القول الموثوق في تصحيح حديث السوق
بقلم
سليم بن عيد الهلالي
ملتقى أهل الأثر
http://www.ahlalathr.net/vb(1/1)
القول الموثوق في تصحيح حديث السوق
مقدمة
بقلم » الشيخ سليم بن عيد الهلالي
إنَّ الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضلَّ له، ومن يضلل؛ فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد: فإنَّ الله -تعالى- يحيي قلوب عباده بذكره، ويجلو الرَّان الذي اكتسبته في لحظة ضعفٍ وسِنةٍ وغفلةٍ؛ فيُذهب قسوتها، فتخفق من خشيته، ثم تفيء إلى كَنَفه، وتطمئنّ إلى رضوانه، وتسكن إلى داره:? ???????????? ? ?????????? ???? ??????????? ????????? ???? ? [الفجر:29و30].
وقد شرع الله -عزَّ وجلَّ- من الأذكار ما يستوعب جميع حالات العبد وأوقاته: من مولده إلى وضعه في لحده، ومن صباحه إلى مسائه ، وفي يقظته ونومه، وفي حركته وسكونه، وفي خلوته وجلوته؛ ولذلك سماها أهل العلم: «عمل اليوم والليلة».
ومن ذلك: الذكر في السوق، وقد جاء في فضله حديث؛ ولكنه أُورِدَتْ عليه إشكالاتٌ عدَّةٌ -قديمًا وحديثًا-، وطال جدلُ كثير من أهل العلم وطلابه حوله: أيثبت أم لا؟
وتعدى الجدل مجالس أهل العلم وطلابه، فصُنِّفت رسائل(1) وردود(2)، ولم يتبيّن القول الفصل فيه للسَّواد الأعظم من أهل العلم وطلابه؛ فحدثت حيرة؛ أي حيرة؟
فنهدت إلى العناية به، وفصلت القول فيه تفصيلاً حسناً، قلَّما تجده في كتاب جامع مفرد، بما نتج عنه صحة الحديث بلا ريب.
وعرَّجت على الإشكالات المثارة؛ فصححتها واحدة تلو الأخرى، في ضوء قواعد المصطلح والرجال.
ثم رددت الطعن الموجّه إلى متن الحديث؛ لأن علم الحديث رواية ودراية.
وسمَّيتُه: «القَوْل المَوثوق في تَصحِيح حَديثِ السُّوقِ روايةً ودِرايةً».
وبذلك أضمُّ جزءًا آخر لسلسلة مباركة هي: «علم الحديث رواية ودراية».
وقد بلغت بضعًا وعشرين جزءًا، صدر منها:
1- «أين الله؟ دفاع عن حديث الجارية رواية ودراية».(1/1)
2- «الشِّهاب الثاقب في الذَّب عن الصحابي الجليل ثعلبة بن حاطب».
3- «نصح الأمَّة في فهم أحاديث افتراق هذه الأمة».
4- «مجمع البحرين في تخريج وشرح أحاديث الوحيين».
5- «درء الارتياب عن حديث: «ما أنا عليه والأصحاب»».
6- «القول المبين في جماعة المسلمين».
7- «إتحاف السالك بذكر فوائد حديث المخلَّفين من رواية كعب بن مالك».
8- «بدائع الحكم في شرح حديث تداعي الأمم».
أسأل الله الكريم أن يجعلها خالصة لوجهه، وأن يكتبها نصرةً لدينه، ودفاعًا عن سنة نبيه ×، وأن يدَّخر لي ثوابها إلى يوم لقائه، إنه بكل جميل كفيل، وهو حسبي ونعم الوكيل، وعلى الله قصد السبيل.
وكتبه حامدًا ومصليًّا ومُسلِّمًّا
أبو أسامة سليم بن عيد الهلالي
ليلة الاثنين لاحدى عشرة ليلة خلت من محرم الحرام
سنة ألف وأربع مئة وعشر من هجرة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم
في عمَّان البلقاء عاصمة جند الأردن من بلاد الشام المحروسة(3)
__________
(1) انظر: «بذل الجهد في تحقيق حديثي السوق والزهد».
(2) انظر: «فضل التهليل وثوابه الجزيل».
(3) ثم أعدت النظر فيه، وأضفت عليه فوائد زوائد شرائد في مجالس متعددة، كان آخرها يوم السبت، غرة شعبان، سنة ألف وأربع مئة وست وعشرين من الهجرة.(1/2)
نصُّ الحديث وتوثيقه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«مَنْ قَالَ في السُّوقِ: لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَحدَهُ لا شَريكَ لَه، لَهُ المُلكُ، ولَهُ الحَمْدُ، يُحيي ويُميتُ، وهُو حَيٌّ لا يَمَوتُ، بِيَدِهِ الخَيرُ، وَهُوَ عَلى كلِّ شَيءٍٍ قَدِيرٌ؛ كَتَبَ اللهُ لَه أَلْفَ أَلْفِِ حسنةٍ، ومحا عنه أَلْفَ أَلْفِِ سَيِّئةٍ، وَبَنَى لَه بَيْتًا في الجَنَّةِ».
أخرجه الترمذي (5/491-492/3429)، وابن ماجه (2/752/2235)، والطيالسي في «مسنده» (1/14-15/12 -ط هجر، أو 1/253/1250- منحة)، وأحمد (1/47)، وعلي بن المديني في «مسند عمر»؛ كما في «مسند الفاروق» (2/642)، وأبو بكر بن أبي شيبة في «مسنده» -ومن طريقه الطبراني في «الدعاء» (2/1166/790)-، والبخاري في «التاريخ الأوسط» (1/447/996)، و«التاريخ الكبير» (6/329)، وأبو يعلى الموصلي في «مسنده الكبير» -وعنه ابن السُّني في «عمل اليوم والليلة» (1/237-241/183- بتحقيقي)-، والبزار في «البحر الزخار» (1/238/145)، وابن أبي حاتم في «العلل» (2/181)، وابن عدي في «الكامل في الضعفاء» (5/1785و1786)، والطبراني في «الدعاء» (2/1165-1166/789و1166-1167/791)، ويوسف بن يعقوب القاضي في «كتاب الذكر والتسبيح»-ومن طريقه البيهقي في «الأسماء والصفات» (1/280/212)-، وابن أبي الدنيا في «الذكر»؛ كما في «الترغيب والترهيب» (2/309 -«صحيحه»)، وأبو الشيخ الأصبهاني في «طبقات المحدثين بأصبهان» (2/173-174/185)، -وعنه أبو نعيم الأصبهاني في «ذكر أخبار أصبهان» (2/180)-، وأبو عبد الله الفراء في «فوائده» (ق43/1-2)، والرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (241)، والشجري في «الأمالي» (1/248)، وابن بشران في «الأمالي» (1/300/684)، والخطيب البغدادي في «موضح أوهام الجمع والتفريق» (2/286)، وأبو محمد -الحسين بن مسعود- الفراء البغوي في «شرح السُّنة» (5/132/1338)، وابن البناء البغدادي الحنبلي في «فضل التهليل وثوابه الجزيل» (35/5) من طرق عن عمرو بن دينار -قهرمان (1) آل الزبير-، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن جده: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وذكره).
__________
(1) قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (5/308): «القهرمان: هو الوكيل؛ ولهذا يقال له: وكيل آل الزبير».(1/3)
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدًا؛ لأن عمرو بن دينار-قهرمان آل الزبير- فيه كلام كثير يدلُّ على أنَّه متروك.
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (6/329)، و«الضعفاء الصغير» (169/260) -ونقله عنه العقيلي في «الضعفاء الكبير» (3/988)، وابن عدي في «الكامل» (5/1785)، والمزي في «تهذيب الكمال» (22/15)، والحافظ في «تهذيبه» (8/31)-: «فيه نظر».
وقال في «التاريخ الأوسط» (1/447) -ونقله عنه علاء الدين مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (10/166)، والحافظ في «التهذيب» (8/31) -: «لا يتابع على أحاديثه».
وقال النسائي في «الضعفاء والمتروكين» (186/476)- ونقله عنه ابن عدي في «الكامل» (5/1785)، والمزي في «تهذيب الكمال» (22/16)، والحافظ في «تهذيبه» (8/31)-: «ضعيف».
وقال مرة؛ كما في «تهذيب الكمال» (22/16)، و«التهذيب» (8/31): «ليس بثقة، روى عن سالم عن ابن عمر أحاديث منكرة».
وقال إسماعيل ابن علية؛ كما في «أجوبة أبي زرعة الرازي على أسئلة البرذعي» (2/510): «لم يكن عندي ممَّن يحفظ الحديث».
وقال زياد بن أيوب -دلويه- عنه: «لم يكن هذا الشيخ -يعني: عمرو بن دينار- يحفظ الحديث».
أخرجه العقيلي في «الضعفاء الكبير» (3/988) بسند صحيح.
وذكره -أيضاً- المزي في «تهذيب الكمال» (22/14)، والحافظ في «تهذيبه» (8/31).
وقال مرة: «عمرو بن دينار-قهرمان آل الزبير- ضعيف».
أخرجه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (6/232) بسند صحيح عن محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة؛ قال: سمعت ابن علية (وذكره) ونقله عنه -أيضاً- المزي في «تهذيب الكمال» (22/14).
وقال أبو زرعة الرازي -فيما نقله عنه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (6/232)، وابن الجوزي في «الضعفاء والمتروكين» (2/226/2559)، والمزي في «تهذيب الكمال»
(22/15)، والحافظ في «تهذيبه» (8/31)-: «واهي الحديث».(1/4)
وقال يحيى بن معين؛ كما في «تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي» (137/449) -وعنه العقيلي في «الضعفاء الكبير» (3/988)، وابن حبان في «كتاب المجروحين من المحدثين» (2/37)، وابن عدي في «الكامل» (5/1785)، والمزي في «تهذيب الكمال» (22/15)، وغيرهم-: «ليس بشيء».
وقال إسحاق بن منصور الكوسج عنه؛ كما في «الجرح والتعديل» (6/232)، و«تهذيب الكمال» (22/14) وغيرها: «عمرو بن دينار، وكيل آل الزبير، لا شيء».
وقال يعقوب بن شيبة عنه؛ كما في «الكامل في الضعفاء»
(5/1785)، و«تهذيب الكمال» (22/14)، وغيرها: «ذاهب».
وقال أبو حاتم الرازي؛ كما في «الجرح والتعديل» (6/232)، و«تهذيب الكمال» (22/15): «ضعيف الحديث، روى عن سالم بن عبدالله عن أبيه غير حديث منكر، وعامة حديثه منكر».
وقال ابن حبان في «كتاب المجروحين من المحدثين» (2/37): «كان ممّن ينفرد بالموضوعات عن الأثبات، لا يحل كتابة حديثه إلاَّ على جهة التعجّب!!» (1) .
وقال الإمام أحمد؛ كما في «تهذيب الكمال» (22/14)، و«تهذيب التهذيب» (8/31): «ضعيف، منكر الحديث».
وقال يوسف بن حسن بن عبد الهادي -المعروف بابن المبرد- في «بحر الدم» (318/759): «ضعفه أحمد».
وقال عمرو بن علي الفلاس؛ كما في «الكامل» (5/1785)، و«تهذيب الكمال» (22/15)، وغيرها: «ضعيف الحديث، روى عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث منكرة».
وقال أبو داود السجستاني؛ كما في «سؤالات أبي عبيد الآجري» (2/48-49/1082)- ونقله عنه المزي في «تهذيب الكمال» (22/15)، والحافظ في «تهذيبه» (8/31)- عن حديثنا هذا: «ليس بشيء».
وقال الترمذي في «سننه» (5/493): «شيخ بصري، وليس هو بالقوي في الحديث، وقد تفرد بأحاديث عن سالم بن عبد الله».
__________
(1) هذا إسرافٌ وغلوٌّ من ابن حبان -رحمه الله-؛ كما نص على ذلك الحافظ الذهبي -رحمه الله- في «سير أعلام النبلاء» (5/308).(1/5)
وقال أحمد بن صالح العجلي؛ كما في «إكمال تهذيب الكمال» (10/167)، و«تهذيب تهذيب الكمال» (8/31): «يكتب حديثه، وليس بالقوي».
وقال الساجي: «ضعيف، يحدث عن سالم مناكير».
وقال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي: «ضعيف».
وقال أبو أحمد الحاكم: «ليس بالقوي عندهم».
وقال علي بن الجنيد: «شبه المتروك».
وقال الدارقطني في «العلل»: (2/49): «ضعيف، قليل الحديث»، وقال (2/50): «ضعيف الحديث، لا يحتج به».
وقال البزار في «مسنده» (2/52-«كشف الأستار»): «هو لين، وأحاديثه لا يشاركه فيها أحد».
وقال الذهبي في «الكاشف» (2/284)، و«المغني في الضعفاء» (2/484): «ضعَّفوه».
وهذا يدلُّ على أنّ أئمة الجرح والتعديل اتفقت كلمتهم على ضعفه، فإنك إذا فتشت كتب الرجال؛ فلن تجده إلا مضعفًا؛ ولهذا قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (5/308): بعد أن ساق أقوال الأئمة في تضعيفه: «وضعّفه الدارقطني والناس».
وبذلك جزم الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/147)، فقال: «وهو متروك الحديث».
ومع اتفاق أهل العلم على ضعفه؛ فإن ذلك لم يمنع بعض أهل العلم من الاستشهاد به، لا سيما وقد قال العجلي -كما تقدم-: «يكتب حديثه».
وقال مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (10/167): «وخرج الحاكم حديثه في الشواهد».
وهذا هو ظاهر صنيع شيخنا الإمام الألباني -رحمه الله-؛ حيث استشهد به في غير موضع، وقوى أمره في المتابعات والشواهد، فانظر: «الصحيحة» (رقم 602).
ولعله لأجل ذلك قال البغوي عقبه: «هذا حديث حسن غريب، وعمرو بن دينار: هو قهرمان آل الزبير، وعمرو بن دينار المكي أثبت منه وأقدم».
واكتفى الحافظ في «التقريب» (734/5060) بقوله: «ضعيف».
ومع ذلك؛ فالذي ترجح عندي: أنه لا يحتج به؛ لا أصلاً، ولا فرعاً.(1/6)
المتابعات
وعلى جميع أحواله؛ فقد توبع، تابعه جماعة:
الأول: محمد بن واسع:
أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (50/430- الكنى)، وأحمد بن منيع في «مسنده»؛ كما في «إتحاف السادة المتقين» (5/511)- وعنه الترمذي (5/491/3428)، والضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة» (1/296-297/186)-، وعبد بن حميد في «مسنده» (1/73-74/28- «منتخب»)، وعلي بن المديني في «مسند عمر»؛ كما في «مسند الفاروق» (2/642)، والدارمي في «مسنده» (9/518/2857- «فتح المنان»)، والإمام أحمد بن حنبل؛ كما في «الأحاديث المختارة» (1/299)، و«مسند الفاروق» (2/642)([1])، وأبو يعلى الموصلي في «مسنده»؛ كما في «مسند الفاروق» (2/642)-ومن طريقه الضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة» (1/297-298/187)-، والحارث بن أبي أسامة في «مسنده» -ومن طريقه أبو نعيم الأصبهاني في «حلية الأولياء» (2/ 355)-ومن طريقه الضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة» (1/298/188)-، والحاكم (1/ 538)-، وابن عدي في «الكامل» (1/420)، والعقيلي في «الضعفاء الكبير» (1/151)، والطبراني في «الدعاء» (2/1167/792)، وابن بشران في «الأمالي» (1/262/608) كلهم من طريق أزهر بن سنان، عنه به.
قلت: أزهر بن سنان ضعيف الحديث؛ إلا أنه يُعتبرُ به، فهو غير مطروح الحديث، ودونك البرهان:
ذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (1/460)، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً.
وقال يحيى بن معين: «لا شيء».
أخرجه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (1/314): أنا ابن أبي خيثمة فيما كتب إليَّ؛ قال: سئل يحيى بن معين عن أزهر بن سنان الذي يروي عنه يزيد: (فذكره).
وهذا سند صحيح.
وأخرجه ابن حبان في «المجروحين» (1/178): سمعت الحنبلي يقول: سمعت أحمد بن زهير يقول: سئل يحيى بن معين عن الأزهر بن سنان، فقال: «ليس بشيء».
وذكره العقيلي في «الضعفاء» (1/151-152)، وابن شاهين في «الضعفاء» (ص 133).
وقال أبو داود السجستاني في «سؤالات أبي عبيد الآجري» (2/49/1083): «أزهر؛ ليس بشيء».(1/7)
وقال ابن حبان في «المجروحين» (1/201): «قليل الحديث، منكر الرواية في قلّته، لم يتابع الثقات فيما رواه».
