في الدعاء، باب ما يدعو به الرجل إذا أصبح وإذا أمسى، من حديث مسعر عن أبى عقيل، عن سابق عن أبى سلام خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، بلفظ ما من مسلم أو إنسان أو عبد يقول حين يمسى وحين يصبح: رضيت باللَّه ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، إلا كان حقا على اللَّه أن يرضيه يوم القيامة، وهو حديث حسين] .
وفي رواية: أنه كان بحمص، فمر به رجل، فقالوا: هذا خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقام إليه فقال: حدثني بحديث سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، لم تتداوله بينك وبينه رجال، فقال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: ... وذكر الحديث، ولم يذكر يوم القيامة،
أخرج الرواية الثانية أبو داود، والأولى رزين. [رواه أبو داود رقم (5072) في الأدب، باب ما يقول إذا أصبح، وفي سنده سابق بن ناجية، لم يوثقه غير ابن حبان، ولكن يشهد له حديث ثوبان الّذي بعده، فهو به حسن، ورواه أيضا النسائي، وابن أبى شيبة في (المصنف) : 6/ 36، حديث رقم (29272) ، والحاكم في (المستدرك) : 1/ 518، حديث رقم (1905/ 105) ، وغيرهم.
قوله: «لم تتداوله» ، التداول: الاستعمال والمباشرة، والمراد: لم تأخذه عن أحد، وإنما ترويه أنت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
[ (2) ] رام بالفارسية: المراد والمقصود، وهرمز: أحد الأكاسرة، فكأن هذه اللفظة مركبة: معناها: مقصود هرمز، أو مراد هرمز، وقال حمزة: رامهرمز اسم مختصر من رامهرمز أردشير، وهي مدينة مشهورة بنواحي خوزستان، والعامة يسمونها رامز، كسلا منهم عن تتمة اللفظة بكمالها واختصارها، ورامهرمز من بين مدن خوزستان تجمع النخل والجوز والأترج، وليس ذلك يجتمع بغيرها من مدن خوزستان، [وردت في حديث سلمان الفارسي رضى اللَّه عنه، يقول: أنا من رامهرمز] . (معجم البلدان) : 3/ 19، موضع رقم (5315) .(6/337)
جىّ [ (1) ] ، وقيل من أصبهان [ (2) ] ، وكان إذا قيل له: ابن من أنت؟ قال: أنا سلمان ابن الإسلام، من بنى آدم.
وله خبر طويل في إسلامه، حاصله أنه كان يطلب دين اللَّه، ويتبع من يرجو ذلك عنده، فدان بالنصرانية، وغيرها، وقرأ الكتب، وصبر في ذلك على مشقات نالته، وتداوله في ذلك بضعة عشر رتا [ (3) ] ، من رت [ (3) ] إلى رت [ (3) ] حتى أفضى إلى النبي عليه السّلام، فاشتراه من قوم يهود.
روى ابن عبد البر من طريق على بن المديني، حدثنا زيد بن الحباب، حدثني حسين بن واقد، حدثنا عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه: أن سلمان أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بصدقة فقال: هذه صدقة عليك وعلى أصحابك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا سلمان! إنّا لا تحل لنا الصدقة، فدفعها، ثم جاءه من الغد بمثلها فقال: هذه هدية لك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لأصحابه: كلوا.
ثم اشترى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سلمان بكذا وكذا درهما من يهود على أن يغرس لهم كذا وكذا من النخل يقوم عليه حتى يدرك، قال: فغرس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم النخل كله إلا نخلة غرسها عمر، فأطعم النخل كله إلا النخلة التي غرس عمر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من غرس هذه النخلة؟ قالوا: عمر، قال:
فقطعها، وغرسها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأطعمت من عامها.
__________
[ (1) ] جىّ بالفتح ثم التشديد: اسم مدينة ناحية أصبهان القديمة، (المرجع السابق) : 2/ 235، موضع رقم (3425) .
[ (2) ] أصبهان: مدينة عظيمة مشهورة، من أعلام المدن وأعيانها، ويسرفون في وصف عظمها حتى يتجاوزوا حدّ الاقتصاد إلى غاية الإسراف (المرجع السابق) : 1/ 2444، موضع رقم (729) .
[ (3) ] الرّت: الرئيس من الرجال في الشرف والعطاء، وجمعه رتوت، وهؤلاء رتوت البلد. (لسان العرب) :
2/ 34.(6/338)
وصحح الحاكم أن أبا بكر [رضى اللَّه عنه] اشترى سلمان فأعتقه، وشهد سلمان الخندق وما بعدها، وعمل لعمر رضى اللَّه عنه على المدائن، وتوفى سنة خمس وثلاثين، وقيل أول سنة ست وثلاثين، وكان يعمل الحوض بيده، ويعيش منه ويتصدق بعطائه، وكان خيّرا، فاضلا، عالما، زاهدا، متعففا، ولا يقبل من أحد شيئا، وفضائله كثيرة، رضى اللَّه عنه [ (1) ] .
وجبر، [مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] قال الواقدي: وحدثني شيخ من خزاعة، عن جابر بن عبد اللَّه قال: كان لبني عبد الدار غلام يقال له: جبر، وكان يهوديا، فسمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، يقرأ سورة يوسف [عليه السلام] ، فعرف الّذي ذكر في ذلك، فاطمأن إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأسلم، وأخبر أهله بإسلامه، فعذبوه أشد العذاب حتى قال لهم الّذي يريدون، فلما فتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مكة، جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فشكا إليه، فأعطاه ثمنه فاشترى نفسه، فأعتق واستغنى، ونكح امرأة يقال لها شرف [ (2) ] .
__________
[ (1) ] له ترجمة في: (الاستيعاب) : 2/ 634- 638، ترجمة رقم (1014) ، (والإصابة) : 3/ 141- 142، ترجمة رقم (3359) ، (سيرة ابن هشام) : 1/ 192، 2/ 41- 42، 44، 45- 49، 3/ 38، 4/ 176، 182، (المستدرك) : 3/ 691- 699.
[ (2) ] في (الاستيعاب) : «وتزوج امرأة ذات شرف في بنى عامر» وحكى مقاتل بن حبان في تفسيره أنه أحد من نزل فيه: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [النحل: 106] وقوله تعالى: وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً [الفرقان: 30] . ترجمته في (الاستيعاب) : 452- 453، ترجمة رقم (107 ز) .(6/339)
فصل في ذكر إماء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
وأما الإماء:
فأم أيمن، بركة، قيل: كانت من الحبشة الذين قدموا لهدم البيت [الحرام] ، وقيل: هي بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصين بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان، وتعرف بأم الظّباء.
ورثها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من أبيه، وخمسة أباعر، وقطيع غنم، فأعتقها لما تزوج خديجة [رضى اللَّه عنها] ، ويقال: بل كانت مولاة أبيه فورث ولاءها، ويقال: كانت لأمّه فورثها منها فأعتقها، وقيل: كانت لأمه فأعتقها، وكانت تحضن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وتقوم عليه، وتلطف به بعد وفاة أمه.
وقال لها [جده عبد المطلب] : يا بركة، لا تغفلي عن ابني، فإنّي وجدته مع غلمان قريب من السدرة، وأن أهل الكتاب يزعمون أنه نبي هذه الأمة.
وتزوجت في الجاهلية بمكة عبيد بن عمرو بن بلال بن أبى الجرباء بن قيس بن مالك بن ثعلبة بن جشم بن مالك بن سالم، وهو الحبلىّ بن غنم ابن عوف بن الخزرج، فنقلها إلى يثرب، فولدت له أيمن بن عبيد، فكنيت به وغلبت عليها كنيتها.
ومات عنها عبيد فرجعت إلى مكة، فكانت فارغة لم تتزوج بعد، فلما ملك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم زيد بن حارثة، وبلغ زوّجها إياه فولدت له أسامة ابن زيد، وهي ممن هاجر الهجرتين،
وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: أم أيمن أمى بعد أمى، ويقول: هذه بقية أهل بيتي،
وكان يزورها، وكان أبو بكر وعمر رضى اللَّه عنهما يزورانها، كما كان عليه السّلام يزورها، وشربت(6/340)
بوله عليه السّلام.
توفّيت بعد وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بخمسة أشهر، وقيل: توفيت بعد عمر رضى اللَّه عنه، في زمن عثمان رضى اللَّه عنه، ولها فضائل مرويّة [ (1) ] وخضرة، ذكرها البلاذري في الإماء اللاتي أعتقهن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وذكرها أيضا ابن مندة [ (2) ] .
وأميمة، [خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (3) ] .
ورزينة، خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حديثها في فضل يوم عاشوراء، وقد قيل: إنها لصفية بنت حيي، روى حديثها أبو يعلى في مسندة [ (4) ] .
__________
[ (1) ] لها ترجمة في: (أعلام النساء) : 1/ 127- 128، (الإستيعاب) : 4/ 1793- 1795، ترجمة رقم (3252) ، (الإصابة) : 8/ 169- 173، ترجمة رقم (11898) ، (جمهرة أنساب العرب) :
355، (مسند أحمد) : 6/ 421، (طبقات ابن سعد) : 8/ 223- 227، (طبقات خليفة) :
331، (المعارف) : 144، 145، 150، 164، 239، (الجرح والتعديل) : 9/ 461، (المستدرك) : 4/ 63- 64، (تهذيب التهذيب) : 12/ 486، (خلاصة تذهيب الكمال) :
3/ 386، (شذرات الذهب) : 1/ 15.
[ (2) ] (الإصابة) : 7/ 609، ترجمة رقم (11095) ، (صفة الصفوة) : 1/ 78، وقال الحافظ في (الإصابة) : وذكرها البلاذري أيضا، ولها ذكر في تفسير سورة التحريم من كتاب ابن مردويه.
[ (3) ] قال أبو عمر في (الاستيعاب) : خدمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وحديثها عند أهل الشام، وقال الحافظ في (الإصابة) : روى عنها جبير بن نفير الحضرميّ، لها ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/ 1791، (الإصابة) : 7/ 516، ترجمة رقم (10868) ، (صفة الصفوة) : 1/ 78، (أعلام النساء) :
1/ 94، (عيون الأثر) : 2/ 314.
[ (4) ] رزينة- بفتح أولها، وقيل: بالتصغير، وقيل: بتقديم الزاى على الراء، مولاة صفية زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وهي أيضا خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال أبو عمر في (الاستيعاب) : حديثها عند البصريين في يوم عاشوراء، قال الحافظ في (الإصابة) : أخرجه ابن أبى عاصم، وابن مندة، من طريق عليلة- بمهملة مصغرة- بنت الكميت، حدثتني أمى أمينة، عن أمة اللَّه بنت رزينة، قالت: سألت أمي رزينة: ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول في صوم عاشوراء؟ قالت: إنه كان ليصومه ويأمرنا بصيامه. لفظ ابن مندة.
لها ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/ 1838، ترجمة رقم (3339) ، (الإصابة) : 7/ 644، ترجمة رقم (11170) ، (أعلام النساء) : 1/ 447.(6/341)
ورضوى، ذكرها الواقدي في الموالي النبويّة [ (1) ] .
وروضة، [خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] .
وربيحة، ذكرها البلاذري فيمن أعتقهن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] .
وسلمى، أم رافع، مولاة صفية بنت عبد المطلب، يقال لها: مولاة رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] ، وهي امرأة أبى رافع المذكور في الموالي، وهي التي قبلت فاطمة ابنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [في ولادتها] ، وكانت تقبل خديجة رضى اللَّه عنها في ولادتها إذا ولدت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وهي [التي] قبلت مارية أم إبراهيم ابن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكانت قابلة فاطمة الزهراء عليها السلام في الحسن والحسين ومحسن وزينب وأم كلثوم رضى اللَّه عنهم، وهي التي غسّلتها أيضا مع عليّ ومع أسماء بنت عميس رضى اللَّه عنهم، وشهدت خيبر، حديثها في مسند أبى يعلى [ (4) ] .
__________
[ (1) ] لها ترجمة في: (الإصابة) : 7/ 609، ترجمة رقم (11095) ، 645، ترجمة رقم (11172) ، (صفة الصفوة) : 1/ 78، (عيون الأثر) : 2/ 314، (تاريخ الخميس) : 2/ 180، (الوافي) :
1/ 87.
[ (2) ] ذكرها محمد بن هارون الروياني في مسندة، من طريق سفيان الثوري، عن رجل، عن كريب، عن ابن عباس، قال: كان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم جارية اسمها روضة وأورد الحافظ في (الإصابة) روضة أخرى، ثم
قال: ذكرها الطبري في (التفسير) ، في تفسير سورة النور، عند قوله تعالى: لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها [النور: 27] ، فأخرج من طريق هيثم، أخبرنا منصور، عن ابن سيرين، ويونس بن عبيد، عن عمر بن سعيد الثقفي، أن رجلا استأذن على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال:
أألج؟ فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لأمة له يقال لها روضة: قومي إلى هذا فعلميه، فإنه لا يحسن يستأذن، فقولي له: يقول: السلام عليكم، أأدخل؟ فسمعها الرجل فقالها، فقال: ادخل. (الإصابة) : 7/ 657- 658، ترجمة رقم (11195) ، (11196) .
[ (3) ] ربيحة، بالتصغير والمهملة، مولاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ذكرها ابن سعد في (الطبقات) ، والحافظ ابن حجر في (الإصابة) : 7/ 640، ترجمة رقم (11163) ، (عيون الأثر) : 2/ 314.
[ (4) ] ذكرها الحافظ في (الإصابة) ثم قال: وفي الترمذي من طريق فائد مولى أبى رافع، عن على بن(6/342)
وسيرين، أخت مارية القبطية، أهداهما جميعا المقوقس من مصر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فاتخذ مارية لنفسه، وأقامت عنده سيرين، حتى كانت غزاة المريسيع، وقال عبد اللَّه بن أبىّ بن سلول ما قال، وذكر جعيل بن سراقة وجهجاه، ما قالا، وكانا من فقراء المهاجرين.
قال ابن أبىّ: ومثل هذين يكثر على قومي، وقد أنزلنا محمدا في ذروة كنانة وعزها، واللَّه لقد كان جعيل يرضى أن يسكت فلا يتكلم، فصار اليوم يتكلم.
وقال ابن أبىّ في صفوان بن معطل، ورماه بما رماه به من الإفك، فقال حسان بن ثابت رضي اللَّه عنه:
أمسى الجلاليب قد راعوا وقد كثروا [ (1) ] ... وابن الفريعة أمسى بيضة البلد
__________
[ () ] عبيد اللَّه بن أبى رافع، عن جدته، وكانت تخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قالت: ما كان يكون برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قرحة [ولا نكبة] إلا أمرنى [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] أن أضع عليها الحناء.
(الإصابة) : 7/ 709- 710، (سنن الترمذي) : 4/ 343، كتاب الطب، باب (13) ما جاء في التداوي بالحناء، حديث رقم (2054) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، إنما نعرفه من حديث فائد، وروى بعضهم هذا الحديث عن فائد، وقال: عن عبيد اللَّه بن على عن جدته سلمى، وعبيد اللَّه بن على أصحّ، ويقال: سلمى، لها ترجمة في: (الوافي) : 1/ 87، (المواهب اللدنية) :
2/ 124، (تاريخ الخميس) : 2/ 180، (صفة الصفوة) : 1/ 78، (عيون الأثر) : 2/ 314، (تهذيب التهذيب) : 12/ 454، ترجمة رقم (2815) ، (أعلام النساء) : 2/ 254، (الاستيعاب) : 4/ 1862- 1863، ترجمة رقم (3383) ، (الإصابة) : 7/ 709- 710، ترجمة رقم (11325) .
[ (1) ] في (ديوان حسان) :
أمسى الخلابيس قد عزّوا وقد كثروا ... وابن الفريعة أمسى بيضة البلد
الخلابيس: الذين يأتون من هاهنا ومن هاهنا، ولم يعرف لها واحد، وكان المنافقون يسمون المهاجرين بالجلابيب، ويعنى حسان بأنه أمسى بيضة البلد، أنه أصبح كبيضة النعامة حين تتركها بالفلاة ولا تحتضنها. (الديوان) : 160.(6/343)
فلما قدموا المدينة جاء صفوان بن معطل إلى جعيل بن سراقة فقال:
انطلق بنا نضرب حسان، فو اللَّه ما أراد غيرك وغيري، ولنحن أقرب إلى رسول اللَّه منه، فأبى جعيل أن يذهب وقال: لا أفعل إلا أن يأمرني رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] ولا تفعل أنت حتى تؤامر رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] في ذلك.
فأبى صفوان عليه، فخرج مصلتا السيف حتى ضرب حسان بن ثابت في نادى قومه، فوثبت الأنصار إليه، فأوثقوه رباطا، وكان الّذي ولى ذلك منه ثابت بن قيس بن شماس، فأسره أسرا قبيحا، فمر بهم عمارة بن حزم فقال: ما تصنعون؟ أمرا من أمر رسول اللَّه ورضاه؟ أم من أمر فعلتموه؟
قالوا: ما علم به رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] ، قال: لقد اجترأت، خلّ عنه، ثم جاء به، وأشارت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يسوقهما، فقال حسان: يا رسول اللَّه! شهر عليّ السيف في نادي قومي، ثم ضربني لأن أموت، ولا أرانى إلا ميّتا من جراحتى، فأقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، علي صفوان فقال: ولم ضربته وحملت السلاح عليه؟ وغيّظ عليه، فقال: يا رسول اللَّه! آذاني وهجاني، وسفّه عليّ، وحسدني على الإسلام.
ثم أقبل حسان فقال: أسفهت على قوم أسلموا، ثم قال: احبسوا صفوان، فإن مات حسان فاقتلوه به، فخرجوا بصفوان، فبلغ سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه ما صنع بصفوان، فخرج إلى قومه من الخزرج حتى أتاهم فقال: عهدتم إلى رجل من قوم رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] تؤذونه، وتهجونه بالشعر وتشتمونه، فغضب لما قيل له، ثم أسرتموه أقبح الأسر، ورسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] بين أظهركم؟ قالوا: فإن رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] أمرنا بحبسه وقال: إن مات صاحبكم فاقتلوه، قال: واللَّه إن أحب إلى رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] للعفو، ولكن رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] قد قضى لكم بالحق، وإن رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] ليحب أن يترك صفوان، واللَّه لا أبرح حتى يطلق.(6/344)
فقال حسان: ما كان لي من حق فهو لك يا أبا ثابت، وأبى قومه، فغضب قيس ابنه غضبا شديدا وقال: عجبا لكم! ما رأيت كاليوم أن حسان قد ترك حقه، وتأبون أنتم، ما ظننت أن أحدا من الخزرج يردّ أبا ثابت في أمر يهواه، فاستحيا القوم وأطلقوه من الوثاق.
فذهب به سعد إلى بيته فكساه حلة، ثم
خرج صفوان حتى دخل المسجد ليصلّى فيه، فرآه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: صفوان؟ قالوا: نعم يا رسول اللَّه، قال: من كساه؟ قالوا: سعد بن عبادة، قال: كساه اللَّه من ثياب الجنة، ثم كلّم سعد بن عبادة حسان بن ثابت، فقال: لا أكلمك أبدا إن لم تذهب إلى رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] فتقول كل حق لي قبل صفوان فهو لك يا رسول اللَّه، فأقبل حسان في قومه حتى وقف بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال:
يا رسول اللَّه! كل حق لي قبل صفوان بن معطل فهو لك، قال: قد أحسنت وقبلت ذلك، وأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أرضا براحا، وهي بيرحاء وما حولها، وسيرين، وأعطاه سعد بن عبادة حائطا كان يجدّ مالا كثيرا عوضا له مما عفا عن حقه.
وقد روى أن حسان حبس صفوان، فلما برأ حسان أرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إليه فقال: يا حسان، أحسن فيما أصابك، فقال: هو لك يا رسول اللَّه، فأعطاه براحا، وأعطاه سيرين عوضا، فولدت له عبد الرحمن ابن سيرين.
وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا فائد مولى عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن على بن أبى رافع، عن جدته سلمى، قالت: كان خدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أنا، وخضرة، ورضوى، وميمونة بنت سعد، أعتقهن رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] كلهن [ (1) ] .
__________
[ (1) ] لها ترجمة في: (مغازي الواقدي) : 2/ 436- 438، (الإصابة) : 7/ 722- 723، ترجمة(6/345)
وميمونة، بنت أبى عنبسة بن سعيد، مولاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، روت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في الدعاء، قاله ابن عبد البر [ (1) ] ، ولها في مسند الإمام أحمد حديث:
__________
[ () ] رقم (11360) ، (الإصابة) : 7/ 722- 723، ترجمة رقم (11360) ، (الإستيعاب) :
4/ 1868، ترجمة رقم (3396) ، (أعلام النساء) : 2/ 278، (عيون الأثر) : 2/ 314، (سيرة ابن هشام) : 4/ 272.
[ (1) ] قال ابن عبد البر في (الاستيعاب) بعد ذكر ميمونة بنت الحارث الهلالية زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم-: ميمونة أخرى مولاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حديثها عند أهل الشام في فضل بيت المقدس، إن أشد عذاب القبر في الغيبة والبول. روى عنها زياد بن أبى سودة، والقاسم بن عبد الرحمن. (ترجمة رقم (4100) .
ثم قال: ميمونة بنت سعد، مولاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، روى عنها أبو يزيد الضبيّ، أيوب بن أبى خالد حديثا مرفوعا في قبلة الصائم، وعتق ولد الزنا، حديث ليس بالقوى ترجم رقم (4101) .
ثم قال: ميمونة بنت أبى عنبسة [أو أبى عسيب] ، مولاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، روت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في الدعاء. ترجمة رقم (4102) .
قال الحافظ في (الإصابة) : ميمونة بنت سعد، ويقال: سعيد، كانت تخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وروت عنه، وروى عنها زياد، وعثمان ابنا أبى سودة، وهلال بن أبى هلال، وأبو يزيد الضبيّ، وآمنة بنت عمر بن عبد العزيز، وأيوب بن خالد بن صفوان، وطارق بن عبد الرحمن، وغيرهم.
روى لها أصحاب السنن الأربعة، مما أخرج لها بعضهم ما رواه معاوية بن صالح، عن زياد بن أبى سودة، عن ميمونة، وليست زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أنها قالت: يا رسول اللَّه، أفتنا عن بيت المقدس، قال:
أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه ... الحديث.
ثم قال الحافظ: قد صرح زياد بن أبى سودة بأن التي روى عنها ميمونة بنت سعد، فالظاهر أنهما واحدة، وسبق ابن عبد البر إلى التفرقة بينهما، أبو على بن السكن، فقال: ميمونة بنت سعد، مولاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، رويت عنها أحاديث، ثم
ساق من طريق عكرمة بن عمار، عن طارق بن القاسم، عن ميمونة مولاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: يا ميمونة، تعوذى باللَّه من عذاب القبر، قالت: وإنه لحق؟ قال: نعم،
والغيبة والبول،
من طريق أبى يزيد الضبيّ، عن ميمونة مولاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قالت: سئل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، عن ولد الزنا، فقال: لا خير فيه ... الحديث.
قال: وهذا أخرجه الزهري من هذا الوجه،
ومن طريق أيوب بن خالد، عن ميمونة بنت سعد، خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: مثل الرافلة [المتبخترة] في الزينة [في غير أهلها] كمثل الظلمة لا نور فيها، ثم قال: ميمونة مولاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.(6/346)
سئل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن ولد الزنا فقال: لا خير فيه، نعلان أجاهد بهما [ (1) ] في سبيل اللَّه أحب إلى من أن أعتق ولد الزنا [ (2) ] .
وحديث: يا نبي اللَّه! أفتنا في بيت [ (3) ] المقدس، قال: أرض المنشر والمحشر [ائتوه] [ (4) ] فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة، [فيما سواه [ (4) ]] قالت: أرأيت من لم يطق أن يتحمل إليه أو يأتيه؟ قال: فيهدي إليه زيتا يسرج فيه، فإن من أهدى له كان كمن صلّى فيه [ (5) ] .
ولها أيضا حديث: الرافلة في الزينة في غير أهلها، كانت كالظلمة يوم القيامة، لا نور لها [ (6) ] .
وأم ضميرة، تقدم لها ذكر في خبر ابنها ضميرة، وأنهما [أعتقهما] [ (7) ] .
وأم عيّاش، كانت تخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وبعث بها مع ابنته رقية لما تزوجها عثمان رضي اللَّه عنهما. قالت: كنت أمغث لعثمان التمر غدوة فيشربه
__________
[ (1) ] في (خ) : «أهديهما» ، وما أثبتناه من (المسند) .
[ (2) ] (مسند أحمد) : 6/ 463، حديث ميمونة بنت سعد، الحديث رقم (27077) .
[ (3) ] في (خ) : «أرض المقدس) ، وما أثبتناه من (المسند) .
[ (4) ] زيادة للسياق من (المسند) .
[ (5) ] (مسند أحمد) : 6/ 463، حديث ميمونة بنت سعد، الحديث رقم (27079) .
[ (6) ] لها ترجمة في: (الإصابة) : 8/ 129- 131، ترجمة رقم (11780) ، (11781) ، (الاستيعاب) : 4/ 1918- 1919، ترجمة رقم (1401) ، (1402) ، (1403) ، (الوافي) :
1/ 87، (تاريخ الخميس) : 2/ 180، (صفة الصفوة) : 1/ 87، (عيون الأثر) : 2/ 314، (تهذيب التهذيب) : 21/ 481، ترجمة رقم (2899) ، (أعلام النساء) : 5/ 140- 141، (ذيل تاريخ الطبري) : 11/ 621، (طبقات ابن سعد) : 8/ 223، (خلاصة تذهيب الكمال) :
3/ 393، ترجمة رقم (152) ، (الثقات) : 3/ 408.
[ (7) ] (الإصابة) : 3/ 495- 496، ترجمة رقم (4208 ز) ، (الاستيعاب) : 4/ 1695، ترجمة رقم (3051) .(6/347)
عشية، وأنبذه عشية فيشربه غدوة [فسألني ذات يوم، فقال: تخلطين فيه شيئاً؟ قلت: أجل، قال فلا تعودي] [ (1) ] ، قال ابن عبد البر: روى عنها عنبسة بن سعيد، وحديثها منقطع الإسناد [ (2) ] .
وريحانة، تقدم ذكرها.
ونفيسة [ (3) ] ، وهبتها له زينب بنت جحش [رضى اللَّه عنها] .
ومارية، جدة المثنى بن صالح بن مهران، لها حديث: صافحت رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] فلم أر ألين من كفه.
ومارية، أم الرباب، تطأطأت للنّبيّ عليه السّلام حتى صعد حائطا ليلة فرّ من المشركين. عدّها ابن عبد البرّ من خدام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال في هذه: لا أدرى أهي الأولى قبلها أم لا؟ [ (4) ] .
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من الإصابة.
[ (2) ] لها ترجمة في: (الإستيعاب) : 4/ 1949، ترجمة رقم (4192) ، (الإصابة) : 8/ 271، ترجمة رقم (12190) .
[ (3) ] نفيسة، جارية زينب بنت جحش، وهبتها للنّبيّ (صلّى اللَّه عليه وسلم) لما رضى عليها، بعد أن كان غضب عليها وهجرها شهرا، سماها عليّ بن أحمد بن يوسف في كتاب (أخبار النساء) ، وأصل القصة عند أحمد ولم يسمّها.
(الإصابة) : 8/ 143، ترجمة رقم (11819) .
[ (4) ] لها ترجمة في: (المواهب اللدنية) : 2/ 124، (الوافي) : 1/ 87، (تاريخ الخميس) : 2/ 180، (صفة الصفوة) : 1/ 78، (عيون الأثر) : 1/ 314، (أعلام النساء) : 5/ 11، (الاستيعاب) :
4/ 1911، ترجمة رقم (4090) ، وهي التي قال فيها: لا أدرى أهي الأولى قبلها أم لا، 4/ 1913، ترجمة رقم (4092) ، (الإصابة) : 8/ 113- 114، ترجمة رقم (11738) ، (11739) .(6/348)
فصل في ذكر خدّام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سوى مواليه جماعة يخدمونه، منهم:
أنس بن مالك [ (1) ] ، والأسلع بن شريك الأعرجي [ (2) ] ، وأسماء بن حارثة الأسلمي أخو هند [ (3) ] ،.
__________
[ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[ (2) ] قال ابن عبد البر في (الاستيعاب) : أسلع بن شريك الأعوجي [بالواو] التيمي، خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وصاحب راحلته، نزل البصرة، روى عنه زريق المالكي. ترجمة رقم (148) ، ثم قال: أسلع بن الأسقع الأعرابي، له صحبة، روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في التيمم: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين.
لا اعلم له غير هذا الحديث، ولم يرو عنه غير الربيع بن بدر عن أخيه فيما علمنا، وفيه وفي الّذي قبله نظر. ترجمته رقم (149) .
وقال الحافظ ابن حجر في (الإصابة) : الأسلع الأعرجي [بالراء] من بنى الأعرج بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، قال ابن السكن: حديثه في البصريين، وفيه نظر.
وقال ابن حبان في (الثقات) : الأسلع السعدي رجل من بنى الأعرج بن كعب، يقال: إن له صحبة، ولكن في إسناد خبره الربيع بن بدر، (الاستيعاب) : 1/ 139، ترجمة رقم (148) ، (149) ، (الإصابة) : 1/ 58، ترجمة رقم (122) ، (الثقات) : 3/ 20.
[ (3) ] أسماء بن حارثة الأسلمي، يكنى أبا محمد، ينسبونه: أسماء بن حارثة بن هند بن عبد اللَّه بن غياث بن سعد بن عمرو بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى الأسلمي، وهو أخو هند بن حارثة، وكانوا إخوة عددا، وكان أسماء وهند من أهل الصفة. قال أبو هريرة: ما كنت أرى أسماء وهندا ابني حارثة إلا خادمين لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من طول ملازمتهما بابه وخدمتهما إياه صلّى اللَّه عليه وسلم. ذكره ابن عبد البر.
وفي (الإصابة) : أسماء بن حارثة بن سعيد بن عبد اللَّه بن غياث بن سعد بن عمرو بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى الأسلمي.
قال ابن سعد عن الواقدي: مات أسماء سنة ست وستين بالبصرة، وهو بن ثمانين سنة، وكان من أهل الصفة. قال: وقال الواقدي: مات في خلافة معاوية أيام زياد، وكان موت زياد سنة ثلاث وخمسين.
(الاستيعاب) : 1/ 86- 87، ترجمة رقم (38) ، (الإصابة) : 1/ 64، ترجمة رقم (137) ،(6/349)
وبلال [ (1) ] ، وبكير [ (2) ] ، ويقال بكر بن شداخ، وذو مخمر [ (3) ] ، وربيعة بن كعب بن مالك بن يعمر أبو فراس الأسلمي [ (4) ] ، وسعد مولى أبى بكر رضى اللَّه عنه [ (5) ] ، وعبد اللَّه بن مسعود [ (6) ] ، وأبو حذيفة: اسمه أبو حذيفة المهاجر
__________
[ () ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 497، (المستدرك) : 3/ 607- 608.
[ (1) ] بلال بن رباح، مؤذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أمه حمامه، اشتراه أبو بكر الصديق من المشركين لما كانوا يعذبونه على التوحيد فأعتقه، فلزم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأذّن له، وشهد معه جميع المشاهد، وآخى النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم بينه وبين أبى عبيدة بن الجراح. قال البخاري: مات بالشام زمن عمر. له ترجمة في: (المستدرك) :
3/ 318- 323، كتاب معرفة الصحابة، ذكر بلال بن رباح، (الإصابة) : 1/ 326- 327، ترجمة رقم (736) ، (الاستيعاب) : 1/ 178- 182، ترجمة رقم (212) ، (طبقات ابن سعد) :
3/ 232- 239.
[ (2) ] بكر بن الشداخ الليثي، ويقال له بكير، روى ابن مندة من طريق أبى بكر الهذلي، عن عبد الملك بن يعلى الليثي، أن بكر بن الشداخ الليثي، كان ممن يخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو غلام. له ترجمة في:
(الإصابة) : 1/ 324، ترجمة رقم (728) .
[ (3) ] ذو مخبر ويقال: ذو مخمر، وكان الأوزاعي يأبى في اسمه إلا ذو مخمر- بالميمين- لا يرى غير ذلك، وهو ابن أخى النجاشىّ، وقد ذكره بعضهم في موالي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، له أحاديث عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، مجرها عن أهل الشام، وهو معدود فيهم. له ترجمة في (الاستيعاب) : 2/ 475، ترجمة رقم (723) ، (الإصابة) : 2/ 417- 418، ترجمة رقم (2471) .
[ (4) ] روى مسلم حديثه من طريق أبى سلمة، عن ربيعة بن كعب قال: كنت أبيت على باب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وأعطيه الوضوء فأسمعه الهوى [الحين الطويل من الزمان وهو مختص بالليل] من الليل يقول: سمع اللَّه لمن حمده، وكان من أهل الصفة، مات بالحرة سنة ثلاث وستين في ذي الحجة. له ترجمة في:
(الإصابة) : 2/ 474- 475، ترجمة رقم (2625) ، (الاستيعاب) : 2/ 494، ترجمة رقم (765) .
[ (5) ] سعد مولى أبى بكر الصديق، ويقال: سعيد، والأول أشهر وأصح، روى حديثه ابن ماجة، وأشار إليه الترمذي، وهو من رواية الحسن البصري عنه، أنه كان يخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فذكر الحديث في قران التمر، له ترجمة في: (الإصابة) : 3/ 89، ترجمة رقم (3222) ، (الاستيعاب) : 2/ 612، ترجمة رقم (970) .
[ (6) ] عبد اللَّه بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث ابن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس ابن مضر بن نزار. الإمام الحبر فقيه الأمة، أبو عبد الرحمن الهذلي المكىّ المهاجري البدريّ، حليف بنى زهرة. كان من السابقين الأولين، ومن النجباء العاملين، شهد بدرا، وهاجر الهجرتين، وكان يوم اليرموك على النفل، ومناقبه غزيرة،(6/350)
مولى أم سلمة رضى اللَّه عنها، خدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سبع سنين، وشهد فتح مصر، واختطّ بها، وسكن طحا- من صعيد مصر- وبها مات سنة ستين، وقيل لم يشهد الفتح، وإنما قدمها مهاجر مولى أم سلمة [ (1) ] ، وأبو السبع [ (2) ] في آخرين، يتصرفون في شئونه، صلّى اللَّه عليه وسلم.
فمنهم من يلازم بابه، ومنهم من يلي طهوره، ومنهم من يمسك دابته، ومنهم يقوم على رأسه، ومنهم من يرعى نعمه وشاءه، إلى غير ذلك كما ستراه إن شاء اللَّه تعالى.
__________
[ () ] وروى علما كثيرا، مات ابن مسعود بالمدينة، ودفن بالبقيع سنة اثنتين وثلاثين، وقيل: ثلاث وثلاثين، وعاش ثلاثا وستين سنة، له ترجمة في: (مسند أحمد) : 1/ 374- 384، (طبقات خليفة) 16، 126، (تاريخ خليفة) : 101، 166، (التاريخ الصغير) : 60، (المعارف) : 249، (الجرح والتعديل) : 5/ 149، (حلية الأولياء) : 1/ 124- 139، (تاريخ بغداد) : 1/ 147- 150، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 288- 290، (كنز العمال) : 13/ 460- 469، (الاستيعاب) : 3/ 987، ترجمة رقم (1659) ، (الإصابة) : 4/ 233، ترجمة رقم (4957) ، (سير الأعلام) : 1/ 461- 500، ترجمة رقم (87) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 42، ترجمة رقم (8) ، (الثقات) : 3/ 208، (شذرات الذهب) : 1/ 38.
[ (1) ] ذكره أبو سعيد بن يونس، وأخرج الحسن بن سفيان، وابن السكن، ومحمد بن الربيع الجيزى، والطبري، وابن مندة، من طريق بكير مولى عمرة: سمعت المهاجر يقول: خدمت رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وسلم) سنين، فلم يقل لي لشيء صنعته لم صنعته؟، ولا لشيء تركته لم تركته؟ (الاصابة) : 6/ 230، ترجمة رقم (8263) ، (الاستيعاب) : 4/ 1454، ترجمة رقم (2505) .
[ (2) ] أبو السبع بن عبد قيس الأنصاري، شهد بدرا، واسمه ذكوان ويكنى أيضا بأبي اليسع، ذكره موسى ابن عقبة، وأبو الأسود في أهل العقبة، وفيمن استشهد بأحد. (الإصابة) : 2/ 405- 406، ترجمة رقم (2438) ، (الاستيعاب) : 2/ 466، ترجمة رقم (710) ، (الإصابة) : 7/ 169، ترجمة رقم (9988) .(6/351)
فصل في ذكر من كان يلازم باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
اعلم أنه كان عدة من الصحابة يلازمون باب النبي عليه السلام، منهم:
أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر ابن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري النجّارى أبو حمزة، أمه أم سليم نهلة، وقيل: رميلة، وقيل: مليكة بنت ملحان بن مالك بن زيد بن حرام ابن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصارية.
كان مقدم النبي عليه السلام المدينة [وهو] [ (1) ] ابن عشر سنين، وقيل:
ابن ثمان سنين، وخرج مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين توجّه إلى بدر وهو غلام يخدمه، فخدمه عشرين سنة [ (2) ] .
خرّج البخاري في الأدب المفرد من حديث جرير بن حازم، عن سلمة العلويّ قال: سمعت أنسا يقول: كنت خادما للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، وكنت أدخل بغير استئذان، فجئت يوما فقال: كما أنت يا بنى، قد حدث بعدك أمر، لا تدخلن إلا بإذن.
ومات سنة إحدى وتسعين، وقيل: ثنتين وتسعين، وقيل: ثلاث وتسعين، عن مائة وثلاث سنين، وقيل: مائة وعشر سنين، وقيل: مائة وسبع سنين، وقيل: مائة إلا سنة، وهو أصحّ.
وهند بن حارثة [ (3) ] بن هند بن عبد اللَّه بن غياث بن سعد بن عمرو بن
__________
[ (1) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (2) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[ (3) ] (الإصابة) : 1/ 64، ترجمة رقم (137، (6/ 556، ترجمة رقم (1090) ، (الاستيعاب) :
4/ 1544، ترجمة رقم (2698) .(6/352)
عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى الأسلمي، ويقال: هند بن حارثة بن سعيد بن عبد اللَّه بن غياث بن سعد بن عمرو الأسلمي الحجازي، شهد بيعة الرضوان مع إخوة له سبعة، ومات في خلافة معاوية.
وأخوه:
أسماء بن حارثة [ (1) ] ، أبو محمد، كانا من أهل الصّفّة، ولزما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال أبو هريرة رضي اللَّه عنه: ما كنت أرى أسماء وهند ابني حارثة إلا خادمين لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، من طول لزومهما بابه، وخدمتهما إياه.
وفي المسند للإمام أحمد، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعثه يأمر قومه بالصيام يوم عاشوراء [ (2) ] . وذكر ابن سعد أنه كان من أهل الصفة [ (3) ] ، وقال الواقدي [ (4) ] :
كان خدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الذين لا يريمون بابه: أنس بن مالك، وهند وأسماء ابني حارثة، وكان أبو هريرة يقول: ما كنت أظنهما إلا مملوكين لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (5) ] ، وتوفي أسماء بالبصرة سنة ست وستين عن ثمانين سنة.
وربيعة بن كعب بن مالك بن يعمر الأسلمي أبو فراس، من أهل الصفّة،
__________
[ (1) ] (الإصابة) : 1/ 64، ترجمة رقم (137) ، 6/ 556، ترجمة رقم (1090) ، (الاستيعاب) :
4/ 1544، ترجمة رقم (2698) .
[ (2) ] (مسند أحمد) : 4/ 78، حديث رقم (16275) : عن يحيى بن هند بن حارثة عن أبيه- وكان من أصحاب الحديبيّة- وأخوه الّذي بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يأمر قومه بصيام يوم عاشوراء، وهو
أسماء بن حارثة: «أن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وسلم) بعثه فقال: مر قومك فليصوموا هذا اليوم، قال: أرأيت إن وجدتهم قد طعموا؟ قال: فليتموا بقية يومهم» .
[ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 497، 504، 2/ 376، 4/ 323.
[ (4) ] (مغازي الواقدي) : 659، 799.
[ (5) ] (الإصابة) : 1/ 64.(6/353)
كان يلازم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في السفر والحضر، وصحبه قديما، وسأله مرافقته في الجنة، فقال له: أعنّي على نفسك بكثرة السجود، وأخرج له الستة إلا البخاري. مات سنة ثلاث وستين [ (1) ] .
فصل في ذكر الحاجب الّذي كان يستأذن على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غير واحد، يستأذنون لدخول الصحابة رضي اللَّه عنهم عليه، منهم:
أنس بن مالك الأنصاري، رضي اللَّه عنه [ (2) ] .
ورباح الأسود، أحد الموالي [ (2) ] .
وأنسة أبو مسروح [ (2) ] ، وتقدم ذكرهم.
وعويم بن ساعدة [ (3) ] ، الّذي شهد العقبتين، وبدرا، وأحدا، ومات في حياة النبي عليه السلام [ (4) ] ، وقيل: مات في خلافة عمر رضى اللَّه عنه، وهو ابن خمس أو ست وستين سنة [ (5) ] .
وذكر الواقدي أن عبد اللَّه بن أبى بن سلول لما جاء بحلفائه يريد أن يكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يقرّ [يهود] قينقاع في ديارهم بعد ما نزلوا على حكمه، وجد [على باب] النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عويم بن ساعدة، فذهب ليدخل، فردّه عويم وقال: لا تدخل حتى يؤذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بك، فدفعه ابن أبى،
__________
[ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[ (2) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمتهم.
[ (3) ] عويم- بصيغة التصغير، ليس في آخره راء- هو ابن ساعدة ابن عائش- وقيل عابس- بن قيس بن النعمان بن زيد بن أمية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي، وقيل في نسبه غير ذلك.
[ (4) ] هذا قول الواقدي.
[ (5) ] (الاستيعاب) : 3/ 1248.(6/354)
فغلظ عليه عويم حتى جحش وجه ابن أبى الجدار فسال الدم، فتصايح حلفاؤه من يهود وقالوا: أبا الحباب، لا نقيم [أبدا] [ (1) ] بدار أصاب وجهك فيها هذا، لا نقدر على أن نغيّره، فجعل ابن أبى يصيح عليهم، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: ويحكم، فرّوا! فجعلوا يتصايحون: لا نقيم أبدا بدار أصاب وجهك [فيها] [ (1) ] هذا، لا نستطيع له غيرا [ (2) ] .
وفي مسند الإمام أحمد، عن نافع بن عبد الحارث [ (3) ] بن جبلة بن عمير الخزاعي قال: خرجت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى دخل حائطا فقال: أمسك عليّ الباب، فجاء حتى جلس على القف ودلى رجليه في البئر، فضرب الباب، فقلت: من هذا؟ قال: أبو بكر؟ قلت: يا رسول اللَّه! هذا أبو بكر، قال: ائذن له وبشره بالجنة الحديث [ (4) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق.
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 102، 159، 178، 305، 405، 498، 516، 1048، 1037، (الاستيعاب) : 3/ 1248، ترجمة رقم (2052) ، (الإصابة) : 745- 746، ترجمة رقم (6116) .
[ (3) ] في (خ) : «عبد الوارث» ، وما أثبتناه من (المسند) .
[ (4) ] (مسند أحمد) : 3/ 408، حديث رقم (14949 (، (14950) لكن الحديث الأول ذكره مطولا، والحديث الثاني مختصرا.(6/355)
فصل في ذكر صاحب طهور رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
الطّهور بفتح الطاء: اسم الماء، وكل ماء نظيف طهور.
اعلم أنه كان على طهور النبي عليه السّلام غير واحد، منهم:
عبد اللَّه بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فارس بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بفتح الهاء ابن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، أبو عبد الرحمن الهذلي، حليف بنى زهرة، حالف أبوه مسعود بن غافل في الجاهلية عبد بن الحارث بن زهرة، وأمه وأم عبد اللَّه هي أم عبد بنت عبد ودّ بن سواء، من هذيل.
أسلم في أول الإسلام، وذلك أنه كان يرعى غنما لعقبة بن أبى معيط، فمرّ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأخذ شاة حائلا [ (1) ] من تلك الغنم، فدرّت عليه لبنا غزيرا، ثم ضمّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إليه فكان يلج [ (2) ] عليه، ويلبسه نعليه، ويمشى أمامه ومعه، ويستره إذا اغتسل، ويوقظه إذا نام، وقال له: إذنك عليّ أن ترفع الحجاب، وأن تسمع سوادي حتى أنهاك.
وكان يعرف في الصحابة بصاحب السواد والسواك، شهد بدرا وما بعدها، وهاجر الهجرتين جميعا، وصلّى القبلتين، وشهد له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بالجنة، وبعثه عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه في خلافته إلى أهل الكوفة معلّما، حتى أقدمه منها عثمان رضى اللَّه عنه إلى المدينة وبها مات سنة ثلاثين عن بضع وستين سنة، وصلّى عليه الزبير بن العوام، وفضائله
__________
[ (1) ] حائل: ليس بها حمل ولا لبن.
[ (2) ] يلج: يدخل.(6/356)
كثيرة [ (1) ] .
وأنس بن مالك رضى اللَّه عنه [ (2) ] ، قال ابن سعد: أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا يونس بن أبى إسحاق، أخبرنا المنهال بن عمرو قال: كان أنس صاحب نعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأداوته [ (3) ] .
ثبت في صحيح مسلم من حديث عطاء بن أبى ميمونة، عن أنس قال:
كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يتبرز لحاجته، فآتيه بالماء فيغتسل به [ (4) ] .
وخرجه البخاري أيضا، ولفظه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا تبرز لحاجته، أتيته بماء فيغسل به. ذكره في باب ما جاء في غسل البول [ (5) ] .
وفي لفظ لمسلم: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل الماء أنا وغلام نحوي أداوة من ماء وعنزة [ (6) ] ، فيستنجي بالماء [ (7) ] .
ولفظ البخاري: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدخل الخلاء، فأحمل أنا وغلامه إداوة من ماء، وعنزة، يستنجى بالماء. ترجم عليه باب حمل العنزة مع الماء
__________
[ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[ (2) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 482.
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 166- 167، كتاب الطهارة، باب (12) ، الاستنجاء بالماء من التبرز، حديث رقم (71) .
[ (5) ] (فتح الباري) : 1/ 426، كتاب الوضوء، باب (56) ، ما جاء في غسل البول، حديث رقم (217) .
[ (6) ] العنزة بفتح العين والزاى: عصا طويلة كان النبي (صلّى اللَّه عليه وسلم) ينصبها بين يديه لتكون حائلا يصلّى إليه.
[ (7) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 166، حديث رقم (271) .(6/357)
في الاستنجاء [ (1) ] .
وذكر في باب الاستنجاء بالماء، من حديث شعبة، عن أبى معاذ- واسمه عطاء بن أبى ميمونة- قال: سمعت أنس بن مالك رضى اللَّه عنه يقول: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خرج لحاجته، أجيء أنا وغلام معنا إداوة من ماء يعنى يستنجى به [ (2) ] .
وذكره في باب من حمل معه الماء لطهوره [ (3) ] ، وذكره أيضا في كتاب الصلاة، في باب الصلاة إلى العنزة، ولفظه: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خرج لحاجته تبعته أنا وغلام منا معنا عكازة، أو عصا، أو عنزة، ومعنا إداوة، فإذا فرغ من حاجته ناولناه الإداوة [ (4) ] .
وعبد اللَّه بن عباس [ (5) ] ، رضى اللَّه عنهما،
خرّج البخاري ومسلم من حديث ورقاء، عن عبيد اللَّه بن أبى يزيد، عن ابن عباس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دخل
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 335، كتاب الوضوء، باب (17) حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء، حديث رقم (152) .
[ (2) ] (فتح الباري: (1/ 333، كتاب الوضوء، باب (15) الاستنجاء بالماء، حديث رقم (150) .
[ (3) ] ولفظه: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خرج لحاجته تبعته وأنا غلام، ومنا معنا إداوة من ماء» حديث رقم (151) .
[ (4) ] ولفظه: «كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خرج لحاجته تبعته أنا وغلام، ومعنا عكازة، أو عنزة، أو عصا، فإذا فرغ من حاجته ناولناه الإداوة» حديث رقم (500) .
[ (5) ] هو عبد اللَّه بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، أبو العباس، ابن عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أمه أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية.
عن ابن عمر أنه كان يقرّب ابن عباس، ويقول: إني رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دعاك فمسح رأسك وتفل في فيك، وقال: اللَّهمّ فقهه في الدين وعلمه التأويل.(6/358)
الخلاء، فوضعت له وضوءا، قال: من وضع هذا؟ فأخبر، فقال: اللَّهمّ فقهه في الدين.
ذكره البخاري في باب وضع الماء عن الخلاء [ (1) ] . ولفظ مسلم: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أتى الخلاء، فوضعت له وضوءا، فلما خرج قال: من وضع هذا؟
في رواية زهير [بن حرب] قالوا، وفي رواية أبى بكر [بن أبى النّضر] : قلت:
__________
[ () ] وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه سكب للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم وضوءا عند خالته ميمونة، فلما فرغ قال: من وضع هذا؟ فقالت: ابن عباس، فقال: اللَّهمّ فقهه في الدين وعلمه التأويل.
وقال ابن سعد بسنده عن ابن عباس: دعاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فمسح على ناصيتي وقال: اللَّهمّ علمه الحكمة وتأويل الكتاب.
واتفقوا على أنه مات بالطائف سنة ثمان وستين، واختلفوا في سنه، فقيل: ابن إحدى وسبعين. وقيل: ابن اثنتين، وقيل: ابن أربع، والأول أقوى. (الإصابة) :
4/ 141- 152، ترجمة رقم (4784) ، (الاستيعاب) : 3/ 933- 939، ترجمة رقم (1588) ، (المستدرك) : 3/ 614- 625، (التاريخ الكبير) : 5/ 3، (التاريخ الصغير) : 1/ 126، (الجرح والتعديل) : 5/ 116، (حلية الأولياء) : 1/ 314، (جمهرة أنساب العرب) : 19، (تاريخ بغداد) :
1/ 173، (جامع الأصول) : 9/ 63، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 274، (وفيات الأعيان) :
3/ 62، (المطالب العالية) : 1/ 114، (سير أعلام النبلاء) : 3/ 331- 351، ترجمة رقم (51) ، (الثقات) : 3/ 208، (أسماء الصحابة الرواة) : 40، ترجمة رقم (5) .
[ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 325، كتاب الوضوء، باب (10) وضع الماء عند الخلاء، حديث رقم (143) ، والخلاء: المكان الخالي، واستعمل في المكان المعد لقضاء الحاجة مجازا.
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «فأخبر» فإن ميمونة بنت الحارث خالة ابن عباس هي المخبرة بذلك. قال التيمي: فيه استحباب المكافأة بالدعاء، وقال ابن المنير: مناسبة الدعاء لابن عباس بالتفقه على وضعه الماء من جهة أنه تردد بين ثلاثة أمور: إما أن يدخل إليه بالماء إلى الخلاء، أو يضعه على الباب لتناوله من قرب، أو لا يفعل شيئا، فرأى الثاني أوفق، لأن في الأول تعرضا للاطلاع، والثالث يستدعى مشقة في طلب الماء، والثاني أسهل، ففعله يدل على ذكائه، فناسب أن يدعى له بالتفقه في الدين ليحصل به النفع، وكذا كان. (المرجع السابق) .(6/359)
ابن عباس، قال: اللَّهمّ فقهه [ (1) ] .
وقيس بن سعد بن عبادة [ (2) ] ،
خرّج الحاكم [من حديث] وهب بن جرير، حدّثنا أبى قال: سمعت منصور بن زاذان، يحدث عن ميمون بن أبى شبيب، عن قيس بن سعد بن عبادة، أن أباه دفعه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يخدمه، قال: فأتى عليّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقد صليت ركعتين، فضربني برجله وقال: ألا أدلّك على باب من أبواب الجنة؟ قلت: بلى يا رسول اللَّه، قال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 270، كتاب فضائل الصحابة، باب (30) ، فضائل عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنهما، حديث رقم (138) ، وما بين الحاصرتين من (خ) فقط.
[ (2) ] هو قيس بن سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري، مختلف في كنيته، فقيل: أبو الفضل، وأبو عبد اللَّه، وأبو عبد الملك. وذكر ابن حبان أن كنيته أبو القاسم، وأمه بنت عم أبيه، واسمها فكيهة بنت عبيد ابن دليم. وقال ابن عيينة. عن عمرو بن دينار: كان قيس ضخما، حسنا، طويلا، إذا ركب الحمار خطت رجلاه الأرض. وقال الواقدي: كان سخيا كريما داهية.
وفي (مكارم الأخلاق) للطبراني، من طريق عروة بن الزبير: كان قيس بن سعد بن عبادة يقول:
اللَّهمّ ارزقني ما لا، فإنه لا يصلح الفعال إلا بالمال.
وفي (صحيح البخاري) ، عن أنس: كان قيس بن سعد من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير. وأخرج البخاري في (التاريخ) من طريق خريم بن أسد، قال: رأيت قيس بن سعد وقد خدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عشر سنين.
وقال أبو عمر في (الاستيعاب) : كان أحد الفضلاء الجلة، من دهاة العرب، من أهل الرأى والمكيدة في الحرب، مع النجدة والسخاء والشجاعة، وكان شريف قومه غير مدافع، وكان أبوه وجده كذلك. قال خليفة وغيره: مات في آخر خلافة معاوية بالمدينة. (الاستيعاب) : 3/ 1289- 1293، ترجمة رقم (2134) ، (الإصابة) : 5/ 473- 475، ترجمة رقم (7182) ، (الثقات) : 3/ 339.
[ (3) ] (المستدرك) : 4/ 290، كتاب الأدب، حديث رقم (7787/ 109) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم.(6/360)
والمغيرة بن شعبة [ (1) ] ، قال الواقدي في مغازيه: وكان المغيرة بن شعبة يقول: كنا بين الحجر وتبوك، فذهب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لحاجته، وكان إذا ذهب أبعد، وتبعته بماء بعد الفجر، فأسفر الناس بصلاتهم، وهي صلاة الصبح، حتى خافوا الشمس، فقدّموا عبد الرحمن بن عوف فصلّى بهم، فحملت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إداوة فيها ماء.
فلما فرغ صببت عليه فغسل وجهه، ثم أراد أن يغسل ذراعيه، فضاق كم الجبة- وعليه جبّة رومية- فأخرج يديه من تحت الجبة، فغسلهما، ومسح خفّيه، وانتهينا إلى عبد الرحمن بن عوف، وقد ركع بالناس ركعة، فسبح الناس بعبد الرحمن بن عوف، حين رأوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى كادوا أن يفتتنوا.
فجعل عبد الرحمن يريد أن ينكص وراءه، فأشار إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أن اثبت، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خلف عبد الرحمن ركعة، فلما سلّم عبد الرحمن تواثب الناس،
وقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقضى الركعة الباقية، ثم سلّم بعد فراغه منها ثم قال: أحسنتم، إنه لم يتوفّ نبيّ حتى يؤمه رجل صالح من أمته [ (2) ] .
وله طرق ترد إن شاء اللَّه تعالى في اللباس، عند ذكر الجبة.
__________
[ (1) ] هو المغيرة بن شعبة بن أبى عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف ابن قيس، وهو ثقيف الثقفي، يكنى أبا عبد اللَّه، وقيل: أبا عيسى، وأمه امرأة من بنى نصر بن معاوية.
أسلم عام الخندق، وقدم مهاجرا، وقيل: إن أول مشاهد الحديبيّة، توفي سنة خمسين من الهجرة بالكوفة. (الاستيعاب) : 4/ 1445- 1448، ترجمة رقم (2483) ، (الإصابة) : 6/ 197- 201، ترجمة رقم (8185) .
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1011- 1012.(6/361)
فصل في ذكر من كان يغمز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
الغمز: العصر باليد. قال الواقدي: فحدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه قال: لما كان من قول ابن أبى ما كان، أسرع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المسير، وأسرعت معه، وكان معى أجير لي استأجرته يقوم على فرسي، فاحتبس عليّ، فوقفت له على الطريق أنتظره حتى جاء.
فما جاء ورأى ما بى من الغضب، أشفق أن أقع به، فقال: أيها الرجل! على رسلك، فإنه قد كان في الناس أمر من بعدك فحدثني بمقالة ابن أبى،
قال عمر رضى اللَّه عنه، فأقبلت حتى جئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو في فيء شجرة، عنده غليم أسيود يغمز ظهره، فقلت يا رسول اللَّه! كأنك تشتكي ظهرك، فقال: تقحّمت بى الناقة الليلة، فقلت: يا رسول اللَّه! ائذن لي أن أضرب عنق ابن أبىّ في مقالته، فقال: أو كنت فاعلا؟ [قلت] [ (1) ] نعم والّذي بعثك بالحق، قال: إذا لأرعدت له آنف بيثرب كثيرة، لو أمرتهم بقتله قتلوه، قال: فقلت: يا رسول اللَّه! فمر محمد بن مسلمة يقتله، فقال: لا يتحدث الناس أن محمدا قتل أصحابه، قال: فقلت: فمر الناس بالرحيل، قال: نعم، فأذّنت بالرحيل في الناس [ (2) ] . خرجه الطبراني في الأوسط من معاجمه.
__________
[ (1) ] في (المغازي) : «قال نعم» ، وما أثبتناه أجود للسياق.
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 418.(6/362)
فصل في ذكر عدة ممن كان يخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
وهم:
أبو ذرّ، خرّج الإمام أحمد من حديث شهر بن حوشب عن عبد الرحمن ابن [غنم] عن أبى ذر قال: كنت أخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم آتى المسجد إذا أنا فرغت من عملي فأضطجع [ (1) ] ، الحديث فيه بطوله.
والأسلع [ (2) ] بن شريك الأعرجي التميمي خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وصاحب راحلته، نزل البصرة، وله حديث في صفة التيمم، وسماه محمد بن سعد:
ميمون بن سنباد.
وبكير بن شداخ [ (2) ] ، ويقال: بكر، كان يخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو غلام، فلما احتلم جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأعلمه. لم يذكره ابن عبد البرّ، وذكره ابن مندة.
__________
[ (1) ]
(مسند أحمد) : 5/ 144، حديث أبى ذر الغفاريّ، الحديث رقم (20784) ولفظه: «كنت أخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ثم آتى المسجد إذا أنا فرغت من عملي، فأضطجع فيه، فأتانى النبي يوما وأنا مضطجع، فغمزني برجله فاستويت جالسا، فقال لي: يا أبا ذر، كيف تصنع إذا أخرجت منها؟
فقلت: أرجع إلى مسجد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وإلى بيت، قال: فكيف تصنع إذا أخرجت؟ فقلت: إذا آخذ بسيفي فاضرب به من يخرجني، فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يده على منكبى فقال: غفرا يا أبا ذر ثلاثا، بل تنقاد معهم حيث قادوك، وتنساق معهم حيث ساقوك، ولو عبدا أسود،
قال أبو ذر: فلما نفيت إلى الرَّبَذَة، أقيمت الصلاة، فتقدم رجل أسود كان فيها على نعم الصدقة، فلما رآني أخذ ليرجع ويقدمني، فقلت: كما أنت، بل أنقاد لأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم» .
[ (2) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمتهم.(6/363)
وبلال المؤذن [ (1) ] ، وسيرد ذكره إن شاء اللَّه في المؤذنين، وكان على نعمائه أيضا.
وذو مخمر [ (1) ] ، ويقال: ذو مخبر، وهو ابن أخى النجاشي، كان من الحبشة، يخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، حديثه في (مسند الإمام أحمد) ، في ذكر نومه عليه السّلام عن صلاة الفجر [ (2) ] .
وسعد [ (1) ] ،
قال الإمام أحمد حدثنا سليمان بن داود، حدثنا أبو عامر عن الحسن، عن سعد مولى لأبى بكر رضى اللَّه عنه، وكان يخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان يعجبه خدمته، فقال: يا أبا بكر، أعتق سعدا، فقال: يا رسول اللَّه! ما لنا غيره، قال: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أعتق سعدا، أتتك الرجال [ (3) ] .
[قال أبو داود: يعنى السبي] ، وعند ابن ماجة طرفا منه.
ومهاجر [ (1) ] ، مولى أم سلمة رضى اللَّه عنها، قال: خدمت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عشر سنين، أو خمس سنين، فلم يقل لشيء صنعته لم صنعته؟ ولا لشيء تركته لم تركته؟ قال ابن يونس: يكنى أبا حذيفة، صحب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وحضر فتح مصر، واختط بها، ثم إنه خرج إلى صعيد مصر فأوطن طما، مات بها سنة ستين، وليس لأهل مصر عنه إلا حديث واحد، رواه عنه بكر مولى عمرة بنت حسين بن يحيى بن عبد اللَّه بن بكير أنه قال: خدمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سبع سنين.
__________
[ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمتهم.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 4/ 90- 91، حديث رقم (16383) .
[ (3) ] (مسند أحمد) : 1/ 199، حديث رقم (1718) .(6/364)
وأبو السمح [ (1) ] ، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، يقال له: خادم رسول اللَّه، قيل اسمه إياد، يقال أنه لا يدرى أين مات، قال: كنت أخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، كان إذا أراد أن يغتسل قال: ناولني إداوتي، قال: فأناوله وأستره.
قال: بحسن أو حسين، فبال على صدره، فجئت لأغسله، فقال: يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام.
خرّج له أبو داود والنّسائى، وابن ماجة، له حديثان عند محل بن خليفة عنه.
__________
[ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادره ترجمته.(6/365)
فصل في ذكر لباس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
اعلم أن لباس كل شيء غشاؤه، ويقال: لبس الثوب لبسا ولباسا وألبسه إيّاه، وألبس عليك ثوبك، وثوب لبيس، قد لبس فأخلق، والثوب اللباس، والجمع أثوب وأثواب وثياب.
والكسوة بكسر الكاف وضمها، من اللباس، وقد كسوته الثوب كسوا إذا اكتسى لبس الكسوة [ (1) ] .
وكان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عدة ثياب، فلبس العمامة، والرداء، والقميص، والجبة، والحلة، وغير ذلك.
أما العمامة، فخرج مسلم رحمه اللَّه من حديث وكيع عن مساور الوراق، عن جعفر بن عمرو بن حريث، عن أبيه [قال: كأنى انظر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على المنبر] [ (2) ] وعليه عمامة سوداء، قد أرخى طرفيها بين كتفيه، ولم يقل [أبو بكر] [ (3) ] على المنبر [ (4) ] .
وخرجه أبو داود [ (5) ] من طريق مساور، عن جعفر بن عمرو بن حريث عن
__________
[ (1) ] (لسان العرب) : 1/ 246، 6/ 302.
[ (2) ] تصويب للسياق من (صحيح مسلم) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 9/ 142، كتاب الحج، باب (84) جواز دخول مكة بغير إحرام، حديث رقم (452) ، (453) من أحاديث الباب.
[ (5) ] (عون المعبود) : 6/ 87، كتاب اللباس، باب (23) في العمائم، حديث رقم (4071) .(6/366)
أبيه قال: رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه.
وخرجه ابن حبان أيضا [ (1) ] ، ورواه قاسم بن أصبغ من حديث مساور قال: أخبرنى جعفر بن عمرو بن حريث المخزومي عن أبيه قال: رأيت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عمامة سوداء يوم فتح مكة.
وخرجه الترمذي [ (2) ] من طريق حماد بن سلمة عن أبى الزبير، عن جابر قال: دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مكة يوم الفتح، وعليه عمامة سوداء.
وخرج محمد بن عبد الملك بن أيمن من حديث حماد بن سلمة، عن أبى الزبير، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دخل يوم الفتح مكة، وعليه عمامة سوداء.
ويروى عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه، أنه رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يعتم بعمامة سوداء.
وقال هيثم عن حجاج بن أرطاة، عن أبى جعفر محمد بن على، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان يلبس يوم الجمعة برده الأحمر، ويعتم ويوم العيدين [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (الإحسان) : 9/ 37- 40 كتاب الحج، باب (3) فضل مكة، حديث رقم (3722) ، 12/ 243، كتاب اللباس وآدابه، ذكر إباحة لبس المرء العمائم السود ضدّ قول من كرهه من المتصوفة، حديث رقم (5425) .
[ (2) ] (تحفة الأحوذي) : 5/ 266- 267، أبواب الجهاد، باب (9) ما جاء في الألوية، حديث رقم (1730) .
[ (3) ] قال ابن القيم في (الزاد) ، في فصل هدية صلّى اللَّه عليه وسلم في العيدين: وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه، فكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة، ومرة كان يلبس بردين أخضرين، ومرة بردا أحمر،(6/367)
وخرّج قاسم بن أصبغ من حديث مسدد، أخبرنا حفص بن غياث، عن الحجاج، عن محمد بن عليّ، عن جابر، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يعتم، ويلبس برده الأحمر في العيدين والجمعة [ (1) ] .
وقال يعقوب بن حميد: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن محمد بن عبيد اللَّه الفرزى، عن أبى الزبير عن جابر قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وعلى رأسه عمامة سوداء يلبسها في الليل، ويرخيها خلف [ظهره] [ (2) ] تفرد به حاتم.
وللترمذي [ (3) ] من حديث عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضى اللَّه عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه. قال نافع: وكان ابن عمر يسدل عمامته بين كتفيه، قال عبيد اللَّه: ورأيت القاسم وسالما يفعلان ذلك. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.
وخرّج من حديث وكيع عن عبد الرحمن بن الغسيل عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خطب الناس وعليه عصابة دسماء [ (4) ] .
__________
[ () ] وليس هو أحمر مصمتا كما يظنه بعض الناس، فإنه لو كان كذلك، لم يكن بردا، وإنما فيه خطوط حمر كالبرود اليمنية، فسمى أحمر باعتبار ما فيه من ذلك، وقد صح عنه صلّى اللَّه عليه وسلم من غير معارض، النهى عن لبس المعصفر والأحمر. (زاد المعاد) : 1/ 141.
[ (1) ] راجع التعليق السابق.
[ (2) ] زيادة للسياق.
[ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 106- 107، باب ما جاء في عمامة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وفيه خمسة أحاديث، حديث رقم (118) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 107، حديث رقم (119) ، وأخرجه البخاري في (الصحيح) : كتاب الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد (927) ، وكتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام(6/368)
ومن حديث عطاء بن أبى رباح، عن الفضل بن عباس قال: دخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي توفّى فيه وعلى رأسه عصابة صفراء، فسلمت، فقال: يا فضل، قلت: لبيك يا رسول اللَّه، قال: اشدد بهذه العصابة رأسي، قال: ففعلت، ثم قعد فوضع كفّه على كتفي، ثم قام فدخل المسجد [ (1) ] .
وفي الحديث قصة.
ويروى عن موسى بن مطير [ (2) ]- وهو ضعيف- عن أبيه عن أبى هريرة، وعبد اللَّه بن عمرو رضى اللَّه عنهما قالا: ما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم جمعة قط، إلا وهو معتمّ [وإن كان في إزار ورداء] [ (3) ] وإن لم يكن عنده عمامة وصل الخرق بعضها [إلى بعض] [ (3) ] واعتم بها [ (4) ] .
وقال محمد بن سمينة: أخبرنا عثمان بن عفان الغطفانيّ، أخبرنا الزبير بن خربوذ عن رجل، عن عبد الرحمن بن عوف رضى اللَّه عنه قال:
عمّمني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأرسلها من بين يدىّ ومن خلفي.
__________
[ () ] (3628) وكتاب مناقب الأنصار، باب قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم، (3800) ، والحديث من طرق عن ابن الغسيل به، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 233، حديث رقم (2075) ، وفي الباب شواهد في بعضها ضعف شديد، ويكفى ما سبق لصحة الحديث.
واللَّه تعالى أعلم، وقوله: «عصابة دسماء» أي سوداء، والدسمة الغبرة المائلة إلى السواد، أو هي السوداء، أو هي المتلطخة بدسومة شعره صلّى اللَّه عليه وسلم من الطيب، والعصابة والعمامة بمعنى واحد. (الشمائل المحمدية) : 107.
[ (1) ] (المطالب العالية) : 4/ 256- 257، حديث رقم (4384) .
[ (2) ] كذبه يحيى بن معين، وضعفه الدار قطنى، وقال أبو حاتم والنسائي: متروك، وذكره العقيلي في (الضعفاء) ، (لسان الميزان) 6/ 130.
[ (3) ] زيادة للسياق من (الكامل) .
[ (4) ] (الكامل في ضعفاء الرجال) : 6/ 338- 339، ترجمة موسى بن مطير رقم (196/ 1817) .(6/369)
وقال الواقدي: حدثني سعيد بن هشام بن قباذين عن عطاء بن أبى رباح، عن ابن عمر قال: دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف فقال:
تجهّز فإنّي باعثك في سرية من يومك هذا أم من غد إن شاء اللَّه.
قال ابن عمر: فسمعت ذلك فقلت: لأدخلن فلأصلّين مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الغداة، فلأسمعنّ وصيته لعبد الرحمن بن عوف، قال: فغدوت، فصليت فإذا أبو بكر وعمر رضى اللَّه عنهما، وناس من المهاجرين فيهم عبد الرحمن، وإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد كان أمره أن يسير من الليل إلى دومة الجندل، فيدعوهم إلى الإسلام.
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: ما خلفك عن أصحابك؟
قال ابن عمرو قد مضى أصحابه في السّحر، فهم معسكرون بالجرف، وكانوا سبعمائة رجل، فقال: أحببت يا رسول اللَّه أن يكون آخر عهدي بك، وعليّ ثياب سفري، وعلى عبد الرحمن بن عوف عمامة قد لفّها على رأسه.
قال ابن عمر: فدعاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأقعده بين يديه فنقض عمامته بيده، ثم عمّمه بعمامة سوداء، فأرخى بين كتفيه منها، ثم قال: هكذا فاعتمّ يا ابن عوف، قال: وعلى ابن عوف والسيف متوشحة، ثم
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أغد على اسم اللَّه، وفي سبيل اللَّه، فقاتل من كفر باللَّه، لا تغلّ، ولا تغدر، ولا تقتل وليدا.
قال ابن عمر: ثم بسط يده فقال: يا أيها الناس! اتقوا خمسا قبل أن يحل بكم:(6/370)
ما نقص مكيال قوم إلا أخذهم اللَّه بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يرجعون.
وما نكث قوم عهدهم إلا سلّط اللَّه عليهم عدوّهم.
وما منع قوم الزكاة إلا أمسك اللَّه عليهم قطر السماء، ولولا البهائم لم يسقوا.
وما ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلّط اللَّه عليهم الطاعون.
وما حكم قوم بغير آي القرآن إلا ألبسهم اللَّه شيعا وأذاق بعضهم بأس بعض.
قال: فخرج عبد الرحمن حتى لحق أصحابه. وذكر الحديث [ (1) ] .
ولابن حبان من طريق أبى معشر البراء، أخبرنا خالد الحذاء، حدثني عبد السلام قال: قلت لابن عمر: كيف كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يعتم؟ قال: يدير كور العمامة على رأسه، ويفردها من ورائه، ويرسل لها ذؤابة بين كتفيه [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (مختصر تاريخ ابن عساكر) : 1/ 91.
[ (2) ] ذكره ابن القيسراني في (تذكرة الموضوعات) ، (المواهب اللدنية) : 2/ 434، باب لباس الرأس.(6/371)
[وأما الكمة والقلنسوة والقناع]
فقال خالد بن يزيد الكزبري، حدثنا عاصم بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كانت له كمّة بيضاء.
وعن عبد اللَّه بن أبى بكر عن أنس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يلبس كمة بيضاء. والكمّة، بضم الكاف وتشديد الميم وفتحها: القلنسوة، يقال: إنه حسن الكمّة بكسر الكاف، أي التكمم، كما تقول: إنه لحسن الجلسة [ (1) ] .
ولأبى داود [ (2) ] والترمذي [ (3) ] ، من حديث أبى الحسن العسقلاني، عن أبى جعفر بن محمد بن ركانة عن أبيه، أن ركانة صارع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فصرعه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال ركانة: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن فرق ما بيننا وبين المشركين: العمائم على القلانس [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (لسان العرب) : 12/ 527.
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 340- 341، كتاب اللباس، باب (24) في العمائم، حديث رقم (4078) .
[ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 217، كتاب اللباس، باب (42) العمائم على القلانس، حديث رقم (1784) .
[ (4) ] أي الفارق بيننا معشر المسلمين وبين المشركين لبس العمائم فوق القلانس، فنحن نعتمّ على القلانس وهم يكتفون بالعمائم، ذكره الطيبي وغيره من الشراح، وتبعهما ابن الملك، كذا في (المرقاة) . وقال العزيزي: فالمسلمون يلبسون القلنسوة وفوقها العمامة، ولبس القلنسوة وحدها زي المشركين. وكذا نقل الجزري عن بعض العلماء، وبه صرح القاضي أبو بكر في شرح الترمذي. وقال(6/372)
قال الترمذي: هذا حديث غريب، وإسناده ليس بالقائم، ولا نعرف أبا الحسن العسقلاني، ولا ابن ركانة.
والقلنسوة، والقلساة والقلنسوة والقلنسية والقلنساة والقلنسية من ملابس الرأس. وجمع القلنسوة والقلنسية قلاس، وجمع القلنساة قلاس لا غير، لم يسمع فيها قلسا [ (1) ] .
__________
[ () ] ابن القيم في (زاد المعاد) : وكان يلبسها- يعنى العمامة ويلبس تحتها القلنسوة، وكان يلبس القلنسوة بغير عمامة، ويلبس العمامة بغير قلنسوة. وفي (الجامع الصغير) ، برواية الطبراني عن ابن عمر قال: كان يلبس قلنسوة بيضاء، قال العزيزي: إسناده حسن، وفيه برواية الروياني، وابن عساكر عن ابن عباس: كان يلبس القلانس تحت العمائم وبغير العمائم، ويلبس العمائم بغير قلانس، وكان يلبس القلانس تحت اليمانية، وهن البيض المضربة، ويلبس القلانس ذوات الآذان في الحرب، وكان ربما نزع قلنسوته فجعلها سترة بين يديه ... قال المباركفوري: لم أقف على إسناد رواية ابن عباس هذه، فلا أدرى هل هي صالحة للاحتجاج أم لا؟ (تحفة الأحوذي) : 5/ 393، أبواب اللباس، باب (41) ، حديث رقم (1844) .
وقال الحفاظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: حديث: كان يلبس القلانس تحت العمائم وبغير عمامة وربما نزع قلنسوته من رأسه فجعلها سترة بين يديه ثم يصلّى إليها. أخرجه الطبراني وأبو الشيخ والبيهقي في (شعب الإيمان) من حديث ابن عمر: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يلبس قلنسوة بيضاء.
ولأبى الشيخ من حديث ابن عباس: كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاث قلانس: قلنسوة بيضاء مضربة، وقلنسوة برد حبرة، وقلنسوة ذات آذان يلبسها في السفر، فربما وضعها بين يديه إذا صلّى، وإسنادهما ضعيف، ولأبى داود والترمذي من حديث ركانة: فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس.
قال الترمذي: غريب وليس إسناده بالقائم. (المغنى عن الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار) : 2/ 584.
قال السخاوي- وقد ذكر أحاديث العمائم ومنها: «فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس- قال: وبعضه أو هي من بعض. (المقاصد الحسنة) : 465- 466، حديث رقم (717) ، (كشف الخفاء ومزيل الالتباس) : 2/ 72- 73، حديث رقم (1783) ، (شعب الإيمان) :
5/ 172- 177، باب في الملابس والأواني، فصل العمائم.
[ (1) ] (لسان العرب) : 6/ 181.(6/373)
وروى البلاذري عن عباس بن هشام عن أبيه عن جده، عن أبى صالح عن ابن عباس رضى اللَّه عنه أنه قال: كانت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قلنسوة أسماط، يعنى جلودا، وكانت فيها نقبة.
وقال هشام بن عمار: حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قالت يوم خيبر على بغلته الشهباء، وعليه ممطر سيجان، وعليه عمامة، وعلى العمامة قلنسوة من الممطر السيجان.
قال هشام: والساج: الطيلسان الأسود [ (1) ] . وروى أنه عليه السّلام ترك
__________
[ (1) ] الطيلسان: شبه الأردية، يوضع على الرأس والكتفين والظهر، وهو بفتح اللام، واحد الطيالسة، والهاء في الجمع للعجمة، لأنه فارسي معرب، وهو الساج أيضا، وقال ابن خالويه في (شرح الفصيح) : يقال للطيلسان الأخضر: الساج، وفي (المجمل) لابن فارس: الطاق الطيلسان. فقال ابن القيم: لم ينقل عنه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه لبسه، ولا أحد من أصحابه، بل ثبت في (صحيح مسلم) ، من حديث النواس بن سمعان، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه ذكر الدجال فقال: يخرج معه سبعون ألفا من يهود أصبهان عليهم الطيالسة. ورأى أنس جماعة عليهم الطيالسة فقال: ما أشبههم بيهود خيبر.
قال: ومن هاهنا كره جماعة من السلف والخلف، لما
روى أبو داود، والحاكم في (المستدرك) ، أنه قال: «من تشبه بقوم فهو منهم» ،
وفي الترمذي: «ليس منا من تشبه بغيرنا» .
وأما ما جاء في حديث الهجرة أنه صلّى اللَّه عليه وسلم جاء إلى أبى بكر رضى اللَّه عنه متقنّعا بالهاجرة، فإنما فعله صلّى اللَّه عليه وسلم تلك السّاعة ليختفى بذلك للحاجة، ولم يكن عادته صلّى اللَّه عليه وسلم التقنع.
وقد ذكر أنس عنه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه كان يكثر القناع. وهذا إنما كان يفعله للحاجة من الحرّ ونحوه. وقال شيخ الإسلام الولي ابن العراقي في (شرح تقريب الأسانيد) : التقنّع معروف، وهو تغطية الرأس بطرف العمامة أو بردائه أو نحو ذلك. وقال ابن الحاج في (المدخل) : وأما قناع الرجل فهو أن يغطى رأسه بردائه، ويرد طرفه على أحد كتفيه.
وأما قول ابن القيم: إنه صلّى اللَّه عليه وسلم إنما فعل ذلك للحاجة، فيرد عليه حديث سهل بن سعد، أنه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يكثر القناع، رواه البيهقي في (الشّعب) ، والترمذي. وللبيهقي في (الشعب) أيضا، وابن سعد في (الطبقات) ، من حديث أنس بلفظ: يكثر التقنع، فهذا وما أشبهه يرد قول ابن القيم: أنه لم ينقل عنه أنه صلّى اللَّه عليه وسلم لبسه.(6/374)
قلانس صفار الأطبية ثلاثا.
وخرج أبو محمد بن حبان من حديث العوام بن حوشب، عن إبراهيم التيمي، عن ابن عمر رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يلبس قلنسوة بيضاء [ (1) ] ومن حديث أبى حذيفة، عن عطاء بن أبى رباح، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: رأيت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قلنسوة بيضاء شامية.
ومن حديث مفضل بن فضالة، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان يلبس من القلانس في السفر ذوات الآذان، وفي الحضر المضمّرة، يعنى الشامية [ (2) ] .
__________
[ () ] وأما قوله: ولا أحد من أصحابه، فيرده ما أخرجه الحاكم في (المستدرك) ، بسند على شرط الشيخين، عن مرة بن كعب قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يذكر فتنة فقربها، فمر رجل مقنع في ثوب، فقال: هذا يومئذ على الهدى، فقمت، فإذا هو عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه.
وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن أبى العلاء قال: رأيت الحسن بن على يصلّى وهو مقنع رأسه. وأخرج ابن سعد عن سليمان بن المغيرة قال: رأيت الحسن يلبس الطيالسة، وأخرج عن عمارة ابن زاذان قال: رأيت على الحسن طيلسانا أندقيا [نسبة إلى أندق قرية في سمرقند] .
وأما ما ذكره ابن القيم من قصة اليهود، فقال الحافظ ابن حجر: إنما يصلح الاستدلال به في الوقت الّذي تكون الطيالسة من شعارهم، وقد ارتفع ذلك في هذه الأزمنة، فصار ذلك داخلا في عموم المباح، وقد ذكره ابن عبد السلام في (أمثلة البدعة المباحة) ، وقد يصير، من شعار قوم فيكون تركه من الإخلال بالمروءة، وقيل: إنما أنكر أنس ألوان الطيالسة لأنها كانت صفراء، واللَّه تعالى أعلم.
(المواهب اللدنية) : 2/ 449- 450، (طبقات ابن سعد) : 1/ 460، (شعب الإيمان) :
5/ 172- 177، (المستدرك) : 4/ 211- 212، حديث رقم (: 7401/ 48) من كتاب اللباس.
[ (1) ] (شعب الإيمان) : 5/ 175، باب في الملابس والأواني، فصل في العمائم، حديث رقم (6259) ، وقال في آخره: تفرد به ابن خراش هذا وهو ضعيف.
[ (2) ] (إتحاف السادة المتقين) : 8/ 254- 255، كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة، وأشار إلى ضعفهم،(6/375)
ومن حديث أبى عبد الرحمن محمد بن عبيد اللَّه [] ، عن عطاء عن ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاث قلانس:
قلنسوة بيضاء مضرّبة، وقلنسوة لاطية، وقلنسوة ذات آذان يلبسها في السفر.
ومن حديث عتبة بن الوليد، عن الأوزاعي، عن خويلد بن عثمان قال:
لقيت عبد اللَّه بن يسر فقال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وله قلنسوة مضربة، وقلنسوة لها آذان، وقلنسوة لاطية.
وللترمذي من حديث وكيع، حدثنا الربيع بن صبيح، عن سويد بن أبان عن أنس: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يكثر دهن رأسه، وتسريح لحيته، ويكثر القناع، كأن ثوبه ثوب زيّات [ (1) ] .
__________
[ () ] ثم قال: أجود إسناد في القلانس، ما رواه أبو الشيخ عن عائشة: «كان صلّى اللَّه عليه وسلم يلبس القلانس في السفر ذوات الآذان، وفي الحضر المضمرة» يعنى الشامية.
[ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 51 باب ما جاء في ترجل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (33) ، 114، باب ما جاء في تقنع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (127) ، قوله: «كثر دهن رأسه» : الدّهن هو استعمال الدّهن من زيت وغيره في تجميل الشعر وتحسينه، قوله: «حتى كأن ثوبه ثوب زيات» : يحتمل أن يراد بالثوب هنا القناع الّذي يوضع على الرأس بعد دهنها، والزيات: بائع الزيت. وهذا الحديث تفرد به الترمذي، وفي إسناده الربيع بن صبيح وفيه ضعف، فهو وإن كان صدوقا عابدا مجاهدا إلا أنه سيئ الحفظ، وكذلك يزيد بن أبان الرقاشيّ القاصّ الزاهد: ضعيف.
وقد أخرجه ابن سعد في (الطبقات) : وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) صلّى اللَّه عليه وسلم، والبغوي في (شرح السنة) كلهم من طريق الربيع بن صبيح به، وزاد السيوطي نسبته في (الجامع الصغير) للبيهقي، وضعفه الحافظ العراقي في (المغنى عن الأسفار) ، وقال ابن كثير: فيه غرابة ونكارة.
وقد أخرج الذهبي في (ميزان الاعتدال) نحوه في ترجمة الحسن بن دينار من طريقه عن قتادة عن أنس، وقال الحافظ الذهبي: هذا خبر منكر جدا، والحسن بن دينار، قال ابن حبان: تركه وكيع وابن المبارك، فأما أحمد ويحيى فكانا يكذبانه، وفي إسناده أيضا بكر بن السميدع، ولا يعرف، كما قال الذهبي.(6/376)
وقال البلاذري: حدثني أحمد بن هشام بن بهرام، حدثنا أبو صالح شعيب بن حرب، عن الربيع، عن يزيد عن أنس، كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقنع رأسه، حتى ننظر إلى حاشية ثوبه كأنها ثوب زيّات. القنعة: غطاء الرأس، والقناع: أوسع منها. وقال بعضهم: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أكثر الناس قناعا، لأن القنع أهيب من الحاسر [ (1) ] .
__________
[ (1) ] راجع التعليق السابق.(6/377)
وأمّا القميص
فخرج أبو داود والترمذي من حديث أبى نميلة يحيى بن رافع، عن عبد المؤمن بن خالد الحنفي المروزي، عن عبد اللَّه بن بريدة عن أمه عن أم سلمة رضى اللَّه عنها قالت: كان أحب الثياب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم القميص [ (1) ] .
وفي رواية: لم يكن ثوب أحب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من القميص. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. إنما نعرفه من حديث عبد المؤمن بن خالد تفرد به، وهو مروزى [ (2) ] .
وخرّج الحاكم أبو عبد اللَّه في (المستدرك) ، من حديث الحسن بن صالح بن حيي، عن مسلم الملائى عن مجاهد، عن ابن عباس رضى اللَّه عنه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لبس قميصا، وكان فوق الكعبين، وكان كمه إلى الأصابع. قال:
هذا حديث صحيح حسن الإسناد ولم يخرجاه [ (3) ] . وخرجه ابن حبان
__________
[ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 67، باب ما جاء في لباس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (55) ، (56) ، (57) ، ثلاثتهم عن أم سلمة رضى اللَّه تعالى عنها، وهو حديث حسن، أخرجه أبو داود في (السنن) ، وكتاب اللباس، باب ما جاء في القميص، حديث رقم (4025) ، (4026) ، والترمذي في (الجامع الصحيح) ، كتاب اللباس، باب القميص، حديث رقم (1762) ، (1763) ، (1764) ، وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجة في (السنن) ، كتاب اللباس، باب لبس القميص، حديث رقم (3575) ، كلهم من طريق عبد المؤمن بن خالد، عن ابن بريدة، به، وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 4/ 213، كتاب اللباس، حديث رقم (7406) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح، والإمام أحمد في (المسند) : 6/ 317، حديث رقم (26155) ، والبيهقي في (السنن الكبرى) : 2/ 239، كتاب الصلاة باب الصلاة في القميص، كلهم من طريق عبد المؤمن ابن خالد الحنفي به.
[ (2) ] انظر التعليق السابق.
[ (3) ] (المستدرك) : 4/ 195، كتاب اللباس، حديث رقم (7420) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق(6/378)
ولفظه: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يلبس قميصا فوق الكعبين، مستوى الكمين بأطراف أصابعه [ (1) ] .
ومن حديث أبى سلمة عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر عن أبيه عن جده عبد اللَّه بن عمر قال: لبس عمر رضى اللَّه عنه قميصا جديدا ثم قال: مدّ كمي يا بنى، والزق يدك بأطراف أصابعى واقطع ما فضل عنهما، قال:
فقطعت من الكمين، فصار فم الكمين بعضه فوق بعض، فقلت: لو سوّيته بالمقص، قال: دعه يا بنى، هكذا رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يفعل. قال ابن عمر: فما زال القميص على أبى حتى تقطّع، [وما كنا نصلّى] [ (2) ] رأيت الخيوط تتساقط على قدميه. قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] [ (3) ] .
وخرّج ابن حبّان من طريق بقية، حدثنا خالد عن مسلم الأعور، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قميص قطنى، قصير الطول، قصير الكمين [ (4) ] .
ومن طريق إبراهيم بن أبى يحيى، عن عبد الملك قال: سمعت ابن عمر رضى اللَّه عنه يقول: ما اتخذ لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قميص له زر [ (5) ] .
__________
[ () ] منه، وقال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) : مسلم الملائى تالف.
[ (1) ] راجع التعليق السابق.
[ (2) ] في (خ) : «وما نزعة» ، وما أثبتناه من (المستدرك) .
[ (3) ] (المستدرك) : 4/ 195- 196، كتاب اللباس، حديث رقم (7421) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : أبو عقيل: ضعفوه.
[ (4) ] راجع التعليق السابق.
[ (5) ] راجع التعليق التالي.(6/379)
وللترمذي في الشمائل، من حديث معاوية بن قرة بن أمية قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في رهط من مزينة لنبايعه، وإن قميصه لمطلق، أو قال: زرّ قميصه مطلق، قال: فأدخلت يدي في جيب قميصه فمست الخاتم [ (1) ] .
وللترمذي من حديث هشام الدّستوائى، عن بديل بن ميسرة، عن شهر ابن حوشب، عن أسماء بنت يزيد قالت: كان كمّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الرّسغ [ (2) ] .
وروى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ترك قميصا صحاريا، وقميصا سحوليا [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 69، حديث رقم (59) ، وأخرجه أبو داود في (السنن) ، كتاب اللباس، باب في حل الأزرار، حديث رقم (4082) ، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) ، كتاب اللباس، باب حل الأزرار، حديث رقم (3578) ، من طرق عن زهير به، وابن سعد في (الطبقات) : 1/ 460، ذكر قناعته صلّى اللَّه عليه وسلم بثوبه ولباسه القميص، وما كان يقول إذا لبس ثوبا عليه، والإمام أحمد في (المسند) :
4/ 19، حديث رقم (15810) ، 5/ 35، حديث رقم (19855) ، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 103، ابن حبان في (الإحسان) : 12/ 266، حديث رقم (5452) ، كلهم من حديث زهير عن عروة بن عبد اللَّه به، ويشهد له حديث ابن عمر: «رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فعله» ، يعنى إطلاق الأزرار، وقد أخرجه أحمد وابن حبان وأبو الشيخ والبيهقي وغيرهم.
[ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 68- 69، حديث رقم (58) ، هذا الحديث إسناده ضعيف، فإن شهر بن حوشب سيئ الحفظ، وقال عنه الحافظ: كثير الإرسال والأوهام، ومعاذ بن هشام بن أبى عبد اللَّه الدستوائى صدوق ربما وهم. وشيخ المصنف صدوق وقد توبع، والباقي ثقات، ولكن الحديث حسن إن شاء اللَّه تعالى، فإن له شاهدا من حديث أنس
[ (3) ] لم أجده إلا في الجنائز من (البخاري) و (مسلم) : «كفّن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحول» و «كفّن في ثلاثة أثواب يمانية بيض سحولية» .(6/380)
وأما الرّداء
الرداء من الملاحف تجمع على أردية، وهو الرداء، وقد تردّيت به، وارتديت، وإنه لحسن الرّدية، أي الارتداء [ (1) ] .
خرّج أبو عيسى في (الشمائل) من حديث حماد بن سلمة، عن حبيب ابن الشهيد، عن الحسن عن أنس [بن مالك] [ (2) ] أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خرج وهو متكئ على أسامة بن زيد، وعليه ثوب قطري قد توشح به، فصلّى بهم [ (3) ] .
__________
[ (1) ] قال ابن منظور: والرّداء: الّذي يلبس، وتثنيته رداءان، وإن شئت رداوان، لأن كل اسم ممدود فلا تخلو همزته، إما أن تكون أصلية فتتركها في التثنية على ما هي عليه ولا تقلبها، والرداء من الملاحف، وقد تردى به وارتدى بمعنى، أي لبس الرداء، وإنه لحسن الرّدية أي الارتداء، والرداء: الغطاء الكبير. (لسان العرب) : 14/ 316- 317 مختصرا.
[ (2) ] زيادة للسياق من (الشمائل) .
[ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 69- 70، حديث رقم (60) ثم قال في آخره: قال عبد بن حميد [أحد الرواة] : قال محمد بن الفضل: سألني يحيى بن معين عن هذا الحديث أول ما جلس إليّ، فقلت:
حدثنا حماد بن سلمة، فقال: لو كان من كتابك، فقمت لأخرج كتابي، فقبض على ثوبي، ثم قال:
أمله عليّ فإنّي أخاف أن لا ألقاك، قال: فأمليته عليه، ثم أخرجت كتابي فقرأت عليه.
وهو حديث صحيح ورجال إسناده ثقات، فالإسناد صحيح، لولا عنعنة الحسن البصري، ولكنه توبع، فقد جاء في (الشمائل) : 121، حديث رقم (136) : حدثنا عبد اللَّه بن عبد الرحمن، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا حماد بن سلمة، عن حميد، عن أنس رضى صلّى اللَّه عليه وسلم عنه: «أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان شاكيا فخرج يتوكأ على أسامة بن زيد وعليه ثوب قطرىّ قد توشح به فصلّى بهم» ، وحميد مدلس أيضاً وقد عنعنة، لكن عنعنة أنس مقبولة، وقد أخرجه أبو الشيخ من الوجهين في (أخلاق النبي) : 15، وابن حبان في (صحيحه) : 6/ 104- 105، حديث رقم (2335) من كتاب الصلة، ذكر الإباحة للمرء أن يصلّى في الأبراد القطرية، وإسناده صحيح على شرط الصحيح، وأخرجه الإمام(6/381)
وخرّج الحاكم من حديث حفص بن غياث، حدثنا سعيد بن خالد الأنصاري، عن أبيه عن جابر بن عبد اللَّه قال: دخل جرير بن عبد اللَّه على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وعنده أصحابه، فضنّ كل رجل بمجلسه، فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رداءه فألقاه إليه، فتلقاه بنحره ووجهه، فقبّله ووضعه على عينيه وقال:
أكرمك اللَّه كما أكرمتنى، ثم وضعه على ظهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فإذا أتى كريم [قوم] [ (1) ] فليكرمه [ (2) ] .
قال هذا حديث صحيح [الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة] .
وخرّج ابن حبّان من حديث عبد اللَّه بن لهيعة، عن محمد بن عبد اللَّه ابن نوفل، عن عروة بن الزبير قال: كان طول رداء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أربعة أذرع، وعرضه ذراعين ونصف، وكان له ثوب أخضر يلبسه للوفود إذا قدموا عليه.
__________
[ () ] أحمد في (المسند) : 3/ 257، 281، عن عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن وعن أنس، وأخرجه أيضا الإمام أحمد في (المسند) : 3/ 262، من طريق عبد اللَّه بن محمد.
وبرد قطري: ضرب من البرود فيه حمرة ولها أعلام فيها بعض الخشونة، قال الأزهري: في أعراض البحرين قرية يقال لها: قطر، وأحسب الثياب القطرية نسب إليها، فخففوا وكسروا القاف للنسبة، وقالوا: قطرىّ والأصل قطري. (المرجع السابق) .
[ (1) ] زيادة للسياق من (المستدرك) .
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 324، كتاب الأدب، حديث رقم (7791) ، وسكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) ، وقال محققه: قال في (الفيض) : قال الذهبي في (مختصر المدخل) : طرقه كلها ضعيفة، وله شاهد مرسل، وحكم ابن الجوزي بوضعه، وتعقبه العراقي ثم تلميذه ابن حجر بأنه ضعيف لا موضوع.(6/382)
وفي لفظ أن ثوب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، الّذي كان يخرج فيه للوفود، رداء وثوب أخضر، طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراعان وشبر، وهو عند الخلفاء اليوم قد خلق، فطووه بثوب يلبسونه يوم الفطر ويوم الأضحى [ (1) ] .
ويروى بإسناد ضعيف عن عائشة رضى اللَّه عنه أنها قالت: كان رداء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أربعة أذرع وشبرا، في ذراعين وشبر [ (2) ] .
وبإسناد ضعيف عن ابن عمر رضى اللَّه عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان يلبس رداء مربعا، ويقال: كان اسم ردائه عليه السّلام الفتح، وكان له رداء يقال له:
الحضرميّ، وبه كان يشهد العيدين، طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراعان وشبر [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (أخلاق النبي) : 110.
[ (2) ] قال ابن حاتم: سألته عن حديث رواه أبو هارون البكاء القزويني عن ابن لهيعة عن عقيل عن مكحول، قال: كان رداء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أربعة أذرع ونصف في ذراعين ونصف، فسمعت أبى يقول: كذا حدثنا أبو هارون، وحدثنا إبراهيم بن المنذر عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبى الأسود عن عروة، قال: كان رداء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم..، قلت لأبى فأيهما أصح؟ قال: لا يضبط عندي، جميعا ضعيفين. (علل الحديث) : 1/ 482، حديث رقم (1441) .(6/383)
وأما القباء والمفرّج
فخرج البخاري من حديث الليث بن سعد، عن يزيد عن أبى الخير عن عقبة بن عامر الجهنيّ رضى اللَّه عنه قال: أهدى إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فرّوج حرير فلبسه فصلّى فيه، ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا كالكاره له، وقال: لا ينبغي هذا للمتقين [ (1) ] . ترجم عليه في الصلاة، باب من صلّى في فروج حرير ثم نزعه، وخرّجه مسلم [ (2) ] والنّسائى [ (3) ] بنحوه. الفرّوج بفتح الفاء وضم الراء المشددة، وحكى ضم الفاء وتخفيف [الراء] وهو ضعيف، وهو قبالة شق من خلفه، وتسميه أهل زماننا المفرج.
ولمسلم من حديث خالد [ (4) ] بن عبد اللَّه عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، عن عبد اللَّه مولى أسماء بنت أبى بكر رضى اللَّه عنها قال:
أرسلتنى أسماء إلى عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنه فقالت: بلغني أنك تحرم أشياء ثلاثة: العلم في الثوب، وميثرة الأرجوان، وصوم رجب كله، فقال لي عبد اللَّه: أما ما ذكرت من رجب، فكيف بمن يصوم الأبد، وأما ما ذكرت من العلم في الثوب،
فإنّي سمعت عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 639، كتاب الصلاة، باب (16) من صلّى في فروج حرير ثم نزعه، حديث رقم (375) ، 10/ 330، كتاب اللباس، باب (12) القباء وفروج حرير وهو القباء، ويقال: هو الّذي شق من خلفه، حديث رقم (5801) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 295- 296، كتاب اللباس والزينة، باب (2) تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير على الرجال وإباحته للنساء، وإباحة العلم ونحوه للرجال، ما لم يزد على أربع أصابع، حديث رقم (2075) .
[ (3) ] (سنن النسائي) : 2/ 406، كتاب الصلاة، باب (9) الصلاة في الحرير، حديث رقم (769) .
[ (4) ] في (خ) : «مخلد» ، وصوبناه من (صحيح مسلم) .(6/384)
يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إنما يلبس الحرير من لا خلاق له، فخفت أن يكون العلم منه.
وأما ميثرة الأرجوان، فهذه ميثرة عبد اللَّه، فإذا هي أرجوان، فرجعت إلى أسماء فخبرتها فقالت: هذه جبّة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأخرجت إليّ جبة طيالسية كسروانية [ (1) ] ، لها لبنة ديباج، وفرجيها مكفوفان بالديباج، فقالت: هذه كانت عند عائشة رضى اللَّه عنها حتى قبضت، فلما قبضت قبضتها، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يلبسها، فنحن نغلسها للمرضى يستشفى بها [ (2) ] .
وخرجه ابن أيمن من حديث وكيع عن المغيرة بن زياد عن أبى عمر مولى أسماء قال: رأيت ابن عمر اشترى عمامة لها علم، فدعا بالجلمين فقصّه، فدخلت على أسماء فذكرت ذلك لها، فقالت: بؤسا لعبد اللَّه يا جارية، هاتي جبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فجاءت بجبة مكفوفة الكمين والجيبين والفرج بالديباج.
وفي لفظ عن ابن عمر عن أسماء أنها أخرجت جبة مزرورة بالديباج فقالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يلبس هذا.
__________
[ (1) ] في (خ) : «خرقانية» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 288- 289، كتاب اللباس والزينة، باب (2) ، حديث رقم (2069) ، والميثرة كما قال الطبري: هي وعاء يوضع على سرج الفرس أو رحل البعير من الأرجوان، وحكى في (المشارق) قولا أنها سروج من ديباج، وقولا أنها أغشية للسروج من حرير، وقولا أنها تشبه المخدة تحشى يقطن أو ريش يجعلها الراكب تحته، وهذا يوافق تفسير الطبري، والأقوال الثلاثة يحتمل ألا تكون متخالفة، بل الميثرة تطلق على كل منها. (فتح الباري) : 10/ 377.(6/385)
وأما البردة
فقد خرّج البخاري من حديث مالك عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: كنت أمشى مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابى فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قد أثرت بها حاشبة البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد! مر لي من مال اللَّه الّذي عندك، فالتفت إليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء. ذكره في كتاب اللباس [ (1) ] في باب البرود والحبرة والشملة، وفي كتاب الأدب [ (2) ] في باب التبسّم والضحك، وفي الخمس [ (3) ] بألفاظ متقاربة، وخرّجه مسلم [ (4) ] من عدة طرق [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 338، كتاب اللباس باب (18) البرود والحبر والشملة، حديث رقم (5809) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 10/ 617، كتاب الأدب، باب (68) التبسم والضحك، حديث رقم (6088) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 6/ 309، كتاب فرض الخمس، باب (19) ما كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يعطى المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه، حديث رقم (3149) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 153، كتاب الزكاة، باب (44) ، عطاء من سأل بفحش وغلظة، حديث رقم (1057) ، قال الإمام النووي: وفيه احتمال الجاهلين، والإعراض عن مقابلتهم، ودفع السيئة بالحسنة، وإعطاء من يتألف قلبه، والعفو عن مرتكب كبيرة لا حد فيها بجهله، وإباحة الضحك عند الأمور التي يتعجب منها في العادة، وفيه كما خلق الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم وحلمه وصفحه الجميل.
[ (5) ] منها: حدثنا زهير بن حرب، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثنا همام، وحدثني زهير بن حرب، حدثنا عمر بن يونس، حدثنا عكرمة بن عمار وحدثني سلمة بن شبيب، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا الأوزاعي، كلهم عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس بن مالك عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم(6/386)
وللبخاريّ من حديث أبى حازم عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة ببردة- قال سهل: هل تدرون ما البردة؟ قالوا: نعم هي الشملة منسوج في حاشيتها- قالت: يا رسول اللَّه! إني نسجت هذه بيدي أكسوكها، فأخذها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم محتاجا إليها، فخرج إلينا وإنها لإزاره، فحبسها رجل من القوم فقال: يا رسول اللَّه! اكسنيها، قال: نعم، فجلس ما شاء اللَّه في المجلس، ثم رجع فطواها، ثم أرسل بها إليه.
فقال له القوم: ما أحسنت، سألتها [إياه] ، وقد عرفت أنه لا يرد سائلا، فقال الرجل: واللَّه ما سألتها إلا لتكون كفني يوم أموت، قال سهل: فكانت كفنه. ذكره في كتاب الجنائز [ (1) ] في باب من استعد الكفن في زمان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. وفي كتاب الأدب [ (2) ] في باب حسن الخلق. وفي كتاب اللباس [ (3) ] وفي كتاب البيوع [ (4) ] في باب النسّاج.
وخرّج أبو عبد اللَّه الحاكم من حديث يونس بن أبى إسحاق عن العيزار ابن حريث، عن أم الحصين الأحمسية قالت: رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وعليه بردة قد التفع بها تحت إبطه، كأنى انظر إلى عضلة عضدة ترتجّ، فسمعته يقول:
يا أيها الناس، اتقوا اللَّه وإن أمرّ عليكم عبد حبشي فاسمعوا له وأطيعوا، ما
__________
[ () ] بهذا الحديث، وفي حديث عكرمة بن عمار من الزيادة قال: «جبذه إليه رجع نبي صلّى اللَّه عليه وسلم في نحر الأعرابي، وفي حديث همام: «فجاذبه حتى انشق البرد وحتى بقيت حاشيته في عنق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم» . (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي السابق من أحاديث الباب.
[ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 184، كتاب الجنائز، باب (38) ، من استعد الكفن في زمن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فلم ينكر عليه، حديث رقم (1277) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 10/ 559، كتاب الأدب، باب (39) حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل، حديث رقم (6036) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 10/ 338، كتاب اللباس، باب (18) البرود والحبرة والشملة، حديث رقم (5809) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 4/ 399، كتاب البيوع، باب (31) النساج، حديث رقم (2093) .(6/387)
أقام لكم كتاب اللَّه [عز وجل] [ (1) ]
قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد [ (2) ] [ولم يخرجاه] [ (1) ] .
ومن حديث الأعمش عن جامع بن شداد، عن كلثوم الخزاعي، عن أسامة بن زيد رضى اللَّه عنهما قال: دخلنا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نعوده وهو مريض، فوجدناه نائماً، قد غطى وجهه ببرد عدنىّ، فكشف عن وجهه ثم قال: لعن اللَّه اليهود يحرمون شحوم الغنم ويأكلون أثمانها.
قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] [ولم يخرجاه] [ (1) ] .
وللنسائى من حديث همام، أخبرنا قتادة عن مطرف عن عائشة رضى اللَّه عنها، أنها عملت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم بردة سوداء من صوف، فلبسها، فلما عرق فوجد ريح الصوف طرحها، وكان يحب الريح الطيبة [ (4) ] .
وخرّجه أبو داود أيضا ولفظه: صنعت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم بردة سوداء فلبسها، فلما عرق فيها وجد ريح الصوف فقذفها، قال: وأحسبه قال: وكان يعجبه الريح الطيبة [ (4) ] .
وخرجه قاسم بن أصبغ وابن أيمن، ولفظهما: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لبس بردة سوداء فقالت عائشة رضى اللَّه عنها: ما أحسنها عليك يا رسول اللَّه!
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (المستدرك) .
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 206، كتاب اللباس، حديث رقم (7381) ، وقال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (3) ] (المرجع السابق) : 4/ 215، كتاب اللباس، حديث رقم (7414) ، وقال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (4) ] (عون المعبود) : 11/ 86، كتاب اللباس باب (21) في السواد، حديث رقم (4068) ، وفي بعض نسخه: «صبغت» بدلا من: «صنعت» ، «الطيب» بدلا من «الطيبة» ، قال المنذري: وأخرجه النسائي مسندا ومرسلا، والحديث يدل على مشروعية لبس السواد وأنه لا كراهية فيه.(6/388)
يشرب بياضك سوادها، ويشرب سوادها بياضك، فبدا له منها ريح فألقاها [ (1) ] .
وخرّج الإمام أحمد من حديث يونس بن عبيد [عن عبيدة] [ (2) ] عن عبد ربه الهجيمي، عن جابر بن سليم- أو سليم بن جابر [ (3) ]- قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه فقلت: أيكم النبي؟ فإما أن يكون أومأ إلى نفسه، وإما أن يكون أشار إليه القوم، فإذا هو محتب [ (4) ] ، ببردة قد وقع هدبها على قدميه. وذكر الحديث [ (5) ] .
ولأبى داود من حديث أبى معاوية، عن هلال بن عامر عن أبيه قال:
رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [بمنى] [ (6) ] يخطب على بغلة [ (7) ] ، وعليه برد أحمر، وعليّ [رضى اللَّه عنه] [ (6) ] أمامه يعبّر عنه [ (8) ] .
__________
[ (1) ] قال ابن أسعد بسنده عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: جعل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم بردة سوداء من صوف فلبسها، فذكرت بياض النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وسوادها، فلما عرق فيها وجد منها ريح الصوف، تعنى قذفها، وكان تعجبه الريح الطيبة. (طبقات ابن سعد) : 1/ 453، ورواه الحاكم بلفظ: «جبة» وقال:
صحيح على شرط الشيخين، (إتحاف السادة المتقين) : 8/ 253، كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة.
[ (2) ] ما بين الحاصرتين في (خ) فقط، وليست في (المسند) .
[ (3) ] الصحيح كما في (المسند) : «جابر بن سليم الهجيمي» .
[ (4) ] في (خ) : «محتبى» .
[ (5) ]
فقال: فقلت: يا رسول اللَّه أجفو عن أشياء فعلمني: قال: «اتّق اللَّه عزّ وجل ولا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقى، وإيّاك والمخيلة فإن اللَّه تبارك وتعالى لا يحب المخيلة، وإن امرؤ شتمك وعيرك بأمر يعلمه فيك فلا تعيره بأمر تعلمه فيه، فيكون لك أجره وعليه إثمه، ولا تشتمن أحدا» . (مسند أحمد) : 6/ 55- 56، حديث رقم (2009) .
[ (6) ] زيادة للسياق من (عون المعبود) .
[ (7) ] في (خ) : «على بغلته» : وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
[ (8) ] (عيون المعبود) : 11/ 84، كتاب اللباس، حديث رقم (4067) .(6/389)
وله من حديث إياد عن أبى رمثة قال: انطلقت مع أبى نحو النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فرأيت عليه بردان أخضران [ (1) ] .
وخرّجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. وخرجه النسائي [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (عيون المعبود) : 11/ 78، كتاب اللباس، حديث رقم (4059) ، وفي (خ) : «بردين أخضرين» وما أثبتناه من (جامع الأصول) : 10/ 675- 676، حديث رقم (8323) ، وقال في رواية أبى داود والترمذي: «وعليه ثوبان أخضران» ، وفي رواية النسائي: «وعليه بردان أخضران» .
[ (2) ] قال في جامع الأصول: رواه أبو داود برقم (4065) في اللباس، باب في الخضرة، والترمذي رقم (2813) ، في الأدب، باب ما جاء في الثوب الأخضر، والنسائي 8/ 204، في الزينة، باب لبس الخضر من الثياب، وفي العيدين، باب الزينة للخطبة وللعيدين، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وهو كما قال. (جامع الأصول) : 10/ 676 «هامش» .(6/390)
وأما الجبّة
فخرج مسلم من حديث عامر الشعبي، عن عروة بن المغيرة عن أبيه قال: كنت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ذات ليلة في مسير، فقال لي: أمعك ماء؟ قلت نعم، فنزل عن راحلته فمشى [ (1) ] حتى توارى في سواد الليل ثم جاء [ (2) ] فأفرغت عليه من الإداوة، فغسل وجهه، وعليه جبة من صوف فلم يستطع [ (3) ] أن يخرج ذراعيه منها، حتى أخرجهما من أسفل الجبة، فغسل ذراعيه، ومسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه فقال: دعهما، فإنّي أدخلتهما طاهرتين، ومسح عليهما [ (4) ] .
وخرّجه البخاري وقال: ذات ليلة في سفر. وقال: حتى توارى عنى.
ذكره في كتاب اللباس، وترجم عليه باب: جبة الصوف في الغزو [ (5) ] ، وذكره أيضا في كتاب الطهارة مختصرا، وترجم عليه باب: إذا أدخل
__________
[ (1) ] في (خ) : «ومشى» .
[ (2) ] في (خ) : «وجاء» .
[ (3) ] في (خ) : «لا يستطيع» .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 173، كتاب الطهارة، باب (22) المسح على الخفين، حديث رقم (79) ،
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: (فإنّي أدخلتهما طاهرتين) :
فيه دليل على أن المسح على الخفين لا يجوز إلا إذا لبسهما على طهارة كاملة، بأن يفرغ من الوضوء بكماله ثم يلبسهما، لأن حقيقة إدخالهما طاهرتين أن تكون كل واحدة منهما أدخلت وهي طاهرة، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة [وبسط القول في ذلك محله كتب الفقه] .
[ (5) ] (فتح الباري) : 10/ 330، كتاب اللباس، باب (11) ، لبس جبّة الصوف في الغزو، حديث رقم (5799) .(6/391)
رجليه وهما طاهرتان [ (1) ] . وذكره في غزو تبوك [ (2) ] .
ولمسلم من طريق الأعمش، عن مسلم عن مسروق، عن المغيرة بن شعبة قال: [كنت] [ (3) ] مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر فقال: يا مغيرة، خذ الإداوة فأخذتها، ثم خرجت معه، فانطلق [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (3) ] حتى توارى عنى، فقضى حاجته، ثم جاء وعليه جبة شامية ضيقة الكمين، فذهب يخرج يده من كمها فضاقت [عليه] [ (3) ] ، فأخرج يده من أسفلها، فصببت عليه، فتوضأ وضوءه للصلاة، ثم مسح على خفيه، [ثم] [ (3) ] صلّى [ (4) ] .
وذكره البخاري في أول كتاب الصلاة، وترجم عليه: باب الصلاة في الجبة الشامية [ (5) ] . وذكره في كتاب الجهاد في باب الجبة في السفر والحرب [ (6) ] .
وذكره في كتاب اللباس، في باب من لبس جبة ضيقة الكمين [في السفر] [ (7) ] ، ولفظه: انطلق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لحاجته، ثم أقبل فتلقيته بماء، فتوضأ وعليه جبة شامية، فمضمض واستنشق وغسل وجهه، فذهب يخرج يديه من كميه فكانا ضسقين، فأخرج يديه من تحت يديه فغسلهما ومسح
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 409، كتاب الوضوء، باب (49) ، حديث رقم (206) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 158، كتاب المغازي، باب (83) ، بدون ترجمة، حديث رقم (4421) .
[ (3) ] زيادات للسياق من (صحيح مسلم) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 172، كتاب الطهارة، باب (22) ، المسح على الخفين، حديث رقم (77) .
[ (5) ] (فتح الباري) : 14/ 624، كتاب الصلاة، باب (7) الصلاة في الجبة الشامية، حديث رقم (363) .
[ (6) ] (فتح الباري) : 6/ 124- 125، كتاب الجهاد، باب (90) الجبة في السفر والحرب، حديث رقم (2918) .
[ (7) ] زيادة للسياق من (صحيح البخاري) .(6/392)
برأسه وعلى خفّيه [ (1) ] . لم يذكر في الجهاد قوله: يديه، إنما قال: من تحت.
ولفظ مسلم: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليقضى حاجته، فلما رجع تلقيته بالإداوة، فصببت عليه، فغسل يديه ثم غسل وجهه، ثم ذهب ليغسل ذراعيه، فضاقت الجبة، فأخرجهما من تحت الجبة، فغسلهما، ومسح رأسه ومسح على خفيه، ثم صلّى بنا [ (2) ] .
وخرّجاه من طرق ليس فيها ذكر الجبة، وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث، عن عبيد اللَّه بن إياد بن لقيط، عن أبيه، عن قبيصة، عن المغيرة ابن شعبة قال: خرجت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في بعض ما كان يسافر، فسرنا حتى إذا كان في وجه الصبح، انطلق حتى توارى عنا ضرب الخلاء، ثم جاء، فدعى بطهور، وعليه جبة شامية ضيقة الكمين، فأدخل يده من تحت الجبة، ثم غسل وجهه ويديه، ومسح على الخفين [ (3) ] .
ولابن حبان من حديث جابر الجعفي، عن عامر عن دحية الكلبي، أنه أهدى إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم جبة من الشام وخفين، فلبسهما حتى تخرّقا.
وقال وكيع: حدثنا أبو حباب الكلبي عن جامع بن شداد الهلالي عن طارق بن عبد اللَّه المحاربي قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بسوق ذي المجاز عليه جبّة حمراء [ (4) ] . ويروى أنه عليه السّلام ترك جبة يمنية.
وخرّج الحاكم أبو عبد اللَّه، من حديث همّام عن قتادة، عن مطرف عن
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 329، كتاب اللباس، باب (10) ، من لبس جبة ضيقة الكمين في السفر، حديث رقم (5798) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 172- 173، كتاب الطهارة، باب (22) ، المسح على الخفين، حديث رقم (78) .
[ (3) ] (اللؤلؤ والمرجان) : 1/ 62- 63، حديث رقم (158) ، (159) لكن بلفظ آخر.
[ (4) ] (مجمع الزوائد) : 6/ 21.(6/393)
عائشة رضى اللَّه عنها، أنها صنعت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جبة من صوف سوداء، فلبسها، فلما عرق وجد ريح الصوف، فخلعها، وكان يعجبه الريح الطيب [ (1) ] . قال هذا حديث صحيح [على شرط الشيخين ولم يخرجاه] [ (2) ] ، وقد تقدم لكن فيه: أنها عملت بردة.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخرجت إلينا أسماء جبّة مزرّرة بالديباج فقالت: في هذه كان يلقى رسول اللَّه العدو [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 209، كتاب اللباس، حديث رقم (7393) ، وقال عنه الذهبي في (التلخيص) :
على شرط البخاري ومسلم.
[ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (3) ] (مسند أحمد) : 7/ 478، حديث رقم (26404) .(6/394)
وأما الحلّة
الحلة: إزار ورداء بردا أو غيره، ولا يقال لها: حلة حتى تكون من ثوبين، والجمع حلل وحلال [ (1) ] .
خرّج البخاري من حديث شعبة، عن أبى إسحاق سمع البراء بن عازب يقول: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مربوعا، وقد رأيته في حلة حمراء، ما رأيت شيئا أحسن منه.
وفي لفظ له: ما رأيت أحدا أحسن في حلة حمراء من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. ذكره في كتاب اللباس [ (2) ] ، وفي كتاب المناقب [ (3) ] .
وخرجه مسلم ولفظه: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مربوعا بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حلة حمراء، ما رأيت شيئا قط أحسن منه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (4) ] .
وفي لفظ له: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رجلا مربوعا، بعيد ما بين المنكبين، عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه، عليه حلة حمراء، ما رأيت شيئا قط أحسن منه [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (لسان العرب) : 11/ 172- 173.
[ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 375، كتاب اللباس، باب (35) ، الثوب الأحمر حديث رقم (5848) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 700، كتاب المناقب، باب (23) صفة النبي، حديث رقم (3551) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 97، كتاب الفضائل، باب (25) ، في صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأنه كان أحسن الناس وجها، حديث رقم (2237) .(6/395)
وفي لفظ لمسلم والترمذي: عن البراء، ما رأيت [من ذي] [ (1) ] لمة، أحسن في حلة حمراء، من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، شعره يضرب منكبيه، بعيد ما بين المنكبين، ليس بالطويل ولا بالقصير [ (2) ] . وقال الترمذي [ (3) ] : هذا حديث حسن صحيح، وله عدة طرق، ألفاظها متقاربة.
وقال حجاج عن أبى جعفر محمد بن على عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنه: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، كان يلبس برده الأحمر في الجمعة والعيدين [ (4) ] .
وخرّجه ابن حبّان ولفظه: كان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم بردا أحمر يلبسه في العيدين [ (5) ] .
وقال زمعة بن صالح، عن أبى حازم عن سهل بن سهل رضى اللَّه عنه قال: حيك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حلة أنمار من صوف أسود، وجعل حاشيتها بيضاء، فخرج فيها إلى أصحابه، فضرب على فخذه فقال: ألا ترون هذه ما أحسنها، فقال أعرابى: بأبي أنت وأمى يا رسول اللَّه، فهبها لي، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا يسأل شيئا قط فيقول: لا، فقال [صلّى اللَّه عليه وسلم] : نعم، فدعا
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) ، وفي (خ) : «ذا» .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 97، كتاب الفضائل، باب (25) في صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وأنه كان أحسن الناس وجها، حديث رقم (92) .
[ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 30- 31، باب (1) ، جاء في خلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (4) ، وأخرجه الترمذي في (الجامع الصحيح) في كتاب اللباس، باب ما جاء في الرخصة في الثوب الأحمر، حديث رقم (1724) ، وقال: حسن صحيح، وفي كتاب المناقب، باب ما جاء في صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (3635) ، والنسائي في (السنن) ، كتاب الزينة، باب اتخاذ الجمة من طريق عن وكيع، عن سفيان بن سعيد الثوري، عن أبى إسحاق السبيعي به.
