ترجمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الآتمان الأكملان على الهادي البشير سيد ولد عدنان وعلى آله الطيبين الأبرار وصحابته الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين أما بعد :
فهذه نبذة مختصرة عن الفقير الى رحمة مولاه صاحب هذه السطور , ولولا طلب من لا يسعني رفض طلبه لما سطرتها أناملي لقصوري عن درجة أولئك الفحول الذين تتعطر الكتب بتراجمهم ويستلهم القراء الفوائد العذاب من حياتهم العلمية الذاخرة بالجد والاجتهاد وفقني الله والأحياء منهم لما يحبه الله ويرضى ورحم الأموات منهم وجمعنا وأياهم في ديار كرامته المعدة للمتقين الأبرار آمين يا رب العالمين .(1/1)
أما مولدي فكان في بادية تمكتو الواقعة بجمهورية مالي حالياً ايام الاستعمار الفرنسي في عام سبع وستين وثلاثمائة وألف للهجرة النبوية للنبي عليه الصلاة والسلام , الموافق لعام 1948م تقريبا حسب ما ذكره لي كبار الأسرة لأن ا لولادة وقعت كما أسلفت في الصحراء حيث لا دواوين تسجل فيها المعلومات , وإنما يعدون على أصابعهم ذاكرين الوقائع فيعلمون لكل سنة بواقعة حدثت فيه كموت فلان من الأعيان , او عام السيل الذي ذهب باغنام فلان , أوعام الوقعة بين قبيلة فلان مع قبيلة علان وهكذا , وبديهي ان ما كان كذلك قد يقع فيه شئ مما يخالف الواقع للخطأ والنسيان , وفي سنة 1372هـ بعد وفاة والدي رحمه الله بسنة تقريبا ذهبت بي امي رحمها الله إلى شيخ القراء آنذاك الشيخ / ذي النورين بن الطاهر الأنصاري , وتركتني عنده وهو من قرابات أمي من جهة الأمهات وبقيت ادرس القرآن عنده لمدة سنتين تقريبا فحفظت عنده من التوبة الى الناس , ثم شآت الاقدار ان انفصل عن الدراسة قبل إكمال القرآن عنده بسب قساوة ظروف الحياة انذاك في تلك الديار , وكان شيخي رحمه الله يتلقى سيلا من الهدايا من والدتي وكانت ثرية باذلة لكل ما تملك في سبيل تعليم اولادها , بل كثيراً ما ترا فقيراً معدما أو عالما صالحاً ت فتعرض عليه هدية ما مقابل أن يدعو لها بالتوفيق و ان يرزقها الله أولاد علماء , وقد كانت رحمها الله صوامة قوامة منفقة خاصة على طلبة العلم ومن يقوم بتعليم أبنائها , حتى كبر ابناؤها الكبار فحدوا من إنفاقها حيث رأو أن انفاقها تجاوز حد الإعتدال الى الاسراف ولا زالت تئن من ذلك حتى وافاها الأجل المحتوم في نجيريا ونحن في طريقنا إلى مكة عمرها الله آمين , ورحم أمي رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته أمين.(1/2)
وقدمت الى هذه الديار المقدسة مع إخواتي / محمد المختار / وعبد القادر / وطاهر / عبد الهادي / وأم خالد في 17/11/1379هـ وحججت معهم في حج ذلك العام وبعد الحج استقر بنا النوى بالمدينة المنورة , أما إخوتي فسجلوا جميعاً بدار الحديث المدنية .
وعاملهم مديرها الشيخ / عمر فلاته معاملة الأب لأبنائه , أما أنا فقد ذهبت ضمن مجموعة من الجماعة وجد لهم الأمير محمد علي الانصاري رحمه الله منحة دراسة في ليبيا أيام الملك إدريس السنوسي رحمه الله . وسجلت في أول عام 1380هـ في السنة الثالثة الابتدائية حيث إني أحفظ كثيراً من القرآن آنذاك واكتب ولا ينقصني الا علم الحساب فاجتهدت فيه مع بعض الإخوة الذين سبقوني إلى ليبيا بعامين حتى ادركت بواسطتهم الشيء الذي الذي مكنني من الدراسة في السنة الثالثة .(1/3)
ولما نجحت من الثالثة في آخر العام أخذت كتب السنة الرابعة فحفظتها وفهمتها فسمحت لي المدرسة بالإختبار مع الراسبين فنجحت إلى الخامسة فواصلت دراستي في ليبيا حتى أتممت الثانية الاعدادية ثم رجعت الى المملكة العربية السعودية حيث تركت إخوتي فأتممت دراستي المتوسطة في دار الحديث المدنية ثم سجلت بالثانوية في الجامعة الاسلامية 87-1393هـ ونجحت فيها , وحيث ان الجامعة الاسلامية في ذلك الوقت لم تكن فيها الدراسات العليا إنتقلت إلى جامعة الملك عبد العزيز فرع مكة المكرمة قسم الفقه وأصوله , والجدير بالذكر أن جامعة أم القرى ما كان لها وجود , وانما بمكة المكرمة بعض كليات تابعة لجامعة الملك عبد العزيز بجدة , ونوقشت رسالتي للماجستير بعنوان عقد الوكالة في الفقه الإسلامي في 30/6/1397هـ ونلت بها شهادة الماجستير بتقدير جيد جداَ , وقبل ذلك بسنتين أي في عام 1395هـ بدأت التدريس بمعهد الحرم المكي الشريف إلى وقتي هذا ولله الحمد والمنة ولي من الكتب رسالتان مطبوعتان : عقد الوكالة في الفقه الإسلامي , وتلخيص الفرائض في الجمع بين الرائد ودليله والرحبية . ورسالتان غير مطبوعتين : أدلة الفرائض من الكتاب ولأثر , والأمام محمد بن مسلم الزهري نفي الشبها ت التي الزقها به المستشرقون والرد عليها .. وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين .
سيد محمد صادق الغزافي الانصاري
هـ 1419/10/20
مقدمة كتاب النسب
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله نبينا محمد وآله وصحبه وسلم وبعد :(1/4)
فإنه نظراً لحاجة الناس الماسة إلى معرفة أعراقهم وأصولهم التي ينتمون إليها، يسرني أن أكتب رسالة موجزة تبين أعراق الأشراف الغزافيين في الصحراء الكبرى وأصولهم ، وسبب خروج جدهم الأكبر إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبى طالب، وإلقاء الضوء على دولتهم في المغرب الأقصى والأندلس ثم ركود حركتهم السياسية وخمول ذكرهم، وانصارهم في قبائل المغرب المختلفة الأعراق وتوغل بعضهم في البادية والصحراء والدواعي لذلك.
ويتبع ذلك ذكر سلسلة نسب الأشراف الغزافيين أبناء { منا } إلى أن ينتهي بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويلي ذلك ملحق يُعْنى بذكر أنساب أبناء { منا } واتصالهم بقبيلة : الأنصاريين بتلك الصحراء عن طريق المصاهرة والجوار والمحبة. الغرض منه تنبيه الغزافيين والأنصاريين إلى ما بينهم من وشائج قربى وروابط يندر وجود مثلها في غيرهم من الأمم والشعوب على وجه البسيطة بالإضافة إلى التقدير والتوقير والاحترام المتبادل بين الفريقين، وقد لاح لي في الأفق القريب أن بوادر الفرقة بدأت تظهر بين الأجيال الجديدة من الفريقين، وخاصة الذين ولدوا هنا أوفي الجزائر وليبيا وموريتانيا والمهاجرون منهم الذين خرجوا من ديارهم في الصحراء الكبرى وهم أحداث قبل أن يكون لهم أي إلمام بحقيقة انتمائهم وبأنسابهم وذوي رحمهم، فرأيت أنه من واجبي أن أبين لهم ولو شيئا يسيراً مما جهلوه، لعل الله ينير صدورهم فيرجعوا إلى سبيل ونهج أسلافهم من المحبة والوئام ولاحترام المتبادل فيعود إليهم من القوة بالترابط ما فاتهم بالافتراق.(1/5)
وجواباً عن سؤال يتردد كثيراً من حين لآخر وهو كيف تحملون أنتم الغزافيون لقب الأنصار وليس ظهركم إلى الأنصار، فالجواب على ذلك أن أبناء ابّابّا فقط من بين الغزافيين هم الذين يحملون لقب الأنصار وسبب ذلك أن الأنصاريين والغزافيين جميعاً كانوا شمال شرقي تمبكتو في الصحراء مدة من الزمن قبل الاستعمار الفرنسي، ثم ان سنين من الجفاف وقلة الأمطار قد وقعت على مواطنهم في الصحراء فانتقل الغزافيون إلى مواطنهم الحالية غربي تمبكتو إلى حدود موريتانيا الشرقية، إلا أبّابّا وكذا الأنصار فإن بعضهم قد انتقل أيضا غربي تمبكتو حيث الزراعة والحبوب وخصوبة الأرض وبقي منهم في المشرق أبناء الحاج بلاّ.