ومن تأمل أقوال أهل العلم فيه؛ وجدها تليِّنه، لكنها لا تطرحه، فقد قال ابن عدي في «الكامل» (1/420): «ولأزهر ابن سنان غير ما ذكرت (من) أحاديث، وليس بالكثير، وأحاديثه صالحة، ليست بالمنكرة جدًا، وأرجو أنه لا بأس به».
وقال ابن أبي حاتم؛ كما في «إكمال تهذيب الكمال»
(2/49): «هو ثقة»([2]).
ولذلك قال الحافظ الذهبي في «المغني في الضعفاء» (1/65): «فيه لين؛ قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به».
وقال في «الكاشف» (1/56): «ضُعِّف».
وقال الحافظ في «التقريب» (123/311): «ضعيف».
وبذلك يتبيَّنُ أن أزهر بن سنان لين الحديث، وليس بمتروك؛ فإنه لا يُحكم على راوٍ بأنه متروك حتى تتفق كلمات أئمة الجرح والتعديل على ذلك.
قال السيوطي في «تدريب الراوي» (1/295): «... وبقي عليه «المتروك»، وذكره شيخ الإسلام -يعني: الحافظ ابن حجر- في «النخبة»، وفسره بأنه يرويه مَن يُتَّهم بالكذب، لا يُعْرَف ذلك الحديث إلا من جهته، ويكون مخالفًا للقواعد العامة».
وقال في «ألفيّته»:
وسَمِّ بالمتروك تُصِب
راوٍ له مُتَّهم بالكذبِ
أو عَرَفوه مِنه في غير الأثر
أو فِسْقٍ أو غَفلَةٍ أو وهْمٍ كَثُر
وقال السخاوي في «فتح المغيث» (1/202): «وقد ذكر مسلم في مقدمة «صحيحه» ما نصُّه: وعلامة المنكر في حديث المحدث: إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضى؛ خالفت روايته روايتَهم، ولم تكد توافقها، فإن كان الأغلب في حديثه كذلك؛ كان مهجور الحديث، غير مقبوله، ولا مستعمله.
قال شيخنا: فالرواة الموصوفون بهذا: المتروكون».(1/8)
وقال -أيضًا- (1/373): «وقال ابن دقيق العيد في شرح «الإمام»: «قولهم: روى مناكير؛ لا يقتضي بمجرده ترك روايته، حتى تكثر المناكير في روايته، وينتهي إلى أن يقال فيه: منكر الحديث؛ لأن منكر الحديث وصف في الرجل يستحقُّ به الترك بحديثه، والعبارة الأخرى لا تقتضي الديمومة».
كيف وقد قال أحمد بن حنبل في محمد بن إبراهيم التيمي: «يروي أحاديث منكرة»، وهو ممّن اتفق عليه الشيخان، وإليه المرجع في حديث الأعمال بالنيات؟!».
ولا شك أن أزهر بن سنان ليس من هذا القبيل، فروايته معتبرة يعتضد بها.
وقد أورد على هذا الإسناد ثلاث علل:
الأولى: تفرد أزهر بن سنان به.
قال أبو نعيم في «حلية الأولياء» (2/355) بعد أن ساق الحديث بإسناده: «رواه سعيد بن سليمان عن أزهر مثله، تفرَّد به أزهر عن محمد بن واسع، وحدَّث به الأئمة عن يزيد: أحمد بن حنبل، وأبو خيثمة، وطبقتهما».
قلت: والجواب من وجوه:
1- أن أزهر بن سنان لم يتفرَّد به عن محمد بن واسع، فقد أخرج العقيلي في «الضعفاء الكبير» (1/152) حديث أزهر، ثم ساق له متابعاً عن محمد بن واسع؛ قال: حدثناه أحمد بن الحسين الحذَّاء قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم الزَّيدي قال: حدثنا إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: حدثنا يزيد الدورقي -أبو الفضل، صاحب الجواليق- قال: كان محمد ابن واسع الأزدي لا يزال يجيء إلى دكان، فيقعد ساعة في أصحاب الجواليق، فنرى أنه يذكر ربَّه، فحدثنا قال: كنت بخراسان مع قتيبة، فاستأذنتُه في الحج، فأذن لي، فلقيت سالم بن عبد الله، فسمعته يذكر: أنه من دخل السوق، فقال: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لا شَريكَ لَه، لَه المُلكُ، ولَهُ الحَمْدُ، يُحيي وَيُمِيتُ، وهُوَ حَيٌّ لا يَمَوت، بِيَدِهِ الخَيرُ، وهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍٍ قَدِير؛ كَتبَ اللهُ لَه أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنهُ أَلْفُ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وبُنيَ له بَيْتٌ في الجَنَّةِ.(1/9)
قال: فلمَّا رجعت إلى خراسان؛ قال لي قتيبة: ما أفدتنا؟ فحدثته بهذا الحديث، فكان قتيبة يركب في الأيام، فيقف في السوق، فيقولها أربعين مرة، ثم ينصرف.
قال إبراهيم: «كأنه يرجى لقتيبة في هذا خير».
قال العقيلي: «وهذا أولى من حديث أزهر».
قلت: وبهذا تبطل دعوى تفرُّد أزهر عن محمد بن واسع.
2- أن حديث أزهر له طرق أخرى، ستأتي -إن شاء الله-.
3- قول أبي نعيم: «وحدَّث به الأئمة عن يزيد: أحمد ابن حنبل، وأبو خيثمة وطبقتهما».
وهذا -لا يخفى- تقويةٌ منهم للحديث.
الثانية: قول العقيلي:
«وهذا أولى من حديث أزهر».
قلت: يعني: المتابع يزيد الدورقي، والصواب: أن حديث أزهر أولى -على ضعفه- من وجوه:
1- أن أزهر -على ضعفه- يصلح للاعتبار بحديثه، والرواية التي اعترض بها العقيلي راويها غير معروف.
2- أن الراوي عند العقيلي قصَّر، فلم يسُق الإسناد، بل قطعه عند سالم بن عبد الله.
الثالثة: النكارة:
قال الذهبي في ترجمة محمد بن واسع من «الميزان» (4/58): «قال أبو حاتم: روى حديثًا منكراً عن سالم عن ابن عمر.
قلت: النكارة إنما هي من قبل الراوي عنه».
يعني بذلك الذهبي -رحمه الله-: أزهر بن سنان.
وأشار المعلمي في حاشية «الجرح والتعديل» (8/ 113) إلى الزيادة التي جاءت من النسخة (م)؛ بقوله: «ومن (م): ولعل البلاء من الراوي عن محمد بن واسع، فقد قال العجلي: «عابد، ثقة؛ ولكن بُليَ برواة سوء»»ا.هـ.
فبنى بعضهم على هذا أن رواية أزهر بن سنان منكرة، فلا يستشهد بها!(1).
قلت: المنكر -عند علماء الصنعة- يطلق على الراوي الضعيف إذا تفرَّد مطلقًا، أو خالف من هو فوقه.
قال العراقي في «ألفيته»:
«والمنكرُ الفَرْدُ كذا البَرْدِيْجي
أطلَقَ والصَّوابُ في التَّخريجِ
إجراءُ تفصيل لَدَى الشُّذوذ مَر
فهوَ بمعناهُ كذا الشيخُ ذكر»(1/10)
قال شارحها السخاوي في «فتح المغيث» (1/201-202): «(والمنكر): الحديث، (الفرد): وهو الذي لا يُعرف متنه من غير جهة راويه، فلا متابع فيه ولا شاهد، (كذا) الحافظ أبو بكر أحمد بن هارون (البرديجي أطلق، والصواب في التخريج)؛ يعني: المروي كذلك (إجراء تفصيل لدى)؛ أي: عند (الشذوذ مر) بحيث يكون -أيضًا- على قسمين، (فهو)؛ أي: المنكر (بمعناه)؛ أي: الشاذ، (كذا الشيخ): ابن الصلاح (ذكر) من غير تمييز بينهما.
وأما جمع الذهبي بينهما في حكمه على بعض الأحاديث؛ فيحتمل أن يكون تقدم الفرق بينهما، ويحتمل غيره.
وقد حقق شيخنا التمييز بجهة اختلافهما في مراتب الرواة: فالصدوق إذا تفرَّد بما لا متابع له فيه ولا شاهد، ولم يكن عنده من الضبط ما يشترط في القبول؛ فهذا أحد قسمي الشاذ.
فإن خولف مَن هذه صفتُه مع ذلك؛ كان أشد في شذوذه، وربما سمَّاه بعضهم: منكرًا.
وإن بلغ تلك المرتبة في الضبط، لكنه خالف مَن هو أرجح منه في الثقة والضبط؛ فهذا القسم الثاني من الشاذ، وهو المعتمد -كما قدمنا- في تسميته.
وأما إذا تفرَّد المستور، أو الموصوف بسوء الحفظ، أو المضعَّف في بعض مشايخه خاصة، أو نحوهم ممَّن لا حكم لحديثهم بالقبول بغير عاضد يعضده، بما لا متابع له ولا شاهد؛ فهذا أحد قسمي المنكر، وهو الذي يوجد إطلاق المنكر عليه من المحدثين، كأحمد والنسائي.
وإن خولف مع ذلك؛ فهو القسم الثاني، وهو المعتمد على رأي الأكثرين في تسميته، فبان بهذا فضل المنكرين الشاذ([3])، وأن كلاًّ منهما قسمان يجتمعان في مطلق الفرد، أو مع قيد المخالفة، ويفترقان في أن الشاذ: راويه ثقة، أو صدوق غير ضابط، والمنكر: راويه ضعيف بسوء حفظه، أو جهالته، أو نحو ذلك.
وكذلك فرَّق في «شرح النخبة» بينهما؛ لكن مقتصرًا في كل منهما على قسم المخالفة، فقال في الشاذ: «إنه ما رواه مخالفًا لمن هو أولى منه».(1/11)
وفي المنكر: «إنه ما رواه الضعيف مخالفًا، والمقابل للمنكر: هو المعروف، وللشاذ -كما تقدم-: هو المحفوظ»ا.هـ. بحروفه([4]).
قلت: أزهر بن سنان لم يتفرَّد به؛ كما بينتُ في الرد على العلَّة الأولى، ولم يخالف؛ فمن أين جاءت النكارة؟
وبهذا تتساقط جميع العلل التي وردت على حديث أزهر بن سنان لتزحزحه عن الاعتبار، فإنه يصلح للمتابعات والشواهد؛ وإن كان ضعيفًا.
ولعله لأجل ذلك خرج الضياء المقدسي حديث أزهر هذا، فهذا بمثابة التقوية له.
وقال المنذري في «الترغيب والترهيب» (2/309- «صحيحه»): «وإسناده متصل حسن، ورواته ثقات أثبات، وفي أزهر بن سنان خلاف، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به».
وقال الدمياطي في «المتجر الرابح» (321/1337): «إسناده حسن».
الثاني: المهاصر بن حبيب:
ذكره الدارقطني في «العلل» (2/50)، والمزي في «تحفة الأشراف» (8/58).
وقد أخرجه ابن أبي شيبة في «مسنده» -ومن طريقه الطبراني في «الدعاء» (2/1167/793)-، وأبو الفضل
-عبيد الله بن عبد الرحمن-الزهري في «حديثه» (1/218-176- رواية الحسن بن علي الجوهري) من طريق أبي هشام -محمد بن يزيد- الرفاعي؛ قالا: ثنا أبو خالد الأحمر، عن المهاصر بن حبيب؛ قال: سمعت سالم بن عبد الله بن عمر يقول: سمعت ابن عمر يقول: سمعت عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ دَخَلَ سُوقًا مِنَ الأَسْوَاقِ، فَقَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ، ولَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٍ؛ كَتَبَ اللهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ».
وأخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في «زوائد الزهد» (ص214): حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة به؛ إلا أنه سقط منه ذكر (سالم)، و(عمر)، ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم!
وأظن ذلك من الناسخ؛ لأن الطريق واحدة تدور على أبي بكر بن أبي شيبة.(1/12)
قلت: تحرَّف اسم المهاصر بن حبيب -راويه عن سالم- في مطبوع كتابي «الدعاء»، و«تحفة الأشراف» إلى المهاجر! وبناء على هذا التحريف القبيح لم يعرف محقق كتاب «الدعاء» المهاجر بن حبيب المزعوم!! ولله في خلقه شؤون.
واضطرب أمره على مؤلف رسالة «بذل الجهد»
(ص27-28)، فقال: «قلت: المهاجر؛ لم أعرفه، ولم أجد في ترجمة أبي خالد الأحمر أنه روى عن رجل اسمه مهاجر؛ لكن وجدت في «ثقات ابن حبان» (5/427) قال: «مهاجر بن حبيب الزبيري؛ يروي عن أسد بن كرز -وله صحبة-، روى عنه أرطاة بن المنذر، وأخاف أن يكون هو مهاجر الزبيري».
هكذا في المطبوع، والصواب مهاصر، كما ذكره في ترجمته من «الثقات» (7/525)، وكذلك في «الجرح والتعديل» (8/439) مهاصر بن حبيب، وقال: «لا بأس به».
وهو ممَّن يُكتب حديثه، ويُنظر فيه عند أبي حاتم؛ كما في مقدمة «الجرح والتعديل».
ووجدت مهاجر بن عمرو النبال الشامي، روى عن ابن عمر؛ لكن ليس في ترجمته أن أبا خالد الأحمر روى عنه، ووثقه ابن حبان، وفي «التقريب»: «مقبول».
ثم رأيت الدارقطني في «العلل» (2/50) سماه مهاصرًا؛ قال: «وروى عن مهاصر بن حبيب وعبد الله بن الفراء عن سالم».
فالله أعلم بالصواب.
على كل حال، فهو قد اضطرب في الحديث سندًا ومتنًا، والراوي عنه هو: سليمان بن حيان -أبو خالد الأحمر-، فيه ضعف من قبل حفظه؛ قال ابن عدي:
«له أحاديث صالحة، إنما أُتِيَ من سوء حفظه، فيغلط ويخطئ، هو في الأصل كما قال ابن معين: صدوق، وليس بحجة».
وفي «التقريب»: «صدوق يخطئ»».ا. هـ بحروفه.
قلت: لا شك أن المهاجر تصحيف عن المهاصر؛ إذ إن الدارقطني -رحمه الله- قد نصَّ على أن الذي رواه هو المهاصر بن حبيب , وليس المهاجر.
والمهاصر؛ ذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (8/66-67)، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً!
لكن قال علي بن المديني -شيخ البخاري- في «مسند عمر»؛ كما في «مسند الفاروق» (2/642): «مهاصر([5]) بن حبيب ثقة من أهل الشام».(1/13)
وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/440): «سئل أبي عنه، فقال: لا بأس به».
وذكره ابن حبان في «الثقات» (7/525-526).
قلت: فهو صدوق حسن الحديث -بلا ريب-، لا سيما إذا علمت أن علي بن المديني وأبا حاتم الرازي من المتشددين في باب الجرح والتعديل، فإذا عدلا راوياً -كما هو الحال هنا- فتمسك بقولهما؛ فهما لا يوثقان إلا رجلاً صحيح الحديث، لا سيما وأن المهاصر -هذا- لم ينقل فيه جرح البتة، وسيأتي
(ص 42) مزيد تفصيل عن كلام أبي حاتم هذا؛ فانظره لزاماً.
وانظر: «السير» (13/260).
وأما الراوي عنه -أبو خالد الأحمر-؛ فقد أسرف مؤلف رسالة «بذل الجهد» في تضعيفه، ودونك أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه:
وردت روايات كثيرة عن يحيى بن معين في شأن أبي خالد الأحمر:
1- في «تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي» (129/410)؛ قال: قلت ليحيى بن معين: فكيف حديث سليمان بن حيان؟ فقال: «ثقة».
2- وقال (156/545و241/941): وسألته عن أبي خالد الأحمر؟ فقال: «ليس به بأس».
3- وقال في «سؤالات ابن طهمان» (111/357): «ليس به بأس، لم يكن بذاك المتقن».
4- وفي «الكامل» لابن عدي (4/1129) -ومن طريقه السهمي في «تاريخ جرجان» (ص217)-: «سمعت محمد بن موسى الحلواني يقول: سمعت عباسًا الدوري يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: أبو خالد الأحمر صدوق، ليس بحجة».
قلت: لم أر كلام ابن معين -هذا- في مطبوع «تاريخ الدوري»، والذي رأيته في «مطبوع رواية الدوري» (2/229) خلاف ذلك؛ ففيه: «في حديث أبي خالد الأحمر -حديث ابن عجلان-: «إذا قرأ فأنصتوا»؛ قال: «ليس بشيء، ولم يثبته، ووهَّنه».