[ (4) ] (إتحاف السادة المتقين) : 8/ 256، كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة، (السنن الكبرى للبيهقي) :
3/ 247، كتاب الجمعة، باب ما يستحب من الارتداء ببرد، (كنز العمال) : 7/ 121، حديث رقم (18281) ، (المطالب العالية) : 1/ 171، باب الأمر بالتجمل للجمعة.
[ (5) ] (أخلاق النبي) : 114.(6/396)
بمعوذين فلبسهما، وكسى الأعرابي الحلة، ثم أمر بمثلهما تحاكان له، فمات صلّى اللَّه عليه وسلم وهما في الحياكة [ (1) ] .
وخرّجه ابن حبان ولفظه: قال خيطت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جبة من صوف أنمار فلبسها، فما أعجب بثوب ما أعجب به، فجعل يمسه بيده ويقول:
انظروا! ما أحسنها، وفي القوم أعرابى فقال: يا رسول اللَّه، هبها لي، فخلعها [صلّى اللَّه عليه وسلم] فدفعها في يديه.
وذكر الزبير بن بكار، عن محمد بن سلام، عن يزيد بن عياض قال: أهدى حكيم بن حزام للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم في الهدنة التي كانت بين النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وبين قريش حلة ابن ذي يزن، اشتراها بثلاثمائة دينار، فردّها عليه وقال: لا أقبل هدية مشرك، فباعها حكيم، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من اشتراها له، فلبسها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلما رآه حكيم قال له:
ما ينظر الحكام بالفضل بعد ما ... بدا سابق، ذو غرّة وحجول
فكساها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة، فرآها عليه حكيم فقال: بخ بخ [ (2) ] يا أسامة، عليك حلة ابن ذي يزين! فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم:
قل له: وما يمنعني؟ وأنا خير منه وأبى خير من أبيه [ (3) ] .
وذكر محمد بن عمر الواقدي عن الضحاك بن عثمان، عن أهله قال:
قال حكيم بن حزام: كنت أعالج البزّ في الجاهلية، فكنت رجلا تاجرا أخرج إلى اليمن وإلى الشام في الرحلتين [ (4) ] ، فكنت أربح أرباحا كثيرة، فأعود على فقراء قومي، ونحن لا نعبد شيئا، نريد ثراء الأموال والمحبة في العشيرة، وكنت أحضر الأسواق، وكانت لنا ثلاثة أسواق: سوق لعكاظ، تقوم صبح هلال ذي القعدة، فتقوم عشرين يوما وتحضرها العرب، وبه ابتعت زيد بن حارثة لعمتي خديجة بنت خويلد- وهو يومئذ غلام-
__________
[ (1) ] (مجمع الزوائد) : 5/ 130.
[ (2) ] اسم فعل يفيد الاستحسان.
[ (3) ] (سير أعلام النبلاء) : 3/ 46- 47.
[ (4) ] رحلة الشتاء والصيف.(6/397)
فأخذته بستمائة درهم، فلما تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خديجة، سألها زيدا فوهبته له فأعتقه.
وبه ابتعت حلة ابن ذي يزن، فكسوتها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فما رأيت أحدا قط أجمل ولا أحسن من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في تلك الحلة [ (1) ] .
وخرجه الإمام أحمد من حديث عبد اللَّه بن المبارك، أخبرنا الليث بن سعد قال: حدثني عبيد اللَّه بن المغيرة عن عراك بن مالك، أن حكيم بن حزام قال: كان محد أحبّ رجل في الناس إليّ في الجاهلية، فلما تنبّأ وخرج إلى المدينة، شهد حكيم بن حزام الموسم وهو كافر، فوجد حلّة لذي [ (2) ] يزن تباع، فاشتراها بخمسين دينارا ليهديها لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقدم بها عليه المدينة، فأراد عليّ قبضها هدية فأبى، قال عبيد اللَّه: حسبته قال [ (3) ] : إنا لا نقبل شيئا من المشركين، ولكن إن شئت أخذناها بالثمن، فأعطيته حين أبى عليّ الهدية [ (4) ] ، وقد خرّجه الحاكم [ (5) ] من حديث أبى صالح عن الليث، ثم قال: صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] [ (6) ] .
تم بحمد اللَّه تعالى الجزء السادس ويليه الجزء السابع وأوله: «وأما الخرقة التي كان يتنشف بها»
__________
[ (1) ] (سير أعلام النبلاء) : 3/ 47، مختصرا، (جمهرة نسب قريش) : 367- 369، مطولا.
[ (2) ] في (خ) : «لابن ذي يزن» ، وما أثبتناه من (المسند) .
[ (3) ] في (المسند) : «حسبت أنه قال» .
[ (4) ] (مسند أحمد) : 4/ 404- 405، حدث رقم (14899) .
[ (5) ] (المستدرك) : 3/ 551- 552، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (6050) ، وقال في آخره: قال حكيم: «فانطلقت إلى مكة أعجبهم بقول أسامة» وقال عنه الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (6) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) .(6/398)
[المجلد السابع]
بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم
[تتمة فصل في ذكر لباس رسول اللَّه]
وأما الخرقة التي كان يتنشف بها
فخرج ابن مندة من حديث أبى معاذ عن ابن شهاب، عن عروة عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كانت له خرقة يتنشف بها بعد الوضوء [ (1) ] .
وخرجه الدار قطنى في كتاب (السنن) ، من طريق ابن وهب عبد اللَّه قال: حدثني زيد بن الحباب، عن أبى معاذ، عن ابن شهاب، عن عروة عن عائشة، قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرقة يتنشف بها بعد وضوئه. قال الدار قطنى: أبو معاذ هو سليمان بن أرقم، وهو متروك [ (2) ] .
قال مؤلفه [رحمه اللَّه تعالى] : هو أبو معاذ، سليمان بن أرقم البصري، يروى عن الحسن وابن سيرين، وعطاء بن أبى رباح، وعمر بن عبد العزيز، وابن شهاب، ويحيى بن أبى كثير.
ويروى عنه الزهري شيخه، والثوري، ويحيى بن حمزة، وزيد بن الحباب، وخلق [كثير] .
قال أحمد: ليس بشيء، قال ابن معين: ليس بسوى، قلنا: وقال البخاري: اتركوه، وقال ابن عدىّ: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، وقال الترمذي وجماعة: متروك.
خرّج عنه أبو داود، والترمذي، والنّسائى، وله عندهم حديث: لا نذر
__________
[ (1) ] ، (2) قال العلامة أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي: والحديث أخرجه الترمذي، وفيه أبو معاذ وهو ضعيف، وقال الترمذي بعد أن روى الحديث: ليس بالقائم، ولا يصح فيه شيء، وأخرجه الحاكم، وأخرج الترمذي من حديث معاذ: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه، قال الحافظ: وإسناده ضعيف، وفي الباب عن سليمان أخرجه ابن ماجة، قال ابن أبى حاتم: وروى عن أنس ولا يحتمل أن يكون مسندا. (التعليق المغنى على الدار قطنى) : 1/ 110- 111.(7/3)
في معصية، وحديث: الصدقات، وحديث: كان للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم خرقة يتنشف بها. وليس له عندهم غير ذلك.
وذكره ابن بطّال في شرح البخاري، من حديث زيد بن الحباب عن ابن شهاب، ثم قال: وبه قال عثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب، وابن عمر، وأنس بن مالك، وابن مسعود، والحسن، والشعبي، وابن سيرين، وعلقمة، والأسود، ومسروق، وهو قول مالك، والثوري وأبى حنيفة، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق.
وكره ذلك: جابر بن عبد اللَّه، وعطاء، وابن أبى ليلى، وابن المسيّب، والنخعي، وأبو العالية، وهو قول الحسن بن حيي.
وذكره محمد بن سعد من حديث أبى عمرو بن العلاء، عن إياس بن جعفر الحنفي، قال: أخبرت أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كانت له خرقة يتنشّف بها عند الوضوء [ (1) ] .
ويقال: إن حكيم بن حزام قدم بتلك الحلّة في هدنة الحديبيّة وهو يريد الشام في عير، فأرسل الحلة إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأبى أن يقبلها وقال: لا أقبل هدية مشرك،
قال حكيم: فجزعت من ذلك جزعا شديدا حيث ردّ هديتي، فبعتها بسوق النبط من سائم سامني، ودسّ إليها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم زيد بن حارثة فاشتراها، فرأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يلبسها بعد، وذكر بقية الخبر.
__________
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 386، لكن قال ابن القيم: ولم يكن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعتاد تنشيف أعضائه بعد الوضوء، ولا يصح عنه في ذلك حديث البتة، بل الّذي صح عنه خلافه.
وأما حديث عائشة: «كان للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم خرقة ينشف بها بعد الوضوء» ، وحديث معاذ بن جبل:
«رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا توضأ مسح على وجهه بطرف ثوبه» [أخرجه الترمذي: (53) ، (54) ] فضعيفان، لا يحتج بمثلهما، في الأول سليمان بن أرقم متروك، وفي الثاني عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، ضعيف، قال الترمذي: ولا يصح عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم في هذا الباب شيء. (زاد المعاد) :
1/ 197.(7/4)
وخرّج أبو داود [ (1) ] والحاكم [ (2) ] ، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] : لقد رأيت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل. وفيه قصة [ (3) ] .
وخرّج من حديث يونس بن يزيد عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، أنه كان يشترى [ (4) ] لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولأصحابه الحلة بألف درهم، وبألف ومائتي درهم [ (5) ] . قال هذا حديث صحيح [على شرط الشيخين ولم يخرجاه] [ (6) ] .
وعن عمارة بن زاذان، عن ثابت عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه أن ملك ذي يزن أهدى للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم حلّة اشتريت بثلاثة وثلاثين بعيرا وناقة، فلبسها النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرة. قال هذا حديث صحيح الإسناد [ (7) ] [ولم يخرجاه] [ (8) ] .
ولابن حيّان [ (9) ] من حديث قتادة، عن على بن زيد، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن الحارث، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم اشترى حلة بسبع وعشرين ناقة ولبسها.
__________
[ (1) ] (عون المعبود) : 11/ 84، كتاب اللباس، باب (20) في الرخصة في ذلك [أي في الحمرة] ، حديث رقم (4066) ولفظه: « ... ورأيته في حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه» صلى اللَّه عليه وسلم.
[ (2) ] (المستدرك) : 2/ 164، حديث رقم (2656) ، وقال في آخره: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم.
[ (3) ] ذكرها أبو أحمد الحاكم في (المرجع السابق) : 2/ 164- 165، قال محققه: وهي قصة طويلة أمسكنا عن ذكرها لطولها.
[ (4) ] كذا في (خ) ، وفي (المستدرك) : «يستحيك» .
[ (5) ] (المستدرك) : 4/ 207، حديث رقم (7385) ، وقال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم.
[ (6) ] زيادة للسياق من (المستدرك) .
[ (7) ] (المستدرك) : 4/ 2208 حديث رقم (7386) ، وقال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) :
صحيح.
[ (8) ] زيادة للسياق من (المستدرك) .
[ (9) ] هو أبو محمد، عبد اللَّه بن جعفر بن حيّان، المعروف بأبي الشيخ، توفى في المحرم سنة (369 هـ) .(7/5)
وأما الحبرة
[فخرج] البخاري من حديث همام عن قتادة عن أنس، وخرّج مسلم عن هشام، أخبرنا قتادة قال: قلنا لأنس بن مالك: أي اللباس كان أحبّ إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أو أعجب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: الحبرة [ (1) ] .
ولفظ البخاري: قال: قلت له: أي الثياب كان أحب إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن يلبسها؟ قال: الحبرة [ (2) ] .
وخرّجاه عن هشام عن قتادة عن أنس قال: كان أحب الثياب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن يلبسها الحبرة. لم يقل مسلم: أن يلبسها.
وللبخاريّ من حديث الزهري، أخبرنى أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أن عائشة رضى اللَّه عنها أخبرته أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين توفّي سجّى ببرد حبرة. وذكره في كتاب اللباس [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 300، كتاب اللباس، باب (5) ، فضل ثياب الحبرة، حديث رقم (32) ، (33) من أحاديث الباب. والحبرة: بكسر الحاء وفتح الباء، وهي ثياب من كتان أو قطن محبرة أي مزينة، والتحبير: التزيين والتحسين، يقال: ثوب حبرة على الوصف، وثوب حبرة على الإضافة، وهو أكثر استعمالا، والحبرة مفرد، والجمع حبر وحبرات، كعنبة وعنبات، ويقال: ثوب حبير على الوصف، فيه دليل لاستحباب لباس الحبرة، وجواز لباس المخطط وهو مجمع عليه، واللَّه تعالى أعلم. (المرجع السابق) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 339، كتاب اللباس، باب (18) ، البرود والحبر والشملة، حديث رقم (5812) ، (5813) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 10/ 339، كتاب اللباس، باب (18) ، البرود والحبر والشملة، حديث رقم (5814) .(7/6)
وخرجه مسلم ولفظه: سجى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين مات بثوب حبرة [ (1) ] .
وخرّجه النسائي أيضا [ (2) ] .
وروى سعيد بن السكن، حدثنا ابن أبى داود، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم النهشلي، أخبرنا سعيد بن الصّلت، أخبرنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جده على بن الحسين، عن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يلبس في العيدين بردي حبرة [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 13، كتاب الجنائز، باب (14) ، في تسجية الميت، حديث رقم (942) .
[ (2) ] وخرجه أيضا أبو داود في (السنن) ، 3/ 489، كتاب الجنائز، باب (23) ، في الميت يسجى، حديث رقم (3120) .
[ (3) ] (الدر المنثور) : 3/ 79.(7/7)
وأما المرط
المرط: كساء من خزّ أو صوف أو كتان، وقيل: هو الثوب الأخضر وجمعه مروط وأمراط، وقيل: هو كساء يؤتز ربه، وقيل: لا يكون المرط إلا ذراعا ولا يلبسه إلا النساء، ولا يكون إلا أخضر، والأول أصحّ، وهو بكسر الميم وإسكان الراء، وقيل: المرط: كساء صوف ومربع سداه شعر [ (1) ] .
خرّج مسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] والترمذي [ (4) ] ، من حديث مصعب بن شيبة، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: خرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحّل من شعر أسود. لم يقل أبو داود: ذات غداة، ولم يقل الترمذي فيه: مرحّل، والمرحّل بالحاء المهملة المشدّدة المفتوحة: الموشى بمثل صور الرحال، والمرجّل بالجيم: الموشى بمثل صور الرجال، والمرويّ في هذا الحديث بالحاء المهملة [ (5) ] .
ولأحمد من حديث سفيان عن طلحة بن يحيى، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلى وعليه مرط وعليّ بعضه [ (6) ] .
__________
[ (1) ] (لسان العرب) : 7/ 401.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 203- 204، كتاب فضائل الصحابة، باب (9) فضائل أهل بيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (2424) .
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 315، كتاب اللباس، باب (6) في لبس الصوف والشعر، حديث رقم (4032) .
[ (4) ] (سنن الترمذي) : 5/ 110- 111، كتاب الأدب، باب (49) ما جاء في الثوب الأسود، حديث رقم (2813) ، وقال في آخره: هذا حديث حسن غريب صحيح.
[ (5) ] الرحال: جمع رحل.
[ (6) ] (مسند أحمد) : 7/ 233، حديث رقم (24767) .(7/8)
وأما المصبوغ بالزعفران
فخرج الحاكم وغيره من حديث مصعب بن عبد اللَّه الزبيري، حدثني أبى عبد اللَّه بن مصعب، عن إسماعيل بن عبد اللَّه بن جعفر، عن أبيه قال:
رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعليه ثوبان مصبوغان بالزعفران، رداء وعمامة [ (1) ] .
قال الحاكم: هذا حديث صحيح.
وروى قاسم بن أصبغ من حديث القعنبي أخبرنا عبد اللَّه بن زيد أسلم عن أبيه أن ابن عمر كان يصبغ ثيابه بالزعفران، فقيل له في ذلك فقال:
كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصبغ به، ورأيته أحبّ الطيب إليه [ (2) ] .
وذكر ابن وهب عن عمر بن محمد، عن زيد بن أسلم قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصبغ ثيابه كلها بالزعفران حتى العمامة [ (3) ] .
وذكر عن هشام بن سعد عن يحيى بن عبد اللَّه بن مالك الدار قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يبعث بقميصه وردائه إلى بعض أزواجه، فيصبغ له بالزعفران.
وقال الواقدي: عن عمر بن محمد عن أبى جعفر محمد بن على قال:
ترك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عشرة أثواب: ثوب حبرة، وإزارا عمانيا، وثوبين
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 210، كتاب اللباس، حديث رقم (7295) ، وقال في آخره: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال عنه الذهبي في (التلخيص) : ولا واحد منهما، يعنى ليس على شرط أي أحد منهما.
[ (2) ] (سنن النسائي) : 8/ 517، كتاب الزينة، باب (17) ، الخضاب بالصفرة، حديث رقم (5100) .
[ (3) ] (سنن النسائي) : 8/ 529، كتاب الزينة، باب (30) الزعفران، حديث (5130) .(7/9)
صحاريين، وقميصا سحوليا، وجبّة يمنة، وملحفة مورّسة كان يلبسها في بيوت نسائه، وخميصة، وكساء أبيض، وقلانس صفار لاطية ثلاثة.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا عباد بن عباد، عن هشام بن حسان، عن بكر بن عبد اللَّه المزنيّ قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ملحفة مصبوغة بورس أو بزعفران، فإذا كان يوم إحداهن- يعنى نساءه- ذهب بها إليها، ورشّ عليها الماء لتوجد رائحتها [ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه الخطيب البغدادي بسند آخر ولفظ آخر عن أنس رضى اللَّه عنه قال: «كان للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم ملحفة مصبوغة بالورس والزعفران، يدور بها على نسائه، فإذا كانت ليلة هذه رشتها بالماء، وإذا كانت ليلة هذه رشتها بالماء» (تاريخ بغداد) : 13/ 320، ترجمة نوح بن حبيب رقم (7290) ، (كنز العمال) : 7/ 20، حديث رقم (18725) ، وقال الزبيدي: سنده ضعيف.
والورس: نبت أصفر يزرع باليمن يصبغ به، أو المراد صنف من الكركم أو يشبهه، وفيه حل لبس المزعفر، والمورس، وفيه اختلاف عند العلماء: (إتحاف السادة المتقين) : 8/ 251- 252، كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة.(7/10)
وأما الإزار والكساء
الإزار: ما يلتحف به، وهو يذكر ويؤنث، والجمع أزرة، وأزر، وهي الإزارة، وأنه يحسن الإزرة- بكسر الهمزة- وأنه يحسن الائتزار، وقد تأزرته وأزرته، والمئزر: الإزار [ (1) ] .
وخرج البخاري من حديث حميد بن هلال، عن أبى بردة قال: أخرجت إلينا عائشة رضى اللَّه عنها كساء وإزارا غليظا، فقالت: قبض روح النبي صلى اللَّه عليه وسلم في هذين [ (2) ] .
وخرجه مسلم ولفظه: أخرجت إلينا عائشة إزارا وكساء ملبدا فقالت:
في هذين قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] [قال ابن حاتم في حديثه: إزارا غليظا [ (4) ] .
وفي لفظ البخاري [ (5) ] ومسلم [ (6) ] وأبى داود عن أبى بردة قال: دخلت
__________
[ (1) ] (لسان العرب) : 4/ 17، وفيه: الإزار: العفاف، قال أبو عبيد: فلان خيف المئزر، وعفيف الإزار، إذا وصف بالعفة عما يحرم عليه من النساء، ويكنى بالإزار عن النفس وعن المرأة.
[ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 341، كتاب اللباس، باب (15) ، الأكسية والخمائص، حديث رقم (5818) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 300- 301، كتاب اللباس والزينة، باب (6) ، التواضع في اللباس، والاقتصار على الغليظ منه ... حديث رقم (35) .
[ (4) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) .
[ (5) ] (فتح الباري) : 6/ 261، كتاب فرض الخمس، باب (5) ما ذكر من درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه، حديث رقم (3108) .
[ (6) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 301، باب (6) ، التواضع في اللباس، والاقتصار على الغليظ منه ...
حديث رقم (34) .(7/11)
على عائشة رضى اللَّه عنها، فأخرجت إلينا إزارا غليظا مما يصنع باليمن، وكساء من التي يسمونها الملبدة، قال: فأقسمت باللَّه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبض في هذين الثوبين ذكره البخاري في كتاب الخمس، في باب ما ذكر من درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه [ (1) ] [وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك، مما لم يذكر قسمته، ومن شعره ونعله وآنيته مما تبرك به أصحابه وغيرهم بعد وفاته] [ (2) ] .
وله
من حديث محمد بن شهاب الزهري عن عروة عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في خميصة له، لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما سلم [ (3) ] قال: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبى جهم، فإنّها ألهتنى آنفا عن صلاتي، وائتوني بانبجانية أبى جهم بن حذيفة بن غانم [من بنى عدي بن كعب] . ذكره البخاري في كتاب الصلاة، في باب إذا صلى في ثوب له أعلام ونظر إلى علمها [ (4) ] ، وفي باب الالتفات في الصلاة [ (5) ] . وذكره في كتاب اللباس، في باب: الأكسية والخمائص [ (6) ] ،
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 261، كتاب فرض الخمس، باب (5) ، ما ذكر من درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه ... حديث رقم (3108) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (صحيح البخاري) . (3) في (خ) : «فلما سلم» ، وما أثبتناه من (صحيح البخاري) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (صحيح البخاري) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 1/ 636، كتاب الصلاة، باب (14) ، إذا صلى في ثوب له أعلام ونظر إلى علمها، حديث رقم (373) .
[ (5) ] (فتح الباري) : 2/ 297، كتاب الأذان، باب (93) ، الالتفات في الصلاة، حديث رقم (752) ، ونبج موضع أعجمى تكلمت به العرب، ونسبوا إليه الثياب النبجانية أو الأنبجانية على خلاف في ذلك.
[ (6) ] (فتح الباري) : 10/ 340، كتاب اللباس، باب (19) الأكسية والخمائص، حديث رقم (5817) .(7/12)
وألفاظه متقاربة. وخرجه مسلم أيضا [ (1) ] .
والخميصة: كساء أسود مربع له علمان، وقيل: الخمائص ثياب من خزّ تخان، سود وحمر، ولها أعلام تخان أيضا، والانبجانية. كساء من الصوف له خمل، وليس له علم، منسوب إلى نباج، وهما نباجان: نباج نبتل، ونباج ابن عامر.
وللبخاريّ [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث عبد اللَّه بن عون، عن محمد بن سيرين، عن أنس قال: لما ولدت أم سليم قالت لي: يا أنس، انظر هذا الغلام فلا يصيبن شيئا حتى تغدو به إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحنكه، فغدوت به، فإذا هو في حائط وعليه خميصة حريبية، وهو يسم الظهر الّذي قدم عليه في الفتح.
ذكره البخاري في باب الخميصة السوداء، وخرّج أبو عبد اللَّه الحاكم من حديث سعيد بن إياس الجريريّ، عن أبى السليل، عن أبى تميمة الهجيمي، عن جابر بن سليم الهجيمي قال: لقيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بعض طرق المدينة، وعليه إزار من قطن منتشر الحاشية، فقلت: عليك السلام يا محمد يا رسول اللَّه، فقال: عليك السلام تحية الميت، سلام عليكم، أي
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 300- 301، كتاب اللباس والزينة، باب (6) التواضع في اللباس والاقتصار على الغليظ منه. حديث رقم (34) ، (35) ، (سنن الترمذي) : 4/ 196، كتاب اللباس، باب (10) ، ما جاء في لبس الصوف، حديث رقم (1733) ، قال أبو عيسى: وفي الباب عن على وابن مسعود، وحديث عائشة حديث حسن صحيح، (سنن ابن ماجة) : 2/ 1176، كتاب اللباس، باب (1) لباس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (3550) ، (3551) ، (مسند أحمد) : 7/ 50، حديث رقم (23517) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 743، كتاب اللباس، باب (22) ، الخميصة السوداء، حديث رقم (5824) والحريثية: نسبة إلى حريث: رجل من قضاعة.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 344، كتاب اللباس والزينة، باب (30) ، جواز وسم الحيوان غير الآدمي في غير الوجه، وندبه في نعم الزكاة والجزية، حديث رقم (2119) ، وقال: وعليه خميصة جونية.(7/13)
هكذا فقل، فسألته عن الإزار، فأقنع ظهره، وأخذ بمعظم ساقه فقال: ها هنا، فإن أبيت فها هنا فوق الكعبين، فإن أبيت، فإن اللَّه لا يحب كل مختال فخور [ (1) ] .
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] [ (2) ] .
وللترمذي [ (3) ] من حديث الأشعث بن سليم قال: سمعت عمتي تحدث عن عمها قال: بينما أنا أمشى فإذا إنسان خلفي يقول: ارفع إزارك فإنه أتقى، وأبقى، وأنقى، فإذا هو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقلت: يا رسول اللَّه إنما هي بردة ملحاء، قال: أما لك فىّ أسوة؟ فنظرت فإذا إزاره إلى نصف ساقيه وخرجه النسائي [ (4) ] [أيضا] .
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 207، كتاب اللباس، حديث رقم (7382) ، وقال عنه الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (2) ] زيادة للسياق من (المستدرك) ، (سنن الترمذي) : 4/ 217، كتاب اللباس، باب (41) في مبلغ الإزار، حديث رقم (1783) بسياقة أخرى، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، رواه الثوري وشعبة وأبى إسحاق.
[ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 108- 109، حديث رقم (121) .
[ (4) ] (السنن الكبرى) : كتاب الزينة، من طرق عن أشعث بن سليم به، ورجال إسناده ثقات، غير عمة الأشعث- وهي رهم بنت الأسود- فإنّها لا تعرف، وعمها هو عبيد اللَّه بن خالد المحاربي رضى اللَّه عنه.
والحديث أخرجه أحمد في (المسند) ، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) ، كلهم من طريق الأشعث عن عمته عن عمها، وقال الإمام أحمد: بسنده أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم تبع رجلا من ثقيف حتى هرول في أثره حتى أخذ ثوبه فقال: ارفع إزارك، قال: فكشف الرجل عن ركبتيه فقال: يا رسول اللَّه، إني أحنف وتصطك ركبتاي، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: كل خلق اللَّه عز وجل حسن، قال: ولم ير ذلك الرجل إلا وإزاره إلى أنصاف ساقيه حتى مات، (مسند أحمد) : 50/ 529، حديث رقم (18978) ، 6/ 501، حديث رقم (22576) ، (أخلاق النبي) : 108، (الإحسان) : 15/ 352، كتاب إخباره صلى اللَّه عليه وسلم عن مناقب الصحابة رجالهم ونسائهم، حديث رقم (6917) .(7/14)
وأما السّراويل
فخرج ابن حيّان من حديث الهيثم بن عدي، حدثنا دلهم بن صالح قال [حدثنا] عبد اللَّه بن يزيد عن أبيه قال: إن النجاشي كتب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: قد زوجتك امرأة [] ، وهي على دينك، أم حبيبة بنت أبى سفيان، وأهديت إليك هدية جامعة، قميصا وسراويل وعطافا وخفين ساذجين، فتوضأ النبي [ (1) ] صلى اللَّه عليه وسلم ومسح عليهما. قال الهيثم: العطاف:
الطليسان.
ومن حديث وكيع عن الثوري، عن سماك بن حارث، عن سويد عن قيس قال: جلبت أنا ومخرمة العبديّ بزا من هجر إلى مكة، فأتانا رسول اللَّه
__________
[ (1) ] (أخلاق النبي) : 133 من طريق آخر، (طبقات ابن سعد) : 1/ 482، (مسند أحمد) : 6/ 483- 484، حديث رقم (22472) ، (سنن أبى داود) : 1/ 108، كتاب الطهارة، باب (59) المسح على الخفين، حديث رقم (155) ، (سنن الترمذي) : 5/ 114- 115، كتاب الأدب، باب (55) ، ما جاء في الخف الأسود، حديث رقم (2820) ، (سنن ابن ماجة) : 1/ 82، كتاب الطهارة وسننها، باب (84) ما جاء في المسح على الخفين، حديث رقم (549) ، 2/ 1196، كتاب اللباس، باب (3) الخفاف السود، حديث رقم (3620) . وفيه من الفوائد: قبول هدية أهل الكتاب، وأن أصل الأشياء الطهارة، وجواز المسح على الخف.
ودلهم بن صالح ضعيف، وحجير بن عبد اللَّه الكندي وثقه ابن حبان وجهله ابن عدي والذهبي، ولذا قال عنه الحافظ ابن حجر: مقبول، يعنى عند المتابعة، وإلا فلين الحديث، له ترجمة في: (الكامل في ضعفاء الرجال) : 3/ 108، ترجمة رقم (22/ 644) ، (ميزان الاعتدال في نقد الرجال) : 2/ 28، ترجمة رقم (2680) ، (الضعفاء الكبير) : 2/ 44، ترجمة رقم (472) ، (المغنى في (الضعفاء) : 1/ 223، ترجمة رقم (2051) ، (الضعفاء والمتروكين) : 1/ 271، ترجمة رقم (1183) .
وللحديث شاهد: عن ابن عباس، ذكره ابن عدي في (الكامل) وقال: لعل هذا الطرق خير من ذلك الطريق.(7/15)
صلى اللَّه عليه وسلم فاشترى سراويل، وثمّ وزان يزن بالأجر، فقال: إذا وزنت فأرجح.
وخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] .
وخرجه أبو داود من حديث عبيد اللَّه بن معاذ، أخبرنا أبى أخبرنا سفيان عن سماك بن حرب، حدثني سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرفة [ (2) ] العبديّ بزا من هجر، فأتينا به مكة، فجاءنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يمشى، فساومنا بسراويل فبعناه، وثم رجل يزن بالأجر، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: زن وأرجح [ (3) ] .
ومن حديث شعبة عن سماك بن حرب عن أبى صفوان بن عميرة قال:
أتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة قبل أن يهاجر. بهذا الحديث، ولم يذكر: «يزن بأجر» [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 2/ 35- 36، كتاب البيوع، حديث رقم (2230) ، (2231) ، قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : تابعه شعبة عن سماك لكن قال: سمعت أبا صفيان يقول: بعت من النبي صلى اللَّه عليه وسلم سراويل فوزن لي فأرجح. أبو صفوان هو سويد. وهو على شرط مسلم قال في التقريب: إن ما جزم به من أن كنيته أبو صفوان فيه نظر، والّذي يكنى أبا صفوان اسمه مالك.
[ (2) ] ويروى بالميم بدل الفاء، والأول أصح.
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 3/ 631، كتاب البيوع والإجارات، باب (7) في الرجحان في الوزن والوزن بالأجر، حديث رقم (3336) ، والبز: الثياب، هجر: اسم بلد معروف بالبحرين وهو مذكر مصروف، وأما هجر التي تنسب إليها القلال الهجرية، فهي قرية من قرى المدينة.
وفي الحديث دليل على جواز هبة المشاع، وذلك أن مقدار الرجحان هبة منه للبائع، وهو غير متميز من جملة الثمن.
وفيه دليل على جواز أخذ الأجرة على الوزن والكيل، وما في معناهما أجرة القسام والحاسب، وكان سعيد بن المسيب ينهى عن أجرة القسام، وكرهها أحمد بن حنبل.
[ (4) ] (المرجع السابق) : 632، كتاب البيوع والإجارات، ذات الباب، حديث رقم (3337) .(7/16)
قال أبو داود: رواه قيس كما قال سفيان، قال: والقول قول سفيان [ (1) ] ، وجاء في حديثه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم اشترى سراويل بأربعة دراهم، قال أبو هريرة:
فأردت حملها فمنعني وقال: صاحب الشيء أحق بحمله، قلت يا رسول اللَّه! وإنك لتلبس السراويل؟ قال نعم بالليل والنهار.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) وأخرجهما النسائي في البيوع، حديث رقم (4596) ، (4597) ، وابن ماجة في التجارات، حديث رقم (2220) ، (2221) كلاهما في باب الرجحان في الوزن.(7/17)
وأما لبس الصوف ونحوه
فخرج ابن حيّان من حديث بقية، حدثنا يوسف بن أبى كثير، عن نوح ابن ذكوان، عن الحسن، عن أنس قال: لبس النبي صلى اللَّه عليه وسلم الصوف، واجتنى المخصوف، ولبس خشنا، وأكل بشعا- يعنى غليظ الشعير- ما كان يسعه إلا تجرعه [ (1) ] .
ومن حديث يحى بن يعلى الأسلمي، عن مختار التميمي، عن كرز الحارثي، عن أبى أيوب قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يلبس الصوف، ويخصف النعل، يرقع القميص، ويركب الحمار، ويقول: من رغب عن سنتي فليس منى [ (1) ] .
وجاء عن محمد بن جعفر الوركانى، حدثنا سعيد بن ميسرة، عن أنس، لبس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جبة من صوف ثلاثة أيام، فلما عرق وجد منها ريحا كرهها، فرمى بها [ (2) ] .
ولابن حيّان من حديث حماد بن زيد، حدثنا حلس بن أيوب قال:
دخل الصلت بن راشد على محمد بن سيرين، وعليه جبة صوف، وإزار
__________
[ (1) ] (أخلاق النبي) : 122.
[ (2) ] ونحوه باختلاف يسير في (سنن أبى داود) : 4/ 339، كتاب اللباس، باب (22) في السواد، حديث رقم (4074) ، وقال في آخره: وأحسبه قال: وكان تعجبه الريح الطيبة، (مسند أحمد) :
7/ 190، حديث رقم (24482) ، 208، حديث رقم (24593) ، 313، حديث رقم (25312) ، 355، حديث رقم (25586) ، من حديث قتادة عن مطرف، عن عائشة رضى اللَّه عنها وسنده صحيح.(7/18)
صوف، وعمامة صوف، فاشمأز منه محمد [بن سيرين] [ (1) ] وقال: أظن أن أقواما يلبسون الصوف فيقولون: قد لبسه عيسى ابن مريم عليه السلام، وقد حدثني من لا أتهم، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [قد] [ (2) ] لبس الكتان، والقطن، [ويمنة] [ (3) ] ، وسنة نبينا أحق أن تتبع [ (4) ] .
وقال هشام بن الكلبي عن أبيه محمد بن السائب، عن أبى صالح عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أثواب صحارية، وسحولية، ويمنة.
وكان عبد اللَّه بن أبى الأسود بصريّ، يروى عن أنس، يروى عنه عنبسة ابن عبد الرحمن [ (5) ] ، وروى هذا الحديث عن عنبسة محمد بن عبد اللَّه ابن عثمان الخزاعي أبو عبد اللَّه، قال فيه أبو حاتم: هو ثقة، وقد روى عنه أبو داود، ورواه عن محمد بن عبد اللَّه بن عبد القدوس، عن عبد الكبير البصري، إلا أن عنبسة قال فيه ابن معين: هو لا شيء. وقال
__________
[ (1) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (2) ] زيادة للسياق من (زاد المعاد) .
[ (3) ] في (خ) فقط.
[ (4) ] (زاد المعاد) : 1/ 143، ذكره الشيخ أبو إسحاق الأصبهاني بإسناد صحيح عن جابر بن أيوب. ثم قال: ومقصود ابن سيرين بهذا أن أقواما يرون أن لبس الصوف دائما أفضل من غيره، فيتحرونه ويمنعون أنفسهم من غيره، وكذلك يتحرون زيّا واحدا من الملابس، ويتحرون رسوما وأوضاعا وهيئات يرون الخروج عنها منكرا، وليس المنكر إلا التقيد بها، والمحافظة عليها، وترك الخروج عنها.
والصواب أن أفضل الطرق طريق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم التي سنها، وأمر بها، ورغب فيها، ودوام عليها، وهي أن هديه في اللباس: أن يلبس ما تيسر من اللباس، من الصوف تارة، والقطن تارة، والكتان تارة (المرجع السابق) .
[ (5) ] هو عنبسة بن عبد الرحمن بن عيينة بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية، وقال بعضهم: عنبسة بن أبى عبد الرحمن الأمويّ.(7/19)
أبو حاتم: كان يضع الحديث [ (1) ] .
__________
[ (1) ] وقال ابن أبى خيثمة عن ابن معين: لا شيء، وقال أبو زرعة: واهي الحديث منكر الحديث، وقال أبو حاتم: متروك الحديث كان يضع الحديث، وقال البخاري: تركوه، وقال أبو داود والنسائي والدار قطنى: ضعيف، وقال النسائي أيضا: متروك، وقال الترمذي: يضعف، وقال الأزدي: كذاب، وقال ابن حبان: هو صاحب أشياء موضوعة لا يحل الاحتجاج به.
قال الحافظ ابن حجر في (تهذيب التهذيب) : وقال ابن البرقي عن ابن معين: ضعّف، وقال عثمان بن سعيد عن ابن معين: لا أعرفه أيضا منكر الحديث، وكذا قال ابن عدي، وقال أبو حاتم: كان عند أحمد بن يونس عنه شيء، فلم يحدث عنه على عمد. (تهذيب التهذيب) : 8/ 143، ترجمة رقم (288) .(7/20)
وأما وقت لبسه صلى اللَّه عليه وسلم وما يقوله عند اللّبس
فخرج ابن حيّان من حديث عنبسة بن عبد الرحمن القرشي، حدثنا عبد اللَّه بن أبى الأسود قال: سمعت أنسا يقول: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا استجدّ ثوبا لبسه يوم الجمعة [ (1) ] .
وخرج أبو عيسى الترمذي عن عبد اللَّه بن المبارك، عن سعيد الجريريّ، عن أبى بصرة، عن أبى سعيد قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا استجدّ ثوبا سمّاه باسمه، عمامة، أو قميصا، أو رداء، ثم يقول: اللَّهمّ لك الحمد كما كسوتنيه، أسألك خيره، وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شرّه، وشر ما صنع له [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (إتحاف السادة المتقين) : 8/ 256، (كنز العمال) : 7/ 119، حديث رقم (18268) ، وعزاه إلى الخطيب البغدادي عن أنس رضى اللَّه عنه، (تاريخ بغداد) : 4/ 136- 137 في ترجمة أحمد بن الخطاب بن الهيثم رقم (1817) ، قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، وعنبسة مجروح، قال ابن حبان: والأنصاري يروى عن الثقات ما ليس من حديثهم، لا يجوز الاحتجاج به. (العلل المتناهية) :
2/ 682، حديث رقم (1134) في لبس الثوب الجديد يوم الجمعة.
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 210، كتاب اللباس، باب (29) ما يقول إذا لبس ثوبا جديدا، حديث رقم (1767) ، ثم قال: وفي الباب عن عمر وابن عمر: حدثنا هشام بن يونس الكوفي، حدثنا القاسم بن مالك المزني عن الجريريّ نحوه، وهذا حديث حسن غريب صحيح، (الشمائل المحمدية) : 70- 73، حديث رقم (61) ، (62) ، (كنز العمال) : 7/ 118- 119، حديث رقم (18267) ، وعزاه إلى الإمام أحمد وأبى داود والحاكم، (إتحاف السادة المتقين) : 8/ 256، كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة، (مسند أحمد) : 3/ 448، حديث رقم (11077) من مسند أبى سعيد الخدريّ، (طبقات ابن سعد) : 1/ 460، ذكر قناعته صلى اللَّه عليه وسلم بثوبه ولباسه القميص وما كان يقول إذا لبس ثوبا عليه، ثم
قال بعد أن ذكر حديث الباب حديثا آخر: أخبرنا محمد بن عبد اللَّه الأسدي، أخبرنا سفيان عن ابن أبى ليلة، عن عيسى عن عبد الرحمن بن أبى ليلى، قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا لبس ثوبا، أو قال: إذا لبس أحدكم ثوبا فليقل: الحمد للَّه الّذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي، (سنن أبى داود) : 4/ 309، كتاب اللباس، باب (1) بدون ترجمة، حديث رقم (4020) ،
ثم قال: قال(7/21)
__________
[ () ] أبو نضرة: فكان أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوبا جديدا قيل له: تبلى ويخلف اللَّه تعالى، (الإحسان) : 12/ 239، كتاب اللباس وآدابه، ذكر ما يقول المرء عند كسوته ثوبا استجده، حديث رقم (5420) ، (أخلاق النبي) : 102 من طريق حماد ابن أسامة، 103 من طريق عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، 104 من طريق عبد اللَّه بن المبارك، (الإحسان) : 12/ 240، كتاب اللباس وآدابه، ذكر ما يجب على المرء أن يبتدئ بحمد اللَّه جلّ وعلا عند سؤاله ربه جلّ وعلا ما ذكرناه، حديث رقم (5421) .
وقد أعله أبو داود بقوله: «عبد الوهاب الثقفي لم يذكر فيه أبا سعيد، وحماد بن سلمة قال عن الجريريّ عن أبى العلاء عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وحماد بن سلمة والجريريّ سماعهما واحد، وقال الحافظ ابن حجر في (النكت الظراف) : والمقصد أن حماد بن سلمة وعبد الوهاب الثقفي سماعهما قديم قبل اختلاط الجريريّ، وقد أرسلا الحديث، أما باقي الرواة، فلم أر هذا الحديث موصولا من طريق القدماء عن الجريريّ، أمثال شعبة، والثوري، والحمادان، وابن عليه، ومعمر، وعبد الوارث، وعبد الوهاب الثقفي، وغيرهم، وكذلك كل من أدرك أيوب، فسماعه من الجريريّ جيد.
وقال الحافظ ابن حجر في (نتائج الأفكار) : وكل من ذكرناه سوى حماد والثقفي سمعوا من الجريريّ بعد اختلاطه، فعجب من الشيخ (النووي) كيف جزم بأنه حديث صحيح، ويحتمل أن يكون صحيح المتن لمجيئه من طريق آخر حسن أيضا.
وقد صحح بعضهم هذا الإسناد باعتبار أن خالد الواسطي روى له الشيخان في صحيحهما، لكن قال الحافظ ابن حجر في (هدى الساري مقدمة فتح الباري) عن رواية خالد الجريريّ: ولم يتحرر لي أمره إلى الآن، هل سمع منه قبل الاختلاط أو بعده، لكن حديثه عنه بمتابعة بشر بن المفضل كلاهما عنه.
ثم ذكر في (نتائج الأفكار) ضمن الرواة في الحديث المذكور، ثم قال: «وكل من ذكرناه سوى حماد والثقفي سمعوا من الجريريّ بعد اختلاطه» ، ثم جزم الحافظ ابن حجر بأنه سمع من الجريريّ بعد الاختلاط، فقال في (الفتح) : عن سعيد الجريريّ: «واتفقوا على أن سماع المتأخرين منه كان بعد اختلاطه، وخالد منهم» .
وأخرجه ابن أبى شيبة في (الكتاب المصنف) : 5/ 198- 199 باب (54) ، ما يقول الرجل إذا لبس الثوب الجديد، بسياقات وروايات مختلفة، حديث رقم (25079) ، (25080) ، (25081) ، (25082) ، (25083) ، (25084) ، (25085) ، وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 4/ 213، كتاب اللباس، حديث رقم (7408) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم، حديث رقم (7409) بسياقة أخرى وسند آخر، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : أبو مرحوم ضعيف، وهو عبد الرحيم بن ميمون.(7/22)
وخرّج الحاكم من حديث إسحاق بن سعيد، حدثنا أبى، حدثتني أم خالد بنت خالد قالت: أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بثياب فيها خميصه سوداء صغيرة، فقال: من ترون أكسو هذه، فسكت القوم، فقال: ائتوني بأم خالد، قالت:
فأتى بى، فألبسنيها بيده وقال: أبلي وأخلقي- يقولها مرتين- وجعل ينظر إلى علم في الخميصة أصفر وأحمر ويقول: يا أم خالد، هذا سنا، والسنا بلسان الحبشة: الحسن [ (1) ] .
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ولم يخرجاه] [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 209، كتاب اللباس، حديث رقم (7392) ، مختصرا عن (خ) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم.
[ (2) ] زيادة للسياق من (المستدرك) .
وأخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب (32) ما يدعى لمن لبس ثوبا جديدا، حديث رقم (5845) ، وقال في آخره: قال إسحاق: حدثتني امرأة من أهلي أنها رأته على أم خالد.
قوله: «أبلى وأخلقي» ، «أبلى» بفتح الهمزة وسكون الموحدة وكسر اللام، أمر بالإبلاء، وكذا قوله: «أخلقي» بالمعجمة والقاف أمر بالإخلاق، والعرب تطلق ذلك وتريد الدعاء بطول البقاء للمخاطب بذلك، أي أنها تطول حياتها حتى يبلى الثوب ويخلق.
قال الخليل: أبل وأخلق معناه: عش وخرق ثيابك وارقعها، وأخلقت الثوب أخرجت باليه ولفقته. ووقع في رواية أبى زيد المروزي عن الفريرى: «وأخلفى» بالفاء، وهي أوجه من التي بالقاف، لأن الأولى تستلزم التأكيد، إذا الإبلاء والإخلاق بمعنى، لكن جاز العطف لتغاير اللفظين، والثانية تفيد معنى زائدا، وهو أنها إذا أبلته أخلفت غيره، وعلى ما قال الخليل لا تكون التي بالقاف للتأكيد، لكن التي بالفاء أيضا أولى.
ويؤيدها ما أخرجه أبو داود [في السنن) : 4/ 311، كتاب اللباس، باب (2) فيما يدعى لمن لبس ثوبا جديدا، حديث رقم (4024) ] بسند صحيح عن أبى نضرة قال: «كان أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوبا جديدا قيل له: تبلى ويخلف اللَّه» ووقع في رواية أبى الوليد «أبلى وأخلقي» مرتين.
والسنا بلسان الحبشية: الحسن، وفي رواية خالد بن سعيد: سنه سنه، وهي بالحبشية: حسن.
وذكره البخاري أيضا في باب (32) ما يدعى لمن لبس ثوبا جديدا من كتاب اللباس، حديث رقم (5845) ، وفي كتاب الأدب، باب (17) من ترك صبية غيره حتى تلعب به أو قبلها أو(7/23)
وخرّج الخطيب أبو بكر من حديث داود بن بكر، أخبرنا محمد بن عبد اللَّه الأنصاري، أخبرنا عنبسة عن عبد اللَّه بن أبى الأسود، عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا استجد ثوبا لبسه يوم الجمعة [ (1) ] .
__________
[ () ] مازحها، حديث رقم (5993) ، وفي كتاب الجهاد، باب (188) من تكلم بالفارسية والرطانة، حديث رقم (3071) ، وفي كتاب مناقب الأنصار، باب (37) هجرة الحبشة، حديث رقم (3874) .
[ (1) ] (تاريخ بغداد) : 4/ 136- 137، في ترجمة أحمد بن الخطاب بن الهيثم، رقم (1817) ، وقد سبق تخريجه.(7/24)
وأمّا الخفّ
فقد خرّج الترمذي في كتاب (الشمائل) ، من حديث وكيع عن دلهم بن صالح، عن حجين بن عبد اللَّه، عن أبى بريدة عن أبيه، أن النّجاشى، أهدى للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم خفين أسودين ساذجين، فلبسهما ثم توضأ ومسح عليهما [ (1) ] [وصلى] .
وقد ثبت في (صحيح البخاري ومسلم) ، و (سنن أبى داود) ، (والترمذي) ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسح على الخفين [ (2) ] .
فرواه عبد اللَّه بن عمر عن سعد أبى وقاص، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه مسح على الخفين، ورواه جعفر بن عمرو بن أمية الضّمرى، أن أباه أخبره أنه رأى النبي صلى اللَّه عليه وسلم يمسح على الخفين [ (2) ] .
ورواه أبو وائل عن حذيفة بن اليمان قال: كنت مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فبال على سباطة قوم- يعنى كناسة- ثم تنحى فأتيته بماء فتوضأ، ومسح على خفيه [ (2) ] .
ورواه إبراهيم عن همّام بن الحارث قال: رأيت جريرا بال ثم توضأ، ومسح على خفيه، ثم قام فصلى، فسئل فقال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم صنع مثل هذا. ورواه المغيرة بن شعبة كما تقدم، وبذلك يثبت أنه كان يلبس الخفين، صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 80 باب (10) ما جاء في خف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (74) ، وما بين الحاصرتين زيادة من (خ) ، وهو حديث حسن، سبق تخرجه في (إمتاع الأسماع) : 6/ 391- 393.
[ (2) ] راجع الجزء السادس من (إمتاع الأسماع) باب الجبة.(7/25)
وعن الشعبي قال المغيرة بن شعبة: أهدى [دحية] [ (1) ] للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم خفين فلبسهما، [وقال إسرائيل عن جابر: وجبّة فلبّسهما حتى تخرقا لا يدرى النبي صلى اللَّه عليه وسلم أذكى هما أم [ (2) ] لا] . ذكره أبو عيسى في الشمائل [ (3) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (الشمائل) .
[ (2) ] في (خ) : «أذكاهما» وما أثبتناه من (الشمائل) .
[ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 81، حديث رقم (75) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وقال أبو عيسى: وأبو إسحاق هذا هو أبو إسحاق الشيباني واسمه سليمان.
وأخرجه الترمذي أيضا في (السنن) ، كتاب اللباس، باب ما جاء في لبس الجبة والخفين، حديث رقم (1769) وقال: حسن غريب عن قتيبة بهذا الإسناد سواء.
ورجال الإسناد الأول ثقات، غير الحسن بن عياش، وثقه غير واحد، وقال عنه عثمان بن سعيد الدارميّ: هو من أهل الصدق والأمانة، والشيباني هو سليمان بن أبى سليمان، فالحديث صحيح، لكن الجزء الآخر منه ضعيف، فإنه من طريق جابر بن يزيد الجعفي وهو ضعيف.
وأخرج الشطر الأول منه أبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 133، من حديث الحسن بن عياش، عن الشيباني عن عامر به، ثم أخرجه بطوله ص 150، من طريق زهير بن معاوية عن جابر الجعفي، عن عامر، عن دحية الكلبي به.(7/26)
وأمّا النّعل
فقد ثبت في (صحيح البخاري) و (سنن أبى داود) ، من حديث هشام عن قتادة عن أنس، أن نعل النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان له قبالان [ (1) ] .
وفي رواية للبخاريّ من حديث عيسى بن طهمان، قال: أخرج إلينا أنس بن مالك رضى اللَّه عنه نعلين لهما قابلان، فقال ثابت [البناني] : [ (2) ] [هذه] [ (2) ] نعل النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] .
وقال في كتاب [فرض] الخمس من حديث ابن طهمان، أخرج إلينا أنس نعلين جرداوين لهما قبالان، فحدثني ثابت البناني يعدّ أنهما نعلا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (4) ] . القبال: زمام النّعل.
__________
[ (1) ] (فتح) الباري) : 10/ 383، كتاب اللباس، باب (41) ، قبالان في نعل، ومن رأى قبالا واحدا واسعا، حديث رقم (5857) .
[ (2) ] زيادة للسياق من البخاري.
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (5858) . القبال بكسر القاف وتخفيف الموحدة وآخره لام، هو الزمام وهو السير الّذي يعقد فيه الشّسع الّذي يكون بين إصبعي الرجل.
[ (4) ] (المرجع السابق) : 6/ 260- 261، كتاب فرض الخمس، باب (5) ما ذكر من درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته ومن شعره ونعله وآنيته مما تبرك من أصحابه وغيرهم بعد وفاته، حديث رقم (3107) .
وأخرجه أبو داود في (السنن) ، كتاب اللباس، باب في الانتعال، حديث رقم (4134) ، والترمذي في (السنن) ، كتاب اللباس، باب ما جاء في نعل النبي صلى اللَّه عليه وسلم حديث رقم (1772) ، (1773) ، وقال: حسن صحيح، وأخرجه أيضا في (الشمائل) ، 82، باب (11) ما جاء في نعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (76) ، وأخرجه النسائي في (السنن) ، كتاب الزينة باب صفة نعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (5367) ، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) ، كتاب اللباس، باب صفة(7/27)
وللإمام أحمد من حديث مطرف بين الشخير، قال: أخبرنى أعرابى لنا قال: رأيت نعل نبيكم صلى اللَّه عليه وسلم مخصوفة [ (1) ] .
ولابن حيّان من حديث ميمون بن بهزان، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نعلان لهما زمامان.
ومن حديث مالك عن سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج، أنه قال لعبد اللَّه بن عمر: رأيتك تلبس النّعال السبتية، قال: إني رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يلبس النعال السبتية التي ليس فيها شعر، ويتوضأ فيها. قلت: هكذا خرّج ابن حيان هذا الحديث مختصرا.
وقد رويناه في الموطّإ من حديث مالك، عن سعيد بن أبى سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج أنه قال لعبد اللَّه بن عمر: يا أبا عبد الرحمن، رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها، قال: ما هنّ يا ابن جريج؟ قال: رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين، ورأيتك تلبس النعال السّبتية، ورأيتك تصبغ بالصّفرة، ورأيتك إذا كنت بمكة أهلّ الناس إذا رأوا الهلال ولم تهلل أنت حتى كان يوم التروية.
فقال عبد اللَّه بن عمر: أما الأركان، فإنّي لم أر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [يمسّ منها إلا الركنين اليمانيين، وأما النعال السّبتية، فإنّي رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها، فأنا أحب أن ألبسها، وأما الصّفرة، فإنّي رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصبغ بها، فأنا أحب أن أصبغ بها، وأما
__________
[ () ] النعال، حديث رقم (3615) ، وابن سعد في (الطبقات) : 1/ 478، ذكر نعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 134.
[ (1) ] (مسند أحمد) : 5/ 628، حديث الأعرابي عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم رقم (19554) .
[ (2) ] ما بين الحاصرتين سقط من الناسخ في (خ) ، وما أثبتناه من (ج) .(7/28)
الإهلال، فإنّي لم أر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يهلّ حتى تنبعث به راحلته [ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب الطهارة، باب (30) غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على الخفين، حديث رقم (166) ، وكتاب الحج باب (2) قول اللَّه تعالى: يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ [الحج: 27] ، حديث رقم (1514) ، باب (28) من أهل حين استوت راحلته قائمة، حديث رقم (1552) ، باب (9) من لم يستلم إلا الركنين اليمانين، حديث رقم (1608) ، (1609) ، كتاب الجهاد والسير، باب (53) الركاب والغرز للدابة 7 حديث رقم (2865) ، كتاب اللباس، باب (37) النعال السبتية وغيرها، حديث رقم (5851) .
ومسلم في كتاب الحج، باب (5) الإهلال من حيث تنبعث الراحلة، حديث رقم (1187) .
وأبو داود في (السنن) ، كتاب المناسك، باب (21) في وقت الإحرام، حديث رقم (1772) ، كتاب الترجل، باب (19) ما جاء في خضاب الصفرة، حديث رقم (4210) .
والنسائي في (السنن) ، كتاب الطهارة، باب (95) الوضوء في النعل، حديث رقم (117) ، كتاب الزينة، باب (65) ، تصفير اللحية، حديث رقم (5258) ، كتاب الحج، باب (56) ، العمل في الإهلال، حديث رقم (2757) ، (2758) ، (2759) .
والترمذي في (الشمائل) ، باب (11) ما جاء في نعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (79) .
وابن ماجة في (السنن) ، كتاب اللباس، باب (34) الخضاب بالصفرة، حديث رقم (3626) .
ومالك في (الموطأ) ، كتاب الحج، باب العمل في الإهلال، حديث رقم (738) .
وابن سعد في (الطبقات) : 1/ 482 في ذكر نعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «النعال السّبتيّة» بكسر السين المهملة وسكون الموحدة ففوقية، أي التي لا شعر فيها، مشتق من السّبت وهو الحلق، قاله الأزهري، أو لأنها سبتت بالدباغ أي لانت.
قال أبو عمرو الشيباني: السّبت كل جلد مدبوغ. وقال أبو زيد: جلود البقر مدبوغة أم لا، أو نوع من الدباغ يقلع الشعر. أو جلد البقر المدبوغ بالقرظ. وقيل بالسّبت بضم أوله، نبت يدبغ به. قاله صاحب (المنتهى) .
وقال الداوديّ: هي منسوبة إلى موضع يقال له: سوق السبت وقال ابن وهب: كانت سوداء لا شعر فيها، وقيل: هي التي لا شعر عليها أي لون كانت، ومن أي جلد، بأي دباغ دبغت.
وقال عياض في (الإكمال) : الأصح عندي أن اشتقاقها وإضافتها إلى السبت الّذي هو الجلد المدبوغ أو إلى الدباغة، لأن السين مكسورة، ولو كانت من السبت الّذي هو الحلق- كما قال الأزهري وغيره، لكانت النسبة سبتية بالفتح، ولم يروها أحد في هذا الحديث ولا غيره ولا في الشعر فيما علمت إلا بالكسر، وقال: وكان من عادة العرب لبس النعال بشعرها غير مدبوغة، وكانت المدبوغة تعمل بالطائف، ويلبسها أهل الرفاهيّة.
قوله: «ورأيتك تصبغ» بضم الموحدة، وحكى فتحها وكسرها «بالصفرة» ثوبك أو شعرك،(7/29)
__________
[ () ] «ورأيتك إذا كنت» مستقرأ «بمكة أهل الناس» أي رفعوا أصواتهم بالتلبية للإحرام بحج أو عمرة «إذا رأوا الهلال» أي هلال ذي الحجة «ولم تهلل» بلامين بفك الإدغام «أنت حتى يكون» أي يوجد، وفي رواية كان أي وجد «يوم» بالرفع فاعل يكون التامة [غير مضارع كان الناقصة] ، والنصب خبر على أنها ناقصة «التروية» ثامن ذي الحجة، لأن الناس كانوا يروون فيه من الماء، أي يحملونه من مكة إلى عرفات ليستعملوه شربا وغيره، وقيل غير ذلك «فتهل أنت» وتبين من جوابه أنه كان لا يهل حتى يركب قاصدا إلى منى.
قوله: «فقال عبد اللَّه بن عمر: أما الأركان فإنّي لم أر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يمسّ» وفي رواية: «يستلم» منها «إلا» الركنين «اليمانيين» بالتخفيف لأنهما على قواعد إبراهيم، ومسهما واستلامهما مختلف.
فالعراقى مسّه وهو استلامه بالتقبيل لاختصاصه بالحجر الأسود إن قدر وإلا فبيده أو بعود، ثم وضعه على فيه بلا تقبيل.
واليماني مسه بيده، ثم يضعها على فيه بلا نقبيل، ولا يمسه بفيه بخلاف الشاميين، فليسا على قواعد إبراهيم، فلم يمسها فالعلة ذلك.
قال القابسي: لو أدخل الحجر في البيت حتى عاد الشاميان على قواعد إبراهيم استلما.
قال ابن القصار: ولذا لما بنى الزبير الكعبة على قواعده استلم الأركان كلها، والّذي قاله الجمهور سلفا وخلفا أن الشاميين لا يستلمان.
قال عياض: واتفق عليه أئمة الأمصار والفقهاء وإنما كان الخلاف في ذلك في العصر الأول من بعض الصحابة وبعض التابعين، ثم ذهب.
وقال بعض العلماء: اختصاص الركنين بيّن بالسنة، ومستند التعميم بالقياس. وأجاب الشافعيّ عن قول من قال: ليس شيء من البيت مهجور بأنا لم ندع استلامهما هجرا للبيت، وكيف يهجره وهو يطوف به؟ ولكنا نتبع السنة فعلا أو تركا، ولو كان ترك استلامهما هجرا لهما لكان استلام ما بين الأركان هجرا لها، ولا قائل به.
قوله: «وأما النعال السبتية، فإنّي رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر» ، أشار إلى تفسيرها بذلك، وهكذا قال جماهير أهل اللغة والغريب والحديث: أنها التي لا شعر فيها.
قوله: «ويتوضأ فيها» ، أي النعال، أي يتوضأ ويلبسها ورجلاه رطبتان، قاله النووي، «فأنا أحب أن ألبسهما» اقتداء به «وأما الصفرة فإنّي رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها» ، قال المازري: قيل: المراد صبغ الشعر، وقيل: صبغ الثوب، قال: والأشبه الثاني لأنه أخبر أنه صلى اللَّه عليه وسلم صبغ، ولم ينقل عنه صلى اللَّه عليه وسلم أنه صبغ شعره.(7/30)
__________
[ () ] قال عياض: وهذا أظهر الوجهين، وقد جاءت آثار عن ابن عمر بين فيها تصفير ابن عمر لحيته، واحتج بأنه صلى اللَّه عليه وسلم كان يصفّر لحيته بالورس والزعفران. رواه أبو داود، وذكر أيضا في حديث آخر احتجاجه بأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يصبغ بها ثيابه حتى عمامته.
وأجيب عن الأول باحتمال أنه كان مما يتطيب به، لا أنه كان يصبغ بها شعره.
وقال ابن عبد البر: لم يكن صلى اللَّه عليه وسلم يصبغ بالصّفرة إلا ثيابه، وأما الخضاب فلم يكن يخضب، وتعقبه في (المفهم) بأن في سنن أبى داود عن أبى رمثة قال: انطلقت مع. بى نحو النبي صلى اللَّه عليه وسلم فإذا هو ذو وفرة وفيها ردع من حنّاء، وعليه بردان أخضران. قال الولىّ العراقىّ: وكأنّ ابن عبد البر إنما أراد نفى الخضاب في لحيته صلى اللَّه عليه وسلم فقط.
قوله: «وأما الإهلال فإنّي لم أر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته» ، أي تستوي قائمة إلى طريقه، قال المازري: ما تقدم جواباته نصّ في عين ما سئل عنه، ولما لم يكن عنده نص في الرابع أجاب بضرب من القياس، ووجه أنه لما رآه في حجه من غير مكة إنما يهل عند الشروع في الفعل أخّر هو إلى يوم التروية، لأنه الّذي يبتدأ فيه بأعمال الحج من الخروج إلى منى وغيره.
وقال القرطبي: أبعد من قال: هذا قياس، بل تمسك بنوع الفعل الّذي رآه يفعله، وتعقب بأن ابن عمر ما رآه أحرم من مكة يوم التروية كما رآه استلم الركنين اليمانيين فقط، بل رآه أحرم من ذي الحليفة حين استوت به راحلته، فقاس الإحرام من مكة على الإحرام من الميقات، لأنها ميقات الكائن بمكة فأحرم يوم التروية، لأنه يوم التوجه إلى منى، والشروع في العمل قياسا على إحرامه صلى اللَّه عليه وسلم من الميقات حين توجه إلى مكة، فالظاهر قول المازري.
وقد قال ابن عبد البر: جاء ابن عمر بحجة قاطعة نزع بها، فأخذ بالعموم في إهلاله صلى اللَّه عليه وسلم، ولم يخص مكة من غيرها، فكأنه قال: لا يهل الحاج إلا في وقت يتصل له عمله وقصده إلى البيت ومواضع المناسك والشعائر، لأنه صلى اللَّه عليه وسلم أهلّ واتصل له عمله، ووافق ابن عمر على هذا جماعة من السلف، وبه قال الشافعيّ وأصحابه، وهو رواية مالك. والرواية الأخرى: والأفضل أن يحرم من أول ذي الحجة.
قال عياض: وحمل شيوخنا رواية استحباب الإهلال يوم التروية على من كان خارجا من مكة، ورواية استحبابه أول الشهر على من كان في مكة، وهو قول أكثر الصحابة والعلماء ليحصل له من الشعث ما يساوى من أحرم من الميقات.
قال النووي: والخلاف في الاستحباب وكل منهما جائز بالإجماع، وكلام القاضي وغيره يدل ذلك.
قال ابن عبد البر: في الحديث دليل على أن الاختلاف في الأفعال والأقوال والمذاهب، كان(7/31)
وخرّجه البخاري ومسلم وأبو داود، فذكره البخاري في كتاب الطهارة، في باب غسل الرجلين في النعلين، وفي كتاب اللباس في باب النعال السبتية، وذكره مسلم وأبو داود في الحج.
والنعال السّبتية: هي السوداء التي لا شعر لها، والسبت: الجلد المدبوغ بالقرظ، وقيل: هو كل جلد مدبوغ، وقيل: السبت هي جلود البقر خاصة، مدبوغة كانت أو غير مدبوغة، لا يقال لغيرها سبت، وجمعها سبوت.
وقيل: السبت نوع من الدباغ يقلع الشعر، والنعال السبتية كانت من لباس [وجوه] [ (1) ] الناس وأشراف العرب، وهي معروفة عندهم، قد ذكرها شعراؤهم.
وخرّج ابن حيّان من حديث شعبه، عن حميد بن هلال، عن عبد اللَّه بن الصامت، عن أبى ذر رضى اللَّه عنه قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلى في نعلين مخصوفتين من جلود البقر.
ومن حديث ثابت بن يزيد عن التيمي قال: أخبرنى من أبصر نعل النبي صلى اللَّه عليه وسلم، له قبالان بعقبين.
ومن حديث عطاء بن يسار، عن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا
__________
[ () ] موجودا في الصحابة، وهو عند العلماء أصح ما يكون من الاختلاف، وإنما اختلفوا بالتأويل المحتمل فيما سمعوه ورأوه، وفيما انفرد بعضهم بعلمه دون بعض، وما أجمع عليه الصحابة واختلط فيه من بعدهم، فليس اختلافهم بشيء.
وفيه أن الحجة عند الاختلاف السنة، وأنها حجة على من خالفها، وليس من خالفها حجة عليها، ألا ترى أن ابن عمر لم يستوحش من مفارقة أصحابه، إذ كان عنده في ذلك علم من النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولم يقل له ابن جريج: الجماعة أعلم به منك، ولعلك وهمت كما يقول اليوم من لا علم به، بل انقاد للحق إذ سمعه، وهكذا يلزم الجميع. (شرح العلاقة الزرقانى على موطأ الإمام مالك) 2/ 329- 332.
[ (1) ] ما بين الحاصرتين سقط من الناسخ في (خ) ، وما أثبتناه من (ج) .(7/32)
لبس نعليه بدأ باليمنى، وإذا خلع خلع اليسرى [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (أخلاق النبي) : 136 ونحوه باختلاف في اللفظ والسياقة في: (فتح الباري) : 10/ 282- 283، كتاب اللباس، باب (40) ينزع نعله اليسرى، حديث رقم (5856) ، (مسلم بشرح النووي) : 14/ 319، كتاب اللباس والزينة، باب (19) استحباب لبس النعل في اليمنى أولا، والخلع من اليسرى أولا وكراهة المشي في نعل واحدة، حديث رقم (2097) ، (سنن أبى داود) : 4/ 377- 378، كتاب اللباس، باب (44) في الانتعال، حديث رقم (4139) ، (سنن الترمذي) 4/ 215، كتاب اللباس باب (37) ما جاء بأي رجل يبدأ إذا انتعل، حديث رقم (1779) ، (الشمائل المحمدية) : 86، باب ما جاء في نعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (85) ، (سنن ابن ماجة) : 2/ 1995، كتاب اللباس، باب (28) لبس النعال وخلعها، حديث رقم (3616) ، (مسند أحمد) :
2/ 463، حديث رقم (7139) ، 487، حديث رقم (9273) ، 229، حديث رقم (9677) ، 251، حديث رقم (9833) ، 287، حديث رقم (10080) .
أما فقه [الحديث] فقيه ثلاث مسائل:
* أحدها: يستحب البداءة باليمنى في كل ما كان من باب التكريم والزينة والنظافة، ونحو ذلك كلبس النعل والخف والمداس والسراويل والكم وحلق الرأس وترجيله، وقص الشارب ونتف الإبط والسواك، والاكتحال وتقلم الأظفار، والوضوء والغسل والتيمم، ودخول المسجد، والخروج من الخلاء، ودفع الصدقة وغيرها من أنواع الدفع الحسنة، وتناول الأشياء الحسنة، ونحو ذلك.
* الثانية: يستحب البداءة باليسار في كل ما هو ضد السابق في المسألة الأولى، فمن ذلك خلع النعل والخف والمداس والسراويل والكم، والخروج من المسجد ودخول الخلاء والاستنجاء وتناول أحجار الاستنجاء، ومس الذكر والامتخاط والاستنثار، وتعاطى المستقذرات وأشباهها.
* الثالثة: يكره المشي في نعل واحدة، أو خفّ واحد، أو مداس واحد إلا لعذر، ودليله هذه الأحاديث [إذا انقطع نعل أحدكم فلا يمشى في الأخرى حتى يصلحها] التي رواها مسلم [وغيره] قال العلماء: وسببه أن ذلك تشويه ومثله، ومخالف للوقار، ولأن المنتعلة تصير أرفع من الأخرى فيعسر مشيه، وربما كان سببا للعثار.
وهذه الآداب الثلاثة التي في المسائل الثلاث مجمع على استحبابها، وأنها ليست واجبة (مسلم بشرح النووي) : 14/ 320، باختصار من شرح الحديث رقم (2098) .(7/33)
فصل في خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ]
خرّج البخاري من حديث الليث [ (2) ] عن نافع، عن عبد اللَّه بن عمر [ (3) ] رضى اللَّه عنه [قال] : إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اصطنع خاتما من ذهب، فكان فصّه في باطن كفه إذا لبسه، فصنع الناس، ثم إنه جلس على المنبر فنزعه فقال:
إني كنت ألبس هذا الخاتم، وأجعل فصّه من داخل، فرمى به وقال: واللَّه لا ألبسه أبدا، فنبذ الناس خواتيمهم. ذكره في كتاب الأيمان، وترجم عليه باب من حلف على الشيء وإن لم يحلّف [ (4) ] .
وخرجه مسلم وزاد في حديث عقبة بن خالد، عن عبيد اللَّه عن نافع:
__________
[ (1) ] اعلم أن الخاتم يجوز فيه كسر التاء وفتحها أفصح وأشهر. لأنه آلة الختم، وهي ما يختم به، وهي بناء آلات لذلك، كالقالب والطابع. وحكى فيه طائفة من المتأخرين لغتين أخرتين وهما خاتام وخيتام.
وقد اختلف أهل العلم في لبسه في الجملة، فأباحه كثير من أهل العلم ولم يكرهوه، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد، وهو اختيار أكثر أصحابه- قال في رواية أبى داود وصالح وعلى بن سعيد: ليس به بأس واستدلوا على ذلك بما في الصحيحين عن ابن عمر، قال: اتخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ورق، فكان في يده، ثم كان في يد أبى بكر، ثم كان في يد عمر، ثم كان في يد عثمان، حتى وقع منه في بئر أريس. (أحكام الخواتم وما يتعلق بها) : 38- 42، (تهذيب الأسماء واللغات) : 3/ 88،.
(لسان العرب) : 12/ 163- 164، (بصائر ذوى التمييز) : 2/ 526.
[ (2) ] في (خ) ، (ج) : «ليث» وما أثبتناه من البخاري.
[ (3) ] في (خ) ، (ج) : «عبد اللَّه بن عمر» وفي البخاري: «عن ابن عمر» .
[ (4) ]
(فتح الباري) : 11/ 658، كتاب الأيمان والنذور، باب (6) من حلف على الشيء وإن لم يحلّف، حديث رقم (6651) ولفظه: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اصطنع خاتما من ذهب وكان يلبسه، فيجعل فصّه في باطن كفه، فصنع الناس خواتيم، ثم إنه جلس على المنبر فنزعه فقال: إني كنت ألبس هذا الخاتم وأجعل فصّه من داخل، فرمى به ثم قال: واللَّه لا ألبسه أبدا، فنبذ الناس خواتيمهم.(7/34)
وجعله في يده اليمنى [ (1) ] .
وذكره البخاري من حديث [جويرية] [ (2) ] عن نافع، أن عبد اللَّه حدّثه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم اصطنع خاتما من ذهب، وجعل فصّه في بطن كفه إذا لبسه، فاصطنع الناس خواتيم من ذهب، فرقى المنبر، فحمد اللَّه وأثنى عليه فقال:
إني كنت اصطنعته، وإني لا ألبسه فنبذه، فنبذ الناس. قال [جويرية] [ (3) ] :
ولا أحسبه إلا قال: في يده اليمنى.
ترجم عليه باب من جعل فصّ الخاتم في بطن كفه [ (4) ] .
وذكره من حديث عبد اللَّه بن مسلم، عن مالك عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر، [رضى اللَّه عنهما قال] : كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يلبس خاتما من ذهب فنبذه، فقال: لا ألبسه أبدا، فنبذ الناس خواتيمهم [ (5) ] . ذكره في باب خاتم الفضة [ (6) ] .
وذكره في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، في باب الاقتداء بأفعال النبي صلى اللَّه عليه وسلم من حديث عبد اللَّه بن دينار، عن عبد اللَّه بن عمر قال: اتخذ النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ذهب، فاتخذ الناس خواتيم من ذهب، فقال النبي
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 310- 311، كتاب اللباس والزينة، باب (11) تحريم الخاتم الذهب على الرجال، ونسخ ما كان من إباحته في أول الإسلام، حديث عقبة بن خالد الّذي يلي الحديث رقم (2091) [بدون رقم] . وفيه بيان ما كانت الصحابة رضى اللَّه تعالى عنهم عليه من المبادرة إلى امتثال أمره ونهيه صلى اللَّه عليه وسلم، والاقتداء بأفعاله صلى اللَّه عليه وسلم.
[ (2) ] في (ج) : «جويرة» ، وفي (خ) والبخاري: «جويرية» .
[ (3) ] في (خ) ، (ج) : «جويرة» ، وما أثبتناه من البخاري.
[ (4) ] (فتح الباري) : 10/ 399، كتاب اللباس، باب (53) من جعل فصّ الخاتم في بطن كفه، حديث رقم (5876) .
[ (5) ] (فتح الباري) : 10/ 391، كتاب اللباس، باب (47) بدون ترجمة، حديث رقم (5867) .
[ (6) ] كذا في (خ) ، (ج) والصواب أنه في باب (47) بدون ترجمة، لكن باب خاتم الفضة رقم (46) .(7/35)
صلى اللَّه عليه وسلم: إني اتخذت خاتما من ذهب، فنبذه وقال: إني لن ألبسه أبدا، فنبذ الناس خواتيمهم [ (1) ] .
وذكر في باب خواتيم الذهب، من حديث عبيد اللَّه، حدثني نافع عن عبد اللَّه [رضى اللَّه] [ (2) ] عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب، وجعل [ (3) ] فصّه مما يلي كفه، فاتخذه الناس فرمى به، واتخذ خاتما من ورق أو فضة [ (4) ] .
وذكر في باب خاتم الفضة، من حديث عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر [رضي اللَّه عنهما] [ (5) ] ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب [- أو فضة-] [ (5) ] ، وجعل فصه مما يلي [كفه] [ (6) ] ، ونقش فيه: محمد رسول اللَّه، فاتخذ الناس مثله، فلما رآهم [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (7) ] قد اتخذوها رمى به وقال: لا ألبسه أبدا، ثم اتخذ خاتما من فضة، فاتخذ الناس خواتيم الفضة [ (8) ] .
قال ابن عمر: فلبس الخاتم بعد النبي صلى اللَّه عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، حتى وقع من عثمان في بئر أريس [ (8) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 340، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (4) الاقتداء بأفعال النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (7298) .
[ (2) ] زيادة للسياق من البخاري.
[ (3) ] في (خ) ، (ج) : «فجعل» ، وما أثبتناه من البخاري.
[ (4) ] (فتح الباري) : 10/ 387، كتاب اللباس، باب (45) خواتيم الذهب، حديث رقم (5865) .
[ (5) ] زيادة للسياق من البخاري.
[ (6) ] في (خ) ، (ج) : «في باطن كفه» وما أثبتناه من البخاري.
[ (7) ] زيادة من (خ) ، (ج) فقط.
[ (8) ] (فتح الباري) : 10/ 390- 391، كتاب اللباس، باب (46) خاتم الفضة، حديث رقم (5866) .
وأريس: بفتح الهمزة وكسر الراء وبالسين المهملة وزن عظيم، وهي في حديقة بالقرب من مسجد قباء، وسيأتي لها مزيد بيان في ذكر الآبار التي كان يشرب منها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.(7/36)
وخرجه أبو داود بهذا الإسناد نحوه وقال فيه: فاتخذ الناس خواتم [ (1) ] الذهب، وبعده قال أبو داود: ولم يختلف الناس على عثمان رضى اللَّه عنه حتى سقط الخاتم من يده [ (2) ] .
وللبخاريّ [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث عبد اللَّه عن نافع عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] [ (5) ] قال: اتخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ورق وكان [ (6) ] في يده، حتى وقع بعد [ (7) ] في بئر أريس، نقشه: محمد رسول اللَّه.
لفظ ابن نمير في رواية مسلم: حتى وقع في بئر أريس، لم يقل: منه.
وفي لفظ البخاري: حتى وقع بعد في بئر أريس، ولم يذكر لفظة: بعد، في
__________
[ (1) ] في (خ) ، (ج) : «خواتيم» ، وما أثبتناه من (سنن أبى داود) .
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 425، كتاب الخاتم، باب (1) ما جاء في اتخاذ الخاتم، حديث رقم (4218) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 10/ 397، كتاب اللباس، باب (50) نقش الخاتم، حديث رقم (5873) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 311- 312، كتاب اللباس والزينة، باب (12) لبس النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ورق نقشه محمد رسول اللَّه، ولبس الخلفاء من بعده، حديث رقم (54) من أحاديث الباب.
وفيه التبرك بآثار الصالحين ولبس لباسهم، وجواز لبس الخاتم، وأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يورث، إذ لو ورث لدفع الخاتم إلى ورثته، بل كان الخاتم والقدح والسلاح ونحوها من آثاره الضرورية صدقة للمسلمين، يصرفها ولى الأمر حيث رأى من المصالح، فجعل القدح عند أنس إكراما له لخدمته، ومن أراد التبرك به لم يمنعه، وجعل باقي الأثاث عند ناس معروفين، واتخذ الخاتم عنده للحاجة التي اتخذه النبي صلى اللَّه عليه وسلم لها، فإنّها موجودة في الخليفة بعده، ثم الخليفة الثاني، ثم الثالث.
وأما قوله: «نقشه محمد رسول اللَّه» ففيه جواز نقش الخاتم، ونقش اسم صاحب الخاتم، وجواز نقش اسم اللَّه تعالى، هذا مذهبنا، ومذهب سعيد بن المسيب، ومالك، والجمهور. وعن ابن سيرين وبعضهم كراهة نقش اسم اللَّه تعالى، وهذا ضعيف. قال العلماء: وله أن ينقش عليه اسم نفسه، أو ينقش عليه كلمة حكمة، وأن ينقش ذلك مع ذكر اللَّه تعالى (المرجع السابق) .
[ (5) ] زيادة للسياق من البخاري.
[ (6) ] في (خ) ، (ج) : «فكان» ، وما أثبتناه من البخاري.
[ (7) ] في (خ) ، (ج) : «منه» ، وما أثبتناه من البخاري.(7/37)
المواضع الثلاثة، قبل أبى بكر وعمر وعثمان رضى اللَّه عنهم.
ولمسلم [ (1) ] والنسائي [ (2) ] من حديث سفيان بن عيينة، عن أيوب بن موسى، عن نافع عن ابن عمر قال: اتخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ذهب ثم ألقاه، ثم اتخذ خاتما من ورق ونقش فيه: محمد رسول اللَّه وقال: لا ينقش أحد على نقش خاتمي هذا، وكان إذا لبسه جعل فصّه مما يلي بطن كفه، وهو الّذي سقط من معيقيب في بئر أريس. اللفظ لمسلم، ولم يقل النسائي: وهو الّذي سقط من معيقيب في بئر أريس، وقال: لا ينبغي لأحد أن ينقش على نقش خاتمي هذا [ثم جعل فصه في بطن كفه [ (3) ]] .
وللبخاريّ من حديث ثمامة عن أنس، أن أبا بكر رضى اللَّه عنه لما استخلف بعثه إلى البحرين وكتب له هذا الكتاب، وختمه بخاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد سطر، ورسول سطر، واللَّه سطر. ذكره في كتاب الخمس في باب ما ذكر من درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وعصاه، وسيفه، وقدحه، وخاتمه [ (4) ] .
وذكر في كتاب اللباس، في باب: هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر؟
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 312، كتاب اللباس والزينة، باب (12) لبس النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ورق نقشه محمد رسول اللَّه، ولبس الخلفاء من بعده، حديث رقم (55) .
[ (2) ] (سنن النسائي) : 8/ 560، كتاب الزينة، باب (53) نزع الخاتم عند دخول الخلاء، حديث رقم (5231) ، باب (80) موضع الفص حديث رقم (5303) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
وأخرجه أيضا الترمذي في (الشمائل) : 94، حديث رقم (102) ، وأبو داود في كتاب الخاتم باب (1) ما جاء في اتخاذ الخاتم، حديث رقم (4219) ، وابن ماجة في (السنن) : 2/ 1201، كتاب اللباس، باب (39) نقش الخاتم، حديث رقم (3639) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 6/ 260، كتاب فرض الخمس، باب (5) ما ذكر من درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعصاه، وسيفه، وقدحه، وخاتمه، وما استعمل الخلفاء، بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته، ومن شعره، ونعله، وآنتيته، مما تبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته، حديث رقم (3106) .(7/38)
ووصل به: قال أبو عبد اللَّه: وزادني أحمد: أخبرنا الأنصاري [قال] [ (1) ] :
حدثني أبى ثمامة عن أنس [رضى اللَّه عنه] [ (1) ] قال: كان خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم في يده، وفي يد أبى بكر بعده، وفي يد عمر بعد أبى بكر، [قال] [ (1) ] :
فلما كان عثمان جلس على بئر أريس [قال] [ (1) ] : فأخرج [الخاتم] [ (2) ] فجعل يعبث به فسقط، قال: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان [فنزح] [ (3) ] البئر فلم نجده [ (4) ] .
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادات من (خ) ، (ج) .
[ (2) ] في (خ) ، (ج) : «الحاكم» وصوبناه من البخاري.
[ (3) ] في (خ) ، (ج) : «ننزح» وصوبناه من البخاري.
[ (4) ] (فتح الباري) : 10/ 3، كتاب اللباس، باب (55) هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر، حديث رقم (5879) . قال الحافظ في (الفتح) : هذه الزيادة موصولة، وأحمد المذكور جزم المزي في (الأطراف) أنه أحمد بن حنبل، لكن لم أر هذا الحديث في (مسند أحمد) من هذا الوجه أصلا.
[قال محققه: جاء في مسند عبد اللَّه بن عمر: حدثنا عبد اللَّه، حدثنا أبى، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، ويزيد، قال: أنبأنا سفيان عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر قال: اتخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ذهب، فاتخذ الناس خواتيم من ذهب، فرمى به وقال: لن ألبسه أبدا، قال يزيد: فنبذ الناس خواتيمهم، (مسند أحمد) : 2/ 165، حديث رقم (5227) ، والحديث رقم (5228) :
عن ابن عمر، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: كان يجعل فصّ خاتمه مما يلي بطن كفّه،
والحديث رقم (133391) : عن أنس قال: كان خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم فضة فصه منه (مسند أحمد) : 4/ 167] .
قوله: «فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان فنزح البئر فلم نجده» أي في الذهاب والرجوع والنزول إلى البئر والطلوع منها، ووقع في رواية ابن سعد: «واظبناه مع عثمان ثلاثة أيام فلم نقدر عليه» ، قال بعض العلماء: كان في خاتمه صلى اللَّه عليه وسلم من السرّ شيء مما كان في خاتم سليمان عليه السلام، لأن سليمان لما فقد خاتمه ذهب ملكه، وعثمان لما فقد خاتم النبي انتقض عليه الأمر، وخرج عليه الخارجون، وكان ذلك مبدأ الفاتنة التي أفضت إلى قتله، واتصلت إلى آخر الزمان.
قال ابن بطال: يؤخذ من الحديث أن يسير المال إذا ضاع يجب البحث في طلبه، والاجتهاد في تفتيشه، وقد فعل صلى اللَّه عليه وسلم ذلك لما ضاع عقد عائشة رضى اللَّه عنها وحبس الجيش على طلبه حتى وجد، كذا قال، وفيه نظر، فأما عقد عائشة فقد ظهر أثر ذلك بالفائدة العظيمة التي نشأت عنه، وهي رخصة التيمم، فكيف يقاس عليه غيره؟
وأما فعل عثمان، فلا ينهض الاحتجاج به أصلا لما ذكر، لأن الّذي يظهر أنه إنما يبالغ في(7/39)
وله
من حديث حماد [بن زيد] [ (1) ] عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] [ (1) ] أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اتخذ خاتما من [فضة] [ (2) ] ، ونقش فيه: محمد روسل اللَّه، وقال للناس: إني اتخذت خاتما من ورق ونقشت فيه محمد رسول اللَّه، فلا ينقشن أحد على نقشه [ (3) ] .
__________
[ () ] التفتيش عليه لكونه أثر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، قد لبسه واستعمله وختم به، ومثل ذلك يساوى في العادة قدرا عظيما من المال، وإلا لو كان غير خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم لاكتفى بطلبه بدون ذلك، وبالضرورة يعلم أن قدر المؤنة التي حصلت في الأيام الثلاثة تزيد على قيمة الخاتم، لكن اقتضت صفة عظيم قدره، فلا يقاس عليه كل ما ضاع من يسير المال.
* وفيه أن من فعل الصالحين العبث بخواتيمهم وما يكون بأيديهم وليس ذلك بعائب لهم، قال الحافظ: وإنما كان كذلك لأن من مثلهم إنما ينشأ عن فكر، وفكرتهم إنما هي في الخير. قال الكرماني: معنى قوله: «يعبث به» يحركه، أو يخرجه من إصبعه ثم يدخله فيها، وذلك صورة العبث، وإنما يفعل الشخص ذلك عند تفكره في الأمور.
* وفيه أن من طلب شيئا ولم ينجح فيه بعد ثلاثة أيام له أن يتركه، ولا يكون بعد الثلاث مضيعا، وأن الثلاث حد يقع بها العذر في تعذر المطلوبات.
* وفيه استعمال آثار الصالحين ولباس ملابسهم على جهة التبرك والتيمن بها، (فتح الباري) :
10/ 404 مختصرا.
[ (1) ] زيادات من (خ) ، (ج) .
[ (2) ] في (خ) ، (ج) : «من ورق» ، وما أثبتناه من البخاري.
[ (3) ] (فتح الباري) : 10/ 402، كتاب اللباس، باب (54)
قول النبي صلى اللَّه عليه وسلم: لا ينتقش على نقش خاتمه، حديث رقم (5877) ، وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 201، كتاب اللباس، باب (16) ، ما جاء في لبس الخاتم في اليمين، حديث رقم (1745) ،
وقال أبو عيسى: هذا حديث صحيح حسن، ومعنى
قوله: لا تنقشوا عليه،
نهى أن ينقش أحد على خاتمه «محمد رسول اللَّه» ، وأخرج الدار قطنى في (الأفراد) ، من طريق سلمة بن وهرام عن عكرمة عن يعلى بن أمية قال: أنا صنعت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم خاتما لم يشركني فيه أحد، نقش فيه محمد رسول اللَّه.
فيستفاد منه اسم الّذي صاغ خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم ونقشه. وأما نهيه صلى اللَّه عليه وسلم عن أن ينقش أحد على نقشه- أي مثل نقشه فقد تقدمت الإشارة إلى الحكمة فيه في باب خاتم الفضة. (فتح الباري) :
10/ 402.
قال أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا ابن عيينة عن أيوب بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر، قال:
اتخذ النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ورق، ثم نقش عليه: محمد رسول اللَّه، ثم قال: لا ينقش أحد على نقش(7/40)
__________
[ () ] خاتمي هذا. (المصنف) : 5/ 190، كتاب اللباس والزينة، باب (56) نقش الخاتم وما جاء فيه، حديث رقم (25089) ،
ومن حديث ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: اصطنع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاتما فقال: إنا قد صنعنا خاتما ونقشنا فيه نقشا فلا ينقش عليه أحد. حديث رقم (25090) ، ومن حديث أبى معاوية عن الأعمش عن موسى بن عبد اللَّه بن زيد عن أمه عن حذيفة قالت: كان في خاتمه كركيّان متقابلان بينهما مكتوب: الحمد للَّه. حديث رقم (25091) ، ومن حديث معاذ عن أشعث عن محمد والحسن قالا: كان نقش خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم: محمد رسول اللَّه.
حديث رقم (25092) ، ومن حديث وكيع قال: حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم قال: كان خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم من فضة فيه: محمد رسول اللَّه. حديث رقم (25110) .
قال ابن رجب الحنبلي في كتاب (أحكام الخواتم وما يتعلق بها) : ونذكرها هنا جملة من نقوش خواتيم الأكابر والأعيان، مما نقله أهل السير والتواريخ، وذكره أبو عبد اللَّه معمر بن الفاخر الأصبهاني، وذكر أن بعض غرائبه من كتاب حمزة بن يوسف [الجرجاني] في الخواتيم وغير ذلك:
* أما خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم فكان نقشه: محمد رسول اللَّه، هذا هو الصحيح كما تقم وروى أن أول الأسطر كان اسم اللَّه، ثم في الثاني رسول، ثم في الثالث محمد، وروى أن نقش خاتم سليمان: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه، وروى أن اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سبحانه أمر موسى أن ينقش على خاتمه: لكل أجل كتاب.
وكان أبو بكر رضى اللَّه عنه يتختم بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بخاتمه. وقيل: كان له خاتم نقشه: نعم القادر اللَّه [أخرجه الطحاوي في (شرح معاني الآثار) : 4/ 264، كتاب الكراهية، باب نقش الخواتيم] .
وكذلك عمر رضى اللَّه عنه. تختم بخاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد أبى بكر، وقيل كان له خاتم نقشه:
كفى بالموت واعظا.
وكان عثمان يتختم بخاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ست سنين من خلافته حتى سقط منه، فاتخذ خاتما من فضة، وفصه منه نقشه: آمنت بالذي خلق فسوّى.
وكان نقش خاتم على رضى اللَّه عنه: اللَّه الملك الحق المبين. وقيل: الملك للَّه الواحد القهار. وقيل:
اللَّه الملك وعليّ عبده.
وخاتم ابنه الحسن: اللَّه أكبر وبه استعنت. وقيل: العزة للَّه. وقيل: لا إله إلا هو الحي القيوم الملك الحق المبين.
وخاتم أخوه الحسين: إن اللَّه بالغ أمره.
وقد ذكر أهل التواريخ والسير ما نقله أبو عبد اللَّه القضاعي وغيره، أن عثمان لما سقط منه خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة فصّه منه ونقش عليه: آمنت بالذي خلق فسوى. وقيل: لتبصرن أو لتندمن.(7/41)
__________
[ () ] وأن عليا رضى اللَّه عنه كان نقش خاتمه: الملك للَّه الواحد القهار.
وروى وكيع بإسناده في كتاب اللباس، عن خلدة بن دينار عن أبى العالية، قال: قلت له: أيش كان نقش خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: صدق اللَّه، ألحق الخلفاء بعده: محمد رسول اللَّه.
وروى ابن عدي من طريق زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن يعلى بن أمية، قال:
أنا صنعت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاتما لم يشركني، فيه أحد، ونقشته: محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. [أخرجه الدار قطنى في (الأفراد) ونقله عنه الحافظ في (الفتح) ] .
وكان نقش خاتم معاوية: لكل عمل ثواب، وقيل: لا قوة إلا باللَّه.
وكان نقش خاتم ابنه يزيد: ربنا اللَّه. وابنه معاوية: إنما الدنيا غرور.
وكان نقش خاتم عبد اللَّه بن الزبير: أبو حبيب العائذ باللَّه. وقيل: رب نجنى من النار.
ونقش خاتم مروان بن الحكم: اللَّه ثقتي ورجائي. وقيل: آمنت باللَّه العزيز الحكيم. ونقش خاتم ابنه عبد الملك: آمنت باللَّه مخلصا. وكان نقش خاتم ابنه الوليد: يا وليد أنت ميت. ونقش خاتم أخيه سليمان: آمنت باللَّه مخلصا. وقيل أومن باللَّه مخلصا.
وكان نقش خاتم عمر بن عبد العزيز رضى اللَّه تعالى عنه: عمر بن عبد العزيز رضى اللَّه عنه: عمر بن عبد العزيز يؤمن باللَّه. وقيل:
لكل عمل ثواب. وقيل: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له. وقيل: اغز غزوة تجادل عنك يوم القيامة.
وقيل: الوفاء عزيز.
وكان نقش خاتم يزيد بن عبد الملك: قنى الحساب. وقيل: السيئات يا عزيز. وقيل: باللَّه استعنت، وكان لأخيه خاتم نقشه: الحكم للحكم الحكيم.
وكان خاتم الوليد بن يزيد: بالعزيز يثق الوليد. وقيل: يا وليد إنك ميت.
ونقش خاتم يزيد بن الوليد بن عبد الملك: يا يزيد قم بالحق تصبه ولأخيه إبراهيم بن الوليد:
توكلت على الحي. وعلى خاتم مروان بن محمد بن مروان بن الحكم آخر ملوك بنى أمية في الشام:
اذكر الموت يا غافل.
وكان نقش خاتم السفاح عبد اللَّه بن محمد بن على بن عبد اللَّه بن عباس بن عبد المطلب: اللَّه ثقة عبد اللَّه وبه يؤمن. ونقش خاتم أخيه المنصور- واسمه عبد اللَّه أيضا-: اللَّه ثقة عبد اللَّه وبه يؤمن، وقيل: الحمد للَّه. ونقش خاتم ابنه المهدي: حسبي اللَّه. وقيل: رضيت باللَّه ربا وقيل: اللَّه ثقة محمد بن عبد اللَّه. ونقش خاتم ابنه موسى الهادي: اللَّه ربى. وقيل: باللَّه أثق. وقيل: اللَّه ثقة موسى.
وكان خاتم أخيه الرشيد: هارون كن من اللَّه على حذر. ونقش خاتم ابنه الأمين: لكل عمل ثواب.
وقيل: حسبي القادر. ونقش خاتم أخيه المأمون: سل اللَّه يعطك. ونقش خاتم أخيه المعتصم: اللَّه ثقة(7/42)
__________
[ () ] محمد بن الرشيد وبه يؤمن. ونقش خاتم أخيه المتوكل: على إلهي اكالى. وقيل: على اللَّه توكلت.
ونقش خاتم ابنه المنتصر: يؤتى الحذر من مأمنه. وقيل: أنا من آل محمد، وقيل: اللَّه ولىّ محمد.
وقيل: محمد باللَّه ينتصر.
وعلى خاتم المستعين أحمد بن المعتصم: في الاعتبار غنى عن الاختبار، وقيل: أحمد بن محمد.
وعلى خاتم المعتز بن المتوكل: الحمد للَّه رب كل شيء وخالق كل شيء، وقيل: المعتز باللَّه، وقيل:
رضيت باللَّه.
وعلى خاتم المهتدي بن الواثق رحمه اللَّه: من تعدّى الحق ضاق مذهبه.
وعلى خاتم أحمد بن المتوكل: السعيد من وعظ بغيره، وقيل: اعتمادي على اللَّه.
وعلى خاتم المعتضد أحمد بن الموفق بن المتوكل: أحمد استكفى ربه. وقيل: الاضطرار يزيل الاختيار.
وعلى خاتم ابنه المكتفي على: باللَّه على بن أحمد يثق، وقيل: على يتوكل على ربه. وقيل:
المكتفي آمن.
وعلى خاتم أخيه المقتدر جعفر: الحمد للَّه الّذي ليس كمثله شيء وهو خالق كل شيء. وقيل: اللَّه ولى المؤمنين، وقيل: المقتدر باللَّه.
وعلى خاتم أخيه القاهر: محمد رسول اللَّه.
وعلى خاتم الراضي بن المقتدر وأخيه المتقى: المتقى للَّه.
وروى الخطيب في تاريخه أن المعتز. والمتوكل كل منهما كان له خاتمان، نقش أحدهما: محمد رسول اللَّه، والآخر عليه اسمه.
وعلى خاتم المستكفي بن المكتفي: على بن أحمد المستكفي باللَّه.
وعلى خاتم المطيع بن المقتدر: المطيع للَّه، وعلى خاتم له آخر: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه. وعلى خاتم ابنه الطائع والقادر أحمد بن إسحاق بن المقتدر: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه. وقيل: حسبنا اللَّه ونعم الوكيل.
قال ابن النجار في (تاريخ بغداد) : بلغني أن نقش خاتم الخليفة الظاهر لأمر اللَّه محمد بن الناصر:
راقب العواقب.
قال ابن رجب: فهذا ما انتهى إلينا الآن من ذكر نقوش خواتم الخلفاء. وأما خواتم غيرهم من الصحابة والتابعين والأئمة، فقد روى أن الزبير كان نقش خاتمه: ثقتي بالرحمن. ونقش خاتم أويس القرني: كن على حذر من اللَّه.(7/43)
__________
[ () ] وعلى خاتم الحسن البصري: لا إله إلا اللَّه الملك الحق المبين، وعلى خاتم النخعي: نحن باللَّه وله. وعلى خاتم الشعبي: اللَّه ولى الخلق، وعلى خاتم طاووس: أعبد اللَّه مخلصا. وعلى خاتم الزهري: محمد يسأل العافية. رواه أبو نعيم في (الحلية) . وعلى خاتم هشام بن عروة: رب زدني علما. وعلى خاتم مالك بن أنس: حسبنا اللَّه ونعم الوكيل. وعلى خاتم الشافعيّ: باللَّه ثقة محمد بن إدريس. وعلى خاتم الربيع بن سليمان: اللَّه ثقة الربيع بن سليمان.
وكان خاتم نقش خاتم أبى مسهر: أبرمت فقم، فإذا استثقل أحدا ختم به طينة ثم رماها إليه فيقرأها.
وروى أبو نعيم في (الحلية) من طريق ابن عائشة [بنت طلحة] عن أبيه قال: بلغ عمر بن عبد العزيز رضى اللَّه عنه أن ابنا له اشترى فصا بألف درهم، فكتب إليه عمر: عزيمة منى عليك لما بعت الفص الّذي اشتريت بألف درهم، وتصدقت بثمنه، واشتريت فصا بدرهم، ونقشت عليه: رحم اللَّه امرأ عرف قدره.
وعن الأوزاعيّ قال: نقش رجل على خاتم: عمر بن عبد العزيز، فحبسه خمس عشرة ليلة، ثم خلى سبيله.
ونقش بعض العارفين على خاتمه: ولعل طرفك لا يدور وأنت تجمع للدهور.
ونقش بعضهم على خاتمه: وإن امرأ دنياه أكبر همه استمسك منها بحبل غرور.
وكان خاتم أبى عبيدة بن الجراح: الخمس للَّه. وأخرج الطحاوي في (شرح معاني الآثار) 4/ 264، قال: حدثنا عبد الوهاب قال: حدثنا شعبة عن قتادة قال: كان نقش خاتم أبى عبيدة بن الجراح:
الحمد للَّه. (كتاب أحكام الخواتم وما يتعلق بها) : 110- 144 باختصار.
هذا، ويتعلق بالخاتم مسائل كثيرة، يذكرها الفقهاء متفرقة في أبواب الفقه، ذكر ما تيسّر منها على ترتيب أبواب الفقه ابن رجب الحنبلي في (كتاب أحكام الخواتم وما يتعلق بها) ، وهي:
1- دخول الخلاء بخاتم عليه ذكر اللَّه.
2- مس المحدث لخاتم نقش عليه القرآن.
3- تحريك المتوضئ أو المغتسل للخاتم.
4- من استنجى وفي يده خاتم.
5- الصلاة في الخاتم المحرم.
6- عدد الآي والركعات في الصلاة بالخاتم.
7- نزع الخاتم من يد الميت.
8- الزكاة فيما يلبس الرجل من خاتم الفضة.
9- رمى الجمرة بفصّ من حجر.
10- بيع الخواتيم.
11- شراء الخاتم بفضة.
12- السلم في الخواتيم.
13- استصناع الخواتيم.
14- الأرش في الخواتيم.(7/44)
وخرجه مسلم [وقال] : إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة ونقش فيه: محمد رسول اللَّه، وقال للناس: إني اتخذت خاتما من فضة [ (1) ] .
وللبخاريّ [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث محمد بن شهاب، أن أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] ، أخبره أنه رأى في يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ورق يوما واحدا، ثم إن الناس اضطربوا الخواتم.
وقال البخاري: اصطنعوا الخواتم من ورق فلبسوها، فطرح النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتمه، فطرح الناس خواتيمهم.
قلت: هكذا في رواية ابن شهاب، اتخذ خاتما من ورق ثم نبذه، فنبذ الناس خواتيمهم. قال ابن عبد البر: وهذا غلط عند أهل العلم، والمعروف أنه إنما نبذ خاتما من ذهب لا من ورق [ (4) ] .
وحديث ابن شهاب هذا، رواه عنه إبراهيم بن سعد، ويونس بن يزيد،
__________
[ () ] 15- استئجار الخواتيم.
16- وقف الحلىّ.
17- من أتلف خاتما لغيره.
18- الشفعة في الخواتيم.
19- وديعة الخواتيم.
20- اللقطة في الخواتيم.
21- سرقة الخواتيم.
22- الهبة في الخواتيم.
وبسط القول في شرح هذه الفصول في (المرجع السابق) .
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 312، كتاب اللباس والزينة، باب (12) ، لبس النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ورق نقشه: محمد رسول اللَّه، ولبس الخلفاء له من بعده، حديث رقم (2092) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 391، كتاب اللباس، باب (47) بدون ترجمة، حديث رقم (5868) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 314، كتاب اللباس والزينة، باب (14) في طرح الخواتم، حديث رقم (2093) .
[ (4) ] انظر كتاب اللباس من (صحيح البخاري) ، باب (45) خواتيم الذهب، وكتاب اللباس والزينة من (صحيح مسلم) ، باب (11) تحريم خاتم الذهب على الرجال، ونسخ ما كان من إباحته في أول الإسلام.(7/45)
وموسى بن عقبة، وعبد اللَّه بن أبى عتيق. والمحفوظ في هذا الباب عن أنس، غير ما قال ابن شهاب، كما تقدم ذكره من رواية جماعة من أصحابه عنه، وتأوّله بعضهم فقال: طرح الناس خواتيمهم يعنى من الذهب [ (1) ] .
[وذكر ابن سعد عن مغيرة، عن فرقد عن إبراهيم قال: كان خاتم رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] من حديد ملوى عليه فضة [ (2) ] ، وعن محمد بن راشد عن مكحول، أن خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان من حديد ملوى عليه فضة غير أن فصه بادى] [ (3) ] .
[أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا إسحاق عن سعيد، أن خالد بن سعيد، أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وفي يده خاتم له، فقال رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] : ما هذا الخاتم؟ فقال: خاتم اتخذته، فقال: اطرحه إليّ، فطرحه، فإذا خاتم من حديث ملوى عليه فضة، فقال: ما نقشه؟ فقال: محمد رسول اللَّه، قال:
فأخذه رسول اللَّه فلبسه، فهو الّذي كان في يده] [ (4) ] .
[أخبرنا أحمد بن محمد الأزرقي المكيّ، أخبرنا عمرو بن يحيى بن سعيد القرشي عن جده قال: دخل عمرو بن سعيد بن العاص- حين قدم من الحبشة- على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: ما هذا الخاتم في يدك يا عمرو؟
قال: هذه حلقة يا رسول اللَّه، [قال: فما نقشها؟ قال: محمد رسول اللَّه] [ (5) ] ، قال: فأخذه رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] فتختمه،
فكان [في يده] [ (6) ] حتى
__________
[ (1) ] راجع التعليق السابق.
[ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 473، ذكر خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الملوي عليه فضة.
[ (3) ] (المرجع السابق) : 473- 474، وقال: «غير أن فصه باد» .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 474.
[ (5) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (6) ] في (خ) ، «بيده» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .(7/46)
قبض، ثم في يد عمر حتى قبض، ثم [لبسه] [ (1) ] عثمان، فبينا هو يحفر بئرا لأهل المدينة، يقال له بئر أريس، [فبينا] [ (2) ] هو جالس على شفتها يأمر بحفرها، سقط الخاتم في البئر، وكان عثمان يكثر إخراج خاتمه من يده وإدخاله، فالتمسوه فلم يقدروا عليه] [ (3) ] .
[أخبرنا خالد بن خداش، أخبرنا عبد اللَّه بن وهب، عن أسامة بن زيد، أن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان، حدثه أن معاذ بن جبل لما قدم من اليمن حين بعثه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إليها، قدم وفي يده خاتم من ورق، نقشه: محمد رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما هذا الخاتم؟ قال: يا رسول اللَّه، إني كنت أكتب إلى الناس، فأفرق أن يزاد فيها وينقص منها، فاتخذت خاتما أختم به، قال: وما هو؟ قال: محمد رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: آمن كل شيء من معاذ بن جبل حتى خاتمه! ثم أخذه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فتختمه] [ (4) ] .
[وقال الصّولى: سقط خاتم رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] من يد أنصارىّ كان دفعه إليه عثمان [رضى اللَّه عنه] ليطبع به الكتب عنه، وكان فصّه منه، فجعل عثمان [رضى اللَّه عنه] فيمن يخرجه مالا عظيما، فلم يقدر عليه، فلما يئس منه عمل له مثله، ونقش فيه: محمد رسول اللَّه] .
__________
[ (1) ] في (خ) ، «ثم كان في يد» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
[ (2) ] في (خ) ، «فبينما» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
[ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 474.
[ (4) ] (المرجع السابق) : 476.(7/47)
وأما فصّ خاتمه صلى اللَّه عليه وسلم
فخرّج البخاري من حديث حميد عن أنس [رضى اللَّه عنه] أن نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان خاتمه من فضة، وكان فصّه منه [ (1) ] . وخرّجه أبو داود ولفظه: كان خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم من فضة كله، فصّه منه [ (2) ] .
ولمسلم من حديث يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال: حدثني أنس ابن مالك رضى اللَّه عنه قال: كان خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من ورق، وكان فصّه حبشيا [ (3) ] .
وخرّجه أبو داود وليس إسناده بالقوى. قال ابن عبد البر:
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 395، كتاب اللباس، باب (48) فصّ الخاتم، حديث رقم (5870) .
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 424، كتاب الخاتم، باب (1) ما جاء في اتخاذ الخاتم، حديث رقم (4217) ، وأخرجه الترمذي في السنن في كتاب اللباس، باب ما يستحب من فص الخاتم، حديث رقم (1740) ، وقال: حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وأخرجه أيضا في (الشمائل) : 89، حديث رقم (90) وأخرجه النسائي في كتاب الزينة، باب صفة خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (5295) ، وأخرجه ابن رجب الحنبلي في (أحكام الخواتم وما يتعلق بها) : 58 مطولا، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 130، والإمام أحمد في (المسند) : 4/ 167، حديث رقم (13391) ، وابن سعد في (الطبقات) : 1/ 472.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 315، كتاب اللباس والزينة، باب (15) في خاتم الورق فصه حبشىّ، حديث رقم (2094) .
قوله: «وكان فصه حبشيا» قال العلماء: يعنى حجرا حبشيا، أي فصا من جزع أو عقيق، فإن معدنهما بالحبشة واليمن، وقيل: لونه حبشىّ أي أسود، وجاء في صحيح البخاري من رواية حميد عن أنس أيضا: «فصه منه» . قال ابن عبد البر: هذا أصح، وقال غيره: كلاهما صحيح، وكان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في وقت: خاتم فصه منه، وفي وقت: خاتم فصه حبشىّ، وفي حديث آخر: فصه من عقيق.
(المرجع السابق) : 316.(7/48)
فإنه من رواية إسماعيل بن أبى أويس عن يونس، وفي رواية الثقات: فصّه منه [ (1) ] .
وفي لفظ مسلم من رواية طلحة بن يحى [وهو الزرقانى ثم الزرقيّ] [ (2) ] ، عن يونس، [عن ابن شهاب عن أنس بن مالك] [ (2) ] أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لبس خاتم فضة في يمينه، فيه فصّ حبشي، كان يجعل فصّه مما يلي كفّه [ (3) ] . قال أبو الحسن الدار قطنى: هذا حديث محفوظ عن يونس، حدّث به الليث، وابن وهب، وعثمان بن عمرو، وغيرهم عنه، لم يذكروا: في يمينه. والليث وابن وهب أحفظ من سليمان ومن طلحة بن يحى، ومع ذلك فالراوى عن سليمان إسماعيل بن أويس، وهو ضعيف لا يحتج بروايته إذا انفرد عن سليمان ولا عن غيره.
وأما طلحة بن فسيح، والليث وابن [وهب] ثقتان متقنان صاحبا كتاب، فلا يقبل زيادة ابن أبى أويس عن سليمان، إذا انفرد بها، وقد رواه
__________
[ (1) ] وأخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 424، كتاب الخاتم، باب (1) ما جاء في اتخاذ الخاتم، حديث رقم (4216) ، والترمذي في (السنن) : 4/ 199، كتاب اللباس، باب (14) ، ما جاء في خاتم الفضة، حديث رقم (1739) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وأخرجه في (الشمائل) : 88، باب (12) ، ما جاء في ذكر خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (88) ، والنسائي في (السنن) : 8/ 578، كتاب الزينة باب (78) صفحة خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم ونقشه، حديث رقم (5292) ، (5294) ، وابن ماجة في (السنن) : 2/ 1201، كتاب اللباس، باب (39) نقشى الخاتم، حديث رقم (3641) ، وباب (41) من جعل فصّ خاتمه مما يلي كفه، حديث رقم (3646) ، كلهم من طريق يونس بن يزيد عن الزهري.
وأخرجه ابن سعد في (الطبقات) : 1/ 472، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 129، وأحمد في (المسند) : 4/ 72، حديث رقم (12771) ، 4/ 100، حديث رقم (12945) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 315، كتاب اللباس والزينة باب (15) في خاتم الورق فصّه حبشىّ، حديث رقم (62) .(7/49)
جماعة عن الزهري حفاظا، لم يقل منهم أحد: في يمينه، منهم: عقيل، وشعيب، وابن مسافر، وإبراهيم بن سعد، وموسى بن عقبة، وابن أبى عتيق، وابن أخى الزهراء. انتهى.
وذهب بعضهم إلى أنه كان له عليه السلام في وقت خاتم فصّه منه، وفي وقت خاتم فصه حبشىّ. وفي حديث آخر: فصّه من عقيق [ (1) ] .
وصحح قوم حديث ابن أبى أويس في التختم في يمينه، بأنه احتج به البخاري ومسلم ومعه جماعة، ووافقه طلحة وسليمان عليها [وكون الأكثرين لم يذكروها لا يمنع صحتها] [ (2) ] . فلم ينفرد ابن أويس بروايتها، وزيادة الثقة مقبولة.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 316.
[ (2) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) .(7/50)
وأما سبب اتخاذ الخاتم
فقد خرّج البخاري ومسلم من حديث شعبه عن قتادة، عن أنس قال:
لما أراد النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن يكتب إلى الروم، قيل له: إنهم لا يقرءون كتابا إلا أن يكون مختوما، قال: فاتخذ خاتما من فضة، كأنى انظر إلى بياضه في يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ونقش فيه: محمد رسول اللَّه، ولفظ مسلم: نقشه: محمد رسول اللَّه. ذكره البخاري في كتاب الأحكام، في باب: الشهادة على الخط [ (1) ] ، وفي اللباس [ (2) ] وفي الجهاد، في باب: دعوة اليهود والنصارى وعلى ما يقاتلون عليه [ (3) ] . ولفظه في اللباس: إنهم لن يقرءوا كتابك إذا لم يكن مختوما [ (4) ] ، وذكره في كتاب العلم، في باب: ما يذكر في المناولة، وكتاب أهل العلم إلى البلدان، ولفظه: كتب النبي صلى اللَّه عليه وسلم كتابا، أو أراد أن يكتب، فقيل له: إنهم لا يقرءون كتابا إلا مختوما، فاتخذ خاتما من فضة،
__________
[ (1) ] (فتح الباري) 13/ 175، كتاب الأحكام، باب (15) الشهادة على الخط المختوم، وما يجوز من ذلك، وما يضيق عليه، وكتاب الحاكم إلى عماله، والقاضي إلى القاضي، حديث رقم (7162) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 10/ 397، كتاب اللباس، باب (50) نقش الخاتم حديث رقم (5872) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 6/ 134، كتاب الجهاد والسير، باب (101) ، دعوة اليهود والنصارى، وعلى ما يقاتلون عليه؟ وما كتب النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى كسرى وقيصر، والدعوة قيل القتال، حديث رقم (2938) ، وقد ثبت كما قال الحافظ في (الفتح) [كتاب المغازي] : أن المبعوث به كان عبد اللَّه بن حذافة السهمي. وفي الحديث الدعاء إلى الإسلام بالكلام والكتابة وأن الكتابة تقوم مقام النطق. وفيه إرشاد.
المسلم إلى الكافر، وأن العادة جرت بين الملوك بترك قتل الرسل، ولهذا مزّق كسرى الكتاب ولم يتعرض للرسول. (المرجع السابق) تعليقا على الحديث رقم (2939) بشأن كتاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى كسرى.
[ (4) ] (المرجع السابق) : 10/ 398، كتاب اللباس، باب (52) ، اتخاذ الخاتم ليختم به الشيء، أو ليكتب به إلى أهل الكتاب وغيرهم، حديث رقم (5875) .(7/51)
نقشه: محمد رسول اللَّه، كأنى انظر إلى بياضه في يده [ (1) ] .
ولمسلم من حديث هشام عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أراد أن يكتب إلى العجم فقيل له: إن العجم لا يقبلون إلا كتابا عليه خاتم، فاصطنع خاتما من فضة، قال: كأنى انظر إلى بياضه في يده [ (2) ] .
ومن حديث خالد بن قيس عن قتادة، عن أنس [رضى اللَّه عنه] أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أراد أن يكتب إلى كسرى وقيصر والنجاشي، فقيل: إنهم لا يقبلون كتابا إلا بخاتم، فصاغ [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (3) ] خاتما حلقة فضة، ونقش فيه: محمد رسول اللَّه [ (4) ] .
__________
[ (1) ] المرجع السابق) : 1/ 206، كتاب العلم، باب (7) ما يذكر في المناولة، وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان، حديث رقم (65) ، ويعرف من هذا فائدة إيراده هذا الحديث في هذا الباب لينبه على أن شرط العمل بالمكاتبة أن يكون الكتاب مختوما ليحصل الأمن من توهم تغييره، لكن قد يستغنى عن ختمه إذا كان الحامل عدلا مؤتمنا. (المرجع السابق) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 313- 314، كتاب اللباس والزينة، باب (13) في اتخاذ النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما لما أراد أن يكتب إلى العجم، حديث رقم (57) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 134، باب (13) ، حديث رقم (58) .
قوله: «نقشه محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم» ، فيه جواز نقش الخاتم، ونقش اسم صاحب الخاتم، وجواز نقش اسم اللَّه تعالى. هذا مذهبنا، ومذهب سعيد بن المسيب، ومالك، والجمهور.
وعن ابن سيرين وبعضهم: كراهة نقش اسم اللَّه تعالى، وهذا ضعيف قال العلماء: وله أن ينقش عليه اسم نفسه، أو ينقش عليه كلمة حكمة، وأن ينقش ذلك مع ذكر اللَّه تعالى.
قوله: «لا ينقش أحد على نقش خاتمي هذا» ، سبب النهى أنه صلى اللَّه عليه وسلم إنما اتخذ الخاتم ونقش فيه ليختم به كتبه إلى ملوك العجم وغيرهم، فلو نقش غيره مثله لدخلت المفسدة وحصل الخلل.
قوله: «وكان إذا لبسه جعل فصه مما يلي بطن كفه» ، قال العلماء: لم يأمر النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ذلك بشيء، فيجوز جعل فصه في باطن كفه وفي ظاهرها، وقد عمل السلف بالوجهين.
وممن اتخذه في ظاهرها ابن عباس رضى اللَّه عنه، قالوا: ولكن الباطن أفضل، اقتداء به صلى اللَّه عليه وسلم، ولأنه أصون لفصه، وأسلم له، وأبعد من الزهو والإعجاب. (المرجع السابق) .(7/52)
وذكر البخاري في باب: نقش الخاتم من حديث سعيد عن قتادة، عن أنس [بن مالك رضى اللَّه عنه] [ (1) ] ، أن نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، أراد أن يكتب إلى رهط- أو ناس- من الأعاجم فقيل له: إنهم لا يقبلون كتابا إلا عليه خاتم، فاتخذ النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من فضة، نقشه: محمد رسول اللَّه، فكأني بوبيص [ (2) ]- أو ببصيص- الخاتم في إصبع النبي صلى اللَّه عليه وسلم أو في كفه [ (3) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من البخاري.
[ (2) ] في (خ) ، (ج) : «فكأنني بوميض» ، وما أثبتناه من البخاري.
[ (3) ] (فتح الباري) : 10/ 397، كتاب اللباس، باب (50) ، نقشى الخاتم، حديث رقم (5872) .(7/53)
وأما إصبع الخاتم التي يتختم فيها
فإن مسلم بن حجاج رحمه اللَّه، خرّج من حديث ثابت عن أنس، وأمّا عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري رحمه اللَّه، خرّج من حديث عبد العزيز بن صهيب، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال:
اصطنع النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما فقال: إنا اتخذنا خاتما، ونقشنا فيه نقشا، فلا ينقش [عليه أحد] [ (1) ] ،
قال: فإنّي لأرى بريقه في خنصره. ترجم عليه البخاري في باب: الخاتم في الخنصر [ (2) ] .
وخرّج أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، من حديث حماد بن سلمة قال: رأيت ابن أبى رافع [ (3) ] يتختم في يمينه، فسألته عن ذلك، فقال: رأيت عبد اللَّه بن جعفر يتختم في يمينه، وقال عبد اللَّه بن جعفر:
كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يتختم في يمينه. قال أبو عيسى: قال محمد بن إسماعيل- يعنى البخاري- هذا أصح شيء روى في هذا الباب [ (4) ] .
__________
[ (1) ] في (خ) ، (ج) : «أحد عليه» ، وما أثبتناه من البخاري.
[ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 398، كتاب اللباس، باب (51) ، الخاتم في الخنصر، حديث رقم (5874) ، (مسلم بشرح النووي) : 14/ 316، كتاب اللباس والزينة، باب (16) في لبس الخاتم في الخنصر من اليد، حديث رقم (2095) .
[ (3) ] هو عبيد اللَّه بن أبى رافع مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. (سنن الترمذي) .
[ (4) ] (سنن الترمذي) : 4/ 200- 201، كتاب اللباس، باب (16) ما جاء في لبس الخاتم في اليمين، حديث رقم (1744) .
وأخرجه الترمذي أيضا في (الشمائل المحمدية) : 92، باب (13) ما جاء في أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يتختم في يمينه، حديث رقم (98) .
قوله: «رأيت ابن أبى رافع» ، هو عبد الرحمن بن أبى رافع، ويقال فلان بن أبى رافع، روى عن(7/54)
وخرّجه النّسائى عن حماد عن ابن أبى رافع، عن عبد اللَّه بن جعفر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يتختم في يمينه [ (1) ] .
والترمذي من حديث جوير، عن محمد بن إسحاق، عن الصلت بن عبد اللَّه بن نوفل قال: رأيت ابن عباس يتختم في يمينه، ولا إخاله إلا قال:
رأيت اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتختم في يمينه قال أبو عيسى: قال محمد بن إسماعيل:
حديث محمد بن إسحاق عن الصلت بن عبد اللَّه بن نوفل حديث حسن صحيح [ (2) ] .