وكان بين أبناء ابّابّا الغزافيين وبين أبناء عثمان بن الحاج بلاّ الأنصاري من المصاهرة ما يفوق الحصر وهم في بوتقة واحدة، فلما جاء الاستعمار الفرنسي وجعل لكل قبيلة رئيسا ودفتر إحصاء نفوس لم يكن أبناء ابّأبّأ إلاً بيوتات قليلة جداً لم تبلغ أن تكون قبيلة لها رئيس خاص ودفتر نفوس مستقل بهم، ومن ثم سجلوا في دفتر إحصاء نفوس أبناء عثمان باسم الأنصاريين وذابوا فيهم ذوبانا حتى كاد النشء منهم أن ينكروا أنهم غزافيون لانقطاع صلاتهم بالغزافيين لبعد المسافة بينهم، غير أن كبار ومتوسطي السن من الأسرتين ليس فيهم من يجهل تلك التفاصيل التي أوضحتها أعلاه.
وقد علمنا خلال دراستنا لحياة الأشراف الأدارسة السياسية أنهم ملاحقون دوماً من قبل الولاة والسلاطين، ومن أمثلة ذلك محاولة موسى ابن أبي العافية البربري الموالي للعبيديين استئصال الأدراسة كلياً ومحوهم من الوجود بعد ما حصرهم في قلعة حجر النسر وشدد عليهم الحراسة ولولا منع قومه له من ذلك لما أبقى منهم نسمة في الأرض كما حاول الأمويون والعباسيون القضاء الكلي على آل البيت لئلا تقوم لهم قائمة تطلب الخلافة في المستقبل.(1/6)
ولحماية أنفسهم من الإبادة لجئوا إلى التعمية وتغطية أسمائهم الحقيقية بالألقاب، ولعل تلك العادة تسربت إلى ذريتهم من بعدهم واستمرت فيهم إلى يومنا هذا، إذ يندر أن تجد من القوم أحداً إلا وله لقب بجوار اسمه الحقيقي وقد يشتهر بذلك اللقب حتى لا يكاد يميز إلا به ولذلك أضطر في بعض الأحيان إلى ذكر الاسم الحقيقي ثم أضع اللقب بين قوسين للتمييز.
أسأل العلي القدير العالم بمكنونات النفوس أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به الحادي عن السبيل الأقوم فيرده إلى الحق الأبلج وأن يبصر به قاطع الرحم عن علم أو جهل فيصل رحمه كما أمره مولاه وأكد، وأن يجعله مفتاح خير يقتبس منه طالب الحق ما يعينه ويقويه على العلم والمعرفة، إنه سبحانه وتعالي سميع مجيب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبي الهدى والنور محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي وآله وصحبه ومن ولاه إلى يوم الدين.
سيد محمد صادق الغزافي الأنصاري
كتاب النسب1
فهرسة المواضيع
تمهيد في احوال الخلافة الاسلامية ... سبب خروج الشريف ادريس بن عبدالله الى المغرب ... إستقرار ادريس في بلاد البربر ... تدبير الرشيد لقتل إدريس الأول ... حالة البربر بعد وفاة ادريس ... مبايعة ادريس بن ادريس
بناء مدينة فاس ... خرروجه للغزو سبيل الله ... خلافة محمد بن إدريس بن إدريس الاول ... الخلاف بين بني ادريس المثنى ... خلافة علي بن محمد بن إدريس المثنى (حيدرة ... الهوامش
تمهيد في أحوال الخلافة الإسلامية(1/7)
لما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تولى الخلافة بعده الخلفاء الراشدون الأربعة أبوبكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين والأمة الإسلامية ما عدا الشيعة مجمعون على خلافتهم، فلما قتل علىّ رضي الله عنه، بايع أهل العراق ابنه الحسن رضي الله عنه، وزحف إليه معاوية رضي الله عنه في أهل الشام، ورأى الحسن وجوب حقن دماء المسلمين وجمع كلمتهم وتصور ما في ذلك من الأجر والثواب عند الله تعالى، فاختار الثواب والدار الآخرة على الدنيا وحطامها ممتثلاً بذلك قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فيه : ابني هذا سيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، فتنازل عن الخلافة لمعاوية عام [40] هـ فسمي ذلك العام عام الجماعة. (1) 1)
وخلصت الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وتوارثها بنوه من بعده وبنوا أمية، وتخلل ذلك منازعات وثورات يقوم بها بنو هاشم أدت بمقتل السواد الأعظم منهم على يد الأمويين وعمالهم. ولما تضعضع أمر بني أمية في أيام : مروان الحمار اخر خلفائهم، اجتمع أهل البيت بالمدينة المنورة وتشاوروا فيمن يقدمونه للخلافة بعد انقضاء دولة بني أمية المتوقع، فوقع اختيارهم على : محمد بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وهو الملقب بالنفس الزكية، وله من الأخوة أربعة : إبراهيم ويحى وسليمان وإدريس.
وقد حضر البيعة بالمدينة أبو جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فبايع معهم لمحمد { النفس الزكية } وذلك قبل انتقال الخلافة إلى بني العباس. (2) (3)
__________
(1) 1. الاستقصاء 1/148 .
(2) 2. الاستقصاء 2/ 146، تاريخ ابن خلدون 7/5(1/8)
وأجمع بنو هاشم على مبايعة النفس الزكية لما علموا له من الفضل والصلاح وتقدمه في ذلك عليهم جميعاً، ولما انقرضت دولة بني آمية وتمت الخلافة لبني العباس، وآل الأمر إلى أبي جعفر المنصور سعى الواشون عنده بآل البيت وزعموا أن محمداً { النفس الزكية } يريد الخروج عليه، فأمر أبو جعفر المنصور عامله على المدينة رباح بن عثمان المري بحبس عبد الله بن حسن وأبنائه واخوته وبني عمه، فحبس من أكابرهم خمسة وأربعون نفساً وقدم أبو جعفر المنصور المدينة حاجاً فساقهم معه إلى العراق وحبسهم بقصر ابن هبيرة حتى هلك معظمهم فيه.
وجد المنصور في البحث عن محمد { النفس الزكية } وأخيه : إبراهيم لكونهما تغيبا فلم يحبسا في جملة من حبس من عشيرتهم وفي سنة خمس وأربعين ومائة تضايق محمد بن عبد الله بن حسن { النفس الزكية } من كثرة الطلب والبحث عنه لقتله من قبل المنصور فظهر في المدينة ودعا الناس لمبايعته، فاستفتى الناس مالكا في الخروج مع محمد، فقالوا له إن في أعناقنا بيعة لمنصور فذكرهم مالك بالبيعة الأولى لمحمد ومن المبايعين المنصور نفسه فتسارع الناس إلى دعوته، فبلغ الخبر المنصور فكتب إلى محمد يبذل له الآمان ويعده بالجميل إن هو رجع إلى الطاعة فرفض محمد ذلك فأرسل المنصور عمه عيسى بن موسى العباسي لقتال محمد فاقتتل الفريقان بالمدينة المنورة حتى خر محمد صريعاً بضربة من حميد بن قحطبة في صدره وأرسل عيسى برأسه إلى المنصور، فقتل جماعة من أهل بيته، ولحق ابنه علي بن محمد إلى السند، واختفى ابنه الآخر عبد الله الأشتر.(1/9)
ثم خرج إبراهيم بن عبد الله أخو محمد بالبصرة وانهزم أمام عيسى ابن موسى المذكور وفي سنة [169] خرج بالمدينة حسين بن علي بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن على بن أبي طالب وكان معه جماعة من أهل بيته منهم إدريس ويحى وسليمان بنو عبد الله { الكامل } اخوة محمد { النفس الزكية } فاشتد أمر الحسين المذكور بالمدينة وقتل عامل العباسيين عليها : عمر بن عبد العزيز بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وبايعه الناس على كتاب الله وسنة رسوله. (1) (2)
ومكثوا بالمدينة مدة يتجهزون، ثم خرجوا إلى مكة وأعلنوا خروجهم عن طاعة العباسيين فخرج إليهم من خرج إليهم وكان ما سنذكره لاحقاً إن شاء الله .