والجواب على هذا من وجوه:
1- كلام الإمام يحيى بن معين الأخير عند الدوري، المراد به: الحديث، وليس المترجَم؛ كما هو واضح من السياق والروايات الأخرى.(1/14)
2- قوله: «ليس به بأس» تارة، وأخرى: «ثقة»؛ الظاهر منه: أن ناقلي أقواله كتبوا ما حفظوا؛ ولكن يحيى بن معين كان يجمع بينهما، فيقول: «ليس به بأس، ثقة».
فمن حفظ الجملة الأولى؛ أثبتها، ومن حفظ الثانية؛ أوردها.
وهذا ليس رجمًا بالغيب، وإنما قاله ابن محرز في «سؤالاته عن يحيى» (400): «ليس به بأس، ثقة».
فتأمل؛ تجد صدق ما قدَّمنا.
3- قال ابن عدي في «الكامل» (4/1131):
«وأبو خالد الأحمر؛ له أحاديث صالحة، ما أعلم غير ما ذكرت مما فيه كلام، ويحتاج فيه إلى بيان، وإنما أُتي مِن سوء حفظه، فيغلط ويخطئ، وهو في الأصل كما قال ابن معين: صدوق، ليس بحجة».
قلت: كلمة ابن عدي تشعر أن خلاصة حكمه على أبي خالد الأحمر ما قاله الإمام يحيى بن معين فيه: «صدوق، ليس بحجة»، وهو كذلك؛ لكن لا يفهم من كلام ابن معين: «ليس بحجة» أنه يُضَعِّفُ أبا خالد -سليمان بن حيان- الأحمر مطلقاً، لا؛ وإنما مراده: أنه لم يبلغ درجة الثقة الثبت، وأنه غير حافظ، فليس هو حجة كالثقة الثبت، وإن كان في نفسه صدوقاً محتجاً به، وكلام ابن معين المتقدم في رواية ابن طهمان عنه صريح بذلك، وأصرح منه: قول معاوية بن صالح؛ كما في «الضعفاء الكبير» للعقيلي (2/489)- وعنه علاء الدين مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (6/51)-: سمعت يحيى بن معين يقول: «أبو خالد الأحمر ثقة، وليس بثبت».
ولذلك قال الإمام الذهبي في «الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم» (101/39): «ثقة، مخرج له في الكتب الستة، وقال ابن معين: ليس بحجة».
ومن المعلوم: أن الصدوق -الذي خف ضبطه عن الثقة- محتج به، والعمل بروايته مترجح دون ريب، كما سيأتي مزيد تفصيل لذلك.
ومن الغريب: أن مؤلف رسالة «بذل الجهد» أسقط من كلمة ابن عدي ما يشعر بذلك، وأثبت ما يشعر أن ابن عدي يجزم بسوء حفظه!(1/15)
وقد قال أحمد بن سعيد بن أبي مريم؛ كما في «تاريخ بغداد» (9/23)، و«تهذيب الكمال» (11/396) وغيرهما: سمعت يحيى بن معين يقول: «سليمان؛ ثقة».
وقال علي بن المديني؛ كما في «الجرح والتعديل» (4/107)، و«تهذيب الكمال» (11/396): «ثقة».
وقال محمد بن يزيد الرفاعي؛ كما في «الجرح والتعديل» (4/107)، و«تاريخ بغداد» (9/22)، و«تهذيب الكمال» (11/397): «حدثنا أبو خالد الأحمر الثقة الأمين».
وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/107): «سمعت أبي يقول -وسألته عنه-، فقال: صدوق».
وقال ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (6/391): «كان ثقة، كثير الحديث».
وقال أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي في «تاريخ الثقات» (201/607): «كوفي، ثقة [ثبت، صاحب سنة](1)».
وقال النسائي؛ كما في «تهذيب الكمال» (11/397): «ليس به بأس».
وقال ابن شاهين في «تاريخ أسماء الثقات» (100/460): «ليس به بأس. وفي كتاب ابن أبي خيثمة: أبو خالد الأحمر الثقة المأمون».
وقال البزار في «كتاب السنن»؛ كما في «إكمال تهذيب الكمال» (6/50): «ثقة».
قلت: فهذه كلمات أئمة الجرح والتعديل في توثيقه، وهي كما ترى كثيرة، تدل على أنهم اتفقوا على توثيقه، بل وصفه مؤرِّخ الإسلام -الإمام الذهبي- في «سير أعلام النبلاء» (9/19): بـ «الحافظ الإمام».
وقال في «الكاشف» (1/312): «صدوق إمام».
وفي «العبر» (1/235): «أحد الكبار، روى عن أبي مالك الأشجعي، وأقرانه».
وترجم له في «تذكرة الحفَّاظ» (1/272)، فقال: «الحافظ الصدوق».
ولما نقل قول أبي حاتم الرازي فيه: «صدوق»؛ قال: «قلت: هو من مشاهير المحدثين، وغيره أثبت منه».
وقال في «ميزان الاعتدال» (2/200): «قلت: الرجل من رجال الستة، وهو مكثر، يهمُ كغيره».(1/16)
وعليه؛ فقول أبي بكر البزار في «كتاب السنن» له -كما نقله عنه الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (4/182)، و«هدي الساري» (ص407)، وعلاء الدين مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (6/50)-: «ليس ممن يلزم بزيادته حجة؛ لاتفاق أهل العلم بالنقل أنه لم يكن حافظًا، وأنه روى عن الأعمش وغيره أحاديث لم يتابع عليها».
أقول: فقوله -هذا- لا يلغي التوثيق المتقدم؛ إذا فهمت عبارة البزار فهماً صحيحاً، وحملت على بابها؛ بأن يكون نفي الحفظ عنه إنما يقصد به: كماله وذروته، وليس أصله، وعليه؛ فزيادته على الثقات لا تقبل مطلقاً، ولا تقوم بها حجة إذا خالفت غيرها، على التفصيل المعروف، وهذا حق لا مرية فيه، وهذا يلتقي تماماً مع قول ابن معين المتقدم: «ليس بحجة»، «ليس بثبت»، «لم يكن بذاك المتقن».
ويؤيد ما ذكرت: بقية كلام البزار، فإنه مشعر أن ذلك في حال التفرد، أو المخالفة للغير. والله أعلم.
فإن قيل: إنه يخطئ!
قلت: ومن الذي لا يخطئ؟! أشعبة؟ أمالك؟
وقد تقدم ردّ الذهبي في «الميزان» على هذا الاعتراض.
وحسبك به أن الشيخين؛ بل الجماعة، أخرجوا حديثه في كتبهم، وكذا اعتمده سائر من ألَّف في هذا الفن واشترط الصحة في كتابه؛ كابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم ونحوهم، مع تصحيح الإمام الدارقطني حديثه في «سننه»؛ كما في «إكمال تهذيب الكمال» (6/50).
ومن كان كذلك؛ فقد جاوز القنطرة.
ناهيك أنه لم يتفرد عن مهاصر بن حبيب به؛ بل تابعه غيره، فقد قال المزي في «تحفة الأشراف» (8/58):
«ورواه أبو خالد الأحمر، عن المهاصر(1) بن حبيب عن سالم عن أبيه عن جده. ورواه غيره عن المهاصر(1)، فلم يقل: عن جده».
وفي الجملة، فهذه متابعة جيدة، وهي إسناد حسن لذاته.
__________
([1]) قال الضياء المقدسي -ونقله عنه ابن كثير في «مسند الفاروق»-: «وذكر أبو نعيم -أحمد بن عبد الله- الأصبهاني أن الإمام أحمد رواه عن يزيد بن هارون، ولم أره في «مسنده»، ويحتمل أن يكون رواه في غير «المسند» والله أعلم».
([2]) قلت: ولم أر كلامه هذا في كتابه «الجرح والتعديل»، فكان الأجدر بالحافظ مغلطاي أن يبين المصدر الذي نقل منه هذا التوثيق.
(1) انظر: «بذل الجهد في تحقيق حديثي السوق والزهد» (ص 33).
([3]) هكذا في الأصل، والصواب: «فبان بهذا فصل المنكر من الشاذ»؛ كما في «النكت» لابن حجر (2/675).
([4]) وهو منقول من كلام شيخه الحافظ ابن حجر في «النكت» (2/974-975)، مع شيء يسير من التصرف، فأغنى هذا التنبيه عن الإعادة.
وانظر -لزامًا-: «مقدمة ابن الصلاح» (ص37-38).
([5]) تحرفت في مطبوع «مسند الفاروق» إلى المهاجر!!
(1) ما بين المعقوفين ساقط من مطبوع «تاريخ الثقات»! والاستدراك من «إكمال تهذيب الكمال» (6/50)، و«تهذيب التهذيب» (4/182).
(1) في المطبوع: «المهاجر» مصحفاً.(1/17)
ثم وقفت بعد على كلمات غاليات لشيخنا الإمام الألباني -رحمه الله-؛ تدحض كل تخرص، وتفند كل زعم، وتزيل كل لبس حول هذه الطريق، وهذه الكلمات الرائقات كتبها شيخنا -رحمه الله- في أواخر حياته؛ مما يعني: ثبوت الحديث عنده -رحمه الله- يقيناً دون مرية، وأن التأصيل الذي سيأتي ذكره هو زبدة وخلاصة سني عمره -رحمه الله-، فهو بمثابة تقعيد لبعض المصطلحات التي طال الجدل حولها، فكن حريصاً على فهمها فهماً صحيحاً، والاستفادة منها.
قال -رحمه الله- في «الصحيحة» (7/1/381-389/3139): «ورجال إسناده ثقات؛ غير المهاجر بن حبيب، وهو محرف، والصواب: «مهاصر»، وعلى الصواب وقع في إسناد هذا الحديث عند الدارقطني في «العلل» (2/50)، وهو ثقة عند ابن حبان والعجلي والهيثمي، وحسن حديثه الحافظ.(1/18)
ولذلك؛ فقد أخطأ بعض الناشئين في هذا العلم حين أقدم على تضعيف هذا الحديث من جميع طرقه -وقد بلغت عنده سبعة طرق؛ هذا أحدها -في رسالة صغيرة أصدرها بعنوان: «بذل الجهد في تحقيق حديثي السوق والزهد»؛ يعني: تضعيفهما، ولا مجال الآن لمناقشته فيما ذهب إليه من التضعيف، وإنما أقتصر هنا على مناقشته فيما تمسك به في تضعيفه لهذا الحديث بهذا الإسناد؛ ليتبين القراء أنه مبتدئ في هذا العلم، أو أنه تبنى سلفاً تضعيف الحديث، ثم تشبث بما يظن أنه يؤدي به إلى ضعفه.
فأقول: لقد أعله بثلاث علل:
الأولى: قول أبي حاتم في (المهاصر): «لا بأس به».
فقال المومى إليه: «وهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه عند أبي حاتم؛ كما في «مقدمة الجرح والتعديل»...».
فأقول: نعم؛ هذا مذهبه، فكان ماذا؟! هلا بينت لقرائك ماذا تفهم منه؟! ألم تعلم أنه لا يعني هذا الذي عنيته أنت من تضعيفه؟ وإنما عنى: أنه ليس في المرتبة الأولى في الاحتجاج به؛ فقد قال: «إذ قيل للواحد: إنه ثقة، أو متقن، ثبت؛ فهو ممن يحتج بحديثه».
«وإذا قيل له: إنه صدوق، أو محله الصدق، أو لا بأس به؛ فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه، وهي المنزلة الثانية».
فهذا صريح في أن من كان في المنزلة الثانية أنه يحتج به؛ ولكن ليس شأنه شأن من كان في المنزلة الأولى؛ فهذه مرتبة من كان صحيح الحديث، والثانية مرتبة من كان حسن الحديث. ولذلك حسن الحافظ ابن حجر إسناد حديثه الذي قبل هذا.
وهذا كله يقال إذا فرضنا أنه ليس هناك من وثق المهاصر -هذا-، وقد عرفت من وثقه.
العلة الثانية والثالثة: قال بعد أن نقل عن «علل الدارقطني» أنه سماه مهاصراً: «على كل حال؛ فهو قد اضطرب في الحديث سنداً ومتناً. والراوي عنه هو سليمان بن حيان -أبو خالد الأحمر-؛ فيه ضعف من قبل حفظه ... وفي «التقريب»: «صدوق يخطئ».(1/19)
فأقول -جواباً عن العلة الثانية-: هكذا أجمل القول في زعم الاضطراب، وكان عليه أن يبينه للناس ولا يكتمه! وهو يعني بالاضطراب سنداً: ما نقله (ص 26) عن المزي في «تحفة الأشراف» (8/58): «ورواه أبو خالد الأحمر عن المهاجر (كذا) ابن حبيب عن سالم عن أبيه عن جده. ورواه غيره عن المهاجر(كذا)! فلم يقل: عن جده».
ثم ذكر رواية عبد الله بن أحمد المتقدمة التي سقط منها ما تقدم بيانه، ومن ذلك: رفع الحديث.
فأقول: هذا الزعم وحده يكفي للدلالة على أن المدعي لا علم عنده بالقواعد العلمية الحديثية، ذلك؛ لأنه ليس كل اختلاف في السند أو المتن يعد علة قادحة عند العلماء، بل يشترط لذلك أن تتساوى وجوه الاضطراب بحيث لا يمكن ترجيح وجه على آخر، وهذا غير متحقق هنا.
أما الإسناد؛ فقد عرفت أن مدار حديث أبي خالد الأحمر على رواية ابن أبي شيبة عنه، وأنه رواه عنه عبيد بن غنام والحضرمي -وهما ثقتان، وثانيهما من الحفاظ المشهورين -بإثبات الجد الذي هو عمر؛ مرفوعاً.
وخالفهما عبد الله بن أحمد -على فرض سلامة كتاب «الزهد» من السقط-؛ فلم يذكر: «عن جده».
ولا يخفى على البصير بهذا العلم أن رواية الثقتين أرجح من الثقة الواحد، وهذا إذا فرضنا التضاد بين الروايتين، وليس كذلك؛ لأنه سواء كان الراجح أنه عن ابن عمر عن عمر، أو عن ابن عمر دون عمر، لم يضر؛ إذ إن الإسناد مسند على كل حال.
ولا يرجح رواية عبد الله ما ذكره المزي: أنه رواه غير أبي خالد عن المهاصر فلم يقل: «عن جده»؛ وذلك لجهالة الغير المشار إليه. ولو فرضنا أنه ثقة؛ لم يكن الاختلاف علة قادحة؛ لأنه -على الوجهين- مداره على صحابي كما ذكرنا آنفاً.
أما المتن؛ فلم يبينه الناقد، مكتفياً بمجرد الدعوى!وليس هناك اختلاف ظاهر؛ إلا إن كان يريد أن في آخر رواية عبدالله زيادة ليست في رواية الطبراني عن الثقتين، وهي: «وحط عنه ألف ألف خطيئة»، ولعل الأصل: «أو حط ...» إلخ.(1/20)
وأما الثالثة؛ فهو قوله في أبي خالد الأحمر: وفيه ضعف من قبل حفظه ... وفي «التقريب»: «صدوق يخطئ».
والجواب من وجهين:
الأول: أن أبا خالد -هذا- قد وثقه جمهور المحدثين، وحسب القارئ أن يعلم أن البخاري ومسلماً قد احتجا به في «صحيحهما»، ولا ينافي ذلك أن في حفظه ضعفاً، خلافاً لما يوهمه الناقد بما نقله عن الحافظ من قوله: «صدوق يخطئ»! وغالب الظن أنه لا يعلم أنه يعني بذلك: أنه قليل الغلط؛ كما صرح بذلك في «مقدمة الفتح» (ص384)، وقد أشار إلى ذلك الذهبي بقوله في «الميزان»:
«الرجل صاحب حديث وحفظ، من رجال الستة، وهو مكثر، يهم كغيره».
ولذلك؛ قال في كتابه «الكاشف»: «صدوق إمام».
فهل يجوز رد حديث مثل هذا الإمام يا أبا عبد الله؟! فاتق الله! ولا تتبع الهوى؛ فيضلك عن سبيل الله.
ثم إن الباحث عن الحق لا ينبغي أن يقف عند كلمة للحافظ أو لغيره، ويبني عليها توثيقاً وتصحيحاً، أو تجريحاً وتضعيفاً! وإنما ينبغي عليه أن يستخلص من أقوال الأئمة خلاصة يطمئن إليها، ويبني أحكامه عليها، وإلا؛ صدرت منه أحكام مضطربة، وهذا ما نراه في كثير من الطلاب الناشئين اليوم، بحيث يقوي حديث راو تارة، ويضعفه أخرى، ليس ذلك من باب تغير الاجتهاد، أو من باب تطبيق قاعدة (الشذوذ والمخالفة) ونحوها؛ وإنما من باب: «الغاية تبرر الوسيلة»! فأحدهم قد يميل إلى تضعيف حديث؛ فيجلب ما هب ودب من الأقوال لتأييد ضعفه، أو العكس من ذلك إذا كان هواه في صحة الحديث!