ولأبى داود من حديث عبد العزيز بن أبى روّاد عن نافع عن ابن عمر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يتختم في يمينه ويساره، وكان فصه في باطن كفه [ (3) ] .
__________
[ () ] عبد اللَّه بن جعفر، وعن عمه عن أبى رافع وعن عمته سلمى. عن أبى رافع، وعنه حماد بن سلمة، قال إسحاق بن منصور عن ابن معين: صالح، له عند الترمذي في التختم في اليمين، وآخر حديث في دعاء الكرب، كذا في (تهذيب التهذيب) ، (تحفة الأحوذي) : 5/ 345، أبواب اللباس، باب (16) ما جاء في لبس الخاتم في اليمين، شرح الحديث رقم (1798) .
[ (1) ] (سنن النسائي) : 8/ 579، كتاب الزينة، باب (79) ، موضع الخاتم، حديث رقم (5298) ، لكنه من حديث عباد بن العوام، عن سعيد، عن قتادة عن أنس، خلافا لما ذكره المقريزي في الأصلين:
(خ) ، (ج) ، أنه عن حماد عن ابن أبى رافع عن عبد اللَّه بن جعفر.
[ (2) ] (تحفة الأحوذي) : 5/ 344، أبواب اللباس، باب (16) ما جاء في لبس الخاتم في اليمين، حديث رقم (1796) . قوله: «ولا إخاله» ، بكسر الهمزة، قال في (القاموس) : خال الشيء يخال خيلا وخيلة، ويكسران، وخالا وخيلالا محرّكة، ومخيلة، ومخالة، وخيلولة: ظنه، وتقول في مستقبله:
إخال، بكسر الألف وتفتح في لغة.
قوله: «قال محمد بن إسماعيل» يعنى الإمام البخاري رحمه اللَّه، وقوله: «حديث محمد بن إسحاق عن الصلت بن عبد اللَّه بن نوفل حديث حسن صحيح» ، وفي بعض النسخ: حسن فقط، وليس فيه: صحيح. (تحفة الأحوذي) : 5/ 344.
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 131، كتاب الخاتم، باب (5) ما جاء في التختم في اليمين أو اليسار، حديث رقم (4227) ، قال أبو داود: قال ابن إسحاق: وأسامة- يعنى ابن زيد- عن نافع بإسناده في يمينه، (مسلم بشرح النووي) : 14/ 316، كتاب اللباس والزينة، باب (16) في لبس الخاتم في الخنصر من اليد، حديث رقم (2095) .(7/55)
قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: ووجه الجمع من هذه الروايات، أنه صلى اللَّه عليه وسلم لبس خاتم الذهب في يمينه ثم نبذه، واتخذ خاتم الورق ولبسه في يساره [ (1) ] .
وذكر من طريق الشيخ ابن عبد الرحمن بن أبى سعيد الخدريّ، عن أبيه عن جده إلى سعيد، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يلبس خاتمه في يساره [ (1) ] .
وذكر الحافظ أبو الفرج بن الجوزي، من طريق محمد بن عباد قال:
حدثنا عبد اللَّه بن ميمون، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يتختم في يمينه.
قال: محمد بن عباد ضعيف، وابن ميمون ليس بشيء، قال البخاري: هو ذاهب الحديث. واليسار أصحّ [ (2) ] .
وذكر من طريق خالد بن يحى قال: حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس قال: كأني انظر إلى وميض خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في يده اليسرى وهو يخطبنا [ (3) ] .
ومن طريق ابن حيّان، من حديث سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعلى، الحسن، والحسين كلهم يتختمون في اليسار [ (4) ] .
__________
[ (1) ] راجع التعليق السابق.
[ (2) ] (العلل المتناهية) : 2/ 694، حديث في التختم في اليمين، حديث رقم (1185) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 144، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب (39) ، وقت العشاء وتأخيرها، حديث رقم (640) ، لكن من طريق آخر عن أنس باختلاف في اللفظ، (كتاب أحكام الخواتم وما يتعلق بها) : 168.
[ (4) ] (أخلاق النبي) : 127، (مسند أحمد) : 4/ 170، حديث رقم (13407) ، (سنن أبى داود) :
4/ 431، باب (5) ما جاء في التخم في اليمين أو اليسار، حديث رقم (4227) ، (4228) ، و (سنن الترمذي) : 4/ 200، كتاب اللباس، باب (16) ما جاء في لبس الخاتم في اليمين، حديث رقم (1743) .(7/56)
ولابن عدي من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يتختم في يمينه ثم حوّله في يساره [ (1) ] .
وخرّج ابن مندة من حديث ابن الجارود قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد اللَّه، حدثنا محمد بن عبد اللَّه الخزاعي، حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن، عن أبى قتيلة بن مرة الحضرميّ، عن أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء حوّل خاتمه في يمينه، فكان يدعه اليوم واليومين والثلاثة بيساره، فلذلك كان يقال: يتختم بيمينه [ (2) ] .
[ولابن حبان من حديث همام بن يحى، عن ابن جريج، عن الزهري عن أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء
__________
[ (1) ] قال العلّامة أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي: اعلم أنه قد ثبتت الأحاديث في التختم في اليمين واليسار، فاختلف العلماء في وجه الجمع، فجنحت طائفة إلى استواء الأمرين، وجمعوا بذلك بين مختلف الأحاديث، وإلى ذلك أشار أبو داود بترجمة بابه [ما جاء في التختم في اليمين أو اليسار] ثم إيراده الأحاديث مع اختلافها في ذلك بغير ترجيح.
وجمع بعضهم بأنه صلى اللَّه عليه وسلم لبس الخاتم أولا في يمينه، ثم حوله في يساره، واستدل بما أخرجه أبو الشيخ، وابن عدي، عن ابن عمر: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم تختم في يمينه، ثم إنه حوله في يساره.
قال الحافظ: لو صحّ هذا لكان قاطعا للنزاع، ولكن سنده ضعيف وجمع البيهقي بأن الّذي لبسه في يمينه هو خاتم الذهب، والّذي لبسه في يساره هو خاتم الفضة.
قال النووي: أجمعوا على جواز التختم في اليمين واليسار، واختلفوا في أيتهما أفضل. واستحب مالك اليسار وكره اليمين. قال: والصحيح في مذهبنا أن اليمين أفضل. (عون المعبود) : 6/ 193.
[ (2) ]
وأخرج أبو الفرج عبد الرحمن بن على بن الجوزي من رواية عمرو بن خالد الواسطىّ، عن زيد بن على عن أبيه عن جده، عن على بن أبى طالب، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء حول خاتمه، فإذا توضأ حوله في يساره.
قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، قال يحى: عمرو كذاب لا يساوى شيئا. وقال ابن راهويه: بضع الحديث. (العلل المتناهية) : 1/ 328، حديث رقم (537) ، وذكره المتقى في (كنز العمال) : 9/ 515، حديث رقم (27222) ، وعزاه إلى ابن الجوزي في (العلل الواهية) .(7/57)
وضع خاتمه] [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (الإحسان) : 4/ 260، كتاب الطهارة، باب (21) الاستطابة، ذكر الخبر الدال على نفى إجازة دخول المرء الخلاء بشيء فيه ذكر اللَّه تعالى، حديث رقم (1413) ، وقال في هامشه: إسناده ضعيف، رجاله رجال الشيخين، إلا أن ابن جريج قد عنعن وهو مدلس. هدبة: بضم أوله وسكون الدال بعدها موحدة، ويقال له: هدّاب بالتثقيل وفتح أوله أ. هـ.
والحديث أخرجه كل من:.
الحاكم في (المستدرك) : 1/ 298- 299، كتاب الطهارة، حديث رقم (670) ، قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : تابعه يحيى بن المتوكل عن ابن جريج، ولم يتوقف، وزاد: «ونقشه محمد رسول اللَّه» على شرطهما، وحديث رقم (671) وقال في آخره: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، إنما خرجا حديث نقش الخاتم فقط.
والبيهقي في (السنن الكبرى) : 1/ 94- 95، كتاب الطهارة، باب وضع الخاتم عند دخول الخلاء، لفظ حديث حجاج، وفي حديث هدية بن خالد قال: ولا أعلمه إلا عن الزهري عن أنس.
قال ابن التركماني- وقد ذكر عدالة رواة هذا الحديث-: فتبين بذلك أن الحديث ليس له علة، وإن الأمر فيه كما ذكر الترمذي من الحسن والصحة. (الجوهر النقي) : 1/ 95 بهامش السنن الكبرى.
وأبو داود في (السنن) : 1/ 25، كتاب الطهارة، باب (9) في الرجل يذكر اللَّه تعالى على غير طهر، حديث رقم (19) .
والترمذي في (السنن) 4/ 201، كتاب اللباس، باب (16) في لبس الخاتم في اليمين، حديث رقم (1746) ، وقال هذا حديث حسن غريب.
والترمذي في (الشمائل) : 91، باب ما جاء في ذكر خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (94) .
والنسائي في (السنن) : 8/ 559، كتاب الزينة، باب (53) نزع الخاتم عند دخول الخلاء، حديث رقم (5228) .
وابن ماجة في (السنن) : 1/ 110، كتاب الطهارة وسننها، باب (11) ، ذكر اللَّه عز وجل على الخلاء والخاتم في الخلاء، حديث رقم (303) .
وقال ابن رجب الحنبلي في (كتاب أحكام الخواتم وما يتعلق بها) : ويتعلق بالخاتم مسائل كثيرة، يذكرها الفقهاء متفرقة في أبواب الفقه ... ، فمن ذلك أن الخاتم إذا كان عليه ذكر اللَّه تعالى فهل يكره استصحابه في الخلاء لغير عذر أم لا؟.
ذكر طائفة من الأصحاب في روايتين عن أحمد، إحداهما: يكره، وهي المشهورة عند الأصحاب المتأخرين، ونصّ عليها أحمد في رواية إسحاق بن هانئ في الدرهم إذا كان فيه اسم اللَّه، أو مكتوبا(7/58)
__________
[ () ] عليه قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فيكره أن يدخل اسم اللَّه عزّ وجلّ، وهذا يقتضي كراهة كل ما فيه اسم اللَّه من خاتم وغيره، وهو قول طائفة من السلف، كمجاهد والقاسم بن محمد، ومحمد بن عبد الرحمن بن يزيد، والشعبي، وأبى حنيفة.
وروينا عن همام، عن ابن جريج عن الزهري، عن أنس قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه، أخرجه أبو داود، وابن ماجة، والنسائي، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين.
وله علة قد ذكرها حذاق الحفاظ، كأبى داود، والنسائي، والدار قطنى، وهي أن هماما تفرد به عن ابن جريج، هكذا، ولم يتابعه غير يحيى بن المتوكل [أبو عقيل المدني الحذاء، ضعّفوه، مات سنة 167 هـ] ، ويحيى بن الضريس [ثقة، مات سنة 203 هـ] ، ورواه بقية الثقات، عبد اللَّه بن الحارث المخزومي [شيخ الشافعيّ وأحمد، روى عنه أحمد وابن راهويه، ثقة] ، وحجاج [بن منهال البصري، روى عنه البخاري، كان ثقة ورعا ذا سنّة وفضل، توفى سنة 217] ، وأبو عاصم، وهشام بن سليمان المخزومي [صدوق] وموسى بن طارق [روى عنه أحمد، وكان قاضى زبيد] عن ابن جريج عن زياد بن سعد [خراسانى نزل مكة، ثقة، ثبت في الزهري] عن الزهري عن أنس، أنه رأى في يد النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ذهب ... الحديث.
وهذا هو المحفوظ عن ابن جريج دون الأول. وقد جاء في رواية هدبة [صدوق، وقال ابن عدي: لا أعرف له حديثا منكرا، توفى سنة 235 هـ] ، عن همام عن ابن جريج، ولا أعلمه إلا عن الزهري، عن أنس، وهذه تشعر بعدم تيقّن.
فإن كانت من همام فقد قوى الظن بوهمه، وإن كانت من هدبة فلا تؤثر، لأن غيره ضبطه عن همام، كما أن بعض الرواة عن همام عن أنس، ولم يضر ذلك لاتفاق سائر الرواة عنه على الرفع.
وروى ابن عدي أن هماما إنما وهم في إدراج قوله: كان إذا دخل الخلاء وضعه، فإن هذا من قول الزهري، وأما أول الحديث وهو أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم اتخذ خاتما ولبسه فهو مرفوع، وقد جاء هذا مبينا في رواية عمر بن شبة [ثقة، مات 262 هـ] حدثنا حبان بن هلال [ثقة ثبت من التاسعة، مات سنة 216 هـ] حدثنا همام عن ابن جريج عن الزهري، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حيث لبس خاتمه كان إذا دخل الخلاء وضعه.
ووجه الحجة أنه إنما نزعه لأن نقشه كان: محمد رسول اللَّه، كما تقدم، وقد جاء ذلك مفسرا في رواية البيهقي من حديث يحى بن المتوكل عن ابن جريج عن الزهري عن أنس: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لبس خاتما نقشه محمد رسول اللَّه، وكان إذا دخل الخلاء وضعه.
وروى الحافظ أبو بكر الجوزقانى من حديث المنهال بن عمرو [وثقه ابن معين] عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء نزع خاتمه.(7/59)
__________
[ () ] وقد أورد ابن أبى شيبة [مولاهم الكوفي الحافظ، ولد سنة 159 هـ، وكان متقنا حافظا، توفى في المحرم سنة 235 هـ] في كتابه من طريق عكرمة وقال: كان ابن عباس إذا دخل الخلاء ناولني خاتمه، وعن ابن عباس أنه قال: كان سليمان بن داود عليهما السلام إذا دخل الخلاء نزع خاتمه فأعطاه امرأته.
والرواية الثانية: لا يكره، وهي اختيار أبى على بن أبى موسى والسامري وصاحب المغنى، وبوّب الخلال في جامعه باب الخاتم فيه ذكر اللَّه عزّ وجلّ أو الدرهم يدخل الخلاء وهو معه، ولم يذكر في الخاتم سوى هذه النصوص لأحمد. وذكر في الدراهم ما رواه عنه صالح في الرجل يدخل الخلاء ومعه الدرهم، قال: أرجو أن لا يكون به بأس.
وهذا قول كثير من السلف، ابن الحسن، وابن سيرين، وابن المسيب، وعطاء، وعكرمة، والنخعي، وهو مذهب مالك، وإسحاق، وابن المنذر [شيخ الحرم وصاحب التصانيف الكثيرة 7 كان غاية في معرفة الاختلاف والدليل، مجتهدا لا يقلد أحدا، مات بمكة سنة 318 هـ] ، لأن الأصل عدم الكراهة، وصيانته تحصل بإطباق يده عليه وهو في باطن الكف، فلا يبقى مع ذلك محذور، ومتى كان في يساره أداره إلى يمينه لأجل الاستنجاء.
وقد روى حديث عن على بن أبى طالب، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء حوله في يمينه، فإذا توضأ حوله في يساره. وأورده الجوزقانى من جهة عمرو بن خالد [ليس بثقة كذاب] ، وقال: هو حديث منكر، وعمرو كذاب.
وروى ابن عدي من حديث محمد بن عبيد اللَّه العرزميّ، عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتختم في خنصره الأيمن، فإذا دخل الخلاء جعل الكتابة مما تلى كفه. والعزرمي متروك.
(كتاب أحكام الخواتم وما يتعلق بها) : 170- 176.
وفي ختام هذا الفصل نذكر ما قاله الحافظ ابن حجر في (الفتح) في أسماء الخاتم شعرا:
خذ نظم عدّ لغات الخاتم انتظمت ... ثمانيا ما حواها قبل نظام
خاتام خاتم ختم خاتم وختام ... خايتام وخيتوم وخيتام
وهمر مفتوح تاء تاسع وإذا ... ساغ القياس أتم العشر خاتام
(فتح الباري) : 10/ 388، كتاب اللباس، باب (45) خواتيم الذهب.(7/60)
فضل ذكر جلسة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم واحتبائه
[الاحتباء: أن يقعد على أليته وينصب ساقيه، ويحتوي عليهما بثوب أو نحوه، ويقال لهذا الفعل: الحبو، بضم الحاء وكسرها، والاحتباء عادة للعرب في مجالسهم] .
اعلم أنّ جلوس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الجامع إما كان مربعا، أو محتبيا- وهو كان أكثر جلوسه- أو القرفصاء وشبهها من [جلسات] الوقار والتواضع.
وقد خرّج أبو داود من حديث يونس بن عبيد، عن عبيدة أبى خداش، عن أبى تميمة الهجيمي، عن جابر بن سليم قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو محتب بشملة وقد وقع هدبها على قدميه [ (1) ] .
وخرجه النّسائى من حديث قرّة بن خالد، عن قرّة بن موسى الهجيمي قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وهو محتب ببردة، وإن هدبها لعلى قدميه قلت: يا رسول اللَّه! أوصني، قال: عليك باتقاء اللَّه، ولا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط، وإياك وإسبال الإزار فإنّها هي المخيلة وإن اللَّه لا يحبها. وذكر له [طرقا] ، وقد تقدم من رواية الإمام أحمد [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 339، كتاب اللباس، باب (23) في الهدب، حديث رقم (4075) . قوله:
«محتب» أراد أنه كان جالسا على هيئة الاحتباء، والشملة بالفتح، ما يشتمل به من الأكسية، أي يلتحف به.
[ (2) ]
قال: حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبى، حدثنا عثمان، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا يونس، حدثنا عبيدة الهجيمي، عن أبى تميمة الهجيمي، قال: أتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو محتب بشملة له، وقد وقع هدبها على قدميه، فقلت: أيكم محمد أو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فأومأ بيده إلى نفسه، فقلت: يا رسول اللَّه، إني من أهل البادية، وفىّ جفاؤهم فأوصنى، فقال: لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى(7/61)
وللترمذي من حديث ربيح بن عبد الرحمن بن أبى سعيد، عن أبيه عن جده أبى سعيد الخدريّ [رضى اللَّه عنه] قال: [كان] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا جلس في المسجد [ (1) ] احتبى بيديه [ (2) ] .
ومن حديث قيلة بنت مخرمة [ (3) ] ، أنها رأت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في المسجد،
__________
[ () ] أخاك ووجهك منبسط، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقى، وإن أمرؤ شتمك بما يعلم فيك فلا تشتمه بما تعلم فيه، فإنه يكون لك أجره وعليك وزره، وإياك وإسبال الإزار، فإن إسبال الإزار من المخيلة، إن اللَّه عزّ وجلّ لا يحب المخيلة، ولا تسبّنّ أحدا، فما سببت بعد أحدا، ولا شاة، ولا بعيرا.
(مسند أحمد) : 6/ 56، حديث رقم (20112) .
[ (1) ] في (خ) ، (ج) : «في المجلس» ، وما أثبتناه من (الشمائل) .
[ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 116، حديث رقم (130) ، و (أخلاق النبي) : 247، (الكامل لابن عدي) : 3/ 174، من حديث ربيح بن عبد الرحمن بن أبى سعيد الخدريّ، رقم (32/ 682) ، وقال فيه: «إذا جلس في مجلس» ، (سنن أبى داود) : 5/ 175، كتاب الأدب، باب (25) في جلوس الرجل، حديث رقم (4846) ، ونسبه للمنذرى، قال أبو داود: عبد اللَّه بن إبراهيم شيخ منكر الحديث، (سنن البيهقي) : 3/ 236، وقال: تفرد به عبد اللَّه بن إبراهيم الغفاريّ هذا، وهو شيخ منكر الحديث، قاله أبو داود السجستاني وغيره، (سلسلة الأحاديث الصحيحة) : 2/ 497- 499، حديث رقم (827) ، وقد ساق الألباني لهذا الحديث كثيرا من الشواهد ثم قال: وبالجملة فالحديث صحيح، ولا يضر أن راويه متّهم، فقد يصدق الكذوب. وأي دليل على صدقه هنا أكبر من هذه الشواهد، وقد أخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 18، حديث رجل من بنى سليط رضى اللَّه عنه رقم (16208) ، قال: حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبى، حدثنا أبو عامر قال: حدثنا عباد- يعنى ابن راشد- عن الحسن من بنى سليط: أنه مرّ على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وهو قاعد على باب مسجده محتب، وعليه ثوب له قطر ليس عليه ثوب غيره، وهو يقول: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ثم أشار بيده إلى صدره يقول: التقوى ها هنا، التقوى ها هنا، (فتح الباري) : 11/ 76- 77، كتاب الاستئذان، باب (34) الاحتباء باليد وهو القرفصاء، حديث رقم (6272) ، من حديث محمد بن فليح- عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر رضى اللَّه عنه قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بفناء الكعبة محتبيا بيده هكذا....
[ (3) ] هي قيلة بنت مخرمة التميمية، هاجرت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم مع حريث بن حسان، وقيل: الحارث بن حسان، وكان وافد بكر بن وائل إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم (تهذيب التهذيب) : 12/ 474، ترجمة رقم (2875) .(7/62)
وهو قاعد القرفصاء [ (1) ] ، قال: فلما رأيت المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق [ (2) ] .
__________
[ (1) ] القرفصاء: جلسة المحتبي، وليس هو الّذي يحتبي بثوبه، ولكن الّذي يحتبي بيديه.
[ (2) ] قال العلامة ابن القيم في (زاد المعاد) ، فصل في هديه صلى اللَّه عليه وسلم في جلوسه واتكائه: كان يجلس على الأرض، وعلى الحصير، والبساط، وقالت قيلة بنت مخرمة: أتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو قاعد القرفصاء، قالت: فلما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كالمتخشع في الجلسة، أرعدت من الفرق، ولما قدم عليه عدي بن حاتم، دعاه إلى منزله، فألقيت إليه الجارية وسادة يجلس عليها، فجعلها بينه وبين عدي، وجلس على الأرض، قال عدىّ: فعرفت أنه ليس بملك. وكان يستلقي أحيانا وربما وضع إحدى رجليه على الأخرى، وكان يتكىء على الوسادة، وربما اتكأ على يساره، وربما اتكأ على يمينه، وكان إذا احتاج في خروجه، توكأ على بعض أصحابه من الضعف (زاد المعاد) : 1/ 170.
والحديث أخرجه الترمذي في (الشمائل المحمدية) : 155، باب (21) ما جاء في جلسة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حديث رقم (128) ، قوله: «القرفصاء» : هي جلسة ولها هيئتان:
إحداهما: الاحتباء، وهي أن يجلس على مقعدته ناصبا رجليه، ويضم فخذيه إلى بطنه، ولكن يحتبي بيديه، أي يجعلهما حول ساقيه، قابضهما ببعضهما.
والأخرى: أن يجلس على رجليه، ويجمع ركبتيه، ويضم بطنه إلى فخذيه واضعا يديه تحت إبطيه، وهذه الأخيرة هي المقصودة هنا، لما فيها من هيئة الخشوع والسكون والخضوع.
قوله: «المتخشع» : التخشع المبالغة في الخشوع.
قوله: «أرعدت من الفرق» : أرعدت أي أصبت. يرعدة وهي الاضطراب، والفرق: هو الخوف والفزع مما علاها من المهابة (المرجع السابق) .
وللحديث شاهد عند أبى الشيخ في (أخلاق النبي) : 247، من طريق عبد اللَّه بن منيب عن أبيه عن جده عن أبى أمامة الحارثي قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا جلس جلس القرفصاء. وفي سنده ضعف. عبد اللَّه بن منيب هو ابن عبد اللَّه بن أبى أمامة بن ثعلبة الحارثي وهو صدوق، وأبوه مقبول عند المتابعة، وجده صدوق، وفي إسناده الفروى إسحاق بن محمد، وهو صدوق، لكن كف بصره فساء حفظه. وجملة القول: أن الحديث حسن، واللَّه تعالى أعلم (المرجع السابق) .
وأخرجه الترمذي أيضا في (السنن) : 5/ 111، كتاب الأدب، باب (50) ما جاء في الثوب الأصفر، حديث رقم (2814) ، وقال أبو عيسى: حديث قيلة لا نعرفه إلا من حديث عبد اللَّه بن حسان، وأخرجه أبو داود في (السنن) 5/ 176، كتاب الأدب، باب (25) في جلوس الرجل، حديث رقم (4847) وقد تقدم طرف من هذا الحديث في كتاب الخراج من (سنن الترمذي) ، وهو حديث طويل، وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) : 3/ 235، باب الاحتباء المباح في غير وقت الصلاة.(7/63)
ومن حديث سفيان عن الزهري، عن عبادة بن تميم، عن عمه، أنه رأى النبي صلى اللَّه عليه وسلم مستلقيا في المسجد، واضعا إحدى رجليه على الأخرى [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 116، حديث رقم (129) ، (سنن الترمذي) : 5/ 88، كتاب الأدب، باب (19) ، ما جاء في وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا، حديث رقم (765) ، (فتح الباري) : 1/ 740- 741، كتاب الصلاة، باب (85) الاستلقاء في المسجد ومد الرجل، حديث رقم (475) ، وعن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، قال كان عمر وعثمان يفعلان ذلك، (فتح الباري) : 10/ 488، 489، كتاب اللباس، باب (103) ، الاستلقاء ووضع الرجل على الأخرى، حديث رقم (5969) ، (فتح الباري) : 11/ 95، كتاب الاستئذان، باب (44) الاستلقاء، حديث رقم (6287) .
«الاستلقاء» هو الاضطجاع على القفا، سواء كان معه نوم أم لا، وقد تقدمت هذه الترجمة وحديثها في آخر كتاب اللباس، قبيل كتاب الأدب، وتقدم بيان الحكم في أبواب المساجد من كتاب الصلاة، وذكرت هناك قول من زعم أن النهى عن ذلك منسوخ، وأن الجمع أولى، وأن محل النهى حيث تبدو العورة، والجواز حيث لا تبدو، وهو جواب الخطابي ومن تبعه، ونقلت قول من ضعّف الحديث الوارد في ذلك، وزعم أنه لم يخرج في الصحيح.
وأوردت عليه بأنه غفل عما في كتاب اللباس من الصحيح، والمراد بذلك صحيح مسلم، وسبق القلم هناك فكتبت صحيح البخاري، وقد أصلحته في أصلى، ولحديث عبد اللَّه بن زيد في الباب شاهد من حديث أبى هريرة، صححه ابن حبان (المرجع السابق) .
(مسلم بشرح النووي) : 14/ 323، كتاب اللباس والزينة، باب (22) في إباحة الاستلقاء، ووضع إحدى الرجلين على الأخرى، حديث رقم (2100) - قال الإمام النووي: قال العلماء:
أحاديث النهى عن الاستلقاء رافعا إحدى رجليه على الأخرى محمولة على حالة تظهر فيها العورة أو شيء منها، وأما فعله صلى اللَّه عليه وسلم فكان على وجه لا يظهر منها شيء، وهذا لا بأس به ولا كراهة فيه على هذه الصفة.
وفي هذا الحديث جواز الاتكاء في المسجد والاستلقاء فيه. قال القاضي: لعله صلى اللَّه عليه وسلم فعل هذا لضرورة أو حاجة من تعب، أو طلب راحة أو نحو ذلك.
قال: وإلا فقد علم أن جلوسه صلى اللَّه عليه وسلم في المجامع على خلاف هذا، بل كان يجلس مرتبعا، أو محتبيا، وهو كان أكثر جلوسه، أو القرفصاء، أو مقعيا، وشبهها من جلسات الوقار، والتواضع.
قلت: ويحتمل أنه صلى اللَّه عليه وسلم فعله لبيان الجواز، وأنكم إذا أردتم الاستلقاء فليكن هكذا، وأن النهى الّذي نهيتكم عن الاستلقاء ليس هو على الإطلاق، بل المراد به من ينكشف شيء من عورته أو يقارب انكشافها، واللَّه تعالى أعلم (مسلم بشرح النووي) : 14/ 322- 323.(7/64)
فصل في ذكر خضاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
خرّج الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللَّه، من حديث سلام بن أبى مطيع، عن عثمان بن عبد اللَّه بن موهب قال: دخلنا على أم سلمة رضى اللَّه عنها، فأخرجت إلينا شعر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مخضوبا بالحناء والكتم [ (1) ] .
وخرّج ابن عدي من حديث غيلان بن جامع، عن إياد بن لقيط، عن أبى رمثة قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يخضب بالحناء والكتم، وكان شعره يبلغ كتفيه أو منكبيه [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 420- 421، حديث رقم (25995) ولفظه: دخلنا على أم سلمة فأخرجت إلينا من شعر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا هو مخضوب أحمر بالحناء والكتم. وحديث رقم (25999) ولفظه: دخلت على أم سلمة، فأخرجت إلينا شعرا من شعر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مخضوبا بالحناء والكتم.
كلاهما عن عثمان بن عبد اللَّه، من حديث أم سلمة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم.
[ (2) ] (الكامل لابن عدي) : 4/ 98، ترجمة الضحاك بن حمرة- بالراء المهملة- الأملوكي الواسطي رقم (3/ 946) ، ضعّفوه، وذكره ابن حبان في (الثقات) : 6/ 484.
قال الحافظ ابن حجر: الضحاك بن حمرة- بالراء المهملة- الأملوكي الواسطي، أرسل عن أنس، وروى عن عمرو بن شعيب والحجاج بن أرطاة وقتادة وغيرهم، وعنه بقية وأبو سفيان سعيد بن يحيى الحميري....
قال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو الجوزجاني: غير محمود في الحديث، وقال النسائي والدّولابىّ: ليس بثقة، وذكره ابن حبان في (الثقات) ، وله عنده حديث في ترجمة أبى سفيان الحميري.
قال الحافظ ابن حجر: حسّن الترمذي حديثه، وقال ابن زنجويه: حدثنا إسحاق، حدثنا بقية عن الضحاك وكان ثقة، وقال البرقاني عن الدار قطنى ليس بالقوى يعتبر به، وقال ابن عدي: أحاديثه غرائب، وقال [في] بعض النسخ: متروك الحديث. وقال ابن شاهين في (الثقات) : وثقه إسحاق بن راهويه، قلت: وهو كما قال في مسندة أنه ثقة: (تهذيب التهذيب) : 4/ 389- 390، ترجمة رقم (781) .(7/65)
ومن حديث عمر بن قيس المكيّ، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يخضب بالحناء والكتم، ويقول:
غيّروا فإن اليهود لا تغيّر [ (1) ] .
وقد روى عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: حدثنا سفيان عن إياد بن لقيط، عن أبى رمثة قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فرأيته قد لطخ لحيته بالحناء.
وخرّجه الترمذي في (الشمائل) ، من حديث عبد الملك بن عمير، عن إياد بن لقيط العجليّ، عن أبى رمثة التيمي قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم ومعى ابن لي، قال: فأريته، فقلت لما رأيته: هذا نبي اللَّه وعليه ثوبان أخضران، وله شعر قد علاه الشيب وشيبة أحمر [ (2) ] .
وفي رواية عن إياد [بن لقيط] [ (3) ] قال: أخبرنى أبو رمثة قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (4) ] مع ابن لي، فقال ابنك [هذا] [ (3) ] ؟ فقلت: نعم، أشهد به، قال: لا يجنى عليك ولا تجنى عليه، قال: ورأيت الشيب أحمر.
قال أبو عيسى: هذا أحسن شيء روى في هذا الباب وأفسر لأن الروايات الصحيحة أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يبلغ الشيب [ (5) ] .
ولأبى داود من حديث عبد العزيز بن سلمة، عن زيد بن أسلم، أن ابن
__________
[ (1) ] (الكامل لابن عدي) : 5/ 8، ترجمة عمر بن قيس المكيّ رقم (219/ 1186) ، وهو عمر بن قيس المكيّ أبو جعفر المعروف بسندل، مولى آل بنى أسد، وقيل: مولى آل منظور بن يسار. ضعّفه جميع نقاد الحديث، له ترجمة وافية في: (تهذيب التهذيب) : 7/ 431، ترجمة رقم (618) ، (ميزان الاعتدال) : 3/ 218، ترجمة رقم (6187) .
[ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 58- 59، حديث رقم (43) .
[ (3) ] زيادة للنسب من (الشمائل) .
[ (4) ] في (المرجع السابق) : «رسول اللَّه» .
[ (5) ] (الشمائل المحمدية) : 60، باب (6) ما جاء في خضاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (45) ، وقال في آخره: وأبو رمثة اسمه رفاعة بن يثربى التيميّ.(7/66)
عمر كان يصبغ لحيته بالصفرة حتى تمتلئ ثيابه من الصفرة، فقيل له: لم تصبغ بالصفر؟ قال: إني رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصبغ بها، ولم يكن شيء أحب إليه منها، وقد كان يصبغ ثيابه كلّها حتى عمامته [ (1) ] .
وخرّجه النّسائى ولفظه: رأيت ابن عمر يصفر لحيته بالخلوق، فقيل له:
يا أبا عبد الرحمن! إنك تصفرّ لحيتك بالخلوق، قال [ (2) ] : إني رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصفرّ بها لحيته، ولم يكن شيء من الصّبغ أحب إليه منها، ولقد كان يصبغ بها ثيابه كلها حتى عمامته [ (3) ] . [قال أبو عبد الرحمن: وهذا أولى بالصواب من حديث قتيبة] [ (4) ] .
وقد خالف الدراوَرْديّ عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن دينار، فرواه عن زيد ابن أسلم، عن عبيد بن جريج قال: رأيت ابن عمر يصفر لحيته، فقلت له في ذلك، فقال: إني رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يصفر لحيته، قال النسائي: وهو أولى بالصواب [من] الّذي قبله [ (5) ] .
ولأبى داود والنسائي،، من حديث ابن أبى روّاد، عن نافع عن ابن عمر رضى اللَّه عنه قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يلبس النعال السبتية، ويصفر لحيته بالورس والزعفران، وكان ابن عمر يفعل [ (6) ] ذلك. وقد تقدم حديث مالك عن سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج،، عن ابن عمر، وفيه: وأما الصفرة،
__________
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 333- 334، كتاب اللباس، باب (18) ، في المصبوغ بالصفرة، حديث رقم (4064) ، كتاب الترجل باب (18) في الخضاب، حديث رقم (4206) - (4208) .
[ (2) ] في (خ) : «فقال» .
[ (3) ] (سنن النسائي) : 8/ 517، كتاب الزينة، باب (17) ، الخضاب بالصفرة، حديث رقم (5100) .
[ (4) ] زيادة من (المرجع السابق) .
[ (5) ] كذا في النظامية، وفي إحدى نسخها: «من حديث قتيبة» .
[ (6) ] (سنن أبى داود) : 4/ 417- 418، كتاب الترجل، باب (19) ما جاء في الخضاب بالصفرة، حديث رقم (4210) .(7/67)
فإنّي رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [يصبغ] بها، فأنا أحب أن أصبغ بها [ (1) ] .
وخرّج الطبراني من حديث عبد الرحمن بن عبد الصمد العمى، عن جعفر بن محمد، وهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت:
كان أكثر شيب النبي صلى اللَّه عليه وسلم في الرأس في فودى رأسه [ (2) ] ، وكان أكثر شيبة في لحيته حول الذقن، وكان شيبة كأنه خيوط الفضة يتلألأ بين سواد الشعر، وإذا مسّه بصفرة- وكان كثيرا ما يفعل ذلك- صار كأنه خيوط الذهب.
ولقاسم بن أصبغ من حديث مروان بن سالم، عن عبد اللَّه بن همام قال:
قلت: يا أبا الدرداء، بأي شيء كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يخضب؟ قال: يا ابن أخى، أو يا بنى، ما بلغ منه الشيب ما كان يخضبه، ولكنه قد كان منه ها هنا شعرات بيض، وكان يغسله بالحناء والسّدر [ (3) ] .
ومن حديث شريك عن عثمان بن موهب قال: رأيت شعر النبي صلى اللَّه عليه وسلم عند بعض نسائه أحمر [ (4) ] .
ومن حديث سلام بن أبى مطيع، عن عثمان بن عبد اللَّه بن موهب قال:
دخلت على أم سلمة رضى اللَّه عنها فأخرجت إلينا شعر النبي صلى اللَّه عليه وسلم مخضوبا بالحناء والكتم [ (5) ] .
ومن حديث شريك عن سدير الصيرفي عن أبيه قال: كان على رضى اللَّه
__________
[ (1) ] سبق تخريجه في الكلام على الخف، ص 25 من هذا الجزء.
[ (2) ] الفود: معظم شعر الرأس مما يلي الأذن، وفودا الرأس: جانباه، والجمع أفواد، والفودان: واحدهما فود، وهو معظم شعر اللمة مما يلي الأذن، والفودان: قرنا الرأس وناصيتاه، ويقال بدا الشيب بفوديه، وفي الحديث: كان أكثر شيبة في فودى رأسه أي ناحيتيه. (لسان العرب) : 3/ 340.
[ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 432.
[ (4) ] (المرجع السابق) : 1/ 437.
[ (5) ] (المرجع السابق) : 1/ 437.(7/68)
عنه لا يخضب، فذكرت ذلك لمحمد بن على، قال: قد خضب من هو خير منه، رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
ومن حديث ضمرة عن على بن أبى حملة قال: كان رجاء بن حيوة لا يغيّر الشيب فحجّ، فشهد عنده أربعة أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم غيّر، قال: فغيّر في بعض المياه.
وذكر البخاري من حديث الليث، عن خالد، عن سعيد بن أبى هلال، عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن [قال] [ (1) ] :، سمعت أنس [ (2) ] بن مالك يصف النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: كان ربعة من القوم ... وذكر الحديث إلى قوله:
وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء. قال ربيعة: فرأيت شعرا من شعره، فإذا هو أحمر، فسألت، فقيل: احمرّ من الطيب [ (3) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من البخاري.
[ (2) ] في (خ) ، (ج) : «أنسا يصف» .
[ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 699- 700، كتاب المناقب، باب (23) صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (3547) ، (3548) ، 10/ 436، كتاب اللباس، باب (68) الجعد، حديث رقم (5900) .
قوله: «وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء» أي بل دون ذلك، ولابن أبى خيثمة من طريق أبى بكر بن عياش، قلت لربيعة: جالست أنسا؟ قال: نعم، وسمعته يقول: شاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عشرين شيبة هاهنا يعنى النعفقة.
ولإسحاق بن راهويه، وابن حبان، والبيهقي من حديث ابن عمر: كان شيب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نحوا من عشرين شعرة بيضاء في مقدمة.
وقد اقتضى حديث عبد اللَّه بن بسر أن شيبة كان لا يزيد على عشر شعرات لإيراده بصيغة جمع القلة، لكن خصّ ذلك بعنفقته فيحمل الزائد على ذلك في صدغيه كما في حديث البراء.
لكن وقع عند ابن سعد بإسناد صحيح، عن حميد، عن أنس في أثناء حديث قال: ولم يبلغ ما في لحيته من الشيب عشرين شعرة، وقد روى ابن سعد أيضا بإسناد صحيح، عن ثابت، عن أنس، قال: ما كان في رأس النبي صلى اللَّه عليه وسلم ولحيته إلا سبع عشرة أو ثماني عشرة.
ولابن أبى خيثمة من حديث حميد عن أنس: لم يكن في لحية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عشرون شعرة(7/69)
فذهب جماعة من أهل العلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يخضب بالحناء، ويصفر شيبة، على أنهم مجمعون أنه إنما شاب منه عنفقته وشيء من صدغيه لا غير، وقال آخرون: لم يخضب [ (1) ] .
وذكروا حديث إسرائيل عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد شمط مقدم رأسه ولحيته، فإذا ادّهن وأمتشط لم يتبيّن شيبة، فإذا أشعث كان متبيّنا، وكان كثير شعر الرأس واللحية [ (2) ] .
وحديث هشام عن قتادة قال: سألت سعيد بن المسيب: أخضب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: لم يبلغ ذلك [ (3) ] .
__________
[ () ] بيضاء. قال حميد: كن سبعة عشرة.
وفي مسند عبد بن حميد، من طريق حماد عن ثابت، عن أنس: ما عددت في رأسه ولحيته إلا أربع عشرة شعرة.
وعند ابن ماجة من وجه آخر عن أنس: إلا سبع عشرة أو عشرين شعرة.
وروى الحاكم في (المستدرك) ، من طريق عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، عن أنس قال: لو عددت ما أقبل عليّ من شيبة في رأسه ولحيته ما كنت أزيدهن على إحدى عشرة شيبة.
قوله: «فرأيت شعرا من شعره فإذا هو أحمر فسألت فقيل: «احمرّ من الطيب» ، لم أعرف المسئول المجيب بذلك، إلا أنه في رواية ابن عقيل المذكورة من قبل، أن عمر بن عبد العزيز قال لأنس: هل خضب النبي صلى اللَّه عليه وسلم؟ فإنّي رأيت شعرا من شعره قد لون، فقال: إنما هذا الّذي لون من الطيب الّذي كان يطيب به شعر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فهو الّذي غيّر لونه، فيحتمل أن يكون ربيعة سأل أنسا عن ذلك فأجابه.
ووقع في (رجال مالك) للدارقطنيّ، وهو في (غرائب مالك) له، عن أبى هريرة قال: لما مات النبي صلى اللَّه عليه وسلم خضب من كان عنده شيء من شعره ليكون أبقى لها.
قال الحافظ ابن حجر: فإن ثبت هذا استقام إنكار أنس، ويقبل ما أثبته سواه التأويل. (فتح الباري) : 6/ 707- 708 مختصرا.
[ (1) ] (المرجع السابق) : 6/ 709، (طبقات ابن سعد) : 1/ 433.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 105، كتاب الفضائل، باب (29) ، شيبة صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (109) ، (طبقات ابن سعد) : 1/ 433.
[ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 433.(7/70)
وحديث عاصم بن على، أخبرنا محمد بن راشد عن مكحول عن موسى بن أنس عن أبيه قال: لم يبلغ النبي صلى اللَّه عليه وسلم من الشيب ما يخضب [ (1) ] .
وحديث على بن الجعد، حدثنا زهير بن معاوية، عن حميد الطويل قال: سئل أنس رضى اللَّه عنه عن الخضاب فقال: خضب أبو بكر رضى اللَّه عنه بالحناء والكتم، وخضب عمر بالحناء وحده [ (2) ] .
قيل: فرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: لم يكن في لحيته عشرون شعرة بيضاء، فأصغى حميد إلى رجل عن يمينه فقال: كنّ سبع عشرة [ (3) ] . [ووضع يده على عنفقته] [ (4) ] .
وذكر مالك في الموطّإ عن يحيى بن سعيد قال: أخبرنى محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن، أن عبد الرحمن بن الأسود ابن عبد يغوث قال- وكان جليسا لهم وكان أبيض الرأس واللحية [ (5) ]-[قال:] [ (6) ] فغدا عليهم ذات يوم وقد حمّرهما، قال: فقال له القوم: هذا أحسن، فقال: إن أمى عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم أرسلت إليّ البارحة جارتها نخيلة، فأقسمت عليّ لأصبغنّ، وأخبرتنى أن أبا بكر الصديق [رضى اللَّه
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 102، كتب الفضائل، باب (29) ، شيبة صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (101) ، بسياقه أطول من ذلك وسند آخر.
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (103) من حديث حماد، حدثنا ثابت قال: سئل أنس بن مالك عن خضاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: لو شئت أن أعد شمطات كنّ في رأسه فعلت، وقال: لم يختضب وقد اختضب أبو بكر بالحناء والكتم واختضب عمر بالحناء.
[ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 431.
[ (4) ] زيادة للسياق من (طبقات ابن سعد) .
[ (5) ] كذا في الأصلين، وفي (الموطأ) : «أبيض اللحية والرأس» .
[ (6) ] زيادة من الأصلين.(7/71)
عنه كان] [ (1) ] يصبغ [ (2) ] .
قال مالك رحمه اللَّه: هذا الحديث بيان أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يصبغ، ولو صبغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، لأرسلت بذلك عائشة رضى اللَّه عنها إلى عبد الرحمن بن الأسود [ (3) ] .
وقالوا: الصّبغ الّذي ذكر في حديث ابن عمر بالصفرة، هو صبغ الثياب لا صبغ اللحية، كما ذكر مالك عن نافع، أن عبد اللَّه بن عمر كان يلبس الثوب المصبوغ بالمشق [ (4) ] ، [والثوب] [ (5) ] المصبوغ بالزعفران [ (6) ] .
وكما رواه قاسم بن أصبغ، من حديث سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر أنه كان يصبغ ثيابه بالصفرة حتى عمامته [ (7) ] . وذكر ابن عمر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يصبغ بالصّفرة [ (7) ] .
وذكره ابن وهب عن عمر بن محمد عن زيد بن أسلم مرسلا، ومن حديث القعنبي، أخبرنا عبد اللَّه بن زيد بن أسلم، عن أبيه أن ابن عمر كان
__________
[ (1) ] زيادة من الأصلين.
[ (2) ] (موطأ مالك) : 677، كتاب الجامع، ما جاء في صبغ الشعر، حديث رقم (1727) ، ثم قال: قال يحيى: سمعت مالكا يقول في صبغ الشعر بالسواد: لم أسمع في ذلك شيئا معلوما، وغير ذلك من الصبغ أحبّ إليّ. قال: وترك الصبغ كلّه واسع إن شاء اللَّه، ليس على الناس في ذلك ضيق.
[ (3) ] (موطأ مالك) : 677، كتاب الجامع، ما جاء في صبغ الشعر، تعقيبا على الحديث رقم (1727) .
[ (4) ] الصباغ الأصفر على الأغلب.
[ (5) ] زيادة للسياق من (الموطأ) .
[ (6) ] (موطأ مالك) : 655، كتاب الجامع، ما جاء في لبس الثياب المصبّغة والذهب، حديث رقم (1648) ، وتمامه: قال مالك: وأنا أكره أن يلبس الغلمان شيئا من الذهب، لأنه بلغني أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نهى عن تختم الذهب، فأنا أكرهه للرجال، الكبير منهم والصغير. قال مالك في الملاحف المعصفرة في البيوت للرجال، وفي الأفنية، قال: لا أعلم من ذلك شيئا حراما، وغير ذلك من اللباس أحب إليّ.
[ (7) ] سبق تخريجه والتعليق عليه، فليراجع في بابه من الجزء السادس.(7/72)
يصبغ ثيابه بالزعفران، فقيل له، فقال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصبغ به، ورأيته يحبه، أو رأيته أحبّ الصبغ إليه.
قال ابن عبد البر: وقد روى أنه كان يخضب، وليس بقوى، - والصحيح أنه لم يخضب، ولم يبلغ من الشيب ما يخضب له، وعارض من ذهب إلى أنه صلى اللَّه عليه وسلم اختضب بحديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس [رضى اللَّه عنه قال] : إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل أو ما في معنى ذلك من الأحاديث، وبأنه اختلفت الرواية عن أنس.
فخرج الترمذي من حديث عمرو بن عاصم قال: أخبرنا حماد بن سلمة، حدثنا حميد عن أنس قال: رأيت شعر النبي صلى اللَّه عليه وسلم مخضوبا [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 62، باب ما جاء في خضاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (48) . (49)
كلاهما عن أنس بن مالك، والحديث الأول صحيح، والثاني إسناده حسن، وظاهر الحديث يخالف المشهور من حديث أنس، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يخضب، والجمع بين هذه الأحاديث بحمل الخضاب هنا على تغير لون الشعر من الطيب ونحوه، لا على الخضاب بالحناء، كما جاء في (طبقات ابن سعد) :
1/ 436، من حديث ربيعة بن أبى عبد الرحمن، قال: رأست شعرا من شعره يعنى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فإذا هو أحمر، فسألت عنه فقيل لي: احمرّ من الطيب، ونحو هذا ما رواه الحاكم في (المستدرك) :
2/ 663- 664، كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، حديث رقم (4201) ، وقال في (التلخيص) : صحيح، من حديث عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، وفيه: وإنما هذا الّذي لوّن من الطيب الّذي كان يطيب شعر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
وهذا الجمع لطرق حديث أنس أولى من الحكم على حديث حميد وابن عقيل بالشذوذ، لأن إعمال الحديث أولى من إهماله. وبذلك تتفق الروايات عن أنس.
ولكن يشكل على هذا الجمع ما ثبت عنه صلى اللَّه عليه وسلم: أنه كان يخضب، كما في حديث أم سلمة، وأبى رمثة، وغيرهما، والجواب على هذا: أن المثبت مقدم على النافي، لأن معه زيادة علم، والزيادة من الثقة مقبولة.
ويمكن الجمع بما قاله النووي رحمه اللَّه: والمختار أنه صلى اللَّه عليه وسلم خضب في وقت، دل عليه حديث ابن عمر في الصحيحين، وتركه في معظم الأوقات، فأخبر كل بما رأى وهو صادق، واللَّه تعالى أعلم.(7/73)
وقال يعقوب بن سفيان: حدثني يوسف بن كامل، حدثنا مبارك بن فضالة، حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن عقيل بن أبى طالب قال: سألت أنس ابن مالك [رضى اللَّه عنه] : هل كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يخضب؟ قال: ما أرى، قلت: فإنه كان عندنا من شعره شعر فيه صفرة، قال أنس [رضى اللَّه عنه] : إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يمسّه بصفرة، قالوا: فقول أنس: ما أرى، إخبار عن ظن، وقوله: لم يخضب شهادة على نفى، وقد قطع غيره من الصحابة مثل عبد اللَّه بن عمر، وأبى رمثة البلوى، وعبد اللَّه بن زيد صاحب الأذان، على أنه خضب، والإثبات مقدم على النفي.
وهذا جواب الإمام أحمد بن حنبل- رحمه اللَّه- حين قيل له: إن أنسا يقول: [إنه] لم يخضب، قلت: والّذي عندي أنه صلى اللَّه عليه وسلم لم يبلغ من الشيب ما يقتضي الخضاب كما أجمعوا عليه، ومع ذلك فكان يغير أحيانا ما شاب من شعره، وأحيانا يتركه بحاله.
وبهذا أرجو- إن شاء اللَّه- أن يكون الصواب، واللَّه أعلم.(7/74)
فصل في ذكر ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يفعله في شعره
[قال ابن سعد: أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا مندل عن ابن جريج قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مشط من عاج يتمشط به] [ (1) ] .
[و] خرج ابن حبان من حديث وكيع، عن الربيع بن صبيح عن يزيد الرقاشيّ عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يكثر تسريح رأسه ولحيته بالماء [ (2) ] .
وللترمذي من حديث أبى العلاء الأودي، عن حميد بن عبد الرحمن، عن رجل من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم، أن النبي عليه السلام، كان يترجّل غبّا [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 484، ذكر مشط رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومكحلته ومرآته وقدحه، وفيه «مشط عاج» ، وما بين الحاصرتين في النسخة (خ) وليس في (ج) ، ولعله سقط من الناسخ.
[ (2) ] (أخلاق النبي) : 137، (الإحسان) : 12/ 295، كتاب الزينة والطيب، ذكر الزجر عن الترجل في كل يوم لمن به الشعر، حديث رقم (5484) ، وسيأتي في تخريجه في الكلام عن الحديث التالي.
[ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 53- 54، باب ما جاء في ترجل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حديث رقم 36، وهذا الحديث إسناده ضعيف تفرد به المصنف [الترمذي] ، ورجاله ثقات، غير يزيد بن أبى خالد، وهو ابن عبد الرحمن الدلانى، فهو صدوق يخطئ كثيرا، وقال الحافظ: وذكره الكرابيسي في (المدلسين) ، وأبو العلاء هو داود بن عبد اللَّه الأودي الزعافرى، وهو ثقة، وحميد بن عبد الرحمن هو الحميري البصري وهو ثقة ... وشيخ المصنف [الترمذي] صدوق، وحسّنه العراقي في (تخريج أحاديث الإحياء) ، ولعله يقصد لشواهده.
وقد أخرج الترمذي في (الشمائل) : 52- 53، حديث رقم (35) ، من حديث يحيى بن سعيد عن هشام بن حسان، عن الحسن البصري، عن عبد اللَّه بن مغفل قال: نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن الترجل إلا غبّا، وهو حديث صحيح، أخرجه الترمذي أيضا في (السنن) : 4/ 205، كتاب اللباس، باب (22) ما جاء في النهى عن الترجل إلا غبّا، حديث (1756) ، ثم قال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام عن الحسن، بهذا الإسناد نحوه. قال أبو عيسى: هذا حديث(7/75)
ومن حديث أبى الشعثاء، عن مسروق عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت:
كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليحبّ التيمّن في طهوره إذا تطهّر، وفي ترجّله إذا ترجل، وفي انتعاله إذا انتعل [ (1) ] .
__________
[ () ] حسن صحيح، قال: وفي الباب عن أنس، وأخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 392، كتاب الترجل، باب (1) بدون ترجمة، حديث رقم (4159) ، ثم قال ضمن الحديث رقم (4160) : إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان ينهانا عن كثرة الإرفاه، قال الخطابي في (معالم السنن) : 393: معنى الإرفاه: الاستكثار من الزينة، وأن لا يزال يهيئ نفسه، وأصله من الرفه، وهو أن ترد الإبل الماء كل يوم، فإذا وردت يوما ولم ترد يوما فذلك الغبّ ... ومنه أخذت الرفاهيّة، وهي الخفض والدعة، كره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الإفراط في التنعم والتدلك، والتدهن والترجيل، في نحو ذلك من أمر الناس، فأمر صلى اللَّه عليه وسلم بالقصد في ذلك، وليس معناه ترك الطهارة والتنظيف، فإن الطهارة والنظافة من الدين، وأخرجه النسائي في (السنن) :
8/ 507، كتاب الزينة، باب (6) الأخذ من الشعر، حديث رقم (5069) ولفظه: نهانا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم، وفي باب (7) الترجل غبا، حديث رقم (5070) عن الحسن عن عبد اللَّه بن مغفل، وحديث رقم (5071) عن قتادة عن الحسن، وفي باب (62) الترجّل، حديث رقم (5254) ، من حديث ابن علية عن الجريريّ، عن عبد اللَّه بن بريدة، أن رجلا من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقال له: عبيد قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان ينهى عن كثير من الإرفاه، قال: منه الترجل، [وهو من شواهد صحته] .
والحديث رجاله ثقات، رجال الشيخين، لكن الحسن البصري مدلس، وقد عنعنه، وللحديث شواهد يصح بها، فقد أخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 44، حديث رقم (16351) ، 5/ 84، حديث رقم (16564) ، وأبو نعيم في (حلية الأولياء) : 6/ 276، ترجمة هشام بن حسان رقم (375) ، وابن حبان في (الصحيح) : 12/ 295، كتاب الزينة، ذكر الزجر عن الترجل في كل يوم لمن به شعر، حديث رقم (5484) ، والعقيلي في (الضعفاء الكبير) : 4/ 137، في ترجمة محمد بن موسى الجريريّ، عن جويرية، رقم (1698) ، ثم قال: ولا يتابع عليه، وساق الحديث ثم قال في آخره: وقد روى هذا من غير هذا الوجه بإسناد أصلح من هذا، والحديث بشواهده صحيح، واللَّه تعالى أعلم.
[ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 52، باب (4) ما جاء في ترجل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (34) .، باب (11) ما جاء في نعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (86) ، وأخرجه البخاري في (الصحيح) : كتاب الوضوء، باب التيمن في الوضوء والغسل، حديث رقم (168) ، وفي كتاب الصلاة، باب دخول المسجد وغيره حديث رقم (426) ، وفي كتاب الأطعمة، باب التيمن في الأكل وغيره، حديث رقم (5380) ، وفي كتاب اللباس، باب يبدأ بالنعل اليمنى، حديث رقم (5854) ، وباب الترجل والتيمن فيه، حديث رقم (5926) .(7/76)
ومن حديث بقية عن عمرو بن خالد، عن قتادة عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل، وضع له سواكه، وطهوره، ومشطه، فإذا أهبّه اللَّه من الليل، استاك، وتوضأ، وأمتشط [ (1) ] .
وخرّج البخاري من حديث ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما، قال: [كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يجب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به] [ (2) ] [و] [ (2) ] كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم،
__________
[ () ] وأخرجه مسلم في (الصحيح) : كتاب الطهارة، باب التيمن في الطهور وغيره، حديث رقم (268) ، وأخرجه أبو داود في (السنن) : كتاب اللباس، باب في الانتعال، حديث رقم (4140) ، وأخرجه الترمذي في (السنن) : كتاب الصلاة، باب ما يستحب من التيمن في الطهور، حديث رقم (608) ، وأخرجه النسائي في (السنن) : كتاب الطهارة، باب بأي الرجلين يبدأ الغسل، حديث رقم (112) ، وكتاب الغسل والتيمم، باب التيمن في الطهور، حديث رقم (421) ، وكتاب الزينة، باب التيامن في الترجل، حديث رقم (5240) ، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : كتاب الطهارة وسننها، باب التيمن في الوضوء، حديث رقم (401) ، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 7/ 136، حديث رقم (24106) ، 7/ 188، حديث رقم (24469) ، 7/ 212، حديث رقم (24620) ، 7/ 269، حديث رقم (25018) ، 7/ 289، حديث رقم (25136) ، 7/ 300، حديث رقم (25235) .
[ (1) ] لم أجده بهذه السياقة، والثابت من حديث عائشة رضى اللَّه تعالى عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوضع له وضوؤه وسواكه، فإذا قام من الليل تخلى ثم استاك.
وفي رواية: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان لا يرقد من ليل أو نهار فيستيقظ إلا تسوّك قبل أن يتوضأ.
وفي رواية مسلم عن شريح بن هانئ قال: سألت عائشة: بأي شيء كان يبدأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك. (جامع الأصول) : 7/ 177، سنن الوضوء، حديث رقم (5175) .
وأخرج ابن سعد في (الطبقات) : أخبرنا عفان بن مسلم أو غيره، عن همام بن يحيى، عن على ابن زيد قال: حدثتنا أم محمد، عن عائشة رضى اللَّه عنها أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان لا يرقد ليلا ولا نهارا فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ.
[و] أخبر سعيد بن منصور، أخبرنا هشيم قال: أخبرنا أبو حرّة عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة رضى اللَّه عنها أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يوضع له السواك من الليل، وكان استأنف السواك فكان إذا قام من الليل استاك، ثم توضأ، ثم صلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ثماني ركعات ثم أوتر.
(طبقات ابن سعد) : 1/ 483، ذكر سواك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
[ (2) ] زيادة للسياق من (البخاري) .(7/77)
وكان المشركون يفرقون رءوسهم، فسدل رسول اللَّه ناصيته، ثم فرق بعد [ (1) ] .
وخرّجه مسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] ، وذكره البخاري في كتاب المناقب، في باب: صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، [و] في آخر كتاب الهجرة [ (4) ] ، في باب: إتيان اليهود النبي صلى اللَّه عليه وسلم حين قدم المدينة، ولفظه: عن ابن عباس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يسدل شعره، وكان المشركون يفرقون رءوسهم، وكان أهل الكتاب يسدلون رءوسهم، وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ثم فرق النبي صلى اللَّه عليه وسلم رأسه [ (5) ] .
وخرّج النسائي [ (6) ] بنحوه وقال فيه: ثم فرق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد ذلك..
__________
[ (1) ] الحديث سياقه مضطرب في (الأصلين) ، وصوبناه من (فتح الباري) : 10/ 442، كتاب اللباس، باب (70) الفرق، حديث رقم (5917) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 96- 97، كتاب الفضائل، باب (24) ، في سدل النبي صلى اللَّه عليه وسلم شعره وفرقه، حديث رقم (2336) ، ثم قال: وحدثني أبو الطاهر، أخبرنا ابن وهب، أخبرنى يونس، عن ابن شهاب بهذا الإسناد نحوه.
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 407- 408، كتاب الترجل، باب (10) ما جاء في الفرق، حديث رقم (4188) ، وحديث رقم (4189) ، عن عروة عن عائشة رضى اللَّه عنها، قالت: كنت إذا أردت أن أفرق رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صدعت الفرق من يافوخه وأرسل ناصيتيه بين عينيه.
[ (4) ] في بعض النسخ: «كتاب مناقب الأنصار» .
[ (5) ] (فتح الباري) : 7/ 2349، كتاب مناقب الأنصار، باب (52) ، إتيان اليهود النبي صلى اللَّه عليه وسلم حين قدم المدينة، حديث رقم (3944) ، وأخرجه البخاري أيضا في باب (22) صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم من كتاب المناقب، حديث رقم (3558) في (فتح الباري) : 6/ 701.
[ (6) ] (سنن النسائي) : 8/ 567- 568، كتاب الزينة باب (61) فرق الشعر، حديث رقم (5253) ، وأخرجه الترمذي في (الشمائل المحمدية) : 49- 50، حديث رقم (30) ، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1199، كتاب اللباس، باب (36) ، اتخاذ الجمة والذوائب، حديث رقم (3632) ، وابن سعد في (الطبقات) : 1/ 430، ذكر شعر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.(7/78)
وخرّج الإمام أحمد [ولفظه قال:] [ (1) ] سدل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ناصيته ما شاء اللَّه أن يسدلها، ثم فرق بعد [ (2) ] .
[قال الحافظ أبو نعيم: غريب من حديث مالك وزياد متصلا، تفرد به أحمد عن حماد، ورواه روح بن عبادة، عن مالك بن أنس، عن زياد عنه من دون أنس، والمشهور الثابت من حديث الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن ابن عباس] [ (3) ] .
وخرّج الترمذي من حديث البيع بن صبيح، عن يزيد بن أبان، عن أنس قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته [ (4) ] ، [ويكثر القناع
__________
[ (1) ] زيادة للسياق وتقويم النص لاختلاف الأصلين في هذه الفقرة.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 4/ 83، حديث رقم (12842) .
قال الحافظ ابن حجر: واختلفوا في معنى قوله: «يحب موافقة أهل الكتاب» ، فقيل للاستئناف، وقيل: المراد أنه كان مأمورا باتباع شرائعهم فيما لم يوح إليه بشيء، وما علم أنهم لم يبدلوه. واستدل به بعضهم على أن شرع من قبلنا شرع لنا حتى يرد في شرعنا ما يخالفه. وعكس بعضهم فاستدل به على أنه ليس بشرع لنا، لأنه لو كان كذلك لم يقل: «يحب» ، بل كان يتحتم الاتباع.
والحق أن لا دليل في هذا على المسألة، لأن القائل به يقصره على ما ورد في شرعنا أنه شرع لهم، لا ما يؤخذ عنهم هم، إذ لا وثوق بنقلهم، والّذي جزم به القرطبي أنه كان يوافقهم لمصلحة التأليف محتمل، ويحتمل أيضا- وهو أقرب- أن الحالة التي تدور بين الأمرين لا ثالث لهما، إذا لم ينزل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم شرع كان يعمل فيه بموافقة أهل الكتاب لأنهم أصحاب شرع بخلاف عبدة الأوثان فإنّهم ليسوا على شريعة، فلما أسلم المشركون، انحصرت المخالفة في أهل الكتاب فأمر بمخالفتهم.
وقد جمعت المسائل التي وردت الأحاديث فيها بمخالفة أهل الكتاب فزادت على الثلاثين حكما، وقد أودعتها كتابي الّذي سميته (القول الثبت في الصوم يوم السبت) [للحافظ ابن حجر] .
ويؤخذ من قول ابن عباس في الحديث: «كان يجب موافقة أهل الكتاب» ، وقوله: «ثم فرق» بعد نسخ حكم تلك الموافقة كما قررته وللَّه الحمد، ويؤخذ منه أنه شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ.
(فتح الباري) : 10/ 443- 444، كتاب اللباس، شرح حديث الباب.
[ (3) ] ما بين الحاصرتين من (خ) فقط وليس في (ج) ، ولعله سقط من الناسخ.
[ (4) ] (الشمائل المحمدية) : 51، باب ما جاء في ترجل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (33) .(7/79)
حتى كأن ثوبه ثوب زيات] [ (1) ] .
وللإمام أحمد [ (2) ] والدار قطنى [ (3) ] من حديث زكريا بن عدي، أخبرنا عبيد اللَّه بن عمرو عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، عن عروة عن عائشة، قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أراد أن يحرم غسل رأسه بخطمي [ (4) ] ، وأشنان [ (5) ] ، ودهنه بزيت غير كثير.
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (الشمائل) ، وأخرجه البيهقي في (شعب الإيمان) : 5/ 226، فصل في إكرام الشعر وتدهينه وإصلاحه، حديث رقم (6465) ، وابن سعد في (الطبقات) : 1/ 484، ذكر مشط رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومكحله ومرآته وقدحه، الشوكانى في (الفوائد المجموعة) ، باب الخضاب والطيب وقص الظفر والشارب وتسريح الشعر والختان، حديث رقم (14) ، وأخرجه العراقي في (تخريج أحاديث الإحياء) : 4/ 357، وقال: أخرجه الترمذي من حديث أنس بسند ضعيف، والزبيدي في (إتحاف السادة المتقين) : 11/ 694، كتاب الفقر والزهد، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 173، وفي معناه أخرج الذهبي في (ميزان الاعتدال) : 1/ 488، في ترجمة الحسن بن دينار- وقيل:
الحسن بن واصل رقم (1843) ولفظه، عن قتادة عن أنس قال: ما رأيت أحدا أدوم قناعا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حتى كأن ملحفته ملحفة زيات. ثم قال في آخره: هذا خبر منكر جدا، وبكر لا يعرف. -
يعنى بكر ابن السميدع- أحد رواته، وذكره الشيخ الألباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة) :
2/ 351، حديث رقم (720) ، ثم بين أن إسناده ضعيف، وأخرجه الترمذي أيضا في (الشمائل) :
114، باب (20) ما جاء في تقنع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (127) ، وهو في درجة الحديث السابق وبنفس تخريجه، واللَّه تعالى أعلم.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 115، حديث رقم (23969) ، حديث رقم (25460) ولفظه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أراد أن يحرم ادهن بأطيب دهن يجده، حتى أنى لأرى بصيص الدهن في شعره، ولقد كنت أفتل قلائد الهدى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثم يبعث به فما يعتزل منا امرأة.
[ (3) ] (سنن الدار قطنى) : 2/ 226، حديث رقم (41) .
[ (4) ] الخطميّ والخطميّ: ضرب من النبات يغسل به. وفي الصحاح: يغسل به الرأس، قال الأزهري: هو بفتح الخاء، ومن قال خطمىّ بكسر الخاء فقد لحن. وفي الحديث أنه صلى اللَّه عليه وسلم كان يغسل رأسه بالخطميّ وهو جنب يجتزئ بذلك ولا يصب عليه الماء أي أنه صلى اللَّه عليه وسلم كان يكتفى بالماء الّذي يغسل به الخطميّ، وينوى به غسل الجنابة، ولا يستعمل بعده ماء آخر يخصّ به الغسل. (لسان العرب) : 12/ 188.
[ (5) ] شنّ عليه الماء: صبّه مفرقا. (أساس البلاغة) : 340.(7/80)
ولابن حيّان من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم، يأخذ من طول لحيته وعرضها [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 87، كتاب الأدب، باب (17) ، ما جاء في الأخذ من اللحية، حديث رقم (2762) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: عمر بن هارون مقارب الحديث لا أعرف له حديثا ليس إسناده أصلا. أو قال: ينفرد به إلا هذا الحديث: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأخذ من لحيته من عرضها وطولها، لا نعرفه إلا من حديث عمر بن هارون، ورأيته حسن الرأى في عمر.
قال أبو عيسى: وسمعت قتيبة يقول: عمر بن هارون كان صاحب حديث، وكان يقول: الإيمان قول وعمل. قال: سمعت قتيبة. حدثنا وكيع بن الجراح عن رجل عن ثور بن يزيد أن النبي اللَّه نصب المنجنيق على أهل الطائف. قال قتيبة: قلت لوكيع: من هذا؟ قال: صاحبكم عمر بن هارون.
(المرجع السابق) : 87- 88، (كنز العمال) : 7/ 126، الزينة والتجمل، حديث رقم (18318) ، وعزاه إلى المرجع السابق.
وقد أخرج البخاري في (الصحيح) في كتاب اللباس، باب (64) تقليم الأظافر، حديث رقم (5892) : حدثنا محمد بن منهال، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا عمر بن محمد بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: خالفوا المشركين ووفروا اللحى وأحفوا الشوارب.
وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته، فما فضل أخذه.
وقد أخرج مالك في (الموطأ) ، عن نافع بلفظ: كان ابن عمر إذا حلق رأسه في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه. وفي حديث الباب مقدار المأخوذ.
قوله: «فضل» بفتح الفاء والضاد المعجمة، ويجوز كسر الضاد كعلم، والأشهر الفتح، قاله ابن التين. وقال الكرماني: لعل ابن عمر أراد الجمع بين الحلق والتقصير في النسك، فحلق رأسه كله وقصّر من لحيته، ليدخل في عموم قوله تعالى: مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح: 27] ، وخص ذلك من عموم قوله: «وفروا اللحى» فحمله على حالة غير حالة النسك.
قال الحافظ: الّذي يظهر أن ابن عمر كان لا يخص هذا التخصيص بالنسك، بل كان يحمل الأمر على بالإعفاء على غير الحالة التي تتشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه، فقد قال الطبري: ذهب قوم إلى ظاهر الحديث، فكرهوا تناول شيء من اللحية، من طولها ومن عرضها.
وقال قوم: إذا زاد عن القبضة يؤخذ الزائد، ثم ساق بسنده إلى ابن عمر أنه فعل ذلك، وإلى عمر أنه فعل ذلك برجل، ومن طريق أبى هريرة أنه فعله.
وأخرج أبو داود من حديث جابر بسند حسن قال: كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة. وقوله:
«نعفّى» بضم أوله وتشديد الفاء. أي نتركه وافرا، وهذا يؤيد ما نقل عن ابن عمر، فإن السّبال(7/81)
ومن حديث الحسن بن صالح عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضى
__________
[ () ] بكسر المهملة وتخفيف الموحدة، جمع سبلة، وهي ما طال ن شعر اللحية، فأشار جابر إلى أنهم يقصرون منها في النسك. ثم حكى الطبري اختلافا فيما يؤخذ من اللحية، هل له حد أم لا؟
فأسند عن جماعة الاقتصار على أخذ الّذي يزيد منها على قدر الكف، وعن الحسن البصري أنه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش، وعن عطاء نحوه، قال: وحمل هؤلاء النهى على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصّها وتخفيفها.
قال: وكره آخرون التعرض لها إلا في حج أو عمرة، وأسنده عن جماعة، واختار قول عطاء، وقال:
إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرّض نفسه لمن يسخر به، واستدل بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها.
وهذا أخرجه الترمذي، ونقل عن البخاري أنه قال في رواية عمر بن هارون: لا أعلم له حديثا منكرا إلا هذا، وقد ضعّف عمر بن هارون مطلقا جماعة.
وقال عياض: يكره حلق اللحية، وقصها، وتحذيفها، وأما الأخذ من طولها وعرضها إذا عظمت فحسن، بل تكره الشهرة في تعظيمها، كما يكره في تقصيرها، كذا قال.
وتعقبه النووي بأنها خلاف ظاهر الخبر في الأمر بتوفيرها، قال: والمختار تركها على حالها، وأن لا يتعرض لها بتقصير أو غيره، وكأن مراده بذلك في غير النسك، لأن الشافعيّ نصّ على استحبابه فيه، وذكر النووي عن الغزالي- وهو في ذلك تابع لأبى طالب المكيّ في (القوت) - قال: يكره في اللحية عشر خصال: خضبها بالسواد لغير الجهاد، وبغير السواد إيهاما للصلاح لا لقصد الاتباع، وتبييضها استعجالا للشيخوخة لقصد التعاظم على الأقران، ونتفها إبقاء للمرودة، وكذا تحذيفها ونتف الشيب.
ورجح النووي تحريمه لثبوت الزجر عنه، وتصفيفها طاقة طاقة تصنعا ومخيلة 7 وكذا ترجيلها والتعرض لها طولا وعرضا على ما فيه من اختلاف، وتركها شعثة إيهاما للزهد، والنظر إليها إعجابا.
وزاد النووي: وعقدها، لحديث رويفع رفعه: من عقد لحيته فإن محمدا منه برئ، الحديث أخرجه أبو داود، قال الخطابي: المراد عقدها في الحرب، وهو من زي الأعاجم، وقيل: المراد معالجة الشعر لينعقد، وذلك من فعل أهل التأنيث.
وأنكر ابن التين ظاهر ما نقل عن ابن عمر فقال: ليس المراد أنه كان يقتصر على قدر القبضة من لحيته، بل كان يمسك عليها فيزيل ما شذّ منها، فيمسك من أسفل ذقنه بأصابعه الأربعة ملتصقة، فيأخذ ما سفل عن ذلك ليتساوى طول لحيته.
قال أبو شامة: وقد حدث قوم يحلقون لحاهم، وهو أشد مما نقل عن المجوس أنهم كانوا يقصونها.
وقال النووي: يستثنى من الأمر بإعفاء اللحى ما لو نبت للمرأة لحية فإنه يستحب لها حلقها، وكذا لو نبت لها شارب أو عنفقة. (فتح الباري) : 10/ 429- 430.(7/82)
اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجز شاربه [ (1) ] .
ومن حديث إبراهيم بن قدامة عن أبى قدامة، عن أبى عبد اللَّه بن الأغر، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يقص شاربه، ويأخذ من أظفاره قبل أن يروح إلى الجمعة [ (2) ] .
وقال إبراهيم الحربي: حدثنا عاصم بن عليّ، وعبيد بن إسحاق قالا:
حدثنا كامل عن حبيب بن أبى ثابت، عن أم سلمة [رضى اللَّه عنها] قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا اطّلى، ولى عانته [ (3) ] .
وخرّجه عبد الباقي بن قانع، من حديث عاصم بن عليّ، حدثنا كامل بن العلاء، حدثنا حبيب بن أبى ثابت عن أم سلمة قالت:
__________
[ (1) ] (أخلاق النبي) : 259،
وأخرج البخاري في كتاب اللباس، باب (64) تقليم الأظافر، حديث رقم (5890) : حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه، سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقول: الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الآباط.
قوله: «وقص الشارب» ،
في رواية الإسماعيلي: «وأخذ الشارب» ،
وفي أخرى له: «وقص الشوارب» ،
قال: «وقال مرة الشارب» ، قال الجيانى: وقع في كلامهم أنه لعظم الشوارب وهو من الواحد الّذي فرق، وسمى كل جزء منه باسمه، فقالوا لكل جانب منه شاربا، ثم جمع شوارب، وحكى ابن سيده عن بعضهم: من قال الشاربان أخطأ، وإنما الشاربان ما طال من ناحية السبلة.
قال: وبعضهم يسمى السبلة كلها شاربا، ويؤيده أثر عمر الّذي أخرجه مالك، أنه «كان إذا غضب فتل شاربه» ، والّذي يمكن فتله من شعر الشارب السبال، وقد سماه شاربا. (فتح الباري) :
10/ 428.
[ (2) ] (أخلاق النبي) : 256، (مسند أحمد) : 1/ 495، حديث رقم (2733) ، ولفظه: حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبى، حدثنا يحيى بن أبى بكير، حدثنا حسن بن صالح، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقص شاربه، وكان أبوكم إبراهيم من قبله يقص شاربه، راجع التعليق السابق، (طبقات ابن سعد) : 1/ 449، ذكر أخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من شاربه، (كنز العمال) :
7/ 127، حديث رقم (18322) .
[ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 442، ذكر من قال: اطّلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالنورة، من ثلاث طرق أخر، (كنز العمال) : 7/ 126، حديث رقم (18315) ، عن ابن سعد عن إبراهيم وعن حبيب بن أبى ثابت مرسلا.(7/83)
كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا تنوّر اطلى مغابنه [ (1) ] بيده [ (2) ] .
وحدثنا عبد اللَّه بن عمر، حدثنا حماد بن زيد، عن أبى هاشم، عن حبيب بن أبى ثابت، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه كان ينور ما أقبل منه، وينور أهله سائر جسده [ (3) ] .
وحدثنا موسى، حدثنا أبان عن هشام عن أبى معشر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم نوّره بعض أهله، ونوّر هو عورته [ (3) ] .
وحدّثنا عن عبيد اللَّه، حدثنا عبد الواحد، حدثنا صالح بن صالح، [قال:] أخبرنا أبو معشر زياد بن كليب، [قال:] إن رجلا نوّر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فلما بلغ مراقّة [ (4) ] ، كفّ الرجل، ونوّر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نفسه..
__________
[ (1) ] المغابن: مفردها مغبن، وهو الإبط، وفي الحديث: كان صلى اللَّه عليه وسلم إذا اطّلى بدأ بمغابنه، وهي بواطن الأفخاذ عند الحوالب، جمع مغبن، من غبن الثوب إذا ثناه وعطفه، وهي معاطف الجلد أيضا.
وفي حديث عكرمة من مسّ مغابنه فليتوضّأ، أمره بذلك استظهارا واحتياطا، فإن الغالب على من يلمس ذلك الموضع أن تقع يده على ذكره، وقيل: المغابن الأرفاغ والآباط، واحدها مغبن. وقال ثعلب:
كل ما ثنيت عليه فخذك فهو مغبن (لسان العرب) : 13/ 310.
[ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 442- ذكر من قال: اطّلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالنورة، (السنن الكبرى للبيهقي) : 1/ 152 عن أم سلمة، ثم ذكره من طرق أخر، بسياقات مختلفة، منها: «كان يتنور ويلي عانته بيده» ، «كان إذا تنور ولى عانته بيده» ، «كان يدخل الحمام ويتنوّر» .
قال في (اللسان) : النورة: من الحجر الّذي يحرق ويسوّى منه الكلس ويحلق به شعر العانة. قال أبو العباس: انتور الرجل وانتار من النورة، قال ابن سيده: وقد انتار الرجل وتنوّر تطلّى بالنورة. (لسان العرب) : 5/ 344.
[ (3) ] راجع التعليق السابق، والتعليق التالي.
[ (4) ] مراقّ البطن: أسفله وما حوله، مما استرقّ منه، ولا واحد لها. (التهذيب) : والمراقّ ما سفل من البطن عند الصّفاق أسفل من السرة. وفي حديث عائشة رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ بيمينه فغسلها، ثم غسل مراقّه بشماله، ويفيض عليها بيمينه، فإذا أنقاها أهوى بيده إلى الحائط فدلّكها، ثم أفاض عليها الماء، أراد بمراقّه ما سفل من بطنه ومذاكيره، والمواضع التي ترق جلودها كنى عن جميعها بالمراق، وهو جمع المرق، قال الهروي: واحدها مرقّ، وقال الجوهري: لا واحد لها. وفي الحديث أنه صلى اللَّه عليه وسلم اطّلى حتى إذا بلغ المراقّ ولى هو ذلك بنفسه (لسان العرب) : 10/ 122.(7/84)
[و
لابن قانع من حديث إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا معن بن عيسى عمن حدثه عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: اطّلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فستر عورته بثوب، وطلا الرجل سائر جسده، فلما فرغ قال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: أخرج عنى، ثم طلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم عورته بيده] [ (1) ] .
ولابن حيان من حديث على بن الحسن بن شقيق، عن أبى حمزة، عن مسلم الملائى، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان لا ينور، فإذا كثر شعره حلقه [ (2) ] .
[ويحتمل قول أنس أن عادته صلى اللَّه عليه وسلم كانت الحلق، وأن ذلك كان الأكثر من أحواله] صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] .
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين سقط من النسخة (ج) . قال الحافظ البيهقي: روى أبو داود في (المراسيل) ، عن أبى كامل الجحدريّ، عن عبد الواحد، عن عبد الواحد، عن صالح بن صالح، عن أبى معشر، أن رجلا نوّر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فلما بلغ العانة كفّ الرجل ونوّر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نفسه (السنن الكبرى) : 1/ 152، باب ما جاء في التنور.
[ (2) ] قال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو نصر بن قتادة، حدثنا أبو على الرفّاء، حدثنا أبو العباس أحمد بن عبد اللَّه الطائي ببغداد، حدثنا أبو عمار الحسن بن حارث المروزي، حدثنا على بن الحسن بن شقيق، عن أبى حمزة السكرى، عن مسلم الملائى، عن أنس قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم لا يتنور، فإذا كثر شعره حلقه. ثم قال الحافظ البيهقي: مسلم الملائى ضعيف في الحديث، فإن كان حفظه فيحتمل أن يكون قتادة أخذ أيضا عن أنس، واللَّه تعالى أعلم. (المرجع السابق) .
وقد روى في ذلك عن ابن عمر أخبرناه يحى بن إبراهيم بن محمد بن يحى، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا بحر بن نصر، حدثنا ابن وهب، أخبرنى أسامة بن زيد الليثي عن نافع، أن عبد اللَّه بن عمر كان يطلى، فيأمرنى أطليه حتى إذا بلغ سفلته وليها هو.
وبهذا الإسناد قال: حدثنا ابن وهب قال: حدثني عن اللَّه بن عمر عن نافع، أن ابن عمر كان لا يدخل الحمام، وكان يتنور في البيت، ويلبس إزارا، ويأمرني أطلي ما ظهر منه، ثم يأمرني أن أؤخر عنه، فيلي فرجه. (المرجع السابق) .(7/85)
فصل في ذكر مرآة النبي صلى اللَّه عليه وسلم ومكحلته
ذكر العقيلي في كتاب الضعفاء، أن اسم مرآة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: المدله [ (1) ] ، وقال ابن درستويه مرآة ومراة على تخفيف الهمزة، والجمع مرايا.
[و]
قال الحارث بن مسلم عن الزهري، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال:
كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا نظر وجهه في المرآة قال: الحمد للَّه الّذي سوّى خلقي فعدّله، وكرّم صورة وجهي وحسّنها، وجعلني من المسلمين [ (2) ] .
وقال صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما، قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا نظر في المرآة قال: الحمد للَّه الّذي حسّن خلقي وخلقي، وزان منى ما شان من غيري [ (3) ] .
ولابن حيّان من حديث أبى هلال، عن هشام عن أبيه، عن عائشة رضى
__________
[ (1) ] (إتحاف السادة المتقين) : 8/ 261، وقال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع، وفيه آفات، منها: عبد الملك وهو العرزميّ، وقد تركه شعبة، ومنها: على بن عروة. قال يحى: ليس بشيء، وقال أبو حاتم الرازيّ: متروك الحديث، وقال ابن حبان: يضع الحديث، ومنها: عمر بن عبد الرحمن، وقد قدحوا فيه. (الموضوعات) : 1/ 293، باب أسماء مراكبه وسلاحه صلى اللَّه عليه وسلم. وقد قدحوا فيه. (الموضوعات) :
1/ 293، باب أسماء مراكبه وسلاحه صلى اللَّه عليه وسلم، وفي (الإتحاف) : «على بن عذرة الدمشقيّ» بدلا من «على بن عروة» .
[ (2) ] (مجمع الزوائد) : 10/ 138، 139، (أخلاق النبي) : 172، (الأذكار للنووي) : 270، (كنز العمال) : 6/ 693 باب النظر في المرآة، حديث رقم (17442) وعزاه إلى ابن السنى والديلميّ، 7/ 124، باب الزينة والتجمل، حديث رقم (18300) ، وعزاه إلى ابن السنى عن أنس.
[ (3) ] (كنز العمال) 7/ 124، باب الزينة والتجمل، حديث رقم (18301) وتمامه: وإذا اكتحل جعل في كل عين اثنتين وواحدة بينهما، وكان إذا لبس نعله بدأ باليمين، وإذا خلع خلع اليسرى، وكان إذا دخل المسجد أدخل رجله اليمنى، وكان يحب التيمن في كل شيء أخذا وإعطاء. وعزاه إلى أبى يعلى والطبراني عن ابن عباس.(7/86)
اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا نظر في المرآة قال: اللَّهمّ كما حسنت خلقي فحسّن خلقي [ (1) ] .
ومن حديث إبراهيم بن أبى عبلة قال: سمعت أبا الدرداء قال: سمعت عائشة رضى اللَّه عنها: كنت أزود رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مغزاه: دهنا، ومشطا، ومرآة، ومقصين، ومكحلة وسواكا [ (2) ] .
وقال حسين بن علوان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: سبع لم يكن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتركهن في سفر ولا حضر:
القارورة، والمشط، والمرآة، والمكحلة، والسواك، والمقصّ، والمدرى. قلت لهشام: المدرى ما باله؟ قال: حدثني أبى عن عائشة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان له وفرة إلى شحمة أذنه، وكان [صلى اللَّه عليه وسلم] يحركها بالمدرى [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (المقاصد الحسنة) : 1/ 189، وقال: رواه الإمام أحمد عن أبى مسعود، والمشهور على الألسنة:
اللَّهمّ حسّن خلقي كما حسنت خلقي، يقوله الناس عند النظر إلى المرآة، حديث رقم (566) ، (كنز العمال) : 3/ 12، حديث رقم (5197) ، وعزاه إلى الإمام أحمد عن ابن مسعود، (مسند الإمام أحمد) : 1/ 665، حديث رقم (3813) ، (طبقات ابن سعد) : 1/ 377، ذكر حسن خلقه وعشرته صلى اللَّه عليه وسلم، (أخلاق النبي) : 171.
[ (2) ] راجع التعليق التالي.
[ (3) ] (شعب الإيمان) : 5/ 233، باب في الملابس والأواني، فصل في دفن الشعر والظفر والدم، وحديث رقم (6490) : أخبرنا أبو محمد بن يوسف الأصبهاني، أنبأنا أبو بكر أحمد بن سعيد الإخميمي بمكة، حدثنا محمد بن عمرو بن خالد، حدثنا أبى، حدثنا محمد بن سلمة، عن ابن أرقم، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضى اللَّه عنه قالت: كان لا يفارق مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سواكه، ومشطه، وكان ينظر في المرآة أحيانا ويأمر به. قال الشيخ سليمان بن أرقم ضعيف.
وحديث رقم (6491) : أخبرنا أبو محمد جناح بن نذير بن جناح بالكوفة، حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن الهمدانيّ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن هاشم، حدثنا سليمان بن داود الشاذكوني، حدثنا أيوب بن واقد، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنه قالت:
خمس لم يفارقهن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حضر ولا سفر: المشط، والمكحلة، والمرآة، والسواك، والمدرى.(7/87)
__________
[ () ] وحديث رقم (6492) : أخبرنا أبو سعيد الماليني- أو أبو عبد اللَّه المازني- قال: قال أبو أحمد ابن عدي الحافظ: وهذا الحديث لم يحدث به عن هشام بن عروة إلا ضعيف.
وحديث رقم (6493) : أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا محمد بن إسحاق الصاغاني، حدثنا يعلى بن عبيد، حدثنا محمد بن عون، عن ابن سيرين قال: كان عمر يكثر النظر في المرآة، وتكون معه في الأسفار، قلت: ولم؟ قال: انظر، فما كان في وجهي من زين هو في وجه غيري شين أحمد اللَّه عليه. ومحمد بن عون هذا غير قوى.
وقال ابن عدي في (الكامل) : حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن ناجية، حدثنا محمود بن خداش قال: حدثنا يعقوب بن الوليد الأزدي، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها، قالت: سبع لم يفتن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سفر ولا حضر، القارورة، والمشط، والمكحلة، والمقراضان، والسواك، والمرآة. (الكامل في ضعفاء الرجال) : 7/ 147، ترجمة يعقوب بن الوليد بن أبى هلال الأزدي، رقم (4/ 2057) ، ضعفوه، وقال بعضهم: متروك قال عنه عبد اللَّه بن أحمد عن أبيه:
حرقنا حديثه منذ دهر، كان من الكذابين الكبار، وكان يضع الحديث، وقال الدوري عن ابن معين:
لم يكن بشيء، وقال في موضع آخر: ليس بثقة، وقال عمرو بن على: ضعيف الحديث جدا، وقال الجوزجاني: غير ثقة، ولا مأمون، وقال أبو زرعة: غير ثقة.
وقال النسائي: ليس بشيء متروك الحديث، وقال مرة: ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وقال الدار قطنى ضعيف، وقال ابن عدىّ: هو بيّن الأمر في الضعفاء. له ترجمة في (تهذيب التهذيب) :
11/ 349، ترجمة رقم (666) ، (ميزان الاعتدال) : 4/ 455، ترجمة رقم (9829) .
وقال ابن عدي في (الكامل) : حدثنا يوسف بن عاصم الرازيّ حدثنا سليمان الشاذكوني، حدثنا أيوب بن واقد- وكان من أهل الكوفة ونزل البصرة- عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة قالت: خمس لم يكن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يدعهن في سفر ولا حضر: المرآة والمكحلة، والمشط، والمدرى، والسواك، قال الشيخ: هذا الحديث لم يحدث به من هشام بن عروة إلا ضعيف. (الكامل في ضعفاء الرجال) : 1/ 356، ترجمة أيوب بن واقد رقم (185/ 185) ، قال عبد اللَّه بن أحمد، عن أبيه:
ضعيف الحديث، وقال الدوري وابن الجنيد عن ابن معين: ليس بثقة، وقال البخاري: حديثه ليس بالمعروف، منكر الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، وقال الترمذي بعد سياقه حديثه: من نزل على قوم فلا يصومنّ تطوعا إلا بإذنهم: هذا حديث منكر، لا نعرف أحدا من الثقات رواه عن هشام بن عروة، وليس له عند الترمذي غيره.(7/88)
__________
[ () ] قال الحافظ ابن حجر: وقال الدارقطنيّ متروك الحديث، وقال ابن حبان: يروى المناكير عن المشاهير، حتى يسبق إلى القلب، كأنه كان يتعمدها، لا يجوز الاحتجاج بخبره، ونقل ابن الجوزي عن أبى حاتم والنسائي: ضعيف. (تهذيب التهذيب) : 1/ 363، ترجمة رقم (673) .
قال الشوكانى: وكذا حديث: كان لا يفارقه المشط لا في سفر ولا في حضر، ضعيف كما قال السخاوي. (الفوائد المجموعة) : 198، باب الخضاب، والطيب، وقص الظافر، والشارب، وتسريح الشعر والختان، حديث رقم (15) .
قال ابن أبى حاتم: سألت أبى عن حديث رواه يعقوب بن الوليد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: سبع لمن يفتن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سفر ولا حضر: القارورة، والمرآة، والمكحلة، والمقراضان، والمدراة، والمشط، والسواك. قال أبى: هذا حديث موضوع، ويعقوب بن الوليد كان يكذب. (علل الحديث) : 2/ 304، حديث رقم (2423) .
قال ابن الجوزي في (العلل) 2/ 688، حديث في استصحاب آلات الزينة رقم (1145) ، من حديث حسين بن علوان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها، قالت: سبع لم يكن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتركهن في سفر ولا حضر ... وحديث رقم (1146) ، من حديث أيوب بن واقد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها، قالت: خمس لم يكن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يدعهن في سفر ولا حضر ... وحديث رقم (1147) ، من حديث يعقوب بن الوليد الأزدي قال:
حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها، قالت: سبع لم يفتن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سفر ولا حضر ...
قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، أما الطريق الأول: ففيه حسين بن علوان، قال أحمد ويحى: هو كذاب، وقال ابن عدي وابن حبان: كان يضع الحديث.
وأما الطريق الثاني: ففيه أيوب بن واقد، قال يحى: ليس بثقة، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج بروايته، وفيه سليمان الشاذكوني، قال يحى: كان كذابا ويضع الحديث. وقال البخاري:
هو عندي أضعف من كل ضعيف.
وأما الطريق الثالث: ففيه يعقوب بن الوليد، قال أحمد: كان من الكذابين الكبار، يضع الحديث. وقال يحى: لم يكن بشيء كذاب، وقال الرازيّ والنسائي: متروك الحديث. وقال ابن حبان:
يضع الحديث على الثقات (العلل المتناهية) : 2/ 688- 689، حديث في استصحاب آلات الزينة، رقم (1145)) ، (1146) ، (1147) .(7/89)
وللترمذي في (الشمائل) ، من حديث عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنه] ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: اكتحلوا بالإثمد [ (1) ] ، فإنه يجلو البصر [ (2) ] ، ويثبت الشعر،
وزعم أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كانت له مكحلة يكتحل منها كل ليلة: ثلاثة في هذه، وثلاثة في هذه [ (3) ] .
__________
[ (1) ] الإثمد: حجر يتخذ منه الكحل، وقيل: ضرب من الكحل.
[ (2) ] يجلو البصر: أي يكشف ويظهر، والمعنى: يقوى وينظف العين.
[ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 63، باب (7) ، ما جاء في كحل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (50) ،
وأخرجه الترمذي أيضا في (السنن) : 4/ 206، كتاب اللباس، باب (23) ما جاء في الاكتحال، حديث رقم (1757) ، قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن غريب لا نعرفه على هذا اللفظ إلا من حديث عباد بن منصور. حدثنا على بن حجر ومحمد بن يحى قالا: حدثنا يزيد بن هارون، عن عباد بن منصور نحوه، وقد روى من غير وجه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: عليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر، وفي كتاب الطب، باب (9) ما جاء في السّعوط وغيره، حديث رقم (2048) ،
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وهو حديث عباد بن منصور، والسّعوط: كل ما يوضع في الأنف من الدواء.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1156، كتاب الطب، باب (25) الكحل بالإثمد، حديث رقم (3495) ، (3496) ، وفي باب (26) من اكتحل وترا، حديث رقم (3498) ، (3499) .
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 583، حديث رقم (3308) ، وابن سعد في (الطبقات) : 1/ 484، ذكر مشط رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومكحلته ومرآته وقدحه، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 170، والحاكم في (المستدرك) : 4/ 452، حديث رقم (8248) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح، حديث رقم (8249) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وعباد لم يتكلم فيه بحجة، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : ولا هو بحجة.
وأخرجه الحافظ أبو نعيم في (حلية الأولياء) : 3/ 343 في ترجمة عكرمة مولى ابن عباس رقم (245) ، (كنز العمال) : 7/ 125، حديث رقم (18305) وعزاه للترمذي عن ابن عباس.
وأخرجه ابن عدي في (الكامل) : 2/ 32، في ترجمة بكر بن بكار القيسي أبو عمر البصري رقم (29/ 272) وقال: وهذا الحديث يرويه عن عباد بكر بن بكار، ويرويه أيضا الحسن بن عطية عن إسرائيل عن عباد بن منصور، 3/ 433- 434، في ترجمة سيف بن محمد ابن أخت سفيان الثوري رقم (188/ 850) ، وقال: قال الشيخ: وبهذا الإسناد حدثناه عبد اللَّه بن محمد بغير حديث، إلا أن هذا الحديث من بين الأحاديث التي حدثناه بها، هذا أنكرها.(7/90)
وله من رواية قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يكتحل قبل أن ينام بالإثمد [ثلاثا] [ (1) ] في كل عين. وقال يزيد بن هارون في حديثه- يعنى عن عباد- إن النبي [صلى اللَّه عليه وسلم] كانت له مكحلة يكتحل [منها] [ (1) ] عند النوم ثلاثا في كل عين [ (2) ] .
__________
[ () ] وعباد بن منصور الباجي- أو الناجي- أبو سلمة البصري القاضي، روى عن عكرمة، وعطاء وأبى رجاء العطاردي، والحسن بن أيوب وهشام بن عروة وغيرهم، وروى عنه إسرائيل وحماد بن سلمة، وريحان بن سعيد، وزياد بن الربيع، وابن أخته عرعرة بن البرند، ويحى القطان وابن وهب وروح بن عبادة والنضر بن شميل ويزيد بن هارون وغيرهم.
قال على بن المديني: قلت ليحيى بن سعيد: عباد بن منصور كان قد تغير؟ قال: لا أدرى، إلا أنا حين رأيناه نحن كان لا يحفظ، ولم أر يحيى يرضاه.
وقال أحمد بن محمد بن يحى بن سعيد: قال جدي: عباد ثقة لا ينبغي أن يترك حديثه لرأى أخطأ فيه، يعنى القدر.
وقال الدوري عن ابن معين: ليس بشيء، وكان يرمى بالقدر. وقال أبو زرعة لين، وقال أبو حاتم:
كان ضعيف الحديث يكتب حديثه.
وقال على بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد، قلت لعباد بن منصور: سمعت حديث ما مررت بملإ من الملائكة، وأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يكتحل ثلاثا، يعنى عن عكرمة، فقال: حدثهن ابن أبى يحى عن داود عن عكرمة.
وقال عباس الدوري عن يحى بن معين: حديثه ليس بالقوى، ولكنه يكتب، وقال الدار قطنى:
ليس بالقوى.
وقال ابن أبى شيبة عن أيوب وعكرمة: وكان ينسب إلى القدر، روى أحاديث مناكير، وقال ابن سعيد: هو ضعيف عندهم، وله أحاديث منكرة.
وقال الجوزجاني: كان يرمى برأيهم، وكان سيئ الحفظ، وتغيّر أخيرا. وقال رسته عن يحى بن سعيد: مات عباد وهو على بطن امرأته، وقال ابن قانع: مات سنة اثنتين وخمسين ومائة.
قال الحافظ ابن حجر: وفيها أرخه أبو موسى العنزي، وزكريا الساجي وابن حبان وقال: كان قدريا داعية إلى القدر، وكلما روى عن عكرمة سمعه من إبراهيم بن يحيى بن أبى يحى، عن داود بن الحصين عنه، فدلّسها عن عكرمة، (تهذيب التهذيب) : 5/ 90- 91، ترجمة رقم (172) .
[ (1) ] زيادة للسياق من (الشمائل) .
[ (2) ] راجع التعليق على الحديث السابق.(7/91)
فصل في محبة النبي صلى اللَّه عليه وسلم للطّيب وتطيّبه
خرّج الإمام أحمد من حديث [السلام] أبى المنذر، عن ثابت عن أنس، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: حبب إلى النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة [ (1) ] .
وخرّجه الحاكم من حديث سيّار بن حاتم، حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، إلا أنه قال: وجعل [ (2) ] قرة عيني، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرّجاه [ (3) ] .
وخرّجه النسائي ولفظه: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: حبّب إليّ من الدنيا [ (4) ] النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 3/ 581، حديث رقم (111884) ، (11885) ، 4/ 54- 55، حديث رقم (12644) ، 4/ 201، حديث رقم (13623) .
[ (2) ] كذا في (خ) ، (ج) ، وفي المستدرك: «وجعلت» .
[ (3) ] (المستدرك) : 2/ 174، حديث رقم (2676) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم.
[ (4) ]
قال العلامة ابن القيم: صحّ عنه صلى اللَّه عليه وسلم من حديث أنس رضى اللَّه عنه صلى اللَّه عليه وسلم قال: حبّب إليّ من دنياكم:
النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة.
هذا لفظ الحديث، ومن رواه: حبّب إليّ من دنياكم ثلاث، فقد وهم، ولم يقل صلى اللَّه عليه وسلم: ثلاث، والصلاة ليست من أمور الدنيا التي تضاف إليها، وكان النساء والطيب أحب شيء إليه صلى اللَّه عليه وسلم. (زاد المعاد) : 1/ 150، فصل في هديه صلى اللَّه عليه وسلم في النكاح ومعاشرته أهله، 4/ 250، فصل وأما الجماع والباه، 4/ 336، حرف الطاء من فصل في ذكر شيء من الأدوية والأغذية المفردة التي جاءت على لسانه صلى اللَّه عليه وسلم.
[ (5) ] (سنن النسائي) : 7/ 72، كتاب عشرة النساء، باب (1) حب النساء، حديث رقم (3949) ، (3950) .
قال الحافظ السيوطي: قال بعضهم: في هذا قولان:(7/92)
__________
[ () ] أحدهما: أنه زيادة في الابتلاء والتكليف، حتى يلهو بما حبب إليه من النساء عما كلف من أداء الرسالة، فيكون ذلك أكثر لمشاقه، وأعظم لأجره.
والثاني: لتكون خلواته مع ما يشاهدها من نسائه، فيزول عنه ما يرميه به المشركون من أنه ساحر أو شاعر، فيكون تحبيبهن إليه على وجه اللطف به، وعلى القول الأول على وجه الابتلاء، وعلى القولين فهو له فضيلة.
وقال التستري في (شرح الأربعين) : من في هذا الحديث بمعنى: في، لأن هذه من الدين لا من الدنيا، وإن كانت فيها، والإضافة في رواية دنياكم للإيذان بأن لا علاقة له بها.
وفي هذا الحديث إشارة إلى وفائه صلى اللَّه عليه وسلم، بأصلي الدين، وهما التعظيم لأمر اللَّه، والشفقة على خلق اللَّه، وهو كمالا قوّتيه النظرية والعملية، فإن كمال الأولى بمعرفة اللَّه والتعظيم دليل عليها، لأنه لا يتحقق بدونها، والصلاة لكونها مناجاة اللَّه تعالى، على ما
قال صلى اللَّه عليه وسلم: المصلى يناجي ربه،
نتيجة التعظيم على ما يلوح من أركانها ووظائفها.
وكمال الثانية في الشفقة وحسن المعاملة مع الخلق، وأولى الخلق بالشفقة بالنسبة إلى كل واحد من الناس نفسه وبدنه، كما
قال صلى اللَّه عليه وسلم: ابدأ بنفسك ثم بمن تعول،
والطيب أخصّ الذات بالنفس ومباشرة النساء ألذّ الأشياء بالنسبة إلى البدن، مع ما يتضمن من حفظ الصحة وبقاء النسل المستمر لنظام الوجود.
ثم إن معاملة النساء أصعب من معاملة الرجال، لأنهن أرق دينا وأضعف عقلا، وأضيق خلقا، كما
قال صلى اللَّه عليه وسلم: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداكن.
فهو عليه السلام أحسن معاملتهن بحيث عوتب بقوله تعالى: تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ، وكان صدور ذلك منه طبعا لا تكلفا، كما يفعل الرجل ما يحبه من الأفعال.
فإذا كانت معاملته صلى اللَّه عليه وسلم معهن هذا، فما ظنك بمعاملته مع الرجال، الذين هم أكمل عقلا، وأمثل دينا، وأحسن خلقا.
وقوله: وجعلت قرة عيني في الصلاة، إشارة إلى أن كمال القوة النظرية أهم عنده وأشرف في نفس الأمر، وأما تأخيره فللتدرج التعليمي من الأدنى إلى الأعلى، وقدم الطيب على النساء لتقدم حظ النفس على حظ البدن في الشرف.
وقال الحكيم الترمذي في (نوادر الأصول) : الأنبياء زيدوا في النكاح لفضل نبوتهم، وذلك أن النور إذا امتلأ من الصدر ففاض في العروق التذت النفس والعروق فأثار الشهوة وقوّاها.
وروى عن سعيد بن المسيب أن النبيين عليهم الصلاة والسلام يفضلون بالجماع على الناس.
وروى عن سعيد بن المسيب أن النبيين عليهم الصلاة والسلام يفضلون بالجماع على الناس.
وروى عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: أعطيت قوة أربعين رجلا في البطش والنكاح، وأعطى المؤمن قوّة(7/93)
__________
[ () ] عشرة، فهو صلى اللَّه عليه وسلم بالنّبوّة، والمؤمن بإيمانه، والكافر له شهوة الطبيعة فقط.
قال: وأما الطيب فإنه يزكى الفؤاد، وأصل الطيب إنما خرج من الجنة، تزوج آدم منها بورقة تستر بها، فتركت عليه.
وروى أحمد والترمذي، من حديث أبى أيوب قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أربع من سنن المرسلين:
التعطر، والحياء، والنكاح، والسواك.
وقال الشيخ تقى الدين السبكى: السّرّ في إباحة نكاح أكثر من أربع لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، أن اللَّه تعالى أراد نقل بواطن الشريعة وظواهرها، وما يستحيا من ذكره وما لا يستحيا منه، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أشدّ الناس حياء، فجعل اللَّه تعالى له نسوة ينقلن ما يرينه من أفعاله، ويسمعنه من أقواله، التي قد يستحى من الإفصاح بها بحضرة الرجال، ليكتمل نقل الشريعة، وكثر عدد النساء ليكثر الناقلون لهذا النوع، ومنهن عرف مسائل الغسل والحيض والعدة ونحوها.
قال: ولم يكن ذلك لشهوة منه في النكاح، ولا كان يحب الوطء للذه البشرية- معاذ اللَّه- وإنما حبب إليه النساء لنقلهن عنه ما يستحى هو من الإمعان في التلفظ به، فأحبهن لما فيه من الإعانة على نقل الشريعة في هذه الأبواب.
وأيضا فقد نقلن ما لم ينقله غيرهن مما رأينه في منامه وحالة خلوته من الآيات البينات على نبوته، ومن جده واجتهاده في العبادة، ومن أمور يشهد كل ذي لب أنها لا تكون إلا لنبي، وما كان يشاهدها غيرهن، فحصل بذلك خير عظيم.
وقال الموفق عبد اللطيف البغدادي: لما كانت الصلاة جامعة لفضائل الدنيا والآخرة، خصها بزيادة صفة، وقدم الطيب لإصلاحه النفس، وثنى بالنساء لإماطة أذى النفس بهن، وثلث بالصلاة لأنها تحصل حينئذ. صافية عن الشوائب، خالصة عن الشواغل. (شرح الحافظ السيوطي على سنن النسائي) : 7/ 72- 73، كتاب عشرة النساء، باب (1) حب النساء، حديث رقم (3949) .
وأخرجه ابن عدي في (الكامل) : 3/ 305) ، في ترجمة سلّام بن أبى الصهباء رقم (36/ 768) ، ضعّفه ابن حجر وقال الذهبي: الأولى أنه صدوق.
وأخرجه العقيلي في (الضعفاء الكبير) 2/ 60، ترجمة سلام بن سليمان أبو المنذر القاري رقم (666) ، قال أبو حاتم: صدوق، وقال ابن معين لا بأس به.
قال العلامة نور الدين على بن محمد بن سلطان المشهور بالملّا على القارئ في (الأسرار المرفوعة) : 176، حديث رقم (190) : حبب إليّ من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة، قال الزركشي: رواه النسائي والحاكم من حديث أنس بدون لفظ «ثلاث» .
وقال السخاوي: لم أقف على لفظ «ثلاث» إلا في موضعين من الإحياء وفي تفسير آل عمران(7/94)
وخرّجه قاسم بن أصبغ، ومحمد بن أيمن، ولأحمد من حديث إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن رجل حدثه عن عائشة [رضى اللَّه عنها] قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعجبه من الدنيا ثلاثة: الطعام، والنساء، والطيب، فأصاب ثنتين ولم يصب واحدة، أصاب النساء والطيب، ولم
__________
[ () ] من الكشاف، وما رأيتهما في شيء من طرق هذا الحديث، بعد مزيد التفتيش. أما صحته من جهة المبنى، فقد قال السيوطي في (تخريج أحاديث الشفاء) : لكن عند أحمد من حديث عائشة: كان يعجب نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الدنيا ثلاثة أشياء: النساء والطيب والطعام، فأصاب اثنتين، ولم يصب واحدة، أصاب النساء والطيب ولم يصيب الطعام. قال: إسناده صحيح. إلا أن فيه رجلا لم يسمّ.
قلت: فيصير إسناده حسنا، وأما صحته من جهة المعنى، فلوقوع قرة عينه في الدنيا جعل كأنه منها، ويؤيد ما جاء في رواية: «الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة» وهل المقصود بالصلاة: العبادة الموضوعة لسائر الأنام أو الصلاة عليه صلى اللَّه عليه وسلم؟ ثم قال محققه: بل يصير إسناده ضعيفا، كما تقتضي بذلك قواعد علم المصطلح. (الأسرار المرفوعة) : 176، حديث رقم (160) ، (المقاصد الحسنة) :
292- 293، حديث رقم (380) .
قال الحافظ ابن حجر: أخرجه النسائي من طريق سيار بن حاتم عن جعفر بن سليمان، ومن طريق سلام بن مسكين، كلاهما عن ثابت عن أنس، ومن طريق سيار. رواه أحمد في (الزهد) ، والحاكم في (المستدرك) ، ومن طريق سلام أخرجه أحمد وابن أبى شيبة، وابن سعد، والبزار، وأبو يعلى، وابن عدي في (الكامل) وأعله به، والعقيلي في (الضعفاء) كذلك.
وقال الدار قطنى في علله: رواه أبو المنذر سلام، وسلام بن أبى الصهباء، وجعفر بن سليمان، فرووه عن ثابت عن أنس، وخالفهم حماد بن زيد عن ثابت مرسلا.. وكذا رواه محمد بن ثابت البصري، والمرسل أشبه بالصواب.
وقد رواه عبد اللَّه بن أحمد في (زيادات الزهد) عن غير أبيه من طريق يوسف بن عطية، عن ثابت مرسلا، ويوسف ضعيف.
وله طريق أخرى معلولة عند الطبراني في الأوسط، عن محمد بن عبد اللَّه الحضرميّ، عن يحى ابن عثمان الحربي، عن الهقل بن زياد، عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس مثله.
قال الحافظ ابن حجر: ليس في شيء من طرقه لفظ: «ثلاث» بل أوله عند الجميع: «حبب إليّ من دنياكم النساء ... » وزيادة «ثلاث» تفسد المعنى (الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف) :
27، حديث رقم (229) ، (إحياء علوم الدين) 2/ 50، 2/ 65، 3/ 341، 4/ 454.(7/95)
يصب الطعام [ (1) ] .
وفي تحبيب النساء إليه صلى اللَّه عليه وسلم أقوال:
أحدها: أنه زيادة في الابتلاء والتكليف حتى لا يلهو بما حبب إليه من النساء عما كلف به من أداء الرسالة، ولا يعجز عن تحمل أثقال النبوة، فيكون ذلك أكثر لمشاقه، وأعظم لأجره.
الثاني: ليكون مع من يشاهدها من نسائه، فيزول عنه ما يرميه المشركون من أنه ساحر أو شاعر، فيكون تحببهن إليه لطفا به.
الثالث: الحث لأمته على ما فيه كثرة النسل الّذي به المباهاة يوم القيامة.
الرابع: التشرف به في قبائل العرب [فقد نكح في سائر شرف قبائل العرب] [ (2) ] إلا في تميم وثعلب.
الخامس: لتكون العشائر من جهة نسائه، فيقوى أعوانه على أعدائه.
وللبخاريّ من حديث عزرة بن ثابت الأنصاري [قال] [ (3) ] : حدثني ثمامة بن عبد اللَّه، عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، أنه كان لا يردّ الطيب، وزعم أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان لا يردّ الطيب. ذكره في [كتاب] اللباس، [وترجم عليه] باب: من لم يردّ الطيب [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 107، حديث رقم (23919) ، قال العلامة العجلونى: إسناده صحيح، إلا أن فيه رجلا لم يسمّ (كشف الخفا) : 1/ 339، تعليقا على الحديث رقم (1089) ، وراجع التعليق السابق.
[ (2) ] ما بين الحاصرتين في (خ) وليس في (ج) .
[ (3) ] زيادة للسياق من البخاري.
[ (4) ] (فتح الباري) : 10/ 453، كتاب اللباس، باب (80) من لم يرد الطيب، حديث رقم (5929) ، وأخرجه البزار من وجه آخر عن أنس بلفظ: ما عرض على النبي صلى اللَّه عليه وسلم طبب قط فرده، وسنده حسن.
وللإسماعيلى من طريق وكيع عن عزرة بسند حديث الباب نحوه، وزاد: وقال: إذا عرض على أحد(7/96)
وذكره في كتاب الهبة [في باب ما لا يرد من الهدية] ولفظه: حدثني ثمامة بن عبد اللَّه قال: دخلت عليه فناولني طيبا، قال: كان أنس [رضى اللَّه عنه] لا يردّ الطيب، قال: وزعم أنس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان لا يردّ الطيب [ (1) ] .
__________
[ () ] الطيب فلا يرده. وهذه الزيادة لم يصرح برفعها.
وقد أخرج أبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان من رواية الأعرج، عن أبى هريرة رفعه: من عرض عليه طيب فلا يرده، فإنه طيّب الريح حفيف المحمل.
وأخرج مسلم من هذا الوجه، لكن وقع عنده: ريحان بدل طيب. والريحان كل بقلة لها رائحة طيبة. قال المنذري: ويحتمل أن يراد بالريحان جميع أنواع الطيب، يعنى مشتقا من الرائحة.
قال الحافظ: مخرج الحديث واحد، والذين رووه بلفظ الطيب أكثر عددا وأحفظ فروايتهم أولى، وكأن من رواه بلفظ ريحان أراد التعميم حتى لا يخص بالطيب المصنوع، لكن اللفظ غير واف بالمقصود.
وللحديث شاهد عن ابن عباس أخرجه الطبراني بلفظ: من عرض عليه الطيب فليصب منه، نعم أخرج الترمذي من مرسل أبى عثمان النهدي: إذا أعطى أحدكم الريحان فلا يرده فإنه خرج من الجنة.
قال ابن العربيّ: إنما كان لا يرد الطيب لمحبته فيه، ولحاجته إليه أكثر من غيره، لأنه صلى اللَّه عليه وسلم يناجي من لا نناجى، وأما نهيه صلى اللَّه عليه وسلم عن رد الطيب فهو محمول على ما يجوز أخذه لا على ما لا يجوز أخذه، لأنه مرود بأصل الشرع. (فتح الباري) : 10/ 453- 454.
[ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 261، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (9) ما لا يردّ من الهدية، حديث رقم (2582) ، قوله: «باب ما لا يرد من الهدية» ، كأنه أشار إلى ما رواه الترمذي من حديث ابن عمر مرفوعا: ثلاث لا ترد: الوسائد، والدهن، واللبن، قال الترمذي: يعنى بالدهن: الطيب، وإسناده حسن، إلا أنه ليس على شرط البخاري، فأشار إليه، واكتفى بحديث: أنه صلى اللَّه عليه وسلم كان لا يرد الطيب.
قال ابن بطال: إنما كان صلى اللَّه عليه وسلم لا يرد الطيب من أجل أنه ملازم لمناجاته الملائكة، ولذلك كان لا يأكل الثوم ونحوه.
قال الحافظ: لو كان هذا هو السبب في ذلك لكان من خصائصه، وليس كذلك، فإن أنسا اقتدى به في ذلك. وقد ورد النهى عن رده مقرونا ببيان الحكمة في ذلك، في حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي وأبو عوانة من طريق عبيد اللَّه بن أبى جعفر عن الأعرج، عن أبى هريرة مرفوعا: من عرض عليه طيب فلا يردّه، فإنه خفيف الحمل طيب الرائحة.(7/97)
وله من حديث عروة والقاسم [يخبران] [ (1) ] ، عن عائشة رضى اللَّه عنها، [قالت: طيبت رسول بيدي بذريرة في حجة الوداع للحل والإحرام.] .
ذكره في [كتاب] اللباس، وترجم عليه باب: الذريرة [ (2) ] . وخرجه مسلم في الحج [ (3) ] ، وأخرجا [ (4) ] من حديث شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن
__________
[ () ] وأخرجه مسلم من هذا الوجه، لكن قال: «ريحان» بدل «طيب» ، ورواية الجماعة أثبت، فإن أحمد وسبعة أنفس معه رووه عن عبد اللَّه بن يزيد المقبري، عن سعيد بن أبى أيوب بلفظ «الطيب» ، ووافقه ابن وهب عن سعيد عند ابن حبان، والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد، وقد قال الترمذي عقب حديث أنس وابن عمر: وفي الباب عن أبى هريرة، فأشار إلى هذا الحديث. قوله: «وزعم» ، أي قال، والزعم يطلق على القول كثيرا. (فتح الباري) : 5/ 261- 262.
[ (1) ] زيادة للسياق من البخاري.
[ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 454، كتاب اللباس، باب (81) ، الذّريرة، حديث رقم (5930) .
والذّريرة، بمعجمة وراءين بوزن عظيمة: هي نوع من الطيب مركب، قال الداوديّ: تجمع مفرداته ثم تسحق وتنخل، ثم تذّر في الشعر والطوق، فلذلك سميت ذريرة، كذا قال، وعلى هذا فكل طيب مركب ذريرة، لكن الذريرة نوع من الطيب مخصوص، يعرفه أهل الحجاز وغيرهم، وجزم غير واحد- منهم النووي- بأنه فتات قصب طيب يجاء به من الهند.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 8/ 349، كتاب الحج، باب (7) الطيب للمحرم عند الإحرام، حديث رقم (35) ، وفيه دلالة على استحباب الطيب عند إرادة الإحرام، وأنه لا بأس باستدامته بعد الإحرام وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام، وهذا مذهبنا، وبه قال خلائق من الصحابة التابعين، وجماهير المحدثين والفقهاء، ومنهم: سعد بن أبى وقاص، وابن عباس، وابن الزبير، ومعاوية، وعائشة، وأم حبيبة، وأبو حنيفة، والثوري، وأبو يوسف، وأحمد، وداود، وغيرهم.
وقال آخرون بمنعه، منهم الزهري، ومالك، ومحمد بن الحسن، وحكى أيضا عن جماعة من الصحابة والتابعين. قال القاضي: وتأوّل هؤلاء حديث عائشة هذا على أنه صلى اللَّه عليه وسلم تطيب ثم اغتسل بعده، فذهب الطيب قبل الإحرام.
ويؤيد هذا قولها في الرواية الأخرى: طيّبت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند إحرامه ثم طاف على نسائه، ثم أصبح محرما، فظاهره أنه تطيب لمباشرة نسائه، ثم زال بالغسل بعده، لا سيما وقد نقل أنه كان يتطهر من كل واحدة قبل الأخرى، ولا يبقى مع ذلك، ويكون قولها: ثم أصبح ينضخ طيبا أي قبل غسله.
وقد سبق في رواية لمسلم [وللبخاريّ أيضا] أن ذلك الطيب كان ذريرة، وهي مما يذهبه الغسل.
(مسلم بشرح النووي) : 8/ 348- 349.
[ (4) ] (فتح الباري) : 3/ 505، كتاب الحج، باب (18) الطيب عند الإحرام، وما يلبس إذا أراد أن(7/98)
الأسود، عن عائشة [رضى اللَّه عنها قالت] : كأنى انظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو محرم.
ومن حديث منصور عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كنت أطيب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل أن يحرم ويوم النحر
__________
[ () ] يحرم، ويترجل ويدّهن، حديث رقم (1537) ، (1538) ، قوله: «كأنى انظر» ، أرادت بذلك قوة تحققها لذلك، بحيث أنها لشدة استحضارها له كأنها ناظرة إليه.
قوله: «في مفارق» ، جمع مفرق، وهو المكان الّذي يفترق فيه الشعر في وسط الرأس، قيل: ذكرته بصيغة الجمع تعميما لجوانب الرأس التي يفرق فيها الشعر.
وأخرجه مسلم في كتاب الحج، باب (7) الطيب للمحرم عند الإحرام، حديث رقم (40) :
«لكأنّي انظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يهل» ، وحديث رقم (41) : «كأنى انظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يلبى، وحديث رقم (42) : «كأنما انظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو محرم، وحديث رقم (43) : إن كنت لأنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو محرم، حديث رقم (45) : «كأنى انظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو محرم، قال الإمام النووي: وقولها: «كأنى انظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو محرم» ، المراد به أثره لا جرمه، هذا كلام القاضي، ولا يوافق عليه، بل الصواب ما قاله الجمهور: أن الطيب مستحب للإحرام، لقولها: طيبته لحرمة، وهذا ظاهر في أن الطيب للإحرام لا للنساء، ويعضده قولها: كأنى انظر إلى وبيص الطيب، والتأويل الّذي قاله القاضي غير مقبول لمخالفته الظاهر بلا دليل يحملنا عليه.