سبب خروج الشريف إدريس بن عبد الله إلى المغرب
قد عرفنا خلال عرضنا الموجز لأحوال الخلافة بعد الخلفاء الراشدين الأربعة رضي الله عنهم أن ثورات آل البيت وطلبهم للخلافة تظهر من حين لآخر منذ خروج الحسين السبط بن علي ابن أبي طالب في زمن يزيد ابن معاوية وخلال فترة حكم الأمويين وصدر من خلافة العباسيين إلى أن كان من فروع تلك السلسلة خروج حسين بن علي بن حسن بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب في 22/1/169هـ بعد موت محمد المهدي بن المنصور. (3) (4)
__________
(1) 3. الاستقصاء في أخبار المغرب الأقصى، بشيء من التصرف 1/151 ، والبداية والنهاية 10/180 .
(3) 4. البداية والنهاية 10/180 .(1/10)
وذكر أن سبب خروجه أنه لما توفي المهدي بن المنصور ذهب أمير المدينة إلى العراق لتعزية الخليفة موسى الهادي بوفاة والده، وتهنئته بالخلافة فجرت بالمدينة النبوية أمورٌ اقتضت خروجه، والتف حوله جماعة وجعلوا المسجد مأواهم، غير أن أعيان المدينة لم يجيبوه إلى ما أراد، فارتحل إلى مكة فلما وصلها نادى في الناس أيما عبد أتاه فهو حر، الأمر الذي أكد للناس خروجه عن طاعة أمير المؤمنين فأتاه العبيد، فلما انتهى الخبر إلى أمير المؤمنين موسى الهادي بن محمد المهدي بن المنصور كتب إلى محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس فولاه قتال الحسين وكان قد سار بجماعة مسلحين من البصرة لخوف الطريق إلى مكة.
وكانوا قد أحرموا بعمرة متمتعين بها إلى الحج، فلما قدموا مكة طافوا وسعوا وحلوا من إحرامهم وعسكروا بذي طوى وانضم إليهم من حج من شيعة العباسيين ومواليهم وقوادهم فقابلوا الحسين وأتباعه يوم السبت الموافق للثامن من ذي الحجة { يوم التروية } عام [169]هـ بذى طوى على بعد ثلاثة أميال من مكة فاقتتلوا قتالاً عنيفاً حتى خر الحسين ميتاً في أكثر من مائة نفر من أصحابه.
فانهزم أصحاب الحسين واختلطوا بالحاج فاختفوا فيهم (1) (2) وهذه المعركة مشهورة في التاريخ بمعركة فخ.
__________
(1) 5. إتحاف الورى بأخبار أم القرى 2/220 ، البداية والنهاية لابن كثير 10/180 ، الاستقصاء 1/151 ، تاريخ ابن خلدون 7/13 .(1/11)
وكان إدريس بن عبد الله { الكامل } بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قد انهزم فيمن انهزم بعد مقتل حسين في معركة فخ فاستتر مدة في لجة الحجيج وألح عامل السلطان في طلبه فخرج به مولاه راشد ـ وكان عاقلاً شجاعاً قوياً ذا حزم وتدبير ولطف ـ في جملة الحجاج منحاشاً به عن الناس بعد أن غير زيّه وألبسه مدرعة وعمامة غليظة وصيره كالغلام يخدمه، وإن أمره أو نهاه أسرع الشريف في تلبية مطلبه فسلما بتوفيق من الله ثم بتلك الحيلة حتى دخلا مصر ليلاً، فبينما هما متحيران يمشيان في بعض طرقها لا يدريان شيئاً عن البلد وأهله، ولا هداية لهما فيه إذ مرَّا بدار مشيدة يدل ظاهرها على باطنها ونعمة أهلها فجلسا في دكان على باب الدار فرآهما صاحب الدار فعرف فيهما الحجازية، فتوسم في خلقتهما الغرابة فقال : أحسبكما غريبين أو عربيين، قالا : نعم وأركما مدنيين، قالا : نعم، نحن كما ظننت.(1/12)
فإذا الرجل من موالى بني العباس فقام إليه راشد وقد توسم فيه الخير فقال له : يا هذا قد أردت أن ألقى إليك شيئاً ولست أفعل حتى تعطيني موثقاً أن تفعل إحدى خلتين إما آويتنا وتتقرب إلى الله بالإحسان إلينا وحفظت فينا نبيك محمداً - صلى الله عليه وسلم - ، وإن كرهت ما ألقيته إليك سترته علينا . فأعطاه على ذلك موثقاً فقال له : هذا إدريس بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب خرج من موضعة مع الحسين بن علي بن الحسن فسلم من القتل وقد جئت به أريد بلاد البربر فإنه بلد ناء لعله يأمن فيه ويعجز من يطلبه. فأدخلهما منزله وسترهما حتى تهيأ خروج رفقة إلى أفريقية فاكترى لهما جملاً وزودهما وكساهما. فلما عزم القوم على النهوض للرحيل قال لهما : إن لأمير مصر مسالح {حراس الحدود } لا يجوز أحد إلا فتشوه، وهاهنا طريق اعرفها لا يسلكها الناس، فأنا أحمل هذا الفتى { إدريس } في هذا الطريق الغامض البعيد فألقاك به يا راشد في موضع كذا حيث تنقطع مسالح مصر، فركب راشد في أحد شقى المحمل ووضع متاعه في الشق الآخر ومضى مع الناس في القافلة.
وخرج الرجل على فرس له وحمل إدريس على فرس آخر فمضى به في الطريق الغامض وهي مسيرة أيام حتى تقدما القافلة، وأقاما ينتظرانها حتى وردت فركب إدريس مع راشد حتى إذا قربا من أفريقية ضربا صفحاً عنها فلم يدخلاها وسارا في بلاد البربر حتى استقرا في مدينة { زرهون } بين قبيلة وليلي. (1) (2)
استقرار إدريس في بلاد البربر
أستقر الشريف إدريس الأول في مدينة { زرهون } بين قبيلة وليلي البربرية. وفي رمضان عام [172] هـ بايعته قبائل البربر وقدموا له كل معاني الولاء والنصر وتفانوا في الدفاع عنه وظل يحكمهم بدون منازع مدة خمس سنين.
__________
(1) 6. المسالك والممالك 2/799 ، الاستقصاء 1/153 ـ 154 .(1/13)
وكانت سنوات حكمه سنوات إقامة أساس الدين وقواعده ونشر تعاليمه في المجتمع وحمل الناس عليه، والتوحيد بين قبائل البربر المتناحرة في ظل تعاليم الإسلام الحاوية لكل معاني العدل والمساواة، الجالبة للتآلف بين الأمم والشعوب والمجتمعات والأفراد، كما كانت سنوات حكمه سنوات البناء والتعمير والجهاد ودخول القبائل البربرية واحدة تلو الأخرى في دين الله واستقرت البلاد وهدأت الحروب القبلية وأمن الناس على أنفسهم وأموالهم وشهدت البلاد والعباد تطوراً في جميع نواحي الحياة لم تكن تحلم بها، إلى أن انتهى خبر إدريس وإقامة دولته في المغرب إلى الخليفة العباسى
هارون الرشيد في بغداد فكان ما سنذكره لاحقاً إن شاء الله. (1) (2)
تدبير الرشيد لقتل إدريس الأول
لما انتهى خبر إدريس إلى هارون الرشيد كربه أمره وأقلقه وأشغل فكره، فا ستدعى وزيره يحى بن خالد البرمكي فاشتكى إليه فقال له يحى يا أمير المؤمنين أنا أكفيك شره ومقدم لك من خبره ما يسرك ويذهب غمك.