وعلى ضوء ما ذكرت؛ نسأل هذا الناقد: ما هو الأصل عندك في حديث أبي خالد الأحمر هذا؟ أهو الاحتجاج به، أم تضعيفه؟
فإن قلت بالأول؛ فلماذا ضعفت حديثه هذا؟!(1/21)
وإن قلت بالآخر؛ فما هي حجتك مقابل احتجاج الشيخين بحديثه؛ فضلاً عن غيرهما؟! فكم من حديث له في «السنن» وغيرها صححه العلماء! كحديث: «لا ينظر الله إلى رجل يأتي امرأته في دبرها»؛ فقد حسنه الترمذي، وقواه ابن الجارود (729)، وصححه ابن حبان (1302)، ومن قبله الإمام إسحاق بن راهويه في «مسائل المروزي» (ص221)، وابن حزم أيضاً (10/70)، وابن دقيق العيد في «الإلمام» (1127).
والشيخ مقبل الوادعي نفسه لم يضعف هذا الحديث
-أعني: حديث إتيان المرأة في دبرها- في تعليقه على «تفسير ابن كثير» (1/485)؛ بل أقره الترمذي على تحسينه إياه، وأيده بقوله: «رجاله رجال الصحيح».
وهذا كله يدل الباحث: أن هذا الناقد جعل النقد غاية له، وليس الدفاع عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا؛ كيف يقدم على مخالفة الحفاظ في توثيق هذا الرجل وتصحيحهم لحديثه، لمجرد نقد رآه لبعضهم فيه، لا يستطيع -لحداثته في هذا العلم- أن يجد له وجهاً لا يختلف مع التوثيق والتصحيح المذكورين على النحو الذي ذكرناه؟!!
وحقاً: إن عجبي لا يكاد ينتهي من أخينا الفاضل الشيخ مقبل بن هادي؛ كيف يحض هذا وأمثاله الناشئين-مثل العدوي والمؤذن ونحوهما- على أن يتسلقوا سلم النقد في العلم؛ وهم -بعد- في أول الطريق؟! وأن يشغلونا عما نحن في صدده -من خدمة كتب السنة- بالرد على أمثالهم، ولو بقدر ضئيل من الوقت؟!
ولا يشفع له ذلك: قوله في تقديمه للرسالة (ص 9): «والأخ عادل -حفظه الله-، وإن لم يكن بمنزلة محدث العصر الشيخ ناصر الدين ...».
فهذا حقٌّ وصدق؛ بل أنا أشهد على نفسي أنني دون ذلك بكثير؛ ولكني -مع ذلك- أرى أن من الواجب على الشيخ مقبل أن ينصح أولئك الناشئين أن يدأبوا على دراسة هذا العلم حتى ينبغوا فيه، وأن ينشروا ما ينفع الأمة من البحوث الحديثية والفقهية، مما يعلمون أن الناس بحاجة إليه، حتى يطلع الناس على ثمرة علمهم، ويشهد لهم به!(1/22)
ألا يعلم هؤلاء أنهم إذا قاموا بالرد على من يزعمون بأنه: «محدث العصر» أن هذا يدفعنا للرد عليهم، وبيان عوارهم وجهلهم بهذا العلم، وأنهم تزببوا قبل أن يحصرموا؟!
والآخر: لقد نقلت عن الحافظ المزي أن أبا خالد هذا قد توبع في روايته عن المهاصر بن حبيب، فكيف جاز لك أن تذكر ذلك لإثبات الاضطراب المزعوم، وأن تتجاهله حين يناسبك ذلك؟! أليس ذلك صنيع أهل الأهواء الذين يكيلون بكيلين، ويلعبون على الحبلين؟! فأعظك أن تكون من الجاهلين!
على أن المهاصر هذا؛ قد تابعه محمد بن واسع، عن عبد الله بن عمر، عن عمر به مرفوعاً.
أخرجه جمع من الأئمة؛ كالبخاري في «الكنى» (50/430)، والدارمي، والترمذي، والحاكم، وغيرهم من طريق أزهر بن سنان عنه.
وهذا إسناد يستشهد به؛ لأن محمد بن واسع ثقة عابد كثير المناقب، احتج به مسلم؛ كما في «التقريب».
وأزهر بن سنان -وإن كان قد ضعفه جمع، وقال فيه الحافظ: «ضعيف»؛ فإنه لم يتهم، بل قال ابن عدي في «الكامل» (1/420)- وقد ساق له أحاديث هذا أحدها-:
«وأحاديثه صالحة ليست بالمنكرة جداً، وأرجو أنه لا بأس به».
ولذلك ؛ لما أخرجه الحاكم وقال في أزهر هذا: «بصري زاهد»؛ لم يتعقبه الذهبي إلا بقوله (1/538): «قلت: قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به».
وقال المنذري في «الترغيب» (3/5): «وإسناده متصل حسن، ورواته ثقات أثبات، وفي أزهر بن سنان خلاف، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به».
ولذلك؛ أورده الضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة» (ج1/رقم 176-178-بتحقيقي)، وله طرق أخرى ومتابعات ذكرت بعضها هناك، وفيما تقدم كفاية لمن أنصف.
هذا؛ ويبدو لي من صنيع الناقد لهذا الحديث أمران:
الأول: أنه يتبنى الجرح مطلقاً، ولو كان غير مفسراً؛ خلافاً للمعروف في علم المصطلح.(1/23)
والآخر: أنه لا يتبنى قاعدة تقوية الحديث الضعيف بكثرة الطرق التي لم يشتد ضعفها؛ كما قرره ابن الصلاح في «المقدمة»، وأشاد بها شيخ الإسلام ابن تيمية في غير ما موضع من كتبه و«فتاويه»، فقد ساق الناقد لهذا الحديث سبعة طرق، أكثرها ليس فيها متهم بالكذب، ومع ذلك؛ فإنه لما ضعف مفرداتها كلها؛ لم يستفد من مجموعها للحديث قوة، وبخاصة حديث المهاصر بن حبيب الذي هو حجة وحده في هذا الباب، فكيف إذا انضم إليه حديث الأزهر بن سنان ونحوه؟! فاللهم هداك!!
وكأني بهذا الرجل -مثل كثير غيره- يستكثرون على الله -تعالى- أن يعطي عباده هذا الأجر الكبير على هذا التهليل، فلما استقر ذلك في نفسه؛ أخذ يضعف حديث نبيه بكل وسيلة، متجاهلاً حقيقة شرعية لا تخفى على أي مؤمن، وهي فضل الله على عباده؛ كما صرح بذلك في كتابه بقوله:
? ??????????? ??? ??????? ???????? ?، وفي الآية الأخرى:? ??????????? ??? ???????????? ???????????? ?.
على أن للفضل المذكور في الحديث شاهداً من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- لعله لم يطرق سمعه لحداثته! يرويه علي بن زيد، عن أبي عثمان قال: بلغني عن أبي هريرة أنه قال: إن الله -عز وجل- يعطي عبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة. قال: فقضي أني انطلقت حاجاً -أو معتمراً- فلقيته، فقلت: بلغني عنك حديث: أنك تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«إن الله -عز وجل- يعطي عبده المؤمن بالحسنة ألف ألف حسنة؟» قال أبو هريرة: لا؛ بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله -عز وجل- يعطي ألفي ألف حسنة»، ثم تلا:? ?????????????? ????????? ??? ??????????? ????????? ????????? ?.
فقال: إذا قال:? ????????? ????????? ?؛ فمن يقدر قدره؟!
أخرجه أحمد (2/296و521-522) وغيره».ا.هـ.
قلت: وسيأتي تخريج هذا الحديث والكلام عليه
(ص 96-98)؛ فانظره غير مأمور.(1/24)
الثالث: عبيد الله بن عمر العمري:
عن سالم بن عبد الله، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قالَ في سوقٍ مِنَ الأَسواقِ: لا إِلَهَ إِلاَّ الله، وحدَه لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ، ولَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٍ؛ كَتَبَ اللهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حسنَةٍ».
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (12/232/13175) -ومن طريقه أبو نعيم الأصبهاني في «حلية الأولياء» (8/280) -ومن طريقه وطريق غيره ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (48/276-277) عن الحسن بن علي المعمري: ثنا عمرو بن أسلم الحمصي العابد: ثنا سلم بن ميمون الخوَّاص، عن علي بن عطاء، عنه به.
قلت: وهذا إسنادٌ واهٍ بمرة؛ لأن سلم بن ميمون الخوَّاص متروك؛ كما تدلُّ ترجمته في «ميزان الاعتدال» (2/186-187)، و«لسان الميزان» (3/66)، فلا يفرح به، ولا كرامة.
الرابع: أبو عبد الله الفراء:
قال: عن سالم نحو حديث محمد بن واسع، وبأخصر منه.
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (50/430): «قال ضرار: نا الدراوردي، عن أبي عبد الله الفراء، عن سالم؛ نحوه».
أي: نحو حديث محمد بن واسع الذي ساقه قبله.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ فيه علَّتان:
الأولى: أبو عبد الله الفراء -هذا- مجهول:
قال أبو حاتم الرازي؛ كما في «الجرح والتعديل» (9/401): «هو مجهول».
وقال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (4/546): «مجهول».
الثاني: ضرار؛ هو ابن صرد: متروك.
وقد خفي أمر هذا الإسناد على محقق «فضل التهليل وثوابه الجزيل» لابن البناء (ص40)، فقال: «والفراء -هذا- لم يرو عنه غير الدراوردي، ولم يذكر فيه البخاري شيئًا، وذكره ابن أبي حاتم عن أبيه؛ لكن نسبه (القزاز)، وقال: «هو مجهول» [«جرح» (4/2/401)]، وذكره ابن حبان في «الثقات» (7/666)، فحديثه صالح للاعتبار»ا.هـ.
قلت: أبو عبد الله الفراء مجهول؛ كما نصَّ عليه أبو حاتم والذهبي، والقول قولهما.(1/25)
وأما توثيق ابن حبان؛ فلا يحتجُّ به؛ لأنه يوثق المجاهيل، كما لا يخفى على طلاب العلم الجادِّين.
ناهيك أن المحقق لم يتعرض لضرار، وهو ابن صرد؛ قال البخاري؛ كما في «الضعفاء الكبير» للعقيلي (2/610)، «وتهذيب الكمال» (13/305)، و«ميزان الاعتدال» (2/327): «متروك الحديث».
وقال النسائي في «الضعفاء والمتروكين» (141/326)
-ونقله عنه ابن عدي في «الكامل» (4/1421)، والمزي في «تهذيب الكمال» (13/305)-: «متروك الحديث».
وقال في موضع آخر؛ كما في «ميزان الاعتدال» (2/328)، و«تهذيب الكمال» (13/305): «ليس بثقة».
وقال يحيى بن معين؛ كما في «الجرح والتعديل» (4/465)، و«تهذيب الكمال» (13/305)، و«ميزان الاعتدال» (2/327): «بالكوفة كذابان: أبو نعيم النخعي، وأبو نعيم ضرار ابن صرد».
وقال الدارقطني: «ضعيف».
وقال أبو أحمد الحاكم: «ليس بالقوي عندهم».
قلت: وهذا جرح مفسَّر من هؤلاء الأئمة الأعلام، وهو مقدَّم على التوثيق؛ كما لا يخفى.
الخامس:
قال الذهبي في «تلخيص المستدرك» (1/538):
«وله شاهد: ابن وهب: أخبرني عمر بن محمد بن زيد: حدثني رجل بصري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن جده مرفوعًا: «مَنْ خَرَجَ إِلى السُّوقِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْيي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَديرٍ؛ كَتَبَ اللهُ لَه أَلفَ أَلفِ حَسَنةٍ، وَمَحَا عَنهُ أَلْفَ أَلف سَيِّئَةٍ، وَبَنَى لَهُ بَيْتًا في الجنَّةِ».
وخالف عبد الله بن وهب: إسماعيل بن عياش؛ فرواه عن عمر بن محمد، عن سالم به؛ بإسقاط الرجل البصري الذي لم يسم!
قلت: لكن إسماعيل بن عياش ضعيف في غير الشاميين، وعمر بن محمد -هذا- مدني؛ فرواية ابن وهب هي المعروفة.
وذكر الدارقطني في «العلل» (2/5) أن هذا الرجل البصري هو عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير -نفسه-، فرجع الحديث إلى الطريق الأولى، فلا يستشهد بهذه.(1/26)
الشواهد
الأول: حديث عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-:
وللحديث شاهد من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- به:
أخرجه الترمذي في «العلل الكبير» (2/912/408-ترتيب أبي طالب القاضي)، وابن عدي في «الكامل» (5/1745)، والعقيلي في «الضعفاء الكبير» (3/1018)، والحاكم في «المستدرك» (1/539) من طريق يحيى بن سليم الطائفي، عن عمران بن مسلم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ في السُّوقِ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، يحيى ويميت، بِيَدِهِ الخَيرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَديرٍ؛ كَتَبَ اللهُ لَهُ أَلْفَ أَلفِ حَسَنةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وَبَنَى لَهُ بَيْتًا في الجنَّةِ».
قلت: أعلَّ هذا الإسناد بعلتين:
الأولى: قال الترمذي في «العلل الكبير» (2/912):
«سألت محمدًا([1]) عن هذا الحديث؟ فقال: هذا الحديث منكر.
قلت له: مَن عمران بن مسلم هذا؟ هو عمران القصير؟
قال: لا؛ هذا شيخ منكر الحديث»([2]).
قلت: إعلال البخاري -رحمه الله- الحديث بعمران بن مسلم؛ لأنه يفرِّق بين راوي هذا الحديث، وبين عمران القصير.
وجوابه للترمذي -رحمه الله- يشعر بتوثيق القصير دون هذا.
وتبع البخاريَّ في هذا التفريق: ابن أبي حاتم؛ فذكر في «الجرح والتعديل» (6/304-305/1690) ترجمة عمران ابن مسلم القصير، ثم ذكر بعده (6/305/1691) ترجمة عمران بن مسلم الذي روى عنه يحيى بن سليم الطائفي، مشيراً إلى حديثنا هذا، وقال عن الذي يروي عنه الطائفي: «هو منكر الحديث، شبه المجهول».
وفرق بينهما -أيضاً- ابن أبي خيثمة، ويعقوب بن سفيان الفسوي، وابن عدي، والعقيلي؛ كما في «تهذيب التهذيب» (8/138).(1/27)
وانظر: «الكامل» (5/1745-1746)، و«الضعفاء الكبير» (3/1017-1018).
وهذا التفريق قد خولفوا فيه؛ فقد قطع بالتسوية بينهما الإمام الدارقطني، فقال في «العلل» (4/57/أ) -بعد أن ذكر مقالة البخاري-: «هو عندي عمران القصير، ليس فيه شك»([3]). وظاهر كلام ابن حبان يوحي بالتسوية بينهما، حيث قال في «كتاب المجروحين» (2/104-105):
«عمران بن مسلم القصير المنقري، كنيته أبو بكر، من أهل البصرة، يروي عن: عبد الله بن دينار، والحسن. روى عنه: البصريون، والغرباء. فأما رواية أهل بلده عنه؛ فمستقيمة، تشبه حديث الأثبات، وأما ما رواه عنه الغرباء؛ مثل: سويد بن عبد العزيز، ويحيى بن سليم، وذويهما؛ ففيه مناكير كثيرة، فلست أدري؛ أكان يدخل عليه، فيجيب؟ أم تغير حتى حمل عنه هذه المناكير؟ على أن يحيى بن سليم وسويد بن عبد العزيز جميعًا يكثران الوهم والخطأ عليه. ولا يجوز أن يحكم على المسلم بالجرح، وأنه ليس بعدل؛ إلا بعد السبر.
بل الإنصاف عندي في أمره مجانبة ما روى عنه ممن ليس بمتقن في الرواية، والاحتجاج بما رواه عن الثقات.
على أن له مدخلاً في العدالة في جملة المتقنين، وهو ممَّن أستخير الله فيه».
وذكر نحو هذا الكلام في «كتابه الثقات» (7/242). فكلام ابن حبان صريح -أو كالصريح- في التسوية بينهما، وسيأتي (ص 61-62) أنه سوى بينهما تصريحاً لا تلميحاً. واحتمله الحافظ في «التقريب» (752/5203)، فقال: «عمران بن مسلم المنِقَري -بكسر الميم، وسكون النون-، أبو بكر القصير، البصري؛ صدوق، وربما وهِم. قيل: هو الذي روى عن عبد الله بن دينار، وقيل: بل هو غيره...».