وأما قولها: «ولحله قبل أن يطوف» ، فالمراد به طواف الإفاضة، ففيه دلالة لاستباحة الطيب بعد رمى حجرة العقبة والحلق، وقبل الطواف، وهذا مذهب الشافعيّ والحلماء كافة، إلا مالكا كرهه قبل طواف الإفاضة، وهو محجوج بهذا الحديث.
وقولها: «لحله» ، دليل على أنه حصل له تحلل، وفي الحج تحللان يحصلان بثلاثة أشياء: رمى جمرة العقبة، والحلق، وطواف الإفاضة مع سعيه إن لم يكن سعى عقب طواف القدوم، فإذا فعل الثلاثة حصل التحللان، وإذا فعل اثنين منهما حصل التحلل الأول، أيّ اثنين كانا، ويحل بالتحلل الأول جميع المحرمات إلا الاستمتاع بالنساء، فإنه لا يحل إلا بالثاني، وقيل: يباح منهن غير الجماع بالتحلل الأول، وهو قول بعض أصحابنا، وللشافعي قول أنه لا يحل بالأول إلا اللبس، والحلق، وقلم الأظفار، والصواب ما سبق، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 8/ 349- 351.(7/99)
قبل أن يطوف بالبيت [ (1) ] ، بطيب فيه مسك. وتفرد مسلم بقوله: بطيب فيه مسك [ (2) ] .
وقطنى من حديث موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر عن عائشة [رضى اللَّه عنها] أنها قالت: كنت أطيب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالغالية الجيدة عند إحرامه [ (3) ] .
ولأحمد من حديث سليمان بن كثير، حدثنا عبد الحميد عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كانت تعجبه الغانمية. قال الأصمعي:
الغانمية: نور الحناء [ (4) ] .
وللنسائى من حديث عبد اللَّه بن عطاء الهاشميّ، عن محمد بن عليّ الهاشمي قال: سألت عائشة رضى اللَّه عنها أكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتطيب؟
قالت: نعم، بذكارة الطيب [من] [ (5) ] المسك والعنبر [ (6) ] .
وخرجه ابن حبّان، ولفظه: أكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتعطّر؟ قالت: نعم كان يتعطّر بذكارة العطر المسك والعنبر [ (7) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 505، كتاب الحج، باب (18) الطيب عند الإحرام، وما يلبس إذا أراد أن يحرم، ويترجل ويدّهن، حديث رقم (1535) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 8/ 352- 353، كتاب الحج، باب (7) الطيب للمحرم عند الإحرام، حديث رقم (1191) .
[ (3) ] (سنن الدار قطنى) : 2/ 232، حديث رقم (69) .
[ (4) ] (مسند أحمد) : 3/ 623، حديث رقم (12137) .
[ (5) ] زيادة في الأصلين: (خ) ، (ج) .
[ (6) ] (سنن النسائي) : 8/ 529، كتاب الزينة، باب (31) العنبر قال الحافظ السيوطي: «بذكارة الطيب» ، قال في النهاية: الذّكارة بكسر الذال المعجمة وراء، ما يصلح للرجل كالمسك والعنبر والعود والكافور، وهي جمع ذكر، وهو ما لا لون له بنفض، والمؤنث طيب النساء كالخلوق والزعفران، وهذا الحديث انفرد به النسائي.
[ (7) ] راجع التعليق السابق.(7/100)
ولمسلم [ (1) ] والنسائي [ (2) ] من [حديث] [ (3) ] ابن وهب [قال] [ (3) ] : أخبرنى مخرمة عن أبيه عن نافع قال: كان ابن عمر [رضى اللَّه عنهما [ (3) ]] إذا استجمر بالألوّة غير مطراة، وبكافور يطرحه مع الألوّة ثم قال: هكذا كان يستجمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. لفظهما فيه سواء، ذكره مسلم في آخر كتاب الطب [ (4) ] ، وذكره النسائي في كتاب الزينة، وترجم عليه البخور.
ولابن حيّان من حديث الوليد بن أبى رهم، عن يوسف بن أبى بردة، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان أحب الطيب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العود [ (5) ] .
وللترمذي من حديث موسى عن أنس عن أبيه قال: كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سكة يتطيب منها [ (6) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 13، كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، باب (5) استعمال المسك، وأنه طيب، وكراهة رد الريحان والطيب، حديث رقم (2254) .
[ (2) ] (سنن النسائي) : 8/ 534- 535، كتاب الزينة، باب (38) البخور، حديث رقم (5150) .
قال الإمام النووي: الاستجمار هنا استعمال الطيب والتبخر به، مأخوذ من المجمر، وهو البخور، وأما الألوة، فقال الأصمعي وأبو عبيد وسائر أهل اللغة والغريب: هي العود يتبخر به. قال الأصمعي:
أراها فارسية معربة، وهي بضم اللام وفتح الهمزة، وضمها، لغتان مشهورتان. وحكى الأزهري كسر اللام ...
ففي هذا الحديث استحباب الطيب للرجال، كما هو مستحب للنساء، لكن يستحب للرجال من الطيب ما ظهر ريحه وخفي لونه، وأما المرأة فإذا أرادت الخروج إلى المسجد أو غيره كره لها كل طيب له ريح، ويتأكد استحبابه للرجال يوم الجمعة، والعيد عند حضور مجامع المسلمين، ومجالس الذكر والعلم، وعند إرادته معاشرة زوجته، ونحو ذلك، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) :
8/ 13.
[ (3) ] زيادة للسياق.
[ (4) ] كذا في الأصلين (خ) ، (ج) ، والصواب ما أثبتناه وهو: كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها.
[ (5) ] (أخلاق النبي) : 99، (طبقات ابن سعد) : 1/ 400.
[ (6) ] (الشمائل المحمدية) : 178، باب (33) ، ما جاء في تعطر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (217)(7/101)
ولابن حيّان من حديث سعيد عن قتادة عن أنس [رضى اللَّه عنه قال] :
كنا نعرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أقبل بطيب ريحه [ (1) ] .
ولمسلم من حديث سماك عن جابر بن سمرة قال: صليت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صلاة الأولى، ثم خرج إلى أهله وخرجت معه، فاستقبله ولدان، فجعل يمسح خدّى أحدهم واحدا واحدا، قال: وأما أنا فمسح خدّى، قال: فوجدت ليده بردا أو ريحا، كأنما أخرجها من جؤنة عطار [ (2) ] .
__________
[ () ] (سنن أبى داود) : 4/ 394، كتاب الترجل، باب (2) ما جاء في استحباب الطيب، حديث رقم (4162) ، (طبقات ابن سعد) : 1/ 399، وفيه: «سك يتطبب منه» ، (أخلاق النبي) : 98 من طريق إبراهيم بن طهمان عن حسين عن موسى بن أنس عن أبيه.
وهذا الحديث صحيح الإسناد، ورجاله ثقات، والسكة بضم السين وتشديد الكاف، نوع من الطيب عزيز، وقيل: الظاهر أنه وعاء فيه طيب مجتمع من أخلاق شتى. (معالم السنن) : 4/ 394.
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 399، (الكامل لابن عدي) : 5/ 120، من حديث على بن الحسن بن يعمر قال: حدثنا سفيان الثوري عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللَّه، قال: كنا نعرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دخوله مع طلوع الفجر إلى المسجد بريح الطيب. وعلى بن الحسن بن يعمر ضعفه الدار قطنى وغيره، له ترجمة في: (لسان الميزان) : 4/ 282، (المغنى في الضعفاء) : 2/ 444، (ميزان الاعتدال) : 3/ 119.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 92، كتاب الفضائل، باب (21) ، طيب رائحة النبي صلى اللَّه عليه وسلم ولين مسه، والتبرك بمسحه، حديث رقم (2329) ، قوله: «الصلاة الأولى» ، يعنى الظهر، والولدان، الصبيان، واحدهم وليد، وفي مسحه صلى اللَّه عليه وسلم الصبيان بيان حسن خلقه ورحمته للأطفال وملاطفتهم، وفي هذه الأحاديث بيان طيب ريحه صلى اللَّه عليه وسلم، وهو مما أكرمه اللَّه تعالى.
قال العلماء: كانت هذه الريح الطيبة صفته صلى اللَّه عليه وسلم وإن لم يمس طيبا، ومع هذا فكان يستعمل الطيب في كثير من الأوقات، مبالغة في طيب ريحه، لملاقاة الملائكة، وأخذ الوحي الكريم، ومجالسة المسلمين.
قوله: «كأنما أخرجت من جؤنة عطار» ، هي بضم الجيم وهمزة بعدها، ويجوز ترك الهمزة بقلبها واوا كما في نظائرها، وقد ذكرها كثيرون، أو الأكثرون في الواو. وقال القاضي: هي مهموزة، وقد يترك همزها. وقال الجوهري: هي بالواو، وقد تهمز، وهي السقط الّذي فيه متاع العطار، هكذا فسّره الجمهور، وقال صاحب (العين) : هي سليلة مستديرة مغشاه (مسلم بشرح النووي) : 15/ 92- 93، وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 1/ 256، باب طيب رائحة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.(7/102)
وذكر البخاري في باب صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم من حديث حماد بن زيد، عن ثابت عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: ما مسست حريرا أو ديباجا ألين من كف النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولا شممت ريحا قط، أو عرفا قط أطيب من ريح أو عرف النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] .
وخرجه مسلم ولفظه: ما شممت عنبرا قط، ولا مسكا، ولا شيئا أطيب من ريح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولا مسست شيئا قط، ديباجا ولا حريرا، ألين مسا
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 702، كتاب المناقب، باب (23) صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (3561) ، قوله: «ما مسست» بمهملتين، الأولى مكسورة، ويجوز فتحها، والثانية ساكنة، وكذا القول في ميم شممت.
قوله: «ولا ديباجا» ، هو من عطف الخاص على العام، لأن الديباج نوع من الحرير، وهو بكسر المهملة وحكى فتحها، وقال أبو عبيدة: الفتح مولّد ليس بعربي.
قوله: «ألين من كف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم» ، قيل: هذا يخالف ما وقع في حديث أنس من كتاب اللباس: أنه صلى اللَّه عليه وسلم كان ضخم اليدين، وفي رواية له: والقدمين، وفي رواية له: شثن القدمين والكفين، وفي حديث هند بن أبى هاله، الّذي أخرجه الترمذي في صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فإن فيه أنه صلى اللَّه عليه وسلم: كان شثن الكفين والقدمين، أي غليظهما في خشونة، وهكذا وصفه عليّ من عدة طرق عنه عند الترمذي، والحاكم، وابن أبى خيثمة وغيرهم، وكذا في صفة عائشة له عند ابن أبى خيثمة.
والجمع بينهما: أن المراد اللين في الجلد، والغلظ في العظام، فتجتمع له نعومة البدن وقوته، أو حيث وصف باللين واللطافة، حيث لا يعمل بهما شيئا، كان بالنسبة إلى أصل الخلقة.
وحيث وصف بالغلظ والخشونة فهو بالنسبة إلى امتهانهما بالعمل، فإنه يتعاطى كثيرا من أموره بنفسه صلى اللَّه عليه وسلم، وفي حديث معاذ عند الطبراني والبزار: أردفنى النبي صلى اللَّه عليه وسلم خلفه في شعر، فما مسست شيئا قط ألين من جلده صلى اللَّه عليه وسلم.
قوله: «أو عرفا» بفتح المهملة وسكون الراء بعدها فاء، وهو شكّ من الراويّ، ويدل عليه قوله بعده: أطيب من ريح أو عرف. والعرف: الريح الطيب، ووقع عند البيهقي: ولا شممت مسكا ولا عنبرا ولا عبيرا. ذكرهما جميعا. (فتح الباري) : 6/ 714- 715 مختصرا.
وأخرجه الإمام أحمد بنحوه في (المسند) : 3/ 546، حديث رقم (11637) ، 4/ 57، حديث رقم (12661) .
وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 1/ 254- 255، باب طيب رائحة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وبرودة يده ولينها في يد من مسها، وصفة عرقه صلى اللَّه عليه وسلم.(7/103)
من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] .
وفي لفظ له: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفّأ، ولا مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كف النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولا شممت مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] .
ولقاسم بن أصبغ من حديث شعبة عن زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك قال: وضع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عليّ يده، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب من المسك [ (3) ] .
[وقال أبو يعلى: حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع، حدثني محمد بن عبد اللَّه بن عمر الأنصاري من بنى بياضة، حدثني أيوب بن عبد اللَّه، عن إبراهيم بن إسماعيل، حدثنا مجمع عن مولى لسلمة بن الأكوع، عن سلمة قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأخذ المسك فيمسح به رأسه ولحيته] [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 93، كتاب الفضائل، باب (21) طيب رائحة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولين مسه، والتبرك بمسحه، حديث رقم (2330) .
[ (2) ] المرجع السابق، حديث رقم (82) ، وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 1/ 255.
[ (3) ] قال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد اللَّه الحرفى، ببغداد، قال: حدثنا أحمد ابن سليمان الفقيه، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق، قال: حدثنا عمرو بن مرزوق، قال: حدثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء قال: سمعت جابر بن يزيد بن الأسود، عن أبيه قال: أتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو بمنى، فقلت له: يا رسول اللَّه، ناولني يدك، فناولنيها، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب ريحا من المسك. (دلائل البيهقي) : 1/ 256- 257.
[ (4) ] ما بين الحاصرتين سقط من الناسخ في (ج) ، والحديث ذكره المتقى الهندي البرهان فوري في (كنز العمال) : 7/ 123، حديث رقم (18292) ، وعزاه لأبى يعلى عن سلمة بن الأكوع.(7/104)
ذكر اطّلاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالنورة إن صح
قال ابن سعد: أخبرنا عارم بن الفضل، وموسى بن داود قالا: أخبرنا حماد بن زيد، أخبرنا أبو هاشم عن حبيب بن أبى ثابت، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تنوّر] [ (1) ] .
أخبرنا الفضل بن دكين، وموسى بن داود قالا: حدثنا شريك عن ليث أبى المشرفي، قال الفضل عن إبراهيم، وقال موسى عن أبى معشر، عن إبراهيم قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا طلى بالنورة ولى عانته وفرجه بيده] [ (2) ] .
[أخبرنا محمد بن عبد اللَّه الأسدي، أخبرنا سفيان، أخبرنا منصور عن حبيب، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا اطّلى ولى عانته بيده] [ (2) ] .
[أخبرنا قبيصة بن عقبة، حدثنا سفيان عن صالح عن أبى معشر،
__________
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 442، ذكر من قال: اطّلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالنورة، (كنز العمال) : 7/ 126، حديث رقم (18314) : كان إذا اطّلى بدأ بعورته فطلاها بالنورة وسائر جسده. رواه ابن ماجة عن أم سلمة رضى اللَّه تعالى عنها.
وحديث رقم (18315) : كان إذا اطّلى بالنورة ولى عانته وفرجه بيده. رواه ابن سعد عن إبراهيم وعن حبيب بن أبى ثابت مرسلا.
وحديث رقم (18316) : كان يتنور في كل شهر ويقلم أظافره في كل خمسة عشر يوما، رواه ابن عساكر عن ابن عمر.
وحديث رقم (18317) : كان يدخل الحمام ويتنور، رواه ابن عساكر عن واثلة، وما بين الحاصرتين سقط من (ج) .
[ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 552، ذكر من قال: اطّلى رسول اللَّه بالنورة، وما بين الحاصرتين سقط من (ج) .(7/105)
وسفيان عن منصور عن حبيب بن أبى ثابت قالا: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا اطّلى بالنورة ولى عانته بيده] [ (1) ] .
قال مؤلفه: هذه الآثار كلها مرسلة، وحبيب بن أبى ثابت الأسدي مولاهم، تابعي، مفتى الكوفة خرّج له الجماعة] [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 552، ذكر من قال: اطّلى رسول اللَّه بالنورة، وما بين الحاصرتين سقط من (ج) .
[ (2) ] حبيب بن أبى ثابت قيس بن دينار، ويقال: قيس بن هند، وقيل: إن اسم أبى ثابت هند الأسدي، مولاهم أبو يحى الكوفي.
روى عن ابن عمر، وابن عباس، وأنس بن مالك، وزيد بن أرقم، وأبى الطفيل، وإبراهيم بن سعد ابن أبى وقاص، ونافع بن جبير بن مطعم، ومجاهد، وعطاء، وطاووس، وسعيد بن جبير، وأبى صالح السمان، وزيد بن وهب، وعطاء بن يسار، وميمون بن أبى شبيب، وأبى، وثعلبة بن زيد الحماني، وخلق.
وأرسل عن أم سلمة، وحكيم بن حزام، وروى عن عروة بن الزبير حديث المستحاضة، وجزم الثوري أنه لم يسمع منه، وإنما هو عروة المزني آخر، وكذا تبع الثوري أبو داود، والدار قطنى، وجماعة.
وروى عنه الأعمش، وأبو إسحاق الشيباني، وحصين بن عبد الرحمن، وزيد بن أبى أنيسة والثوري، وشعبة، والمسعودي، وابن جرير، وأبو بكر بن عياش وغيرهم.
قال البخاري عن على بن المديني: له نحو مائتي حديث، وقال أبو بكر بن عياش: كان هؤلاء الثلاثة أصحاب الفتيا: حبيب بن أبى ثابت، والحكم، وحماد.
وقال العجليّ: كوفى تابعي ثقة، وقال ابن معين والنسائي: ثقة، وقال ابن أبى مريم عن ابن معين:
ثقة حجة، قيل له: ثبت؟ قال نعم؟ إنما روى حديثين، قال: أظن يحى يريد منكرين: حديث المستحاضة تصلى وإن قطر الدم على الحصير، وحديث القبلة للصائم.
وقال أبو زرعة: لم يسمع من أم سلمة، وقال أبو حاتم: صدوق ثقة، ولم يسمع حديث المستحاضة من عروة.
وقال الترمذي عن البخاري: لم يسمع من عروة بن الزبير شيئا، قال أبو بكر بن عياش وغيره: مات سنة (119) ، وقيل غير ذلك.
قال الحافظ ابن حجر: وقال ابن أبى حاتم في كتاب المراسيل عن أبيه: أهل الحديث اتفقوا على ذلك، يعنى على عدم سماعه منه. قال: واتفاقهم على شيء يكون حجة.
وقال ابن حبان في (الثقات) : كان مدلسا، وقال العقيلي: غمزه ابن عون، وقال القطان: له غير(7/106)
وقال همام عن قتادة: ما تنور رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عثمان، ولا على، ولا الخلفاء، ولا الحسن] [ (1) ]
__________
[ () ] حديث عن عطاء لا يتابع عليه وليست بمحفوظة.
وقال الأزدي: وحبيب ثقة صدوق، وقال الآجري عن ابن داود ليس لحبيب عن عاصم بن ضمرة شيء يصح.
وقال ابن عدي: هو أشهر وأكثر حديثا من أن احتاج أذكر من حديثه شيئا، وقد حدّث عن الأئمة، وهو ثقة حجة، كما قال ابن معين.
وقال العجليّ: كان ثقة ثبتا في الحديث، سمع من ابن عمر غير شيء، ومن ابن عباس، وكان فقيه البدن، وكان مفتى الكوفة قبل الحكم وحماد.
وذكره أبو جعفر الطبري في (طبقات الفقهاء) ، وكان ذا فقه وعلم وقال ابن خزيمة في صحيحه:
كان مدلسا، وقد سمع من ابن عمر، وقال ابن جعفر النحاس: كان يقول إذا حدثني رجل عنك بحديث ثم حدثت به عنك كنت صادقا. ونقل العقيلي عن القطان قال: حديثه عن عطاء ليس بمحفوظ.
قال العقيلي: وله عن عطاء أحاديث لا يتابع عليها.
له ترجمة في: (تهذيب التهذيب) : 2/ 156- 157، ترجمة رقم (323) ، (الكامل في ضعفاء الرجال) : 2/ 406، ترجمة رقم (157/ 526) ، (الضعفاء الكبير للعقيليّ) : 1/ 263، ترجمة رقم (322) ، (الثقات لابن حبان) : 4/ 137.
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 552، ذكر من قال: اطّلى رسول اللَّه بالنورة، وما بين الحاصرتين سقط(7/107)
فصل في ذكر سرير رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
خرج الإمام أحمد رحمه اللَّه من حديث الحسن، عن أنس [بن مالك] [ (1) ] قال: دخلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وهو على سرير مضطجع مرمل بشريط، وتحت رأسه وسادة من آدم حشوها ليف، فدخل عليه نفر من أصحابه، ودخل عليه عمر رضى اللَّه عنه، فانحرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم انحرافه، فلم ير عمر [ (2) ] بين جنبه وبين الشريط ثوبا، وقد أثّر الشريط بجنب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فبكى عمر رضى اللَّه عنه، فقال له رسول اللَّه [ (3) ] صلى اللَّه عليه وسلم ما يبكيك [يا عمر؟] [ (1) ] قال: واللَّه [ما أبكى أن] [ (4) ] لا أكون أعلم أنك على اللَّه [عز وجل [ (1) ]] من كسرى وقيصر، وهما يعيشان [ (5) ] فيما يعيشان [ (5) ] فيه من الدنيا، وأنت يا رسول اللَّه بالمكان الّذي أرى، فقال [النبي] [ (1) ] صلى اللَّه عليه وسلم: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ قال [عمر] [ (1) ] بلى، قال صلى اللَّه عليه وسلم: فإنه كذاك [ (6) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (المسند) .
[ (2) ] في الأصلين: «فرأى عمر» ، وما أثبتناه من (المسند) .
[ (3) ] في (المسند) : «فقال له النبي» .
[ (4) ] زيادة من الأصلين.
[ (5) ] في (المسند) : «يعبثان» ، وما أثبتناه من الأصلين.
[ (6) ] (مسند أحمد) : 3/ 601- 602، حديث رقم (12009) ، (دلائل البيهقي) : 1/ 337، باب ذكر أخبار رويت في زهده صلى اللَّه عليه وسلم في الدنيا وصبره على القوت الشديد فيها، واختياره الدار الآخرة، وما أعد اللَّه تعالى له فيها على الدنيا، ورواه الإمام مسلم بمعناه في صحيحه، كتاب الطلاق، باب (5) في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن، وقوله تعالى: وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ، حديث رقم (1479) .(7/108)
ولابن حيّان من حديث يحى بن حسان، عن محمد بن مهاجر، [قال:
كان متاع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند عمر بن عبد العزيز، في بيت ينظر إليه كل يوم [ (1) ]] وكان إذا اجتمعت إليه قريش، أدخلهم ذلك البيت، ثم استقبل ذلك المتاع فيقول: هذا ميراث من أكرمكم اللَّه وأعزّكم به [ (2) ] ، قال: وكان سريرا مرمّلا بشريط، ومرفقة من آدم محشوة بليف، وجفنة، وقدحا، وقطيفة، ورحى، وكنانة فيها أسهم، وكان في القطيفة أثر وسخ رأسه، فأصيب رجل، فطلبوا أن يغسلوا بعض ذلك الوسخ فيسعط به، فذكر ذلك لهم، فسعط فبرأ [ (3) ] .
وقال الواقدي: حدثني ابن أبى سيرة، عن محمد بن أبى حرملة، عن عطاء، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كانت قريش بمكة، وليس شيء أحب إلينا من السرير ننام عليها، فلما قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المدينة، ونزل منزل أبى أيوب، قال صلى اللَّه عليه وسلم: يا أبا أيوب، أما لكم سرير؟ قال: لا واللَّه، فبلغ أسعد بن زرارة ذلك، فبعث إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بسرير له عمود وقوامه ساج مرسول بحزم- يعنى المسد- فكان ينام عليه حتى تحول إلى منزلي،
وكان فيه فوهبه لي، فكان ينام عليه حتى توفى، فوضع عليه وصلّى عليه وهو فوقه، فطلبه الناس منّا يحملون عليه موتاهم، فحمل عليه أبو بكر، وعمر،
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين سياقه مضطرب في (خ) ، وصوبناه من (ج) .
[ (2) ] إلى هنا ذكره أبو نعيم في (الحلية) : 5/ 326- 327، ضمن ترجمة عمر بن عبد العزيز رقم (323) ، قال: حدثنا محمد على، حدثنا الحسين بن محمد بن حماد، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا أبى محمد بن مهاجر قال: كان عند عمر بن عبد العزيز سرير النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وعصاه، وقدح، وجفنة، ووسادة حشوها ليف، وقطيفة، ورداء، فكان إذا دخل عليه النفر من قريش قال: هذا ميراث من أكرمكم اللَّه به، ونصركم به، وأعزكم به، وفعل وفعل.
[ (3) ] الجزء الأخير من هذا الخبر تلوح عليه أمارات الوضع، لمنافاته لما كان عليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم من النظافة الظاهرة والباطنة مما سبق شرحه وتخريجه من الأخبار، وإن كان فيه علما من أعلام النبوة.(7/109)
رضى اللَّه عنهما، والناس بعد طلبا لبركته.
قال الواقدي: أجمع أصحابنا- لا اختلاف بينهم- في أن سرير النبي صلى اللَّه عليه وسلم اشترى ألواحه، عبد اللَّه بن إسحاق الإسحاقي، من موالي معاوية بن أبى سفيان بأربعة آلاف درهم، فلما كان مروان- يعنى على المدينة- منع أن يحمل عليه إلا الرجل الشريف، وفرّق في المدينة سررا يحمل عليها الموتى. قال: وكان وسطه بليف منسوج.(7/110)
فصل في ذكر القدح الّذي كان يوضع تحت السرير ليبول فيه
خرج البيهقي من حديث ابن جريج [قال] أخبرتنى حكيمة بنت أميمة، عن أميمة أمها، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يبول في قدح من عيدان، ثم يوضع [ (1) ] تحت سريره [فبال، فوضع تحت سريره] [ (2) ] ، فجاء فأراده، فإذا القدح ليس فيه شيء، فقال لامرأة يقال لها: بركة- كانت تخدمه لأم حبيبة جاءت معها من أرض الحبشة-: أين البول الّذي كان في هذا القدح؟ قالت: شربته يا رسول اللَّه [ (3) ] !! وقد أخرجه أبو داود [ (4) ] والنسائي [ (5) ] ، من حديث حجاج بن محمد
__________
[ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (ج) ، و (سنن البيهقي) : «ثم وضع» .
[ (2) ] زيادة للسياق من المرجع السابق.
[ (3) ] (السنن الكبرى للبيهقي) : 7/ 67، باب تركه صلى اللَّه عليه وسلم الإنكار على من شرب بوله وحجامته.
[ (4) ] (سنن أبى داود) : 1/ 28، كتاب الطهارة، باب (13) في الرجل يبول بالليل في الإناء ثم يضعه عنده، حديث رقم (24) .
[ (5) ] (سنن النسائي بشرح الحافظ السيوطي) : 1/ 34- 35، كتاب الطهارة، باب (28) ، البول في الإناء، حديث رقم (32) .
قال الحافظ السيوطي في قوله: «أخبرتنى حكيمة بنت أميمة عن أمها أميمة بنت رقيقة» : الثلاثة بالتصغير، ورقيقة بقافين. قال الحاكم في (المستدرك) : أميمة صحابية مشهورة، فخرج حديثها في الوحدان، وقال الحافظ جمال الدين المزني في (التهذيب) : رقيقة أمها، وهي أميمة بنت عيد، ويقال:
بنت عبد اللَّه بن بجاد بن عمير، ورقيقة بنت خويلد أخت خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضى اللَّه عنها.
وقال الحافظ الذهبي: حكيمة لم ترو إلا عن أمها، ولم يرو عنها غير ابن جريج، وقال غيره: ذكرها ابن حبان في (الثقات) ، وأخرج حديثها في صحيحه، قالت: كان للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قدح من عيدان(7/111)
الأعور عن ابن جرير، وليس فيه قصة بركة.
وللحاكم من حديث شبابه، حدثنا أبو مالك النخعي، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي عن أم أيمن [رضى اللَّه عنها] قالت: قام النبي صلى اللَّه عليه وسلم من الليل إلى فخّارة [من جانب البيت] [ (1) ] فبال فيها، فقمت من الليل وأنا عطشى، فشربت ما [ (2) ] في الفخارة وأنا لا أشعر، فلما أصبح النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: يا أم أيمن، قومي إلى تلك الفخارة فأهريقى [ (3) ] ما فيها، قلت: قد واللَّه
__________
[ () ] يبول فيه ويضعه تحت السرير. هذا مختصر، وقد أتمه
ابن عبد البر في (الاستيعاب فقال: فبال ليلة فوضع تحت سريره فجاء، فإذا القدح ليس فيه شيء، فسأل المرأة يقال لها بركة كانت تخدم أم حبيبة، جاءت معها من الحبشة فقال: أين البول الّذي كان في القدح؟ فقالت: شربته يا رسول اللَّه،
قال الحاكم في (المستدرك) : هذه سنة غريبة.
وقال الشيخ ولى الدين في (شرح أبى داود) . والحافظ ابن حجر في (تخريج أحاديث الرافعي) :
عيدان بفتح العين المهملة ومثناة تحتية ساكنة، وقال الإمام بدر الدين الزركشي في (تخريج أحاديث الرافعي) : عيدان مختلف في ضبطه: بالكسر والفتح، واللغتان بإزاء معنيين، فالكسر جمع عود، والفتح جمع عيدانه بفتح العين: قال أهل اللغة: هي النخلة الطويلة المتجردة، وهي بالكسر أشهر رواية.
وفي كتاب (تثقيف اللسان) : من كسر العين فقد أخطأ، يعنى لأنه أراد جمع عود، وإذا اجتمعت الأعواد لا يتأتى منها قدح يحفظ الماء، بخلاف من فتح العين فإنه يريد قدحا من خشب هذه صفته، ينقر ليحفظ ما يجعل فيه.
وقال الشيخ ولى الدين: يعارضه ما رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد، من حديث عبد اللَّه بن يزيد مرفوعا: لا ينقع بول في طست البيت، فإن الملائكة لا تدخل بيتا في بول منتقع. وروى ابن أبى شيبة في (المصنّف) عن ابن عمر قال: لا تدخل الملائكة بيتا فيه بول.
والجواب: لعل المراد بانتقاعه طول مكثه، وما يجعل في الإناء لا يطول مكثه غالبا. وقال مغلطاى:
يحتمل أن يكون أراد كثرة النجاسة في البيت بخلاف القدح، فإنه لا يحصل به نجاسة لمكان آخر.
(سنن النسائي بشرح الحافظ السيوطي) : 1/ 34- 35، كتاب الطهارة، باب (28) البول في الإناء، حديث رقم (32) ، (المصنف) : 1/ 160، كتاب الطهارات، باب (215) في الرجل يبول في بيته الّذي هو فيه، حديث رقم (1845) .
[ (1) ] زيادة للسياق من (المستدرك) .
[ (2) ] كذا في الأصلين، وفي (المستدرك) : «من في» .
[ (3) ] في الأصلين: «فأهرقى» ، وما أثبتناه من (المستدرك) .(7/112)
شربت ما فيها، قال: فضحك [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] حتى بدت نواجذه، ثم قال: أما إنك لا يتجع [ (2) ] بطنك بعده أبدا [ (3) ] .
وخرّجه أبو نعيم بهذا السند أيضا [ (4) ] ثم قال: ورواه مسلم بن قتيبة، عن عبد الملك بن حسين، عن أبى مالك النخعي [ (5) ] ، عن يعلى بن عطاء، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن أم أيمن نحوه.
وخرّج الطبرانىّ من حديث حجّاج بن محمد عن ابن جريج قال:
حدثتني حكيمة بنت أميمة بنت رقيقة قالت: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يبول في قدح عيدان ثم يدفع تحت سريره، فبال فيه، ثم جاء فإذا القدح ليس فيه شيء، فقال لامرأة يقال لها: بركة- كانت تخدم أم حبيبة [رضى اللَّه عنها] جاءت بها من أرض الحبشة-: أين البول الّذي كان في القدح؟ قالت:
فشربته، فقال [صلى اللَّه عليه وسلم] : لقد اختطرت من النار بخطار [ (6) ] .
وقد اختلف في بركة هذه، فقال ابن عبد البر [ (7) ] : هي أم أيمن، وقال غيره: هي بركة بنت يسار مولاة أبى سفيان بن حرب [رضى اللَّه عنه] امرأة
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (المستدرك) .
[ (2) ] كذا في الأصلين، وفي المرجع السابق: «يفجع بطنك» .
[ (3) ] (المستدرك) : 4/ 70- 71، كتاب معرفة الصحابة، ذكر أم أيمن مولاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وحاضنته، حديث رقم (6912) ، وسكت عنه الذهبي في (التخليص) .
[ (4) ] (دلائل أبى نعيم) : 2/ 444، بوله وغائطه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (365) .
[ (5) ] أبو مالك النخعي الواسطي، قال الدوري عن ابن معين: ليس بشيء، وقال عمرو بن على: ضعيف منكر الحديث، وقال أبو زرعة وأبو حاتم: ضعيف الحديث، وقال أبو داود: ضعيف، وقال النسائي:
ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وقال الحافظ ابن حجر: وقال الأزدي والنسائي أيضا: متروك الحديث، وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقوى عندهم. (تهذيب التهذيب) : 12/ 240، ترجمة رقم (1006) .
[ (6) ] لم أجده، وهو بمعنى الّذي قبله.
[ (7) ] (الاستيعاب) : 4/ 1925، ترجمة رقم (4123) .(7/113)
قيس بن عبد اللَّه، وأم حبيبة من الرضاعة، [هاجرت إلى الحبشة] ووردت معها. قاله ابن هشام عن ابن إسحاق [ (1) ] .
[ولابن حبان في (صحيحه) ، من حديث حجاج بن محمد عن ابن جريج قال: حدثتني حكيمة بنت أميمة، عن أمها أميمة بنت رقيقة، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يبول في قدح من عيدان، ثم يوضع تحت سريره] [ (2) ] .
__________
[ (1) ] قال الحافظ ابن حجر: بركة بنت يسار، مولاة أبى سفيان بن حرب، هاجرت إلى الحبشة مع زوجها قيس بن عبد اللَّه الأسدي، ذكر ذلك ابن هشام، عن ابن إسحاق فيمن هاجر إلى الحبشة، وكذلك ابن سعد.
وجوّز بعض المغاربة أنها بركة الحبشية المذكورة قبل هذه، وليس كما ظنّ، فإن بركة بنت يسار من حلفاء بنى عبد الدار، وهي أخت أبى تجراة، وأصلهم من كندة، وليست حبشية، وإن اشتركتا في كونهما في أرض الحبشة مع المهاجرين ثم قال ابن حجر: بركة الحبشية: كانت مع أم حبيبة بنت أبى سفيان تخدمها هناك، ثم قدمت معها، وهي التي شربت بول النبي صلى اللَّه عليه وسلم فيما جاء في حديث أميمة بنت رقيقة، وخلطها أبو عمر بأم أيمن،،
فأخرج في ترجمتها من طريق ابن جريج: أخبرتنى حكيمة بنت أميمة، عن أمها أميمة بنت رقيقة، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يبول في قدح من عيدان ويوضع تحت السرير، فجاء ليلة فإذا القدح ليس فيه شيء، فقال لامرأة يقال لها: بركة- كانت تخدم أم حبيبة جاءت معها من أرض الحبشة-: البول الّذي كان في هذا القدح ما فعل؟ قالت: شربته يا رسول اللَّه.
وقال عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج: أخبرت أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يبول في قدح من عيدان يوضع تحت سريره، فجاء فأراده فإذا القدح ليس فيه شيء، فقال لامرأة كان يقال لها بركة- كانت خادمة لأم حبيبة جاءت معها من أرض الحبشة-: أين البول؟
قال أبو عمر: أظن بركة هذه أم أيمن.
وحمله على ذلك ما ذكر في صدد بركة أم أيمن أنها هاجرت الهجرتين إلى أرض الحبشة والمدينة.
وفي كون أم أيمن هاجرت إلى أرض الحبشة نظر، فإنّها كانت تخدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وزوجها مولاه زيد بن حارثة، وزيد لم يهاجر إلى الحبشة، ولا أحد ممن كان يخدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذ ذاك، فظهر أنّ هذه الحبشية غير أم أيمن، وإن وافقتها في الاسم. (الإصابة) : 7/ 531، ترجمة بركة الحبشية، رقم (10916) ، (الاستيعاب) : 4/ 1793- 1795، ترجمة بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن بن مالك، وهي أم أيمن غلبت عليها كنيتها، رقم (3252) ، (سيرة ابن هشام) : 5/ 9، في ذكر مهاجرة الحبشة، 2/ 166، ذكر المهاجرين إلى الحبشة من بنى أسد.
[ (2) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 4/ 274، كتاب الطهارة، باب (21) الاستطابة، حديث رقم (1426) ، وما بين الحاصرتين سقط من النسخة (ج) .(7/114)
فصل في ذكر آلات بيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
اعلم أنه قد ورد أنه صلى اللَّه عليه وسلم كان له حصير، وفراش، ولحاف، ووسادة، وقطيفة، وقبّة من أدم، وكرسي، وفروة يصلى عليها، وخمرة.
[فأما الحصير] [ (1) ]
فخرج ابن حيّان من حديث معتمر، عن عبد اللَّه بن عمر، عن سعيد بن أبى سعيد، عن أبى سلمة عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحتجر حصيرا بالليل يصلى عليها، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه للناس [ (2) ] .
وأصله في مسلم من حديث الأعمش عن أبى سفيان عن جابر قال:
حدثني أبو سعيد الخدريّ [رضى اللَّه عنه] ، أنه دخل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم،
__________
[ (1) ] هذه العناوين في (ج) بياض لعدم ظهورها في التصوير لاختلاف لون المداد، وفي (خ) مكتوبة بخط متميز في أوائل الفقرات لكن داخل السياق.
[ (2) ] أخلاق النبي: 164.
وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) : 3/ 110، كتاب الصلاة، باب صلاة المأموم في المسجد، أو على ظهره، أو في راحلته، بصلاة الإمام في المسجد وإن بينهما مقصورة، أو أساطين، أو غيرها شبيها بها، وتمامه: فجعل الناس يثوبون إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيصلون بصلاته حتى كثروا، فأقبل عليهم فقال: خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن اللَّه لا يمل حتى تملوا، وأن أحب الأعمال إلى اللَّه ما دام منها وإن قل، ثم قال: رواه البخاري في الصحيح، عن محمد بن أبى بكر، وأخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (30) فضيلة العمل الدائم، حديث رقم (215) .
وأخرجه الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) : 3/ 243- 244 في ترجمة محمد بن موسى المؤدب، رقم (1327) .(7/115)
قال: فرأيته يصلى على حصير يسجد عليه [ (1) ] ، [قال: ورأيته يصلى في ثوب واحد متوشحا به] [ (2) ] .
[وأما الفرش]
وأما الفرش، فخرج البخاري من حديث هشام، أخبرنى أبى عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان فراش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من أدم [و] حشوه ليف [ (3) ] .
وخرّجه مسلم ولفظه قالت: إنما كان فراش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الّذي ينام عليه أدما حشوه ليف. وفي لفظ: إنما كان ضجاع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الّذي ينام عليه أدما حشوه ليف [ (4) ] .
ولابن حيّان من حديث مجالد عن الشعبىّ عن مسروق، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: دخلت عليّ امرأة من الأنصار فرأت فراش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عباءة مثنيّة، فانطلقت، فبعثت إليّ بفراش حشوه صوف، فدخل عليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: ما هذا؟ [يا عائشة] ؟ قلت: إن فلانة الأنصارية
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 171، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب (48) جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصير، وخمرة، وثوب، وغيرها من الطهارات، حديث رقم (271) .
[ (2) ] ما بين الحاصرتين ليس في (المرجع السابق) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 11/ 340، كتاب الرقاق، باب (17) كيف كان عيش النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه، وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6456) وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 302، كتاب اللباس والزينة، باب (6) التواضع في اللباس، والاقتصار على الغليظ منه، واليسير في اللباس والفراش وغيرها، وجواز لبس الثوب الشعر وما فيه أعلام، حديث رقم (38) والحديث الّذي يليه، (دلائل البيهقي) : 1/ 344، باب ذكر أخبار رويت في زهده في الدنيا وصبره صلى اللَّه عليه وسلم على القوت الشديد فيها، واختياره الدار الآخرة، وما أعد اللَّه تعالى له فيها على الدنيا.(7/116)
دخلت [عليّ] فرأت فراشك [فذهبت، فبعثت إليّ بهذا، فقال [صلى اللَّه عليه وسلم] :
ردّيه، قلت: فلم أردّه وأعجبنى أن يكون في بيتي؟ حتى قالك ذلك ثلاث مرات، يقول: ردّيه يا عائشة، فو اللَّه لو شئت لأجرى اللَّه عليّ جبال الذهب والفضة [ (1) ] ، [قالت: فرددته] [ (2) ] .
وله من حديث أبان عن إبراهيم النخعي عن الربيع بن زياد الحارثي، قال: قدمت على عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه في وفد من العراق، فأمر لكل رجل منا بعباءة، فأرسلت إليه حفصة رضى اللَّه عنها فقالت يا أمير المؤمنين! أتاك الباب [أهل] العراق ووجوه الناس فأحسن كرامتهم،
فقال:
ما أزيدهم على العباءة يا حفصة، أخبرينى بألين فراش فرشت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قالت: كان لنا كساء من هذه الملبّدة أصبناه يوم خيبر، فكنت أفرشه لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كل ليلة فينام عليه، وإني ربّعته ذات ليلة، فلما أصبح قال:
يا حفصة، أعيديه لمرته الأولى، ما كان فراشي البارحة؟ قلت: فراشك كل ليلة إلا أنى ربّعته الليلة، قال: يا حفصة، أعيديه لمرته الأولى فإنه منعتني وطأته البارحة من الصلاة،
فأرسل عمر رضى اللَّه عنه عينيه بالبكاء وقال:
واللَّه لا أزيدهم على العباءة.
وللترمذي من حديث عبد اللَّه بن ميمون قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه قال: سألت عائشة رضى اللَّه عنها، ما كان فراش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيتك؟ قالت: من أدم حشوه ليف [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (أخلاق النبي) : 156، (دلائل البيهقي) : 1/ 345، (تاريخ بغداد) : 11/ 102، ترجمة عباد بن عباد أبو معاوية المهلبي رقم (5798) ، (البداية والنهاية) : 6/ 60.
[ (2) ] ما بين الحاصرتين زيادة عن هذه المراجع، (طبقات ابن سعد) : 1/ 465.
[ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 208، كتاب اللباس، باب (27) ما جاء في فراش النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (1761) : عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: إنما كان فراش النبي صلى اللَّه عليه وسلم(7/117)
وسئلت حفصة رضى اللَّه عنها، ما كان فراش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قالت:
مسحا ثنيته ثنيتين فينام عليه، فلما كان ذات ليلة قلت: لو ثنيته بأربع ثينات كان أوطأ له، فثنيناه بأربع ثنيات، فلما أصبح قال: ما فرشتموا لي الليلة؟ قالت: قلنا هو فراشك، إلا أنا ثنيناه بأربع ثنيات، قلنا: هو أوطأ لك، قال: ردوه لحاله الأولى، فإنه منعني وطاءته صلاتي الليلة [ (1) ] .
وذكر أبو عبد اللَّه الحسين بن الحسن الحليمي، أن فراش النبي صلى اللَّه عليه وسلم الّذي قبض عليه، كان محشوا وبر الإبل، طوله ذراعان أو نحوهما، وعرضه ذراع وشبر أو نحوه.
__________
[ () ] الّذي ينام عليه أدم حشوه ليف، وفي (سنن أبى داود) : 4/ 381- 382، كتاب اللباس، باب (45) في الفرش، حديث رقم (4147) : عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها، قالت:
كانت ضجعة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من أدم حشوها ليف، وأخرج ابن ماجة في (سننه) : 2/ 1390، كتاب الزهد، باب (11) ضجاع آل محمد صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (4151) : عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان ضجاع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أدما حشوه ليف.
قال ابن الأثير في (جامع الأصول) : 10/ 694: الضّجعة بكسر الضاد: من الاضجاع، كالجلسة من الجلوس، وهي الهيئة، وبفتحها المرة الواحدة من النوم، والمراد به ما كان يضطجع عليه، فيكون في الكلام مضاف محذوف، تقديره: كانت ذات ضجعة، أو ذات اضطجاعه: فراش أدم حشوها ليف.
وأخرجه أيضا الترمذي في (الشمائل المحمدية) : 269، باب ما جاء في فراش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (329) ، (طبقات ابن سعد) : 1/ 464 و، ذكر ضجاع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وافتراشه.
[ (1) ] صدر هذا الحديث صحيح كما في التعليق السابق، وباقي الحديث إسناده ضعيف جدا، وقد تفرد به الترمذي دون باقي الستة، وفي سنده عبد اللَّه بن ميمون بن داود القداح، وهو منكر الحديث متروك،
وقد أخرجه أبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 157 من حديث حفصة نحوه مطولا وهو ضعيف، والترمذي في (الشمائل) : 269- 270، حديث رقم (330) ، وابن سعد في (الطبقات) :
1/ 465، مختصرا، عن أم شبيب عن عائشة رضى اللَّه عنهما، أنها كانت تفرش للنّبيّ عباءة مثنية، فجاء ليلة وقد ربّعتها فنام عليها، فقال يا عائشة!! ما لفراشى صلى اللَّه عليه وسلم الليلة ليس كما كان؟ قلت: يا رسول اللَّه ربّعتها لك، قال: فأعيديه كما كان.(7/118)
[وأما اللحاف]
فروى ابن حيّان من حديث يونس بن عمرو، عن العيزار بن حريث، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلى وعليه طرف اللحاف وعليّ طرفه ثم يصلى [ (1) ] .
وروى أبو يعلى من حديث جبلة بن عطية، عن إسحاق بن عبد اللَّه، عن ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: تضيفت ميمونة وهي خالتي، فجاءت بكساء فطرحته وفرشته للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم ثم جاءت بخرقة فطرحتها عند رأس الفراش، فجاء رسول اللَّه وقد صلى العشاء الآخرة، فانتهى إلى الفراش، فأخذ خرقة عند رأس الفراش فاستتر بها، وخلع ثوبيه فعلقهما، ثم دخل معها في لحافها.
ولمسلم من حديث وكيع، حدثنا طلحة بن يحيى قال: سمعت عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يصلى من الليل وأنا إلى جانبه وأنا حائض، وعليّ مرط وعليه بعضه [ (2) ] . [إلى جنبه] [ (3) ] .
[وأما الوسادة]
فخرج مسلم من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان وسادة [ (4) ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الّذي يتكئ عليها [ (4) ] ،
__________
[ (1) ] (أخلاق النبي) : 158.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 477، كتاب الصلاة، باب (51) الاعتراض بين يدي المصلى، حديث رقم (274) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) ، وأخرجه ابن ماجة في سننه، كتاب الطهارة وسننها، باب (131) في الصلاة في ثوب الحائض، حديث رقم (652) ، (653) ، والمرط: كساء من صوف أو خز، ويكون إزارا ورداء.
[ (4) ] في الأصلين: «وساد» و «عليها» وما أثبتناه من صحيح مسلم.(7/119)
من أدم حشوه ليف [ (1) ] .
ولأبى داود [ (2) ] [وابن حبان] [ (3) ] من حديث وكيع عن إسرائيل عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: دخلت على النبي صلى اللَّه عليه وسلم في بيته فرأيته متكئا على وسادة على يساره [ (4) ] .
ولابن حيّان من حديث مبارك بن فضالة، عن الحسن عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: دخلت على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف.
وله من حديث يحيى بن سعيد، عن عبيد بن حنين، عن ابن عباس عن
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 302، كتاب اللباس والزينة باب (6) التواضع في اللباس، والاقتصار على الغليظ منه، واليسير في اللباس والفراش وغيرها، حديث رقم (37) .
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 380، كتاب اللباس، باب (45) في الفرش، حديث رقم (4143) ، وقال:
زاد ابن الجراح: على يساره.
[ (3) ] ما بين الحاصرتين ليس في (ج) ، وأخرجه ابن حبان في (الصحيح) : 2/ 350، كتاب البر والإحسان، باب (13) الصحبة والمجالسة، ذكر إباحة اتكاء المرء على يساره إذا جلس، حديث رقم (589) ، وإسناده حسن، سماك: هو ابن حرب الذهلي البكري الكوفي، صدوق إلا في روايته عن عكرمة خاصة ففيها اضطراب. (هامش الإحسان) .
[ (4) ] وأخرجه ابن عدي في (الكامل) : 1/ 425، في ترجمة إسرائيل بن يونس بن أبى إسحاق السبيعي الكوفي رقم (237) : حدثنا إسحاق بن منصور، عن إسرائيل عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال:
رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم متكئا على وسادة على يساره.
قال الشيخ: وهذا الحديث يعرف بإسحاق بن منصور، عن إسرائيل، زاد في متنه: «على يساره» ، حتى وجدناه في حديث حسين بن حفص عن إسرائيل مثله: حدثنا حسين بن حفص، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم متكئا على يساره قال الشيخ: وحديث وكيع حدثناه محمد بن الحسن القصير، حدثنا عباس بن يزيد بن أبى حبيب، حدثنا وكيع، حدثنا إسرائيل عن سماك، عن جابر بن سمرة: دخلت على النبي صلى اللَّه عليه وسلم في بيته فرأيته متكئا على وسادة.(7/120)
عمرو- وهو حديث الإيلاء الطويل- وفي بعض طرقه، وأنه يعنى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف.
وللترمذي في (الشمائل) ، من حديث إسحاق بن منصور، عن إسرائيل عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم متكئا على وسادة على يساره [ (1) ] .
ومن حديث وكيع، عن إسرائيل، عن سماك عن جابر بن سمرة قال:
رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم متكئا على وسادة. قال أبو عيسى: لم يذكر وكيع فيه: على يساره. وهكذا رواه غير واحد عن إسرائيل نحو رواية وكيع، ولا نعلم أحدا ذكر فيه على يساره إلا ما روى إسحاق بن منصور عن إسرائيل [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 118، باب (22) ما جاء في تكأة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (131) ، وهو حديث صحيح، وأخرجه الترمذي أيضا في (السنن) : 5/ 91، كتاب الأدب، باب (23) ما جاء في الاتكاء، حديث رقم (2770) ، من حديث إسحاق بن منصور الكوفي، أخبرنا إسرائيل عن سماك ابن حرب، عن جابر بن سمرة، قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم متكئا على وسادة على يساره. قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب، وروى غير واحد هذا الحديث عن إسرائيل، عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم متكئا على وسادة، ولم يذكر: على يساره.
وحديث رقم (2771) : حدثنا يوسف بن عيسى، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم متكئا على وسادة. [قال أبو عيسى] : هذا حديث صحيح.
وأخرجه أيضا الدارميّ في (السنن) : 2/ 176، باب الاعتراف بالزنا، من طرق عن إسرائيل به.
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 6/ 114، حديث رقم (20468) ، من حديث جابر بن سمرة، وابن سعد (الطبقات) : 1/ 465، ذكر ضجاع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وافتراشه.
[ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 120، باب (22) ما جاء في تكأة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (135) ، راجع التعليق السابق.(7/121)
ولابن حيّان من حديث عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم متكئا على وسادة فيها صور [ (1) ] .
وللحاكم من حديث أنس بن مالك قال: دخل سلمان الفارسي على عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه وهو متكئ على وسادة فألقاها له، فقال سلمان رضى اللَّه عنه: [صدق اللَّه ورسوله، فقال عمر: حدثنا يا أبا عبد اللَّه، قال [ (2) ] :] دخلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو متكئ على وسادة فألقاها إلى ثم قال: يا سلمان، ما من مسلم يدخل على أخيه المسلم فيلقى له وسادة إكراما له، إلا غفر اللَّه له [ (3) ] .
والوساد، والوسادة، بكسر الواو: هي المرفقة بكسر الميم، ويقال لها اليوم: مخدّة [ (4) ] ، وكان صاحب وسادة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: عبد اللَّه بن مسعود
__________
[ (1) ] (أخلاق النبي) : 246.
[ (2) ] زيادة للسياق من (المستدرك) .
[ (3) ] (المستدرك) : 3/ 692، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (6542) وقد حذفه الذهبي من (التلخيص) ، ومعلى بن مهدي الموصلي، قال أبو حاتم: يأتى أحيانا بالمناكير. قال الذهبي: هو من العباد الخيرة، صدوق في نفسه. (الميزان) : 4/ 151.
[ (4) ] الوساد والوسادة: المخدّة، والجمع وسائد ووسد. ابن سيده وغيره: الوساد: المتكأ، وقد توسد ووسّده إياه فتوسد إذا جعله تحت رأسه.
وفي الحديث: قال لعدي بن حاتم: إن وسادك إذن العريض، كنى بالوساد عن النوم لأنه مظنته، أراد أن نومك إذن كثير، وكنى بذلك عن عرض قفاه وعظم رأسه، وذلك دليل الغباوة، ويشهد له الرواية الأخرى: لعريض القفا، وقيل: أراد أن من توسد الخيطين المكنى بهما عن الليل والنهار لعريض الوساد.
وفي حديث أبى الدرداء: قال له رجل: إني أريد أن أطلب العلم وأخشى أن أضيعه، فقال: لأن(7/122)
رضى اللَّه عنه، وقد تقدم التعريف به.
[وأما القطيفة]
فروى ابن حبان من حديث الربيع بن صبيح، عن يزيد عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: حج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على رحل رث، وقطيفة لا تساوى أربعة دراهم [ (1) ] .
__________
[ () ] تتوسد العلم خير لك من أن تتوسد الجهل.
وفي الحديث: أن شريحا الحضرميّ ذكر عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: ذاك رجل لا يتوسد القرآن.
قال ابن الأعرابي: لقوله: لا يتوسد القرآن وجهان: أحدهما مدح والآخر ذم، فالذي هو مدح: أنه لا ينام عن القرآن، ولكن يتجهد به، ولا يكون القرآن متوسّدا معه، بل هو يداوم على قراءته ويحافظ عليها.
وفي الحديث: لا توسّدوا القرآن واتلوه حق تلاوته، والّذي هو ذم: أنه لا يقرأ القرآن، ولا يحفظه، ولا يديم قراءته، وإذا نام لم يكن معه من القرآن شيء.
وفي حديث آخر: من قرأ ثلاث آيات في ليلة لم يكن متوسّدا للقرآن. يقال: توسد فلان ذراعه إذا نام عليه وجعله كالوسادة له، قال الليث: وسّد فلانا وسادة، وتوسّد وسادة إذا وضع رأسه عليها، وجمع الوسادة وسائد، والوساد: كل ما يوضع تحت الرأس وإن كان من تراب، أو حجارة. (لسان العرب) : 3/ 459- 460، مختصرا.
[ (1) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 9/ 70، كتاب الحج، باب (5) مقدمات الحج، ذكر إباحة الحج للرجل على الرحال وإن كان موسرا بغيرها، حديث رقم (3754) ، ولم يذكر القطيفة،
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 965، كتاب المناسك، باب (4) الحج على الرحل، حديث رقم (2890) عن الربيع بن صبيح، عن يزيد بن أبان، عن أنس بن مالك، قال: حج النبي صلى اللَّه عليه وسلم على رحل رثّ وقطيفة تساوى أربعة دراهم أو لا تساوى، ثم قال: اللَّهمّ حجة لا رياء فيها ولا سمعة.
لكن قال الحافظ في (الفتح) : 3/ 486: لكن إسناده ضعيف.
وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 5/ 444، باب حجة الوداع، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 161.
وأخرجه المتقى الهندي في (كنز العمال) : 5/ 188، فصل في وقوف عرفة، حديث رقم (12559) : عن بشر بن قدامة الضبانى قال: أبصرت عيناي حبّى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم واقفا بعرفات(7/123)
__________
[ () ] مع الناس، على ناقة له حمراء قصواء، تحته قطيفة بولانية، وهو يقول: اللَّهمّ اجعلها حجة غير رياء ولا رياء ولا سمعة،
والناس يقولون: هنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وعزاه لابن خزيمة، والباوردي، وابن مندة، وأبو نعيم.
وأخرجه أبو نعيم في (الحلية) : 3/ 54، في ترجمة يزيد بن أبان الرقاشيّ رقم (205) ، 6/ 308، في ترجمة الربيع بن صبيح رقم (382) .
وأخرجه العقيلي في (الضعفاء) : 2/ 8، في ترجمة خالد بن عبد الرحمن المخزومي- قال البخاري: ذاهب الحديث.
قال ابن أبى حاتم في (العلل) : 1/ 287، باب علل في أخبار المناسك. حديث رقم (856) :
عن ابن عباس قال: غدا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من منى فلما انبعثت به راحلته وعليها قطيفة قد اشتريت بأربعة دراهم قال: اللَّهمّ اجعلها حجة مبرورة لا رياء فيها ولا سمعة.
قال أبى هذا حديث باطل، ليس هو من حديث ابن جريج.
وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) : 4/ 333، كتاب الحج، باب من اختار الركوب، وقال:
«تحته قطيفة بولانية» .
وأخرجه ابن عدي في (الكامل في ضعفاء الرجال) : 3/ 133، في ترجمة ربيع بن صبيح أبو حفص السعدي رقم (2/ 652) ، وقال مرة: وقطيفة تساوى أو لا تساوى أربعة دراهم، ومرة:
وقطيفة لا تساوى أربعة دراهم.
وعن الربيع بن صبيح أخرجه الترمذي في (الشمائل المحمدية) : 274- 275، باب (48) ما جاء في تواضع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (335) ، وحديث رقم (341) .
قال ابن المديني: قلت ليحيى بن سعيد: ما أراك حدثت عن الربيع بن صبيح بشيء؟ قال: لا، ومبارك بن فضالة أحب إلى منه.
وقال حرملة عن الشافعيّ: كان الربيع بن صبيح غزاء، وإذا مدح الرجل بغير صنعته فقد وهض أي دق عنقه، وقال عفان بن مسلم: أحاديثه كلها مقلوبة.
وقال أبو الوليد: كان لا يدلس، وكان المبارك بن فضالة أكثر تدليسا منه، وقال أبو داود عن أبى الوليد: ما تكلم أحد فيه إلا والربيع فوقه. وقال عبد اللَّه بن أحمد عن أبيه: لا بأس به، رجل صالح.
قال عبد اللَّه: سألت يحيى بن معين عن المبارك بن فضالة فقال: ضعيف الحديث مثل الربيع بن صبيح في الضعف. وقال عثمان الدارميّ: سألت ابن معين عنه فقال: ليس به بأس. وقال ابن أبى خيثمة عن ابن معين: ضعيف الحديث.
وقال مسلم بن إبراهيم، عن شعبة: الربيع من سادات المسلمين، وقال يعقوب بن شيبة: رجل صالح صدوق، ثقة ضعيف جدا.(7/124)
[وأما القبة]
فذكر البخاري في الصلاة، من حديث أبى جحيفة [رأيت] النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو في قبة حمراء من أدم. الحديث [ (1) ] .
وذكر في المغازي من حديث يونس عن ابن شهاب قال: أخبرنى أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] قال: أرسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم. الحديث [ (2) ] ، وذكره في كتاب اللباس مختصرا، وترجم عليه باب القبة الحمراء من أدم [ (3) ] .
وخرّج أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النّسائى من حديث سماك،
__________
[ () ] وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة مستقيمة، ولم أر له حديثا منكرا جدا، وأرجو أنه لا بأس به ولا برواياته، قال محمد بن المثنى وغيره: مات سنة (160) بأرض السند. له ترجمة في (تهذيب التهذيب) : 3/ 214- 215، ترجمة رقم (474) ، (الضعفاء الكبير) : 2/ 52، ترجمة رقم (483) ، (ميزان الاعتدال) : 2/ 41، ترجمة رقم (2741) وغير ذلك.
[ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 639، كتاب الصلاة، باب (17) الصلاة في الثوب الأحمر، حديث رقم (376) : عن أبى جحيفة عن أبيه قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في قبة حمراء من أدم، ورأيت بلالا أخذ وضوء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ورأيت الناس يبتدرون ذاك الوضوء، فمن أصاب منه شيئا تمسح به، ومن لم يصب منه شيئا أخذ من بلل يد صاحبه، ثم رأيت بلالا أخذ عنزة فركزها، وخرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم في حلة حمراء مشمرا صلى إلى العنزة بالناس ركعتين، ورأيت الناس والدواب يمرون بين يدي العنزة.
[ (2، 3) ] (المرجع السابق) : 6/ 308، كتاب فرض الخمس، باب (19) ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يعطى المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه، حديث رقم (3147) ، 8/ 66، كتاب المغازي، باب (57) غزوة الطائف، حديث رقم (4331) ، (4333) ، 10/ 384- 385، كتاب اللباس، باب (42) القبة الحمراء من أدم، حديث رقم (5859) ، (5860) ، 13/ 520، كتاب التوحيد، باب (24) قول اللَّه تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ، حديث رقم (7441) ، وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب (47) سترة المصلى، حديث رقم (249) .
(مسلم بشرح النووي) : 7/ 157، كتاب الزكاة، باب (46) إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوى، حديث رقم (132) .
و (مسند أحمد) : 3/ 645، حديث رقم (12285) ، 4/ 133- 134 حديث رقم (13162) .(7/125)
عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن مسعود، عن أبيه قال: انتهيت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو في قبة حمراء، في نحو أربعين رجلا، فقال: إنكم مفتوح لكم [وأنتم] [ (1) ] منصورون [مصيبون] [ (1) ] فمن أدرك ذلك منكم. فليتق اللَّه، وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر وليصل رحمه [ (2) ] . زاد الحاكم: ومثل الّذي يعين قومه على غير الحق، كمثل البعير يتردى، فهو يمد بذنبه.
قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] [ولم يخرجاه] [ (1) ] .
[وأما الكرسي]
فخرج مسلم، والنسائي، وأحمد، وابن حبان من حديث إسحاق بن سويدان، أخبرنا رفاعة قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو على كرسيّ خلت قوائمه حديد، ومن حديث حميد بن هلال عن أبى رفاعة العدوىّ قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو يخطب فقلت: رجل غريب جاء يسأل عن دينه، فأقبل إليّ وترك خطبته حتى انتهى إليّ، فأتى بكرسي خلت قوائمه حديدا، فقعد عليه وجعل يعلمني مما علمه اللَّه، ثم أتى خطبته فأتم آخرها. وفي لفظ:
قال حميد أراه رأى خشبا أسود حسبه حديدا. انفرد بإخراجه مسلم [ (4) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (المستدرك) .
وفي (الإحسان) : 6/ 153، كتاب الصلاة، باب (16) ما يكره للمصلى وما لا يكره، ذكر البيان بأن صلاة المصطفى صلى اللَّه عليه وسلم بمنى كانت السترة قدامه، حيث كان الأتان ترتع قدام المصطفى صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (2394) من حديث عون بن أبى جحيفة عن أبيه قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو بالأبطح في قبة له حمراء من أدم ... ، إسناده صحيح على شرطهما.
[ (2) ] لم أجده في (المجتبى) ، ولعله في (الكبرى) .
[ (3) ] (المستدرك) : 4/ 175- 176، كتاب البرّ والصلة، حديث رقم (7275) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 414، كتاب الجمعة، باب (15) حديث التعليم في الخطبة، حديث رقم (60) ، هكذا هو في جميع النسخ «حسبت» ، ورواه ابن أبى خيثمة في غير (صحيح(7/126)
وذكر ابن قتيبة فقال: أتى بكرسي من خلب، وقال: الخلب: الليف [ (1) ] .
وخرجه البخاري في الأدب المفرد، ولفظه: عن أبى رفاعة العدوي قال:
انتهيت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو يخطب، فقلت: يا رسول اللَّه! رجل غريب جاء يسأل عن دينه، لا يدرى ما دينه، فأقبل عليّ وترك خطبته، فأتى بكرسىّ خلت قوائمه حديدا، قال حميد: أراه خشبا أسود حسبه حديدا، فقعد عليه، فجعل يعلمني مما علمه اللَّه عز وجل، ثم أتم خطبته آخرها [ (2) ] .
__________
[ () ] مسلم) : «خلت» بكسر الخاء وسكون اللام، وهو بمعنى حسبت.
قال القاضي: ووقع في نسخة ابن الحذاء: «خشب» بالخاء والشين المعجمتين، وفي كتاب ابن قتيبة: «خلب» بضم الخاء وآخره باء موحدة، وفسّره بالليف، وكلاهما تصحيف، والصواب:
«حسبت» بمعنى ظننت، كما هو في نسخ مسلم وغيره من الكتب المعتمدة.
وقوله: «رجل غريب يسأل عن دينه لا يدرى ما دينه» فيه استحباب تلطف السائل في عبارته وسؤاله العالم.
وفيه تواضع النبي صلى اللَّه عليه وسلم ورفقه بالمسلمين وشفقته عليهم، وخفض جناحه لهم صلى اللَّه عليه وسلم.
وفيه المبادرة إلى جواب المستفتي، وتقديم أهم الأمور فأهمها، ولعله كان سأل عن الإيمان وقواعده المهمة. وقد اتفق العلماء على أن من جاء يسأل عن الإيمان وكيفية الدخول في الإسلام وجب إجابته وتعليمه على الفور.
وقعوده صلى اللَّه عليه وسلم على الكرسي ليسمع الباقون كلامه ويروا شخصه الكريم، ويقال: كرسي بضم الكاف وكسرها، والضم أشهر ويحتمل أن هذه الخطبة التي كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم فيها خطبة أمر غير الجمعة، ولهذا قطعها بهذا الفصل الطويل.
ويحتمل أنها كانت الجمعة، واستأنفها، ويحتمل أنه لم يحصل فصل طويل ويحتمل أن كلامه لهذا الغريب كان متعلقا بالخطبة فيكون منها، ولا يضر المشي في أثنائها. (مسلم بشرح النووي) :
6/ 414- 415. (سنن النسائي) : 8/ 611، كتاب الزينة، باب (122) الجلوس على الكراسي، حديث رقم (5392) .
[ (1) ] قال الإمام النووي: وفي كتاب ابن قتيبة طلب بضم الخاء وآخره باء موحدة، وفسّره بالليف، وكلاهما تصحيف، والصواب حسبت بمعنى ظننت كما هو في نسخ مسلم وغيره من الكتب المعتمدة.
(مسلم بشرح النووي) : 6/ 414.
[ (2) ] أخرجه الإمام أحمد من حديث أبى رفاعة العدوي مختصرا في (المسند) : 6/ 79، حديث رقم (20229) .(7/127)
[و
روى إبراهيم بن يزيد العدوي البصري، عن إسحاق بن سويد العدوي، عن أبى رفاعة عبد اللَّه بن الحارث العدوي قال: دخلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو على كرسي خلت أن قوائمه حديد، فسمعته يقول:
إنك لن تدع شيئا للَّه إلا بدلك اللَّه خيرا منه] [ (1) ] .
[قال الحافظ أبو بكر بن ثابت: كذا قال، واسم أبى رفاعة: تميم بن أسيد، لا عبد اللَّه بن الحارث، حدّث عنه حميد بن هلال، ولا أعلم روى عنه إسحاق بن سويد شيئا] [ (1) ] .
قال ابن الجوزي: ولولا ما ذكرناه عن حميد لكان الأليق أن تكون من ليف قوائمه من حرير بالراء، والجريد: السعف.
وذكر المبرد في الكامل: أنه كان لعمر رضى اللَّه عنه كرسي يجلس عليه، وذكر النسائي أنه كان لعلى رضى اللَّه عنه كرسي يجلس عليه [ (2) ] .
[وأما ما كان يصلى عليه]
فخرج البخاري من حديث عبد اللَّه بن شداد بن الهاد، عن ميمونة رضى اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلى وأنا حذاه وأنا حائض،
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين سقط من (ج) وأثبتناه من (خ) ، والحديث أخرجه الإمام أحمد في (المسند) :
6/ 499 بسند آخر ولم يذكر فيه الكرسي، حديث رقم (22565) .
[ (2) ] (سنن النسائي) : 1/ 73، كتاب الطهارة، باب (76) عدد غسل الوجه، حديث رقم (93) : عن عليّ رضى اللَّه عنه أنه أتى بكرسىّ فقعد عليه، ثم دعا بتور فيه ماء فكفأ على يديه ثلاثا ... ،
وباب (77) غسل اليدين، حديث رقم (94) : عن عبد خير قال: شهدت عليا دعا بكرسىّ فقعد عليه، ثم دعا بماء في تور فغسل يديه ثلاثا ...
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 196، حديث رقم (992) عن عبد خير قال: كنت عند عليّ فأتى بكرسي وتور، قال: فغسل كفيه ثلاثا ... » ونحوه باختلاف يسير حديث رقم (1182) ، وكلاهما من مسند على بن أبى طالب.(7/128)
وربما أصابنى ثوبه إذا سجد، وكان يصلى على الخمرة. ترجم عليه باب:
إذا أصاب ثوب المصلى امرأته إذا سجد [ (1) ] ، وذكره في باب الصلاة على الخمرة، ولفظه: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يصلى على الخمرة [ (2) ] .
وخرّجه مسلم في موضعين من كتاب الصلاة، وذكر في أحدهما: وأنا حائض [ (3) ] ، ولم يذكره في الآخر، وقال: على خمرة [ (4) ] ، وخرّجه أبو داود أيضا [ (5) ] .
ولمسلم من حديث الأعمش، عن أبى سفيان عن جابر قال: حدثني أبو سعيد الخدريّ [رضى اللَّه عنه أنه] دخل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم، قال: فرأيته
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 643، كتاب الصلاة، باب (19) إذا أصاب ثوب المصلى امرأته إذا سجد، حديث رقم (379) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 1/ 647، كتاب الصلاة، باب (21) الصلاة على الخمرة، حديث رقم (381) .
قال ابن بطال: لا خلاف بين فقهاء الأمصار في جواز الصلاة على الخمرة، إلا ما روى عن عمر بن عبد العزيز رضى اللَّه عنه أنه كان يؤتى بتراب فيوضع على الخمرة، فيسجد عليه، ولعله كان يفعله على جهة المبالغة في التواضع والخشوع، فلا يكون فيه مخالفة للجماعة.
وقد روى ابن أبى شيبة، عن عروة بن الزبير، أنه كان يكره الصلاة على شيء دون الأرض، وكذا روى عن غير عروة، ويحتمل أن يحمل على كراهة التنزيه، واللَّه تعالى أعلم. (المرجع السابق) :
643- 644.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 477، كتاب الصلاة، باب (51) الاعتراض بين يدي المصلى، حديث رقم (273) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (274) ، وفي هذا دليل على أن وقوف المرأة بجنب المصلى لا يبطل صلاته، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، وأبطلها أبو حنيفة رضى اللَّه عنه.
وفيه أن ثياب الحائض طاهرة، إلا موضعا ترى عليه دما أو نجاسة أخرى.
وفيه جواز الصلاة بحضرة الحائض، وجواز الصلاة في ثوب بعضه على المصلى وبعضه على حائض أو غيره، وأما استقبال المصلى وجه غيره فمذهبنا، ومذهب الجمهور كراهته، ونقله القاضي عياض عن عامة العلماء رحمهم اللَّه تعالى. (مسلم بشرح النووي) : 4/ 477.
[ (5) ] (سنن أبى داود) : 1/ 429، كتاب الصلاة، باب (91) الصلاة على الخمرة، حديث رقم (656) .(7/129)
يصلى على حصير يسجد عليه [ (1) ] . [قال: ورأيته يصلى في ثوب واحد متوشحا به] [ (2) ] .
وفي رواية له قال: حدثني أبو سعيد أنه دخل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فوجده يصلى على حصير يسجد عليه [ (3) ] .
والخمرة بضم الخاء المعجمة وسكون الميم: هي كالحصير الصغير من سعف النخل مضفّر بالسيور ونحوها، بقدر الوجه والكفين، وهي أصغر من أن يصلى عليها، سميت بذلك لأنها تستر الوجه والكفين من برد الأرض وحرّها، فإن كبرت عن ذلك فهي حصير. وفيه دليل على اتخاذ السجادة [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 480، كتاب الصلاة، باب (52) الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه، حديث رقم (284) .
[ (2) ] ما بين الحاصرتين تمام الحديث من (المرجع السابق) ، وفيه دليل على جواز الصلاة على شيء يحول بينه وبين الأرض من ثوب، وحصير وصوف وغير ذلك، وسواء نبت من الأرض أم لا، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور.
وقال القاضي رحمه اللَّه تعالى: أما ما نبت من الأرض فلا كراهة وأما البسط واللبود وغيرها مما ليس من نبات الأرض، فتصح الصلاة فيه بالإجماع، لكن الأرض أفضل منه، إلا لحاجة حرّ أو برد، أو نحوهما، لأن الصلاة سرّها التواضع والخضوع. واللَّه عز وجل أعلم. (مسلم بشرح النووي) 4/ 480- 481.
[ (3) ] راجع التعليق السابق.
[ (4) ] قال في (اللسان) : الخمرة: حصير أو سجادة صغيرة تنسج من سعف النخيل وترمل بالخيوط.
وقيل: حصيرة أصغر من المصلى، وقيل: الخمرة الحصيرة الصغير الّذي يسجد عليه. وفي الحديث أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يسجد على الخمرة، وهو حصير صغير قدر ما يسجد عليه، ينسج من السعف.
قال الزجاج: سميت خمرة لأنها تستر الوجه من الأرض. وفي حديث أم سلمة، قال لها وهي حائض: ناوليني الخمرة، وهي مقدار ما يضع الرجل على وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة خوص من النبات، قالك ولا تكون خمرة إلا في هذا المقدار، وسميت خمرة لأنها خيوطها مستورة بسعفها.(7/130)
ولمسلم من حديث عائشة رضى اللَّه عنها قالت: قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:
ناوليني الخمرة من المسجد، قالت: فقلت: أنا حائض، فقال: «إن حيضتك ليست في يدك. ذكره من حديث أبى معاوية، عن الأعمش، عن ثابت بن عبيد القاسم بن محمد عن عائشة [رضى اللَّه عنها] [ (1) ] .
وذكره من حديث يحيى بن سعيد، عن يزيد بن كيسان، عن أبى حازم، عن أبى هريرة قال: بينما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوما في المسجد فقال:
يا عائشة، ناوليني الثوب [ (2) ] ، فقلت: إني حائض، فقال: إن حيضتك ليست في يدك، فناولته [ (3) ] .
__________
[ () ] قال ابن الأثير: وقد تكررت في الحديث، وهكذا فسرت. وقد جاء في (سنن أبى داود) ، عن ابن عباس قال: جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة، فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدا عليها، فأحرقت منها مثل موضع درهم.
قال: وهذا صريح في إطلاق الخمرة على الكبير من نوعها. (لسان العرب) : 4/ 258.
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 214، كتاب الحيض، باب (3) جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله، وطهارة سؤرها، والاتكاء في حجرها، وقراءة القرآن فيه، حديث رقم (11) .
وأخرجه أيضا من حديث أبى غنية عن ثابت بن عبيد، عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: أمرنى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن أناوله الخمرة من المسجد فقلت: إني حائض، فقال: تناوليها فإن الحيضة ليست في يدك (المرجع السابق) : حديث رقم (12) .
[ (2) ] في (خ) ، (ج) : «الخمرة» ، وصححناه من (صحيح مسلم) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 214- 215، حديث رقم (13) .
قال القاضي عياض رضى اللَّه عنه: معناه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال لها ذلك من المسجد، أي وهو في المسجد لتناوله إياها من خارج المسجد، لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أمرها أن تخرجها له من المسجد، لأنه صلى اللَّه عليه وسلم كان في المسجد معتكفا، وكانت عائشة في حجرتها وهي حائض
لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: «إن حيضتك ليست في يدك»
فإنما خافت من إدخال يدها المسجد، ولو كان أمرها بدخول المسجد لم يكن لتخصيص اليد معنى. واللَّه أعلم.
وأما
قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «إن حيضتك ليست في يدك» ،
فهو يفتح الحاء، هذا هو المشهور في الرواية. وهو الصحيح. وقال الإمام أبو سليمان الخطابي: المحدثون يقولونها بفتح الحاء، وهو خطأ، وصوابها(7/131)
وخرجه أبو داود [ (1) ] والترمذي [ (2) ] والنسائي ولفظه [ (3) ] : فقالت: إني لا أصلى [ (4) ] .
وللنسائى من حديث سفيان، عن منبوذ، عن أمه أن ميمونة قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يضع رأسه في حجر إحدانا فيتلو القرآن وهي حائض، وتقوم إحدانا بالخمرة إلى المسجد فتبسطها وهي حائض. ترجم عليه: بسط الحائض الخمرة في المسجد [ (5) ] .
__________
[ () ] بالكسر، أي الحالة والهيئة.
وأنكر القاضي عياض هذا على الخطابي، وقال: الصواب هنا ما قاله المحدثون من (الفتح) ، لأن المراد الدم، وهو الحيض بالفتح بلا شك،
لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: ليست في يدك، معناه أن النجاسة التي يصان المسجد عنها، وهي دم الحيض ليست في يدك. (المرجع السابق) : 214- 215.
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 1/ 179، كتاب الطهارة، باب (104) في الحائض تناول من المسجد، حديث رقم (261) ، وفي الحديث من الفقه: أن للحائض أن تناول الشيء بيدها من المسجد، وأن من حلف لا يدخل دارا أو مسجدا فإنه لا يحنث بإدخال يده أو بعض جسده فيه، ما لم يدخل بجميع بدنه (معالم السنن للخطابى) : 1/ 179.
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 1/ 241- 242، أبواب الطهارة، باب (101) ما جاء في الحائض تتناول الشيء من المسجد، حديث رقم (134) ، قال: وفي الباب عن ابن عمر، وأبى هريرة. قال أبو عيسى:
حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو قول عامة أهل العلم، لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك:
بأن لا بأس أن تتناول الحائض شيئا من المسجد.
[ (3) ] عن سفيان، عن منبوذ، عن أمه أن ميمونة قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يضع رأسه في حجر إحدانا فيتلو القرآن وهي حائض، وتقوم إحدانا بالخمرة إلى المسجد فتبسطها وهي حائض. (سنن النسائي) : 1/ 161، كتاب الطهارة، باب (174) بسط الحائض الخمرة في المسجد، حديث رقم (272) .
[ (4) ] قولها: «لا أصلى» قالته لما
قال لها صلى اللَّه عليه وسلم: «يا عائشة ناوليني الثوب» ، ولم يذكر الخمرة. (المرجع السابق) : كتاب الطهارة، باب (173) استخدام الحائض، حديث رقم (270) .
[ (5) ] (سنن النسائي) : 1/ 210- 211، كتاب الحيض، باب (19) بسط الحائض الخمرة في المسجد، حديث رقم (283) .(7/132)
وخرجه قاسم بن أصبغ من حديث الحميدي، أخبرنا سفيان، حدثني منبوذ المكيّ عن أمه قالت: كنا عند ميمونة، فدخل عليها ابن عباس فقالت: أي بنى، ما لي أراك أشعث؟ فقال: إن مرجلتى أم عمار حائض، فقالت: أي بنى، وأين الحيضة من اليد، إن كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليضع رأسه في حجر إحدانا وهي حائض، ثم يتلو القرآن، وإن كانت إحدانا لتقوم إليه بخمرتها فتبسطها وهي حائض فيصلي عليها، أي بنى، وأين الحيضة من اليد [ (1) ] ؟
وخرجه محمد بن أيمن ولفظه: وإن كانت إحدانا لتقوم إليه فتناوله الحصير بيدها وهي حائض. الحديث. وفي لفظ له: قالت: كنت عند ميمونة، فذكر مثل حديث الحميدي عن سفيان وقال: ثم تقوم إحدانا بخمرته فتضعها في مسجده [ (1) ] .
وللإمام أحمد من حديث محمد بن ربيعة، أخبرنا يونس بن الحارث الطائفي، عن أبى عون عن أبيه، عن المغيرة بن شعبة قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يصلى-[أو يستحب أن يصلى [ (2) ]]- على فروة مدبوغة [ (3) ] . [وكانت له عليه السلام جفنة يطعم فيها الناس، يحملها أربعة رجال تسمى الغرّاء] [ (4) ] .
__________
[ (1) ] راجع التعليق السابق.
[ (2) ] زيادة للسياق من (المسند) .
[ (3) ] (مسند أحمد) : 5/ 311، حديث رقم (17762) من حديث المغيرة بن شعبة.
[ (4) ] ما بين الحاصرتين ليس في (المسند) ، في (خ) ، (ج) فقط.(7/133)
فصل في ذكر سلاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سلاح وآلات حرب، ما بين: سيوف، ودروع، وقسىّ، وسهام، ومغفر، وألوية، ورايات، وعنزة.
[فأمّا سيوفه صلى اللَّه عليه وسلم]
فتسعة: مأثور [ (1) ] ، والعضب [ (2) ] ، وذو الفقار [ (3) ] ، والقلعي، والبتّار [ (4) ] ، والحتف [ (5) ] ، والرسوب، والمخدم [ (6) ] ، والقضيب [ (7) ] ، وأشهرها ذو الفقار، ويقال: إن أصله من حديدة وجدت مدفونة عند الكعبة فصنع منها، [وكان طوله سبعة أشبار وعرضه شبرا] [ (8) ] .
قال الواقدي: فحدثني عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن ذكوان عن أبيه، عن
__________
[ (1) ] وهو أول سيف ملكه، ورثه صلى اللَّه عليه وسلم من أبيه. (زاد المعاد) : 1/ 130، فصل في ذكر سلاحه وأثاثه صلى اللَّه عليه وسلم.
[ (2) ] أعطاه إياه سعد بن عبادة (الوافي) : 1/ 91.
[ (3) ] بكسر الفاء، وبفتح الفاء، وكان لا يكاد يفارقه، وكانت قائمة قبيعته، وحلقته، وذؤابته، وبكراته، ونعله من فضة. تنفّله يوم بدر من بنى الحجاج السّهميين، ورأى في النوم في ذبابه ثلمة فأولها هزيمة، وكانت يوم أحد. (زاد المعاد) : 1/ 130، (الوافي) : 1/ 91.
[ (4) ] في (خ) : «القلعي وهو البتار» ، وما أثبتناه من سائر المراجع وهو الصحيح.
[ (5) ] وأصاب من سلاح بنى قينقاع ثلاثة أسياف: سيف قلعىّ بفتح اللام، وسيف يدعى بتارا، وسيف يدعى الحتف. (الوافي) : 1/ 91.
[ (6) ] وكان له المخدم والرسوب، أصابهما من الفلس، وهو صنم لطيّئ، (الوافي) : 1/ 91.
[ (7) ] والقضيب، وهو أول سيف تقلد به صلى اللَّه عليه وسلم. (الوافي) : 1/ 91.
[ (8) ] ما بين الحاصرتين سقط من الناسخ في (ج) .(7/134)
عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، حدثني محمد بن عبد اللَّه عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قالا: تنفل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سيفه ذا الفقار يومئذ- يعنى يوم بدر- وكان لمنبه بن الحجاج، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد غزا إلى بدر بسيف وهبه له سعد بن عبادة يقال له:
العضب، ودرعه ذات الفضول [ (1) ] ، فسمعت ابن أبى سبرة يقول: سمعت صالح بن كيسان يقول: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم بدر وما معه سيف، وكان أول سيف تقلده سيف منبه بن الحجاج، غنمه يوم بدر] [ (2) ] .
ولابن حيّان من حديث عبد الرحمن بن أبى الزناد عن أبيه، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما [قال] إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سل سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الّذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد [ (3) ] .
ومن حديث يزيد بن أبى حبيب، عن مرثد بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن زرير، عن [عمر] رضى اللَّه عنه قال: كان اسم سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذا الفقار [ (4) ] .
ومن حديث وكيع عن إسرائيل، عن جابر قال: أخرج إلينا عليّ بن الحسين سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا قبيعته والحلقتان اللتان فيهما الحمائل فضة، قال: فسللته، فإذا هو [سيف] [ (5) ] قد نحل، كان سيفا لمنبه بن
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 103.
[ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (3) ] (أخلاق النبي) : 139.
[ (4) ] أخرجه الحافظ العراقي في (المغنى عن حمل الأسفار) : 2/ 585، ضمن حديث طويل للطبراني، وقال: وفيه على بن غررة الدمشقيّ، نسب إلى وضع الحديث، ورواه أبو الشيخ من حديث الحسن مرسلا، وله من
حديث على بن أبى طالب: كان اسم سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذا الفقار.
[ (5) ] زيادة للسياق من (طبقات ابن سعد) .(7/135)
الحجاج السهمي، اتخذه [ (1) ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم بدر [ (2) ] .
وعن الشعبي [قال] : أخرج إلينا على بن الحسين سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا قبيعته من فضة، وإذا حلقته التي تكون فيها الحمائل من فضة، وسللته، وإذا هو سيف قد نحل، كان لمنبه بن الحجاج [و] أصابه يوم بدر [ (3) ] .
[وذكر الزبير بن بكار، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أعطى ذا الفقار عليّ بن أبى طالب يوم أحد، ويقال إن ذا الفقار كان لنبيه بن الحجاج، وقال الكلبي:
كان للعاص بن منبه بن الحجاج] [ (4) ] .
ويروى عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] ، أن الحجاج بن علاط أهدى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [سيفه] ذا الفقار، وأن دحية أهدى له بغلته الشهباء.
وقال ابن سيرين: صنعت سيفي على سيف سمرة، وقال سمرة: صنعت سيفي على سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وكان حتفيا.
وقال محمد بن حمير: أخبرنا أبو الحكم الصيقل، حدثني مرزوق الصيقل، أن صقل سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذا الفقار كانت قبيعة من فضة وحلق في قيده، وبكر في وسطه من فضة.
وفي رواية: كانت له قبيعة من فضة، وبكرة في وسطه من فضة، وحلقها من فضة. قال ابن عبد البر: في إسناد حديثه لين.
ولأبى داود من حديث جرير بن حازم قال: أخبرنا قتادة عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فضة [ (5) ] . ومن
__________
[ (1) ] في (المرجع السابق) : «أصابه يوم بدر» .
[ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 486.
[ (3) ] راجع التعليق السابق.
[ (4) ] ما بين الحاصرتين زياد من (خ) وليست في (ج) .
[ (5) ] (سنن أبى داود) : 3/ 68- 69، كتاب الجهاد، باب (71) في السيف يحلى، حديث رقم(7/136)
حديث قتادة، عن سعيد بن أبى الحسن قال: كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فضة [ (1) ] ، قال قتادة: وما علمت أحدا تابعه [عليه] [ (2) ] .
ومن حديث يحيى بن كثير [أبو عثمان العنبري] [ (3) ] ، عن عثمان بن سعد [ (4) ] ، عن أنس [بن مالك] [ (4) ] قال: كانت [قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فضة] [ (5) ] . قال أبو داود: أقواها حديث سعيد بن أبى الحسن، والباقي كلها ضعاف [ (6) ] .
وخرّجه الترمذي من حديث جرير بن حازم، أخبرنا [ (7) ] أبى عن قتادة، عن أنس [رضى اللَّه عنه قال] : كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من فضة.
قال: هذا حديث حسن غريب [ (8) ] ، [وهكذا روى عن همام عن قتادة عن أنس] [ (9) ] وقد روى بعضهم عن قتادة، عن سعيد بن أبى الحسن قال:
كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من فضة [ (10) ] .
__________
[ () ] (2583) ، وقبيعة السيف هي الثومة التي فوق المقبض، ويستدل به على جواز تحلية اللجام باليسير من الفضة، وسقوط الزكاة عنه على مذهب من يسقط الزكاة عن الحلي.
وقد قيل: إنه لا يجوز ذلك لأنه من زينة الدابة، وإنما جاز ذلك في السيف، لأنه من زينة الرجل وآلته، فيقاس عليه المنطقة ونحوها من أداة الفارس دون أداة الفرس. (معالم السنن) 10/ 68.
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2584) .
[ (2) ] كذا في الأصلين (خ) ، (ج) ، وفي (المرجع السابق) : «تابعه على ذلك» .
[ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (4) ] عثمان هو أبو بكر التميمي البصري الكاتب- تكلم فيه غير واحد.
[ (5) ] كذا في الأصلين، وفي (المرجع السابق) : «قال: كانت فذكر مثله» .
[ (6) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2585) .
[ (7) ] كذا في الأصلين، وفي (سنن الترمذي) : «حدثنا» .
[ (8) ] (سنن الترمذي) : 4/ 173- 174، كتاب الجهاد، باب (16) ما جاء في السيوف وحليتها، حديث رقم (1691) .
[ (9) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (10) ] (المرجع السابق) : 174.(7/137)
وخرّج الإمام أحمد من حديث عفّان قال: جاء أبو جزى- واسمه نصر ابن طريف- إلى جرير بن حازم، يشفع لإنسان، فحدثه جرير، فقال جرير:
أخبرنا قتادة عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من فضة، قال أبو جزى: كذب، واللَّه ما حدثناه قتادة الأغر سعيد بن أبى الحسن. قال أحمد: وهو قول أبى جزى، يعنى أصاب وأخطأ جرير، قلت: جرير بن حازم ثقة، وأبو جزى متروك الحديث، إلا أنه أصاب في هذا، وأخطأ جرير بن حازم [ (1) ] .
قال ابن معين: أبو جزى ليس حديثه بشيء، وقال أبو حفص عمرو بن العلاد الفلاس: أجمع أهل العلم من أهل الحديث أنه لا يروى عن جماعة سمّاهم، أحدهم أبو جزى نصر بن طريف [ (1) ] .
وقال ابن أبى حاتم: سألت أبى عن أبى جزى نصر بن طريف فقال: ليس بشيء، وهو متروك الحديث [ (1) ] .
__________
[ (1) ] نصر بن طريف أبو جزىّ الباهلي البصري، روى عن قتادة، وحماد بن أبى سليمان، قال ابن المبارك:
كان قدريا، وقال أحمد: لا يكتب حديثه، وقال النسائي وغيره: متروك، وضعّفه العجليّ، وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال الخليلي في (الإرشاد) : ضعفوه.
عبد الرحمن بن مهدي: مرض أبو جزى فدخلنا عليه فقال: أسندوني، فسند وقال: فأقبل علينا فقال: كل ما حدثتكم عن فلان وفلان الّذي قال ليس عندي عنهما، [يعترف بأنه غيّر في الأسانيد] .
وهب بن زمعة عن عبد اللَّه بن المبارك أنه ترك حديث نصر بن طريف أبو جزى قال أحمد بن حنبل: ولا يكتب حديث نصر بن طريف أبو جزى، ويحيى بن معين يقول: ومن المعروفين بالكذب وبوضع الحديث أبو جزى نصر بن طريف.
وقال ابن عدي في (الكامل) بعد أن ذكر عدة أحاديث من مرويات أبى جزى: ولأبى جزى غير ما ذكرت من الحديث من المناكير وغيره، وربما يحدث بأحاديث يشارك فيها الثقات، إلا أن الغالب على راياته أنه يروى ما ليس محفوظا، وينفرد عن الثقات بمناكير، وهو بيّن الضعف، وقد أجمعوا على ضعفه. له ترجمة في (الكامل في الضعفاء) : 7/ 30- 35، ترجمة رقم (17/ 1970) ، (لسان الميزان) : 6/ 183، ترجمة رقم (44/ 8777) ، (المغنى في الضعفاء) :(7/138)
وللترمذي من حديث طالب بن حجير، عن هود بن عبد اللَّه بن سعد [ (1) ] عن جده قال: دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [مكة] [ (2) ] يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضة، قال طالب: فسألته عن الفضة، فقال: كان قبيعة السيف فضة [ (3) ] .
[قال أبو عيسى: وفي الباب عن أنس، وهذا حديث حسن غريب، وجدّ هود اسمه مزيدة العصفري] [ (4) ] .
وللنسائى من حديث أنس رضى اللَّه عنه قال: كان نصل [سيف]
__________
[ () ] 2/ 696، ترجمة رقم (6613) ، (ميزان الاعتدال) : 4/ 254، ترجمة رقم (9047) .
[ (1) ] في (سنن الترمذي) : «سعد» ، وفي (الأصلين) : «سعيد» .
[ (2) ] زيادة من (الأصلين) ، وهي في رواية الترمذي في (الشمائل) .
[ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 173، كتاب الجهاد، باب (16) ما جاء في السيوف وحليتها، حديث رقم (1960) .
[ (4) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
وأخرج الترمذي في (الشمائل) : 98، باب (14) ما جاء في صفة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (106) من حديث وهب بن جرير، عن أبيه، عن قتادة، عن أنس، قال: كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من فضة، وهو حديث صحيح. والقبيعة- بفتح القاف-: ما على رأس مقبض السيف من فضة أو حديد أو غيرهما، أو هي التي تكون على رأس قائم السيف، وقيل: هي ما تحت شاربى السيف.
وهو حديث صحيح ورجال إسناده ثقات كلهم، غير أن جرير بن حازم في حديثه عن قتادة ضعف، قاله ابن معين وغيره، وأيضا قتادة مدلس وقد عنعن، ولكن يخفف من هذه العنعنة أن في إحدى الطرق الراويّ عنه همام، وهو ثبت في قتادة، ولكن للحديث طرق عن أنس وشواهد يصح بها.
والحديث أخرجه الدارميّ في (السنن) : 2/ 221، كتاب السير، باب في قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن أنس قال: كان قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فضة، قال عبد اللَّه: هشام الدستوائى خالفه، قال قتادة عن سعيد بن أبى الحسن عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وزعم الناس أنه هو المحفوظ.
وابن سعد في (الطبقات) : 1/ 487 من حديث قتادة عن أنس، في ذكر سيوف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 140، والطحاوي في (مشكل الآثار) : 2/ 166- 167،(7/139)
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فضة، وقبيعة سيفه فضة، وما بين ذلك حلق فضّة [ (1) ] .
__________
[ () ] باب بيان مشكل ما روى عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في إباحته تحلية السيف بالفضة، وابن عدي في (الكامل) : 2/ 126، في ترجمة جرير بن حازم بن زيد الجهضمي رقم (8/ 333) ، والبيهقي في (السنن الكبرى) : 4/ 143. كتاب الزكاة، باب ما ورد فيما يجوز للرجل أن يتحلى به من خاتمة وحلية سيفه، ومصحفه، إذا كان من فضة، ثم قال: وهذا مرسل، وهو المحفوظ، وروى من وجه آخر موصولا عن أنس.
وقد أعله أبو داود، والدارميّ، والبيهقي، بأن هشام الدستوائى رواه عن قتادة، عن سعيد بن أبى الحسن البصري مرسلا، وهو الحديث رقم (107) من (الشمائل المحمدية) : عن قتادة، عن سعيد ابن أبى الحسن البصري، قال: كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من فضة، وهو حديث مرسل.
وأما الحديث رقم (108) من (الشمائل المحمدية) : من حديث طالب بن حجير، عن هود- وهو ابن عبد اللَّه بن سعيد- عن جده قال: دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مكة يوم الفتح، وعلى سيفه ذهب وفضة، وهو حديث ضعيف، وفي إسناده هو بن عبد اللَّه، قال عنه ابن القطان: مجهول. وقال الذهبي في (الميزان) : لا يكاد يعرف، وذكره ابن حبان في (الثقات) ، وقال عنه الحافظ في (التقريب) : مقبول. يعنى عند المتابعة، وإلا فلين الحديث. وشيخ المصنف هو محمد بن إبراهيم بن صدران المؤذن، وهو صدوق، وكذا طالب بن حجير صدوق، وجد هود هو مزيدة- وهو جده لأمه، وهو صحابى قليل الحديث، والحديث أخرجه أبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 140.
وأما الحديث رقم (109) من (الشمائل المحمدية) : من حديث أبى عبيدة الحداد، عن عثمان ابن سعد، عن ابن سيرين، قال: صنعت سيفي على سيف سمرة بن جندب، وزعم سمرة بن جندب أنه صنع سيفه على سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وكان حنفيا، وهو حديث ضعيف، وفي إسناده عثمان بن سعد الكاتب، وقد تكلم فيه يحى القطان من قبل حفظة، وضعفه غير واحد، ولذا قال عنه الحافظ في (التقريب) ضعيف، وباقي رجال الإسناد ثقات. أبو عبيدة الحداد هو عبد الواحد بن واصل السدوسي، وهو ثقة تكلم فيه الأزدي بغير حجة.
وللحديث طريق آخر، هو الحديث رقم (110) من (الشمائل المحمدية) : من حديث عقبة بن مكرم البصري، حدثنا محمد بن بكر، عن عثمان بن سعد بهذا الإسناد بنحوه، ويراجع في تخريجه ما جاء في الكلام على الحديث رقم (109) .
قوله: «وكان حنفيا» : أي وكان سيفه حنفيا، نسبة لبني حنيفة، وهم قبيلة مسيلمة، لأنهم معروفون بحسن صنعة السيوف، فيحتمل أن صانعه كان منهم، ويحتمل أنه أتى به من عندهم، وهذه الجملة من كلام سمرة فيما يظهر، ويحتمل أنها من كلام ابن سيرين على الإرسال. (حاشية الباجوري على الشمائل المحمدية) : 111.
[ (1) ] (سنن النسائي) : 8/ 610، كتاب الزينة، باب (120) حلية السيف، حديث رقم (5389) ،(7/140)
وقال جعفر بن محمد الصادق: رأيت سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قائمه من فضة، ونصله من فضة، وبين ذلك حلق من فض، هو الآن عند هؤلاء، يعنى آل العباس [ (1) ] .
وقال الأصمعي: دخلت على الرشيد فقال: أريكم سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذا الفقار؟ قلنا: نعم، فجاء به، فما رأيت سيفا قطّ أحسن منه، إذا نصب لم تر فيه شيء، وإذا بطح عدّ فيه سبع فقر، وإذا صفيحة يمانية يحار فيه الطرف من حسنه.
وفي رواية: أحضر الرشيد ذا الفقار يوما بين يديه، فاستأذنته في تقليبه، فأذن لي فقلبته، واختلفت أنا والحاضرين في عدة فقاره، هل هي سبع عشرة؟
وذكر قاسم في كتاب (الدلائل) : أن ذلك كان يرى في رونقه شبيها بفقار الحيّة، يراه الناظر فإذا التمس لم يوجد [لها أثر] .
[و] ذكر الواقدي أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قدم المدينة في الهجرة بسيف كان لأبيه مأثور، والعضب، وبذات الفضول سعد بن عبادة رضى اللَّه عنه إلى
__________
[ () ] وللنسائى أيضا من حديث عثمان بن حكيم عن أبى أمامة بن سهل، حديث رقم (5388) .
كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من فضة، ومن حديث هشام عن قتادة، عن سعيد بن أبى الحسن، حديث رقم (5390) : كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من فضة.
[ (1) ] راجع التعليق السابق، وذكر ابن أبى حاتم في (علل الحديث) : 1/ 313، حديث رقم (938) :
سألت أبى عن حديث رواه أبو معاوية الضرير، عن حجاج عن قتادة، عن سعيد بن أبى الحسن عن عبد اللَّه بن عمرو، قال: كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من فضة، قال أبى: إنما هو سعيد بن أبى الحسن قال: «كان قبيضة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم» ، مرسل بلا عبد اللَّه بن عمرو.
وفي ص 483، حديث رقم (1446) : سألت أبا زرعة عن حديث رواه يحيى بن كثير أبو غسان، عن عثمان بن سعد، عن أنس قال: كان سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حنفي وحليته فضة. قال أبو زرعة، رواه أبو عبيدة الحداد، عن عثمان بن سعد، عن ابن سيرين، عن سمرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، قلت:
هو الصحيح؟ قال أبو زرعة: أبو عبيدة أحفظ، فقلت: الوهم ممن هو؟ قال: من يحيى بن كثير.(7/141)
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين سار إلى بدر، فشهد بهما وقعة بدر [ (1) ] .
وأصاب صلى اللَّه عليه وسلم من سلاح بنى قينقاع ثلاثة أسياف: سيفا قلعيا، وسيفا يدعى بتّار، وسيفا يدعى الحتف [ (2) ] .
وبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عليّ بن أبى طالب رضى اللَّه عنه [ (3) ] إلى الفلس صنم طيِّئ، فوجده مقلدا سيفين يقال لهما: مجذم ورسوب، وهما سيفان كانا للحارث بن أبى شمر الغسّانى، يتقلدهما عن يمينه وشماله، فنذر لئن ظفر ببعض أعاديه، ليهديهما إلى الفلس، فظفر به فأهداهما إليه، وهما اللذان يقول فيهما علقمة بن عبدة التميمي:
مظاهر سربالى حديد عليهما ... عقيلا سيوف مجذم ورسوب
وصمصامة عمرو بن معديكرب، وهبها لخالد بن سعيد، وكانت مشهورة عند العرب [ (4) ] .
[وأما دروعه صلى اللَّه عليه وسلم]
فسبع: ذات الفضول، وذات الوشاح، وذات الحواشي، والسعدية، وفضة، والبتراء، والخرنق. [ويقال: كانت عنده صلى اللَّه عليه وسلم درع داود التي لبسها لما قتل جالوت] [ (5) ] .
__________
[ (1) ] سبق تخريج هذا الأثر.
[ (2) ] (مغازي الواقدي) 1/ 178- 179، غزوة بنى قينقاع، ولم يذكر اسم السيف الثالث.
[ (3) ] كذا في (خ) ، (ج) ، وفي (المغازي) : «عليه السلام» .
[ (4) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 988 باختلاف يسير، حيث يقول الواقدي: «ووجد في بيته ثلاثة أسياف:
رسوب، والمخدم، وسيفا يقال له اليماني، ثم قال: وعزل النبي صلى اللَّه عليه وسلم صفيا رسوبا، والمخذم، ثم صار له بعد السيف الآخر.
[ (5) ] ما بين الحاصرتين في (خ) سقط، (زاد المعاد) : 1/ 130، (طبقات ابن سعد) 1/ 487.(7/142)
فذات الفضول والسعدية، يقال إنهما كانتا لعكين القينقاعي، وكان من أبطالهم، ويقال: إنه صلى اللَّه عليه وسلم أصاب يوم بنى قينقاع من سلاحهم ثلاثة أرماح، وثلاثة قسىّ، ودرعين: درع يقال لها السعدية، ودرع تسمى فضة [ (1) ] .
وقال محمد بن مسلمة: رأيت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [يوم] أحد درعين، درعه ذات الفضول و [درعه فضة، ورأيت عليه يوم خيبر درعين: ذات الفضول والسعدية [ (2) ] .]
وروى أن سعد بن عبادة بعث بذات الفضول وبالعضب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لمّا توجّه لبدر، وسميت ذات الفضول لطولها، وهي الدرع التي رهنها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند أبى شحم اليهودىّ على شعير لعياله.
خرّج مسلم من حديث عبد الواحد بن زياد، عن الأعمش قال: ذكرنا الرهن في السّلم عند إبراهيم النخعي فقال: أخبرنا [ (3) ] الأسود بن يزيد عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اشترى طعاما من يهودي [ (4) ] إلى أجل، ورهنه درعا له من حديد [ (5) ] .
وذكره البخاري في السّلم، ولفظه: أخبرنا [ (6) ] الأعمش قال: تذاكرنا عند إبراهيم الرهن في السّلف، فقال حدثني الأسود عن عائشة، أن النبي
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) 1/ 178، غزوة بنى قينقاع وذكر الخبر مطولا.
[ (2) ] (المرجع السابق) : 179 بسياقه أتم.
[ (3) ] في (صحيح مسلم) : «حدثنا» .
[ (4) ] في (صحيح مسلم) : «من يهودىّ طعاما» .
[ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 43- 44، كتاب المساقاة، باب (24) الرهن وجوازه في الحضر والسفر، حديث رقم (126) ، وقال ابن القيم: ذات الفضول: وهي التي رهنها عند أبى الشحم اليهودي على شعير لعياله، وكانت ثلاثين صاعا، وكان الدين إلى سنة، وكانت الدرع من حديد (زاد المعاد) : 1/ 130.
[ (6) ] كذا في (خ) ، (ج) وفي (البخاري) : «حدثنا» .(7/143)
صلى اللَّه عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما إلى أجل [معلوم] [ (1) ] وارتهن منه درعا من حديد. ترجم عليه باب الرهن في السّلم [ (2) ] .
وذكره في كتاب الرهن وقال: تذاكرنا عند إبراهيم الرهن والقبيل في السلف، فقال إبراهيم: أخبرنا الأسود مثله، وقال: رهنه درعه. وترجم عليه باب من رهن درعه [ (3) ] .
وخرّجاه من حديث حفص بن عياش، عن الأعمش، عن إبراهيم قال:
حدثني الأسود عن عائشة رضى اللَّه عنها عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم [مثله] ، ولم يذكر: من حديد.
ولفظ البخاري: أخبرنا [ (4) ] الأعمش، قال: ذكرنا عند إبراهيم الرهن في السلف فقال: لا بأس به، ثم حدثنا عن الأسود عن عائشة رضى اللَّه عنها أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم اشترى طعاما من يهودي إلى أجل فرهنه درعه. ترجم عليه باب: شراء الطعام إلى أجل [ (5) ] .
وخرّجاه من حديث أبى معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: اشترى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من يهودي طعاما بنسيئة ورهنه درعه [ (6) ] . ولفظ مسلم: فأعطاه درعا له رهنا [ (7) ] . ترجم عليه
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (البخاري) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 4/ 545، كتاب السلم، باب (6) الرهن في السلم، حديث رقم (2252) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 5/ 177، كتاب الرهن، باب (2) من رهن درعة، حديث رقم (2509) ، وإبراهيم هو النخعىّ.
[ (4) ] في (البخاري) : «حدثنا» .
[ (5) ] (فتح الباري) : 4/ 503، كتاب البيوع، باب (88) شراء الطعام إلى أجل حديث رقم (2200) .
[ (6) ] (فتح الباري) 4/ 401، كتاب البيوع، باب (33) شراء الإمام الحوائج بنفسه، حديث رقم (2096) ، وفائدة الترجمة رقع توهم من يتوهم أن تعاطى ذلك يقدح في المروءة.
[ (7) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 43، كتاب المساقاة، باب (24) الرهن وجوازه في الحضر، حديث(7/144)
البخاري باب: شراء الحوائج بنفسه.
وخرّجاه من حديث جرير عن الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: اشترى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من يهودي طعاما ورهنه درعه. ترجم عليه باب: الرهن عند اليهود وغيرهم [ (1) ] .
وخرّجه مسلم من حديث عيسى بن يونس عن الأعمش بهذا الإسناد مثله، غير أنه قال: درعا من حديد [ (2) ] .
وخرّجه البخاري من حديث سفيان عن الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود، عن عائشة، رضى اللَّه عنها، قالت: توفى النبي صلى اللَّه عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين [يعنى] [ (3) ] صاعا من شعير [ (4) ] .
__________
[ () ] رقم (124) ، وفيه جواز معاملة أهل الذمة، والحكم بثبوت أملاكهم على ما في أيديهم، وفيه بيان ما كان عليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم من التقلل من الدنيا وملازمة الفقر.
وفيه جواز الرهن، وجواز رهن آلة الحرب عند أهل الذمة، وجواز الرهن في الحضر، وبه قال الشافعيّ، ومالك، وأبو حنيفة، وأحمد، والعلماء كافة، إلا مجاهدا وداود، فقالا: لا يجوز إلا في السفر، تعلقا بقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ.
واحتج الجمهور بهذا الحديث، وهو مقدم على دليل خطاب الآية، وأما اشتراء النبي صلى اللَّه عليه وسلم الطعام من اليهودي ورهنه عنده دون الصحابة، فقيل: فعله بيانا لجواز ذلك، وقيل: لأنه لم يكن هناك طعام فاضل عن حاجة صاحبه إلا عنده، وقيل: لأن الصحابة لا يأخذون رهنه صلى اللَّه عليه وسلم، ولا يقبضون منه الثمن، فعدل إلى معاملة اليهودي، لئلا يضيق على أحد من أصحابه.
وقد أجمع المسلمون على جواز معاملة أهل الذمة، وغيرهم من الكفار، إذا لم يتحقق تحريم ما معه، لكن لا يجوز للمسلم أن يبيع أهل الحرب سلاحا وآلة حرب، ولا يستعينون به في إقامة دينهم، ولا بيع مصحف، ولا عبد المسلم لكافر مطلقا واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) :
11/ 43- 44.
[ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 181، كتاب الرهن، باب (5) الرهن عند اليهود وغيرهم، حديث رقم (2513) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 43، كتاب المساقاة، باب (24) الرهن وجوازه في الحضر والسفر، حديث رقم (125) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (البخاري) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 8/ 191، كتاب المغازي، باب (87) بدون ترجمة، حديث رقم (4467) .(7/145)
وقال يعلى: حدثنا الأعمش: «درع من حديد» ، وقال معلّى:
[حدثنا] عبد الواحد عن الأعمش وقال: رهنه درعا من حديد. ذكره في باب ما قيل في درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم والقميص في الحرب [ (1) ] .
وقال في آخر المغازي، من حديث سفيان عن الأعمش بهذا الإسناد:
توفى النبي صلى اللَّه عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا [من شعير] [ (2) ] .
وذكره في باب: الكفيل في السّلم، من حديث يعلى، أخبرنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: اشترى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طعاما من يهودي بنسيئة، ورهنه درعا له من حديد [ (3) ] .
وخرّجه الترمذي من حديث هشام بن حسّان عن عكرمة، عن ابن عباس قال: توفى النبي صلى اللَّه عليه وسلم ودرعه مرهونة بعشرين صاعا من طعام أخذه لأهله [ (4) ] . قال [أبو عيسى] : هذا حديث حسن صحيح.
[وخرّج ابن حبّان في صحيحه، من حديث آدم، حدثنا شيبان عن قتادة
__________
[ (1) ]
(فتح الباري) : 1/ 123، كتاب الجهاد والسير، باب (89) ما قيل في درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم والقميص في الحرب، وقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: أما خالد فقد احتبس أدراعه في سبيل اللَّه، حديث رقم (2916) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 191، كتاب المغازي، باب (87) بدون ترجمة، حديث رقم (4467) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (3) ] (فتح الباري) : 4/ 545، كتاب السلم، باب (5) الكفيل في السلم، حديث رقم (2251) .
ذكر ابن الطلاع في الأقضية النبويّة) أن أبا بكر افتك الدرع بعد النبي صلى اللَّه عليه وسلم. لكن روى ابن سعد عن جابر أن أبا بكر قضى عدات النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأن عليا قضى ديونه.
وروى إسحاق بن راهويه في مسندة عن الشعبي مرسلا: أن أبا بكر افتك الدرع وسلمها لعلى ابن أبى طالب، وأما من أجاب بأنه صلى اللَّه عليه وسلم افتكها قبل موته فمعارض بحديث عائشة رضى اللَّه عنها.
(فتح الباري) : 5/ 178، شرح الحديث رقم (2509) ، واليهودي اسمه: أبو الشحم، (طبقات ابن سعد) : 1/ 488.
[ (4) ] (سنن الترمذي) : 3/ 519، كتاب البيوع، باب (7) ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل، حديث رقم (1214) .(7/146)
عن أنس قال: رهن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم درعا له عند يهودي على طعام بدينار فما وجد ما يفتكها به حتى مات صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] .
وروى ابن حيّان من حديث جعفر بن محمد عن أبيه قال: كان في درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم حلقتان من فضة، عند موضع الثندوة، وفي ظهرها حلقتان من فضة أيضا، وقال لبستها فخطت الأرض [ (2) ] .
وفي (دلائل النبوة) للترمذي من حديث جابر الجعفي، عن عامر
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين في (خ) فقط وليس في (ج) . ولابن حبان في هذا الباب ثلاثة أحاديث في كتاب الرهن من (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 13/ 262- 265.
* الحديث الأول في ذكر خبر قد شنع به بعض المعطلة على أهل الحديث، حيث حرموا التوفيق لإدراك معناه، حديث رقم (5936) ، عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير. إسناده صحيح على شرط الشيخين.
* الحديث الثاني في ذكر ثمن الشعير الّذي كان لليهودي على المصطفى صلى اللَّه عليه وسلم عند رهنه إياه، حديث رقم (5937) ، من حديث سفيان، عن قتادة عن أنس، قال: رهن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم درعا له عند يهودي بدينار، فما وجد ما يفتكها به حتى مات. اسناده صحيح.
* الحديث الثالث في ذكر البيان بأن الدرع الّذي كان عند اليهودي للمصطفى صلى اللَّه عليه وسلم كان ذلك لأجل سبب معلوم، فمن أجله لم يسترد درعه منه، حديث رقم (5938) ، من حديث الأعمش قال ذكر عند إبراهيم الرهن في السلم فقال: أخبرنى الأسود عن عائشة رضى اللَّه عنها أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما إلى سنة ورهنه درعا له من حديد. إسناده صحيح ورجاله ثقات.
رجال الشيخين غير بشير بن معاذ العقدي، فقد روى له أصحاب السنن، وهو ثقة.
وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) : 6/ 36- 37، كتاب الرهن، باب جواز الرهن، من طرق، والبيهقي أيضا في (دلائل النبوة) : 7/ 275، باب ما جاء في تركة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال أنس: ولقد سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: والّذي نفس محمد بيده، ما أصبح عند آل محمد صاع برّ ولا صاع تمر، وإن له يومئذ تسع نسوة، ولقد رهن درعا له عند يهودي بالمدينة، أخذ منه طعاما، فما وجد لها ما يفتكها به حتى مات صلى اللَّه عليه وسلم.
[ (2) ] (المغنى عن حمل الأسفار) : 2/ 586، بيان أخلاقه صلى اللَّه عليه وسلم وآدابه في الناس [مختصرا] ، (طبقات ابن سعد) : 1/ 488، (دلائل النبوة للبيهقي) : 7/ 275، باب ما جاء في تركة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وفيه:
«فلبستها، فجعلت أخطها في الأرض شيئا» .(7/147)
الشعبي قال: أخرج إلينا على بن الحسين درع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا هي يمانية رقيقة ذات زرافين، إذا علقت بزرافيها تشمّرت، وإذا أرسلت مسّت الأرض. والزرافين: الإبزيم [ (1) ] .
ويقال: أن السعدية درع داود عليه السلام التي لبسها يوم قتل جالوت، وأن البتراء سميت بذلك لقصرها.
وذكر الواقدي أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما أراد الشخوص إلى أحد، دخل بيته ومعه أبو بكر وعمر رضى اللَّه عنهما، فعمّماه ولبّساه، وقد صفّ الناس له، ما بين حجرته إلى منبره، ينتظرون خروجه، إذ خرج قد لبس لأمته، وقد لبس الدرع فأظهرها، وحزم وسطها بمنطقه من خمائل سيفه من أدم كانت عند آل أبى رافع، واعتم وتقلد السيف، ثم دعا بدابته فركب إلى أحد، ثم عقد الألوية، ودعا بفرسه فركبه، وتقلد القوس وأخذ قناة بيده، فزج الرمح يومئذ من شبه، والمسلمون متلبسون السلاح [ (2) ] .
قال: ولبس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الشيخين [ (3) ]- وهما أطمان ظاهران بالمدينة- درعا واحدة حتى انتهى إلى أحد، فلبس درعا أخرى، ومغفرا، وبيضة فوق المغفر [ (2) ] .
وقال المدائني: عن هشام بن سعد عن عيسى بن عبد اللَّه بن مالك قال:
خاصم العباس عليا إلى أبى بكر، فقال: العم أولى أو ابن العم؟ قال: العم، قال: ما بال درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وبغلته دلدل، وسيفه عند على؟ فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: هذا شيء وجدته في يده، فأنا أكره نزعه منه، وتركه العباس رضى اللَّه عنه، [ويقال: كان عنده درع داود عليه السلام الّذي
__________
[ (1) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 5/ حديث رقم (25178) .
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 215- 216 بسياقة أتم.
[ (3) ] الشيخان: موضع بين المدينة وجبل أحد على الطريق الشرقية مع الحرة إلى جيل أحد.(7/148)
لبسه يوم قتل جالوت] [ (1) ] .
[وأما قسيّه صلى اللَّه عليه وسلم]
فقد خرج ابن حيّان من حديث الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن مقسم عن ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم الجمعة في السفر متوكئا على قوس قائما.
وذكر الواقدي أن قوس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كانت تدعى الكتوم، وكانت من نبع، كسرت يوم أحد، فأخذها قتادة بن النعمان [ (2) ] .
وأخذ صلى اللَّه عليه وسلم من سلاح بنى قينقاع ثلاث قسىّ: قوسا اسمها الروحاء، وقوسا من شوحط تسمى البيضاء، وقوسا من نبع تسمى الصفراء [ (3) ] .
ويقال: كانت له ست قسىّ: الزوراء، والروحاء، والصفراء، وهي من نبع، والبيضاء، من شوحط، والكتوم، من نبع، وقيل لها ذلك لانخفاض صوتها إذا رمى بها، وهي التي كسرت يوم أحد، [وقوس يقال لها السداد، من نبع] [ (4) ] .
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين في (خ) وليس في (ج) .
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 242.
[ (3) ] قال الواقدي في (المغازي) : 1/ 178، وقد ذكر غزوة قينقاع: وأخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من سلاحهم ثلاث قسىّ:
1- قيس تدعى الكتوم، كسرت بأحد.
2- وقوس تدعى الروحاء.
3- وقوس تدعى البيضاء. (طبقات ابن سعد) : 1/ 489.
[ (4) ] (زاد المعاد) : 1/ 131، وما بين الحاصرتين من (ج) ، وليست في (خ) . وقال صلاح الدين(7/149)
[وأما المغفر]
المغفر: غطاء الرأس من السلاح كالبيضة وشبهها من حديد كان ذلك أو غيره.
فقد ثبت من حديث
مالك عن الزهري عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم فتح مكة وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال له: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال: اقتلوه [ (1) ] .
وقد روى جماعة منهم بشر بن عمر الزهراني، ومنصور بن سلمة الخزاعي، عن مالك هذا الحديث، وقالوا فيه: مغفر من حديد، وكذلك رواه أبو عبيد القاسم بن سلام، عن أبى بكير عن مالك قال فيه: من حديد، وليس من حديد في الموطأ [ (2) ] .
__________
[ () ] الصفدي، وقد ذكر سلاحه صلى اللَّه عليه وسلم: وأربعة قسىّ:
1- قويس اسمها الروحاء. 2- وقوس شوحط. 3- وقوس صفراء يدعى الصفراء، (الوافي) : 1/ 91، [ولم يذكر الرابعة] .
[ (1) ] (شرح السنة للبغوي) : 10/ 399.
[ (2) ]
(موطأ مالك) : 292، كتاب الحج، جامع الحج، حديث رقم (956) : عن أنس بن مالك: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه، جاءه رجل فقال له: يا رسول اللَّه، ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: اقتلوه.
قال مالك ولم يكن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ محرما، واللَّه تعالى أعلم.
وأخرجه مسلم في كتاب الحج من (الصحيح) باب (84) جواز دخول مكة بغير إحرام، حديث رقم (450) ، قوله: «وعلى رأسه المغفر» ، وفي رواية: «وعليه عمامة سوداء بغير إحرام» ، وفي رواية: «خطب الناس وعليه عمامة سوداء» .