__________
(1) 7. المسالك والممالك 2/799 ، الاستقصاء 1/155 .(1/14)
فأرسل يحى بن خالد إلى سليمان بن حريز الجزري الملقب بالشماخ، وهو رجل من ربيعة من المتكلمين وممن يرى رأى الزيدية، بل له فيه إمامة عظيمة وقد جمع الرشيد بينه وبين هشام بن الحكم حين ناظره في الإمامة، وكان حلوا شجاعاً يُعد أحد شياطين الإنس لا تعجزه حيلة لما أراد، فأرغبه يحى بن خالد في مال، ووعده عن نفسه وعن الخليفة بمواعيد عظيمة، ودعاه إلى قتل إدريس والتلطف في ذلك فأجابه وأعطاه مالاً جزلاً، ووجه معه رجلاً يثق به وبشجاعته.(1/15)
ودفع إلى الشماخ قارورة فيها غالية مسمومة فانطلق مع صاحبه يخوضان الصحارى والقفار والفيافي المترامية الأطراف حتى وصلا إلى الشريف إدريس بن عبد الله، وكان إدريس ذا معرفة تامة بسليمان الشماخ ورئاسته في الزيدية وموالته لآل البيت، فلما جلس بين يدي الشريف قال له : إنما جئتك وحملت نفسي على ما حملتها عليه لمذهبي الذي تعرفني به، وإن السلطان طلبني لمحبتي في الخروج معكم اهل البيت فجئتكم لآمن في ناحيتكم وانصرك بنفسى، فسر الشريف لقوله وقبله بصدر رحب وأحسن مثواه وأكرم نزله وآنس به حتى لا يكاد يقطع بأمر دون استشارته، وفتح له مجالس البربر وأخذ يظهر الدعاء إلى ولد رسول - صلى الله عليه وسلم - ويشن حملات شعواء على بني العباس وبني أمية لاستئثارهم بالولاية دون آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومحاولة بعضهم إبادة آل البيت حتى لا يبقى منهم من يفكر في الولاية في المستقبل، ويظهر أنه يحتج لوجوب الولاية لآل البيت كاحتجاجه لذلك في العراق فأعجب ذلك إدريس منه، فمكث عنده مدة يطلب غرته ويرصد الفرصة في أمره ويرمق باب الحيلة عليه حتى غاب راشد مولاه غيبة طفيفة في بعض أموره واستثمر سليمان الشماخ ذلك فدخل على الشريف ومعه القارورة فلما انبسط إليه وخلا وجهه وانشرحت له مكنونات نفسه قال له الشماخ : جعلني الله فداك في هذه القارورة غالية حملتها معي وليس ببلدك من الطيب ما يتخذ هذا منه فجئتك بها لتطيب بما فيها، ووضعها بين يديه ففتحها الشريف إدريس وتغلف منها وشمها، وظن الشماخ أنه نفذ همته وربح بجائزته وانصرف إلى صاحبه، وقد أعد فرسين قبل ذلك مضمرين فركباهما وخرجا مركضين يطلبان النجاة، فلما وصل السم إلى دماغ إدريس وكان في خياشيمه سقط مغشياً عليه لا يعقل ولا يدري من يختص به ما شأنه فبعثوا إلى راشد فجاء مسرعاً فتشاغل بمعالجته والتخبر في أمره وقد قطع الشماخ وصاحبه على فرسيهما بلاداً شاسعة في تلك المدة، وأمضى الشريف(1/16)
إدريس يومه في غشيانه وعروقه تضرب ثم مات وتبين راشد أمر الشماخ بكل وضوح فركب في طلبه في جماعة من أصحابه، فجعلت الخيل تنقطع تحت أصحابه ويتخلفون لشدة السير وحدة الطلب، وصبر فرس راشد حتى لحق الرجلين وقد سبقاه بمسيرة يوم فأدركهما وحده على فرسه فشد عليهما فانحرف إليه سليمان الشماخ ليمنعه من نفسه فخبطه راشد بالسيف فكنع يده آي : أطاره وضربه راشد بالسيف ثلاث ضربات على وجهه ورأسه كل ذلك لا يصيب منه مقتلاً مع دفع سليمان عن نفسه وما كان عليه من الجنة، وكلّ فرس راشد وقام لشدة الحمل عليه ونجا سليمان بحشاشة نفسه آي : بروحه، وصاحبه قد خذله فلم يغن عنه شيئاً ولم يكن عنده إلاً الهرب، ثم نزل سليمان بعد أن أمن الاتباع وعصب جراحه.
وكان ذلك في ربيع الثاني عام [177] هـ فكانت مدة خلافته خمس سنوات. (1) (2)
حالة البربر بعد وفاة إدريس
عندما توفي الشريف إدريس بن عبد الله لم يترك إلا حملاً من أمة بربرية اسمها : كنزة، ولما فرغ راشد من تجهيزه ودفنه جمع رؤساء البربر ووجوه الناس فقال لهم : إن إدريس لم يترك ولداً إلا حملاً من أمته كنزة وهي الآن في شهرها السابع من حملها، فإن رأيتم أن تصبروا حتى تضع هذه الجارية حملها فإن كان ذكراً أحسنا تربيته حتى إذا بلغ مبلغ الرجال بايعناه تمسكاً بدعوة آل البيت وتبركاً بذرية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإن كان جارية نظرتم لانفسكم.
__________
(1) 8. المسالك والممالك 2/803 ، الاستقصاء 1/158 ـ 159 ، وتاريخ ابن خلدون 7/14 .(1/17)
فقالوا له : أيها الشيخ المبارك ما لنا رأى إلاً ما رأيت فإنك عندنا عوض من إدريس تقوم بأمورنا كما كان إدريس يقوم بها وتصلى بنا وتقضي بيننا بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ونصبر حتى تضع الجارية حملها ويكون ما أشرت به، على أنها إن وضعت أنثى كنت أحق الناس بهذا الأمر لفضلك ودينك وعلمك فشكرهم راشد على ذلك ودعا لهم وانصرفوا، فقام راشد بأمر البربر تلك المدة.
ولما أتمت الجارية أشهر حملها وضعت غلاماً أشبه الناس بأبيه إدريس فأخرجه راشد إلى رؤساء البربر حتى نظروا إليه فقالوا : هذا إدريس بعينه كأنه لم يمت، فسماه راشد إدريس، ونشأ الصبي نشأة حسنة إلى أن تولى خلافة أبيه كما سنذكر إن شاء الله. (1) (2)
مبايعة إدريس بن إدريس
كانت ولادة إدريس المثنى بن إدريس الأول يوم الاثنين ثالث رجب سنة سبع وسبعين ومائة فكفله راشد مولى أبيه، وقام بأمره أحسن قيام فأقرأه القرآن حتى حفظه وهو ابن ثمان سنين ثم علمه الحديث والسنة والفقه في الدين والعربية وَروَّاه الشعر وأمثال العرب وحكمها، وبصره بسير الملوك وأيام الناس، ودربه على ركوب الخيل والرمي بالسهام ومكايد الحرب، فلم يمض له من العمر مقدار أحد عشر عاماً إلا وقد اضطلع بما حمل وترشح للأمر واستحق أن يبايع، فبايعه البربر حيث ظهرت عليه علامات النجابة والذكاء في ذلك السن المبكر وذلك في يوم الجمعة السابع من ربيع الأول عام [187] هـ . (3) (4)
قال ابن خلدون : بايع البربر إدريس الأصغر حملاً ثم رضيعاً ثم فصيلاً إلى أن شب فبايعوه بجامع مدينة وليلي سنة ثمان وثمانين ومائة وهو ابن إحدى عشرة سنة. (5) (6)
__________
(1) 9. الاستقصاء 1/160 ، المسالك والممالك 2/804 .
(3) 10. المسالك والممالك /805 ، الإستقصاء 1/161 .
(5) 11. تاريخ ابن خلدون 7/25 .(1/18)
ويلاحظ هنا اختلاف يسير في سنة مبايعته لما شب، بين ما ذكره أبو عبيد البكري وبين ما ذكره ابن خلدون مع اتفاقهما على بلوغه احدى عشرة سنة عند مبايعته، والأشبه ما ذكره ابن خلدون والله أعلم.