ثم رأيته سوَّى بينهما في موضع آخر من الكتاب نفسه؛ بعد عشر تراجم من هذا الموضع، فقال (753/5212/2): «عمران القصير؛ هو ابن مسلم، تقدم». فأحال -كما ترى- على ترجمة عمران بن مسلم، مما يعني: أنهما ترجمة واحدة عند الحافظ.(1/28)
وهذا هو الذي قرره الإمام المزي في «تهذيب الكمال» (22/367). وهو الذي تطمئن إليه النفس، وتؤيده القرائن، ومن المقرر عند أهل العلم: أن المثبت مقدّم على النافي. وعمران بن مسلم القصير -هذا- فيه كلام يسير لا ينزل حديثه عن درجة الحسن:
قال يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي؛ كما في «الجرح والتعديل» (6/304-305): «كان مستقيم الحديث».
وقال الإمام أحمد بن حنبل في «العلل» (2/297/2319) -وعنه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (6/ 304)، والمزي في «تهذيب الكمال» (22/352)-: «ثقة». وقال أبو داود السجستاني في «سؤالات أبي عبيد الآجري» (1/169/74): «حدث عنه يحيى القطان؛ ثقة».
وقال يحيى بن معين؛ كما في «تاريخ الدوري» (2/349/3376): «عمران بن مسلم القصير ثقة، يحدث عنه يحيى بن سعيد القطان».
وقال (2/439/4237): «ليس به بأس». وقال في «سؤالات ابن الجنيد» (282/41): «ليس بشيء!».
وقال النسائي؛ كما في «تهذيب الكمال» (22/352): «ليس به بأس».
وقال يعقوب بن سفيان الفسوي في «المعرفة والتأريخ» (2/126): «ثقة».
وقال أبو حاتم الرازي؛ كما في «الجرح والتعديل» (6/305): «لا بأس به».
وذكره ابن حبان في «الثقات» (7/242)، وقال: «إلا أن في رواية يحيى بن سليم عنه بعض المناكير».(1/29)
وقال ابن عدي في «الكامل» (5/1746): «ولعمران القصير غير ما ذكرت، وهو حسن الحديث، وإنما ذكرته لأجل أنه يروي أشياء لا يرويها غيره، ويتفرد عنه قوم بتلك الأحاديث وهو ممن يكتب حديثه». وقد ردَّ عليه الحافظ الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (6/225)، فقال: «وذكره ابن عدي في «كامله»، واستنكر له أحاديث، وساقها، وعندي أنها قوية». وعلى الرغم من تفريق ابن عدي بينهما؛ فقد قال في عمران بن مسلم، وفي ترجمته ساق حديث السوق (5/1745): «ولعمران بن مسلم المكي غير ما ذكرت عن عبد الله بن دينار وعن غيره، وهو عندي ممن يكتب حديثه». وتجاسر العقيلي، فأورده في «الضعفاء» (3/1017-1018)، فوثب عليه الذهبي رادًّا قوله، مستنكرًا فعله، فقال في «ميزان الاعتدال» (3/243): «ثقة، تناكد العقيلي وأورده». حتى إن جَرْحَهُ وقف غصَّة لم يستطع ابن حبان أن يتجرعها، رغم إيراده إياه في «المجروحين» كما سبق، فلم يلبث أن ذكره في «مشاهير علماء الأمصار» (243/1215): «عمران القصير، وهو عمران بن مسلم المنقري، أبو بكر، من المتقنين، ليس في أحاديثه التي رواها بالبصرة إلاَّ ما في أحاديث الناس، ما حدث بمكة فيها مناكير كثيرة، كأنه يحدثهم بها من حفظه، فكان يهم في الشيء بعد الشيء، سماع يحيى ابن سليم وسويد بن عبد العزيز عنه كان بمكة».
فأنت ترى أن ابن حبان قرر: أن عمران بن مسلم هو عمران القصير، وهو كما تبيَّن لك في ترجمته حسن الحديث
-على أقوال أحواله- لا شك في ذلك. ولذلك فحمل الوهم والخطإ على غيره أولى، وهو ما رجَّحه الدارقطني؛ كما سيأتي.
فبهذا يسلم الإسناد من التعليل بعمران.الثانية: قول ابن أبي حاتم في «العلل» (2/181): «وهذا الحديث هو خطأ، إنما أراد عمران بن مسلم عن عمرو بن دينار -قهرمان آل الزبير-، عن سالم، عن أبيه؛ فغلط، وجعل بدل عمرو: عبد الله بن دينار، وأسقط سالمًا من الإسناد.(1/30)
قال أبو محمد: حدثنا بذلك محمد بن عمار قال: حدثنا إسحاق بن سليمان، عن بكير بن شهاب الدامغاني، عن عمران بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن سالم، عن أبيه، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (وذكره)»(1). ووافق الدارقطني ابن أبي حاتم في التعليل؛ ولكنه حمل الخطأ في الحديث، وعصب الجنابة بيحيى بن سليم الطائفي، فقال في «العلل» (4/57/أ): «وهم فيه، وكان كثير الوَهم في الأسانيد، وخالفه بكير بن شهاب الدامغاني، ويوسف بن عطيه الصفار». ثم ساق الإسناد الذي ذكره ابن أبي حاتم.
قلت: تعليل ابن أبي حاتم الحديث بعمران غير متفق مع حجته التي ساقها، وهي إسناده إلى بكير بن شهاب الدامغاني؛ لأن الدامغاني -هذا- متروك الحديث: قال ابن عدي «الكامل» (2/468): «منكر الحديث».
ثم قال (2/469): «وبكير بن شهاب -هذا- هو قليل الرواية، ولم أجد في المتقدمين فيه كلام، ومقدار ما يرويه فيه نظر.
وله غير ما ذكرت، ولم أجد أنكر من الذي ذكرته، وحديث عمرو بن دينار: [«من دخل السوق»]؛ فهو مشهور عن عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير، وبكير هذا إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق».
وأقرَّه الذهبي في «الميزان» (1/349).
وقال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (177/766): «منكر الحديث».
قلت: وكذلك تعليل الدارقطني للحديث غير مُسَلَّم؛ حيث اعترض برواية الدامغاني، وعضدها برواية يوسف بن عطيّة الصفار! مع أن الصفار -هذا- متروك الحديث؛ كالدامغاني، وأشد.(1/31)
قال أبو داود في «سؤالات أبي عبيد الآجري» (1/375-376/696) -وعنه المزي في «تهذيب الكمال» (32/446)، والحافظ في «تهذيبه» (11/419)-، ويحيى بن معين؛ كما في «تاريخ الدوري» (2/685 و4/87و 209)- ونقله عنه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/226)، وابن شاهين في «كتاب تاريخ أسماء الضعفاء والكذابين» (198/706)، وابن عدي في «الكامل» (7/2610)، والعقيلي في «الضعفاء الكبير» (4/1557)، والمزي في «تهذيب الكمال» (32/445)، وغيرهما-: «ليس بشيء».
وقال أبو حاتم الرازي؛ كما في «الجرح والتعديل» (9/227)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (8/387)، و«التاريخ الأوسط» (2/160)- ونقله عنه ابن عدي في «الكامل» (7/2610)، والعقيلي في «الضعفاء الكبير» (4/1556-1557)، والمزي في «تهذيب الكمال» (32/446)-: «منكر الحديث».
وقال النسائي في «الضعفاء والمتروكين» (246/646)-وعنه ابن عدي في «الكامل» (7/2610)، والمزي في «تهذيب الكمال» (32/446)-: «متروك الحديث».
وقال الدارقطني في «سؤالات البرقاني» (73/569)، وأبوبشر الدولابي؛ كما في «تهذيب الكمال» (32/446)، والحافظ ابن حجر في «التقريب» (1094/7930): «متروك الحديث».
وقال الجوزجاني في «أحوال الرجال» (118/193): «لا يحمد حديثه».
وقال ابن حبان في «كتاب المجروحين من المحدثين» (2/487): «كان ممن يقلب الأحاديث، ويلزق المتون الموضوعة بالأسانيد الصحيحة، ويحدث بما بها؛ لا يجوز الاحتجاج به بحال».
قلت: وهو ممن أجمع أهل العلم بالنقل على ضعفه؛ قال الذهبي في «المغني في الضعفاء» (2/763): «مجمع على ضعفه».
وبذلك تبيَّن: أن الدامغاني والصفَّار متروكان؛ فلا يكتب حديثهما ولا يستشهد بهما -ولا كرامة-؛ إلا على جهة التعجب (!)
ولا شك: أن عمران القصير، والراوي عنه -يحيى بن سليم- خير منهما بكثير.
وقد جاء حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- من طريق آخر عن عبد الله بن دينار، عنه به.(1/32)
أخرجه الحاكم (1/539) من طريق مسروق بن المرزبان: ثنا حفص بن غياث، عن هشام بن حسَّان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن دَخَلَ السُّوقَ، فَبَاعَ فِيهَا واشْتَرَى، فَقَالَ: لا إِلَهَ إلا اللهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، لَه المُلكُ، وله الحمدُ، يُحْيي ويُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٍ؛ كَتَبَ اللهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئةٍ، وبنى له بيتًا في الجنَّة».
قال الحاكم: «هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، والله أعلم، تابعه عمران بن مسلم عن عبد الله ابن دينار».
وتعقَّبه الذهبي، فقال: «مسروق بن المرزبان؛ ليس بحجة... وقال البخاري: عمران؛ منكر الحديث».
قلت: اعتراض الذهبي بقول البخاري عن عمران بن مسلم: «منكر الحديث»؛ مضى عنه الجواب، وتبيَّن فيه الصواب.
وأما اعتراضه على هذه الطريق، وغمز راويها مسروق ابن المرزبان بأنه: «ليس بحجة»؛ فمردود بقوله في «الميزان» (4/98): «صدوق معروف».
وقال في «المغني في الضعفاء» (2/654): «صدوق».
وقال في «الكاشف» (3/121): «وثِّق».
وقال الحافظ في «التقريب» (935/6647): «صدوق له أوهام».
قلت: لقد اتفق هذان الحافظان على أنه صدوق، ولكنه كغيره يخطأ، فكان ماذا؟!
ومن تأمّل ترجمته؛ وجد الأمر كما قالا.
قال الحافظ محمد بن صالح؛ كما في «تهذيب التهذيب» (10/112): «صدوق».
وذكره ابن حبان في «الثقات» (9/206).
وروى عنه أبو زرعة الرازي؛ كما في «تهذيب الكمال» (27/459)، و«تهذيب التهذيب» (10/112)، وهو لا يروي -عادة- إلا عن ثقة عنده؛ كما قرر ذلك الحافظ ابن حجر في «لسان الميزان» (2/416)، فقال: «فمن عادة أبي زرعة أن لا يحدث إلا عن ثقة».(1/33)
وأما قول أبي حاتم الرازي؛ كما في «الجرح والتعديل» (8/397) لابنه -ونقله عنه المزي في «تهذيب الكمال» (27/459)، والحافظ ابن حجر في «تهذيبه» (10/112)-: «ليس بقوي، يكتب حديثه».
مع أنه روى عنه؛ كما في المصادر المتقدمة!
أقول: أما قوله؛ فهو تليين منه لمسروق، لا ينزل بحديثه عن مرتبة الاحتجاج، ولا يفيد الضعف الذي يردُّ به الخبر، وإنما هو حسن الحديث؛ كما قرر ذلك الحافظ ابن حجر، وهو كما لا يخفى على طلاب العلم مفسِّر أقوال أبي حاتم، ومن المعلوم بداهةً أن أبا حاتم من المتشددين؛ كما لا يخفى على الجادين.
فهذا الإسناد حسن لذاته، فجميع رواته ثقات؛ غير مسروق بن المرزبان -هذا- فإنه صدوق.
تنبيه: قال مؤلف رسالة «بذل الجهد» (ص35- 36): «مسروق بن المرزبان، قال الحافظ في «التقريب»: «صدوق له أوهام» (528).
وقد أخطأ بذكر عبد الله بن دينار في الإسناد؛ فقد رواه جماعة عن هشام بن حسَّان، فقالوا: عمرو بن دينار.
رواه عبد الله السهمي عند الطبراني في «الدعاء» (2/ 1166)، وفضيل بن عياض عند أبي نعيم في «أخبار أصبهان» (2/180)، وابن عدي في«الكامل»(5/1786)، وعبد الأعلى بن سليمان عند الخطيب في «موضح أوهام الجمع والتفريق» (2/319)، وسويد بن سعيد؛ كما ذكره الدارقطني في «العلل» (2/49).
كلهم عن هشام بن حسان، عن عمرو بن دينار
-قهرمان آل الزبير-، عن سالم، عن عبد الله بن عمر، عن عمر؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويحيى بن سليم الطائفي، نزيل مكة؛ صدوقٌ سيئ الحفظ (591).
وعمران بن مسلم فرَّق البخاري بينه وبين عمران بن مسلم القصير، وتابعه على ذلك ابن أبي حاتم، وابن أبي خيثمة، ويعقوب بن سفيان، وابن عدي، والعقيلي، والذهبي في «المغني» (2/480)، وقال:
«عمران بن مسلم، عن عبد الله بن دينار، قال البخاري: منكر الحديث». انظر «التهذيب» (8/138).
وهذه الرواية معلولة -أيضًا- (وساق حجة ابن أبي حاتم).(1/34)
قلت: هذا الكلام يدل على أن كاتبه مبتدئ في هذا العلم، وأنه لا علم عنده بالقواعد العلمية الحديثية، وأنه ينقصه الخبرة في هذا العلم والتضلع فيه، وأنه بحاجة إلى مزيد من الصبر والتريث؛ لهضم القواعد الحديثية، لتوضع في مواضعها التي قررها لها أئمة الصنعة.
والجواب من وجوه:
1- إعلاله رواية عمران بن مسلم بقول أبي حاتم؛ تقدَّم الجواب المفصَّل عنه.
2- اعتراضه برواية الجماعة المذكورين: فضيل بن عياض، وعبد الله بن بكر السهمي، وعبد الأعلى بن سليمان، وسويد بن سعيد على رواية مسروق بن المرزبان، وأنه خالفهم؛ غير مستقيم في الجملة والتفصيل.
أما من حيث الجملة؛ فهو لم يبيِّن قول أهل العلم فيهم، حتى يتبيَّن أنهم فوق مسروق بن المرزبان، حتى يصح ادِّعاء المخالفة، ثم الحكم عليها بالشذوذ أو النكارة؛ حسب حكمه على مسروق بن المرزبان.
ولم يُثبِت صحة الطرق إليهم حتى يتم اعتمادها، وقد اعتمدها دون ذلك.
أما التفصيل؛ فدونك إياه:
أ- رواية فضيل بن عياض:
قال ابن عدي في «الكامل» (5/1786):
«حدثنا عبدالله بن زيدان: ثنا يحيى بن طلحة اليربوعي: ثنا فضيل بن عياض، عن هشام بن حسان، عن عمرو بن دينار، عن سالم، عن ابن عمر: (وذكره مرفوعًا)».
قلت: هذا إسناد ضعيف؛ آفته يحيى بن طلحة، وهو ابن أبي كثير اليربوعي.
ذكره ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/160)، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً.
وقال النسائي في «الضعفاء والمتروكين» (253/672): «ليس بشيء».
وكذَّبه علي بن الحسين بن الجنيد؛ كما في «التهذيب»
(11/234)(1).
وخطَّأه الصغاني؛ كما في المصدر السابق.
وذكره ابن حبان في «الثقات» (9/264) -ونقله عنه المزي في «تهذيب الكمال» (31/389)-، وقال: «كان يغرب عن أبي نعيم وغيره».
وقال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (4/387): «صويلح الحديث، وقد وثق».
واكتفى في «المغني في الضعفاء» (2/738/6995) بقول النسائي.(1/35)
وقال الحافظ في «التقريب» (1058/7623): «ليّن الحديث».
فإن قيل: تابعه محمد بن يحيى المكي: حدثنا فضيل بن عياض به.
أخرجه أبو محمد -عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان- الأصبهاني المعروف بـ (أبي الشيخ الأنصاري) في «طبقات المحدثين بأصبهان» (2/173-174)- ومن طريقه أبو نعيم في «ذكر أخبار أصبهان» (2/180)-: حدثنا عبد الله بن بندار الضبي قال: ثنا محمد بن يحيى المكي قال: ثنا فضيل بن عياض به.
قلت: عبد الله بن بندار؛ مجهول، ترجم له أبو نعيم في «ذكر أخبار أصبهان» (2/60)، وقال:
«كان من الصالحين، توفي سنة أربع وتسعين ومئتين».