قال القاضي: وجه الجمع بينهما أن أول دخوله كان على رأسه المغفر، ثم بعد ذلك كان على رأسه العمامة بعد إزالة المغفر، بدليل قوله: «خطب الناس وعليه عمامة سوداء» ، لأن الخطبة إنما كانت عند باب الكعبة بعدم تمام فتح مكة.
وقوله: «دخل مكة بغير إحرام» هذا دليل لمن يقول بجواز دخول مكة بغير إحرام لمن لم يرد نسكا، سواء كان دخوله لحاجة تكرر. كالحطاب، والحشاش، والسقاء، والصياد، وغيرهم. أم لم(7/150)
__________
[ () ] تتكرر، كالتاجر، والزائر وغيرهما، سواء كان آمنا أو خائفا، وهذا أصح القولين للشافعي.
قوله: «اقتلوه» ، قال العلماء: إنما قتله لأنه كان قد ارتد عن الإسلام، وقتل مسلما كان يخدمه، وكان يهجو النبي صلى اللَّه عليه وسلم ويسبه، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم والمسلمين.
فإن قيل: ففي الحديث الآخر: «من دخل المسجد فهو آمن» ، فكيف قتله وهو متعلق بأستار الكعبة؟ فالجواب: أنه لم يدخل في الأمان، بل استثناه هو وابن أبى سرح والقينتين، وأمر بقتله وإن وجد متعلقا بأستار الكعبة، كما جاء مصرحا به في أحاديث أخر.
وقيل: لأنه لم يف بالشرط، بل قاتل بعد ذلك، وفي هذا الحديث حجة لمالك والشافعيّ وموافقيهما في جواز إقامة الحدود والقصاص في حرم مكة.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز، وتأوّلوا هذا الحديث على أنه قتله في الساعة التي أبيحت له، وأجاب أصحابنا بأنها إنما أبيحت ساعة الدخول حتى استولى عليها، وأذعن له أهلها، وإنما قتل ابن أخطل بعد ذلك، واللَّه تعالى أعلم.
واسم ابن أخطل: عبد العزى، وقال محمد بن إسحاق: اسمه عبد اللَّه وقال الكلبي: اسمه غالب بن عبد اللَّه بن عبد مناف بن أسعد بن جابر بن كثير بن تيم بن غالب.
وخطل بخاء معجمة وطاء مهملة مفتوحتين، قال أهل السير: وقيل سعد بن حريث، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 10/ 140- 141.
وأخرج البخاري في (الصحيح) : 6/ 203، كتاب الجهاد والسير، باب (169) ، قتل الأسير، وقتل الصبر، حديث رقم (3044) ، وفيه أن الإمام يتخير- متبعا ما هو الأحظ للإسلام والمسلمين- بين قتل الأسير، أو المن عليه بفداء- أو بغير فداء، أو استرقاقه. (فتح الباري) .
و (المرجع السابق) : 8/ 18- 19، كتاب المغازي، باب (49) أين ركز الراية يوم الفتح، حديث رقم (4286) .
و (المرجع السابق) : 10/ 338، كتاب اللباس، باب (17) المغفر، حديث رقم (5808) ، قال الحافظ ابن حجر: وقد ذكرت في شرح الحديث أن بضعة عشر نفسا رووه عن الزهري غير مالك.
و (سنن أبى داود) : 3/ 134- 135، كتاب الجهاد، باب (127) قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام، حديث رقم (2685) ، قال أبو داود: ابن خطل اسمه عبد اللَّه، وكان أبو برزة الأسلمي قتله.
وأخرجه أيضا الترمذي في (السنن) : كتاب الجهاد، باب في المغفر، حديث رقم (1357) ، والنسائي في (السنن) : كتاب المناسك، باب دخول مكة بغير إحرام، حديث رقم (2870) ، وابن ماجة في (السنن) : كتاب الجهاد، باب السلاح، حديث رقم (1805) ، والدارميّ في السير، باب كيف دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مكة وعلى رأسه المغفر، حديث رقم (2460) ، وفي المناسك، باب(7/151)
وذكر الواقدي أنه عليه السلام أصاب من سلاح بنى قينقاع مغفرا موشحا، يقال: إنه من حديد وشح بالشّبه، ويقال: كان له مغفر يقال له:
ذو الشبوع، وهو الّذي كان عليه يوم دخل مكة [ (1) ] .
[وأما الرماح]
فإنه صلى اللَّه عليه وسلم أصاب من سلاح بنى قينقاع ثلاثة أرماح، ويروى أنه كانت له عليه السلام خمسة رماح: ثلاثة أصابها من بنى قينقاع [ (2) ] ، ورمح يقال له:
المثوى، ورمح يقال له: الشنونى، وكان له وفضة- وهي الجعبة- ويقال لها: الكافور، ويقال: اسم كنانته الجمع [ (3) ] .
__________
[ () ] دخول مكة بغير إحرام، حديث رقم (1944) .
[ (1) ] لم أجد هذا الخبر في غزوة بنى قينقاع من كتاب (المغازي) للواقدي: 1/ 178، وقد ذكر القسي، والدروع، والأسياف، والرماح، ولم يذكر المغفر.
وقال ابن القيم في (زاد المعاد) : 1/ 131، فصل في ذكر سلاحه وأثاثه صلى اللَّه عليه وسلم: وكان له مغفر من حديد يقال له: الموشح، وشح بشبه، ومغفر آخر يقال له: السبوغ، أو ذو السبوغ.
الشّبه والشبهان، بتحريك الشين والباء: النحاس الأصفر. وتكسر شينه.
[ (2) ] قال الواقدي وقد ذكر غزوة قينقاع: وأخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من سلاحهم ثلاث قسىّ، قوس تدعى الكتوم، كسرت بأحد، وقوس تدعى الروحاء، وقوس تدعى البيضاء، وأخذ درعين من سلاحهم، درعا يقال لها الصفدية، وأخرى فضة، وثلاث أسياف، سيف قلعى، وسيف يقال له بتار، وسيف آخر، وثلاثة أرماح، قال: ووجدوا في حصونهم سلاحا كثيرا. وآلة الصياغة، وكانوا صاغة، (مغازي الواقدي) : 1/ 178- 179.
[ (3) ] وقال الصفدي في (الوافي) : 1/ 91، وقد ذكر سلاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: وأربعة رماح: المتثنى، وثلاثة من بنى قينقاع.
وقال ابن سعد في (الطبقات) : 1/ 489، ذكر أرماح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقسيّه: أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا أبو بكر بن عبد اللَّه بن أبى سبرة، عن مروان بن أبى سعيد بن المعلى، قال: أصاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من سلاح بنى قينقاع ثلاثة أرماح.(7/152)
[وأما الترس]
فروى عن مكحول أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ترس فيه تمثال رأس كبش، فكره مكانه، فأصبح وقد أذهبه اللَّه [ (1) ] .
وقال الأوزاعي: عن ابن شهاب أخبرنى القاسم بن محمد عن عائشة [رضى اللَّه عنها قالت] أتانى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بترس فيه تمثال عقاب، فوضع يده عليه، فأذهبه اللَّه عزّ وجل، ويقال: كان اسم الترس: الفتق، وترس يقال له: الزلوق [ (2) ] .
[وأما العنزة]
فقد خرّج البخاري من حديث أبى جحيفة قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالأبطح [ (3) ] ، فجاءه بلال، فأذنه بالصلاة، ثم [خرج] بلال بالعنزة [حتى] ركزها بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالأبطح وأقام الصلاة.
ذكره في باب: الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة [ (4) ] ، وفي باب: سترة الإمام ستره من خلفه [ (5) ] ، وهو مما اتفقا عليه.
__________
[ (1) ] (الوافي) : 1/ 91، (طبقات ابن سعد) : 1/ 489.
[ (2) ] (زاد المعاد) : 1/ 131.
[ (3) ] الأبطح: موضع معروف خارج مكة.
[ (4) ] (فتح الباري) : 2/ 144، كتاب الأذان، باب (18) الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة والإقامة، وكذلك بعرفة وجمع، وقول المؤذن: «الصلاة في الرحال» في الليلة الباردة أو المطيرة، حديث رقم (633) .
[ (5) ] (فتح الباري) : 1/ 751، كتاب الصلاة، باب (90) سترة الإمام سترة من خلفه، حديث رقم (494) .(7/153)
وخرّج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] ، من حديث عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد، أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك [في السّفر] ، فمن ثم اتخذها الأمراء. لفظهم فيه سواء. ذكره البخاري في باب سترة الإمام سترة من خلفه.
وخرّج البخاري ومسلم من حديث عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يركز- وفي لفظ يغرز- العنزة ويصلى إليها قال عبيد اللَّه:
وهي الحربة. وفي لفظ للبخاريّ: كان تركز له الحربة فيصلي إليها. ترجم عليه باب: الصلاة إلى الحربة [ (4) ] .
وقال الواقدي: في سنة ثنتين من مقدمه، صلى العيد وحملت له العنزة، وهو يومئذ يصلى إليها في الفضاء، وكانت العنزة للزبير بن العوام أعطاه إياها النجاشىّ، فوهبها للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، وكان يخرج بها بين يديه يوم العيد، وهي اليوم بالمدينة عند المؤذنين. حدثني بذلك إبراهيم بن محمد بن عمار
__________
[ (1) ] وأخرجه بنحوه في كتاب العيدين، باب (13) الصلاة إلى الحربة يوم العيد، حديث رقم (972) ، وفي باب (14) حمل العنزة أو الحربة بين يدي الإمام يوم العيد، حديث رقم (973) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 464، كتاب الصلاة، باب (47) سترة المصلى، حديث رقم (245) .
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 1/ 442- 443، كتاب الصلاة، تفريع أبواب السترة، باب (102) ، حديث رقم (687) ، وأخرجه أيضا النسائي في (السنن) : 2/ 394، كتاب الصلاة، باب (4) سترة المصلى، حديث رقم (746) ، (سنن ابن ماجة) : 1/ 303، كتاب الصلاة والسنة فيها، باب (36) ما يستر المصلى، حديث رقم (941) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 1/ 751، كتاب الصلاة، باب (92) باب الصلاة إلى الحربة، حديث رقم (498) ، باب (93) الصلاة إلى العنزة، حديث رقم (499) ، وفيه: ... فصلى بنا الظهر والعصر، وبين يديه عنزة ... ، وحديث رقم (500) ، وفيه: ... إذا خرج لحاجته تبعته أنا وغلام ومعنا عكازة، أو عصا، أو عنزة ... قال الحافظ ابن حجر: لكن قد قيل: إن الحربة إنما يقال لها عنزة إذا كانت قصيرة، ففي ذلك جهة مغايرة، وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب (47) سترة المصلى، حديث رقم (246) .(7/154)
ابن سعد [ (1) ] القرظ عن أبيه عن جده [ (1) ] .
قال الواقدي: سألنا عن العنزة التي كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلى إليها في أسفاره وتحمل بين يديه، فحدثني أبو بكر بن عبد اللَّه بن محمد بن أبى سبرة العامري، عن عيسى بن معمر، عن عباد بن عبد اللَّه بن الزبير، عن أسماء ابنة أبى بكر رضى اللَّه عنهما أنها قالت: لما هاجر الزبير إلى أرض الحبشة، خرج مع النجاشي يقاتل عدوا له، فأعطاه النجاشي يومئذ عنزة يقاتل بها، فطعن عدة حتى ظهر النجاشي على عدوّه، وقدم الزبير رضى اللَّه عنه بها، فشهد بدرا وهي معه، وشهد بها يوم أحد ويوم خيبر، ثم أخذها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والأمر على ذلك، وكان أبو بكر وعمر وعثمان رضى اللَّه عنهم على ذلك، فهي اليوم تحمل بين يدي الأئمة، وتكون مع المؤذنين [ (2) ] .
وقال محمد بن سعد عن إسماعيل بن عبد اللَّه بن أبى أويس، عن عبد الرحمن بن سعد وغيره، أن النجاشىّ بعث إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بثلاث عنزات، فمسك واحدة، وأعطى عليا رضى اللَّه عنه واحدة [ (1) ] .
وذكر أبو زيد عمر بن شيبة، عن سعد القرظ قال: أهدى النجاشىّ للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم حربات، فوهب حربة لعمر بن الخطاب، ووهب حربة لعلى بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، وحبس لنفسه واحدة [ (2) ] .
قال: فأما حربة على فهلكت، وأما حربة عمر فصارت إلى أهله، وأما الحربة التي أمسك لنفسه فهي يمشى بها مع الإمام يوم العيد
__________
[ (1) ] هذه الآثار بتمامها وبسياقه أتم ذكرها عن الواقدي: ابن سعد في (الطبقات) : 3/ 235- 236، في ترجمة بلال بن رباح رضى اللَّه تعالى عنه.
[ (2) ] راجع التعليق السابق.(7/155)
[والاستسقاء] [ (1) ] .
وذكر عن الليث بن سعد أنه بلغه أن العنزة التي كانت بين يدي النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا صلى، كانت لرجل من المشركين، فقتله الزبير بن العوام يوم أحد فأخذها في سلبه، فأخذها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الزبير، فكان ينصبها بين يديه إذا صلى.
وذكر الواقدي عن الزبير بن العوام أنه قال: لما كان يوم [ (2) ] بدر لقيت عبيدة بن سعيد بن العاص على فرس عليه لأمة كاملة، لا يرى منه إلا عيناه وهو يقول [- وقد كانت له صبية صغيرة يحملها، وكان لها بطين وكانت مسقمة-] [ (3) ] أنا أبو ذات الكرش، [أنا أبو ذات الكرش] [ (3) ] ، قال: وفي يدي عنزة فأطعن بها في عينه ووقع وأطأ برجلي على خدّه، حتى أخرجت العنزة من حدقته، وأخرجت حدقته، وأخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العنزة، فكانت تحمل بين يديه، وأبى بكر، وعمر، وعثمان، رضى اللَّه عنهم [ (4) ] .
ويقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ابتاع عنزات، فأعطى الزبير منها عنزة، وفرّقها في أصحابه، وكانت هذه العنزة منها تحمل بين يديه، والأول أثبت.
ويقال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حربة يقال لها القبعة، وحربة كبيرة اسمها البيضاء، وحربة صغيرة دون الرمح يقال لها: العنزة، يدعم عليها ويمشى بها وهي في يده، وتحمل بين يديه في العيد حتى تركز أمامه فيتخذها سترة يصلى إليها، قيل: إنه اتخذها من الزبير، وأخذها الزبير من النجاشي،
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) .
[ (2) ] في المرجع السابق: «يومئذ» .
[ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (4) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 85- 86.(7/156)
وكانت له عنزة أخرى [ (1) ] .
وقال الواقدي: عن ابن أبى سبرة وغيره قالوا: كان بلال يحمل العنزة بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الأعياد والمشاهد، فلما قبض اللَّه نبيه صلى اللَّه عليه وسلم، سأل بلال أبا بكر رضى اللَّه عنهما، أن يشخص إلى الشام، وكره المقام بالمدينة بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأذن له، فحمل العنزة بين يدي أبى بكر رضى اللَّه عنه [سعد القرظ- وكان مؤذنه- وحملها بين يدي عمر رضى اللَّه عنه] وكان ولده يحملونها بين يدي الولاة بالمدينة [ (1) ] .
قال البلاذري: وقد أمر المتوكل على اللَّه أمير المؤمنين بحمل هذه العنزة إليه، فهي اليوم بسّر من رأى [ (2) ] .
وقال الواقدي: عن الثوري، عن إسماعيل بن أبى أمية، عن مكحول أنه قال: كانت الحربة تحمل بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أسفاره، لأنه كان يصلى إليها، وهي العنزة.
وحدثني إبراهيم بن محمد بن عمار بن سعد القرظ، عن أبيه عن جده، أن بلالا كان يحمل العنزة يوم العيد، ثم حملها سعد، ثم حملها عمّار، ثم حملها محمد بن عمار بين يدي الولاة، ثم أنا هذا أحملها بين أيديهم [ (1) ] .
__________
[ (1) ] طبقات ابن سعد) : 1/ 235- 236، ترجمة بلال بن رباح، رضى اللَّه تعالى عنه.
[ (2) ] سرّمن رأى: مدينة كانت بين بغداد وتكريت على شرقى دجلة، وقد خربت. وفيها لغات: سامراء، ممدود، وسامرّا، مقصور، وسرّمن رأ، مهموز الآخر، وسرّمن را، مقصور الآخر.
وقال أبو سعد: سامرّاء بلد على دجلة فوق بغداد بثلاثين فرسخا يقال لها سرّمن رأى فخففها الناس وقالوا: سامراء. وبها السرداب المعروف في جامعها، الّذي تزعم الشيعة أن مهديّهم يخرج منه. وقال حمزة: كانت سامراء مدينة عتيقة من مدن الفرس تحمل إليها الإتاوة التي كانت موظفة لملك الفرس على ملك الروم، ودليل ذلك قائم في اسم المدينة، لأن «سا» اسم الإتاوة، و «مرة» اسم العدد، والمعنى أنه مكان قبض عدد جزية الرّوم.(7/157)
ويقال: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أخذ يوم أحد من الزبير الحربة التي دفعها إليه النجاشىّ، فقتل بها أبىّ بن خلف [ (1) ] ، ثم مشى بها بلال من حينئذ بين يديه.
[وأما المنطقة]
فيذكر أنه كان له عليه السلام منطقة من أديم منشور فيها ثلاث حلق من فضة، والإبزيم فضة، وخرج إلى أحد وقد حزم وسطه بمنطقة من حمائل سيف من أديم، كانت عند أبى رافع مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] .
__________
[ () ] وذكر محمد بن أحمد البشاري نكتة حسنة فيها، قال: لما عمرت سامراء وكملت، واتسق خيرها، واحتفلت سميت: سرور من رأى، ثم اختصرت فقيل: سرّ من رأى، فلما خربت وتشوهت خلقتها واستوحشت سميت: ساء من رأى، ثم اختصرت فقيل: سامراء، فسبحان من لا يزول ولا يتحول. مختصرا من (معجم البلدان) : 3/ 195- 200، موضع رقم (6202) ، 243، موضع رقم (6392) .
[ (1) ] (مغازي الواقدي) 1/ 251، مختصرا.
[ (2) ] (المرجع السابق) : 1/ 214.(7/158)
[وأما اللواءات والرايات]
[ذكر ابن أبى شيبة في مصنفه أن أول من عقد الألوية إبراهيم الخليل عليه السلام] [ (1) ] .
وخرج البخاري من حديث الليث، أخبرنى عقيل عن ابن شهاب، أخبرنى ثعلبة بن أبى مالك القرظي، أن قيس بن سعد الأنصاري، وكان صاحب لواء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، لما أراد الحج فرجّل [ (2) ]- هكذا ذكر البخاري هذا الحديث مختصرا محذوفا، وتمامه-: فرجّل أحد شقىّ رأسه، فقام غلام له فقلّد هديه، فنظر قيس فإذا هديه قد قلّد، فأهل بالحج ولم يرجل شقّ رأسه الآخر [ (3) ] .
ولأبى داود [ (4) ] والترمذي من حديث عمار الدهني، عن أبى الزبير عن جابر، يرفعه إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، أنه كان لواؤه يوم دخل مكة أبيض.
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين سقط من الناسخ في (ج) ، (مصنف ابن أبى شيبة) : 7/ 273، كتاب الأوائل، باب (1) أوّل ما فعل ومن فعله، أثر رقم (36025) ، وتمامه: بلغه أن قوما أغاروا على لوط فسبوه، فعقد لواء وسار إليهم بعبيده ومواليه حتى أدركهم فاستنقذه وأهله.
[ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 156، كتاب الجهاد والسير، باب (121) ، ما قيل في لواء النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (2974) .
[ (3) ] وقد أخرج الإسماعيلي هذا الحديث تاما من طريق الليث، التي أخرجها المصنف منها فقال بعد قوله: فرجّل أحد شقي رأسه فقام غلام له فقلّده هديه، فنظر قيس هديه وقد قلّد، فأهل بالحج ولم يرجل شق رأسه الآخر.
وأخرجه من طريق أخرى عن الزهري بتمامه نحوه، وفي ذلك ومصير من قيس بن سعد إلى أن الّذي يريد الإحرام إذا قلد هديه يدخل في حكم المحرم.
وفي أحاديث الباب: استحباب اتخاذ الألوية في الحروب، وأن اللواء يكون مع الأمير، أو من يقيمه لذلك عند الحرب (فتح الباري) : 6/ 157- 158.
[ (4) ] (سنن أبى داود) : 3/ 72، كتاب الجهاد، باب (76) في الرايات والألوية، حديث رقم (2592) .(7/159)
ولفظ الترمذي عن جابر رضى اللَّه عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم دخل مكة ولواؤه أبيض. قال: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن شريك. قال: وسألت محمدا عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن شريك وقال: حدثنا غير واحد عن شريك، عن عمار عن أبى الزبير، عن جابر [رضى اللَّه عنه] ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء. قال محمد: والحديث هو هذا [ (1) ] .
[وخرّج ابن حبان في (صحيحه) ، من حديث شريك عن عمار الدهني، عن أبى الزبير عن جابر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم دخل عام الفتح مكة ولواؤه أبيض] [ (2) ] .
وللترمذي [ (3) ] من حديث يزيد بن حبّان قال: سمعت أبا مجلز لاحق ابن حميد، يحدث عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما [ (4) ] ، قال: كانت راية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من هذا الوجه من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 168، كتاب الجهاد، باب (9) ما جاء في الألوية، حديث رقم (1679) ، قال أبو عيسى: والدّهن بطن من بجيلة، وعمار الدّهنى هو عمار بن معاوية الدّهنى، ويكنى أبا معاوية، وهو كوفيّ، وهو ثقة عند أهل الحديث.
[ (2) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 11/ 47، كتاب السير، باب (13) الخروج وكيفية الجهاد، ذكر وصف لواء المصطفى عند دخوله مكة يوم الفتح، حديث رقم (4743) .
[ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 169- 170، كتاب الجهاد، باب (10) ما جاء في الرايات، حديث رقم (1681) .
[ (4) ] زيادة للسياق.
وأخرجه النسائي في (السنن) : 5/ 220، مناسك الحج، باب (106) دخول مكة باللواء، حديث رقم (2866) .
[ (5) ] زيادة للسياق.(7/160)
وذكر ابن إسحاق [ (1) ] أن لواء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الأكبر في يوم بدر كان أبيض، يحمله مصعب بن عمير [بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار] [ (2) ] ، ويذكر أنه كان له لواء أغبر.
ولابن حيّان من حديث أبى مجلز، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] [ (3) ] قال: كانت راية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض، مكتوب فيه: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه [ (4) ] .
ولأبى داود من حديث يونس بن عبيد [مولى محمد بن القاسم] [ (5) ] قال: بعثني محمد بن القاسم إلى البراء بن عازب، أسأله [ (6) ] عن راية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ما كانت؟ فقال: كانت سوداء مربّعة من نمرة [ (7) ] .
وخرجه الترمذي بهذا الإسناد مثله وقال: هذا حديث حسن غريب، لا تعرفه إلا من حديث ابن أبى زائدة [ (8) ] .
وللبخاريّ من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن نافع بن جبير قال:
__________
[ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 159، اللواء والرايتان، وباقي الحديث مرسل.
[ (2) ] زيادة للنسب من (المرجع السابق) .
[ (3) ] زيادة للسياق.
[ (4) ] (أخلاق النبي) : 144- 145.
[ (5) ] زيادة للسياق من (سنن أبى داود) .
[ (6) ] في المرجع السابق: «يسأله» .
[ (7) ] (سنن أبى داود) : 3/ 71- 72، كتاب الجهاد، باب (76) في الرايات والألوية، حديث رقم (2591) ، نمرة- بفتح النون وكسر الميم-: بردة من صوف أو غيره مخططة. (معالم السنن) .
[ (8) ] (سنن الترمذي) : 169، كتاب الجهاد، باب (10) ما جاء في الرايات، حديث رقم (1680) . قال أبو عيسى: وفي الباب عن عليّ، والحارث بن حسان، وابن عباس.
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 381، حديث رقم (18153) من حديث البراء بن عازب رضى اللَّه تعالى عنه.(7/161)
سمعت العبّاس يقول للزبير رضى اللَّه عنهما: ها هنا أمرك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن تركز الراية [ (1) ] ، لم يذكر البخاري من هذا الحديث غير هذا [وقد ذكره] [ (2) ] بطوله في غزوة الفتح.
ولأبى داود من حديث شعبة عن سماك، عن رجل من قومه عن آخر منهم قال: رأيت راية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صفراء [ (3) ] .
وذكره ابن حيان، وذكره ابن عبد البر عن بريدة العبديّ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم عقد رايات الأنصار وجعلها صفراء [ (4) ] .
وذكر ابن إسحاق أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دفع الراية يوم خيبر إلى عليّ رضى اللَّه عنه، وكانت بيضاء. وذكر أنه كان أمام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم بدر رايتان سوداوان، إحداهما مع على، والأخرى مع بعض الأنصار، ذكر ابن هشام أنه
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 6، كتاب المغازي، باب (49) ، أين ركز النبي صلى اللَّه عليه وسلم الراية يوم الفتح، حديث رقم (4280) ، ولم يذكر في سنده نافع بن جبير في متن الحديث، بل ذكره الحافظ ابن حجر في الشرح والتعليق.
قوله: «عن هشام» هو ابن عروة، «عن أبيه» هكذا أورده مرسلا، قال الحافظ: ولم أره في شيء من الطرق عن عروة موصولا، ومقصود البخاري منه ما ترجم به، وهو آخر الحديث، فإنه موصول عن عروة، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن العباس بن عبد المطلب، والزبير بن العوام.
قوله في آخر هذا الحديث الطويل: «قال عروة: فأخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال: سمعت العباس يقول للزبير بن العوام: يا أبا عبد اللَّه، هاهنا أمرك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن تركز الراية؟» قال الحافظ ابن حجر: وهذا السياق يوهم أن نافعا حضر المقالة المذكورة يوم فتح مكة، وليس كذلك، فإنه لا صحبة له، ولكنه محمول عندي على أنه سمع العباس يقول للزبير ذلك بعد ذلك في حجة اجتمعوا فيها، إما في خلافة عمر، أو في خلافة عثمان. (فتح الباري) : 8/ 11- 12.
[ (2) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 3/ 72، كتاب الجهاد، باب (76) الألوية والريات، حديث رقم (2593) ، قال الخطابي في (معالم السنن) : في إسناده رجل مجهول.
[ (4) ] راجع التعليق السابق.(7/162)
سعد بن معاذ [ (1) ] .
وذكر ابن حيّان من حديث محمد بن إسحاق، عن عبد اللَّه بن أبى بكر، عن عمرة عن عائشة رضى اللَّه عنها، كان لواء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أبيض، وكانت رايته سوداء من مرط لعائشة مرحّل [ (2) ] .
ومن حديث وكيع، حدثنا سفيان عن أبى الفضل عن الحسن قال:
كانت راية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تسمى العقاب [ (3) ] ، ويقال: إن العقاب كانت سوداء مربعة من نمرة مخمّلة، وقيل كانت من صوف أسود.
وللبخاريّ من حديث الحارث بن حسان قال: دخلت المسجد فرأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قائما على المنبر يخطب متقلدا السيف، وإذا رايات سود [تخفق] ، فقلت: ما هذا؟ قالوا: عمرو بن العاص قدم من ذات السلاسل [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 159، اللواء والرايتان، في أحداث غزوة بدر، 4/ 297، ذكر المسير إلى خيبر، حامل الراية يوم خيبر.
[ (2) ] وأخرجه ابن أبى شيبة في (المصنف) : 6/ 537، باب (174) في الرايات السود، حديث رقم (33592) .
[ (3) ] (المرجع السابق) ، حديث رقم (33593) .
[ (4) ] غزوة ذات السلاسل، كانت في جمادى الآخر سنة ثمان، وهي وراء وادي القرى، وبينها وبين المدينة عشرة أيام، وقد نزلوا على ماء لجذام، يقال له السلسل فيما قال ابن إسحاق، ولذلك سميت: ذات السلاسل.
والحديث أخرجه ابن أبى شيبة في (المصنف) : 6/ 537، باب (174) في الرايات السود، حديث رقم (33591) . ولم يقل: «ذات السلاسل» .
والبيهقي في (السنن الكبرى) : 6/ 362- 363، باب ما جاء في عقد الألوية والرايات، من حديث أبى بكر بن عياش، عن عاصم بن أبى النجود، قال: قال الحارث بن حسان البكري: انتهيت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو على المنبر، وبلال قائم متقلد السيف، وإذا رايات سود، والناس يقولون: هذا عمرو بن العاص قد قدم.(7/163)
وذكر ابن حيان وقاسم بن أصبغ من حديث أوس بن عبد اللَّه بن بريدة، عن الحسين بن واقد، عن عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه بريدة بن الحصيب قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يتطيّر، ولكن يتفأل، وكانت قريش جعلت مائة من الإبل لمن يأخذ نبي اللَّه فيرده عليهم حين توجه إلى المدينة فأقبل بريدة في سبعين راكبا من أهل بيته من بنى سهم، فلقوا نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليلا، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: من أنت؟ قال: أنا بريدة، فالتفت إلى أبى بكر رضى اللَّه عنه فقال: يا أبا بكر، برد أمرنا وصلح، قال: ثم من من؟ قال: من أسلم، قال سلمنا، قال: ثم من من؟ قال: من بنى سهم، قال: خرج سهمك، فقال بريدة: من أنت؟ قال: أنا محمد بن عبد اللَّه رسول اللَّه، قال بريدة: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك عبده ورسوله، فأسلم بريدة، وأسلم الذين معه جميعا.
فلما أصبح قال للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم: لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء، فحل عمامته ثم شدها في رمح، ثم مشى بين يديه حتى دخل المدينة، قال بريدة: الحمد للَّه الّذي أسلمت بنو سهم طائعين [ (1) ] .
__________
[ () ] ورواه سلام بن المنذر، عن عاصم، عن أبى وائل، عن الحارث بن حسان. وقال في متنه: فإذا راية سوداء تخفق، فقلت: ما شأن الناس اليوم، قالوا: هذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها. (السنن الكبرى) .
وقال الحافظ الذهبي: عن الثوري، عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم النخعي، قال: عقد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لواء لعمرو على أبى بكر وعمر وسراة أصحابه قال الثوري: أراه قال: في غزوة ذات السلاسل. (سير أعلام النبلاء) : 3/ 56- 57، ترجمة عمرو بن العاص رقم (15) .
[ (1) ] أخرجه ابن عدي في (الكامل) : 1/ 140، في ترجمة أوس بن عبد اللَّه بن بريدة حصيب الأسلمي رقم (224/ 224) من طريق أوس بن عبد اللَّه بن بريدة عن حسين بن واقد، عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه.
قال الألباني في (السلسلة الصحيحة) : وأوس هذا ضعيف جدا، لكن تفاؤله صلى اللَّه عليه وسلم ثابت عنه في غير ما حديث.(7/164)
قال الساجي في هذا الحديث: قال البخاري: فيه نظر، وذكر غير واحد أن أول راية عقدها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم راية عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ابن عبد مناف، حين بعثه إلى بطن رابغ. هذا قول ابن إسحاق [ (1) ] . وقال قومه: أول لواء عقده عليه السلام لواء حمزة بن عبد المطلب حين بعثه يعترض عيرا لقريش [ (2) ] .
وقال الواقدي في غزاة بدر: وكان لواء رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ] [ (3) ] الأعظم لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير، ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر، ولواء الأوس مع سعد بن معاذ [ (4) ] .
وذكر في غزاة أحد أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دعي بثلاثة أرمح، فعقد ثلاثة
__________
[ () ] ورواه عنه أيضا قاسم بن أصبغ، وسكت عليه عبد الحق مصححا له، قال ابن القطان، وما مثله يصح فإن فيه أوس، منكر الحديث، وروى أبو داود قال ابن القطان: وما مثله يصح فإن فيه أوس، منكر الحديث، وروى أبو داود عنه قوله: «انه يتطير» قال وإسناده صحيح.
قلت: الصواب تصحيح عبد الحق، وليس هو تصحيحا لذاته حتى يرد ما تعقبه ابن القطان، وإنما هو على التفصيل الّذي ذكرته، فتنبه ولا تكن من الغافلين. (سلسلة الأحاديث الصحيحة) :
2/ 400، 401، حديث (762) ، (الكامل في ضعفاء الرجال) : 1/ 410.
[ (1) ] سرية عبيدة بن الحارث، وهي أول راية عقدها صلى اللَّه عليه وسلم، وأول سهم رمى به في الإسلام، قال ابن إسحاق:
وبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مقامه ذاك بالمدينة عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصي، في ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحد، فسار حتى بلغ ماء بالحجاز، بأسفل ثنية المرة، فلقى بها جمعا عظيما من قريش. فلم يكن بينهم قتال، إلا أن سعد بن أبى وقاص قد رمى يومئذ بسهم، فكان أول سهم رمى به في الإسلام. (سيرة ابن هشام) : 3/ 136.
[ (2) ] من قال إن أول راية كانت لحمزة رضى اللَّه عنه: وبعض الناس يقول: كانت راية حمزة أول راية عقدها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لأحد من المسلمين. وذلك أن بعثه وبعث عبيدة كانا معا، فشبه ذلك على الناس. (المرجع السابق) : 140، سرية حمزة إلى سيف البحر.
[ (3) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) .
[ (4) ] ومع قريش ثلاثة ألوية: لواء مع أبى عزيز، ولواء مع النضر بن الحارث، ولواء مع طلحة بن أبى طلحة.
(المرجع السابق) : 1/ 58، 225.(7/165)
ألوية، فدفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير، ودفع لواء الخزرج إلى حباب ابن المنذر بن الجموح، ويقال: إلى سعد بن عبادة، ودفع لواء المهاجرين إلى إلى على بن أبى طالب، ويقال: إلى مصعب بن عمير [ (1) ] .
قال: وسأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من يحمل لواء المشركين؟ فقيل: بنو عبد الدار، فقال: نحن أحق بالوفاء منهم، أين مصعب بن عمير؟ قال: ها أنا ذا، قال: خذ اللواء، فأخذ مصعب بن عمير فتقدم به بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] ، وهو اللواء الأعظم، ودفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير، ولواء الخزرج مع سعد أو حباب [ (3) ] .
قال: وحدثني الزبير بن سعيد [ (4) ] ، عن عبد اللَّه بن الفضل قال: أعطى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مصعب بن عمير اللواء، فقتل مصعب، فأخذه ملك في صورة مصعب، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بقول لمصعب في آخر النهار: تقدم يا مصعب فالتفت إليه الملك فقال: لست بمصعب، فعرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه ملك أيّد به [ (5) ]
[وسمعت أبا معشر يقول مثل ذلك] [ (6) ] .
ولما قتل مصعب وسقط اللواء، ابتدره رجلان من بنى عبد الدار: سويبط ابن حرملة، وأبو الروم، فأخذه أبو الروم، فلم يزل في يده حتى دخل به المدينة [ (7) ] .
__________
[ (1) ] المرجع السابق) : 1/ 215.
[ (2) ] المرجع السابق) : 1/ 221.
[ (3) ] راجع التعليق رقم (5) .
[ (4) ] في (خ) ، (ج) : «الزبير وسعيد» ، وما أثبتناه من (مغازي الواقدي) .
[ (5) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 234.
[ (6) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (7) ] (المرجع السابق) : 1/ 239.(7/166)
ولما خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى حمراء الأسد، دفع لواءه إلى على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، ويقال: دفعه إلى أبى بكر رضى اللَّه عنه.
ولما خرج إلى بدر الموعد، كان يحمل لواءه الأعظم يومئذ على رضى اللَّه عنه [ (1) ] .
وفي غزوة المريسيع، دفع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، راية المهاجرين إلى أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنه، وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة رضى اللَّه عنه، ويقال كان مع عمار بن ياسر راية المهاجرين [ (2) ] .
ولما خرج إلى بنى قريظة، دفع عليه السلام لواءه إلى على، [رضى اللَّه عنه] وكان اللواء على حاله، لم يحل [من] مرجعه من الخندق [ (3) ] . وحمل اللواء في غزوة الغابة المقداد بن عمرو [ (4) ] ، وحمل راية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العقاب سعد بن عبادة [ (5) ] ، وكان له في خيبر ثلاث رايات [ (6) ] .
قال الواقدي: ولم يكن راية قبل خيبر، إنما كانت الألوية، فكانت راية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم السوداء من برد عائشة رضى اللَّه عنها تدعى العقاب، ولواؤه أبيض، ودفع رايته إلى على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه وراية إلى الحباب ابن المنذر، وراية إلى سعد بن عبادة [ (7) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 1/ 388.
[ (2) ] (المرجع السابق) : 1/ 407.
[ (3) ] (المرجع السابق) : 2/ 797.
[ (4) ] (المرجع السابق) : 2/ 540.
[ (5) ] (المرجع السابق) : 2/ 542.
[ (6) ] قال الواقدي: وكانت راية النبي صلى اللَّه عليه وسلم السوداء من برد لعائشة تدعى العقاب، ولواؤه أبيض، ودفع راية إلى عليّ عليه السلام، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سعد بن عبادة. (المغازي) : 2/ 649.
[ (7) ] راجع التعليق السابق.(7/167)
ولما انتهى صلى اللَّه عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى، وقد ضوى إليها ناس من العرب، استقبل يهود بالرمي المسلمين، حيث نزلوا وهم على غير تعبئة، فعبأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أصحابه لقتالهم، وصفّهم ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحباب بن النذر، وراية إلى سهل بن حنيف، وراية إلى عباد بن بشر [ (1) ] .
وعقد صلى اللَّه عليه وسلم لما جهز لغزاة مؤتة لواء أبيض، ودفعه إلى زيد بن حارثة [ (2) ] ، وعقد لعمرو بن العاص لما بعثه لغزوة ذات السلاسل لواء أبيض، وجعل راية سوداء [ (3) ] .
ولما عسكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ببئر أبى عنبة- وهو يريد فتح مكة- عقد الألوية والرايات، وقيل: لم يعقد الألوية والرايات حتى انتهى إلى قد يد، فكان في المهاجرين ثلاث رايات: راية مع الزبير سوداء، وراية مع عليّ، وراية مع سعد بن أبى وقاص وكان في الأوس راية في بنى عبد الأشهل مع أبى نائلة، وفي بنى ظفر راية مع قتادة بن النعمان، وفي بنى حارثة راية مع أبى بردة بن نيار، وفي بنى معاوية راية مع جبر بن عتيك، وفي بنى خطمة راية مع أبى لبابة بن المنذر [ (4) ] ، وفي بنى واقف راية مع هلال بن أمية [ (5) ] ، وفي بنى عمرو بن عوف راية مع أبى لبابة بن عبد المنذر، وفي بنى أمية راية كذا، وفي بنى ساعدة راية مع أبى أسيد الساعدي، وفي بنى الحارث بن الخزرج راية مع عبد اللَّه بن زيد، وفي بنى سلمة مع قطبة بن عامر بن
__________
[ (1) ] (المغازي للواقدي) : 2/ 710.
[ (2) ] (المراجع السابق) : 2/ 756.
[ (3) ] سبق الإشارة إلى هذا الخبر وتخريجه.
[ (4) ] في (خ) ، (ج) : «مع خزيمة بن ثابت» ، وما أثبتناه من الرجع السابق» .
[ (5) ] كذا في الأصلين، وفي (المرجع السابق) : «وفي بنى أمية راية مع مبيّض» .(7/168)
حديدة، وفي بنى مالك بن النجار راية مع عمارة بن حزم، وفي بنى مازن راية مع سليط بن قيس، وفي بنى دينار راية مع كذا [ (1) ] .
وكانت في مزينة ثلاثة ألوية: لواء مع النعمان بن مقرّن، ولواء مع بلال ابن الحارث، ولواء مع عبد اللَّه بن عمرو. وكان في أسلم لواءان أحدهما مع بريدة بن الحصيب، والآخر مع ناجية بن الأعجم، وفي جهينة أربعة ألوية:
لواء مع سويد بن صخر، ولواء مع رافع بن مكيث، ولواء مع زرعة معبد بن خالد، ولواء مع عبد اللَّه بن بدر [ (2) ] .
وكان مع بنى كعب بن عمرو ثلاثة ألوية: لواء مع بشر بن سفيان، ولواء مع ابن شريح، ولواء مع عمرو بن سالم، وكانت راية أشجع مع عوف بن مالك [ (3) ] ، [ولهم لواءان: لواء يحمله معقل بن سفيان، ولواء يحمله نعيم ابن مسعود] [ (4) ] .
ولقيه عليه السلام بقديد أسلم ومعها لواءان وخمس رايات سود، وقيل لم يكن معها لواء ولا راية. فسألوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن يعقد لهم راية، فعقد لهما لواءان: أحدهما حمله عباس بن مرداس، والآخر حمله خفاف بن ندبه، وحمل آخر راية [ (5) ] [الحجاج بن علاط] .
وكانت راية غفار مع أبى ذرّ [ (6) ] ، وكان في كنانة بنى ليث، وضمرة، وسعد بن بكر لواء مع أبى واقد الليثي، وكان مع بنى ليث لواء يحمله
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 2/ 800.
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 800- 801.
[ (3) ] المرجع السابق) : 2/ 801.
[ (4) ] ما بين الحاصرتين من الأصلين دون (مغازي الواقدي) .
[ (5) ] (المرجع السابق) : 2/ 819، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق والبيان منه.
[ (6) ] ويقال إيماء بن رحضة (المرجع السابق) .(7/169)
الصعب بن جثامة، وكان سعد بن عبادة يحمل راية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمام كتيبته، ثم أمره عليه السلام أن يدفعها إلى ابنه قيس بن سعد، وقيل بل أخذ عليّ رضى اللَّه عنه الراية من سعد يأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى دخل بها مكة، فغرزها عن الركن [ (1) ] .
ويقال: كان لواء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم دخل مكة أسود، ولمّا عبّأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أصحابه بأوطاس وصفّهم، وضع الألوية والرايات في أهلها، وكان مع المهاجرين لواء يحمله عليّ، وراية يحملها سعد بن أبى وقّاص، وراية يحملها عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنهم، وكان مع الخزرج لواء يحمله الحباب بن المنذر، ويقال: كان لواء الخزرج الأكبر مع سعد بن عبادة، ولواء الأوس أسيد بن الحضير وفي كل بطن من بطون الأوس والخزرج لواء أو راية، ففي بنى عبد الأشهل راية يحملها أبو نائلة، وفي بنى حارثة راية يحملها أبو بردة بن نيار، وفي بنى ظفر راية يحملها قتادة بن النعمان، وراية يحملها جبر بن عتيك في بنى معاوية، وراية يحملها هلال بن أمية في بنى واقف، وراية يحملها أبو لبابة بن عبد المنذر في بنى عمرو بن عوف، وراية يحملها أبو أسيد الساعدي في بنى ساعدة، وراية يحملها عمارة بن حزم في بنى مالك بن النجار، وراية يحملها أبو سليط في بنى عدي بن النجار، وراية يحملها سليط بن قيس في بنى مازن [ (2) ] .
وكانت رايات الأوس والخزرج في الجاهلية خضراء وحمراء، فلما كان الإسلام أقروها على ما كانت عليه، وكانت رايات المهاجرين سوداء والألوية بيضاء، وكان في أسلم رايتان: إحداهما مع بريدة بن الحصيب، والأخرى
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 2/ 822.
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 818- 821.(7/170)
مع جندب بن الأعجم، وكان في غفار راية مع أبى ذر، وفي بنى ضمرة والليث، وسعد بن ليث راية مع أبى واقد الحارث بن مالك الليثي، وفي كعب بن عمرو، رايتان: مع بسر بن سفيان وأبى شريح، وفي مزينة ثلاث رايات: مع بلال بن الحارث، والنعمان بن مقرن، وعبد اللَّه بن عمرو بن عوف [ (1) ] .
وفي جهينة أربع رايات: مع رافع بن مكيث، وعبد اللَّه بن بدر، وأبى زرعة معبد بن خالد، وسويد بن صخر، وفي أشجع رايتان: مع نعيم بن مسعود، ومعقل بن سنان، وفي سليم ثلاث رايات: مع العباس بن مرداس، وخفاف بن ندبة، وحجاج بن علاط، وحمل راية الأزد [في] [ (2) ] حصار [أهل] [ (2) ] الطائف النعمان المهلبي [ (3) ] .
ولما دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من ثنية الوداع يريد تبوك، وعقد الألوية والرايات، فدفع لواءه الأعظم إلى أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنه، ورايته العظمى إلى الزبير رضى اللَّه عنه، ودفع راية الأوس إلى أسيد بن الحضير، ولواء الخزرج إلى أبى دجانة، ويقال: إلى الحباب بن المنذر بن الجموح [ (4) ] ، وراية بنى مالك بن النجار إلى عمارة بن حزم، ثم أعطاها زيد بن ثابت، وراية بنى عمرو بن عوف إلى أبى زيد، وراية بنى سلمة إلى معاذ بن جبل، رضى اللَّه عنهم [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 818- 821.
[ (2) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (3) ] (المرجع السابق) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 3/ 996.
[ (5) ] باقي الخير ليس في (المرجع السابق) .(7/171)
ولما بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه في رمضان سنة عشر [ (1) ] ، عسكر بقباء حتى تتام أصحابه، وعقد له يومئذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لواء، أخذ عمامة فلفّها مثنية مربعة، فجعلها في رأس الرمح، ثم دفعها إليه ثم قال: هكذا [ (2) ] اللواء، وعمّمه عمامة ثلاثة أكوار، وجعل ذراعا بين يديه، وشبرا من ورائه، ثم قال: هكذا العمة [ (3) ] .
وآخر لواء عقده رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لواء أسامة بن زيد في يوم الخميس لليلة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة، عقده بيده، وقد ابتدأ به مرضه الّذي توفّاه اللَّه فيه، وقال له: يا أسامة: أغز باسم اللَّه، في سبيل اللَّه، فقاتلوا من كفر باللَّه، اغزوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة، ولا تمنوا لقاء العدو، فإنكم لا تدرون لعلكم لا تبتلون بهم، ولكن قولوا: اللَّهمّ اكفناهم، واكفف بأسهم عنا، فإن لقوكم قد أجلبوا وصيّحوا، فعليكم بالسكينة والصمت، ولا تنازعوا [فتفشلوا] وتذهب ريحكم، وقولوا: اللَّهمّ نحن عبادك وهم عبادك، نواصينا ونواصيهم بيدك، وإنما تغلبهم أنت، واعلموا أن الجنة تحت البارقة [ (4) ] .
ثم قال: يا أسامة، شن [ (5) ] الغارة على أهل أبناء، ثم قال امض على اسم اللَّه،
فخرج بلوائه معقودا، فدفعه إلى بريدة بن الحصيب فخرج به إلى بيت أسامة، وعسكر أسامة بالجرف [ (6) ] .
__________
[ (1) ] هي سرية على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه إلى اليمن.
[ (2) ] في (خ) : «هاك ذا» .
[ (3) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1079.
[ (4) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1117.
[ (5) ] شنّ الغارة عليهم: فرّقها عليهم من جميع جهاتهم. (النهاية) .
[ (6) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1118.(7/172)
فلما توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة، ودخل بريدة بن الحصيب بلواء أسامة معقودا، حتى أتى به باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فغرزه عنده [ (1) ] .
فلما بويع أبو بكر رضى اللَّه عنه، أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت أسامة، وأن لا يحله أبدا حتى يغزوهم أسامة، فخرج بريدة باللواء إلى بيت أسامة، ثم خرج به الشام معقودا مع أسامة، ثم رجع به إلى بيت أسامة، فما زال معقودا في بيت أسامة حتى توفى أسامة حتى توفى أسامة رضى اللَّه عنه [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1118.(7/173)
[وأما القضيب والعصا]
[فكان له صلى اللَّه عليه وسلم مخصرة تسمى العرجون، وقضيب يسمى الممشوق] فخرج ابن حبان من حديث محمد بن عجلان، عن عياض عن أبى سعيد [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يستحب العراجين، فلا يزال في يده منها شيء، فدخل يوما المسجد وفي يده العرجون، فرأى نخامة في القبلة فحكها بالعرجون [ (1) ] .
ومن حديث ابن لهيعة، أخبرنا أبو الأسود عن عامر بن عبد اللَّه بن الزبير، عن أبيه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يخطب وفي يده مخصرة [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (أخلاق النبي) : 146، وما بين الحاصرتين من (خ) ، وليس في (ج) ، وسيأتي شرحه.
[ (2) ] (مجمع الزوائد) : 2/ 187، (طبقات ابن سعد) : 1/ 250، (سلسلة الأحاديث الضعيفة للألبانى) : حديث رقم (964) ، وقال العلّامة ابن القيم: ولم يكن يأخذ بيده سيفا ولا غيره، وإنما كان يعتمد على قوس أو عصا قبل أن يتخذ المنبر، وكان في الحرب يعتمد على قوس، وفي الجمعة يعتمد على عصا. (زاد المعاد) : 1/ 429، فصل في هديه صلى اللَّه عليه وسلم في خطبته.
ورواه أبو داود في (السنن) : 1/ 658- 659، كتاب الصلاة، باب (229) الرجل يخطب على القوس، حديث رقم (1096) مطولا، وفيه: «فقام متكئا على عصا أو قوس ... » وسنده حسن، وصححه ابن خزيمة، وله شاهد من حديث يزيد بن البراء، في (سنن أبى داود) : 1/ 679، كتاب الصلاة، باب (249) حديث رقم (1145) ، وله شاهد آخر عند أبى الشيخ في (أخلاق النبي) :
155- 156، والنسائي في (السنن) : 8/ 551- 552، كتاب الزينة، باب (45) حديث أبى هريرة والاختلاف على قتادة، حديث رقم (5204) ، وفيه «.... وفي يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مخصرة أو جريدة» ، وحديث رقم (5205) ، وفيه « ... فجعل يقرعه بقضيب معه» ، (مسند أحمد) :
6/ 501، حديث رقم (22576) ، وفيه: « ... فطعننى رجل بمخصرة ... فنظرت فإذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم» ،
(مسلم بشرح النووي) : 18/ 294، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (24) قصة الجساسة، حديث رقم (119) ، وفيه: « ... قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وطعن بمخصرته في المنبر:
هذه طيبة، هذه طيبة، يعنى المدينة» .(7/174)
ومن حديث معمر بن سليمان قال: سمعت منصور بن المعتمر، عن سعد بن عبيدة، عن عبد اللَّه بن حبيب، عن أبى عبد الرحمن السّلميّ عن على رضى اللَّه عنه قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم ببقيع الغرقد ومعه مخصرة، فنكس وجعل ينكت بها يده [ (1) ] .
قال ابن الجوزي: وكان له صلى اللَّه عليه وسلم قضيب هو اليوم عند الخلفاء.
ولابن حيّان من حديث ليث عن عامر الشعبىّ، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أنه قال: التوكؤ على العصا من أخلاق الأنبياء [ (2) ] [و] كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عصا يتوكأ عليها، ويأمر بالتوكؤ على العصا [ (3) ] .
وقال مخول بن إبراهيم، حدثنا إسرائيل عن عاصم، عن محمد بن سيرين، عن أنس، أنه كان عنده عصيّة لرسول اللَّه، فمات فدفنت معه بين جنبه وبين قميصه.
وخرج عمر بن شيبة من حديث عبد اللَّه بن رجاء قال: أخبرنا المسعودي عن القاسم قال: كان عبد اللَّه بن مسعود [رضى اللَّه عنه] يلبس النبي صلى اللَّه عليه وسلم
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 289، كتاب الجنائز، باب (82) موعظة المحدث عند القبر، وقعود أصحابه حوله، حديث رقم (1362) .
[ (2) ] (الأسرار المرفوعة) : 167، حديث رقم (147) ، قال عنه: كلام صحيح، وليس له أصل صريح، وإنما يستفاد من قوله تعالى: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى [طه: 17] ، ومن فعل نبينا عليه الصلاة والسلام في بعض الأحيان، (كشف الخفا) : 1/ 321، حديث رقم (1025) ثم قال- بعد أن نقل قول القاري في (الأسرار) -: وروى الديلميّ بسنده عن أنس رفعه، حديث: حمل العصا علامة المؤمن وسنة الأنبياء، وروى أيضا: كانت للأنبياء كلهم مخصرة يختصرون بها تواضعا للَّه عزّ وجلّ.
وأخرج البزار والطبراني بسند ضعيف حديث: أن اتخذ العصا فقد اتخذها أبى إبراهيم. وأخرج ابن ماجة عن أبى أمامة: خرج إلينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم متوكئا على عصا.
[ (3) ] (سلسلة الأحاديث الضعيفة) : 916.(7/175)
نعليه، ثم يأخذ العصا فيمشي أمامه، حتى إذا جلس أعطاه العصا ونزع نعليه، فجعلهما في ذراعيه، ثم استقبله بوجهه، فإذا أراد أن يقوم ألبسه نعليه، ثم أخذ العصا فمشى قدامه، حتى يلج الحجرة أمام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ويقال: إن اسم قضيبه على السلام الممشوق [ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرج الطبراني من حديث ابن عباس: « ... وكان له قضيب شوحط يسمى الممشوق» ، وفيه على بن عذرة الدمشقيّ، نسب إلى وضع الحديث.
قوله: قضيب شوحط، أي غصن مقطوع من شوحط، وهو من أشجار الجبال، تعمل منها القسي والسهام، قيل: هو الّذي كان الخلفاء يتداولونه.
قال الزبيدي: ورواه من طريق عثمان بن عبد الرحمن، عن على بن عذرة، عن عبد الملك بن أبى سليمان، عن عطاء وعمرو بن دينار، كلاهما عن ابن عباس. وعلى بن عذرة قال الهيثمي: متروك.
ورواه ابن الجوزي في الموضوعات، وقال: عبد الملك وعلى وعثمان متروكون (إتحاف السادة المتقين) : 8/ 261- 262.(7/176)
فصل في ذكر من كان على سلاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
قال الواقدي في عمرة القضاء: حدثني معاذ بن محمد عن عاصم بن عمر قال: حمل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم السلاح: البيض، والدروع، والرماح وقاد مائة فرس، فلما انتهى إلى ذي الحليفة، قدّم الخيل أمامه، [وهي مائة فرس،] [ (1) ] عليها محمد بن مسلمة، وقدم السلاح واستعمل عليه بشير بن سعد، فقيل: يا رسول اللَّه! حملت السلاح وقد شرطوا علينا أن لا ندخل عليهم إلا بسلاح المسافر السيوف في القرب، فقال [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] :
إنا لا ندخلها [ (2) ] عليهم الحرم، ولكن يكون قريبا منا، فإن هاجنا هيج من القوم، كان السلاح قريبا منا، قيل: يا رسول اللَّه! نخاف قريشا على ذلك؟
فأسكت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقدّم البدن [ (3) ] .
قال الواقدي: ونزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرّ الظهران، وقدم السلاح إلى بطن يأجج، حيث ينظر إلى أنصاب الحرم، [و] حدثني عائذ بن يحى، عن [أبى] [ (1) ] الحويرث قال: وخلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مائتي رجل على السلاح، عليهم أوس بن خولى [ (4) ] .
قال الواقدي: وقد كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمر مائتين من أصحابه ممن طافوا بالبيت أن يذهبوا إلى أصحابهم ببطن يأجج فيقيموا على السلاح، ويأتى الآخرون فيقضوا نسكهم، ففعلوا [ (5) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) .
[ (2) ] في (خ) : «لا ندخل» .
[ (3) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 733- 735.
[ (4) ] (المرجع السابق) : 734- 735.
[ (5) ] (المرجع السابق) : 740.(7/177)
فصل في ذكر من كان يقوم على رأس النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالسلاح ومن حمل حربته وصقل سيفه
اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جماعة يقفون على رأسه بالسلاح، منهم المغيرة بن شعبة، والضحاك بن سفيان، والنعمان بن مقرن، وعباد بن بشير رضى اللَّه عنهم.
أما المغيرة بن شعبة، فقد خرّج البخاري من حديث الزهري قال: أخبرنى عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان [رضى اللَّه عنهما] يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه، قالا: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الحديبيّة، فذكر الحديث حتى ذكر قدوم عروة [بن مسعود] [ (1) ] إلى أن قال: وجعل يكلم النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فلما كلمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم رأس النبي صلى اللَّه عليه وسلم ومعه السيف، وعليه المغفر، وكلما أهوى عروة بيده إلى لحية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. ضرب يده بنعل السيف وقال: أخّره يدك عن لحية رسول اللَّه وذكر الحديث بطوله، ذكره في كتاب الشروط [ (2) ] وفي عمرة الحديبيّة [ (3) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (البخاري) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 5/ 412- 417، كتاب الشروط، باب (15) الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابة الشروط، حديث رقم (2731) ، (2732) ، وأخرجه أبو داود في (السنن) :
3/ 194- 209، كتاب الجهاد، باب (168) في صلح العدو، حديث رقم (2765) ، 5/ 42، كتاب السنة، باب (9) في الخلفاء، حديث رقم (4655) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 576، كتاب المغازي، باب (36) غزوة الحديبيّة، وقول اللَّه تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح: 18] ، حديث رقم (4180) ، 4181) ، مختصرا، ولم يذكر فيه خبر عروة بن مسعود، والمغيرة بن شعبة.(7/178)
وخرج ابن حبان في صحيحه من حديث محمد بن إسحاق بن خزيمة، حدثنا أبو عمار، حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبى خالد، عن قيس بن أبى حازم، عن المغيرة بن شعبة، أنه كان قائما على رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالسيف، وعنده عروة بن مسعود، فجعل يتناول لحية النبي صلى اللَّه عليه وسلم ويحدثه، فقال المغيرة لعروة: لتكفّن يدك عن لحيته، أو لا ترجع إليك، فقال عروة:
من هذا؟ قال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة، فقال عروة: يا غدر، ما غسلت رأسك من غدرتك بعد [ (1) ] .
وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني محمد بن سعيد الثقفي، وعبد اللَّه بن عبد الرحمن بن يعلا بن كعب، ومحمد بن يعقوب ابن عتبة عن أبيه وغيرهم، قالوا: قال المغيرة بن شعبة: كنا قوم من العرب متمسكين بديننا، ونحن سدنة اللات، وأرانى لو رأيت قومي قد أسلموا ما تبعتهم، فأجمع نفر من بنى مالك الوفود على المقوقس، وأهدوا له هدايا فأجمعت الخروج معهم، فاستشرت عمى عروة بن مسعود فنهاني وقال:
ليس معك من بنى أبيك أحد، فأبيت إلا الخروج [ (2) ] .
فخرجت معهم، وليس معهم من الأحلاف غيري، حتى إذا دخلنا الإسكندرية، فإذا المقوقس في مجلس مطلّ على البحر، فركبت قاربا حتى حاذيت مجلسه، فنظر إليّ فأنكرنى، وأمر من سألني من أنا وما أريد، فسألني، فأخبرته بأمرنا، وإنا قدمنا عليه، فأمر أن ننزل، وأجرى علينا ضيافة، ثم دعانا فنظر إلى رأس بنى مالك فأدناه إليه، وأجلسه معه ثم
__________
[ (1) ] (الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان) : 11/ 216- 227، كتاب السير، باب (18) الموادعة والمهادنة، ذكر ما يستحب للإمام من استعمال المهادنة بينه وبين أعداء اللَّه، إذا رأى بالمسلمين ضعفا يعجزون عنهم، حديث رقم (4872) ، من حديث المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، بسياقه أخرى.
[ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 4/ 285.(7/179)
سأله: أكل القوم من بنى مالك؟ فقال: نعم إلا رجلا واحدا من الأحلاف، وعرّفه إياي، فكنت أهون القوم عليه [ (1) ] .
ووضعوا هداياهم بين يديه فسرّ بها وأمر بقبضها، وأمر لهم بجوائز، وفضّل بعضهم على بعض، وقصّر بى فأعطانى شيئا قليلا لا ذكر له، وخرجنا، فأقبلت بنو مالك يسيّرون هداياهم لأهليهم وهم مستبشرون، ولم يعرض عليّ أحد منهم شيئا، وخرجوا وحملوا معهم خمرا فكانوا يشربون منها وأشرب معهم، ونفسي تأبى أن تدعني معهم، وقلت:
ينصرفون إلى الطائف بما أصابوا مما حباهم به الملك، ويخبرون قومي بتقصيرهم بى، وازدرائه إياي، فأجمعت على قتلهم، قلت: إني أجد صداعا، فوضعوا شرابهم ودعوني فقلت: برأسى صداع، ولكن أجلس فأسقيكم فلم ينكروا شيئا، فجلست أسقيهم وأشرب القدح بعد القدح، فلما دبّت الكأس فيهم اشتهوا الشراب، فصرت أصرف لهم وأنزع الكأس حتى ناموا ما يعقلون، فوثبت بهم، فقتلتهم جميعا وأخذت ما معهم [ (1) ] .
فقدمت على النبي صلى اللَّه عليه وسلم فوجدته جالسا في المسجد مع أصحابه، وعليّ ثياب السفر، فسلمت سلام الإسلام،
فنظر إليّ أبو بكر- وكان بى عارفا- فقال: أنت ابن أخى عروة؟ قلت نعم، قال: ما جاء بك؟ قلت: جئت أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: الحمد للَّه الّذي هداك إلى الإسلام، فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: أمن مصر أقبلتم؟
قلت: نعم، قال: فما فعل المالكيون الذين كانوا معك؟ قلت: كان بيني وبينهم بعض ما يكون بين العرب ونحن على دين الشرك، فقتلتهم وأخذت أسلابهم، وجئت بها إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليخمسها، ويرى فيها رأيه، فإنّها غنيمة من المشركين، وأنا مسلم مصدق محمد، فقال رسول اللَّه
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 285- 286.(7/180)
صلى اللَّه عليه وسلم: أما إسلامك فقبلته، ولا نأخذ من أموالهم شيئا ولا نخمسها، لأن هذا غدر، والغدر لا خير فيه] [ (1) ] .
[فأخذني ما قرب وما بعد، فقلت: يا رسول اللَّه! إنما قتلتهم وأنا على دين قومي، ثم أسلمت حين دخلت عليك الساعة، فقال: إن الإسلام يجب ما قبله] [ (1) ] .
[قال: وكان قد قتل منهم [ (2) ] ثلاثة عشر إنسانا، فبلغ ذلك ثقيفا بالطائف، فتداعوا للقتال، ثم اصطلحوا على أن يحمل عمى عروة بن مسعود ثلاثة عشرة دية] .
[قال المغيرة: وأقمت مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم حتى اعتمر عمرة الحديبيّة في ذي القعدة سنة ست من الهجرة، فكانت أول سفرة وخرجت معهم، وكنت أكون مع أبى بكر رضى اللَّه عنه، وألزم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيمن يلزمه] .
[وبعثت قريش عام الحديبيّة عروة بن مسعود، إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأتاه يكلمه، وجعل يمس لحية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأنا قائم على رأسه صلى اللَّه عليه وسلم مقنع في الحديد، فقلت لعروة وهو يمس لحية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أكفف يدك [عن مسّ لحية رسول اللَّه] [ (3) ] قبل أن لا تصل إليك، فقال عروة: يا محمد! من هذا؟ ما أفظعه وما أغلظه؟! فقال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة، فقال عروة: يا عدوّ اللَّه! ما غسلت سوأتك عنى إلا بالأمس يا غدر] .
[وخرجه قاسم بن أصبغ، من حديث الأعمش عن مجاهد قال: حدثني
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 286.
[ (2) ] إلى هنا انقطع الخبر في (طبقات ابن سعد) ، وتمام الخبر في (خ) ، وما بين الحاصرتين في الفصل كله من (خ) وهو سقط من الناسخ في (ج) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) : 2/ 595.(7/181)
مولاي عبد اللَّه بن السائب [ (1) ] قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال لي: تعرفني؟
قلت: نعم، كنت شريكك، فنعم الشريك، كنت لا تدارى [ (2) ] ولا تمارى [ (3) ]] [ (4) ] .
[وأما الضحاك بن سفيان رضى اللَّه عنه] فقال أبو عمر بن عبد البر:
وكان الضحاك بن سفيان الكلابي أحد الأبطال، وكان يقوم على رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم متوشحا سيفه، وكان يعدّ بمائة فارس وحده، وله خبر عجيب مع بنى سليم، ذكره أهل الأخبار [ (5) ] .
ذكر الزبير بن بكار وقال: حدثتني ظمياء بنت عبد العزيز بن موءلة بن كثيف الكلابي [قال: حدّثنى أبى عن جدي موءلة بن كثيفك بن جمل بن
__________
[ (1) ] هو عبد اللَّه بن السائب بن أبى السائب، صيفىّ بن عابد بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرّة أبو عبد الرحمن، وأبو السائب القرشيّ المخزومي المكيّ.
روى أنس بن عياض، عن رجل، عن عبد اللَّه بن السائب، قال: اكتنيت بكنية جدي أبى السائب، وكان خليطا للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم في الجاهلية، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: نعم الخليط، كان لا يشارى ولا يمارى،
[إسناده ضعيف لجهالة رواية عبد اللَّه بن السائب، والمعروف أن شريك النبي صلى اللَّه عليه وسلم هو السائب أبو عبد اللَّه لا جده] . [ويؤيد ذلك ما أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في (المسند) :
4/ 440- 441، حديث رقم (15076) : عن قائد السائب، عن السائب، أنه قال للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم:
كنت شريكي، فكنت خير شريك، كنت لا تدارى ولا تمارى، وحديث رقم (15077) ، من حديث روح، حدثنا سيف قال: سمعت مجاهدا يقول: كان السائب بن السائب العابدي شريك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الجاهلية، قال: فجاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم يوم فتح مكة فقال: بأبي وأمى لا تدارى، ولا تمارى.
[ (2) ] لا تدارى: لا تخالف ولا تمانع.
[ (3) ] لا تمارى: لا تخاصم.
[ (4) ] له ترجمة في: (طبقات خليفة) : 110، (التاريخ الكبير) : 5/ 8، (التاريخ الصغير) : 1/ 126، (طبقات ابن سعد) : 5/ 445، (الجرح والتعديل) : 5/ 65، (جمهرة أنساب العرب) : 143، (تهذيب التهذيب) : 5/ 201، ترجمة رقم (394) ، (سير أعلام النبلاء) : 3/ 388- 390، ترجمة رقم (59) .
[ (5) ] (الاستيعاب) : 2/ 743، ترجمة رقم (1250) .(7/182)
خلد الكلابي، أن الضحاك بن سفيان الكلابي رضى اللَّه عنه] [ (1) ] كان سيّاف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قائما على رأسه متوشحا سيفه، وكانت بنو سليم في تسعمائة، فقال لهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: هل لكم في رجل يعدل مائة يوفيكم ألفا؟ فوافاهم بالضحاك بن سفيان، وكان رئيسهم،
فقال عباس بن مرداس [المعنى المذكور في الخبر] [ (1) ] :
نذود أخانا عن أخينا ولو ترى ... مهزا لكنا الأقربين نتابع
نتابع بين الأخشبين وإنما ... يد اللَّه بين الأخشبين تبايع
[عشية ضحاك بن سفيان معتص ... بسيف رسول اللَّه والسيف رافع] [ (1) ]
[كان] [ (2) ] الضحاك بن سفيان بن عوف بن أبى بكر بن كلاب الكلابي، يكنى أبا سعيد، معدود في أهل المدينة، كان ينزل باديتها، وقيل: كان
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) ، وهذه الأبيات في (الاستيعاب) هكذا:
نذود أخانا عن أخينا ولو نرى ... وصالا لكنا الأقربين نتابع
نبايع بين الأخشبين وإنما ... يد اللَّه بين الأخشبين تبايع
عشية ضحاك بن سفيان معتص ... لسيف رسول اللَّه والموت واقع
[ (2) ] في (خ) ، (ج) : «قال» ، وما أثبتناه أجود للسياق.(7/183)
نازلا [بحرة] [ (1) ] ولّاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على من أسلم من قومه، وكتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضّبابى [ (2) ] من دية زوجها، وكان أشيم قتل خطأ، وشهد بذلك الضحاك بن سفيان عند عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، فقضى به وترك رأيه.
وبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سرية أمّر عليهم الضحاك، بن سفيان هذا، فذكره عباس بن مرداس في شعره، كذا ذكره ابن عبد البر أنه كلابىّ [ (3) ] ، وقال البرقي: ليس الضحاك بن سفيان هذا بالكلابى، إنما هو الضحاك بن سفيان بن الحارث بن زائدة بن عبد اللَّه بن حبيب بن مالك بن خفاف بن امرئ القيس بهثة السلمي، له صحبة، وكان رأس بنى سليم، وصاحب رايتهم [ (4) ] .
[وقال الزبير بن بكار في (نسب قريش) : الضحاك بن سفيان بن عوف بن كعب بن أبى بكر بن كلاب الكلبي، الّذي شهد عند عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضّبابى [ (2) ] من ديته، وكان أشيم قتل خطأ، فقضى بذلك عمر بن الخطاب، وبعثه النبي صلى اللَّه عليه وسلم [في سرية] [ (2) ] استعمله عليهم [ (5) ] ، فيها عباس
__________
[ (1) ] في بعض النسخ: «بنجد» وما أثبتناه من (الاستيعاب) .
[ (2) ] في الأصلين: «الصابئ» وما أثبتناه من (الاستيعاب) .
[ (3) ] (الاستيعاب) : 2/ 742، ترجمة رقم (1250) ، (الإصابة) : 3/ 478- 480، ترجمة رقم (4173) .
[ (4) ] (جمهرة النسب) : 399، (الإصابة) : 6/ 235، ترجمة مولة، أو موءلة بن كثيف، مولى الضحاك ابن سفيان الكلابي رقم (8279) .
[ (5) ] هي سرية الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بنى كلاب، راجع خبرها في: (طبقات ابن سعد) :
2/ 162- 163، (عيون الأثر) : 2/ 206- 207، وكانت في شهر ربيع الأول سنة تسع.(7/184)
ابن مرداس، فقال عباس بن مرداس:
يا خاتم الأنبياء إنك مرسل ... بالحق كل هدى النبي هداكا
وضعت عليك من الإله محبة ... وعباده ومحمدا أسماكا
إن الذين وفوا ما عاهدتهم ... جيش بعثت عليهم الضّحاكا
أمرته ضرب السنان كأنه ... لما تكنفه العدو يراكا
طورا يعانق باليدين وتارة ... يفرى الجماجم صارما بتاكا] [ (1) ]
[قال الزبير: حدثتني ظمياء بنت عبد العزيز بن مولة [ (2) ] بن كثيف الضبائية، عن أبيها عن جدها مولة [ (2) ] بن كثيف، أن الضحاك بن سفيان الكلبي، كان سيافا لرسول اللَّه [ (3) ] صلى اللَّه عليه وسلم، قائما على رأسه، متوشحا
__________
[ (1) ] هذه الأبيات في (الاستيعاب) ثلاثة فقط أولهم:
إن الذين وفوا بما عاهدتهم
باختلاف يسير في الألفاظ، وما أثبتناه من (خ) ، و (سيرة ابن هشام) .
[ (2) ] في بعض كتب التراجم: «موءلة» .
[ (3) ] كذا في (خ) ، وفي (الاستيعاب) : «كان سياف رسول اللَّه» .(7/185)
بسيفه [ (1) ] ، وكانت بنو سليم في تسعمائة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: هل لكم في رجل يعدل مائة يوفيكم ألفا، فوفّاهم بالضحاك بن سفيان، وكان رئيسهم، فلما اقتتلوا قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لعباس بن مرداس: ما لقومي كذا تريد تقتلهم، وقومك هكذا تريد تدفع عنهم؟
فقال عباس:
نذود أخانا عن أخينا ولو ترى ... مهرا لكنا الأقربين نتابع
نبايع بين الأخشبين وإنما ... يد اللَّه بين الأخشبين تدافع
[عشية ضحاك بن سفيان معتص ... بسيف رسول اللَّه والسيف كانع] [ (2) ]
[وبشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس [ (3) ] بن زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي أبو النعمان، شهد العقبة، وبدرا، وأحدا، وما بعدها] .
__________
[ (1) ] كذا في (خ) «سيفه» وفي (الاستيعاب) : «بسيفه» .
[ (2) ] هذه الأبيات من شعر عباس بن مرداس في يوم حنين، وهي قصيدة قوامها (16) بيتا) سيرة ابن هشام) : 5/ 122- 123، وما بين الحاصرتين من (خ) وليس في (ج) .
[ (3) ] جلاس- بضم الجيم مخففا- وضبطه الدار قطنى بفتح الخاء المعجمة وتثقيل اللام، له ذكر في (صحيح مسلم) وغيره في قصة الهبة لولده، وحديثه في النسائي، وقال الواقدي: بعثه النبي صلى اللَّه عليه وسلم في سرية إلى فدك، ثم بعثه في شوال نحو وادي القرى. (الإصابة) : 1/ 311- 312، ترجمة رقم (694) ، وما بين الحاصرتين سقط في (ج) .(7/186)
[وذكر الزبير بن بكار في (الأخبار الموفقيات) ، عن محمد بن إسحاق، أن بشير بن سعد الأنصاري كان إذا قدمت وفود العرب على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قام على رأس النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالسيف يحميه منهم، وبشير هذا أول من بايع أبا بكر الصديق رضى اللَّه عنه يوم الثقيفة من الأنصار، وقتل هو مع خالد بن الوليد بعين التمر في خلافة أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنهم] [ (1) ] .
والنعمان بن مقرّن بن عائذ، ويقال: النعمان بن عمرو بن مقرن، ويقال النعمان بن مقرن بن عائذ بن ميجاء بن هجير بن نصر بن حبشيّة بن كعب ابن عبد ثور بن هدمة بن لاطم بن عثمان- وهو مزينة- بن عمرو بن أدّ ابن طابخة أبو عمرو، ويقال: أبو حكيم المزني.
هاجر وكان صاحب لواء مزينة يوم الفتح، واستعمله عمر رضى اللَّه عنه، ففتح اللَّه عليه أصبهان، وقتل على نهاوند سنة إحدى وعشرين.
وذكر الطبراني من حديث عطاء بن أبى رباح قال: قلت لابن عمر:
أشهدت بيعة الرضوان مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: نعم، قلت: فما كان عليه؟
قال: قميص من قطن، وجبّة محشوة، ورداء وسيف، ورأيت النعمان بن مقرن المزني قائما على رأسه، قد رفع أغصان الشجرة عن رأسه، والناس يبايعونه [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (الاستيعاب) : 1/ 172- 173، ترجمة رقم (193) ، (الإصابة) : 1/ 311- 312، ترجمة رقم (694) ، وما بين الحاصرتين سقط في (ج) .
[ (2) ] له ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/ 1505- 1507، ترجمة رقم (2626) ، (الإصابة) :
6/ 453- 454، ترجمة رقم (8765) ، (طبقات خليفة) : 38، 128، 177، (تاريخ خليفة) :
149، (التاريخ الكبير) : 8/ 75، (المعارف) : 75، 83، 299، (الجرح والتعديل) : 8/ 444، (تهذيب التهذيب) : 1/ 407، (شذرات الذهب) : 1/ 32.(7/187)
وعباد بن بشر [ (1) ] [رضى اللَّه عنه] قائم على رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وهو مقنع في الحديد، لما جاء عيينة بن حصن في الخندق، ومعه الحارث بن عوف في عشرة من قومهما، ليقع الصلح معهما، حتى يرجعا بمن معهما [ (2) ] .
وقال الواقدي: حدثني يعقوب بن محمد، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه، عن الحارث بن عبد اللَّه بن كعب قال: سمعت أم عمارة [رضى اللَّه عنها] تقول: إني لأنظر إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ جالسا متربعا- يعنى يوم الحديبيّة- وإنّ عباد بن بشر وسلمة بن أسلم بن حريش مقنعان بالحديد قائمان على رأس النبي عليه السلام، إذ رفع سهيل بن عمرو صوته فقالا [ (3) ] : اخفض [من] [ (4) ] صوتك عند رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] [ (5) ] ، وسهيل بارك على ركبتيه رافع صوته، كأنى انظر إلى علم [ (6) ] في ضفته، وإلى أنيابه، وإن
__________
[ (1) ] هو عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل الأنصاري الأشهلي. قال الواقدي:
يكنى أبا بشر، وقال إبراهيم بن المنذر: عبّاد بن بشر يكنى أبا بشر، ويكنى أبا الربيع. شهد بدرا وأحدا، والمشاهد كلها، وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف اليهودي، وكان من فضلاء الصحابة.
قال ابن إسحاق: شهد بدرا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وقتل يوم اليمامة شهيدا، وكان له يومئذ بلاء وغناء، فاستشهد يومئذ وهو ابن خمس وأربعين سنة. له ترجمة في: (الاستيعاب) : 2/ 801- 804، ترجمة رقم (1354) ، (الإصابة) : 3/ 611، ترجمة رقم (4457) ، (جمهرة النسب) :
636، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 337- 340، ترجمة رقم (73) .
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 477.
[ (3) ] في (المرجع السابق) : «قالا» .
[ (4) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (5) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (6) ] العلم: الشق في الشفة العليا.(7/188)
المسلمين لحول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جلوس [ (1) ] .
وعمر بن الخطاب [رضى اللَّه عنه] ، ذكر الدار قطنى في (العلل) ، أن النبي عليه السلام، كان إذا صلى في الحجر، قام عمر رضى اللَّه عنه على رأسه بالسيف حتى يصلى.
وكان الحارث بن الصمة [بن عتيك] [ (2) ] بن عمرو بن عامر- الّذي يقال له: مبذول- بن مالك بن النجار أبو سعيد، الّذي قتل يوم بئر معونة شهيدا، يحمل حربة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ويسير بها بين يديه [ (3) ] .
قال ابن إسحاق: في يوم أحد لما أسند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الشعب، أدركه أبىّ بن خلف وهو يقول: أين يا محمد! لا نجوت إن نجوت، فقال القوم: يا رسول اللَّه! أيعطف عليه [رجل] [ (4) ] منا؟ فقال: دعوه، فلما دنا تناول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة، ثم استقبله فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ- أي تمايل- منها عن فرسه مرارا [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 605- 606.
[ (2) ] زيادة لسياق من (الاستيعاب) .
[ (3) ] هو الحارث بن الصّمّة بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن عامر، وعامر هذا يقال له مبذول بن مالك بن النجار، يكنى أبا سعد.
كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد آخى بينه وبين صهيب بن سنان، وكان فيمن خرج مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى بدر، فكسر بالروحاء، فردّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وضرب له بسهمه وأجره، وشهد معه أحدا فثبت معه يومئذ حين انكشف الناس وبايعه على الموت، ثم شهد بئر معونة، فقتل يومئذ شهيدا. له ترجمة في (الاستيعاب) : 1/ 292، ترجمة رقم (411) ، (الإصابة) : 1/ 578- 579، ترجمة رقم (1428) .
[ (4) ] زيادة للسياق من (سيرة ابن هشام) .
[ (5) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 33، مقتل أبىّ بن خلف.(7/189)
وكان مرزوق الصيقل [ (1) ] مولى الأنصار، صقل سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، روى عنه أبو الحكم الصيقل [حدثني مرزوق الصيقل أنه صقل سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذا الفقار] [ (2) ] .
__________
[ (1) ] قال العسكري وغيره: له صحبه. وقال ابن حبان: يقال إن له صحبة، وقال ابن عبد البرّ: في إسناد حديثه لين. له ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/ 1469، ترجمة رقم (2541) ، (الإصابة) :
6/ 77، ترجمة رقم (7904) ، (الثقات) : 3/ 390.
[ (2) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (الإصابة) ، أخرجه البغوي، والطبراني، من طريق محمد بن حمير، وقال ابن عبد البرّ: في إسناد حديث لين.(7/190)
فصل في ذكر خيل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
[اعلم أنه قد كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خيول يرتبطها، منها ما أجمعوا عليه ومنها ما اختلفوا فيه، فأجمعوا على أن كان له صلى اللَّه عليه وسلم سبعة أفراس، ويروى [أن] له عشرة أفراس- في بعضها خلاف- وهي: المرتجز [ (1) ] ، واللّحيف [ (2) ] ، واللّزاز [ (3) ] ، والظّرب [ (4) ] ، والسّكب [ (5) ] ، وسبحة [ (6) ] ،
__________
[ (1) ] وكان أشهب وهو الّذي شهد فيه خزيمة بن ثابت فجعل شهادته شهادة رجلين، وسمى بذلك لحسن صهيله، كأنه ينشد رجزا، وقيل: هو الطّرف- بكسر الطاء المهملة- نعت المذكر خاصة، وقيل: هو النجيب، والطرف والنجيب: الكريم من الخيل، وكان الأعرابي الّذي اشتراه منه النبي صلى اللَّه عليه وسلم من بنى مرة. (زاد المعاد) : 1/ 133، (طبقات ابن سعد) : 1/ 490، (الوافي) : 1/ 90، (عيون الأثر) :
2/ 320- 321.
[ (2) ] أهداه له ربيعة بن أبى البراء، فأثابه عليه فرائض من نعم بنى كلاب، واللحيف: فعيل بمعنى فاعل، كأنه يلحف الأرض بذنبه، وقيل فيه: بضم اللام وفتح الحاء على التصغير. (زاد المعاد) : 1/ 133، (طبقات ابن سعد) : 1/ 490، (الوافي) : 1/ 90، (عيون الأثر) : 1/ 321.
[ (3) ] أهداه له المقوقس، ولزاز: من قولهم: لاززته أي لاصقته، كأنه يلتصق بالمطلوب لسرعته، وقيل:
لاجتماع خلقه، والملزز: المجتمع الخلق. (المرجع السابق) .
[ (4) ] أهداه له فروة بن عمير الجذامي، والظّرب: واحد الظّراب، وهي الروابي الصغار، سمى به لكبره وسمنه، وقيل: لقوته وصلابته. (المرجع السابق) .
[ (5) ] كان اسمه قبل أن يشتريه: الضرس، اشتراه بعشرة أوراق، أول ما غزا عليه أحدا، وكان أغرّ، طلق اليمين، محجّلا، كميتا، وقيل: كان أدهم، روى ذلك عن ابن عباس، شبّه بفيض الماء وانسكابه، (المرجع السابق) .
[ (6) ] أخرج ابن سعد في (الطبقات) من حديث أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: راهن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على فرس يقال لها: سبحة، فجاءت سابقة، فهشّ لذلك وأعجبه، وسبحه، من قولهم: فرس سابح، إذا كان حسن مد اليدين في الجرى، وسبح الفرس جريه. (المرجع السابق) .(7/191)
والورد [ (1) ] . وقاد صلى اللَّه عليه وسلم في حروبه عدة أفراس] [ (2) ] .
__________
[ (1) ] أهداه له تميم الداريّ، فأعطاه عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، فحمل عليه في سبيل اللَّه، ثم وجده يباع برخص، فقال له: لا تشتره.
والورد: لون بين الكميت والأشقر: (المرجع السابق) .
قال ابن سيد الناس في (عيون الأثر) : قال شيخنا الحافظ أبو محمد الدمياطيّ رحمه اللَّه: فهذه سبعة متفق عليها، وهي: السكب، والمرتجز، واللحيف، ولزاز، والظرب، والورد، وسبحة، وكان الّذي يمتطى عليه ويركب: السكب. (عيون الأثر) : 2/ 231.
وقيل: كانت له أفراس أخر غيرها، وهي: الأبلق، وذو العقال، وذو اللمة، والمرتجل، والمراوح، والسرحان، واليعسوب، واليعبوب، والبحر، والأدهم، والشحاء، والسجل، وملاوح، والطرف، والنجيب، هذه خمسة عشر مختلف فيها. (المرجع السابق) .
وذكر السهيليّ في خيله صلى اللَّه عليه وسلم: الضريس، وذكر ابن عساكر فيها: مندوبا، وذو العقال بضم العين، وبعضهم يشدد قافه، وبعضهم يخففها وهو ظلع [أي عرج] في قوائم الدواب (المرجع السابق) .
والمرواح: من الرمح لسرعته، والسرحان: الذئب، وهذيل تسمى الأسد سرحانا، واليعسوب:
طائر، وهو أيضا أمير النحل، والسيد: يعسوب قومه، واليعسوب: غرة تستطيل في وجه الفرس.
واليعبوب: الفرس الجواد. وجدول يعبوب: شديد الجرى. والشحاء: من قولهم: فرس بعيد الشحوة، أي بعيد الخطوة، ومندوب: من ندبه فانتدب، أي دعاه فاستجاب. (المرجع السابق) .
والسبعة المتفق عليها، جمعها الإمام أبو عبد اللَّه محمد بن إسحاق بن جماعة الشافعيّ في بيت فقال:
والخيل: سكب لحيف سبحة ظرب ... لزاز مرتجز ورد لها أسرار
وقد جمع من أسماء خيله صلى اللَّه عليه وسلم في أبيات من قصيدة يمدحه بها الشيخ الإمام الحافظ فتح الدين أبو الفتح محمد بن سيد الناس اليعمري، [فقال] :
لم يزل في حربه ذا ... وثبات وثبات
كلفا بالطعن والضر ... ب وحبّ الصافنات
من لزاز ولحيف ... ومن السكب الموات
ومن المرتجز السابق ... سبق الذاريات
ومن الورد ومن ... سبحة قيد العاديات
(الوافي بالوفيات) : 1/ 90.
[ (2) ] ما بين الحاصرتين من (ج) وليس في (خ) .(7/192)
خرّج النسائىّ من حديث إبراهيم بن طهمان، عن سعيد [بن أبى عروبة] [ (1) ] عن قتادة، عن أنس رضى اللَّه قال: لم يكن شيء أحب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد النساء من الخيل [ (2) ] .
ورواه أبو هلال الراسى محمد بن سليم عن قتادة، عن معقل بن يسار قال: لم يكن شيء أعجب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الخيل [ (3) ] ، ثم قال: عفوا بل النساء، أبو هلال هذا ليس بشيء [ (4) ] .
ومن حديث إبراهيم بن الفضل، عن سعيد المقبري عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: كان أحب الخيل إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الأشقر، الأدم، الأقرح، المحجل في السبق، الأيمن [ (5) ] .
وقد اختلف في عدة خيول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم التي ارتبطها، فأجمعوا على أنه كان له سبعة أفراس، وروى أنه كان له عشرة أفراس، في بعضها خلاف،
__________
[ (1) ] زيادة للنسب من (سنن النسائي) .
[ (2) ] (سنن النسائي) : 7/ 74، كتاب عشرة النساء، باب (1) حب النساء، حديث رقم (3951) ، 6/ 527، كتاب الخيل، باب (2) حب الخيل، حديث رقم (3566) ، انفرد به النسائي، قال الحافظ السندي في قوله: «من الخيل» : لعل ترك ذكرها في حديث حبب إلى من دنياكم النساء والطيب ... لعدها من الدين لكونها آلة الجهاد، واللَّه تعالى أعلم. (حاشية السندي على النسائي) .
[ (3) ] (مجمع الزوائد) : 4/ 258.
[ (4) ] هو محمد بن سليم أبو هلال الراسى البصري، مولى بنى سلمة بن لؤيّ قال النسائي: ليس بالقوى، وقال ابن سعد: فيه ضعف، وقال أحمد بن حنبل: يحتمل في حديثه، إلا أنه يخالف في قتادة، وهو مضطرب الحديث، وقال الساجي: روى عنه حديث منكر، وقال البراز: احتمل الناس حديثه، وهو غير حافظ، وقال ابن عدي بعد أن ذكر له أحاديث كلها أو عامّتها غير محفوظة، وله غير ما ذكرت، وفي بعض رواياته ما لا يوافقه عليه الثقات، وهو ممن يكتب حديثه. توفى في خلافة المهدي سنة تسع وستين. (تهذيب التهذيب) : 9/ 173- 174، ترجمة رقم (303) .
[ (5) ] (أخلاق النبي) : 149.(7/193)
وهي: المرتجز، واللحيف، واللزاز، والظرب، والسكب، وبهجة، والورد.
وقاد صلى اللَّه عليه وسلم في حروبه عدة أفراس [ (1) ] .
فأما المرتجز، فروى الواقدي عن الحسن بن عمارة بن الحكم بن مقسم، عن ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فرس يدعى المرتجز [ (1) ] .
وروى إدريس الأودي عن الحكم عن يحى بن الجزار، أن عليا رضى اللَّه عنه قال: كان اسم فرس النبي صلى اللَّه عليه وسلم المرتجز، وبغلته دلدل، وناقته القصواء، وحماره عفير، ودرعه ذات الفضول، وسيفه ذو الفقار، وإنما قيل له المرتجز لحسن صهيله، وكان أبيض [ (2) ] .
وعن محمد بن يحى بن سهل قال: ابتاع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فرسه المرتجز من أعرابى من بنى مرّة، فرأى الأعرابي فيه رغبة، فجحد أن يكون باعه إياه، فشهد له على ابتياعه هذا الفرس خزيمة بن ثابت الأنصاري [ (3) ] رضى اللَّه عنه، ولم يكن شاهدا شراءه، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: كيف شهدت ولم تحضر؟ قال: لتصديقي إياك يا رسول اللَّه، وإن قولك كالمعاينة، فقال: أنت
__________
[ (1) ] راجع تعليقات أول الفصل.
[ (2) ] سبق تخريج وشرح هذه الأشياء كل في فصله من هذا الجزء، فلتراجع.
[ (3) ] هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه- بالفاء وكسر الكاف- ابن ثعلبة بن ساعدة بن عامر بن غيّان- بالمعجمة والتحتانية، وقيل: بالمهملة والنون- ابن عامر بن خطمة- بفتح المعجمة وسكون المهملة- واسمه عبد اللَّه بن جشم- بضم الجيم وفتح المعجمة- ابن مالك بن الأوس الأنصاريّ الأوسيّ، ثم الخطميّ، وأمه: كبشة بنت أوس الساعدية، شهد بدرا وما بعدها، وقتل بصفين، وكان يكسر أصنام بنى خطمة، وكانت راية خطمة بيده يوم الفتح. له ترجمة في: (الإصابة) : 2/ 278- 279، ترجمة رقم (2253) ، (الاستيعاب) : 2/ 448، ترجمة رقم (665) ، (المستدرك) : 3/ 448، (طبقات ابن سعد) : 6/ 51.(7/194)
ذو الشهادتين، فسمى ذا الشهادتين [ (1) ] .
وقد خرّج أبو داود حديث شهادة خزيمة من طريق الزهري، عن عمارة ابن خزيمة، أن عمه حدّثه [وهو من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم ابتاع فرسا من أعرابىّ، فاستتبعه النبي صلى اللَّه عليه وسلم ليقضيه [ (3) ] ثمن فرسه، فأسرع النبي صلى اللَّه عليه وسلم المشي وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس ولا يشعرون أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم ابتاعه، فنادى الأعرابيّ النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم: إن كنت مبتاعا هذا الفرس وإلا بعته، فقام النبي صلى اللَّه عليه وسلم حين سمع نداء الأعرابي فقال: أو ليس قد ابتعته منك؟ فقال: [لا] [ (4) ] ، واللَّه ما بعتكه، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: بلى قد ابتعته منك. فطفق الأعرابي يقول: هلمّ شهيدا، فقال خزيمة [بن ثابت] : أنا أشهد أنك قد بايعته، فأقبل النبي صلى اللَّه عليه وسلم على خزيمة فقال:
بم تشهد؟ فقال بتصديقك يا رسول اللَّه، فجعل النبي صلى اللَّه عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين [ (5) ] .
__________
[ (1) ] راجع التعليق رقم (5) .
[ (2) ] زيادة للسياق ليست في (سنن أبى داود) .
[ (3) ] في (الأصلين) : ليقبضه، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
[ (4) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (5) ] (سنن أبى داود) : 4/ 31- 32، كتاب الأقضية، باب (21) إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد، يجوز له أن يحكم به، حديث رقم (3607) ، وأخرجه النسائي في (السنن) : 8/ 347، كتاب البيوع، باب (81) التسهيل في ترك الإشهاد على البيع، حديث رقم (4661) ، وخرجه البخاري في (التاريخ الكبير) : 1/ 86- 87، ترجمة محمد بن زرارة بن عبد اللَّه بن خزيمة بن ثابت الأنصاري الخطميّ الأوسي المديني، ذكره مختصرا جدا.
وأخرجه المتقى الهندي في (كنز العمال) : 13/ 379- 380، في ترجمة خزيمة بن ثابت رضى اللَّه تعالى عنه، بسياقات مختلفة، بعضها مطول وبعضها مختصرا، حديث رقم (37036) ، وعزاه إلى مصنف عبد الرزاق، وحديث رقم (37037) ، وعزاه إلى الدار قطنى في (الأفراد) ، وابن عساكر في (التاريخ) ، وحديث رقم (37038) ، وعزاه إلى أبى يعلى، وأبى نعيم، وابن عساكر،(7/195)
وقد بين الحاكم في (المستدرك) اسم هذا الأعرابي،
فخرج من حديث زيد بن الحباب قال: حدثني محمد بن زرارة بن عبد اللَّه بن خزيمة بن ثابت قال: حدثني عمارة بن خزيمة عن أبيه خزيمة بن ثابت رضى اللَّه عنه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ابتاع من سواء بن الحارث المحاربي فرسا فجحده، فشهد له خزيمة بن ثابت، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما حملك على الشهادة ولم تكن معه؟ قال: صدقت يا رسول اللَّه [ولكن صدّقتك] [ (1) ] [بما قلت] [ (1) ] ، وعرفت أنك لا تقول إلا حقا، فقال: من شهد له خزيمة أو شهد عليه فحسبه [ (2) ] .
__________
[ () ] وعبد الرزاق، حديث رقم (37039) ، وعزاه في هامشه إلى ابن حجر في (الإصابة) ، وقال: رواه الدار قطنى من طريق ...
قال الخطابي: هذا حديث يضعه كثير من الناس غير موضعه، وقد تذرع به قوم من أهل البدع إلى استحلال الشهادة لمن عرف عنده بالصدق على كل شيء ادعاه، وإنما وجه الحديث ومعناه: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم إنما حكم على الأعرابي بعلمه، إذا كان صادقا بارا في قوله، وجرت شهادة خزيمة في ذلك مجرى له التوكيد لقوله، والاستظهار بها على خصمه، فصارت في التقدير شهادته له، وتصديقه إياه على قوله، كشهادة رجلين في سائر القضايا. (معالم السنن) .
قال المنذري: وهذا الأعرابي: هو سواء بن الحارث، وقيل: سواء بن قيس المحاربي، ذكره غير واحد من الصحابة، وقيل: إنه جحد البيع بأمر بعض المنافقين، وقيل: إن هذا الفرس هو المرتجز المذكور في أفراس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. (هامش أبى داود) .
قال الحافظ السندي في شرحه ل (سنن النسائي) : والمشهور أنه صلى اللَّه عليه وسلم ردّ الفرس بعد ذلك على الأعرابي، فمات من ليلته عنده، واللَّه تعالى أعلم.
[ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، وأثبتناه من (ج) .
[ (2) ] (المستدرك) : 2/ 21- 22، حديث رقم (2187) من حديث محمد بن شهاب، ولم يصرح فيه باسم الأعرابي، وقال في (التلخيص) صحيح، ورجاله ثقات باتفاق وسمع عمارة من أبيه خزيمة أيضا.
وحديث رقم (2188) من حديث محمد بن زرارة وصححه الذهبي، وقد صرح الحاكم فيه باسم الأعرابي، وهو سواء بن الحارث المحاربي.(7/196)
ويقال: بل [اسمه] الطرف، بكسر الطاء، والطرف: الكريم من الخيل، وقيل: هو النجيب، والنجيب: الكريم أيضا. وأما اللحيف بالحاء المهملة المفتوحة اللام، وفعيل بمعنى فاعل، كأنه يلحف الأرض بذنبه لطوله، أي يغطيها، وقيل فيه أيضا: بضم اللام وفتح الحاء مصغّرا، والأكثر أنه اللخيف بالخاء المعجمة، وقيل فيه: النخيف بالنون وليس بشيء. وهذا الفرس [أهداه لرسول اللَّه] صلى اللَّه عليه وسلم فروة بن عمرو من أرض البلقاء، وقيل: أهداه ابن أبى البراء، وكان يركبه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] .
خرّج البخاري من حديث أبى بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده قال:
كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حائطنا فرس يقال له: اللخيف [ (2) ] ، [بالخاء المعجمة، وبالحاء المهملة مع فتح اللام، فعيل بمعنى فاعل، كأنه يحلف الأرض بذنبه لطوله] [ (3) ] .
وروى الواقدي وابن مندة من حديث عبد المهيمن بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثة أفراس يعلفهن عند ابن سعد [ (4) ] ، أبى سهل بن سعد، فسمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يسميهن: اللزاز، واللحيف، والظّرب [ (5) ] . هذه سياقة ابن مندة فهي أتم.
زاد الواقدي: فأما اللزاز، فأهداه له المقوقس صاحب الإسكندرية، وأما الظرب، فأهداه له فروة بن عمرو الجذامي من عمان بالشام، وأما اللحيف،
__________
[ (1) ] راجع تعليقات أول الفصل.
[ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 72، كتاب الجهاد والسير، باب (46) اسم الفرس والحمار، حديث رقم (2855) .
[ (3) ] راجع تعليقات أول الفصل.
[ (4) ] في (خ) : «ابن سعد ابن سعد» .
[ (5) ] راجع تعليقات أول الفصل.(7/197)
فأهداه له ربيعة بن أبى البراء الكلابي، فأثابه فرائض من نعم بنى كلاب.
قال الواقدي: سمى اللحيف لأنه كان يلتحف بعرفة، ويقال: شبّه بلحيف الجبل وصغّر، وسمى الظرب لتشوفه وحسن صهيله، وسمى لزاز لأنه كان ملززا موثقا، ويقال: الظرب واحد الظراب، وهي الروابي الصغار، سمى به لسمنه، وقيل: لقوته وصلابة حافرة، واللزاز قيل له ذلك لاجتماع خلقه، وقيل لشدة دموجه [ (1) ] .
وقال ابن سعد: كان مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم في غزوة المريسيع فرسان: بثلاثة أفراس: اللزاز، والظرب، والحاجب، وستين وسقا من الشوط [ (2) ] .
وأما السّكب، فروى الواقدي عن محمد بن يحيى بن سهل بن أبى حثمة عن أبيه قال: أول فرس ملكه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فرس ابتاعه بالمدينة من رجل من بنى فزارة بعشر أواقي، وكان اسمه عند الأعرابي: الضريس، فسماه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم السكب، وكان أول ما غزا عليه أحدا، [و] ليس مع المسلمين فرس غيره، وفرس لأبى بردة بن نيار يقال له: ملاوح، وكان السكب أغرّ، محجلا، طلق اليمين، وقيل: كان كميتا، أغرّ، محجلا، مطلق اليمين، وقيل: كان أدهم، وشبه بانسكاب الماء.
وأما سبحة، فإنّها فرس شقراء، ابتاعها صلى اللَّه عليه وسلم من أعرابى من جهينة بعشر من الإبل، وسابق صلى اللَّه عليه وسلم عليه بوم خميس فأقبلت في وجوه الخيل، فسميت سبحة من قولهم: فرس سابح، إذا كان حسن مد اليدين في الجرى، وسبح الفرس: جريه [ (2) ] .
وأما الورد، فقال الواقدي: فأهدى تميم الداريّ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فرسا يقال
__________
[ (1) ] راجع تعليقات أول الفصل.
[ (2) ] راجع تعليقات أول الفصل.(7/198)
له: الورد، فأعطاه عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، فحمل عليه عمر [رضى اللَّه عنه] في سبيل اللَّه، فوجد يباع برخص [فأخذه] .
والورد: بين الكميت الأحمر والأشقر، ويروى أن الورد كانت لحمزة بن عبد المطلب رضى اللَّه عنه [ (1) ] .
وكانت له صلى اللَّه عليه وسلم فرس يقال له: الملاوح، وهو الضامر الّذي لا يسمن، والسريع العطش، والعظيم الألواح [ (2) ] .
وفرس يقال له: البحر، اشتراه من تجار قدموا من اليمن، فسبق عليه مرات، فجثا صلى اللَّه عليه وسلم على ركبتيه، ومسح وجهه وقال: ما أنت إلا بحر، فسمّي بحرا، وكان كميتا، وقيل: هو الأدهم [ (2) ] .
وخرّج البخاري من حديث شعبة قال: سمعت قتادة عن أنس [قال] [ (3) ] : كان فزع بالمدينة، فاستعار النبي صلى اللَّه عليه وسلم فرسا [لنا] [ (3) ] يقال له:
مندوب، فقال: ما رأينا من فزع، وإن وجدناه لبحرا. ذكره البخاري في الجهاد [ (4) ] ، وفي كتاب الهبة [ (5) ] ، وفي باب مبادرة الإمام عند الفزع [ (5) ] .
__________
[ (1) ] راجع تعليقات أول الفصل.
[ (2) ] راجع تعليقات أول الفصل.
[ (3) ] زيادة للسياق من (البخاري) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 6/ 73، كتاب الجهاد والسير، باب (46) اسم الفرس والحمارة، حديث رقم (2857) .
[ (5) ] (فتح الباري) : 5/ 300، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (33) من استعار من الناس الفرس، حديث رقم (2627) ، 6/ 151- 152، كتاب الجهاد والسير، باب (116) مبادرة الإمام عند الفزع، حديث رقم (2968) ، باب (117) السرعة والركض في الفزع، حديث رقم (2969) وذكره في كتاب الجهاد والسير، باب (24) الشجاعة في الحرب والجبن، حديث رقم (2820) ، باب (50) الركوب على الدابة الصعبة، والفحولة من الخيل، حديث رقم (2862) ، باب (55) الفرس القطوف، حديث رقم (2867) ، باب (82) الحمائل وتعليق السيف، حديث رقم(7/199)
وذكره مسلم من طرق [ (1) ] ،
وكان مندوب فرس أبى طلحة زيد بن سهل رضى اللَّه عنه.
ويروى أنه كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثا وعشرين فرسا، منها الأبلق، وذو العقال، بضم العين وتشديد القاف، وسمع تخفيفها، ومسروح، وذو اللمة، وكانت فرس عكاشة بن محصن، والمرتجل، والملاوح، ويقال:
مراوح، ومنها السرحان [والسرحان] [ (2) ] ، واليعبوب، واليعوب، والشحاء، والبحر وهو كميت، والسجل، والطرف، والنجيب [ (3) ] .
__________
[ () ] (2908) ، باب (165) إذا فزعوا بالليل، حديث رقم (3040) ، وفي كتاب الأدب، باب (39) حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل، حديث رقم (6033) .
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 73- 75، باب (11) شجاعة النبي صلى اللَّه عليه وسلم وتقدمه للحرب، حديث رقم (48) ، ومن طريق أخرى، حديث رقم (49) ، ومن طريق ثالثة، آخر أحاديث الباب.
وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 171- 172، كتاب الجهاد، باب (14) ما جاء في الخروج عند الفزع، حديث رقم (1685) ، وقال أبو عيسى: وفي الباب عن ابن عمرو بن العاص، وهذا حديث حسن صحيح، وحديث رقم (1686) ، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وحديث رقم (1687) ، وقال أبو عيسى: هذا حديث صحيح.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 926، كتاب الجهاد، باب (9) الخروج في النفير، حديث رقم (2772) ، قال حماد: وحدثني ثابت أو غيره، قال: كان فرسا لأبى طلحة يبطّأ، فما سبق بعد ذلك اليوم.
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 3/ 614، من مسند أنس بن مالك رضى اللَّه عنه، حديث رقم (12085) .
[ (2) ] بياض في (خ) ، وأثبتناه من (ج) .
[ (3) ] راجع تعليقات أول الفصل.(7/200)
[فصل في تضمير خيل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والسبق بينها]
التضمير: تقليل علفها، وإدخالها بيتا كنينا وتجليلها فيه لتعرق، ويجف عرقها، فيصلب لحمها ويخف، وتقوى على الجرى. يقال: ضمّرت الفرس بتشديد الميم وأضمرته [ (1) ] .
وذكر ابن [] [ (2) ] أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كان يأمر بإضمار خيله بالحشيش اليابس شيئا بعد شيء، ويقول: ارووها من الماء، واسقوها غدوة وعشيا، وألزموها الجلال [ (3) ] ، فإنّها تلقى الماء عرقا، فتصفو ألوانها،
__________
[ (1) ] قال الإمام العلامة أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري: والمضمار:
الموضع الّذي تضمّر فيه الخيل، وتضميرها: أن أتعلف قوتا بعد سمنها، قال أبو منصور: ويكون المضمار وقتا للأيام التي تضمر فيها الخيل للسباق أو للركض إلى العدوّ.
وتضميرها أن تشدّ عليها سروجها، وتجلل بالأجلة حتى تعرق تحتها، فيذهب رحلها، ويشتد لحمها، وتحمل عليها غلمان خفاف يجرونها، ولا يعنفون بها، فإذا فعل ذلك بها أمن عليها البهر الشديد عند حضرها ولم يقطعها الشّدّ، قال: فذلك التضمير الّذي شاهدت العرب تفعله، يسمون ذلك مضمارا وتضميرا.
وتضمير الفرس أيضا: أن تعلفه حتى يسمن، ثم تردّه إلى القوت، وذلك في أربعين يوما، وهذه المدة تسمى المضمار. (لسان العرب) : 4/ 491.
[ (2) ] هذه الكلمة غير واضحة في (الأصلين) ولم أتبين لها توجيها.
[ (3) ] جلّ الدابة: الّذي تلبسه لتصان به، والجمع جلال وأجلال، وجلال كل شيء غطاؤه، وتجليل الفرس أن تلبسه الجلّ.
وفي الحديث أنه صلى اللَّه عليه وسلم جلّل فرسا له سبق بردا عدنيا، أي جعل البرد له جلا، وفي حديث ابن عمر:
أنه صلى اللَّه عليه وسلم كان يجلل بدنه القباطي (لسان العرب) : 11/ 119.(7/201)
وتتسع جلودها.
وكان صلى اللَّه عليه وسلم يأمر أن يقودوها كل يوم مرتين، ويؤخذ منها من الجرى الشوط والشوطان، ولا تركض حتى تنطوى.
وخرّج أبو داود من حديث المعتمر، عن عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] قال: إن نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كان يضمّر الخيل للمسابقة بها [ (1) ] .
وخرّج الدار قطنى من حديث سليم بن أخضر ومعتمر، عن عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ضمّر الخيل وسابق بينها، وقال معتمر: كان يضمّر ويسابق [ (2) ] .
وخرّج البخاري من حديث سفيان، عن عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] [ (3) ] قال: أجرى النبي صلى اللَّه عليه وسلم ما ضمّر من الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع، وأجرى ما لم يضمّر من الثنية إلى مسجد بنى زريق [قال ابن عمر: وكنت فيمن أجرى] [ (3) ] .
قال ابن زريق- بتقديم الزاى على الراء-: آخر بياضه [ (4) ] ابنا عامر بن زريق بن حارثة بن مالك بن غضب- بفتح الغين المعجمة- ابن جشم بن الخزرج، أخى الأوس ابني حارثة، قال ابن عمر: وكنت فيمن أجرى.
__________
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 3/ 65، كتاب الجهاد، باب (67) في السّبق، حديث رقم (2576) ولفظه:
«كان يضمّر الخيل يسابق بها» .
[ (2) ] (سنن الدار قطنى) : 4/ 299، كتاب السبق بين الخيل، حديث رقم (1) .
[ (3) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (البخاري) .
[ (4) ] يعنى بياض في أصل (فتح الباري) ، وقد نبّه عليه في هامشه.(7/202)
قال سفيان: من الحفياء [ (1) ] إلى ثنية الوداع [ (2) ] خمسة أميال أو ستة، وبين ثنية ومسجد بنى زريق ميل. ترجم عليه باب: السبق بين الخيل [ (3) ] .
وخرّج في باب غاية السباق [ (4) ] للخيل المضمرة، من حديث أبى إسحاق عن موسى بن عقبة، عن نافع عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] [ (5) ] قال:
سابق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بين الخيل التي قد أضمرت [ (6) ] ، فأرسلها من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع، فقلت لموسى: فكم [ (7) ] [كان] [ (8) ] بين ذلك؟ قال:
ستة أميال أو سبعة أميال، وسابق بين الخيل التي لم تضمّر، فأرسلها من ثنية الوداع فكان أمدها مسجد بنى زريق، قلت: فكم بين ذلك؟
__________
[ (1) ] حفياء: بالفتح ثم السكون، وياء، وألف ممدودة: موضع قرب المدينة أجرى منه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الخيل في السباق، قال الحازمي: ورواه غيره بالفتح والقصر. وقال البخاري: قال سفيان: بين الحفياء إلى الثنية خمسة أميال أو ستة، وقال ابن عقبة: ستة أو سبعة، وقد ضبطه بعضهم بالضم والقصر، وهو خطأ، كذا قال عياض. (معجم البلدان) : 2/ 319، موضع رقم (3825) .
[ (2) ] ثنية الوداع: بفتح الواو، وهو اسم من التوديع عند الرحيل: وهي ثنية مشرفة على المدينة يطؤها من يريد مكة، واختلف في تسميتها بذلك، فقيل: لأنها موضع وداع المسافرين من المدينة إلى مكة، وقيل: لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم ودع بها بعض من خلّفه بالمدينة في آخر خرجاته، وقيل: في بعض سراياه المبعوثة عنه. وقيل: الوداع اسم واد بالمدينة، والصحيح أنه اسم قديم جاهلى، سمى لتوديع المسافرين. (المرجع السابق) : 100، موضع رقم (2846) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 88، كتاب الجهاد والسير، باب (56) السبق بين الخيل، حديث رقم (2868) .
[ (4) ] في (الأصلين) : السبق، وما أثبتناه من (البخاري) .
[ (5) ] زيادة للسياق من (البخاري) .
[ (6) ] في (الأصلين) : «أضمرت» ، وما أثبتناه من (البخاري) .
[ (7) ] في (الأصلين) : «وكم» .
[ (8) ] زيادة للسياق من (البخاري) .(7/203)
قال: ميل أو نحوه، وكان ابن عمر ممن سابق فيها [ (1) ] . وخرجه في باب:
إضمار [ (2) ] الخيل للسبق، من حديث الليث عن نافع بنحوه [ (3) ] .
وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، من حديث جويرية عن نافع [ (4) ] ، وأخرجه من حديث مالك عن نافع، فذكره البخاري في كتاب الصلاة [ (5) ] ،
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 89، كتاب الجهاد والسير، باب (58) غاية السباق للخيل المضمّرة، حديث رقم (2870) ، وفي الحديث مشروعية المسابقة، وأنه ليس من العبث، بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو والانتفاع بها عند الحاجة، وهي دائرة بين الاستحباب والإباحة بحسب الباعث على ذلك.
قال القرطبي: لا خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب، وعلى الأقدام، وكذا الترامي بالسهام، واستعمال الأسلحة، لما في ذلك من التدريب على الحرب. وفيه جواز إضمار الخيل.
ولا يخفى اختصاص استحبابها بالخيل المعدة للغزو. وفيه مشروعية الإعلام بالابتداء والانتهاء عند المسابقة، وفيه نسبة الفعل إلى الآمر به، لأن قوله: «سابق» ، أي أمر أو أباح.
وفيه جواز إضافة المسجد إلى قوم مخصوصين، وهي إضافة تمييز لا إضافة ملك. وفيه جواز.
معاملة البهائم عند الحاجة بما يكون تعذيبا لها في غير الحاجة، كالإجاعة، والإجراء. وفيه تنزيل الخلق منازلهم، لأنه صلى اللَّه عليه وسلم غاير بين منزلة المضمّر وغير المضمّر، ولو خلط بينهما لأتعب غير المضمّر.
(فتح الباري) : 6/ 90- 91.
[ (2) ] في (الأصلين) : «مضمار» .
[ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 88- 89، كتاب الجهاد والسير، باب (57) إضمار الخيل للسّبق، حديث رقم (2869) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 13/ 376، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (16) ما ذكر النبي صلى اللَّه عليه وسلم وحضّ على اتفاق أهل العلم، وما اجتمع عليه الحرمان مكة والمدينة وما كان بهما من مشاهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم والمهاجرين والأنصار، ومصلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم والمنبر والقبر، حديث رقم (7336) .
[ (5) ] (فتح الباري) : 1/ 678، كتاب الصلاة، باب (41) هل يقال مسجد بنى فلان؟ حديث رقم (420) ، ويستفاد منه جواز إضافة المساجد إلى بانيها أو المصلى فيها، ويلتحق به جواز إضافة أعمال البر إلى أربابها، والمخالف في ذلك إبراهيم النخعي فيما رواه ابن أبى شيبة عنه أنه كان يكره أن يقول مسجد بنى فلان، ويقول مصلى بنى فلان، لقوله تعالى: وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ [الجن: 18] . وجوابه أن الإضافة في مثل هذا إضافة تمييز لا ملك. مختصرا من (فتح الباري) : 1/ 678.(7/204)
وذكره مسلم في الإمارة [ (1) ] من طرق عديدة، عن نافع عن ابن عمر بمعنى حديث مالك عن نافع [ (2) ] .
وخرجه الترمذي من حديث سفيان عن عبيد اللَّه عن نافع، وقال:
حديث حسن صحيح غريب من حديث الثوري [ (3) ] .
وخرج أبو داود من حديث أحمد بن حنبل قال: أخبرنا عقبة بن خالد عن عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سبق بين الخيل، وفضّل [ (4) ] القرّح [ (5) ] في الغاية [ (6) ] . قال الدار قطنى [ (7) ] : تفرد بهذه الألفاظ عقبة السكونيّ عن عبيد اللَّه.
وقال ابن عبد البر: لم يقل ذلك في هذا الحديث أحد غير عقبة بن خالد، وقد وجدت له أصلا فيما رواه أبو سلمة التبوكي قال: أخبرنا
__________
[ (1) ] في (خ) : «في الجهاد» ، وصوبناه من (صحيح مسلم) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 17- 19، كتاب الإمارة، باب (25) المسابقة بين الخيل وتضميرها، حديث رقم (95) ، والحديث الّذي يليه بدون رقم، من طرق مختلفة، وزاد في حديث أيوب من رواية حماد وابن عليّة، قال عبد اللَّه: «فجئت سابقا فطفّف بى الفرس المسجد» ، أي علا، ووثب إلى المسجد، وكان جداره قصيرا، وهذا بعد مجاوزته الغاية، لأن الغاية هي هذا المسجد، وهو مسجد بنى زريق، واللَّه تعالى أعلم (مسلم بشرح النووي) .
[ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 177- 178، كتاب الجهاد، باب (22) ما جاء في الرّهان والسبق، حديث رقم (1699) ، وزاد فيه ابن عمر: «وكنت فيمن أجرى، فوثب بى فرسي جدارا. قال أبو عيسى:
وفي الباب عن أبى هريرة، وجابر، وعائشة، وأنس، وهذا حديث صحيح حسن غريب من حديث الثوري.
[ (4) ] في (الأصلين) : «وفرّق» وصوبناه من (سنن أبى داود) .
[ (5) ] القرّح- بضم القاف وفتح الراء المشددة-: جمع قارح، وهو من الخيل الّذي دخل في السنة الخامسة.
[ (6) ] (سنن أبى داود) : 3/ 65، كتاب الجهاد، باب (67) في السبق، حديث رقم (2577) .
[ (7) ] (سنن الدار قطنى) : 4/ 299، كتاب السبق بين الخيل، حديث رقم (1) .(7/205)
عبد الملك بن حرب بن عبد الملك بن مجاشع بن مسعود السلمي قال:
حدثني أبى وعمى عن جدي، أن ناسا من أهل البصرة ضمّروا خيولهم، فنهاهم الأمير عتبة بن مروان أن يجروها، حتى كتب إلى عمر [رضى اللَّه عنه] ، فكتب إليه عمر، أن أرسل القرّح من رأس مائة غلوة، ولا يركبها إلا أربابها، فجاء مجاشع بن مسعود سابقا [على الغراء] [ (1) ] .
وخرّج الدار قطنى من حديث يزيد بن هارون وعفان بن مسلم قالا:
أخبرنا سعيد بن زيد، أخبرنا الزبير بن حريث، أخبرنا أبو لبيد لمازة بن زبار [ (2) ] قال: أرسلت الخيل زمن الحجاج، والحكم بن أيوب على البصرة، فأتينا الرهان، فلما جاءت الخيل قلنا: لو ملنا إلى أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] فسألناه: أكانوا يراهنون على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: فملنا إليه وهو في قصره بالزاوية، فقلنا: يا أبا حمزة! أكنتم تراهنون على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، أو كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يراهن؟ قال نعم واللَّه، هو يراهن على فرس له يقال له: سبحة، فجاءت سابقة، فأنهش لذلك وأعجبه [ (2) ] . [قال عبد اللَّه: أنهشه يعنى أعجبه] [ (3) ] .
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين من (ج) .
وللإمام مالك في (الموطأ) : 311، ما جاء في الخيل والمسابقة بينها والنفقة في الغزو، حديث رقم (1008) ، والدارميّ في (السنن) 2/ 212، باب في السبق، وابن ماجة في (السنن) : 2/ 960، كتاب الجهاد، باب (44) السبق في الرهان، حديث رقم (2877) ، والنسائي في (السنن) : 6/ 535، كتاب الخيل، باب (12) غاية السبق للتي لم تضمر، حديث رقم (3585) ، باب (13) إضمار الخيل للسبق، حديث رقم (3586) .
[ (2) ] لمازة بن زبار- بفتح الزاء والموحدة- أبو لبيد البصري، وحديثه أخرجه أحمد، والدارميّ، والبيهقي. (التعليق المغنى على الدار قطنى) .
[ (3) ] (سنن الدار قطنى) : 4/ 301، حديث رقم (10) ، (سنن الدارميّ) : 2/ 212- 213، باب في السبق، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.(7/206)
[و]
قال الواقدي: عن إبراهيم بن الفضل، عن أبى العلاء عن مكحول قال: طلعت الخيل وفيها فرس للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، فبرك على ركبتيه، وأطلع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رأسه من الصف وقال: كأنه بحر.
وفي رواية: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سبق بين الخيل.، فجلس على سلع، وطلعت الخيل، فطلعت له فيها ثلاثة أفراس يتلو بعضها بعضا، يتقدمها لزاز، فلما رآه سرّ به، ثم فرسه الظرب، ثم السكب.
وعن أبى عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبيه عن جده [رضى اللَّه عنه] قال: سبقت على فرس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الظرب، فكساني يردا يمانيا.
قال الواقدي: وسبق أبو أسيد الساعدي- وهو مالك بن ربيعة- على فرس النبي صلى اللَّه عليه وسلم لزاز، فأعطاه حلّة يمانية.
وذكر الواقدي أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سبق بين الخيل والإبل لما مرّ بالنقيع، منصرفه من المريسيع، فسبقت القصواء الإبل، وسبق فرسه، وكان معه فرسان: لزاز و [آخر يقال له] [ (1) ] الظرب، فسبق يومئذ على الظّرب، وكان الّذي سبق عليه يومئذ أبو أسيد الساعدي، والّذي سبق على ناقته بلال [ (2) ] [رضى اللَّه عنه] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) .