وكانت بيعته من كافة القبائل البربرية بعد خطبة بليغة نمت عن نباهته ووعد فيها بالبناء والتعمير وزيادة الفتوحات والجهاد في سبيل الله وإقامة الدين وقواعده وتحقيق العدالة بين الناس دون التفريق بين العربي والبربري المسلم، ودعا الناس فيها إلى بيعته وحضهم على التمسك بطاعته قائلاً : لا تمد الأعناق إلى غيرنا فإن الذي تطلبون من إقامة الحق إنما تجدونه عندنا. فعجب الناس من فصاحته وقوة جأشه على صغر سنه، ثم نزل فتسارع الناس إلى بيعته وازدحموا عليه يقبلون يده فبايعته كافة قبائل المغرب من زناته وأوربة وصنهاجة وغمارة وسائر قبائل البربر، وتوفي مولاه راشد بعد ذلك بقليل. (1) (2)
بناء مدينة فاس
__________
(1) 12. الاستقصاء 1/162 .(1/19)
لما استقر أمر المغرب للشريف إدريس بن إدريس وتوطد ملكه وعظم سلطانه وكثرت جيوشه وأتباعه وفدت عليه الوفود من البلدان، وقصده الناس من كل مكان فاستمر بقية سنة ثمان وثمانين ومائة يصل الوفود ويبذل الأموال، ويستميل الرؤساء والأعيان، ولما دخلت سنة تسع وثمانين ومائة وفدت عليه وفود العرب من أفريقية والأندلس نازعين إليه وملتفين حوله فاجتمع لديه منهم نحو خمسمائة فارس من قيس والأزد ومذحج ويحصب وغيرهم فسر إدريس بوفادتهم وأجزل صلتهم وأدنى منزلتهم وجعلهم بطانته دون البربر، فاعتز بهم وأنس بقربهم، فإنه غريباً بين البربر، فاستوزر منهم عمير بن مصعب الأزدي، واستقضى منهم عامر بن محمد بن سعيد القيسي وكان من أهل الدين والورع والفقه سمع من مالك بن أنس وسفيان الثوري، واستكتب منهم أبا الحسين عبد الله بن مالك الخزرجي، ولم تزل الوفود تقدم عليه من العرب والبربر حتى كثر الناس الوافدون من المشرق العربي والأندلس ففكر في مدينة أخرى يجعلها عاصمة ملكه تسعه مع هذه الوفود القادمة من المشرق والمغرب بعدما أشيع من عدله واتساع حكمه فسير المهندسين في الأرجاء يبحثون عن مكان ذي جوى مناسب، وفيه ماء يؤمن للمدينة الجديدة البقاء والازدهار في المستقبل فأشاروا عليه بالمكان الذي أقيمت فيه مدينة فاس فركب بنفسه حتى أتى الموقع واطلع عليه بنفسه فاقتنع لصلاحيته لقيام العاصمة المنوية عليه، فأنشأ الشريف مدينة فاس سنة اثنتين وتسعين ومائة. (1) (2)
خروجه للغزو في سبيل الله
__________
(1) 13. الإستقصاء 1/163 ، المسالك والممالك 2/805 ، وابن خلدون 7/26 .(1/20)
لما انتقل الشريف إدريس المثنى إلى عاصمته الجديدة فاس وحضرت الجمعة الأولى صعد المنبر وخطب الناس ثم رفع يديه في آخر الخطبة فقال : اللهم إنك تعلم أني ما أردت ببناء هذه المدينة مباهاة ولا مفاخرة ولا رياء ولا سمعة ولا مكابرة، وإنما أردت أن تعبد بها ويتلى بها كتابك وتقام بها حدودك وشرائع دينك وسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - ما بقيت الدنيا اللهم وفق سكانها وقطانها للخير وأعنهم عليه واكفهم مؤنة أعدائهم وأدر عليهم الأرزاق واغمد عنهم سيف الفتنة والشقاق إنك على كل شئ قدير.
وعندما اطمأنت دولته في فاس وما حولها خرج للغزو في سبيل الله ففتح نفيسا في المحرم سنة سبع وتسعين ومائة، ثم نفزة وتلمسان، ورجع سنة تسع وتسعين، وتابع فتح مدن وقرى بلاد البربر وقبائلها حتى توفاه الله بوليلي سنة ثلاث عشرة ومائتين بحبة عنب ابتلعها فغص بها فلم يزل مفتوح الفم سائل اللعاب حتى مات. (1) (2)
خلافة محمد بن إدريس بن إدريس الأول
توفي الشريف إدريس المثنى بن إدريس الأول عن اثني عشر ولداً هم : محمد، وأحمد، وعيسى، والقاسم، وإدريس، وجعفر، ويحى، وحمزة، وعبد الله، وداود، وعمر، وعبيد الله.
وتولى الخلافة بعده أبنه الأكبر محمد، وفرق البلاد المغربية الواقعة تحت سيطرتهم على اخوته بمشورة جدته كنزة أم إدريس بن إدريس، واتخذ محمد بن إدريس مدينة فاس قراراً له، واخوته ولاة على بلاد المغرب قد ضبطوا أعمالها وسدوا ثغورها وأمنوا سبلها وحسنت سيرتهم في ذلك إلى أن دب بينهم الخلاف.
وكان توزيع المغرب عليهم على النحو الآتي :
ولاية القاسم كانت على طنجة وسبتة وقصر مصمودة وقلعة حجر النسر وتطوان وما أنضم إلى ذلك من القبائل.
ولاية عمر على تيكساس وترغة وما بينهما من قبائل صنهاجة وغمارة.
ولاية داود على بلاد هوارة وتسول وتازا وما بين ذلك من قبائل مكناسة وغياثة.
__________
(1) 14. المسالك والممالك 2/805 ، الإستقصاء 1/167 ـ 171 .(1/21)
ولاية يحى على أصيلا والعرايش والبصرة وبلاد ورغة وما والى ذلك.
ولاية عيسى على سلا وشالة وأزمور وتامسنا وما أنضم إلى ذلك من القبائل.
ولاية حمزة على مدينة وليلي وأعمالها.
ولاية أحمد على مدينة مكناسة ومدينة تاد لا وما بينهما من بلاد فازازا.
ولاية عبد الله على أغمات وبلد نفيسا وجبال المصامدة وبلاد لمطة والسوس الأقصى.
وابقى الآخرين في كفالته وكفالة جدتهم كنزة لصغرهم. (1) (2)
الخلاف بين بنى إدريس المثنى
خرج عيسى عن طاعة أخيه محمد فكتب إلى أخيهما القاسم عامله على البصرة وطنجة يأمره بقتال عيسى إذ كان يحاذيه في البلد، فأبى القاسم ذلك وخالف أمر محمد، فكتب محمد إلى أخيه عمر بمثل ذلك فأجابه وسارع إلى نصرته فأوقع بأخيهما عيسى وأخرجه عن ولايته وهرب، ثم أمر محمد أيضا أخاه عمر بمحاربة أخيهما القاسم، فحاربه وتغلب على ما كان بيده. فتزهد القاسم بعد ذلك فأعرض عن الدنيا وبنى مسجداً على ضفة البحر بأصيلا ولزمه حتى مات.
وتوفي عمر بن إدريس ببلد صنهاجة بموضع يقال له فج الفرس ونقل إلى مدينة فاس ودفن بها بجوار أبيه. (3) (4)
وهو جد الأشراف الحموديين الذين أقاموا الخلافة في الأندلس سنة سبع وأربعمائة كما سيأتي.
وتوفي محمد بن إدريس المثنى في فاس بعد أخيه بسبعة أشهر، وذلك في ربيع الثاني سنة [221] هـ بعد أن عهد لابنه علي بن محمد بالخلافة. (5) (6)
خلافة علي بن محمد بن إدريس المثنى ( حيدرة )
__________
(1) 15. الإستقصاء 1/172 ، المسالك والممالك 2/806 .
(3) 16. الإستقصاء 1/173 _ 174 ، ابن خلدون 7/28 .
(5) 17. الإستقصاء 1/174 .(1/22)
ولى علي بن محمد بن إدريس المثنى الأمر بعد أبيه باستخلافه له وبايعه الناس وعمره تسع سنين وأربعة أشهر وسار في الناس سير أبيه فكانت أيامه أيام خير وبركة إلى أن توفي سنة [234] . وهو جد الأشراف العلميين { أهل جبل العلم } ومنهم المشيشون أولاد عبد السلام بن مشيش، والوزانيون أولاد عبد الله بن مشيش.