فمثله لا يحتج به.
ب- رواية عبد الأعلى بن سليمان:
قال الخطيب البغدادي في «موضح أوهام الجمع والتفريق» (2/286):
أخبرنا القاضي أبو عمر الهاشمي: حدثنا أبو العباس محمد بن الأثرم: حدثنا أحمد بن يحيى السوسي: حدثنا عبدالأعلى بن سليمان: حدثنا هشام بن حسان به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ عبد الأعلى بن سليمان -هذا- ذكره الخطيب في «تاريخ مدينة السلام» (12/349-350) برواية جمع عنه؛ ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً.
وقال الذهبي في «الميزان» (2/530): «عبد الأعلى بن سليمان عن الهيثم بن جميل بخبر باطل في الأيام البيض، لعلَّه آفته؛ لكن رواه عنه مجهول -أيضًا-»([4]).
وهذه إشارة من الذهبي أنه مجهول.
لكن؛ ذكره ابن حبان في «الثقات» (8/408)، ولم يذكر من الرواة عنه سوى عبد الله بن محمد الغبري! فهو مستور الحال، والله أعلم.
ت- رواية سويد بن سعيد التي ذكرها الدارقطني في «العلل» (2/49).
قلت: سويد بن سعيد -مع إخراج مسلم له- فيه كلام كثير؛ يدلّ على أنه سيِّئ الحفظ، ومختلط، ومدلِّس.
قال الذهبي في «المغني» (1/290):
«له مناكير. قال أبو حاتم: صدوق([5]).
وقال أحمد: متروك، وقال النسائي: ليس بثقة.
وقال البخاري: عمي، وكان يقبل التلقين.
وقوَّاه الدارقطني([6])».(1/36)
وقال الحافظ في «التقريب» (423/2705): «صدوق في نفسه؛ إلا أنه عميَ، فصار يتلقَّن ما ليس من حديثه، وأفحش فيه ابن معين القول».
وقال البخاري في «التاريخ الأوسط» (2/262-ط دار الصميعي):
«فيه نظر؛ كان أعمى، يلقن ما ليس من حديثه»(1).
ولحديث ابن عمر -هذا- طرق؛ لكنها لا يفرح بها، وإنما أسوقها للمعرفة:
1- طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر مرفوعاً.
أخرجه الخطيب البغدادي في «تلخيص المتشابه في الرسم وحماية ما أشكل منه عن بوادر التصحيف والوهم»
(1/158/302).
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فإن عبد الرحمن بن زيد -هذا- متروك.
2- طريق خارجة بن مصعب، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر به.
أخرجه إسماعيل بن محمد الصفار في «جزء فيه من حديث عبد الله بن أيوب المخرمي» (242/40)- ومن طريقه الخطيب البغدادي في «تلخيص المتشابه» (1/285/554)-: ثنا عبد الله بن أيوب المخرمي: ثنا علي بن يزيد الصدائي، عن خارجة به.
قلت: وهو إسناد كسابقه؛ لأن خارجة بن مصعب متروك.
ولذلك؛ فإنهما لا يتقويان ببعضهما، ولا يستشهد بهما، ولا كرامة.
الثاني: حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما-:
وروي الحديث -أيضاً- عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن قالَ حينَ يَدخل السُّوقَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، لَهُ المُلك، وَلَهُ الحَمْدُ، يُحيي ويُمِيتُ، بِيَدِهِ الخَيرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قديرٍ، لا إلهَ إِلاَّ اللهُ، واللهُ أَكبرُ، والحمدُ للهِ، وسُبحانَ اللهِ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إِلاَّ باللهِ؛ كَتَبَ اللهُ -عز وجل- لَهُ ألفي ألف حسنةٍ، ومحا عنه ألفي ألف سيئة، ورفع له ألفي ألف درجةٍ».(1/37)
أخرجه ابن السُّني في «عمل اليوم والليلة» (1/241-242/184-بتحقيقي): حدثني أحمد بن زهير: حدثنا عمر بن الخطاب -أبو حفص التنيسي-، عن صدقة، عن الحجاج بن أرطاة، عن نهشل بن سعيد، عن الضحاك بن مزاحم، عنه به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدًّا، ومتنٌ منكر؛ فيه ثلاث علل:
الأولى: نهشل بن سعيد-هذا-؛ متروك، متهم بالكذب.
قال أبو داود الطيالسي وإسحاق بن راهويه؛ كما في «الجرح والتعديل» (8/496)، و«التاريخ الأوسط» (2/149)، و«كتاب المجروحين» (2/394)، و«الضعفاء الكبير» (4/1434)، و«الكامل» (7/2521)، و«المدخل إلى الصحيح» (1/250)، و«تهذيب الكمال» (30/32)، و«ميزان الاعتدال» (4/275): «نهشل؛ كذّاب».وقال النسائي في «الضعفاء والمتروكين» (238/628): «متروك الحديث».
وقال في موضع آخر؛ كما في «تهذيب الكمال» (30/33): «ليس بثقة، ولا يكتب حديثه».
وقال أبو حاتم الرازي؛ كما في «الجرح والتعديل» (8/496)، و«تهذيب الكمال» (30/33): «ليس بقوي، متروك الحديث، ضعيف الحديث».
وقال يحيى بن معين في «تاريخه» (2/610/1689- رواية الدوري)- وعنه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/496)، وابن عدي في «الكامل» (7/2521)، وابن شاهين في «كتاب تاريخ أسماء الضعفاء والكذابين» (186/654)، والمزي في «تهذيب الكمال» (30/32)-: «ليس بشيء».وقال -أيضاً- (2/610/4775) -وعنه العقيلي في «الضعفاء الكبير» (4/1434)، والمزي في «تهذيب الكمال» (30/33)-: «ليس بثقة».
وقال أبو داود السجستاني؛ كما في «تهذيب الكمال»(30/32): «ليس بشيء».
وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (8/115)، و«الضعفاء الصغير» (240/382): «أحاديثه مناكير، وهو نيسابوري، قال إسحاق بن إبراهيم: كان نهشل كذَّابًا».وقال الجوزجاني في «أحوال الرجال» (204/376) -ونقله عنه المزي في «تهذيب الكمال» (30/33)-: «غير محمود في حديثه».(1/38)
وقال ابن حبان في «كتاب المجروجين» (2/394)-ونقله عنه المزي في «تهذيب الكمال» (30/33)-: «يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، لا تحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب»
وقال أبوسعيد النقاش؛ كما في «تهذيب التهذيب» (10/479)، والحاكم في «المدخل إلى الصحيح» (1/250): «روى عن الضحاك بن مزاحم الموضوعات».
وقال الذهبي في «الكاشف» (3/185): «واهٍ».
وقال الحافظ في «التقريب» (1009/7247): «متروك، وكذَّبه إسحاق بن راهويه».
الثانية: الحجاج بن أرطاة؛ صدوق كثير الخطأ والتدليس، وقد عنعنه.
الثالثة: الانقطاع بين الضحاك بن مزاحم وابن عباس.
وأما متنه؛ فمنكر من ناحيتين:
الأولى: التفرُّد بزيادة: «لا إله إلا الله، والله أكبر...»، وهي لم ترد في شيء من الروايات المحفوظة من حديث السوق، أو غير المحفوظة.
الثانية: المخالفة في تقدير الأجر، حيث ذكر أنه ألفا ألف؛ والمحفوظ: ألف ألف.
ولذلك؛ فهو حديث إسناده مظلم، فلا يفرح به، ولا يكتب إلا على جهة التعجب والتحذير.
__________
([1]) يعني: البخاري.
([2]) وانظر: «التاريخ الكبير» (6/429)، و«التاريخ الأوسط» (2/107)، و«الضعفاء الصغير» (ص467)، و«تلخيص المستدرك» (1/539).
([3]) ونقل عبارته هذه الحافظ ابن حجر في «التهذيب» (8/138)، وفيه: «هو هو بغير شك».
(1) وأخرجه ابن عدي في «الكامل» (2/468)، وقال: «وعمرو بن دينار المذكور في هذا الإسناد هو قهرمان آل الزبير، بصري ضعيف، يُكنى: أبا يحيى».
(1) قال الذهبي في «الميزان» (4/387): «أفحش علي بن الجنيد، فقال: كذب وزوَّر».
([4]) قال الحافظ في «لسان الميزان» (3/381): «الآفة في الحديث المذكور ممن بعده».
قلت: هو المجهول المشار إليه في كلام الذهبي.
([5]) لكنه وصفه بأنه كثير التدليس. «الجرح والتعديل» (4/240).
([6])« سؤالات السهمي» (216-217/293).(1/39)
(1) أوردت قول البخاري فيه -وهو ليس من منهجي في هذه الترجمة؛ لأني اقتصرت على خلاصة أقوال الجرح والتعديل، والتي جمعها الحافظان: الذهبي وابن حجر-؛ لحادثة طريفة تدل على غربة هذا العلم، رغم كثرة الأدعياء، وبخاصة ممن يحملون شهادات الماجستير والدكتوراة، وتبيّن كذلك شؤم التقليد.
وذلك أنني أثناء جرد مصادر ترجمة سويد بن سعيد للوصول إلى قول محكم فيه، رأيت أن محققي بعضها يعزون كلمة البخاري إلى «التاريخ الصغير(أ)» (2/373 -ط دار المعرفة)، وانظر:
1- «تهذيب الكمال» للمزي (12/247) حاشية (2).
مع أقوال أهل العلم
جاءت أقوال لبعض أهل العلم تدل على ضعف بعض طرق حديث السوق، فاتَّخذها بعض طلبة العلم سُلَّمًا لردِّ حديث السوق جملة وتفصيلاً!
أولاً: شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في «مجموع الفتاوى» (18/67):
«فإذا تضمنّت أحاديث الفضائل تقديرًا وتحديدًا؛ مثل صلاة في وقت معين بقراءة معيّنة، أو على صفة معيَّنة؛ لم يجز ذلك؛ لأن استحباب هذا الوصف المعين لم يثبت بدليل شرعي.
بخلاف ما لو روي: مَن دخل السوق فقال: لا إله إلا الله؛ كان له كذا وكذا، فإن ذكرَ الله في السوق مستحبٌ؛ لما فيه من ذكر الله بين الغافلين؛ كما جاء في الحديث المعروف: «ذاكرُ اللهِ في الغافلين؛ كالشجرة الخضراء بين الشجر اليابس».
فأما تقدير الثواب المروي فيه؛ فلا يضرُّ ثبوته، ولا عدم ثبوته، وفي مثله جاء الحديث الذي رواه الترمذي:
«مَن بلغه عن الله شيءٌ فيه فضلٌ، فعمل به رجاء ذلك الفضل؛ أعطاه الله ذلك، وإن لم يكن ذلك كذلك...».
فالحاصل: أن هذا الباب يروى ويُعْمَلُ به في الترغيب والترهيب، لا في الاستحباب، ثم اعتقاد موجبه -وهو مقادير الثواب والعقاب - يتوقَّف على الدليل الشرعي».
قلت: هكذا يتبيَّن أن منهج شيخ الإسلام ابن تيمية عدم الاحتجاج بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال(1).(1/40)
وقد فهم بعض الناس: أن ابن تيمية يضعف حديث السوق؛ لأنه صدَّره بصيغة التمريض: «روي».
وهذا هو المتبادر؛ لكنه بيَّن أثناء كلامه أن الذكر في السوق مستحب، والاستحباب لا يثبت إلا بالدليل الشرعي، فكيف نقول: إن شيخ الإسلام يُليِّن حديث السوق؟!
فإن قيل: كيف صدَّره بصيغة التمريض الدالة على الضعف عند أئمة الصنعة؟
قلت: ابن تيمية لم يلتزم بذلك التزامًا لا يحيد عنه، ومن نظر في كتابه «الكلم الطيب»؛ علم ذلك.
ناهيك أنه ذكر حديث السوق في «الكلم الطيب» (ص 117)، ولم يصدِّره بصيغة التمريض، وإنما بصيغة الجزم.
ثانيًا: ابن قيم الجوزية:
قال ابن قيم الجوزية -رحمه الله- في «المنار المنيف» (ص33-35) بعد أن ذكره:
«فهذا الحديث معلول، أعله أئمة الحديث».
ثم ذكره من طريق أزهر بن سنان عند الترمذي، وقال: «قال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد رواه عمرو بن دينار
-قهرمان آل الزبير-، عن سالم، عن عبد الله: (وذكر الحديث)».
ثم قال: «وقد رُويَ من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر؛ لكنه معلول -أيضًا-».
وذكر تعليل ابن أبي حاتم، ثم ذكر أقوال أهل العلم في تضعيف قهرمان آل الزبير.
قلت: مضى الجواب عن هذه الاعتراضات، وابن قيم الجوزية لم يستوعب طرقه وشواهده.
ناهيك أن ابن القيم -رحمه الله- ذكر حديث السوق محتجًّا به في موضعين من كتابه الموسوم «الوابل الصيب» (ص 58 و 181).
فإن قيل: هذا تساهل في باب الفضائل.
قلت هذا المنهج لم يعرف عن ابن قيم الجوزية، فنسبته له تمحُّل.
ثالثًا: الحافظ ابن حجر العسقلاني:
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في «فتح الباري»
(11/206): «تنبيه: أكمل ما ورد من ألفاظ هذا الذكر في حديث ابن عمر عن عمر رفعه: «مَن قال حين يدخل السوق: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيى ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير...» الحديث.(1/41)
أخرجه الترمذي وغيره، وهذا لفظ جعفر (الفريابي) في «الذكر»، وفي سنده لين، وقد ورد جميعه في حديث الباب على ما أوضحته مفرَّقًا؛ إلا قوله: (وهو حيٌّ لا يموت)».
قلت: الحافظ يضعِّف رواية الترمذي، وهي كذلك، ولم يحكم على الحديث جملة، ومن المعلوم أن الحكم على الإسناد بالضعف أو الصحة لا يستلزم الحكم على المتن.
ولكن الحافظ يشير إلى قضية تخفى على منكري متن حديث السوق، وهو أن له نظائر في «الصحيحين»، وسيأتي تفصيلها بعد حين.
هذا فريق من العلماء.
وهناك فريق آخر؛ كابن أبي حاتم في «العلل» (2/181)، والبخاري؛ كما نقل عنه الترمذي في «العلل الكبير» (2/912)، والدارقطني في «العلل» (2/49).
قلت: والجواب عن استنكارهم مبثوث في ثنايا هذه الرسالة.
وقسم ثالث كرر ما قاله السابقون؛ كالعجلوني في «كشف الخفاء» (2/324-325)، وعلي القاري في «الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة» (230-231/906)؛ حيث ذكروا مقالة ابن قيم الجوزية -رحمه الله-.
وقد تقدم الجواب عن مقالة ابن قيم الجوزية -رحمه الله- وغيره، وتوجيهها، والله أعلم بحقائق الحالات.
العلماء الذين أثبتوا الحديث
وهناك قسم آخر من أهل العلم أثبت الحديث وقوّاه، منهم:
أولاً: البغوي:
قال بعد أن أخرج الحديث بإسناده (5/133): «هذا حديث حسن غريب».
ثانيًا: المنذري:
فقد ذكر الحافظ المنذري -رحمه الله- في «الترغيب والترهيب» (2/531) حديث عمر بن الخطاب عند الترمذي، ثم قال: «وإسناده متصل حسن، ورواته ثقات أثبات، وفي أزهر بن سنان خلاف، وقال ابن عدي: أرجو أنّه لا بأس به..».
قلت: في كلام المنذري - رحمه الله - نظر؛ فإن الإسناد الذي حكم عليه بأنه حسن ليس بحسن لذاته، وإنما هو حسن لغيره.
ولذلك قال شيخنا الإمام الألباني -رحمه الله- في تعليقه على «الكلم الطيب» (ص 170): «وحسن إسناده المنذري في «الترغيب»! وفيه نظر لا يتسع المجال لبيانه الآن».(1/42)
وقد مضى تفصيل ذلك؛ لكن الشاهد: أن المنذري حسَّن الحديث، فتدبَّر!.
ثالثًا: الشوكاني:
قال الإمام الشوكاني -رحمه الله-: في «تحفة الذاكرين» (ص179-180): «... قلت: والحديث أقل أحواله أن يكون حسناً، وإن كان في ذكر العدد على هذه الصفة نكارة».
رابعًا: شيخنا الإمام الألباني -رحمه الله-:
قال شيخنا محدِّثُ العصر الإمام الألباني -رحمه الله- في «تخريج أحاديث الكلم الطيب» (ص170): «... لكن الحديث حسن بمجموع طرقه»(1).
وانظر: «صحيح الترغيب والترهيب» (1/58)، وتخريج «كلمة الإخلاص» (ص64).