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 426.(7/207)
فصل في ذكر الخيل التي قادها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أسفاره
قال الواقدي في غزاة بنى قريظة: ولبس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الدرع والمغفر والبيضة، وأخذ قناة بيده، وتقلد الترس، وركب فرسه وصفّ به أصحابه، وتلبسوا السلاح، وركبوا الخيل، وكانت ستة وثلاثين فرسا، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد قاد فرسين وركب واحدا يقال له اللحيف، فكانت ثلاثة أفراس معه، وسار إلى بنى قريظة [ (1) ] .
وذكر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قاد في غزاة خيبر ثلاثة أفراس: لزار، والظرب، والسكب، فلم يسهم من الخيل لنفسه ولمن معه إلا لفرس واحد، هو معروف بينهم الفرس [ (2) ] .
وأسهم صلى اللَّه عليه وسلم في النطاة من خيبر ثلاثة أسهم: لفرسه سهمين، وله سهم، وكان مع عاصم بن عدي [ (3) ] .
وذكر في غزاة تبوك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قام إلى فرسه الظرب، فعلق عليه شعيرة، وجعل يمسح ظهره بردائه، فقيل: يا رسول اللَّه! تمسح ظهره بردائك؟ قال: نعم، وما يدريك لعل جبريل أمرنى بذلك، [مع أنى قد بتّ الليلة وإن الملائكة لتعاتبنى في حسّ [ (4) ] الخيل ومسحها] [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 497- 498.
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 688.
[ (3) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 689.
[ (4) ] الحسّ: نفض التراب عن الدابة.
[ (5) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1020، وما بين الحاصرتين تكمله للسياق منه.(7/208)
وإن عبيد بن ياسر بن نمير- جد [ (1) ] سعد اللَّه- قدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بتبوك فأسلم وأهدى له فرسا عتيقا يقال له مراوح، وقال: يا رسول اللَّه، إنه سابق، فأجرى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الخيل بتبوك، فسبق الفرس، فأخذه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منه، فسأله المقداد بن عمرو الفرس، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: فأين سبحه- يعنى فرس المقداد- التي شهد عليها بدرا؟ فقال: يا رسول اللَّه عندي، وقد كبرت، وأنا أضن بها للمواطن التي شهدت عليها، وقد خلّفتها لبعد هذا السفر وشدّة الحر [عليها] ، فأردت أحمل هذا الفرس المعرّق عليها، فيأتينى [بمهر] [ (2) ] ، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم فذاك إذا، فقبضه المقداد
[فخبر] [ (2) ] منه صدقا، ثم حمّله على سبحة، فنتجت له مهرا كان سابقا، يقال له: الذّيّال، سبق في [عهد] [ (2) ] عمر وعثمان رضى اللَّه عنهما، فابتاعه منه عثمان بثلاثين ألفا [ (3) ] .
__________
[ (1) ] في (المغازي) : «أحد سعد اللَّه» وما أثبتناه من (الأصلين) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) .
[ (3) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1032- 1033.(7/209)
فصل في ذكر من استعمله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على الخيل
اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم استعمل على الخيل في حروبه غير واحد من أصحابه منهم:
محمد بن مسلمة بن سلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري، أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو عبد اللَّه، حليف بنى عبد الأشهل، شهد بدرا وما بعدها، ومات بالمدينة في صفر سنة ثلاث وأربعين، وقيل: سنة ست، وقيل سنة سبع وأربعين، وهو ابن سبع وسبعين سنة، وكان من فضلاء الصحابة، رضى اللَّه عنه وعنهم [ (1) ] .
استعمله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على ما قاده من الخيل في عمرة القضية، وهو مائة فرس، وقدم بها [من] ذي الحليفة، فمضى إلى مرّ الظهران بالخيل، فوجد بها نفرا من قريش، فسألوه فقال: هذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصبّح هذا المنزل غدا إن شاء اللَّه، ورأوا سلاحا كثيرا مع بشير بن سعد، فخرجوا سراعا حتى أتوا قريشا، فأخبروهم بالذي رأوا من الخيل والسلاح، ففزعت قريش
__________
[ (1) ] قال ابن يونس: شهد محمد بن مسلمة فتح مصر، وكان فيمن طلع الحصن مع الزبير، وكان رضى اللَّه عنه أسود طويلا عظيما، وفي الصحاح من حديث جابر: مقتل كعب بن الأشرف على يد محمد بن مسلمة.
عن حذيفة، قال: ما من أحد إلا وأنا أخاف عليه الفتنة إلا ما كان من محمد بن مسلمة، فإنّي سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: «لا تضره الفتنة» .
له ترجمة في (سير أعلام النبلاء) : 2/ 369، ترجمة رقم (77) .(7/210)
وقالوا: واللَّه ما أحدثنا حدثا، وإنا على كتابنا ومدتنا، ففيم يغزونا محمد في أصحابه [ (1) ] ؟
وخالد بن الوليد المخزومي رضى اللَّه عنه، لم يزل من حين أسلم يولّيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أعنّة الخيل، يعنى أنه يكون على خيول المسلمين في الحروب، فيكون في مقدمتها في محاربة المشركين [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 733- 734.
[ (2) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.(7/211)
فصل في ذكر سرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومن كان يسرج له فرسه
خرّج أبو داود [الطيالسي وأبو داود] [ (1) ] السختياني، وابن حيّان من حديث عبد الرحمن الفهري قال: كنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حنين، فسرنا في يوم قائظ شديد الحرّ، فنزلنا تحت ظلال الشجر، فلما زالت الشمس، لبست لأمتى، وركبت فرسي، فأتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو في فسطاطه فقلت: السلام عليك يا رسول اللَّه ورحمة اللَّه، قد كان الرّواح يا رسول اللَّه؟
قال: أجل، ثم قال: يا بلال، فسار من تحت شجرة كأن ظله طائر فقال:
لبيك وسعديك وأنا قدامك، قال: أسرج لي فرسي، فأتاه بدفّتين من ليف، ليس فيهما أشر ولا بطر. فركب فرسه ثم انتهينا.
هذا حديث الطيالسي.
ولفظ أبى داود، قال: شهدت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حنينا، فسرنا في يوم قائظ شديد الحر، فنزلنا تحت ظل الشجر، فلما زالت الشمس، لبست لأمتى، وركبت فرسي، فأتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو في فسطاطه، فقلت:
السلام عليك يا رسول اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته، قد كان الرواح؟ قال: أجل، ثم قال: يا بلال [قم] [ (2) ] ، فسار [ (3) ] من تحت شجرة كأن ظله ظل طائر، فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك، قال: أسرج لي الفرس، فأخرج سرجا دفّتاه من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر، فركب وركبنا [ (1) ] .
[قال أبو داود:
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (ج) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (سنن أبى داود) .
[ (3) ] في (المرجع السابق) : «فثار» .(7/212)
أبو عبد الرحمن الفهري ليس له إلا هذا الحديث، وهو حديث نبيل جاء به حماد بن سلمة] [ (1) ] [ (2) ] .
ولفظ ابن حيّان قال: شهدت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم حنين في [يوم] [ (3) ] صائف شديد الحرّ، فقال: يا بلال، أسرج لي فرسي، فأخرج سرجا رقيقا من ليف، ليس فيه أشر ولا بطر. خرجه من حديث حماد بن سلمة عن يعلى عن عطاء، عن عبد اللَّه بن يسار، عن ابن عبد الرحمن الفهري.
__________
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 5/ 399- 400، كتاب الأدب، باب (167) في الرجل ينادى الرجل، فيقول:
لبيك.
[ (2) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (سنن أبى داود) .
[ (3) ] زيادة يقتضيها السياق.(7/213)
فصل في ذكر ما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول إذا ركب
خرّج الإمام أحمد من حديث شريك عن أبى إسحاق، عن على بن ربيعة، عن على رضى اللَّه عنه قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أتى بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم اللَّه، فلما استوى عليها قال: الحمد للَّه، ثم قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ [ (1) ] ثم حمد اللَّه ثلاثا، وكبّر ثلاثا، ثم قال:
سبحانك لا إله إلا أنت، ظلمت نفسي فاغفر لي، ثم ضحك فقلت: مم ضحكت يا رسول اللَّه؟ فقال: يعجب الرب من عبده إذا قال: رب اغفر لي، ويقول: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري [ (2) ] . وخرجه
__________
[ (1) ] الزخرف: 13- 14.
[ (2) ]
(مسند أحمد) : 1/ 156، حديث رقم (755) : عن على بن ربيعة قال: رأيت عليا رضى اللَّه عنه أتى بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم اللَّه، فلما استوى عليها قال: الحمد للَّه، سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ، ثم حمد اللَّه ثلاثا، وكبرّ ثلاثا، ثم قال: سبحانك لا إله إلا أنت، قد ظلمت نفسي فاغفر لي، ثم ضحك، فقلت: مم ضحكت يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فعل مثل ما فعلت، ثم ضحك، فقلت: مم ضحكت يا رسول اللَّه؟ قال يعجب الرب من عبده إذا قال: رب اغفر لي، ويقول: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري.
وحديث رقم (932) ، (1059) بسياقات مختلفة ومن طرق مختلفة، كلها من مسند على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه.
وحديث رقم (6275) و (6338) :
من حديث عبد الرزاق، أنبأنا ابن جريج، أخبرنى أبو الزبير، أن عليا الأزدي أخبره أن ابن عمر علمه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبّر ثلاثا ثم قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ، اللَّهمّ إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللَّهمّ هوّن علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللَّهمّ إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال. وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: آئبون تائبون عابدون(7/214)
أبو عيسى الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (1) ] .
__________
[ () ] لربنا حامدون. كلاهما من مسند عبد اللَّه بن عمر.
(سنن أبى داود) : 3/ 75، كتاب الجهاد، باب (79) ما يقول الرجل إذا سافر، حديث رقم (2599) ، ثم قال: وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم وجيوشه إذا علوا الثنايا كبّروا وإذا هبطوا سبّحوا، فوضعت الصلاة على ذلك.
قوله: «وعثاء السفر» : معناه المشقة والشدة، وأصله من الوعث وهو أرض فيها رمل تسوخ فيها الأرجل.
قوله: «كآبة المنقلب» : أن ينقلب من سفره إلى أهله كئيبا حزينا غير مقتضى الحاجة أو منكوبا، ذهب ماله، أو أصابته آفة في سفره، أو أن يرد على أهله فيجدهم مرضى، أو يفقد بعضهم وما أشبه ذلك من المكروه، (معالم السنن) .
وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الحج من (الصحيح) ، باب (75) ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره، حديث رقم (1342) ، (1343) .
ومعنى مُقَرَّنِينَ: مطيقين، أي ما كنّا نطيق قهره واستعماله، لولا تسخير اللَّه تعالى إياه لنا.
وفي هذا الحديث استحباب هذا الذكر عند ابتداء الأسفار كلها، وقد جاءت فيه أذكار كثيرة جمعتها في كتاب (الأذكار) [للنووي] . (مسلم بشرح النووي) : 9/ 118، كتاب الحج، باب (75) ، ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره.
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 467، كتاب الدعوات، باب (47) ما يقول إذا ركب الناقة، حديث رقم (3446) ، قال: وفي الباب عن ابن عمر رضى اللَّه عنه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.(7/215)
فصل في ذكر بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
خرّج البخاري من حديث أبى إسحاق، عن عمرو بن الحارث [ختن] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أخى جويرية بنت الحارث قال: ما ترك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند موته درهما، ولا دينارا، ولا عبدا، ولا أمة، ولا شيئا إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضا جعلها صدقة. ذكره في الوصية [ (1) ] ، وفي كتاب المغازي [ (2) ] ولفظه: إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها، وسلاحه، وأرضا جعلها لابن السبيل.
وخرّجه النسائي بنحوه [ (3) ] ، وخرّج مسلم [ (4) ] ..........
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 448، كتاب الوصايا، باب (1) الوصايا،
وقول النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «وصية الرجل مكتوبة عنده» ،
وقال اللَّه عزّ وجل: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ* فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة: 180- 182] ، حديث رقم (2739) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 187- 188، كتاب المغازي، باب (84) مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته، حديث رقم (4461) .
[ (3) ] (سنن النسائي) : 6/ 539- 540) ، كتاب الإحباس [مصدر أحسبه، يقال: حبسه أو أحبسه، أي وقفه] ، باب (1) بدون ترجمة، حديث رقم (3596) ، وفيه: «إلا بغلته الشهباء» ، وحديث رقم (3597) ، وحديث رقم (3598) ، وفيه: «إلا بغلته الشهباء» .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 355- 359، كتاب الجهاد والسير، باب (28) في غزوة حنين، حديث رقم (1775) ، حنين: واد بين مكة والطائف وراء عرفات، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا، وهو مصروف كما جاء به القرآن الكريم: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ [التوبة: 25] .
قوله: «ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على بغلة له بيضاء» ، قال العلماء: ركوبه صلى اللَّه عليه وسلم البغلة في موطن الحرب وعند اشتداد البأس، هو النهاية في الشجاعة والثبات، ولأنه أيضا يكون معتمدا يرجع المسلمون إليه، وتطمئن قلوبهم به وبمكانه، وإنما فعل هذا عمدا، وإلا فقد كانت له صلى اللَّه عليه وسلم أفراس معروفة، ومما ذكره في هذا الحديث من شجاعته صلى اللَّه عليه وسلم تقدّمه يركض بغلته إلى جمع المشركين وقد فرّ الناس عنه.(7/216)
والنّسائى [ (1) ] من حديث أويس عن ابن شهاب قال: حدثني كثير بن عباس ابن عبد المطلب قال: قال عباس: شهدت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولم نفارقه، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على بلغة له بضاء، أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يركض ببغلته قبل الكفار، قال عباس: وأنا أمدّ بلجام بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وذكر الحديث ولفظهما فيه متقارب. وذكر مسلم في بعض طرقه فقال: فيه فروة بن نعامة الجذامي [ (2) ] .
وللبخاريّ [ (3) ] ................
__________
[ (1) ] أخرجه النسائي في (الكبرى) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 359، كتاب الجهاد والسير، باب (28) في غزوة حنين، حديث رقم (77) : وحدثناه إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع، وعبد بن حميد، جميعا عن عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد نحوه، غير أنه قال: فروة بن نعامة الجذامي، وقال:
انهزموا ورب الكعبة، وزاد في الحديث: حتى هزمهم اللَّه تعالى: قال: وكأنى انظر إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم يركض خلفهم على بغلته.
قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «هذا حين حمى الوطيس»
هو بفتح الواو وكسر الطاء المهملة وبالسين المهملة. قال الأكثرون: هو شبه التنور يسجر فيه، ويضرب مثلا لشدة الحرب التي يشبه حرّها حرّه.
وقد قال آخرون: الوطيس هو التنور نفسه. وقال الأصمعي: هي حجارة مدوّرة إذا حميت لم يقدر أحد أن يطأ عليها، فيقال: الآن حمى الوطيس.
وقيل: هو الضرب في الحرب، وقيل: هو الحرب الّذي يطيس الناس أي يدقهم. قالوا: وهذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه، الّذي لم يسمع من أحد قبل النبي صلى اللَّه عليه وسلم.
[ (3) ] (فتح الباري) : 8/ 34، كتاب المغازي، باب (55) قول اللَّه تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ* ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ* ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة: 25- 27] ، حديث(7/217)
ومسلم [ (1) ] من حديث أبى إسحاق عن البراء، فذكر حديث حنين وفيه:
__________
[ () ] رقم (4317) ، 6/ 130- 131، كتاب الجهاد والسير، باب (97) من صف أصحابه عند الهزيمة، ونزل عن دابته فاستنصر، حديث رقم (2930) .
قوله: «صف أصحابه عند الهزيمة» أي صف من ثبت معه بعد هزيمة من انهزم، قوله: «واستنصر» أي استنصر اللَّه تعالى بعد أن رمى الكفار بالتراب. (فتح الباري) .
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 360- 361، كتاب الجهاد والسير، باب (28) في غزوة حنين، حديث رقم (1776) ،
قوله صلى اللَّه عليه وسلم:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
قال القاضي عياض: قال المازري: أنكر بعض الناس كون الرجز شعرا لوقوعه من النبي صلى اللَّه عليه وسلم، مع قوله تعالى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ وهذا مذهب الأخفش، واحتج به على فساد مذهب الخليل في أنه شعر، وأجابوا عن هذا بأن الشعر هو ما قصد إليه، واعتمد الإنسان أن يوقعه موزونا مقفى، يقصده إلى القافية.
وهكذا الجواب عما في القرآن من الموزون، كقوله تعالى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، وقوله تعالى: نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ، ولا شك أن هذا لا يسميه أحد من العرب شعرا، لأنه لم تقصد تقفيته وجعله شعرا.
قال الإمام النووي: وقد قال الإمام أبو القاسم عليّ بن أبى جعفر بن عليّ السعدي الصّقلّىّ المعروف بابن القطاع في كتابه (الشافي في علم القوافي) : قد رأى قوم- منهم الأخفش وهو شيخ هذه الصناعة بعد الخليل- أن مشطور الرجز ومنهوكه ليس بشعر،
كقول النبي صلى اللَّه عليه وسلم: اللَّه مولانا ولا مولى لكم،
وقوله صلى اللَّه عليه وسلم: هل أنت إلا إصبع دميدت، وفي سبيل اللَّه ما لقيت،
وقوله صلى اللَّه عليه وسلم: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب، وأشباه ذلك.
قال ابن القطاع: وهذا الّذي زعمه الأخفش وغيره غلط بيّن، وذلك لأن الشاعر إنما سمّى شاعرا لوجوه [ذكرها الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم فلتراجع هنالك] .
فإن قيل: كيف
قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: أنا ابن عبد المطلب
فانتسب إلى جده دون أبيه وافتخر بذلك، مع أن الافتخار في حق أكثر الناس من عمل الجاهلية؟ فالجواب أنه صلى اللَّه عليه وسلم كانت شهرته بجده أكثر لأن أباه عبد اللَّه توفى شابا في حياة أبيه عبد المطلب، قبل اشتهار عبد اللَّه، وكان عبد المطلب مشهورا شهرة ظاهرة شائعة، وكان سيد أهل مكة، وكان كثير من الناس يدعون النبي صلى اللَّه عليه وسلم ابن عبد المطلب ينسبونه إلى جده لشهرته.
ومنه حديث همام بن ثعلبة في قوله: أيكم ابن عبد المطلب؟ وقد كان مشتهرا عندهم أن عبد المطلب بشّر بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، وأنه سيظهر، وسيكون شأنه عظيما، وكان قد أخبره بذلك سيف(7/218)
ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل فاستنصر
وقال: أنا النبي لا كذب* أنا ابن عبد المطلب
ثم صفّهم. وقال البخاري: ثم صفّ أصحابه، وقال فيه: وابن عمه أبو سفيان بن الحارث. ترجم عليه باب: من صفّ أصحابه عند الهزيمة، ونزل عن دابته واستنصر.
وأخرجاه من حديث شعبة، عن أبى إسحاق، ومن حديث سفيان الثوري عن أبى إسحاق، وخرّجه مسلم من طرق، عن أبى إسحاق، وخرجه تقى بن مخلد من حديث النضر بن شميل قال: أخبرنا عوف بن عبد الرحمن مولى أم برثن، قال: حدثني رجل كان في المشركين يوم حنين، قال: فلما التقينا نحن وصحابة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يقوموا لنا حلب شاة أن كشفناهم، قال: فبينما نحن نسوقهم في آثارهم فإذا صاحب بغلة بيضاء، وإذا هو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صاحب البغلة البيضاء، قال: فتلقانا عنده رجال بيض الوجوه، حسان الوجوه، وقالوا: شاهت الوجوه، ارجعوا، قال:
__________
[ () ] ابن ذي يزن.
وقيل: إن عبد المطلب رأى رؤيا تدل على ظهور النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وكان ذلك مشهورا عندهم، فأراد النبي صلى اللَّه عليه وسلم تذكيرهم بذلك، وتنبيههم بأنه صلى اللَّه عليه وسلم لا بدّ من ظهوره على الأعداء، وأن العاقبة له، لتقوى نفوسهم، وأعلمهم أيضا بأنه ثابت، ملازم للحرب، لم يول مع من ولى، وعرّفهم موضعه، ليرجع إليه الراجعون. واللَّه تعالى أعلم.
ومعنى
قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «أنا النبي لا كذب» ،
أي أنا النبي حقا، فلا أفرّ ولا أزول، وفي هذا دليل على جواز قول الإنسان في الحرب: أنا فلان، وأنا ابن فلان، ومثله قول سلمة: أنا ابن الأكوع، وقول عليّ رضى اللَّه عنه: أنا الّذي سمتني أمى حيدرة، وأشباه ذلك.
وقد صرّح بجوازه علماء السلف، وفيه حديث صحيح، قالوا: وإنما يكره ذلك على وجه الافتخار كفعل الجاهلية، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 12/ 361- 363 مختصرا.(7/219)
فانهزمنا من قولهم، وركبوا أجسادنا فكانت إياها [ (1) ] .
قلت: والّذي يظهر أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث بغلات: واحدة بعث بها المقوقس، وأخرى من هدية فروة بن عمرو بن الناقدة الجذامي، ثم البناني، عامل الروم على فلسطين [ (2) ] ، وبغلة وهبها لأبى بكر رضى اللَّه عنه، وقيل: كانت له ست بغلات [ (3) ] .
قال الواقدي: عن معمر عن الزهري، كانت بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دلدل من هدية فروة بن عمرو الجذامي، وقال البخاري وقال أبو حميد: أهدى ملك أيلة للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بغلة بيضاء وكساء بردا، وكتب له بنحرهم.
وقال الواقدي: وحدثني ابن أبى سبرة، عن زامل بن عمرو قال: أهدى فروة إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بغلة يقال لها فضة، وهبها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لأبى بكر الصديق رضى اللَّه عنه [ (4) ] .
__________
[ (1) ] وأخرجه من طرق وسياقات مختلفة: ابن سعد في (الطبقات) : 4/ 18- 19، الطبقة الثانية من المهاجرين والأنصار، ترجمة العباس بن عبد المطلب رضى اللَّه عنه، الإمام مسلم في (الصحيح) :
كتاب الجهاد والسير، باب (28) في غزوة حنين، حديث رقم (1775) ، ابن حبان في (الصحيح) : 15/ 523- 525، كتاب إخباره صلى اللَّه عليه وسلم عن مناقب الصحابة، رجالهم ونسائهم، ذكر العباس بن عبد المطلب رضى اللَّه عنه، حديث رقم (7049) ، والإمام أحمد في (المسند:
1/ 341، حديث رقم (1778) ، والحاكم في (المستدرك) : 3/ 37، حديث رقم (5418) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الذهبي في (التلخيص) : أخرجه مسلم، والحميدي في (المسند) : 1/ 218- 219، أحاديث العباس بن عبد المطلب رضى اللَّه عنه، حديث رقم (459) .
[ (2) ] في (الإصابة) : 5/ 387: «على من يليهم من العرب» .
[ (3) ] قال ابن القيم: وكان له من البغال دلدل، وكانت شهباء، أهداها له المقوقس، وبغلة أخرى يقال لها:
فضة، أهداها له فروة الجذامي، وبغلة شهباء أهداها له صاحب أيلة، وأخرى أهداها له صاحب دومة الجندل، وقد قيل: إن النجاشي أهدى له بغلة فكان يركبها. (زاد المعاد) : 1/ 134.
[ (4) ] قال صلاح الدين الصفدي، وقد ذكر دواب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ومن البغال ثلاثة: وهي الدلدل، التي أهداها له المقوقس، وهي أول بغلة ركبت في الإسلام، وعاشت بعده إلى أن زالت أسنانها، وكان(7/220)
وقال: عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه: كانت بغلة النبي صلى اللَّه عليه وسلم أول بغلة ركبت في الإسلام، أهداها المقوقس [ (1) ] .
وقال الكلبي والهيثم بن عدي: كانت بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم التي تسمى دلدل من هدية المقوقس، فبقيت إلى زمن معاوية، ودلدل هذه التي أهداها المقوقس شهد عليها أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه يوم النهروان، وقاتل عليها الخوارج، وكانت بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند عليّ، ثم بعد عليّ عند عبد اللَّه بن جعفر، فكان يجش أو يدق لها الشعير، وقد ذهبت أسنانها [ (1) ] .
وعن الزهري قال: دلدل حضر عليها النبي صلى اللَّه عليه وسلم القتال يوم حنين، وفي مسند الدارميّ من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنه، أن الدلدل كانت بيضاء أهداها المقوقس، وهي التي قال لها في بعض الأماكن: أن أربضى دلدل فربضت، وكان على رضى اللَّه يركبها.
ولابن حيّان عن الأصبغ بن نباتة قال: لما قتل عليّ رضى اللَّه عنه أهل النهروان، ركب بغلة النبي صلى اللَّه عليه وسلم الشهباء، قلت: كانت تسمى الشهباء وتسمى الدلدل.
وقال ابن إسحاق: حدثني الزهري عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث حاطب بن أبى بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، فمضى بكتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى المقوقس، فقبل الكتاب وأكرم حاطبا، وأحسن نزله، وسرحه إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأهدى له مع حاطب كسوة وبغلة بسرجها، وخادمتين إحداهما أم إبراهيم، وأما الأخرى فوهبها
__________
[ () ] يجشّ لها الشعير، وفضة، اتّهبها من أبى بكر، والأيليّة، أهداها له ملك أيلة.
[ (1) ] راجع التعليقات السابقة.(7/221)
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لجهم بن قيس العبديّ، فهي أم زكريا بن جهم، خليفة عمرو بن العاص على مصر [ (1) ] .
[وذكر ابن سعد عن عبد القدوس، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:
أهدى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بغلة شهباء، وهي أول شهباء كانت في الإسلام، فبعثني إلى زوجته أم سلمة رضى اللَّه عنها بصوف وليف، ثم فتلت أنا ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لها أسنا وغدارا، ثم دخل البيت فأخرج عباءة مطرّفة، فثناها ثم [ربّعها] على ظهرها، ثم سمى وركب، ثم أردفنى خلفه] [ (2) ] .
ويروى أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه ركبها، وركبها كبرت وعميت، ودخلت مسطحة لبني [مدحج، فرماها] رجل بسهم فقتلها.
وعن علقمة بن أبى علقمة أنه قال: بلغني أن اسم فرس النبي صلى اللَّه عليه وسلم السّكب، وكان أغرّ محجلا طلق اليمين، واسم بغلته الدلدل، وكانت شهباء، وكانت بينبع حتى ماتت، واسم حماره اليعفور، وكان رسنه من ليف، واسم رايته العقاب.
وكان عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو بن عدي بن عمرو بن رفاعة بن مودعة بن عدي بن غنم بن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة الجهنيّ، أبو عبس، وأبو حماد [ (3) ] ، رضى اللَّه عنه، صاحب بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، يقود به في الأسفار.
وسكن عقبة مصر، ووليها بعد عتبة بن أبى سفيان من قبل معاوية سنتين وثلاثة أشهر، وصرفه بمسلمة بن مخلد لعشر بقين من ربيع
__________
[ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 5/ 14- 15 «هامش» ، بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى الملوك.
[ (2) ] ما بين الحاصرتين من (خ) فقط، (طبقات ابن سعد) : 1/ 491.
[ (3) ] وقيل: أبو لبيد، وأبو عمرو، وأبو أسد.(7/222)
الأول سنة سبع وأربعين، وتوفى بمصر سنة ثمان وخمسين، ودفن بقرافتها، وقبره معروف.
قال الوليد بن مسلم: حدثنا هشام بن الغاز، عن يزيد بن يزيد بن جابر، عن القاسم، عن عقبة بن عامر- وكان صاحب بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الشهباء، الّذي يقودها في الأسفار- قال: قدت برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو على راحلته رتوة من الليل، وإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: أنخ، فأنخت، فنزل عن راحلته، ثم قال: اركب يا عقبة، فقلت: سبحان اللَّه! أعلى مركبك يا رسول اللَّه؟ وعلى راحلتك؟ فأمرنى فقال: اركب، فقلت أيضا مثل ذلك، ورددت ذلك مرارا حتى خفت أن أعصى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فركبت راحلته ورحله، ثم زجر الناقة فقامت، ثم قاد بى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
ولأهل مصر عن عقبة نحو مائة حديث [ (1) ] يروونها عنه [ (2) ] .
__________
[ (1) ] قال ابن حزم في (أسماء الصحابة الرواة) : له خمسة وخمسون حديثا، شهد صفين مع معاوية، وشهد فتوح الشام، وهو كان البريد إلى عمر بفتح دمشق، وكان من أحسن الناس صوتا بالقرآن، وكان عالما بالفرائض والفقه، فصيح اللسان، شاعرا، كاتبا، وهو أحد من جمع القرآن، له ترجمة في: (الثقات) : 3/ 280، (التاريخ الكبير) : 6/ 340، (التاريخ الصغير) : 2/ 123، (الأعلام للزركلى) : 4/ 240، (سير الأعلام) : 2/ 467، (حلية الأولياء) : 2/ 8، (الجرح والتعديل) :
6/ 313، (أسماء الصحابة الرواة) : 79، ترجمة رقم (60) ، (الإصابة) : 4/ 520- 521، ترجمة رقم (5605) ، (الاستيعاب) : 3/ 1073- 1074، ترجمة رقم (1824) .
[ (2) ] وقد ذكر ابن الجوزي في (الموضوعات) ، باب أسماء مراكبه وسلاحه، حديثا طويلا، وفيه:
«وكانت له بغلة تسمى دلدل» وقال: هذا حديث موضوع، وفيه آفات، منها عبد الملك وهو العزرمىّ، وقد تركه شعبة، ومنها على بن عروة، قال يحيى: ليس بشيء، وقال أبو حاتم الرازيّ:
متروك الحديث، وقال ابن حبان: يضع الحديث، ومنها عمر بن عبد الرحمن، وقد قدحوا فيه.
(الموضوعات لابن الجوزي) : 1/ 293.(7/223)
فصل في ذكر حمار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
خرّج أبو داود من حديث أبى إسحاق عن عمرو بن ميمون، عن معاذ ابن جبل رضى اللَّه عنه، قال: كنت ردف النبي صلى اللَّه عليه وسلم على حمار يقال له عفير [ (1) ] .
وأخرجه البخاري ومسلم من طرق أتمّ من هذا، وليس فيه ذكر حمار يقال له عفير [ (2) ] .
ولابن حيّان من حديث القعنبي، حدثنا على بن عباس عن مسلم بن
__________
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 3/ 55، كتاب الجهاد، باب (53) في الرجل يسمى دابته، حديث رقم (2559) .
عفير: تصغير أعفر، يحذفون الألف في تصغيره، كما حذفوه في تصغير أسود، فقالوا: سويد، وكما قالوا: عوير من أعور، وكان القياس أن يقال في تصغير أعفر أعيفر، كما قالوا: أحيمر من أحمر، وأصيفر من أصفر.
وفيه أن الإرداف مباح إذا كانت الدابة تقوى على ذلك، ولا يضربها الضرر البين، وتسمية الدواب شكل من أشكال العرب، وعادة من عاداتها، وكذلك تسمية السلاح وأداة الحرب، كان سيفه صلى اللَّه عليه وسلم يسمى ذا الفقار، ورايته العقاب، ودرعه ذات الفضول، وبغلته دلدل، وبعض أفراسه السكب، وبعضها البحر. (معالم السنن) .
وعفير: تصغير أعفر، تصغير الترخيم، وقيل: سمى به تشبيها في عدوه بالعفور وهو الظبي، وقيل: الخشف.
[ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 72- 73، كتاب الجهاد والسير، باب (46) اسم الفرس والحمار، حديث رقم (2856) ، ثم أخرجه البخاري برقم (5967) ، (6762) ، (6500) ، (7373) ولم يذكر فيهم اسم «عفير» ، وذكره في الحديث الأول رقم (2856) ، (مسلم بشرح النووي) : 1/ 345، كتاب الإيمان، باب (10) الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا، حديث رقم (49) ، وصرح فيه باسم «عفير» . قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح، رحمه اللَّه: وهو الحمار الّذي كان له صلى اللَّه عليه وسلم، قيل: أنه مات في حجة الوداع. (مسلم بشرح النووي) .(7/224)
كيسان الأعور، عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بخيبر على حمار عليه إكاف [ (1) ] .
وله من حديث عبد بن حميد، حدثنا جعفر بن عون، أخبرنا مسلم الأعور، عن أنس قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم، يوم خيبر، ويوم النضير على حمار عليه إكاف مخطوم بحبل من ليف [ (1) ] .
وللترمذي في (الشمائل) ، من حديث مسلم الأعور، عن أنس قال:
كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعود المريض، ويشهد الجنازة، ويركب الحمار، ويجيب دعوة العبد، وكان يوم بنى قريظة على حمار مخطوم [ (2) ] بحبل من ليف، عليه إكاف [ (3) ] ليف [ (4) ] .
وقد روى الواقدي وغيره من طرق: أن المقوقس أهدى إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيما أهداه حمارا يقال له عفير، وفي رواية الكلبي والهيثم بن عدي:
وأهدى إليه المقوقس أيضا حمارا يقال له يعفور، وقال ابن الكلبي: عفير من هدية فروة بن عمرو الجذامي صاحب البلقاء.
__________
[ (1) ] (أخلاق النبي) : 62، (المستدرك) : 2/ 506، كتاب التفسير، باب (50) تفسير سورة ق، حديث رقم (3734) ، وقال فيه: «وتحته إكاف من ليف» ، قال الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (2) ] مخطوم: أي له زمام، من حبل من ليف.
[ (3) ] الإكاف هو ما يوضع على الدابة للركوب عليه يشبه الرّحل، فالإكاف للحمار، كالسرج لفرس.
[ (4) ] (الشمائل المحمدية) : 272- 273، باب (48) ، ما جاء في تواضع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (333) ، (ضعيف سنن الترمذي) : 115، باب (31) تواضع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (171) ، قال أبو عيسى: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث مسلم عن أنس، ومسلم الأعور يضعف، وهو مسلم بن كيسان الملائى، (ضعيف سنن ابن ماجة) : 343، باب (16) ، البراءة من الكبر والتواضع، حديث رقم (915) ، وأخرجه أبو نعيم في (الحلية) : 8/ 131، والبيهقي في (الدلائل) : 1/ 330. ويؤخذ من الحديث أن ركوب الحمار ممن له منصب شريف لا يخل بمروءته.
(المواهب اللدنية على الشمائل المحمدية) : 255.(7/225)
وقال الواقدي: كان يعفور من هدية فروة بن عمرو الجذامي، وعفير من هدية المقوقس، قال: وحماره يعفور نفق منصرفه في حجة الوداع [ (1) ] .
قلت: والجمهور على أن عفير بعين مهملة، وقال القاضي عياض: بغين معجمة. قال الشيخ محيي الدين يحيى النواوى: واتفقوا على تغليظه في ذلك [ (2) ] .
وأغرب ما في ذكر عفير هذا، ما
ذكره أبو محمد بن أبى حاتم من طريق منكر مردود، ولا يشك أهل العلم بهذا الشأن أنه موضوع، فيه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أصاب بخيبر أربعة أزواج أخفاف، وعشر أواقي ذهب، وحمارا أسود، فقال ما اسمك؟ فكلمه الحمار! [وقال: اسمى] [ (3) ] يزيد بن شهاب، أخرج اللَّه من نسل جدي ستين حمارا، كلهم لم يركبهم إلا نبي، وقد كنت أتوقعك أن تركبني، وكنت ملك رجل يهودي، وكنت أتعثر به عمدا، وكان يجيع بطني، ويضرب ظهري، قال: فأنت يعفور، يا يعفور! قال: لبيك، [قال:] [ (3) ] أتشتهى الإناث؟ قال: لا، فكان يركبه،
فإذا نزل عنه بعثه إلى باب الرجل فيقرعه برأسه، [فإذا خرج إليه صاحب الدار أومأ إليه أن أجب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (4) ] فلما قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جاء إلى بئر كانت لأبى الهيثم بن التيهان فتردّى فيها فصارت قبره [جزعا منه على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (4) ] .
وقد أنكر ابن حبان هذا الحديث، وقال ابن الجوزي: لعن اللَّه من وضع
__________
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 491، 492 (الوافي) : 1/ 90، (زاد المعاد) : 1/ 134.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 1/ 345.
[ (3) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (4) ] زيادة للسياق من (الموضوعات لابن الجوزي) .(7/226)
هذا الحديث على أنه قد أودعه كثير من المصنّفين كتبهم [ (1) ] ، وقال شيخنا العماد بن كثير: هذا شيء باطل لا أصل له من طريق صحيحة أو ضعيفة.
وقد ذكره أبو إسحاق الأسفراييني، وإمام الحرمين، حتى ذكره القاضي عياض في كتابه (الشفا) [ (2) ] . وذكره أبو القاسم السهيليّ في (روضه) [ (3) ] وقال: الأولى ترك ذكره لأنه موضوع.
سألت شيخنا أبا الحجاج- يعنى المزني- عنه فقال: ليس له أصل وهو ضحكة، وقال الذهبي: يروى بإسناد مجهول عن مجهول، يقال له: أبو منظور، كتبه للفرجة لا للحجة، ويقال: كان ثلاثة حمير، ويقال: اثنان.
__________
[ (1) ] (الموضوعات لابن الجوزي) : 1/ 293- 294، باب تكليم حماره يعفور له، وقال: هذا حديث موضوع لعن اللَّه واضعه، فإنه لم يقصد إلا القدح في الإسلام، والاستهزاء به. قال أبو حاتم بن حبان: لا أصل لهذا الحديث، وإسناده ليس بشيء، ولا يجوز الاحتجاج بمحمد بن مزيد.
[ (2) ] (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 207.
[ (3) ] (الروض الأنف) : 2/ 93.
وبعد ما قاله النقاد في هذا الحديث، نجد صاحب كتاب (المصباح المضيء) : 1/ 262، يقول عفا اللَّه عنه: وهذا علم من أعلام نبوته صلى اللَّه عليه وسلم، فليتني كنت شعرة في جلد هذا الحمار، الّذي كان في كل وقت يلامس جلده جلد سيد البشر صلى اللَّه عليه وسلم ويسمع له، ويطيعه، ويخاطبه، ويفهم عنه، وناهيك بها معجزة من بعض معجزاته صلى اللَّه عليه وسلم.
ثم سأل سؤالا فقال: ما الحكمة في
قوله صلى اللَّه عليه وسلم: يا يعفور، تشتهي الإناث؟ فقال: لا،
وتردّيه في البئر يوم قبض صلى اللَّه عليه وسلم، وكان له صلى اللَّه عليه وسلم دواب غيره، لم يفعل ذلك واحد منهم، بل الدلدل وهي بغلته البيضاء بقيت إلى خلافة معاوية، وكرّ بها عليّ رضى اللَّه عنه في صفين؟
ثم أجاب عن ذلك بقوله: والحكمة فيه- واللَّه أعلم- أن يعفور قال: أخرج اللَّه من نسل جدي ستين حمارا، لم يركبهم إلا نبي، ثم قال: ولم يبق من نسل جدي غيري، ولا من الأنبياء غيرك، وتردّى في البئر، ولم يشته الإناث حتى لا يبقى له نسل، فإنه آخرهم، كما أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم آخر الأنبياء كما قال، لئلا يركبه أحد بعده إذ هو مركوب الأنبياء، وأيضا جزعا عليه وتحزنا، ويحق له أن يجزع ويحزن عليه صلى اللَّه عليه وسلم، وهذا ما بلغ إليه علمي من رسله صلى اللَّه عليه وسلم. (المصباح المضيء) : 1/ 261- 263 مختصرا.(7/227)
فصل في ذكر ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
خرج البخاري في آخر كتاب الكفالة، في باب: جوار أبى بكر رضى اللَّه عنه في عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعقده [ (1) ] ، وفي كتاب الهجرة من حديث عقيل، قال ابن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة رضى اللَّه عنها قالت:
لم أعقل أبويّ قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمرّ علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية، فذكر الحديث حتى قال: فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبى بكر رضى اللَّه عنه في نحر الظهيرة، قال قائل لأبى بكر: هذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم متقنّعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: فداء له أبى وأمى، واللَّه ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر، قالت: فجاء فاستأذن، فأذن له، فقال لأبى بكر: أخرج من عندك، فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: إنما هم أهلك، بأبي أنت يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: فإنه قد أذن لي في الخروج، فقال أبو بكر: الصحابة، بأبي أنت يا رسول اللَّه، فقال: نعم، قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول اللَّه إحدى راحلتي هاتين، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: بالثمن، قالت عائشة فجهزناها.
وذكر حديث الهجرة بطوله [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 4/ 599- 600، كتاب الكفالة، باب (4) جوار أبى بكر في عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعقده، حديث رقم (2297) .
[ (2) ] هذا الحديث مبثوث في (صحيح البخاري) بسياقات ومن طرق مختلفة، في: فضائل أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم، باب هجرة النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة.
وفي المساجد، باب المسجد يكون في الطريق من غير ضرر بالناس، وفي البيوع، باب إذا اشترى متاعا أو دابة فوضعه عند البائع أو مات قبل أن يقبض الثمن، وفي الإجارة، باب استئجار المشركين عند الضرورة، أو إذا لم يوجد أهل الإسلام، وباب إذا استأجر أجيرا ليعمل له بعد ثلاثة أيام. أو(7/228)
وخرّج البخاري من حديث زهير، أخبرنا حميد عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كان للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم ناقة،
ومن حديث أبى خالد الأحمر، عند حميد عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كانت ناقة [لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تسمى العضباء، وكانت لا تسبق، فجاء أعرابى على قعود له فسبقها، فاشتد ذلك على المسلمين وقالوا: سبقت العضباء! فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن حقا على اللَّه أن لا يرفع شيء من الدنيا إلا وضعه. ذكره في الرقاق [ (1) ] .
وذكره في الجهاد من حديث أبى إسحاق عن حميد قال: سمعت أنسا رضى اللَّه عنه قال: كانت ناقة النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقال لها العضباء.
ومن حديث زهير، عن حميد عن أنس رضى اللَّه عنه قال: كانت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم ناقة تسمى العضباء لا تسبق. قال حميد: أو لا تكاد تسبق، فجاء أعرابى على قعود [ (2) ] فسبقها، فشق [ذلك] على المسلمين حتى عرفه، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: حق
__________
[ () ] بعد شهر، أو بعد سنة جاز، وفي الكفالة، باب جوار أبى بكر في عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وعقده، وفي المغازي، باب غزوة الرجيع، ورعل، وذكوان، وبئر معونة، وفي اللباس، باب التصنع.
[ (1) ] (فتح الباري) : 11/ 414، كتاب الرقاق، باب (38) التواضع، حديث رقم (6501) ، وما بين الحاصرتين من قوله: لرسول اللَّه ... سقط في (خ) واستدركناه من (ج) .
وفي الحديث إشارة إلى الحث على عدم الترفع، والحث على التواضع، والإعلام بأن أمور الدنيا ناقصة غير كاملة.
قال ابن بطال: فيه هوان الدنيا على اللَّه، والتنبيه على ترك المباهاة، والمفاخرة، وأن كل شيء هان على اللَّه فهو في محل الضعة، فحق على كل ذي عقل أن يزهد فيه، ويقل منافسته في طلبه.
وقال الطبري: في التواضع مصلحة الدين والدنيا، فإن الناس لو استعملوه في الدنيا لزالت بينهم الشحناء، ولاستراحوا من تعب المباهاة والمفاخرة.
قال الحافظ ابن حجر: وفيه أيضا حسن خلق النبي صلى اللَّه عليه وسلم، تواضعه، لكونه رضى أن أعرابيا يسابقه.
[ (2) ] القعود، بفتح القاف: ما استحق الركوب من الإبل، وقال الخليل: القعودة من الإبل ما يقعده الراعي لحمل متاعه، والهاء فيه للمبالغة. (فتح الباري) .(7/229)
على اللَّه أن لا يرفع شيء من الدنيا إلا وضعه. طوّله موسى عن حماد عن ثابت، عن أنس رضى اللَّه عنه [ (1) ] . [عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] .
وخرجه الدار قطنى من حديث معن بن عيسى، حدثنا مالك عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: كانت ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم القصواء لا تدفع في سباق إلا سبقت، قال سعيد بن المسيب: فجاء رجل فسابقها فسبقها، فوجد الناس من ذلك أن سبقت ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وبلغ ذلك النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إن الناس لم يرفعوا شيئا في الدنيا إلا وضعه اللَّه عزّ وجلّ [ (3) ] .
وفي لفظ: كانت العضباء لا تسبق، فجاء أعرابى على بكر فسابق فسبقها، فشق ذلك على المسلمين فقالوا: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم! سبقت العضباء، قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: إنه حق على اللَّه أن لا يرفع شيئا من الأرض إلا وضعه [ (4) ] .
ومن حديث عبد اللَّه بن مسلمة، عن مالك عن ابن شهاب، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إن العضباء ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كانت لا تسبق كلما دفعت في سباق، فدفعت يوما في إبل فسبقت، فكانت على المسلمين كآبة أن سبقت، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن الناس إذا رفعوا شيئا، أو
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 91، كتاب الجهاد والسير، باب (59) ناقة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (2871) ، (2872) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
قوله: «باب ناقة النبي صلى اللَّه عليه وسلم» ، كذا أفرد الناقة في الترجمة، إشارة إلى أن العضباء والقصواء واحدة.
[ (3) ] (سنن الدار قطنى) : 4/ 302، كتاب السبق بين الخيل، حديث رقم (12) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (14) .(7/230)
أرادوا رفع شيء وضعه اللَّه [ (1) ] .
ومن حديث بقية قال: حدثني شعبة قال: حدثني حميد الطويل عن أنس رضى اللَّه عنه قال: سابق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أعرابىّ فسبقه، فكان أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجدوا في أنفسهم من ذلك، فقيل له في ذلك فقال: حق على اللَّه أن لا يرفع شيئا [نفسه] في الدنيا إلا وضعه [ (2) ] .
وخرجه ابن حيّان من حديث هشام عن عروة قال: أخبرنا أبى قال: لما خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى بدر خلف عثمان على ابنته وكانت مريضة، وخلف أسامة بن زيد رضى اللَّه عنهم، فبينا هم إذ سمعوا ضجة التكبير، فجاء زيد بن حارثة على ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الجدعاء وهو يقول: قتل فلان، وأسر فلان [ (3) ] .
وقال الواقدي: قدم زيد بن حارثة رضى اللَّه عنه على ناقة النبي صلى اللَّه عليه وسلم القصواء، يبشر أهل المدينة فذكره [ (4) ] .
وحدثني إسحاق بن حازم، عن عبد اللَّه بن مقسم، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: لقي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أسامة بن زيد- يعنى مرجعه من بدر- ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على راحلته القصواء، فأجلسه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بين يديه وسهيل بن عمرو مجنوب ويداه إلى عنقه، فلما نظر أسامة إلى سهيل قال: يا رسول اللَّه! أبو يزيد؟ قال: نعم، هذا الّذي كان يطعم بمكة الخبز [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (15) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (16) .
[ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 115.
[ (4) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 155.
[ (5) ] (المرجع السابق) : 1/ 118.(7/231)
قال الواقدي: ولما بلغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المدينة، أقبلت امرأة أبى ذر رضى اللَّه عنه، على ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأخبرته من أخبار الناس ثم قالت: يا رسول اللَّه، إني نذرت إن نجاني اللَّه عليها أن أنحرها، فآكل من كبدها وسنامها، فتبسم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقال: بئس ما جزيتيها! أن حملك اللَّه عز وجل عليها ونجاك، ثم تنحرينها، إنه لا نذر في معصية اللَّه، ولا فيما لا تملكين، إنما هي ناقة من إبلي، فارجعى إلى إبلك على بركة اللَّه [ (1) ] .
وخرّج مسلم هذا الحديث بمعناه، وفيه قصة من عدة طرق، تدور على أبى قلابة عن أبى المهلب، عن عمران بن حصين رضى اللَّه عنه، وفيها:
وأصيبت امرأة من الأنصار، أصيبت العضباء، فذكره [ (1) ] .
وخرّجه أبو داود من طريق أبى قلابة أيضا وفيه: أن المرأة المأسورة امرأة أبى ذر [ (2) ] .
وخرّجه الدار قطنى من حديث سليمان، حدثنا عبد الرحمن بن الحارث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده رضى اللَّه عنه قال: جاءت امرأة أبى ذرّ على راحلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم القصواء حين أغير على لقاحه حتى بلغت [ (3) ] عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالت: إني نذرت إن نجاني اللَّه عليها لآكلن من كبدها وسنامها، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لبئس ما جزيتها، ليس [ (4) ] هذا
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 108- 110، كتاب النذر، باب (3) لا وفاء لنذر في معصية اللَّه، ولا فيما لا يملك العبد، حديث رقم (1641) .
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 3/ 609- 612، كتاب الأيمان والنذور، باب (28) النذر فيما لا يملك، حديث رقم (3316) .
[ (3) ] كذا في (الأصلين) ، وفي (سنن الدار قطنى) : «زناخت» .
[ (4) ] في (الأصلين) : «لبئس» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .(7/232)
نذر، إنما النذر ما ابتغى به وجه اللَّه [ (1) ] .
وخرّج من حديث موسى بن عقبة عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته القصواء. وقيل إن العضباء لم تأكل بعد وفاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولم تشرب حتى ماتت.
قلت: إن علماء الآثار اختلفوا في ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، هل هي واحدة لها ثلاثة أسماء؟ أو كان له صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث نياق؟
قال الواقدي: كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ناقته القصواء من نعم بنى قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر، ويقال: من نعم بنى الحريش بن كعب، ابتاعها أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه بأربعمائة درهم، فأخذها النبي صلى اللَّه عليه وسلم منه بذلك الثمن، والثبت: أنه وهبها له فقبلها وتاجر عليها، فلم تزل عنده حتى ماتت، ويقال: ماتت في خلافة أبى بكر رضى اللَّه عنه، وكانت [تضمّر] بالنقيع، ويقال: بنقيع الخيل، وهي تسمى أيضا: الجدعاء والعضباء.
وحدثني ابن أبى ذؤيب عن يحيى بن نفيل، عن سعيد بن المسيب قال:
كان اسمها العضباء، وكان في طرف أذنها جدع [ (2) ] .
قال: حدثني معمر عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب: ما العضب
__________
[ (1) ] (سنن الدار قطنى) : 4/ 162- 163 النذور، حديث رقم (12) .
[ (2) ] العضباء: اسم ناقة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، اسم، لها، علم، وليس من العضب الّذي هو الشق في الأذن، إنما هو اسم لها سميت به، وقال الجوهري: هو لقبها، قال ابن الأثير: لم تكن مشقوقة الأذن، والأول أكثر، وقال الزمخشريّ: هو منقول من قولهم: ناقة عضباء، وهي القصيرة اليد (لسان العرب) : 1/ 609.(7/233)
في الأذن؟ قال: قطع النصف فصاعدا.
قال الواقدي وغيره: القصواء، التي في أذنها قطع يسير، والعضباء، مثلها، والجدعاء، التي قطع نصفها، فهذا كما ترى، تصريح من الراويّ، أنها ناقة واحدة، لها ثلاثة أسماء، وهو أيضا، قول محمد بن إبراهيم التيمي، فقد روى عنه قال: القصواء ابتاعها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بأربعمائة درهم، وهي التي هاجر عليها. قال: وإنما كانت له صلى اللَّه عليه وسلم ناقة واحدة موصوفة بالصفات الثلاث، وإليه ذهب الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي [حيث قال:] [ (1) ] واعلم أن القصواء هي العضباء وهي الجدعاء.
وقال سعيد بن المسيب: كان في طرف أذنها جدع، والجدعاء: التي استؤصلت أذنها، والمقصوة: التي قطع بعض أذنها.
أخبرنا شيخنا ابن ناصر عن ثعلب أنه قال: هذه أسماء لناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولم تكن جدعاء، ولا مقصوة.
قال أبو الزاهرية حدير بن كريب الحمصي: كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث أنيق: الجدعاء، والقصواء، والعضباء، واختار هذا جماعة وقالوا: العضباء ابتاعها أبو بكر رضى اللَّه تعالى عنه من نعم بنى الحريش، والقصواء التي هاجر عليها إلى المدينة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكانت إذ ذاك رباعية، وكانت لا تحمله صلى اللَّه عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي.
والجدعاء هي التي سبقت فشق على المسلمين،
فقال صلى اللَّه عليه وسلم: إن حقا على اللَّه ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه [ (2) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (2) ] سبق تخريجه.(7/234)
وخرّج الدار قطنى من حديث حماد بن زيد، عن أيوب عن أبى قلابة عن أبى المهلب، عن عمران بن حصين رضى اللَّه عنه قال: كانت العضباء لرجل من بنى عقيل أسر، فأخذت العضباء معه، فأتى عليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وهو على حمار عليه قطيفة، فقال: يا محمد على ما تأخذونى وتأخذون العضباء وأنا مسلم؟ فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لو قلتها وأنت تلمك أمرك أفلحت كل الفلاح، ومضى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا محمد! إني جائع فأطعمنى، وإني ظمآن فأسقنى، فقال: هذه حاجتك، ففودى برجلين، وحبس النبي صلى اللَّه عليه وسلم العضباء لرحله، وكانت من سوابق الحاج، فأغار المشركون على سرح المدينة، وأسروا امرأة من المسلمين، قال: وكان المشركون يريحون إبلهم بأفنيتهم، فلما كان الليل نوموا، وعهدت المرأة إلى الإبل، فما كانت تأتى على ناقة منها إلا رغت، حتى أتت على العضباء، فأتت على ناقة ذلول فركبتها حتى أتت المدينة، ونذرت إن اللَّه نجاها لتنحرنها، فلما أتت المدينة عرف الناس الناقة وقالوا: العضباء ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: وأتى بها النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأخبر بنذرها، فقال: بئس ما جزتها، أو جزيتيها، لا نذر في معصية، ولا فيما لا يملك ابن آدم [ (1) ] .
وخرّج مسلم من حديث إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أيوب عن أبى قلابة، عن أبى المهلب، عن عمران بن حصين رضى اللَّه عنه قال: كانت ثقيف حلفا لبني عقيل، فأسرت بالحلف رجلين من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأسر أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رجلا من بنى عقيل، وأصابوا معه العضباء، فأتى عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو في الوثاق فقال: يا محمد! فأتاه فقال:: ما شأنك؟ فقال: بم أخذتني؟ وبم أخذت سابقه الحاج؟ فقال:
__________
[ (1) ] سبق تخريجه.(7/235)
إعطاء ما لذلك، أخذتك بجريرة أحمائك بثقيف، ثم انصرف عنه، فناداه فقال: يا محمد! يا محمد! - وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رفيقا رحيما- فرجع إليه فقال: ما شأنك؟ فقال: إني مسلم، قال: لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح، ثم انصرف، فناداه: يا محمد! يا محمد! فأتاه فقال:
ما شأنك؟ قال: إني جائع فأطعمنى، وظمآن فأسقنى، قال: هذه حاجتك [ففودى الرجل بعد] [ (1) ] بالرجلين [ (2) ] .
[وفي رواية] [ (3) ] : وأسرت امرأة من الأنصار وأصيبت العضباء، فكانت المرأة في الوثاق، وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم، فانفلتت ذات ليلة من الوثاق، فأتت الإبل فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتبركه، حتى تنهى إلى العضباء فلم ترغ- وقال وناقة منوقة- فقعدت على عجزها ثم زجرتها فانطلقت، وندروا بها فطلبوها فأعجزتهم، قال: ونذرت للَّه إن نجّاها اللَّه عليها لتنحرنّها، فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا: العضباء ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقالت: إنها نذرت إن نجّاها اللَّه عز وجلّ عليها لتنحرنّها، فأتوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال: سبحان اللَّه! بئس ما جزتها، نذرت للَّه إن نجّاها اللَّه عليها لتنحرنّها؟ لا وفاء لنذر في معصية، ولا فيما لا يملك العبد [ (4) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (سنن أبى داود) .
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 3/ 609- 612، كتاب الأيمان والنذور، باب (28) في النذر فيما لا يملك، حديث رقم (3316) ، وهو جزء من حديث طويل ذكره أبو داود بطوله. بنحو حديث مسلم، وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 115، كتاب السير، باب (18) ما جاء في قتل الأسارى والفداء، حديث رقم (1568) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح ... والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم وغيرهم، أن للإمام أن يمنّ على من شاء من الأسارى ويقتل من شاء منهم، ويفدى من شاء.
[ (3) ] زيادة للسياق.
[ (4) ] سبق تخريجه.(7/236)
وفي رواية على بن مجبر السعدي عن إسماعيل بن إبراهيم: لا وفاء في معصية اللَّه. [وخرجه] من طريق حماد بن زيد، وعبد الوهاب الثقفي كلاهما عن أيوب بهذا الإسناد نحوه [ (1) ] .
ومن حديث حماد بن زيد: وكانت العضباء لرجل من بنى عقيل، وكانت من سوابق الحاج. ومن حديثه أيضا: كانت على ناقة ذلول ممرّسة.
ومن حديث عبد الوهاب الثقفي: وهي ناقة مدربة [ (1) ] .
وخرج أبو داود من حديث حماد بن زيد وإسماعيل بن عليّة، عن أيوب بهذا الإسناد وقال في آخره: قال: فركبتها، ثم جعلت للَّه عليها إن نجّاها اللَّه لتنحرنّها، فلما قدمت المدينة عرفت الناقة ناقة النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأخبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم بذلك، فأرسل إليها، فجيء بها، وأخبر بنذرها فقال: بئس ما جزتها أو جزيتيها، إن اللَّه أنجاها عليها لتنحرنّها، لا وفاء لنذر في معصية اللَّه، ولا فيما لا يملك ابن آدم.
[قال] أبو داود: إن المرأة المأسورة امرأة أبى ذرّ رضى اللَّه عنه [ (2) ] .
[وخرج] الترمذي من [حديث] سفيان، عن الربيع بن صبيح، عن يزيد ابن أبان، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: حجّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على رحل رثّ، وعليه قطيفة لا تساوى أربعة دراهم فقال: اللَّهمّ اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة.
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 108، كتاب النذر، باب (3) لا وفاء لنذر في معصية اللَّه، ولا فيما لا يملك العبد، آخر أحاديث الباب بدون رقم.
[ (2) ] سبق تخريجه.(7/237)
[فصل في ذكر من كان يأخذ بزمام راحلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم]
[قال] الواقدي: حدثني يعقوب بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه ابن أبى صعصعة، عن الحارث بن عبد اللَّه بن كعب، عن أم عمارة قالت:
شهدت عمرة القضية مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكنت قد شهدت الحديبيّة، فكأني انظر إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم حين انتهى إلى البيت وهو على راحلته، وابن رواحة آخذ بزمام راحلته، وقد صفّ له المسلمون حين دنا من الركن حتى انتهى إليه، فاستلم الركن بمحجنه مضطبعا [ (1) ] بثوبه على راحلته، والمسلمون يطوفون معه، وقد اضطبعوا بثيابهم، وعبد اللَّه بن رواحة يقول:
خلّوا بنى الكفار عن سبيله ... إني شهدت أنه رسوله
حقا وكل الخير في سبيله ... نحن [قتلناكم] [ (2) ] على تأويله
[كما ضربناكم على تنزيله] [ (3) ] ... ضربا يزيل الهام [ (4) ] عن [مقيله] [ (5) ]
ويذهل الخليل عن خليله
فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه: يا ابن رواحة!
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:
__________
[ (1) ] الاضطباع: هو أن يأخذ الإزار أو البرد فيجعل وسطه تحت إبطه الأيمن، ويلقى طرفيه على كتفه الأيسر. (النهاية) .
[ (2) ] في (خ) : «حملناكم» .
[ (3) ] هذا الصدر من (المغازي) .
[ (4) ] الهام: جمع هامة، وهو الرأس.
[ (5) ] المقيل: مستعار من موضع القائلة، ويريد الأعناق.(7/238)
يا عمر إني أسمع، فأسكت عمر رضى اللَّه عنه [ (1) ] .
وقال في فتح مكة: فلما انتهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى الكعبة، فرآها ومعه المسلمون، تقدم على راحلته، فاستلم الركن. بمحجنه [و] [ (2) ] كبرّ، فكبّر المسلمون لتكبيره، فرجّعوا التكبير حتى ارتجّت مكة تكبيرا، حتى جعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليشير إليهم أن اسكتوا، والمشركون فوق الجبال ينظرون، ثم طاف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالبيت، [على راحلته آخذ] [ (2) ] بزمامها [محمد بن مسلمة] [ (2) ] وحول البيت ثلاثمائة صنم وستون صنما مرصّصة بالرّصاص، وكان هبل أعظمها، وهو وجاه الكعبة على بابها، وإساف ونائلة حيث ينحرون ويذبحون الذبائح،
فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كلما مرّ بصنم منهم يشير بقضيب في يده ويقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [ (3) ] فيقع الصنم لوجهه [ (4) ] .
[قال: حدثني] ابن أبى سيرة، عن حسين بن عبد اللَّه عن عكرمة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: ما يزيد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [على] أن يشير بالقضيب إلى الصنم فيقع لوجهه، فطاف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سبعا على راحلته يستلم الركن الأسود بمحجنه في كل طواف، فلما فرغ من سعيه نزل عن راحلته، وجاء معمر بن عبد اللَّه بن نضلة فأخرج راحلته [ (5) ] .
ولما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ببعض الطريق مرجعه من تبوك، مكر به أناس من
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 735- 736.
[ (2) ] زيادة للسياق من (المغازي) .
[ (3) ] الإسراء: 81.
[ (4) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 831- 832.
[ (5) ] (المرجع السابق) : 2/ 832.(7/239)
المنافقين، وأتمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق، فلما بلغ عليه السلام تلك العقبة، أرادوا أن يسلكوها معه، فأخبر خبرهم، فقال للناس: اسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل لكم وأوسع،
فسلك الناس بطن الوادي، وسلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العقبة، وأمر عمّار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة يقودها، وأمر حذيفة بن اليمان [أن] يسوق من خلفه، فبينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يسير في العقبة، إذ سمع حسّ القوم قد غشوه، فغضب صلى اللَّه عليه وسلم، وأمر حذيفة أن يردهم، فرجع حذيفة إليهم [وقد رأوا غضب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] فجعل يضرب وجوه رواحلهم بمحجن في يده، وظنّ القوم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد أطلع على مكرهم، فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فساق به،
فلما خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من العقبة ونزل الناس فقال: يا حذيفة! هل عرفت أحدا من الركب الذين رددتهم؟ قال: يا رسول اللَّه، عرفت راحلة فلان وفلان، وكان القوم متلثّمين فلم أبصرهم من أجل ظلمة الليل،
وكانوا قد أنفروا بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم فسقط بعض متاع رحله، فكان حمزة بن عمرو الأسلمي يقول: فنوّر لي في أصابعى الخمس [فأضاءت، حتى كفى لجمع] [ (2) ] ما سقط [من] السوط والحبل وأشباههما، حتى ما بقي من المتاع شيء إلا جمعناه، وكان [لحق بالنبيّ] [ (3) ] صلى اللَّه عليه وسلم في العقبة.
وروى أبو داود عن أم الحسين الأحسنية قالت: حججت مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم حجة الوداع، فرأيت أسامة بن زيد وبلال، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (المغازي) .
[ (2) ] في (المغازي) : «فأضئن حتى كنا نجمع» .
[ (3) ] في (المغازي) : «لحق النبيّ» .(7/240)
صلى اللَّه عليه وسلم، والآخر رافع ثوبه يستره من الحرّ حتى رمى جمرة العقبة [ (1) ] .
وذكر أبو عمر يوسف بن عبد البر أن الأسلع بن شريك الأعرجي التميمي خادم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان صاحب راحلته [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 2/ 416- 417، كتاب [مناسك الحج] ، باب (35) ، في المحرم يظلّل، حديث رقم (1834) ، وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الحج، باب (51) استحباب رمى جمرة العقبة يوم النحر ركبا، وبيان
قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «لتأخذوا مناسككم» ، حديث رقم (311) ، (312) بسياقة أتم من سياقة أبى داود، ومن سياقة النسائي في (السنن) : كتاب المناسك، باب (220) الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم، حديث رقم (3060) .
وفي هذا الحديث من الفقه: جواز تسميتها حجة الوداع. وفيه جواز الرمي ركبا. وفيه جواز تظليل المحرم على رأسه بثوب وغيره. وعن ابن عمر رضى اللَّه عنه أنه أبصر رجلا على بعيره وهو محرم، قد استظل بينه وبين الشمس فقال: أصح لمن أحرمت له. رواه البيهقي بإسناد صحيح.
وعن جابر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما من محرم يضحى للشمس حتى تغرب إلا غربت بذنوبه حتى يعود كما ولدته أمه. رواه البيهقي وضعّفه،
واحتج الجمهور بحديث أم الحصين هذا المذكور في مسلم، ولأنه لا يسمى لبسا، وأما حديث جابر فضعيف كما ذكرنا، مع أنه ليس فيه نهى، وكذا فعل عمر رضى اللَّه عنه، وقول ابن عمر ليس فيه نهى، ولو كان، فحديث أم الحصين مقدم عليه.
(شرح النووي على صحيح مسلم) : 10/ 51- 52 مختصرا.
ولمزيد بيان في هذا الموضوع: راجع (معالم السنن للخطّابى) شرح على (سنن أبى داود) : 2/ 416- 417.
[ (2) ] ترجمته في: (الاستيعاب) : 1/ 139، ترجمة رقم (148) (الإصابة) : 1/ 58- 60، ترجمة رقم (122) ، (123) ، (عيون الأثر) : 2/ 311 ذكر خدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وقال ابن سيد الناس:
أسلع بن شريك صاحب راحلته صلى اللَّه عليه وسلم.(7/241)
فصل في ذكر إبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
قيل: كانت له صلى اللَّه عليه وسلم اثنتا عشر لقحة، وقيل أربع عشرة لقحة. قال الواقدي: حدثني بكر بن الهيثم عن محمد بن يوسف عن سفيان الثوري عن سلمة بن نبيط، عن أبيه قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حجته بعرفة على جمل أحمر.
ولابن حيّان من حديث حماد بن سلمة عن على بن زيد عن أبى المليح، عن روح بن عائذ، عن أبى العوام عن معاذ بن جبل رضى اللَّه عنه قال:
كنت رديف النبي صلى اللَّه عليه وسلم على جمل أحمر.
قال الواقدي: وكانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عشر لقائح، أهدى إليه ثلاثا منهن سعد بن عبادة من نعم بنى عقيل، فكن يرعين بالحفياء، وكان السبع يرعين بذي الخبر. ويقال: إن سعدا أهدى إحدى الثلاث، وأنه اتباع الاثنين بالمدينة، وكانت التي أهداها سعد تدعى مهرة، وكانت من نعم بنى عقيل، وكانت الاثنتان تدعيان الرناء والشقراء، فكان الثلاث يحلبن ويسرح إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بألبانهن كل ليلة، وكن غرارا [ (1) ] .
__________
[ (1) ] وقال ابن القيم في (زاد المعاد) : 1/ 134، فصل في دوابه صلى اللَّه عليه وسلم: ومن الإبل القصواء، قيل: هي التي هاجر عليها، والعضباء، والجدعاء، ولم يكن بهما عضب ولا جدع، وإنما سميتا بذلك، وقيل: كان بأذنها عضب، فسميت به، وهل العضباء والجدعاء واحدة أو اثنتان؟ فيه خلاف.
والعضباء هي التي كانت لا تسبق، ثم جاء أعرابىّ على قعود فسبها، فشق ذلك على المسلمين،
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن حقا على اللَّه ألا يرفع من الدنيا شيئا إلا وضعه.
[سبق تخرج هذا الحديث وشرحه وبيان ما فيه من الفوائد] .
وغنم صلى اللَّه عليه وسلم يوم بدر جملا مهريا لأبى جهل في أنفه برة من فضة، فأهداه يوم الحديبيّة ليغيظ به المشركين. أخرجه أحمد في (المسند) : 1/ 431، حديث رقم (2358) ، وأبو داود في(7/242)
وقال محمد بن سعد عن الواقدي: عن هارون بن محمد بن سالم مولى حويطب بن عبد العزّى، عن أبيه نبهان مولى أم سلمة، عن أم سلمة رضى اللَّه عنها قالت: كان عيشنا- أو أكثر عيشنا- مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اللبن، كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لقاح بالغابة، وكان قد فرّقها على نسائه، فكانت لي لقحة يقال لها: العريس، فكنا نشرب منها فيما شئنا من اللبن، وكانت لعائشة رضى اللَّه عنها لقحة تدعى السّمراء [غزيرة] [ (1) ] .
وللواقدي عن معاوية بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبى رافع عن أبيه قال:
كان يراح على أهل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كل ليلة بقربتين عظيمتين من اللبن، وكانت في لقاحه عدة غزر: الحناء، والسمراء، والسعدية، والبغوم، واليسيرة. وقال بعض المدنيين: وهب البغوم لسودة [ (2) ] .
وللواقدي عن موسى بن عبيدة، عن ثابت عن أم سلمة قالت: أهدى الضحاك الكلابيّ للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم لقحة تدعى بردة، لم أر من الإبل شيئا كان أحسن منها ولا أغزر، وكانت تحلب ما تحلب لقحتان، فربما خلبت لأضياف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غبوقا وصبوحا، [وكانت] صفىّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من غنيمة [سرية] عليّ بن أبى طالب رضى اللَّه عنه بفدك، في شعبان سنة
__________
[ () ] (السنن) : 2/ 360- 361- كتاب المناسك، باب (13) في الهدى، حديث رقم (1749) ، وابن ماجة في (السنن) : 2/ 1027، كتاب المناسك، باب (74) حجة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (3076) .
وفيه من الفقه: أن الذكران في الهدى جائزة، وفيه دليل على جواز استعمال اليسير من الفضة في لجم المراكب من الخيل وغيرها، والبرّة: حلقة تجعل في أنف البعير.
قوله: ليغيظ بذلك المشركين» ، معناه أن هذا الجمل كان معروفا لأبى جهل، فحازه النبي صلى اللَّه عليه وسلم في سلبه، فكان يغيظهم أن يروه في يده، وصاحبه قتيل سليب. (معالم السنن) .
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) 1/ 494، ذكر لقاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
[ (2) ] (الوافي) : 1/ 10، ذكر دوابّه صلى اللَّه عليه وسلم، (عيون الأثر) : 2/ 322.(7/243)
ست، لقوح تدعى الحفدة [السريعة] [ (1) ] فقدم بها على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
وعن ابن أبى سبرة، عن سلم بن يسار، عن وجيهة مولاة أم سلمة قالت:
كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أعنز سبع، فكان الراعي يبلغ بهن مرة الجماء، ومرة أحدا، وتروح علينا، وكانت لقاحه بذي الجدر، فتأتينا ألبانها بالليل، ونكون بالغابة فتأتينا ألبانها بالليل، وكان أكثر عيشنا اللبن من الإبل والغنم.
قال: وحدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه، حدثني يحيى بن عبد اللَّه بن أبى قتادة، وعلى بن يزيد وغيرهم، فكل قد حدثني بطائفة قالوا: كانت لقاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عشرين لقحة، وكان من شيء منها ما أصاب في ذات الرقاع، ومنها ما قدم به محمد بن مسلمة من نجد، وكانت ترعى البيضاء [ (2) ] ودون البيضاء [ (2) ] ، فأجدب ما هنالك فقربوها إلى الغابة تصيب من أثلها وطرقاتها، وتغدو في السحر، فكان الراعي يؤوب بلبنها كل ليلة عند المغرب،
وكان أبو ذرّ رضى اللَّه عنه قد استأذن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى لقاحه فقال: إني أخاف عليك من هذه الضاحية أن تغير عليك، ونحن لا نأمن عيينة بن حصن ودونه هي في طرف من أطرافهم، فألحّ عليه، فقال لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ائذن لي، فلما ألحّ عليه قال: لكأنّي بك قد قتل أباك، وأخذت إبلك امرأتك، وجئت تتوكأ على عصاك، فكان أبو ذر يقول:
عجبا لي إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: لكأنّي بك، وأنا ألحّ عليه، فكان واللَّه على ما قال.
وكان المقداد بن عمر يقول: لما كانت ليلة السرح جعلت فرسي سبحة لا تقر ضربا بيديها وصهيلا، فيقول أبو معبد: واللَّه إن لها شأنا، فننظر
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) ، واللقوح: الناقة غزيرة اللبن.
[ (2) ] البيضاء: اسم موضع تلقاء حمى الرَّبَذَة. (معجم ما استعجم) : 184.(7/244)
آريّها [ (1) ] فإذا [هو مملوء] [ (2) ] علفا، فنقول عطشى، فيعرض الماء عليها فلا [تريده] [ (2) ] فلما طلع الفجر أسرجها ولبس سلاحه وخرج، حتى صلى مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم الصبح فلم ير شيئا، ودخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم ورجع المقداد إلى بيته وفرسه لا يقر، فوضع سرجه وسلاحه، واضطجع، ووضع إحدى رجليه على الأخرى، فأتاه آت فقال: إن الخيل قد صبح بها، فكان أبو ذر يقول: إنا لفي منزلنا، ولقاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد روّحت وعطنت، وحلبت عتمتها [ (3) ] ونمنا، فلما كان في الليل أحدق بنا عينية في أربعين فارسا، فصاحوا بنا وهم قيام على رءوسنا، فأشرف لهم ابني فقتلوه، وكانت معه امرأته وثلاثة نفر فنجوا، وتنحيت عنهم وشغلهم عنى إطلاق عقل اللقاح، ثم صاحوا في أدبارهم، فكان آخر العهد بها، وجئت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأخبرته وهو يتبسّم [ (4) ] ، [وذكر خروج المسلمين في السلاح، فاستنقذوا عشر لقائح، وأفلت القوم بما بقي وهي عشر، قال: وكان فيها جمل أبى جهل، فكان مما يخلصه المسلمون] [ (5) ] .
قال:
حدثني قائد مولى عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن على عن جدته سلمى قالت: نظرت إلى لقوح [ (6) ] على باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، يقال لها: السّمراء، فعرفتها، فدخلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقلت: هذه لقحتك السمراء على
__________
[ (1) ] في (الأصلين) : «أمرها» ، وفي (المغازي) «آريّها» وهو ما أثبتناه، وهو حبل تشدّ به الدابة في محبسها.
[ (2) ] تكملة للسياق من (المغازي) .
[ (3) ] العتمة: ظلمة الليل، وكانت الأعراب يسمون الحلاب باسم الوقت. (النهاية) .
[ (4) ] إلى هنا من (مغازي الواقدي) : 538- 539 بالنّص.
[ (5) ] ما بين الحاصرتين اختصره المقريزي رحمه اللَّه من سياق غزوة الغابة.
[ (6) ] لقوح: ناقة غزيرة اللبن. (النهاية) .(7/245)
بابك، فخرج [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] مستبشرا وإذا رأسها بيد ابن أخى عيينة، فلما نظر [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] عرفها ثم قال: أيم بك فقال: يا رسول اللَّه أهديت لك هذه اللقحة، فتبسّم [النبي صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] ثم قبضها منه، ثم أقام يوما أو يومين، ثم أمر بثلاثة أواق من فضة، فجعل يتسخط، فقلت: يا رسول اللَّه! أتثيبه على ناقة من إبلك؟ قال [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] نعم، وهو ساخط عليّ، ثم صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الظهر، ثم صعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: إن الرجل ليهدى لي الناقة من إبلي أعرفها كما أعرف بعض أهلي، ثم أثيبه عليها، فيظل يتسخّط عليّ، ولقد هممت أن لا أقبل هدية إلا من قرشىّ أو أنصارى. وكان أبو هريرة رضى اللَّه عنه يقول: أو ثقفي أو دوسيّ [ (2) ] .
وكان على لقاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مولاه يسار يرعاها، فلما استاق العرينيون [ (3) ] لقاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في شوال سنة ست من ذي الجدر [ (4) ] ، وأخذوا يسارا فقطعوا يده ورجله، وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات، وانطلقوا بالسرح، فبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في طلبهم، فأخذهم بأجمعهم، ثم صير مكان يسار مولاه أبا أيمن الأسود، فكان يقوم بأمر لقاحه [ (5) ] .
قال الواقدي: حدثني ابن أبى سبرة عن مروان بن أبى سعيد بن المعلّى قال: لما ظفر المسلمون باللقاح خلّفوا عليها سلمة بن الأكوع [و] [ (6) ] معه
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (المغازي) .
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 548- 549.
[ (3) ] نسبة إلى عرينة.
[ (4) ] الجدر: ناحية قباء على ستة أميال من المدينة (طبقات ابن سعد) : 2/ 93.
[ (5) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 568- 571، (طبقات ابن سعد) : 2/ 93.
[ (6) ] زيادة للسياق (المغازي) .(7/246)
أبو رهم الغفاريّ، وكانت اللقاح خمسة عشرة لقحة غزارا، فلما أقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة من الزغابة وجلس في المسجد، إذا اللقاح على باب المسجد [تحان] [ (1) ] ، فخرج فنظر إليها، فتفقّد منها لقحه يقال لها الحناء، فقال: أي سلمة! أين الحناء؟ قال: نحرها القوم ولم ينحروا غيرها، ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: انظر مكانا ترعاها فيه،
قال: ما كان أكثر [ (2) ] من حيث كانت بذي الجدر، قال: فردّها إلى ذي الجدر فكانت هناك. وكان لبنها يراح به إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كل ليلة وطب [ (3) ] من اللبن [ (4) ] .
__________
[ (1) ] في (المغازي) : «ما كان أمثل» .
[ (2) ] الوطب: الوعاء الكبير.
[ (3) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 570- 571.
[ (4) ] (طبقات ابن سعد) : 2/ 93.(7/247)
فصل في ذكر البدن التي ساقها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى الكعبة البيت الحرام
اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ساق الهدى مرارا، فأوّل ما حفظ أنه ساق البدن في عمرة الحديبيّة، وذلك أنه لما استنفر أصحابه إلى العمرة، وتهيئوا للخروج،
قدم عليه بسر بن سفيان الكعبي في ليال من شوال سنة ست زائرا له، فقال له صلى اللَّه عليه وسلم يا بسر! لا تبرح حتى تخرج معنا، فإنا إن شاء اللَّه معتمرون فأقام، وأمره صلى اللَّه عليه وسلم أن يبتاع له بدنا، فكان بسر يبتاعها ويبعث بها إلى ذي الجدر حتى حضر خروجه، فأمر بها فجلبت إلى المدينة، ثم أمر بها إلى ذي الجدر حتى حضر خروجه، فأمر بها فجلبت إلى المدينة، ثم أمر بها ناجية بن جندب الأسلمي أن يقدمها إلى ذي الحليفة،
واستعمل صلى اللَّه عليه وسلم على هديه ناجية بن جندب هذا.
وخرج صلى اللَّه عليه وسلم من المدينة لهلال ذي القعدة، فصلى الظهر بذي الحليفة، ثم دعي بالبدن فجللت، ثم أشعر بنفسه منها عدة، وهي موجهات إلى القبلة في الشق الأيمن، ثم أمر ناجية بن جندب بإشعار ما بقي، وقلدت نعلا نعلا وهي سبعون بدنة، منها جمل أبى جهل، وقدم ناجية مع الهدى، وكان معه فتيان من أسلم،
فقال ناجية: عطب لي بعير من الهدى حين نظرت إلى الأبواء، فجئت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالأبواء فأخبرته فقال: أنحرها، وأصبغ قلائدها في دمها، ولا تأكل أنت ولا أحد من أهل رفقتك منها شيئا، وخلّ بين الناس وبينها [ (1) ] .
فلما صدّ المشركون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن البيت، نحر هدية بذي الحليفة،
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 572- 573.(7/248)
وكان جمل أبى جهل قد غنمه عليه السلام يوم بدر، وكان المسلمون يغدون عليه، وكان قد ضرب في لقاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم التي استاق عيينة بن [حصن] ، ولقاحه التي كانت بذي الجدر التي كان ساقها العرينيون [فيها جمل أبى جهل الّذي غنمه يوم بدر] [ (1) ] وكان نجيبا مهريا، قلّده رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في هديه وأشعره، فلما كانوا بذي الحليفة كان يرعى مع الهدى فشرد قبل القضية، فلم يقف حتى انتهى إلى دار أبى جهل وعرفوه، وخرج في إثره عمرو بن غنم السلمي، فأبى أن يعطيه سفهاء من سفهاء مكة، فقال سهيل بن عمرو: ادفعوه إليه،
فأعطوا به مائة ناقة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لولا أنا سميناه في الهدى فعلنا، فنحر الجمل عن سبعة،
أحدهم أبو بكر وعمر رضى اللَّه عنهما.
وساق ناجية بن جندب الأسلمي على هديه يسير به أمامه يطلب الرعي في الشجر، ومعه أربعة فتيان من أسلم، ومعهم أبو رهم وأبو هريرة يسوقان الهدى، وقلد صلى اللَّه عليه وسلم هديه بيده،
فلما طاف بالبيت وبين الصفا والمروة، وقد وقف الهدى عند المروة، قال صلى اللَّه عليه وسلم: هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر، فنجر عند المروة [ (2) ] .
ولما خرج أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه في سنة تسع ليقيم بالناس الحج، وبعث معه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعشرين بدنة قلدها النعال وأشعرها بيده في الجانب الأيمن، واستعمل عليها ناجية بن جندب، وساق صلى اللَّه عليه وسلم في حجة الوداع ستين بدنة وأشعرها في الجانب الأيمن وقلدها النعال وهو بذي الحليفة، ويقال أنه ساق مائة بدنة، أشعر بعضها بيده، وأمر بأن يشعر ما
__________
[ (1) ] زيادة يقتضيها السياق من (مغازي الواقدي) ، و (طبقات ابن سعد) .
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 573- 574، (طبقات ابن سعد) : 2/ 95- 96.(7/249)
فضل من البدن ناجية بن جندب، واستعمله على الهدى، فساقه إلى المنحر حتى نحر صلى اللَّه عليه وسلم بيده ثلاث وستين بدنة، ثم أعطى رجلا فنحر ما بقي، وكان خالد بن الوليد رضى اللَّه عنه يقدم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بدنه وهي تعتب في العقل.(7/250)
فصل في ذكر صاحب بدن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
اعلم أنه قد تقدم من طريق الواقدي أن صاحب البدن هو ناجية [بن جندب] ، وقد ورد أن ذؤيبا الخزاعي توجه أيضا بالبدن، فأما ناجية فهو ناجية بن جندب بن عمير بن يعمر بن دارم بن وائلة بن سهم بن مازن بن سلامان بن أسلم بن أفصى الأسلمي، كان اسمه ذكوان، فسمّاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ناجية حين نجا من قريش، مات في خلافة معاوية رضى اللَّه عنه [ (1) ] .
ووقع في موطأ مالك رحمه اللَّه تعالى،
من حديث هشام بن عروة، عن أبيه قال: إن صاحب هدى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: يا رسول اللَّه! كيف أصنع بما عطب من الهدى؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: كل بدنة عطبت من الهدى فانحرها، ثم ألق قلائدها في دمها، ثم خلّ بين الناس وبينها يأكلونها.
كذا وقع هذا الحديث في الموطأ مرسلا [ (2) ] ، وأسنده جماعة من الحفاظ [ (3) ] رووه
__________
[ (1) ] له ترجمة في: (الإصابة) : 6/ 399- 401، ترجمة رقم (8648) ، (الاستيعاب) : 4/ 1522- 1523، ترجمة رقم (2650) .
[ (2) ] (موطأ مالك) : 262، كتاب الحج، العمل في الهدى إذا عطب أو ضل، حديث رقم (858) .
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 2/ 368، كتاب مناسك الحج، باب (19) في الهدى إذا عطب قبل أن يبلغ، حديث رقم (1762) ، وفيه: «ثم أصبغ نعله في دمه، ثم خلّ بينه وبين الناس» . قال الخطابي: إنما أمره بأن يصبغ نعله في دمه ليعلم المارّ به أنه هدى فيتجنبه إذا لم يكن محتاجا، ولم يكن مضطرا إلى أكله.
وفي قوله: «خلّ بينه وبين الناس» دلالة على أنه لا يحرم على أحد أن يأكل منه إذا احتاج إليه، وإنما حظر على سائقه أن يأكل دونهم. وقال مالك بن أنس: فإن أكل شيئا كان عليه البدل. (معالم السنن) .
وأخرجه الترمذي في (السنن) : 3/ 253، كتاب الحج، باب (71) ، ما جاء إذا عطب الهدى ما يصنع به، حدث رقم (910) ، [ثم قال] : وفي الباب عن ذؤيب أبى قبيصة الخزاعي.(7/251)
عن هشام بن عروة عن ناجية الأسلمي صاحب بدن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، منهم سفيان بن سعيد الثوري، وسفيان بن عيينة، ووهيب بن خالد، خرّجه النسائي وغيره.
وروى عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنهما هذا الحديث وزاد فيه: لا تأكل منها أنت ولا أحد من رفقتك.
وهو حديث اختلف فيه عنه، وطائفة روت عنه ما يدل على أن ناجية بن جندب الأسلمي حدثه، وطائفة روت عنه أن دوسا الخزاعىّ حدّثه، وذؤيب هذا ربما بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أيضا معه هديا، فسأله ابن عباس رضى اللَّه عنهما كما سأل ناجية، وهو ذؤيب بن حلحلة،
__________
[ () ] قال أبو عيسى: حديث ناجية حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم. قالوا في هدى التطوع إذا عطب: لا يأكل هو ولا أحد من أهل رفقته، ويخلى بينه وبين الناس يأكلونه، وقد أجزأ عنه، وهو قول الشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وقالوا: إن أكل منه شيئا غرم بقدر ما أكل منه.
وقال بعض أهل العلم: إذا أكل من هدى التطوع شيئا، فقد ضمن الّذي أكل.
وأخرجه مسلم في كتاب الحج من (الصحيح) ، باب (66) ما يفعل بالهدى إذا عطب بالطريق، حديث رقم (1325) .
وفيه فوائد، منها: أنه إذا عطب الهدى وجب ذبحه وتخليته للمساكين، ويحرم الأكل منها عليه، وعلى رفقته الذين معه في الركب، سواء كان الرفيق مخالطا له أو في جملة الناس من غير مخالطة، والسبب في نهيهم قطع الذريعة لئلا يتوصل بعض الناس إلى نحره أو تعييبه قبل أوانه.
واختلف العلماء في الأكل من الهدى إذا عطب فنحره، فقال الشافعيّ: إن كان هدى تطوع له أن يفعل فيه ما شاء من بيع وذبح وأكل وإطعام وغير ذلك، وله تركه ولا شيء عليه في ذلك لأنه ملكه.
وإن كان هديا منذورا لزمه ذبحه، فإن تركه حتى هلك لزمه ضمانه، كما لو فرّط في حفظ الوديعة حتى تلفت. فإذا ذبحه غمس نعله التي قلده إياها في دمه، وضرب بها صفحه سنامه، وتركه موضعه، ليعلم من مرّ به أنه هدى فيأكله.
ولا يجوز للمهدي ولا لسائق هذا الهدى وقائده الأكل منه، ولا يجوز للأغنياء الأكل منه مطلقا، لأن الهدى مستحق للمساكين، فلا يجوز لغيرهم، ويجوز للفقراء من غير أهل هذه الرفقة. وفي المراد بالرفقة وجهان، بسط القول فيهما في (مسلم بشرح النووي) : 9/ 85.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1036، كتاب المناسك، باب (101) في الهدى إذا عطب، حديث رقم (3105) .(7/252)
ويقال: ذؤيب بن حبيب بن حلحلة بن عمرو بن كليب بن أصرم بن عبد اللَّه بن قمير بن حبيشة بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر الخزاعي الكعبيّ، صاحب إبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كان يبعث معه الهدى ويأمره إن عطب منه شيء قبل محله أن ينحره، ويخلّ بين الناس وبينه [ (1) ] .
روى سعيد عن قتادة، عن سنان بن سلمة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: إن ذؤيبا أبا قبيصة حدّثه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يبعث معه بالبدن ثم يقول: إن عطب منها شيء قبل محله فخشيت عليه موتا فانحرها، ثم اغمس نعلها في دمها، ثم اضرب به صفحتها، ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك [ (2) ] .
وقد وقع في هذا الحديث
من رواية إسماعيل بن عليّه، حدثنا أبو السياج عن موسى بن سلمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث بثمان عشرة بدنه مع رجل، فأمره فيها بأمره، فانطلق ثم رجع إليه فقال: أرأيت إن عطب منى شيء؟ قال: فانحرها ثم أصبغ نعلها في دمها، ثم اجعلها على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك.
ورواه حماد بن زيد، حدثنا أبو الساج عن موسى بن سلمة قال:
خرجت أنا وسنان بن سلمة، ومعنا بدنتان، فأرجفتا علينا بالطريق، فلما قدمنا مكة، أتينا ابن عباس رضى اللَّه عنهما، فسألناه فقال: [] [ (3) ]
__________
[ (1) ] له ترجمة في: (الاستيعاب) : 2/ 464- 465، ترجمة رقم (708) ، (الإصابة) : 2/ 422، ترجمة رقم (2491) .
[ (2) ] (المرجع السابق) ، ترجمة رقم (2491) .
[ (3) ] بقدر هذا البياض كلمتان لم أجد لهما توجيها.(7/253)
بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بلالا الأسلمي، وبعث معه بثماني عشرة بدنة، فقال:
يا رسول اللَّه! أرأيت إن أرجف عليّ منها شيء بالطريق؟
قال: تنحرها وتصبغ نعلها، أو قال: تغمس نعلها في دمها، فتضرب بها على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك.
وروى شعبة وسعد بن عروبة عن قتادة عن سنان بن سلمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: إن ذؤيب الخزاعي حدثه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يبعث معه بالبدن ثم يقول: إذا عطب شيء منها فخشيت عليه موتا فانحره، ثم اغمس نعله في دمه، ثم اضرب صفحته، ولا تطعم منها ولا أحد من أهل رفقتك.
قال أبو عمر بن عبد البر: قوله: ولا أحد من أهل رفقتك، لا توجد إلا في حديث ابن عباس هذا بهذا الإسناد عن موسى بن سلمة، وليس ذلك في حديث هشام بن عروبة عن أبيه عن ناجية، وهو عندنا أصح من حديث ابن عباس عن ذؤيب، وعليه العمل عند الفقهاء، ومن جملة النظر أهل رفقته وغيرهم في ذلك سواء، ويدخل في
قوله عليه السلام: وخلّ بين الناس وبينه يأكلونه، أهل رفقته وغيرهم.
وشهد ذؤيب فتح مكة، وكان يسكن قديدا، وعاش إلى زمن معاوية وجعل أبو حاتم الرازيّ ذؤيب بن حبيب غير ذؤيب بن حلحلة، فقال:
ذؤيب بن حبيب الخزاعي أحد بنى مالك بن أقعى صاحب هدى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم روى عن ابن عباس، ثم قال: ذؤيب بن حلحلة بن عمرو الخزاعي أحد بنى عمير، شهد الفتح، وهو والد قبيصة بن ذؤيب، روى عنه ابن عباس.
قال ابن عبد البر: ومن جعل ذؤيبا هذا رجلين فقد أخطأ ولم يصب، والصواب ما ذكرنا، يعنى مما تقدم في خبره ونسبته، وباللَّه توفيقنا [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (الاستيعاب) : 2/ 464- 465، ترجمة رقم (718) .(7/254)
فصل في ذكر غنم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الغنم مائة، وكان له صلى اللَّه عليه وسلم منائح سبع، وقيل: عشر [ (1) ] .
خرّج الحاكم من حديث لقيط بن صبرة، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: لنا غنم مائة، وسيأتي بطوله إن شاء اللَّه تعالى. وخرّجه البخاري في الأدب المفرد، من حديث إسماعيل عن عاصم بن لقيط عن صبره عن أبيه.
قال ابن سعد عن الواقدي عن إبراهيم بن سويد الأسلمي، عن عباد بن منصور، عن عكرمة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كانت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم سبعة اعنز [منائح] [ (2) ] ترعاهن أم أيمن [ (3) ] .
وقال الواقدي عن عبد الملك بن سليمان بن أبى المغيرة، عن محمد بن عبد اللَّه بن الحصين قال: كانت منائح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ترعى بأحد، وتروح في كل ليلة إلى البيت الّذي يبيت فيه [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (4) ] .
قالوا: وكانت منائح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: عجوة، وزمزم، وسقيا، وبركة، وورسة، وإطراف، وإطلال [ (5) ] .
__________
[ (1) ] كان له من الغنم مائة، وكان له منائح سبع من غنم.
[ (2) ] زيادة للسياق من (عيون الأثر) .
[ (3) ] (عيون الأثر) : 2/ 323، ذكر خيله صلى اللَّه عليه وسلم وما له من الدوابّ والنّعم، (زاد المعاد) : 1/ 135، (طبقات ابن سعد) : 1/ 495.
[ (4) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 495- 496، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (5) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 495، ذكر منائح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الغنم، (الوافي) : 1/ 91.(7/255)
وعن وجيهه [ (1) ] ، كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أعنز سبع، وكان الراعي يبلغ بهن مرة الجماء، ومرة أحدا ويروح [بهنّ] [ (2) ] علينا [ (3) ] .
وقد روى أنه كان له صلى اللَّه عليه وسلم شاه يختص بشرب لبنها تدعى غيثة، [وقيل [ (4) ] : غوثة] [ (5) ] . وكان له صلى اللَّه عليه وسلم ديك أبيض [ (6) ] ، ولم ينقل أنه صلى اللَّه عليه وسلم اقتنى من النّغر [ (7) ] شيئا.
وقيل: كانت له شاة تسمى غوثة، وقيل غيثة، وعنز تسمى اليمن [ (8) ] ، وشاة تسمى قمرة [ (9) ] .
__________
[ (1) ] وجيهة: مولاة أم سلمة.
[ (2) ] زيادة للسياق من (الطبقات) .
[ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 496.
[ (4) ] زيادة للسياق من (عيون الأثر) : 2/ 233.
[ (5) ] (عيون الأثر) : 2/ 233، (الوافي) : 1/ 91.
[ (6) ] (الوافي) : 1/ 91.
[ (7) ] النغر: طائر كاليمام ونحوه وقد سبق شرحه في الكلام على حديث: «أبا عمير ما فعل النّغير» .
[ (8) ] (عيون الأثر) : 1/ 323.
[ (9) ]
في (عيون الأثر) ، (الطبقات) : «شاه تسمى قمر» ، وهي التي فقدها يوما فقال: ما فعلت قمر؟
فقالوا: ماتت يا رسول اللَّه، قال: فما فعلتم بإهابها؟ قالوا: ميتة، قال: دباغها طهورها. (طبقات ابن سعد) : 1/ 496.(7/256)
فصل في ذكر حمى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
خرّج البخاري من حديث ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عقبة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: إن الصعب بن جثامة قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: لا حمى إلا للَّه ولرسوله [ (1) ] .
قال البخاري: بلغنا أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حمى البقيع، وأن عمر رضى اللَّه عنه حمى السرف والرَّبَذَة. ذكره في كتاب الشرب [ (2) ] .
وخرجه أبو داود بمثله [ (3) ] ، وفي لفظ آخر له: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حمى البقيع،
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 56، كتاب المساقاة، باب (11) لا حمى إلا للَّه ولرسوله صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (2370) ، (فتح الباري) : 6/ 180، كتاب الجهاد والسير، باب (146) أهل الدار يبيتون، فيصاب الولدان الذراري، حديث رقم (3012) .
[ (2) ] راجع التعليق السابق.
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 3/ 460- 461، كتاب الخراج والإمارة، باب (39) في الأرض يحميها الإمام أو الرجل، حديث رقم (3083) .
قال الخطابي:
قوله: «لا حمى إلا للَّه ولرسوله» ،
يريد: لا حمى إلا على معنى ما أباحه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وعلى الوجه الّذي حماه، وفيه إبطال ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من ذلك، وكان الرجل العزيز منهم إذا انتجع بلدا مخصبا، أوفى بكلب على جبل، أو على نشر [مكان مرتفع] من الأرض، ثم استعوى الكلب ووقف له يسمع منتهى صوته بالعواء، فحيث انتهى صوته حماه من كل ناحية لنفسه، ومنع الناس منه.
فأما ما حماه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لمهازيل إبل الصدقة ولضعفي الخيل كالنقيع [وهو مكان معروف مستنقع للمياه ينبت فيه الكلأ] ، وقد يقال إنه مكان ليس بحد واسع يضيق بمثله على المسلمين المرعى فهو مباح، وللأئمة أن يفعلوا ذلك على النظر، ما لم يضيق منه على العامة المرعى، وهذا الكلام الّذي سقته معنى كلام الشافعيّ في بعض كتبه. (معالم السنن) .
وأخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في (الأموال) : 271، باب حمى الأرض ذات الكلإ والماء، حديث رقم (728) .(7/257)
وقال: لا حمى إلا للَّه عزّ وجلّ [ (1) ] ، وخرجه النسائي ولفظه: لا حمى إلا للَّه ولرسوله [ (2) ] .
وقال الواقدي: حدثني ابن أبى سبرة عن شعيب بن شداد قال: لما مرّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالبقيع منصرفه من المريسيع، ورأى سعة وكلأ، وغدرا كثيرة [ (3) ] تتناخس [ (4) ] ، وخبّر بمراءته [ (5) ] وبراءته [ (6) ] فسأل عن الماء، فقيل يا رسول اللَّه! إذا صفنا [ (7) ] قلّت المياه وذهبت الغدر، فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حاطب بن أبى بلتعة أن يحفر بئرا، وأمر بالنقيع أن يحمى واستعمل عليه بلال بن الحارث المزني، فقال بلال: يا رسول اللَّه، وكم أحمى منه؟ قال:
أقم رجلا صيتا إذا طلع الفجر على هذا الجبل، يعنى مقملا، فحيث انتهى صوته فاحمه لخيل المسلمين وإبلهم التي يغزون عليها، قال بلال: يا رسول اللَّه! أفرأيت ما كان من سوائم المسلمين؟ فقال: لا تدخلها، قلت: يا رسول اللَّه! أرأيت المرأة والرجل الضعيف يكون له الماشية اليسيرة، وهو يضعف عن التحول؟ قال: دعه يرعى [ (8) ] .
__________
[ () ] قال أبو عبيد: وتأويل الحمى المنهي عنه فيما نرى- واللَّه أعلم-: أن تحمى الأشياء التي جعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الناس فيها شركاء، وهي الماء، والكلأ، والنار.
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 3/ 461- 462، كتاب الخراج والإمارة، باب (39) في الأرض يحميها الإمام أو الرجل، حديث رقم (3084) .
[ (2) ] قال المنذري: وأخرجه النسائي في (الكبرى) ، ولم يذكر النقيع.
[ (3) ] الغدر: جمع غدير، وهو القطعة من الماء يغادرها السيل.
[ (4) ] تتناخس: أي يصب بعضها ببعض.
[ (5) ] مرأت الأرض مراءة أي حسن هواؤها، وكلأ مريء: غير وخيم.
[ (6) ] براءة: مصدر من بريء بمعنى خلا، أي لا صاحب له.
[ (7) ] صفنا: جاء علينا الصيف بحرارته الشديدة.
[ (8) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 425.(7/258)
فلما كان زمان أبى بكر رضى اللَّه عنه، حماه على ما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حماه، ثم كان عمر رضى اللَّه عنه، فكثرت به الخيل، وكان عثمان رضى اللَّه عنه فحماه أيضا [ (1) ] .
حدثنا عمر بن شيبة، حدثنا معن، حدثنا عبد اللَّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضى اللَّه تعالى عنهما قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حمى النقيع للخيل، وحمى الرَّبَذَة للصدقة.
حدثنا هارون بن معروف، حدثنا ضمرة بن ربيعة عن رجاء بن جميل قال: إن رسول اللَّه حمى وادي النّقيع للخيل المضمرة.
وخرج الحاكم من حديث عبد الرحمن بن الحارث بن عبد اللَّه بن عباس ابن أبى ربيعة، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن ابن عباس عن الصعب بن جثّامة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حمى النقيع وقال: لا حمى إلا للَّه ولرسوله.
قال: وهو صحيح الإسناد [ (2) ] .
وبلال بن الحارث بن عصم بن سعيد بن قرة [بن خلاوة بن ثعلبة بن ثور] [ (3) ] أبو عبد الرحمن المزني وفد سنة خمس في وفد مزينة، وكان أحد من حمل ألوية مزينة يوم الفتح، وهو في الطبقة الثالثة من المهاجرين، [وله] [ (4) ] سماع من النبي صلى اللَّه عليه وسلم ورواية عنه، روى عنه الحارث بن بلال، وعلقمة بن وقاص، وغيرهما. [وروى] له أبو داود والترمذي والنسائي
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 425- 426.
[ (2) ] (المستدرك) : 2/ 70، كتاب البيوع، حديث رقم (2358) ، ثم قال: قد اتفقا على حديث يونس عن الزهري بإسناده: لا حمى إلا للَّه ولرسوله، ولم يخرجاه هكذا وهو صحيح الإسناد، وقال الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم، وأخرجا منه آخره.
[ (3) ] زيادة للنسب من (الإصابة) .
[ (4) ] زيادة للسياق.(7/259)
وابن ماجة، توفى سنة ستين عن ثمانين سنة [ (1) ] .
[والنقيع] بالنون، على عشرين فرسخا من المدينة، عرض ميل في طول بريد، وفيه شجر، وهو أخصب واد هناك، وهو غور في صدر وادي العقيق، [قال] الخطابي [ (2) ] : من قاله بالباء فقد صحف، [وقال] البكري: هو بالباء مثل بقيع الغرقد، [وذكر] في كتاب الأصيلي بالفاء بدلا من القاف بعد النون، وهو تصحيف، [ومعنى] حمى النقيع: جعله محظورا لا يقرب مرعاه [ (3) ] .
__________
[ (1) ] له ترجمة في: (الإصابة) : 1/ 326، ترجمة رقم (734) ، (الاستيعاب) : 1/ 183، ترجمة رقم (215) ، (الثقات) : 3/ 28، (الجرح والتعديل) : 2/ 395، (تهذيب التهذيب) : 1/ 440، ترجمة رقم (929) ، (الوافي بالوفيات) : 10/ 277، (الأعلام) : 1/ 381 (شذرات الذهب) :
1/ 65، (المصباح المضيء) : 1/ 132، (أسماء الصحابة الرواة) : 176، ترجمة رقم (216) .
[ (2) ] هو حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب، من ولد زيد بن الخطّاب، والخطّابى بفتح الخاء وتشديد الطاء نسبة إلى جده الخطاب المذكور، يكنى أبو سليمان البستيّ بضم الباء وسكون السين، نسبة إلى بست، وهي مدينة من بلاد كابل.
كان محدثا فقيها، وأديبا شاعرا لغويا، روى عنه أبو عبد اللَّه بن البيع المعروف بالحاكم النيسابورىّ وغيره، قال عنه الحافظ السمعاني: كان حجة صدوقا.
من مؤلفاته: (غريب الحديث) ، وهو غاية في الحسن والبلاغة، وله (أعلام السنن) شرح البخاري، و (معالم السنن) شرح سنن أبى داود، وكتاب (إصلاح غلط المحدثين) وغير ذلك.
ولد في رجب سنة 319 هـ في بلده بست، وتوفى فيها سنة 388 هـ، رحمه اللَّه. مقدمة (سنن أبى داود) : 1/ 11.
[ (3) ] (معجم البلدان) : 5/ 348- 349، موضع رقم (12121) .(7/260)
فصل في ذكر ديك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
[حدثنا] [ (1) ] عبد المنعم بن بشير أخبرنا ابن وهب قال: أخبرنا عبد اللَّه ابن سعيد قال: أخبرنا أبى: قال أبو الدرداء: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما زلت بالأشواق إلى الديك الأبيض، مذ رأيت ديك اللَّه تعالى تحت عرشه ليلة أسرى بى، ديكا أبيض، زغبه أخضر كالزبرجد، وعرفه ياقوتة حمراء، وعيناه من ياقوتتين حمراوين، ورجلاه من ذهب أحمر في تخوم الأرض السفلى، وتحت العرش عنقه أحسن شيء رأيته، ومنقاره من ذهب يتلألأ نورا، فإذا كان في الثلث [الأول] نشر جناحيه وخفق بهما وقال: سبحان ذي الملك والملكوت، يقول ذلك ثلاث مرات من أول الليل، فإذا خفق خفقت الديوك في الأرض، وصرخت كصراخه، فإذا كان في الثلث الأوسط، فعل مثل ذلك وقال: سبحان من لا ينام ولا يسأم، يقول ذلك ثلاثا، فتجيبه الديوك في الأرض، فإذا كان في الثلث الأخير، فعل ذلك وقال: سبحان من هو قائم قيوم، سبحان من نامت العيون وعين سيدي لا تنام، سبحان الدائم القيوم، سبحان من خلق الصباح بإذنه، لا إله إلا هو سبحانه. قال: فاتخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ديكا أبيض وقال: الديك الأبيض صديقي، وصديق صديقي، وعدوّ عدوّى، واللَّه تعالى يحرس دار صاحبه، وعشرا عن يمينها، وعشرا عن يسارها، وعشرا [بين يديها] [ (2) ] ، وعشرا من خلفها، وكان صلى اللَّه عليه وسلم يبيته معه في البيت [ (3) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق.
[ (2) ] زيادة للسياق.
[ (3) ] (الموضوعات) : 2/ 6- 7، باب ما ذكر أن في السماء ديكا، قال ابن الجوزي- وقد ذكر باب فضل الديك، باب في الديك الأبيض، باب فضل الديك الأبيض الأفرق-: هذه أحاديث أحاديث كلها موضوعة.(7/261)
فصل في ذكر طعام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
[اعلم] أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أكل على مائدة وعلى الأرض، وكانت له قصعة كبيرة، وأكل خبز الشعير، وائتدم بالخل، وأكل القثاء والدّباء، والسمن والأقط والحيس، والزيد واللحم والقديد، والشواء ولحم الدجاج، ولحم الحبارى، وأكل الخبيص والهريسة، وعاف أكل الضّب واجتنب ما تؤذى رائحته، وأكل الجمار والتمر، والقنّب والرطب والبطيخ، وكان يحب الحلواء والعسل، وجمع بين إدامين، ولم يأكل متكئا ولا صدقة.
[فأما المائدة]
فقد خرج البخاري من حديث الحسن بن مهران قال: سمعت فرقدا صاحب النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقول: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأكلت على مائدته.
ومن حديث قتادة عن أنس رضى اللَّه عنه قال: ما علمت النبي صلى اللَّه عليه وسلم أكل على سكرّجة قطّ، ولا خبز له مرقّق قط، ولا أكل على خوان، قيل لقتادة:
فعلى م كانوا يأكلون؟ قال: على السّفر. ذكره في الأطعمة [ (1) ] .
وخرّج ابن حيّان من حديث سليم الأعور، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجلس على الأرض ويأكل على الأرض [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 662، كتاب الأطعمة، باب (8) الخبز المرقق والأكل على الخوان والسّفرة، حديث رقم (5386) ، باب (23) ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون. حديث رقم (5415) ، 11/ 329، كتاب الرقاق باب (16) فضل الفقر، حديث رقم (6450) .
[ (2) ] (أخلاق النبي) : 64، 197، (كنز العمال) : حديث رقم (18482) .(7/262)
[وأما القصعة والجفنة]
فخرج ابن حيّان من حديث عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، حدثنا محمد بن عبد الرحمن الحمصي قال: سمعت عبد اللَّه بن بشير المازني يقول: كانت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قصعة يقال لها: الغرّاء، يحملها أربعة رجال [ (1) ] .
ومن حديث يحيى بن سعيد القطان، عن محمد بن عبد الرحمن عن عبد اللَّه بن أنس رضى اللَّه عنه قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جفنة لها أربع حلق [ (2) ] .
[قال مؤلفه] عفى اللَّه عنه: سيأتي ذكر القصعة الغراء في ذكر المعجزات، عند ذكر إخباره صلى اللَّه عليه وسلم بما يفتح اللَّه عليه لأمته، إن شاء اللَّه تعالى.
[وأما أنه صلى اللَّه عليه وسلم لم يشبع من طعام]
فخرج البخاري في كتاب الأطعمة من حديث محمد بن فضيل عن أبيه عن أبى حازم رضى اللَّه عنه قال: ما شبع آل محمد من طعام ثلاثة أيام حتى قبض [ (3) ] .
وخرج مسلم من حديث يزيد بن كيسان عن أبى حازم، عن أبى هريرة رضى اللَّه تعالى عنه قال: والّذي نفسي بيده [وقال ابن عباد: والّذي نفس أبى هريرة بيده] ، ما أشبع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أهله ثلاثة أيام تباعا من خبز
__________
[ (1) ] سبق تخريجه.
[ (2) ] (كنز العمال) : حديث رقم (18594) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 9/ 646، كتاب الأطعمة، باب (1) قوله اللَّه تعالى: كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ، وقوله: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ.
وقوله: كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، حديث رقم (5374) . والّذي يظهر أن سبب عدم شبعهم غالبا كان بسبب قلة الشيء عندهم، على أنهم كانوا قد يجدون.
ولكن يؤثرون على أنفسهم (فتح الباري) .(7/263)
حنطة حتى فارق الدنيا [ (1) ] .
وخرّج في (الشمائل) من حديث قتادة، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يجتمع عنده غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضفف قال عبد اللَّه بن عبد الرحمن: قال بعضهم: هو كثرة الأيدي [ (2) ] .
[وقال مالك بن دينار: سألت رجلا من أهل البادية ما الضّفف؟ قال:
تناوله مع الناس] [ (3) ] .
[وخرّج البخاري] [ (4) ] من حديث ابن أبى ذؤيب عن سعيد المقبري، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أنه مرّ بقوم بين أيديهم شاة مصلية، فدعوه. فأبى أن يأكل وقال: خرج علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الدنيا، ولم يأكل من خبز الشعير. ذكره في [كتاب] [ (4) ] الأطعمة، في باب: ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون [ (5) ] .
[وخرّج الترمذي] [ (4) ] من حديث هلال بن حبّاب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعات طاويا، وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم الشعير. قال: هذا
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 318، كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (2976) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 318- 319، حديث رقم (377) .
[ (3) ] العبارة التي بين الحاصرتين ذكرها عقب الحديث رقم (73) من (الشمائل المحمدية) : 79، من حديث جعفر بن سليمان الضّبعىّ، عن مالك بن دينار قال: ما شبع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من خبز قط ولا لحم إلا على ضفف.
[ (4) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (5) ] (فتح الباري) : 9/ 686، كتاب الأطعمة، باب (23) ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون، حديث رقم (5414) ، قوله: «فدعوه فأبى أن يأكل» ، ليس هذا من ترك إجابة الدعوة، لأنه في الوليمة، لا في كل الطعام وكأن أبا هريرة رضى اللَّه عنه استحضر حينئذ ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم فيه من شدة العيش. فزهد في أكل الشاه، ولذلك قال: «خرج ولم يشبع من خبز الشعير» (فتح الباري) .(7/264)
حديث حسن صحيح [ (1) ] .
[وخرّج] [ (2) ] البخاري من حديث هشام الدستوائى، عن قتادة عن أنس رضى اللَّه عنه، أنه مشى إلى النبي بخبز شعير وإهالة سنخة، ولقد رهن النبي صلى اللَّه عليه وسلم درعا له بالمدينة عند يهودىّ، وأخذ منه شعيرا لأهله، ولقد سمعته يقول ما أمسى عند آل محمد صاع بر، ولا صاع حب، وإن عنده لتسع نسوة. ذكره البخاري في كتاب البيوع، في باب شراء النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالنسيئة [ (3) ] . [وخرّجه] الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (4) ] .
[وخرّج البخاري] [ (2) ] من حديث همام بن يحى، حدثنا قتادة قال: كنّا نأتي أنس بن مالك رضى اللَّه عنه وخبازه قائم فقال: كلوا، فما أعلم النبي صلى اللَّه عليه وسلم رأى رغيفا مرّققا حتى لحق باللَّه، ولا رأى شاة سميطا بعينه قط، ذكره في الرقاق في باب: كيف كان عيش النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه، وتخليهم من الدنيا [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 501، كتاب الزهد، باب (38) ما جاء في معيشة النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأهله، حديث رقم (2360) .
[ (2) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (3) ] (فتح الباري) : 4/ 379، كتاب البيوع، باب (14) شراء النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالنسيئة، حديث رقم (2069) ، 5/ 175، كتاب الرهن، باب (1) في الرهن في الحضر، وقوله اللَّه عز وجل: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة: 283] ، حديث رقم (2508) . والإهالة: ما أذيب من الشحم والألية، وسنخة: أي متغيرة الريح. (فتح الباري) .
[ (4) ] (سنن الترمذي) : 3/ 519- 520، كتاب البيوع، باب (7) ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل، حديث رقم (1215) ، وأخرجه النسائي في (السنن) : 7/ 332- 333، كتاب البيوع، باب (59) الرهن في الحضر، حديث رقم (6424) .
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 815، كتاب الرهون، باب (1) حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حديث رقم (2436) ، (2437) ، (2439) .
[ (5) ] (فتح الباري) : 11/ 340، كتاب الرقاق، باب (17) كيف كان عيش النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6457) .(7/265)
[وخرّجه] [ (1) ] بهذا الإسناد في كتاب الأطعمة، في باب شاة مسموطة [ (2) ] ، [وذكره] [ (3) ] في الأطعمة أيضا في باب الخبز المرقق، والأكل على الخوان والسفرة، ولفظه: ما أكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خبزا مرققا ولا شاة مسموطة حتى لقي اللَّه [ (4) ] .
[وخرج البخاري] والنسائي من حديث عبد الوارث، حدثنا سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة عن أنس رضى اللَّه عنه قال: لم يأكل النبي صلى اللَّه عليه وسلم على خوان حتى مات، وما أكل خبزا مرقّقا حتى مات. ذكره البخاري في باب فضل الفقر [ (5) ] ، وذكره النسائىّ في كتاب الوليمة [ (6) ] .
[وخرّجه] من حديث أبى حازم قال: سألت سهل بن سعد فقلت: هل أكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم النّقىّ؟ قال: ما رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم النقىّ من حين ابتعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه، [قال:] فقلت: هل كانت لكم في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مناخل؟ قال: ما رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منخلا من حين ابتعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه، قال: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه وننفخه، فيطير ما طار، وما بقي ثرّيناه فأكلناه. ذكره في الأطعمة.
وكرره [ (7) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 662، كتاب الأطعمة، باب (8) الخبز المرقّق والأكل على الخوان والسفرة، حديث رقم (5385) .
[ (3) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (4) ] (المرجع السابق) : باب (26) شاة مسموطة والكتف والجنب، حديث رقم (5421) .
[ (5) ] (فتح الباري) : 11/ 329، كتاب الرقاق، باب (16) ، فضل الفقر، حديث رقم (6450) .
[ (6) ] لعله في (الكبرى) .
[ (7) ] (فتح الباري) : 9/ 685، كتاب الأطعمة، باب (23) ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون، حديث رقم (5413) .(7/266)
[وخرّجه] من حديث جرير، عن منصور، عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعا حتى قبض. ذكره في الأطعمة [ (1) ] وفي الرقاق [ (2) ] .
[وخرّجه] مسلم من حديث الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضى اللَّه عنها. قالت: ما شبع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز حتى مضى لسبيله [ (3) ] .
ومن حديث أبى إسحاق قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد يحدث عن الأسود عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض [ (4) ] .
وللبخاريّ [ (5) ] ومسلم [ (6) ] من حديث سفيان عن عبد الرحمن بن عابس عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: ما شبع آل محمد صلى اللَّه عليه وسلم من خبز مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق اللَّه تعالى [وقال ابن كثير: أخبرنا سفيان، حدثنا عبد الرحمن بن عابس بهذا] [ (7) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 686، كتاب الأطعمة، باب (23) ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون، حديث رقم (5416) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 340، كتاب الرقاق، باب (17) كيف كان عيش النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه، وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6454) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 315، كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (21) .
[ (4) ] (المرجع السابق) ، حديث رقم (22) .
[ (5) ] (فتح الباري) : 9/ 689، كتاب الأطعمة، باب (27) ما كان السلف يدخرون في بيوتهم وأسفارهم من الطعام واللحم وغيره، حديث رقم (5423) ، وفي باب (36) المرق. حديث رقم (5438) ، وفي كتاب الأيمان والنذور، باب (22) وإذا حلف أن لا يأتدم فأكل تمرا بخبز، وما يكون فيه الأدم، حديث رقم (6687) .
[ (6) ] أخرجه مسلم في الزهد، وقال فيه: «من خبز وزيت» .
[ (7) ] زيادة للسياق من البخاري.(7/267)
ولمسلم، قالت: ما شبع آل محمد صلى اللَّه عليه وسلم، من خبز مرقوق ثلاث. وله من حديث هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت عائشة رضى اللَّه عنها: ما شبع آل محمد من خبز البرّ ثلاثا حتى مضى لسبيله [ (1) ] .
وللبخاريّ من حديث مسعود بن كدام، عن هلال عن عروة عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: ما أكل آل محمد أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر [ (2) ] .
وخرّجه مسلم ولفظه: ما شبع آل محمد يومين من خبز بر إلا وأحدهما تمر [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 315، كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (24) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 340، كتاب الرقاق، باب (17) كيف كان عيش النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6455) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 316، كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (2971) .(7/268)
وأما ائتدامه صلى اللَّه عليه وسلم بالخلّ
فخرج ابن حيّان من حديث ياسين بن معاذ، عن عطاء عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كان أحبّ الصباغ إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الخلّ [ (1) ] .
وللترمذي من حديث أبى بكر بن عيّاش، عن أبى حمزة الثمالي، عن الشعبي، عن أم هانئ بنت أبى طالب رضى اللَّه عنها قالت: دخل عليّ النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم فقال: [هل عندكم] شيء؟ فقلت: لا، إلّا [كسر يابسة] وخلّ، فقال: [قربيه] ، فما أفقر بيت من أدم فيه خلّ.
[قال أبو عيسى] هذا حديث حسن غريب من حديث أم هانئ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وأبو حمزة الثمالي اسمه ثابت بن أبى صفية، وأم هانئ ماتت بعد عليّ رضى اللَّه عنه بزمان [ (2) ] .
ولمسلم من حديث أبى عوانة عن أبى [بشر] عن أبى سفيان عن جابر ابن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سأل أهله الأدم فقالوا: ما عندنا إلا خلّ، فدعا به، فجعل يأكل به [ويقول] : نعم الأدم الخل، نعم الأدم الخل [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (أخلاق النبي) : 212، وإسناده ضعيف، قاله العراقي. قال الزبيدي: ورواه كذلك أبو نعيم في الطب، والمراد به ما يصبغ الخبر. فيكون إداما له، وقد ورد: نعم الإدام الخل. (إتحاف السادة المتقين) :
8/ 240، (كنز العمال) . حديث رقم (18166) .
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 246، كتاب الأطعمة، باب (35) ما جاء في الخل، حديث رقم (1841) ، وما بين الحاصرتين تصويبات منه.