فهرسة المواضيع
خلافة يحى بن محمد بن ادريس ... خلافة يحى بن يحى بن محمد ... خلافة علي بن عمر بن إدريس ... خلافة يحى بن إدريس بن عمر بن إدريس ... خلافة الحسن الحجام بن محمد القاسم بن ادريس ... الدولة الثانية للأدارسة ببلاد الريف ... ولاية الحسن بن كنون
دولة الادارسة الحموديين بالاندلس ... انتشار ذرية عمر بن إدريس المثنى في قبائل البربر ... نبذة عن الأشراف السعديين بالمغرب ... الاشراف السجلماسيون العلويون ... ذكر سلسلة نسب الغزافيين ... الهوامش ... ـــــ
خلافة يحى بن محمد بن إدريس
تولى يحى الخلافة بعهد من أخيه علي بن محمد وامتد سلطانه وعظمت دولته وحسنت آثاره، واستبحر بناء فاس وبنيت بها الحمامات، والفنادق، ورحل إليها الناس من الثغور القاصية ومن إفريقية والأندلس ومن جميع بلاد المغرب وفي أيامه بلغت دولة الأشراف الأدارسة أوج تقدمها ورقيها.
وفي عهده بنى مسجد القرويين بفاس يوم السبت فاتح رمضان عام [245] هـ .
خلافة يحى بن يحى بن محمد
تولى يحى الخلافة بعهد من أبيه يحى بن محمد، وكانت أيامه أيام محن وفتن ومشاق، لم يستقم له الأمر لعدم استقامته وكان سبب عزله دخوله على جارية يهودية بارعة الجمال في الحمام يقال لها حنة راودها على نفسها فاستغاثت بالناس فتغير عليه أهل فاس فوثب عليه عبد الرحمن ابن أبي سهل الجزامي فأخرجه من فاس فهرب إلى عدوة الأندلسيين، فأشارت عليه زوجته عاتكة بنت علي بن عمر بن إدريس بالاختفاء ريثما تسكن الفتن فتوارى عن أنظار الناس فمات من ليلته أسفاً على ما صنع بنفسه وما وقع فيه من العار. (1)
__________
(1) 1. الإستقصاء 1/178 .(1/23)
خلافة على بن عمر بن إدريس
عندما انتهى أمر يحى بن يحى بموته على إثر فضيحته كتبت زوجته عاتكة بنت علي إلى أبيها صاحب الريف والسواحل تعلمه بالخبر وتطلب منه القدوم على فاس ومعها في ذلك وجوه الناس بفاس فجهز جيشا كثيفاً فاستولى به على فاس وانتزعها من يد عبد الرحمن الجزامي، واستقام له الأمر بها وفي جميع أنحاء المغرب حتى زحف عليه عبد الرزاق الصفري الخارجي الفهري فانهزم عليّ، بعد مقتلة عظيمة بينهما وفر إلى بلاد أوروبة.
فدخل عبد الرزاق مدينة فاس وملك عدوة الأندلس وأمتنع منه أهل عدوة القرويين إلى أن استقدموا يحى بن القاسم الزاهد.
خلافة يحى بن القاسم بن إدريس المثنى
لما فر علي بن عمر عن فاس واستولى عبد الرزاق الصفري على عدوة الأندلس بعث أهل فاس إلى يحى بن القاسم
{ العدام } فوصل إليها وولوه على أنفسهم فحارب عبد الرزاق الصفري حتى أخرجه من عدوة الأندلس، فلما استتب له الأمر على فاس خرج إلى قتال الصفرية فكانت له معهم جولات ووقائع كثيرة إلى أن اغتاله الربيع بن سليمان سنة [292] هـ .
خلافة يحى بن إدريس بن عمر بن إدريس
لما قتل يحى { العدام } ولي الأمر من بعده يحى بن إدريس بن عمر بن إدريس، وكان واسطة عقد البيت لإدريسي أعلاهم قدراً وأبعدهم ذكراً، وأكثرهم عدلاً وأغزرهم فضلاً وأوسعهم ملكاً، وكان فقيها حافظاً للحديث، ذا فصاحة وبيان، بطلاً شجاعاً، حازماً، ذا صلاح ودين وورع.
قال ابن خلدون : لم يبلغ أحد من الأدارسة مبلغه في الدولة والسلطان(2) إلى أن انهزم جمعه أمام مصالة بن حبوس الشيعي العبيدي، وهرب إلى المهدية ومات فيها سنة [307] هـ ، وهو جد الأشراف الغزافيين في الصحراء الكبرى حسب السلسلة التي بأيديهم.
خلافة الحسن الحجام بن محمد القاسم بن إدريس(1/24)
لما قبض مصالة بن حبوس الشيعي على يحى بن إدريس بن عمر استعمل على فاس ريحان الكتامي وعاد إلى القيروان وحكمها خلال ثلاثة أشهر ثم ثار عليه الحسن بن محمد القاسم بن إدريس المعروف بالحجام، وإنما سمي حجاماً لأنه كان بينه وبين عمه أحمد بن القاسم بن إدريس حرب فحمل على فارس من أصحاب عمه فطعنه في موضع المحاجم ثم فعل ذلك بثان وثالث، فقال عمه : إن ابن أخي حجام، فلزمه ذلك اللقب وفي ذلك يقول بعضهم :
وسُميتَ حجاماً ولَسْتَ بحاجم ... ولكن لِطعْنٍ في مكان المحاجمِ(1/25)
وأجتمع الناس على بيعة الحجام بعد نفيه وقيل قتله لريحان ودخل في طاعته أكثر قبائل البربر بالمغرب إلى أن خرج سنة [311]هـ لقتال موسى ابن أبى العافية البربري الذي جعله مصالة بن حبوس عندما استولى على فاس عاملاً على بعض نواحي المغرب، فاقتتل الفريقان قتالاً عنيفاً كانت العاقبة فيه لموسى بعدما قتل من جيشه الفان وثلاثمائة وعاد الحجام إلى فاس وحده، وترك عسكره خارج المدينة فغدر به عامله على فاس : حامد بن حمدان الهمداني فدخل عليه داره وقيده، وأخذه سجيناً لديه، واغلق المدينة في وجه ضد الحجام، واستدعى موسى ابن أبي العافية إلى فاس، فطالب حامد بإحضار الحجام وقتله بولده : منهل الذي مات في المعركة الأولى بين أبي العافية والحجام فامتنع حامد من إحضاره حيث إنه ندم على فعلته وكره المجاهرة بسفك دماء آل البيت، ولما جن الليل فك قيود الحجام وأرسله فنزل الحسن الحجام من السور وسقط وانكسرت ساقه واختفى إلى أن مات في عدوة الأندلوسيين بعد ثلاث ليال سنة [313] هـ وانقرضت دولة آل إدريس من فاس وأعمالها من ذلك التاريخ، وأقاموا دولة أخرى بالريف غير أنهم لم يستقلوا بها كما كانوا مستقلين بفاس وتوابعها، وإنما كانوا تحت نظر المتغلب على بلاد المغرب، إما الشيعة العبيديون أصحاب أفريقية وإما المروانيون أصحاب الأندلس، لأن الأدارسة بين دولتين عظيمتين دولة العبيديين بالشرق في إفريقية ودولة الأمويين في الغرب بالأندلس وبينهما جولات وصولات لأجل الحكم على المغرب.
الدولة الثانية للادراسة ببلاد الريف(1/26)
قد قدمنا أن بنى إدريس المثنى قد قسم بينهم أخوهم محمد أعمال المغرب بعد وفاة أبيهم إدريس المثنى بمشورة جدتهم كنزة وأن بلاد الريف منها كانت في سهم عمر بن إدريس، وأنه قاتل أخويه عيسى والقاسم، وأضاف أعمالهم إلى عمله، فبقيت بلاد الريف بيد عمر وبنيه من بعده يتوارثونها خلفاً عن سلف فلما انتهت دولة الأدارسة بفاس على يد موسى بن أبي العافية إنحاز الأدارسة بفاس إلى بنى عمهم ببلاد الريف وتحصنوا بقلعة حجر النسر، ولما فر ابن أبى العافية إلى الصحراء أمام القائد ميسور الخصي من أفريقية عاد الأمر إلى آل إدريس فتولى الأمر منهم : القاسم كنون بن محمد بن القاسم بن إدريس فملك أكثر المغرب إلا فاس إلى أن مات سنة [337] هـ .