__________
(1) وانظر: ما نقله شيخنا -رحمه الله- في مقدمته لـ«الكلم الطيب» (ص49-54)، ومقدمة «صحيح الترغيب والترهيب» (1/57-58)، وقد ضعف الحديثين الواردين في كلام ابن تيمية.
(1) قال شيخنا -رحمه الله- في الحاشية: «وأقول: كنت اكتفيت في الطبعات السابقة بالإشارة إلى طرق هذا الحديث خشية أن يبادر من لا علم عنده إلى تضعيفه وقوفاً مع استغراب الترمذي إياه.
ثم تبين لي أن ما خشيته وقع مع الأسف؛ فقد رأيت الشيخ إسماعيل الأنصاري! في تعليقه على «الوابل الصيب» (ص 100) في بحث له طويل -على خلاف عادته- ذهب إلى تضعيف الحديث بقهرمان آل الزبير، متجاهلاً الطريق الأولى التي نقلها هو عن الترمذي؛ فلم يتكلم عليها بشيء، ولا تعرض للطرق الأخرى التي عند الحاكم، و«زهد أحمد»!!
وهي بلا شك تعطي للحديث قوة لا يجوز إنكارها. فالله المستعان».(1/43)
في الباب
قال الحاكم في «المستدرك» (1/539):
«وفي الباب عن جابر، وأبي هريرة، وبريدة، وأنس -رضي الله عنهم أجمعين-، وأقربها بشرائط هذا الكتاب حديث بريدة، بغير هذا اللفظ».
أولاً: حديث بريدة بن الحصيب -رضي الله عنه-:
أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (1/179)، والروياني في «مسنده» (1/79/40)، وابن السُّني في «عمل اليوم والليلة» (1/236-237/182-بتحقيقي)، وأبو جعفر -محمد بن عمرو بن البختري- الرزاز في «جزء فيه ستة مجالس من أماليه عن شيوخه» (109-110/3- رواية أبي نصر النرسي)، والطبراني في «المعجم الكبير» (2/21/1157)، و«الأوسط» (5/354/5534و371/5589)، و«الدعاء»
(2/1168/794 و 795)، وتمام الرازي في «فوائده» (2/29-30/1045 أو 4/460-461/1599-ترتيبه)، والحاكم (1/539)- ومن طريقه البيهقي في «الدعوات الكبير» (1/133/176)-، وقوام السنة الأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (2/121/1278)، والبيهقي في «الدعوات الكبير» (1/132/175) من طريق محمد بن أبان: حدثنا علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة، عن أبيه -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى السوق قال: «باسم اللهِ، اللهمَّ! إنِّي أسألكَ مِن خيِر هذه السوقِ، وخَيرِ ما فيها، وأعوذ بكَ مِن شَرِّ هذه السوقِ، وشرِّ ما فيها، وأعوذ بك أن أصيب فيها يمينًا فاجرةً، أو صَفْقَةً خاسرةً».
قال الطبراني: «لم يرو هذا الحديث عن علقمة بن مرثد إلا محمد بن أبان، ولا يروى عن بريدة إلا بهذا الإسناد».
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/78 و10/129): «فيه محمد بن أبان الجعفي؛ وهو ضعيف».
وقال الحاكم: «أقربهما بشرائط هذا الكتاب حديث بريدة».
وتعقَّبه الذهبي في «التلخيص» (1/539) بقوله: «أبو عمر لا يعرف، والمدائني متروك».
قلت: وليس كما قال؛ لأن المدائني -وهو محمد بن عيسى-، لم يتفرد به، بل توبع؛ فلا يعلُّ به.
وأبو عمر؛ هو: محمد بن أبان الجعفي، كما في «التاريخ الكبير»، وهو ضعيف:
قال يحيى بن معين؛ كما في «تاريخ الدوري» (2/ 503/1596و2777) -ونقله عنه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (7/200/1122)-: «محمد بن أبان الجعفي؛ ضعيف الحديث».(1/44)
وكذا نقل عنه ابن أبي شيبة؛ كما في «المجروجين» (2/270).
وقال -أيضاً- (2/503/2804): «ليس حديثه بشيء».
وقال ابن حبان في «كتاب المجروحين» (2/270): «كان ممن يقلب الأخبار، وله الوهم الكثير في الآثار».
وقال أبو طالب؛ كما في «الجرح والتعديل» (6/200): «سألت أحمد بن حنبل عن محمد بن أبان؟ فقال: كان يقول بالإرجاء، وكان رئيساً من رؤسائهم، ترك الناس حديثه لأجل ذلك. وكان محمد بن الحسن -صاحب الرأي- يكثر عنه، وكان كوفياً جعفياً».
وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (1/179): «محمد -هذا- لا يتابع عليه».
وقال في «التاريخ الأوسط» (2/119): «أبو عمر؛ حديثه في الكوفيين، يتكلمون في حفظه، ولا يعتمد عليه».
والحديث ضعَّفه شيخنا الإمام الألباني -رحمه الله- في «الكلم الطيب» (ص170).
تنبيه:
ذهب الذهبي في «ميزان الاعتدال» (3/667/ 8000) إلى أن أبا عمر هو: محمد بن عمر، وأقرّه الحافظ في «لسان الميزان» (5/339).
وهو وهم منهما -رحمهما الله-، يؤيده: أنه ورد عند الحاكم والبيهقي في سندهما: حدثنا شعيب بن حرب؛ قال: حدثنا جار لنا يكنى أبا عمر، عن علقمة بن مرثد.
وعندما ذكر البخاري محمد بن أبان -هذا- في «التاريخ الكبير»؛ أثبت أنه جار لشعيب بن حرب؛ فتدبر.
تنبيه ثانٍ:
وقع في «المستدرك» و«تلخيصه» كنية محمد بن أبان: (أبو عمرو) -بواو بعد الراء-، وهو خطأ؛ لما يأتي:
1- لأنه على الجادة في النسخ الخطية لـ «المستدرك».
2- أن البيهقي رواه عن الحاكم بالسند نفسه، وفيه: أبو عمر؛ كما في «التاريخ الكبير».
ثم رأيته بعد وقع كذلك -أيضاً- في «كتاب المجروحين» لابن حبان (2/269)، فالله أعلم بالصواب.(1/45)
ثانيًا: حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:
قال علي -رضي الله عنه-: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«السُّوقُ دارُ سوءٍ وَغَفْلَةٍ، فَمَن سَبَّح فِيهَا تَسْبِيحَةً؛ كَتَبَ اللهُ لَهُ بها أَلْفَ أَلف حسنةٍ؛ وَمَنْ قَالَ: لا حَوْلَ ولا قَوَّةَ إلا باللهِ؛ كَان في جِوَارِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- حتَّى يُمْسِي».
عزاه المتقي الهندي في «كنز العمال» (4/28) إلى الديلمي، وقال (4/ 126): «وفيه عمرو بن شمر؛ متروك».
قلت: وفي «ميزان الاعتدال» (3/268): «قال الجوزجاني: زائغ كذاب، وقال ابن حبان: رافضي يشتم الصحابة! ويروي الموضوعات عن الثقات».
ثالثًا: حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-:
أخرجه البغوي في «شرح السنة» (5/133/1339): أخبرنا عبد الواحد المليحي: أنا أبو منصور السمعاني: أنا أبو جعفر الريَّاني: أنا حميد بن زنجويه: أنا عثمان بن صالح السهمي: أنا ابن لهيعة، عن أبي قبيل -حيي بن هانئ-المعافري المصري، عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ ذَكَرَ اللهَ في السُّوقِ مُخْلِصًا عِندَ غَفْلَة النَّاسِ، وَشَغَلَهُم بِمَا هُم فِيه؛ كَتَبَ اللهُ لَهُ أَلفَ أَلف حسنةٍ، وَلَيَغْفِرَنَّ اللهُ لَهُ يَومَ القِيَامَةِ مَغفرةً لَم تَخْطُر على قَلْبِ بَشَرٍ».
قلت: وهذا سند حسن؛ للكلام اليسير في حيي بن هانئ، وحديثه مع ذلك لا ينزل عن درجة الحسن، وفي «التقريب»: «صدوق يهم».
وعثمان بن صالح السهمي: صدوق؛ كما في «التقريب».
وأما ما يخشى من ضعف ابن لهيعة -لاحتراق كتبه واختلاطه-؛ فهو مأمون هنا، فالراوي عنه -عثمان بن صالح السهمي -سمع منه قبل احتراق كتبه؛ قاله ابن سيد الناس في «النفح الشذي» (2/803).
وهذا الحديث هو أقوى ما جاء في هذا الباب.(1/46)
رابعًا: حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-:
أخرجه أحمد (16/442-443/10760): ثنا عبدالصمد بن عبد الوارث: ثنا سليمان بن المغيرة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أبي عثمان النهدي؛ قال: بلغني عن أبي هريرة أنه قال: بلغني أن الله -عز وجل- يعطي عبده المؤمن المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألفِ حسنة.
قال أبو عثمان النهدي: فقضي أني انطلقت حاجاً -أو معتمراً- فلقيته، فقلت: بلغني عنك حديث أنك تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله -عز وجل- يعطي عبده المؤمن بالحسنة ألف ألف حسنة»؟! قال أبو هريرة: لا؛ بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله -عز وجل- يعطيه ألفي ألف حسنة»، ثم تلا: ? ?????????????? ????????? ??? ??????????? ????????? ????????? ? [النساء: 40]، فقال: إذا قال: ? ????????? ????????? ?؛ فمن يقدر قدره؟!
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (12/250-251/35710): ثنا أبو خالد الأحمر، عن داود بن قيس، وأحمد (13/327-328/7945)، والطبري في «جامع البيان» (7/35-36) عن يزيد بن هارون؛ كلاهما عن علي بن زيد بن جدعان به.
قال شيخنا الإمام الألباني -رحمه الله- في «الصحيحة» (7/1/389-391): «ورجاله ثقات؛ غير علي بن زيد
-وهو ابن جدعان-؛ فيه ضعف من قبل حفظه، وقد أورده الذهبي في «الضعفاء»، وقال: «صالح الحديث».
وقال الحافظ: «ضعيف».
ورمزا له بأنه روى له مسلم، فأطلقا! وإنما روى له مقروناً بثابت البناني؛ كما في «الجمع بين رجال الصحيحين»
(1/358-359).
قلت: فمثله صالح للاستشهاد به، ولعله مراد الذهبي، والله -سبحانه وتعالى- أعلم.
على أنه قد توبع، وإن كانت متابعة واهية؛ ولكنها إن لم تنفع فلا تضر، فلنذكرها إذن:
قال ابن كثير في «تفسيره»-عقب رواية أحمد-: «حديث غريب، وعلي بن زيد بن جدعان عنده مناكير؛ لكن رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر، فقال ...».
قلت: فساق إسناده إلى محمد بن عقبة الرفاعي، عن زياد الجصاص، عن أبي عثمان النهدي به نحوه.(1/47)
وسكت عنه ابن كثير؛ لظهور ضعفه؛ فإن زياداً هذا
-وهو ابن أبي زياد الجصاص- ضعيف اتفاقاً، لم يوثقه أحد سوى ابن حبان؛ فإنه ذكره في «الثقات» (6/320)! ومع ذلك، فإنه قال: «ربما وهم».
ومحمد بن عقبة ليس بالمشهور، قال ابن أبي حاتم (4/1/36): «سألت أبي عنه؟ فقال: شيخ».
ثم قال ابن كثير: «وفي معنى هذا الحديث: ما رواه الترمذي وغيره من طريق عمرو بن دينار، عن سالم، عن عبدالله بن عمر بن الخطاب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من دخل السوق....» الحديث.
قلت: وسكت عنه؛ فكأنه أشار بذلك إلى تقويته بما قدمه قبله من حديث أبي هريرة بطريقيه عنه. والله أعلم»ا.هـ.
خامساً: حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-:
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (9/181/8895)، و«الدعاء» (2/1168-1169/796): ثنا علي بن عبد العزيز البغوي: ثنا أبو نعيم -الفضل بن دكين- الملائي: ثنا سفيان الثوري، عن أبي حصين -عثمان بن عاصم- الأسدي، عن عبدالله بن أبي الهذيل، عن سليم بن حنظلة: أن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أتى سدة السوق، فقال: اللهم! إني أسألك من خيرها وخير أهلها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها.
قلت: وهذا موقوف حسن الإسناد، رجاله كلهم ثقات معروفون؛ غير سليم بن حنظلة -هذا-، ذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (4/124)، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/212)، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً.
لكن روى عنه جمع من الثقات، ووثقه ابن حبان (4/331)، وقال له ابن مسعود -رضي الله عنه-: أنت إمامنا؛ فهو ممن تطمئن النفس إلى حديثه، لاسيما وهو من كبار التابعين، ولذلك قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/129): «ورجاله رجال الصحيح؛ غير سليم بن حنظلة، وهو ثقة».(1/48)
سادسًا: مرسل أبي صالح -ذكوان- السمان:
أخرجه الدارقطني في «غرائب مالك»؛ كما في «لسان الميزان» (6/10): ثنا محمد بن فارس بن حمدان: ثنا سلام بن محمد بن ناهض: ثنا مخلد بن القاسم: ثنا أبو مقاتل السمرقندي، عن مالك، عن سمي -مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث-، عن أبي صالح به.
قال الدارقطني: «مرسل، وهو غير محفوظ عن مالك ولا عن سمي، ومخلد ضعيف ومن دونه».
قلت: وأبو مقاتل السمرقندي -هذا- واسمه: حفص ابن سلم؛ كذبه وكيع بن الجراح وعبد الرحمن بن مهدي، وقال السليماني: حفص بن سلم في عداد من يضع الحديث.
وقال الذهبي في «الميزان» (4/577): «أحد التلفى»، وقال في «المغني في الضعفاء» (1/179/1614): «واه بمرة».
وكان قتيبة بن سعيد يحمل عليه شديداً، ويضعفه بمرة، وقال: كان لا يدري ما يحدث به.
وقال ابن حبان: «كان صاحب تقشف وعبادة؛ لكنه يأتي بالأشياء المنكرة التي يعلم من كتب الحديث أنه ليس لها أصل يرجع إليه».
وقال ابن عدي: «ليس هو ممن يعتمد في رواياته».
انظر: «كتاب المجروحين من المحدثين» (1/313/255)، والكامل (2/800-801)، و«الميزان» (1/557-558).(1/49)
حديث السوق دراية
لقد وجّه بعض العلماء النقد إلى حديث السوق دراية، حيث استنكروا الثواب العظيم الوارد فيه على تلك الصفة.
قلت: ولو استحضر الناقد أمورًا؛ لما تعجَّل في ردِّه:
1- أن الجرأة في ردِّ الأحاديث الصحاح من جهة المعنى، أمر في غاية الخطورة؛ للأسباب التالية:
أ- أن الرسوخ في معرفة علل المتن لا يتأتّى إلا للراسخين الذين فهموا وهضموا أسرار الشريعة وقواعدها الكلية بالسبر والاستقراء.
ب- أن كثيرًا من الردِّ مبنيٌّ على معانٍ انقدحت في ذهن الرادِّ، ولعله لم يوفَّق للصواب في فهمه، فكم من آية وحديث ظنَّ متوهِّمٌ معارضتها لآية أخرى أو حديث آخر، فتعجَّل في رده، أو شكَّك فيه، زعمًا أن الدين لا يناقض بعضه بعضًا، وخفي على الرَّادِّ المسكين أن التناقض في عقله وفهمه، لا في حقيقة الأمر؛ لأنه ما إن يأتيه عدول الأمة الذين ينفون عن الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ويبيِّنون وجه التوافق؛ إلا وينتفي ما ورد عليه من ظنِّ التناقض.
ولذلك؛ لو ردَّ الذين عجزوا عن إدراك بعض المعاني الصحيحة الأمر لأهله؛ لعلمه الذين يستننبطونه منهم.
2- أن هذا الأجر العظيم الوارد إنما هو في شأن الكلمة الطيبة -كلمة التوحيد والإخلاص، ومفتاح الجنة-، التي هي أعظم الكلام وأفضله، لذلك: فإن أجرها أعظم الأجر وأفضله؛ لأن الجزاء من جنس العمل.
ولهذا المعنى أشار الحافظ ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- في «كلمة الإخلاص» (ص63-64).