ثم قال أبو عيسى بعد قوله: وأم هانئ ماتت بعد عليّ بن أبى طالب بزمان: وسألت محمدا عن هذا الحديث، قال: لا أعرف للشعبىّ سماعا من أم هانئ، فقلت أبو حمزة كيف هو عندك؟ فقال أحمد ابن حنبل: تكلم فيه، وهو عندي مقارب الحديث.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 250، كتاب الأشربة، باب (30) فضيلة الخل والتأدم به، حديث(7/269)
ومن حديث إسماعيل بن علية، عن المثنى بن سعيد قال: حدثني طلحة ابن نافع أنه سمع جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما يقول: [أخذ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيدي ذات يوم إلى منزله فأخرج إليه فلق من خبز فقال: هل من أدم؟ قالوا: إلا شيء من خل، قال: فإن الخلّ نعم الأدم.
قال جابر: فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من [نبي] ، اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وقال طلحة: ما زلت أحبّ الخل منذ سمعتها من جابر [رضى اللَّه عنه] [ (1) ] .
ومن حديث يزيد بن هارون قال: أخبرنا حجاج بن أبى زينب قال:
حدثني أبو سفيان طلحة بن نافع قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: كنت جالسا في داري، فمر بى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأشار إليّ
__________
[ () ] رقم (2052) .
وفي الحديث فضيلة الخل، وأنه سمى أدما، وأنه أدم فاضل جيد. قال أهل اللغة: الإدام بكسر الهمزة: ما يؤتدم به، يقال: أدم الخبز يأدمه بكسر الدال، وجمع الإدام أدم بضم الهمزة والدال ككتاب وكتب.
وفيه استحباب الحديث على الأكل تأنيسا للآكلين. وأما معنى الحديث، فقال الخطّابى والقاضي عياض: معناه مدح الاقتصار في المأكل، ومنع النفس عن ملاذّ الأطعمة، تقديره ائتدموا بالخل وما في معناه مما تخف مؤنته ولا يعزّ وجوده، ولا تتأنقوا في الشهوات، فإنّها مفسدة للدين، مقسمة للبدن.
هذا كلام الخطّابى ومن تابعه، والصواب الّذي ينبغي أن يجزم به أنه مدح للخل نفسه، وأما الاقتصار في المطعم وترك الشهوات فمعلوم من قواعد أخر، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) ، وأخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 169- 170، باب (40) في الخل، حديث رقم (3820) ، (3821) كلاهما عن جابر.
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 250، كتاب الأشربة، باب (30) فضيلة الخل والتأدم به، حديث رقم (167) .
وأما قول جابر: فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فهو كقول أنس رضى اللَّه عنه ما زلت أحب الدباء، وهذا مما يؤيد ما قلناه في معنى الحديث أنه مدح للخل نفسه، وقد ذكرنا مرات أن تأويل الراويّ إذ لم يخالف الظاهر يتعين المصير إليه، والعمل به عند جماهير العلماء من الفقهاء والأصوليين، وهذا كذلك، بل تأويل الراويّ هنا هو ظاهر اللفظ، فيتعين اعتماده. واللَّه تعالى أعلم (شرح النووي على صحيح مسلم) .(7/270)
فقمت إليه، فأخذ بيدي فانطلقنا، حتى أتى بعض حجر نسائه، فدخل ثم أذن لي، فدخلت الحجاب عليها، فقال: هل من غداء؟ فقالوا: نعم، فأتى بثلاثة أقرص، فوضعن على شيء، فأخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قرصا فوضعه بين يديه، وأخذ قرصا آخر فوضعه بين يدىّ، ثم أخذ الثالث فكسره باثنين، فجعل نصفه بين يديه، ونصفه بين يدي، ثم قال: هل من أدم؟ فقالوا: لا، إلا شيء من خلّ، قال: هاتوه، فنعم الأدم هو [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 251- 252، كتاب الأشربة، باب (3) فضيلة الخل والتأدم به، حديث رقم (169) .(7/271)
وأما أكله القثّاء
فخرج البخاري من حديث إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن جعفر رضى اللَّه عنه قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء [ (1) ] . وخرجه مسلم بهذا السند ولفظه: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل القثاء بالرطب [ (2) ] .
وخرجه أبو داود [بمثله] سواء [ (3) ] .
وللترمذي من حديث محمد بن إسحاق، عن أبى عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن الربيع بنت معوّذ قالت: بعثني معاذ بن عفراء بقناع من رطب وعليه أجرى من قثاء زغب، وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحب القثاء، فأتيته بها، وعنده حلية قد قدمت عليه من البحرين، فملأ يده منها فأعطانيه [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 704، كتاب الأطعمة، باب (39) القثاء بالرطب، حديث رقم (5440) ، باب (45) القثاء، حديث رقم (5447) ، باب (47) جمع اللونين أو الطعامين بمرّة، حديث رقم (5449) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 238- 239. كتاب الأشربة، باب (23) أكل القثاء بالرطب، حديث رقم (243) ، وفيه جواز أكلهما معا، وأكل الطعامين معا، والتوسع في الأطعمة، ولا خلاف بين العلماء في جواز هذا، وما نقل عن بعض السلف من خلاف ذلك فمحول على كراهة اعتياد التوسع والترفه والإكثار منه لغير مصلحة دينية، واللَّه تعالى أعلم. (شرح النووي) .
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 176، كتاب الأطعمة، باب (45) في الجمع بين لونين في الأكل، حديث رقم (3835) .
[ (4) ] (الشمائل المحمدية) : 167- 168، ما جاء في فاكهة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (203) ، وهو حديث ضعيف تفرد به الترمذي، وحديث رقم (204) وجاء في (سنن الترمذي) : 4/ 247، كتاب الأطعمة، باب (37) ما جاء في أكل القثاء بالرطب، حديث رقم (1844) : حدثنا إبراهيم ابن سعد عن أبيه، عن عبد اللَّه بن جعفر قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل القثاء بالرطب. قال أبو عيسى:
هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن سعد..(7/272)
ولابن حيّان من حديث يحى بن هشام، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل البطيخ بالرطب، والقثاء بالبلح [ (1) ] .
__________
[ () ] والقناع: الطبق يؤكل فيه. و «أجرى من قثاء» : أجر جمع جرو، وهو الصغير من القثاء ومن كل شيء من الفاكهة و «زغب» : الزغب من القثاء: التي يعلوها الوبر، وهو الشعيرات الصغيرة التي يعلوها مثل زغب الوبر، والزغب هو الشعيرات الصغيرة التي تعلو النسيج، فإذا كبرت القثاء تساقط زغبها وأصبحت ملساء. و «حلية» أي ذهبا.
[ (1) ] (أخلاق النبي) : 215- 216.(7/273)
وأما أكله الدّبّاء
فخرج البخاري [ (1) ] من حديث ابن عون قال: كنت غلاما أمشى مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فدخل عليّ غلام له خياط، فأتاه بقصعة فيها طعام، وعليه دبّاء، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتتبع الدباء، فلما رأيت ذلك جعلت أجمعه بين يديه، فأقبل الغلام على عمله. قال أنس رضى اللَّه عنه: لا أرى إلا حبّ الدباء بعد ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صنع ما صنع. ترجم عليه باب: من أضاف رجلا إلى طعام وأقبل [هو] على عمله. وخرّجه في باب [المرق] ، وفي باب القديد وخرّجه مسلم من حديث أبى أسامة، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت عن أنس رضى اللَّه عنه قال: دعي رسول اللَّه رجل فانطلقت معه، فجيء بمرقة فيها دبّاء، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل من ذلك الدبّاء ويعجبه [قال] ، فلما رأيت ذلك جعلت ألقيه إليه ولا أطعمه، فقال أنس رضى اللَّه عنه:
فما زلت بعد يعجبني الدباء [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 655، كتاب الأطعمة، باب (4) من تتبع حوالي القصعة مع صاحبه إذا لم يعرف منه كراهية، حديث رقم (5379) ، باب (35) من أضاف رجلا إلى طعام وأقبل هو على عمله، حديث رقم (5435) ، وهو الحديث المذكور في الباب، باب (36) المرق، حديث رقم (5436) ، باب (37) القديد، حديث رقم (37) باب (38) من ناول أو قدم إلى صاحبه على المائدة شيئا، حديث رقم (5439) ، وقال في آخره «وقال ثمامة عن أنس: فجعلت أجمع الدبّاء بين يديه» .
الدّبّاء- بضم الدال المهملة وتشديد الموحدة- هو القرع، وقيل: خاص بالمستدير منه، وهو اليقطين أيضا، واحده دباة ودبة.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 235، كتاب الأشربة، باب (21) جواز أكل المرق، واستحباب أكل اليقطين، وإيثار أهل المائدة بعضهم بعضا، وإن كانوا ضيفانا، وإذا لم يكره ذلك صاحب الطعام، حديث رقم (144) ، (145) ، كلاهما عن أنس لكن بسياقتين مختلفتين.(7/274)
ومن حديث عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن ثابت البناني وعاصم الأحول عن أنس رضى اللَّه عنه قال: إن رجلا خياطا دعي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فذكره، وزاد ثابت: فسمعت أنسا يقول: فما صنع لي طعام بعد أقدر على أن يصنع فيه دباء إلا صنع [ (1) ] .
وخرّجه مالك في الموطّأ، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة قال: أنه سمع أنس بن مالك رضى اللَّه عنه يقول: إن خياطا دعي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لطعام صنعه، قال أنس رضى اللَّه عنه: فذهبت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى ذلك الطعام، فقرّب إليه خبزا من شعير ومرقا فيه دباء، قال أنس رضى اللَّه عنه:
فرأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يتبع الدباء من حول القصعة، فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم [ (2) ] .
قال ابن عبد البر: هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جميع رواته فيما علمت بهذا الإسناد، وزاد بعضهم فيه ذكر القديد.
وقال أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبى خالد، عن حكيم بن جابر عن أبيه قال: دخلت على النبي صلى اللَّه عليه وسلم في بيته، وعنده هذه الدباء، فقلت: أي شيء هذا؟ قال: هذا القرع نكثر به طعامنا.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) ، آخر أحاديث الباب بدون رقم، وفي هذه الأحاديث من الفوائد: إجابة الدعوة، وإباحة كسب الخياط، وإباحة المرق، وفضيلة أكل الدبّاء، وأنه يستحب أن يحب الدبّاء، وكذلك كل شيء كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحبه، وأنه يحرص على تحصيل ذلك، وأنه يستحب لأهل المائدة إيثار بعضهم بعضا إذا لم يكرهه صاحب الطعام.
وأما تتبع الدباء من حوالي الصحفة، فيحتمل وجهين: أحدهما من حوالي جانبه وناحيته من الصحفة، لا من حوالي جميع جوانبها، وإنما نهى عن ذلك لئلا يتقذره جليسه، ورسول اللَّه* لا يتقذره أحد، بل يتبركون بآثاره صلى اللَّه عليه وسلم، فقد كانوا يتبركون ببصاقه صلى اللَّه عليه وسلم ونخامته، ويدلكون بذلك وجوههم، وشرب بعضهم بوله، وبعضهم دمه، وغير ذلك مما هو معروف من عظيم اعتنائهم بآثاره صلى اللَّه عليه وسلم. (شرح النووي على صحيح مسلم) .
[ (2) ] (موطأ مالك) : 372، كتاب النكاح، حديث رقم (1150) .(7/275)
وخرجه النسائي ولفظه: فرأيت عنده دباء مقطع، فقلت: ما هذا؟ قال:
نكثر به طعامنا [ (1) ] .
[وخرجه الترمذي] من حديث الليث عن معاوية بن صالح عن أبى طالوت قال: دخلت على أنس بن مالك رضى اللَّه عنه، وهو يأكل القرع وهو يقول: يا لك شجرة! ما أحبك [إلا] لحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إياك. وفي الباب عن حكيم بن جابر عن أبيه قال: حديث غريب من هذا الوجه [ (2) ] .
[قال] ابن عبد البر: ومن صريح الإيمان حب ما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحبه، واتباع ما كان يفعله، ألا ترى إلى قول أنس رضى اللَّه عنه: فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم؟.
__________
[ (1) ] وخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 146- 147، كتاب الأطعمة، باب (22) في أكل الدباء، حديث رقم (3782) .
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 250، 251، كتاب الأطعمة، باب (42) ما جاء في أكل الدباء، حديث رقم (1849) ، حديث رقم (1850) ، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أنس،
وروى أنه رأى الدباء بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال له: ما هذا؟ قال:
هذا الدباء نكثر به طعامنا، وفي بعض النسخ: «ما أحبك إليّ» .(7/276)
وأما الضّبّ
فخرّج البخاري من حديث شعبه، حدثنا جعفر بن إياس قال: سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: أهدت أم حفيد خالة ابن عباس إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم أقطا، وسمنا [وأضبا] ، فأكل النبي صلى اللَّه عليه وسلم من الأقط والسمن، وترك الأضبّ تقذرا. قال ابن عباس رضى اللَّه عنهما: فأكل على مائدة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولو كان حراما ما أكل على مائدة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] .
وخرجه أبو داود بهذا الإسناد وقال: إن خالته أهدت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] .
ذكره البخاري في كتاب الهبة [ (3) ] . [وخرجه] مسلم من حديث شعبة عن أبى أشتر، عن سعيد بن جبير قال: سمعت ابن عباس رضى اللَّه عنهما يقول: أهدت خالتي أم حفيد إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. الحديث بنحوه [ (4) ] .
[وخرجه] البخاري أيضا في كتاب الأطعمة [ (5) ] وفي كتاب الاعتصام، من
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 254، كتاب الهبة، وفضلها والتحريض عليها باب (7) قبول الهدية، حديث رقم (2575) .
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 153، كتاب الأطعمة، باب (28) في أكل الضب، حديث رقم (3793) ، حديث رقم (3794) ، وحديث رقم (3795) .
[ (3) ] سبق تخريجه.
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 103- 109، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم (1945) ، حديث رقم (1947) .
[ (5) ] (فتح الباري) : 9/ 679، كتاب الأطعمة، باب (14) الشواء، حديث رقم (5400) ، باب (16) الأقط، حديث رقم (5402) .(7/277)
حديث أبى عوان عن أبى بشر [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 407، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (24) الأحكام التي تعرف بالدلائل، وكيف معنى الدلالة، وتفسيرها، وقد أخبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم أمر الخيل وغيرها، ثم سئل عن الحمر فدلهم على قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ
وسئل النبي صلى اللَّه عليه وسلم عن الضّبّ فقال: لا آكله ولا أحرمه، وأكل على مائدة النبي صلى اللَّه عليه وسلم الضّب.
فاستدل ابن عباس بأنه ليس بحرام، حديث رقم (7358) .
وأخرجه النسائي في (السنن) : 7/ 224- 227، كتاب الصيد، باب (26) الضب، من حديث رقم (4325) إلى حديث رقم (4333) .
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1078- 1080، كتاب الصيد، باب (16) الضب، من حديث رقم (3238) ، إلى حديث رقم (3242) .
وأخرجه الإمام مالك في (الموطأ) : 687- 688، ما جاء في أكل الضب، من حديث رقم (1761) ، إلى حديث رقم (1763) .
وأخرجه ابن أبى شيبة في (المصنف) : 5/ 122- 124، باب (9) ، ما قالوا في أكل الضب، من حديث رقم (24331) إلى حديث رقم (24353) .
قال الخطّابى: وقد اختلف الناس في أكل الضب، فرخّص فيه جماعة من أهل العلم، وروى ذلك عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه تعالى عنه، وإليه ذهب مالك بن أنس، والأوزاعي، والشافعيّ، وكرهه قوم روى ذلك عن على رضى اللَّه عنه، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وقد روى في النهى عن لحم الضب حديث ليس إسناده بذلك، ذكره أبو داود في هذا الباب. (معالم السنن) .(7/278)
وأما أكله الحيس
فقد خرّج أبو داود من حديث عمرو بن سعيد، عن رجل من أهل البصرة، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد من الخبز الثريد من الحيس [ (1) ] . [قال أبو داود:
وهو ضعيف] [ (2) ] .
وخرجه ابن حيّان ولفظه: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد من التمر ومن الحيس [ (3) ] .
وخرج النسائي من حديث ابن الأحوص، عن طلحة بن يحى [بن طلحة] عن مجاهد، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [يوما] فقال: هل عندكم شيء؟ فقلت: لا، قال صلى اللَّه عليه وسلم: فإنّي صائم، ثم مرّ بى بعد ذلك وقد أهدى لنا حيس، فخبأت له منه، وكان يحب الحيس، قلت: يا رسول اللَّه! إني أهدى لنا حيس فخبأت لك منه، قال:
أدنيه، أما إني قد أصبحت وأنا صائم، وأكل منه ثم قال: أما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها، وإن
__________
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 147، كتاب الأطعمة، باب (23) حديث رقم (3783) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (3) ] (أخلاق النبي) : 193، 201، 211، (اتحاف السادة المتقين) : 8/ 239، وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 4/ 129، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7117) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي في (التلخيص) : صحيح.(7/279)
شاء حبسها [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (سنن النسائي) : 4/ 506- 508، كتاب الصيام، باب (67) النية في الصيام والاختلاف على طلحة بن يحى بن طلحة في خبر عائشة حديث رقم (2321) ، حديث رقم (2322) ، حديث رقم (2323) ، وحديث رقم (2324) ، وحديث رقم (2325) ، وحديث رقم (2327) ، وحديث رقم (2329) بسياقات مختلفة عن عائشة رضى اللَّه عنها.
و (مسلم بشرح النووي) : 7/ 282- 283، كتاب الصيام، باب (32) جواز النافلة بنية من النهار قبل الزوال، وجواز فطر الصائم نفلا من غير عذر، حديث رقم (169) ، حديث رقم (190) .
و (سنن الترمذي) : 4/ 111، كتاب الصوم، باب (35) صيام المتطوع بغير نية، حديث رقم (734) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.
و (سنن أبى داود) : 2/ 824- 825، كتاب الصوم، باب (72) الرخصة في [النية في الصيام] ، حديث رقم (2455) .(7/280)
وأما أكله الثّفل
فقد خرّج الحاكم من حديث عباد بن العوام، عن حميد، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يعجبه الثفل، قال: فسمعت أبا محمد يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق يقول: الثّفل هو الثريد [ (1) ] .
ومن حديث المبارك بن سعيد، عن عمر بن سعيد، عن عكرمة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. فإن عمر بن سعيد هذا، هو أخو سفيان والمبارك ابنا سعيد [ (2) ] .
وخرّج ابن حيّان من حديث المبارك هذا، عن عمر، عن عكرمة قال:
صنع سعيد بن جبير طعاما ثم أرسل إلى ابن عباس: ائتني أنت ومن أحببت من مواليك، فجاء وجئنا معه، فقال له: ائتنا، فإنه كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد من الخبز [ (3) ] .
وللترمذي من حديث العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن [أبى] سيبويه أبى الهذيل، حدثنا عبيد اللَّه بن عكراش عن أبيه عكراش [بن ذؤيب] قال: بعثني بنو مرة بن عبيد بصدقات أموالهم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقدمت [عليه] المدينة، فوجدته جالسا بين المهاجرين والأنصار، ثم أخذ بيدي،
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 129، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7116) .
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 129، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7117) ، وقال الذهبي في (التلخيص) :
صحيح.
[ (3) ] (أخلاق النبي) : 193، 201، 211، (سنن أبى داود) : 4/ 147، كتاب الأطعمة، باب (23) في أكل الثريد، حديث رقم (3783) قال أبو داود: وهو ضعيف.(7/281)
فانطلق بى إلى بيت أم سلمة، فقال: هل من طعام؟ فأتتنا بجفنة كثيرة الثريد والوذر [ (1) ] ، وأقبلنا نأكل منها، فحطت بيدي من نواحيها، وأكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من بين يديه، فقبض [بيده اليسرى على يدي اليمنى] ثم قال: يا عكراش! كل من موضع واحد، فإنه طعام واحد، ثم أتينا بطبق فيه ألوان من الرطب أو من التمر- شك عبيد اللَّه- قال: فجعلت آكل من بين يدي، وجالت يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الطبق وقال: [يا عكراش!] كل من حيث شئت، فإنه غير لون واحد، ثم أتينا بماء، فغسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يديه، ومسح ببلل كفيه وجهه وذراعيه ورأسه وقال: يا عكراش، هذا الوضوء مما غيّرت النار.
قال أبو عيسى: [هذا] حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث العلاء بن الفضل، وقد تفرّد العلاء بهذا الحديث، ولا يعرف لعكراش عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم غير هذا الحديث [ (2) ] .
[ومن حديث] زيد بن ثابت رضى اللَّه عنه، لم يدخل منزل النبي صلى اللَّه عليه وسلم هدية، أول هدية دخلت بها عليه، قصعة مثرودة خبزا وسمنا ولبنا، فأضعها بين يديه فقلت: يا رسول اللَّه! أرسلت بهذه القصعة أمى، فقال:
بارك اللَّه فيك، ودعا أصحابه فأكلوا،
فلم أرم البيت حتى جاءت قصعة سعد بن عبادة، على رأس غلام مغطاة، فوضعت على باب أبى أيوب، وأكشف غطاءها لأنظر إليها، فرأيت عراق لحم، فدخل بها على رسول اللَّه
__________
[ (1) ] الوذر: قطع اللحم التي لا عظم فيها، والواحدة: وذرة.
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 249- 250، كتاب الأطعمة، باب (41) ما جاء في التسمية في الطعام، حديث رقم (1848) ، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1089، 1090 كتاب الأطعمة، باب (11) الأكل مما يليك، حديث رقم (3274) .(7/282)
صلى اللَّه عليه وسلم فقال زيد: فلقد كنّا بنى البخار ما من ليلة إلا على باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منا الثلاثة والأربعة، يختلفون الطعام يتناوبون بينهم، حتى تحرك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من بيت أبى أيوب، وكان مقامه فيه سبعة أشهر، وما كانت تخطئه جفنة سعد بن عبادة، وجفنة أسعد بن زرارة كل ليلة [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 237.(7/283)
وأما أكله اللحم
فقد اتفقا على حديث الزهري عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه أنه رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحتز من كتف شاة في يده، فدعى إلى الصلاة، فألقاها والسكين التي كان يحتز بها، ثم قام فصلى ولم يتوضأ [ (1) ] . وفي لفظ: أنه رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحتز من كتف شاة يأكل منها، ثم صلى ولم يتوضأ [ (2) ] . وفي لفظ آخر: إني رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل ذراعا يحتز منها، فدعى إلى الصلاة، فقام فطرح السكين وصلى ولم يتوضأ [ (3) ] .
[وخرّج مسلم] من حديث بكير بن الأشج عن كريب، عن ميمونة رضى اللَّه عنها قالت: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أكل عندها كتفا، ثم صلى ولم يتوضأ [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 683، كتاب الأطعمة، باب (20) قطع اللحم بالسكين، حديث رقم (5408) ، باب (58) إذا حضر العشاء فلا يعجل عن عشائه، حديث رقم (5462) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 1/ 411، كتاب الوضوء، باب (50) من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق، حديث رقم (208) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 9/ 688- 689، باب (26) شاة مسموطة والكتف والجنب، حديث رقم (5422) .
وأخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب (43) إذا دعي الإمام إلى الصلاة وبيده ما يأكل، حديث رقم (675) ، وفي كتاب الجهاد والسير، باب (92) ، ما يذكر في السكين، حديث رقم (2923) ، وفي كتاب الأطعمة، باب (18) النهش وانتشال اللحم، حديث رقم (5404) ، (5405) بسياقات مختلفة.
وأخرج مسلم ما اتفق مع البخاري فيه من أحاديث الباب في: (صحيح مسلم) : كتاب الحيض، باب (24) نسخ الوضوء مما مسته النار، حديث رقم (91) ، (92) ، (93) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 285، كتاب الحيض، باب (24) نسخ الوضوء مما مسته النار، حديث رقم (356) .(7/284)
[وله] من حديث سعيد بن أبى هلال، عن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبى رافع، عن أبى عطفان، عن أبى رافع قال: أشهد لقد كنت أشوى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بطن الشاة، ثم صلى ولم يتوضأ [ (1) ] .
[ولأبى داود] من حديث [مسعر] عن أبى [صخرة] جامع بن شداد، عن المغيرة بن عبد اللَّه، عن المغيرة بن شعبة رضى اللَّه عنه قال: ضفت [ (2) ] النبي صلى اللَّه عليه وسلم ذات ليلة، فأمر بجنب فشوى، وأخذ الشفرة فجل يحزّ [لي] بها منه، فجاء بلال فآذنه بالصلاة [قال] : فألقى الشفرة وقال: ماله! تربت يداه [ (3) ] ، وقام يصلى [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) ، حديث رقم (357) .
[ (2) ] أي كنت ضيفا عليه صلى اللَّه عليه وسلم.
[ (3) ] قوله: «تربت يداه» : كلمة يقولها العرب عند اللوم والتأنيب، ومعناه الدعاء عليه بالفقر والعدم، وهم يطلقونها في كلامهم، وهم لا يريدون وقوع الأمر، ولما كثر ذلك في كلامهم ودام استعمالهم له في خطابهم صار عندهم بمعنى اللغو، كقولهم: لا واللَّه، وبلى واللَّه، وذلك من لغو اليمين الّذي لا اعتبار به ولا كفارة فيه، ويقال: ترب الرجل إذا افتقر، وأترب إذا استغنى، ومثل هذا
قوله صلى اللَّه عليه وسلم:
فعليك بذات الدين تربت يداك.
(معالم السنن) .
وفي الخبر دليل على أن الأمر بالوضوء مما غيرت النار استحباب لا أمر إيجاب، وفيه جواز قطع اللحم بالسكين، وقد جاء النهى عنه في بعض الأحاديث، ورويت الكراهة فيه والأمر النهى، ويشبه أن يكون المعنى في ذلك كراهية زي العجم واستعمال عاداتهم في الأكل، [ولا سيما أنهم يقطعون باليد اليمنى ويأكلون باليد اليسرى، وذلك منهيّ عنه في شرع ديننا وسنة نبينا صلى اللَّه عليه وسلم] .
[ (4) ] (سنن أبى داود) : 1/ 131- 132، كتاب الطهارة، باب (75) ترك الوضوء مما مست النار، حديث رقم (188) ، وزاد في آخره: وكان شاربى وفي فقصه لي على سواك، أو قال: أقصه لك على سواك.
وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 244، كتاب الأطعمة، باب (34) ، ما جاء في أي اللحم كان أحبّ إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (1837) ، قال: وفي الباب عن ابن مسعود، وعائشة، وعبد اللَّه بن جعفر، وأبى عبيدة. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وأبو حيان اسمه يحى ابن سعيد بن حيان، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير اسمه هرم.
وأخرجه النسائي في (السنن) : 1/ 116، كتاب الطهارة، باب (123) ترك الوضوء مما(7/285)
[وخرج الحاكم] من حديث ابن علية، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن معاوية، عن عثمان بن أبى سليمان، عن صفوان بن أمية قال: كنت آكل مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وآخذ اللحم من العظم [بيدي] فقال:
[يا صفوان، قلت: لبيك] قال: أذن العظم من فيك فإنه أهنأ وأمرأ.
[خرّجه] الحاكم وقال: حديث صحيح [ (1) ] .
[ومن] حديث زهير عن ابن إسحاق عن سعد بن عياض، عن عبد اللَّه ابن مسعود رضى اللَّه عنه قال: كان أحب العراق إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عراق الشاة. [قال: صحيح] الإسناد، وقال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يعجبه الذراع [ (2) ] .
[وخرّج] من حديث سفيان، حدثنا مسعر قال: سمعت رجلا من تيم يقول: سمعت عبد اللَّه بن جعفر رضى اللَّه عنه يقول: كنا عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأنى بلحم، فجعل القوم يلقمون اللحم، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: أطيب اللحم لحم الظهر [ (3) ] .
[ومن] حديث خالد بن عبد اللَّه عن أبى حيان، عن أبى زرعة، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتى بلحم، فرفعت إليه الذراع،
__________
[ () ] غيرت النار، حديث رقم (182) ، (183) وانفرد به النسائي.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 1/ 164- 165، كتاب الطهارة وسننها، باب (16) الرخصة في [ترك الوضوء مما مسّته النار، حديث رقم (488) ، (491) ، (493) .
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 244، كتاب الأطعمة، باب (34) ما جاء في أي اللحم كان أحب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (1837) ، (1838) ، (سنن أبى داود) : 4/ 146، كتاب الأطعمة، باب (21) في أكل اللحم، حديث رقم (378) .
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 124، حديث رقم (7097) بسياقة أخرى، وحديث رقم (7099) بسياقة وطريق أخرى.
[ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 244، كتاب الأطعمة، باب (34) ما جاء في أي اللحم كان أحب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (1837) .(7/286)
وكانت تعجبه [فنهس منها] [ (1) ] .
[وللترمذي] من حديث أبان بن يزيد، عن قتادة عن شهر بن حوشب عن أبى عبيد قال: طبخت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قدرا، وكان يعجبه الذراع، فناولته الذراع ثم قال: ناولني الذراع، فناولته، ثم قال: ناولني الذراع، فقلت: يا رسول اللَّه! وكم للشاة من ذراع؟ فقال: والّذي نفسي بيده لو سكت لناولتنى الذراع ما دعوت [ (2) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (سنن الترمذي) ، (الشمائل المحمدية) : 140، حديث رقم (168) ، وهو حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم وغيرهم من حديث أبى زرعة عن أبى هريرة.
[ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 141، حديث رقم (170) ، وهو حديث صحيح لغيره، وتفرد به الترمذي، وفي سنده ضعف، فرجاله ثقات غير شهر بن حوشب، فهو ضعيف، وقال عنه الحافظ: صدوق كثير الإرسال والأوهام، وللحديث شواهد لصحة هذه القصة:
فقد أخرجه كل من: الإمام أحمد في (المسند) : 2/ 144، حديث رقم (507) وفيه:
«فقال: وأبيك لو سكت ما زلت أناول منها ذراعا ما دعوت به» ، فقال سالم: أما هذه فلا سمعت
عبد اللَّه بن عمر يقول: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن اللَّه تبارك وتعالى نهاكم أن تحلفوا بآبائكم، 3/ 322- 323، حديث رقم (10328) ، 4/ 535- 536، حديث رقم (15537) .
وأبو نعيم في (دلائل النبوة) : 2/ 436، الفصل الثالث والعشرون، ذكر الأخبار التي أخرجتها أسلافنا في جملة دلائله صلى اللَّه عليه وسلم: قصة أذرع وأكتاف الشاة، حديث رقم (346) .
وتفرد أبو نعيم بالحديث رقم (347) من حديث محمد بن سيرين عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يكن يعجبه من الشاة إلا الكتف، وذبح ذات يوم شاة فقال: يا غلام ائتني بالكتف فأتاه بها، ثم قال له أيضا، فأتاه بها، ثم قال له أيضا، فأتاه بها، ثم قال: يا رسول اللَّه! ذبحت شاة واحدة، وقد أتيتك بثلاثة أكتاف، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لو سكتّ لجئت بها ما دعوت.
قال الشيخ: ووجه الدلالة من هذا الإخبار إعلامه صلى اللَّه عليه وسلم فضيلته بأن اللَّه تعالى يعطيه إذا سأل ما لم تجر العادة به، تفضيلا له وتخصيصا، ليكون ذلك آية له في نفسه، ورفعة له في مرتبته، وإبانة له في الكرامة عن الخليفة، أن لو التمس أذرعا لكان اللَّه تعالى يجيبه إلى مسألته.
وأخرجه أبو محمد عبد اللَّه الدارميّ في (السنن) : 1/ 22. وبهذه الطرق نجد أن قصة الذراع صحيحة، والحمد للَّه تعالى.(7/287)
[] من حديث طالوت بن عباد، حدثنا سعيد بن راشد حدثنا محمد بن سيرين، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يكن يعجبه في الشاة إلا الكتف [ (1) ] .
[وخرّج] الحاكم من حديث عبدان قال: [أنبأنا] [ (2) ] الفضل بن موسى قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضى اللَّه عنهما، أتوا بيت أبى أيوب، فلما أكلوا وشبعوا، قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: خبز، ولحم، وتمر [وبسر] [ (3) ] ورطب إذا أصبتم مثل هذا، فضربتم بأيديكم فكلوا باسم اللَّه، وبركة اللَّه [ (4) ] .
قال:
هذا حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] [ (3) ] .
ومن حديث مسدّد، حدثنا يحى بن سليم المكيّ، حدثنا إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه قال: كنت وافد بنى المنتفق إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقدمنا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلم نصادفه في منزله، وصادفنا عائشة [أم المؤمنين] فأمرت لنا بحريرة، فصنعت لنا، وأتتنا بقناع- والقناع الطبق فيه تمر- ثم جاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: هل أصبتم شيئا أو آمر لكم بشيء؟ فقلنا: نعم يا رسول اللَّه، فبينما نحن مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جلوس، قال: فدفع الراعي غنمه إلى المراح، ومعه سخلة [تنفر] [ (3) ] ، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما ولدت يا فلان؟ قال [ (3) ] : [بهمة] قال صلى اللَّه عليه وسلم: فاذبح لنا مكانها شاة [ثم أقبل علينا] [ (3) ] فقال: لا تحسبن أنّا من أجلكم ذبحناها، لنا غنم مائة ولا نريد أن تزيد، فإذا [ولد الراعي بهمة ذبحنا مكانها] شاة، [قال] [ (1) ] قلت: يا رسول اللَّه، إن لي امرأة [فذكر من طول
__________
[ (1) ] راجع التعليق السابق وما بين الحاصرتين مطموس بالأصلين بقدر كلمتين.
[ (2) ] في (ج) : «أخبرنا» ، وما أثبتناه من (المستدرك) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (4) ] (المستدرك) : 4/ 120، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7084) ، وقال الذهبي في (التلخيص) :
صحيح.(7/288)
لسانها وبذائها، فقال: طلقها، فقلت:] [ (1) ] إن لي منها ولدا، قال: فمرها يقول عظها، فإن يك فيها خير فستفعل، ولا تضرب ظعينتك كضرب أمتك، قال: قلت: يا رسول اللَّه أخبرنى عن الوضوء، قال: أسبغ الوضوء، وخلل الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (2) ] . [ولم يخرجاه] .
ومن حديث عفان بن مسلم، حدثنا أبو عوانة عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: لما قتل أبى.. فذكر الحديث بطوله، وقال فيه: قلت لامرأتى: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجيئنا اليوم نصف النهار، فلا تؤذى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولا تكلميه، قال: فدخل وفرشت له فراشا ووسادة، فوضع رأسه ونام، فقلت لمولى لي: اذبح هذا العناق، وهي داجن سمينة، والوحا والعجل، افرغ قبل أن يستيقظ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأنا معك، فلم نزل فيها حتى فرغنا منها وهو نائم، فقلت له: إن رسول اللَّه إذا استيقظ يدعو بالطهور، وإني أخاف إذا فرغ أن يقوم فلا يفرغن من وضوئه حتى نضع العناق بين يديه، فلما قام [قال:] [ (3) ] يا جابر ائتني بطهور، فلم يفرغ من وضوئه [ (4) ] حتى وضعت العناق بين يديه، فنظر إليّ وقال: كأنك قد علمت حبنا اللحم [ (5) ] ، أدع لي أبا بكر، ثم دعا حوارييه الذين معه، فدخلوا، فضرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيده وقال: بسم اللَّه، كلوا، فأكلوا حتى شبعوا، وفضل منها لحم كثير. وذكر باقي الحديث.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] ، [ولم يخرجاه] [ (2) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 123، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7094) ، وقال الذهبي في (التلخيص) :
صحيح، وما بين الحاصرتين زيادة من (المستدرك) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (المستدرك) .
[ (4) ] كذا في (ج) ، وفي (المستدرك) : «من طهوره» .
[ (5) ] في (المستدرك) : «كأنك عملت حيسا بلحم» ، وما أثبتناه من (ج) ، وهو أجود للسياق.(7/289)
[وله] من حديث حبيب بن الشهيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر رضى اللَّه عنه قال: أمرنى أبى بحريرة فصنعت، ثم أمرنى فحملتها إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا هو في منزله، فقال: ما هذا يا جابر؟ ألحم هذا؟ قلت:
لا يا رسول اللَّه، ولكنها حريرة أمر بها أبى فصنعت، ثم أمرنى فحملتها إليك، ثم رجعت إلى أبى فقال: هل رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قلت: نعم، قال: فما قال لك؟ قلت: قال لي: ألحم هذا يا جابر؟ قال أبى: عسى أن يكون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اشتهى اللحم، فقام إلى داجن له فذبحها وشواها، ثم أمرنى بحملها إليه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: جزى اللَّه الأنصار عنّا خيرا، ولا سيما عبد اللَّه بن عمرو بن حرام، وسعد بن عبادة.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] . [ولم يخرجاه] [ (2) ] .
وله من حديث على بن عاصم، حدثنا عبيد اللَّه بن أبى بكر بن أنس قال: سمعت أنسا رضى اللَّه يقول: أنفجت أرنبا بالبقيع، فاشتددنا في إثرها، فكنت فيمن اشتدّ، فسبقتهم إليها فأخذتها، فأتيت بها أبا طلحة، فأمر بها فذبحت ثم شويت، فأخذ عجزها فأرسل به معى إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: ما هذا؟ قلت: عجز أرنب، بعث بها أبو طلحة إليك، فقبله منى.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، [ (3) ] [ولم يخرجاه] [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 123- 124، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7096) ، قال الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (3) ] (المستدرك) : 4/ 124- 125، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7099) ، قال الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (4) ] (المستدرك) : 4/ 125، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7100) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : صحيح.(7/290)
وأما أكله القلقاس
فقال الدولابي [ (1) ] : أهدى أهل أيلة إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم القلقاس فأكله وأعجبه وقال: ما هذا؟ فقالوا: شحمة الأرض، فقال صلى اللَّه عليه وسلم، إن شحمة الأرض لطيبة.
وأما أكله القديد
فخرّج البخاري من حديث مالك، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، أنه سمع أنسا رضى اللَّه عنه يقول: إن خياطا دعي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لطعام صنعه له، فذهبت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى ذلك الطعام، فقرب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خبزا من شعير ومرقا فيه دباء وقديد.. الحديث، وترجم عليه باب: من ناول أو قدم إلى صاحبه على المائدة شيئا، [وذكره] في باب من يتبع حوالي القصعة مع صاحبه، [وذكره] في البيوع في باب: الخياط، [وذكره] في الأطعمة في باب: القديد، [وخرجه] مسلم وأبو داود بنحوه أو قريبا منه [ (1) ] .
__________
[ (1) ] هو أبو بشر، محمد بن أحمد بن حماد أبو سعيد الدّولابى، نسبة إلى الدّولاب-[وهي قرية من أعمال الري، وبالأهواز قرية يقال لها: الدولاب]- مولى الأنصار، ويعرف بالوراق، أحد الأئمة من حفاظ الحديث، وله تصانيف حسنة في التاريخ وغير ذلك وروى عنه جماعة كثيرة منهم الطبراني، وأبو حاتم بن حبان البستي، توفى وهو قاصد الحج بين مكة والمدينة في ذي القعدة سنة (310) ، له ترجمة في (البداية والنهاية) : 11/ 165، (سير الأعلام) : 14/ 309، (الوافي بالوفيات) : 2/ 36، (ميزان الاعتدال) : 4/ 459، (وفيات الأعيان) : 4/ 352- 353، (شذرات الذهب) 2/ 260.(7/291)
[وخرّج] ابن حيّان من حديث الحسن بن واقد قال: أخبرنا أبو الزبير عن جابر رضى اللَّه عنه قال: أكلنا القديد مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. [وقد] أورد مالك رضى اللَّه تعالى عنه هذا الحديث كما تقدم أولا [ (1) ] .
[قال] ابن عبد البر: هكذا الحديث في الموطأ عند جميع رواته [و] زاد العقبي وابن بكير في حديث مالك هذا الحديث عن إسحاق عن أنس رضى اللَّه عنه، ذكر القديد فقالا: بطعام فيه دباء وقديد [و] تابعهما على ذلك قوم، منهم أبو نعيم.
وأمّا أكله المنّ
فخرج الإمام أحمد من حديث يزيد بن هارون فقال: أخبرنا سفيان- يعنى ابن حسين- عن على بن زيد، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: أهدى الأكيدر لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جرّة من منّ، فلما انصرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الصلاة، مرّ على القوم، فجعل يعطى كل رجل منهم قطعة، وأعطى جابرا رضى اللَّه عنه قطعة، ثم إنه رجع إليه فأعطاه قطعة أخرى، فقال: إنك قد أعطيتنى مرة، فقال صلى اللَّه عليه وسلم هذه لبنات عبد اللَّه [ (2) ] .
__________
[ (1) ] سبق تخريجه.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 3/ 571، حديث رقم (11815) .(7/292)
وأما أكله الجبنة
فخرج الإمام أحمد من حديث شريك عن جابر، عن عكرمة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بجبنة في غزاة، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: أين صنعت هذه؟ قالوا: بفارس، ونحن نرى أنه يجعل فيها ميتة، فقال صلى اللَّه عليه وسلم:
اطعنوا فيها بالسكين، واذكروا اسم اللَّه تعالى وكلوا [ (1) ]-[ذكره شريك مرة أخرى فزاد فيه-: يضربونها بالعصى] [ (2) ] .
ومن حديث وكيع، حدثنا إسرائيل عن جابر عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتى بجبنة فجعل أصحابه يضربونها بالعصيّ، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ضعوا السكين، واذكروا اسم اللَّه تعالى وكلوا [ (3) ] .
[قال] الواقدي: وأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بجبنة بتبوك، فقالوا: يا رسول اللَّه! إن هذا طعام تصنعه فارس، وإنا نخشى أن يكون فيه ميتة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ضعوا فيه السكين واذكروا اسم اللَّه تعالى [ (4) ] .
[وخرج] أبو داود من حديث إبراهيم بن عيينة، عن عمرو بن منصور، عن الشعبي عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بجبنة في تبوك فدعى بسكين، فسمّى وقطع [ (5) ] .
[قال:] الخطّابى: إن ما جاء به أبو داود من أجل أن الجبن كان يعمله قوم
__________
[ (1) ] مسند أحمد) : 1/ 498، حديث رقم (2750) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (3) ] (مسند أحمد) : 1/ 387، حديث رقم (2081) .
[ (4) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1019.
[ (5) ] (سنن أبى داود) : 4/ 169، كتاب الأطعمة، باب (39) أكل الجبن، حديث رقم (3819) .(7/293)
من الكفار لا تحل ذكاتهم، وكانوا يعقدونها بالأنافح [ (1) ] ، وكان من المسلمين من يشاركهم في صنعة الجبن، فأباحه النبي صلى اللَّه عليه وسلم على ظاهر الحال، ولم يمتنع من أكله، من أجل مشاركة الكفار المسلمين فيه [ (2) ] .
[قال مؤلفه] عفى اللَّه عنه: في دعوى أبى سليمان [ (3) ] رحمه اللَّه، أن من المسلمين من كان يشارك المشركين في عمل الجبن، يتوقف على النقل، ولم يكن إذ ذاك بفارس ولا بالشام أحد من المسلمين، فتأمله.
[وقد] خرج هذا الحديث أبو حاتم البستي، [وقال] أبو حاتم الرازيّ:
الشعبي لم يسمع من ابن عمر رضى اللَّه عنهما. [وقال] غير واحد: إنه سمع عليه [] إبراهيم بن عيينة، أخو سفيان بن عيينة [ (4) ] .
وأما أكله الشواء
فقد تقدم حديث أبى رافع: أشهد كنت أشوى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بطن الشاة [ (5) ] . [و] حديث المغيرة: ضفت النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأمر بجنب فشوى [ (6) ] .
__________
[ (1) ] الأنافح: جمع إنفحة، وهي جزء في معدة الحيوان ذي الكرش، وهي شيء يستخرج، ويعصر في صوفة مبتلة في اللبن، فيغلظ كالجبن، وينفحة: لغة فيها- (لسان العرب) : 2/ 624 مختصرا.
[ (2) ] (معالم السنن) : 4/ 169، [على هامش سنن أبى داود] .
[ (3) ] هو الخطّابى، صاحب (معالم السنن) . شرح (سنن أبى داود) .
[ (4) ] (علل الحديث لابن أبى حاتم) : 2/ 6، علل أخبار الأطعمة، حديث رقم (1488) .
[ (5) ] سبق تخريجه.
[ (6) ] (الشمائل المحمدية) : 139، حديث رقم (167) وهو حديث صحيح الإسناد، وللترمذي في (السنن) : 4/ 240، كتاب الأطعمة، باب (27) ما جاء في أكل الشواء حديث رقم (1829) من حديث أم المؤمنين أم سلمة رضى اللَّه تعالى عنها.(7/294)
[و] حديث أنس رضى اللَّه عنه: أنفجت [ (1) ] أرنبا، وفيه: فذبحت ثم شويت [ (2) ] .
[وخرّج] الترمذي من حديث ابن لهيعة عن سليمان بن زياد، عن عبد اللَّه بن الحارث قال: أكلنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شواء في المسجد [ (3) ] .
وأما أكله الدّجاج
فخرج البخاري من حديث سفيان، عن أيوب عن أبى قلابة عن زهدم الجرمي، عن أبى موسى [الأشعري] رضى اللَّه عنه قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل دجاجا، لم يذكر غير هذا. ذكره بطوله في باب:
لا تحلفوا بآبائكم، في كتاب: الخمس [ (4) ] . [و] ذكره مسلم من
__________
[ (1) ] أنفجت: أثرت.
[ (2) ] أخرجه البخاري في الهبة، والذبائح، ومسلم في الصيد، والترمذي في الأطعمة، والنسائي في الصيد.
ووقع في (الهداية) للحنفية: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أكل من الأرنب حين أهدى إليه مشويا، وأمر أصحابه بالأكل منه. (فتح الباري) : 9/ 826، كتاب الذبائح والصيد، باب (32) الأرنب، تعليقا على الحديث رقم (5535) .
[ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 138- 139، حديث رقم (166) ، وهو ضعيف الإسناد، في إسناده عبد اللَّه بن لهيعة وهو ضعيف، وباقي رجاله ثقات، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1100، كتاب الأطعمة، باب (29) الشواء، حديث رقم (3311) ، قال في (الزوائد) : في إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف.
وخرج أبو داود في (السنن) : 4/ 152، كتاب الأطعمة، باب (27) في أكل الأرنب، (حديث رقم (3791) عن أنس قال: كنت غلاما حزوّرا [مراهقا حاذقا] فصدت أرنبا فشويتها، فبعث معى أبو طلحة بعجزها إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فأتيته بها فقبلها.
[ (4) ] هذا الحديث أخرجه البخاري في كتاب فرض الخمس، باب (15) ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين ما سأل هوازن النبي صلى اللَّه عليه وسلم برضاعة فيهم ... ، حديث رقم (3133) ، وفيه: «فأتى(7/295)
طرق.
[وخرجه] الدارميّ بهذا السند، ولفظه: قال: كنا عند أبى موسى رضى اللَّه عنه، فقدم طعامه لحم دجاج، وفي القوم رجل من بنى تيم اللَّه أحمر فلم يدن، فقال له أبو موسى رضى اللَّه عنه: أدن، فإنّي رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل منه [ (1) ] . [وفي] رواية عن أبى موسى رضى اللَّه عنه: أنه ذكر الدجاج فقال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكله [ (2) ] .
__________
[ () ] ذكر دجاجة وعنده رجل من بنى تيم اللَّه أحمر كأنه من الموالي، فدعاه للطعام «، وفي كتاب المغازي، باب (75) قدوم الأشعريين وأهل اليمن، حديث رقم (4385) ، وفيه: «وإنا لجلوس عنده وهو يتغدّى دجاجا» ، وفي كتاب الذبائح والصيد، باب (26) لحم الدجاج، حديث رقم (5517) ، وفيه: «رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل دجاجا» ، وحديث رقم (5518) ، وفيه: «فأتى صلى اللَّه عليه وسلم بطعام فيه لحم دجاج» ، وفي كتاب الأيمان والنذور، باب (4) لا تحلفوا بآبائكم، حديث رقم (6646) ، وفيه:
«فقرّب إليه صلى اللَّه عليه وسلم طعام فيه لحم دجاج» ، وفي باب (21) الكفارة قبل الحنث وبعده، حديث رقم (6721) ، وفيه: «وقدّم من طعامه لحم دجاج» ، وفي كتاب التوحيد، باب (56) قول اللَّه تعالى:
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ، إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ ... ، حديث رقم (7555) ، وفيه:
«فقريب إليه الطعام فيه لحم دجاج» .
وأخرجه مسلم من طرق: عن القاسم بن عاصم، عن زهدم الجرمي، وعن أبى قلابة والقاسم التميمي عن زهدم الجرمي، وعن مطر الوراق عن زهدم الجرمي، (مسلم بشرح النووي) :
11/ 121- 123، كتاب الأيمان، باب (3) ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها وأن يأتى الّذي هو خيرا ويكفر عن يمينه، حديث رقم (9) وما بعده [بدون أرقام] . وزهدم الجرمي: هو بزاى مفتوحة ثم هاء ساكنة، ثم دال مهملة مفتوحة. وفي الحديث إباحة لحم الدجاج وملاذّ الأطعمة، ويقع اسم الدّجاج على الذكور والإناث، وهو بكسر الدال وفتحها. (مسلم بشرح النووي) .
[ (1) ] (سنن الدارميّ) : 2/ 102، باب في أكل الدجاج.
[ (2) ] (المرجع السابق) : 2/ 103.
وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 239، كتاب الأطعمة، باب (25) ما جاء في أكل الدجاج، حديث رقم (1826) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن زهدم، ولا نعرفه إلا من حديث زهدم، وأبو العوّام هو عمران القطان وحديث رقم (1827) ، قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح، وقد روى أبو داود السختياني هذا الحديث حسن صحيح، وقد روى السختياني هذا الحديث أيضا عن القاسم التميمي وعن أبى قلابة عن زهدم.(7/296)
وأما أكله لحم الحبارى
فخرج أبو داود والترمذي، من حديث بريّة بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده رضى اللَّه عنه قال: أكلت مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم الحبارى [ (1) ] . [ويروى] عن بريّة هذا إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدلى، فعبد الرحمن هذا يروى عن بويه بن عمر، وجعفر بن سليمان [و] عبد السلام بن حرب [و] سفيان بن عيينة [و] أبو بكر بن عياش رحمهم اللَّه. [ويروى] عنه الفضل ابن سهل الأعرج [و] أبو أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي، [و] يعقوب [و] عنه الفسوي [و] جماعة. [قال] ابن عدي: روى عن الثقات أحاديث مناكير، ولم أر له حديثا منكرا يحكم من أجله على ضعفه [ (2) ] .
[و] بريّة [قال] البخاري: إسناده مجهول [ (3) ] .
[وخرج] النسائي في فضائل عليّ رضى اللَّه عنه، من كتابه
__________
[ () ] وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 536، حديث رقم (19025) ، 5/ 540، حديث رقم (19060) ، 5/ 555، حديث رقم (19142) .
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 155، كتاب الأطعمة، باب (29) في أكل لحم الحبارى، حديث رقم (3797) ، (سنن الترمذي) : 4/ 239، كتاب الأطعمة، باب (26) ما جاء في أكل الحبارى، حديث رقم (1828) .
والحبارى- بضم الحاء بعدها باء موحدة مفتوحة- طائر كبير العنق، رمادي اللون، لحمه بين الدجاج والبط، وهو من أشدّ الطير طيرانا.
[ (2) ] وأخرجه ابن عدي في (الكامل) : 2/ 64، في ترجمة برية بن عمر بن سفينة أبو عبد اللَّه مدني، اسمه إبراهيم، وبرية لقب غلب عليه. له ترجمة في: (الكامل لابن عدي) : 2/ 64 ترجمة رقم (53/ 296) ، (الثقات) : 6/ 119، (تهذيب التهذيب) : 1/ 379- 380، ترجمة رقم (799) .
[ (3) ] (تاريخ البخاري) : 2/ 149، ترجمة رقم (2011) .(7/297)
(المجتبى) [ (1) ] ، حدثنا زكريا بن حيي، حدثنا الحسن بن حماد قال: أخبرنا مهر بن عبد الملك، عن موسى بن عمر، عن السّدىّ، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان عنده طائر فقال: اللَّهمّ ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معى من هذا الطير، فجاء أبو بكر رضى اللَّه عنه فردّه، وجاء عمر رضى اللَّه عنه فردّه، ثم جاء عليّ رضى اللَّه عنه فأذن له.
[وكان هذا] الطائر حبارى، أهدى إلى النبي [ (2) ] .
وأما أكله الخبيص
فخرج الحاكم من حديث الوليد بن مسلم، عن محمد بن حمزة بن عبد اللَّه بن سلام، عن أبيه عن جده رضى اللَّه عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان في بعض أصحابه، إذ أقبل عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه يقود بعيرا عليه غرارتان، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: ما معك؟ قال: دقيق وعسل وسمن، فقال له:
أنخ، فأناخ، فدعا النبي النبي صلى اللَّه عليه وسلم ببرمة عظيمة، فجعل فيها من ذلك الدقيق والسمن والعسل، ثم أنضجه، فأكل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأكلوا، ثم قال لهم: كلوا، فإن هذا يشبه خبيص أهل فارس.
[قال] الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] .
[وقال] : محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد اللَّه بن سلام هذا، يروى عنه معمر بن راشد، والوليد بن مسلم، وعبد اللَّه بن سالم الحمصي.
[قال] أبو حاتم: لا بأس به، له حديث واحد، يعنى حديث الخبيص
__________
[ (1) ] هو (سنن النسائي) [الصغرى] .
[ (2) ] لم أجده.
[ (3) ] (المستدرك) : 4/ 122- 123، حديث رقم (7093) ، قال الذهبي في (التلخيص) : صحيح.(7/298)
هذا، [و] خرّج له ابن ماجة، [و] وقد روى هذا الحديث عن محمد بن حمزة، الوليد بن مسلم، عنه محمد بن عبد العزيز بن الرمليّ وفلان، أخرجا له في الصحيحين.
وأما أكله الهريس
قال الواقدي: ولما نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وادي القرى، أهدى له بنو عريض اليهودي هريسا، فأكلها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] .
وأطعمهم أربعين وسقا، فهي جارية عليهم، تقول امرأة من يهود: لهذا الّذي صنع بهم محمد، خير مما ورثوه من آبائهم، لأن هذا لا يزال جاريا عليهم إلى يوم القيامة [ (2) ] .
وقال البلاذريّ: وقيل لأم أيوب: أي الطعام كان أحب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقالت: ما رأيته أمر بطعام يصنع له بعينه، ولا رأيته ذمّ طعاما قط، ولكن أبا أيوب أخبرنى أنه تعشّى معه ليلة في قصعة أرسل بها سعد بن عبادة، فيها طفشيل. فرآه ينهكها نهكا لم يره ينهكه غيره، فكنا نعملها له، وكنا نعمل له الهريس فنراه يعجبه، وكان يحضره عشاءه الخمسة إلى الستة إلى العشرة، يعنى مدة مقامه في منزل أبى أيوب [ (3) ] .
قال: وروى أن أسعد بن زرارة كان يتخذ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الهريس ليلة
__________
[ (1) ] إلى هنا سقط من النسخة (خ) ، واستدركناه من النسخة (ج) .
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1006.
وأخرج أبو داود في (السنن) : 1/ 60، كتاب الطهارة، باب (38) سؤر الهرة، وفيه: عن أم صالح بن دينار- «أن مولاتها أرسلتها بهريسة إلى عائشة رضى اللَّه عنها فوجدتها تصلى، فأشارت إليها أن ضعيها» .
[ (3) ] سبق تخريج هذا الخبر.(7/299)
وليلة لا، فإذا كانت الليلة التي يتوقعها فيها قال: هل جاءت قصعة أسعد؟
فقال: نعم، فيقول: هلمّوا، فيعلم أنها تعجبه [ (1) ] .
وأما أكله الزنجبيل
فخرج الحاكم من حديث شعبة قال: أخبرنى على بن زيد قال: سمعت أبا المتوكل يحدث عن أبى سعيد الخدريّ قال: أهدى ملك الهند إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جرّة فيها زنجبيل، فأطعم أصحابه قطعة قطعة، وأطعمنى منها قطعة. قال الحاكم [رحمه اللَّه تعالى] : لم أخرج [من أول هذا الكتاب إلى هنا لعلى بن زيد بن جدعان [القرشيّ] حرفا واحدا ولم أحفظ في أكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [الزنجبيل سواه] فخرجته [ (2) ] .
__________
[ (1) ] سبق تخريج هذا الخبر.
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 150، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7190) وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، قال الذهبي في (التلخيص) : هذا مما ضعّفوا به عمرا، تركه أحمد. [وعمرو هذا هو عمرو بن حكام آخر رواة هذا الحديث قبل شعبة] .(7/300)
وأما تقزّزه أكل الضبّ وغيره
فخرج البخاري من حديث عبد العزيز بن مسلم، أخبرنا عبد اللَّه بن دينار [قال] : سمعت ابن عمر يقول: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: الضبّ لست آكله ولا أحرّمه [ (1) ] .
وخرجه مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر، عن عبد اللَّه بن دينار، أنه سمع ابن عمر يقول: سئل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن الضبّ فقال: لست بآكله ولا محرمه [ (2) ] .
وأخرجه الترمذي [ (3) ] والنسائي [ (4) ] من حديث مالك، عن عبد اللَّه بن دينار عن ابن عمر أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سئل عن أكل الضب فقال: لا آكله ولا أحرمه. وقال النسائي: سئل وهو على المنبر عن الضب.
وقال الترمذي:
هذا حديث حسن صحيح [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 827، كتاب الذبائح والصيد، باب (33) الضب، حديث رقم (5536) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 103- 104، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم (1943) .
[ (3) ] (سنن الترمذي: 4/ 221- 222، كتاب الأطعمة، باب (3) ما جاء في أكل الضب، حديث رقم (1790) ، ثم قال: وفي الباب عن عمر، وأبى سعيد، وابن عباس، وثابت بن وديعة، وجابر، وعبد الرحمن بن حسنة.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد اختلف أهل العلم في أكل الضب، فرخّص فيه بعض أهل من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم وغيرهم، وكرهه بعضهم، ويروى عن ابن عباس أنه قال: أكل الضّبّ على مائدة النبي صلى اللَّه عليه وسلم وإنما تركه صلى اللَّه عليه وسلم تقذّرا.
[ (4) ] (سنن النسائي) : 7/ 224، كتاب الصيد، باب (26) الضب، حديث رقم (4325) ، وفيه: «لا آكله ولا أحرمه» ، وحديث رقم (4326) ، وفيه «لست بآكله ولا محرمه» .
[ (5) ] راجع التعليق السابق.(7/301)
وخرجه مسلم من حديث الليث، عن نافع عن ابن عمر قال: سأل رجل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن أكل الضب فقال: لا آكله ولا أحرّمه [ (1) ] .
ومن حديث عبيد اللَّه عن نافع عن ابن عمر قال: سأل رجل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو على المنبر عن أكل الضب فقال: لا آكله ولا أحرمه [ (2) ] .
وذكره من عدة طرق عن نافع عن ابن عمر بمعنى حديث الليث عن نافع، غير أن في حديث أيوب عن نافع: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بضبّ فلم يأكله ولم يحرمه.
وفي حديث أسامة [ (3) ] [عن نافع قال: قام رجل في المسجد، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على المنبر] [ (4) ] .
[وخرّج ابن حبان في (صحيحة) من حديث أبى خيثمة، حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب، عن عبد الرحمن بن حسنة قال:
غزونا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فنزلنا أرضا كثيرة الضباب ونحن مرملون، فأصبناها فكانت القدور تغلي بها، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: ما هذا؟ فقلنا: ضبابا أصبناها، فقال: إن أمة من بنى إسرائيل مسخت، وأنا أخشى أن تكون
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 104، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم (40) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (41) .
[ (3) ] (المرجع السابق) .
[ (4) ] ما بين الحاصرتين سقط من النسخة (خ) .
وأخرجه ابن حبان في (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 12/ 71- 72، كتاب الأطعمة، باب (2) ما يجوز أكله وما لا يجوز، ذكر الإباحة للمرء أكل الضّباب إذا لم يتقذّرها، حديث رقم (5264) ، وفيه: «كلوا فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامي، وحديث رقم (5265) ، وفيه: «لست بآكله ولا محرمه» .(7/302)
هذه، فأمرنا فكفأناها، وإنّا لجياع] [ (1) ] .
وخرّج قاسم بن أصبغ من حديث الحسين بن واقد، عن أيوب، عن ابن عمر رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذات يوم: ليت عندنا خبزة بيضاء، من برّه سمراء، مليئة بسمن فنأكلها، فقام رجل فعملها، ثم جاء بها، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: فيم كان سمنك؟ قال: في عكة ضب، فعافه النبي صلى اللَّه عليه وسلم ولم يأكلها [ (2) ] .
وقال حدثنا مضر بن محمد، سمعت يحى بن معين يقول: أيوب الّذي روى عنه حسين بن واقد عن نافع، عن ابن عمر «ليت لنا خبزة بيضاء» ، ليس هو أيوب السجستاني.
ولمسلم من حديث شعبة، عن توبة العنبري، سمع الشعبي، سمع ابن عمر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان معه ناس من أصحابه فيهم سعد، وأتوا بلحم ضب، فنادت امرأة من نساء النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه لحم ضب، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:
كلوا فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامي [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان) : 12/ 73، كتاب الأطعمة، باب (2) ما يجوز أكله وما لا يجوز، ذكر الإباحة للمرء أكل الضّباب، إذا لم يتقذرها، حديث رقم (5266) ، ثم قال أبو حاتم:
الأمر بإكفاء القدور التي فيها الضباب أمر قصد به الزجر عن أكل الضباب، والعلة المضمرة هي أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يعافها لا أن أكلها محرم وما بين الحاصرتين سقط في (خ) .
وأخرجه ابن أبى شيبة في (المصنف) : 5/ 122، كتاب الأطعمة، باب (9) ، ما قالوا في أكل الضب، حديث رقم (24331) ، وأخرجه أبو جعفر الطحاوي في (مشكل الآثار) : 4/ 278، والإمام أحمد في (المسند) : 1/ 644، حديث رقم (3692) ، 1/ 682، حديث رقم (3915) ، حيث قال في كلا الحديثين: قال.. وذكر عنده القردة والخنازير، قال مسعر: آراه قال: والخنازير إنه مما مسخ، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم إن اللَّه لم يمسخ شيئا فيدع له نسلا أو عاقبة، وقد كانت القردة أو الخنازير قبل ذلك.
[ (2) ] (شرح معاني الآثار) : 4/ 169.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 105، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم (1944) .(7/303)
وللبخاريّ [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث شعبة، عن توبة العنبري قال: قال لي الشعبي: أرأيت حديث الحسن عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وقاعدت ابن عمر قريبا من سنتين، أو سنة ونصف، فلم أسمعه روى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم غير هذا، قال:
كان ناس من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم فيهم سعد، فذهبوا يأكلون من لحم، فنادتهم امرأة من [بعض] من أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه لحم ضبّ، فأمسكوا، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: كلوا أو أطعموا، فإنه حلال، أو قال: لا بأس به- شك فيه- ولكنه ليس من طعامي. اللفظ للبخاريّ، ذكره في باب خبر الواحد،
وانتهى منه مسلم إلى قوله: فيهم سعد، ثم قال بمثل حديث عبيد اللَّه بن معاذ قال: أخبرنا أبى [قال] : حدثنا شعبة عن توبة.
وللبخاريّ [ (3) ] ومسلم [ (4) ] وأبى داود [ (5) ] ، من حديث مالك عن ابن شهاب، عن أبى أمامة بن سهل، عن عبد اللَّه بن عباس، عن خالد بن الوليد رضى اللَّه عنهما، أنه دخل مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيت مأمونة، فأتى بضب محنوذ، فأهوى إليه بيده، فقال بعض النسوة: أخبروا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بما يريد أن يأكل، قالوا: هو ضب يا رسول اللَّه، فرفع يده، فقلت: أحرام هو يا
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 302، كتاب أخبار الآحاد، باب (6) خبر المرأة الواحدة، حديث رقم (7267) ،
قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامي»
أي ليس من المألوف له، فلذلك ترك أكله لا لكونه حراما.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 105، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم (1944) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 9/ 827، كتاب الذبائح والصيد، باب (33) الضب، حديث رقم (5537) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 105- 106، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم (1945) .
[ (5) ] (سنن أبى داود) : 4/ 153- 154، كتاب الأطعمة، باب (28) في أكل الضب، حديث رقم (3794) .
والمحنوذ: المشوي، ويقال: هو ما شوى بالرضف، وهي الحجارة المحماة، ومن هذا قوله تعالى:
جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ [هود: 69] .(7/304)
رسول اللَّه؟ قال: لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدنى أعافه، قال خالد:
فاحتززته فأكلته، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينظر.
وقال أبو داود عن مالك بهذا الإسناد نحوه، إلا أنه قال: «فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة» ،
وقال مسلم عن مالك عن ابن شهاب عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف، عن عبد اللَّه بن عباس قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيت ميمونة» ، فأتى بضبّ محنوذ فأهوى إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة:
أخبروا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بما يريد أن يأكل، فرفع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يده، فقلت:
أحرام هو يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدنى أعافه. قال خالد: فاحتززته فأكلته، ورسول اللَّه ينظر.
وذكره البخاري [ (1) ] في كتاب الأطعمة في باب الشواء، من حديث معمر عن الزهري، عن أبى أمامة بن سهل، عن ابن عباس عن خالد بن الوليد قال: أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بضب مشوىّ، فأهوى إليه ليأكل، فقيل [له] : إنه ضبّ، فأمسك يده، قال خالد: أحرام هو؟ قال: لا، ولكنه لا يكون بأرض قومي فأجدنى أعافه، فأكل خالد، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينظر.
وأخرجاه أيضا من حديث يونس عن الزهري، عن أبى أمامة بن سهل، فذكره البخاري في كتاب الأطعمة، وذكره مسلم في كتاب الصيد والذبائح، ولفظه: أن عبد اللَّه بن عباس أخبره أن خالد بن الوليد- الّذي يقال له: سيف اللَّه- أخبره أنه دخل مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند ميمونة زوج
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 177، كتاب الأطعمة، باب (14) الشواء وقول اللَّه تعالى: جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ، أي مشوى، حديث رقم (5400) ، قوله تعالى: جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ، كذا في الأصل، وهو سبق قلم، والتلاوة: فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ، أي محنوذ وهو المشوي، مثل قتيل في مقتول، ونضيج في منضوج.(7/305)
النبي صلى اللَّه عليه وسلم- وهي خالته، وخالة ابن عباس- فوجد عندها ضبا محنوذا قدمت به أختها صفية بنت الحارث من نجد، فقدّمت الضب لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكان قلّ ما يقدم [يده] لطعام حتى يحدّث به ويسمّى له، فأهوى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يده إلى الضب، فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بما قدّمتنّ له، [قلن] : هو الضّب يا رسول اللَّه، فرفع [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] يده، فقال خالد: أحرام الضبّ يا رسول اللَّه؟ قال: لا، ولكنه لم [يكن] بأرض قومي فأجدنى أعافه، قال خالد: فاحتززته فأكلته، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينظر إليّ فلم ينهني [ (1) ] .
وقال البخاري: «ورسول اللَّه ينظر إليّ» ولم يقل: «فلم ينهني» ، وترجم عليه باب: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم لا يأكل حتى يسمّى له فيعلم ما هو [ (2) ] .
وذكره مسلم من حديث صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن أبى أمامة بن سهل، عن ابن عباس، أنه أخبره أن خالد بن الوليد أخبره أنه دخل مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على ميمونة بنت الحارث- وهي خالته- فقدم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بضب جاءت به أم حفيد بنت الحارث من نجد، وكانت تحت رجل من بنى جعفر، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يأكل شيئا حتى يعلم ما هو. ثم ذكر بمثل حديث يونس، وزاد في آخر الحديث: وحدثنيه ابن الأصم عن ميمونة، وكان في حجرها [ (3) ] .
وذكره أيضا من حديث معمر عن الزهري، عن أبى أمامة بن سهل، عن
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 106، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم (1946) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 667، كتاب الأطعمة، باب (10) ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم لا يأكل حتى يسمى له فيعلم ما هو، حديث رقم (5391) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 106- 107، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم (45) .(7/306)
ابن عباس قال: أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم ونحن في بيت ميمونة بضبين مشويين، بمثل حديثهم، ولم يذكر يزيد بن الأصم عن ميمونة [ (1) ] .
وذكره من حديث الليث بن سعد قال: حدثني خالد بن يزيد، حدثني سعيد بن أبى هلال، عن ابن المنكدر، أن أبا أمامة أخبره عن ابن عباس قال: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [وهو في بيت ميمونة] وعنده خالد بن الوليد بلحم ضب، فذكره بمعنى حديث الزهري [ (2) ] .
وذكره من حديث على بن مسهر، عن الشيباني، عن زيد بن الأصم قال: دعانا عروس بالمدينة، فقرب إلينا ثلاثة عشر ضبا، فآكل، وتارك، فلقيت ابن عباس من الغد، فأخبرته، فأكثر القوم حوله، حتى قال بعضهم:
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لا آكله، ولا أنهى عنه، ولا أحرمه، فقال ابن عباس:
بئس ما قلتم، ما بعث اللَّه نبيا إلا محلّلا ومحرما، إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بينما هو عند ميمونة، وعنده الفضل بن عباس، وخالد بن الوليد، وامرأة أخرى، إذ قرّب إليهم خوان عليه لحم، فلما أراد النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن يأكل، قالت له ميمونة: إنه لحم ضب، فكفّ يده وقال: هذا لحم لم آكله قط، وقال لهم:
كلوا، فأكل منه الفضل، وخالد بن الوليد، والمرأة. قالت ميمونة: لا آكل من شيء إلا شيئا يأكل منه رسول اللَّه [ (3) ] .
وذكر من حديث عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بضب، فأبى أن يأكل
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1945) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث السابق [بدون رقم] ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 108، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم (1948) .(7/307)
منه، وقال: لا أدرى لعله من القرون التي مسخت [ (1) ] .
ومن حديث أنس أبى عدىّ، عن داود، عن أبى نضرة، عن أبى سعيد قال: قال رجل: يا رسول اللَّه! إنا بأرض مضبّة، فما تأمرنا أو [فما] تفتينا؟
قال: ذكر لي أن أمة من بنى إسرائيل مسخت، فلم يأمر، ولم ينه [ (2) ] .
قال أبو سعيد: فلما كان بعد ذلك، قال عمر رضى اللَّه عنه: إن اللَّه عزّ وجلّ لينفع به غير واحد، وإنه لطعام عامة هذه الرعاء، ولو كان عندي لطعمته، إنما عافه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] .
وروى عن سعيد بن جبير أنه قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم من ألطف الناس، وكان لا يشرب من شراك الإداوة، ولا يأكل من لحم الجلالات. وروى أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان لا يأكل قاذورة، ولا يأكل الدجاج حتى يعلف.
والقاذورة هنا: الّذي يتقذّر، فكأنه كان يجتنب ما يرعى النجاسة حتى يعلف الطّاهر. ويقال: القاذورة: ويراد به الفعل القبيح، ومنه قوله عليه السلام: من أتى من هذه القاذورات شيئا [فليستتر] [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1949) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1951) .
[ (3) ] (تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر) : 4/ 57، من حديق زيد بن أسلم رضى اللَّه عنه.(7/308)
وأما اجتنابه ما تؤذى رائحته
فخرج مسلم من حديث شعبة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، عن أبى أيوب الأنصاري رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أتى بطعام أكل منه، وبعث بفضلة إليّ، وأنه بعث إليّ يوما بفضلة لم يأكل منها لأن فيها ثوما، فسألته: أحرام هو؟ قال: لا، ولكنى أكرهه من أجل ريحه، قال: فإنّي أكره ما كرهت [ (1) ] . وخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح [ (2) ] .
ولأبى داود [ (3) ] وأحمد [ (4) ] ، من حديث بقية عن بجير، عن خالد عن أبى زياد خيار بن سلمة، أنه سأل عائشة رضى اللَّه عنها عن البصل فقالت: إن آخر طعام أكله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طعام فيه بصل.
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 252، كتاب الأشربة، باب (31) إباحة أكل الثوم، وأنه ينبغي لمن أراد خطاب الكبار تركه، وكذا ما في معناه، حديث رقم (2053) .
وفي هذا الحديث تصريح بإباحة الثوم، وهو مجمع عليه، لكن يكره لمن أراد حضور المسجد، أو حضور جمع في غير المسجد، أو مخاطبة الكبار، ويلحق بالثوم كل ما له رائحة كريهة، وأن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، وكان صلى اللَّه عليه وسلم يترك الثوم دائما، لأنه يتوقع مجيء الملائكة والوحي كل ساعة.
قوله: «كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا أتى بطعام أكل منه وبعث بفضله» ، قال العلماء: في هذا يستحب للآكل والشارب أن يفضل مما يأكل ويشرب فضلة ليواسى بها من بعده، ولا سيما إن كان ممن يتبرك بفضلته، وكذا إذا كان في الطعام قلة، ولهم إليه حاجة، ويتأكد هذا في حق الضيف، لا سيما إن كانت عادة أهل الطعام أن يخرجوا كل ما عندهم، ويتنظر عيالهم الفضلة، كما يفعله كثير من الناس، ونقلوا أن السلف كانوا يستحبون إفضال هذه الفضلة المذكورة، وهذا الحديث أصل ذلك كله. (مسلم بشرح النووي) .
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 230، كتاب الأطعمة، باب (13) ما جاء في كراهية أكل الثوم والبصل، حديث رقم (1807) .
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 173، كتاب الأطعمة، باب (41) في أكل الثوم، حديث رقم (3829) .
[ (4) ] (مسند أحمد) : 7/ 130، حديث رقم (24064) .(7/309)
ولمسلم من حديث ابن علية، عن الجرير عن أبى نضرة، عن أبى سعيد الخدريّ قال: لم يغد أن فتحت خيبر، فوقعنا أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في تلك البقلة الثوم، والناس جياع، فأكلنا منها أكل شديدا، ثم رحنا إلى المسجد، فوجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الريح، فقال: من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئا فلا [يغشانا] في المسجد، فقال الناس: حرّمت، حرّمت، فبلغ ذلك النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: يا أيها الناس، إنه ليس بى تحريم ما أحلّ اللَّه، ولكنها شجرة أكره ريحها [ (1) ] .
وخرّج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث ابن وهب، عن يونس عن ابن شهاب، زعم عطاء أن جابر بن عبد اللَّه، زعم أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، أو فليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته، وأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتى بقدر فيه خضرات من بقول، فوجد لها ريحا، فسأل، فأخبرنا بما فيه من البقول، فقال: قربوها إلى بعض أصحابه كان معه، فلما [رآه] كره أكلها، قال: كل، فإنّي أناجى من لا تناجي. اللفظ للبخاريّ. وخرّجه أبو داود [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 54، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب (17) نهى من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها، حديث رقم (76) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 2/ 431، كتاب الأذان، باب (160) ما جاء في الثوم والبصل والكرات، حديث رقم (855) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 53، كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب (17) نهى من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها، حديث رقم (73) .
[ (4) ] (سنن أبى داود) : 4/ 170- 171، كتاب الأطعمة، باب (41) في أكل الثوم، حديث رقم (3822) . وفيه: «وإنه أتى ببدر» بدلا من: «أوتى بقدر» عند الشيخين.
قال الخطّابى: قوله: «أتى ببدر» يريد الطبق، وسمى الطبق بدرا لاستدارته، ومنه سمى القمر قبل كماله بدرا، وذلك لاستدارته وحسن اتساقه.
وقوله: «فليعتزل مسجدنا» إنما أمره باعتزال المسجد عقوبة له، وليس هذا من باب الأعذار التي تبيح للمرء التخلف عن الجماعة كالمطر، والريح العاصف ونحوهما من الأمور. (معالم السنن) .
وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 229 كتاب الأطعمة، باب (13) ما جاء في كراهية أكل الثوم والبصل، حديث رقم (1806) وقال: هذا حديث حسن صحيح.(7/310)
وأما أكله الجمّار
فخرج البخاري من حديث عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبى حدثنا الأعمش قال حدثني مجاهد عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنه قال: بينا نحن عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم جلوس؟ إذ أتى بجمار نخلة، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم، فظننت أنه يعنى النخلة فأردت أن أقول هي النخلة يا رسول اللَّه، فالتفت فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم فسكتّ، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم هي النخلة [ (1) ] .
وأما حبّه الحلواء والعسل
فخرّج البخاري من حديث هشام، عن عروة عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحب الحلواء والعسل. وهو مما اتفقا على إخراجه ذكره البخاري هكذا في الأشربة [ (2) ] ، وفي الأطعمة [ (3) ] . وخرّجه
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 710، كتاب الأطعمة، باب (42) أكل الجمّار، حديث رقم (5444) ، (فتح الباري) : 4/ 509- 510، كتاب البيوع، باب (94) بيع الجمار وأكله، حديث رقم (2209) ، والجمّار بضم الجيم وتشديد الميم: هو قلب النخلة، وهو معروف.
[ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 96، كتاب الأشربة، باب (15) شراب الحلواء والعسل، حديث رقم (5614) ، وفيه: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يعجبه الحلواء والعسل، والحلواء بالمد في رواية المستملي، ولغيره بالقصر، وهما لغتان، قال الخطّابى: هي ما يعقد من العسل ونحوه، وقال ابن التين عن الداوديّ: هي النقيع الحلو، وعليه تبويب البخاري: «شراء الحلواء» ، كذا قال، وإنما هو نوع منها، والّذي قاله الخطّابى هو مقتضى العرف. (فتح الباري) .
وقال ابن بطال: الحلوى كل شيء حلو، وهو كما قال، لكن استقر العرف على تسمية ما لا يشرب من أنواع الحلو حلوى، ولأنواع ما يشرب مشروب ونقيع أو نحو ذلك، ولا يلزم مما قال اختصاص الحلوى بالمشروب. (فتح الباري) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 9/ 695، كتاب الأطعمة، باب (32) الحلوى والعسل، حديث رقم (5431) ، وفيه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحب الحلوى والعسل.(7/311)
الإمام أحمد [ (1) ] ، وفيه قصّة [ (2) ] .
وأما أكله التمر
فخرج البخاري ومسلم من حديث مسعر بن كدام، عن هلال، عن عروة عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: ما أكل آل محمد [صلى اللَّه عليه وسلم] أكلتين في يوم واحد إلا وإحداهما تمر [ (3) ] .
__________
[ () ] «الحلوى» كذا لأبى ذر مقصور، ولغيره ممدود، وهما لغتان، قال ابن ولاد: هي عند الأصمعي بالقصر- تكتب بالياء- وعند الفراء بالمد- تكتب بالألف- وقيل: تمد وتقصر، وقال الليث: الأكثر على المد، وهو كل حلو يؤكل، وقالى الخطّابى: اسم الحلوى لا يقع إلا على ما دخلته الصنعة. وفي المخصص لابن سيده: هي ما عولج من الطعام بحلاوة، وقد تطلق على الفاكهة.
قال ابن بطال: الحلوى والعسل من جملة الطيبات المذكورة في قوله تعالى: كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وفيه تقوية لقول من قال: المراد به المستلذ من المباحات. ودخل في معنى هذا الحديث كل ما يشابه الحلوى والعسل من أنواع المآكل اللذيذة.
وقال الخطّابىّ وتبعه ابن التين: لم يكن حبه صلى اللَّه عليه وسلم لها على معنى كثرة التشهي لها، وشدة نزاع النفس إليها وإنما كان ينال منها إذا أحضرت إليه نيلا صالحا، فيعلم بذلك أنها تعجبه.
ويؤخذ منه جواز اتخاذ الأطعمة من أنواع شتى، وكان بعض أهل الورع يكره ذلك ولا يرخص أن يأكل من الحلاوة إلا ما كان حلوه بطبعه كالتمر والعسل، وهذا الحديث يرد عليه.
وإنما تورع عن ذلك من السلف من آثر تأخير تناول الطيبات إلى الآخرة، مع القدرة على ذلك في الدنيا، تواضعا لا شحا.
ووقع في كتاب (فقه اللغة للثعالبي) : أن حلوى النبي صلى اللَّه عليه وسلم التي كان يحبها هي المجيع بالجيم بوزن عظيم، وهو تمر يعجن بلبن. (فتح الباري) .
[ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 88، حديث رقم (33795) .
[ (2) ] وهي قصة المغافير، ذكرها المفسرون عند تفسيرهم لقول اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ. وحتى قوله تعالى: عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً [التحريم: 1- 5] .
[ (3) ] سبق تخريجه. وأخرجه الدارميّ في (السنن) : 2/ 107، باب في الحلواء والعسل.(7/312)
ولهما من حديث وهيب، حدثنا منصور بن أمية، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] : توفى النبي صلى اللَّه عليه وسلم حين شبعنا من الأسودين: التمر والماء، وفي لفظ للبخاريّ: توفى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وقد شبعنا من الأسودين: التمر والماء. ولهما من حديث يزيد بن رومان، عن عروة عن عائشة [رضى اللَّه عنها] ، أنها تقول: واللَّه يا ابن أختى، ثلاثة أهله في شهرين، وما [أوقد] في أبيات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نار، قلت: يا خالة! فما كان [يعيشكم؟] قالت:
الأسودين، التمر والماء، إلا أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جيران من الأنصار، وكانت لهم منايح، وكانوا يمنحون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من ألبانها فيسقينا. وقال البخاري: كانت لهم منايح، وكانوا يمنحون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من ألبانهم فيسقينا [ (1) ] .
ولهما في لفظ آخر قالت: إن كنا آل محمد لنمكث شهرا ما نستوقد بنار، إن هو إلا التمر والماء، ولفظ مسلم: إن كنا لنمكث، ولم يذكر آل محمد. وزاد أبو كريب في حديثه، عن ابن نمير عن هشام بن عروة بهذا الإسناد، إلا أن يأتينا اللحيم. وفي لفظ للبخاريّ قالت: كان يأتى علينا الشهر ما نوقد نارا، إنما هو التمر والماء، إلا أن نؤتى باللحيم [ (2) ] .
ولأبى داود من حديث محمد بن أبى يحيى، عن يزيد الأعور، عن يوسف بن عبد اللَّه بن سلام قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم آخذ كسرة من خبز شعير، فوضع عليها تمرة وقال: هذه إدام هذه. وفي لفظ: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم وضع تمرة على كسرة فقال: هذه إدام هذه [ (3) ] .
وله من حديث الوليد بن مزيد قال: سمعت ابن جابر قال: حدثنا سليم
__________
[ (1) ] سبق تخريجه.
[ (2) ] سبق تخريجه وهو في (صحيح مسلم) : كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (26) والّذي يليه.
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 173، كتاب الأطعمة، باب (42) في التمر، حديث رقم (3830) ، ونسبه المنذري للترمذي أيضا.(7/313)
ابن عامر، عن ابني بسر السّلميّين قالا: دخل علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقدّمنا إليه تمرا وزبدا، وكان يحب التمر والزبد [ (1) ] .
ولمسلم من حديث حفص بن غياث، عن مصعب بن سليم قال: حدثنا أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم مقعيا يأكل تمرا [ (2) ] .
وخرّجه الدارميّ عن مصعب قال: سمعت أنس بن مالك يقول: أهدى إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم التمر، فأخذ يهديه. وقال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل تمرا مقعيا من الجوع. قال: يهديه، يعنى يهدى هاهنا، وهاهنا [ (3) ] .
ولمسلم من حديث ابن عيينة، عن مصعب بن سليم، عن أنس قال: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بتمر، فجعل يقسمه وهو [محتفز] ، يأكل منها أكلا ذريعا.
وفي رواية زهير: أكلا حثيثا [ (4) ] .
ولأبى داود من حديث همام، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس قال: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بتمر عتيق، فجعل يفتشه يخرج منه السوس [ (5) ] . وفي لفظ: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يؤتى بالتمر فيه الدود.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3837) ، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1106- 1107، كتاب الأطعمة، باب (43) التمر بالزبد، حديث رقم (3334) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 239، كتاب الأشربة، باب (24) استحباب تواضع الآكل وصفة قعوده، حديث رقم (148) ، قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «مقعيا» ، أي جالسا على أليتيه ناصبا ساقيه.
[ (3) ] (سنن الدارميّ) : 2/ 104، باب في التمر.
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 239- 240، كتاب الأشربة، باب (24) استحباب تواضع الآكل، وصفة قعوده، حديث رقم (149) ، قوله: «أكلا ذريعا وحثيثا هما بمعنى أي مستعجلا صلى اللَّه عليه وسلم لاستيفازه لشغل آخر، فأسرع في الأكل، وكان استعجاله ليقضى حاجته منه، ويرد الجوعة، ثم يذهب في ذلك الشغل.
وقوله: «فجعل النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقسمه» أي يفرقه على من يراه أهلا لذلك، وهذا التمر كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وتبرع بتفريقه صلى اللَّه عليه وسلم فلهذا كان يأكل منه، واللَّه تعالى أعلم (مسلم بشرح النووي) .
[ (5) ] (سنن أبى داود) : 4/ 174، كتاب الأطعمة، باب (43) في التفتيش في التمر المسوّس عند الأكل، حديث رقم (3832) .(7/314)
فذكر معناه [ (1) ] .
وللحاكم من حديث طلحة بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يسمى التمر واللبن الأطيبان [ (2) ] . قال: هذا حديث صحيح [الإسناد ولم يخرجاه] [ (3) ] .
ولابن حيّان من حديث ياسين الزيات عن عطاء، عن ابن عباس قال:
كان أحب التمر إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العجوة [ (4) ] .
ومن حديث عبيد بن القاسم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل الطعام مما يليه، حتى إذا جاء التمر جالت يده [ (5) ] .
ومن حديث شعبة، عن يزيد بن [جهيم] قال: سمعت عبد اللَّه بن بسير يقول: دخل علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأتاه أبى بتمر وسويق، فجعل يأكل التمر ويلقى النوى على ظهر إصبعيه ثم يلقيه، يعنى السبابة والوسطى.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3833) ، وهو حديث مرسل، وأخرج ابن ماجة في (السنن) :
2/ 1106، كتاب الأطعمة، باب (42) تفتيش التمر، حديث رقم (3333) .
وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) : 7/ 283، كتاب الصداق، باب الأكل متكئا.
وأخرجه الترمذي في (الشمائل) : 124- 125، حديث رقم (143) ، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 61، حديث رقم (12688) .
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 119، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7081) ، قال الذهبي في (التلخيص) :
طلحة بن زيد ضعيف.
[ (3) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) .
[ (4) ] (أخلاق النبي) : 204، (كنز العمال) : حديث رقم (18217) ، (إتحاف السادة المتقين) :
8/ 240، وسنده ضعيف.
[ (5) ] (الكامل في الضعفاء) : 5/ 349، ترجمة عبيد بن القاسم الأسدي، رقم (539/ 1507) ، وفيه:
«جالت يده في الإناء» وعبيد بن القاسم الأسدي الكوفي، يقال: أنه ابن أخت سفيان الثوري، ضعفوه، وقالوا: متروك وكذاب، ترجمته في (تهذيب التهذيب) : 7/ 67.(7/315)
وأمّا أكله العنب
فروى أبو الجارود عن حبيب بن يسار، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل العنب خرطا [ (1) ] .
وأمّا أكله الرّطب والبطيخ
فخرّج أبو داود من حديث أبى أسامة قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل البطيخ بالرطب ويقول: نكسر حر هذا ببرد هذا، وبرد هذا بحر هذا [ (2) ] .
وخرّج الدارميّ من حديث الحسن بن عرفة، أخبرنا يعقوب بن الوليد،
__________
[ (1) ] يقال: خرط العنقود خرطا إذا وضعه في فمه، وأخذ حبّه، وخرج عرجونه عاريا. وفي رواية ذكرها ابن الأثير: خرصا، بالصاد بدل الطاء، أي من غير عدد.
قال العراقي: رواه ابن عدي في (الكامل) من حديث العباس، والعقيلي في (الضعفاء) من حديث ابن عباس هكذا مختصرا، وكلاهما ضعيف.
وكذا رواه الطبراني في (الكبير) ، هو والعقيلي في (الضعفاء) من طريق داود بن عبد الجبار، عن ابن الجارود، عن حبيب بن يسار، عن ابن عباس رفعه: «كان يأكل العنب خرطا» .
قال العقيلي: داود ليس بثقة، ولا يتابع عليه، وأخرجه البيهقي في (الشعب) من طريقتين ثم قال: ليس فيه إسناد قوى، وأورده ابن الجوزي في (الموضوعات) ولم يصب، بل هو ضعيف. (إتحاف السادة المتقين) : 8/ 238، (شعب الإيمان) : 5/ 106، باب في المطاعم والمشارب، حديث رقم (5967) ، (الموضوعات) 2/ 288، باب كيف يؤكل العنب.
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 173، كتاب الأطعمة، باب (45) في الجمع بين لونين في الأكل، حديث رقم (3836) .
فيه إثبات الطب والعلاج، ومقابلة الشيء الضار بالشيء المضاد له في طبعه على مذهب الطب والعلاج، وفيه إباحة التوسع من الأطعمة، والنيل من الملاذ المباحة، (معالم السنن) .(7/316)
عن أبى حازم، عن سهل بن سعدان، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم [كان] يأكل البطيخ بالرطب [ (1) ] .
ومن حديث وهيب عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن نبي اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] كان يعجبه [الجمع] بين البطيخ والرطب [ (1) ] .
وخرّج الحاكم من حديث مطر الوراق، عن قتادة، عن أنس رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يأخذ الرطب بيمينه، والبطيخ بيساره، فيأكل الرطب والبطيخ، وكان أحب الفاكهة إليه. قال: هذا تفرد به يوسف بن عطية عن مطر، ولم يحتجّا به، وإنما يعرف هذا المتن بغير هذا اللفظ، من حديث عائشة رضى اللَّه عنها [ (2) ] . وخرجه ابن حيان أيضا من طريق مطر [ (3) ] .
وخرّج الترمذي في (الشمائل) من حديث جرير، عن حميد، عن أنس قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجمع بين الخربز والرطب [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (سنن الدارميّ) : 2/ 103، باب من لم ير بأسا أن يجمع بين الشيئين، وفيه: «القثاء بالرطب» ، لكن أخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 246- 247، كتاب الأطعمة، باب (36) ما جاء في أكل البطيخ بالرطب، حديث رقم (1843) ، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، رواه بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرسل، ولم يذكر فيه عائشة رضى اللَّه عنها وقد روى يزيد ابن رومان عن عروة عن عائشة هذا الحديث.
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 134، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7137) ، قال الذهبي في (التلخيص) :
تفرد به يوسف [وهو واه] .
وأخرجه الحميدي في (المسند) : 1/ 124، حديث رقم (255) .
[ (3) ] (أخلاق النبي) : 215- 216.
[ (4) ] (الشمائل المحمدية) : 165، حديث رقم (200) ، والخربز: بكسر الخاء هو البطيخ، وقيل: هو معرب عن الفارسية، والمراد النوع الأصفر [الشّمام كما يسميه أهل مصر، وأجوده ما كان من الإسماعيلية إحدى محافظات مصر] فإن فيه برودة يعدّلها الرطب.
والحديث أخرجه كل من: الإمام أحمد في (المسند) : 3/ 606، حديث رقم (12041) ، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 215، 217، من طريقي عبد اللَّه بن أبى بكر العنقى، ومسلم بن إبراهيم.
وبالجملة فهو حديث صحيح الإسناد، ورجال إسناده ثقات.(7/317)
وخرج الخطيب من طريق حسان بن سياه، حدثني ثابت البناني عن أنس قال: قالت عائشة: قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إذا جاء الرطب فهنئينى [ (1) ] .
وخرّج ابن حيّان من حديث إسرائيل الأعور، عن أنس قال: كنت إذا قدمت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رطبا، أكل الرطب وترك المذنب. ومن حديث القرارى، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحب أن يفطر على رطبات في زمان الرطب، وعلى التمر إذا لم يكن رطب، ويجعلهن وترا، ثلاثا، أو خمسا، أو سبعا [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (تاريخ بغداد) : 5/ 107، في ترجمة أحمد بن محمد الضبعي الأحول، برقم (2513) .
[ (2) ] وفي ختام هذه الفقرة نذكر ما أورده ابن القيم عن البطيخ والرطب، قال.. بعد أن ذكر
حديث أبى داود والترمذي، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه كان يأكل البطيخ بالرطب، يقول: نكسر حرّ هذا ببرد هذا، وبرد هذا بحرّ هذا-:
وفي البطيخ عدة أحاديث لا يصح منها شيء غير هذا الحديث الواحد، والمراد به الأخضر، وهو بارد رطب، وفيه جلاء، وهو أسرع انحدارا عن المعدة من القثاء والخيار، وهو سريع الاستحالة إلى أي خلط كان صادفه في المعدة، وإذا كان آكله محرورا انتفع به جدا، وإن كان مبرودا دفع ضرره بيسير من الزنجبيل ونحوه، وينبغي أكله قبل الطعام ويتبع به، وإلا غثّى وقيّأ.
ثم ذكر حديث أنس قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلى، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء [رواه أبو داود برقم (2356) ، والترمذي برقم (696) ، وأحمد برقم (12265) .
ثم قال: طبع الرطب طبع المياه، حار رطب يقوى المعدة الباردة ويوافقها، ويزيد في الباه، ويخصب البدن، ويوافق أصحاب الأفرجة الباردة، ويغذو غذاء كثيرا، وهو من أعظم الفاكهة موافقة لأهل المدينة وغيرها من البلاد التي هو فاكهتهم فيها، وأنفعها للبدن، وإن كان لم يعتده يسرع التعفن في جسده، ويتولد عنه دم ليس بمحمود، ويحدث في إكثاره من صداع وسوداء، ويؤذى أسنانه.
وفي فطر النبي صلى اللَّه عليه وسلم من الصوم عليه، أو على التمر أو على الماء، تدبير لطيف جدا، فإن الصوم يخلى المعدة من الغذاء، فلا تجد الكبد فيها ما تجذبه وترسله إلى القوى والأعضاء، والحلو أسرع شيء وصولا إلى الكبد، وأحبه إليها، ولا سيما إذا كان رطبا، فيشتد قبولها له، فتنتفع به هي والقوى، فإن لم يكن فالتمر لحلاوته وتغذيته، فإن لم يكن فحسوات الماء تطفى لهيب المعدة، وحرارة الصوم، فتنتبه المعدة بعده للطعام، وتأخذه بشهوة (زاد المعاد) : 4/ 286- 287، 4/ 312- 313.(7/318)
وأمّا أكله الزّيت
فخرج مسلم من حديث ابن قسيط، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: لقد مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين [ (1) ] .
وأمّا أكله السمك
فخرج البخاري من حديث ابن جريج، أخبرنى عمرو أنه سمع جابرا يقول: غزونا جيش الخبط، وأمّر أبو عبيدة بن الجراح، فجعنا جوعا شديدا، فألقى البحر حوتا ميتا لم نر مثله، يقال له العنبر، فأكلنا منه نصف شهر، فأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه فمر الراكب تحته.
[زاد في] المغازي:
أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول: فقال أبو عبيدة: كلوا فلما قدمنا المدينة، ذكرنا ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: كلوا رزقا أخرجه اللَّه، أطعمونا إن كان معكم، فأتاه بعضهم بعضه فأكله [ (2) ] . [وفي رواية ابن السكن: «فأتاه بعضهم بعضو منه فأكله» ] [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 317، كتاب الزهد والرقائق حديث رقم (2974) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 97- 98، كتاب المغازي، باب (66) غزوة سيف البحر، وهم يتلقون عيرا لقريش، وأميرهم أبو عبيدة، حديث رقم (4360) ، حديث رقم (4361) ، وحديث رقم (4362) ، وهو الحديث المذكور في الباب.
[ (3) ] زيادة للسياق من (فتح الباري) ، قال عياض: وهو الوجه. وفي الحديث من الفوائد: مشروعية المواساة بين الجيش عند وقوع المجاعة، وأن الاجتماع على الطعام يستدعى البركة فيه.
قال أهل اللغة: العنبر سمكة بحرية كبيرة، يتخذ من جلدها الترسة، ويقال: إن العنبر المشموم رجيع هذه الدابة. وقال ابن سيناء: بل المشموم يخرج من البحر، وإنما يؤخذ من أجواف السمك الّذي يبتلعه.
ونقل الماوردي عن الشافعيّ قال: سمعت من يقول: رأيت العنبر نابتا في البحر ملتويا مثل عنق(7/319)
ولفظ مسلم: فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟ قال: فأرسلنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منه فأكله [ (1) ] . ذكره البخاري في الصيد والذبائح، وفي كتاب المغازي وفيه قصة [ (2) ] . وكرّراه من طرق.
__________
[ () ] الشاة، وفي البحر دابة تأكله، وهو سمّ لها، فيقتلها، فيقذفها، فيخرج العنبر من بطنها.
وقال الأزهري: العنبر سمكة تكون بالبحر الأعظم، يبلغ طولها خمسين ذراعا، يقال لها: بالة، وليست بعربية.
وأخرجه البخاري أيضا في: كتاب الذبائح والصيد، باب (12) قول اللَّه تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ، وقال عمر: صيده: ما اصطيد، وطعامه: ما رمي به، وقال أبو بكر رضى اللَّه عنه:
الطافي في حلال، وقال ابن عباس رضى اللَّه عنه: طعامه ميتته، إلا ما قذرت منها، حديث رقم (5493) ، وحديث رقم (5494) .
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 90، كتاب الصيد والذبائح، باب (4) ، إباحة ميتات البحر، حديث رقم (1935) .
وأخرج أبو داود في (السنن) : 4/ 165- 166، كتاب الأطعمة، باب (36) في أكل الطافي من السمك، حديث رقم (3815) : «ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوه، وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه» .
جزر عنه: أي تقلص عنه ماء البحر وقت الجزر عنه، وقد ثبت عن غير واحد من الصحابة أنه أباح الطافي من السمك، ثبت ذلك عن أبى بكر الصديق، وأبى أيوب الأنصاري رضى اللَّه عنهما. وإليه ذهب عطاء بن أبى رباح، ومكحول، وإبراهيم النخعي، وبه قال مالك، والشافعيّ، وأبو ثور، وروى عن جابر وابن عباس رضى اللَّه عنه أنهما كرها الطافي من السمك، وإليه ذهب جابر بن زيد وطاووس، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، (معالم السنن) .
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1081، كتاب الصيد، باب (18) الطافي من صيد البحر، حديث رقم (3246) ، وحديث رقم (3247) .
وأخرجه الواقدي مختصرا جدا في (المغازي) ، في سرية الخبط، أميرها أبو عبيدة رضى اللَّه عنه:
7/ 776- 777.
[ (2) ] تراجع هذه القصة في كتاب المغازي من (فتح الباري) ، شرح الحديث رقم (4360) ، والحديث رقم (4361) ، وقد أمسكنا عن ذكرها خشية الإطالة.
قال ابن القيم: أصناف السمك كثيرة، وأجوده ما لذّ طعمه، وطاب ريحه، وتوسط مقداره، وكان رقيق القشر، ولم يكن صلب اللحم ولا يابسه، وكان في ماء عذب جار على الحصباء، ويتغذى بالنبات لا الأقذار.(7/320)
وأمّا أكله البيض
فذكر الواقدي أن علبة بن زيد الحارثي، جاء في غزوة ذات الرقاع [ (1) ] بثلاث بيضات فقال: يا رسول اللَّه! وجدت هذه البيضات في مفحص نعام، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: دونك يا جابر، فاعمل هذه البيضات،
فوثبت فعملتهن، ثم جئت بالبيض في قصعة، وجعلت أطلب خبزا ولا أجده، قال: فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون من ذلك البيض بغير خبز، قال جابر: فرأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمسك يده، وأنا أظن أنه قد انتهى إلى حاجته، والبيض في القصعة كما هو، ثم قام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأكل منه عامة أصحابنا، ثم رحنا مبردين [ (2) ] .
__________
[ () ] وأصلح أماكنه ما كان في نهر جيد الماء، وكان يأوى إلى الأماكن الصخرية، ثم الرملية، والمياه الجارية العذبة التي لا قذر فيها، ولا حمأة، الكثيرة الاضطراب والتموج، المكشوفة للشمس والرياح.
والسمك البحريّ فاضل، محمود، لطيف، والطري منه بارد رطب، عسر الهضم، يولد بلغما كثيرا، إلا البحري وما جرى مجراه، فإنه يولد خلطا محمودا، وهو يخصب البدن، ويزيد في المنى، ويصلح الأفرجة الحارة.
وأما المالح، فأجوده ما كان قريب العهد بالتملح، وهو حار يابس، وكلما تقادم عهده ازداد حرّه ويابسه. (زاد المعاد) : 4/ 325- 326.
[ (1) ] قال الواقدي: فإنما سميت ذات الرقاع، لأنه جبل فيه بقع حمر وسود وبيض، وزاد السهيليّ: سميت ذات الرقاع لأنهم رقعوا راياتهم، ويقال: ذات الرقاع شجرة بذلك الموضع، وكانت ليلة السبت لعشر خلون من المحرم على رأس سبعة وأربعين شهرا، وقدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صرار [اسم بئر] يوم الأحد لخمس بقين من المحرم، وغاب خمس عشرة ليلة.
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 399، غزوة ذات الرقاع.(7/321)
فصل في هدى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الأكل
اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وإذا أتى بالباكورة من التمر دعا اللَّه بالبركة، ويأكل بثلاثة أصابع، ولا يمسح يده حتى يلعقها، ويأكل مما يليه، ولا يأكل متكئا، ولا يذم طعاما، ويسمى اللَّه إذا أكل، ويحمده إذا فرغ.
وأمّا قبوله الهدية وامتناعه من أكل الصدقة
فخرج البخاري في آخر كتاب الجهاد، من حديث شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه، أن الحسن بن على رضى اللَّه عنهما، أخذ تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم [بالفارسية] كخ كخ، أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة [ (1) ] . وذكره في كتاب الزكاة ولفظه: أما [شعرت] أنا لا نأكل الصدقة [ (2) ] ؟
وخرّجه مسلم في آخر كتاب الزكاة بهذا السند ولفظه: ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة [ (3) ] ؟ وفي لفظ آخر له: إنا لا تحل لنا الصدقة [ (4) ] .
وللبخاريّ من حديث إبراهيم بن طهمان، عن محمد بن زياد عن أبى
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 226، كتاب الجهاد والسير، باب (188) من تكلم بالفارسية والرطانة، وقول اللَّه عزّ وجلّ: وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ [الروم: 22] . وقال: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [إبراهيم: 4] ، حديث رقم (3072) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (2) ] (المرجع السابق) : كتاب الزكاة، باب (60) ما يذكر في صدقه النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (1491) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 181، كتاب الزكاة، حديث رقم (161) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث السابق بدون رقم.(7/322)
هريرة قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يؤتى بالتمر عند صرام النخل، فيجيء هذا بتمره، وهذا [من] تمره، حتى يصير عنده كوما من تمر، فجعل الحسن والحسين [رضى اللَّه عنهما] يلعبان بذلك التمر، فأخذ أحدهما تمرة، فجعلها في فيه، فنظر إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخرجها من فيه وقال: أما علمت أن آل محمد لا يأكلون الصدقة [ (1) ] ؟.
وأخرجاه أيضا من حديث معمر، عن همّام بن منبه، عن أبى هريرة [ (2) ] .
وخرّج البخاري في كتاب اللقطة، في باب: إذا وجد تمرة في الطريق، من حديث معمر، عن همام، عن أبى هريرة، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: إني لأنقلب إلى أهلي، فأجد التمرة ساقطة على فراشي، فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها [ (3) ] .
وخرّجه مسلم في الزكاة ولفظه: عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فذكر أحاديث منها، وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إني لأنقلب إلى أهلي، فأجد التمرة ساقطة على فراشي أو في بيتي، فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها [ (4) ] . ومن حديث ابن وهب قال: أخبرنى عمرو أن أبا يونس مولى أبى هريرة
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 447، كتاب الزكاة، باب (57) أخذ صدقة التمر عند صرام النخل، وهل يترك الصبى فيمسّ من تمر الصدقة؟ حديث رقم (1485) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 182، كتاب الزكاة، باب (50) تحريم الزكاة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعلى آله، وهم بنو هاشم وبنو عبد المطلب دون غيرهم، حديث رقم (163) ، وأخرجه البخاري في كتاب اللقطة، باب (6) إذا وجد تمرة في الطريق، حديث رقم (3432) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 5/ 108، كتاب اللقطة، باب (6) إذا وجد تمرة في الطريق، حديث رقم (3432) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 182، كتاب الزكاة، باب (50) تحريم الزكاة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعلى آله وهم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم، حديث رقم (163) .(7/323)
حدثه، عن أبى هريرة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال مثله، ولم يقل: أو في بيتي [ (1) ] .
وخرّج البخاري في كتاب اللقطة، من حديث سفيان، عن منصور، عن طلحة، عن أنس قال: مرّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم بتمرة في الطريق فقال: لولا أنى أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها [ (2) ] .
وذكره في البيوع، ولفظه: مرّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم بتمرة مسقوطة فقال: لولا أن يكون صدقة لأكلتها [ (3) ] . وقال همام: عن أبى هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال:
أجد تمرة ساقطة على فراشي.. هكذا، ذكر هذا متصلا بحديث أنس، وترجم عليه باب: ما يتنزه عن الشبهات [ (3) ] .
وخرجه مسلم من طرق، بعضها أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وجد تمرة فقال: لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها [ (4) ] .
وبعضها قال: حدثنا أنس بن مالك، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرّ بتمرة بالطريق فقال: لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها [ (4) ] .
وبعضها أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وجد تمرة فقال: لولا أن تكون صدقة لأكلتها [ (4) ] .
[ولأبى داود] من حدث حماد عن قتادة، عن أنس رضى اللَّه عنه قال:
إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يمر بالتمرة [العائرة] ، فما يمنعه من أخذها إلا مخافة أن
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (162) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 5/ 108، كتاب اللقطة، باب (6) إذا وجد تمرة في الطريق، حديث رقم (2431) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 4/ 368، كتاب البيوع، باب (4) ما يتنزه من الشبهات، حديث رقم (2055) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 182، كتاب الزكاة، باب (50) تحريم الزكاة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعلى آله وهم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم، حديث رقم (164) ، وحديث رقم (165) ، وحديث رقم (166) .(7/324)
تكون من الصدقة [ (1) ] .
ومن حديث خالد بن قيس، عن قتادة، عن أنس [بن مالك، رضى اللَّه عنه، قالا] : إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وجد تمرة فقال: لولا أنى أخاف أن تكون [صدقة] لأكلتها [ (2) ] .
ولأبى داود [ (3) ] والترمذي [ (4) ] ، من حديث شعبة عن الحكم، عن ابن أبى رافع، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعث رجلا من بنى مخزوم على الصدقة فقال لأبى رافع: اصحبنى كيما تصيب منها. فقال: حتى آتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأسأله، فانطلق إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فسأله، فقال: إن الصدقة لا تحل لنا، وإن موالي القوم من أنفسهم وقال أبو داود: فقال: مولى القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وأبو رافع: مولى النبي صلى اللَّه عليه وسلم اسمه أسلم، وابن أبى رافع: هو عبيد اللَّه بن أبى رافع، كاتب على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه.
وخرّجه النسائي من حديث يحيى، عن شعبة ولفظه: إن الصدقة لا تحل
__________
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 2/ 299، كتاب الزكاة، باب (29) الصدقة على بنى هاشم، حديث رقم (1651) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
«العائرة» : هي الساقطة على وجه الأرض، لا يعرف من صاحبها، ومن هذا قيل عار الفرس إذا انفلت على صاحبه فذهب على وجهه ولا يدفع. وهذا أصل في الورع، وفي أن كل ما لا يستبينه الإنسان من شيء طلقا لنفسه فإنه يجتنبه ويتركه.
وفيه دليل على أن التمرة ونحوها من الطعام إذا وجدها الإنسان ملقاة في طريق ونحوها أن له أخذها وأكلها إن شاء، وإنها ليست من جملة اللقطة التي حكمها الاستيناء بها والتعريف لها.
(معالم السنن) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1652) ، وما بين الحاصرتين في (خ) ، (ج) : «من الصدقة» ، وصوبناه من (المرجع السابق) .
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 12/ 298، كتاب الزكاة، باب (29) . الصدقة على بنى هاشم، حديث رقم (1650) ، واللفظ للترمذي.
[ (4) ] (سنن الترمذي) : 3/ 46، كتاب الزكاة، باب (25) ، ما جاء في كراهية الصدقة للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم وأهل بيته ومواليه، حديث رقم (657) .(7/325)
لنا، وإن مولى القوم منهم [ (1) ] .
وذكره [البخاري] في كتاب قبول الهدية من حديث إبراهيم بن طهمان، عن محمد بن زياد، عن أبى هريرة قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أتى بطعام سأل عنه: أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة، قال لأصحابه: كلوا، ولم يأكل، فإن قيل: هدية: ضرب بيده فأكل معهم [ (2) ] .
وخرّجه مسلم في كتاب الزكاة ولفظه: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أتى بطعام سأل عنه، فإن قيل: هدية أكل منها، وإن قيل: صدقة لم يأكل منها [ (3) ] .
وخرّجه النسائي من حديث عبد الواحد [بن] واصل، أخبرنا بهز بن حكيم عن أبيه، عن جده قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا أتى بشيء سأل عنه، أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة لم يأكل، وإن قيل هديه بسط يده [ (4) ] .
وخرّج البخاري من حديث شعبة، عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتى بلحم تصدّق به على بريرة فقال: هو عليها صدقة ولنا هدية.
ذكره في كتاب الزكاة [ (5) ] ، وفي كتاب الهبة [ (6) ] . وخرّجه أبو داود
__________
[ (1) ] (سنن النسائي) : 5/ 112، كتاب الزكاة، باب (97) مولى القوم منهم، حديث رقم (2611) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 5/ 254، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (7) قبول الهدية، حديث رقم (175) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 190، كتاب الزكاة، باب (53) قبول النبي صلى اللَّه عليه وسلم الهدية ورده الصدقة، حديث رقم (175) .
[ (4) ] (سنن النسائي) : 5/ 112، كتاب الزكاة، باب (98) الصدقة لا تحل للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (2612) ، ولفظه: «كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا أتى بشيء سأل عنه: أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة لم يأكل، وإن قيل هديه بسط يده» وهو من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وبسط يده يعنى أكل.
[ (5) ] (فتح الباري) : 3/ 454، كتاب الصدقة، باب (62) إذا تحولت الصدقة، حديث رقم (1495) .
[ (6) ] (المرجع السابق) : 5/ 254، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (7) قبول الهدية، حديث رقم (2577) .(7/326)
بمثله [ (1) ] . وخرّجه مسلم [ (2) ] ولفظه: قال: أهدت بريرة إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لحما تصدّق به عليها، فقال: هو لها صدقة، ولنا هدية.
وخرّجاه وفيه قصة.
ولمسلم [ (3) ] من حديث الليث، عن ابن شهاب، أن عبيد بن السباق قال: إن جويرية زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم أخبرته أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دخل عليها فقال: هل من طعام؟ قالت: لا واللَّه يا رسول اللَّه! ما عندنا طعام إلا عظم من شاة أعطيته مولاتي من الصدقة، فقال: قرّبيه، فقد بلغت محلّها.
وللبخاريّ ومسلم من حديث خالد، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية الأنصارية قالت: دخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم على عائشة فقال: هل عندكم شيء؟ فقالت: لا، إلا شيء بعثت به إلينا نسيبة، من الشاة التي بعث بها من الصدقة، فقال: إنها قد بلغت محلها. ذكره البخاري في باب: إذا تحولت الصدقة في كتاب الهبة، وفي كتاب الزكاة [ (4) ] ، وألفاظ طرق مسلم متقاربة.
وخرّج الإمام أحمد من حديث عيسى بن يونس قال: أخبرنا هشام ابن عروة عن أبيه، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 2/ 301، كتاب الزكاة، باب (30) الفقير يهدى للغنى من الصدقة، حديث رقم (1655) . وبريرة: مولاة أم المؤمنين عائشة رضى اللَّه عنها.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 188، كتاب الزكاة، باب (52) إباحة الهدية للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، ولبني هاشم، وبنى المطلب، وإن كان المهدي ملكها بطريق الصدقة، إذا قبضها المتصدّق عليه زال عنها صفة الصدقة، وحلت لكل أحد ممن كانت الصدقة محرمة عليه، حديث رقم (1074) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1073) .
[ (4) ] سبق تخريجه.(7/327)
[وقال ابن سعد: أخبرنا شبابة بن سواد، ومالك بن إسماعيل وعبد اللَّه بن صالح قال: حدثنا إسرائيل عن ثوير، عن أبيه، قال مالك وعبد اللَّه بن صالح، عن على رضى اللَّه عنه قال: [ (1) ] أهدى كسرى إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقبل منه، وأهدت له الملوك فقبل منهم] [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 131، حديث رقم (24070) .
[ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 389، ذكر قبول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الهدية وتركه الصدقة، وما بين الحاصرتين من (خ) وليس في (ج) .(7/328)
وأمّا ما يقوله عند الباكورة
فخرج الدارميّ من حديث نعيم بن حماد، عن عبد العزيز بن محمد عن سهيل، عن أبيه، عن أبى هريرة، قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أتى بالباكورة بأول الثمرة قال: اللَّهمّ بارك لنا في مدينتنا، وفي ثمرتنا، وفي مدّنا، وفي صاعنا، واجعل بركة مع بركة، ثم يعطيه أصغر من يحضر من الولدان [ (1) ] .
ولأبى داود من حديث جرير بن حازم، عن يونس الأبلي، عن ابن شهاب، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أتى [بالباكور] قال بعضهم: بالباكورة، قبّلها ووضعها على عينيه [ (2) ] .
وفي لفظ: كان إذا أتى بالباكورة من الفاكهة، وضعها على عينيه ثم أكل منها وقال: اللَّهمّ كما أطعمتنا أولها، فأطعمنا آخرها، وبارك لنا فيها.
ومن حديث عبد العزيز بن محمد، عن العلاء، عن أبيه، عن أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أتى بالباكورة قبّلها ووضعها على عينيه،
__________
[ (1) ] (سنن الدارميّ) : 2/ 106- 107، باب في الباكورة.
[ (2) ]
هذا الحديث أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب (85) فضل المدينة ودعاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم فيها بالبركة، وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها، وبيان حدود حرمها، حديث رقم (1373) : عن سهيل بن أبى صالح، عن أبيه عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أنه قال: كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا أخذه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: اللَّهمّ بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في مدّنا، اللَّهمّ إن إبراهيم عبدك، وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وأنه دعاك لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه، قال: ثم يدعو أصغر وليد فيعطيه ذلك الثمر.(7/329)
وأعطاها أصغر من يحضر من الولدان [ (1) ] .
وخرّجه ابن حيّان من حديث الدّراوردى، عن سهيل، عن أبيه، عن أبى هريرة، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أتى بالباكورة من التمر قال: اللَّهمّ بارك لنا في مدينتنا، ومدّنا، وصاعنا، واجعل مع البركة بركة، ثم يعطيه أصغر من حضره من الولدان [ (2) ] .
وخرّج الترمذي في (الشمائل) ، من حديث مالك، عن سهيل بن أبى صالح، عن أبيه، عن أبى هريرة قال: كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا أخذه قال: اللَّهمّ بارك لنا في ثمارنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وفي مدّنا، اللَّهمّ إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وإنه دعاك لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة، ومثله معه، قال: ثم يدعو أصغر وليد يراه، فيعطيه ذلك الثمر [ (3) ] .
__________
[ (1) ] وأخرجه من طرق وبسياقات مختلفة كل من: النسائي في (عمل اليوم والليلة) : 108، باب ما يقول إذا دعي بأول الثمر فأخذه، والترمذي في (السنن) : 5/ 472، كتاب الدعوات، باب (54) ما يقول إذا رأى الباكورة من الثمر، حديث رقم (3454) ، والخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) :
3/ 389، ترجمة محمد بن يعقوب التميمي رقم (1503) ، 9/ 185- 186، ترجمة سفيان بن محمد المصيصي رقم (4766) ، 14/ 217، ترجمة يحيى بن محمد حيكان النيسابورىّ رقم (7508) .
[ (2) ] (أخلاق النبي) : 235، وأخرجه أيضا ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1105، كتاب الأطعمة، باب (39) إذا أتى بأول الثمرة حديث رقم (3329) .
[ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 166- 167، باب (30) ما جاء في فاكهة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (202) ، قوله: «ثم يدعو أصغر وليد يراه فيعطيه ذلك الثمر» فيه بيان ما كان عليه صلى اللَّه عليه وسلم من مكارم الأخلاق وكمال الشفقة والرحمة، وملاطفة الكبار والصغار، وخص بهذا الصغير لكونه أرغب فيه وأكثر تطلعا إليه وحرصا عليه.(7/330)
وأمّا أكله بثلاث أصابع ولعقها
فخرّج مسلم من حديث أبى معاوية، عن هشام بن عروة عن عبد الرحمن ابن سعد، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه، قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع ويلعق يده قبل أن يمسحها [ (1) ] .
ومن حديث زهير بن حرب، عن ابن مهدي، عن سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يلعق أصابعه الثلاث من الطعام. ولم يذكر محمد بن أبى حاتم عن ابن مهدي الثلاث [ (2) ] .
ومن حديث ابن نمير أخبرنا هشام، عن عبد الرحمن بن سعد، أن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، وعبد اللَّه بن كعب [بن مالك أو عبد اللَّه بن كعب] [ (3) ] ، أخبره عن أبيه كعب، أنه حدّثهم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يأكل بثلاث أصابع، فإذا فرغ لعقها [ (4) ] .
[و] رواه أبو بكر الشافعيّ من حديث عمرو بن عثمان قال: حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبى داود، حدثنا ابن أبى جريج، عن هشام بن عروة، عن محمد بن كعب بن عجرة، عن أبيه كعب [رضى اللَّه عنه] قال:
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 216، كتب الأشربة، باب (18) استحباب لعق الأصابع والقصعة، وأكل اللقمة الساقطة بعد مسح ما يصيبها من أذى، وكراهة مسح اليد قل لعقها، حديث بدون رقم بين رقمي (131) ، (132) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (131) ، ثم قال في آخره: وقال ابن أبى شيبة في روايته: عن عبد الرحمن بن كعب عن أبيه.
[ (3) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم 132.(7/331)
رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل بأصابعه الثلاث، الإبهام، والتي تليها، والوسطى، ثم رأيته يلعق الوسطى، والتي تليها، ثم الإبهام.
وللإمام أحمد من حديث أبى معاوية، أخبرنا هشام بن عروة، عن عبد الرحمن بن سعد، عن [أبىّ بن] [ (1) ] كعب بن مالك، عن أبيه [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع، ولا يمسح يده حتى يلعقها [ (2) ] .
وخرّجه الترمذي، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن سعد عن ابن كعب عن أبيه، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يلعق أصابعه ثلاثا [ (3) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 522، حديث رقم (26626) ، ونحوه باختلاف يسير من طريق أخرى، حديث رقم (26627) .
[ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 123، حديث رقم (138) ، وقال أبو عيسى: وروى غير محمد بن بشّار هذا الحديث، قال: كان يلعق أصابعه الثلاث، وقد أشار الترمذي إلى شذوذ لفظه «ثلاثا» والمحفوظ «الثلاث» ، وفارق بين اللفظين.
وأخرجه الترمذي في (الشمائل) أيضا، حديث رقم (139) عن أنس قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث.
وحديث رقم (142) عن ابن كعب بن مالك عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقهن.
وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 228، كتاب الأطعمة، باب (11) ما جاء في اللقمة تسقط، حديث رقم (1803) .
وأبو داود في (السنن) : 4/ 183- 184، كتاب الأطعمة باب (50) في اللقمة تسقط، حديث رقم (3845) ، عن أنس بن مالك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث وقال:
«إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها، ولا يدعها للشيطان» وأمرنا أن نسلت الصحفة، وقال: «إن أحدكم لا يدرى في أي طعامه يبارك له» .
قال الشيخ: سلت الصحفة تتبّع ما يبقى فيها من الطعام ومسحها بالأصبع ونحوه. وقد بين النبي صلى اللَّه عليه وسلم العلة في لعق الأصابع وسلت الصحفة، وهو
قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «فإنه لا يدرى في أي طعامه يبارك له فيه» .
يقول: لعل البركة فيما لعق بالأصابع والصحفة من لطخ ذلك الطعام، وقد أفسدت عقولهم(7/332)
ولمسلم من حديث بهز قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة، أخبرنا ثابت، عن أنس [رضى اللَّه عنه] أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث [ (1) ] .
__________
[ () ] الترفة، وغيّر طباعهم الشبع والتخمة، وزعموا أن لعق بالأصابع مستقبح أو مستقذر، كأنهم لم يعلموا أن الّذي علق بالأصابع أو الصحفة جزء من أجزاء الطعام الّذي أكلوه وازدردوه، فإذا لم يكن سائر أجزائه المأكولة مستقذرة لم يكن هذا الجزء اليسير منه الباقي في الصحفة واللاصق بالأصابع مستقذرا كذلك.
وإذا ثبت هذا فليس بعده شيء أكثر من مسه أصابعه بباطن شفتيه، وها ما لا يعلم عاقل به بأسا، إذا كان الماس والممسوس جميعا طاهرين نظيفين، وقد يتمضمض الإنسان فيدخل إصبعه في فيه، فيدلك أسنانه وباطن فمه، فلم ير أحد ممن يعقل أنه قذارة أو سوء أدب، فكذلك لا فرق بينهما في منظر حسّ ولا مخبر عقل. (معالم السنن) .
وأخرج أبو داود أيضا في كتاب الأطعمة من (السنن) ، باب (52) في المنديل، حديث رقم (3847) ، عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إذا أكل أحدكم فلا يمسحن يده بالمنديل حتى يلعقها أو يلعقها» ، وهذا الحديث أخرجه البخاري في الأطعمة، باب لعق الأصابع، ومسلم في الأشربة، باب استحباب لعق الأصابع، وابن ماجة في الأطعمة، باب لعق الأصابع، وليس في حديثهم ذكر المنديل.
ولأبى داود أيضا في كاب الأطعمة من (السنن) : في ذات الباب، حديث رقم (3848) عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يأكل بثلاث أصابع، ولا يمسح يده حتى يلعقها.
[ (1) ]
(مسلم بشرح النووي) : 13/ 219، كتاب الأشربة، باب (18) استحباب لعق الأصابع والقصعة، وأكل اللقمة الساقطة بعد مسح ما يصيبها من أذى، وكراهة مسح اليد قبل لعقها، حديث رقم (136) ، وتمامه: «وقال إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها، ولا يدعها للشيطان، وأمرنا أن نسلت القصعة، قال: فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة» .(7/333)
وأمّا أكله مما يليه
فخرّج ابن حيان من حديث أبى رجاء، عن عبد الحكم، قال: رآني عبد اللَّه بن جعفر، وأنا غلام، وأنا آكل من ها هنا، فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أكل لم تعد يده ما بين يديه [ (1) ] .
وأمّا أنه لا يأكل متكئا
فخرّج البخاري من حديث مسعر، عن على بن الأقمر، سمعت أبا جحيفة يقول: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: لا آكل متكئا [ (2) ] . وخرّجه أبو داود بهذا الإسناد مثله سواء [ (3) ] .
وللبخاريّ من حديث جرير عن منصور، عن على بن الأقمر، عن أبى جحيفة قال: [كنت عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم] فقال لرجل عنده: لا آكل وأنا متكئ [ (4) ] .
وللنسائى من حديث شريك، عن على بن الأقمر، عن أبى جحيفة قال:
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 654، كتاب الأطعمة، باب (3) الأكل مما يليه، حديث رقم (3577) ، (5378) من طرق وبسياقات مختلفة. (أخلاق النبي) : 192، (كنز العمال) ، حديث رقم (18175) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 675، كتاب الأطعمة، باب (13) الأكل متكئا، حديث رقم (5398) .
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 140- 141، كتاب الأطعمة، باب (17) ما جاء في الأكل متكئا، حديث رقم (3769) . قال الخطابي: فالمتكئ هو الّذي أوكى مقعدته وشدّها بالقعود على الوطاء الّذي تحته، والمعنى: أنى إذا أكلت لم أقعد متمكنا على الأوطئة والوسائد، فعل من يريد أن يستكثر من الأطعمة ويتوسع في الألوان، ولكنى آكل علقة، وآخذ من الطعام بلغه، فيكون قعودي مستوفزا له. (معالم السنن) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 9/ 675، كتاب الأطعمة، باب (13) الأكل متكئا، حديث رقم (5399) .(7/334)
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أما أنا فلا آكل متكئا.
وله من حديث الزهري، عن محمد بن عبد اللَّه بن عباس قال: كان ابن عباس يحدث أن اللَّه أرسل إلى نبيه ملكا من الملائكة، ومعه جبريل، فقال له الملك: إن اللَّه يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا، وبين أن تكون ملكا، فالتفت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى جبريل كالمستشير، فأشار جبريل بيده أن تواضع، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لا، بل أكون عبدا نبيا، فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا [ (1) ] .
وخرّجه عبد الرزاق بنحوه، وقال: عن معمر، عن يحيى بن أبى كثير، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد، فإنما أنا عبد.
وقال حماد: عن ثابت البناني، عن شعيب بن عبد اللَّه بن عمرو، عن أبيه قال: ما رئي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل متكئا، ولا يطأ عقبه رجلان [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) في شرح الحديث السابق.
وأخرج الترمذي في (الشمائل) : 119 باب رقم (22) ، ما جاء في تكأة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (133) . عن أبى جحيفة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أما أنا فلا آكل متكئا، وأخرجه في (السنن) 240- 241، كتاب الأطعمة، باب (28) ما جاء في كراهية الأكل متكئا، حديث رقم (1830) ، قال: وفي الباب عن عليّ وعبد اللَّه بن عمرو، وعبد اللَّه بن عباس.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث عليّ بن الأقمر، وروى زكريا ابن أبى زائدة وسفيان الثوري وابن سعيد، وغير واحد، عن عليّ بن الأقمر هذا الحديث، وروى شعبة عن سفيان الثوري هذا الحديث عن عليّ بن الأقمر.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1086، كتاب الأطعمة، باب (6) الأكل متكئا، حديث رقم (3262) .
وأخرجه الحميدي في (المسند) : 2/ 386، حديث رقم (832) و 395، حديث رقم (892) والدارميّ في (السنن) : 2/ 106، باب في الأكل متكئا.
وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) : 7/ 49، باب ما روى عنه في قوله صلى للَّه عليه وسلم: أما أن فلا آكل متكئا، وللبيهقي في (شعب الإيمان) : 5/ 106، باب في المطاعم والمشارب، الأكل متكئا، حديث رقم (5969) ، (مسند أحمد) : 5/ 398، حديث رقم (18279) ، 400، حديث رقم (18291) .
[ (2) ] (شعب الإيمان) : 5/ 107، حديث رقم (5972) .(7/335)
وأمّا أنه لم يذم طعاما
فخرّج البخاري [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] من حديث الأعمش، عن أبى حازم، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: ما عاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم طعاما قط، إذا اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه. ذكره في كتاب الأطعمة، وذكره البخاري أيضا في المناقب بهذا الإسناد، غير أنه قال: وإلا تركه.
وخرّجه مسلم أيضا ولفظه: قال: ما عاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طعاما قط، كان إذا اشتهى شيئا أكله، وإن كرهه تركه [ (3) ] . وفي رواية قال: ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عاب طعاما قط، كان إذا اشتهاه أكله، وإن لم يشتهه سكت [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 83، كتاب الأطعمة، باب (21) ما عاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم طعاما، حديث رقم (5409) قوله: «ما عاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم طعاما» أي مباحا، أما الحرام فكان يعيبه ويذمه وينهى عنه، وذهب بعضهم إلى أن العيب إن كان من جهة الخلقة كره، وإن كان من جهة الصنعة لم يكره، قال:
لأن صنعة اللَّه لا تعاب، وصنعة الآدميين تعاب.
قال الحافظ ابن حجر: والّذي يظهر التعميم، فإن فيه كسر قلب الصانع. قال النووي: من آداب الطعام المتأكدة أن لا يعاب، كقوله: مالح، حامض، قليل الملح، غليظ، رقيق، غير ناضج، ونحو ذلك.
قوله: «وإن كرهه تركه» ، يعنى مثل ما وقع له في الضب، ووقع في رواية أبى يحيى: «وإن لم يشنهه سكت» ، أي عن عيبه، قال ابن بطال: هذا من حسن الأدب، لأن المرء قد لا يشتهي الشيء ويشتهيه غيره، وكل مأذون في أكله من قبل الشرع ليس فيه عيب.
(المرجع السابق) : 6/ 702، كتاب المناقب، باب (23) صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (3563) .
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 137، كتاب الأطعمة، باب (14) باب في كراهية ذم الطعام، حديث رقم (3763) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 269، كتاب الأشربة، باب (35) لا يعيب الطعام، حديث رقم (178) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (188) .(7/336)
وللترمذي [ (1) ] من حديث عمر بن عبد اللَّه مولى عفرة قال:
حدثني إبراهيم بن محمد، من ولد على بن أبى طالب، عن على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يذم ذواقا ولا يمدحه.
__________
[ (1) ] الحديث الّذي في (سنن الترمذي) : 4/ 331، كتاب البر والصلة، باب (84) ما جاء في ترك العيب للنعمة، حديث رقم (2031) ، عن الأعمش، عن أبى حازم عن أبى هريرة قال: «ما عاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طعاما قط، كان إذا اشتهاه أكله وإلا تركه» . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وأبو حازم هو الأشجعيّ الكوفيّ، واسمه سلمان مولى عزّة الأشجعية.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1085، كتاب الأطعمة، باب (4) النهى أن يعاب الطعام، حديث رقم (3259) .(7/337)
وأمّا التسمية إذا أكل وحمد اللَّه بعد فراغه من الأكل
فخرّج البخاري والنسائي من حديث سفيان، عن ثور، عن خالد بن معدان، عن أبى أمامة رضى اللَّه عنه، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال:
الحمد للَّه كثيرا طيبا مباركا فيه، غير مكفىّ ولا مودّع، ولا مستغنى عنه ربنا [ (1) ] .
وقال البخاري: كان إذا فرغ من طعامه، ومرة إذا رفع مائدته قال: الحمد للَّه الّذي كفانا وأروانا، غيّر مكفئ، ولا مكفور. وقال مرة: لك الحمد ربنا غير مكفىّ، ولا مودّع، ولا مستغنى عنه ربنا [ (2) ] . وخرجه أبو داود وقال: إذا رفعت المائدة [ (3) ] ، وخرّجه النسائي [ (4) ] .
وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا عبد اللَّه بن عامر الأسلمي، عن أبى عبيد حاجب سليمان، عن نعيم بن سلامة، عن رجل من بنى سليم، وكانت له صحبة، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا فرغ من طعامه قال: اللَّهمّ لك الحمد، أطعمت، وأسقيت، وأشبعت، وأوريت، فلك الحمد غير مكفور،
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 723، كتاب الأطعمة، باب (54) ، ما يقول إذا فرغ من طعامه، حديث رقم (5458) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (5459) .
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 186- 187، كتاب الأطعمة، باب (53) ، ما يقول الرجل إذا طعم، حديث رقم (3849) .
قوله: «غير مكفىّ ولا مودّع ولا مستغنى عنه ربنا»
معناه: إن اللَّه سبحانه هو المطعم والكافي، وهو غير مطعم ولا مكفىّ، كما قال سبحانه: وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ [الأنعام: 14] .
وقوله: «مودع» ،
أي غير متروك الطلب إليه، والرغبة فيما عنده، ومنه قوله سبحانه: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى [الضحى: 3] ، أي ما تركك ولا أهانك.
[ (4) ] أخرجه النسائي في (السنن الكبرى) : كتاب عمل اليوم والليلة، باب ما يقول إذا شبع من الطعام.
حديث رقم (283) ، (284) . [هامش (الشمائل) ] : 160.(7/338)
ولا مودع، ولا مودع، ولا مستغنى عنك [ (1) ] .
ولأبى داود والنسائي من حديث سفيان، عن أبى هاشم إسماعيل بن كثير، عن إسماعيل بن رباح، عن رباح بن عبيدة، عن أبى سعيد الخدريّ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا فرغ من طعامه قال: الحمد للَّه الّذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 6/ 335، حديث رقم (21664) ، 6/ 341، حديث رقم (21696) ، 6/ 350، حديث رقم (21753) ، 6/ 358، حديث رقم (21798) ، كلهم من حديث أبى أمامة الباهلي رضى اللَّه تعالى عنه.
وأخرجه الترمذي (في السنن) : 5/ 473، كتاب الدعوات، باب (56) ما يقول إذا فرغ الطعام، حديث رقم (3456) ، قوله: «غير مودّع ... » ينصب على أنه حال من الحمد، ومودّع اسم مفعول من التوديع: أي غير متروك، أو حال من الطعام، يعنى لا يكون آخر طعامنا من اللَّه، وغير مستغنى عنه، أي هو محتاج إليه، و «ربّنا» روي بالرفع والنصب والجر:
* فالرفع: على تقدير هو ربّنا، وأنت ربّنا اسمع حمدنا ودعانا، أو على أنه مبتدأ خبره غير بالرفع وتقدم عليه.
* والنصب: على أنه منادى حذف منه ياء النداء، أو على المدح أو الاختصاص.
* والجر: على أنه بدل من اللَّه، أو على أنه بدل من الضمير في عنه.
وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) : 7/ 286، كتاب الصداق، باب ما يقول إذا فرغ من الطعام.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1092- 1093، كتاب الأطعمة، باب (16) ما يقال إذا فرغ من الطعام، حديث رقم (3284) .
وأخرجه الترمذي في (الشمائل) : 159- 160، باب (28) ما جاء في قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل الطعام وبعد ما يفرغ منه، حديث رقم (193) .
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 187، كتاب الأطعمة، باب (53) ما يقول الرجل إذا طعم، حديث رقم (3850) .
وأخرجه الترمذي في (السنن) : 5/ 474، كتاب الدعوات، باب (56) ما يقول إذا فرغ من الطعام، حديث رقم (3457) .
وأخرجه الترمذي أيضا في (الشمائل) : 159، باب ما جاء في قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل الطعام وبعد ما يفرغ منه، حديث رقم (192) وهو حديث إسناده ضعيف، فإن إسماعيل بن رباح مجهول لا يعرف، وباقي رجال الإسناد ثقات، أبو هاشم هو الرماني يحيى بن دينار، وقد اضطرب الرواة في إسناد هذا الحديث مما يشعر بضعفه، فهو لا يصح مرفوعا ولا موقوفا وإن كان قد حسنه الحافظ.(7/339)
وخرّجه أبو بكر بن أبى شيبة، أخبرنا أبو خالد الأحمر، عن حجاج، عن رباح، عن عبيدة، عن مولى لأبى سعيد، عن أبى سعيد قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أكل طعاما قال مثله.
وإسناد هذا الحديث مضطرب كما ترى [ (1) ] .
ولأبى داود والنسائي من حديث ابن وهب قال: أخبرنى سعيد بن أبى أيوب، عن أبى عقيل القرشيّ، عن أبى عبد الرحمن الجبليّ، عن أبى أيوب الأنصاري رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال: الحمد للَّه الّذي أطعم، وسقى، وسوّغه، وجعل له مخرجا [ (2) ] .
وللنّسائى من حديث ابن وهب قال: أخبرنى سعد عن عكرمة ابن عمرو، عن أبى هبيرة، عن عبد الرحمن بن جبير، عن من خدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم، أنه سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول إذا قرب إليه طعاما قال: بسم اللَّه، فإذا فرغ من طعامه قال: اللَّهمّ أطعمت، وسقيت، وأرويت، وهديت، وأحييت، فلك الحمد على ما أعطيت.
ومن حديث زهير، عن سهيل، عن أبيه، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: [دعي] رجل من الأنصار من أهل قباء- يعنى النبي صلى اللَّه عليه وسلم- فانطلقنا
__________
[ (1) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 5/ 138، باب (26) في التسمية على الطعام، حديث رقم (24494) ، ورقم (24497) من حديث عبد اللَّه بن إدريس، عن حصين، عن إسماعيل بن أبى سعيد، بمثله، وحديث رقم (24498) ، من حديث محمد بن فضيل عن حصين، عن حصين، عن إسماعيل بن أبى سعيد بمثله.
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 177- 178، كتاب الأطعمة، باب (53) ما يقول الرجل إذا طعم، حديث رقم (3851) ، ونسبه المنذري للنسائى، قوله: «سوّغه» ، جعله سائغا، سهل المدخل في الحلق.(7/340)
معه، فلما طعم وغسل يده أو يديه قال: الحمد للَّه الّذي يطعم ولا يطعم، منّ علينا فهدانا، وأطعمنا وسقانا، وكل بلاء حسن أبلانا، الحمد للَّه غير مودع ولا مكافئ ولا منكور ولا مستغنى عنه، الحمد للَّه الّذي أطعم من الطعام، وسقى من الشراب، وكسى من العرى، وهدى من الضلالة، وبصّر من العمى، وفضّل على كثير من خلقه تفضيلا، الحمد للَّه رب العالمين [ (1) ] .
__________
[ (1) ] لم أجدهما في (السنن) ، ولعلهما في (الكبرى) .(7/341)
وأمّا ما يقوله إذا أكل عند أحد
فخرّج أبو داود من حديث معمر، عن ثابت، عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة، فجاء بخبز وزيت، فأكل، ثم قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلّت عليكم الملائكة [ (1) ] .
وخرّج النسائي وقاسم بن أصبغ من حديث وكيع، عن هشام عن يحيى ابن أبى كثير، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أفطر عند أهل بيت قال: أفطر عندكم الصائمون.
وخرّج مسلم من حديث شعبة، عن يزيد بن خمير، عن عبد اللَّه بن بسر، قال: نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على أبى [قال:] [ (2) ] فقربنا إليه طعاما ووطبة فأكل منها، ثم أتى بتمر، وكان يأكله ويلقى النوى بين إصبعيه، ويجمع السبابة والوسطى، [قال شعبة:] [ (2) ] هو ظنّى وهو فيه إن شاء اللَّه تعالى، إلقاء النوى بين [الإصبعين] [ (2) ] ثم أتى بشراب فشربه، ثم ناوله الّذي عن يمينه، [قال:] [ (2) ] فقال أبى وأخذ بلجام دابته: أدع اللَّه عزّ وجلّ لنا، فقال:
اللَّهمّ بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم، وارحمهم [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 189، كتاب الأطعمة، باب (55) ما جاء في الدعاء لرب الطعام إذا أكل عنده، حديث رقم (3854) .
[ (2) ] زيادات للسياق من (صحيح مسلم) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 237- 238، كتاب الأشربة، باب (22) استحباب وضع النوى خارج التمر، واستحباب دعاء الضيف لأهل الطعام وطلب الدعاء من الضيف الصالح وإجابته لذلك، حديث رقم (146) .
والوطئة بالهمزة أو بالباء عند أهل اللغة طعام يتّخذ من التمر كالحيس. وفي الحديث من الفوائد أن الشراب ونحوه يدار على اليمين، وفيه استحباب طلب الدعاء من الفاضل، ودعاء الضيف(7/342)
ذكره الترمذي بهذا الإسناد في كتاب الدعاء، ولم يقل فيه: ووطئه، وقال: حديث حسن صحيح [ (1) ] . وذكره أبو داود وقال في الإسناد: عن عبد اللَّه بن بسر من بنى سليم، وقال في الحديث: فقدم إليه طعاما، فذكر حيسا أتاه به [ (2) ] .
وذكره ابن أبى شيبة عن شعبة بهذا الإسناد وقال: جاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم فنزل على أبى، فأتاه بطعام سويق وحيس، فأكل، وأتاه بشراب، فشرب، وناوله من عن يمينه، وكان إذا أكل التمر ألقى النوى هكذا، وأشار بإصبعيه على ظهرهما، فلما ركب النبي صلى اللَّه عليه وسلم قام أبى فأخذ بلجامه فقال: يا رسول اللَّه، ادع لنا.. الحديث مثله [ (3) ] .
وخرّج عبد الرزاق من حديث [معمر] ، عن ثابت البناني، عن أنس أو غيره، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم استأذن على سعد بن عبادة فقال: السلام عليكم ورحمة اللَّه، فقال سعد: وعليك السلام ورحمة اللَّه، ولم يسمع النبي صلى اللَّه عليه وسلم حتى سلّم ثلاثا ولم يسمعه، فرجع، وأتبعه سعد فقال: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، بأبي أنت وأمى، ما سلمت تسليمة إلا هي بأذني، ولقد رددت عليك ولم أسمعك، أحببت أن أستكثر من سلامك ومن البركة، ثم أدخله البيت، فقرب له زبيبا، فأكل منه نبي اللَّه، فلما فرغ قال: أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون.
__________
[ () ] بتوسعة الرزق والمغفرة والرحمة، وقد جمع صلى اللَّه عليه وسلم في هذا الدعاء خيرات الدنيا والآخرة، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) .
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 530، كتاب الدعوات، باب (118) في دعاء الضيف، حديث رقم (3576) .
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 115، كتاب الأشربة، باب (2) في النفخ في الشراب والتنفس فيه، حديث رقم (3729) .
[ (3) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 6/ 112، باب (165) دعاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم للرجل الّذي نزل به، حديث رقم (29868) .(7/343)
وأمّا أكله باليمين
فخرّج الحاكم من حديث يحيى بن زكريا بن أبى زائدة قال: أخبرنا أبو أيوب، عبد اللَّه بن على الإفريقي، عن عاصم بن بهدلة، عن المسيب بن رافع، عن حارثة بن وهب الخزاعي [ (1) ] قال: حدثتني حفصة، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه، ويجعل يساره لما سوى ذلك.
قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] [ (2) ] .
وخرّج الإمام أحمد من حديث حماد بن سلمة، حدثنا عاصم بن بهدلة، عن سواء الخزاعي، عن حفصة قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا آوى إلى فراشه اضطجع على يده اليمنى، وكانت يمينه لأكله وشرابه ووضوئه وثيابه، وأخذه وعطائه، وكان يجعل [شماله] لما سوى ذلك [ (3) ] .
وأمّا أنه كان لا يأكل من الهدية حتى يأمر صاحبها أن يأكل منها
فخرّج البزار من حديث سعيد بن محمد يمنى الجرمي، [قال:] حدثنا يحيى بن واضح- هو أبو نميلة- أخبرنا محمد بن إسحاق، عن عبد اللَّه بن أبى بكر، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن ابن الحويكة،
__________
[ (1) ] في (المستدرك) : «جارية بنت وهب الخزاعي» .
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 122، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7019) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : في سنده مجهول.
[ (3) ] (مسند أحمد) : 7/ 408، حديث رقم (25922) ، 7/ 409، حديث رقم (25925) ، وزاد في الحديث الأول: «وكان يصوم الاثنين والخميس» وزاد في الحديث الثاني: «وكان صوم ثلاثة أيام من كل شهر: الاثنين والخميس والاثنين من الجمعة الأخرى. وكلا الحديثين من حيث أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضى اللَّه تعالى عن الجميع.(7/344)
عن عمار بن ياسر [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يأكل من هدية حتى يأمر صاحبها أن يأكل منها، للشاة التي أهديت بخيبر [ (1) ] .
قال البزار: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمار إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وخرّجه الطبراني في الكبير من حديث سعيد أيضا به مثله، وصرّح في روايته بتحديث عبد اللَّه بن أبى بكر لمحمد بن إسحاق، وسعيد ابن محمد الجرمي، من رجال الصحيحين، وأبو نميلة يحيى بن واضح مخرّج له في الصحيح، وابن إسحاق قد صرّح بالتحديث، ومحمد بن عبد الرحمن أخرج له مسلم، ويزيد بن الحوتكيّة [ (2) ] من رجال النسائي، وهو قوى، لكن حمد بن عبد الرحمن لم أر له رواية عنه سوى هذه، وما أظنه أدركه، فينظر.
[وقال البكري: وروى محمد بن عبد الرحمن، وحكيم بن جبير، أنهما سمعا رجلا من بنى تميم يقال له ابن الحوتكيّة يقول: قدمنا على عمر بن الخطاب فقال لنفر عنده: أيكم حضر رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] ونحن بالقاحة [ (3) ] إذ أهدى الأعرابي إليه الأرنب، فقال قائل: أنا أحدثكم، كنت معه بالقاحة [ (3) ] فأهدى أعرابى أرنبا، وكان لا يأكل هدية بعد الشاة المسمومة حتى يأكل صاحبها منها، فقال للأعرابى: كل] [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (كنز العمال) : 7/ 106، حديث رقم (18187) ، وعزاه إلى الطبراني عن عمار بن ياسر.
[ (2) ] هو يزيد بن الحوتكية التميمي الكوفي، روى عن عمر وعمار وأبى ذر وأبى الدرداء وأبىّ بن كعب.
وعنه موسى بن طلحة بن عبيد اللَّه، قال يعقوب بن شيبة: وكان ابن الحوتكية أحد أخوال موسى بن طلحة بن عبيد اللَّه، وأكثر ما يأتى غير مسمى.
قال أبو حاتم الرازيّ: لا أعلم أحدا سماه غير حجاج بن أرطاة عن عثمان بن موهب، عن موسى ابن طلحة، وذكره ابن حبان في الثقات، له ترجمة في: (تهذيب التهذيب) : 11/ 281، ترجمة رقم (519) .
[ (3) ] القاحة مدينة على ثلاث مراحل من المدينة قبل السقيا بنحو ميل. (معجم البلدان) : 4/ 329، موضع رقم (9348) .
[ (4) ] ما بين الحاصرتين سقط في (ج) .(7/345)
فصل في ذكر شرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومشروباته
اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يستعذب له الماء، ويبرّد له، وشرب اللبن، وكان ينبذ له فيشربه، وشرب السويق، وكان يشربه مصّا، ولا يتنفس في الإناء، وشرب قائما وقاعدا، وشرب آخر أصحابه، وكان يؤثر من على يمينه بسؤره.
وأما طلب الماء العذب
فخرّج البخاري ومسلم من حديث يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، أنه سمع أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] يقول: كان أبو طلحة أكثر أنصارىّ المدينة مالا، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس رضى اللَّه عنه: فيها نزلت هذه الآية: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، قام أبو طلحة رضى اللَّه عنه، إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه! إن اللَّه عزّ وجل يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [ (1) ] وإن أحب أموالى بيرحاء، وإنها صدقة أرجو برّها، وذخرها عند اللَّه، فضعها يا رسول اللَّه حيث شئت، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، قد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، قال أفعل يا رسول اللَّه، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبنى عمه. ذكره البخاري في كتاب الوكالة، وترجم عليه باب: إذا قال الرجل لوكيله: ضعه حيث أراك اللَّه، وقال الوكيل: قد سمعت ما قلت. وقال بعقبه: تابعه إسماعيل عن مالك، وقال روح عن مالك: مال
__________
[ (1) ] آل عمران: 92.(7/346)
رابح. وذكره في كتاب الزكاة، وفي كتاب التفسير، وفي الأشربة، وفي الوقوف [ (1) ] . وذكره مسلم في كتاب الزكاة [ (2) ] ، وخرّجه أبو داود [ (3) ] والنسائي [ (4) ] ، وألفاظهم فيه مختلفة.
ولأبى داود من حديث قتيبة بن سعيد [قال:] حدثنا الدراوَرْديّ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يستعذب له الماء من بيوت السقيا، قال قتيبة: هي عين بينها وبين المدينة يومان [ (5) ] .
وخرّجه الحاكم بهذا السند، ولفظه: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يستسقى له
__________
[ (1) ] ذكره البخاري في كاب الزكاة، باب (44) الزكاة على الأقارب. وقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: له أجران: أجر القرابة والصدقة، حديث رقم (1461) .
وأخرجه في كتاب الوصايا، باب (10) إذا وقف أو أوصى لأقاربه ومن الأقارب؟ حديث رقم (2752) ، وفي باب (17) من تصدق إلى وكيله، ثم ردّ الوكيل إليه، حديث رقم (2758) ، وفي باب (26) إذا وقف أرضا ولم يبين الحدود فهو جائز، وكذلك الصدقة، حديث رقم (2769) .
وفي كتاب الوكالة، باب (15) إذا قال الرجل لوكيله: ضعه حيث أراك اللَّه، وقال الوكيل: قد سمعت ما قلت، حديث رقم (2318) .
وفي كتاب التفسير، باب (5) لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، حديث رقم (4554) ، (4555) .
وفي كتاب الأشربة، باب (13) استعذاب الماء، حديث رقم (5611) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 88- 89، كتاب الزكاة باب (14) فصل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدان ولو كانوا مشركين، حديث رقم (42) .
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 2/ 318- 319، كتاب الزكاة، باب (45) في صلة الرحم، حديث رقم (1689) .
[ (4) ] (سنن النسائي) : 6/ 542، كتاب الإحباس، باب (2) كيف يكتب الحبس، حديث رقم (3604) ، وأخرجه النسائي أيضا في (التفسير) : سورة آل عمران. قوله: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، الحديث (87) .
[ (5) ] (سنن أبى داود) : 4/ 119، كتاب الأشربة، باب (22) في إيكاء الآنية، حديث رقم (3735) .(7/347)
الماء العذب من بيوت السّقيا. وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم [ (1) ] .
وخرّجه أحمد ولفظه: كان يستسقى له الماء العذب من بيوت السقيا [ (2) ] . وخرّجه ابن حيّان كذلك [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 154، كتاب الأشربة، حديث رقم (7204) ، وقد سكت عنه الذهبي في (التلخيص) . قال محقق (المستدرك) : عبد العزيز بن محمد الدراوَرْديّ صدوق من علماء المدينة، غيره أقوى منه.
قال أحمد بن حنبل: إذا حدّث من حفظه يهم، ليس هو بشيء، وإذا حدّث من كتابه فنعم.
وقال أحمد أيضا: إذا حدّث من حفظه جاء ببواطيل، وأما ابن المديني فقال: ثقة ثبت، وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال يحيى بن معين: هو أثبت من فليح. وقال أبو زرعة: سيئ الحفظ، وقال ابن معين بن عيسى: يصلح الدراوَرْديّ أن يكون أمير المؤمنين. (ميزان الاعتدال) : 2/ 633.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 145، حديث رقم (24172) .
[ (3) ] (أخلاق النبي) : 227- 228.(7/348)
وأمّا [الآبار] التي كان يستعذب له منها الماء
فقال الواقدي: حدثني معاوية بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبى رافع، عن جدته سلمى قالت: كان أبو أيوب حين نزل عنده رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يستعذب له الماء من بئر مالك بن أبى أنس، فلما صار إلى منزله كان أنس وهند [ (1) ] وحارثة ابنا أسماء الأسلميان، يحملون قدور الماء إلى بيوت نسائه من بيوت السقيا، ثم كان رباح- وهو عبد أسود له- يسقى من بئر غرس مرة، ومن بيوت السقيا بأمره [ (2) ] .
قال: وحدثني سليمان بن عاصم قال: قال الهيثم بن نصر الأسلمي:
خدمت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولزمت بابه في قوم محاويج، فكنت آتية بالماء من بئر أبى الهيثم بن التيهان جاسم، وكان ماؤها طيبا، ولقد دخل يوما صائفا، ومعه أبو بكر رضى اللَّه عنه على أبى الهيثم فقال له: هل من ماء بارد؟ فأتاه بشجب فيه ماء كأنه الثلج، فصب منه على لبن عنز له، وسقاه، ثم قال له: إن لنا عريشا باردا فقل فيه يا رسول اللَّه عندنا، ونضحه بالماء، فدخله وأبو بكر، وأتى أبو الهيثم بألوان من الرطب: عجوة [و] ابن طاب، وأمهات جراذين، ثم جاءهم بعد ذلك بجفنة مملوءة ثريدا عليها العراق [ (3) ] ، فأكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأبو بكر رضى اللَّه عنه، وأكلنا، ثم قال: عجبا للناس! يقولون توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولم يشبع من خبز الشعير، فلما حضرت الصلاة، صلى بنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيت أبى الهيثم، وزوجة أبى الهيثم خلفنا، ثم سلّم وعاد إلى العريش، فصلى فيه ركعتين بعد الظهر
__________
[ (1) ] في (الأصلين) : «حيدر» ، وصوبناه من (طبقات ابن سعد) .
[ (2) ] في (الأصلين) : «مرة» ، وصوبناه من (طبقات ابن سعد) .
[ (3) ] العراق: عظم عليه لحم يسير.(7/349)
ورأيته ينصب اليمنى من رجليه، ويفترش اليسرى.
قال الواقدي: وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يشرب من بئر لبني أمية من الأنصار، تسمى العبيرة، فسماها اليسيرة، وفي رواية: كانت تسمى العسيرة فسماها اليسيرة، والأول أثبت، وكان يشرب من بئر رومة بالعقيق، وبصق فيها فعذبت، [قال:] وهي بئر قديمة، قد كانت انطمت، فأتى قوم من مزينة، فحالفوا الأنصار، وقاموا عليها بأبدانهم فأصلحوها، وكانت رومة امرأة منهم، أو أمة لهم تستقي منها للناس، فنسبت إليها [ (1) ] .
وقال بعض الرواة: إن الشعبة التي هي طرفها تدعى رومة، والشعبة واد صغير يجرى فيه الماء،
ومرّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بهذه البئر، فرأى عليها رجلا من مزينة، يسقى عليها بأجر، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: نعم صدقة المؤمن هذه، فاشتراها عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه بأربع مائة دينار، فتصدق بها، فلمّا علّق عليها العلق- والعلق: البكرة وآلة السقي- مرّ بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [فسأل عنها] ، فأخبر خبرها، فقال: اللَّهمّ أوجب لعثمان الجنة، وشرب منها، فقال: هذا هو النقاح [ (2) ] [أما إن هذا الوادي ستكثر مياهه ويعذبون وبئر المزنيّ أعذبها] [ (3) ] .
وقال محمد بن سعد، عن الواقدي، عن أبى بكر بن عبد اللَّه بن أبى سبرة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: بئر غرس من عيون الجنة [ (4) ] .
وذكر الواقدي عن سفيان الثوري، عن ابن جريج، عن أبى جعفر قال:
__________
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 504.
[ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 506، ذكر البئار التي شرب منها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
[ (3) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (4) ] (المرجع الاسبق) : 1/ 505.(7/350)
كان يستعذب لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الماء من بئر غرس، ومنها غسّل. وفي رواية وغسّل من بئر لسعد بن خيثمة يقال لها بئر الغرس، وكان يشرب منها.
قال الواقدي احتفر بئر غرس: مالك بن النحاط وهو جد سعد بن خيثمة ابن الحارث بن مالك بن النحاط، وكان له عبد أسود يتولاها، ويقوم عليها، ويكثر السقي منها، وكان يدعى: سلاما، ويلقب: غرسا، فيغضب، فنسبت إليه فقيل: بئر غرس، وبئر الغرس. ويقال: إن مالك احتفرها، وجعل منها مجرى إلى غرس كان غرسه، فكانت تدعى: بئر الغرس، ثم حذفت الألف واللام، فقيل: غرس، ويقال: بئر غرس بضم الغين، وهو خطأ.
قال الواقدي: عن أبىّ بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبيه، عن أبى أسيد، وأبى حميد، وأبى سهل بن سعد، سمعهم يقولون: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بئر بضاعة، فتوضأ في الدلو، وردّها في البئر، ومج في الدلو مرة أخرى، وبصق فيها، وشرب من مائها، وكان إذا مرض المريض، قال:
اغسلوه من ماء بضاعة، فيغسل، فكأنما نشط من عقال [ (1) ] .
قال الواقدي:
تكون بئر بضاعة سبعا في سبع، وعيونها كثيرة، وهي لا تنزح.
وقال هشام بن عمار: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن محمد بن أبى يحيى الأسلمي، عن أمه قالت: دخلنا على سهل بن سعد الساعدي في بيته، فقال: لو سقيتكم، من بئر بضاعة لكرهتم ذلك، وقد واللَّه سقيت منها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيدي هذه [ (2) ] .
قال الواقدي: بضاعة، امرأة قديمة من اليهود، أو قبل اليهود، [كانت] احتفرتها، ثم إنها انطمت [فنزحها] بنو ساعدة وأصلحوها.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 1/ 505.
[ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 505.(7/351)
وأمّا تبريد الماء
فخرج مسلم من حديث جابر الطويل: فأتينا المعسكر، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يا جابر، ناد بوضوء، فقلت: ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ قال: فقلت: يا رسول اللَّه! ما وجدت في الركب من قطرة، وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الماء في أشجاب له على حمارة من جريد، فقال لي: انطلق إلى فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شيء؟ قال: فانطلقت إليه، فنظرت فيها، فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، ولو أنى أفرغته لشربه يابسه، [فأتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه إني لم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أنى أفرغه لشربه يابسه] ، قال: اذهب فأتنى [به] ، فأخذه بيده، ثم جعل يتكلم بشيء لم أدر ما هو، [ويغمزه] بده، ثم أعطانيه فقال: يا جابر، ناد بجفنة، فقلت: يا جفنة الركب! فأتيته بها، فوضعها بين يديه فقال صلى اللَّه عليه وسلم بيده في الجفنة هكذا، فبسطها، وفرّق بين أصابعه، ثم وضعها في قعر الجفنة وقال: خذ يا جابر، فصبّ عليّ، وقال:
باسم اللَّه. فصببت عليه وقلت: [باسم] اللَّه، فرأيت الماء يتفور من بين أصابع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ثم فأرت الجفنة، ودارت حتى امتلأت.
وذكر الحديث [ (1) ] ، وقد تقدم بطرقه في المعجزات.
وخرّج البخاري من حديث فليح بن سليمان، عن سعيد بن الحارث، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنه، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم دخل على رجل من
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 352- 354، كتاب الزهد والرقائق، باب (18) حديث جابر الطويل، حديث رقم (3013) وقد سبق شرحه في فصل معجزات النبي صلى اللَّه عليه وسلم في تكثير الماء، فليراجع.(7/352)
الأنصار ومعه صاحب له، فسلم النبي وصاحبه، فردّ الرجل، فقال: يا رسول اللَّه! بأبي أنت وأمى، وهي ساعة حارة، وهو يحول في حائط له- يعنى الماء- إن كان عندك ماء بات في شنة، وإلا كرعنا [والرجل يحول الماء في حائط] ، فقال الرجل: يا رسول اللَّه، عندي ماء بات، فانطلق إلى العريش، فسكب في قدح ماء، ثم حلب عليه من داجن له، فشرب النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ثم أعاده فشرب الرجل الّذي جاء معه. ترجم عليه باب: الكرع في الحوض [ (1) ] ، وذكره في باب: شوب اللبن بالماء بهذا الإسناد [ (2) ] .
وذكره أبو داود، ولفظه قال: دخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم ورجل من أصحابه على رجل من الأنصار وهو يحوّل الماء في حائطه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن كان عندك ماء بات هذه الليلة في شنّ، وإلا كرعنا، فقال: بل عندي ماء بات في شن [ (3) ] .
وللترمذي [ (4) ] والنسائي [ (5) ] وأحمد [ (6) ] ، من حديث سفيان، عن معمر،
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 108، كتاب الأشربة، باب (20) الكرع في الحوض، حديث رقم (5621) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : باب (14) شرب اللبن بالماء، حديث رقم (5613) ، قوله: «شرب اللبن بالماء» .
أي ممزوجا، وإنما قيده بالشرب للاحتراز عن الخلط عند البيع. ووقع في رواية الكشميهني بالواو بدل الراء، [وهي التي أثبتها المقريزي رحمه اللَّه] .
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 112- 113، كتاب الأشربة، باب (18) في الكرع، حديث رقم (3724) ، وأخرجه ابن ماجة في الأشربة، باب الشرب بالأكف والكرع، حديث رقم (3432) .
[ (4) ] (سنن الترمذي) : 4/ 272، كتاب الأشربة، باب (21) ما جاء أي الشراب كان أحب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حديث رقم (1895) من حديث سفيان بن عيينة عن معمر عن الزّهرىّ عن عروة عن عائشة.
وحديث رقم (1896) من حديث عبد اللَّه بن المبارك، عن معمر ويونس عن الزهري، وأخرجه أيضا في (الشمائل) : حديث رقم (105) .
[ (5) ] أخرجه النسائي في (السنن الكبرى) ، كتاب الوليمة.
[ (6) ]
(مسند أحمد) : 7/ 58، حديث رقم (23580) ، 7/ 62، حديث رقم (23609) ، وله شاهد من حديث ابن عباس ذكره الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 55، حديث رقم (3119) ولفظه: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سئل أي الشراب أطيب؟ قال: الحلو البارد، وفيه راو لم يسمّ.(7/353)
عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان أحب الشراب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الحلو البرد. قال أبو عيسى: هكذا روى سفيان ابن عيينة هذا الحديث عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.
وروى عبد اللَّه بن المبارك، وعبد الرزاق، وغير واحد، عن معمر، عن الزهري، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم يذكروا فيه: عن عروة، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] .
وهكذا روى يونس وغير واحد عن الزهري، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرسل.
قال أبو عيسى: إنما أسنده ابن عيينة من بين الناس، وذكر حديث عبد اللَّه بن المبارك، أخبرنا معمر ويونس، عن الزهري، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سئل أي الشراب أطيب؟ قال: الحلو البارد.
قال أبو عيسى: وهكذا روى عبد الرّزّاق، عن معمر، عن الزهري، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرسل، قال أبو عيسى: وهذا أصح من حديث ابن عيينة.
وذكره الحاكم [حديث] ابن عيينة وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه [ (1) ] . وشاهده حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة [رضى اللَّه عنها] قالت: كان أحب الشراب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الحلو البارد [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 153، كتاب الأشربة، حديث رقم (7200) ، وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، فإنّه ليس عند اليمانيين عن معمر، وقال الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. لم يروه معمر باليمن.
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (7201) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : عبد اللَّه بن محمد بن يحيى هالك.
وأخرجه الحميدي في (المسند) : 1/ 125، حديث رقم (257) ، وأخرجه ابن عدي في (الكامل) : 4/ 184، في ترجمة عبد اللَّه بن محمد بن يحيى بن عروة بن الزبير بن العوام، رقم (33/ 1000) مدينى، ضعفه أبو حاتم والعقيلي وغيرهم، (لسان الميزان) : 3/ 331.
وأخرجه ابن أبى شيبة في (المصنف) : 5/ 107- 108، كتاب الأشربة، باب (40) ما يستحب من الأشربة، حديث رقم (24187) ، (24189) .(7/354)
وأمّا قدحه الّذي يشرب فيه
فخرج البخاري في كتاب الاعتصام، من حديث أبى أسامة، عن بريد، عن أبى بردة قال قدمت المدينة فلقيني عبد اللَّه ابن سلام فقال لي: انطلق إلى المنزل فسأسقيك في قدح [شرب فيه] النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وتصلى في مسجد صلى [فيه] النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فانطلقت معه، فأسقانى سويقا، وأطعمنى تمرا، وصليت في مسجده [ (1) ] .
وذكره في كتاب الأشربة، من حديث أبى عوانة، عن عاصم الأحول قال: رأيت قدح النبي صلى اللَّه عليه وسلم عند أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] ، وكان قد انصدع فسلسله بفضة، قال: وهو قدح جيد عريض من نضار. قال: قال أنس [رضى اللَّه عنه] : لقد سقيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في هذا القدح، أكثر من كذا وكذا [ (2) ] .
قال: وقال ابن سيرين: أنه كان فيه حلقة من حديد، فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة، فقال له أبو طلحة: لا تغيرن شيئا صنعه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فتركه [ (2) ] .
وذكر في كتاب الخمس، حديث عاصم، عن ابن سيرين، عن أنس رضى اللَّه عنه، أن قدح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم انكسر، فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة، قال عاصم: رأيت القدح
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 121، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (16) ، حديث رقم (7342) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 121، كتاب الأشربة، باب (30) الشرب من قدح النبي صلى اللَّه عليه وسلم وآنيته، حديث رقم (5638) .(7/355)
وشربت فيه [ (1) ] .
وخرّج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث أبى حازم، عن سهل بن سعد قال: ذكر لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم امرأة من العرب، فأمر أبا أسيد: [الساعدي] أن يرسل إليها، فأرسل إليها، فقدمت، فنزلت في أجم بنى ساعدة، فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى جاءها، فدخل عليها، فإذا هي امرأة منكسة رأسها، فلما كلمها [النبي صلى اللَّه عليه وسلم] قالت: أعوذ باللَّه منك! قال: قد أعذتك منى، فقالوا لها: أتدرين من هذا؟ قالت: لا، فقالوا: هذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، جاءك ليخطبك، فقالت: أنا كنت أشقى من ذلك، قال سهل: فأقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ حتى جلس في سقيفة بنى ساعدة هو وأصحابه، ثم قال: اسقنا أسهل، فأخرجت لهم القدح فأسقيتهم فيه. قال أبو حازم: فأخرج لنا سهل ذلك القدح فشربنا فيه، ثم استوهبه بعد ذلك عمر بن عبد العزيز، فوهبه له.
ولمسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: لقد سقيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بقدحى هذا الشراب كله: العسل، والنبيذ، واللبن، والماء [ (4) ] .
وروى ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد اللَّه، عن ابن عباس رضى اللَّه
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 216، كتاب فرض الخمس، باب (5) ما ذكر من درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه، وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته، ومن شعره ونعله وآنيته، مما تبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته، حديث رقم (3109) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 10/ 121، كتاب الأشربة، باب (30) الشرب من قدح النبي صلى اللَّه عليه وسلم وآنيته، حديث رقم (5637) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 188، كتاب الأشربة، باب (9) إباحة النبيذ الّذي لم يشتدّ ولم يصر مسكرا، حديث رقم (88) . ثم قال: وفي رواية أبى بكر بن إسحاق: «قال اسقنا يا سهل» .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 190، كتاب الأشربة، باب (10) جواز شرب اللبن، حديث رقم (89) ، وفيه: «والماء واللبن» .(7/356)
عنهما قال: [إن صاحب اسكندرية بعث إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بقدح قوارير، [وكان صلى اللَّه عليه وسلم] يشرب [فيه] .
وخرّج الحاكم من حديث ابن أبى مليكة، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] ، أنها قالت: كنا نضع لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الليل ثلاث أواني مخمّرة، إناء لطهوره، وإناء لسواكه، وإناء لشرابه. وقال: حديث صحيح [ (1) ] . [الإسناد ولم يخرجاه] [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 157، كتب الأشربة، حديث رقم (7215) ، وقال الذهبي في (التلخيص) :
صحيح،
[ (2) ] زيادة للسياق من (المستدرك) .(7/357)
وأمّا شربه اللبن
فخرج البخاري ومسلم من حديث شعبة، عن أبى إسحاق قال:
سمعت البراء [قال] قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم من مكة، وأبو بكر رضى اللَّه عنه معه، فقال أبو بكر: مررنا براع وقد عطش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم- قال أبو بكر رضى اللَّه عنه: فحلبت كثبة من لبن في قدح، فشرب حتى رضيت، وأتانا سراقة ابن جعشم على فرس، فدعا عليه، فطلب إليه سراقة [أن لا] يدعو عليه وأن يرجع، ففعل النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . اللفظ للبخاريّ.
ولفظ مسلم: عن البراء قال: قال أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه: لما خرجنا مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم من مكة إلى المدينة، مررنا براع، وقد عطش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فحلبت له كثبه من لبن، فأتيته به، فشرب حتى رضيت [ (2) ] .
وأخرجاه في كتاب الهجرة أتم من هذا وأطول.
وللبخاريّ من حديث سفيان، عن سالم أبى النّضر، عن عمير مولى أم الفضل، عن أم الفضل، أنهم شكّوا في صوم النبي صلى اللَّه عليه وسلم يوم عرفة، فبعثت إليه بقدح من لبن فشربه. ذكره في الأشربة، وترجم عليه باب: الشرب في الأقداح [ (3) ] ، وله طرق في كتاب الصيام، وهو مما اتفقا على إخراجه.
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 86، كتاب الأشربة، باب (12) شرب اللبن، وقول اللَّه عزّ وجلّ: مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ، حديث رقم (5607) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 190، كتاب الأشربة، باب (10) جواز شرب اللبن، حديث رقم (90) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 10/ 86، كتاب الأشربة، باب (12) شرب اللبن، حديث رقم (5603) ولفظه كما في البخاري: «شك الناس في صيام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم عرفة، فأرسلت إليه بإناء فيه لبن فشرب» فكان سفيان ربما قال: «شك الناس في صيام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم عرفة، فأرسلت إليه أم الفضل» فإذا وقف عليه قال: هو عن أم الفضل، باب (29) الشرب في الأقداح، حديث رقم (5636) .(7/358)
وقال البخاري في باب شرب اللبن: وقال إبراهيم بن طهمان، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: رفعت إليّ السّدرة، فإذا أربعة أنهار: نهران ظاهران، ونهران باطنان، فأما الظاهران، فالنيل والفرات، وأما الباطنان، فنهران في الجنة، فأتيت بثلاثة أقداح: قدح فيه لبن، وقدح فيه عسل، وقدح فيه خمر، فأخذت الّذي فيه اللبن، فشربت، فقيل لي: أصبت الفطرة أنت وأمتك [ (1) ] . وذكره مسلم في كتاب الإيمان، في حديث الإسراء [ (2) ] ، وكرره البخاري في مواضع.
ولابن حيّان من حديث ياسين الزيات، عن عطاء، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كان أحب الشراب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اللبن [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 87، كتاب الأشربة، باب (12) شرب اللبن، حديث رقم (6510) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 581- 583، كتاب الإيمان، باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات، حديث رقم (264) .
[ (3) ] (كنز العمال) : 7/ 111، حديث رقم (18223) ، وعزاه إلى أبى نعيم في الطب عن ابن عباس.(7/359)
وأمّا شربه النبيذ
فخرج مسلم من حديث أبى عوانة، عن أبى الزبير عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه [عنهما] قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان ينبذ له في تور من حجارة [ (1) ] .
ومن حديث زهير قال: أخبرنا أبو الزبير عن جابر قال: كان ينتبذ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سقاء، فإذا لم يجدوا سقاء [نبذ] [ (2) ] له في تور من حجارة، فقال بعض القوم: وأنا أسمع لأبى الزبير من برام، قال من برام [ (3) ] .
ومن حديث شعبة، عن يحيى بن عبيد، أبى عمر البهراني قال:
سمعت ابن عباس رضى اللَّه عنهما يقول: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينتبذ [له] أول الليل، فيشربه إذا أصبح يومه ذلك، والليلة التي تجيء [والليلة الأخرى] والغد، إلى العصر، فإن بقي شيء سقاه الخادم، أو أمر به فصبّ [ (4) ] .
وفي رواية له من حديث شعبة، عن يحيى البهراني قال: ذكروا النبيذ عند ابن عباس فقال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينتبذ له في سقاء. قال شعبة:
من ليلة الاثنين، فيشربه يوم الاثنين، والثلاثاء إلى العصر، فإن فضل منه شيء، سقاه الخادم أو صبّه [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 178، كتاب الأشربة، باب (6) النهى عن الانتباذ في المزفت والدباء والحنتم والنقير، وبيان أنه منسوخ وأنه اليوم حلال، ما لم يصر مسكرا، حديث رقم (1999) .
[ (2) ] في (خ) : «نبذوا» .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (62) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (62) .
[ (5) ] (المرجع السابق) : 184- 185، كتاب الأشربة، باب (9) إباحة النبيذ الّذي لم يشتد ولم يصر مسكرا، حديث رقم (79) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.(7/360)
وفي أخرى، عن الأعمش، عن أبى عمر، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينقع له الزبيب، فيشربه اليوم، والغد، وبعد الغد، إلى مساء الليلة الثالثة، ثم يأمر به فيسقى، أو يهراق [ (1) ] .
وخرّج أيضا من حديث الأعمش، عن يحيى [بن] أبى عمر، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينبذ له الزبيب في السقاء، فيشربه يومه، والغد، وبعد الغد، فإذا كان مساء الثالث، شربه، وسقاه، فإن فضل شيء أهراقه [ (2) ] .
ومن حديث عبيد اللَّه، عن زيد، عن يحيى أبى عمر النخعي قال: سأل قوم ابن عباس عن بيع الخمرة، وشرائها، والتجارة فيها، فقال: أمسلمين أنتم؟ قالوا: نعم، قال: فإنه لا يصلح بيعها، ولا شراؤها، ولا التجارة فيها، قال: فسألوه: عن النبيذ فقال: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سفر، ثم رجع، وقد نبذ ناس من أصحابه في حناتم، ونقير، ودبّاء، فأمر به فأهريق، ثم أمر بسقاء، فجعل فيه زبيب وماء، فجعل من الليل، فأصبح فشرب منه يومه ذلك، وليلته المستقبلة، ومن الغد حتى أمسى، فشرب وسقى، فلما أصبح أمر بما بقي فأهريق [ (3) ] .
ومن حديث ثمامة بن حزن القشيري، قال: لقيت عائشة رضى اللَّه عنها، فسألتها عن النبيذ، فدعت جارية حبشية فقالت: سل هذه، إنها كانت تنبذ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقالت الحبشية: كنت أنبذ له في سقاء من الليل: وأوكيه، وأعلّقه، فإذا أصبح شرب منه [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (81) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (82) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (83) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (84) .(7/361)
وخرّج مسلم [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] والترمذي [ (3) ] من حديث يونس بن عبيد، عن الحسن، عن أمه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كنا ننبذ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سقاء، فنوكئ أعلاه، وله عزلاء، ننبذه غدوة، فيشربه عشاء، وننبذه عشاء فيشربه غدوة. اللفظ لمسلم. ولفظهما عن عائشة [رضى اللَّه عنهما] قالت: كان ينبذ.
ولأبى داود من حديث مقاتل ابن حيان، قال: حدثتني عمتي عمرة، عن عائشة رضى اللَّه عنهما، أنها كانت تنبذ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غدوة، فإذا كان من العشىّ فتعشى، شرب على عشائه، فإن فضل شيء صببته أو أفرغته، ثم ينبذل له بالليل، فإذا أصبح تغدى فشرب على غدائه، قالت: نغسل السقاء غدوة وعشية، فقال لها أبى: مرتين في اليوم؟ قال:
نعم [ (4) ] .
وللنسائى من حديث العوام، عن عبد الملك بن نافع قال: قال ابن عمر رضى اللَّه عنه: رأيت رجلا جاء إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بقدح فيه نبيذ وهو عند الركن، ودفع إليه القدح، فرفعه إلى فيه، فوجده شديدا فرده على صاحبه، فقال رجل من القوم: يا رسول اللَّه! أحرام هو؟ فقال: عليّ بالرجل، فأتى به، فأخذ منه القدح، ثم دعا بماء فصبه فيه، ثم رفعه إلى فيه فقطّب، ثم
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (85) .
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 104، كتاب الأشربة، باب (10) في صفة النبيذ، حديث رقم (3711) .
والعزلاء: فم المزادة، وقد يكون ذلك للسقاء من أسفله، ويجمع على العزالي. (معالم السنن) .
[ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 261- 262، كتاب الأشربة، باب (7) ، ما جاء في الانتباذ في السقاء، حديث رقم (1871) ، قال: وفي الباب عن جابر وأبى سعيد وابن عباس. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث يونس بن عبيد إلا من هذا الحديث من غير هذا الوجه عن عائشة أيضا.
[ (4) ] (سنن أبى داود) : 4/ 104، كتاب الأشربة، باب (10) في صفة النبيذ، حديث رقم (3712) .(7/362)
دعا بماء أيضا، فصبه فيه، ثم قال: إذا اغتلمت عليكم هذه الأوعية فاكسروا متونها بالماء [ (1) ] .
قال أبو عبد الرحمن النسائي: عبد الملك بن نافع ليس بالمشهور، ولا يحتجّ بحديثه، والمشهور عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] خلاف حكايته، وقال الدار قطنى: وهو مجهول ضعيف، والصحيح
عن ابن عمر: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما أسكر كثيرة، فقليله حرام [ (2) ] .
وخرّج الدار قطنى من حديث الكلبي، عن أبى صالح، عن المطلب بن أبى وداعه السهمي قال: طاف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالبيت في يوم قائظ شديد الحر، [فاستسقى] رهطا من قريش فقال: هل عند أحد منكم شراب فيرسل إليّ؟ فأرسل رجل منهم إلى منزله، فجاءت جارية معها إناء فيه نبيذ [زبيب] ، فلما رآها النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ألا خمّرته، ولو بعود تعرضيه عليه، فلما أدناه منه، وجد له رائحة شديدة، فقطب، وردّ الإناء، فقال الرجل: يا رسول اللَّه! إن يكن حراما لم تشربه، [فاستعاد] الإناء، وصنع مثل ذلك، وقال الرجل مثل ذلك، فدعا بدلو من ماء زمزم، فصبه على الإناء وقال: إذا اشتدّ عليكم شرابكم فاصنعوا [به] هكذا.
قال الدار قطنى: الكلبيّ متروك، وأبو صالح ضعيف، واسمه باذان، مولى أم هانئ [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (سنن النسائي) : 8/ 728، كتاب الأشربة، باب (48) ذكر الأخيار التي اعتل بها من أباح شراب السّكر، حديث رقم (5710) ، قوله: «فوجده شديدا» لعل المراد به- إن صحّ الحديث- أنه وجده قريبا من الإسكار، وأنه ظهر فيه مبادئ السكر، بحيث إنه لو ترك على حاله لأسكر من قريب.
قوله: «فقطّب» بتشديد الطاء أو تخفيفه، أي جمع ما بين عينيه كما يفعله العبوس، أي عبس وجهه، وجمع جلدته لما وجد مكروها.
قوله: «إذا اغتلمت» أي اشتدت واضطربت عند الغليان، والمراد إذا قاربت الاشتداد، واللَّه تعالى أعلم. (حاشية السندي) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (5714) ، ولفظه: «المسكر قليله وكثيره حرام» ، تفرد به النسائي.
[ (3) ] (سنن الدار قطنى) : 4/ 261- 262، حديث رقم (81) .(7/363)
وذكره أيضا من حديث يحيى بن يمان، عن سفيان، عن منصور، عن خالد بن سعد، عن أبى مسعود الأنصاري [ (1) ] . ومن حديث زيد بن الحباب، عن سفيان الثوري، عن منصور [ (2) ] ، ثم قال: لا يصح هذا عن زيد ابن الحباب، ولم يرو على [غير] التسع، وهو ضعيف، وهذا حديث معروف بيحيى بن يمان، ويقال: إنه انقلب عليه الإسناد، واختلط عليه تحديث الكلبي عن أبى صالح.
وقال الواقدي: حدثني سفيان بن سعيد عن الكلبي، عن أبى صالح، عن المطلب بن أبى وداعة قال: طاف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالبيت في يوم صائف وعطش، فاستسقى، فقال رجل: يا رسول اللَّه! عندنا شراب من هذا الزبيب، أفلا نسقيك منه؟ قال: بلى، قال: فبعث الرجل إلى بيته، فأتى بقدح [عظيم] ، فأدناه النبي صلى اللَّه عليه وسلم من فيه ليشربه، فوجد له ريحا [شديدة] فكرهه، فردّه، [قال:] ودعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بماء، ثم دعا به، قال: وأتى بماء من زمزم فصبّ عليه، حتى رأيت الماء يفيض من جوانبه، وشرب منه [حاجته] ، ثم ناوله الّذي عن يمينه، وقال: من أرابه من شرابه ريب، فليكسره بالماء.
قلت:
وقد خرّج مسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] هذا الحديث مختصرا، من حديث الأعمش، عن أبى صالح، عن جابر [رضى اللَّه عنه] قال: كنا مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فاستسقى، فقال رجل: يا رسول اللَّه! ألا نسقيك نبيذا؟ قال:
بلى، قال: فخرج الرّجل يسعى، وقال أبو داود: يشتد، فجاء بقدح فيه نبيذ، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ألا خمّرته؟ ولو تعرض عليه [عودا] .
وقال الخطابي [ (5) ] : غير الأصمعي يقول: تعرضه، بكسر الراء.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (84) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (86) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 193، كتاب الأشربة، باب (11) في شرب النبيذ وتخمير الإناء، حديث رقم (94) .
[ (4) ] (سنن أبى داود) : 4/ 118، كتاب الأشربة، باب (22) في إيكاء الآنية، حديث رقم (3734) .
[ (5) ] (معالم السنن) على هامش (سنن أبى داود) .(7/364)
وأمّا أنه لا يتنفس في الإناء
فخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث وكيع، عن عروة بن ثابت الأنصاري، عن ثمامة بن عبيد اللَّه بن أنس، عن أنس [رضى اللَّه عنه قال:] إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يتنفس في الإناء ثلاثا. ولفظ البخاري: حدثني ثمامة بن عبد اللَّه قال: كان أنس [رضى اللَّه عنه] يتنفس في الإناء ثلاثا، وزعم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يتنفس ثلاثا.
ولمسلم من حديث عبد الوارث بن سعيد، عن أبى عصام، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتنفس في الشراب ثلاثا، ويقول:
إنه أروى، وأبرأ، وأمرأ. قال أنس [رضى اللَّه عنه] فأنا أتنفس في الشراب ثلاثا [ (3) ] .
وخرّجه أبو داود من حديث هشام، عن أبى عصام، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا شرب تنفس ثلاث، ويقول: هو أهنأ، وأمرأ، وأبرأ [ (4) ] .
وللترمذي من حديث رشدين بن كريب، عن أبيه، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا شرب تنفس
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 114، كتاب الأشربة، باب (26) الشرب بنفسين أو ثلاثة، حديث رقم (5631) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 210، كتاب الأشربة، باب (16) كراهة التنفس في نفس الإناء واستحباب التنفس خارج الإناء، حديث رقم (122) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (123) .
[ (4) ] (سنن أبى داود) : 4/ 114، كتاب الأشربة، باب (19) في الساقي متى يشرب، حديث رقم (3727) .(7/365)
مرتين [ (1) ] ، ولفظه في (الشمائل) : كان إذا [شرب تنفس] مرتين [ (2) ] . قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن كريب. قال: وسألت عبد اللَّه بن عبد الرحمن عن رشدين بن كريب، قلت: هو أقوى أو محمد بن كريب؟ فقال: ما أقر بهما ورشدين بن كريب أرجحهما عندي. قال: وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا فقال: محمد ابن كريب أرجح من رشدين بن كريب [ (3) ] .
قال أبو عيسى: والقول عندي ما قال [أبو] محمد [عبد اللَّه:] رشدين ابن كريب أرجح وأكبر، وقد أدرك ابن عباس ورآه، وهما أخوان، وعندهما مناكير [ (3) ] .
قلت: قال ابن معين: ليس بشيء ليس بثقة، ومرة قال: ضعيف الحديث.
وقال السعدي: لا يقرأ حديثه. وقال النسائي: ضعيف. وقال البخاري:
منكر الحديث وفيه نظر. قاله ابن عدىّ [و] قال: [أحاديثه] مقاربة، لم أر فيها حديثا منكرا جدا، وهو على ضعفه محمد يكتب حديثه.
وروى أبو بكر الشافعيّ من حديث يحيى بن سعيد، عن سعيد بن
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 268، كتاب الأشربة، باب (14) ما ذكر من الشرب بنفسين، حديث رقم (1886) .
[ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 174، باب (23) ما جاء في صفة شرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (212) ، وما بين الحاصرتين في (خ) ، (ج) : «إذا تنفس شرب» وهو ضعيف الإسناد، وفي إسناده رشدين بن كريب بن أبى مسلم الهاشمي مولاهم، وهو ضعيف وباقي رجال الإسناد ثقات.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1131، كتاب الأشربة، باب (18) الشرب بثلاثة أنفاس، حديث رقم (3417) .
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 468- 469، حديث رقم (2566) ، 1/ 470، حديث رقم (2573) كلاهما من مسند عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه تعالى عنهما.
[ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 268، كتاب الأشربة، تعقيب أبى عيسى الترمذي على الحديث رقم (1886) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.(7/366)
المسيّب، عن ربيعة بن أكثم قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يستاك عرضا، ويشرب مصا، ويقول: هو هو أهنأ وأمرأ.
وخرّجه أبو جعفر العقيلي في كتاب (الصحابة) ، من حدث اليمان بن عدي الحمصي قال: حدثني ثابت بن كثير الضبيّ، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب عن بهز، ومن حديث على بن ربيعة القرشيّ، عن يحيى بن سعيد بن المسيب [عن] ربيعة بن أكثم.
قال ابن عبد البر: هذان الحديثان: حديث بهز، وحديث ربيعة بن أكثم، ليس لإسناديهما عن سعيد أصل، وليسا بصحيحين من جهة الإسناد عندهم.
وخرّج ابن حيّان من حديث محمد بن جعفر الوركانى، حدثنا سعيد بن ميسرة، حدثنا أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] أنه رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [يشرب جرعة، ثم قطع، ثم سمى، [ثم] جرع، ثم قطع، ثم جرع، ثم قطع، ثم سمى ثلاثا حتى فرغ، فلما فرغ حمد اللَّه عليه] .
وروى أبو بكر الشافعيّ، من حديث عيسى بن يونس، عن المحلى بن غزوان، عن شقيق، عن ابن مسعود [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا شرب تنفس على الإناء ثلاثة، يحمد اللَّه على كل نفس، ويشكره عند آخرهن.(7/367)
وأمّا إيثاره من على يمينه
فخرج البخاري من حديث شعيب، عن الزهري قال: حدثني أنس بن مالك رضى اللَّه عنه أنها حلبت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شاة داجن، وهو في دار أنس بن مالك، وشيب لبنها بماء في البئر التي في دار أنس بن مالك، فأعطى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم القدح فشرب منه، حتى إذا نزع القدح من فيه، وعلى يساره أبو بكر رضى اللَّه عنه، وعن يمينه أعرابى،
فقال عمر رضى اللَّه عنه- وخاف أن يعطيه لأعرابى-: أعط أبا بكر يا رسول اللَّه عندك، فأعطاه الأعرابي الّذي عن يمينه، ثم قال: الأيمن، فالأيمن. ذكره في كتاب الشرب، في باب: من رأى صدقة الماء، وهبته، ووصيته جائزة، وفي باب:
شرب الماء باللبن [ (1) ] .
وخرّجه مسلم من حديث سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر، ومات وأنا ابن عشرين، وكنّ أمّهاتى يحثثننى على خدمته، فدخل علينا دارنا، فحلبنا له من شاة داجن، وشيب له من بئر في الدار، فشرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال له عمر وأبو بكر رضى اللَّه عنهما عن شماله: يا رسول اللَّه، أعط أبا بكر، فأعطاه أعرابيا عن يمينه وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: الأيمن فالأيمن [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 92- 93، كتاب الأشربة، باب (14) شرب اللبن بالماء، حديث رقم (5612) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 212، كتاب الأشربة، باب (17) استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما عن يمين المبتدئ، حديث رقم (124) .(7/368)
وخرّج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] ، من حديث مالك عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، أتى بلبن قد شيب بماء، وعن يمينه أعرابىّ، وعن يساره أبو بكر رضى اللَّه عنه، فشرب، ثم أعطى الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن ترجم عليه البخاري باب: الأيمن فالأيمن في الشرب. وذكره في أول كتاب الهبة، من حديث إسماعيل بن جعفر، وسليمان بن بلال، عن أبى طوالة عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن حزم، عن أنس [رضى اللَّه عنه] بمعنى ما تقدم، وفي آخره ألا فيمّنوا، الأيمنون، الأيمنون،
قال أنس: فهي سنّة، فهي سنّة، فهي سنّة [ (4) ] ، وهو مما اتفقا عليه من حديث سليمان بن بلال، عن أبى طوالة.
[قال الحافظ أبو نعيم: وهو صحيح متفق عليه، رواه عن الزهري صالح ابن كيسان، وعبيد اللَّه بن عمر، وابن جريج، ومعمر، والأوزاعي، ويزيد بن أبى حبيب، والزبيدي، وشعيب، وعقيل، ويونس، وقرة، وإسحاق بن راشد، والنعمان بن راشد، وأبو أويس، ويوسف بن الماجشون، وعبيد اللَّه ابن أبى زياد، وسفيان بن حسين، وزكريا بن إسحاق، وصالح بن الأخضر، وزمعة بن صالح، [] ، وعبد الرحمن بن إسحاق] [ (5) ] .
قال ابن عبد البر: ولم تختلف الرواة عن مالك في إسناده [هذا]
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 105، كتاب الأشربة، باب (18) الأيمن فالأيمن في الشرب، حديث رقم (5619) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 211، كتاب الأشربة، باب (17) استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما عن يمين المبتدئ، حديث رقم (124) .
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 113- 114، كتاب الأشربة، باب (19) في الساقي متى يشرب، حديث رقم (3726) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 5/ 252، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (4) من استسقى، حديث رقم (2571) .
[ (5) ] ما بين الحاصرتين سقط في (ج) .(7/369)
الحديث ولا في ألفاظه فيما علمت، وقد رواه ابن عيينة عن ابن شهاب فأحسن سياقته، وذكر فيه ألفاظا لم يذكرها مالك، فذكر حديث سفيان الّذي خرجه مسلم، ثم قال: وقد روى هذا الحديث محمد بن الوليد البشرى، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك، عن الزهري، عن أنس، مثل رواية ابن عيينة عن الزهري سواء، وزاد فيه: وقال الأيمن فالأيمن، فمضت سنّة.
قال الدار قطنى: ولم يرو أحد هذا الحديث بهذه الألفاظ، إلا البسري عن ابن مهدي، عنه، وإن كان حفظ فقد أغرب بألفاظ عدد ليست في الموطأ، منها قوله: قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر سنين، ومات وأنا ابن عشرين، وكن أمهاتى يحتثثننى على خدمته، فدخل النبي [عليه السلام] دارنا، فحلبنا له من شاة لنا داجن، فكل هذه الألفاظ ليست في الموطأ، وقوله أيضا: وعمر ناحية، فقال: أعط أبا بكر، ليست في الموطأ، وقوله:
فمضت سنة، ليست في الموطأ، ولا في حديث ابن عيينة أيضا، وسائر الألفاظ كلها محفوظة عن ابن عيينة، عن الزهري، عن أنس [رضى اللَّه عنه] .
وقد بلغني عن بعض من تكلف الكلام في هذا الشأن أنه قال: الأعرابيّ في هذا الحديث: هو خالد بن الوليد! وهذا منه إغفال شديد، وإقدام على القول بالظن، الّذي هو أكذب الحديث، أو تقليد لمن سلك سبيله في ذلك، ووهم بيّن، وغلط واضح من وجهين:
أحدهما: أن الأعرابي كان عن يمين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حديث أنس هذا، وخالد بن الوليد كان في قصة ابن عباس عن يسار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وابن عباس عن يمينه.
والآخر: أنه اشتبه عليه حديث سهل بن سعد في الأشياخ مع(7/370)
الغلام، مع حديث أنس في أبى بكر والأعرابي وإنما دخلت الشبهة في ذلك- واللَّه أعلم- لأن في حديث سهل: وعن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ، والأشياخ أحدهم خالد بن الوليد. وقصة ابن عباس وخالد، غير قصة أبى بكر والأعرابي، وحديث أنس غير حديث سهل بن سعد، فقف على ذلك، ولا تلتفت إلى ما سواه.
انتهى.
وحديث سهل الّذي أشار إليه الدار قطنى، خرّجه البخاري ومسلم من حديث مالك، عن أبى حازم سلمة بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي رضى اللَّه عنه، [قال:] إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أتى بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطى [هؤلاء] ؟
فقال الغلام: لا، واللَّه لا أؤثر نصيبي منك أحدا، فتلّه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في يده. اللفظ لمسلم [ (1) ] .
وذكره البخاري في كتاب الهبة، في باب: الهبة المقبوضة وغير المقبوضة [ (2) ] ، وذكره مسلم من حديث عبد العزيز بن أبى حازم، ويعقوب ابن عبد الرحمن القاري، كلاهما عن أبى حازم بمثله، ولم يقولا: فتلّه، ولكن في رواية يعقوب قال: فأعطاه إيّاه [ (3) ] .
وذكره البخاري في الأشربة، وفي المظالم من حديث مالك عن أبى حازم ترجم عليه في الأشربة، باب: هل يستأذن الرجل من عن يمينه في
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 214، كتاب الأشربة، باب (17) استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما عن يمين المبتدئ، حديث رقم (127) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 5/ 282، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (23) الهبة المقبوضة وغير المقبوضة، والمقسومة وغير المقسومة، حديث رقم (2605) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 214- 215، كتاب الأشربة، باب (17) استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما عن يمين المبتدئ، حديث رقم (128) .(7/371)
الشرب [ (1) ] ، وترجم عليه في المظالم باب: إذا أذن له أو أجلّه ولم يبين كم هو [ (2) ] . وذكره في الهبة في باب: هبة الواحد للجماعة، وقال فيه: وقال للغلام: إن أذنت لي أعطيت هؤلاء، فقال: ما كنت أوثر بنصيبي منك يا رسول اللَّه أحدا فتلّه في يده [ (3) ] .
وذكره في أول كتاب الشرب في باب: من رأى صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة، مقسوما كان أو غير مقسوم، من حديث أبى غسّان، حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال: أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بقدح فشرب منه، وعن يمينه غلام أصغر القوم، والأشياخ عن يساره، فقال: يا غلام! أتأذن أن أعطى الأشياخ؟ قال: ما كنت لأوثر بفضلي منك أحدا يا رسول اللَّه، فأعطاه إياه [ (3) ] .
وذكره في باب: من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه، من حديث عبد العزيز عن أبى حازم، عن سهل عن سعد.. الحديث بمثل حديث أبى غسان، غير أنه قال: وهو أحدث القوم، وقال: أتأذن لي، وقال لا أؤثر بنصيبي [ (3) ] .
قال ابن عبد البر: وقد ذكر حديث مالك عن أبى حازم المتقدم ذكره، روى ابن أبى حازم هذا الحديث، عن أبيه فقال فيه: وعن يساره أبو بكر رضى اللَّه عنه، ثم ساق معنى حديث مالك سواء، وذكر أبى بكر في هذا الحديث عندهم خطأ، وإنما هو محفوظ في حديث ابن شهاب.
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 106، كتاب الأشربة، باب (19) هل يستأذن الرجل من عن يمينه في الشرب ليعطي الأكبر؟ حديث رقم (5620) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 5/ 129- 130، كتاب المظالم، باب (12) إذا أذن له أو أحله ولم يبين كم هو، حديث رقم (2451) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (22) هبة الواحد للجماعة، حديث رقم (2602) باختلاف يسير في اللفظ.(7/372)
وذكر من طريق أبى عيسى الترمذي، حديث على بن زيد، عن عمرو ابن أبى حرملة، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: دخلت أنا وخالد ابن الوليد رضى اللَّه عنه مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على ميمونة، فجاءتنا بإناء من لبن، فشرب رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] وأنا عن يمينه، وخالد عن شماله، فقال لي:
الشربة لك، وإن شئت أمرت بها خالدا: فقلت: ما كنت لأؤثر بسؤرك أحدا، ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من أطعمه اللَّه طعاما فليقل: اللَّهمّ بارك لنا فيه، وزدنا منه، وقال صلى اللَّه عليه وسلم: ليس بشيء يجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن [ (1) ] .
قال ابن عبد البرّ: والشراب المذكور في هذا الحديث- يعنى حديث مالك عن أبى حازم- كان لبنا.
وذكر من طريق قاسم بن أصبغ، حديث إسماعيل بن جعفر قال:
أخبرنى أبو حازم، عن سهل بن سعد قال: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بقدح من لبن، وغلام عن يمينه، والأشياخ أمامه وعن يساره، فشرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثم قال للغلام: يا غلام! أتأذن لي أن أسقى الأشياخ؟ قال: ما أحب أن أؤثر بفضل شربتك على نفسي أحدا من الناس، فناوله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وترك الأشياخ.
قال: والغلام المذكور في هذا الحديث هو ابن عباس، والأشياخ:
خالد بن الوليد، أو منهم خالد بن الوليد.
وذكر من حديث إسماعيل بن زكريا الخلقاني أبو زياد، عن سفيان، عن على بن زيد، عن يوسف بن مهران عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال:
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 472- 473، كتاب الدعوات، باب (55) ما يقول إذا أكل طعاما، حديث رقم (3455) ، وقال: هذا حديث حسن، وروى بعضهم هذا الحديث عن على بن زيد فقال: عن عمر بن حرملة. وقال بعضهم: عمرو بن حرملة، ولا يصح.
وأخرجه الترمذي أيضا في (الشمائل) : 170، باب (31) ما جاء في صفة شراب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (206) ، وهو حديث حسن، وقد سبق تخريجه.(7/373)
أتى النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بقعب من لبن، فشرب منه، وابن عباس عن يمينه، وخالد بن الوليد عن يساره، فقال: يا ابن عباس! إن الشربة لك، فإن شئت أن تؤثر بها خالدا، فقلت: ما أؤثر بسؤرك عليّ أحدا.
وقد روى الحميدىّ الحديث عن سفيان، فخالف في إسناده الخلقاني، والحميدىّ أثبت منه.
وذكر حديث الترمذي، أخبرنا الحميدي، أخبرنا سفيان، أخبرنا على بن زيد بن جدعان، عن عمر بن حرملة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنه] قال:
دخلت مع رسول اللَّه على خالتي ميمونة، ومعنا خالد بن الوليد، فقالت له ميمونة: ألا نقدم إليك يا رسول اللَّه شيئا أهدته لنا أم حفيد؟ قال: بلى، فأتته بضباب مشوية، فلما رآها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، تفل ثلاث مرات، ولم يأكل منها، وأمرنا أن نأكل، ثم أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. بإناء فيه لبن، فشرب، وأنا عن يمينه، وخالد عن يساره، فقال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: الشربة لك يا غلام، وإن شئت آثرت بها خالدا، فقلت: ما كنت لأؤثر بسؤر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أحدا، ثم قال: من أطعمه اللَّه طعاما فليقل: اللَّهمّ بارك لنا فيه [وأبدلنا ما هو خير منه، ومن سقاه اللَّه لبنا فليقل: اللَّهمّ بارك لنا فيه وزدنا منه] ، فإنّي لا أعلم شيئا يجزئ من الطعام والشراب غيره [ (1) ] . قال: ورواه شعبة، عن عمرو بن حرمل، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنه] مثله.
وقال أبو داود الطيالسي: كذا قال لي شعبه وغيره، يقول عمر بن حرملة، وقال الترمذي: اختلف الناس في رواية هذا الحديث، عن على بن زيد بن جدعان، وروى بعضهم عن على بن زيد، عن عمر بن أبى حرملة، وروى بعضهم [عن] شعبة، عن على بن زيد، عن عمرو بن حرملة،
__________
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 1/ 225- 226، حديث رقم (482) ، وأخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 116، كتاب الأشربة، باب (21) ما يقول إذا شرب اللبن، حديث رقم (3730) .(7/374)
والصحيح: عمر بن أبي حرملة.
وأما شربه آخر أصحابه
فخرج ابن حيّان من حديث يزيد الرقاشيّ، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يسقى أصحابه، قالوا: يا رسول اللَّه! لو شربت، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: ساقى القوم آخرهم شربا [ (1) ] .
وقد خرّج أبو بكر بن أبى شيبة [ (2) ] ، وأبو داود [ (3) ] هذا الحديث من طريق شعبة، عن أبى المختار الأسدي، عن ابن أبى أوفى، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ساقى القوم آخرهم شربا.
وخرّجه الترمذي [ (4) ] والنسائي [ (5) ] ، من حديث حماد بن زيد، عن ثابت
__________
[ (1) ] (الأمثال في الحديث النبوي لأبى الشيخ) : 320، حديث رقم (182) من حديث عبد اللَّه بن رباح عن أبى قتادة، و (أخلاق النبي) : ص 242.
[ (2) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 5/ 110، كتاب الأشربة، باب (46) ساقى القوم، حديث رقم (24216) ،
وأخرجه أيضا من حديث سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن عبد اللَّه بن رباح عن أبى قتادة، حديث رقم (24217) ولفظه: «ساقى القوم آخرهم شربا» .
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 113، كتاب الأشربة، باب (19) في الساقي متى يشرأب، حديث رقم (3725) .
[ (4) ] (سنن الترمذي) : 4/ 271، كتاب الأشربة، باب (20) ما جاء أن ساقى القوم آخرهم شربا، حديث رقم (1894) ، قال: وفي الباب عن ابن أبى أوفى، قال: أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
[ (5) ] أخرجه النسائي في (الكبرى) : الوليمة، باب متى يشرب ساقى القوم؟.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1135، كتاب الأشربة، باب (26) ساقى القوم آخرهم شربا، حديث رقم (3434) .
وأخرجه ابن حيّان في (المثال في الحديث النبوي) : 220، حديث رقم (181) ، عن عبد اللَّه ابن رباح، عن أبى قتادة: «ساقى القوم آخرهم» ورقم (183) مثله، (184) ، (185) ، (186) ، (187) بأسانيد مختلفة.(7/375)
البناني، عن عبد اللَّه بن رباح، عن أبى قتادة [رضى اللَّه عنه] ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ساقى القوم آخرهم يعنى شربا. ولم يقل النسائي: يعنى شربا.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ولم أر تلك الزيادة إلا في ما خرّجه ابن حبان.
وأما شربه صلى اللَّه عليه وسلم قائما وقاعدا
فخرج البخاري من حديث مسعر [عن] عبد الملك، بن ميسرة، عن النزّال، قال: أتى عليّ رضى اللَّه عنه باب الرّحبة، فشرب قائما، فقال: إن ناسا يكره أحدهم أن يشرب. وهو قائم، وإني رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت [ (1) ] .
ومن حديث شعبه، [حدثنا عبد الملك بن ميسرة، سمعت النّزال بن سبرة، يحدث عن على بن أبى طالب [رضى اللَّه عنه] أنه صلى الظهر، ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة، حتى حضرت صلاة العصر، ثم أتى بماء، فشرب [فضلة وهو قائم، وغسل وجهه ويديه، وذكر رأسه ورجليه، ثم
__________
[ () ] وأخرجه ابن حبّان في (صحيح) : 12/ 154- 155، كتاب الأشربة، باب (1) آداب الشرب، ذكر الأمر للقوم إذا اجتمعوا على ماء وأراد أحدهم أن يسقيهم أن يبدأ حتى يكون هو آخرهم شربا، حديث رقم (5338) من حديث عبد اللَّه بن رباح عن أبى قتادة،
قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «ساقى القوم آخرهم» .
وأخرجه الإمام مسلم في (الصحيح) : 5/ 193، كتاب المساجد ومواضع الصلاة فيها، باب (55) قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، حديث رقم (681) ، وفيه:
قال صلى اللَّه عليه وسلم: «إن ساقى القوم آخرهم شربا» ،
قال الإمام النووي: فيه هذا الأدب من آداب شاربى الماء واللبن ونحوهما وفي معناه ما يفرق على الجماعة من المأكول، كلحم وفاكهة وشموم وغير ذلك، واللَّه تعالى أعلم (مسلم بشرح النووي) .
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 99- 100، كتاب الأشربة، باب (16) الشرب قائما، حديث رقم (5615) .(7/376)
قام، فشرب فضلة وهو قائم] ثم قال: أناسا يكرهون الشرب قائما، وإن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صنع مثل ما صنعت [ (1) ] . ذكرهما في الأشربة، في باب الشرب قائما.
وذكر في الحج في باب: ما جاء في زمزم، حديث عاصم عن الشعبي، أن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] حدثه قال: سقيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من زمزم، فشرب وهو قائم، فحلف عكرمة، ما كان صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ إلا على بعير [ (2) ] . وذكره مسلم في الأطعمة، ولم يقل: قال عاصم.. إلى آخره [ (3) ] .
وذكره البخاري في الأشربة، ولفظه عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: شرب النبي صلى اللَّه عليه وسلم قائما من زمزم [ (4) ] ، ولفظ مسلم: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم شرب من زمزم من دلو منها وهو قائم [ (5) ] . وفي لفظ: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شرب من زمزم وهو قائم [ (6) ] . وفي آخر: سمع ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] [يقول] :
سقيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من زمزم، فشرب قائما، واستسقى صلى اللَّه عليه وسلم وهو عند البيت [ (7) ] .
ولأبى بكر بن أبى شيبة، من حديث محمد بن فضيل، عن عطاء بن [المسيب] ، عن ميسرة قال: رأيت عليا رضى اللَّه عنه يشرب قائما، فقلت
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (5616) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 3/ 629، كتاب الحج، باب (76) ما جاء في زمزم، حديث رقم (1637) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 208، كتاب الأشربة، باب (15) في الشرب من زمزم قائما، حديث رقم (117) .
[ (4) ] (فتح الباري) : 10/ 100، كتاب الأشربة، باب (16) الشرب قائما، حديث رقم (5617) .
[ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 208- 209، كتاب الأشربة، باب (15) في الشرب قائما، حديث رقم (118) .
[ (6) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (119) .
[ (7) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (120) .(7/377)
له: تشرب قائما! فقال: لئن شربت قائما، لقد رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شرب قائما، ولئن شربت قاعدا، فلقد رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يشرب قاعدا [ (1) ] .
وللترمذي من حديث حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يشرب قائما وقاعدا. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن [صحيح] [ (2) ] .
ولابن حيّان من حديث مكحول، أن مسروقا حدثهم عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم شرب قاعدا، وقائما، وصلى حافيا، ومنتعلا، وانصرف عن يمينه، وعن شماله [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 5/ 99- 100، كتاب الأشربة، باب (25) من رخّص في الشرب قائما، حديث رقم (24099) .
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 266- 267، كتاب الأشربة، باب (12) ما جاء في الرخصة في الشرب قائما، حديث رقم (1883) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (3) ] (أخلاق النبي) : 225، والحديث أخرجه كل من: الإمام أحمد في (المسند) : 2/ 36، حديث رقم (6590) ، 2/ 372- 373، حديث رقم (6622) ، 2/ 374، حديث رقم (6641) ، 2/ 392، حديث رقم (6744) ، 2/ 419، حديث رقم (6889) ، 2/ 434، حديث رقم (6982) ، وكلها شواهد يصح بها هذا الحديث، والبيهقي في (السنن الكبرى) ، 2/ 431، من طريق آخر عن عائشة رضى اللَّه عنها.
وذكر الشيخ الألباني في (السلسلة الصحيحة) : 1/ 288، حديث رقم (177) ، ثم قال:
وظاهر النهى في هذه الأحاديث يفيد تحريم الشرب قائما بلا عذر، وقد جاءت أحاديث كثيرة أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم شرب قائما، فاختلف العلماء في التوفيق بينها، والجمهور على أن النهى للتنزيه، والأمر بالاستقاء للاستحباب.
وخالفهم ابن حزم، فذهب إلى التحريم، ولعل هذا هو الأقرب للصواب، فإن القول بالتنزيه لا يساعد عليه لفظ «زجر» ، ولا الأمر بالاستقاء، لأنه- أعنى الاستقاء-، فيه مشقة شديدة على الإنسان، وما أعلم أن في الشريعة مثل هذا التكليف كجزاء لمن تساهل بأمر مستحب، وكذلك قوله:
«قد شرب معك الشيطان» فيه تنفير شديد عن الشرب قائما، وما إخال ذلك يقال في ترك مستحب.
وأحاديث الشرب: قائما يمكن أن تحمل على العذر كضيق المكان، أو كون القربة معلقة، وفي بعض الأحاديث الإشارة إلى ذلك. واللَّه تعالى أعلم. (المرجع السابق) : 289.(7/378)
وللترمذي في (الشمائل) ، من حديث سفيان، عن يزيد بن يزيد بن جابر، عن عبد الرحمن بن أبى عمرة، عن جدته كبشة، قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فشرب من [فىّ] قربة معلقة قائما، فقمت إلى فيها فقطعته [ (1) ] .
ومن حديث ابن جريج، عن عبد الكريم، عن البراء بن زيد بن بنت أنس ابن مالك أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم دخل وقربة معلقة، فشرب من فم القربة، وهو قائم، فقامت أم سليم إلى رأس القربة فقطعتها [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 175، باب (32) ما جاء في صفة شرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (213) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (سنن الترمذي) : 4/ 270، كتاب الأشربة، باب (18) ما جاء في الرخصة في الشرب قائما، حديث رقم (1892) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب، ويزيد بن يزيد بن جابر هو أخو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهو أقدم منه موتا.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1132، كتاب الأشربة، باب (21) الشرب قائما، حديث رقم (3423) ، وفيه: «فقطعت فم القربة، تبتغي بركة موضع في رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم» .
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 7/ 587، حديث رقم (26902) ، وقال وقرئ عليه هذا الحديث- يعنى سفيان- سمعت يزيد عن عبد الرحمن بن أبى عمرة عن جدتى وهي كبيشة [بيت ثابت أخت حسان] . (التهذيب) .
والحميدي في (المسند) : 1/ 172، حديث رقم (354) ، وأخرجه ابن حبان في (صحيحه) :
12/ 138- 139، كتاب الأشربة، باب (1) آداب الشرب، ذكر إباحة شرب الماء إذا كان قائما، حديث رقم (5318) .
قال الإمام النووي في (شرح مسلم) : 13/ 205- 206، كتاب الأشربة، باب (13) آداب الطعام والشراب وأحكامهما في شرح الحديث رقم (110) بعد أن ذكر حديث كبيشة، قال:
وقطعها لفم القربة فعلته لوجهين: أحدهما: أن تصون موضعا أصابه فم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن أن يبتذل ويمسّه كل أحد.
والثاني: أن تحفظه للتبرك به والاستشفاء، واللَّه تعالى أعلم. فهذا الحديث يدل على أن النهى ليس للتحريم. واللَّه تعالى أعلم.
[ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 176- 177، حديث رقم (215) وهو حديث صحيح لغيره، تفرد به الترمذي، وله ما يشهد لصحته من طرق آخر.(7/379)
فصل في طب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
[ (1) ]
__________
[ (1) ] قال العلامة ابن القيم: المرض نوعان: مرض القلوب، ومرض الأبدان، وهما مذكوران في القرآن.
ومرض القلوب نوعان: مرض شبهة وشك، ومرض شهوة وغىّ، وكلاهما في القرآن.
قال تعالى في مرض الشبهة: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً [البقرة: 10] ، وقال تعالى:
وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا [المدثر: 31] .
وقال تعالى في حق من دعي إلى تحكيم القرآن والسنة، فأبى وأعرض: وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ* وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ* أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [النور: 48- 50] ، فهذا مرض الشبهات والشكوك.
وأما مرض الشهوات فقال تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب: 32] ، فهذا مرض شهوة الزنى، واللَّه تعالى أعلم.
وأما مرض الأبدان، فقال تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ* [النور: 61] ، وذكر مرض البدن في الحج والصوم والوضوء لسرّ بديع يبين لك عظمة القرآن، والاستغناء به لمن فهمه وعقله عن سواه، وذلك أن قواعد طب الأبدان ثلاثة: حفظا للصحة، والحمية عن المؤذي، واستفراغ المواد الفاسدة. فذكر سبحانه هذه الأصول الثلاثة في هذه المواضع الثلاثة:
فقال في آية الصوم: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184] ، فأباح الفطر للمريض لعذر المرض، وللمسافر طلبا لحفظ صحته وقوته، لئلا يذهبها الصوم في السفر، لاجتماع شدة الحركة، وما يوجبه من التحليل، وعدم الغذاء الّذي يخلف ما تحلل، فتخور القوة، وتضعف، فأباح للمسافر الفطر، حفظا لصحته وقوته عما يضعفها.
وقال في آية الحج: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196] ، فأباح للمريض، ومن به أذى من رأسه، من قمل، أو حكّة، أو غيرهما، أن يحلق رأسه في الإحرام، استفراغا لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه باحتقانها تحت الشعر، فإذا حلق رأسه، تفتحت المسام، فخرجت تلك الأبخرة منها.
فهذا الاستفراغ يقاس عليه كل استفراغ يؤذى احتباسه، والأشياء التي يؤذى انحباسها ومدافعتها عشرة: الدم إذا هاج، والمنى إذا تبيّغ، والبول، والغائط، والريح، والقيء، والعطاس، والنوم، والجوع، والعطش. وكل واحد من هذه العشرة يوجب حبسه داء من الأدواء بحبسه.
وقد نبه سبحانه باستفراغ أدناها، وهو البخار المحتقن في الرأس، على استفراغ ما هو أصعب منه(7/380)
اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرض، وسحر، واحتجم، وتداوى، وسمّ ورقا.
__________
[ () ] كما هي طريقة القرآن في التنبيه بالأدنى على الأعلى.
وأما الحمية: فقال تعالى في آية الوضوء: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً* [النساء: 43] ، فأباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب حمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه، وهذا تنبيه على الحمية عن كل مؤذ له من داخل أو خارج، فقد أرشد- سبحانه- عباده إلى أصول الطب ومجامع قواعده، ونحن نذكر هدى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ونبين أن هديه فيه أكمل هدى.
فأما طبّ الأبدان فإنه نوعان:
نوع قد فطر اللَّه عليه الحيوان ناطقه وبهيمة، فهذا لا يحتاج فيه إلى معالجة طبيب، كطب الجوع، والعطش، والبرد والتعب بأضدادها وما يزيلها.
والثاني: ما يحتاج إلى فكر وتأمل، كدفع الأمراض المتشابهة الحادثة في المزاج، بحيث يخرج بها عن الاعتدال، إما إلى حرارة، أو برودة، أو يبوسة، أو رطوبة، أو ما يتركب من اثنين منها.
فالطبيب هو الّذي يفرق بين ما يضر بالإنسان جمعه، أو يجمع فيه ما يضره تفرقه، أو ينقص منه ما يضره زيادته، أو يزيد فيه ما يضره نقصه، فيجلب الصحة المفقودة، أو يحفظها بالشكل والشبه، ويدفع العلة الموجودة بالضد والنقيض، ويخرجها، أو يدفعها بما يمنع من حصولها بالحمية.
فكان من هديه صلى اللَّه عليه وسلم فعل التداوي في نفسه، والأمر به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه، ولكن لم يكن من هديه صلى اللَّه عليه وسلم ولا هدى أصحابه استعمال هذه الأدوية المركبة، التي تسمى: أقرباذين، بل كان غالب أدويتهم بالمفردات، وربما أضافوا إلى المفرد ما يعاونه، أو يكسر سورته، وهذا غالب طب الأمم على اختلاف أجناسها من العرب والترك، وأهل البوادي قاطبة، وإنما عنى بالمركبات الروم واليونان، وأكثر طب الهند بالمفردات.
وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالغذاء لا يعدل عنه إلى الدواء، ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل عنه بالمركب. قالوا وكل داء قدر على دفعه بالأغذية والحمية، لم يحاول دفعه بالأدوية.
وفي
قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «لكل داء دواء»
تقوية لنفس المريض والطبيب، وحث على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه، فإن المريض إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواء يزيله، تعلق قلبه بروح الرجاء، وبردت عنده حرارة اليأس، وانفتح له باب الرجاء.
وكذلك الطبيب إذا علم أن لهذا الداء دواء أمكنه طلبه والتفتيش عليه، وأمراض الأبدان على وزن أمراض القلوب، وما جعل اللَّه للقلب مرضا إلا جعل له شفاء بضده، فإن علمه صاحب الداء واستعمله، وصادف داء قلبه، أبرأه بإذن اللَّه تعالى. (زاد المعاد) : 4/ 5- 17، مختصرا.(7/381)
أما طبّه صلى اللَّه عليه وسلم
فخرج النسائي والدولابي من حديث محمد بن يوسف، عن سفيان، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن عبد اللَّه بن مسعود، رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما أنزل اللَّه داء إلا أنزل له دواء.
وقال الدولابي: شفاء، فعليكم بألبان البقر، فإنّها ترم من كل الشجر.
وقال النسائي: خالفه عبد الرحمن وذكر حديث عبد الرحمن، عن سفيان، عن يزيد، عن قيس بن مسلم، عن طارق قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن اللَّه لم يضع داء إلا وضع له شفاء، وعليكم بألبان البقر، فأمر بها وقال: إنها دواء من كل داء.
فهذه ثلاثة أحاديث: أولها: مسند، والثاني: مرسل، والثالث: موقوف على ابن مسعود [ (1) ] . وخرّجه ابن حبان، عن سفيان به [ (2) ] .
__________
[ (1) ]
أخرجه الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) : 3/ 437- 438، من حديث الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه، وابن أبى شيبة في (المصنف) : 5/ 30، كتاب الطب، باب (1) من رخص في الدواء والطب، حديث رقم (23404) ، وفيه: «إن اللَّه تبارك وتعالى لم ينزل داء إلا أنزل معه شفاء» ، وحديث رقم (23405) ، وفيه: «إن اللَّه حيث خلق الداء خلق الدواء فتداووا» ،
وحديث رقم (23406) ، وفيه: «ما أنزل اللَّه من داء إلا أنزل له شفاء» ، وحديث رقم (23407) ، وفيه: «تداووا عباد اللَّه فإنّ اللَّه لم يضع داء إلا وضع معه شفاء إلا الهرم.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1138، كتاب الطب، باب (1) ما أنزل اللَّه داء إلا أنزل شفاء، حديث رقم (3438) ، (3439) .
[ (2) ]
(الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 13/ 427، كتاب الطب، ذكر الأمر بالتداوى، إذ اللَّه جلّ وعلا لم يخلق داء إلا خلق له دواء خلا شيئين، حديث رقم (6061) من حديث، حدثنا زياد ابن علاقة، سمع أسامة بن شريك يقول: شهدت النبي صلى اللَّه عليه وسلم والأعراب يسألونه: يا رسول اللَّه، هل علينا جناح في كذا- مرتين- فقال: «عباد اللَّه، وضع اللَّه الحرج إلا امرؤ اقترض من عرض أخيه شيئا، فذلك الّذي حرج» ، قالوا: يا رسول اللَّه، فهل علينا جناح أن نتداوى؟ فقال: «تداووا عباد اللَّه، فإنّ اللَّه لم يضع داء إلا وضع له دواء» . قالوا: يا رسول اللَّه، فما خير ما أعطى العبد؟ قال: خلق حسن» قال(7/382)
__________
[ () ] سفيان [بن عيينة] : ما على وجه الأرض اليوم إسناد أجود من هذا.
وفي باب ذكر الإخبار عن إنزال اللَّه لكل داء دواء يتداوى به، حديث رقم (6062) ، وهو حديث ابن مسعود رضى اللَّه تعالى عنه.
وفي باب ذكر الإخبار بأن العلة التي خلقها اللَّه جل وعلا إذا عولجت بدواء غير دوائها لم تبرأ حتى تعالج به، حديث رقم (6063) ، عن جابر عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «إن لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن اللَّه» .
وفي باب ذكر وصف الشيئين اللذين لا دواء لهما، حديث رقم (6064) ، عن أسامة بن شريك، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: تداووا، فإن اللَّه لم ينزل داء إلا وقد أنزل له شفاء، إلا السام والهرم،
وهو حديث إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير أن أسامة بن شريك لم يخرج له الشيخان، وحديثه عند أصحاب السنن.
وفي باب ذكر خبر أوهم غير المتبحّر في صناعة العلم أن ألبان البقر نافعة لكل من به علة من العلل، حديث رقم (6075) من حديث عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «ما أنزل اللَّه داء إلا أنزل له دواء، فعليكم بألبان البقر، فإنّها ترمّ من كل الشجر»
إسناده صحيح، ورجاله ثقات.
وحديث رقم (23408) ، وفيه: «إن اللَّه لم ينزل داء- أو لم يخلق داء- إلا وقد أنزل- أو خلق- له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله إلا السّام» قالوا: يا رسول اللَّه! وما السام؟ قال: «الموت» ،
وحديث رقم (2341) ، وفيه: «أنّ رجلا من أسلم أصابه جرح، فاحتقن الدم، وأنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دعا له رجلين من بنى أنمار فقال: «أيكما أطبّ؟» فقال رجل: يا رسول اللَّه، أفي الطب خير؟ فقال صلى اللَّه عليه وسلم: «إن الّذي أنزل الداء أنزل الدواء» ،
وحديث رقم (23411) ، عن أبى قلابة قال: وَقِيلَ مَنْ راقٍ [القيامة: 27] قال: من طبيب، وحديث رقم (23412) عن أبى قلابة، عن كعب قال: إن اللَّه يقول: أنا الّذي أصح وأداوى» .
وخرج أبو عبد اللَّه الحاكم في (المستدرك) : 4/ 441، كتاب (48) الطب، حديث رقم (8205) : «إنّ اللَّه عزّ وجلّ لم ينزل داء إلا وأنزل له شفاء علمه من علمه، وجهله من جهله» ، ثم قال:
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
وحديث رقم (8206) . وفيه: «نعم تداووا عباد اللَّه، فإن اللَّه تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد» ، قالوا: يا رسول اللَّه وما هو؟ قال: «الهرم» قالوا: يا رسول اللَّه ما خير ما أعطى الإنسان؟ قال: «خلق حسن» ،
ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد، فقد رواه عشرة من أئمة المسلمين وثقاتهم عن زياد بن علاقة، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح، رواه عشرة من أئمة المسلمين عن زياد.
وحديث رقم (8224) : «عليكم بألبان البقر فإنّها ترم من كل شجر وهو شفاء من كل داء» ،(7/383)
وأما حمية المريض
خرّج أبو داود من حديث فليح بن سليمان، عن أيوب بن عبد الرحمن ابن صعصعة [الأنصاري] ، عن يعقوب بن أبى يعقوب، عن أم المنذر بنت
__________
[ () ] ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التخليص) : صحيح.
وأخرجه العلاء الهندي في (كنز العمال) : 10/ 4- 8، كتاب الطب والرقى والطاعون، من طرق وبسياقات مختلفة، الأحاديث أرقام (28077) إلى (28099) .
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) 1/ 623، حديث رقم (3568) من حديث عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تعالى عنه، 2/ 36، حديث رقم (4322) من حديث عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تعالى عنه.
وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 335، كتاب الطب، باب (2) ما جاء في الدواء والحث عليه، حديث رقم (2038) من حدث أبى عوانة، عن زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك، قال أبو عيسى: وفي الباب عن ابن مسعود وأبى هريرة، وأبى خزامة عن أبيه وابن عباس، وهذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 192، كتاب الطب، باب (1) في الرجل يتداوى، حديث رقم (3855) . قال الشيخ: في الحديث إثبات الطب والعلاج، وأن التداوي مباح غير مكروه، كما ذهب إليه بعض الناس.
وفيه أنه جعل الهرم داء، وإنما هو ضعف الكبر، وليس من الأدواء التي هي أسقام عارضة للأبدان من قبل اختلاف الطبائع، وتغير الأمزجة، وإنما شبهه بالداء لأنه جالب للتلف، كالأدواء التي قد يتعقبها الموت والهلاك، وهذا كقول النمر بن تولب:
دعوت ربى السلامة جاهدا ... ليصحنى فإذا السلامة داء
يريد: أن العمر لما طال به أداه إلى الهرم فصار بمنزلة المريض الّذي قد أدنفه الداء وأضعف قواه، وكقول حميد بن نور الهذلي:
أرى بصرى قد رابني بعد صحة ... وحسبك داء أن تصحّ وتسلما
وحدثني إبراهيم بن عبد الرحمن العنبري، حدثنا ابن أبى قمّاش، حدثنا ابن عائشة- عن حماد ابن سلمة، عن حميد، عن الحسن قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «لو لم يكن لابن آدم إلا السلامة والصحة لكان كفى بهما داء قاضيا» (معالم السنن) .(7/384)
قيس الأنصارية، قالت: دخل [عليّ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعه عليّ رضى اللَّه عنه، وعليّ [ناقة ولنا دوال] معلقة، فقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل منها، وقام عليّ ليأكل، فطفق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول لعلىّ: مه إنك ناقة، حتى كفّ عليّ رضى اللَّه عنه، قالت: وصنعت شعيرا، وسلقا، فجئت به، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: [يا] عليّ، أصب من هذا فهو أنفع لك [ (1) ] .
إطعام المريض ما يشتهيه
خرّج قاسم بن أصبغ، من حديث أبى مكين، نوح بن ربيعة البصري، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عاد رجلا
__________
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 193، كتاب الطب، باب (2) في الحمية، حديث رقم (3856) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، والدوالي: جمع دالية وهي الفرق من البسر، يعلق حتى إذا أرطب أكل، مه: اسم فعل أمر بمعنى اكفف، ناقة: أي قريب عهد بالمرض لم يستكمل صحته.
وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 335، كتاب الطب، باب (1) ما جاء في الحمية، حديث رقم (2037) ، وقال فيه: «فإنه أوفق لك» . وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث فليح، ويروى عن فليح عن أيوب بن عبد الرحمن. ثم قال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو عامر وأبو داود قال: حدثنا فليح بن سليمان عن أيوب بن عبد الرحمن، عن يعقوب عن أم المنذر الأنصارية في حديثه قالت: دخل علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فذكر نحو حديث يونس بن محمد، إلا أنه قال: «أنفع لك» ، وقال محمد بن بشار: وحدثنيه أيوب بن عبد الرحمن، هذا حديث جيد غريب.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1139، كتاب الطب، باب (3) الحمية، حديث رقم (3442) .
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 7/ 506، حديث رقم (24511) ، من حديث أم المنذر بنت قيس الأنصارية رضى اللَّه عنها.
واعلم أن في منع النبي صلى اللَّه عليه وسلم لعلىّ من الأكل من الدوالي وهو ناقة أحسن التدبير، فإن الدوالي أقناء من الرطب تعلق في البيت للأكل بمنزلة عناقيد العنب، والفاكهة تضر بالناقة من المرض لسرعة استحالتها، وضعف الطبيعة عن دفعها، فإنّها لم تتمكن بعد من قوتها، وهي مشغولة بدفع آثار العلة، وإزالتها من البدن (زاد المعاد) : 4/ 105.(7/385)
من الأنصار، قال: ما تشتهي؟ قال: أشتهى خبز برّ، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: من عنده خبز برّ: فانطلق رجل، فجاء بكسرة خبز برّ، فأطعمها النبي صلى اللَّه عليه وسلم إيّاه وقال: النبي صلى اللَّه عليه وسلم: إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا فليطعمه [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (سنن ابن ماجة) : 1/ 463، كتاب الجنائز باب (1) ما جاء في عيادة المريض، حديث رقم (1439) ، 2/ 1139، كتاب الطب، باب (2) المريض يشتهي الشيء، حديث رقم (3440) ، وحديث رقم (3441) ، وفيه «أشتهى كعكا، والكعك خبز يعمل مستديرا من الدقيق والحليب والسكر، أو غير ذلك، والواحدة كعكة. والكلمة فارسية معربة، وفي الأول صفوان بن هبيرة، وهو لين الحديث، وفي الثاني يزيد الرقاشيّ وهو ضعيف.(7/386)
العين حق ودواء المصاب
خرّج البخاري ومسلم [ (1) ] ، من حديث مسلم بن إبراهيم، قال: أخبرنا وهيب عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: العين حق، ولو كان شيء سابق القدر، سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا [ (2) ] .
__________
[ (1) ] في (الأصلين) : «مسلم والنسائي» والصواب ما أثبتناه.
وفي هذا الحديث سرّ طبي لطيف، فإن المريض إذا تناول ما يشتهيه عن جوع صادق طبيعي، وكان فيه ضرر ما، كان أنفع وأقل ضررا مما لا يشتهيه، وإن كان نافعا في نفسه، فإن صدق شهوته، ومحبة الطبيعة يدفع ضرره، وبغض الطبيعة وكراهتها للنافع، قد يجلب لها منه ضررا.
وبالجملة: فاللذيذ المشتهى تقبل الطبيعة عليه بعناية، فتهضمه على أحمد الوجوه، سيما عند انبعاث النفس إليه بصدق الشهوة، وصحة القوة، واللَّه تعالى أعلم. (زاد المعاد) : 4/ 106.
[ (2) ]
(فتح الباري) : 10/ 249، كتاب الطب، باب (36) العين حق، حديث رقم (5740) ولفظه:
«عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: العين حق. ونهى عن الوشم» ، وأخرجه أيضا بسنده ولفظه في كتاب اللباس، باب (86) الواشمة، حديث رقم (5944) .
قوله: «العين حق» ،
أي الإصابة بالعين شيء ثابت موجود، أو هو من جملة ما تحقق كونه. قال المازري: أخذ الجمهور بظاهر الحديث، وأنكره طوائف المبتدعة لغير معنى، لأن كل شيء ليس محالا في نفسه، ولا يؤدى إلى قلب حقيقة، ولا إفساد دليل، فهو من متجاوزات العقول، فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لإنكاره معنى، وهل من فرق بين إنكارهم هذا وإنكارهم ما يخبر به من أمور الآخرة؟
(فتح الباري) .
قوله: «العين حق ونهى عن الوشم» ،
لم تظهر المناسبة بين هاتين الجملتين، فكأنهما حديثان مستقلان، ولهذا حذف مسلم وأبو داود الجملة الثانية من روايتهما، مع أنهما أخرجاه من رواية عبد الرزاق، الّذي أخرجه البخاري من جهته، ويحتمل أن يقال: المناسبة بينهما اشتراكهما في أن كلا منهما يحدث في العضو لونا غير لونه الأصلي.
والوشم بفتح الواو وسكون المعجمة: أن يغرز إبرة أو نحوها في موضع من البدن حتى يسيل الدم، ثم يحشى ذلك الموضع بالكحل أو نحوه فيخضر (فتح الباري) .(7/387)
__________
[ () ] قال الحافظ في (الفتح) : وقد ظهرت لي مناسبة بين هاتين الجملتين لم أر من سبق إليها، وهي أن من جملة الباعث على الوشم تغير صفة الموشوم لئلا تصيبه العين، فنهى عن الوشم مع إثبات العين، وأن التحيل بالوشم وغيره مما لا يستند إلى تعليم الشارع لا يفيد شيئا، وأن الّذي قدره اللَّه سيقع.
وأخرجه مسلم من حديث ابن عباس رفعه: «العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا»
[سيأتي شرحه] .
فأما الزيادة الأولى، ففيها تأكيد وتنبيه على سرعة نفوذها وتأثيره في الذات، وفيها إشارة إلى الرد على من زعم من المتصوفة أن
قوله: «العين حق»
يريد به القدر أي العين التي تجرى منها الأحكام، فإن عين الشيء حقيقته، والمعنى أن الّذي يصيب من الضرر بالعادة عند نظر الناظر، إنما هو بقدر اللَّه السابق، لا بشيء يحدثه الناظر في المنظور.
ووجه الرد: أن الحديث ظاهر في المغايرة بين القدر وبين العين، وإن كنا نعتقد أن العين من جملة المقدور، لكن ظاهره إثبات العين التي تصيب، إما بما جعل اللَّه تعالى فيها من ذلك وأودعه فيها، وإما بإجراء العادة بحدوث الضرر عند تحديد النظر، وإنما جرى الحديث مجرى المبالغة في إثبات العين، لا أنه يمكن أن يرد القدر شيء، إذ القدر عبارة عن سابق علم اللَّه، وهو لا رادّ لأمره، أشار إلى ذلك القرطبي. وحاصله لو فرض أن شيئا له قوة بحيث يسبق القدر لكان العين، لكنها لا تسبق، فكيف غيرها. (فتح الباري) .
وأخرجه الإمام مسلم في (صحيحه بشرح النووي) : 14/ 422- 424، كتاب السلام، باب (16)
الطب والمرض والرقى، حديث رقم (2187) ولفظه: «العين حق» ، وحديث رقم (2188) بزيادة: «ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا» .
قال الحافظ في (الفتح) : وأما الزيادة الثانية، وهي أمر العائن بالاغتسال عند طلب المعيون منه ذلك، ففيها إشارة إلى أن الاغتسال لذلك كان معلوما بينهم، وأمرهم أن لا يمتنعوا منه إذا أريد منهم، وظاهر الأمر الوجوب، وحكى المازري فيه خلافا وصحح الوجوب وقال متى خشي الهلاك، وكان اغتسال العائن مما جرت العادة الشفاء به فإنه يتعين.
وقد وقع في حديث سهل من حنيف عند أحمد والنسائي وصححه ابن حبان من طريق الزهري عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف «أن أباه حدثه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم خرج وساروا معه نحو ماء، حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة، اغتسل سهل ابن حنيف- وكان أبيض حسن الجسم والجلد- فنظر إليه عامر بن ربيعة فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة، فلبط- أي صرع وزنا ومعنى- سهل. فأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: هل تتهمون به من أحد؟ قالوا: عامر بن ربيعة، فدعا عامرا فتغيّظ عليه، فقال:
علام يقتل أحدكم أخاه؟ هلا إذا رأيت ما يعجبك برّكت؟ ثم قال: اغتسل له، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح، ثم يصب ذلك الماء عليه رجل من خلفه(7/388)
ولأبى داود من حديث جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود، عن عائشة رضى اللَّه عنها [قالت] : كان يؤمر العائن فيتوضأ، ثم يغتسل منه المعين [ (1) ] .
وللنسائى من حديث عمار بن زريق، عن عبد اللَّه بن عيسى، عن أمية
__________
[ () ] على رأسه وظهره، ثم يكفأ القدح، ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس» لفظ أحمد من رواية أبى أويس عن الزهري.
(فتح الباري) ، ومنه تنبيهات:
الأول: اقتصر النووي في (الأذكار) على قوله: الاغتسال أن يقال للعائن: اغسل داخلة إزارك مما يلي الجلد، فإذا فعل صبّه على المنظور إليه، وهذا يوهم الانتصار على ذلك، وهو عجيب، ولا سيما وقد نقل في (شرح مسلم) كلام عياض بطوله.
الثاني: قال المازري: هذا المعنى مما لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه من جهة العقل، فلا يرد لكونه لا يعقل معناه، وقال ابن العربيّ: إن توقف فيه متشرع قلنا له: قل اللَّه ورسوله أعلم- وقد عضدته التجربة، وصدقته المعاينة، أو متفلسف، فالرد عليه أظهر، لأن عنده الأدوية تفعل بقواها، وقد تفعل بمعنى لا يدرك، ويسمون ما هذا سبيله الخواص.
الثالث: هذا الغسل ينفع بعد استحكام النظرة، فأما عند الإصابة وقبل الاستحكام، فقد أرشد الشارع إلى ما يدفعه بقوله في قصة سهل بن حنيف المذكورة كما مضى: «ألا بركت عليه» ، وفي رواية ابن ماجة: «فليدع بالبركة» ، ومثله عند ابن السنى من حديث عامر بن ربيعة.
وأخرج البزار وابن السنى من حديث أنس رفعه: «من رأى شيئا. وأعجبه فقال: ما شاء اللَّه لا قوة إلا باللَّه، لم يضره» .
وفي الحديث من الفوائد أيضا: أن العائن إذا عرف يقضى عليه بالاغتسال، وأن الاغتسال من النشرة النافعة، وأن العين تكون مع الإعجاب، ولو بغير حسد، ولو من الرجل المحب، ومن الرجل الصالح.
وأن الّذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة، ويكون ذلك رقية منه، وأن الماء المستعمل طاهر، وفيه جواز الاغتسال بالفضاء، وأن الإصابة بالعين قد تقتل.
وقد اختلف في جريان القصاص بذلك، فقال القرطبي: لو أتلف العائن شيئا ضمنه، ولو قتل فعليه القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة، وهو في ذلك كالساحر عند من لا يقتله كفرا، وقال النووي في (الروضة) : لا دية فيه ولا كفارة.
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 210، كتاب الطب، باب (15) ما جاء في العين، حديث رقم (3880) ، والعائن: الّذي أصاب غيره بالعين، يراد به الحاسد، والمعين: - المصاب بعين غيره- أي المحسود.(7/389)
ابن خالد، - كذا قال- عن عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة، عن أبيه قال: خرجت أنا وسهل بن حنيف نلتمس الخمر، فأصبنا غديرا خمرا، وكان أحدنا يستحى أن يتجرد وأحد يراه، فاستتر حتى رأى أن قد فعل، نزع جبّة صوف عليه، فنظرت إليه، فأعجبني خلقه، فأصبته بعين، فأخذته فقفقة، فدعوته فلم يجبني، فأتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فأخبرته، فقال: قوموا بنا، فرفع عن ساقيه حتى خاض إليه الماء، فكأني انظر إلى وضح ساقى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فضرب صدره وقال: بسم اللَّه، اللَّهمّ أذهب حرّها، وبردها، ووصبها، قم بإذن اللَّه، فقام، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إذا رأى أحدكم من نفسه، أو ماله، أو أخيه شيئا يعجبه، فليدع بالبركة، فإن العين حق [ (1) ] .
ولمالك، عن ابن شهاب، عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف، أنه قال:
رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف يغتسل، فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبّأة، فلبط سهل، فأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقيل: يا رسول اللَّه هل لك في سهل بن حنيف؟ واللَّه ما يرفع رأسه، فقال: هل تتهمون له أحدا؟
قالوا: نتهم عامر بن ربيعة، قال: فدعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عامرا، فتغيظ عليه وقال: علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا [برّكت] ؟ اغتسل له، فغسّل عامر وجهه، ومرفقيه، وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح، ثم صبّ عليه، فراح سهل مع الناس ليس به بأس [ (2) ] .
__________
[ (1) ] راجع تعليق رقم (3) .
[ (2) ] (شرح الزرقاني على الموطأ) : 4/ 406، كتاب الجامع، باب (650) الوضوء من العين، حديث رقم (1810) عن مالك عن محمد بن أبى أمامة، وحديث رقم (1811) عن مالك عن ابن شهاب عن أبى أمامة.
قوله: «جلد مخبأة» بضم الميم وخاء معجمة وموحدة والهمز: وهي المخدرة المكنونة، التي لا تراها العيون، ولا تبرز للشمس فتغيرها، يعنى أن جلد سهل كجلد المخبأة إعجابا بحسنة. (الزرقانى) .
وفي (النهاية) : المخبأة، الجارية التي في خدرها لم تتزوج بعد، لأن صيانتها أبلغ ممن قد تزوجت.(7/390)