وتولى الأمر بعده : ابنه أحمد ابو العيش بن القاسم كنون وكان فقيها ورعاً حافظاً للسير عارفاً بأخبار الملوك وأيام الناس وأنساب قبائل العرب والبربر شجاعاً جواداً، وكان يعرف في بنى إدريس بأحمد الفاضل، وكان مائلاً إلى بنى مروان، ولذلك قطع دعوة العبيديين، وبايع لعبد الرحمن الناصر الأموي صاحب الأندلس، وخرج إلى الأندلس للجهاد في سبيل الله إلى أن مات شهيداً في جهاد الفرنج سنة [348] هـ .
ولاية الحسن بن كنون(1/27)
لما خرج أبو العيش إلى الأندلس للجهاد استخلف على عمله أخاه الحسن بن كنون إلى أن خرج مع غالب الأموي بعشيرته إلى الأندلس سنة [363] هـ بعد استرجاع غالب للمغرب من يد العبيديين، فكتب غالب الأموي إلى الحكم المستنصر بالله الخليفة الأموي بقرطبة فأخبره بقدوم الحسن وعشيرته فأمر الحكم الناس بالخروج للقائم وركب هو بنفسه في جمع عظيم من وجوه دولته فتلقاهم بدخولهم قرطبة فاتح محرم سنة أربع وستين وثلاثمائة، وقام الحسن بقرطبة مكرماً إلى أن طلب الحكم من حسن كنون قطعة عنبر غريبة الشكل كبيرة الحجم ظفر بها الحسن في بعض سواحل بلاد العدوة أيام حكمه لها فامتنع من ذلك فنكبه الحكم عليها وسلبه جميع أمواله وسلبه القطعة أيضاً فبقيت في خزانة الأمويين إلى أن غلب الحموديون الأدراسة على ملك الأندلس فوجد وها في خزانة الأمويين بقرطبة ورجعت إلى أصحابها وأمر الحكم بالحسن وأهله فأخرجوا من الأندلس إلى المشرق فركبوا البحر حتى نزلوا بمصر على العزيز بالله نزار بن المعز العبيدي فأكرمهم وبالغ في ذلك ووعدهم باسترداد أملاكهم بالمغرب إليهم ونصرهم على أعدائهم.(1/28)
وفي سنة [373] هـ كتب العزيز بالله للحسين كتاباً إلى عامله على أفريقية بلكين بن زيري الصنهاجي يأمره بإرسال جيش كثيف مع الحسن بن كنون ليسترد به المغرب من طاعة الأمويين فوصل الخطاب إلى بلكين وأعطى الحسن عسكراً قوامه [3000] جندي واقتحم بهم بلاد المغرب، فسارعت إليه قبائل البربر بالطاعة والتأييد، وانتهى الخبر إلى المنصور حاجب المؤيد بالله الأموي فبعث إليه وزيره أبا الحكم عمرو بن عبد الله المعروف بعسكلاجة في جيش كثيف لا طاقة للحسن به، فطلب الأمان على أن يسير بنفسه إلى الأندلس كمثل حالته الأولى فأعطاه الوزير أبو الحكم الأمان وكتب إلى ابن عمه المنصور بذلك، فأمر المنصور بتعجيله إليه، ولما انتهى الخبر إلى المنصور بوصول الحسن إلى قرطبة أرسل إليه من يقتله فأتاه برأسه، وذلك في جمادى الأولى سنة [375] هـ ، وبقتله انتهت دولة آل إدريس بالمغرب، وتفرق جمعهم، وانصهروا في قبائل المغرب ولاذوا بالاختفاء إلى أن خلعوا شارة ذلك النسب الشريف خوفاً على أنفسهم من بطش الولاة، واستحالت صبغتهم منه إلى البداوة.
وكانت مدة خلافة الأدارسة من يوم بويع إدريس بن عبد الله الأكبر [172] هـ إلى مقتل الحسن بن كنون [375] هـ [203] سنة، وكان عملهم بالمغرب من السوس الأقصى إلى مدينة وهران وقاعدة ملكم فاس ثم البصرة، وكانوا يكابدون دولتين عظيمتين : دولة العبيديين بأفريقية ودولة الأمويين في الأندلس. (3)
دولة الأدارسة الحموديين بالأندلس(1/29)
عندما أشرفت دولة بنى أمية بالأندلس على الانقراض عام [407]هـ كان بالأندلس رجلان من آل إدريس دخلاها في جملة البربر وهما : على والقاسم ابنى حمود بن ميمون بن أحمد بن على بن عبيد الله بن عمر بن إدريس المثنى بن إدريس الأول، فطار لهما ذكر في الشجاعة ولإقدام، وترقت بهما الأحوال حتى ورثا خلافة الأندلس من يد الأمويين، وانقطعت دولتهم الأولى بتغلب باديس بن حبوس بن ماكس في سنة [447] هـ على محمد بن إدريس المسمى بالمستعلي، وفي عام [459] هـ استدعى قوم من البربر يقال لهم بنو ورتدي الشريف السابق محمد بن إدريس من مدينة مليلة، وهو مستقر بها، ولكن لا يعرف مكانه لخمول ذكره فلبى طلبهم وعبر إليهم في قرطبة في شوال من ذلك العام، وظل حاكماً على الأندلس إلى أن تم استيلاء الملثمين على المغرب والأندلس عام [464] هـ برئاسة يوسف بن تاشفين بعد موت سلفه ابى بكر بن عمر. (4)
انتشار ذرية عمر بن إدريس المثنى في قبائل البربر
عمر بن إدريس هذا هو جد الأشراف الغزافيين في الصحراء الكبرى حسب السلسلة النسبية التي بأيديهم يتداولونها صاغر عن كابر بينهم، كما سيأتي قريبا في سلسلة نسب الغزافيين.
وقد خلف أربعة أولاد ذكور وهم :
محمد .. لم أقف له على عقب.
علي، وقد أعقب اثني عشر ولداً ذكراً وابنة واحدة هي : عاتكة وهي امرأة يحى بن يحى بن محمد بن إدريس، وأكثر عقب هؤلاء الأبناء الأثني عشر في أوربا، ومدينة فاس، وكتامة.
عبيد الله، وقد عقب ستة من الولد هم : 1ـ حمزة وله عقب كثير ببلد غمارة وزناته . 2ـ القاسم عقبه كثير أيضا ببلد زناتة. 3ـ أبو العيش وله حمود وهو جد الحموديين الذين أقاموا دولة الأدارسة بالأندلس على أنقاض الدولة الأموية عام [407]هـ ، ويحى، ولهما عقب بتازاغردا، وقرطبة. 4ـ علي، ومن ذريته جنون وله عقب بكورة الجزيرة. 5ـ إبراهيم وله عقب بقلعة حجر النسر، وزناتة. 6ـ محمد الشهيد، وعقبه في زناتة.(1/30)
إدريس وهو جد الأشراف الغزافيين في الصحراء الكبرى، أعقب خمسة من الذكور، ولهم عقب كثير في بلاد الريف والبادية (5) أربعة منهم لم تذكر لهم التفاصيل التي ذكرت لبني عمهم لتوغلهم في الصحراء والبادية وتغييرهم لأسمائهم إلى ألقاب تزيد في التعمية عنهم فراراً وحماية لأنفسهم من تعقب الولاة والسلاطين لهم، أما الخامس وهو يحى بن إدريس فهو المذكور في صفحة [35]، قال ابن خلدون عنه : لم يبلغ أحد من الأدارسة مبلغه في الدولة والسلطان.(6) والمظنون أن ذريته سلكت مسلك أبناء أعمامهم في اختيار الصحراء والتعمية والاختفاء عن أنظار الولاة والسلاطين.
نبذة عن الأشراف السعديين بالمغرب
اعلم أن بالمغرب أشرافاً غير الأدارسة من نسل محمد { النفس الزكية } وقالوا إن أصلهم خرج إلى المغرب من ينبع النخل.
ويقولون ان أول ملوكهم بالمغرب : القائم بأمر الله مثلا هو : محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن علي بن مخلوف بن زيدان بن أحمد بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن أبي محمد بن عرفة بن الحسن بن أبي بكر بن علي بن حسن بن أحمد بن إسماعيل بن قاسم بن محمد النفس الزكية بن عبد الله الكامل بن حسن المثنى بن حسن السبط بن علي بن أبي طالب، فهم بنو عم السادة العلويين أشراف سجلماسة يجتمعون معهم في محمد بن أبي القاسم المذكور في النسب.