3- أن هذا الحديث له نظائر في «الصحيحين» تضمَّنت الثواب العظيم، والأجر الجزيل على مثل هذه الأذكار؛ منها:
أ- أخرج البخاري في «صحيحه» (11/201/6403)، ومسلم في «صحيحه» (4/2071/2691) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لا شَريكَ لَه، لَه المُلكُ، ولَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٍ، في يوم مئةَ مَرَّةٍ؛ كَانَت لَه عَدْلَ عَشْرَ رِقَابٍ، وَكُتِبتُ لَه مِئَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مئة سَيِّئةٍ، وَكَانت لَه حِرْزًا مِن الشَّيطَانِ يَومَهُ ذَلكَ حتَّى يُمْسِي، وَلَمْ يَأَتِ أَحَدٌ بأَفضَلَ مِمَّا جَاءَ؛ إِلاَّ رَجُلٌ عَمِلَ أَكثَرَ مِنهُ (وفي لفظ: من ذلك)».(1/50)
ب- وأخرج مسلم (1/203/223) من حديث أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطُّهورُ شَطْرُ الإِيمَانِ، والحمدُ للهِ تَمْلأُ الميزانَ، وسبحَان اللهِ والحمدُ للهِ تملآن -أو تملأ- ما بين السَّماواتِ والأَرضِ».
ت- وأخرج مسلم (4/2090/2726) من حديث جويرية بنت الحارث الهلالية -رضي الله عنها-: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلّى الصبح، وهي في مسجدها(1)، ثم رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة، فقال: «ما زِلتِ على الحالِ التي فارْقتُكِ عَلَيها؟». قالت: نعم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ قُلْتُ بعدَك أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، لو وُزِنَت بِمَا قُلتِ منذ اليومَ؛ لَوَزَنَتهُنَّ: سبحانَ اللهِ وبحمدِه، عَدَد خَلْقِه، ورضَا نَفْسِه، وَزِنَةَ عَرْشِه، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ».
وما قدمناه أشار إليه الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في «فتح الباري» (11/206) قائلاً:
«تنبيه: أكمل ما ورد من ألفاظ هذا الذكر من حديث ابن عمر عن عمر رفعه: «مَنْ قالَ حين يدخلُ السوقَ: لا إلهَ إلا اللهُ، وَحدهُ لا شريكَ لَه، لَه الملكُ، ولَه الحمدُ، يُحيي ويُميتُ، وهوَ حَيٌّ لا يموتُ، بيدهِ الخَيرُ، وَهوَ على كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٍ ... » الحديث.
أخرجه الترمذي وغيره، وهذا لفظ جعفر (الفريابي) في «الذكر»، وفي سنده لين، وقد ورد جميعه في حديث الباب على ما أوضحته مفرَّقًا؛ إلاَّ قوله: (وهو حيٌّ لا يموت)»ا.هـ.
4- أن السوق موطن غفلة، والذاكر فيه أجره عظيم.(1/51)
ولكون السوق موطن غفلة وإلْهاء عن ذكر الله، وانشغال بجمع الدينار والدرهم، وانكباب على حطام الدنيا الفاني، والتنافس المفضي إلى النزاع والخصومة؛ صارت أبغض الأماكن إلى الله، ففي «صحيح مسلم» (1/464/671) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أحب البلاد إلى الله: مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله: أسواقها».
وعن جبير بن مطعم -رضي الله عنه-: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! أي البلدان شر؟ قال: فقال: «لا أدري»، فلما أتاه جبريل-عليه السلام-؛ قال: «يا جبريل! أي البلدان شر؟ قال: لا أدري، حتى أسأل ربي-عز وجل-. فانطلق جبريل -عليه السلام-، ثم مكث ما شاء الله أن يمكث، ثم جاء فقال: يا محمد! إنك سألتني: أي البلدان شر؟ فقلت: لا أدري، وإني سألت ربي -عز وجل-: أي البلدان شر؟ فقال: أسواقها».
أخرجه الإمام أحمد (27/308/16744)، وأبو يعلى الموصلي في «مسنده» (13/400/7403) -ومن طريقه الحافظ ابن حجر في «موافقة الخبر الخبر» (1/10)-: ثنا أبو خيثمة -زهير بن حرب- النسائي، والبزار في «البحر الزخار» (8/352-353/3430): ثنا محمد بن المثنى؛ ثلاثتهم عن أبي عامر -عبد الملك بن عمرو- العقدي، عن زهير بن محمد التميمي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن حبير بن مطعم، عن أبيه به.
وتابع أبا عامر العقدي:
1- قيس بن الربيع -ضعيف-: أخرجه الحارث بن أبي أسامة في «مسنده» (1/486/420- «بغية الباحث»)، والطبراني في «المعجم الكبير» (2/128/1545) -ومن طريقه الحافظ ابن حجر في «موافقة الخبر الخبر» (1/10)- عن علي بن عاصم، عن قيس به.
2- أبو حذيفة -موسى بن مسعود- النهدي -صدوق سيئ الحفظ-: أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/128/1546)- ومن طريقه الحافظ ابن حجر في «موافقة الخبر الخبر» (1/10)-، والحاكم (1/89-90و2/7)، والخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (2/361/1102) من طرق عنه به.(1/52)
قال البزار: «وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن جبير بن مطعم إلا بهذا الإسناد، وعبد الله بن محمد بن عقيل قد احتمل الناس حديثه».
وقال الحافظ ابن حجر: «هذا حديث حسن».
وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».
وتعقبه الذهبي بقوله: «زهير ذو مناكير؛ هذا منها، وابن عقيل فيه لين».
قلت: المناكير التي في حديث زهير بن محمد إنما هي بسبب رواية أهل الشام عنه؛ كما قال الإمام أحمد وأبو حاتم الرازي وغيرهما، وهذا الحديث لم يروه أهل الشام عنه؛ فإن أبا عامر العقدي وأبا حذيفة النهدي بصريان، وقيس بن الربيع كوفي، فبرئت ذمة زهير منه.
وأما ابن عقيل؛ فمختلف فيه، واللين الذي قيل فيه لا ينزله عن درجة الحسن، والذهبي نفسه قد قرر في بعض كتبه أنه صدوق حسن الحديث؛ فقال في «المغني في الضعفاء» (1/354/3337): «حسن الحديث، احتج به أحمد وغيره».
وقال في «ميزان الاعتدال» (2/485): «حديثه في مرتبة الحسن».
وقال الترمذي في أوائل «سننه» (1/9): «وعبد الله بن محمد بن عقيل؛ هو صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه.
وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم (ابن راهويه) والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل.
قال محمد -يعني: البخاري-: هو مقارب الحديث».
ولذلك قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/76) عن حديث الباب: «ورجال أحمد وأبي يعلى والبزار رجال الصحيح؛ خلا عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو حسن الحديث، وفيه كلام».
وقد أساء جداً المعلق على «المسند -ط المؤسسة» في تضعيفه هذا الحديث وإعلاله إياه بابن عقيل، حيث كتم كلام الإمام الهيثمي المتقدم آنفاً؛ فهو قاصم لظهره، مبين سوء طويته وخبثه، وإن من تمام جهله وتدليسه أنه حشر الإمام أحمد بن حنبل في زمرة من ضعف ابن عقيل! وزاد ضغثاً على إبالة فادعى -بلا علم ولا وجل- أن ابن عقيل -هذا- ما حسَّن الرأي فيه إلا الترمذي وشيخه الإمام البخاري!!(1/53)
وقد كذب -والله- في ادعاءه، فقد احتج به الأئمة الكبار -أيضاً-؛ كأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، والحميدي، وحسن أمره وقواه -كما تقدم- البزار والذهبي والهيثمي والحافظ العسقلاني.
على أن للحديث المذكور شاهداً لا بأس به من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- بنحوه.
أخرجه الحارث بن أبي أسامة في «مسنده» (1/249-250/124-«بغية الباحث»)، وأبو يعلى الموصلي في «مسنده -رواية ابن المقرئ»- ومن طريقه الحافظ ابن حجر في «موافقة الخبر الخبر» (1/14)-؛ قالا: ثنا زهير بن حرب، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في «كتاب العرش» (84-85/74)- وعنه الآجري في «أخلاق العلماء» (92/189)، والحكيم الترمذي في «الرد على المعطلة» (ق 122/ب)-: ثنا عثمان بن أبي شيبة، والطبراني في «المعجم الكبير»؛ كما في «مجمع الزوائد» (2/6)- ومن طريقه الحافظ ابن حجر في «الموافقة» (1/11)-، وابن حبان في «صحيحه» (4/476/1599 -«إحسان»)، والخطيب البغدادي في «الفقية والمتفقه» (2/270/959) من طرق عن أبي الوليد -هشام بن عبدالملك- الطيالسي، وعلي بن عبد العزيز البغوي- ومن طريقه الحاكم (1/90)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (3/65)، و«الأسماء والصفات» (1/535-536/461)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (2/826/1550)، وابن بشران في «الأمالي» (1/302-303/692)-: ثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، والحاكم (2/7-8) من طريق علي بن الحسن الهسنجاني ويحيى بن المغيرة السعدي، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (1/535-536/461) من طريق إسحاق بن راهويه؛ سبعتهم عن جرير بن عبدالحميد، عن عطاء بن السائب، عن محارب بن دثار، عنه به.
قال الحافظ ابن حجر: «هذا حديث صحيح». وصححه الحاكم.
وقال الذهبي في «العلو للعلي العظيم» (1/750): «هذا حديث غريب، صالح الإسناد».
وقال الهيثمي: «رواه الطبراني في «الكبير»، وفيه عطاء ابن السائب وهو ثقة؛ لكنه اختلط في آخر عمره، وبقية رجاله موثقون».(1/54)
وقال البوصيري في «إتحاف الخيرة المهرة» (2/28): «وفي الحكم بصحته نظر؛ فإن جرير بن عبد الحميد سمع من عطاء بعد اختلاطه؛ قاله أحمد بن حنبل، وشيخه يحيى بن سعيد القطان؛ كما بينته في «تبيين حال المختلطين»»ا.هـ.
وانظر: «الكواكب النيرات» (ص322و323).
ولذلك كان من هدي السلف الصالح -رضي الله عنهم- التنفير من دخول الأسواق، والتحذير من دخولها مع أول الداخلين، أو الخروج منها مع آخر الناس، وإن كان لا بد من دخولها؛ فللحاجة والضرورة.
قال سلمان الفارسي -رضي الله عنه-: لا تكونن -إن استطعت- أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها؛ فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته.
أخرجه مسلم في «صحيحه» (4/1906/2451).
ورواه البرقاني في «صحيحه»؛ كما في «رياض الصالحين» (ص 664 -بتحقيقي) عن سلمان -رضي الله عنه- مرفوعاً بلفظ: «لا تكن أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها؛ فيها باض الشيطان وفرّخ».
وقد نبَّه على هذه النكتة شيخ الإسلام ابن تيمية
-رحمه الله- في «مجموع الفتاوى» (18/67): «... فإن ذكر الله في السوق مستحبٌّ؛ لما فيه من ذكر الله بين الغافلين».
قلت: وقد وردت أحاديث في فضل الذكر بين الغافلين؛ لكنها لا تصح، ولكن صحَّ مقطوعًا عن حسان بن أبي سنان قوله: ذاكر الله في الغافلين؛ كالمقاتل مع المدبرين.
أخرجه أحمد في «الزهد» (ص396) بإسناد حسن.
وروي شيء من هذا عن ابن سيرين -رحمه الله-؛ كما في «شرح السنة» للبغوي (5/133).
وقد أبدى بعضهم حكمة بديعة في مناسبة هذا الذكر في هذا الموطن، فقال ابن علان في «الفتوحات الربانية» (6/191-192): «وقال بعض العلماء: إنما خصَّ السوق بالذكر؛ لأنه مكان الاشتغال عن الله -تعالى- وعن ذكره بالتجارة والبيع والشراء، فمن ذكر الله -تعالى- فيه؛ دخل في زمرة من قيل في حقهم: ? ??????? ???? ???????????? ?????????? ????? ???????? ??? ?????? ?????? ? [النور:37].(1/55)
وجاء أن الأسواق محل الشياطين، وأن إبليس باض وفرّخ؛ كناية عن ملازمته لها، ثم إنه لم يلازمها إلا على كيفية تقتضي السوء لأهلها، وأنه اختار فيهم ضرب رِقِّهِ عليهم، ولم ينج منه إلا القليل منهم بتوفيقه -تعالى- لذلك الذكر -أو غيره-، وتلك الكيفية هي: أنه نصب كرسيه فيها، وركز رايته، وبث جنده فيها؛ ليرغبوا أهلها في تحصيل الدنيا على أي وجه كان؛ من تطفيف كيل، أو نقص وزن، أو إنفاق سلعة بحلف كاذب، وتملك بعقد فاسد، فهم غافلون، ومن نزول العذاب بهم لذلك ليسوا بآمنين؛ إلا من ذَكَرَ ربَّه وآثر قربه، فإنه متعرض لرد غضبه، هازم للشيطان وجنده، متدارك لدفع ما اقتضاه فعلهم، داخل في قوله -تعالى-: ? ????????? ??????? ?????? ????????? ?????????? ???????? ??????????? ??????????? ? [البقرة:251]؛ فدفع بكلمات هذا الذكر قضايا أفعالهم، فبكلمة التوحيد ذلت قلوبهم الممتلئة بالهوى، قال -تعالى-:? ??????????????? ???? ?????????? ???????????? ????????? ? [الجاثية:23]، وبـ «وحده لا شريك له» ما رسخ فيها من حب المال الحامل على أخذه بغير حقه، وبـ «له الحمد» ما تمالئوا عليه من عدم الشكر للنعم، والتعرض للنقم، وبـ «يحيى ويميت» غفلتهم عن شؤم حركاتهم المؤدي دوامها على موت قلوبهم والرجوع عنها على إحيائها، وبقوله: «وهو حي لا يموت» ما جهلوه مما يجب له -تعالى-، المؤدي الجهل به إلى كون الجاهل به على مدرجة الهلاك الأبدي، وبقوله: «بيده الخير» ما ضيعوه من النظر إليه؛ حتى تحاسدوا وباعوا واشتروا على بيع وشراء بعضهم على بعض، ووقعوا في العقود الفاسدة, وبقوله: «وهو على كل شيء قدير» ما غفلوا عنه من قدرته على أن يحل بهم عذاباً يستأصلهم من آخرهم؛ فظهر أن الآتي بهذا الذكر في السوق جدير أن يحصل له ما ذكر في الخبر من ذلك الفضل العظيم».ا.هـ.
وأخيراً: اعلم أخا الإيمان أن فضل الله أكبرُ، ورحمته أوسعُ، ويديه مبسوطتان، وخزائنه ملأى - تبارك وتعالى -، فهل مِن مشمِّر؟!
__________
(1) أي: موضع صلاتها.(1/56)
الخلاصة والترجيح
هذه خلاصة أبيِّن فيها ما ورد من طرق حديث السوق وشواهده، ودرجة كل ذلك منفردًا، ثم أقرر درجة الحديث جملة حسب قواعد علم الحديث.
أولاً: طريق عمرو بن دينار -قهرمان آل الزبير-:
ضعيفة جدًا.
ثانيًا: المتابعات:
1- محمد بن واسع: من طريق أزهر بن سنان، عنه به.
ضعيف؛ لكنه صالح للاعتبار.
2- المهاصر بن حبيب: من طريق أبي خالد الأحمر، عنه به.
حسن لذاته.
3- عبيد الله بن عمر العمري: من طريق سلم بن ميمون الخوَّاص، عن علي بن عطاء، عنه به.
ضعيف جدًّا.
4- أبو عبد الله الفراء: من طريق ضرار: نا الدراوردي، عنه به.
ضعيف جدًّا.
5- عمر بن محمد بن يزيد: حدثني رجل بصري، عن سالم به.
ضعيفٌ؛ لأن الرجل البصري هو عمرو بن دينار
-قهرمان آل الزبير- نفسه؛ كما نص عليه الدارقطني.
ثالثًا: الشواهد:
1- حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-:
أ- من طريق يحيى بن سليم الطائفي، عن عمران بن مسلم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر به مرفوعًا.
حسن لغيره.
ب- من طريق مسروق بن المرزبان: ثنا حفص بن غياث، عن هشام بن حسان، عن عبدالله بن دينار، عن ابن عمر به مرفوعًا.
حسن لذاته.
2- حديث عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما-: ضعيف جدًّا.
الترجيح:
تبيَّن أن تعدّد الطرق عن سالم عن أبيه عن جده؛ غير طريق قهرمان آل الزبير، وسلم الخواص، وأبي عبدالله الفراء، وعمر بن محمد بن زيد تدل على أن حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حسن.
فإذا انضمَّ إليه حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- بطريقه عن عبد الله بن دينار -الحسن لذاته-ازداد قوةً وثبوتًا.
وبذلك يصحُّ حديث السوق رواية، وقد صحَّ دراية -كما بيَّنَّا-؛ فلله الحمد والمنَّة على الإسلام والسُّنَّة.(1/57)