قيل إن السبب في قدوم سلفهم من الحجاز إلى المغرب، أن أهل درعة كانت لا تصلح ثمارهم وتعتريها العاهات كثيراً فقيل لهم : لو أتيتم بشريف إلى بلادكم كما أتى أهل سجلماسة بالشريف حسن بن قاسم بن محمد بن أبى القاسم من أرض ينبع لصلحت ثماركم، فأتى أهل درعة بالشريف زيدان بن أحمد، مضاهاة لأهل سجلماسة فصلحت ثمارهم . (7) وهذه من العقائد الخرافية السائدة في تلك العصور.
الأشراف السجلماسيون العلويون(1/31)
قال أبو العباس الناصري : اعلم أن نسب هذه الدولة الشريفة العلوية من أصرح الأنساب وسببها المتصل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أمثل الأسباب، وأول ملوكها هو المولى : محمد بن الشريف بن علي الشريف المراكشي بن محمد بن علي بن يوسف بن على الشريف السجلماسي بن الحسن بن محمد بن حسن الداخل بن قاسم بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن أبي محمد بن عرفة بن الحسن بن أبي بكر بن علي بن الحسن بن احمد بن إسماعيل بن قاسم { بن الحسن بن محمد بن عبد الله الأشتر } بن محمد { النفس الزكية } بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبى طالب .. وقالوا إن أصل سلف هؤلاء السادة رضي الله عنهم من ينبع النخل من أرض الحجاز، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد اقطع جدهم علي بن أبي طالب أرض ينبع فاستقرت فيه ذريته، وتناسلت إلى القرن السابع الهجري، وكان أول من دخل المغرب الشريف حسن بن قاسم في آخر المائة السابعة. وسبب دخوله المغرب أن حجاج المغرب يتواردون على الأشراف هناك، وفي المدة التي خرج منها جدهم، كان شيخ حجاج المغرب أبو إبراهيم السجلماسي فلما حج اجتمع بالموسم بالشريف حسن بن قاسم الداخل أخذ يمدح له المغرب ويحبذ له سكناه، ويصف له حب أهل سجلماسة لآل البيت حتى استماله، فأجمع السير مع الركب، وقدم سجلماسة فاستوطنها. (8)
ذكر سلسلة نسب الغزافيين(1/32)
إن المتوارث لدى الغزافيين وغيرهم من ساكني تلك المناطق ابيضهم وأسودهم، والمشهور المستفاض بل المتواتر ان نسب القبيلة المشهورة عندهم بالغزافيين يرجع إلى إدريس بن عمر بن إدريس المثنى بن إدريس الأول بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب، حتى إن كثيراً من المخرفين يعتقدون فيهم اعتقادات فاسدة كظنهم الاستجابة لدعائهم فيأتون إليهم لطلب الاستسقاء وللدعاء للضالة وصلاح الذرية ونحو ذلك، وأنهم لا تكتب عليهم الذنوب ولا يؤاخذون بما يقولون، وأن آماكنهم في الجنة جاهزة مفروشة لأنهم أحفاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولذا تجد ألسنة بعضهم مطلقة العنان يتكلمون بالنكت والهزل، وغيرهم يضحك ولا يلقون لما يقولون بالاً، غير أن غالبهم يتحاشى سفاسف القول والنميمة وكلما يسبب الفتن بين الناس، وهم مشهورون بالكرم والضيافة وبذل ما باليد، ولديهم سلسلة يتناقلها الأصاغر عن الأكابر جيلاً بعد جيل.
ولقد وقع اختياري على سلسلة موجودة عند غيرهم من القبائل التي تجتمع مع الغزافيين في الأجداد بعد جد الغزافيين الجامع لجميع قبائلهم وأفخاذهم والذي من لم ينته نسبه إليه لا يسمى غزافياً، ولا يمنع ذلك أن يكون شريفاً إذ المقصود هنا تحديد الأشراف الغزافيين فقط الذين يحملون هذا اللقب دون نفي نسب غيرهم .. أعوذ بالله أن يصدر ذلك مني فأكون منكراً للحقائق البينة دون دليل صحيح مقنع .. فأبناء { منا } المالكون لبئر أغزاف في الصحراء الكبرى هم الغزافيون نسبة إلى ذلك البئر دون غيرهم، وعرضت السلسلة المذكورة على التي لدىّ ولدى كثير من الغزافيين فوجدت بينها اتفاقا في الجملة خلا مواطن يسيرة كان سبب اختلافها في ظني اعتماد بعضهم الأسماء، وبعضهم الألقاب.(1/33)
وأبدا تلك السلسلة النسبية بأبي رحمه الله : الصادق بن حوّ بن أحمد بن هقي بن ابّابا بن بلّ { أنمغر } بن محمد { ابّا } بن منا .. وهو الجد الجامع لأفخاذ الأشراف الغزافيين جميعاً .. بن إدَّ بن محمد { آمد } بن تاندسان بن عثمان بن عمار بن الشافعي بن الصالح بن موسان بن محمد المختار { آيت } وكان المشهور لدى كبار الأسرة أنه الملتقى مع قبيلة { إفوغاس } حيث انه جدهم أيضاً كما في سلسلتهم، ثم إني وقفت بعد ذلك على كتاب : الطوارق عرب الصحراء للدكتور/ محمد سعيد القشاط وفيه ما نصه : { إفوغاس ومعناها : ( أشعل النار ) هذه القبيلة جاء جدها الكبير محمد المختار من المغرب وهو عربي ينتمي إلى الحسن ابن علي، وصل إلى منطقة الصحراء حيث استقر بها وتزوج طارقية } . (9) وهو ابن إبراهيم ابن داود ابن محمد ابن عبد الرحمن ابن عبد السلام، وقد ذكر لي ابن عمي أحمد مصطفى الذي كان يقيم بالجزائر أن عبد السلام هذا مدفون حول قرية برج المختار القديمة على حدود الجزائر مع مالي، وهو ابن عبد الجبار، وذكر لي أيضاً أن عبد الجبار هذا قبره معروف حتى اليوم في : بودا العين بالجزائر وله بها أوقاف زراعية وعيون ماء أجراها وهو من الشهرة بمكان ولا يزال قبره هناك يزار. وهو ابن تميم ابن هرمز ابن حاتم ابن داود بن محمد ابن يوشع ابن ورد ابن علي المكنى { ببطل } ابن احمد بن محمد ابن عيسى ابن يحى، ولي الخلافة في المغرب بعد مقتل العدام سنة [292] هـ إلى أن انهزم أمام مصالة بن حبوس الموالي للعبيديين وهرب للمهدية وتوفي فيها عام [307] هـ ..راجع ص [35].. ابن إدريس الثالث ابن عمر ابن إدريس المثنى ابن إدريس الأكبر ابن عبد الله الكامل ابن الحسن المثنى ابن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
مراجع البحث
( 1 )
تاريخ ابن خلدون. للعلامة عبد الرحمن بن خلدون المغربي، من منشورات دار الكتاب للطباعة والنشر.
( 2 )(1/34)
المسالك والممالك. لأبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد بن أيوب بن عمرو البكري نسبة إلى بكر بن وائل الأندلسي ، الدار العربية للكتاب _ تونس.
( 3 )
الاستقصاء لأخبار المغرب الأقصى. للشيخ أبي العباس أحمد بن خالد الناصري، نشر دار الكتاب _ الدار البيضاء.
( 4 )
تاريخ الخلفاء. للإمام جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى [911] هـ ، نشر مطبعة المدني بالقاهرة.
( 5 )
البداية والنهاية في التاريخ. للإمام الحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الفقيه الشافعي المتوفى سنة [744] هـ ، مطبعة الفجالة الجديدة _ القاهرة.
( 6 )
اتحاف الورى باخبار أم القرى. للنجم عمر بن فهد، طبعة جامعة أم القرى [1408] هـ .
( 7 )
عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب. لإبن عنبة المتوفى سنة [828] هـ الناشر مكتبة المعارف _ بالطائف _ مطابع دار الشعب بالقاهرة.(1/35)